فِي غير مَوضِع مَعَ ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نَهْيه عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان وَأَنه استعرض قُرَيْظَة فَمن أنبت قَتله وَمن لم ينْبت لم يقْتله وَمَا روى من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا ثَلَاثَة كلهم يدل على الله بحجته
فَأَما قَوْله {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّمَا يتَنَاوَل من لَا يعقل من الْأَطْفَال والمجانين فَأَما الصَّبِي الْمُمَيز فتكليفه مُمكن فِي الْجُمْلَة وَلِهَذَا يصحح أَكثر الْفُقَهَاء ترفاته تَارَة مُسْتقِلّا كأيمانه وَتارَة بِالْإِذْنِ كمعاوضاته الْكَبِيرَة
وَاخْتلفُوا فِي وجوب الصَّلَاة على ابْن عشر وَفِي وجوب الصَّوْم على من أطاقه وَالْخلاف فِيهِ مَعْرُوف فِي مَذْهَب أَحْمد حَتَّى اخْتلف فِي صِحَة شَهَادَته وأمانه وإمامته وولايته فِي النِّكَاح وعتقه
وَهنا مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى إِن من نتائج التَّكْلِيف الْعقَاب وَالثَّوَاب عِقَاب العَاصِي وثواب الْمُطِيع
فَأَما الْعقَاب فَمَا علمت أحدا من أهل الْقبْلَة خَالف فِي أَن الْكَافِر معذب فِي الْجُمْلَة وَإِن اخْتلفُوا فِي تفاصيل عَذَابه ونصوص الْقُرْآن متظاهرة بِعَذَاب الْكَافرين وَلذَلِك الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّة الْمُسلمين من جَمِيع الطوائف عُقُوبَة فجار أهل الْقبْلَة فِي الْجُمْلَة إِمَّا فِي الدُّنْيَا بالمصائب وَالْحُدُود وَإِمَّا فِي الْآخِرَة وَأما غَايَة المرجئة فروى عَنْهَا أَنَّهَا نفت ذَلِك كَمَا أَن الْخَوَارِج والمعتزلة جزمت وُقُوع ذَلِك على جَمِيع الْفَاسِقين وخلودهم فِي النَّار
وَأما الثَّوَاب فاتفقت الْأمة على ثَوَاب الْإِنْس على طاعتهم وَاخْتلفُوا فِي الْجِنّ هَل يثابون أَو لَا ثَوَاب لَهُم إِلَّا النجَاة من الْعَذَاب على قَوْلَيْنِ(1/640)
الأول قَول الْجُمْهُور من الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة والحنبلية وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَغَيرهم
وَالثَّانِي مأثور عَن طَائِفَة مِنْهُم أَبُو حنيفَة
وَقد اخْتلف فِي أصُول الْفِقْه هَل من شَرط الْوُجُوب الْعقَاب على التّرْك على قَوْلَيْنِ
وَأما الثَّوَاب على الْفِعْل فَهُوَ وَاجِب إِمَّا بِالسَّمْعِ وَإِمَّا بِمُجَرَّد الْإِيجَاب
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن من لَا تَكْلِيف عَلَيْهِ هَل يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة
فَأَما الْإِنْس وَالْجِنّ فيبعثون جيمعا بِاتِّفَاق الْأمة وَلم يَخْتَلِفُوا فِيمَا علمت إِلَّا فِيمَن لم ينْفخ فِيهِ الرّوح هَل يبْعَث على قَوْلَيْنِ وَبَعثه اخْتِيَار القَاضِي وَكثير من الْفُقَهَاء وَذكر أَنه ظَاهر كَلَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ
وَأما الْبَهَائِم فَهِيَ مبعوثة بِالْكتاب وَالسّنة قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض وَلَا طَائِر يطير بجناحيه إِلَّا أُمَم أمثالكم مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء ثمَّ إِلَى رَبهم يحشرون} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا الوحوش حشرت} والْحَدِيث فِي قَول الْكَافِر {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا} مَعْرُوف وَمَا أعلم فِيهِ خلافًا مَشْهُورا
