المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمّد المصطفى الأمين.
أما بعد:
فقد شاء الله عز وجل أن يدون عن الإمام أحمد كثير من المسائل عن طريق جم غفير من تلاميذه، مع كراهته لكتابة المسائل عنه وعن غيره وما ذلك إلا دليل صدقه وورعه فدوَّن كثير من أصحابه عنه مسائل جاءت متفاوتة فيما بينها في القلة والكثرة، والترتيب والتبويب، وحسن الإيراد والمناقشة.
ومن بين هذه المسائل "مسائل إسحاق بن منصور الكوسج (ت251?) " وهي وإن كانت في أصلها أسئلة موجهة للإمام أحمد رحمه الله إلا أن ابن منصور وجه الأسئلة ذاتها ـ غالباً ـ إلى الإمام إسحاق بن راهويه، وقدّم لكثير منها بقول سفيان الثّوري في المسألة، فحفظ لنا بذلك مسائل جمة عن هؤلاء الأئمة أضافت إلى مكتبة الفقه الإسلامي ثروة فقهية تهم المسلمين في جميع شؤونهم.
وتعد مسائل ابن منصور هذه ومثيلاتها من المسائل الأخرى المروية عن الإمام أحمد من خير ما يبرز بوضوح معالم فقه أهل السنة والجماعة المبني على الدليل واقتفاء الأثر ومنابذة التقليد واجتناب الشذوذ كيف لا وهو -أي الإمام أحمد- القائل: "إن استطعت أن لا تحك رأسك إلاّ بأثر(1/7)
فافعل". والقائل: "إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام". والقائل: "إنّما العلم ما جاء من فوق".
وقد امتازت مسائل ابن منصور من بين سائر المسائل بميزات أهمها:
1- مكانة مؤلِّف هذه المسائل علماً وثقة.
فقد قال فيه الحاكم: "اعتمداه في الصحيحين أي اعتماد". وقال: "وهو صاحب المسائل عن أحمد بن حنبل الذي يستهزئ به المبتدعة والمتجرئون".
2- كَثْرة المسائل التي نقلها ابن منصور عن الإمامين أحمد وإسحاق، وتطرقه إلى جزئيات كثيرة لم يتطرق إليها غيره، حيث تعد مسائله في حجمها وعددها في المرتبة الأولى إذ بلغت عدتها ثلاثة آلاف وستمائة مسألة تقريباً، ولا يضاهيها في هذا إلاّ ما ذكر عن مسائل حرب من أنّ عدتها بلغت ما يقارب أربعة آلاف مسألة، حسب المعلومات التي وصلت إلينا كما في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى1/145.
3- كَتَبَ ابن منصور هذه المسائل عن الإمام أحمد، ثم عرضها عليه مرة ثانية، فأقرها له، وأُعجب بذلك منه في قصة مشهورة، كما عرض عبد الله بن الإمام أحمد بعض هذه المسائل على أبيه، مما أضاف إليها مزيداً من التوثيق والتنقيح.
4- اهتمام العلماء بهذا الكتاب في وقت مبكر واعتمادهم عليه في نقل(1/8)
آراء الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه.
ومِمَن اعتمد على هذا الكتاب الإمام الترمذي في جامعه عند ذكر آراء الفقهاء، والإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه اختلاف الفقهاء، واعتمد عليه ابن المنذر في الأوسط والإشراف، وابن عبد البر في الاستذكار والتمهيد، وغيرهم من أهل العلم الذين عُنُوا بذكر مذاهب العلماء.
5- توافر على هذه المسائل ثلاثة أئمة من كبار علماء الإسلام في وقتهم: إسحاق بن منصور بحسن سؤاله وإيراده، والإمام أحمد وإسحاق بأجوبتهما التي جاءت بلغة العلماء الراسخين في العلم.
وبالجملة، فهذا الكتاب "مسائل الإمام أحمد وإسحاق برواية إسحاق بن منصور الكوسج" هو من أهم الكتب المعتمدة في نقل مذهب الإمامين أحمد وإسحاق بن راهويه، اطّلع عليه الإمام أحمد في عهده وأعجب به، واهتم به أصحابه من بعده، كما عُنِيَ به أهل العلم في نقل مذاهب الفقهاء، فحري بهذا الكتاب أن ينشر ويتبوأ مكانته في صدارة الكتب العلمية المطبوعة.
ولذلك لما خاطبت عمادة البحث العلمي الكلّيّات كيما ترشح الأقسام العلمية فيها ما ترى له الأولية في النّشر من الأعمال العلمية في تخصّصاتها وجاء ترشيح قسم الفقه في كلّيّة الشّريعة لكتاب: (مسائل ابن منصور) .(1/9)
بادرت العمادة لتشكيل اللّجان المناسبة لفحص الكتاب والتّأكّد من صلاحيته وجاهزيته للنّشر، واقتضى هذا عملاً دؤوباً وجهوداً متواصلة، نظراً إلى حجم الكتاب من جهةٍ، وإلى وجود بعض الأبواب فيه بقيت دون تحقيق من جهةٍ أخرى، ومن جهةٍ ثالثةٍ لاختلاف مناهج التّحقيق لأجزائه المختلفة.
ويمكن تلخيص خطوات العمل التي تمت في هذا المشروع في النقاط التالية:
أولاً: استكمال تحقيق الأبواب التي لم تحقّق بعد، وقد انتدب لهذه المهمّة بعض أعضاء هيئة التّدريس، وبهذا يكون قد شارك في تحقيق هذا الكتاب عشرة من الباحثين من خلال عشرة أعمال علمية، منها خمس رسائل جامعية أربع منها من درجة العالمية "الماجستير"، وواحدة من درجة العالمية العالية "الدكتوراه"، والأعمال الخمسة الأخرى عبارة عن أبحاث علمية محكَّمة، مع العلم أن الرسائل الخمس قد أعيد تحكيمها من جديد، فكان لا بد والحالة هذه من التنسيق بين أعمال الباحثين ليأخذ الكتاب طبيعة العمل الموحد ما أمكن، فكوّن مجلس العمادة لهذا الغرض لجنتين علميتين: أساسية تتألف من ستة أعضاء من هيئة التدريس من مختلف التّخصّصات، ومساندة تتألف من عضوين آخرين من أعضاء هيئة التدريس.
ثانياً: قامت اللّجان المكلّفة بفحص الكتاب وتنسيقه وَفق الخطوات(1/10)
الآتية:
1- التدقيق في سلامة النص المحقق وصحته، فقد أعيدت مقابلته على الأصول الخطية أكثر من مرّة.
2- نظراً لاختلاف المحقِّقين في الإشارة إلى أوائل اللوحات وفي موضع هذه الإشارة من النسختين المعتمدتين في التحقيق، بل إن بعضهم لم يشر إلى ذلك أصلاً، لذلك فقد جرى توحيد وتعميم الإشارة بذكر رمز النسخة، فرقم اللوحة، فرمز الوجه، وذلك داخل النص بين معقوفَين.
3- حذف دراسة بعض المسائل التي أثبتها بعض الباحثين في أوائل رسائلهم، إذ إنّها وضعت لإفادة الباحث، والكشف عن ملكته الفقهية لا غير.
4- حذف العناوين الجانبية التي وضعها بعض الباحثين لمسائل الكتاب، لما في إثباتها من إثقال النص، وتحميله ما لا يحتمل.
5- حذف تراجم المشهورين، والمكرّر من التّراجم وكذا المكرّر من التعريفات اللغوية والأماكن.
6- حذف بعض التعليقات التي يمكن الاستغناء عنها، كإثبات بعض المحققين رأيه الشخصي في بعض المسائل، أو ذكره لآراء بقية المذاهب الأربعة أو نقله بعض النصوص المطولة من كتب الفقه أو نحو ذلك مما لا يقتضيه منهج التحقيق المتعارف عليه، ويؤدي إلى(1/11)
إثقال هوامش الكتاب.
7- التدقيق في تخريج الأحاديث والآثار بالإبقاء على أَتَمِّهَا وإن تأخر موضعه، واختصار بعض التخريجات المطولة بما يفي بالغرض ولا يخل بالفائدة.
8- إبقاء منهج كل محقق وطريقته في التحقيق على ما هي عليه، لأنه من الصعب جداً توحيد العمل بعد نهايته، ولأنّ في الأمر سعة في اختيار إحدى طرائق التحقيق المتبعة لدى أهل هذا الفنّ.
9- اختيار إحدى الدراسات المناسبة للكتاب والشخصيات، وإثباتها في المقدمة، وقد وقع الاختيار على دراسة الدكتور سليم بن محمد البلوشي.
10- توحيد الفهارس الفنية للكتاب وجعلها في جزء مستقل، خلا فهرسي المصادر والموضوعات، فأبقي عليهما في مكانهما من كل جزء.
هذا ويحسن التّنبّه إلى أمور:
1- وجود إحالات في هوامش بعض المسائل على مصادر كانت مخطوطة عند رجوع الباحثين إليها، إلا أنها أصبحت الآن في عداد المطبوعات، فهذه لم يتعرض لها، وأبقيت كما كانت عليه لسهولة الاهتداء إلى مواضعها بعد الطباعة.
2- غياب تطبيق بعض الفقرات المنصوص عليها في مناهج بعض المحققين،(1/12)
ولكن بالرجوع إلى خطوات العمل في تنسيق مادة هذا الكتاب يتضح السبب.
3- وجود بعض الآثار والإشارات إلى بعض الأحاديث لم تخرج، فهذه لم تدخل ضمن أعمال اللجنة وإنما هي مسئولية الباحثين أنفسهم.
وأخيراً ومع كل ما سبق عرضه من جهود في تحقيق هذا الكتاب وتنسيقه وإعداده للنشر، لا ندعي الكمال لعملنا فالنقص والخطأ ملازم للبشر، ولكن حسبنا أننا اجتهدنا وبذلنا ما في وسعنا لإظهار هذا الكتاب بالمظهر اللائق بمنْزلته وقيمته العلمية.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
عمادة البحث العلمي(1/13)
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} 1
وبعد..
فإن من عظيم فضل الله سبحانه وتعالى، وامتنانه على عباده، أن أرسل رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي أنار سبل الرشاد، وبيّن مسالك الحلال والحرام، قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي
__________
1 سورة طه الآيات: (25-28) .(1/15)
ضَلالٍ مُبِينٍ} 1.
فكان نعم المزكي والمعلم للكتاب والحكمة، علّم الكتاب، وفقّه المسلمين، وقد حثّ الله عز وجل عباده على التفقّه في الدين، فقال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} .2
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"3 استجابة لقول الله تعالى ورغبة في الخير الذي وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم عُني علماء هذه الأمة منذ عهد النبوة بالفقه - أعني فقه الكتاب والسنة- جيلاً بعد جيل، وطبقة بعد طبقة، فنرى الصحابة رضوان الله عليهم تفقهوا على يدي رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وبرز من بينهم عدد اشتهروا بفقهاء الصحابة وتلقى التابعون العلم والفقه من الصحابة، ونبغ من بينهم عدد واشتهروا بذلك، وهكذا الأتباع ومن دونهم تفقه المتأخر من المتقدم حتى
__________
1 سورة آل عمران آية: (164) .
2 سورة التوبة آية: (122) .
3 جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم71. فتح الباري1/164 كتاب العلم باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. ومسلم في صحيحه3/1524 كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" برقم175.(1/16)
جاء الأئمة المشهورون أصحاب المذاهب السائدة وغيرهم، فلم يألوا جهداً في خدمة الفقه تعليماً وتأليفاً وجمعاً فأسسوا، ووضعوا قواعد وأصولاً لاستنباط الأحكام والفروع منها، ودونوا في ذلك كتباً، ودواوين، وأدلى فيه كل فقيه بدلوه، وكل مجتهد بنصيبه، وكل عالم بجل اهتمامه، وتركوا لنا آثاراً طيبة، وصارت ثروة الفقه الإسلامي أعظم وأضخم ثروة، وأكبر تراث بعد الحديث، ولكن للأسف لم يزل كثير من هذه الثروة العلمية إما مفقودة، أو مخطوطة ورهينة مكتبات لم تر النور بعد، أو حبيسة خزانات لا يمكن الوصول إليها والانتفاع منها إلا بشق الأنفس، ولأهمية الفقه الإسلامي، وعناية الأمة وعلمائها به -كما أشرت- كان الشوق يجرّني، والرغبة تدفعني للإسهام بجهد المقل في إظهار جزء صغير من آثار أولئك الأئمة من قفص المخطوطات إلى حيز المطبوعات فالتحقت بشعبة الفقه من قسم الدراسات العليا وكنت أتمنى أن أحظى بخدمة كتاب أو أثر لإمام مشهور من علماء السلف لعلى أنال ما بشر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الخير أو أسير في الطريق الذي ساروا فيه.
وقد حقق الله سبحانه وتعالى رغبتي هذه فاخترت جزءاً من كتاب اجتمع فيه من العلم والدقة والفقه ما يحتاج إليه العلماء المبرزون بل طلبة العلم الصغار من أمثالي ألفه الحافظ الثقة إسحاق بن منصور المروزي المعتمد عليه في الصحيحين استقاه من أمامي أهل السنة وفقيهي أهل(1/17)
الحديث في زمانهما ألا وهو كتاب مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية.
واخترت المشاركة في خدمة هذا الكتاب للأسباب الآتية:
1- قيمة الكتاب العلمية.
2- أهمية هذه المسائل حيث عرضت على إمامين جليلين في وقت قطعت فيه الحضارة الإسلامية شوطاً كبيراً في التمدن والرقي واختلطت الأمم وتمازجت عاداتهم فتجددت لهم مسائل كثيرة أرادوا أن يعرفوا حكم الإسلام فيها، وخاصة في حاضرة العالم الإسلامي مدينة السلام - بغداد- فجاء هذا الكتاب مجيباً على كثير من تلك المسائل.
3- غزارة المادة العلمية حيث نقلت كثيراً من فتاوى الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وحكم عليها الإمامان أحمد وإسحاق مع بيان ما يؤخذ وما يرد مع بيان سبب الأخذ والرد.
4- إخراج فقه الإمام إسحاق بن إبراهيم المعروف براهوية الذي كان إماماً مجتهداً، وضاع كتبه الفقهية، ولم يبق منها إلا ما دونه تلميذه النجيب إسحاق بن منصور المروزي.
5- ولأن الكتاب من المراجع الأساسية لمعرفة مذهب الإمام أحمد، والذي اعتمد عليها كتب المذهب الحنبلي، وأكثر كتب الخلاف من النقل منه.
6- ولأن الكتاب من أقدم كتب المسائل التي دونت عن الإمام(1/18)
أحمد وعرضها مؤلفها على الإمام فيما بعد وأخذ موافقته على تدريسها.
7- ولأن مؤلف الكتاب من الفقهاء المحدثين، والمشتغل فيه يستفيد لمعرفة الحديث وصحته وضعفه وطرقه ورجاله وما يستنبط منه من أحكام.
8- رغبتي في دراسة حياة الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية ومذهبهما المبني على الكتاب والسنة. والقياس في حالة الضرورة.
9- حرصي الشديد في تحقيق الكتب وخاصة كتب العلماء المتقدمين الذين جمعوا بين الفقه والحديث.
10- محاولة للإسهام في إخراج هذا الكتاب القيم الذي ظلّ دفينَ المكتبات زمناً طويلاً.
وقد قسمت البحث إلى: مقدمة وقسمين:
قسم في الدراسة، وقسم في التحقيق.
وقسمت القسم الدراسي إلى مقدمة وأربعة فصول:
المقدمة: وهي نبذة موجزة عن عصر الأئمة الثلاثة ويشمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: الحالة الدينية.
المبحث الثاني: الحالة السياسية.
المبحث الثالث: الحالة الاجتماعية.(1/19)
المبحث الرابع: الحالة العلمية.
الفصل الأول: ترجمة موجزة للإمام أحمد رحمه الله وفيه أحد عشر مبحثاً:
المبحث الأول: في مولده، واسمه، وكنيته، ولقبه.
المبحث الثاني: أسرته.
المبحث الثالث: طلبه للعلم.
المبحث الرابع: رحلاته.
المبحث الخامس: شيوخه.
المبحث السادس: جلوسه للفتوى، وتلاميذه.
المبحث السابع: فقهه.
المبحث الثامن: أصول مذهبه.
المبحث التاسع: مصطلحاته في مسائله، بعض مصطلحات أصحابه في كتبهم
المبحث العاشر: محنته، ووفاته.
المبحث الحادي عشر: آثاره العلمية.
الفصل الثاني: ترجمة موجزة عن الإمام إسحاق بن راهوية رحمه الله وفيه تسعة مباحث
المبحث الأول: في اسمه، ونسبه، ولقبه، وشهرته.
المبحث الثاني: ولادته، ونشأته.(1/20)
المبحث الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته.
المبحث الرابع: بعض شيوخه.
المبحث الخامس: بعض تلاميذه.
