على الْغَائِب فَجَاز الحكم بِهِ كَسَائِر الْحُقُوق بِطَلَب شريط للْغَائِب أَو وليه أَي ولي شريط الْغَائِب أَي إِن لم يكن مُكَلّفا، وَهَذِه الْقِسْمَة إِفْرَاز حق أحد الشَّرِيكَيْنِ من حق الآخر، يُقَال أفرزت الشَّيْء وفرزته إِذا عزلته، من الفرزة وَهِي الْقطعَة، فَكَانَ الْإِفْرَاد اقتطاع لحق أَحدهمَا من الآخر لَا بيع لِأَنَّهَا لَو كَانَت بيعا لم تصح بِغَيْر رضَا الشَّرِيك ولوجبت فِيهَا الشُّفْعَة وَلما لَزِمت بِالْقُرْعَةِ، فَيصح قسم لحم هدى وأضاحي، لَا قسم رطب من شَيْء بيابسه كَأَن يكون بَين اثْنَيْنِ قفيز رطب وقفيز تمر أَو رَطْل لحم نبيء ورطل مشوي لم يجز أَن يَأْخُذ أَحدهمَا التَّمْر وَاللَّحم المشوي وَالْآخر الرطب أَو اللَّحْم النيء لوُجُود الرِّبَا الْمحرم لِأَن حِصَّة كل وَاحِد من الرطب تقع بَدَلا من حِصَّة شَرِيكه من الْيَابِس فَيفوت التَّسَاوِي الْمُعْتَبر فِي بيع الربوى بِجِنْسِهِ. وَيصِح قسم ثَمَر يخرص خرصا، وَقسم مَا يُكَال وزنا وَعَكسه. وَيصِح أَن يتقاسما بأنفسهما وَأَن ينصبا قاسما، لِأَن الْحق لَا يعدوهما وَأَن يسألا حَاكما نَصبه، وَشرط كَون قاسما مُسلما إِذا نَصبه حَاكم وَكَونه عدلا وَكَونه عَارِفًا بِالْقِسْمَةِ ليحصل مِنْهُ الْمَقْصُود مَا لم يرضو بِغَيْرِهِ لِأَن الْحق لَا يعدوهم، وَيَكْفِي قَاسم وَاحِد حَيْثُ لم يكن فِي الْقِسْمَة تَقْوِيم، لِأَنَّهُ كالحاكم وَلَا يَكْفِي مَعَ تَقْوِيم إِلَّا إثنان، لِأَنَّهُ شَهَادَة بِالْقيمَةِ. وتباح أجرته وَهِي بِقدر الْأَمْلَاك نصا وَلَو شَرط خِلَافه قَالَ فِي الْمُنْتَهى، وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع: فَإِن اسْتَأْجرهُ كل وَاحِد مِنْهُم بِأَجْر مَعْلُوم(2/835)
ليقسم نصِيبه جَازَ، وَإِن استأجروه جَمِيعًا إِجَارَة وَاحِدَة بِأُجْرَة وَاحِدَة لزم كل وَاحِد من الْأجر بِقدر نصِيبه من الْمَقْسُوم مَا لم يكن شَرط. انْتهى. وَتسَمى الْأُجْرَة قسَامَة بِضَم الْقَاف وتعدل السِّهَام أَي سِهَام الْقِسْمَة أَي يعدلها الْقَاسِم بالأجزاء أَي أَجزَاء الْمَقْسُوم إِن تَسَاوَت، وَإِلَّا أَي وَإِن لم تتساو بل اخْتلفت فتعدل بِالْقيمَةِ، أَو تعدل ب [الرَّد إِن اقتضته] أَي الرَّد بِأَن لم يُمكن تَعْدِيل السِّهَام بالأجزاء وَلَا بِالْقيمَةِ فيعدل بِالرَّدِّ أَي بِأَن يَجْعَل لمن أَخذ الرَّدِيء أَو الْقَلِيل دَرَاهِم على من يَأْخُذ الْجيد أَو الْأَكْثَر ثمَّ يقرع بَين الشُّرَكَاء لإِزَالَة الْإِبْهَام فَمن خرج لَهُم سهم صَار لَهُ، وَكَيف مَا قرع جَازَ وَتلْزم الْقِسْمَة بهَا أَي الْقرعَة، لِأَن الْقَاسِم كالحاكم وقرعته حكم، نَص عَلَيْهِ، وَلَو كَانَت الْقِسْمَة فِيمَا فِيهِ رد عوض أَو ضَرَر إِذا تَرَاضيا عَلَيْهَا، وَسَوَاء تقاسموا بِأَنْفسِهِم أَو بقاسم، لِأَنَّهَا كَالْحكمِ من الْحَاكِم فَلَا تنقض وَلَا يعْتَبر رضاهم بعْدهَا كَمَا لَا يعْتَبر بعد حكم الْحَاكِم وَإِن خير أَحدهمَا أَي الشَّرِيكَيْنِ الآخر بِأَن قَالَ: لَهُ اختر أَي الْقسمَيْنِ شِئْت، بِلَا قرعه صحت أَي الْقِسْمَة ولزمت برضاهما وتفرقهما بأبدانهما لتفرق متابعين. وَمن ادّعى غَلطا فِيمَا تقاسماه بأنفسهما وأشهدا على رضاهما بِهِ لم يلْتَفت إِلَيْهِ فَلَا تسمع دَعْوَاهُ وَلَا تقتل مِنْهُ وَلَا يحلف غَرِيمه لرضاه بِالْقِسْمَةِ على مَا وَقع إِلَّا أَن يكون مدعى الْغَلَط مسترسلا لَا يحسن المشاحة فِيمَا يُقَال لَهُ فيغبن بِمَا لَا يتَسَامَح فِيهِ عَادَة فَتسمع دَعْوَاهُ وَيُطَالب بِالْبَيَانِ فَإِذا ثَبت غبنه فَلهُ فسخ الْقِسْمَة قِيَاسا على البيع، وَتقبل بِبَيِّنَة فِيمَا قسم(2/836)
قَاسم حَاكم، وَإِن لم تكن بَيِّنَة حلف مُنكر الْغَلَط لِأَن الأَصْل صِحَة الْقِسْمَة وَأَدَاء الْأَمَانَة، وقاسم نصباه كقاسم حَاكم. وَإِذا تداعيا عينا لم تخل عَن أَرْبَعَة أَحْوَال: أَحدهَا أَن لَا تكون بيد أحد وَلَا ثمَّة ظَاهر وَلَا بَيِّنَة فيتحالفان ويتناصفانها، وَإِن وجد ظَاهر لأَحَدهمَا عمل بِهِ فيأخذها وَيحلف للْآخر. الثَّانِي: أَن تكون بيد أَحدهمَا فَهِيَ لَهُ بِيَمِينِهِ إِن لم تكن بَيِّنَة، فَإِن لم يحلف قضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ. الثَّالِث: أَن تكون بأيديهما كشيء كل مُمْسك لبعضه فيتحالفان ويتناصفانه، فَإِن قويت يَد أَحدهمَا كحيوان وَاحِد رَاكِبه وَآخر سائقه أَو قَمِيص وَاحِد لابسه وَآخر بكمه فَهُوَ للْأولِ بِيَمِينِهِ. وَإِن تنَازع صانعان فِي آلَة دكانهما فآلة كل صَنْعَة لصَاحِبهَا، وَمَتى كَانَ لأَحَدهمَا بَيِّنَة فالعين لَهُ وَلم يحلف فِي الْأَصَح، فَإِن كَانَ لكل مِنْهُمَا بَيِّنَة وتساوتا من كل وَجه تَعَارَضَتَا وتساقطتا فيتحالفان ويتناصفان مَا بأيديهما ويقرعان فِيمَا عداهُ كشيء لَيْسَ بيد أحد أَو بيد ثَالِث وَلم يُنَازع وَاحِد من المدعين فَمن خرجت لَهُ الْقرعَة فَهِيَ لَهُ بِيَمِينِهِ. وَإِن كَانَت الْعين بيد أَحدهمَا فَهُوَ دَاخل وَالْآخر خَارج وَبَيِّنَة الْخَارِج مُقَدّمَة على بَيِّنَة الدَّاخِل، لَكِن لَو أَقَامَ الْخَارِج بية أَنَّهَا ملكه وَأقَام الدَّاخِل بَيِّنَة أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ قدمت بَينته هَهُنَا لما مَعهَا من زِيَادَة الْعلم. وَإِن أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة أَنه اشْتَرَاهَا من فلَان وَأقَام الآخر بَيِّنَة كَذَلِك عملا بأسبقهما تَارِيخا.(2/837)
