المجلد الأول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فقه من أراد به خيرا في الدين وشرع أحكام الحلال والحرام في كتابه المبين وأعز العلم ورفع أهله العاملين به المتقين أحمده حمدا يفوق حمد الحامدين وأشكره على نعمه التي لا تحصى وإياه استعين وأستغفره وأتوب إليه إن الله يحب التوابين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين وأشهد أن محمد عبده ورسوله الذي مهد قواعد الشرع وبينها أحسن تبيين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: فهذا كتاب في الفقه على مذهب إمام الأئمة ومجلي دجى المشكلات المدلهمة الزاهد الرباني والصديق الثاني أبى عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس ماواه اجتهدت في تحرير نقوله واختصارها لعدم تطويله مجردا غالبا عن دليله وتعليله على قول واحد وهو مارجحه أهل الترجيح منهم العلامة القاضي علاء الدين في كتبه الإنصاف وتصحيح الفروع والتنقيح وربما ذكرت بعض الخلاف لقوته وربما عزوت حكما إلى قائله خروجا من تبعته وربما أطلقت الخلاف لعدم مصحح ومرادي(1/2)
بالشيخ شيخ الإسلام بحر العلوم أبو العباس أحمد بن تيمية وعلى الله أعتمد ومنه المعونة أستمد هو ربى لا إله إلا هو عليه توكلت واليه متاب.(1/3)
كتاب الطهارة
مدخل
مدخل
...
كتاب الطهارة:
وهى ارتفاع الحدث وما في معناه1 وزوال النجس أو ارتفاع حكم ذلك.
أقسام الماء ثلاثة: طهور بمعنى المطهر لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارىء غيره وهو الباقي على خلقته حقيقة أو حكما ومنه ماء البحر وما استهلك فيه مائع طاهر أو ماء مستعمل يسير: فتصح الطهارة به ولو كان الماء الطهور لا يكفى لها قبل الخلط ومنه مشمس ومتروح بريح ميتة إلى جانبه ومسخن بطاهر ومتغير بمكثه أو بطاهر يشق صون الماء عنه كنابت فيه وورق شجر وطحلب وسمك ونحوه من دواب البحر وجراده ونحوه مما لا نفس له سائلة وآنية أدم ونحاس ونحوه ومقر وممر فكله غير مكروه كماء الحمام وان غيره غير ممازج كدهن وقطران وزفت وشمع وقطع كافور وعود قماري وعنبر إذا لم يستهلك في الماء ولم يتحلل فيه أو ملح مائي أو سخن بمغصوب أو اشتد حره أو برده فطهور مكروه وكذا مسخن بنجاسة إن لم يحتج
__________
1 يشير بهذا إلى ما حصل بغسل الميت ووضوء المستحاضة والأغسال المستحبة وتكرار الغسلات في الطهارة.(1/3)
إليه ويكره إيقاد النجس وماء بئر في مقبرة وماء بئر في موضع غصب أو حفرها أو أجرته غصب وما ظن تنجيسه واستعمال ماء زمزم في إزالة النجس فقط ولا يكره ما جرى على الكعبة في ظاهر كلامهم فهذا كله يرفع الأحداث: جمع حدث ـ وهو ما اوجب وضوء أو غسلا ـ إلا حدث رجل وخنثى بماء خلت به امرأة ويأتي.
والحدث ليس نجاسة بل معنى يقوم بالبدن تمنع معه الصلاة والطواف والمحدث ليس نجسا فلا تفسد الصلاة بحمله وهو من لزمه للصلاة ونحوها وضوء أو غسل أو تيمم لعذر.
والطاهر ضد النجس والمحدث ويزيل الأنجاس الطارئة1 ـ جمع نجس وهو كل عين حرم تناولها مع إمكانه لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولا لضرر بها في بدن أو عقل قاله في المطلع ـ وهى النجاسة العينية ولا تطهر بحال وإذا طرأت النجاسة على محل طاهر فنجسته ولا بانقلاب بنفسه كعصير تخمر فمتنجس ونجاسته حكمية يمكن تطهيرها ويأتي ولا يباح ماء آبار ثمود غير بئر الناقة ـ قال الشيخ تقي الدين: وهى البئر الكبيرة التي يزدها الحجاج في هذه الأزمنة انتهى ـ فظاهره لا تصح الطهارة به كماء مغصوب أو ثمنه المعين حرام فيتيمم معه لعدم غيره يكره ماء بئر ذروان وبرهوت2.
__________
1 معطوف على قوله: يرفع الأحداث.
2 الأولى بالمدينة وهي التي ألقى فيها سحر النبي صلى الله عليه وسلم والثانية بحضرموت للحديث.(1/4)
فصل في الماء الطاهر
...
فصل الثاني طاهر:
كماء ورد ونحوه وطهور خالطه طاهر فغيره في غير محل التطهير ـ وفى محله طهور ـ أو غلت على أجزائه أو طبخ فيه فغيره أو وضع فيه ما يشق صونه عنه قصدا أو ملح معدني فغيره لأنه ليس بماء مطلق ولو حلف لا يشرب ماء فشربه لم يحنث ولو وكله في شراء ماء فاشتراه لم يلزم الموكل ويسلبه الطهورية إذا خلط يسيره بمستعمل ونحوه بحيث لو خالفه في الصفة غيره ولو بلغا قلتين ـ ويقدر المخالف بالوسط: قال ابن عقيل: يقدر خلا ـ أو كانا مستعملين فبلغا قلتين أو غير أحد أوصافه لونه أو طعمه أو ريحه أو كثيرا من صفة لا يسيرا منها ولو في غير الرائحة ولا بتراب ولو وضع قصدا مالم يصر طينا فان صفى من التراب فطهور ولا بما ذكر في أقسام الطهور1 ويسلبه استعماله في رفع حدث وغسل ميت إن كان يسيرا لا كثيرا وان غسل رأسه بدلا عن مسحه أو استعمل في طهارة مستحبة كالتجديد وغسل الجمعة والغسلة الثانية والثالثة أو في غسل ذمية لحيض ونفاس وجنابة فطهور مكروه2 وان استعمل في غير مستحبة كالغسلة الرابعة في الوضوء والغسل والثامنة في إزالة النجاسة والتبرد والتنظيف ونحو ذلك فطهور غير مكروه ولو اشترى ماء فبان قد توضأ به فعيب3 لاستقذاره عرفا ويسلبه إذا غمس غير صغير ومجنون وكافر يده كلها لا عضوا من أعضائه غيرها ـ واختار
__________
1 يريد: لا يخرج الماء عن الطهورية إلى الطهارة بسبب مما ذكر في الكلام على الطهور كتغيره أو ميتته الخ.
2 إنما بقى طهورا لعدم رفعه الحدث والقول بالكراهة ضعيف.
3 يثبت به الخيار.(1/5)
جمع أن غمس بعضها كغمس كلها في ماء يسير ـ أو حصل فيها كلها من غير غمس ولو باتت مكتوفة أو في جراب ونحوه قائم1 من نوم ليل ناقض لوضوء قبل غسلها ثلاثا كاملة بعدنية غسلها أو قبلها لكن إن لم يجد غيره استعمله فينوى رفع الحدث ثم يتيمم ويجوز استعماله في شرب وغيره ولا يؤثر غمسها في مائع غير الماء ولو استيقظ محبوس من نومه فلم يدر أهو من نوم ليل أم نهار لم يلزمه غسل يديه ولو كان الماء في إناء لا يقدر على الصب منه بل على الاغتراف وليس عنده ما يغترف به ويداه نجستان فانه يأخذ الماء بفيه ويصب على يديه نصا أو يبل ثوبا أو غيره فيه ويصبه على يديه وان لم يمكنه تيمم وتركه وان نوى جنب ونحوه بانغماسه كله أو بعضه في ماء قيل راكد أو جار رفع حدثه لم يرتفع وصار مستعملا بأول جزء انفصل كالمتردد على المحل وكذا نيته بعد غمسه ولا أثر لغمسه بلا نية رفع حدث كمن نوى التبرد أو إزالة الغبار أو الاغتراف أو فعله عبثا وإن كان الماء الراكد كثيرا كره أن يغتسل فيه2 ويرتفع حدثه قبل انفصاله عنه ويسلبه الطهورية اغترافه بيده أو فمه أو وضع رجله أو غيرها في قليل بعد نية غسل واجب ولو اغترف المتوضئ بيده بعد غسل وجهه من قليل ونوى رفع الحدث عنها فيه سلبه الطهورية
__________
1 صفة لغير صغير.
2 أخذ المصنف ووافقه شارحه في ذلك بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الراكد وهو جنب" والنهي يقتضي الفساد وهو ظاهر في الماء القليل وفي جانب الكثير للتنزيه.(1/6)
كالجنب وان لم ينو غسلها فيه فطهور لمشقة تكرره1 ويصير الماء في الطهارتين مستعملا بانتقاله من عضو إلى آخر بعد زوال اتصاله لا بتردده على الأعضاء المتصلة وان غسلت به نجاسة فانفصل متغيرا بها أو قيل زوالها وهو يسير فنجس وان انفصل غير متغير بعد زوالها عن محل طهر أرضا كان أو غيرها فطهور إن كان قلتين ولا فطاهر وان خلت امرأة ولو كافرة لا مميزة أو خنثى مشكل بماء لا بتراب تيممت به دون قلتين لطهارة كاملة عن حدث لا خبث وشرب وطهر مستحب فطهور ولا يرفع حدث رجل وخنثى مشكل تعبدا ولها ولامرأة أخرى ولصبى الطهارة به من حدث وخبث ولرجل الطهارة من خبث بما خلا به وتزول الخلوة إذا شاهدها عند الاستعمال أو شاركها فيه زوجها أو من تزول به خلوة النكاح من رجل أو امرأة أو مميز ولو كان المشاهد كافي وتأتي ولا يكره أن يتوضأ الرجل وامرأته أو يغتسلا من إناء واحد وجميع المياه المعتصرة من النباتات الطاهرة وكل طاهر يجوز شربه والطبخ به والعجن ونحوه ولا يصح استعماله في رفع الحدث وإزالة النجس ولا في طهارة مندوبة والماء النجس لا يجوز استعماله بحال إلا لضرورة لقمة غص بها وليس عنده طهور ولا طاهر أو لعطش معصوم من آدمي أو بهيمة سواء كانت تؤكل أو لا ولكن لا تحلب قريبا أو لطفي حريق متلف ويجوز
__________
1 لمشقة تكرر الوضوء اعتبرت النية وعدمها في سلب الطهورية بوضع اليد وأما الجنب فيسلب وضعه اليد مطلقا ما لم ينو الاغتراف.(1/7)
بل التراب به وجعله طينا يطين به مالا يصلى عليه ومتى تغير الماء بطاهر ثم زال تغيره عادت طهوريته فان تغير به بعضه فما لم يتغير طهور.(1/8)
فصل الماء النجس
...
فصل الثالث نجس:
وهو ما تغير بنجاسة في غير محل التطهير وفى محله طهور إن كان واردا1 فان تغير بعضه فالمتغير نجس وما لم يتغير منه فطهور إن كان كثيرا وله استعماله ولو مع قيام النجاسة فيه وبينه وبينها قليل وإلا فنجس فان لم يتغير الماء الذي خالطته النجاسة وهو يسير فنجس ولو كانت النجاسة لا يدركها الطرف مضى زمن تسرى فيه أم لا وما انتضح من قليل لسقوطها فيه نجس والماء الجاري كالراكد إن بلغ مجموعة قلتين دفع النجاسة إن لم تغيره فلا اعتبار بالجرية فلو غمس الإناء في ماء جار فهي غسلة واحدة ولو مر عليه جريات وكذلك لو كان ثوبا ونحوه وعصره عقب كل جرية ولوا انغمس فيه المحدث حدثا أصغر للوضوء لم يرتفع حدثه حتى يخرج مرتبا نصا كالراكد ولو مر عليه أربع جريات ولو حلف لا يقف فيه فوقف حنث وينجس كل مائع كزيت وسمن ولبن وكل طاهر كماء ورد ونحوه بملاقاة نجاسة لو معفوا عنها وإن كان كثيرا وإن وقعت في مستعمل في رفع حدث أو في طاهر غيره من الماء لم ينجس كثيرها بدون تغير كالطهور إلا أن تكون النجاسة بول آدمي أو عذرته المائعة أو الرطبة أو يابسة فذابت نصا وأمكن نزحه بلا مشقة
__________
1 يريد: إن كان قليلا واردا على الموضع المراد تطهيره فلا يعتبر نجسا إلا بالانفصال بخلاف ما إذا ورد الموضع على الماء فإنه ينجسه بالملاقاة ولا يطهر به الموضع.(1/8)
فينجس وعنه لا ينجس وعليه جماهير المتأخرين وهو المذهب عندهم وإذا انضم حسب الإمكان عرفا ولو لم يتصل الصب إلى ماء نجس ماء طهور كثير أو جرى إليه من ساقية أو نبع فيه طهره أي صار طهوران إن لم يبق فيه تغير ـ إن كان متنجسا بغير بول آدمي أو عذرته ـ وإن كان بأحدهما ولم يتغير فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه وان تغير وكان ما يشق نزحه فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه مع زوال التغير أو بنزح يبقى بعده ما يشق نزحه أو بزوال تغيره بمكثه وإن كان مما لا يشق نزحه فبإضافة ما يشق نزحه عرفا كمصانع طريق مكة مع زوال تغيره إن كان والمنزوح طهور ما لم يكن متغيرا أو تكن عين النجاسة فيه ولا يجب غسل جوانب بئر نزحت ولا أرضها وإن كان الماء النجس كثيرا فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقى بعده كثير صار طهور إن كان متنجسا بغير البول والعذرة على ما تقدم ولم يكن مجتمعا من متنجس كل ماء دون قلتين كاجتماع قلة نجسة إلى مثلها فإن كان فنجس وككمالهما ببول أو نجاسة أخرى وكذا إن اجتمع من نجس وطهور وطاهر قلتان ولا تغير فكله نجس وتطهيره في هذه الصورة هو وماء كوثر بماء يسير بالإضافة فقط وان كوثر بماء يسير أو كان كثيرا فأضيف إليه ذلك أو غير الماء لم يطهر.(1/9)
فصل في ضابط الماء الكثير
...
فصل والكثير قلتان فصاعدا:
واليسير دونهما وهما خمسمائة رطل عراقي تقريبا فيعفى عن نقص يسير كرطل أو رطلين وأربعمائة وستة وأربعون رطلا وثلاثة أسباع رطل مصري وما وافقه من البلدان ومائة وسبعة أرطال وسبع رطل دمشقي وما وافقه وتسعة وثمانون رطلا(1/9)
وسبعا رطل حلبي وما وافقه وثمانون رطلا وسبعا رطل ونصف سبع رطل قدسي وما وافقه وأحد وسبعون رطلا وثلاثة أسباع رطل بعلي وما وافقه ومساحتهما مربعا ذراع وربع طولا وذراع وربع عرضا وذراع وربع عمقا ومدور ذراع طولا وذراعان ونصف عمقا والمراد ذراع اليد والرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وهو سبع القدسي وثمن سبعه وسبع الحلبي وربع سبعه وسبع الدمشقي ونصف سبعه وستة أسباع المصري وربع سبعه وسبع البعلي وهو بالمثاقيل تسعون مثقالا ومجموع القلتين بالدراهم أربعة وستون ألفا ومائتان وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم فإذا أردت معرفة القلتين بأي رطل فاعرف عدد دراهمه ثم اطرحه من دراهم القلتين مرة بعد أخرى حتى لا يبقى منها شيء وأحفظ الأرطال المطروحة فما كان فهو مقدار القلتين بالرطل الذي طرحت به وان بقى أقل من رطل فانسبه منه ثم اجمعه إلى المحفوظ.(1/10)
فصل وإن شك في نجاسة ماء أو غيره:
ولو مع تغير أو طهارته بنى على أصله ولا يلزمه السؤال ويلزم من علم النجس أعلام من أراد استعماله إن شرطت إزالتها للصلاة وان احتمل تغير الماء بشيء فيه من نجس أو غيره عمل به وان احتملها فهو طاهر وان أخبره عدل مكلف ولو امرأة وقنا ولو مستور الحال أو ضريرا لان للضرير طريقا إلى العلم بذلك بالخبر والحس لا كافر وفاسق ومجنون وغير بالغ بنجاسة قبل أن عين السبب فان اخبره أن كلبا ولغ في هذا الإناء ولم يلغ في هذا وقال: آخر(1/10)
لم يلغ في الأول وإنما ولغ في الثاني قبل قول كل واحد منهما في الإثبات دون النفي ووجب اجتنابها لأنه يمكن صدقهما لكونهما في وقتين أو عينا كلبين وان عينا كلبا واحدا ووقتا لا يمكن شربه فيه منهما تعارضا وسقط قولهما ويباح استعمال كل واحد منهما فان قال احدهما شرب من هذا الإناء وقال الآخر: لم يشرب قدم قول المثبت إلا أن يكون لم يتحقق شربه مثل الضرير الذي يخبر عن حسه فيقدم قول البصير وان شك هل كان وضوؤه قبل نجاسة الماء أو بعدها لم يعد وان شك في كثرة ماء وقعت فيه نجاسة فهو نجس أو في نجاسة عظم فهو طاهر أو في روثة فطاهرة أو في جفاف نجاسة على ذباب أو غيره فيحكم بعدم الجفاف أو في ولوغا كلب أدخل رأسه في إناء ثم بفيه رطوبة فلا ينجس وان أصابه ماء ميزاب ولا إمارة كره سؤاله فلا يلزم جوابه وان اشتبه طهور بماح بنجس أو بمحرم لم يتحر ولو زاد عدد الطهور أو النجس غير بول ووجب الكف عنها ـ كميتة بمذكاة لا ميتة في لحم مصر أو قرية ـ ويتيمم من غير إعدامهما ولا خلطهما لكن إن أمكن تطهير أحدهما بالآخر لزم الخلط وان علم النجس بعد تيممه وصلاته فلا إعادة وان توضأ من أحدهما فبان أنه الطهور لو يصح وضوؤه1 ويلزم التحري لأكل وشرب ولا يلزمه غسل فمه بعده ولا يتحرى مع وجود غير مشتبه وان توضأ بماء ثم علم نجاسته أعاد ما صلاه حتى يتيقن براءته وما جرى من الماء على المقابر فطهور إن لم تكن نبشت وإن كانت قد تقلب ترابها فإن كانت أتت عليها الأمطار
__________
1 هذا مبني على اشتراط العلم بطهورية الماء وهو المعتمد.(1/11)
طهرت ـ قاله في النظم ـ وإلا فهو نجس إن تغير بها أو كان قليلا وان اشتبه طاهر بنجس غير الماء كالمائعات ونحوهما حرم التحري بلا ضرورة وان اشتبه طاهر بطهور لم يتحر وتوضأ منهما وضوءا واحدا من هذا غرفة ومن هذا غرفة تعم كل غرفة المحل ـ ولو كان عنده طهور بيقين ـ وصلى صلاة واحدة ولو توضأ من واحد فقط ثم بان أنه مصيب أعاد ولو احتاج إلى شرب تحرى وشرب الطاهر عنده وتوضأ بالطهور ثم تيمم معه احتياطا إن لم يجد طهورا غير مشتبه وان اشتبهت ثياب طاهرة مباحة بنجسة أو محرمة ولم يكن عنده ثوب طاهر أو مباح بيقين لم يتحر وصلى في كل ثوب صلاة واحدة بعدد النجسة أو المحرمة وزاد صلاة ينوى بكل صلاة الفرض وان جهل عددها صلى حتى يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر أو مباح وكذا حكم الأمكنة الضيقة ويصلى في فضاء واسع حيث شاء بلا تحر ولا تصح إمامة من اشتبهت عليه الثياب الطاهرة بالنجسة وان اشتبهت أخته بأجنبية أو أجنبيات لم يتحر للنكاح وكف عنهن وفى قبيلة كبيرة وبلدة كبيرة له النكاح من غير تحر ولا مدخل للتحري في العتق والطلاق.(1/12)
باب الآنية
وهى الأوعية كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله ولو كان ثمينا كجوهر ونحوه الأعظم آدمي وجلده وإناء مغصوبا وإناء ثمنه حرام وآنية ذهب وفضة بهما فيحرم على الذكر والأنثى ولو ميلا ومثله قنديل ومسعط ومجمرة ومدخنة وسرير وكرسي وخفان ونعلان ومشربة وملعقة(1/12)
وأبواب ورفوف قال أحمد: لا تعجبني الحلقة ونص أنها من الآنية ويحرم مموه ومطعم ومطلي ومكفت ونحوه منهم وتصح الطهارة منها وبها وفيها واليها بان يجعلها صبا لفضل طهارته فيقع فيها الماء المنفصل عن العضو ومن إناء مغصوب أو ثمنه حرام وفى مكان مغصوب إلا ضبة يسيرة عرفا من فضة لحاجة كتشعيب قدح وهى أن يتعلق بها غرض غير زينة ولو وجد غيرها وتباح مباشرتها لحاجة وبدونها تكره وثياب الكفار كلهم وأوانيهم طاهرة إن جهل حالها حتى ماولي عوراتهم كما لو علمت طهارتها وكذا ما صبغوه أو نسجوه وآنية مدمني الخمر ومن لابس النجاسة كثيرا وثيابهم وبدن الكافر ولو من لا تحل ذبيحته وطعامه وماؤه طاهر مباح وتصح الصلاة في ثياب المرضعة والحائض والصبي مع الكراهة ما لم تعلم تجاستها ولا يجب غسل الثوب المصبوغ في جب الصباغ مسلما كان أو كافرا نصا وان علمت نجاسته طهر بالغسل ولو بقى اللون ولا يطهر جلد ميتة نجس بموتها بدبغه ويجوز استعماله في يابس بعد دبغه لا في مائع قال ابن عقيل: ولم لم ينجس الماء بأن كان يسع قلتين فأكثر فيباح الدبغ ويحرم بيعه بعد الدبغ كقبله وعنه يطهر منها جلد ما كان طاهرا في الحياة ولو غير مأكول فيشترط غسله بعده ويحرم أكله لا بيعه ولا يطهر جلد ما كان نجسا في حياته بذكاة كلحمه فلا يحوز ذبحه لذلك ولا لغيره ولو في الترع ولا يحصل الدبغ بنجس ولا بغير منشف للرطوبة منق للخبث بحيث لو نقع الجلد بعده في الماء فسد ولا بتشميس ولا تتريب ولا بريح وجعل المصران وترادباغ(1/13)
وكذا الكرش ويحرم افتراش جلود السباع مع الحكم بنجاستها ويكره الحرز بشعر خنزير ويجب غسل ما خرز به رطبا ويباح منخل من شعر نجس في يابس ويكره الانتفاع بالنجاسات وجلد الثعلب كلحمه ولبن الميتة وإنفحتها وجلدتها وعظمها وقرنها وظفرها وعصبها وحافرها وأصول شعرها وريشها إذا نتف وهو رطب أو يابس نجس وصوف ميتة طاهرة في الحياة وشعرها ووبرها وريشها ولو غير ما كولة كهر ومادونها في الخلقة وعظم سمك ونحوه وباطن بيضة مأكول صلب قشرها طاهر ولو صلقت في نجاسة لم تحرم وما أبين من حي من قرن وإلية ونحوهما فهو كميتة ولا يجوز استعمال شعر الآدمي لحرمته وتصح الصلاة فيه لطهارته والمسك وجلدته ودون الطعام ولعاب الأطفال وما سال من فم عند نوم طاهر.(1/14)
باب الاستطابة وآداب التخلى
مدخل
...
باب الاستطابة وآداب التخلى
يسن أن يقول عند دخوله الخلاء بسم الله أللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ويكره دخوله بما فيه ذكر الله بلا حاجة لا دراهم ونحوها فلا بأس به نصا ومثلها حرز لكن يجعل فص خاتم في باطن كفه اليمنى ويحرم بمصحف إلا لحاجة ويستحب أن ينتعل ويقدم رجله اليسرى دخولا واليمنى خروجا في غير البنيان يقدم يسراه إلى موضع جلوسه ويمناه عند منصرفه مع ما تقدم ومثله حمام ومغتسل ونحوهما عكس مسجد ومنزل ونعل ونحوه وقميص ونحوه ويسن أن يعتمد على رجله اليسرى وينصب اليمنى ويغطى رأسه(1/14)
ولا يرفعه إلى السماء ويسن في فضاء بعده واستتاره عن ناظره وطلبه مكانا رخوا لبوله ولصق ذكره بصلب وأن يعد أحجار الاستجمار قبل جلوسه ويكره رفع ثوبه إن بال قاعدا قبل دنوه من الأرض بلا حاجة فإذا قام أسبله عليه قبل انتصابه واستقبال شمس وقمر ومهب ريح بلا حائل ومس فرجه بيميه في كل حال وكذا مس فرج أبيح له مسه واستجماره واستنجاؤه بها لغير ضرورة أو حاجة فإن كان استجماره من غائط أخذ الحجر بيساره فمسح به وإن كان من بول أمسك ذكره بشماله ومسحه على الحجر فإن كان الحجر صغيرا أمسكه بين عقبيه أو بين إبهامى قدميه ومسح عليه إن أمكنه وإلا أمسك الحجر بيمينه ومسح بيساره الذكر عليه وإن استطاب بها أجزأه وتباح المعونة بها في الماء ويكره بوله في شق وسرب ولو فم بالوعة وماء راكد وقليل جار في إناء بلا حاجة ونار لأنه يورث السقم ورماد وموضع صلب وفى مستحم غير مقير أو مبلط ثم أرسل عليه الماء قبل اغتساله فيه فلا باس ويكره أن يتوضأ أو يستنجى على موضع بوله أو أرض متنجسة لئلا يتنجس ويكره استقبال القبلة في فضاء باستنجاء أو استجمار وكلامه في الخلاء ولو سلاما أو رد سلام ويجب لتحذير معصوم عن هلكة كأعمى وغافل ويكره السلام عليه فان عطس أو سمع آذانا حمد الله وأجاب بقلبه وذكر الله فيه لا بقلبه وتحرم القراءة فيه وهو على جاجته ولبثه فوق حاجته وهو مضر عند الأطباء وكشف عورتة بلا حاجة وبوله وتغوطه في طريق مسلوك وتغوطه في ماء لا البحر ولاما أعد لذلك كالجاري في(1/15)
المطاهر ويحرم بوله وتغوطه على ما نهى عن استجمار به كروث وعظم وعلى ما يتصل بحيوان كذنبه ويده ورجله ويد المستجمر وعلى ماله حرمة كمطعوم وعلى قبور المسلمين وبينها ويأتي آخر الجنائز وعلى علف دابة وغيرها وظل نافع ومثله متشمس زمن الشتاء ومتحدث الناس وتحت شجرة عليها ثمرة مقصودة ومورد ماء واستقبال القبلة واستدبارها في فضاء لا بنيان ويكفى انحرافه وحائل ولو كمؤخرة رحل ويكفى الاستتار بدابة وجدار وجبل نحوه وإرخاء ذيله ولا يعتبر قربه منها كما لو كان في بيت وإلا فكسترة صلاة بحيث تستر أسافله ولا يكره البول قائما ولو لغير حاجة إن أمن تلوثا وناظرا ولا التوجه إلى بيت المقدس.(1/16)
فصل فإذا انقطع بوله استحب مسح ذكره بيده اليسرى من حلقة الدبر إلى رأسه ثلاثا ونتره ثلاثا
والأولى أن يبدأ ذكر وبكر بقبل وتخير ثيب ويكره بصقه على بوله للوسواس ثم يتحول للاستجمار إن خشي تلوثا ثم يستجمر ثم يستنجى مرتبا ندبا فان عكس كره ومن استجمر في فرج واستنجى في آخر فلا بأس ولا يجزئ الاستجمار في قبلي خنثى ولا في مخرج غير فرج ويستحب دلك يده بالأرض الطاهرة بعد الاستنجاء ويجزيه أحدهما والماء أفضل وجمعهما أفضل منه وفى التنقيح الماء أفضل كجمعهما وهو سهو إلا أن يعدو الخارج موضع العادة فلا يجزئ إلا للتعدي فقط كتنجيس مخرج بغير خارج واستتجمار بمنهي عنه وإن خرجت أجزاه الحقنة فهي نجسة ولا يجزئ فيها الاستجمار والذكر والأنثى الثيب والبكر في ذلك سواء فلو تعدى بول الثيب إلى مخرج الحيض(1/16)
فيه الاستجمار لأنه معتاد ولو شك في تعدى الخارج لم يجب الغسل والأولى الغسل وظاهر كلامهم لا يمنع القيام الاستجمار ما لم يتعد الخارج: فإذا خرج سن قوله: غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني1 ويتنحنح ويمشى خطوات إن احتاج إلى ذلك للاستبراء وقال الموفق وغيره: ويستحب أن يمكث قليلا قبل الاستنجاء حتى يتقطع أثر البول ولا يجب غسل ما أمكن من داخل فرج ثيب من نجاسة وجنابة فلا تدخل يدها ولا أصبعها بل ما ظهر لأنه في حكم الباطن فينتقض وضوؤها بخروج ما احتشته ولو بلا بلل ويفسد الصوم بوصول أصبها لا بوصول حيض إليه2 ويستحب لغير الصائمة غسله وداخل الدبر في حكم الباطن لا فساد الصوم بنحو الحقنة ولا يجب غسل نجاسته وكذا حشفة أقلف غير مفتوق ويغسلان من مفتوق ويستحب لمن استنجى أن ينضح فرجه وسراويله لا من استجمر.
__________
1 لقول عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: " غفرانك "، ولقول أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: " الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ".
2 إذا برز دم الحيض إلى ظاهر الفرج ترتبت عليه أحكامه كفساد صوم وعدم وجوب صلاة وإن لم يبرز إلى الظاهر ولكن قرب منه فلا يجب الغسل لما فيه من المشقة واختلف فيما عداه من الأحكام بناء على اعتباره من الباطن أو إلحاقه بالظاهر.(1/17)
فصل ويصح الاستجمار بكل طاهر جامد مباح منق
كالحجر والخشب والخرق لا بالمغصوب والإنقاء بأحجار ونحوها إزالة العين حتى لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء وبماء خشونة المحل كما كان إلا الروث والعظام والطعام ولو لبهيمة وماله حرمة كما فيه ذكر الله وكتب وحديث(1/17)
وفقه وكتب مباحة وما حرم استعماله كذهب وفضة ومتصلا بحيوان وجلد سمك وجلد حيوان مذكى وحشيشا رطبا فيحرم ولا يجزئ فإن استجمر بعده بمباح أو استنجى بمائع غير الماء لم يجزئه وتعين الماء وإن استجمر بغير منق أجزأه الاستجمار بعده بمنق كحجر ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات إما بحجر ذي شعب أو بثلاثة تعم كل مسحة المسربة والصفحتين مع الإنقاء ولو استجمر ثلاثة أنفس بثلاثة أحجار لكل حجر ثلاث شعب استجمر كل واحد بشعبة من كل حجر أو استجمر إنسان بحجر ثم غسله أو كسر ما تنجس منه ثم استجمر به ثانيا ثم فعل ذلك واستجمر به ثالثا أجزأه لحصول المعنى والإنقاء فأن لم ينق زاد حتى ينقى ويسن قطعه على وتران زاد على الثلاث وإذا أتى بالعدد المعتبر اكتفى في زوال النجاسة بغلبة الظن وأثر الاستجمار نجس يعفى عن يسيره ويجب الاستنجاء أو الاستجمار من كل خارج إلا الريح1 وهي طاهرة فلا تنجس ماء يسيرا ـ والطاهر وغير الملوث2 فإن توضأ أو تيمم قبله لم يصح وإن كانت النجاسة على غير السبيلين أو عليهما غير خارجة منهما صح الوضوء والتيمم قبل زوالها ويحرم منع المحتاج إلى الطهارة3
__________
1 الاستنجاء من الريح بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من استنجى من الريح فليس منا ".
2 الطاهر وغير الملوث معطوفان على الريح: فهما مثله في عدم الاستنجاء منها كالمعنى والوله الجاف.
3 الطهارة بتشديد الهاء الميضأ، وما في معناها.(1/18)
قال الشيخ: ولو وقفت على طائفة معينة كمدرسة ورباط ولو في ملكه وقال: إن كان في دخول أهل الذمة مطهرة المسلمين تضييق أو تنجيس أو إفساد ماء ونحوه وجب منعهم وإن لم يكن ضرر ولهم ما يستغنون به عن مطهرة المسلمين فيلس لهم مزاحمتهم.(1/19)
باب السواك وغيره
مدخل
...
باب السواك وغيره
السواك والمسواك: اسم للعود الذي يتسوك به ويطلق السواك على الفعل قال الشيخ: والتسوك الفعل وهو ـ على أسنانه ولسانه ولثته ـ مسنون كل وقت لغير صائم بسواك يابس ورطب ولصائم بيابس قبل الزوال ويباح له برطب قبله ويكره له بعده بيابس ورطب وعنه يسن له مطلقا اختاره الشيخ وجمع وهو أظهر دليلا وكان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ويتأكد عند كل صلاة وانتباه من نوم وتغير رائحة فم بأكل أو غيره ووضوء وقراءة ودخول مسجد ومنزل وإطالة السكوت وخلو المعدة من الطعام واصفرار الأسنان ـ عرضا بالنسبة إلى الأسنان يبدأ بجانب فمه الأيمن من ثناياه إلى أضراسه بيساره بعود لين منق لا بجرحه ولا يضره ولا يتفتت فيه من أراك أو عرجون أو زيتون أو غيرها قد ندى بماء ـ وبماء ورد أجود ـ ويغسله بعده ويسن تيامن في شأنه كله فان استاك بغير عود كإصبع أو خرقة لم يصب السنة ويكره السواك بريحان ـ وهو الاس ـ وبرمان وعود ذكى الرائحة وطرفاء وقصب ونحوه وكذا التخلل بها وبالخوص ولا يتسوك ولا يتخلل بما يجهله لئلا يكون(1/19)
من ذلك ولا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعدا ولا يكره السواك في المسجد ويأتي أخر الاعتكاف(1/20)
فصل ويسن الإمتشاط والأدهان في بدن وشعر غبا يوما ويوما
والاكتحال كل ليلة بأثمد مطيب بمسك وترا في كل عين ثلاثة واتخاذ الشعر ويسن أن يغسله ويسرحه متيامنا ويفرقه ويكون للرجل إلى أذنيه وينتهي إلى منكبيه ولا بأس بزيادة على منكبيه وجعله ذؤابة إعفاء اللحية ويحرم حلقها ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة ولا أخذ ما تحت حلقه وأخذ أحمد من حاجبيه وعارضيه ويسن حف الشارب أو قص طرفه وحفه أولى نصا وتقليم الأظافر مخالفا: فيبدأ بخنصر اليمنى ثم الوسطى ثم الإبهام ثم البنصر ثم السبابة ثم إبهام اليسرى ثم الوسطى ثم الخنصر ثم السبابة ثم البنصر ويستحب غسلها بعد قصها تكميلا للنظافة ويكون ذلك يوم الجمعة قبل الصلاة ويسن أن لا يحيف عليها في الغزو لأنه قد يحتاج إلى حل حبل أو شيء ونتف الإبط وحلق العانة وله قصه وإزالته بما شاء والتنوير في العانة وغيرها فعله أحمد وتكره كثرته ويدفن الدم والشعر والظفر ويفعله كل أسبوع ويكره تركه فوق أربعين يوما ويكره نتف الشيب ويسن خضابه بحناء وكتم1 ولا بأس بورس
__________
1 الكتم نبات يخرج صبغا أسود غير قاتم: لحديث: " إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم ". انتهى.(1/20)
وزعفران ويكره بسواد فإن حصل به تدليس في بيع أو نكاح حرم ويسن النظر في المرآة وقوله " اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي وحرم وجهي على النار" ويسن التطيب بما ظهر ريحه وخفي لونه وللمرأة في غير بيتها عكسه لأنها ممنوعة في غير بيتها مما ينم عليها من ضر بها برجليها ليعلم ما تخفى من زينتها ومن نعل صرارة وغير ذلك مما يظهر من الزينة وفي بيتها تتطيب بما شاءت ويكره حلق رأسها وقصه من غير عذر ويحرم للمصيبة ويسن تخمير الإناء ولو بأن يعرض عليه عودا وإيكاد السقاء إذا أمسى وإغلاق الباب وإطفاء المصباح والجمر عند الرقاد مع ذكر اسم الله فيهن ونظره في وصيته ونفض فراشه ووضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ويجعل وجهه نحو القبلة على جنبه الأيمن ويتوب إلى الله تعالى ويقول ما ورد ويقل الخروج إذا هدأت الرجل ويكره النوم على سطح ليس عليه تحجير ونومه على بطنه وعلى قفاه إن خاف انكشاف عورته وبعد العصر والفجر وتحت السماء متجردا وبين قوم مستيقظين ونومه وحده وسفره وحده ونومه وجلوسه بين الظل والشمس وركوب البحر عند هيجانه قال ابن الجوزى في طبه: النوم في الشمس في الصيف يحرك الداء الدفين والنوم في القمر يحيل الألوان إلى الصفرة ويثقل الرأس اهـ وتستحب القائلة والنوم نصف النهار ولا يكره حلق رأسه ولو لغير نسك وحاجة ويكره القزع ـ وهو حلق شعر الرأس وترك بعضه ـ وحلق القفا منفردا عن الرأس إذا لم يحتج إليه لحجامة أو غيرها وهو مؤخر العنق،(1/21)
ويجب ختان ذكر وأنثى عند بلوغ ما لم يخف على نفسه فيختن ذكر خنثى مشكل وفرجه وللرجل إجبار زوجته المسلمة عليه وزمن صغر أفضل إلى التميز بأخذ جلدة حشفة ذكر فإن اقتصر على أكثرها جاز وأخذ جلدة أنثى فوق محل الإيلاج تشبه عرف الديك ولا تؤخذ كلها من امرأة نصا ويكره يوم سابع ومن الولادة إليه وإن أمرد به ولي الأمر في حر أو برد أو مرض يخاف من مثله الموت من الختان فتلف أو أمره به وزعم الأطباء أنه يتلف أو ظن تلفه ضمن ويجوز أن يختن نفسه إن قوي عليه وأحسنه وإن ترك الختان من غير ضرر وهو يعتقد وجوبه فسق قاله في مجمع البحرين ومن ولد ولا قلفة له لا سقط وجوبه ولا تقطع أصبع زائدة نصا ويكره ثقب أذن صبي لا جارية نصا ويحرم نمص ووشر ووشم1 ووصل شعر بشعر ولو بشعر بهيمة أو أذن زوج ولا تصح الصلاة إن كان نجسا ولا بأس بما يحتاج إليه لشد الشعر وأباج ابن الجوزى النمص وحده وحمل النهي على التدليس أو أنه شعار الفاجرات ويحرم نظر شعر أجنبية لا البائن ولها حلق الوجه وحفه نصا وتحسينه وتحميره ونحوه ويكره حفه لرجل وكذا التحذيف ـ وهو إرساله الشعر الذي بين العذار والنزعة ـ لا لها ويكره النقش والتكثيب والتطريف ـ وهو الذي يكون في رؤس الأصابع وهو القموع ـ بل تغمس يدها في الخضاب غمسا نصا ويكره كسب الماشطة ويحرم التدليس والتشبه بالمردان كره أحمد
__________
1 النمص نتف شعر الوجه والوشر برد الأسنان والوشم المعروف على اليد وغيرها(1/22)
الحجامة يوم السبت والأربعاء وتوقف في الجمعة والفصد في معناها وهي أنفع منه في بلد حار وما في معنى الحجامة كالتشريط والفصد بالعكس.(1/23)
باب الوضوء
مدخل
...
باب الوضوء
وهو ـ شرعا ـ استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة وفروضه ستة: غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين والترتيب والموالاة.
وسبب وجوبه: الحدث ويحل جميع البدن كجنابة وطهارة الحدث فرضت قبل التيمم والنية شرط لطهارة الحدث ولتيمم وغسل وتجديد وضوء مستحبين ولغسل يدي قائم من نوم ليل ويأتي ولغسل ميت إلا طهارة ذمية لحيض ونفاس وجنابة ومسلمة ممتنعة فتغسل قهرا ولا نية للعذر ولا تصلى به ومجنونة من حيض ونفاس مسلمة كانت أو كتابية وينويه عنها ولا ثواب في غير منوي ويشترط لوضوء أيضا عقل وتمييز وإسلام وإزالة ما يمنع وصول الماء وانقطاع ناقض واستنجاء أو إستجمار قبله وتقدم وطهورية ماء وإباحته ودخول الوقت على من حدثه دائم لفرضه ويشترط لغسل نية وإسلام سوى ما تقدم وعقل وتمييز وفراغ موجب غسل وإزالة ما يمنع وصول الماء وطهورية ماء وإباحته ولو سبل ماء للشرب لم يجز لا التطهير منه ويأتي في الوقف ولا تشترط نية لطهارة الخبث ومحلها القلب فلا يضر سبق لسانه بخلاف قصده ولا إبطالها ولا إبطال(1/23)
الطهارة بعد فراغه ولا شكله فيها أو في الطهارة بعده نصا وإن شك في النية في أثنائها لزمه استئنافها وكذا إن شك في غسل عضو أو في مسح رأسه في أثنائها إلا أن يكون وهما كوسواس فلا يلتفت إليه فإن أبطلها في أثناء طهارته بطل ما مضى منها ولو فرقها على أعضاء الوضوء صح وإن توضأ وصلى صلاته ثم أحدث ثم توضأ وصلى أخرى ثم علم أنه ترك واجبا في أحد الوضوءين لزمه إعادة الوضوء والصلاتين وإن جعل الماء في فيه ينوى ارتفاع الحدث الأصغر ثم ذكر أنه جنب فنوى ارتفاع الحدثين إرتفعا ولو لبث الماء في فيه حتى تغير من ريقه لم يمنع وإن غسل بعض أعضائه بنية الوضوء وبعضها بنية التبرد ثم أعاد ما نوى به التبرد بنية الوضوء قبل طول الفصل أجزأ والتلفظ بها وبما نواه هنا وفي سائر العبادات بدعة واستحبه سرا مع القلب كثير من المتأخرين ومنصوص أحمد وجمع محققين خلافه إلا في الإحرام ويأتي وفي الفروع والتنقيح: يسن النطق بها سرا فجعلاه سنة وهو سهو ويكره الجهر بها وتكرارها وهي قصد رفع الحدث أو الطهارة لما لا يباح إلا بها حتى ولو نوى مع الحدث النجاسة أو التبرد أو التنظيف أو التعليم لكن ينوى من حدثه دائم الاستباحة ويرتفع حدثه ولا يحتاج إلى تعيين نية الفرض فإن نوى ما تسن له الطهارة كقراءة وذكر واذان ونوم ورفع وشك وغضب وكلام محرم كغيبة ونحوها وفعل مناسك الحج نصا غير طواف وكجلوس بمسجد وأكل وفي النهاية وزيارة قبل النبي صلى الله عليه وسلم ويأتي في الغسل تتمة أو نوى التجديد أن(1/24)
سن ناسيا حدثه أو صلاة بعينها لا يستبح غيرها ـ: ارتفع حدثه ولغا تخصيصه ويسن التجديد إن صلى بينهما ولا فلا ويسن لكل صلاة لا تجديد تيمم وغسل وإن نوى غسلا مسنونا أجزأ عن الواجب وكذا عكسه وإن نواهما حصلا والمستحب أن يغتسل للواجب غسلا ثم للمسنون غسلا آخر وإن نوى طهارة مطلقة أو وضوءا مطلقا أو الغسل وحده أو لمروره في المسجد لم يرتفع1 وإن اجتمعت أحداث متنوعة ولو متفرقة توجب وضوءا أو غسلا فنوى بطهارته أحدها ارتفع هو وسائرها وإن نوى أحدها ونوى أن لا يرتفع غيره لم يرتفع غيره ولو كان عليه حدث نوم فغلط ونوى رفع حدث بول ارتفع حدثه ويجب الإتيان بها عند أول واجب وهو التسمية ويستحب عند أول مسنوناتها إن وجد قبل واجب كغسل اليدين لغير قائم من نوم الليل فإن غسلهما بغير نية فكمن لم يغسلهما ويجوز تقديمها بزمن يسير كصلاة ولا يبطلها عمل يسير ويستحب استصحاب ذكرها ولا بد من استصحاب حكمها بأن لا ينوى قطعها.
__________
1 إطلاق النية فيما يشترط له كالوضوء لا يخرجه عن كونه عاديا فلا بد لاعتبار العمل عبادة من توجيه نيته لذلك أو لإزالة ما يمنع القيام بها كالحدث.(1/25)
فصل صفة الوضوء
أن ينوى ويستقبل القبلة ثم يقول بسم الله ـ لا يقوم غيرها مقامها ـ وهي واجبة في وضوء وغسل وتيمم وتسقط سهوا وإن ذكرها في أثنائه سمى وبنى فإن تركها عمدا أو حتى غسل بعض أعضائه ولم يستأنف لم تصح طهارته والأخرس يشير بها ثم(1/25)
يغسل كفيه ثلاثا ولو تيقن طهارتها وهو سنة لغير قائم من نوم ليل ناقض لوضوء فإن كان منه فواجب تعبدا ويسقط سهوا وتعتبر له نية وتسمية ولا يجزئ عن نية غسلهما نية الوضوء لأنها طهارة مفردة لا من الوضوء ويجوز تقديمها على الوضوء بالزمن الطويل ويستحب تقديم اليمنى على اليسرى في هذا الغسل وإذا استيقظ أسير في مطمورة أو أعمى أو نحوه من نوم لا يدرى أنوم ليل أم نهار لم يجب غسلهما وتقدم في كتاب الطهارة غسلهما لمعنى فيهما فلو استعمل الماء ولم يدخل يده في الإناء لم يصح وضوءه وفسد الماء وتسن بداته قبل غسل وجهه بمضمضة بيمينه وتسوكه ثم باستنشاق بيمينه ثلاثا ثلاثا إن شاء من ست ولا يفصل بين المضمضة والاستنشاق وتجب الموالاة بينهما وبين بقية الأعضاء وكذا الترتيب لا بينهما وبين الوجه ويسن استنثاره بيساره ومبالغة فيهما بغير صائم ـ وتكره له ـ ومبالغة في سائر الأعضاء ففي مضمضة إدارة الماء في جميع الفم وفي الاستنشاق جذبه بنفس إلى أقصى أنف والواجب أدنى إدارة وجذب الماء إلى باطن الأنف فلا يكفى وضع الماء في فيه بدون إدارة ثم له بلعه ولفظه ولا يجعل المضمضة أولا وجورا ولا الاستنشاق سعوطا والمبالغة في غيرهما دلك المواضع التي ينبو عنها الماء وعركها به.(1/26)
فصل ثم يغسل وجهه ثلاثا
من منابت شعر الرأس المعتاد غالبا مع ما انحدر من اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا(1/26)
فيدخل فيه عذار وهو الشعر النابت على العظم الناتئ المسامت صماخ الاذن ولا يدخل صدغ وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار يحاذى رأس الأذن وينزل عنه قليلا ولا تحذيف ـ وهو الشعر الخارج إلى طرفي الجبين في جانبي الوجه بين النزعة ومنتهى العذار ـ ولا النزعتان ـ وهما ما انحسر عنه الشعر من فودى الرأس: وهما جانبا مقدمه ـ بل جميع ذلك من الرأس فيمسح معه ولا يجب ـ بل ولا يسن ـ غسل داخل عين لحدث ولو أمن الضرر بل يكره ولا يجب من نجاسة فيها ـ والفم والأنف من الوجه ـ فتجب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الكبرى والصغرى ويسميان فرضين ولا يسقطان سهوا ويجب غسل اللحية وما خرج عن حد الوجه منها طولا وعرضا ويسن تخليل الساتر للبشرة منها بأخذ كف من ماء يضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة فيها أو من جانبيها ويعركها وكذا عنفقة وشارب وحاجبان ولحية امرأة وخنثى ويجزئ غسل ظاهره ويسن غسل باطنه وأن يزيد في ماء الوجه والخفيف يجب غسله وما تحته وتخلل اللحية عند غسلها وإن شاء إذا مسح رأسه نصا.(1/27)
فصل ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا
حتى أظفاره ولا يضر وسخ يسير تحتها ولو منع وصول الماء ـ وألحق الشيخ به كل يسير منع حيث كان من البدن كدم وعجين ونحوهما واختاره ـ ويجب غسل إصبع زائدة ويد أصلها في محل الفرض أو غيره ولم تتميز وإلا(1/27)
فلا ويجب إدخال المرفقين في الغسل فإن خلقتا بلا مرفقين غسل إلى قدرهما من غالب الناس فإن تقلصت جلدة من العضد حتى تدلت من الذراع وجب غسلها كالأصبع الزائدة وإن تقلصت من أحد المحلين والتحم رأسها بالآخر غسل ما حاذى محل الفرض من ظاهرها والمتجافي منه من باطنها وما تحته لأنها كالنابتة في المحلين وإن تقلصت من الذراع حتى تدلت من العضد لم يجب غسلها وإن طالت.(1/28)
فصل ثم يمسح جميع ظاهر رأسه
من حد الوجه إلى ما يسمى قفا بماء جديد غير ما فضل من ذراعيه وكيفما مسحه أجزأ ولو بإصبع أو بخرقة أو خشبة ونحوها وعفا بعضهم عن ترك يسير منه للمشقة والمسنون في مسحه أن يبدأ بيديه مبلولتين من مقدم رأسه فيضع طرف إحدى سبابتيه على طرف الأخرى ويضع الإبهامين على الصدغين ثم يمرها إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه ولو خاف أن ينتشر شعره بماء واحد ولو وضع يده مبلولة على رأسه ولم يمرها عليه أو وضع عليه خرقة مبلولة أو بلها وهي عليه ولم يمسح: لم يجزئه ويجزئ غسله مع الكراهة بدلا عن مسحه إن أمر يده وكذا إن أصابه ماء وأمر يده ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر ولا يجزئ مسحه عن الرأس سواء رده فعقده فوق رأسه أو لم يرده وإن نزل الشعر عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض فمسح عليه: أجزأه ولو كان الذي تحت النازل محلوقا وإن خضبه بما يستره لم يجز المسح عليه كما(1/28)
لو مسح على خرقة فوق رأسه ولو مسح رأسه ثم حلقه أو غسل عضوا ثم قطع منه جزءا أو جلدة لم يؤثر لأنه ليس ببدل عما تحته وإن تطهر بعد ذلك غسل ما ظهر وإن حصل في بعض أعضائه شق أو ثقب لزم غسله والواجب مسح ظاهر شعر الرأس كما تقدم فلو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة فقط لم يجزئه: كما لو اقتصر على غسل باطن شعر اللحية وإن فقد شعره مسح بشرته وإن فقد بعضه مسحهما ويجب مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما: لأنهما من الرأس ويسن بماء جديد بعد رأسه والبياض فوقهما دون الشعر: منه أيضا فيجب مسحه مع الرأس والمسنون في مسحهما أن يدخل سبابتيه في صماخيهما ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ولا يجب مسح ما استتر بالغضاريف ولا يستحب مسح عنق ولا تكرار مسح رأس وأذن.(1/29)
فصل ثم يغسل رجليه ثلاثا إلى الكعبين
ـوهما العظمان الناتئان فيجانبيي رجله ـ ويجب إدخالهما في الغسل وإن كان أقطع وجب غسل ما بقي من محل الفرض أصلا أو تبعا كرأس عضد وساق وكذا يتيمم فإن لم يبق شيء سقط لكن يستحب أن يمسح محل القطع بالماء وإذا وجد الأقطع ونحوه من يوضئه أو يغسله بأجرة المثل وقدر عليها من غير إضرار لزمه ذلك فإن وجد من ييممه ولم يجد من يوضئه لزمه ذلك فإن لمن يجد صلى على حسب حاله ولا إعادة واستنجى مثله وإن تبرع أحد بتطهيره لزمه ذلك ويسن تخليل أصابع يديه(1/29)
وتخليل أصابع رجليه بخنصره اليسرى فيبدأ بخنصر يمنى ويسرى بالعكس للتيامن والغسل ثلاثا ثلاثا ويجوز الاقتصار على الواحدة والثنتان أفضل والثلاث أفضل وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض لم يكره ويعلم في عددها إذا شك بالأقل وتكره الزيادة عليها والإسراف في الماء ويسن مجاوزة موضع الفرض ولا يسن الكلام على الوضوء بل يكره ـ والمراد بالكراهة ترك الأولى قال إن القيم: الأذكار التي تقولها العامة على الوضوء عند كل عضو لا أصل لها عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وفيه حديث كذب عليه صلى الله عليه وسلم انتهى ـ قال أبو الفرج: يكره السلام على المتوضئ وفي الرعاية: ورده وفي ظاهر كلام الأكثر لا يكره السلام ولا الرد.(1/30)
فصل والترتيب والموالاة فرضان
لا مع غسل ولا يسقطان سهوا ولا جهلا كبقية الفروض فيجب الترتيب على ما ذكر الله تعالى فإن نكس وضوءه فبدأ بشيء من أعضائه قبل وجهه لم يحتسب بما غسله قبله وإن بدأ برجليه وختم بوجهه لم يصح إلا غسل وجهه وإن توضأ منكوسا أربع مرات صح وضوءه إذا كان متقاربا يحصل له في كل مرة غسل عضو وإن غسل أعضاءه دفعة واحدة لم يصح ولو انغمس في ماء كثير راكدا أو جار بنية رفع الحدث لم يرتفع ولو مكث فيه قدرا يسع الترتيب حتى يخرج مرتبا نصا فيخرج وجهه ثم يديه ثم يمسح رأسه ثم يخرج من الماء وتقدم ـ والموالاة إلا يؤخر غسل عضو(1/30)
حتى ينشف الذي قبله يليه1في زمن معتدل أو قدره من غيره ولا يضر جفاف لاشتغاله بسنة كتخليل وإسباغ وإزالة شك ووسوسة ويضر إسراف وإزالة وسخ ونحوه لغير طهارة لا لها وتضر الإطالة في إزالة نجاسة وتحصيل ماء.
__________
1 بدل من قوله: لايؤخر.(1/31)
فصل جملة سنن الوضوء
...
فصل وجملة سنن الوضوء
استقبال القبلة والسواك وغسل الكفين ثلاثا لغير قائم من نوم ليل والبداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة ثم الاستنشاق والمبالغة فيهما لغير صائم وفي سائر الأعضاء لصائم وغيره والاستنثار وتخليل أصابع اليدين والرجلين وتخليل الشعور الكثيفة في الوجه والتيامن: حتى بين الكفين للقائم من نوم الليل: وبين الأذنين ـ قاله الزركشى: وقال الأزجي: يمسحهما معا ـ ومسحهما بعد الرأس بماء جديد ومجاوزة موضع الفرض والغسلة الثانية والثالثة وتقديم النية على مسنوناته واستصحاب ذكرها إلى آخره وغسل باطن الشعور الكثيفة وأن يزيد في ماء الوجه وقول ما ورد بعد الوضوء ـ ويأتي ـ وإن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاونة وتباح معونة المتطهر كتقريب ماء الغسل أو الوضوء إليه أو صبه عليه وتنشيف أعضائه وتركهما أفضل ويستحب كون المعين عن يساره كإناء وضوئه الضيق الرأس وإن كان واسعا يغترف منه باليد: فعن يمينه ولو وضأه أو يممه مسلم أو كتابي بإذنه: بأن غسل له الأعضاء أو يممها من غير عذر كره(1/31)
وصح وينويه المتوضئ والمتيمم فإن أكره من يصب عليه الماء أو يوضئه على وضوءه: لم يصح وإن أكره المتوضئ أو على غيره من العبادات وفعلها لداعي الشرع لا لداعي الإكراه: صحت وإلا فلا ويكره نفض الماء وإراقة ماء الوضوء والغسل في المسجد أو في مكان يداس فيه كالطريق تنزيها للماء ويباح الوضوء والغسل في المسجد إذا لم يؤذ به أحدا ولم يؤذ المسجد ويحرم فيه الاستنجاء والريح وتكره إراقة ماء غمس فيه يده قائم من نوم ليل فيه ـ قال الشيخ: ولا يغسل فيه ميت: وقال: ويجوز عمل مكانه فيه للوضوء للمصلحة بلا محذور ـ ولا يكره طهره من إناء نحاس ونحوه ومن إناء بعضه نجس ولا من ماء بات مكشوفا ومن مغطى أولى ويسن عقب فراغه من الوضوء رفع بصره إلى السماء وقول أشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وكذا بعد الغسل ـ قاله في الفائق ـ(1/32)
باب مسح الخفين وسائر الحوائل
ـ وهو رخصة ـ وأفضل من الغسل ويرفع الحدث نصا إلا أنه لا يستحب له أن يلبس ليمسح كالسفير ليترخص ويكره لبسه مع مدافعة أحد الأخبثين ويصح على خف وجرموق خف قصير وجورب صفيق من صوف أو غيره وإن كان غير مجلد أو منعل أو كان من خرق حتى لزمن ومن له رجل واحدة(1/32)
لم يبق من فرض الأخرى شيء ولمستحاضة ونحوها لا لمحرم لبسهما ولو لحاجة ويصح المسح على عمائم ذكور وعلى جبائر ـ جمع جبيرة وهي أخشاب أو نحوها تربط على الكسر أو نحوه ـ وعلى خمر النساء المدارة تحت حلوقهن لا القلانس ـ وهي مبطنات تتخذ للنوم ـ والدنيات قلانس كبار أيضا كانت القضاة تلبسها ـ ومن شرطه أن يلبس الجميع بعد كمال الطهارة بالماء ولو مسح فيها على خف أو عمامة أو جبيرة أو غسل صحيحا وتيمم لجرح فلا يمسح على خف لبسه على طهارة تيمم ولو غسل رجلا ثم أدخلها الخف خلع ثم لبس بعد غسل الأخرى ولو لبس الأولى طاهرة ثم غسل الأخرى وأدخلها لم يمسح وإن تطهر ثم أحدث قبل لبسه ـ فإن خلع الأولى ثم لبسها جاز وإن تطهر ثم أحدث قبل لبسه أو بعده قبل أن تصل القدم إلى موضعها أو لبسه محدثا ثم غسلهما فيه أو قبل كما طهارته ثم غسلهما فيه أو نوى جنب ونحوه رفع حدثه ثم غسلهما وأدخلها فيه ثم تمم طهارته ـ لم يجز المسح وإن مسح رأسه ثم لبس العمامة ثم غسل رجليه خلع ثم لبسها ولو شد الجبيرة على غير طهارة نزع فإن خاف تيمم فلو عمت محل الفرض كفى مسحها بالماء ويمسح مقيم ولو عاصيا بإقامة ـ كمن أمره سيده بسفر فأبى ـ وعاص بسفره يوما وليلة ومسافر سفر قصر ثلاثة أيام بلياليهن ولو مستحاضة ونحوها من وقت حدث بعد لبس إلى مثله فلو مضت المدة ولم يمسح فيها خلع وجبيرة إلى حلها ومن مسح مسافرا ثم أقام أتم بقية مسح مقيما إن كانت وإلا خلع وإن مسح مقيم أقل من يوم(1/33)
وليلة ثم سافر أو شك هل ابتدأ المسح حضرا أو سفرا أتم مسح مقيم وإن شك في بقاء المدة لم يجز المسح فلو خالف وفعل فبان بقاؤه صح وضوءه ومن أحدث ثم سافر قبل المسح أتم امسح مسافر ولا يصح المسح إلا على ما يستر محل الفرض ويثبت بنفسه أو بنعلين فيصبح إلى خلعهما لا بشدة نصا ولو ثبت بنفسه لكن يبدو بعضه لولا شده أو شرجه كالزربول الذي له ساق ونحوه صح المسح عليه ومن شرطه أيضا إباحته فلا يصح على مغصوب وحرير ولو في ضرورة كمن هو في بلد ثلج وخاف سقوط أصابعه فإن صلى أعاد الطهارة والصلاة ويصح على حرير لأنثى فقط ويشترط إمكان المشي فيه عرفا ولو لم يكن معتادا فدخل في ذلك الجلود واللبود والخشب والزجاج والحديد ونحوها وطهارة عينه فلا يصح على نجس ولو في ضرورة فيتيمم معها للرجلين ولا يمسح ويعيد ولو مسح على خف طاهر العين لكن ببطانه أو قدمه نجاسة لا يمكن إزالتها إلا بنزعه جاز المسح عليه ويستبيح بذلك مس المصحف والصلاة ـ إذا لم يجد ما يزيل النجاسة ـ وغير ذلك ويشترط إلا يصف القدم لصفائه كالزجاج الرقيق فإن كان فيه خرق أو غيره يبدو منه بعض القدم ولو من موضع الخرز لم يمسح عليه فإن انضم الخرق ونحوه بلبسه جاز المسح وإن لبس خفا فلم يحدث حتى لبس عليه آخر وكانا صحيحين مسح أيهما شاء إن شاء الفوقاني وإن شاء التحتاني بان يدخل يده من تحت الفوقاني فيمسح عليه ولو لبس أحد الجرموقين في إحدى الرجلين دون الأخرى جاز المسح عليه وعلى الخف الذي في(1/34)
الرجل الأخرى فإن كان أحدهما صحيحا جاز المسح على الفوقاني ولا يجوز على التحتاني إلا أن يكون هو الصحيح وإن كانا مخرقين وسترا لم يجز المسح وإن ننزع الفوقاني قبل مسحه لو يؤثر وإن أحدث ثم لبس الآخر أو مسح الأول ثم لبس الثاني لم يجز المسح عليه بل على الأسفل وإن نزع الممسوح الأعلى لزمه نزع التحتاني وقشط ظهارة الخف بعد المسح عليه لا يؤثر ويمسح صحيحا على لفافة لا مخرقا عليها ولا لفائف وحدها ويجب مسح أكثر أعلى خف ونحوه مرة دون أسفله وعقبه فلا يجزئ مسحهما بل ولا يسن وتكره الزيادة عليها فيضع يديه مفرجتي الأصابع على أطراف أصابع رجليه ثم يمرهما على مشطي قدميه إلى ساقيه فإن بدأ من ساقه إلى أصابعه أجزأه ويسن مسح اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى وفي التلخيص والترغيب يسن تقديم اليمنى وحكم مسحه بأصبع أو أصبعين إذا كرر المسح بها حتى يصير المسح مثل المسح بأصابعه أو بحائل1 كخرقة ونحوها وغسله: حكم مسح الرأس على ما تقدم ويكره غسله ويسح مسح دوائر عمامة أكثرها2 دون وسطها إذا كانت مباحة محنكة أو ذات ذؤابة كبيرة
__________
1 قوله بحائل معطوف على قوله بأصبع وقوله غسله بعد معطوف على قوله مسحه.
2 جواز المسح على العمامة مشروط بأمرين: أحدهما: أن تكون محنكة أوذات ذؤابة: حتى يصعب نزعها عند كل وضوء، وحتى لا تشبه عمائم أهل الذمة.
والثاني: أن يمسح جميعها أو أكثرها وذلك أرجح الأقوال في المذهب بخلاف بعضها وقول المصنف: أكثرها بدل من قوله عمامة.(1/35)
كانت العمامة أو صغيرة لذكر لا أنثى ولو لبستها لضرورة برد وغيره1 بشرط سترها لما لم تجر العادة بكشفه ولا يجب أن يمسح معها ما جرت العادة بكشفه بل يسن ويجب مسح جميع جبيرة لم تجاوز قدر الحاجة ويجزئ من غير تيمم فإن تجاوزت وجب نزعها فإن خاف تلفا أو ضررا تيمم لزائد2 ويحرم الجبر بجبيرة نجسة كجلد الميتة والخرقة النجسة وبمغصوب والمسح على ذلك باطل وكذا الصلاة فيه كالخف النجس وكذلك الحرير لذكر ودواء وعصابة ولصوق على جرح أو وجع ولو قارا في شق أو تألمت أصبعه فألقمها مرارة كجبيرة3 ومتى ظهر بعض قدمه بعد الحدث وقبل انقضاء المدة أو رأسه وفحش فيه أو انتقض بعض عمامته أو انقطع دم مستحاضة أو زال ضرر من به سلس البول ونحوه أو انقضت مدة مسح ولو متطهرا أو في صلاة ـ: استأنف الطهارة وبطلت الصلاة وزوال جبيرة كخف وخروج قدم أو بعضه إلى ساق خف كخلعه ولا مدخل لحائل في طهارة كبرى إلا الجبيرة وامرأة كرجل في مسح غير العمامة.
__________
1 لنهيهن عن التشبه بالرجال.
2 قوله: تيمم لزائد يفيد جواز المسح على الجبيرة فوق الجرح ولو لم تكن موضوعة بعد طهارة، كما شرط في شأن الخفين، وهذا أحد قولين في المذهب، والثاني: أذا لم توضع بعد طهارة كاملة فلا مسح عليها وليس إلا التيمم.
3 خبر عن قوله ودواء وعصابة الخ.(1/36)
باب نواقض الوضوء
مدخل
...
باب نواقض الوضوء
وهي مفسداته -وهي ثمانية-: الخارج منه السبيلين إلى ما هو في حكم الظاهر ويلحقه حكم التطهير إلا(1/36)
ممن حدثه دائم قليلا كان أو كثيرا نادرا أو معتادا طاهرا أو نجسا ولو ريحا من قبل أنثى أو ذكر فلو احتمل في قبل أو دبر قطنا أو ميلا ثم خرج ولو بلا بلل أو قطر في إحليله دهنا ثم خرج أو خرجت الحقنة من الفرج أو ظهر طرف مصرا ن أو رأس دودة أو وطئ دون الفرج فدب ماؤه فدخل فرجها أو استدخلته أو منى امرأة أخرى ثم خرج: ـ نقض ولم يجب عليها الغسل فإن لم يخرج من الحقنة أو المنى شيء لم ينقض لكن إن كان المحتقن قد أدخل رأس الزراقة ثم أخرجه نقض ولو ظهرت مقعدته علم أن عليها بللا انتقض لا إن جهل أم صب دهنا في أذنه فوصل إلى دماغه ثم خرج منها أو من فيه ولا ينقض يسير نجس خرج من أحد فرجي خنثى مشكل غير بول وغائط.
الثاني: ـ خروج النجاسات من بقية البدن فإن كانت غائطا أو بولا نقض ولو قليلا من تحت المعدة أو فوقها سواء كان السبيلان مفتوحين أو مسدودين لكن لو انسد المخرج وفتح غيره فأحكام المخرج باقية وفي النهاية إلا أن يكون سد خلقة فسبيل الحدث المنفتح والمسدود كعضو زائد من الخنثى انتهى ـ ولا يثبت للمنفتح أحكام المعتاد فلا ينقض خروج ريح منه ولا يجزئ الاستجمار فيه وغير ذلك وإن كانت غير الغائط والبول كالقيء أو الدم والقيح لم ينقض إلا كثيرها ـ وهو ما فحش في نفس كل أحد يحسبه ـ لو مص علق أو قراد لا ذباب وبعوض دما كثيرا ـ: نقض ولو شرب ماء وقذفه في الحال(1/37)
فنجس وينقض كثيره ولا ينقض بلغم معدة وصدر ورأس لطهارته ولا جشاء نصا.
الثالث: زوال العقل أو تغطيته ولو بنوم قال أبو الخطاب وغيره: ولو تلجم فلم يخرج منه شيء إلا نوم النبي صلى الله عليه وسلم ولو كثيرا على أي حال كان واليسير عرفا من جالس وقائم فإن شك في الكثير لم يلتفت إليه وإن رأى رؤيا فهو كثير وإن خطر بباله شيء لا يدرى أرؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه وينقض اليسير من راكع وساجد ومستند ومتكئ ومحتب كمضطجع.
الرابع: مس ذكر آدمي إلى أصول الأنثيين مطلقا بيده ببطن كفه أو بظهره أو بحرفه ـ غير ظفر ـ من غير حائل ولو بزائد وينقض مسه بفرج غير ذكر ولا ينقض وضوء ملموس ذكره أو فرجه أو دبره ولا مس بائن ومحله وقلفة وفرج امرأة بائنين ولا مس غير فرج المنفتح فوق المعدة أو تحتها ولا مسه بغير يد غير ما تقدم ولا مس زائد فإن لمس قبل خنثي مشكل وذكره ولو كان هو اللامس نقض1 لا أحدهما إلا أن يمس الرجل ذكره بشهوة أو المرأة فرجه بها وينقض مس حلقة دبر منه أو من غيره ومس امرأة فرجها الذي بين شفريها وهو مخرج بول ومنى وحيض لا شفريها وهما أسكتاها وينقض
__________
1 لتحقق لمس قبل أصلي منهما، سواء فرضنا الخنثى في الواقع رجلا أو امرأة.(1/38)
مس فرج امرأة أخرى ومس رجل فرجها ومسها ذكره ولو من غير شهوة.
الخامس: مس بشرته بشرة أنثى ومس بشرتها بشرته لشهوة من غير حائل غير طفلة وطفل ولو بزائد أو لزائد أو شلل ولو كان الملموس ميتا أو عجوزا أو محرما أو صغيرة تشتهى ولا ينتقض وضوء ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة ولا لمس شعر وظفر وسن وعضو مقطوع وأمرد مسه رجل ولا مس خنثى مشكل ولا بمسه رجلا أو امرأة ولا مس الرجل الرجل ولا المرأة المرأة ولو بشهوة فيهن.
السادس: غسل الميت أو بعضه ولو في قميص لا تيممه لتعذر غسل وغاسل الميت من يقلبه ويباشره ولو مرة لا من يصب الماء ونحوه.
السابع: أكل لحم الجزور نيئا وغير نيء تعبدا لا شرب لبنها ومرق لحمها وأكل كبدها وطحالها وسنامها وجلدها وكرشها ونحوه ولا طعام محرم أو نجس.
الثامن: موجبات الغسل كالتقاء الختانين وانتقال المنى وإسلام الكافر وغير ذلك توجب الوضوء غير الموت.
فهذه النواقض المشتركة وأما المخصوصة كبطلان المسح بفراغ مدته وبخلع حائله وغير ذلك فمذكور في أبوابه.
ولا نقض بكلام محرم ولا نقض بإزالة شعر وأخذ ظفر ونحوهما،(1/39)
ولا بقهقة ولا بما مست النار ولا يستحب الوضوء منهما.
ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين ولو عارضه ظن ولو في غير صلاة فإن تيقنهما وجهل اسبقهما فهو على ضد حاله قبلهما1 فإن جهل حاله قبلهما تطهر وإن تيقن فعلهما رفعا لحدث ونقضا لطهارة وجهل أسبقهما فعلى مثل حاله قبلهما2 وكذا لو تيقنهما وعين وقتا لا يسعهما سقط اليقين لتعارضه فإن جهل حالهما وأسبقهما أو تيقن حدثا وفعل طهارة فقط فعلى ضد حاله قبلهما وإن تيقن حدثا ناقضا وفعل طهارة جهل حالها فمحدث على أي حال كان قبلهما وعكس هذه الصورة بعكسها ويأتي إذا سمع صوت أو شم ريح من أحدهما.
__________
1 صورة ذلك أنه تيقن طهارة وحدثا في وقت كذا ولم يتأكد أنهما أسبق زمنا ولكنه يعلم حال نفسه قبل وقت الشك ويعلم أنه انتقل من تلك الحالة إلى نقيضها ضرورة فنقيضها هو المعتبر حالا له: طهارة كان النقيض أو حدثا ولا عبرة بالشك الباقي لضعفه أمام ذلك النقيض المتيقن.
2 اختلاف الحكم بين هذه والتي سبق التعليق عليها مبني على أمر واحد هو أنه في الأولى تيقن الطهارة والحدث، ولم يعلم حالهما فكان حكمها كما رأيت: وفي هذه تيقنهما وعلم حالهما: ومعنى العلم بحالهما، تذكره أن الطهارة كانت لرفع حدث وأن الحدث كان عن طهارة لا عن حدث آخر- وقوله: بعد فإن جهل حالهما وأسبقهما الخ أشبه بالتكرار مع الأول.(1/40)
فصل ومن أحدث حرم عليه الصلاة
فلو صلى معه لم يكفر والطواف ولو نفلا ولو يصح ويحرم عليه مس المصحف وبعضه من غير حائل ولو بغير يده حتى جلده وحواشيه ولو كان الماس صغيرا(1/40)
إلا بطهارة كاملة ولو تيمما سوى مس صغير لوحا فيه قرآن لا المكتوب فيه وما حرم بلا وضوء حرم بلا غسل وللمحدث حمله بعلاقته وفي غلافه وفي خرج فيه متاع وفي كمه وتصفحه بكمه أو عود ونحوه ومسه من وراء حائل كحمل رقى وتعاويذ فيها قرآن ومس تفسير ورسائل فيها قرآن ومنسوخ تلاوته والمأثور عن الله والتوراة والإنجيل فإن رفع الحدث عن عضو من أعضاء الوضوء لم يجز مس المصحف به قبل كمال الطهارة ولو قلنا يرتفع الحدث عنه ويحرم مسه بعضو متنجس لا بعضو طاهر إذا كان على غيره نجاسة وتجوز كتابته لمحدث من غير مس ولو لذمي ويمنع من قراءته وتملكه ويمنع المسلم من تمليكه له فإن ملكه بإرث أو غيره ألزم بإزالة ملكه عنه ويجوز للمسلم والذمي أخذ الأجرة على نسخه ويحرم بيعه ـ ويأتي في كتاب البيع ـ وتوسده والوزن به والاتكاء عليه وكذا كتب العلم التي فيها قرآن وإلا كره وإن خاف عليها فلا بأس ولا يكره نقط المصحف وشكله وكتابة الأعشار فيه وأسماء السور وعدد الآيات والأحزاب ونحوها وتحرم مخالفة خط عثمان في واو وياء وألف وغير ذلك نصا ويكره مد الرجلين إلى جهته وفي معناه استدباره وتخطيه ورميه إلى الأرض بلا وضع ولا حاجة بل هو بمسألة التوسد أشبه قال الشيخ: وجعله عند القبر منهي عنه ولو جعل للقراءة هناك ورمى رجل بكتاب عند أحمد فغضب وقال: هكذا يفعل بكلام الأبرار؟ ويحرم السفر به إلى دار الحرب وتكره تحليته بذهب أو فضة نصا ويحرم في كتب العلم ويباح تطييبه وجعله على كرسي وكيسه الحرير(1/41)
وقال ابن الزاغونى: يحرم كتبه بذهب ويؤمر بحكه فإن كان يجتمع منه ما يتمول زكاه واستفتاح الفال فيه فعله ابن بطة ولم يره الشيخ وغيره ويحرم أن يكتب القرآن وذكر الله بشيء نجس أو عليه أو فيه فإن كتبا به أو عليه أو فيه أو تنجس وجب غسله وقال في الفنون: إن قصد بكتبه بنجس إهانته فالواجب قتله انتهى وتكره كتابته في الستور وفيما هو مظنة بذلة ولا تكره كتابة غيره من الذكر فيما لم يدرس وإلا كره شديدا ويحرم دوسه وكره أحمد شراء ثوب فيه ذكر الله يجلس عليه ويداس ولو بلى المصحف أو اندرس دفن نصا ويباح تقبيله ونقل جماعة الوقف في جعله على عينيه وظاهر الخبر لا يقام له وقال الشيخ: إذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض فقيامهم لكتاب الله أحق ويباح كتابة آيتين فأقل إلى الكفار وقال ابن عقيل: تضمين القرآن لمقاصد تضاهى مقصود القرآن لا بأس به كما يضمن في الرسائل آيات إلى الكفار وتضمنه الشعر لصحة القصد وسلامة الوضع وأما تضمينه لغير ذلك فظاهر كلام ابن القيم التحريم ولا بأس أن يقول: سورة كذا والسورة التي يذكر فيها كذا لوروده في الإخبار وآداب القراءة تأتى في صلاة التطوع.(1/42)
باب ما يوجب الغسل وما يسن له وصفته
مدخل
...
باب ما يوجب الغسل وما يسن له وصفته
وهو استعمال ماء طهور في جميع بدنه على وجه مخصوص وموجبه ستة.
أحدهما: خروج المنى من مخرجه ولو دما دفقا بلذة فان خرج لغير ذلك من غير نائم ونحوه لم يوجب وإن انتبه بالغ أو من يمكن بلوغه كابن عشر ووجد بللا جهل كونه منيا بلا سبب تقدم نومه من برد أو(1/42)
نظر أو فكر أو ملاعبة أو انتشار وجب الغسل كتيقنه فيها وغسل ما أصابه من بدن وثوب وإن تقدم نومه سبب من برد أو نظر أو فكر أو ملاعبة أو انتشار أو تيقنه مذيا لم يجب غسل ولا يجب بحلم بلا بلل فان انتبه ثم خرج إذن وجب وان وجد منيا في ثوب لا ينام فيه غيره فعليه الغسل وإعادة المتيقن من الصلاة وهو فيه وإن كان ينام هو وغيره فيه وكان من أهل الاحتلام فلا غسل عليهما ومثله إن سمع صوت أو شم ريح من أحدهما لا يعلم عينه لم تجب الطهارة على واحد منهما1 ولا يأتم أحدهما بالآخر ولا يصافه وحده فيهما وكذا كل اثنين تيقن موجب الطهارة من أحدهما لا بعينه كرجلين لمس كل واحد منهما أحد فرجي خنثى مشكل لغير شهوة والاحتياط أن يتطهرا وان أحس بانتقال المنى فحبسه لم يخرج وجب الغسل كخروجه ويثبت به حكم بلوغ وفطر وغيرهما وكذا انتقال حيض قاله الشيخ فان خرج المنى بعد الغسل من انتقاله أو بعد غسله من جماع لم ينزل فيه أو خرجت بقية منى اغتسل له بغير شهوة لم يجب الغسل ولو خرج إلى قلفة الأقلف أو فرج المرأة وجب ولو خرج منيه من فرجها بعد غسلها فلا غسل عليها ويكفى الوضوء وإن دب منيه أو منى امرأة أخرى بسحاق فدخل فرجها فلا غسل عليها بدون إنزال وتقدم في الباب قبله.
الثاني: تغييب حشفة أصلية أو قدرها ـ إن فقدت ـ بلا حائل
__________
1 لأن كلا منهما متيقن من طهارة نفسه شاك في الحدث، والشك لا أثر له وعدم الائتمام لأن كلا يشك في طهارة الآخر وفي صحة صلاته.(1/43)
في فرج أصلى قبلا كان أو دبرا من آدمي ولو مكرها أو بهيمة حتى سمكة وطير حي أو ميت ولو كان مجنونا أو نائما بأن أدخلتها في فرجها فيجب الغسل على النائم والمجنون كهي1 وان استدخلتها من ميت أو بهيمة وجب عليها دون الميت فلا يعاد غسله ويعاد غسل الميتة الموطوءة ولو كان المجامع غير بالغ نصا فاعلا ومفعولا يجامع مثله كابنة تسع وابن عشر فيلزمه غسل ووضوء بموجباته إذا أراد ما يتوقف على غسل أو وضوء لغير لبث بمسجد أو مات شهيدا قبل غسله ويرتفع حدثه بغسله قبل البلوغ ولا يجب غسل بتغييب بعض الحشفة ولا بإيلاج بحائل مثل أن لف على ذكره خرقة أو أدخله في كيس ولا بوطء دون الفرج من غير إنزال ولا بالتصاق ختانيهما من غير إيلاج ولا بسحاق بلا إنزال ولا بإيلاج في غير أصلى كإيلاج رجل في قبل الخنثى2 أو إيلاج الخنثى ذكره في قبل أو دبر بلا إنزال وكذا لو وطيء كل واحد الخنثيين الآخر بالذكر في القبل أو الدبر وإن تواطأ رجل وخنثى في دبريهما فعليها الغسل وإن وطئ الخنثى بذكره امرأة وجامعه رجل في قبله فعلى الخنثى الغسل وأما الرجل والمرأة فيلزم أحدهما الغسل لا بعينه3 ولو قالت امرأة بي جني يجامعني كالرجل فعليها الغسل والأحكام المتعلقة بتغييب الحشفة كالأحكام المتعلقة بالوطء الكامل وجمعها بعضهم فبلغت أربعمائة إلا ثمانية أحكام -ذكره ابن القيم: في تحفة المودود في أحكام المولود-
__________
1 لعدم اشتراط النص فيما يوجب الطهارة.
2 المراد بالخنثى في هذه من لم يتضح أنوثته، وفي الثانية: الذي لم يتضح ذكوريته.
3 وعليه فلا يأتم أحدهما بالآخر حتى يغتسلا احتياطا.(1/44)
الثالث: إسلام الكافر ولو مرتدا أو مميزا سواء وجد منه في كفره ما يوجب الغسل أو لا وسواء اغتسل قبل إسلامه أو لا ولا يلزمه غسل بسبب حدث منه في حال كفره بل يكفيه غسل الإسلام ووقت وجوبه على المميز كوقت وجوبه على المميز المسلم إلا حائضا ونفساء كتابيتين إذا اغتسلتا لوطء زوج أم سيد مسلم ثم أسلمتا فلا يلزمها إعادة الغسل ويحرم تأخير إسلام لغسل أو غيره ولو استشار مسلما فأشار بعدم إسلامه أو أخر عرض الإسلام عليه بلا عذر لم يجز ولم يصر مرتدا.
الرابع: الموت تعبدا غير شهيد معركة ومقتول ظلما ويأتي.
الخامس: خروج حيض فإن كان عليها جنابة فليس عليها أن تغتسل حتى ينقطع حيضها نصا فان اغتسلت للجنابة في زمن حيضها صح بل يستحب ويزول حكم الجنابة ويأتي أو الحيض.
السادس: خروج نفاس ـوهم الدم الخارج بسبب الولادةـ ولا يجب بولادة عريت عن دم فلا يبطل الصوم ولا يحرم الوطء بها ولا بإلقاء علقة أو مضغة والولد طاهر ومع الدم يجب غسله.(1/45)
فصل ومن لزمه الغسل حرم عليه الاعتكاف وقراءة آية فصاعدا لا بعض آية ولو كرره
ما لم يتحيل على قراءة تحرم عليه وله تهجيه والذكر وقراءة لا تجزئ في الصلاة لإسرارها وله قول ما وافق قرآنا ولو يقصده كالبسملة وقول الحمد لله رب العالمين وكآية الاسترجاع والركوب وله أن ينظر في المصحف من غير تلاوة ويقرأ عليه وهو(1/45)
ساكت ويمنع كافر من قراءة آية ولو رجي إسلامه ولجنب عبور مسجد ولو لغير حاجة وكذا حائض ونفساء مع أمن تلويثه وان خافتا تلويثه حرم لبثهما فيه ويأتي في الحيض ويمنع من عبوره واللبث فيه السكران والمجنون ويمنع من عليه نجاسة تتعدى ولا يتيمم لها لعذر1 ويسن منع الصغير منه ويمنع من اللعب فيه لا لصلاة وقراءة ويكره اتخاذ المسجد طريقا ويأتي في الاعتكاف ويحرم على جنبب وحائض ونفساء انقطع دمهما لبث فيه ولو مصلى عيد لأنه مسجد ـ لا مصلى الجنائز2 إلا أن يتوضأ فلو تعذر واحتيج إليه جاز من غير تيمم نصا وبه أولى ويتيمم لأجل لبثه فيه لغسل ولمستحاضة ومن به سلس البول عبوره واللبث فيه مع أمن تلويثه ومع خوفه يحرمان ولا يكره لجنب ونحوه إزالة شيء من شعره وظفره قبل غسله.
__________
1 يعني إذا احتاج والحالة هذه للمكث أو المرور فلا معنى لليتيم حيث ى يمنع النجاسة وهو الراجح.
2 مصلى الجنائز لا يعتبر مسجدا لعدم اشتمالها على ركوع وسجود.(1/46)
فصل يسن الغسل لصلاة الجمعة لحاضرها في يومها إن صلاها لا لامرأة
نصا والأفضل عند مضيه إليها عن جماع فان اغتسل ثم أحدث أجزأه الغسل وكفاه الوضوء وهو آكد الاغتسال المسنونة وعيد في يومها لحاضرها إن صلى ولو وحده إن صحت صلاة المنفرد فيها ولكسوف واستسقاء ومن غسل ميت مسلم أو كافر ولجنون أو إغماء بلا إنزال منى ومعه يجب ولاستحاضة لكل صلاة ولا حرام ودخول(1/46)
مكة ودخول حرمها نصا ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ورمى جمار وطواف زيارة ووداع ويتيمم للكل لحاجة ولما يسن له الوضوء لعذر ولا يستحب الغسل لدخول طيبة ولا للحجامة ولبلوغ وكل اجتماع والغسل الكامل أن ينوى ثم يسمى ثم يغسل يديه ثلاثا ثم يغسل مالوثه من أذى ثم يضرب بيديه الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا ثم يتوضأ كاملا ثم يحثي على رأسه ثلاثا يروى بكل مرة أصول شعره ثم يفيض الماء على بقية جسده ثلاثا يبدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر ويدلك بدنه بيده ويتفقد أصول شعره وغضاريف أذنيه وتحت حلقه وإبطيه وعمق سرته وحالبيه وبين إليتيه وطي ركبتيه ويكفى الظن في الإسباغ ثم يتحول عن موضعه فيغسل قدميه ولو في حمام ونحوه وإن أخر غسل قدميه في وضوئه فغسلهما آخر غسله فلا بأس وتسن موالاة ولا تجب كالترتيب1 فلو اغتسل إلا أعضاء الوضوء لم يجب الترتيب فيها لأن حكم الجنابة باق وإن فاتت الموالاة جدد لإتمامه نية وجوبا ويسن سدر في غسل كافر أسلم وإزالة شعره فيحلق رأسه إن كان رجلا ويغسل ثيابه ويختن وجوبا بشرطه2 ويسن في غسل حيض ونفاس سدر وأخذها مسكا إن لم تكن محرمة فتجعله في فرجها في قطنة أو غيرها بعد غسلها ليقطع الرائحة فإن لم تجد فطيبا لا
__________
1 يعني كما لا يجب في الغسل الواجب ترتيب بين الأعضاء لأن الجسم بمنزلة العضو الواحد.
2 شرطه التكليف وعدم الضرر.(1/47)
لمحرمة فإن لم تجد فطينا ولو محرمة فإن تعذر فالماء كاف والغسل المجزئ أن يزيل ما به من نجاسة أو غيرها تمنع وصول الماء إلى البشرة إن وجد وينوى ثم يسمى ثم يعم بدنه بالغسل حتى فمه وأنفه كوضوء وزاهر شعره وباطنه مع نقضه لغسل حيض ونفاس لا جنابة إذا روت أصوله وحتى حشفة أقلف إن أمكن تشميرها وما تحت خاتم ونحوه فيحركه وما يظهر من فرجها عند قعودها لقضاء حاجتها ولا ما أمكن من داخله وداخل عين وتقدم في الوضوء فإن كان على شيء من محل الحدث نجاسة ارتفع الحدث قبل زوالها كالطاهرات.(1/48)
فصل ويسن أن يتوضأ بمد
-وهو مائة وأحد وسبعون درهما وثلاثة أسباع درهمهم ومائة وعشرون مثقالا ورطل وثلث رطل عراقي وما وافقه ورطل وأوقيتان وسبعا أوقية مصري وما وافقه وثلاثة أواق وثلاثة أسباع أوقية دمشقية وما وافقه وأوقيتان وستة أسباع أوقية حلبية وما وافقه وأوقيتان وأربعة أسباع أوقية قدسية وما وافقه وأوقيتان وسبعا أوقية بعلية وما وافقه ـ ويغتسل بصاع ـ وهو ستمائة وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم وأربعمائة وثمانون مثقالا وخمسة أرطال وثلث رطل عراقي بالبر الرزين نص عليهما وأربعة أرطال وتسع أواق وسبع أوقية مصري ورطل وأوقية وخمسة أسباع أوقية دمشقي وإحدى عشرة أوقية وثلاثة أسباع أوقية حلبية وعشر أواق وسبعا أوقية قدسية وتسع أواق وسبع أوقية بعلية ـ وهذا ينفعك هنا وفي الفطرة والفدية والكفارة وغيرها فإن أسبغ بدونهما أجزأه(1/48)
ولم يكره والإسباغ تعميم العضو بالماء فإن مسحه أو أمر الثلج عليه لم تحصل الطهارة به وإن ابتل به العضو إلا أن يكون خفيفا فيذوب ويجرى على العضو ويكره الإسراف في الماء ولو على نهر جار وإذ اغتسل ينوى الطهارتين من الحدثين أو رفع الحدث وأطلق أو استباحة الصلاة أو أمرا لا يباح إلا بوضوء وغسل كمس مصحف أجزأه عنهما وسقط الترتيب والموالاة وإن نوى قراءة القرآن ارتفع الأكبر فقط وإن نوى أحدهما لم يرتفع غيره ومن توضأ قبل غسله كره له إعادته بعد الغسل إلا أن ينتقض وضوئه بمس فرجه أو غيره وإن نوت من انقطع حيضها بغسلها حل الوطء صح ويسن لكل جنب ولو امرأة وحائضا ونفساء بعد انقطاع الدم إذا أرادت النوم أو الأكل أو الشرب أو الوطء.
ثانيا أن يغسل فرجه وتوضأ لكن الغسل لوطء أفضل ـ ويأتي في عشرة النساء ـ ولا يضر نقضه بعد ذلك ويكره تركه لنوم فقط ولا يكره أن يأخذ الجنب ونحوه من شعره وأظافره ولا أن يختضب قبل الغسل نصا(1/49)
فصل بناء الحمام وبيعه وشراؤه وإجارته وكسبه وكسب البلان والمزين مكروه
قال أحمد: يبنى حماما للنساء: ليس بعدل ـ وللرجل دخوله إذا أمن وقوع محرم بأن يسلم من النظر إلى عورات الناس ونظرهم إلى عورته فإن خافه كره وإن علمه حرم وللمرأة دخوله بالشرط المذكور ولوجود عذر من حيض أو نفاس أو جنابة أو مرض أو حاجة إلى الغسل ولا يمكنها أن تغتسل في بيتها لخوفها من مرض أو نزلة وإلا حرم نصا لا في حمام دارها ويقدم رجله اليسرى(1/49)
في دخول الحمام والمغتسل ونحوهما والأولى في الحمام أن يغسل قدميه وإبطيه بماء بارد عند خوله ويلزم الحائط وقصد موضعا خاليا ولا يدخل البيت الحار حتى يعرق في البيت الأول ويقلل الالتفات ولا يطيل المقام إلا بقدر الحاجة ويغسل قدميه عند خروجه بماء بارد ـ قال في المستوعب: فإنه يذهب الصداع ـ ولا يكره دخوله قرب الغروب ولا بين العشاءين ويحرم أن يغتسل عريانا بين الناس فإن ستره إنسان بثوب أو اغتسل عريانا خاليا فلا بأس والتستر أيفضل وتكره القراءة فيه ولو خفض صوته وكذا السلام لا الذكر وسطحه ونحوه كبقيته.(1/50)
باب التيمم
مدخل
...
باب التيمم
وهو: وهو مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه مخصوص بل عن طهارة الماء ويجوز حضرا وسفرا ولو غير مباح أو قصيرا لأن التيمم عزيمة لا يجوز تركه ـ قال القاضي لو خرج إلى ضيعة له تقارب البنيان والمنازل ولو بخمسين خطوة جاز له التيمم والصلاة على الراحلة وأكل الميتة للضرورة ـ ويجوز لكل ما يفعل بالماء عند العجز عنه شرعا من صلاة وطواف وسجود تلاوة وشكر وقراءة قرآن ومس مصحف ووطء حائض انقطع دمها ولبث في مسجد سوى جنب وحائض ونفساء انقطع دمهما في مسألة تقدمت في الباب قبله ونجاسة على غير بدن ولا يكره الوطء لعادم الماء والتيمم مبيح لا يرفع الحدث ـ ويصح بشرطين.
أحدهما: ـ دخول وقت ما يتيمم له فلا يصح لفرض ولا لنفل(1/50)
معين كسنة راتبة ونحوها قبل وقتهما نصا ولا لنفل في وقت نهى عنه ويصح لفائتة إذا ذكرها وأراد فعلها ولكسوف عند وجوده ولاستسقاء إذا اجتمعوا ولجنازة إذا غسل الميت أو يمم لعذر ولعيد إذا دخل وقته ولمنذورة كل وقت ولنفل عند جواز فعله.
الثاني: العجز عن استعمال الماء فيصح لعدمه بحبس أو غيره ولعجز مريض عن الحركة وعمن يوضئه إذا خاف فوت الوقت إن انتظر من يوضئه وعن الاغتراف ولو بفمه أو لخوف ضرر باستعماله في بدنه جرح أو برد شديد ولو حضرا يخاف منه نزلة أو مرضا ونحوه بعد غسل ما يمكنه وتعذر تسخينه أو لخوف بقاء شين أو مرض يخشى زيادته أو تطاوله ولفوات مطلوبه أو عطش يخافه على نفسه ولو متوقعا أو رفيقه المحترم ولا فرق بين المزامل له أو واحد من أهل الركب ويلزمه بذله له لا لطهارة غيره بحال أو على بهيمته أو بهيمة غيره المحترمين ـ قال ابن الجوزي: ـ إن احتاج الماء للعجن والطبخ ونحوهما تيمم وتركه ـ وإذا وجد الخائف من العطش ماء طهورا أو ماء نجسا يكفيه كل منهما لشربه حبس الطاهر وأراق النجس إن استغنى عن شربه فإن خاف حبسهما ولو مات رب الماء يممه رفيقه العطشان ويغرم ثمنه في مكانه وقت إتلافه لورثته ومن أمكنه أن يتوضأ ويجمع الماء ويشربه لم يلزمه لأن النفس تعافه ومن خاف فوتا رفقته ساغ له التيمم وكذا لو خاف على نفسه أو ماله في طلبه خوفا محققا لا جنبا: كإن كان بينه وبين الماء سبع أو حريق أو لص ونحوه أو خاف غريما(1/51)
يلازمه ويعجز عن أدائه أو خافت امرأة فساقا في طلبه ولو كان خوفه بسبب ظنه فتبين عدم السبب مثل من رأى سوادا بالليل ظنه عدو فتبين أنه ليس بعدو بعد أن تيمم وصلى لم يعد ويلزمه شراء الماء بثمن مثله في تلك البقعة أو مثلها غالبا وزيادة يسيرة كضرر يسير في بدنه من صداع أو برد لا بثمن يعجز عنه أو يحتاجه لنفقة ونحوها وحبل ودلو كما يلزمه طلبهما وقبولهما عارية وإن قدر على ماء بئر بثوب يبلله ثم يعصره لزمه إن لمن تنقص قيمة الثوب أكثر من ثمن الماء ويلزمه قبول الماء قرضا وكذا ثمنه وله وفاء يوفيه لا اقتراض ثمنه ويلزمه قبول الماء هبة لا ثمنه ولا شراءه بدين في ذمته فإن كان بعض بدنه جريحا ونحوه وتضرر تيمم له ولما يتضرر بغسله مما قرب منه فإن عجز عن ضبطه لزمه أن يستنيب إن قدر وإلا كفاه التيمم فإن أمكن مسحه بالماء وجب وأجزأ وإن كان الجرح في بعض أعضاء الوضوء لزمه مراعاة ترتيب وموالاة في وضوء فيتيمم له عند غسله لو كان صحيحا فإن كان الجرح في الوجه قد استوعبه لزمه التيمم أولا ثم يتم الوضوء وإن كان في بعض الوجه خير بين غسل الصحيح منه ثم يتيمم وبين التيمم ثم يغسل صحيح وجهه ثم يكمل وضوءه فإن كان الجرح في عضو آخر لزمه غسل ما قبله ثم كان الحكم فيه على ما ذكرنا في الوجه وإن كان في وجهه ويديه ورجليه احتاج في كل عضو إلى تيمم في محل غسله ليحصل الترتيب ويبطل وضوءه وتيممه بخروج الوقت ولا تبطل طهارته بالماء إن كان غسلا لجنابة ونحوها بخروجه بل التيمم فقط وإن(1/52)
وجد ما يكفى بعض بدنه لزمه استعماله جنبا كان أو محدثا ثم يتيمم للباقي وإن وجد ترابا لا يكفيه للتيمم استعمله وصلى ومن كان على بدنه نجاسة وهو محدث والماء يكفى أحدهما غسل النجاسة ثم يتيمم من الحدث إلا أن تكون النجاسة في محل يصح تطهيره من الحدث فيستعمله فيه عنهما ولا يصح تيممه إلا بعد غسل النجاسة ولو كانت النجاسة في ثوبه غسله أولا ثم تيمم.(1/53)
فصل ومن عدم الماء وظن وجوده أو شك ولو يتحقق عدمه لزمه طلبه
في رحله وما قرب منه عرفا فيفتش من رحله ما يمكن أن يكون فيه ويسعى في جهاته الأربع إلى ما قرب منه مما عادة القوافل السعي إليه ويسأل رفقته عن موارده وعن ماء معهم ليبيعوه له أو يبذلوه ووقت الطلب بعد دخول الوقت فلا أثر لطلبه قبل ذلك فإن رأى خضرة أو شيئا يدل على الماء لزمه قصده فاستبرأه وإن كان بقربه ربوة أو شيء قائم أتاه فطلب عنده وإن كان سائر طلبه أمامه فإن دله عليه ثقة أو علمه قريبا لزمه قصده ويلزمه طلبه لوقت كل صلاة ومن خرج إلى أرض بلدة لحرث أو صيد أو احتطاب ونحوها حمله إن أمكنه وإن لم يمكنه حمله ولا الرجوع للوضوء إلا بتفويت حاجته تيمم وصلى ولا يعيد كما لو كانت حاجته في أرض قرية أخرى ولو كانت قريبا ولو مر بماء قبل الوقت أو كان معه فأراقه ثم دخل الوقت وعدم الماء صلى بالتيمم ولا إعادة عليه وإن مر به في الوقت وأمكنه الوضوء ولم يتوضأ ويعلم أنه لا يجد غيره أو كان معه فأراقه في الوقت أو باعه فيه(1/53)
أو وهبه فيه حرم ولو يصح البيع والهبة أو ووهب له فلم يقبل حرم أيضا، وإن تيمم وصلى في الجميع صح ولم يعد وإن نسى الماء أو جهله بموضع يمكنه استعماله وتيمم لم يجزئه كأن يجده بعد ذلك في رحله وهو في يده أو ببئر بقربه أعلامها ظاهرة فأما إن ضل عن رحله وفيه الماء وقد طلبه أو كانت أعلام البئر خفية ولم يكن يعرفها أو كان يعرفها وضل عنها فإن التيمم يجزئه ولا إعادة عليه وإن أدرج أحد الماء في رحله ولو يعلم به أو كان الماء مع عبده ولم يعلم به السيد ونسى العبد أن يعلمه حتى صلى بالتيمم فإنه يعيد.
ويتيمم لجميع الأحداث ولنجاسة على جرح وغيره على بدنه فقط تضره إزالتها أو الماء ولا إعادة بعد أن يخفف منها ما أمكنه لزوما وإن تيمم حضرا أو سفرا خوفا من البرد وصلى فلا إعادة عليه ومن عدم الماء والتراب أو لم يمكنه استعمالهما لمانع كمن به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بوضوء ولا تيمم صلى على حسب حاله وجوبا ولا إعادة ولا يزيد هنا على ما يجزئ في الصلاة من قراءة وغيرها ولا يتنفل ولا يؤم متطهرا بماء أو تراب ولا يقرأ في غير صلاة إن كان جنبا ونحوه وتبطل صلاته بالحدث فيها لا بخروج وقتها وتبطل الصلاة على الميت إذا لم يغتسل ولم يتيمم لغسله أو بتيممه بعدها وتعاد الصلاة عليه ويجوز نبشه لأحدهما مع أمن تفسخه.(1/54)
فصل ولا يصح التيمم إلا بتراب طهور مباح غير محترق له غبار
يعلق باليد ولو على لبد أو غيره حتى مع وجود تراب لا بطين(1/54)
لكن إن أمكنه تجفيفه والتيمم قبل خروج الوقت لزمه ذلك ولا بتراب مقبرة تكرر نبشها فإن لم يتكرر جاز وأعجب الإمام أحمد حمل التراب لأجل التيمم وقال الشيخ وغيره: لا يحمله وهو الصواب ولو وجد ثلجا وتعذر تذويبه لزمه مسح أعضائه به ويعيد وإن كان يجرى إذا مس يده لم يعد ولو نحت الحجر حتى صار ترابا لم يصح التيمم به لا الطين الصلب كالأرمني إذا دقه فإن خالط التراب ذو غبار لا يصح التيمم به كالجص ونحوه فكالماء إذا خالطته الطاهرات ولا يكره التيمم بتراب زمزم مع أنه مسجد وما تيمم به كماء مستعمل ولا بأس بما تيمم منه ويشترط النية لما يتيمم له ولو يممه غيره فكوضوء وتقدم فيه فينوى استباحة ما لا يباح إلا به فإن نوى رفع الحدث لم يجزئه.(1/55)
فصل وفرائضه أربعة
مسح جميع وجهه ولحيته ـسوى ما تحت شعره ولو خفيفا ومضمضة واستنشاق بل يكرهان- بقي من محل الفرض شيء لم يصله التراب أمر يده عليه ما لم يفصل راحته فإن فصلها وقد كان بقى عليها غبار جاز أن يمسح بها وإن لم يبق عليها شيء ضرب ضربة أخرى وإن نوى وأمر وجهه على تراب أو صمده للريح فعم التراب ومسحه به صح لا إن سفته ريح قبل النية فمسح به ومسح يديه إلى كوعيه فلو قطعت يده من الكوع لا من فوقه وجب مسح موضع القطع وتجب التسمية كوضوء وتقدم.
وترتيب وموالاة في غير حدث أكبر وهي هنا زمنا بقدرهما في الوضوء.(1/55)
ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث أصغر أو أكبر أو نجاسة على بدنه وإن كان عن جر ح في عضو من أعضائه نوى التيمم عن غسل ذلك العضو فإن نوى جميعها صح وأجزأه وإن نوى أحدها لم يجزئه عن الآخر فلو تيمم للجنابة دون الحدث أبيح له ما يباح للمحدث من قراءة ولبث في مسجد ولم تبح له صلاة وطواف ومس مصحف وإن أحدث لم يؤثر ذلك في تيممه وإن تيمم للجنابة والحدث ثم أحدث بطل تيممه وبقى تيمم الجنابة ولو تيممت بعد طهرها من حيضها لحدث الحيض ثم أجنبت لم يحرم وطؤها وإن تنوعت أسباب أحد الحدثين ونوى أحدها أجزأ عن الجميع ومن نوى شيئا استباحه ومثله ودونه لا أعلى منه فإن نوى نفلا أو أطلق النية للصلاة لم يصل إلا نفلا وإن نوى فرضا فعله ومثله كمجموعة وفائتة ودونه فاعلاه فرض عين فنذر فكفاية فنافلة فطواف نفل فمس مصحف فقراءة فلبث ولو تيمم صبي لصلاة فرض ثم بلغ لم يحز له أن يصلى به فرضا لأن ما نواه كان نفلا.(1/56)
فصل ويبطل التيمم بخروج الوقت
حتى من جنب لقراءة ولبث في مسجد وحائض لوطء ولطواف ونجاسة وجنازة ونافلة ونحوها ما لم يكن في صلاة جمعة فيلزم من تيمم لقراءة ووطء ونحوه الترك لكن لو نوى الجمع في وقت الثانية ثم تيمم لها أو لفائتة في وقت الأولى لم يبطل بخروجه ويبطل بوجود الماء لعادمه وبزوال عذر مبيح له ثم إن وجده بعد صلاته أو طوافه لم تجب إعادته وإن(1/56)
وجده بطلت ووجبت الإعادة وبمبطلات وضوء إذا كان تيممه عن حدث أصغر وعن حدث أكبر بما يوجبه إلا غسل حيض ونفاس إذا تيممت له فلا يبطل بمبطلات غسل ووضوء بل بوجود حيض ونفاس وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه بطل تيممه نصا ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار لمن يعلم أو يرجو وجود الماء فإن استوى عنده الأمران فالتأخير أفضل وإن تيمم وصلى أول الوقت أجزأه.
وصفة التيمم أن ينوى استباحة ما يتيمم له ثم يسمى ويضرب يديه مفرجتي الأصابع على التراب أو غيره مما فيه غبار طهور كلبد أو ثوب أو بساط أو حصير أو برذعة حمار ونحوها ضربة واحدة بعد نزع خاتم ونحوه فإن علق بيديه تراب كثير نفخه إن شاء وإن كان خفيفا كره نفخه فإن ذهب ما عليهما بالنفخ أعاد الضرب فيمسح وجهه بباطن أصابعه ثم كفيه براحتيه وإن مسح بضربتين بأحدهما وجهه وبالأخرى يديه أو بيد واحدة أو ببعض يده أو بخرقة أو خشبة أو كان التراب ناعما فوضع يديه عليه وضعا جاز ـ وفي الرعاية لو مسح وجهه بيمينه ويمينه بيساره أو عكس وخلل أصابعهما فيها صح انتهى ـ وإن مسح بأكثر من ضربتين مع الاكتفاء بما دونه كره ومن حبس في المصر أو قطع المياه عن بلدة صلى بالتيمم بلا إعادة ولا يصح التيمم خوف فوت جنازة ولا عيد ولا مكتوبة إلا إذا وصل مسافر إلى ماء وقد ضاق الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد الوقت أو علمه(1/57)
قريبا أو دله ثقة وخاف فوت الوقت أو دخول وقت الضرورة أو فوت عدو أو فوت غرضه المباح وإن اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض فبذل ما يكفى أحدهم أو نذر أو وصى به لأولادهم به أو وقف عليه فلميت فإن كان ثوبا صلى فيه حي ثم كفن به ميت وحائض أولى من جنب وهو أولى من محدث ومن كفاه وحده منهما فهو أولى به ومن عليه نجاسة على بدنه أو ثوبه أو بقعته أولى من الجميع ويقدم ثوب على بدن ويقدم على غسلها غسل طيب محرم ويقرع مع التساوي وإن تطهر به غير الأولى أساء وصحت وإن كان ملكا لأحدهم لزمه استعماله ولم يؤثر به ولو لأبويه وتقدم في الطهارة ولو احتاج حي كفن ميت لبرد يخشى منه التلف قدم على الميت.(1/58)
باب إزالة النجاسة الحكمية
مدخل
...
باب إزالة النجاسة الحكمية
وهي الطارئة على محل طاهر ولا تصح إزالتها بغير ماء طهور ولو غير مباح والعينية لا تطهر بغسلها بماء وتقدم والكلب والخنزير نجسان يطهر متنجس بهما وبمتولد منهما أو من أحدهما أو بشيء من أجزائهما غير أرض ونحوهما بسبع غسلات منقية إحداهن بتراب طهور وجوبا والأولى أولى ويوم أشنان وصابون وبنخالة ونحوها مقامه ولو مع وجوده لا غسلة ثامنة ويعتبر استيعاب المحل به إلا فيما يضر فيكفى مسماه ويعتبر مزجه بماء يوصله إليه لا ذره وإتباعه الماء وتطهر بقية المتنجسات بسبع منقية ولا يشترط لها تراب فإن لم ينق زاد حتى ينقى في الكل ولا يضر بقاء لون أو ريحها(1/58)
أو هما عجزا ويطهر ويضر طعم وإن استعمل في إزالته ما يزيله كالملح وغيره فحسن ولا يجب ويحرم استعمال طعام وشراب في إزالة النجاسة لإفساد المال المحتاج إليه كما ينهى عن ذبح الخيل التي يجاهد عليها والإبل التي يحج عليها والبقر التي يحرث عليها ونحو ذلك لما في ذلك من الحاجة إليها قاله الشيخ ولا بأس باستعمال النخلة الخالصة في التدلك وغسل الأيدى بها وكذا ببطيخ ودقيق الباقلاء وغيرها مما له قوة الجلاء لحاجة ويغسل ما نجس ببعض الغسلات بعدد ما يفي بعد تلك الغسلة بتراب إن لم يكن استعمل حيث اشترط ويعتبر العصر كل مرة مع إمكانه فيما تشرب نجاسة ليحصل انفصال الماء عنه ولا يكفى تجفيف بدل العصر وإن لم يمكن عصره كالزلالي ونحوها فبدقها أو دوسها أو تقليبها مما يفصل بالماء عنها ولو عصر الثوب في ماء ولو جاريا ولم يرفعه منه لم يطهر فإذا رفعه منه فهي غسلة واحدة يبنى عليها ولا يكفى في العدد تحريكه الماء وخضخضة وإن وضعه في إناء وصب عليه الماء فغسلة واحدة يبنى عليها ويطهر نصا وعصر كل ثوب على قدر الإمكان بحيث لا يخاف عليه الفساد وما لم يتشرب كالآنية يطهر بمرور الماء عليه وانفصاله ولا يكفى مسحه ولو كان صقيلا كسيف ونحوه فلو قطع به قبل غسله مما فيه بلل كبطيخ ونحوه نجسه وإن كان رطبا لا بلل فيه كجبن ونحوه فلا بأس به وإن لصقت النجاسة وجب في إزالتها الحت والقرض إن لم تزل بدونهما قال في التلخيص وغيره إن لم يتضرر المحل بهما ويحسب العدد في إزالتها من أول غسلة ولو قبل زوال عينها فلم لم تزل في الغسلة الأخيرة أجزأ.(1/59)
فصل وتطهر أرض متنجسة
وتطهر أرض متنجسة بمائع أو ذات جرم أزيل عنها ولو من كلب نصا وصخر وأجرنة حمام وحيطان وأحواض ونحوها بمكاثرة الماء عليها ولو من مطر وسيل بحيث يغمرها من غير عدد ولو يبق للنجاسة عين ولا أثر من لون أو ريح ـ إن لم يعجز ولو لم ينفصل الماء ـ وطعم وإن تفرقت أجزاؤها واختلطت الأرض بأجزاء كالرميم والدم إذا جف والروث لم تطهر بالغسل بل بإزالة أجزاء المكان ولو بإدرار البول ونحوه وهو رطب فقلع التراب الذي عليه أثره فالباقي طاهر وإن جف فأزال ما عليه الأثر لم تطهر إلا أن يقلع ما يتيقن به زوال ما أصابه البول والباقي طاهر ولا تطهر أرض متنجسة ولا غيرها بشمس ولا ريح ولا جفاف ولا نجاسة باستحالة ولا نار فالقصر مل وصابون عمل من زيت نجس ودخان نجاسة وغبارها وما تصاعد من بخار ماء نجس إلى جسم صقيل أو غيره وتراب جبل بروث حمار نجس إلا علقة خلق منها آدمي وخمرة انقلبت خلا بنفسها أو بنقلها لغير قصد التخليل ويحرم تخليلها فإن خللت ولو بنقلها لقصده لم تطهر ودنها مثلها فيطهر بطهارتها ولو مما لم يلاق الخل مما فوقه مما أصابه الخمر في غليانه كمحتقر من الأرض طهر ماؤه بمكث أو بإضافة لا إناء طهر ماؤه بمكثه أو كوثر ماء نجس فيه بماء كثير طهور حتى صار طهورا لم يطهر الإناء بدون انفصال عنه فإن انفصل حسبت غسلة واحدة يبنى عليها ويحرم على غير خلال إمساك خمر ليتخلل بنفسه بل يراق في الحال فإن خالف وأمسك فصار خلا بنفسه طهر والخل المباح(1/60)
أن يصب على العنب والعصير خلا قبل غليانه حتى لا يغلى والحشيشة المسكرة نجسة ولا يطهر دهن بغسله ولا باطن حب وعجين ولحم تنجس ولا إناء تشرب بنجاسة وسكين سقيت ماء نجسا ـ وقال ابن عقيل وجماعة: يطهر الزئبق بالغسل ـ ويجوز الاستصباح بدهن متنجس في غير مسجد ولا يحل أكله ولا بيعه ويأتي في البيع وإن وقع في مائع سنور أو فأرة ونحوها مما ينضم دبره إذا وقع فخرج حيا فطاهر وكذا في جماد وهو ما لم تسر النجاسة فيه وإن مات فيه أو حصلت منه رطوبة في دقيق ونحوه ألقيت وما وحله وباقيه طاهر فإن اختلط ولم ينضبط حرم وتقدم إذا وقعت النجاسة في مائع وإذا خفي موضع نجاسة في بدن أو ثوب أو مصلى صغير كبيت صغير لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها فلا يكفى الظن وفي صحراء واسعة ونحوها يصلى فيها بلا غسل ولا تحر وبول الغلام الذي لم يأكل الطعام بشهوة نجس يجزى نضحه وهو غمره بالماء وإن لم ينفصل ويطهر به وكذا قيؤه وهو أخف من بوله لا أنثى وخنثى وإذا تنجس أسفل خف أو حذاء أو نحوهما أو رجل أو ذيل امرأة بمشي أو غيره وجب غسله.(1/61)
فصل ولا يعفى عن يسير نجاسة
ولو لم يدركها الطرف كالذي يعلق بأرجل ذباب ونحوه إلا يسير دم وما تولد منه من قيح وغيره ماء قروح في غير مائع ومطعوم وقدره الذي لم ينقض من حيوان طاهر من آدمي من غير سبيل حتى دم حيض ونفاس واستحاضة أو من غير آدمي مأكول اللحم أو لا كهر ويضم متفرق في ثوب لا أكثر،(1/61)
ودم عرق مأكول بعد ما يخرج بالذبح وما في خلال لحمه طاهر ولو ظهرت حمرته نصا كدم سمك ويؤكلان وكدم شهيد عليه ولو كثر بل يستحب بقاؤه وكدم بق ونمل وبراغيث وذباب ونحوها والكبد والطحال ودود القز والمسك وفأرته والعنبر وما يسيل من فم وقت النوم والبخار الخارج من الجوف والبلغم وبول سمك طاهر لا العلقة التي يخلق منها الآدمي أو حيوان طاهر ولا البيضة المذرة أو التي صارت دما وأثر الاستجمار نجس يعفى عن يسيره وتقدم وعن يسير طين شارع تحققت نجاسته ويسير سلس بول مع كما ل التحفظ ويسير دخان نجاسة وغبارها وبخارها ما لم تظهر له صفة ويسير ماء نجس وعما في عين من نجاسة وتقدم وعن حمل نجس كثير في صلاة خوف ويأتي وما تنجس بما يعفى عني يسيره ملحق به في العفو عن يسيره وما عفي عن يسيره عفي عن أثر كثيرة على جسم صقيل بعد المسح والمذي والقيء والحمار الأهلي والبغال منه وسباع البهائم وجوارح الطير وريقها وعرقها فدخل فيه الزباد لأنه من حيوان برى غير مأكول أكبر من الهر وأبوالها وأرواثها وبول الخفاش والخطاف والخمر والنبيذ المحرم والجلالة قبل حبسها والودي والبول الغائط نجسة ولا يعفى عني يسير شيء منها ويغسل الذكر والأنثيان من المذي وطين الشارع وترابه طاهر ما لم تعلم نجاسته ولا ينجس الآدمي ولا طرفه ولا أجزاؤه ولا مشيمته ـ ولو كافرا ـ بموته فلا ينجس ما وقع فيه فغيره كريقه وعرقه وبزاقه ومخاطه وكذا ما لا نفس له سائلة كذباب وبق وخنافس(1/62)
وعقارب وصراصر وسرطان ونحو ذلك وبوله وروثه ولا يكن مات فيه إن لم يكن متولدا من نجاسة كصراصر الحش فإن كان متولدا منها فنجس حيا وميتا وللوزغ نفس سائلة نصا كالحية والضفدع والفأرة وإذا مات في ماء يسير حيوان وشك في نجاسته لم ينجس وبول ما يؤكل لحمه وروثه وريقه وبزاقه ومخاطه ودمعه ومنيه طاهر كمني الآدمي ولو خرج بعد استجمار وكذا ورطوبة فرج المرأة ولبن غير مأكول وبيضه ومنيه من غير آدمي نجس وسؤر الهر ـ وهو فضلة طعامه وشرابه ـ ومثل خلقه ودونه من طير غيره طاهر فلو أكل نجاسة ثم ولغ في ماء يسير فطهور ولو لم يغب وكذا فم طفل وبهيمة ولا يكره سؤرهن نصا ـ وفي المستوعب وغيره يكره سؤر الفأر لأنه يورث النسيان ـ ويكره سؤر الدجاجة إذا لم تكن مضبوطة نصا وسؤر الحيوان النجس نجس.(1/63)
باب الحيض والاستحاضة والنفاس
مدخل
...
باب الحيض والاستحاضة والنفاس
الحيض: دم طبيعة يخرج مع الصحة من غير سبب ولادة من قعر الرحم يعتاد أنثى إذا بلغت في اوقات معلومة.
والاستحاضة: سيلان الدم في غير أوقاته من مرض وفساد من عرق فمه في أدنى الرحم يسمى العاذل.
والنفاس: الدم الخارج بسبب الولادة.
ويمنع الحيض خمسة عشر شيئا: الطهارة والوضوء وقراءة القرآن ومس المصحف والطواف وفعل الصلاة ووجوبها فلا تقضيا(1/63)
وفعل الصيام لا بوجوبه فتقضيه والاعتكاف واللبث في المسجد والوطء في الفرج إلا لمن به شبق بشرطه وسنة الطلاق ما لم تسأله طلاقا بعوض أو خلعا فإن سألته بغير عوض لم يبح والاعتداد بالأشهر إلا المتوفى عنها زوجها وابتداء العدة إذا طلقها في أثنائه أو مرورها في المسجد إن خافت تلويثه ولا يمنع الغسل للجنابة والإحرام بل يستحب ولا مرورها في المسجد إن أمنت تلويثه.
ويوجب خمسة أشياء: الاعتداد به والغسل البلوغ والحكم ببراءة الرحم في الاعتداد واستبراء الإماء والكفارة بالوطء فيه ونفاس مثله حتى في بالكفارة بالوطء فيه نصا إلا في ثلاثة أشياء الاعتداد به وكونه لا يوجب البلوغ لحصوله قبله بالحمل ولا يحتسب به عليه في مدة الإيلاء وإذا انقطع الدم أبيح فعل الصيام والطلاق ولم يبح غيرهما حتى تغتسل فلو أراد وطأها وادعت أنها حائض وأمكن قبل نصا1 ويباح أن يستمتع منها بغير الوطء في الفرج ويستحب ستره إذن ووطؤها في الفرج ليس بكبيره فإن وطئها من يجامع مثله ـ ولو غير بالغ ـ في الحيض والدم يجرى في أوله أو آخره ولو بحائل أو وطئها وهي طاهر فخاضت في أثناء وطئه ولو لم يستدم ـ لأن النزع جماع فعليه دينار زنته مثقال خاليا من الغش ولو غير مضروب أو نصفه على التخيير كفارة وصرفها مصرف بقية الكفارات وتجوز إلى مسكين واحد كنذر مطلق وتسقط بعجز
__________
1 لأن العلم بذلك لا يتأتى إلا من قبلها والمفروض في المسلمة ما لم تقم القرينة على غير ذلك.(1/64)
وكذا هي إن طاوعته حتى من ناس ومكره وجاهل الحيض أو التحريم أو هما ولا تجب الكفارة بوطئها بعد انقطاع الدم وقبل الغسل ولا بوطئها في الدبر ولا يجزئ إخراج القيمة إلا من الفضة وبدون الحائض وعرقها وسؤرها طاهر ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك ولا وضع يدها في شيء من المائعات.
وأقل سن تحيض له المرأة تمام تسع سنين وأكثره خمسون سنة والحامل لا تحيض فلا تترك الصلاة لما تراه ولا يمنع من وطئها إن خاف العنت وتغتسل عند انقطاعه استحبابا نصا وأقل الحيض يوم وليلة فلو انقطع لأقل منه فليس بحيض بل دم فساد وأكثره خمسة عشر يوما وغالبه ست أو سبع وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما وغالبه بقية الشهر الهلالي ولا حد لأكثره.(1/65)
فصل والمبتدأ بها الدم في سن تحيض لمثله
ولو صفة أو كدرة تجلس بمجرد ما تراه فتترك الصلاة والصوم أقله فإن انقطع لدونه فليس بحيض وقضت واجب صلاة ونحوها وإن انقطع له كان حيضا واغتسلت له وإن جاوزه ولم يعبر الأكثر لم تجلس المجاوز بل تغتسل عقب أقله وتصوم وتصلى فيما جاوزه ويحرم وطئها فيه قبل تكراره نصا فإن انقطع يوما فأكثر أو أقل قبل مجاوزة أكثره اغتسلت وحكمها حكم الطاهرات ويباح وطؤها فإن عاد فكما لو لم ينقطع وتغتسل عند انقطاعه غسلا ثانيا تفعل ذلك ثلاثا في كل شهر مرة فإن كان في الثلاث متساويا ابتداء وانتهاء تيقن أنه حيض وصار عادة(1/65)
فلا تثبت العادة بدون الثلاث ولا يعتبر فيها التوالي فتجلسه في الشهر الرابع وتعيد ما فعلته في المجاوز من واجب صوم وطواف واعتكاف ونحوها بعد ثبوت العادة فإن انقطع حيضها ولم يعد أو أيست قبل تكرره لم تعد فإن كان على أعداد مختلفة فما تكرر منه صار عادة مرتبا كأن: كخمسة في أول شهر وستة في ثان وسبعة في ثالث فتجلس الخمسة لتكرارها أو غير مرتب عكسه: كأن ترى في الشهر الأول وفي أشهر الثاني أربعة وفي الثالث ستة فتجلس الأربعة لتكررها فإن جاوز دمعها أكثر الحيض فمستحاضة فإن كان متميزا بعضه أسود أو ثخين أو منتن وبعضه رقيق أحمر فحيضها زمن الأسود أو الثخين أو المنتن إن صلح أن يكون حيضا بأن لا ينقص عن أقل الحيض ولا يجاوز أكثره فتجلسه من غير تكرار كثبوتها بانقطاع ولا يعتبر فيها التوالي أيضا فلو رأت دما أسود ثم أحمر وعبرا أكثر الحيض فحيضها زمن الدم الأسود وما عداه استحاضة وإن لم يكن متميزا أو كان ولم يصلح قعدت من كل شهر غالب الحيض ستا أو سبعا بالتحري ويعتبر في حقها تكرار الاستحاضة نصا فتجلس قبل تكراره أقله ولا تبطل دلالة التمييز بزيادة الدمين على شهر.(1/66)
فصل المستحاضة هي التي ترى دما لا يصلح أن يكون حيضا ولا نفاسا
وحكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات وفعلها وإن استحيضت معتادة رجعت إلى عادتها وإن كانت مميزة أتفق تمييزها وعادتها أو اختلفا بمداخلة أو بمباينة ونقص العادة لا يحتاج إلى تكرار فلو(1/66)
نقصت عادتها ثم استحيضت بعده كأن كانت عادتها عشرة فرأت سبعة ثم استحيضت في الشهر الآخر جلست السبعة وإن نسيت العادة عملت بالتمييز الصالح ولو تنقل من غير تكرار فإن لم يكن لها تمييز أو كان وليس بصالح فهي المتحيرة لا تفتقر استحاضتها إلى تكرار أيضا تجلس غالب الحيض إن اتسع شهرها له وإلا جلست الفاضل بعد أقل الطهر كأن يكون شهرها ثمانية عشر يوما فإنها تجلس الزائد عن أقل الطهر بين الحيضتين فقط وهو هنا خمسة أيام لئلا ينقص الطهر عن أقله وإن جهلت شهرها جلسته من شهر هلالي وشهر المرأة هو الذي يجتمع لها فيه حيض وطهر صحيحان وأقل ذلك أربعة عشر يوما: يوم للحيض وثلاثة عشر للطهر ولا حد لأكثره وغالبه الشهر الهلالي ولا تكون معتادة حتى تعرف شهرها ووقت حيضها وطهرها منه ويتكرر وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها جلستها من أول كل شهر هلالي وكذا من عدمتهما فإن عرفت ابتداء الدم فهو أول دورها وما جلسته ناسية من حيض مشكوك فيه كحيض يقينا وما زاد على ما تجلسه إلى أكثره كطهر متيقن وغيرهما استحاضة وإن ذكرت عادتها رجعت إليها وقضت الواجب زمن العادة المنسية وزمن جلوسها في غيرها وكذا الحكم في كل موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز: مثل المبتدأة إذا لم تتعرف وقت ابتداء دمها ولا تمييز لها وإن علمت أيامها في وقت من الشهر ونسيت موضعها: فإن كانت أيامها نصف الوقت فأقل فحيضها من أولها أو بالتحري وليس لها حيض بيقين وإن زاد على النصف(1/67)
مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول ضم الزائد وهو يوم إلى مثله مما قبله وهو يوم فيكونان حيضا بيقين يبقى لها أربعة أيام فإن جلستها من الأول كان حيضها من أول العشر إلى آخر السادس: منها يومان حيض بيقين والأربعة حيض مشكوك فيه وإن جلست بالتحري فأداها اجتهادها إلى أنها من أول العشر فهي كالتي ذكرنا وإن جلست الأربعة من آخر العشر كانت حيضا مشكوك فيه والأربعة الأولى طهر مشكوك فيه وإن قالت حيضي سبعة أيام من العشر فقد زادت يومين على نصف الوقت فتضمهما إلى يومين قبلهما فيصير لها أربعة أيام حيضا بيقين من أول الرابع إلى آخر السابع ويبقى لها ثلاثة أيام تجلسها كما تقدم وحكم الحيض المشكوك فيه حكم المتيقن في ترك العبادات كما تقدم وإن شئت أسقطت الزائد من أيامها من آخر المدة ومثله من أولها فما بقى فهو حيض بيقين والشك فيما بقى من الوقت المعين وإن علمت موضع حيضها ونسيت عدده جلست فيه غالب الحيض وإن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو انتقال فكدم زائد على أقل حيض مبتدأه فلو لم يعد أو أيست قبل تكراره لم تقض وعنه تصير إليه من غير تكرار اختاره جمع وعليه العمل ولا يسع النساء العمل بغيره وإن طهرت في أثناء عادتها طهرا خالصا لا تتغير معه القطنة إذا احتشتها ولو أقل مدة فهي ظاهر تغتسل وتصلى ولا يكره وطؤها فإن عاودها الدم في أثناء العادة ولم يجاوزها جلسته وإن جاوزها ولم يعبر أكثر الحيض لم تجلسه حتى يتكرر وإن عبر أكثره فليس بحيض وإن(1/68)
عاودها بعد العادة فلا يخلو: إما أن يمكن جعله حيضا أو لا فإن أمكن بأن يكون بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيها أكثر من أكثر الحيض فيلفقان ويجعلان حيضة واحدة إن تكرر أو يكون بينهما أقل الطهر ثلاثة عشر يوما وكل من الدمين يصلح أن يكون حيضا بمفرده فيكونان حيضتين إذا تكرر وإن نقض أحدهما عن أقل الحيض فهم دم فاسد إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده وإن لم يمكن جعله حيضا لعبوره أكثر الحيض وليس بينه وبين الدم الأول أقل الطهر فهذا استحاضة سواء تكرر أم لا ويظهر ذلك بالمثال فلو كانت العادة عشرة أيام مثلا فرأت منها خمسة دما وطهرت الخمسة الباقية ثم رأت خمسة دما وتكرر ذلك فالخمسة الأولى والثالثة حيضة واحدة بالتلفيق ولو رأت الثاني ستة أو سبعة لم يمكن أن يكون حيضا ولو كانت رأت يوما دما وثلاثة عشر طهرا ثم رأت يوما دما وتكرر منهما حيضتان لوجود طهر صحيح بينهما ولو رأت يومين دما وأثنى عشر يوما طهرا ثم يومين دما فهنا لا يمكن جعلهما حيضة واحدة لزيادة الدمين مع ما بينهما من الطهر على أكثر الحيض ولا جعلهما حيضتين لانتفاء طهر صحيح بينهما فيكون الحيض منهما ما وافق العادة والآخر استحاضة والصفرة والكدرة في أيام العادة حيض لا بعدها ولو تكرر.(1/69)
فصل في التلفيق
ومعناه ضم الدماء بعضها إلى بعض إن تخللها طهر وصلح زمانه أن يكون حيضا فمن كانت ترى يوما أو أقل أو أكثر دما يبلغ مجموعه أقل الحيض فأكثر وطهرا متخللا فالدم حيض ملفق(1/69)
والباقي طهر تغتسل فيه وتصوم وتصلى ويكره وطؤها إلا أن يجاوز زمن الدم والنقاء أكثره فتكون مستحاضة وتجلس المبتدأة من هذا الدم أقل الحيض والباقي إن تكرر فهو حيض بشرطه وإلا فاستحاضة وإذا أرادت المستحاضة الطهارة فتغسل فرجها وتحتشي بقطن أو ما يقوم مقامه فإن لم يمنع ذلك الدم عصبته بشيء طاهر يمنع الدم حسب الإمكان بخرقة عريضة مشقوقة الطرفين تتلجم بها وتوثق طرفيها في شيء آخر قد شدته على وسطها فإن غلب وقطر بعد ذلك لم تبطل طهارتها ولا يلزمها إذن إعادة شك وغسله لكل صلاة إن لم تفرط وتتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيء وإلا فلا وتصلى ما شاءت حتى جمعا بين فرضين ولها الطواف ولو لم تطل استحاضتها وتصلى عقب طهرها ندبا فإن أخرت لو لغير حاجة لم يضر وإن كان لها عادة بانقطاعه زمنا يسع الوضوء والصلاة تعين فعلهما فيه وإن عرض هذا الانقطاع بعد طهارتها لمن عادتها الاتصال بطلت طهارتها ولزمها استئنافها فإن وجد قبل الدخول في الصلاة لم يجز الشروع إليها فإن خالفت وشرعت واستمر الانقطاع زمنا يتسع للوضوء والصلاة فيه فصلاتها باطلة وإن عاد قبل ذلك فطهارتها صحيحة وتجب إعادة الصلاة وإن عرض في أثناء الصلاة أبطلها مع الوضوء ومجرد الانقطاع يوجب الانصراف إلا أن تكون لها عادة بانقطاع يسير ولو توضأت من لها عادة بانقطاع يسير فاتصل الانقطاع حتى اتسع أو برئت بطل وضوؤها إن وجد منها دم وإن كان الوقت لا يتسع لها لم يؤثر ولو كثر الانقطاع واختلف بتقدم وتأخر وقلة وكثرة(1/70)
ووجد مرة وعدم أخرى ولم تكن لها عادة مستقيمة باتصال ولا بانقطاع فهذه كمن عادتها الاتصال في بطلان الوضوء بالانقطاع المتسع للوضوء والصلاة دون ما دونه وفي سائر ما تقدم إلا أنها لا تمنع من الدخول في الصلاة والمضي فيها بمجرد الانقطاع قبل تعيين اتساعه ولا يكفيها نية رفع الحدث وتكفى نية الاستباحة فأما تعيين النية للفرض فلا يعتبر وتبطل طهارتها بخروج الوقت أيضا ولا يصح وضوؤها لفرض قبل وقته ومثل المستحاضة: لا في الغسل لكل صلاة: من به سلس البول والريح والجريح الذي لا يرقأ دمه والرعاف الدائم لكن عليه أن يحتشي وإن كان مما لا يمكن عصبه كالجرح الذي لا يمكن شده أو من به باسور أو ناصور ولا يمكن عصبه صلى على حسب حاله ولو قدر على حبسه حال القيام لا حال الركوع والسجود لزمه أن يركع ويسجد نصا ولا يومئ كالمكان النجس ولو امتنعت القراءة أو لحقه السلس إن صلى قائما صلى قاعدا ولو كان لو قام وقعد لم يحبسه ولو استلقى حبسه صلى قائما أو قاعدا قاله أبو المعالي فإن كانت الريح تماسك جالسا لا ساجدا لزمه السجود بالأرض نصا ولا يباح وطء المستحاضة من غير خوف العنت منه أو منها فإن كان أبيح ولو لواجد الطول لنكاح غيرها والشبق الشديد كخوف العنت ويجوز شرب دواء مباح لقطع الحيض مع أمن الضرر نصا قال القاضي: لا يباح إلا بإذن الزوج وفعل الرجل ذلك بها من غير علمها بتوجه تحريمه ومثله شربه(1/71)
كافورا ولا يجوز ما يقطع الحمل ويجوز شرب دواء لحصول الحيض لا قرب رمضان لتفطره(1/72)
فصل وأكثر مدة النفاس أربعون يوما
من ابتداء خروج بعض الولد فإن رأته قبله بثلاثة أيام فأقل بأمارته فنفاس ولا يحسب من مدته وإن جاوز الأربعين وصادف عادة حيضها فحيض فإن زاد على العادة ولو يجاوز أكثر الحيض أو لو يصادف عادة ولو يجاوز أكثره أيضا فحيض إن تكرر وإلا فاستحاضة ولا تدخل استحاضة في مدة نفاس ويثبت حكم النفاس ولو بتعديها بوضع ما يتبين فيه خلق الإنسان نصا ولا حد لأقله فيثبت حكمه ولو بقطرة فإن انقطع في مدته فطاهر تغتسل وتصلى لأنه طهر صحيح ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد التطهير فإن عاد فيها فمشكوك فيه كما لو لم تره ثم رأته في المدة فتصوم وتصلى وتقضى صوم الفرض ولا يأتيها في الفرج وإن ولدت توأمين فأول النفاس وآخره من الأول فلو كان بينهما أربعون فلا نفاس للثاني نصا بل هو دم فساد ويجوز شرب دوار لإلقاء نطفة.(1/72)
كتاب الصلاة
مدخل
مدخل
...
كتاب الصلاة
وهي أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم وهي آكد فروض الإسلام بعد الشهادتين سميت صلاة لاشتمالها على الدعاء وفرضت ليلة الإسراء قبل الهجرة بنحو خمس سنين والخمس(1/72)
فرض عين على كل مسلم مكلف ولو لم يبلغه الشرع كمن أسلم في دار حرب ونحوه ولم يسمع بالصلاة فيقضيها إلا حائضا ونفساء ولو طرحت نفسها وتجب على نائم ويجب إعلامه إذا ضاق الوقت وتجب على من تغطى عقله بمرض أو إغماء أو دواء مباح أو محرم كمسكر فيقضى ولو زمن جنونه لو جن بعده متصلا به ولا تجب على كافر أصلى بمعنى أنا لا نأمره بها في كفره ولا بقضائها إذا أسلم ولا تصح منه وتجب عليه بمعنى العقاب لأن الكفار ولو مرتدين مخاطبون بفروع الإسلام ولا تجب على مرتد زمن ردته ولا تصح منه ويقضى ما فاته قبل ردته لا زمنها ولا تبطل عباداته التي فعلها قبل ردته بها من صلاة وصوم وحج وغير ذلك ولا تبطل استطاعة قادر على الحج بها ولا يجب باستطاعته فيها ولا تجب على مجنون لا يفيق ولا تصح منه ولا قضاء وكذا الأبله الذي لا يفيق وإن أذن أو صلى في أي حال أو محل كافر يصح إسلامه حكم بإسلامه ويأتي ولا تصح صلاته ظاهرا ولا يعتد بإذنه ولا يحكم بإسلامه بإخراج زكاة ماله وحجه ولا بصومه قاصدا رمضان ولا تجب على صغير لم يبلغ ولا تصح منه إلا من مميز وهو من بلغ سبع سنين ويشترط لصحة صلاته ما يشترط لصحة صلاة الكبير إلا في السترة على ما يأتي والثواب له وكذا أعمال البر كلها فهو يكتب له ولا يكتب عليه ويلزم الولي أمره بها إذن وتعليمه إياها وتعليم طهارة نصا ويضرب ولو رقيقا على تركها لعشر وجوبا وإن بلغ في أثنائها(1/73)
أو بعدها في وقتها لزمه إعادتها تيمم لفرض لا وضوء وتقدم ولا إعادة إسلام ويلزمه إتمامها إذا بلغ فيها ولا يجوز لمن وجبت عليه تأخيرها أو بعضها عن وقت الجواز إن كان ذاكرا لها قادرا على فعلها إلا لمن ينوى الجمع أو لمشتغل بشرطها الذي يحصله قريبا كالمشتغل بالوضوء والغسل لا البعيد كالعريان لو أمكنه أن يذهب إلى قرية أخرى يشترى منها ثوبا ولا يصلى إلا بعد الوقت وكالعاجز عن تعلم التكبير والتشهد ونحو ذلك بل يصلى في الوقت على حسب حاله وله تأخيرها عن أول وقت وجوبها بشرط العزم على فعلها فيه ما لم يظن مانعا منه كموت وقتل وحيض وكذا من أعير سترة أول الوقت فقط ومتوضئ عدم الماء في السفر وطهارته لا تبقى إلى آخر الوقت ولا يرجو وجوده ومستحاضة لها عادة بانقطاع دمها في وقت يتسع لفعلها فيتعين فعلها في ذلك الوقت ومن له التأخير فمات قبل الفعل لم يأثم وتسقط بموته ويحرم التأخير بلا عذر إلى وقته الضرورة.(1/74)
فصل ومن جحد وجوبها كفر
إن كان ممن لا يجهله كمن نشأ بدار الإسلام وإن كان ممن يجهله كحديث عهده بالإسلام أو من نشأ ببادية عرف وجوبها ولم يحكم بكفره فإن أصر كفر فإن تركها تهاونا وكسلا دعاه إمام أو نائبه إلى فعلها فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام كمرتد نصا فإن تاب بفعلها وإلا قتل بضرب عنقه لكفره وحيث كفر فلا يرق ولا يسبى له أهل ولا ولد ولا قتل ولا تكفير قبل قال الشيخ: وتنبغي الإشاعة(1/74)
عنه بتركها حتى يصلى ولا ينبغي السلام عيه ولا إجابة دعوته انتهى ومن راجع الإسلام قضى صلاته مدة امتناعه ومن جحد وجوب الجمعة كفر كذا لو ترك ركنا أو شرطا مجمعا عليه كالطهارة والركوع والسجود أو مختلفا فيه يعتقد وجوبه قال ابن هبيرة: من أساء في صلاته ولا يتم ركوعها ولا سجودها حكمه حكم تاركها وعند الموفق ومن تابعه لا يقتل بمختلف فعيه وهو أظهر ولا يكفر بترك شيء من العبادات تهاونا غير الصلاة1 فلا يكفر بترك زكاة ولا بترك صوم وحج ويحرم تأخيره تهاونا ويقتل فيهم حدا ولا يقتل بصلاة فائتة ولا بترك كفارة ونذر.
__________
1 اختصت الصلاة بهذا الحكم لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} الآية، ولتضافر الأحاديث على ذلك بخلاف غيرها.(1/75)
باب الأذان والإقامة
وهو الإعلام بدخول وقت الصلاة أو قربه لفجر.
وهي الإعلام بالقيام إليها بذكر مخصوص فيها وهو أفضل من الإقامة ومن الإمامة1 وله الجمع بينه وبين الإمامة وهو والإقامة فرضا كفاية للصلوات الخمس المؤداة والجمعة دون غيرها للرجال2 جماعة في الأمصار والقرى وغيرهما حضرا ويكرهان للنساء والخناثى ولو بلا رفع صوت ومسنونان لقضاء ومصل وحده ومسافر وراع ونحوه إلا
__________
1 تشهد لأفضلية الآذان أحاديث يطول ذكرها: منها-: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة "، وحديث: " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهمو ا" الخ.
2 لحديث: " إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ".(1/75)
أنه لا يرفع صوته به في القضاء إن خاف تلبسا وكذا في غير وقت الأذان وكذا في بيته البعيد عن المسجد بل يكره لئلا يضيع من يقصد المسجد وليسا بشرط للصلاة فتصح بدونهما مع الكراهة ويشرعان للجماعة الثانية في غير الجوامع الكبار ـ قاله أبو المعالي ـ وإن كان في بادية رفع صوته ولا يشرعان لكل واحد ممن في المسجد بل حصلت لهم الفضيلة كقراءة الإمام للمأموم ولأنه قام بهما من يكفى فسقط عن الباقين وتكفيهم متابعة المؤذن فإن اقتصر المسافر أو المنفرد على الإقامة أو صلى بدونها في مسجد صلى فيه لم يكره وينادى لعيد وكسوف واستسقاء الصلاة جامعة ـ أو الصلاة ويأتي بعضه ولا ينادى على الجنازة والتراويح فإن تركهما أهل بلد قوتلوا ولا يجوز أخذ الاجرة عليهما ويجوز أخذ الجعالة1 ويأتي في الإجارة فإن لم يوجد مقطوع بهما رزق الإمام من بيت المال من يقوم بهما ولا يجوز بذل الرزق مع وجود المتطوع ويسن آذان في أذن مولود اليمنى حين يولد ويقيم في اليسرى ويسن كون المؤذن صيتا أمينا بصيرا عالما بالأوقات ولو عبدا ويستأذن سيده ويستحب أن يكون حسن الصوت وأن يكون بالغا وإن كان أعمى وله من يعلمه بالوقت لم يكره نصا فإن تشاح فيه اثنان
__________
1 الأعمال التي يشترط في فاعلها الإسلام كالأذان- والإمامة- وتعليم القرآن لا يجوز أخذ الأجر عليها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك: ولئلا تصير غير قرية وإنما جاز أخذ الجعالة وهي ما لم يشرط عليه العمل لئلا تتعطل هذه القرب إذا لم يوجد متطوع بها.(1/76)
فأكثر قدم أفضلها في ذلك ثم أفضلها في دينه وعقله ثم من يختاره الجيران المصلون أو أكثرهم فإن استووا أقرع بينهم وإن قدن أحدهم بعد الاستواء1 لكونه عمر للمسجد وأتم مراعاة له أو لكونه أقدم تأذينا أو أبوه أو لكونه من أولاد من جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فيه فلا بأس وبصير وحر وبالغ أولى من ضدهم وتشترط ذكوريته وعقله وإسلامه وتمييزه وعدالته ولو مستورا ولا يشترط علمه بالوقت والمختار آذان بلال خمس عشرة كلمة أي خمس عشرة جملة لا ترجيع فيه والإقامة إحدى عشرة فإن رجع في الأذان بأن يقول الشهادتين سرا بعد التكبير ثم يجهر بهما أو ثنى الإقامة لم يكره ولا يشرع بغير العربية ويسن أن يقول في آذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين بعد الحيعلة سواء أذن مغلسا أو مسفرا وهو التثويب ويكره في غيرها وبين الأذان والإقامة وكذا النداء بالصلاة بعد الأذان في الأسواق وغيرها مثل أن يقول الصلاة أو الإقامة أو الصلاة رحمكم الله قال الشيخ: العمدة: ـ هذا إذا كانوا قد سمعوا النداء الأول فإن لم يكن الإمام أو البعيد من الجيران قد سمع النداء الأول فلا ينبغي أن يكره تنبيهه ـ وقال ابن عقيل: ـ فإن تأخر الإمام الأعظم أو إمام الحي أو أماثل الجيران فلا بأس أن يمضى إليه منبه يقول له قد حضرت الصلاة انتهى ـ ويكره قوله قبل الأذان وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا: الآية وكذلك إن وصله بعده
__________
1 يريد: إذا قدم ولي الأمر واحدا ممن تساوت بينهم هذه الصفات. الخ.(1/77)
بذكر قاله في شرح العمدة وقوله قبل الإقامة اللهم صلى على محمد ونحو ذلك ولا بأس بالنحنحة قبلهما وآذان واحد بمسجدين لجماعتين، ويستحب أن يؤذن أول الوقت وأن يترسل في آذان ويحدر في الإقامة ولا يعربهما بل يقف على كل جملة ويؤذن ويقيم قائما ويكرهان من قاعد وراكب وماش بغير عذر لا لمسافر راكبا وماشيا ويستحب أن يكون متطهرا من الحدثين فإن أذن محدثا لم يكره وتكره إقامة محدث وآذان جنب ويسن على موضع عال مستقبل القبلة فإذا بلغ الحيعلة التفت يمينا لحى على الصلاة وشمالا لحى على الفلاح في الأذان دون الإقامة ويقيم في موضع آذانه إلى أن يشق بحيث يؤذن في المنارة أو في مكان بعيد من المسجد يقيم في غير موضعه ولا يزيل قدميه قال القاضي والمجد وجمع إلا في منارة ونحوها ويجعل أصبعيه السبابتين في أذنيه ويرفع وجهه إلى السماء فيه كله ويتولاهما معا فلا يستحب أن يقيم غير من أذن ولا يصح إلا مرتبا متواليا عرفا منويا من واحد فلو أتى ببعضه وكمله آخر لم يعتد به ولو لعذر وإن نكسه أو فرق بينه بسكوت طويل ولو بنوم أو إغماء أو جنون أو كلام كثير أو محرم كسب وقذف ونحوهما أو ارتد في أثنائه لم يعتد به ويكره فيه سكوت يسير وكلام بلا حاجة كإقامة1 ولو لحاجة وله رد سلام فيهما ويكفى مؤذن واحد في المصر بحيث يحصل لأهله العلم وتكفى
__________
1 يريد يقوله: كإقامة أن الكلام مكروه في الأذان كما كره في الإقامة.(1/78)
بقيتهم الإقامة فإن لم يحصل الإعلام بواحد زيد بقدر الحاجة كل واحد من جانب أو دفعة واحدة بمكان واحد ويقيم أحدهم ورفع الصوت به ركن بقدر طاقته ليحص السماع وتكره الزيادة فوق طاقته وإن أذن لنفسه أو لحاضر خير ورفع الصوت أفضل وإن خافت ببعضه وجهر ببعضه فلا بأس ووقت الإقامة إلى الإمام فلا يقيم إلا بإذنه وأذان إلى المؤذن ويحرم أن يؤذن غير الراتب إلا بإذنه إلا أن يخاف فوت التأذين ومتى جاء وقد أذن قبله أعاد ولا يصح قبل دخول الوقت كالإقامة إلا الفجر فيباح بعد نصف الليل والليل هنا ينبغي أن يكون أوله غروب الشمس وآخره طلوعها كما أن النهار المعتبر نصفه1 أوله طلوع الشمس وآخره غروبها قاله الشيخ ولا يستحب تقدمه قبل الوقت كثيرا ويستحب لم أذن قبل الفجر أن يجعل آذانه في وقت واحد في الليالي كلها وأن يكون معه من يؤذن في الوقت وأن يتخذ ذلك عادة لئلا يغر الناس2 ويكره في رمضان قبل فجر ثان مقتصرا عليه أما إذا كان معه من يؤذن يؤذن أول الوقت فلا وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك في الأذان فليس بمسنون وما أحد من العلماء قال أنه يستحب بل هو من جملة
__________
1 نصفه نائب فاعل لقوله المعتبر.
2 ما بين القوسين زيادة في النسخة الخطية ليست في النسخة التي قابلنا عليها.(1/79)
البدع المكروهة فليس لأحد أن يأمر به ولا ينكر على من تركه ولا يعلق استحقاق الرزق به ولا يلزم فعله ولو شرطه واقف وقال ابن الجوزي: في كتاب تلبيس إبليس: قد رأيت من يقوم بالليل كثيرا على المنارة فيعظ ويذكر ويقرأ سورة من القرآن بصوت مرتفع فيمنع الناس من نومهم ويخلط على المتهجدين قراءتهم وكل ذلك من المنكرات ويسن أن يؤخر الإقامة بقدر حاجته ووضوئه وصلاة ركعتين وليفرغ الأكل من أكله ونحوه وفي المغرب يجلس قبلها جلسة خفيفة بقدر ركعتين وكذا كل صلاة يسن تعجيلها ثم يقيم ولا يحرم إمام وهو في الإقامة ويستحب عقب فراغه منها وتباح ركعتان قبل المغرب وفيها ثواب ويحرم خروج من مسجد بعد الأذان بلا عذر أو نية رجوع إلا أن يكون قد صلى قال الشيخ: إن كان التأذين للفجر قبل الوقت لم يكره الخروج نصا ويستحب إلا يقوم إذا أخذ المؤذن في الأذان بل يصبر قليلا لأن في التحرك عند سماع النداء تشبها بالشيطان ومن جمع بين صلاتين أو قضى فوائت أذن للأولى فقط ثم أقام لكل صلاة ويجزئ آذان مميز لبالغين وملحن1 وملحون إن لم يحل المعنى مع الكراهة فيهما فإن أخل المعنى كقوله الله وأكبر،
__________
1 الملحن: هو ما فيه تطريب. والملحون: الذي فيه خطأ.(1/80)
لم يعتد به ولا يجزى آذان فاسق وخنثى وامرأة ويسن لمن سمع المؤذن: ولو ثانيا وثالثا حيث يسن حتى نفسه نصا أو المقيم: أن يقول متابعة قوله سرا كما يقول ولو في طواف أو امرأة أو تاليا ونحوه فيقطع القراءة ويجيب لا مصليا ومتخليا ويقضيانه فإن أجابه المصلى بطلت بالحيعلة فقط إلا في الحيعلة فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله وعند التثويب صدقت وبررت وفي الإقامة عند لفظها أقامها الله وأدامها ولو دخل المسجد والمؤذن قد شرع في الأذان لم يأت بتحية المسجد ولا يغيرها بل يجيب حتى يفرغ ولعل المراد غير آذان الخطبة لأن سماعها أهم1 ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ثم يسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة ويدعو هنا وعند الإقامة ويقول عند آذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي.
__________
1 يريد أنه يعجل بتحية المسجد ليتفرغ لسماع الخطبة.(1/81)
باب شروط الصلاة
مدخل
...
باب شروط الصلاة
وهي ما يجب لها قبلها إلا النية ويستمر حكمه إلى انقضائها والشرط ما يتوقف عليه صحة مشروطه إن لم يكن عذر ولا يكون منه فمتى أخل بشرط لغير عذر لم تنعقد صلاته ولو ناسيا أو جاهلا: وهي تسعة الإسلام والعقل التمييز والطهارة(1/81)
من الحدث وتقدمت وتأتى بقيتها والخامس دخول الوقت وتجب الصلاة بدخول أول وقتها والصلوات المفروضات خمس: الظهر وهي أربع ركعات وهي الأولى وتسمى الهجير ووقتها من زوال الشمس: وهو ميلها عن وسط السماء ويعرف ذلك بزيادة الظل بعد تناهى قصره ولكن لا يقصر في بعض بلاد خراسان لسير الشمس ناحية عنها ـ قاله ابن حمدان وغيره ـ ويختلف الظل باختلاف الشهر والبلد فأقل ما تزول في إقليم الشام والعراق وما سامتها طولا على قدم وثلث في نصف حزيران وفي نصف تموز وأيار على قدم ونصف وثلث وفي نصف آب ونيسان على ثلاث أقدام وفي نصف آذار وأيلول على أربعة ونصف وفي نصف شباط وتشرين الأول على ستة وفي نصف كانون الثاني وتشرين الثاني على تسعة وفي نصف كانون الأول على عشرة وسدس1 وتزول على أقل وأكثر في غير ذلك وطول الإنسان ستة أقدام وثلثان بقدمه تقريبا ويمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس إن كان والأفضل تعجيلها وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب لها إذا دخل الوقت إلا في شدة حر فيسن التأخير ولو صلى وحده حتى ينكسر وفي غيم لم يصلى في جماعة إلى قرب وقت الثانية ففي غير صلاة جمعة فيسن تعجيلها في كل حال بعد الزوال وتأخيرها لمن لم تجب عليه الجمعة إلى بعد صلاتها ولنم يرمى الجمرات حتى يرميها أفضل ويأتي ثم يليه وقت العصر وهي أربع ركعات: وهي الوسطى ووقتها من خروج وقت الظهر إلى أن يصير ظل الشيء مثليه سوى ظل
__________
1 هذه الألفاظ الاثنا عشر اسما الشهور العبرية.(1/82)
الزوال إن كان وهو آخر ووقتها المختار وعنه إلى اصفرار الشمس ـ اختاره الموفق والمجد وجمع ـ وما بعد ذلك وقت ضرورة إلى غروبها وتعجيلها أفضل بكل حال ويسن جلوسه بعدها في مصلاه إلى غروب الشمس وبعد فجر إلى طلوعها ولا يستحب ذلك في بقية الصلوات ثم يليله وقت المغرب: وهي وتر النهار: ولا يكره تسميتها بالعشاء وبالمغرب أولى وهي ثلاث ركعات ولها وقت كراهة وتعجيلها أفضل إلا ليلة المزدلفة وهي ليلة النحر لمن قصدها محرما فيسن له تأخيرها ليصليها مع العشاء إن لمن يوافها وقت الغروب وفي غيم لمن يصلى جماعة وفي الجمع إن كان أرفق ويأتي ويمتد وقتها إلى مغيب الشفق الأحمر ثم يليه العشاء وهي أربع ركعات ولا يكره تسميتها بالعتمة ويكره النوم قبلها ولو كان له من يوقظه والحديث بعدها إلا في أمر المسلمين أو شغل أو شيء يسير أو مع أهل أو ضيف وآخر وقتها المختار إلى ثلث الليل وعنه نصفه ـ اختاره الموفق والمجد وجمع ـ ثم وقته الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني: وهو البياض المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده: وتأخيرها إلى آخر وقتها المختار أفضل ما لم يشق على المأمومين أو بعضهم أو يؤخر مغربا لغيم أو جمع فتعجيل العشاء فيهن أفضل ولا يجوز تأخير الصلاة أو بعضها إلى وقت الضرورة ما لم يكن عذر وتقدم وتأخير عادم الماء العالم أو الراجي وجوده إلى آخر الوقت الاختياري أو إلى آخر الوقت إن لم يكن لها وقت ضرورة أفضل في الكل وتقدم في التيمم وتأخير(1/83)
لمصلى كسوف أفضل إن أمن فوتها ولمعذور كحاقن وتائق1 ونحوه وتقدم إذا ظن مانعا من الصلاة ونحوه ولو أمره والده بتأخيرها ليصلى به أخر نصا فلا تكره إمامة ابن بأبيه ويجب التأخير لتعلم الفاتحة وذكر واجب في الصلاة ثم يليله وقت الفجر وهي ركعتان وتسمى الصبح ولا يكره تسميتها بالغداة يمتد وقتها إلى طلوع الشمس وليس لها وقت ضرورة وتعجيلها أفضل يكره تأخيرها بعد الإسفار بلا عذر ويكره الحديث بعدها في أمر الدنيا حتى تطلع الشمس ومن أيام الدجال ثلاثة أيام طوال: يوم كسنة فيصلى فيه صلاة سنة ويوم كشهر فيصلى فيه صلاة شهر ويوم كجمعة فيصلى فيه صلاة جمعة
__________
1 الحاقن هو حابس البول والتائق هو حديث الشفاء من مرض. أو هو المشتهي لزوجته.(1/84)
فصل تدرك مكتوبة أداء كلها بتكبيرة إحرام في وقتها
ولو جمعة ويأتي ولو كان آخر وقت ثانية في جمع فتنعقد ويبنى عليها ولا تبطل بخروج الوقت وهو فيها ولو أخرها عمدا ـ قال المجد: معنى قولهم تدرك بتكبيرة بناء ما خرج عن وقتها على تحريمه الأداء في الوقت وأنها لا تبطل بل تقع الموقع في الصحة والأجزاء ـ ومن شك في دخول الوقت لم يصل فإن صلى فعليه الإعادة وإن وافق الوقت فإن غلب على ظنه دخوله بدليل من اجتهاد أو تقليد أو تقدير الزمان بقراءة أو صنعة صلى إن لم يمكنه اليقين بمشاهدة أو إخبار عن يقين والأولى تأخيرها قليلا احتياطا إلا أن يخشى خروج الوقت أو تكون صلاة العصر في يوم غيم فيستحب التبكير والأعمى ونحوه يقلد فإن عدم من يقلده(1/84)
وصلى أعاد ولو تيقن أنه أصاب فإن أخبره مخبر عن يقين قبل قوله إن كان ثقة أو سمع آذان ثقة وإن كان عن اجتهاد لم يقبله إذا لم يتعذر عليه الاجتهاد فإن تعذر عمل بقوله ومنه الأذان في غيم إن كان عن اجتهاد فيجتهد هو وإن كان المؤذن يعرف الوقت بالساعات أو تقليد عارف عمل بأذانه ومتى اجتهد وصلى فبان أنه وافق الوقت أو ما بعده أجزأه وإن واقف قبله لم يجزئه عن فرضه وكان نفلا ويأتي وعليه الإعادة ومن أدرك من أول وقت قدر تكبيرة ثم طرأ مانع من جنون أو حيض ونحوه ثم زال المانع بعد خروج وقتها لزمه قضاء التي أدرك من وقتها فقط وإن بقى قدرها من آخره ثم زال المانع ووجد المقتضى ببلوغ صبي أو إفاقة مجنون أو إسلام كافر أو طهر حائض وجب قضاءها وقضاء ما تجمع إليها قبلها فإن كان قبل طلوع الشمس لزم قضاء الصبح وإن كان قبل غروبها لزم قضاء الظهر والعصر وإن كان قبل طلوع الفجر لزم قضاء المغرب والعشاء.(1/85)
فصل ومن فاتته صلاة مفروضة فأكثر لزمه قضاؤها مرتبا على الفور
إلا إذا حضر صلاة عيد ما لم يتضرر في بدنه أو ماله أو معيشة يحتاجها ويجوز التأخير لغرض صحيح كانتظار رفقة أو جماعة لصلاة ولا يصح نفل مطلق إذن: لتحريمه كأوقات النهي وإن قلت الفوائت قضى سننها معها وإن كثرت فالأولى تركها إلا سنة الفجر ويخير في الوتر ولا تسقط الفائتة بحج ولا تضعيف صلاة في المساجد الثلاثة ولا غير ذلك فإن خشي فوات الحاضرة أو خروج(1/85)
وقت الاختيار سقط وجوبه إذا بقي من الوقت قدر فعلها ثم يقضى وتصح البداءة بغير الحاضرة مع ضيق الوقت لا نافلة ولو راتبة فلا تنعقد وإن نسي الترتيب بين الفوائت حال قضائها أو بين حاضرة وفائتة حتى فرغ سقط وجوبه ولا يسقط بجهل وجوبه فلو صلى الظهر ثم الفجر جاهلا ثم صلى العصر في وقتها صحت عصره لاعتقاده إلا صلاة عليه كمن صلاها ثم تبين أنه صلى الظهر بلا وضوء ولا يسقط بخشية فوته الجماعة ـ وعنه يسقط اختاره جماعة ـ لكن عليه فعل الجمعة وإن قلنا بعدم السقوط ثم يقضيها ظهرا ويسن أن يصلى الفائتة جماعة إن أمكن وإن ذكر فائتة في حاضرة أتمها غير الإمام نفلا إما ركعتين وإما أربعا ما لم يضق الوقت ويقطعها الإمام نصا مع سعته واستثنى جمع الجمعة وإن شك في صلاة هل صلى ما قبلها ودام حتى فرغ فبان أنه لم يصل أعادهما وإن نسي صلاة من يوم يجهل عينها صلى خمسا بينة الفرض ولو نسي ظهرا وعصرا من يومين وجهل السابقة بدأ بأحدهما بالتحري فإن لم يترجح عنده شيء بدأ بأيهما شاء ولو علم أن عليه من يوم الظهر وصلاة أخرى لا يعلم هل هي المغرب أو الفجر لزمه أن يصلى الفجر ثم الظهر ثم المغرب ولو توضأ وصلى الظهر ثم أحدث ثم توضأ وصلى العصر ثم ذكر أنه ترك فرضا من إحدى طهارتيه ولو يعلم عينها لزمه إعادة الوضوء والصلاتين ولو لم يحدث بينهما ثم توضأ للثانية تجديدا لزمه إعادة الأولى فقط من غير(1/86)
إعادة الوضوء وإن نام مسافر عن الصلاة حتى خرج الوقت سن له الانتقال من مكانه ليقضى الصلاة في غيره.(1/87)
باب ستر العورة وأحكام اللباس
مدخل
...
باب ستر العورة وأحكام اللباس
وهو الشرط السادس: والعورة سوءة الإنسان وكل ما يستحى منه: فمعنى ستر العورة تغطية ما يقبح ظهوره ويستحى منه وسترها في الصلاة عن النظر حتى عن نفسه وخلة لا من أسفل ولو تيسر النظر واجب بساتر لا يصف لون البشرة سوادها وبياضها فإن وصف الحجم فلا بأس ويكفى في سترها ولو مع وجود ثوب ورق شجر وحشيش ونحوهما ومتصل به كيده ولحيته ولا يلزمه بباريه1 وحصير ونحوهما مما يضره ولا حفيرة وطين وماء كدر ولا بما يصف البشرة ويجب سترها كذلك في غير الصلاة ولو في ظلمة وحمام ويجوز كشفها ونظر الغير إليها لضرورة كتداو وختان ومعرفة بلوغ وبكارة وثيوبة وعيب وولادة ونحو ذلك ويجوز كشفها ونظرها لزوجته وعكسه ولأمته المباحة وهي لسيدها وكشفها لحاجة كتخل واستنجاء وغسل وتقدم في الاستطابة والغسل ولا يحرم عليه نظر عورته حيث جاز كشفها وعورة الرجل ولو عبدا وابن عشر والأمة ما بين السرة والركبة وكذا أو ولد ومعتق بعضها ومدبرة ومكاتبه ومعلق عتقها على صفة وحرة مراهقة وميزة وخنثى مشكل ويستحب استتارهن كالحرة البالغة احتياطا وابن سبع إلى عشر عورته
__________
1 البارية بتشديد الياء ما يصنع على هيئة الحصير من قش وما يشبهه.(1/87)
الفرجان فقط والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة حتى ظفرها وشعرها إلا وجها قال جمع وكفيها وهما والوجه عورة خارجها باعتبار النظر كبقية بدنها ويسن لرجل والإمام أبلغ أن يصلى في ثوبين مع ستر رأسه ولا يكره في ثوب واحد يستر ما يجب ستره والقميص أولى من الرداء إن اقتصر على ثوب واحد وإن صلى في الرداء وكان واسعا التحف به وإن كان ضيقا خالف بين طرفيه على منكبيه كالقصار فإن كان جيب القميص واسعا سن أن يزره عليه ولو بشوكة فإن رؤيت عورته منه بطلت فإن لم يزره وشج وسطه عليه بما يستر العورة أو كان ذا لحية تسد جيبه صحت فإن اقتصر على ستر عورته وأعرى العاتقين في نفل أجزأه ويشترط في فرض مع سترها ستر جميع إحداهما بشيء من لباس ولو وصف البشرة فلا يجزئ حبل ونحوه ويسن للمرأة الحرة أن تصلى في ذرع وهو القميص وخمار وهو غطاء رأسها وملحفة وهي الجلباب ولا تضم ثيابها في حال قيامها ويكره في نقاب وبرقع بلا حاجة وإن اقتصرت على ستر ما سوى وجها كأن صلت في درع وخمار أجزأها ولا تبطل الصلاة بكشف يسير من العورة لا يفحش في النظر عرفا بلا قصد ولو في زمن طويل وكذا كثير في زمن قصير فلو أطارت الريح سترته ونحوه عن عورته فبدأ منها ما لم يعف عنه ولو كلها فأعادها سريعا بلا عمل كثير لم تبطل وإن كشف يسيرا منها قصدا بطلت ومن صلى ولو نفلا في ثوب حرير ممن يحرم عليه أو مغضوب أو بعضه أو ما ثمنه المعين حرام أو بعضه رجلا كان أو امرأة ولو كان عليه غيره لم(1/88)
تصح صلاته إن كان عالما ذاكرا وإلا صحت كما لو كان المنهي عنه خاتم ذهب أو دملجا أو عمامة أو تكة سراويل أو خفا من حرير وإن جهل أو نسي كونه حريرا أو غصبا أو حبس بمكان غصب أو كان في جيبه درهم مغصوب صحت ولو صلى على أرض غيره ولو مزروعة أو على مصلاه بلا غصب ولا ضرر جاز وصحت ويأتي في الباب بعده ويصلى في حرير لعدم ولا يعيد وعريانا مع مغصوب ولا يصح نفل آبق ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا ولو يقدر على غسله صلى فيه وجوبا وأعاد فإن صلى عريانا مع وجوده أعاد فإن كان معه ثوبان نجسان صلى في أقلهما نجاسة.(1/89)
فصل ومن لم يجد إلا ما يستر عورته فقط أو منكبه فقط
ستر عورته وصلى قائما وإن كانت تكفى عورته فقط أو منكبه وعجزه فقط: ستر منكبه وصلى جالسا استحبابا فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين فإن لم يكف إلا أحدهما خير والأولى ستر الدبر ويلزمه تحصيل سترة بشراء أو استئجار بقيمة المثل وبزيادة يسيرة كماء الوضوء وإن بذلت له سترة لزمه قبولها عارية لا هبة فإن عدم بكل حال صلى جالسا: يومئ استحبابا فيهما ولا يتربع بل يتضام بأن يقيم إحدى فخذيه على الأخرى وإن صلى قائما أو جالسا وركع وسجد بالأرض جاز ولا يعيد العريان إذا قدر على الستر وإن وجد سترة مباحة قريبة منه عرفا في أثناء الصلاة ستر وجوبا وبنى إن كانت بعيدة ستر وابتدأ وكذا لو عتقت في الصلاة واحتاجت إليها فلو جهلت العتق أو القدرة عليه أعادت كخيار معتقة تحت عبد وتصلى العراة جماعة وجوبا وإمامهم في(1/89)
وسطهم وجوبا فإن تقدمهم بطلت إلا في ظلمة ويصلون صفا واحدا وجوبا إلا في ظلمة فإن كان المكان ضيقا صلوا جماعتين فأكثر فإن كانوا رجالا ونساءا تباعدوا ثم صلى كل نوع لأنفسهم وإن كانوا في ضيق صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم صلى النساء واستدبرهم الرجال فإن بذلت لهم سترة صلة فيها واحد بعد واحد إلا أن يخافوا خروج الوقت فتدفع إلى من يصلح للإمامة فيصلى بهم ويتقدمهم إن عينه ربها وإلا اقترعوا إن تشاحوا ويصلى الباقون عراة فإن كانوا رجالا ونساءا فالنساء أحق فإذا صلين فيها أخذها الرجال وإن كان فيهم ميت صلى فيها الحي ثم كفن بها الميت ولا يجوز انتظار السترة إن خاف خروج الوقت فإن كانت لأحدهم لزمه أن يصلى فيها فإن أعارها وصلى عريانا لم تصح صلاته ويستحب أن يعيرها لهم بعد صلاته ولا يجب فيصلون فيها واحدا بعد واحد إلا أن يخافوا خروج الوقت فيصلى بها أحدهم بين أيديهم والباقون عراة كما تقدم فإن امتنع صاحب الثوب من إعارته فالمستحب أن يؤمهم ويقف بين أيديهم فإن كان أميا وهم قراء صلوا جماعة وصاحب الثوب وحده وإن أعاره لغير من يصلح للإمامة جاز وصار حكمه حكم صاحب الثوب.(1/90)
فصل يكره في الصلاة السدل
سواء كان تحته ثوب أولا وهو أن يطرح ثوبا على كتفيه ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى فإن رد أحد طرفيه على الكتف الأخرى أو ضم طرفيه بيديه لم يكره وإن طرح القباء على الكتفين من غير أن يدخل يديه في الكمين فلا بأس(1/90)
بذلك باتفاق الفقهاء1 وليس من السدل المكروه قاله الشيخ ويكره اشتمال الصماء وهو أن يضطبع بالثوب ليس عليه غيره وتغطية الوجه والتلثم على الفم والأنف ولف الكم بلا سبب وشد الوسط بما يشبه شد الزنار ولو في غير صلاة لأنه يكره التشبه بالكفار كل وقت ـ قال الشيخ: التشبه بهم منهي عنه إجماعا وقال: ولما صارت العمامة الصفراء والزرقاء من شعارهم حرم لبسها ـ ويكره شد وسطه على القميص لأنهه من زي اليهود ولا بأس به على القباء ـ قال ابن عقيل: يكره الشد بالحياصة2 ويستحب بما لا يشبه الزنار كمنديل ومنطقة ونحوها لأنه أستر للعورة ويكره لامرأة شد وسطها في الصلاة ولو بغير ما يشبه الزنار وتقدم ولا تضم ثيابها ولا بأس بالاحتباء مع ستر العورة ويحرم مع عدمه: وهو أن يجلس ضاما ركبتيه إلى نحو صدره ويدير ثوبه من وراء ظهره إلى أن يبلغ ركبتيه ثم يشده فيكون كالمعتمد عليه والمستند إليه ويحرم وهو كبيره إسبال شيء من ثيابه ولو عمامة خيلاء في غير حرب فإن أسبل ثوبه لحاجة كستر ساق قبيح من غير خيلاء أبيح ما لم يرد التدليس على النساء ومثله قصيرة اتخذت رجلين من خشب فلم تعرف ويكره أن يكون ثوب الرجل إلى فوق نصف ساقه وتحت كعبه بلا حاجة لا يكره ما بين ذلك ويجوز للمرأة زيادة ذيلها على ذيله إلى ذراع ولو من نساء المدن ويحسن تطويل كم الرجل إلى رؤس أصابعه أو أكثر يسيرا وتوسيعه قصدا وقصر كم المرأة وتوسيعه من غير إفراط ويكره لبس ما يصف البشرة للرجل والمرأة
__________
1 القباء بفتح القاف هو القفطان.
2 الحياصة: هي السير من الجلد.(1/91)
ولو في بيتها إن رآها غير زوج أو سيد تحل له ولا يجزئ كفنا لميت ويأتي ويكره للنساء لبس ما يصف اللين والخشونة والحجم ويحرم عليهن لبس العصائب الكبار التي يتشبهن بلبسها بالرجال ويكره للرجل الزيق العريض دون المرأة ولبسه زي الأعاجم كعمامة صماء ونعل صراره للزينة لا للوضوء نحوه ويكره لبس ما فيه شهرة ويدخل فيها خلاف المعتاد كمن لبس ثوبا مقلوبا أو محولا كجبة وقباء كما يفعله بعض أهل الجفاء والسخافة ويكره خلاف زي بلده ومزرية فإن قصد به الارتفاع وإظهار التواضع حرم لأنه رياء1 وكره أحمد الكلتة وهي قبة لها بكر تجر بها وقال: وهي من الرياء لا ترد حرا ولا بردا ويسن غسل بدنه وثوبه من عرق ووسخ ويكره ترك الوسخ فيهما والإسراف في المباح.
__________
1 يريد بالارتفاع الامتياز عن الناس بلباسه الخاص.(1/92)
فصل ويحرم على ذكر وأنثى لبس ما فيه صورة حيوان
وتعليقه وستر الجدر به وتصويره كبيرة حتى في ستر وسقف وحائط وسرير ونحوها لا افتراشه وجعله مخدا بلا كراهة وتكره الصلاة على ما فيه صورة ولو على ما يداس والسجود عليها أشد كراهة ولا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جرس ولا جنب إلا أن يتوضأ ولا تصحب رفقة فيها جرس وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى الحياة معه كالرأس أو لم يكن لها رأس فلا بأس به ولا بلعب الصغيرة بلعب غير مصورة ولا بشرائها لها نصا ويأتي في الحجر وتباح صورة غير حيوان كشجر وكل ما لا روح فيه ويكره الصليب في الثوب ونحوه ويحرم على رجل كافرا وخنثى لبس ثياب حرير ولو بطانة(1/92)
وتكة سراويل وشرابة والمراد شرابة مفردة كشرابة البريد1 لا تبعا فإنه كزر ويحرم افتراشه واستناده إليه واتكاؤه عليه وتوسده وتعليقه وستر الجدر به غير الكعبة وكلام أبى المعالي يدل على أنه محل وفاق إلا من ضرورة وكذا ما غالبه حرير طهورا إلا إذا استويا ظهورا ووزنا أو كان الحرير أكثر وزنا والظهور لغيره ولا يحرم خز وهو ما سدى بابريسم وألحم بوبر أو صوف ونحوه وما عمل من سقط حرير ومشاقته وما يلقيه الصانع من فمه من تقطيع الطاقات إذا دق وغزل ونسج فكحرير خالص وإن سمى الآن خوا ويحرم على ذكر وخنثى بلا حاجة ليس منسوج بذهب أو فضة أو مموه بأحدهما فإن استحال لونه ولم يحصل منه شيء أبيح وإلا فلا ويباح لبس الحرير لحكة ولو لم يؤثر لبسه في زوالها ولقمل ومرض وفي حرب مباح إذا تراء الجمعان إلى انقضاء القتال ولو لغير حاجة ولحاجة كبطانة بيضة ودرع ونحوه ويحرم إلباس صبي ما يحرم على رجل وصلاته فيه كصلاته وما حرم استعماله من حرير ومذهب ومصور ونحوها حرم بيعه ونسجه وخياطته وتمليكه وتملكه وأجرته لذلك والأمر به ويحرم يسير ذهب تبعا غير فص خاتم المفرد ويحرم تشبه رجل بامرأة عكسه في لباس وغيره ويباح علم حرير وهو طراز الثوب ورقاع منه وسجف الفراء لبنة الجيب وهي الزيق والجيب هو الطوق الذي يخرج منه الرأس إذا كان أربع أصابع مضمومة فما دون وخياطة به وأزرار ويباح الحرير للأنثى ويحرم كتابة مهرها
__________
1 البريد: نوع من اللباس كالرداء فيما أظن أو لعله يشبه العباءة.(1/93)
فيه وقيل يكره ويباح حشو الجلباب والفرش به ولو لبس ثيابا في كل ثوب قدر يعفى عنه ولو جمع صار ثوبا لم يكره ويكره لرجل لبس مزعفر وأحمر مصمت ولو بطانة وطيلسان وهو المقور وكذا معصفر إلا في إحرام فلا يكره ويكره المشي في نعل واحدة ولو يسيرا سواء كان في إصلاح الأخرى أولا ويكره في نعلين مختلفين بلا حاجة ويسن استكثار النعال وتعاهدها عند أبواب المساجد والصلاة في الطاهر منها والاحتفاء أحيانا وتخصيص الحافي بالطريق ويكره كثرة الأرفاه1 ويستحب كون النعل أصفر والخف أحمر أو أسود ويكره لبس الأزر والخف والسراويل قائما لا الانتعال ويكره نظر ملابس حرير وآنية ذهب وفضة ونحوها إن رغبه في التزين بها والمفاخرة والتنعم وزي أهل الشرك ويسن التواضع في اللباس ولبس الثياب البيض وهي أفضل والنظافة في ثوبه وبدنه ومجلسه وإرخاء الذؤابة خلفه ـ قال الشيخ: إطالتها كثيرا من الإسبال ـ ويسن تحنيكها ويجدد لف العمامة كيف شاء ويباح السواد ولو للجند وفتل طرف الثوب وكذا الكتان واليلمق وهو القباء ولو للنساء والمراد ولا تشبه ويسن السراويل والتبان في معناه2 والقميص والرداء ولا بأس بلبس الفراء إذا كانت من جلد مأكول مذكي مباح وتصح الصلاة فيها ولا تصح في غير ذلك كجلد ثعلب وسمور وقنك وقاقم وسنور وسنجاب ونحوه ولو ذكى ويكره من الثياب ما تظن نجاسته لتربية ورضاع وحيض وصفر3 وكثرة ملابستها ومباشرتها وقلة التحرز منها في صنعة
__________
1 الأرفاه والترفه زيادة التنعيم.
2 التبان كزمان سراويل قصير على قدر السوءتين.
3 صفر كجيل مرض من أمراض البطن.(1/94)
وغيرها وتقدم بعضه ويكره لبسه وافتراشه جلدا مختلفا في طهارته وله إلباسه دابته ويحرم إلباسها ذهبا أو فضة وحريرا ولا بأس بلبس الحبرة والأصواف والأوبار والأشعار من حيوان طاهر حيا كان أو ميتا وكذا الصلاة عيها وعلى ما يعمل من القطن والكتان وعلى الحصر ويباح نعل خشب ويسن لمن لبس ثوبا جديدا أن يقول: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة.(1/95)
باب اجتناب النجاسة ومواضع الصلاة
مدخل
...
باب اجتناب النجاسة ومواضع الصلاة
وهو الشرط السابع طهارة بدن المصلى وثيابه وموضع صلاته وهو محل بدنه وثيابه من نجاسة غير معفو عنها شرط لصحة الصلاة فمتى لاقاها ببدنه أو ثوبه أو حملها عالما أو جاهلا أو ناسيا أو حمل قارورة فيها نجاسة أو آجرة باطنها نجس أو بيضة مذرة أو فيها فرخ ميت أو عنقود عب حباته مستحيلة خمرا: قادرا على اجتنابها لم تصح صلاته لا إن مس ثوبه ثوبا أو حائطا نجسا لم يستند إليه أو قابلها راكعا أو ساجدا أو كانت بين رجليه من غير ملاقاة أو حمل حيوانا طاهرا أو آدميا مستجمرا أو سقطت عليه فأزلها أو زالت سريعا بحيث لم يطل الزمن وإن طين أرضا متنجسة أو بسط عليها ولو كانت النجاسة رطبة أو على حيوان نجس أو على حرير يحرم جلوسه عليه شيئا طاهرا ضعيفا بحيث لا ينفذ إلى ظاهره وصلى عليه أو على بساط باطنه نجس وظاهره طاهر أو في علو سفله غصب أو على سرير(1/95)
تحته نجس أو غسل وجه آجر نجس وصلى عليه صحت مع الكراهة وإن صلى على مكان طاهر من بساط طرفه نجس أو تحت قدميه حبل في طرفه نجاسة ولو تحرك بحركته صحت إلا أن يكون متعلقا به أو كان في يده أو في وسطه حبل مشدود في نجس أو سفينة صغيرة فيها نجاسة أو حيوان نجس ككلب وبغل وحمار ينجر معه إذا مشى أو أمسك حبلا أو غيره ملقى على نجاسة فلا تصح وإن كان لا ينجر معه كالسفينة الكبيرة والحيوان الكبير الذي لا يقدر على جره إذا استعصى عليه صحت ومتى وجد عليه نجاسة جهل كونها في الصلاة صحت وإن علم بعد صلاته أنها كانت في الصلاة لكنه جهل عينها أو حكمها أو أنها كانت عليه أو ملاقيها أو عجز عن إزالتها أو نسيها أعاد وعنه لا يعيد وهو الصحيح عن أكثر المتأخرين وإن خاط جرحه أو جبر ساقه ونحوه بنجس من عظم أو خيط فجبر وصح لم تلزمه إزالته إن خاف الضرر كما لو خاف التلف ثم إن غطاه اللحم لم يتيمم له وإلا تيمم له وإن لم يخف لزمته فلو مات من تلزمه إزالته أزيل إلا مع مثلة وإن شرب خمرا ولم يسكر غسل فمه وصلى ولا يلزمه القيء ويباح دخول البيع والكنائس التي لا صور فيها والصلاة فيها إذا كانت نظيفة وتكره فيما فيه صور وإن سقطت سنه أو عضو منه فأعاده أو لا أو جعل موضعه سن شاة ونحوها مذكاة وصلى به صحت صلاته ثبت أو لم يثبت لطهارته.(1/96)
فصل ولا تصح الصلاة في مقبرة قديمة أو حديثة
تقلبت أو لا وهي مدفن الموتى ولا يضر قبر ولا قبران وتكره الصلاة إليه ويأتي ولا يضر ما أعد للدفن فيه ولا ما دفن بداره والخشخاشة فيها جماعة قبر واحد وتصح صلاة جنازة فيها ولو قبل الدفن بلا كراهة والمسجد في المقبرة إن حدث بعدها كهي وإن حدثت بعده حوله أو في قبلته فكصلاة إليها ولو وضع القبر والمسجد معا لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة قاله في الهدى ولا في حمام داخله وخارجه وأتونه وكل ما يغلق عليه الباب ويدخل في بيع ولا في حش وهو ما أعد لقضاء الحاجة فيمنع من الصلاة داخل بابه وموضع الكنيف وغيره سواء ولا في أعطان إبل وهي ما تقيم فيه وتأوي إليه ولا بأس بمواضع نزولها في سيرها والمواضع التي تناخ فيها لعلفها أو وردها1 ولا في مجزرة وهي ما أعد للذبح فيه ولا في مزبلة وهي مرمى الزبالة ولو طاهرة ولا في قارعة طريق وهو ما كثر سلوكه سواء كان فيه سالك أو لا ولا بأس بطريق الأبيات القليلة وبما علاه عن جادة الطريق يمنة ويسرة نصا ولا في أسطحتها كلها وساباط على طريق ولا على سطح نهر ـ قال القاضي تجرى فيه سفينة ـ والمختار الصحة كالسفينة: قاله أبو المعالي وغيره: ولو حدث طريق أو غيره من مواضع النهي تحت مسجد بعد بنائه صحت فيه والمنع في هذه المواضع تعبد ولا تصح في بقعة غصب من أرض أو حيوان بأن يغصبه ويصلى عليه أو غيره أو سفينة ولا فرق بين غصبه لرقبة الأرض أو دعواه ملكيتها وبين غصب منافعها بأن يدعى إجارتها ظالما أو
__________
1 وردها: موضع شربها.(1/97)
يضع يده عليها مدة أو يخرج سابطا في موضع لا يحل ونحو ذلك ولو جزءا مشاعا فيها أو بسط عليها مباحا أو بسط غصبا على: مباح سوى جمعة وعيد وجنازة ونحوها مما تكثر له الجماعات فتصح فيها كلها ضرورة وتصح على راحلة في طريق ونهر جمد ماؤه وإن غير هيئة مسجد فكغصبه وإن منع المسجد غيره وصلى هو فيه أو زحمه وصلى مكانه حرم وصحت ومن وجبت عليه الهجرة من أرض لم يجب عليه إعادة ما صلى بها ويصح الوضوء والأذان وإخراج الزكاة والصوم والعقود في مكان غصب وتصح صلاته في بقعة أبنيتها غصب ولو استند1 وصلاة من طولب برد وديعة أو غصب قبل دفعها إلى ربها وصلاة من أمره سيده أن يذهب إلى مكان فخالقه وأقام ولو تقوى على أداء عبادة بأكل محرم صحت ولو صلى على أرض غيره ولو مزروعة بلا ضرر أو على مصلاه بلا غصب ولا ضرر جاز وتقدم في الباب قبله وإن صلى في غصب جاهلا أو ناسيا كونه غصبا أو حبس به صحت ويصلى فيها كلها لعذر ولا يعيد وتكره الصلاة إليها ما لم يكن حائل ولو كمؤخرة رجل وليس كسترة الصلاة فلا يكفى حائط المسجد2 ولا الخط ونحوه بل كسترة المتخلى وإن غيرت أماكن النهي غير الغصب بما يزيل اسمها كجعل الحمام دارا
__________
1 يريد ولو استند المصلي إلى الجدار المقام على أرض مغصوبة لأن العبرة بإباحة البقعة التي يصلي فيها.