المبحث السادس: مبلغ علمه، وقوة حفظه.
المبحث السابع: فقه الإمام إسحاق بن راهوية.
المبحث الثامن: آثار الإمام إسحاق بن راهوية.
المبحث التاسع: وفاته.
الفصل الثالث: في ترجمة إسحاق بن منصور المرزوي وفيه مباحث:
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، وبلده، ومولده، وأسرته.
المبحث الثاني: طلبه للعلم.
المبحث الثالث: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
المبحث الرابع: شيوخه.
المبحث الخامس: تلاميذه.
المبحث السادس: مؤلفاته.
المبحث السابع: وفاته.
الفصل الرابع: في وصف المخطوطة وفيه مباحث:
المبحث الأول: وصف نسخ المخطوطة ومحتوياتها.
المبحث الثاني: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف.(1/21)
المبحث الثالث: منهج المؤلف في كتاب المسائل.
المبحث الرابع: مميزات مسائل ابن منصور.
المبحث الخامس: منهجي في تحقيق المخطوطة.
المبحث السادس: دراسة بعض المسائل مع بيان الراجح فيها.(1/22)
[قسم الدراسة]
المقدمة
المبحث الأول: في الحالة الدينية
عندما يريد الباحث دراسة شخصية من الشخصيات التي تركت طابعها المميز في مجتمعه وكان لها أثر عظيم في حياة مجتمعه والمجتمعات اللاحقة، فلابد من الإلمام بالبيئة التي عاش فيها والعوامل التي تأثر بها والظروف التي أحاطت به، وذلك لأنه ما من مولود إلا يولد على الفطرة1 ويتأثر بأبويه في تكوين شخصيته، ثم بالبيئة التي تحيط به، والإنسان مدني بالطبع لابد له أن يعيش مع الناس لحبّه المؤانسة، وإيثاره الاجتماع ولتلبية احتياجاته المختلفة، فيتأثر بهم2، فعلى حسب العوامل المختلفة الأثر تكون طبيعة النبوغ ونوعيته، ودرجته.
وعلى هذا، فإن للعصر تأثيراً قوياً في حياة الأشخاص وسيرتهم لذلك رأيت أن أقدم نبذة موجزة عن العصر الذي عاش فيه الأئمة الثلاثة، أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وإسحاق بن منصور الكوسج، رحمهم الله، وهي الفترة ما بين (161-251هـ.)
والكلام عن هذا العصر سيكون من نواحيه الأربعة: الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والعلمية باختصار.
فأقول وبالله التوفيق،،،
__________
1 جزء من حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 4/2047 كتاب القدر حديث رقم 2658 من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
2 راجع إغاثة اللهفان 2/190، والخراج وصناعة الكتابة لقدامة بن جعفر ص432.(1/27)
المبحث الأول الحالة الدينية
من المعلوم أن كمال المجتمع، وصلاحه، وسعادته في تمسكه بدينه، وعقيدته، وكلما ازداد في تمسكه والتزامه بدينه وعقيدته يزداد سعادة وكمالاً، ويبتعد عن مزالق الفتن، ويحظى بتوافر العز.
والقارئ لتاريخ الأمة الإسلامية يدرك ذلك تمام الإدراك فكلما كانت الأمة متمسكة بدينها، قائمة بأمر ربها عز وجل، سائرة على نهج رسولها صلى الله عليه وسلم كان لها العزة، والقوة، ونفوذ الكلمة بين الشعوب، والهيبة في قلوب الأعداء، والطامعين. ولما دب فيهم ضعف الإيمان، وقلة اليقين، والانفلات من عرى الإسلام، والإخلاد إلى الراحة واللامبالاة، سيطر عليهم الأعداء، واحتلوا بلاد الإسلام، وعندما يعود المسلمون إلى دينهم يعود إليهم مجدهم التليد.
والأئمة الذين نحن بصدد الكلام عنهم كادوا ي دركوا القرون المفضلة، المشهود لها بأنها خير القرون، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله بإسناده عن عمران بن حصين رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم1 ثم الذين يلونهم.
__________
1 قال ابن الأثير في "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم" يعني الصحابة ثم التابعين، والقرن أهل كل زمان، وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان، مأخوذ من الاقتران وكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم، وأحوالهم.
انظر: النهاية لابن الأثير 4/51.(1/29)
- قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين، أو ثلاثاً - ثم إن بعدكم قوماً يشهدون، ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن."1
وفي العصر الذي عاش فيه الأئمة الثلاثة، كان الإسلام بتعاليمه القيمة ومبادئه السمحة، قد صهر الأمم الإسلامية على اختلاف ألوانها ولغاتها وأجناسها في بوتقة واحدة، وتقلصت الفروق، وحل محلها وحدة إسلامية، وارتبطت الحياة العامة سياسياً وإدارياً ومعاملة، وحكماً ارتباطاً وثيقاً بتعاليم الدين الحنيف بل كل مرافق الحياة.2
واشتهر كثير من الأئمة في هذا العصر ممن كانوا المثل الأعلى في الإيمان، يتبين فيهم القارئ لتراجمهم ورعهم، وتقواهم، وإيمانهم الصادق، وزهدهم عن الدنيا، وسعيهم الدائب لإعزاز الدين، ورقي المسلمين، وقد التقى الأئمة الثلاثة بكثير من هؤلاء الفضلاء، وأخذوا عنهم العلم، وتأثروا بمواقفهم وسلوكهم كما سيأتي إن شاء الله في مبحث شيوخ كل واحد
__________
1 صحيح البخاري برقم: 3650 فتح الباري 7/3 كتاب: فضائل أصحاب النبيصلى الله عليه وسلم.
2 راجع ضحى الإسلام لأحمد أمين 1/372.(1/30)
منهم.
وكان المسلمون على مختلف طبقاتهم متمسكين بدينهم متقيدين بأحكامه يبذلون النفس والنفيس في الدفاع عنه.
كما أن الخلفاء العباسيين كانوا مثالاً للشعب في ذلك وكانت نظرة الشعب إليهم على أنهم حماة للإسلام وأهله فنجد أبا جعفر المنصور قد أحاط الخلافة بالإجلال الديني، كما أن المهدي كان شديد الحرص على التمسك بالدين، وعدم الزيادة فيه والنقصان، يظهر ذلك من موقفه الذي رد به على رجل عندما دخل عليه وهو يلعب بالحمام، فقيل له حدث أمير المؤمنين، فحدثه عن أبي هريرة مرفوعاً "لا سبق إلا في حافر أو نابل، وزاد فيه" أو جناح " فأمر له بعشرة آلاف ردهم، فلما قام قال: أشهد أن قفاك قفا كذّاب، وإنما استجلبت ذلك، ثم أمر بالحمام فذبحت."1
وكان الرشيد كثير الغزو والحج، وكان يصلي في خلافته في كل
__________
1 تاريخ الخلفاء للسيوطي 275.
والحديث رواه الترمذي في سننه 4/205 كتاب الجهاد باب ما جاء في الرهان والسبق برقم 1700 عن طريق أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر".
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وأبو داود في سننه 3/29 كتاب الجهاد باب في السبق برقم 2574(1/31)
يوم مائة ركعة إلى أن مات، لا يتركها إلا لعلة، ويتصدق من صلب ماله هذا مع إجلاله للعلم وأهله، وتعظيمه لحرمات الإسلام، وبغض المراء في الدين، والكلام في معارضة النص، وبلغه عن بشر المريسي القول بخلق القرآن فقال: لئن ظفرت به لأضربن عنقه، وكان يبكي على نفسه، وعلى إسرافه، وذنوبه، سيما إذا وعظ.
دخل عليه مرة ابن السماك الواعظ فبالغ في احترامه فقال له ابن السماك: تواضعك في شرفك أشرف من شرفك، ثم وعظه فأبكاه.1
وكان العلماء يقومون بواجبهم من النصح للخلفاء، وتحذيرهم من مغبة التهاون بمسؤولياتهم، وتذكيرهم بالأمانة التي أنيطت بعواتقهم لما لقي الرشيد الفضيل قال له: يا حسن الوجه أنت المسؤول عن هذه الأمة يوم القيامة، حدثنا ليث عن مجاهد {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} ، قال: الوصلة التي كانت بينهم في الدنيا،2 فجعل هارون يبكي ويشهق ولما بلغه موت ابن المبارك جلس للعزاء، وأمر أعيان دولته أن يعزوه وله أخبار - إن صحت - في اللهو واللذات المحظورة والغناء سامحه الله.3
__________
1 تاريخ الطبري 8/347-357، وتاريخ الخلفاء 285- ومحاضرات الأمم الإسلامية الدولة العباسية ص 135.
2 ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/402، وراجع مروج الذهب 3/365.
3 تاريخ الخلفاء 285-286.(1/32)
والمأمون كان من طلبة العلم، وبرع في الفقه، والعربية، وأيام الناس ولما كبر عني بالفلسفة، وعلم الأوائل ومهر فيها،1 غير أنه أخذ عليه أمران:
الأول: إدخاله علوم الفلسفة، وتشجيعه على نشرها، وتعليمها بينما كان السلف الصالح في غنى عنها.
والثاني: البلاء الذي نتج عن هذه العلوم الدخيلة حيث جرّ إلى القول بخلق القرآن، واضطهد بسببه جمع من العلماء، وكان من أشدهم بلاء في ذلك إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله كما سيأتي إن شاء الله في مبحث محنته.
وكان في المجتمع طبقة من ضعفاء التدين، والمتشككين، ومن يقرأ كتاب الأغاني، ودواوين شعراء هذه الحقبة يخال أن الحياة كلها لهو ومجون وإباحة، وإذا قرأ طبقات المحدثين والكتب التي دونت سير العلماء، وحياتهم ومعيشتهم خال أن الحياة كلها دين وورع وتقوى.
والإنصاف أن الحياة كانت ذات صنوف وألوان، وأن كلتي السمتين كانتا موجودة2، إلا أن الطابع العام للدولة: التدين والتمسك بالإسلام.
__________
1 تاريخ الخلفاء ص306.
2 ضحى الإسلام 1/160.(1/33)
وأما اللهو والمجون فكان سمة بعض المترفين، ومن يلوذ بهم من الشعراء وغيرهم، وتلك سنة الله في عباده لابد في كل مجتمع أيّاً كان ذلك المجتمع من وجود الصنفين من الناس، متبع لأمر الله، ومخالف للمنهج القويم، وضال للصراط المستقيم.(1/34)
المبحث الثاني الحالة السياسية
تعتبر الفترة التي عاش فيها الأئمة الثلاثة من أزهى عصور الإسلام سياسياً، وحضارياً، وثقافياً، وقد تولى الحكم فيها ثمانية من خلفاء بني العباس، وهم مرتبون على حسب ترتيبهم التاريخي:
1- المهدي: هو أبو عبد الله محمد بن جعفر المنصور الملقب بالمهدي ولد سنة سبع وعشرين ومائة وبويع بالخلافة بعد موت أبيه لستٍ مضين من ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين ومائة فكان حكمه إبان قوة الدولة العباسية.
وكانت خلافته مرفهة عن الناس ما كانوا يلقونه من بعض الشدة أيام المنصور فأطلق كثيراً من السجناء، وأمر ببناء الأحواض في طريق مكة ليكون الاستقاء سهلاً لرجال القوافل، وأقام البريد بين مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومكة واليمن، وقام بتوسيع المسجد الحرام.
وكان خلافته عشر سنين وشهراً، وبعض شهر، وكان محمود العهد والسيرة محبباً إلى الرعية، حسن الخلق والخلق جواداً1
__________
1 البداية والنهاية 10/153،136، تاريخ ابن جرير الطبري 8/136 ومروج الذهب 3/322، والكامل لابن الأثير 5/50، أسماء الخلفاء والولاة 368، تاريخ الخلفاء للسيوطي 273 والأعلام 6/221، ومحاضرات تاريخ الأمم الإسلامية لمحمد الخضري القسم العباسي ص 87.(1/35)
ولما أفضت إليه الخلافة كان من أحسن الناس سيرة، وأكثرهم غزواً وحجاً، وكان عهده عهد خيرٍ وازدهار، واستقرار على الرغم من كل الفتن التي تغلب عليها الرشيد بسياسته ودهائه كما قام بتحصين الحدود، وتعيين خيرة القادة عليها، ونتيجة لذلك تفوقت القوة الإسلامية، وانتصرت على البيزنطيين، ووصلت الدولة العباسية إلى قمة مجدها، وأوج عظمتها نفوذاً في السلطان ورقياً في العمران، وعروجاً في العلم، واستتباباً في الأمن، واتساعاً في الأرض، حتى أن الرشيد كان يستلقي على ظهره، وينظر إلى السحابة المارة ويقول: اذهبي حيث شئت يأتيني خراجك.
توفي هارون الرشيد بطوس سنة ثلاث وتسعين ومائة من الهجرة وكانت مدة ولايته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوماً وله ست وأربعون سنة1.
وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في زمن خلافة الرشيد يطلب العلم ويحصله ليله ونهاره كله في سبيله.2
4- الأمين: هو محمد الأمين بن هارون الرشيد، بويع له في سنة
__________
1 تاريخ الطبري 8/230-345، مروج الذهب 3/347 والبداية والنهاية 10/222، وتاريخ الخلفاء 283 والكامل لابن الأثير 5/82-133، وإسحاق بن راهوية وأثره في الفقه الإسلامي ص13، وتاريخ الإسلام 2/62.
2 أصول مذهب الإمام أحمد ص33.(1/36)
ثلاث وتسعين ومائة ومضى مدة خلافته في الدفاع عن الملك من أخيه المأمون فدارت رحى الحرب بينهما ولم تسكن حتى قتل الأمين سنة 198.
وكانت خلافته أربع سنين وثمانية أشهر وخمسة أيام، قتل وله سبع وعشرون سنة.
وقد رماه بعضهم بكثرة اللعب، واقتناء السودان والخصيان، وإعطاءه الأموال والجواهر، وأمره بإحضار الملاهي والمغنيين من سائر البلاد والاعتناء ببنايات هائلة للنزهة وغيرها، فأنفق في ذلك أموالاً كثيرة جداً فكثر النكير عليه بسبب ذلك1.
5- المأمون: هو عبد الله المأمون بن هارون الرشيد بن محمد المهدي تولى الخلافة بعد قتل أخيه الأمين سنة ثمان وتسعين ومائة، وظل بخرسان، ويدير أموره الفضل بن سهل الذي كان يرى لنفسه الفضل الأكبر في تأسيس دولة المأمون، وكان لهذا التدبير مضار شديدة واضطرابات كادت تقضي على ملك المأمون وتنبه المأمون لحالة البلاد فتولى زمام الأمور بنفسه، ورجع إلى بغداد حاضرة آبائه، ومن ذلك الوقت ابتدأ ملكه الحقيقي، وتجلت مزاياه العالية، ونهض بأعباء الدولة، وتصريف أمورها
__________
1 تاريخ الطبري 8/365-478-498، البداية والنهاية 10/252-253، تاريخ الخلفاء 301، الكامل لابن الأثير 5/134-163، مروج الذهب 3/396 ومحاضرات تاريخ الأمم الإسلامية القسم العباسي ص158.(1/37)
وما أن استقرت الأمور حتى عادت الغزوات ضد الأعداء، وقد قاد بعضها المأمون بنفسه حتى مات غازياً بأرض الروم، ودفن بطرسوس.
أخذ عليه اتباعه القول بخلق القرآن ودعوته إلى ذلك، والمبالغة في حمل الناس على هذا الرأي الخاطئ.
وكان وفاته سنة ثماني عشرة ومائتين، وكانت ولايته عشرين سنة وأشهراً.1
6- المعتصم بالله: هو محمد المعتصم بن هارون الرشيد أبو إسحاق ولي الخلافة في رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، كان شهماً وله همة عالية في الحرب ومهابة عظيمة في القلوب، وكان همّه الإنفاق في الحرب دون سواها، فملك من آلات الحرب، والدواب ما لم يتفق لغيره وكان أمياً لا يحسن الكتابة، وقيل كان يكتب كتابة ضعيفة، حمل الناس على القول بخلق القرآن، وعذب العلماء، وضرب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بالسياط كما سيأتي ذكره في المحنة إن شاء الله.
وكانت وفاته بسُرّ من رأى سنة سبع وعشرين ومائتين2.
__________
1 البداية والنهاية 10/284-286-287وما بعدها، تاريخ الطبري 8/528-564-650، الكامل لابن الأثير 5/219-222، تاريخ الخلفاء ص307 ومحاضرات تاريخ الأمم الإسلامية الدولة العباسية 174-175.
2 البداية والنهاية 10/308-309، وتاريخ الطبري 8/668، والكامل لابن الأثير 5/231، وتاريخ الخلفاء 334، وتاريخ الإسلام 2/75.(1/38)
7- الواثق بالله: هو هارون بن المعتصم، ولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة سبع وعشرين ومائتين، وكان يكنى أبا جعفر، واستمرت في عهده محنة القول بخلق القرآن، وأهان العلماء، وقتل بيده أحمد بن نصر الخزاعي، ثم أمر بتتبع أصحابه، فأخذ من كبارهم نحو ثلاثين رجلاً، فأودعهم السجون، وعذبهم توفى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وكانت ولايته خمس سنين وثمانية أشهر1.