وَالرَّابِع: أَن تكون بيد ثَالِث فَإِن ادَّعَاهَا لنَفسِهِ حلف لكل وَاحِد يَمِينا فَإِن نكل أخذاها مِنْهُ مَعَ بدلهَا واقترعا عَلَيْهَا أَي على الْعين وبدلها لِأَن الْمَحْكُوم لَهُ بِالْعينِ غير معِين، وَإِن قَالَ: هِيَ لأَحَدهمَا وأجهله وصدقاه على جَهله بمستحقها مِنْهُمَا لم يحلف وَإِن كذباه حلف يَمِينا وَاحِدَة ويقرع بَينهمَا فَمن قرع وَأَخذهَا نصا. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.(2/838)
(كتاب الشَّهَادَات)
كتاب الشَّهَادَات وَاحِدهَا شَهَادَة مُشْتَقّ من الْمُشَاهدَة لِأَن الشَّاهِد يخبر عَمَّا شَاهده يُقَال شهد الشَّيْء إِذا رَآهُ هِيَ حجَّة شَرْعِيَّة تظهر الْحق وَلَا توجبه بل الْحَاكِم يلْزم بِهِ بِشَرْطِهِ فَهِيَ الْإِخْبَار بِمَا علمه بِلَفْظ خَاص كشهدت وَأشْهد وَالْأَصْل فِيهَا الْإِجْمَاع لقَوْله تَعَالَى 19 ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم)) وَقَوله تَعَالَى 19 ((وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم)) وَقَوله (شَاهِدَاك أَو يَمِينه) تحملهَا أَي الشَّهَادَة فِي غير حق الله تَعَالَى سَوَاء كَانَ الْحق الْآدَمِيّ مَالا كَالْبيع وقرض وغصب أَو غَيره كَحَد قذف فرض كِفَايَة إِذا قَامَ بِهِ من يَكْفِي سقط عَن غَيره، فَإِن لم يُوجد إِلَّا من يَكْفِي تعين عَلَيْهِ وَلَو عبدا، وَلَيْسَ لسَيِّده مَنعه لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا)) . وأداؤها أَي الشَّهَادَة [فرض عين] فِي ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ، قَالَ فِي الْفُرُوع: نَصه أَنه فرض عين، قَالَ فِي الْإِنْصَاف: وَهُوَ الْمَذْهَب لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه)) وَخص الْقلب بالإثم لِأَنَّهُ مَحل الْعلم بهَا، وعَلى مَا قدمه(2/839)
الْمُوفق وَجزم بِهِ جمع أَنه فرض كِفَايَة أَيْضا كالتحمل، لِأَن الشَّهَادَة تطلق على التَّحَمُّل وَالْأَدَاء، من حَيْثُ إِطْلَاقه على الْأَدَاء تكون فرض كِفَايَة ويجبان إِذا دعى إِلَيْهِمَا دون مَسَافَة قصر مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِمَا بِلَا ضَرَر يلْحقهُ فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ ضَرَر فِي التَّحَمُّل أَو الْأَدَاء بِبدنِهِ أَو مَاله أَو وَلَده أَو أَهله أَو كَانَ مِمَّن لَا يقبل الْحَاكِم شَهَادَته أَو يحْتَاج إِلَى التبذل فِي التَّزْكِيَة لم يلْزم لقَوْله تَعَالَى 19 ((وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد)) وَلِحَدِيث (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) فَلَو أدّى شَاهد وأبى الآخر وَقَالَ: أَحْلف بدلى أَثم اتِّفَاقًا، قَالَه فِي التَّرْغِيب. وَيخْتَص الْأَدَاء بِمَجْلِس الحكم وَمَتى وَجَبت [وَجَبت] كتَابَتهَا ويتأكد ذَلِك فِي حق رَدِيء الْحِفْظ لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب. وَحرم أَخذ أُجْرَة وَأخذ جعل عَلَيْهَا وَلَو لم تتَعَيَّن عَلَيْهِ، وَلَا يحرم أَخذ أُجْرَة مركوب من رب الشَّهَادَة لمتأذ بمش أَو عَاجز عَنهُ، وَحرم كتمها وَلَا ضَمَان، وَلمن عِنْده شَهَادَة يحد لله تَعَالَى إِقَامَتهَا، وَتركهَا أولى قَالَه القَاضِي، وَجزم فِي آخر الرِّعَايَة بِوُجُوب الإغضاء عَمَّن ستر الْمعْصِيَة، انْتهى. وللحاكم أَن يعرَّض بالتوقف عَنْهَا كتعريضه لمقر بِحَدّ لله تَعَالَى ليرْجع عَن إِقْرَاره. وَتقبل الشَّهَادَة بِحَدّ قذف وَتَصِح إِقَامَتهَا بِحَق الله تَعَالَى من غير تقدم دَعْوَى وَلَا تسْتَحب.(2/840)
وَحرم أَن يشْهد أحد إِلَّا بِمَا يُعلمهُ بِرُؤْيَة أَو سَماع غَالِبا لِأَنَّهُ قد يجوز بِبَقِيَّة الْحَواس كالذوق مثلا فِي دَعْوَى مشترى مَأْكُول عَلَيْهِ لمرارة وَنَحْوه فَتشهد الْبَيِّنَة بِهِ أَو استفاضة عَن عدد يَقع بِهِ أَي بخبرهم الْعلم فِيمَا يتَعَذَّر علمه أَي الْمَشْهُود بِهِ [غَالِبا بغَيْرهَا] وَذَلِكَ [كنسب] إِجْمَاعًا وَمَوْت وَملك مُطلق وَعتق وَوَلَاء وولادة وعزل [وَنِكَاح] عقد أَو دوَام خلع وَطَلَاق نصا فِي الْخلْع وَالطَّلَاق، لِأَن مِمَّا يشيع ويشتهر غَالِبا وَالْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهِ ووقف بِأَن يشْهد أَن هَذَا وقف زيد لَا أَنه أوقفهُ ومصرفه أَي الْوَقْف وَمَا أشبه ذَلِك، وَمن سمع إنْسَانا يقر بِنسَب أَب أَو ابْن وَنَحْوهمَا فصدقة الْمقر لَهُ أَو سكت جَازَ أَن يشْهد لَهُ بِهِ نصا، وَمن رأى شَيْئا بيد إِنْسَان يتَصَرَّف فِيهِ مُدَّة طَوِيلَة كتصرف الْملاك من نقض وَبِنَاء وَإِجَارَة وإعازة فَلهُ الشَّهَادَة بِالْملكِ، والورع أَن يشْهد بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّف، وَمن شهد بِعقد اعْتبر لصِحَّة شَهَادَته بِهِ ذكر شُرُوط عقد مشهود بِهِ للِاخْتِلَاف فِيهَا فَرُبمَا اعْتقد الشَّاهِد صِحَة مَالا يَصح عِنْد القَاضِي فَيعْتَبر فِي نِكَاح أَنه تزَوجهَا بِرِضَاهَا إِن لم تكن مجبرة، وَذكر بَقِيَّة الشُّرُوط كوقوعه بولِي مرشد وشاهدي عدل حَال خلوها من الْمَوَانِع، وَفِي رضَاع ذكر عدد الرضعات وَأَنه شرب من ثديها أَو من لبن حلب مِنْهُ وَنَحْو ذَلِك. وَيجب إِشْهَاد فِي عقد نِكَاح خَاصَّة لِأَنَّهُ شَرط فِيهِ فَلَا ينْعَقد بِدُونِهِ وَتقدم فِي النِّكَاح. وَيسن إِشْهَاد فِي غَيره أَي النِّكَاح كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالرَّهْن وَنَحْوهَا.(2/841)