لَكِن اخْتلف بَنو آدم فِي معاد الْآدَمِيّين على أَرْبَعَة أَقْوَال
أَحدهَا وَهُوَ قَول جَمَاهِير من الْمُسلمين أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وجماهير متكلميهم وجماهير الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَجُمْهُور غَيرهم أَن الْمعَاد للروح وَالْبدن وأنهما ينعمان ويعذبان
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول طَائِفَة من متكلمي الْمُسلمين من الأشعرية وَغَيرهم أَن الْمعَاد للبدن وَأَن الرّوح لَا معنى لَهما إِلَّا حَيَاة الْبدن فيحيا الْبدن وينعم ويعذب وَأما معاد روح قَائِمَة بِنَفسِهَا وَنَعِيمهَا وعذابها فينكرونه
وَالثَّالِث ضد هَذَا وَهُوَ قَول الإلهيين من الفلاسفة وَطَائِفَة مِمَّن يبطن(1/641)
مَذْهَبهم من بعض متكلمي أهل الْقبْلَة ومتصوفتهم أَن الْمعَاد للروح دون لبدن
الرَّابِع أَنه لَا معاد أصلا لَا لروح وَلَا لبدن وَهُوَ قَول أَكثر مُشْركي الْعَرَب وَكثير من الطبائعيين والمنجمين وَبَعض الإلهيين من المتفلسفة
فعلى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ يُنكر حشر الْبَهَائِم وعَلى القَوْل الأول يقبل الْخلاف
الْمَسْأَلَة الثَّلَاثَة أَن من لَا تَكْلِيف عَلَيْهِ بل قد رفع عَنهُ الْقَلَم هَل يعذب فِي الْآخِرَة
وَهنا مَسْأَلَة أَطْفَال الْمُشْركين فَمن قَالَ من أَصْحَابنَا وَغَيرهم إِنَّهُم يُعَذبُونَ تبعا لِآبَائِهِمْ قَالَ بِعَذَاب غير الْمُكَلف تبعا وَمن قَالَ يدْخلُونَ الْجنَّة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم قَالَ بتنعيمهم
وَالصَّوَاب الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة أَنهم لَا يُعَذبُونَ جَمِيعهم وَلَا ينعمون جَمِيعهم بل فريق مِنْهُم فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير كالبلغ وَهَذَا مُقْتَضى نُصُوص أَحْمد فَإِن أَكثر نصوصه على الْوُقُوف فيهم بِمَعْنى أَنه لَا يحكم لأحد مِنْهُم لَا بجنة وَلَا بِنَار فَدلَّ على جَوَاز الْأَمريْنِ عِنْده فِي حق الْمعِين مِنْهُم وَأما تَجْوِيز الْأَمريْنِ فِي حق مجموعهم فَلَا يلْزمه وَهَذَا قَول الْأَشْعَرِيّ وَغَيره
وَبِهَذَا أجَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سُئِلَ عَنْهُم فَقَالَ الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين فَبين أَن الْأَمر مَرْدُود إِلَى علم الله بِمَا كَانُوا يعْملُونَ لَو بلغُوا
وَقد ثَبت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي البُخَارِيّ أَنه رأى حول إِبْرَاهِيم عِنْد الْجنَّة أَطْفَال الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين وَثَبت عَنهُ فِي صَحِيح مُسلم أَن الْغُلَام الَّذِي قَتله الْخضر طبع يَوْم طبع كَافِرًا مَعَ أَنه قتل قبل الِاحْتِلَام قَالَ ابْن عياس لنجده الحروري لما سَأَلَهُ عَن قتل الغلمان فَقَالَ إِن كنت تعلم مِنْهُم مَا علمه الْخضر من الْغُلَام الَّذِي قَتله فاقتلهم والا فَلَا تقتلهم هَذَا مَعَ أَن أَبَوَيْهِ كَانَا مُؤمنين وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن أهل الدَّار من الْمُشْركين يبيتُونَ ليصاب من صبيانهم فَقَالَ هم مِنْهُم(1/642)