2 معنى ذلك أن حائط المسجد المجاور للحش لا يكتفي حائلا حيث كره السلف الصالحون ذلك بل ينبغي حاجة غير الحائط. وقد اكتفى بالحائط نعضهم.(1/98)
أو مسجدا ونبش الموتى من المقبرة وتحويل عظامهم ونحو ذلك صحت الصلاة فيها وتصح في أرض السباخ والأرض المسخوط عليها كأرض الخسف وكل بقعة نزل بها عذاب كأرض بابل وأرض الحجر ومسجد الضرار وفي المدبعة والرحا1 وعليها مع الكراهة فيهن وعلى الثلج بحائل أو لا إذا وجد حجمه وكذا حشيش وقطن منتفش وإن لم يجد حجمه لم تصح ولا يعتبر كون ما يحاذى الصدر مقرا فلو حاذاه روزنة ونحوها صحت بخلاف ما تحت الأعضاء أو صلى في الهوى أو في إرجوحة ونحو ذلك لأنه ليس بمستقر القدمين على الأرض إلا أن يكون مضطرا كالمصلوب وتكره في مقصورة تحمى نصا ويصلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه ويسجد بالأرض وجوبا إن كانت النجاسة يابسة وإلا أومأ غاية ما يمكنه وجلس على قدميه ولا يضع على الأرض غيرهما وكذا من هو في ماء وطين ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها إلا إذا وقف على منتهاه بحيث لم يبق وراءه شيء منها أو صلى خارجها وسجد فيها ويصح نذر الصلاة فيها وعليها ونافلة بل يسن التنفل فيها والأفضل وجاهه إذا دخل ولو صلى لغير وجاهة إذا دخل جاز إذا كان بين يديه شيء منها شاحض متصل بها كالبناء والباب ولو مفتوحا أو عبته المرتفعة فلا اعتبار بالأجر المعبى من غير بناء ولا الخشب غير المسور ونحو ذلك فإن لم يكن شاخص وسجوده على منتهاها لم تصح وإن كان بين يديه شيء منها إذا سجد ولكن ما ثم
__________
1 الرحاء: تطلق على معان كثيرة والأظهر أن المراد بها الطاحونة.(1/99)
شاخص لم يصح أيضا اختاره الأكثر وعنه تصح والحجر منها: وقدره ستة أذرع وشيء فيصح التوجه إليه ويسن التنفل فيه وأما الفرض فيه فكداخلها ولو نقض بناء الكعبة وجب استقبال موضعها وهوائها دون انقاضها ولو صلى على جبل يخرج عن مسامتة بنيانها صحت إلى هوائها ويأتي حكم صلاة الفرض على الراحلة وفي السفينة أول صلاة أهل الأعذار.(1/100)
باب استقبال القبلة وأدلتها
مدخل
...
باب استقبال القبلة وأدلتها
صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس عشر سنيين بمكة وستة عشر شهرا بالمدينة ثم أمر بالتوجه إلى الكعبة وهو الشرط الثامن لصحة الصلاة فلا تصح بدونه إلا المعذور كالتحام حرب وهرب من سيل أو نار أو سبع ونحوه ولو نادرا كمريض عجز عنه وعمن يديره إليها وكمربوط ونحوه فتصح إلى غير القبلة منهم بلا إعادة ولمتنفل راكب وماش في سفر غير محرم ولا مكروه ولو قصيرا لا إذا تنفل في الحضر كالراكب السائر في مصره ولا ركب تعاسيف وهو ركوب الفلاة وقطعها على غير صوب فلو عدلت به دابته عن جهة سيره لعجزه عنها أو لجماحها ونحوه أو عدل هو إلى غير القبلة غفلة أو نوما أو جهلا أو سهوا أو لظنه أنها جهة سيره وطال بطلت وإن قصر لم تبطل ويسجد للسهو إن كان عذره السهو وإن كان غير معذور في ذلك: بأن عدلت دابته وأمكنه ردها أو عدل إلى غير القبلة(1/100)
مع علمه بطلت: وإن انحرف عن جهة سيره فصار قفاه إلى القبلة عمدا بطلت إلا أن يكون انحرافه إلى جهة القبلة وإن وقفت دابته تعبا أو منتظرا رفقه أم لم يسر لسيرهم1 أو نوى النزول ببلد دخله استقبل القبلة ولو ركب المسافر النازل وهو في نافلة بطلت لا الماشي فيتمها وإن نزل الراكب في أثنائها نزل مستقبلا وأتمها نصا يلزم الراكب افتتاحها إلى القبلة بالدابة أو بنفسه إن أمكنه بلا مشقة وكذا إن أمكنه ركوع وسجود واستقبال عليها كمن هو في سفينة أو محفة ونحوها أو كان راحلته واقفة وإلا افتتحا إلى غيرها وأومأ إلى جهة سيره ويكون سجوده أخفض من ركوعه وجوبا إن قدر وتعتبر فيه طهارة محله نحو سرج واكاف2 وإن وطئت دابته نجاسة فلا بأس وإن وطئها الماشي عمدا فسدت صلاته وإن نذر الصلاة على الدابة جاز والوتر وغيره من النوافل عيها سواء ويدور في السفينة والمحفة ونحوها إلى القبلة في كل صلاة فرض لا نفل والمراد غير الملاح لحاجته ويلزم الماشي أيضا الافتتاح إلى القبلة وركوع وسجود ويفعل الباقي إلى جهة سيره والفرض في القبلة لمن قرب منها كمن بمكة: إصابة العين ببدنه كله بحيث لا يخرج شيء منه عنها ولا يضر علو ولا نزول إن لم يتعذر عليه إصابتها فإن تعذرت بحائل أصلى من جبل ونحوه إلى عينها
__________
1 يريد: لم يسر لجهة سير رفاقه بل إلى أخرى.
2 الأكاف: بكسر الهمزة وضمها وبالواو المكسورة مع تخفيف الكاف في الجميع: البرذعة.(1/101)
ومع حائل غير أصلى كالمنازل لا بد من اليقين بنظر أو خبر ونحوه وإصابة الجهة بالاجتهاد: ويعفى عن الانحراف قليلا: لم بعد عنها وهو من لم يقدر على المعاينة ولا على من يخبره عن علم ـ سوى المشاهد لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم والقريب منه ففرضه إصابة العين والبعيد منه إلى الجهة1 فإن أمكنه ذلك بخبر ثقة مكلف عدل ظاهرا وباطنا عن يقين أو باستدلال بمحاريب المسلمين لزمه العمل به وإن وجد محاريب لا يعلمها للمسلمين لم يلتفت إليها.
__________
1 دليل أجزاء الاتجاه إلى الجهة للبعيد قوله صلى الله عليه وسلم: " ما بين المشرق والمغرب قبلة ". وإنما وجب استقبال عينها لمن بمسجد المدينة لأن قبلته متيقنة الصحة بفعله صلى الله عليه وسلم وإقراره صلى ركعتين وقال: " هذه القبلة ". رواه أسامة بن زيد فهي لا تحتاج إلى اجتهاد في الجهة.(1/102)
فصل إن اشتبهت عليه القبلة
...
فصل فإن اشتبهت عليه القبلة
فإن كان في قرية ففرضه التوجه إلى محاريبهم فإن لم تكن لزمه السؤال عنها إن كان جاهلا بأدلتها فإن وجد من يخبره عن يقين ففرضه الرجوع إلى خبره وإن كان عن ظن ففرضه تقليده إن كان من أهل الاجتهاد فيها وهو العالم بأدلتها وإن اشتبهت عليه في السفر وكان عالما بأدلتها ففرضه الاجتهاد في معرفتها فإذا اجتهد وغلب على ظنه جهة صلى إليها فإن تركها وصلى إلى غيرها أعاد وإن أصاب وإن تعذر عليه الاجتهاد لغيم ونحوه أو به مانع من الاجتهاد كرمد ونحوه أو تعادلت عنده الإمارات صلى على حسب بحاله بلا إعادة وكل من صلى من هؤلاء قبل فعل ما يجب عليه من استخبار أو اجتهاد أو تقليد أو تحر(1/102)
فعليه الإعادة وإن أصاب ويستحب أن يتعلم أدلة القبلة والوقت ويستدل عليها بأشياء: منها النجوم وأثبتها القطب الشمالي: ثم الجدي: والفرقدان: والقطب نجم خفي وحوله أنجم دائرة كفراشة الرحى أو كالسمكة في أحد طرفيها أحد الفرقدين وفي الطرف الآخر الجدي والقطب في وسط الفراشة لا يبرح من مكانه دائما ينظره حديد الصر في غير ليالي القمر لكن يستدل عليه بالجدي والفرقدين فإنه بينهما وعليه تدور بنات نعش الكبرى وغيرها إذا جعله وراء ظهره كان مستقبلا وسط السماء في كل بلد: ثم إن كان في بلد لا انحراف له عن مسامته القبلة للقطب مثل آمد وما كان على خطها فهو مستقبل القبلة وإن كان البلد منحرفا عنها إلى جهة المغرب انحرف المصلى إلى الشرق بقدر انحراف بلده كبلاد الشام وما هو مغرب عنها فإن انحراف دمشق إلى المغرب نحو نصف سدس الفلك يعرف ذلك الفلكية وكلما قرب إلى المغرب كان انحراف المصلى إلى المشرق بقدره وعكس ذلك بعكسه فإذا كان البلد منحرفا عن مسامتة القبلة للقطب إلى المشرق انحرف المصلى إلى المغرب بقدر انحرافه وكلما كثر انحرافه إلى المشرق كثر انحراف المصلى إلى المغرب بقدره وإن جعل القطب وراء ظهره في الشام وما حاذاها وانحرف قليلا إلى المشرق كان مستقبل القبلة ـ قال الشيخ: في شرح المعمدة: إذا جعل الشامي القطب بين أذنه اليسرى ونقرة القفا فقد استقبل ما بين الركن الشامى والميزاب انتهى ـ فمطلع سهيل لأهل الشام قبلة ويجعل القطب خلف أذنه اليمنى بالمشرق ـ وقال الشيخ: أيضا: العراقي إذا جعل(1/103)
القطب بين أذنه اليمنى ونقرة القفا فقد استقبل قبلته انتهى ـ ويجعله على عاتقه الأيسر بإقليم مصر: ـ ومنها الشمس والقمر ومنازلهما وما يقترن بها أو ما يقاربها: كلها تطلع من المشرق على يسرة المصلى في البلاد الشمالية وتغرب في المغرب عن يمنته والقمر يبدو هلالا أو الشهر عن يمنة المصلى عند غروب الشمس وفي الليلة الثامنة من الشهر يكون على القبلة عند غروب الشمس وفي الليلة العاشرة على سمت القبلة وقت العشاء بعد مغيب الشفق وفي ليلة ثنتين وعشرين على سمتها وقت طلوع الفجر تقريبا فيهن بالشام: ـ ومنها الرياح: والاستدلال بها عسر في الصحارى وأما ما بين الجبال والبنيان فإنها تدور فتختلف وتبطل دلالتها: ـ ومنها الجلال الكبار: فكلها ممتدة عن يمنة المصلى إلى يسرته وهذه دلالة قوية لكن تضعف من وجه آخر: وهو أن المصلى يشتبه عليه هل يجعل الجبل الممتد خلفه أو قدامه؟ فتحصل الدلالة على جهتي والاشتباه على جهتين هذا إذا لم يعرف وجه الجبل فإن وجوه الجبال إلى القبلة هو ما فيه مصعده قاله في الخلاصة: ـ ومنها الأنهار الكبار غير المخدودة كدجلة والفرات والنهروان وغيرها1 فإنها تجرى عن يمنة المصلى إلى يسرته إلا نهرا بخراسان وهو المقلوب ونهرا بالشام وهو العاصي: يجريان عن يسرة المصلى إلى يمنته ـ قلت: والاستدلال بالأنهار فرع على الاستدلال بالجبال
__________
1 المخدودة: المحفورة. ومراده أن الأنهار الطبيعية التي شقتها الماء من غير حفر هي التي تصح علامة كما وضحه والنهروان هو نهر جيحون المشهور.(1/104)
فإنها تجرى في الخلال التي بين الجبال متدة مع امتدادها.(1/105)
فصل إذا اختلف اجتهاد رجلين فأكثر في جهتين فأكثر
...
فصل وإذا اختلف اجتهاد رجلين1 فأكثر في جهتين فأكثر
لم يتبع واحد صاحبه ولم يصح اقتداؤه به فإن كان في جهة واحدة بأن قاله أحدهما يمينا والآخر شمالا صح إن يأتم أحدهما بالآخر لاتفاق اجتهادهما ومن بان له الخطأ انحرف وأتم وينوى المأموم منهما المفارقة للعذر ويتبعه من قلده فإن اجتهد أحدهما ولو يجتهد الآخر لم يتبعه ويتبع جاهل بأدلة القبلة وأعمى وجوبا أوثقهما في نفسه علما بدلائل القبلة فإن تساويا عنده خير فإن أمكن الأعمى الاجتهاد بشيء من الأدلة لزمه ولم يقلد وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ أو الأعمى بلا دليل أعادا فإن لم يجد الأعمى أو الجاهل أو البصير المحبوس ولو في دار الإسلام من يقلده صلى بالتحري ولم يعد ومن صلى بالاجتهاد أو التقليد ثم علم خطأ القبلة بعد فراغه لم يعد ولو دخل في الصلاة باجتهاد ثم شك لم يلتفت إليه وبنى وكذا إن زاد ظنه ولو يبن له الخطأ ولا ظهر له جهة أخرى ولو غلب على ظنه خطا الجهة التي يصلى إليها ولم يظن جهة غيرها بطلت صلاته ولو أخبر وهو في الصلاة الخطأ يقينا لزمه قبلوه وإلا لم يجز وإن أراد مجتهد صلاة أخرى اجتهد لها وجوبا فإن تغير اجتهاده عمل بالثاني ولو يعد ما صلى بالأول ولو في صلاة وبنى نصا وإن أمكن المقلد تعلم الأدلة والاجتهاد قبل خروج الوقت لزمه ذلك فإن ضاق الوقت عنه فعليه التقليد.
__________
1 ذكر الرجلين للتمثيل لا للتخصيص.(1/105)
باب النية
وهي الشرط التاسع: وهي شرعا عزم القلب على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى فلا تصح الصلاة بدونها بحال ولا يضر معها قصد تعليم الصلاة أو خلاص من خصم أو إدمان سهر والمراد لا يمنع الصحة بعد إتيانه بالنية المعتبرة لا أنه لا ينقص ثوابه ولهذا ذكره ابن الجوزي فيما ينقص الأجر ومثله قصده مع نية الصوم هضم الطعام أو قصد مع نية الحج رؤية البلاد النائية ونحو ذلك كنية التبرد أو النظافة مع نية رفع الحدث وتقدم في الوضوء ويجب أن ينوى الصلاة بعينها إن كانت معينة من فرض كظهر ونفل مؤقت كوتر وراتبة وإلا أجزأته نية الصلاة ولا يشترط نية قضاء في فائتة ولا نية فرضية في فرض ولا أداء في حاضرة ويصح قضاء بينة أداء وعكسه إذا بان خلاف ظنه لا مع العلم ولو كان عليه ظهران حاضرة وفائتة فصلاهما ثم ذكر أنه ترك شرطا في أحدهما لا يعلم عينها صلى ظهرا واحدة ينوى بها ما عليه ولو كان الظهران فائتين فنوى ظهرا منهما لم يجزئه عن أحدهما حتى يعين السابقة لأجل الترتيب بخلاف المنذورتين ولو ظن أن عليه ظهرا فائتة فقضاها في وقت ظهر اليوم ثم بان أنه لا قضاء عليه لم يجزئه عن الحاضرة وكذا لو نوى ظهر اليوم في وقتها وعليه فائتة ولا يشترط إضافة الفعل إلى الله تعالى في العبادات كلها بل يستحب ويأتي بالنية عند تكبيرة الإحرام والأفضل مقارنتها للتكبير فإن تقدمت عليه(1/106)
بزمن يسير بعد دخول الوقت في أداء وراتبة ولم يفسخها مع بقاء إسلامه صحت حتى ولو تكلم بعدها وقبل التكبير وكذا لو أتى بها قاعدا ثم قام ويجب استصحاب حكمها إلى آخر الصلاة فإن قطعها في أثنائها أو عزم عليه أو تردد فيه أو شك هل نوى فعمل مع الشك عملا ثم ذكر أنه نوى أو شك في تكبيرة الإحرام أو شك هل أحرم بظهر أو عصر ثم ذكر فيها أو نوى أنه سيقطعها أو علقه على شرط بطلت وإن شك هل نوى فرضا أو نفلا أتمها نفلا إلا أن يذكر أنه نوى الفرض قبل أن يحدث عملا فيتمها فرضا وإن ذكره بعد أن أحدث عملا بطل فرضه وإن أحرم بفرض رباعية ثم سلم من ركعتين يظنها جمعة أو فجرا أو التراويح ثم ذكر بطل فرضه ولم يبن نصا كما لو كان عالما وإن أحرم بفرض فبان عدمه كمن أحرم بفائتة فلم تكن عليه أو بان قبل دخول وقته انقلبن نفلا وإن كان عالما لم تنعقد فيهما وإن أحرم به في وقته المتسع ثم قلبه نفلا لغرض صحيح مثل أن يحرم منفردا ثم يريد الصلاة في جماعة جاز بل هو أفضل ويكره لغير الفرض وإن انتقل من فرض إلى فرض بمجرد النية من غير تكبيرة إحرام للثاني بطل فرضه الأول وصح نفلا إن استمر وكذا حكم ما يبطل الفرض فقط إذا وجد فيه كترك القيام والصلاة في الكعبة والائتمام بمتنفل وائتمام مفترض بصبي إن اعتقد جوازه ونحوه ولم ينعقد الثاني وإن اقترن بالثاني تكبيرة إحرام له بطل الأول وصح الثاني ومن شرط الجماعة أن ينوى الإمام والمأموم حالهما فرضا ونفلا فينوى الإمام أنه مقتدى به(1/107)
وينوى المأموم أنه مقتد فلو نوى أحدهما دون صاحبه أو نوى كل واحد منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه أو نوى إمامة من لا يصح يؤمه كأمي أو امرأة تؤم رجلا ونحوه أو نوى الائتمام بأحد الإمامين لا بعينه أو بهما أو بالمأموم أو بالمنفرد أو شك في الصلاة أنه إمام أو مأموم لعدم الجزم بالنية أو أحرم بحاضر فانصرف قبل إحرامه وعين إماما أو مأموما: وقلنا لا يجب تعيينهما وهو الأصح: فأخطأ أو نوى الإمامة وهو لا يرجو مجيئ أحد لم يصح وإن نوى الإمامة ظانا حضور مأموم صح لا مع الشك وإن لم يحضر لم تصح وإن أحرم منفردا ثم نوى الائتمام أو الإمامة لم يصح فرضا كانت أو نفلا والمنصوص صحة الإمامة في النفل وهو الصحيح وإن أحرم مأموما ثم نوى الانفراد لعذر يبيح ترك الجماعة كتطويل إمام ومرض وغلبة نعاس أو شيء يفسد صلاته أو خوف على أهل أو مال أو فوت رفقة أو خرج من الصف مغلوبا ولو يجد من يقف معه ونحوه صح إن استفاد بمفارقته تعجيل لحوقه لحاجته قبل فراغ إمامه فإن كان الإمام يعجل ولا يتميز انفراده عنه بنوع تعجيل لم يجز فإن زال العذر وهو في الصلاة فله الدخول مع الإمام فإن فارقه في قيام قبل قراءته الفاتحة قرأ وبعدها له الركوع في الحال وفي أثنائها يكمل ما بقي وإن كان في صلاة سر وظن أن إمامه قرأ لم يقرأ وإن فارقه في ثانية الجمعة أتم جمعة فإن فارقه في الأولى فكمزحوم فيها حتى تفوته الركعتان وإن كان لغير عذر لم يصح وإن أحرم إماما ثم صار منفردا لعذر مثل أن سبق المأموم الحدث أو فسدت صلاته لعذر أو(1/108)
غيره فنوى الانفراد صح وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه لا عكسه سواء كان لعذر كأن سبقه الحدث أو لغير عذر كأن تعمد الحدث أو غيره من المبطلات فلا استخلاف للمأموم ولا يبنى على صلاة إمامه وعنه لا تبطل صلاة مأموم ويتمونها جماعة بغيره أو فرادى اختاره جماعة فعليها لو نوى الإمامة لاستخلاف الإمام له إذا سبقه الحدث صح وبطلت صلاة الإمام كتعمده لذلك وله أن يستخلف من يتم الصلاة بمأموم ولو مسبوقا أو من لم يدخل معه في الصلاة ويستخلف المسبوق من يسلم بهم ثم يقوم فيأتي بما عليه فإن لم يستخلف المسبوق وسلموا منفردين أو انتظروا حتى يسلم بهم جاز ويبنى الخليفة الذي كان معه في الصلاة على فعل الأول حتى في القراءة يأخذ من حيث بلغ والخليفة الذي لم يكن دخل معه في الصلاة يبتدئ الفاتحة لكن يسر بما كان قرأه الإمام منها ثم يجهر بما بقي فإن لم يعلم الخليفة كم صلى الأول بنى على اليقين فإن سبح به المأموم رجع إليه فإن لم يستخلف الإمام وصلوا وحدانا صح وكذا إن استخلفوا ومن استخلف فيما لا يعتد به اعتد به المأموم1 وقال ابن حامد: إن استخلفه يعنى من لم يكن دخل معه في الركوع أو فيما بعده قرأ لنفسه وانتظره المأموم ثم ركع ولحق المأموم وهو مراد غيره ولا بد منه وإن استخلف كل طائفة رجلا
__________
1 مثال هذا أن يدخل المأموم في صلاة الجماعة بعد رفع الإمام من ركوعه فإن تلك الركعة غير معتد بها للمأموم فإن استخلفه الإمام في هذه الركعة نفسها كان في ذلك التوجيهان اللذان ذكرهما المصنف ونسب أحدهما لابن حامد.(1/109)
أو استخلف بعضهم وصلى الباقون فرادى صح وهذا كله على الراية محله فيما إذا كان ابتداء صلاة الإمام صحيحا وإن كان فاسدا كان ذكر الحدث في أثناء الصلاة فلا وله الاستخلاف لحدوث مرض أو خوف أو حصره عن القراءة الواجبة ونحوه وإن سبق اثنان فأكثر ببعض الصلاة فأتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما أو أتم مقيم بمثله إذا سلم إمام مسافر صح في غير لا فيها لأنها إذا أقيمت بمسجد مرة لم تقم فيه ثانية وبلا عذر السبق لا يصح وإن أحرم إمام لغيبة إمام الحي أو إذنه ثم حضر في أثنائها فأحرم بهم وبنى على صلاة خليفته وصار الإمام مأموما جاز وصح والأولى تركه.(1/110)
باب المشي إلى الصلاة
يستحب الخروج إليها متطهرا بخوف وخشوع وأن يقول إذا خرج من بيته ولو لغير الصلاة: بسم الله آمنت بالله اعتصمت بالله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي: وأن يمشى إليها بسكينة ووقار ويقارب خطاه ويكره أن يشبك بين أصابعه من حين يخرج وهو في المسجد أشد كراهة وفي الصلاة أشد وأشد ويسن أن يقول مع ما تقدم: اللهم إلى أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإن لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك(1/110)
أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت اللهم اجعلني من أوجه من توجه إليك وأقرب من توسل إليك وأفضل من سألك ورغب إليك اللهم اجعل في قلبي نورا وفي قبري نورا وفي لساني نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وفي عصبي نورا وفي لحمي نورا وفي دمي نورا وفي شعري نورا وفي بشرى نورا وفي نفسي نورا وأعظم لي نورا واجعلني نورا اللهم أعطني نورا وزدني نورا وإن سمع الإقامة لم يسع فإن طمع في إدراك التكبيرة الأولى وهو أن يدرك الصلاة قبل تكبيرة الإحرام ليكون خلف الإمام إذا كبر للافتتاح فلا بأس أن يسرع شيئا ما لم تكن بمحلة تقبح وإن خشي فوات الجماعة أو الجمعة بالكلية فلا ينبغي أن يكره الإسراع لأن ذلك لا ينجبر إذا فات هذا معنى كلام الشيخ في شرح العمدة وتأتى فضيلة إدراكك التكبيرة الأولى في صلاة الجماعة فإذا دخل المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى وأن يقول: بسم الله أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم الحمد لله اللهم صل وسلم على محمد اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قدم رجله اليسرى في الخروج وقال: بسم الله اللهم صل وسلم على محمد اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك الله إني أعوذ بك من إبليس وجنوده: فإذا دخل المسجد لم يجلس حتى يصلى ركعتين تحية المسجد إن كان في غير وقت نهي ويأتي آخر الجمعة ويجلس مستقبل القبلة لأنه(1/111)
خير المجالس ولا يفرقع أصابعه ويشتغل بالطاعة من الصلاة والقراءة والذكر أو يسكت ويكره أن يخوض في حديث الدنيا فما دام كذلك فهو في صلاة والملائكة تستغفر له ما لم يؤذ أو يحدث.(1/112)
باب صفة الصلاة
مدخل
...
باب صفة الصلاة
يسن أن يقوم إمام فمأموم: غير مقيم: إلى الصلاة عند قول المؤذن قد قامت الصلاة إن كان الإمام في المسجد ولو لم يره المأموم وإن كان في غيره ولو يعلم قربه لم يقم حتى يراه وليس بين الإقامة والتكبير دعاء مسنون نصا وإن دعا فلا بأس فعله أحمد ورفع يديه ثم يسوى الإمام الصفوف ندبا بمحاذاة المناكب والأكعب دون أطراف الأصابع فيلتفت عن يمينه قائلا: اعتدلوا وسووا صفوفكم وفي المغنى وغيره يقول: استووا رحمكم الله وعن يساره كذلك لأن تسوية الصف من تمام الصلاة ـ قال أحمد: ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام ـ ويسن تكميل الصف الأول فالأول كره والصف الأول: وهو ما يقطعه المنبر لا ما يليه: ويمنة كل صف للرجال أفضل وظاهر كلامهم أن الأبعد عن اليمين أفضل ممن على اليسار ولو كان أقرب ـ قال ابن نصر الله في شرح الفروع وهو أقوى عندي انتهى ـ وظاهر كلامهم يحافظ على الصف الأول وإن فاتته ركعة لا إن خاف فوت الجماعة وكلما قرب من الإمام فهو أفضل وكذا قرب الأفضل والصف منه والأفضل تأخير المفضول(1/112)
كالصبي لا البالغ والصلاة مكانه وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها عكس صفوف النساء ويسن تأخيرهن فتكره صلاة رجل بين يديه امرأة تصلى وإلا فلا ثم يقول وهو قائم مع القدرة في الفرض: الله أكبر مرتبا متواليا: لا يجزئه غيرها فإن أتمه قائما أو راكعا أو أتى به كله راكعا أو قاعدا في غير فرض صحت وأدرك الركعة وفيه1 تصح نفلا إن اتسع الوقت فإن زاد على التكبير كقوله الله أكبر كبيرا: أو الله أكبر وأعظم: أو وأجل ونحوه كره فإن مد همزة الله أو أكبر أو قال راكبا لم تنعقد ولا تضر زيادة المد على الألف بي اللام والهاء لأنها إشباع وحذفها أولى لأنه يكره تمطيطه فإن لم يحسن الكبير بالعربية لزمه تعلمه مكانه أو ما قرب منه فإن خشي فوات الوقت أو عجز عن التعلم كبر بلغته فإن كان يعرف لغات فالأولى تقديم السرياني ثم الفارسي: ثم التركي أو الهندي ولا يكبر قبل ذلك بلغته فإن عجز عن التكبير سقط عنه كالأخرس ولا يترجم عن مستحب فإن فعل بطلت وحكم كل ذكر واجب: كتكبيرة الإحرام وإن أحسن البعض أتى به2
__________
1 مرجع الضمير هو الفرض. والمعنى لو أتى المصلي بتكبيرة الإحرام كلها أو بعضها غير قائم في الفرض وقع نفلا أن كان الوقت متسعا وإلا بطلت وعين عليه استئنافها لضيق الوقت عن النفل.
2 مراده أن الحكم في التعبير عن الذكر الواجب كالتشهد وتسبيح الركوع والسجود حكم تكبيرة الإحرام في الترتيب وكونه بالعربية أو بغيرها وأن أحسن بعض ذلك دون بعضه أتى بما يقدر عليه وبالباقي بلغة أخرى.(1/113)
والأخرس ومقطوع اللسان يحرم بقلبه ولا يحرك لسانه وكذا حكم القراءة والتسبيح وغيره ويسن جهر الإمام بالتكبير كله وتسميع لا تحميد وبسلام أول فقط وقراءة في جهرية بحيث يسمع من خلفه وأدناه سماع غيره ويسر مأموم ومنفرد به وبغيره وفي القراءة تفصيل ويأتي ويكره جهر مأموم إلا بتكبير وتحميد وسلام لحاجة ولو بلا إذن الإمام فيسن ـ قال الشيخ: إذا كان الإمام يبلغ صوته المأمومين لم يستحب لأحد المأمومين التبليغ باتفاق المسلمين ـ وجهر كل مصل في ركن واجب: فرض بقدر ما يسمع نفسه إن لم يكن مانع فإن كان فبحيث يحصل السماع مع عدمه ويرفع يديه ندبا والأفضل مكشوفتين هنا وفي الدعاء أو أحدهما عجزا ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهاءه ممدودتي الأصابع برؤسها مضمومة ويستقبل ببطونها القبلة إلى حذو منكبيه إن لم يكن عذر ويرفعهما أقل وأكثر لعذر ويسقط بفراغ التكبير كله ورفعهما إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه ثم يحطهما من غير ذكر ثم يقبض بكفه الأيمن كوعه الأيسر ويجعلهما تحت سرته ومعناه ذل بين يدي عز ويكره على صدره ويستحب نظره إلى موضع سجوده في كل حالات الصلاة إلا في صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة فينظر إلى العدو وكذا إذا اشتد الخوف أو كان خائفا من سيل أو سبع أو فوات لوقوف(1/114)
يعرفه أو ضياع ماله وشبه ذلك مما يحصل له به ضرر إذا نظر إلى موضع سجوده.(1/115)
فصل ثم يستفتح سرا
فيقول: سبحان اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك1 ولا إله غيرك ويجوز ولا يكره بغيره مما ورد ثم يتعوذ سرا فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وكيفما تعوذ من الوارد فحسن2 ثم يقرأ البسملة سرا ولو قيل أنها من الفاتحة وليست منها كغيرها بل آية من القرآن مشروعة قبلها وبين كل سورتين سوى براءة فيكره ابتداؤها بها3 فإن ترك الاستفتاح ولو عمدا حتى تعوذ أو التعوذ حتى بسمل أو البسملة حتى شرع في القرآن سقط ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية مشددة والمستحب أن يأتي بها مرتلة معربة يقف فيها عند كل آية وإن كانت الآية الثانية متعلقة بالأولى تعلق الصفة بالموصوف أو غير ذلك ويمكن حروف
__________
1 الجد بفتح الجيم وهو هنا بمعنى العظمة. وهذا دعاء تنزيه للذات القدسية عما لا يناسب كمالها من النقص.
2 كأن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. وهو وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3 حاصل هذا أن فريقا من علماء الحنابلة يرى أن البسملة آية من الفاتحة فقراءتها معها لازمة، ويرى فريق آخر أنها جزء من آية سورة النمل وآية في عداد آيات القرآن وليست جزءا من الفاتحة وإنما شرعت قبلها كما شرعت للفصل بين السور. ولكل من الفريقين دليله وإن كان الثاني أرجح ومهما كان الخلاف بينهم فقد أجمعوا على أن تكون سرا في الصلاة كما ورد.(1/115)
المد واللين ما لم يخرجه ذلك إلى التمطيط وهي أعظم سورة في القرآن وأعظم آية فيه آية الكرسي1 وفيها إحدى عشرة تشديدة فإن ترك ترتيبها أو حرفا منها أو تشديدة لم يعتد بها وإن قطعها غير مأموم بذكر أو قرآن كثير أو سكوت طويل عمدا لزمه استئنافها لا إن كان يسيرا أو كثيرا سهوا أو نوما أو انتقل إلى غيرها غلطا فطال ولا يضر في حق مأموم إن كان القطع أو السكوت مشروعا كالتأمين وسجود التلاوة والتسبيح بالتنبيه ونحوه أو لاستماع قراءة الإمام ويبنى ولا تبطل بنية قطعها ولو سكت يسيرا ويأتي في صلاة بالجماعة إذا لحن لحنا يحل المعنى أو أبدل حرفا بحرف ونحوه يكره الإفراط في التشديد والمدوان يقول مع إمامه إياك نعبد وإياك نستعين ونحوه ومالك أحب إلى أحمد من ملك فإذا فرغ قال آمين بعد سكتة لطيفة ليعلم أنها ليست من القرآن يجهر بها إمام ومأموم معا في صلاة جهر2 ومنفرد وغير
__________
1 تفضيل الفاتحة على غيرها مبني على مذهب القائلين بأن بعض القرآن أفضل من بعضه، وذلك باعتبار ما يكون من تفاوت في المعاني والبلاغة لا باعتبار الذات فإن الكل كلام الله تعالى وصفة له، وهذا التفضيل عند القائلين به لا يستلزم غضا من قداسة الآيات وجلالها.
2 للأحاديث، ومنها ما رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين والإمام يقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه "، ومن هذا يظهر لك أن صياح المصلين بالدعاء حينما يقرأ الإمام ولا الضالين غير مبني على أصل صحيح، وإنما جرهم إلى ذلك زعمهم أن التأمين في آخر الفاتحة تأمين على دعاء من عندهم لا على ما في آيات الفاتحة، أو لعل له أصلا في مذهب غيرنا. والله أعلم.(1/116)
مصل إن جهر بالقراءة وإن تركه إمام أو أسره أتى به مأموم جهرا ليذكره ويأتي المأموم أيضا بالتعوذ ولو تركه الإمام فإن ترك التأمين حتى شرع في قراءة السورة لم يعد إليه والأولى المد ويجوز القصر في آمين ويحرم تشديد الميم فإن قال آمين رب العالمين لم يستحب ويستحب سكوت الإمام بعدها بقدر قراءة مأموم ويلزم الجاهل تعلمها فإن لم يفعل مع القدرة عليه لم تصح صلاته فإن لم يقدر أو ضاق الوقت عنه سقط ولزمه قراءة قدرها في عدد الحروف والآيات من غيرها فإن لم يحسن إلا آية منها أو من غيرها كررها بقدرها فإن كان يحسن آية منها وشيئا من غيرها كرر الآية لا الشيء بقدرها فإن لم يحسن إلا بعض آية لم يكرره وعدل إلى غيره فإن لم يحسن شيئا من القرآن حرم أن يترجم عنه بلغة أخرى كعالم1 وترجمته بالفارسية أو غيرها لا يسمى قرآنا فلا يحرم على الجنب ولا يحنث بها من حلف لا يقرأ وتحسن للحاجة ترجمته إذا احتاج إلى تفهمه إياه بالترجمة وحصل الإنذار بالقرآن دون تلك اللغة كترجمة الشهادة2 ولزمه أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإن لم يحسن إلا بعض الذكر كرره بقدر الذكر فإن لم يحسن شيئا منه وقف بقدر الفاتحة كالأخرس ولا يحرك لسانه ولم تلزمه الصلاة خلف
__________
1 يعني كحرمة الترجمة على عالم بالعربية.
2 يريد المصنف بهذا جواز ترجمة المعنى لا اللفظ. ثم الإنذار الذي يحصل بالترجمة إنما هو من المعنى المترجم لا من لغة الترجمة. وذلك نظير الشهادة إذا ترجمت للحاكم فإنه يبنى حكمه على المعنى الذي فهمه من الترجمة إذا كانت صحيحة.(1/117)
قارئ لكن يستحب ومن صلى وتلقف القراءة من غيره صحت.(1/118)
فصل ثم يقرأ البسملة سرا
ثم سورة كاملة وتجوز آية إلا أن أحمد استحب أن تكون طويلة كآية الدين وآية الكرسي فإن قرأ من أثناء سورة فلا بأس إن يبسمل نصا وإن كان في غير صلاة فإن شاء جهر بها وإن شاء خافت ويكره الاقتصار على الفاتحة ويستحب في الفجر بطوال المفصل وأوله ق يكره بقصاره في الفجر من غير عذر كسفر ومرض ونحوهما ويقرأ في المغرب من قصاره ولا يكره بطواله إن لم يكن عذر نصا وفي الباقي من أوساطه إن لم يكن عذر فإن كان لم يكره بأقصر منه ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح وأولتي المغرب والعشاء ويكره لمأموم يخير منفرد وقائم لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه بين جهر وإخفات ولا بأس بجهر امرأة إذا لم يسمعها أجنبيي وخنثى مثلها ويسر في قضاء صلاة جهر نهارا ولو جماعة كصلاة سر ويجهر بالجهرية ليلا في جماعة فقط ويكره جهره في نفل نهارا وليلا يراعى المصلحة والأظهر أن المراد هنا بالنهار من طلوع الشمس لا من طلوع الفجر وبالليل من غروبها إلى طلوعها قاله ابن نصر الله1: وإن أسر في جهر في سر2 بنى على قراءته ويستحب أن يقرأ كما في
__________
1 تقدم في باب الأذان أن النهار من طلوع الفجر. وإنما اعتبره هنا من طلوع الشمس نظرا لإلى أن الجهر في الصلاة مكروه نهارا وأنت تعلم أن صلاة الصبح جهرية. وذلك لأن وقتها ملحق بالليل في هذا وإلا فهي نهارية قطعيا بدليل الصوم.
2 هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة والصواب أن يقال أو جهر في سر.(1/118)
المصحف من ترتيب السور ويحرم تنكيس الكلمات وتبطل به الصلاة ويكره تنكيس السور في ركعة أو ركعتين كالآيات ـ قال الشيخ: ترتيب الآيات واجب لأن ترتيبها بالنص إجماعا ـ وترتيب السور بالاجتهاد لا بالنص في قول جمهور العلماء منهم المالكية والشافعية فتجوز قراءة هذه قبل هذه وكذا في الكتابة ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها لكن لما اتفقوا على المصحف زمن عثمان صار هذا من سنه الخلفاء الراشدون وقد دل الحديث على أن لهم سنة يجب إتباعها وإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان لم تصح صلاته ويحرم لعدم تواتره وعنه يكره وتصح إذا صح سنده وتصح بما وافق المصحف ون لم يكن من العشرة نصا وكره أحمد قراءة حمزة والكسائي والإدغام الكبير لأبى عمرو واختار قراءة نافع من رواية إسماعيل بن جعفر ثم قراءة عاصم من رواية أبى بكر بن عياش.(1/119)
فصل ثم يرفع يديه كرفعه الأول بعد فراغه من القراءة
مع ابتداء الركوع مكبرا فيضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ملقما كل يد ركبة ويمد ظهره مستويا ورأسه حيال ظهره ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويكره أيطبق إحدى راحتيه على الأخرى ويجعلها بين ركبتيه وقدر الأجزاء انحناؤه بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه نصا إذا كان وسطا من الناس لا طويل اليدين ولا قصيرهما وقدره في حقهما قال المجد: بحيث يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل وقدره من قاعد مقابلة وجهة ما قدام ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة(1/119)
وتتمتها الكمال ويقول: سبحان ربى العظيم ثلاثا وهو أدنى الكمال وأعلاه في حق إمام إلى عشر ومنفرد العرف وكذا سبحان ربي الأعلى في سجوده والكمال في رب اغفر لي ثلاث ومحل ذلك في غير صلاة الكسوف ولو انحنى لتناول شيء ولم يخطر بباله الركوع لم يجزئه عنه وتكره القراءة في الركوع والسجود ثم يرفع رأسه مع رفع يديه كرفعه الأول قائلا إمام ومنفرد سمع الله لمن حمده مرتبا وجوبا ومعنى سمع أجاب ثم إن شاء أرسل يديه وإن شاء وضع يمينه على شماله نصا فإذا استتم قائما قال: ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد وإن زاد على ذلك أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد: أو غير ذلك مما ورد والمأموم يحمد فقط في حال رفعه وللمصلى قول ربنا لك الحمد بلا واو بها أفضل وإن شاء قال اللهم ربنا لك الحمد بلا واو وهو أفضل وإن شاء بواو وإن عطس حال رفعه فحمد لهما جميعا لم يجزئه نصا ومثل ذل لواراد الشروع في الفاتحة فعطس فقال الحمد لله ينوى بذلك العطاس والقراءة ورفع اليدين في مواضعه من تمام الصلاة ورافع أتم صلاة ممن لا يرفع وإذا رفع رأسه من الركوع فذكر أنه لم يسبح في ركوعه لم يعد إلى الركوع إذا ذكره بعد اعتداله فإن عاد إليه فقد زاد ركوعا تبطل الصلاة بعمده فإن فعله ناسيا أو جاهلا لم تبطل ويسجد للسهو فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع لم يدرك الركعة ويأتي في سجود السهو ثم يكبر(1/120)
ويخر ساجدا ولا يرفع يديه فيضعه ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه ويمكن جبهته وأنفه وراحتيه من الأرض ويكون على أطراف أصابع رجليه وتكون مفرقة إن لم يكن في رجليه نعل أو خف موجهة إلى القبلة ولو سقط إلى الأرض من قيام أو ركوع ولو يطمئن عاد فأتى بذلك وإن اطمأن عاد فانتصب قائما ثم يسجد فإن اعتل حتى سجد سقط وإن علا موضع سجوده رأسه على قدميه فلم تستعمل الأسافل بلا حاجة فلا بأس بيسيره ويكره بكثيره ولا يجزئ إن خرج عن صفة السجود والسجود بالمصلى على هذه الأعضاء مع الأنف ركن مع القدرة وإن عجز بالجبهة أومأ ما أمكنه وسقط لزوم باقي الأعضاء وإن قدر بها تبعها الباقي ويجزئ بعض كل عضو منها ولو على ظهر كف وقدم ونحوهما لا إن كان بعضها فوق بعض ويستحب مباشرة المصلى بباطن كفيه وضم أصابعهما موجهة نحو القبلة غير مقبوضة رافعا مرفقيه ولا يجب عليه مباشرة المصلى منها حتى الجبهة لكن يكره تركها بلا عذر فلو سجد على متصل به غير أعضاء السجود ككور عمامته وكمه وذيله ونحوه صحت ولم يكره لعذر كحر أو برد أو نحوه ويكره كشف الركبتين كستر اليدين وتكره الصلاة بمكان شديد الحر أو البرد ويأتي ويسن أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ما لم يؤذ جاره ويضع يديه حذو منكبيه وله أن يعتمد مرفقيه على فخذيه إن طال ويفرق بين ركبتيه ورجليه ويقول سبحان ربي لأعلى وحكمه كتسبيح الركوع ولا بأس بتطويل السجود لعذر ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس مفترشا: يفرش رجله(1/121)
اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويخرجها من تحته ويجعل بطون أصابعها على الأرض مفرقة معتمدا عليها لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة باسطا يديه على فخذيه مضمومة الأصابع قائلا رب اغفر لي ثلاثا وهو الكمال هنا وتقدم ولا تكره الزيادة عل قول رب اغفر لي ولا على سبحان ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى في الركوع والسجود مما ورد ثم يسجد الثانية كالأولى ثم يرفع رأسه مكبرا قائما على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه بيديه إلا أن يشق عليه فيعتمد بالأرض ويكره أن يقدم إحدى رجليه ولا تستحب جلسة الاستراحة وهي جلسة يسيرة صفتها كالجلوس بين السجدين.(1/122)
فصل ثم يصلى الثانية كالأولى
إلا في تجديد النية وتكبيرة الإحرام والاستفتاح ولو لم يأت به ولو عمدا في الأولى والاستعاذة إن كان استعاذ في الأولى وإلا استعاذ سواء كان تركه لها في الأولى عمدا أو نسيانا ثم يجلس مفترشا جاعلا يديه على فخذيه باسطا أصابع يسراه مضمومة مستقبلا بها القبلة قابضا من يمناه الخنيصر والبنصر ملحقا إبهامه مع وسطاه ثم يتشهد سرا ندبا كتسبيح ركوع وسجود وقول رب اغفر لي ويشير بسبابتها لا بغيرها لو عدمت في تشهده مرارا كل مرة عند ذكر الله تبيها على التوحيد ولا يحركها وعند دعائه في صلاة وغيرها فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله وبأي تشهد تشهد مما(1/122)
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز ولا تكره التسمية أوله وتركها أولى وذكر جماعة أنه لا بأس بزيادة وحده لا شريك له والأولى تخفيه وعدم الزيادة عليه وإن قال وأن محمدا وأسقط أشهد فلا بأس وهذا التشهد الأول ثم كانت الصلاة ركعتين فقط أتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبما بعدها فيقول: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد هذا الأولى من ألفاظ الصلاة والبكرة ويجوز بغيره مما ورد وآله أتباعه على دينه والصواب عدم جواز إبداله بأهل وإذا أدرك بعض الصلاة مع الإمام فجلس الإمام في آخر صلاته لم يزد المأموم على التشهد الأول يل يكرره ولا يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدعو بشيء مما يدعو به في التشهد الأخير فإن سلم إمامه قام ولو يتمه إن لم يكن واجبا في حقه وتحوز الصلاة على غيره منفردا نصا وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة بتأكد وتتأكد كثيرا عند ذكره وفي يوم الجمعة وليلتها ويسن أن يتعوذ فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم وإن دعا بما ورد في الكتاب والسنة أو عن الصحابة والسلف أو بغيره مما يتضمن طاعة ويعود إلى أمر آخرته نصا ولو لم يشبه ما ورد كالدعاء بالرزق الحلال والرحمة والعصمة من الفواحش ونحوه فلا بأس ما لم يشق على مأموم أو يخف سهوا وكذا(1/123)
في ركوع وسجود ونحوهما ولا يجوز الدعاء بغير ما ورد وليس من أمر الآخرة كحوائج دنياه وملاذها كقوله: اللهم ارزقني جارية حسناء وحلة خضراء ودابة هملاجة1 ونحوه وتبطل به ولا بأس بالدعاء لشخص معين ما لم يأت بكاف الخطاب فإن أتى به بطلت وظاهره لغير النبي صلى الله عليه وسلم كما في التشهد وهو السلام عليك أنها النبي ولا تبطل بقوله لعنه عند ذكر إبليس ولا بتعويذ نفسه بقرآن لحمى ولا بحوقلة في أمر الدنيا ونحوه ويأتي.(1/124)
فصل ثم يسلم
وهو جالس مرتبا معرفا وجوبا مبتدئا ندبا عن يمينه قائلا السلام عليكم ورحمة الله فقط وإن زاد وبركاته جاز والأولى تركه فإن لم يقل ورحمة الله في غير صلاة الجنازة لم يجزئه وعن يساره كذلك والالتفات سنة ويكون عن يساره أكثر بحيث يرى خداه يجهر إمام بالأولى فقط ويسرهما غيره ويستحب جزمه وعدم إعرابه فيقف على كل تسليمة وحذفه سنة وهو عدم تطويله ومده في الصلاة وعلى الناس فإن نكر السلام أو نكسه فقال عليكم السلام أو قال السلام عليك بإسقاط الميم أو نكسه في التشهد فقال عليك السلام أيها النبي أو علينا السلام وعلى عباد الله لم يجزئه وينوى بسلامه الخروج من الصلاة استحباب فإن نوى معه على الحفظة والإمام والمأموم جاز ولو يستحب نصا وكذا لو نوى ذلك دون الخروج وإن كانت صلاته أكثر من ركعتين نهض مكبرا كنهوضه من السجود إذا فرغ من
__________
1 الهملاجة: السريعة.(1/124)
التشهد الأول ولا يرفع يديه وأتى بما بقي من صلاته كما سبق إلا أنه لا يجهر ولا يقرأ شيئا بعد الفاتحة فإن قرأ أبيح ولم يكره ثم يجلس في التشهد الثاني من ثلاث فأكثر متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه ويجعل إليته على الأرض ويأتي بالتشهد الأول ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا وجوبا ثم بالدعاء ثم يسلم كما سبق وإن سجد لسهو بعد السلام في ثلاثية فأكثر تورك في تشهد سجوده وفي ثنائية ووتر يفترش والمرأة كالرجل في ذلك إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود وجميع أحوال الصلاة وتجلس متربعة أو تسدل رجليها عن يمينها وهو أفضل كرفع يديها وخنثى كامرأة ويحرف الإمام إلى المأموم جهة قصده يمينا أو شمالا وإلا فعن يمينه قبل يساره في انحرافه ويستحب للإمام إلا يطيل الجلوس بعد السلام مستقبل القبلة وإلا ينصرف المأموم قبله إلا أن يطيل الجلوس فإن كان رجال ونساء استحب لهن أن يقمن عقب سلامه وأن يثبت الرحال قليلا بحيث لا يدر كون من انصرف منهن ويأتي آخر صلاة الجماعة.(1/125)
فصل يسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة
كما ورد فيقول: استغفر الله ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين(1/125)
له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ويسبح ويحمد ويكبر كل واحدة ثلاثا وثلاثين والأفضل أن يفرغ منهن معا1 وتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ويعقده والاستغفار بيده أي يضبط عدده بأصابعه كما يأتي ـ قال الشيخ: ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلاة انتهى وبعد كل من الصبح والمغرب وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير اللهم أجرني من النار سبع مرات وبعد كل صلاة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين ويدعو بعد فجر وعصر لحضور الملائكة فيهما فيؤمنون وكذا غيرهما من الصلوات ويبدأ بالحمد لله والثناء عليه ويختم به ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم أوله وآخره ويستقبل غير إمام هنا القبلة ويكره للإمام بل يستقبل المأمومين ويلح ويكرره ثلاثا وسرا أفضل ويعم به ومن آداب الدعاء بسط يديه ورفعهما إلى صدره ويدعوا بدعاء معهود بتأدب وخشوع وخضوع وعزم ورغبة وحضور قلب ورجاء وينتظر الإجابة ولا يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لي ولا يكره رفع بصره إلى السماء فيه ولا بأس أن يخص نفسه بالدعاء نصا والمراد الذي لا يؤمن عليه كالمنفرد وكبعد التشهد فأما ما يؤمن عليه كالمأمونين مع الإمام فيعم وإلا خانهم وكدعاء القنوت ويستحب
__________
1 بأن يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر.(1/126)
أن يخففه ويكره رفع الصوت به في صلاة وغيرها إلا لحاج.(1/127)
فصل يكره في الصلاة التفات يسير بلا حاجة
كخوف ونحوه وتبطل إن استدار بجملته أو استديرها ما لم يكن في الكعبة أو شدة خوف ولا تبطل لو التفت بصدره مع وجهه ورفع بصره إلى السماء لا حال التجشى في جماعة وتغميضه بلا حاجة كخوفه محذورا مثل أن رأى أمته عريانة أو زوجته أو أجنبية بطريق الأولى وصلاته إلى صورة منصوبة والسجود عليها ويكره حمله فصا أو ثوبا ونحوه فيه صورة وإلى وجهه آدمي وفي الرعاية أو حيوان غيره وما يلهيه من نار ولو سراجا وقنديلا ونحوه كشمعة موقدة وحمله ما يشغله وإخراج لسانه وفتح فمه ووضعه فيه شيئا لا في يده وكمه وإلى متحدث ونائم وكافر واستناد بلا حاجة فإن سقط لو أزيل لم تصح وما يمنع كمالها كحر وبرد ونحوه وافتراش ذراعيه ساجدا وإقعاؤه وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه وابتداؤها حاقنا من احتبس بوله أو حاقبا من احتبس غائطه أو مع ريح محتبسة ونحوه أو تائقا إلى طعام أو شراب أو جماع فيبدأ بالخلاء وما تاق إليه ولو فاتته الجماعة ما لم يضق الوقت فلا يكره بل يجب ويحرم اشتغاله بالطهارة إذن1 ويكره عبثه وتقليبه الحصا ومسه ووضع يده على خاصرته وتروحه بمروحة ونحوها إلا لحاجة
__________
1 يريد أن يحرم تأخير الطهارة للصلاة حتى لم يبق من الوقت إلا ما يسع تأديتها فحسب وعلى ذلك فلو اشتغل بالطهارة فلا يعفيه ذلك من الإثم.(1/127)
كغم شديد ما لم يكثر1 لا مراوحته بين رجليه فتستحب كتفريقهما وتكره كثرته وفرقعة أصابعه وتشبيكها ولمس لحيته ونفخه واعتماده على يده في جلوسه من غير حاجة وصلاته مكتوفا وعقص شعره وكفه وكف ثوبه ونحوه وتشمير كمه ولو فعلهما لعمل قبل صلاته وجمع ثوبه بيده إذا سجد وأن يخص جبهته بما يسجد عليه لأنه شعار الرافضة لا الصلاة على حائل صوف وشعر وغيرهما من حيوان كما تنبته الأرض ولا على ما يمنع صلابة الأرض ويكره التمطي وإن تثاءب كظم عليه ندبا فإن غلبه استحب ووضع يده على فيه ويكره مسح أثر سجوده وإن يكتب أو يعلق في قبلته شيء لا وضعه بالأرض ولذلك كره التزويق وكلما يشغل المصلى عن صلاته قال أحمد: كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئا حتى المصحف ـ وتسوية التراب بلا عذر وتكرار الفاتحة في ركعة وفي المذهب والنظم تكره القراءة المخالفة عرف البلد أي للإمام في قراءة يجهر بها لما فيه من التنفير للجماعة ومن أتى بالصلاة على وجه مكروه استحب أن يأتي بها على وجه غير مكروه ما دام وقتها باقيا لأن الإعادة مشروعة لخلل في الأول ولا يكره جمع سورتين فأكثر في ركعة ولو في فرض كتكرار سورة في ركعتين وتفريقها فيهما ولا تكره قراءة أواخر السور وأوساطها كاوائلها ولا ملازمة سورة يحسن غيرها مع اعتقاده جواز غيرها وتكره قراءة كل القرآن في فرض واحد لا قراءة كله في الفرائض على ترتيبه ويسن رد مار بين
__________
1 يعني حد الكراهة ألا يكثر التروح وما سبقه عرفا وإلا بطلت.(1/128)
يديه يدفعه بلا عنف آدميا كان أو غيره ما لم يغلبه فإن غلبه ولو لم يرده من حيث جاء أو يكن محتاجا أو يكن في مكة المشرفة فلا وتكره صلاته بموضع يحتاج فيه إلى المرور وتنقصر صلاته إن لم يرده فإن أبى دفعه بعنف فإن أصر فله قتاله ولو مشى لا بسيف ولا بما يهلكه بل بالدفع والوكز باليد ونحو ذلك ـ قاله الشيخ: وقال: فإن مات من ذلك فدمه هدر انتهى ـ ويأتي نحوه في باب ما يفسد الصوم فإن خاف إفساد صلاته بتكرار دفعه لم يكرره ويضمنه إذن لتحريم التكرار لكثرته ويحرم مروره بين مصل وسترته ولو بعد عنها ومع عدمها يحرم بين يديه قريبا وهو ثلاثة أذرع فأقل بذراع اليد ـ وفي المستوعب إن احتاج إلى المرور ألقى شيئا ثم مر انتهى ـ فإن مر بين يدي المأمومين فهل لهم رده وهل يأثم بذلك؟ احتمالان وصاحب الفروع يميل إلى أن لهم رده وأنه يأثم بذلك كذا ذكره عنه ابن نصر الله في شرح الفروع وليس وقوفه كمروره وله عد التسبيح والآي بإصبعه بلا كراهة فيهما كتكبيرات العيد وله قتل حية وعقرب وقملة ولبس ثوب وعمامة ولفها وحمل شيء ووضعه وإشارة بيد ووجه وعين ونحوه لحاجة وإلا كره ما لم يطل ولا يتقدر اليسير بثلاث ولا غيرها من العدد بل العرف وما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو يسير وإن قتل القملة في المسجد أبيح دفنها فيه إن كان ترابا ونحوه فإن طال عرفا فعل فيها من غير جنسها غير متفرق أبطلها عمدا كان أو سهوا ما لم تكن ضرورة كحالة خوف وهرب من عدو ونحوه وعد ابن الجوزي من الضرورة إذا كان به حك لا يصبر عنه وإشارة(1/129)
أخرس مفهومة أو لا كعمل ولا تبطل بعمل القلب ولو طال ولا بإطالة نظر في كتاب إذا قرأ بقلبه ولم ينطق بلسانه مع كراهته ولا أثر لعمل غيره كمن مص ولدها ثديها فنزل لبنها ويكره السلام على المصلى والمذهب لا وله رده بإشارة فإن رده لفظا بطلت ولو صافح إنسانا يريد السلام عليه لم تبطل وله أن يفتح على إمامه إذا أرتج عليه أو غلط ويجب في الفاتحة كنسيان سجدة ونحوها وإن عجز المصلى عن إتمام الفاتحة بالارتاج عليه فكالعاجز عن القيام في أثناء الصلاة: يأتي بما يقدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه ولا يعيدها إن كان إمام صحت صلاة الأمي خلفه والقارئ يفارقه ويتم لنفسه وإن استخلف الإمام من يتم بهم وصلى معه جاز ولا يفتح على غير إمامه فإن فعل كره ولم تبطل ويكره لعاطس الحمد بلفظه ولا تبطل به ويحمد في نفسه ومن دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وجبت عليه إجابته في الفرض والنفل وتبطل به ويجيب والديه في نفل فقط وتبطل به ويجوز إخراج الزوجة من النفل لحق الزوج فإن قرأ آية فيها ذكره صلى الله عليه وسلم صلى عليه في نفل فقط ولا يبطل الفرض به ويجب رد كافر معصوم عن بئر ونحوه كمسلم وإنقاذ غريق ونحوه فيقطع الصلاة لذلك وإن أبى قطعها صحت وله إن فر منه غريمه أو سرق متاعه أو ند بعيره ونحوه الخروج في طلبه وإن نابه شيء في الصلاة مثل سهو إمامه أو استئذان إنسان عليه سبح رجل ولا يضر لو كثر وكذا لو كلمه إنسان بشيء فسبح ليعلم أنه في صلاة أو خشي على إنسان الوقوع في شيء أو أن يتلف شيئا فسبح به ليتركه أو ترك إمامه ذكرا فرفع صوته(1/130)
به ليذكره ونحوه ويباح بقراءة وتكبير وتهليل ونحوه ويكره بنحنحة وصفير كتصفيقه وتسبيحها وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى وإن كثر أبطلها1 ولو عطس فقال الحمد لله أو لسعه شيء فقال: بسم الله أو سمع أو رأى ما يغمه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون أو رأى ما يعجبه فقال: سبحان الله أو قيل ولد لك غلام فقال: الحمد لله أو احترق دكانه ونحوه فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله كره وصحت وكذا لو خاطب بشيء من القرآن كان يستأذن عليه فيقول: أدخلوها بسلام آمنين أو يقول لمن اسمه يحيى يا يحيى خذ الكتاب بقوة وإن بدره مخاط أو بزاق ونحوه في المسجد بصق في ثوبه وفي غيره عن يساره وتحت قدمه اليسرى للحديث الصحيح2 وفي ثوب أولى إن كان في صلاة ويكره أمامه وعن يمينه وتسن صلاة غير مأموم إلى سترة ـ ولو لم يخش مارا ـ من جدار أو شيء شاخص كحربة أو آدمي غير كافر أو بهيم أو غير ذلك مثل مؤخرة الرحل تقارب طول ذراع فأكثر فأما قدرها في الغلظ فلا حد له فقد تكون غليظة كالحائط أو دقيقة كالسهم ويستحب قربه منها قدر ثلاثة أذرع من قدميه وانحرافه عنها يسيرا فإن لم يجد شاخصا
__________
1 إنما أبطلها التصفيق الكثير دون التسبيح لأن الثاني من جنس الصلاة بخلاف الأول ف، هـ أجنبي عنها.
2 الحديث لأنس وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا قام أحدكم في صلاته فإنه يناجي ربه فلا يبزقن من قبل قبلته لكن عن يساره أو تحت قدمه " – ثم أخذ طرف رداءه فبزق فيه ثم رد بعضه على بعض.(1/131)
وتعذر: غرز عصا ونحوها وعرضا أعجب إلى أحمد من لمطول ويكفى خيط ونحوه وما اعتقده سترة فإن لم يحد: خط خطا كالهلال ولا تجزئ سترة مغصوبة فالصلاة إليها كالقبر وتجزئ نجسة فإذا مر شيء من وراء السترة لم يكره وإن مر بينه وبينها أو لم تكن له سترة فمر بين يديه قريبا كقربه من السترة كلب أسود بهيم: وهو ما لا لون فيه سوى السواد: بطلت صلاته ولا تبطل الصلاة بمرور امرأة وحمار وبغل وشيطان وسنور أسود ولا بالوقوف والجلوس قدامه ولا يستحب لمأموم اتخاذ سترة فإن فعل فليست سترة لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه فلا يضر صلاتهم مرور شيء بين أيديهم وإن مر ما يقطع الصلاة بين الإمام وسترته قطع صلاته وصلاتهم وله القراءة في المصحف ولو حافظا وله السؤال والتعوذ في فرض ونفل عند آية رحمة أو عذاب حتى مأموم نصا ويخفض صوته1.
__________
1 يعني للمصلي أثناء صلاته إذا قرأ أو سمع آية رحمة أو عذاب أن يسأل الرحمة ويتعوذ من العذاب: ودليل ذلك ما رواه حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى ... إلى أن قال إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ إلخ رواه مسلم.(1/132)
فصل أركان الصلاة
أربعة عشر وهي ما كان فيها ولا يسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلا القيام في فرض لقادر سوى عريان وخائف به ولمداواة وقصر سقف لعاجز عن الخروج ومأموم خلف إمام الحي العاجز عنه بشرطه2 وحده ما لم يصر راكعا ولا يضر خفض الرأس على(1/132)
هيئة الإطراق والركن منه الانتصاب بقدر تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة في الركعة الأولى وفيما بعدها بقدر قراءة الفاتحة فقط وإن أدرك الإمام في الركوع فبقدر التحريمة ولو وقف غير معذور على إحدى رجليه كره وأجزأه في ظاهر كلام إلا كثر وما قام مقام القيام وهو القعود ونحوه للعاجز والمتنفل فهو ركن في حقه وتكبيرة الإحرام وليست بشرط بل هي من الصلاة وقراءة الفاتحة في كل ركعة على الإمام والمنفرد وكذا على المأموم لكن يتحملها الإمام عنه والركوع إلا بعد أول كسوف وتقدم المجزئ منه الاعتدال بعده فدخل فيه الرفع منه وتقدم المجزئ مه ولو طول الاعتدال لم تبطل: والسجود والاعتدال منه: والجلوس بين السجدتين: والطمأنينة في هذه الأفعال بقدر الذكر الواجب لذا كره ولناسيه بقدر أدنى سكون وكذا المأموم بعد انتصابه من الركوع لأنه لا ذكر فيه والتشهد الأخير والركن منه ما يجرى في التشهد الأول وهو التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله أو أن محمد عبده ورسوله ـ قال الشارح قلت وفي هذا القول نظر وهو كما قال1 والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده والركن منه
__________
1 هذه عبارة مقتضية. حاصلها أنهم لما ذكروا أن التشهد مروي في أحاديث كثيرة وأجازوا أن يؤتى بما يوافق إحدى الروايات علق القاضي أبي يعلى على ذلك بما معناه لو أتى المصلي بتشهد موافق لرواية وحذف منه كلمة أو حرفا لم يرد في رواية أخرى صح تشهده. ولكن الشيخ عبد الرحمن بن قدامة وهو الشارح الذي عناه المصنف علق على كلام القاضي في الشرح الكبير بقوله وقي هذا القول نظر فإنه يجوز أن يجزئ بعضها عن بعض على سبيل البدل الخ. كأن يقول للقاضي لا يجوز إسقاط لفظ مروي إلا إذا جئ ببدله في حديث آخر وأما حذف اللفظ لا إلى بدله فلا نسلمه لك. هذا فيما يتعلق بما اختلف فيه الروايات وأما ما لم تختلف فيه فلا بد من ذكره.(1/133)
اللهم صلى على محمد والجلوس والتسليمتان إلا في صلاة جنازة وسجود تلاوة وشكر ونافلة فتجزى واحدة على ما اختاره جمع منهم المجد ـ قال في المغنى والشرح لا خلاف أنه يخرج من النفل بتسليمة واحدة قال القاضي رواية واحدة انتهى ـ وهما من الصلاة والترتيب.
وواجباتها التي تبطل بتركها عمدا وتسقط سهوا وجهلا نصا ولا تبطل به ويجبره السجود: ثمانية التكبير في محله فلو شرع فيه قبل انتقاله أو كمله بعد انتهائه لم يجزئه كتكميله واجب قراءة راكعا أو شروعه في تشهد قبل قعوده وكما لا يأتي بتكبير ركوع أو سجود فيه ويجزئه فيما بين ابتداء الانتقال وانتهائه لأنه في محله غير تكبيرتي إحرام وركوع مأموم إدراك إمامه راكعا فإن الأولى ركن والثانية سنة التسميع لإمام ومنفرد والتحميد لكل وتسبيح ركوع وسجود: ورب غفر لي مرة مرة وفيهن ما في التكبير تشهد أول على غير مأموم قام إمامه عنه سهوا ويأتي في سجود السهو وتقدم المجزئ منه قريبا الجلوس له وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال وهيئات فسنن الأقوال سبعة عشر الاستفتاح والاستعاذة والبسملة والتأمين وقراءة السورة في كل من الأوليين وصلاة(1/134)
الفجر والجمعة والعيدين والتطوع كله والجهر والإخفات وقول ملء السموات بعد التحميد في حق من يشرع له قول ذلك وما زاد على المرة من تسبيح الركوع والسجود ورب اغفر لي بين السجدتين في التشهد الأخير والدعاء إلى آخره والصلاة فيه على آل النبي صلى الله عليه وسلم والبركة فيه وما زاد على المجزئ من التشهد الأول والقنوت في الوتر وما سوى ذلك سنن أفعال وهيئات سميت هيئة لأنها صفة في غيرها ورفع اليدين مبسوطة مضمومة الأصابع مستقبل القبلة عند الإحرام والركوع والرفع منه وحطهما عقب ذلك وقبض اليمين على كوع الشمال وجعلهما تحت سرته والنظر إلى موضع سجوده وتفريقه بين قدمين في قيامه ومراوحته بينها يسيرا والجهر والإخفات وترتيل القراءة والتخفيف فيها للإمام والإطالة في الأولى والتقصير في الثانية وقبض ركبتيه بيديه مفرجي الأصابع في الركوع ومد ظهره وجعل رأسه حياله والبداءة بوضع ركبتيه قبل يديه في سجوده ورفع يديه أولا في القيام وتمكين كل من جبهته وأنفه وكل بقية أعضاء السجود من الأرض في سجوده ومجافاة عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه التفريق بين ركبتيه وإقامة قدميه وجعل بطون أصابعها على الأرض إذا سجد وتوجيه أصابع يديه مضمومة نحو القبلة ومباشرة المصلى بيديه وجبهته وعدمها بركبتيه وقيامه إلى الركعة على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه بيديه والافتراش في الجلوس بين(1/135)
السجدتين وفي التشهد الأول والتورك في الثاني ووضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا بها القبلة بين السجدتين وكذا في التشهد: لكن يقبض من اليمين الخنصر والبنصر ويحلق بإبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها والتفاته يمينا وشمالا في تسليمه وتفضيل اليمنى على الشمال في الالتفات ونية الخروج من الصلاة والخشوع وهو معنى يقوم بالنفس يظهر منه سكون الأطراف ـ قال الشيخ: إذا غلب الوسواس على أكثر الصلاة لا يبطلها ـ وتقدم أنها لا تبطل بعمل القلب ولو طال وقال ابن حامد وابن الجوزي: تبطل صلاة من غلب الوسواس على أكثر صلاته ولا يشرع السجود لترك سنة ولو قولية وإن سجد فلا بأس نصا وإن اعتقد المصلى الفرض سنة أو عكسه أو لم يعتقد شيئا وأداها على ذلك وهو يعلم أن ذلك كله من الصلاة أو لم يعرف الشرط من الركن فصلاته صحيحة.(1/136)
باب سجود السهو
مدخل
...
باب سجود السهو
لا يشرع في العمد بل للسهو بوجود أسبابه وهي زيادة ونقص وشك لفرض ونافلة سوى صلاة جنازة وسجود تلاوة وشكر وحديث نفس ونظر إلى شيء وسهو في سجدتيه أو بعدهما قبل سلامه سواء كان سجوده بعد السلام أو قبله وكثرة سهو حتى يصير كوسواس فيطرحه وكذا في الوضوء والغسل وإزالة النجاسة ونحوه ولا في صلاة قاله في الفائق فمتى زاد من جنس الصلاة قياما أو قعودا أو ركوعا أو سجودا(1/136)
عمدا بطلت وسهوا ولو قدر جلسة الاستراحة سجد ومتى ذكر عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير ولو نوى القصر فأتم سهوا ففرضه الركعتان ويسجد للسهو ويأتي وإن زاد ركعة1 قطع متى ذكر وبنى على فعله قبلها ولا يتشهد إن كان تشهد ثم سجد وسلم ولا يعتد بها مسبوق ولا يصح أن يدخل معه فيها من علم أنها زائدة وإن كان إماما أو منفردا فنبهه ثقتان فأكثر ويلزمهم تنبيه الإمام على ما يجب السجود لسهوه لزمه الرجوع سواء نبهوه لزيادة أو نقص ولو ظن خطأهما ما لم يتيقن صواب نفسه فيعمل بيقينه أو يختلف عليه المنبهون فيسقط قولهم ولا يلزمه الرجوع إلى فعلهم من يغر تنبيه في ظاهر كلامهم ولا إلى تنبيه فاسقين ولا إذا نبهه واحد إلا أن يتيقن صوابه والمرأة المنبهة كالرجل في ظاهر كلامهم فإن لم يرجع إمام إلى قول الثقتين فإن كان عمدا وكان لجبران نقص2 لم تبطل وإلا بطلت صلاته وصلاة المأموم قولا واحدا ـ قاله ابن عقيل ـ وإن كان سهوا بطلت صلاته وصلاة من اتبعه عالما لا جاهلا أو ناسيا ووجبت مفارقته ويتم المفارق صلاته وظاهره هنا ولو قلنا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه ويرجع طائف إلى قول اثنين نصا3 ولو نوى ركعتين نفلا نهارا فقام إلى ثالثة سهوا
__________
1 يريد زاد في صلاة ما على ركعاتها. كثالثة في صبح. وخامسة في ظهر وهكذا.
2 مثلوا لذلك بمن قام عن التشهد الأول ناسيا. فإن رجوعه يكون للإتيان بالتشهد المتروك.
3 إذا تردد الطائف في عدد الأشواط وأخبره ثقتان أخذ بقولهما.(1/137)
فالأفضل إتمامها أربعا ولا يسجد للسهو وله أن يرجع ويسجد ورجوعه ليلا أفضل ويسجد فإن لم يرجع بطلت1 وعمل متوال مستكثر في العادة من غير جنس الصلاة كمشي وفتح باب ونحوه يبطلها عمده وسهوه وجهله إن لم تكن ضرورة وتقدم ولا يبطل يسير ولا يشرع له سجود ولا بأس به لحاجة ويكره لغيرها وإن أكل أو شرب عمدا فإن كان في فرض بطلت قل أو كثر وفي نفل يبطل كثيره عرفا فقط وإن كان سهوا أو جهلا لم يبطل يسيره فرضا كان أو نفلا ولا بأس ببلع ما بقي في فيه أو بين أسنانه من بقايا الطعام بلا مضغ مما يجرى به ريقه وهو اليسير وما لا يجرى به ريقه بل يجرى بنفسه وهو ماله جرم تبطل به2 وبلع ما ذاب بفيه من سكر ونحوه كأكل وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه غير سلام ولو عمدا كالقراءة في السجود والقعود والتشهد في القيام وقراءة السورة في الأخريين ونحوه لم تبطل ويشرع السجود
__________
1 إنما كان الأفضل لمن زاد في نفل النهار ثالثة أن يتمها أربعا لأن نفل النهار وإن كان مثنى ولكن يباح أن يكون أربعا فإتمامها إذن يكون من الوصول بها إلى الكمال ولا يكون خروجا بها عن الوجه المشروع. وأما صلاة الليل فمثنى كذلك ولكن يكره أن يزاد فيها عن الثنتين. فإذا قام المصلي إلى ثالثه ولم يرجع بطلت لأنه خرج بها عن الوجه الذي شرعت عليه. وذلك فيمن نواها ثنتين. وأما من نراها من بادئ أمره أربعا فهي صحيحة مع الكراهة.
2 لم تبطل ببلع ما يجري به الريق لمشقة الاحتراز عنه بخلاف ما له جرم فلاحتراز عنه غير شاق وقد ذهب بعض علماء المذهب إلى أن ما بين الأسنان لا يبطل بلعه ولو كان ذا جرم مادام لم يحصل مضغ وإلا بطلت بالمضغ.(1/138)
لسهو وإن سلم قبل إتمام صلاته عمدا أبطلها وإن كان سهوا ثم ذكر قريبا عرفا أتمها وسجد ولو خرج من المسجد فإن لم يذكر حتى قام فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي عن جلوسه مع النية وإن لم يذكر حتى شرع في صلاة غيرها قطعها وإن كان سلامه ظنا أن صلاته قد انقضت فكذلك لا إن سلم من رباعية يظنها جمعة أو فجرا أو التراويح وتعدم في النية1 فإن طال الفصل أو أحدث أو تكلم لغير مصلحتها كقوله يا غلام اسقني ونحوه بطلت وإن تكلم يسيرا لمصلحتها لم تبطل: والمنقح بلا: ككلامه في صلبها ولو مكرها لا أن تكلم مغلوبا على الكلام مثل أن سلم سهوا أو نام فتكلم أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة لا من القرآن أو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب فبان حرفان وإن قهقه بطلت ولو لم يبن حرفان لا إن تبسم وإن نفخ أو انتحب لا من خشية الله أو تنحنح غير حاجة فبان حرفان
__________
1 يريد بقوله فكذلك أنه يرجع ليتمها إذا لم يطل الفصل بخلاف ما إذا ظن الظهر جمعة مثلا وسلم فإنها تبطل وقد عللوا ذلك بأنه قطع النية بخروجه منها مع هذا الظن في حين أنه استصاحب النية ركن في الصلاة وربما سبق إلى الذهن أن هذه في معنى الأولى وأنه لا وجه للتفريق بينهما في الحكم والجواب عن ذلك أنه في الأولى خرج من الصلاة يعتقد أنه أداها كاملة. ولما لم يكن أتمها في الواقع اعتبر متلبسا بها واعتبرت نيته قائمة حيث لم يطل الفصل بخلاف الثانية كما سبق: والله أعلم.(1/139)
فككلام ويكره استدعاء البكاء كالضحك ويأتي إذا لحن في الصلاة في صلاة الجماعة.(1/140)
فصل من نسي ركنا غير التحريمة
لعدم انعقاد الصلاة بتركها فذكره بعد شروعه في قراءة التي بعدها بطلت التي تركه منها فقط فإن رجع عالما عمدا بطلت صلاته وإن ذكره قبله عاد لزوما فأتى به وبما بعده نصا فلو ذكر الركوع وقد جلس أتى به وبما بعده وإن سجد سجدة ثم قام فإن كان جلس للفصل سجد الثانية ولم يجلس وإلا جلس ثم سجد وإن كان جلس للإستراحة لم يجزئه عن جلسته للفصل كنيته بجلوسه نفلا فإن لم يعد عمدا بطلت صلاته وسهوا أو جهلا بطلت الركعة فقط فإن علم بعد السلام فهو كتركه ركعة كاملة يأتي بها مع قرب الفصل عرفا كما تقدم فإن كان المتروك تشهدا أخيرا أو سلاما أتى به وسجد وسلم وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر في التشهد سجد في الحال سجدة فصحت له ركعة ثم أتى بثلاث ركعات وسجد للسهو وسلم وإن ذكر بعد سلامه بطلت صلاته نصا وإن ذكر وقد قرأ في الخامسة فهي أولاه وتشهده قبل سجدتي الأخيرة زيادة فعليه وقيل السجدة الثانية زيادة فعلية1 وقيل السجدة الثانية زيادة
__________
1 يريد أن التشهد قبل السجود زيادة فعلية إذ ليس هذا محل جلوس، فإن كان سهوا وجب له سجود وإلا بطلت الصلاة به. وأما بين السجدتين فالسجود لسهوه مسنون وعمده لا يبطل الصلاة لأن ما بين السجدتين محل جلوس مشروع فلم يزد فيه غير ألفاظ التشهد وهي ذكر مشروع في الصلاة لا تبطل به في غير محله.(1/140)
قولية، وإن نسي التشهد الأول وحده أو مع الجلوس له ونهض لزمه الرجوع والإتيان به ما لم يستتم قائما ويلزم المأموم متابعته ولو بعد قيامهم وشروعهم في القراءة وإن استتم قائما ولم يقرأ فعدم رجوعه أولى ويتابعه المأموم ولو علم تركه قبل قيامه ولا يتشهد وإن رجع جاز وكره وإن قرأ لم يجز رجوعه وعليه السجود لذلك كله وكذا حكم تسبيح الركوع والسجود ورب اغفر لي بي السجدتين وكل واجب تركه سهوا ثم ذكره فيرجع إلى تسبيح ركوع قبل اعتدال لا بعده وإن ترك ركنا لا يعلم موضعه بنى على الأحوط فلو ذكر في التشهد أنه ترك سجدة لا يعلم من الأولى أم من الثانية جعلها من الأولى وأتى بركعة وإن ترك سجدتين لا يعلم من ركعة أو من ركعتين سجد سجدة وحصلت له ركعة وإن ذكره بعد شروعه في قراءة الثالثة لغت الأولتان وإن ترك سجدة لا يعلم من أي ركعة أتى بركعة كاملة ولو جهل عين الركن المتروك بنى على الأحوط أيضا فإن شك في القراءة الركوع جعله قراءة وإن شك في الركوع والسجود جعله ركوعا فإن ترك آيتين متواليتين من الفاتحة جعلهما من ركعة وإن لم يعلم تواليهما جعلهما من ركعتين.(1/141)
فصل من شك في عدد الركعات
بنى على اليقين ولو إماما وعنه يبنى إما على غالب ظنه إن كان المأموم أكثر من واحد وإلا بنى على اليقين اختاره جمع ويأخذ مأموم عند شكه بفعل إمامه إذا كان المأموم اثنين فأكثر وفي فعل نفسه يبني على اليقين(1/141)
فلو شك هل دخل معه في الأولى أو الثانية جعله في الثانية ولو أدرك الإمام راكعا ثم شك بعد تكبيره هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعا لم يعتد بتلك الركعة وحيث بنى على اليقين فإن يأتي بما بقي عليه فإن كان مأموما أتى به بعد سلام إمامه وسجد للسهو وإن كان المأموم واحدا لم يقلد إمامه كما لم يرجع عليه الصلاة والسلام لقول ذي اليدين ويبنى على اليقين ولا أثر لشكه بعد سلامه وكذلك سائر العبادات لو شك فيها بعد فراعها ومن شك في ترك ركن فهو كتركه ولا يسجد لشكه في ترك واجب ولا لشكه هل سها أو في زيادة إلا إذا شك فيها وقت فعلها ولا لشكه إذا زال وتبين أنه مصيب فيما فعله ولو شك هل سجد لسهوه أم لا سجد وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه ولو لم يتم التشهد ثم يتمه ولو مسبوقا سواء كان سهو إمامه فيما أدركه معه أو قبله وسواء سجد إمامه قبل السلام أو بعده فلو قام بعد سلام إمامه رجع فسجد معه وإن شرع في القراءة لم يرجع إن أدركه في إحدى سجدتي السهو الأخيرة سجد معه فإذا سلم أتى بالثانية ثم قضى صلاته نصا وإن أدركه بعد سجود السهو وقبل السلام لم يسجد ويسجد مسبوق لسلامه مع إمامه سهوا ولسهوه معه وفيما انفرد به حتى فيمن فارقه لعذر ولا يعيد السجود إذا سجد مع إمامه لسهو إمامه وإن لم يسجد معه سجد آخر الصلاة وإن لم يسجد الإمام سهوا أو عمدا لاعتقاده عدم وجوبه سجد المأموم بعد سلامه وللإياس من سجوده لكن يسجد المسبوق إذا فرغ وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة(1/142)
واجب سوى نفس سجود سهو قبل السلام فإنها تصح مع سهوه وتبطل بتركه عمدا ولا يجب السجود له وسوى ما إذا لحن لحنا يحيل المعنى سهوا أو جهلا قاله المجد في شرحه والمذهب وجوب السجود ومحله ندبا قبل السلام إلا في السلام قبل إتمام صلاته إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر فيما إذا بنى الإمام على غالب ظنه أن قلنا به فبعده ندبا أيضا وإن نسيه قبل السلام أم بعده أتى به ما لم يطل الفصل عرفا ولو انحرف عن القبلة أو تكلم فلو شرع في صلاة قضاه إذا سلم وإن طال الفصل أو خرج من المسجد أو أحدث لم يسجد وصحت ويكفيه لجميع السهو سجدتان ولو اختلف محلهما ويغلب ما قبل السلام وإن شك في محل سجوده قبل السلام ومتى سجد بعد السلام كبر ثم سجد سجدتي بلا تشهد بعدهما وسجود سهو وما يقول فيه وبعد الرفع منه كسجود صلب الصلاة ومن ترك السجود الواجب عمدا لا سهوا بطلت بما قبل السلام لا بما بعده لأنه منفرد عنها واجب لها كالآذان.(1/143)
باب صلاة التطوع
مدخل
...
باب صلاة التطوع
وهو شرعا طاعة غير واجبة وأفضله الجهاد ثم توابعه من نفقة وغيرها فالنفقة فيه أفضل من النفقة في غيره ثم علم: تعلمه وتعليمه من حديث وفقه ونحوها ثم صلاة ونص أحمد أن الطواف لغريب أفضل من الصلاة في المسجد الحرام ثم سائر ما تعدى نفعه من عيادة مريض وقضاء حاجة مسلم وإصلاح بين الناس ونحوه وهو متفاوت(1/143)
فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق وعتق أفضل من صدقة على أجنبي إلا زمن غلاء وحاجة ثم حج ثم عتق ثم صوم ـ وقال الشيخ: استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من الجهاد الذي لم تذهب فيه نفسه وماله ـ وهي في غير العشر تعدل الجهاد ـ ولعل هذا مرادهم وقال: تعلم العلم وتعليمه يدخل بعضه في الجهاد وأنه نوع من الجهاد وآكد صلاة التطوع صلاة الكسوف ثم الاستسقاء ثم التراويح ثم الوتر وكان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم سنة فجر ثم سنة مغرب ثم سواء في رواتب ووقت الوتر بعد صلاة العشاء وسننها ولو في جمع تقديم إلى طلوع الفجر الثاني ولا يصح قبل العشاء والأفضل فعله آخر الليل لمن وثق من قيامه فيه وإلا أوتر قبل أن يرقد ويقضيه مع شفعه إذا فات وأقله ركعة ولا يكره بها مفردة ولو بلا عذر من مرض أو سفر ونحوهما وأكثره إحدى عشر ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بركعة ويسن فعلها عقب الشفع بلا تأخير نصا وإن صلاها كلها بسلام واحد بأن سرد عشرا وتشهد ثم قام فأتى بالركعة أو سرد الجميع ولو يجلس إلا في الأخيرة جاز وكذا ما دونها وإن أوتر بتسع سرد ثمانيا وجلس وتشهد ولو يسلم ثم صلى التاسعة وتشهد وسلم وإن أوتر بسبع أو خمس لم يجلس إلا في آخرهن وهو أفضل منها وأدنى الكمال ثلاث بسلامين وهو أفضل ويستحب أن يتكلم بين الشفع والوتر ويجوز بسلام واحد ويكون سردا ويجوز كالمغرب يقرأ في الأولى: {سَبَّحَ} وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ويسن أن يقنت فيها جميع السنة(1/144)
بعد الركوع وإن كبر ورفع يديه ثم قنت قبله جاز فيرفع يديه إلى صدره يبسطهما وبطونهما نحو السماء ومن أدرك مع الإمام منها ركعة فإن كان الإمام سلم من اثنتين أجزأ وإلا قضى كصلاة الإمام ويقول في قنوته جهرا إن كان إماما أو منفردا نصا وقياس المذهب يخير المنفرد في الجهر وعدمه كالقراءة اللهم إنا نستعنيك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا شر ما قضيت إنك سبحانك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كم أثنيت على نفسك ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا بأس وعلى آله ولا بأس أن يدعو في قنوته بما شاء غير ما تقدم نصا ـ قال أبو بكر مهما دعا به جاز ـ ويرفع يديه إذا أراد السجود ويمسح وجهه بيديه كخارج الصلاة والمأموم يؤمن بلا قنوت ويفرد المنفرد الضمير وإذا سلم سن قوله: سبحان الملك القدوس ثلاثا: يرفع صوته في الثالثة ويكره قنوته في غير الوتر فإن أتم بمن يقنت في الفجر أو في النازلة تابعه وأمن إن كان يسمع وإن لم يسمع دعا فإن نزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون سن لإمام الوقت خاصة واختار جماعة ونائبة ـ القنوت بما(1/145)
يناسب تلك النازلة في كل مكتوب إلا الجمعة ويرفع صوته في صلاة جهر وإن قنت في النازلة كل إمام جماعة أو كل مصل لم تبطل صلاته.(1/146)
فصل السنن الراتبة عشر وركعة الوتر
فيتأكد فعلها ويكره تركها ولا تقبل شهادة من داوم عليه لسقوط عدالته ـ قال القاضي ويأثم ـ إلا في سفر فيخير بين فعلها وتركها إلا سنة فجر ووتر فيفعلان فيه وفعلها في البيت أفضل ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب يقرأ في أولاها بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر ويسن تخفيفهما وللإضجاع بعدهما على جنبه الأيمن وأن يقرأ فيهما كسنة المغرب أو في الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} الآية وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} الآية ويجوز فعلهما راكبا ووقت كل راتبة منها قبل الفرض من دخول وقته إلى فعله وما بعده من فعله إلى آخر وقته ولا سنة لجمعة قبلها وأقلها بعدها ركعتان وأكثرها ست وفعلها في المسجد أفضل نصا وتجزى السنة عن تحية المسجد لا عكس ويسن الفصل بين الفرض وسنته بكلام أو قيام والزوجة والأجير والولد والعبد فعل السنن الرواتب مع الفرض ولا يجوز منعهم وممن فاته شيء من هذه السنن سن له قضاءه وتقدم إذا فاتت مع الفرائض وسنة فجر وسنة ظهر الأولة بعدهما: قضاء ويبدأ بسنة الظهر قبلها إذا قضاها قبل التي بعدها ويسن غير الرواتب: أربع قبل الظهر وأربع بعدها وأربع قبل الجمعة وأربع قبل العصر وأربع بعد المغرب ـ وقال(1/146)
الموفق: ست وأربع بعد العشاء ـ قال جماعة يحافظ عليهن ـ ويسن لم شاء ركعكتان بعد آذان المغرب قبلها وركعتان بعد الوتر جالسا.(1/147)
فصل التراويح عشرون ركعة في رمضان
يجهر فيها بالقراءة وفعلها جماعة أفضل ولا ينقص منها ولا بأس بالزيادة نصا يسلم من كل ركعتين وإن تعذرت الجماعة صلى وحده ينوي في أول كل ركعتين فيقول: أصلى ركعتين من التراويح المسنونة ويستريح بعد كل أربع بجلسة يسيرة ولا بأس بتركها ولا يدعو إذا استراح ولا يكره الدعاء بعد التراويح ووقتها بعد العشاء وسنتها قبل الوتر إلى طلوع الفجر الثاني وفعلها في المسجد وأول الليل أفضل ويوتر بعدها في الجماعة بثلاث ركعتان فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده وإلا صلاه فإن أحب متابعة الإمام قام إذا سلم الإمام فشفعها بأخرى ومن أوتر ثم أراد الصلاة بعده لم ينقض وتر هـ بركعة وصلى شفعا ما شاء إلى طلوع الفجر الثاني ولم يوتر ويكره التطوع بين التراويح لا طواف بينها ولا بعدها ولا تعقيب وهو التطوع بعد التراويح والوتر في جماعة سواء طال ما بينهما أو قصر ويستحب إلا ينقص عن ختمة في التراويح ولا أن يزيد إلا أن يوتروا ويبتدئها أول ليلة بسورة القلم بعد الفاتحة لأنها أول ما نزل فإذا سجد قام فقرأ من البقرة وعنه أنه يقرأ بها في عشاء الآخرة ـ قال الشيخ: وهو أحسن مما نقل عنه أنه يبتدئ بها التراويح ويختم آخر ركعة من التراويح قبل ركوعه ويدعو بدعاء(1/147)
القرآن ويرفع يديه ويطيل ويعظ بعد الختم وقيل له يختم في الوتر ويدعو؟ فسهل فيه وقال في الحاوي الكبير: لا بأس به.(1/148)
فصل يستحب حفظ القرآن إجماعا
وحفظه فرض كفاية إجماعا وهو أفضل من سائر الذكر وأفضل من التوراة والإنجيل وبعضه أفضل من بعض ويجب منه ما يجب في الصلاة ويبدأ الصبي وليه به قبل العلم فيقرأه كله إلا أن يعسر والمكلف يقدم العلم بعد القراءة الواجبة كما يقدم الكبير نفل العلم على نفل القراءة في ظاهر كلام الإمام والأصحاب ويسن ختمه في كل أسبوع وإن قرأه في ثلاث فحسن ولا بأس به فيما دونها أحيانا وفي الأوقات الفاضلة كرمضان خصوصا الليالي اللاتي تطلب فيها ليلة القدر والأماكن الفاضلة كمكة لنم دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من قراءة القرآن إغتناما للزمان والمكان ويكره تأخير الختم فوق أربعين بلا عذر ويحرم إن خاف نسيانه ـ قال أحمد: ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه ـ ويستحب السواك والتعوذ قبل القراءة وحمد الله عند قطعها على توفيقه ونعمته وسؤال الثبات والإخلاص فإن قطعها قطع ترك وإهمال أعاد التعوذ إذا رجع إليها وإن قطعها لعذر عازما على إتمامها إذا زال كتناول شيء أو إعطائه أو أجاب سائل كفاه التعوذ الأول ويختم في الشتاء أول الليل وفي الصيف أول النهار ويجمع أهله وولده عند ختمه ويدعو نصا ويكبر فقط لختمه آخر كل سورة من آخر الضحى ولا يكرر سورة الصمد ولا يقرأ الفاتحة وخمسا من البقرة عقب الختم نصا(1/148)
ويستحب تحسين القراءة وترتيلها وإعرابها والمراد الاجتهاد على حفظ إعرابها لا أنه يجوز الإخلال به عمدا فإن ذلك لا يجوز ويؤدب فاعله لتغييره القراءة ذكره في الآداب الكبرى عن بعض الأصحاب والتفهم في القرآن والتدبر بالقلب منه أفضل من إدراجه كثيرا بغير تفهم ويمكن حروف المد واللين من غير تكليف ـ قال أحمد: يحسن القارئ صوته بالقرآن ويقرؤه بحزن وتدبر: قال الشيخ: تقي الدين: قراءة القرآن أول النهار بعد الفجر أفضل من قراءته آخره ـ وقراءة الكلمة الواحدة بقراءة قارئ أي من السبعة والأخرى بقراءة قارئ آخر جائزة ولو في الصلاة ما لم يكن في ذلك إحالة المعنى ولا بأس بالقراءة في كل حال قائما وجالسا ومضطجعا وراكبا وما شيا ولا تكره في الطريق نصا ولا مع حدث أصغر وبنجاسة بدن وثوب ولا حال مس الذكر والزوجة والسرية وتكره في المواضع القذرة واستدامتها حال خروج الريح وجهره بها مع الجنازة ولا تمنع نجاسة الفم القراءة وتستحب في المصحف والاستماع لها ويكره الحديث عندها بما لا فائدة فيه وكره احمد السرعة في القراءة وتأوله القاضي إذا لم يبن الحروف وتركها أكمل وكره أصحابنا قراءة الإدارة: وهي أن يقرأ قارئ ثم يقطع ثم يقرأ غيره: وحكي الشيخ عن أكثر العلماء أنها حسنة كالقراءة مجتمعين بصوت واحد ـ وكره أحمد قراءة الألحان وقال: هي بدعة فإن حصل معها تغيير نظم القرآن وجعل الحركات حروفا حرم ـ وقال الشيخ: التلحين الذي يشبه الغناء مكروه ولا يكره الترجيع وكره ابن(1/149)
عقيل القراءة في الأسواق يصيح أهلها فيها بالنداء والبيع ـ ويكره رفع الصوت بقراءة تغلط المصلين ويجوز تفسير القرآن بمقتضى اللغة لا بالرأي من غير لغة ولا نقل فمن قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار وأخطأ ولو أصاب ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من الكلام مثل أن يرى رجلا جاء في وقته فيقول: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} ويلزم الرجوع إلى تفسير الصحابي لا التابعي ولا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب نصا ولا كتب أهل البدع والكتب المشتملة على الحق والباطل ولا روايتها وتقدم في نواقض الوضوء جملة من أحكام المصحف.(1/150)
فصل تستحب النوافل المطلقة
في جميع الأوقات إلا وقت النهي وصلاة الليل سنة مرغب فيها وهي أفضل من صلاة النهار وبعد النوم أفضل لأن الناشئة لا تكون إلا بعد رقدة والتهجد إنما هو بعد النوم فإذا استيقظ ذكر الله تعالى وقال: ما ورد بعد الاستيقاظ ومنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم إن قال اللهم اغفر لي أو دعا أستجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته ثم يقول الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني واليه النشور لا إله إلا أنت لا شريك لك سبحانك أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن(1/150)
لي بذكره ثم يستاك وإذا توضأ وقام إلى الصلاة من جوف الليل إن شاء استفتح باستفتاح المكتوبة وإن شاء بغيره كقوله اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله وإن شاء إذا افتتح الصلاة قال اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ويسن أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين وأن يقرأ حزبه من القرآن فيه وأن يغفى بعد تهجده والنصف الأخير أفضل من الأول ومن الثلث الأوسط والثلث بعد النصف أفضل نصا وكان قيام الليل واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينسخ ولا يقومه كله إلا ليلة عيد وتكره مداومة قيامه كله ويستحب التنفل بين العشاءين وهو من قيام الليل لأنه من المغرب إلى طلوع الفجر الثاني ويستحب أن يكون له تطوعات يداوم عليها وإذا فاتت يقضيها وأن يقول عند الصباح(1/151)
والمساء والنوم والانتباه وفي السفر وغير ذلك ما ورد واستحب أحمد أن تكون له ركعات معلومة من الليل والنهار فإذا نشط طولها وإذا لم ينشط خففها وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى وإن تطوع في النهار بأربع كالظهر فلا بأس وإن سردهن ولم يجلس إلا في آخرهن جاز وقد ترك الأفضل ويقرأ في كل ركعة بالفاتحة وسورة وإن زاد على أربع نهارا أو اثنتين ليلا ولو جاوز ثمانيا علم العدد أو نسيه بسلام واحد كره وصح والتطوع في البيت أفضل وإسراره أي عدم إعلانه أفضل إن كان مما لا تشرع له الجماعة ولا بأس بصلاة التطوع جماعة ويكره جهره فيه نهارا وليلا يراعى المصلحة فإن كان الجهر أنشط في القراءة أو بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها فالجهر أفضل وإن كان بقربه من يتهجد أو يستضر برفع صوته أو خاف رياء فالإسرار أفضل وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفه أو تطويله فالأفضل إتباعه وما عداه فكثرة الركوع والسجود فيه أفضل من طول القيام ويستحب الاستغفار بالسحر والإكثار منه ومن فاته تهجده قضاه قبل الظهر وتقدم في سجود السهو ومن نوى عداد فزاد عليه وصلاة القاعد على النصف نم أجر صلاة القائم إلا المعذور ويسن أن يكون في حال القيام متربعا فإذا بلغ الركوع فإن شاء قام فركع وإن شاء ركع من قعود لكن يثني رجليه في الركوع والسجود ويجوز له القيام إذا ابتدأ الصلاة جالسا وعكسه ولا يصح من مضطجع لغير عذر وله يصح ويسجدان قدر عليه وإلا أومأ.(1/152)
فصل تسن صلاة الضحى
ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال ما لم يدخل وقت النهي وعدم المداومة عليها أفضل واستحبها جموع محققون وهو أصوب واختارها الشيخ لمن لم يقم من لليل والأفضل فعلها إذا اشتد الحر وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان ويصح التطوع المطلق بفرد كركعة ونحوها كثلاث وخمس مع الكراهة وصلاة الاستخارة إذا هم بأمر وظاهره ولو في حج أو غيره من العبادات والمراد في ذلك الوقت إن كان نفلا فيركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ـ ويسميه بعينه ـ خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو في عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به ويقول فيه مع العافية ولا يكون وقت الاستخارة عازما على الأمر أو عدمه فإنه خيانة في التوكل ثم يستشير فإذا ظهرت المصلحة في شيء فعله وصلاة الحاجة إلى الله أو إلى آدمي: يتوضأ ويحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك(1/153)
موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين وصلاة التوبة إذا أذنب ذنبا يتطهر ثم يصلى ركعتين ثم يستغفر الله تعالى وعند جماعة: وصلاة التسبيح ـ ونصه لا أربع ركعات ويقرأ في كل ركعة بالفاتحة وسورة ثم يسبح ويحمد ويهلل ويكبر خمس عشرة مرة قبل أن يركع ثم يقولها في ركوعه عشرا ثم بعد رفعه منه عشرا ثم يقولها في سجوده عشرا ثم بعد رفعه منه عشرا ثم في سجوده عشرا ثم بعد رفعه قبل أن يقوم عشرا ثم كذلك في كل ركعة يفعلها كل يوم مرة فإن لم يفعل ففي كل جمعة مرة فإن لم يفعل ففي كلك شهر مرة فإن لم يفعل ففي كل سنة مرة فإن لم يفعل ففي العمر مرة وصلاة تحية المسجد وتأتي إن شاء الله آخر الجمعة وسنة الوضوء وإحياء ما بين العشاءين وتقدم وأما صلاة الرغائب والصلاة الألفية ليلة نصف شعبان فبدعة لا أصل لهما ـ قاله الشيخ وقال: وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل وكان في السلف من يصلي فيها لكه الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة اهـ ـ وفي استحباب قيامها ما في ليلة العيد هذا معنى كلام ابن رجب في اللطائف.(1/154)
فصل سجدة التلاوة سنة مؤكدة
للقارئ والمستمع وهو الذي يقصد الاستماع في الصلاة غيرها حتى في طواف عقب تلاوتها ولو مع قصر فصل ويتيمم محدث ويسجد مع قصره أيضا ولا يتيمم لها مع وجود الماء والراكب يومئ بالسجود حيث كان وجهه ويسجد(1/154)
الماشي بالأرض مستقبلا ولا يسجد السامع وهو الذي لا يقصد الاستماع ولا المصلي لقراءة غير إمامه بحال ولا مأموم لقراءة نفسه ولا الإمام لقراءة غيره فإن فعل بطلت وهي وسجدة شكر: صلاة فيعتبر لهما ما يعتبر لصلاة نافلة من الطهارة وغيرها وأن يكون القارئ يصلح إماما للمستمع فلا يسجد قدام القارئ ولا عن يساره مع خلو يمينه ولا رجل لتلاوة امرأة وخنثى ويسجد لتلاوة أمي وزمن وصبي وله الرفع من السجود قبل القارئ في غير الصلاة ويسجد من ليس في صلاة لسجود التالي في الصلاة وإن سجد في صلاة أو خارجها استحب رفع يديره ـ وفي المغنى والشرح لا يرفعهما فيها1 ـ ويلزم المأموم متابعة إمامه في صلاة الجهر فلو تركها عمدا بطلت صلاته2 ولا يقوم ركوع في الصلاة أو خارجها ولا سجودها الذي بعد الركوع عن سجدة التلاوة وإذا سجد في الصلاة ثم قام فإن شاء قرأ ثم ركع وإن شاء ركع من غير قراءة وإن لم يسجد القارئ لم يسجد المستمع وهو أربع عشرة سجدة في الحج ثنتان وفي المفصل ثلاث وسجدة ص ليست من عزائم السجود بل سجدة شكر ويسجد لها خارج
__________
1 الخلاف في رفع المصلي يديه لسجود التلاوة على وجهين. ودليل القول بالرفع ما رواه وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في رفع وخفض ويرفع يديه في التكبير. ودليل ما ذهب إليه صاحبا المغني والشرح قول ابن عمر: كان لا يفعل في السجود اهـ وصاحب الكشاف رجح الثاني لأنه خاص بالسجود والأول عام في كل تكبير. والخاص مقدم على العام فيما ورد فيه.
2 يريد أن المأموم يتبع إمامه وجوبا في سجود التلاوة في الجهرية وأما في السرية فيخير كما سيأتي.(1/155)
الصلاة وفيها تبطل صلاة غير الجاهل والناسي وسجدة حم عند يسامون1 ويكبر إذا سجد بلا تكبيرة إحرام وإذا رفع ويجلس في غير الصلاة ولعل جلوسه ندب ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه بلا تشهد ويكفيه سجدة واحدة نصا إلا إذا سمع سجدتين معا فيسجد لكل واحدة سجدة وسجوده لها والتسليم ركنان وكذا الرفع من السجود ويقول في سجودها ما يقول في سجود صلب الصلاة وإن زاد غيره مما ورد فحسن ومنه اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود والأفضل سجوده عن قيام ويكره لإمام قراءة سجدة في صلاة سر وسجوده لها فإن فعل خير المأموم بين المتابعة وتركها والأولى السجود ويكره اختصار آيات السجود وهو أن يجمعها في ركعة واحدة يسجد فيها أو أن يسقطها من قراءته: ولا يقضي هذا السجود إذا طال الفصل كمن لا نفضي صلاة كسوف واستسقاء وتستحب سجدة الشكر عند تجدد نعمة ظاهرة أو رفع نقمة ظاهرة عامتين أو في أمر يخصه نصا وإلا فنعم الله في كل وقت لا تحصى ولا يسجد له في الصلاة فإن فعل بطلت لا من جاهل وناس وصفتها وأحكامها كسجود التلاوة ومن رأى مبتلى في دينه
__________
1 ذكر من السجدات الأربع عشرة ست سجدات: ثنتان في الحج، وواحدة في النجم، وواحدة في الانشقاق، وواحدة في سورة اقرأ. وهذه الثلاث هي ما عناها بقوله وفي المفصل ثلاث، وواحدة في فصلت وهي سجدة حم التي ذكرها. والثمانية الباقية: في الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، والفرقان، والنمل، والسجدة.(1/156)
سجد بحضوره وغيره وقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا وإن كان في بدنه سجد وقال ذلك وكتمه منه ويسأل الله العافية ـ قال الشيخ: ولو أراد الدعاء فعفر وجهه لله في التراب وسجد له ليدعوه فيه فهذا سجوده لأجل الدعاء ولا شيء يمنعه والمكروه هو السجود بلا سبب1.
__________
1 يريد بتغفير الوجه، الإمالة به إلى موضع السجود من الأرض.(1/157)
فصل أوقات النهي خمسة
بعد طلوع فجر ثان إلى طلوع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع قد رمح وعند قيامها ولو يوم جمعة حتى تزول وبعد فراغ صلاة عصر حتى تشرع في الغروب ولو جمعا في وقت الظهر1 فمن صلى العصر: منع التطوع وإن لم يصل غيره ومن لم يصل لم يمنع وإن صلى غيره والاعتبار بفروعها لا بالشروع فيها فلو أحرم بها ثم قلبها نفلا لم يمنع من التطوع حتى يصليها وتفعل سنة الفجر بعده وقبل الصبح وسنة الظهر بعد العصر في الجمع تقديما أو تأخيرا وإذا شرعت في الغروب حتى تغرب ويجوز قضا الفرائض وفعل المنذورة ولو كان نذرها فيها وفعل ركعتي طواف فرضا كان أو نفلا وإعادة جماعة إذا أقيمت وهو في المسجد ولو مع غير إمام الحي وسواء كان صلى جماعة أو وحده في كل وقت منها
__________
1 معنى قوله ولو جمعا: لو فعلت صلاة العصر مع الظهر جمع تقديم فذلك لا ينفي الكراهة عن الوقت بعدها. وخامس الأوقات هو ما سيذكره بعد بقوله: وإذا شرعت في الغروب حتى تغرب.(1/157)
وتجوز صلاة جنازة في الوقتين الطويلين فقط وهما بعد الفجر والعصر لا في الأوقات الثلاثة إلا أن يخاف عليها وتحرم على قبر وغائب وقت نهي نفلا وفرضا ويحرم التطوع بغيرها في شيء من الأوقات الخمسة وإيقاع بعضه فيها كأن شرع في التطوع فخل وقت النهي وهو فيها والأصل بقاء الإباحة حتى يعلم وإن ابتدأه فيها لم ينعقد ولو جاهلا حتى حاله سبب كسجود تلاوة وشكر وسنة راتبة وصلاة كسوف وتحية مسجد في غير حال خطبة الجمعة وفيها تفعل ولو كان وقت قيام الشمس قبل الزوال بلا كراهة ومكة كغيرها في أوقات النهي.(1/158)
باب صلاة الجماعة
مدخل
...
باب صلاة الجماعة
أقلها اثنان: إمام ومأموم فتنعقد بهما في غير جمعة وعيد ولو بأنثى أو عبد فإن أم عبده أو زوجته كانا جماعة لا بصغير في فرض وهي واجبة وجوب عين لا وجوي كفاية فيقاتل تاركها كآذان1 للصلوات الخمس المؤداة حضرا وسفرا حتى في خوف على الرجال الأحرار القادرين دن النساء والخناثى لا شرط لصحتها إلا في جمعة
__________
1 يعني بقوله: كآذان أن وجوب الجماعة ليس وجوب كفاية كالأذان وإنما وجوبها عيني وقد قام على وجوبها من الأدلة ما يطول بنا سرده. ومن ذلك أن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام بها أثناء الحرب والخوف بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} فوجوبها في حال الأمن أولى ومنها أن رجلا أعمى جاء يعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحضور بأنه لم يجد قائدا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: " هل تسمع النداء؟ " فقال: نعم فقال له: " فأجب ". اهـ(1/158)
وعيد وتصح من منفرد ولو لغير عذر وفي صلاته فضل مع الإثم وتفضل الجماعة على صلاته بسبع وعشرين درجة وله فعلها في بيته وصحراء وفي مسجد أفضل وتستحب لنساء إذا اجتمعن منفردات عن الرجال سواء كان إمامهن منهن أولا ويباح لهن حضور جماعة الرجال تفلات غير مطيبات بإذن أزواجهن1 ويكره حضورها لحسناء ويباح لغيرها وكذا مجالس الوعظ وتأتي تتمته قريبا وإن كان بطريقه إلى المسجد منكر كغناء لم يدع المسجد وينكره ويأتي ـ قال الشيخ: ولو لم يمكنه إلا بمشيه في ملك غيره فعل ـ فإن كان البلد ثغرا وهو المخوف فلأفضل لأهله الاجتماع في مسجد واحد والأفضل لغيرهم الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره أو تقام بدونه لكن في قصده لغيره كسر قلب إمامه أو جماعته قال جمع ثم المسجد العتيق ثم ما كان أكثر جماعة ثم الأبعد وفضيلة أول الوقت أفضل من انتظار كثرة الجمع وتقدم الجماعة مطلقا على أول الوقت ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه لا بعده ويتوجه إلا لمن يعادي الإمام2 فإن فعل لم تصح في ظاهر
__________
1 التفل على وزن الفرح يستعمل في معنيين متضادين أحدهما تطيب المرأة بالطيب والثاني تغير رائحتها لعدم الطيب ومن قبيل المعنى الثاني ما أراده في كلامه عمن تخرج للجماعة.
2 الإمامة في المسجد بعد الإمام الراتب لا تكون افتياتا عليه ولاتنفيرا منه إلا لمن عاند الإمام وناوأه بذلك فإنه إذن مفتات. وقوله بعد فإن فعل بطلت يعني إذا أم فبل الإمام. وقد أخذ فيه بمعتمد المذهب. وهناك قول بالصحة مع الكراهة.(1/159)
كلامهم إلا أن يتأخر لعذر أو لم يظن حضوره أو ظن ولكن لا يكره ذلك أو ضاق الوقت فيصلون وإن لم يعلم عذره وتأخر عن وقته المعتاد انتظر ورود رسول مع قربه وعدم المشقة وسعة الوقت وإن بعد أو شق صلوا وإن صلى ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد أو جاء غير وقت نهي ولو يقصد الإعادة وأقيمت استحب إعادتها إلا المغرب1 والأولى فرضه كإعادتها منفردا فلا ينوي الثانية فرضا بل ظهرا معادة مثلا وإن نواها نفل اصح وإن أقيمت وهو خارج المسجد فإن كانت في وقت نهي لم يستحل له الدخول وإن دخل المسجد وقت نهي يقصد الإعادة انبنى على فعل ما له سبب والمسبوق في المعادة يتمها فلو أدرك من رباعية ركعتين: قضى ما فاته منها ولو يسلم معه نصا ولا تكره إعادة الجماعة في غير مسجدي مكة والمدينة فقط وفيهما تكره إلا لعذر2 وإن قصد المساجد للإعادة كره وليس للإمام اعتياد الصلاة مرتين وجعل الثانية من فائتة أو غيرها والأئمة متفقون على أنه بدعة مكروهة ذكره الشيخ وفي واضح ابن عقيل لا يجوز فعل ظهرين في يوم3 وإذا أقيمت الصلاة التي يريد الصلاة مع إمامها فلا صلاة إلا المكتوبة في المسجد أو غيره ولو ببيته فإن فعل لم تنقد فإن جهل الإقامة فكجهل وقت
__________
1 لم تستحب إعادة المغرب لأن المعادة تطوع والتطوع لا يكون بوتر.
2 عللوا كراهة الإعادة في مسجدي مكة والمدينة بأن إطلاق الجواز يحمل الناس على التواني والتخلف عن الإمام الراتب فيهما.
3 يعني على أنها فرض معا لا إذا كانت إحداهما تذرا أو قضاء كما هو بديهي.(1/160)
نهي1 وإن أقيمت وهو فيها ولو خارج المسجد أتمها خفيفة ولو فاتته ركعة ولا يزيد على ركعتين فإن كان شرع في الثالثة أتمها أربعا فإن سلم من ثلاث جاز نصا فيهما إلا أن يخشى فوات ما تدرك به الجماعة فيقطعها قال جماعة وفضيلة التكبيرة الأولى لا تحصل إلا بشواهد تحريم الإمام وتقدم في المشي إلى الصلاة.
__________
1 وقد سبق القول بالجواز لأن الأصل الإباحة حتى يعلم الأمر.(1/161)
فصل ومن كبر قبل سلام الإمام التسليمة الأولى أدرك الجماعة
ولو لم يجلس ومن أدرك الركوع معه قبل رفع رأسه غير شاك في إدراكه راكعا أدرك الركعة ولو لم يدرك معه الطمأنينة إذا اطمأن هو وأجزأته تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع نصا وإتيانه بها أفضل فإن نواهما بالتكبيرة لم تنعقد وإن أدركه بعد الركوع لم يكن مدركا للركعة وعليه متابعته قولا وفعلا وإن رفع الإمام رأسه قبل إحرامه سن دخوله معه وعليه أن يأتي بالتكبيرة في حال قيامه وينحط مسبوق بل تكبير له ولو أدركه ساجدا ويقوم للقضاء بتكبير ولو لم تكن ثانيته فإن قام قبل التسليمة الثانية بلا عذر يبيح المفارقة لزمه العود ليقوم بعدها فإن لم يرجع انقلبت نفلا وإن أدركه في سجود سهو بعد السلام لم يدخل معه فإن فعل لم تنعقد صلاته وما أدرك مع الإمام فهو آخر صلاته فإن أدركه فيما بعد الركعة الأولى لم يستفتح ولو يستعذ: وما يقضيه أولها: يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة لكن لو أدرك من رباعية أو مغرب ركعة تشهد عقب قضاء(1/161)
أخرى نصا كالرواية الأخرى ويخير في الجهر في صلاة الجهر بعد مفارقة إمامه وتقدم في صفة الصلاة ويترك مع إمامه كما يتورك فيما يقضيه ويكرر التشهد الأول نصا حتى يسلم إمامه فإن سلم قبل إتمامه قام ولو يتمه وتقدم وإن فاتته الجماعة استحب أن يصلى في جماعة أخرى فإن لم يجد استحب لبعضهم أن يصلى معه ولا يجب فعل قراءة على مأموم فيتحمل عنه إمامه ثمانية أشياء: الفاتحة وسجود السهو والسترة قدامه والتشهد الأول إذا سبقه بركعة وسجود وتلاوة أتى بها في الصلاة خلفه وفيما إذا سجد الإمام لتلوة سجدة قها في صلاة سر فإن المأموم إن شاء لم يسجد وتقدم في الباب قبله وقول سمع الله لمن حمده وقول ملء السموات بعد التحميد ودعاء القنوت وتسن قراءة الفاتحة في سكتات الإمام ولو لتنفس ولا يضر تفريقها وفيما لا يجهر فيه أو لا يسمعه لبعده فإن لم يكن للإمام سكتات يتمكن فيها من القراءة كره له أن يقرأ نصا ومع الفاتحة سورة في أولتي ظهر وعصر فإن سمع قراءة الإمام كرهت له القراءة فلو سمع همهمته ولم يفهم ما يقول لم يقرأ ومواضع سكتاته ثلاثه: بعد تكبيرة الإحرام وبعد فراغ القراءة وفراغ الفاتحة وتستحب هنا سكتة بقدر الفاتحة ويقرأ أطرش إن لم يشغل من إلى جنبه ويستحب أن يستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه الإمام إن لم يسمع.(1/162)
فصل الأولى أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة بعد شروع إمامه من غير تخلف
فلو سبق الإمام بالقراءة وركع الإمام تبعه(1/162)
وقطعها بخلاف التشهد إذا سلم وإن وافقه كره ولم تبطل وفي أقوالها إن كبر للإحرام معه أو قبل لم تنعقد وإن سلم معه كره وصحت وقبله عمدا بلا عذر تبطل لا سهوا فيعيده وإلا بطلت والأولى أن يسلم المأموم عقب فراغ الإمام من التسليمتين فإن سلم الأولى بعد سلام الإمام الأولى والثانية بعد سلامه الثانية جاز لا إن سلم الثانية قبل سلام الإمام الثانية حيث قلنا بوجوبها ولا يكره سبقه ولا موافقته بقول غيرهما ويحرم سبقه بشيء من أفعالها فإن ركع أو سجد ونحوه قبل إمامه عمدا حرم ولم تبطل إن رفع ليأتي به معه ويدركه فيه فإن لم يفعل عمدا عالما بطلت صلاته وإن فعله جهلا أو سهوا ثم ذكره لم تبطل وعليه أن يرفع ليأتي به معه فإن لم يفعل عمدا حتى أدركه إمامه فيه بطلت وإن سبقه بركه فعلى بأن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالما عامدا بطلت نصا وإن كان جاهلا أو ناسيا بطلت تلك الركعة إذا لم يأت بما فاته مع إمامه وإن سبقه بركنين بأن ركع ورفع قبل ركوعه وهوى إلى السجود قبل رفعه عالما عامدا بطلت صلاته وصحت صلاة جاهل وناس وبطلت الركعة ـ قال جمع ما لم يأت بذلك مع إمامه ـ وإن تخلف عنه بركه بلا عذر فكالسبق به ولعذر يفعله ويلحق وتصح الركعة وإلا فلا وإن تخلف عنه بركعة فأكثر لعذر من نوم أو غفلة ونحوه تابعه وقضى بعد سلام إمامه جمعة أو غيرها كمسبوق وإن تخلف بركنين بطلت ولعذر كنوم وسهو وزحام إن أمن فوات الركعة الثانية أتى بما تركه وتبعه وصحت ركعته وإلا تبعه ولغت ركعته والتي تليها عوضها ولو زال عذر من أدرك(1/163)
ركوع الأولى وقد رفع إمامه من ركوع الثانية تابعه في السجود فتم له ركعة ملفقة من ركعتي إمامه يدك بها الجمعة فيأتي بعدها بركعة وتتم جمعته ويسن للإمام تخفيف الصلاة مع إتمامها إذا لم يؤثر مأموم التطويل فإن آثروا كلهم استحب وأن يرتل القراءة والتسبيح والتشهد بقدر ما يرى أن من خلفه ممن يثقل لسانه قد أتى به وأن يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يرى أن الكبير والصغير والثقيل قد أتى عليه ويسن له إذا عرض في الصلاة عارض لبعض المأمومين يقضى خروجه أن يخفف كما إذا سمع بكاء صبي ونحو ذلك وتكره سرعة تمنع مأموما فعل ما يسن ويسن تطويل قراءة الركعة الأولى أكثر من الثانية فإن عكس فنصه يجزئه وينبغي إلا يفعل وذلك في كل صلاة إلا في صلاة خوف في الوجه الثاني كما يأتي فالثانية أطول وفي صلاة جمعة إذا قرأ بسبح والغاشية ولعل المراد لا أثر لتفاوت يسير وإن أحس بداخل وهو في ركوع أو غيره ولو من ذوي الهيئات وكانت الجماعة كثيرة كره انتظاره لأنه يبعد إلا يكون فيهم من يشق عليه وكذلك إن كانت الجماعة يسيرة والانتظار يشق عليه أو على بعضهم وإن لم يكن كذلك استحب انتظاره وإن استأذنت امرأة إلى المسجد ليلا أو نهار كره لزوج ويسد منعها إذا خرجت تفلة غير مزينة ولا مطيبة إلا أن يخشى فتنة أو ضررا وكذا أب مع ابنته وله معنها من الانفراد فإن لم يكن أب فأولياؤها المحارم ويأتي في الحضانة وتنهى المرأة عن تطيبها لحضور مسجد أو غيره فإن فعلت كره كراهة(1/164)
التحريم ولا تبدى زينتها إلا لمن في الآية ـ قال أحمد: ظفرها عورة فإذا خرجت فلا تبين شيئا ولا خفها فإنه يصف القدم وأحب إلي أن تجعل لكمها زرا عند يدها وصلاتها في بيتها أفضل ـ والجن مكلفون يدخل كافرهم النار ومؤمنهم الجنة: قال الشيخ: ونراهم فيها وهم لا يروننا وليس منه رسول.(1/165)
فصل الأولى بالإمامة
الأجود قراءة الأفقه ثم الأجود قراءة الفقيه ثم الأقرأ ثم الأكثر قرآنا الأفقه ثم الأكثر قرآنا الفقيه ثم القارئ الأفقه ثم القارئ الفقيه ثم القارئ العارف فقه صلاته ثم الأفقه ومن شرط تقديم الأقرأ أن يكون عالما فقه صلاته حافظا للفاتحة ولو كان أحد الفقيهين أفقه وأعلم بأحكام الصلاة قدم ويقدم قارئ لا يعلم فقه صلاته على فقيه أمي ثم الأسن ثم الأشرف وهو من كان قرشيا فتقدم مهم بنو هاشم على من سواهم ثم الأقدم هجرة بسبقه إلى دار الإسلام مسلما ومثله السبق بالإسلام ثم الأتقى والأورع ثم من يختاره الجيران المصلون أو كان أعمر للمسجد ثم قرعة فإن تقدم المفضول جاز وكره وإذا أذن الأفضل للمفضول لم يكره نصا ولا بأس أن يؤم الرجل أباه بلا كراهة وصاحب البيت وإمام المسجد ولو عبدا: ولا تكره إمامته بالأحرار: أحق بإمامة مسجده وبيته من الكل إذا كان ممن تصح إمامته وإن كان غيرهما أفضل منهما فيحرم تقديم غيرهما عليهما بدون إذن ولهما تقديم غيرهما ولا يكره بل يستحب إن كان أفضل منهما ويقدم عليهما ذو سلطان وهو الإمام(1/165)
الأعظم ثم نوابه كالقاضي وكل ذي سلطان أولى من نوابه وسيد في بيت عبده أولى منه وحر أولى من عبد ومن مبعض وكاتب مبعض أولى من عبد وحاضر وبصير وحضري ومتوضئ ومعير ومستأجر أولى من ضدهم فإن قصر إمام مسافر قضى المقيم كمسبوق ولم تكره إمامته إذن كالعكس وإن أتم كرهت1 وإن تابعه المقيم صحت ولو كان الأعمى أصم صحت إمامته وكرهت ولا يصح إمامة فاسق بفعل أو اعتقاد ولو كان مستورا ولو بمثله علم فسقه ابتداء أولا فيعيد إذا علم وتصح الجمعة والعيد بلا إعادة إن تعذرت خلف غيره وإن خاف أذى صلى خلفه وأعاد نصا وإن نوى مأموم الانفراد ووافقه في أفعالها صح ولو يعد حتى ولو جماعة صلوا خلفه وتصح إمامة العدل إذا كان نائبا لفاسق كصلاة فاسق خلف عدل وتصح الصلاة خلف إمام لا يعرفه والاستحباب خلف من يعرفه والفاسق من أتى كبيرة أو داوم على صغيرة وتأتي له تتمة في شروط من تقبل شهادته ومن صح اعتقادهم في الأصل فلا بأس بصلاة بعضهم خلف بعض ولو اختلفوا في الفروع ويأتي قريبا ومن صلى بأجرة لم يصل خلفه قاله ابن تميم فإن رفع إليه شيء
__________
1 كره لمسافر أن يتم إذا كان إماما للمقيم خروجا من الخلاف. وحاصله أن بعض العلماء يرى أن ما زاد على الركعتين من المسافر تفل والكثير على أنه متى كان ناويا للإئتمام فكل صلاته فرض. فمراعاة لذلك الخلاف قيل بالكراهة. هكذا يقول الكشاف وعندنا أن الكراهة لعدول المسافر الترخص بالقصر إذ أن الأخذ بالرخص مستحب وترك المستحب كمروه في مثل هذا.(1/166)
بغير شرط فلا بأس نصا ولا تصح خلف كافر ولو ببدعة مكفرة ولو أسره ولو صلى خلف من يعلمه مسلما فقال بعد الصلاة هو كافر لم يؤثر في صلاة المأموم ولو قال من جهل حاله بعد سلامه من الصلاة هو كافر وإنما صلى تهزئا أعاد مأموم فقط كمن ظن كفره أو حدثه فبان بخلافه أو أنه خنثى مشكل فبان رجلا ولو علم من إنسان حال ردة وحال إسلام وحال فاقة وحال جنون كره تقديمه فإن صلى خلفه ولو يعلم في أي الحالين هو أعاد وإن صلى خلف من يعلم أنه كافر فقال بعد الصلاة كنت أسلمت وفعلت ما يجب للصلاة فعليه الإعادة ولا سكران1 وإن سكر في أثناء الصلاة بطلت ولا خلف أخرس ولو بمثله نصا ولا خلف من به سلس بول ونحوه أو عجز عن ركوع أو رفع منه كأحدب أو سجود أو قعود أو عن استقبال أو اجتناب نجاسة أو عن الأقوال الواجبة ونحوه من الأركان أو الشروط إلا بمثله ولا خلف عاجز عن القيام إلا إمام الحي: وهو كل إمام مسجد راتب: المرجو زوال علته ويصلون وراءه ووراء الغمام الأعظم جلوسا فإن صلوا قياما صحت والأفضل له أن يستخلف إذا مرض والحالة هذه وإن ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياما ولم يجز الجلوس نصا وإن ترك الإمام ركنا واجبا أو شرطا عنده وحده أو عنده وعند المأموم عالما أعادا وإن كان عند المأموم وحده فلا ومن
__________
1 إنما قلنا بالإعادة في الصور المتقدمة لاعتقاده المأموم بطلان صلاة إمامه أو شكه في صحتها ومراده بقوله: ولا سكران أنه لا تصح الصلاة خلفه.(1/167)
ترك ركنا أو شرطا مختلفا فيه بلا تأويل ولا تقليد1 وتصح خلف من خالف في فرع لم يفسق به ومن فعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة مما اختف فيه كنكاح بلا ولي وشرب نبيذ ونحوه: فإن دوام عليه فسق ولم يصل خلفه وإن لم يداوم فقال الموفق هو من الصغائر ولا بأس بالصلاة خلفه ولا إنكار في مسائل الاجتهاد ولا تصح إمامة امرأة ولا خنثى مشكل برجال ولا بخناثى فإن لم يعلم إلا بعد الصلاة أعاد وتصح بنساء ويقفن خلفه وإن صلى خلف من يعلمه خنثى لكن يجهل صلى أشكاله ثم بان بعد الصلاة رجلا فعليه الإعادة وإن صلى خلفه وهو لا يعلم فبان بعد الفراغ رجلا فلا إعادة عليه ولا إمامة مميز لبالغ في فرض وتصح في نفل وبمثله ولا إمامة محدث ولا نجس يعلم ذلك ولو جهله مأموم فقط فإن جهله هو والمأمومون كلهم حتى قضوا الصلاة صحت صلاة مأموم وحده إلا في الجمعة إذا كانوا أربعين بالإمام فإنها لا تصح: وكذا لو كان أحد المأمومين محدثا فيها وتقدم حكم الصلاة بالنجاسة جاهلا ولا إمامة أمي نسبة إلى الأم بقارئ والأمي من لا يسحن الفاتحة أو يدغم منها حرفا لا يدغم وهو الإرث أم يلحن لحنا يحيل المعنى كفتح همزة إهدنا وضم تاء أنعمت وإن أتى به مع القدرة على إصلاحه لم تصح صلاته كما يأتي وإن عجز عن إصلاحه قرأه في فرض القراءة وما زاد عنها تبطل الصلاة بعمده ويكفر إن اعتقد أباحته وإن كان لجهل أو نيسان أو آفة لم تبطل ولو تمنع إمامته
__________
1 يعني وكذا يعيد من ترك ركنا الخ.(1/168)
وإن أم أمي أميا وقارئا فإن كانا عن يمينه أو الأمي فقط صحت صلاة الإمام والأمي وبطلت صلا ة القارئ وإن كانا خلفه أو القارئ وحده عن يمينه فسدت صلاة الكل ولا يصح اقتداء العاجز عن النصف الأول من الفاتحة بالعاجز عن النصف الأخير ولا بالعكس ولا اقتداء من يبدل حرفا منها بمن يبدل حرفا غيره ومن لا يحسن الفاتحة ويحسن غيرها من القرآن بقدره لا يصح أن يصلي خلف من لا يحسن شيئا من القرآن وإذا أقيمت الصلاة وهو في المسجد والإمام ممن لا يصلح: فإن شاء صلى خلفه وأعاد وإن شاء صلى وحده جماعة أو حده ووافقه في أفعاله ولا إعادة وإن سبق لسانه إلى تغيير نظم القرآن بما هو منه على وجه يحيل معناه كقوله إن المتقين في ضلال وسعر ونحوه لم تبطل ولم يسجد له وحكم من أبدل منها حرفا بحرف لا يبدل كالالثغ الذي يجعل الراء غينا ونحوه حكم من لحن فيها لحنا يحيل المعنى إلا ضاد المغصوب والضالين بظاء فتصح كمثله لأن كلا منها من أطراف اللسان وبين الأسنان وكذلك مخرج الصوت واحد ـ قال الشيخ في شرح العمدة: وإن قدر على إصلاح ذلك لم تصح وتكره وتصح إمامة كثيرة اللحن الذي لا يحيل المعنى ومن يصرع أو تضحك رؤيته: ومن اختلف في صحة إمامته وأقلف وأقطع يدين أو أحدهما: أو رجلين أو أحدهما ـ قال ابن عقيل: أو أنف ـ والفأ فاء الذي يكرر الفاء والتمتام الذي يكرر التاء ولا من لا يفصح ببعض الحروف وإن يؤم أنثى أجنبية فأكثر لا جل معهن ولا بأس بذوات محارمه ويكره أن يؤم قوما أكثرهم يكرهه نصا بحق لخلل في دينه أو فضله(1/169)
فإن كرهه بعضهم لا يكره ـ قال الشيخ: إذا كان بينهما معادات من جنس معادات أهل الهواء والمذاهب لم ينبغ أن يؤمهم لعدم الائتلاف ـ ولا يكره الائتمام به لأن الكراهة في حقه وإن كرهوه لدينه وسنته فلا كراهة في حقه ولا بأس بإمامة ولد زنا ولقيط ونفي بلعان وخصي وجندي وأعرابي إذا سلم دينهم وصلحوا لها ويصح إئتمام من يؤدي الصلاة من يقضيها وعكسه وقاضي ظهر يوم بآخر ومتوضئ بمتيمم وماسح على حائل بغاسل ومتنفل بمفترض ومن عدم الماء والتراب بمن تطهر بأحدهما ولا مفترض بمتنفل إلا إذا صلى بهم في خوف صلاتين ولا يصح إئتمام من يصلي الظهر بمن يصلى العصر أو غيرهما ولا عسكه.(1/170)
فصل السنة وقوف المأمومين خلف الإمام
إلا إمام العراة وإمامة النساء فوسطا وجوبا في الأولى واستحبابا في الثانية فإن وقفوا قدامه ولو بإحرام لم تصح صلاتهم أو غير داخل الكعبة في نفل إذا تقابلا أو جعل ظهره إلى ظهر إمامه لا أن جعل ظهره إلى وجهه كتقدمه عليه وفيما إذا أستدير الصف حولها فلا بأس بتقديم المأموم إذا كان في الجهة المقابلة للإمام فقط وفي شدة الخوف إذا أمكن المتابعة وإن وقفوا معه عن يمينه أو من جانبيه صح وإن كان المأموم واحدا وقف عن يمينه فإن بان عدم صحة مصافته لم تصح فإن وقف خلفه أو عن يساره وصلى ركعة كاملة بطلت وإذا وقف عن يساره أحرم أولا: سن للإمام أن يديره من ورائه إلى يمينه ولم تبطل تحرميه وإن كبر وحده خلفه ثم تقدم عن يمينه أو جاء آخر فوقف معه أو تقدم إلى الصف بين يديه أو كانا اثنين فكبر(1/170)
أحدهما وتوسوس الآخر ثم كبر قبل رفع الإمام رأسه من الركوع صحت صلاتهم فإن وقف عن يمينه وآخر عن يساره أخرهما خلفه فإن شق أو لم يمكن تأخيرهما تقدم الإمام فإن تأخر الأيمن قبل إحرام الداخل ليصلي خلفه جاز كتفاوت إحرام اثنين خلفه ثم إن بطلت صلاة أحدهما تقدم الآخر إلى الصف أو إلى يمين الإمام أو جاء آخر فوقف معه خلف الإمام وإلا نوى المفارقة وإن أدركهما جالسين أحرم ثم جلس عن يمين صاحبه أو عن يسار الإمام ولا تأخر إذن للمشقة والاعتبار في التقدم والمساواة بمؤخر قدم وهو العقب وإلا لم يضر كطول المأموم عن الإمام لأنه لم يتقدم رأسه في السجود فلو استويا في العقب وتقدمت أصابع المأموم لم يضر وإن تقدم عقب المأموم عقب الإمام مع تأخر أصابعه لم تصح وكذا لو تأخر عقب المأموم فإن صلى قاعد فلاعتبار بمحل القعود وهو الإلية لو مد رجليه وقدمهما على الإمام لم يضر وإن أم خنثى وقف عن يمينه وإن أم رجل أو خنثى امرأة وقفت خلفه فإن وقفت عن يمينه أو عن يساره فكرجل في ظاهر كلامهم ويكره لها الوقوف في صف الرجال فإن فعلت لم تبطل صلاة من يليها ولا من خلفها ولا إمامها ولا صلاتها وإن أم رجلا وصبيا استحب أن يقف الرجل عن يمينه والصبي عن يساره أو رجلا امرأة وقف الرجل عن يمينه والمرأة خلفه ولا بأس بقطع الصف عن يمينه أو خلفه وكذا إن بعد الصف منه نصا وأقربه منه أفضل وكذا توسطه وإن انقطع عن يساره فقال ابن حامد(1/171)
إن كان بعد مقام الثلاثة رجال بطلت صلاته وإن اجتمع أنواع: سن تقديم رجال أحرار: ثم عبيد الأفضل ثم الأفضل ثم صبيان كذلك: ثم خناثى: ثم نساء ويقدم من الجنائز إلى الإمام وإلى القبلة في قبر واحد حيث جاز: رجل حر: ثم عبد بالغ: ثم صبي كذلك ثم خنثى: ثم امرأة حرة: ثم أمة وتأتي تتمته ومن لم يقف معه إلا امرأة أو كافر أو مجنون أو خنثى أو محدث أو نجس يعلم مصافة ذلك ففذ وكذا صبي في في فرض وامرأة مع نساء وإن لم يعلم المحدث حدث نفسه فيها ولا علمه مصافة فليس بفذ1 ومن وقف معه متنفل أو من لا يصح أن يؤمه كلأمي والأخرس والعاجز وناقص الطهارة والفاسق ونحوه فصلاتهما صحيحة ومن جاء فوجد فرجة أو وجد غير مرصوص دخل فيه فإن مشى إلى الفرجة عرضا بين يدي بعض المأمومين كره فإن لم يجد وقف عن يمين الإمام إن أمكنه فإن لم يمكنه فله أن ينبه بكلام أو بنحنحة أو أشار من يقوم معه ويتبعه ويكره بجذبه نصا ولو كان عبده أو ابنه فإن صلى فذا ركعة ولو امرأة خلف امرأة أو عن يساره ولو جماعة مع خلو يمينه لم تصح ولو كان خلفه صف فإن كبر ثم دخل في الصف طمعا في إدراك الركعة أو وقف معه آخر قبل الركوع فلا بأس وإن ركع فذا ثم دخل في الصف أو وفق معه آخر قبل رفع الإمام صحت وكذا إن رفع الإمام ولم يسجد لا إن سجد وإن فعله لغير عذر لا يخاف فوت الركعة لم يصح ولو زحم في الركعة الثانية من الجمعة فأخرج من الصف وبقي فذا
__________
1 معنى هذه الجملة المعطوفة إن لم يعلم مصافة المحدث فصلاته صحيحة ومن ذلك يظهر لك أن كلمة مصافة حال من الضمير المفعول أو تمييز محول عنه وهو أظهر.(1/172)
فإنه ينوى مفارقة الإمام ويتمها جمعة وإن أقام على متابعة إمامه ويتمها معه فذا صحت جمعته.(1/173)
فصل إذا كان المأموم يرى الإمام
أو من وراءه وكان في المسجد صحت ولو لم تتصل الصفوف عرفا وكذا إن لم ير أحدهما إن سمع التكبير وإلا فلا وإن كانا خارجين عنه أو المأموم وحده وأمكن الاقتداء صحت إن رأى أحدهما ولو مما لا يمكن الاستطراق منه كشباك ونحوه وإن لم يرا أحدهما والحالة هذه لم يصح ولو سمع التكبير وتكفي الرؤية في بعض الصلاة وسواء في ذلك الجمعة وغيرها ولا يشترط اتصال الصفوف أيضا إذا حصلت الرؤية المعتبرة وأمكن الاقتداء ولو جاوز ثلاثمائة ذراع وإن كان بينهما نهر تجري فيه السفن أو طريق ولم تتصل فيه الصفوف عرفا إن صحت فيه أو اتصلت فيه وقلنا لا تصح فيه أو انقطعت فيه مطلقا لم تصح ومثله في ذلك من بسفينة وإمامه في أخرى غير مقرونة بها في غير شدة خوف ويكره أن يكون الإمام أعلى من المأموم كثيرا وهو ذراع فأكثر ولا بأس بيسير كدرج منبر ونحوها ولا بأس بعلو مأموم ولو كثيرا أيضا ويباح اتخاذ المحراب نصا ويكره للإمام الصلاة فيه إذا كان يمنع المأموم مشاهدته إلا من حاجة المسجد كضيق المسجد لا سجوده فيه ويقف الإمام عن المحراب إذا كان المسجد واسع نصا ويكره تطوعه في موضع المكتوبة بعدها بلا حاجة1 وترك مأموم له أولى وتكره إطالة القعود للإمام بعد الصلاة
__________
1 لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يصلين الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه " وأيضا ليغاير الإمام بين موقفه في الإمامة وفي غيرها فلا ينتظره من لم يصل.(1/173)
لضيق المسجد مستقبل القبلة إن لم يكن نساء ولا حاجة فإن أطال انصرف مأموم إذن وإلا استحب له إلا ينصرف قبله ويستحب للنساء قيامهن عقب سلام الإمام وثبوت الرجال قليلا وتقدم في صفة الصلاة ويكره اتخاذ غير الإمام مكانا بالمسجد لا يصلى فرضه إلا فيه ولا بأس به في النفل يكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم عرفا بلا حاجة ولا يكره للإمام1 ولو أمت امرأة واحدة أو أكثر لم يصح وقوف امرأة واحدة منهن خلفها مفردة وتقدم ومن الأدب وضع الإمام نعله عن يساره ومأموم بين يديه لئلا يؤذي غيره.
__________
1 السواري جمع سارية وهي عمود المسجد أو غيره.(1/174)
فصل ويعذر في ترك الجمعة والجماعة
مريض وخائف حدوثه أو زيادته أو تباطؤه فإن لم يتضرر بإتيانه راكبا أو محمولا أو تبرع أحد به لزمته الجمعة دون الجماعة إن لم يكن في المسجد ومن هو ممنوع من فعلها كالمحبوس ومن يدافع الأخبثين أو أحدهما أو بحضرة طعام يحتاج إليه وله الشبع أو خائف من ضياع ماله كغلة في بيادرها1 ودواب أنعام لا حافظ لها غيره ونحوه أو تلفه كخبز في تنور وطبيخ على نار ونحوه أو فواته كالضائع يدل به في مكان كمن ضاع له كيس أو أبق له
__________
1 البيادر جمع بيدر وهو الفناء المعروف لدينا بالجرن.(1/174)
عبد وهو يرجو وجوده أو قدم به من سهر إن لم يقف لأخذه ضاع ـ لكن قال المجد: ـ الأفضل ترك ما يرجو وجوده ويصلى الجمعة والجماعة ـ أو ضرر فيه أو في معيشة يحتاجها أو أطلق الماء على زرعه أو بستانه يخاف إن تركه فسدا وكان مستحفظا على شيء يخاف عله إن ذهب وتركه كناطور بستان ونحوه1 أو كان عريانا ولو يجد سترة أو لم يجد إلا ما يستر عورته فقط ونحوه أو كان عريانا ولم يجد سترة أو لو يجد ما يستر عورته فقط ونحوه في غير جماعة عراه أو خائف موت رفيقه أو قريبه ولا يحضره أو لتمريضهما إن يكن عنده من يقوم مقامه أو خائف على حريمه أو نفسه من ضرر أو سلطان ظالم أو سبع أو لص أو ملازمه غريم أو حبسه بحق لا وفاء له2 أو فوات رفقه مسافر سفرا مباحا منشئا أو مستديما أو غلبه نعاس يخاف معه فوتها في الوقت أو مع الإمام والصبر والتجلد على دفع النعاس ويصلي معهم أفضل أو تطويل إمام أو من عليه قود إن رجا العفو ومثله حد قذف ومن عليه حد لله فلا يعذر به أو متأذ بمطر أو وحل أو ثلج أو جليد أو ريح باردة في ليلة مظلمة ولو لم تكن الريح شديدة والزلزلة عذر ـ قاله أبو المعالي قال ابن عقيل: ومن له عروس تجلى عليه ـ
__________
1 الناطور: حارس البستان.
2 العجز عن وفاء الحق عذر يوجب النظرة والحبس عليه ظلم والحالة هذه ولذلك كان من الأعذار المسقطة للإمام عمن تخلف عنهما.(1/175)
والمنكر في طريقه ليس عذرا أيضا ولا العمى مع قدرته فإن عجز فتبرع قائد لزمه ولا الجهل بالطريق إن وجد من يهديه ويكره حضور مسجد ولو خلا المسجد من آدمي لتأذى الملائكة: والمراد حضور الجماعة حتى ولو في غير مسجد أو غير صلاة لمن أكل ثوما أو بصلا أو فجلا ونحوه حتى يذهب ريحه وكذا جزار له رائحة منتنة ومن له صنان وكذا من به برص أو جذام يتأذى به.(1/176)
باب صلاة أهل الأعذار
مدخل
...
باب صلاة أهل الأعذار
يجب أن يصلي مريض قائما إجماعا في فرض ولو لم يقدر إلا كصفة ركوع كصحيح1 ولو معتمدا على شيء أو مستندا إلى حائط ولو بأجرة إن قدر عليها سوى ما تقدم2 فإن لم يستطيع أو شق عليه مشقة شديدة لضرر من زيادة مرض أو تأخر برء ونحوه حيث جاز ترك القيام فقاعدا متربعا ندبا وكيف قعد جاز ويثني رجليه في ركوع وسجود كمتنفل فإن لم يستطع أو شق عليه ولو بتعديه بضرب ساقه ونحوه كتعديها بضر بطنها حتى نفست كما سبق فعلى جنب والأيمن أفضل3 ويصح على ظهره ورجلاه إلى القبلة
__________
1 معنى قوله: ولو لم يقدر إلا كصفة ركوع الخ أن القيام واجب ولو لم يمكن إلا على صفة الركوع كما هو واجب على الصحيح.
2 يشير بقوله سوى ما تقدم إلى ما ذكره عند الكلام على القيام مما يجوز من الصلاة للقاعد.
3 يريد بقوله ولو بتعديه أن العجز عن القيام يكون عذرا ولو كان العاجز هو المتسبب فيه بضرب ساقه أو بضرب الحامل بطنها حتى تحيض.(1/176)
مع المقدرة على جنبه مع الكراهة فإن تعذر تعين الظهر ويلزمه الإيماء بركوعه وسجوده برأسه ما أمكنه يكون سجوده أخفض من ركوعه فإن عجز أومأ بطرفه ونوى بقلبه: كأسير عاجز لخوفه ويأتي فإن عجز فبقلبه مستحضرا القول والفعل ولا تسقط الصلاة حينئذ مادام عقله ثابتا ـ قال ابن عقيل: الأحدب يجدد للركوع نية لكونه لا يقدر عليه كمريض لا يطيق الحركة يجدد لكل فعل وركن قصدا كفلك في العربية للواحد والجمع بالنية1 وإن سجد ما أمكنه بحيث لا يمكنه الانحطاط أكثر منه على شيء رفعه كره وأجزأ ولا بأس بسجوده على وسادة ونحوها ولا يلزمه فإن قدر على القيام أو القعود ونحوه مما عجز عنه من كل ركن أو واجب في أثناء الصلاة انتقل إليه وأتمها لكن إن كان لم يقرأ قام فقرأ وإن كان قد قرأ قام وركع بلا قراءة ويبني على إيماء ويبني عاجز فيها ولو طرا عجز فأتم الفاتحة في انحطاطه أجزأ: لا من برئ فأتمها في ارتفاعه ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود أومأ بالركوع قائما وبالسجود قاعدا ولو قدر على القيام منفردا وفي جماعة جالسا لزمه القيام ـ قدمه أبو المعالي قال في الإنصاف: قلت وهو الصواب لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة وهذا قادر والجماعة واجبة تصح الصلاة بدونها وقدم
__________
1 الأحدب هو متقوس الظهر ولما كان روعه لا يتميز عن اعتداله بسبب ذلك اعتبرت منه نية للركوع ونية للسجود حتى تتميز أفعل صلاته عن بعضها بقدر ما يمكن ومثل المصنف لما يمتاز عن غيره بالنية بمثال الغوى هو لفظ فلك. الخ.(1/177)
في التنفيح أنه يخير ـ ولو قال إن أفطرت في رمضان قدرت على الصلاة قائما وإن صمت صليت قاعدا أو قال ـ إن صليت قائما لحقني سلس بالبول أو امتنعت على القراءة وإن صليت قاعدا امتنع السلس فقال أبو المعالي: يصلي قاعدا فيهما وإن قدر أن يسجد على صدغيه لم يلزمه وإذا قال طبيب مسلم ثقة حاذق فطن لمريض: إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك: فله ذلك ولو مع قدرته على القيام ويكفي من الطبيب غلبة الظن ونص أنه يفطر بقول واحد أن الصوم مما يمكن العلة وتصح صلاة فرض على راحلة واقفة أو سائرة خشية تأذ بوحل أو مطر ونحوه وعليه الاستقبال وما يقدر عليه وفي شدة خوف كما يأتي فإن قدر على النزول ولا ضرر لزمه والقيام والركوع وأومأ بالسجود ولا تصح عليها لمرض: لكن إن خاف هو أو غيره بنزوله انقطاعا عن رفقته أو عجزا عن ركوبه صلى عليها كخائف بنزول على نفسه من عدو ونحوه ومن أتى بالمأمور من كل ركن ونحوه للصلاة وصلى عليها بلا عذر أو في سفينة ونحوها ولو جماعة: من أمكنه الخروج منها واقفة أو سائرة صحت1 ولا تصح فيها من قاعد مع القدرة على القيام وكذا عجلة ومحفة ونحوهما ومن كان في ماء وطين أومأ: كمصلوب ومربوط والغريق يسجد على متن الماء.
__________
1 قوله: من أمكنه، فاعل بفعل مقدر هو متعلق قوله في سفينة وتقدير ذلك الفعل: أو صلى في سفينة من أمكنه. الخ.(1/178)
فصل في القصر
من ابتدأ سفرا واجبا أو مستحبا: كسفر الحج والجهاد والهجرة والعمرة ولزيارة الإخوان وعيادة المرضى وزيارة أحد المسجدين والوالدين أو مباحا ولو لنزهة أو فرجة أو(1/178)
تاجرا ولو مكاثرا في الدنيا أو مكرها: كأسير أو زان مغرب أو قاطع مشرد ولو محرما مع مغربة يبلغ سفره ذهابا ستة عشر فرسخا تقريبا برا أو بحرا وهي يومان قاصدان في زمن معتدل بسير الأثقال ودبيب الأقدام أربعة برد والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية وبأميال بني أمية ميلان ونصف والميل اثنا عشر ألف قدم: ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة: كل إصبع ست حبات شعير بطون بعضها إلى بعض عرض كل شعيرة ست شعرات برذون ـ فله قصر الرباعية خاصة إلى ركعتين إجماعا وكذا الفطر ولو قطعها في ساعة واحدة ومتى صار الأسير ببلدهم أتم نصا وامرأة وعبد وجندي تبع لزوج وسيد وأمير في نيته وسفره وإن كان العبد لشريكين ترجح إقامة أحدهما ولا يترخص في سفر معصية بقصر ولا فطر ولا أكل ميتة نصا فإن خاف على نفسه إن لم يأكل قيل له: تب وكل ولا في سفر مكروه للنهي عنه ويترخص إن قصد مشهدا أو قصد مسجدا ولو غير المساجد الثلاثة أو قصد قبر نبي أو غيره أو عصى في سفره الجائز: كأن شرب فيه مسكرا ونحوه ويشترط قصد موضع معين ولا فلا قصر لهائم وتائه وسائح لا يقصد مكانا معينا والسياحة لغير موضع معين مكروهة والسياحة المذكورة في القرآن غير هذه ويقصر من المباح أكثر قصد: كمن قصد معصية ومباحا لو تاب في أثنائه وقد بقي مسافة قصر لا إذا استويا أو كان الحظر أكثر ولو انتقل من سفره المباح إلى محرم امتنع القصر ولو قام من له القصر إلى ثالثة أتم وإن سلم من ثلاث عمدا بطلت وإن قام(1/179)
سهوا قطع فلو نوى الإتمام أتم وأتم بما بقي سوى ما سها عنه فإنه يلغو ولو كان الساهي إماما بمسافر تابعه إلا أن يعلم سهوه فيسبح به: فإن رجع وإلا فارقه مأموم وتبطل صلاته بمتابعته إذا فارق خيام قومه أو بيوت قريته العامرة: سواء كانت داخل السور أو خارجه بما يقع عليه اسم المفارقة بنوع من البعد عرفا لا الخراب إن لم يله عامر فإن وليه أعتبر مفارقة الجميع: كما لو جعل مزارع وبساتين يسكنه أهله ولو في فصل النزهة ولو برزوا لمكان لقصد لاجتماع ثم بعد اجتماعهم ينشئون السفر من ذلك المكان فلهم القصر قبل مفارقته في ظاهر كلامهم خلافا لأبي المعالي ويعتبر في سكان قصور وبساتين ونحوهم مفارقة ما نسبوا إليه عرفا وإلا يرجع إلى وطنه ولا ينويه قريبا فإن رجع لم يترخص حتى يفارقه ثانيا ولو لم ينو الرجوع لكن بداله لحاجة لم يترخص في رجوعه بعد نية عودة حتى يفارقه أيضا: إلا أن يكون رجوعه سفرا طويل والمعتبر نية المسافة لا وجود حقيقتها فمن نوى ذلك قصر ولو رجع قبل استكمال المسافة لم يلزمه إعادة ما قصر نصا وإن رجع ثم بدا له العود إلى السفر لم يقصر حتى يفارق مكانه فإن شك في قدر المسافة أو لم يعلم قدر سفره: كمن خرج في طلب آبق أو ضال ناويا أن يعود به أين وجده لم يقصر حتى يجاوز المسافة ويقصر من له قصد صحيح وإن لم تلزمه الصلاة كحائض وكافر ومجنون وصبي ـ تطهر ويسلم ويفيق ويبلغ ولو بقي دون مسافة قصر ولو مر بوطن أوببلد له فيه امرأة أو تزوج فيه أتم وأهل مكة ومن حولهم إذا ذهبوا إلى عرفة ومزدلفة ومنى فليس(1/180)
لهم قصر ولا جمع فهم في المسافة كغيرهم لكن قال أحمد: فيمن كان مقيما بمكة ثم خرج إلى الحج وهو يريد أن يرجع إلى مكة فلا يقيم بها: فهذا يصلى ركعتين بعرفة لأنه حين خرج من مكة أنشأ السفر إلى بلده والقصر رخصة وهو أفضل من الإتمام نصا وإن أتم جاز ولم يكره وإن أحرم مقيما في حضر أو دخل عليه وقت صلاة فيه ثم سافر أو أحرم بها في سفر ثم أقام كراكب سفينة أو ذكر صلاة حضر في سفر أو عكسه أو أئتم بمقيم أو بمن يلزمه الإتمام أو بمن يشك فيه أو بمن يغلب على ظنه أنه مقيم ولو بان مسافرا أو بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها: كم يقتدي بمقيم فيحدث أو لم ينو القصر عند دخوله الصلاة أو شك في الصلاة هل نوى القصر أم لا ولو ذكر بعد ذلك أنه كان نواه أو تعمد ترك صلاة أو بعضها في سفر حتى خرج وفتها أو عزم في صلاته على ما يلزمه به الإتمام من الإقامة وسفر المعصية أو تاب منه فيها: ـ لزمه أن يتم وإن نوى مسافر القصر حيث يحرم عالما: كمن نواه خلف مقيم عالما أو قصر معتقدا تحريم القصر: لم تنعقد كنية مقيم القصر ونية مسافر وعبد الظهر خلف إمام الجمعة نصا ولو إئتم من له القصر جاهلا حدث نفسه بمقيم ثم علم حدث نفسه فله القصر.(1/181)
فصل تشترط نية القصر والعلم بها عند الإحرام
وإن إمامه إذن مسافر ولو بإمارة وعلامة كهيئة لباس: لا أن إمامه نوى القصر عملا بالظن فلو قال: إن أتم أتممت وإن قصر قصرت لم يضر وإن صلى مقيم ومسافر خلف مسافر أتم المقيم إذا سلم إمامه ويسن أن(1/181)
يقول الإمام للمقيمين: أتموا فانا سفر ولو قصر الصلاتين في وقت أولاهما ثم قدم قبل دخول وقت الثانية أجزأه ولو نوى القصر ثم رفضه ونوى في الصلاة الإتمام أتم ولو نوى القصر ثم أتم سهوا ففرضه الركعتان والزيادة سهو يسجد لها ندبا ومن له طريقان: بعيد وقريب فسلك البعيد ليقصر الصلاة فيه أو لغير ذلك أو ذكر صلاة سفر فيه أو في سفر آخر ولم يذكرها في الحضر ـ قصر ولو نوى إقامة مطلقة في بلد ولو البلد الذي يقصده بدار حرب أو إسلام أو في بادية لا يقام بها أو كانت لا تقام فيها الصلاة أو أكثر من عشرين صلاة أو شك فن نيته هل نوى ما يمنع القصر أم لا أتم وإلا قصر ويوم الدخول ويوم الخرج يحسبان من المدة وإن أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة تقطع حكم السفر ولا يعلم قضاء الحاجة قبل المدة ولو ظنا أو حبس ظلما أو حبسه مطر أو مرض ونحوه ـ قصر أبدا فإن علم أنها لا تقضي في أربعة أيام لزمه الإتمام ومن رجع إلى بلد أقام به ما يمنع القصر قصر حتى فيه نصا وإن عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية لا يجمع على الإقامة بواحدة منها مدة تبطل حكم السفر قصر وإن نوى إقامة بشرط كأن يقول: إن لقيت فلانا في هذا البلد أقمت فيه وإلا فلا: فإن لم يلقه فله حكم السفر وإن لقيه به صار مقيما إن لم يكن فسخ نيته الأولى قبل لقائه أو حال لقائه وإن فسخ النية بعد لقائه فهو كمسافر نوى الإقامة المانعة من القصر ثم بدا له السفر قبل تمامها فليس له أن يقصر في موضع إقامته حتى يشرع في السفر والملاح الذي معه أهله في(1/182)
السفينة ـ أو لا أهل له وليس له نية الإقامة ببلد لا يترخص فإن كان له أهل وليسوا معه ترخص ومثله مكار وراع وفيج ـ وهو رسول السلطان ـ وبريد ونحوهم نصا وعرب البدو الذين حيث وجدوا المرعى رعوه يصلون تماما لأنهم مقيمون في أوطانهم فإن كان لهم سفر من الصيف إلى المشتى ومن المشتى إلى المصيف: كما للترك فإنهم يقصرون في مدة هذا السفر وكل من جاز له القصر جاز له الجمع والفطر ولا عكس لأن المريض ونحوه لا مشقة عليه في الصلاة وقد ينوى المسافر مسيرة يومين ويقطعها من الفجر إلى الزوال مثلا فيفطر وإن لم يقصر قال الأصحاب: الأحكام المتعلقة بالسفر الطويل أربعة: القصر والجمع والمسح ثلاثا والفطر.(1/183)
فصل في الجمع
وليس بمستحب بل تركه أفضل غير جمعي عرفة ومزدلفة: يجوز بين الظهر والعصر والعشائين في وقت أحدهما لمسافر يقصر فلا يجمع من لا يقصر: كمكي ونحوه بعرفة ومزدلفة ولمريض يلحقه بتركه مشقة وضعف ولمرضع لمشقة كثرة النجاسة ولعاجز عن الطهارة أو التيمم لكل صلاة أو عن معرفة الوقت كأعمى أومأ إليه أحمد ولمستحاضة ونحوها ولم له شغل أو عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة واستثنى جمع النعاس وفعل الجمع في المسجد جماعة أولى من أن يصلوا في بيوتهم بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد وذلك أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع:(1/183)
كمالك والشافعي وأحمد قاله الشيخ ويجوز بين العشاءين لا الظهرين لمطر يبل الثياب ـ زاد جمع أو النعل أو البدن ـ وتوجد معه مشقة لا الطل والثلج وبرد وجليد ووحل وريح شديدة باردة حتى لم يصلي في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط ولمقيم في السجد ونحوه ولو لم ينله إلا يسير وفعل الأرفق به من تأخير وتقديم أفضل بكل حال سوى جمعي عرفة ومزدلفة فيقدم في عرفة ويؤخر في مزدلفة فإن استويا فالتأخير أفضل سوى جمع عرفة.
ويشترط للجمع في وقت الأولى ثلاثة شروط: نية الجمع عند إحرامها وتقديمها على الثانية في الجمعين فالترتيب بينها كالترتيب في الفوائت يسقط بالنسيان: والموالاة فلا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف ولا يضر كلام يسر لا يزيد على ذلك من تكبير عيد أو غيره ولو غير ذكر فإن صلى السنة الراتبة أو غيرها بينهما: لا سجود السهو بطل الجمع: وأن يكون العذر مجودا عند افتتاح الصلاتين وسلام الأولى فلو أحرم بالأولى مع وجود مطر ثم انقطع ولم يعد: فإن حصل وحل وإلا بطل الجمع وإن شرع في الجمع مسافر لأجل السفر فزال سفره ووجد وحل أو مرض أو مطر بطل الجمع ولا يشترط دوام العذر إلى فراغ الثانية في جمع مطر ونحوه بخلاف غيره كسفر ومرض فلو انقطع السفر في الأولى بنية إقامة ونحوها بطل الجمع والقصر كما تقدم ويتمها وتصح وإن انقطع في الثانية بطلا أيضا ويتمها نفلا ومريض كمسافر فيما إذا برئ في الأولى أو الثانية.(1/184)
وإن جمع في وقت الثانية: كفاه نية الجمع في وقت الأولى ما لم يضق عن فعلها فإن ضاق لم يصح الجمع وأتم بالتأخير: واستمرار العذر إلى دخول وقت الثانية ولا أثر لزواله بعد ذلك ولا تشترط الموالاة فلا بأس بالتطوع بينهما نصا ولا يشترط في الجمع إتحاد إمام ولا مأموم فلو صلى الأولى وحده ثم الثانية إماما أو مأموما أو صلى إمام الأولى وإمام الثانية أو صلى مع الإمام مأموم الأولى وآخر الثانية أو نوى الجمع خلف من لا يجمع أو بمن لا يجمع ـ صح.(1/185)
فصل في صلاة الخوف
وتأثيره في تغيير هيئات الصلاة وصفاتها لا في تغيير عدد ركعاتها.
ويشترط فيها أن يكون القتال مباحا: كقتال الكفار والبغاة والمحاربين قال الإمام أحمد: صحت عن النبي صل الله عليه وسلم من ستة أوجه أو سبعة كلها جائزة فمن ذلك إذا كان العدو في جهة القبلة وخيف هجومه صلى بهم صلاة عسفان: فيصفهم خلفه صفين فأكثر حضرا كان أو سفرا وصلى بهم جميعا إلى أن يسجد فيسجد معه الصف الذي يليه ويحرس الآخر حتى يقوم الإمام إلى الثانية فيسجد ويلحقه ثم الأولى تأخر الصف المقدم ونتقدم المؤخر فإذا سجد في الثانية سجد معه الصف الذي يليه ـ وهو الذي حرس أولا ـ وحرس الآخر حتى يجلس للتشهد فيسجد وليلحقه فيتشهد ويسلم بهم.
ويشترط فيها إلا يخافوا كمينا ولا يخفى بعضهم عن المسلمين وإن حرس كل صف مكانه من غير تقدم أو تأخر أو جعلهم صفا واحدا(1/185)
وحرس بعضه وسجد الباقون أو حرس الأول في الأولى والثاني في الثانية فلا بأس ولا يجوز أن يحرس صف واحد في الركعتين.
الثاني: إذا كان العدو في غير جهة القبلة أو في جهتها ولو يروهم أو رأوهم وأحبوا فعلها كذلك صلى بهم صلاة ذات الرقاع: فيقسمهم طائفتين تكفى كل طائفة العدو ولا يشترط في الطائفة عدد فإن فرط في ذلك أو ما فيه حظ لنا أثم يكون صغيرة لا يقدح في الصلاة إن قارناها وإن تعمد ذلك فسق وإن لم يتكرر: كالمودع والموصي والأمين إذا فرط في الحفظ ـ طائفة تحرس وطائفة يصلي بها ركعة تنوى مفارقته إذا استتم قائما ولا يجوز قبله وتنوي المفارقة وجوبا لأن من ترك المتابعة ولم ينو المفارقة تبطل صلاته وأتمت لا نفسها أخرى بالحمد وسورة ثم تشهدت وسلمت ومضت تحرس وتسجد لسهو إمامها قبل المفارقة بعد فراغها وهي بعد المفارقة منفردة: فقد فارقته حسما وحكا وثبت قائما: يطيل قراءة حتى تحضر الأخرى فتصلي معه الثانية يقرا إذا جاؤا بالفاتحة وسورة إن لم يكن قرأ فإن كان قرأ قرأ بعده بقدرهما ولا يؤخر القراءة إلى مجيئها استحبابا ويكفى إدراكها لركوعها ويكون الإمام ترك المستحب وفي الفصول: فعل مكرها ـ يعني حيث لم يقرأ شيئا بعد دخولها معه إنما أدركته ركعا ـ فإذا جلس للتشهد أتمت لنفسها أخرى وتفارقه حسما لا حكما ـ فلا تنوى مفارقته تسجد معه لسهوه لا لسهوهم ويكرر الإمام التشهد فإذا تشهدت سلم بهم لأنها مؤتمة به حكما وإن كانت الصلاة مغربا صلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة،(1/186)
ولا تتشهد معه عقبها ويصح عكسها نصا وإن كانت رباعية غير مقصورة صلى بكل طائفة ركعتين ولو صلى بطائفة ركعة وبالأخرى ثلاثا صح وتفارقه الأولى في المغرب والرباعية عند فراغ التشهد وينتظر الإمام الطائفة الثانية جالسا يكرر التشهد: فإذا أتت قام فإذا جلس للتشهد الأخير وتشهدت معه التشهد الأول كالمسبوق ثم قامت وهو جالس فاستفتحت وأتمت صلاتها فإذا تشهد سلم بهم وتتم الأولى بالحمد لله في كل ركعة والأخرى تتم بالحمد لله وسورة وإن فرقهم أربعا فصلى بكل طائفة ركعة صحت صلاة الأوليين وبطلت صلاة الإمام والأخريين إن علمتا بطلان صلاته فإن جهلتاه والإمام صحت كحدثه.
والثالث أن يصلى بطائفة ركعة ثم تمضي إلى العدو ثم بالثانية ركعة ثم تمشي ويسلم وحده ثم تأتي الأولى فتتم صلاتها بقراءة ثم تأتي الأخرى فتتم صلاتها بقراءة وهذه الصفة ليست مختارة ولو قضت الثانية ركعتها وقت مفارقة إمامها وسلمت ومضت وأتت الأولى فأتمت صح وهو الوجه الثاني وهو المختار.
الرابع ـ أن يصلي بكل طائفة صلاة ويسلم بها.
الخامس: أن يصلي الرباعية المقصورة تامة وتصلي معه كل طائفة ركعتين بلا قضاء فتكون له تامة ولهم مقصورة ولو قصر الجائز قصرها وصلى بكل طائفة ركعة بلا قضاء فمنع الاكثر صحة هذه الصفة وهو السادس.
وتصلي الجمعة في الخوف حضرا: بشرط كون كل طائفة أربعين فأكثر(1/187)
فيصلي بطائفة ركعة بعد حضورها الخطبة فإن أحرم بالتي لم تحضرها لم تصح حتى يخطب لها وتقضي كل طائف ركعة بلا جهر ويصلي استسقاء ضرورة: كالمكتوبة والكسوف والعيد آكد منه فيصليهما ويستحب له حمل سلاح في الصلاة يدفع به عن نفسه ولا يثقله: كسيف وسكين ونحوهما ما لم يمنعه إكمالها: كمغفر سابغع على الوجه: وهو زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة وماله أنف أو يثقله حمله: كجوشن وهو التنور الحديد ونحوه أو يؤذي غيره كرمح وقوس إذا كان به متوسطا فيكره فإن احتاج إلى ذلك أو كان في طرف الناس لم يكره ويجوز حمل نجس في هذه الحالة وما يخل ببعض أركان الصلاة للحاجة ولا إعادة.(1/188)
فصل وإذا اشتد الخوف صلوا وجوبا
ولا يؤخرونها رجال وركبانا إلى القبلة وغيرها يومئون إيماء على قدر الطاقة وسجودهم أخفض من ركوعهم وسواء وجد قبلها أو فيها ولو احتاج عملا كثيرا وتنعقد الجماعة نصا وتجب: لكن يعتبر إمكان المتابعة ولا يضر تأخر الإمام ولا كر ولا فر ونحوه لمصلحة ولا تلويث سلاحه بدم ولا يزول الخوف إلا بانهزام الكل ولا يلزمهم افتتاحها إلى القبلة ولو أمكنهم ولا السجود على الدابة وكذا من هرب من عدو هربا مباحا أو من سيل أو سبع ونحوه: كنار أو غريم ظالم أو خاف على نفسه أو أهله أو ماله أو ذب عنه أو عن غيره أو طلب عدو ويخاف فوته أو خاف وقت وقوف بعرفة ومن خاف(1/188)
كمينا أو مكيدة أو مكروها صلى صلاة خوف وكذلك الأسير إذا خافهم على نفسه إن صلى والمختفي في موضع يخاف أن يظهر عليه صلى كل منهما كيفما أمكنه: قائما وقاعدا ومضطجعا ومستلقيا إلى القبلة وغيرها بالإماء حضرا وسفرا ومن أمن في الصلاة أو خاف انتقل وبنى ومن صلى صلاة الخوف لسواد ظنه عدوا فلم يكن أو كان وثم مانع أعاد وإن بان أنه عدو لكن يقصد غيره أو خاف من التخلف عن الرفقة عدوا فصلى سائرا ثم بان سلامة الطريق ـ لم يعد وإن خاف هدم سورا أو طم خندق إن صلى آمنا صلى صلاة خائف ما لم يعلم خلافه وصلاة النفل منفردا يجزز فعلها كالفرض.(1/189)
باب صلاة الجمعة
مدخل
...
باب صلاة الجمعة
وهي صلاة مستقلة لعدم انعقادها بنية الظهر ممن لا تجب عليه ولجوازها قبل الزوال لا أكثر من ركعتين ولا تجمع في محل يبيح الجمع وأفضل من الظهر وفرضت بمكة قبل الهجرة وقال الشيخ: فعلت بمكة على صفة الجواز وفرضت بالمدينة انتهى وليس لمن قلدها أن يؤم في الصلوات الخمس ولا لمن قلد الصلوات الخمس أن يؤم فيها ولا من قلد أحدهما أن يؤم في عيد وكسوف واستسقاء إلا أن يقلد جميع الصلوات فتدخل في عمومها وهي فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل ذكر حر مستوطن ببناء يشمله اسم واحد ولو تفرق يسيرا فإن كان في البلد الذي تقام فيه الجمعة لزمته ولو كان بينه وبين موضعها(1/189)
فراسخ ولو لم يسمع النداء وإن كان خارج البلد كمن هو في قرية لا يبلغ عددهم ما يشترط في الجمعة أو كان مقيما في خيام ونحوها أو مسافرا دون مسافة قصر وبينه وبين موضعها من المنارة نصا أكثر من فرسخ تقريبا: لم تجب عليه وإلا لزمته بغيره إن لم يكن عذر ولا تجب على مسافر سفر قصر ما لم يكن سفره معصية فلو أقام ما يمنع القصر لشغل أو علم ونحوه ولم ينو استيطانها لزمته بغيره ولا يؤم فيها من لزمته بغيره ولا جمعة بمنى وعرفة نصا ولا على عبد ولا معتق بعضه ولو كان بينه وبين سيده مهايأة وكانت الجمعة في نوبته ولا على مكاتب ومدير ومعلق عتقه بصفة وهي أفضل في حقهم وحق المميز ومن لا تجب عليه لمرض أو سفر ـ من الظهر ولا على امرأة وخنثى ومن حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به فلا يحسب من العدد المعتبر ولا يؤم فيها ومن سقطت عنه لعذر كمرض وخوف ومطر ونحوها ـ غير سفر ـ إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به وأم فيها فلو حضرها إلى آخرها ولم يصلها أو انصرف لشغل غير دفع ضرورة ـ كان عاصيا أما لو اتصل ضرره بعد حضورها فأراد الانصراف لدفع ضرره جاز عند الوجود المسقط كالمسافر ومن صلى الظهر ممن يجب عليه حضوره الجمعة قبل صلاة الإمام أو قبل فراغها أو شك هل صلى قبل الإمام أو بعده: لم تصح صلاته وكذا لو صلى الظهر أهل بلد مع بقاء وقت الجمعة والأفضل لمن لا تجب عليه التأخير حتى يصلي الإمام فإن صلوا قبله صحت ولو زال عذرهم فإن حضروا الجمعة بعد ذلك كانت نفلا إلا(1/190)
الصبي إذا بلغ فلا يسقط فرضه ولا يكره لمن فاتته الجمعة أو لمن لم يكره من أهل وجوبها صلاة الظهر جماعة ما لم يخف فتنة فإن خاف أخفاها ولا يجوز لمن تلزمه السفر في يومها بعد الزوال حتى يصليها إلا أن يخاف فوت رفقته ويجوز قبله مع الكراهة إن لم يأت بها في طريقه فيهما.(1/191)
فصل يشترط لصحتها أربعة شروط
أحدهما: الوقت فلا تصح قبله ولا بعده وأوله أول وقت صلاة العيد نصا وتفعل فيه جوازا ورخصة وتجب الزوال وفعلها بعده أفضل وآخره آخر وقت صلاة الظهر فإن خرج وقتها قبل فعلها امتنعت الجمعة وصلوا ظهرا وإن خرج وقد صلوا ركعة أتموا جمعة وإن خرج قبل ركعة بعد التحريمة استأنفوا ظهرا والمذهب يتمونها جمعة فلو بقي من الوقت قدر الخطبتين والتحريمة أو شكوا في خروج الوقت لزمهم فعلها.
الثاني: أن تكون بقرية مجتمعة البناء بما جرت العادة بالبناء به: من حجر أو لبن أو طين أو قصب أو شجر يستوطنها أربعون بالامام من أهل وجوبها إستيطان إقامة لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء فلا تجب ولا تصح من مستوطن بغير بناء كبيوت الشعر والخيام والخراكى ونحوها ولا في بلد يسكنها أهلها بعض السنة دون بعض أو بلد فيها دون العدد المعتبر أو متفرقة بما لم بجر العادة به ولو شملها اسم واحد وإن خربت القرية أو بعضها وأهلها مقيمون بها عازمون عل إصلاحها(1/191)
فحكمها باق في إقامة الجمعة بها وإن عزموا على النقلة عنها لم تجب عليهم الجمعة لعدم الاستيطان وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء ولو بلا عذر لا فيما بعد ولا يتمم عدد من مكانين متقاربين ولا يصح تجميع كامل في ناقص مع القرب الموجب للسعي والأولى مع تتمة العدد فيهما تجميع كل قوم وإن جمعوا في مكان واحد فلا بأس فلا يشترط للجمعة المصر.
الثالث: حضور أربعين فأكثر من أهل القرية بالإمام ولو كان بعضهم خرسا أو صما لا إن كان الكل كذلك ولا تنعقد بأقل منهم وإن قرب الأصم وبعد من يسمع لم تصح ولو رأى الإمام اشتراط عدد في المأمومين فنقص عن ذلك لم يجز أن يؤمهن ولزمه استخلاف أحدهم ولو رآه المأمومون دون الإمام لم يلزم واحدا منهما فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهر نصا إن لم يمكن فعل الجمعة مرة أخرى وإن نقصوا وبقي العدد المعتبر أتموا جمعة سواء سمعوا الخطبة أو لحقوهم قبل نقصهم وإن أدرك مسبوق مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة وإن أدرك أقل من ركعة أتمها ظهرا إذا كان قد نوى الظهر ودخل وقتها وإلا انعقدت نفلا ولا يصح إتمامها جمعة وإن أحرم مع الإمام ثم زحم عن السجود أو نسيه ثم ذكر لزمه السجود على ظهر إنسان أو رجله أو متاعه ولو احتاج إلى موضع يديه وركبته لم يجز وضعهما على ظهر إنسان أو رجله فإن لم يمكنه سجد إذا زال الزحام وكذا لو تخلف لمرض أو نوم أو نسيان ونحوه فإن غلب على ظنه فوات الثانية تابع(1/192)
إمامه في ثانيته وصارت أولاه وأتمها جمعة فإن لم يتابعه عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته وإن جهله وسجد ثم أدرك الإمام في التشهد أتى بركعة أخرى بعد سلامه وصحت جمعته فإن لم يدركه حتى سلم استأنف ظهرا سواء زحم عن سجودها أو ركوعها أو عنهما إن غلب على ظنه الفوت فتابع إمامه فيها ثم طول أو غلب على ظنه عدم الفوت فسجد فبادر الإمام فركع لم يضره فيهما ولو زال عذر من أدرك ركوع الأولى وقد رفع إمامه من ركوع الثانية تابعه في السجود فتتم له ركعة ملفقة من ركعتي إمامه: يدرك بها الجمعة.