وَلَو شهد اثْنَان فِي جمع النَّاس على وَاحِد مِنْهُم أَنه طلق أَو أعتق، أَو شَهدا على خطيب أَنه قَالَ وَفعل على الْمِنْبَر فِي الْخطْبَة كَذَا وَلم يشْهد بِهِ أحد غَيرهمَا قبلت شَهَادَتهمَا. وَشرط فِي شَاهد سِتَّة شُرُوط بالاستقراء أَحدهَا: إِسْلَام فَلَا تقبل من كَافِر وَلَو على مثله غير رجلَيْنِ كتابيين عِنْد عدم مُسلم بِوَصِيَّة ميت بسفر مُسلم أَو كَافِر ويحلفهما حَاكم وجوبا بعد الْعَصْر مَعَ ريب لَا نشتري بِهِ ثمنا وَلَو كَانَ ذَا قربى، وَمَا خَانا وَأَنَّهَا لوصيته، فَإِن عثر أَي اطلع على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا فآخران من أَوْلِيَاء الْمُوصي فحلفهما بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا وَلَقَد خَانا وكتما - وَيَقْضِي لَهُم. وَالثَّانِي: بُلُوغ فَلَا تقبل من الصَّغِير ذكرا أَو غَيره وَلَو فِي حَال أهل الْعَدَالَة، وَالثَّالِث: عقل وَهُوَ نوع من الْعُلُوم الضرورية أَي غريزة ينشأ عَنْهَا ذَلِك يستعد بهَا لفهم دَقِيق الْعُلُوم وتدبير الصَّنَائِع الفكرية، والضروري هُوَ الَّذِي لَا يُمكن وُرُود الشَّك عَلَيْهِ، وَقَول نوع من الْعُلُوم لَا جَمِيعهَا وَإِلَّا لوَجَبَ أَن يكون الفاقد للْعلم بالمدركات لعدم إِدْرَاكهَا غير عَاقل، والعاقل من عرف الْوَاجِب عقلا الضَّرُورِيّ وَغَيره والممكن والممتنع وَمَا يضرّهُ وَمَا يَنْفَعهُ غَالِبا فَلَا تقبل من معتوه وَمَجْنُون، وَالرَّابِع: نطق الشَّاهِد متكلما فَلَا تقبل من أخرس بِإِشَارَة كإشارة النَّاطِق وَأَن الشَّهَادَة يعْتَبر فِيهَا الْيَقِين وَإِنَّمَا اكْتفى بِإِشَارَة الْأَخْرَس فِي أَحْكَامه كنكاحه وطلاقه لَكِن تقبل الشَّهَادَة من(2/842)
أخرس إِذا أَدَّاهَا بِخَطِّهِ لدلَالَة الْخط على الْأَلْفَاظ وَتقبل مِمَّن يجن ويفيق إِذا تحملهَا وأداها حَال إِفَاقَته، وَالْخَامِس: حفظ فَلَا تقبل من مُغفل ومعروف بِكَثْرَة سَهْو وَغلط، وَعلم من ذَلِك أَنَّهَا تقبل مِمَّن يقل مِنْهُ السَّهْو والغلط، لِأَن ذَلِك لَا يسلم مِنْهُ أحد. وَالسَّادِس: عَدَالَة وَهِي لُغَة الإستقامة والاستواء مصدر معدل بِضَم الدَّال إِذْ الْعدْل ضد الْجور أَي الْميل، وَشرعا اسْتِوَاء أَحْوَال الشَّخْص فِي دينه واعتدال أَقْوَاله وأفعاله، وَيعْتَبر أَي يشْتَرط لَهَا أَي الْعَدَالَة شَيْئَانِ: الأول فِي الصّلاح فِي الدّين وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحدهمَا أَدَاء الْفَرَائِض أَي الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة قَالَ فِي شرح الْمُنْتَهى: قلت وَمَا وَجب من صَوْم وَحج وَزَكَاة وَغَيرهَا برواتبها أَي سننها الرَّاتِبَة فَلَا تقبل مِمَّن داوم على ترك الرَّوَاتِب، لِأَنَّهَا سنة سنّهَا النَّبِي وَمن ترك سنة فَهُوَ رجل شَرّ، وَالنَّوْع الثَّانِي: اجْتِنَاب الْمَحَارِم بِأَن لَا يَأْتِي كَبِيرَة وَلَا يدمن أَي يداوم على صَغِيرَة وَالْكذب صَغِيرَة فَلَا ترد الشَّهَادَة بِهِ إِن لم يداوم عَلَيْهِ، إِلَّا فِي شَهَادَة زور كذب على نَبِي وَرمي فتن وَنَحْوه فكبيرة. وَيجب الْكَذِب لتخليص مُسلم وَقتل قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وكل مَقْصُود مَحْمُود لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِهِ، وَيُبَاح لإِصْلَاح وَحرب وَزَوْجَة. وَمن أَخذ بالرخص فسق.(2/843)
والكبيرة مَا فِيهِ حد فِي الدُّنْيَا كزنا وَشرب، أَو وَعِيد فِي الْآخِرَة كَأَكْل مَال الْيَتِيم والربا. زَاد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَو غضب أَو لعنة أَو نفي إِيمَان. وَمن الْكَبَائِر مِمَّا ذكره أَصْحَابنَا الشّرك وَقتل النَّفس الْمُحرمَة وَأكل الرِّبَا [وَالسحر] وَالْقَذْف بِالزِّنَا واللواط وَأكل مَال الْيَتِيم بِغَيْر حق والتولي يَوْم الزَّحْف وَالزِّنَا وَشرب الْخمر وكل مُسكر وَقطع الطَّرِيق وَالسَّرِقَة وَأكل الْأَمْوَال بِالْبَاطِلِ ودعواه مَا لَيْسَ لَهُ وَشَهَادَة الزُّور والغيبة والنميمة وَالْيَمِين الْغمُوس وَترك الصَّلَاة والقنوط من رَحْمَة الله تَعَالَى وإساءة الظَّن بِاللَّه وَأمن مكر الله وَقَطِيعَة الرَّحِم وَالْكبر وَالْخُيَلَاء والقيادة وَنِكَاح الْمُحَلّل وهجر الْمُسلم الْعدْل وَترك المستطيع الْحَج وَمنع الزَّكَاة وَالْحكم بِغَيْر الْحق والرشوة فِيهِ وَالْفطر فِي نَهَار رَمَضَان بِلَا عذر وَالْقَوْل على الله بِلَا علم وَسَب الصَّحَابَة والإصرار على الْعِصْيَان وَترك التَّنَزُّه من الْبَوْل ونشوزها على زَوجهَا وإلحاقها بِهِ ولدا من غَيره وإتيان فِي الدبر وكتم الْعلم عَن أَهله وتصوير ذِي الرّوح وإتيان الكاهن والعراف وتصديقهما وَالسُّجُود لغير الله تَعَالَى وَالدُّعَاء إِلَى بِدعَة أَو ضَلَالَة والغلول وَالنوح والتطير وَالْأكل وَالشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وجور الْمُوصي فِي وصينه وَمنعه مِيرَاثه وإباق الرِّيق وَبيع الْحر وَاسْتِحْلَال الْبَيْت الْحَرَام وَكِتَابَة الرِّبَا وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ وَكَونه ذَا وَجْهَيْن وادعاؤه نسبا غير نسبه وغش الإِمَام الرّعية وإتيان الْبَهِيمَة وَترك الْجُمُعَة بِغَيْر عذر وسييء الملكة وَغير ذَلِك. فَأَما من أَتَى شَيْئا من النَّوْع الْمُخْتَلف فِيهِ كمن تزوج بِلَا ولي(2/844)