وَيجوز قتل الصَّبِي اذا قتل وَإِذا صال وَلم تنْدَفع صولته إِلَّا بِالْقَتْلِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون والبهيمة فقد يجوز قتل الصَّبِي فِي بعض الْمَوَاضِع وَحَدِيث عَائِشَة فِي قَوْلهَا عُصْفُور من عصافير الْجنَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو غير ذَلِك يَا عَائِشَة فَإِن الله خلق للجنة أَهلا خلقهَا لَهُم وهم فِي أصلاب آبَائِهِم وَخلق للنار أَهلا خلقهَا لَهُم وهم فِي أصلاب آبَائِهِم
وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا لَا يشْهد لأحد بِعَيْنِه من أطفعال الْمُؤمنِينَ أَنه فِي الْجنَّة وَلَكِن يُطلق القَوْل أَن أَطْفَال الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة
وَقد روى بِأَحَادِيث حسان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن من لم يُكَلف فِي الدُّنْيَا من الصّبيان والمجانين وَمن مَاتَ فِي الفترة يمْتَحنُونَ يَوْم الْقِيَامَة فَمن أطَاع دخل الْجنَّة وَمن عصى دخلالنار وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الصَّوَاب فَإِن الله قَالَ فِي الْقُرْآن {لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم أَجْمَعِينَ} فأقسم سُبْحَانَهُ أَنه لَا بُد أَن يمْلَأ جَهَنَّم من إِبْلِيس وَأَتْبَاعه وَأَتْبَاعه هم العصاة وَلَا مَعْصِيّة إِلَّا بعد التَّكْلِيف فَلَو دَخلهَا الصَّبِي وَالْمَجْنُون لدخلها من هُوَ من غير أَتْبَاعه فَلم تمتلىء مِنْهُم
وَأَيْضًا فقد قَالَ سُبْحَانَهُ {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} وَقَالَ سُبْحَانَهُ 67 9 {كلما ألقِي فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خزنتها ألم يأتكم نَذِير قَالُوا بلَى قد جَاءَنَا نَذِير} الْآيَة إِلَى غير ذَلِك من النُّصُوص الدلة على أَن الله لَا يعذب إِلَّا من جَاءَهُ نَذِير وَأَتَاهُ رَسُول والطفل وَالْمَجْنُون ليسَا كَذَلِك كَالْبَهَائِمِ
وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} إِلَى قَوْله {إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ أفتهلكنا بِمَا فعل المبطلون}(1/643)
فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَنه استخرج ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم لِئَلَّا يَقُولُوا أتهلكم بِمَا فعل المبطلون فَعلم أَنه لَا يعاقبهم بذنب غَيرهم
وَأما البهاذم فعامة الْمُسلمين على أَنه لَا عِقَاب عَلَيْهَا إِلَّا مَا يحْكى عَن التناسخية بِأَنَّهُم مكلفون فيستحقون الْعقَاب وَهَذَا نَظِير قَول من يَقُول لَا تحْشر لَكِن هُنَا
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَهُوَ مَا يشرع فِي الدُّنْيَا من عُقُوبَة الصّبيان والجانين والبهاذم على الذُّنُوب مثل ضرب الصَّبِي عَليّ ترك الصَّلَاة لعشر وَمَا يَفْعَله من قَبِيح وَكَذَلِكَ ضرب الْمَجْنُون لكف عدوانه وَضرب البهاذم حضا على الِانْتِفَاع بهَا كالسوق ودفعا لمضرتها كفتل صاذلها وَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه يتقص فِي الآخر للجماء من القرناء فَهَذِهِ الْأُمُور عقوبات لغير الْمُكَلّفين وَهِي نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا كَانَ عُقُوبَة فِي الدُّنْيَا لمصْلحَة وَالثَّانِي مَا كَانَ لأجل حق غَيره