8- المتوكل على الله: هو جعفر بن المعتصم بن الرشيد بن محمد المهدي بويع له بالخلافة بعد أخيه الواثق سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
ومن محاسنه: أنه أظهر السنة بعد البدعة، وضرب على أيدي المبتدعين وأخمد القول بخلق القرآن، وأخرج العلماء المسجونين، من بينهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وبقى خليفة للمسلمين إلى أن قتل سنة سبعة وأربعين ومائتين بأمر من ابنه المنتصر.2
واستمرت الدولة العباسية زهاء خمسة قرون قال الخيري: إن هذه
__________
1 البداية والنهاية 10/310-318، تاريخ الطبري 9/123-135-151، الكامل لأبن الأثير 5/266-274، تاريخ الخلفاء340 وتاريخ الإسلام 2/81.
2 البداية والنهاية 10/364-366، تاريخ ابن جرير 154-190 والكامل لابن الأثير 5/278.(1/39)
الدولة من كبار الدول، ساست العالم سياسة ممزوجة بالدين والملك فكان أخيار الناس وصلحاؤهم يطيعونها تديناً، والباقون يطيعونها رهبة أو رغبة، ثم مكثت فيها الخلافة والملك حدود ستمائة سنة.
وقال في موضع آخر: كانت دولة كثيرة المحاسن، جمة المكارم أسواق العلوم فيها قائمة، وبضائع الآداب فيها نافقة.
وشعائر الدين فيها معظّمة والخيرات فيها دارّة، والدنيا عامرة، والحرمات مرعية، والثغور محصنة.
وما زالت على ذلك حتى كانت أواخرها، فأنتشر الجبر، واضطرب الأمر، وانتقلت الدولة.1
ويعتبر عصر الخلفاء الذين تقدمت الدارسة عنهم من أفضل عصور الخلافة العباسية وبعد هذا العصر بدأت الخلافة العباسية تميد بالخطوب والفتن وتنافس عليها الخصوم، والعناصر المختلفة، كما تنازع القادة فيما بينهم وكان هذا نذير الفناء والبلاء.
والأئمة الثلاثة أدركوا الدولة العباسية وهي في قمة مجدها، وعظمة قوتها، وحضارتها لا سيما أيام الرشيد، وولده المأمون كما أدركوها وهي تنحدر من هذه القمة إلى مهاوي الانقسام السياسي والعصبي، وكان من أثر السياسة التي سار عليها المعتصم في الاستعانة بالأتراك، وأزجل لهم
__________
1 تاريخ الإسلام 2/21، والفخري في الآداب السلطانية 125-134.(1/40)
الهبات والعطايا دون غيرهم أن دب في نفوس العرب دبيب الغيرة والحسد لهؤلاء الأتراك، مما أدى إلى إقصاء قواد العرب والفرس تدريجياً، ووقوع المعتصم في أيدي قواده الأتراك.
كما كان لاعتماد المعتصم على الأتراك أثر سيئ في نفوس العرب فثاروا في بلاد الشام تحت زعامة أبي حرب المبرقع اليماني.
وكان هؤلاء حرباً عليه وعلى خلفائه من بعده، وتلا ذلك فساد واضطراب في بغداد حاضرة الدولة، والأقاليم التابعة لها ومضى القرن الأول العباسي والأندلس للأمويين، والمغرب الأقصى للأدارسة، وإفريقيا للأغالبة، وخراسان لآل طاهر بن الحسين، والفرس والترك وطوائف من العرب حرب للدولة يكيدون لها المكايد ويتربصون بها الدوائر.
وقد نأى الإمام أحمد عن الخلافة، واعتزلها، وامتنع عن أخذ الأعطيات وترك السياسة إلى العلم، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يشايع الولاة، ولم يحرّض عليهم وعاش راغباً عن العطاء، ومع ذلك فقد قاوم مذاهبهم المنحرفة، مثل القول بخلق القرآن ووقف كالطود الشامخ في تلك الفتنة التي لم يثبت فيها إلا القلة بينما كان الإمام إسحاق بن راهوية الذي سكن خراسان كان على علاقة وثيقة مع واليها عبد الله بن طاهر، بل يعد من خواص جلسائه، وكان يرجع إليه، ويسأله، ويستفسر منه، فيوضح له. قال الحسين بن محمد المرزوي: سمعت إسحاق بن حنبل ونحن بالعسكر يناشد أبا عبد الله -أحمد- ويسأله الدخول على الخليفة ليأمره(1/41)
وينهاه وقال له: إنه يقبل منك، هذا إسحاق بن راهوية يدخل على ابن طاهر فيأمره وينهاه، فقال له أبو عبد الله: تحتج عليّ بإسحاق؟ فأنا غير راضٍ بفعاله، ماله -أي الخليفة- في رؤيتي خير، ولا لي في رؤيته خير1.
__________
1 راجع تاريخ الطبري 9/116، تاريخ الإسلام 2/77-78، محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية الدولة العباسية ص 161، طبقات الشافعية 1/234، طبقات الحنابلة 1/465، المنهج الأحمد للعليمي1/199، إسحاق بن راهوية وأثره في الفقه الإسلامي ص27 وأصول مذهب الإمام أحمد للتركي ص 20.(1/42)
المبحث الثالث في الحالة الاجتماعية
اختلف حالة المجتمع الإسلامي في العهد العباسي عنه في العهد الأموي ففي العصر العباسي اتسعت رقعة الدولة الإسلامية فقد كان من أجزائها المغرب -حيناً- ومصر والشام وجزيرة العرب، والعراق وفارس، وما وراء النهر، وكانت هذه الأمم تختلف فيما بينها كل الاختلاف، وكلها خضعت للجزء الإسلامي، وتكون منها جميعاً مملكة واحدة وانصهرت كلها في بوتقة واحدة، وربطها الإسلام برباطه الوثيق، واجتمعت تحت كلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وكانت العناصر التي يتألف منها المجتمع هم العرب وبخاصة المضريين واليمنيين،، ومن الفرس وبخاصة الخراسانيين الذين ساعدوا على قيام الدولة العباسية، والترك، وعلى الأخص أيام المعتصم والمغاربة والروم والهنود والزنوج1.
فكان مجتمعاً واحداً انعدمت فيه الفوارق بين العناصر المتعددة متبعين في ذلك تعاليم الإسلام كما قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .2
__________
1 تاريخ الإسلام2/397-398 وضحى الإسلام1/5.
2 سورة الحجرات آية: (13) .(1/45)
فنعم المجامع بأسباب الرخاء والسعادة، كما كان الثراء والترف يشمل طبقة كبيرة من المجتمع، وكانت قصور الخلفاء، والأمراء وكبار رجال الدولة مضرب المثل في حسن رونقها وبهائها كما امتازت بضخامة بنائها واتساعها، وما يكتنفها من حدائق غناء وأشجار متكاثفة، كما ازدانت بالمناضد الثمينة والزهريات الخزفية، والتربيعات المرصّعة والمذهّبة.
كما تفننوا في أنواع الطعام، واللباس، وكان الطابع الفارسي بيناً فيها.
وكان الرقيق يكونون طبقة كبيرة من طبقات المجتمع الإسلامي في العصر العباسي الأول إذ كان اتخاذ الرقيق منتشراً انتشاراً كبيراً.
ولم يخل المجتمع من الفقراء والمعوزين ممن عضّهم الفقر بنابه، ووجد كذلك كثير من متوسطي الحال، والذين لم يخفوا تذمرهم من غلاء الأسعار، كما أن تعدد الأجناس في المجتمع جعل الدولة عرضة للدعوات السرية، والفتن الداخلية، وساعد اتساع الدولة، وبعد المسافات بين الولايات على نجاح كثير من أصحاب الفتن في بث دعوتهم ونشر عقيدتهم.1
__________
1 راجع تاريخ الإسلام 2/398-422 وأصول مذهب الإمام أحمد ص20.(1/46)
المبحث الرابع الحالة العلمية
بدأ العلم في الازدهار من عهد النبوة، حيث أخذ الصحابة يهتمون بالتعلّم والقراءة، امتثالاً لقول الله تعالى في أول آية نزلت من القرآن الكريم {اقرأ باسم ربك الذي خلق} .1
والنبي صلى الله عليه وسلم حث على التعلم في أحاديث كثيرة، وطلب من أسرى بدر أن يعلموا كل منهم عشرة من أبناء المسلمين مقابل الفداء على أنفسهم.
وكان ذلك هو الأساس المتين للنشاط العلمي فيما بعد مع ما امتاز به من صفاء، لصفاء مصدريه وعدم اختلاط الأفكار الأجنبية بمعانيهما. وتوسعت الحركة العلمية في نواح مختلفة.
وفي العصر العباسي نمت تلك الحركة نموا عظيماً، وأخذ الخلفاء يشجعون هذه الحركة لدفعها إلى الإمام في شتى نواحيها، ويضفون عليها ظلال رعايتهم كما كانوا يبالغون في إكرام العلماء، والفقهاء، والمحدثين، والأدباء، ويجالسونهم، ويقربونهم إليهم، واقتدى بهم أعيان دولتهم، ووزراؤهم، فظهر في هذا العصر أئمة الفقه في الدين، ونوابغ اللغويين،
__________
1 سورة العلق آية رقم: (1) .(1/47)
وجهابذة النحويين، ومهرة الكتاب وأعلام المؤلفين، وفحول الشعراء وصفوة المؤرخين، والأخباريين والأطباء والحكماء.1
وفي هذا العصر شرع العلماء في تدوين الحديث، والفقه والتفسير فصنف ابن جريج بمكة، ومالك الموطأ في المدينة بمشورة أبي جعفر المنصور والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة، وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة، وصنف إسحاق في المغازي، وصنف أبو حنيفة في الفقه والرأي، ثم بعد يسير صنف هشيم والليث وابن لهيعة، ثمّ ابن المبارك، وأبو يوسف القاضي، وابن وهب وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ، وأيام الناس، وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يروون العلم من صحف غير مرتّبة.2
وفي هذا العصر غدا الناس جميعاً من الخليفة إلى أقل أفراد العامة شأناً غدوا طلاباً للعلم، وكان الناس يجوبون ثلاث قارات سعياً إلى موارد العلم والعرفان، ليعودوا إلى بلادهم كالنحل يحملون الشهد إلى جموع التلاميذ المتلهفين، ثم يصنفون بفضل ما بذلوه من جهد متصل هذه
__________
1 تاريخ التشريع الإسلامي132، أصول مذهب الإمام أحمد ص22، إسحاق بن راهويه وأثره في الفقه الإسلامي ص 36 وتاريخ الإسلام2/324 وما بعدها.
2 تاريخ الخلفاء ص261.(1/48)
المصنفات التي هي أشبه شيءٍ بدوائر المعارف، والتي كان لها أكبر الفضل في إيصال هذه العلوم إلينا.1
ورحل الرشيد بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ على الإمام مالك رحمه الله.2
وكان المحدثون أنشط الناس للرحيل، وأصبرهم على العناء، ذلك أن الصحابة عند الفتح تفرقوا في الأمصار، فمنهم من سكن فارس، ومنهم من سكن العراق، ومن سكن مصر، ومن سكن الشام، ومن سكن المغرب، وكان كل هؤلاء يحملون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه عنهم التابعون ومن بعدهم، فكان في كل مصر طائفة من الحديث لا تعرف في الأمصار الأخرى، فَجَدَّ العلماء في الرحلة يأخذون الأحاديث عن أهلها، ويجمعون ما تفرق منها، وكان باعثهم الديني يذلل كل عقبة، ويسهل كل مشقة.3
وكانت المساجد تعد من أكبر معاهد الثقافة لدراسة القرآن والحديث والفقه واللغة، وقد تنوعت العلوم التي كانت تدرس في هذا العصر، وأصبح كثير من هذه المساجد مراكز للحركات العلمية ولما
__________
1 تاريخ الإسلام 2/322.
2 تاريخ الخلفاء 294.
3 ضحى الإسلام 2/70.(1/49)
نشطت حركة الترجمة والتأليف، وتقدمت صناعة الورق كثرت المكتبات التي كانت تزخر بالكتب الدينية والعلمية والأدبية.
وكان بيت الحكمة الذي يترجح أن الرشيد هو الذي وضع أساسه وعمل المأمون من بعده على إمداده بمختلف الكتب والمصنفات من أكبر خزائن الكتب في العصر العباسي.
وقد نشطت حركة الترجمة في عصر المأمون، وأحضر كثيراً من المترجمين والعلماء لترجمة كتب الأمم السالفة، وحضارتهم، وحكى حنين بن إسحاق -وهو أحد المترجمين- أن المأمون كان يعطيه من الذهب زنة ما ينقله من الكتب إلى اللغة العربية مثلاً بمثل-1 فظهر المتكلمون، وقويت شوكة المعتزلة، ومال الخليفة المأمون إلى الأخذ بمذهبهم ومنه القول بخلق القرآن فقرّب أتباع هذا المذهب إليه، ومن ثم أصبحوا ذوي نفوذ كبير في قصر الخلافة، ومما زاد الطين بلّة دعوة المأمون إلى هذا القول الخاطئ وحمل الناس على القول به، وتعذيب من لم يوافقه رأيه.
__________
1 تاريخ الإسلام2/347-348 وعصر المأمون 1/377.(1/50)
[الفصل الأول: ترجمة موجزة عن الإمام أحمد - رحمه الله -]
المبحث الأول "مولده، اسمه، كنيته، لقبه"
مولده:
ولد أبو عبد الله أحمد بن حنبل في مدينة بغداد عاصمة العالم الإسلامي آنذاك، ومدينة العلم والعلماء، وقدم أبواه إليها من مرو وأمه حامل به، وكانت ولادته في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة.1
اسمه، وكنيته، ولقبه
هو الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن ابن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر وائل بن قاسط ابن هنب بن أقصى الشيباني المروزي الذهلي البغدادي.2
قال ابن الجوزي بعد ذكر الروايات في نسبه:
__________
1 سير أعلام النبلاء 11/179، وتاريخ بغداد 4/414، ومناقب الإمام أحمد ص34، وحلية الأولياء 9/162، وابن حنبل لأبي زهرة ص15، وأصول مذهب الإمام أحمد ص 26، والبداية والنهاية 10/340، والمنهج الأحمد ص53.
2 المناقب لابن الجوزي ص 38، وتاريخ بغداد 4/414، وسير أعلام النبلاء 11/178، وحلية الأولياء 9/162، وتاريخ دمشق 7/219(1/53)
قد بان بهذه الروايات أن أحمد رضي الله عنه من ولد شيبان بن ذهل بن ثعلبة، لا من ولد ذهل بن شيبان، وذهل بن ثعلبة هو عم ذهل بن شيبان، وقد غلط أقوام فجعلوه من ولد ذهل بن شيبان.1
__________
1 المناقب لابن الجوزي ص39.(1/54)
المبحث الثاني أسرته
يرجع نسب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل إلى بني شيبان، وهي قبيلة من بني ربيعة عدنانية تلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في نزار بن معد بن عدنان.
وكانت منازل شيبان بالبصرة وباديتها، وقد كانت في الجاهلية قريبة المقام من العراق، فلما بنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه البصرة مطلة على الصحراء لينزل بها العرب يستنشقون فيها هواء الصحراء ولا يستوخمون بهواء الريف، نزلت شيبان بتلك المدينة الحضرية الصحراوية فسكنوها، وسكنوا باديتها.1
ولم يطل بهم المقام طويلاً، إذا انتقل جده إلى خراسان والياً على سرخس من قبل الدولة الأموية، ولما قامت الدعوة العباسية عاون دعاتها، وانضم إلى صفوفهم، حتى أوذي من أجل ذلك.2
أما أبوه محمد بن حنبل فقد كان قائداً وجندياً في جيش خراسان فقد وصفه ابن الجوزي عن الأصمعي بأنه كان قائداً.3
__________
1 راجع طبقات الحنابلة1/5، والمنهج الأحمد 1/53، وابن حنبل ص16.
2 سير أعلام النبلاء 11/184، وتاريخ بغداد 4/415، وأصول مذهب الإمام أحمد ص30، وابن حنبل لأبي زهرة ص17.