أَو شرب من النَّبِيذ مَالا يسكره أَو أخر زَكَاة أَو حجا مَعَ إمكانهما وَنَحْوه متأولا لَهُ لم ترد شَهَادَته، وَإِن اعْتقد تَحْرِيمه ردَّتْ الشَّهَادَة. الثَّانِي مِمَّا يعْتَبر للعدالة اسْتِعْمَال الْمُرُوءَة بِوَزْن سهولة أَي الإنسانية بِفعل مَا يزينه ويجمله عَادَة كحسن الْخلق والسخاء وبذل الجاه وَحسن الْجوَار وَترك مَا يدنسه ويشينه أَي يعِيبهُ عَادَة من الْأُمُور الدنية المزرية بِهِ فَلَا شَهَادَة لمتمسخر ورقاص ومشعبذ ولاعب شطرنج وَنَحْوه وَلَا لمن يمد رجله بِحَضْرَة النَّاس أَو يكْشف من بدنه مَا جرت الْعَادة بتغطيته وَلَا لمن يَحْكِي المضحكات أَو يَأْكُل فِي السُّوق، وَيغْتَفر الْيَسِير كاللقمة والتفاحة. وَلَا تقبل شَهَادَة بعض عمودي النّسَب لبَعض فَلَا تقبل شَهَادَة وَالِد لوَلَده وَإِن سفل من وَلَده الْبَنِينَ وَالْبَنَات وَعَكسه وَلَو لم يجرّ الشَّاهِد بِمَا شهد بِهِ نفعا غَالِبا لمشهود لَهُ كَشَهَادَة بِعقد أَو قذف وَلَا تقبل شَهَادَة من أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر وَلَو كَانَ زوجا فِي الْمَاضِي وَلَا تقبل شَهَادَة من يجر بهَا أَي الشَّهَادَة إِلَى نَفسه نفعا فَلَا تقبل شَهَادَة لرقيقه ومكاتبه وَلَا لمورثه بِجرح قبل اندماله لِأَنَّهُ رُبمَا يسري الْجرْح إِلَى النَّفس فَتجب الدِّيَة للشَّاهِد بِشَهَادَتِهِ فَيصير كَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ، وَلَا لِشَرِيك فِيمَا هُوَ شريك فِيهِ وَلَا لمستأجر فِيمَا اسْتَأْجرهُ فِيهِ نَص عَلَيْهِ، وَمن أَمْثِلَة ذَلِك لَو اسْتَأْجر إِنْسَان قصارا على أَن يقصر لَهُ ثوبا ثمَّ نوزع فِي الثَّوْب فَشهد الْقصار فِي الثَّوْب أَنه ملك لمن اسْتَأْجرهُ على قصارته فَإِنَّهَا لَا تقبل أَو أَي وَلَا تقبل شَهَادَة من يدْفع بهَا أَي الشَّهَادَة عَنْهَا(2/845)
أَي نَفسه ضَرَرا، فَلَا تقبل شَهَادَة الْعَاقِلَة بِجرح شُهُود قتل الْخَطَأ لأَنهم متهمون لما فِي ذَلِك من دفع الدِّيَة عَن أنفسهم، وَلَو كَانَ الشَّاهِد فَقِيرا أَو بَعيدا فِي الْأَصَح لجَوَاز أَن يوسر أَن يَمُوت من هُوَ أقرب مِنْهُ، وَلَا شَهَادَة الْغُرَمَاء بِجرح شُهُود دين على مُفلس، وَلَا شَهَادَة الضَّامِن لمن ضمنه بِقَضَاء الْحق أَو الْإِبْرَاء مِنْهُ، وَلَا شَهَادَة عَدو على عدوه. وَيعْتَبر فِي الْعَدَاوَة كَونهَا لغير الله تَعَالَى فِي غير عقد نِكَاح وَأما فِيهِ فَتقبل، وَمن سره مساءة أحد أَو غمه فرحه فَهُوَ عدوه قَالَ فِي التَّرْغِيب: وَمن موانعها العصبية فَلَا شَهَادَة لمن عرف بهَا وبالإفراط فِي الحمية كتعصب قَبيلَة على قَبيلَة وَإِن لم يبلغ رُتْبَة الْعَدَاوَة انْتهى.
وكل من قُلْنَا لَا تقبل شَهَادَته لَهُ كعمودي نسب وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهَا تقبل عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا تهمه فِيهَا فَوَجَبَ أَن تقبل عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ، وكل من تقبل شَهَادَة لَهُ لَا تقبل بِجرح شَاهد عَلَيْهِ كالسيد يشْهد بِجرح من شهد على مكَاتبه أَو عَبده بدين، لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهَا لم يحصل فِيهَا من دفع الضَّرَر عَن نَفسه فَكَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ، وَقد قَالَ الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة فِي الْإِسْلَام أَنه لَا يجوز شَهَادَة خصم وَلَا ظنين. والظنين الْمُتَّهم. وَتقبل مِمَّن صناعته دنيئة عرفا كحجام وحائك وحارس ونخال وَهُوَ الَّذِي يتَّخذ غربالا أَو نَحوه يغربل بِهِ فِي مجاري المَاء. وَمَاء الطَّرِيق وَغَيرهَا وَهُوَ المقلش وصباغ وزبال وكناس الْعذرَة فَإِن صلى بِالنَّجَاسَةِ وَلم ينظف لم تقبل شَهَادَته.(2/846)
وَمَتى زَالَت الْمَوَانِع مِنْهُم فَبلغ الصَّغِير وعقل الْمَجْنُون وَأسلم الْكَافِر وَتَابَ الْفَاسِق قبلت شَهَادَتهم بِمُجَرَّد ذَلِك وَلَا يعْتَبر فِي التائب إصْلَاح الْعَمَل وَتقدم بَيَان التَّوْبَة فِي حكم الْمُرْتَد، والقاذف بالشتم ترد شَهَادَته وَرِوَايَته حَتَّى يَتُوب، وَالشَّاهِد بِالزِّنَا إِذا لم تصل الْبَيِّنَة تقبل رِوَايَته لَا شَهَادَته.(2/847)
3 - (فصل)
. فِي ذكر أَقسَام الْمَشْهُود بِهِ من حَيْثُ عدد الشُّهُود لِأَن عدد الشُّهُود يخْتَلف باخْتلَاف الْمَشْهُود بِهِ قَالَ الله تَعَالَى 19 ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ)) هَذَا فِي الْأَمْوَال، وَفِي الزِّنَا قَوْله تَعَالَى (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء) الْآيَة، فدا هَذَا على اعْتِبَار الْعدَد فِي الْجُمُعَة وَهِي سَبْعَة بالاستقراء: أَحدهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط فِي ثُبُوت الزِّنَا واللواط أَرْبَعَة رجال يشْهدُونَ بِهِ أَو يشْهدُونَ أَنه أَي الْمَشْهُود عَلَيْهِ بذلك أقرّ بِهِ أَرْبعا لقَوْله تَعَالَى 19 ((لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء)) وَقَوله لهِلَال بن أُميَّة (أَرْبَعَة شُهَدَاء وَإِلَّا حد فِي ظهرك) . واللواط من الزِّنَا. وَالثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط فِي دَعْوَى فقر لأخذ زَكَاة مِمَّن عرف بغني ثَلَاثَة رجال يشْهدُونَ لَهُ. وَالثَّالِث: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَشرط فِي مُوجب قَود وإعسار وَمُوجب تَعْزِير كَوَطْء أمة مُشْتَركَة وبهيمة، وَيدخل فِيهَا وَطْء أمته فِي حيض أَو إِحْرَام أَو صَوْم أَو فِي مُوجب حد كقذف وَشرب رجلَانِ.(2/848)