فَأَما النَّوْع الأول فمشروع فِي حق الصَّبِي وَالْمَجْنُون فانه يضْرب الصَّبِي على ترك الصَّلَاة ليفعلها ويعتادها وَيضْرب الْمَجْنُون إِذا أَخذ يُؤْذِي نَفسه ليكف عَن إِيذَاء نَفسه وَيجوز أَيْضا مثل هَذَا فِي حق الْبَهَائِم أَن تضرب لمصلحتها وَهَذَا غير الضَّرْب لحق الْغَيْر وَذَلِكَ أَن الْعقُوبَة لمَنْفَعَة المعاقب هِيَ بِمَنْزِلَة يقى الدَّوَاء للْمَرِيض فان الْمَطْلُوب دفع مَا هُوَ أعظم مضرَّة من الدَّوَاء
النَّوْع الثَّانِي الْعقُوبَة لأجل حق الْغَيْر وَهَذَا قِسْمَانِ
قسم لَا ستيفاء الْمُبَاحَة مِنْهُ كذبح البهاذم للْأَكْل وضربها للمشي فَإِن مَالا يتم الْمُبَاح إِلَّا بِهِ فَهُوَ مُبَاح
وَالْقسم الثَّانِي الْعقُوبَة لأجل الْعدوان عَليّ الْغَيْر مثل قتل الصَّائِل من الْمُحَاربين والبهائم وَضرب الجانين وَالصبيان والبهائم إِذا اعْتدى بَعضهم عَليّ بعض أَو اعتدوا على الْعُقَلَاء فِي أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فَهَذَا النَّوْع إِن كَانَ لدفع(1/644)
ضررهم جَازَ بِلَا خلاف مثل قتل الصَّائِل لدفع صوله وَقتل الْكَلْب الْعَقُور الَّذِي يخَاف من ضَرَره فِي الْمُسْتَقْبل وَقتل الفواسق الْخمس فِي الْحل وَالْحرم
وَأما إِن كَانَ على وَجه الاقتصاص مثل أَن يظلم صبي صَبيا أَو مَجْنُون مَجْنُونا أَو بَهِيمَة بَهِيمَة فيقتص للمظلوم من الظَّالِم وَإِن لم يكن فِي ذَلِك زجر عَن الْمُسْتَقْبل لَكِن لِاسْتِيفَاء الْمَظْلُوم وَأخذ حَقه فَهَذَا الَّذِي جَاءَ فِيهِ حَدِيث الاقتصاص للجماء من القرناء كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتؤدى الْحُقُوق إِلَى أَهلهَا حَتَّى يسْتَوْفى للجماء من القرناء وَهَذَا مُوَافق لأصول الشَّرِيعَة فَإِن الْقصاص بَين غير الْمُكَلّفين ثَابت فِي الْأَمْوَال بِاتِّفَاق الْمُسلمين فَمن أتلف مِنْهُم مَالا أَو غصب مَالا أَخذ من مَاله مثله سَوَاء فِي ذَلِك الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالنَّاسِي والمخطىء وَكَذَلِكَ فِي النُّفُوس فَإِن الله تَعَالَى أوجب دِيَة الْخَطَأ وَهِي من أَنْوَاع الْقصاص بِحَسب الْإِمْكَان فَإِن الْقود لم يُمكن إِيجَابه لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا مِمَّن فعل الْمحرم وَهَؤُلَاء لَيْسُوا مكلفين بِالتَّحْرِيمِ بِخِلَاف مَا كَانَ من بَاب دفع الظُّلم وَأخذ الْحق فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ الْإِثْم وَلِهَذَا نُقَاتِل الْبُغَاة وَإِن كَانُوا متأولين مغفورا لَهُم ويجلد شَارِب النَّبِيذ وَإِن كَانَ متأولا مغفورا لَهُ
فَتبين بذلك أَن الظُّلم والعدوان يُؤدى فِيهِ حق الْمَظْلُوم مَعَ الْإِثْم والتكليف وَمَعَ عدم ذَلِك فَإِنَّهُ من بَاب الْعدْل الَّذِي كتبه الله تَعَالَى على نَفسه وَحرم الظُّلم على نَفسه وَجعله محرما بَين عباده
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة
دَار التَّكْلِيف