الرابع: أن يتقدمها خطبتان بعد دخول الوقت من مكلف عدل وهما بدل ركعتن من الظهر ولا بأس بقراءتهما من صحيفة ولو لمن يحسنهما: كقراءة من مصحف ومن شرط صحة كل منهما: حمد الله بلفظ الحمد لله: والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم بلفظ الصلاة ولا يجب السلام عليه مع الصلاة: وقراءة آية لو من جنب مع تحريمها ولا بأس بالزيادة عليها وقال أبو المعالي وغيره: لو قرأ آية لا تستقل بمعنى أو حكم كقوله {ثُمَّ نَظَرَ} أو {مُدْهَامَّتَانِ} لم يكف: والوصية بتقوى الله تعال قال في التلخيص: ولا يتعين لفظها وأقلها اتقوا الله وأطيعوا الله ونحوه: انتهى وموالاة بينهما وبين أجزائهما وبين الصلاة ولهذا يستحب قرب المنبر من المحراب لئلا يطول الفصل بينهما وبين الصلاة فتستحب البداءة بالحمد ثم بالثناء وهو مستحب ثم بالصلاة ثم بالموعظة فإن نكس أجزأه: والنية ورفع الصوت بحيث(1/193)
يسمع العدد المعتبر إن لم يعرض مانع فإن لم يسمعوا لخفض صوته أو بعده لم تصح وإن كان لنوم أو غفلة أو مطر ونحوه صحت وإن كانوا كلهم طرشا أو عجما وهو سميع عربي لا يفهمون قوله صحت وإن انفضوا عن الخطيب سكت فإن عادوا قريبا بنى وإن كثر التفرق عرفا أو فات ركن منها استأنف الخطبة ولا تصح الخطبة بغير العربية مع القدرة: كقراءة وتصح مع العجز: غير القراءة فإن عجز عنها وجب بدلها ذكر وحضور العدد وسائر شروط الجمعة للقدر الواجب من الخطبتين وتبطل بكلام محرم ولو يسرا ولا تشترط لهما الطهارتان ولا ستر عورة وإزالة نجاسة ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة ولا حضور النائب الخطبة وهو الذي صلى الصلاة ولم يخطب ولا أن يتولى الخطبتين واحد بل يستحب ذلك.(1/194)
فصل ويسن أن يخطب على منبر أو موضع عال
ويكون المنبر عن يمين مستقبل القبلة وإن وقف عل الأرض وقف عن يساره مستقبل القبلة بخلاف المنبر وأن يسلم على المأمومين إذا خرج عليهم وإذا أقبل عليهم ورد هذا السلام وكل سلام مشروع فرض كفاية على المسلم عليهم وابتداؤه سنة ثم يجلس إلى فراغ الأذان وأن يجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة جدا قال جماعة: بقدر سورة الإخلاص فإن أبى أو خطب جالسا فصل بسكتة ويخطب قائما ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا بإحدى يديه وبالأخرى على حرف المنبر أو يرسلها وإن لم يعتد على شيء أمسك شماله بيمينه(1/194)
أو أرسلهما عند جنبيه وسكنهما ويقصد تلقاء وجهه فلا يلتفت يمينا ولا شمالا وأن يقصر الخطبة والثانية أقصر من الأولى ويرفع صوته حسب طاقته ويعربهما بلا تمطيط ويكون متعظا بما يعظ الناس به ويستقبلهم وينحرفون إليه فيستقبلونه ويتربعون فيها وإن استدبرهم فيها كره ويدعو للمسلين ولا بأس به لمعين حتى السلطان والدعاء له مستحب في الجملة ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة ولا بأس أن يشير بإصبعه فيه ودعاؤه عقب صعوده لا أصل له وإن قرأ سجدة في أثناء الخطبة فإن شاء نزل فسجد وإن أمكنه السجود على المنبر سجد عليه وإن ترك السجود فلا حرج ويكره أن يسند الإنسان ظهره إلى القبلة ولا بأس بالحبوة نصا وبالقرفصاء وهي الجلوس على إليته رافعا ركبتيه إلى صدره مفضيا بأخمص قدميه إلى الأرض وكان الإمام أحمد يقصد هذه الجلسة ولا جلسة أخشع منها ولا يشترط لصحة الجمعة إذن الإمام فإذا فرغ من الخطبة نزل عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة ويستحب أن يكون حال صعوده على تؤدة وإذا نزل نزل مسرعا قاله ابن عقيل وغيره.(1/195)
فصل وصلاة الجمعة ركعتان يسن جهره فيهما بالقراءة
يقرأ في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين بعد الفاتحة أو بسبح ثم الغاشية فقد صح الحديث بهما وإن يقرأ في فجر يومها بألم: السجدة وفي الثانية هل أتى قال الشيخ: ويكره تحريه سجدة غيرها والسنة إكمالهما وتكره مداومتهما نصا وتكره في عشاء ليلتها بسورة الجمعة(1/195)
زاد في الرعاية والمنافقين وتجوز إقامتها في أكثر من موضع من البلد لحاجة: كضيق وخوف فتنة وبعد ونحوه فتصح السابقة واللاحقة وكذا العيد فإن حصل الغنى باثنين لم تجز الثالثة وكذا ما زاد ويحرم لغير حاجة وأذن إمام فيها أذن فإن فعلوا فجمعة الإمام التي باشرها أو أذن فيها هي الصحيحة وإن كانت مسبوقة فإن استويا في الأذن وعدمه فالثانية باطلة ولو كانت في المسجد الأعظم والأخرى في مكان لا يسع الناس أو لا يقدرون عليه لاختصاص السلطان وجنده به أو كانت المسبوقة في قصبة البلد والأخرى في أقصاه والمسبق يكون بتكبيرة الإحرام وإن وقعتا معا بطلتا وصلوا جمعة إن أمكن وإن جهلت الأولى أو جهل الحال أو علم ثم أنسي صلوا ظهرا ولو أمكن فعل الجمعة وإذا وقع عيد يوم الجمعة فصلوا العيد والظهر جاز وسقطت الجمعة عمن حضر العيد إسقاط حضور لا وجوب: كمريض ونحوه لا كمسافر وعبد والأفضل حضورها إلا الإمام فلا يسقط عنه فإن اجتمع معه العدد المعتبر أقامها وإلا صلوا ظهرا وأما من لم يصل العيد فيلزمه السعي إلى الجمعة: بلغو العدد المعتبر أو لا ثم إن بلغوا بأنفسهم أو حضر معه تمام العدد لزمتهم الجمعة وإلا تحقق عذرهم ويسقط العيد بالجمعة إن فعلت قبل الزوال أو بعده فإن فعلت بعده أعتبر العزم على الجمعة لترك صلاة العيد وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان وأكثرها ست نصا ويسن مكانه في المسجد وأن يفصل بينهما وبين(1/196)
الجمعة بكلام أو انتقال ونحوه وليس لها قبلها سنة راتبة نصا بل يستحب أربع ركعات وتقدم.(1/197)
فصل يسن أن يغتسل للجمعة
وتقدم ويتنظف بقص شاربه وتقليم أظفاره وقطع الروائح الكريهة يتطيب بما يقدر عليه ولو من طيب أهله وأن يلبس أحسن ثيابه وأفضلها البياض ويبكر إليها: غير الإمام بعد طلوع الفجر ماشيا إن لم يكن عذر فإن كان فلا بأس بركوبه ذهابا وإيابا ويجب السعي بالنداء الثاني بين يدي الخطيب لا بالأول لأنه مستحب والأفضل من مؤذن واحد ولا بأس بالزيادة إلا من بعد منزله ففي وقت يدركها إذا علم حضور العدد على أحسن هيئة بسكينة ووقار مع خشوع ويدنو من الإمام ويستقبل القبلة ويشتغل بالصلاة إلى خروج الإمام فإذا خرج خففها ولو نوى أربعا صلى ركعتين ويحرم ابتداء نافلة إذن غير تحية مسجد والذكر وأفضله قراءة القرآن وسورة الكهف في يومها وليلتها ويكثر الدعاء في يومها رجاء إصابة ساعة الإجابة وأرجاها آخر ساعة من النهار يكون متطهرا منتظرا صلاة المغرب فإن من انتظر الصلاة فهو في صلاة ويكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويكره أن يتخطى رقاب الناس: إلا أن يكون إماما فلا للحاجة أو يرى فرجة لا يصل إليها إلا به ويحرم أن يقيم غيره فيجلس مكانه ولو عبده أو ولده الكبير أو كانت عادته الصلاة فيه حتى المعلم ونحوه: إلا الصغير وقواعد المذهب تقتضي عدم الصحة إلا من جلس بموضع يحفظه(1/197)
له بإذنه أو دونه ويكره إيثاره بمكانه الأفضل كالصف الأول ونحوه لا قبوله فلو آثر زيدا فسبقه إليه عمرو حرم وإن وجد مصلي مفروشا فليس له رفعه: ما لم تحضر الصلاة ولا الجلوس ولا الصلاة عليه فله فرشه ومنع منه الشيخ لتحجره مكانا من المسجد ومن قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه قريبا فهو أحق به: ما لم يكن صبيا قام في صف فاضل أو في وسط الصف فإن لم يصل إليه إلا بالتخطي جاز: كالفرجة وتكره الصلاة في المقصورة التي تحمى نصا ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين موجزتين تحية المسجد إن كان في مسجد ولم يخف فوت تكبيرة الإحرام مع الإمام ولا تجوز الزيادة عليهما وتسن تحية المسجد ركعتان فأكثر لكل من دخله قصد الجلوس أو لا غير خطيب دخل فلها وقيمه لتكرار دخوله وداخله لصلاة عيد أو والإمام في مكتوبة أو بعد الشروع في الإقامة وداخل المسجد الحرام وتجزئ راتبة وفريضة ولو فائتتين عنها وإن نوى التحية والفرض فظاهر كلامهم حصولهما فإن جلس قبيل فعلها قام فأتى بها إن لم يطل الفصل ولا تحصل بأقل من ركعتين ولا بصلاة جنازة وتقدم إذا دخل وهو يؤذن ويحرم الكلام في الخطبتين والإمام يخطب ولو كان غير عدل إن كان منه بحيث يسمعه ولو في حالة تنفسه لأنه في حكم الخطبة: إلا له أو لمن كلمه لمصلحة ولا بأس به قبلهما وبعدهما نصا وبين الخطبتين إذا سكت وليس له تسكيت من تكلم بكلام بل بإشارة فيضع إصبعه على فيه ويجب لتحذير ضرير وغافل عن بئر وهلكة(1/198)
ومن يخاف عليه نارا أو حية ونحوه ويباح إذا شرع في الدعاء ولو في دعاء غير مشروع وتباح الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر سرا: كالدعاء اتفاقا قاله الشيخ وقال: رفع الصوت قدام بعض الخطباء مكروه أو محرم اتفقا ولا يرفع المؤذن ولا غيره صوته بصلاة ولا غيرها ولا يسلم من دخل ويجوز تأمينه على الدعاء وحمده خفية إذا عطس نصا وتشميت عاطس ورد سلام نطقا وإشارة أخرس مفهومة: ككلام ويجوز لمن بعد عن الخطيب ولو يسمعه الاشتغال بالقراءة والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خفية وفعله أفضل نصا فيسجد للتلاوة وليس له أن يرفع صوته ولا إقراء القرآن ولا المذاكرة في الفقه ولا أن يصلي أو يجلس في حلقة ولا يتصدق على سائل وقت الخطبة لأنه فعل ما لا يجوز فلا يعينه قال أحمد: وإن حصب السائل كان أعجب إلي ولا يناوله فإن سأل قبلها ثم جلس لها جاز وله الصدقة على من لم يسأل وعلى من سألها الإمام له والصدقة على باب المسجد عند دخوله أو خروجه أولى ويكره العبث حال الخطبة وكذا الشرب: ما لم يشتد عطشه ومن نعس سن انتقاله من مكانه إن لم يتخط ولا بأس بشراء ماء الطهارة بعد آذان الجمعة أو سترة وتأتي أحكام البيع بعد النداء.(1/199)
باب صلاة العيدين
وهي فرض كفاية إن تركها أهل بلد قاتلهم الإمام وكره أن ينصرف(1/199)
من حضر ويتركها ووقتها كصلاة الضحى: لا بطلوع الشمس فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال أو أخروها لغير عذر خرج من الغد فصلى بهم قضاء ولو أمكن في يومها وكذا لو مضى أيام ويسن تقديم صلاة الأضحى ـ بحيث يوافق من بمنى في ذبحهم وتأخير صلاة الفطر والأكل فيه قبل الخروج إليها تمرات وترا وهو آكد من الإمساك في الأضحى والإمساك في الأضحى حتى يصلي ليأكل من أضحيته والأولى من كبدها إن كان يضحي والأخير ويسن الغسل للعيد في يومها وتبكير مأمون إليها بعد صلاة الصبح ماشيا إن لم يكن عذر ودنوه من الإمام وتأخر إمام إلى الصلاة ولا بأس بالركوب في العود على أحسن هيئة من لبس وتطيب ونحوه والإمام بذلك آكد غير معتكف فإنه يخرج في ثياب اعتكافه ولو الإمام وإن كان المعتكف فرغ من اعتكافه قبل ليلة العيد استحب له المبيت ليلة العيد في المسجد والخروج منه إلى المصلى والتوسعة على الأهل والصدقة وإذا غدا من طريق سن رجوعه في أخرى وكذا جمعة ويشترط لوجوبها شروط الجمعة ولصحتها استيطان وعدد الجمعة: لا إذن إمام فلا تقام إلا حيث تقام ويفعلها المسافر والعبد والمرأة والمنفرد تبعا لكن يستحب أن يقضيها من فاتته: كما يأتي ولا بأس بحضورها النساء: غير مطيبات ولا لابسات ثياب زينة أو شهرة ويعتزلهن الرجال ويعتزل الحيض المصلى بحيث يسمعن وتسن في صحراء قريبة عرفا ويستحب للإمام أن يستخلف من يصلي الناس في المسجد ويخطب بهم إن شاءوا وهو المستحب والأولى إلا يصلوا قبل(1/200)
الإمام وأن يصلوا قبله فلا بأس وأيهما سبق سقط الفرض به وجازت التضحية وتنويه المسبوقة نفلا وتكره في الجامع بلا عذر: إلا بمكة فتسن في المسجد ويبدأ بالصلاة قبل الخطبة فلو خطب قبل الصلاة لم يعتد بها فيصلي ركعتين يكبر تكبيرة الإحرام ثم يستفتح ثم يكبر ستا زوائد قبل التعوذ ثم يتعوذ عقب السادسة بلا ذكر ثم يشرع في القراءة ويكبر في الثانية بعد قيامة من السجود وقبل قراءتها خمسا زوائد يرفع يديه مع كل تكبيرة ويقول بين كل تكبيرتين: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا وإن أحب قال غيره إذ ليس فيه ذكر مؤقت ولا يأتي بعد التكبيرة الأخيرة في الركعتين بذكر وإن نسي التكبير أو شيئا منه حتى شرع في القراءة لم يعد إليه وكذا إن أدرك الإمام قائما بعد التكبير الزائد أو بعضه ولم يأت به ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة بسبح وفي الثانية بالغاشية ويجهر بالقراءة فإذا سلم خطبهم خطبتين يجلس بينهما ويجلس بعد صعوده المنبر قبلهما يستريح وحكمهما كخطبة الجمعة حتى في الكلام إلا التكبير مع الخاطب ويسن أن يفتتح الأولى قائما بتسع تكبيرات متواليات والثانية بسبع كذلك يحثهم في خطبة الفطر على الصدقة ويبين لهم ما يخرجون وعلى من تجب وإلى من تدفع ويرغبهم في الأضحية في الأضحى ويبن لهم حكمها والتكبيرات الزوائد والذكر بينها والخطبتان سنة لا يجب حضورها ولا استماعهما ويكره التنفل في موضعها قبلها وبعدها وقضاء فائتة قبل مفارقته إماما كان أو مأموما في صحراء(1/201)
فعلت أو في مسجد ولا بأس به إذا خرج أو فارقه ثم عاد إليه نصا ومن كبر قبل سلام الإمام صلى ما فاته على صفته ويكبر مسبوق ولو بنوم أو غفلة في قضاء بمذهبه لا بمذهب إمامه وإن فاتته الصلاة سن قضاؤها فإن أدركه في الخطبة جلس فسمعها ثم صلاها متى شاء قبل الزوال أو بعده على صفتها ولو منفردا لأنها صارت تطوعا ويسن التكبير المطلق في العيدين وإظهاره في المساجد والمنازل والطرق حضرا وسفرا في كل موضع يجوز فيه ذكر الله والجهر به لغير أنثى في حق كل من كان من أهل الصلاة من مميز وبالغ حرا أو عبدا ذكرا أو أنثى من أهل القرى والأمصار ويتأكد من ابتداء ليلتي العيدين وفي الخروج إليهما إلى فراغ الخطبة فيهما ثم يقطع وهو في الفطر آكد نصا ولا يكبر فيه إدبار الصلوات وفي الأضحى يبتدئ المطلق من ابتداء عشر ذي الحجة ولو لم ير بهيمة الأنعام إلى فراغ الخطبة يوم النحر والمقيد فيه يكثر من صلاة فجر يوم عرفة إن كان محلا وإن كان محرما فمن صلاة ظهر يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق فيهما فلو رمى جمرة العقبة قبل الفجر فعموم كلامهم يقتضي أنه لا فرق حملا على الغالب يؤيده لو أخر الرمي إلى بعد صلاة الظهر فإنه يجتمع في حقه التكبير والتلبية فيبدأ بالتكبير ثم يلي نصا ومن كان عليه سجود سهو أتى به ثم كبر عقب كل فريضة في جماعة وأنثى كذكر ومسافر كمقيم ولو لم يأتم بمقيم ويكبر مأموم نسية إمامه ومسبوق بعد قضائه ومن قضى فيها فائتة من أيامها أو من غير أيامها(1/202)
في عامه لا بعد أيامها لأنها سنة فات محلها ولا يكبر عقب نافلة ولا من صلى وحده ويأتي به الإمام مستقبل الناس وأيام العشر: الأيام المعلومات وأيام التشريق: الأيام المعدودات وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر يليه ومن نسي التكبير قضاه ولو بعد كلامه مكانه فإن قام أو ذهب عاد فجلس ثم كبر وإن قضاه ماشيا فل بأس: ما لم يحدث أو يخرج من المسجد أو يطل الفصل ولا يكبر عقب صلاة عيد الأضحى: كالفطر وصفة التكبير شفعا: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ويجزى مرة واحدة وإن زاد فلا بأس وإن كرره ثلاثا فحسن ولا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضا بما هو مستفيض بينهم من الأدعية ومن بعد الفراغ من الخطبة قوله لغيره: يقبل الله منا ومنك: كالجواب وبتعريفه عشية عرفة بالأمصار من غير تلبية ويستحب الاجتهاد في عمل الخير أيام عشر ذي الحجة من الذكر والصيام والصدقة وسائر أعمال البر لأنها أفضل الأيام.(1/203)
باب صلاة الكسوف
وهو ذهاب ضوء أحد النيرين أو بعضه وإذا كسف أحدهما فزعوا إلى الصلاة وهي سنة مؤكدة حضرا وسفرا حتى للنساء وللصبيان حضورها ووقتها من حين الكسوف إلى حين التجلي جماعة وفرادى ويسن أيضا ذكر الله والدعاء والاستغفار والتكبير والصدقة والعتق والتقرب إلى الله تعالى بما استطاع والغسل لها وفعلها(1/203)
جماعة في المسجد الذي تقام فيه الجمعة أفضل ولا يشترط لها إذن ولا الاستسقاء: كصلاتهما منفردا1 ولا خطبة لها وإن فاتت لم تقض: كصلاة الاستسقاء وتحية المسجد وسجود الشكر ولا تعاد إن صليت ولو ينجل بل يذكر الله ويدعوه ويستغفره حتى ينجلي وينادي لها: الصلاة جامعة ندبا ويجزئ قول: الصلاة فقط ثم يصلي ركعتين ويقرأ في الأولى بعد الاستفتاح والتعوذ: الفاتحة ثم بالبقرة أو قدرها جهرا ولو في كسوف شمس ثم يركع ركوعا طويلا فيسبح قال جماعة: نحو مائة آية ثم يرفع فيسمع ويحمد ثم يقرأ الفاتحة ودون القراءة الأولى ثم يركع فيطيل وهو دون الركوع الأول نسبته إلى القراءة كنسبة الأول منها2 ثم يرفع ولا يطيل اعتداله ثم يسجد سجدتين طويلتين ولا تجوز الزيادة عليها لأنه لم يرد ولا يطيل الجلوس بينهما ثم يقوم إلى الثانية فيفعل مثل ذلك من الركوعين وغيرها لكن يكون دون الأول في كل ما يفعله فيها ومهما قرأ به جاز ثم يتشهد ويسلم وإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة
__________
1 يريد أن ينبه على أن صلاة الكسوف والاستسقاء جماعة لا تتوقفان على إذن الإمام كما تتوقف عليه صلاة الجمعة عند تعدد المساجد. بل الأمر في الجماعة في هاتين الصلاتين كما هو لو أديتا في غير جماعة حيث لا حاجة إلى الإذن في النفل.
2 يعني أن نسبة الركوع الثاني إلى قراءته كنسبة الركوع الأول إلى قراءته فإذا عرفت أن القراءة كانت في الأول بالبقرة وأن الركوع كان مقدرا قراءة مائة آية عرفت لأن القراءة الثانية تكون بمثل آل عمران وأن الركوع فيها يكون بالتسبيح مقدار سبعين آية وبهذين قال بعض علماء المذهب.(1/204)
على صفتها وإن شك في التجلي أتمها من غير تخفيف فيعمل بالأصل في بقائه ووجوده وإن تجلى السحاب عن بعضها فراوه صافيا صلوا وإن تجلى قبلها أو غابت الشمس كاسفة أو طلعت أو الفجر والقمر خاسف لم يصل ولا عبرة بقول المنجمين ولا يجوز العمل به وإن وقع في وقت نهي دعا وذكر بلا صلاة ويجوز فعلها على كل صفة وردت: إن شاء أتى في كل ركعة بركوعين كما تقدم وهو الأفضل وإن شاء بثلاث أو أربع أو خمس! وإن شاء فعلها كنافلة والركوع الثاني وما بعده سنة لا تدرك به الركعة وإن اجتمع مع كسوف جنازة قدمت فتقدم على ما يقدم عليه ولو مكتوبة ونصه على فجر وعصر فقط وتقدم على جمعة إن أمن فوتها ولم يشرع في خطبتها وكذا على عيد ومكتوبة إن أمن الفوت وعلى وتر ولو خيف فوته ومع تراويح وتعذر فعلهما تقدم التراويح ولا يمكن كسوف الشمس إلا في الاستسرار آخر الشهر إذا اجتمع النيران قال بعضهم: في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين ولا خسوف القمر إلا في الإبدار: وهو إذا تقابلا قال الشيخ: أجرى الله العادة أن الشمس لا تنكسف إلا وقت الاستسرار وأن القمر لا ينخسف إلا وقت الإبدار وقال: من قال الفقهاء أن الشمس تنخسف في غير وقت الاستسرار فقد غلط وقال: ما ليس له به علم وخطأ الواقدي في قوله: إن إبراهيم مات يوم العاشر وهو الذي انكسفت فيه الشمس وهو كما قال الشيخ: فعلى هذا يستحيل كسوف الشمس وهو بعرفة ويوم العيد ولا يمكن أن يغيب القمر ليلا وهو(1/205)
خاسف والله أعلم ولا يصلي لشيء من سائر الآيات: كالصواعق والريح الشديدة والظلمة بالنهار والضياء بالليل إلا الزلزلة الدائمة فيصلي لها كصلاة الكسوف.(1/206)
باب صلاة الاستسقاء
وهو الدعاء بطلب السقيا على صفة مخصوصة وهي سنة مؤكدة حضرا وسفرا فإذا أجدبت الأرض: وهو ضد الخصب وقحط المطر وهو احتباسه: لا عن أرض غير مسكونة ولا مسلوكة ـ فزع الناس إلى الصلاة حتى ولو كان القحط في غير أرضهم أو غار ماء عيون وضر ذلك ولو نذر الإمام الاستسقاء زمن الجدب وحده أو هو والناس لزمه في نفسه والصلاة1 وليس له أن يلزم غيره بالخروج معه وإن نذر غير الإمام انعقد أيضا وإن نذره زمن الخصب لم ينعقد وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد ويسن فعلها أول النهار وقت صلاة العيد ولا تتقيد بزوال الشمس ويقرأ فيها بما يقرأ به في صلاة العيد وإن شاء بـ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً} وسورة أخرى2 وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم وأداء الحقوق والصيام قال جماعة: ثلاثة أيام يخرجن في آخرها صياما ولا يلزمهم الصيام بأمره: والصدقة وترك التشاحن ويعدهم يوما يخرجون فيه ويتنظف لها بالغسل والسواك وإزالة الرائحة
__________
1 قوله: والصلاة معطوف على ضمير الاستسقاء المستتر في لزمه.
2 يريد في الركعة الثانية.(1/206)
ولا يتطيب ويخرج إلى المصلى متواضعا في ثياب بذلة متخشعا متذللا متضرعا ويستحب أن يخرج معه أهل الدين والصلاح والشيوخ وكذا مميز الصبيان ويباح خروج أطفال وعجائز وبهائم ويؤمر سادة العبيد بإخراج عبيدهم ويكره من النساء ذوات الهيئات ويكره لنا أن نخرج أهل الذمة ومن يخالف دين الإسلام وإن خرجوا من تلقاء أنفسهم لم يكره ولم يمنعوا وأمروا بالانفراد عن المسلمين فلا يختلطون بهم ولا ينفردون بيوم وحكم نسائهم ورقيهم وصبيانهم وعجائزهم حكمهم ولا تخرج منهم شابة: كالمسلمين فيصلي بهم ثم يخطب خطبة واحدة يجلس قبلها إذا صعد المنبر جلسة الاستراحة ثم يفتتحها بالتكبير تسعا ويكثر فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار وقراءة آية فيها الامر به: كقوله {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} ونحوه ويسن رفع يديه وقت الدعاء وتكون ظهورهما نحو السماء فيدعو قائما ويكثر منه ويؤمن مأموم ويرفع يديه جالسا وأي شيء دعا به جاز والأفضل بالوارد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومنه " للهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا عاما طبقا دائما نافعا غير ضار عاجلا غير آجل اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق اللهم إن بالعباد والبلاد من اللاواء والجهد والضنك مالا نشكو إلا إليك اللهم انبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع(1/207)
واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك اللهم ارفع عنا الجوع والجهد والعرى واكشف عنا من البلاء مالا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا " ويؤمنون ويستحب أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة ثم يحول رداءه فيجعل ما على الأيمن على الأيسر وما على الأيسر على الأيمن ويفعل الناس كذلك ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم ويدعو سرا حال استقبال القبلة فيقول: اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد فإذا فرغ من الدعاء استقبلهم ثم حثهم على الصدقة والخير ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويقرا ما تيسر ثم يقول: أستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين وقد تمت الخطبة فإن سقوا وإلا عادوا في اليوم الثاني والثالث وألحوا في الدعاء وإن سقوا قبل خروجهم وكانوا قد تأهبوا للخروج خرجوا وصلوا شكرا وإلا لم يخرجوا وشكروا لله وسألوه المزيد من فضله وإن سقوا بعد خروجهم صلوا وينادى لها الصلاة جامعة ولا تشترط لها إذن الإمام في الخروج ولا في الصلاة ولا في الخطبة ولا بأس بالتوسل بالصالحين ونصه بالنبي صلى الله عليه وسلم وإن استقوا عقب صلواتهم أو في خطبة الجمعة أصابوا السنة1 ويستحب أن يقف في أول
__________
1 يشير إلى أن الاستسقاء المسنون على ثلاثة هيئات إحداها ما تقدم وصفها- والثانية في خطبة الجمعة – والثالثة عقب الصلوات المفروضة.(1/208)
المطر ويخرج رحله وثيابه ليصيبها وهو الاستمطار ويغتسل في الوادي إذا سال ويتوضأ اللهم صيبا نافعا وإذا زادت المياه لكثرة المطر فخيف منها استحب أن يقول: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية1 ومنابت الشجر {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ـ الآية وكذلك إذا زاد ماء النبع بحيث يضر استحب لهم أن يدعوا الله تعالى أن يخففه عنهم ويصرفه إلى أماكن ينفع ولا يضر ويستحب الدعاء عند نزول الغيث وأن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته ويحرم بنوء كذا2 وإضافة المطر إلى دون الله اعتقادا كفر إجماعا ولا يكره في نوء كذا ولم يقل برحمة الله ومن رأى سحابا أو هبت الريح سأل الله خيره وتعوذ من شره ولا يسب الريح إذا عصفت بل يقول اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياجا ولا تجعلها ريحا ويقول إذا سمع صوت الرعد والصواعق: اللهم لا تقتلننا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويقول إذا انقض الكوكب: ما شاء الله لا قوة إلا بالله وإذا سمع صياح الديكة سأل الله من فضله وورد في الأثر أن قوس قزح أمان
__________
1 الضراب هي الروابي والآكام هي صغار الجبال وبطون الأودية: المنخفضات.
2 النوء هو النجم. والمراد هنا حرمة إسناد المطر إلى غير الله كما وضحه.(1/209)
لأهل الأرض من الغرق وهو من آيات الله قال ابن حامد: ودعوى العامة إن غلبت حمرته كانت الفتن والدماء وإن غلت خضرته كانتا رخاء وسروا ـ هذيان.(1/210)
كتاب الجنائز
مدخل
...
كتاب الجنائز
ترك الدواء أفضل ولا يجب ولو ظن نفعه ويحرم بسم فإن كان الدواء مسموما وغلب منه السلامة ورجى نفعه أبيح لدفع ما هو أعظم منه: كغيره من الأدوية ولا بأس بالحمية ويحرم بمحرم أكلا وشربا وكذا صوت ملهاة وغيره ولو أمره أبوه بشرب دواء بخمر وقال: أمك طالق ثلاثا إن لم تشربه حرم شربه وتحرم التميمة: وهو عوذة أو خرزة أو خيط ونحوه يتعلقها ولا بأس بكتب قرآن وذكر في إناء ثم يسقي فيه مريض وحامل لعسر الولد ويسن الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له وعيادة المريض ونصه: غير المبتدع ومثله من جهر بالمعصية من أول مرضه وقال ابن حمدان: عيادته فرض كفاية قال الشيخ: الذي يقتضيه النص وجوب ذلك واختار جمع والمراد مرة وظاهره ولو من وجع ضرس ورمد ودمل خلافا لأبي المعالي بن المنجا وتحرم بعيادة الذمي ويأتي ويسأله عن حاله وينفس له في الأجل بما يطيب نفسه ولا يطيل الجلوس عنده وتكره وسط النهار نصا وقال: يعاد بكرة وعشيا وفي رمضان ليلا قال جماعة:(1/210)
ويغب بها ويخبر المريض بما يجده ولو لغير طبيب وبلا شكوى بعد أن يحمد الله ويستحب له أن يصبر والصبر الجميل صبر بلا شكوى إلى المخلوق والشكوى إلى الخالق لا تنافيه بل مطلوبة ويحسن ظنه بربه قال بعضهم: وجوبا ويغلب الرجاء ونصه يكون خوفه ورجاؤه واحد فأيهما غلب صاحبه هلك قال الشيخ: هذا العدل ويكره الأنين وتمني الموت لضر نزل به ولا يكره لضرر بدينه وتمني الشهادة ليس من تمنى الموت المنهي عنه ذكره في الهدى ويذكره التوبة والوصية والخروج من المظالم ويرغب في ذلك ولو كان مرضه غير مخوف ويدعو بالصلاح والعافية ولا بأس بوضع يده عليه وبرقاه ويقول في دعائه: أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ويقول: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك سبع مرات فإذا نزل به سن أن يليه أرفق أهله به وأعرفهم بمداراته وأتقاهم لله ويتعاهد بل حلقه بماء أو شراب ويندي شفتيه بقطنة ويلقنه قول: لا إله إلا الله مرة فإن لم يجب أو تكلم بعدها أعاد تلقينه بلطف ومداراة وقال أبو المعالي: يكره تلقين الورثة للمحتضر بلا عذر ويسن أن يقرأ عنده يس والفاتحة وتوجيهه إلى القبلة قبل النزول به وتيقن موته وبعده وعلى جنبه الأيمن إن كان المكان واسعا أفضل وإلا على ظهره وعنه مستلقيا على قفاه اختاره الأكثر قال جماعة: يرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء واستحب الموفق والشارح تطهير ثيابه قبيل موته فإذا مات سن(1/211)
تغميض عينه ويكره من جنب وحائض وأن يقرباه وللرجل أن يغمض ذات محرمه وتغمض ذا محرمها ويقول: بسم الله وعلى وفاة رسول الله ولا يتكلم من حضره إلا بخير ويشد لحييه ويلين مفاصله عقب موته بإلصاق ذراعيه بعضديه ثم يعيدهما وإلصاق ساقيه فخذيه وفخذيه ببطنه ثم يعيدها فإن شق ذلك عليه تركه وينزع ثيابه ويسجى بثوب أو يجعل على بطنه مرآة من حديد أو طين ونحوه متوجها على جنبه الأيمن منحدرا نحو رجليه ولا يدعه على الأرض ويجب أن يسارع في قضاء دينه وما فيه إبراء ذمته من إخراج كفارة وحج نذر وغير ذلك ويسن تفريق وصيته كل ذلك قبل الصلاة عليه فإن تعذر إيفاء دينه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل به عنه ويسن الإسراع في تجهيزه إن مات غير فجأة ولا بأس أن ينتظر به من يحضره من ولي وكثرة جمع إن كان قريبا: ما لم يخشى عليه أو يشق على الحاضرين وفي موت فجأة بصعقة أو هدم أو خوف من حرب أو سبع أو ترد من جبل أو غير ذلك وفيما إذا شك في موته حتى يعلم بانخساف صدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه وارتخاء رجليه وغيبوبة سواد عينه في البالغين وهو أقواها لاحتمال أن يكون عرض له سكتة ونحوها وقد يفيق بعد ثلاثة أيام ولياليها وقد يعرف موت غيره بهذه العلامات أيضا وغيرها يكره النعي: وهو النداء بموه ولا بأس أن يعلم به أقاربه وإخوانه من غير نداء قال الآجري فيمن عمان عشية: يكره في بيت وحده بل يبيب معه أهله ولا بأس بتقبيله والنظر إليه ولو بعد تكفينه.(1/212)
فصل غسل الميت المسلم وتكفينه والصلاة عليه
ودفنه متوجها إلى القبلة وحمله فرض كفاية ويكره أخذ أجرة على شيء من ذلك ويأتي فلو دفن قبل الغسل من أمكن غسله لزم نبشه إن لم يخف تفسخه أو تغيره ومثله من دفن غير متوجه إلى القبلة أو قبل الصلاة عليه أو قبل تكفينه ولو كفن بحرير فالأولى عدم نبشه1 ويجوز نبشه لغرض صحيح: كتحسين كفنه ودفنه في بقعة خير من بقعته ومجاورة صالح: إلا الشهيد حتى لو نقل رد إله لأن دفنه في مصرعه سنة ويأتي وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه ويجوز نبشه إذا دفن لعذر بلا غسل ولا حنوط وكأفراد في قبر عمن دفن معه والحائض والجنب إذا ماتا كغيرهما في الغسل يسقط غسلهما بغسل الموت ويشترط له ماء طهور وإسلام غاسل ونيته وعقله ويستحب أن يكون ثقة أمينا عارفا بأحكام الغسل ولو جنبا وحائضا من غير كراهة وإن حضره مسلم ونوى غسله وأمر كافرا بمباشرة غسله فغسله نائبا عنه فظاهر كلام أحمد لا يصح وقدم في الفروع الصحة ويجوز أن يغسل حلال محرما وعكسه: لكن لا يكفنه لأجل الطيب إن كان ويكره ويصح من مميز وأولى الناس بغسل الميت وصية إن كان عدلا ثم أبوه وإن علا ثم ابنه وإن نزل ثم الأقرب فالأقرب من عصباته نسبا ثم نعمة ثم ذوو أرحامه: كميراث ثم الأجانب ويقدم
__________
1 الدفن في الحرير حرام كما سيأتي، ولكن لو دفن الميت المكفن فلا ينبش احتراما للميت.(1/213)
الأصدقاء منهم ثم غيرهم: الأدين الأعراف الأحرار في الجميع والأجانب أولى من زوجته وهي أولى من أم ولد وأجنبية أولى من وزج وسيد والسيد أحق بغسل عبده ويأتي ولا حق للقاتل في غسل المقتول إن لم يرثه: عمدا كان القتل أو خطأ ولا في الصلاة والدفن وغسل المرأة أحق الناس به بعد وصيتها على ما سبق أمها وإن علت ثم بنتها وإن نزلت ثم القربى فالقربى كميراث ويقدم منهن من يقدم من الرجال وعمتها وخالتها سوءا: كبنت أخيها وبنت أختها ثم الأجنبيات ولكل واحد من الزوجين إن لم تكن الزوجة ذمية غسل صاحبه ولو قبل الدخول ولو وضعت عقب موته أو بعد طلاق رجعي: ما لم تتزوج لا من إبانها ولو في مرض موته وينظر من غسل منهما صاحبه غير العورة وسيد وأمته: وطئها أو لا وأم ولده: كالزوجين ويغسل مكاتبته ولو لم يشترط وطأها وتغسله إن شركه وإلا فلا ولا يغسل أمته المزوجة ولا المعتدة من وزج ولا المعتق بعضها ولا من هي في استبراء واجب ولا تغسله وإن مات له أقارب بدفعة واحدة بهدم ونحوه ولم يمكن تجهيزهم دفعة واحدة استحب أن يبدأ بالأخوف فالأخوف فإن استووا بدأ بالأب ثم بالابن ثم بالأقرب فلأقرب فإن استووا كالإخوة والأعمام قدم أفضلهم ثم أسنهم ثم بقرعة ولرجل وامرأة غسل من له دون سبع سنين ولو بلحظة ومس عورته ونظرها وليس له غسل ابنة سبع فأكثر ولو محرما ولا لها غسل ابن سبع ولو محرما: غير من تقدم فيهما وإن مات رجل بين نسوة لا رجل معهن أو عكسه ممن لا يباح(1/214)
لهم غسله أو خنثى مشكل- يمم بحائل ويحرم بدونه لغير محرم ورجل أولى بتميم خنثى مشكل إن كانت له أمة غسلته.(1/215)
فصل وإذا أخذ في غسله ستر عورته وجوبا
لا من له دون سبع ثم جرده من ثيابه ندبا: إلا النبي صلى الله عليه وسلم ولو غسله في قميص خفيف واسع الكمين جاز وستره عن العيون تحت ستر أو سقف ونحوه ويكره النظر إليه لغير حاجة حتى الغاسل فلا ينظر إلا ما لا بد منه ـ قال ابن عقيل: لأن جميعه صار عورة فلهذا شرع ستر جميعه ـ انتهى وأن يحضره غير من يعين في غسله: الأولية فله الدخول عليه كيف شاء ولا يغطي وجهه ويستحب خضب لحية رجل ورأس امرأة ولو غير شائبين بحناء ثم يرفع رأسه برفق في أول غسله إلى قريب من جلوسه ولا يشق عليه ويعصر بطن غير حامل بيده عصرا رفيقا ويكثر صب الماء حينئذ ويكون ثم بخور ثم يلف على يديه خرقة خشنة أو يدخلها في كيس فينجي بها أحد فرجيه ثم ثانية للفرج الثاني ولا يحل مس عورة من له سبع سنين فأكثر ولا النظر إليها ويستحب إلا يمس سائر بدنه إلا بخرقة ولا يجب فعل الغسل فلو ترك تحت ميزاب ونحوه وحضر أهل لغسله ونوى ومضى زمن يمكن غسله فيه صح ثم ينوي غسله نيته فرض وكذا تعميم بدنه به ثم يسمي وحكمها حكم تسمية وضوء وغسل حي ثم يغسل كفيه ويعتبر غسل ما عليه من نجاسة ولا يكفي مسحها ولا وصول الماء إليها ويستحب أن يدخل أصبعيه السبابة والإبهام عليهما خرقة خشنة مبلولة بالماء(1/215)
بين شفتيه فيمسح أسنانه ومنخريه وينظفهما ولا يدخله فيها ويتبع ما تحت أظفاره بعود إن لم يمكن قلمها ويسن للغاسل أن يوضئه في أول غسلاته: كوضوء حدث: ما خلا المضمضة والاستنشاق: إن لم يخرج منه شيء فإن خرج أعيد وضوئه ويأتي حكم غسله ويجزئ غسله مرة وكذا لو نوى وسمى وغمسه في ماء كثير مرة واحدة ويكره الاقتصار عليها ويسن ضرب سدر ونحوه فيغسل برغوته رأسه ولحيته فقط وبدنة بالثفل ويقوم الخطمي ونحوه مقام السدر ويكون السدر في كل غسلة ويسن تيامنه فيغسل شقه الأيمن من نحو رأسه إلى نحو رجليه يبدأ بصفحة عنقه ثم إلى الكتف ثم إلى الرجل الأيسر كذلك ويقلبه على جنبه مع غسل شفتيه فيرفع جانبه الأيمن ويغسل ظهره ووركه وفخذه ويفعل بجانبه الأيسر كذلك ولا يكبه على وجهه ثم يفيض الماء القراح على جميع بدنه فيكون ذلك غسلة واحدة يجمع فيها بين السدر والماء القراح يفعل ذلك ثلاثا: إلا أن الوضوء في الأولى فقط يمر في كل مرة يده على بطنه فإن لم ينق بالثلاث غسله إلى سبع فإن لم ينق بسبع فالأولى غسله حتى ينقى ويقطع على وتر من غير إعادة وضوء وإن خرج من شيء من السبيلين أو غيرهما بعد السبع غسلت النجاسة ووضئ ولا غسل: لكن يحشوه بالقطن أو يلجم به كما تفعل المستحاضة فإن لم يمسكه ذلك حشي بالطين الحر الذي له قوة يمسك المحل ولا يكره حشو المحل إن لم يستمسك(1/216)
وإن خيف خروج شيء من منافذ وجهه فلا بأس أن يحشى بقطن وإن خرج منه شيء بعد وضعه في أكفانه ولفها عليه حمل ولم يعد غسل ولا وضوء: سواء كان في السابعة أو قبلها ويسن أن يجعل في الأخيرة كافورا وسدرا وغسله بالماء البارد أفضل ولا بأس بغسله بماء حار وخلال والأولى أن يكون من شجرة لينة: كالصفصاف ونحوه مما ينقي ولا يجرح وإن جعل على رأسه قطنا فحسن ويزيل ما بأنفه وصماخيه من أذى فاشنان إن احتيج إليهن1 وإلا كره في الكل وإن كان الميت شيخا أو به حدب أو نحو ذلك وأمكن تمديده بالتليين والماء الحار فعل ذلك وإن لم يمكن إلا بعسف ـ تركه بحاله فإن كان على صفة لا يمكن تركه على النعش إلا على وجه يشهر بالمثلة ترك في تابوت أو تحت مكبة: كما يصنع بالمرأة ويأتي في يفصل الحمل ولا بأس بغسله في حمام وبمخاطبته له حال غسله نحو: انقلب يرحمك الله ولا يغتسل غاسل بفضل ما سخن له فإن لم يجد غيره تركه حتى يبرد ويقص شارب غير محرم ويقلم أظفاره إن طالا ويأخذ شعر إبطيه ويجعل ذلك معه كعضو ساقط ويعاد غسله لأنه جزء منه كعضو والمراد يستحب وإن كان الميت مقطوع الرأس أو أعضاءه مقطعة لفق بعضها إلى بعض بالتقميط والطين الحر حتى لا يتبين تشويهه فإن فقد منها شيء لم يجعل له شكل من طين ولا غيره وإن كان في أسنانه شيء يتحرك وخيف سقوطه ترك ولم ينزع ونص أنه يربط بذهب فإن سقط لم يربط به ويؤخذ إن لم يسقط ويحرم حلق شعر عانته ورأسه،
__________
1 الضمير في قول: إليهن راجع إلى المذكورات من الماء الحار والخلال والاشتان. الخ.(1/217)
وخنته ولا يسرح شعره قال القاضي: يكره ويبقى عظم نجس جبر به مع مثلة وتزال اللصوق لغسل واجب فيغسل ما تحتها فإن خيف من قلعها مثلة مسح عيها ولا يبقى خاتم ونحوه ولو ببردة: كحلقة في أذن امرأة لا أنف ذهب ويأتي آخر الباب ويسن ضفر المرأة ثلاثة قرون أي ضفائرها: قرنيها وناصيتها ويسدل خلفها قيل لأحمد في العروس تموت فتحلى فأنكره شديدا فإذا فرغ من غسله نشفه بثوب ندبا ولا يتنجس ما نشف به ومحرم ميت: كهو حي فيجنب ما يجنب في حياته لبقاء الإحرام: لكن لا يجب الفداء على الفاعل به ما يوجب الفدية لو فعله حيا ويستر عل نعشه بشيء ويكفن في ثوبيه نصا وتجوز الزيادة كبقية كفن حلال فيغسل بماء وسدر ولا يلبس ذكر المخيط ويغطى وجهه ورجلاه وسائر بدنه لا رأسه ولا وجه أنثى ولا يقرب طيبا ولا تمنع منه معتدة ولا يوقف بعرفة إن مات قبله ولا يطاف به.(1/218)
فصل ويحرم غسل شهيد المعركة
المقتول بأيديهم ولو غير مكلف أو غالا: رجلا أو امرأة: إلا أن يكون جنبا أو حائضا أو نفساء طهرتا أو لا1 فيغسل غسلا واحدا وإن أسلم ثم استشهد قبل غسل الإسلام لم يغسل وإن قتل وعليه حدث أصغر لم يوضأ وتغسل نجاسته ويجب بقاء دم لا نجاسته معه فإن لم تزل إلا بالدم غسلا وينزع عنه السلاح والجلود ونحو فروة وخف ويجب دفنه في ثيابه التي قتل فيها وظاهره ولو كان تحريرا فلا يزاد فيها ولا
__________
1 يريد: انقطع دمهما أولا.(1/218)
ينقص ولو لم يحصل المسنون فإن كان قد سلبها كفن بغيرها ويستحب دفنه في مصرعه وإن سقط من شاهق أو دابة لا بفعل العدو أو رفسته فمات أو مات حتف أنفه أو عاد سهمه عليه أو سيفه أو وجد ميتا ولا أثر به أو حمل بعد جرحه فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس أو طال بقاؤه عرفا ـ غسل وصلى عليه وجوبا ومن قتل مظلوما حتى من قتله الكفار صبرا في غير الحرب الحق بشهيد المعركة والشهداء غير شهيد المعركة بضعة وعشرون ـ المطعون والمبطون والغريق والشريق والحريق وصاحب الهدم وذات الجنب والسل وصاحب اللقوة1 والصابر في الطاعون والمتردي من رؤس الجبال ومن مات في سبيل الله ومن طلي الشهادة بنية صادقة وموت المرابط وموت المرابط وأمناء الله في الأرض والمجنون والنفساء واللديغ ومن قتل دون ماله أو أهله أو دينه أو دمه أو مظلمته وفريس السبع ومن خر عن دابته ومن أغربها موت الغريب وأغرب منه العاشق إذا عف وكتم ذكر تعادهم في غاية المطلب وكل شهيد غسل صلى عليه وجوبا ومن لا فلا والشهيد بغير قبل: كغريق ونحوه مما تقدم ذكره يغسل ويصلى عيه وذا ولد السقط لا كثر من أربعة أشهر غسل وصلى عليه ولو لم يستهل ويستحب تسميته ولو ولد قبل أشهر وإن جهل أذكر أم أنثى! سمي بصالح لها: كطلحة وهبة الله ولو كان السقط من كافرين فإن حكم بإسلامه فكمسلم وإلا فلا ويصلى
__________
1 اللقوة: بقتح اللام من أمراض الوجه الخطرة.(1/219)
على طفل حكم بإسلامه ومن تعذر غسله لعدم ماء أو عذر غيره ـ يمم وكفن وصلى عليه وإن تعذر غسل بعضه يمم له وإن أمكن صب الماء عليه بلا عرك صب عليه وترك عركه ثم إن يمم لعدم الماء وصلى عليه ثم وجد الماء قبل دفنه وجب غسله وإن وجد فيها بطلت الصلاة ويلزم الوارث قبول ما وهب للميت: لا ثمنه ويجب على الغاسل ستر قبيح رآه: كطبيب ويستحب إظهاره إن كان حسنا قال جمع محققون: إلا على مشهور ببدعة مضلة أو قلة دين أو فجور ونحوه فيستحب إظهار شره وستر خيره ولا نشهد إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم1.
__________
1 يريد لا تشهد بالجنة أو النار.(1/220)
فصل في الكفن
يجب كفن الميت ومؤنة تجهيزه: غير حنوط وطيب ويأتي ـ في ماله لحق الله تعالى وحق الميت: ذكرا كان أو أنثى ثوب واحد يستر جميع البدن فلو وصى بأقل منه لم تسمع وصيته ويشترط إلا يصف البشرة ويجب ملبوس مثله في الجمع والأعياد: ما لم يوص بدونه مقدما هو ومؤنة تجهيزه على دين ولو برهن وأرش جناية ووصية وميراث وغيرها ولا ينتقل إلى الوارث من مال الميت إلا ما فضل عن حاجته الأصلية وإن أوصى في أثواب ثمينة لا تليق به لم تصح والجديد أفضل من العتيق ما لم يوص بغيره ولا بأس باستعداد الكفن لحل أو لعبادة فيه قيل لأحمد: يصلي فيه أو يحرم فيه ثم يغسله ويضعه لكفنه فرآه حسنا ويجب كفن الرقيق على مالكه فإن لم يكن للميت مال فعلى من تلزمه نفقته وكذلك دفنه(1/220)
وما لا بد للميت منه: إلا الزوج1 ثم من بيت المال إن كان مسلما ثم على مسلم عالم به ويكره في رقيق يحكى هيئة البدن وبشعر وصوف مع القدرة على غيره وبمزعفر ومعصفر ولولا مرأة حتى المنقوش قطنا كان أو غيره ويحرم بجلود وحرير ومذهب ولولا مرأة وصبي يجوز فيهما مضرورة ويكون ثوبا وحدا فإن لم يجد ما يستر جميعه ستر العورة ثم رأسه وما يليه وجعل على باقيه حشيش أو ورق فإن لم يوجد إلا ثوب واحد ووجد جماعة من الأموات جمع في الثوب ما يمكن جمعه فيه وأفضل الأكفان البياض وأفضله القطن ويستحب تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض من قطن وأحسنها أعلاها ليظهر للناس كعادة الحي وتكره الزيادة وتعميمه ويكفن صغير في ثوب ويجوز في ثلاثة وإن ورثه غير مكلف لم تجز الزيادة على ثوب لأنه تبرع قاله المجد وقال ابن عقيل: ومن أخرج فوق العادة فأكثر للطيب والحوائج وأعطى المقربين بين يدي الجنازة وأعطى الحمالين والحفارين زيادة على العادة على طريق المروءة لا بقد الواجب ـ فمتبرع فإن كان من التركة فمن نصيبه انتهى وتكفن الصغيرة إلى بلوغ في قميص ولفافتين وخنثى: كأنثى فتبسط اللفائف فوق بعض ويجمرها بالعود بعد رشها بماء ورد أو غيره ليعلق به ثم يوضع عليها مستلقيا ويجعل الحنوط: وهو أخلاط من طيب فيما بينها: لا على ظهر العليا ولا على الثوب الذي على النعش ويجعل منه في
__________
1 يريد استثناء الزوج ممن يجب عليهم تجهيز الميت وإن كانت نفقة الزوجة أيام حياتها كانت عليه.(1/221)
قطن يجعل بين اليتيه ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف: كالتبان1 تجمع إليتيه ومثانته وكذلك في الجراح النافذة ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده ومغابنه: كطي ركبتيه وتحت إبطه وكذا سرته ويطيب رأسه ولحيته وإن طيب ولو بمسك بغير ورس وزعفران سائر بدنه غير داخل عينيه كان حسنا ويكره داخل عينيه وبورس وزعفران ويكره طليه بصبر ليمسكه ويغيره: ما لم ينقل قاله المجد والطيب والحنوط غير واجبين بل مستحبان ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن ثم طرفها الأيمن على الأيسر ثم الثانية والثالثة كذلك ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه لشرفه والفاضل عن وجهه ورجليه عليهما بعد جمعة ثم يعقدها إن خاف انتشارها ثم تحل العقدة في القبر زاد أبو المعالي وغيره ولو نسي بعد تسوية التراب قريبا لأنه سنة ولا يحل الإزار ولا يخرق الكفن ولو خيف نبشه وكرهه أحمد وإن كفن في قميص بكمين ودخاريص وإزالة ولفافة: جاز من غير كراهة وظاهره ولو لم تنعقد اللفائف ويجعل المئزر مما يلي جسده ولا يزر عليه القميص ويدفن في مقبرة مسبلة بقول بعض الورثة لأنه لامنة وعكسه الكفن والمؤنة ولو بذله بعض الورثة من نفسه لم يلزم بقيتهم قبوله لكن ليس للبقية نقله وسلبه من كفنه بعد دفنه بخلاف مبادرته إلى ملك الميت لانتقاله إليهم لكن يكره ويسن تكفين امرأة في خمسة أثوب بيض أزار وخمار ثم قميص: وهو الدرع ثم لفافتين ونصه وجزم به جماعة خرقة تشد بها فخذها ثم مئزر ثم قميص ثم خمار ثم لفاقة
__________
1 التبان على وزن رمان: السروال على قدر العورتين فحسب. اهـ قاموس.(1/222)
ولا بأس أن تنقب وتسن تغطية تعش بأبيض ويكره بغيره وإن مات مسافر كفنه رفيقه من ماله فإن تعذر فمنه ويأخذه من تركته أو ممن تلزمهن نفقته إن نوى الرجوع ولا حاكم فإن وجد حاكما وأذن فيه رجع وإن لم يأذن ونوي الرجوع رجع1 وإن كان للميت كفن وثم حي مظطر إليه لبرد ونحوه فالحي أحق به قال به المجد وغيره إن خشي التلف وإن كان لحاجة الصلاة فيه فالميت أحق بكفنه ولو كان في لفافتين ويصلي الحي عليه وإن نبش وسرق كفنه كفن من تركته ثانيا وثالثا ولو قسمت ما لم تصرف في دين أو وصية وإن أكله سبع أو أخذه سيل وبقي كفنه فإن كان ممن ماله فتركه وإن كان من متبرع به فهو له لورثة الميت وإن جبى كفنه فما فضل إن علم فإن جهل ففي كفن آخر فإن تعذر تصدق به ولا يحبى كفن لعم أن ستر بحشيش.
__________
1 يريد: رجع على التركة أو من تلزمه نفقته.(1/223)
فصل في الصلاة على الميت
ويسقط فرضها بواحد: رجلا رجلا كان أو امرأة أو خنثى كغسله وتسن لها الجماعة ولو النساء: إلا على النبي صلى الله عليه وسلم فلا احتراما له وتعظيما ولا يطاف بالجنازة على أهل الأماكن ليصلوا عليها فهي كالإمام يقصد ولا يقصد والأولى بها بعد الوصي السلطان ثم نائبه الأمير ثم الحاكم وهو القاضي: لكن السيد أولى برقيقه بها من السلطان وبغسل وبدفن ثم أقرب العصبة ثم ذووا رحامه ثم الزوج ومع التساوي يقدم الأولى بالإمامة فإن استووا في الصفات أقرع ويقدم الحر البعيد على العبد القريب ويقدم العبد المكلف على الصبي والمرأة فإن اجتمع(1/223)
أولياء موتى قدم الأولى بالإمامة ثم قرعة ولولي كل ميت أن ينفرد بصلاته على ميته إن أمن فسادا ومن قدمه ولي فهو بمنزلته فإن بدر أجنبي وصلى بغير إذن فإن صلى الولي خلفه صار إذنا وإلا فله أن يعيد الصلاة لأنها حقه وإذا سقط فرضها سقط التقديم الذي هو من أحكامها وليس للوصي أن يقدم غيره ولا تصح الوصية بتعيين مأموم لعدما الفائدة ويستحب للإمام أن يصفهم وأن يسوي صفوفهم وإلا ينقصهم عن ثلاثة صفوف والفذ هنا كغيرها ويسن أن يقوم إمام عند صدر رجل ووسط امرأة وبين ذلك من خنثى فإن اجتمع رجال موتى فقط أو خناثى فقط ـ سوى بين رؤسهم ومنفرد كأمام ويقدم إلى لإمام من كل نوع أفضلهم فإن تتساووا قدم أكبر فإن تساووا فسابق فإن تساووا فقرعة ويقدم الأفضل من الموتى أمام المفضولين في المسير ويجعل وسط المرأة حذاء صدر الرجل وخنثى بينهما وجمع الموتى في الصلاة عليهم أفضل من الصلاة عليهم منفردين والأولى معرفة ذكوريته وأنوثيته واسمه وتسميته في دعائه ولا يعتبر ذلك ولا بأس بالإشارة حال الدعاء للميت ثم يحرم كما سبق في صفة الصلاة ويضع يمينه على شماله ويتعوذ قبل الفاتحة ولا يستفتح ويكبر تكبيرات يقرأ في الأولى الفاتحة فقط سرا ولو ليلا ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية: كما في التشهد ولا يزيد عليه ويدعو في الثالثة سرا بأحسن ما يحضره ولا توقيت فيه ويسن بالمأثور فيقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم متقلبنا ومثوانا وأنت على كل شيء قدير(1/224)
اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار وأفسح له في قبره ونور له فيه اللهم إنه عبدك ابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به ولا أعلم إلا خيرا اللهم إن كان محسنا فجازه بإحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وإن كان صغيرا ولو أنثى أو بلغ مجنونا واستمر جعل مكان الاستغفار له اللهم اجعله ذخرا لوالديه وفرطا وأجرا وشفيعا مجابا اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم وإن لم يعرف إسلام والديه دعا لمواليه ويقول في دعائه لا مرأة: اللهم إن هذه أمتك ابنة أمتك نزلت بك وأنت خير منزول به ولا يقول أبدلها زوجا خيرا من زوجها في ظاهر كلامهم ويقول في خنثى: هذا الميت ونحوه وإن كان يعلم من الميت غير الخير فلا يقول ولا أعلم إلا خيرا ويقف بعد الرابعة قليلا ولا يدعو ولا يتشهد ولا يسبح بعدها ولا قبلها ولا بأس بتأمينه ويسلم واحدة عن يمينه يجهر بها الإمام ويجوز تلقاء وجهه ويجوز ثانية عن يساره ويرفع يديه مع كل تكبيرة ويسن وقوفه مكانه حتى ترفع.
والواجب من ذلك ـ القيام: إن كانت الصلاة فرضا ولا تصح من قاعد ولا راكب والتكبيرات الأربع فإن ترك منها عمدا(1/225)
بطلت وسهوا يكبر: ما لم يطل الفصل فإن طال اوجد مناف من كلام ونحوه استأنف ـ والفاتحة على إمام منفردـ والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ـ ودعوه الميت ولا يتعين الدعاء للميت في الثالثة بل يجوز في الرابعة ويتعين ـ وتسليمة ولو لم يقل ورحمة الله أجزأ وتقدم في صفة الصلاة ـ وجميع ما يشترط لمكتوبة مع حضور الميت بين يديه قبل الدفن إلا الوقت فلا تصح على جنازة محمولة لأنها كإمام ولا من وراء حائل قبل الدفن: كحائط ونحوه ويشترط إسلام ميت وتطهيره بماء لو تراب لعذر ولا يجب أن يسامت الإمام الميت فإن لم يسامته كره قال في الرعاية ولا يشترط معرفة عين الميت فينوي على الحاضر وإن نوى أحد الموتى اعتبر تعيينه فإن بان غيره فجزم أبو المعالي أنها لا تصح وقال: إن نوى على هذا الرجل فبان امرأة أو عكس فالقياس الأجزاء ولا تجوز الزيادة على سبع تكبيرات ولا النقص عن أربع والأولى إلا يزيد على الأربع فإن زاد إمام تابع مأموم إلى سبع: ما لم تظن بدعته أو رفضه فلا يتابع ولا يعدو بعد الرابعة في المتابعة أيضا ولا يتابع فيما زاد عن السبع ولا تبطل بمجال زتها ولو عمدا وينبغي أن يسبح بعدها به: لا فيما دونها ولا يسلم قبله ومنفرد كإمام في الزيادة وإن كبر الثالثة ونوى الجنائز الثلاث فإن جئ برابعة كبر الرابعة ونوى الكل فيصير مكبرا على الأول أربعا وعلى الثانية ثلاثا وعلى الثالثة اثنتين وعلى الرابعة واحدة فيأتي بثلاث تكبيرات أخر فيتم سبعا(1/226)
يقرأ في الخامسة ويصلي في السادسة ويدعو في السابعة فيصير مكبرا على الأولى سبع وعلى الثانية ستا وعلى الثالثة خمسا وعلى الرابعة أربعا فإن جئ بخامسة لم ينوها بالتكبير بل يصلي علها بعد سلامه وكذا لو جئ بثانية عقب التكبيرة الرابعة لأنه لم يبق من السبع أربع فإن أراد أهل الجنازة الأولى رفعها قبل سلام الإمام لم يجز وفي الكافي يقرأ في الرابعة الفاتحة ويصلي في الخامسة ويدعو لهم في السادسة ومن سبق ببعض الصلاة كبر ودخل مع الإمام ولو بين تكبيرتين ندبا أو بعد تكبيه الرابعة قبل السلام ويقضي ثلاث تكبيرات ويقضي مسبوق ما فاته على صفته بعد سلام الإمام فإن أدركه في الدعاء تابعه فيه فإذا سلم الإمام كبر وقرأ الفاتحة ثم كبر وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم كبر وسلم فإن خشي رفعها تابع بين التكبيرتين من غير ذكر ولا دعاء: رفعت أم لا فإن سلم ولو يقض صح ومتى رفعت بعد الصلاة لم توضع لأحد فظاهره يكره ومن لم يصل استحب له إذا وضعت أن يصلي عليها قبل الدفن أو بعده ولو جماعة على القبر وكذا غريق ونحوه إلى شهر من دفنه وزيادة يسيرة ويحرم بعدها وإن شك في انقضاء المدة صلى حتى يعلم فراغها ويصلى إمام وغيره على غائب عن البلد ولو كان دون مسافة قصر أو في غير جهة القلة بالنية إلى شهر: لا في أحد جانبي البلد ولو كان كبيرا ولو لمشقة مطر أو مرض ولا يصلي كل يوم على كل غائب ومن صلى كله له إعادة الصلاة: إلا إذا صلى عليه بالنية إذا حضر أو وجد بعض ميت(1/227)
صلى على جملته فتسن فيهما أو صلى عليه بلا إذن من هو أولى منه مع حضوره فتعاد تبعا.(1/228)
فصل ويحرم أن يغسل مسلم كافرا
ولو قريبا أو يكفنه أو يصلي عليه أو يتبع جنازته أو يدفنه: إلا يجد ما يواريه غيره فيوارى عند العدم فإن أراد المسلم أن يتبع قريبا له كافرا إلى المقبرة ركب دابته وسار أمامه فلا يكون معه ولا يصلي على مأكول في بطن سبع ومستحيل بإحراق ونحوها ولا يسن للإمام الأعظم وإمام كل قرية وهو واليها في القضاء ـ الصلاة على غال: وهو من كتم غنيمة أو بعضها وقاتل نفسه عمدا ولو صلى عليهما فلا بأس كبقية الناس وإن ترك أئمة الدين الذين يقتدي بهم الصلاة على قاتل نفسه زجرا لغيره فهذا أحق ويصلى على كل عاص: كسارق وشارب خمر ومقتول قصاصا أو حدا أو غيرهم وعلى مدين لم يخلف وفاء ولا يغسل ولا يصلى على كل صاحب بدعة مكفرة نصا ولا يورث ويكون ماله فيئا قال أحمد: الجهمية والرافضة لا يصلى عليهم وقال أهل البدع: إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم وإن وجد بعض ميت تحقيقا: غير شعر وظفر وسن ـ غسل وكفن وصلى عليه ودفن وجوبا ينوي ذلك البعض فقط إن لم يكن صلى على جملته وإلا سنت الصلاة ولم تجب ثم إن وجد الباقي صلى عليه ودفن بجنبه ولم ينبش ولا يصلى على ما بان من حي كيد سارق ونحوه ولا يجوز أن يدفن المسلم في مقبرة الكفار ولا بالعكس ولو جعلت مقبرة الكفار المندرسة مقبرة(1/228)
للمسلمين جاز فإن بقي عظم دفن بموضع آخر وغيرها أولى إن أمكن لا العكس وإن اختلط من يصلى عليه بمن لا يصلى واشتبه: كمسلم وكافر صلى على الجميع ينوى من يصلي عليه بعد غسلهم وتكفينهم ودفنوا منفردين إن أمكن وإلا فمع المسلمين وإن وجد ميت فلم يعلم أمسلم هو أم كافر؟ ولو يتميز بعلامة من ختان وثياب وغير ذلك فإن كان في دار إسلام غسل وصلى عليه وإن كان في دار كفر لم يغسل ولو يصل عليه وتباح الصلاة عليه في مسجد إن أمن تلويثه وإلا حرم وإن لم يحضره غير نساء صلين عليه وجوبا جماعة ويقدم منهن من يقدم من الرجال وتقف في صفهن: كمكتوبة وأما إذا صلى الرجال فإنهن يصلين فرادى وله بصلاة الجنازة قيراط: وهو أمر معلوم عند الله وله بتمام دفنها قيراط آخر بشرط أن يكون معها من الصلاة حتى تدفن.(1/229)
فصل حمله ودفنه من فروض الكفاية
وكذا مؤنتهما ولا يختص أن يكون الفاعل من أهل القربة فلهذا يسقط بكافر ويكره أخذ الأجرة على ذلك وعلى الغسل فيوضع الميت على النعش مستلقيا ويستحب إن كان امرأة أن يستر بمكبة فوق السرير تعمل من خشب أو جريد أو قصب مثل القبة فوقها ثوب ويسن أن يحمله أربع لأنه يسن التربيع في حمله وكرهه الآجري وغيره مع الازدحام وهو أفضل من الحمل بين العمودين وصفته: أن يضع قائمة النعش اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى ثم ينتقل إلى المؤخرة ثم يضع قائمة اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى وينتقل إلى المؤخرة وإن حمل(1/229)
بين العمودين كل عمود على عاتق كان حسنا ولم يكره ولا بأس بحمل طفل على يديه وبحمل الميت بأعمدة للحاجة وعلى دابة لغرض صحيح كعبد ونحوه ولا بأس بالدفن ليلا ويكره عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها ويسن الإسراع بها دون الخبب: ما لم يخف عليها منه واتباعها سنة وهو حق للميت وأهله وذكر الآجري إن من الخيران يتبعها لقضاء حق أخيه المسلم ويكره لامرأة ويستحب كون المشاة أمامها ولا يكره خلفها وحيث شاؤا والركبان ولو في سفينة خلفها فلو ركب وكان أمامها كره ويكره ركوب إلا لحاجة ولعود والقرب منها أفضل فإن بعد أو تقدم إلى القبر فلا بأس ويكره أن يتقدم إلى موضع الصلاة عليها وأن تتبع بنار إلا لحاجة ضوء وأن تتبع بماء ورد ونحوه ومثله التبخير عند خروج روحه ويكره جلوس من تبعها حتى توضع بالأرض للدفن إلا لمن بعد عنها وإن جاءت وهو جالس أو مرت به كره قيامه لها وكان أحمد إذا صلى على جنازة هو وليها لم يجلس حتى تدفن ونقل حنبل: لا بأس بقيامه على القبر حتى تدفن جبرا وإكراما ويكره رفع الصوت والضجة عند رفعها وكذا معها ولو بقراءة أو ذكر بل يسن سرا ويسن أن يكون متخشعا متفكرا في مآله متعظا بالموت وبما يصير إليه الميت ويكره التبسم والضحك أشد منه والتحدث في أمر الدنيا وكذا مسحه بيديه أو بشيء عليها تبركا وقول القائل مع الجنازة استغفروا له ونحوه بدعة وحرمه أبو حفيص ويحرم أن يتبعها مع منكر وهو عاجز عن إزالته نحو طبل(1/230)
ونياحة ولطم نسوة وتصفيق ورفع أصواتهن فإن قدر تبع وإزالة لزوما فلو ظن إن أتبعها أزيل المنكر لزمه وضرب النساء بالدف منكر منهي عنه اتفاقا قاله الشيخ.(1/231)
فصل ويسن أن يدخل قبره من عند رجليه
إن كان أسهل عليهم وإلا من حيث سهل سواء ولا توقيت في عدد من يدخله من شفع أو وتر بل بحسب الحاجة ويكره أن يسجى قبر رجل إلا لعذر مطر أو غيره ويسن لامرأة ومن مات في سفينة وتعذر خروجه إلى البر ثقل بشيء بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه والقي في البحر سلا كإدخاله القبر وإن مات في بئر إخراج فإن تعذر طمت عليه ومع الحاجة إليها يخرج مطلقا وأولى الناس بتكفين ودفن أولاهم بغسل والأولى للأحق أن يتولاه بنفسه ثم بنائبه ثم من بعدهم بدفه رجل الرجال الأجانب ثم محارمه من النساء ثم الأجنبيات وبدفن امرأة محارمها الرجال ثم زوجها ثم الرجال الأجانب ثم محارمها النساء ويقدم من الرجال خصتي ثم شيخ ثم أفضل دينا ومعرفة ومن بعد عهده بجماع أولى ممن قرب ولا يكره للرجال دفن امرأة وثم محرم واللحد أفضل ـ وهو أن يخفر في أرض القبر مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه الميت ـ ويكره الشق ـ وهو أن يبني جانبا القبر بلبن أو غيره أو يشق وسطه فيصير كالحوض ثم يوضع الميت فيه ويسقف عليه ببلاط أو غيره ـ فإن كانت الأرض رخوة لا يثبت فيها اللحد شق فيها للجاجة ويسن تعميقه وتوسعه بلا حد وقال الأكثر: قامة وسطا وبسطه ـ(1/231)
وهي بسط يده قائمة ـ ويكفي ما يمنع الرائحة والسباع وينصب عليه اللبن نصا وهو أفضل من النصب ويجوز ببلاط ويسد ما بين اللبن أو غيره بطين لئلا ينهار عليه التراب ويكره دفنه في تابوت ولو امرأة ويكره إدخاله خشبا إلا لضرورة وما مسته نار ويستحب قول من يدخله عند وضعه: بسم الله وعلى ملة رسول الله وإن أتى عند وضعه وإلحاده بذكر أو دعاء يليق فلا بأس ويستحب الدعاء له عند القبر بعد دفنه واقفا واستحب الأكثر تلقينه بعد دفنه: فيقوم الملقن عند رأسه بعد تسوية التراب عليه فيقول: يا فلان بن فلانة ثلاثا فإن لم يعرف اسم أمه نسبه إلى حواء اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسول وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا وأن الجنة حقا وأن النار حق وإن البعث حق وأن الساعة حق آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ـ قال أبو المعالي: لو أنصفوا قبل قبله لم يعودوا وهل يلقن غير المكلف مبني على نزول الملكين إليه المرجح النزول وصححه الشيخ قال ابن عبدوس: يسأل الأطفال عن الإقرار الأول حين الذرية والكبار يسألون عن معتقدهم في الدنيا وإقرارهم الأول ويسن وضعه في لحده على جنبه الأيمن ووضع لبنة أو حجر أو شيء مرتفع كما يصنع الحي تحت رأسه وتكره مخدة والمنصوص ومضربة وقطيفة تحته ونصه لا بأس بها من علة ويسند خلفه وأمامه بتراب لئلا يسقط ويجب استقبال القبلة ويسن لكل من(1/232)
حضر أن يحثوا التراب فيه من قبل رأسه أو غيره ثلاثا باليد ثم يهال عليه التراب.(1/233)
فصل ويستحب رفع القبر قدر شبر
ويكره فوقه وتسنيمه أفضل من تسطيحه إلا بدار حرب إذا تعذر نقله: فالأولى تسويته بالأرض وإخفاؤه ويسن أن يرش عليه الماء ويوضع عليه حصى صغار محلل به ليحفظ ترابه ولا بأس بتطيينه وتعليمه تحجرا أو خشبة أو نحوهما ويكره البناء عليه: سواء لاصق البناء الأرض أو لا ولو في ملكه من قبة أو غيرها للنهي عن ذلك وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: يجب هدم القباب التي على القبور لأنها أسست على معصية الرسول انتهى وهو في المسبلة أشد كراهة وعنه منع البناء في وقف عام قال الشيخ: هو غاصب قال أبو حفص: تحرم الحجرة بل تهدم وهو الصواب وكره أحمد الفسطاط والخيمة على القبر وتغشية قبور الأنبياء والصالحين ـ أي: سترها بغاشية ـ ليس مشروعا في الدين قاله الشيخ وقال في موضع آخر: في كسوة القبر بالثياب: اتفق الأئمة على أن هذا منكر إذا فعل بقبور الأنبياء والصالحين فكيف بغيرهم وتكره الزيادة على تراب القبر من غيره إلا أن يحتاج إليه ويكره المبيت عنده وتجصيصة وتزويقه وتخليقه1 وتقبيله والطواف به وتبخيره وكتابة الرقاع إليه ودوسها في الأنقاب والاستشفاء بالتربة من الأسقام والكتابة عليه والجلوس والوطء عليه قال بعضهم: إلا لحاجة والاتكاء عليه ويحرم التخلي عليها وبينها والدفن في صحراء أفضل: سوى النبي صلى لله عليه وسلم
__________
1 يريد جعله على شكل خلقة الجسم كما يفعل العوام في قبورهم.(1/233)
واختار صاحباه الدفن معه تشرفا وتبركا ولم يزد عليهما لأن الخرق يتسع والمكان ضيق وجاءت أخبار تدل على دفنهم كما وقع وذكره المجد وغيره ويحرم إسراجها واتخاذ المسجد عليها وبينها وتتعين إزالتها وفي كتاب الهدى: لو وضع المسجد والقبر معالم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة وتقدم في اجتناب النجاسة ويكره المشي بالنعل فيها حتى التمشك: ـ بضم التاء والميم وسكون الشين ـ لأنه نوع منها لا بخف ويسن خلع النعل إذا دخلها إلا لخوف نجاسة أو شوك ونحوه ومن سبق إلى مسبلة قدم ويقرع إن جامعا ولا بأس بتحويل الميت ونقله إلى مكان آخر بعيد لغرض صحيح كبقعة شريفة ومجاورة صالح مع أمن التغير إلا الشهيد حتى ولو نقل رد إليه ويجوز نبشه لغرض صحيح كتحسين كفنه وبقعة خير من بقعته كإفراده عمن دفن معه وتقدم ويستحب جمع الأقارب في البقاع الشريفة وما كثر فيه الصالحون ويحرم قطع شيء من أطراف الميت وإتلاف ذاته وإحراقه ولو أوصى به ولا ضمان فيه ولوليه أن يحامي عنه وإن آل ذلك إلى إتلاف المطالب فلا ضمان1 ومن أمكن غسله فدفن قبله لزم نبشه وتغسيله وتقدم ودفن اثنين فأكثر في قبر واحد إلا لضرورة أو حاجة إن شاء سوى بين رءوسهم وإن شاء حفر قبرا طويلا وجعل رأس كل واحد عند رجل الآخر أو وسطه كالدرج ويجعل رأس المفضول عند رجلي الفاضل ويسن حجزه بينهما بتراب والتقديم إلى القبلة كالتقديم إلى الإمام في الصلاة: فيسن وتقدم في صلاة الجماعة ولا ينبش قبر ميت باق لميت آخر ومتى علم ومرادهم ظن أنه بلي وصار
__________
1 يريد: إذا كان الدفاع عن الميت يدعو إلى إتلاف القاطع لجزء منه فلا ضمان على المدافع.(1/234)
رميما جاز نبشه ودفه غيره فيه وإن شك في ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة: فإن حفر فوجد فيها عظاما دفنها وحفر في مكان آخر وإذا صار رميما جازت الزراعة وحرثه وغير ذلك وإلا فلا والمراد إذا لم يخالف شرط واقف لتعيينه الجهة ويجوز نبش قبور المشركين ليتخذ مكانها مسجدا أو لمال فيها كقبر أبى رغال ولو وصى بدفنه في ملكه دفن مع المسلمين لأنه يضر الورثة ولا بأسي بشرائه موضع قبره ويوصي بدفنه فيه ويصح بيع ما دفن فيه من ملكه ما لم يجعل أو يصير ويحرم حفره في مسبلة قبل الحاجة إليه ودفنه في مسجد ونحوه وينبش وفي ملك غيره وللمالك إلزام دافنه بنقله والأولى تركه ويحرم أن يدفن مع الميت حلي أو ثياب غير كفنه كإحراق ثيابه وتكسير أوانيه ونحوها وإن وقع في القبر ماله قيمة عرفا أو رماه ربه فيه نبش وأخذ وإن كفن بثوب غصب أو بلع مال غيره بغير إذنه وتبقى ماليته كخاتم وطلبه ربه لم ينبش وغرم ذلك من تركته كمن غصب عبدا فأبق تجب قيمته لأجل الحيلولة فإن تعذر الغرم لعدم تركة ونحوه نبش وأخذ الكفن في الأولى وشق جوفه في الثانية وأخذ المال إن لم يبذل له قيمته وإن بلعه بإذن ربه أخذ إذا بلي ولا يعرض له قبله ولا يضمنه وإن بلع مال نفسه لم ينبش قبل أن يبلى إلا أن يكون عليه دين ولو مات وله أنف ذهب لم يقلع: لكن إن كان بائعه لم يأخذ ثمنه أخذه من تركته ومع عدم التركة يأخذه إذا بلي ولو ماتت حامل بمن ترجى حياته حرم شق بطنها وتسطو عليه القوابل فيخرجنه فإن لم يوجد نساء لم(1/235)
يسط الرجال عليه فإن تعذر ترك حتى يموت ولا تدفن قبله ولا يوضع عليه ما يموته ولو خرج بعضه حيا شق حتى يخرج فلو مات قبل خروجه أخرج وغسل وإن تعذر خروجه ترك وغسل ما خرج منه وأجزأ وما بقي ففي حكم الباطن فلا يحتاج إلى التيمم من أجله وصلى عليه معها وإن ماتت ذمية حامل بمسلم دفنها مسلم وحدها إن أمكن وإلا فمع المسلمين وجعل ظهرها إلى القبلة على جنبها الأيسر ولا يصلي عليه لأنه غير مولود ولا سقط ويصلي على مسلمة حامل وحملها بعد مضي زمن تصويره وإلا عليها دونه ويلزم تمييز أهل الذمة ويأتي ولا تكره القراءة على القبر وفي المقبرة بل يستحب وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها أو بعضها كالنصف ونحوه لمسلم حي أو ميت جاز ونفعه لحصول الثواب له حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من تطوع وواجب تدخله النيابة: كحج ونحوه أولا: كصلاة ودعاء واستغفار وصدقة وأضحية وأداء دين وصوم وكذا قراءة وغيرها واعتبر بعضهم إذا نواه حال الفعل أو قبله ويستحب إهداء ذلك فيقول: اللهم اجعل ثواب كذا لفلان قال ابن تميم: والأولى أن يسأل الأجر من الله تعالى بم يجعله له فيقول: الله أثبني برحمتك على ذلك واجعل ثوابه لفلان ويسن أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث به إليهم ثلاثا لا لمن يجتمع عندهم فيكره ويكره فعلهم ذلك للناس قال الموفق وغيره: إلا من حاجة: كأن يجيئهم من يحضر منهم من أهل القرى البعيدة ويبيت عندهم فلا يمكنهم إلا أن يطعموه ويكره الأكل من طعامهم قاله في النظم وإن كان من(1/236)
التركة وفي الورثة محجور عليه حرم فعله والأكل منه ويكره الذبح عند القبر والأكل منه قال الشيخ: والتضحية ولو نذر ذلك ناذر لم يكن له أن يوفي به فلو شرطه واقف لكان شرطا فاسدا وأنكر من ذلك أن يوضع على القبر الطعام والشراب ليأخذه الناس وخارج الصدقة مع الجنازة بدعة مكروهة وفي معنى ذلك الصدقة عند القبر.(1/237)
فصل يسن لذكر زيارة قبر مسلم بلا سفر
وتباح لقبر كافر ولا يسلم عليه بل يقول له: أبشر بالنار ولا يمنع كافر من زيارة قريبه المسلم وتكره للنساء فإن علم أنه يقع منهن محرم حرمت: غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه فيسن وإن اجتازت امرأة بقبر في طريقها فسلمت عليه ودعت له فحسن ويقف الزائر أمام القبر ويقرب منه ولا بأس بلمسه باليد وأما التمسح به والصلاة عنده أو قصده لأجل الدعاء عنده معتقدا أن الدعاء هناك أفضل من الدعاء في غيره أو النذر له أو نحو ذلك قال الشيخ: فليس هذا من دين المسلمين بل هو مما أحدث من البدع القبيحة التي هي من شعب الشرك ويسن إذا زارها أو مر بها أن يقول معرفا: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم ونحوه ويخير بين تعريفه وتنكيره في سلامه على الحي وابتداؤه سنة ومن جماعة سنة كفاية والأفضل السلام من جميعهم فلو سلم عليه جماعة فقال وعليكم السلام وقصد الرد عليهم جميعا جاز وسقط الفرض في(1/237)
حق الجميع ورفع الصوت بابتداء السلام سنة ليسمعه المسلم عليه سماعا محققا وإن سلم على إيقاظ عندهم نيام أو على من لا يعلم هل هم إيقاظ أو نيام خفض صوته بحيث لا يسمع الإيقاظ ولا يوقظ النيام ولو سلم على إنسان ثم لقيه على قرب سن أن يسلم عليه ثانيا وثالثا وأكثر ويسن أن يبدأ بالسلام قبل كل كلام ولا يترك السلام إذا كان يغلب على ظنه أن المسلم عليه لا يرد وإن دخل على جماعة فيهم علماء سلم على الكل ثم سلم على العلماء سلاما ثانيا ورده فرض عين على المنفرد وكفاية على الجماعة فورا ورفع الصوت به واجب قدر الإبلاغ وتزاد الواو في رد السلام وجوبا ويكره أن يسلم على امرأة أجنبية إلا أن تكن عجوزا أو برزة ويكره في الحمام وعلى من يأكل أو يقاتل وفيمن يأكل نظر وعلى تال وذاكر وملب ومحدث وخطيب وواعظ وعلى من يسمع لهم ومكرر فقه ومدر س وعلى من يبحثون في العلم وعلى من يؤذن أو يقيم وعلى من هو على حاجته أو يتمتع بأهله أو مشتغل بالقضاء ونحوهم ومن سلم في حالة لا يستحب فيها السلام لم يستحق جوابا ويكره أن يخص بعض طائفة لقيهم بالسلام وأن يقول: سلام الله عليكم والهجر المنهي عنه يزول بالسلام ويسن السلام عند الانصراف وإذا دخل على أهله فإن دخل بيتا خاليا أو مسجدا خاليا قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وإذا ولج بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج باسم الله ولجنا وباسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم يسلم على أهله ولا بأس به على الصبيان تأديبا لهم وإن سلم على(1/238)
صبي لم يجب رده وإن سلم على صبي وبالغ رده البالغ ولو يكف رد الصبي لأن فرض الكفاية لا يحصل به وإن سلم صبي على بالغ وجب الرد في وجه وهو الصحيح ويجزئ في السلام: السلام عليكم ولو على منفرد وفي الرد وعليكم السلام وتسن مصافحة الرجل الرجل والمرأة المرأة ولا بأس بمصافحة المردان لمن وثق من نفسه وقصد تعليمهم حسن الخلق ولا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية الشابة وأن سلمت شابة على رجل رده عليها وإن سلم عليها لم ترده وإرسال السلام إلى الأجنبية وإرسالها إليه لا بأس به للمصلحة وعدم المحذور ويسن أن يسلم الصغير والقليل والماشي والراكب على ضدهم فإن عكس حصلت السنة هذا إذا تلاقوا في طريق أما إذا وردوا على قاعد أو قعود فإن الوارد يبدأ مطلقا وإن سلم على من وراء جدار أو الغائب عن البلد برسالة أو كتابة وجبت الإجابة عند البلاغ ويستحب أن يسلم على الرسول فيقول: وعليك وعليه السلام وإن بعث معه السلام وجب بتبليغه أن تحمله ويستحب لكل واحد من المتلاقيين أن يحرص على الابتداء بالسلام فإن التقيا وبدأ كل واحد منهما صاحبه معا فعلى كل واحد منهما الإجابة ولو سلم على أصم جمع بين اللفظ والإشارة كرد سلامه وسلام الأخرس وجوابه بالإشارة وآخر السلام ابتداء وردا وبركانه ويجوز أن يزيد الابتداء على الرد وعكسه وسلام النساء على النساء كسلام الرجال على الرجال ولا ينزع يده من يد من صافحه حتى ينزعها إلا لحاجة كحيائه ونحوه ولا بأس بالمعانقة وتقبيل الرأس واليد لأهل العلم والدين(1/239)
ونحوهم ويكره تقبيل فم غير زوجته وجاريته وإذا تثاءب كظم ما استطاع فإن غلبه التثاؤب غطى فمه بكمه أو غيره وإذا عطس خمر وجهه وغض صوته ولا يلتفت يمينا ولا شمالا وحمد الله جهرا بحيث يسمع جليسه ليشمته وتشميته فرض كفاية فيقول له: يرحمك الله أو يرحمكم الله ويرد عليه العاطس فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم ويكره أن يشمت من لم يحمد الله وإن نسى لم يذكره لكن يعلم الصغير أن يحمد الله وكذا حديث عهد بإسلام ونحوه ولا يستحب تشميت الذمي فإن قيل له: يهديكم الله ـ جاز ويقال للصبي إذا عطس بورك فيك وجبرك الله وتشمت المرأة المرأة والرجل الرجل والمرأة العجوز البرزة ولا يشمت الشابة ولا تشمته فإن عطس ثانيا شمته وثالثا شمته ورابعا دعا له بالعافية ولا يشمت إلا إذا لم يكن شمته قبلها ولا يجيب المتجشي بشيء فإن حمد قال: هينئا مريئا وهناك الله وأمراك ويجب الاستئذان على كل من يريد الدخول عليه من أقارب وأجانب فإن أذن وإلا رجع ولا يزيد على ثلاث وإلا أن يظن عدم سماعهم.(1/240)
فصل ويستحب تعزية أهل المصيبة بالميت قبل الدفن أو بعده
حتى الصغير والصديق ونحوه ومن شق ثوبه لزوال المحرم وهو الشق وإن نهاه فحسن ويكره استدامة لبسه إلا ثلاث وكرهها جماعة بعدها لإذن الشارع في الإحداد فيها ويكره تكررها فلا يعزي عند القبر من عزى قبل ذلك ويكره الجلوس لها والمبيت عندهم وفي الفصول: يكره الاجتماع بعد خروج الروح لتهييجه الحزن وتكره لشابة(1/240)
أجنبية ولا بأس بالجلوس بقرب دار الميت ليتبع جنازته أو يخرج وليه فيعزيه ومعنى التعزية: التسلية والحث على الصبر بوعد الأجر والدعاء للميت والمصاب ولا تعيين فيما يقوله ويختلف باختلاف المعزين: فإن شاء قال في تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك وفي تعزيته بكافر: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وتحرم تعزية الكافر ويقول المعزي: استجاب الله دعاءك ورحمنا الله وإياك ولا يكره أخذه بيد من عزاه ولا بأس أن يجعل المصاب عليه علامة يعرف بها ليعزى ويسن أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ويصلي ركعتين ويصبر ويجب منه ما يمنعه من محرم ويكره له تغيير حاله: من خلع ردائه ونعله وغلق حانوته وتعطيل معاشه ونحوه ولا يكره البكاء على الميت قبل الموت وبعده ولا يجوز الندب: وهو البكاء مع تعديد محاسن الميت ولا النياحة: وهي رفع الصوت بذلك برنة ولا شق الثياب ولطم الخدود وما أشبه ذلك: من الصراخ وخمش الوجه ونتف الشعر ونشره وحلقه وفي الفصول: يحرم النحيب والتعداد وإظهار الجزع لأن ذلك يشبه التظلم من الظالم وهو عدل من الله تعالى ويباح يسير الندبة الصدق إذا لم يخرج مخرج النوح ولا قصد نظمه نحو قوله: يا أبتاه يا ولداه ونحنو ذلك ـ وجاءت الأخبار الصحيحة بتعذيب الميت بالنياحة والبكاء عليه وما هيج المصيبة من وعظ أو إنشاء شعر فمن النياحة.(1/241)
كتاب الزكاة
مدخل
...
كتاب الزكاة
وهو أحد أركان الإسلام وفرضت بالمدينة: وهي حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص وتجب في السائمة من بهيمة الأنعام ـ والخارج من الأرض وما في حكمة من الغسل ـ والأثمان وعروض التجارة ويأتي بيانها في أبوابها وتجب في متولد بين وحشي وأهل تغليبا واحتياطا فتضم إلى جنسها الأهلي وتجب في بقر وحش وغنمة واختار الموفق وجمع لا تجب ولا تجب في سائر الأموال إذا لم تكن للتجارة: حيوانا كان كالرقيق والطيور والخيل والبغال والحمير والظباء ـ سائمة كان أو لا ـ أو غير حيوان كاللآلي والجواهر والثياب والسلاح وأدوات الصناع وأثاث البيوت والأشجار والنبات والأواني والعقار من الدور والأرضين للسكنى ولكراء ولا تجب إلا بشروط خمسة: ـ الإسلام: ـ والحرية فلا تجب ـ بمعنى الأداء ـ على كل كافر ولو مرتدا ولا عبد لأنه لا يملك بتمليك ولا غيره وزكاة ما بيده على سيده ولو مدبرا أو أم ولد ولا على مكاتب لنقص ملكه بل معتق بعضه فيزكي ما ملك بحريته ولو اشترى عبدا ووهبه شيئا ثم ظهر أن العبد كان حرا فله أن يأخذ منه ما وهبه له ويزكيه فإن تركه زكاة الأخذ فله وتجب في مال الصبي والمجنون ولا تجب في المال المنسوب إلى الجنين ـ الثالث: ملك نصاب ففي أثمان وعروض تقريب(1/242)
فلا يضر نقص حبتين وفي ثمر وزرع تحديد وقيل تقريب فلا يؤثر نحو رطلين ومدين ويؤثران على الأول وعليهما لا اعتبار بنقص يتداخل في المكاييل كالأوقية وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب وإلا في السائمة فلا زكاة في وقصها ـ الرابع تمام الملك فلا زكاة في دين الكتابة ولا في السائمة وغيرها الموقوفة على غير معين كالمساكين أو على مسجد ورباط ونحوهما: كمال موصى به في وجوه بر أو يشتري به ما يوقف فإن اتجر به وصى قبل مصرفه فربح فربحه من أصل المال فيما وصى فيه ولا زكاة فيهما وإن خسر ضمن النقص وتجب في سائمة وغلة أرض وشجر موقوفة على معين ويخرج من غير السائمة: فإن كانوا جماعة وبلغ نصيب كل واحد منهما من غلته نصابا وجبت وإلا فلا ولا حصة مضارب قبل القسمة ولو ملكت بالظهور فلا ينعقد عليها الحلول قبل استقرارها ويزكي رب المال حصته منه كالأصل لملكه بظهوره فلو دفع إلى رجل ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفين فحال الحول وقد ربح ألفين فعلى رب المال زكاة ألفين فإن أداها منه حسب من المال والربح فينقص ربع عشر رأس المال والمال الموصي به يزكيه من حال الحلول وهو على ملكه ولو وصى بنفع نصاب سائمة زكاها مالك الأصل ومن له دين على ملى باذل: من قبض أو دين عروض تجارة أو مبيع لم يقبضه بشرط الخيار أولا أو دين سلم إن كان للتجارة ولو يكن أثمانا أو ثمن بيع أو رأس مال سلم قبل قبض عوضهما ولو انفسخ العقد أو صداق أو عوض خلع أو أجرة(1/243)
بالعقد قبل القبض وإن لم تستوف المنفعة وكذا كل دين لا في مقابلة مال أو مال غير زكوي كموصي به وموروث وثمن مسكن ونحو ذلك ـ جرى في حول الزكاة من حين ملكه: عينا كان أو دينا من غير بهيمة الأنعام لا منها لاشتراط السوم فإن عينت زكيت كغيرها وكذا الدية الواجبة لا تزكى لأنها لم تتعين مالا زكويا ـ زكاة إذا قبضه أو شيئا منه1 فكلما قبض شيئا أخرج زكاته ولو لم يبلغ المقبوض نصابا أو أبرأ منه لما مضى: قصد ببقائه عليه الفرار من الزكاة أولا ويجزي إخراجها قبل قبضه ولو كان في يده بعض نصاب وباقيه دين أو غصب أو ضال زكى ما بيده ولعله فيما إذا ظن رجوعه وكل دين سقط قبل قبضه لم يتعوض عنه كنصف صداق قبل قبضه بطلاق أو كله لانفساخه من جهتها فلا زكاة كعين وهبها وللبائع إخراج زكاة مبيع فيه خيار منه: فيبطل البيع في قدره وإن زكت صداقها كله ثم تنصف بطلاق رجع فيما بقي بكل حقه ولا تجزيها زكاتها منه بعد طلاق لأنه مشترك ومتى لم تزكه رجع بنصفه كاملا وتزكيه هي وتجب أيضا في دين على ملئ وعلى مماطل وفي مؤجل ومجحود ببينة أولا وفي مغصوب في جميع الحلول أو بعضه ويرجع المغصوب منه على الغاصب بالزكاة لنقصه بيده: كتلفه وتجب في ضانع كلقطة فحول التعريف على ربها وما بعده على ملتقط: فإن أخرج الملتقط زكاته عليه منها ثم أخذها ربها رجع عليه بما أخرج وتجب على مسروق ومدفون منسي في داره أو غيرها أو مذكور جهل عند من هو وفي
__________
1 قوله: زكاة، جواب عن قوله سابقا ومن له دين.(1/244)
موروث ومرهون ويخرجها الراهن منه إن أذن له المرتهن أو لم يكن له مال يؤدي منه وإلا فمن غيره وتجب في مبيع ولو كان فيه خيار قبل القبض: فيزكي بائع مبيعا غير متعين ولا متميز ومشتر يزكي غيره وتجب في مال مودع وليس للمودع إخراجها منه بغير إذن مالكها وفي غائب مع عبده أو وكيله ولو أسر رب المال أو حبس ومنع من التصرف في ماله لم تسقط زكاته ولا زكاة فيمن عليه دين يستغرق النصاب أو ينقصه ولا يجد ما يقضيه به سوى النصاب أو مالا يستغني عنه ولو كان الدين من غير جنس المال حتى دين خراج وأرض جناية عبيد التجارة وما استدانه لمؤنة حصاد وجذاذ وديانس وكراء أرض ونحوه: لا دينا بسبب ضمان فيمنع وجوبها في قدره: حالا كان الدين أو مؤجلا في الأموال الباطنة: كالأثمان وقيم عروض التجارة والمعدن والظاهرة: كالمواشي والحبوب والثمار ومعنى قولنا يمنع قدره: أنا نسقط من المال بقدر الدين كأنه غير مالك له ثم يزكي ما بقي فلو كان له مائة من الغنم وعليه ما يقابل ستين فعليه زكاة الأربعين فإن قابل إحدى وستين فلا زكاة عليه لأنه ينقص النصاب ومن كان له عرض قنية يباع لو أفلس يفي بما عليه من الدين جعل في مقابلة ما معه فلا يزكيه وكذا من بيده ألف وله على ملئ ألف وعليه ألف ولا يمنع الدين خمس الركاز ومتى برى المدين أو قضى من مال مستحدث ابتدا حولا وحكم دين الله من كفارة وزكاة ونذر مطلق ودين حج ونحوه كدين آدمي فإن قال: لله علي أن أتصدق فحال الحول فلا زكاة فيه وإن قال: لله علي أن أتصدق بهذا(1/245)
النصاب إذا حال عليه الحول وجبت الزكاة وتجزئة الزكاة منه ويبرأ بقدرها من الزكاة والنذر إن نواهما معا وكذا لو نذر الصدقة ببعض النصاب.
الخامس: ـ مضي الحول على نصاب تام ويعفى عن نحو ساعتين إلا في الخارج من الأرض فإذا استفاد مالا ولو من غير جنس ما يملكه فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول: إلا نتاج السائمة وربح التجارة فإن حوله حول أصله إن كان أصله نصابا وإن لم يكن نصابا فحوله من حين كمل النصاب ويضم المستفاد إلى نصاب بيده من جنسه أو في حكمه ويزكي كل مال إذا تم حوله ولا يعتبر النصاب في المستفاد وإن كان من غير جنس النصاب ولا في حكمه فله حكم نفسه: فلا يضم إلى ما عنده في حول ولا نصاب ولا شيء فيه إن لم يكن نصابا ولا يبني وارث على حول موروث بل يستأنف حولا وإن ملك نصابا صغارا انعقد عله الحول من حين ملكه: فلو تغذت باللين فقط لم تجب لعدم السوم ولا ينقطع بموت إلا مات والنصاب تام بالنتاج ولا بيع فاسد ومتى نقص النصاب في بعض الحول أو باعه أو أبدله بغير جنسه أو ارتد مالكه انقطع الحول وإلا في إبدال ذهب بفضة وعكسه وعروض تجارة وأموال الصيارف ويخرج ما معه عند وجوب الزكاة ولا ينقطع الحول فيما أبدله بحبسه مما تجب الزكاة في عينه: حتى لوم أبدل نصابا من السائمة بنصابين زكاهما ولو أبدل نصاب سائمة بمثله ثم ظهر على عيب بعد أن وجبت الزكاة فله الرد،(1/246)
ولا تسقط الزكاة عنه فإن أخرج من النصاب فله رد ما بقي ويرد قيمة المخرج والقول قوله في قيمته وإن أبدله بغير جنسه ثم رد عليه بعيب ونحوه استأنف الحول ومتى قصد بيع ونحوه الفرار من الزكاة بعد مضي أكثر الحول حرم ولو تسقط ويزكي من جنس المبيع لذلك الحول وإن قال: لم أقصد الفرار فإن دلت قرينة عليه وإلا قبل قوله وإذا تم الحول وجبت الزكاة في عين المال لا من عينه فإذا مضى حولان فأكثر على نصاب لم يؤد زكاته فزكاة واحدة وإن كان أكثر من نصاب نقص من زكاته لكل حول بقدر نقصه بها إلا ما كان زكاته الغنم من الإبل ففي الذمة وتتكرر بتكرار الأحوال ففي خمسة وعشرين بعيرا لثلاثة أحوال لأول حول بنت مخاض ثم ثمان شياه: لكل حول أربع شياه فلو لم يكن له إلا خمس من الإبل امتنعت زكاة الحول الثاني لكونها دينا ولو باع النصاب كله تعلقت الزكاة بذمته وصح البيع ويأتي قريبا وتعلق الزكاة بالنصاب كتعلق أرش جناية: لا كتعلق دين برهن ولا بمال محجور عليه لفلس ولا تعلق شركة: فله إخراجها من غيره والنماء بعد وجوبها له ولو أتلفه لزمه ما وجب في التالف لا قيمته ويتصف فيه بيع وغيره ولا يرجع بائع بعد لزوم بيع في قدرها ويخرجها فإن تعذر فسخ في قدرها إن صدقه مشتر ولمشتر الخيار فتجب بمضي الحول ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء لكن لو كان النصاب غائبا عن البلد لا يقدر على الإخراج منه لم يلزمه إخراج زكاته حتى يتمكن من الأداء منه ولو تلف المال بعد الحول قبل التمكن ضمنها ولا تسقط بتلف المال إلا الزرع(1/247)
والثمر إذا تلف بجائحة قبل حصاد وجذاذ ويأتي وما لم يخل تحت اليد كالديون وتقدم معناه وديون الله تعال من الزكاة والكفارة والنذر غير المعين ودين حج سواء فإذا مات من عليه منها زكاة أو غيرها بعد وجوبها لم تسقط وأخذت من تركته: فيخرجها وارث فإن كان صغيرا فوليه فإن كان معها دين آدمي وضاق ماله اقتسموا بالحصص إلا إذا كان به رهن فيقدم وتقدم أضحية معينة عليه ويقدم نذر بمعين على الزكاة وعلى الدين وكذا لو أفلس حي.(1/248)
باب زكاة بهيمة الأنعام
مدخل
...
باب زكاة بهيمة الأنعام
ولا تجب إلا في السائمة للدر والغسل: وهي التي ترعى مباحا كل الحول أو أكثره: طرفا أو وسطا فلو اشترى لها ما ترعاه أو جمع لها ما تأكل أو اعتلفت بنفسها أو علفها غاصب أو ربها ولو حراما فلا زكاة ولا تجب في العوامل أكثر السنة ولو لإجارة ولو كانت سائمة نصا كالإبل التي تكرى ولو نوى بالسائمة العمل لم تؤثر نيته ما لم يوجد العمل ولو سامت بعض الحول وعلفت ببعضه فالحكم للأكثر وتجب في متولد بين سائمة ومعلوفة ولا يعتبر للسوم والعلف نية: فلو سامت بنفسها أو أسامها غاصب وجب كغصبه حبا وزرعه في أرض ربه فيه العشر على مالكه كما لو نبت بلا زرع.
وهي ثلاثة أنواع:
أحدها: الإبل فلا زكاة فيها حتى تبلغ خمسا فتجب فيها شاة بصفة الإبل وجوده وردائه فإن كانت الإبل معيبة فالشاة(1/248)
صحيحة تنقص قيمتها بقدر نقص الإبل فإن أخرج شاة معيبة أو بعيرا لم يجزئه: كبقرة وكنصفي شاتين وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي العشرين أربع شياه فإن كانت الشاة من الضأن اعتبر أن يكون لها ستة أشهر فأكثر وإن كانت من المعز فسنة فأكثر وتكون أنثى فلا يجزئ الذكر وكذلك شاة الجبران وأيهما أخرج أجزأه ولا يعتبر كونها من جنس غنمه ولا جنس غنم البلد فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض لها سنة سمت بذلك لأن أمها قد حملت غالبا وليس بشرط والماخض: الحامل فإن كانت عنده وهي أعلى من الواجب فإن عدمها ـ أي ليست في ماله أوفيه لكن معيبة: أجزأه أبن لبون أو خنثي ولد لبون وهو الذي له سنتان ولو نقصت قيمته ويجزئ أيضا مكانها حق أو جذع أو ثني وأولى لزيادة السن ولا جبران ولو وجد ابن لبون فإن عدم ابن لبون لزمه شراء بنت مخاض ولا يجبر فقد الأنوثية بزيادة سن الذكر الخرج في غير بنت مخاض فلا يخرج عن بنت لبون حقا إذا لم تكن في ماله ولا عن الحقة جذعا وفي ست وثلاثين بنت لبون ولها سنتان سميت به لأن أمها وضعت فهي ذات لبن وفي ست وأربعين حق لها ثلاث سنين سميت بذلك لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها ويطرقها الفحل وفي إحدى وستين جذعة لها أربع سنين سميت بذلك لإسقاط سنها وتجزئ عنها ثنية لها خمس سنين بلا جبران سميت بذلك لأنها ألقت ثنيتها وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان(1/249)
إلى عشرين ومائة فإن زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ثم تستقر الفريضة: ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ولا أثر لزيادة بعض بعير أو بقرة أو شاة فإذا بلغت مائتين اتفق الفرضان إن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء أخرج خمس بنات لبون إلا أن يكون النصاب كله بنات لبون أو حقاقا فيخرج منه ولا يكلف غيره أو يكون مال يتيم أو مجنون فيتعين إخراج أدون مجزئ وكذا الحكم في أربعمائة وإن أخرج منها من النوعين بلا تشقيص كأربع حقاق وخمس بنات لبون أو عن ثلاثمائة حقتين وخمس بنات لبون صح أما مع الكسر فلا: كحقتين وبنتي لبون ونصف عن مائتين وإن وجد أحد الفرضين كاملا والآخر ناقصا لا بد له من جبران: مثل أن يجد أحد الفرضين كاملا والآخر ناقصا لا بد له من جبران: مثل أن يجد في المائتين خمس بنات لبون وثلاث حقاق فيتعين الكامل وهو بنات اللبون وإن كان كل واحد يحتاج إلى جبران: مثل أن يجد أربع بنات لبون وثلاث حقاق فهو مخير أيهما شاء أخرج مع الجبران فإن بذل حقة وثلاث بنات لبون مع الجبران لم يجزئه لعدوله عن الفرض مع وجوده إلى الجبران وإن لم يجد إلا حقة وأربع بنات لبون أداها وأخذ الجبران ولم يكن له دفع ثلاث بنات لبون وحقه مع الجبران وإن كان الفرضان معدومين أو معيبين فله العدول عنهما مع الجبران: فإن شاء أخرج أربع جذعات وأخذ ثمان شياه أو ثمانين درهما وإن شاء أخرج خمس بنات مخاض ومعها خمس شياه أو مائة درهم ولا يجوز أن يخرج بنات المخاض عن الحقاق هنا ويضعف الجبران ولا الجذعات عن بنات اللبون ويأخذ الجبران(1/250)
مضاعفا ولا أن يخرج أربع بنات لبون مع جبران ولا خمس حقاق ويأخذ الجبران وليس فيما بين الفريضتين شيء وهو الأوقاص فهو عفو لا تتعلق به الزكاة بل بالنصاب فقط ومن وجبت عليه سن فعدمها خير المالك في الصعود والنزول: فإن شاء أخرج سنا أسفل سنا ومعها شاتان أو عشرون درهما وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ مثل ذلك من الساعي إلا ولي يتيم ومجنون فيتعين عليه إخراج أدون مجزئ ويعتبر كون ما عدل إليه في ملكه فإن عدمها حصل الأصل فإن عدم ما يليها انتقل إلى الأخرى وضاعف الجبران فإن عدمه أيضا انتقل إلى ثالث كذلك وحيث جاز تعدد الجبران جاز جبران عنما وجبران دراهم ويجزئ إخراج جبران واحد وثان وثالث: النصف دراهم والنصف شياه فلو كان النصاب كله مراضا وعدمت الفريضة فيه فله دفع السن السفلى مع الجبران وليس له دفع الأعلى وأخذ جبران بل مجانا فإن كان المخرج ولي يتيم أو مجنون لم يجز له أيضا النزول لأنه لا يجوز أن يعطي الفضل من مالهما فيتعين شراء الفرض من غير المال ولا مدخل للجبران في غير الإبل فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد دونها حرم إخراجها وإن وجد أعلى منها فدفعها بغير جبران قبلت منه وإن لم يفعل كلف شراءها من غير ماله.(1/251)
فصل النوع الثاني البقر
ولا زكاة فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة لكل منهما سنة قد حازى قرنه أذنه غالبا وهو جذع البقر ويجزئ إخراج مسن عنه وفي أربعين مسنة وهي ثنية(1/251)
البقر ألقت سنا غالبا لها سنتان ويجوز إخراج أنثى أعلى منه بدلها لا إخراج مسن عنها وفي الستين تبيعان ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة: فإذا بلغت مائة وعشرين اتفق الفرضان: فيخير بين ثلاث مسنات وأربعة أتبعة ولا يجزى الذكر في الزكاة غير التبيع في زكاة البقر وابن لبون أو ذكر أعلى منه مكان بنت مخاض إذا عدمها وتقدم إلا أن يكون النصاب كله ذكورا فيجزى فيه ذكر في جميع أنواعها ويؤخذ من الصغار صغيرة في غنم دون إبل وبقر فلا يجزى إخراج فصلان وعجاجيل فيقوم النصاب من الكبار ويقوم فرضه ثم تقوم الصغار ويؤخذ عنها كبيرة بالقسط والتعديل بالقيمة مكان زيادة السن ولو كانت دون خمس وعشرين من الإبل صغار اوجب في كل خمس شاة كالكبار وتؤخذ من المراض مريضة فإن اجتمع صغار وكبار وصحاح ومعيبات وذكور وإناث لم يؤخذ إلا أنثى صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين إلا إذا لزمه شاتان في مال كله معيب إلا واحدة: كمائة وإحدى وعشرين شاة الجميع معيب إلا واحدة أو كانت المائة وإحدى وعشرون سخالا إلا واحدة كبيرة فيخرج في الأولى الصحيحة ومعيبة معها وفي الثانية الشاة وسخلة معها فإن كانت نوعين كالبخاتي والعراب والبقر والجواميس والضأن والمعز والمتولد بين وحشي وأهلي ـ أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين فإن كان فيه كرام ولئام وسمان ومهازيل وجب الوسط بقدر قيمة المالين وإن أخرج عن(1/252)
النصاب من غير نوعه ما ليس في ماله منه جاز إن لم تنقص قيمة المخرج عن النوع الواجب.(1/253)
فصل النوع الثالث الغنم
ولا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين فتجب فيها شاة إلى مائة وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى أربعمائة فيجب فيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة شاة ويؤخذ من معز ثني ومن ضأن جذع هنا وفي كل موضع وجبت فيه شاة على ما يأتي بيانه في الأضحية وتقدم بعضه ولا يؤخذ تيس إلا فحل ضراب لخيره برضاه ربه: حيث يؤخذ ذكر ويجزئ ولا هرمة ولا ذات عوار ـ وهي المعيبة بذهاب عضو أو غيره عيبا يمنع التضحية بها ـ إلا أن يكون النصاب كله كذلك ولا الربى ـ وهي التي لها ولد تربيه ـ ولا حامل ولا طروقة الفحل لأنها تحمل غالبا ولا خيار المال ولا إلا كولة ـ وهي السمينة ـ ولا سن من جنس الواجب أعلى منه إلا برضا ربه: كبنت لبون عن بنت مخاض ولا يجزي إخراج القيمة: سواء كان حاجة أو مصلحة أو في الفطرة أولا وإن أخرج سنا أعلى من الفرض من جنسه أجزأ فيجزئ مسن عن تبيع وأعلى من المسنة عنها وبنت لبون عن بنت مخاض وحقة عن بنت لبون وجذعة عن حقة ولو كان الواجب عنده وتقدم بعض ذلك ونجزئ ثنية وأعلى مها عن جذعة ولا جبران.(1/253)
فصل الخلطة في المواشي
لها تأثير في الزكاة إيجابا وإسقاطا: فتصير الأموال كالموال الواحد في نصاب الزكاة دون الحول فإذا اختلط(1/253)
نفسان أو أكثر من أهل الزكاة في نصاب من الماشية حولا لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعضه فحكمهما في الزكاة حكم الواحد سواء كانت خلطة أعيان: بأن يملكا مالا مشاعا بإرث أو شراء أو وهبة أو غيره: أو خلطة أوصاف: بأن يكون مال كل منهما متميزا فلو استأجر لرعي غنمه بشاة منها فحال الحول ولم يفردها فهما خليطان ولو كانت لأربعين من أهل الزكاة أربعون شاة مختلطة لزمهم شاة ومع إنفرادهم لا يلزمهم شيء ولو كان لثلاثة أنفس مائة وعشرون لكل واحد أربعون شاة لزمتهم شاة واحدة ومع انفرادهم ثلاث شياة ويوزع الواجب على قدر المال مع الوقص: فستة أبعرة مختلطة مع تسعة يلزم رب الستة شاة وخمس شاة ويلزم رب التسعة شاة وأربعة أخماس شاة.
ويشترط في خلطه أوصاف إشتراكهما في مراح ـ بضم الميم وهو المبيت والماوى أيضا ـ ومسح: وهو مكان اجتماعهما لتذهب إلى المرعى ومشرب: وهو مكان الشرب فقط ومحلب: وهو موضع الحلب وفحل وهو عدم اختصاصه في طرقه بأحد المالين إن اتحد النوع فإن اختلف كالضان والمعز والجاموس والبقر لم يضر اختلاف الفحل للضرورة ومرعى: وهو موضع الرعي ووقته وراع على منصوص أحمد والحديث ويظهر أن اتحاده كما في الفحل ولا تعتبر نية خلطة كالأوصاف والأعيان ولا خلط اللبن ولا أثر لخلطة من ليس من أهل الزكاة كالكافر والمكاتب والمدين ولا فيما دون نصاب ولا خلطة الغاصب بمغصوب فإن اختل شرطا منها أو ثبت لها حكم الانفراد في(1/254)
بعض الحول: كأن اختلطا في أثناء الحول في نصابين بعد انفرادهما زكيا زكاة المنفردين فيه وفيما بعده زكاة الخلطة وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده: مثل أن يكون لرجل نصاب ولآخر دونه ثم اختلطا في أثناء الحول فإذا تم حول الأول فعليه شاة وإذا تم حول الثاني فعليه زكاة الخلطة أو يملك نفسان كل واحد أربعين شاة فخلطاها في الحال من غير مضي زمن إن أمكن ثم باع أحدهما نصيبه أجنبيا أو يكون لأحدهما نصاب منفرد فيشتري الآخر نصابا ويخلطه به في الحال كما تقدم فإن المشتري ملك أربعين مختلطة لم يثبت لها حكم الانفراد فإذا تم حول الأول لزمه زكاة إنفراد: شاة إن كان الأول أخرجها من غير المال وإن كان أخرجها منه لزم الثاني أربعون جزأ من تسعة وسبعين جزأ من شاة ثم يزكيان فيما بعدى ذلك الحول زكاة الخلطة: كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ماله منهما وأبين من هذين المثالين لو ملك نصابين شهرا ثم باع أحدهما مشاعا كما يأتي قريبا ومن كان بينهما نصاب خلطة ثمانون شاة فباع كل منهما غنمه بغنم صاحبه واستداما الخلطة لم ينقطع حولهما ولم يزل خلطهما وكذا لو تبايعا البعض بالبعض قل أو كثر ولو ملك رجل نصابا شهرا ثم باع أحدهما مشاعا ثبت للبائع حكم الانفراد وعليه عند تمام حوله زكاة منفرد كان المال ستين في هذه المسألة والمبيع ثلثها زكى البائع بشاة وإذا ملك نصابا شهرا ثم ملك آخر لا يتغير به الفرض مثل أن يملك أربعين شاة في المحرم(1/255)
ولربعين في صفر فعليه زكاة الأول عند تمام حوله ولا شيء عليه في الثاني وإن كان الثاني يتغير به الفرض: مثل أن يكون مائة شاة فعليه زكاته إذا تم حوله وقدرها بأن تنظر إلى زكاة الجميع فتسقط منها ما وجب في الأول ويجب الباقي في الثاني وهو شاة وإن كان الثاني يتغير به الفرض ولا يبلغ نصابا: مثل أن يملك ثلاثين من البقر في المحرم وعشرا في صفر فعليه في العشر إذا تم حولها زكاة خلطة: ربع مسنة وإن ملك مالا يبلغ نصابا ولا يغير الفرض كخمس فلا شيء فيها ومثله لو ملك عشرين شاة بعد أربعين أو ملك عشرا من البقر بعد أربعين منها فلا شيء فيها وإذا كان بعض مال الرجل مختلطا وبعضه الآخر منفردا أو مختلطا مع مال لرجل آخر فإنه يصير ماله كله كالمختلط: إن كان مال الخلطة نصابا وإلا لم يثبت حكمها وإذا كان لرجل ستون شاة كل عشرين منها مختلطة بعشرين لآخر فعلى الجميع شاة نصفها على صاحب الستين ونصفها على خلطائه على كل واحد سدس شاه ضما لمال كل خليط إلى مال الكل فيصير كمال واحد وإن كان كل عشر منها مختلطة بعشر لآخر فعليه شاة ولا شيء على خلطائه لأنهم لم يختلطوا في نصاب وإذا كانت ماشية الرجل متفرقة في بلدين فأكثر لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة وإن كان بينهما مسافة قصر فلكل مال حكم نفسه كما لو كان لرجلين ولا تؤثر تفرقة البلدان في غير الماشية ولا الخلطة في غير السائمة وللساعي أخذ الفرض من مال أي الخليطين شاء مع الحاجة وعدمها ولو بعد قسمة في خلطة أعيان وقد وجبت الزكاة(1/256)
مع بقاء التعيين ويرجع المأخوذ منه على خلطه بقيمة حصته يوم أخذت فإذا أخذ الفرض من مال رب الثلث رجع بقيمة ثلثي المخرج على شريكه وإن أخذه من الآخر رجع بقيمة ثلثه فإن اختلفا في قيمة المأخوذ فقول المرجوع عليه مع يمينه إذا احتمل صدقه وعدمت البينة وإذا أخذ الساعي أكثر من الفرض بلا تأويل كأخذه عن أربعين مختلطة شاتين من مال أحدهما أو عن ثلاثين بعيرا: جذعة ـ رجع على خلطه في الأولى بقيمة نصف شاة وفي الثانية بقيمة نصف بنت مخاض ولم يرجع بالزيادة لأنها ظلم فلا يرجع بها على غير ظالمه وإذا أخذه بتأويل كأخذ صحيح عن مراض أو كبيرة عن صغار أو قيمة الواجب ـ رجع عليه ويجزئ ولو أعتقد المأخوذ منه عدم الأجزاء ومن بذل الواجب لزم قبوله ولا تبعة عليه ويجزئ إخراج بعض الخلطاء بدون إذن بقيتهم مع حضورهم وغيبتهم والاحتياط بإذنهم ومن أخرج منهم فوق الواجب لم يرجع بالزيادة.(1/257)
باب زكاة الخارج من الأرض
مدخل
...
باب زكاة الخارج من الأرض
تجب الزكاة في كل مكيل مدخر: من قوت وغيره فتجب في كل الحبوب: كالحنطة والشعير والسلت ـ وهو نوع من الشعير لونه لون الحنطة وطبعه طبع الشعير في البرودة ـ والذرة والقطنيات: والباقلاء والحمص واللوبيا والعدس والماش والترمس: حب عريض أصغر من الباقلاء والدخن والأرز والهرطمان وهو الجلبانة(1/257)
والكرسنة والحلبة والخشخاش والسمسم ولا يجزئ الإخراج من شيرجه وكبزر البقول كلها: كالهندبا والكرفس والبصل وبزر قطونا ونحوها وبزر الرياحين جميعا وأبازير القدر: كالكزبرة والكمون والكراويا والشونين وكذا حب الرازيانج وهو الشمر والأنسيون والشهدانج: وهو حب القنب والخردل وبزر الكتان والقطن واليقطين والقرطم والقثاء والخيار والبطيخ والرشاد والفجل وبزر البقلة الحمقاء ونحوه وتجب في كل ثمر يكال ويدخر كالثمر والزبيب واللوز والفستق والبندق والسماق لا في عناب وزيتون وقطن وكتان وقنب وزعفران وورس ونيل وفوة وغبيراء وحناء ونارجيل وجوز وسائر الفواكه كالتين والمشمش والتوت والأظهر وجوبا في العناب والتين والمشمس والتوت ولا تجب في التفاح والأنجاص والخوخ والكمترى والسرفجل والرمان والنبق والزعرور والموز ولا في قصب السكر والخضر كبطيخ وقثاء وخيار وباذنجان ولفت ـ وهو السلجم ـ وسلق وكرنب وقنبيط وبصل وثوم وكراث وجزر وفجل ونحوه ولا في البقول كالهندبا والكرفس والنعناع والرشاد وبقلة الحمقاء والقرظ والكزبرة والجرجير ونحوه ولا في المسلك والزهر كالورد والبنفسح والنرجس واللينوفر والخيرى ـ وهو المنثور ـ ونحوه! ولا في طلع الفحال ـ بضم أوله وتشديد ثانيه: وهو ذكر النخل ـ ولا في السعف وهو أغصان النخل ولا في الخوص وهو ورقه ولا في قشور الحب والتين والحطب والخشب وأغصان الخلاف وورق التوت(1/258)
والكلأ والقصب الفارسي ولبن الماشية وصوفها ونحو ذلك وكذا الحرير ودود القز وتجب الزكاة في صعتر وأشنان وحب ذلك وكل مقصود كورق سدر وخطمى وآس وهو المرسن.(1/259)
فصل ويعتبر لوجوبها شرطان
أحدهما أن يبلغ نصابا قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع: خمسة أرطال وثلث بالعراقي فيكون النصاب في الكل ألفا وستمائة رطل عراقي وهو ألف وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلا وأربعة أسباع رطل مصري وما وافقه وثلاثمائة واثنان وأربعون رطلا وستة أسباع رطل دمشقي وما وافقه ومائتان وخمسة وثمانون رطلا وخمسة أسباع رطل حلبي وما وافقه ومائتان وسبعة وخمسون رطلا وسبع رطل قدسي وما وافقه ومائتان وثمانية وعشرون رطلا وأربعة أسباع رطل بعلي وما وافقه والوسق والصاع والمد: مكاييل نقلت إلى الوزن لتحفظ وتنقل والمكيل يختلف في الوزن: فمنه ثقيل ومتوسط: كبر وعدس وخفيف: كشعير وذرة فالاعتبار في ذلك بالمتوسط نصا ومثل مكيله من غيره وإن لم يبلغ الوزن نصا: فمن اتخذ وعاء يسع خمسة أرطال وثلثا عراقية من جيد البر ثم كال به ما شاء عرف ما بلغ حد الوجوب من غيره فإن شك في بلوغ قد النصاب ولو يجد ما يقدره به احتاط وأخرج ولا يجب ونصاب علس؟ وهو نوع من الحنطة وأرز يدخران في قشريهما عادة لحفظهما عشرة أوسق إذا كان ببلد قد خبره أهله وعرفوا أنه يخرج منه مصفي(1/259)
النصف لأنه يختلف في الخفه والثقل فيرجع إلى أهل الخبرة ويؤخذ بقدره وإن صفيا فنصاب كل منهم خمسة أوسق فإن شك في بلوغهما نصابا خير بين أن يحتاط ويخرج عشره قبل قشره وبين قشره واعتباره بنفسه كمغشوش أثمان ولا يجوز تقدير غيره من الحنطة في قشره ولا إخراجه قبل تصفيته وتضم ثمرة العام الواحد وزرعه بعضها إلى بعض في تكميل النصاب ولو أختلف وقت إطلاعه وإدراكه بالفصول وسواء تعدد البلد أولا فإن كان له نخل تحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر كزرع العام الواحد ولا تضم ثمرة عام واحد ولا زرعه إلى آخره وتضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض في تكميل النصاب: فالسلت نوع من الشعير فيضم إليه والعلس نوع من الحنطه فيضم إليها ولا يضم جنس إلى آخر كأجناس الثمار والماشيه ولا تضم الأثمان إلى شيء منها إلا إلى عروض التجارة ويأتي في الباب بعده ـ الثاني: أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة فتجب فيما ثبت بنفسه مما يزرعه الآدمي: كمن سقط له حب في أرضه أو أرض مباحة ولا تجب فيما يكتسبه اللقاط أو يوهب له أو يأخذه أجرة لحصاده ودياسه ونحوه ولا فيما يملك من زرع وثمرة بعد بدو صلاحه بشراء أو إرث أو غيرها ولا فيما يجتنبه من مباح كبطم وزعبل ـ وهو شعير الجبل ـ وبزر قطونا وكزبرة وعفض وأشنان وسماق غيره وسواء أخذه من موات أو نبت في أرضه لأنه لا يملك إلا يأخذه.(1/260)
فصل ويجب العشر
واحد من عشرة فيما سقى بغير مؤنة كالغيث: وهو المطر والسيوح كالأنهار والسواقي وما يشرب بعروقه وهو البعل ولا يؤثر حفر الأنهار والسواقي وتنقيتها وسقى في نقص الزكاة لقلة المؤنة وكذا من يحول الماء في السواقي لأنه كحرث الأرض وإن اشترى ماء بركة أو حفيرة وسقى به سيحا فالعشر وكذا إن جمعه وسقى به ويجب نصف العشر فيما سقى بكلفة كالدوالي: جمعى دالية وهي الدولاب تديره البقر والناعورة: يديرها الماء والساقية والنواضح وأحدهما ناضح وناضحة: وهما البعير يستقي عليه وما يحتاج في ترقيتة الماء إلى الأرض إلى آلة من غرب أو غيره ـ وقال الشيخ: وما يديره الماء من النواعير ونحوها مما يصنع من العام إلى العام أو في أثناء العام ولا يحتاج إلى دولاب يديره الدواب يجب فيه العشر لأن مؤنته خفيفة فهي كحرث وإصلاح طرق الماء فإن سقى بكلفة وبغير كلفة سواء وجب ثلاثة أرباع العشر فإن سقى بأحدهما أكثر أعتبر أكثرها فإن جهل المقدار وجب العشر والاعتبار بالأكثر نفعا ونموا لا بالعدد والمدة ومن له حائطان أو أرضان ضما في تكميل النصاب ولكل منهما حكم نفسه في سقيه بمؤنة أو بغيرها ويصدق المالك فيما سقى به بلا يمين وإذا اشتد الحب وبدا إصلاح الثمرة: ففي فستق وبندق ونحوه انعقاد لبه وفي غيره كبيع: وجبت الزكاة فإن قطعها قبله لغرض صحيح كأكل أو بيع أو تجفيف أو تحسين بقيتها فلا زكاة فيه وإن فعله فرارا من الزكاة أثم ولزمته ولو باعه أو وهبه خرص أم لا فزكاته عليه(1/261)
لا على المشتري والمهوب له ولو مات وله ورثة لم تبلغ حصة واحد منهم نصابا لم يؤثر ذلك ولو ورثه من عليه دين لم يمنع دينه الزكاة ولو كان ذلك قبل صلاح الثمر واشتداد الحب انعكست الأحكام ولو باعه وشرط الزكاة على المشتري صح فإن لم يخرجها المشتري وتعذر الرجوع عليه ألزم بها البائع ويفارق إذا استثنى زكاة نصاب ماشية للجهالة أو اشترى ما لم يبد صلاحه بأصله فإن لا يجوز شرط المشتري زكاته على البائع ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في جرين وبيدر ومسطاح فإن تلفت قبله بغير تعد منه سقطت الزكاة: خرصت أو لم تخرص وإن تلف البعض زكى الباقي إن كان نصابا وإلا فلا أو إن تلفت بعد الاستقرار لم تسقط وإن ادعى تلفها قبل قوله بغير يمين ولو اتهم إلا أن يدعيه بجائحة ظاهرة تظهر عادة فلا بد من بينة ثم يصدق في قدر التالف ويجب إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابسا فلو خالف وأخرج سنبلا ورطبا وعنبا لو يجزئه ووقع نفلا فلو كان الأخذ الساعي فإن جففه وصفاه وجاء قدر الواجب أجزأه وإلا رد الفضل إن زاد وأخذ النقص إن نقص وإن كان بحاله رده وإن تلف رد بدله وإن احتيج إلى قطع ثمر يجئ منه ثمر وزبيب مثلا بعد بدو صلاحه وقبل كماله لضعف أصل ونحوه كخوف عطش أو تحسين بقيته جاز وعليه زكاته يابسا كما لو قطع لغرض البيع بعد خرصه ويحرم قطعه مع حضور ساع إلا بإذنه وإن كان رطبا لا يجئ منه ثمرا وعنبا لا يجئ منه زبيب وجب قطعه وفيه الزكاة إن بلغ نصابا يابسا من(1/262)
غيره: تمرا أو زبيبا مقدرا بغيره خرصا وإلا فمستحيل أن يخرج من عينه تمر أو زبيب إذا لم يجئ تمر أو زبيب أو يخرج منه رطبا وعنبا اختاره القاضي وجماعة وله أن يخرج الواجب منه مشاعا أو مقسوما بعد الجذاذ أو قبله بالخرص فيخير الساعي بين مقاسمة رب المال الثمرة قبل الجذاذ فيأخذ نصيب الفقراء شجرات مفردة وبين مقاسمته بعد جذها بالكيل وله بيعها منه أو من غيره والمذهب أنه لا يخرج عنه إلا يابسا فإن أتلف النصاب ربه بقيت الزكاة في ذمته: تمرا أو زبيبا وظاهره ولو لم يتلفه فإن لم يجدهما بقيا في ذمته فيخرجه إذا قدر عليه والمذهب أيضا أنه يحرم ولا يصح شراءه زكاته ولا صدقته وسواء اشتراها ممن أخذها منه أو من غيره وإن رجعت إليه بإرث أو هبة أو وصية أو أخذها من دينه أو ردها له الإمام بعد قبضه منه لكونه من أهلها كما يأتي.(1/263)
فصل ويسن أن يبعث الإمام ساعيا خارصا إذا بدأ صلاح الثمر
ويعتبر أن يكون مسلما أمينا خبيرا غير متهم ولو عبدا ويكفي خارص واحد وأجرته على رب النخل والكرم فيخرص ثمرها على أربابه ولا تخرص الحبوب ولا ثمر غيرهما والخرص حزر مقدار الثمرة في رؤس النخل والكرم وزنا بعد أن يطوف به ثم يقدره تمرا ثم يعرف المالك قدر الزكاة ويخيره بين أن يتصرف بما شاء ويضمن قدها وبين خفظها إلى وقت الجفاف فإن لم يضمن وتصرف صح تصرفه وكره وإن حفطها إلى وقت الجفاف زكى الموجود فقط وافق قول الخارص أولا وسواء اختار حفظها ضمانا: بأن يتصرف أو أمانة(1/263)
وإن أتلفها المالك أو تلفت بتفريطه ضم زكاتها بخرصها تمرا وإن ترك الساعي شيا من الواجب أخرجه المالك فإن لم يبعث ساعيا فعلى رب المال من الخرص ما يفعله الساعي إن أراد تصرف ليعرف قدر الواجب قبل تصرفه ثم إن كان أنواعا لزم خرص كل نوع وحده لاختلاف الأنواع وقت الجفاف وإن كان نوعا واحدا فله خرص كل شجرة وحدها وله خرص الجميع دفعة واحدة وإن ادعى رب المال غلط الخارص غلطا محتملا قبل قوله بغير يمين كما لو قال: لم يحصل في يدي غير كذا وإن فحش لم يقبل وكذا إن ادعى كذبه عمدا ويجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع فيجتهد الساعي بحسب المصلحة ولا يكمل بهذا القدر المتروك النصاب إن أكله وإن لم يأكله كمل به ثم يأخذه زكاة الباقي سواء بالقسط وإن لم يترك الخارص شيئا فلرب المال الأكل هو وعياله قدر ذلك ولا يحتسب به عليه ويأكل هو من حبوب ما جرت به العادة كفريك ونحوه وما يحتاجه ولا يحتسب به عليه ولا يهدي ولا يأكل من زرع وثمر مشترك شيئا إلا بإذن شريكه ويأخذ العشر من كل نوع على حدته بحصته ولو شق لكثرة الأنواع واختلافها ولا يجوز إخراج جنس عن جنس آخر: فإن أخرج الوسط عن جيد وردئ قدر قمتي الواجب منها أو أخرج الرديء عن الجيد بالقيمة لم يجزئه ويجب العشر على المستأجر والمستعير دون المالك الخراج عليه دونهما ولا زكاة في قدر الخراج إذا لم يكن له مال يقابله لأنه كدين(1/264)
آدمي ولأنه من مؤنة الأرض: كنفقة زرعه وإذا لم يكن له سوى غلة الأرض وفيما فيه زكاة وما لا زكاة فيه كالخضر ـ جعل الخراج في مقابلته لأنه أحوط للفقراء ولا ينقص النصاب بمؤنة الحصاد والدياس وغيرهما منه لسبق الوجوب ذلك وتلزم الزكاة في المزارعة الفاسدة من حكم بالزرع له وإن كانت صحيحة فعلى من بلغت حصته منهما نصابا العشر ومتى حصد غاصب الأرض زرعه استقر ملكه وزكاته وإن تملكه رب الأرض قبل اشتداد الحب زكاه وكره الإمام أحمد الحصاد والجذاذ ليلا ويجتمع العشر والخراج في كل أرض خراجية: فالخراج في رقبتها والعشر في غلته إن كانت لمسلم ـ وهي: ما فتحت عنوى ولو تقسم ـ وما جلا عنها أهلها خوفا منا: ـ وما صولحوا عليها على أنها لنا ونفقرها معهم بالخراج والأرض العشرية لإخراج عليها ـ وهي: الأرض المملوكة التي أسلم أهلها عليها كالمدينة ونحوها ـ وما أحياه المسلمون واختطوه كالبصرة ـ وما صالح أهلها على أنها لهم بخراج يضرب عليها كاليمن ـ وما أقطعها الخلفاء الراشدون إقطاع تمليك ـ وما فتح عنوة وقسم: كنصف خيبر ـ وللإمام إسقاط الخراج على وجه المصلحة ويأتي ويجوز لأهل الذمة شراء أرض عشرية من مسلم: كالخراجية ولا عشر عليه كالسائمة وغيرها لا زكاة فيها لكن يكره للمسلم بيع أرضه من ذمي وإجارتها نصا لإفضائه إلى إسقاط عشر الخارج منها إلى لتغلبى فلا يكره ذلك ولا شيء على ذمي فيما اشتراه من أرض خراجية لا فيما استأجره أو استعاره من مسلم إذا زرعه ولا فيما إذا جعل داره(1/265)
بستانا أو مزرعة ولا فيما إذا رضخ الإمام له أرضا من الغنيمة أو أحيا مواتا.(1/266)
فصل وفي العسل العشر
سواء أخذه من موات أو من ملكه أو ملك غيره لأنه لا يملك بملك الأرض كالصيد ونصابه عشرة أفراق كل فرق ـ بفتح الراء ـ ستة عشر رطلا عراقية: فيكون مائة وستين رطلا ولاتتكرر زكاة معشرات ولو بقيت أحوالا ما لم تكن للتجارة ولا شيء في المن والترنجبيل والشيرخشك ونحه مما ينزل من السماء: كاللآذن وهو طل وندى ينزل على نبت تأكله المعزى فتتعلق الرطوبة بها فيؤخذ وتضمين أموال العشر والخراج باطل وعلله في الأحكام السلطانية غيره الأحكام السلطانية وغيرها بأن ضمانها بقر معلوم يقتضي الاقتصار عليه في تملك ما زاد وغرم ما نقص وهذا مناف لموضوع العمالة وحكم الأمانة.(1/266)
فصل في المعدن
وهو كل متولد في الأرض من جنسها ليس نباتا: فمن استخرج من أهل الزكاة من معدن في أرض مملوكة له أو مباحة أو مملوكة لغيره إن كان جاريا ولو من داره ـ نصاب ذهب أو فضة أو ما يبلغ قيمة أحدهما من غيره بعد سبكه وتصفيته: منطبعا كان كصفر ورصاص وحديد أو غير منطبع كياقوت وعقيق وبنفش وزبرجد وموميا 1 ونورة وبشم وزاج وفيروزج وبلور وسبح وكحل ومغرة وكبريت وزفت وزئبق وزجاج وملح وقار وسندروس ونفط وغيره مما يسمى معدنا: ففيه الزكاة في الحال
__________
1 معدن في قوة القارة - الزفت.(1/266)
ربع العشر من قيمتها أو من عينها إن كانت أثمانا وما يجده في ملكه أو موات فهو أحق به فإن استبق اثنان إلى معدن في موات فالسابق أولى به مادام يعمل فإن تركه جاز لغيره العمل فيه وما يجده في مملوك يعرف مالكه فهو لمالك المكان إن كان جامدا وأما الجاري فمباح على كل حال ولا يمنع الذمي من معدن ولو بدارنا ولا زكاة فيما يخرجه كالمكاتب المسلم لأنهما ليسا من أهل الزكاة ويأتي ذكر المعادن في بيع الأصول ووقت وجوبها بظهوره واستقرارها بإحرازه: سواء استخرجه في دفعة أو دفعات لم يترك العمل بينها ترك إهمال وحده ثلاثة أيام إن لم يكن عذر فإن كان فبزواله فلا أثر لتركه لإصلاح آلة ومرض وسفر يسير واستراحة ليلا أو نهار مما جرت به العادة أو اشتغاله بتراب خرج بين النيلين أو هرب عبده أو أجيره ونحوه فيضم الجنس الواحد بعضه إلى بعض ولو من معادن في تكميل نصاب ولا يضم جنس إلى آخر غير نقد ولو كانت متقاربة كقار ونفط وحديد ونحاس ولو من معدن واحد ولا ضم مع الإهمال ولا يجوز إخراجها إذا كانت أثمانا إلا بعد سبك وتصفية فإن وقت الإخراج عقبها فإن أخرج قبل ذلك لم يجز ورد عليه إن كان باقيا أو قيمته إن تلف فإن اختلفوا في القيمة أو القدر فالقول قول القابض مع يمينه فإن صفاه آخذه فكان قدر الواجب أجزأ وإن نقص فعلى المخرج النقص وإن زاد رد الزيادة عليه إلا أن يسمح به ولا يرجع بتصفيته ومؤنة تصفيته وسبكه على مستخرجه فلا يحتسب بذلك(1/267)
كالحبوب فإن كان ذلك دينا احتسب عليه كما يحتسب بما أنفق على الزرع ولا تتكرر زكاته إذا لم يقصد به التجارة إلا أن يكون نقدا وإن استخرج أقل من نصاب فلا شيء فيه ولا زكاة فيما يخرج من البحر من اللؤلؤ والمرجان والعنبر وغيره والحيوان كصيد بر وإن كان المعدن بدار حرب ولم يقدر على إخراجه إلا بقوم لهم منعة فغنيمة: يخمس بعد ربع العشر.(1/268)
فصل ويجب في الركاز الخمس
في الحال أي نوع كان من المال ولو غير نقد قل أو كثر ويجوز إخراج الخمس من غيره ويصرف مصرف الفيء المطلق للمصالح كلها ويجوز للإمام رد خمس الركاز أو بعضه لواجده بعد قبضه وتركه له قبل قبضه: كالخراج وكما له رد خمس الفيء والغنيمة له أيضا رد الزكوات على من أخذت منه إن كان من أهلها لأنه أخذ بسبب متجدد كإرثها وقبضها عن دين كما تقدم في الباب فإن تركها له من غير قبض لم يبرأ ويجوز لواجده تفرقته بنفسه وباقيه له ولو ذميا ومستأمنا بدارنا ومكاتبا وصغيرا ومجنونا ويخرج عنهما الولي إلا أن يكون واجده أجيرا فيه لطالبه فلمستأجره ولو أستؤجر لحفر بئر أو هدم شيء فوجده فهو له لا لمستأجر وإن وجد عبد فهو من كسبه لسيده وإن وجد واجده من موات أو شارع أو أرض لا يعلم مالكها أو على وجه هذه الأرض أو في طريق غير مسلوك أو خربة أو في ملكه الذي أحياه ـ وإن علم(1/268)
مالكها ـ أو كانتا منتقلة إليه فهو له أيضا1 إن لم يدعه المالك لأن الركاز لا يملك بملك الأرض: فلو ادعاه بلا بينة ولا وصف فله مع يمينه وإن اختلف الورثة فادعى بعضهم أنهه لورثهم وأنكر البعض فحكم من أنكر في نصيبه حكم المالك الذي لم يعترف به وحكم المدعين حكم المالك المعترف وإن وجد فيها لقطة فواجدها أحق من صاحب الملك وكذا حكم المستأجر والمستعير يجد في الدار ركازا أو لقطة فإن ادعى كل منهما أنه وجده أولا أو دفنه فقول مكتر لزيادة اليد إلا أن يصفه أحدهما فيكون له مع يمينه والركاز: ما وجد من دفن الجاهلية أو من تقدم من كفار في الجملة في دار إسلام أو عهد أو دار حرب وقدر عليه وحده أو بجماعة لا منعة لهم فإن لم يقدر عليه في دار الحرب إلا بجماعة لهم منعة فغنيمة: عليه أو على بعضه علامة كفر فقط فإن كان عليه أو على بعضه علامة المسلمين أو لم تكن عليه علامة كالأواني والحلي والسبائك فهو لقطة.
__________
1 أي فهو لواجه في جميع هذه الصور.(1/269)
باب زكاة الذهب والفضة وحكم التحلي
مدخل
...
باب زكاة الذهب والفضة وحكم التحلي
تجب زكاتها ويعتبر النصاب فنصاب الذهب عشرون مثقالا زنة المثقال دهم وثلاثة أسباع درهم ولم تتغير في جاهلية ولا في إسلام وهو ثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة وقيل: ثنتان وثمانون حبة(1/269)
وثلاثة أعشار حبة من الشعير المطلق ولا تنافي بينهما وزنة العشرين مثقالا بالدراهم ثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وبدينار الوقت الآن الذي زنته درهم وثمن درهم خمسة وعشرون دينار وسبعا دينار وتسعه ونصاب الفضة مائتا درهم وبالمثاقيل مائة وأربعون مثقالا وفيهما ربع العشر مضروبين أو غير مضروبين والاعتبار بالدرهم الإسلامي الذي زنته ستة دوانق والعشرة دراهم سبعة مثاقيل فالدرهم نصف مثقال وخمسه وكان الدراهم في صدر الإسلام صنفين: سوداء وهي البغلية نسبة إلى ملك يقال له رأس البغل: الدرهم منها ثمانية دوانق والطبرية نسبة إلى طبرية الشام: الدرهم منها أربعة دوانق فجمعتهما بنو أمية وجعلوهما درهمين متساويين: كل درهم ستة دوانق فيرد ذلك كله إلى المثقال والدرهم الإسلامي ولا زكاة في مغشوشهما حتى يبلغ قدر ما فيه من الخالص نصابا فإن شك هل فيه نصاب خالص خير: بين سبكه وإخراج قدر زكاة نقده إن بلغ نصابا وبين استظهاره وإخراج زكاته بيقين وإن وجبت الزكاة وشك في زيادة استظهر فألف ذهب وفضة مختلطة: ستمائة من أحدهما واشتبه عليه من أيهما وتعذر التمييز ـ زكى ستمائة ذهبا وأربعمائة فضة وإن أراد أن يزكي المغشوشة منها وعلم قدر الغش في كل دينار جاز وإلا لم يجزئه إلا أن يستظهر فيخرج قدر الزكاة بيقين وإن أخرج مالا غش فيه فهو أفضل ويعرف قدر غشه حقيقة بأن يدع ماء في إناء ثم يعد فيه ذهبا خالص زنة المغشوش ويعلم علو الماء ثم يرفعه ويدع بدله فضة خالصة زنة المغشوش ويعلم علو الماء وهو أعلى من الأول لأن الفضة(1/270)
أضخم من الذهب ثم يرفعها ويدع المغشوش ويعلم علو الماء ثم يمسح ما بين العلامة الوسطى والعليا وما بين الوسطى والسفلى فإن كان الممسوحان سواء فنصف المغشوش ذهب ونصفه فضة وإن زاد أو نقص فبحسابه فعلى هذا لو كان ما بين العليا إلى الوسطى ثلثي ما بين العلامتين وما بين السفلى إلى الوسطى ثلثه كانت الفضة ثلثين والذهب ثلث وبالعكس الذهب الثلثان والأولى أن يكون الإناء ضيقا ويتعين أن يكون علاه وأسفله في السعة والضيق سواء: كقصبة ونحوها ولا زكاة في غشها إلا أن يكون فضة: فيضم إلى ما معه من النقد فضة كان أو ذهبا ويكره ضرب نقد مغشوش واتخاذه نص عليه ويجوز المعاملة به مع الكراهة إذا أعلمه بذلك وإن جهل قدر الغش قال الشيخ الكيمياء غش وهي تشبيه المصنوع من ذهب أو فضة بالمخلوق باطلة في العقل محرمة بلا نزاع بين علماء المسلمين ولو ثبتت على الروابص ويقترن بها كثيرا السيمياء التي هي من السحر ومن طلب زيادة المال بما حرمه الله عوقب بنقيضه كالمرابي وهي أشد تحريما منه ولو كنت حقا مباحا لوجب فيها خمس أو زكاة ولم يوجب عالم فيها شيئا والقول بأن قرون عملها باطل ولم يذكرها أو يعملها إلا فيلسوف أو إتحادي أو ملك ظالم وقال: ينبغي للسلطان أن يضرب لهم فلوسا تكون بقيمة العدل في معاملاتهم من غير ظلم لهم ولا يتجر ذو السلطان في الفلوس بأن يشتري نحاسا فيضربه فيتجر فيه ولا بأن يحرم عليهم الفلوس التي بأيديهم ويضرب لهم غيرها بل يضرب بقيمته من غير(1/271)
ربح فيه للمصلحة العامة ويعطي أجرة الصناع من بيت المال فإن التجارة فيها ظلم عظيم من أبواب ظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل فإنه إذا حرم المعاملة بها صارت عرضا وإذا ضرب لهم فلوسا أخرى أفسد ما كان عندهم من الأموال بنقص أسعارها فظلمهم فيما يضربه بإغلاء سعرها وفي السنن عنه صلى لله عليه وسلم: أنه نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس فإذا كانت مستوية الأسعار بسعر النحاس ولم يشتر ولي الأمر النحاس والفلوس الكاسدة ليضربها فلوسا ويتجر في ذلك حصل المقصود من الثمينة وكذلك الدراهم انتهى ولا يضرب لغير السلطان لأن الناس إن رخص لهم ركبوا العظائم ويخرج عن جيد صحيح ورديء من جنسه ومن كل نوع بحصته وإن أخرج بقدر الواجب من الأعلى كان أفضل وإن أخرج عن الأعلى مكسرا أو بهرجا ـ وهو الرديء ـ زاد قدر ما بينهما من الفضل وأجزأ وإن أخرج من الأعلى بقدر القيمة دون الوزن لم يجزئه ويجزئ قليل القيمة عن كثيرها مع الوزن ويجزئ مغشوش عن جيد ومكسر عن صحيح وسود عن بيض مع الفضل بينهما ولا يلزم قبول رديء عن جيد في عقد وغيره ويثبت الفسخ ويضم أحد نقدين إلى الآخر في تكميل النصاب ويخرج عنه ويكون الضم بالإجزاء لا بالقيمة فعشرة مثاقيل ذهبا نصف نصاب ومائة درهم نصف فإذا ضما كمل النصاب وإن بلغ أحدهما نصابا ضم إليه(1/272)
ما نقص عن الآخر ولا يجزئ إخراج الفلوس عنهما وتضم قيمة العروض إلى كل منهما وإليهما ويضم جيد كل جنس ومضروبه إلى رديئة وتبره.(1/273)
فصل لا زكاة في حلي مباح
...
فصل ولا زكاة في حلي مباح
لرجل وامرأة من ذهب وفضة معد لاستعمال مباح أو إعارة ولو لم يعر أو يلبس أو ممن يحرم عليه كرجل يتخذ حلي النساء لإعارتهن ومرآة تتخذ حلي الرجال لإعارتهم لا فارا منها وإن كان الحلي ليتيم لا يلبسه فلوليه إعارته فإن فعل فلا زكاة وإلا ففيه الزكاة نصا فأما الحلي المحرم: كطوق الرجل وسواره وخاتمه الذهب وحلية مراكب الحيوان ولباس الخيل: كاللجم والسروج وقلائد الكلاب وحلية الركاب والمرآة والمشط والمكحلة والميل والسرجة والمروحة والمسربة والمدهنة والمسعط والمجمرة والملعقة والقنديل والآنية وحلية كتب العلم والدواة والمقلمة وما أعد لكراء كحلي المواشط نصا: حل له لبسه أولا أو أعد للتجارة: كحلي الصيارف أو قنية أو إدخار أو نفقة إذا احتاج إليه أو لم يقصد به شيئا ـ ففيه الزكاه ولا زكاه في الجوهر واللؤلؤ وإن كثرت قيمته أو كان في حلي إلا أن يكون لتجاره فيقوم جميعه تبعا لنقد والفلوس كعروض التجار فيها زكاة القيمة قال المجدد: وإن كانت للنفقة فلا والاعتبار في نصاب الكل بوزنه: إلا المباح المعد لتجارة ولو نقدا فالاعتبار بقيمته نصا فيقوم النقد بنقد آخر إن كان أحظ للفقراء أو نقص عن نصاب لأنه عرض وإن انكسر الحلي وأمكن لبسه كانشقاقه ونحوه فهو كالصحيح وإن لم يكن(1/273)
لبسه فإن لم يحتج في إصلاحه إلى سبك وتجديد صنعة ونوى إصلاحه فلا زكاة فيه وإن نوى كسره أو لم ينو شيئا ففيه الزكاة وإن احتاج إلى تجديد صنعة زكاه والاعتبار في الإخراج من الحلي المحرم بوزنه وإن كان للتجارة أو كان مباح الصناعة ووجبت زكاته لعدم استعمال أو لعدم إعارة ونحوه فالاعتبار في الإخراج بقيمته فإن أخرج مشاعا أو مثله وزنا يقابل جودته زيادة الصنعة جاز وإن أراد كسره لم يجز لأن كسره ينقص قيمته ويباح للذكر من الفضة خاتم ولبسه في خنصر يسارا أفضل ويجعل فصه مما يلي كفه ولا بأس بجعله مثقالا فأكثر ما لم يخرج عن العادة وجعل فصه منه أو من غيره ولو من ذهب إن كان يسيرا ويكره لبسه في سبابة ووسطى وظاهره لا يكره في الإبهام والبنصر ويكره أن يكتب عليه ذكر الله من القرآن أو غيره ويحرم أن ينقش عليه صورة حيوان ويحرم لبسه وهي عليه ويباح التختم بالعقيق ويكره لرجل وامرأة خاتم حديد وصفر ونحاس ورصاص وكذا دملج ويباح له من الفضة قبيعة سيف وحلية منطقة وجوشن وبيضة ـ وهي الخوذة ـ وخف ران ـ وهو شيء يلبس تحت الخف ـ وحمائل ونحو ذلك: كالمغفر والنعل ورأس الرمح وشعيرة السكين والتركاش والكلاليب بسير ونحو ذلك ولو اتخذ لنفسه عدة خواتيم أو مناطق فالأظهر جوازه وعدم زكاته وجواز لبس خاتمين فأكثر جميعا وتحرم حلية مسجد ومحراب بنقد ولوقف على مسجد ونحوه قنديل من ذهب أو فضة لم يصح ويحرم وقال الموفق: هو بمنزلة الصدقة فيكسر ويصرف(1/274)
في مصلحة المسجد وعمارته ويحرم تمويه سقف وحائط بذهب أو فضة وتجب إزالته وزكاته وإن استهلك فلم يجتمع منه شيء فله استدامته ولا زكاة فيه لعدم المالية ولا يباح من الفضة إلا ما استثناه الأصحاب على ما تقدم: فلا يجوز لذكر وخنثى لبس منسوج بذهب أو فضة أو مموه بأحدهما وتقدم في ستر العورة ويباح له من الذهب قبيعة السيف وذكر ابن عقيل: إن قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية مثاقيل وما دعت إليه ضرورة: كأنف وربط سن أو أسنان به ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه: كطوق وخلخال وسوار ودملج وقرط وعقد ـ وهو القلادة ـ وتاج وخاتم وما في المخانق والمقالد من حرائز وتعاويذ وأكر وما أشبه ذلك: قل أو كثر ولو زاد على ألف مثقال حتى دراهم ودنانير معراة أو في مرسلة ويباح للرجل والمرأة التحلي بالجوهر ونحوه ولو في حلي ولا زكاة فيه إلا أن يعدى فيه للكراء أو للتجارة كما تقدم ويحرم تشبه رجل بامرأة وامرأة برجل: في لباس وغيره ويجب انكاؤه وتقدم.(1/275)
باب زكاة عروض التجارة
وهي: ما يعد لبيع وشراء لأجل ربح غير النقدين غالبا
تجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصاب يؤخذ منها لأنها محل الوجوب لا من العروض ولا تصير للتجارة إلا أن يملكها بفعله بنية التجارة حال التملك بأن يقصد التكسب بها: إما بمعاوضة محضة: كالبيع(1/275)
والإجارة والصلح عن المال بمال والأخذ بالشفعة والهبة المقتضية للثواب أو استرد ما باعه أو غير محضة: كالنكاح والخلع والصلح عن دم العمد أو بغير معاوضة: كالهبة المطلقة والغنيمة والوصية والإحتشاش والإحتطاب والإصطياد فإن ملكها بإرث أو ملكها بفعله بغير نية ثم نوى التجارة بها لم تصر للتجارة إلا أن يكون اشتراها بعرض تجارة فلا يحتاج إلى نية وإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة: إلا حلي اللبس إذا نوى التجارة فيصير لها بمجرد النية لأن التجارة أصل فيه وتقوم العروض عند الحول بالأحظ لأهل الزكاة وجوبا: من عين أو ورق وسواء كان من نقد البلد وهو الأولى أولا وسواء بلغت قيمتها بكل منهما نصابا أو بأحدهما ولا يعتبر ما اشتريت به ولا عبرة نقصه بعد تقويمه ولا بزيادته: إلا المغنية فتقوم ساذجة ولا عبرة بقيمة آنية ذهب أو فضة ويقوم الخصي بصفته وإن اشترى عرضا بنصاب من الأثمان أو من العروض بنى على حوله وإن اشتراه بنصاب من السائمة أو باعه بنصاب منها لم يبن على حوله وإن اشترى نصاب سائمة لتجارة بنصاب سائمة لقنية ـ بنى وإن ملك نصاب سائمة لتجارة فحال الحول ـ والسوم ونية التجارة موجودان ـ فعليه زكاة تجارة دون سوم ولو سبق حول سوم وقت وجوب زكاة التجارة مثل أن ملك أربعين شاة قيمتها دون مائتي درهم ثم صارت قيمتها في نصف الحول مائتي درهم ـ زكاها زكاة تجارة إذا تم حولها لأنه انفع للفقراء فإن لم تبلغ قيمتها نصاب التجارة فعليه زكاة السوم ولو ملك سائمة للتجارة نصف حول ثم قطع نية التجارة استأنف(1/276)
حولا وإن اشترى أرضا لتجارة بزرعها أو زرعها ببذر تجارة أو اشترى شجر لتجارة تجب في ثمره الزكاة فأثمر واتفق حولاهما: بأن يكون بدو الصلاح في الثمرة واشتداد الحب عند تمام الحول وكانت قيمة الأصل تبلغ نصاب التجارة زكى الجميع زكاة قيمة ولو سبق وجوب العشر ولا عشر عليه ما لم تكن قيمتها دون نصاب كما تقدم فإن كانت دون نصاب فعليه العشر ولو زرع بذر القنية في أرض التجارة فواجب الزرع العشر وواجب الأرض زكاة القيمة وإن زرع بذر التجارة في أرض القنية زكى الزرع زكاة قيمة ولو كان الثمر مما لا زكاة فيه كالسفرجل والتفاح ونحوهما أو كان الزرع لا زكاة فيه كالخضراوات أو كان لعقار التجارة وعبيدها أجرة ـ ضم قيمة الثمرة والخضراوات والأجرة إلى قيمة الأصل في الحول كالربح ولو أكثر من شراء عقار فارا من الزكاة زكى قيمته ولا زكاة فيما أعد للكراء من عقار وحيوان وغيرهما ولو اشترى شقصا للتجارة بألف فصار عند الحول بألفين زكاهما وأخذه الشفيع بألف ولو اشتراه بألفين فصار عند الحول بألف زكى ألف وأخذه الشفيع بألفين ولو اشترى صباغ ما يصبغ به ويبقى كزعفران ونيل وعصفر ونحوه فهو عرض تجارة يقوم عند حوله لاعتياضه عن صبغ قائم بالثوب: ففيه معنى التجارة ومثله ما يشتريه دباغ ليدبغ به كعفص وقرظ وما يدهن: به كسمن وملح ولا زكاة فيما لا يبقى له أثر كما يشتريه قصار: من حطب وقلى ونورة وصابون وأشنان ونحوه ولا زكاه في آلات الصناع وأمتعة التجارة وقوارير العطار والسمان ونحوهم(1/277)
إلا أن يريد بيعها بما فيها وكذا آلات الدواب إن كانت لحفظها وإن كان يبيعها معها فهي مال تجارة ولو لم يكن ملكه عين مال بل منفعة عين وجبت الزكاة ولو قتل عبد تجارة خطأ أو عمدا فصالح سيده على مال صار للتجارة ولو أتخذ عصيرا للتجارة فتخمر ثم تخلل عاد حكم التجارة ولو اشترى عرض تجارة بعض قنية فرد عليه بعيب انقطع الحول وإذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاته فأخرجاهما معا أو جهل السبق ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه لأنه انعزل حكما ولأنه لم يبق عليه زكاة وإن أخرج أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الأول: علم أو لم يعلم لا إن أدى دينا بعد أداء موكله ولم يعلم ويرجع الموكل على القابض بما قبض من الوكيل ولو أذن غير شريكين كل واحد منهما للآخر في إخراج زكاته فكالشريكين فيما سبق ولا يجب إخراج زكاته أولا بل يستحب ويقبل قول الموكل إنه أخرج زكاته قبل دفع وكيله إلى الساعي وقول من دفع زكاة ماله إليه ثم ادعى أنه كان أخرجها وتؤخذ من الساعي إن كانت بيده فإن تلفت أو كان دفعتا إلى الفقير أو كانا دفعها إليه فلا ومن لزمه نذر وزكاة قدم الزكاة فإن قدم النذر لم يصر زكاة وله الصدقة تطوعا قبل إخراج زكاته.(1/278)
باب زكاة الفطر
مدخل
...
باب زكاة الفطر
وهي صدقة تجب بالفطر من رمضان طهر للصائم من اللغو(1/278)
والرفث وصرفها كزكاة وهي واجبة وتسمى فرضا على كل مسلم حر ولو من أهل البادية ومكاتب ذكر وأنثى كبير وصغير ولو يتيما ويخرج عنه من مال وليه ويسد مسلم عن عبده المسلم وإن كان للتجارة لا الكافر وتجب في مال صغير تلزمه مؤنة نفسه وفي العبد المرهون والموصي به على مالكه وقت الوجوب وكذا المبيع في مدة الخيار فإن لم يكن للراهن شيء غير العبد بيع منه بقدر الفطرة إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع ويعتبر كون ذلك فاضلا بعدما يحتاجه لنفسه ولمن تلزمه مؤنته من مسكن وخادم ودابة ثياب بذلة ودار يحتاج إلى أجرها لنفقته وسائمة يحتاج إلى نمائها وبضاعة يحتاج إلى ربحها وكذا كتب يحتاجها للنظر والحفظ وحلي المرأة: للبسها أو لكراء يحتاج إليه وتلزم المكاتب فطرة زوجته وقريبه ممن تلزمه مؤنته ورقيقه وإن لم يفضل إلا بعض صاع لزمه إخراجه عن نفسه فإن فضل صاع وبعض صاع أخرجه الصاع عن نفسه وبعض الصاع عمن تلزمه نفقته ويكمله المخرج عنه ويلزم المسلم فطرة من يمونه من المسلمين حتى زوجة عبده الحرة ومالك نفع قن فقط وخادم زوجته إن لزمته نفقته ولا تلزم الزوج لبائن حامل لأن النفقة للحمل لا لها ولا من استأجر أجيرا أو ظئرا بطعامه وكسوته كضيف ولا من وجبت نفقته في بيت المال: كعبد الغنيمة قبل القسمة والفيء ونحو ذلك ولا من تلزمه نفقة زوجته الأمة ليلا فقط بل هي على سيدها وترتيبها كالنفقة فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ لزوما بنفسه ثم(1/279)
بامرأته ولو أمة ثم برقيقه ثم بأمه ثم بأبيه ثم بولده ثم على ترتيب الميراث: الأقرب فالأقرب وإن استوى اثنان فأكثر ولم يفضل غير صاع ـ أقرع ولا تجب عن جنين بل تستحب ومن تبرع بمؤنة مسلم شهر رمضان كله لزمته فطرته: لا إن مأنه جماعة وإذا كان رقيق واحد بين شركاء أو بعضه حر أو قريب أو تلزم نفقته اثنين أو ألحقت القافلة واحدا باثنين فأكثر ـ فعليه صاع واحد ولا تدخل الفطرة في المهايأة فيمن بعضه حر فإن كان يوم العيد نوبة العبد المعتق نصفه مثلا ـ اعتبران يفضل عن قوته نصف صاع وإن كانت نوبة السيد ولزم العبد أيضا نصف صاع ومن عجز منهم عما عليه لم يلزم الآخر سوى قسطه: كشريك ذمي وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها إن كانت حرة وعلى سيدها إن كانت أمة ولا ترجع الحرة والسيد بها على الزوج إذا أيسر ومن له عبد آبق أو ضال أو مغصوب أو محبوس كأسير فعليه فطرته إلا أن يشك في حياته فتسقط فإن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى ولا يلزم الزوج فطرة ناشز وقت الوجوب ولو حاملا ولا من لا تلزمه نفقتها كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها وتلزمه فطرة مريضة ونحوها لا تحتاج إلى نفقة ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه أجزأ كما لو أخرج بإذنه لأن الغير متحمل لا أصيل ولو لم يخرج من تلزمه فطرة غيره مع قدرته لم يلزم الغير شيء وله مطالبته بالإخراج ولو أخرج العبد بغير إذن سيده لم يجزئه وإن أخرج عمن لا تلزمه فطرته بإذنه أجزأ وإلا فلا(1/280)
ولا يمنع الدين وجوب الفطرة إلا أن يكون مطالبا به.
وتجب بغروس شمس ليلة الفطر فمن أسلم بعد ذلك أو تزوج أو ولد له ولد أو ملك عبدا أوكان معسرا وقت الوجوب ثم أيسر بعده ـ فلا فطرة وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت وإن مات قبل الغروب أو أعسر أو أبان الزوجة أو اعتق العبد ونحوه لم تجب ولا تسقط بعد وجوبها بموت ولا غيره ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين فقط وآخر وقتها غروب الشمس يوم الفطر فإن أخرها عنه أثم وعليه القضاء والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة أو قدرها ويجوز في سائره مع الكراهة ومن وجبت عليه فطرة غيره أخرجها مكان نفسه ويأتي.(1/281)
فصل الواجب فيها
صاع عراقي من البر أو مثل مكيله من التمر أو الزبيب ـ ولو منزوعي العجم ـ أو الشعير وكذا الأقط ولو لم يكن قوته ولم تعدم الأربعة أو من مجمع من ذلك ولو لم يكن المخرج قوتا له ولا عبرة بوزن تمر وغيره مما يخرجه: سوى البر1 فإذا بلغ صاعا بالبر أجزأ وإن لم يبلغ الوزن ويحتاط في الثقيل فيزيد على الوزن شيئا يعلم أنه قد بلغ صاعا ليسقط الفرض بيقين ولا يجزئ نصف صاع من بر ويجزئ صاع دقيق وسويق ولو مع وجود الحب والسويق: بر أو شعير يحمص ثم يطحن وصاع الدقيق وزن حبة ويجزئ بلا نخل والإقط: لبن جامد يخفف بالمصف يعمل من اللبن المخيض ولا يجزئ غير هذه الأصناف الخمسة مع قدرته على تحصيلها
__________
1 يريد: لا يجزئ إخراج المقدار وزنا، بل المقيس عليه في ذلك هو مقدار الصاع من البر.(1/281)
ولا القيمة فإن عدم المنصوص عليه إخراج ما يقوم مقامه: من حب وتمر يقتات إذا كان مكيلا: كالذرة والدخن والماش ونحوه ولا يجزئ إخراج حب معيب: كمسوس ومبلول وقديم تغير طعمه ونحوه ولا خبز فإن خالط المخرج مالا يجزئ وكثر لم يجزئه وإن قل زاد بقدر ما يكون المصفى صاعا وأحب أحمد تنقية الطعام وأفضل مخرج تمر ثم زبيب ثم بر ثم أنفع ثم شعير ثم دقيق بر ثم دقيق شعير ثم سويقها ثم إقط ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد لكن الأفضل ألا ينقصه عن مدبر أو نصف صاع من غيره وأن يعطي الواحد ما يلزم الجماعة ولفقير إخراج فطرة وزكاة عن نفسه إلى من أخذتا منه ما لم يكن حيلة وكذا الإمام أو نائبه إذا حصلتا عنده فقسمهما ردهما إلى من أخذتا منه وتقدم بعض ذلك وكان عطاء يعطي عن أبويه صدقة الفطر حتى مات وهو تبرع استحسنه أحمد.(1/282)
باب إخراج الزكاة
مدخل
...
باب إخراج الزكاة
وما يتعلق به من حكم النقل والتعجيل ونحوه.
لا يجوز تأخيره عن وقت وجوبها مع إمكانه فيجب إخراجها على الفور كنذر مطلق وكفارة ويأتي إلا أن يخاف ضرر كرجوع ساع أو خوفه على نفسه أو ماله ونحوه أو كان فقيرا محتاجا إلى زكاته تختل كفايته ومعيشته بإخراجها وتؤخذ منه عند يساره أو أخرها ليخرجها لمن حاجته أشد أو لقريب أو جار أو لتعذر(1/282)
إخراجها من النصاب لغيبة ونحوها ولو قدر على الإخراج من غيره وتقدم في كتاب الزكاة أو لغيبة المستحق أو الإمام عند خوف رجوعه وكذا للإمام والساعي التأخير عند ربها لعذر قحط ونحوه فإن جحد وجوبها جهلا ـ ومثله يجهله ـ كقريب عهد بإسلام أو نشئة ببادية بعيدة يخفى عليه ـ عرف ذلك ونهى عن المعاودة فإن أصر أو كان عالما بوجوبها كفر1 وأخذت منه إن كانت وجبت عليه واستتيب ثلاثة أيام وجوبا فإن لم يتب قتل كفرا وجوبا ومن منعها بخلا بها أو تهاونا أخذت منه وعزروه أمام عدل فيها أو عامل زكاة ما لم يكن جاهلا وإن فعله لكون الإمام غير عدل فيها لا يضعها مواضعها لم يعزر وإن غيب ماله أو كتمه وأمكن أخذها أخذت منه من غير زيادة وإن لم يمكن أخذها أستتيب ثلاثة أيام وجوبا فإن تاب أخرج وإلا قتل حدا وأخذت من تركته وإن لم يمكن أخذها إلا بقتال وجب على الإمام قتاله إن وضعها مواضعها ولا يكفر بقتاله له ومن طولب بها فادعى ما يمنع وجوبها من نقصان الحول أو النصاب أو انتقاله في بعض الحول ونحوه: كادعائه أداءها أو تجدد ملكه قريبا أو أن ما بيده لغيره
__________
1 إنما حكم بتكفيره لأن جحوده تكذيب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيما ورد من نصوص الكتاب والسنة بإيجابها. ومن ذلك تفهم أن جحوده لما لم يرد فيه قاطع لا يكون كفرا. ومثال الأخير أن يجحد الزكاة في مال الصغير أو يجحد وجوبها في العسل أو أي نوع من الحبوب سوى البر والشعير والتمر والزبيب وأما هذه الأربعة فالنص فيها قطعي. وسيأتي لذلك بقية.(1/283)
أو أنه منفرد أو مختلط ـ قبل قوله بغير يمين إن أقر بقدر زكاته ولم يخبر بقدر ماله أخذت منه بقوله ولم يكلف إحضار ماله والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما في ما لمها: كنفقة أقاربهما وزوجاتهما وأرش جناياتهما ويستحب للإنسان تفرقة زكاته وفطرته بنفسه بشرط أمانته وهو أفضل من دفعها إلى إمام عادل وله دفعها إلى الساعي وإلى الإمام ولو فاسقا يضعها في مواضعها وإلا حرم ويجوز كتمها إذن ويبرأ بدفعها إليه ـ ولو تلفت في يده أو لم يصرفها في مصارفها ويجزئ دفعها إلى الخوارج والبغاة نص عليه في الخوارج إذا غلبوا على بلد وأخذوا منه العشر وقع موقعه وكذلك من أخذها من السلاطين قهرا أم اختيارا: عدل فيها أو جار ويأتي قي قتال أهل البغي وللإمام طلب النذر والكفارة وطلب الزكاة من المال الظاهر والباطن إن وضعها في أهلها ولا يجب الدفع إليه إذا طلبها وليس له أن يقاتل على ذلك: إذا لم يمنع إخراجها بالكلية.(1/284)
فصل ولا يجزئ إخراجها إلا بنية
مكلف وغير المكلف ينوي عنه وليه فينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة المال أو الفطر فلو لم ينو أو نوى صدقة مطلقة ـ لم يجز عما في ذمته حتى ولو تصدق بجميع المال: كصدقته بغير النصاب من جنسه1 والأولي مقارنتها للدفع وتجوز قبله: كصلاة ولا تعتبر نية الفرض ولا تعيين المال المزكى عنه فلو كان له مالان غائب وحاضر فنوى زكاة أحدهما لا بعين أجزأ عن أيهما شاء بدليل أن من له أربعون دينار إذا أخرج نصف دينار عنها
__________
1 كأن يتصدق عن نصاب البر بشعير، ولو قال: كان يتصدق عن النصاب من غير جنسه لكان اظهر.(1/284)
صح ووقع عن عشرين دينارا منها غير معينة ولو كان له خمس من الإبل وأربعون من الغنم فقال: هذه الشاة عن الإبل أو الغنم ـ أجزأته عن أحدهما ولو نوى زكاة ماله الغائب فإن كان تالفا فعن الحاضر ـ أجزأ عنه إن كان الغائب تالفا ولو نوى أن هذه زكاة مالي إن كان سالما وإلا فهو تطوع مع شك في سلامته فبان سالما ـ أجزأت ولو نوى عن الغائب فبان تالفا لم يكن له صرفه إلى غيره1 فإن قال: هذا زكاة مالي أو نفل أو قال: هذا زكاة إرثي من مورثي إن كن مات ـ لم يجزئه2 وإن أخذها الإمام قهرا لامتناعه كفت نية الإمام دون نية رب المال وأجزأته ظاهرا لا باطنا ومثل ذلك لو دفعها رب المال إلى مستحقها كرها وقهرا وإن أخذها الإمام أو الساعي لغيبة رب المال أو تعذر الوصول إليه بحبس ونحوه أجزأته ظاهرا وباطنا وإن دفعها إلى الإمام طوعا ناويا ولم ينو الإمام حال دفعها إلى الفقراء جاز وإن طال لأنه وكيل الفقراء: لا إن نواها الإمام دونه أو لم ينوياها وتقع نفلا ويطالب بها ولا بأس بالتوكيل في إخراجها ويعتبر كون الوكيل ثقة مسلما فإن دفعها
__________
1 لم يكن له في هذه الصورة أن يصرف نية الزكاة إلى غير الغائب لأنه حصر النية فيه بخلاف ما تقدم في الصورة التي نوى فيها عن الغائب إن كان سالما وإلا فعن الحاضر حيث لم يقصر النية على أحدهما بخصوصه، والنية كما تعلم شرط في وقوع الزكاة موقعها.
2 لم تجزئه الزكاة مع ذكر النفل لعدم تمحيض النية، وفي تعليقها على موت المورث لأنه لم يبن على أصل الوجوب وهو العلم بالملك فكأنه ينوي ما لايراه فرضا.(1/285)
إلى وكيله أجزأت النية من موكل مع قرب زمن الإخراج ومع بعده لا بد من نية الموكل حال الدفع إلى الوكيل ونية الوكيل عند الدفع إلى المستحق ولا تجزئ نية الوكيل وحده وإن أخرج زكاة شخص أو كفارته من ماله بإذنه صح وله الرجوع عليه إن نواه وإن كان بغير إذنه لم يصح كما لو أخرجها من مال المخرج عنه بلا إذنه ولو وكله في إخراج زكاته ودفع إليه مالا وقال: تصدق به ولم ينو الزكاة فأخرجها الوكيل من المال الذي دفعه إليه ونواها زكاة ـ أجزأت ولو قال ـ تصدق به نفلا أو عن كفارتي ثم نوى الزكاة قبل أن يتصدق أجزأ عنها لأن دفع وكيله كدفعه ويصح توكيل المميز في دفع الزكاة ومن أخرج زكاته من مال غصب لم يجزئه ولو أجازها ربه: ويستحب أن يقول المخرج عند دفعها: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما ويحمد الله على توفيقه لأدائها وأن يقول الآخذ ـ سواء كان الفقير أو العامل أو غيرهما وفي حق العامل آكد آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهورا وإظهار أخراجها مستحب سواء كان بموضع يخرج أهله الزكاة أم لا وإن علم أن الآخذ أهل لأخذها كره إعلامه بأنها زكاة قال أحمد: لم يبكته؟ يعطيه ويسكت وإن علمه أهلا ـ والمراد ظنه ويعلم من عادته أنه لا يأخذها فأعطاه ولم يعمله لم يجزئه وله نقل زكاة إلى دون مسافة قصر وفي فقراء بلده أفضل ولا يدفع الزكاة إلا لمن يظنه أهلا فلو لم يظنه من أهلها فدفع إليه ثم بان من أهلها لم يجزئه ولا(1/286)
يجوز نقلها عن بلدها إلى ما تقصر فيه الصلاة ولو لرحم وشدة حاجة أو لاستيعاب الأصناف فإن خالف وفعل أجزأه وإن كان ببادية أو خلا ببلدة عن مستحق لها ـ فرقها أو ما بقي منها بعدهم في أقرب البلاد إليه والمسافر بالمال يفرقها في موضع أكثر إقامة المال فيه وله نقل كفارة ونذر ووصية مطلقة ولو إلى مسافة قصر: لا مقيدة لفقراء مكان معين وإن كان في بلد وماله في آخر أو أكثر ـ أخرج زكاة كل مال في بلده أي بلد المال: متفرقا كان أو مجتمعا إلا في نصاب سائمة في بلدين فيجوز الإخراج في أحد البلدين لئلا يفضي إلى تشقيص زكاة الحيوان ويخرج فطرة نفسه وفطرة من يمونه ـ في بلد نفسه وإن كانوا في غيره وتقدم وحيث جاز النقل فأجرته على رب المال كأجرة كيل ووزن وإذا حصل عند الإمام ماشية استحب له وسم الإبل والبقر في أفخاذها والغنم في آذانها فإن كانت زكاة ـ كتب: لله أو زكاة وإن كانت جزية كتب: صغار أو جزية لتتميز.(1/287)
فصل ويجوز تعجيل الزكاة
وتركه أفضل لحولين فأقل فقط بعد كمال النصاب لا قبله ولا قبل السوم فلو ملك بعض نصاب فعجل زكاته أو زكاة نصاب ـ لم يجزئه ولو ظن ماله ألفا فجعل زكاته فبان خمسمائة أجزأه عن عامين وإن أخذ الساعي فوق حقه حسبه من حول ثان قال أحمد: يحسب ما أهداه للعامل من الزكاة أيضا وليس لولي رب المال أن يعجل زكاته وإن عجل عن النصاب وما ينمي في حوله أجزأ عن النصاب دون النماء ويجوز تعجيل زكاة الثمر بعد ظهوره(1/287)
وبعد طلوع الطلع قبل تشققه والزرع بعد نباته أو ظهوره كالنصاب وإدراكه كحولان الحول1 فإن عجل قبل طلوع الطلع والحصرم ونبات الزرع ـ لم يجزئه وإن عجل زكاة النصاب فتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله ـ أجزأ إذا المعجل في حكم الموجود وإن عجل عن أربعين شاة شاتين من غيرها أو شاة منها وأخرى من غيرها ـ أجزأ عن الحولين وشاتين منها لا يجزئ عنهما وينقطع الحول وكذا لو عجل شاة عن الحول الثاني وحده لأن ما عجله منه للحول الثاني زال ملكه عنه فينقص به وإن ملك شاة استأنف الحول من الكمال وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمته ثالثة وإن عجل عن مائة وعشرين واحدة ثم نتجت قبل الحول أخرى لزمه إخراج ثانية ولو عجل عن خمس عشرة من الإبل وعن نتاجها بنت مخاض فنتجت مثلها لم تجزئه ويلزمه بنت مخاض ولو عجل مسنة عن ثلاثين من البقر ونتاجها فنتجت عشرا أجزأت عن ثلاثين فقط ويخرج لعشر ربع مسنة وإن عجل عن أربعين شاة شاة ثم أبدلها بمثلها أو نتجت أربعين سخلة ثم ماتت إلا ماتت الأمات ـ أجزأ المعجل عن البدل والسخال ولو عجل شاة عن مائة شاة أو تبيعا عن ثلاثين بقرة ثم نتجت إلا مات مثلها ثم ماتت ـ أجزأ المعجل عن النتاج ولو نتج نصف الشياه مثلها ثم ماتت
__________
1 يريد أن يقول تعجيل زكاة الزرع صحيح كتعجيل زكاة السائمة ويكون أدراك الزرع فيما بعد: أشبه بحولان الحول على السائمة، والمدار في ذلك على وجوب السبب الذي هو نبات الزرع وعلى كمال نضوجه واستقرارها فيه وإلا فهي نفل.(1/288)
أمات الأولاد أجزأ المعجل عنها ولو نتج نصف البقر مثلها أجزأ المعجل ولو عجل عن أحد نصابيه وتلف ـ لم يصرفه إلى الآخر: كما لو عجل شاة عن خمس من الإبل فتلفت وله أربعون شاة لم يجزئه عنها ولو كان له ألف درهم فعجل خمسين وقال: إن ربحت ألفا قبل الحول فهي عنها وإلا كانت للحول الثاني ـ جاز وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات قابضها أو ارتد أو استغنى منها أو من غيرها ـ أجزأت عنه وإن دفعها إلى غنى أو كافر يعلم غناه أو كفره فافتقر عند الوجوب أو أسلم ـ لم يجزئه وإن عجلها ثم هلك المالك أو ارتد قبل الحول لم يرجع على المسكين: سواء كان الدافع رب المال أو الساعي: أعلمه أنها زكاة معجلة أولا فإن كانت بيد الساعي وقت التلف رجع ولا يصح زكاة معدن بحال ولا ما يجب في ركاز وللإمام ونائبه استسلاف زكاة برضا رب المال لا إجباره على ذلك فإن استسلفها فتلفت بيده لم يضمنها وكانت من ضمان الفقراء: سواء سأله ذلك الفقراء أو رب المال أو لم يسأله أحد لأن له قبضها كولي اليتيم وإن تلفت في يد الوكيل قبل أدائها فمن ضمان رب المال ويشترط لملك الفقير لها وأجزائها عن ربها قبضه لها فلا يجزئ غداء الفقراء ولا عشاؤهم ولا يقضي منها دين ميت غرم لمصلحة نفسه أو غيره لعدم أهليته لقبولها كما لو كفنه منها ولا يكفي إبراء المدين من دينه بنية الزكاة: سواء كان المخرج عنه دينا أو عينا ولا تكفي الحوالة بها وإن أخرج زكاته فتلفت قبل أن يقبضها الفقير لزمه بدلها ولا يصح تصرف الفقير قبل(1/289)
قبضها ولو قال الفقير لرب المال: إشتر لي بها ثوبا ولم يقبضها منه لم يجزئه ولو اشتراه كان للمالك وإن تلف كان من ضمانه: ولا يجزئ إخراج قيمة زكاة المال والفطرة طائعا أو مكرها ولو للحاجة: من تعذر الفرض ونحوه أو لمصلحة ويجب على الإمام أن يبعث السعاة قرب الوجوب لقبض زكاة المال الظاهر ويجعل حول الماشية المحرم وإن أخر الساعي قسمة زكاة عنده بلا عذر: كاجتماع الفقراء أو الزكاة ـ لم ويضمن ما تلف لتفريطه: كوكيل في إخراجها يؤخره وإن وجد الساعي مالا لم يحل حوله ولم يعجلها ربه وكل ثقة في قبضها عند وجوبها وصرفها في مصرفها ولا بأس بجعله إلى رب المال إن كان ثقة فإن لم يجد ثقة أخرجها ربتا إن لم يخف ضررا وإلا أخرها إلى العام الثاني وإذا قبض الساعي الزكاة فرقها في مكانه وما قاربه فإن فضل شيء حمله وإلا فلا وله بيع الزكاة من ماشية وغيرها لحاجة: كخوف تلف ومؤنة ومصلحة وصرفه في الأحظ للفقراء أو حاجتهم حتى في أجرة مسكن وإن باع لغير حاجة ومصلحة لم يصح لعدم الإذن وضمن قيمة ما تعذر قال أحمد: إذا أخذ الساعي زكاته كتب له به براءة لأنه ربما جاء ساع آخر فيطالبه فيخرج تلك البراءة فتكون حجة له.(1/290)
باب ذكر أهل الزكاة وما يتعلق بذلك
مدخل
...
باب ذكر أهل الزكاة وما يتعلق بذلك
من بيان شروطهم وقدر ما يعطاه كل واحد وصدقة التطوع(1/290)
وهم ثمانية أصناف لا يجوز صرفها إلى غيرهم وسئل الشيخ عمن ليس معه ما يشتري به كتبا يشتغل فيها فقال: يجوز أخذه ما يحتاج إليه من كتب العلم التي لا بد لمصلحة دينه ودنياه منها.
أحدهم الفقراء: وهم أسوأ حالا من المساكين والفقير: من لا يجد شيئا البتة أو يجد شيئا يسيرا من الكفاية دون نصفها من كسب أو غيره مما لا يقع موقعا من كفايته ـ الثاني المساكين والمسكين: من يجد معظم الكفاية أو نصفها ومن ملك نقدا ولو خمسين درهما فأكثر أو قيمتها من الذهب أو غيره ولو كثرت قيمته لا يقوم بكفايته ليس بغنى فيأخذ تمام كفايته سنة فلو كان في ملكه عروض للتجارة قيمتها ألف دينار أو أكثر لا يرد عليه ربحها قدر كفايته أو له مواش تبلغ نصابا أو زرع يبلغ خمسة أوسق لا يقوم بجميع كفايته ـ جاز له أخذ الزكاة قال أحمد: إذا كان له ضيعة أو عقار يستغلها عشرة آلاف أو أكثر لا تكفيه ـ يأخذ من الزكاة وقيل له ـ يكون له الزرع القائم وليس عنده ما يحصده أيأخذ من الزكاة؟ قال: نعم قال الشيخ: وفي معناه ما يحتاج إليه لإقامة مؤنته وإن لم ينفقه بعينه في المؤنة وكذا من له كتب يحتاجه للحفظ والمطالعة أو لها حلي للبس أو كراء تحتاج إليه وإن تفرغ قادر على التكسب للعلم وتعذر الجمع أعطي: لا إن تفرغ للعبادة وإطعام الجائع ونحوه واجب مع أنه ليس في المال حق سوى الزكاة ومن أبيح له أخذ شيء أبيح له سؤاله ويحرم السؤال وله ما يغنيه ولا بأس بمسألة شرب الماء والاستعارة, والاستقراض ولا بسؤال(1/291)
الشيء اليسير: كشسع النعل وإن أعطى مالا من غير مسألة ولا استشراف نفس مما يجوز له أخذه وجب أخذه وإن استشرفت نفسه: بأن قال: سيبعث لي فلان أو لعله يبعث لي فلا بأس بالرد1 وإن سأل غيره لمحتاج غيره في صدقة أو حج أو غزو أو حاجة فلا بأس والتعريض أعجب إلى أحمد ولو سأله من ظاهره الفقر أن يعطيه شيئا قبل قول الدافع في كونه قرضا: كسؤال مقدرا: كعشرة دراهم وإن قال أعطني شيئا إني فقير ـ قبل قوله في كونه صدقة وإن أعطى مالا ليفرقه جاز أخذه وعدمه والأولى العمل بما فيه المصلحة ـ الثالث العاملون عليها: كجاب وكاتب وقاسم وحاشر المواشي وعدادها وكيال ووزان وساع وراع وحمال وجمال وحاسب وحافظ ومن يحتاج إليه فيها: غير قاض ووال ويأتي وأجرة كيلها ووزنها في أخذها ومؤنة دفعها على المالك: ـ ويشترط كونه مسلما أمينا مكلفا كافيا من غير ذوي القربى: ـ ويشترط علمه بأحكام الزكاة إن كان من عمال التفويض وإن كان منفذا وقد عين له الإمام ما يأخذه جاز ألا يكون عالما قاله القاضي: ولا يشترط حريته ولا فقره واشتراط ذكوريته أولى وما يأخذه العامل أجرته ويجوز أن يكون الراعي والجمال ونحوهما كافرا أو عبدا وغيرهما ممن منع الزكاة لأن ما يأخذه أجرة لعمله لا لعمالته وإن وكل غيره في تفرقة زكاته لم يدفع إليه من سهم العامل
__________
1 يريد: فلا بأس أن يرفض ذلك المستشرق قبول ما يعطى له وكذلك لا مانع من قبوله ولو كان ممنوعا من سؤاله.(1/292)
ويأتي وإن تلف المال بيده بلا تفريط لم يضمن وأعطى أجرته من بيت المال وإن لم تتلف فمنها وإن كان أكثر من ثمنها وإن رأى الإمام إعطاءه أجرته من بيت المال أو يجعل له رزقا فيه ولا يعطيه منها شيئا فعل ويخير الإمام في العامل: إن شاء أرسله من غير عقد ولا تسمية شيء وإن شاء عقد له إجارة ثم إن شاء جعل له أخذ الزكاة وتفريقها أو أخذها فقط وإن أذن له في تفريقها أو أطلق فله ذلك وإلا فلا وإذا تأخر العامل بعد وجوب الزكاة تشاغلا بأخذها من ناحية أخرى أو عذر غيره انتظره أرباب الأموال ولم يخرجوا وإلا أخرجوا بأنفسهم باجتهاد أو تقليد ثم إذا حضر العامل وقد أخرجوا وكان اجتهاده مؤديا إلى إيجاب ما أسقط رب المال أو الزيادة على ما أخرجه رب المال نظر: فإن كان وقت مجيئه باقيا فاجتهاد العامل أمضى وإن كان فائتا فاجتهاد رب المال أنفذ وإن أسقط العامل أو أخذ دون ما يعتقده المالك لزمه الإخراج فيما بينه وبين الله تعالى وإن ادعى المالك دفعها إلى العامل وأنكر ـ صدق المالك في الدفع وحلف العامل وبرئ وإن ادعى العامل دفعها إلى الفقير فأنكر ـ صدق العامل في الدفع والفقير في عدمه ويقبل إقراره بقبضها ولو عزل وإن عمل إمام أو نائبه على زكاة لم يكن له أخذ شيء منها لأنه يأخذ رزقه من بيت المال ويقدم العامل بأجرته على غيره من أهل الزكاة وإن أعطى فله الأخذ وإن تطوع بعمله لقصة عمر وتقبل شهادة أرباب الأموال عليه في وضعها غير موضعها لا في أخذها منهم وإن شهد به بعضهم لبعض قبل التناكر والتخاصم قبل(1/293)
وغرم العامل وإلا فلا وإن شهد أهل السهمان له أو عليه لم يقبل ولا يجوز له قبول هدية من أرباب الأموال ولا أخذ رشوة ويأتي عند هدية القاضي وما خان فيه أخذه الإمام لا أرباب الأموال قال الشيخ: ويلزمه رفع حساب ما تولاه إذا طلب منه.
الرابع: المؤلفة قلوبهم وحكمهم باق وهم رؤساء قومهم: من كافر يرجى إسلامه أو كف شره ومسلم يرجى بعطيته قوة إيمانه أو إسلام نظيره أو نصحه في الجهاد أو الدفع عن المسلمين أو كف شر كالخوارج ونحوهم أو قوة على جباية الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخوف ويهدد كقوم في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا من الزكاة جبوها منه ويقبل قوله في ضعف إسلامه لا أنه مطاع في قومه إلا ببينة ولا يحل للمؤلف المسلم ما يأخذه إن أعطي ليكف شره كالهدية للعامل وإلا حل.
الخامس: الرقاب وهم المكاتبون المسلمون الذين لا يجدون وفاء ما يؤدون ولو مع القوة والكسب ولا يدفع إلى من علق عتقه على مجيء المال وللمكاتب الأخذ قبل حلول نجم ولو تلفت بيده أجزأت ولو يغرمها سواء عتق أم لا ولو دفع إليه ما يقضي به دينه لم يجز له أن يصرفه في غيره ويأتي قريبا ولو عتق تبرعا من سيده أو من غيره فما معه منها له في قول ولو عجز أو مات وبيده وفاء أو اشترى بالزكاة شيئا ثم عجز ولا عوض بيده فهو لسيده ويجوز الدفع إلى سيده بلا إذنه وهو الأولى فإن رق لعجزه أخذت من سيده ويجوز أن يفدى بها أسيرا مسلما في أيدي الكفار قال أبو المعالي: ومثله لو دفع إلى فقير مسلم غرمه سلطان(1/294)
مالا ليدفع جوره ويجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها لا من يعتق عليه بالشراء كرحم محرم ولا إعتاق عبده أو مكاتبه عنها ومن أعتق من الزكاة فما رجع من ولائه رد في عتق مثله في رواية1 وما أعتقه الساعي من الزكاة فولاؤه للمسلمين وأما المكاتب فولاؤه لسيده ولا يعطى المكاتب لجهة الفقر لأنه عبد.
السادس: الغارمون وهم المدينون المسلمون وهم ضربان: أحدهما من غرم لإصلاح ذات البين ولو بين أهل ذمة وهو من تحمل بسبب إتلاف نفس أو مال أو يهب دية أو مالا لتسكين فتنة وقعت بين طائفتين ويتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك فيدفع إليه ما يؤدي حمالته وإن كان غنيا أو شريفا وإن كان قد أدى ذلك لم يكن له أن يأخذ لأنه قد سقط الغرم ومن تحمل بضمان أو كفالة عن غيره مالا فحكمه حكم من غرم لنفسه فإن كان الأصيل والحميل معسرين جاز الدفع إلى كل منهما وإن كانا موسرين أو أحدهما لم يجز ويجوز الأخذ لقضاء دين الله تعالى ويأتي الثاني: من غرم لإصلاح نفسه في مباح حتى في شراء نفسه من الكفار فيأخذ إن كان عاجزا عن وفاء دينه ويأخذه ومن غرم لإصلاح ذات البين ولو قبل حلول دينهما وإذا دفع إليه ما يقضي به دينه لم يجز صرفه في غيره وإن كان فقيرا وإن دفع إلى الغارم لفقره جاز أن يقضي به دينه فالمذهب أن من أخذ بسبب يستقر الأخذ به ـ وهو الفقر والمسكنة والعمالة والتالف ـ صرفه فيما شاء كسائر ماله وإن لم يستقر صرفه فيما أخذه له خاصة لعدم ثبوت ملكه عليه من
__________
1 يريد: ما يرثه المعتق عن العتيق بسبب الولاء يدفعه في عبد آخر يعتقه.(1/295)
كل وجه ولهذا يسترد منه إذا برئ أو لم يغز وإن وكل الغارم من عليه الزكاة قبل قبضها منه بنفسه أو نائبه في دفعها إلى الغريم عن دينه جاز وإن دفع المالك إلى الغريم بلا إذن الفقير صح كما أن للإمام قضاء الدين عن الحي من الزكاة بلا وكالة.
السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان فيدفع إليهم كفاية غزوهم وعودهم ولو مع غناهم: ومتى ادعى أنه يريد الغزو قبل قوله ويدفع إليه دفعا مراعى فيعطى ثمن السلاح والفرس إن كان فارسا وحمولته ودرعه وسائر ما يحتاج إليه ويتمم لم أخذ من الديوان دون كفايته من الزكاة ولا يجوز لرب المال أن يشتري ما يحتاج إليه الغازى ثم يصرفه إليه لأنه قيمة ولا شراؤه فرسا منها يصير حبيسا ولا دار أو ضيعة للرباط أو يقفها على الغزاة ولا غزوه على فرس أخرجه من زكاته فإن اشترى الإمام بزكاة رجل فرسا فله دفعها إليه يغزو عليها كما له أن يرد عليه زكاته لفقره أو غرمه ولا يحج أحد بزكاة ماله ولا يغزو ولا يحج بها عنه ولا يغزي والحج من السبيل نصا فيأخذ إن كان فقيرا ما يؤدي به فرض حج أو عمرة أو يستعين به فيه.
الثامن: ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به في سفر طاعة أو مباح دون المنشئ للسفر بلده وليس معه ما يوصله إلى بلده أو منتهى قصده وعوده إلى بلده ولو مع غناه ببلد فيعطى لذلك ولو وجد من يقرضه فإن كان فقيرا في بلده أعطي لفقره ولكونه ابن السبيل ما يوصله ولا(1/296)
يقبل قوله أنه ابن سبيل إلا ببينة وإن ادعى الحاجة ولم يعرف له مال في المكان الذي هو فيه أو ادعى إرادة الرجوع إلى بلده قبل قوله بغير بينة وإن عرف له مال في المكان الذي هو فيه لم تقبل دعوى الحاجة إلا ببينة ويعطى الفقير والمسكين تمام كفايتهما سنة والعامل قدر أجرة مثله ولو جاوزت الثمن ويعطى مكاتب وغارم ما يقضيان به دينهما ولو دينا لله تعالى وليس لهما صرفه إلى غيره كغاز وتقدم والمؤلف ما يحصل به التأليف والغازي ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر ولا يزاد أحد منهم ولا ينقص عن ذلك ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم ولا يعطى أحد منهم مع الغنى إلا أربعة: العامل والمؤلف والغزي والغرم لإصلاح ذات البين: ما لم يكن دفعهما من ماله وتقدم وإن فضل مع غارم ومكاتب ـ حتى ولو سقط ما عليها ببراءة أو غيرها ـ وغاز وابن سبيل شيء بعد حاجتهم لزمه رده: كما لو أخذ شيئا لفك رقبته وفضل منه وإن فضل مع المكاتب شيء عن حاجته من صدقة التطوع لم يسترجع منه والباقون يأخذون أخذا مستقرا فلا يردون شيئا ولو أدعى الفقر من عرف بغنى أو ادعى إنسان أنه مكاتب أو غارم لنفسه لم يقبل إلا ببينه بخلاف غاز ويكفي اشتهار الغرم لإصلاح ذات البين فإن خفي لم يقبل إلا ببينة به والبينة فيمن عرف بغنى ثلاثة رجال وإن صدق المكاتب سيده أو الغرم غريمه قبل وأعطي وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل وإن كان جلدا وعرف له كسب لم يجز إعطاءه ولم يملك شيئا فإن لم يعرف وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين إذا لم يعلم كذبه بعد أن يخبره وجوبا(1/297)
في ظاهر كلامهم أنه لاحظ فيها الغنى ولا لقوي مكتسب وأن رآه متجملا قبل قوله أيضا: لكن ينبغي أن يخبره أنها زكاة والقدرة على اكتساب المال بالبضع ليس بغنى معتبر: فلا تمنع المرأة من أخذ الزكاة إذا كانت ممن يرغب في نكاحها وتقدر على تحصيل المهر بالنكاح فلا تجبر عليه وكذا فلو أفلست أو كان لها أقارب يحتاجون إلى النفقة وتقدم إذا تفرغ القادر لطلب العلم وتعذر الجمع أنه يعطى فإن ادعى أن له عيالا قلد وأعطى من غرم أو سافر في معصية لم تدفع إليه إلا أن يتوب وكذا لو سافر في مكروه أو نزهة ولو أتلف ماله في المعاصي حتى افتقر دفع إليه من سهم الفقراء ويستحب صرفها في الأصناف الثمانية كلها: لكل صنف ثمنها إن وجد حيث وجب الإخراج لأن في ذلك خروجا من الخلاف وتحصيلا للأجزاء ولا يحب الاستيعاب كما لو فرقها الساعي ولا التعداد من كل صنف كالعامل فلو اقتصر على صنف منها أو واحد منه أجزأه وإن فرقها ربها أو دفعها إلى الإمام الأعظم أو نائبه على القطر نيابة شاملة لقبض الزكوات وغيرها سقط سهم لعامل لأنهما يأخذان كفايتهما من بيت المال على الإمامة والنيابة وتقدم وليس لرب المال ولا لوكيله في تفرقتها أخذ نصيب العامل لكونه فعل وظيفة العامل ومن فيه سببان كغارم فقير أخذ بهما ولا يجوز أن يعطي عن أحدهما لا بعينه لاختلاف أحكامهما في الاستقرار وغيره وإن أعطى بهما وعين لكل سبب قدر وإلا كان بينهما نصفين وتظهر فائدته لو وجد ما يوجب الرد ويستحب صرفه إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم ويفرقها فيهم على قدر(1/298)
حاجتهم ولو أحضر رب المال إلى العامل من أهله من لا تلزمه نفقته ليدفع إليهم زكاته دفعها قبل خلطها بغيرها وبعده هم كغيرهم ولا يخرجهم منها ويجزئ السيد دفع زكاته إلى مكاتبه وإلى غريمه ليقضي دينه: سواء دفعها إليه ابتداء أو استوفى حقه ثم دفعها إليه ليقضي دين المقرض ما لم يكن حيلة نصا وقال أيضا: إن أراد إحياء ماله لم يجز وقال القاضي وغيره: معنى الحيلة أن يعطيه بشرط الرجوع لم يوجد وإن رد الغريم من نفسه ما قبضه وفاء عن دينه من غير شرط ولا مواطأ جاز أخذه ويقدم الأقرب والأحوج وإن كان الأجنبي أحوج فلا يعطي القريب ويمنع البعيد بل يعطي الجميع ولا يحابي بها قريبه ولا يدفع بها مذمة ولا يستخدم بسببها قريبا ولا غيره ولا يقي ماله بها: كقوم عودهم برا من ماله فيعطيهم من الزكاة لدفع ما عودهم والجار أولى من غيره والقريب أولى منه ويقدم العالم والدين على ضدهما وكذا ذو العائلة.(1/299)
فصل ولا يجوز دفعها إلى كافر ما لم يكن مؤلفا
ولو زكاة فطر ولا إلى عبد كامل الرق ولو كان سيده فقيرا وأما من بعضه حر فيأخذ بقدر حريته بنسبته من كفايته ما لم يكن عاملا ولا إلى فقيرة لها زوج غني ولا إلى عمودي نسبه في حال تجب نفقتهم فيه أولا تجب ورثوا أو لم يرثوا حتى ذوي الأرحام منهم ولو في غرم لنفسه أو في كتابة أو كان ابن سبيل ما لم يكونوا عمالا أو مؤلفة أو غزاة أو غارمين لذات البين ولا إلى الزوج ولا إلا الزوجة ولو لم تكن في مؤنته(1/299)
كناشز وكذا عبده المغصوب ولا لبني هاشم كالنبي صلى الله عليه وسلم وهم من كان من سلالة هاشم: فدخل فيهم آل عباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحرث بن عبد المطلب وآل أبي لهب ما لم يكونوا غزاة أو مؤلفة أو غارمين لذات البين واختار الشيخ وجمع جواز أخذهم إن منعوا الخمس ويجوز إلى ولد هاشمية من غير هاشمي في ظاهر كلامهم وقاله القاضي اعتبار بالأب ولا لموالي بني هاشم ويجوز لموالي مواليهم ولهم الأخذ من صدقة التطوع ـ إلا النبي صلى الله عليه وسلم ـ ووصايا الفقراء ومن نذر لا كفارة ولا يحرم على أزواجه صلى الله عليه وسلم في ظاهر كلام أحمد: كمواليهن1 ولا يجزئ دفعها إلى من تلزمه مؤنته من أقاربه ممن يرثه: بفرض أو تعصيب نسب أو ولاء كأخ وبن عم ما لم يكونوا عمالا أو غزاة أو مؤلفة أو مكاتبين أو أبناء سبيل أو غارمين لذات البين فلو كان أحدهما يرث الآخر والآخر لا يرثه كعتيق ومعتقه وأخوين لأحدهما ابن ونحوه ـ فالوارث منهما تلزمه مؤنته فلا يدفع زكاته إلى الآخر وغير الوارث يجوز ولا إلى فقير ومسكين مستغنيين بنفقة لازمة فإن تعذرت النفقة من زوج أو قريب بغيبة أو امتناع أو غيره: كمن غصب ماله أو تعطل منافع عقاره ـ جاز الأخذ ويجوز إلى بني المطلب وله الدفع إلى ذوي أرحامه: كعمته وبنت أخيه غير عمودي نسبه ولو ورثوا الضعف قرابتهم وإن تبرع بنفقة قريب أو يتيم أو غيره ضمه إلى عياله جاز دفعها إليه وكل من حرم عليه الزكاة مما سبق فله قبولها
__________
1 وفي قول آخر أن الزكاة محرمة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.(1/300)
هدية ممن أخذها من أهلها والذكر والأنثى في أخذ الزكاة وعدمه سواء والصغير ولو لم يأكل الطعام كالكبير فيصرف ذلك في أجرة رضاعه وكسوته وما لا بد منه ويقبل ويقبض له منها ولو مميزا ومن هبة وكفارة من يلي ماله وهو وليه أو وكيل وليه الأمين وفي المغنى: يصح قبض المميز انتهى وعند عدم الولي يقبض له من يليه من أم وقريب وغيرهما نصا ولا يجوز دفع الزكاة إلا لمن يعلم أو يظنه من أهلها: فلو لم يظنه من أهلها فدفعها إليه ثم بان من أهلها لم يجزئه فإن دفعها إلى من لا يستحقها لكفر أو شرف أو كونه عبدا أو قريبا وهو لا يعلم ثم علم لم يجزئه ويستردها ربها بزيادتها مطلقا وإن تلفت في يد القابض ضمنها العدم ملكه بهذا القبض وهو قبض باطل لا يجوز له قبضه وإن كان الدافع الإمام أو الساعي ضمن إلا إذا بان غنيا والكفارة كالزكاة فيما تقدم ولو دفع صدقة التطوع إلى غني وهو لا يعلم لم يرجع فإن دفع إليه من الزكاة يظنه فقيرا فبان غينا أجزأت.(1/301)
فصل وصدقة التطوع مستحبة كل وقت
وسرا أفضل بطيب نفس وفي الصحة وفي رمضان وأوقات الحاجة وكل زمان أو مكان فاضل: كالعشر والحرمين وهي على ذي الرحم صدقة وصلة لا سيما منع العداوة فهي عليه ثم على جار أفضل وتستحب بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه دائما بمتجر أو غلة ملك أو وقف أو صنعة وإن تصدق بما ينقص مؤنة من تلزمه مؤنته أو أضر بنفسه أو بغريمه أو بكفالته أثم ومن أراد الصدقة بماله كله ـ وهو(1/301)
وحده ـ ويعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة فله ذلك أي يستحب وإن لم يعلم ذلك حرم ويمنع منه ويحجر عليه وإن كان له عائلة ولهم كفاية أو يكفيهم بمكسبه جاز لقصة الصديق وإلا فلا ويكره لمن لا صبر له على الضيق أو لإعادة له به أن ينقص عن نفسه الكفاية التامة والفقير لا يقترض ويتصدق ووفاء الدين مقدم على الصدقة وتجوز صدقة التطوع على الكافر والغني وغيرهما ولهم أخذها ويستحب التعفف فلا يأخذ الغنى صدقة ولا يتعرض لها فإن أخذها مظهر للفاقة حرم ويحرم المن بالصدقة وغيرها وهو كبيرة ويبطل الثواب بذلك ومن أخرج شيئا يتصدق به أو وكل في ذلك ثم بدا له استحب أن يمضيه ويتصدق بالجيد ولا يقصد الخبيث فيتصدق به وأفضلها جهد المقل.(1/302)
كتاب الصيام
مدخل
مدخل
...
كتاب الصيام
وهو شرعا: إمساك عن أشياء مخصوصة بنية في زمن معين من شخص مخصوص.
صوم شهر رمضان أحد أركان الإسلام وفروضه فرض في السنة الثانية من الهجرة فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات والمستحب قول شهر رمضان ولا يكره رمضان بإسقاط شهر ويجب صومه برؤية هلاله فإن لم ير مع الصحو كملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا وإن حال دون منظره غيم(1/302)
أو قتر أو غيرهما ليلة الثلاثين من شعبان لم يجب صومه قبل رؤية هلاله أو إكمال شعبان ثلاثين نصا ولا تثبت بقية توابعه واختاره الشيخ وأصحابه وجمع والمذهب يجب صومه بنية رمضان حكما ظنيا بوجوبه احتياطا لا يقينا ويجزيه أن بان منه وتصلى التراويح ليلته إذن احتياطا للسنة وتثبت بقية توابعه من وجوب كفارة بوطء فيه ونحوه وما لم يتحقق أنه من شعبان ولا تثبت بقية الأحكام من حلول الآجال ووقوع المعلقات وغيرها وإن نواه بلا مستند شرعي كحساب ونجوم أو مع صحو فبان منه لم يجزئه ويأتي وكذا لو صام تطوعا فوافق الشهر لم يجزئه لعدم التعيين وإن رأى الهلال نهار فهو لليلة المقبلة قبل الزوال أو بعده أول الشهر أو آخره فلا يجب به صوم ولا يباح به فطر وإذا ثبتت رؤية الهلال بمكان قريبا كان أو بعيدا لزم الناس كلهم الصوم وحكم من لم يره حكم من رآه ولو اختلف المطالع نصا ويقبل فيه قول عدل واحد لا مستور ولا مميز في غيم والصحو ولو في جمع كثير وهو خبر فيصام بقوله ويقبل فيه المرأة والعبد ولا يعتبر لفظ الشهادة ولا يختص بحاكم فيلزم الصوم من سمعه من عدل قال بعضهم: ولو رد الحاكم قوله والراد إذا لم ير الحاكم الصيام بشهادة واحد ونحوه وتثبت بقية الأحكام من وقوع الطلاق وحلول الآجال وغيرها تبعا ولا يقبل في بقية الشهور إلا رجلان عدلان وإذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما فلم يروا الهلال أفطروا لا إن صاموا بشهادة واحد وإن صاموا ثمانية وعشرون يوما ثم رؤا الهلال(1/303)
قضوا يوما فقط نصا وإن صاموا لأجل غيم ونحوه لم يفطروا فلو غم هلال شعبان ورمضان وجب أن يقدر رجب وشعبان ناقصين: ولا يفطروا حتى يروا الهلال أو يصوموا اثنين وثلاثين يوما وكذا الزياد إن غم الهلال رمضان وشوال وأكملنا شعبان ورمضان وكانا ناقصين قال الشيخ: قد يتوالى شهران وثلاثة وأكثر ثلاثين ثلاثين وقد يتوالى شهران وثلاثة وأكثر تسعة وعشرين يوما وفي شرح مسلم للنووي لا يقع النقص متواليا في أكثر من أربعة أشهر وقال الشيخ أيضا: قول من يقول أن رؤى الهلال صبيحة ثمان وعشرين فالشهر تام وإن لم ير فهو ناقص وهذا بناء على أن الإستسرار لا يكون إلا ليلتين وليس بصحيح بل قد يستتر ليلة تارة وثلاث ليال أخرى ومن رأى هلال شهر رمضان وحده وردت شهادته لزمه الصوم وجميع أحكام الشهر من طلاق وعتق وغيرهما معلقين به ولا يفطر إلا مع الناس وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر وقال ابن عقيل: يجب الفطر سرا وهو حسن والمنفرد برؤيته بمفازة ليس بقربه بلد يبني على يقين رؤيته لأنه لا يتيقن مخالفة الجماعة قاله المجد في شرحه وينكر على من أكل في رمضان ظاهرا وإن كان هناك عذر قاله القاضي وقيل لابن عقيل يجب منع مسافر ومريض وحائض من الفطر ظاهرا لئلا يتهم؟ فقال إن كانت أعذار خفية منع من إظهاره كمريض لا أمارة له ومسافر لا علامة عليه وإن رآه عدلان ولم يشهدا عند الحاكم جاز لمن سمع شهادتهما الفطر إذا عرف عدالتها ولكل واحد منهما أن يفطر بقولهما إذا عرف(1/304)
عدالة الآخر وإن شهدا عند الحاكم فرد شهادتهما لجهله بحالهما فلم نعلم عدالتهما الفطر لأن ردهما هنا ليس بحكم منه إنما هو توقف لعدم علمه فهو كالوقوف عن الحكم انتظارا للبينة ولهذا لو ثبتت عدالتهما بعد ذلك حكم بها وإن لم يعرف أحدهما عدالة الآخر لم يجز له الفطر إلا أن يحكم بذلك حاكم وإذا اشتبهت الأشهر على أسير أو مطمور أو من بمفازة ونحوهم تحرى وجوبا وصام: فإن وافق الشهر أجزأه وكذا ما بعده إن لم يكن رمضان السنة القابلة فإن كان فلا يجزى عن واحد منهما وإن تبين أن الشهر الذي صامه ناقص ورمضان تمام لزمه قضاء النقص ويأتي في حكم القضاء ويقضي يوم عيد وأيام التشريق وإن وافق قبله لم يجزه وإن تحرى وشك هل وقع قبله أو بعده أجزأه ولو صام شعبان ثلاث سنين متاوالية ثم علم ـ صام ثلاثة أشهر شهرا على أثر شهر كالصلاة إذا فاتته وإن صام بلا اجتهاد فكمن خفيت عليه القبلة وإن ظن الشهر لم يدخل فصام لم يجزه ولو أصاب وكذا لو شك في دخوله.(1/305)
فصل ولا يجب الصوم إلا على مسلم
عاقل بالغ قادر عليه فلا يجب على كافر ولو مرتدا والردة تمنع صحة الصوم فلو ارتد في يوم ثم أسلم فيه أو بعده أو ارتد في ليلته ثم أسلم فيه ـ فعليه القضاء ولا يجب على مجنون ولا يصح منه ولا على صغير ويصح من مميز ويجب على وليه أمره به إذا أطاقه وضربه حينئذ عليه إذا تركه ليعتاده وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمه الإمساك ولو بعد فطرهم والقضاء وإن أسلم كافرا أو أفاق مجنون أو بلغ صغير ـ فكذلك وكل من أفطر والصوم يجب عليه كالمفطر لغير عذر ومن أفطر يظن أن(1/305)
الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو الشمس قد غابت ولم تغب أو الناسي النية أو طهرت حائض أو نفساء أو تعمدت الفطر ثم حاضت أو تعمده مقيم ثم سافر أو قدم مسافر أو برئ مريض مفطرين ـ فعليهم القضاء والإمساك وإن بلغ الصغير بسن أو احتلام صائما أتم صومه ولا قضاء عليه إن نوى من الليل: كنذر إتمام نفل ولا يلزم من أفطر في صوم واجب غير رمضان الإمساك وإن علم مسافر أنه يقدم غدا لزمه الصوم نصا بخلاف صبي يعلم أنه يبلغ غدا لعدم تكليفه ومن عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أفطر لعدم وجوبه عليه وأطعم عن كل يوم مسكينا ما يجزى في كفارة ولا يجزى أن يصوم عنه غيره وإن سافر أو مرض فلا فدية لأنه أفطر بعذر معتاد ولا قضاء وإن قدر على القضاء فكمعضوب أحج عنه ثم عوفي ولا يسقط الإطعام بالعجز ويأتي قريبا والمريض إذا خاف ضررا بزيادة مرضه أو طوله ولو بقول مسلم ثقة أو كان صحيحا فمرض في يومه أو خاف مرضا لأجل عطش أو غيره ـ سن فطره وكره صومه وإتمامه فإن صام أجزأه ولا يفطر مريض لا يتضرر بالصوم كمن به جرب أو وجع ضرس أو إصبع أو دمل ونحوه وقال الآجري: من صنعته شاقة فإن خاف تلفا أفطر وقضى فإن لم يضره تركها أثم وإلا فلا ومن قاتل عدوا أو أحاط العدو ببلده والصوم يضعفه ساغ له الفطر بدون سفر نصا ومن به شبق يخاف أن ينشق ذكره ـ جامع وقضى ولا يكفر نصا وإن اندفعت شهوته بغيره كالاستمناء بيده أو يد زوجته أو جاريته ونحوه(1/306)
لم يجز وكذا إن أمكنه ألا يفسد صوم زوجته المسلمة البالغة بأن يطأ زوجته أو أمته الكتابيتين أو زوجته أو أمته الصغيرتين أو دون الفرج وإلا جاز للضرورة ومع الضرورة إلى وطء حائض وصائمة بالغ فوطء الصائمة أولى وإن لم تكن بالغا وجب اجتناب الحائض وإن تعذر قضاءه لوان شبقه فككبير عجز عن الصوم على ما تقدم وحكم المريض الذي ينتفع بالجماع حكم من خاف تشقق فرجه والمسافر سفر قصر يسن له الفطر إذا فارق بيوت قريته كما تقدم في القصر ويكره صومه ولو لم يجد مشقة ويجزئه لكن لو سافر ليفطر حرما عليه ولا يجوز لمريض ومسافر أبيح لهما الفطر أن يصوما في رمضان عن غيره: كمقيم صحيح فيلغو صومه ولو قلب صوم رمضان إلى نفل لم يصح له النفل وبطل فرضه ومن نوى الصوم في سفر فله الفطر بما شاء من جماع وغيره لأن من له الأكل له الجماع ولا كفارة لحصول الفطر بالنية قبل الفعل وكذا مريض يباح له الفطر وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه طوعا أو كرها فله الفطر: بعد خروجه لا قبله والأفضل له الصوم والحامل والمرضع إذا خافتا الضرر على أنفسهما أو ولديهما أبيح لهما الفطر وكره صومهما ويجزئ إن فعلتا وإن أفطرتا قضتا ولا إطعام إن خافتا على أنفسهما كمريض بل إن خافتا على ولديهما أطعمتا مع القضاء عن كل يوم مسكينا ما يجزئ في الكفارة وهو على من يمون الولد على الفور وإن قبل الولد المرضع ثدي غيرها وقدرت تستأجر له ما يستأجر منه ـ فعلت ولم تفطر وله صرف(1/307)
الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة وحكم الظئر كموضع فيما تقدم فإن لم تفطر فتغير لبنها أو نقص خير المستأجر وإن قصدت الإضرار أثمت وكان للحاكم إلزامها بالفطر بطلب المستأجر ولا يسقط الإطعام بالعجز وكذا عن الكبير والمأيوس ولا إطعام من أخر قضاء رمضان وغيره غير كفارة الجماع ويأتي ولو وجد آدميا معصوما في هلكة كغريق لزمه مع القدرة إنقاذه وإن دخل الماء في حلقه لم يفطر وإن حصل له بسبب إنقاذه ضعف في نفسه فأفطر فلا فدية: كالمريض ومن نوى الصوم ليلا ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه وإن أفاق جزأ منه صح ومن جن في صوم قضاء وكفارة ونحوهما قضاه بالوجوب السابق وإن نام جميع النهار صح صومه ولا يلزم المجنون قضاء زمن جنونه ويلزم المغمي عليه.(1/308)
فصل ولا يصح صوم واجب إلا بنية من الليل
لكل يوم نية مفردة لأنها عبادات ولا يفسد يوم بفساد آخر وكالقضاء ولو نوت حائض صوم غد وقد عرفت أنها تطهر ليلا صح ولو نسي النية أو أغمي عليه حتى طلع الفجر أو نوى نهارا صوم الغد ـ لم يصح ولو نوى من الليل ثم أتى بعد النية فيه بما يبطل الصوم لم تبطل ومن خطر بباله أنه صائم غدا فقد نوى والأكل والشرب بنية الصوم نية ويجب تعيين النية بأن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من قضائه أو نذره أو كفارته ولا يجب معه نية الفريضة في فرضه ولا الوجوب في واجبه فلو نوى إن كان غدا من رمضان فهو عنه وإلا فعن واجب غيره وعينه(1/308)
بنية ـ لم يجزئه عن واحد منهما وإن قال: وإلا فهو نفل أو فأنا مفطر لم يصح وإن قاله ليلة الثلاثين من رمضان صح ومن قال أنا صائم غدا إن شاء الله: فإن قاصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد فسدت نيته وإلا لم تفسد إذا قصده أن فعله للصوم بمشيئة الله وتوفيقه وتيسيره كما لا يفسد الإيمان بقوله أنا مؤمن إن شاء الله غير متردد في الحال وكذا سائر العبادات وإن لم يردد نيته بل نوى ليلة الثلاثين من شعبان أنه صائم غدا من رمضان بلا مستند شرعي أو بمستند غير شرعي كحساب ونحوه لم يجزئه وإن بان منه ولا أثر لشك مع غيم وقتر ولو نوى خارج رمضان قضاء ونفلا أو نوى الإفطار من القضاء ثم نوى نفلا أو قلب نية القضاء إلى النفل ـ بطل القضاء ولم يصح النفل لعدم صحت نفل من عليه قضاء رمضان قبل القضاء وإن نوى قضاء وكفارة ظهار ونحوه لم يصحا لما تقدم ومن نوى الإفطار أفطر فصار كمن لم ينو لا كمن أكل فلو كان في نفل ثم عاد نواه صح وكذا لو كان من نذر أو كفارة فقطع نيته ثم نوى نفلا ولو قلب نية نذر إلى النفل فكمن انتقل من فرض صلاة إلى نفلها ولو تردد في الفطر أو نوى أنه سيفطر ساعة أخرى أو إن وجد طعاما أكلت وإلا أتممت ونحوه ـ بطل: كصلاة ويصح صوم نفل بينة من النهار قبل الزوال وبعده ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية: فيصح تطوع حائض طهرت وكافر أسلم في يوم ولم يأكلا بصوم بقية اليوم.(1/309)
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
مدخل
...
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
وما يتعلق بذلك
من أكل ولو ترابا أو مالا يغذي ولا يماع في الجوف: كالحصى أو شرب أو استعط بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه أو دماغه أو احتقن أو داوى الجائفة أو جرحا بما يصل إلى جوفه أو اكتحل بكحل أو صبر أو قطور أو ذرور أو إثمد ولو غير مطيب يتحقق معه وصوله إلى حلقه ـ وإلا فلا ـ أو استقاء فقاء طعاما أو مرارا أو بلغما أو دما أو غيره ولو قل أو أدخل إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه وباطن فرجها وتقدم في الإستطابة إذا أدخلت إصبعها ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته شيئا من أي موضع كان ولو خيطا تبتلعه كله أو بعضه أو رأس سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه أو داوى المامومة أو استمنى فأمنى أو مذي أو قبل أو لمس أو باشر دون الفرج فأمنى أو أمذى أو كرر النظر فأمنى لا إن أمذى أو لم يكرر النظر فأمنى أو حجم أو احتجم وظهر دم لا إن جرح نفسه أو جرحه غيره بإذنه ولو يصل إلى جوفه ولو بدل الحجامة ولا بفصد وشرط ولا بإخراج دمه برعاف فلا يفطر غير قاصد الفعل كمن طار إلى حلقه غبار ونحوه أو ألقى في ماء فوصل إلى جوفه ولا ناء: فرضا كان الصوم أو نفلا ولا مكره سواء أكره على الفعل حتى فعل أو فعل به: بأن صب في حلقه مكرها أو نائما(1/310)
كما لو أوجر المغمى عليه معالجة ويفطر بردة وموت فيطعم من تركته في نذر وكفارة ويأتي وإن دخل حلقه ذباب أو غبار طريق أو دقيق أو دخان من غير قصد أو قطر في إحليله ولو وصل مثانته أو فكر فأمنى أو مذى: كما لو حصل بفكر غالب أو احتلم أو أنزل لغير شهوة كالذي يخرج منه المنى أو المذي لمرض أو سقطة أو خروجا من هيجان شهوة من غير أن يمس ذكره أو أمنى نهارا من وطء ليل أو ليلا من مباشرته نهار أو ذرعه القيء ولو عاد إلى جوفه بغير اختياره لا إن عاد باختياره أو أصبح وفي فيه طعام فلفظه أو شق لفظه فبلعه مع ريقه بغير قصد أو جرى ريقه ببقية طعام تعذر رميه أو بلع ريقه عادة لا إن أمكن لفظه بقية الطعام بأن تميز عن ريقه فبلعه عمدا ولو دون حمصة أو اغتسل أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء في حلقه بلا قصد أو بلع ما بقي من أجزاء الماء بعد المضمضة ـ لم يفطر وكذا إن زاد على الثلاث في أحدهما أو بالغ فيه وإن فعلهما لغير طهارة: فإن كان لنجاسة ونحوها فكالوضوء وإن كان عبثا أو لحر أو عطش كره وحكمه حكم الزائد على الثلاث وكذا إن غاص في الماء في غسل غير مشروع أو إسراف أو كان عبثا ولو أراد أن يأكل أو يشرب من وجب عليه الصوم في رمضان ناسيا أو جاهلا وجب إعلامه على من رآه ولا يكره للصائم الاغتسال ولو للتبرد لكن يستحب لمن لزمه الغسل ليلا من جنب وحائض ونحوهما أن يغتسل قبل طلوع الفجر الثاني فلو أخره واغتسل بعده صح صومه وكذا إن أخره يوما لكن يأثم بترك الصلاة وإن كفر بالترك(1/311)
بطل صومه: بأن يدعى إليها وهو صائم فيأبى أو بمجرد الترك من غير دعاء على قول الآجري وهو ظاهر كلام جماعة وإن بصق نخامة بلا قصد من مخرج الحاء المهملة لم يفطر ومن أكل ونحوه شاكا في طلوع الفجر ودام شكه فلا قضاء عليه وإن أكل يظن طلعه فبان ليلا ولم يجدد نية صومه الواجب قضى وإن أكل ونحوه شاكا في غروب الشمس ودام شكه لا ظانا ودام شكه ولو شك بعده ودام أو أكل يظن بقاء النهار قضى وإن بان ليلا لم يقض وإن أكل يظن أو يعتقد أنه ليل فبان نهار في أوله أو آخره فعليه القضاء.(1/312)
فصل وإذا جامع في نهار شهر رمضان بلا عذر
شبق ونحوه بذكر أصلي في فرج أصلي قبلا كان أو دبرا من آدمي أو غيره حي أو ميت أنزل أم لا ـ فعليه القضاء والكفارة: عامدا كان أو ساهيا أو جاهلا أو مخطئا مختارا أو مكرها نصا سواء أكره حتى فعل أو فعل به من نائم وغيره ولو أولج بفرج أصلي أو غير أصلي في غير أصلي فلا كفارة ولم يفسد صوم واحد منهما إلا أن ينزل وإن أولج بغير أصلي في أصلي فسد صومها فقط لأن داخل فرجها في حكم الباطن فيفسد بإدخال غير الأصلي كإصبعها وأصبع غيرها وأولي وكلامهم هنا يخالفه إلا أن نقول داخل الفرج في حكم الظاهر والله أعلم والنزع جماع فلو طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع في الحال مع أول طلوع الفجر فعليه القضاء والكفارة: كما لو استدام ولو جامع يعتقد ليلا فبان نهارا وجب القضاء والكفارة ولا يلزم المرأة الكفارة مع العذر كنوم أو(1/312)
إكراه ونسيان وجهل يفسد صومها بذلك وتلزمها الكفارة مع عدم العذر ولو طاوعته أمته كفرت بالصوم ولو أكره زوجته عليه دفعته بالأسهل فالأسهل ولو أفضى ذلك إلى ذهاب نفسه: كالمار بين يدي المصلي ذكر ابن عقيل واقتصر عليه في الفروع ولو استدخلت ذكر نائم أو صبي أو مجنون بطل صومها ولا تجب الكفارة بقبلة ولمس ونحوهما إذا أنزل وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة وإن جامع دون الفرج عامدا فأنزل ولو مذيا أو أنزل مجبوب أو امرأتان بمساحقة فسد الصوم ولا كفارة وإن جامع في يومين من رمضان واحد ولم يكفر فكفارتان: كما لو كفر عن اليوم الأول وكيومين من رمضانين وإن جامع ثم جامع في يوم واحد قبل التكفير فكفارة واحدة وإن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه فكفارة ثانية وكذا كل من لزمه الإمساك يكفر لوطئه ولو جامع وهو صحيح جن أو مرض أو سافر أو حاضت أو نفست بعد وطئها لم تسقط الكفارة ولو مات في أثناء النهار بطل صومه فإن كان نذرا وجب الإطعام من تركته وإن كان صوم كفارة تخيير وجبت الكفارة في ماله ومن نوى الصوم في سفره ثم جامع فلا كفارة وتقدم ولا تجب بغير الجماع كأكل وشرب ونحوهما في صيام رمضان أداء ويختص وجوب الكفارة برمضان لأن غيره لا يساويه: فلا تجب في قضائه والكفارة على الترتيب: فيجب عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فلو قدر على الرقبة في الصوم لم يلزمه الانتقال لا إن(1/313)
قدر قبله فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ولا يحرم الوطء هنا قبل التكفير ولا في ليالي صوم الكفارة فإن لم يجد سقطت عنه: كصدقة فطر بخلاف كفارة حج وظهار ويمين ونحوها وإن كفر عنه غيره بإذنه فله أكلها وكذا لو ملكه ما يكفر به.(1/314)
باب ما يكره وما يستحب في الصوم وحكم القضاء
مدخل
...
باب ما يكره وما يستحب في الصوم وحكم القضاء
لا بأس بابتلاع الصائم ريقه على جاري العادة ويكره أن يجمعه ويبتلعه فإن فعله قصدا لم يفطر إن لم يخرجه إلى بين شفتيه فإن فعل أو انفصل عن فمه ثم ابتلعه أو ابتلع ريق غيره أفطر وإن أخرج من فيه حصاة أو درهما أو خيطا أو نحوه وعليه من ريقه ثم أعاده فإن كان ما عليه كثير فبلعه أفطر لا إن قل لعدم تحقق انفصاله ولا إن أخرج لسانه ثم أعاده وبلع ما عليه ولو كان كثيرا وتكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق وتقدم وإن تنجس فمه ولو بخروج قيء ونحوه فبلعه أفطر وإن قل وإن بصق وبقي فمه نجسا فبلع ريقه: فإن تحقق أنه بلع شيئا نجسا أفطر وإلا فلا ويحرم بلع نخامة ويفطر بها: سواء كانت من جوفه أو صدره أو دماغه بعد أن تصل إلى فمه ويكره له ذوق الطعام بلا حاجة وإن وجد طعمه في حلقه أفطر ويكره مضغ العلك الذي لا يتحلل منه أجزاء فإن وجد طعمه في حلقه أفطر ويحرم مضغ ما يتحلل منه أجزاء ولو لم يبتلع ريقه وتكره القبلة ممن تحرك شهوته وإن ظن الإنزال حرم ولا تكره ممن لا تحرم شهوته وكذا دواعي(1/314)
الوطء كلها ويكره تركه بقية طعام بين أسنانه وشم ما لا يأمن أن يجذبه نفسه إلى حلقه: كسحيق مسك وكافور ودهن ونحوها ويحب اجتناب كذب وغيبة ونميمة وشتم وفحش ونحوه كل وقت وفي رمضان ومكان فاضل آكد قال أحمد: ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه ولا يماري ويصون صومه ولا يغتب أحدا ولا يعمل عملا يخرق به صومه: فيجب كف لسانه عما يحرم ويسن عما يكره ولا يفطر بغيبة ونحوها وإن شتم سن قوله جهرا في رمضان: إني صائم وفي غيره سرا يزجر نفسه بذلك.(1/315)
فصل يسن تعجيل الإفطار
إذا تحقق الغروب وله الفطر بغلبة الظن وفطره قبل الصلاة أفضل وتأخير السحور ما لم يخش طلوع الفجر الثاني ويكره تأخير الجماع مع الشك في طلوعه ولا الأكل والشرب قال أحمد: إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه قال الآجري وغيره: ولو قال لعاملين: أرقبا الفجر فقال أحدهما: طلع وقال الآخر: لم يطلع ـ أكل حتى يتفقا فتحصل فضيلة السحور بأكل أو شرب وإن قل وتمام الفضيلة بالأكل ويسن أن يفطر على رطب فإن لم يجد فعلى التمر فإن لم يجد فعلى الماء وأن يدعو عند فطره فإن له عند فطره دعوة لا ترد ويقول: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم وإذا غاب حاجب الشمس الأعلى أفطر الصائم حكما وإن لم يطعم فلا يثاب على الوصال ومن فطر صائما فله مثل أجره وظاهره أي شيء كان وقال(1/315)
الشيخ: المراد إشباعه ويستحب في رمضان الإكثار من قراءة القرآن والذكر والصدقة ويستحب التتابع فورا في قضائه ولا يجبان إلا إذا لم يبق من شعبان إلا ما يتسع للقضاء فقط ولا يكره القضاء في عشر ذي الحجة ويجب العزم على القضاء في الموسع وكذا كل عبادة متراخية.(1/316)
فصل ومن فاته رمضان كله
تاما كان أو ناقصا لعذر وغيره كالأسير والمطمور وغيرهما قضى عدد أيامه: إبتدأه من أول الشهر أو من أثنائه كأعداد الصلوات ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف وعكسه وإن كان عليه معه صوم نذر لا يخاف فوته بدأ بقضاء رمضان ويجوز تأخير قضائه ما لم يفت وقته وهو إلى أن يهل رمضان آخر لا يجوز تأخيره إلى رمضان آخر من غير عذر ويحرم التطوع بالصوم قبله ولا يصح ولو اتسع الوقت فإن أخره إلى رمضان آخر أو رمضانات فعليه القضاء وإطعام مسكين لكي يوم ما يجزئ في كفارة ويجوز إطعامه قبل القضاء ومعه وبعده والأفضل قبله وإن أخره لعذر فلا كفارة ولا قضاء إن مات ومن دام عذره بين الرمضانين ثم زال صام الرمضان الذي أدركه ثم قضى ما فاته ولا إطعام كما لو مات قل زواله فإن أخره لغير عذر فمات قبل رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين ولا يصام عنه لأن الصوم الواجب بأصل الشرع لا يقضي عنه والإطعام من رأس ماله أوصى به أولا ولا يجزئ صوم عن كفارة عن ميت ولو أوصى به لكن لو مات بعد قدرته عليه وقلنا الاعتبار بحال الوجوب ـ وهو المذهب ـ أطعم عن ثلاثة مساكين لكل(1/316)
يوم مسكين ولو مات وعليه صوم شهر من كفارة أطعم عنه أيضا وكذا صوم متعة وإن مات وعليه صوم منذور في الذمة ولم يصم منه شيئا مع إمكانه ففعل عنه أجزأ عنه فإن لم يخلف تركة لم يلزم الولي شيء لكن يسن له فعله عنه لتفرغ ذمته: كقضاء دينه وإن خلف تركة وجب فيفعله الولي بنفسه استحبابا فإن لم يفعل وجب من يدفع من تركته إلى من يصوم عنه عن كل يوم طعام مسكين ويجزئ فعل غيره عنه بإذنه وبدونه وإن مات وقد أمكنه صوم بعض ما نذره قضى عنه ما أمكنه صومه فقط ويجزئ صوم جماعة عنه في يوم واحد عن عدتهم من الأيام وإن نذر صوم شهر بعينه فمات قبل دخوله لم يصم ولم يقض عنه قال المجد: وهو مذهب سائر الأئمة ولا أعلم فيه خلافا وإن مات في أثنائه سقط باقيه فإن لم يصمه لمرض حتى انقضى ثم مات في مرضه فعلى ما تقدم فيما إذا كان في الذمة من أنه إن كان أمكنه فعله قبل موته فعل عنه ولا كفارة مع الصوم عنه أو الإطعام وإن مات وعليه حج منذور فعل عنه ولا يعتبر تمكنه من الحج في حياته وكذا العمرة المنذورة ويجوز أن يحج عنه حجة الإسلام ولو بغير إذن وليه وله الرجوع على التركة بما أنفق وإن مات وعليه اعتكاف منذور فعل عنه فإن لم يمكنه فعله حتى مات فكالصوم وإن كانت عليه صلاة منذورة فعلت عنه ولا كفارة معه وطواف منذور كصلاة وأما صلاة الفرض فلا تفعل عنه كقضاء رمضان.(1/317)
باب صوم التطوع وما يكره منه وذكر ليلة القدر
مدخل
...
باب صوم التطوع، وما يكره منه وذكر ليلة القدر
أفضله صوم يوم وإفطار يوم ويسن صوم ثلاثة أيام من كل شهر والأفضل أن تكون أيام البيض وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وهو كصوم الدهر أي يحصل له أجر صيام الدهر بتضعيف الأجر من غير حصول المفسدة والله أعلم وسميت بيضا لابيضاضها ليلا بالقمر ونهارا بالشمس ويسن صوم الاثنين والخميس وست أيام من شوال ولو متفرقة فمن صامها بعد أن صام رمضان فكأنما صام الدهر ولا تحصل الفضيلة بصيامها في غير شوال وصوم التسع من ذي الحجة وآكده التاسع وهو يوم عرفة إجماعا ثم الثامن ـ وهو يوم التروبة ـ وصوم المحرم وهو أفضل الصيام بعد شهر رمضان وأفضله يوم عاشوراء وهو العاشر ثم تاسوعاء وهو التاسع ويسن الجمع بينهما وإن اشتبه علينا أول الشهر صام ثلاثة أيام ولا يكره إفراد العاشر بالصوم وهما آكده ثم العشر ولم يجب صوم عاشوراء وعنه وجب ثم نسخ اختاره الشيخ ومال إليه الموفق والشارح وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة وما روي في فضل الاكتحال والإختضاب والاغتسال والمصافحة والصلاة فيه فكذب وصيام يوم عرفة كفارة سنتين قال في شرح مسلم عن العلماء: المراد كفارة الصغائر فإن لم تكن رجى التخفيف من الكبائر فإن لم تكن رفع له درجات ولا يستحب صيامه لمن كان بعرفة من الحاج بل فطره أفضل(1/318)
إلا لمتمتع وقارن عدما الهدي ويأتي ويكره إفراد رجب بالصوم وتزول الكراهة بفطره ولو يوما أو بصومه شهرا آخر من السنة قال المجد: وإن لم يله ولا يكره إفراد شهر غيره وكل حديث روي في فضل صوم رجب أو الصلاة فيه فكذب باتفاق أهل العلم ويكره تعهد إفراد يوم الجمعة بصوم وإفراد يوم السبت إلا أن يوافق عادة ويكره صوم يوم الشك تطوعا ويصح أو بنية الرمضانية احتياطا ـ وهو يوم الثلاثين من شعبان ـ إن لم يكن في السماء علة ولو ير الهلال أو شهد به من ردت شهادته إلا أن يوافق عادة أو يصله بصيام قبله أو يصومه عن قضاء أو نذر ويكره إفراد يوم نيروز ومهرجان ـ وهما عيدان للكفار وكل عيد لهم أو يوم يفردونه بتعظيم إلا أن يوافق عادة ويكره تقدم رمضان بيوم أو يومين ولا يكره أكثر من يومين ويكره الوصال إلا للنبي صلى الله عليه وسلم فمباح له وهو ألا يفطر بين اليومين وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها وكذا بمجرد الشرب ولا يكره الوصال إلى السحر ولكن ترك سنة ـ وهي تعجيل الفطر ويحرم صوم يومي العيدين ولا يصح فرضا ولا نفلا وكذا أيام التشريق إلا عن دم متبعة وقران يأتي ويجوز صوم الدهر ولم يكره إذا لم يترك به حقا ولا خاف منه ضررا ولم يصم هذه الأيام فإن صامها فقد فعل محرما ومن دخل في تطوع غير حج وعمرة استحب له إتمامها ولو يجب لكن يكره قطعه بلا عذر وإن أفسده فلا قضاء عليه وكذا لا تلزم الصدقة ولا الأذكار بالشروع وإن دخل في فرض كفاية(1/319)
أو واجب موسع كقضاء رمضان قبل رمضان الثاني والمكتوبة في أول وقتها وغير ذلك كنذر مطلق وكفارة ـ حرم خروجه منه بلا عذر بغير خلاف وقد يجب قطعه لرد معصوم عن هلكة وإنقاذ غريق ونحوه وإذا دعاه النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وله قطعها بهرب غريمه وقلبها نفلا وتقدم وإن أفسده فلا كفارة ولا يلزمه غير ما كان قبل شروعه ولو شرع في صلاة تطوع قائما لم يلزمه إتمامها قائما وذكر القاضي وجماعة أن الطواف كالصلاة في الأحكام إلا فيما خصه الدليل.(1/320)
فصل ليلة القدر
...
فصل وليلة القدر
شريفة معظمة ترجى إجابة الدعاء فيها وسميت ليلة القدر لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة وهي باقية لم ترفع وهي مختصة بالعشر الأواخر من رمضان فتطلب فيه وليالي الوتر آكد وأرجاها ليلة سبع وعشرين نصا وهي أفضل الليالي حتى ليلة الجمعة ويستحب أن ينام فيها متربعا مستندا إلى شيء نصا ويذكر حاجته في دعائه ويستحب منه ما روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن وافقتها فيم أدعو؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني وتنتقل في العشر الأخير لا أنها ليلة معينة وحكي ذلك عن الأئمة الأربعة وغيرهم فيمن قال لزوجته أنت طالق ليلة القدر: إن كان قبل مضي ليلة أول العشر وقع الطلاق في الليلة الأخيرة وإن مضى منه ليلة وقع الطلاق في الليلة الأخيرة من العام المقبل قال المجد: ويخرج حكم العتق واليمين على مسألة الطلاق ومن نذر قيام ليلة القدر قام العشر الأخير كله ونذره في أثنائه كطلاقه وأفضل الشهور رمضان قال(1/320)
الشيخ: ليلة الإسراء في حق النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر وقال: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع وقال: يوم النحر أفضل أيام العام وظاهر ما ذكره أبو حكيم أن يوم عرفة أفضل قال في الفروع: وهو أظهر وعشر ذي الحجة أفضل من العشر الأخير من رمضان ومن أعشار الشهور كلها.(1/321)
باب الاعتكاف وأحكام المساجد
مدخل
...
باب الاعتكاف وأحكام المساجد
وهو: لزوم المسجد لطاعة الله على صفة مخصوصة من مسلم عاقل ولو مميزا طاهر مما يوجب غسلا وأقله ساعة فلو نذر اعتكافا وأطلق أجزأته ولا يكفي عبوره ويستحب ألا ينقص عن يوم وليلة ويسمى جوارا قاله ابن هبيرة ولا يحل أن يسمي خلوة قال في الفروع ولعل الكراهة أولى وهو سنة كل وقت إلا أن ينذره فيجب على صفة ما نذر ولا يختص بزمان وآكده في رمضان وآكده العشر الأخير منه وإن علقه أو غيره من التطوعات بشرط فله شرطه نحو: لله علي أن أعتكف شهر رمضان إن كنت مقيما أو معاف فلو كان فيه مريضا أو مسافرا لم يلزمه شيء ويصح بغير صوم: إلا أن يقول في نذره بصوم وبه أفضل فيصح في ليلة منفردة وفي بعض يوم وإن كان مفطرا وإذا لم يشترط الصوم في نذره فصام ثم أفطر عامدا بغير عذر لم يبطل اعتكافه ولم يلزمه شيء ومن نذر أن يعتكف صائما أو يصوم معتكفا أو باعتكاف أو يعتكف مصليا أو يصلي معتكفا لزمه الجمع: كنذر صلاة(1/321)
بسورة معينة لكن لا يلزمه أن يصلي جميع الزمان إذا نذر أن يعتكف مصليا والمراد ركعة أو ركعتان وإن نذر اعتكاف عشر رمضان الأخير فنقص أجزأه بخلاف نذره عشرة أيام من آخر الشهر فنقص فيقضي يوما وإن نذر أن يعتكف رمضان ففاته لزمه شهر غيره ولا يلزمه الصوم ولا يجوز الاعتكاف للمرأة والعبد بدون إذن زوج وسيد فإن شرعا فيه بغير إذن فلهما تحليلهما ولو نذرا فإن لم يحللاهما صح وأجزأ وإن كان بإذن فلهما تحليلهما إن كان تطوعا وإن كان نذرا ولو غير معين فلا ولو رجعا بعد الإذن قبل الشروع جاز والإذن في عقد النذر إذن في فعله إن نذرا زمنا معينا بالإذن وإلا فلا وأم الولد والمدبر والمعلق عتقه بصفة كعبد وللمكاتب أن يعتكف بلا إذن سيده وله أن يحج بغير إذنه ما لم يحل نجم ولا يمنع من إنفاق المال في الحج ومن بعضه حر: عن كان بينهما مهايأة فله أن يعتكف ويحج في نوبته بلا إذنه وإلا فلسيدة منعه وإذا اعتكفت المرأة استحب لها أن تستتر بخباء ونحوه وتجعله في مكان لا يصلي فيه الرجال ولا بأس أن يستتر الرجال أيضا ولا يصح الاعتكاف إلا بنية: فإن كان فرضا لزمه نية الفرضية وإن نوى الخروج منه أي نوى إبطاله بطل إلحاقا له بالصلاة والصيام ولا يبطل بإغماء ولا يصح من رجل تلزمه الصلاة جماعة إلا في مسجد تقام فيه ولو من رجلين معتكفين أن أتى عليه فعل الصلاة زمن اعتكافه وإلا صح في كل مسجد وإن كانت تقام فيه بعض الزمان جاز الاعتكاف فيه في ذلك الزمن فقط ولا يصح في(1/322)
مسجد تقام فيه الجمعة دون الجماعة وظهره ورحبته المحوطة وعليها باب نصا ومنارته التي بابها فيه ـ منه وكذا ما زيد حتى في الثواب في المسجد الحرام وكذا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عند الشيخ وابن رجب وجمع وحكي عن السلف وخالف فيه ابن عقيل وابن الجوزي وجمع قال في الفروع: وهو ظاهر كلام أصحابنا وتوقف أحمد ولو اعتكف من لا تلزمه الجمعة في مسجد لا تصلى فيه بطل بخروجه إليها إن لم يشترط والأفضل الاعتكاف في المسجد الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله وللمرأة ومن لا تلزمه الجماعة كالمريض والمعذور ومن في قرية لا يصلى فيها غيره الاعتكاف في كل مسجد إلا مسجد بيتها وهو ما اتخذته لصلاتها ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة فله فعله في غيره وإن نذره في أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى فإن عين الأفضل منها في نذره لم يجزئه فما دونه وعكسه بعكسه وإن نذره في غير هذه المساجد وأراد الذهاب إلى ما عينه فإن احتاج إلى شد رحل خير وإن دخل فيه ثم انهدم معتكفه ولم يمكن المقام فيه لزم إتمامه في غيره ولم يبطل ومن نذر اعتكافه شهر أو عشر يعينه كالعشر الأخير من رمضان أو أراد ذلك تطوعا ـ دخل معتكفه قبل ليلته الأولى وخرج بعد آخره ولو نذر يوما معينا أو مطلقا دخل قبل فجره الثاني وخرج بعد غروب شمسه ولم(1/323)
يجز تفريقه لساعات من أيام فلو كان في وسط النهار فقال: لله علي أن أعتكف يوما من وقتي هذا لزمه من ذلك الوقت إلى مثله ولا يدخل الليل وكل زمان معين يدخل قبله ويخرج بعده وإن اعتكف رمضان أو العشر الأخير منه استحب أن يبيت ليلة العيد في معتكفه ويخرج منه إلى المصلى وإن نذر شهرا مطلقا لزمه شهر متتابع نصا وحكمه في دخول معتكفه وخروجه منه كما تقدم ويكفي شهر هلالي ناقص بلياليه أو ثلاثون يوما بلياليها وإن ابتدأ الثلاثين في أثناء النهار فتمامه في مثل تلك الساعة من الليلة الحادية والثلاثين وإن نذر أياما أو ليالي معدودة فله تفريقها إن لم ينو التتابع ونذر اعتكافه يوم لا تدخل ليلته وكذا عكسه وإن نذر شهرا متفرقا فله تتابعه وإن نذر أياما أو ليالي متتابعة لزمه ما يتخللها من ليل أو نهار وإن نذر اعتكاف يوم يقدم فلان فقدم في بعض النهار لزمه اعتكاف الباقي منه ولم يلزمه شيء فإن كان للناذر عذر يمنعه الاعتكاف عند قدوم فلان من حبس أو مرض قضى وكفر ويقضي بقية اليوم فقط.(1/324)
فصل من لزمه تتابع اعتكاف
لم يجز له الخروج إلا لما لا بد منه: كحاجة الإنسان: من بول وغائط وقيء بغتة وغسل متنجس يحتاجه والطهارة عن حدث لا التجديد وله تقديمها ليصلي بها أول الوقت ويتوضأ في المسجد بلا ضرر فإذا خرج فله المشي على عادته من غير عجلة وقصد بيته إن لم يجد مكانا يليق به لا ضرر عليه فيه(1/324)
ولا منة: كسقاية لا يحتشم مثله منها ولا نقص عليه ويلزمه قصد أقرب منزليه وإن بذل له صديقه أو غيره منزله القريب لقضاء حاجته لم يلزمه للمشقة بترك المروئة والإحتشام ويخرج ليأتي بمأكول مشروب يحتاجه إن لم يكن له من يأتيه به ولا يجوز خروجه لأجل أكله وشربه في بيته وله غسل يده في إناء من وسخ وزفر ونحوهما ليفرغ خارج المسجد ولا يجوز أن يخرج لغسلهما ويخرج للجمعة إن كانت واجبة عليه أو شرط الخروج إليها وله التبكير إليها وإطالة المقام بعدها ولا يلزمه سلوك الطريق الأقرب ويستحب له سرعة الرجوع بعد الجمعة وكذا إن تعين خروجه لإطفاء حريق وإنقاذ غريق ونحوه ولنفير متعين إن أحتيج إليه ولشهادة تعين عليه أداؤها فيلزمه الخروج ولخوف من فتنة على نفسه أو حرمته أو ماله نهبا وحريقا ونحوه ولمرض يتعذر معه المقام أو لا يمكنه إلا بمشقة شديدة بأن يحتاج إلى خدمة أو فراش ولا يبطل اعتكافه: كحائض ومريض وخائف أن يأخذه السلطان ظلما فخرج واختفى وإن أخرجه لاستيفاء حق عليه: فإن أمكنه الخروج منه بلا عذر بطل اعتكافه وإلا فلا لوجوب الخروج وإن خرج من المسجد ناسيا لم يبطل ويبني إذا زال العذر في الكل فإن أخر الرجوع إليه مع إمكانه بطل ما مضى كمرض وحيض وتخرج المرأة لوجود حيض ونفاس فترجع إلى بيتها(1/325)
فإذا طهرت رجعت إلى المسجد وإن كان له رحبة غير محوطة يمكنها ضرب خباء فيها بلا ضرر ـ سن إن لم تخف تلويثا فإذا طهرت دخلت المسجد ولعدة وفاة ونحوها مما يجب الخروج له ولا تمنع المستحاضة الاعتكاف ويجب عليها أن تتحفظ وتتلجم لئلا تلوث المسجد فإن لم يمكن صيانته منها خرجت منه ـ ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يجهزها خارج المسجد إلا بشرط أو وجوب وكذا كل قربة لا تتعين كزيارة وتحمل شهادة وأدائها وتغسيل ميت وغيره وإن شرط ماله منه بدو لي بقربة كالعشاء في منزله والمبيت فيه جاز له فعله: لا إن شرط الوطء أو الفرجة أو النزهة أو الخروج للبيع والشراء للتجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد وإن قال: متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه وله السؤال عن المريض والبيع والشراء في طريقه إذا خرج لما لا بد منه: ما لم يعرج أو يقف لمسألته وله الدخول إلى مسجد يتم اعتكافه فيه إن كان أقرب إلى مكان حاجته من الأول وإن كان أبعد أو خرج إليه ابتداء بلا عذر بطل اعتكافه فإن كان المسجدان متلاصقين بحيث يخرج من أحدهما فيصير في الآخر فله الإنتقال من أحدهما إلى الآخر وإن كان يمشي بينهما في غيرهما لم يجز له الخروج وإن قرب وإن خرج لما لا بد منه خروجا معتادا كحاجة الإنسان وطهارة من الحدث والطعام والشراب والجمعة والحيض والنفاس فلا شيء فيه وإن خرج لغير معتاد كنفير وشهادة واجبة وخوف من فتنة ومرض ونحو ذلك ولم يتطاول فهو على اعتكافه ولا يقضي الوقت الفائت بذلك لكونه يسيرا وإن تطاول(1/326)
فإن كان الاعتكاف تطوعا خير بين الرجوع وعدمه وإن كان واجبا وجب عليه الرجوع إلى معتكفه ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدهما: نذر اعتكاف أيام غير متتابعة ولا معينة فيلزمه أن يتم ما بقي عليه لكنه يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله ولا كفارة ـ الثاني: نذر أياما متتابعة غير معين فيخير بين البناء على ما مضى بأن يقضي ما بقي من الأيام عليه كفارة يمين وبين الاستئناف بلا كفارة ـ الثالث نذر أياما معينة: كالعشر الأخير من رمضان فعليه قضاء ما ترك وكفارة يمين وإن خرج جميعه لما له منه بد مختارا عمدا أو مكرها بحق بطل وإن قل ثم إن كان في متتابع بشرط أو نية استأنف ولا كفارة وإن كان مكرها بغير حق أو ناسيا فقد تقدم وإن كان في معين متتابع كنذر شعبان متتابعا أو في معين ولو يقيده بالتتابع استأنف وكفر ويكون القضاء والاستئناف في الكل على صفة الأداء فيما يمكن ويحرم عليه الوطء فإن وطء في فرج ولو ناسيا فسد اعتكافه ولا كفارة للوطء بل لإفساد نذره وإن باشر دون الفرج لغير شهوة فلا بأس ولشهوة حرم فإن أنزل فكوطء فيفسد وإلا فلا وإن سكر ولو ليلا أو ارتد بطل اعتكافه ولايبني لأنه غير معذور وإن شرب ولم يسكر أو أتى كبيرة لم يفسد ويستحب للمعتكف التشاغل بفعل القرب واجتنابه ما لا يعينه من جدال ومراء وكثرة كلام وغيره لأنه مكروه في غيره ففيه أولى ولا بأس أن تزوره زوجته وتتحدث معه وتصلح رأسه أو غيره ما لم يتلذذ بشيء منها وله أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر ويأمر بما يريد خفيفا(1/327)
لا يشغله ولا يبع ولا يشتري إلا ما لا بد له منه: طعام أو نحو ذلك وليس الصمت من شريعة الإسلام قال ابن عقيل: يكره الصمت إلى الليل قال الموفق والمجد: ظاهر الأخبار تحريمه وجزم به في الكافي وإن نذره لم يف ولا يجوز أن يجعل القرآن بدل من الكلام وتقدم في صلاة التطوع وقال الشيخ: إن قرأ بعد الحكم الذي أنزل له أو ما يناسبه فحسن كقوله لمن دعاه لذنب تاب منه: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} وقوله عند ما أهمه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} ولا يستحب له إقراء القرآن وتدريس العلم ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث فيه ونحو ذلك مما يتعدى نفعه لكن فعله لذلك أفضل من الاعتكاف لتعدي نفعه ولا بأس أن يتزوج في المسجد ويشهد النكاح لنفسه وغيره ويصلح بين القوم ويعود المريض ويصلي على الجنائز ويهنئ ويعزي ويؤذن ويقيم كل ذلك في المسجد ويستحب له ترك لبس رفيع الثياب والتلذذ ما يباح له قبل الاعتكاف ولا ينام إلا عن غلبة ولو مع قرب الماء وألا ينام مضطجعا بل متربعا مستندا ولا يكره شيء من ذلك ولا بأس بأخذ شعره وأظفاره وأن يأكل في المسجد ويضع سفرة يسقط عليها ما يقع عنه لئلا يلوث المسجد ويكره أن يتطيب.(1/328)
فصل يجب بناء المساجد في الأمصار والقرى
والمحال ونحوها حسب الحاجة وأحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها ومن بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة وعمارة المساجد(1/328)
ومراعاة أبنيتها مستحبة ويسن أن يصان كل مسجد عن كل وسخ وقذر وقذارة ومخاط وتقليم أظافر وقص شارب وحلق رأس ونتف إبط وعن رائحة كريهة من بصل وثوم وكراث ونحوها فإن دخله آكل ذلك أو من له صنان أو بخر ـ قوي أخرجاه وعلى قياسه إخراج الريح من دبره فيه ومن بزاق ولو في هوائه وهو فيه خطيئة فإن كانت أرضه حصباء ونحوها فكفارتها دفنها وإلا مسحها بثوبه أو غيره ولا يكفي تغطيتها بحصير وإن لم يرها فاعلها لزم غيره إزالتها بدفن أو غيره فإن بدره البزاق أخذه بثوبه وحكه ببعضه وإن كان من حائطه وجب أيضا إزالتها ويسن تخليق موضعه وتحرم زخرفته بذهب أو فضة وتجب إزالته ويكره بنقش وصبغ وكتابة وغير ذلك مما يلهي المصلي عن صلاته غالبا وإن كان من مال الوقف حرم ووجب الضمان وفي الغنيمة: لا بأس بتجصيصه انتهى أي: يباح تجصيص حيطانه أي: تبيضها وصححه الحارثي ولم يره أحمد وقال: هو من زينة الدنيا ويصان عن تعليق مصحف وغيره في قبلته دون وضعه بالأرض ويحرم فيه البيع والشراء والإجارة للمعتكف وغيره فإن فعل فباطل ويسن أن يقال له: لا أربح الله تجارتك ولا يجوز التكسب فيه بالصنعة كخياطة وغيرها قليلا كان أو كثيرا لحاجة وغيرها ولا يبطل بهن الاعتكاف فلا يجوز أن يتخذ المسجد مكانا للمعايش وقعود الصناع والفعلة فيه ينتظرون من يكريهم بمنزلة وضع البضائع فيه ينتظرون من يشتريها وعلى ولي الأمر منعهم من ذلك وإن وقفوا خارج أبوابه فلا بأس قال أحمد: لا أرى(1/329)
لرجل إذا دخل المسجد إلا أن يلزم نفسه الذكر والتسبيح فإن المساجد إنما بنيت لذلك وللصلاة فإذا فرغ من ذلك خرج إلى معاشه ويجب أن يصان عن عمل صنعة ولا يكره اليسير لغير التكسب كرقع ثوبه وخصف نعله: سواء كان الصانع يراعي المسجد بكنس ونحوه أو لم يكن ويحرم للتكسب كما تقدم إلا الكتابة فإن أحمد سهل فيها ولم يسهل في وضع النعش فيه قال الحارثي: لأن الكتابة نوع تحصيل للعلم فهي في معنى الدراسة ويخرج على ذلك تعليم الصبيان الكتابة فيه بشرط أن لا يحصل ضرر بحبر وما أشبه ذلك ويسن أن يصان من صغير لا يميز لغير مصلحة وعن مجنون حال جنونه وعن لغط وخصومة وكثرة حديث لاغ ورفع صوت بمكروه وظاهر هذا أنه لا يكره إذا كان مباحا أو مستحبا وعن رفع الصبيان أصواتهم بالعب وغيره وعن مزامير الشيطان: الغناء والتصفيق والضرب بالدفوف ويمنع فيه اختلاط الرجال والنساء وإيذاء المصلين وغيره بقول أو فعل ويمنع السكران من دخوله ويمنع نجس البدن من اللبث فيه وتقدم في الغسل قال ابن عقيل: ولا بأس بالمناظرة في مسائل الفقه والاجتهاد في المساجد إذا كان القصد طلب الحق فإن كان مغالبة ومنافرة دخل في حيز الملاحاة والجدال فيما لا ينعني ولم يجز في المساجد انتهى ويباح فيه عقد النكاح والقضاء وللعان والحكم وإنشاد الشعر المباح ويباح للمريض أن يكون في المسجد وأن يكون في خيمة وإدخال البعير فيه ويصان عن حائض ونفساء مطلقا والأولى أن يقال: يجب صونه عن جلوسهما فيه ويسن(1/330)
أن يصان عن المرور فيه: بأن لا يجعل طريقا إلا لحاجة وكونه طريقا قريبا حاجة وكذا الجنب بلا وضوء ويباح للمعتكف وغيره النوم فيه قال الحارثي: وكذا ما لا يستدام كبيتوتة الضيف والمريض والمسافر وقيلولة المجتاز ونحو ذلك لكن لا ينام قدام المصلين ويسن صونه عن إنشاد شعر محرم وقبيح وعمل سماع وإنشاد ضالة ونشدانها ويسن لسامعه أن يقول: لا وجدتها ولا ردها الله عليك ومن إقامة حد وسل سيف ونحوه ويكره فيه الخوض والفضول وحديث الدنيا والارتفاق به وإخراج حصاه وترابه للتبرك به وغيره ولا يستعمل الناس حصره وقناديله في مصالحهم كالأعراس والأعزيه وغير ذلك ومن له الأكل فيه فلا يلوث حصره ولا يلقي العظام ونحوها فيه فإن فعل فعليه تنظيف ذلك ولا يجوز أن يغرس فيه شيء ويقلع ما غرس فيه ولو بعد إيقافه ولا حفر بئر ويأتي آخر الوقف ويحرم الجماع فيه وقال ابن تميم: يكره الجماع فوقه والتمسح بحائطه والبول عليه وجوز في الرعاية الوطء فيه وعلى سطحه وتقدم بعض ذلك ويحرم بوله فيه ولو في إناء وقصد وحجامة وقيء ونحوه وإن دعت إليه حاجة كبيرة خرج المعتكف من المسجد ففعله وإن استغنى عنه لم يكن له الخروج إليه كالمرض الذي يمكن احتماله وكذا حكم نجاسة في هوائه كالقتل على نطع ودم ونحوه في إناء وإن بال خارجه وجسده فيه دون ذكره كره ويباح الوضوء فيه والغسل بلا ضرر إلا أن يحصل منه بصاق أو مخاط وتقدم بعضه في الباب بعضه في آخر الوضوء ويباح غلق أبوابه في غير أوقات الصلاة لئلا يدخله من يكره(1/331)
دخوله إليه وقتل القمل والبراغيث فيه إن أخرجه وإلا حرم إلقاؤه فيه وليس لكافر دخول حرم مكة لا حرم المدينة ولا دخول مسجد الحل ولو بإذن مسلم ويجوز دخولها للذمي إذا استؤجر لعمارتها ولا بأس بالاجتماع في المسجد وبالأكل فيه وبالإستلقاء فيه لمن له سراويل وإذا دخله وقت السحر فلا يتقدم إلى صدره قال جرير بن عثمان: كنا نسمع أن الملائكة تكون قبل الصبح في الصف الأول ويكره السؤال والتصدق عليه فيه لا على غير السائل ويقدم داخله يمناه في دخوله عكس خروجه ويقول ماورد وتقدم وإذا لم يصل في نعله وضعهما في المسجد ولا يدم بهما على وجه التكبر والتعاظم وإن كان ذلك سببا لإتلاف شيء من أرض المسجد أو أذى أحد لم يجز ويضمن ما تلف بسببه والأدب ألا يفعل ذلك ويسن كنسه يوم الخميس وإخراج كناسته وتنظيفه وتطييبه فيه وتجميره في الجمع ويستحب شعل القناديل فيه كل ليلة وكره إيقادها زيادة على الحاجة ويمنع منه قال القاضي: الوقوف على الإستصباح في المساجد يستعمل بالمعروف ولا يزاد على المعتاد ليلة نصف شعبان ولا كليلة الختم ولا الليلة المشهورة بالرغائب1 فإن زاد ضمن لأن الزيادة بدعة وإضاعة مال لخلوه عن نفع الدنيا ونفع الآخرة ويؤدي عادة إلى كثرة اللغط واللهو وشغل قلوب المصلين وتوهم كونها قربة باطل لا أصل في الشرع انتهى وينبغي إذا أخذ شيئا من المسجد مما يصان عنه ألا يلقيه فيه بخلاف حصباء ونحوها لو أخذه في يده ثم رمى بها فيه ويمنع الناس في المساجد والجوامع
__________
1 هي أول جمعة في رجب.(1/332)
استطراق حلق الفقهاء والقراء ويسن أن يشتغل في المسجد بالصلاة والقراءة والذكر مستقبل القبلة ويكره أن يسند ظهره إليها ولا يشبك أصابعه فيه زاد في الرعاية على خلاف صفة ما شبكها النبي صلى الله عليه وسلم ويباح اتخاذ المحراب فيه وفي المنزل ويضمن المسجد بالإتلاف إجماعا ويضمن بالغصب قال الشيخ: للإمام أن يأذن في بناء مسجد في طريق واسع وعليه ما لم يضر بالناس ويحرم أن يبني مسجد إلى جنب مسجد إلا لحاجة كضيق الأول ونحوه ويكره تطيينه وبناؤه بنجس وإذا لم يبق من أهل الذمة في القرية أحد بل ماتوا أو أسلموا جاز أن تتخذ البيعة مسجدا لا سيما إذا كانت ببر الشام فإن فتح عنوة قاله الشيخ وثبت في الخبر ضرب الخباء واحتجار الحصير فيه ويكره لغير الإمام مداومة موضع منه لا يصلي إلا فيه فإن داوم فليس هو أولى من غيره فإذا قام منه فلغيره الجلوس فيه وليس لأحد أن يقيم منه إنسانا ويجلس أو يجلس غيره مكانه إلا الصبي فيؤخر عن المكان الفاضل وتقدم أول صفة الصلاة وآخر الجمعة ومن قام من موضعه لعذر ثم عاد إليه فهو أحق به وإن كان لغير عذر سقط حقه بقيامه: إلا أن يخلف مصلي مفروشا ونحوه وينبغي لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه لا سيما إن كان صائما وإن جعل سفل بيته أو علوه مسجدا صح وانتفع بالآخر وقيل يجوز أن يهدم المسجد ويجدد بناؤه لمصلحة نص عليه قال القاضي: حريم الجوامع والمساجد إن كان الارتفاق بها مضرا بأهل الجوامع والمساجد منعوا منه ولم يجز للسلطان أن يأذن فيه لأن المصلين بها أحق وإن لم يكن ضرر جاز(1/333)
الارتفاق بحريمها ولا يعبتر فيه إذن السطان ولا يجوز إحداث المسجد في المقبرة وتقدم في اجتناب النجاسة قال الشيخ: ما عملت أحدا من العلماء كره السواك في المسجد والآثار تدل على أن السلف كانوا يستاكون في المسجد وإذا سرح شعره فيه وجمعه فلم يتركه فلا بأس بذلك: سواء قلنا بطهارة الشعر أو نجاسته وإذا ترك شعره فيه فهذا يكره وإن لم يكن نجسا فإن المسجد يصان عن القذاة التي تقع في العين.(1/334)
كتاب الحج وشروطه
مدخل
مدخل
...
كتاب الحج وشروطه
وهو: قصد مكة للنسك في زمن مخصوص وهو أحد أركان الإسلام وهو فرض كفاية كل عام وفرض سنة تسع عند الأكثرين ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته سوى حجة واحدة وهي حجة الوداع ولا خلاف أنها كانت سنة عشر وكان قارنا بها والعمرة زيارة البيت على وجه مخصوص تجب على المكي كغيره ونصه لا ويجبان في العمر مرة واحدة وعلى الفور بخمسة شروط: الإسلام والعقل فلا يجب على كافر ولو مرتدا ويعاقب عليه وعلى سائر فروع الإسلام كالتوحيد إجماعا ولا يجب عليه باستطاعته في حال ردته فقط ولا تبطل استطاعته بردته وإن حج ثم ارتد ثم أسلم وهو مستطيع لم يلزمه حج وتقدم بعض ذلك في كتاب الصلاة ولا يصح منه ويبطل إحرامه ويخرج منه بردته فيه ولا يجب على المجنون(1/334)
ولا يصح منه إن عقده بنفسه أم عقده له وليه ولا تبطل استطاعته بجنونه ولا إحرامه به كالصوم ولا يبطل الإحرام بالإغماء والموت والسكر ـ والبلوغ ـ والحرية: فلا يجب على الصغير ولا على قن وكذا مكاتب ومدبر وأم ولد ومعتق بعضه ويصح منهم ولا يجزئ حجة الإسلام إلا أن يسلم أو يفيق أو يبلغ أو يعتق في الحج قبل الخروج من عرفة أو بعده قبل فوت وقته إن عاد فوقف ويلزمه العود إن أمكنه وفي العمرة قبل طوافها فيجزئهم قال الموفق وغيره في إحرام العبد والصبي: إنما يعتد بإحرام ووقوف موجودين إذن وما قبله تطوع لم ينقلب فرضا وقال المجد وجمع: ينعقد إحرامه موقوفا فإذا تغير حاله تبين فرضيته ولو سعى قن أو صغير بعد طواف القدوم وقبل الوقوف والعتق والبلوغ وقلنا: السعي ركن ـ وهو المذهب ـ لم يجزئه ولو أعاد السعي لأنه لا يشرع مجاوزة عدده ولا تكراره وخالف الوقوف إذا هو مشروع ولا قدر له محدود وقيل يجزئه إذا أعاد السعي ويحرم المميز بنفسه بإذن وليه وليس له تحليله ولا يصح بغير إذنه وغير المميز يحرم عنه وليه ولو كان الولي محرما أو لم يحج عن نفسه وهو: من يلي ماله ولا يصح من غير الولي من الأقارب ومعنى إحرامه عنه عقده الإحرام له فيصير الصغير بذلك محرما دون الولي وكل ما أمكنه فعله بنفسه كالوقوف والمبيت لزمه: سواء حضره الولي فيهما أو غيره وما عجز عنه فعله عنه الولي لكن لا يجوز أن يرمي عنه إلا من رمى عن نفسه كما في النيابة في الحج وإن كان الولي(1/335)
محرما وقع عن نفسه وإن كان حلالا لم يعتد به وإن أمكن الصبي أن يناول النائب الحصا ناوله وإلا استحب أن توضع الحصاة في كفه ثم تؤخذ منه فترمى عنه فإن وضعها نائب في يده ورمى بها عنه فجعل يده كالآلة فحس وإن أمكنه أن يطوف فعله إلا طيف به محمولا أو راكبا ويصح طواف الحلال به والمحرم طاف عن نفسه أولا لوجود الطواف من الصبي كمحمول مريض ولو يوجد من الحامل إلا النية كحالة الإحرام وتعتبر النية من الطائف به ويأتي في باب دخول مكة وكونه ممن يصح أن يعقد له الإحرام فإن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي وقع عن الصبي كالكبير يطاف به محمولا لعذر ونفقة الحج التي تزيد على نفقة الحضر وكفارته في مال وليه إن كان أنشا السفر به تمرينا على الطاعة وأما سفر الصبي معه للتجارة أو خدمة أو إلى ليستوطنها أو ليقيم بها لعلم أو غيره مما يباح له السفر به في وقت الحج وغيره ومع الإحرام وعدمه ـ فلا نفقة على الولي وعمده هو ومجنون ـ خطأ فلا يجب بفعلها شيء إلا فيما يجب على المكلف في خطأ ونسيان وإن فعل بهما الولي فعلا لمصلحة كتغطية رأسه لبرد أو تطييبه لمرض أو حلق رأسه فكفارته على الولي أيضا وإن وجب في كفارة صوم صام الولي ووطء الصبي كوطء البالغ ناسيا يمضي في فاسده ويلزمه القضاء بعد البلوغ نصا وكذا الحكم إذا تحلل الصبي من إحرامه لفوات أو لإحصار لكن إذا أراد القضاء بعد البلوغ لزمه أن يقدم حجة الإسلام على المقضية فلو خالف(1/336)
وفعل فهو كالبالغ يحرم قبل الفرض بغيره1 ومتى بلغ في الحجة الفاسدة في حال يجزئه عن حجة الفرض لو كانت صحيحة فإن يمضي فيها ثم يقضيها ويجزئه ذلك عن حجة الإسلام والقضاء كما يأتي نظيره في العبد وليس للعبد الإحرام إلا بإذن سيده ولا للمرأة الإحرام نفلا إلا بإذن زوج فإن فعلا انعقد ولهما تحليلهما ويكونان كالمحصر فلو لم تقبل المرأة تحليله أثمت وله مباشرتها فإن كان بإذن أو أحرما بنذر أذن لهما فيه أو لم يأذن وإلا فالخلاف في عزل الوكيل قبل علمه2 ويلزم العبد حكم جنايته كحر معسر3 فإن مات ولو يصم فلسيده أن يطعم عنه وإن أفسد حجه بالوطء لزمه المضي فيه والقضاء ويصح في رقه وليس للسيد منعه من القضاء إن كان شروعه فيما أفسده بإذنه وإن عتق قبل أن يأتي بما لزمه من ذلك لزمه أن يبتدئ بحجة الإسلام
__________
1 يريد: أن حجه ينصرف إلى الفرض، وعليه القضاء بعد ذلك.
2 حاصل الخلاف المشار إليه، على ما يأتي، هل الوكيل ينعزل إذا عزله موكله ولو لم يعلم، وتكون تصرفات الوكيل بعد ذلك غير نافذة؟ أو لا ينعزل الوكيل إلا إذا علم، بالعزل؟ رأيان. والأرجح الأول وعلى قياسه لو رجع السيد في إذن العبد فله تحليله ولو لم يكن العبد علم برجوعه. والله أعلم.
3 يريد بجناية العبد هنا. ارتكابه شيئا من محظورات الإحرام.(1/337)
فإن خالف فحكمه كالحر يبدأ بنذر أو غيره قبل حجة الإسلام1 فإن عتق في الحجة الفاسدة في حال يجزئه عن حجة الفرض لو كانت صحيحة فإنه يمضي فيها ثم يقضيها ويجزئه ذلك عن حجة الإسلام والقضاء وإن تحلل لحصر أو حلله سيده لم يتحلل قبل الصوم وليس له منعه منه وإذا فسد حجه صام وكذا إن تمتع أو قرن ولو باعه سيده وهو محرم فمشتريه كبائعه في تحليله وعدمه وله فسخ البيع إن لم يعلم: إلا أن يملك بائعه تحليله فيحلله المشتري وليس للزوج منع امرأته من حج فرض إذا كملت الشروط ونفقتها عليه كقدر نفقة الحضر وإلا فله منعها من الخروج إليه والإحرام به: لا تحليلها إن أحرمت به وليس له منعها ولا تحليلها من العمرة الواجبة وحيث قلنا ليس له منعها فيستحب لها أن تستأذنه وإن كان غائبا كتبت إليه فإن أذن وإلا حجت بمحرم ولا تخرج إلى الحج في عدة الوفاة دون المبتوتة ويأتي في العدد ولو أحرمت بواجب فحلف بالطلاق الثلاث أنها لا تحج العام لم يجز أن تحل2 وليس للوالدين منع ولدهما من حج الفرض ولا نذر ولا تحليله منه ولا يجوز للولد طاعتهما فيه ولهما منعه من التطوع
__________
1 مراده أن حجه ينصرف إلى حجة الإسلام، وعليه القضاء بعد ذلك في القابل، وقد تقدم لك نظير هذا.
2 توجيه ذلك أن الحج فرض والطلاق مباح فلا تقطع الأول للثاني وفي المذهب رواية راجحة أنها والحالة هذه كالمحصر فتتحلل به بما يتحلل به المحصر: من دم أو صيام على ما يأتي، ولا لا توقع الطلاق على نفسها وبذلك أفتى الإمام أحمد رضي الله عنه.(1/338)
ومن كل سفر مستحب كالجهاد: ولكن ليس لهما تحليله1 ويلزم طاعتهما في غير معصية لو كانا فاسقين وتحرم طاعتهما فيها ولو أمره والده بتأخير الصلاة ليصلي به أخرها ولا يجوز له منع ولده من سنة راتبة ولولي سفيه مبذر تحليله إن أحرم بنفل وزادت نفقته على نفقة الإقامة ولم يكتسبها وإلا فلا وليس له منعه من حج فرض ولا تحليله منه ويدفع نفقته إلى ثقة ينفق عليه في الطريق ولا يحلل مدين ويأتي في الحج.
__________
1 يعني ليس لهما تحليل ولدهما من حج التطوع لوجوبه بالشروع فيه.(1/339)
فصل الشرط الخامس الاستطاعة
وهي: أن يملك زادا أو راحلة لذهابه وعوده أو ما يقدر به على تحصيل ذلك فيعتبر الزاد مع قرب المسافة وبعدها إن احتاج إليه فإن وجده في المنازل لم يلزمه حمله إن وجده يباع بثمن مثله في الغلاء والرخص أو بزيادة يسيرة وإلا لزمه حمله والزاد ـ ما يحتاج إليه: من مأكول ومشروب وكسوة وينبغي أن يكثر من الزاد والنفقة عند إمكانه ليؤثر محتاجا ورفيقا وإن تطيب نفسه بما ينفق ويستحب أن لا يشارك غيره في الزاد وأمثاله اجتماع الرفاق كل يوم على طعام أحدهم على المناوبة أليق بالورع من المشاركة ـ ويشترط أيضا القدرة على وعاء الزاد وتعتبر الراحلة مع بعد المسافة فقط ولو قدر على المشي وهو ما تقصر فيه الصلاة لا فيما دونهما من مكي وغيره ويلزمه المشي: إلا مع عجز لكبر ونحوه ولا يلزمه الحبو إن أمكنه ـ وما يحتاج إليه من آلتها بكراء أو شراء صالحا لمثله عادة لا ختلاف أحوال الناس فإن كان ممن يكفيه الرحل والقتب ولا يخشى السقوط ـ اكتفى(1/339)
بذلك فإن كان ممن لم تجر عادته بذلك أو يخشى السقوط عنها ـ اعتبر وجود محمل وما أشبهه مما لا يخشى سقوطه عنه ولا مشقة فيه وينبغي أن يكون المركوب جيدا وإن لم يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره ـ اعتبر من يخدمه لأنه من سبيله: فإن تكلف الحج من لا يلزمه وأمنه ذلك من غير ضرر يلحق بغيره: مثل من يكتسب بصناعة كالخراز أو مقارنة من ينفق عليه أو يكتري لزاده ولا يسأل الناس ـ استحب له الحج ولم يجب عليه ويكره لمن حرفته المسالة قال أحمد: فيمن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة لا أحب له ذلك يتوكل على أزواد الناس؟ ويعتبر كونه فاضلا عما يحتاج إليه: من كتب ومسكن للسكنى أو يحتاج إلى أجرته لنفقته أو نفقة عياله أو بصناعة يختل ربحها المحتاج إليه وخادم ودينه: حالا كان أو مؤجلا لله أو لآدمي ولا بد له منه: لكن إن فضل منه عن حاجته وأمكن بيعه وشراؤه ما يكفيه ويفضل ما يحج به ـ لزمه ويقدم النكاح مع عدم الوسع من خاف العنت نصا ومن احتاج إليه ويعتبر أن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفاية عياله على الدوام ـ ولم يعتبر ما بعد رجوعه عليها1 من أجور عقار أو ربح بضاعة أو صناعة ونحوها ولا يصير العاجز مستطيعا يبذل غيره له مالا أو مركوبا ولو ولدا أو والدا.
__________
1 يريد: أن الكفاية بعد الرجوع ليست معتبرة في وجوب الحج بناء على رواية أخرى هي مرجع الضمير في عليها، وقوله بعد: من أجور عقار الخ بيان للموصول في قوله سابقا. ما يقوم بكفايته.(1/340)
فمن كملت له هذه الشروط وجب عليه الحج على الفور نصا فإن عجز عن السعي إليه لكبر أو زمانة أو مرض لا يرجى برؤه أو ثقل لا يقدر معه يركب إلا بمشقة شديدة أو كان نضو الخلقة: وهو المهزول لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة ويسمى المعضوب أو أيست المرأة من محرم ـ لزمه إن وجد نائبا أن يقيم من بلده أو من الموضع الذي أيسر منه من يحج عنه ويعتمر ولو امرأة عن رجل ولا كراهة وقد أجزأ عنه وإن عوفي قبل فراغه أو بعده وإن عوفي قبل إحرام النائب بم يجزئه: كما لو استناب من يرجى زوال علته ولو كان قادرا على نفقة راجل لم يلزمه الحج: وإن كان قادرا ولم يجد نائبا ـ ابتنى بقاؤه في ذمته على إمكان المسير على ما يأتي ومن أمكنه السعي إليه لزمه إذا كان في وقت المسير ووجد طريقا أمنا ولو غيب الطريق المعتاد بحيث يمكن سلوكه بحسب ما جرت به العادة برا كان أو بحرا الغالب في السلامة وإن غلب الهلاك لم يلزمه سوكه وإن سلم فيه قوم وهلك قوم ولا غالب لم يلزمه سلوكه قال الشيخ: أعان على نفسه فلا يكون شهيدا وقال القاضي: يلزمه ويشترط ألا يكون في الطريق خفارة فإن كانت يسيرة لزمه قاله الموفق والمجد وزاد إذا أمن الغدر من المبذول به ولعله مراد من أطلق قال حفيده: الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر ولا تجوز مع عدمها1 ويشترط
__________
1 الخفارة: هي ما يأخذه ولي الأمر أو من في حكمه أجرة عن الحراسة وقد قيل في غير الأقناع بعدم وجوب الحج مع وجودها لأنها من قبيل الرشوة فليست واجبة في العبادة وقد روى الأقناع من الروايات الأخرى في وجوب الحج مع وجودها ما تراه، والمجد المذكور هو عبد السلام بن تيمية، وحفيده هو العلامة الجليل تقي الدين بن تيمية المشهور.(1/341)
أن يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد فلا يلزمه حمل ذلك لكل سفره فسعة الوقت ـ وهي وإمكان المسير: بأن تكمل الشرائط فيه وفي الوقت سعة يتمكن المسير لأدائه وأمن الطريق بألا يكون فيه مانع من خوف ولا غيره ـ من شرائط الوجوب: كقائد الأعمى ودليل البصير الذي يجهل الطريق ويلزمه أجرة مثله ولو تبرع لم يلزمه للمنة وعنه من شرائط لزوم الأداء اختاره الأكثر يأثم إن لم يعزم على الفعل: كما تقول في طريان الحيض فالعزم في العبادات مع العجز يقوم مقام الأداء في عدم الإثم فإن مات قبل وجود هذين الشرطين أخرج عنه من ماله لمن ينوب عنه على الثاني دون الأول1 ويأتي ومن وجب عليه الحج فتوفي قبله: فرط أو لم يفرط ـ أخرج عنه من جميع ماله حجة
__________
1 حاصل هذه الفقرة أن سعة الوقت، وأمن الطريق، وقائد الأعمى، ودليل الجاهل للطريق- مختلف فيها: هل هي شروط في الوجوب بحيث لو لم تتوفر لأحد لم يكن مستطيعا ولا يأثم بعدم العزم على الحج، أو هي شرط في الأداء بمعنى أن من قدر على الزاد والراحلة يكون مستطيعا، ومطالبا بالحج؟ روايتان في ذلك، فعلى الأولى لا يكون مكلفا كما علمت، وعلى الثانية يكون مكلفا ويجب عليه العزم على الفعل بعد تحقق هذه الأمور الأربعة أو ما نقص منها، وحكمه حكم الحائض التي طرأ عليها الحيض بعد دخول الوقت فإنها مكلفة بالعزم على قضاء تلك الفريضة بعد الطهر وإلا فيه آثمة بترك العزم.(1/342)
وعمرة ولو لم يوص به ويكون من حيث وجب عليه ويجوز من أقرب وطنيه ومن خارج بلده دون مسافة القصر لا فوقها ولا يجزئه ويسقط بحج أجنبي عنه ولو بلا إذن ولو مات هو أو نائبه في الطريق حج عنه من حيث مات فيما بقي مسافة وقولا وفعلا وإن صد فعل ما بقي وإن وصى بحج نفل وأطلق ـ جاز من الميقات ما لم تمنع منه قرينة فإن ضاق ماله عن ذلك أو كان عليه دين أخذ للحج بحصته وحج من حيث يبلغ نصا.(1/343)
فصل يشترط لوجوب الحج على المرأة
...
فصل ويشترط لوجوب الحج على المرأة
شابة كانت أو عجوزا مسافة قصر ودونها ـ وجود محرم وكذا يعتبر لكل سفر يحاج فيه إلى محرم لا في أطراف البلد مع عدم الخوف وهو معتبر لمن لعورتها حكم وهي بنت سبع سنين فأكثر قال الشيخ: وأما المرأة فيسافر معها ولا يفتقرن إلى محرم لأنه لا محرم لهن في العادة الغالبة انتهى1 ويتوجه في عتقائها من الإماء مثله على ما قله قال في الفروع وظاهر كلامهم ـ اعتبار المحرم للكل وعدمه كعدم المحرم للحرة والمحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح لحرمتها لكن يستثنى من سبب مباح نساء النبي صلى الله عليه وسلم وحرج به أم الموطوءة بشبهة أو زنا وبنتها وخرج بقوله لحرمتها الملاعنة فإن تحريمها عليه عقوبة وتغليظ لا لحرمتها إذا كان ذكرا بالغا عاقلا مسلما ولو عبدا ونفقته عليها ولو كان محرما زوجها فيعتبر أن تملك زادا
__________
1 كذا في الأصل، وهو كلام غير مستقيم، ولعل صوابه: وأما إما المرأة فيسافرن الخ. وبذلك يظهر لك أن هذه الفقرة لبيان حكم الإماء مع سيداتهن.(1/343)
وراحلة لها ولو بذلت النفقة لم يلزمه السفر معها وكانت كمن لا محرم لها وليس العبد محرما لسيدته نصا ولو جاز له النظر إليها ولو حجت بغير محرم حرم وأجزأ ويصح من مغصوب وأجير خدمة بأجرة أولا ومن تأجير ويأتي ولا أثم والثواب حسب الإخلاص وإن مات المحرم قبل خروجها لم تخرج وبعده: إن كان قريبا رجعت وإن كان بعيدا أمضت ولو مع إمكان إقامتها ببلد ولو تصر محصرة: لكن إن كان حجها تطوعا وأمكنها الإقامة ببلد فهو أولى وإن كان المحرم الميت زوجها فيأتي له تتمة في العدد ومن عليه حجة الإسلام أو قضاء أو نذر ـ لم يصح ولم يجز أن يحج عن غيره ولا نذره ولا نافلته وانصرف إلى حجة الإسلام ورد ما أخذ والعمرة كالحج في ذلك ومن أتى بواجب أحدهما فله فعل نذره ونفله وحكم النائب كالمنوب عنه فلو أحرم بنذر أو نفل عمن عليه حجة الإسلام وقع عنها ولو استناب عنه أو عن ميت واحدا في فرضه وآخر في نذره في سنة ـ جاز ويحرم بحجة الإسلام قبل الأخرى وأيهما أحرم أولا فعن حجة الإسلام ثم الأخرى عن نذره ولو لم ينوه ويصح أن ينوى الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل في الحج والعمرة وأن ينوب في الحج من أسقطه عن نفسه مع بقاء العمرة في ذمته وأن ينوب في العمرة من أسقطها عن نفسه مع بقاء الحج في ذمته ولا يصح أن ينوب في نسك من لم يكن أسقطه عن نفسه وتصح الإستنابة في حج التطوع وفي بعضه لقادر وغيره ومن أوقع فرضا أو نفلا عن حي بلا إذنه أو لم يؤمر به: كأمره بحج فيعتمر وعكسه لم يجز: كزكاة ويرد ما أخذه ويقع عن الميت ولا إذن له كالصدقة(1/344)
ويتعين النائب بتعيين وصي جعل إليه التعيين فإن أبى عين غيره ويكفي النائب أن ينوي النسك عن المستنيب ولا تعتبر تسميته لفظا نصا وإن جهل اسمه أو نسبه لبى عمن سلم إليه المال ليحج به عنه ويستحب أن يحج عن أبويه إن كانا ميتين أو عاجزين زاد بعضهم إن لم يحجا1 ويقدم أمه لأنها أحق بالبر ويقدم واجب أبيه على نفلها.
__________
1 كذا في الأصل، ولعل صوابه: إن لم يحجا، وإلا فلم يظهر لي معنى هذه الزيادة.(1/345)
فصل من أراد الحج
...
فصل ومن أراد الحج
فليبادر وليجتهد في الخروج من المظالم ويجتهد في رفيق صالح وإن تيسر أن يكون عالما فليستمسك بغرزه1 ويصلي ركعتين يدعو بعدهما بدعاء الإستخارة ويستخير هل يحج العام أو غيره؟ إن كان الحج نفلا أولا يحج ويصلي في منزله ركعتين ثم يقول: اللهم هذا ديني وأهلي ومالي وولدي وديعة عندك اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد وقال الشيخ: يدعو قبل السلام أفضل ويخرج يوم الخمس قال ابن الزاغوني وغيره: أو اثنين ويبكر ويقول إذا نزل منزلا أو دخل بلدا ما ورد.
__________
1 الغرز على وزن الضرب ومعناه الركاب بكسر الراء، وذلك كناية عن الملازمة.(1/345)
باب المواقيت
مدخل
...
باب المواقيت
وهي مواضع وأزمنة معينة لعبادة مخصوصة وميقات أهل المدينة ـ ذو الحليفة وبينها وبين مكة عشر مراحل وبينها وبين(1/345)
المدينة ستة أميال وأهل الشام ومصر والمغرب ـ الحجفة وهي قرية كبيرة خربة بقرب رابغ الذي يحرم منه الناس على يسار الذاهب إلى مكة ومن أحرم من رابغ فقد أحرم قبل محاذاة الحجفة بينها وبين مكة ثلاث مراحل وقيل أكثر والثلاثة الباقية بين كل منها وبين مكة مرحلتان وأهل اليمن ـ يلملم ويقال: الملم لغتان وهو جبل وأهل نجد اليمن ونجد الحجاز والطائف ـ قرن وهو جبل وأهل المشرق والعراق وخراسان ـ ذات عرق: وهي قرية خربة قديمة من علاماتها المقابر القديمة وعرق هو الجبل المشرف على العقيق وهذه المواقيت كلها ثبتت بالنص والأفضل أن يحرم من أول الميقات وهو الطرف الأبعد عن مكة وإن أحرم من الطرف الأقرب من مكة جاز وهي لأهلها ولمن مر عليها من غير أهلها ممن يريد حجا أو عمرة فإن مر الشامي أو المدتى أو غيرهما على غير ميقات بلده فإنه يحرم من الميقات الذي مر عليه لأنه صار ميقاته ومن منزله دون الميقات: أي بين الميقات ومكة ـ فميقاته من موضعه فإن كان له منزلان جاز أن يخرج من أقربها إلى مكة والأولى من البعيد وأهل مكة ومن بها من غيرهم: سواء كانوا في مكة أو في الحرم فإذا أرادوا العمرة فمن الحل ومن التنعيم أفضل وهو أدناه ويأتي آخر صفة الحج فإن أحرموا من مكة أو من الحرم انعقد وفيه دم ثم إن خرج إلى الحل قبل إتمامها ولو بعد الطواف أجزأته عمرته وكذا إن لم يخرج قدمه في المغني قال الشيخ والزركشي: هو المشهور وفوات الإحرام من الميقات لا يقضي(1/346)
البطلان فإن أحرم قارنا فلا دم عليه لأجل إحرامه بالعمرة من مكة تغليبا للحج وإن أرادوا الحج من مكة: مكيا كان أو غيره إذا كان فيها من حيث شاء منها ونصه من المسجد وفي الإيضاح والمبهج: من تحت الميزاب ويجوز من سائر الحرم ومن الحل: كالعمرة ولا دم عليه ومن لم يكن طريقه على ميقات أو عرج عن الميقات: فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه ـ أحرم ويستحب الاحتياط مع جهل المحاذاة فإن تساويا في القرب إليه ـ فمن أبعدهما عن مكة ومن لم يحاذ ميقاتا ـ أحرم عن مكة بقدر مرحلتين.(1/347)
فصل ولا يجوز لمن أراد دخول مكة
أو الحرم أو نسكا ـ يجاوز الميقات بغير إحرام إن كان حرا مسلما مكلفا فلو جاوزه رقيق أو كافر أو غير مكلف ثم لزمهم ـ إن عتق وأسلم وكلف ـ أحرموا من موضعهم ولا دم عليهم: إلا لقتال مباح أو خوف أو حاجة متكررة كحطاب وفيج وناقل الميرة ولصيد واحتشاش ونحو ذلك ومكي يتردد إلى قريته بالحل1 ثم إن بدا له النسك أو لمن لم يرد الحرم أحرم من موضعه ومن تجاوز بلا إحرام لم يلزمه قضاء الإحرام وحيث لزم الإحرام من الميقات لدخول مكة: لا لنسك طاف وسعى وحلق وحل وأبيح للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه دخول مكة محلين ساعة من نهار: وهي من طلوع الشمس إلى صلاة العصر رواه أحمد
__________
1 قوله: إلا القتال وما عطف عليه مستثنى من قوله سابقا. ولا يجوز لمن أراد دخول مكة الخ.(1/347)
لا قطع شجرة ومن جازوه يريد النسك أو كان النسك فرضه ولو جاهلا أو ناسيا لذلك أو مكرها لزمه أن يرجع فيحرم منه: ما لم يخف فوات الحج أو يخف غيره فإن رجع فأحرم منه فلا دم عليه وإن رجع محرما إلى الميقات لم يسقط برجوعه وإن أفسد نسكه هذا لم يسقط دم المجاوزة ويكره أن يحرم قبل الميقات وبالحج قبل أشهره فإن فعل فهو محرم ولا ينعقد إحرامه بالحج عمرة وميقات العمرة جميع العام ولا يلزمه الإحرام بها يوم النحر وعرفة وأيام التشريق وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فيوم النحر منها وهو يوم الحج الأكبر.(1/348)
باب الإحرام والتلبية
مدخل
...
باب الإحرام والتلبية
وهو نية النسك سمي إحراما لأن المحرم بإحرامه حرم على نفسه أشياء كانت مباحة له ويسن لمن يريد أن يغتسل: ذكرا كان أو أنثى ولو حائضا أو نفساء فإن رجتا الطهر قبل الخروج من الميقات استحب تأخير حتى تطهرا وإلا اغتسلتا ويتيمم عادم الماء وتقدم ولا يضر حدثه بعد غسله قبل إحرامه وأن يتنظف بإزالة الشعر: من حلق العانة وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقطع الرائحة الكريهة وأن يتنظف ولو امرأة في بدنه: سواء كان مما تبقى عينه كالمسك أو أثره كالعود والبخور وماء الورد ويستحب لها خضاب بحناء ويكره تطييبه ثوبه فإن طيبه فله استدامته ما لم ينزعه فإن نزعه فليس له(1/348)
لبسه والطيب فيه فإن فعل وأثر الطيب باق أو نقله من موضع من بدنه إلى موضع أو تعمد مسه بيده فعلق بها أو نحاه عن موضعه ثم رده إليه ـ فدى فإن ذاب بالشمس أو بالعرق فسال إلى موضع آخر فلا شيء عليه ويسن أن يلبس ثوبين أبيضين نظيفين: أزار ورداء جديدين أو غسيلين فالرداء على كتفه والإزار في وسطه ويجوز في ثوب واحد وتجرد عن المخيط ويلبس نعلين إن كان رجلا وأما المرأة فلها لبس المخيط بالإحرام والمخيط كل ما يخاط على قدر الملبوس عليه: كالقميص والسراويل والبرنس ولو لبس إزارا موصلا أو اتشح بثوب مخيط أو ائتزر به ـ جاز ثم يحرم عقب صلاة مكتوبة أو نفل ندبا وهو أولى وإن شاء إذا ركب وإن شاء إذا سار ولا يركعه وقت نهى ولا من عدم الماء والتراب ولا ينعقد الإحرام إلا بالنية فهي شرط فيه ويستحب التلفظ بما أحرم فيقصد بنيته نسكا معنيا ونية النسك كافية فلا يحتاج معها إلى تلبية ولا سوق هدى وإن لبى أو ساق هديا من غير نية لم ينعقد إحرامه ولو نطق بغير ما نواه: نحو أن ينوى العمرة فيسبق لسانه إلى الحج أو بالعكس ـ انعقد ما نواه دون ما لفظه وينعقد حال جماعة ويبطل إحرامه1 به ويخرج منه بردة لا بجنون وإغماء وسكر وموت ولا ينعقد مع وجود أحدهما
__________
1 المراد بالبطلان هنا الفساد. إذ البطلان معناه الخروج منه، والخروج منه لا يكون إلا بالردة، وأما الفساد فإنه لا يخرجه من الحج بل يجب عليه لتمامه وقضاؤه وهذا هو ما يثبت في حق المجامع.(1/349)
وتقدم بعض ذلك فإذا أراد الإحرام نوى بقبله قائلا بلسانه: اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني أو فلي إن أحل وهذا الاشتراط سنة إذا عاقه عدو أو مرض أو ذهاب نفقة أو خطأ طريق ونحوه كان له التحلل وأنه متى حل بذلك فلا شيء عله ويأتي آخر باب الفوات والصار فإن اشترط بما يؤدي معنى الاشتراط كقوله: اللهم إني أريد النسك الفلاني إن تيسر لي وإلا فلا حرج علي: جاز وإن قال: متى شئت أحللته أو أفسدته لم أقضه ـ لم يصح وإن نوى الاشتراط ولم يتلفط به لم يفد ل قول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة قولي: " محلي من الأرض حيث حبستني ".(1/350)
فصل وهو مخير بين التمتع والأفراد والقران
وأفضلها التمتع ثم الأفراد ثم القرآن وصفة التمتع أن يحم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج من مكة أو قريب منها: والأفراد أن يحرم بالحج مفردا فإذا فرغ منه اعتمر عمرة الإسلام إن كانت باقية عليه والقران أن يحرم بهما جميعا أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الشروع في طوافها: إلا لمن معه الهدي فيصح ولو بعد السعي ويصير قارنا ولا يعتبر لصحة إدخال الحج على العمرة الإحرام به في أشهره وإن أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إحرامه بها ولم يصير قارنا وعمل القارن كالمفرد في الأجزاء ويسقط ترتيب العمرة ويصير الترتيب للحج كما يتأخر الحلاق إلى يوم النحر فوطؤه قبل طواف القدوم لا يفسد(1/350)
عمرته أي إذا وطئ وطأ لا يفسد الحج: مثل أن وطئ بعد التحلل الأول فإنه لا يفسد حجه وإذا لم يفسد حجه لم تفسد عمرته ويجب على المتمتع دم نسك لا جبران: بسبعة شروط ـ أحدهما ألا يكون من حاضري المسجد الحرام: وهم أهل مكة والحرم ومن كان من أي من الحرم لا من نفس مكة دون مسافة القصر فمن له منزلان متأهل بهما: أحدهما دون مسافة القصر والآخر فوقها ـ أو مثلها لم يلزمه دم ولو كان إحرامه من البعيد أو كان أكثر إقامته أو إقامة ماله فيه لأن بعض أهله من حاضري المسجد الحرام إن استوطن مكة أفقي فحاضر فإن دخلها متمتعا ناويا الإقامة بها بعد فراغ نسكه أو نواها بعد فراغه منه أو استوطن مكي بلدا بعيدا ثم عاد مقيما متمتعا لزمه دم ـ الثاني: أن يعتمر في أشهر الحج والاعتبار الشهر الذي أحرم فيه لا بالذي حل فيه فلو أحرم بالعمرة في رمضان ثم حل في شوال لم يكن متمتعا وإن أحرم الأفاقي بعمرة في غير أشهر الحج ثم أقام بمكة واعتمر من التنعيم في أشهر الحج وحج من عامه فهو متمتع نصا وعليه دم ـ الثالث: أن يحج من عامه ـ الرابع: ألا يسافر بين الحج والعمرة مسافة قصر فأكثر فإن فعل فأحرم فلا دم ـ الخامس: أن يحل من العمرة قبل إحرامه بالحج فإن أحرم به قبل حله صار قارننا ـ السادس أن يحرم بالعمرة من الميقات أو من مسافة قصر فأكثر من مكة ونصه واختاره الموفق وغيره: إن هذا ليس بشرط وهو الصحيح لأنا نسمي المكي متمتعا ولو لم يسافر ـ السابع: أن ينوي التمتع في ابتداء العمرة،(1/351)
أو أثنائها ولا يعتبر وقوع النسكين عن واحد فلو اعتمر لنفسه وحج عن غيره أو عكسه أو فعل ذلك عن اثنين ـ كان عليه دم المتعة ولا تعتبر هذه الشروط في كونه متمتعا فإن المتعة تصح من المكي لغيره ويلزم دم تمتع وقران بطلوع فجر النحر ويأتي وقت ذبحه ويلزم القارن أيضا دم نسك إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام ولا يسقط دم تمتع وقارن بفساد لنسكهما ولا بفواته وإذا قضى القارن قارنا لزمه دمان: دم لقرانه الأول ودم لقرانه الثاني وإن قضا مفردا لم يلزمه شيء وجزم غير واحد أنه يلزمه دم لقرانه الأول فإذا فرغ أحرم بالعمرة من الأبعد: كمن فسد حجه وإلا لزمه دم وإن قضى متمتعا فإذا تحلل من العمرة أحرم بالحج من أبعد الموضعين: الميقات الأصلي والموضع الذي أحرم منه الأول ويسن لمن كان قارنا أو مفردا فسخ نيتهما بالحج وينويان عمرة مفردة فإذا فرغا منها وحلا أحرما بالحج ليصيرا متمتعين ما لم يكونا ساقا هديا أو وقفا بعرفة فلو فسخا في الحالتين فلغو ولو ساق المتمتع هديا لم يكن له أن يحل فيحرم بحج إذا طاف وسعى لعمرته قبل تحلله بالحلق فإذا ذبحه يوم النحر حل منهما والمعتمر غير المتمتع يحل بكل حال في أشهر الحج وغيرها ولو كان معه هدي فإن كان معه نحره عند المروة وحيث نحره من الحرم جاز والمرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت قبل طواف العمرة لم يكن لها أن تدخل المسجد الحرام وتطوف بالبيت فإن خشيت فوات الحج أو خافه غيرها أحرم بالحج وصار قارنا ولم يقض طواف القدوم ويجب دم قران وتسقط عنه العمرة.(1/352)
فصل ومن أحرم مطلقا
بأن نوى نفس الإحرام ولم يعين نسكا ـ صح وله صرفه إلى ما شاء بالنية ولا يجزئه العمل قبل النية والأولى صرفه إلى العمرة وإن أحرم بهما: كإحرامه بمثل ما أحرم به فلان أو بما أحرم به فلان وعلم ـ انعقد إحرامه بمثله فإن كان الأول أحرم مطلقا كان له صرفه إلى ما شاء ولو جهل إحرام الأول فكمن أحرم بنسك ونسيه على ما يأتي وإن شك هل أحرم الأول فكمن لم يحرم فيكون إحرامه مطلقا يصرفه إلى ما شاء فإن صرفه قبل طوافه أوقع طوافه عما صرفه إليه وإن طاف قبل صرفه لم يعتد بطوافه ولو كان إحرام الأول فاسدا فيتوجه كنذره عبادة فاسدة1 وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد إحرامه بأحدهما ولغت الأخرى وإن أحرم بنسك أو نذره ونسيه وكان قبل الطواف ـ جعله عمرة استحبابا ويجوز صرفه إلى غيرها وإن جعله قرانا أو إفرادا صح حجا فقط ولا دم عليه وإن جعله عمرة كفسخ حج إلى عمرة يلزمه دم المتعة ويجزئه عنها وإن كان شكه بعد الطواف صرفه إلى العمرة ولا يجعله حجا ولا قرانا لاحتمال أن يكون المنسي عمرة لأنه لا يجوز إدخال الحج على العمرة بعد الطواف لمن لا هدي معه فيسعى ويحلق ثم يحرم بالحج مع بقاء وقته ويتمه ويسقط عنه فرضه ويلزمه دم بكل حال لأنه إن كان المنسي حجا أو قرانا ما فقد حلق فيه في غير أوانه وفيه دم وإن كان معتمرا فقد تحلل ثم حج
__________
1 يريد: انعقد إحرامه وأتى بحج صحيح.(1/353)
وعليه دم المتعة وإن جعله حجا أو قرانا لم يصح ويتحلل بفعل الحج ولم يجزئه عن واحد منهما للشك ولا دم ولا قضاء للشك في سببهما وإن أحرم عن اثنين أو عن أحدهم لا بعينه أو عن نفسه وغيره وقع عن نفسه ويضمن ويؤدب من أخذ من اثنين حجتين للحج عنها في عام واحد وإن استنابه اثنان في عام في نسك فأحرم عن أحدهما بعينه ولم ينسه صح ولم يصح إحرامه للآخر بعده فإن نسى عمن أحرم عنهما وتعذرت معرفته فإن فرط أعاد الحج عنهما وإن فرط الموصي إليه بذلك غرم ذلك وإلا فمن تركة الموصيين إن كان النائب غير مستأجر لذلك وإلا لزماه.(1/354)
فصل والتلبية سنة
ويسن ابتداؤها عقب إحرامه وذكر نسك فيها وذكر العمرة قبل الحج للقارن فيقول: لبيك عمرة وحجا والإكثار منها ورفع الصوت بها ولكن لا يجهد نفسه في رفعه زيادة على الطاقة ولا يستحب إظهارها في مساجد الحل وأمصاره ولا في طواف القدوم والسعي ويكره رفع الصوت بها حول البيت لئلا يشغل الطائفين عن طوافهم وأذكارهم ويستحب أن يلبي عن أخرس ومريض وصغير ومجنون ومغمي عليه ويسن الدعاء بعدها فيسأل الله الجنة ويتعوذ به من النار ويدعو بما أحب والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرفع بذلك صوته وصفة التلبية: لبيك اللهم لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ولا تستحب الزيادة عليها ولا يكره ولا يستحب تكرارها(1/354)
في حالة واحدة وقال الموفق والشارح: تكرارها ثلاثا في دبر الصلاة حسن ولا تشرع بغير العربية لقادر وإلا بلغته ويتأكد استحبابها إذا علا نشزا أو هبط واديا وفي دبر الصلوات المكتوبات ولو في غير جماعة وإقبال الليل والنهار وبالأسحار وإذا التقت الرفاق وإذا سمع ملبيا أو أتى محظورا ناسيا إذا ذكره أو ركب دابته أو نزل عنها أو رأى البيت ويستحب في مكة والبيت وسائر مساجد الحرم كمسجد منى وفي عرفات أيضا وبقاع الحرم ولا بأس أن يلبي الحلال وتلبي المرأة ويعتبر أن تسمع نفسها ويكره جهرها أكثر من سماع رفيقتها ويأتي قطعها آخر باب دخول مكة.(1/355)
باب محظورات الإحرام
مدخل
...
باب محظورات الإحرام
وهي: ما يحرم على المحرم فعله وهي تسعة: أحدهما: إزالة الشعر من جميع بدنه بحلق أو غيره فإن كان له عذر من مرض أو قمل أو قروح أو صداع أو شدة حر لكثرته مما يتضرر بإبقاء الشعر أزاله وفدى كأكل صيد لضرورة ـ الثاني تقليم الأظافر إلا من عذر فمن حلق ثلاث شعرات فصاعدا أو قلم ثلاثة أظفار فصاعدا ولو مخطئا أو ناسيا فعليه دم وفيما دون ذلك في كل واحد طعام مسكين وفي قص بعض الظفر ما في جميعه وكذا قطع بعض الشعر وإن حلق رأسه بإذنه أو سكت ولم ينهه ولو كان الحالق محرما فالفدية عليه كما لو أكره على حلقه بيده ولا شيء على الحالق وإن كان مكرها بيد غيره أو نائما فعلى(1/355)
الحالق ومن طيب غيره فكحالق وإن حلق محرم حلالا أو قلم أظفاره فلا فدية عليه وحكم الرأس والبدن في إزالة العشر والطيب واللبس واحد فإن حلق شعر رأسه وبدنه أو تطيب أو لبس فيهما ففدية واحدة وإن حلق من رأسه شعرتين ومن بدنه شعرة أو بالعكس فعليه دم وإن خرج في عينه شعر فقلعه أو نزل شعر حاجبيه فغطى عينه فأزاله فلا شيء عليه وكذا إن انكسر ظفره فقصه أو قطع إصبعا بظفرها أو قلع جلدا عليه شعرا أو افتصد فزال شعر وإن خلل لحيته أو مشطها أو رأسه فسقط شعر ميت فلا شيء عليه نصا وإن تيقن أنه بان بالمشط أو التخليل فدى وتستحب الفدية مع الشك وله حك بدنه ورأسه برفق ما لم يقطع شعرا وله غسله في حمام وغيره بلا تسريح وغسله بسدر وخطمى ونحوها وإن وقع في أظفاره مرض فأزالها من ذلك المرض فلا شيء عليه وإن انكسر ظفره فأزال أكثر مما انكسر فعليه الفدية.(1/356)
فصل الثالث تغطية الرأس
والأذانان منه وتقدم ذلك في الوضوء فما كان منه حرم على ذكر تغطيته فإن غطاه أو بعضه حتى أذنيه بلاصق: معتادا أو لا كعمامة وخرقة وقرطاس فيه دواء أو غيره أولا دواء فيه كعصابة ولصداع ونحوه ولو يسيرا وطين طلاه به أو بحناء أو يغره ولو بنورة لعذر أو غيره ـ فعليه الفدية وإن استظل في محمل ونحوه من هودج وعمارية ومحارة حرم وفدى وكذا لو استظل بثوب ونحوه راكبا ونازلا ولا أثر للفصد وعدمه فيما فيه الفدية وما لا فدية فيه ويجوز تلبيد رأسه(1/356)
بعسل وصمغ ونحوه لئلا يدخل غبار أو دبيب أو يصيبه شعث ولا شيء عليه وكذا إن حمل على رأسه شيئا أو وضع يده عليه أو نصب حياله ثوبا لحر أو برد أمسكه إنسان أو رفعه بعود أو استظل بخيمة أو شجرة ولو طرح عليها شيئا يستظل به أو سقف وجدار ولو قصد به الستر وكذا لو غطى وجهه.(1/357)
فصل الرابع لبس الذكر المخيط
قل أو كثر في بدنه أو بعضه مما عمل على قدره من قميص وعمامة وسراويل وبرنس ونحوها ولو درعا منسوجا أو لبدا معقودا ونحوه كالخفين أو أحدهما للرجلين وكالقفازين لليدين وقال القاضي وغيره: ولو كان غير معتاد كجورب في كف وخف في رأس فعليه الفدية انتهى وران كخف فإن لم يجد إزار لبس سراويل ومثله لو شق إزاره وشد كل نصف على ساق ومتى وجد إزار خلعه وإن اتزر بقميص فلا بأس وإن عدم نعلين أو لم يكن لبسهما لبس خفين ونحوهما من ران وغيره بلا فدية ويحرم قطعهما وعنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين وجوزه جمع قال الموفق وغيره: والأولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح وإن لبس مقطوعا دون الكعبين مع وجود نعل حرم وفدى ويباح النعل ولو كانت بعقب وقيد ـ وهو السير المعترض على الزمام ـ ولا يعقد عليه شيئا من منطقة ولا رداء ولا غيرها وليس له أن يجعل لذلك زرار وعروة ولا يخله بشوكة أو إبرة أو خيط ولايغرز أطرافه في إزاره فإن فعل أثم وفدى لأنه كمخيط ويجوز له شد وسط بمنديل وحبل ونحوهما إذا(1/357)
لم يعقده قال أحمد: في محرم حزم عمامته على وسطه: لا يعقدها ويدخل بعضها في بعض إلا إزاره لحاجة ستر العورة وومنطقته اللذين فيهما نفقته إذا لم يثبت إلا بالعقد وإن لبس المنطقة لوجع ظهر أو حاجة أو لا ـ فدى وله أن يلتحف بقميص ويرتدي به وبرداء موصل ولا يعقده ويفدي بطوع قباء ونحوه على كتفيه ومن به شيء لا يحب أن يطلع عليه أحد أو خاف من برد لبس وفدى ولا تحرم دلالة على طيب ولباس ويأتي قريبا ويتقلد بسيف للحاجة ولا يجوز لغيرها ولا يجوز حمل السلاح بمكة لغير حاجة وله حمل جراب وقربة الماء في عنقه ولا فدية ولا يدخل في صدره والخنثى المشكل إن لبس المخيط أو غطى وجهه وجسده من غير لبس للمخيط فلا فدية وإن غطى وجهه ورأسه أو غطى وجهه ولبس المخيط فدى.(1/358)
فصل الخامس الطيب
فيحرم عليه بعد إحرامه تطييب بدنه وثيابه ولو من غيره بإذنه ولبس ما صبغ بزغفران أو ورس أو ما غمس في ماء ورد أو بخر بعود ونحوه والجلوس والنوم عليه فإن فرش فوق الطيب ثوبا صفيقا يمنع الرائحة والمباشرة غير ثياب بدنه فلا فدية بالنوم عليه ويحرم الاكتحال والإستعاط والاحتقان بمطيب وشم الأدهان المطيبة كده ورد وبنفسج وخيرى وزنبق والأدهان بها وشم مسك وكافور وعنبر وغالية ماء ورد وزعفران وورس وتبخر بعود ونحوه وأكل وشرب ما فيه طيب يظهر طعمه أو ريحه ولو مطبوخا أو مسته النار حتى لو ذهبت رائحته وبقي طعمه فإن بقي اللون فقط فلا بأس بأكله(1/358)
وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده كمسك غير مسحوق وقطع كافور وعنبر ونحوه فلا فدية فإن شمه فدى وإن علق الطيب بيده كالسحوق والغالية وماء الورد فدى وله شم العود لأنه لا يتطيب به إلا بالتبخير والفواكه كلها: من الأترنج والتفاح والسفرجل وغيرها وكذا نبات الصحراء كشيح وخزامى وقيصوم واذخر ونحوه مما لا يتخذ طيبا وما ينبته الآدمي لغير قصد الطيب كحناء وعصفر وقرنفل ودار صيني ونحوه أو ينبته لطيب ولا يتخذ منه طيب كريحان فارسي ومحل الخلاف فيه وهو الحبق معروف بالشام والعراق ومكة وغيرها وخصه بعض العلماء بالضمران وهو صنف منه قال بعضهم: هو العنبج المعروف بالشام بالريحان الجمام لاستدارته على أصل واحد انتهى ـ وماء ريحان ونحوه كهو والريحان عند العرب هو الآس ولا فدية في شمه وكذا نرجس ونمام وبرم ـ وهو ثمر العضاه: كام غيلان ونحوها ومرزنجوش ويفدي بشم ما ينبته لطيب ويتخذ منه كورد وبنفسج وخيري ـ وهو المثور ـ ولينوفر وياسمين ونحوه ولا فدية بإدهان بدهن غير الكطيب كزيت وشيرج وسمن ودهن البان والساذج ونحوها في رأسه وبدنه وإن جلس عند عطر أو في موضع ليشم الطيب فشمه مثل من قصد الكعبة حال تجميرها أو حمل عقدة فيها مسك ليجد ريحها فدى فإن لم يقصد شمه كالجالس عند عطار لحاجة وكداخل السوق أو داخل الكعبة ليتبرك بها ومن يشتري طيبا لنفسه أو للتجارة ولا يمسه فغير ممنوع ولمشتريه حمله وتقليبه وإذا لم يمسه ولو ظهر ريحه لأنه لم يقصد الطيب وقليل الطيب وكثيره(1/359)
سواء وإذا تطيب ناسيا أو عامدا لزمه إزالته بمهما أمكن من الماء وغيره من المائعات فإن لم يجد فيما أمكنه من الجامدات كحكه بخرقة وتراب وورق شجر ونحوه وله غسله بنفسه ولا شيء عليه لملاقاة الطيب بيده والأفضل الاستعانة على غسله بحلال.(1/360)
فصل السادس قتل صيد البر المأكول
وذبحه واصطياده وأذاه وهو ما كان وحشيا أصلا لا وصفا فلو تأهل وحشي ضمنه لا إن توحش أهلي ويحرم ويفدي متولد من المأكول وغيره كمتولد بين وحشي وأهلي وبين وحشي وغير مأكول ويأتي حكم غيب الوحشي: فحمام وبط وحشيان وإن تأهلا وبقر وجواميس أهلية وإن توحشت فمن أتلف صيدا أو تلف في يده أو بعضه بمباشرة أو سبب ولو بجناية دابة متصرف فيها فعليه جزاؤه إن كان بيدها أو فمها لا رجلها ويأتي آخر جزاء الصيد ويحرم عليه الدلالة عليه والإشارة والإعانة ولو بإعارة سلاح ليقتله أو ليذبحه به سواء كان معه ما يقتله به أو لا أو يناوله سلاحه أو سوطه أو يدفع إليه فرسا لا يقدر على أخذ الصيد إلا به ويضمنه بذلك ولا ضمان على دال ولا مشير بعد أن رآه من يريد صيده وكذا ولو وجد من المحرم عند رؤية الصيد ضحك أو استشراف ففطن له غيره وكذا لو أعاره آلة لغير الصيد فاستعملها فيه لأن ذلك غير محرم ولا تحرم دلالة على طيب ولباس ولا دلالة حلال محرما على صيد ويضمنه المحرم إلا أن يكون في الحرم فيشتركان في الجزاء كالمحرمين فإن اشترك في قتل صيد حلال ومحرم أو سبع ومحرم في الحل فعلى المحرم الجزاء(1/360)
جميعه ثم إن كان جرح أحدهما قبل صاحبه والسابق الحلال أو السبع فعلى المحرم جزاؤه مجروحا وإن سبقه المحرم وقتله أحدهما فعلى المحرم أرش جرحه وإن كان جرحهما في حالة واحدة أو جرحاه ومات منهما فالجزاء كله على المحرم وإذا دل محرم محرما على صيد ثم دل الآخر آخر كذلك إلى عشرة فقتله العاشر فالجزاء على جميعهن وإن قتله الأول فلاشيء ولو دل حلال حلالا على صيد في الحرم فكدلالة محرم محرما عليه وإن نصب شبكة ونحوها ثم أحرم أو أحرم ثم حفر بئرا بحق كداره ونحوها أو للمسلمين بطريق واسع ـ لم يضمن ما تلف بذلك ما لم يكن حيلة وإلا ضم كالآدمي إذا تلف في هذه المسألة ويحرم على المحرم أكل صيد صاده أو ذبحه أو دل عليه حلالا أو أعانه أو أشار إليه وكذا أكل ما صيد لأجله وعليه الجزاء إن أكله وإن أكل بعضه ضمنه بمثله من اللحم لضمان أصله بمثله من النعم ولا مشقة فيه لجواز عدوله إلى عدله: من طعام أو صوم ولا يحرم عليه أكل غيره فلو ذبح محل صيدا لغيره من المحرمين حرم على المذبوح له لا على غيره من المحرمين وما حرم على محرم لدلالة أو أعانه صياد له ـ ولا يحرم على محرم غيره كحلال وإن قتل المحرم صيدا ثم أكله ضمنه لقتله لا لأكله لأنه ميتة يحرم أكله على جميع الناس وكذا عن حرم عليه بالولاية أو الإعانة عليه أو الإشارة فأكل منه لم يضمن الأكل وبيض الصيد ولبنه مثله فيما سبق ويحرم تنفير الصيد: فإن نفره فتلف أو نقص في حال نفوره ضمن فإن أتلف بيضه ولو بنقله فجعله تحت صيد آخر أو ترك مع(1/361)
بيضه بيضا آخر أو شيئا فنفر عن بيضه حتى فسد ضمنه بقيمته مكانه كلبنه لا المذرو ما فيه فرخ ميت سوى بيض النعام فإن لقشره قيمة فيضمنه وإن باض على فراشه أو متاعه فنقله برفق ففسد فكجراد تفرش في طريقه وإن كسر بيضة فخرج منها فرخ فعاش فلا شيء فيه وإن مات ففيه ما في صغار أولاد المتلف بيضه: ففي فرخ الحمام ـ صغير أولاد الغنم وفي فرخ النعامة حوار وفيما عداها قيمته ولا يحل لمحرم أكل بيض الصيد إذا كسره هو أو محرم غيره ويحل للحلال وإن كسره حلال فكلحم صيد: إن كان أخذه لأجل المحرم لم يبح أكله وإلا أبيح ولو كان الصيد مملوكا ضمنه جزاء وقيمته ولا يملك الصيد ابتداء بشراء ولو بوكيله ولا باتهاب ولا باصطياد فإن أخذه بأحد هذه الأسباب ثم تلف فعليه جزاؤه وإن كان مبيعا فعليه القيمة لمالكه والجزاء وإن أخذه رهنا فعليه الجزاء فقط وإن لم يتلف فعليه رده إلى مالكه فإن أرسله فعليه ضمانه لمالكه ولا جزاء وعليه رد المبيع أيضا ولا يسترد الصيد الذي باعه وهو حلال بخيار ولا عيب في ولا غير ذلك وإن رده المشتري عليه بعيب أو خيار فله ذلك ثم لا يدخل في ملك المحرم ويلزمه إرساله ويملك الصيد بإرث وإن أمسك صيدا حتى تحلل لزمه إرساله فإن تلف أو ذبحه أو أمسك صيد حرم وخرج به إلى الحل أو ذبح محل صيد حرم ضمنه وكان ميتة وإن أحرم أو دخل الحرم بصيد لم يزل ملكه عنه فيرده من أخذه ويضمنه من قبله ويلزمه إرساله في موضع يمتنع فيه وإزالة يده المشاهدة عنه: مثل ما إذا كان في قبضته أو(1/362)
رحله أو خيمته أو قفصه أو مربوطا بحبل معه ونحوه دون يده الحكيمة مثل أن يكون في بيته أو بلده أو يد نائبا في غير مكانه ولا يضمنه وله نقل الملك فيه ومن غصبه لزمه رده: فلو تلف في يده المشاهدة قبل التمكن من إرساله لم يضمنه وإن أرسله إنسان من يده المشاهدة قهرا لم يضمنه ومن أمسك صيدا في الحل فأدخل الحرم أو أمسكه في الحرم فأخرجه إلى الحل لزمه فإن تلف في يده ضمنه وإن قتل صيدا صائلا عليه دفعا عن نفسه خشية تلفها أو مضرة كجرحه أو إتلاف ماله أو بعض حيواناته أو تلف بتخليصه من سبع أو شبكة ونحوها ليطلقه أو أخذه ليخلص من رجله خيطا أو نحوه فتلف بذلك لم يضمنه ولو أخذه ليداويه فوديعة وله أخذ ما لا يضره كيد متاءكلة وإن أزمنه فجزاؤه ولا تأثير لحم ولا إحرام في تحريم حيوان إنسي كبيهمة الأنعام والخيل والدجاج ولا في محرم الأكل غير المتولد كالفواسق ـ وهي الحدأة والغراب إلا بقع وغراب البين والفأرة والحية والعقرب والكلب والعقور ـ بل يستحب قتلها وقتل كل ما طبعه الأذى وإن لم يوجد منه أذى كالأسد والنمر والذئب والفهد وما في معناه والبازي والصقر والشاهين والعقاب والحشرات المؤذية والزنبور والبق والبعوض والبراغيث وكالرخم والبوم والديدان ولا جزاء في ذلك ولا بأس أن يقرد بعيره ـ وهو نوع القراد عنه ـ ويحرم على المحرم لا على الحلال ولو في الحرم قتل قمل وصئبانة من رأسه وبدنه ولو بزئبق ونحوه وكذا رميه ولا جزاء فيه ويحرم صيد البحر والأنهار والآبار والعيون(1/363)
ولو كان ما يعيش في البر والبحر كالسلحفاة والسرطان ونحوهما إلا في الحرم ولو للحلال وطير الماء والجراد من صيد البر: فيضمن بقيمته فإن انفرش في طريقه فقتله لمشيه أو أتلف بيض طير لحاجة كالمشي ـ فعليه جزاؤه وإذا ذبح المحرم الصيد وكان مضطرا فله أكله ولم به مثل ضرورة لحاجة الأكل وهو ميتة في حق غيره ويقدم عليه الميتة ويأتي في الأطعمة وإن احتاج إلى فعل محظور فله فعله وعليه الفداء.(1/364)
فصل السابع عقد النكاح
فلا يتزوج ولا يزوج غيره بولاية ولا وكالة ولا يقبل النكاح الحلال ولا تزوج المحرمة والنكاح في ذلك كله باطل: تعمده أو لا إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم والاعتبار بحالة العقد: فلو وكل محرم حلالا فعقده بعد حله صح ولو وكل حلال حلالا فعقده بعد أن أحرم لم يصح ولو وكله ثم أحرم لم ينعزل وكيله فإذا حل كان لوكيله عقده ولو وكل حلال حلالا فعقده وأحرم الموكل فقالت الزوجة: وقع في الحرام وقال الزوج: قبله فالقول قوله وإن كان بالعكس فقوله أيضا ولها نصف الصداق ويصح مع جهلهما وقوعه وإن أحرم الإمام الأعظم لم يجز أن يتزوج ولا يزوج أقاربه ولا غيرهم بالولاية العامة ويزوج خلفاؤه وإن أحرم نائبه فكهو وتكره خطبة محرم على نفسه وعلى غيره وخطبة محل محرمة: كخطبة عقده وحضوره وشهادته فيه وتباح الرجعة للمحرم وتصح: كشراء أمة لوطء وغيره ويصح اختار من(1/364)
أسلم على أكثر من أربع نسوة لبعضهن حال الإحرام ولا فدية عليه في شيء من ذلك كله كشراء الصيد.(1/365)
فصل الثامن الجماع في فرج أصلي
قبلا كان أو دبرا من آدمي أو غيره فمن فعل ذلك قبل التحلل الأول ولو بعد الوقوف فسد نسكهما ولو ساهيا أو جاهلا أو مكرها نصا أو نائمة ويجب به بدنة ولا يفسد بغير الجماع وعليهما المضي في فاسده وحكمه حكم الإحرام الصحيح فيفعل بعد الإفساد كما يفعل قبله: من الوقوف وغيره ويجتنب قبله: من الوطء وغيره وعليه الفدية إذا فعل محظورا بعده والقضاء على الفور ولو نذرا أو نفلا كانا مكلفين وإلا بعده بعد حجة الإسلام على الفور ويصح قضاء عبد في رقه وتقدم حكم إفساد حجه وحج الصبي ـ من حيث أحرما أولا من الميقات أو قبله وإلا لزمهما من الميقات وإن أفسد القضاء قضى الواجب: لا القضاء ونفقة المرأة في القضاء عليها إن طاوعت وإن أكرهت فعلى الزوج وتستحب تفرقتهما في القضاء من الموضع الذي أصابها فيه إلى أن يحلا: بألا يركب معها على بعير ولا يجلي معها في خبائها وما أشبه ذلك بل يكون قريبا منها فيراعي أحوالها لأنه محرمها والعمرة في ذلك كالحج يفسد الوطء قبل الفراغ من السعي لا بعده وقبل حلق ويجب المضي في فاسدها ويجب القضاء والدم وهو شاة لكن إن كان مكيا أو حصل بها مجاورا أحرم للقضاء من الحل: سواء كان قد أحرم بها منه أو من الحرم وإن أفسد المتمتع(1/365)
عمرته ومضى في فاسدها وأتمها خرج إلى الميقات فأحرم منه بعمرة فإن خاف فوت الحج أحرم به من مكة وعليه دم فإذا فرغ من حجه خرج فأحرم من الميقات بعمرة مكان التي أفسدها وعليه هدى يذبحه إذ قدم مكة لما أفسد من عمرته وإن أفسد المفرد حجته وأتمها فله الإحرام بالعمرة من أدنى الحل وإن أفسد القارن نسكه فعليه فداء واحد وإن جامع بعد التحلل الأول وقبل الثاني لم يفسد حجه: قارن كان أو منفردا لكن فسد إحرامه فيمضي إلى الحل فيحرم منه ليطوف للزيادة في إحرام صحيح ويسعى إن لم يكن سعى وتحلل لأن الذي بقي عليه بقية أفعال الحج وليس هذا عمرة حقيقة ويلزمه شاة والقارن كالمفرد فإن طاف للزيارة لم يرم ثم وطئ ـ ففي المغني والشرح: لا يلزمه إحرام من الحل ولا دم عليه لوجود أركان الحج وقال في الفروع: فظاهر كلام جماعة: كما سبق وهو بعد التحلل الأول محرم لبقاء تحريم الوطء المنافي وجوده صحة الإحرام.(1/366)
فصل التاسع المباشرة فيما دون الفرج
لشهوة بوطء أو قبلة أو لمس وكذا نظر لشهوة فإن فعل فأنزل فعليه بدنة ولم يفسد نسكه كما لو لم ينزل وكما لو لم يكن لشهوة ويأتي تتمة في الباب بعده.(1/366)
فصل والمرأة إحرامها في وجهها
فيحرم تغطيتة ببرقع أو نقاب أو غيره فإن غطته لغير حاجة فدت والحاجة كمرور رجال قريبا منها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها ولو مس وجهها ولا يمكنها تغطية جميع الرأس إلا بجز من الوجه لا كشف جميع الوجه إلا(1/366)
بجزء من الرأس ـ فستر الرأس كله أولى ولا تحرم تغطية كفيها ويحرم عليها ما يحرم على الرجل إلا لبس وتظليل المحمل وغيره ويحرم عليها وعلى رجل لبس قفازين أو قفاز واحد وهما كل ما يعمل لليدين إلى الكوعين يدخلهما في لسترهما من الحر: كالجورب للرجلين كما يعمل للبزاة وفيه الفدية كالنقاب قال القاضي: ومثلهما لو لفت على يديها خرقة أو خرقا وشدتها على حناء أولا: كشده على جسده شيئا وظاهر كلام الأكثر لا يحرم وإن لفتها بلا شد فلا بأس ويباح لها خلخال ونحوه من حلي: كسوار ونحوه ولا يحرم عليه لباس زينة وفي الرعاية وغيرها يكره ويكره لهما كحل بإثمد ونحوه لزينة لا لغيرها ولا يكره غيره إذا لم يكن مطيبا ويكره لها خضاب: لا عند الإحرام وتقدم ويجوز لهما لبس المعصفر والكحلي وغيرهما من الأصباغ: إلا أنه يكره للرجل لبس المعصفر ولهما قطع رائحة كريهة بغير طيب والنظر في المرآة لهما جميعا لحاجة كمداوة جرح وإزالة شعر بعينه ويكره لزينة وله لبس خاتم وبط جرح وختان وقطع عضو عند الحاجة وأن يحتجم فإن احتاج في الحجامة إلى قطع شعر فله قطعه وعليه الفدية ويجتنب المحرم ما نهى الله عنه: من الرفث وهو الجماع وكذا التقبيل والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام والفسوق: وهو السباب والجدال: وهو المراد فيما لا يعني ويستحب له قلة الكلام: إلا فيما ينفع وأن يشتغل بالتلبية وذكر الله وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهل(1/367)
ونحو ذلك ويباح له أن يتجر ويصنع ما لم يشغله عن واجب أو مستحب.(1/368)
باب الفدية
مدخل
...
باب الفدية
وهي ما يجب بسبب نسك أو حرم وله تقديمها على الفعل المحظور لعذر: كحلق ولبس وتطيب بعد وجود السبب المبيح: ككفارة يمين ويأتي،
وهي على ثلاثة أضرب: أحدهما: على التخيير ـ وهو نوعان أحدهما يخير فيه بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد من بر أو نصف صاع تمرا أو زبيب أو شعير أو ذبح شاة فلا يجزى الخبز واختار الشيخ الأجزاء ويكون رطلين عراقية وينبغي أن يكون بادم ومما يأكل ـ أفضل من بر وشعير وهي فدية حلق الشعر وتقليم الأظفار وتغطية الرأس واللبس والطيب ولو حلق ونحوه لعذر أو غيره.
النوع الثاني: جزاء الصيد يخير فيه بين المثل فإن اختاره ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم ولا يجزئه أن يتصدق به حيا وله ذبحه أي وقت شاء فلا يختص بأيام النحر أو تقويم المثل بدراهم بالموضع الذي أتلفه وبقرب ليشتري بها طعام يجزئ في الفطرة وإن أحب أخرج من طعام يملكه بقدر القيمة فيطعم كل مسكين مدا من حنطة أو نصف صاع من غيره أو يصوم عن طعام كل مسكين(1/368)
يوما وإن بقي ما لا يعدل يوما صام يوما ولا يجب التتابع في هذا الصوم ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعضه وإن كان مما لا مثل له ـ خير بين أن يشتري بقيمته طعاما فيطعمه للمساكين وبين أن يصوم عن كل طعام مسكين يوما.(1/369)
فصل الضرب الثاني على الترتيب
وهي ثلاثة أنواع أحدهما: دم متعة وقران فيجب الهدي فإن عدمه موضعه أو وجده ولا ثمن معه إلا في بلده فصيام ثلاثة أيام في الحج ولا يلزمه أن يقترض ولو وجد من يقرضه ويعمل بظنه في عجزه فإن الظاهر من المعسر استمرار إعساره فلهذا جاز الانتقال إلى الصوم قبل زمان الوجوب والأفضل أن يكون آخر الثلاثة يوم عرفة فيصومه للحاجة ويقدم الإحرام بالحج قبل يوم التروية فيكون باليوم السابع من الحجة محرما وهو أولها وله تقديمها قبل إحرامه بالحج بعد أن يحرم بالعمرة ولا قبله ووقت وجوب صوم الأيام الثلاثة ـ وقت وجوب الهدي وتقدم وسبعة إذا رجع إلى أهله ولا يصح صومها بعد إحرامه بالحج قبل فراغه منه ولا في أيام منى لبقاء أعمال من الحج ولا بعدها قبل طواف الزيارة وبعده يصح والاختيار ـ إذا رجع إلى أهله فإن لم يصم الثلاثة قبل يوم النحر صام أيام منى ولا دم عليه فإن لم يصمها فيها ولو لعذر صام بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم وكذا إن أخر الهدي عن أيام النحر لغير عذر ولا يجب تتابع ولا تفريق في صوم الثلاثة ولا السبعة ولا بين الثلاثة والسبعة،(1/369)
إذا قضى ومتى وجب عليه الصوم فشرع فيه أو لم يشرع ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه وإن شاء انتقل ومن لزمه صوم المتعة فمات قبل أن يأتي به لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكين وإلا فلا ـ الثاني: المحصر يلزمه الهدي ينحره بنية التحلل مكانه كما يأتي في بابه فإن لم يجد صام عشرة أيام بالنية ثم حل ولا إطعام فيه ـ الثالث: فدية الوطء تجب به بدنة: قارن كان أو مفردا فإن لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع: كدم المتعة لقضاء الصحابة به وشاة إن كان في العمرة ويجب على المرأة المطاوعة مثل ذلك لا المكرهة والنائمة ولا يجب على الواطئ أن يفدي عنها ويقدم ذلك.(1/370)
فصل الضرب الثالث الدماء الواجبة
لفوات الحج بعدم وقوفه بعرفة لعذر: حصر أو غيره ولم يشترط أن محلى حيث حبستني أو وجب لترك واجب كترك الإحرام من الميقات أو الوقوف بعرفة إلى الليل وسائر الواجبات فيلزمه من الهدي ما تيسر كدم المتعة في حكمه وحكم الصيام وما وجب للمباشرة في الفرج فما أوجب منه بدنة فحكمها حكم البدنة الواجبة في الفرج وما عدا ما يوجب بدنة بل دما كاستمتاع لم ينزل فيه فإنه يوجب شاة وحكمها حكم فدية الأذى وإن كرر النظر أو قبل أو لمس لشهوة فأمنى أو استمنى فأمنى فعليه بدنة وإن مذى بذلك أو أمنى بنظرة واحدة فشاة وإن لم ينزل أو أنزل عن فكر أو مذى بنظرة من غير تكرار أو احتلم فلا شيء(1/370)
عليه وخطأ كعمده في الكل والمرأة كالرجل مع شهوة.(1/371)
فصل وإن كرر محظورا من جنس غير صيد
مثل أن حلق أو قلم أو لبس أو تطيب أو وطئ أو غيرها من المحظورات ثم أعاد ثانيا ولو غير الموطوأة أو بلبس مخيط في رأسه أو بدواء مطيب قبل التفكير عن الأول فكفارة واحدة: تابع الفعل أو فرقه فلو قلم ثلاثة أظفار أو قطع ثلاث شعرات في أوقات قبل التفكير لزمه دم وإن كفر عن الأول لزمه عن الثاني كفارة وتتعدد كفارة الصيد بتعدده وإن فعل محظورا من أجناس فعليه لكل واحد فدا وإن حلق أو قلم أو وطئ أو قتل صيدا عامدا أو ناسيا أو مخطئا أو مكرها ولو نائما قلع شعره أو صوب رأسه إلى تنور فأحرق اللهب شعره ـ فعليه الكفارة وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا أو جاهلا أو مكرها فلا كفارة ويلزمه غسل الطيب وخلع اللباس في الحال ومتى أخره عن زمن الإمكان فعليه الفدية وتقدم غسل الطيب ومن رفض إحرامه لم يفسد ولم يلزمه دم لرفضه وحكم إحرامه باق فإن فعل محظورا فعليه فداؤه ومن تطيب قبل إحرامه في بدنه فله استدامة ذلك في إحرام وتقدم وليس له لبس ثوب مطيب بعد إحرامه وتقدم وإن أحرم وعليه قميص ونحوه ـ خلعه ولم يشقه فإن استدام لبسه ولو لحظة فوق المعتاد من خلعه ـ فدى فإن لبس بعد إحرامه ثوبا كان مطيبا أو انقطع ريحه أو افترشه ولو تحت حائل غير ثيابه لا يمنع ريحه أو مباشرته إذا رش فيه ماء فاح ريحه - فدى.(1/371)
فصل وكل هدي أو إطعام يتعلق بحرم أو إحرام
كجزاء صيد وما وجب لترك واجب أو فوات أو بفعل محظور في الحرم وهدي تمتع وقران ومنذور ونحوهما ـ يلزم ذبحه في الحرم وتفرقة لحمه فيه أو إطلاقه بعد ذبحه لمساكين من المسلمين إن قدر إلى إيصاله إليهم بنفسه أو بمن يرسله معه وهم: من كان به أو واردا إليه من حاج وغيره ممن له أخذ زكاة لحاجة فإن دفع إلى فقير في ظنه فبان غنيا أجزأه ويجز نحره في أي نواحي الحرم كان قال أحمد: مكة ومنى واحد ومراده في الإجزاء لا في التساوي ومنى كلها منحر والأفضل أن ينحر في الحج بمنى وفي العمرة بالمروة وإن سلمه إليهم فنحروه أجزأ وإلا استرده ونحره فإن أبى أو عجز ضمنه فإن لم يقدر على إيصاله إليهم جاز نحره في غير الحرم وتفرقته هو والطعام حيث نحره وفدية الأذى واللبس ونحوهما كطيب ودم المباشرة دون الفرج إذا لم ينزل وما وجب بفعل محظور خارج الحرم ولو لغير عذر فله تفرقتها حيث وجد سببها وفي الحرم أيضا ووقت ذبح فدية الأذى واللبس ونحوهما وما ألحق به حين فعله وله الذبح قبله لعذر وذلك ما وجب لترك واجب ولو أمسك صيدا أو جرحه ثم أخرج جزاءه ثم تلف المجروح أو الممسك أو قدم من أبيح له الحلق فديته قبل الحلق ثم حلق أجزأ ودم الإحصار يخرجه حيث أحصر: وأما الصيام والحق وهدي التطوع وما يسمى نسكا فيجزئه بكل مكان كأضحية وكل دم ذكر يجزئ فيه(1/372)
شاة كأضحية فيجزئ الجذع من الضأن والثني من المعز أو سبع بدنة أو سبع بقرة وإن ذبح بدنة أو بقرة فهو أفضل وتكون كلها واجبة ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة: كعكسه ولو في جزاء صيد ونذر ويجزئه عن كل واحدة منها سبع شياة ويجزئه عن سبع شياة بدنة أو بقرة وذكر جماعة: إلا في جزاء الصيد(1/373)
باب جزاء الصيد
مدخل
...
باب جزاء الصيد
جزاؤه ـ ما يستحق بدله من مثله ومقاربه وشبهه ويجتمع الضمان والجزاء إذا كان ملكا للغير وتقدم ويجوز إخراج الجزاء بعد الجرح وقبل الموت.
وهو ضربان: أحدهما مثل من النعم خلقة لا قيمة فيجب فيه مثله ـ وهو نوعان: أحدهما ما قضت فيه الصحابة ففيه ما قضت: ففي النعامة بدنة وفي كل واحد من حمار الوحش وبقرته والوعل: وهو الأروى بقرة يقال لذكره: الإبل وللمسن منه التيتل ـ بقرة1 وفي الضبع كبش: وهو فحل الضأن وفي الظبي: وهو الغزال ـ عنز وهو الأنثى من المعز ولا شيئ في الثعلب لأنه سبع وفي الوبر والضب جدي مما بلغ من أولاد المعز ستة أشهر وفي اليربوع جفرة من المعز لها أربعة أشهر وفي الأرنب عناق أنثى من أولاد المعز أصغر من الجفرة قاله في الشرح والفروع وفي واحدة الحمام وهو كل ما عب وهدر ـ شاة فيدخل فيه القطا والفواخت والوراشين والقمارى والدباس ونحوها.
__________
1 لفظ بقرة الأول: بيان للوعل. والثاني مبتدأمعطوف على قوله سابقا: بدنة. وخبره مقدم عليه وهو قوله: وفي كل واحد من حمار الوحش الخ.(1/373)
النوع الثاني: ما لم تقض فيه الصحابة فيرجع فيه إلى قول عدلين لقوله تعالى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} من أهل الخبرة ويجوز أن يكون القاتل أحدهما وأن يكونا القاتلين وحمله ابن عقيل على ما إذا قتله خطأ أو جاهلا بتحريمه وعلى قياسه إذا قتله لحاجة أكله ويضمن كل واحد من الكبير والصغير والصحيح والمعيب والذكر والأنثى والحائل والحامل ـ بمثله وتقدم بعضه وإن فدى الصغير بكبير والذكر بأنثى فهو أفضل ولو جنى على الحامل فألقت جنينها ميتا ضمن نقص الأم فقط كما لو جرحها وإن ألقته حيا لوقت يعيش لمثله ثم مات ففيه جزاؤه ويجوز فداء أعور من عين وأعرج من قائمة ـ باعور وأعرج من أخرى لا فداء أعور بأعرج وعكسه ويجزئ فداء أنثى بذكر كعكسه.(1/374)
فصل الضرب الثاني
ما لا مثل له فيجب فيه قيمته مكانه وهو سائر الطيور ولو أكبر من الحمام: كالأوز والحبارى والحجل والكبير من طير الماء والكركي وغير ذلك وإن تلف جزء من صيد واندمل وهو متمتع وله مثل ـ ضمنه بمثله لحما من مثله وما لا مثل له ـ ما نقص من قيمته وإن نفر صيدا فتلف بشيء ولو بآفة سماوية أو نقص في حال نفوره ـ ضمنه لا إن تلف بعد نفوره في مكانه بعد أمنه وإن رمى صيدا فأصابه ثم سقط على آخر فماتا ـ ضمنهما فلو مضى المجروح قليلا ثم سقط على آخر ـ وإن جرحه جرحا غير موح فغاب ولم يعلم خبره فعليه ما نقصه فيقوم صحيحا(1/374)
وجريحا غير مندمل ثم يخرج بقسطه من مثله وكذا إن وجده ميتا ولم يعلم موته بجرحه وإن وقع في ماء أو تردى فمات ضمنه إن اندمل غير ممتنع أو جرحه موحيا فعليه جزاء جميعه وكل ما يضمن به الآدمي يضمن به الصيد ـ من مباشرة أو سبب وكذلك ما جنت دابته بيدها أو فمها فأتلفت صيدا فالضمان على راكبها أو قائدها أو سائقها وما جنته برجلها فضمان عليها وتقدم وإن انفلتت فأتلفت صيدا لم يضمنه: كالآدمي وإن نصب شبكة أو حفر بئرا بغير حق فوقع فيها صيد ـ ضمنه وإن نصب شبكة ونحوها قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه ـ لم يضمنه: كما لو صاده قبل إحرامه وتركه في منزله فتلف بعد إحرامه وإن نتف ريشه أو شعره أو وبره فعاد فلا شيء عليه فإن صار غير ممتنع: فكالجرح وإن اشترك جماعة في قتل صيد ولو كان بعضهم ممسكا أو متسببا والآخر قائلا فعليهم جزاء واحد وإن كفروا بالصوم إن اشترك حلال ومحرم في قتل صيد حرمي فالجزاء عليها نصفين وهذا الاشتراك الذي هذا حكمه ـ هو الذي يقع فيه الفعل منهما معا أو جرحه أحدهما أو قتل الآخر منهما فإن جرحه أحدهم أو قتله الآخر فعلى الجارح ما نقصه وعلى القاتل جزاؤه مجروحا وإذا قتل القارن صيدا فعليه جزاء واحد.(1/375)
باب صيد الحرمين ونباتهما
مدخل
...
باب صيد الحرمين ونباتهما
ويحرم صيد حرم مكة على الحلال والمحرم فمن أتلف منه شيئا،(1/375)
ولو كان المتلف كافرا أو صغيرا أو عبدا فعليه ما على المحرم في مثله ولا يلزم المحرم جزاآن وحكم صيده حكم صيد الإحرام مطلقا: إلا القمل فإنه لا يضمن ولا يكره قتله فيه وإن رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم أو بعض قوائمه فيه أو أرسل كلبه عليه أو قتل صيدا على غصن في الحرم: أصله في الحل أو أمسك طائر في الحل فهلك فراخه في الحرم: ضمنه لا أمه ولو رمى الحلال صيدا ثم أحرم قبل أن يصيبه ضمنه ولو رمى المحرم صيدا ثم حل قبل الإصابة لم يضمن اعتبار بحالة الإصابة وإن قتل من الحرم صيدا في الحل بسهمه أو كلبه أو صيدا على غصن في الحل: أصله في الحرم أو أمسك حمامته في الحرم فهلك فراخها في الحل ـ لم يضمن وإن كان الصيد والصائد في الحل فرماه بسهمه أو أرسل كلبه عليه فدخل الحرم ثم خرج فقتله في الحل فلا جزاء فيه وإن أرسل كلبه من الحل على صيد في الحل فقتله أو غيره في الحرم أو فعل ذلك بسهمه بأن شطح السهم فدخل الحرم ـ لم يضمن ولا يؤكل كما لو ضمنه ولو جرح من الصيد أو في الحل فمات في الحرم حل ولو يضمن.(1/376)
فصل ويحرم قطع شجر الحرم
حتى ما فيه مضرة كشوك وعوسج وحشيش حتى شوك وورق وسواك ونحوه ويضمنه: إلا اليابس وما زال بفعل غير آدمي وانكسر لم يبن والإذخر والكمأة والنقع والتمرة وما زرعه آدمي: من بقل ورياحين وزروع وشجر غرس من غير شجر الحرم ـ فيباح أخذه والانتفاع به وبما(1/376)
انكسر من الأغصان وانقلع من الشجر بغير فعل آدمي وكذا الورق الساقط ويجوز رعي حشيش ولا يجوز الإحتشاش للبهائم وإذا قطع ما يحرم قطعه حرم انتفاعه وانتفاع غيره به: كصيد ذبحه محرم ومن قطعه ـ ضمن الشجرة الكبيرة والمتوسطة ببقرة والصغيرة بشاة والحشيش والورق بقيمته والغصن بما نقص وإن استخلف الغصن والحشيش ـ سقط الضمان وكذا لورد شجرة فنبتت1 ويضمن نقصها إن نبتت ناقصة وإن قلع شجرا من الحرم فغرسه في الحل لزمه رده فإن تعذر أو يبست أو قلعها من الحرم فغرسها في الحرم فيبست ـ ضمنها فإن قلعها غيره من الحل بعد أن غرسها هو ضمنها قالعها بخلاف من نفر صيدا فخرج إلى الحل ضمنه منفر لا قاتل2 ويخير بين الجزاء وبين تقويمه ويفعل بثمنه: كجزاء صيد وإن قطع غصنا في الحل: أصله أو بعضه في الحرم ـ ضمنه لا إن قطعه في الحرم وأصله كله في الحل قال أحمد: لا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل إليه من الحل ولا يخرج من حجار مكة إلى الحل والخروج أشد يعني في الكراهة ولا يكره إخراج ماء
__________
1 يريد: لو قلع شجرة من الحرم ثم ردها إليه ثانيا فنبت كما كانت فلا ضمان.
2 إنما استقر الضمان في مسألة الشجرة التي أخرجت من الحل على قالعها دون مخرجها لأن حرمة الشجرة لا تزول عنها بنقلها وحيث كان التلف يفعل الأخير فعليه الضمان. وأما الضمان في الطير فإنما ثبت على مخرجه دون قاتله في الحل لأن الطير بإخراجه من الحرم سقطت حرمته وصار كطير الحل لا شيء فيه، وحيث كان سقوط الحرمة يسبب الإخراج فمخرجه هو المعتدى، ومن هذا تفهم أن بين الطير والشجر فرقا في سقوط حرمة الطير بإخراجه دون الشجر.(1/377)
زمزم لأنه يستخلف فهو كالثمرة ومكة أفضل من المدينة وتستحب المجاورة بها ولمن هاجر منها ـ المجاورة بها وما خلق الله خلقا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وأما نفس تراب تربته فليس هو أفضل من الكعبة بل الكعبة أفضل منه ولا يعرف أحد من العلماء فضل تراب القبر على الكعبة إلا القاضي عياض ولم يسبقه أحد إليه ولا وافقه أحد قط عليه1 وحد الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال عند بيوت السقيا ومن اليمن سبعة عند أضاة لبن ومن العراق كذلك على ثنية خل: وهو جبل بالمقطع ومن الجعرانة تسعة أميال في شعب عبد الله بن خالد ومن جدة عشرة أميال عند منقطع الأعشاش ومن الطائف على عرفات من بطن نمرة سبعة عند طرف عرفة ومن بطن عرفة أحد عشر ميلا.
__________
1 تفضيل الكعبة على قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم غير منظور فيه إلى الجثة الشريفة وأما مع النظر إلى الجثة فليس شيء يعدل قبره في الفضل بحال.(1/378)
فصل ويحرم صيد المدينة
والأولى ألا تسمى بيثرب فلو صاد وذبح صحت تذكيته ويحرم قطع شجرها وحشيشها ويجوز أخذ ما تدعو الحاجة إليه من شجرها للرحل والقتب وعوارضه وآلة الحرث ونحو ذلك والعارضة لسقف المحمل والمساند من القائمتين اللتين تنصب البكرة عليهما والعارضة بين القائمتين ونحو ذلك ومن حشيشها للعلف ومن أدخل إليها صيدا فله إمساكه وذبحه ولا جزاء في صيدها وحشيشها وحد حرمها ما بين ثور إلى عير: وهو ما بين(1/378)
لابتيها وقدره بريد في بريد نصا وهما جبلان بالمدينة فثور ـ جبل صغير يضرب إلى الحمرة بتدوير خلف أحد جهة الشمال وغير مشهور بها ولا يحرم على المحل صيد وج وشجره: وهو واد بالطائف.(1/379)
باب دخول مكة
مدخل
...
باب دخول مكة
يسن الاغتسال لدخولها ولو لحائض وأن يدخلها نهارا من أعلاها من ثنية كداء وأن يخرج من كدى من الثنية السفلى وأن يدخل المسجد من باب بني شيبة فإذا رأى البيت رفع يديه وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا وزد من عظمه وشرفه ممن حجه واعتمره تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكريم وجهه وعز جلاله والحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا والحمد لله على كل حال اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك اللهم تقبل مني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت يرفع بذلك صوته إن كان رجلا وما زاد من الدعاء فحسن ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا ولم يحتج أن يطوف لها طواف قدوم وبطواف القدوم: ويسمي طواف الورود إن كان مفردا أو قارنا وهو تحية الكعبة وتحية المسجد الصلاة وتجزئ عنها الركعتان بعد الطواف فيكون أول ما يبدأ به الطواف إلا إذا أقيمت أو ذكر فريضة فائتة أو خاف فوت ركعتي(1/379)
الفجر أو الوتر أو أحضرت جنازة فيقدمها عليه ثم يطوف والأولى للمرأة تأخيره إلى الليل إن أمنت الحيض والنفاس ولا تزاحم الرجال لتستلم الحجر لكن تشير إليه: كالذي لا يمكنه الوصول إليه ويضطبع بردائه في طواف القدوم وطواف العمرة للمتمتع ومن في معناه: غير حامل معذور في جميع أسبوعه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر فإذا فرغ من الطواف سواه ولا يضطبع في السعي ويبتدئ الطواف من الحجر الأسود وهو جهة المشرق فيحاذيه أو بعضه بجميع بدنه فإن لم يفعل أو بدأ بالطواف من دون الركن كالباب ونحوه لم يحتسب بذلك الشوط ثم يستلمه أي يمسحه بيده اليمنى ويقبله من غير صوت يظهر للقبلة ونص: ويسجد عليه فإن شق استلمه وقبل يده فإن شق استلمه بشيء وقبله وإن شق أشار إليه بيده أو بشيء واستقبله بوجهه ولا يقبل المشار به: ولا يزاحم فيؤذي أحدا ويقول بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ويقول ذلك كلما استلمه وزاد جماعة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد فإن لم يكن الحجر موجودا وقف مقابلا لمكانه واستلم الركن وقبله فإن شق استلمه وقبل يده ثم يأخذ على يمينه مما يلي باب البيت ويجعله على يساره ليقرب جانبه الأيسر إليه فأول ركن يمر به يسمى الشامي والعراقي وهو جهة الشام ثم يليه الركن الغربي والشامي وهو جهة المغرب،(1/380)
ثم اليماني جهة اليمن فإذا أتى عليه استلمه ولو يقبله ولا يستلم ولا يقبل الركنين الآخرين ولا صخرة بيت المقدس ولا غيرها من المساجد والمدافن التي فيها الأنبياء والصالحون ويطوف سبعا يرمل في الثلاثة الأول منها ماش: غير راكب وحامل معذور ونفساء ومحرم من مكة أو من قربها فلا يسن هو ولا الإضطباع لهم ولا في غير هذا الطواف ولا يقضيه ولا بعضه في غيره: وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى من غير وثب1 والرمل أولى من الدنو من البت بدونه وإن كان لا يتمكن من الرمل أيضا أو يختلط بالنساء فالدنو أولى ويطوف كيفما أمكنه فإذا وجد فرجة رمل فيها وتأخير الطواف له وللدنو أو لأحدهما أولى ويمشي الأربعة أشواط الباقية وكلها حاذى الحجر الأسود والركن اليماني استلمهما وإن شق أشار إليها ويقول كلما حاذى الحجر الأسود: الله أكبر فقط وله القراءة في الطواف فتستحب لا الجهر بها يكره إن غلط المصلي وبين الأسود واليماني: ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ويكثر في بقية طوافه من الذكر والدعاء ومنه: اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ورب اغف وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم ويدعو ما أحب ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدع الحديث إلا الذكر والقراءة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما لا بد منه ومن طاف أو سعى راكبا أو محولا لغير عذر لم يجزئه ولعذر يجزئ ويقع الطواف عن المحمول إن نويا عنه أو نوى كل منها عن
__________
1 قوله وهو: يريد به الرمل المتقدم.(1/381)
نفسه وإن نويا عن الحامل وقع عنه وإن نوى أحدهم عن نفسه والآخر لم ينو ـ وقع لمن نوى وإن عدمت النية منهما أو نوى كل منهما عن الآخر لم يصح لواحد منهما وإن حمله بعرفات أجزأ عنهما وإن طاف منسكا: بأن جعل البيت عن يمينه أو على جدار الحجر أو شاذروان الكعبة بفتح الذال: وهو القدر الذي ترك خارجا عن عرض الجدار مرتفعا من الأرض قدر ثلثي ذراع ـ لم يجزئه لأنه منها أو ترك شيئا من الطواف وأن قل أو لم ينو أو خارج المسجد أو محدثا ولو حائضا ويلزم الناس انتظارها لأجله فقط إن أمكن أو نجسا أو شاكا فيه في طهارته لا بعد فراغه منه أو عريانا أو قطعه بفصل طويل عرفا ولو سهوا أو لعذر أو أحدث في بعضه ـ لا يجزئه فتشترط الموالاة فيه وفي سعي وعند الشيخ: الشاذروان ليس من الكعبة بل جعل عماد البيت وعلى الأول لو مس الجدار بيده في موازاة الشاذروان ـ صح طوافه وإن طاف المسجد من وراء حائل: من قبة وغيرها أجزأ وإن طاف على سطحه توجه الأجزاء قاله في الفروع: وإن شك في عدد الأشواط أخذ باليقين ويقبل قول عدلين ويسن فعل سائر المناسك على طهارة وإن قطع الطواف بفصل يسير أو أقمن صلاة مكتوبة أو حضرت جنازة صلى وبنى ويكون البناء من الحجر ولو كان القطع من أثناء الشوط ثم يصلي ركعتين والأفضل خلف المقام وحيث ركعها من المسجد أو غيره جاز ولا شيء عليه وهما سنة مؤكد يقرأ فيهما بعد الفاتحة في الأولى(1/382)
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثاني: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة ويمر بين يديه الطائفون من الرجال والنساء وتقدم وتكفي عنهما مكتوبة وسنة راتبة ويسن الإكثار من الطواف كل وقت وله جمع أسابيع فإذا فرغ منها ركع لكل أسبوع ركعتين والأولى لكل أسبوع عقبه ولا يشرع تقبيل المقام ولا مسحه ـ فرع ـ إذا فرغ المتمتع ثم علم أنه كان على غير طهارة في أحد الطوافين وجهله ـ لزمه الأشد وهو كونه في طواف العمرة فلم تصح ولم يحل منها فيلزمه دم للحلق ويكون قد أدخل الحج على العمرة فيصير قارنا ويجزئه الطواف للحج عن النسكين ولو قدرناه من الحج ـ لزمه إعادة الطواف ويلزمه إعادة السعي على التقديرين لأنه وجد بعد طواف غير معتد به وإن كان وطئ بعد حله من العمرة حكمنا بأنه أدخل حجا على عمرة فاسدة فلا يصح ويلغو ما فعله من أفعال الحج ويتحلل بالطواف الذي قصده للحج من عمرته الفاسدة وعليه دم للحلق ودم للوطء في عمرته ولا يحصل له حج ولا عمرة ولو قدرناه من الحج ـ لم يلزمه أكثر من إعادة الطواف والسعي ويحصل له الحج والعمرة.(1/383)
فصل ويشترط لصحة الطواف
ثلاثة عشر شيئا: الإسلام والعقل والنية وستر العورة وطهارة الحدث لا لطفل دون التمييز وطهارة الخبث وتكميل السبع وجعل البيت عن يساره والطواف بجميعه وأن يطوف ماشيا مع القدرة وأن يوالي بيته وألا يخرج من المسجد ـ وأن يبتدئ من الحجر الأسود فيحاذيه وسننه عشر استلام الركن وتقبيله أو ما يقوم مقامه من الإشارة واستلام(1/383)
الركن اليماني الإضطباع والرمل والمشي في مواضعه والدعاء والذكر والدنو من البيت وركعتا الطواف وإذا فرغ من ركعتي الطواف وأراد السعي سن عوده إلى الحجر فيستلمه ثم يخرج إلى الصفا من بابه وهو طرف جبل أبي قبيس عليه درج وفوقها أزج كإيوان فيرقى عليه ندبا حتى يرى البيت إن أمكنه فيستقبله ويكبر ثلاثا ويقول ثلاثا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ويقول: لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين له الدين ولوكره الكافرون اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك اللهم جنبني حدودك اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصالحين اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك وإلى عبادك الصالحين اللهم يسر لي اليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الآخرة والأولى واجعلني من أئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لي خطيئتي يوم الدين اللهم قلت أدعوني استجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه ولا تنزعه مني حتى تتوفاني على الإسلام اللهم لا تقدمني للعذاب ولا تؤخرني لسوء الفتن ولا يلبي ثم ينزل من الصفا ويمشي حتى يحاذي العلم وهو الميل الأخضر المعلق بركن المسجد على يساره نحو ستة أذرع فيسعى ماش سعيا شديدا ندبا بشرط ألا يؤذي ولا يؤذى حتى يتوسط بين الميلين الأخضرين وهما العلم الآخر أحدهما بركن المسجد والآخر بالموضع المعروف بدار(1/384)
العباس فيترك شدة السعي حتى يأتي المروة: وهي أنف قعيقعان فيرقاها ندبا ويستقبل القبلة ويقول عليها ما قال على الصفا ويجب استيعاب ما بينها فإن لم يرقهما الصق عقب رجليه بأسفل الصفا وأصابعهما بأسفل المروة ثم ينقلب إلى الصفا فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا ويفعل ذلك سبعا يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية يفتتح بالصفا ويختم بالمروة فإن بدأ بالمروة لم يحتسب بذلك الشوط ويكثر من الدعاء والذكر فيما بين ذلك ومنه: رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم ولا يسن السعي بينهما إلا في حج أو عمرة ويستحب أن يسعى طاهرا من الحدث والنجاسة مستترا وتشترط النية والموالاة والمرأة لا ترقى ولا تسعى شديدا وإن سعى على غير طهارة كره ويشترط تقدم الطواف عليه ولو مسنونا كطواف القدوم فإن سعى بعد طوافه ثم علم أنه طاف غير متطهر لم يجزئه السعي وله تأخير عن طوافه بطواف وغيره فلا تجب الموالاة بينهما فلا بأس أن يطوف أول النهار ويسعى آخره ولا تسن عقب صلاة وإن سعى مع طواف القدوم لم يعده مع طواف الزيارة وإلا سعى بعده فإذا فرغ من السعي فإن كان متمتعا بلا هدي ـ حلق أو قصر من جميع شعره وقد حل ولو كان ملبدا رأسه فيستبيح جميع محظورات الإحرام والأفضل هنا التقصير وليتوفر الحلق للحج ولا يسن تأخير التحلل وإن كان معه هدي أدخل الحج على العمرة وليس له أن يحل ولا يحلق حتى يحج فيحرم به بعد طوافه وسعيه لعمرته كما يأتي ويحل منهما يوم(1/385)
النحر وإن كان معتمرا غير متمتع فإنه يحل ولو كان معه هدي في أشهر الحج أو في غيرها وإن كان حاجا بقي على إحرامه ومن كان متمتعا أو معتمرا قطع التلبية إذا شرع في الطواف ولا بأس بها في طواف القدوم سرا.(1/386)
باب صفة الحج والعمرة
مدخل
...
باب صفة الحج والعمرة
يستحب لمتمتع حل من عمرته ولغيره من المحلين بمكة ـ الإحرام بالحج يوم التروية: وهو الثامن من ذي الحجة: إلا لمن لم يجد هديا تمتع فيحرم بيوم السابع ليكون آخر تلك الثلاثة يوم عرفة وأن يفعل عند إحرامه1 ما يفعله عند إحرامه من الميقات من غسل وغيره ثم يطوف أسبوعا ويصلي ركعتين ثم يحرم بالحج من المسجد وتقدم في المواقيت ولا يطوف بعد لوادع البيت فلو طاف وسعى بعده لم يجزئه عن السعي الواجب قبل خروجه ولا يخطب يوم السابع بعد صلاة الظهر بمكة ثم يخرج إلى منى قبل الزوال فيصلي بها الظهر مع الإمام ويبيت بها إلى أن يصلي معه الفجر وليس ذلك واجبا ولو صادف يوم جمعة وهو مقيم بمكة ممن تجب عليه وزالت الشمس فلا يخرج قبل صلاتها وقبل الزوال إن شاء خرج وإن شاء أقام حتى يصليها فإن خرج الإمام أمر من يصلي
__________
1 يريد بالإحرام هنا: إحرامه من مكة فإن المفروض أنه بمكة منذ بدأ في أعمال العمرة والإحرام الثاني هو إحرام الميقات.(1/386)
بالناس فإذا طلعت الشمس سار من منى إلى عرفة فأقام بنمرة ندبا حتى تزول الشمس ـ ونمرة موضع بعرفة وهو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من مأزمى عرفة تريد الموقف ـ فإذا زالت الشمس استحب للإمام أو نائبه أن يخطب خطبة واحدة يقصرها ويفتتحها بالتكبير: يعلم الناس فيها مناسكهم من الوقوف ووقته والدفع من عرفات والمبيت بمزدلفة وغير ذلك فإذا فرغ من خطبته نزل فصلى الظهر والعصر جمعا إن جاز له وتقدن بأذان وإقامتين وإن لم يؤذن للصلاة فلا بأس وكذا يجمع غيره ولو منفردا ثم يأتي موقف عرفة ويغتسل له وكله موقف: إلا بطن عرنة فإنه لا يجزئه الوقوف به وحد عرفات من الجبل المشرف على عرنة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر ويسن أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة ـ واسمه الال ـ على وزن هلال ـ ولا يشرع صعوده ويقف مستقبل القبلة راكبا بخلاف سائر المناسك والعبادات فراجلا ويكثر من الدعاء ومن قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا ويسر لي أمري ويدعو بما أحب ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة ـ واختار الشيخ وغيره وحكى إجماعا من الزوال يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر ـ فمن حصل بعرفة في هذا الوقت ولو لحظة ولو ما رابها أو نائما أو جاهلا بها وهو من أهل الوقوف صح حجه لا مجنون ومغمي عليه وسكران إلا أن يفيقوا وهم(1/387)
بها قبل خروج وقت الوقوف ومن فاته ذلك فاته الحج ويستحب أن يقف طاهرا من الحدثين ويصح وقوف الحائض إجماعا ووقفت عائشة رضي الله عنها حائضا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يشترط ستارة ولا استقبال ولا نية ويجب أن يجمع في الوقوف بين الليل والنهار من وقف نهار فإن دفع قبل غروب الشمس فعليه دم إن لم يعد قبله وإن وافها ليلا فلا دم عليه ووقف بها وإن خاف فوت وقت الوقوف صلى صلاة خائف إن رجا إدراكه ووقفة الجمعة في آخر يومها ساعة الإجابة فإذا اجتمع فضل يوم الجمعة ويوم عرفة كان لهما مزية على سائر الأيام قال في الهدى: وأما ما استفاض على السنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له.(1/388)
فصل ثم يدفع بعد غروب الشمس بسكينة
قال أبو حكيم: مستغفرا إلى مزدلفة على طريق المازمين مع إمام أو نائبه وهو أمير الحاج فإن دفع قبله كره ولا شيء عليه يسرع في الفجوة ويلبي في الطريق ويذكر الله تعالى فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء جمعا قبل حط رحله بإقامة لكل صلاة بلا أذان وإن أذن وأقام للأولى فقط فحسن ولا يتطوع بينهما فإن صلى المغرب في الطريق ترك السنة وأجزأه وإن فاتته الصلاة مع الإمام بها أو بعرفة جمع وحده ثم يبيت بها حتى يصبح ويصلي الفجر وله الدفع قبل الإمام ليس له الدفع قبل نصف الليل ويباح بعده ولا شيء عليه كما لو وافاها بعده وإن جاء بعد الفجر فعليه دم وإن دفع غير رعاة وسقاة قبل نصفه فعليه دم إن لم يعد إليها(1/388)
ولو بعد نصفه وحد المزدلفة ما بين المازمين ووادي محسر فإذا أصبح صلى الصبح بغلس أول وقتها ثم يأتي المشعر الحارم فيرقى عليه إن أمكنه وإلا وقف عنده ويحمد الله ويهلله ويكبره ويدعو ويقول: اللهم كما وفقتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحما كما وعدتنا بقولك وقولك الحق {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ثم لا يزال يدعو إلى أن يسفر جدا ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء.(1/389)
فصل ثم يدفع قبل طلوع الشمس إلى منى
وعليه السكينة فإذا بلغ وادي محسر أسرع: راكبا كان أو ماشيا قدر رمية حجر ويكون ملبيا إلى أن يرمي جمرة العقبة وهي آخر الجمرات مما يلي منى وأولها مما يلي مكة ويأخذ حصى الجمار من طريقه قبل أن يصل إلى منى أو من مزدلفة ومن حيث أخذه جاز ويكره من منى وسائر الحرم وتكسيره ويكون أكبر من الحمص ودون البندق كحصى الخذف فلا يجزئ صغيرا جدا ولا كبير ويجزي مع الكراهة نجس فإن غسله زالت وحصاة في خاتم إن قصدها ولا فرق بين كون الحصا أبيض أو أسود أو كدانا أو أحمر من مرمر وبرام مرو: وهو حجر الصوان ورخام وسن وغيرها وعدد الحصى سبعون حصاة ولا يتسحب غسله إلا أن يعلم نجاسته فإذا وصل إلى منى ـ وحدها من وادي محسر إلى جمرة العقبة بدا بها راكبا إن كان وإلا ماشيا لأنها تحية منى فرماها بسبع: واحدة(1/389)
بعد واحدة بعد طلوع الشمس ندبا فإن رمى بعد نصف ليلة النحر أجزأت وإن غربت الشمس فبعد الزوال من الغد فإن رماها دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة ويؤدب نصا ويشترط علمه بحصولها في المرمى وفي سائر الرميات ولا يجزئ وضعها بل طرحها ولو أصابت مكانا صلبا في غير المرمى ثم تدحرجت إلى المرمى أو أصابت ثوب إنسان ثم طارت فوقعت في المرى أجزأته وكذا لو نفضها من وقعت على ثوبه فوقعت في المرى نصا وقال ابن عقيل: لا تجزئه لأن حصولها في المرمى بفعل الثاني قال في الفروع: وهو أظهر قال في الإنصاف: قلت وهو الصواب وإن رماها فاختطفها طائر قبل حصولها فيه أو ذهب بها عن المرمى لم يجزئه ويكبر مع كل حصاة ويستبطن الوادي ويقول: اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وعملا مشكورا ويرفع الرامي يمناه حتى يرى بياض إبطه ويومئها على حاجبيه الأيمن وله رميها من فوقها ولا يقف عندها بل يرميها وهو ماش ويقطع التلبية مع رمي أول حصاة منها فإن رمى بذهب أو فضة أو غير الحصا من الجواهر المنطبعة والفيروزج والياقوتا والطين والمدر أو بغير جنس الأرض أو بحجر رمى به فلم يجزئه ثم ينحر هديا إن كان معه: واجبا كان أو تطوعا فإن لم يكن معه هدي وكان عليه هدي واجب اشتراه وإن أحب أن يضحي اشترى ما يضحي به ثم يحلق رأسه ويبدأ بأيمنه ويستقبل القبلة فيه ويكبر وقت الحلق والأولى ألا يشارط الحلاق على أجرة ومن قصر في جميع شعر رأسه لا من كل شعرة بعينها(1/390)
والمرأة تقصر من شعرها على أي صفة كان: من ضفر وعقص وغيرهما قدر أنملة فأقل من رؤس الضفائر وكذا عبد ولا يحلق إلا بإذن سيده لأن الحلق ينقص قيمته ويسن أخذ أظفاره وشاربه ونحوه ومن عدم الشعر استحب أن يمر الموسى على رأسه ثم قد حل له كل شيء من الطيب وغيره إلا النساء: من الوطء والقبلة واللمس لشهوة وعقد النكاح.(1/391)
فصل ويحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة
رمي وحلق وطواف والثاني بالثالث منها فالحلق والتقصير نسك وإن أخره عن أيام منى فلا دم عليه وإن قدم الحلق على الرمي أو النحر أو طاف للزيارة أو نحر قبل رميه جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه وكذا لو كان عالما لكن يكره وإن قدم الإفاضة على الرمي أجزأه طوافه ثم يخطب الإمام يوم النحر بكرة النهار بمنى خطبة مفتتحة بالتكبير يعلمهم فيها النحر والإفاضة والرمي ثم يفيض إلى مكة فيطوف متمتع لقدومه لعمرته نصا بلا ميل وكذا يطوفه برمل مفرد وقارن لم يكونا دخلا مكة يوم النحر ولا طافاه نصا وقيل: لا يطوف للقدوم أحد منهم اختاره الشيخ الموفق ورد الأول وقال: لا نعلم أحدا وافق أبا عبد الله على ذلك قال ابن رجب: وهو الأصح ثم يطوف للزيارة ويسمي الإفاضة والصدر ويعينه بنيته بعد وقوفه بعرفة وهو الطواف الواجب بالذي به تمام الحج فإن رجع إلى بلده قبله رجع منها محرما فطافه ولا يجزئ عنه غيره وأول وقت طواف الزيارة بعد نصف ليلة النحر والأفضل فعله يوم النحر فإن أخره إلى الليل فلا بأس وإن أخره عنه وعن أيام منى جاز: كالسعي(1/391)
ولا شيء عليه ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا ولا يكتفي بسعي عمرته أو غير متمتع ولم يكن سعي مع طواف القدوم فإن كان قد سعى لم يسع والسعي ركن في الحج فلا يتحلل إلا بفعله كما تقدم فإن فعله قبل الطواف عالما أو ناسيا أو جاهلا أعاده ثم قد حل له كل شيء ويستحب التطيب عند الإحلال ثم يأتي زمزم فيشرب منها لما أحب ويتضلع زاد في التبصرة: ويرش على بدنه وثوبه ويقول: بسم الله اللهم اجعله لنا علما نافعا ورزقا واسعا وريا وشبعا وشفاء من كل داء واغسل به قلبي واملأه من خشيتك ويسن أن يدخل البيت والحجر منه ويكون حافيا بلا خف ولا نعل بغير سلاح نصا ويكبر ويدعو في نواحيه ويصلي فيه ركعتين ويكثر النظر إليه لأنه عبادة فإن لم يدخله فلا بأس ويتصدق بثياب الكعبة إذا نزعت نصا ومن أراد أن يستشفي بشيء من طيبها فليأت بطيب من عنده فليرقه على البيت ثم يأخذه ولا يأخذ من طيب الكعبة شيئا.(1/392)
فصل ثم يرجع إلى منى
فيبيت فيها ثلاث ليال ويصلي بها ظهرا يوم النحر ويرمي بالجمرات بها في أيام التشريق كل يوم بعد الزوال إلا السقاة والرعاة فلهم الرمي ليلا ونهارا ولو في يوم واحد أو في ليلة واحدة من أيام التشريق وإن رمى غيرهم قبل الزوال لم يجزئه فيعيده آخر وقت رمي كل يوم إلى المغرب ويستحب قبل صلاة الظهر وألا يدع الصلاة مع الإمام في مسجد منى وهو مسجد الخيف فإن كان الإمام غير مرضى صلى المرء برفقته ويرمي كل جمرة بسبع حصيات: واحدة بعد(1/392)
واحدة فيبدأ بالجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة وتلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويرميها ثم يتقدم قليلا لئلا يصيبه الحصا فيقف فيدعو الله رافعا يديه ويطيل ثم يأتي الوسطى فيجعلها عن يمينه ويرميها كذلك ويقف عندها ويدعو ويرفع يديه ثم جمرة العقبة كذلك ويجعلها عن يمينه ويستبطن الوادي ولا يقف عندها ويستقبل القبلة في الجمرات كلها وترتيبها شرط: بأن يرمي أولا التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم العقبة فإن نكسه لم يجزئه وإن أخل بحصاة من الأولى لم يصح رمى الثانية وإن جهل محلها بنى على اليقين يرمي في اليوم الثاني والثالث كذلك وعدد الحصا سبع وإن أخر الرمي كله مع رمي يوم النحر فرماه آخر أيام التشريق أجزأه أداء لأن أيام الرمي كلها بمثابة اليوم الواحد وكان تاركا للأفضل ويجب ترتيبه بنية وكذا لو أخر الرمي كله أو يومين وإن أخر الرمي كله أو جمرة العقبة عن أيام التشريق أو ترك المبيت بمنى ليلة أو أكثر ـ فعليه دم ولا يأتي به كالبيتوتة وفي ترك حصاة ما في شعرة وفي حصاتين ما في شعرتين وليس على أهل سقاية الحاج والرعاء مبيت بمنى ولا بمزدلفة فإن غربت الشمس وهم بمنى لزم الرعاء المبيت دون أهل السقاية وقيل أهل الأعذار من غير الرعاء كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوه حكمهم حكم الرعاء في ترك البيتوتة وإن كان مريضا أو محبوسا أو له عذر جاز أن يستنيب من يرمي عنه والأولى أن يشهده إن قدر ويستحب أن يضع الحصا في يد النائب ليكون له عمل ولو أغمي على المستنيب لم تنقطع النيابة ويستحب(1/393)
خطبة إمام في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال: يعلمهم فيها حكم التعجيل والتأخير والتوديع ولكل حاج ولو أراد الإقامة بمكة التعجيل إن أحب إلا الإمام المقيم للمناسك فليس له التعجيل لأجل من يتأخر فإن أحب أن يتعجل في ثاني التشريق ـ وهو النفر الأول ـ خرج قبل غروب الشمس ولا يضره رجوعه وليس عليه في اليوم الثالث رمي ويدفن بقية الحصا في المرمى وإن غربت وهو بها فلزم المبيت والرمي من الغد بعد الزوال ثم ينفر وهو النفر الثاني ويسن إذا نفر من منى نزوله بالأبطح ـ وهو المحصب وحده ما بين الجبلين إلا المقبرة ـ فيصلي به الظهرين والعشاءين ويهجع يسرا ثم يدخل مكة.(1/394)
فصل فإذا أراد الخروج
لم يخرج حتى يودع البيت بالطواف إذا فرغ من جميع أموره إن لم يقم بمكة أو حرمها ومن كان خارجه فعليه الوداع وهو على كل خارج من مكة ثم يصلي ركعتين خلف المقام ويأتي الحطيم ـ وهو تحت الميزاب ـ فيدعو ثم يأتي زمزم فيشرب منها ثم يستلم الحجر ويقيله ويدعو في الملتزم بما يأتي فإن ودع ثم اشتغل بغير شد رحل أو اتجر أو أقام أعاد الوداع لا إن اشترى حاجة في طريقه أو صلى فإن خرج قبله فعليه الرجوع إليه لفعله إن كان قريبا ولم يخف على نفسه أو ماله أو فوات رفقته أو غير ذلك ولا شيء عليه إذا رجع فإن لم يمكنه الرجوع أو أمكنه ولم يرجع أو بعد مسافة قصر فعليه دم رجع أو لا وسواء تركه عمدا أو خطأ أو نسيانا ومتى رجع مع القرب لم يلزم إحرام ويلزمه مع البعد الإحرام بعمرة يأتي بها ثم يطوف للوداع(1/394)
وإن أخر طواف الزيارة أو القدوم فطافه عند الخروج كفاه عنهما ولا وداع على حائض ونفساء ولا فدية إلا أن تطهر قبل مفارقة البنيان فترجع وتغتسل وتودع فإن لم تفعل ولو لعذر فعليها دم فإذا فرغ من الوداع واستلم الحجر وقبله وقف في الملتزم: ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة فيلتزمه ملصقا به صدره ووجهه وبطنه ويبسط يديه عليه ويجعل يمينه نحو الباب ويساره نحو الحجر ويدعو بما أحب من خيري والآخرة ومنه اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني إلى بيتك وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل أن تنآى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي أن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فاصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير وإن أحب دعاء بغير ذلك ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خرج ولاها ظهره ولا يلتفت فإن فعل أعاد الوداع استحباب وقد قال مجاهد إذا كدت تخرج من المسجد فالتفت ثم انظر إلى الكعبة فقل: اللهم لا تجعله آخر العهد والحائض تقف على باب المسجد وتدعو بذلك.(1/395)
فصل إذا فرغ من الحج
استحب له زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه رضي الله عنهما قال أحمد: إذا حج(1/395)
الذي لم يحج قط يعني من غير طريق الشام لا يأخذ على طريق المدينة لأنه إن حدث به حدث الموت كان في سبيل الله وإن كان تطوعا بدأ بالمدينة فإذا دخل مسجدها سن أن يقول ما يقول في دخول غيره من المساجد ثم يصلي تحية المسجد ثم يأتي القبر الشريف فيقف قبالة وجهه صلى الله عليه وسلم مستد القبلة ويستقبل جدار الحجرة والمسمار الفضة في الرخامة الحمراء فيسلم عليه فيقول: السلام عليك يا رسول الله كان ابن عمر رضي الله عنه لا يزيد على ذلك وإن زاد فحسن ولا يرفع صوته ثم يستقبل القبلة والحجرة عن يساره قريبا لئلا يستدبر قبره صلى الله عليه وسلم ويدعو ثم يتقدم من مقام سلامه نحو ذراع على يمينه فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه ثم يتقدم نحو ذراع على يمينه أيضا فيسلم على عمر رضي الله عنه ولا يتمسح ولا يمس قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا حائطه ولا يلصق به صدره ولا يقبله قال الشيخ: ويحرم طوافه بغير البيت العتيق اتفاقا قال ابن عقيل وابن الجوزي: يكره قصد القبور للدعاء: قال الشيخ ووقوفه عندها له أيضا وتستحب الصلاة بمسجده صلى الله عليه وسلم وهي بألف صلاة وبالمسجد الحرام بمائة ألف وفي الأقصى بخمسمائة وحسنات الحرم كصلاته وتعظم السيآت به ويسن أن يأتي مسجد قباء فيصلي فيه إذا أراد الخروج عاد إلى المسجد فيصلي ركعتين وعاد إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فودع وأعاد الدعاء قاله في المستوعب وقال: ويعزم على ألا يعود إلى ما كان عليه من عمل لا(1/396)
يرضي ويسن أن يقول عند منصرفه من حجه متوجها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ولا بأس أن يقال للحاج إذا قدم: تقبل الله نسكك وأعظم أجرك واخلف نفقتك قال في المستوعب: وكانوا يغتنمون أدعية الحاج قبل أن يتلطخوا بالذنوب.(1/397)
فصل في صفة العمرة
من كان في الحرم من مكي وغيره خرج إلى الحل فأحرم من أدناه ومن التنعيم أفضل ثم من الجعرانة ثم الجديبية ثم ما بعد ومن كان خارج الحرم دون الميقات ـ من دويرة أهله وإن كان في قرية فمن الجانب الأقرب من البيت ومن الأبعد أفضل وتقدم وتباح كل وقت فلا يكره الإحرام بها يوم عرفة والنحر والتشريق ولا بأس أن يعتمر في السنة مرارا ويكره الإكثار منها والموالاة بينها نصا وهي في غير أشهر الحج أفضل وأفضلها في رمضان ويستحب تكرارها فيه لأنها تعدل حجة وتسمى العمرة حجا أصغر وإن أحرم من الحرم لم يجز وينعقد وعليه دم ثم يطوف ويسعى ثم يحلق أو يقصر ولا يحل قبل ذلك وتجزئ عمرة القارن وعمرة التنعيم ـ عن عمرة الإسلام.(1/397)
فصل أركان الحج
الوقوف بعرفة وطواف الزيارة والسعي والإحرام وهو النية وواجباتها سبعة: الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الليل والمبيت بمزدلفة إلى ما بعد نصفه(1/397)
والمبيت بمنى والرمي مرتبا والحلاق أو التقصير وطواف الوداع قال الشيخ: وطواف الوداع ليس من الحج وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة وما عداهن سنن وأركان العمرة: الإحرام والطواف السعي وواجباتها: الإحرام من الحل والحلق أو التقصير فمن ترك ركنا أو النية له لم يتم نسكه إلا به لكن لا ينعقد نسك بلا إحرام ويأتي إذا فاته الوقوف ومن ترك واجبا ولو سهوا فعليه دم فإنه عدمه فكصوم ممتعة وإلا طعام عنه على ما تقدم ومن ترك سنة فلا شيء عليه قال ابن عقيل: وتكره تسمية من لم يحج: صرورة لأنه اسم جاهلي وأن يقال حجة الوداع لأنه اسم على ألا يعود ويعتبر في ولاية تسيير الحاج كونه مطاعا ذا رأي وشجاعة وهداية وعليه جمعهم وترتيبهم وحراستهم في المسير والنزول والرفق بهم والنصح ويلزمهم طاعته في ذلك ويصلح بين الخصمين ولا يحكم إلا أن يفوض إليه فيعتبر كونه من أهله وشهر السلاح عند قدوم تبوك ـ بدعة زاد الشيخ محرمة وقال: ومن اعتقد أن الحج يسقط ما عليه من الصلاة والزكاة فإنه يستتاب بعد تعريفه إن كان جاهلا فإن تاب وإلا قتل ولا يسقط حق الآدمي من مال أو عرض أو دم بالحج إجماعا.(1/398)
باب الإحصار والفوت
سبق لا يدرك والإحصار: الحبس من طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة ولو لعذر فاته الحج وسقط عنه توابع الوقوف: كمبيت(1/398)
بمزدلفة ومنى ورمي جمار انقلب إحرامه عمرة نصا فيطوف يسعى ويحلق أو يقصر وسواء كان قارنا أو غيره إن لم يختر البقاء على إحرامه ليحج من قابل ولا تجزئ عن عمرة الإسلام وعليه القضاء ولو نفلا ويلزمه إن لم يكن اشتراط أولا ـ هدي: شاة أو سبع بدنة من حين الفوات: ساقه أولا يؤخره إلى القضاء يذبحه فيه فإن كان الذي فاته الحج قضى قارنا فإن عدم الهدي زمن الوجوب صام عشرة أيام: ثلاثة في الحج ـ أي حج القضاء ـ وسبعة إذا رجع ثم حل والعبد لا يهدي ولو أذن له سيده لأنه لا مال له يجب عليه الصوم المذكور لا الهدي وعلى قياس هذا كل دم لزمه في الإحرام لا يجزئه عنه إلا الصيام وإذا صام فإنه يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يوما حيث يصوم الحر ثم حل وإن أخطأ الناس فقفوا في يوم غير يوم عرفة ظنا منهم أنه يوم عرفة أجزأهم وإن أخطأ بعضهم فاته الحج ومن أحرم فحصره عدوه في حج وعمرة من الوصول إلى البيت من البلد أو الطريق قبل الوقوف أو بعده أو منع ظلما أو جن أو أغمي عليه ولم يكن له طريق أمن إلى الحج وفات الحج ـ ذبح هديا: شاة أو سبع بدنة: في موضع حصره: حلا كان أو حرما ينوي به التحلل وجوبا أو حلق أو قصر ثم حل فإن أمكن المحصر الوصول من طريق أخرى لم يبح له التحلل ولزمه سلوكها: بعدت أو قربت خشي الفوات أو لم يخش فإن لم يجد هديا صام عشرة أيام بالنية كمبدله ثم حل ولا إطعام فيه بل يجب مع الهدي إطعام أو تقصير ولا فرق بين الحصر(1/399)
العام في كل الحاج وبين الخاص في شخص واحد: مثل أن يحبس بغير حق أو يأخذه اللصوص ومن حبس بحق أو دين حال قادر على أدائه فليس له التحلل وإذا كان العدو الذي حصر الحاج مسلمين جاز قتالهم وإن أمكن الانصراف من غير قتال فهو أولى وإن كانوا مشركين لم يجب قتالهم إلا إذا بدأوا بالقتال أو وقع النفير فإن غلب على ظن المسلين الظفر استحب قتالهم ولهم لبس ما تجب فيه الفدية إن احتاجوا إليه ويفدون وإلا فتركه أولى فإن أذن لهم العدو في العبور فلم يثقوا بهم فلهم الانصراف وإن وثقوا بهم لزمهم المضي على الإحرام وإن طلب العدو خفارة على تخلية الطريق وكان ممن لا يوثق بأمانه لم يلزمهم بذله وإن وثق والخفارة كثيرة فكذلك بل يكره بذلها إن كان العدو كافرا وإن كانت يسيرة فقياس المذهب وجوب بذله ولو نوى التحلل قبل ذبح هدي أو صوم ورفض إحرامه لم يحل ولزمه دم لتحلله ولكل محظور فعله بعده ولا قضاء على محصر إن كان نفلا ومن حصر عن واجب لم يتحلل وعليه له دم وحجه صحيح وإن صد عن عرفة دون البيت تحلل بعمرة ولا شيء عليه ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقة لم يكن له التحلل وهو على إحرامه حتى يقدر على البيت وإن فاته الحج تحلل بعمرة كغير المرض ولا ينحر هديا معه إلا بالحرم فيبعث به ليذبح فيه والحكم فيه القضاء والهدي كما تقدم ويقضي عنه في رقه كحر وصغير وبالغ ولا يصح إلا بعد البلوغ ولو أحصر في حج فاسد فله التحلل فإن حل ثم زال الحصر وفي وقت سعة فله أن(1/400)
يقضي في ذلك العام ومن شرط في ابتداء إحرامه أن يحل متى مرض أو ضاعت نفقته أو نفذت ونحوه أو قال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ـ فله التحلل بجميع ذلك وليس عليه هدي ولا صوم ولا قضاء ولا غيره وله البقاء على إحرامه فإن: قال إن مرضت ونحوه فأنا حلال فمتى وجد الشرط حل بوجوده.(1/401)
باب الهدي والأضاحي والعقيقة
مدخل
...