وَالرَّابِع: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط فِي نِكَاح وَنَحْوه أَي النِّكَاح مِمَّا لَيْسَ مَالا وَلَا يقْصد بِهِ المَال ويطلع عَلَيْهِ الرِّجَال غَالِبا كرجعة وخلع وَطَلَاق وَنسب وَوَلَاء رجلَانِ. وَالْخَامِس: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط فِي مَال وَمَا يقْصد بِهِ المَال كقرض وَرهن ووديعة وغصب وَإِجَارَة وَنَحْو ذَلِك رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ أَو رجل وَيَمِين الْمُدَّعِي لَا امْرَأَتَانِ وَيَمِين لِأَن النِّسَاء لَا تقبل شَهَادَتهنَّ فِي ذَلِك منفردات، وكذل لَو شهد أَربع نسْوَة لم يقبل وَيجب تَقْدِيم الشَّهَادَة على الْيَمين. وَلَو نكل من أَقَامَ شَاهدا حلف مدعى عَلَيْهِ وَسقط الْحق، فَإِن شَهَادَتهنَّ نكل مُدع قضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ نصا، وَلَو كَانَ لجَماعَة حق بِشَاهِد فأقاموه فَمن حلف أَخذ نصِيبه وَلَا يُشَارِكهُ من لم يحلف. وَالسَّادِس: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط فِي دَاء دَابَّة وموضحة وَنَحْوهَا كداء بِعَين قَول اثْنَيْنِ أَي بيطارين أَو طبيبين أَو كحالين وَمَعَ وجود عذر بِأَن لم يكن بِالْبَلَدِ أَكثر من وَاجِد يعلم ذَلِك فَيَكْفِي وَاحِد، فَإِن اخْتلفَا بِأَن قَالَ أَحدهمَا بِوُجُود الدَّاء وَالْآخر بِعَدَمِهِ قدم قَول الْمُثبت. وَالسَّابِع: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال غَالِبا كعيوب نسَاء تحب ثِيَاب ورضاع واستهلال وبكارة وثيوبة وحيض وبرص بِظهْر أَو بطن امْرَأَة ورتق وَقرن وعفل وجراحة وَنَحْوهَا كعارية ووديعة وقرض وَنَحْوهَا فِي حمام وعرس وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا يحضرهُ الرِّجَال فَيَكْفِي فِيهِ امْرَأَة عدل والأحوط اثْنَتَانِ لِأَنَّهُ أبلغ أَو شهد بِهِ رجل فَأولى لكماله.(2/849)
3 - (فصل)
. وَتقبل الشَّهَادَة على الشَّهَادَة بثماينة شُرُوط: أَحدهَا كَونهَا فِي كل مَا يقبل فِيهِ كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَهُوَ حق الْآدَمِيّ دون حق الله تَعَالَى، لِأَن الْحُدُود مَبْنِيَّة على السّتْر والدرء بِالشُّبْهَةِ، وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِيهَا شُبْهَة لتطرق احْتِمَال الْغَلَط والسهو وَكذب شُهُود الْفَرْع فِيهَا مَعَ احْتِمَال ذَلِك فِي شُهُود الأَصْل، وَلِهَذَا لَا تقبل مَعَ الْقُدْرَة على شُهُود الأَصْل، وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَيْهَا فِي الْحَد لِأَن ستر صَاحبه أولى من الشَّهَادَة عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَشرط تعذر شُهُود أصل بِمَوْت أَو مرض أَو غيبَة مَسَافَة قصر أَو خوف من سُلْطَان أَو غَيره لِأَن شَهَادَة الأَصْل أقوى فَتثبت نفس الْحق وَشَهَادَة الْفَرْع تثبت الشَّهَادَة عَلَيْهِ وَلَا يعدل عَن الْيَقِين مَعَ إِمْكَانه. وَالثَّالِث: دوَام تعذر شُهُود الأَصْل إِلَى صُدُور الحكم فَمَتَى أمكنت شَهَادَتهم وقف الحكم على استماعها. وَالرَّابِع: دوَام عدالتهما أَي عَدَالَة شُهُود أصل وَفرع إِلَى صُدُور الحكم فَمَتَى حدث من أحدهم مَا يمْنَع قبُوله وقف الحكم.(2/850)
وَالْخَامِس: استرعاء شَاهد أصل لشاهد فرع استرعاؤه لغيره أَي الْفَرْع وَهُوَ أَي الْفَرْع يسمع استرعاء الأَصْل لغيره وأصل الاسترعاء من قَول الْمُحدث أرعني سَمعك، يُرِيد اسْمَع مني، مَأْخُوذ من رعيت الشَّيْء أَي حفظته، فشاهد الأَصْل يطْلب من شَاهد الْفَرْع أَن يحفظ شَهَادَته ويؤديها. وَصفَة الاسترعاء مَا ذكره بقوله فَيَقُول شَاهد الأَصْل لمن يسترعيه أشهد يَا فلَان على شهادتي أَو اشْهَدْ أَنِّي أشهد أَن فلَان بن فلَان وَقد عَرفته أشهدني على نَفسه أَو أشهد أَن عَلَيْهِ بِكَذَا أَو أقرّ عِنْدِي بِكَذَا وَنَحْوه، أَو يسمعهُ أَي يسمع الْفَرْع الأَصْل يشْهد عِنْد حَاكم، أَو يعزوها أَي شَهَادَته إِلَى سَبَب كَبيع وقرض وَنَحْوهمَا فَيشْهد على شَهَادَته، لِأَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عِنْد الْحَاكِم وبنسبته الْحق إِلَى سَببه يَزُول الِاحْتِمَال كالاسترعاء. وَالسَّادِس: تأدية شَاهد فرع بِصفة تحمله وَإِلَّا لم يحكم بهَا. وَالسَّابِع: تَعْيِينه أَي تعْيين شَاهد أَي فرع الأَصْل قَالَ 16 (القَاضِي) : وَلَو قَالَ تابعيان: أشهدنا صحابيان، لم يجز حَتَّى يعيناهما وَالثَّامِن: ثُبُوت عَدَالَة الْجَمِيع أَي شُهُود الأَصْل وَالْفرع لِأَنَّهُمَا شهادتان فَلَا يحكم بهَا بِدُونِ عَدَالَة الشُّهُود ولانبناء الحكم على الشَّهَادَتَيْنِ جَمِيعًا، وَلَا يجب على الْفَرْع تَعْدِيل أصل، وَتقبل شَهَادَة الْفَرْع بِهِ، وبموته أَي الأَصْل وَنَحْوه كغيبته ومرضه كتعديلهم لَا تَعْدِيل شَاهد لرفيقه. وَإِذا أنكر الأَصْل شَهَادَة الْفَرْع لم يعْمل بهَا.(2/851)