فالدنيا دَار تَكْلِيف بِلَا خلاف وَكَذَلِكَ البرزخ وعرصة الْقِيَامَة وَإِنَّمَا يَنْقَطِع التَّكْلِيف بِدُخُول دَار الْجَزَاء وَهِي الْجنَّة أَو النَّار كَمَا صرح بذلك من(1/645)
صرح من أَصْحَابنَا وَغَيرهم مستدلين بامتحان مُنكر وتكبير للنَّاس فِي قبرهم وفتنتهم إيَّاهُم وَبَان النَّاس يَوْم الْقِيَامَة يدعونَ إِلَى السُّجُود فَمنهمْ من يَسْتَطِيع وَمِنْهُم لَا يَسْتَطِيع وَبِأَن من لم يُكَلف فِي الدُّنْيَا يُكَلف فِي عرصات الْقِيَامَة
وَهَذَا ظَاهر الْمُنَاسبَة فَإِن دَار الْجَزَاء لَا امتحان فِيهَا وَأما الإمتحان قبل دَار الْجَزَاء فممكن لَا مَحْذُور فِيهَا والامتحان فِي البرزخ لمن كَانَ مُكَلّفا فِي الدُّنْيَا إِلَّا النَّبِيين ففيهم قَولَانِ لِأَصْحَابِنَا وَغَيرهم وَأما امتحان غير الْمُكَلّفين فِي الدُّنْيَا كالصبيان والمجانين ففيهم قَولَانِ لِأَصْحَابِنَا وَغَيرهم
أَحدهمَا لَا يمْتَحنُونَ وعَلى هَذَا فَلَا يلقنون وَهَذَا قَول القَاضِي وَابْن عقيل
وَالثَّانِي يمْتَحنُونَ فِي قُبُورهم ويلقنون وَهُوَ قَول أَكْثَرهم حَكَاهُ ابْن عَبدُوس عَن الْأَصْحَاب وذركه أَبُو حَكِيم وَغَيره وَهُوَ أصح كَمَا ثَبت عَن أبي هُرَيْرَة وروى مَرْفُوعا أَنه صلى على طِفْل لم يعْمل خَطِيئَة قطّ فَقَالَ اللَّهُمَّ قه عَذَاب الْقَبْر وفتنة الْقَبْر
وَهَذَا الِاخْتِلَاف فِي امتحانهم فِي البرزخ يشبه الِاخْتِلَاف فِي امتحانهم فِي الْعَرَصَة وَقَول من يَقُول بامتحانهم أقرب إِلَى النُّصُوص وَالْقِيَاس من قَول من يَقُول يعاقبون بِلَا امتحان
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة أَن غير الْمُكَلف قد يرحم فَإِن أَطْفَال الْمُؤمنِينَ مَعَ آبَائِهِم فِي الْجنَّة كَمَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة وكما فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ احتجت الْجنَّة وَالنَّار فَقَالَت الْجنَّة لَا يدخلني الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين وَقَالَت النَّار يدخلني الجبارون والمتكبرون فَقَالَ الله للجنة إِنَّمَا أَنْت رَحْمَتي أرْحم بك من شِئْت وَقَالَ للنار إِنَّمَا أَنْت عَذَابي أعذب بك من شِئْت وَلكُل وَاحِدَة مِنْكُمَا ملؤُهَا فَأَما النَّار فَلَا يزَال يلقى فِيهَا وَتقول هَل من مزِيد(1/646)
حَتَّى يضع رب الْعِزَّة فِيهَا وَفِي رِوَايَة عَلَيْهَا قدمه فينزوي بَعْضهَا الى بعض وَتقول قطّ قطّ وَأما الْجنَّة فيفضل فِيهَا فضل فينشىء الله لَهَا خلقا آخر فَهَذَا الحَدِيث المستفيض المتلقى بِالْقبُولِ نَص فِي أَن الْجنَّة لَهَا فِي الدَّار الْآخِرَة خلق يدْخلُونَهَا بِلَا عمل وَأَن النَّار لَا يدخلهَا أحد بِلَا عمل
وَقد غلط فِي هَذَا الحَدِيث المعطلة الَّذين أولُوا قَوْله قدمه بِنَوْع من الْخلق كَمَا قَالُوا الَّذين تقدم فِي علمه أَنهم أهل النَّار حَتَّى قَالُوا فِي قَوْله رجله يُقَال رجل من جَراد وعلطهم من وُجُوه
فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حَتَّى يضع وَلم يقل حَتَّى يلقى كَمَا قَالَ فِي قَوْله لَا يزَال يلقى فِيهَا
الثَّانِي أَن قَوْله قدمه لَا يفهم مِنْهُ هَذَا لَا حَقِيقَة وَلَا مجَاز كَمَا تدل عَلَيْهِ الْإِضَافَة