باب الهدي والأضاحي والعقيقة
الهدي: ما يهدى إلى الحرم من النعم وغيرها والأضحية ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام النحر بسبب العيد تقربا إلى الله تعال.
يسن لمن أتى مكة أن يهدي هديا والأفضل فيها إبل ثم بقران أخرج كاملا ثم غنم ثم شرك في بدنة ثم شرك في بقرة ولا يجزئ في الأضحية الوحشي ولا من أحد أبويه وحشي وأفضلها أسمن ثم أغلا ثمنا وذكر وأنثى سواء واقرن ـ أفضل ويسن استسمانها واستحسانها وأفضلها لونا الأشهب وهو الأملح: وهو الأبيض أو ما بياضه أكثر من سواده قاله الكسائي ثم أصفر ثم أسود قال أحمد: يعجبني البياض وقال: أكره السواد ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن وهو ماله ستة أشهر والثني مما سواه فثني الإبل ما كمل له خمس سنين وبقر سنتان ومعز سنة ويجزئ أعلى سنا مما ذكر وجذع ضأن أفضل من ثني معز وكل منهما أفضل من سبع بدنة أو بقرة وسبع شياة أفضل من بدنة أو بقرة وزيادة عدد في جنس أفضل من المغالاة مع(1/401)
عدمه فبدنتان بتسعة أفضل من بدنة بعشرة ورجح الشيخ البدنة والخصي راجح على النعجة ورجح الموفق الكبش على سائر النعم وتجزئ الشاة عن واحد وعن أهل بيته وعياله: مثل امرأته وأولاده ومماليكه والبقرة والبدنة عن سبعة فأقل قال الزركشي: الاعتبار أن يشترك الجميع دفعة فلو اشترك ثلاثة في بقرة أضحية وقالوا: من جاء يريد أضحية شاركناه فجاء قوم فشاركوهم لم تجز إلا عن الثلاثة قاله الشيرازي انتهى والمراد إذا أوجبوها على أنفسهم نص عليه والجواميس فيهما كالبقر وسواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم القربة والباقون اللحم ويجزئ الاشتراك ولو كان بعضهم ذميا في قياس قوله قاله القاضي ويعتبر ذبحا عنهم ويجوز أن يقتسموا اللحم لأن القسمة ليست بيعا ولو ذبحوها على أنهم سبعة فبانوا ثمانية ذبحوا شاة وأجزأتهم ولو اشترك اثنان في شاتين على الشيوع أجزأ ولو اشترى سبع بقرة ذبحت للحم فهو لحم وليست أضحية.(1/402)
فصل ولا يجزئ فيهما العوراء
التي انخسفت عينها فإن كان عليها بياض وهي قائمة لم تذهب ـ أجزأت ولا تجزئ عمياء وإن لم يكن عماها بينا ولا عجفاء لا تنقي1 وهي الهزيلة التي لا مخ فيها ولا عرجاء بين ظلعها: وهي التي لا تقدر على المشي مع جنسها إلى المرعى ولا كسيرة ولا مريضة بين مرضها وهو المفسد للحمها: كجرب أو غيره ولا عضباء: وهي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنا وتكره معيبة أذن بخرق
__________
1 لا تنقي بضم التاء وكسر القاف بمعنى لا تسمن.(1/402)
أو شق أو قطع لأقل من النصف وكذا قرن ولا تجزئ الجداء: وهي جافة الضرع ولا هتماء: وهي التي ذهبت ثناياها من أصلها ولا عصماء وهي التي انكسر غلاف قرنها ويجزئ ما ذهب نصف إليتها والجماء: وهي التي خلقت بلا قرن والصمعاء: وهي الصغيرة الأذن وما خلقت بلا أذن والبتراء التي لا ذنب لها: خلقة أو مقطوعا والتي بعينها بياض ولا يمنع النظر والخصي التي قطعت خصيتاه أو سكتا أو رضتا فإن قطع ذكره مع ذلك: وهو الخصي المجبوب لم يجز وتجزئ الحامل.(1/403)
فصل والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى
فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر وذبح بقر وغنم ويجوز عكسه ويأتي ويقول بعد توجيهها إلى القبلة على جنبها الأيسر حين يحرك يده بالذبح: بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك وإن قال قبل ذلك وقبل تحريك يده: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك ـ فحسن ـ والأفضل تولي صاحبها ذبحها بنفسه وإن وكل من يصح ذبحه ولو ذميا جاز ومسلم أفضل ويكره أن يوكل ذميا ويشهدها ندبا إن وكل ولا بأس أن يقول الوكيل: اللهم تقبل من فلان وتعتبر النية من الموكل إذن وفي الرعاية ينوي عند الزكاة أو الدفع إلى الوكيل: إلا مع التعيين ولا تعتبر تسمية المضحي عنه(1/403)
ومتعة وقران يوم العيد بعد الصلاة ولو قبل الخطبة والأفضل بعدها ولو سبقت صلاة إمام في البلد جاز الذبح أو بعد قدرها بعد حلها في حق من لا صلاة في موضعه كأهل البوادي من أهل الخيام والخركاوات ونحوهم فإن فاتت الصلاة بالزوال ضحى إذن وآخره آخر اليوم الثاني من أيام التشريق وأفضله أول يوم من وقته ويجزئ آخر اليوم الثاني من أيام التشريق وأفضله أول يوم من وقته ويجزئ في ليلتهما مع الكراهة ووقت ما وجب بفعل محذور من حين وجوبه وإن فعله لعذر فله ذبحه قبله وتقدم وكذا ما وجب لترك واجب وإن ذبح قبل وقته لم يجزئه وصنع به ما شاء وعليه بدل الواجب وإن فات الوقت ذبح الواجب قضاء وسقط التطوع.(1/404)
فصل ويتعين الهدي بقوله
هذا هدي أو بتقليده أو إشعاره مع النية: لا بشرائه ولا بسوقه مع النية فيهما والأضحية بقوله هذه أضحية أو لله فيهما ونحوه من ألفاظ النذر ولو أوجبها ناقصة نقصا يمنع الأجزاء ـ لزمه ذبحها ولم تجزئه عن الأضحية الشرعية ولكن يثاب على ما يتصدق به منها فإن زال عيبها المانع من الأجزاء كبرء المريضة والعرجاء وزوال الهزال ـ أجزأت وإذا تعينا لم يزل ملكه وجاز له نقل الملك فيهما بإبدال وغيره وشراء خير منهما وإبدال لحم بخير منه لا بمثل ذلك ولا دونه وإن علم عيبها بعد التعين ملك الرد وإن أخذ الأرش فكفاضل عن القيمة على ما يأتي وإن بانت مستحقة بعده لزمه بدلها وإن مات بعد تعيينها لم يجز بيعها في دينه ولو لم يكن له وفاء إلا منها ولزم الورثة ذبحها ويقومون مقامه في الأكل والصدقة الهدية وإن أتلفها(1/404)
متلف وأخذت منه القيمة أو باعها من أوجبها ثم اشترى بالقيمة أو الثمن مثلها ـ صارت بنفس الشراء وله الركوب لحاجة فقط بلا ضرر ويضمن نقصها وإن ولدت ذبح ولدها معها: عينها حاملا أو حدث بعده إن أمكن حمله أو سوقه إلى محله وإلا فكهدي عطب ولا يشرب من لبنها إلا ما فضل عن أولادها فإن خالف حرم وضمنه ويجز صوفها ووبرها وشعرها لمصلحة وله أن ينتفع به كلبنها أو يتصدق به وإن كان بقاؤه أنفع لها لكونه يقيها الحر والبرد لم يجز جزه كما لا يجوز أخذ بعض أعضائها ولا يعطي الجازر شيئا منها أجرة بل هدية وصدقة وله أن ينتفع بجلدها وجلها أو يتصدق بهما ويحرم بيعها وبيع شيء منها ولو كانت تطوعا لأنها تعينت بالذبح وإن عين أضحية أو هديا فسرق بعد الذبح فلا شيء عليه وكذا إن عينه عن واجب في الذمة ولو بالنذر وإن تلفت ولو قبل الذبح أو سرقت أو ضلت قبله ـ فلا بد عليه إن لم يفرط وإن عين عن واجب في الذمة وتعيب أو تلف أو ضل أو عطب أو سرق ونحوه ـ لم يجزئه ولزمه بدل ويكون أفضل مما في الذمة إن كان تلفه بتفريطه وإن ذبحها ذابح في وقتها بغير إذن ونواها عن ربها أو أطلق ـ أجزأت ولا ضمان على الذابح وإن نواها عن نفسه مع علمه أنها أضحية الغير لم تجز عن مالكها وإلا أجزأت عن ربها إن لم يفرق الذابح لحمها وإن أتلفها صاحبها ضمنها بقيمتها يوم التلف تصرف في مثلها كإتلاف أجنبي وإن فضل عن القيمة شيء عن شراء المثل اشترى به شاة إن اتسع وإلا اشترى به لحما(1/405)
فتصدق به أو يتصدق بالفضل وإن فقأ عينه تصدق بالأرش وإن عطب في الطريق قبل محله أو في الحرم هدي واجب أو تطوع: بان ينويه هديا ولا يوجبه بلسانه ولا بتقليده وإشعاره وتدوم نيته فيه قبل ذبحه أو عجز عن المشي ـ لزمه نحره موضعه مجزئا وصبغ نعله التي في عنقه في دمه وضرب صفحته ليعرفه الفقراء فيأخذوه ويحرم عليه وعلى خاصة رفقته ولو كانوا فقراء ـ إلا كل منه: ما لم يبلغ محله فإن أكل منه أو باع أو أطعم غنيا أو رفقته ضمنه بمثله لحما وإن أتلفه أو تلف بتفريطه أو خاف عطبه فلم ينحره حتى هلك ـ فعليه ضمانه يوصله إلى فقراء الحرم وإن فسخ في التطوع نيته قبل ذبحه صنع به ما شاء وإن ساقه عن واجب في ذمته ولو يعنيه بقوله: هذا هدي ـ لم يتعين وله التصرف فيه بما شاء فإن بلغ محله سالما فنحره أجزأ عما عينه عنه وإن عطب دون محله صنع به ما شاء وعليه إخراج ما في ذمته وان تعيب هو أو أضحية ذبحه وأجزأه إن كان واجبا بنفس التعيين وأن تعيب بفعله فعليه بدل إن كان واجبا قبل التعيين: بأن عينه عن واجب في الذمة كالفدية والمنذور في الذمة ـ لم يجزئه وعليه بدله: كما لو أتلفه أو تلف بتفريطه ولو كان زائدا عما في ذمته وكذا لو سرق أو ضل ونحوه وتقدم ويذبح واجبا قبل نفل وليس له استرجاع عاطب ومعيب وضال وجد ونحوه بعد ذبح بدل إلى ملكه بل يذبحه وإن غصب شاة فذبحها عما في ذمته لم يجزئه وإن رضي مالكها ولا يبرأ من الهدي إلا بذبحه ونحوه يباح للفقراء الأخذ من الهدي إذا لم يدفعه إليهم(1/406)
بالإذن كقوله من شاء اقتطع أو بالتخلية بينهم وبينه.(1/407)
فصل سوق الهدي مسنون
ولا يجب إلا بالنذر ويستحب أن يقفه بعرفة ويجمع فيه بين الحل والحرم ويسن إشعار البدن فيشق صفحة سنامها اليمنى أو محله مما لا سنام له من إبل وبقر حتى يسيل الدم وتقلد هي وبقر وغنم نعلا أو آذان القرب أو العرى ولا يسن إشعار الغنم وإذا ساق الهدي قبل الميقات استحب إشعاره وتقليده من الميقات وإذا نذر هديا مطلقا فأقل ما يجزئ شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة فإن ذبح البدنة أو البقرة كانت كلها واجبة وإن نذر بدنة أجزأته بقرة إن أطلق البدنة وإلا لزمه ما نواه فإن عين بنذره أجزأه ما عينه: صغيرا كان أو كبيرا من حيوان ولو معيبا غير حيوان: كدرهم وعقار وغيرهما والأفضل من بهيمة الأنعام وإن قال: إن لبست ثوبا من غزلك فهو هدي فلبسه ـ أهداه وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم ويبيع غير المنقول كالعقار ويبعث ثمنه إلى الحرم وقال ابن عقيل: أو يقومه ويبعث القيمة: إلا أن يعينه لموضع سوى الحرم فيلزمه ذبحه فيه وتفرقة لحمه على مساكينه أو إطلاقه لهم إلا أن يكون الموضع به صنم أو شيء من أمر الكفر أو المعاصي كبيوت النار والكنائس فلا يوف به ويستحب أن يأكل من هديه التطوع ويهدي ويتصدق أثلاثا كأضحية فإن أكلها كلها ضمن المشروع للصدقة منها كأضحية وإن فرق أجنبي نذرا بلا إذن لم يضمن ولا يأكل من كل واجب ولو بالنذر أو بالتعيين: إلا من دم متعة وقران(1/407)
وما جاز له كله فله هديته وما لا فلا فإن فعل ضمنه بمثله لحما كبيعه وإتلافه ويضمنه أجنبي بقيمته وفي الفصول: لو منعه الفقراء حتى انتن فعليه قيمته.(1/408)
فصل والأضحية سنة مؤكدة لمسلم
ولو مكاتبا بإذن سيده وبغير إذنه فلا لنقصان ملكه ويكره تركها لقادر عليها وليست واجبة إلا أن ينذرها وكانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم وذبحها ولو عن ميت وذبح العقيقة ـ أفضل من الصدقة بثمنها ولا يضحي عما في البطن ومن بعضه حر إذا ملك يجزئه الحر فله أن يضحي بغير إذن سيده والسنة أكل ثلثها وإهداء ثلثها ولو لغني ولا يجبان ويجوز الإهداء منها لكافر إن كان تطوعا والصدقة بثلثها ولو كانت منذورة أو معينة ويستحب أن يتصدق بأفضلها ويهدي الوسط ويأكل الأدون وكان من شعار الصالحين تناول لقمة من الأضحية من كبدها أو غيرها تبركا وإن كانت ليتيم فلا يتصدق الولي عنه ولا يهدي منها شيئا ويأتي في الحجر ويوفرها له وكذا المكاتب لا يتبرع منها بشيء فإن أكل أكثر أو أهدى أكثر أو أكلها كلها أو أهداها كلها إلا أوقية تصدق بها ـ جاز لأنه يجب الصدقة ببعضها على فقير مسلم فإن لم يتصدق بشي ضمن أقل ما يقع عليه الاسم بمثله لحما ويعتبر تمليك الفقير فلا يكفي إطعامه ومن أراد التضحية فدخل العشر حرم عليه وعلى من يضحي عنه أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته إلى الذبح ولو بواحدة لمن يضحي بأكثر فإن فعل تاب ولا فدية عليه ويستحب حلقه بعد الذبح ولو أوجبها ثم(1/408)
مات قبل الذبح أو بعده قام وارثه مقامه ولا تباع في دينه وتقدم قريبا ونسخ تحريم ادخار لحمها فوق ثلاث فيدخر ما شاء قال الشيخ: إلا زمن مجاعة وقال: الأضحية من النفقة بالمعروف فتضحي المرأة من مال زوجها عن أهل بيتها بلا إذنه ومدين لم يطالبه رب الدين ولا يعتبر التمليك في العقيقة.(1/409)
فصل والعقيقة وهي النسيكة
وهي التي تذبح عن المولود سنة مؤكدة على الأب: غنيا كان الوالد أو فقيرا عن الغلام شاتان متقاربان سنا وشبها وإن تعذرتا فواحدة فإن لم يكن عنده ما يعق اقترض قال أحمد: أرجو أن يخلف الله عليه قال الشيخ: محله لمن له وفاء ولا يعق غير الأب ولا المولود عن نفسه إذا كبر فإن فعل لم يكره فبهما اختار جمع يعق عن نفسه وقال الشيخ: يعق عن اليتيم كالأضحية وأولى وعن الجارية شاة ـ تذبح يوم سابعه من ميلاده قال في المستوعب وعيون المسائل: ضحوة النهار ويجوز ذبحها قبل السابع ولا يجوز قبل الولادة وإن عق ببدنة أو بقرة لم تجزئه إلا كاملة فلا يجزئ فيها شرك في دم وينوي بها عقيقة ويسمي فيه والتسمية للأب وفي الرعاية يسمي يوم الولادة ويسن أن يحسن اسمه وأحب الأسماء إلى الله ـ عبد الله وعبد الرحمن وكل ما أضيف إلى الله فحسن وكذا أسماء الأنبياء ويجوز التسمية بأكثر من اسم واحد: كما يوضع اسم وكنية ولقب والاقتصار على اسم واحد أولى ويكره حرب ومرة وحزن ونافع ويسار وأفلح ونجيح وبركة ويعلى ومقبل ورافع،(1/409)
ورياح والعاصي وشهاب والمضطجع ونبي ونحوها وكذا ما فيه تزكية كالتقي والزكي والأشرف والأفضل وبرة قال القاضي: وكل ما فيه تفخيم أو تعظيم ويحرم بملك الأملاك ونحوه وبما لا يليق إلا بالله: كقدوس والبر وخالق ورحمن ولا يكره بجبريل وياسين قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى وعبد عمرو وعبد على وعبد الكعبة وما أشبه ذلك ومثله عبد النبي وعبد الحسين كعبد المسيح قال ابن القيم: وقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا ابن عبد المطلب " ـ فليس من باب إنشاء التسمية بل من باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم فباب الأخبار أوسع من باب الإنشاء قال: وقد كان جماعة من أهل الدين يتورعون عن إطلاق قاضي القضاة وحاكم الحكام وهذا محض القياس1 قال: وكذلك تحريم التسمية بسيد الناس وسيد الكل: كما يحرم بسيد آدم ـ انتهى ومن لقب بما يصدق فعله جاز ويحرم: ما لم يقع على مخرج صحيح على أن التأويل في كمال الدين وشرف الدين أن الدين كمله وشرفه قاله ابن هبيرة: ولا يكره التكني بأبي القاسم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وتجوز تكنيته أباه فلان وأبا فلانة وتكنيتها أم فلان كأم فلانة تكنية الصغير
__________
1 يريد: أن تحريم هؤلاء المتورعين للتسمية بقاضي القضاة وما في معناه قياس منهم لتلك الأسماء على ملك الأملاك وما في معناه مما لا ينبغي إطلاقه إلا على الله وحده جلّ شأنه.(1/410)
ويحرم أن يقال لمنافق أو كافر: يا سيدي ولا يسمي الغلام بيسار ولا رباح ولا نجيح ولا أفلح قال ابن القيم قلت: وفي معنى هذا مبارك ويفلح وخير وسرور ونعمة وما أشبه ذلك ومن المكروهة التسمية بأسماء الشياطين: كخنزب وولهان والأعور والجدع وأسماء الفراعنة والجبابرة: كفرعون وقارون وهامان والوليد ويستحب تغيير الاسم القبيح قال في الفصول: ولا بأس بتسمية النجوم بالأسماء العربة: كالحمل والثور والجدي لأنها أسماء أعلام واللغة وضع فلا يكره كتسمية الجبال والأودية والشجر بما وضعوه لها وليس من حيث تسميتهم لها بأسماء الحيوان كان كذبا وإنما ذلك توسع ومجاز كما سموا الكريم بحرا ويؤذن في أذن المولود اليمنى حين يولد ويقيم في اليسرى ويحنك بتمرة: بأن تمضغ ويدلك بها داخل فمه ويفتح فمه حتى ينزل إلى جوفه منها شيء ويحلق رأسه ذكر لا أنثى يوم سابعه ويتصدق بوزنه ورقا فإن فات ففي أربعة عشر فإن فات ففي أحد وعشرين ولا تعتبر الأسابيع بعد ذلك فيعق بعد ذلك في أي يوم أراد ولا تختص العقيقة بالصغير ولو اجتمع عقيقة وأضحية ونوى بالأضحية عنها أجزأت عنها نصا قال ابن القيم في تحفة الودود في أحكام المولود: كما لو صلى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة أو صلى بعد الطواف فرضا أو سنة مكتوبة وقع عنه وعن ركعتي الطواف وكذلك لو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النحر أجزأ عن دم المتعة وعن الأضحية اه وفي معناه لو اجتمع هدي وأضحية واختار الشيخ(1/411)
لا تضحية بمكة إنما هو الهدي ويكره لطخه من دمها وإن لطخ رأسه بزعفران فلا بأس وقال ابن القيم: سنة وينزعها أعضاء ولا يكسر عظمها وطبخها أفضل من إخراج لحمها نيئا فيطبخ بماء وملح نصا ثم يطعم منها الأولاد والمساكين والجيران قيل لأحمد: فإن طبخت بشيء آخر غير الماء والملح؟ فقال: ما ضر ذلك قال جماعة: ويكون منه بحلو قال أبو بكر: ويستحب أن يعطي القابلة منها فخذا وحكمها حكم الأضحية في أكثر أحكامها: كالأكل والهدية والصدقة والضمان والولد واللبن والصوف والزكاة والركوب وما يجوز من الحيوان وغير ذلك ويجتنب فيها من العيب ما يجتنب في الأضحية ويباع جلدها ورأسها وسواقطها ويتصدق بثمنها بخلاف الأضحية لأن الأضحية أدخل منها في التعبد ويقول عند ذبحها: بسم الله اللهم لك وإليك هذه عقيقة فلان ابن فلان ولا تسن الفرعة وهي: ذبح أول ولد الناقة ولا العتيرة وهي: ذبيحة رجب ولا يكرهان.
__________
تم الجزء الأول بحمد الله وعونه، ويليه الجزء الثاني
وأوله كتاب الجهاد(1/412)
المجلد الثاني
كتاب الجهاد
مدخل
تعريفه وحكمه
...
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الجهاد
"وهو قتال الكفار" وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفى سقط وجوبه عن غيرهم1 وسن في حقهم بتأكد وفرض الكفاية ما قصد حصوله من غير شخص معين فإن لم يوجد إلا واحد تعين عليه فمن ذلك دفع ضرر المسلمين كستر العاري وإشباع الجائع على القادرين إن عجز بيت المال عن ذلك أو تعذر أخذه منه والصنائع المباحة المحتاج إليها لمصالح الناس غالبا الدينية والدنيوية البدنية والمالية كالزرع والغرس ونحوهما وإقامة الدعوة ودفع الشبه بالحجة والسيف وسد البثوق وحفر الآبار والأنهار وكريها: وهو تنظيفها وعمل القناطر والجسور والأسوار وإصلاحها وإصلاح الطرق والمساجد والفتوى وتعليم الكتاب والسنة وسائر العلوم الشرعية وما يتعلق بها من حساب ونحوه ولغة وتصريف وقراآت وعكس العلوم الشرعية علوم محرمة أو مكروهة فالمحرمة كعلم الكلام2 والفلسفة والشعبذة
__________
1 لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا ويقيم هو وصحبه في انتظارها.
2 ليس المراد به علم التوحيد كما يفهم من الإطلاق بل هو في معنى الفلسفة مما يناقض النصوص.(2/2)
والتنجيم والضرب بالرمل والشعر وبالحصا والكيمياء وعلوم علم الطبائعيين - إلا الطلب فإنه فرض كفاية في قول - ومن المحرم السحر والطلسمات والتلبيسات وعلم اختلاج الأعضاء "والكلام عليه ونسبته إلى جعفر الصادق كذب كما نص عليه الشيخ" وحساب اسم الشخص واسم أمه بالجمل وإن طالعة كذا ونجمه كذا والحكم على ذلك بفقر أو غنى أو غير ذلك من الدلائل الفلكية على الأحوال السفلية كما يصنع الآن وأما علم النجوم الذي يستدل به على الجهات والقبلة وأوقات الصلوات ومعرفة أسماء الكواكب لأجل ذلك فمستحب كالأدب والمكروه كالمنطق والأشعار المشتملة على الغزل والبطالة والمباح منها ما لا سخف فيه ولا ما يكره ولا ينشط على الشر ولا يثبط عن الخير ومن المباح علم الهيئة والهندسة والعروض والمعاني والبيان ومن فروض الكفايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وذكرنا في الكتاب من فروض الكفايات كثيرا في أبوابه فلا حاجة إلى إعادته.
ولا يجب الجهاد الأعلى ذكر حر مكلف مستطيع - وهو الصحيح الواجد بملك أو بذل إمام أو نائبه لمراده ولما يحمله إذا كان مسافة قصر ولما يكفي أهله في غيبته ولا يجب على أنثى ولا خنثى ولا عبد ولو أذن له سيده ولا صبي ولا مجنون ولا ضعيف ولا مريض مرضا شديدا لا يسيرا لا يمنعه كوجع ضرس وصداع خفيف ونحوهما ولا على فقير ولا كافر ولا أعمى ولا أعرج ولا أشل ولا أقطع اليد أو الرجل ولا من(2/3)
أكثر أصابعه ذاهبة أو إبهام يده أو ما يذهب بذهابه نفع اليد أو الرجل ويلزم الأعمر والأعشى وهو الذي يبصر بالنهار فقط "قال الشيخ: الأمر بالجهاد منه ما يكون بالقلب والدعوة والحجة والبيان والرأي والتدبير والبدن فيجب بغاية يمكنه" وأقل ما يفعل مع القدرة عليه كل عام مرة إلا أن تدعو حاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين أو قلة علف أو ماء في الطريق أو انتظار مدد فيجوز تركه بهدنة وبغيرها1 إلا أن رجى إسلامهم ولا يعتبر أمن الطريق وتحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ نصا2 وإن دعت الحاجة إلى القتال في عام أكثر من مرة وجب ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد أو من عبد أو مبعض أو مكاتب أو حصره أو بلده عدو أو احتاج إليه بعيد أو تقابل الزحفان أو استنفره من له استنفاره ولا عذر تعين عليه ولم يجز لأحد أن يتخلف عن النفير لما تقدم إلا من يحتاج إليه لحفظ أهل أو مال أو مكان ومن منعه الإمام من الخروج3 "ذكره في البلغة" وإن نوى بالصلاة والنفير معا
__________
1 لأن النبي صلى الله عليه وسلم هادن قريشا عشر سنوات لعلمه بما في ذلك من المصلحة ولأن الشروع فيه في مثل الحالات المذكورة إلقاء بأنفس المسلمين وأموالهم إلى التهلكة وهو منهي عنه.
2 قتال المسلمين لعدوهم دفاعا لاشيء فيه بالإجماع وأما بدؤهم العدو بالقتال في الأشهر الحرم المحرم رجب القعدة الحجة ففيه خلاف بين الجواز لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية وبين التحريم كما كان في صدر الإسلام والحق أن التحريم منسوخ.
3 قوله: ومن منعه الإمام معطوف على قوله: إلا من يحتاج إليه الخ.(2/4)
صلى ثم نفر مع البعد ومع قرب العدو وينفر ويصلى راكبا وذلك أفضل ولا ينفر في خطبة الجمعة ولا بعد الإقامة لها ولا يقطع الصلاة إذا كان فيها ولا تنفر الخيل إلا على حقيقة ولا ينفر على غلام آبق ولا باس أن يشتري الرجلان فرسا بينهما يغزوان عليها يركب هذا عقبة وهذا عقبة ويأتي في باب قسمة الغنيمة ولو نادى الإمام الصلاة جامعة لحادثة يشاور فيها لم يتأخر أحد بلا عذر ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من نزع لأمة الحرب إذا لبسها حتى يلقى العدو كما منع من الرمز بالعين والإشارة بها ومن الشعر والخط وتعلمهما وأفضل ما يتطوع به الجهاد وغزو البحر أفضل من غزو البر والجهاد من السياحة وأما السياحة في الأرض لا لمقصود ولا إلى مكان معروف فمكروهة ويغزى مع كل أمير بر وفاجر يحفظان المسلمين ولا يكون مخذلا ولا مرجفا ولا معروفا بالهزيمة وتضييع المسلمين ولو عرف بالغلول وشرب الخمر إنما ذلك في نفسه ويقدم القوى منهما ويستحب تشييع غاز ماشيا إذا خرج ولا بأس بخلع نعله لتغبر قدماه في سبيل الله فعله أحمد ولا يستحب تلقيه - وفي الفنون تحسن التهنئة بالقدوم للمسافر - وفي شرح الهداية لأبي المعالي: تستحب زيارة القادم ومعانقته والسلام عليه - وذكر الآجري استحباب تشييع الحاج ووداعه ومسألته أن يدعو له - ويتعين أن يقاتل كل قوم من يليهم من العدو إلا لحاجة كأن يكون الأبعد أخوف أو لغرته وإمكان الفرصة منه أو يكون الأقرب مهادنا ويمنع مانع من قتاله فيبدأ بالأبعد ومع التساوي قتال أهل الكتاب أفضل ويقاتل من تقبل منهم(2/5)
الجزية حتى يسلوا أو يبذلوا الجزية ومن لا تقبل منهم حتى يسلموا فإن امتنعوا من ذلك وضعف المسلمون عن قتالهم انصرفوا إلا إن خيف على من يليهم من المسلمين وتسن الدعوة1 قبل القتال لمن بلغته ويحرم قبلها لمن لم تبلغه "وقيد ابن القيم وجوبها واستحبابها بما إذا قصدهم المسلمون - أما إذا كان الكفار قاصدين فللمسلمين قتالهم من غير دعوة دفعا عن نفوسهم وحريمهم وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك وينبغي أن يبتدئ بترتيب قوم في أطراف البلاد يكفون من بازائهم من المشركين ويأمر بعمل حصونهم وحفر خنادقهم وجميع مصالحهم ويؤمر في كل ناحية أميرا يقلده أمر الحرب وتدبير الجهاد ويكون ممن له رأى وعقل وخبره بالحرب ومكائد العدو مع أمانة ورفق بالمسلمين ونصح لهم ويوصيه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة ولا يأمرهم بدخول مطمور يخاف أن يقتلوا تحتها فإن فعل فقد أساء ويستغفر الله ولا عقل عليه ولا كفارة إذا أصيب أحد منهم بطاعته فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد وإن حصلت غنيمة قسموها على موجب الشرع "قال القاضي: وتؤخر قسمة الإمام حتى يقوم إمام احتياطا للفروج" فإن بعث الإمام جيشا وأمر عليهم أميرا فقتل أو مات فللجيش أن يؤمروا أحدهم فإن لم يقبل أحد منهم أن يتأمر عليهم دافعوا عن أنفسهم ولا يقيمون في أرض العدو إلا مع أمير ويسن الرباط وهو الإقامة بثغر تقوية للمسلمين وأقله
__________
1 أي الدعوة إلى الإسلام: لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك.(2/6)
ساعة وتمامه أربعون يوما وإن زاد فله أجره وهو بأشد الثغور خوفا أفضل وأفضل من المقام بمكة والصلاة بها أفضل من الصلاة بالثغر ويكره لغير أهل الثغر نقل أهله من الذرية والنساء إليه لا إلى غير مخوف كأهل الثغر والحرس في سبيل الله ثوابه عظيم وحكم الهجرة باق لا ينقطع إلى يوم القيامة وكل بلد فتح لا تبقى منه هجرة إنما الهجرة إليه وتجب على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب وهي ما يغلب فيها حكم الكفر زاد جماعة: أو بلد بغاة أو بدع مضلة كرقض واعتزال إن قدر عليها ولو امرأة ولو في عدة بلا راحلة ولا محرم وتسن لقادر على إظهاره ولا يجاهد تطوعا من عليه دين ولو مؤجلا لآدمي لا وفاء له إلا بإذن غريمه فإن أقام ضامنا مليا أو رهنا محرزا أو وكيلا يقضيه مترعا جاز ولا من أبواه حران مسلمان عاقلا إلا بإذنهما وإن كان أحدهما كذلك إلا بإذنه1 إلا أن يتعين عليه فيسقط إذنهما وإذن غريم لكن يستحب للمديون أن لا يتعرض لمكان القتل من المبارزة والوقوف في أول المقاتلة ولا طاعة للوالدين في ترك فريضة كتعلم علم واجب يقوم به دينه من طهارة وصلاة وصيام ونحو ذلك وإن لم يحصل ذلك ببلده فله السفر لطلبه بلا إذنهما ولا إذن لجد ولا جدة فإن خرج في جهاد تطوع بإذنهما ثم منعاه منه بعد سيره وقبل تعيينه عليه فعليه الرجوع إلا أن يخاف على نفسه في الرجوع أو يحدث له عذر من مرض
__________
1 للأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم منع ذا الأبوين من الجهاد ولأن الجهاد فرض كفاية، وبر الوالدين فرض عين وهو مقدم.(2/7)
ونحوه فإن أمكنه الإقامة في الطريق وإلا مضى مع الجيش وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره وسقط إذنهما وإن كان رجوعهما عن الإذن بعد تعيين الجهاد عليه لم يؤثر شيئا وإن كانا كافرين فاسلما ثم منعاه كان كمنعهما بعد إذنهما وكذا حكم الغريم فإن عرض للمجاهد في نفسه مرض أو عمى أو عرج فله الانصراف ولو بعد التقاء الصفين وإن أذن له أبواه في الجهاد وشرطا عليه أن لا يقاتل فحضر القتال تعين عليه وسقط شرطهما.(2/8)
فصل: ويحرم فرار مسلم
من كافرين وجماعة من مثليهم ويلزمهم الثبات وإن ظنوا التلف إلا متحرفين لقتال ومعنى التحرف أن ينحازوا إلى موضع يكون القتال فيه أمكن مثل أن ينحازوا من ضيق إلى سعة أو من معطشة إلى ماء أو من نزل إلى علو أو عن استقبال شمس أو ريح إلى استدبارهما أو يفروا بين أيديهم لينتقض صفهم أو تنفر خيلهم من رجالتهم أو ليجدوا فيهم فرصة أو يستندوا إلى جبل ونحو ذلك أو متحيزين إلى فئة ناصرة تقاتل معهم لو بعدت قال القاضي: لو كانت الفئة بخراسان والفئة بالحجاز لجاز التحيز إليها وإن زادوا على مثليهم فلهم الفرار وهو أولى إن ظنوا التلف بتركه وإن ظنوا الظفر فالثبات أولى: بل يستحب كما لو ظنوا الهلاك فيهما فيستحب الثبات وإن يقاتلوا ولا يستأسروا1 "وقال أحمد: ما يعجبني أن يستأسروا وقال: يقاتل
__________
1 يستأسروا أي يستسلموا للأسر.(2/8)
أحب إلي - الأسر شديد - ولا بد من الموت - وقال يقاتل: ولو أعطوه الأمان: قد لا يفوا" وإن استأسروا جاز فإن جاء العدو بلدا فلأهله التحصن منهم وإن كانوا أكثر من نصفهم ليلحقهم مدد أو قوة وإن لقوهم خارج الحصن فلهم التحيز إلى الحصن وإن غزوا فذهبت دوابهم فليس ذلك عذر في الفرار وإن تحيزوا إلى جبل ليقاتلوا فيه رجالة جاز وإن فروا قبل إحراز الغنيمة فلا شيء لهم إن أحرزها غيرهم وإن قالوا أنهم فروا متحرفين للقتال فلا شيء لهم أيضا أن ألقي في مركبهم نار فاشتعلت فعلوا ما يرون فيه السلامة من المقام أو الوقوع في الماء فإن شكوا فعلوا ما شاؤا كما لو تيقنوا الهلاك فيهما أو ظنوه ظنا متساويا أو ظنوا السلامة ظنا متساويا.(2/9)
فصل:- ويجوز تبييت الكفار
وهو كبسهم ليلا وقتلهم وهم غارون ولو قتل فيه من لا يجوز قتله من امرأة وخنثى وكذا قتلهم في مطمورة إذا لم يقصدهم ورميهم بالمنجنيق وقطع المياه عنهم والسابلة وإن تضمن ذلك قتل الصبيان والنساء والإغارة على علافيهم وحطابيهم ونحوه ولا يجوز إحراق نحلهم ولا تغريقه ويجوز أخذ العسل وأكله وأخذ شهده كله بحيث لا يترك للنحل شيئا فيه والأولى أن يترك له شيئا ولا يجوز عقر دوابهم ولو شاة أو من دواب قتالهم إلا حال قتالهم أو لأكل يحتاج إليه ويرد الجلد في الغنيمة وأما الذي لا يراد إلا للأكل كالدجاج والحمام وسائر الطيور والصيود فحكمه حكم الطعام ويجوز حرق(2/9)
شجرهم وزرعهم وقطعه إذا دعت الحاجة إلى إتلافه لو كان لا يقدر عليهم إلا به أو كانوا يفعلونه بنا فيفعل بهم ذلك لينتهوا وما تضرر المسلمون بقطعه لكونهم ينتفعون ببقائه لعلوفتهم أو يستظلون به أو يأكلون من ثمره أو تكون العادة لم تجر بيننا وبين عدونا حرم قطعه وما عدا هذين القسمين مما لا ضرر فيه بالمسلمين ولا نفع لهم سوى غيظ الكفار والإضرار بهم فيجوز إتلافه وكذلك يجوز رميهم بالنار والحيات والعقارب في كفات المجانيق ويجوز تدخينهم في المطامير وفتح الماء ليغرقهم وفتح حصونهم وعامرهم فإذا قدر عليهم لم يجز تحريقهم ويجوز إتلاف كتبهم المبدلة وأن أمكن الانتفاع بجلودها وورقها وإذا ظفر بهم حرم قتل صبي وامرأة وخنثى وراهب ولو خالط الناس وشيخ فإن وزمن وأعمى وفي المغني: وعبد وفلاح لا رأى لهم إلا أن يقاتلوا أو يحرضوا عليه ولا يقتل معتوه مثله لا يقاتل ويأتي ما يحصل به البلوغ ويقتل المريض إذا كان ممن لو كان صحيحا قاتل كالإجهاز على الجريح وإن كان مايؤسا من برئه فكزمن فإن تترسوا بهم جاز رميهم ويقصد المقاتلة ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم جاز رميها والنظر إلى فرجها للحاجة إلى رميها وكذلك يجوز لهم رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام أو تسقيهم الماء وإن تترسوا بمسلمين لم يجز رميهم فإن رماهم فأصاب مسلما فعليه ضمانه إلا أن يخاف علينا فيرمهم ويقصد الكفار.(2/10)
فصل: ومن أسر أسيرا
لم يجز قتله حتى يأتي به الإمام إلا أن يمتنع من المسير معه ولا يمكنه إكراهه بضرب أو غيره أو يهرب منه أو يخاف هربه أو يخاف منه أو يقاتله أو كان مريضا أو مرض معه ويحرم عليه قتل أسير غيره قبل أن يأتي الإمام إلا أن يصير في حالة يجوز فيها قتله لمن أسره فإن قتل أسيره أو أسير غيره قبل ذلك وكان المقتول رجلا فقد أساء ولا شيء عليه وإن كان صغيرا أو امرأة ولو راهبة عاقبه الأمير وغرمه قيمة غنيمة لأنه صار رقيقا بنفس السبي ومن أسر فادعى أنه كان مسلما لم يقبل قوله إلا ببينة فإن شهد له واحد وحلف معه خلى سبيله قال جماعة ويقتل المسلم أباه وابنه ونحوهما من ذوى قرابته في المعترك ويخير الأمير تخيير مصلحة واجتهاد لأتخير شهوة في الإسراء الأحرار المقاتلين والجاسوس - ويأتي - بين قتل واسترقاق ومن وفداء بمسلم أو بمال فما فعله تعين ويجب عليه اختيار الأصلح للمسلمين فمتى رأى المصلحة في خصلة لم يجز اختيار غيرها ومتى رأى قتله ضرب عنقه بالسيف ولا يجوز التمثيل به ولا التعذيب وإن تردد رأيه ونظره فالقتل أولى والجاسوس المسلم يعاقب - ويأتي الذي - ومن استرق منهم سال الأسارى من أهل الكتاب1 تخليتهم على إعطاء الجزية لم يجز ذلك في نسائهم وصبيانهم ويجوز في الرجال ولا يزول التخيير الثابت فيهم ولا يبطل الاسترقاق حقا لمسلم والصبيان والمجانين من كتابي وغيره والنساء ومن فيه نفع ممن لا يقتل كأعمى ونحوه
__________
1 ذكره أهل الكتاب للتمثيل لا للتخصيص وإلا فالمجوس مثلهم في الحكم.(2/11)
رقيق بنفس السبي ويضمنهم قاتلهم بعد السبي لا قبله وقن غنيمة وله قتله لمصلحة ويجوز استرقاق من تقبل منه الجزية وغيره ولو كان عليه ولاء لمسلم أو ذمي وإن أسلموا تعين رقهم في الحال وزال التخيير وصار حكمهم حكم النساء وقيل يحرم القتل ويخير بين رق ومن وفداء - صححه الموفق وجمع - فيجوز الفداء ليتخلص من الرق ويحرم رده إلى الكفار قاله الموفق إلا أن يكون له من يمنعه من عشيرة ونحوها ومن أسلم قبل أسره لخوف أو غير فلا تخيير فيه وهو كمسلم أصلي ومتى صار لنا رقيقا محكوما بكفره من ذكر أو أنثى وبالغ وصغير حرم مفاداته بمال وبيعه لكافر ذمي وغيره ولم يصح وتجوز مفاداته بمسلم ويفدى الأسير المسلم من بيت المال وإن تعذر فمن مال المسلمين ولا يرد إلى بلاد العدو بحال ولا يفدى بخيل ولا سلاح ولا بمكاتب وأم ولد بل بثياب ونحوها وليس للإمام قتل من حكم حاكم برقه ولا رق من حكم بقتله ولا رق ولا قتل من حكم بفدائه وله المن على الثلاثة المذكورين وله قبول الفداء ممن حكم بقتله أو رقه ومتى حكم برق أو فداء ثم أسلم فحكمه بحاله لا ينقض ولو اشتراه أحد من أهل دار الحرب ثم أطلقه أو أخرجه إلى دار الإسلام فله الرجوع عليه بما اشتراه بنية الرجوع إذا كان حرا أذن في ذلك أو لم يأذن - ويأتي في الباب بعده - ومن سبى من أطفالهم أو مميزيهم منفردا أو مع أحد أبويه فمسلم وإن كان السابي ذميا تبعه كمسلم وإن سبى مع أبويه فهو على دينهما وإن أسلم أبو حمل أو طفل أو مميز لا جد وجدة أو أحدهما أو ماتا أو أحدهما في دارنا(2/12)
أو عدما أو أحدهما بلا موت كزنا ذمية ولو بكافر أو اشتبه ولو مسلم بكافر فمسلم في الجميع وكذا إن بلغ مجنونا وإن بلغ عاقلا ممسكا عن الإسلام والكفر قتل قاتله ويرث ممن جعلناه مسلما بموته حتى ولو تصور موتهما معا يورثهما وإن ماتا بدار حرب لم يجعل مسلما ولا ينفسخ النكاح باسترقاق الزوجين ولو سبى كل واحد منهما رجل ولا يحرم التفريق بينهما في القسمة والبيع وإن سبيت المرأة وحدها انفسخ نكاحها وحلت لسابيها وإن سبى الرجل وحده لم ينفسخ وليس بيع الزوجين القنين وأحدهما طلاقا لقيامه مقام البائع.(2/13)
فصل:- ويحرم ولا يصح أن يفرق بين ذي رحم محرم
ببيع ولا غيره ولو رضوا به أو كان بعد البلوغ وإلا بعتق أو افتداء أسير أو بيع فيما إذا ملك أختين ونحوهما على ما يأتي ولو باعهم على أن بينهم نسبا يمنع التفريق ثم بان عدمه فللبائع الفسخ وإن حضر الإمام حصنا لزمه عمل الأصلح من مصابرته - وهي ملازمته - أو انصرافه فإن أسلموا أو أسلم من أسلم منهم قبل القدرة عليه أو أسلم حربي في دار الحرب أحرز دمه وماله ولو منفعة إجازة وأولاده الصغار والمجانين ولو حملا في السبي كانوا أو في دار الحرب ولا يحرز امرأته إذا لم تسلم وإن سبيت صارت رقيقة ولا ينفسخ نكاحه برقها ويتوقف على إسلامها في العدة وإن دخل دار الإسلام فاسلم وله أولاد صغار في دار الحرب صاروا مسلمين ولم يجز سبيهم وإن سألوا الموادعة بمال أو غيره وجب لأن فيه مصلحة سواء(2/13)
أعطوه جملة أو جعلوه خراجا مستمرا عليهم كل عام فإن بذلوا الجزية وكانوا ممن تقبل منهم لزم قبولها وحرم قتالهم وإن بذلوا مالا على غير وجه الجزية فرأى المصلحة في قبولها قبلها وإن استأجر مسلم أرضا من حربي ثم استولى عليها المسلمون فهي غنيمة ومنافعها للمستأجر وإذا أسلم رقيق الحربي وخرج إلينا فهو حر وإن أسر سيده أو غيره وأولاده خرج إلينا فهو حر ولهذا لا نرده في هدنة والمال له والمسبي رقيقه وإن أسلم وأقام بدار الحرب فهو على رقه ولو جاء مولاه بعده لم يرد إليه ولو جاء قبله مسلما ثم جاء العبد مسلما فهو لسيده وإن خرج إلينا عبد بأمان أو نزل من حصن فهو حر وإن نزلوا على حكم حاكم عينوه ورضيه الإمام جاز إذا كان مسلما حرا بالغا عاقلا ذكرا عدلا من أهل الاجتهاد في الجهاد ولو أعمى ويعتبر له العفة ما يتعلق بهذا الحكم وإن كانا اثنين جاز ويكون الحكم ما اجتمعا عليه وإن جعلوا الحكم إلى رجل يعينه الإمام جاز وإن نزلوا على حكم رجل منهم أو جعلوا التعيين إليهم لم يجز وإن مات من اتفقوا عليه ثم اتفقوا على غيره ممن يصلح قام مقامه وإن لم يتفقوا وطلبوا حكما لا يصلح ردوا إلى مأمنهم وكانوا على الحصار حتى يتفقوا وكذلك إن رضوا باثنين فمات أحدهما فاتفقوا على من يقوم مقامه جاز وإلا ردوا إلى مأمنهم وكذلك إن رضوا بتحكيم من لا تجتمع الشرائط فيه ووافقهم الإمام عليه ثم بان أنه لا يصلح لم يحكم ويردون إلى مأمنهم كما كانوا ولا يحكم إلا بما فيه حظ للمسلمين من القتل والسبي والفداء فإن حكم بالمن على غير الذرية لزمه(2/14)
قبوله وإن حكم بقتل أو سبي لزمه قبوله فإن أسلموا قبل الحكم عليهم عصموا دماءهم وأموالهم كما تقدم وإن كان بعد الحكم بالقتل عصموا دماءهم فقط ولا يسترقون ويكون المال على ما حكم فيه وإن حكم بأنهم للمسلمين كان غنيمة وإن حكم عليهم بإعطاء الجزية لم يلزم حكمه وإن سألوه أن ينزلهم على حكم الله لزمه أن ينزلهم ويخير فيهم كالأسرى بين القتل والرق والمن والفداء ويكره نقل رأس ورميه بمنجنيق بلا مصلحة ويحرم أخذه مالا ليدفعه إليهم.(2/15)
باب ما يلزم الإمام والجيش
ما يلزم الإمام إذا أراد الغزو
...
باب ما يلزم الإمام والجيش
يلزم الإمام أو الأمير إذا أراد الغزو أن يعرض جيشه ويتعاهد الخيل والرجال يمنع ما لا يصلح للحرب كفرس حطيم - وهو الكسير وقحم - وهو الشيخ الهرم - والفرس المهزوم الهرم - وضرع وهو الرجل الضعيف والنحيف ونحو ذلك من دخوله أرض العدو ويمنع مخذلا للهزيمة فلا يصحبهم ولو لضرورة وهو الذي يفند غيره عن الغزو ومرجفا وهو من يحدث بقوة الكفار وبضعفنا وصبيا لم يشتد ومجنونا ومكاتبا بأخبارنا وراميا بيننا العداوة وساعيا بالفساد ومعروفا بنفاق وزندقة ونساء إلا امرأة الأمير لحاجته وطاعنة في السن لمصلحة فقط كسقي الماء ومعالجة الجرحى ويحرم أن يستعين بكفار إلا لضرورة وإن يعينهم على عدوهم إلا خوفا قال الشيخ: ومن تولى منهم ديوانا للمسلمين1 انتقض عهده ويحرم أن يستعين بأهل الأهواء في شيء من أمور
__________
1 لعل الصواب على المسلمين.(2/15)
المسلمين من غزو وعمالة وكتابة وغير ذلك ويسن أن يخرج بهم يوم الخميس ويرفق بهم في السير بحيث يقدر عليه الضعيف ولا يشق على القوى فإن دعت الحاجة إلى الجد في السير جاز ويعدلهم الزاد ويقوى نفوسهم بما يخيل إليهم من أسباب النصر ويعرف عليهم العرفاء وهو القائم بأمر القبيلة أو الجماعة من الناس كالمقدم عليهم ينظر في حالهم ويتفقدهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم ويستحب له عقد الألوية البيض: وهي العصائب تعقد على قناة ونحوها والرايات وهي أعلام مربعة ويغابر ألوانها ليعرف كل قوم رايتهم ويجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به عند الحرب ويتخير لهم من المنازل أصلحها لهم وأكثرها ماء ومري ويتبع مكامنها فيحفظها ليأمنوا ولا يغفل الحرس والطلائع ويبعث العيون على العدو ممن له خبرة بالفجاج حتى لا يخفى عليه أمرهم ويمنع جيشه من الفساد والمعاصي والتشاغل بالتجارة المانعة لهم من القتال ويعدنا الصبر بالأجر والنفل ويشاور أمير الجهاد والمسلمين ذا الرأي والدين ويخفى من أمره ما أمكن إخفاؤه وإذا أراد عزوة ورأى بغيرها لأن الحرب خدعة ويصف جيشه ويجعل كل جنبة كفؤا لا يميل مع قرابته وذي مذهبه على غيره لئلا تنكسر قلوبهم فيخذلوه ويراعي أصحابه ويرزق كل واحد بقدر حاجته.(2/16)
فصل:- ويقاتل أهل الكتاب والمجوس
حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ولا يقبل من غيرهم إلا الإسلام ويجوز أن يبذل جعلا لمن يعمل ما فيه غناء كمن يدله على ما فيه مصلحة للمسلمين كطريق سهل أو ماء في مفازة(2/16)
أو قلعة يفتحها أو مال يأخذه أو عدو يغير عليه أو ثغرة يدخل منها ولمن ينقب نقبا أو يصعد هذا المكان أو يجعل لمن جاء بكذا من الغنيمة أو من الذي جاء به ونحوه ويستحق الجعل بفعل ما جعل له فيه مسلما كان أو كافرا من الجيش أو غيره بشرط ألا يجاوز ثلث الغنيمة بعد الخمس في هذا وفي النفل كله - ويأتي في الباب بعده - وله إعطاء ذلك ولو بغير شرط ويجب أن يكون الجعل معلوما إن كان من بيت المال وإن كان من مال الكفار جاز مجهولا وهو له إذا فتح فإن احتاج إلى جعل أكثر من الثلث لمصلحة مثل ألا تنهض السرية ولا ترضى بدون النصف وهو محتاج إليها جعله من مال المصالح وإن جعل له امرأة متهم أو رجلا مثل أن يقول بنت فلان من أهل الحصن أو القلعة وماتت قبل الفتح أو بعمده أو لم يفتح أو فتح ولم توجد فلا شيء له إن ماتت وإن أسلمت قبل الفتح عنوة وهو حرة فله قيمتها وإن أسلمت بعده أو قبله وهي أمة سلمت إليه إلا أن يكون كافرا فله قيمتها فإن فتحت صلحا ولم يشترطوا الجارية فله قيمتها فإن أبى ألا الجارية وامتنعوا من بذلها فسد الصلح وإن بذلوها مجانا لزم أخذها ودفعها إليه - قال في الفزع والمراد غير حرة الأصل وإلا قيمتها وكل موضع أو جبنا القيمة ولم يغنم شيئا من بيت المال1 وله أن ينفل في البداءة الربع فاقل بعد الخمس
__________
1 من بيت المال خبر عن قوله: وكل موضع.(2/17)
وفي الرجعة الثلث فاقل بعده1 وذلك أنه ينبغي للإمام إذا غزا غزاة أن يبعث سرية أمامه تغير وإذا رجع بعث أخرى خلفه فما أتت به أخرج خمسه وأعطى السرية ما جعل لها وقسم الباقي في الجيش والسرية معا ولا تستحقه السرية إلا بشرط فإن شرط الإمام لهم أكثر من ذلك ردوا إليه.
__________
1 إنما رجحت الجعالة في الرجعة على البداءة لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الرجعة أكثر مشقة وتعرضا للمخاوف.(2/18)
فصل: ويلزم الجيش طاعة الأمير
والنصح له والصبر معه في اللقاء وأرض العدو وإتباع رأيه والرضا بقسمته للغنيمة وبتعديله لها وإن خفي عنه صواب عرفوه ونصحوه فلو أمرهم بالصلاة جماعة وقت لقاء العدو فأبوا عصوا ولا يجوز لأحد أن يتعلف ولا يتحطب ولا يبارز ولا يخرج من العسكر ولا يحدث حدثا إلا بإذنه ولا ينبغي أن يأذن في موضع إذا علم أنه مخوف وإن دعا كافر إلى البراز استحلب لمن يعلم في نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير فإن لم يثق من نفسه كره فإن كان الأمير لا رأى له فعلت المبارزة بغير أذنه - ذكره ابن تميم في صلاة الخوف - والمبارزة التي يعتبر فيها إذن الإمام أن يبرز رجل بين الصفين قبل التحام الحرب يدعو إلى المبارزة ويباح للرجل المسلم الشجاع طلبها ابتداء ولا يستحب إن شرط الكافر ألا يقاتله غير الخارج إليه أو كان هو العادة لزمه ويجوز رميه وقتله قبل المبارزة إلا أن تكون العادة جارية بينهما أن من يخرج بطلب المبارزة لا يعرض(2/18)
له فيجري ذلك مجرى الشرط وإن أنهزم المسلم أو أثخن بالجراح جاز لكل مسلم الدفع عنه والرمي وتجوز الخدعة في الحرب للمبارزة وغيره وإن قتله المسلم أو أثخنه فله سلبه غير مخموس1 وهو من أصل الغنيمة لا من خمس الخمس ولو عبدا بإذن سيده أو امرأة أو كافرا بإذن أو صبيا لا مخذلا ولا مرجفا معينا على المسلمين وكل عاص كمن دخل بغير إذن أو منع منه ولو كان المقتول صبيا أو امرأة ونحوهما إذا قاتلوا وكذا كل من قتل قتيلا أو أثخنه فصار في حكم المقتول فله سلبه إذا كان القاتل ممن يستحق السهم أو الرضخ كما تقدم - قال ذلك الإمام - أو لم يعلمه إذا قتله حال الحرب لا قبلها لا بعدها منهمكا على القتال أي مجدا فيه مقبلا عليه وغرر بنفسه في قتله كأن بارزه لا إن رماه بسهم من صف المسلمين أو قتله مشتغلا بأكل ونحوه أو منهزما مثل أن ينهزم الكفار كلهم فيدرك إنسانا منهزما فيقتله وإن كانت الحرب قائمة وانهزم أحدهم متحيزا فقتله إنسان فله سلبه ويشترط في استحقاق سلبه أن يكون غير مثخن أي موهن بالجراح وإن قطع أربعة إنسان ثم قتله آخر أو ضربه اثنان وكانت ضربة أحدهما أبلغ فسلبه للقاطع وللذي ضربته أبلغ وإن قتله اثنان فأكثر فسلبه غنيمة وإن أسره فقتله الإمام أو استحياه فسلبه ورقبته إن رق وفداؤه إن فدى غنيمة وإن قطع يده أو رجله وقتله آخر فسلبه للقاتل وإن قطع يده ورجله
__________
1 لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم للقاتل بجميع سلب المقتول.(2/19)
أو قطع يديه أو رجليه ثم قتله آخر فسلبه غنيمة ولا تقبل دعوى القتل إلا بشهادة رجلين نصا والسلب ما كان عليه من ثياب وحلى وعمامة وقلنسوة ومنطقة ولو مذهبه ودرع ومعفر وبيضة وتاج وأسورة وران وخف بما في ذلك من حلية وسلاح من سيف ورمح ولت وقوس ونشاب ونحوه قل أو كثر ودابته التي قاتل عليها بآلتها من السلب إذا قتل وهو عليها ونفقته ورحله وخيمته وجنيبته غنيمة ويجوز سلب القتلى وتركهم عراة مستوري العورة ويحرم السفر بالمصحف إلى أرض العدو وتقدم في نواقض الطهارة ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير إلا أن يفاجئهم عدو يخافون كلبه بالتوقف على الإذن أو فرصة يخافون فوتها وإذا قال الإمام لرجل أخرج عليك أن لا تصحبني فنادى بالنفير لم يكن إذنا له ولا بأس بالنهدة في السفر ومعناه أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئا من النفقة يدفعونه إلى رجل ينفق عليهم ويأكلون منه جميعا ولو أكل بعضهم أكثر من بعض ولو دخل قوم لا منعة لهم أو هلم منعة واحدة ولو عبد ظاهر كان أو خفية دار حرب بغير إذن الأمير فغنيمتهم فيء لعصيانهم ومن أخذ من دار الحرب ولو بلا حاجة ولا إذن طعاما مما يقتات أو يصلح به القوت من الأدم أو غيره ولو سكرا أو معاجين وعقاقير ونحوه أو علفا فله أكله وإطعام شيء اشتراه وعلف دابته ولو كانا لتجارة مالم يحرز أو يوكل الإمام من يحفظه فلا يجوز إذن إلا الضرورة ولا يطعم منه فهذا وكلبا وجارحا فإن فعل(2/20)
غرم قيمته ولا يبيعه فإن باعه رد ثمنه في المغنم والدهن المأكول كسائر الطعام وله دهن بدنه ودابته منه ومن دهن غير مأكول وأكل ما يتداوى به وشرب جلاب وسكنجبين ونحوهما لحاجة ولا يغسل ثوبه بالصابون ولا يركب دابة من دواب المغنم ولا يتخذ النعل والجرب من جلودهم ولا الخيوط والحبال وكتبهم المنتفع بها كالطب واللغة والشعر ونحوها غنيمة وإن كانت مما لا ينتفع به ككتب التوراة والإنجيل وأمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد غسله غسل وهو غنيمة وإلا فلا ولا يجوز بيعها وجوارح الصيد كالفهود والبزاة غنيمة تقسم وإن كانت كلابا مباحة لم يجز بيعها فإن لم يردها أحد من الغانمين جاز إرسالها وإعطاؤها غيرهم وإن رغب فيها بعض الغانمين دون بعض دفعت إليه ولم تحتسب عليه وإن رغب فيها الجميع أو ناس كثير وأمكن قسمت عددا - قسمها من غير تقويم - وإن تعذر ذلك أو تنازعوا في الجيد منها أقرع بينهم ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويراق الخمر وتكسر أوعيته إن لم يكن نفع للمسلمين وإن فضل معه من الطعام ونحوه شيء ولو يسيرا فادخله بلدة في دار الإسلام رده في الغنيمة وقبل دخولها يرد ما فضل معه على المسلمين وإن أعطاه أحد من أهل الجيش ما يحتاج إليه جاز له أخذه وصار أحق به من غيره وله أخذ سلاح من الغنيمة ولو لم يكن محتاجا إليه يقتل به حتى ينقضي الحرب ثم يرده ويجوز له أن يلتقط النشاب ثم(2/21)
يرمي به العدو وليس له القتال على فرس من الغنيمة ولا لبس ثوب1 ولبس لأجير لحفظ غنيمة ركوب دابة منها إلا بشرط ولا ركوب دابة حبيس ولو بشرط فإن فعل فاجرة مثلها ومن أخذ ما يستعين به في غزاة معينة فالفاضل له وإلا أنفقه في الغزو وإن أعطيه ليستعين به في الغزو لم يترك منه لأهله شيئا غلا أن يصير إلى رأس معزاه فيبعث إلى عياله منه ولا يتصرف فيه قبل الخروج لئلا يتخلف عز الغزو إلا أن يشتري منه سلاحا وآلة الغزو ومن أعطي دابة ليغزو عليها غير عارية ولا حبيس فغزا عليها ملكها ومثلها سلاح ونفقة فإن باعه بعد الغزو فلا بأس ولا يشتريه من تصدق به ولا يركب دواب السبيل في حاجة ويركبها ويستعملها في سبيل الله ولا يركب في الأمصار والقرى ولا بأس أن يركبها ويعلفها وسهم الفرس الحبيس لمن غزا عليه.
__________
1 لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها" الحديث أو لأن الغنيمة أصبحت ملكا مشاعا بين المجاهدين حتى يقسمها بينهم الإمام، وركوب الدابة يفوت المصلحة عليهم بخلاف السيف فإنه لا يتأثر.(2/22)
باب قسمة الغنيمة
تعريف الغنيمة
...
باب قسمة الغنيمة
وهي ما أخذ من مال حربي قهرا بقتال وما ألحق به كهارب وهدية الأمير ونحوهما ولم تحل لغير هذه الأمة وإن أخذ منهم مال مسلم أو معاهد(2/22)
فأدركه صاحبه قبل قسمه لم يقسم ورد إلى صاحبه بغير شيء فإن قسم بعد العلم بأنه مال مسلم أو معاهد لم تصح قسمته وصاحبه أحق به بغير شيء ثم إن كان أم ولد لزم السيد أخذها ويعد القسمة بالثمن1 وما سواها له أخذه وتركه غنيمة فإن أخذه أخذه مجانا2 وإن أبى أخذه أو غنم المسلمون شيئا عليه علامة المسلمين من مراكب أو غيرها ولم يعرف صاحبه قسم وجاز التصرف فيه وإن كانت جارية لمسلم أولدها أهل الحرب فلسيدها أخذها دون أولادها ومهرها وإن أدركه مقسوما أو بعد بيعه وقسم ثمنه فهو أحق به بثمنه كأخذه من مشتريه من العدو وإن وجده بيد مستول عليه وقد جاءها بأمان أو مسلما فلا حق له فيه وإن أخذه من الغنيمة بغير عوض أو سرقه أحد من الرعية من الكفار أو أخذه هبة فصاحبه أحق به بغير شيء وإن تصرف فيه من أخذه منهم صح تصرفه مثل أن باعه المغتنم أو رهنه ويملك ربه انتزاعه من الثاني وتمنع المطالبة التصرف فيه كالشفعة وترد مسلمة سباها العدو إلى زوجها وولدها منهم كملاعنة وزنا وما لم يملكوه فلا يغنم بحال ويأخذه ربه إن وجده مجانا ولو بعد إسلام من هو معه أو قسمه أو شرائه منهم وإن جهل
__________
1 وجب على السيد أخذها لئلا يتركها لمن أخذها يستحلها وهي حلال له ووجبت قيمتها عليه إذا أخذها بعد القسمة لأنها دخلت في نصيب آخذها فتكون قيمتها عوضا عنها منعا للحيف به.
2 إنما يأخذه مجانا إذا كان قبل القسمة أما بعدها فلا بد من القسمة ما لم يتركه فيكون غنيمة كما وضحه.(2/23)
ربه وقف1 ويملك أهل الحرب مال مسلم بأخذه ولو قبل حيازته إلى دار الكفر ولو كان بغير قهر كأن ابق أو شرد إليهم حتى أم ولد ومكاتبا ولو بقي مال مسلم معهم حولا أو أحوالا فلا زكاة فيه وإن كان عبدا واعتقه سيده لم يعتق2 ولو كانت أمة مزوجة فقياس المذهب انفساخ نكاحها - قال الشيخ:- الصواب أنهم يملكون أموال المسلمين ملكا مقيدا لا يساوي أملاك المسلمين من كل وجه انتهى - لا يملكون حبيسا ووقفا وذميا وحرا ومن اشتراه منهم وأطلقه أو أخرجه إلى دار الإسلام رجع بثمنه بنية الرجوع ولا يرد إلى بلاد العدو بحال: وتقدم: فإن اختلفا في ثمنه فقول أسير ويعمل بقول عبد ميسور أنه لفلان وبوسم على حبيس وما أخذه من دار الحرب من هو مع الجيش وحده أو بجماعة لا يقدر عليه بدونهم من ركاز أو مباح له قيمة في مكانه كالدارصيني وسائر الأخشاب والأحجار والصموغ والصيود ولقطة حربي والعسل من الأماكن المباحة ونحوه فهو غنيمة في الأكل منه وغيره وإن لم يكن مع الجيش كالمتلصص ونحوه فالركاز لواجده: وفيه الخمس وإن لم يكن له قيمة بنقله كالأقلام والمسن والأدوية فهو لآخذه ولو صار له قيمة بنقله ومعالجته وإن وجد لقطة في دار الحرب من متاع المسلمين فكما لو وجدها في غير دار الحرب وإن شك هل هي من متاع المسلمين أو المشركين عرفها حولا ثم جعلها في الغنيمة في بلاد المسلمين وإن ترك صاحب القسم
__________
1 ولا يقسم في الغنيمة حيث لم يدخل في ملك الكفار قبل.
2 يريد أنه خرج عن ملك سيده المسلم إلى ملك الكفار فلا يملك حينئذ عنقه.(2/24)
شيئا الغنيمة عجزا عن حمله ولم يشتر فقال من أخذ شيئا فهو له: فمن أخذ شيئا ملكه وللأمير إحراقه وأخذه لنفسه كغيره ولو أراد الأمير أن يشتري لنفسه من الغنيمة فوكل من لا يعلم أنه وكيله صح البيع وإلا حرم1 وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب ويجوز قسمها وتبايعها هو لمن شهد الوقعة من أهل القتال إذا كان قصده الجهاد قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر وأجير التجار ولو للخدمة ولمستأجر مع جندي كركابي وسايس والمكاري والبيطار والحداد والاسكاف والخياط والصناع الذين يستعدون للقتال ومعهم السلاح حتى من منع لدينه أو منعه أوه لتعينه بحضوره وأيضا لمن بعثهم الأمير لمصلحة كرسول وجاسوس ودليل وشبههم وإن لم يشهدوا ولمن خلفه الأمير في بلاد العدو ولو مرض بموضع مخوف وغزا ولم يمر بهم فرجعوا نصا فكل هؤلاء يسهم لهم لا لمريض عاجز عن القتال كالمزمن والمفلوج والأشل لا المحموم ومن به صداع ونحوه2 ولا لكافر وعبد لم يؤذن لهما ولا لمن لم يستعد للقتال من التجار وغيرهم لأنه لا نفع فيهم ولا لمن نهى الإمام عن حضوره أو بلا إذنه ولا لطفل ومجنون وفرس عجيف ونحوه
__________
1 إذا كان الوكيل عن الأمير غير معروف بهذا وكان البائع أحد الغانمين صح البيع لأمن المحاباة أما إذا كان البائع يعلم بالوكالة أو كان الذي سيبيع له هو الأمير فلا لمظنة المحاباة.
2 المحموم وصاحب الصداع خارجان من المرضى.(2/25)
ولا لمخذل ومرجف ولو تركا ذلك وقاتلا ولا يرضخ لهم لعصيانهم وكذا من هرب من كافرين ولا لخيلهم وإذا لحق المسلمين مددا وهرب من الكفار إلينا أسيرا أو أسلم كافر أو بلغ صبي أو عتق عبد أو صار الفارس راجلا أو عكسه قبل أن تقضي الحرب أسهم لهم وجعلوا كمن حضر الوقعة كلها وإن كان بعد التقضي ولو تحرز الغنيمة أو مات أحد من العسكر أو أنصرف قبل الإحراز فلا وكذا لو أسر في أثنائها1.
__________
1 لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر أمثال هؤلاء غير شاهدين الموقعة.(2/26)
فصل:- وإذا أراد القسمة بدأ بالأسلاب فدفعها إلى أهلها
فإن كان في الغنيمة مال لمسلم أو ذمي دفع إليه ثم بمؤنة الغنيمة من أجرة نقال وحمال وحافظ ومخزن وحاسب وإعطاء جعل من دله على مصلحة أن شرطه من العدو ثم يخمس الباقي قيقسم خمسه على خمسة أسهم: سهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم: ولم يسقط بموته يصرف مصرف الفيء وخص أيضا من المغنم بالصفي: وهو شيء يختاره قبل القسمة كجارية وعبد وثوب وسيف ونحوه وسهم لذوي القربى - وهو بنو هاشم وبنو المطلب أبني عبد مناف - ويجب تعميمهم وتفرقته بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين حيث كانوا حسب الإمكان: غنيهم وفقيرهم فيه سواء جاهدوا أولا فيبعث الإمام إلى عماله في الأقاليم ينظروا ما حصل من ذلك فإن استوت الأخماس فرق كل خمس فيما قاربه وإن اختلفت أمر بحمل الفاضل ليدفعه إلى مستحقه فإن لم يأخذوا(2/26)
رد في سلاح وكراع ولا شيء لمواليهم ولا لأولاد بناتهم ولا لغيرهم من قريش وسهم لليتامى الفقراء - واليتيم من لا أب له ولم يبلغ ولو كان له أم: ويستوي فيه الذكر والأنثى - وسهم للمساكين فيدخل فيهم الفقراء فهما صنفان في الزكاة فقط وفي سائر الأحكام صنف واحد وسهم لأبناء السبيل.(2/27)
فصل: ما يشترط في ذوي قربى ويتامى ومساكين وأبناء سبيل
...
فصل: ويشترط في ذوي قربى ويتامى ومساكين وأبناء سبيل
كونهم مسلمين وإن يعطوا كالزكاة ويعم بسهامهم جميع البلاد حسب الإمكان وإن اجتمع في واحد أسباب كالمسكين اليتيم ابن السبيل استحق بكل واحد منها لكن لو أعطاه ليتمه فزال فقره لم يعط لفقره شيئا ولا حق في الخمس لكافر ولا لقن وإن أسقط بعض الغانمين ولو مفلسا حقه فهو للباقين وإن أسقط الكل ففيء ثم يعطي الإمام النفل بعد ذلك من أربعة أخماس الغنيمة - وهو الزيادة على السهم لمصلحة: وهو المجعول لمن عمل عملا كتنفيل السرايا بالثلث والربع ونحوه وقول الأمير من طلع حصنا أو نقبه ومن جاء بأسير ونحوه فله كذا ويرضخ لمن لا سهم له وهم العبيد ولمعتق بعضه بحسابه من رضخ وإسهام والنساء والصبيان المميزون على ما يراه الإمام من التسوية بينهم والتفضيل على قدر غنائهم ونفعهم ومدبر ومكاتب كقن وخنثى مشكل كامرأة فإن انكشف حاله قبل أن تقضى الحرب والقسمة أو بعدهما فتبين أنه رجل أتم له سهم رجل وبسهم لكافر إذن له الإمام ولا يبلغ برضخ الراجل سهم(2/27)
راجل ولا الفارس سهم فارس ويكون الرضخ له ولفرسه في ظاهر كلامهم فإن غزا العبد إذن سيده لم يرضخ له ولا لفرسه وإن كان بإذنه على فرس لسيده فيؤخذ للفرس سهمان إن لم تكن مع سيده فرس غير فرس العبد فإن كإن لم يسهم لفرس العبد وإن انفرد الغنيمة من لا سهم له كعبيد وصبيان دخلوا دار الحرب فغنموا أخذ خمسه وما بقي لهم وهل يقسم بينهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم أو على ما يراه الإمام من المفاضلة؟ احتمالان: وإن كان فيهم رجل حر أعطى سهما وفضل عليهم ويقسم الباقي بين من بقي على ما يراه الإمام من التفضيل وإن غزا جماعة من الكفار وجدهم فغنموا فغنيمتهم لهم وهل يؤخذ خمسها؟ احتمالان:(2/28)
فصل: قسمة باقي الغنيمة
...
فصل:- ثم يقسم باقي الغنيمة
للرجل الحر المكلف سهم والفرس العربي: ويسمى العتيق قاله في المطلع وغيره سهمان فيكمل للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وينبغي أن يقدم قسم الأربعة أخماس على قسم الخمس وإن كان فرسه هجينا - وهو ما أبوه عربي وأمه غير عربية: أو مقرفا عكس هجين وبرذونا - وهو ما أبواه نبطيان - فله سهم ولفرسه سهم واحد وإن غز ااثنان على فرس لهما هذا عقبة وهذا عقبة1 والسهم لهما فلا بأس ولا يسهم لأكثر من فرسين ولا لغير الخيل كفيل وبعير وبغل ونحوها ولو عظم غناؤها وقامت مقام الخيل2
__________
1 العقبة: المسافة.
2 لعدم إسهام النبي صلى الله عليه وسلم لغير الخيل، ولأنها لا تلحق الخيل في النفع.(2/28)
ومن استعار فرسا أو استأجره أو كان حبيسا وشهد به الوقعة فله سهمه وإن غصبه ولو من أهل الرضخ فقاتل عليه فسهم الفرس لمالكه ومن دخل دار الحرب راجلا ثم ملك فرسا أو استعاره أو استأجره وشهد به الوقعة فله سهم فارس ولو صار بعد الوقعة راجلا وإن دخلها فارسا ثم حضر الوقعة راجلا حتى فرغ الحرب لموت فرسه أو شروده أو غير ذلك فله سهم راجل ولو صار فارسا بعد الوقعة ويحرم قول الإمام من أخذ شيئا فهو له ولا يستحقه وقيل: يجوز لمصلحة يجوز تفضيل بعض الغانمين على بعض لغناء فيه كشجاعة ونحوها وإلا حرم ولا تصح الإجارة على الجهاد ولو كان ممن لا يلزمه فيرد الأجرة وله سهمه أو رضخه ومن أجر نفسه بعد أن غنموا على حفظ الغنيمة أو حملها وسوق الدواب ورعيها ونحوه أبيح له أخذ الأجرة على ذلك ولم يسقط من سهمه شيء ولو أجر نفسه بدابة معينة من المغنم أو جعلت أجرة ركوب دابة منها صح ومن مات بعد انقضاء الحرب فسهمه لوارثه لاستحقاق الميت له بانقضاء الحرب ولو قبل إحراز الغنيمة ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت وتشاركه فيما غنم - وتقدم في الباب قبله - وإن أقام الأمير ببلاد الإسلام وبعث سرية: فما غنمت فهو لها وإن أنفذ جيشين أو سريتين فكل واحدة منفردة غنمته وإن قسمت الغنيمة في أرض الحرب فتبايعوها أو تبايعوا غيرها ثم غلب عليها العدو فهي(2/29)
من ضمان مشترك1 وكذا لو تبايعوا شيئا في دار الإسلام زمن خوف ونهب ونحوه وللإمام البيع من الغنيمة قبل القسمة لمصلحة ومن وطىء جارية من المغنم قبل قسمة ممن له فيها حق أو لولده أدب ولم يبلغ به الحد وعليه مهرها يطرح في المقسم2 إلا أن تلد منه فيكون عليه قيمتها فقط وتصير أم ولد له والولد حر ثابت النسب ولا يتزوج في أرض العدو - ويأتي في النكاح - وإذا اعتق بعض الغانمين أسيرا من الغنيمة أو كان يعتق عليه: عتق عليه إن كان قدر حقه وإلا فكمعتق شقصا3 وقطع في المغني وغيره لا يعتق رجل قبل خيرة الإمام ويحرم الغلول - وهو كبيرة - والغال من الغنيمة - وهو من كتم ما غنمه أو بعضه - يجب حرق رحله كله ما لم يكن باعه أو وهبه إذا كان حيا حرا مكلفا ولو أنثى أو ذميا وإلا سلاحا ومصحفا وكتب علم وحيوانا بآلته من سرج ولجام وحبل ورحل ونحوه وعلفه وثياب الغال التي عليه ونفقته وسهمه وما غله ولا يحرم سهمه وما لم تأكله النار أو استثنى من التحريق فهو له ويعزز مع ذلك بالضرب ونحوه ولا ينفى ويؤخذ ما غل للمغنم فإن تاب قبل القسمة رد ما أخذه في المغنم وإن تاب بعدها أعطى الأمام خمسه وتصدق ببقيته على مستحقه ومن سرق من الغنيمة أو ستر على الغال أو أخذ منه
__________
1 لصحة البيع له ودخولها في ملكه.
2 إنما أدب لأن الملك فيها مشاع بين كثيرين: ولم يحد لأن له ملكا أو شبه ملك في الغنيمة.
3 يعني ينفذ في العنق في نصيبه فحسب ثم يسري إلى الباقي إن كان غنيا وعليه قيمة الباقي.(2/30)
ما أهدى له منها أو باعه إمام أو حاباه فليس بغال ولا يحرق رحله وإن لم يحرق رحل الغال حتى استحدث متاعا آخر ورجع إلى بلدة أحرق ما كان معه حال الغلول ولو غل عبد أو صبي لم يحرق رحله وإن استهلك العبد ما غله فهو في رقبته ومن أنكر الغلول وذكر انه ابتاع ما بيده لم يحرق متاعه حتى يثبت ببينة أو إقرار ولا يقبل في بينة الأعدلان وما أخذه من الفدية أو أهداه الكفار لأمير الجيش أو لبعض قواده أو بعض الغانمين في دار الحرب فغنيمة ولنا قطع شجرنا المثمر إن خفنا أن يأخذوه وليس لنا قتل نسائنا وصغارنا وإن خفنا أن يأخذوهم قاله في الرعاية.(2/31)
باب حكم الأرضين المغنومة
أضراب الأرضين المغنومة
...
باب حكم الأرضين المغنومة
وهي على ثلاثة أضرب: أحدها ما فتح عنوة وهي ما أجلي عنها أهلها بالسيف فيخير الإمام فيها تخيير مصلحة لا تشه بين قسمتها كمنقول فتملك به ولا خراج عليها ولا على ما أسلم أهله عليه كالمدينة أو صولح أهله على أن الأرض لهم كأرض اليمن والحيرة وتانقيا أو أحياه المسلمون كأرض البصرة وبين وقفها للمسلمين بلفظ يحصل به الوقف ويمتنع بيعها ونحوه ويضرب عليها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هي في يده من مسلم ومعاهد يكون أجرة لها ويلزمه الأصلح وليس لأحد نقولا نقضه نقض ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم(2/31)
من وقف أو قسمه أو فعله الأئمة بعده ولا تغييره1.
الثاني: ما جلا عنها أهلها خوفا وظهرنا عليها فتصير وقفا بنفس الظهور عليها.
الثالث: ما صولحوا عليه: وهو ضربان - أحدهما أن يصالحهم على أن الأرض لنا ونقرها معهم بالخراج فهذه تصير وقفا بنفس ملكنا لها كالتي قبلها وهما دار إسلام سواء سكنها المسلمون أو أقر أهلها عليها2 ولا يجوز إقرار كافر بها سنة إلا بجزية ولا إقرارهم بها على وجه الملك لهم ولا يكون خراجها أجرة لا يسقط بإسلامهم ويؤخذ منهم وممن انتقلت إليه من مسلم ومعاهد وما كان فيها من شجر وقت الوقف ضمن المستقبل لمن تقر بيده فيه عشر الزكاة كالمتجدد فيها.
الضرب الثاني: أن يصالحهم على أنها لهم ولنا الخراج عنها فهذا ملك لهم خراجها كالجزية إن أسلموا سقط عنهم كما لو انتقلت إلى مسلم لا إلى ذمي من غير أهل الصلح ويقرون فيها بغير جزية ما أقاموا على الصلح لأنها دار عهد بخلاف ما قبلها.
__________
1 لأن الحكم صار لازما وإنما يجوز تغييره إذا استردها الكفار بحرب وفتحناها ثانيا.
2 قوله: وهما:- مرجع الضمير الأرض التي جلا عنها أهلها والتي صالحونا على أنها لنا.(2/32)
فصل: المرجع في الخراج والجزية
...
فصل:- والمرجع في الخراج والجزية
إلى اجتهاد الإمام في نقص وزيادة ويعتبر الخراج بقدر ما تحتمله الأرض وعنه يرجع إلى ما ضربه عمر رضي الله عنه لا يزاد ولا ينقص وقد روى عنه في الخراج(2/32)
روايات مختلفة قال في المحرر: والأشهر عنه أنه جعل على جريب الزرع درهما وقفيرا من طعامه: وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم عشرة: وعلى جريب الرطب ستة: وظاهر ذلك أن جريب الزرع والحنطة وغيرها سواء في ذلك وفي الرعايتين خراج عمر رضي الله تعالى عنه على جريب الشعير درهم: والحنطة ربعة والرطبة ستة والنخل أنية: والكرم عشرة: والزيتون اثنا عشر - ويأتي ما ضربه في الجزية - والقفير ثمانية أرطال قال القاضي وجمع بالمكي: والمجد وجمع بالعراق - فعلى الأول يكون ستة عشر رطلا بالعراقي وهو الصحيح والثاني وهو قفيز الحجاج: وهو صاع عمر نصا والقفيز الهاشمي مكوكان: وهو ثلاثون رطلا عراقية والجريب عشر قصبات في عشر قصبات والقصبة ستة اذرع بذارع عمر وهو ذراع وسط وقبضة وإبهام قائمة فيكون الجريب ثلاثة آلاف ذراع وستمائة ذراع مكسرا وما بين الشجر من بياض الأرض تبع لها والخراج على المزارع دون المساكن حتى مساكن مكة ولا خراج على مزارعها وإنما كان حمد يمسح داره ويخرج عنها لأن بغداد كانت حين فتحت مزارع ويجب خراج على ما له ماء يسقى به إن زرع وإن لم يزرع فخراجه خراج قل ما يزرع ولا خراج على ما لا يناله الماء إذا لم يمكن زرعه وأن أمكن زرعه عاما ويراح عاما عادة وجب نصف خراجه في كل عام - قال الشيخ: ولو يبست الكروم بجراد أو غيره سقط من الخراج حسبما تعطل من النفع وإذا لم يمكن النفع به ببيع أو إجارة عمارة أو غيره لم يجز المطالبة(2/33)
بالخراج والخراج على المالك دون المستأجر والمستعير - وتقدم في زكاة الخارج من الأرض - وهو كالدين يحبس به الموسر وينظر به المعسر ومن كان في يده أرض فهو أحق بها بالخراج كالمستأجر وتنتقل إلى وارثه من بعده على الوجه الذي كانت في يده رثه فإن آثر بها أحدا ببيع أو غيره صار الثاني أحق بها: ومعنى البيع هنا يذلها بما عليها من خراج إن منعنا بيعها الحقيقي وإن عجز من هي في يده عن عمارتها وأداء خراجها أجبر على إيجارها أو رفع يده عنها لتدفع إلى من يعمرها ويقوم بخراجها ويجوز شراء أرض الخراج استنقاذا كاستنقاذ الأسير ومعنى الشراء أن تنتقل الأرض بما عليها من خراجها ويكره شراؤها للمسلم ويجوز لصاحب الأرض وإن يرشو العامل ويهدى له لدفع ظلمه في خراجه لا ليدع له منه شيئا: فالرشوة ما يعطي بعد طلبه: والهدية الدفع إليه ابتداء ويحرم على العامل الأخذ فيهما - ويأتي في أدب القاضي - ومن ظلم في خراجه لم يحتسه من عشره وإن رأى الإمام المصلحة في إسقاط الخراج عن إنسان أو يخففه جاز ويجوز للإمام إقطاع الأراضي والمعادن والدور - ويأتي بعضه في أحياء الموات - والكلف التي تطلب من البلد بحق أو غيره يحرم توفير بعضهم وجعل قسطه على غيره ومن قام فيها بنية العدل وتقليل الظلم مهما أمكن لله فكالمجاهد في سبيل الله - ذكره الشيخ ويأتي في المساقاة بعضه.(2/34)
باب الفيء
تعريف الفيء وفيما يصرف
...
باب الفيء
وهو ما أخذ من مال كافر بحق الكفر بلا قتال كجزية وخراج وزكاة تغلبي: وعشر مال تجارة حربي: ونصفه من ذمي: وما تركوه وهربوا أو بذلوه فزعا منا في الهدنة وغيرها وخمس خمس الغنيمة وما ل من مات منهم ولا وارث له: ومال المرتد إذا مات على ردته: فيصرف في مصالح الإسلام ويبدأ بالأهم فالأهم لجند المسلمين ثم بالأهم فالأهم من عمارة الثغور بمن فيه كفاية وكفاية أهلها وما يحتاج إليه من يدفع عن المسلمين من السلاح والكراع ثم الأهم فالأهم من سد الشوق جمه بثق وهو الخرق في أحد حافتي النهر وكرى الأنهار أي حفرها: وتنظيفها وعمل القناطر: أي الجسور: والطريق المساجد أرزاق القضاة والأئمة والمؤذنين والفقهاء ومن يحتاج إليه المسلمون وكل ما يعود نفعه على المسلمين ولا يخمس وإن فضل عن المصالح منه فضل قسم بين المسلمين غنيهم وفقيرهم إلا عبيدهم فلا يفرد العبد بالعطاء بل يزاد سيده وعنه يقدم المحتاج قال الشيخ: وهو أصح عن أحمد واختار أبو حكيم والشيخ لاحظ للرافضة فيه: وذكره في الهدى عن مالك وأحمد ويكون العطاء كل عام مرة أو مرتين ويفرض للمقاتلة قدر كفايتهم وكفاية عيالهم وتسن البداءة بأولاد المهاجرين الأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبدأ من قريش ببني هاشم ثم بني المطلب ثم بني عبد شمس ثم بني نوفل ثم يعطي بنو عبد العزى ثم بنو عبد الدار حتى تنقضي قريش - وقريش بنو النضرين كنانة وقيل بنو فهر بن مالك بن النضر - ثم بأولاد الأنصار ثم سائر العرب ثم العجم ثم الموالي وللإمام أن يفاضل بينهم بحسب السابقة ونحوها وإن استوى اثنان من أهل الفيء في درجة(2/35)
قدم اسبقهما إسلاما: فأسن فأقدم هجرة وسابقة ثم ولى الأمر مخير إن شاء أقرع بينهما وإن شاء رتبهما على رأيه وينبغي للإمام أن يضع ديوانا يكتب فيه أسماء المقاتلة وقدر أرزاقهم ويجعل لكل طائفة عريفا يقوم بأمرهم ويجمعهم وقت العطاء ووقت الغزو والعطاء الواجب لا يكون إلا لبالغ عاقل حر بصير صحيح يطيق القتال فإن مرض مرضا غير مرجو الزوال كزمانة ونحوها خرج من المقاتلة وسقط سهمه ومن مات بعد حلول وقت العطاء دفع إلى ورثته حقه ومن مات من أجناد المسلمين دفع إلى امرأته وأولاده الصغار قدر كفايتهم وإذا بلغ ذكورهم أهلا للقتال واختاروا أن يكونوا مقاتلة فرض لهم بطلبهم وإلا قطع فرضهم ويسقط فرض المرأة والبنات بالتزويج وبيت المال ملك للمسلمين يضمنه متلفه ويحرم الأخذ منه بلا إذن الإمام - ويأتي أنه غير وارث.(2/36)
باب الأمان وهو ضد الخوف
تعريفه وشروطه
...
باب الأمان وهو ضد الخوف
ويحرم به قتل ورق وأسر وأخذ مال ويشترط أن يكون من مسلم عاقل مختار لو مميزا حتى من عبد وأنثى وهرم وسفيه لا من كافر ولو ذميا ولا من مجنون وسكران وطفل ومغمى عليه ونحوه وعدم الضرر علينا وألا تزيد مدته على عشر سنين1 ويصح منجزا ومعلقا ويصح من إمام وأمير لأسير كافر بعد الاستيلاء عليه وليس ذلك لآحاد الرعية إلا أن يجبره الإمام ويصح من إمام لجميع المشركين وأمان
__________
1 وعدم الضر معطوف على قوله: ويشترط أن يكون، وكذلك قوله: وألا تزيد الخ.(2/36)
أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم وأما في حق غيرهم فهو كآحاد المسلمين لأن ولايته على قتال أولئك دون غيرهم ويصح أمان احد الرعية لواحد وعشرة وقافلة وحصن صغيرين عرفا كمائة أقل: وأمان أسير بدار حرب إذا عقده غير مكره وكذا أمان أجير وتاجر في دار الحرب ومن صح أمانه صح إخباره به إذا كان عدلا كالمرضعة على فعلها ولا ينقض الإمام أمان مسلم إلا أن يخاف خيانة من أعطيته ويصح بكل ما يدل عليه من قول وإشارة مفهومة ورسالة وكتاب فإذا قال للكافر أنت آمن أو لا بأس عليك أو آجرتك أو قف أو قم ولا تخف أو لا تخش أو لا خوف عليك أو لا تذهل أو الق سلاحك أو مترس بالفارسية أو سلم عليه أو امن يده أو بعضه فقد أمنه وكذا لو باعه الإمام فإن أشار إليهم بما اعتقدوه أمانا وقال: أردت به الأمان فهو أمان: وإلا فالقول قوله وإن خرج الكفار من حصنهم بناء على هذه الإشارة لم يجز قتلهم ويردون إلى مأمنهم وإن مات المسلم أو غاب ردوا إلى مأمنهم وإذا قال لكافر أنت آمن فرد الأمإن لم ينعقد وإن قبله ثم رده لو بصوله على المسلم وطلبه نفسه أو جرحه أو عضوا من أعضائه انتقض وإن سبيت كافرة وجاء ابنها يطلبها وقال أن عندي أسيرا مسلما فأطلقوها حتى احضره فقال الإمام احضره فاحضره لزم إطلاقها فإن قال الإمام لم أرد إجابته لم يجبر على ترك أسيره ورد إلى مأمنه ومن جاء بمشرك فادعى أنه أسره أو اشتراه بماله وادعى المشرك عليه أنه أمنه فأنكر فالقول قول المسلم ويكون على(2/37)
ملكه ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام لزم إجابته ثم يرد إلى مأمنه وإذا أمنه سرى إلى من معه من أهل ومال إلا أن يقول أمنتك وحدك ونحوه ومن أعطى أمانا ليفتح حصنا فتحه أو أسلم واحد منهم ثم ادعوه واشتبه علينا فيهم حرم قتلهم واسترقاقهم وإن قال كف عني حتى أدلك على كذا فبعث معه قوما ليدلهم فامتنع من الدلالة فلهم ضرب عنقه قال أحمد إذا لقي علجا فطلب منه الأمان فلا يؤمنه لأنه يخاف شره وإن كانوا سرية فلهم أمانة وإن لقيت السرية أعلاجا فادعوا أنهم جاؤا مستأمنين قبل منهم إن لم يكن معهم سلاح ويجوز عقده لرسول ومستأمن ويقيمون الهدنة بغير جزية ومن دخل منا دارهم بأمان حرمت عليه خيانتهم ومعاملتهم بالربا فإن خانهم أو سرق منهم أو افترض شيئا وجب رده إلى أربابه ومن جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضنا لأمانه ومن دخل دار الإسلام بغير أمان وادعى أنه رسول أو تاجر ومعه متاع يبيعه قبل منه إن صدقته عادة كدخول تجارهم إلينا ونحوه وإلا فكأسير وإن كان جاسوسا فكأسير وإن كان ممن ضل الطريق أو حملته ريح في مركب إلينا أو شرد إلينا بعض دوابهم أو أبق رقيقهم فهو لمن أخذه غير مخموس ولا يدخل احد منهم إلينا بلا أذن ولو رسولا وتاجرا وينتقض الأمان برده ربا لخيانه وتقدم وإن أودع المستأمن ماله مسلما أو ذميا أو أقرضه إياه ثم عاد إلى دار الحرب لتجارة أو حاجة على عزم عوده إلينا فهو على أمانه وإن دخل إلى دار الحرب مستوطنا أو محاربا أو نقض ذمي عهده لحق(2/38)
بدار حرب أم لا انتقض في نفسه وبقي في ماله فيبعث به إليه أن طلبه وإن تصرف فيه ببيع أو هبة ونحوهما صح تصرفه وإن مات فلوارثه فإن عدم ففيء وإن كان المال معه انتقض الأمان فيه كنفسه وإن أسر المستأمن أو استرق وقف ماله فإن أعتق أخذه وإن مات قنا ففيء وإن أخذ مسلم من حربي في دار الحرب مالا مضاربة أو وديعة ودخل به دار الإسلام فهو في أمان وإن أخذه ببيع في الذمة أو قرض فالثمن في ذمته عليه أداؤه إليه وإن اقترض حربي من حربي مالا ثم دخل إلينا فاسلم فعليه رد البدل كما لو تزوج حرية ثم أسلم لزمه رد مهرها وإذا سرق المستأمن في دارنا أو قتل أو غصب ثم عاد إلى دار الحرب ثم خرج مستأمنا مرة ثانية استوفى منه ما لزمه في أمانة الأول وإن اشترى عبدا مسلما فخرج به إلى دار الحرب ثم قدر عليه لم يغنم لأنه لم يثبت ملكه عليه لكون الشراء باطلا ويرد إلى بائعه ويرد بائعه الثمن إلى الحربي فإن كان العبد تالفا فعلى الحربي قيمته ويترادان الفضل وإذا دخلت الحربية بأمان فتزوجت ذميا في دارنا ثم أرادت الرجوع لم تمنع إذا رضي زوجها أو فارقها وإن أسر كفار مسلما فأطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة أو أبدا لزمه الوفاء - قال الشيخ: ما ينبغي له أن يدخل معهم في التزام الإقامة أبدا لأن الهجرة واجبة عليه انتهى - وإن لم يشترطوا شيئا أو شرطوا كونه رقيقا ولم يأمنوه فله أن يقتل ويسرق ويهرب وإن أحلفوه على ذلك وكان مكرها لم تنعقد يمينه وإن أمنوه فله الهرب فقط ويلزمه المضي إلى دار الإسلام إن أمكنه وإن تعذر عليه أقام وكان حكمه(2/39)
حكم من أسلم في دار الحرب فإن خرج وتبعوه فأدركوه قاتلهم وبطل الأمان وإن أطلقوه بشرط أن يبعث إليهم مالا باختياره فإن عجز عاد إليهم لزمه الوفاء إلا أن تكون امرأة فلا ترجع ويجوز نبذ الأمان إليهم أن توقع شرهم وإذا أمن العدو في دار الإسلام إلى مدة صح فإذا بلغها واختار البقاء في دارنا أدى الجزية وإن لم يخثر فهو على أمانه حتى يخرج إلى مأمنه.(2/40)
باب الهدنة
تعريفها وشروطها
...
باب الهدنة
وهو العقد على ترك القتال مدة معلومة بعوض وبغير عوض وتسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة ومسالمة ولا يصح عقدها إلا من إمام أو نائبه ويكون العقد لازما ويلزمه الوفاء بها فإن هادنهم غيرهما لم تصح ولا تصح إلا حيث جاز تأخير الجهاد فمتى رأى المصلحة في عقدها لضعف المسلمين عن القتال أو لمشقة الغزو أو لطمعه في إسلامهم أو في أدائهم الجزية أو غير ذلك جاز ولو بمال منا ضرورة مدة معلومة ولو فوق عشر سنين وإن هادنهم مطلقا أو معلقا بمشيئة كما شئنا أو شئتم أو شاء فلان أو ما أقركم الله عليه لم يصح وإن نقضوا العهد بقتال أو مظاهرة أو قتل مسلم أو أخذ مال انتقض عهدهم وحلت دماؤهم وأموالهم وسبي ذراريهم وإن نقض بعضهم دون بعض فسكت باقيهم عن الناقض ولم يوجد منهم إنكار ولا مراسلة الإمام ولا تبر فالكل ناقضون وإن أنكر من لم ينقض على الباقين بقول أو فعل ظاهر أو اعتزال أو راسل الإمام باني منكر ما فعله الناقض مقيم على العهد لم(2/40)
ينتقض في حقه ويأمر الإمام بالتمييز ليأخذ الناقض وحده فإن امتنع من التميز لم ينتقض عهده فإن أسر الإمام منهم قوما فادعى الأسير أنه لم ينقض وأشكل ذلك عليه قبل قول الأسير وإن شرط فيها شرطا فاسدا كنقضها متى شاء أورد النساء المسلمات أو صداقهن أو رد صبي عاقل أو رد الرجال مع عدم الحاجة إليه أو رد سلاحهم أو إعطائهم شيئا من سلاحنا أو من آلات الحرب أو شرط لهم مالا في موضع لا يجوز بذله أو إدخالهم الحرم بطل الشرط فقط فلا يجب الوفاء به ولا يجوز وأما الطفل الذي لا يصح إسلامه فيجوز شرط رده ومتى وقع العقد باطلا فدخل ناس من الكفار درا الإسلام معتقدين الأمان كانوا آمنين ويردون إلى دار الحرب ولا يقرون في دار الإسلام وإن شرط رد من جاء من الرجال مسلما جاز لحاجة فلا يمنعهم أخذه ولا يجيره على ذلك وله أن يأمره سرا بقتالهم والهرب منهم وله ولمن أسلم معه أن يتحيزوا ناحية ويقتلوا من قدروا عليه من الكفار ويأخذوا أموالهم ولا يدخلون في الصلح فإن ضمهم الإمام إليه بإذن الكفار دخلوا في الصلح وإذا عقدها من غير شرط لم يجز لنا رد من جاءنا مسلما أو بأمان حرا كان أو عبدا رجلا أو امرأة ولا يجب رد مهر المرأة وإذا طلبت امرأة أو صبية مسلمة الخروج من عند الكفار جاز لكل مسلم إخراجها وإن هرب منهم عبد أسلم لم يرد إليهم وهو حر ويضمنون ما أتلفوه لمسلم ويحدون لقذفه ويقادون لقتله ويقطعون بسرقة ماله ولا يحدون لحق الله تعالى.(2/41)
فصل:- وعلى الإمام حماية من هادنه من المسلمين وأهل الذمة
دون غيرهم كأهل حرب فلو أخذهم أو مالهم غيرهما حرم أخذنا1 وإن سباهم كفار آخرون أو سبى بعضهم بعضا لم يجز لنا شراؤهم وإن سبي بعضهم ولد بعض وباعه صح لنا شراء ولدهم وأهليهم كحربي باع أهله وأولاده وإن خاف نقض العهد منهم بإمارة تدل عليه جاز نبذه إليهم بخلاف ذمته فيعلم بنقض عهدهم وجوبا قبل الإغارة والقتال ومتى نقضها وفي دارنا منهم أحد وجب ردهم إلى مأمنهم وإن كان عليهم حق استوفى منهم وينتقض عهد نساء وذرية بنقض عهد رجالهم تبعا ويجوز قتل رهائنهم إذا قتلوا رهائننا ومتى مات إمام أو عزل لزم من بعده الوفاء.
__________
1 يريد لو أخذ غير المسلمين وأهل الذمة شيئا من الكفار المهادنين حرم علينا على المأخوذ منهم لأنهم في أماننا.(2/42)
باب عقد الذمة
شروطه
...
باب عقد الذمة
لا يصح عقدها إلا من إمام أو نائبه ويحرم من غيرهما ويجب عقدها إذا اجتمعت الشروط مالم يخف غائلة منهم وصفة عقدها أقررتكم بجزية واستسلام أو يبذلون ذلك فيقول أقررتكم على ذلك ونحوهما فالجزية مال يؤخذ منهم على وجه الصغار كل عام بدلا عن قتلهم وإقامتهم بدارنا ولا يجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين أحدهما التزام إعطاء الجزية كل حول والثاني التزام أحكام الإسلام وهو قبول ما يحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم ولا يجوز عقدها إلا لأهل الكتابين ولمن وافقهما في التدين بالتوراة والإنجيل كالسامرة والفرنج ولمن له شبهة كتاب كالمجوس والصابئين - وهم(2/42)
جنس من النصارى نصا - ومن عاداهم فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل وإذا عقد الإمام الذمة للكفار زعموا أنهم أهل كتاب ثم تبين يقينا أنه عبدة أوثان فالعقد باطل ومن انتقل إلى حد الأديان الثلاثة من غير أهلها بان تهود أو تنصر أو تمجس قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولو بعد التبديل فله حكم الدين انتقل إليه من إقراره بالجزية وغيره وكذا بعد بعثته وكذا من ولد بين أبوين لا تقبل الجزية من أحدهما إذا اختار دين من يقبل منه الجزية - ويأتي إذا انتقل أحد أهل الأديان الثلاثة إلى غير دينه.(2/43)
فصل: فيمن لا تؤخذ منهم الجزية
...
فصل: ولا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب
ولو بذلوها بل من حربي منهم لم يدخل في الصلح إذا بذلها وليس للإمام نقض عهدهم وتجديد الجزية عليهم لأن عقد الذمة مؤبد وقد عقده عمر رضي الله عنه هكذا فلا يغيره إلى الجزية وإن سألوه وتؤخذ الزكاة منهم عوضها من ماشية وغيرها ما تجب فيه زكاة مثلى ما يؤخذ من المسلمين حتى ممن لا تلزمه جزية فيؤخذ من نسائهم وصغارهم ومجانينهم وزمناهم ومكافيفهم وشيوخهم ونحوهم ولا تؤخذ من فقير ولا ممن له مال دون نصاب أو غير زكوى ولو كان المأخوذ من أحدهم أقل من جزية ذمي ويلحق بهم كل من أباها إلا باسم الصدقة من العرب وخيف منهم الضرر كم تنصر من تنوخ وبهراء أو تهود من كنانة وحميرا وتمجس من بني تميم ومضر ومصرف ما يؤخذ منهم كجزية ولا جزية على من لا يجوز قتله إذا أسر لا تجب على صغير ولا امرأة(2/43)
ولا خنثى فإن بان رجلا أخذ منه للمستقبل فقط ولا على مجنون ولا زمن أعمى ولا شيخ فإن ولا راهب بصومعة - وهو الذي حبس نفسه وتخلى عن الناس في دينهم ودنياهم - ولا يبقى بيده ماله إلا بلغته فقط ويؤخذ ما بيده وأما الرهبان الذين يخالطون الناس ويتخذون المتاجر والمزارع فحكمهم كسائر النصارى تؤخذ منهم الجزية باتفاق المسلمين - قاله الشيخ - وتؤخذ من الشماس كغيره ولا على عبد ولو لكافر بل على معتق ذمي ولو اعتقه مسلم ومعتق بعضه بقدر حريته ولا على فقير يعجز عنها غير معتمل فإن كان معتملا وجبت عليه ومن بلغ أو أفاق أو استغنى ممن تعقد له الجزية فهو من أهلها بالعقد الأول ولا يحتاج إلى استئناف عقد وتؤخذ في آخر الحول بقدر ما أدرك ومن كان يجن ويفيق لفقت إفافته فإذا بلغت حولا أخذت منه وإن كان في الحصن نساء أو من لا جزية عليه فطلبوا عقد الذمة بغير جزية أجيبوا إليها وإن طلبوا عقدها بجزية أخبروا أنه لا جزية عليهم فإن تبرعوا بها كانت هبة متى امتنعوا منها لم يجبروا وإن بذلتها امرأة لدخول دارنا فسكنت مجانا إلا أن تتبرع به بعد معرفتها أن لا شيء عليها لكن يشترط عليها التزام أحكام الإسلام ويعقدها الذمة ومرجع جزية وخراج إلى اجتهاد الإمام وتقدم وعنه إلى ما ضر به عمر فيجب أن يقسمه الإمام عليهم فيجعل على الموسر ثمانية وأربعين درهما وعلى المتوسط أربعة وعشرين وعلى الأدون أثنى عشر ويجوز أن يأخذ عن كل أثني عشر درهما دينارا ولا يتعين أخذها من ذهب(2/44)
ولا فضة بل من كل الأمتعة بالقيمة ويجوز أخذ ثمن الخمر والخنزير عن الجزية والخراج إذا تولوا بيعها وقبضوه والغني فيهم من عده الناس غنيا عرفا ومتى بذلوا الواجب لزم قبوله ودفع من قصدهم باذي في دارنا وحرم قتالهم وأخذ مالهم ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه الجزية لا أن مات أو طرأ عليه مانع من جنون ونحوه فتؤخذ من تركة ميت من مال حي وإن طرأ المانع في أثناء الحول كموت سقطت ومن اجتمعت عليه جزية سنين استوفيت كلها ولم تتداخل وتؤخذ كل سنة هلالية مرة بعد انقضائها ولا تجوز مطالبته بها عقب عقد الذمة ويمتهنون عند أخذها وتجر أيديهم عند أخذها ويطال قيامهم حتى يألموا ويتعبوا ويؤخذ منهم وهم قيام والآخذ جالس ولا يقبل منهم إرسالها مع غيرهم لزوال الصغار كما لا يجوز تفريقها بنفسه بل يحضر الذمي بنفسه ليؤديها وهو قائم وليس للمسلم أن يتوكل لهم في أدائها ولا أن يضمنها ولا أن يحيل الذمي عليه بها ولا يعذبون في أخذها ولا يشتط عليهم.(2/45)
فصل: ما يشترط مع الجزية من الضيافة
...
فصل:- ويجوز أن يشرط عليهم مع الجزية ضيافة
من يمر بهم من المسلمين المجاهدين وغيرهم حتى الراعي وعلف دوابهم ويبين أيام الضيافة والأدام والعلف وعدد من يضاف من الرجالة والفرسان والمنزل فيقول تضيفون في كل سنة مائة يوم في كل يوم عشرة من المسلمين من خبز كذا وكذا وللفرس من الشعير كذا ومن التبن كذا ويبين لهم ما على الغني الفقير فيكون ذلك بينهم على قدر جزيتهم فإن شرط(2/45)
الضيافة مطلقا - قال في الشرح والفروع صح وتكون مدتها يوما وليلة - ولا تجب من غير شرط فلا يكلفون الضيافة ولا الذبيحة ولا أن يضيفوا بأرفع من طعامهم وللمسلمين النزول في الكنائس والبيع فإن لم يجدوا مكانا فلهم النزول في الأفنية وفضول المنازل وليس لهم تحويل صاحب المنزل منه فإن امتنع بعضهم من القيام بما يجب عليه اجبر عليه فإن امتنع الجميع اجبروا فإن لم يمكن إلا بالقتال قوتلوا فإن قاتلوا انتقض عهدهم فإن جعل الضيافة مكان الجزية صح وإذا شرط في الذمة شرطا فاسدا مثل أن يشترط الأجزية عليهم أو إظهارهم المنكر أو إسكانهم الحجاز ونحوه فسد العقد وإذا تولى إمام فعرف قدر جزيتهم أو قامت به بينة أو كان ظاهرا اقرهم عليه وإن لم يعرفه رجع إلى قولهم فيما يسوغ أن يكون جزية وله تحليفهم مع التهمة فإن بان له كذبهم رجع عليهم وإذا عقد الإمام الذمة كتب أسماءهم وأسماء آبائهم وحلاهم ودينهم وجعل لكل طائفة عريفا مسلما يجمعهم عند أداء الجزية ويكشف حال من بلغ أو استغنى أو أسلم أو سافر ونحوه أو نقض العهد أو خرق شيئا من أحكام الذمة وما يذكره بعض أهل الذمة أن معهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عنهم لم يصح ومن أخذت منه الجزية كتبت له براءة لتكون له حجة إذا احتج إليها ويأتي في الباب بعده.(2/46)
باب أحكام الذمة
ما يلزم للإمام تجاههم
...
باب أحكام الذمة
يلزم الإمام أن يأخذهم بأحكام الإسلام في ضمان النفس والمال والعرض وإقامة الحد عليهم فيما يعتقدون تحريمه كزنا وسرقة لا فيما يعتقدون حله كشرب خمر نكاح المحرم أو يرون صحته من العقود ولو رضوا بحكمنا - قال الشيخ: واليهودي إذا تزوج بنت أخيه أو أخته كان ولده منها يلحقه ويرثه باتفاق المسلمين وإن كان هذا النكاح باطلا باتفاق المسلمين - ويلزمهم التمييز عن المسلمين فيشترطه الإمام في شعورهم بحذف مقادم رؤسهم بان يجزوا نواصيهم ولا يتحذفوا شوابين1 لأنه من عادة الأشراف وبترك الفرق فلا يفرق شعر جمته فرقتين كما يفرق النساء وكناهم فلا يتكنون بكنى المسلمين كأبي القاسم وأبي عبد الله وأبي محمد وأبي الحسن وأبي بكر ونحوها وكذا لقب كعز الدين ونحوه ولا يمنعون الكنى بالكلية ويلزمهم الانقياد لحكمنا إذا جرى عليهم ولهم ركوب غير خيل بلا سرج عرضا بان تكون رجلاه إلى جانب وظهره إلى الآخر على الأكف جمع إكاف وهو البرذعة وفي لباسهم الغيار فيلبسون ثوبا يخالف لونه بقية ثيابهم كعسلي ليهود: وهو ضرب من اللباس معروف وأركن لنصارى يضرب إلى السواد وهو الفاختي ويكون هذا في ثوب واحد لا في جميعها ولامرأة غيار بخفين مختلفي اللون كأبيض وأحمر ونحوهما إن خرجت بخف وشد الخرق الصفر ونحوها في قلانسهم وعمائمهم مخالفة للونها ولما صارت العمامة الصفراء والزرقاء والحمراء من شعارهم حرم على المسلم لبسها والظاهر أنه يجتزأ بها في حق الرجال عن الغيار ونحوه لحصول
__________
1 أي لا يرسلوا شعر ما بين النزعة والعذار وهو شعر الصدغين.(2/47)
التمييز الظاهر بها وهو في الأزمنة وقبلها كالإجماع لأنها صارت مألوفة فإن أرادوا العدول عنها منعوا وإن تزيا يها مسلم أو علق صليبا بصدره حرم ولم يكفر ولا يتقلدوا السيوف ولا يحملوا السلاح ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا بأس أن يعلموا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتعلمون العربية ويمنعون من العمل بالسلاح وتعلم المقاتلة بالثقاف والرمي وغيره ويؤمر النصارى بشد الزنار فوق ثيابهم وهو خيط غليظ على أوساطهم خارج الثياب وليس لهم إبداله بمنطقة ومنديل ونحوهما وللمرأة ثيابها ويكفي أحدهما أي الغيار أو الزنار ولا يمنعون فاخر الثياب ولا العمائم والطيلسان لحصول التمييز بالغيار والزنار ويجعل في رقابهم خواتيم من رصاص أو حديد لا من ذهب وفضة ولو جعل في عنقه صليبا لم يجز أو جلجل جرس صغير لدخولهم حمامنا ويلزم تمييز قبورهم عن قبورنا تمييزا ظاهرا كالحياة وأولى وينبغي مباعدة مقابرهم عن مقابر المسلمين وظاهره وجوبا لئلا تصير المقبرتان واحدة لأنه لا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين وكلما بعدت عنها كان اصلح ويكره الجلوس في مقابرهم ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا القيام لهم ولا لمبتدع يجب هجره ولا يوقرون كما يوقر المسلم ولا تجوز بداءتهم بالسلام فإن كان معهم مسلم نواه بالسلام ولا يجوز قوله لهم كيف أصبحت وكيف أمسيت وكيف أنت وكيف حالك - وقال الشيخ: يجوز أن يقال له أهلا وسهلا وكيف أصبحت ونحوه ويجوز قوله له: أكرمك الله وهداك الله يعني بالإسلام ويجوز أطال الله بقاءك وأكثر(2/48)
مالك وولدك قاصدا بذلك كثرة الجزية - ولو كتب كتابا إلى كافر وكتب فيه سلاما: كتب سلام على من اتبع الهدى وإن سلم على من ظنه مسلما ثم علم أنه ذمي استحب قوله له: رد علي سلامي وإن سلم أحدهم لزم رده فيقال له وعليكم أو عليكم وبالواو أولى وإذا لقيه المسلم في طريق فلا يوسع له ويضطره إلى أضيقه وتكره مصافحته وتشميته والتعرض لما يوجب المودة بينهما وإن شمته كافر أجابه ويحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم وعنه تجوز العيادة إن رجي إسلامه فيعرضه عليه واختاره الشيخ وغيره وقال: ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى وبيعه لهم فيه ومهاداتهم لعيدهم ويحرم بيعهم ما يعملونه كنيسة أو تمثالا ونحوه وكل ما فيه تخصيص كعيدهم وتمييز لهم وهو من التشبه بهم والتشبه بهم منهي عنه إجماعا وتجب عقوبة فاعله وقال والكنائس ليس ملكا لأحد وأهل الذمة ليس لهم منه من يعبد الله فيها لأنا صالحناهم عليه والعابد بينهم وبين الغافلين أعظم أجرا انتهى - وتكره التجارة والسفر إلى أرض العدو وبلاد الكفر مطلقا وإلى بلاد الخوارج والبغاة والروافض والبدع المضلة ونحو ذلك وإن عجز عن إظهار دينه فيها فحرام سفره إليها ويمنعون من تعلية بنيان لا مساواته جار مسلم ولو كان بنيان المسلم في غاية القصر أو رضي وإن لم يلاصق بحيث يطلق عليه اسم الجار قرب أو بعد حتى ولو كان البناء مشتركا بين مسلم وذمي ويجب هدمه أي العالي أن أمكن هدمه بمفرده واقتصر عليه ويضمن ما تلف به قبله وإن ملكوه عاليا من مسلم أو بني المسلم أو ملك دارا إلى جانب دار لذمي(2/49)
دونها لم تنقض: لكن لا تعاد عالية لو انهدمت أو هدمت فإن تشعث العالي ولم ينهدم فله رمه وإصلاحه وإن كانوا في محلة منفردة عن المسلمين لا يجاورهم فيها مسلم تركوا وما يبنونه كيف أرادوا ولو وجدنا دار ذمي عالية ودار مسلم أنزل منها وشككنا في السابقة: فقال ابن القيم في كتاب أحكام الذمة له لا تقر لأن التعلية مفسدة وقد شككنا في شرط الجواز انتهى ولو أمر الذمي بهدم بنائه فبادر وباعه من مسلم صح وسقط الهدم كما لو بادر وأسلم ويمنعون من إحداث كنائس وبيع في دار الإسلام وبناء صومعة لراهب ومجتمع لصلواتهم قاله في المستوعب وما فتح صلحا على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها فلهم إحداث ما يختارون وإن صولحوا على أن الدار للمسلمين فلهم أحداث ما يختارون وإن صولحوا على أن الدار للمسلمين فلهم الأحداث بشرط فقط ولا يجب هدم ما كان موجودا منها وقت فتح ولو كان عنوة ولهم رم ما تشعث منها لا الزيادة ويمنعون من بناء ما استهدم منها ولو كلها أو هدم ظلما ومن إظهار منكر وإظهار ضرب ناقوس ورفع صوتهم بكتابهم أو على ميت وإظهار عيد وصليب وأكل وشرب في نهار رمضان ومن إظهار بيع مأكول فيه كشوي ذكره القاضي ومن شراء مصحف وكتاب فقه وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ارتهان ذلك ولا يصحان ولا يمنعون من شراء كتب اللغة والأدب والنحو والتصريف التي لا قرآن فيها دون كتب الأصول ويكره بيعهم ثيابا مكتوبا عليها بطراز أو غيره ذكره الله تعالى أو كلامه ويمنعون من قراءة قرآن وإظهار خمر وخنزير فإن فعلوا أتلفناهما وإلا فلا وإن باعوا الخمر للمسلمين استحقوا(2/50)
العقوبة من السلطان وللسلطان أن يأخذ منهم الأثمان التي قبضوها من مال المسلمين بغير حق ولا ترد إلى من اشترى بها منهم الخمر فلا تجمع له بين العوض والمعرض ومن باع خمرا للمسلمين لم يملك ثمه ويصرف في مصالح المسلمين كما قيل في مهر البغي وحلوان الكاهن وأمثال ذلك مما هو عوض عن عين أو منفعة محرمة إذا كان المعارض قد استوفى المعوض قاله الشيخ وإن صولحوا في بلادهم على إعطاء جزية أو خراج لم يمنعوا شيئا من ذلك ويمنعون دخول حرم مكة ولو غير مكلف لا حرم المدينة فإن قدم رسول لا بد له من لقاء الإمام وهو به خرج إليه ولم يأذن له فإن دخل عالما عزر وأخرج وينهى الجاهل ويهدد ويخرج قاله الموفق والشارح وابن عبيدان وغيرهم فإن مرض أو مات أخرج وإن دفن نبش إلا أن يكون قد بلى وإن صالحهم الإمام على دخول الحرم بعوض فالصلح باطل فإن دخلوا إلى الموضع الذي صالحهم عليه لم يرد عليهم العوض وإن دخلوا إلى بعضه أخذ من العوض بقدره ويمنعون من الإقامة بالحجاز وهو الحاجز بين تهامة ونجد كالمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفدك وما والاها من قراها - قال الشيخ: منه تبوك ونحوها وما دون المنحنى وهو عقبة صوان من الشام كمعان وليس لهم دخوله إلا بإذن الإمام وفي المستوعب وقد وردت السنة بمنعهم من جزيرة العرب - وحد الجزيرة على ما ذكره أبو عبيد من عدن إلى ريف العراق طولا ومن تهامة إلى ما وراءها إلى أطراف الشام فإن دخلوا الحجاز لتجارة لم يقيموا في موضع واحد أكثر(2/51)
من ثلاثة أيام وله أن يقيم مثل ذلك في موضع آخر وكذا في ثالث ورابع فإن أقام أكثر منها في موضع واحد عزر إن لم يكن عذر فإن كان فيهم من له دين أجبر غريمه على وفائه فإن تعذر جازت الإقامة لاستيفائه وإن كان مؤجلا لم يمكن ويوكل وإن مرض جازت إقامته حتى يبرأ وتجوز الإقامة أيضا لمن يمرضه وإن مات دفن به ولا يمنعون من تيماء وفيك ونحوهما وليس لهم دخول مساجد الحل ولو بإذن مسلم ويجوز دخولها للذمي إذا استؤجر لعمارتها.(2/52)
فصل: وإن اتجر ذمي الخ
...
فصل:- وإن اتجر ذمي
ولو صغيرا أو أنثى أو تغلبيا إلى غير بلده ثم عاد ولم يؤخذ منه الواجب في الموضع الذي سافر إليه من بلادنا فعليه نصف العشر مما معه من مال التجارة ويمنعه دين ثبت على الذمي ببينة كزكاة ولو كان معه جارية فادعى أنها زوجته أو ابنته صدق ولا يعشر ثم خمر وخنزير يتبايعونه وإن اتجر حربي إلينا ولو صغيرا أو أنثى أخذ من تجارته العشر دفعة واحدة وسواء عشروا أموال المسلمين إذا دخلت إليهم أم لا ولا يؤخذ من أقل من عشرة دنانير فيها ويؤخذ كل عام مرة ويحرم تعشير أموال المسلمين والكلف التي ضربها الملوك على الناس: بغير طريق شرعي إجماعا - قال القاضي: لا يسوغ فيها اجتهاد قال الشيخ: لولى يعتقد تحريمه منع موليته من التزويج ممن لا ينفق عليها إلا منه - وعلى الإمام حفظهم والمنع من إذاهم واستنفاذ أسراهم بعد فك أسرانا ولو لم يكونوا في معونتنا ويكره أن يستعين مسلم ذمي في شيء من أمور المسلمين(2/52)
مثل كتابة وعمالة وجباية خراج وقسمة فيء وغنيمة وحفظ ذلك في بيت المال وغيره ونقله إلا لضرورة ولا يكون بوابا ولا جلادا ولا جهيدا - وهو النقاد الخبير - ونحو ذلك ويحرم توليتهم الولايات من ديوان المسلمين أو غيره وتقدم نحو الاستعانة بهم في القتال في باب ما يلزم الإمام والجيش ويكره أن يستشاروا أو يؤخذ برأيهم فإن أشار الذمي بالفطر في الصيام أو الصلاة جالسا لم يقبل لتعلقه بالدين وكذا لا يستعان بأهل الأهواء ويكره للمسلم أن يستطب ذميا لغير ضرورة وإن يأخذ منه دواء لم يقف على مفرداته المباحة وكذا وصفه من الأدوية أو عمله لأنه لا يؤمن أن يخلطه بشي من المسمومات أو النجاسات وإن تطب ذمية مسلمة والأولى ألا تقبلها في ولادتها مع وجود مسلمة وإن تحاكموا إلى حاكمنا مع مسلم ألزم الحكم بينهم وإن تحاكم بعضهم مع بعض أو مستأمنان أو استعدي بعضهم على بعض خير بين الحكم وتكره فيحكم ويعدي بطلب أحدهما وفي المستأمنين باتفاقهما ولا يحكم إلا بحكم الإسلام ويلزمهم حكمنا لا شريعتنا وإن لم يتحاكموا إلينا ليس للحاكم أن يتبع شيئا من أمورهم ولا يدعو إلى حكمنا نصا ولا يحضر يهوديا يوم السبت - ذكره ابن عقيل - وإن تبايعوا بيوعا فاسدة وتقابضوا من الطرفين ثم أتونا وأسلموا لم ينقض فعلهم وإن لم يتقابضوا فسخه سواء كان قد حكم بينهم حاكمهم أو لا لعدم لزومهم حكمه لأنه لغو وإن تبايعوا بربا في سوقنا منعوا وإن عامل الذمي بالربا وباع الخمر والخنزير ثم أسلم(2/53)
وذلك المال في يده لم يلزمه أن يخرج منه شيئا وأطفال المسلمين في الجنة وأولاد الزنا من المؤمنين في الجنة وأطفال المشركين في النار - قال القاضي: هو منصوص أحمد قال الشيخ: غلط القاضي على أحمد بل يقال الله أعلم بما كانوا عاملين - ويأتي إذا مات أبو الطفل أو أحدهما في المرتد وإن اسلم بشرط ألا يصلي إلا صلاتين أو يركع ولا يسجد ونحوه صح إسلامه ويؤخذ بالصلاة كاملة وينبغي أن يكتب لهم كتابا بما أخذ منهم ووقت الأخذ وقدر المال لئلا يؤخذ منهم شيء قبل انقضاء الحول وإن يكتب ما استقر من عقد الصلح معهم في دواوين الأمصار ليؤخذوا به إذا تركوه وإن تهود نصراني أو تنصر يهودي لم يقر ولم يقبل منه إلا الإسلام أو الذي كان عليه فإن أبى هدد وضرب وحبس ولم يقتل وإن اشترى اليهود نصرانيا فجعلوه يهوديا عزروا ولا يكون مسلما وإن انتقلا إلى دين المجوس أو انتقلا إلى غير دين أهل الكتاب لم يقر ولم يقبل منه إلا الإسلام أو السيف فيقتل إن أبى الإسلام بعد وإن انتقل غير الكتابي إلى دين أهل الكتاب أقر ولو مجوسيا وكذا أن تمجس وثني ومن أقررناه على تهود أو تنصر أبيحت ذبيحته ومنا كحته وإن تزندق ذمي لم يقتل لأجل الجزية نصا وإن كذب نصراني بموسى خرج من النصرانية كتكذيبه عيسى ولم يقر لا يهودي بعيسى.(2/54)
فصل: نقض العهد وأحكامه
...
فصل: وفي نقض العهد
ومن نقضه بمخالفة شيء مما صولحوا عليه حل ماله ودمه ولا يقف على حكم الإمام فإذا امتنع من بذل الجزية أو التزام أحكام ملة الإسلام بأن يمتنع من جري أحكامنا عليه ولو لم يحكم عليه حاكمنا أو أبى الصغار أو قاتل المسلمين منفردا أو مع أهل الحرب أو لحق بدار حرب مقيما بها انتقض عهده ولو لم يشترط عليهم وكذا لو تعدى على مسلم ولو عبدا بقتل عمدا أو فتنه عن دينه أو تعاون على المسلمين بدلالة: مثل مكاتبة المشركين ومراسلتهم بأخبارهم أوزنا بمسلمة ولا يعتبر فيه إذن الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره - قاله الشيخ - أو أصابها باسم نكاح أو بقطع طريق أو تجسس للكفار أو إيواء جاسوسهم أو ذكر الله تعالى أو كتابة أو دينه أو رسوله بسوء ونحوه فإن سمع المؤذن يؤذن فقال له كذبت قال أحمد: يقتل لا بقذف المسلم وإيذائه بسحر في تصرفه ولا ينتقض بنقض عهده عهد نسائه وأولاده الصغار الموجودين لحقوا بدار الحرب أولا ولو لم ينكروا النقض وإن أظهر منكرا أو رفع صوته بكتابه أو ركب الخيل ونحوه لم ينقض عهده ويؤدب وحيث انتقض خير الإمام فيه كالأسير الحربي على ما تقدم وماله فيء ويحرم قتله لأجل نقضه العهد إذا أسلم ولو لسبه النبي صلى الله عليه وسلم ويستوفى منه ما يقتضيه القتل وقيل يقتل سابه بكل حال اختاره جمع - قال الشيخ: وهو الصحيح من المذهب وقال: أن سبه حربي ثم تاب بإسلامه قبلت توبته إجماعا وقال من تولى منهم ديوان المسلمين انتقض عهده وتقدم في باب ما يلزم الإمام والجيش وقال: أن جهر بين المسلمين بان المسيح هو الله(2/55)
عوقب على ذلك ما يقتل أو بما دونه لا أن قاله سرا في نفسه أو قال هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب إن أراد طائفة معينة من المسلمين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله وإن ظهر منه قصد العموم انتقض عهده ووجب قتله.(2/56)
كتاب البيع
تعريفه وشروطه
تعريفه
...
كتاب البيع
وهو مبادلة مال ولو في الذمة أو منفعة مباحة كممر الدار بمثل أحدهما على التأبيد غير ربا وقرض وله صورتان ينعقد بهما: إحداهما الصيغة القولية وهي غير منحصرة في لفظ بعينه بلى كل ما أدى معنى البيع فمنها الإيجاب من بائع فيقول بعتك أو ملكتك ونحوهما كوليتك أو أشركتك فيه أو وهبتكه ونحوه والقبول بعده من مشتر بلفظ دال على الرضا فيقول ابتعت أو قبلت أو رضيت وما في معناه كتملكته أو اشتريته أو أخذته ونحوه ويشترط أن يكون القبول على وفق الإيجاب في القدر والنقد وصفته والحلول والأجل فلو قال بعتك بألف صحيحة فقال اشتريت بألف مكسرة ونحوه لم يصح ولو قال بعتك بكذا فقال أنا آخذه بذلك لم يصح فإن أخذته منك أو بذلك صح ولا ينعقد بلفظ السلم والسلف قاله في التلخيص فإن تقدم القبول على الإيجاب صح بلفظ أمر أو ماض مجرد عن استفهام ونحوه ومعه لا يصح ماضيا مثل أبعتني أو مضارعا مثل أتبيعني فإن قال بعني(2/56)
بكذا أو اشتريت منك بكذا فقال بعتك ونحوه أو قال بارك الله لك فيه أو هو مبارك عليك أو أن الله قد باعك أو قال أعطنيه بكذا فقال أعطيتك أو أعطيت صح وإن قال البائع للمشتري اشتراه بكذا أو ابتعه بكذا فقال اشتريته أو ابتعته لم يصح حتى يقول البائع بعد بعتك أو ملكتك قاله في الرعاية ولو قال بعتك أو قبلت إن شاء الله صح ويأتي وإن تراجى أحدهما على الآخر صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفا وإلا فلا وإن كان غائبا عن المجلس فكاتبه أو راسله إني بعتك أو بعت فلانا داري بكذا فلما بلغه الخبر قبل صح.
والثانية: الدلالة الحالية - وهي المعاطاة - تصح في القليل والكثير ونحوه أعطني بهذا الدرهم خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول البائع خذ هذا بدرهم فيأخذه ومنها لو ساومه سلعة بثمن فيقول خذها أو هي لك أو أعطيتكها أو يقول كيف تبيع الخبز فيقول كذا بدرهم فيقول خذ درهما أو زنه أو وضع ثمنه عادة وأخذه ونحو ذلك مما يدل على بيع أو شراء ويعتبر في المعاطاة معاقبة القبض أو الإقباض للطلب لأنه إذا اعتبر عدم التأخير في الإيجاب والقبول اللفظي ففي المعاطاة أولى وكذا هبة وهدية وصدقة فتجهيز بنته بجهاز إلى بيت زوج تمليك ولا بأس بذوق المبيع عند الشراء مع الإذن(2/57)
شروط البيع - الأول
وشروط البيع سبعة - أحدها التراضي به منهما وهو أن يأتي به اختيارا مالم يكن بيع تلجئة وأمانة بأن يظهرا بيعا لم يريداه باطنا بل(2/57)
خوفا من ظالم ونحوه فباطل وإن لم يقولا في العقد تبايعنا هذا تلجئة قال الشيخ: بيع الأمانة الذي مضمونه اتفاقهما على أن البائع إذا جاءه بالثمن أعاد عليه ملك ذلك ينتفع به المشتري بالإجارة والسكنى ونحو ذلك وهو عقد باطل بكل حال ومقصودهما إنما هو الربا بإعطاء دراهم إلى أجل ومنفعة الدار هي الربح والواجب رد المبيع إلى البائع وإن يرد المشتري ما قبضه منه لكن يحسب له منه ما قبضه المشتري من المال الذي سموه أجرة وكذا بيع الهازل ويقبل منه بقرينة مع يمينه فإن باعه خوفا من ظالم أو خاف ضيعته أو نهبه أو سرقته أو غصبه من غير تواطؤ صح بيعه قال الشيخ: ومن استولى على ملك رجل بلا حق فطلبه فجحده أو منعه إياه حتى يبيعه على هذا الوجه فهذا مكره بغير حق فإن كانا أو أحدهما مكرها لم يصح إلا أن يكره كالذي يكرهه الحاكم على بيع ما له لوفاء دينه فيصح وإن اكره على وزن مال فباع ملكه صح ولو كره الشراء وهو بيع المضطرين ومن قال لآخر اشترني من زيد فاني عبده فاشتراه فبان حرا لم يلزمه العهدة حضر البائع أو غاب كقوله اشتر منه عبده هذا ويؤدب هو وبائعه ويرد ما أخذه وعنه يؤخذ البائع والمقر بالثمن فإن مات أحدهما أو غاب أخذ الآخر بالثمن واختاره الشيخ ويتوجه هذا في كل غار ولو كان الغار أنثى حدت ولا مهر ويلحقه الولد ولو اقرأنه عبده فرهنه فكبيع.(2/58)
الشرط الثاني
...
فصل: الثاني
أن يكون العاقد جائز التصرف وهو البالغ الرشيد إلا الصغير المميز والسفيه فيصح تصرفهما بإذن وليهما ولو في الكثير وحرم،(2/58)
إذنه لهما لغير مصلحة ولا يصح منهما قبول هبة ووصية بلا إذن - واختار الموفق وجمع صحته من مميز كعبد - ويصح تصرف صغير ولو دون تمييز ورقيق وسفيه بغير إذن في يسير وشراء رقيق في ذمته واقتراضه لا يصح كسفيه وتقبل من مميز هدية أرسل بها وأذنه في دخول الدار ونحوها قال القاضي: ومن كافر وفاسق إذا ظن صدقه(2/59)
الشرط الثالث
...
فصل: أن يكون المبيع مالا وهو ما فيه منفعة
مباحة لغير حاجة أو ضرورة فيجوز بيع بغل وحمار وعقار ودود قز وبزره وما يصاد عليه كبومة شباشبا1 ويكره فعل ذلك وديدان لصيد سمك وعلق لمص دم وطير لقصد صوته كبلبل وهزاز وببغاء وهي الدرة ونحوها ونحل منفردا عن كوّاراته بشرط كونه مقدورا عليه وفيها معها وبدونها إذا شوهد داخلا إليها فيشترط معرفته بفتح رأسها ومشاهدته وخفاء بعضه لا يمنع الصحة كالصبرة ولا يصح بيعها بما فيها من عسل ونحل ولا بيع ما كان مستورا بأقراصه ويجوز بيع هر وعنه لا يجوز بيعه اختاره في الهدى والفائق وصححه في القواعد الفقهية ويجوز بيع فيل وسباع بهائم وجوارح طير يصلحان لصيد معلمة أو تقبله وولده وفرخه وبيضه لاستفراخه وقرد لحفظ لا للعب وكره أحمد بيعه وشراءه ومرتد وجان عمدا أو خطأ على نفس أو ما دونها أوجبت القصاص أولا: ولجاهل الخيار ويأتي آخر خيار
__________
1 هو طائر يتخذه الصيادون شركا: فيخيطون عينيه ويتركونه ملقى فيأتي الطير فيقع عليه.(2/59)
العيب ومريض ولو مايؤسا منه ولجاهل الخيار وقاتل في محاربة متحتم قتله بعد القدرة ومتحتم قتله بكفر وأمة لمن به عيب يفسخ به النكاح كجذام وبرص وهل لها منعه من وطئها؟ يحتمل وجهين: أولهما ليس لها منعه وبه قالت الشافعية حكاه عنهم ابن العماد في كتاب التبيان فيما يحل ويحرم من الحيوان ولبن آدمية ولو حرة ويكره ولا يصح بيع لبن رجل ولا خمر ولو كانا ذميين ولا كلب ولو مباح الاقتناء ومن قتله وهو معلم أساء لأنه فعل محرما ولا غرم عليه لأن الكلب لا يملك ويحرم اقتناؤه كخنزير ولو لحفظ البيوت ونحوها إلا كلب ماشية وصيد وحرث إن لم يكن أسود بهيما أو عقورا ويأتي في الصيد ويجوز تربية الجرو الصغير لأجل الثلاثة ومن اقتنى كلب صيد ثم ترك الصيد مدة وهو يريد العودة إليه لم يحرم اقتناؤه في مدة تركه وكذا لو حصد الزرع أبيح اقتناؤه حتى يزرع زرعا آخر وكذا لو هلكت ماشية أو باعها وهو يريد شراء غيرها فله إمساك كلها لينتفع به في التبني يشتريها ومن مات وفي يده كلب فورثته أحق به ويجوز إهداء الكلب المباح والإتابة عليه ولا يصح بيع منذور عتقه - قال ابن نصر الله نذر تبرر - ولا ترياق يقع فيه لحوم الحيات ولا سموم قاتلة كسم الأفاعي فأما السم من الحشائش والنبات فإن كان لا ينتفع به أو كان يقتل قليله لم يجز بيعه وإن انتفع به وأمكن التداوي بيسيره كالسقمونيا ونحوها جاز بيعه ويحرم بيع مصحف ولو في دين ولا يصح كبيعه لكافر فإن ملكه بإرث أو غيره ألزم بإزالة يده عنه وكذا إجارته ورهنه ويلزم بذله لمن احتاج إلى القراءة(2/60)
فيه ولم يجد مصحفا غيره ولا تجوز القراءة فيه لا إذن ولو مع عدم الضرر ولا يكره شراؤه لأنه استنقاذ ولا إبداله لمسلم بمصحف آخر ولو وصى ببيعه أو بيع ويجوز نسخه باجرة ولا يقطع بسرقته ويجوز وقفه وهبته والوصية به وتقدم بعض أحكامه في نواقض الوضوء ويصح شراء كتب زندقة ليتلفها لا خمر ليريقها ولأن في الكتب مالية الورق1 ولا يصح بيع آلة لهو ولا حشرات سوى ما تقدم كفأر وحيات وعقارب ونحوها ولا ميتة ولا شيء منها ولو لمضطر إلا سمكا وجرادا ونحوهما ولا دم خنزير وصنم ولا سباع بهائم وجوارح طير لا تصلح لصيد كنمر وذئب ودب وسبع وغراب وحدأة ونسر وعقعق ونحوها ولا سرجين نجس2 وأدهان نجسة العين من شحوم الميتة وغيرها ولا يحل الانتفاع بها باستصباح ولا غيره ولا بيع نصف معين من إناء وسيف ونحوهما ولا بيع أدهان متنجسة ولو لكافر لحديث: "إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه" ولا يجوز الاستصباح بها في غير مسجد على وجه لا تتعدى نجاسته وإن تدفع إلى كافر في فكاك مسلم ويعلم الكافر بنجاستها لأنه ليس بيعا حقيقة وإن اجتمع من دخانه شيء فهو نجس فإن علق بشيء عفى عن يسيره ويصح بيع نجس يمكن تطهيره كثوب ونحوه ويجوز بيع كسوة الكعبة إذا خلعت وتقدم ولا يصح بيع الحر ولا ما ليس بمملوك كالمباحات قبل حيازتها
__________
1 هذا تعليل لجواز شراء كتب الزندقة بخلاف الخمر فلا مالية فيها حتى يصح شراءها.
2 السرجين بكسر السين: الروث.(2/61)
وتملكها ولو باع أمة حاملا بحر قبل وضعه صح فيها1.
__________
1 إنما صح للعلم با لمبيع وهو الأمة. وحهالة الحمل لا تمنع لعدم دخوله في البيع وكونه حرا كذلك لا يمنع لأنه مستثنى من البيع با لشرع.(2/62)
الشرط الرابع
...
فصل: الرابع: أن يكون مملوكا
كالبائعة ملكا تاما حتى أسير أو مأذونا له في بيعه وقت إيجاب وقبول ولو لم يعلم بأن ظنه لغيره فبان قد ورثه أو قد وكل فيه - كموت أبيه وهو وارثه أو توكيله1 فإن باع ملك غيره بغير إذنه ولو بحضرته وسكوته أو اشترى له بعين ماله شيئا بغير إذنه لم يصح وإن اشترى له في ذمته بغير إذنه صح إن لم يسمه في العقد سواء نقد الثمن من مال الغير أو لا فإن أجازه من اشترى له ملكه من حين العقد وإلا لزم من اشتراه فيقع الشراء له وإن حكم بصحة مختلف فيه كتصرف فضولي بعد إجازته صح من الحكم لا من حين العقد2 ولا يصح بيع معين لا يملكه ليشتريه ويسلمه بل موصوف غير معين بشرط قبضه أو قبض ثمنه في مجلس العقد كسلم ويأتي قريبا ولا يصح بيع ما فتح عنوة ولم يقسم وتصح إجازته كأرض الشام والعراق ومصر ونحوها لأن عمر رضي الله عنه وقفها
__________
1 صح التصرف قبل العلم بإرثه أو الوكالة فيه: لأن العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر فلا اشتراط للعلم بذلك وقوله: أو توكيله فاعل بفعل مقدر تقديره أو بان الخ.
2 الفضولي هو من يشتري أو يبيع بدلا عن شخص معين لم يأذن له، وتصرفه باطل بخلاف من اشترى في ذمته كما ذكر قبل ذلك. ولو حكم حاكم بصحة تصرف الفضولي إذا أجيز بعد كان بمقتضى مذهب الحاكم تصرفه صحيحا من حين الحكم فقط وقبل ذلك باطل. وقيل يكون صحيحا من حين العقد.(2/62)
على المسلمين وأقرها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضر به أجرة لها في كل عام ولم يقدر عمر مدتها لعموم المصلحة فيها ويصح بيع المساكن الموجودة حال الفتح أو حدثت بعده وآلتها منها أو من غيرها كبيع غرس محدث وكذا إن رأى الإمام المصلحة في بيع شيء منها فباعه أو وقفه أو أقطعه إقطاع تمليك - وقال في الرعاية في حكم الأراضي المغنومة وله إقطاع هذه الأرض والدور والمعادن إرفاقا لا تمليكا ويأتي ومثله لو بيعت وحكم صحته حاكم يراه قاله الموفق وغيره - إلا أرضنا من العراق فتحت صلحا على أنهم لهم وهي الحيرة وألّيس وبانقيا وأرض بني صلوبا ولا يصح وقف غيره ونفعه والمراد منه باق - ويأتي في الوقف - ولا يصح بيع رباع مكة وهي المنازل ودار الإقامة ولا الحرم كله وكذا بقاع المناسك وأولى إذ هي كالمساجد لأنها فتحت عنوة ولا إجارة ذلك فإن سكن باجرة لم يأثم بدفعها ولا يملك ماء عد: وهو الذي له مادة لا تنقطع كمياه العيون ونقع البئر ولا ما في معدن جار كملح وقار ونقط ونحوها ولا كلأ وشوك نبت في أرضه قبل حيازته بملك أرض فلا يصح بيعه ولا يدخل في بيعها كأرض مباحة ولكن صاحب الأرض أحق به لكونه في أرضه قاله الموفق وغيره ومن حاز من ذلك شيئا ملكه إلا أنه يحرم دخول ملك غيره بغير إذنه لأجل أخذ ذلك إن كان محوطا عليها وإلا جاز بلا ضرر ولو استأذنه حرم منعه إن لم يحصل ضرر وسواء كان ذلك موجودا في الأرض خفيا أو حدث بها بعد ملكها ولو حصل في أرضه سمك أو عشش(2/63)
فيها طائر لم يملكه - ويأتي في الصيد - والمصانع المعدة لمياه الأمطار وجرى إليها ماء من نهر غير مملوك يملك ماؤها بحصوله فيها ويجوز بيعه إذا كان معلوما ولا يحل أخذ شيء منه بغير إذن مالكه والطلول التي تجتنى منها النحل ككلأ وأولى ولا حق على أهل النحل لأهل الأرض التي يجني منها - قال الشيخ: لأن ذلك لا ينقص من ملكهم شيئا - فأما المعادن كمعادن الذهب والفضة والصفر والرصاص والكحل وسائر الجواهر كالياقوت والزمرد والفيروزج ونحوها فتملك بملك الأرض على ما يأتي ويجوز لربها بيعه ولا تؤخذ بغير إذنه ويستوي الموجود فيها قبل ملكها خفيا وما حدث بعده كما تقدم.(2/64)
الشرط الخامس
...
فصل: الخامس: أن يكون مقدورا على تسليمه
فلا يصح بيع آبق علم مكانه أو جهله ولو لقادر على تحصيله وكذا جمل شارد وفرس غائر ونحوهما ولا نحل وطير في الهواء يألف الطير الرجوع أولا ولا سمك في لجة ماء فإن كان الطير في مكان مغلق ويمكن أخذه منه أو السمك في ماء صاف يشاهد فيه غير متصل بنهر ويمكن أخذه منه صح ولو طالت مدة تحصيله ولا يصح بيع مغصوب إلا لغاصبه أو قادر أخذه منه فإن عجز عن تحصيله فله الفسخ.(2/64)
الشرط السادس
...
فصل: السادس: أن يكون معلوما لهما
برؤية تحصل بها معرفته مقارنة له وقت العقد أو لبعضه إن دلت على بقيته وإلا فلا تكفي رؤية أحد وجهي ثوب غير منقوش ورؤية وجه الرقيق وظاهر الصبرة(2/64)
المتساوية الأجزاء من حب وقز وتمر ونحوها وما في ظروف وأعدال من جنس واحد متساوي الأجزاء ونحو ذلك ولا يصح بيع إلا نموذج بأن يريه صاعه ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه وما عرف بلمسه أو شمه أو ذوقه فكرؤيته ويحصل العلم بمعرفته ويصح بصفة وهو نوعان أحدهما بيع عين معينة سواء كانت العين غائبة مثل أن يقول بعتك عبدي التركي ويذكر صفاته أو حاضرة مستورة كجارية منتقبة وأمتعة في ظروفها أو نحو ذلك فهذا ينفسخ العقد عليه برده على البائع وتلفه قبل قبضته ويجوز التفريق قبل قبض الثمن وقبل المبيع كحاضر ويجوز تقديم الوصف في بيع الأعيان على العقد كما يجوز تقديم الرؤية ذكره القاضي محل وفاق - وكذلك يجوز تقديم الوصف في السلم على العقد ولا فرق بينهما فلو قال: أريد أن أسلفك في كر حنطة1 ووصفه بالصفات فلما كان بعد ذلك قال قد أسلفتك في كر حنطة على الصفات التي تقدم ذكرها وعجل الثمن جاز،
والثاني: بيع موصوف غير معين ويصفه بصفة تكفي في السلم إن صح السلم فيه مثل أن يقول: بعتك عبدا تركيا ثم يستقصي صفات السلم فيه فهذا في معنى السلم فمتى سلم إليه عبدا على غير ما وصفه له فرده أو على ما وصف له فأبدله لم يفسد العقد ويشترط في هذا النوع قبض المبيع أو قبض ثمنه في مجلس العقد وبرؤية متقدمة بزم لا يتغير فيه المبيع
__________
1 الكر بضم الكاف وتشديد الراء يطلق على مكيال عراقي. وقد يقدر بستين قفيزا أو أربعين أدربا: اهـ قاموس.(2/65)
يقينا أو ظاهرا مع غيبة المبيع ولو في مكان بعيد لا يقدر على تسليمه في الحال لكن يقدر على استحضاره غير آبق ونحوه ثم إن وجده لم يتغير فلا خيار له وإن وجده متغيرا فله الفسخ على التراخي ويسمى خيار الخلف في الصفة إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضا من سوم ونحوه لا بركوب الدابة في طريق الرد ومتى أبطل حقه من رده فلا أرش له وإن اختلفا في الصفة أو التغير فالقول قول المشتري وإن كان يفسد في الزمن أو يتغير يقينا أو ظاهرا أو شكا لم يصح ولو قال: بعتك هذا البغل بكذا فقال اشتريته فبان فرسا أو حمارا لم يصح ولا يصح استصناع سلعة لأن باع ما ليس عنده على غير وجه السلم1 ويصح بيع أعمى وشراؤه بالصفة كما تقدم نصا كتوكيله بصيرا وله خيار الخلف في الصفة وبما يمكنه معرفته بغير حدسة البصر كشم ولمس وذوق وإن اشترى ما لم يره وما لم يوصف له أو رآه ولم يعلم ما هو أو ذكره له م صفته ما لا يكفي في السلم لم يصح البيع وحكم ما لم يره بائع حكم مشتر فيما تقدم ولا يصح بيع الحمل مفردا وهو بيع المضامين والمجر2 ولا مع أمة: بأن يعقد عليه معها ومطلق البيع يشمله تبعا
__________
1 ومن ذلك ما هو فاش بيننا: كأن تدفع العربون على أن يصنع لك حذاء بمائة أو ينسج لك ثوبا بمائتين وذلك غير بيع العربون بالجواز فإن المبيع في الثاني يكون معلوما غايته أن باقي الثمن مؤجل يحضره.
2 المضامين جمع مضمون: وهو ما في صلب الفحل من ماء التلقيح والمجر بفتح الميم وكسرها مع سكون الجيم وفتحها ما في بطن الناقة.(2/66)
كالبيض واللبن ولا بيع ما في أصلاب الفحول ولا عسب الفحل1 ولا بيع حبل الحبلة ومعناه نتاج النتاج ولا اللبن في الضرع والبيض في الطير والمسك في الفار والنوى في التمر والصوف على الظهر ولا ما قد تحمل هذه الشجرة أو الشارة ولا بيع الملامسة والمنابذة بان يبيعه شيئا ولا يشاهده فيقول أي ثوب لمسته أو نبذته أو لمست أو بنذت فهو بكذا ولا بيع مستور في الأرض يظهر ورقه فقط كلفت وفجل وجزر وقلقاس وبصل وثوم ونحوه قبل قلعه ومشاهدته ويصح بيع ورقه المنتفع به ولا بيع ثوب مطوي ولا ثوب نسج بعضه على أن ينسج بقيته فإن خص اللحمة وباعها مع الثوب وشرط على البائع نسجها صح إذ هو اشتراط منفعة البائع على ما يأتي في الشروط في البيع ولا يصح بيع العطاء قبل قبضه وهو قسطه في الديوان ولا رقعة به ولا بيع معدن وحجارته والسلف فيه ولا بيع الحصاة - وهو أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا أو يقول بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا أو يقول بعتك هذا بكذا على أني متى رميت هذه الحصاة وجب البيع - وكلها فاسدة2 ولا بيع عبد غير معين ولا عبد من عبدين أو من عبيد ولا شاة من قطيع ولا شجرة في بستان ولا هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين ولا
__________
1 ما في أصلاب الفحول هو معنى المضامين وعسب الفحل هو ضرابه للأنثى.
2 فساد هذه البيوع لما ورد فيها من الأحاديث الكثيرة، ولما فيها من الجهالة والغرر وذلك ينافي ما اشترط في المبيع من علم به وقدرة على تسليمه الخ.(2/67)
هذا القطيع إلا شاة غير معينة ولو تساوت القيمة في ذلك كله وإن استثنى معينا من ذلك يعرفانه جاز.(2/68)
حكم ما لو باع قفيزا من الصبرة
...
فصل: وإن باعه قفيزا من هذه الصبرة
وهي الكومة المجموعة من طعام وغيره صح إن تساوت أجزاؤها وكانت أكثر من قفيز ككلها أو جزء مشاع منها سواء علما مبلغ الصبرة أو جهلاه للعلم بالمبيع في الأولى بالقدر في الثانية بالأجزاء وكذا رطل من دن أو من زبرة حديد ونحوه وإن تلفت إلا واحد فهو المبيع ولو فرق قفزانها وباع واحدا مبهما مع تساوي أجزائها صح وإلا فلا وإن قال بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا1 جاز لأنهما معلومان وإن قال بعتك هذه الصبرة بأربعة دراهم إلا بقدر صح وصار كأنه قال بعتك ثلاثة أرباع هذه الصبرة بأربعة دراهم وإن قال إلا ما يساوي درهما لم يصح وإن اختلف أجزاء الصبرة كصبرة بقال القرية والمحدر من قرية إلى قرية بجمع ما يبيع به من البر مثلا أو الشعير المختلف الأوصاف وباع قفيزا منها لم يصح وإن باعه الصبرة إلا قفيزا أو إلا أقفزة لم يصح أن جهلا قفزانها وإلا صح واستثناء صاع من ثمرة بستان كاستثناء قفيز من صبرة ولو استثنى مشاعا من صبرة أو حائط كشك أو ربع أو ثلاثة أثمان صح البيع والاستثناء وإن باعه ثمرة الشجرة إلا صاعا لم يصح ويصح بيع الصبرة جزافا مع جهلهما أو علمهما ومع علم بائع وحده يحرم ويصح ولمشتر الرد وكذا علم مشتر وحده ولبائع الفسخ ولا يشترط
__________
1 المكوك مكيال كالويبة في اصطلاحنا.(2/68)
معرفة باطن الصبرة ولا تساوي موضعها ولا يحل لبائعها أن يغشها بان يجعلها على دكة أو ربوة أو حجر ينقصها أو يجعل الرديء أو المبلول في باطنها وإذا وجد ذلك ولم يكن للمشتري به علم فله الخيار بين الفسخ وأخذ تفاوت ما بينهما وإن ظهر تحتها حفرة أو باطنها خيرا من ظاهرها فلا خيار للمشتري وللبائع الخيار إن لم يعلم كما لو باع بعشرين درهما فوزنها بصنجة ثم وجد الصنجة زائدة كان له الرجوع وكذا مكيال زائد ولا يشترط معرفة عدد رقيق وثياب ونحوهما إذا شاهده صبرة وكلما تساوت أجزاؤه من حبوب وأدهان ومكيل وموزون ولو أثمانا فحكمه حكم الصبرة فيما ذكر فيها وما لا تتساوى أجزاؤه كأرض وثوب ونحوهما فتكفي فيه الرؤية ولو قال بعتك هذه الدار وأراه حدودها أو جزءا مشاعا منها كالثلث ونحوه أو عشرة أذرع وعين الطرفين صح وإن عين ابتداءها ولم يعين انتهاءها لم يصح نصا وكذا من ثوب ومثله يعني نصف دارك التي تلي داري - قال أحمد لأنه لا يدري إلى أين ينتهي - وإن قصد الإشاعة صح وإن باعه أرضا إلا جريبا أو جريبا من أرض وهما يعلمان جربانها صح وكان مشاعا فيها وإلا لم يصح وكذا الثوب وإن باعه أرضا من هنا إلى هنا صح وإن قال بعتك من هذا الثوب من هذا الموضع إلى هذا صح فإن كان القطع لا ينقصه أو شرطه البائع قطعاه وإن كان ينقصه وتشاحا صح وكانا شريكين فيه وإن باعه نصفا معينا من حيوان لم يصح - وتقدم(2/69)
بعضه وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجلده وأطرافه صح سفرا وحضرا وإن باع ذلك منفردا لم يصح والذي يظهر أن المراد بعدم الصحة إذا لم تكن الشاة للمشتري فإن كانت له صح كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها لمن الأصل له فإن امتنع مشتر من ذبحه لم يجبر إذا أطلق العقد ولزمته قيمة المستثنى تقريبا فإن اشترط البائع الذبح ليأخذ المستثنى لزم المشتري الذبح ودفع المستثنى - قاله في شرح المحرر - وللمشتري الفسخ لعيب يختص هذه المستثنى وإن استثنى حمله من حيوان أو أمة أو شحمه أو رطلا من لحمه أو شحمه أو باعه سمسما واستثنى كسبه أو شيرجه أو قطنا واستثنى حبه لم يصح كبيع ذلك منفردا وكذا الطحال والكبد ونحوهما ولو استثنى مشاعا معلوما من شاة كربع صح لا ربع لحمها ويصح بيع حامل بحر وتقدم وبيع حيوان مذبوح وبيع لحمه في جلده وبيع جلده وحده ولو عد ألف جوزة ووضعها في كيل ثم فعل مثل ذلك بلا عد لم يصح ويصح بيع ما مأكوله في جوفه كرمان وبيض وجوز ونحوها وبيع الباقلا والجوز واللوز ونحوه في قشره مقطوعا وفي شجره والطلع قبل تشققه وبيع الحب المشتد في سنبله مقطوعا وفي شجره.(2/70)
الشرط السابع
...
فصل: السابع: أن يكون الثمن معلوما
حال العقد ولو صبرة بمشاهدة وبوزن صنجة لا يعلمان وزنها وبما يسع هذه الكيل ولو كان بموضع فيه كيل معروف وبنفقة عبده شهرا فلو فسخ العقد رجع بقيمة المبيع عند تعذر معرفة الثمن ولو أسرا ثمنا بلا عقد ثم عقداه(2/70)
بآخر فالثمن الأول1 وإن عقداه سرا بثمن وعلانية بآخر بالأول وإن باعه السلعة برقمها أي المكتوب عليها أو بما باع به فلان ولم يعلماه أو احدهما أو بألف درهم ذهبا وفضة أو أسقط لفظة درهم أو بما ينقطع به السعر أو بدينار مطلق وفي البلد نقود كلها رائجة لم يصح وإن كان فيه نقد واحد أو نقود واحدها الغالب صح وانصرف إليه وإن باعته بعشرة صحاحا أو أحد عشرة مكسرة أو بعشرة نقدا أو عشرين نسيئة لم يصح مالم يتفرقا على أحدهما ولا بمائة على أن أراهن بها وبالقرض الذي لك هذا2 وإن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم والقطيع كل شاة بدرهم والثوب كل ذراع بدرهم صح لأمنها كل قفيز بدرهم ونحوه3 وإن قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزا أو أنقصك قفيزا لم يصح لأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه ولو قال على أن أزيدك قفيزا لم يصح وإن قال على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الأخرى أو وصفه صفة يعلم بها صح وإن قال على أن أنقصك قفيزا لم يصح وإن قال بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الأخرى لم يصح،
__________
1 صورة ذلك أن يتفق اثنان في سلعة على أنها بعشرة ثم يعقد أن بيعها جهرة على أنها بعشرين ثم يختلف البائع فالثمن هو ما أسراه أولا.
2 إنما يطل ذلك لأنه من قبيلي البيعتين في بيعة وهو باطل ولأن الثمن هو مائة وجزء من منفعة الوثيقة رهنا وذلك الجزء مجهول أدى إلى الجهالة بالثمن.
3 وجه البطلان في ذلك أن لفظه من تدل على التبعيض ولفظة كل تدل على تعدد المبيع. وربما كان البعض غير متعدد فيكون ذلك جهلا بالمبيع بخلاف ما لو حذفت لفظة من فإن البيع يكون واقعا على الصبرة جميعا.(2/71)
ولو قصد أني أحط ثم قفيز من الصبرة لا احتسب به لم يصح1 وإن علما قدر قفزانها أو قال هذه عشرة أقفزة بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة أو ووصفه بصفة يعلم بها صح لأن معناه بعتك كل قفيز وعشر قفيز بدرهم وإن لم يعلم القفيز أو جعله هبة لم يصح وإن أراد إني لا احتسب عليك بثمن قفيز منها صح وإن قال على أن أنقصك قفيزا صح لأن معناه بعتك تسعة أقفزة بعشرة دراهم ومالا تتساوى أجزاؤه كأرض وثوب وقطيع غنم فيه نحو من مسائل الصبرة وإن باعه بمائة درهم إلا دينارا أو إلا قفيزا من حنطة أو غيره لم يصح ويصح بيع دهن وعسل وخل ونحوه في ظرفه معه موازنة كل رطل بكذا سواء علما مبلغ كل منهما أو لا وإن احتسب بزنة الظرف على مشتر وليس مبيعا وعلما مبلغ كل منهما صح وإلا فلا لجهالة الثمن فإن باعه جزافا بظرفه أو دونه أو باعه إياه في ظرفه كل رطل بكذا على أن يطرح منه وزن الظرف صح وإن اشترى زينا أو سمنا في ظرف فوجد فيه ربا صح البيع في الباقي بقسطه وله الخيار ولم يلزمه بدل الرب2.
__________
1 لأن القفيز المنقوص أو المزاد في هذه الصور الثلاثة أدى إلى الجهالة في الثمن بالنسبة للباقي فبطل البيع.
2 الرب بضم الراء ثقل الزيت والسمن.(2/72)
فصل:- في تفريق الصفقة:
وهو أن يجمع بين ما يصح بيعه وما لا يصح صفقة واحدة بثمن واحد وله ثلاث صور: إحداها باع معلوما ومجهولا تجهل قيمته فلا مطمع في معرفته ولم يقل كل منهما بكذا كقوله: بعتك هذه الفرس وما في بطن هذه الفرس الأخرى بكذا فلا يصح فإن لم يتعذر علمه أو قاله كل منهما بكذا صح في المعلوم بقسطه وفي قول كل منهما بكذا بما سماه.
والثانية: باع مشاعا بينه وبين غيره بغير إذن شريكه كعبد مشترك بينهما أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء كقفيزين متساو بين لهما فيصح في نصيبه بقسطه وللمشتري الخيار إذا لم يكن عالما وله الأرش أن أمسك فيما ينقصه التفريق - ذكره في المغني وغيره في الضمان - ولو وقع العقد على شيئين يفتقر إلى القبض فيهما فتلف أحدهما قبل قبضه فقال القاضي للمشتري الخيار بين إمساك الباقي بحصته وبين الفسخ.
والثالثة: باع عبده وعبد غيره بغير إذنه أو عبدا وحرا أو خلا وخمرا صفقة واحدة فيصح في عبده وفي الخل بقسطه على قدر قيمة المبيعين ويقدر الخمر خلا والحر عبدا ولمشتر الخياران جهل الحال وقت العقد وإلا فلا خيار له ولا خيار للبائع وإن وقع العقد على مكيلي أو موزون فتلف بعضه قبل قبضه لم ينفسخ العقد في الباقي سواء كانا من جنس واحد أو من جنسين ويأتي في الخيار في البيع وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه بثمن واحد صح ويقسط على قدر القيمة ومثله بيع عبديه لاثنين بثمن واحد لكل واحد منهما عبد أو اشتراهما منهما أو من وكيلهما أكان لاثنين عبدان لكل واحد منهما عبد فباعاهما لرجلين بثمن واحد ومثله الإجارة ولو اشتبه عبده بعيد غيره لم يصح بيع أحدهما قبل القرعة وإن جمع مع بيع إجارة أو صرفا(2/73)
أو خلعا أو نكاحا بعوض واحد صح فيهن ويقسط الثمن على قيمتهما ومهر مثل في خلع ونكاح كقيمة وإن جمع بين كتابة وبيع فكاتب عبده وباعه شيئا صفقة واحدة مثل أن يقول بعتك عبدي هذا وكاتبتك بمائة كل شهر عشرة بطل البيع وصحت الكتابة بقسطها كما تقدم.(2/74)
حكم البيع بعد النداء للجمعة
...
فصل:- ويحرم ولا يصح البيع ولا الشراء قليله وكثيره ممن تلزمه الجمعة
ولو كان أحد العاقدين وكره للآخر أو وجد أحد شقي البيع بعد الشروع في ندائها الثاني الذي عند الخطبة قال المنقح أو قبله لمن منزله بعيد بحيث أنه يدركها فإن كان في البلد جامعان تصح الجمعة فيهما فسبق نداء أحدهما لم يجز البيع قبل نداء الآخر صححه في الفصول ويحرم الصناعات كلها ويستمر التحريم إلى انقضاء الصلاة ومحله إن لم تكن ضرورة أو حاجة كمضطر إلى طعام أو شراب إذا وجده يباع أو عريان وجد سترة تباع أو ما للطهارة وكذا كفن ميت ومؤنة بتجهيزه إذا خيف عليه الفساد بالتأخير ووجود أبيه ونحوه يباع مع من لو تركه معه ذهب وشراء مركوب لعاجز وضرير لا يجد قائما ونحوه ووجد ذلك يباع وكذا لو تضايق وقت مكتوبة غيرها ولو أمضى بيع خيار أو فسخه صح كسائر العقود من النكاح والإجارة والصلح وغيرها وتحرم مساومة ومناداة ونحوهما مما يشغل كالبيع ويكره شرب الماء بثمن حاضر أو في الذمة ولا يصح بيع ما قصد به الحرام كعنب وعصير لمتخذهما خمرا ولو لذمي ولا سلاح ونحوه في فتنة أو لأهل حرب أو لقطاع طريق إذا علم ذلك ولو بقرائن ويصح بيع السلاح لأهل العدل لقتال البغاة وقطاع الطريق(2/74)
ولا يصح بيع مأكول ومشروب ومشموم لمن يشرب عليه مسكرا ولا أقداح ونحوها لمن يشربه بها وبيض وجوز ونحوها لقمار ولا بيع غلام وأمة لمن عرف دبر أو للغناء وكذا إجارتهما ومن اتهم بغلامه فدبره وهو فاجر معلن أحيل بينهما كمجوسي تسلم أخته ويخاف أن يأتيها ولا يجوز شراء البيض والجوز الذي اكتسبوه من القماء ولا أكله ويصح البيع ممن قصد ألا يسلم الميبع أو ثمنه ولا يصح بيع عبد مسلم لكافر ولو كان وكيلا لمسلم إلا أن يعتق عليه بملكه وإن أسلم عبد الذمي أجبر على إزالة ملكه عنه ولا تكفي كتابته ويدخل العبد المسلم في ملك الكافر ابتداء بالإرث واسترجاعه بإفلاس المشتري وإذا رجع في هبته لولده وإذا رد عليه بعيب وإذا اشترى من يعتق عليه كما تقدم وإذا باعه بشرط الخيار مدة وأسلم العبد فيها وإذا وجد الثمن المعين معيبا فرده وكان قد أسلم العبد وفيما إذا ملكه الحربي وفيما إذا قال الكافر لشخص اعتق عبدك المسلم عني وعلى ثمنه ففعل كما يأتي في باب الولاء ويحرم سومه على سوم أخيه مع رضا البائع صريحا وهو أن يتساوما في غير المناداة فأما المزايدة في المنادة فجائزة ويصح البيع وكذا سوم إجازة وكذا استئجاره على إجازة أخيه في مدة خيار ويحرم ولا يصح بيعه على بيع أخيه زمن الخيارين وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك خيرا منها بثمنها أو أعطيك مثلها بتسعة أو يعرض عليه سلعة يرغب فيها المشتري لينفسخ البيع ويعقد معه ولا شراؤه على شرائه: وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة عندي(2/75)
فيها عشرة ليفسخ ويعقد معه وكذا اقتراضه على اقتراضه وإتهابه على اتهابه وكذا افتراضه - بالفاء - في الديوان وطلبه العمل من الولايات ونحو ذلك وكذا المسافاة والمزارعة والجعالة ونحو ذلك وكذا بيع حاضر لباد لبقاء النهي عنه بخمسة شروط: أن يحضر البادي - وهو من يدخل البلد من غير أهلها ولو غير بدوي - لبيع سلعته - بسعر يومها جاهلا بالسعر - وبقصده حاضر عارف بالسعر - وبالناس إليها حاجة فإن اختل شرط منها صح البيع ويصح شراؤه له وإن أشار حاضر على باد ولم يباشر له بيعا لم يكره وإن استشاره البادي وهو جاهل بالسعر لزمه بيانه له لوجوب النصح.(2/76)
بيع السلعة نسيئة ثم شراؤها
...
فصل:- ومن باع سلعة بنسيئة
أو بثمن لم يقبضه صح وحرم عليه شراؤها ولم يصح نصا بنفسه أو بوكيله بأقل مما باعها بنقد أو نسيئة ولو بعد حل اجله نصا1 إلا أن تتغير صفتها بما ينقصها أو يقبض ثمنها وإن اشتراها أبوه أو ابنه ونحوهما ولا حيلة أو اشتراها من غير مشتريها أو بمثل الثمن أو بنقد آخر غير الذي باعها به أو اشتراها بعوض أو باعها بعوض ثم اشتراها بنقد صح ولم يحرم وإن قصد بالعقد الأول الثاني بطلا - قاله الشيخ: وقال هو قول أحمد وأبي حنيفة ومالك: قال في الفروع: ويتوجه أنه مراد من أطلق - وهذه المسألة تسمى العينة لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا
__________
1 لم يجز شراء السلعة في هذه الصورة لأن ذلك وسيلة إلى الربا وقد ورد الحديث أيضا ببطلانه عن عائشة رضي الله عنها.(2/76)
حاضرا وعكسها مثلها - قال الشيخ: ويحرم على صاحب الدين أن يمتنع من انتظار المعسر حتى يقلب عليه الدين ومتى قال أما تقلب وأما أن تقوم معي إلى عند الحاكم وخاف أن يحبسه الحاكم لعدم ثبوت إعساره عنده وهو معسر فقلب على هذا الوجه كانت هذه المعاملة حراما غير لازمة باتفاق المسلمين فإن الغريم مكره عليها بغير حق ومن نسب جواز القلب على المعسر بحيلة من الحيل إلى مذهب بعض الأئمة فقد اخطأ في ذلك وغلظ وإنما تنازع الناس في المعاملات الاختيارية مثل التورق والعينة انتهى - ولو احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين فلا بأس وهي مسألة التورق وإن باع ما يجري فيه الربا نسيئة ثم اشترى بثمنه الذي في ذمته قبل قبضته من جنسه أو ما لا يجوز بيعه به نسيئة لم يجز فإن اشتراه بثمن آخر وسلمه إليه ثم أخذه منه وفاء أو لم يسلمه إليه بل اشترى في ذمته وقاصه جاز ويحرم التسعير وهو أن يسعر الإمام على الناس سعرا ويجبرهم على التبايع به ويكره الشراء منه وإن هدد من خالف حرم وبطل ويحرم قوله بع كالناس وأوجب الشيخ إلزامهم المعارضة بثمن المثل وأنه لا نزاع فيه لأنه مصلحة عامة لحق الله تعالى ولا تتم مصلحة الناس إلا بها كالجهاد وكره أحمد البيع والشراء من مكان ألزم الناس بهما فيه لا الشراء ممن اشترى منه ويحرم الاحتكار في قوت الآدمي فقط وهو أن يشتريه للتجارة ويحبسه ليقل فيغلو ويصح الشراء ولا يحرم في الأدام كالغسل والزيت ونحوهما ولا علف(2/77)
البهائم - وفي الرعاية الكبرى وغيرها أن من جلب شيئا أو استغله من ملكه أو مما استأجره أو اشترى زمن الرخص ولم يضيق على الناس إذن أو اشتراه نم بلد كبير كبغداد والبصرة ونحوهما فله حبسه حتى يغلو وليس بمحتكر نصا وترك ادخاره لذلك أولى انتهى ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس فإن أبى وخيف التلف فرقه الإمام ويردون مثله وكذا سلاح ولا يكره ادخاره قوت لأهله ودوابه سنة وسنتين نصا وإذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة وأصابت الضرورة خلقا كثيرا وكان عند بعض الناس قدر كفايته وكفاية عياله لم يلزمه بذله للمضطرين وليس لهم أخذه منه - ويأتي آخر الأطعمة - ومن ضمن مكانا ليبيع فيه ويشتري وحده كره الشراء منه بلا حاجة ويحرم عليه أخذ زيادة بلا حق ويستحب الإشهاد في البيع إلا في قليل الخطر كحوائج البقال والعطار وشبهها ويحرم البيع والشراء في المسجد فإن فعل فباطل وتقدم في الاعتكاف.(2/78)
باب الشروط في البيع وأقسامها
القسم الأول
...
باب الشروط في البيع وأقسامها
فصل:- وهي جمع شرط ومعناه هنا إلزام أحد المتابعين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة ويعتبر لترتيب الحكم عليه مقارنته للعقد قاله في الانتصار هي ضربان:
الأول: صحيح لازم - وهو ثلاثة أنواع: أحدهما شرط مقتضى عقد البيع كالتقابض وحلول الثمن وتصرف كل واحد منهما فيما يصير إليه(2/78)
ونحوه فلا يؤثر ذكره فيه: الثاني شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله أو بعضه أو رهن معين ولو المبيع أو ضمين معين به وليس له طلبهما بعد العقد لمصلحة أو اشتراط صفة في البيع ككون العبد كاتبا أو خصيا أو ذا صنعة يعينها أو مسلما أو الأمة بكرا أو تحيض أو الدابة هملاجة أو لبونا أو غزيرة اللبن أو الفهد صيودا أو الطير مصوتا أو يبيض أو يجيء من مسافة معلومة أو الأرض خراجها كذا فيصح لازما فإن وفا به وإلا فله الفسخ أو راش فقد الصفة فإن تعذر رد تعين أرش وإن شرط أن الطير يوقظه للصلاة أو أن الدابة تحلب كل بوم كذا أو الكبش مناطحا أو الديك مناقرا أو اشتراط الغناء أو الزنا في الرقيق لم يصح الشرط وإن شرط العبد كافرا أو الأمة ثيبا كافرة أو أحدهما فبانت أعلى فلا فسخ له كما شرطها سبطة فبانت جعدة أو جاهلة فبانت عالمة وإن شرطها حاملا ولو أمة صح لكن إن ظهرت الأمة حائلا فلا شيء له وإن شرط أنها تحمل أو تضع الولد في وقت بعينه لم يصح وإن شرطها حائلا فبانت حاملا فله الفسخ في الأمة فقط لأنه عيب في الآدميات لا في غيرها - زاد في الرعاية والحاوي إن لم يصر باللحم ويأتي في خيار العيب - ولو أخبره بائع بصفة فصدقه بلا شرط فلا خيار له ذكره أبو الخطاب الثالث شرط بائع نفعا معلوما في المبيع كسكنى الدار شهرا وكحملان البعير إلى موضع معلوم فيصح كحبسه على ثمنه لا وطء الأمة ودواعيه وله إجارة ما استئناه وإعارته لمن يقوم مقامه لا لمن هو أكثر منه ضررا أو إن تلفت العين قبل استيفاء بائع له بفعل(2/79)
مشتر أو تفريطه لزمه أجرة مثله لا إن تلف بغير ذلك أو شرط مشتر نفع بائع في مبيع كحمل الحطب أو تكسيره أو خيطاطة ثوب أو تفصيله أو حصاد زرع أو جز رطبة ونحوه صح إن كان معلوما ولزم البائع فعله فلو شرط الحمل إلى منزله وهو لا يعرفه لم يصح وإن باع المشتري العين المستثنى نفعها صح البيع وتكون في يد المشتري الثاني مستثناة أيضا وإن كان عالما بذلك فلا خيار له كمن اشترى أمة مزوجة أو دار مؤجرة وإلا فله الخيار وإن جمع بين شرطين ولو صحيحين لم يصح البيع إلا أن يكونا من مقتضاه أو من مصلحته ويصح تعليق فسخ بشرط ويأتي تعليق خلع بشرط وإن أراد المشتري أن يعطي البائع ما يقوم مقام المبيع في المنفعة أو يعوضه عنها لم يلزمه قبول وإن تراضيا على ذلك جاز وإن أقام البائع مقامه من يعمل العمل فله ذلك لأنه بمنزلة الأجير المشترك وإن أراد بذل العوض عن ذلك لم يلزم المشتري قبوله وإن أراد المشتري أخذ العوض عنه لم يلزم البائع بذله وإن تراضيا على ذلك جاز وإن تعذر العمل بتلف المبيع أو استحق أو بموت البائع رجع المشتري بعوض ذلك وإن تعذر بمرض أقيم مقامه من يعمل والأجر عليه كالإجارة.(2/80)
القسم الثاني
...