وَيضمن شُهُود الْفَرْع برجوعهم بعد الحكم مَا لم يَقُولُوا بِأَن لنا كذب الْأُصُول أَو غلطهم. وَإِن رَجَعَ شُهُود الأَصْل بعده لم يضمنوا إِلَّا أَن قَالُوا كذبنَا أَو غلطنا. وَإِن قَالَ شَاهدا الأَصْل بعد الحكم: مَا أشهدنا هما بِشَيْء، لم يضمن الْفَرِيقَانِ شَيْئا مِمَّا حكم بِهِ لِأَنَّهُ لم يثبت كذب شَاهِدي الْفَرْع وَلَا رُجُوع شَاهِدي الأَصْل إِذْ الرُّجُوع إِنَّمَا يكون بعد الشَّهَادَة. وَإِن رَجَعَ شُهُود مَال أَو عتق فَإِن كَانَ ذَلِك قبل حكم لم يحكم بِشَيْء وَإِن كَانَ بعده أَي الحكم لم ينْقض لتمامه، وَرُجُوع الشُّهُود بعد الحكم لَا ينْقضه، لأَنهم إِن قَالُوا: عمدنا، فقد شهدُوا على أنفسهم بِالْفِسْقِ فهما متهمان بِإِرَادَة نقض الحكم كَمَا لَو شهد فاسقان على الشَّاهِدين بِالْفِسْقِ فَإِنَّهُ لَا يُوجب التَّوَقُّف فِي شَهَادَتهمَا، وَإِن قَالُوا أَخْطَأنَا لم يلْزم نقضه لجَوَاز خطئهما فِي قَوْلهمَا الثَّانِي بِأَن اشْتبهَ عَلَيْهِم الْحَال، وضمنوا مَا لم يُصدقهُمْ مشهود لَهُ. وَإِن رَجَعَ شُهُود قَود أَو حد بعد حكم وَقبل اسْتِيفَاء لم يسْتَوْف وَوَجَب دِيَة قَود شهدُوا بِهِ لمشهود لَهُ، لِأَن الْوَاجِب أحد شَيْئَيْنِ فَإِن امْتنع أَحدهمَا تعين الآخر، وَيرجع غَارِم على شُهُود. وَإِن استوفى ثمَّ قَالُوا أَخْطَأنَا غرموا دِيَة مَا تلف من نفس وَمَا دونهَا أَو أرش الضَّرْب نصا ويقسط الْغرم على عَددهمْ، وَإِن حكم بِشَاهِد وَيَمِين فَرجع الشَّاهِد غرم المَال كُله نصا. وَإِن بَان بعد حكم كفر شاهديه أَو فسقهما أَو أَنَّهُمَا من عمودي نسب(2/852)
مَحْكُوم لَهُ أَو عدوا مَحْكُوم عَلَيْهِ نقض الحكم لتبين فَسَاده، ذكره فِي الْمُنْتَهى. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاع: فينقضه الإِمَام أَو غَيره. انْتهى. وَرجع بِمَال أَو بِبَدَل لَهُ إِن تلف وببدل قَود مُسْتَوفى على مَحْكُوم لَهُ. وَإِذا علم الْحَاكِم بِشَاهِد زور بِإِقْرَارِهِ أَن تبين كذبه يَقِينا عزره وَلَو تَابَ بِمَا يرَاهُ من ضرب أَو حبس أَو كشف رَأس وَنَحْوه مِمَّا لم يُخَالف نصا كحلق لحيته أَو أَخذ مَاله أَو قطع طرفه وطيف بِهِ فِي مَوَاضِع شَتَّى يشْتَهر فِيهَا فَيُقَال: إِنَّا وَجَدْنَاهُ شَاهد زور فَاجْتَنبُوهُ. وَالْيَمِين تقطع حق الْخُصُومَة عِنْد النزاع وَلَا تسْقط حَقًا، فَتسمع الْبَيِّنَة بعْدهَا. وَمن حلف على فعل غَيره أَو فعل نَفسه أَو دَعْوَى عَلَيْهِ حلف على الْبَتّ وَالْقطع، وعَلى نفي فعل غَيره أَو نفي دَعْوَى عَلَيْهِ حلف على نفي الْعلم، ورقيقه كأجنبي فِي حلفه على نفي الْعلم. وَمن توجه عَلَيْهِ حلف لجَماعَة حلف لكل وَاحِد يَمِينا مَا لم يرْضوا بِوَاحِدَة، وتجزيء بِاللَّه تَعَالَى وَحده ولحاكم تغليظها فِيمَا فِيهِ خطر كجناية لَا توجب قودا أَو عتق وَنَحْوهمَا بِلَفْظ كوالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم الطَّالِب الْغَالِب الضار النافع الَّذِي يعلم خائنه الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور. وَيَقُول الْيَهُودِيّ: وَالله الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وفلق لَهُ الْبَحْر ونجاه من فِرْعَوْن وملئه. وَيَقُول النَّصْرَانِي: وَالله الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى وَجعله يحيى الْمَوْتَى ويبريء الأكمه والأبرص.(2/853)
وَيَقُول الْمَجُوسِيّ والوثني: وَالله الَّذِي خلقني وصورني وَرَزَقَنِي. وَيحلف الصابيء وَمن يعبد غير الله عز شَأْنه وَعظم سُلْطَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الجاحدون علوا كَبِيرا بِاللَّه تَعَالَى. وتغليظ بِزَمن بعد الْعَصْر وَبَين أَذَان وَإِقَامَة. وبمكان فبمكة بَين الرُّكْن وَالْمقَام وبالقدس عِنْد الصَّخْرَة وَبَقِيَّة الْبِلَاد عِنْد الْمِنْبَر. وَيحلف ذمِّي بمَكَان يعظمه. زَاد بَعضهم: وبهيئة كتحليفه قَائِما مُسْتَقْبل الْقبْلَة. وَمن أَبى التَّغْلِيظ لم يكن ناكلا. وَإِن رأى حَاكم تَركه فَتَركه كَانَ مصيبا. وَإِن بَان أَي ظهر خطأ مفت لَيْسَ أَهلا الْفتيا أَو بَان خطأ قَاض فِي حكمه فِي إِتْلَاف لمُخَالفَة قَاطع ضمنا الْمُفْتِي وَالْقَاضِي مَا تلف بِسَبَب خطئهما.(2/854)
(كتاب الْإِقْرَار)
كتاب الْإِقْرَار. وَهُوَ لُغَة الِاعْتِرَاف لقَوْله تَعَالَى (وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين) الْآيَة وَقَوله تَعَالَى (وءاخرون اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) . وَقَوله تَعَالَى: (أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى) ورجم النَّبِي ماعزا والغامدية بإقرارها. وَشرعا الْإِظْهَار فَقَالَ رَحمَه الله: يَصح الْإِقْرَار من مُكَلّف أَي بَالغ عَاقل لَا من صَغِير غير مَأْذُون وَلَا من مَجْنُون مُخْتَار لَا مكره عَلَيْهِ بِلَفْظ أَو كِتَابَة أَو إِشَارَة من أخرس فَقَط لَا من نَاطِق وَلَا مِمَّن يثقل لِسَانه. وَلَا يَصح الْإِقْرَار على الْغَيْر إِلَّا إِذا كَانَ من وَكيل فَيصح على مُوكله فِيمَا وَكله فِيهِ وَإِلَّا من ولي على موليه وَإِلَّا من وَارِث على مُوَرِثه بِمَا يُمكن صدقه، بِخِلَاف مَا لَو أقرّ بِجِنَايَة من عشْرين سنة وَسنة دونهَا. وَيصِح الْإِقْرَار من مَرِيض مرض الْمَوْت الْمخوف بوارث وَيَأْخُذ(2/855)
دين من وَارِث وبمال لغير وَارِث، وَلَا يقبل الْإِقْرَار من مَرِيض مرض الْمَوْت بِمَال وَارِث إِلَّا بِبَيِّنَة أَو إجَازَة بَاقِي الْوَرَثَة كالعطية وَلِأَنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ فِي حَقه فَلم يَصح إِقْرَاره لَهُ، لَكِن يلْزم الْإِقْرَار إِن كَانَ حَقًا وَإِن لم يقبل وَلَو صَار الْوَارِث الْمقر لَهُ عِنْد الْمَوْت أَجْنَبِيّا وَيصِح إِقْرَاره لأَجْنَبِيّ وَلَو صَار عِنْد الْمَوْت وَارِثا اعْتِبَارا بِحَالَة الْإِقْرَار لَا بِالْمَوْتِ عكس الْوَصِيَّة، فَمن أقرّ لِأَخِيهِ فَحدث لَهُ ابْن، أَو قَامَ بِهِ مَانع لم يَصح إِقْرَاره. وَإِن أقرّ لَهُ وللمقر ابْن فَمَاتَ الابْن قبل الْمقر صَحَّ الْإِقْرَار، وَإِعْطَاء كإقرار فَلَو أعطَاهُ وَهُوَ غير وَارِث صَحَّ الْإِعْطَاء وَلَو صَار وَارِثا عِنْد الْمَوْت لعدم التُّهْمَة إِذْ ذَاك ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي التَّرْغِيب وَوَافَقَهُ مُوسَى الحجاوي عَلَيْهَا وتبعهما الْمَنْصُور عَلَيْهَا، وَالصَّحِيح أَن الْعبْرَة فِيهَا بِحَالَة الْمَوْت كَالْوَصِيَّةِ عكس الْإِقْرَار فيقف على إجَازَة الْوَرَثَة. وَإِن أقرَّت امْرَأَة وَلَو سَفِيهَة أَو أقرّ وَليهَا الْمُجبر أَو الَّذِي أَذِنت لَهُ فِي النِّكَاح بِنِكَاح لم يَدعه أَي النِّكَاح إثنان قبل أَو أقرَّت لاثْنَيْنِ قبل إِقْرَارهَا لِأَنَّهُ حق عَلَيْهَا وَلَا تُهْمَة فِيهِ فَلَو أَقَامَا بينتين قدم أسبقهما تَارِيخا فَإِن جَهله الْوَلِيّ فسخا وَلَا تَرْجِيح لأَحَدهمَا بِكَوْنِهَا بِيَدِهِ. وَيقبل إِقْرَار صبي تمّ لَهُ عشر سِنِين أَنه بلغ باحتلام، وَمثله جَارِيَة لَهَا تسع سِنِين لَا بسن إِلَّا بِبَيِّنَة. وَمن ادّعى عَلَيْهِ بِشَيْء كألف مثلا فَقَالَ فِي جَوَابه نعم أَو قَالَ بلَى أَو نَحْوهمَا كصدقت أَو إِنِّي مقرّ أَو قَالَ: اتزنه أَو خُذْهُ أَو اقبضه أَو هِيَ صِحَاح أَو كَأَنِّي جَاحد لَك حَقك فقد أقرّ لَهُ(2/856)
لوُقُوع ذَلِك عقب الدَّعْوَى، لَا إِن قَالَ أَنا أقرّ وَلَا أنكر أَو خُذ لاحْتِمَال أَن يكون المُرَاد خُذ الْجَواب، أَو أَي وَلَا يقبل إِن قَالَ اتزن أَو نَحوه كأحرز أَو افْتَحْ كمك لاحْتِمَال أَن يكون ذَلِك لشَيْء غير الْمُدعى بِهِ. وَلَا يضر الْإِنْشَاء فِيهِ أَي فِي الْإِقْرَار كَأَن قَالَ: لَهُ على إِن شَاءَ الله، أَو إِلَّا أَن يَشَاء الله بل هُوَ إِقْرَار صَحِيح وَإِذا قَالَه لَهُ عَليّ ألف لَا يلْزَمنِي أَو قَالَ لَهُ على ألف من ثمن خمر وَنَحْوه. كَثمن كلب أَو: من مُضَارَبَة تلفت وَشرط على ضَمَانهَا أَو وَدِيعَة وَنَحْو ذَلِك يلْزمه أَي الْمقر ألف لِأَن مَا ذكر بعد قَوْله لَهُ على ألف رفع لجَمِيع مَا أقرّ بِهِ فَلَا يقبل كاستثناء الْكل وَإِن قَالَ لَهُ عَليّ ألف أَو كَانَ لَهُ عَليّ ألف قَضيته إِيَّاه أَو بعضه أَو قَالَ بَرِئت مِنْهُ وَلم يعزه لسَبَب ف هُوَ مُنكر يقبل قَوْله بِيَمِينِهِ نصا طبق جَوَابه ويخلى سَبيله حَيْثُ لَا بَيِّنَة، هَذَا الْمَذْهَب، قَالَ فِي الْإِنْصَاف: لِأَنَّهُ رفع مَا ثَبت بِدَعْوَى الْقَضَاء مُتَّصِلا. وَقَالَ أَبُو الْخطاب: يكون مقرا مُدعيًا للْقَضَاء فَلَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة، فَإِن لم تكن بَيِّنَة حلف الْمُدعى أَنه لم يقْض وَلم يُبرئهُ وَاسْتحق، وَقَالَ: هَذَا رِوَايَة وَاحِدَة ذكرهَا ابْن أبي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْوَفَاء وَابْن عَبدُوس فِي تَذكرته وَقدمه فِي الْمَذْهَب وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِير. انْتهى. قَالَ ابْن هُبَيْرَة: لَا يَنْبَغِي للْقَاضِي الْحَنْبَلِيّ أَن يحكم بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَيجب الْعَمَل بقول أبي الْخطاب لِأَنَّهُ الأَصْل وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْعلمَاء، فَإِن ذكر السَّبَب فقد اعْترف بِمَا يُوجب الْحق من عقد أَو غصب أَو نَحْوهمَا(2/857)
فَلَا يقبل قَوْله أَنه بَرِيء مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَة. انْتهى من شرح الْمُنْتَهى. وَإِن ثَبت مَا أقرّ بِهِ بِبَيِّنَة أَو عزاهُ الْمقر لسَبَب كَأَن قَالَ: عَليّ كَذَا من قرض أَو ثمن فَلَا يقبل قَوْله حَيْثُ ثَبت عَلَيْهِ بِبَيِّنَة أَو عزاهُ لسَبَب، وَإِن أقرّ لَهُ بِأَلف وَأنكر سَبَب الْحق الْمُوجب للألف ثمَّ ادّعى الدّفع بِبَيِّنَة لم يقبل ذَلِك مِنْهُ. وَيصِح اسْتثِْنَاء النّصْف فَأَقل فَيلْزمهُ ألف فِي قَوْله: عَليّ ألف إِلَّا ألفا أَو إِلَّا سِتّمائَة، وَله عشرَة إِلَّا خَمْسَة يلْزمه خَمْسَة بِشَرْط أَلا يسكت بَين المستثني والمستثنى مِنْهُ وَأَن يكون من جنسه ونوعه. وَمن قَالَ: لَهُ على هَؤُلَاءِ العبيد الْعشْرَة إِلَّا وَاحِدًا فَصَحِيح وَيلْزمهُ تَسْلِيم تِسْعَة، فَإِن مَاتُوا أَو قتلوا أَو غصبوا إِلَّا وَاحِدًا فَقَالَ هُوَ الْمُسْتَثْنى قبل بِيَمِينِهِ. وَيصِح الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء فَمن قَالَ: لَهُ على سَبْعَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا درهما يلْزمه خَمْسَة وَمن أقرّ بِقَبض أَو إقباض أَو هبة وَنَحْوهَا كرهن وَنَحْوه ثمَّ أنكر الْمقر بِأَن قَالَ: مَا قَبضته وَنَحْوه وَلم يجْحَد إِقْرَاره الصَّادِر مِنْهُ بِالْقَبْضِ والإقباض وَالْحَال أَنه لَا بَيِّنَة تشهد بذلك وَسَأَلَ إحلاف خَصمه لزمَه لجَرَيَان الْعَادة بِالْإِقْرَارِ بذلك قبله، وَمن بَاعَ شَيْئا أَو وهب شَيْئا أَو أعتق عبدا ثمَّ أقرّ بذلك أَي بِمَا بَاعه أَو وهبه أَو أعْتقهُ لغيره لم يقبل إِقْرَاره على مُشْتَر أَو متهب أَو عَتيق لِأَنَّهُ أقرّ على غَيره وتصرفه نَافِذ ويغرمه أَي بدله لمقر لَهُ. وَإِن قَالَ: لم يكن ملكي ثمَّ ملكته بعد، قبل بِبَيِّنَة تشهد بِهِ مَا لم(2/858)