الثَّالِث أَن أُولَئِكَ المؤخرين إِن كَانُوا من أصاغر الْمُعَذَّبين فَلَا وَجه لانزوائها واكتفائها بهم فَإِن ذَلِك إِنَّمَا يكون بِأَمْر عَظِيم وَإِن كَانَ من أكَابِر الْمُجْرمين فهم فِي الدَّرك الْأَسْفَل وَفِي أول الْمُعَذَّبين لَا فِي أواخرهم
الرَّابِع أَن قَوْله فينزوي بَعْضهَا إِلَى بعض دَلِيل على أَنهم تنضم على من فِيهَا فتضيق بهم من غير أَن يلقى فِيهَا شَيْء
الْخَامِس أَن قَوْله لَا يزَال يلقى فِيهَا وَتقول هَل من مزِيد حَتَّى يضع فِيهَا قدمه جعل الْوَضع الْغَايَة الَّتِي إِلَيْهَا يَنْتَهِي الْإِلْقَاء وَيكون عِنْدهَا الانزواء فَيَقْتَضِي ذَلِك أَن تكون الْغَايَة أعظم مِمَّا قبلهَا
وَلَيْسَ فِي قَول المعطلة معنى للفظ قدمه إِلَّا وَقد اشْترك فِيهِ الأول وَالْآخر وَالْأول أَحَق بِهِ من الآخر
وَقد يغلط فِي الحَدِيث قوم آخَرُونَ ممثلة أَو غَيرهم فيتوهمون أَن قدم الرب تدخل جَهَنَّم وَقد توهم ذَلِك على أهل الْإِثْبَات قوم من المعطلة حَتَّى قَالُوا كَيفَ يدْخل بعض الرب النَّار وائمه تَعَالَى يَقُول {لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها}(1/647)
وَهَذَا جهل مِمَّن توهمه أَو نَقله عَن أهل السّنة والْحَدِيث فَإِن الحَدِيث حَتَّى يضع رب الْعِزَّة عَلَيْهَا وَفِي رِوَايَة فَمَا فينزوي بَعْضهَا إِلَى بعض وَتقول قطّ قطّ وَعزَّتك فَدلَّ ذَلِك على أَنَّهَا تضايقت على من كَانَ فِيهَا فامتلأت بهم كَمَا أقسم على نَفسه أَنه ليملأنها من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَكيف تمتلىء بِشَيْء غير ذَلِك من خَالق أَو مَخْلُوق وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنه تُوضَع الْقدَم الْمُضَاف إِلَى الرب تَعَالَى فتنزوي وتضيق بِمن فِيهَا وَالْوَاحد من الْخلق قد يرْكض متحركا من الْأَجْسَام فيسكون أَو سَاكِنا فيتحرك ويركض جبلا فينفجر مِنْهُ مَاء كَمَا قَالَ تَعَالَى {اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} وَقد يضع يَده على الْمَرِيض فَيبرأ وعَلى الغضبان فيرضى
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة أَن التَّكْلِيف بِالْأَمر وَالنَّهْي ثَابت بِالشَّرْعِ بِاتِّفَاق الْمُسلمين وَفِي ثُبُوته بِالْعقلِ اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء من أَصْحَابنَا وَغَيرهم وَالْمَسْأَلَة مَشْهُورَة مَسْأَلَة التحسين والتقبيح وَوُجُوب الْوَاجِبَات وَتَحْرِيم الْمُحرمَات هَل ثبتَتْ بِالْعقلِ وَمَسْأَلَة وجوب عَرَفَة الله وشكره وَمَسْأَلَة الْأَعْيَان قبل السّمع
وَفِي مَسْأَلَة تَفْصِيل كتبته فِي غير هَذَا الْموضع إِذْ الْمَقْصُود هُنَا النكت المستغربة وَأما اثواب وَالْعِقَاب فمعلوم بِالسَّمْعِ بِلَا خلاف بَين الْمُسلمين وَهل يعلم بِالْعقلِ مبْنى على الْمعَاد فَإِن الْمعَاد باسمع بِلَا ريب وَهل يعلم بِالْعقلِ قد اخْتلف فِيهِ فَذهب كثير من أهل الْكَلَام وَذهب أَكثر النَّاس إِلَى أَن الْمعَاد من الْأُمُور السمعية الَّتِي لَا تعلم إِلَّا بِالسَّمْعِ وَهُوَ قَول كثير من أَصْحَابنَا والأشعرية وَغَيرهم وَذهب طوائف إِلَى أَن يعلم بِالْعقلِ ثمَّ تنوعت مسالكهم مِنْهُم من بناه على وجوب الْعدْل وَأَن ذَلِك يَقْتَضِي معادا غير هَذِه الدَّار يجزى فِيهَا الظَّالِمُونَ بظلمهم أَو يعوض المعذبون على عَذَابهمْ وَهَذَا مَسْلَك كثير من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وَمِنْهُم من بناه على أَن الرّوح غير الْبدن وَأَنَّهَا بَاقِيَة هَذِه وَأَن لَهَا من النَّعيم والعذابب الروحانيين مَالا يفارقها وَهَذَا مَسْلَك كثير من المتفلسفة وَمن(1/648)