فصل:- الضرب الثاني
فاسد يحرم اشتراطه وهو ثلاثة أنواع: أحدها أن يشترط أحدهما على صاحبه عقدا آخر كسلف أو قرض أو بيع أو إجارة أو شركة أو صرف الثمن أو غيره فيبطل البيع وهو بيعتان في بيعة المنهي عنه - قال أحمد - وكذلك كل ما كان في معنى ذلك(2/80)
مثل أن يقول على أن تزوجني أبنتك أو على أن أزوجك ابنتي وكذا على أن تنفق على عبدي أو داري أو على حصتي من ذلك قرضا أو مجانا الثاني: شرط في العقد ما ينافي مقتضاه نحو أن يشترط إلا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده أو إلا يبيع ولا يهبه ولا يعتقه أو أن أعتق فلا ولاء له أو يشترط أن يفعل ذلك أو وقف المبيع فهذا لا يبطل البيع والشرط باطل في نفسه إلا العتق فيصح ويجبر عليه إن أباه لأنه حق لله تعالى كالنذر فإن امتنع اعتقه حاكم عيه وإن شرط رهنا فاسدا كخمر ونحوه وخيارا أو أجلا مجهولين أو تأخير تسليم مبيع بلا انتفاع لغا الشرط وصح البيع ويلزم الرهن في بابه وللذي فات غرضه في الكل علم بفساد الشرط أولا - الفسخ أو أرش ما نقص من الثمن بإلغائه إن كان بائعا أو ما زاد إن كان مشتريا الثالث: أن يشترط شرطا يلعق البيع عليه كقوله: بعتك أن جئتني بكذا أو أن رضي فلان أو يقول للمرتهن إن جئتك بحقك في محله وإلا فالرهن لك مبيعا بمالك فلا يصح البيع إلا بعت وقبلت إن شاء الله فيصح وإلا بيع العربون وإجارته فيصح وهو أن يشتري شيئا أو يستأجره ويعطي البائع أو المؤجر درهما أو أكثر من المسمى ويقول إن أخذته فهو من الثمن وإلا فالدرهم لك فإن تم العقد فالدرهم من الثمن وإلا فلبائع ومؤجر وإن دفع إليه الدرهم قبل البيع وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري وإن لم اشتراها فالدرهم لك ثم اشتراها منه وحسب الدرهم من الثمن صح وإن لم يشترها فلصاحب الدرهم الرجوع فيه ومن علق عتق رقبة ثم باعه عتق ولم ينتقل الملك وإن(2/81)
خلعتك فأنت طالق ففعل لم تطلق وإن قال لزيد إن بعتك هذا العبد فهو حر فقال زيد: إن اشتريته منك فهو حر ثم اشتراه عتق على البائع من ماله قبل القبول.(2/82)
حكم ما لو قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاثة
...
فصل:- وإن قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاثة
أو مدة معلومة وإلا فلا بيع بيننا صح وينفسخ إن لم يفعل وهو تعليق فسخ على شرط كما تقدم وبعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاثة أو أكثر فإن لم تفعل فلي الفسخ أو قال: اشتريت على أن تسلمني المبيع إلى ثلاث فإن لم تفعل فلي الفسخ صح وله الفسخ إذا فات شرطه وإن باعه سعلة وشرط الراءة من كل عيب أو من عيب كذا إن كان أو بشرط البراءة من الحمل أو مما يحدث بعد العقد وقبل التسليم فالشرط فاسد لا يبرأ به سواء كان العيب ظاهرا أو لم يعلمه المشتري أو باطنا وكذا لو أبرأه من جرح لا يعلم عوده ويصح العقد وإن سمي العيب ووافق المشتري عليه وأبرأه بريء وإن باعه أرضا أو دارا أو ثوبا على أنه عشرة أذرع فبان أكثر فالبيع صحيح والزائد للبائع مشاعا ولكل منهما الفسخ إلا أن المشتري إذا أعطى الزائد مجانا فلا فسخ له وإن اتفقا على إمضائه لمشتر يعوض جاز وإن بان أق فكذلك والنقص على البائع ولمشتر الفسخ وله إمضاء البيع بقسطه من الثمن برضا البائع وإلا فله الفسخ وإن بذاك مشتر جميع الثمن لم يملك البائع الفسخ وإن اتفقا على تعريضه عنه جاز وإن باع صبرة على أنها عشرة أقفزة فبانت أحد عشر فالبيع صحيح والزائد للبائع مشاعا ولا خيار للمشتري وإن بانت تسعة فالبيع صحيح وينقص من الثمن(2/82)
بقدره ولا خيار له أيضا والمقبوض بعقد فاسد لا يملك به ولا ينفذ تصرف فيه ويضمنه كالغصب ويلزمه رد الماء المنفصل والمتصل وأجرة مثله مدة بقائه في يده وإن نقص ضمن نقصه وإن تلف فعليه ضمانه بقيمته وإن كانت أمة فوطئها فلا حد عليه وعليه مهر مثلها وارش بكارتها والولد حر وعليه قيمته يوم وضعه وإن سقط ميتا لم يضمنه وعليه ضمان نقص الولادة وإن ملكها الواطئ لم تصر أم ولد: ويأتي في أواخر الخيار في البيع والغصب.(2/83)
باب الخيار في البيع والتصرف في المبيع وقبضه والإقالة
القسم الأول: خيار المجلس
...
باب الخيار في البيع والتصرف والقبض والإقالة
الخيار: اسم مصدر اختار وهو طلب خير الأمرين وهو على سبعة أقسام: أحدها خيار المجلس فيثبت ولو لم يشترطه في البيع وفي الشركة فيه وفي الصلح على مال والإجارة على عين ولو كانت مدتها تلي العقد أو نفع في الذمة وفي الهبة إذا شرط فيها عوضا معلوما بمعنى أنه يقع جائزا سواء كان فيه خيار شرط أم لا غير كتابة وتولي طرفي عقد بيع وطرفي عقد هبة بعوض وغير قسمة إجبار لأنها إفراز حق لا بيع وغير شراء من يعتق عليه - قال المنقح: أو يعترف بحريته قبل الشراء - ويثبت فيما قبضه شرط لصحته كصرف وسلم وبيع مال الربا بجنسه ولا يثبت في بقية العقود كالمساقاة والمزارعة والحوالة والإقالة والأخذ بالشفعة والجعالة والشركة والوكالة والمضاربة والعارية والهبة(2/83)
بغير عوض والوديعة والوصية قبل الموت ولا في النكاح والوقف والخلع والإبراء والعتق على مال والرهن والضمان والكفالة ولكل من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما عرفا ولو أقاما فيه شهرا أو أكثر ولو كرها لا إن تفرقا كرها ومعه لا يسقط ويبقى الخيار في مجلس زال إلا كراه فيه فإن أكره أحدهما انقطع خيار صاحبه ويبقى الخيار للكره منهما في المجلس الذي زال فيه إلا كراه حتى يتفرقا عنه فإن رأيا سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه أو حملهما سيل أو فرقتهما ريح فكإكراه قاله ابن عقيل - ومتى تم العقد وتفرقا لم يكن لواحد منهما الفسخ إلا بعيب أو خيار كخيار شرط أو غبن على ما يأتي أو بمخالفة شرط صحيح اشترط وإن تبايعا على الاختيار بينهما أو قال البائع بعتك على الأخيار بيننا فقال المشتري: قبلت ولم يزد على ذلك أو اسقطا الخيار بعده مثل أن يقول كل منهما بعد العقد: اخترت إمضاء العقد أو التزامه سقط أو الأخيار لأحدهما بمفرده أو أسقطه أو قاله لصاحبه أختر سقط وبقي خيار صاحبه ويبطل خيارهما بموت أحدهما وبهربه من الآخر لا بجنونه وهو على خياره إذا أفاق ولو خرس أحدهما قامت إشارته مقام نطقه فإن لم تفهم إشارته أو جن أو أغمي عليه قام أبوه أو وصيه أو الحاكم مقامه ولو الحقا بالعقد خيارا بعد لزومه لم يلحق والتفرق بأبدانهما عرفا يختلف باختلاف مواضع البيع فإن كان في فضاء واسع أو مسجد كبير إن صححنا البيع فيه أو سوق - فبأن يمشي أحدهما مستدبرا لصاحبه خطوات بحيث لا يسمع كلامه المعتاد وفي سفينة كبيرة بان(2/84)
يصعد أحدهما إلى أعلاها وينزل الآخر في أسفلها وفي صغيرة بأن يخرج أحدهما منها ويمشي وفي دار كبيرة ذات مجالس وبيوت: بخروجه من بيت إلى بيت أو مجلس أو صفة ونحوه بحيث يعد مفارقا له وفي صغيرة بأن يصعد أحدهما السطح أو يخرج منها وإن بنى بينهما في المجلس حائط من جداره أو غيره أو أرخيا بينهما سترا أو ناما أو قاما فمضيا جميعا ولم يتفرقا فالخيار بحاله وسواء قصد بالمفارقة لزوم البيع أو حاجة أخرى لكن تحرم الفرقة بغير إذن صاحبه خشية فسخ البيع.(2/85)
القسم الثاني: خيار الشرط
...
فصل:- الثاني خيار الشرط:
وهو أن يشترطا في العقد أو يعده في زمن من الخيارين لا بعد لزومه - مدة معلومة فيثبت فيها وإن طالت فلو كان المبيع لا يبقى إلى مضيها: كطعام رطب بيع وحفظ ثمنه وإن شرط حيلة ليربح فيما أقرضه حرم نصا ولم يصح البيع فإن أراد أن يقرضه شيئا يخاف أن يذهب فاشترى منه شيئا وجعل له الخيار ولم يرد الحيلة: فقال أحمد: جائز فإذا مات فلا خيار لورثته وقوله محمول على مبيع لا ينتفع إلا بإتلافه أو على أن المشتري لا ينتفع بالمبيع مدة الخيار فيجر قرضه نفعا ولا يصح الخيار مجهولا مثل أن يشترطاه أبدا أو مدة مجهولة أو أجلا مجهولا كقوله: متى شئت لو شاء زيد أو قدم أو هبت الريح أو نزل المطر أو قال أحدهما: لي الخيار ولم يذكر مدته أو شرطه خيارا ولم يعينا مدته أو إلى الحصاد أو الجذاذ فيلغو ويصح البيع وتقدم في الباب قبله وإن شرطه إلى العطاء وأراد وقت(2/85)
العطاء وكان معلوما صح وإن أراد نفس العطاء فمجهول ولا يثبت إلا في البيع وصلح بمعناه وإجازة الذمة أو على مدة لا تلي العقد لا أن وليته ويثبت في قسمة تراض لا إجبار كما تقدم في خيار المجلس وإن شرطاه إلى الغد لم يدخل في المدة ويسقط بأوله وإلى الظهر أو صلاة الظهر يسقط بأول وقتها وإن شرطه إلى طلوع الشمس أو إلى غروبها صح كتعليق طلاق وعتق عليهما فإن شك في طلوعها أو غروبها بغيم فحتى يتيقن وإن جعله إلى طلوعها من تحت السحاب أو إلى غيبتها تحته لم يصح لجهالته ولا يثبت في بيع: القبض شرط لصحته كصرف وسلم نحوهما1 وإن شرطاه مدة على أن يثبت يوما ولا يثبت يوما صح في اليوم الأول فقط2 وإن شرطاه مدة فابتداؤها من حين العقد وإن شرطاه من حين التفرق لم يصح لجهالته وإن شرطه لزيد ولم يقل دوني أو له لزيد صح وكان اشتراطا لنفسه توكيلا لزيد فيه ويكون لكل واحد من المشترط ووكيله الذي شرط له الخيار - الفسخ وإن قال له دوني لم يصح وإن كان المبيع عبدا فشرط الخيار له صح سواء شرطه له
__________
1 يفيدك هذا الكلام أن اشتراط الخيار بين المتعلقدين ى يطرد في كل بيع. من ذلك أن السلم وبيع الربوي بجنسه وصرف النقد بآخر يشترط فيها كلها القبض لأحد العوضين: كما في السلم، أو لكليهما كما في الباقي، ومقتضى ذلك ألا تبقى بين المتعاقدين علقة إذا تفرقا وهذا ينافيه اشتراط الخيار وبناء عليه فلو شرطاه أو شرطه أحدهما فالشرط لاغ لأنه ينافي مقتضى هذه العقود.
2 وذلك بديهي لأنه في اليوم الثاني لخيار والعقد لازم ففي اليوم الثالث لا يتأتى انتقال العقد من اللزوم إلى التعليق ثانيا.(2/86)
البائع أو المشتري وإن قال بعتك على أن استأمر فلانا وجد ذلك بوقت معلوم صح وله الفسخ قبل أن يستأمر وإن شرط هـ وكيل فهو لموكله وإن شرطه لنفسه ثبت لهما وإن شرطه لنفسه دون موكله أو لأجنبي لم يصح وأما خيار المجلس فيخص الوكيل فإن حضر الموكل في المجلس وحجر على الوكيل في الخيار رجعت حقيقة الخيار إلى الموكل وإن شرطا الخيار لأحدهما أو لهما ولو متفاوتا صح وإن اشترى شيئين وشرط الخيار في أحدهما بعينه صح فإن فسخ فيه البيع رجع بقسط من الثمن وإن شرطاه في أحدهما لا بعينه أو لأحد المتعاقدين لا بعينه فمجهول لا يصح ولمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه أطلقه الأصحاب وعنه برد الثمن أن فسخ البائع وجزم به الشيخ كالشفيع - وقال: وكذا التملكات القهرية كأخذ الغراس والبناء من المستعير والمستأجر والزرع من الغاصب قاله في الإنصاف وهذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه خصوصا في زمننا هذا وقد كثرت الحيل ويحتمل أن يحمل كلام من أطلق على ذلك انتهى - وإن مضت المدة ولم يفسخ بطل خيارهما ولزم البيع وينتقل الملك في المبيع زمن الخيارين ولو قبل قبضته إن لم يكن مكيلا ونحوه ولم يمنعه منه البائع أو كان وقبضه مشتر - فمن ضمانه ويبطل خياره فيعتق قريبه وينفسخ نكاح ويخرج فطرته ويلزمه مؤنة الحيوان والعبيد ولو باع نصابا من الماشية بشرط الخيار حولا زكاة(2/87)
المشتري ويحنث البائع إذا حلف ألا يبيع ولو باع محل صيدا بشرط الخيار ثم أحرم في مدته فليس له الفسخ1 ولو باع الملتقط اللقطة بعد الحول ثم جاء ربها في مدة الخيار وجب فسخ البيع وردها إليه ولو باعت الزوجة الصداق قبل الدخول بشرط الخيار ثم طلقها الزوج: فالأولى عدم لزوم استردادها ولو تغيب في مدة الخيار لم يرد به إلا أن يكون غير مضمون على المشتري لانتفاء القبض ولو باع أمة بشرط الخيار ثم فسخ البيع وجب على البائع الاستبراء ولو استبرأها المشتري في مدة خياره كفاه ذلك ولا يثبت الأخذ بالشفعة في مدة الخيار ولو باع أحد الشريكين شقصا بشرط الخيار فباع الشفيع حصته في مدة الخيار استحق المشتري الأول انتزاع شقص المبيع في يد مشتريه لأنه شريك الشفيع حال بيعه وينتقل الثمن المعين والمقبوض إلى البائع زمن الخيار فما حصل في المبيع من كسب أو أجرة أو نماء منفصل ولو
__________
1 عدم جواز الفسخ لمن دخل في الإحرام مبني على أمرين: أحدهما أن المحرم ليس له أن يصيد ولا أن يمتلك الصيد. وذلك واضح مسلم، والثاني أن الرجوع وهو محرم فيما باعه وهو حلال يعتبر تملكا لمصيد كان على ذمة المشتري منذ اشتراه ولذلك منع الرجوع. وصاحب الكشاف عقب على ذلك الكلام حيث ذكر المصنف في باب الإحرام أن رجوع البائع في الصيد وهو في إحرامه جائز لأن ذلك استبقاء لملك وليس تملكا جديدا. ويترجح عندي أن المحرم ليس له أن يرجع ابتداء لأن ذلك تملك كما يقول المصنف ولكن لو رد عليه المشتري كان ملزما بقبوله لدخوله في ملكه قهرا عنه كالموروث، وذلك يستطاع التوفيق بين كلامي المصنف هنا وهناك فيما قد يبدو من تضارب والله أعلم.(2/88)
من عينه كثمرة وولد ولبن ولو في يد بائع قبل قبضه وهو أمانه عنده فلمشتر أمضيا العقد أو فسخاه والنماء المتصل تابع للمبيع والحمل الموجود وقت العقد مبيع فإذا ولد في مدة الخيار ثم ردها على البائع لزم رده.(2/89)
حكم تصرف المتبايعين في مدة الخيار
...
فصل:- ويحرم تصرفهما في مدة الخيارين
في ثمن معين أو كان في الذمة ثم صار إلى البائع ثم صار إلى البائع وفي ثمن1 سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما أو لغيرهما: إلا إذا كان الخيار للمشتري وحده وتصرف في المبيع وإلا ما تحصل به تجربة المبيع كركوب الدابة لينظر سيرها وحلب الشاة ليعلم قدر لبنها والطحن على الرحى ونحو ذلك وإن كان الثمن في الذمة وتصرف البائع فيه بحوالة أو مقاصة لم يصح فإن تصرف المشتري ببيع أو هبة ونحوهما والخيار له وحده نفذ تصرفه وسقط خياره وكذا إن كان لهما أو للبائع وحده وتصرف بالعتق كما يأتي أو تصرف بإذن البائع أو معه لا مع أجنبي بلا إذنه وإن تصرف البائع لم ينفذ تصرفه ولو عتقا سواء كان الخيار له وحده أو لا إلا بإذن المشتر ويكون توكيلا للبائع ومسقطا لخيار المشتري2 ووكيلهما مثلهما وإذا لم ينفذ تصرفهما فتصرف مشتر ووطؤه وقبلته
__________
1 كذا في الأصل، ولعل الصواب أو في مثمن صار إلى المشتري فإن ذلك ما تقتضيه القابلة بين ما صار إلى البائع وما صار إلى المشتري ثم حرمه التصرف لتعلق حق كل منهما بما في يد الآخر إلا ما استثناه عقب ذلك.
2 لم ينفذ تصرف البائع لما عرفت أن المبيع صار ملكا للمشتري من حين العقد حتى مع وجود خيار الشرط أو غيره.(2/89)
ولمسه لشهوة وسومه إمضاء وإبطال لخياره ومتى بطل خياره بتصرفه فخيار البائع باق بحاله إلا أن يكون تصرف بإذن البائع فيسقط وتصرف بائع ليس فسخا وإن استخدم المشتري المبيع ولو لغير استعلام لم يبطل خياره وكذا إن قبلته الجارية المبيعة ولو لشهوة ولم يمنعها أو استدخلت ذكره وهو نائم ولم تحبل كما لو قبلت البائع وإن اعتقه المشتري نفذ عتقه وبطل خيارهما وإن تلف المبيع قبل القبض وكان مكيلا ونحوه بطل البيع وبطل معه الخيار وإن كان بعده أو فيما عدا مكيل ونحوه بطل أيضا خيارهما وأما ضمان ذلك وعدمه فيأتي آخر الباب ووقف المبيع كبيع وإن وطىء المشتري الجارية فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر ثابت النسب وإن وطئها البائع فعليه الحد إن علم زوال ملكه وتحريم وطئه نصا وولده رقيق لا يلحقه نسبه وعليه المهر ولا تصير أم ولد له وقيل لا حد عليه اختاره جماعة وإن لم يعلم لحقه النسب وولده حر وعليه قيمته يوم ولادته1 ولا بأس بنقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار لكن لا يجوز التصرف غير ما تقدم ويأتي في الباب - آخر الخيار السابع لذلك تتمة ومن مات منهما بطل خياره وحده ولم يورث إن لم يكن طالب به قبل موته فإن طالب به قبله ورث كشفعة وحد قذف وإن جن أو أغمي عليه قام وليه مقامه وإن خرس فلم تفهم إشارته
__________
1 إنما لحقه نسب الولد إذا لم يمكن عالما بالحكم لأن الوطء إذن وطء شبهة.(2/90)
فمجنون وإن مات في خيار المجلس بطل خياره وخيار صاحبه كما تقدم ولم يورث.(2/91)
القسم الثالث: خيار الغبن
...
فصل:- الثالث خيار الغبن
ويثبت في ثلاث صور: إحداها إذا تلقى الركبان: وهو القادمون من السفر بجلوبة: وهي ما يجلب للبيع وإن كانوا مشاة ولو بغير قصد التلقي واشترى منهم أو باعهم شيئا فلهم الخيار إذا هبطوا السوق وعلموا إنهم قد غبنوا غبنا يخرج عن العادة - الثانية في النجش: وهو أن يزيد السلعة من لا يريد شراءها وهو حرام لما فيه من تغرير المشتري وخديعته ويثبت له الخيار إذا غبن المذكور ولو بغير مواطأة من البائع أو زاد بنفسه فيخير بين رد وإمساك - قال ابن رجب في شرح النواوية ويحط ما غبن به من الثمن ذكره الأصحاب: قال المنقح ولم نره لغيره وهو قياس خيار العيب والتدليس على قول انتهى - اختاره مع ومن النجش: أعطيت فيها كذا وهو كاذب - الثالثة المسترسل: وهو الجاهل بالقيمة من بائع ومشتر ولا يحسن يماكس فله الخيار إذا غبن الغبن المذكور ويقبل قوله مع يمينه أنه جاهل بالقيمة ما لم تكن قرينة تكذبه وأما من له خبرة بسعر المبيع ويدخل على بصيرة بالغبن ومن غبن لاستعجاله في البيع ولو توقف ولم يستعجل لم يغبن فلا خيار لهما وكذا إجارة فإن فسخ في أثنائها كان الفسخ رافعا للعقد من أصله ويرجع المؤجر على المستأجر بالقسط من أجرة المثل لا من المسمى وإن كان قبض الأجرة رجع عليه مستأجر بالقسط من المسمى(2/91)
من الأجرة في المستقبل وبما زاد من أجرة المثل في الماضي إن كان هو المغبون وإن كان المؤجر فيما نقص عن أجرة المثل في الماضي والغبن محرم والعقد صحيح فيهن وغبن أحد الزوجين في مهر مثل لا فسح فيه فليس كبيع ويحرم تغرير مشتر بأن يسومه كثيرا ليبذل قريبا منه ذكره الشيخ وهو كخيار العيب في الفورية وعدمها ومن قال عند العقد لاخلابة أي لا خلابة أي لا خديعة فله الخيار إذا خلب نصا.(2/92)
القسم الرابع: خيار التدليس
...
فصل: الرابع خيار التدليس
فعله حرام للغرور والعقد صحيح ولا أرش فيه غير الكتمان وهو ضربان أحدهما كتمان العيب والثاني فعل يزيد به الثمن وإن لم يكن عيبا كتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها وتحسين وجه الصبرة وتصنع النساج وجه الثوب وصقال الإسكاف وجه المتاع ونحوه وجمع اللبن في ضرع بهيمة الأنعام وهو التصرية فهذا يثبت للمشتري خيار الرد إن لم يعلم به أو الإمساك وكذا لو حصل ذلك من غير قصد كحمرة وجه الجارية بخجل أو تعب ونحوهما ولا يثبت بتسويد يد كف عبد وثوبه ليظن أنه كاتب أو حداد ولا بعلف شاة أو غيرها ليظن أنها حامل ولا بتدليس ما لم يختلف به الثمن كتبيض الشعر وتسبيطه أو كانت الشاة عظيمة الضرع خلقة فظنها كثيرة اللبن وإن تصرف في البيع بعد علمه بالتدليس بطل رده ويرد مع المصراة في بهيمة الأنعام عوض اللبن الموجود حال العقد ويتعدد بتعدد المصراة صاعا من تمر سليم ولو زادت قيمته على المصراة أو نقصت(2/92)
عن قيمة اللبن فإن لم يجد التمر فقيمته موضع العقد واختار الشيخ يعتبر في كل بلد صاع من غالب قوته فإن كان اللبن باقيا بحاله بعد الحلب لم يتغير - رده ولزم قبوله ولا شيء عليه كردها قبل الحلب وقد أقر له بالتصرية أو شهد به من تقبل شهادته وإن تغير اللبن بالحموضة لم يلزم البائع قبوله وإن رضي بالتصرية فامسكها ثم وجد بها عيبا ردها به ولزمه صاع التمر عوض اللبن ومتى علم التصرية خير ثلاثة أيام منذ علم بين إمساكها بلا أرش وبين ردها مع صاع تمر كما تقدم فإن مضت ولم يرد بطل الخيار وخيار غيرها من التدليس على التراخي كخيار عيب وإن صار لبنها عادة أو زال العيب لم يملك الرد في قياس قوله: إذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج أي بائنا لم يملك الرد وإن كانت التصرية في غير بهيمة الأنعام فله الرد مجانا.(2/93)
القسمالخامس: خيار العيب
...
فصل:- الخامس خيار العيب
وهو نقص عين المبيع كخصاء ولو لم تنقص به القيمة بل زادت قيمته عادة في عرف التجار وفي الترغيب وغيره نقيصة يقتضي العرف سلامة المبيع عنها: كمرض وذهاب جارحة أو سن من كبيرة أو زيادة كالأصبع الزائدة أو الناقصة والعمى والعور والحول والخوص والسبل: وهو الزيادة في الأجفان والطرش والخرس والصم والفزع والصنان والبخر في الأمة والعبد والبهق والبرص والجذام والفالج والكلف والعفل والقرن والفتق والرتق والاستحاضة والجنون والسعال والبحة وكثرة الكذب والتخنيث التزوج في الأمة والدين في رقبة العبد والسيد معسر والجنابة الموجبة(2/93)
للقود وكونه خنثى والثآليل والبثور1 وآثار القروح والجروح والشجاج والجدر2 والحفر وهو وسخ يركب أصول الأسنان والتلوم فهيا والوسم وشامات ومحاجم في غير موضعها وبشرط يشين وإهمال الأدب والوقار في أماكنهما نصا ولعل المراد في غير الجلب والصغير والاستطالة على الناس والحمق من كبير فيهما وهو ارتكاب الخطأ على بصيرة يظنه صوابا وزنا من بلغ عشرا فصاعدا عبدا كان أو أمة ولواطة: فاعلا ومفعولا وسرقته وشربه مسكرا وإباقه بوله في فراش وحمل الأمة دون البهيمة زاد في الرعاية والحاوي إن لم يضر باللحم وعدم ختان كبير لا في أنثى وصغير وكونه أعسر لا يعمل باليمين عملها المعتاد وتحريم عام كأمة مجوسية بخلاف أخته من الرضاع وحماته ونحوهما وكون الثوب غير جديد مالم يظهر اثر الاستعمال والزرع والغرس والإجارة أو في المبيع ما يمنع الانتفاع به غالبا كسبع أو نحوه في ضيعة أو قرية أو حية أو نحوها في دار أو حانوت والجار السوء قاله الشيخ وبق ونحوه غير معتاد بالدار واختلاف الأضلاع والأسنان وطول أحدى ثديي الأنثى وخرم شنوفها وأكل الطين والوكع وهو إقبال الإبهام على السبابه من الرجل حتى يرى أصلها خارجا كالعقدة وكون الدار ينزلها الجند وليس الفسق من جهة الاعتقاد والتغفيل عيبا
__________
1 الثآليل جمع ثؤلول. والبثور جمع بثر ومعناهما النتوءات التي تبدو على الجلد وهي عديدة الأشكال إلا أن الأولى تكون صلبة والثانية تكون غالبا أشبه بالحفر أو آثار الجدري.
2 هو جفاف اللبن.(2/94)
وكذا الثيوبة ومعرفة الغناء والحجامة وكونه ولد زنا وكون الجارية لا تحسن الطبخ ونحوه أو لا تحيض والكفر وعجمة اللسان والفافاء والتمتام والإرث والقرابة والألثغ والإحرام والصيام وعدة البائن لا الرجعية ومن العيوب عثرة المركوب وكدمه ورفسه وقوة رأسه وحرنة وشموسه وكيه أو بعينه ظفرة أو بإذنه شق قد خيط أو بحلقه تغانغ أو غدة أو عقدة أو به زور وهو نتو الصدر عن البطن أو بيده أو رجله شقاق أو بقدمه فدع: وهو نتو وسط القدم أو به وحس وهو ورم حول الحافر أو خروج العرقوب في الرجلين عن قدم في اليمين أو الشمال وهو الكوع أو بعقبهما صكك: وهو تقاربهما أو بالفرس خيف وهو كون أحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء.(2/95)
حكم ما لو اشترى معيبا لم يعلمه
...
فصل:- فمن اشترى معيبا لم يعلم عيبه ثم علم بعيبه:
علم البائع بعينه فكتمه أو لم يعلم أو حدث به عيب بعد عقد وقبل قبض فيما ضمانه على بائع كمكيل وموزون معدود ومزروع وثمر على شجر ونحوه - خير بين ردو عليه مؤنة رده وأخذ الثمن كاملا حتى لو وهبه ثمنه أو ابرأه منه وبين إمساك مع أرش ولو لم يتعذر الرد رضى البائع أو سخط ما لم يفض إلى ربا كشراء حلى فضة بزنته دارهم أو قفيز مما يجري فيه الربا بمثله ثم وجد معيبا فله الرد أو الإمساك مجانا وإن تعيب أيضا عند مشتر فسخ حاكم البيع ورد البائع الثمن ويطالب بقيمة المبيع لأنه لا يمكن إهمال العيب بلا رضا ولا أخذ أرش وإن اشترى حيوانا أو غيره فحدث به عيب عند مشتر قبل مضي ثلاثة أيام(2/95)
أو حدث في الرقيق برص أو جنون أو حذام قبل مضي سنة فمن ضمان المشتري وليس له رد نصا وإن ظهر على عيب في الحلي أو القفيز بعد تلفه عنده فسخ العقد ورد الموجود وهو الثمن وتبقى قيمة المبيع في ذمته ولا فسخ بعيب يسير كصداع وحمى يسيرة وسقط آيات يسيرة في مصحف للعادة كغبن يسير: وكيسير التراب والعقد في البر قال ابن الزاغوني: لا ينقص شيء من أجرة الناسخ بعيب يسير وإلا فلا أجرة لما وضعه في غيره مكانه وعليه نسخه في مكانه ويلزمه قيمة ما أتلفه بذلك من الكاغد وإن ظهر في المأجور عيب فلا ارش له ويأتي في الإجارة والأرش قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب فيرجع بنسبته من ثمنه فيقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا فإذا كان الثمن مثلا مائة وخمسين فقوم المبيع صحيحا بمائة معيبا بتسعين فالعيب نقص عشرة نسبتها إلى قيمته صحيحا عشر فينسب ذلك إلى المائة وخمسين تجده خمسة عشر وهو الواجب للمشتري ولو كان الثمن خمسين وجب له خمسة ولو اسقط المشتري خيار الرد بعوض بذله له البائع وقبله جاز وليس من الأرش في شيء ونص عليه مثله في خيار معتقة تحت عبد وما كسب قبل الرد فللمشتري وكذلك نماؤه المنفصل فقط كالثمرة واللبن وإن حملت بعد الشراء فنماء متصل وإن حملت بعد الشراء وولدته بعده فنماء منفصل ولا يرده إلا لعذر كولد أمة ويأخذ قيمته والنماء المتصل للبائع كالسمن والكبر وتعلم صنعة والثمرة قبل ظهورها ومنه إذا صار الحب زرعا والبيضة فرخا ووطء المشتري الثيب(2/96)
لا يمنع الرد فله ردها مجانا وله بيعها مرابحة بلا خيار كما لو كانت مزوجة فوطئها الزوج فإن زوجها المشتري فوطئها الزوج ثم أراد ردها بالعيب فإن كان النكاح باقيا فهو عيب وإن كان قد زال فكوطء السيد وإن زنت في يد المشتري ولم يكن عرف ذلك منها فهو عيب حادث حكمه كالعيوب الحادثة ولو اشترى متاعا فوجده خيرا مما اشترى فعليه رده إلى بائعه كما لو وجده أردأ كان له رده ولعل محل ذلك إذا كان البائع جاهلا به وإن وطىء البكر أو تعيبت أو غيرها عنده ولو بنسيان صنعة أو كتابة أو قطع ثوب خير بين الإمساك وأخذ الأرش وبين الرد مع أرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن والواجب رد ما نقص قيمتها الواطىء: فإذا كانت قيمتها بكرا مائة وثيبا ثمانين رد معها عشرين لأنه بفسخ العقد يصير مضمونا عليه بقيمته بخلاف أرش العيب الذي يأخذه المشتري إلا إن يكون البائع دلس العيب أي كتمه عن المشتري فله رده بلا أرش ويأخذ الثمن كاملا - قال أحمد في رجل اشترى عبدا فأبق فأقام بينة أن إباقه كان موجودا في يد البائع: يرجع على البائع بجميع الثمن لأنه غر المشترى ويتبع البائع عبده - وكذا لو دلس البائع ثم تلف عند المشترى رجع بالثمن كله على البائع نصا وسواء تعيب أو تلف بفعل الله: كالمرض أو بفعل المشتري: كوطء البكر أو أجنبي: مثل أن يجني عليه أو بفعل العبد: كالسرقة وسواء كان مذهبا للجملة أو بعضها وإن زال العيب الحادث عنده رده ولا شيء معه وإن زال رده لم يرجع مشتر على بائع بما دفعه له.(2/97)
حكم ما لو أعتق العبد المعيب بعد شرائها وقبل علمه بالعيب
...
فصل:- وإن اعتق أو عتق عليه
أو قتل أو استولد الأمة أو تلف المبيع ولو بفعله: كأكله ونحوه أو باعه أو وهبه أو رهنه أو وقفه غير عالم بعيبه - تعين الأرش ويكون ملكا له لكن لو رد عليه فله رده أو ارشه ولو أخذ منه أرشه فله الأرش1 ولو باعه مشتر لبائعه له كان له رده على البائع الثاني ثم للثاني رده عليه وفائدته اختلاف الثمنين2 وإن فعل ذلك عالما بعيبه أو تصرف بما يدل على الرضا من وطء وسوم وإيجار واستعمال حتى ركوب دابة لغير خبرة ورد ونحوه ولم يختر الإمساك قبل تصرفه فلا أرش له كرد وعنه له الأرش: كإمساك - قال في الرعاية الكبرى والفروع وهو أظهر وقال في القاعدة العاشرة بعد المائة: هذا قول ابن عقيل وقال عن القول الأول: فيه بعد قال الموفق:
__________
1 يعني لو باع المشتري ما اشتراه ولم يكن ظهر على عيبه ثم أخذ المشتري الثاني أرش العيب فللمشتري الأول وهو الذي دفع الأرش أن يأخذه من البائع الأول وقد نبه صاحب الكشاف إلى أن ذلك مجرد تمثيل فلا يفهم منه أن المشتري الأول لا يرجع بالأرش إلا إذا غرمه للثاني، بل له على أي حال كان لأنه حقه. وهو تنبيه حق.
2 يريد: فائدة الرد من الجانبين تظهر عند اختلاف الثمن حين البيع الثاني عن الثمن البيع الأول وصورة ذلك: أن يبيعك زيد فرسه بعشرة جنيهات وقبل أن تعلم بعيبه بعته أنت لزيد بخمسة عشر ثم ظهر لزيد عيب الفرس فله رده عليك ليأخذ الخمسة عشر ولك بعد أن ترد عليك لتأخذه العشرة أو يتقاص زيد معك ليمسك فرسه ويأخذ منك الخمسة الزائدة ويدع لك ما دفعته. وعند اتحاد الثمن لا رجوع لزيد حيث لا فائدة. ولا أرش له لأن المفروض أن العيب قديم وحاصل عنده.(2/98)
قياس المذهب أن له الأرش بكل حال وصوبه في الإنصاف - وإن باع بعضه فله أرش الباقي لا رده وله أرش المبيع وإن صبغه أو نسجه فله الأرش ولا رد وإن أنعل الدابة ثم أراد ردها بالعيب نزع النعل فإن كان النزع يعيبها لم ينزع ولم يكن له قيمته على البائع ويهمله إلى سقوط ونحوه ولو باع شيئا بذهب ثم أخذ عنه دراهم ثم رده المشتري بعيب قديم رجع المشتري بالذهب لا بالدراهم وإن اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسدا ولا قيمة لمكسوره كبيض دجاج وبطيخ لا نفع فيه رجع بالثمن كله وليس عليه رد المبيع إلى البائع لأنه لا فائدة فيه وإن كان الفاسد في بعضه رجع بقسطه وإن كان لمكسوره قيمة كبيض نعام وجوز هند خير فإن رده رد ما نقصه ولو كان الكسر بقدر الاستعلام وإن كسره كسرا لا تبقي معه قيمته تعين الأرش ولو اشترى ثوبا فنشره فوجده معيبا: فإن كان مما لا ينقصه النشر رده وإن كان ينقصه كالهنسجاني الذي يطوي على طاقين فكجوز هند1 وله أخذ أرشه إن أمسكه وخيار عيب وخلف في الصفة ولإفلاس المشتري على التراخي فمن علم العيب وأخر الرد لم يبطل خياره: إلا إن يوجد منه ما يدل على الرضا وتقدم قريبا ولا يفتقر الرد إلى رضا البائع ولا حضوره ولا حكم حاكم قبل القبض أو بعده وإن اشترى اثنان شيئا وشرطا الخيار أو وجداه معيبا فرضي أحدهما فللآخر رد نصيبه كشراء واحد
__________
1 مراده أن عليه الأرش للنقص الحاصل بنشره.(2/99)
من اثنين: فله رده عليهما ورد نصيب أحدهما وإمساك نصيب الآخر فإن كان أحدهما غائبا رد على الحاضر حصته بقسطها من الثمن ويبقى نصيب الغائب في يده حتى يقدم ولو كان أحدهما باع العين كلها بوكالة الآخر فالحكم كذلك: سواء كان الحاضر الوكيل أو الموكل وإن قال بعتكما فقال أحدهما: قبلت جاز على ما مر1 وإن ورث اثنان خيار عيب فرضي أحدهما سقط حق الآخر من الرد2 وإن اشترى واحد معينين أو طعاما في وعاءين صفقة واحدة فليس له إلا ردهما معا أو إمساكهما والمطالبة بالأرش وإن تلف أحدهما فله رد الباقي بقسطه من الثمن والقول في قيمة التالف قوله مع يمينه وإن كان أحدهما معيبا وأبى الأرش فله رد بقسطه ولا يملك رد السليم إلا أن ينقصه تفريق: كمصراعي باب وزوجي خف أو يحرم كجارية وولدها ونحوه فليس له رد أحدهما بل ردهما أو الأرش وإن كان البائع الوكيل فللمشتري رده على الوكيل فإن كان العيب مما يمكن حدوثه فأقر به الوكيل وأنكره الموكل لم يقبل إقراره على موكله3 بخلاف خيار الشرط فإذا رده المشتري على الوكيل لم يملك الوكيل رده على الموكل وإن أنكره الوكيل
__________
1 يعني كان قبول أحدهما نفاذا للبيع في نصف السلعة.
2 إنما سقط حق الآخر مع سقوط حق من رضي لأن حقه لو بقي لأدى إلى تشقيص المبيع على صاحبه في حين أنه خرج من ملكه دفعة واحدة والتشقيص ضرر وهو ممنوع.
3 لأن التوكيل قاصر على البيع فلإقرار على البيع خارج عنه بخلاف خيار الشرط فإنه يملك عقده مع المشتري.(2/100)
فتوجهت اليمين عليه فنكل فرده عليه بنكوله لم يملك رده على موكله وإن اختلفا عند من حدث العيب مع احتمال قول كل كخرق ثوب ورفوه ونحوهما فقول مشتر مع يمنيه على البت فيحلف بالله أنه اشتراه وبه هذا العيب أو أنه ما حدث عنده وله رده إن لم يخرج عن يده إلى يد غيره ومنه لو اشترى جارية على أنها بكر ووطئها وقال: لم أصبها بكرا فقوله مع يمينه وإن اختلفا قبل وطئه أريت النساء الثقات ويقبل قول امرأة ثقة وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما: كالأصبع الزائد والشجة المندملة التي لا يمكن حدوث مثلها والجرح الطري الذي لا يحتمل كونه قديما فالقول قول من يدعي ذلك بغير يمين ويقبل قول بائع: أن المبيع ليس المردود إلا في خيار الشرط فقول مشتر ويقبل قول مشتر مع يمينه في عين ثمن معين بعقد: أنه ليس الذي دفعه إليه وقول قابض مع يمينه في ثابت في الذمة من ثمن مبيع وقرض وسلم وغير ذلك مما هو في ذمته إن لم يخرج عن يده وإن باع أمة بعبد ثم وجد بالعبد عيبا فله الفسخ واسترجاع الأمة أو قيمتها لعتق مشتر لها وكذلك سائر السلع المبيعة إذا علم بها بعد العقد وليس لبائع الأمة التصرف فيها قبل الاسترجاع بالقول لأن ملك المشتري عليه تام مستقر فلو أقدم البائع واعتق الأمة أو وطئها لم يكن ذلك فسخا بغير قول ولم ينفذ عتقه ومن باع عبدا يلزمه عقوبة من قصاص أو غيره يعلم المشتري ذلك فلا شيء له وإن علم بعد البيع فله الرد أو الأرش وإن لم يعلم حتى قتل تعين له الأرش على البائع وإن قطع فكما لو عاب عنده على ما تقدم وإن كانت الجناية موجبة لمال(2/101)
أو للقود فعفا عنه إلى مال والسيد: وهو البائع: معسر قدم حق المجني عليه فيستوفيه ومن رقبة الجاني وللمشتري الخيار إن لم يكن عالما فإن فسخ رجع بالثمن وكذا إن لم يفسخ وكانت الجناية مستوعبة لرقبة العبد فأخذ بها وإن تكن مستوعبة رجع بقدر أرشه وإن كان عالما بعيبه لم يرجع بشيء وإن كان السيد موسرا تعلق الأرش بذمته ويزول الحق عن رقبة العبد والبيع لازم ويأتي في الإجارة لو غرس أو بنى مشتر ثم فسخ البيع بعيب.(2/102)
القسم السادس: خيار التولية
...
فصل:- السادس خيار يثبت في التولية والشركة المرابحة والمواضعة:
إذا أخبره بزيادة في الثمن أو نحو ذلك ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال وهو أنواع من البيع فتصح بألفاظها وبلفظ البيع وهي البيع بتخيير الثمن وبيع المساومة أسهل منها نصا فالتولية البيع برأس المال فيقول البائع: وليتكه أو بعتكه برأس ماله أو بما اشتريته به أو برقمه المعلوم عندهما: وهو الثمن المكتوب عليه والشركة بيع بعضه بقسطه من الثمن: نحو أشركتك في نصفه أو ثلثه ونحوه كقوله هو شركة بيننا فلو قال لمن قال له أشركني فيه: أشركتك انصرف إلى نصفه وإن لقيه آخر فقال: أشركني وكان الآخر عالما بشركة الأول فشركه فله نصف نصيبه وهو الربع وإن لم يكن عالما صح وأخذ نصيبه كله وهو النصف وإن كانت السلعة لاثنين فقال لهما آخر: أشركاني فيها فأشركاه معا فله الثلث وإن أشركه أحدهما فنصف نصيبه وإن أشركه كل واحد منهما منفردا كان له النصف ولكل واحد منهما(2/102)
الربع ولو اشترى قفيزا من طعام فقبض نصفه فقال له آخر: بعني نصفه فباعه انصرف إلى النصف المقبوض وإن قال: أشركني في هذا القفيز بنصف الثمن ففعل لم تصح الشركة إلا فيما قبض منه وهو النصف فيكون لكل واحد الربع بربع الثمن والمرابحة: أن يبيعه بثمنه وربح معلوم فيقول: رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وبح عشرة فيصح بلا كراهة ويكون الثمن مائة وعشرة وكذا قوله: على أن أرابح في كل عشرة درهما أو قال بعتكه ده زيادة أوده دوازده1 ويكره نصا والمراضعة عكس المرابحة ويكره فيها فيقول بعتكه بها ووضعية درهم من كل عشرة2 فيحط منه عشرة ويلزم المشتري تسعون درهما وإن قال ووضعية درهم لكل عشرة كان الحط من أحد عشر: كعن كل عشرة فيلزمه تسعون درهما وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ومن أخبر بثمن فعقد به ثم ظهر الثمن أق فللمشتري حط الزيادة في المرابحة وحظها
__________
1 من صيغ المرابحة قوله: بعتكه ده زيادة يعني العشرة أحد عشر وقوله: بعتكه ده دو أزده يعني العشرة اثنى عشر وتلك عبارات أعجمية وحيث كان مفهومها معلوما للمتبايعين جاز مراعاة للشرط السابق وهو العلم برأس المال ومع جواز المرابحة بهذه الصيغ فهي مكروهة كالصيغة السابقة وهي قوله: بعتكه بثمنه كذا على أن أربح في كل عشرة درهما وعلة الكراهة ما فيه من الشبه اللفظي ببيع الدراهم مثلها وزيادة.
2 لو قال بعتكه بثمنه مائة ووضيعة عشرة لكانت الصيغة بعيدة عن الكراهة ولكن لما قال ووضيعة درهم من كل عشرة كان شبيها بقوله في المرابحة على أن أربح في كل عشرة درهما. وقد عرفت جوازه مع علة الكراهة فيه فكذلك هنا كأنه قال بعتك العشرة بتسعة والحكم هو بعيبه.(2/103)
من الربح وينقصه في المواضعة ويلزم البيع بالباقي وإن بان مؤجلا وقد كتمه بائع في تخبيره ثم علم مشتر أخذ به مؤجلا ولا خيار فلا يملك الفسخ فيهن1 ولو قال مشتراه مائة ثم قال: غلطت والثمن زائد عما أخبرت به فالقول قوله مع يمينه بطلب مشتر اختاره الأكثر فيحلف أنه لم يكن يعلم وقت البيع أن ثمنها أكثر فإن حلف خير مشتر بين الرد: ودفع الزيادة وإن نكل عن اليمين أو أقر لم يكن له غير ما وقع عليه العقد وقدم في التقيح أنه لا يقبل إلا ببينة ثم قال وعنه يقبل قول معروف بالصدق وهو اظهر انتهى ولا يحلف مشتر بدعوى بائع عليه علم الغلط وخالف الموفق والشارح وإن باع بدون ثمنها عالما لزمه وإن اشتراه بدنانير وأخبر أنه اشتراه بدراهم وبالعكس أو اشتراه بعرض فأخبر أنه اشتراه بثمن أو بالعكس وأشباه ذلك أو ممن لا تقبل شهادته له: كأبيه وابنه أو مكاتبه أو بأكثر من ثمنه حيلة: كشرائه من غلام كأنه حر أو من غيره وكتمه في تخبيره فللمشتري الخيار:
__________
1 قوله ولا خيار فلا يملك الفسخ فيهن، يريد به أن المشتري في التولية والشركة والمرابحة. والمواضعة إذا علم بزيادة في الثمن المعقود عليه أو تأجيل كان أخفاه البائع فليس له سوى حط الزيادة من الثمن والأخذ بالتأجيل. والبيع لازم ووجه ذلك أن لزوم البيع لا يلحق به ضرر بل ازداد خيرا بحط الزيادة والأخذ بالتأجيل وأنت تذكر أن المصنف عقد هذا الفصل لبيان في هذه الصورة خيارا فكلامه أو لا غير ملتئم مع ما هنا ويجدر بك أن تعلم أن في المذهب روايتين إحداهما بثبوت الخيار في هذه الصور الأربع، عليها جرى المصنف في أول كلامه. والثانية بعدم الخيار وبها أخذ في كلامه هنا والله أعلم.(2/104)
إذا علم: بين الإمساك والرد وإن اشترى شيئين صفقة واحدة ثم أراد بيع أحدهما بتخيير الثمن أو اشترى اثنان شيئا وتقاسماه وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة: فإن كان من المتقومات التي لا ينقسم عليها الثمن بالأجزاء كالثياب ونحوها لم يجز حتى يبين الحال على وجهه لكن لو اسلم في ثوبين بصفة واحدة فأخذهما على الصفة فله بيع أحدهما مرابحة بحصته من الثمن لأن الثمن ينقسم عليهما نصفين باعتبار القيمة وكذلك لو أقاله في أحدهما أو تعذر تسليمه كان له نصف الثمن وإن حصل في أحدهما زيادة على الصفة جرت مجرى الحادث بعد البيع وإن لم يبين فللمشتري الخيار بين الرد والإمساك وإن كان من المتماثلات التي ينقسم عليها الثمن بالأجزاء كالبر والشعير المتساويين جاز بيع بعضه مرابحة بقسطه من الثمن وإن اشترى شيئا بثمن لرغبة تخصه: كحاجة إلى إرضاع لزمه أن يخبر بالحال ويصير كالشراء بثمن غال لأجل الموسم الذي كان حال الشراء وإذا أراد البائع الإخبار بثمن السلعة وكانت بحالها لم تتغير أو زادت زيادة متصلة: كسمن وتعلم صنعة أخبر بثمنها سواء غلت أو رخصت فإن أخبره بدون ثمنها ولم يبين الحال لم يجز لأنه كذب وإن تغيرت بنقص بمرض أو جناية عليه أو تلف بعضه أو بولادة أو عيب أو بأخذ المشتري بعضه: كالصوف واللبن الموجود ونحوه أخبر بالحال وإن حط البائع بعض الثمن عن المشتري أو زاده في الأجل أو المثمن أو زاد المشتري أو حط له في الأجل في مدة الخيارين لحق بالعقد وأخبر به في الثمن وإن حط البائع كل الثمن فهو هبة وما كان(2/105)
بعد ذلك لا يلحق به: كخيار وأجل وكما لو جنى ففداه المشتري ولو كان في مدة الخيارين وكالأدوية والمؤنة والكسوة فإنه لا يخبر به في الثمن وإن أخبر بالحال فحسن ولا يخبر بأخذ نماء واستخدام ووطء ثيب إن لم ينقصه وما أخذ أرشا لعيب أو جناية عليه أخبر به على وجهه ولو كان في مدة الخيارين وهبة مشتر لوكيل باعه كزيادة ومثله عكسه فإن اشترى ثوبا بعشرة وقصره أو نحوه بعشرة بنفسه أو غيره أخبر به على وجهه فقط ومثله أجرة مكانه وكيله ووزنه وحمله وخياطته وعلف الدابة ولا يجوز أن يخبر بعشرين ولا أن يقول تحصل على بها وإن اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة لم يبعه مرابحة بل يخير بالحال ويحط الربح من الثمن الثاني ويخبر أنه تقوم عليه بخمسة ولا يخبر أنه اشتراه بخمسة لأنه كذب1 وقيل يجوز أنه اشتراه بعشرة وهو أصوب وعلى الثاني لو لم يبق شيء اخبر بالحال ولو اشتراه بخمسة عشر ثم باعه بعشرة ثم اشتراه بأي ثمن كان بينه ولم يضم الخسارة إلى الثمن الثاني ولو اشترى نصف شيء بعشرة واشترى غيره باقيه بعشرين ثم باعه مرابحة أو مواضعة أو تولية صفقة واحدة فالثمن لهما بالتساوي كمساومة ولو اشترى اثنان ثوبا بعشرين ثم بذلك لهما فيه نصيب صاحبه بذلك السعر أخبر في المرابحة بأحد وعشرين: لا اثنين وعشرين.
__________
1 وجه ذلك أن الخمسة التي ربحها تعتبر نماء منفصلا للمبيع فكان عليه أن يخبر به. وقد رجح علماء المذهب القول الثاني الذي بعد هذا وحملوا ذلك على الوجه على أنه استحباب من الإمام لا على وجه اللزوم.(2/106)
القسم السابع: خيار لاختلاف المتبايعين
...
فصل:- السابع خيار يثبت لاختلاف المتابعين
فمتى اختلفا في قدر ثمن أو أجرة ولا بينة أو لهما تحالفا ولو كانت السلعة تالفة لأن كلا منهما مدع ومدعي عليه صورة وكذا حكما لسماع بينتهما ولا تسمع إلا بينة المدعي باتفاقنا: إلا إذا كان بعد قبض بمن وفسخ عقد بإقالة أو رد معيب فقول بائع1 وفي كتابه بقول سيد ويأتي فيبدأ بيمين بائع ثم مشتر يجمعان فيهما نفيا وإثباتا ويقدمان النفي فيحلف البائع ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا ثم المشتري ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا وإن نكل أحدهما لزمه ما قاله صاحبه بيمينه وكذا لون نكل مشتر عن الإثبات فقط بعد حلف بائع2 فإن نكلا صرفهما الحاكم وإن تحالفا فرضي أحدهما يقول صاحبه أقر العقد وإلا فلكل منهما الفسخ بلا حاكم ولا ينفسخ بنفس التخالف ولا باباء كل واحد منهما الأخذ بما قال صاحبه وإن كانت السلعة تالفة وتحالفا إلى قيمة مثلها إن كانت مثلية وإلا فقيمتها فيأخذ مشتر الثمن: إن كان قد قبض: إن لم يرض بقول بائع وبائع القيمة فإن تساويا وكانا من جنس تقاصا وتساقطا وإلا سقط الأقل ومثله من الأكثر وإن اختلفا في القيمة أو في صفة أو قدر فقول مشتر بيمينه فلو وصفها بعيب كبرص وخرق ثوب وغيرهما فقول من ينفيه بيمينه وإن ماتا أو أحدهما ورثتهما بمنزلتهما وإن كان الموت بعد التحالف وقبل الفسخ وإن كان قبله وكان الوارث حضر العقد وعلمه حلف على البت وإن لم يعلم حلف على نفي العلم وإذا فسخ العقد في التحالف
__________
1 يريد فقول بائع مع يمينه لأنه منكر ما يدعيه المشتري.
2 وكذا لو نكل عن النفي فإن المطلوب في اليمين أن يجتمع فيها النفي والإثبات وكذا الحكم في جانب البائع.(2/107)
انفسخ ظاهرا أو باطنا في حقهما ولو مع ظلم أحدهما وإن اختلفا في صفة ثمن أخذ نقد البلد ثم غالبه رواجا فإذا استوت فالوسط وإن اختلفا في أجل أو رهن أو قدرهما سوى أجل في سلم لما يأتي أو شرط صحيح أو فاسد يبطل العقد أو لا أو في ضمين فقول من ينفيه نص عليه في دعوى عدم الإذن ودعوى البائع الصغر ومثله دعوى إكراه أو جنون لأنه إذا ادعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده صدق مدعي الصحة بيمينه وإن اختلفا في قدر مبيع فقال: بعتني هذين بثمن واحد فقال: بل أحدهما أو عينه فقال: بعتني هذا فقال: بل هذا فقول بائع وكذا حكم إجارة ولا يبطل البيع بجحوده ولو ادعى بيع الأمة ودفع الثمن فقال: بل زوجتكما فقد اتفقا على إباحة الفرج له وتقبل دعوى النكاح بيمينه وإن قال البائع: لا أسلم المبيع حتى اقبض ثمنه وقال المشتري: لا اسلم حتى أقبض المبيع والثمن عين من نقد أو عرض جعل بينهما عدل يقبض منهما ثم يسلم إليهما فيسلم المبيع أولا ثم الثمن ومن امتنع منهما من تسليم ما عقد عليه مع إمكانه حتى تلف ضمنه كغاصب وإن كان دينا حالا فنصه لا يحبس المبيع على قبض ثمنه فيجبر بائع على تسليم مبيع ثم مشتر على تسليم ثمنه الحال إن كان معه في المجلس ويجبر بائع على تسلم مبيع في مؤجل وإن كان غائبا عنه في البلد حجر على مشتر في المبيع وبقية ماله من غير فسخ حتى يحضر الثمن وكذا إن كان خارجه دون مسافة القصر وإن كان أو بعضه مسافته فصاعدا أو المشتري معسرا ولو ببعض الثمن فللبائع الفسخ في الحال والرجوع في عين ماله كمفلس،(2/108)
وإن كان موسرا مماطلا فليس له الفسخ وقال الشيخ: له الفسخ قال في الإنصاف وهو الصواب وكل موضع قلنا له الفسخ فإنه يفسخ بغير حكم حاكم وكل موضع قلنا يحجر عليه فذلك إلى الحاكم وكذا مؤجر بنقد حال وإن هرب المشتري قبل وزن الثمن وهو معسر فللبائع الفسخ في الحال وإن كان موسرا قضاه الحاكم من ماله إن وجد وإلا باع المبيع وقضى ثمنه وليس للبائع الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن لأجل الاستبراء ولو طالب المشتري البائع بكفيل لئلا تظهر حاملا لم يكن له ذلك وإن كان بيع خيار لهما أو لأحدهما لم يملك البائع مطالبته بالنقد ولا مشتر قبض مبيع في مدة خيار بغير إذن صريح من البائع.(2/109)
حكم ما لو اشترى شيئا بكيل الخ
...
فصل:- ومن اشترى شيئا بكيل
أو وزن أو عد أو ذرع ملكه ولزم بالعقد ولو كان قفيزا من صبرة أو رطلا من زبرة ولم يصح تصرفه فيه قبل قبضه ولو من بائعه ببيع ولا إجارة ولا هبة ولو بلا عوض ولا رهن ولو بعد قبض ثمنه ولا الحوالة عليه ولا به ولا غير ذلك حتى يقبضه ويصح عتقه وجعله مهرا ويصح الخلع عليه والوصية به فلو قبضه جزافا مكيلا كان أو نحوه لعلمهما قدره: بان شاهدا كيله ونحوه ثم باعه به من غير اعتبار صح وإن أعلمه بكيله ونحوه فقبضه ثم باعه به لم يجز وكذا أن قبضه جزافا أو كان مكيلا فقبضه وزنا وإن قبضه مصدقا لبائعه بكيله ونحوه بريء من عهدته ولا يتصرف قبل اعتباره لفساد القبض وإن لم يصدقه قبل قوله في قدره إن كان المبيع أو بعضه مفقودا أو اختلفا في بقائه على حاله وإن اتفقا(2/109)
على بقائه على حاله وأنه لم يذهب منه شيء أو ثبت ببينة اعتبر بالكيل فإن وافق الحق أو زاد أو نقص يسيرا لا يتغابن الناس بمثله فلا شيء على البائع والمبيع بزيادته للمشتري وإن زاد أو نقص كثيرا يتغابن بمثله فالزيادة للبائع والنقصان عليه والمبيع بصفة أو برؤية سابقة من ضمان البائع حتى يقبضه مشتر ولا يجوز للمشتري التصرف فيه قبل قبضه ولو غير مكيل ونحوه وإن تلف المكيل ونحوه أو بعضه بآفة سماوية قبل قبضه فهو من مال بائع وينفسخ العقد فيما تلف ويخير مشتر في الباقي بين أخذه بقسطه من الثمن وبين رده فلو باع ما اشتراه بما يتعلق به حق توفيه من مكيل ونحوه كما لو اشترى شاة أو شقصا بطعام فقبض الشاة وباعها أو أخذ الشقص بالشفعة ثم تلف الطعام قبل قبضه انفسخ العقد الأول دون الثاني ولم يبطل الأخذ بالشفعة ويرجع البائع الأول على مشتري الشاة أو الشقص بقيمة ذلك ويأخذ المشتري من الشفيع مثل الطعام لأنه الذي وقع عليه العقد لتعذر الرد فيهما وإن أتلفه غير مشتر بائعا كان أو غيره خير مشتر بين الفسخ وأخذ الثمن وللبائع مطالبة متلفه ببدله وبين إمضاء وينقد هو الثمن ويطالب متلفه بمثله إن كان مثليا وإلا فبقيمته وإتلاف مشتر ولو غير عمد ومتهب بإذنه كقبضه ويسعر عليه الثمن وكذا حكم ثمر على شجر قبل جذاذه ويأتي قريبا لو غصب الثمن وإن اختلط بغيره ولم يتميز لم ينفسخ وهما شريكان في المختلط وإن نما ولو بكيل أو نحوه في يد البائع قبل قبضه فللمشتري لأنه من ملكه وهو أمانة في يد البائع لا يضمنه إذا تلف بغير تفريط ولو(2/110)
باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه: فإن لم تكن الشاة بيد أحد انفسخ البيع كالآفة السماوية وإن كانت بيد المشتري أو البائع أو بيد أجنبي فمن ضمان من هي في يده وما عدا مكيل ونحوه كعبد وصبرة ونصفهما يجوز التصرف فيه قبل قبضه ببيع وإجارة وهبة ورهن وعتق وغير ذلك فإن تلف فمن ضمان مشتر تمكن من قبضه أم لا إذا لم يمنعه منه بائع ولمن اشترى منه المطالبة بتقبيضه من شاء من البائع الأول أو الثاني ويصح قبضه قبل نقد الثمن وبعده ولو بغير رضا البائع ولو كان غير معين والثمن الذي ليس في الذمة كثمن وما في الذمة له أخذ بدله لاستقراره وحكم كل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل قبضه: كأجرة معينة وعوض معين في صلح بمعنى بيع ونحوهما حكم عوض في بيع في جواز التصرف ومنعه وكذا ما لا ينفسخ بهلاكه قبل قبضه: كعوض طلاق وخلع وعتق على مال ومهر ومصالح به عن دم عمد وأرش جناية وقيمة متلف ونحوه لكن يجب بتلفه مثله أو قيمته وإلا فسخ وإن تعين مالكه في مورث أو وصية أو غنيمة لم يعتبر قبضه وله التصرف فيه قبله لعدم ضمانه بعقد معاوضة: كمبيع مقبوض ووديعة ومال شركة وعارية وما قبضه شرط لصحة عقده كصرف وسلم لا يصح تصرف فيه قبل قبضه ويحرم تعاطيهما عقدا فاسدا فلا يملك به ولا ينفذ تصرفه ويضمنه وزيادته بقيمته كمغصوب لا بالثمن.(2/111)
قبض المكيل بكيله الخ
...
فصل: ويحصل القبض فيما بيع بكيل
أو وزن أو عد أو ذرع بذلك بشرط حضور مستحق او نائبه فإذا ادعى بعد ذلك نقصان ما اكتاله أو اتزانه ونحوه أو أنهما غلطا فيه أو ادعى البائع زيادة لم يقبل قولهما ويأتي ذلك آخر السلم وتكره زلزلة الكيل ولو اشترى جوزا وعددا معلوما فعد في وعاء ألف جوزة فكانت ملأه ثم اكتال الجواز بذلك الوعاء بالحساب فليس بقبض وتقدم في كتاب البيع ويصح قبض وكيل من نفسه لنفسه إلا ما كان من غير جنس ماله ويصح استنابة من عليه الحق للمستحق في القبض ووعاؤه كيده ولو قال: اكتل من هذه الصبرة قدر حقك ففعل صح ويأتي لذلك تتمة آخر السلم ولو إذن لغريمه في الصدقة عند بدينه أو صرفه أو المضاربة به لم يصح ولم يبرأ ومؤنة توفية المبيع من أجرة كيل ووزن وعد وزرع ونقد على باذله من بائع ومشتر كما أن على بائع الثمرة سقيها والمراد بالنقاد بل قبض البائع له لأن عليه تسليم الثمن صحيحا أما بعد قبضه فعلى البائع لأنه ملكه بقبضه فعليه أن يبين أنه معيب ليرده وأجرة نقله على مشتر وأما ما كان من العوضين متميزا لا يحتاج إلى كيل ووزن ونحوهما فعلى المشتري مؤنته ويتميز الثمن عن المثمن بدخول باء البديلة ولو كان المثمن أحد النقدين ولو غصب البائع الثمن أو أخذه بلا إذن لم يكن قبضا إلا مع المقاصة ولا ضمان على نقاد حاذق أمين في خطأ ويحصل القبض في صبرة وفيما ينقل بنقله وفيما يتناول بتناوله وفيما عدا ذلك من عقار ونحوه بتخليته مع عدم مانع لكن يعتبر في جواز قبض مشاع بنقل إذن شريكه فيسلم الكل إليه ويكون سهمه في يد القابض أمانة ويأتي في الهبة فإن أبى(2/112)
نصب الحاكم من يقبض ولو سلمه بلا إذن فالبائع غاصب فإن علم المشتري ذلك فقرار الضمان عليه وإلا فعلى البائع وكذا أن جعل الشركة وفي المغني والشرح في الرهن لا يكفي هنا التسليم إن قلنا استدامة القبض شرط.(2/113)
فصل:- والإقالة للنادم مشروعة
وهي فسخ تصح في المبيع ولو قبل قبضه من مسلم وغيره ومن مكيل وموزون وبعد نداء الجمعة ومن مضارب وشريكه تجارة بغير إذن فيما اشتراه لظهور المصلحة كما يملك الفسخ بالخيار ومن كل في بيع فباع أو وكل في شراء فاشترى لم يملك الإقالة بغير إذن الموكل وتصح في الإجارة ومن مؤجر وقف إن كان الاستحقاق له ومن مفلس بعد حجر بلا شروط بيع لمصلحة لو وهب والد ولده شيئا ثم باعه الولد ثم رجع إليه لم يمنع رجوع الأب ولو باع أمة ثم أقال فيها قبل القبض أو بعده ولم يتفرقا لم يجب استراء ولو تقايلا في بيع فاسد لا تلزم المشتري ويبقى في يده أمانة كوديعة وتصح بلفظها وبلفظ مصالحة وظاهر كلام كثير من الأصحاب وبلفظ بيع وما يدل على معاطاة خلافا ل القاضي ولا خيار فيها ولا شفعة ولا ترد بعيب ولو قال: اقلني ثم غاب لم تصح لاعتبار رضاه ولا يحنث بها من حلف أو علق طلاقا أو عتقا لا يبيع ولا يبر بها من حلف بذلك ليبيعن وتصح مع ثلث ثمن لا لبيع ولا مع موت متعاقدين أو أحدهما ولا بزيادة على الثمن أو قبض منه أو بغير جنسه والملك باق للمشتري فما(2/113)
حصل من كسب أو نماء منفصل فهو للمشتري وفي إجارة غين فيها كما تقدم.(2/114)
باب الربا والصرف والحيل
ربا الفضل
...
باب الربا والصرف والحيل
الربا محرم وهو من الكبائر وهو تفاضل في أشياء ونساء في أشياء ومختص بأشياء.
وهو نوعان:- ربا الفضل: وربا النسيئة فأما ربا الفضل فيحرم في كل مكيل وموزون ولو يسيرا لا يتأتى كيله: كتمرة بتمرة أو تمرة بتمرتين ولا وزنه: كما دون الأرزة من الذهب والفضة مطعوما كان أو غير مطعوم فتكون العلة في النقدين كونهما موزني جنس ويجوز إسلامهما1 في الموزون من غيرهما سوى ما فاته: لا ربا فيه بحال ولو قيل هو مكيل لعدم تموله عادة ولا يجرى في مطعوم لا يكال ولا يوزن: كالمعدودات من التفاح والرمان والبطيخ والجوز والبيض ونحوها ولا فيما لا يوزن لصناعته: كالخواتم واللجم والاسطال والإبر والسكاكين والثياب والأكسية من حرير وقطن وغيرهما فيجوز بيع سكين بسكينتين وأبرة بأبرتين ونحوه وكذا فلس بفلسين وجيد الربوى ورديئه وتبره ومضروبه وصحيحه ومكسوره في
__________
1 يعني جعلهما عوض السلم. وإنما جاز للمشقة والحاجة إلى التعامل بهما وقوله بعد: سوى ما فاته: يريد به سوى ما خرج منهما عن الوزن فلا يجري فيه الربا وعلل ذلك بعدم ممولة. ولكن بعضهم عارض في ذلك لأن علة الربا ليست هي التمول حتى يكون الحكم منفيا عند عدمها.(2/114)
جواز البيع متماثلا وتحريمه متفاضلا سواء: إلا بمثله وزنا وجوز الشيخ بيع مصنوع مباح كخاتم بيع بجنسه بقيمته حالا جعلا للزائد في مقابلة الضعة ونساء مالم يقصد كونها ثمنا وقال: وما خرج عن القوت بالصنعة كنسا فليس بربوي1 وإلا فجنس بنفسه وجهل التساوي حالة العقد: كعلم التفاضل فلو باع بعضه ببعض جزافا أو كان من أحد الطرفين حرم ولم يصح كقوله: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة وهما من جنس واحد وهما يجهلان كيلهما أو وكيل إحداهما: وإن علما كيلهما وتساويهما صح وإن قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة مكايلة صاعا بصاع أو مثلا بمثل فكيلتا فبان تساويهما في الكيل صح وإلا فلا وإن كانتا من جنسين مثلا بمثل فكيلتا فكانتا سواء صح البيع وإن تفاضلتا فرضي صاحب الزيادة بدفعها إلى الآخر مجانا أو رضي صاحب الناقصة بها مع نقصها اقر العقد وإن تشاحا فسخ ولا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا ولا ما أصله الوزن كيلا إلا إذا علم تساويهما في معياره الشرعي فإن اختلف الجنس جاز بيع بعضه ببعض كيلا أو وزنا وجزافا متفاضلا: كذهب بفضة وتمر بزبيب وحنطة بشعير وأشنان بملح وجص بنورة ونحوه والجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعا والنوع هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها: كذهب وفضة وبر وشعير وتمر وملح فكل شيئين فأكثر أصلهما واحد فهما جنس واحد وإن
__________
1 النسا على وزن كلا كما ضبطه الكشاف ولم أجد لها معنى فيما ليدينا من كتب اللغة. وإنما وجدت ناسه على وزن خاصة وهي الخبز المجفف كثيرا.(2/115)
اختلفت مقاصدهما: كدهن ورد وزنبق1 وياسمين ونحوها إذا كانت كلها من دهن واحد فهي جنس واحد والتمر يشتمل على النوى وهما جنسان واللبن يشتمل على المخيض والزبد: وهما جنسان فما داما متصلين فهما جنس واحد وإذا ميز أحدهما على الآخر صارا جنسين وكذلك اللبن: فضان ومعز نوع جنس وسمين ظهر وجنب ولحم أحمر جنس واحد والشحم والإلية والكبد والطحال أجناس ويحرم بيع جنس منها بعضه ببعض متفاضلا وبيع خل عنب بخل زبيب ولو متماثلا به أوله2 ويجوز بيع دبس متساويا3 ولا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه ويصح بحيوان غير جنسه: كبعير مأكول ولا يصح بيع حب بدقيقة ولا بسويقه ولا دقيق حب بسويقة ولا خبز بحب: كبر بسويقه ولا خبز وزلابية وهريسة وفالوذج4 ونشا ونحوها بحبه ولا بدقيقه كيلا ولا وزنا ولا أصله بعصيره: كزيتون بزيته ونحوه ولا خالصه ومشوبه بمشوبه: كحنطة
__________
1 الزنبق بفتح الزاي وسكون النون يطلق على دهن الياسمين وعلى نوع من الورد والأخير هو المراد.
2 خل الزبيب يحتوي على الماء عادة خل العنب. فلعل المصنف يريد بقوله متماثلا به أن خل العنب يكون ممزوجا بالماء كالآخر وبقوله: أوله التماثل في القدر ويكون المعنى حرمة البيع ولو اتحدا وصفا وقدرا.
3 الدبس: بكسر الدال وسكون الياء عسل التمر وعسل النحل.
4 الفاذلوج وما سيذكر بعد من السنبوسك والحريرة والخشكانك أسماء لما يتخذ من دقيق البر: وهي تشبه ما نسميه نحن كنافة، وبسبوسة، وبقلاوة، وقطايف، وهكذا.(2/116)
بحنطة فيها شعير يقصد تحصيله أو فيها زوان أو تراب يظهر أثره إلا اليسير1 ولا يصح بيع عسل بعسل فيه شمعه ولا لبن بكشك ولا حب جيد بمسوس بل بخفيف وعتيق ولا رطبه بيابسه كالرطب التمر والعنب بالزبيب والحنطة المبلولة أو الرطبة باليابسة: إلا في العرايا ويأتي ومطبوخة وما فيه من الملح والماء غير المقصود لا يضر: كالملح في الشيرج كيلا فإن كان فيه من غيره من فروع الحنطة مما هو مقصود: كالهريسة والحريرة والفالوذج وخبز الأبازير فلا يجوز والخشكانك والسنبوسك ونحوه ولا بيع نوع منه بنوع آخر ويجوز بيع الرطب والعنب واللبأ والأقط والسمن ونحوه بمثله متساويا والتساوي بين الأقط والأقط وبين الرطب والرطب بالكيل ونشائه بنشائه إذا استويا في النشاف أو الرطوبة وزنا متساويا وفي المبهج لا يجوز فطير بخمير ورطب برطبه ولا يصح بيع زبد بسمن ويجوز أن بمخيض لا بلبن وفروعه كاللبا ونحوه ولا بيع لبن بمخيض ولا بيع أصل بفرعه أو جامد أو بمصل أو جبن أو أقط ولا يصح بيع المحاقلة: وهو بيع الحب المشتد في سبله بحب من جنسه ويصح بغير جنسه مكيلا كان أو غيره ولا المزابنة: وهي التي رخص فيها: وهي بيع الرطب في رؤس النخل خرصا بمآله يابسا بمثله من التمر كيلا معلوما لا جزافا فما دون خمسة أو سق لمن جاء وبه حاجة إلى أكل الرطب ولا نقد معه
__________
1 الزوان بفتح الزاي وضمها وكسرها مع تخفيف الواو ما يخالط القمح وهو ما يسمى عند بعض الناس بخزا بفتح الياء وسكون الخاء.(2/117)
فيصح ولو غير موهوب لبائعه1 فإن كان خمسة أو سق فأكثر بطل في الجميع ويشترط فيها حلول وقبض من الطرفين في مجلس بيعها فالقبض في نخل بتخليته وفي تمر بكيله ولو أسلم أحدهما ثم مشيا معا إلى الآخر فتسلمه صح ولو باع رجل عارية من رجلين فأكثر وفيها أكثر من خمسة جاز فلا ينفذ في حق البائع بل ينفذ في حق المشتري وإن اشترى عريتين فأكثر من رجلين فأكثر وفيهما أقل من خمسة أو سق جاز ولا يجوز بيع العرية لغني لو باعها أو اشتراها بخرصها رطبا لم يجز ولو احتاج إلى أكل التمر ولا ثمن معه إلا الرطب لم يبعه به فلا تعتبر حاجة البائع ولا يباع الرطب الذي على الأرض بتمر ولا يصح بيع ربوي بجنسه ومع أحدهما أو معهما من غير جنسهما: كمد عجوة ودرهم بمثلهما أو بمدين ولو دفع إليه درهمين وقال: أعطني بهذا الدرهم فلوسا وبالآخر نصفين: صرف نصف وإن باع نوعي جنس أو نوعا بنوع منه أو نوعين أو قراضة وصحيحا بصحيحين أو بقراضتين أو حنطة حمراء وسمراء بيضاء أو تمرا برنيا ومعقليا بإبراهيمي ونحوه صح وما لا يقصد عادة ولا يباع مفردا كذهب مموه به سقف دار فيجوز بيع الدار بذهب وكذا ما لا يؤثر في كيل أو وزن فيما يبع بجنسه لكونه يسيرا: كالملح فيما يعمل فيه أو كثيرا إلا أنه لمصلحة المقصود كالماء في خل
__________
1 قوله ولو غير موهوب لبائعه: رد على ما اشترط في بيع العرايا أن يكون التمر المبيع على رؤس النخل موهو بالبائعه. فإن ذلك خلاف مفادا لحديث الوارد في هذه الرخصة.(2/118)
التمور وخل الزبيب فلا يمنع بيعه بمثله: لا بيعه بخل العنب لأنه كبيع التمر بالرطب وإن كان كثيرا وليس من مصلحته كاللبن المشروب بالماء بمثله والأثمان المغشوشة بغيرها لم يجز وإن باع دينارا مغشوشا بمثله وعلم تساوي الغش الذي فيهما جاز لتمائلهما في المقصود وفي غيره ولا يمنع بيع نخلة عليها رطب أو تمر بمثلها أو برطب ولا يصح بيع تمر منزوع التوى بما نواه فيه لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه وكذا أن نزع النوى ثم باع النوى والتمر المنزوع نواه بنوى وتمر لم يصح ويصح بيع لبن شاة ذات لبن ودرهم فيه نحاس بنحاس أو بمثله متساويا وإن باع منزوع النوى بمنزوع جاز ومرجع الكيل عرف المدينة والوزن عرف مكة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما لا عرف له اعتبر عرفه في موضعه فإن اختلفت البلاد اعتبر الغالب1 فإن لم يكن رد إلى أقرب الأشياء به شبها بالحجاز فإن تعذر رده رجع إلى عرف بلده والبر والشعير مكيلان ونحوهما ويجوز التعامل بكيل لم يعهد ومن الموزون الذهب والفضة والنحاس الحديد والرصاص والزئبق والكتان والقطن والحرير والقز والشعير والوبر والصوف والغزل واللؤلؤ والزجاج والطين الأرمني الذي يؤكل دواء واللحم والشحم والشمع
__________
1 الرجوع إلى عرف مكة والمدينة على عهد النبوة لا نزاع به. فإذا لم يكن للشيء عرف في مكة والمدينة على عهد النبوة ففي الأمر وجهان أحدهما يرجع فيه إلى ما يشبهه بالبلدين- والثاني يرجع إلى عرف كل بلد على حدته. فإذا لم يكن له عرف في موضعه رجع إذن إلى ما يشبهه بالمدينتين.(2/119)
والزعفران والعصفر والدرس والورس والخبز والجبن والعنب والزبد ونحوه وغير المكيل الموزون: كالثياب والحيوان والجوز والبيض والرمان والقثاء والخيار وسائر الخضر والبقول والسفرجل والتفاح والكمثرى والخودع والخودج ونحوهما.(2/120)
فصل:- وأما ربا النسيئة:
فكل شيئين ليس أحدهما نقدا: بأن باع مدبر بجنسه أو بشعير ونحوه أو بنحاس ونحوه - لا يجوز النساء فيهما فيشترط الحلول والقبض في المجلس فإن تفرقا قبله بطل العقد وإن كان أحدهما نقدا ولو في صرف فلوس نافقة به وإن اختلفت العلة فيهما كما لو باع مكيلا بموزون - جاز التفرق قبل القبض والنساء وما كان مما ليس بمكيل ولا موزون: كثياب وحيوان وغيرهما يجوز النساء فيه متساويا أو متفاضلا ولا يصح بيع كالىء بكالىء وله صور منها بيع ما في الذمة حالا من عروض وأثمان بثمن إلى أجل لمن هو عليه أو لغيره ومنها لو كان لكل واحد من اثنين دين على صاحبه من غير جنسه: كالذهب والفضة وتصارفا ولم يحضرا شيئا أو كان عنده أمانة جاز ولا يجبر أحدهما على ما لا يريده ولو كان لرجل على رجل دينار فقضاه دراهم شيئا بعد شيء: فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدينار صح فإن لم يفعل ثم تحاسبا بعد وصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز وإن صارفه عما في ذمته ولو كان مؤجلا بعين مقبوضة بالمجلس صح.(2/120)
فصل: في المصارف
وهي بيع نقد بنقد والقبض في المجلس شرط لصحته فإن طال المجلس أو تماشيا مصطحبين إلى منزل أحدهما أو إلى الصراف فتقابضا عنده جاز ويجوز في الذمم بالصفة لأن المجلس كحالة العقد فمتى افترقا قبل التقابض أو افترقا عن مجلس السلم قبل قبض رأس ماله بطل العقد وإن قبض البعض فيهما ثم افترقا كفرقه خيار المجلس بطل فيما لم يقبض فقط ولو وكل المتصارفان أو أحدهما من يقبض له فتقابض الوكيلان قبل تصرف الموكلين جاز وإن تفرقا قبل القبض بطل الصرف: افترق الوكيلان أولا ولو كان عليه دنانير ودراهم فوكل غريمه في بيع داره واستيفاء دينه من ثمنها فباعها بغير جنس ما عليه لم يجز أن يأخذ منها قدر حقه لأنه لم يأذن له في مصارفة نفسه وإن مات أحد المتصارفين قبل التقابض بطل لا بعده وإن تصارفا على عينين من جنسين ولو بوزن متقدم أو أخبار صاحبه وظهر غصب أو عيب في جميعه ولو يسيرا من غير جنسه: كنحاس في الدراهم والمس1 في الذهب بطل العقد وإن ظهر في بعضه بطل العقد فيه فقط فإن كان العيب من جنسه: كالسواد في الفضة الخشونة وكونها تنفطر عند الضرب أو أن سكنها مخالفة لسكة السلطان - فالعقد صحيح وله الخيار فإن رده بطل وإن أمسكه فله أرشه في المجلس وكذا بعده أن جعل من غير جنس الثمن وكذا سائر أموال الربا أن بيعت بغير جنسها فلو باع تمرا بشعير فوجد بأحدهما عيبا فأخذ أرشه درهما ونحوه جاز ولو بعد التفرق وإن تصارفا في الذمة على جنسين والعيب من جنسه: فإن وجد فيه قبل التفرق فالعقد صحيح وله أخذ بدله أو أرشه قبل التفرق وإن وجد بعد التفرق لم يبطل العقد أيضا وله إمساكه مع أرش ورده
__________
1 بقول صاحب الكشاف: المس نوع من النحاس ولم أعثر عليه في كتب اللغة.(2/121)
وأخذ بدله في مجلس الرد فإن تفرقا قبل اخذ بدله في مجلس الرد بطل فلو ظهر بعضه معيبا فحكمه ما لو وجد جميعه وإن كان من غير جنسه فالعقد صحيح وله رده قبل التفرق وأخذ بدله وبعده يفسد العقد وإن عين أحدهما دون الآخر فلكل حكم نفسه وكذا الحكم فيهما إذا كانت المصارفة أو ما يجري فيه الربا من جنس واحد: إلا أنه لا يصح أخذ أرش ومتى فضة بدينار ونصف ودفع إلى البائع دينارين ليأخذ قدر حقه منه فأخذه ولو بعد التفرق صح والزائد أمانة في يده ولو صارفه خمسة دراهم بنصف دينار فأعطاه دينارا صح ويكون نصفه له والباقي أمانة في يده ويتفرقان ثم أن صارفه بعد ذلك للباقي له منه أو اشترى به منه شيئا أو جعله سلما في شيء أو وهبه إياه جاز ولو اقترض الخمسة منه وصارفه بها عن الباقي أو صارفه دينارا ثم اقترض منه ودفعها عن الباقي صح بلا حيلة ومن عليه دينار فقضاه دراهم متفرقة: كل نقدة بحسابها من الدينار صح وإلا فلا ويصح اقتضاء نقد من آخر أن حضر أحدهما أو كان أمانة عنده والآخر في الذمة مستقر بسعر يومه ولا يشترط حلول وإن كان في ذمتيهما فاصطرفا لم يصح وتقدم بعضه ولو كان لرجل على رجل عشرة دنانير فوفاه نقدا فوجدها أحد عشر كان الدينار الزائد في يد القابض مشاعا مضمونا لمالكه وإن كان له عنده دينار وديعة فصارفه به وهو معلوم بقاؤه أو مظنون صح الصرف وإن ظن عدمه لم يصح وإن شك فيه صح فإن تيقن عدمه(2/122)
حين العقد تبينا أن العقد وقع باطلا والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في جميع عقود المعارضات: كبيع وصلح بمعناه وأجرة وصداق وعوض عتق وخلع وما صولح به عن دم عمد أو غيره فلا يصح ولا يجوز للمشتري إبدالها ويبطل العقد بكونها مغصوبة ويملكها بائع بمجود التعيين فيصح تصرفه فيها قبل قبضها وإن تلفت فمن ضمانه وإن وجدها البائع معيبة من غير جنسها بطل العقد فقط ومن جنسها خير بين فسخ وإمساك بلا أرش إن كان العقد على جنس وإلا فله أخذ أرش في المجلس وبعده أن جعلاه من غير جنس الثمن كما تقدم ويحصل التعيين بالإشارة كقوله: بعتك هذا الثوب بهذه الدراهم أو بهذه فقط من غير ذكر الدراهم أو بعتك هذا بهذا يحرم الربا بين المسلمين وبين المسلم والحربي في دار الإسلام ودار الحرب ولو لم يكن بينهما أمان ما لم يكن بينه وبين رقيقه ولو مدبرا أو أم ولد ومكاتبا في مال الكتابة ونجوز المعاملة بمغشوش من جنسه لم يعرف وكذا بغير جنسه وكذا يجوز ضربه إذا كان شيئا اصطلحوا عليه: كالفلوس ولأنه لا تغرير فيه لكن يكره وإن اجتمعت عنده دراهم زيوف فإنه يسلبها ولا يبيعها ولا يخرجها في معاملة ولا صدقة فإن قابضها ربما خلطها بدراهم جيدة وأخرجها على من لا يعرف حالها فيكون تغريرا للمسلمين وكان ابن مسعود يكسر الزيوف وهو على بيت المال وتقدم بعض ذلك في زكاة الذهب وتقدم كلام الشيخ في الكيمياء - وقال: لا يجوز(2/123)
بيع الكتب التي تشتمل على معرفة صناعتها ويجوز إتلافها انتهى - ويحرم قطع درهم ودينار وكره ولو لصياغة وإعطاء سائل إلا أن يكون رديئا أو يختلف في شيء منها هل هو جيد أو رديء فيجوز كسره استظهارا لحاله وتكره كتابة القرآن على الدرهم والدينار والحياصة قال أبو المعالي: ونثرها على الراكب وأول ما ضربت الدراهم على عهد الحجاج ولا يجوز بيع تراب الصاغة والمعدن بشيء من جنسه والحيل التي تحرم حلالا أو تحلل حراما كلها محرمة لا تجوز في شيء من الدين وهي أن يظهر عقدا يريد به محرما مخادعة وتوصلا إلى فعل ما حرم الله أو إسقاط واجب أو دفع حق فمنها لو أقرضه شيئا وباعه سلعة بأكثر من قيمتها أو اشترى منه سلعة بأقل من قيمتها توسلا إلى أخذ العوض عن القرض ومنها أن يستأجر أرض البستان بأمثال أجرتها ثم يساقيه على ثمر شجر بجزء من ألف للمالك والباقي للعامل ولا يأخذ المالك منه شيئا ولا يريدان ذلك وإنما قصدهما بيع الثمرة قبل وجودها بما سمياه والعامل لا يقصد سوى ذلك وربما لا ينتفع بالأرض التي سمى الأجرة في مقابلتها وقد ذكر ابن القيم في أعلام الموقعين من ذلك صورا كثيرة جدا يطول ذكرها فلتعاود.(2/124)
باب بيع الأصول والثمار
تعريف الأصول
...
باب بيع الأصول والثمار
الأصول: أرض ودور وبساتين ونحوها إذا باع دارا تناول البيع أرضها بمعدنها الجامد وبناءها وسقفها ودرجها وفناءها وما فيها من شجر وعريش: وهو ما تحمل عليها الكروم وما اتصل بها(2/124)
لمصلحتها: كسلاليم ورفوق مسمرة وأبواب منصوبة وخوابي مدفونة للانتفاع بها وأجرنة مبنية وحجر رحى سفلاني منصوبة وكذا وما كان في الأرض من الحجارة المخلوقة أو مبنيا كأساسات الحيطان المنهدمة والآجر وإن كان ذلك يضر بالأرض وينقصها: كالصخر المضر بعروق الشجر فهو عيب يثبت للمشتري الخيار بين الرد والإمساك مع الأرش إذا لم يكن عالما وإن كان الحجارة والآجر مودعا فيها للنقل عنها فهو للبائع ويلزمه نقلها وتسوية الأرض وإصلاح الحفر وإن كان قلعها يضر بالأرض ويتطاول فهو عيب كما تقدم ولا يتناول البيع أيضا ما كان مودعا فيها من كنز مدفون ولا منفصلا عنها وكذا رحى غير منصوبة وخوابي موضوعة من غير أن يطين عليها ولو كان من مصلحة المتصل بها كمفتاح وحجر رحى فوقاني إذا كان السفلاني منصوبا ومعدن جار أو ماء نبع في بئر وعين لا نفس البئر ونحوه فإنه لمالك الأرض فإن كان فيها متاع له لزمه نقله منها بحسب العادة فلا يلزمه ليلا ولا جمع الحمالين فإن طالت مدة نقله عرفا نقل جماعة فوق ثلاثة أيام فعيب فتثبت اليد عليها وإن كانت مشغولة بمتاعة وكذا كل موضع يعتبر فتثبت اليد عليها وإن كانت مشغولة بمتاعة وكذا كل موضع يعتبر فيه القبض كرهن ونحوه - قال في المغني - في الرهن وإن خلى بينه وبينها من غير حائل: بان فتح له باب الدار وسلم إليه مفتاحها صح التسليم ولو كان فيها قماش للراهن - وكذا لو رهنه دابة عليها حمل للراهن وسلمها إليه به ولا أجرة لمدة نقله وإن أبى النقل فللمشتري إجباره على تفريغ ملكه وإن ظهر في الأرض معدن جامد فله الخيار وإن باع أو رهن أرضا أو بستانا(2/125)
أو أر أو أوصى به أو أوقفه أو أصدقه أو جعله عوضا في خلع أو وهبه دخل أرض وغراس وبناء ولو لم يقل بحقوقها: لا شجر مقطوع ومقلوع فإن قال: بعتك هده الدار وثلث بنائها أو وثلث غراسها ونحوه لم يدخل في البيع إلا الجزء المسمى وكذلك لو قال: بعتك نصف الأرض وربع الغراس ويدخل ماؤها تبعا ولو قرية لم تدخل مزارعها إلا بذكرها أو بقرينة: كمساومة على أرضها وذكر الزرع والغرس فيها وذكر حدودها أو بذل ثمن لا يصلح إلا فيها وفي أرضها ونحوه وقاله الموفق وغيره وإن لم تكن قرينة فالبيع يتناول البيوت والحصن والدائر عليها وأما الغراس بين بنيانها فحكمه حكم الغراس في الأرض فيدخل كما تقدم ولا يدخل زرع ولا بذره وإن باعه شجرة فله تبقيتها في أرض البائع كثمر على شجر ويثبت له حق الاجتياز وله الدخول لمصالحها فلا يدخل منبتها من الأرض بل يكون له حق الانتفاع في الأرض فلو انقلعت أو بادت لم يملك إعادة غيرها مكانها وإن كان في الأرض زرع يجذ مرة بعد أخرى: كالرطبة والبقول سواء كان مما يبقى كالهندبا أو أكثر كالرطبة أو تتكرر ثمرة: كالقثاء والباذنجان أو زهرة كبنفسج ونرجس وورد وياسمين ونحوها فالأصول للمشتري وكذلك أوراقه وغصونه فهو كورق الشجر وأغصانه والجزة واللقطة الظاهرتان والزهر الظاهر منه للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وعلى البائع قطع ما يستحقه منه في الحال وإن كان فيها زرع لا يحصد إلا مرة نبت(2/126)
أولا: كبر وشعير وقطنيات ونحوها: كجزر وفجل وثوم وبصل ونحوه أو قصب سكر وكذا القصب الفارسي إلا أن عروقه للمشتري لم يدخل وهو لبائع يبقى إلى حصاد وقلع بلا أجرة إن لم يشترطه مشتر فإن اشترطه فهو له فضلا كان أو ذا حب مستترا أو ظاهرا معلوما أو مجهولا ويأخذه بائع أول وقت أخذه ولو كان بقاؤه انفع له ويؤخذ القصب الفارسي في أول وقته الذي يقطع فيه وعليه إزالة ما يبقى من عروقه المصرة بالأرض كذرة وكذا إن لم يضر بها وتسوية الحفر وإن ظن مشتر دخول زرع البائع أو ثمر على شجر وأدعى الجهل به ومثله يجهله فله الفسخ ولو كان في الأرض بذر فحكمه حكم الشجر علقت عروقه أولا إذا أريد به الدوام في الأرض وإن لم يرد به الدوام بل النقل إلى موضع آخر - ويسمى الشتل - أو كان أصله لا يبقى في الأرض فكزرع فإن لم يعلم المشتري بذر الأرض ونحوه فله فسخ البيع ومضاربة فإن تركه البائع للمشتري أو قال: أنا أحوله وأمكن ذلك في زمن يسير لا يضر بمنافع الأرض فلا خيار للمشتري وكذلك إن اشترى نخلا فيها طلع فبان قد تشقق فله الخيار فإن تركها له البائع فلا خيار له وإن قال أنا أقطعها إن لم يسقط خياره ولو باع الأرض بما فيها من البذر صح فيدخل تبعا وإن ذكره قدره وصفته كان أولى والحصاد ونحوه على البائع فإن حصده قبل أو أن الحصاد لينتفع بالأرض في غيره لم يملك الانتفاع بها: كما لو باع دارا فيها متاع لا ينقل في العادة إلا في شهر فتكلف نقله في يوم لينتفع بالدار في غيره بقية الشهر.(2/127)
بيع النخل بعد شقق طلعه
...
فصل:- ومن باع نخلا قد تشقق طلعه
ولو لم يؤبر أو طلع فحال تشقق يراد للتلقيح أو صالح به أو جعله صداقا أوض عوخلع أو أجرة أو رهنه أو وهبه أو أخذه بتشققه فالتمر فقط دون العراجين ونحوها لمعط متروكا في النخل إلى الجذاذ وذلك حين تناهى حلاوة ثمرتها وفي غير النخل حين يتناهى إدراكه: سواء استحقها بشرطه أو بطهورها ما لم تجر عادة بأخذه أي ثمر النخل بسرا أو كان بسره خيرا من رطبه فإنه يجزه حين تستحكم حلاة بسره وإن قيل أن بقاءه في شجره خير له أبقى فإن لم يشترط قطعه ولم تتضرر الأصول ببقائه1 فإن شرط قطعه أو تضرر الأصل اجبر على القطع هذا إن لم يشترطه آخذ الأصل: بخلاف وقف ووصية فإن الثمرة تدخل فيها كفسخ لعيب ومقايلة في بيع ورجوع أب في هبة - قاله في المغني ومن تابعه لأن الطلع المتشقق عنده زيادة متصلة لا تتبع في الفسوخ انتهى - لكن يأتي في الهبة أن الزيادة المتصلة تمنع الرجوع فيحمل ما هنا على ما إذا كان الطلع موجودا حال الهبة ولم يزد وصرح القاضي وابن عقيل أيضا في التفليس والرد بالعيب أنه زيادة متصلة وذكره منصوص أحمد فلا تدخل الثمرة في الفسخ ورجوع الأب وغير ذلك وهو المذهب على ما ذكروه في هذه المسائل ولو اشترط أحدهما جزءا من الثمرة معلوما صح فيه اشتراطا جميعها فمن اشترطها منهما فهي له قبل أن تتشقق أو بعده وكذلك الشجر إذا كان
__________
1 يظهر أن في الكلام سقطة لفظ: هو جواب أن الشرطية. ولعل تقديره: أبقى والمقام يرشد إلى ذلك للمتأمل.(2/128)
فيه ثمر باد عند العقد كعنب وتين وتوت ورمان وجوز وما ظهر من نوره ويتناثر: كمشمش وتفاح وسفرجل ولوز وما خرج من أكمامه: كورد وقطن وما قبل ذلك فهو للمشتري فإن اختلفا: هل بدأ بيع أو بعده؟ فقول بائع والورق للمشتري: سواء كان ورق توت يقصد أخذه لتربية دود القز أو نحوه وإن ظهر بعض الثمرة أو تشقق طلع بعض نخل فما ظهر لبائع وما لم يظهر أو يتشقق فلمشتر سواء كان من نوع ما تشقق أو غيره إلا في الشجرة الواحدة فالكل لبائع ونص أحمد ومفهوم الحديث: عمومها يخالفه ولبائع ولمشتر سقى ما له إن كان فيه مصلحة لحاجة وغيرها ولو تضرر الآخذ فلا يمنعان وأيهما التمس السقي فمؤنته عليه ولا يلزم أحدهما سقى ما للآخر.(2/129)
فصل:- ولا يصح بيع الثمرة قبل بدو صلاحها
ولا الزرع قبل اشتداد حبه إلا بشرط القطع في الحال إن كان منتفعا به حينئذ ولم يكن مشاعا بان يشتري نصف الثمرة قبل بدو صلاحها مشاعا أو نصف الزرع قبل اشتداد حبه مشاعا فلا يصح شرط القطع لأنه لا يمكن قطعه إلا بقطع ما يملكه وليس له ذلك إلا أن يبيعه مع الأصل بان يبيع الثمرة مع الشجرة أو يبيع الزرع مع الأرض أو يبيع الثمرة لمالك الأصل أو الزرع لمالك الأرض فيجوز وإن شرطه عليه القطع في الحال صح ولا يلزم مشتريا الوفاء به لأن الأصل له وكذا حكم رطبه ويقول فلا يباع مفردا بعد بدو صلاحه الأجزة جزة بشرط جذه(2/129)
في الحال وإن اشترى الثمرة شرط القطع ثم استأجر الأصول أو استعارها لتبقيتها إلى الجذاذ لم يصح ولا يباع القثاء ونحوه إلا لقطة لقطة: إلا أن يبيعه مع أصله ولو لم يبع مع أرضه وإن باعه دون أصله فإن لم يبد صلاحه لم يصح إلا بشرط قطعه في الحال إن كان ينتفع به ويصح بيع هذه الأصول التي تتكرر ثمرتها من غير شرط القطع: صغارا كانت الأصول أو كبارا: مثمرة أو غير مثمرة والقطن إن كان له أصل يبقى في الأرض أعواما: كقطن الحجاز فحكمه حكم الشجر فيجوز إفراده بالبيع وإن بيعت الأرض دخل في البيع وثمره كالقطع أن تفتح فلبائع وإلا فلمشتر وإن كان يتكرر زرعه كل عام فزرع ومتى كان جوزه ضعيفا رطبا لم يقو ما فيه لم يصح بيعه إلا بشرط القطع: كالزرع الأخضر وإن قوى حبه واشتد جاز بيعه بشرط التبقية: كالزرع إذا اشتد حبه وكذا الباذنجان والحصاد واللقاط والجذاذ على المشتري فإن شرطه على البائع صح وإن باعه مطلقا فلم يذكر قطعا ولا تبقية أو باعه بشرط التبقية لم يصح وإن اشترى حصيدا قطعه ثم نبت أو سقط من الزرع حب فنبت في العام المقبل: ويسمى الزريع فلصاحب الأرض وإن شرط القطع ثم أخره حتى بدا صلاح الثمرة أو طالت الجذة أو اشترى عرية ليأكلها رطبا فأخر حتى أثمرت أو الزرع حتى اشتد بطل البيع بمجرد الزيادة والأصل والزيادة للبائع: لكن يعفى عن يسيرها عرفا: كاليوم واليومين وإن تلفت بحائه قبل التمكن من أخذه ضمنه بائع وإلا فعلى مشتر ولو باع شجرا فيه ثمر له ونحوه فلم يأخذه حتى حدثت ثمرة أخرى فلم(2/130)
تتميز فهما شريكان بقدر ثمرة كل واحد منهما فإن لم يعلم قدرها اصطلحا والبيع صحيح وإن أخر خشب مع شرطه فنما وغلظ فالبيع لازم ويشتركان في الزيادة.(2/131)
بيع الثمرة بعد بدو صلاحها
...
فصل:- وإذا بدا صلاح الثمرة
واشتد الحب جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجذاذ ويلزم البائع سقيه ويجبر إن أبى ولو تضرر الأصل ولمشتريه تعجيل قطعه وبيعه قبل أخذه وإن تلفت ثمرة ولو في غير النخل أو بعضها ولو أقل من الثلث بجائحة سماوية: وهي ما لا يصنع لآدمي فيها: كريح ومطر وثلج وبرد برد وجليد وصاعقة ولو بعد قبضها وتسلمها بالتخلية رجع على بائع الثمرة التالفة: لكن يسامح في تلف يسير لا ينضبط ويوضع من الثمن بتلف البعض بقدر التالف وإن تعيبت بها من غير تلف خير بين إمضاء مع أرش وبين رد وأخذ الثمن كاملا وإن اختلفا في التلف أو قدره فقول بائع ومحل الجائحة ما لم يشترها مع أصلها أو يؤخرها عن وقت أخذها فإن كان ذلك فمن ضمان مشتر وما له أصل يتكرر حمله: كقثاء وخيار وباذنجان وشبهها: كشجر وثمره فيما تقدم من جائحة وغيرها وإن أتلفه آدمي معين أو بمسكر ولو صول1 خير مشتر بين فسخ وإمضاء ومطالبة متلف وإن تلف الجميع بالجائحة بطل العقد ويرجع المشترى بجميع الثمن وفي الأجوبة المصرية لو استأجر بستانا أو أرضا وساقاه على الشجرة بجزء من ألف جزء إذا تلف الثمر بجراد ونحوه من الآفات السماوية فإنه يجب وضع الجائحة عن المستأجر المشتري فيحط
__________
1 كذا في الأصل.(2/131)
عنه العوض بقدر ما تلف: سواء كان العقد فاسدا أو صحيحا وإن اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع بجائحة بعد تمكنه من قطعها فمن ضمانه وإن لم يتمكن فمن ضمان بائع وإن استأجر أرضا فزرعها فتلف الزرع فلا شيء على المؤجر وصلاح بعض ثمرة شجرة صلاح لها ولسائر النوع الذي في البستان الواحد لا الجنس ولو أفرز ما لم يبد صلاحه مما لا بدا صلاحه وباعه لم يصح وإذا اشتد بعضه حب الزرع جاز بيع جميع ما في البستان من نوعه: كالشجرة فصلاح تمر النخل أن يحمر أو يصفر والعنب أن يتموه بالماء الحلو وما يظهر ثمره: فما واحدا من سائر الثمرة أن يظهر فيه النضج ويطيب وفي حب أن يشتد أو يبيض.(2/132)
حكم بيع الرقيق والمال الذي معه
...
فصل:- ومن باع رقيقا له مال
ملكه سيده إياه أو خصه به أو عليه حلى فماله وحليه للبائع: إلا أن يشترطه أو بعضه المبتاع فيكون به ما اشترط فإن كان قصده المال اشترط عليه وسائر شروط البيع وله الفسخ بعيب ماله كهو وإن لم يكن قصده المال وقصد ترك المال للرقيق لينتفع به وحده لم يشترط فإن كان عليه ثياب فقال أحمد: ما كان للجمال فهو للبائع وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري ويدخل حذاء الفرس ومقود دابة ونعلها ونحوهن في مطلق البيع وإذا اشترط مال الرقيق ثم رده بإقالة أو خيار أو عيب رد ماله فإن تلف ماله وأراد رده فعليه ما تلف عنده ولا يفرق بينه وبين امرأته ببيعه بل النكاح باق.(2/132)
باب السلم والتصرف في الدين وما يتعلق به
شروطه - الأول
...
باب السلم والتصرف في الدين وما يتعلق به
وهو عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في المجلس ويشترط له ما يشترط للبيع: إلا أنه يجوز في المعدوم ويصح بلفظ بيع وسلم وسلف وبكل ما يصح به البيع ولا يصح إلا بشروط سبعة:- أحدها أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته من المكيل من حبوب وغيرها والموزون من الإخباز واللحوم النيئة ولو مع عظمه أن عين موضع القطع: كلحم فخذ وجنب وغير ذلك ويعتبر قوله إذا اسلم في بقر أو غنم أو ضان أو معز جذع أو ثنى ذكر أو أنثى خصي أو غيره رضيع أو فطيم معلوف أو راعية سمين أو هزيل ويلزم قبول اللحم بعظامه: كالنوى في التمر فإن كان السلم في طير لحم لم يحتج إلى ذكر الأنوثية والذكورية: إلا أن يختلف بذلك: كلحم الدجاج ولا إلى ذكر موضع القطع: إلا أن يكون كبيرا يؤخذ منه بعضه ويلزمه إذا أسلم في لحم طير قبول الرأس والساقين ويذكر في السمك النوع: بركي أو غيره والكبر والصغر والسمن والهزال والطري والملح ولا يقبل الرأس والذنب وله ما بينهما ولا يصح في اللحم المطبوخ ولا المشوي ويصح في الشحوم المذروع من الثياب وأما المعدود المختلف فيصح في الحيوان منه ولو آدميا: لا في الحوامل من الحيوان ولا في شاة لبون ولا في أمة وولدها أو أختها أو عمتها أو خالتها لندرة جمعهما في الصفة ولا في فواكه معدودة فأما(2/133)
المكيلة: كالرطب ونحوه والموزونة: كالعنب ونحوه فيصح فيه ولا يصح في بقول وجلود ورؤس وأكارع وبيض ورمان ونحوها ولا في أوان مختلفة رؤس وأوساط: كقماقم وأصطال ضيقة رؤس وقيل يصح حيث أمكن ضبطها ويصح فيما يجمع أخلاطا معقودة متميزة: كثياب منسوجة من نوعين ونشاب ونبل مريشين وخفاف ورماح ومستورة ونحوها: لا فيما يجمع أخلاطا غير متميزة كقسي مشتملة على خشب وقرن وعصب وتور ونحوها ويصح في شهد وزنا ولا يصح فيما لا ينضبط: كالجواهر كلها من در وياقوت وعقيق وشبهه ولا في عين من عقار شجر نابت وغيرهما وما لا ينفعه خلط: كلبن مشرب أو لا يتميز: كمغشوش من أثمان ومعاجين وطوب وند وغالية ويصح فيما يترك فيه شيء غير مقصود لمصلحة ويصح في أثمان ويكون رأس المار غيرها لأن كل ما لين حرن النساء فيها لا يجوز أن يسلم أحدهما في الآخر ويصح في فلوس عددية أو وزنية ولو كان رأس مالها أثمانا لأنها عوض وهذا أصوب: لكن إن كانت وزينة فاسلم فيها موزونا: كصوف ونحوه لم يصح لاجتماعهما في علة ربا النسيئة ويصح في عرض بعرض فلو جاءه بعين ما أخذ منه عند محله لزمه قبوله أن اتحد صفة ومنه لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة فجاء المحل وهي على صفة المسلم فيه فاحضرها لزمه قبولها فإن فعل ذلك حيلة لينتفع بالعين أو ليطأ الجارية ثم يردها بغير عوض لم يجز.(2/134)
الشرط الثاني
...
فصل:- الثاني أن يصفه بما يختلف به الثمن
ظاهرا فيذكر جنسه ونوعه فيقول: برني أو معقلي ونحوه وقدر حبه صغارا أو كبارا ولونه أن اختلف: كالطبرزذ1 يذكر بلده فيقول: كوفي أو بصري وحداثته وقدمه فإن أطلق العتيق أجزأ أي عتيق كان ما لم يكن مسوسا ولا منشفا ولا متغيرا وإن شرط عتيق عام أو عامين فهو على ما شرط فيقول: حديث أو قديم وجودته وداءته فيقول: جيد أو رديء والرطب: كالتمر في هذه الأوصاف إلا الحديث والعتيق وله من الرطب ما أرطب كله ولا يأخذ مشدحا2 ولا ما قارب أن يتم وهكذا ما يشبهه من العنب والفواكه كذلك سائر الأجناس يذكر فيها ما يختلف به الثمن كالجنس والجودة والرداءة والقدر شرط في كل مسلم فيه ويميز مختلف نوع وسن حيوان وذكوريته وسمنه وراعيا وبالغا وضدها ويذكر اللون إن كان النوع الواحد مختلفا ويرجع في سن الرقيق إليه إن كان بالغا وإلا فالقول قول سيده فإن لم يعلم رجع في ذلك إلى أهل الخبرة على ما يغلب على ظنونهم تقريبا ويصف البر بأربعة أوصاف النوع فيقول: كموني والبلد فيقول: حوراني أو بقاعي - وصغار الحب أو كباره وحديث أو عتيق وإن كان النوع يختلف ألوانه ذكره ولا يسلم فيه إلا مصفى وكذلك الشعير والقطنيات وسائر الحبوب ويصف العسل بالبلد: كربيعي أو صيفي أبيض أو أشقر أو أسود جيد أو رديء وله مصفى ويذكر آلة صيد: أحبولة أو كلبا فهدا أو
__________
1 يقول صاحب الكشاف: الطبرزذ نوع من التمر منه الأسود والأحمر.
2 المشدخ بضم الميم وتشديد الدال مفتوحة البسر يغمر حتى يلين ويتشدخ.(2/135)
غيرها لأن الأحبولة يوجد الصيد فيها سليما ونكهة الكلب أطيب من الفهد ويذكر في الرقيق قدرا: خماسي أو سداسي1 أسود أو أبيض أعجمي أو فصيح وكحلا أو دعجا وتكلثم وجه وبكارة وثيوبة ونحوها وكون الجارية خميصة ثقيلة الآذان سمينة ونحو ذلك مما يقصد ولا يطول ولا ينتهي الوجود فإن استقصى الصفات حتى انتهى إلى حال يندر وجود المسلم فيه بتلك الصفات بطل ولا يحتاج في الجارية إلى ذكر الجعودة والسبوطة كما لا تراعي صفات الحسن والملاحة فإن ذكر شيئا من ذلك لزمه وتضبط الإبل بأربعة أوصاف: النتاج فيقول من نتاج بني فلان والسن بنت مخاض بنت لبون ونحوه واللون بيضاء أو حمراء أو زرقاء وذكر أو أنثى وأوصاف الخيل كأوصاف الإبل وأما البغال والحمير فينسبها إلى بلدها لأنها لا تنسب إلى نتاج والبقر والغنم أن عرف لها نتاج تنسب إليه وإلا فهي كالحمير ولا بد من ذكر النوع في هذه الحيوانات فيقول في الإبل: بختية أو عرابية وفي الخيل عربية أو هجين أو برذون وفي الغنم ضان أو معز إلا البغال والحمير فلا أنواع فيها ويضبط الثمن بالنوع من ضان أو غيره واللون أبيض أو أصفر وحيد أو رديء قال القاضي ويذكر المرعى ولا يحتاج إلى ذكر حديث أو عتيق لأن الإطلاق يقتضي الحديث ولا يصلح السلم في عتيقه لأنه عيب ولا ينتهي إلى حد يضبط به ويصف الزبد بأوصاف السمن ويزيد زبد يومه أو أمه ولا يلزمه قبول متغير من السمن والزبد ولا رقيق: إلا أن تكون
__________
1 قوله خماسي يعني خمسة أشبار مثلا.(2/136)
رقته للحر ويصف اللبن بالمرعي والنوع ولا يحتاج إلى اللون ولا حلب يومه لأن إطلاقه يقتضي ذلك ولا يلزمه قبول متغير ويصح السلم في المخيض نصا ويصف الجبن بالنوع والمرعى ورطب أو يابس جيد أو رديء ويصف اللباء ويسلم فيه وزنا بصفات اللبن ويزيد اللون ويذكر الطبخ وعدمه ويصف غزل القطن والكتان بالبلد واللون والغلظ والرقة والنعومة والخشونة ويصف القطن بذلك ويجعل مكان الغلظ والدقة: طويل الشعرة أو قصيرها وإن شرط فيه منزوع الحب جاز وإن أطلق كان له بحبه: كالتمر بنواه ويصف الابرسيم1 بالبلد واللون والغلظ والدقة ويصف الصوف بالبلد واللون وطويل الشعرة أو قصيرها والزمان: خريفي أو ربيعي من ذكره أو أنثى وعليه تسليمه نقيا من الشوك والبعر ولو لم يشترط وكذلك الشعر والوبر ويضبط الرصاص والنحاس والحديد والنعومة والخشونة واللون إن كان يختلف ويزيد في الحديد ذكرا أو أنثى فإن الذكر أحد وأمضى وتضبط الأواني غير مختلفة الرؤس والأوساط وبقدرها وطولها وسمكها ودورها: كالأسطال القائمة الحيطان ويضبط القصاع والأقداح من الخشب بذكر نوع خشبها من جوز أو توت وقدرها في الصغر والكبر والعمق والضيق والثخالة والرقة وإن أسلم في سيف ضبط بنوع حديده وطوله وعرضه ودقته وغلظه وبلده وقديم الطبع أو حديثه ماض أو غيره ويصف قبيعته وجفنه ويضبط البناء بذكر نوعه ورطوبته أو يبسه وطوله أو دوره أوسمطه وعرضه ويلزمه أن يدفع إليه من طرف
__________
1 الابريسم بفتح السين نوع من الحرير.(2/137)
إلى طرف بذلك والعرض أو الدور وإن كان أحد طرفيه أغلظ مما وصف له فقد زاده خيرا وإن كان أدق لم يلزمه وإن ذكر الوزن أو سمحا أو لم يذكر جاز وله سمح خال من العقد وإن كان الخشب للقسي ذكر هذه الأوصاف وزاد سهليا والحوط أقوى من القلبية ويذكر فيما للوقود الغلظ واليبس والرطوبة والوزن ويذكر فيما لضب النوع والغلظ وسائر ما يحتاج إلى معرفته ويذكر في النشاب والنبل نوع خشبه وطوله وقصره ودقته وغلظه ولونه ونصله وريشه ويضبط حجارة الأرحية: بالدور والثخانة والبلد والنوع إن كان يختلف وإن كان للبناء ذكر اللون والقدر والنوع والوزن ويذكر في حجارة الآنية النوع واللون والقدر واللبن والوزن ويصف البلور بأوصافه ويصف الآجر واللبن بموضع التربة والدور والثخانة ويذكر في الجص والنورة اللون والوزن ولا يقبل ما أصابه الماء فجف ولا ما قدم قدما يؤثر فيه ويضبط العنبر باللون والبلد وإن شرط قطعة أو قطعتين جاز وإلا فله إعطاؤه صغارا ويصف العود الهندي ببلده وما يعرف به ويضبط اللبان والمصصكى1 وصمغ الشجر وسائر ما يصح السلم فيه مما يختلف به ويقول في الخبز: خبز بر أو شعير أو دخن أو أرز والنشافة والرطوبة واللون فيقول: حواري أو خشكار2 والجردة والرداة ويذكر في طير لونا ونوعا وكبرا،
__________
1 المصطكى بفتح الميم والطاء والكاف نوع من اللبان الرومي اهـ قاموس وهي ما بعرف لدينا بالمستكه.
2 الحواري بضم الحاء وتشديد الواو: الخالص من النخالة والخشكار عكسه.(2/138)
وصغرا وجودة ورداءة وما يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره فإن شرط الأجود أو الأردأ لم يصح وإن جاءه بدون ما وصف أو نوع آخر فله أخذه ولا يلزمه وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له أخذه وبأجود من نوع: لزمه قبوله فإن قال خذه وزدني درهما لم يجز وإن جاء بزيادة في القدر فقال ذلك صح وإن قبض ووجد عيبا فله إمساكه مع أرشه أو رده ويضبط الثياب فيقول: كتان أو قطن والبلد والطول والعرض والصفاقة والرقة والغلظ والنعومة والخشونة ولا يذكر الوزن فإن ذكره لم يصح وإن ذكر الخام والمقصور فله شرطه وإن لم يذكره جاز وله خام وإن ذكر مغسولا أو ليسا لم يصح وإن أسلم في ثوب مختلف الغزل: كقطن وكتان أو قطن ابريسم وإن كانت الغزول مضبوطة بأن يقول السدي ابريسم واللحمة كتان أو نحوه صح ويصح السلم في الكاغد1 ويضبطه بذكر الطول والعرض والرقة والغلظ واستواءء الصفة.
__________
1 الكاغد بفتح الغين الورق.(2/139)
الشرط الثالث
...
فصل:- الثالث أن يذكر قدره
بالكيل في المكيل والوزن في الموزون والذرع في المذروع والعد في المعدود يصح السلم فيه فإن أسلم في كيل وزنا أو في موزون كيلا لم يصح وعنه يصح اختاره الموفق وجمع ولا يصح في المذروع إلا بالذراع ولا بد أن يكون المكيال ونحوه معلوما عند العامة فإن شرط مكيالا أو ميزانا أو ذراعا(2/139)
بعينه أو صنجة بعنيها غير معلومات أو أسلم في مثل هذا الثوب ونحوه لم يصح: لكن لوعين مكيال رجل أو ميزانه أو صنجته أو ذراعه صح ولم يتعين ويسلم في معدود مختلف يتقارب: غير حيوان عددا وفي غيره وزنا أن صح السلم فيه وتقدم قريبا.(2/140)
الشرط الرابع
...
فصل:- الرابع أن يشترط أجلا معلوما له
وقع في الثمن عادة كالشهر وفي الكافي أو نصفه ونحوه فإن اختلفا في قدره أو في مضيه أو مكان التسليم فقول مسلم إليه وإن اختلفا في أداء المسلم فيه فقول المسلم أو في قبض الثمن فقول المسلم إليه فإن اتفقا وقال أحدهما: كان في المجلس قبل التفرق وقال الآخر: بعده فقول من يدعي القبض في المجلس فإن أقاما بينتين بما ادعياه أو أقام مدعي القبض في المجلس بينة به وأقام الآخر بينة بضد ذلك قدمت أيضا بينته وإن أسلم حالا أو مطلقا لم يصح: إلا أن يعقد بلفظ البيع فيصح حالا ويكون بيعا بالصفة وتقدم وإن أسلم إلى أجل قريب كاليومين والثلاثة لم يصح: إلا أن أسلم في شيء يؤخذ منه كل يوم جزء معلوما فيصح فإن قبض البعض وتعذر قبض الباقي رجع بقسطه من الثمن ولا يجعل للباقي فضلا على المقبوض وإن أسلم في جنس واحد إلى أجلين أو في جنسين إلى أجل صح أن بين قسط كل أجل وثمن كل جنس وإلا فلا وإن أسلم جنسين في جنسين في جنس واحد لم يصح حتى يبين حصة كل جنس من المسلم فيه ولا بد أن يكون الأجل مقدارا من معلوم فإن أسلم أو باع أو شرط الخيار مطلقا أو إلى الحصاد أو جذاذ ونحوهما لم يصح الشرط والعقد في السلم ولا الشرط في البيع والخيار ويصح(2/140)
البيع فيهما وتقدم في الشروط في البيع وإن قال إلى شهر كذا أو محله شهر كذا أو فيه صح وحل بأوله وإن قال تؤديه فيه لم يصح وإلى أوله أو آخره يحل بأول جزء فإن قال إلى ثلاثة أشهر كان إلى انقضائها وينصرف إلى الأشهر الهلالية وإلى شهر رومي كشباط ونحوه أوعيد لهم ولم يختلف: كالنيروز وعيد الفطير وإلى العيد أو ربيع أو جمادي أو النفر مما يشترك فيه شيإن لم يصح1 وإلى عيد الفطر أو النحر أو يوم عرفة أو عاشوراء أو نحوها صح ومثله الإجارة وإن جاء بالمسلم فيه في محله لزمه قبضه كالمبيع المعين ولو تضرر بقبضه وإن احضره بعد محل الوجوب فكما لو احضر المبيع بعد تفرقهما وإن احضره قبل محله فإن كان فيه ضرر لكونه مما يتغير: كالفاكهة التي يصح السلم فيها أو كان قديمه دون حديثه: كالحبوب أو كان حيوانا أو ما يحتاج في حفظه إلى مؤنة: كالقطن ونحوه أو كان الوقت مخوفا فيخشى على ما يقبضه لم يلزم المسلم قبوله وإن لم يكن في قبضه ضرر ولا يتغير: كالحديد والرصاص والزيت والعسل ونحوها لزمه قبضه وحيص قلنا يلزمه القبض وامتنع منه قيل له: أما أن تقبض حقك وأما أن تبرىء منه فإن أبى رفع الأمر إلى الحاكم فقبضه له وبرئت ذمة المسلم إليه فيه وكذا كل دين لم يحل إذا أتى به ويأتي إذا عجل الكتابة قبل محلها لكن لو أراد قضاء دين عن غيره فلم يقبله رب الدين أو أعسر زوج بنفقة زوجته فبذلها أجنبي فلم تقبل لم يجبر: إلا أن يكون وكيلا كتمليكه
__________
1 قوله مما يشترك فيه شيئان يعني: فإنه مشترك بين شهرين والنفر فإنه مشترك بين اليوم الثاني والثالث من أيام التشريق. الخ.(2/141)
للزوج أو المديون وليس للمسلم إلا أقل ما يقع عليه الصفة وعلى المسلم إليه أن يسلم الحبوب نقية من التبن والعقد وغير جنسها فإن كان فيه تراب ونحوه يأخذ موضعا من المكيال لم يجز وإن كان يسيرا لا يؤثر لزمه أخذه ولا يلزمه أخذ التمر ونحوه إلا جافا ولا يلزم أن يتناهى جفافه ولا يلزمه أن يقبل معيبا فإن قبضه فوجده معيبا فله إمساكه مع الأرش كما تقدم وله رده والمطالبة بالبدل كالمبيع.(2/142)
الشرط الخامس
...
فصل:- الخامس أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله
سواء كان موجودا حال العقد أو معدوما فإن كان لا يوجد فيه أو لا يوجد إلا نادرا كالسلم في الرطب والعنب إلى غير وقته لم يصح وإن أسلم في ثمرة نخلة بعينها أو في ثمرة بستان بعينه: بدا إصلاحه أولا أو في زرعه: استحصد أولا أو قرية صغيرة أو نتاج فحل فلان أو غنمه ونحوه لم يصح وإن أسلم إلى محل يوجد فيه عاما فانقطع وتعذر حصوله أو بعضه أما لغيبة المسلم إليه أو بعجزه عن التسليم حتى عدم المسلم فيه أو لم تحمل الثمار تلك السنة وما أشبهه خير بين صبر وفسخ في الكل أو البعض المتعذر ويرجع برأس مال أو عوضه إن كان معلوما وإن أسلم ذمي إلى ذمي في خمر ثم أسلم أحدهما رجع المسلم فأخذ رأس ماله.(2/142)
الشرط السادس
...
فصل:- السادس أن يقبض رأس ماله في مجلس العقد
أو ما في معنى القبض: كما لو كان عنده أمانة أعين مغصوبة لا بما في ذمته فإن قبض البعض ثم افترقا قبل قبض الباقي صح فيما قبض بقسطه وبطل فيما لم يقبض وتقدم في الصرف ويشترط كونه معلوما(2/142)
الصفة والقدر فلا يصح بصبرة ولا بما لا يمكن ضبطه بصفة: كجوهر ونحوه فإن فعل فباطل ويرجع إن كان باقيا وإلا فبقيمته فإن اختلفا فيها فقول مسلم إليه فإن تعذر فقيمة مسلم فيه مؤجلا ولو قبض رأس مال السلم المعين ثم افترقا فوجده معيبا من غير جنسه أو ظهر مستحقا بغصب أو غيره بطل العقد وإن كان العيب من جنسه فله إمساكه وأخذ أرش عيبه أو رده وأخذ بدله في مجلس الرد وإن كان العقد على مال الذمة فله المطالبة ببدله في المجلس ولا يبطل العقد برده وإن تفرقا ثم علم عيبه فرده لم يبطل أن قبض البدل في مجلس الرد وإن تفرقا عن مجلس الرد قبل قبض البدل بطل وإن وجد بعض الثمن رديئا ففي المردود ما ذكرناه من التفصيل.(2/143)
الشرط السابع
...
فصل:- السابع أن يسلم في الذمة
فإن أسلم في عين لم يصح لأنه ربما تلف قبل أو أن تسلميه ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه: كبرية وبحر ودار حرب ويجب مكان العقد مع المشاحة وله أخذه في غيره إن رضيا لا مع أجرة حمله إليه كأخذ بدل السلم ويصح شرطه فيه ويكون تأكيدا وفي غيره ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه ولو لمن هو في ذمته ولا هبته ولا هبة دين غيره لغير من هو في ذمته ويأتي في الهبة ولا أخذ غير مكانه ولا الحوالة به ولا عليه ولا برأس مال سلم بعد فسخه ويأتي في الحوالة ويأتي في الهبة البراءة من(2/143)
الدين والمجهول وفي الشركة القبض من الدين المشترك يصح بيع دين مستقر من ثمن وقرض ومهر بعد دخول وأجرة استوفى نفعها أو فرغت مدتها وأرش جناية وقيمة متلف ونحوه لمن هو في ذمته ورهنه عنده بحق له: إلا أرش مال سلم بعد فسخ وقبل قبض لكن إن كان من ثمن مكيل أوموزون باعه النسيئة فإنه لا يصح أن يأخذ عوضه ما يشارك المبيع في علة ربا فضل أو نسيئة حسما لمادة ربا النسيئة وتقدم آخر كتاب البيع ويشترط أن يقبض عوضه في المجلس أن باعه بما لا بياع به نسيئة أو بموصوف في الذمة وإلا فلا ولا يصح بيعه لغيره ولا بيع دين الكتابة ولا غيره غير مستقر ولا يصح بيع الدين من الغريم بمثله لأنه نفس حقه1 ولو قال في دين السلم صالحني منه على مثل الثمن صح وكان إقالة وتصح الإقالة في المسلم فيه وفي بعضه ولا يشترط فيه قبض رأس مال السلم ولا عوضه إن تعذر في مجلس الإقالة2 ومتى انفسخ عقده بإقالة أو غيرها لزمه رد الثمن الموجود وإلا مثله ثم قيمته وإن أخذ بدله ثمنا وهو ثمن فصرف: يشترط فيه التقابض وإن كان عرضا فأخذ عنه عرضا أو ثمنا فبيع: يجوز فيه التفرق قبل القبض وإن كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه فقال لغريمه اقبض سلمي لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه إذ هو حالة سلم ولا للأمر لأنه لم يجعله وكيلا والمقبوض باق على مالك الدافع وإن قال
__________
1 مثال هذا أن يكون لك على زيد دينار فتبيع لزيد هذا الدينار بمثله.
2 لم يشترط القبض في مجلس الإقالة لأنها ليست بيعا حتى يلزم فيها ما يلزم فيه.(2/144)
أقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح فيصح قبض وكيل من نفسه لنفسه نصا: إلا ما كان من غير جنس ماله وعكسه وهو استنابة من عليه الحق للمستحق وتقدم آخر خيار البيع ولو قال الأول للثاني: احضر اكتيالي منه لأقبضه لك ففعل لم يصح قبضه للثاني ويكون قابضا لنفسه ولو قال: أن اقبضه لنفسي وآخذه بالكيل الذي تشاهده صح وكان قبضا لنفسه ولم يكن قبضا للغريم المقول له ذلك لأنه لا يباح له التصرف بدون كيل ثان لا بمعنى أنه لا تبرأ ذمة الدافع وإن كاله ثم تركه وسلمه إلى غريمه فقبضه صح القبض لهما وإن دفع زيد لعمر دراهم فقال: اشتر لك بها مثل الطعام الذي علي ففعل لم يصح وإن قال اشتر لي طعاما ثم اقبضه لنفسك ففعل صح الشراء ولم يصح القبض لنفسه وإن قال: اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك ففعل صح ولو دفع له كيسا وقال: استوف منه قدر حقك ففعل صح ولو أذن لغريمه في الصدقة عنه بدينه الذي له عليه أو في صرفه أو المضاربة به أو قال أعزله وضارب به لم يصح ولم يبرا ولو قال له: تصدق عني بكذا أو أعط فلانا كذا ولم يقل من ديني صح وكان اقتراضا كما لو قاله لغريمه ويسقط من الدين بمقداره للمقاصة ومن ثبت له على غريمه مثل ماله عليه قدرا وصفة وحالا ومؤجلا أجلا واحدا لا حالا ومؤجلا - تساقطا أو بقدر الأقل ولو بغير رضاهما: إلا إذا كانا أو أحدهما دين سلم ولو تراضيا ومن عليها دين من جنس واجب نفقتها لم يحتسب به مع عسرتها ويأتي في النفقات ومتى نوى مديون بأدائه(2/145)
وفاء دينه بريء وإلا فتبرع وإن وفاه حاكم قهرا كفت نيته أن قضاه من مديون ويجب أداء ديون الآدميين على الفور عند المطالبة ولا يجب بدونها على الفور قال ابن رجب: إذا لم يكن عين له وقت الوفاء ويأتي أول الحجز وإذا كان عليه لم يعلم به صاحبه وجب عليه إعلامه ولا يقبض المسلم فيه إلا بما قدر به من كيل وغيره فإن قبضه جزافا ومثله لو قبض المكيل وزنا أو الموزون كيلا أو اكتال له في غيبته ثم قال خذ هذا قدر حقك فقبضه بذلك - اعتبره بما قدر به أولا ولا يتصرف في حقه قبل اعتباره ثم يأخذ قدر حقه منه فإن زاد فالزائد في يده أمانة يجب رده وإن كان ناقصا طالب بالنقص والقول قوله في قدره مع يمينه ويسلم إليه ملء المكيال ويحمله ولا يكون ممسوحا ما لم تكن عادة ولا يدق ولا يهزه وإن قبضه كيلا أو وزنا ثم ادعى غلطا ونحوه لم يقبل قوله: وكذا حكم ما قبضه من مبيع أو دين آخر ولا يصح أخذ رهن ولا كفيل وهو الضمين بمسلم فيه ولا بثمنه.(2/146)
باب القرض
تعريفه وشروطه
...
باب القرض
وهو دفع مال إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله ونوع من السلف لارتفاق به ويصح بلفظ قرض وسلف وبكل لفظ يؤدي معناهما كقوله: ملكتك هذا على أن ترد لي بدله أو توجد قرينة دالة على إرادته فإن قال ولم يذكر البدل ولم توجد قرينة فهو هبة فإن اختلفا فالقول قول الآخذ.(2/146)
وهو عقد لازم في حق المقرض جائز في حق المقترض ولا يثبت فيه خيار وهو المرافق المندوب إليها في حق المقرض لما فيه من الأجر العظيم مباح للمتقرض ولا أثم على من سئل فلم يقرض وليس هو من المسألة المذمومة وينبغي أن يعلم المقرض بحاله ولا يغره من نفسه ولا يستقرض إلا ما يقدر أن يؤديه: إلا الشيء اليسير الذي لا يتعذر مثله وكره الشراء بدين ولا وفاء عنده إلا اليسير وكذا الفقير يتزوج الموسرة ينبغي أن يعلمها بحاله لئلا يغرها ويشترط معرفة قدره بمقدار معروف فلو اقترض دراهم أو دنانير غير معروفة الوزن لم يصح وإن كانت عددية يتعامل بها عددا جاز قرضها عددا ويرد بدلها عددا ولو اقترض مكيلا أو موزنا جزافا أو قدره بمكيال بعينه أو صنجة بعينها غير معروفين عند العامة لم يصح كالسلم.
ويشترط وصفه وإن يكون المقرض ممن يصح تبرعه ومن شأنه أن يصادف ذمة فلا يصح قرض جهة كمسجد ونحوه وقال في الفروع في باب الوقف وللناظر الاستدانة عليه بلا إذن حاكم لمصلحة: كشراء له نسيئة أو بنقد لم يعينه ويصح في كل عين يجوز بيعها إلا الرقيق فقط ولا يصح قرض المنافع وجوزه الشيخ مثل أن يحصد معه يوما ويحصد الآخر معه يوما ويسكنه دارا ليسكنه الآخر بدلها ويتم بقبول ويملك ويلزم بقبضه مكيلا كان أو موزونا أو معدودا أو مذروعا أو غير ذلك وله الشراء به من مقرضه ولا يملك المقرض استرجاعه مالم يفلس القابض ويحجز عليه وله طلب بدله في الحال ولا يلزم المقترض رد عينه فإن ردها(2/147)
عليه لزمه قبوله إن كان مثليا: وهو المكيل والموزون وإلا فلا ولو تغير سعره ما لم يتعيب أو فلوسا أو مكسورة فيحرمها السلطان فله القيمة وقت قرض من غير جنسه إن جرى فيه ربا فضل: كما لو اقرضه دراهم مكسورة فحرمها السلطان أعطى قيمتها ذهبا وعكسه بعكسه وكذا لو كانت ثمنا معينا لم يقبضه البائع في وقت عقد أو رد مبيعا ودام أخذ ثمنه ويجب رد مثل في مكيل وموزون سواء زادت قيمته عن وقت القرض أو نقصت فإن أعوز المثل لزم قيمته يوم إعوازه ويجب قيمة ما سوى ذلك من جواهر أو غيرها يوم قبضه ولو اقترض خبزا أو خميرا عددا أو رد عددا بلا قصد زيادة ولا جودة ولا شرطهما جاز ولو اقترض تفاريق لزمه أن يردها جملة ويصح قرض الماء كيلا وكذا قرضه لسقي الماء إذا قدر بأنبوبة وسئل أحمد عن عين بين قوم لهم نوبات في أيام يقترض أحدهما الماء من نوبة صاحب الخميس ليسقي به ويرد عليه يوم السبت؟ فقال: إذا كان محدودا يعرف كم يخرج منه فلا بأس وإلا أكرهه ويثبت العوض في الذمة حالا وإن أجله ويحرم الإلزام بتأجيله وكذا كل دين حال أو حل أجله ولا يلزم الوفاء به لأنه وعد لكن ينبغي له أن يفي بوعده وأختار الشيخ صحة تأجيله ولزومه إلى أجله سواء كان فرضا أو غيره ويجوز شرط الرهن والضمين فيه وإن شرط الوفاء انقص مما اقترض أو شرط أحدهما على الآخر أن يبيعه أو يؤجره أو يقرضه لم يجز كشرط زيادة وهدية وشرط ما يجر نفعا: نحو أن يسكنه المقترض داره مجانا أو رخيصا أو يقبضه خيرا منه أو في بلد آخر أو يبيعه شيئا(2/148)
يرخصه عليه أو يعمل له عملا أو ينتفع بالرهن أو يساقيه على نخل أو يزارعه على ضيعة أو يسكنه المقرض عقارا بزيادة على أجرته أو يبيعه شيئا بأكثر من قيمته أو يستعمله في صنعة ويعطيه انقص من أجرة مثله ونحوه وإن فعله بغير شرط بعد الوفاء أو قضى أكثر أو خيرا منه في الصفة أو دونه بتراخيهما بغير مواطأة أو أهدى له هدية أو علم منه الزيادة لشهرة سخائه وكرمه جاز ولو أراد إرسال نفقة إلى عياله فأقرضها رجلا ليوفيها لهم فلا بأس إذا لم يأخذ عليها شيئا وإن فعل شيئا مما فيه نفع قبل الوفاء لم يجز: ما لم ينو احتسابه من دينه أو مكافأته عليه إلا أن تكون العادة جارية بينهما به قبل القرض وكذا الغريم فلو استضافه حسب له ما أكل وهو في الدعوات كغيره ولو اقرض فلاحه في شراء بقر يعمل عليها في أرضه أو بذر فيه: فإن شرط ذلك في القرض لم يجز وإن كان بلا شرط أو قال: أقرضني ألفا وادفع إلى أرضك أزرعها بالثلث حرم أيضا وجوزه الموفق وجمع ولو اقرض من له عليه بر شيئا يشتر به ثم يوفيه إياه جاز ولو قال: إن مت بضم التاء فأنت في حل فوصية صحيحة وبفتحها لا يصح لأنه إبراء معلق بشرط ولو جعل له جعلا على اقتراضه له بجاهه جاز لا أن جعل له جعلا على ضمانه له قال أحمد: ما أحب أن يقترض بجاهه ولو اقرض غريمه المعسر ألفا ليوفيه منه ومن دينه الأول كل وقت شيئا أو قال أعطني بديني رهنا وأنا أعطيك ما تعمل فيه وتقضيني ويبقى كل ويكون الرهن عن الدينين أو عن أحدهما جاز والكل حال وإن أقرضه أو غصبه أثمانا أو غيرها فطالبه المقرض أو المغصوب منه ببدلها ببلد آخر(2/149)
لزمه: إلا ما لحمله مؤنة وقيمته في بلد القرض والغصب انقص فيلزمه أداء قيمته فيه وله بقيمته في بلد المطالبة وإن كانت قيمته في البلدين سواء أو في بلد القرض أكثر لزمه أداء المثل وإن كان من المتقومات فطالبه بقيمته في بلد القرض لزمه أداؤها ولو بذل المقترض أو الغاصب ما في ذمته ولا مؤنة لحمله لزم قبوله مع أمن البلد والطريق فإن كان المغصوب باقيا لم يجبر ربه على قبوله بحال1.
__________
1 يريد إذا كان المغصوب باقيا بعينه ورد الغاصب بدله لم يجب على ربه قبوله ما دامت العين التي غصبت منه باقية.(2/150)
باب الرهن
تعريفه
...
باب الرهن
وهو توثقة دين بعين يمكن أخذه أو بعضه منها أو من ثمنها إن تعذر الوفاء من غيرها ويجوز في الحضر كالسفر وهو لازم في حق الراهن جائز في حق المرتهن يجوز عنده مع الحق وبعده: لا قبله والمرهون كل عين معلومة جعلت وثيقة حق يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها والمراد كل عين يجوز بيعها حتى المؤجر والمكاتب ويكن من الكسب كما كان وما أداه رهن معه فإن عجز كان هو وكسبه رهنا وإن عتق كان ما أداه بعد عقد الرهن رهنا فأما المعلق عتقه بصفة: فإن كانت توجد قبل حلول الدين لم يصح رهنه وإلا صح1 وإن كانت تحتمل الأمرين كقدوم زيد صح أيضا وتصح زيادة رهن ويكون حكمها حكم الأصل لا زيادة دينه: كالزيادة في الثمن ويصح الرهن ممن يصح بيعه
__________
1 وجه ذلك أنه بمجرد تحقق الصفة التي علق عليها العتق صار العبد حرا فإذا حل موعد الرهن ولم يسدد فليس ممكنا بيع العتيق لحريته.(2/150)
وتبرعه ولو كان من غير من عليه الدين فيجوز أن يرهن مال نفسه على دين غيره ولو بغير رضاه: كما يجوز أن يضمنه وأولى وهو نظير إعارته للرهن وصرح به الشيخ فلا يصح من سفيه ومفلس ومكاتب وعبد ولو مأذونا لهم في تجارة ونحوهم ولا يصح معلقا بشرط ولا بدون إيجاب وقبول أو ما يدل عليهما ولا بد من معرفته وقدره وصفته وجنسه وملكه ولو منافعه: بأن يستأجر شيئا أو يستعير ليرهنه بإذن ربه فيهما ولو لم يبين لهما قدر الدين: لكن ينبغي أن يذكر المرتهن والقدر الذي يرهنه به وجنسه ومدة الرهن: ومتى شرط شيئا من ذلك فخالف ورهنه بغيره لم يصح الرهن وإن أذن له في رهنه بقدر من المال فنقص عنه صح وبأكثر صح في القول المأذون فيه فقط ولمعير أن يكلف راهنه فكه في محل الحق وقبله وله الرجوع قبل إقباضه المرتهن: لا المؤجر قبل مضي مدة الإجارة ويباع إن لم يقض الراهن الدين فإن بيع رجع1 بمثله في المثلى وإلا بأكثر الأمرين من قيمته أو ما بيع به ولو تلف ضمن المستعير فقط. وإن فك المعير أو المؤجر الرهن وأدى الذي عليه بإذن الراهن رجع به عليه وإن قضاه متبرعا لم يرجع بشيء وإن قضاه بغير إذنه ناويا الرجوع رجع فإن قال: أذنت لي في رهنه بعشرة فقال بل بخمسة فالقول قول المالك ولو رهنه دارا فانهدمت قبل قبضها لم ينفسخ عقد الرهن وللمرتهن الخيار إن كان
__________
1 إذا كان الرهن غير ملك للراهن: بأن كان مستأجرا له أو مستعيرا ثم حل الأجل وبيع ليوفى منه الدين رجع صاحبه الأصلي على راهنه على نحو ما وضح المصنف.(2/151)
الرهن مشروطا في البيع ويصح بكل دين واجب أو مآله إلى الوجوب حتى على مضمونه: كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السوم والمقبوض بعقد فاسد قال في الفائق: قلت وعليه يخرج الرهن على عواري الكتب الموقوفة ونحوها انتهى ويصح على نفع إجارة في الذمة: كخياطة ثوب وبناء دار ونحو ذلك لا على دية على عاقلة قبل الحلول وبعده يصح ولا على دين كتابة وجعل في جعالة وعوض في مسابقة قبل العمل وبعده يصح فيهما ولا عهدة مبيع وعوض غير ثابت في الذمة: كثمن معين وأجرة معينة في إجارة ومعقود عليه فيها إذا كان منافع معينة كدار وعبد ودابة لحمل شيء معين إلى مكان معلوم ويصح رهن ما يسرع فساده بدين حال أو مؤجل فإن كان مؤجلا وكان الرهن مما يمكن تجفيفه كالعنب فعلى الراهن تجفيفه وإن كان مما لا يجفف كالبطيخ والطبيخ وشرط بيعه وجعل ثمنه رهنا فعل ذلك وإن أطلقا بيع أيضا وإن شرط لا يباع لم يصح كما لو شرط عدم النفقة على الحيوان وحيث يباع: فإن كان جعل للمرتهن بيعه أو إذن له فيه بعد العقد أو اتفقا على أن غيره يبيعه باعه وإلا باعه الحاكم وجعل ثمنه رهنا إلى الحلول وكذلك الحكم أن رهنه ثيابا فخاف تلفها أو حيوانا فخاف موته ويصح رهن المشاع من الشريك ومن أجنبي وثم أن كمما لا ينقل كالعقار خلى بينه وبينه وإن لم يحضر الشريك وإن كان مما ينقل فرضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز وإلا جعله حاكم في يد أمين أمانة أو باجرة وله أن يؤجره ويصح أن يرهن بعض نصيبه(2/152)
من المشاع: كأن يرهن نصف نصيبه أو نصيبه من عين مثل نصف دار فيرهن نصيبه من بيت منها بعينه لشريكه أو غيره ولو كان مما تمكن قسمته بالأرفق ولا رد عوض فإن اقتسما فوقع المرهون لغير الراهن لم تصح القسمة قطع به الموفق والشارح ويصح رهن القن المرتد والعاقل في المحاربة والجاني: عمدا كانت الجناية أو خطأ على النفس أو دونها فإن كان المرتهن عالما بالحال فلا خيار له وإن لم يكن عالما ثم علم بعد إسلام المرتد وفداء الجاني فكذلك لأن العيب زال وإن علم قبل ذلك فله رده وفسخ البيع إن كان مشروطا في العقد وإن اختار إمساكه فلا أرش له وكذل لا أرش له لو لم يعلم قتل العبد بالردة أو القصاص أو أخذ بالجناية ويصح رهن المدبر والحكم فيما إذا علم وجود التدبير أو لم يعلم كالحكم في العبد الجاني فإن مات السيد قبل المدبر بطل الرهن وإن عتق بعضه بقي الرهن فيما بقي وإن لم يكن للسيد ما يفضل عن وفاء الدين بيع المدبر في الدين وبطل التدبير وإن كان الدين لا يستغرقه بيع منه بقدر الدين وعتق ثلث الباقي وباقيه للورثة ويحرم رهن مال يتيم لفاسق ويصح رهن مبيع بعد قبضه وكذا قبله في غير مكيل وموزون ومعدود ومذروع ولو على ثمنه وتقدم حكم المكيل ونحوه وما لا يصح بيعه: كالمصحف وأم الولد والوقف والعين المرهونة والكلب ولو ما لا يقدر على تسلمه والمجهول الذي لا يصح بيعه لا يصح رهنه فلو قال رهنتك أحد هذين العبدين أو نحوهما لم يصح للجهالة أو عبدي الآبق أو هذا الجراب أو البيت أو هذه الخريطة بما فيها لم يصح،(2/153)
وإن لم يقل بما فيها صح للعلم بها ولا مالا يجوز بيعه من أرض الشام والعراق ونحوهما مما فتح عنوة وكذا حكم بنائها منها فإن كان من غير أجزائها أو رهن الشجر الممدود فيها صح ولا رهن مال غيره بغير إذنه فإن رهن عينا يظنها لغيره: نحو أن يرهن عبد أبيه فيتبين أنه قد مات وصار العبد ملكه بالميراث صح ولا رهن المبيع في مدة الخيار: إلا أن يرهنه المشتري والخيار له وحده فيصح ويبطل خياره ولو أفلس المشتري فرهن البائع عين ماله التي له الرجوع فيها قبل الرجوع أو رهن الأب العين التي وهبها لولده قبل رجوعه لم يصح: لكن يصح رهن الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع والزرع الأخضر والأمة دون ولدها وعكسه ويباعان ويوفي الدين من المرهون منهما والباقي للراهن فإذا كانت الجارية هي المرهونة وكانت قيمتها مائة مع كونها ذات ولد وقيمة الولد خمسين فحصتها ثلثا الثمن فإن لم يعلم المرتهت بالولد ثم علم فله الخيار في الرد والإمساك فإن أمسك فلا شيء له غيرها وإن ردها فله فسخ البيع إن كانت مشروطة فيه وإن تعيب الرهن أو استحال العصير خمرا قبل القبض فللبائع الخيار بين قبضه معيبا ورضاه بلا رهن فيما إذا تخمر العصير وبين فسخ البيع ورد الرهن وإن علم بالعيب بعد قبضه فكذلك وليس له مع إمساكه الأرش من أجل العيب وإن رهن ثمرة إلى محل فحدث فيه ثمرة أخرى لا تتميز فالرهن باطل وإن رهنها بدين حال أو شرط قطعها عند خوف اختلاطها جاز فإن لم يقطعها حتى اختلطت لم يبطل الرهن فإن سمح الراهن ببيع الجميع(2/154)
على أنه رهن أو اتفقا على قدر منه جاز وإن اختلفا أو تشاحا فقول الراهن مع يمينه ولو رهن العبد المأذون له من يعتق على السيد لم يصح لأنه صار حرا بشرائه ولو رهن الوارث تركة الميت أو باعها وعلى الميت دين ولو من زكاة صح فإن قضي الحق من غيره فالرهن بحاله وإلا فللغر ماء انتزاعه والحكم فيه كالحكم في الجاني وكذا الحكم لو تصرف في التركة ثم رد عليه مبيع باعه الميت بعيب ظهر فيه أو حق تعلق تجدده بالتركة: مثل أن وقع إنسان أو بهيمة في بئر حفره في غير ملكه بعد موته لأن تصرفه صحيح لكن غير نافذ فإن قضي الحق من غيره وإلا فسخ البيع والرهن ويصح رهن عبد مسلم لكافر إذا اشترط كونه في يد مسلم عدل ومثله كتب الحديث والتفسير ولا يلزم الرهن في حق الراهن إلا بالقبض للمرتهن أو وكيله أو من اتفقا عليه وليس له قبضه إلا بإذن الراهن فإن قبضه بغير إذن لم يثبت حكمه وكان بمنزلة ما لم يقبض فلو استناب المرتهن الراهن في القبض لم يصح وعبد الراهن وأم ولده كهو: لكن تصح استنابة مكاتب وعبده المأذون له وصفة قبضه كمبيع فإن كان منقولا فقبضه نقله أو تناوله: موصوفا كان أو معينا لعبد وثوب وصبرة وإن كان مكيلا فبكيله وإن كان موزونا فبوزنه أو مذروعا فبذرعه أو معدودا فبعده وإن كان غير منقول كعقار وثمر على شجر وزرع في أرض فبالتخلية بينه وبين مرتهنه من غير حائل ولو رهنه دارا فخلى بينه وبينها وهما فيها ثم خرج الراهن صح القبض لوجود التخلية وقبل قبضه جائز غير لازم فلو تصرف فيه راهن قبله(2/155)
بهبة أو بيع أو عتق أو جعله صداقا أو عوضا في خلع أو رهنه ثانيا نفذ تصرفه وبطل الرهن الأول سواء اقبض الهبة والبيع والرهن الثاني أو لم يقبضه وإن دبره أو أجره أو كاتبه أو زوج الأمة لم يبطل الرهن ولو أذن في قبضه ثم تصرف قبله نفذ أيضا وإن امتنع من إقباضه لم يجبر: لكن أن شرطه في عقد بيع وامتنع من إقباضه فللبائع فسخ البيع ولو رهنه ما هو في يده وزال الضمان كما لو كان غير مضمون عليه: كالوديعة ونحوها ويلزم الرهن بمجرد ذلك ولا يحتاج إلى أمر زائد على ذلك كهبة فإن جن أحد المتراهنين قبل القبض أو مات لم يبطل الرهن ويقوم ولي المجنون مقامه فإن كان المجنون هو الراهن هنا فعل وليه ما فيه الحظ له من التقبيض وعدمه وإن كان المرتهن قبضه وليه وإن مات قام وارثه مقامه فإن مات الراهن لم يلزم ورثته تقبيضه فإن لم يكن على المستدين سوى هذا الدين فللورثة تقبيض الرهن وإن كان عليه دين سواه فليس للورثة تخصيص المرتهن بالرهن وسواء فيما ذكرنا ما بعد الإذن في القبض وما قبله لأن الإذن يبطل بالموت والجنون والإغماء والحجر فلو حجر على الراهن بفلس قبل التسليم لم يكن له تسليمه وإن كان لسفه فكما لو زال عقله بجنون وإن أغمي عليه لم يكن للمرتهن قبض الرهن وليس لأحد تقبيضه لأن المغمي عليه لا تثبت عليه الولاية وانتظرت إفاقته وإن خرس وكانت له كتابة مفهومة أو إشارة معلومة فكمتكلم وإلا لم يجز القبض وإن كان أحد هؤلاء قد إذن في القبض بطل حكمه لأن إذنهم يبطل بما عرض لهم واستدامة قبضه(2/156)
شرط في لزومه فإن أخرجه المرتهن باختياره إلى الراهن زال لزومه وبقي كأنه لم يوجد فيه قبض: سواء أخرجه بإجارة أو إعارة أو إيداع أو غير ذلك فإن رده إليه باختياره بحكم العقد السابق وإن أزيلت يده بغير حق: كالغصب والسرقة وإباق العبد وضياع المتاع ونحوه فلزومه باق وإن أقر الراهن بالتقبيض ثم أنكر وقال: أقررت بذلك ولم أكن أقبضت شيئا أو أقر المرتهن بالقبض ثم أنكره - فقول المقر له1 فإن طلب المنكر يمينه فله ذلك وإن اختلفا في القبض فقال المرتهن: قبضته وأنكر الراهن فقول صاحب اليد وإن اختلفا في الإذن فقال الراهن: أخذته بغير إذني فقال: بل بإذنك وهو في يد المرتهن فقول الراهن: جزم به في الكافي وإن قال: أذنت لك ثم رجعت قبل القبض فأنكر المرتهن فقوله ولو رهنه عصيرا فتخمر زال لزومه ووجبت إراقته2 فإن أريق بطل العقد فيه ولا خيار للمرتهن وإن عاد خلا لزمه بحكم العقد السابق وإن أجره أو أعاره لمرتهن أو غيره بإذنه فلزومه باق: لكنه يصير في العارية مضمونا.
__________
1 صورة إقرار الراهن وإنكاره ثانيا. أن يكون الثوب الرهن مثلا تحت يد زيد المرتهن، ثم يقر محمد الراهن أنه هو الذي أقبض زيد الثوب ويعود فينكر أنه أقبضه. فالمعتد به هو إقراره الأول دون إنكاره وعلى ذلك يكون استيلاء زيد على الثوب بحق شرعي لا كما كان يقتضيه الإنكار لو أخذنا به وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عذر لمن أقر". وعلى نحو ذلك توضيح إقرار المرتهن وإنكاره.
2 معنى زوال اللزوم أنه لا يحسب الخمر على المرتهن ما لا تحت يده كما لو كان غير خمر مثلا ولا يجب دفع رهن آخر بدله.(2/157)
حكم تصرف الراهن في الرهن
...
فصل:- وتصرف راهن في رهن لازم1
بغير إذن مرتهن بما يمنع ابتداء عقده كهبة ووقف وبيع ورهن ونحوه - لا يصح: إلا العتق مع تحريمه فإنه ينفذ ولو معسرا ويؤخذ من موسر قيمته وقت عتقه رهنا مكانه ومتى أيسر معسر بقيمته قبل حلول الدين أخذت منه وجعلت رهنا وإن أيسر بعده طولب بالدين فقط وإن أذن فيه أو في غيره مما تقدم صح وبطل الرهن وإن إذن في البيع ففيه تفصيل يأتي قريبا وله إخراج زكاته مه بلا إذن مرتهن إن عدم غيره ومتى أيسر جعل بدله رهنا وله غرس أرض إذا كان الدين مؤجلا ووطء بشرط أو إذن مرتهن وإجارة وإعارته بإذنه أيضا والرهن يحرم بدونه2 ولا يمنع من إصلاح الرهن ودفع الفساد عنه كمن سقي الشجر وتلقيح وإنزاء فحل على إناث ومداواة وفصد ونحوه وفتح رهصة التبزيع3 لأن ذلك مصلحة للرهن وزيادة في حق المرتهن من غير ضرر عليه فلم يملك المنع منه: وكذا تعليم قن صناعة ودابة السير،
__________
1 قوله لازم صفة رهن. وقوله بعد: لا يصح خبر عن قوله السابق: وتصرف راهن.
2 يريد أن عقد الرهن يقتضي تحريم التصرفات المذكورة: من وطء وإجارة وإعارة، بدون إذن المرتهن.
3 الرهصة بوزن رحمة لها معان كثيرة منها الصدع في ساق الحيوان والإنسان والمراد منها هنا ما يحصل في حافر الفرس من أسفله فيحتاج إلى عمل البيطار. والتبزيع لم نعثر له على معنى. وإنما وجدت البزع بمعنى الخفيف والجريء. فلعل المصنف تكلف استعمال التبزيع بمعنى ذلك وتكون الإضافة إليه على معني اللام. أي فتح الرهصة للتخفيف.(2/158)
وإن كان الرهن فحولا لم يكن له إطراقها بغير رضا المرتهن: إلا أن تتضرر بتركه فيجوز: كالمداواة ويمنع من قطع أصبع زائدة وسلعة فيها خطر ويمنع من ختانه إلا مع دين مؤجل يبرأ قبل أجله والزمان معتدل لا يخاف عليه فيه وللمرتهن مداواة ماشية لمصلحة وليس للراهن الانتفاع بالرهن باستخدام ولا وطء الأمة ولو آيسة أو صغيرة ولا سكنى ولا التصرف فيه بإجارة ولا إعارة ولا غير ذلك بغير رضا المرتهن وتكون منافعه معطلة فإن كانت دارا أغلقت وإن كان عبدا أو غيره تعطلت منافعه حتى يفك الرهن ويصح رهن الأمة المزوجة وليس له تزويج الأمة المرهونة فإن فعل لم يصح ولا وطؤها فإن فعل فلا حد عليه ولا مهر وإن أتلف جزءا منها أو نقصها: مثل إن افتض البكر أو أفضاها فعليه قيمة ما أتلف فإن شاء جعله رهنا معها وإن شاء جعله قضاء من الحق إن لم يكن حل وإن كان قد حل جعله قضاء لا غير وإن أولدها بأن أحبلها بعد لزوم الرهن وولدت ما تصير به أم ولد خرجت من الرهن وأخذت منه قيمتها حين أحبلها فجعلت رهنا: إلا أن يكون الوطء بإذن المرتهن فإن إذن ثم رجع فكمن لم يأذن وإن اختلفا في الإذن فالقول قول من ينكر وإن أقر المرتهن بالأذن وأنكر كون الولد من الوطء المأذون فيه أو قال: هو من زوج أو زنا فقول الراهن بغير يمين وإن اعترف المرتهن بالأذن في الوطء وبالوطء وبالولادة ويمضي مدة بعد الوطء يمكن أن تلده فيها اعتبر مضي ستة أشهر من وطئه ولو أذن في ضربها(2/159)
فضربت فتلفت فلا ضمان عليه وإذا رهنها فبانت حائلا أو حاملا بولد لا يلحق الراهن فالرهن بحاله وكذلك إن كان يلحق به لكن لا تصير به أم ولد: مثل أن وطئها وهي زوجته ثم ملكها ثم رهنها وإن بانت حاملا بما تصير به أم ولد بطل الرهن ولا خيار للمرتهن ولو كان مشروطا في البيع وإن أقرا الراهن بالوطء بعد لزوم الرهن قبل في حقه ولا يقبل في حق المرتهن1 وإن أذن مرتهن لراهن في بيع الرهن بشرط أن يجعل ثمنه رهنا مكانه أو إذن في بيعه بعد حلول الدين صح البيع وبطل الرهن في عينه وصار الثمن رهنا ويأخذ الدين الحال منه وما سواه يبقى رهنا إلى اجله وبدونهما: أي حلول الدين أو شرط ثمنه رهنا يبطل الرهن بالبيع فإن اختلفا في الأذن فقول مرتهن فإن أقر به واختلفا في شرط جعل ثمنه رهنا فقول الراهن وإن أذن له في بيعه بشرط أن يعجل دينه من ثمنه صح البيع ولغا الشرط ويكون الثمن رهنا وللمرتهن الرجوع في كل تصرف أذن فيه قبل وقوعه فإن ادعى أنه رجع قبل البيع لم يقبل لأنه تعلق به حق ثالث ولو ثبت رجوعه وتصرف الراهن جاهلا رجوعه لم ينفذ تصرفه ونماء الرهن منفصلا كان أو متصلا وكسبه وغلاء ثمنه وصوفه ولبنه وورق شجرة المقصود ومهره وأرش الجناية عليه الموجبة للمال وما يسقط من ليفه وسعفه وعراجينه وزرجون الكرم2
__________
1 معنى قبول إقرار الراهن في حقه وحده أن نسب الولد لو ظهر بها حمل يلحقه وعدم قبوله في حق المرتهن إن هذا الإقرار لا يبطل الرهن وتظل الأمة في حوزته حتى يثبت ما يقتضي إخراجها من الرهن ببينة أو حمل فتكون قيمتها حينئذ مكانها على ما تقدم.
2 الزرجون بفتح الزاي والراء القضبان.(2/160)
وما قطع من الشجر من حطب وانقاض الدار تكون رهنا في يد من الرهن في يده كالأصل فتباع معه إذا بيع وتأتي الجناية الموجبة للقصاص وإذا رهن أرضا أو دارا أو غيرهما تبعه في الرهن ما يتبع في البيع من شجر وغيره وما لا فلا.(2/161)
حكم مؤنة الرهن
...
فصل:- ومؤنة الرهن من طعامه
وكسوته ومسكنه وحفظه وكفنه وبقية تجهيزه أن مات وأجرة مخزنه إن كان مخزونا وسقيه وتلقيحه وزباره1 وجذاذه ورعي ماشية ورده من إباقه ومداواته لمرض أو جرح وختانه - على الراهن فإن تعذر أخذ ذلك من الراهن بيع منه فيما يجب عليه فعله بقدر الحاجة فإن خيف استغراقه بيع كله وعلى الراهن تجفيف الثمرة إذا احتاجت إليه والحق مؤجل وإن كان حالا بيعت وإن اتفقا على بيعها وجعل ثمنها رهنا بمؤجل جاز فإن اختلفا قدم قول من يستبقيها: إلا أن تكون مما تقل قيمته بالتجفيف وقد جرت العادة ببيعه رطبا فيباع ويجعل ثمنه رهنا وإن اتفقا على قطعها في وقت جاز: حالا كان الحق أو مؤجلا أو كان الأصلح القطع أو الترك ويقدم قول من طلب الأصلح إن كان ذلك قبل حلول الحق: وإلا قول من طلب القطع وإن كانت الثمرة مما لا ينتفع بها قبل كمالها لم يجز قطعها قبله ولم يجبر عليه وإن أراد الراهن السفر بالماشية ليرعاها في مكان آخر وكان لها في مكانها مرعى تتماسك به فللمرتهن منعه وإن أجدب
__________
1 الزبار: تقليم الأغصان الرديئة.(2/161)
مكانها فلم تجد ما تتماسك به فله السفر بها: إلا أنها تكون في يد عدل يرضيان به أو ينصبه الحاكم ولا ينفرد الراهن بها فإن امتنع الراهن من السفر بها فللمرتهن نقلها وإن أراد السفر بها واختلفا في مكانها قدم من يعين الأصلح فإن استويا قدم قول المرتهن وأيهما أراد نقلها عن البلد مع خصبه إلى مثله أو أخصب منه لم يكن له ذلك وإن اتفقا عليه جاز ولا يجبر الراهن على مداواة الرهن ولا إنزاء الفحل على الإناث ونحو ذلك ما لا يحتاج إليه لبقاء الرهن وإن جربت الماشية فللراهن دهنها بما يرجى نفعه ولا يخاف ضرره كالقطران والزيت اليسير وإن خيف ضرره كالكثير فللمرتهن منعه وهو أمانة في يد المرتهن ولو قبل العقج كما بعد الوفاء أو الإبراء وإن تلف بغير تعد منه أو تفريط فلا شيء عليه كما لو تلف تحت يد العدل وليس عليه رده: كالوديعة فإن سأله مالكه دفعه إليه لزم من هو في يده من المرتهن أو العدل دفعه إليه إذا أمكنه فإن لم يفعل صار ضامنا وإن تعدى فيه أو فرط زال ائتمانه: كوديعة ويصير مضمونا والرهن بحاله ولا يسقط بهلاكه شيء من دينه: كدفع عبد يبيعه ويأخذ حقه من ثمنه وكحبس عين مؤجرة بعد الفسخ على الأجرة ويتلفان بخلاف حبس البائع المبيع المتميز على ثمنه فإنه يسقط بتلفه وإذا تلف الرهن لم يلزم الراهن أن يرهن مكانه رهنا آخر وإن قضي بعض دينه أو أبرأه منه وببعضه رهن أو كفيل وقع مما نواه الدافع أو المبرىء والقول قوله في النية واللفظ فإن أطلق صرفه إلى أيهما شاء وإن تلف(2/162)
بعض الرهن فباقيه رهن بجميع الدين ولو عينين تلفت إحداهما ولا ينفك شيء من الرهن ولو أمكن قسمته حتى يقضي جميع الدين حتى ولو قضي أحد الوارثين ما يخصه من دين رهن ويقبل قوله في التلف دون الرد وإن ادعاه بحادث ظاهر قبل قوله فيه ببينة تشهد بالحادث ثم قوله في تلفه به بدونها وإن رهنه عند رجلين فوفي أحدهما أو رهنه رجلان شيئا فوفاه أحدهما أنفك في نصيبه: كتعدد العقد فإن أراد من انفك نصيبه مقاسمة المرتهن وكان الرهن مما لا تنقصه القسمة فله ذلك وإلا فلا ويقيد في يد المرتهن بعضه رهن وبعضه وديعة وإذا حل الدين لزم الراهن الإيفاء فإن امتنع من وفائه فإن كان الراهن إذن للمرتهن أو العدل في بيعه باعه ووفى الدين: لكن لو باعه العدل اشترط إذن المرتهن ولا يحتاج إلى تجديد إذن الراهن ويجوز للعدل أو المرتهن بيع قيمة الرهن كأصله بالأذن الأول فإن لم يكن أذن أو أذن ثم عزله رفع الأمر إلى حاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن فإن لم يفعل حبسه أو عزره ليبيعه فإن أبى باعه عليه وقضى الدين وحكم الغائب حكم الممتنع من الوفاء قال الشيخ: ومتى لم يكن بيع الرهن إلا بخروج المديون من الحبس أو يمشي معه هو أو وكيله.(2/163)
قبض الرهن لمن رضياه وكيلا
...
فصل:- وإذا قبض الرهن من تراضي المتراهنان
أن يكون على يده صح قبضه وكان وكيلا للمرتهن وقام قبضه مقام قبض المرتهن في اللزوم به إذا كان ممن يجوز توكيله: وهو الجائز التصرف مسلما كان أو كافرا(2/163)
عدلا أو فاسقا ذكرا أو أنثى: لا صبيا فإن فعلا فقبضه وعدمه سواء ولا عبدا بغير إذن سيده ولا مكاتبا بغير جعل وإن شرط جعله في يد اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه ويمكن اجتماعهما في الحفظ: بان يجعلاه في مخزن عليه لكل واحد منهما قفل فإن سلمه أحدهما إلى الآخر فعليه ضمان النصف فإن مات أحدهما أو تغيرت حله بفسق أو ضعف عن الحفظ أو عداوة - أقيم مقامه عدل يضم إلى الآخرة وليس للراهن ولا للمرتهن إذا لم يتفقا ولا للحاكم نقل الرهن عن يد من تشارطا أن يكون على يده إن كان عدلا ولم تتغير حاله عن الأمانة ولا حدثت بينه وبين أحدهما عداوة وله رده عليهما وعليهما قبوله فإن امتنعا اجبرهما الحاكم فإن دفعه إلى أمين من غير امتناعهما ضمن الحاكم والأمين معا وكذلك لو تركه العدل عند آخر مع وجودهما ضمن العدل والقابض فإن امتنعا ولم يجد حاكما فتركه عند عدل آخر لم يضمن وإن امتنع أحدهما لم يكن له دفعه إلى الآخر فإن فعل ضمن فإن كانا غائبين أو نغيبا وكان للعدل عذر من مرض أو سفر أو نحوه دفعه فقبضه أو اقبضه الحاكم عدلا فإن لم يجد حاكما أودعته ثقة فإن أودعه الثقة مع وجود الحاكم ضمن وإن لم يكن له عذر وكانت الغيبة دون مسافة القصر فكما لو كانا حاضرين وإن كان أحدهما غائبا وحده فحكمهما حكم الغائبين وليس له دفعه إلى الحاضر منهما وكل موضع قلنا يجوز له دفعه إلى أحدهما إذا دفعه إليه فعليه رده إلى يده فإن لم يفعل ضمن حق الآخر وإن اتفقا على(2/164)
نقله عن يده جاز وكذلك لو كان الرهن في يد المرتهن فلم تتغير حاله لم يكن للراهن ولا للحاكم نقله عن يده فإن تغير حال العدل بفسق أو ضعف أو حدثت عداوة بينه وبينهما أو بينه وبين أحدهما فلمن طلب نقله عن يده ذلك ويضعانه في يد من اتفقا عليه فإن اختلفا وضعه الحاكم عند عدل وإن اختلفا في تغيير حاله بحث الحاكم وعمل بما ظهر له: وهكذا لو كان في يد المرتهن فتغيرت حاله في الثقة والحفظ فللراهن رفعه عن يده إلى الحاكم ليضعه في يد عدل وإن مات العدل أو المرتهن لم يكن لورثتهما إمساكه إلا برضاهما فإن اتفقا عليه أو على عدل يضعانه عنده فلهما ذلك وإن اختلف عند موت العدل أو اختلف الراهن ورثة المرتهن رفعا الأمر إلى الحاكم ليضعه بيد عدل وإن أذن الراهن والمرتهن للعدل في البيع أو أذن الراهن للمرتهن فيه وعين نقدا تعين وإلا لم يبع إلا بنقد البلد فإن كانت فيه نقود باع بأغلبها فإن تساوت باع بجنس الدين فإن لم يكن فيه جنس الدين باع بما بدا أنه أصلح فإن تساوت عين حاكم وإن اختلف الراهن والمرتهن على العدل في تعيين النقد لم يسمع قول واحد منهما ويرفع العدل الأمر إلى الحاكم فيأمره ببيعه بنقد البلد: سواء كان من جنس الحق أو لم يكن وافق قول أحدهما أو لا وحكمه في البيع حكم الوكيل في وجوب الاحتياط والمنع من البيع بدون ثمن المثل وغير ذلك: لكن لا يبيع ها نساء ومتى خالف لزمه ما يلزم الوكيل المخالف وإن قبض الثمن فتلف في يده من غير تعد ولا تفريط: ويقبل قوله في تلفه: فمن ضمان الراهن.(2/165)
حكم ما لو ظهر الرهن مستحقا
...
فصل:- وإن استحق الرهن المبيع
رجع المشتري على الراهن أن أعلمه العدل أنه وكيل وإلا فعلى العدل: وهكذا كل وكيل باع ما ل غيره فإن علم المشتري بعد تلف الثمن في يد العدل رجع أيضا على الراهن ولا شيء على العدل فأما المرتهن فقد بان له أن عقد الرهن كان فاسدا: فإن كان مشروطا في البيع ثبت له الخيار فيه وإلا سقط حقه وإن كان الراهن مفلسا حيا أو ميتا كان المرتهن والمشتري أسوة الغرماء وإن خرج مستحقا بعد دفع الثمن إلى المرتهن رجع المشتري على المرتهن وإن كان المشتري رده بعيب لم يرجع على المرتهن ولا على العدل ويرجع على الراهن وإن كان العدل حين باعه لم يعلم المشتري أنه وكيل كان الرجوع عليه ويرجع هو على الراهن إن أقر العدل بالعيب أو ثبت ببينة وإن أنكر فقوله مع يمينه فإن نكل فقضي عليه بالنكول ورجع المشتري عليه لم يرجع العدل على الراهن لأنه يقول أن المشتري ظلمه وإن تلف المبيع في يد المشتري ثم بان مستحقا قبل وزن ثمنه فللمغصوب منه تضمين من شاء من الغاصب والعدل والمرتهن والمشتري ويستقر الضمان على المشتري ولو لم يعلم لأن التلف في يده وإن ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ولم يكن قضاه ببينة ولا حضور راهن ضمن كما لو أمره بالأشهاد فلم يفعل ولا يقبل قوله عليهما في تسليمه لمرتهن فيحلف مرتهن ويرجع على أيهما شاء فإن رجع على العدل لم يرجع العدل على أحد وإن رجع على راهن رجع على العدل وإن دفعه(2/166)
العدل إلى المرتهن بحضرة الراهن أو ببينة وسواء كانت حاضرة أو غائبة حية أو ميتة إن صدقه المرتهن لم يرجع عليه - ويأتي حكم الوكيل - وإن غصب المرتهن الرهن من العدل ثم رده إليه زال عنه الضمان ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدى ثم زال التعدى أو سافر به ثم رده لم يزل عنه الضمان وإذا استقرض ذمي من مسلم مالا فرهنه خمرا لم يصح: سواء جعله في يد ذمي أو غيره فإن باعها الراهن أو نائبه الذمي وجاء المقرض بثمنها لزمه قبوله فإن أبى قيل له: أما أن تقبض وأما أن تبرىء وإن جعلها في يد مسلم فباعها المسلم لم يجبر المرتهن على قبول الثمن وإن شرط أن يبيع المرتهن أو العدل الرهن صح ولم يؤثر فيه: وكذا كل شرط وافق مقتضى العقد وإن عزلهما أو مات - عزلا: علما أولم يعلما وإن أتلف الرهن في يد العدل أجنبي فعلى المتلف بدله يكون رهنا في يده بمجرد الأخذ وله المطالبة به فإن كان البدل من جنس الدين وقد أذن له في وفائه من ثمن الرهن ملك إيفاءه منه وإن شرط شرطا لا يقتضيه العقد: كالمحرم والمجهول المعدوم وما لا يقدر على تسلميه ونحوه أو ينافيه: نحو إلا يباع عند حلول الحق أو لا يباع ما خيف تلفه أو بيعه بأي ثمن كان أو لا يبيعه إلا بما يرضيه أو ينتفع به الراهن والمرتهن أو كونه مضمونا على المرتهن أو العدل أو لا يقبضه إن جاءه بحقه في محله وإلا فالرهن له بالدين أو الراهن بمبيع له بالدين الذي له عليه أو لا يستوفي الدين من ثمنه أو شرطا الخيار للراهن أو لا يكون العقد لازما في حقه أو توقيت الرهن أو يكون الرهن يومأ ويوما لا أو كون(2/167)
الرهن في يد الراهن - فالشرط فاسد والرهن صحيح: لكن إذا لم يكن مقبوضا فغير لازم وإن كان مجهولا أو محرما ونحوه فباطل وإذا رهنه أمة وشرط كونها عند امرأة أو ذي محرم لها أو كونها في يد المرتهن أو أجنبي على وجه لا يفضى إلى الخلوة بها: مثل أن يكون لهما زوجات أو سراري أو نساء من محارمهما في دارهما جاز وإن لم يكن كذلك فسد الشرط لإفضائه إلى الخلوة المحرمة ولا يفسد الرهن ويجعلها الحاكم على يد من يجوز أن تكون عنده وإن كان مرتهن العبد امرأة لا زوج لها فشرطت كونه عندها على وجه يفضي إلى خلوته بها لم يجز أيضا وإن قال الغريم رهنتك عبدي هذا على أن تزيد لي في الأجل كان باطلا وإذا فسد الرهن وقبضه المرتهن فلا ضمان عليه وكل عقد كان صحيحا مضمونا أو غير مضمون ففاسده كذلك فإن كان مؤقتا أو شرط أنه يصير للمرتهن بعد انقضاء مدته صار بعد ذلك مضمونا لأنه مقبوض بحكم بيع فاسد وحكم الفاسد العقود حكم الصحيح في الضمان.(2/168)
حكم ما لو اختلفا في قدر الدين
...
فصل:- وإذا اختلفا في قدر الدين الذي به الرهن
نحو أن يقول الراهن رهنتك عبدي هذا بألف فقال المرتهن: بل بألفين أو في قدر الرهن نحو أن يقول رهنتك هذا فقال المرتهن: وهذا أيضا فقول راهن بيمينه أو رده أو قال: رهنتك بالمؤجل من الألفين فقال: بل بالحال أو قال: ببعض الدين فقال المرتهن بل بكله أو قال: أقبضتك عصيرا في عقد شرط فيه رهنه فقال: بل خمرا أو اختلفا في عين الرهن: نحو رهنتك هذا فقال المرتهن ك بل هذا فقول الراهن مع يمينه وإن اختلفا في تلف العين أو في قيمتها حيث لزمت المرتهن فقوله وإن ابرأه المرتهن من أحد الدينين(2/168)
واختلفا في تعيينه فقول مرتهن وإن قال: رهنتك هذا العبد فقال: بل هذه الجارية خرج العبد من الرهن وحلف الراهن أنه ما رهنه الجارية وخرجت من الرهن أيضا وإن ادعى المرتهن أنه قبضه منه قبل قوله إن كان بيده ولو كان بيد رجل عبد فقال الآخر: رهنتني عبدك هذا بألف فقال: بل غصبته أو هو وديعة عندك أو عارية فقول السيد: سواء اعترف السيد بالدين أو جحده ولو قال: أرسلت وكيلك فرهن عندي هذا على ألفين قبضهما مني فقال: ما أذنت له إلا في رهنه بألف: فإن صدق الرسول الراهن حلف الرسول ما رهنه إلا بألف ولا قبض إلا ألفا ولا يمين على الراهن فإذا حلف الوكيل برئا جميعا أي الرسول والراهن وإن نكل فعليه الألف المختلف فيه ولا يرجع به على أحد وإن صدق المرتهن فقول الراهن مع يمينه فإن نكل قضي عليه بالألف ويدفع إلى المرتهن وإن حلف بريء وعلى الرسول الألف ويبقى الرهن بالألف وإن عدم الوكيل أو تعذر أحلافه فعلى الراهن اليمين أنه ما أذن في رهنه إلا بألف ولا قبض أكثر منه وبقي الرهن بألف ولو قال: رهنتك عبدي الذي بيدك بألف قال: بل بعتنيه بها أو قال: بعتكه به فقال: بل رهنتنيه ولا بينة حلف كل منهما على نفي ما ادعى عليه به وسقط ويأخذ الراهن وهنه ويبقى الألف بلا رهن وكل أمين يقبل قوله في الرد فطلب منه فليس له تأخيره حتى يشهد عليه ولو قلنا يحلف وكذا مستعير ونحوه لا حجة عليه وإن كان عليه حجة فله تأخيره: كدين بحجة فإذا قبض الوديعة ببينة(2/169)
دفعها ببينة ولا يلزمه دفع الوثيقة بل الإشهاد بأخذه قال في الترغيب: لا يجوز للحاكم إلزامه به وكذا الحكم في تسليم بائع كتاب ابتياعه إلى مشتر - ويأتي أخر الوكالة - وإن أقر الراهن أنه اعتق العبد قبل رهنه وكذبه المرتهن عتق وأخذت منه قيمته إن كان موسرا وجعلت رهنا: كما لو باشر عتقه وإن أقر انه كان جنى أو أنه باعه أو غصبه قبل على نفسه ولم يقبل على المرتهن: إلا أن يصدقه ويلزم المرتهن اليمين أنه ما يعلم ذلك فإن نكل قضي عليه.(2/170)
حكم حلب الرهن وركوبه
...
فصل:- وإذا كان مركوبا أو محلوبا
فله أن يركب ويحلب حيوانا ولو أمة مرضعة بغير إذن راهن بقدر نفقته نصا متحريا للعدل في ذلك وسواء أنفق مع تعذر النفقة من الراهن بغيبة أو امتناع أو مع القدرة على أخذ النفقة منه أو استثنائه ولا ينهكه فإن فضل من اللبن شيء باعه المأذون له وإلا باعه الحاكم وإن فضل من النفقة شيء1 رجع به على راهن وإن لم يرجع: إذا أنفق: على الراهن في غير هذه الصورة في ظاهر كلامهم وإن كان متطوعا لم يرجع: ولا يجوز للمرتهن في غير المركوب والمحلوب فلا ينفق على العبد والأمة ويستخدمهما بقدر النفقة2 وللمرتهن أن ينتفع بالرهن
__________
1 معنى قوله: فإن فضل من النفقة شيء ألا يكفي ثمن لبنها لنفقتها بل أكملها من عنده.
2 يريد ليس له أن ينفق على العبد والجارية ثم يستخدمها بقدر نفقتها كما كان له ذلك في المركوب والمحلوب.(2/170)
بإذن راهن مجانا ولو بمحاباة: ما لم يكن الدين قرضا وإن استأجره المرتهن أو استعاره لم يخرج بذلك عن الرهن لأن القبض مستدام: لكن يصير في العارية مضمونا وإن انتفع بغير أذن الراهن فعليه أجرته وإن تلف الرهن ضمنه لتعديه وإن انفق على الرهن بغير أذن راهن مع إمكانه فمتبرع ولو نوى الرجوع وإن عجز عن استئذانه رجع بالأقل مما أنفق ونفقة مثله إذا نوى الرجوع ولو قدر على استئذان حاكم ولم يستأذنه ولم يشهد وكذا وديعة وجمال ونحوها إذا هرب صاحبها وتركها في يد مكتر - وتأتي هذه في الإجارة - وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير أذن الراهن لم يرجع به ولو نوى الرجوع: لكن له أخذ أعيان آلته.(2/171)
حكم جناية الرهن
...