3 مناقب الإمام أحمد ص42، أحمد بن حنبل لعبد الغني الدقر ص19 وابن حنبل لأبي زهرة ص17.(1/55)
وأما والدته: فاسمها صفية بنت ميمونة، بنت عبد الملك الشيباني من بني عامر كان أبوه نزل بهم وتزوج بها، وكان جدها عبد الملك بن سوادة بن هند الشيباني من وجوه بني شيبان، كانت تنزل عليه قبائل العرب فيستضيفهم.1
وحين بلغ الإمام أحمد من العمر ثلاث سنين توفى أبوه وهو في ريعان الشباب، حيث كان عمره ثلاثين سنة، فنشأ يتيماً تشرف عليه أمه، وتنفق عليه من مال ضئيل تركه له أبوه ببغداد مكون من عقار يسكنه وآخر يغله غلة ضئيلة.2
وكان للإمام أحمد رحمه الله عم اسمه إسحاق بن حنبل الشيباني وكان ملازماً في أكثر أوقاته مجلس أحمد ولعمه ابن اسمه حنبل بن إسحاق ابن حنبل الشيباني توفى عام 273 بواسط وكان عمه على صلة بالخلافة، ولم يكن أحمد يستحسن ذلك تورعاً، وابتعاداً عن الريب منذ صباه.3
__________
1 مناقب الإمام أحمد ص42 وأحمد بن حنبل لعبد الغني الدقر ص19.
2 حلية الأولياء 9/163، وأحمد بن حنبل لعبد الغني الدقر ص20-31، وأصول مذهب الإمام أحمد ص30.
3 طبقات الحنابلة1/111، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص44-45، وابن حنبل لأبي زهرة 17-18.(1/56)
المبحث الثالث طلبه للعلم
عاش الإمام أحمد رحمه الله طفولته في كنف أم ترأمه، وتدفعه إلى العلا، وتكنف مواهبه لتزكو، وتنمو ولئلا تنطفئ أو تخبو وكانت لوائح النجابة تظهر منه زمن الصبا، وكان حفظه للعلم من ذلك الزمان غزيراً، وعلمه به متوافراً، وربما يريد البكور فتأخذ أمه ثيابه وتقول: حتى يؤذن الناس، أو حتى يصبحوا وقد اختارت أسرته له منذ صباه أن يكون رجل دين، فوجهته إلى حفظ القرآن الكريم، فاستحفظه وأتقنه.
وكان في موضع إعجاب من الناس حوله، فقد ذكر ابن الجوزي عن أبي سراح بن خزيمة، وهو ممن كان مع أحمد في الكتاب - إن أبي جعل يعجب من أدب أحمد، وحسن طريقته، فقال لنا ذات يوم أنا أنفق على ولدي وآتيهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم انظر كيف يخرج؟ وجعل يعجب.1
وأظهر في هذه الفترة جودة الخط، وحسن التعبير، وكان محل ثقة الذين يعرفونه من الرجال والنساء، حتى أنه ليروى أن الرشيد كان بالرقة
__________
1 مناقب الإمام أحمد ص44-57، وراجع: المنهج الأحمد 1/54، ابن حنبل ص21 وأصول مذهب الإمام أحمد ص33.(1/57)
مع جنده، فكان أولئك الجند يكتبون إلى نسائهم بأحوالهم فيبعث نساؤهم إلى المعلم: ابعث إلينا بأحمد بن حنبل ليكتب لهم جواب كتبهم فيبعثه، فكان يجئ إليهن مطأطئ الرأس فيكتب جواب كتبهن فربما أملين عليه الشيء من المنكر فلا يكتبه لهن.1
لقد استرعت هذه الصفات نظر العلماء الذين اتصل بهم في ذلك العقد حتى قال فيه الهيثم بن جميل: إن عاش هذا الفتى فسيكون حجة على أهل زمانه.2
والتحق الإمام أحمد في مبدأ تعليمه بالكتاب، ولما بلغ من العمر أربع عشرة سنة التحق بالديوان، فقد قال رحمه الله: اختلفت إلى الكتاب، ثم اختلفت إلى الديوان، وأنا ابن أربع عشرة سنة.3
وكان يتردد في بداية دراسته إلى مجلس القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهما الله، ولكنه مال من بعد إلى المحدثين فكان أول طلبه للحديث وسماعه من مشايخه سنة سبع وثمانين ومائة وقد بلغ من العمر ست عشرة سنة.4
__________
1 مناقب الإمام أحمد 43 والمنهج الأحمد 1/54.
2 سير أعلام النبلاء 11/195، ابن حنبل لأبي زهرة ص22.
3 سير أعلام النبلاء 11/185.
4 البداية والنهاية ص340، مناقب الإمام أحمد ص46، وسير النبلاء 11/306 وابن حنبل ص23.(1/58)
وقد لازم الإمام أحمد رحمه الله لمدة أربع سنوات إماماً من أئمة الحديث وعلم الآثار ببغداد ذلك الإمام هو هشيم بن بشير بن أبي خازم الواسطي المتوفى سنة 183.
روى صالح وعبد الله عن أبيهما قوله "طلبت العلم وأنا ابن ست عشرة سنة وأول سماعي من هشيم سنة تسع وسبعين".1
ومع تخصيصه شيخه هشيم بفضل من الملازمة لم ينقطع عن غيره انقطاعاً تاماً، بل كان يختلط بغيره، ويروي عنهم، ويلقف الأحاديث حيثما وجد الرواي الثقة، فيروى أنه سمع من عمير بن عبد الله بن خالد سنة 182 قبل موت شيخه هشيم، وسمع في هذه الأثناء عبد الرحمن بن مهدي، وأبا بكر بن عياش رحمهم الله.2
__________
1 مناقب الإمام أحمد 46-48.
2 ابن حنبل 26، ومناقب الإمام أحمد ص 50.(1/59)
المبحث الرابع رحلاته في طلب العلم
ما أن انتقل شيخه هشيم بن بشير الواسطي إلى رحمة ربه حتى بدأت رحلات الإمام أحمد رحمه الله العلمية.
ففي سنة ثلاث وثمانين ومائة رحل إلى الكوفة لطلب العلم وأخذ من وكيع بن الجراح، وأعجب به فقال: "ما رأت عيني مثل وكيع يحفظ الحديث، ويذاكر بالفقه، ويحسن مع ورع واجتهاد، ولا يتكلم في أحد"، كما أعجب به شيخه وكيع فقال: "ما قدم الكوفة مثل هذا الفتى."1
كما سمع من حسين الجعفي، وجاء إليه ومعه كتاب شفاعة ليحدثه فقال له: يا أحمد لا تجعل فيما بيني وبينك منعماً، فليس تحمل علي بأحد إلا وأنت أكبر منه.2
ورحل إلى البصرة خمس مرات قال الإمام أحمد: دخلت البصرة خمس دخلات، دخلتها في أول رجب سنة ست وثمانين ومائة سمعت من المعتمر بن سليمان، ودخلت الثانية في سنة تسعين، دخلت الثالثة في سنة أربع وتسعين، وقد مات غندر، فأقمت على يحى بن سعيد ستة أشهر،
__________
1 تاريخ بغداد 14/93-94، المنهج الأحمد 1/54، تذكرة الحفاظ 1/308، مناقب الإمام أحمد ص99 وسير أعلام النبلاء 11/183.
2 مناقب الإمام أحمد ص101 وسير أعلام النبلاء 11/189.(1/61)
ودخلت سنة مائتين1.
ودخل عبادان سنة ست وثمانين في العشر الأواخر من رجب وسمع من علمائها، ودخل واسط، وسمه من يزيد بن هارون الواسطي وصلى الإمام خلفه فلما سلم يزيد من الصلاة التفت إلى أحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في العارية؟ قال: مؤداة. فقال له يزيد: أخبرنا حجاج عن الحكم قال: ليست مضمونة فقال له أحمد: قد استعار النبيصلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية أدرعاً، فقال له: عارية مؤداة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "العارية مؤداة"، فسكت يزيد، وصار إلى قول أحمد بن حنبل.2
وخرج إلى طرسوس ماشياً3 كما رحل إلى الحجاز خمس مرات أولاها عام سبعة وثمانين ومائة، وسمع من سفيان بن عيينة وفي هذا العام أدى فريضة الحج، والتقى بالإمام الشافعي، وتوطدت علاقة الإخاء والمحبة بينهما.
قال الإمام أحمد: حججت خمس حجج منها ثلاث راجلاً، أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهماً، وضللت في بعضها عن الطريق وأنا ماش فجعلت أقول: يا عباد الله دلوني الطريق، فلم أزل أقول ذلك حتى
__________
1 مناقب الإمام أحمد ص50-51.
2 مناقب الإمام أحمد ص50-94، حلية الأولياء 9/163، المنهج الأحمد 1/134.
3 سير أعلام النبلاء 11/211.(1/62)
2- الهادي: هو موسى بن محمد بن المهدي بن عبد الله المنصور ولي الخلافة في محرم سنة تسع وستين ومائة، وكان شهماً خبيراً بالملك كريماً، وشرع الهادي في تتبع الزنادقة، فقتل منهم طائفة كثيرة واقتدى في ذلك بأبيه، ومن كلامه: ما أصلح الملك بمثل تعجيل العقوبة للجاني والعفو عن الزلات، ليقل الطمع عن الملك، وتوفى في ربيع الأول سنة سبعين ومائة.
وكانت ولايته سنة وستة أشهر، وذكر بعضهم غير هذا وله أربع وعشرون سنة.1
3- الرشيد: هو هارون الرشيد بن المهدي محمد بن منصور بويع له بالخلافة بعد موت أخيه موسى الهادي في ربيع الأول سنة سبعين ومائة، بعهد من أبيه المهدي.
وكانت سنّة يوم وُلّي اثنتين وعشرين سنة.
وقد غزا الصائفة في حياة أبيه مراراً، وعقد الهدنة بين المسلمين والروم بعد محاصرته القسطنطينية وهذا الذي جعل أباه يعقد له البيعة بعد أخيه.
__________
1 تاريخ الطبري 8/187-190-213، والبداية والنهاية 10/161-163، وتاريخ الخلفاء ص279 والكامل لابن الأثير 5/73-81، وأسماء الخلفاء لابن حزم ص368.(1/63)
وفقت على الطريق.
قال ابن كثير: أول حجة حجها- الإمام أحمد - في سنة سبع وثمانين ومائة ثم سنة إحدى وتسعين، وفيها حج الوليد بن مسلم ثم سنة ست وتسعين وجاور في سنة سبع وتسعين، ثم حج في سنة ثمان وتسعين، وجاور إلى سنة تسع وتسعين.1
وكان الإمام أحمد قد نوى الذهاب إلى عبد الرزاق الصنعاني باليمن برفقة صاحبيه في طلب العلم يحيى بن معين، وإسحاق بن راهوية ومن حسن حظهم أن عبد الرزاق قدم للحج في ذلك العام فالتقوا به، وقدم يحيى بن معين الإمام أحمد إلى عبد الرزاق، وعرفه به قائلاً له: هذا أحمد ابن حنبل أخوك فقال عبد الرزاق: حياه الله وثبته فإنه يبلغني عنه كل جميل.2
لم يكتف الإمام أحمد بلقيا عبد الرزاق الصنعاني العاجلة، والسماع منه لموسم الحج، بل نفذ عزمه في الرحيل إليه، والسماع منه في عقر داره حيث يوجد كتبه، فبعد انقضاء موسم الحج، وانصراف الحجيج يمموا وجوههم شطر اليمن قاصدين صنعاء والسماع من محدّثها الجليل القدر
__________
1 المنهج الأحمد 1/55، ابن حنبل ص27 والبداية والنهاية 10/340.
2 مناقب الإمام أحمد 54، المنهج الأحمد 1/55، البداية والنهاية 10/340 وابن حنبل ص28.(1/64)
عبد الرزّاق، وقد نال الإمام أحمد كثيراً من المشقّة إذا انقطعت به النفقة في الطريق، فأكرى نفسه من بعض الحمالين إلى أن وافى صنعاء، وقد كان أصحابه عرضوا عليه المواساة فلم يقبل من أحد شيئاً.1
ولندع المجال للإمام أحمد يحكي قصة لقياه بعبد الرزاق.
قال: لما قدمت صنعاء اليمن أنا ويحيى بن معين في وقت صلاة العصر فسألنا عن منزل عبد الرزاق فقيل لنا بقرية يقال لها الرمادة، فمضيت لشهوتي للقائه، وتخلف يحيى بن معين، فلما ذهبت أدق الباب قال لي بقال تجاه داره: مه، لا تدق فإن الشيخ مهوب فجلست حتى إذا كان قبل صلاة المغرب خرج للصلاة، فوثبت إليه وفي يدي أحاديث قد انتقيتها فقلت له: سلام عليكم: تحدثني بهذه رحمك الله؟ فإنني رجل غريب فقال لي: ومن أنت وزبرني قلت: أنا أحمد بن حنبل قال: فتقاصر؟ وضمني إليه وقال: بالله أنت أبو عبد الله؟ ثم أخذ الأحاديث فلم يزل يقرؤها حتى أشكل عليه الظلام فقال للبقال هلم بالمصباح حتى خرج وقت صلاة المغرب وكان يؤخرها.2
وبعد هذه الجلسة قدم صاحبا الإمام إلى الرمادة.
ومكث الإمام أحمد في اليمن قرابة السنتين، وكتب عن عبد الرزاق
__________
1 حلية الأولياء 9/174 وابن حنبل ص29.
2 طبقات الحنابلة 1/181-182 وسير أعلام النبلاء 11/192.(1/65)
حديث الزهري عن سالم عن عبد الله عن أبيه، وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.1
كما التقى في مدة إقامته باليمن بإبراهبم بن عقيل، وكان عسراً لا يوصل إليه فأقام على بابه يوماً، أو يومين حتى وصل إليه فحدثه بحديثين وكان عنده أحاديث وهب عن جابر فلم يقدر على سماعها منه لعسره.2
وجملة القول في رحلاته ما ذكر العليمي فقال: سافر في طلب العلم أسفاراً كثيرة إلى البلاد: الكوفة، والبصرة والحجاز، ومكة، والمدينة واليمن والشام، والثغور والسواحل والفراتين وأرض فارس وبلد خراسان، والجبال والأطراف، وغير ذلك ثم رجع إلى بغداد وساد أهل عصره، ونصر الله به دينه، وصار أحد الأعلام، من أئمة الإسلام.3
__________
1 حلية الأولياء 9/184 ومناقب الإمام أحمد ص57.
2 مناقب الإمام أحمد ص53.
3 المنهج الأحمد 1/54 وتاريخ بغداد 4/412.(1/66)
المبحث الخامس شيوخه
لقد ارتحل الإمام أحمد رحمه الله كثيراً في طلب العلم، والتقى بعدد كبير من علماء عصره الذين يشار إليهم بالبنان، ويشد الرحال إليهم، ليتزود من علومهم، والكتابة عنهم، ولا شك أن للشيخ أثره الكبير في بناء شخصية الطالب، ونضوج عقله وميله للعلم الذي برع فيه شيخه، ويكون التأثير بحسب قوة شخصية الشيخ، وقدرته العلمية.
ولكثرة تجوال الإمام أحمد، وطلبه للعلم في سن مبكرة فقد كثر الشيوخ الذين أخذ عنهم مختلف العلوم.
قال الذهبي: عدة شيوخه الذين روى عنهم في المسند مائتان وثمانون ونيف، وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء منهم ستة وثمانين1.
وقد أورد ابن الجوزي في مناقبه أربعة عشر وأربعمائة شيخ وامرأة واحدة روى عنها هي أم عمر بنت حسان بن زيد الثقفي وقد ذكرهم ورتبهم على الحروف.
وذكر المزي في تهذيب الكمال سبعة وعشرين ومائة شيخ كما سرد جملة منهم خطيب البغدادي في تاريخ بغداد وقال: وخلق سواهم يطول
__________
1 سير أعلام النبلاء 11/181.(1/67)
ذكرهم، ويشق إحصاء أسمائهم.1
وسأكتفي بذكر عدد منهم ممن تأثر بهم الإمام أحمد وأخذ العلم عنهم ورتبت هؤلاء الشيوخ على حسب سني وفاتهم:
1- القاضي أبو يوسف 113-182
وهو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي- صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، وأول من نشر مذهبه، كان فقيهاً علامة من حفاظ الحديث، ولد بالكوفة وتفقه بالحديث والرواية ثم لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي، وولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي، والرشيد ومات في خلافته ببغداد وهو على القضاء.2
وكان الإمام أحمد في حداثته يختلف إلى مجلس القاضي أبي يوسف وأخذ عنه فقه الرأي، ثم انصرف عنه لرغبته الشديدة في الأخذ عن رجال الحديث.3
__________
1 راجع أحمد بن حنبل لعبد الرزاق الدقر ص99، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي 58-80، تهذيب الكمال 1/437-440 وتاريخ بغداد 4/413.
2 تذكرة الحفاظ 1/292، تاريخ بغداد 14/242، الأعلام 8/193 والمعارف ص499.