نحا نحوهم وَمن هَؤُلَاءِ من يثبت معاد الْأَرْوَاح العالمة دون الجاهلة وَفِيهِمْ من يُنكر المعادين
وَالصَّوَاب أَن مَعْرفَته بِالسَّمْعِ وَاجِبَة وَأما بِالْعقلِ فقد تعرف وَقد لَا تعرف فَلَيْسَتْ مَعْرفَته بِالْعقلِ ممتنعة وَلَا هِيَ أَيْضا وَاجِبَة
وَأما المتفلسفة فَتثبت الْمعَاد بِالْعقلِ وَتثبت التَّكْلِيف الْعقلِيّ وَأما مَا جَاءَ بِهِ السّمع من الْمعَاد والشرائع فلهَا فِيهِ تأويلات محرفة
فَصَارَت الْأَقْسَام فِي الْإِيمَان بِالْيَوْمِ الآخر وَفِي الْعَمَل الصَّالح هَل هُوَ مَعْلُوم بِالشَّرْعِ وَحده أَو بِالْعقلِ وَحده أَو يعلم بِكُل مِنْهُمَا
فِيهِ هَذَا الْخلاف بَين أهل الأَرْض وَإِن كَانَ الصَّوَاب أَن ذَلِك مَعْلُوم جيمعه بِالشَّرْعِ قطعا وَقد يعلم بعضه بل مثل هَذَا الْخلاف ثَابت فِي معرفَة الله تَعَالَى لَكِن التجاء الْمُتَكَلِّمين هُنَاكَ إِلَى الْعقل اكثر وَكثير من الْمُتَكَلِّمين كأكثر الْمُعْتَزلَة وَكثير من الأشعرية لَا يعلم عِنْدهم وجود الرب وَصِفَاته إِلَّا بِالْعقلِ كَمَا يزعمه الفلاسفة مَعَ اضْطِرَاب هَؤُلَاءِ وَآخَرين فِي مقابلتهم
وَقد كتبت تفاصيل أَقْوَال النَّاس وبينت مَذْهَب أَئِمَّة السّنة والْحَدِيث فِي هَذَا الأَصْل فِي قَاعِدَة تفي التَّشْبِيه وَمَسْأَلَة الْجِسْم وَإِمَّا الْغَرَض هَذَا التَّكْلِيف وتوابعه
وَإِنَّمَا قرنت بَين الْأُصُول الثَّلَاثَة الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهَا {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} فأشرت إِلَى طرق النَّاس فِي مَعْرفَتهَا
وَالْحَمْد لله وَحده أَولا وآخرا وظاهرا وَبَاطنا حمد كثيرا مُبَارَكًا دَائِما بدواممه ولى الله عَليّ سيذنا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم فرغت يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر من شهر صفر سنة سته وستيين وَسَبْعمائة علقها العَبْد الْفَقِير إِلَى رَحْمَة ربه الغفور وعفوه وصفحه وجوده وَكَرمه وستره وبره وَمِنْه عبد الْمُنعم الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ عَفا الله عَنهُ بمنه وَكَرمه وَعَن جَمِيع الْمُسلمين(1/649)
الْفَهم شَرط التَّكْلِيف فَلَا يجوز تَكْلِيف الْمَجْنُون والبهيمة والسكران وَغَيرهم مِمَّن فقد مِنْهُ الْفَهم فعلى هَذَا لَا يَقع طَلَاق السَّكْرَان وَلَا يجب عَلَيْهِ الْقصاص فِي الْقَتْل وَلَا يعْتَبر شَيْء من أَقْوَاله وَلَا أَفعاله لَا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ
فَإِن قيل إِذا سكر ثمَّ قتل يَأْثَم على السكر وَالْقَتْل فترتب الْإِثْم يدل على التَّكْلِيف لِأَن غير الْمُكَلف لَا إِثْم عَلَيْهِ
فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن
أَحدهمَا منع ترَتّب الْإِثْم على الْقَتْل بل إِنَّمَا هُوَ مُرَتّب على الشّرْب وَالسكر وَهَذَا قَول من يَقُول إِنَّه كَالْمَجْنُونِ فِي سَائِر أَقْوَاله وأفعاله لِأَنَّهُ ان وَجب تَكْلِيفه فَلَا يفهم لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لاعتبر أَقْوَاله وافعاله وَهُوَ لَا يعْتَبر ذَلِك
الثَّانِي أَنه لَو رتب الْإِثْم على الْقَتْل وَالسكر لتساوى من قتل وَهُوَ صَاح ثمَّ سكر وَمن قتل وَهُوَ سَكرَان وَهَذَا لَا يَقُول بِهِ أحد فَإِن السَّكْرَان الَّذِي لَا يفهم كَيفَ يُقَال إِن ائمة فِي الْقَتْل كإثم الصاحي الَّذِي يفهم الْخطاب وَيَتَرَتَّب على فعله الْعقَاب
وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن إِثْم السَّكْرَان الَّذِي قتل فِي حَال سكره من إِثْم من سكر فَقَط وَلَا ينْهَى إئمة من قتل وَهُوَ صَاح ثمَّ سكر وَالله أعلم
وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن السَّكْرَان إِن كَانَ قَصده الْقَتْل أَو الزِّنَى أَو غير ذَلِك من الْمُحرمَات قبل السكر ثمَّ فعل ذَلِك فِي حَال السكر فَإِنَّهُ قد يكون إثمه مثل إِثْم من فعل ذَلِك حَال الصحو وَأكْثر موإن لم يكن قَصده ذَلِك بل ابتدأه غَيره بالمهابشة فَقتله فان إثمه يكون أقل من ذَلِك
مَا دَوَاء من تحكم فِيهِ الدَّاء وَمَا الإحتيال فِيمَن تسلط عَلَيْهِ الخيال وَمَا الْعَمَل فِيمَن غلب عَلَيْهِ الكسل وَمَا الطَّرِيق إِلَى التَّوْفِيق وَمَا الْحِيلَة فِيمَن شطت عَلَيْهِ الْحيرَة(1/650)
إِن قصد التَّوَجُّه إِلَى الله تَعَالَى مَنعه هَوَاهُ
وَإِن رام الأدكار غلبت عَلَيْهِ الافتكار
وَإِن أرد أَن يشْتَغل لم يطاوعه الْقَتْل
غلب الْهوى فتراه فِي أوقاته
جيران صَاح بل هُوَ السَّكْرَان ... إِن رام قربا للحبيب تفَرقا
أَسبَابه وتواصل الهجران
هجر الْأَقَارِب والمعارف عله
يجد الْغنى وعَلى الْغناء يعان
أجَاب رَضِي الله عَنهُ
دواؤه الالتجاء إِلَى الله ودوام التضرع وَالدُّعَاء
بِأَن يتَعَلَّم الْأَدْعِيَة المأثورة ويتوخى الدُّعَاء فِي مظان الْإِجَابَة مثل آخر اللَّيْل وأوقات الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَفِي سُجُوده وَفِي أدبار الصَّلَوَات
وَيضم إِلَى ذَلِك الاسْتِغْفَار فَإِنَّهُ من اسْتغْفر الله ثمَّ تَابَ إِلَيْهِ مُتْعَة مَتَاعا حسنا إِلَى أجل مُسَمّى وليتخذ وردا من الْأَذْكَار طرفِي النَّهَار وَوقت النّوم وليصبر على مَا يعرض لَهُ من الْمَوَانِع والصوارف فَإِنَّهُ لَا يلبث أَن يُؤَيّدهُ الله بِروح مِنْهُ وَيكْتب الْإِيمَان فِي قلبه وليحرص على إِكْمَال الْفَرَائِض من الصَّلَوَات الْخمس بباطنه وَظَاهره فَإِنَّهَا عَمُود الدّين وَليكن هجيراه لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا الله الْعلي الْعَظِيم فَإِنَّهُ بهَا يحمل الأثقال ويكايد الْأَهْوَال وينال رفيع الْأَحْوَال وَلَا يسأم من الدُّعَاء والطلب فَإِن العَبْد يستحال لَهُ مالم يعجل فَيَقُول قد دَعَوْت فَلم يستجب لي وليعلم أَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَن الْفرج مَعَ لكرب وَأَن مَعَ الْعسر يسرا
وَلم ينل أحد شَيْئا من حتم الْخَيْر نَبِي فَمن دونه إِلَّا بِالصبرِ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين(1/651)