فصل:- وإن جنى الرهن
جناية موجبة للمال على بدن أو مال تستغرق قيمته تعلق أرشها برقبته وقدمت على حق المرتهن وخير سيده بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته ويبقى الرهن بحاله وبين بيعه في الجناية أو تسليمه إلى ولي الجناية فيملكه ويبطل الرهن فيهما فإن لم يستغرق الأرش قيمته بيع منه بقدره وباقيه رهن فإن تعذر بيع بعضه بيع كله ويكون باقي ثمنه رهنا وإن فداه مرتهن بأذن راهن غير متبرع رجع به وإلا لم يرجع ولو نوى الرجوع حتى ولو تعذر استئذانه لأن المالك لم يجب عليه الافتداء هنا فإن فداه المرتهن وشرط أن يكون رهنا بالفداء مع الدين الأول يصح: كما لو رهنه بدين سوى هذا1 وإن كانت جنايته موجبة
__________
1 وجه ذلك أن رقبة العبد رهينة بالدين الأول، والمشغول لا يشغل.(2/171)
للقصاص في النفس فلوليها استيفاؤه فإن اقتص بطل الرهن كما لو تلف وإن كانت في طرف اقتص منه وبقي الرهن في باقيه ولو عفا على مال تعلق برقبة العبد ولو صار كالجناية الموجبة للمال - ويأتي حكم جنايته عمدا وخطا في مقادير الديات بأتم من هذا - وإن جنى المرهون بأذن سيده وكان يعلم تحريم الجناية وأنه لا يجب عليه قبول ذلك من سيده فكالجناية بغير أذنه وإن كان صبيا أو أعجميا لا يعلم ذلك فالجاني هو السيد يتعلق به موجب الجناية ولا يباع العبد فيها موسرا كان السيد أو معسرا وحكم إقرار العبد بالجناية حكم إقرار غير المرهون وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص أو غيره فالخصم سيده فإن أخر المطالبة لغيبة أو عذر من غيره فللمرتهن المطالبة - ويأتي آخر الوديعة بعض ذلك - ولسيده القصاص بأذن مرتهن وبدونه إن أعطاه ما يكون رهنا فإن اقتص في نفس أو دونها أو عفا على مال فعليه قيمة اقلهما قيمة تجعل رهنا مكانه وإن كانت الجناية على سيد العبد: فإن كانت إتلاف مال أو موجبة للمال فهو هدر وإن كانت موجبة للقود وكانت على ما دون النفس وعفا السيد على مال أو غير مال سقط القصاص ولم يجب المال وإن اقتص فعليه قيمته تكون رهنا مكانه أو قضاء عن الدين وكذلك إن كانت الجناية على النفس فاقتص الورثة وتجب عليهم القيمة وليس لهم العفو على مال عفوا فعلى ما ذكرناه1 وإن جنى العبد المرهون على عبد سيده: فإن لم يكن مرهونا فكالجناية على
__________
1 يريد سقط القصاص بالعفو وسقط المال لأنه عائد عليهم من مملوكهم فكأنه واجب عليهم لأنفسهم ولا نتيجة لذلك، وقد تقدم لك قريبا نظير هذا.(2/172)
طرف سيده وإن كان مرهونا عند مرتهن القاتل والجناية موجبة للقصاص فإن اقتص السيد بطل الرهن في المجني عليه1 وعليه قيمة المتقص منه وإن عفا على مال أو كانت موجبة للمال وكان رهنا بحق واحد فجنايته هدر2 وإن كان كل واحد منهما رهنا منفرد فإن كان الحقان سواء وقيمتهما سواء فالجناية هدر وإن اختلف الحقان واتفق القيمتان: مثل أن يكون دين أحدهما ودين الآخر مائتين3 وقيمة كل واحد منهما مائة: فإن كان دين القاتلك أكثر لم ينقل إلى دين المقتول وإن كان دين المقتول أكثر نقل إلى القاتل بحاله ولا يباع وإن اتفق الدينان واختلف القيمتان بان يكون دين كل واحد منهما مائة وقيمة أحدهما مائة والآخر مائتين فإن كانت قيمة المقتول أكثر بقي بحاله وإن كانت قيمة الجاني أكثر بيع منه بقدر جنايته يكون رهنا بدين المجني عليه والباقي رهن بدينه وإن اتفقا على تبقيته ونقل الدين إليه صار مرهونا بهما فإن حل أحد الدينين بيع بكل حال وإن اختلف الدينان والقيمتان: كأن يكون
__________
1 معنى بطلان الرهن أن السيد لا يلزم برهن آخر مكانه حيث لم يكن التعدي بسبب من جهته، والدين باق في ذمته إلى أجله.
2 إنما كان هدرا لأن الدين متعلق بكل منهما، فموت أحدهما لا يؤثر في تعلقه بالآخر. ولا شيء على سيدها، ونظير ذلك ما لو تلف بعض الرهن أو جميعه بآفة سماوية، فغاية الرهن أنه وثيقة، وانعدام الوثيقة لا يضر بالدين.
3 المثال غير كاف في إيضاح اختلاف الحقين لأنه قدرين أحدهما بمائتين ولم يفرض قدرا للثاني ويمكنك اعتبار الدين لمن لم يقدر له المصنف أي مبلغ شئت سوى المائتين حتى يظهر اختلافهما.(2/173)
أحد الدينين خمسين والآخر ثمانين وقيمة أحدهما مائة والآخر مائتين: فإن كان دين المقتول أكثر نقل إليه وإلا فلا1 وأما إن كان المجني عليه رهنا عند غير مرتهن القاتل واقتص السيد بطل الرهن في المجني عليه وعليه قيمة المقتص منه تكون رهنا وإن عفا على مال ثبت المال في رقبة العبد: فإن كان الأرش لا يستغرق قيمته بيع منه بقدر الأرش يكون رهنا عند مرتهن المجني عليه وباقيه رهن عند مرتهنه وإن لم يمكن بيع بعضه بيع كله وقسم ثمنه بينهما على حسب ذلك يكون رهنا وإن كان يستغرق قيمته نقل الجاني فجعل رهنا عند الآخر وإن كذبه المرتهن وصدقه الراهن فله الأرش ولا حق للمرتهن فيه وإن صدقه المرتهن وحده تعلق حقه بالأرش وله قبضه فإذا قضي الراهن الحق أو أبراه المرتهن رجع الأرش إلى الجاني ولا شيء للراهن فيه وإن استوفى حقه من الأرش لم يملك الجاني مطالبة الراهن لأنه مقر له باستحقاقه وإن كان الرهن أمة فضرب بطنها فألقت جنينا فما وجب فيه وأخذ فهو رهن معها وإن كانت بهيمة ففيه ما نقصها لا غير وإن كانت الجناية موجبة للمال فما قبض منه جعل مكانه: فإن عفا السيد عن المال صح في حقه ولم يصح في حق المرتهن فيؤخذ من الجاني الأرش فيدفع إلى المرتهن فإذا انفك الرهن بأداء راهن أو إبراء راد إلى الجاني ما أخذ منه
__________
1 معنى نقل الدين من المقتول إلى القاتل في الأمثلة السالفة أن يصير القاتل رهنا بدين المقتول بدل الدين الذي كان هو رهنا به.(2/174)
وإن استوفاه من الأرش رجع جان على راهن وإن وطىء المرتهن الجارية المرهونة من غير شبهة فعليه الحد والمهر وولده رقيق للراهن رهنا مع أمه وإن وطئها بأذن راهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك: كمن نشأ ببادية أو حديث عهد بإسلام فلا حد عليه ولا مهر وولده حر لا يلزمه قيمته وإن كان عالما بتحريمه فلا مهر وعليه الحد وولده رقيق وإن وطئها من غير أذن راهن جاهلا التحريم فلا حد وولده حر وعليه الفداء والمهر وله بيع رهن جهل ربه إن أيس من معرفته والصدقة بثمنه بشرط ضمانه ولا يستوفى حقه من الثمن نصا وعنه بلى ولو باعها الحاكم ووفاه جاز ويأتي في الغصب لو بقيت في يده غصوب ونحوها لا يعرف أربابها.(2/175)
باب الضمان والكفالة وما يتعلق بهما
تعريفه
...
باب الضمان والكفالة وما يتعلق بهما
الضمان: التزام من يصح تبرعه أو مفلس برضاهما ما وجب أو يجب على غيره مع بفائه عليه: غير ضمان مسلم جزيته وكفالته من هي عليه فلا يصح فيهما ويصح بلفظ ضمين وكفيل وقبيل وحميل وصبير وزعيم وضمنت دينك أو تحملته وضمنت إيصاله أو هو على نحوه فإن قال أنا أؤدي أو أحضر لم يصر ضامنا - وقال الشيخ: قياس المذهب يصح بكل لفظ فهم منه الضمان عرفا: مثل زوجه وأنا أؤدي الصداق أو بعه وأنا أعطيك أو أتركه ولا تطالبه وأنا أعطيك ونحو ذلك - وإن ضمن وهو مريض مرضا غير مخوف أو مخوفا ولم(2/175)
يتصل به الموت فكالصحيح ويصح الضمان من اخرس بإشارة مفهومة ولا يثبت بكتابته منفردة عن إشارة يفهم بها أن قصد الضمان لأنه قد يكتب عبثا وتجربة قلم ومن لا تفهم إشارته لا يصح ضمانه وكذلك سائر تصرفاته ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما لثبتوته في ذمتيهما جميعا ومطالبتهما معا في الحياة والموت ولو كان المضمون عنه باذلا: فإن أحال رب الحق أو أحيل أو زال العقد بريء الضامن والكفيل وبطل الرهن إن كان فإن بريء المضمون عنه بريء الضامن وإن بريء الضامن أو أقر ببراءته كقوله: برئت من الجين أو أبراتك لم يكن مقرا بالقبض ولم يبرا مضمون عنه والقائل برئت إلى من الدين مقر بقبضته ووهبتك الحق تمليك له فيرجع على مديون ويصح أن يضمن الحق عن الواحد اثنان فأكثر سواء ضمن كل واحد جميعه أو جزءا منه فإن قال: كل واحد منا ضامن من لك الألف فهو ضمان اشتراك في انفراد له مطالبتهما معا بالألف ومطالبة أحدهما به فإن قضاه أحدهما لم يرجع إلا على المضمون عنه فإن أبرا المضمون عنه بريء الجميع وإن أبرا أحد الضامنين بريء وحده وإن ضمن أحدهما صاحبه لم يصح وإن قال: ضمنا لك الألف فهو بينهما بالحصص فكل واحد منهما ضامن لحصته ولو تكفل بالواحد اثنان صح ويصح أن يتكفل كل واحد من الكفيلين بالآخر فلو سلمه أحدهما بريء كفيله به لا من إحضار المكفول1
__________
1 يعني إذا برئ أحد الكفلين بتسليم الدين فإن زميله في الكفالة لا يبرأ من كفالة المدين وإن كان قد برئ من كفالته لزميله الذي سلم وخرج من الكفالة.(2/176)
وإن كفل المكفول به الكفيل لم يصح1 وإن كفل به في غيره صح ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمرا فاسلم المضمون له أو المضمون عنه بريء هو والضامن وإن أسلم الضامن بريء وحده ولا يصح إلا من جائز التصرف: إلا المحجوز عليه لفلس فيصح ضمانه ويتبع بعد فك الحجر عنه فلا يصح من مجنون ولا مبرسم ولا صبي ولا مميز فلو ضمن وقال: كان قبل بلوغي وقال خصمه: بل بعده فالقول قول المضمون له وتقدم مثله في الخيار في البيع وكذا لو ادعى الجنون ولو عرف له حال جنون ولا يصح من سفيه ولا من عبد بغير إذن سيده ولو كان مأذونا له في التجارة ويصح بأذنه ويتعلق بذمة السيد فإن أذن له في الضمان فيكون القضاء من المال الذي في يده صح ويكون ما في ذمته متعلقا بالمال الذي في يد العبد كتعلق حق الجناية برقبة الجاني: كما لو قال الحر: ضمنت لك هذا الدين على أن تأخذ من مالي هذا صح ولا يصح ضمان المكاتب لغيره أذن سيده كالقن ولا يصح إلا برضا الضامن ولا يعتبر رضا المضمون له ولا المضمون عنه ولا معرفة الضامن لهما ولا كون الحق معلوما ولا واجبا إذا كان مآله إلى
__________
1 لأن المكفول به أصل في الدين. والكفيل فرع، ومن حق الفرع إذا أدى الدين أن يرجع به على الأصل حيث نواه فلو جاز أن يتكفل الأصل بفرعه في الدين الذي حصلت لأجله الكفالة لكان الأصل فرعا وهذا يؤدي إلى جواز رجوعه بالدين على فرعه الذي هو كفيل في الأصل وذلك واضح البطلان. ولا يفوتك أن المدين لو تكفل بكفيله في دين آخر يكون على الكفيل فلا شيء فيه لأن كلا منهما أصل في دين وفرع في آخر وهو غرض المصنف بعد.(2/177)
العلم والوجوب فلو قال: ضمنت لك ما على فلان أو ما على فلان على أو ما تداينه به أو ما يقر به أو ما تقوم به البينة أو ما يخرجه الحساب بينكما ونحوه صح ومنه ضمان السوق: وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقبضه من عين مضمونة له - قاله الشيخ وقال: وتجوز كتابته والشهادة به لمن لم ير جوازه لأنه محل اجتهاد واختار صحة ضمان حارس ونحوه وتجار حرب ما يذهب من البلد أو البحر وإن غايته ضمان ما لم يجب وضمان المجهول كضمان السوق وهو أن يضمن الضامن ما يجب على التجار للناس من الديون وهو جائز عند أكثر العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد وقال: الطائفة الواحدة الممتنعة من أهل الحرب التي ينصر بعضها بعضا تجري مجرى الشخص الواحد في معاهداتهم وإذا شورطوا على أن تجارهم يدخلون دار الإسلام بشرط ألا يأخذوا للمسلمين شيئا وما أخذوه كانوا ضامنين له والمضمون يؤخذ من أموال التجار جاز ذلك ويجب على ولي الأمر إذا أخذوا مالا لتجار المسلمين أن يطالبهم بما ضمنوه ويحبسهم على ذلك كالحقوق الواجبة انتهى - ولا تصح الكفالة ببعض الدين مبهما ولا بدين السلم وتقدم في بابه وإن قال: ما أعطيته فهو على ولا قرينة فهو لما وجب في الماضي وله إبطال الضمان قبل وجوبه.(2/178)
فصل: ويصح ضمان دين الضامن:
نحو أن يضمن الضامن آخر فيثبت الحق في ذمم الثلاثة أيهم قضاه برئت ذممهم كلها وإن أبرأ الغريم المضمون عنه بريء الضامنان وإن أبرأ الضامن الأول بريء الضامنان(2/178)
ولم يبرأ المضمون عنه وإن أبرأ الثاني بريء وحده ومتى حصلت براءة الذمة بالإبراء فلا رجوع فيها والكفالة كالضمان في هذا المعنى ويصح ضمان دين الميت ولو غير مفلس ولا تبرأ ذمته قبل القضاء وضمان كل دين صح أخذ الرهن به فإن أدى الدين الضامن الأول رجع على المضمون عنه وإن أداه الثاني وهو ضامن الضامن رجع على الضامن الأول وهو على الأصل ويصح المهر قبل الدخول وبعده ولو عن ابنه الصغير كالكبير وضمان عهدة بائع لمشتر: بأن يضمن عنه الثمن متى خرج المبيع مستحقا أو رد بعيب أو أرش العيب وعن مشتر للبائع: بان يضمن الثمن الواجب قبل تسليمه أو إن ظهر به عيب أو استحق فضمان العهدة في الموضعين ضمان الثمن أو بعضه عن أحدهما للآخر وألفاظ ضمان العهدة ضمنت عهدته أو ثمنه أو دركه أو يقول للمشتري: ضمنت خلاصك منه أو متى خرج المبيع مستحقا فقد ضمنت لك الثمن ولو بنى المشتري فنقضه المستحق فالأنقاض للمشتري ويرجع بقيمة التالف على البائع ويدخل في ضمان العهدة في حق ضامنها ولو خالف المشتري فساد البيع بغير استحقاق المبيع1 أو كون العوض معيبا2 أو شك في كمال الصنجة3 أو جودة جنس الثمن فضمن ذلك صريحا صح كضمان العهدة
__________
1 كأن يدعي البائع فيما بعد أنه كان مكرها على البيع أو كان صغيرا لا يحسن التصرف.
2 يريد أو خاف أحد المتبايعين أن يظهر فيما اعتاضه من ثمن أو مثمن عيب.
3 يعني شك المشتري. وقوله: أو جودة جنس الثمن يريد بالشاك هنا البائع.(2/179)
ويصح ضمان نقص الصنجة ونحوها ويرجع بقوله مع يمينه وولد المقبوض على وجه السوم كهو1 ولا يصح ضمان دين الكتابة ولا ضمان الأمانات كالوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين المدفوعة إلى الخياط والقصار ونحوها: إلا أن يضمن التعدي فيها ويصح ضمان الأعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السموم من بيع وإجارة فلو ضمن مقبوضا على وجه سوم: بان يساوم إنسانا على عين ويقطع ثمنها أو لم يقطعه ثم يأخذها ليريها أهله فإن رضوها وإلا ردها ضمنه إذا تلف وصح ضمانه فيهما: إلا أن أخذه بأذن ربه ليريه أهله فإن رضوه أخذه وإلا رده من غير مساومة ولا قطع ثمن فلا يضمنه إذا تلف بغير تفريط ولا يصح ضمانه - قال الشيخ: لو تغيب مضمون عنه: أطلقه في موضع وقيده في آخر بقادر على الوفاء: فامسك الضامن وغرم شيئا بسبب ذلك وأنفقه في الحبس رجع به على المضمون عنه - ويأتي أول الحجر ويصح ضمان الجعل في الجعالة وفي المسابقة وفي المناضلة لأنه يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل: لا ضمان العمل فيها: ويصح ضمان أرش الجناية نقودا كانت كقيم المتلفات أو حيوانا كالديات ويصح ضمان نفقة الزوجة مستقبلة كانت أو ماضية ويلزمه ما يلزم الزوج ولو زاد على نفقة المعسر.
__________
1 سيوضح لك المصنف بعد معنى السوم وقد عللوا الضمان في ذلك بأنه مقبوض على وجه البدل فهو محسوب عليه لو تلف وليس من قبيل الأمانات.(2/180)
رجوع الضامن بعد القضاء
...
فصل:- وإن قضى الضامن الدين أو أحال به متبرعا لم يرجع بشيء:
ضمنه بأذنه أو بغير أذنه وناويا الرجوع يرجع ولو كان الضمان والقضاء أو أحدهما بغير أذن المضمون عنه وإن لم ينو رجوعا ولا تبرعا بل ذهل عن قصد الرجوع وعدمه لم يرجع وكذا حكم من أدى عن غيره دينا واجبا: لا زكاة ونحوها1 ويرجع الضامن بأقل الأمرين مما قضى: حتى قيمة عرض عرضه به2 أو قدر الدين وللضامن مطالبة المضمون عنه بتخليصه قبل الأداء إذا طولب به إن كان ضمن بإذنه وإلا فلا: لكن إن أدى الدين فله المطالبة بما أدى وإذا كان له ألف على رجلين: على كل واحد منهما نصفه وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه فابرأ الغريم أحدهما من الألف بريء منه وبريء صاحبه من ضمانه وبقي عليه خمسمائة وإن قضاه أحدهما خمسمائة أو أبراه الغريم منها وعين القضاء بلفظه أو نية عن الأصل أو الضمان انصرف إليه وإن أطلق صرفه إلى ما شاء منهما كما تقدم والمعتبر في القضاء لفظ القضاء3 ونيته وفي الإبراء لفظ المبريء ونيته ومتى اختلفوا في ذلك فالقول قول من أعتبر لفظه ونيته وإن أدعى ألفا على حاضر وغائب وإن كلا منهما ضامن عن صاحبه فإن اعترف الحاضر بذلك فله أخذ الألف منه فإذا قدم الغائب واعترف
__________
1 نحو الزكاة الكفارة والنذر فليس لمن دفعها عن غيره بدون إذنه أن يرجع ولو نوى الرجوع فإنها تحتاج إلى نية من صاحبها أو توكيل ولم يوجد ذلك ولهذا لم تقع الموقع.
2 يعني لو دفع الضامن من لرب الدين عرضا ماليا عن دينه النقدي فإنه حين الرجوع تعتبر قيمة العرض لا ذاته.
3 الأظهر لفظ القاضي بدل القضاء، والمراد بالقاضي دافع الدين لا الحاكم.(2/181)
رجع عليه صاحبه بنصفه إن أنكر فقوله مع يمينه1 وإن كان الحاضر أنكر فقوله مع يمينه فإن قامت عليه ببينة فاستوفى الألف منه لم يرجع على الغائب بشيء2 فإن اعترف الغائب ورجع الحاضر عن إنكاره فله الاستيفاء منه وإن لم تقم على الحاضر بينة حلف وبريء وإن اعترف لزمه دفع الألف3 وإن ادعى الضامن أنه قضى الدين وأنكر المضمون له ولا بينة وحلف لم يرجع ضامن على مضمون عنه ولو صدقه: إلا أن يكون بحضرته أو إشهاد ولو مات الشهود أو غابوا إن صدقه المضمون عنه أو ثبت وإن اعترف المضمون له بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره وإن قضى المؤجل قبل اجله لم يرجع حتى يحل وإن مات المضمون عنه أو الضامن لم يحل الدين وإن ماتا فكذلك إن وثق الورثة وإلا حل ويصح ضمان الحال مؤجلا فلصاحب الحق مطالبة المضمون عنه في الحال دون الضامن وإن ضمن المؤجل حالا صح ولم يلزمه قبل أجله.
__________
1 أنما أخذ بقوله: ويمينه حيث لم يكن لزميله الحاضر بينة.
2 لأن إنكار الحاضر يعد اعترافا ببراءة الغائب فلم يكن له مطالبته بشيء.
3 يريد بالمعترف هنا الذي كان غائبا وحضر وحيث دفع لاعترافه فليس له الرجوع على الحاضر الذي لم يعترف ولم تقم عليه بينة.(2/182)
فصل:- الكفالة
التزام رشيد برضاه إحضار مكفول به تعلق به حق مالي إلى مكفول حاضرا كان المكفول به أو غائبا بأذنه وبغير أذنه ولو صبيا ومجنونا ولو بغير أذن وليهما ويصح إحضارهما مجلس الحكم للشهادة عليهما بالإتلاف وتنعقد بألفاظ الضمان كلها وإن ضمن معرفته(2/182)
أخذ به ومعناه: أني أعرفك من هو وأين هو كأنه قال: ضمنت لك حضوره فإن لم يعرفه ضمن وإن عرفه فليس عليه أن يحضره وتصح ببدن من عليه دين لازم1 يصح ضمانه معلوما كان الدين أو مجهولا2 من كان يلزمه الحضور إلى مجلس الحكم ولو محبوسا لكون المحبوس يمكن تسليمه بأمر الحاكم ثم يعيده إلى الحبس بالحقين جميعا وإن كان محبوسا عند غير الحاكم لم يلزمه تسليمه محبوسا لأن ذلك الحبس يمنعه استيفاء حقه وتصح بالأعيان المضمونة كالغصوب والعواري ولا تصح بالأمانات إلا بشرط التعدي ولا بزوجة لزوجها ولا بشاهد ليشهد له ولا إلى أجل مجهول ولو في ضمان كمجيء المطر وهبوب الرياح لأنه ليس له وقت يستحق مطالبته فيه وإن جعله إلى الحصاد أو الجذاذ فكأجل في بيع والأولى صحته هنا ولا تصح ببدن من عليه حد أو قصاص لإقامة الحد لأنه لا يجوز استيفاؤه من الكفيل: كحد زنا وسرقة وقذف إلا لأجل مال بالدفع وغرم السرقة ولا تصح بغير معين: كأحد هذين ولا بالمكاتب من أجل دين الكتابة وإن كفل بجزء شائع من إنسان: كثلثه وربعه ونحوهما أو عضو منه: كوجهه ويده ورجله ونحوه أو روحه أو نفسه أو كفل بإنسان على أنه إن جاء به
__________
1 يعني لازما في حال الكفالة أو يؤل إلى اللزوم.
2 المراد بالمجهول ما يؤل إلى العلم. وقوله: من كان يلزمه الخ بيان لقوله سابقا ببدن من عليه دين لازم، فكأنه قال وهو من كان الخ وذلك للاحتراز عن الوالد فلا يجوز للولد أن يكلفه لأن الأمر قد يستدعي إحضار المكفول إلى مجلس الحكم والولد لا يملك ذلك على أبيه ولا رفع الدعوى عليه إلا في النفقة الواجبة.(2/183)
وإلا فهو كفيل آخر أو ضامن ما عليه أو إذا قدم الحاج فانا كفيل بفلان شهرا ضح ولو قال: كفلت ببدن فلان على أن يبرئ فلان الكفيل أو على أن يبرئه من الكفالة فسد الشرط والعقد وكذا لو قال: كفلت لك بهذا الغريم على أن تبرئني من الكفالة بفلان أو ضمنت لك هذا الدين على أن تبرئني من ضمان الدين الآخر أو على أن تبرئني من الكفالة بفلان وكذا لو شرط في الكفالة أو الضمان أن يتكفل المكفول به آخر أو يضمن دينا عليه أو يؤجره داره ونحوه ولا تصح إلا برضا الكفيل ولا يعتبر رضا مكفول له ولا مكفول به وتصح حالة ومؤجلة: كالضمان والثمن فإن أطلق كانت حالة: كالضمان لأن كل عقد يدخله الحلول اقتضى إطلاقه الحلول فإن عين تسليمه في مكان لزمه تسليمه فيه وإن وقعت الكفالة مطلقة وجب تسليمه وكان العقد كالمسلم وإذا تكفل حالا فله مطالبته بإحضاره فمتى احضره مكان العقد لتعيينه فيه أو لكون الكفالة وقعت مطلقة أو أحضره في مكان عينه غيره بعد حلول اجل الكفالة أو أحضره قبله ولا ضرر في قبضه وسلمه أو سلم مكفول به نفسه في محله بريء ولو لم يقل: قد برئت إليك منه أو قد سلمته إليك أو قد أخرجت نفسي من كفالته: ما لم تكن هناك يد حائلة ظالمة وإن أحضره وأمتنع من تسلمه بريء ولو لم يشهد على امتناعه من تسلمه وإن كانت الكفالة مؤجلة لم يلزمه إحضاره قبل أجلها قال الشيخ: إن كان المكفول في حبس الشرع فسلمه إليه فيه بريء ولا يلزمه إحضاره منه إليه عند أحد من الأئمة ويمكنه الحاكم من الإخراج ليحاكم غريمه(2/184)
ثم يرده وإن مات مكفول به سواء توانى الكفيل في تسليمه حتى مات أولا أو تلفت العين المكفول بها بفعل الله تعالى قبل المطالبة بها بريء الكفيل: لا بموت الكفيل فيؤخذ من تركته ما كفل به فإن كان دينا مؤجلا فوثق ورثته برهن أو ضمين وإلا حل ولا بموت المكفول له وورثته كهو في المطالبة بإحضاره وإن ادعى الكفيل براءة المكفول به من الدين وسقوط الكفالة أو قال: لم يكن عليه دين حين كفلته فقول المكفول له مع يمينه وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه لزمه ذلك إن كانت الكفالة بأذنه أو طالبه صاحب الحق بإحضاره معه لزمه ذلك إن كانت الكفالة بأذنه أو طالبه صاحب الحق بإحضاره وإلا فلا فإن كان المكفول به غائبا غيبة تعلم غير منقطعة ولو مرتدا لحق بدار الحرب أمهل بقدر ما يمضي ويحضره وإن لم يعلم فيها خبره لزمه الدين من غير إمهال فإن مضى ولم يحضره إما لتوان أو لهربه واختفائه أو لامتناعه أو لغير ذلك بحيث تعذر إحضاره مع حياته لزمه ما عليه من الدين: إلا إذا شرط البراءة منه وكذا عوض العين الملزوم بها إذا لم يشرط إلا مال عليه بتلفها فإن اشترط بريء والسجان ونحوه ممن هو وكيل على بدن الغريم بمنزلة الكفيل للوجه1 عليه إحضار الخصم فإن تعذر إحضاره ضمن عليه - قاله الشيخ وقال: وإذا لم يكن الوالد ضامنا لولده ولا له عنده مال لم يجز لمن له على الولد حق أن يطالب والده بما عليه: لكن أن أمكن الوالد معاونة صاحب الحق على إحضار ولده
__________
1 قوله: بمنزلة الكفيل للوجه يعني به بمنزلة من تكفل بوجه فلان وقد تقدم لك أنه يكون ملزما بإحضار بدنه وهو ما صرح به.(2/185)
بالتعريف بمكان ونحوه لزمه - ثم قدر على المكفول به1 فظاهر كلامهم أنه في رجوعه عليه كضامن وأنه لا يسلمه أي المكفول له ثم يسترد ما أداه بخلاف مغصوب تعذر إحضاره مع بقائه لامتناع بيعه وإن كفل اثنان واحدا فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر وإن أسلم نفسه برئا وإن كفل واحد غريما لاثنين فأبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر وإن كفل الكفيل كفيل آخر صح فإن بريء الأول بريء الثاني ولا عكس وإن كفل الثاني ثالث بريء كل منهم ببراءة من قبله ولا عكس كضمان ولو كفل اثنان واحدا وكفل كل واحد منهما كفيل آخر فاحضره أحدهما بريء هو ومن تكفل به وبقي الآخر ومن تكفل به ومتى أحال رب الحق أو أحيل أو زال العقد بريء الكفيل وبطل الرهن لأن الحوالة استيفاء في المعنى وتقدم أول الباب ولو خيف من غرق السفينة فألقى بعض من فيها متاعه في البحر لتخف لم يرجع به على أحد ولو نوى الرجوع ويجب الإلقاء إن خيف تلف الركاب بالغرق ولو قال بعض أهلها: الق متاعك فالقاه فلا ضمان على الآمر وإن قال القه وأنا ضامنه ضمن وحده وإن قال كل واحد منا ضامن لك متاعك أو قيمته ضمن القائل الحصة ضمان الجميع سواء كانوا يسمعون قوله فسكتوا أو قالوا: لا تفعل أو لم يسمعوا وإن رضوا بما قال لزمهم،
__________
1 قوله: ثم قدر معطوف على قوله: فإن تعذر إحضاره.(2/186)
وكذا الحكم في ضمانهم ما عليه من دين ولو قال لزيد: طلق زوجتك وعلى ألف أو مهرها لزمه ذلك بالطلاق قاله في الرعاية وقال: لو قال بع عبدك من زيد بمائة وعلى مائة أخرى لم يلزمه شيء.(2/187)
باب الحوالة
الشرط الأول للحوالة
...
باب الحوالة
وهي عقد إرفاق لا خيار له فيه وليست بيعا بل تنقل المال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه فلا يملك المحتال على المليء ولا المحتال برضاه إذا لم يشترط يسار المحتال عليه وجهله أو ظنه مليئا الرجوع على المحيل بحال أي سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت وكذا الجحود صرح به في الفروع وغيره ولعل المراد إذا كان المحتال يعلم الدين أو صديق المحيل عليه أو ثبت ببينة ثم ماتت ونحوه أما ظنه عليه فجحد ولم يمكن إثباته فله الرجوع عليه وتصح بلفظها أو معناها الخاص - ولا تصح إلا بشروط - أحدها أن يحيل على دين مستقر في ذمة المحال عليه ولو عل الضامن بما ضمنه ووجب أو في ذمة ميت وفي الرعاية الصغرى والحاويين إن قال: أحلتك بما عليه صح لا أحلتك به عليه أي الميت وتصح على المكاتب بغير مال الكتابة وإن حال على مال الكتابة ولو حل أو السلم أو رأس ماله بعد فسخه - وتقدم - أو الصداق قبل الدخول أو الأجرة بالعقد قبل استيفاء المنافع أو فراغ المدة أو بثمن المبيع على المشتري في مدة الخيار أو على عين من وديعة أو مضاربة أو على استحقاق في وقف أو على ناظرة أو على ولي بيت(2/187)
المال أو أحال ناظر الوقف بعض المستحقين على جمعه ونحوه: لم يصح ولا يشترط استقرار المحال به: فإن أحال المكاتب سيده أو الزوج امرأته أو المشتري البائع بثمن المبيع في مدة الخيارين صح1 ولا تصح بمسلم فيه ولا برأس ماله بعد فسخ ولا بجزية وإن أحال من لا دين عليه شخصا على من له عليه دين فهي وكالة بلفظ الحوالة تثبت فيها أحكامها وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فهو اقتراض فلا يصارفه2 فإن قبض المحتال منه الدين رجع على المحيل لأنه قرض3 وإن أبرأه منه لم تصح البراءة لأنها براءة لمن لا دين عليه وإن وهبه إياه بعد أن قبضه منه رجع المحال عليه على المحيل وإن أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه فهي وكالة في اقتراض أيضا وليس شيء من ذلك حوالة.
__________
1 يريد خيار المجلس، وخيار الشرط فإن الثمن وإن لم يكن مستقرا في مدة أحدهما ولكن الحوالة به جائزة وقد شبهوا ذلك بدفع الدين قبل أجله.
2 حيث اعتبر ذلك وكالة في قرض، فليس لهذا الوكيل أن يتسلم بدل الذهب الذي أحيل به فإن موكله لم يأذن له في هذا وذلك معنى عدم المصارفة.
3 يريد رجع المحال عليه بما دفعه على الحيل الذي اعتبرناه مقترضا.(2/188)
الشرط الثاني
...
الثاني: تماثل الدينين:
في الجنس كأن يحيل من عليه ذهب بذهب ومن عليه فضة بفضة فلو أحال من عليه ذهب بفضة أو بالعكس لم يصح: وفي الصفة فلو أحال من عليه صحاح بمكسرة أو من عليه غورية بسليمانية لم يصح: والحلول والتأجيل فإن كان أحدهما حالا(2/188)
والآخر مؤجلا أو كان أحدهما إلى شهرين لم تصح الحوالة1 ولو كان الحقان حالين فشرط المحتال أن يؤخره أو بعضه إلى أجل لم تصح أيضا2 فيشترط ذلك كما لو شرط في المقاصة - وتقدم آخر السلم: والقدر فلا تصح بعشرة على خمسة ولا عكسه وتصح بخمسة من العشرة على الخمسة وبالخمسة على خمسة من العشرة ولا يضر اختلاف سببي الدينين.
__________
1 قد اعتبروا التفاوت بين الدينين في الأجل بمثابة الفضل الذي يخرج الحوالة عن كونها عقد أرفاق إلى كوتهاريا ولهذا لم تصح إذن، ولو قال المصنف أو كان أحدهما إلى شهر والثاني إلى شهرين لكان أتم وأظهر.
2 صاحب الكشاف يرى صحة الحوالة مع بطلان الشرط ويقرران القول بالبطلان مما انفرد به المصنف.(2/189)
الشرط الثالث
...
الثالث: أن تكون بمال معلوم على مال معلوم
مما يصح السلم فيه من المثليات وغيرها: كمعدود ومذروع - قال الشيخ: الحوالة على ماله في الديوان أذن في الاستيفاء فقط - وللمحتال الرجوع ومطالبة محيله.(2/189)
الشرط الرابع
...
الرابع: أن يحيل برضاه
ولا يعتبر رضا المحال عليه ولا رضا المحتال إن كان المحال عليه مليئا فيجب أن يحتال فإن امتنع أجبر على قبولها ويبرأ المحيل بمجرد الحوالة قبل الأداء وقبل إجبار المحتال على قبولها وتعتبر الملاءة في المال والقول والبدن وفعله وتمكنه من الأداء - ففي المال: القدرة على الوفاء وفي القول: ألا يكون مماطلا وفي البدن إمكان حضوره مجلس الحكم فلا يلزم أن يحتال على والده ولا على من هو في غير بلده ولا يصح أن يحيل على أبيه متى صحت فرضيا بخير منه أو بدون أو تعجيله أو تأجيله أو عوضه جاز، وإن(2/189)
رضي وأشترط اليسار أو لم يرض فبان معسرا فله الرجوع على المحيل وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلا كظهور العبد المبيع حرا: فإن كان ببينة1 فالحوالة باطلة وإن كان باتفاق المحيل والمحتال عليه على حريته من غي بينة: فإن صدقهما المحتال فكذلك وإن كذبهما لم يقبل قولهما عليه أشبه ما لو باع المشتري العبد ثم اعترف هو وبائعه أنه كان حرا لم يقبل قولهما على المشتري الثاني وإن أقاما بينة لم تسمع لأنهما كذباها بدخولهما في التبايع وإن أقام العبد بحريته قبلت وبطلت الحوالة وإن صدقهما المحتال وأدعى أن الحوالة بغير ثمن العبد فقوله مع يمينه إذ لم يكن لهما بينة وإن اتفق المحيل والمحتال على حريته وكذبهما المحتال عليه لم يقبل قولهما عليه في حرية العبد وتبطل الحوالة والمحال عليه يعترف للمحتال بدين لا يصدقه فيه فلا يؤخذ منه شيئا وإن اعترف المحتال والمحال عليه بحرية العبد عتق لإقرار من هو في يده بحريته وبطلت الحوالة بالنسبة إليهما ولم يكن للمحتال رجوع على المحيل لأنه معترف ببراءته وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة أو خيار أو انفسخ النكاح ونحوه بعد قبض المحتال مال الحوالة لم تبطل وللمشتري الرجوع على البائع في مسألتي حوالته والحوالة عليه: لا على من كان عليه الدين في المسألة الأولى ولا على من أحيل عليه في الثانية2 وإن كان الفسخ
__________
1 يريد فإن كان ظهور العيب.
2 قد يحيل المشتري البائع بالثمن المستحق له فيستوفيه بنفسه، وقد يحيل البائع.. =(2/190)
قبل القبض لم تبطل الحوالة أيضا كما لو أخذ بالثمن عرضا1 ويرجع المشتري على البائع بالثمن ويأخذه البائع من المحال عليه وللبائع أن يحيل المشتري على البائع بالثمن ويأخذه البائع من المحال عليه وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشتري عليه في الصورة الأولى2 وللمشتري أن يحيل المحتال عليه على البائع في الثانية3 فإذا أحال رجلا على زيد بألفه فأحاله زيد بها على عمرو صح وهكذا لو أحال الرجل عمرو على زيد بما ثبت له في ذمته فلا يضر تكرار المحال والمحيل وإذا قال: أحلتك قال بل وكلني أو قال: وكلتك قال بل أحلتني،
__________
= على المشتري من يستوفي له الثمن فإذا أظهر بطلان البيع رجع المشتري على البائع وليس له الرجوع على مدينه الذي حول البائع عليه في الصورة الأولى ولا على الذي حوله البائع فاستوفى الثمن من المشتري في الصورة الثانية، وهذا توضيح مرتب لقول المصنف لا على من كان عليه الدين في المسألة الأولى، ولا على من أحيل عليه في الثانية.
1 يريد أن الحوالة نافذة وإن كان البيع قد انفسخ قبل أن يقبض المحتال ماله، وعلى هذا يدفع المشتري للمحتال ثم يرجع على البائع: كما لو كان أعطاه عن الثمن عرضا فإنه لا يرجع عليه إلا بالثمن الذي تعاقدا عليه لا بالعرض المأخوذ بدلا عنه ومغزى هذا أن قبض العرض صحيح فكذلك مال الحوالة للمحتال.
2 تقدم لك أن المشتري قد يحيل البائع ليستوفي بنفسه، فلو فرض بطلان البيع وأن المشتري رجع على البائع، ولم يكن البائع قبض الثمن الذي تحول به، فللبائع وأن يحول المشتري حين رجوعه من كان هو محتالا عليه أو لا من جهة المشتري وذلك هو مراده بقوله في الصورة الأولى.
3 وتقدم لك أيضا أن البائع قد يحيل غيره على المشتري ليستوفي دينه من الثمن فإذا بطل البيع كذلك، واستحق المشتري أن يرجع على البائع بالثمن ولم يكن دفعه للمحال عليه من جهة البائع، فله الحق في تحويل هذا ثانيا على البائع وذلك تفريع على المسألة التي قصدها في الثانية.(2/191)
فقول مدعي الوكالة وكذا إن اتفقا على أنه قال أحلتك أو قال: أحلتك بديني أو بالمال الذي قبل فلان وأدعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة وأنكر الآخر1 وإن قال أحلتك بدينك واتفقا على ذلك وأدعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة فقول مدعي الحوالة.
__________
1 إنما ترجحت دعوى الوكالة لأنها ل تستدعي انتقال الدين من ذمة إلى ذمة كما تقتضي الحوالة والأصل بقاؤه.(2/192)
باب الصلح وحكم الجوار
الصلح في الأموال قسمان: القسم الأول ونوعاه
...
باب الصلح وحكم الجوار
الصلح: التوفيق والسلم: وهو معاقدة يتوصل بها إلى موافقة بين مختلفين - وهو أنواع: ومن أنواعه: الصلح في الأموال: وهو المراد هنا ولا يقع في الغالب2 إلا عن انحطاط من رتبة إلى ما دونها على سبيل المداراة لبلوغ بعض الغرض وهو من أكبر العقود فائدة ولذلك حسن فيه الكذب ويكون بين مسلمين وأهل حرب وبين أهل بغي وعدل وبين زوجين وبين متخاصمين في غير مال - وهو في الأموال.
قسمان:- أحدهما صلح على الإقرار: وهو نوعان - أحدهما الصلح على جنس الحق: مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو بعين فيهب له بعضها ويأخذ الباقي فيصح إن كان فيضع عنه بعضه أو بعين فيهب له بعضها ويأخذ الباقي فيصح إن كان بغير لفظ الصلح لأن الأول إبراء والثاني هبة يعتبر له شروط الهبة ويصح إن لم يكن شرط: مثل أن
__________
1 إنما ترجحت دعوى الوكالة لأنها ل تستدعي انتقال الدين من ذمة إلى ذمة كما تقتضي الحوالة والأصل بقاؤه.
2 فاعل يقع يعود على الصلح المطلق لا على الصلح في الأموال وقوله: بعد ويكون بين مسلمين الخ تكميل لبقية الأنواع.(2/192)
يقول: على أن تعطيني الباقي أو يمنعه حقه بدونه ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع: كالمكاتب والمأذون له وولي اليتيم وناظر الوقف ونحوهم إلا في حال الإنكار وعدم البينة ويصح عما أدعى على موليته وبه بينة وإن صالح من مؤجل ببعضه حالا لم يصح: إلا في كتابة1 وإن وضع بعض الحال وأجل باقيه صح الإسقاط دون التأجيل لأنه وعد2 وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه: مثل أن يصالح عن دية الخطأ أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح كمثلى وإن صالحه بعرض قيمته أكثر منها صح فيهما ويصح عن المثلى بأكثر من قيمته وإن صالحه ببعض بيت أقر له به أو على أن يسكنه سنة أو يبني له فوقه غرفة لم يصح وإن أسكنه كان تبرعا منه: متى شاء أخرجه منها ولو أعطاه بعض داره بناء على هذا: فمتى شاء انتزعه منه وإن فعل ذلك على سبيل المصالحة معتقدا أن ذلك وجب عليه بالصلح رجع عليه بأجرة ما كان في يده من الدار وإن بنى فوق البيت غرفة أجبر على نقضها وأداء السكنى مدة مقامه في يده وله أخذ
__________
1 لم يصح لأن ذلك في معنى الربا بخلاف مسألة المكاتب فإنه لا ربا بين العبد وسيده.
2 صح الأسقاط لأنه عن طيب نفس فهو تبرع، ولم يصح التأجيل في الباقي وقد علله بقوله: لأنه وعد يعنى أن تأجيل بعض الحال مع الأسقاط بمثابة الوعد فلم يكن الفاء به وإنما أخذنا بالأسقاط لما عرفت أنه تبرع وهو جائز في كل وقت ممن كان أهلا له وبهذا ظهر لك أن الصحة وعدمها هنا بمعنى اللزوم أو عدمه.(2/193)
آلته وإن اتفقا على أن يصالحه صاحب البيت عن بنائه بعوض جاز وإن بنى الغرفة بتراب من أرض صاحب البيت وآلاته فليس له أخذ بنائه لأنه ملك صاحب البيت وإن أراد نقض البناء لم يكن له ذلك إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف به1 وإن قال: أقر لي بديني وأعطيك منه مائة ففعل صح الإقرار ولم يصح الصلح وإن صالح إنسانا مكلفا ليقر له بالعبودية أو امرأة مكلفة لتقر له بالزوجية لم يصح2 وإن دفع المدعي عليه العبودية أو الزوجية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه صح فإن ثبت الزوجية بعد ذلك بإقرارها أو بينة فالنكاح باق بحاله ولم يكن ما أخذه صلحا: خلعا وإن دفعت إليه مالا ليقر لها بما وقع من طلاقها صح وحرم عليه الأخذ ولو طلقها ثلاثة أو أقل فصالحها على مال لتترك دعواها لم يجز.
النوع الثاني:- أن يصالح عن الحق المقر بغير جنسه فهو معاوضة فإن كان بأثمان عن أثمان فصرف له حكمه وبعرض عن نقد أو عن العرض بنقد أو بعرض - فبيع وعن دين يصح بغير جنسه بأكثر من الدين وأقل بشرط القبض ويحرم بجنسه إذا كان مكيلا أو موزونا بأكثر أو أقل على سبيل المعاوضة: لا على سبيل الإبراء
__________
1 يريد إذا أبرأه من ضمان ما يتلف بالبناء لو بقي في الأرض المغصوبة، وإن لم يبرئه فله نقضه حيث لم تكن أنقاض البناء من أرض مالكها.
2 لم يصح الصلح في هاتين الصورتين لأنه يحل حراما، وإنما جاز أخذ العوض عنهما كما سيذكره بعد لقطع الخصومة: ما لم يكن المدعي عالما بكذب نفسه فأخذ العوض حرام عليه.(2/194)
أو الحطيطة وإن كان بمنفعة: كسكنى دار وخدمة عبد أو على أن يعمل له عملا معلوما فإجارة: تبطل بتلف الدار وموت العبد: لا عتقه كسائر الإجازات فإن كان قبل استيفاء شيء من المنفعة رجع بما صالح عنه وإن كان بعد استيفاء بعضها رجع بقسط ما بقي وإن صالحه على أن يزوجه أمته وكان ممن يجوز له نكاح الإماء صح1 وكان المصالح عنه صداقها فإن أنفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه وإن طلقها قبل الدخول رجع بنصفه وإن صالح عن عيب مبيع بشيء صح فإن بان أنه ليس بعيب أو زال سريعا كما يأتي - رجع بما صالح به وإن صالحت المرأة بتزويج نفسها صح وكان ما أقرت به من دين أو عين صداقا لها وإن كان الصلح عن عيب أقرت به في مبيعها وانفسخ نكاحها بما يسقط به صداقها رجع عليها بأرشه وإن لم ينفسخ النكاح وتبين عدم العيب: كبياض في عين العبد ظنته عمى وزال سريعا بغير كلفة وعلاج ولم يحصل به تعطيل نفع رجعت بأرشه لا بمهر مثلها وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض لأنه بيع دين بدين وإن أدعى زرعا في يد رجل فأقر له به ثم صالحه على دراهم جاز على الوجه الذي يجوز بيع الزرع على ما ذكر في البيع2 ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة - نصا - سواء كان عينا أو دينا أو كان الجهل من الجانبين: كصلح
__________
1 والذي يصح له نكاح الأمة هو عادم مهر الحرة الخائف من العنت.
2 يريد أن يكون بعد اشتداد الحب أو بشرط القطع في الثمار التي بدا صلاحها.(2/195)
الزوجة عن صداقها الذي لا بينة لها به ولا علم لها ولا للورثة بمبلغه وكذلك الرجلان بينهما معاملة وحساب قد مضى عليه زمن طويل ولا علم لكل منهما بما عليه لصاحبه أو من هو عليه لا علم له بقدره ولو علمه صاحب الحق ولا بينة له - بنقد ونسيئة فأن أمكن معرفته ولم تتعذر: كتركة موجودة صولح بعض الوارث عن ميراثه منها لم يصح الصلح ولا تصح البراءة من عين بحال.(2/196)
القسم الثاني للصلح
...
فصل:- القسم الثاني1 الصلح على الإنكار:
بان يدعي عليه عينا في يده أو دينا في ذمته فينكره أو يسكت وهو يجهله ثم يصالحه على مال فيصح بنقد ونسيئة ويكون المال المصالح به بيعا في حق المدعي فإن وجد فيما أخذه عيبا فله رده وفسخ الصلح وإن كان بيعا في حق المدعي فإن وجد فيما أخذه عيبا فله رده وفسخ الصلح وإن كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة ويكون إبراء في حق المنكر لأنه دفع إليه المال افتداء ليمينه ودفعا للضرر عنه فإن وجد بالمصالح عنه عيبا لم يرجع به على المدعي وإن كان شقصا لم تثبت فيه الشفعة ولو دفع المدعي عليه إلى المدعي ما ادعاه أو بعضه مصالحة به لم يثبت فيه حكم البيع ولا الشفعة ومتى كان أحدهما عالما بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه وما أخذه حرام عليه ولا يشهد له إن علم ظلمه وإن صالح عن المنكر أجنبي بإذنه أو بغير أذنه أعترف للمدعي بصحة دعواه أو لم يعترف صح سواء كان دينا أو عينا ولو
__________
1 تقدم أن الصلح في الأموال هو المقصود في هذا الباب وقد سلف الكلام على تقسيمه إلى قسمين: أحدهما: الصلح على الإقرار وقد تقدم بنوعيه، وثانيهما: هو المذكور في هذا الفصل.(2/196)
لم يذكر أن المنكر وكله ويرجع مع الإذن فقط وإن صالح الأجنبي المدعي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى أو معترفا بها والمدعي به دين أو عين عالما بعجزه عن استنقاذها لم يصح فيهن لكونه شراء ما لم يثبت لبائع أو دين لغير من هو في ذمته أو مغصوب لا يقدر على تخليصه وتقدم حكمهن في السلم والبيع وإن علم أو ظن القدرة عليه أو عدمها ثم تبين القدرة صح في العين فقط ثم إن تجز عن ذلك فهو مخير بين فسخ الصلح وإمضائه.(2/197)
يصلح الصلح على كل ما له عوض
...
فصل:- ويصح الصلح عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه:
سواء كان مما يجوز بيعه أم لا فيصح عن القصاص بديات وبدية وبأقل منها وبكل ما ثبت مهرا حالا أو مؤجلا وعن سكنى دار وعيب المبيع ولو صالح عن القصاص بعبد أو غير فخرج مستحقا أو حرا رجع بقيمته وإن علما كونه مستحقا أو حرا أو كان مجهولا: كدار وشجرة بطلت التسمية ووجبت الدية أو أرش الجرح وإن صالح عن دار أو عبد بعوض فبان العوض مستحقا أو حرا رجع في الدار أو ما صالح عنه أو بقيمته إن كان تالفا لأن الصلح هنا بيع حقيقة إذا كان عن إقرار وإن كان عن إنكار رجع بالدعوى ولو صالح سارقا أو شاربا أو زانيا ليطلقه ولا يرفعه للسلطان أو شاهدا على ألا يشهد عليه بحق آدمي أو بحق الله: كزكاة ونحوها أو بما يوجب حدا أو على إلا يشهد عليه الزور أو شفيعا عن شفعته أو مقذوفا(2/197)
أو صالح بعوض عن خيار لم يصح الصلح وتسقط الشفعة وحد القذف وإن صالحه على موضع قناة من أرضه يجري فيها الماء وبينا موضعها وعرضها وطولها جاز ولا حاجة إلى بيان عمقه لأنه إذا ملك الموضع كان له إلى تخومه1 فله أن ينزله ما شاء وإن كان إجارة اشترط ذكر العمق وإن صالحه على إجراء الماء في ساقية من أرض رب الأرض مع بقاء ملكه عليها فهو إجارة للأرض ويشترط فيه تقدير المدة وسائر شروط الإجارة ويعلم تقدير الماء بتقدير الساقية وإن كانت الأرض في يد رجل بإجارة جاز له أن يصالح رجلا على إحراء الماء فيها في ساقية محفورة مدة لا تجاوز مدة الإجارة وإن لم تكن الساقية محفورة لم يجز أن يصالحه على ذلك لأنه لا يجوز إحداث ساقية في أرض في يده بإجارة فإن كانت الأرض في يده وقفا عليه فكالمستأجر وكذا المستعير وإن صالحه على إجراء ماء سطحه من المطر على سطحه أو في أرضه من سطحه أو في أرضه عن أرضه جاز إذا كان ما يجري ماؤه معلوما: إما بالمشاهدة وإما بمعرفة المساحة لأن الماء يختلف بصغر السطح والأرض وكبرهما ويشترط معرفة الموضع الذي يخرج منه إلى السطح ولا تفتقر إلى ذكر المدة لدعوى الحاجة فيجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة غير مقدر مدة كنكاح لكن قال في القواعد: ليس بإجارة محضة لعدم تقدير المدة بخلاف الساقية فكانت بيعا تارة وإجارة أخرى وإن كانت الأرض
__________
1 التخوم مفرد مؤنث في المعنى جمعه ومفرده يتحدان في هذا اللفظ وقد يكون مفرده على وزن عتق، ومعناه الحدود الفاصلة بين أرضين اهـ قاموس.(2/198)
أو السطح الذي يجري عليه الماء مستأجرا أو عارية لم يجز أن يصالح على إجراء الماء عليه بغير أذن مالكه ويحرم إجراء ماء في ملك إنسان بلا أذنه ولو مع عدم تضرره أو تضرر أرضه ولو كان مضطرا إلى ذلك ولو صالحه على أن يسقي أرضه من نهره أو عينه مدة ولو معينة لم يصح لعدم ملكه الماء وإن صالحه على سهم منهما كشك ونحوه جاز وكان بيعا للقرار والماء تابع له ويصح أن يشتري ممرا في ملك غيره أو موضعا في حائط يفتحه بابا وبقعة يحفرها بئرا وعلو بيت يبني عليه بنيانا موصوفا وكذا لو كان البيت غير مبني إذا وصف العلو والسفل ويصح فعل ذلك صلحا أبدا وإجارة مدة معلومة ومتى زال فله إعادته: سواء زال لسقوطه أو سقوط الحائط أو غير ذلك ويرجع بأجرة مدة زواله عنه وله الصلح على زواله أو عدم عوده.(2/199)
حكم ما لو امتدت الإغصان في هواء الجار
...
فصل:- وإن حصل في هوائه أو هواء جدار له فيه شركة أغصان شجر غيره
فطالبه بإزالتها لزمه فإن أبى لم يجبر لأنه ليس من فعله ويضمن ربها ما تلف بها بعد المطالبة ولمن حصلت في هوائه إزالتها بلا حكم حاكم فإن أمكنه إزالتها بلا إتلاف ولا قطع ومن غير مشقة ولا غرامة: مثل أن يلويها ونحوه لم يجز له إتلافها فإن أتلفها في هذه الحالة غرمها وإن لم يمكنه إزالتها إلا بقدر ونحوه فله ذلك ولا شيء عليه وإن صالح عن ذلك بعوض لم يصح: رطبا كان الغصن أو يابسا وفي المغني اللائق بمذهبنا صحته واختاره(2/199)
ابن حامد وابن عقيل وجزم به جماعة وإن اتفقا على أن الثمرة له أو بينهما جاز ولم يلزم وفي المبهج في الأطعمة ثمرة غصن في هواء طريق عام للمسلمين وإن امتد من عروق شجرة إلى أرض جاره فأثرت ضررا كتأثيره في المصانع وطي الآبار وأساس الحيطان أو منعها من نبات شجر أو زرع لصاحب الأرض أو لم يؤثر - فالحكم في قطعه والصلح عنه كالحكم في الأغصان1 إلا أن العروق لا ثمر لها فإن اتفقا على أن ما نبت من عروقها لصاحب الأرض أو جزءا معلوما منه فكالصلح على الثمرة فإن مضت مدة ثم أبى صاحب الشجرة دفع نباتها إلى صاحب الأرض فعليه أجرة المثل وصلح من مال حائطه أو زلق خشبه إلى ملك غيره كغصن2 ولا يجوز أن يخرج إلى طريق نافذ جناحا: وهو الروشن3 ولا ظلة ولا ساباطا: وهو سقيفة بين حائطين أمام أو نائبه: إن لم يكن فيه ضرر وانتفاء الضرر في الساباط بحيث يمكن عبور محمل ونحوه تحته قال الشيخ: والساباط الذي يضر بالمارة: مثل أن يحتاج الراكب أن يحني رأسه إذا مر هناك وإن غفل عن نفسه رمى عمامته أو شج رأسه ولا يمكن
__________
1 يشير إلى ما تقدم أول الفصل من التفصيل فيما يترتب على ذلك من جواز المطالبة وجواز قطعه عند حصول الضرر منه من غير عوض، فراجع التفصيل.
2 يريد كالغصن في عدم جواز الصلح عليه لأنه ليس من فعله وقد تقدم لك خلاف صاحب المغني ومن وافقه في ذلك وميلهم إلى الجواز.
3 الروشن: هو ما يمتد من البناء على أطراف الخشب أعني ما يسمى عندنا برجا بضم الباء، والظلة: هي ما يقام من البناء ليستظل به الناس.(2/200)
أن يمر هناك جمل عال إلا كسر قتبه والجمل المحمل لا يمر هناك فمثل هذا الساباط لا يجوز إحداثه على طريق المارة باتفاق المسلمين بل يجب على صاحبه إزالته فإن لم يفعل كان على ولاة الأمور إلزامه بإزالته حتى يزول الضرر ولو كان الطريق منخفضا ثم أرتفع على طول الزمان وجب إزالته إذا كان الأمر على ما ذكر وقال: ومن كانت له ساحة يلقي فيها التراب والحيوان وتضرر الجيران بذلك فإنه يجب على صاحبها أن يدفع ضرر الجيران: إما بعمارتها أو بإعطائها لمن يعمرها أو يمنع أن يلقى فيها ما يضر بالجيران وقال: لا يجوز لأحد أن يخرج في طريق المسلمين شيئا من أجزاء البناء حتى أنه ينهى عن تجصيص الحائط: إلا أن يدخل في حده بقدر غلظ الجص انتهى - ولا يجوز أن يبني في الطريق دكانا ولو كان الطريق واسعا ولو بإذن إمام ولا أن يفعل ذلك في ملك إنسان ولا هوائه ولا درب غير نافد إلا بإذن أهله ويضمن ما تلف به ولا يسقط شيء من ضمانه بتأكل أصله فإن صالح عن ذلك بعوض صح ولو في الجناح والساباط بشرط كون ما يخرجه معلوم المقدار في الخروج والعلو ولا يجوز أن يحفر في الطريق النافذ بئرا لنفسه: سواء جعلها لماء المطر أو استخراج منها ماء ينتفع به وإن أراد حفرها للمسلمين لنفعهم في طريق ضيق أو كانت في ممر الناس بحيث يخاف سقوط إنسان فيها أو دابة أو يضيق عليهم ممرهم لم يجز وإن حفرها في زاوية من طريق واسع وجعل عليها ما يمنع الوقوع فيها جاز: كتمهيدها وبناء رصيف فيها وفي درب غير نافذ لا يجوز إلا بإذن أهله ولو صالح أهل(2/201)
الدرب عن ذلك بعوض جاز: سواء حفرها لنفسه أو للسبيل وكذا إن فعل ذلك في ملك إنسان وإذا كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح بابا لغير الإستطراق جاز له لأن له رفع جميع حائطه ولا يجوز الإستطراق إلا بأذنهم وإن صالحهم جاز ويجوز في درب نافذ - قال الشيخ: وإن كان له باب في درب غير نافذ يستطرق منه استطراقا خاصا مثل أبواب السر التي يخرج منها النساء أو الرجل المرة بعد المرة هل له أن يستطرق منها استطراقا عاما؟ ينبغي إلا يجوز هنا انتهى - ويحرم إحداثه في ملكه ما يضر بجاره ويمنع منه إذا فعله: كابتداء إحيائه: كحفر كنيف إلى جنب حائط جاره وبناء حمام يتأذى بذلك ونصب تنور يتأذى باستدامة دخانه وعمد دكان قصارة أو حدادة يتأذى بكثرة دقه وبهز الحيطان ورحى وحفر بئر ينقطع بها ماء بئر جاره وسقى واشتعال نار يتعديان إليه ونحو ذلك ويضمن ما تلف به بخلاف طبخه وخبزه فيه ويمنع من إجراء ماء الحمام في نهر غيره وإن كان هذا الذي حصل منه الضرر سابقا1: مثل من له في ملكه مدبغة ونحوها فأحيا إنسان إلى جانبه مواتا أو بناه دارا يتضرر بذلك لم يلزمه إزالة الضرر وليس له منعه من تعلية داره ولو أفضى إلى سد الفضاء عنه أو خاف نقص أجرة داره وإن حفر بئرا في ملكه فانقطع ماء بئر جاره أمر بسدها ليعود ماء البئر الأول فإن لم تعد كلف صاحب البئر الأول حفر البئر التي سدت لأجله من ماله ولو ادعى أن بئره فسدت من خلاء جاره أو بالوعته وكانت البئر أقدم منها طرح
__________
1 يريد سابقا في الوجود على ملك الجار.(2/202)
في الخلاء أو البالوعة نفط: فإن لم يظهر طعمه ولا رائحته في البئر علم أن فسادها بغيره وإن ظهر فيها ذلك كلف صاحب الخلاء والبالوعة نقل ذلك إن لم يمكن إصلاحه ولو كان لرجل مصنع فأراد جاره غرس شجرة مما تسرى عروقه: كشجرتين ونحوه فيشق حائط مصنع جاره ويتلفه لم يملك ذلك وكان لجاره منعه وقلعها أن غرسها ولو كان بابه في آخر درب غير نافذ ملك نقله إلى أوله إن لم يحصل منه ضرر: كفتحه مقابل باب غيره ونحوه ولم يملك نقله إلى داخل منه إن لم يأذن من فوقه1 أو يكون أعارته إن أذنوا وحيث نقله إلى أول الدرب فله رده إلى موضعه الأول2 ولو كان له داران متلاصقان ظهر كل واحد منهما إلى ظهر الأخرى وباب كل واحدة منهما في درب غير نافذ فرفع الحاجز بينهما وجعلهما دارا واحدة جاز وإن فتح من كل واحدة منهما بابا إلى الأخرى ليتمكن من التطرق من كل واحدة منهما إلى الدار جاز ولو كان في الدرب بابان فقط لرجلين: أحدهما قريب من باب الزقاق والآخر من داخله فتنازعا في الدرب حكم بالدرب من أوله إلى الباب الذي يليه بينهما وبما بعده إلى صدر الدرب للآخر يختص به ملكا له وله أن يجعله دهليزا لنفسه وإن يدخله في داره على وجه لا يضر بجاره ولا يضع على حائطه شيئا وليس له أن يفتح في حائط جاره ولا الحائط المشترك روزنة ولا طاقا ولا غيرهما من التصرفات حتى يضرب
__________
1 يريد من فوقه في المدخل أعني من كان أدخل منه في الزقاق.
2 هذا تفريع على قوله ولو كان بابه في آخر درب، لا على قوله: ولم يملك نقله الخ.(2/203)
وتدا ولا أنه يعليه ولا يحدث عليه سترة ولا حائطا ولا خصا يحجز به بين السطحين إلا بإذن صاحبه وإن صالحه عن ذلك بعوض جاز وله الاستناد إليه وإسناد شيء لا يضره والجلوس في ظله ونظره في ضوء سراجه بلا إذن - قال الشيخ: العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة لا يصح أن يرد عليها عقد بيع وإجارة اتفاقا: كمسألتنا - ولو كان له حق ماء يجري على سطح جاره لم يجز له تعلية سطحه ليمنع الماء ولو كثر ضرره وليس له وضع خشبه على حائط جاره أو المشترك إلا عند الضرورة: بإلا يمنكه التسقيف إلا به فيجوز ولو ليتيم ومجنون: ما لم يتضرر الحائط وليس له منعه منه إذن فإن أبى أجبره الحاكم وإن صالحه عنه بشيء جاز وكذا حكم جدار مسجد ومن ملك وضع خشبه على حائط فزال بسقوطه أو قلعه أو سقوط الحائط فله إعادته بشرطه ومتى وجده أو بناءه أو مسيل مائه ونحوه في حق غيره أو ماء: مجرى سطحه على سطح ولم يعلم سببه - فهو له لأن الظاهر وضعه بحق فإن اختلفا فقول صاحب الخشب والبناء والمسيل مع يمينه فإن زال فله إعادته وله أخذ عوض عنه ولو كان له وضع خشبه على جدار غيره لم يملك إجارته ولا إعارته ولا بيعه ولا المصالحة عنه للمالك ولا لغيره لأنه أبيح له من حق غيره لحاجته ولو أراد صاحب الحائط أعارته أو إجارته على وجه يمنع هذا المستحق من وضع خشبه لم يملك ذلك ولو أراد هدم الحائط لغير حاجة لم يملك ذلك وإن احتاج إلى ذلك للخوف من انهدامه أو لتحويله إلى مكان آخر أو لغرض صحيح(2/204)
ملك ذلك ولو أذن صاحب الحائط لجاره في البناء على حائطه أو وضع سترة أو خشبه عليه في الموضع الذي لا يستحق وضعه جاز وصار عارية لازمة - ويأتي - وإن أذن في ذلك بأجرة جاز: سواء كانت إجارة أو صلحا على وضعه على التأبيد ومتى زال فله أعادته ويشترط معرفة البناء والعرض والطول والسمك والآلات من الطين واللبن أو الطين والآجر وما أشبه ذلك وإذا سقط الحائط الذي عليه البناء أو الخشب في أثناء مدة الإجارة سقوطا لا يعود انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة ورجع من الأجر بقسط ما بقي من المدة وإن أعيد رجع من الأجرة بقدر مدة السقوط وإن صالحه مالك الحائط على رفع خشبه أو بقائه بشيء معلوم جاز: سواء كان ما صالحه به مثل العوض الذي صولح به على وضعه أو أقل أو أكثر وكذلك لو كان له مسيل ماء في أرض غيره أو ميزاب أو غيره فصالح صاحب الأرض مستحق ذلك بعوض ليزيله عنه جاز وإن كان الخشب أو الحائط قد سقط فصالحه بشيء على ألا يعيده جاز.(2/205)
حكم إعلاء السترة بين الجارين
...
فصل:- ويلزم إعلاء الجارين بناء سترة تمنع مشارفة الأسفل
كما لو كانت السترة قديمة فانهدمت فإنه يجب أعادتها فإن استويا اشتركا وأيهما أبى أجبر مع الحاجة إلى السترة فإن كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخر فليس لصاحب الأعلى الصعود على سطحه على وجه يشرف على سطح جازه: إلا أن يبني سترة تستره كما تقدم ولا يلزم الأعلى سد طاقته إذا لم ينظر منها ما يحرم نظره من جهة جاره ويجبر(2/205)
الشريك على العمارة مع شريكه في الأملاك والأوقاف المشتركة فإن انهدم حائطها أو سقفهما فطلب أحدهما صاحبه ببنائه معه أجبر فإن امتنع أخذ الحاكم من ماله وانفق عليه وإن لم يكن له عين وكان له متاع باعه وانفق منه فإن لم يكن له اقترض عليه وانفق وإن انفق الشريك بإذنه أو أذن حاكم أو بنية رجوع رجع على حصة الشريك وكان بينهما كما كان قبل انهدامه وإن استهدم جدارهما أو سقفهما وخيف ضرره نقضاه وجوبا فإن أبى أحدهما أجبره الحاكم - ويأتي في الغصب ضمان ما تلف به - وأيهما هدمه أذن بغير أذن صاحبه فلا شيء عليه: كما لو أنهدم بنفسه وإن اتفقا على بناء الحائط المشترك بينهما نصفين: وملكه بينهما النفقة كذلك: على أن ثلثه لأحدهما وللآخر الثلثان لم يصح لأنه يصالح على بعض ملكه ببعض وإن اتفقا على أن يحمله كل واحد منهما ما شاء لم يجز لجهالة الحمل ولا يجبر على بناء حاجز بين ملكيهما ولو انهدم سفل علوه لغيره انفرد صاحب السفل ببنائه واجبر عليه وإن كان علو العلو طبقة ثالثة فصاحب الوسط مع من فوقه كمن تحته معه وإذا كان نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة1 أو قناة بين جماعة واحتاج إلى عمارة أو كرى أو سدشق فيه أو إصلاح حائط أو شيء منه كان غرم ذلك بينهم على حسب ملكهم فيه ويجبر الممنتع وليس لأحدهم منع صاحبه من عمارته فإن عمره فالماء بينهم على الشركة فإن كان بعضهم أدنى إلى أوله من بعض اشترك الكل في
__________
1 الناعورة: الساقية(2/206)
كريه وإصلاحه حتى يصلوا إلى الأول ثم لا شيء على الأول ويشترك الباقون حتى يصلوا إلى الثاني ثم لا شيء عليه ويشترك من بعده وكلما انتهى العمل إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شيء ومتى هدم مشتركا من حائط أو سقف قد خشى سقوطه ووجب هدمه فلا شيء عليه: كما لو انهدم بنفسه وإن كان لغير ذلك لحاجة أو غيرها: التزم إعادته أو لا فعليه إعادته ولو اتفقا على بناء حائط بستان فبنى أحدهما فما تلف من الثمرة بسبب إهمال الآخر ضمنه الذي أهل قاله الشيخ ولو كان السفل لواحد والعلو لآخر فالسقف بينهما لا لصاحب العلو.(2/207)
باب الحجر
الحجر وأقسامه
...
الحجر وأقسامه
وهو منع الإنسان من التصرف في ماله وهو على ضربين:- حجر لحق الغير: كحجر على مفلس: ومريض على ما زاد على الثلث وعبد ومكاتب ومشتر إذا كان الثمن في البلد أو قريبا منه بعد تسليمه المبيع وراهن ومشتر بعد طلب شفيع ومرتد غير ذلك على ما يأتي: فنذكر منه ههنا الحجر على المفلس: وهو من ماله له ولا ما يدفع به حاجته وشرعا من لزمه أكثر من ماله.
وحجر لحظ نفسه: كحجر على صغير ومجنون وسفيه فحجر المفلس منع الحاكم من عليه دين حال يعجز عنه ماله الموجود مدة الحجر من التصرف فيه ومن لزمه دين مؤجل حرمت مطالبته به قبل اجله وإن أراد سفر طويلا يحل الدين قبل فراغه أو بعده: مخوفا كان أو غيره وليس به رهن يفي به ولا كفيل ملئ فلغريمه منعه في غير(2/207)
جهاد متعين حتى يوثقه بأحدهما فلو أراد المدين ضامنه معا السفر منعهما ومنع أحدهما: أيهما شاء حتى يوثق بما ذكر وكذلك لو كان الضامن غير ملئ فله أن يطلب منه ضامنا مليئا أو رهنا ولو كان بالدين رهن لا تفي قيمته به فله أن يطلب زيادة الرهن حتى تبلغ قيمة الجميع قدر الدين أو يطلب منه ضامنا بما يبقي من الدين بعد قيمة الرهن وإن أراد سفرا وهو عاجز عن وفاء دينه فلغريمه منعه حتى يقيم كفيلا ببدنه قاله الشيخ ولا يملك تحليل محرم وإن كان دينه وهو قادر على وفائه وطلب منه فسافر قبل وفائه لم يجز له أن يترخص بقصر ولا غيره فإن كان عاجز عن وفاء شيء منه حرمت مطالبته والحجر عليه وملازمته وإن كان له مال يفي بدينه الحال لم يحجر عليه ولو كان عليه دين مؤجل غيره وعلى الحاكم أن يأمره بوفائه إن طلبه الغرماء منه ويجب على قادر وفاؤه على الفور بطلب ربه أو عند أجله إن كان مؤجلا وإلا فلا فإن كان له سلعة فطلب أن يمهله حتى يبيعها ويوفيه من ثمنها أمهل بقدر ذلك وكذلك إن أمكنه أن يحتال لوفاء دينه باقتراض ونحوه وطلب أن يرسم عليه حتى يفعل ذلك وجبت أجابته إلى ذلك ولم يجز معه منه بحبسه1 وكذا أن طلب تمكينه منه محبوس أو توكل فيه قاله الشيخ ولو مطل حتى شكى عليه فما غرمه فعلى المماطل وفي الرعاية: لو احضر مدعي به ولم يثبت للمدعي لزمه مؤنة إحضاره ورده وإلا لزما المنكر وقال الشيخ: لو تغيب مضمون عنه فغرم الضامن بسببه أو غرم بسبب كذب عليه عند ولي الأمر رجع على المتسبب فإن أبى من له مال يفي بدينه الوفاء حبسه الحاكم
__________
1 الترسيم عليه بمعنى مراقبته.(2/208)
وليس له إخراجه حتى يتبين له أمره أو يبرأ من غريمه بوفاء أو إبراء أو يرضى بإخراجه فإن أصر باع ماله وقضى دينه - وقال جماعة إذا أصر على الحبس وصبر عليه ضربه الحاكم قال في الفصول وغيره: يحبسه فإن أبى عزره قال: ويكرر حبسه وتعزيره حتى يقبضه قال الشيخ: نص عليه الأئمة من أصحاب أحمد وغيرهم ولا أعلم فيه نزاعا لكن لا يزاد في كل يوم على أكثر التعزير إن قبل بتقديره وقال: ومن طولب بأداء حق فطلب إمهالا أمهل بقدر ذلك كما تقدم في كلامه لكن أن خاف غريمه منه احتاط عليه بملازمته أو كفيل أو ترسيم عليه وإن ادعى من عليه الدين الإعسار وأنه لا شيء معه فقال المدعي للحاكم: المال معه وسال تفتيشه وجب على الحاكم إجابته إلى ذلك وإن صدقه غريمه لم يحبس ووجب إنظاره ولم تجز ملازمته وإن أكذبه وكان دينه عن عوض: كالبيع والقرض أو عرف له مال سابق والغالب بقاء ذلك أو عن غير عوض: كأرش جناية وقيمة متلف ومهر أو ضمان أو كفالة أو عوض خلع وأقر أنه ملئ حبس إلا أن يدعى تلفا ونحوه أو يسال سؤاله ويصدقه فلا فإن أنكر وأقام بينة بقدرته أو حلف أنه لا يعلم عسرته أو أنه موسر أو ذو مال ونحوه حبس فإن لم يحلف حلف المدين وخلى سبيله إلا أن يقيم بينة تشهد له وإن كان الحق عليه ثبت في غير مقابلة مال أخذه: كأرش جناية وقيمة متلف ومهر أو ضمان وكفالة أو عوض خلع ولم يعرف له مال ولم يقر أنه ملئ - حلف أنه لا مال له وخلى فإن(2/209)
شهدت بنفاد ماله أو بتلفه ولم تشهد بعسرته حلف أنه لا مال له في الباطن وإن شهدت بإعساره اعتبر فيها أن تكون ممن تخبر باطن حاله لأنها شهادة على نفي قبلت للحاجة ويكتفي فيها باثنين ولا يحلف معها لأنه تكذيب للبينة ويكفي في الحالين أن تشهد بالتلف أو الإعسار أو تسمع قبل حبسه وبعده ولو بيوم ولو قامت بينة للمفلس قال معين فأنكر ولم يقر به لأحد أو قال: هو لزيد فكذبه زيد قضى منه دينه وإن صدقه زيد لم يقض منه الدين ويكون لزيد مع يمينه ويحرم على المعسر أن يحلف أنه لا حق له ويتأول وإن كان له مال لا يفي بدينه فسأل غرماؤه كلهم أو بعضهم الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم: لا إجابة المعسر إذا طلب من الحاكم الحجر على نفسه ويستحب إظهار الحجر عليه لتجنب معاملته والإشهاد عليه لينتشر ذلك وربما عزل الحاكم أو مات فيثبت الحجر عليه عند الآخر فلا يحتاج إلى ابتداء حجر ثان وكل ما فعله المفلس في ماله قبل الحجر عليه من البيع والهبة والإقرار وقضاء بعض الغرماء وغير ذلك فهو نافذ ولو استغرق جميع ماله مع أنه يحرم إن أضر بغريمه.(2/210)
يتعلق بالحجر أحكام أربعة
...
فصل:- ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام.
أحدها - تعلق حق الغرماء بماله فلا يقبل إقراره عليه ولا يصح تصرفه فيه حتى ما يتجدد له من ماله من أرش جناية وأرث ونحوهما(2/210)
ولو عتقا أو صدقه بشيء كثير أو يسير: إلا بتدبير1 وله رد ما اشتراه قبل الحجر لعيب أو خيار غير متقيد بما لاحظ ويكفر هو وسفيه بصوم فإن فك حجره قبل تكفيره وقدر كفر بغيره فإن كان المفلس صانعا: كالقصار والحائك في يده متاع فاقر به لا ربا به لم يقبل وتباع العين التي في يده وتقسم بين الغرماء وتكون قيمتها واجبة على المفلس إذا قدر عليها فإن توجهت على المفلس يمين فنكل عنها فقضى عليه فكإقراره يلزم في حقه دون الغرماء وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح ويتبع به بعد فك الحجر عنه لأن الحجر متعلق بماله لا بذمته ولا يشاركون غرماءه قبل الحجر سواء نسب ما أقر به إلى ما قبل الحجر أو بعده: وسواء علم من عامله بعد الحجر أنه محجور عليه أم لا وإن ثبت عليه حق ببينة شارك صاحبه الغرماء وإن جنى جناية موجبة للمال شارك المجني عليه الغرماء وإن كانت موجبة للقصاص فعفى صاحبها إلى مال أو صالحه المفلس على مال شارك الغرماء وإن جنى عبده المجني عليه بثمنه على الغرماء.
__________
1 وفي معنى التدبير الوصية، فتصرفه بواحد منهما جائز، وذلك لأنه بالموت ينفك عنه الحجر ويبدأ بسداد حقوق غرمائه، فإذا بقى من ثلث المال ما يتسع لنفاذ تدبيره ووصيته نفذا، وإلا فهما لغو.(2/211)
فصل:- الحكم الثاني أن من وجد عنده عينا باعها إياه
ولو بعد الحجر عليه غير عالم به أو عين قرض أو رأس مال سلم، أو غير ذلك حتى عينا مؤجرة ولو نفسه أو غيرها ولم يمض من المدة شيء - فهو أحق بها: إن شاء ولو بعد خروجها من ملكه وعودها إليه بفسخ أو شراء أو نحو ذلك فلو اشتراها ثم باعها ثم اشتراها فهي لأحد البائعين بقرعة فإن بذل الغرماء لصاحب السلعة الثمن من أموالهم أو خصوه به من مال المفلس ليتركها أو قال المفلس: أنا أبيعها وأعطيك ثمنها لم يلزمه قبوله وإن دفعوا إلى المفلس الثمن فبذله له لم يكن له الفسخ1 ومن استأجر أرضا للزرع فأفلس قبل مضي شيء من المدة فللمؤجر فسخ الإجارة وإن كان بعد انقضائها أو مضي بعضها2 لم يملك الفسخ تنزيلا للمدة منزلة المبيع ومضى بعضها بمنزلة تلف بعضها ومن اكترى من يحمل له متاعا إلى بلد ثم أفلس المكترى قبل حمل شيء فللمكري الفسخ3 وإن أصدق امرأة عينا ثم أنفسخ نكاحها بسبب يسقط صداقها أو فارقها
__________
1 يريد لم يكن لرب السلعة أن يفسخ البيع بالرجوع في العين، وذلك لأن الفسخ كان له حين عجز السفيه المشتري عن الثمن، وحيث أمكنه دفعه فقط سقط حق بائعها. ومن هذا تعلم أن الكلام مفروض في حالة عدم دفع المشتري الثمن.
2 يشير إلى أن الرجوع في العين مبني على بقائها كاملة، فإذا انعدمت أو تلف بعضها فلا رجوع فيها، فكذلك مدة الإجارة بالنسبة للعين المؤجرة، إذا كانت كلها باقية فله الفسخ وإلا فلا، وستعلم ذلك ضمن الشروط التي سيذكرها قريبا.
3 المكتري بكسر الراء: هو المؤجر، والمكرى بفتح الراء: هو الأجير.(2/212)
قبل الدخول فرقة تنصف الصداق: وقد أفلست ووجد عين ماله فهو أحق به.
بشرط أن يكون المفلس حيا إلى حين أخذه1 - ولم ينقد من ثمن المبيع شيئا ولا أبراه من بعضه - والسلعة بحالها - ولم يزل ملكه عن بعضها بتلف ولا غيره فإن تلف جزء منها: كبعض أطراف العبد أو ذهبت عينه أو جرح أو وطئت البكر أو تلف بعض الثوب أو انهدم بعض الدار ونحوه لم يكن للبائع الرجوع وإن باع بعض المبيع أو وهبه أو وقفه فكتلفه هذا إن كانت عينا واحدة في مبيع وإن كانت عينين: كعبدين ونحوهما وبقي واحدة رجع فيها: وكون السلعة بحالها: لم تتغير صفتها بما يزيل أسمها: كنسيج غزل وخبز دقيق وعمل زيت صابونا وقطع قميصا ونجر خشب أبوابا وعمل شريط ابرا وطحن حب أو حبا فصار زرعا أو عكسه أو نوى فنبت شجرا أو بيضا فصار فراخا ولم يخلطها بما لا تتميز2 - ولم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية: بان يشتري عبدا ثم يفلس بعد تعلق أرش الجناية برقبته فإن ابرأ الغريم من الجناية فللبائع الرجوع وكذا لو اسقط الشفيع أو المرتهن حقه أو رهن ونحوه لكن إن كان الرهن
__________
1 هذا أول شرط من سبعة شروط لا يملك رب العين الرجوع فيها إلا إذا توفرت جميعها وقد ميزناها لك بفاصلة أمام كل واحد منها.
2 قوله سابقا: وكون السلعة بحالها إلى قوله: ولم ويخلطها بما لا تتميز: معترض بين ذكر الشروط وهذا الاعتراض كله تفسير للشرط الثالث المتقدم: وهو قوله: والسلعة بحالها.(2/213)
أكثر من الدين فما فضل منه رد على المال وليس لبائعه الرجوع في الفاضل وإن كان المبيع عينين فرهن إحداهما ملك البائع الرجوع في الأخرى: كما إذا تلفت أحدى العينين ولو مات الراهن وضاقت تركته عن الديون قدم المرتهن برهنه ولو رهن بعض العبد لم يكن للبائع الرجوع في باقيه ولم يكن صيدا والبائع محرم فلا يأخذه حال إحرامه - ولم تزد زيادة متصلة: كسمن وكبر وتعلم صنعة وكتابة وقرآن وتجدد حمل لا أن ولدت فإن وجد شيء من ذلك منع الرجوع ووطء الثيب ما لم تحمل وتزويج الأمة لا يمنع الرجوع وهي على نكاحها - ويشترط أيضا أن يكون البائع حيا1 وإن كان الثمن مؤجلا رجع فيها فأخذها عند حلول الأجل: فتوقف إليه ويصح الرجوع فيها وفي غيرها بالقول على التراضي فسخا بلا حكم حاكم إذا كملت الشروط ولو حكم حاكم بكونه أسوة الغرماء نقض حكمه نصا ولا يفتقر الرجوع إلى شروط البيع من المعرفة والقدرة على تسليمه فلو رجع في آبق صح وصار له فإن قدر أخذه وإن تلف فمن ماله وإن بان تلفها حين استرجاعه بطل رجوعه فأما الزيادة المنفصلة: كالولد والثمرة والكسب والنقص بهزال أو نسيان صنعة أو كتابة أو كبر أو تغير عقله أو كان ثوبا فخلق: فلا يمنع الرجوع فيأخذه ولو ناقصا جميع حقه والزيادة
__________
1 هذا هو الشرط السابع، ومقتضاه أن صاحب العين لو مات سقط الحق في الرجوع ولكن ذلك مختلف فيه، فبعض علماء المذهب يرون انتقال الحق إلى الورثة.(2/214)
لبائع1 وإن صبغ الثوب أو قصره أولت السويق بزيت لم يمنع الرجوع: ما لم ينقص والزيادة عن قيمة الثوب والسويق للمفلس ولو كانت السلعة صبغا فصبغ به أو زيتا فلت به أو مسامير فسمر بها بابا أو حجرا فبنى عليه أو خشبا فسقف به فلا رجوع فإن كن الصبغ والثوب لواحد رجع في الثوب وحده ويكون المفلس شريكا بزيادة الصبغ ويضرب بائع الصبغ بثمنه مع الغرماء وإن اشترى رفوفا ومسامير من واحد وسمرها بها رجع فيهما وإن غرس الأرض أو بنى فيها فله الرجوع فيها ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكه أو قلعه وضمان نقصه: إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع فيلزمهم إذن تسوية الأرض وأرش نقصها الحاصل به ويضرب به البائع مع الغرماء وله الرجوع فيها ولو قبل القلع ودفع قيمة الغراس والبناء أو قلعة وإن امتنعوا من القلع لم يجبروا عليه وإن أبوا القلع وأبى دفع القيمة سقط الرجوع.
__________
1 قوله: والنقص بهزال معطوف على المبتدأ وهو قوله: فأما الزيادة وقوله: جميع حقه في معنى الحال من ضمير المفعول في قوله: أخذه جميع حقه. ومراده: أن الزيادة المنفصلة والنقص لا تأثير لهما في رجوعه، ولكن فريقا من العلماء ينازع في استحقاق رب العين للزيادة المنفصلة وينتصرون للرواية عن الإمام بأن النماء المنفصل حق للمفلس، ويمنع صاحب المغني قياس ذلك على النماء المتصل، والمصنف مع من يرى الرأي الأول ولذتك صرح بعد أن علم هذا من الكلام السابق بقوله: والزيادة لبائع.(2/215)
فصل:- الحكم الثالث: بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه على الفور
ويجب عليه ذلك إن كان مال المفلس من غير جنس الديون فإن كان ديونهم من جنس الأثمان أخذوها وإن كان فيهم من دينه من غير جنس الأثمان وليس في مال المفلس من جنسه ورضي أن يأخذ عوضه من الأثمان جاز وإن امتنع وطلب جنس حقه اشترى له بحصته من الثمن من جنس دينه ولو أراد الغريم الأخذ من المال المجموع وقال المفلس: لا أقضيك إلا من جنس دينك قدم قول المفلس ولا يحتاج إلى استئذان المفلس في البيع: لكن يستحب أن يحضره أو وكيله ويحضر الغرماء وإن باعه من غير حضورهم كلهم جاز ويأمرهم الحاكم أن يقيموا مناديا ينادي على المتاع فإن تراضوا بثقة إمضاء وإن اختار المفلس رجلا واختار الغرماء آخر أقر الثقة فإن كانا ثقتين قدم المتطوع فإن كانا متطوعين ضم أحدهما إلى الآخر وإن كانا بجعل قدم أوثقهما وأعرفهما وإن تساويا قدم من يرى ويستحب أن يبيع كل شيء في سوقه ويجوز في غيره وربما أدى الاجتهاد إلى أنه أصلح بشرط أن يبيعه بثمن مثله المستقر في وقته أو أكثر فإن زاد في السلعة أحد في مدة الخيار لزم الأمين الفسخ وإن كان بعد لزومه استحب له سؤال المشتري الإقالة واستحب للمشتري الإجابة ويجب أن يترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم: إن لم يكونا عين مال الغرماء فإن كانا لم يترك له منه شيء ولو كان محتاجا: لكن إن كان له داران يستغني بإحداهما بيعت الأخرى وإن كان له مسكن واسع عن سكنى مثله بيع واشترى له مسكن مثله ورد الفضل على الغرماء وكذلك ثيابه إذا كانت رفيعة لا يلبس مثله مثلها وإن كانت إذا بيعت(2/216)
واشترى له كسوة لا يفضل عنها شيء تركت وشرط الخادم إلا يكون نفيسا ويترك له أيضا آلة حرفة فإن لم يكن صاحب حرفة ترك له ما يتجر به لمؤنته وينفق عليه وعلى من تلزمه نفقته من ماله بالمعروف: وهو أدنى ما ينفق على مثله وأدنى ما يسكنه مثله من مأكل ومشرب وكسوة إلى أن يفرغ من قسمه بين غرمائه: إن لم يكن له كسب يفي بذلك وإن كان كسبه دون نفقته كملت من ماله ويجهز هو ومن تلزمه مؤنته: غير زوجته ماله أن مات مقدما على غيره كما تقدم ويكفن في أثواب كما كان يلبس في حياته وقدم في الرعاية في ثوب واحد وإن تلف شيء من ماله تحب يد الأمين أو بيع شيء من ماله وأودع ثمنه فتلف عند المودع فمن ضمان المفلس ويبدأ بيع أقله بقاء وأكثره مؤنة فيبيع أولا ما يسرع إليه الفساد: كالطعام الرطب ثم الحيوان ثم الأثاث ثم العقار وبيع بنقد البلد وتقدم في الرهن نظيره ويعطى مناد وحافظ المتاع والثمن والحمالون أجرتهم من مال المفلس تقدم على ديون الغرماء: إن لم يوجد متبرع ونظيره ما يستدان على تركه الميت لمصلحة التركة فإنه مقدم على الديون الثابتة في ذمة الميت ويبدأ بالمجني عليه إذا كان الجاني عبد المفلس كانت الجناية قبل الحجر أو بعده فيدفع إليه الأقل من الأرش أو ثمن العبد ولا شيء له غيره وإن لم يف بأرش الجناية وإن كان الجاني المفلس فالمجني عليه أسوة الغرماء ثم بمن له رهن لازم فيختص بثمنه وإن فضل له فضل ضرب به مع الغرماء وإن فضل منه فضل(2/217)
رد عليه المال ثم بمن له عين مال أو عين مؤجرة أو مستأجرها من مفلس فيأخذها وكذا مؤجر نفسه وإن بطلت الإجارة في أثناء المدة ضرب له بما بقي مع الغرماء ولو باع شيئا أو باعه وكيله وقبض الثمن فتلف وتعذر رده وخرجت السلعة مستحقة ساوى المشتري الغرماء وإن أجر دارا أو بعيرا بعينه أو شيئا غيرهما بعينه ثم أفلس لم تنفسخ الإجازة بالفلس كان المستأجر أحق بالعين التي استأجرها من الغرماء حتى يستوفي حقه فإن ملك البعير أو انهدمت الدار قبل انقضاء المدة انفسخت الإجارة ويضرب مع الغرماء ببقية الأجرة وإن استأجر جملا في الذمة ثم أفلس المؤجر فالمستأجر أسوة الغرماء وإن اجر دارا ثم أفلس فاتفق المفلس والغرماء على البيع قبل انقضاء مدة الإجارة فلهم ذلك ويبيعونها مستأجرة فإن اختلفوا قدم قول من طلب البيع في الحال فإذا استوفى المستأجر تسلم المشتري وإن اتفقوا على تأخير البيع حتى تنقضي مدة الإجارة فلهم ذلك ولو باع سلعة ولو مكيلا أو موزونا: قبض ثمنها أولا ثم أفلس قبل تقبيضها فالمشتري أحق بها من الغرماء وإن كان على المفلس دين سلم فوجد المسلم الثمن بعينه فهو أحق به كما تقدم وإن لم يجده: فإن حال قبل القسمة ضرب مع الغرماء بقيمة المسلم فيه فإن كان في المال من جنس حقه أخذ منه بقدر ما يستحقه وإن لم يكن فيه من جنس حقه عزل له من المال قدر حقه فيشتري به المسلم فيه فيأخذه وليس له أن يأخذ المعزول بعينه1 فإن
__________
1 لم يجز له أخذ المعزول لأنه يكون حينئذ عوضا عن المسلم فيه والعوض عن المسلم فيه غير جائز.(2/218)
أمكنه أن يشتري بالمعزول أكثر ما قدر له لرخص المسلم فيه اشترى له بقدر حقه ويرد الباقي على الغرماء ثم يقسم الباقي1 بين باق الغرماء على قدر ديونهم ولا يلزمهم بيان ألا غريم سواهم فإن كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل ولم يوقف له شيء ولا يرجع على الغرماء إذا حل: لكن إن حل قبل القسمة شاركهم وإن حل بعد قسمة البعض شارك في الباقي ويضرب فيه بجميع دينه ويضرب باقي الغرماء ببقية ديونهم ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل إذا وثق الورثة أو غيرهم برهن أو كفيل ملئ على أقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين: كما لا تحل الديون التي له بموته2 فتختص أرباب الديون الحالة بالمال فإن تعذر التوثق لعدم وارث أو غيره حل فيأخذه كله وحكم من طرأ عليه جنون حكم المفلس والميت في حلول واحد بقدر حصته فلو كان ألف اقتسمه غريماه نصفين ثم ظهر ثالث دينه كدين أحدهما رجع على كل واحد بثلث ما قبضه وظاهر كلامهم يرجع على من أتلف ما قبضه بحصته ولا يمنع الدين انتقال التركة إلى الورثة ويتعلق حق بها كلها وإن لم يستغرقها
__________
1 يريد الباقي من مال المفلس بعد القدر المعزول لرب السلم.
2 إنما لم يحل الدين عند موت المدين إذا وثق الورثة لأن الأجل حق للمدين يرثه عنه خلفاؤه في التركة، وأما إذا لم يوثقوا فمنعا لتضرر صاحب الدين صارحا ليدرك حقه من التركة قبل فواته عليه.(2/219)
الدين: سواء كان دينا لآدمي أو دينا لله تعالى: ثبت في الحياة أو تجدد بعد الموت بسبب يقتضي الضمان كحفر بئر ونحوه - وتأتي تتمته في كتاب الوصايا وآخر القسمة - والدين باق في ذمة الميت في التركة حتى يوفي ويصح تصرف الورثة في التركة بشرط الضمان ويضمنون الأقر: من قيمة التركة أو الدين فإن تعذر وفاؤه فسخ تصرفهم وإن بقي على المفلس بقية أجبر المحترف على الكسب وإيجار نفسه فيما يليق بمثله لقضاء ما بقي عليه مع الحجر عليه إلى الوفاء وإيجار موقوف عليه وإيجار أم ولده إن استغنى عنها لا إن لزمه حج وكفارة ولا يجبر على قبول هبة وصدقة ووصية ولو كان المتبرع ابنا ولا يملك غير المدين وفاء دينه مع امتناعه ولا يملك الحاكم قبض ذلك1 لوفائه بلا أذن لفظي أو عرفي ولا يجبر على تزويج أم ولد ولا امرأة على نكاح أو رجل على خلع ولا على رد مبيع وإمضائه وأخذ دية عن قود ونحوه ولا تسقط بعفوه على غير مال أو مطلقا أو مجانا ولا يجبرون أيضا على ذلك لأجل نفقة واجبة ولا يمنعون أخذ الزكاة لأجله ولا ينفك الحجر عنه إلا بحكم حاكم إن بقي عليه شيء وإلا انفك وإذا فك عنه الحجر فليس لأحد مطالبته ولا ملازمته حتى يملك مالا فإن جاء الغرماء عقب فك الحجر عنه فادعوا أن له مالا لم يقبل إلا ببينة فإن ادعوا بعد مدة أن في يده مالا أو ادعوا ذلك عقب فك الحجر عنه وبينوا سببه أحضره الحاكم،
__________
1 مرجع الإشارة: الهبة والوصية، والصدقة.(2/220)
وسأله فإن أنكر فقوله مع يمينه وإن أقر وقال: هو لفلان وصدقه حلف المقر له وإلا أعيد الحجر عليه إن طلب الغرماء ذلك وإن أقر أنه لغائب أقر في يده حتى يحضر الغائب ثم نسأله كما تقدم في الحاضر وإذا انفك عنه فلزمته ديون وحجر عليه شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني في ماله وإن كان للمفلس حق له به شاهد وحلف معه ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء فإن أبى أن يحلف معه لم يجبر ولم يكن لغرمائه أن يحلفوا.(2/221)
فصل:- الحكم الرابع
انقطاع المطالبة عنه فمن أقرضه شيئا أو باعه لم يملك مطالبته حتى ينفك عنه الحجر. فصل:- الضرب الثاني - المحجور عليه لحظه: وهو الصبي والمجنون والسفيه فلا يصح تصرفهم في أموالهم ولا ذممهم قبل الإذن ومن دفع إليهم ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقيا وإن أتلفوه أو تلف في أيديهم لم يضمنوا وكان من ضمان مالكه: علم بالحجر أو لم يعلم وإن جنوا فعليهم أرش الجناية ويضمنون ما لم يدفع إليهم إذا أتلفوه - ويأتي حكم وديعة وعارية وعبد - ومن أعطوه مالا لم يضمنه: كمغصوب أخذه ليحفظه لربه ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا ولو بلا حكم انفك الحجر عنهما بلا حكم ودفع إليهما مالهما ويستحب أن يكون الدفع بإذن قاض وبينة بالرشد وبالدفع ليأمن التبعة ولا ينفك قبل ذلك بحال ويحصل البلوغ بإنزال المني يقظة أو مناما(2/221)
باحتلام أو جماع أو غير ذلك أو بلوغ خمس عشرة سنة أو نبات الشعر الخشن القوي حول القبل دون الزغب الضعيف وتزيد الجارية بالحيض والحمل لأن حملها دليل إنزالها فيحكم ببلوغها منذ حملت ويقدر ذلك بما قبل وضعها بستة أشهر لأنه اليقين إذا كانت توطأ وإن طلقت وكانت لا توطأ فولدت لأكثر مدة الحمل فاقل منذ طلقت فقد بلغت قبل الفرقة وخنثى بسن أو نبات حول الفرجين أو مني من أحدهما أو حيض من فرج أو هما من فرج واحد أو مني من ذكره وحيض من فرجه ولا اعتبار بغلظ الصوت وفرق الأنف1 ونهود الثدي وشعر الإبط ونحو ذلك والرشد: الصلاح في المال لا غير ولا يدفع إليه مال قبله ولو صار شيخا ولا يدفع إليه حتى يختبر بما يليق به ويؤنس رشده فإن كان من أولاد التجار: وهو من يبيع ويشتري فبان بتكررا منه فلا يغبن غالبا غبنا فاحشا وإن يحفظ ما في يده من صرفه فيما لا فائدة فيه: كالقمار والغناء وشراء المحرمات ونحوه وليس الصدقة به وصرفه في باب بر ومطعم وشرب وملبس ومنكح لا يليق إلا به تبذيرا إذ لا إسراف في الخير ويختبر ابن المزارع بما يتعلق بالزراعة والقيام على العمال والقوام وابن المحترف بما يتعلق بحرفته وابن الرئيس والصدر الكبير والكاتب الذين يصان أمثالهم عن الأسواق بأن تدفع إليه نفقته مدة لينفقها في مصالحه فإن صرفها في مصارفها ومرافقها واستوفى على وكيله فيما
__________
1 فريق الأنف هو الانقسام الذي تحس به في أرنبته إذا ضغطت عليها قليلا.(2/222)
وكل فيه واستقصى عليه دل ذلك على رشده وسواء رشده الولي أولا - قال الشيخ: وإن وزع في الرشد فشهد شاهدان قبل لأنه قد يعلم بالاستفاضة ومع عدمها له اليمين على وليه أنه لا يعلم رشده - ولو تبرع وهو تحت الحجر فقامت بينة برشده نفذ والأنثى يفوض إليها ما يفوض إلى ربة البيت من الغزل والإستغزال بأجرة المثل وتوكيلها في شراء الكتان ونحوه وحفظ الأطعمة من الهر والفأر وغير ذلك فإن وجدت ضابطة لما في يدها ومستوفية من وكيلها فهي رشيدة ووقت الاختبار قبل البلوغ ولا يختبر إلا المراهق المميز الذي يعرف البيع والشراء والمصلحة والمفسدة وبيع الاختبار وشراؤه صحيح.(2/223)
ولاية الصغير والمجنون
...
فصل:- وتثبت الولاية على صغير ومجنون
لأب بالغ رشيد عاقل حر عدل ولو ظاهرا ولو كافرا على ولده الكافر بان يكون عدلا في دينه ثم بعد الأب وصيه ولو بجعل وثم متبرع ثم لحاكم فلو لم يوص الأب إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم فإن لم يوجد حاكم فأمين يقوم به والجد والأم وسائر العصبات لا ولاية لهم ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما فإن تبرع أو حابى أو زاد على النفقة عليهما أو على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن ولوليهما الإنفاق عليهما من مالهما بغير إذن حاكم: كلقيط ولو أفسد نفقته دفعها إليه يوما بيوم فإن أفسدها أطعمة معاينة ولو أفسد كسوته ستر عورته فقط في بيت إن لم يمكن التحيل ولو بتهديد وزجر وصياح عليه ومتى أراه الناس البسه،(2/223)
فإذا عاد نزع ويقيد المجنون بالحديد لخوف ولا يصح أن يرتهن أو يشتري من مالهما أو يبيعهما إلا الأب - ويأتي - ويجب على وليهما إخراج زكاة مالهما وفطرتهما من مالهما ولا يصح إقراره عليهما ولا أن يأذن لهما في حفظ مالهما ويستحب إكرام اليتيم وإدخال السرور عليه ودفع الإهانة عنه فجبر قلبه من أعظم مصالحه قاله الشيخ ولوليهما مكاتبة رقيقهما وعتقه على مال إن كان فيه حظ كما تقدم: مثل أن تكون قيمته ألفا فيكاتبه على ألفين أو يعتقه عليهما ونحو ذلك وإن كان على مال بقدر قيمته أو أقل لم يجز كعتقه مجانا وله تزويج رقيقهما من عبيد وإماء لمصلحة والسفر بمالهما لتجارة وغيرها في مواضع أمنه في غير بحر ولا يدفعه إلا إلى الأمناء ولا يغرر به وله المضاربة به بنفسه ولا أجرة له والربح كله للمولى عليه والتجارة بمالهما أولى من تركها وله دفعه مضاربة إلى أمين بجزء من الربح وله إبضاعه: وهو دفعه إلى من يتجر به والربح كله للمولى عليه وبيعه نسيئا لملئ وقرضه لمصلحة فيهما: كحاجة سفر أو خوف بأحدهما أولى1 فإن تلف لم يضمن - قال القاضي: ومعنى الحظ أن يكون للصبي مال في بلد فيريد نقله إلى بلد آخر فيقرضه من رجل في ذلك البلد ليقتضيه بدله في بلده يقصد به حفظه من الغرر في نقله - أو يخاف عليه الهلاك من نهب أو غرق أو غيرهما أو يكون مما يتلف بتطاول مدته أو حديثه خيرا من
__________
1 قوله: وبهما أو بأحدهما، مرجع الضمير فيه إلى الرهن والكفيل.(2/224)
قديمه: كالحنطة ونحوهما فيقرضه خوفا من السوس أو تنقص قيمته وأشباه ذلك وإن لم يكن فيه حظ لم يجز وإن أراد أن يودع ماله وكل موضع قلنا له قرضه فلا يجوز إلا لأمين ولا يقرضه لمودة ومكافأة ولا يقترض وصي ولا حاكم منه شيئا وله هبته بعرض ورهنه عند ثقة لحاجة ولوليهما شراء العقار لهما وبناؤه بما جرت عادة أهل بلد به - وفي المغني وغيره نقلا عن الأصحاب: يبنيه بالآجر والطين لا باللبن وإن كان الشراء أحط من البناء وهو ممكن تعين تقديمه وله شراء الأضحية ليتيم له مال كثير من ل اليتيم وتحرم صدقته بشيء منها وتقدم ومتى كان خلط قوته أرفق به والين لعيشه في الخبز: وليكن في حصول الأدم: فهو أولى وإن كان إفراده أرفق به أفرده ويجوز تركه في المكتب وتعليمه الخط والرماية والأدب وما ينفعه وأداء الأجرة عنه وإن يسلمه في صناعة إذا كانت مصلحة ومداواته وحمله ليشهد الجماعة: باجرة فيهما لا أذن حاكم إذا رأى المصلحة في ذلك كله وله بيع عقارهما لمصلحة ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله وأنواع المصلحة كثيرة: إما لاحتياج إلى نفقة أو كسوة أو قضاء دين أو ما لابد منه وليس له ما تندفع به حاجته أو يخاف عليه الهلاك بغرق أو خراب ونحوه أو يكون في بيعه غبطة: وهي أن يبذل فيه زيادة كثيرة على ثمن مثله ولا يتقيد بالثلث أو يكون في مكان لا ينتفع به أو نفعه قليلا فيبيعه ويشتري له في مكان يكثر نفعه أو يرى(2/225)
شيئا يباع في شرائه غبطة ولا يمكنه شراؤه إلا ببيع عقاره وقد تكون داره في مكان يتضرر الغلام بالمقام فيه لسوء الجوار أو غيره فيبيعها ويشتري له بثمنها دارا يصلح له المقام بها أشباه هذا مما لا يخصر وإن وصى لأحدهما بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته لإعسار الموصي له أو غير ذلك وجب على الولي قبول الوصية1 وإلا لم يجز له قبولها وللولي أن يأذن للصغيرة أن تلعب بلعب غير مصورة أي بلا رأس وله شراؤها من مالها نصا ومن ماله أولى - وتقدم في ستر العورة بعضه - وإن لم يمكن الولي تخليص حق موليه إلا برفعه إلى وال يظلمه فله رفعه كما لو لم يمكن رد المغصوب إلا بكلفة عظيمة2.
__________
1 قوله: لإعسار الموصي له يريد به أن يكون المحجور عليه غير ملزم بنفقة من وصى له به لكون المحجور عليه لا يتسع ماله لتحمل النفقة، أو لعدم إعسار الموصي به الذي يعتق على الصغير والمجنون مثل أبيهما أو أخيهما أو من في معنى ذلك.
2 يريد بقوله: فله رفعه، أن الولي له أن يقدم من عنده حق المحجور عليه إلى الحاكم ولو كان الحاكم ظالما، ولا شيء على الولي في ذلك لأن المدين بالحق هو الذي جر ذلك على نفسه.(2/226)
ولاية السفيه والمجنون إذا بلغا
...
فصل:- ومن بلغ سفيها أو مجنونا
فالنظر لوليه قبله وإن فك عنه الحجر فعاوده السفه أو جن أعيد الحجر عليه فإن فسق السفيه ولم يبذر لم يحجر عليه ولا يحجر عليهما ولا ينظر في أموالهما إلا الحاكم ولا ينفك عنهما إلا بحكمه والشيخ الكبير إذا اختل(2/226)
عقله حجر عليه بمنزلة الجنون ومن حجر عليه استحب إظهاره عليه والإشهاد عليه لتجتنب معاملته وإن رأى الحاكم أن يأمر مناديا ينادي بذلك ليعرفه الناس فعل ولا يصح تزوجه إلا بأذن وليه إن لم يكن محتاجا إليه والأصح ويتقيد بمهر المثل وإن عضله الولي بالزواج استقل به فلو علم أنه يطلق اشترى له أمة - ويأتي تزويج وليه له - وينفق عليه ويكسى بالمعروف فإن أفسد ذلك فعل به كما تقدم في الصبي والمجنون ويصح تدبيره ووصيته: لأعتقه وهبته ووقفه وله المطالبة بالقصاص والعفو على مال ولا يصح على غير مال ويصح استيلاده وتعتق الأمة المستولدة بموته حكمه في الحال وإن قبض عوض الخلع لم يصح قبض فلو أتلفه لم يضمن ولا تبرأ المرأة بدفعها إليه ويصح ظهاره وإيلاؤه ولعانه ونفي النسب به وإن أقر بما يوجب القصاص وطلب إقامته كان لربه استيفاؤه فإن عفا على مال صح والصواب ألا يجب المال في الحال وسقط القصاص وإن أقر بنسب ولد صح ولزمته أحكامه من النفقة وغيرها: كنفقة الزوجة ولا يفرق السفيه زكاة ماله بنفسه بل وليه ولا تصح شركته ولا حوالته ولا الحوالة عليه ولا ضمانه ولا كفالته ويصح منه نذر كل عبادة بدنية من حج وغيرها: لا نذر عبادة مالية وإن أحرم بحج فرض صح والنفقة من ماله تدفع إلى ثقة ينفق عليه في الطريق وإن كان تطوعا وكانت نفقته في السفر كنفقته في الحضر أو(2/227)
أزيد لكن يكتسب الزائد لم يمنعه وليه ودفع النفقة إلى ثقة كما تقدم وإلا فله تحليله ويتحلل بالصيام كالمعسر - وتقدم في كتاب الحج وإن لزمته كفارة يمين أو كفارة غيرها كفر بالصوم وإن أعتق أو أطعم لم يجزه ولم ينفذ فإن فك عنه الحجر قبل تكفيره كفر بما يكفر به الرشيد: لا إن فك بعد التكفير وإن أقر بمال صح ولم يلزمه في حال حجره وحكم تصرف ولي السفيه كحكم تصرف ولي الصغير والمجنون.(2/228)
حكم أكل الولي من مال موليه
...
فصل:- وللولي المحتاج غير الحاكم وأمينه أن يأكل من مال المولي عليه
الأقل من أجرة مثله أو قدر كفايته ولو لم يقدره حاكم ولا يلزمه عوضه إذا أيسر وإن كان غنيا لم يجز له ذلك إذا لم يكن أبا فإن فرض للولي الحاكم شيئا جاز له أخذه مجانا ولو مع غناه ولا يقرأ في مصحف اليتيم إن كان يخلقه ويأكل ناظر وقف بمعروف نصا إذا لم يشترط الواقف له شيئا وظاهره ولو لم يكن محتاجا - قاله في القواعد وقال الشيخ: له أخذ أجرة عمله مع فقره - والوكيل في الصدقة لا يأكل منها شيئا لأجل العمل ومتى زال الحجر فأدعى على الولي تعديا أو ما يوجب ضمانا ونحوه بلا بينة فقول ولي حتى في قدر نفقة عليه وكسوة أو على ماله أو عقاره1 بالمعروف من ماله ما لم يعلم كذبه أو تخالف
__________
1 قوله: أو على ماله أو عقاره – معطوف على الضمير المجرور في قوله: في قدر نفقة عليه والمعنى أن قول الولي مقبول في إخباره بما أنفقه على موليه وعلى ماله كحيوان وعلى عقاره في عمارته مثلا.(2/228)
عادة وعرفا لكن لو قال الوصي: أنفقت عليك ثلاث سنين وقال اليتيم بل مات أبي منذ سنتين وأنفقت على من أوان موته فقول اليتيم ويقبل قول ولي أيضا في وجود ضرورة وغبطة ومصلحة وتلف ويحلف غير حاكم ويقبل قوله في دفع المال إليه بعد رشده وعقله إن كان متبرعا وإلا فلا وليس لزوج حجر على امرأته الرشيدة في تبرع بشيء من مالها ولو زاد على الثلث.(2/229)
إذن الولي للمتميز والسيد لعبده في التجارة
...
فصل:- لولي مميز وسيد عبد الأذن لهما في التجارة
فينفك عنهما الحجر فيما أذن لهما فيه فقط وفي النوع الذي أمرا به فقط وظاهر كلامهم أنه كمضارب في البيع نسيئة ونحوه وإن أذن لهما فيه وليس لأحد منهما أن يؤكل فيما يتولى مثله بنفسه وإن أذن له في جميع أنواع التجارة لم يجز أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره ولو لم يقيد عليه وإن وكل فكوكيل ومتى عزل سيد قنه انعزل وكيله والمجنون والطفل دون التمييز لا يصح تصرفهما بإذن ولا غيره ويصح شراء العبد من يعتق على سيده لرحم أو غيره1 وشراء امرأة سيده وزوج صاحبة المال وينفسخ نكاحهما2 وإن رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر
__________
1 غير الرحم كان يقول السيد لعبد: إذا اشتريتك فأنت حر ثم يذهب العبد المأذون له من سيده هذا فيشتري ذلك العبد المعلق عتقه على شرائه وبعض شيوخ المذهب يجمع جواز ذلك ويعلله بأنه في معنى التبرع والمأذون له لا يملك التبرع.
2 إذا اشترى العبد زوجة سيده المملوكة، أو كان العبد مملوكا لسيده وأذنته............ =(2/229)
مأذونا له وإذا تصرف غير المأذون له ببيع أو شراء بعين المال أو في ذمته أو بقرض لم يصح ثم إن وجد ما أذن1 من بيع أو غيره فلربه أخذه منه ومن السيد إن كان بيده وحيث كان فإن تلف في يد السيد أو غيره رجع عليه بذلك وإن شاء كان متعلقا برقبة العبد وإن أهلكه العبد تعلق برقبته يفديه سيده: أو يسلمه: إن لم يعتقه فإن أعتقه لزم السيد الذي عليه قبل العتق: لا أرش الجناية كله إذا كان أكثر من قيمته ويضمنه بمثله إن كان مثليا وإلا بقيمته ويتعلق دين مأذون له في التجارة بذمة سيده بالغا وحكم ما استدانه أو اقترضه بأذن السيد حكم ما استدانه للتجارة بأذنه ويبطل الأذن بالحجر على سيده وبموته وجنونه المطبق وتتعلق أروش جناياته وقيم متلفاته برقبته سواء كان مأذونا له أو لا ولا فرق فيما لزمه من الدين بين أن يكون في التجارة المأذون فيها أو فيما يؤذن له فيه: مثل أن يأذن له في التجارة في البر
__________
= فاشترى زوجها من مالها صح الشراء وانفسخ النكاح بين الزوجين في الصورتين وذلك لدخول من اشتراه العبد في ملك سيده الذي هو الزوج في المثال الأول، أو الزوجة في المثال الثاني، والزوجية الملك لا يجتمعان فتغلب الملك على الزوجية، لأن الملك قد ينحل بعتق المملوك والشارح متشوق إلى العتق فترجح سببه، بخلاف الزوجية فإنها لا تكون وسيلة إلى العتق.
1 كذا في الأصل، ولكنك إذا راعيت أن الكلام مسوق لبيان الحالة التي لا يصح فيها تصرف العبد والمميز، وجواز الرجوع عليهما بما اشترياه مثلا ظهر لك أن الصواب في العبارة أن يقال: ثم إن وجد ما لم يؤذن فيه بدلا من قوله: ثم إن وجد ما أذن فيه ونائب الفاعل على تصويبنا يعود على غير المأذون له المتقدم ذكره، والله أعلم.(2/230)
فيتجر في غيره لأنه لا ينفك عن التغرير إذ يظن الناس أنه مأذون له في ذلك أيضا وإذا باع السيد عبده المأذون له شيئا لم يصح1 وإذا ثبت عليه دين أو أرش جناية ثم ملكه من له الدين أو الأرش سقط عنه ذلك وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فأقر به صح ولا يملك عبد بتمليك ولا غيره - وتقدم في كتاب الزكاة - وما كسب غير مكاتب فلسيده وله معاملة عبد ولو لم يثبت كونه مأذونا له ومن وجد بما اشتراه من قن عيبا فقال: أنا غير مأذون لي في التجارة لم يقبل ولا يعامل صغير إلا في مثل ما يعامل مثله ولا يبطل أذن بإباق وتدبير وإيلاد وكتابة وحرية وأسر وجنس بدين وغصب ولا يصح تبرع مأذون له بدراهم وكسوة ثياب ونحوها ويجوز له هدية مأكول وإعارة دابة وعمل دعوة ونحوه بلا إسراف ولغير مأذون له الصدقة من قوته برغيف ونحوه إذا لم يضر به وللمرأة الصدقة من بيت زوجها بنحو ذلك إلا أن يمنعها أو يكون بخيلا فتشك في رضاه فيحرم فيهما كصدقة الرجل بطعام المرأة فإن كان في بيت الرجل من يقوم مقام امرأته كجاريته وأخته وغلامه المتصرف في بيت سيده وطعامه فهو كزوجته وإن كانت المرأة ممنوعة من التصرف في بيت زوجها: كالتي يطعمها الفرض ولا يمكنها من طعامه فهو كما لو منعها بالقول.
__________
1 لم يصح لما تقدم لك نظيره من أن العبد وما بيده ملك لسيده، فإذا باعه السيد شيئا فكأنه يبيع لنفسه.(2/231)
باب الوكالة
تعريف الوكالة ومتى يصح
...
باب الوكالة
وهي استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة وتصح بكل قول يدل على الأذن: كوكلتك أو فوضت إليك أو أذنت لك فيه أو بعه أو أعتقه أو كاتبه ونحو وكل قول أو فعل من الوكيل يدل على القبول ولو لم يعلم بها ويصح قبولها على الفور والتراخي: بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت وكذا سائر العقود الجائزة مضاربة ومساقاة ونحوها في أن القبول يصح بالفعل ولو أبى الوكيل أن يقبل فكعز له نفسه1 ويعتبر تعيين وكيل - قال في الانتصار: فلو وكل زيدا وهو لا يعرفه أو لم يعرف الوكيل موكله لم يصح - وتصح مؤقتة ومعلقة بشرط: نحو إذا قدم الحاج فافعل كذا أو إذا جاء الشتاء فاشتر لنا كذا أو إذا طلب أهلي منك شيئا فادفعه إليهم وإذا دخل رمضان فقد وكلتك في كذا أو فأنت وكيلي ونحوه ولا يصح التوكيل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه لنفسه: سوى توكيل أعمى ونحوه في عقد ما يحتاج إلى رؤية - وتقدم في البيع - ومثله التوكيل: سوى توكل حر واجد الطول في قبول نكاح أمة لمن تباح له وتوكل غني في قبض زكاة لفقير وقبول نكاح أخته ونحوها من أبيه لأجنبي طلاق امرأة نفسها وغيرها بالوكالة فيصح فيهن - ولا يصح في بيع ما سيملكه ولا طلاق
__________
1 ريد لا تصير وكالة صحيحة نافذة حيث ردها بالاباء.(2/232)
من يتزوجها ولا توكيل العبد والسفيه في غير ما لهما فعله وتصح وكالة المميز بأذن وليه كتصرفه بأذنه ويصح التوكيل في كل حق آدمي من العقود والفسوخ حاضرا كان الموكل أو غائبا ولو بغير رضا الخصم حتى في صلح وإقرار ولا بد من تعيين ما يقر به وإلا رجع في تفسيره إلى الموكل ولو أذن له أن يتصدق بمال لم يجز له أن يأخذ منه لنفسه إذا كان من أهل الصدقة ولا لأجل العمل - وتقدم في الحجر ويصح في عتق وإبراء ولو لغريمه وعبده ويملكانه لأنفسهما بالوكالة الخاصة لا العامة فلو وكل العبد في إعتاق عبيده أو امرأته في طلاق نسائه لم يملك العبد إعتاق نفسه ولا المرأة طلاق نفسها وإن وكله في إبراء غرمائه لم يكن له أن يبرئ نفسه: كما لو وكل في حبسهم لم يملك حبس نفسه ويصح في طلاق ورجعة وحوالة ورهن وضمان وكفالة وشركة ووديعة ومضاربة وجعالة مساقاة وإجارة وقرض وصلح وهبة وصدقة ووصية وكتابة وتدبير وإيقاف وقسمة وحشيش ونحوهما: سوى ظهار ولعان وإيمان ونذور وإيلاء وقسامة وقسم بين زوجات وشهادة والتقاط واغتنام ومعصية وجزية ورضاع ونحوه مما لا تدخله النيابة وله أن يوكل من يقبل له النكاح: لكن يشترط لصحة عقده تسمية الموكل في صلب العقد فيقول: قبلت هذا النكاح لفلان أو لموكل فلان فإن قال: قبلت هذا النكاح ونوى أنه قبله لموكله ولم يذكره لم(2/233)
م يصح وله أن يوكل من يزوج موليته ولو غير مجبر لأن ولايته ثابتة بالشرع من غير جهة المرأة والذي يعتبر أذنها فيه هو التزويج وهو غير ما يوكل فيه - ويأتي في أركان النكاح - إذا كان الوكيل ممن يصح منه ذلك لنفسه ولموليته1 ألا توكل حر واحد الطول في قبول نكاح أمة لمن تباح له فيصح كما تقدم وتصح في كل حق لله تعالى تدخله النيابة من العبادات: كتفرقة صدقة وزكاة ونذر وكفارة وحج وعمرة وركعتا طواف تدخل تبعا لهما بخلاف عبادة بدنية محضة: كصلاة وصوم وطهارة من حدث ونحوه فلا تصح والصوم المنذور يفعل عن الميت وليس ذلك بوكالة ويصح قوله: اخرج زكاة مالي من مالك ويصح في إثبات الحدود واستيفائها وله استيفاء بحضرة موكل وغيبته ولو في قصاص وحد قذف والأولى بحضوره فيهما وليس لوكيل توكيل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بأذن موكل أو يقول له: أصنع ما شئت أو تصرف كيف شئت فيجوز وإن أذن تعين أن يكون الوكيل الثاني أمينا إلا مع تعيين الموكل الأول فإن وكل أمينا فصار خائنا فعليه عزله وكذا وصى يوكل وحاكم يتولى القضاء في ناحية فيستنيب غيره وما يعجز عنه لكثرته له التوكيل
__________
1 هذا الشرط راجع إلى قوله سابقا: وله أن يوكل من يقبل له النكاح، وإلى قوله ثانيا: وله أن يوكل من يزوج موليته، وقد استثنى منه توكيل الحر في قبول نكاح الأمة.(2/234)
في جميعه: كتوكيله فيما لا يتولى مثله بنفسه ويكون من وكل وكيل الوكيل وإن قال الموكل للوكيل: وكل عنك صح وكان وكيل وكيله وإن قال وكل عني أو أطلق صح وكان وكيل موكله وحيث قلنا أن الوكيل الثاني وكيل الموكل فإنه ينعزل بعزله وبموته ونحوه1 ولا يملك الوكيل الأول عزله ولا ينعزل بموته وحيث قلنا وكيل الوكيل فإنه ينعزل بعزلهما2 وبموتهما وكذا أوص إلى من يكون وصيا لي ولا يوصي وكيل مطلقا3 ويأتي ويصح توكيل عبد غيره بأذن سيده ولا يصح بغير أذن سيده ولو في إيجاب النكاح وقبوله وإن وكله بأذنه في شراء نفسه من سيده أو في شراء عبد غيره صح فلو قال: اشتريت نفسي لزيد وصدقاه صح ولزم زيد الثمن وإن صدقه السيد وكذبه زيد نظرت فإن كذبه في الوكالة حلف وبرئ وللسيد فسخ البيع واسترجاع عبده وإن صدقه في الوكالة وقال: ما اشتريت نفسك إلا لنفسك فقال: بل لزيد فكذبه عتق ولزمه الثمن في ذمته للسيد وللمكاتب أن يوكل فيما يتصرف فيه بنفسه وله أن يتوكل بجعل وليس له أن يتوكل بغير جعل إلا بأذن سيده.
__________
1 يريد أن الوكيل الثاني ينعزل بعزل الموكل إياه، فالإضافة من قبيل إضافة المصدر لمفعوله. وكذا ينعزل بموت الموكل أو جنونه.
2 قوله: بعزلهما يعني عزل الموكل أو الوكيل الأول للوكيل الثاني، فالكلام على حذف مفعول، تقديره بعزلهما إياه، كما ينعزل بموتهما أو موت أحدهما.
3 معنى الإطلاق أنه لا فرق بين أن يكون الوكيل مأذونا له في الوكيل أو غير مأذون، فإن الإيصاء لا يدخل في حدود التوكيل إلا إذا صرح به الموكل.(2/235)
فصل:- والوكالة عقد جائز
من الطرفين تبطل بفسخ أحدهما فلو قال لوكيله: كلما عزلتك فقد وكلتك فهي الوكالة الدورية وهي صحيحة وانعزل كلما وكلتك فقد عزلتك فقط1 وهي فسخ معلق بشرط2 وتبطل الوكالة بموت الموكل أو الوكيل لكن لو وكل ولي اليتيم وناظر الوقف أو عقد عقدا جائرا غيرها: كالشركة والمضاربة لم تنفسخ بموته لأنه متصرف على غيره وتبطل بجنون مطبق من أحدهما وبالحجر عليه لسفه فيما لا يتصرف فيه وبفلس موكل فيما حجر عليه فيه وبفسق فيما ينافيه فقط كإيجاب في نكاح وإن كان وكيلا فيما تشترط فيه الأمانة: كوكيل ولي اليتيم وولي الوقف على المساكين ونحوه انعزل بفسقه وفسق موكله وكذلك كل عقد جاز من الطرفين كشركة ومضاربة وجعالة - ويأتي - ولا تبطل النوم والسكر الذي يفسق به في غير ما ينافيه ولا بالإغماء والتعدي كلبس ثوب وركوبه دابة ونحوهما ويصير بالتعدي ضامنا فلو وكل في بيع ثوب فلبسه صار ضامنا فإذا باعه صح بيعه وبرئ من
__________
1 الوكالة الدورية توكيل معلق على العزل فكلما وجد العزل وجد التوكيل كما هو مقتضى التعليق، لذلك إذا قال الموكل عزلتك فلا ينعزل بل يدور التوكيل، بخلاف ما لو قال كلما وكلتك فقد عزلتك فإنه ينعزل حيث جعل العزل معلقا على التوكيل، وهو معنى قوله: فقط.
2 قوله: وهي فسخ معلق مرجع الضمير فيه إلى كلمة كلما وكلتك فقد عزلتك إذ العزل معلق على التوكيل يوجد عند وجوده كما أو ضحناه لك في الكلمة المتقدمة على هذا.(2/236)
ضمانه فإذا قبض الثمن صار أمانة في يده غير مضمون عليه فإن رده عليه بعيب عاد الضمان ولو دفع إليه مالا ووكله أن يشتري به شيئا فتعدى في الثمن صار ضامنا فإذا اشترى به وسلمه زال الضمان وقبضه للمبيع قبض أمانة فإن رده بعيب وقبض الثمن عاد مضمونا عليه وتبطل بتلف العين التي وكل في التصرف فيها وبدفعه عوضا لم يؤمر بدفعه واقتراضه المال الذي بيده كتلفه1 كما إذا دفع إليه دينارا وكله في الشراء به فاستقرض الوكيل الدينار وعزل دينارا عوضه واشترى به فيصير كالشراء له من غير أذن لأن الوكالة بطلت والدينار الذي عزله عوضا لا يصير للموكل حتى يقبضه فإذا اشترى للموكل به شيئا وقف على إجازته فإن أجازه صح ولزمه الثمن وإلا لزم الوكيل وتبطل بردة موكل ولا وكيل ولو لحق بدار حرب إلا فيما ينافيها ويصح توكيل المسلم كافرا فيما يصح تصرفه فيه: ذميا كان أو مستأمنا أو حربيا أو مرتدا وإن وكله في طلاق امرأته فوطئها أو قبلها ونحوه أو في عتق عبده فكاتبه أو دبره بطلت ولا يبطل توكيله عبده بعتقه ولا بيعه وهبته وكتابته وإباقه وكذا إن وكل عبد غيره فاعتقه السيد أو باعه لكن في صورة البيع إن رضي المشتري ببقائه على الوكالة إن لم يكن المشتري الموكل وإلا بطلت2 ولا تبطل بطلاق امرأة ولا
__________
1 يريد وتبطل بافتراضه المال الذي كان وكيلا فيه، كما تبطل بتلفه.
2 يريد إذا كان العبد وكيلا عن زيد بإذن سيده ثم باعه السيد أو وهبه فبقاء الوكالة موقوف على إذن المشتري إلا أنه إذا كان المشتري هو زيد الذي وكل العبد فالوكالة صحيحة على حالها.(2/237)
بجحود الوكالة من أحدهما ولا بسكناه داره بعد أن وكله في بيعها ونحوه وينعزل الوكيل بموت موكل وعزله قبل عمله به فيضمن أن تصرف لبطلان تصرفه - إلا ما يأتي في باب العفو عن القصاص - ويقبل قوله إن كان عزله بلا بينة ويقبل قوله أنه أخرج زكاته قبل دفع وكيله إلى الساعي وتؤخذ منه إن كانت بيده وإلا فلا ولا ينعزل مودع قبل علمه ولو قال شخص لآخر: اشتر كذا بيننا فقال نعم ثم قال لآخر: نعم فقد عزل نفسه من وكالة الأول ويكون ذلك له وللثاني وتنفسخ شركة ومضاربة بعزله قبل العلم ومتى صح العزل في الكل كان ما بيده أمانة وكذلك عقود الأمانات كلها: كالوديعة والرهن إذا انتهت أو انفسخت والهبة إذا رجع فيها الأب - ويأتي في آخر باب صريح الطلاق وكناياته قبول قول موكل: أنه رجع قبل طلاق وكيله وعتقه ورهنه - وإذا وقعت الوكالة مطلقة ملك التصرف أبدا: ما لم تنفسخ ويحصل فسخها بقوله: فسخت الوكالة أو أبطلتها أو نقضتها أو أزلتك أو صرفتك أو عزلتك عنها أو ينهاه عن فعل ما أمره به وما أشبه ذلك من الألفاظ المقتضية عزله والمؤدية معناه أو يعزل الوكيل نفسه أو يوجد ما يقتضي فسخها حكما على ما ذكرنا أو يوجد ما يدل على الرجوع عن الوكالة: كوطء امرأته بعد توكيله في طلاقها وحقوق العقد متعلقة بالموكل1 لأن الملك ينتقل إليه ابتداء ولا يدخل في ملك الوكيل
__________
1 حقوق العقد هي ما يترتب عليه: كقبض المبيع، وتسليم الثمن، والرد بعيب كما تفهم من أمثلته التالية.(2/238)
فلا يعتق قريب وكيل عليه ولا يطالب في الشراء بالثمن ولا في البيع بتسليم المبيع بل يطالب بهما الموكل ولو وكل مسلم ذميا في شراء خمر أو خنزير لم يصح التوكيل ولا الشراء ولا يصح إقرار الوكيل على موكله لا عند الحاكم ولا عند غيره ولا صلحه عنه ولا الإبراء عنه: إلا أن يصرح بذكر ذلك في توكيله ويرد الموكل بعيب ويضمن العهدة1 ونحو ذلك وإذا وكل اثنين لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف: إلا أن يجعل ذلك إليه وإن غاب أحدهما لم يكن للآخر أن يتصرف ولا للحاكم ضم أمين إليه ليتصرفا وفارق ما لو مات أحد الوصيين حيث يضيف الحاكم إلى الوصي أمينا ليتصرف لكون الحاكم له النظر فإن له النظر في حق الميت واليتيم ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم وإن حضر الحاكم أحد الوكيلين والآخر غائب فادعى الوكالة لهما وأقام بينة سمعها الحاكم وحكم بثبوت الوكالة لهما ولم يملك الحاضر التصرف وحده فإذا حضر الآخر تصرفا معا ولا يحتاج إلى إقامة بينة وجاز الحكم المتقدم للغائب تبعا للحاضر كما يجوز أن يحكم بالوقف الذي ثبت لمن لم يخلق لأجل من يستحقه في الحال2
__________
1 ضمان العهدة يكون على البائع إذا ظهرت العين مستحقة لا على وكيله في البيع وكذلك يكون على المشتري إذا ظهر الثمن مستحقا لا على وكيله في الشراء. ومن هذا تعلم أن ضمان العهدة معناه التزام الضامن من رد ما استولى عليه إذا ظهر أن العوض الذي يذل من جهته مستحق للغير.
2 مثال ذلك أن يكون الوقف على ذرية زيد مثلا فإن لم يكن مولودا حين الوقف يستحق فيه حين وجوده تبعا لمن كانوا موجودين وقتئذ وبهذا يظهر لك أن اللام في قوله: لمن لم يخلق لام التعدية، وأن اللام في قوله: لأجل من يستحقه لام التعليل.(2/239)
وإن جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه لم يكن للآخر أن يتصرف وجميع التصرفات في هذا سواء ولا يصح بيع وكيل لنفسه ولا شراؤه منها لموكله ولو زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع وكان هو أحذ المشترين إلا بأذنه فيصح تولي طرفي عقد فيهما كأبي الصغير وتوكيله في بيعه وآخر في شرائه1 ومثله نكاح ويأتي ودعوى ويصح بيعه لأخوته وأقاربه لا لولده ووالده ومكاتبه ونحوهم إلا بأذن وكذا حاكم وأمينه ووصي وناظر ومضارب وشريك عنان ووجوه.
__________
1 يريد كما إذا وكله إنسان في بيع شيء ووكله آخر في شراء هذا الشيء فيصبح لهذا الوكيل أن يتولى طرفي العقد.(2/240)
حكم بيع الوكيل نساء الخ
...
فصل:- ولا يصح أن يبيع نساء
ولا بغير نقد البلد ولا بغير غالبه إن كان فيه نقود فإن تساوت فبالأصلح هذا إذا لم يبين الموكل نقدا فإن عينه أو قال حالا تعين ولا أن يبيع بعرض ولا نفع مع الإطلاق وليس لوكيل في بيع تقليبه على مشتر إلا بحضرته وإلا ضمن ولا بيعه ببلد آخر فيضمن ويصح ومع مؤنة نقل لا وليس له العقد مع فقير ولا قاطع طريق إلا أن يأمره وإن باع هو مضارب بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له صح وضمنا النقص كله إن كان مما لا يتغابن به عادة فأما ما يتغابن الناس بمثله: كالدرهم في العشوة فمعفو عنه إذا لم يكن الموكل قد قدر الثمن ويضمن الكل في القدر فإن قال بعه بعشرة وباعه بتسعة ضمن الواحد ولا يضمن عبد لسيده ولا صبي لنفسه ويصح(2/240)
البيع ولو حضر من يزيد على ثمن مثل لم يجز بيعه به فإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة خيار لم يلزمه فسخ وإذا باع بأكثر منه صح: سواء كانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به أو لم تكن وبعه بدرهم فباعه بدينار أو اشتراه بدرهم صح لأنه مأذون فيه عرفا: لا أن باعه بثوب يساوي دينارا وإن قال: بعه بمائة درهم فباعه بمائة ثوب قيمتها أكثر من الدراهم أو بثمانين درهما وعشرين ثوبا لم يصح وإن قال اشتره بمائة ولا تشتره بدونها فخالفه لم يجز وإن قال اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين صح شراؤه بما بينهما وبدون الخمسين واشتر لي نصفه بمائة ولا تشتره جميعه فاشتري أكثر من النصف وأقل من الكل بمائة صح وبعه بألف نساء فباعه به حالا يصح ولو استضر بقبض الثمن في الحال: ما لم ينهه وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل مما لا يتغابن به عادة أو بأكثر مما قدره له صح وضمن الزائد ومثله مضارب وإن وكله في بيع عبد بمائة فباع نصفه بها صح وله بيع النصف الآخر وكذا لو وكله في بيع عبدين بمائة فباع أحدهما بها وله بيع الآخر وإن وكله في بيع شيء فباع بعضه بدون ثمن الكل لم يصح: ما لم يبع الباقي أو يكن عبيدا أو صبرة ونحوهما فيصح مفرقا: ما لم يأمره ببيعه صفقة واحدة وإن اشتراه بما قدره له مؤجلا: أو قال: أشتر لي شاة بدينار فاشترى به شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشتري شاة تساوي دينارا بأقل منه صح وكان للموكل وإن لم تساوه لم يصح وإن باع أحدى الشاتين: لا كلتيهما بغير إذن(2/241)
صح إن كانت الباقية تساوي دينارا ولا يملك الوكيل في البيع والشراء شرط الخيار للعاقد معه وله شرطه لنفسه ولموكله وليس له شراء معيب فإن فعل غير عالم فله الرد وإن فعله عالما لزمه ما لم يرض الموكل وليس له ولا لموكله رده وإن اشترى بعين المال فكشراء فضولي وله وللموكل رده فإن حضر الموكل رد الوكيل ورضي بالعيب لم يكن للوكيل رده وإن لم يحضر فأراد الوكيل الرد فقال له البائع توقف حتى يحضر الموكل فربما رضي بالعيب لم يلزمه ذلك فلو اسقط الوكيل خياره فحضر موكله فرضي به لزمه وإلا فله رده ولو ظهر به عيب فأنكر البائع أن الشراء وقع للموكل لزم الوكيل وليس له رده فإن قال البائع: موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل مع يمينه أنه لا يعلم ذلك ويرده ويأخذ حقه في الحال ولو ادعى الغريم أن الموكل عزل الوكيل في قضاء الدين أو ادعى موت الموكل حلف الوكيل على نفي العلم فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضا بالعيب لم يصح الرد وهو باق للموكل ولا يسمع قوله لوكيل غائب إذا حلف أن لك مطالبتي أو أنه ما عزلك ويسمع قوله: أنت تعلم ذلك فيحلف ورضا الموكل الغائب بالعيب عزل لوكيله عن رده ولو قال: موكلك أخذ حقه أو ابرأني لم يقبل فإن حلف طالبه وأخذ ولم يؤخر فيحلف الموكل.(2/242)
حكم ما لو وكله في معين ثم وجد معيبا
...
فصل:- وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا
فله الرد قبل إعلام موكله وإن علم عيبه قبل الشراء فليس شراؤه وإن قال: اشتر لي بهذه الدراهم ولم يفعل بعينها جاز أن يشتري له في ذمته وبعينها وإن قال: اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى في ذمته صح البيع ولم يلزم الموكل وعكسه يصح ويلزمه ويقبل إقرار الوكيل بعيب فيما باعه وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه به في آخر صح: إن لم ينهه ولم يكن له فيه غرض وإن قال: بعه من زيد فباعه من غيره لم يصح وإن وكله في التصرف في زمن مقيد لم يملك التصرف قبله ولا بعده فلو قال: بع ثوبي غدا لم يجز قبله ولا بعده وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه ولم يملك قبض ثمنه فإن تعذر قبضه لم يلزمه شيء: كما لو ظهر المبيع مستحقا أو معيبا: كحاكم وأمينه1 إلا أن يأذن له في قبض الثمن أو تدل عليه قرينة: مثل توكيله في بيع ثوب في سوق غائب عن الموكل أو موضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل ونحوه فمتى ترك قبضه ضمنه وكذلك لو أفضى إلى ربا لم يحضر الموكل وكذا الحكم في قبض سلعة وكل في شرائها وإن أمره بقبض دراهم أو دينار لم يصارف بغير إذن وإن أخذ رهنا أساء ولم يضمن ولا يسلم المبيع قبل ثمنه حيث جاز القبض احضوره فإن سلمه قبل قبضه ضمن وكذا وكيل في شراء وقبض مبيع وإن كان له عذر: مثل أن ذهب لينقد ونحوه فلا ضمان عليه وإن وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه قال أخر تسلميه فلا عذر ضمنه فإن اشترى عبدا فنقد ثمنه فخرج العبد
__________
1 يريد أن الحاكم وأمينه لا يضمنان الثمن إذا باعا عن الغائب مثلا، فكذلك الوكيل في البيع.(2/243)
مستحقا فله المخاصمة في ثمنه إن دلت قرينة على ذلك: كبعده عن موكله ونحوه وإن وكله في بيع فاسد: كشرطه على وكيل إلا يسلم المبيع لم يصح ولم يملكه ولم يملك الصحيح وإن وكله في كل قليل وكثير لم يصح وإن وكله في بيع ماله كله أو ما شاء منه أو المطالبة بحقوقه كلها أو الإبراء منها أو فيما شاء منها صح وإن قال: أشتر لي ما شئت أو اشتر لي عبدا بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن وإن وكله في مخاصمة غرمائه صح وإن جهلهم الموكل والوكيل وإن وكله في الخصومة صح ولم يكن وكيلا في القبض ولا في الإقرار على موكله: كإقراره عليه بقود وقذف وكالولي ولهذا لا يصح منهما يمين - وفي الفنون لا تصح الوكالة ممن علم ظلم موكله في الخصومة - ولا شك فيما قال وكذا ظن ظلمه أيضا وإلا فبعيد جدا القول به مع ظن ظلمه وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة وإن وكله في قبض الحق من إنسان تعين قبضه منه أو من وكيله: لا من وارثه وإن قال: حقي الذي عليه أو قبله فمنه أو من وارثه وإن قال: أقبضه اليوم لم يملك قبضه غدا وله إثبات وكالته مع غيبة موكله وإن أمره بدفع ثوب إلى قصار معين فدفعه ونسيه لم يضمنه وإن أطلق المالك ودفعه إلى من لا يعرف عينه ولا اسمه ولا دكانه ضمنه الوكيل لتفريطه ولوكيل في شراء حنطة أو طعام بر فقط لا دقيقة وإن وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن إذا أنكر المودع وإن وكل مودعا أو غيره في قضاء دين ولم يأمره بإشهاد فقضاء في غيبته ولم يشهد فأنكر الغريم ضمن الوكيل - قال القاضي وغيره سواء صدقه الموكل أو كذبه:(2/244)
كما لو أمره بالإشهاد فلم يفعل: إلا أن يقضيه بحضرة الموكل أو يأذن له في القضاء بغير إشهاد وإن قال: أشهدت فماتوا أو أذنت فيه بلا بينة أو قضيت بحضرتك فأنكر الموكل فقوله.(2/245)
فصل:- والوكيل أمين
لا ضمان عليه فيما تلف في يده من ثمن ومثمن وغيرهما بغير تفريط ولا تعد: سواء كان يجعل أم لا فلو قال: بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فأنكره الموكل أو قال: بعته ولم تقبض شيئا أو اختلفا في تعديه أو تفريطه أو تفريطه في الحفظ أو مخالفة أمر موكله: مثل أن يدعى أنك حملت على الدابة فوق طاقتها أو حملت عليها شيئا لنفسك أو فرطت في حفظها أو لبست الثوب أو أمرتك برد المال فلم تفعل أو يدعى الهلاك من غير تفريط ونحو ذلك - فقول وكيل مع يمينه وكذا كل من كان بيده شيء لغيره على سبيل الأمانة كالأب والوصي وأمين الحاكم والشريك والمضارب والمرتهن والمستأجر ويقبل إقراره بأنه تصرف في كل ما وكل فيه وأوفى عقد النكاح ولو وكل في شراء عبد فاشتراه واختلفا في كل ما وكل فيه ولو في عقد نكاح ولو وكل في شراء عبد فاشتراه واختلفا في قدر الثمن فقال: اشتريته بألف فقال الموكل: بل بخمسمائة فقول الوكيل وإن اختلفا في رد عين أو ثمنها إلى موكل: فقول وكيل مع يمينه إن كان متبرعا وكذا وصى وعامل وقف وناظره متبرعين ولا بجعل فيهن وأجير ومستأجر ولا يقبل قول وكيل في رده إلى ورثة موكل ولا ورثة وكيل في دفعه إلى موكل أو ورثته ولا قول وكيل في دفع مال الموكل إلى غير من أتمنه بأذنه وكذا قول كل من ادعى(2/245)
الرد إلى غير من أتمنه ومن أدعى من وكيل ومرتهن ومضارب ومودع التلف بحادث ظاهر: كحريق ونهب جيش ونحوه لم يقبل إلا ببينة تشهد بالحادث في تلك الناحية ثم يقبل قوله في التلف - وتقدم في الرهن - ولا ضمان بشرط1 وإن قال وكيل أو مضارب: أذنت لي في البيع نساء أو في الشراء بكذا أو أذنت لي في البيع بغير نقد البلد فأنكره أو قال: وكلتني في شراء عبد فقال: بل في شراء أمة أو اختلفا في صفة الأذن فقولهما ولو وكله في بيع عبد فباعه نسيئة فقال الموكل ما أذنت في بيعه إلا نقدا فصدقه الوكيل والمشتري فسد البيع وله مطالبة من شاء منهما بالعبد إن كان باقيا وبقيمته إن تلف فإن أخذ القيمة من الوكيل رجع على المشتري بها وإن أخذها من المشتري لم يرجع على أحد وإذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره فإن أخر رده بعد طلبه أو أنه كان تلف لم يقبل قوله ولو ببينة وإن صدقه الموكل برئ وإن لم يعده برده لكن منعه أو مطله مع إمكانه ثم أدعى الرد أو التلف لم يقبل قوله إلا ببينة وإن أنكر قبض المال ثم ثبت ببينة أو اعتراف فأدعى الرد أو التلف لم يقبل ولو أقام بينة فإن كان جحوده: أنك لا تستحق على شيئا أو ما لك عندي شيء سمع قوله: إلا أن يدعي رده أو
__________
1 يريد لو وكل زيد عمرا بشرط أن يكون عمرو ضامنا بيده فلا ضمان عليه إلا فيما يفرط فيه أو يتعدى والشرط لاغ لاأثر له لأنه ينافي ما يقتضيه العقد من الأمانة.(2/246)
تلفه بعد قوله: ما لك عندي شيء وإن قال: وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكره فقول المنكر بغير يمين ويلزمه تطليقها إن لم يتزوجها1 ولا يلزم الوكيل شيء ولو مات لم يرثه الآخر فإن ادعته المرأة فأنكره حلف وبريء لأنها تدعي الصداقة في ذمته ولو أدعى أن فلانا الغائب وكله في تزويج امرأة فتزوجها له ثم مات الغائب لم ترثه المرأة: إلا بتصدق الورثة أو يثبت ببينة وإن أقر الموكل بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون الوكيل تزوج له فالقول قول الوكيل وإن وكله أن يتزوج له امرأة فتزوج له غيرها أو تزوج له بغير أذنه فالعقد فاسد لو أجازه وإن أدعى البائع أنه باع مال غيره بغير أذنه فأنكر المشتري أو قال المشتري: أنك بعت مال غيرك بغير أذنه فأنكر البائع وقال: ما بعت - ملكي أو بعت مال موكلي بإذنه فقول المنكر وإن اتفق البائع والمشتري على ما يبطل البيع وقال الموكل: بل البيع صحيح فقوله ولا يلزمه رد ما أخذ من العوض ويجوز التوكل بجعل معلوم وبغير جعل ويستحق الجعل مع الإطلاق قبل قبض الثمن: ما لم يشترط عليه الموكل ولو قال: بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح ولا يصح بجعل مجهول ويصح تصرفه بالأذن وله أجرة مثله وإذا قال لرجل: اشتر لي بديني عليك طعاما أو أسلفني ألفا من مالك في كر طعام ففعل لم يصح2 فإن قال: اشتر لي في ذمتك أو أسلف
__________
1 يلزمه تطليقها لنتأكد من خلوها من الزوجية وليندفع احتمال صدقها
2 لم يصح في الأولى لأنه وكله في الشراء بالدين الذي له وهذا تصرف في الدين قبل قبضه وذلك غير جائز، وفي الثانية لأنه وكله في الشراء بقرض لم يقبضه منه والتصرف قي القبض قبل قبضه غير جائز أيضا.(2/247)
لي ألفا في كر طعام وأقبض الثمن عني من مالك أو من الدين الذي لي عليك صح1 ولو كان له على رجل دراهم فأرسل إليه رسولا يقبضها فبعث إليه مع الرسول دينارا فضاع مع الرسول فمن مال باعث لأنه لم يأمره بمصارفته: ألا أن يخبر الرسول الغريم أن رب الدين أذن له في قبض الدينار عن الدراهم فيكون من ضمان الرسول ولو كان لرجل عند آخر دنانير وثياب إليه رسولا فقال: خذ دينارا وثوبا فأخذ دينارين وثوبين فضاعت فضمان الدينار والثوب الزائدين على الباعث: أي الذي أعطاه الدينارين والثوبين ويرجع به على الرسول وإذا وكله في قبض زوجته ونقلها إلى داره أو في بيع عبده أو في قبض دار له في يد رجل ثم غاب فأقامت الزوجة البينة أنه طلقها والعبد أنه اعتقه ومن في يده الدار أنه ملكها منه زالت الوكالة وإن وكله في عتق عبده ثم كاتبه سيده انعزل الوكيل ولو باع له وكيله ثوبا فوهب له المشتري منديلا في مدة الخيارين فهو لصاحب الثوب لأنه زيادة في الثمن فلحق به.
__________
1 وإنما صح هنا لأنه وكله في المثال الأول منها أن يشتري له في الذمة وفي الثاني والثالث لأنه وكله في القبض عنه والشراء له وكلها صحيحة.(2/248)
حكم من ادعى أنه وكيل في قبض الوديعة
...
فصل:- فإن كان عليه حق أو عنده وديعة لإنسان
فادعى آخر أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه وإن كذبه لم يستحلف: كدعوى وصية به فإن دفع إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف ورجع على الدافع وحده إن كان دينا وهو على الوكيل(2/248)
مع بقائه أو تعديه في تلف أو تفريط وإن لم يتعد فيه مع تلفه لم يرجع الدافع وإن كان عينا: كوديعة ونحوها فوجدها أخذها وله مطالبة من شاء بردها فإن طلب الدافع فالمدافع مطالبة الوكيل بها وأخذها من يده وإن كانت تالفة أو تعذر ردها فله تضمين من شاء منها ولا يرجع بها من ضمنه على الآخر: إلا أن يكون الدافع دفعها إلى توكيل من غير تصديق فيرجع على الوكيل وإن ضمن الوكيل لم يرجع على الدافع وإن صدقه: لكن إن كان الوكيل تعدى عليها وفرط استقر الضمان عليه فإن ضمن لم يرجع على أحد وإن ضمن لدافع رجع عليه ولو شهد بالوكالة اثنان فقال أحدهما: قد عزله لم تثبت الوكالة فإن قاله بعد حكم الحاكم بصحتها أو قاله واحد غيرهما ثبت فإن قالا جميعا كان قد عزله ثبت العزل وإن شهد شاهد أنه وكله يوم الجمعة وشاهداه وكله يوم السبت أو شهد أحدهما أنه وكله بالعربية وآخر أنه بالعجمية أو شهد أحدهما أنه قال وكلتك والآخر أنه قال: أذنت لك في التصرف أو أنه قال: جعلتك وكيلا أو جريت لم تتم الشهادة1 وإن شهد أحدهما أنه أقر بتوكيله يوم الجمعة وشهد الآخر أنه أقر يوم السبت أو شهد أنه أقر بالوكالة بالعجمية والآخر أنه أقر بالعربية أو شهد أحدهما أنه وكله والآخر أنه أذن له في التصرف أو قال أحدهما: أشهد أنه أقر عندي أنه وكله وقال الآخر: أشهد أنه أقر عندي أنه جريه أو أنه أوصى إليه بالتصرف في حياته - تمت الشهادة وثبتت الوكالة بذلك
__________
1 الجري بتشديد الياء- الوكيل.(2/249)
وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده وشهد الآخر أنه وكله وزيدا أو شهد أنه وكله في بيعه وقال الآخر: وكله في بيعه وقال لاتبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلانا لم تتم الشهادة وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده والآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته حكم بالوكالة في العبد وكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد والآخر أنه وكله في بيعه لزيد وإن شاء لعمر ولا تثبت الوكالة والعزل بخبر واحد فإن شهد اثنان بلا دعوى الوكيل أن فلانا الغائب وكل فلانا الحاضر فقال الوكيل ما علمت هذا وأنا أتصرف عنه ثبتت الوكالة وإن قال: ما أعلم صدق الشاهدين لم تثبت وكالته وإن قال: ما علمت وسكت قيل له: فسر فإن فسر بالأول ثبتت وإن فسر بالثاني لم تثبت وتقبل شهادة الوكيل على موكله وله فيما لم يوكله فيه فإن شهد بما كان وكيلا فيه بعد عزله لم تقبل أيضا: سواء كان خاصم فيه بالوكالة أو لم يخاصم وإذا كانت أمة بين نفسين فشهدا أن زوجها وكل في طلاقها أو شهدا بعزل الوكيل في الطلاق لم تقبل ولا تقبل شهادة ابن الرجل ولا أبويه له بالوكالة ويثبت العزل بها لأنهما يشهدان لمن لا يدعيها فإن قبض الوكيل فحضر الموكل وادعى أنه كان قد عزل الوكيل وإن حقه باق في ذمة الغريم وشهد له ابناه لم تقبل شهادتهما وإن ادعى مكاتب الوكالة فشهد له سيده وابنا سيده أو أبواه لم تقبل وإذا حضر رجلان عند الحاكم فأقر أحدهما أن الآخر وكله ولم يسمعه شاهدان مع الحاكم ثم غاب الموكل حضر الوكيل فقدم خصما لموكله وقال: أنا وكيل فلان فأنكر(2/250)
الخصم كونه وكيلا لم تسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته لأن الحاكم لا يحكم بعلمه ولو حضر رجل وادعى على غائب مالا في وجه وكيله فأنكره فأنكره فأقام بينة بما ادعاه حلفه الحاكم وحكم له بالمال فإذا حضر الموكل وجحد الوكالة وأدعى أنه كان قد عزله لم يؤثر ذلك في الحكم وإن ادعى أن صاحب الحق أحاله به فكدعوى وكالة ووصية على ما تقدم وإن ادعى أنه مات وأنا وارثه لا وارث له غيري لزمه الدفع إليه مع التصديق: لا الإنكار ويلزمه اليمين مع الإنكار أنه لا يعلم صحة ما قاله: عينا كان أو دينا وديعة أو غيرها ومن طلب منه حق وامتنع من دفعه حتى يشهد القابض على نفسه بالقبض وكان الحق عليه بغير بينة لم يلزم القابض الأشهاد وإن كان الحق ثبت ببينة وكان من عليه الحق يقبل قوله في الرد: كالمودع والوكيل بغير جعل فكذلك وإن كان ممن لا يقبل قوله في الرد أو مختلف في قبول قوله: كالغاصب والمستعير والمرتهن لم يلزمه تسليم ما قبله إلا بالإشهاد ومتى شهد على نفسه بالقبض لم يلزم تسليم الوثيقة بالحق إلى من عليه الحق وتقدم بعضه في الرهن وإذا شهد بالوكالة رجل وامرأتان أو شاهد وحلف مع ثبت ذلك إن كانت الوكالة في المال ومن أخبر بوكالة وظن صدقه تصرف وضمن.(2/251)
كتاب الشركة
أقسام الشركة وشروطها
أقسام الشركة
...
كتاب الشركة
وهي اجتماع في استحقاق أو تصرف - فالأول - شركة في المال - والثاني - شركة عقود: هو المراد هنا - وتكره معاملة من في ماله حلال وحرام يجهل ومشاركة مجوسي ووثني ومن في معناه وكذا مشاركة كتابي ولو غير ذمني لأنه يعمل بالربا: إلا أن يلي المسلم التصرف - وهي خمسة أقسام لا يصح شيء منها إلا من جائز التصرف - أحدها شركة العنان: بأن يشترك اثنان فأكثر بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما وربحه بينهما أو يعمل أحدهما بشرط أن يكون له من الربح أكثر من ربح ماله فإن شرط له ربحا قدر ماله فهو ابضاع لا يصح1 وإن شرط له أقل منه لم يصح أيضا لأخذه جزءا من ربح مال صاحبه بلا عمل2 بما يدل على رضاهما بمصير كل منهما
__________
1 البضيع: الشريك، ومنه الإبضاع بمعنى الاشراك في المال، وجملة قوله: لا يصح صفة لقوله: إبضاع، وعلة البطلان في هذا النوع ما فيه من شائبة الربا، حيث يأخذ أحد الشريكين ربحا لما له من غير أن يعمل أو يدفع أجرا لمن يعمل فيه، والذي يظهر لي أنه قريب من التبرع بالعمل للغير في ماله.
2 ظاهر هذا أنه باطل كسابقه، ولكن صاحب الكشاف قصر البطلان فيه على الشرط وحده دون التصرف، وقرران العامل يستحق حينئذ ربح ماله دون أجرة على عمله في مال الغير ووجه لذلك بأنه متبرع. وذلك يساعدنا على ما استظهرنا لك في القولة السابقة والله أعلم.(2/252)
لهما1 ولما شروط - منها أن يكون المالان معلومين فإن اشتركا في مختلط بينهما شائعا صح إن علما قدر مال كل منهما - ومنها حضور المالين: كمضاربة فلا تصح على غائب ولا في الذمة ولا مجهول وهي عنان ومضاربة2 ويغني لفظ الشركة عن أذن صريح في التصرف وينفذ تصرف كل واحد منهما في المالين بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه - ومنها أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين فلا تصح شركة العنان ولا المضاربة بعرض ولو مثليا ولا بقيمته ولا بثمنه الذي اشترى به ولا بثمنه الذي يباع به ولا بمغشوش كثيرا ولا فلوس ولو نافقة ولا نقرة: وهي التي لم تضرب ولا أثر هنا وفي الربا وغيرهما لغش يسير لمصلحة: كحبة فضة ونحوها في دينار - ومنها أن يشترطا لكل واحد منهما من الربح مشاعا معلوما: كنصف أو ثلث أو غيرهما: سواء شرطا لكل واحد على قدر ماله من الربح أو أقل أو أكثر فإن قالا: الربح بيننا تناصفاه وإن لم يذكراه أو شرطا لأحدهما في الشركة والمضاربة جزءا مجهولا أو دراهم معلومة أو ربح أحد الثوبين أو إحدى السفرتين أو ربح تجارته في شهر أو عام بعينه أو جزءا أو عشرة دراهم أو جزءا إلا عشرة دراهم أو دفع ألفا مضاربة
__________
1 قوله بما يدل يتعلق بقوله سابقا يشترك، وقوله: بمصير- بضم الميم على صيغة اسم الفاعل.
2 يريد أن يفهمك أن الشركة بالمالين على هذا النحو تسمى عنانا من حيث اشتراكهما في المال، ومضاربة من حيث أن أحدهما قد ينفرد بالعمل في نظير جزء زائد من الربح وعلى هذا فقوله وهي- عائد على الصورة التي ينفرد فيها أحدهما بالعمل فحسب.(2/253)
وقال: لك ربح نصفه - لم يصح العقد1 وكذا مساقاة ومزارعة ولا يشترط خلط المالين ولا اتفاقهما قدرا وجنسا وصفة فلو نما أحدهما قبل الخلط أو خسر فلهما وعليهما ولو أخرج أحدهما دراهم والآخر دنانير أو أحدهما مائة والآخر مائتين أو أحدهما ناصرية والآخر ظاهرية - صح2 وعند التراجع يرجعان بما أخرجاه وما بقي فربح وما يشتريه كل منهما بعد عقد الشركة فبينهما وأما ما يشتريه لنفسه فهو له والقول في ذلك وإن تلف أحد المالين ولو قبل الخلط فيمن ضمانهما والوضعية3 على قدر المال.
__________
1 تقدم لك قبل الكلام على الشروط أنه لو شرط في شركة العنان أن يعمل أحدهما ويأخذ ربح ماله أو أقل تكون الشركة باطلة أو الشرط باطل دون التصرف على ما أو ضحناه ولكنه في أول الكلام على هذا الشرط الرابع قال: سواء شرطا لكل واحد على قدر ماله من الربح أو أقل أو أكثر. ولا يشكل عليك هذا ما فهمته سابقا، فإن الكلام هناك مفروض قيما إذا انفرد أحدهما بالعمل وهنا مفروض فيما إذا كان الشريكان يعملان وعلة جواز الاشتراط هنا أن الشريكين يختلفان كفاءة وخبرة ومجهودا وثقة عند الناس فجاز التفاوت في استحقاق الربح لذلك كله.
2 الناصرية والظاهرية يريد بهما النقود المضروبة على عهد الملك الناصر والملك الظاهر.
3 الوضيعة الخسارة.(2/254)
فصل: ولكل منهما أن يبيع ويشتري الخ
...
فصل:- ولكل منهما أن يبيع ويشتري
مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة ويقبض ويقبض ويطالب بالدين ويخاصم فيه ويحيل ويحتال ويؤجر ويستأجر ويرد بالعيب للحظ فيما وليه أو وليه صاحبه ولو رضي شريكه ويقر به: ويقابل ويقر بالثمن،(2/254)
وببعضه وبأجرة المنادي والحمال ونحوه - ويأتي قريبا - وكل ما هو من مصلحة تجارتهما وإن ردت السلعة عليه بعيب فله أن يقبلها ويعطي الأرش أو يحط من ثمنه أو يؤخر ثمنه لأجل العيب وليس له أن يكاتب الرقيق ولا يزوجه ولا يعتقه ولو بمال ولا يهبه ولا يفرض ولا يحابي ولا يضارب بالمال ولا يشارك فيه ولا أن يخلط مال الشركة بماله ولا مال غيره ولا أن يأخذ به سفتجة بان يدفع إلى إنسان شيئا من مال الشركة ويأخذ منه كتابا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه ذلك المال ولا يعطيها بأن يأخذ من إنسان عرضا ويعطي بثمنه كتابا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه ذلك - إلا بأذن شريكه فيهن ويملك البيع نساء ويملك الإيداع والرهن والارتهان لحاجة فيهن وعزل وكيل وكله هو أو شريكه وليس له أن يبضع: وهو أن يدفع من مال الشركة إلى من يتجر فيه والربح كله للدافع وشريكه وليس له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه وهو كمضارب فيما له وعليه وفيما يمنع منه وله السفر من الأمن فلو سافر والغالب العطب ضمن وكذا فيما ليس الغالب السلامة فيه ومثله ولي يتيم وإن لم يعلما1 بخوفه أو بفلس مشتر لم يضمنا - وإن علم عقوبة سلطان ببلد بأخذ مال فسافر إليه فأخذه ضمنه لتعريضه للآخذ - وليس له أن يستدين على مال الشركة - بأن يشتري بأكثر من رأس
__________
1 ضمير المثنى في يعلما عائد على الشريك وولي اليتيم.(2/255)
المال أو بثمن ليس معه من جنسه إلا في النقدين فإن فعل فهو عليه وربحه له: إلا أن يأذن شريكه وهذا المنع المتقدم مع الإطلاق أما لو أذن له فيه أو قال: أعمل برأيك جاز أن يعمل كل ما يقع في التجارة من الابضاع والمضاربة بالمال والمشاركة وخلطه بماله والزراعة وغير ذلك إذا رأى فيه مصلحة وإن أخر حقه من الدين الحال جاز لا حق شريكه: لكن لو قبض شريكه شيئا مما لم يؤخر كان له مشاركته فيه وله حبس غريم مع منع الآخر منه - وإن تقاسما الدين في الذمة أو الذمم لم يصح وإن ابرأ من الدين لزم في حقه دون صاحبه وكذلك أن أقر بمال على الشركة غير المتعلق بها - وتقدم قريبا - عينا كان أو دينا قبل الفرقة بينهما لزم في حقه ولم يقبل على شريكه وإذا قبض أحد الشريكين من مال مشترك بينهما بإرث أو أتلاف أو عقد من ثمن مبيع أو قرض أو غيره ولو كان القبض بعد تأجيل شريكه حقه فلشريكه الأخذ من الغريم له الأخذ من القابض حتى ولو أخرجه برهن أو قضاء دين فيأخذه من يده كمقبوض بعقد فاسد وإن كان القبض بأذن شريكه أو تلف في يد قابضه فلا محاصة1 وللغريم التخصيص مع تعدد سبب الاستحقاق: لكن ليس لأحدهما إكراهه على تقديمه وعلى كل واحد أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب وطيه وختم الكيس وإحرازه وقبض النقد فإن فعله باجرة غرمها وما جرت العادة أن يستنيب فيه كالاستئجار
__________
1 يريد: فلا يرجع الشريك على شريكه بحقه فيما تسلمه، بل يرجع على الغريم.(2/256)
للنداء على المتاع ونحوه فله أن يستأجر من مال الشركة من يفعله وليس له فعله ليأخذ أجرته بلا شرط وإذا استأجر أحدهما الآخر فيما لا يستحق أجرته إلا بعمل فيه: كنقل طعام بنفسه أو غلامه أو دابته جاز: كداره وبذلك خفارة وعشرة على المال - قال أحمد ما انفق على المال فعلى المال وليس لأحد من الشركاء أن ينفق أكثر من نفقة شريكه إلا بأذنه وإن اتفقا على شيء معلوم من النفقة لكل واحد منهما كان أحوط ويحرم على شريك في زرع فرك شيء من سنبله يأكله بلا أذن.(2/257)
فصل:- والشروط في الشركة ضربان:
صحيح: مثل أن يشترط ألا يتجر إلا في نوع من المتاع أو بلد بعينه أو لا يبيع إلا بنقد كذا أو لا يسافر بالمال أو لا يبيع أو لا يشتري إلا من فلان. وفاسد: كاشتراط ما يعود بجهالة الربح - وتقدم في الباب - فهذا يفسد العقد في الشركة والمضاربة وإن اشترط عليه ضمان المال أو أن عليه من الوضعية أكثر من قدر ماله أو الارتفاق في السلع أو لا يفسخ الشركة مدة بعينها أو لا يبيع إلا برأس المال أو أقل أو لا يبيع إلا ممن اشترى منه أولا يبيع أو لا يشتري أو لزوم العقد أو خدمة ولو في شيء معين أو قرضا أو مضاربة أخرى أو شرطه لأجنبي أو أيما أعجبه أخذه بثمنه: وهو التولية ونحوها - فهذا شروط فاسدة ولا يفسد العقد وإذا فسد العقد قسم ربح شركة عنان ووجوه(2/257)
على قدر المالين: كالوضيعة وما عمله كل واحد منهما في الشركتين فله أجرته يسقط منها أجرة عمله في ماله ويرجع على الآخر بقدر ما بقي له فإن تساوى مالاهما وعملاهما نقصا الدينين واقتسما الربح نصفين وإن فضل أحدهما صاحبه بفضل تقاص دين القليل بمثله ويرجع على الآخر بالفضل وقسمت أجرة ما تقبلاه في الأبدان بالسوية ويرجع كل واحد منهما فيها على الآخر بأجرة نصف عمله وإن تعدى شريك ضمن والربح لرب المال والفاسد في كل أمانة وتبرع كمضاربة وشركة ووكالة ووديعة ورهن وهبة وصدقة ونحوها كصحيح في ضمان وعدمه فكل عقد لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده وكل عقد لازم يجب الضمان في صحيحه يجب في فاسده: كبيع وإجارة ونكاح ونحوها.
والشركة: عقد جائز تبطل بموت أحد الشريكين وجنونه والحجر عليه لسفه وبالفسخ من أحدهما فإن عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول ولم يكن له أن يتصرف إلا في قدر نصيبه وللعازل التصرف في الجميع هذا إذا نض المال1 وإن كان عرضا لم ينعزل وله التصرف بالبيع دون المعارضة بسلعة أخرى ودون التصرف بغير ما ينض به المال وإذا
__________
1 النض بتشديد النون مفتوحة مع تشديد الضاد مضمومة من معانيه الدرهم والدينار والمعنى هنا: إذا ظهر المال عند عزل أحد الشريكين دراهم أو دنانير كما كان حين عقد الشركة انعزل المعزول من غير انتظار لشيء، بخلاف ما إذا كان عرضا فإنه لا ينعزل حتى يصير المال كله نقودا، وعن الإمام رواية أخرى أنه ينعزل على أي، وليس له التصرف.(2/258)
مات أحد الشريكين وله إرث رشيد فله أن يقيم على الشركة ويأذن له الشريك في التصرف وهو إتمام الشركة وليس بابتدائها فلا تعتبر شروطها وله المطالبة بالقسمة1 فإن كن مولى عليه قام وليه مقامه في ذلك ولا يفعل إلا ما فيه المصلحة للمولى عليه فإن كان الميت قد وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين فالموصي له كالوارث فيما ذكرنا وإن كان لغير معين: كالفقراء لم يجز للوصي الأذن في التصرف ووجب دفعه إليهم ويعزل نصيبه2 ويفرقه عليهم فإن كان على الميت دين تعلق بتركته فليس للوارث إمضاء الشركة حتى يقضي دينه فإن قضاه من غير مال الشركة فله الإتمام وإن قضاه منه بطلت الشركة في قدر ما قضى - ويأتي في المضاربة لو مات أحد المتقارضين.
__________
1 قوله: فله أن يقيم على الشركة معناه: له أن يثبت، مأخوذ من الإقامة بمعنى الاستقرار. والقول بجواز بقائه على الشركة أو المطالبة بالقسمة أحد وجهين في المذهب، والوجه الثاني أنه بموت أحد الشريكين بطلت الشركة وتسلم ورثته حقه من رأس مالها مع ربحه.
2 المراد بهذا أن يدفع الوصي المال الموصى بت إلى المستحقين الذين أوصى بت الميت هم كالفقراء وبقسمة عليهم وعلى الوصي كذلك عزل نصيب المثبت الخارج عن الوصية.(2/259)
فصل:- الثاني - المضاربة:
وهي دفع مال وما في معناه معين معلوم قدره: لا صبرة نقد ولا أحد كيسين في كل واحد منهما مال معلوم: تساوي ما فيهما أو اختلف - إلى من يتجر فيه بجزء معلوم من ربحه له أو لعبده أو لأجنبي مع عمل منه ويسمى أيضا قراضا(2/259)
ومعاملة وتنعقد بما يؤدي معنى ذلك وهي أمانة ووكالة فإن ربح فشركة وإن فسدت فإجارة وإن تعدى فغصب - قال في الهدى: المضارب أمين وأجير ووكيل وشريك: فأمين إذا قبض المال ووكيل إذا تصرف فيه وأجير فيما يباشره من العمل بنفسه وشريك إذا ظهر فيه الربح - ومن شرط صحتها تقدير نصيب العامل فإن قال: خذ هذا المال مضاربة ولم يذكر سهم العامل أو قال: ولك جزء من الربح فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه وللعامل أجر مثله وتكفي مباشرته فلا يعتبر نطق1 فإن قال: خذه فاتجر به والربح كله لي فإبضاع لا حق للعامل فيه وإن قال: الربح كله لك فقرض لا حق لرب المال فيه وليسا بشركة2 فإن زاد مع قوله: والربح كله لك ولا ضمان عليك فهو قرض شرط فيه نفي الضمان فلا ينتفي3 وإن قال: الربح بيننا فبينهما نصفين وإن قال: خذه مضاربة والربح كله لك أو قال: والربح كله لي فسدت وله أجرة المثل في الأولى ولا شيء له في الثانية وإن قال: لك أولى ثلث الربح ولم يذكر نصيب الآخر صح والباقي للآخر وإن أتى معه بربع عشر الباقي ونحوه صح وإن قال: لي النصف ولك الثلث وسكت عن الباقي صح وكان لرب المال وإن قال: خذه مضاربة على الثلث أو قال: بالثلث أو على الثلثين،
__________
1 يريد قبول العامل لا يتوقف على تصريحه بت، بل تكفي فيه مباشرته للعمل.
2 قوله: ليسا بشركة يريد الابضاع، والقرض.
3 لا ينتفي الصمان لفساد ذلك الشرط حيث خالف مقتضى عقد القرض.(2/260)
أو بالثلثين ونحوه صح وكان تقديرا لنصيب العامل وإن اختلفا لمن الجزء المشروط فللعامل: قليلا كان أو كثيرا وإن قال: خذ مضاربة ولك ثلث الربح وثلث ما بقي صح وله خمسة اتساع الربح وإن قال ثلث الربح وربع ما بقي فله النصف وإن قال لك ربع الربح وربع ما بقي فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن وسواء عرفا الحساب أو جهلاه ويجوز أن يدفع إلى اثنين مضاربة في عقد واحد فإن شرط لهما جزءا من الربح بينهما نصفين صح وإن قال: لكما كذا وكذا من الربح ولم يبين كيف هو فهو بينهما نصفين وإن شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر ربعه والباقي له جاز وإن قارض اثنان واحدا بألف لهما جاز فإن شرطا له ربحا متساويا منهما جاز وكذلك أن شرط أحدهما له النصف والآخر الثلث ويكون باقي ربح مال كل واحد منهما له وإن شرطا كون الباقي من الربح بينهما نصفين لم يجز1 وإذا شرطا جزءا من الربح لغير العامل: فإن كان لعبد أحدهما أو لعبديهما صح وكان مشروطا لسيده وإن جعلاه بينهما وبين عبد أحدهما أثلاثا فلصاحب العبد الثلثان وللآخر الثلث وإن شرطاه
__________
1 عللوا عدم الصحة في هذه الصورة بأمور ثلاثة: أحدها أنه شرط ينافي ما يقتضيه العقد من تخصيص كل منهما بما يبقى من ربح ماله بعد نصيب العامل، ثانيهما أن كلا منهما لاحق له في مال الثاني، ثالثهما أم كلا منهما لم يعمل في مال الآخر عملا يستحق عليه أجرا والذي يظهر لي من عبارة المصنف أن عدم الجواز في هذه المسألة قاصر على شرط وحده دون عقد المضاربة إذ مخالفة الشرط لمقتضى العقد لا تستلزم دائما بطلان العقد نفسه كما تقدم نظيره، ولو كان هذا الشرط راجعا إلى تقدير الربح في أول أمره لظهر البطلان، ولكنهما شرطاه بعد تخصيصهما كلا منهما بنصيبه وبعد تقديرهما نصيب العامل، والله أعلم.(2/261)
لأجنبي أو لولد أحدهما أو امرأته أو قريبه وشرطا عليه عملا مع العامل صح وكانا عاملين وإن لم يشرطا عليه عملا لم تصح المضاربة1 وكذلك حكم المساقاة والمزارعة فيما تقدم وحكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يفعله وما يلزمه فعله وفي الشروط لأن ما جاز في إحداهما جاز في الأخرى وكذا المنع وإن فسدت فالربح لرب المال وللعامل أجرة مثله: خسر المال أو ربح وما تصرفه نافذ وإن لم يعمل العامل شيئا إلا أنه صرف الذهب بالورق فارتفع الصرف استحق العامل حصته ولا ضمان عليه فيها ويصح تعليقها والمنصوص: وبع هذا وما حصل من ثمنه فقد ضاربتك به2 ويصح تأقيتها بأن يقول: ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا مضت السنة فلا تبع ولا تشتر ولو قال: ومتى مضى الأجل فهو قرض فمضى وهو ناض صار قرضا وإن مضى وهو متاع فإذا باعه صار قرضا وإن قال: بع هذا العرض وضارب بثمنه أو اقبض وديعتي أو ديني وضارب به أو بعين مالي الذي غصبته مني صح وزال ضمان الغصب ويصح قوله: إذا قدم
__________
1 لم تصح المضاربة لأنه شرط يتعلق بالربح وليس في مقابلة عمل، فهو لذلك فاسد في ذاته ولما كان من شرط صحة المضاربة تقدير نصيب العامل أو نصيب كل منهما، وكان ذلك الأجنبي غير داخل في حوزة التقاعد كان الاشتراط له منافيا لمقتضى العقد فأدى إلى البطلان.
2 إنما ساق العبارة المرويه عن الإمام رضي الله تعالى عنه ليؤيد بها جواز تعليق المضاربة فإن قول الإمام: بع هذا، وما حصل من ثمنه فقد ضاربتك بت يتضمن توكيلا في البيع، ويتضمن عقد مضاربة معلقا على البيع وتحصيل الثمن.(2/262)
الحاج فضارب بوديعتي أو غيرها وإن قال: ضارب بالدين الذي عليك أو بديني الذي على زيد فأقبضه أو قال: هو قرض عليك شهرا ثم هو مضاربة لم يصح وإن اخرج مالا يعمل فيه هو وآخر والربح بينهما صح وكان مضاربة وكذا مساقاة ومزارعة وإن شرط فيهن عمل المالك أو غلامه معه صح: كبهيمة: ولا يضر عمل المالك بلا شرط وإن باع المضارب بدون ثمن المثل ضمن الوكيل1 وله أن يشتري المعيب إذا رأى فيه مصلحة بخلاف وكيل.
__________
1 قوله: ضمن الوكيل، يريد به المضروب، وقد تقدم لنا أن المضارب يسمى وكيلا إذا تصرف فعلا بمال المضاربة كما يسمى أمينا بعد القبض وقبل التصرف ولو قال الوكيل لكان أظهر.(2/263)
فصل: ليس للعامل شراء من يعتق على رب المال بغير إذنه
...
فصل:- وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال بغير إذنه
فإن فعل صح وعتق وضمن ثمنه: علم أو لم يعلم وإن اشتراه بأذنه صح أيضا وتنفسخ المضاربة في قدر ثمنه فيهما: وإن كان في المال ربح رجع العامل بحصته منه وإن اشترى امرأة رب المال أو كان ربه امرأة فاشترى زوجها أو بعضها صح ولو كان بعين المال وانفسخ النكاح فيهما ولا ضمان على العامل فيما يفوت من المهر ويسقط من النفقة وإن اشترى من يعتق على نفسه ولم يظهر ربح لم يعتق وإن ظهر ربح عتق عليه قدر حصته وسرى إلى باقيه إن كان موسرا وغرم قيمته وإن كان معسرا لم يعتق منه إلا ما ملكه وليس له الشراء من مال المضاربة إن ظهر ربح وإلا كشراء الوكيل من وكله1 وليس له وطء أمة المضاربة
__________
1 لم يجز له الشراء من مال المضاربة إذا ظهر الربح لأنه شريك يحتاج إلى تراضي شريكه والإذن منه وأما إذا لم يظهر ربح فهو كالوكيل يجوز له الشراء من مال المضاربة لنفسه بمقتضى أمانته ووكالته في التصرف.(2/263)
ولو ظهر ربح فإن فعل فعليه المهر والتعزير ولا حد ولو لم يظهر ربح وإن علقت منه ولم يظهر في المال ربح فولده رقيق وإن ظهر ربح فالولد حر وتصير أم ولد له وعليه قيمتها وليس لرب المال وطء الأمة أيضا ولو عدم الربح فإن فعل فلا حد عليه وإن أحبلها صارت أم ولد له وولده حر وتخرج من المضاربة وليس له أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول فإن فعل حرم ورد نصيبه من الربح في شركة الأول1 وإن لم يكن فيه ضرر على الأول ولم يكن اشترط للعامل نفقة أو كان بأذنه جاز وامتنع الرد وإن أخذ من رجل مضاربة ثم أخذ من آخر بضاعة أو عمل في مال نفسه واتجر فيه فربحه في مال البضاعة لصاحبها وفي مال نفسه وإن دفع إليه ألفين في وقتين لم يخلطهما فإن أذن له قبل تصرف في الأول أو بعده وقد نض جاز وصار مضاربة واحدة وإلا فلا وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه لأنه ملكه وكشراء الموكل من وكيله وكذلك شراء السيد من عبده المأذون فإن اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح وإن اشترى الجميع لم يصح في نصيبه وصح في نصيب شريكه وليس للمضارب نفقة ولو مع السفر إلا بشرط: كوكيل فإن شرطها له وقدرها فحسن فإن لم يقدرها واختلفا فله نفقة مثله عرفا
__________
1 صورة هذا أن تعقد مع إنسان مضاربة، ثم يذهب هو فيقعد مضاربة أخرى مع سواك، وفي اشتغاله بالثانية ضرر عليك، فهو بذاك آثم ونصيبه من المضاربة الثانية يضم إلى ربح مضاربته معك ويقسم بينكما، ولكن صاحب المغني والشرح لا يقولان بضم ربحه في الثانية إلى مضاربتك.(2/264)
من طعام وكسوة وإن كان معه مال لنفسه يتجر فيه أو مضاربة أخرى أو بضاعة لآخر فالنفقة على قدر المالين إلا أن يكون رب المال قد شرط له النفقة من ماله مع علمه بذلك وإن لقيه رب المال ببلد أذن له في سفره إليه وقد نض المال فأخذه فلا نفقة لرجوعه وإن مات لم يجب تكفينه وله التسري بأذن فإذا اشترى جارية ملكها وصار ثمنها قرضا: وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال فإن اشترى سلعتين فربح في إحداهما أو في إحدى السفرتين وخسر في الأخرى جبرت الوضيعة من الربح كما يأتي والمضاربة بحالها.(2/265)
فصل:- وإن تلف رأس المال
أو بعضه أو تعيب أو خسر بسبب مرض أو تغير صفة أو نزل السعر بعد تصرفه فيه جبرت الوضيعة من ربح باقيه قبل قسمته ناضا أو تنضيضه مع المحاسبة وإن تلف بعض رأس المال قبل تصرفه فيه انفسخت فيه المضاربة وكان رأس المال الباقي خاصة وإن تلف المال ثم اشترى سلعة في ذمته للمضاربة فهي له وثمنها عليه علم تلف المال قبل نقد الثمن أو جهله: إلا أن يجيزه رب المال وإن تلف بعد الشراء قبل نقد ثمنها بان اشترى في الذمة أو تلف هو والسلعة: فالمضاربة بحالها والثمن على رب المال ويصير رأس المال الثمن دون التالف ولصاحب السلعة مطالبة كل منها بالثمن ويرجع به العامل فإن كان المال مائة فخسر عشرة ثم أخذ ربه عشرة لم ينقص رأس المال بالخسران لأنه قد يربح فيجبر الخسران: لكنه ينقص بما أخذه رب المال وهو العشرة وقسطها(2/265)
من الخسران هو درهم وتسع ويبقى رأس المال ثمانية وثمانين وثمانية أتساع درهم فإن كان أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران وإن كان أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع وكذلك إذا ربح المال ثم أخذ رب المال بعضه كان ما أخذه من الربح ورأس المال فلو كان رأس المال مائة فربح عشرين فأخذها فقد أخذ سدسه فينقص المال سدسه: ستة عشر وثلثين وقسطها ثلاثة وثلث وبقي رأس المال ثلاثة وثمانين وثلثا ولو اشترى عبدين بمائة فتلف أحدهما وباع الآخر بخمسين فأخذ منها رب المال خمسة وعشرين بقي رأس المال خمسين لأن رب المال أخذ نصف المال الموجود فسقط نصف الخسران ولو لم يتلف العبد وباعهما بمائة وعشرين فأخذ رب المال ستين ثم خسر العامل فيما معه عشرين فله من الربح خمسة لأن سدس ما أخذه رب المال ربح للعامل نصفه وقد انفسخت المضاربة فيه فلا يجبر به خسران الباقي وإن اقتسما العشرين الربح خاصة ثم خسر عشرين فعلى العامل رد ما أخذه وبقي رأس المال تسعين لأن العشرة الباقية مع رب المال تحسب من رأس المال ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه وإن اقتسما الربح وتحرم قسمته والعقد باق إلا باتفاقهما - قال أحمد إلا أن يقبض رأس المال صاحبه ثم يرده إليه فيقول: أعمل به ثانية فما ربح بعد ذلك لا يجبر به وضيعة الأول وأما مالا بدفع فمتى يحتسبا حسابا: كالقبض وقيل وكيف يكون حسابا(2/266)
كالقبض؟ قال: يظهر المال يعني ينض ويجيء فيحتسبان عليه وإن شاء صاحبه قبضه قيل له فيحتسبان على المتاع؟ قال: لا يحتسبان إلا على الناض لأن المتاع قد ينحط سعره ويرتفع انتهى - وأما قبل ذلك فالوضيعة تحسب من الربح وكذلك لو طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال لم تجب أجابته لأنه لا يأمن الخسران في الثاني وإن اتفقا على قسمه أو قسم بعضه أو على أن يأخذ كل واحد منهما كل يوم قدرا معلوما جاز وإتلاف المالك للمال كقسمه فيغرم حصة عامل: كأجنبي ومن الربح مهر وثمرة وأجرة وأرش عيب ونتاج وإذا ظهر ربح لم يكن له أخذ شيء منه إلا بأذن رب المال ويملك العامل حصته من الربح بالظهور قبل القسمة كرب المال وكمساقاة ويستقر الملك فيها بالمقاسمة وبالمحاسبة التامة - وتقدم نص أحمد فيه تقريبا وإن طلب العامل البيع مع بقاء قراضه أو فسخه فأبى رب المال أجبر إن كان فيه ربح وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله من العرض فله ذلك فيقوم عليه ويدفع حصة العامل ثم إن ارتفع السعر بعد ذلك لم يطالبه العامل بشيء وإن لم يرض بأخذه من ذلك وطلب البيع أو طلبه ابتداء فله ذلك ويلزم المضارب بيعه ولو لم يكن في المال ربح وإن نض رأس المال جميعه لزم العامل أن ينض له الباقي وإن كان رأس المال دراهم فصار دنانير أو عكسه فكعرض وإن انفسخ والمال دين لزم العامل تقاضيه: سواء كان فيه ربح أو لم يكن فإن اقتضى منه قدر رأس المال أو كان الدين قدر الربح أو دونه(2/267)
لزم العامل تقاضيه أيضا ولا يلزم الوكيل تقاضي الدين وإن قارض في المرض فالربح من رأس المال ولو زاد على تسمية المثل ولا يحتسب به من ثلثه ويقدم به على سائر الغرماء ولو ساقى أو زارع في مرض موته حسب من الثلث وإن مات المضارب فجأة أولا ولا يعرف مال المضاربة لعدم تعيين العامل له وجهل بقاؤه فهو دين في تركته لصاحبه أسوة الغرماء وكذلك الوديعة ومثله لو مات وصى وجهل بقاء مال موليه وإذا مات أحد المتقارضين أو جن أو توسوس أو حجر عليه لسفه انفسخ القراض فإن كان رب المال فأراد الوارث أو وليه أتمامه والمال نض جاز ويكون رأس المال وحصته من الربح رأس المال وحصة العامل من الربح شركة له مشاع وإن كان المال عرضا وأرادوا إتمامه لم يجز لأن القراض قد بطل بالموت وكلام أحمد في جوازه محمول على أنه يبيع ويشتري بأذن الورثة كبيعه وشرائه بعد انفساخ القراض وإن كان العامل وأراد رب المال ابتداء القراض مع وارثه أو وليه والمال ناض جاز وإن كان عرضا لم يجز ورفع إلى الحاكم فيبيعه.(2/268)
فصل:- والعامل أمين لا ضمان عليه
فيما تلف بغير تعد ولا تفريط والقول قوله: في قدر رأس المال والربح وأنه ربح أو لم يربح وفيما يدعيه من هلاك وخسران وما اشتراه لنفسه أو للقراض وما يدعي عليه من خيانة أو جناية أو مخالفته شيئا مما شرطه عليه ويقبل قوله أنه لم ينهه عن بيعه نساء أو الشراء بكذا وتقدم في الوكالة(2/268)
وكذا لو اشترى عبدا فقال رب المال: كنت نهيك عن شرائه فأنكر والقول قول رب المال في رده إليه وفي الجزء المشروط للعامل بعد الربح كقبوله في صفة خروجه عن يده فلو أقام كل واحد منهما بينة بما قاله قدمت بينة العامل فلو دفع إليه ما لا يتجر به ثم اختلفا فقال رب المال كان قراضا فربحه بيننا وقال العامل: كان قرضا فربحه كله لي فالقول قول رب المال فيحلف ويقسم الربح بينهما وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه تعارضتا وقسم بينهما نصفين وإن قال رب المال: كان بضاعة وقال العامل: كان قراضا أو قرضا حلف كل منهما على إنكاره ما ادعاه خصمه وكان للعامل أجرة عمله لا غير وإن خسر المال أو تلف فقال رب المال كان قرضا وقال العامل: كان قراضا أو بضاعة فقول رب المال وإن قال العامل: ربحت ألفا ثم خسرتها أو هلكت قبل قوله وإن قال: غلطت أو نسيت أو كذبت لم يقبل وإن دفع رجل إلى رجلين مالا قراضا على النصف فنض المال وهو ثلاثة آلاف فقال رب المال: رأس المال ألفان فصدقه أحدهما وقال الآخر: بل هو ألف فقول المنكر مع يمينه فإذا حلف أنه ألف فالربح ألفان ونصيبه منهما خمسمائة ويبقى ألفان وخمسمائة يأخذ رب المال ألفين يبقي خمسمائة ربحا بين رب المال والعامل الآخر يقتسما بها ثلاثا لرب المال ثلثاها وللعامل ثلثها وإذا شرطا المضارب النفقة ثم ادعى أنه انفق من ماله وأراد الرجوع فله ذلك ولو بعد رجوع إلى مالكه ولو دفع عبده أو دابته إلى من يعمل بهما بجزء من الأجرة أو ثوبا يخيطه أو غزلا(2/269)
ينسجه بجزء من ربحه أو بجزء منه جاز ومثله حصاد زرعه طحن قمحه ورضاع رقيقه وبيع متاعه بجزء مشاع من ربحه واستيفاء مال بجزء منه ونحوه وغزوه بدابته بجزء من السهم وهي مسألة قفيز الطحان1 لكن لو دفع إليه الثوب ونحوه بالثلث أو الربع ونحوه وجعل له مع ذلك درهما أو درهمين ونحوه لم يصح2 لو دفع دابته أو نحله لمن يقوم به بجزء من نمائه كدر ونسل وصوف وعسل ونحوه لم يصح وله أجرة مثله منه يجوز مدة معلومة ونماؤه ملك لهما.