3 مناقب الإمام أحمد ص46، البداية والنهاية 10/340، وابن حنبل لأبي زهرة ص23.(1/68)
2- هشيم بن بشير 104-183
هو ابن أبي حازم قاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطي نزيل بغداد: مفسر من ثقات المحدثين، لازمه الإمام أحمد أربع سنين1 من سنة تسع وسبعين إلى أن توفي سنة ثلاث وثمانين قال الإمام أحمد: كتبنا عنه كتاب الحج نحواً من ألف حديث، وبعض التفسير، وكتاب القضاء، وكتباً صغاراً قال السائل: يكون ثلاثة آلاف، قال: أكثر.2
روى حنبل بن إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: حفظت كل شيء سمعته من هشيم، وهشيم حيّ قبل موته3 ولم يقتصر استفادة الإمام أحمد على حفظ حديث هشيم بل تأثر واقتبس من انصرافه للعلم، وجهاده في سبيله، وتحمّل المشاق من أجله مع الورع والتقوى والضبط، والدقة في حمل الحديث ومعرفة رواته مما فاق فيه هشيم سواه من علماء بغداد.4
__________
1 تقريب التهذيب ص 365، تهذيب التهذيب 11/59، الأعلام 8/89 وتذكرة الحفاظ 1/248.
2 مناقب الإمام أحمد ص 48.
3 مناقب الإمام أحمد ص 86 وتاريخ بغداد 14/89.
4 ابن حنبل لأبي زهرة 99-100(1/69)
3- معتمر بن سليمان التيمي، أبو محمد البصري
يلقب بالطفيل ثقة توفي سنة سبع وثمانين ومائة من الهجرة أخرج له أصحاب الكتب الستة.1
4- جرير بن عبد الحميد بن قرط- بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة- الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب توفي سنة ثمان وثمانين وله إحدى وسبعون سنة.2
5- محمد بن جعفر بن غندر أبو عبد الله البصري الهذلي بالولاء عالم بالحديث متعبد من أهل البصرة، كان يرمى بالغفلة عاش نحواً من سبعين عاماً، وكان أصح الناس كتابة للحديث توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة أخرج له أصحاب الكتب الستة.3
6- إسماعيل بن إبراهيم 110-193
ابن مقسم الأسدي، البصري أبو بشر من أكابر حفاظ الحديث كوفي الأصل، تاجر، كان حجة في الحديث ثقة، مأموناً وولي صدقات البصرة، ثم المظالم ببغداد في آخر خلافة هارون الرشيد وتوفي بها، وكان
__________
1 تهذيب التهذيب 10/227 وتقريب التهذيب ص 342.
2 طبقات الحفاظ ص122، تقريب التهذيب ص54، تاريخ بغداد 7/253 وتذكرة الحفاظ 1/271.
3 تقريب التهذيب ص293، الأعلام 6/69.(1/70)
يكره، أن يقال له" ابن عليه " وهي أمه أخرج له أصحاب الكتب الستة.1
7- وكيع بن الجراح 129-197
ابن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي الحافظ كان محدث العراق في عصره قال الإمام أحمد: ما رأيت أوعى للعلم منه، ولا أحفظ، ولا رأيت معه كتاباً قط، ولا رقعة، وكان الإمام يذاكر وكيعاً بحديث الثوري ولشدة اهتمامه بشيخه يحفظ ما يتلقاه عنه.
قال عبد الله بن أحمد: قال لي أبي: خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع من المصنف، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك أنا بكلام.2
8- سفيان ين عيينة 107-198
هو ابن ميمون الهلالي الكوفي أبو محمد محدث الحرم المكي ولد بالكوفة، وسكن مكة، وتوفى بها، كان حافظاً ثقة واسع العلم كبير القدر.3
__________
1 الأعلام 1/307، تقريب التهذيب ص32 وتهذيب التهذيب 1/275.
2 تاريخ بغداد 13/466، تذكرة الحفاظ 1/306، حلية الأولياء 8/368 وسير أعلام النبلاء 11/186.
3 تذكرة الحفاظ 1/262، حلية الأولياء 7/270، تاريخ بغداد 9/174 والأعلام 3/105.(1/71)
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: فاتني مالك فأخلف الله علي سفيان بن عيينة، وفاتني حماد بن زيد، فأخلف الله علي إسماعيل ابن علية.1
9 - عبد الرحمن بن مهدي 135-198
ابن حسان العنبري البصري اللؤلؤي أبو سعيد من كبار حفاظ الحديث، حدث ببغداد، ومولده ووفاته في البصرة، وكان عبد الرحمن فقيهاً، بصيراً بالفتوى، عظيم الشأن، وكان يذهب في الفقه إلى بعض مذاهب الحديث، وإلى رأي المدنيين. وقد استفاد الإمام أحمد منه فقه أهل المدينة.2
10- يحيى بن سعيد 120-198
ابن فروخ القطان التميمي أبو سعيد من حفاظ الحديث ثقة حجة من أقران مالك وشعبة، من أهل البصرة، كان يفتي بقول أبي حنيفة رحمه الله أخرج له أصحاب الكتب الستة.3
11- يحيى بن آدم توفي203
ابن سليمان الكوفي أبو زكريا مولى بني أمية ثقة حافظ فاضل فقيه
__________
1 مناقب الإمام أحمد ص54.
2 تذكر الحفاظ 1/329، تاريخ بغداد10/240 والأعلام 3/339.
3 تقريب التهذيب ص375، تهذيب التهذيب 11/216، والأعلام 8/147.(1/72)
واسع العلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.1
12- الإمام الشافعي150-204
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان، بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أحد الأئمة الأربعة، وإليه نسبة الشافعية كان من أشعر الناس، وآدبهم، وأعرفهم بالفقه، والقراءات وهو أول من أصل علم أصول الفقه، وصنف فيه رسالته، وعرض فيها مناقشاته واستنباطاته.2
ويعتبر الإمام الشافعي من أبرز الشخصيات التي التقى بهم الإمام أحمد، واستفاد منه الكثير، فقد أخذ منه فقهه وأصوله وبيانه للناسخ والمنسوخ، وكان يحرص على مجالسته، وتلقي العلم منه حرصه على الأخذ من ابن عيينة.
قال محمد بن الفضل الفراء سمعت أبي يقول: حججت مع أحمد بن حنبل فنزلت في مكان واحد معه، فخرج باكراً، وخرجت معه، فدرت المساجد فلم أره في مجلس ابن عيينة ولا غيره، حتى وجدته جالساً مع أعرابي فقلت: يا أبا عبد الله تركت ابن عيينة وجئت إلى هذا؟ فقال لي: اسكت، إنك إن فاتك حديث بعلو وجدته بنزول، وإن فاتك عقل هذا أخاف ألا تجده، ما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله من هذا الفتى، قلت:
__________
1 تذكرة الحفاظ 1/359، تقريب التهذيب ص373 والأعلام 8/133.
2 تذكرة الحفاظ 1/361، تاريخ بغداد 2/56 والأعلام 6/26.(1/73)
ومن هذا؟ قال: محمد بن إدريس.1
وكان إعجاب الإمام أحمد في الإمام الشافعي منصباً على أخص ما امتاز به الشافعي، وهو التفكير الفقهي، والضبط العقلي، ووضع أصول الاستنباط، فهو يعد الموجه الثاني للإمام أحمد رحمه الله، وجهه هشيم في صدر حياته إلى الحديث، وطلب السنة، وجهه الشافعي إلى أصول الاستنباط، فتوجه أحمد إلى الينبوعين.2
وكان الإعجاب متبادلاً بينهما، فكان الإمام الشافعي يعجب من حفظ الإمام أحمد للحديث وكثرة روايته له، ومعرفته بالرجال ودرجة الحديث فقد كان يعول عليه في معرفة صحة الحديث أحياناً.
قال الشافعي لأحمد لما اجتمع به في الرحلة الثانية إلى بغداد سنة تسعين ومائة قال له: يا أبا عبد الله إذا صح عندكم الحديث فأعلموني به أذهب إليه حجازياً كان أو شامياً، أو عراقياً، أو يمنياً.3
13- يزيد بن هارون 118-206
ابن زاذان بن ثابت السلمي بالولاء الواسطي أبو خالد من حفاظ الحديث الثقات كان واسع العلم بالدين ذكياً كبير الشأن ومولده ووفاته
__________
1 أحمد بن حنبل لعبد الغني الدقر ص65.
2 ابن حنبل لأبي زهرة ص102.
3 البداية والنهاية 10/341 وسير أعلام النبلاء 11/213.(1/74)
بواسط وكان يقول: أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها ولا فخر، قال المأمون: "لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت أنّ القرآن مخلوق"، فقيل: ومن يزيد حتى يتّقى؟ قال: "أخاف إن أظهرته فيردّ علي فيختلف الناس وتكون فتنة".1
14- عبد الرزاق الصنعاني 126-211هـ
ابن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر2 أخذ عنه الإمام أحمد باليمن ولازمه، قيل للإمام أحمد: لقد شققت على نفسك في خروجك إلى عبد الرزاق، فقال: ما أهون المشقة فيما استفدنا من عبد الرزاق.
وقد حرص الإمام أحمد رحمه الله ألا يأخذ من حفظ عبد الرزاق فقال: ما كتبنا من حفظه شيئاً إلا المجلس الأول، وذلك أنا دخلنا بالليل فوجدناه في موضع جالساً فأملى علينا سبعين حديثاً ثم التفت إلى القوم فقال: لولا هذا ما حدثتكم.3
15- أبو عاصم النبيل122-212
الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني بالولاء البصري
__________
1 تذكرة الحفاظ 1/317، طبقات الحفاظ 238، تهذيب التهذيب 11/366، سير أعلام النبلاء 11/237، مناقب الإمام أحمد 386 والأعلام 8/190.
2 تذكرة الحفاظ 1/364 وطبقات الحفاظ ص158.
3 مناقب الإمام أحمد ص57، سير أعلام النبلاء 11/215 وحلية الأولياء 9/184.(1/75)
وكان يلقب بالنبيل لنبله وعقله، وقيل غير ذلك، وهو شيخ حفاظ الحديث في عصره، ولد بمكة، وتحول إلى البصرة فسكنها وتوفي بها.1
16- أبو المغيرة عبد القدوس توفي 212
عبد القدوس بن الحجاج الخولاني أبو المغيرة الحمصي محدث الشام روى عن حريز بن عثمان، والأوزاعي، وأخرج له أصحاب الكتاب الستة، أخذ عنه الإمام أحمد أحاديث الشاميين، ثم حضر وفاته بحمص، وصلى عليه2.
17- علي بن عياش - بتحتانية ومعجمة - الألهاني - بفتح الهمزة وسكون اللام - الحمصي ثقة ثبت مات سنة تسع عشرة ومائتين.3
18- الفضل بن دكين 30-219
واسمه عمرو بن حماد التميمي بالولاء الملائي أبو نعيم: محدث حافظ من أهل الكوفة، وفي أيامه امتحن المأمون الناس في مسألة القول بخلق القرآن ودعاه والي الكوفة فسأله، فقال: أدركت الكوفة وبها أكثر من سبعمائة شيخ، الأعمش ومن دونه، يقولون القرآن كلام الله وعنقي أهون
__________
1 تذكرة الحفاظ 1/366 والأعلام 3/215.
2 تقريب التهذيب ص217، تذكرة الحفاظ 1/386، طبقات الحفاظ ص160 ومسند الشاميين ص8-9.
3 تقريب التهذيب ص248.(1/76)
من زري هذا، فقام إليه أحمد بن يونس فقبل رأسه - وكان بينهما شحناء - وقال: جزاك الله من شيخ خيراً.1
19- عفان بن مسلم 134-220هـ
ابن عبد الله الصفار أبو عثمان: من حفاظ الحديث الثقات من أهل البصرة وسكن بغداد وحدث بها، ولما أظهر المأمون القول بخلق القرآن أمر بسؤال عفان، وإذا لم يجب يقطع رزقه وهو خمسمائة درهم في الشهر فلما سئل قال: "وفي السماء رزقكم وما توعدون"2، وخرج ولم يجب.3
20- سليمان بن حرب140-224
ابن بجيل الأزدي أبو أيوب قاض من أهل البصرة سكن مكة وولى قضاءها سنة أربع عشرة ومائتين وعزل عنها سنة تسع عشرة ومائتين فرجع إلى البصرة فتوفي فيها.4
وغير هؤلاء كثير، وليس القصد من ذكر هؤلاء الشيوخ الغضّ من
__________
1 تاريخ بغداد 12/346-349، الكامل لابن الأثير 5/233 والأعلام 5/148.
2 سورة الذاريات آية: (22) .
3 تاريخ بغداد 12/269، تذكرة الحفاظ 1/379 والأعلام 4/238.
4 تاريخ بغداد 9/33، تذكرة الحفاظ 1/393، تهذيب التهذيب 4/178، والاعلام 3/122.(1/77)
قدر ما تلقاه من غيرهم، فإنه قد تلقى عن غيرهم الكثير من السنن والآثار، وكان يرحل إلى بعضهم الرحلات المختلفة، وكلٌّ له فضل في القدر الذي وصل إليه الإمام أحمد من العلم.1
وإنما اقتصرت على ذكر هؤلاء فقط محاولة الاختصار.
__________
1 ابن حنبل لأبي زهرة ص 98.(1/78)
المبحث السادس جلوسه للفتوى
كان الإمام أحمد رحمه الله يفتي في شبابه في بعض الأوقات ويحدث إذا سئل، فقد قال نوح بن حبيب القومسي: رأيت أحمد بن حنبل في مسجد الخيف سنة ثمان وتسعين، وابن عيينة حي وهو يفتي فتيا واسعة- وقال في رواية ثانية: فجعل يعلمهم الفقه، والحديث ويفتي الناس في المناسك.1
إلا أنه لم يتصدر للحديث والفتوى، ولم ينصب نفسه لهما حتى تم له أربعون سنة، حين بلغ أشده، وتمكن من علمه، ووثق من إطلاعه، واجتمع لديه ثروة كبيرة من نصوص السنة، وأقوال الصحابة2 رضوان الله عليهم، وسرى بين الناس حديث صلاحه وتقواه وورعه، وزهده، وعفته عما في أيدي الناس، وعكوفه على الحديث يسير لطلبه، ويركب الصعب، والذلول حتى يصل إلى عالم يتلقى عنه وقد كان الازدحام على درسه شديداً، فكان عدة من يستمعون إلى درسه نحو خمسة آلاف، وكان
__________
1 طبقات الحنابلة 1/390، وسير أعلام النبلاء 11/309 ومناقب الإمام أحمد ص243 -244.
2 أصول مذهب الإمام أحمد ص37.(1/79)
يكتب منهم نحو خمسمائة.1
وكان وقت درسه في المسجد بعد العصر، وقت صفاء النفس وفراغها من مشاغل الحياة، واضطرابها، فيكون الحديث والإفتاء والنفس مستجمعة مقبلة، والدرس عند إقبال النفس أعمق أثراً فيها، وأكثر شيوعاً في نواحيها، وكان يسود مجلسه الوقار، والسكينة مع تواضع واطمئنان نفسي.
وكان في كُلّ مجالسه لا يمزح، ولا يلهو، وقد علم مخالطوه منه ذلك، فكانوا لا يمزحون في حضرته.
وكان إذا قال حديثاً نبوياً لا يقوله إلا من كتاب، حرصاً على جودة النقل وإبعاداً لمظنة الخطأ ما أمكن،2 مع قوة حفظه الذي شهد به أصحابه، قال عبد الله: ما رأيت أبي حدث من غير كتاب إلا بأقل من مائة حديث.3
قال ابن معين الرازي: سمعت ابن المديني يقول: ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، لنا فيه أسوة.4
__________
1 ابن حنبل 38-39.
2 ابن حنبل ص40.
3 سير أعلام النبلاء 11/213.
4 المرجع السابق 11/200.(1/80)
ووصف المرّوذي مجلسه فقال: لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد، كان مائلاً إليهم، مقصراً عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر.1
وقد تخرج على يديه جهابذة كثيرون في مختلف العلوم من الفقه والحديث، ومعرفة الرجال، وأسهموا في التقدم العلمي وحفظ السنة واستنباط الأحكام منها، ومكافحة البدع، وبث السنة.
__________
1 سير أعلام النبلاء 11/218 وابن حنبل ص41.(1/81)
تلاميذه:
لقد حظي الإمام أحمد رحمه الله بعدد من التلاميذ الأجلاء، إلا أن التعرف على تلاميذه، وحصرهم يعتبر أمراً عسيراً، وخاصة في هذه العجالة علماً بأن هناك كتباً تخصصت في ذكر تلاميذه، وشيوخه، أما عدد تلاميذه: فقد ذكر العليمي أن الطبقة الأولى الذين عاصروه، وتفقهوا عليه، ورووا عنه عدتهم خمسمائة وثمانية وسبعون نفساً، مهم جماعة كانوا على مذهبه في الأصول والفروع، وأخذوا عنه الفقه ونقل عنهم إلى من بعدهم، إلى أن وصل إلينا.
وقال إن أصحاب الإمام أحمد من الفقهاء المشهورين مائة وثلاثة وثلاثون نفساً، وسرد أسماءهم.1
وذكر القاضي أبو يعلى أسماء تلاميذ الإمام أحمد مرتبة على الحروف الهجائية في المجلد الأول من طبقاته.