يكذبها أَي الْبَيِّنَة بِنَحْوِ قبضت ثمن ملكي أَو قَالَ بِعْتُك أَو وَهبتك ملكي هَذَا، فَإِن وجد ذَلِك لم تسمع بِبَيِّنَة، وَلَا يقبل رُجُوع مقرّ عَن إِقْرَاره إِلَّا فِي حد لله تَعَالَى، فَأَما حُقُوق الْآدَمِيّين وَحُقُوق الله تَعَالَى الَّتِي لَا تدرأ بِالشُّبُهَاتِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَة فَلَا يقبل رُجُوعه عَنْهَا. وَمن قَالَ: غصبت هَذَا العَبْد من زيد لَا بل من عَمْرو أَو غصبته مِنْهُ وغصبه هُوَ من عَمْرو فَهُوَ لزيد وَيغرم قِيمَته لعَمْرو وغصبته من زيد وَملكه لعمر فَهُوَ لزيد وَلَا يغرم لعَمْرو شَيْئا وَإِن قَالَ: لَهُ عَليّ شَيْء أَو لَهُ عَليّ كَذَا أَو لَهُ مَال عَظِيم وَنَحْوه كخطير أَو كثير أَو نَفِيس، أَو زَاد: عِنْد الله، قيل لَهُ فسره، وَيلْزمهُ تَفْسِيره فَإِن فسره بِشَيْء وَصدقه الْمقر لَهُ ثَبت. وَإِن أَبى تَفْسِيره حبس حَتَّى يفسره وَيقبل تَفْسِيره بِأَقَلّ مَال لِأَن الشَّيْء يصدق على أقل مُتَمَوّل، والعظيم وَنَحْوه لَا حد لَهُ فِي الشَّرْع وَلَا فِي الْعرف وَيخْتَلف النَّاس فَمنهمْ من يعظم الْقَلِيل وَمِنْهُم من يعظم الْكثير فَلم يثبت فِي ذَلِك حد يرجع إِلَى تَفْسِيره، وَأي وَيقبل تَفْسِيره بكلف مُبَاح نَفعه وبحد قذف وشفعة لَا بميتة أَو خمر أَو كلب غيرمباح أَو مَالا يتمول كقشر جوزة وَنَحْوه كحبة بر ورد سَلام وتشميت عاطس. وَإِن قَالَ: لَهُ عَليّ مَا بَين دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم لزمَه ثَمَانِيَة، لَهُ مَا بَين دِرْهَم إِلَى عشرَة، وَمن دِرْهَم إِلَى عشرَة، يلْزمه تِسْعَة. وَله على قفيز حِنْطَة بل قفيز شعير، أَو دِرْهَم بل دِينَار لزماه، وَله عليَّ دِرْهَم أَو دِينَار لزمَه أَحدهمَا ويعينه، وَله عَليّ دِرْهَم فِي دِينَار لزمَه دِرْهَم، وَإِن قَالَ أردْت الْعَطف أَو مَعَ لزماه،(2/859)
وَإِن قَالَ لَهُ عِنْدِي تمر فِي جراب بِكَسْر الْجِيم أَو لَهُ عِنْدِي سكين فِي قرَاب بِكَسْر الْقَاف أَو لَهُ فص فِي خَاتم وَنَحْو ذَلِك كَثوب فِي منديل، أَو عبد عَلَيْهِ عِمَامَة، أَو دَابَّة عَلَيْهَا سرج، أَو سرج على دَابَّة، أَو عِمَامَة على عبد، أَو دَار مفروشة، أَو دَابَّة فِي بَيت أَو زَيْت فِي زق يلْزمه الأول دون الثَّانِي. وَإِقْرَاره بشجر لَيْسَ إِقْرَاره بأرضه فَلَا يملك غرس مَكَانهَا لَو ذهبت وَلَا يملك رب الأَرْض قلعهَا، وثمرتها للْمقر لَهُ وَإِقْرَاره بِأمة لَيْسَ إِقْرَاره بحملها، وببستان يَشْمَل أشجاره، وبشجرة يَشْمَل أَغْصَانهَا. وَإِن اتفقَا على عقد وَادّعى أَحدهمَا صِحَة العقد وَادّعى الآخر فَسَاده فَالْقَوْل قَول مدعى الصِّحَّة بِيَمِينِهِ. وَمن قَالَ بِمَرَض مَوته: هَذِه الْألف لقطَة فتصدقوا بِهِ، وَلَا مَا لَهُ غَيره لزم الْوَرَثَة الصَّدَقَة بِجَمِيعِهِ وَلَو كذبوه. وَيحكم بِإِسْلَام من أقرّ وَلَو مُمَيّزا أَو قبيل مَوته بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله تَسْلِيمًا.
اللَّهُمَّ اجْعَلنِي مِمَّن أقرّ بهَا مخلصا فِي حَيَاته وَعند مماته وَبعد وَفَاته آمين وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب.
قَالَ مُؤَلفه تغمده الله برحمته وَأَسْكَنَهُ أَعلَى فراديس جنته: وَهَذَا آخر مَا تيَسّر جمعه بمعونة الْملك الْوَهَّاب، وَأَنا أسأله تَعَالَى أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم، ونجاه من نَار الْجَحِيم وَالْعَذَاب الْأَلِيم، وَمَفَازًا بالنعيم الْمُقِيم، إِنَّه حَلِيم كريم رءوف رَحِيم، وَأَن ينفع بِهِ من اشْتغل بِهِ أَو نظر فِيهِ أَو تَأمل مَعَانِيه، وَأَن يحشرنا بحت لِوَاء سيد الْمُرْسلين، وَأَن يغْفر لي وَسَائِر الْمُسلمين أَجْمَعِينَ، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين.
لخطأ لأَنهم متهمون لما فِي ذَلِك من دفع الدِّيَة عَن أنفسهم، وَلَو كَانَ الشَّاهِد فَقِيرا أَو بَعيدا فِي الْأَصَح لجَوَاز أَن يوسر أَن يَمُوت من هُوَ أقرب مِنْهُ، وَلَا شَهَادَة الْغُرَمَاء بِجرح شُهُود دين على مُفلس، وَلَا شَهَادَة الضَّامِن لمن ضمنه بِقَضَاء الْحق أَو الْإِبْرَاء مِنْهُ، وَلَا شَهَادَة عَدو على عدوه. وَيعْتَبر فِي الْعَدَاوَة كَونهَا لغير الله تَعَالَى فِي غير عقد نِكَاح وَأما فِيهِ فَتقبل، وَمن سره مساءة أحد أَو غمه فرحه فَهُوَ عدوه قَالَ فِي التَّرْغِيب: وَمن موانعها العصبية فَلَا شَهَادَة لمن عرف بهَا وبالإفراط فِي الحمية كتعصب قَبيلَة على قَبيلَة وَإِن لم يبلغ رُتْبَة الْعَدَاوَة انْتهى.
وكل من قُلْنَا لَا تقبل شَهَادَته لَهُ كعمودي نسب وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهَا تقبل عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا تهمه فِيهَا فَوَجَبَ أَن تقبل عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ، وكل من تقبل شَهَادَة لَهُ لَا تقبل بِجرح شَاهد عَلَيْهِ كالسيد يشْهد بِجرح من شهد على مكَاتبه أَو عَبده بدين، لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهَا لم يحصل فِيهَا من دفع الضَّرَر عَن نَفسه فَكَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ، وَقد قَالَ الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة فِي الْإِسْلَام أَنه لَا يجوز شَهَادَة خصم وَلَا ظنين. والظنين الْمُتَّهم. وَتقبل مِمَّن صناعته دنيئة عرفا كحجام وحائك وحارس ونخال وَهُوَ الَّذِي يتَّخذ غربالا أَو نَحوه يغربل بِهِ فِي مجاري المَاء. وَمَاء الطَّرِيق وَغَيرهَا وَهُوَ المقلش وصباغ وزبال وكناس الْعذرَة فَإِن صلى بِالنَّجَاسَةِ وَلم ينظف لم تقبل شَهَادَته. وَمَتى زَالَت الْمَوَانِع مِنْهُم فَبلغ الصَّغِير وعقل الْمَجْنُون وَأسلم الْكَافِر وَتَابَ الْفَاسِق قبلت شَهَادَتهم بِمُجَرَّد ذَلِك وَلَا يعْتَبر فِي التائب إصْلَاح الْعَمَل وَتقدم بَيَان التَّوْبَة فِي حكم الْمُرْتَد، والقاذف بالشتم ترد شَهَادَته وَرِوَايَته حَتَّى يَتُوب، وَالشَّاهِد بِالزِّنَا إِذا لم تصل الْبَيِّنَة تقبل رِوَايَته لَا شَهَادَته.(2/860)