__________
1 أصل هذه التسمية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أخذ الأجرة على عسب الفحل وهو نزوه على الأنثى، وعن استئجار الرجل ليطحن لك قمحا أو يحصد لك زرعا بقفيز منه، وقاس الفقهاء على ذلك برضاع الرقيق بعشرين دينارا من ثمنه مثلا ودفع الدابة لمن يغزوا عليها بكذا من السهم وعللوا ذلك بأن الأجرة هنا معينة، والباقي بعدها غير معلوم فربما بقى بعد الأجرة كثيرا أو لم يبق شيء، وعلى ذلك فتكون المنفعة المؤجر عليها مجهولة والشرط في جواز الإجارة أن تكون معلومة، وقد اشتهرت هذه المسألة بمسألة قفيز الطحان ولكن المسألة التي معنا هنا لم يشترط فيها أجر معلوم وإنما اشترط جزء مشاع مما ينتج بعد العمل كالثلث والربع: قليلا كان الناتج أو كثيرا، ولهذا قال صاحب الكشاف: أن ما هنا ليس جديرا بأن يسمى مسألة قفيز الطحان.
2 علة عدم الصحة النماء أو النسل مثلا ليس نتيجة عمله بدليل أنه يحصل بدون عمل.(2/270)
فصل:- الثالث - شركة الوجوه:
وهو أن يشتريا في ذمتيهما بجاهيهما شيئا يشتركان في ربحه من غير أن يكون لهما رأس مال على أن ما اشترياه فهو بينهما نصفين أو أثلاثا أو نحو ذلك فيكون الملك(2/270)
بينهما على ما شرطاه ويبيعان ذلك فما قسم الله من الربح فهو بينهما عينا جنسه أو قدره أو قيمته أولا فلو قال كل منهما للآخر: ما اشتريت من شيء فبيننا صح وما ربحا فهو بينهما على ما اشترطاه وكل منهما وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن والوضيعة على قدر ملكيهما فيه وهما في التصرف كشريكي العنان فيما يجب لهما وعليهما.(2/271)
فصل: الرابع - شركة الأبدان:
وهي أن يشتركا فيما يتقبلان بأبدانهما في ذممهما من العمل فهي شركة صحيحة ولو مع اختلاف الصنائع وما يتقبله أحدهما من العمل يصير في ضمانهما يطالبان به ويلزمهما عمله ويلزم غير العارف منهما أن يقيم مقامه ولو قال أحدهما: أنا أتقبل وأنت تعمل صحت الشركة ولكل منهما المطالبة بالأجرة وللمستأجر دفعها إلى كل منهما ويبرأ منها الدافع وإن تلفت في يد أحدهما من غير تفريط فهي من ضمانهما وما يتلف بتعدي أحدهما أو تفريطه أو تحت يده على وجه يوجب الضمان عليه فهو عليه وحده وإن أقر أحدهما بما في يده قبل عليه وعلى شريكه ولا يقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدين عليه ويصح في تملك المباحات من الاحتشاش والاصطياد والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات كالاستئجار عليها وإن مرض أحدهما أو ترك العمل ولو بلا عذر فالكسب بينهما فإن طالبه الصحيح أن يعمل أو يقيم مقامه من يعمل لزمه ذلك فإن امتنع فللآخر الفسخ فإن اشتركا ليحملا على دابتيهما ما يتقبلان حمله في الذمة والأجر بينهما صح ولهما أن يحملاه على أي(2/271)
ظهر كان وإن اشتركا في أجرة عين الدابتين أو في أجرة أنفسهما إجارة خاصة لم يصح ولكل منهما أجرة دابته ونفسه فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل كان له أجرة مثله وإن اشترك اثنان لأحدهما آلة قصارة وللآخر بيت فاتفقا على أن يعملا بآلة هذا في بيت هذا والكسب بينهما صح فإن فسدت الشركة قسم الحاصل بينهما على قدر أجر عملهما وأجر الدار والدابة وإن كانت لأحدهما آلة وليس للآخر شيء أو لأحدهما بيت وليس للآخر شيء فاتفقا على أن يعملا بآلة أو في البيت والأجر بينهما جاز وإن دفع دابة إلى آخر ليعمل عليها وما رزق الله بينهما على ما شرطاه صح وهو يشبه المساقاة والمزارعة وتقدم قريبا ولو اشترك ثلاثة: لواحد دابة ولآخر راوية وثالث يعمل أو اشترك أربعة: لواحد دابة ولآخر رحى لثالث دكان ورابع يعمل ففاسدتان1 وللعامل الأجر وعليه لرفقته أجرة آلتهم وقياس نصه صحتهما واختاره الموفق وغيره قال المنقح: وهو أظهر: وصححه في الإنصاف ومن استأجر من الأربعة أذكر صح والأجر بقدر القيمة: كتوزيع المهر فيما إذا تزوج أربعا بمهر واحد وإن تقبل الأربعة الطحن في ذممهم صح والأجر أرباعا ويرجع كل واحد على رفقته لتفاوت قدر العمل بثلاثة أرباع أجر المثل وإن
__________
1 فساد هاتين الصورتين لأنهما غير داخلين في الشركة لأن رأس المال في الشركة لا يكون عروضا كما هما، ولا داخلتين في الإجارة لأن الإجارة تكون معلومة المدة والأجرة: وهما مفقودان هنا.(2/272)
قال: أجر عبدي أو دابتي وأجرته بيننا فالأجر كلها لربه وللآخر أجرة مثله وتصح شركة شهود - قاله الشيخ وقال: وللشاهد أن يقيم مقامه إن كان على عمل في الذمة وكذا إن كان الجعل على شهادته بعينه انتهى - وموجب العقد المطلق التساوي في العمل والأجر ولو عمل واحد أكثر ولو يتبرع طالب بالزيادة ولا تصح شركة دلالين لأن الشركة الشرعية لا تخرج عن الوكالة والضمان ولا وكالة هنا فإنه لا يمكن توكيل أحدهما على بيع مال الغير ولا ضمان فإنه لا دين يصير بذلك في ذمة واحد منهما ولا تقبل عمل فهي كأجر دابتك والأجر بيننا وهذا في الدلالة التي فيها عقد: كما دل عليه التعليل - قال الشيخ: فأما مجرد النداء والعرض وإحضار الزبون فلا خلاف في جواز الاشتراك فيه وقال: وليس لولي الأمر المنع بمقتضى مذهبه في شركة الأبدان والوجوه والمساقاة والمزارعة ونحوهما مما يسوغ فيه الاجتهاد انتهى - وإن جمعا بين شركة عنان وأبدان ووجوه ومضاربة صح.(2/273)
فصل:- الخامس شركة المفاوضة:
وهي قسمان أحدهما أن يدخلا فيها الإكساب النادرة: كوجود لقطة أو ركاز أو ما يحصل لهما من ميراث أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو أرش جناية ونحو ذلك ففاسدة ولكل منهما ربح ماله وأجرة عمله وما يستفيده له ويختص بضمان ما غصبه أو جناه أو ضمنه من الغير.
الثاني: تفويض كل منهما إلى صاحبه شراء وبيعا ومضاربة وتوكيلا(2/273)
وابتياعا في الذمة ومسافرة بالمال وارتهانا وضمانا ما يرى من الأعمال فصحيحة وكذا لو اشتركا فيما يثبت لهما أو عليهما إن لم يدخلا فيها كسبا نادرا أو غرامة.(2/274)
باب المساقاة والمناصبة والمزارعة
تعريف المساقاة والمزارعة وشروط صحتهما
...
باب المساقاة والمناصبة والمزارعة
المساقاة: دفع أرض وشجر له ثمر مأكول لمن يغرسه أو مغروس معلوم لمن يعمل عليه ويقوم بمصلحته بجزء مشاع معلوم من ثمرته.
والمزارعة: دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه أو مزروع لمن يعمل عليه بجزء مشاع معلوم من المتحصل ويعتبر كون عاقديهما جائزي التصرف فتجوز المساقاة في كل شجر له ثمر مأكول وقال الموفق: تصح على ماله ورق يقصد: كتوت أو له زهر يقصد: كورد ونحوه وعلى قياسه شجر له خشب يقصد: كحور وصفصاف بجزء مشاع معلوم من ثمره أو ورقه ونحوه يجعل للعامل ولو ساقاه على ما يتكرر حمله من أصول البقول والخضرات: كالقطن والمقاثئ والباذنجان ونحوه أو شجر لا ثمر له: كالحور والصفصاف لم يصح على الأول: وتصح بلفظ مساقاة ومعاملة ومفالحة واعمل بستاني هذا حتى تكمل ثمرته وبكل لفظ يؤدي معناها وتقدم - صفة القبول - وتصح هي ومزارعة بلفظ إجارة وتصح إجارة الأرض بنقد وعروض وبجزء مشاع معلوم مما يخرج منها فإن لم يزرعها في إجارة أو مزارعة نظر إلى معدل المغل فيجب القسط المسمى(2/274)
فيه وتصح إجارتها بطعام معلوم من جنس الخارج منها ومن غير جنسه وتصح المساقاة على ثمرة موجودة لم تكمل وعلى زرع نابت ينمى بالعمل: فإن بقي من العمل ما لا تزيد به الثمرة كالجذاذ ونحوه لم يصح وإذا ساقاه على ودي1 نخل أو صغار شجر إلى مدة يحمل فيها غالبا بجزء من الثمرة صح وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء معلوم من الثمرة أو من الشجر أو منهما: وهي المغارسة والمناصبة صح إن كان الغرس من رب المال - قال الشيخ: ولو كان ناظر وقف وأنه لا يجوز للناظر بعده بيع نصيب الوقف بلا حاجة انتهى - فإن كان الغراس من العامل فصاحب الأرض بالخيار بين قلعه ويضمن له نقصه وبين تركه في أرض ويدفع إليه قيمته: كالمشتري إذا غرس في الأرض ثم أخذه الشفيع وإن اختار العامل قلع شجره فله ذلك: سواء بذلك له القيمة أولا وإن اتفقا على إبقائه ودفع أجرة الأرض جاز وقيل يصح كون الغراس من مساق ومناصب - قال الشيخ: وعليه العمل - ولو دفع أرضه على أن الأرض والغراس بينهما فسد: كما لو دفع إليه الشجر المغروس ليكون الأصل والثمرة بينهما أو شرط في المزارعة كون الأرض والزرع بينهما ولو عملا في شجر لهما وهو بينهما نصفان وشرطا التفاضل في ثمره صح.
ومن شرط صحة المساقاة تقدير نصيب العامل بجزء من الثمرة: كالثلث والربع فلو جعل للعامل جزء من مائة جزء أو الجزء لنفسه والباقي
__________
1 الودي بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء: الصغير من النخل.(2/275)
للعامل جاز: ما لم يكن حيلة - ويأتي قريبا - ولو جعل له آصعا معلومة أو دراهم أو جعلها مع الجزء المعلوم فسدت وكذلك إن شرط له ثمر شجر بعينه فإن جعل له ثمرة سنة غير السنة التي ساقاه عليها فيها أو ثمر غير الشجر الذي ساقاه عليه أو عملا في غير الشجر الذي ساقاه عليه أو عملا في غير السنة فسد العقد: سواء جعل ذلك كله حقه أو بعضه أو جميع العمل أو بعضه وإذا كان في البستان شجر من أجناس: كتين زيتون وكرم فشرط للعامل من كل جنس قدرا: كنصف ثمر التين وثلث الزيتون وربع الكرم أو كان فيه أنواع من جنس فشرط من كل نوع قدرا وهما يعرفان قدر كل نوع صح وإن كان البستان لاثنين فساقيا عاملا واحدا على أن له نصف نصيب أحدهما وثلث نصيب الآخر والعامل عالم ما لكل واحد منهما صح وكذا إن جعل ما لكل واحد منهما إذا شرطا قدرا واحدا كما لو قالا: بعناك دارنا هذه بألف ولم يعلم نصيب كل واحد منهما ولو ساقي واحد اثنين ولو مع عدم التساوي بينهما في النصيب أو ساقاه على بستانه ثلاث سنين على أن له في السنة الأول النصف وفي الثانية الثلث وفي الثالثة الربع صح ولا تصح المساقاة إلا على شجر معلوم بالرؤية أو الصفة التي لا يختلف معها: كالبيع فإن ساقاه على بستان لم يره ولم يوصف له أو على أحد هذين الحائطين لم تصح وتصح على البعل1 كالسقي.
__________
1 البعل هو الذي يمتص من الأرض من غير احتياج إلى سقاية.(2/276)
فصل:- والمساقاة والمزارعة عقدان جائزان
يبطلان بما تبطل به الوكالة ولا يفتقران إلى القبول لفظا ولا إلى ضرب مدة يحصل الكمال فيها ولكل منهما فسخها فإن فسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما على ما شرطاه ويملك العامل حصته بالظهور ويلزمه تمام العمل كما يلزم المضارب بيع العروض إذا فسخت المضاربة فيؤخذ منه دوام العمل على العامل في المناصبة ولو فسخت إلى أن تبيد فإن مات قام وارثه مقامه في الملك والعمل وإن باعه لمن يقوم مقامه جاز وصح شرطه - كالمكاتب إذا بيع على كتابته وللمشتري الملك وعليه العمل فإن لم يعلم فله الخيار بين الفسخ وأخذ الثمن وبين الإمساك وأخذ الأرش: كمن اشترى مكاتبا لم يعلم أنه مكاتب وإن فسخ العامل أو هرب قبل ظهورها فلا شيء له: وإن فسخ رب المال فعليه للعامل أجرة عمله ويصح توقيتها وإن ساقاه إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبا فلم تحمل تلك السنة فلا شيء للعامل وإن مات العامل وهي على عينه1 أو جن أو حجر عليه لسفه انفسخت: كرب المال وكما فسخ أحدهما وإن ظهر الشجر مستحقا بعد العمل أخذه ربه وثمرته ولا حق للعامل في ثمرته ولا أجرة له وله على الغاصب أجرة مثله وإن شمس الثمرة فلم تنقص أخذها ربها وإن نقصت فله أرش نقصها ويرجع على من شاء منهما ويستقر الضمان على الغاصب وإن استحقت بعد أن اقتسماها وأكلاها فللمالك تضمين من شاء منهما فإن ضمن الغاصب فله تضمينه الكل،
__________
1 قوله: على عينه – يريد به أن المساقاة كانت منوطة ببدن العامل.(2/277)
وله تضمينه قدر نصيبه وتضمين العامل قدر نصيبه فإن ضمن الغاصب الكل رجع على العامل بقدر نصيبه ويرجع العامل على الغاصب بأجرة مثله.(2/278)
فصل:- ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة
والزرع وزيادتهما من السقي والاستقاء1 والحرث وآلته وبقره والزبال2 وقطع ما يحتاج إلى قطعه وتسوية الثمرة وإصلاح الحفر التي يجتمع فيه المال على أصول النخل وإدارة الدولاب والتلقيح والتشميس وإصلاح طرق الماء وموضع التشميس وقطع الحشيش المضر من شوك وغيره وقطع الشجر اليابس وآلة ذلك: كالفأس ونحوه وتفريق الزبل ونقل الثمر ونحوه إلى جرين وتجفيفه وحفظه في الشجر وفي الجرين إلى قسمة وكذا الجذاذ إن شرط عليه وإلا فعليهما بقدر حصتيها فإن شرط العامل أن أجرة الأجراء الذين يحتاج إلى الاستعانة بهم من الثمرة وقدر الأجرة أو لم يقدرها لم يصح: كما لو شرط لنفسه أجر عمله لأن العمل عليه وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من سد الحيطان ومثله السباخ - قال الشيخ: وإجراء الأنهار وحفر البئر والدولاب وما يديره من آلة ودابة وشراء المال وما يلقح به،
__________
1 الفرق بين السقي والاستقاء أن الأول يكون بماء لا يحتاج إلى استخراج من بئر ولا إلى عمل دولاب، والثاني أن يكون من ماء محتاج لذلك.
2 الزبال بكسر الزاي: تخفيف أغصان الكرم، بمعنى جنى بعضها ليكمل نضوج الباقي.(2/278)
وتحصيل الزبل وقال الموفق وغيره: والأولى أن البقر التي تدير الدولاب على العامل: كبقر الحرث - فإن شرط على أحدهما ما يلزم الآخر أو بعضه فسد الشرط والعقد وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد فإن اتهم حلف وإن اثبت خيانته ضم إليه من يشارفه: كالوصي إذا ثبتت خيانته فإن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل العمل يقوم مقامه ويزيل يده فإن عجز عن العمل: كضعفه مع أمانته ضم إليه قوى ولا تنزع يده فإن عجز بالكلية أقام مقامه من يعمل والأجرة عليه في الموضعين وإذا ظهرت الثمرة ثم تلفت إلا واحدة فهي بينهما ويلزم من تلفت حصته منهما نصابا زكاته وإن ساقاه على أرض خراجية فالخراج على رب المال وإذا ساقى رجلا أو زارعه فعامل العامل غيره على الأرض أو الشجر بغير أذن ربه لم يجز فإن استأجر أرضا أن يزارع فيها والأجرة على المستأجر دون المزارع وكذلك يجوز لمن في يده أرض خراجية أن يزارع فيها والخراج عليه دون المزارع وللموقوف عليه أن يزارع في الوقف ويساقي على شجره ويتبع في الكلف السلطانية العرف ما لم يكن شرط وما طلب من قرية من كلف سلطانية ونحوها فعلى قدر الأموال فإن وضع على الزرع فعلى ربه أو على الغفار فعلى ربه1 ما لم يشرط على مستأجر وإن وضع مطلقا فالعادة ويعتبر معرفة جنس البذر ولو تعدد وقدره وفي المغني: أو
__________
1 في القاموس تغفر الأرض اجتناها اهـ وعلى هذا فالغفار هو ثمر الشجر ولم أجد ضبطا له، ولعله بوزن ثمار.(2/279)
تقدير المكان وإن شرط إن سقى سيحا أو زرعها شعيرا فالربع وبكلفة أو حنطة النصف أو لك نصف هذا النوع وربع الآخر ويجهل العامل قدرهما أو لك الخمسان أن لزمتك خسارة وإلا الربع أو قال ما زرعت من شعير فلي ربعه وما زرعت من حنطة فلي نصفه أو ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك على الآخر بالربع لم يصح وإن قال: ما زرعت من شيء فلي نصفه صح وإن ساقى أحد الشريكين شريكه وجعل له من الثمر أكثر من نصيبه: مثل أن يكون الأصل بينهما نصفين فجعل له ثلثي الثمر صح وكان السدس حصته من المساقاة وجعل الثمرة بينهما نصفين أو جعل للعامل الثلث فسدت ويكون الثمر بينهما بحكم الملك ولا يستحق العامل شيئا لأنه متبرع.(2/280)
فصل: في المزارعة
تجوز بجزء مشاع معلوم يجعل للعامل من الزرع كما تقدم فإن كان في الأرض شجر فزارعه الأرض وساقاه على الشجر صح وإن أجره الأرض وساقاه على الشجر صح: كجمع بين إجارة وبيع وإن كان حيلة على بيع الثمرة قبل وجودها أو قبل بدو صلاحها: بان أجره الأرض بأكثر من أجرتها وساقاه على الشجر بجزء من ألف جزء ونحوه حرم ولو يصح وسواء جمعا بين العقدين أو عقدا واحدا بعد الآخر فإن قطع بعض الشجر المثمر والحالة هذه فإنه ينقص من العوض المستحق بقدر ما ذهب من الشجر: سواء قيل بصحة العقد أو فساده وسواء قطعه المالك أو غيره وتصح إجارة أرض وشجر فيها لحملها وتصح إجارتها لنشر الثياب عليها، ونحوه.(2/280)
ويشترط كون البذر من رب الأرض ولو أنه العامل وبقر العمل من الآخر ولا تصح إن كان البذر من العامل أو منهما أو من أحدهما والأرض لهما أو الأرض والعمل من الآخر1أو البذر من ثالث أو البقر من رابع.
وعنه لا يشترط كون البذر من رب الأرض وأختاره الموفق والمجد والشارح وابن رزين وأبو محمد الجوزي والشيخ وابن القيم وصاحب الفائق والحاوي الصغير وهو الصحيح وعليه عمل الناس.
وإن قال: آجرتك نصف أرضي بنصف البذر ونصف منفعتك ومنفعة بقرك وآلتك وأخرج المزارع البذر كله لم يصح لجهالة المنفعة وكذلك لو جعلها أجرة لأرض أخرى أو دار لم يجز والربح والزرع كله للمزارع وعليه أجرة مثل الأرض فأن أمكن علم المنفعة وضبطها بما لا يختلف معه معرفة البذر جاز وكان الزرع بينهما وإن شرط أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقتسم الباقي ففاسد2 وإن شرط لأحدهما قفزانا معلومة أو دراهم معلومة أو زرع ناحية معينة أو ما على
__________
1 قوله: أو الأرض والعمل معطوف على قوله: والأرض لهما والمعنى: ولا تصح إن كان البذر من أحدهما والأرض والعمل من الآخر.
2 وجه الفساد أن مثل البذر الذي شرطه لنفسه يعتبر كاشتراطه قفزانا معلومة وهذا باطل لأن الأرض قد لا تخرج القدر المشروط أو لا تخرج أكثر منه فيكون ضررا بالمزارع، وقد صرح بمعنى ذلك قي المسألة التالية.(2/281)
الجداول: أما منفردا أو مع نصيبه فسدت المزارعة والمساقاة ومتى فسد العقد فالزرع والثمر لصاحبه وعليه الأجرة وحكم المزارعة حكم المساقاة فيما ذكرنا والحصاد والدياس والتصفية واللقاط على العامل ويكره الحصاد والجذاذ ليلا وإن دفع رجل بذره إلى صاحب الأرض ليزرعه في أرضه ويكون ما يخرج بينهما ففاسد1 ويكون الزرع لمالك البذر وعليه أجرة الأرض والعمل وإن قال: أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي وتسقيها بمائك والزرع بيننا لم يصح وإن زارع شريكه في نصيبه صح بشرط أن يكون للعامل أكثر من نصيبه - وتقدم قريبا - وما سقط من حب وقت حصاد فنبت في العام القابل فلرب الأرض: مالكا كان أو مستأجرا أو مستعيرا وكذا نص فيمن باع قصيلا فحصده فبقي يسيرا فصار سنبلا فلرب الأرض ويباح التقاط ما خلفه الحصادون من سنبل وحب وغيرهما ويحرم منعه - قال في الرعاية: وإذا غصب زرع إنسان وحصده وأبيح للفقراء التقاط السنبل المتساقط كما لو حصدها المالك وكما يباح رعي الكلأ من الأرض المغصوبة وإن خرج الأكار باختياره وترك العمل قبل الزرع أو بعده قبل ظهوره وأراد أن يبيع عمل يديه في الأرض وما عمل لم يجز ولا شيء له وإن
__________
1 عللوا ذلك بأن البذر ليس من رب الأرض كما هو مشروط ولكنك عرفت سابقا أن رواية أخرى عن الإمام لا تحتم ذلك والأظهر في التعليل أن المزارعة مبنية على أن تكون الأرض من واحد والعمل من آخر، وفي الصورة التي معنا لم يوجد عمل لصاحب البذر فلم تصح المزارعة ولما كان البذر بذره وقد نما فهو أحق به، ولصاحب الأرض عوض الانتفاع بأرضه وأجرة عمله وبذلك لا ضرر على أحدهما.(2/282)
أخرجه مالك ذلك فله أجرة عمله وما أنفق في الأرض ولا يجوز أن يشرط على الفلاح شيئا مأكولا ولا غيره من دجاج ولا غيرها: التي يسمونها خدمة: ولا أخذه بشرط ولا غيره ولو أجر أرضه سنة لمن يزرعها فلم ينبت الزرع تلك السنة ثم نبت في السنة الأخرى فهو للمستأجر وعليه الأجرة لرب الأرض مدة احتباسها وليس لرب الأرض مطالبته بقلعه قبل إدراكه.(2/283)
باب الإجارة
شروط الإجارة - الشرط الأول
...
باب الإجارة1
وهي عقد على منفعة مباحة معلومة تؤخذ شيئا فشيئا مدة معلومة من عين معلومة أو موصوفة في الذمة أو عمل معلوم بعوض معلوم ويستثنى من مدة معلومة ما فتح عنوة ولم يقسم فيما فعله عمر رضي الله عنه2.
وهي والمساقاة والمزارعة والعرايا والشفعة والكتابة ونحوها من الرخص المباحة المستقر حكمها على وفق القياس ولا تصح إلا من جائز التصرف وتنعقد بلفظ آجرت وما في معناه إضافة إلى العين: نحو آجرتكها أو أكريتكها أو إلى النفع: نحو آجرتك،
__________
1 للإجارة أركان وشروط. أما أركانها فخمسة: المتعاقدان، والعوضان، والصيغة. وأما الشروط فستأتيك في سياق كلامه.
2 فإن عمر رضي الله عنه قسم بعض أرض العنوة على الغانمين ملكا لهم، ولم يقسم بعضها بل تركه وقفا على المسلمين كمصر فقد تركها في أيدي أربابها بالخراج ولم يقدر لذلك مدة، فهذه مستثناة من ذلك الشرط وباقية على حالها.(2/283)
أو أكريتك أو ملكتك نفعها - وبلفظ بيع - إضافة إلى النفع: نحو بعتك نفعها أو سكني الدار ونحوه أو أطلق ولا تصح إلا بشروط ثلاثة - أحدها معرفة المنفعة:- أما بالعرف: كسكنى الدار شهرا وخدمة الآدمي سنة فيخدمه في الزمن الذي يقتضيه العرف فإذا كان لهما عرف أغنى عن تعيين النفع وصفته وينصرف الإطلاق إليه فإذا كان عرف الدار السكني أو لم يكن واكتراها لها فله السكنى ووضع متاعه فيها ويترك فيها من الطعام ما جرت عادة الساكن به وله أن يأذن لأصحابه وأضيافه في الدخول والمبيت فيها وليس له أن يعمل فيها حدادة ولا قصارة ولا مخزنا للطعام ولا أن يسكنها دابة ولا يدع فيها رمادا ولا ترابا ولا زبالة ونحوها وله إسكان ضيف زائر:- وإما بالوصف: كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين ولو كان المحمول كتابا فوجد المحمول إليه غائبا فله الأجرة لذهابه ورده وإن وجده ميتا ففي الرعاية: وهو ظاهر الترغيب له المسمى فقط ويرده - قال أحمد: يجوز أن يستأجر الأمة والحرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن النظر ليست الأمة مثل الحرة ولا يخلو معها في بيت ولا ينظر إليها متجردة ولا إلى شعرها وتصح لبناء ويقدر بالزمان وإن قدر بالعمل فلا بد من معرفة موضعه لأنه يختلف بقرب الماء وسهولة التراب ولا بد من ذكر طول الحائط وعرضه سمكه وآلته من طين ولبن وآجر وشيد وغير ذلك1
__________
1 الشيد بكسر الشين: الجير، وما في معناه مما يطلى به كالجص.(2/284)
ولو استؤجر لحفر بئر عشرة أذرع طولا وعشرة أذرع عرضا وعشرة أذرع عمقا فحفر خمسة طولا في خمسة عرضا في خمسة عمقا: فاضرب عشرة في عشرة تبلغ مائة ثم أضرب المائة في عشرة تبلغ ألفا واضرب خمسة في خمسة بخمسة وعشرين ثم أضربها في خمسة بمائة وخمسة وعشرين وذلك ثمن الألف فله ثمن الأجرة إن وجب له شيء1 وإن استأجره ليبني له بناء معلوما أو في زمن معلوم فبناه ثم سقط البناء فقد وفي ما عليه واستحق الأجرة إن لم يكن سقوطه من جهة العامل فأما إن فرط أو بناه محلولا أو نحو ذلك فسقط فعليه أعادته وغرامة ما تلف منه وإن استأجره لبناء أذرع معلومة فبنى بعضها ثم سقط فعليه إعادة ما سقط وتمام ما وقعت عليه الإجارة من الأذرع ويصح الاستئجار لتطيين الأرض والسطوح والحيطان وتجصيصها ولا يصح على عمل معين لأن الطين يختلف في الرقة والغلظ والأرض منها العالي والنازل وكذلك الحيطان والسطح فلذلك لم يصح إلا على مدة وتصح إجارة أرض معينة لزرع كذا أو غرس أو بناء معلوم أو لزرع ما شاء أو لغرس ما شاء أو لزرع وغرس ما شاء: كأجرتك لتزرع ما شئت أو لغرس أو أجرة الأرض وأطلق وهي تصلح للزرع وغيره ويأتي له تتمة - ويجوز الاستئجار لضرب اللبن على مدة أو على عمل فإن قدر بالعمل احتاج إلى تعيين عدده وذكر قالبه وموضع الضرب فإن كان هناك قالب معروف لا يختلف جاز وإن قدره
__________
1 بأن يكون تركه للعمل اضطرارا.(2/285)
بالطول والعرض والسمك جاز ولا يكتفي بمشاهدة قالب الضرب إذا لم يكن معروفا ولا يلزمه إقامة اللبن ليجف ما لم يكن شرط أو عرف مثله إخراج الآجر من التنور الذي استؤجر لشيه وإن استؤجر لحفر قبر لزمه رد ترابه على الميت لأنه العرف لا تطيينه وإن استأجر للركوب ذكر المركوب: فرسا أو بعيرا ونحوه: كمبيع وما يركب به من سرج وغيره وكيفية سيره من هملاج وغيره ولا يشترط ذكر ذكوريته وأنوثيته ونوعه ولا بد من معرفة راكب برؤية أو صفة كمبيع ويشترط معرفة توابعه العرفية كزاد وأثاث من الأغطية والأوطية والمعاليق: كالقدر والقربة ونحوهما: إما برؤية أو صفة أو وزن وله حمل ما نقص من معلومه ولو بأكل معتاد - ويأتي في الباب - 1وإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكر ما تقدم إن لم يتضرر المحمول بكثرة الحركة أو يفوت غرض المستأجر وإلا اشترط: كحامل زجاج وخزف وفاكهة ونحوه ويشترط معرفة المتاع المحمول برؤية أو صفة وذكر جنسه من حديد أو قطن أو غيره وقدره بالكيل أو بالوزن فلا يكفي ذكر وزنه فقط ويشترط معرفة أرض لحرث.
__________
1 يريد للراكب أن يحمل معه شيئا لم يذكره للمؤجر كا كله وملابسه مما لا يخرج عن المعتاد ولو حذف المصنف الفظ لو ثم أتى بالكاف بدل الياء لكان أظهر.(2/286)
الشرط الثاني
...
فصل:- الثاني: معرفة الأجرة فما في الذمة:
كثمن والمعينة كمبيع ولو جعل الأجرة صبرة دراهم أو غيرها صحت: كبيع ويجوز إجارة الأرض بجنس ما يخرج منها - وتقدم في الباب قبله - ويصح استئجار أجير وظئر بطعامهما وكسوتهما أو بأجرة معلومة وطعامهما وكسوتهما وكما لو شرط كسوة ونفقة معلومتين موصوفتين كصفتهما في السلم وهما عند التنازع كزوجة ويسن إعطاء ظئر حرة عند الفطام عبدا أو أمة إن كان المسترضع موسرا - قال الشيخ: لعل هذا في المتبرعة بالرضاعة انتهى وإن كان الظئر أمة استحب إعتاقها ولو استؤجرت للرضاع والحضانة لزماها وإن استؤجرت للرضاع وأطلق لم يلزمها الحضانة والمعقود عليه في الرضاع الحضانة واللبن ولو وقعت الإجارة على الحضانة والرضاع وانقطع اللبن بطلا ويجب على المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر لبنها ويصلح به وللمكتري مطالبتها بذلك فإن لم ترضعه لكن سقته لبن الغنم أو أطعمته أو دفعته إلى خادمتها فأرضعه فلا أجرة لها وإن قالت: أرضعته فأنكر المسترضع فالقول قولها ويشترط رؤية المرتضع ومعرفة مدة الرضاع ومكانه: هل هو عند المرضعة أو عند وليه؟ ولا بأس أن ترضع المسلمة طفلا للكتابي بأجرة لا لمجوسي ولا يصح استئجار دابة بعلفها أو بأجر معين وعلفها إلا أن يشترطه موصوفا وعنه يصح اختاره الشيخ وجمع أو إن شرط للأجير طعام غيره وكسوته موصوفا جاز لأنه معلوم: كنفسه ويكون ذلك للأجير: إن شاء أطعمه وإن شاء تركه وإن لم يكن موصوفا لم يصح وإنما جاز للأجير للحاجة إليه وليس له أطعامه إلا ما يوفقه من الأغذية وإن استغنى الأجير عن طعام المستأجر أو عجز عن(2/287)
الأكل لمرض أو غيره لم تسقط نفقته وكان له المطالبة بها وإن احتاج إلى دواء لمرض لم يلزم المستأجر: لكن يلزمه بقدر طعام الصحيح وإن قبض الأجير طعامه فأحب أن يستفضل بعضه لنفسه أو كان المستأجر دفع إليه أكثر من الواجب له ليأكل منه قدر حاجته ويفضل الباقي أو كان في تركه لأكله كله ضرر على المستأجر: بأن يضعف الأجير عن العمل أو يقل لبن الظئر منع منه - وإن دفع إليه قدر الواجب فقط أو أكثر منه وملكه إياه ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمستأجر جاز فإن قدم إليه طعاما فنهب أو تلف قبل أكله وكان على مائدة لا يخصه فيها بطعامه فمن ضمان المستأجر وإن خصه بذلك وسلمه إليه فمن مال الأجير والداية التي تقبل في الولادة1 يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك وإن تأخذ بلا شرط ولا بأس أن يحصد الزرع ويصوم النخل بسدس ما يخرج منه قال أحمد هو أحب إلي من المقاطعة يعني مع جوازها ولا يجوز نفض الزيتون ونحوه ببعض ما يسقط منه2 ولا أجرة مثله ويجوز نفض كله ولقطه ببعضه مشاعا ويجوز للرجل أن يؤجر أمته للإرضاع وليس لها إجارة نفسها فإن كان لها ولد لم يجز إجارتها لذلك إلا أن يكون فيها فضل عن ربه لأن الحق للولد وليس للسيد إلا الفاضل عنه فإن كانت متزوجة
__________
1 قوله: التي تقبل في الولادة معناه: التي تتعهد الولد حين انفصاله عن أمه مما يلزمه.
2 يريد بعضا مقدرا. كخمسة أقداح بخلاف المشاع كالربع فإنه جائز كما ذكره بعده.(2/288)
بغير عبده لم يجز أجارتها لذلك إلا بأذن الزوج وإن أجرها للرضاع ثم زوجها صح النكاح ولا تنفسخ الإجارة وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغها من الرضاعة والحضانة - وتأتي إجارة الحرة في عشرة النساء - ولا يقبل قولها إنها ذات زوج أو مؤجرة قبل نكاح بلا بينة.(2/289)
فصل: وإن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط ونحوهما الخ
...
فصل:- وإن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط ونحوهما
ليعمله ولو لم تكن له عادة بأخذ أجرة ولم يعقدا عقد إجارة أو استعمل حمالا ونحوه أو شاهدا إن جاز له أخذا أجرة صح وله أجرة مثله كتعريضه بها أي: نحو خذه وأنا أعلم أنك متعيش أو أنا أرضيك ونحوه وكذا دخول حمام وركوب سفينة ملاح وحلق رأس تغسيله وغسل ثوبه وبيعه له وشربه منه ماء وقال في التلخيص ما يأخذه الحمامي أجرة المكان والسطل والمئزر ويدخل الماء تبعا ويجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج امرأة وتصح إجارة حلي بأجرة من غير جنسه وكذا من جنسه مع الكراهة وإن قال: إن خطت هذا الثوب اليوم أو روميا فلك درهم وغدا أو فارسيا فنصفه أو أن زرعتها برا أو أن فتحت خياطا فبخمسة وذرة أو حدادا فبعشرة ونحوه فبعشرة أو إكراه بعشرة وما زاد فلكل يوم كذا صح ولا يصح أن يكترى مدة مجهولة كمدة غزاته أو غيرها وإن سمى لكل يوم شيئا معلوما جاز وإن إكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بثمرة صح وكلما دخل شهر لزمهما حكم الإجارة إن لم يفسخا ولكل(2/289)
منهما الفسخ عقب تقضي كل شهر على الفور في أول الشهر ولو أجره شهرا غير معين لم يصح ولو قال: أجرتك هذا الشهر بكذا وما زاد فبحسابه صح في الشهر الأول1 وأجرتك داري عشرين شهرا: كل شهر بدرهم صح واستأجرتك لحمل هذه الصبرة إلى مصر بعشرة أو لتحملها كل قفيز بدرهم أو لتحملها إلى كل قفيز بدرهم وما زاد فبحساب ذلك صح وكذلك كل لفظ يدل على إرادة حمل جميعها وكقوله: لتحمل قفز أنها بدرهم وسائرها بحساب ذلك أو قال: وما زاد فبحساب ذلك يريد باقيها كله إذا فهما ذلك من اللفظ لدلالته عندهما عليه أو لقرينة صرفت إليه وإن قال: لتحمل منها قفيزا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك يريد بذلك مهما حملته من باقيها أو لتنقل لي منها كل قفيز بدرهم أو على أن تحمل لي منها قفيزا بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب ذلك لم يصح وإن قال: لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وتنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك: فإن كانا يعلمان الصبرة التي في البيت بالمشاهدة صح وإن جهلها أحدهما صح في الأول وبطل في الثانية وإن قال لتحمل لي هذه الصبرة والتي في البيت بعشرة فإن كانا يعلمان التي في البيت صح فيهما وإن قال لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم فإن زاد على ذلك فالزائد بحساب ذلك صح في العشرة فقط وإن قال: لتحملها كل قفيز بدرهم فإن قدم لي طعام فحملته فبحساب ذلك صح أيضا في الصبرة فقط.
__________
1 لم يصح فيما بعد الشهر الأول لجهالة الأجرة.(2/290)
الشرط الثالث
...
فصل:- الثالث: أن تكون المنفعة مباحة لغير ضرورة مقصودة1
فلا تصح الإجارة على الزنا والزمر والغناء والنياحة ولا إجارة كاتب
__________
1 مقصودة صفة لمنفعة.(2/290)
يكتب ذلك ولا إجارة الدار لتجعل كنيسة أو بيت نار أو لبيع الخمر أو للقمار: شرط في العقد أو لا ولو أكترى ذمي من مسلم دارا فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه - ولا تصح إجارة ما يجمل به دكانه من نقد وشمع ونحوهما ولا طعام ليتجمل به على مائدته ثم يرده لأنه منفعة ذلك غير مقصودة ولا ثوب لتغطية نعش ولا يصح الاستئجار على حمل ميتة ونحوها الأكل لغير مضطر وخمر يشربها ولا أجرة له ويصح لإلقاء ولإراقة1 ولا يكره أكل أجرة ذلك ويصح لكسح كنيف ويكره له أكل أجرته: كأجرة حجام ولو أستأجره على سلخ بهيمة بجلدها أو على إلقاء ميتة بجلدها لم يصح وله أجرة مثله ومثله لطحن قمح بنخالته وعمل ميتة بجلدها لم يصح وله أجرة مثله ومثله لطحن قمح بنخالته وعمل السمسم شيرجا بالكسب والحلج بالحب وتجوز إجارة المسلم للذمي إذا كانت الإجارة في الذمة وكذا خدمة ولا تجوز إعارة الرقيق المسلم له ولا بأس أن يحفر للذمي قبرا بالأجرة ويكره إن كان ناووسا2.
__________
1 يريد إلقاء الميتة، وإراقة الخمر، وما في معنى ذلك.
2 الناووس: هو الحجر الذي ينقر ليوضع فيه الميت شبه الصندوق الذي يعمله غير المسلمين أو الذي يعمل للميت المتقطع.(2/291)
فصل:- والإجارة على ضربين:
أحدهما إجارة عين فما حرم بيعه فإجارته مثله - إلا الحر والحرة والوقف وأم الولد وتصح إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها ولا تصح إجارة(2/291)
ما لا يمكن استيفاؤها منها: كأرض سبخة لا تنبت للزرع أو لا ماء لها أو لها ماء لا يدوم لمدة الزرع ولا ديك ليوقظه لوقت الصلاة ولا مالا ينتفع به مع بقاء عينه كالمطعوم والمشروب ونحوه ويصح استئجاره دار يجعلها مسجدا أو حائط ليضع عليها أطراف خشبه إذا كان الخشب معلوما والمدة معلومة واستئجار فهد وهر وصقر وباء ونحوه للصيد لا سباع البهائم التي لا تصلح له ولا خنزير ولا كلب ولو كان يصيد أو عرس ويصح استئجار كتاب للقراءة والنظر فيه أو فيه خط حسن يجود خطه عليه - إلا المصحف فلا تصح ويجوز نسخه بأجرة - وتقدم في كتاب البيع وغره - ويصح استئجار نقد للتحلي والوزن وما احتيج كالأنف وربط الأسنان به فإن أطلق الإجارة لم تصح ولو أجره مكيلا أو موزونا أو فلوسا لم تصح ويجوز استئجار الشجر ليجفف عليها الثياب أو يبسطها عليها ليستظل بظلها وما يبقى من الطيب والصندل وقطع الكافور ونحوه للشم ويصح استئجار ولده ووالده لخدمته ويكره في والديه ويصح استئجار امرأته لرضاع ولده منها أو من غيرها وحضانته: بائنا كانت أو في حياله.(2/292)
شروط إجارة العين
...
فصل:- ولا تصح إجارة العين إلا بشروط خمسة
أحدها: أن يعقد على نفع العين دون أجزائها فلا تصح إجارة الطعام للأكل: كما تقدم ولا الشمع ليشعله ولا حيوانا ليأخذ لبنه ولا ليرضعه ولده ونحوه ولا ليأخذ(2/292)
صوفه وشعره ونحوه إلا في الطير ولا استئجار شجرة ليأخذ ثمرها أو شيئا من عينها ونقع البئر يدخل تبعا للدار ونحوها قال ابن عقيل: يجوز استئجار البئر ليستقي منه أياما معلومة أو دلاء معلومة لأن هواء البئر وعمقها فيه نوع انتفاع بمرور الدلو فيه فأما الماء فيؤخذ على الإباحة انتهى ويدخل أيضا تبعا حبر ناسخ وخيوط وكحل كحال مرهم طبيب وصبغ صباغ ونحوه وسئل أحمد عن إجارة بيت الرحى الذي يديره الماء فقال: الإجارة على البيت والأحجار والحديد والخشب فأما الماء فإنه يزيد وينقص وينضب ويذهب فلا يقع عليه إجارة ولا يجوز استئجار الفحل للضراب فإن أحتاج إلى ذلك ولم يجد من يطرق له جاز له أن يبذل الكراء: كشراء الأسير ورشوة الظالم ليدفع ظلمه ويحرم على المطرق أخذه وإن أطرق إنسان فحله بغير إجارة ولا شرط فأهديت له هدية أو أكرم بكرامه لذلك فلا بأس.
الثاني: معرفة العين برؤية أو صفة يحصل بها معرفته: كمبيع فإن لم تحصل بها أو كانت لا تتأتي فيها كالدار والعقار فتشترط مشاهدته وتحديده ومشاهدة قدر الحمام ومعرفة مائه ومصرفه ومشاهدة الإيوان ومطرح الرماد وموضع الزبل.
الثالث: القدرة على التسليم فلا تصح إجارة الآبق والشارد والمغصوب ممن لا يقدر على أخذه منه ولا إجارة مشاع مفرد لغير(2/293)
شريكه لأنه لا يقدر على تسليمه وإن كانت لواحد فأجر نصفه صح لأنه يمكنه تسليمه: إلا أن يؤجر الشريكان معا أو بأذنه قاله في الفائق وهو مقتضى تعليلهم ولا عين لاثنين فأكثر وهي لواحد وعنه بلى اختاره جمع.
الرابع: اشتمالها على المنفعة فلا تصح إجارة بهيمة زمنة للحمل ولا أخرس على تعليم منطوق ولا أعمى للحفظ ولا كافر لعمل في الحرم لأن المنع الشرعي كالحسى ولا لقلع سن سليمة أو قطع يد سليمة ولا الحائض والنفساء على كنس المسجد في حالة لا تأمن فيها تلويثه ولا على تعليم الكافر القرآن ولا على تعليم السحر والفحش والخنا أو على تعليم التوراة والكتب المنسوخة ولا إجارة أرض لا تنبت للزرع: كما تقدم ولا حمام لحمل كتب.
الخامس: كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها وتصح إجارة مستأجر لمن يقوم مقامه أو دونه في الضرر ولا يجوز لمن هو أكثر مستأجر منه ولا لمن يخالف ضرره ضرره: ما لم يكن المأجور حرا كبيرا أو صغيرا فإنه ليس لمستأجره أن يؤجر لأنه لا تثبت يد غيره عليه وإنما هو يسلم نفسه أو يسلمه وليه ويصح لغير مؤجرها ولمؤجرها بمثل الأجرة وزيادة ولو لم يقبض المأجور: ما لم تكن حيلة وليس للمؤجر مطالبة المؤجر الثاني بالأجرة وإذا تقبل عملا في ذمته بأجرة: كخياطة أو غيرها فلا بأس أن يقبله غيره بأقل منها ولو لم يعين فيه بشيء،(2/294)
ولمستعير إجارتها إن أذن له معير فيها يعينها والأجرة لربها ولا يضمن مستأجر - ويأتي في العارية - وتصح إجارة وقف فإن مات المؤجر انفسخت إن كان المؤجر الموقوف عليه ناظرا بأصل الاستحقاق وهو من يستحق النظر لكونه موقوفا عليه ولم يشرط الواقف ناظرا: بناء على أن الموقوف عليه يكون له النظر إذا لم يشرط الواقف ناظرا: وإن جعل له الواقف النظر أو تكلم بكلام يدل عليه فله النظر بالاستحقاق والشرط ولا تبطل الإجارة بموته فيرجع مستأجر على مؤجر قابض في تركته حيث قلنا تنفسخ ومثله مقطع أجر أقطاعه ثم انتقل إلى غيره بإقطاع آخر وإن كان المؤجر الناظر العام أو من شرط له الواقف النظر وكان أجنبيا أو من أهل الوقف لم تنفسخ بموته ولا بعزله كملكه الطلق والذي يتوجه أنه لا يجوز للموقوف عليهم أن يستسلفوا الأجرة لأنهم لم يملكوا المنفعة المستقبلة ولا الأجرة عليها فالتسلف لهم قبض مالا يستحقونه بخلاف المالك وعلى هذا فللبطن الثاني أن يطالب بالأجرة المستأجر الذي سلف المستحقين لأنه لم يكن له التسليف ولهم أن يطالبوا الناظر إن كان هو المسلف وكموت المستأجر وإذا أجر الولي اليتيم أو ماله أو السيد العبد مدة ثم بلغ الصبي ورشد وعتق العبد: فإن كان يعلم بلوغ الصبي فيها أو عتق العبد بأن كان معلقا انفسخت وقت عتقه وبلوغه وإن لم يعلم لم تنفسخ ولا تنفسخ بموت المؤجر لا عزله ولا يرجع العتيق على سيده بشيء من الأجرة: لكن نفقته في مدة باقي الإجارة على سيده إن لم تكن مشروطة على المستأجر(2/295)
ولو ورث المأجور أو اشترى أو أتهب أو وصى له بالعين أو أخذ صداقا أو أخذه الزوج عوضا عن خلع أو صلحا أو غير ذلك فالإجارة بحالها وتجوز إجارة الإقطاع: كالوقف فلو أجره ثم استحقت الإقطاع لآخر فالصحيح تنفسخ: كما تقدم وإن كانت الإقطاع عشرا لم تصح إجارتها: كتضمينه.(2/296)
فصل: وإجارة العين تنقسم قسمين:
أحدهما: أن تكون على مدة: كإجارة الدار شهرا أو الأرض عاما والآدمي للخدمة أو للرعي ويسمى الأجير فيها الأجير الخاص: وهو من قدر نفعه بالزمن: وإذا تمت الإجارة وكانت على مدة - ملك المستأجر المنافع المعقود عليها فيها وتحدث على ملكه - ويشترط أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإن طالت فإن قدر المدرة بسنة مطلقة حمل على السنة الهلالية وإن قال: عددية أو سنة بالأيام: فثلاثمائة وستون يوما لأن الشهر العددي ثلاثون يوما وإن قال: رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وهما يعلمانها جاز: وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وإن جهلا ذلك أو أحدهما لم يصح ولا يشترط أن تلي المدة العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح: سواء كانت العين مشغولة وقت العقد بإجارة أو رهن أو غيرهما إذا أمكن التسليم عند وجوبه أو لم تكن مشغولة فلا تصح إجارة مشغولة بغراس أو بناء للغير وغيرهما ولو أجره إلى ما يقع اسمه على شيئين: كالعيد،(2/296)
وجمادى وربيع لم يصح فلا بد من تعيين العيد: فطرا وأضحى من هذه السنة أو من سنة كذا وكذا جمادى ونحوه - وتقدم في السلم وإن علقها بشهر مفرد: كرجب فلا بد أن يبين من أي سنة وبيوم لا بد أن يبينه من أي أسبوع وليس لوكيل مطلق - الإيجار مدة طويلة بل العرف: كسنتين ونحوهما قاله الشيخ وإذا أجره في أثناء شهر مدة لا تلي العقد فلا بد من ذكر ابتدائها: كانتهائها وإن كانت تليه لم يحتج إلى ذكره ويكون من حين العقد وكذا إن أطلق فقال: آجرتك شهرا أو سنة ونحوهما وإذا آجره سنة هلالية في أولها عد أثني عشر شهرا بالأهلة سواء كان الشهر تاما أو ناقصا وكذلك إن كان العقد على أشهر وإن كان في أثناء شهر استوفى شهرا بالعدد ثلاثين من أول المدة وآخرها نص عليه في النذر وباقيها بالأهلة وكذا حكم ما تعتبر فيه الأشهر كعدة وفاة وشهري صيام الكفارة ومدة الخيار وغير ذلك وإذا استأجر سنة أو سنتين أو شهرا لم يحتج إلى تقسيط الأجرة على سنة أو شهر أو يوم.
القسم الثاني - إجارتها لعمل معلوم: كإجارة دابة للركوب إلى موضع معين أو يحمل عليها إليه فإن أراد العدول إلى مثله في المسافة والحزونة والسهولة والأمن أو التي يعدل إليها أقل ضررا جاز وإن سلك أبعد منه أو أشق فاجرة المثل للزائد - ويأتي قريبا - وإن اكترى ظهرا إلى بلد ركبه إلى مقره ولو لم يكن في أول عمارته،(2/297)
وتصح إجارة بقر لحرث مكان أو دياس زرع أو استئجار آدمي ليدله على الطريق أو رحى لطحن قفزان معلومة.
ويشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف ولا تعرف الأرض التي يريد حرثها إلا بالمشاهدة وأما تقدير العلم فيجوز بأحد شيئين: إما بالمدة: كيوم وإما بمعرفة الأرض: كهذه القطعة أو تحرث من هنا إلى هنا أو بالمساحة: كجريب أو جريبين أو كذا ذراعا في كذا فإن قدره بالمدة فلا بد من معرفة البقر التي يعمل عليها ويجوز أن يستأجر البقر مفردة ليتولى رب الأرض الحرث بها وإن يستأجرها مع صاحبها وبآلتها وبدونها وكذا استئجار البقر وغيرها لدياس الزرع واستئجار غنم لتدوس له طينا أو زرعا وإن اكترى حيوانا لعمل لم يخلق له: كبقر للركوب وإبل وحمر للحرث جاز وإن استأجر دابة لإدارة الرحى اعتبر معرفة الحجر بمشاهدة أو صفة وتقدير العلم وذكر جنس المطحون إن كان يختلف وإن اكتراها لإدارة دولاب فلا بد من مشاهدته ومشاهدة دلائه وتقدير ذلك بالزمن أو ملء الحوض وكذلك إن اكتراها للسقي بالغرب1 فلا بد من معرفته ويقدر بالزمان أو بعدد الغروب أو بملء بركة لا بسقي أرضه وإن قدره بشرب ماشية جاز لأن شربها يتقارب في الغالب: كشيل تراب معروف وإن استأجر دابة ليسقي عليها فلا بد من معرفة الآلة التي
__________
1 الغرب بفتح الغين وسكون الراء: الدلو الكبير.(2/298)
يستقي فيها من راوية أو قرب أو جرار: إما بالرؤية أو بالصفة ويقدر العمل بالزمان أو بالعدد أو بملء شيء معين فإن قدره بعدد المرات احتاج إلى معرفة المكان التي يستقي منه والذي يذهب إليه ومن اكترى زورقا فزواه مع زورق له فغرقا ضمن1 لأنها مخاطرة لاحتياجها إلى المساواة ككفة الميزان كما لو اكترى ثورا لاستقاء ماء فجعله فدانا لاستقاء الماء فتلف ضمن2 وكل موضع وقع على مدة فلا بد من معرفة الذي يعمل عليه وإن وقع على عمل معين لم يحتج إلى ذلك وإن استأجر رحى لطحن قفزان معلومة احتاج إلى معرفة جنس المطحون: برا أو شعيرا أو ذرة أو غير ذلك لأن ذلك يختلف ويجوز استئجار كيال ووزان لعمل معلوم أو في مدة معلومة واستئجار رجل ليلازم غريما يستحق ملازمته ويجوز لحفر الآبار والأنهار والقنى ولا بد من معرفة الأرض التي يحفر فيها وإن قدره بالعمل فلا بد من معرفة الموضع بالمشاهدة لكونها تختلف بالصلابة والسهولة ومعرفة دور البئر وعمقها وآلتها أن طواها وطول النهر وعرضه وعمقه وإن حفر بئرا فعليه شيل ترابها منها فإن تهور تراب من جانبها أو سقطت فيه بهيمة أو نحو ذلك لم يلزمه شيله وكان على صاحب البئر وإن وصل إلى صخر أو جماد يمنع الحفر لم
__________
1 زوى الشيء: جمعه بغيره اهـ قاموس.
2 قال في القاموس: فدان كسحاب وشداد: الثور، أو الثوران يقرن بينهما للحرث وغيره اهـ بتصرف. والأخير ما يقصده المصنف.(2/299)
يلزمه حفره لأن ذلك مخالف لما شاهده من الأرض فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له الخيار في الفسخ فإن فسخ كان له من الأجر بحصة ما عمل فيقسط الأجر على ما بقي وما عمل فيقال: كم أجر ما عمل؟ وكم أجر ما بقي؟ فيسقط الأجر المسمى عليهما ولا يجوز تقسيطه على عدد الأذرع لأن أعلى البئر يسهل نقل التراب منه وأسفله يشق ذلك فيه وإن نبع ما منعه من الحفر فكالصخرة ويجوز استئجار ناسخ فإن قدره بالعمل ذكر عدد الورق وقدره وعدد السطور في كل ورقة وقدر الحواشي ودقة القلم وغلظه فإن عرف الخط بالمشاهدة جاز وإن أمكنه بالصفة ذكره وإلا فلا بد من المشاهدة ويصح تقدير الأجر بأجزاء الفرع وأجزاء الأصل وإن قاطعه على نسخ الأصل بأجر واحد جاز فإن أخطأ بالشيء اليسير عفى عنه وإن كان كثيرا عرفا فهو عيب يرد به - قال ابن عقيل: ليس له محادثة في غيره حالة النسخ ولا التشاغل بما يشغل سره ويوجب غلطه ولا لغيره تحديثه وشغله وكذلك الأعمال التي تختل بشغل السر والقلب: كالقصارة والنساجة ونحوهما ويجوز أن يستأجر سمسار ليشتري له ثيابا فإن عين العمل دون الزمان فجعل له من كل ألف درهم شيئا معلوما صح وإن قال: كلما اشتريت ثوبا فلك درهم وكانت الثياب معلومة أو مقدرة بثمن جاز ويجوز أن يستأجره ليبيع له ثيابا يعينها ونحوه.(2/300)
فصل:- الضرب الثاني - عقد على منفعة في الذمة
في شيء معين أو موصوف - مضبوطة بصفات1 كالسلم فيشترط تقديرها بعمل أو مدة كخياطة ثوب أو بناء دار أو حمل إلى موضع معين ويلزم الشروع فيه عقب العقد فلو ترك ما يلزمه قال الشيخ: بلا عذر فتلف ضمن ولا يجوز أن يكون الأجير فيها إلا آدميا جائز التصرف ويسمى الأجير المشترك: وهو من قدر نفعه بالعمل ولا يصح الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله: استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم ويصح جعالة ويحرم ولا تصح إجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة وهو المسلم ولا يقع إلا قربة لفاعله كالحج أي النيابة فيه والعمرة والأذان ونحوها: كإقامة وإمامة صلاة وتعليم قرآن وفقه وحديث وكذا القضاء قاله ابن حمدان2 ويصح أخذ جعالة على ذلك كأخذه بلا شرط وكذا رقية وله أخذ رزق على ما يتعدى نفعه: كالوقف على من يقوم بهذه المصالح بخلاف الأجر وليس له أخذ رزق وجعل وأجر على ما لا يتعدى
__________
1 قوله: مضبوطة صفة لمنفعة.
2 إنما حرم أخذ الأجرة على العمل الذي يعتبر قربة إلى الله تعالى لما روى الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أبي بن كعب علم رجلا سورة من القرآن فأهدى له الرجل ثوبا أو بردة، فذكر أبي للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لو لبستها ألبسك الله مكانها ثوبا من نار" وهذا وعيد صريح، والوعيد لا يكون إلا على محرم، ولأن الأجرة معاوضة عن العمل، والدين لا يباع ولا يشترى كما تباع وتشترى السلع، ولما كانت الجعالة، والرزق لا يقعان على وجه المعاوضة بل من قبيل الإعانة صح أخذهما حيث حرمت الأجرة.(2/301)
كصوم وصلاة خلفه وصلاته لنفسه وحجه عن نفسه وأداء الزكاة نفسه ونحوه ولا أن يصلى عنه فرضا ولا نافلة في حياته ولا في مماته فإذا وصى بدراهم لمن يصلي عنه تصدق بها عنه لأهل الصدقة وتجوز الإجارة على ذبح الأضحية والهدي: كتفرقة الصدقة ولحم الأضحية وتصح على تعليم الخط والحساب والشعر المباح وشبهه فإن نسيه في المجلس أعاد تعليمه وإلا فلا وتصح على بناء المساجد وكنسها وإسراج قناديلها وفتح أبوابها ونحوه على بناء القناطر ونحوها وإن استأجره ليحجمه صح كفصد ويكره للحر أكل أجرته: كأخذ ما أعطاه بلا شرط ويطعمه الرقيق والبهائم ويصح استئجاره لحلق الشعر وتقصيره ولختان وقطع شيء من جسده للحاجة إليه ومع عدمها يحرم ولا يصح ويصح أن يستأجر كحالا ليكحل عينيه ويقدر ذلك بالمدة ويحتاج إلى بيان عدد ما يكحله كل يوم: مرة أو مرتين فإن كحله في المدة فلم يبرأ استحق الأجرة وإن برئ في أثنائها انفسخت الإجارة فيما بقي وكذا لو مات فإن امتنع المريض من ذلك مع بقاء المرض استحق الطبيب الأجر بمضي المدة فإن قدرها بالبرء لم يصح إجارة ولا جعالة1 - ويأتي في الجعالة - ويصح أن يستأجر طبيبا لمداواته والكلام فيه كالكلام في الكحال إلا أنه لا يصح
__________
1 لم يصح إجارة ولا جعالة للجهل بالمدة التي يتم فيها البرء وبعدد مرات الاكتحال، وكلتاهما يحتاج إلى بيان العمل.(2/302)
اشتراط الدواء على الطبيب ويصح أن يستأجره من يقلع له ضرسه فإن أخطأ فقلع غير ما أمر بقلعه ضمنه وإن برئ الضرس قبل قلعه انفسخت الإجارة ويقبل قوله في برئه وإن لم يبرأ: لكن امتنع المستأجر من قلعه لم يجبر.(2/303)
فصل: ويعتبر كون المنفعة للمتسأجر الخ
...
فصل:- ويعتبر كون المنفعة للمتسأجر
فلو اكترى دابة لركوب المؤجر لم يصح وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله: بإعارة وغيرها ولو شرط عليه استيفاءها بنفسه فسد الشرط ولم يلزم الوفاء به ويعتبر كون راكب مثله في طول وقصر وغيرهما لا في معرفة ركوب ومثله شرط زرع بر فقط ولا يضمنها مستعير منه أن تلفت من غير تفريط - ويأتي - ولا يجوز استيفاء بما هو أكثر ضررا ولا بما يخالف ضرره ضرره وله أن يستوفي المنفعة ومثلها وما دونها في الضرر من جنسها وإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه وليس له زرع الدخن والذرة ونحوهما ولا يملك الغرس ولا البناء وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر وإن اكتراها للغرس أو البناء أو لهما ملك الزرع ولا تخلو الأرض من قسمين:
أحدهما: أن يكون لها ماء دائم: أما من نهر لم تجر العادة بانقطاعه أو لا ينقطع إلا بمدة لا تؤثر في الزرع أو من عين تنبع أو بركة من مياه الأمطار يجتمع فيها الماء ثم تسقى به أو من بئر تقوم بكفايتها أو ما يشرب بعروقه لنداوة الأرض وقرب الماء الذي تحت الأرض(2/303)
فهذا كله دائم ويصح استئجاره للغراس والزرع وكذلك التي تشرب من مياه الأمطار وتكفي بالعناد منه.
الثاني: ألا يكون لها ماء دائم - وهي نوعان - أحدهما ما يشرب من زيادة معتادة تأتي وقت الحاجة: كأرض مصر الشاربة من زيادة النيل وما يشرب من زيادة الفرات وأشباهه وأرص البصرة الشاربة من المد والجزر وأرض دمشق الشاربة من زيادة بردا وما يشرب من الأودية الجارية من ماء المطر فهذه تصح إجارته قبل وجود الماء الذي تسقى به - النوع الثاني: أن يكون مجيء الماء نادرا أو غير ظاهر كالأرض التي لا يكفيها إلا المطر الشديد الكثير الذي يندر وجوده أو يكون شربها من فيض واد مجيئه نادر أو من زيادة نادرة في نهر فهذه إن أجرها بعد وجود ما يسقيها به صح وقيل لا يصح وإن اكتراها على أنها لا ماء لها صح لأنه يتمكن بالانتفاع بها بالنزول فيها وغير ذلك وإن حصل لها ماء قبل زرعها فله زرعها وليس له أن يبني ولا يغرس وإن اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر وإن اكتراها ليركبها عريا لم يجز أن يركبها بسرج وإن اكتراها ليركبها بسرج فليس له ركوبها عريا ولا بسرد أثقل منه ولا أن يركب الحمار بسرد برذون إن كان أثقل من سرجه أو أضر لا إن كان أخف أو أقل ضررا وإن اكتراه لحمل الحديد أو القطن لم يملك حمل الآخر وإن أجره مكانا ليطرح فيه أردب قمح فطرح فيه أردبين: فإن كان الطرح على الأرض فلا شيء له وإن كان على غرفة ونحوها(2/304)
لزمه أجرة المثل للزائد وإن اكتراه ليطرح فيه ألف رطل قطن فطرح فيه ألف رطل حديد لزمه أجرة المثل وإن أجره الأرض ليزرعها أو يغرسها لم يصح لأنه لم يعين أحدهما وإن اكتراها للزرع مطلقا أو قال: لتزرعها ما شئت وتغرسها ما شئت صح وله أن يزرعها كلها ما شاء وإن يغرسها كلها ما شاء وإن قال: لتنتفع بها ما شئت فله الزرع والغراس والبناء كيف شاء وإن خالف في شيء مما تقدم ففعل ما ليس له فعله أو سلك طريقا أشق عينها لزمه المسمى مع تفاوت أجر المثل إلا فيما إذا اكترى لحمل حديد فحمل قطنا وعكسه فإنه يلزم أجر المثل وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه أو لركوبه وحده فأردف غيره أو إلى موضع فجاوزه فعليه المسمى وأجرة المثل للزائد وإن تلفت الدابة ضمن قيمتها: سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة ولو كانت في يد صاحبها: إلا أن يكون له عليها شيء وتتلف في يد صاحبها بسبب غير حاصل من الزيادة وإن كان بسببها كتعبها من الحمل والسير فيضمن: كتلفها تحت الحمل والراكب وكمن ألقى حجرا في سفينة موقورة فغرقها فإن اكترى لحمل قفيزين فحملهما فوجدهما ثلاثة: فإن كان المكتري تولى الكيل ولم يعلم المكري بذلك فكمن اكترى لحمولة شيء فزاد عليه وإن كان المكري تولى كيله وتعبيته ولم يعلم المكتري فلا أجر له في حمل الزائد أو تلفت دابته فلا ضمان لها وحكمه في ضمان الطعام حكم من غصب طعام غيره وإن تولى ذلك أجنبي ولم يعلما فهو متعد عليهما عليه لصاحب الدابة الأجر ويتعلق به ضمانها(2/305)
وعليه لصاحب الطعام ضمان طعامه وسواء كاله أحدهما ووضعه الآخر على ظهر الدابة أو كان الذي كاله وعباه وضعه على ظهر الدابة.(2/306)
فصل: ويلزم المؤجر الخ
...
فصل:- ويلزم المؤجر مع الإطلاق كل ما يتمكن به من النفع
مما جرت به عادة وعرف من آلات وفعل: كزمام مركوب ولجامه وحله وقتبه وحزامه وثفره وهو الحياصة1 والبرة التي في أنف البعير إن كانت العادة جارية بها وسرجه وإكافه2 وشد ذلك عليه وتوطئة وشد الأحمال والمحامل والرفع والحط وقائد وسائق ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض ولو فرض كفاية: لا لسنة راتبة وأكل وشرب ويلزمه حبسه له لينزل لقضاء حاجة الإنسان والطهارة ويدع البعير واقفا حتى يفعل ذلك فإن أراد المكتري إتمام الصلاة فطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه بل تكون خفيفة في تمام ويلزمه تبريكه لشيخ ضعيف وامرأة وسمين ونحوهم لركوبهم ونزولهم ولمرض ولو طارئا فإن احتاجت الراكبة إلى أخذ يد أو مس جسم تولى ذلك محرمها دون الجمال ولا يلزمه محمل ومحارة3 ومظلة ووطاء فوق الرحل وحبل قران بين المحملين والعدلين بل على المستأجر: كأجرة دليل - قال في الترغيب وعدل قماش على مكر إن كانت في الذمة وقال الموفق إنما يلزم المؤجر ما تقدم ذكره إذا كان
__________
1 الثفر بوزن قمر: السير يشد في آخر السرج على فخذي الدابة.
2 إكاف الحمار بوزن كتاب، وغراب، وبالواو المكسورة بدل الهمزة برذعته.
3 المحارة: من قبيل الهودج.(2/306)
الكرى على أن يذهب معه المؤجر أما إن كان على أن يسلم لراكب البهيمة ليركبها لنفسه فكل ذلك عليه انتهى - وهو متوجه في بعض دون بعض والأولى أن يرجع في ذلك إلى العرف والعادة ولعله مرادهم فأما تفريغ البالوعة والكنيف وما حصل في الدار من زبل وقمامة فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة ويلزم مؤجر الدار تسليمها منظفة إزالة ثلج عن السطح وأرض ولو حادثا لا حبل ودلو وبكرة ويلزم مفاتيحها وتسليمها إلى مكتر وتكون أمانة معه فإن تلفت من غير تفريط فعلى المؤجر بدلها ويلزمه عمارتها سطحا وسقفا بترميم بإصلاح منكسر وإقامة مائل وعمل باب وتطيين ونحوه فإن لم يفعل فللمستأجر الفسخ ويلزمه تبليط الحمام ولو شرط على مكتري الحمام أو الدار مدة تعطيلها عليه أو أن يأخذ بقدر مدة التعطيل بعد فراغ المدة او شرط على المكتري النفقة الواجبة لعمارة المأجور أو جعلها أجرة لم يصح: لكن لو عمر بهذا الشرط أو بأذنه رجع بما قال مكر فإن اختلفا في قدر ما أنفقه ولا بينة فالقول قول المكري وإن اتفق من غير إذنه لم يرجع بشيء ولا يلزم أحدهما تزويق ولا تجصيص ونحوهما بلا شرط ولا يلزم الراكب الضعيف والمرأة المشي المعتاد عند قرب المنزل وكذا قوى قادر: لكن المروءة تقضي ذلك أن جرت به عادة ولو اكترى بعيرا إلى مكة فليس له الركوب إلى الحج أي إلى عرفة والرجوع إلى منى وإن اكترى ليحج عليه فله الركوب إلى مكة ومن(2/307)
مكة إلى عرفة ثم إلى مكة ثم إلى منى لرمي الجمار وإذا كان الكرى إلى مكة أو إلى طريق لا يكون السير فيه إلى المتكاريين فلا وجه لتقدير السير فيه وإن كان في طريق السير إليهما استحب ذكر قدر السير في كل يوم فإن أطلق والطريق منازل معروفة جاز ومتى اختلفا في ذلك وفي وقت السير ليلا أو نهارا أو في موضع المنزلة: إما في داخل البلد أو خارج منه حملا على العرف وإن شرط حمل زاد مقدر: كمائة رطل وشرط أن يبدل منها ما نقص بالأكل أو غيره فله ذلك وإن شرط ألا يبدله فليس له إبداله فإن ذهب بغير الأكل: كسرقة أو سقوط فله إبداله وإن أطلق العقد فله إبدال ما ذهب بسرقة وأكل ولو معتادا: كالماء ويصح كرى العقبة: بأن يركب شيئا ويمشي شيئا وإطلاقها يقتضي ركوب نصف الطريق ولا بد من العلم بها: إما بالفراسخ وإما بالزمان: مثل أن يركب ليلا ويمشي نهارا أو بالعكس أو يمشي يوما ويركب يوما فإن طلب أن يمشي ثلاثة أيام ويركب ثلاثة لم يكن له ذلك لأنه يضر بالمركوب فإن كان الراكب اثنين كان الاستيفاء إليهما على ما يتفقان عليه فإن تشاحا في البادي بالركوب أقرع.(2/308)
فصل:- والإجارة عقد لازم من الطرفين
يقتضي تمليك المؤجر الأجر والمنافع ليس لأحدهما فسخها بعد انقضاء الخياران كان: إلا أن يجد العين معيبة عيبا لم يكن علم به فله الفسخ والعيب الذي يفسخ به ما تنقص به المنفعة ويظهر به تفاوت الأجر إن لم يزل بلا ضرر يلحقه كأن تكون الدابة جموحا أو عضوضا أو نفورا أو شموسا(2/308)
أو بها عيب: كتعثر الظهر في المشي وعرج يتأخر به عن القافلة وربض البهيمة بالحمل أو يجد المكتري للخدمة ضعيف البصر أو به جنون أو جذام أو برص أو مرض أو يجد الدار مهدومة الحائط أو يخاف من سقوطها أو انقطع الماء من بئرها أو تغير بحيث يمنع الشرب والوضوء وأشباه ذلك فإن رضي بالمقام ولم يفسخ لزمه جميع الأجر وإن اختلفا في الموجود هل عيب أو لا؟ رجع إلى أهل الخيرة: مثل أن تكون الدابة خشنة المشي أو أنها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيرا فإن قالوا: هو عيب فله الفسخ وإلا فلا هذا إذا كان العقد على عينها فإن كانت موصوفة في الذمة لم يفسخ العقد وعلى المكري إبدالها فإن عجز عن إبدالها أو أمتنع منه ولم يمكن إجباره فللمكتري الفسخ أيضا وإن فسخها المستأجر من غير عيب وترك الانتفاع بالمأجور قبل تقضي المدة لم تنفسخ وعليه الأجرة ولا يزول ملكه عن المنافع ولا يجوز للمؤجر التصرف فيها فإن تصرف ويد المستأجر جميع الأجرة وله على المالك أجرة المثل لما سكنه أو تصرف فيه وإن تصرف المالك قبل تسليمها أو امتنع منه حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة وإن سلمها إليه في أثنائها انفسخت فيما مضى وتجب أجرة الباقي بالحصة وإن حوله المالك قبل تقضي المدة أو منعه بعضها أو أمتنع الأجير من تكميل العمل أو من التسليم في بعض المدة أو المسافة لم يكن له لما فعل أو سكن نصا وإن(2/309)
هرب الأجير أو شردت الدابة أو أخذها المؤجر وهرب بها أو منعه من استيفاء المنفعة من غير هرب لم تنفسخ الإجارة ويثبت له خيار الفسخ فإن فسخ فلا كلام وإن لم يفسخ وكانت على مدة انفسخت بمضيها يوما فإن عادت العين في أثنائها استوفى ما بقي وإن انقضت انفسخت وإن كانت على عمل في الذمة: كخياطة ثوب ونحوه أو حمل إلى موضع معين استؤجر من ماله من يعمله فإن تعذر فله الفسخ فإن لم يفسخ وصبر فله مطالبته بالعمل متى أمكن وكل موضع امتنع الأجير من العمل فيه أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع إذا كان بعد عمل البعض فلا أجرة له فيه ما سبق: إلا أن يرد المؤجر العين قبل انقضاء المدة أو يتمم الأجير العمل: إن لم يكن على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل فأما إن شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله من الأجر بقد ما استوفى بكل حال وإن هرب الجمال ونحوه بدوابه استأجر عليه الحاكم إلى أن يرجع وباع ماله في ذلك فإن تعذر أو كانت معينة في العقد فللمستأجر الفسخ ولا أجرة لما مضى وإن هرب أو مات وترك بهائمه وله مال أنفق عليها الحاكم من ماله ولو ببيع ما فضل مها لأن علفها وسقيها عليه فإن لم يمكن استدان عليه أو أذن للمستأجر في النفقة فإذا انقضت باعها الحاكم ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبها فإن لم يستأذن الحاكم وأنفق بنية الرجوع رجع وإلا فلا ولا يعتبر الإشهاد على نيته الرجوع صححه في القواعد وإذا(2/310)
رجع واختلفا فيما أنفق وكان الحاكم قدر النفقة قبل قول المكتري في ذلك دون ما زاد وإن لم يقدر له قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها فإن تلفت في أثنائها انفسخت فيما بقي وتنفسخ بموت الصبي المرتضع وبموت المرضعة وانقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه أو برئه ونحوه كما تقدم في الباب لا بموت راكب ولو لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة وإن اكترى دارا فانهدمت أو أرضا للزرع فانقطع ماؤها مع الحاجة إليه انفسخت فيم بقي من المدة وكذا لو انهدم البعض ولمكتر الخيار في البقية فإن أمسك فبالقسط من الأجرة وإن أجره أرضا بلا ماء أو أطلق مع علمه بحالها صح لا إن ظن المستأجر مكان تحصيل الماء وإن علم أو ظن وجوده بالأمطار أو زيادة صح وتقدم في الباب.(2/311)
فصل: ومتى زرع فغرق أو تلف بحريق أو جراد الخ
...
فصل:- ومتى زرع فغرق أو تلف بحريق
أو جراد أو فأر أو برد أو غيره قبل الحصاد أو لم تنبت فلا خيار وتلزمه الأجرة نصا ثم أن أمكن المكتري الانتفاع بالأرض بغير الزرع أو بالزرع في بقية المدة فله ذلك وإن تعذر زرعها لغرق الأرض أو قل الماء قبل زرعها أو بعده أو عابت بغرق يعيب به بعض الزرع فله الخيار ولا تنفسخ بموت المكتري أو أحدهما ولا بعذر لأحدهما: مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه وتقدم بعضه وإن غضبت العين المستأجرة: فإن كانت على عين موصوفة في الذمة لزمه بدلها فإن تعذر فله الفسخ وكذا لو تلفت أو تعيبت وإن كانت على عين معينة لعمل خير مستأجر بين فسخ وصبر إلى أن(2/311)
يقدر عليها وإن كانت على مدة خير بين فسخ وإمضاء ومطالبة غاصب بأجرة مثل ولو بعد فراغ المدة فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى وإن ردت العين في أثنائها قبل الفسخ استوفى ما بقي وخير فيما مضى وإن كان الغاصب هو المؤجر فلا أجرة فليس حكمه حكم الغاصب الأجنبي وقد علم مما تقدم إذا حوله المالك قبل أن تقضي المدة ولو أتلف المستأجر العين ثبت ما تقدم من الفسخ أو الانفساخ مع تضمينه ما تلف ومثله جب المرأة زوجها تضمن ولها الفسخ أو حصر البلد فامتنع خروج المستأجر إلى الأرض فله الفسخ وإن كان الموضع المأجور أو حلولهم في طريقة أو مرض أو حبس لم يملك الفسخ ولو اكترى دابة ليركبها أو يحمل عليها إلى موضع معين فانقطعت الطريق إليها لخوف حادث أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق ملك كل منهما فسخ الإجارة وإن اختار إبقاءها إلى حين إمكان استيفاء المنفعة جاز ومن استؤجر لعمل شيء في الذمة ولم يشترط عليه مباشرته فمرض وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله والأجرة عليه: إلا فيما يختلف فيه القصد: كنسخ فإنه يختلف باختلاف الخطوط ولا يلزم المستأجر قبوله وإن تعذر عمل الأجير فله الفسخ وإن شرط عليه مباشرته فلا استنابة إذا وإن مات في بعضها بطلت فيما بقي وإن كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها فمرض لم يقم(2/312)
غيره مقامه وإن وجد العين معيبة أو حدث بها عيب يظهر به تفاوت الأجرة - وتقدم التنبيه على بعضه قريبا - أو استأجر دارا جارها رجل سوء ولم يعلم فله الفسخ إن لم يزل سريعا بلا ضرر يلحقه وعليه أجرة ما مضى والإمضاء بلا أرش فلو لم يعلم حتى انقضت المدة لزمته الأجرة ولا أرش له ويصح بيع العين المؤجرة ورهنها ولمشتريها الفسخ والإمضاء مجانا إذا لم يعلم ولا تنفسخ بشراء مستأجرها ولا بانتقالها إليه بإرث أو هبة أو وصية أو صداق أو عوض في خلع أو صلح ونحوه فيجتمع لبائع على مشتر الثمن والأجرة وإن اشترى المستأجر العين فوجدها معيبة فردها فالإجارة بحالها وإن كان المشتري أجنبيا فرد المستأجر الإجارة عادت المنفعة إلى البائع ولو وهب العين المستعارة للمستعير بطلت العارية ولو باع الدار التي تستحق المعتدة للوفاة سكناها وهي حامل - فقال الموفق لا يصح بيعها - وقال المجد: قياس المذهب الصحة قال في الإنصاف وهو الصواب.(2/313)
فصل:- والأجير الخاص:
من قدر نفعه بالزمن - كما تقدم - يستحق المستأجر نفعه في جميع المدة المقدر نفعها بها: سوى فعل الصلوات الخمس في أوقاتها بسننها وصلاة جمعة وعيد: سواء سلم نفسه للمستأجر أو لا ويستحق الأجرة بتسليم نفسه: عمل أو لم يعمل وتتعلق الإجارة بعينه فلا يستنيب - وتقدم قريبا - ولا ضمان عليه فيما(2/313)
يتلف في يده: إلا أن يتعمد أو يفرط وليس له أن يعمل لغيره فإن عمل وأضر بالمستأجر فله قيمة ما فوته عليه والأجير المشترك: من قدر نفعه بالعمل ويتقبل الأعمال فتتعلق الإجارة بذمته ولا يستحق الأجرة إلا بتسليم عمله ويضمن ما تلف بفعله ولو بخطئه كتخريق القصار الثوب وغلطه في تفصيله ودفعه إلى غير ربه ولا يحل لقابضه لبسه ولا الانتفاع به وإن قطعه قبل علمه غرم أرش نقصه ولبسه ويرجع به على القصار وكزلق حمار وسقوط عن دابته أو تلف من عثرته وما تلف بقوده وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به حمله وكذا طباخ وخباز وحائك وملاح سفينة ونحوهم: حضر رب المال أو غاب ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله لا أجرة له فيما عمله: سواء عمله في بيت المستأجر أو بيته وإذا استأجر قصابا يذبح له شاة فذبحها ولم يسم ضمنها وإن استأجر مشترك خاصا فلكل حكم نفسه1 وإن استعان به ولم يعمل فله الأجرة لأجل ضمانه لا لتسليم العمل ولا ضمان على حجام ولا بزاغ: وهو البيطار ولا ختان ولا طبيب ونحوهم: خاصا كان أو مشترك إذا عرف منهم حذق ولم تجن أيديهم إذا أذن فيه مكلف أو ولي غيره حتى في قطع سلعه ونحوها - ويأتي - فإن جنت يده ولو خطأ: مثل أن جاوز قطع
__________
1 صورة ذلك أن تدفع ثوبك إلى الأجير المشترك فيعطيها هو لأجير خاص فيتلفها الثاني فالضمان لك على الأول ويرجع هو على أجيره الخاص إن كان مفرطا: وقد تقدم لك تعريف المشترك والخاص.(2/314)
الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها أو قطع في غير محل القطع أو قطع سلعة فتجاوز موضع القطع أو قطع بآلة يكثر ألمها أو في وقت لا يصلح القطع فيه وأشباه ذلك ضمن وإن ختن صبيا بغير أذن وليه أو قطع سلعة من مكلف بغير أذنه أو من صبي بغير أذن وليه فسرت جنايته ضمن وإن فعل ذلك الحاكم أو من أذنا له فيه لم يضمن ولا ضمان على راع فيما تلف من الماشية إذا لم يتعد أو يفرط في حفظها فإن فعل بنوم أو غفلة أو تركها تتباعد عنه أو تغيب عن نظره وحفظه أو أسرف في ضربها أو ضربها في غير موضع الضرب أو من غير حاجة إليه أو سلك بها موضعا تتعرض فيه للتلف وما أشبه ذلك ضمن - وفي الفصول يلزم الراعي توخي أمكنة المرعى النافع وتوقي النبات المضر وردها عن زرع الناس وإيرادها الماء إذا احتاجت إليه على الوجه الذي لا يضرها شربه ودفع السباع عنها ومنع بعضها عن بعض قتالا ونطحا فيرد الصائلة عن المصول عليها والقرناء عن الجماء والقوية عن الضعيفة فإذا جاء المساء وجب عليه إعادتها إلى أربابها انتهى وإن اختلفا في التعدي وعدمه فقول الراعي فإن اختلفا في كونه تعديا رجع إلى أهل الخبرة وإن ادعى موت شاة ونحوها قبل قوله ولو لم يأت بجلدها أو شيء منه ومثله مستأجر الدابة ويجوز عقد الإجارة على رعي ماشية معينة وعلى جنس في الذمة يرعاها فإن كانت على معينة تعينت فلا يبدلها ويبطل العقد فيما تلف منها وله أجر ما بقي بالحصة ونماؤها في يده أمانة وإن عقد على موصوف(2/315)
في الذمة ذكر جنسه ونوعه إبلا أو بقرا أو غنما ضأنا أو معزا وكبره وصغره وعدده وجوبا ولا يلزمه رعي سخالها فإن أطلق ذكر البقر والإبل لم يتناول الجواميس والبخاتي وإن حبس الصانع الثوب على أجرته بعد عمله فتلف أو أتلفه أو عمل على غير صفة شرطه ضمنه وخير مالك بين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة وبين تضمينه معمولا ويدفع إليه الأجرة ويقدم قول ربه في صفة عمله - ذكره ابن رزين - ومثله تلف أجير مشترك وضمان المتاع المحمول يخير ربه بين تضمينه قيمته في الموضع الذي سلمه إليه ولا أجرة له وبين تضمينه في الموضع الذي أفسده وله الأجرة إلى ذلك المكان وإن أفلس مستأجر ثم جاء بائعه يطلبه فللصانع حبسه1 والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر أن تلفت بغير تعد ولا تفريط لم يضمنها والقول قوله في عدم التعدي وإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد فإن شرط ألا يسير به في الليل أو وقت القائلة أو لا يتأخر بها عن القافلة أو لا يجعل سيره في آخرها وأشباه هذا مما فيه غرض فخالف ضمن وإذا ضرب المستأجر الدابة أو الرائض: وهو الذي يعلمها السير بقدر العادة أو كبحها باللجام أي جذبها أو ركضها برحله لم يضمن لأن له ذلك بما جرت به
__________
1 مثال هذه المسألة: أن تبيع الكتاب لزيد بثمن مؤجل، ثم يعطى زيد الكتاب للحباك يجلده، ثم يفلس زيد عن دفع الثمن لك، فترجع أنت على الصانع ويسمى زيد في هذه الصورة مستأجرا بالنسبة للصانع ومشتريا بالنسبة لك.(2/316)
العادة ويجوز له إيداعها في الخان إذا قدم بلدا وأراد المضي وإن لم يستأذن المالك في ذلك وإذا اشترى طعاما في دار رجل أو خشبا أو ثمرة في بستان فله أن يدخل ذلك من الرجال والدواب من يحول ذلك ويقطف الثمرة وإن لم يأذن المالك وكذا غسل الثوب المستأجر إذا اتسخ - ويأتي أدب ولده ونحوه في آخر الديات - وإن قال: أذنت لي في تفصيله قباء فقال: بل قميصا أو قميص امرأة فقال: بل قميص رجل فقول خياط بخلاف وكيل وله أجرة مثله ومثله صباغ ونحوه اختلف هو وصاحب الثوب في لون الصبغ ولو قال: إن كان الثوب يكفيني فاقطعه وفصله فقال: يكفيك ففصله ولم يكفه ضمنه ولو قال: انظر هل يكفيني قميصا؟ فقال: نعم فقال: اقطعه فقطعه فلم يكفه لم يضمن1 ولو أمره أن يقطع الثوب قميص رجل فقطعه قميص امرأة فعليه غرم ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا وإذا دفع إلى حائك غزلا فقال: انسجه لي عشرة أذرع في عرض ذراع فنسجه زائدا على ما قدره له في الطول والعرض فلا أجر له في الزيادة وعليه ضمان ما نقص الغزل المنسوج فيها فأما ما عدا الزائد فإن كان جاءه زائدا في الطول وحده ولم ينقص الأصل بالزيادة فله المسمى ولو ادعى مرض العبد أو إباقه أو شرود الدابة أو موتها بعد فراغ المدة أو فيها أو تلف المحمول قبل قوله والأجرة عليه إذا حلف أنه ما انتفع فإن
__________
1 لم يضمن في هذه لأنه أذنه بالقطع إذنا مجردا عن الشرط، بخلاف التي قبلها فإنه علق الإذن بالقطع على ما إذا كان لثوب يكفيه.(2/317)
اختلفا في قدر الأجرة فكاختلافهما في قدر الثمن في البيع وإن اختلفا في قدر مدة الإجارة كقوله: آجرتك سنة بدينار قال: بل سنتين بدينارين فقول المالك وإن قال: آجرتك سنة بدينار فقال: بل بدينارين تحالفا ويبدأ بيمين الأجر فإن كان قبل مضي شيء من المدة فسخا العقد ورجع كل واحد منهما في ماله وإن رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر أقر العقد وإن فسخا العقد بعد المدة أو شيء منها سقط المسمى ووجب أجر المثل وإن قال:- آجرتكها سنة بدينار فقال بل: سنتين بدينار تحالفا وصارا كما لو اختلفا في العوض مع اتفاق المدة وإن قال: آجرتك الدار سنة بدينار فقال الساكن: بل استأجرتني على حفظها بدينار فقول رب الدار.(2/318)
فصل:- وتجب الأجرة بنفس العقد
فتثبت في الذمة وإن تأخرت المطالبة بها وله الوطء إذا كانت الأجرة أمة: سواء كانت إجارة عين أو في الذمة وتستحق كاملة ويجب تسليمها بتسليم العين لمستأجر أو بذلها له أو بفراغ عمل بيد مستأجر ويدفعه إليه بعد عمله ويدفع غيره إن لم تؤجل ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه وتستقر بمضي المدة أو بفراغ العمل وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء شرط قلعه عند انقضائها أو في وقت لزم قلعه مجانا فلا تجب على رب الأرض غرامة نقص ولا على مستأجر تسوية حفر ولا إصلاح أرض إلا بشرط وإن لم يشترط قلعه أو شرط بقاؤه فلمالك الأرض أخذه بالقيمة إن كان ملكه تاما - ويأتي في الشفعة(2/318)
كيف يقوم الغراس؟ - وإن كان المستأجر شريكا في الأرض شركة شائعة فبنى أو غرس ثم انقضت المدة فللمؤجر أخذ حصة نصيبه من الأرض والبناء والغراس وليس له إلزامه بالقلع لاستلزامه قلع ما لا يجوز قلعه ولا يتملكه غير تام الملك: كالموقوف عليه والمستأجر ومرتهن - أو تركه بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه ولصاحب الشجر بيعه لمالك الأرض ولغيره فيكون بمنزلته - وفي التلخيص وغيره إذا اختار المالك القلع وضمان النقص فالقلع على المستأجر وليس عليه تسوية حفر لأن المؤجر دخل على ذلك انتهى - ومحل الخيرة في ذلك لرب الأرض ما لم يختر مالكه قلعه فإن اختاره فله ذلك وعليه تسوية الحفر وظاهر كلامهم كما قاله صاحب الفروع - لا يمنع الخيرة بين أخذ رب الأرض له أو قلعه وضمان نقصه أو تركه بالأجرة كون المستأجر وقف ما غرسه أو بناه فإذا لم يتركه في الأرض لم يبطل الوقف بالكلية بل ما يؤخذ بسبب الوقف وأخذت منه قيمته يشتري بها ما يقوم مقامه فكذا هنا وهو كما قاله وهو ظاهر وظاهر كلامهم لا يقلع الغراس إذا كانت الأرض وقفا بل قال الشيخ: ليس لأحد أن يقلع غراس المستأجر وزرعه: صحيحة كانت الإجارة أو فاسدة بل إذا بقي فعليه أجرة المثل وإن أبقاه بالأجرة فمتى باد بطل الوقف وأخذ الأرض صاحبها فانتفع بها ومحل الخيرة أيضا ما لم يكن البناء مسجدا ونحوه فلا يهدم ولا يتملك وتلزم الأجرة إلى زواله ولا يعاد بغير(2/319)
رضا رب الأرض ولو غرس أو بنى مشتر ثم فسخ البيع بعيب كان لرب الأرض الأخذ بالقيمة والقلع وضمان النقص وتركه بالأجرة وأما المبيع بعقد فاسد إذا غرس فيه المشتري أو بنى فحكمه حكم المستعير إذا غرس أو بنى على ما يأتي في بابه وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط مستأجر مثل أن يزرع زرعا لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة فحكمه حكم زرع الغاصب للمالك أخذه بالقيمة ما لم يختر مستأجر قلع زرعه في الحال وتفريغ الأرض فإن اختاره فله ذلك ولا يلزمه وللمالك تركه بالأجرة وإن كان بقاؤه بغير تفريط مثل أن يزرع زرعا ينتهي في المدة عادة فأبطأ لبرد أو غيره لزمه تركه بأجرة مثله إلى أن ينتهي وله المسمى وأجرة المثل لما زاد ومتى أراد المستأجر زرع شيء لا يدرك مثله في مدة ولو اكترى أرضا لزرع مدة لا يكمل فيها وشرط قلعه بعدها صح وإن شرط بقاءه ليدرك أو سكت فسدت وإذا تسلم العين في الإجارة الفاسدة حتى انقضت المدة فعليه أجرة المثل: سكن أو لم يسكن وإن لم يتسلم لم يلزمه أجرة ولو بذلها المالك وإن أكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم وإذا انقضت المدة رفع المستأجر يده ولم يلزمه الرد ولا مؤنته: كمودع وتكون في يده أمانة إن تلفت من غير تفريط فلا ضمان عليه ولا تقبل دعواه الرد إلا ببينة لأنه قبض لمنفعة نفسه كالمرتهن والمستعير.(2/320)
باب السبق والمناضلة
تعريف السبق والمناضلة وأحكامهما
...
باب السبق والمناضلة
السبق: بفتح الباء: الجعل الذي يسابق عليه وبسكونها: المجاراة بين حيوان ونحوه.
والمناضلة: المسابقة بالسهام تجوز بلا عوض على الأقدام1 وبين سائر الحيوانات من إبل وخيل وبغال وحمير وفيلة وطيور حتى بحمام وبين سفن ومزاريق ونحوها ومناجيق ورمي أحجار بيد ومقاليع ويكره الرقص ومجالس الشعر وكل ما يسمى لعبا: إلا ما كان معينا على قتال العدو فيكره لعبه بأرجوحة وكذا مراماة الأحجار ونحوها: وهو أن يرمي كل واحد الحجر إلى صاحبه وظاهر كلام الشيخ لا يجوز اللعب المعروف بالطاب والنقيلة وقال كل فعل أفضى إلى محرم كثير - حرمه الشارع إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة لأنه يكون سببا للشر والفساد وقال أيضا: ما ألهى وشغل عما أمر الله به فهو منهي عنه وإن لم يحرم جنسه: كبيع وتجارة ونحوهما انتهى ويستحب اللعب بآلة الحرب قاله جماعة والثقاف ويتعلم بسيف خشب لا حديد نصا وليس من اللهو المحرم ولا المكروه تأديب فرسه وملاعبته أهله ورميه عن قوسه ويكره لمن علم الرمي أن يتركه كراهة شديدة وتجوز المصارعة ورفع الأحجار لمعرفة الأشد وأما اللعب بالنرد والشطرنج ونطاح الكباش ونقار الديوك
__________
1 فاعل تجوز يعود على المسابقة.(2/321)
فلا يباح بحال وهي بحال أحرم ولا تجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام للرجال.
بشروط خمسة1 أحدها تعيين المركوبين بالرؤية وتساويهما في ابتداء العدو وانتهائه وتعيين الرماة: سواء كانا اثنين أو جماعتين ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين ولا السهام ولو عينها لم تتعين وكل ما تعين لا يجوز إبداله: كالمتعين في البيع وما لا يتعين يجوز إبداله لعذر وغيره.
الثاني: أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد فلا تصح بين فرس عربي وهجين ولا بين قوس عربية وفارسية ولا يكره الرمي بالقوس الفارسية.
الثالث: تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي بما جرت به العادة ويعرف ذلك بالمشاهدة أو بالذراع نحو مائة ذراع أو مائتي ذراع وما لم تجربه عادة: وهو ما زاد في الرمي على ثلاثمائة ذراع فلا يصح ولا يصح تناضلهما على السبق لأبعدهما رميا2.
الرابع: كون العوض معلوما: إما بالمشاهدة أو بالقدر أو بالصفة ويجوز أن يكون حالا ومؤجلا وبعضه حالا وبعضه مؤجلا - ويشترط أن يكون مباحا وهو تمليك بشرط سبقه.
الخامس: الخروج عن شبه القمار بأن لا يخرج جميعهم: فإن كان
__________
1 قوله بشروط: متعلق يقوله سابقا تجوز بلا عوض الخ وكذلك هذه الشروط معتبرة في التي بعوض في الأشياء الثلاثة المذكورة.
2 لم يصح ذلك لعدم تحديد الغاية، وقد عرفت وجوب ذلك من الشرط الثالث.(2/322)
الجعل من الإمام: من ماله أو من بيت المال أو من غيرهما أو من أحدهما على أن من سبق أخذه جاز فإن جاء معه فلا شيء لهما وإن سبق المخرج أحرز سبقه ولم يأخذ الآخر شيئا وإن سبق من لم يخرج أحرز سبق صاحبه وإن أخرجا معا لم يجز وكان قمارا لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن يغنم أو يغرم وسواء كان ما أخرجاه متساويا أو متفاوتا مثل أن أخرج أحدهما عشرة والآخر خمسة إلا بمحلل لا يخرج شيئا ويكفي واحد ولا تجوز الزيادة عليه يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيريهما أو رميه رمييهما فإن سبقهما أحرز سبقهما وإن سبقاه أحرزا سبقهما ولم يأخذا منه شيئا وإن سبق أحدهما أحرز السبقين وإن سبق معه المحلل أحرز السابق مال نفسه ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحلل نصفين وإن جاؤا الغاية دفعة واحدة أحرز كل واحد منهما سبق نفسه ولا شيء للمحلل فإن قال المخرج من غيرهما: من سبق أو صلى فله عشرة لم يصح إذا كانا اثنين فإن كانوا أكثر أو قال من صلى أي جاء ثانيا فله خمسة صح وكذا على الترتيب للأقرب إلى السبق: وخيل الحلبة على الترتيب: مجل فمصل فتال فبارع فمرتاح فخطى فعاطف فمؤمل فلطيم فسكيت ففسكل - وفي الكافي وتبعه في المطلع - مجل فمصل فمسل فتال فمرتاح إلى آخره1 فإن
__________
1 المجلي على صبغة اسم الفاعل: هو الفرس الأول في السباق. والمصلي على الوزن عينه: هو الثاني اهـ قاموس والتالي هو الثالث. والبارع: هو الرابع من برع بمعنى غلب، وبراعته بالنسبة لما بعده من الخيل أو للتفاؤل، والمرتاح في القاموس..............=(2/323)
جعل للمصلى أكثر من السابق أو جعل للتالي أكثر من المصلى أو لم يجعل للمصلى شيئا لم يجز وإن قال: لعشرة من سبق منكم فله عشرة صح فإن جاؤا معا فلا شيء لهم وإن سبق واحد فله العشرة أو اثنان فهي لهما وإن سبق تسعة وتأخر واحد فالعشرة للتسعة وإن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه أو غيرهم أو أن سبقتني فلك كذا أو لا أرمي أبدا أو شهرا لم يصح الشرط ويصح العقد.
__________
= هو الخامس من خيل الحلبة ولعله مأخوذ من الارتياح بمعنى النشاط. والخطى: بالخاء على وزن غنى. السادس: والعاطف: هو السابع، من عطف بمعنى حمل عليه وكر. والمؤمل بصيغة اسم المفعول: هو الثامن واللطيم: هو التاسع والسكيت بضم السين مشددة مع فتح الكاف مشددة ومخففة هو العاشر، والفسكل وله أوزان عدة منها الفاء والكاف مع تسكين السين هو الأخير.(2/324)
فصل:- والمسابقة جعالة:
وهي عقد جائز لا يؤخذ بعوضها رهن ولا كفيل ولكل منهما فسخها ولو بعد الشروع فيها: ما لم يظهر لأحدهما فضل فإن ظهر فله الفسخ دون صاحبه وتبطل بموت أحد المتعاقدين واحد المركوبين ولا يقوم وارث الميت مقامه ولا يقيم الحاكم من يقوم مقامه لا بموت الراكبين أو أحدهما ولا تلف أحد القوسين والسهام.
ويشترط: إرسال الفرسين والبعيرين دفعة واحدة ويكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما ويرتبهما وعند الغاية من يضبط السابق منهما ويحصل السبق بالرأس في متماثل عنقه وفي مختلفة وابل بكتفه وإن شرط المتسابقان السبق بأقدام معلومة(2/324)
لم يصح فتصف الخيل في ابتداء الغاية صفا واحدا ثم يقول المرتب لذلك: هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل؟ فإذا لم يجبه أحد كبر ثلاثا ثم خلاها عند الثالثة ويخط الضابط للسبق عند انتهاء الغاية خطا ويقيم رجلين متقابلين أحد طرفي الخط بين إبهامي أحدهما والطرف الآخر بين إبهامي الآخر وتمر الخيل أو وراءه فرسا لا راكب عليه يحرضه على العدو وإن يجلب: وهو أن يصيح به في وقت سباقه.(2/325)
فصل: وحكم المناضلة
في العوض حكم الخيل وتصح بين اثنين وحزبين. ويشترط لها شروط أربعة - أحدها: أن تكون على من يحسن الرمي فإن كان في أحد الحزبين من لا يحسنه بطل العقد فيه وأخرج من الحزب الآخر مثله ولهم الفسخ أن أحبوا وإن عقد النضال جماعة ليقتسموا بعد العقد حزبين برضاهم صح: لا بقرعه ويجعل لكل حزب رئيس فيختار أحدهما واحدا ثم يختار الآخر آخر حتى يفرغا ولا يجوز أن يختار كل واحد الرئيسين أكثر من واحدهما واحد وإن اختلفا فيمن يبدأ بالخيرة اقترعا ولا يجوز جعل رئيس الحزبين واحدا ولا الخيرة في تمييزهما إليه ولا أن يختار جميع حزبه أولا ولا السبق عليه ولا يشترط استواء عدد الرماة وإن بان بعض الحزب كثير الإصابة أو عكسه فادعى ظن خلافه لم يقبل.(2/325)
الثاني: معرفة عدد الرشق - بكسر الراء: وهو الرمي وليس له عدد معلوم فأي عدد اتفقوا عليه جاز وعدد الإصابة بان يقول: الرشق عشرون والإصابة خمسة ونحوه: إلا أنه لا يصح اشتراط إصابة تندر: كإصابة جميع الرشق أو تسعة من عشرة ونحوه ويشترط استواؤهما في عدد الرشق والإصابة وصفتها وسائر أحوال الرمي فإن جعلا رشق أحدهما عشرة والآخر عشرين أو شرطا أن يصيب أحدهما خمسة والآخر ثلاثة او شرطا إصابة أحدهما خواسق والآخر خواصل1 أو شرطا أن يحط أحدهما من إصابته سهمين أو يحط سهمين من إصابته - بسهم من إصابة صاحبه أو شرطا أن يرمي أحدهما من بعد والآخر من قرب أو يرمي أحدهما وبين أصابعه سهم والآخر بين أصابعه سهمان أو أن يرمي أحدهما على رأسه شيء والآخر خال عن شاغل أو أن يحط عن أحدهما واحد من خطئه لا عليه ولا له وأشباه هذا مما تفوت المساواة لم يصح.
الثالث: معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو محاطة أو مبادرة؟ فالمفاضلة أن يقولا: أينا فضل صاحبه بإصابة أو إصابتين أو ثلاث إصابات ونحوه من عشرين رمية فقد سبق فأيهما فضل صاحبه بذلك فهو السابق وتسمى محاطة لأن ما تساويا فيه من الإصابة محطوط
__________
1 الخواسق جمع خاسق: صفة للرمية التي يصيب السهم فيها الغرض فيخرقها ويثبت فيه. والخواصل جمع خاصل: صفة للرمية التي تصيب شارة الهدف على أي شكل كانت. وسيأتيك في هذا زيادة تفصيل.(2/326)
غير معتد به ويلزم إكمال الرشق إذا كان فيه فائدة - والمبادرة أن يقولا: من سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فقد سبق فأيهما سبق إليها مع تساويهما في الرمي فهو السابق ولا يلزم إتمام الرمي وإن أصاب كل واحد منهما خمسا فلا سابق فلا يكملان الرشق ومتى كان النضال بين حزبين اشترط كون الرشق يمكن قسمه بينهم بغير كسر ويتساوون فيه فإن كانوا ثلاثة وجب أن يكون له ثلث وكذا ما زاد ولا يجوز أن يقولوا: تقرع فمن خرجت قرعته فهو السابق ولا أن من خرجت قرعته فالسبق عليه ولا أن يقولوا ارمي فأينا أصاب فالسبق على الآخر وإن شرطوا أن يكون فلان مقدم حزب وفلان مقدم الآخر ثم فلان ثانيا من الحزب الأول وفلان ثانيا من الحزب الثاني كان فاسدا وإن تناضل اثنان وأخرج أحدهما السبق فقال أجنبي: أنا شريكك في الغرم والغنم أن فضلك فنصف السبق علي وإن فضلته فنصفه لي لم يجز وكذلك لو كان المتناضلون ثلاثة منهم فقال رابع للمستبقين: أنا شريككما في الغنم والغرم وإن فضل أحد المتناضلين صاحبه فقال المفضول: أطرح فضلك وأعطيك دينارا لم يجز وإن فسخا العقد وعقدا عقدا آخر جاز وإذا أخرج أحذ الزعيمين السبق من عنده فسبق حزبه لم يكن على حزبه شيء وإن شرطه عليهم فهو عليهم بالسوية ويقسم على الحزب الآخر بالسوية من أصاب ومن أخطأه وإذا أطلقا الإصابة تناولها على أي صفة كانت1
__________
1 تقدم لك حين الكلام على الشرط أنه لا بد من معرفة صفة الإصابة بأن.......... =(2/327)
فإن قالا: خواصل فهو بمعناه ويكون تأكيدا1 ومن صفات الإصابة خواسق: وهو ما خرق الغرض وثبت فيه وخوازق بالزاي ومقرطس بمعناه وخوارق بالراء المهملة وهو ما خرق الغرض ولم يثبت فيه ويسمى موارق وخواصر: وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض وخوارم: ما خرم جانب الغرض وحوابي: ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه فبأي صفة قيدوا الإصابة تقيدت بها وحصل السبق بإصابته وإن شرطا إصابة موضع من الغرض كالدائرة فيه تقيد به وإذا كان شرطهم خواصل فأصاب بنصل السهم حسب له كيف كان فإن أصاب بعرضه أو بفوقه: نحو ينقلب السهم بين يدي الغرض فيصيب الغرض أو انقطع السهم قطعتين فأصابت القطعة الأخرى لم يعتد به.
الرابع: معرفة قدر الغرض طولا وعرضا وسمكا وارتفاعا من الأرض: وهو ما ينصب في الهدف من قرطاس أو جلد أو خشب أو غيرهما ويسمى شارة والهدف ما ينصب الغرض عليه: إما تراب مجموع أو حائط أو غيرهما: ولا يعتبر ذكر المبتدئ بالرمي فإن ذكراه كان أولى وإن أطلقا ثم تراضيا بعد العقد على تقديم أحدهما جاز،
__________
= تكون خواسق، أو خواصل. وهنا لم يشترط ذلك. ولا يفوتك أنه أخذ في كل من الموضعين برأي بعض علماء المذهب.
1 يريد فقول التعاقدين في وصفها للرمية خواصل فهو بمعنى الإطلاق. ولذلك قال: ويكون تأكيدا.(2/328)
وإن تشاحا في المبتدئ منهما اقرع بينهما ولو كان لأحدهما مزية بإخراج السبق وإن كان المخرج أجنبيا قدم من يختاره منهما فإن لم يختر وتشاحا أقرع بينهما وأيهما كان أحق بالتقديم فبدره الآخر فرمى لم يعتد له بسهمه أخطأ أو أصاب وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني فإن شرطا البداءة لأحدهما في كل الوجوه لم يصح وإن فعلا ذلك من غير شرط برضاهما صح وإذا رمي البادئ بسهم رمي الثاني بسهم كذلك حتى يقضيا رمييهما وإن رميا سهمين سهمين فحسن وإن شرطا أن يرمي أحدهما رشقة ثم يرمي الآخر أو يرمي أحدهما عددا ثم يرمي الآخر مثله جاز وإن شرطا أن يبدأ كل واحد منهما من وجهين متواليين جاز والسنة أن يكون لهما غرضان يرميان أحدهما ثم يمضيان إليه فيأخذان السهام ثم يرميان الآخر وإن جعلوا غرضا واحدا جاز وإذا تشاحا في الوقوف فإن كان الموضع الذي طلبه أحدهما أولى: مثل أن يكون في أحد الموقفين يستقبل الشمس أو ريحا يؤذيه استقبالها ونحو ذلك والآخر يستدبرها قدم قول من طلب استدبارها إلا أن يكون في شرطها استقبال ذلك فالشرط أولى: كما لو اتفقا على الرمي ليلا فإن كان الموقفان سواء كان ذلك إلى الذي يبدأ فيتبعه الآخر فإذا كان في الوجه الثاني وقف الثاني حيث شاء ويتبعه الأول وإذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان شرطهم خواصل احتسب له به وإن كان خواسق لم يحتسب له به ولا عليه وإن وقع في غير موضع الغرض احتسب به على راميه وإن وقع في الغرض(2/329)
في الموضع الذي طار إليه حسبت عليه أيضا: إلا أن يكون اتفقا على رميه في الموضع الذي طار إليه وكذا الحكم لو ألقت الريح الغرض على وجهه وإن عرض عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة لم يحتسب عليه ولا له بالسهم وإن عرض مطر أو ظلمة جاز تأخير الرمي ويكره للامين والشهود مدح أحدهما أو المصيب وعيب المخطئ لما فيه من كسر قلب صاحبه ويمنع كل منهما من الكلام الذي يغيظ صاحبه: مثل أن يرتجز ويفتخر ويتبجح بالإصابة ويعنف صاحبه على الخطأ أو يظهر أنه يعلمه وكذا الحاضر معهما وإن قال قائل: ارم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم وإن أخطأت فعليك درهم لم يصح لأنه قمار وإن قال: أصبت به فلك درهم أو قال: ارم عشرة أسهم فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك درهم أو قال لك بكل سهم أصبت به منها درهم أو بكل سهم زائد على النصف من الصيبات درهم أو قال: إن كان صوابك أكثر فلك بكل سهم أصبت به درهم صح وكان جعالة لا نضالا وإن شرطا أن يرميا أرشاقا كثيرة معلومة جاز وإن شرطا أن يرميا منها كل يوم قدرا اتفقا عليه جاز وإن أطلقا العقد جاز وحمل على التعجيل والحلول كسائرة العقود فيرميان من أول النهار إلى آخره: إلا أن يعرض عذر من مرض أو غيره فإذا جاء الليل تركاه: إلا أن يشترطا ليلا - فيلزم فإن كانت الليلة مقمرة منيرة اكتفى وإلا رميا في ضوء شمعة أو مشعل.(2/330)
باب العارية
تعريفها وشروطها
...
باب العارية
وهي العين المعارة والإعارة: إباحة نفعها بغير عوض وهي مندوب إليها - ويشترط كونها منتفعا بها مع بقاء عينها وتنعقد بكل قول أو فعل يدل عليها كقوله: أعرتك هذا أو أبحتك الانتفاع به أو يقول المستعير: أعرني هذا أو أعطنيه أركبه أو أحمل عليه فيسلمه إليه ونحوه ويعتبر كون المعير أهلا للتبرع شرعا وأهلية مستعير للتبرع له وإن شرطا لها عوضا معلوما في مؤقته صح وتصير إجارة وإن قال: أعرتك عبدي على أن تعيرني فرسك فإجارة فاسدة غير مضمونة للجهالة وتصح إعارة الدراهم للوزن فإن استعارها لينفقها أو استعار مكيلا أو موزونا فقرض وتصح في المنافع المباحة وإعارة كلب صيد وفحل للضراب وتحرم إعارة بضع وعبد مسلم لكافر لخدمته خاصة كإجارته لها وإعارة صيد وما يحرم استعماله في الإحرام لمحرم فإن فعل فتلف الصيد ضمنه منه بالجزاء وللمالك بالقيمة1 وإعارة عين لنفع محرم وكإعارة دار لمن يتخذها كنيسة أو يشرب فيها مسكرا أو يعصي الله فيها وكإعارة سلاح يؤذي عليها محترما وعبد أو أمه لغناء أو نوح أو زمر ونحوه وتجب إعارة مصحف لمحتاج إلى قراءة فيه ولم يجد غيره: إن لم يكن مالكه محتاجا إليه ولا تعار الأمة للاستمتاع فإن وطئ مع العلم بالتحريم
__________
1قوله: ضمنه منه يريد ضمن المحرم الصيد من الحرم.(2/331)
فعليه الحد وكذا هي أن طاوعته وولده رقيق وإن كان جاهلا فلا حد وولده حر ويلحق به وتجب قيمته للمالك ويجب مهر المثل فيهما ولو مطاوعة: إلا أن يأذن فيه السيد وأما للخدمة: فإن كانت برزة أو شوها جاز وكذا إن كانت شابة وكانت الإعارة لمحرم أو امرأة أو صبي1 وإن كانت لشاب كره خصوصا العزب وتحرم إعارتها وإعارة أمرد وأجارتهما لغير مأمون - وقال ابن عقيل: لا تجوز إعارتها للعزاب الذي لا نساء لهم من قرابات ولا زوجات وتحرم الخلوة بها والنظر إليها بشهوة وتكره استعارة أبويه للخدمة لأنه يكره للولد استخدامهما - وللمستعير الرد متى شاء ولمعير الرجوع متى شاء مطلقة كانت أو مؤقتة ما لم يأذن في شغله بشيء يستضر المستعير برجوعه - مثل أن يعيره سفينة لحمل متاعه أو لوحا يرقع به سفينة فرقعها به ولج في البحر فليس له الرجوع والمطالبة ما دامت في اللجة حتى ترسي وله الرجوع قبل دخولها البحر ولا لمن أعاره أرضا للدفن حتى يبلى الميت ويصير رميما قاله ابن البناء وله الرجوع قبل الدفن ولا لمن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه أو لتعلية سترة عليه ما دام عليه وله الرجوع قبل الوضع وبعده: ما لم يبن عليه أو تكون العارية لازمة ابتداء فإن خيف سقط الحائط بعد وضعه عليه لزم إزالته لأنه يضر بالمالك وإن لم يخف عليه لكن استغنى عن إبقائه عليه لم يلزم إزالته فإن سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده إلا بأذنه أو عند الضرورة إن لم يتضرر الحائط: سواء أعيد بآلته الأولى
__________
1 قوله: لمحرم بفتح الميم الأولى.(2/332)
أو غيرها وتقدم في الصلح ولا لمن أعاره أرضا للزرع قبل الحصاد فإن بذل المعير قيمة الزرع ليتملكه لم يكن له ذلك لأن له وقتا ينتهي إليه ألا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصده وقت أخذه عرفا وإذا أطلق المدة في العارية فله أن ينتفع بها ما لم يرجع أو ينقضي الوقت فإن كان المعار أرضا لم يكن له أن يغرس ولا يبني ولا يزرع بعد الوقت أو الرجوع فإن فعل شيئا من ذلك فكغاصب وإن أعارها لغرس أو بناء وشرط عليه القلع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع ولا يلزمه تسوية الأرض إلا بشرط وإن لم يشرط عليه القلع لم يلزمه: إلا أن يضمن له المعير النقص فإن قلع فعليه تسوية الأرض وإن أبى القلع في الحال التي لا يجبر فيها فللمعير أخذه بقيمته بغير رضا المستعير أو قلعه وضمان نقصه1 فإن أبى ذلك بيعا لهما2 فإن أبيا البيع ترك بحاله واقفا وللمعير التصرف في أرضه على وجه لا يضر بالشجر وللمستعير الدخول لسقي وإصلاح وأخذ ثمرة وليس له الدخول لغير حاجة من التفرج ونحوه
__________
1 تقدم لك قريبا أن صاحب الأرض لو بذل المستعير قيمة الزرع ليتملكه لم يكن له ذلك وأما في مسألتنا هذه فله الرجوع وتملك ما في الأرض بقيمته، والفرق بين المسألتين أن الأولى في الزرع الذي له أجل ينتهي إليه عادة فإنه لا ضرر على مالك الأرض في الانتظار غالبا. وأما الثانية ففي الشجر والبناء ومدتهما لا تنتهي بأوان فجائز تملكها بالقيمة دفعا لضرر.
2فاعل أبى يعود على مالك الأرض يريد: إذا أبي تملك ذلك بالقيمة أو قلعه وضمان نقصه بيع الغراس والبناء على ذمة مالكيهما.(2/333)
وأيهما طلب البيع وأبى الآخر أجبر عليه ولكل منهما بيع ما له منفردا لمن شاء فيقوم المشتري مقام البائع ولا أجرة على المستعير من حين رجوع في غرس وبناء وسفينة في لجة بحر وأرض قبل أن يبلى الميت بل في زرع ويجوز أن يستعير دابة ليركبها إلى موضع معلوم فإن جاوزه فقد تعدى وعليه أجرة المثل للزائد خاصة وإن قال المالك: أعرتكها إلى فرسخ فقال المستعير: إلى فرسخين فالقول قول المالك وإن اختلفا في صفة العين حين التلف أو في قدر القيمة فقول مستعير وإن حمل السيل بذرا إلى أرض فنبت فيها فهو لصاحبه مبقي إلى الحصاد ولرب الأرض أجرة مثله وإن أحب مالكه قلعه فله ذلك وعليه تسوية الحفر وما نقصت وإن حمل غرسا فكغرس مشتر شقصا فيه شفعة وكذا حكم نوى وجوز ولوز ونحوه إذا حمل فنبت وإن حمل أرضا بشجرها فنبت في أرض أخرى كما كانت فهي لمالكها يجبر على إزالتها وإن ترك صاحب الأرض المتنقلة أو الشجر أو الزرع ذلك لصاحب الأرض التي انتقل إليها لم يلزمه نقله ولا أجرة ولا غير ذلك.(2/334)
فصل: وحكم مستعير الخ
...
فصل: وحكم مستعير
في استيفاء المنفعة كمستأجر فإن أعاره أرضا للغراس والبناء أو لأحدهما فله ذلك وإن يزرع ما شاء وإن استعارها للزرع لم يغرس ولم يبن وإن استعارها للغرس أو البناء فليس له الآخر وكمستأجر في استيفائها بنفسه وبمن يقوم مقامه وفي استيفائها وما دونها في الضرر من نوعها وغير ذلك إلا أنهما يخلفان في شيئين - أحدهما: لا يملك الإعارة ولا الإجارة على ما يأتي.(2/334)
والثاني: الإعارة لا يشترط لها تعيين نوع الانتفاع فلو إعارة مطلقا ملك الانتفاع المعروف في كل ما هو مهيأ له كالأرض مثلا تصلح للبناء والغراس والزراعة والارتباط وما كان غير مهيء له وإنما يصلح لجهة واحدة: كالبساط إنما يصلح للفرش فالإطلاق فيه كالتقييد للتعيين بالعرف وله استنساخ الكتاب المعار ودفع الخاتم المعار إلى من ينقش له على مثاله وإذا إعارة للغرس أو للبناء أو للزراعة لم يكن له ما زاد على المرة الواحدة فإن زرع أو غرس ما ليس له غرسه فكغاصب واستعارة الدابة للركوب لا تفيد السفر بها والعارية المقبوضة مضمونة بقيمتها يوم التلف بكل حال وإن شرط نفي ضمانها وإن كانت مثلية فبمثلها وكل ما كان أمانة أو مضمونا لا يزول عن حكمه بالشرط ولو استعار وقفا: ككتب علم وغيرها فتلفت بغير تفريط فلا ضمان وإن كان برهن رجع إلى ربه ولو أركب دابته متطوعا منقطعا لله تعالى فتلفت تحته لم يضمن وكذا رديف ربها ورائض ووكيله - ولو قال: لا أركب إلا بأجرة وقال: لا آخذ أجرة ولا عقد بينهما فعارية وإن تلفت أجزاؤها أو كلها باستعمال بمعروف: كخمل منشفة وطنفسة ونحوهما أو بمرور الزمان فلا ضمان فكذا لو تلف ولدها أو الزيادة وليس لمستعير أن يعير ولا يؤجر: إلا بأذن ولا يضمن مستأجر منه مع الأذن - وتقدم في الإجارة - والأجرة لربها لا له فإن أعار بلا إذن فتلفت عند الثاني ضمن القيمة والمنفعة: أيهما شاء1 والقرار على الثاني إن كان عالما بالحال وإلا استقر
__________
1 ضمن: بتشديد الميم، وفاعله يعود على رب العين، وضمير أيهما عائد على المستعير الأول والثاني.(2/335)
عليه ضمان العين ويستقر ضمان المنفعة على الأول وليس له أن يستعمل ما استعاره في غير ما يستعمل فيه مثله مثل أن يحشو القميص قطنا كما يفعل بالجوالق أو يحمل فيه ترابا أو يستعمل المناشف والطنافس في ذلك أو يستظل بها من الشمس أو نحوه فإن فعل ضمن ما نقص من أجزائها بهذه الاستعمالات فإن اختلفا فيما ذهبت به أجزاؤها فقال المستعير: بالاستعمال المعهود وقال المعير: بغيره ولا بينة فقول مستعير مع يمينه ويبرأ من ضمانها ويجب الرد بمطالبة المالك وبانقضاء الغرض من العين وبانتهاء التأقيت وبموت المستعير وحيث تأخر الرج فيما ذكرنا ففيه أجرة المثل لصيرورته كالمغصوب قاله الحارثي وعلى مستعير مؤنة رد العارية إلى مالكها: كمغصوب لا مؤنتها عنده1 وعليه ردها إليه إلى الموضع الذي أخذها منه: إلا أن يتفقا على ردها إلى غيره ولا يجب على المستعير أن يحملها له إلى موضع آخر فإذا أخذها بدمشق وطالبه ببعلبك: فإن كانت معه لزم الدفع وإلا فلا وإن استعار ما ليس بماء: ككلب مباح الاقتناء أو أبعد حرا صغيرا عن بيت أهله لزمه ردهما ومؤنة الرد فإن رد الدابة إلى اصطبل مالكها أو غلامه: وهو القائم بخدمته وقضاء أموره عبدا كان أو حرا أو المكان الذي أخذها منه أو إلى ملك صاحبها أو إلى عياله الذين لا عادة لهم بقبض ماله لم يبرأ من الضمان وإن ردها أو غيرها إلى من جرت عادته
__________
1 ضمير عنده يعود على المستعير، يريد أن المستعير غير ملزم بمؤنة العارية في مدة الإعارة، لأن حكمه في ذلك حكم المستأجر.(2/336)
بجريان ذلك على يده: كسائس وزوجة متصرفة في ماله وخازن ووكيل عام في قبض حقوقه - قاله في المجرد- برئ وإن سلم شريك في شريكه الدابة المشتركة فتلفت بلا تفريط ولا تعد بان ساقها فوق العادة من غير انتفاع ونحوه لم يضمن - قاله الشيخ وتأتي تتمته في الهبة - ومن استعار شيئا ثم ظهر مستحقا فلمالكه أجر مثله يطالب به من شاء منهما فإن ضمن المعير لم يرجع على أحد ويأتي في الغصب.(2/337)
فصل:- وإن دفع إليه دابة أو غيرها ثم اختلفا الخ
...
فصل:- وإن دفع إليه دابة أو غيرها ثم اختلفا
فقال: آجرتك فقال: بل أعرتني: عقب العقد والدابة قائمة - فقول القابض وترد إلى مالكها وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة فقول مالك فيما مضى من المدة دون ما بقي وله أجرة مثل وإن كانت الدابة قد تلفت لم يستحق صاحبها المطالبة بقيمتها لا قراره بما يسقط ضمانها ولا نظر إلى إقرار المستعير لأن المالك رد قوله بإقراره فبطل وإن قال: أعرتك قال بل أجرتني والبهيمة تالفة أو اختلفا في ردها فقول مالك وإن قال أعرتني أو أجرتني قال: بل غصبتني: فإن كان اختلافهما عقب العقد والبهية قائمة أخذها مالكها ولا شيء له وإن كان قد مضى مدة العقد لها أجرة فقول المالك فتجب أجرة المثل على القابض وإن تلفت الدابة ففي مسألة دعوى القابض العارية هما متفقان على ضمان العين مختلفان في الأجرة والقول قول المالك فتجب له أجرة المثل: كما تقدم،(2/337)
وفي دعواه1 الإجارة متفقان على وجوب الأجرة مختلفان في ضمان العين والقول قول المالك فيغرم القابض قيمتها إذا كانت تالفة في الصورتين وإن قال: أعرتك قال بل أودعتني فقول مالك ويستحق قيمة العين إن كانت تالفة وعكسها فقوله أيضا فيضمن ما انتفع به.
__________
1 الضمير في دعواه عائد على القابض للعين.(2/338)
باب الغصب وجنابة البهائم
حكم الغصب
...
باب الغصب وجنابة البهائم وما في معنى ذلك من الإتلافات.
الغصب حرام: وهو استيلاء غير حربي عرفا على حق غيره قهرا بغير حق وتضمن أم ولد وقن وعقار - بغصب إذا تلف بغرق ونحوه لكن لا تثبت يد على بضع فيصح تزويج الأمة المغصوبة ولا يضمن الغاصب مهرها لو حبسها عن النكاح حتى فات بالبكر ولا يحصل الغصب من غير استيلاء فلو دخل أرض إنسان أو داره صاحبها فيها أولا بأذنه أو بغر أذنه لم يضمنها بدخوله: كما لو دخل صحراء له وإن غصب كلبا يجوز اقتناؤه أو خمر ذمي مستورة أو تخلل خمر مسلم في يد غاصب لزمه رده لا ما أريق فجمعه آخر فتخلل لزوال يده هنا وإن أتلف الكلب أو الخمر ولو كان المتلف ذميا لم تلزمه قيمتهما كخنزير وخمر غير مستورة وتجب إراقة خمر المسلم ويحرم ردها إليه وإن غصب جلد ميتة نجسة لم يلزمه رده لأنه لا يطهر بدبغه ولا قيمة له وإن استولى على حر لم يضمنه بذلك ولو صغيرا - ويأتي في الديات(2/338)
إن شاء الله تعالى - ويضمن ثيابه وحليه وإن استعمله كرها أو حبسه مدة فعليه أجرته كالعبد وإن منعه العمل من غير حبس فلا ولو عبدا.(2/339)
فصل: ويلزمه رد المغصوب إلى محله الخ
...
فصل:- ويلزمه رد المغصوب إلى محله
وإن بعد وإن قدر على رده ولو غرم عليه أضعاف قيمته فإن قال ربه: دعه وأعطني أجرة رده وإلا ألزمتك برده أو طلب منه حمله إلى مكان آخر في غير طريق الرد لم يلزمه وإن قال المالك: دعه لي في المكان الذي نقلته إليه لم يملك الغاصب رده وإن قال: رده إلى بعض الطريق لزمه ومهما اتفقا عليه من ذلك جاز وإن خلطه بم يمكن تمييزه منه أو تمييز بعضه: كحنطة بشعير أو بسمسم أو صغار الحب بكباره أو زبيب أحمر بأسود لزمه تخليصه ورده وأجرة المميز عليه وإن لم يمكن تمييزه - فسيأتي في الباب وإن شغل المغصوب بملكه: كحجر بنى عليه أو خيط خاط به ثوبه أو نحوه فإن بلى الخيط وأنكسر الحجر أو كان مكانه خشبة فتلفت لم يجب رده ووجبت قيمته وإن كان باقيا بحاله لزمه رده وإن انتقض البناء وتفصل الثوب وإن سمر بالمسامير بابا لزمه قلعها وردها وإن كانت المسامير من الخشبة المغصوبة أو مال المغصوب منه فلا شيء للغاصب وليس له قلعها: إلا أن يأمره المالك فيلزمه وإن كانت المسامير للغاصب فوهبها للمالك لم يجبر المالك على قبولها وإن استأجر الغاصب على عمل شيء من هذا الذي ذكرناه فالأجر عليه وإن زرع الأرض فردها بعد أخذ الزرع فهو للغاصب وعليه أجرتها إلى وقت تسليمها وضمان النقص ولو لم يزرعها فنقصت لترك الزراعة: كأراضي(2/339)
البصرة أو نقصت لغير ذلك ضمن نقصها وإن أدركها ربها والزرع قائم فليس له إجبار الغاصب على قلعه ويخير بين تركه إلى الحصاد بأجرته وبين أخذه بنفقته فيرد مثل البذر وعرض لو أحقه من حرث وسقي وغيرهما ولا أجرة مدة مكثه في الأرض1 ويزكيه رب الأرض أن أخذه قبل وجوب الزكاة وبعد: على الغاصب وإن غرسها الغاصب أو بنى فيها ولو شريكا أو فعله من غير غصب بلا أذن أخذ بقلع غراسه وبنائه وتسوية الأرض وأرش نقصها وأجرتها ثم إن كانت آلات البناء من المغصوب فأجرتها مبنية وإلا أجرتها غير مبنية فلو أجرها فالأجر لهما بقدر قيمتيها ولو جصص الغاصب الدار أو زوقها فحكمها كالبناء ولو غصب أرضا وغراسا من شخص واحد فغرسه فيها كالكل لمالك الأرض فإن طالبه ربها بقلعه وله في قلعه غرض صحيح أجبر عليه وعليه تسوية الأرض ونقصها ونقص الغراس وإن لم يكن في قلعه غرض صحيح لم يجبر وإن أراد الغاصب قلعه ابتداء فله منعه ويلزمه أجرته مبنيا ورطبة ونحوها كزرع فيما تقدم: لا كغرس ولو أراد مالك لم يكن له ذلك وإن اتفقا على تعويضه عنه جاز وإن وهب الغاصب الغراس والبناء لمالك الأرض ليتخلص من قلعه فقبله المالك جاز وإن أبى قبوله وكان في
__________
1 قوله: ولا أجرة، يريد به لا يلزم الغاصب بأجرة الأرض إذا استولى مالكها على الزرع بنفقته حيث أن المنفعة عادت إليه.(2/340)
قلعه غرض صحيح لم يجبر على قبوله وإن أخذ تراب أرض فضربه به لبنا رده ولا شيء له: إلا أن يجعل فيه تبنا له فله أن يحله ويأخذ تبنه إن كان يحصل منه شيء وإن طالبه المالك بحله لزمه إن كان فيه غرض صحيح وإن جعله آجرا أو فخارا لزمه رده ولا أجر له لعمله وليس له كسره ولا المالك إجباره عليه وإن غصب فصيلا فأدخله داره فكبر وتعذر خروجه بدون نقض الباب أو خشبة وأدخلها داره ثم بنى الباب ضيقا لا تخرج إلا بنقضه وجب نقضه ورد الفصيل الخشبة وإن كان حصوله في الدار من غير تفريط من صاحبها نقض الباب وضمان على صاحب الفصيل وأما الخشبة: فإن كان كسرها أكثر ضررا من نقض الباب فكالفصيل وإن كان أقل كسرت وإن كان حصوله في الدار بعدو أن من صاحبه: كمن غصب دارا وأدخلها فصيلا أو خشبة أو تعدى على إنسان فأدخل داره فرسا ونحوها كسرت الخشبة وذبح الحيوان وإن زاد ضرره على نقض البناء وإن باع دارا وفيها ما يعسر أخراجه: كخوابي وخزائن أو حيوان وكان نقض الباب أقل ضررا من بقاء ذلك في الدار او تفصيله أو ذبح الحيوان نقض وكان إصلاحه على البائع وإن كان أكثر ضررا لم ينقض ويصطلحان على ذلك: بأن يشتريه مشتري الدار وغير ذلك وإن غصب لوحا فرقع به سفينة لم يقلع وهي في اللجة حتى تخرج منها وترسي أن خيف عليها بقلعه ولو لم يكن فيها إلا مال الغاصب أو لم يكن فيها ذو روح محترم وعليه أجرته إليه وإن كان في أعلاها بحيث(2/341)
لا تغرق بقلعه لزمه قلعه ولصاحب اللوح طلب قيمته حيث تأخر القلع فإذا أمكن رد اللوح استرجعه ورد القيمة وإن غصب خيطا فخاط به جرح حيوان محترم وخيف قلعه ضرر آدامي أو تلف غيره فعليه قيمته وغير المحترم: كالمرتد والحربي والكلب العقور والخنزير وإن كان مأكولا للغاصب ذبح ولزمه رده وإن كان غير مأكول رد قيمة الخيط وإن مات الحيوان لزمه رده: إلا أن يكون آدميا معصوما فيرد القيمة وإن غصب جوهرة فابتلعتها بهيمة فحكمها حكم الخيط ولو ابتلعت شاته ونحوها جوهرة آخر غير مغصوبة وتوقف إخراجها على ذبحها ذبحت بقيد كون الذبح أقل ضررا - قاله الموفق وغيره وقال الحارثي: وأختار الأصحاب عدم القيد - وعلى مال الجوهرة ضمان نقص الذبح: إلا أن يفرط مالك الشاة بكون يده عليها فلا شيء له لتفريطه ولو أدخلت البهيمة رأسها في قدر ونحوه ولم يمكن إخراجه إلا بذبحها وهي مأكولة فقال الأكثرون إن كان لا بتفريط من أحد كسر القدر ووجب الأرش على مالك البهيمة وإن كان بتفريط مالكها بأن أدخل رأسها بيده أو كانت يده عليها ونحوه ذبحت من غير ضمان وإن كانت بتفريط مالك القدر بأن أدخله بيده أو ألقاها في الطريق كسرت ولا أرش ولو قال من عليه الضمان: أنا أتلف مالي ولا أغرم شيئا للآخر كان له ذلك وإن كانت غير مأكولة كسرت القدر ولا تقتل البهيمة بحال ولو اتفقا على القتل لم يمكنا ومن وقع في محبرته دينار ونحوه لغيره بتفريط صاحبها فلم يخرج كسرت مجانا(2/342)
وإن لم يفرط خير رب الدينار بين تركه فيها وبين كسرها وعليه قيمتها فإن بذل ربها بدله وجب قبوله: فإن بادر فكسرها عدوانا لم يلزمه أكثر من قيمتها وإن كان السقوط لا بفعل أحد: بأن سقط من مكان أو ألقاه طائر أو هر وجب الكسر وعلى رب الدينار الأرش فإن كانت المحبرة ثمينة وأمتنع رب الدينار من ضمانها في مقابلة الدينار فيقال له: أن شئت أن تأخذ فأغرم وإلا فاترك ولا شيء لك ولو غصب الدينار فالقاه في محبرة آخر أو سقط فيها بغير فعله تعين الكسر إلا أن يزيد ضرر الكسر على التبقية فيسقط ويجب على الغاصب ضمان الدينار.(2/343)
فصل:- وإن زاد المغصوب لزمه رده بزيادته
متصلة كانت كالسمن وتعلم صنعة أو منفصلة: كالولد والكسب ولو غصب جارحا أو قوسا فصاد به أو شبكة أو شرطا فأمسك شيئا أو فرسا فصاد عليه أو غنم فهو لمالكه ولا أجرة له مدة اصطياده وإن غصب منجلا فقطع به خشبا أو حشيشا فهو للغاصب: كالحبل يربط به وإن غصب ثوبا فقصره أو غزلا فنسجه أو فضة أو حديدا فضربه ابرا أو أواني أو غيرهما أو خشبا فنجره بابا أو نحوه أو شاة فذبحها وشواها وذبحه إياها لا يحرمها بمعنى أنها ليس صارت كالميتة: لكن لا يجوز أكلها ولا التصرف فيها إلا بأذن مالكها ويأتي في القطع في السرقة أو طينا فضربه به لبنا أو فخارا أو حبا فطحنه رد ذلك بزيادته وأرش نقصه ولا شيء له لكن أن أمكن الرد إلى الحالة الأولى كحلي(2/343)
ودراهم ونحوهما فلمالك إجباره على الإعادة وما لا يمكن: كالأبواب والفخار ونحوهما فليس للغاصب إفساده ولا للمالك إجباره عليه وتقدم بعضه وإن غصب أرضا فحفر فيها بئرا أو شق نهرا ونحوه فلربها إلزامه بطمها إن كان لغرض صحيح وإن أراد الغاصب طمها: فإن كان لغرض صحيح كإسقاط ضمان ما يقع فيه أو يكون قد نقل ترابها إلى ملكه أو ملك غيره أو إلى طريق يحتاج إلى تفريغه فله طمها من غير أذن ربها أو في موات وأبرأه من ضمان من يتلف بها وتصح البراءة منه أو منعه منه لم يملك طمها ولو كشط تراب الأرض فطالبه المالك برده فرشه لزمه ذلك وإن أراده الغاصب وأباه المالك فله فعله لغرض صحيح مثل إن كان نقله إلى ملك نفسه فيرده لينتفع بالمكان أو طرحه في ملك غيره أو في طريق يحتاج إلى تفريغه وإن كان لا لغرض صحيح فلا وإن غصب حبا فزرعه أو بيضا فصار فراخا أو نوى فصار غرسا أو غصنا فصار شجرا رده ولا شيء له وإن نقص ولو بنبات لحية عبد أمرد أو ذهاب رائحة مسك أو قطع ذنب حمار ونحوه ضمن نقصه - ونص أحمد في طيرة جاءت إلى قوم فازدوجت عندهم وفرخت: أن الفراخ تبع اللام ويرد على أصحاب الطيرة فراخها وإن غصب شاة وأنزى عليها فحله فالولد لمالك الأم ولا أجرة للفحل وإن غصب فحل غيره فأنزاه على شاته فالولد له تبعا للام ولا يلزمه أجرة الفحل لكن أن نقص لزمه أرش نقصه.(2/344)
فصل: وإن نقص لزمه ضمانه بقيمته
ولو رقيقا أو بعضه: لا بمقدار من الحر كيده: إذا لم يجن عليه وإن جنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين ويرجع غاصب غرم على جان بأرش جناية فقط فإن خصاه ولو زادت قيمته أو قطع منه ما تجب فيه دية كاملة من الحر لزمه رده ورد قيمته ولا يملكه الجاني وإن كان دابة ضمن ما نقص من قيمتها ولو بتلف إحدى عينيها وإن نقضت قيمة العين بتغير السعر لم يضمن سواء ردت العين أو تلفت وإن نقصت لمرض ثم عادت ببرئه أو ابيضت عينه ثم زال بياضها ونحوه رده ولم يلزمه شيء وإن استرده المالك معيبا مع الأرش ثم زال العيب في يد مالكه لم يجب رد الأرش لاستقراره بأخذ العين ناقصة وكذا لو أخذ المغصوب بغير أرش ثم زال في يده لم يسقط الأرش وإن زادت لمعنى في المغصوب من كبر وسمن وهزال وتعلم صنعة ونحو ذلك ثم نقصت ضمن الزيادة وإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها: مثل أن سمن فزادت قيمته ثم نقصت بزوال ذلك ثم سمن فعادت لم يضمن ما نقص وإن كانت من غير جنسها لم يسقط ضمانها وإن غصب عبدا مفرطا في السمن فهزل فزادت قيمته أو لم تنقص رده ولا شيء عليه وإن نقص المغصوب نقصا غير مستقر: كحنطة ابتلت وعفنت خير بين أخذ مثلها وبين تركها حتى يستقر فسادها فيأخذها وأرش نقصها فإن استقر أخذها والأرش وإن جنى المغصوب فعلى الغاصب أرش جنايته: سواء جنى على سيده أو أجنبي وجنايته على غاصبه وعلى ماله هدر إلى في قود فلو قتل عبدا لأحدهما عمدا(2/345)
فله قتله ثم يرجع السيد بقيمته على الغاصب فيهن - وفي المستوعب من استعان بعبد غيره بلا أذن فحكمه حكم الغاصب حال استخدامه - ويضمن زوائد الغصب: كالثمرة والولد إذا ولدته أمه حيا ثم مات: سواء حملت عنده او غصبها حاملا وإن ولدته ميتا من غير جناية لم يضمنه وبها يضمنه الجاني بعشر قيمة أمه وكذا ولد بهيمة.(2/346)
فصل:- وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز:
مثل أن خلط حنطة أو دقيقا أو زيتا أو نقدا بمثله لزمه مثله منه ولا يجوز للغاصب أن يتصرف في قدر ماله منه ولا إخراج قد الحرام منه بدون أذن المغصوب منه لأنه اشتراك: لا استهلاك وإن خلطه بدونه أو بخير منه أو بغير جنسه ولو بمغصوب مثله لآخر على وجه لا يتميز فهما شريكان بقدر قيمتيهما فيباع الجميع ويدفع إلى كل واحد قدر حقه: كاختلاطهما من غير غصب وإن اختلط درهم بدرهمين لآخر من غير غصب فتلف اثنان فما بقي بينهما نصفين وإن خلطه بغير جنسه فتراضيا على أن يأخذ أكثر من حقه أو أقل جاز وإن غصب ثوبا فصبغه أو سويقا فلته بزيته فنقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن الغاصب النقص وإن لم تنقص ولم تزد أو زادت قيمتهما فهما شريكان بقدر ملكيهما وإن زادت قيمة أحدهما فالزيادة لصاحبه وإن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه وإن أراد المالك بيع الثوب فله ذلك ولو أبى الغاصب وإن أراد الغاصب بيعه لم يجبر المالك وإن وهب الصبغ للمالك أو تزويق الدار ونحوها(2/346)
لزمه قبوله: كنسج غزل وقصر ثوب وعمل حديد أبرا أو سيوفا ونحوهما: لا هبة مسامير سمر بها بابا مغصوبا وإن غصب صبغا فصبغ به ثوبه أو زيتا فلت به سويقه فهما شريكان بقدر حقيهما ويضمن النقص وإن غصب ثوبا وصبغا به رده وأرش نقصه ولا شيء له في زيادته واتقاء الثوب الدنس بالصابون أن أورث نقصا ضمنه الغاصب وإن زاد فللمالك ولو غصبه نجسا لم يملك تطهيره بغير أذن وليس للمالك تكليفه به وإن كان طاهرا فنجس عنده لم يكن له أيضا تطهيره بغير أذن وله إلزامه به وما نقص فعليه أرشه ولو رده نجسا فمؤنة تطهيره على الغاصب.(2/347)
فصل:- وإن وطئ الغاصب الجارية مع العلم بالتحريم
فعليه الحد وكذا هي إن طاوعت وكانت من أهل الحد وعليه مهر مثلها ولو مطاوعة وأرش البكارة وردها إلى سيدها وإن ولدت فالولد رقيق للسيد ويضمن الغاصب نقص الولادة ولا ينجبر بزيادة الولد وإن تلفت فعليه قيمتها وإن ردها فماتت في يد المالك بسبب الولادة وجب ضمانها - وتقدم إذا ولدته ميتا - وإن كان جاهلا بالتحريم ومثله يجهله فلا حد عليه وعليه المهر وأرش البكارة والولد حر ونسبه لاحق للغاصب إن انفصل حيا وعليه فداؤه بقيمته يوم انفصاله وإن انفصل ميتا من غير جناية فغير مضمون وبجناية فعلى الجاني الضمان فإن كانت من الغاصب فغرة موروثة عنه لا يرث الغاصب منها شيئا وعليه للسيد قيمة الأم وإن كانت من غير الغاصب فعليه الغرة(2/347)
يرثها الغاصب دون أمة وعلى الغاصب عشر قيمة الأم للمالك وإن قتلها بوطئه أو ماتت بغيره فعليه قيمتها أكثر ما كانت ويدخل في ذلك أرش بكارتها ونقص ولادتها ولا يدخل فيه ضمان ولدها ولا مهر مثلها وإن باعها أو وهبها ونحوهما من كل قابض منه لعالم بالغصب فوطئها فللمالك تضمين أيهما شاء نقصها ومهرها وأجرتها وأرش بكارتها وقيمة ولدها إن تلف فإن ضمن الغاصب رجع على الآخر لحصول التلف في يده وإن ضمن الآخر لم يرجع على أحد والنقص والأجرة قبل البيع والهبة على الغاصب وإن لم يعلما بالغصب فهما كالغاصب في جواز تضمينهما العين والمنفعة لكنهما يرجعان على الغاصب بما لم يلتزما ضمانه فإن ضمن المشتري أو المستعير - رجعا بقيمة المنفعة دون العين والمستأجر عكسهما وإن ضمن المودع أو الملتهب رجعا بهما وإن ضمن الغاصب رجع على الآخر بما لم يرجع به عليه لو ضمنه ويسترد المشتري والمستأجر من الغاصب ما دفعا إليه من المسمى بكل حال وإن ولدت من مشتر أو متهب فالولد حر ويفديه بقيمته يوم وضعه ويرجع بالفداء على الغاصب وإن تلفت عند مشتر فعليه قيمتها ولا يرجع بها ولا بأرش بكارة بل بثمن ومهر وأجرة نفع وثمرة وكسب وقيمة ولد كما تقدم ونقص ولادة ومنفعة فائتة وتقدم حكم غير المشتري من كل قابض من الغاصب بما يرجع به على القابض منه وإن ردها حاملا فماتت من الوضع فهي مضمونة على الواطئ وإن ولدت من زوج غير عالم فالولد رقيق يجب(2/348)
رده على المالك إن كان الولد حيا وإن تلف ففيه القيمة للمالك يأخذها من شاء من الغاصب أو الزوج فإن ضمن الزوج رجع على الغاصب وإن ضمن الغاصب لم يرجع عليه وإن ماتت في حبال الزوج فقرار الضمان على الغاصب فإن استخدمها الزوج وغرم الأجرة لم يرجع بها على الغاصب وإن أعارها فتلفت ضمن مستعير غير عالم العين وغاصب الأجرة وإلا ضمنهما المستعير: كما تقدم وإذا اشترى أرضا فغرسها أو بنى فيها فخرجت مستحقة وقلع غرسه وبناءه رجع المشتري على البائع بما غرمه لا بما انفق على العبد والحيوان ولا بخراج الأرض لأنه دخل في الشراء ملتزما ضمان ذلك وإن أطعم المغصوب لعالم بالنصب استقر الضمان على الآكل وإن لم يعلم فعلى الغاصب ولو لم يقل: كله فإنه طعامي وإن أطعمه لمالكه أو عبده أو دابته فأكله عالما أنه له ولو بلا أذنه برئ الغاص وإن لم يعلم أو أخذه بقرض أو شراء أو هبة أو هدية أو صدقة أو أباحة له أو رهنه عنده أو أودعه إياه أو أجره أو استأجره على قصارته وخياطته لم يبرأ: إلا أن يعلم وإن أعاره إياه برئ علم أو لم يعلم ومن اشترى عبدا فاعتقه فادعى رجل أن البائع غصبه منه فصدقه أحدهما لم يقبل على الآخر وإن صدقاه مع العبد لم يبطل العتق ويستقر الضمان على المشتري فلو مات العبد وخلف مالا فهو للمدعي: إلا أن يخلف وارثا وليس عليه ولاء وإن أقام المدعي بينة ادعاه بطل البيع والعتق ويرجع المشتري على البائع بالثمن وإن كان المشتري لم يعتقه وأقام المدعي بينة بما ادعاه انتقض(2/349)
البيع ورجع المشتري على البائع بالثمن وكذلك إن أقرا بذلك وإن أقر أحدهما لم يقبل على الآخر فإن كان المقر البائع لزمته القيمة للمدعي ويقر العبد في يد المشتري وللبائع أحلافه ثم إن كان البائع لم يقبض الثمن فليس له مطالبة المشتري وإن كان قد قبضه فليس للمشتري استرجاعه لأنه لا يدعيه ومتى عاد العبد إلى البائع بفسخ أو غيره لزمه رده إلى مدعيه وله استرجاع ما أخذ منه وإن كان إقرار البائع في مدة الخيار انفسخ البيع لأنه يملك فسخه وإن كان المقر المشتري وحده لزمه رد العبد ولم يقبل إقراره على البائع ولا يملك الرجوع عليه بالثمن بينة بما أقر به قبلت وله الرجوع بالثمن وإن كان البائع المقر وأقام بينة فإن كان في حال البيع قال: بعتك عبدي هذا أو ملكي لم تقبل بينته لأنه يكذبها وإلا قبلت وإن أقام المدعي البينة سمعت ولا تقبل شهادة البائع له وإن أنكراه جميعا فله أحلافها.(2/350)
فصل:- وإن تلف المغصوب أو أتلفه الغاصب
أو غيره ولو بلا غصب ضمنه بمثله إن كان مكيلا أو موزونا تمائلت أجزاؤ أو تباينت: كالأثمان ولو نقرة أو سبيكة وكالحبوب والأدهان إذا كان باقيا على أصله: فإن تغيرت صفته: كرطب صار تمرا سمسم صار شيرجا ضمنه المالك بمثل أيهما أحب والدراهم المغشوشة الرائحة مثلية أو أعوز المثلى لعدم أو بعد أو غلاء فعليه قيمة مثله يوم إعوازه في بلده فلو قدر على المثل قبل أداء القيمة: لا بعده - لزمه المثل ولم يرد(2/350)
القيمة فإن كان مصوغا مباحا: كمعمول ذهب وفضة ونحاس ورصاص ومغزول صوف وشعر ونحوه أو تبرا تخالف قيمته وزنه بزيادة أو نقص فإن كان من النقدين أو محلى بأحدهما قومه بغير جنسه وإن كان محلى بهما قومه بما شاء منهما للحاجة وأعطاه بقيمته عرضا وإن كان محرم الصناعة: كأواني ذهب وفضة وحلي محرم ضمنه بوزنه فقط - وفي الانتصار والمفردات لو حكم حاكم بغير المثل في المثلى وبغير القيمة في المتقوم لم ينفذ حكمه ولم يلزم قبوله - وإن لم يكن مثليا ضمنه بقيمته يوم تلفه في بلد غصبنه من نقده فإن كان به نقود فمن غاليها وكذا متلف بلا غصب ومقبوض بعقد فاسد وما أجرى مجراه مما لم يدخل في ملكه فإن دخل في ملكه بأن أخذ معلوما بكيل أو وزن أو حوائج من بقال ونحوه في أيام ثم يحاسبه بعد فإنه يعطيه بسعر يوم أخذه لأنه ثبتت قيمته يوم أخذه ولا قصاص في المال مثل شق ثوبه ونحوه ولو غصب جماعة مشاعا فرد واحد منهم سهم واحد أليه لم يجز له حتى يعطي شركاءه وكذا لو صالحوه عنه بماله ولو تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقية: كزوجي خف ومصراعي باب تلف أحدهما فعليه رد الباقي وقيمة التالف وأرش النقص وإن غصب ثوبا قيمته عشرة فلبسه فأبلاه فنقص نصف قيمته ثم غلت الثياب فعادت قيمته كما كانت رده وأرش نقصه وإن رخصت الثياب فعادت قيمته ثلاثة لم يلزم الغاصب إلا خمسة مع رد الثوب وإن غصب عبدا فابق أو فرسا فشرد أو شيئا فتعذر رده مع بقائه ضمن(2/351)
قيمته فإذا أخذها المغصوب منه ملكها ولا يملك العين المغصوبة بدفع القيمة ولا إكسابها ولا يعتق عليه إن كان قريبه فإن قدر عليه بعد رده بنمائه المتصل والمنفصل وأخذ القيمة بزوائدها المتصلة فقط إن كانت باقية وإلا بدلها وليس للغاصب حبس العين لاسترداد القيمة كمن اشترى أشراء فاسدا ليس له حبس المبيع على رد الثمن فعليه مثله إلى عدل يسلم كل واحد ماله وإن غصب عصيرا فتخمر فعليه مثله وإن انقلب خلا رده وما نقص من قيمة العصير أو منه بغليانه وإن غصب أثمانا فطالبه مالكها بها في بلد الغصب وإن كان من المثليات وقيمته في البلدين واحدة أو هي أقل في البلد الذي لقيه فيه فله مطالبته بمثله وإن كانت أكثر فليس له المثل وله المطالبة بقيمته في بلد الغصب وفي جميع ذلك متى قدر على المغصوب أو على المثل في بلد الغصب رده وأخذ القيمة.(2/352)
فصل:- وإن كان للمغصوب منفعة
تصح إجارتها فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده استوفى المنافع أو تركها تذهب وإن ذهب بعض أجزائه في المدة: كحمل المنشفة لزمه مع الأجرة أرش نقصه وإن تلف المغصوب فعليه أجرته إلى تلفه ويقبل قول الغاصب أنه تلف فيطالب بالبدل وما لا تصح إجارته: كغنم وشجر وطير مما لا منفعة له لم يلزمه له أجرة وإن غصب شيئا فعجز عن رده فأدى قيمته فعليه أجرته إلى وقت أداء القيمة فإن قدر عليه بعد لزمه رده: كما تقدم(2/352)
قريبا ولا أجرة له من حين دفع بدله إلى رده ومنافع المقبوض بعقد فاسد: كمنافع المغصوب تضمن بالفوات والتفويت ولو كان العبد المغصوب ذا صنائع لزمه أجرة أعلاها فقط: وتقدم أول الباب لو حبس حرا أو استعمله كرها.(2/353)
فصل: وتصرفات الغاصب الحكمية:
وهي ما لها حكم من صحة أو فساد: كالحج من المال المغصوب وسائر العبادات والعقود كالبيع والإجارة والانكاح: كان أنكح الأمة المغصوبة ونحوها تحرم ولا تصح وتحرم غير الحكمية: كإتلاف واستعمال: كأكل وليس ونحوهما وإن اتجر بعين المال أو من عين المغصوب فالريح والسلع المشتراة للمالك وإن اشترى في ذمته ثم نقدها ولو من وديعة عبده أو قارض بهما ولو بغير نية نقده فالنقد صحيح والاقباض فاسد أي غير مبرئ الربح والسلح المشتراة للمالك وإن لم يبق درهم مباح أكل عادته لا ماله عنه غنى: كحلوى وفاكهة وقاله في النوادر وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو في زيادة قيمته هل زادت قبل تلفه أو بعده؟ أو في قدره او في صناعة فيه ولا بينة فالقول قول الغاصب وإن اختلفا في رده أو عيب فيه بعد تلفه فقول المالك لكن لو شاهدت البينة العبد معيبا عند الغاصب فقال المالك: حدث عند الغاصب وقال الغاصب: بل كان فيه قبل غصبه فقول الغاصب وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها فسلمها إلى الحاكم - ويلزمه قبولها - برئ من عهدتها وله الصدقة بها عنهم بشرط ضمانها: كلقطة(2/353)
ويسقط عنه إثم الغصب وكذا رهون وودائع وسائر الأمانات والأموال المحرمة وليس لمن عي عتده أخذ شيء منها ولو فقيرا وإذا تصدق بالمال ثم حضر المالك خير بين الأجر وبين الأخذ من المتصدق فإن اختار الأخذ فله ذلك والأجر للمتصدق ولو نوى جحد ما بيده من ذلك أو حق عليه في حياة ربه فثوابه له وإلا فلورثته ولو ندم ورد ما غصبه على الورثة برئ من أثمه لا من أثم الغصب ولو رده وأرث الغاصب للمغصوب منه مطالبته في الآخرة نصا.(2/354)
فصل: ومن أتلف مالا محترما لغيره بغير إذنه
...
فصل:- ومن أتلف ولو خطأ أو سهوا مالا محترما لغيره بغير إذنه
ضمنه سوى إتلاف حربي مال مسلم وغير المحترم: كمال حربي وصائل ورقيق حال قطعه الطريق ونحوهم لا يضمنه وإن أكره على إتلافه ضمنه مكرهه ومن أغرى ظالما بأخذ مال إنسان ودله عليه ضمنه - أفتى به ابن الزريراتي وإن غرم بسبب كذب عليه عند ولي الأمر فله تغريم الكاذب - وتقدم في الحجر - وإن أذن رب المال في إتلافه فأتلفه لم يضمن المتلف وإن فتح قفصا عن طائر أو حل قيد عبد أو أسيرا أو دفع لأحدهما مبردا فبرده فذهبوا أو حل رباط سفينة فغرقت بعصوف ريح أولا أو فتح اصطبلا فضاعت الدابة أو حل رباط فرس أو وكاء زق مانع أو جامد فأذابته الشمس أو بقي بعد حله قاعدا فألقته ريح أو زلزلة فأندق فخرج كله في الحال أو قليلا قليلا أو خرج منه شيء بل أسفله فسقط أو ثقل أحد جانبيه فلم يزل يميل قليلا حتى سقط ضمنه أعقب ذلك فعله أو تراخى عنه أهاج الطائر والدابة حتى ذهبا أولا ومثله لو أزال(2/354)
يد إنسان عن عبد أو حيوان فهرب إذا كان الحيوان مما يذهب بزوال اليد كالطير والبهائم الوحشية والبعير الشارد والعبد الآبق أو نفر الدابة بأن صرخ فيها حتى شردت وإن لم يعلم ذلك وكذا لو أزال يده الحافظة حتى بنهبه الناس أو الدواب أفسدته أو النار أو الماء فإن فتح بابه فيجيء غيره فينهب المال أو يسرقه والقرار على الآخذ ولو ضرب يد آخر وفيها دينار فضاع ضمنه ولو خاصمه فاسقط عمامته عن رأسه بيده أو هزه حتى سقطت فتلفت أو في زحام فضاعت ضمنها ولو أقام عمودا بجداره المائل فجاء آخر ورفع العمود فسقط الجدار في الحال ضمنه وإن وقع طائر إنسان على جدار فنفره آخر فطار لم يضمنه وإن رماه فقتله ضمنه وإن كان في داره وإن قتله وهو مار في هواء داره أو هواء دار غيره ولو كانت الدابة المحمولة عقورا وجنت ضمن جنايتها: كما لو حل سلسلة فهد أو ساجور كلب فعقر1 وإن أفسدت زرع إنسان فكإفساد دابة نفسه - على ما يأتي - ولو فتح بثقا2 فافسد بمائه زرعا أو بنيانا ضمن: كما لو أطلق دابة رموحا من شكال: أي تضرب برجليها وإن رمى الزق الذي بقي بعد حل وكائه قاعدا إنسان آخر اختص الضمان به وإن بقي الطائر والفرس بحالهما فنفرهما آخر ضمنهما المنفر وإن أتلف وثيقة لا
__________
1 الساجور خشبة توضع في عنق الكلب اهـ قاموس وهي تمنع الكلب أن يتمكن من العقر.
2 البق بفتح الباء وسكون الثاء الجسر الذي يحجز الماء أن يسيل.(2/355)
يثبت إلا بها ضمنه لا أن دفع مفتوحا إلى لص ولو حبس مالك دواب فتلفت لم يضمن وإن ربط دابة أو أوقفها في طريق ولو واسعا ويده عليها فأتلفت شيئا أو جنت بيد أو رجل أو فم أو ترك ف الطريق طينا أو قشر بطيخ أو رش فيه ماء فزلق به إنسان أو خشبة أو عمودا أو حجرا أو كيس دراهم أو أسند خشبة إلى حائط فتلف به شيء ضمن ما أتلفه أو تلف به ومن ضرب دابة مربوطة في طريق ضيق فرفسته فمات ضمنه صاحبها - ذكره في الفنون - وإن أقتنى كلبا عقورا: بأن يكون له عادة بذلك أو لا يقتني1 أو أسود بهيما أو كبشا معلما النطاح أو أسدا أو نمرا أو نحوهما من السباع المتوحشة فعقرت أو خرقت ثوبا أو هرا تأكل الطيور وتقلب القدور في العادة مع علمه بأن تقدم للهر عادة بذلك ضمن فإن لم يكن له عادة بذلك لم يضمن صاحبه: كالكلب الذي ليس بعقور ولا فرق بين الليل والنهار: إلا أن يكون دخل منزلة بغير أذنه أو بأذنه ونبهه أنه عقور أو غير موثوق ولا يضمن ما أفسدت بغير ذلك ببول أو ولوغ وله قتل هر بأكل لحم أو نحوه: كالفواسق وقيده ابن عقيل ونصره الحارثي حين أكلها فقط ولو حصل عنده كلب عقور أو سنور ضار من غير اقتناء واختيار فأفسد لم يضمن وإن اقتنى حماما أو غيره من الطير فأرسله نهارا فلقط حبا ضمن.
__________
1 يريد بقوله لا يقتنى ألا يكون كلب صيد ولا لحراسة ماشية أو زرع.(2/356)
فصل:- وإن أجج نارا في موات أو في ملكه أو سقى أرضه
فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه لم يضمن إذا كان ما جرت به العادة بلا إفراط ولا تفريط فإن فرط أو أفرط: بأن أجج نارا تسري في العادة لكثرتها أو في ريح شديدة تحملها لا بطريانها أو فتح ماء كثيرا يتعدى أو فتحه في أرض غيره أو أوقد في ملك غيره فرط أو أفرط أولا ضمن ما تلف به وكذلك أن يبست النار أغصان شجرة غيره: إلا أن تكون الأغصان في هوائه فلا يضمن وإن ألقت الريح إلى داره ثوب غيره لزمه حفظه لأنه أمانة فإن لم يعرف صاحبه فهو لقطة وإن عرفه لزمه أعلامه فإن لم يفعل ضمه وإن سقط طائر غيره في داره لم يلزمه حفظه ولا إعلام صاحبه إلا أن يكون غير ممتنع فكالثوب وإن دخل برجه فأغلق عليه الباب ناويا إمساكه لنفسه ضمنه وإلا فلا ضمان عليه وإن حفر في فنائه: وهو ما كان خارج الدار قريبا منها بئرا لنفسه ولو بأذن الإمام وكذا البناء ضمن ما تلف بها ولو حفرها الحر بأجرة أولا وثبت عليه أنها في ملك غيره ضمن الحافر وإن جهل ضمن الآمر وإن حفرها أو بنى مسجدا أو خانا ونحوه في سابلة واسعة لنفع المسلمين بلا ضرر بالمارة لنفع نفسه ولو بغير أذن إمام لم يضمن ما تلف بها: كبناء جسر وكذا لو حفرها في موات لتملك أو ارتفاق أو انتفاع عام وينبغي أن يجعل عليها حاجزا تعلم به لتتوقي - قال الشيخ: ومن لم يسده بئره سدا يمنع من الضرر ضمن ما تلف بها وإن فعله بها لينفع نفسه أو كان يضر بالمارة أو في طريق ضيق ضمن سواء فعله لمصلحة عامة أولا يأذن الإمام لأنه ليس له أن يأذن(2/357)
فيه وفعل عبده بأمره كفعل نفسه: أعتقه بعد ذلك أولا وبغير إذنه يتعلق ضمانه برقبته ثم أعتقه فما تلف عتقه ضمانه ولو أمره السلطان بفعل ذلك ضمن السلطان وحده وإن فعل ما تدعو الحاجة إليه لنفع الطريق وإصلاحها: كإزالة الطين والماء عنها وتنقيتها مما يضر فيها وحفر هدفة فيها وقلع حجر يضر بالمارة ووضع الحصى في حفرة فيها ليملأها وتسقيف ساقية فيها ووضع حجر طين فيها ليطأ الناس عليه فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف به وإن بسط في مسجد حصيرا أو بارية أو بساطا أو علق فبه قنديلا أو أوقده أو نصب فيه بابا أو عمدا أو بنى جدارا أو سقفه أو جعل فيه رفا ونحوه لنفع الناس أو وضع فيه حصى لم يضمن ما تلف به وإن جلس أو اضطجع أو قام في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان لم يضمن ويضمن في طريق ضيق - ويأتي في الديات - وإن أخرج جناحا أو ميزابا ونحوه إلى طريق نافذ أو غير نافذ بغير أذن أهله فسقط على شيء فأتلفه ضمن ولو بعد بيعه وقد طولب بنقضه لحصوله بفعله ما لم يأذن فيه إلى الطريق النافذ فقط أمام فقط أمام أو نائبه ولم يكن منه ضرر وإن مال حائطه إلى غير ملكه: علم به أولا فلم يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه: كما لو سقط من غير ميلان وعنه أن طولب بنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن وأختاره جماعة قال الموفق والشارح: والتفريع عليه والمطالبة من كل مسلم أو ذمي إذا كان ميله إلى الطريق: كما لو مال إلى ملك جماعة فطالب واحد منهم ولكل منهم المطالبة وإن طالب واحد فاستأجله(2/358)
صاحب الحائط أو أجله الإمام لم يسقط عنه الضمان ولا أثر لمطالبة مستأجر الدار ومستعيرها ومستودعها ومرتهنها ولا ضمان عليهم وإن بناه مائلا إلى ذلك غيره بأذنه أو إلى ملك نفسه أو مال إليه بعد البناء لم يضمن وإن بناه مائلا إلى الطريق أو إلى ملك الغير بغير أذنه ضمن وإن تقدم إلى صاحب الحائط المائل بنقضه فباعه مائلا فسقط على شيء فتلف به فلا ضمان على البائع ولا على مشتر لأنه لم يطالب بنقضه وكذلك أن وهبه وأقبضه وحيث وجب الضمان والتالف آدمي فالدية على عاقلته فإن أنكرت العاقلة كون الحائط لصاحبهم أو أنكروا مطالبته بنقضه لم يلزمهم: إلا أن يثبت وإن تشقق الحائط عرضا فكميله لا طولا.(2/359)
فصل:- وما أتلفته البهيمة
ولو صيد حرم فلا ضمان على صاحبها إذا لم تكن يده عليها: إلا الضاربة1 ومن أطلق كلبا عقورا أو دابة رفوسا أو عضوضا على الناس في طرقهم ومصاطبهم ورحابهم فأتلف مالا أو نفسا ضمن لتفريطه وكذا إن كان له طائر جارح: كالصقر والباذئ فأفسد طيور الناس وحيواناتهم قاله في الفصول وإن كانت البهيمة في يد إنسان كالسائق والقائد والراكب المتصرف فيها: سواء كان مالكا أو غاصبا أو أجيرا أو مستأجرا أو مستعيرا أو موصي له بالمنفعة ضمن ما جنت يدها أو فمها أو وطئها برجلها لا ما نفحت بها: ما لم يكبحها زيادة على العادة أو يضر بها في وجهها ولو لمصلحة ولا يضمن ما جنت بذنبها ويضمن ما جنى ولدها ومن نفرها أو نخسها ضمن وحده دونهم فإن جنت عليه فهدر وإن ركبها اثنان ضمن الأول
__________
1 الضاربة: هي المعتادة أن تضرب بيدها أو رجلها أو سوى ذلك.(2/359)
منهما: إلا أن يكون صغيرا أو مريضا ونحوهما والثاني متولى تدبيرها فعليه الضمان وإن اشتركا في التصرف اشتركا في الضمان وكذا لو كان معهما سائق وقائد وإن كان معهما أو مع أحدهما راكب شاركهما والإبل والبغال المقطرة كالواحدة على قائدها الضمان وإن كان معه سائق شاركه في ضمان الأخير فقط إن كان في آخرها وإن كان في أولها شارك في الكل وإن كان فيما عدا الأول شارك في ضمان ما باشر سوقه وفيما بعده دونه كما قبله1 وإن انفرد راكب بالقطار وكان على أوله ضمن جناية الجميع قاله الحارثي ولو انفلتت الدابة ممن هي في يده وأفسدت فلا ضمان ويضمن رب البهائم ومستعيرها ومستأجرها ومستودعها ما أفسدت من زرع وشجر وغيرهما ليلا إن فرط: مثل ما إذا لم يضمنها ونحوه ليلا أو ضمها بحيث يمكنها الخروج فإن ضمها فأخرجها غيره بغير إذنه أو فتح عليها بابها فالضمان على مخرجها أو فاتح بابها ولو كان ما أتلفه لربها ضمنها مستعير ونحوه وإن لم يفرط ربها ونحوه فلا ضمان ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهارا إذا لم تكن يد أحد عليها سواء أرسلها بقرب ما تفسده أولا وإن كان عليها يد ضمن صاحب اليد - قال الحارثي: لو جرت عادة بعض النواحي بربطها نهارا وإرسالها وحفظ الزرع ليلا فالحكم كذلك لأن هذا نادر قلا يعتبر
__________
1 السائق يشارك القائد في ضمان ما أتلفته البهائم المقطرة في بعضها ولكن ضمان السائق قاصر على ما باشر سوقه وما يليه وقوله: دونه يعني لا يضمن ما دون الذي باشر سوقه أو يكون تاليا له كما لا يضمن ما قبل الذي باشر سوقه.(2/360)
به في التخصيص ولو أدعى صاحب الزرع أن غنم فلان نفشت فيه ليلا ووجد الزرع أثر غنم ولم يكن هناك غنم لغيره قضي بالضمان قال الشيخ: هذا من القيافة في الأموال وجعلها معتبرة: كالقيافة في الإنسان ويضمن غاصبها ما أفسدت ليلا ونهارا ومن طرد دابة من مزرعته لم يضمن إلا أن يدخلها مزرعة غيره وإن اتصلت المزارع صبر ليرجع على ربها ولو قدر أن يخرجها وله منصرف غير المزارع فتركها فهدر والحطب على الدابة إذا خرق ثوب آدمي بصير عاقل يجد منحرفا فهدر وكذا لو كان مستديرا فصاح به منبها له وإلا ضمنه فيهما ومن صال عليه آدمي أو غيره فقتله دفعا عن نفسه، لم يضمنه ولو دفعه عن غير ولده ونسائه بالقتل ضمنه1 ويأتي في حد المحاربين وإذا عرفت البهيمة بالصول وجب على مالكها والإمام وغيره إتلافها إذا صالت على وجه المعروف2 ولا تضمن: كمرتد ولو حالت بهيمة بينه وبين ماله ولم يصل إليه إلا بقتلها فقتلها لم يضمن وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر ما فيها إن فرط وإن لم يفرط فلا ضمان على واحد منهما وإن فرط أحدهما ضمن وحده
__________
1 وفي المذهب رواية أخرى تقتضي عدم الضمان من قتل صائلا على غيره وغير نسائه وولده وإليها ذهب كثير من شيوخ المذهب، وقد يؤيد ذلك ما هو معروف عندنا من أن إنقاذ المعصوم من المهلكة واجب على من استطاعه.
2 قوله: على وجه المعروف متعلق بإتلافها. والمعنى أن الإتلاف يكون بقدر دفعها من غير إسراف في إفسادها ولا في تعذيبها.(2/361)
والقول قول القيم: وهو الملاح مع يمينه في غلبة الريح وعدم التفريط والتفريط وإن يكون قادرا على ضبطها أو ردها عن الأخرى أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى فلم يفعل أو لم يكمل آلتها من الرجال والحبال وغيرها ولو تعمد الصدم فشريكان في إتلاف كل منهما ومن فيهما فإن قتل غالبا فالقود وإلا فشبه عمد ولا يسقط فعل الصادم في حق نفسه مع عمد وإن خرفها عمدا فغرقت بمن فيها وهو مما يغرقها غاليا أو يهلك من فيها لكونهم في اللجة أو لعدم معرفتهم بالسباحة فعليه القصاص إن قتل من يجب القصاص بقتله وضمان السفينة بما فيها من مال أو نفس وإن كان خطأ عمل بمقتضاه وإن كانت إحدى السفينتين واقفة والأخرى سائرة ضمن قيم السائرة الواقفة إن فرط - ويأتي إذا اصطدم نفسان في الديات - وإن كانت إحداهما منحدرة فعلى صاحبها ضمان المصعدة: إلا أن يكون غلبه الريح أو الماء شديد الجزية فلا يقدر على ضبطها ولو أشرفت السفينة على الغرق فعلى الركبان إلقاء بعض الأمتعة حسب الحاجة ويحرم إلقاء الدواب حيث أمكن التخفيف بالأمتعة وإن ألجأت الضرورة إلى إلقائها جاز صونا للآدميين والعبيد كالأحرار وإن تقاعدوا عن الإلقاء مع الإمكان أثموا ولا يجب الضمان فيه ولو ألقى متاعه ومتاع غيره فلا ضمان على أحد وإن أمتنع من إلقاء متاعه فللغير إلقاؤه من غير رضاه ويضمنه الملقي وتقدم بعض ذلك في الضمان ومن أتلف أو كسر مزمارا أو طنبورا أو صليبا أو إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه خمر مأمور بإراقتها ولو قدر على إراقتها(2/362)
بدونه أو آلة لهو ولو مع صغير: كعود وطبل ودف بصنوج أو حلق أو نرد أو شطرنج أو آلة سحر أو تعزيم أو تنجيم أو صور خيال أو أوثانا أو خنزيرا أو كتب مبتدعة مضلة أو كتب أكاذيب أو سخائف لأهل الخلاعة والبطالة أو كتب كفر أو حرق مخزن خمر أو كتابا فيه أحاديث رديئة أو حليا محرما على ذكر لم يستعمله يصلح للنساء - لم يضمنه وإن تلفت حامل أو حملها من ريح طبيخ علم ربه ذلك عادة ضمن - قال الشيخ: وللمظلوم الاستعانة بمخلوق - فيخالفه أولى وله الدعاء بما آلمه بقدر يوجبه ألم ظلمه: لا على من شتمه او أخذ ماله بالكفر ولو كذب ولو كذب عليه لم يفتر عليه بل يدعو الله فيمن يفترى عليه نظيره وكذا إن أفسد عليه دينه قال أحمد الدعاء قصاص ومن دعا على من ظلمه فما صبر يريد أنه انتصر ولمن صبر وغفر أن ذلك لمن عزم الأمور.(2/363)
فينقاصان أو يتواطآن على أن يدفع إليه عشرة دنانير عن المائتين وهي أقل من المائتين فلا يقدم الشفيع عليه لنقصان قيمته عن المائتين:- ومنها: إظهار كون الثمن مائة ويكون المدفوع عشرين فقط:- ومنها أن يكون كذلك فيبرئه من ثمانين:- ومنها: أن يهبه الشقص ويهبه الموهوب الثمن:- ومنها: أن يبيعه الشقص بصبرة دراهم معلومة: بالمشاهدة مجهولة المقدار أو بجوهرة ونحوها فالشفيع على شفعته في جميع ذلك فيدفع في الأولى قيمة العرض مائة أو مثل العشرة دنانير وفي الثانية والثالثة عشرين وفي الرابعة مثل الثمن الموهوب له وفي الخامسة مثل الثمن المجهول أو قيمته إن كان باقيا ولو تعذر معرفة الثمن بتلف أو موت دفع إليه قيمة الشقص وإن تعذر من غير حيلة: بأن قال المشتري: لا أعلم قدر الثمن فقوله بيمينه وأنه لم يفعله حيلة وتسقط الشفعة فإن اختلفا هل وقع شيء من ذلك حيلة أو لا؟ فقول المشتري مع يمينه وتسقط وإن خالف أحدهما ما تواطآ عليه فطالب صاحبه بما أظهره لزمه في ظاهر الحكم ولا يحل في الباطن لمن غر صاحبه لأخذ بخلاف ما تواطآ عليه.
ولا تثبت إلا بشروط خمسه:- أحدها: أن يكون الشقص مبيعا أو مصالحا به صلحا بمعنى البيع أو مصالحا به عن جناية موجبة للمال أو موهوبا هبة مشروطا فيها ثوب معلوم فلا شفعة فيما انتقل بغير عوض بحال: كموهوب وموصي به وموروث ونحوه ولا فيما عوضه غير مال: كصداق وعوض خلع وصلح عن دم عمد وما أخذه أجرة(2/364)
أو جعالة أو ثمنا في سلم أو عوضا في كتابة ومثله ما اشتراه الذمي بخمر أو خنزير ولا تجب بفسخ يرجع به الشقص إلى العاقد: كرده بعيب أو أقاله أو لغبن أو اختلاف متبايعين.(2/365)
باب الشفعة
شروطها - الشرط الأول
...
باب الشفعة
وهي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه إن كان مثله أو دونه وبعوض مالي بثمنه الذي استقر عليه العقد ولا يحل الاحتيال لإسقاطها ولا تسقط به والحيلة: أن يظهرا في البيع شيئا لا يؤخذ بالشفعة معه ويتواطأ في الباطن على خلافه.
فمن صور الاحتيال: أن تكون قيمة الشقص مائة وللمشتري عرض قيمته مائة فيبيعه العرض بمائتين ثم يشتري الشقص منه بمائتين(2/362)
الشرط الثاني
...
فصل:- الثاني: أن يكون شقصا مشاعا مع شريك
ولو مكاتبا من عقار ينقسم قسمة إجبار فأما المقسوم المحدد فلا شفعة لجاره فيه ولا في طريق نافذ فإن كان غير نافذ لكل واحد من أهله فيه باب فباع أحدهم داره فيه بطريقها أو باع الطريق وحده وكان الطريق لا يقبل القسمة أو يقبلها وليس لدار المشتري طريق إلى داره سوى تلك الطريق ولا يمكن فتح باب لها إلى شارع فلا شفعة ولو كان نصيب المشتري من الطريق أكثر من حاجته وإن كان الطريق يقبل القسمة ولدار المشتري طريق آخر إلى شارع أو أمكن فتح باب لها إلى شارع وجبت وكذا دهليز دار وصحن دار مشتركان ولا شفعة بالشرب: وهو النهر أو البئر يسقي أرض هذا وأرض هذا فإذا باع أحدهما أرضه فليس للآخر الأخذ بحقه من الشرب ولا فيما لا تجب قسمته: كحمام صغير وبئر وطرق وعراص ضيفة ولا فيما ليس بعقار كشجر وحيوان وبناء مفرد وجوهر وسيف ونحوها: إلا أن الغراس والبناء يؤخذان تبعا للأرض وكذا نهر وبئر وقناة ودولاب لا ثمرة وزرع فإن بيع الشجر وفيه ثمرة غير ظاهرة: كالطلع غير المشقق دخل في الشفعة وإن بيعت حصة من علو دار مشترك وكان السقف الذي تحته لصاحب السفل أو لهما أو لصاحب العلو فلا شفعة في العلو ولا السقف،(2/365)
وإن كان السفل مشتركا والعلو خالص لأحد الشريكين فباع العلو ونصيبه من السفل فللشريك الشفعة في السفل فقط.(2/366)
الشرط الثالث
...
فصل:- الثالث - المطالبة بها على الفور:
بأن يشهد بالطلب حين يعلم إن لم يكن عذر ثم له أن يخاصم ولو بعد أيام ولا يشترط في المطالبة حضور المشتري لكن إن كان المشتري غائبا عن المجلس حاضرا في البلد فالأولى أن يشهد على الطلب ويبادر إلى المشتري بنفسه أو بوكيله فإن بادر هو أو وكيله من غير إشهاد فهو على شفعته فإن كان عذر مثل ألا يعلم أو علم ليلا فأخره إلى الصبح أو لشدة جوع أو عطش حتى يأكل أو يشرب أو لطهارة أو لإغلاق باب أو ليخرج من الحمام أو ليقضي حاجته أو ليؤذن ويقيم ويأتي بالصلاة بسنتها أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها ونحوه - لم تسقط إلا أن يكون المشتري حاضرا عنده في هذه الأحوال: إلا الصلاة وليس عليه تخفيفها ولا الاقتصار على أقل ما يجزئ فإذا فرغ من حوائجه مضى على حسب عادته إلى المشتري وليس عليه أن يسرع في مشيه أو يحرك دابته فإذا لقيه بدأه بالسلام ثم يطالب فإن قال بعد السلام متصلا: بارك الله لك في صفقة يمينك أو دعا له بالمغفرة ونحو ذلك لم تبطل شفعته لأن ذلك يتصل بالسلام فهو من جملته والدعاء بالبركة في الصفقة دعاء له ولنفسه لأن الشقص يرجع إليه فلا يكون ذلك رضا فإن اشتغل بكلام آخر أو سكت لغير حاجة بطلت ويملك الشقص بالمطالبة ولو لم يقبضه مع ملائة بالثمن فيصح تصرفه فيه ويورث عنه(2/366)