وذكر المرداوي أبرز التلاميذ الذين نقلوا عن الإمام أحمد فقهَه وعددهم واحد وثلاثون ومائة نفس، والمكثرون منهم أربعة وثلاثون نفساً.2
ذكر بعض أسماء التلاميذ على وجه التمثيل وهم:
__________
1 المنهج الأحمد 1/475.
2 الإنصاف 12/293-294.(1/82)
الإمام البخاري 194-256
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله حبر الأمة والحافظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاحب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري، ولد في بخارى، ونشأ يتيماً، وقام برحلة طويلة سنة عشرة ومائتين في طلب العلم، فزار خراسان، والعراق، ومصر، والشام، وسمع من نحو ألف شيخ، وجمع نحو ستمائة ألف حديث، اختار منها في صحيحه ما وثق برواته، وهو أول من وضع في الإسلام كتاباً على هذا النحو.
قال الذهبي كان رأساً في الذكاء، رأساً في العلم، رأساً في الورع والعبادة، وكان شيخاً نحيفاً، ليس بطويل ولا قصير، يميل إلى السمرة.1
ابن هانئ ت 260
هو أحمد بن هانئ الطائي، أبو بكر الأثرم، كان جليل القدر حافظاً إماماً سمع من الإمام أحمد، وعفان بن مسلم، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وكان من أفراد الحفاظ، نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، صنفها، ورتبها أبواباً.
قال الأثرم: كنت أحفظ الفقه، والاختلاف، فلما صحبت أحمد بن
__________
1 تذكرة الحفاظ 2/555، الأعلام 6/34، تاريخ بغداد 2/4، تهذيب التهذيب 9/47 وطبقات الحنابلة 1/271.(1/83)
حنبل تركت كل ذلك، توفى بعد الستين ومائتين.1
الإمام مسلم 204-261
هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، النيسابوري، أبو الحسين حافظ، من أئمة المحدثين، ولد بنيسابور، ورحل إلى الحجاز ومصر والشام، والعراق، وسمع من الإمام أحمد، وإسحاق ويحيى النيسابوري وقتيبة بن سعيد، وعبيد الله القواريري، وقدم بغداد غير مرة فروى عنه أهلها، وتوفى بظاهر نيسابور، وأشهر كتبه " صحيح مسلم " جمع فيه إثنى عشر ألف حديث، كتبها في خمس عشرة سنة، وهو أحد الصحيحين المعول عليهما عند أهل السنة في الحديث.
مات عشية يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائة.2
صالح بن الإمام أحمد 203-265
هو صالح بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، أبو الفضل، أكبر أولاده، سمع أباه، وعلي بن المديني، وأبا الوليد الطيالسي، وإبراهيم بن الفضل الزارع، وسمع من أبيه مسائل كثيرة، وكان الناس يكتبون إليه من
__________
1 المنهج الأحمد 1/219 وطبقات الحنابلة 1/66.
2 تذكرة الحفاظ 2/588، والأعلام 7/221، وطبقات الحنابلة 1/337، والمنهج الأحمد 1/221.(1/84)
خراسان، ومن المواضع يسأل لهم أباه عن المسائل، فوقعت إليه مسائل جياد، وكان والده يحبه ويكرمه، ويدعو له، تولى القضاء بطرسوس، وبعدها بأصبهان، وتوفى بها في شهر رمضان1
المميوني ت 274
هو عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني، صحب الإمام أحمد على الملازمة من سنة سبع وعشرين، فكان أبو عبد الله يضرب به مثل ابن جريج في عطاء من كثرة ما يسأله، ويقول ما أصنع بأحد ما أصنع بك وعنده عن أبي عبد الله مسائل كثيرة في ستة عشر جزءاً.
وكان أبو عبد الله يسأله عن أخباره، ومعايشه، ويحثه على إصلاح معيشته ويعتني به عناية شديدة، توفى سنة أربع وسبعين ومائتين.2
أبو داود 202-275هـ
هو سليمان بن الأشعث، بن إسحاق، بن بشير الأزدي السجستاني أبو داود، إمام أهل الحديث في زمانه، نشأ محباً للعلم من صغره، فبعد أن أخذ العلم من علماء بلده رحل في طلبه إلى بلاد شتى: فسمع من مشايخ مصر، والشام، والجزيرة، والعراق، وخراسان.
وقد سمع عن كثير منهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق
__________
1 المنهج الأحمد 1/231، الأعلام 3/188 شذرات الذهب 2/149.
2 المنهج الأحمد 1/249 وطبقات الحنابلة 1/212.(1/85)
ابن راهوية، وقد أثنى عليه كثير من العلماء، نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، توفى يوم الجمعة لأربع عشرة بقين من شوال.1
ابن هانئ النيسابوري 218-275
هو إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري، أبو يعقوب، ولد أول يوم من رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين، وخدم الإمام أحمد وهو ابن سبع سنين، وكان ورعاً.
نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، وعنده أقام الإمام أحمد في مدة اختفائه، توفى إسحاق بن هانئ ببغداد سنة خمس وسبعين ومائتين.2
حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني، أبو محمد
له مسائل عن الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية نحو أربعة آلاف مسألة قال حرب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء، لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة، والخبز والماء في كل يوم مرة أو مرتين. مات سنة ثمانين ومائتين.3
__________
1 تذكرة الحفاظ 2/591، تهذيب التهذيب 4/169، طبقات الحنابلة 1/159، الأعلام 3/122 والمنهج الأحمد 1/256.
2 المنهج الأحمد 1/254، تاريخ بغداد 6/376 وطبقات الحنابلة 1/108.
3 طبقات الحنابلة 1/145وما بعدها، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/613 وطبقات الحفاظ ص274.(1/86)
إبراهيم الحربي 198-285
هو إبراهيم بن إسحاق بن بشر بن عبد الله بن ديسم أبو إسحاق الحربي ولد سنة ثمان وتسعين ومائة، وسمع أبا نعيم الفضل بن دكين وعفان بن مسلم، وعبد الله بن صالح العجلي، والإمام أحمد، ونقل عنه مسائل، كان إماماً في العلم، رأساً في الزهد عارفاً بالفقه، بصيراً بالأحكام حافظاً للحديث، وصنف كتباً كثيرة، منها غريب الحديث، ودلائل النبوة قال محمد بن صالح القاضي: لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الأدب والحديث والفقه، والزهد.1
عبد الله بن الإمام أحمد 213-290
عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الرحمن، من أكثر الناس رواية عن أبيه، سمع المسند، والتفسير، والناسخ والمنسوخ، والتاريخ، وحديث شعبة، والمقدم والمؤخر في كتاب الله تعالى وغيرها.
قال عبد الله: كل شيء أقول " قال أبي " فقد سمعته مرتين وثلاثاً، وأقله مرة، توفى عبد الله يوم الأحد ودفن في آخر النهار لتسع بقين من جمادى الآخرة سنة تسعين ومائتين.2
__________
1 طبقات الحنابلة 1/86 وما بعدها وتذكرة الحفاظ 2/584 وما بعدها.
2 المنهج الأحمد 1/294، طبقات الحنابلة 1/180 والأعلام 4/65.(1/87)
ساقط(1/88)
المبحث السابع فقه الإمام أحمد رحمه الله
لا يمارى أحد في تفوق الإمام أحمد في الحديث، ونزعته الشديدة للأثر والتمسك به، ولكن شدة انشغاله بالحديث والأثر لم يؤخره عن ركب أئمة الفقه البارزين فإن الحديث هو أصل الفقه، وتوفر النصوص لديه أغناه عن القول في كثير من المسائل بالرأي المجرد، والخطأ تطرقُه إلى الرأي المجرد أكثر وأقوى من تطرقه إلى المنقول، ومع ذلك فقد تلقى الإمام أحمد في مبدأ حياته الفقه على يد كبير القضاة في الدولة العباسية القاضي أبي يوسف، فقد قال عباس الدوري: سمعت أحمد يقول: أول ما طلبت العلم اختلفت إلى أبي يوسف القاضي1 ويبدو أنه كان على إطلاع واسع، ومستمر بما كتب فيه من كتب فقد قال عبد الله: كتب أبي عن أبي يوسف، ومحمد الكتب، وكان يحفظها فقال لي مهنا: كنت أسأله فيقول: ليس ذا في كتبهم، فأرجع إليهم فيقولون: صاحبك أعلم منا بالكتب.2
كما قرأ الإمام أحمد موطأ الإمام مالك أربع مرات على شيخه عبد
__________
1 سير أعلام النبلاء 11/306 وأصول مذهب الإمام أحمد ص62.
2 سير أعلام النبلاء 11/306.(1/89)
الرحمن بن مهدي الشهير باللؤلؤي.1
كما آثر سماع فقه الشافعي على رواية الحديث بعلو من ابن عيينة، وقال لصاحبه الذي تعجب من صنيعه: أسكت إن فاتك حديث بعلو وجدته بنزول، وإن فاتك عقل هذا أخاف ألا تجده.2
وقد أخذ الإمام أحمد من الإمام الشافعي ضوابط الفهم الصحيح للكتاب، والمقابلة بين الأصول، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وتعلم منه كيف يكون الاستنباط وكيف يستخرج أحكام الفروع من مصادر الشرع الأولى.3
ومما سبق يتبين لنا: أن الإمام أحمد كان على ارتباط وثيق بالفقه وعلى علم بالآثار الفقهية، وأقوال العلماء فيه، بالإضافة إلى ما تجمع لديه من آثار الصحابة والتابعين، وكان ثمرة هذا العلم أن استطاع أن يدرس السنة، والآثار دراسة قويمة، ويسلك في فقهه طريق الأثر، فإن لم يعلم أن في المسائل التي يستفتي فيها قضية لصاحبي، أو تابعي قارب ولم يباعد، فكان فقهه بذلك آثاراً أو محاكاة صحيحة للآثار، أو مقاربة لها، فكان الفقه الأثري في حقيقته - وفي منحاه، وفي مظاهره، لذلك يحق لنا أن
__________
1 الأشربة 1/42، وراجع: الديباج المذهب ص146.
2 أحمد بن حنبل لعبد الغني الدقر ص65-66.
3 ابن جنبل لأبي زهرة ص163.(1/90)
نقول: إن الإمام أحمد إمام في الحديث، ومن طريق هذه الإمامة في الحديث، والآثار كانت إمامته في الفقه.1
والإمام أحمد رحمه الله لما كان شديد الكراهة لتصنيف الكتب وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه، فلذا لم يصنف كتاباً يجمع فقهه ولكن الله سبحانه وتعالى قيض له من التلاميذ من يحفظ فقهه ويدونه عنه، وبفضل اهتمام تلاميذه الذين عنوا بجمع أقواله، وفتاويه، وآرائه تكونت بذلك مجموعة فقهيه منسوبة إليه، اختلفت فيها الرواية عنه أحياناً، واتفقت في كثير من الأحيان.2
قال ابن القيم: وكان الإمام أحمد رضي الله عنه شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه، ويشتد عليه جدا فعلم الله حسن نيته، وقصده، فَكُتِبَ من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سفراً ... وجمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير، فبلغ نحو عشرين سفراً، أو أكثر، ورويت فتاويه، ومسائله، وحدث بها قرناً بعد قرن، فصارت إماماً، وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم.3
وقد أثنى كثير من العلماء المعاصرين له، والمتأخرين عنه على فقهه،
__________
1 ابن حنبل 164.
2 الأشربة 1/61.
3 أعلام الموقعين 1/28.(1/91)
فقال الإمام الشافعي: خرجت من بغداد، وما خلفت بها رجلاً أفضل، ولا أعلم، ولا أفقه من أحمد بن حنبل.1
وقال أيضاً: أحمد إمام في ثمان خصال، إمام في الحديث إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنة.2
وقال الإمام إسحاق بن راهويه: كنت أجالس بالعراق أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأصحابنا، فكنا نتذاكر الحديث من طريق، وطريقين، وثلاثة، فيقول يحيى بن معين من بينهم: وطريق كذا، فأقول: أليس قد صح هذا بإجماع منا فيقولون نعم، فأقول ما مراده؟ وما تفسيره؟ وما فقهه؟ فيقفون كلهم إلا أحمد بن حنبل.3
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: انتهى العلم إلى أربعة: إلى أحمد بن حنبل وهو أفقهم فيه، ثم ذكر ابن أبي شيبة، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين وميزة كل واحد منهم.4
وقال أحمد بن سعيد الرازي: ما رأيت أسود الرأس أحفظ لحديث
__________
1 تذكرة الحفاظ 2/432 ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص145 وتاريخ بغداد 4/419.
2 المنهج الأحمد 1/55.
3 تاريخ بغداد 4/419، تاريخ دمشق 7/255 ومناقب الإمام أحمد ص90.
4 مناقب الإمام أحمد ص151.(1/92)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم بفقهه، ومعانيه، من أبي عبد الله أحمد بن حنبل.1
وقال عبد الرزاق: صاحب المصنف، وهو من شيوخ الإمام أحمد: ما رأيت أفقه من أحمد بن حنبل، ولا أورع.2
وقال أبو القاسم الجبلي: أكثر الناس يظنون أن أحمد إنما كان أكثر ذكره لموضع المحنة، وليس هو كذاك، كان أحمد بن حنبل إذا سئل عن المسألة كأن علم الدنيا بين عينيه.3
وروى عن عبد الحميد الكوفي قال سمعت يحيى بن معين وسأله رجل عن مسألة سكنى في دكان، فقال: ليس هذا بابتنا، هذا بابة أحمد بن حنبل، وقال حبيش بن مبشر وعدة من الفقهاء: نحن نناظر، ونعترض في مناظرتنا على الناس كلهم، فإذا جاء أحمد بن حنبل فليس لنا إلا السكوت.4
قال أبو الوفاء على بن عقيل رحمه الله: "ومن عجيب ما تسمعه عن هؤلاء الأحداث الجهال أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه، لكنه محدث وهذا
__________
1 تاريخ بغداد 4/419.
2 أحمد بن حنبل لعبد الغني الدقر ص64.
3 مناقب الإمام أحمد ص89.
4 المرجع السابق ص91، وابن حنبل لعبد الغنى الدقر ص69.(1/93)
غاية الجهل، لأنه قد خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم، وخرج عنه من دقيق الفقه ما ليس نراه لأحد منهم، وانفرد بما سلموه له من الحفظ، وشاركهم وربما زاد على كبارهم".
وقال الذهبي: "أحسبهم يظنونه كان محدثاً وبس، بل يتخيلونه من بابة محدثي زماننا، ووالله لقد بلغ في الفقه خاصة رتبة الليث، ومالك والشافعي، وأبي يوسف، وفي الزهد والورع رتبة الفضيل، وإبراهيم بن أدهم، وفي الحفظ رتبة شعبة، ويحيى القطان، وابن المديني، ولكن الجاهل لا يعلم رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره".1
ولدقة فقه الإمام وورعه، واحتياطه لدينه جعله كثير من أئمة الحدث وفيهم الفقهاء: حجة عند الله، واقتدوا به.
قال إسحاق بن راهوية: "أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه"، وقال علي بن المديني: إذا ابتليت بشيء فأفتاني أحمد بن حنبل، لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان، وقال أيضاً: إني اتخذت أحمد حجة فيما بيني وبين الله.2
ولو تتبعت أقوال العلماء، وثناءهم على فقهه وعلمه، وورعه لطال بي الكلام، ولخرجت عن قصدي في الاختصار قدر الإمكان، وفيما سبق
__________
1 سير أعلام النبلاء 11/321 ومناقب الإمام أحمد ص93.
2 البداية والنهاية10/350، وأحمد بن حنبل لعبد الغني الدقر ص69.(1/94)
كفاية للتأكيد على أن الإمام أحمد كان إماماً في الفقه، كما كان إماماً في الحديث، وإن كان نزعته إلى الحديث أوضح، لأن من جاء بعده من المحدثين كانوا عالة على كتبه.(1/95)
المبحث الثامن أصول مذهب الإمام أحمد رحمه الله
سار الإمام أحمد في الأصول على منهج الصحابة، والتابعين لهم بإحسان لا يتعدى طريقتهم، ولا يتجاوزها إلى غيرها.
وقد صرح المجتهدون من أهل مذهبه، التابعون له في الأصول أن فتاويه رضي الله عنه مبنيّة على خمسة أصول هي:
الأصل الأول: النص.
فإذا وجد النص أفتي بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه، ولا إلى من خالفه كائناً من كان، وسواء كان نصاً من القرآن الكريم، أو من السنة المشرفة،1 غير أن نصوص القرآن مقدمة على نصوص السنة في الاعتبار عنده، وإن قرنتا في مرتبة واحدة في التسمية بالنصوص، بكونها من وحي السماء، فسماها مرتبة النص، فالسنة تعتبر الشطر الثاني من النص، تفسّر القرآن، وتقيد مطلقه، وتخصص عمومه، ولو كان المخصص من السنة أخبار آحاد.2
ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملاً ولا رأياً، ولا قياساً،
__________
1 أعلام الموقعين 1/29 والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران ص113.
2 مفاتيح الفقه الحنبلي 1/344-347.(1/97)
ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعاً ويقدمونه على الحديث الصحيح، وقد كذّب الإمام أحمد من ادعى هذا الإجماع، ولم يسغ تقديمه على الحديث الصحيح.1
الأصل الثاني: فتاوى الصحابة:
ما أفتى به الصحابة، فإذا وجد لبعضهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها لم يعدها إلى غيرها، ولم يقل إن ذلك إجماع، بل من روعه في العبارة يقول: لا أعلم شيئاً يدفعه، ونحو هذا كما في رواية أبي طالب: لا أعلم شيئاً يدفع قول ابن عباس، وابن عمر، وأحد عشر من التابعين عطاء ومجاهد، وأهل المدينة على تسري العبد.
فإذا وجد الإمام أحمد هذا النوع عن الصحابة، لم يقدم عليه عملاً ولا رأياً ولا قياساً2، فكانت فتاواه موافقة لذلك، ومن تأملها وتأمل فتاوى الصحابة رأي مطابقة كل منهما للأخرى، ورأى الجميع كأنها تخرج من مشكاة واحدة، حتى إن الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان.3
__________
1 إعلام الموقعين 1/30، والمدخل لابن بدران 114.
2 أعلام الموقعين 1/30-31، ومفاتيح الفقه الحنبلي 1/355.
3 المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص115.(1/98)
الأصل الثالث: الاختيار من أقوال الصحابة إذا اختلفوا:
إذا اختلفت الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها، ولم يجزم بقول.1
الأصل الرابع: الحديث المرسل:
الأخذ بالمرسل، والحديث الضعيف، إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر، ولا في رواته متّهم، بحيث لا يسوغ الذهاب إليه في العمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماعاً على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس.2
الأصل الخامس: القياس للضرورة:
إذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نص، ولا قول الصحابة أو واحد منهم، ولا أثر مرسل، أو ضعيف عدل إلى الأصل الخامس وهو القياس، فاستعمله للضرورة، وقد قال الإمام أحمد: سألت الشافعي عن
__________
1 أعلام الموقعين 1/31، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص116.
2 إعلام الموقعين 1/31، ومفاتيح الفقه الحنبلي 1/357، والمدخل لابن بدران 116.(1/99)
المبحث التاسع مصطلحات الإمام أحمد في مسائله
القارئ لمسائل الإمام أحمد رحمه الله، وفتاويه التي دونها عنه أصحابه، يجد فيها اصطلاحات خاصة به، كما يجد أنه يتورع عن إطلاق لفظ التحريم والتحليل، والسلف عموماً كانوا يكرهون ذلك.
قال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا، وحرم كذا فيقول الله له: كذبت لم أحل كذا، ولم أحرم كذا، فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم، ورود الوحي المبين بتحليله وتحريمه: أحلّه الله لمجرّد التقليد، أو بالتأويل.
فلذلك كره الأئمة إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة واستعملوه في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، أما المتأخرون فقد اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من فعله.1
وسئل الإمام أحمد عن ألبان الأتن فكرهه، وهو حرام عنده، وسئل عن الخمر يتخذ خلا فقال: لا يعجبني، وهذا على تحريم عنده.2
__________
1 إعلام الموقعين 1/39-43.
2 المرجع السابق 1/41 ومسائل الكوسج برقم: 86.(1/101)
لذا فقد تتبع الباحثون هذه الألفاظ، واجتهدوا لتعيين مراد الإمام منها، وما يحمل عليها من الأحكام، وهي كما يأتي:
1- قوله لا يصلح، لا ينبغي، أستقبحه، أو هو قبيح، أو قال: لا أراه، فهو للتحريم.
وقال البهوتي: "لكن حمل بعضهم "لا ينبغي" في مواضع من كلامه على الكراهة".1
2- إن قال: "هذا حرام" ثمّ قال: "أكرهه"، أو: "لا يعجبني"، فحرام، وقيل يكره.2
3- وإن قال: "أكره"، أو: "لا يعجبني"، أو: "لا أحبه"، أو: "لا أستحسنه"، ففيه وجهان:
إحداهما: هو للتنزيه.
والثاني: أن ذلك للتحريم.
وقال المرداوي والبهوتي: الأولى النظر إلى القرائن … فإن دلت على وجوب أو ندب أو تحريم، أو كراهة، أو إباحة حمل قوله عليه، وقال في تصحيح الفروع وهو الصواب، وكلام أحمد يدل عليه.3
__________
1 الفروع 1/66، كشاف القناع 1/21 والمسودة ص529.
2 الإنصاف 12/248 والمسودة ص 530.
3 كشاف القناع 1/21، تصحيح الفروع المطبوع مع الفروع 1/67-68، الإنصاف 12/248 ومفاتيح الفقه الحنبلي2/14، وما بعدها(1/102)
4- قوله: "لا بأس به"، أو: "لا نرى به بأساً"، "وأرجو"، أو: "أرجو أن لا يكون به بأساً، للإباحة".1
5- إذا قال: "أحب كذا"، أو: "يعجبني"، أو: "أعجب إلي" "وهذا أحسن"، أو: "حسن"، أو: "أستحسن كذا"، أو: "أستحب كذا"، فهو للندب، وقيل للوجوب.
وقال ابن حامد: إذا استحسن شيئاً، أو قال: هو حسن فهو للندب، وإن قال يعجبني، فهو للوجوب.2
6- إن أجاب عن شيء، ثم قال في غيره: "هذا أهون"، أو: "أشد"، أو: "أشنع"، فقيل: هما سواء، وقيل بالفرق.
وقال في الرعاية: "إن اتّحد المعنى وكثر التشابه، فالتسوية أولى، وإلاّ فلا، وقيل في قوله: "هذا أشنع عند الناس" يقتضي المنع، وقيل لا."
وقال في آداب المفتي: "الأولى النظر إلى القرائن في الكلّ، وما عرف
__________
1 المسودة ص529، الإنصاف 12/249، صفة الفتوى ص91 ومفاتيح الفقه الحنبلي للثقفي 2/25.
2 الفروع 1/67-68، صفة الفتوى ص92، الإنصاف 12/248-249 وكشاف القناع 1/22.(1/103)
من عادة الإمام أحمد في ذلك ونحوه، وحسن الظن وحمله على أصح المحامل وأرجحها، وأنجحها، وأربحها."1
7- قوله: "أخشى"، أو: "أخاف أن يكون"، أو: "ألا يجوز؟ "، أو: "لا يجوز"، أو: "أجبن عنه"، مذهبه كقوة كلام لم يعارضه أقوى.2
وقال المرداوي: "قوله أجبن عنه للجواز، وقيل يكره."
وقال في تهذيب الأجوبة: "جملة المذهب أنه إذا قال أجبن عنه، فإنه أذن بأنه مذهبه، وأنه ضعيف لا يقوى القوة التي يقطع بها، ولا يضعف الضعف الذي يوجب الرد."3
وكذلك إذا قال: "إني لا نفزعه"، أو: "لأتهيبه"، أو: "لا أجترئ عليه"، أو: "لأتوقاه"، أو: "من الناس من يتوقاه"، أو: "إني لأستوحش منه".4 فهذه الألفاظ تدلّ على توقّفه في المسألة لتعارض الأدلّة لديه.
8- وما أجاب عنه بكتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قول بعض الصحابة، فهو مذهبه.5
__________
1 تصحيح الفروع 1/68، الإنصاف 12/249 والمسودة ص530.
2 كشاف القناع 1/22.
3 الإنصاف 12/250.
4 مفاتيح الفقه الحنبلي للثقفي 2/30.
5 المسودة ص530 والإنصاف 12/250.(1/104)
9- وما رواه من سنة، أو أثر، أو صحّحه، أو حسّنه، أو رضي عن سنده، أو دوّنه في كتبه ولم يرده، ولم يفتِ بخلافه، فهو مذهبه.
وإن أفتى بحكم، فاعترض عليه فسكت، فليس رجوعاً.1
10- وإن نصّ على حكم مسألة ثمّ قال: "ولو قال قائل، أو ذهب إلى كذا- يعني حكماً بخلاف ما نص عليه - كان مذهباً، لم يكن ذلك مذهباً للإمام."2
11- وإن نُقل عن الإمام في مسألة قولان، فإن أمكن الجمع، ولو بحمل عام على خاص، ومطلق على مقيد، فهما مذهبه.
وإن تعذّر الجمع، وعلم التاريخ، فمذهبه الثاني لا غير، صحّحه في تصحيح الفروع.
وإن جهل التاريخ، فمذهبه أقربهما من الأدلّة، أو قواعد مذهبه، ويخصّ عام كلامه بخاصه في مسألة واحدة في الأصح.3
__________
1 الإنصاف 12/250، 251 والمسودة ص530.
2 المسودة ص531.
3 كشاف القناع 1/21، والفروع وتصحيحه 1/64-65(1/105)
بعض مصطلحات أصحاب الإمام أحمد رحمه الله:
ما سبق كان بعض المصطلحات للإمام أحمد، خرجها أصحابه من فتاويه وللأصحاب اصطلاحات خاصة متداولة في كتبهم يحسن الإشارة إليها هنا، وهي قولهم:
1- النص والمنصوص: هو الصريح في الحكم بما لا يحتمل غيره.1
2- الرواية: هي الحكم المروي عن الإمام أحمد رحمه الله في المسألة قال في المسودة: والروايات المطلقة نصوص للإمام أحمد.2
3- الوجه: هو الحكم المنقول في المسألة لبعض أصحاب الإمام المجتهدين فيه ممن رآه، فمن بعدهم جارياً على قواعد الإمام أو إيمائه أو دليله، أو تعليله، أو سياق كلامه.3
4- قولهم بعد ذكر المسألة: "وعنه"، فهي عبارة عن رواية عن الإمام، والضمير فيه له، وإن لم يتقدم له ذكر لكونه معلوماً.4
5- التخريج: نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها، والتسوية بينهما فيه والتخريج بمعنى الاحتمال، وإنما يكون الاحتمال والتخريج إذا فهم المعنى
__________
1 الإنصاف 1/9 و 12/240.
2 المسودة ص533 والمطلع ص460.
3 المطلع على أبواب المقنع ص460 والمسودة ص532.
4 المطلع ص460.(1/106)
وكان المخرج والمحتمل مساوياً لذلك المخرج منه في ذلك المعنى، كما إذا أفتى في مسألتين متشابهتين بحكمين مختلفين في وقتين جاز نقل الحكم، وتخريجه من كل واحد منهما إلى الأخرى، ما لم يفرق بينهما، أو يقرب الزمن.1
6- الاحتمال في معنى الوجه، إلاّ أن الوجه مجزوم بالفتيا به، والاحتمال تبين أن ذلك صالح لكونه وجهاً، وكثير من الاحتمالات في المذهب للقاضي أبي يعلى الفراء في كتابه المجرد وغيره.2 والاحتمال يكون: إما لدليل مرجوح بالنسبة إلى ما خالفه، أو لدليل مساو له. والقول يشمل الوجه، والاحتمال، والتخريج.
7- قولهم ظاهر المذهب: المراد بذلك مذهب الإمام أحمد والظاهر: البائن الذي ليس يخفي أنه المشهور في المذهب، كنقض الوضوء بأكل لحم الجزور.
8- التوقف: هو ترك القول في المسألة لتعارض الأدلة، وتعادلها عنده، فله حكم ما قبل الشرع من حظر، أو إباحة، أو وقف.3
9- قولهم: المذهب كذا، المراد منه: المأخوذ به في المذهب كذا:
__________
1 الإنصاف 1/6، المطلع ص461 والمسودة ص532.
2 المطلع ص461 والإنصاف 1/6.
3 المسودة ص533.(1/107)
قال ابن حمدان: قول أصحابنا وغيرهم "المذهب كذا" قد يكون بنص الإمام أو بإيمائه، أو بتخريجهم ذلك، واستنباطهم إياه من قوله، أو تعليله.
10- وقولهم "على الأصح"، أو: "الصحيح"، أو: "الظاهر"، أو: "الأظهر"، أو: "المشهور"، أو: "الأشهر"، أو: "الأقوى"، أو: "الأقيس"، فقد يكون عن الإمام أحمد رحمه الله أو عن بعض أصحابه.
ثم الأصح عن الإمام رحمه الله، أو الأصحاب قد يكون شهرة وقد يكون نقلا، وقد يكون دليلاً، أو أنه الأصح عند القائل به.
وقولهم: "وقيل" فإنه قد يكون رواية بالإيماء، أو وجهاً، أو تخريجاً، أو احتمالاً.1
__________
1 الإنصاف12/266، وصفة الفتوى113 وما بعدها.(1/108)
المبحث العاشر محنة القول بخلق القرآن
ظل المسلمون على ما كان عليه من قولهم إن القرآن غير مخلوق، قال محمد بن نوح: سمعت هارون أمير المؤمنين يقول: "بلغني أن بشر المريسى زعم أن القرآن مخلوق، عليّ، إن ظفرني الله به، لأقتلنّه قتلةً ما قتلها أحدٌ قطّ."
واستمرّ الأمر كذلك في زمن الأمين محمد بن هارون الرشيد.1
ثم ولي المأمون أبو جعفر عبد الله بن هارون الرشيد، فاستحوذ عليه جماعة من المعتزلة، فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل وزيّنوا له القول بخلق القرآن، ونفي الصفات عن الله عز وجل.2
وفي عام مائتين واثني عشر أعلن المأمون القول بخلق القرآن، وناظر من كان يغشى مجلسه في ذلك، ولكنه ترك الناس أحراراً فيما يذهبون إليه، وفي عام ثماني عشرة ومائتين رأى المأمون حمل الناس والعلماء، والقضاة والمفتين على القول بخلق القرآن الكريم، وكان آنذاك منشغلاً بغزو الروم، فكتب إلى نائبه إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن
__________
1 المنهج الأحمد 1/81، وأصول مذهب الإمام أحمد ص42، ومناقب الإمام أحمد ص385.
2 البداية والنهاية 10/346.(1/109)
يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، فلما وصل الكتاب استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا، فهددهم بالضرب، وقطع الأرزاق، فأجاب أكثرهم مكرهين، واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، فحملا على بعير وسيرا إلى الخليفة عن أمره بذلك، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد.1
ولمّا اقتربا من طرسوس جاءهما الصريخ بموت المأمون.2
ولكنه- عفا الله عنه- لم يودع هذه الدنيا من غير أن يوصي أخاه المعتصم بالاستمساك بمذهبه في القرآن، ودعوة الناس إليه بقوة السلطان. ولهذه الوصية لم تنقطع المحنة بوفاة المأمون، فأعيد إلى السجن ولبث فيه (ثمانية وعشرين شهراً) وقيل: نيفاً وثلاثين شهراً.3
ورأى المعتصم تنفيذ وصية أخيه، والقيام بدوره في المحنة، فعقد مجلساً حضره مستشاره ابن أبي دؤاد، واستدعى الإمام أحمد من السجن، وأحضر المعتصم له الفقهاء من المتكلمين فناظروه بحضرته لمدة ثلاثة أيام، وهو يناظرهم، ويظهر عليهم بالحجج القاطعة ويقول: أنا رجل علمت
__________
1 البداية والنهاية 10/346، المنهج الأحمد 1/181-182 وأصول مذهب الإمام أحمد ص42.
2 سير أعلام النبلاء 11/241 والبداية والنهاية 10/346.
3 سير أعلام النبلاء 11/252 وأصول مذهب الأمام أحمد ص44.(1/110)
علماً، ولم أعلم فيه بهذا، أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به، ولما انقطعت حججهم، وأيسوا من إجابته لهم جعلوا يحرضون الخليفة عليه فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا كافر ضالّ مضلّ، وقال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن نخلي سبيله ويغلب خليفتين، فعند ذلك حمى واشتد غضبه، وكان ألينهم عريكة، وهو يظن أنهم على شيء، قال الإمام أحمد: فعند ذلك قال لي: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني، ثم قال: خذوه واخلعوه، واسحبوه. قال أحمد: فأخذت وسحبت، وخلعت وجيء بالعاقبين والسياط، وأنا أنظر ... فقلت: يا أمير المؤمنين اللهَ اللهَ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث"،1 وتلوت الحديث، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم."2
__________
1 الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 6878- فتح الباري12/201- كتاب الديات، باب قوله تعالى: {إن النفس بالنفس والعين بالعين} الآية.
ومسلم في صحيحه 3/1302كتاب القسامة باب ما يباح به دم المسلم كلاهما من طريق عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله.
2 أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 25، فتح الباري 1/75-كتاب الإيمان، باب: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} .
ومسلم في صحيحه 1/53 كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله برقم: 36.(1/111)
فبم تستحلّ دمي، ولم آت شيئاً من هذا؟ يا أمير المؤمنين، اذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك، فكأنه أمسك، ثم لم يزالوا يقولون له: يا أمير المؤمنين، إنه ضالّ مضلّ كافر ...
وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له - يعني المعتصم -: شدّ، قطع الله يديك، ويجيء الآخر فيضربني سوطين، ثمّ الآخر كذلك، فضربوني أسواطاً فأغمي عليّ، وذهب عقلي مراراً، فإذا سكن الضرب يعود علي عقلي ... ثم أعادوا الضرب، فذهب عقلي، فلم أحسّ بالضرب، وأرعبه ذلك من أمري، وأمر بي فأطلقت، ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجلي"، وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين.1
وأمر المعتصم عم الإمام إسحاق بن حنبل أن يشيع في الناس أن الإمام بخير، وقال المعتصم: لو لم أفعل ذلك بأحمد لوقع شرّ عظيم. قال
__________
1 البداية والنهاية10/348، سير أعلام النبلاء 11/251-252 والجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته 2/257.(1/112)
الذهبي: كأنه خاف أن يموت من الضرب، فتخرج عليه العامة ولو خرج عليه عامة بغداد لربما عجز عنهم.1
ولم يستطع خصوم الإمام أحمد أن ينالوا من إيمانه، أو يوهنوا من عقيدته، وإن نالوا بعض مآربهم من جسده الفاني وانتهى عهد المعتصم، وتولى الخلافة ابنه الواثق، وقد اشتد في عهده القول بخلق القرآن، وسبق أن ذكرت أنه قتل بيده العالم الجليل أحمد بن نصر الخزاعي لعدم إقراره بخلق القرآن، وكان الإمام أحمد في عهده معتقلاً في منزله، وأرسل إليه الواثق كتاباً يأمره فيه أن لا يجتمع بالناس ولا يساكنه بأرض ولا مدينة هو فيها.2
ولما ولي المتوكل على الله الخلافة استبشر الناس بولايته، فقد كان محباً للسنة وأهلها، ورفع المحنة عن الناس، وكتب في الآفاق: أن لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن، وخرج الإمام أحمد من هذه المحنة وهو أصلب عوداً، وأثبت يقيناً، وأقوى إيماناً، وأصفى نفساً، وأطهر قلباً، وأبقاه الله مثالاً للتضحية والثبات على الحق والتمسك به، وبعدها عاد إلى الدرس والتحديث مكرماً عزيزاً، ترفعه عزة التقى، وجلال السن والقناعة،
__________
1 سير أعلام النبلاء 11/259-260 وأصول مذهب الإمام أحمد ص45.
2 سير أعلام النبلاء 11/264، تاريخ بغداد 10/351 وأصول مذهب الإمام أحمد ص45.(1/113)
والزهادة، وحسن البلاء.
وشرع المتوكل في الإحسان إلى الإمام أحمد رحمه الله، وتعظيمه وإكرامه وكتب إلى نائبه ببغداد أن يبعث إليه بالإمام أحمد مجهزا ً معظماً مكرماً إلى سر من رأي.
قال عبد الله: فأمر لأبي بثياب، ودراهم، وخلعة فبكى وقال: أسلم من هؤلاء منذ ستين سنة، فلما كان آخر العمر ابتليت بهم. كما أمر المتوكل بشراء دار للإمام أحمد وأولاده، فقال الإمام لابنه صالح: لئن أقررت لهم بشراء دار ليكونن القطيعة بيني وبينك فلم يزل يدفع شراء الدار حتى اندفع.
وكان المتوكل لا يولي أحداً إلا بمشورة الإمام أحمد، ومكث الإمام إلى حين وفاته قل أن يأتي يوم إلا ورسالة الخليفة تنفذ إليه في أمور يشاوره فيها، ويستثيره.1
__________
1 المنهج الأحمد1/93، وسير أعلام النبلاء 11/269.(1/114)
وفاته:
مرض الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، ودخل عليه ابنه صالح وهو محموم يتنفس الصعداء فقال له: يا أبت ما كان غذاؤك؟ فقال الباقلا، فلما اشتدت علته، وتسامع الناس أقبلوا لعيادته، وكثروا، ولزموا الباب بالليل والنهار، وسمع السلطان بازدحام الناس، فأمر الجنود بالمرابطة عند بابه، وباب الزقاق المؤدي إلى منزله.
وكان قد كتب وصيته فقال: اقرؤها فقرئت عليه، وأمر ولده عبد الله أن يطالب سكان ملكه، وأن يكفر عنه كفارة يمين فأخذ شيئاً من الأجرة فاشترى تمراً، وكفر عن أبيه، ثم استدعى بالصبيان من ورثته فجعل يدعو لهم، وقد بلغه في مرضه عن طاووس أنه كان يكره أنين المريض فترك الأنين، فلم يئن حتى كانت الليلة التي توفي في صبيحتها أنّ حين اشتد به الوجع
وأِشار إلى أهله أن يوضّئوه فجعلوا يوضّئونه، وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعي، وهو يذكر الله في جميع ذلك، فلما أكملوا وضوءه توفي رحمه الله ورضي عنه، وقد كانت وفاته يوم الجمعة حين مضى منه نحو من ساعتين وحملت جنازته بعد غسلها، وصلى عليه محمد بن عبد الله بن طاهر نائب بغداد، وحضر الصلاة عليه خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله، ودفن بباب حرب ببغداد وكان عمره يوم توفي سبعاً وسبعين سنة وأياماً(1/115)
أقل من شهر.1
رحم الله الإمام أحمد وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزى عباده الصالحين.
__________
1 المنهج الأحمد1/93 وما بعدها، والبداية والنهاية10/355 وما بعدها، ومناقب الإمام أحمد489.(1/116)
المبحث الحادي عشر آثار الإمام أحمد رحمه الله
قد رتبت هذه الآثار على الحروف الهجائية، ليسهل الرجوع إليها بيسر وهي:
1- كتاب الإرجاء، قرأه علي حنبل بن إسحاق في السجن، ويوجد في المتحف البريطاني برقم2675، ضمن الجامع للخلال.1
2- أسئلة عن الرواة الثقات والضعفاء.2
3- الأسماء والكنى، برواية ابنه صالح.3
4- الأشربة الصغير. طبع مراراً، وحققه الدكتور على المرشد للدكتوراه في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر.
5- الأشربة الكبير، رواية عبد الله وحرب الكرماني.4
6- كتاب الإمامة.5
7- أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض يوجد في
__________
1 انظر محنة الإمام أحمد ص42، سير أعلام النبلاء 1/243.
2 فهرس مخطوطات الحديث بالظاهرية ص132.
3 المعجم المفهرس لابن حجر1/518، برنامج الوادي آشي ص272.
4 طبقات الحنابلة1/183.
5 سير إعلام النبلاء 11/330.(1/117)
مكتبة محمد بن حمزة بمكة المكرمة، والنسخة مصورة بدار الكتب المصرية.1
8- الإيمان، برواية ابن موسى الحسين بن الحسن الرازي، وبرواية عبد الله بن الإمام أحمد يوجد في المتحف البريطاني رقم2675.2
9- باب أحكام النساء، من كتاب الجامع للخلال. طبع بتحقيق أحمد عبد القادر عطوه.
10- التاريخ برواية أبي محمد الفضل بن محمد النيسابوري.3
11- الترجل، مخطوط في مكتبة محمد حمزة بمكة، 27ورقة، كتب سنة583هـ.4
12- التفسير، ذكره ابن المنادي وقال: إنه مائة ألف وعشرون ألفاً سمع منه عبد الله ثمانين ألفاً والباقي وجادة5، وكذا ذكره ابن النديم6،
__________
1 فهرست الكتب المصرية (2/234) و (3/53) وتاريخ التراث العربي 1/3/225.
2 التخليص الحبير2/236، تاريخ التراث لسزكين1/3/226.
3 طبقات المفسرين للداودي 1/71، والإكمال 4/571، ومناقب الإمام أحمد 248، والفهرست لابن النديم 320.
4 تاريخ التراث العربي 1/3/225.
5 خصائص المسند ص23.
6 فهرست ابن النديم 320، تاريخ بغداد 9/375.(1/118)
ونوه به شيخ الإسلام ابن تيمية في غير موضع من فتاويه1، وأنكر الذهبي وجوده، وقال لو وجد لاجتهد الفضلاء في تحصيله ولاشتهر.2
13- الثلاث الأحاديث التي رواها الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، نسخة منه في دار الكتب الظاهرية مجموع59 ورقتان.3
14- جزء انتقاء الإمام محمد بن علي بن بحر بن بري.4
15- جزء فيه أحاديث عن الشافعي.5
16- جواب الإمام أحمد عن سؤال في خلق القرآن، مكتبة سراي ريفان بتركيا ورقة واحدة.6
17- جوابات القرآن.7
18- حديث شعبة.8
__________
1 مجموع الفتاوي 6/389 و 13/355.
2 سير أعلام النبلاء 11/328.
3 تاريخ التراث العربي 1/3/226.
4 ذكره الحاكم في المستدرك 3/298.
5 معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية 02/236.
6 فهرست معهد المخطوطات1/123، وذكره أبو يعلى في طبقات الحنابلة1/183، والداودي في طبقات المفسرين1/71.
7 فهرست ابن النديم320، وتاريخ بغداد9/375، وطبقات المفسرين1/71.
8 مناقب الإمام أحمد 248، وطبقات الحنابلة 1/183.(1/119)
19- حديث الشيوخ.1
20- الرد على الجهمية.2
21- الرد على الزنادقة3، طبع بتحقيق محمد فهرشقفه.
22- رسالة إلى مسدد بن مسرهد، مطبوعة في طبقات الحنابلة.4
23- الزهد، طبع بمكة عام1357.
24- كتاب السنة الصغير طبع بالقاهرة، بدون تاريخ.5
25- كتاب السنة الكبير، طبع بمكة 1349 هـ.
26- شعر عن الموت واليوم الآخر، يوجد في مكتبة برلين.6
27- الصلاة، طبع في القاهرة 1322، 1323هـ، وفي مجموعة الحديث النجدية القاهرة1342. ويرى الذهبي أن كتاب الصلاة موضوع على الإمام أحمد.7
__________
1 تاريخ بغداد 9/375.
2 ذكره ابن النديم في الفهرست 320.
3 ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء 11/330.
4 طبقات الحنابلة 1/341، وتهذيب التهذيب 10/107-109.
5 تاريخ التراث العربي 1/3/222.
6 تاريخ التراث 1/3/223.
7 سير أعلام النبلاء 11/330.(1/120)
28- طاعة الرسول برواية ابنه صالح.1
29- العقيدة، وقد رواها عنه عدة من تلاميذه وأتباعه، نشره محمد حامد الفقي ملحقاً لكتاب طبقات الحنابلة.2
30- علل الحديث، طبع قسم منه بأنقرة عام 1963م.
31- فضائل عليّ أخذ منه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 9/167-169-171-174.3
32- كتاب الفرائض، وقد وقف الذهبي على ورقة منه.4
33- فضائل الصحابة، حققه الدكتور وصيّ الله محمد عباس نال به درجة الدكتوراه في جامعة أم القرى.
34- فضائل أهل البيت.5
35- مختصر في أصول الدين والسنة، نسخة منه في مكتبة كلية الحقوق بجامعة طهران.6
__________
1 طبقات المفسرين للداودي 1/71.
2 تاريخ التراث العربي 1/3/206-207، حلية الأولياء 9/16-219.
3 تاريخ التراث العربي 1/3/226.
4 طبقات المفسرين للداودي 1/71، سير أعلام النبلاء 11/328.
5 ذكره الحاكم في المستدرك 3/157.
6 تاريخ التراث العربي 1/3/306.(1/121)
"المسائل" وهو يضم إجابات الإمام أحمد على أسئلة تلاميذه في الفقه والعقائد والأخلاق وقد حرر تلاميذه هذه الإجابات وهي كثيرة منها.
36- المسائل برواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري.
37- المسائل برواية إسحاق بن منصور الكوسج، وهذه الرسالة جزء منه.
38- المسائل برواية أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، طبع بالقاهرة عام 1934.
39- المسائل برواية ابنه صالح، ويقوم بتحقيقه طالب في قسم الدراسات العليا، الدكتوراه بالجامعة الإسلامية- بالمدينة المنورة.
40- المسائل برواية ابنه عبد الله، طبع بالمكتب الإسلامي بدمشق عام 1400 وحققه الدكتور علي سليمان المهنا نال به درجة الدكتوراه بجامعة الأزهر عام 1403.
41- المسائل برواية عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ت214هـ يوجد في مكتبة الظاهرية بدمشق.1
__________
1 تاريخ التراث العربي 1/3/224.(1/122)
42- المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد، جمعه أبو الحسين محمد بن أبي يعلى الفراء، مخطوط بالظاهرية.1
- قال الذهبي بعد أن عدد تلاميذ الإمام أحمد الذين رووا عنه المسائل فقال: وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال وفتاويه وكلامه في العلل والرجال والسنة والفروع حتى حصل عنده من ذلك ما لا يوصف كثرة ورحل إلى النواحي في تحصيله، وكتب عن نحو مئة نفس من أصحاب الإمام، ثم كتب كثيراً من ذلك عن أصحاب أصحابه.2
43- المسند: وهو أكبر مسند وصل إلينا، ويضم حوالي ثلاثين ألف حديث، وطبع في ست مجلدات بالقاهرة 1313هـ.
وقام الشيخ أحمد بن محمد شاكر بتحقيقه، وأتم ثلث الكتاب في خمسة عشر مجلداً وأدركته المنية، كما رتبه الشيخ عبد الرحمن البنا الساعاتي على أبواب الفقه وشرح غريبه.
44- المناسك الصغير.3
45- كتاب المناسك الكبير.4
__________
1 تاريخ الأدب العربي 1/324، تاريخ التراث العربي 1/3/225.
2 سير أعلام النبلاء 11/331، وتاريخ التراث العربي1/3/225.
3 الفهرست لابن النديم ص320، مناقب الإمام أحمد ص248.
4 تاريخ بغداد 9/375، طبقات الحنابلة 1/183.(1/123)
46- كتاب المقدم والمؤخر في كتاب الله.1
47- كتاب الناسخ والمنسوخ.2
48- كتاب نفي التشبيه، مجلد.3
49- كتاب الورع والإيمان، طبع بالقاهرة 1340.4
50- كتاب الوقوف والوصايا، يوجد نسخة منه في دار الكتب المصرية بالقاهرة، وفي مكتبة محمد بن حمزة ضمن مجموع في حوالي 70 ورقة.5
__________
1 مناقب الإمام أحمد ص248، تاريخ بغداد 9/375.
وانظر: تذكرة الحفاظ 2/664، وطبقات الحنابلة 1/8.
2 الفهرست لابن النديم ص320، وسير أعلام النبلاء 11/328، والمراجع السابقة.
3 سير أعلام النبلاء 11/330.
4 تاريخ التراث العربي1/3/223.
5 تاريخ التراث العربي1/3/225(1/124)
[الفصل الثاني: ترجمة موجزة للإمام إسحاق بن راهويه - رحمه الله -]
المبحث الأول اسمه، ونسبه، ولقبه، وشهرته
هو الإمام الحافظ الكبير، شيخ أهل المشرق وعالمها، فقيه خراسان1 إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر بن عبيد الله بن غالب بن وارث بن عبيد الله بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسد بن مرة بن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي، ثم الحنظلي المرزوي، نزيل نيسابور.
وكنيته أبو يعقوب، وكان يكنى أبا محمد نسبة إلى أحد أولاده: محمد بن إسحاق بن راهوية، وكان فقيهاً جليلاً تتلمذ على والده والإمام أحمد.2
وشهرته ابن راهوية، وإنما اشتهر بها، لأن والده ولد في طريق مكة فقالت المراوزة: راهوية، لأنه ولد في الطريق، وقد سأل الأمير عبد الله بن طاهر3 الإمام إسحاق فقال له: لم قيل لك ابن راهوية، وما معنى هذا،
__________
1 تذكرة الحفاظ 2/433-434.
2 سير أعلام النبلاء 11/358، وتاريخ بغداد 6/347، وتهذيب الكمال 2/373، وطبقات الحنابلة 1/269، وجمهرة أنساب العرب223.
3 هو أمير المشرق أبو العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي كان المأمون ولاه الشام حرباً وخراجاً، فخرج من بغداد إليها واحتوى عليها وبلغ مصر ثم عاد فولاه إمارة خراسان، وأقام بها حتى مات سنة ثلاثين ومائتين، وكان شجاعاً مهيباً عاقلاً جواداً كريماً.
انظر: تاريخ بغداد 9/483، وشذرات الذهب 2/68.(1/127)
وهل تكره أن يقال لك ذلك؟ فقال: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق مكة، فقالت المراوزة راهوية، لأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره هذا وأما أنا فلا أكرهه1.
وكما كان والد إسحاق يكره أن يدعى براهوية كان الإمام أحمد يكره أن يدعى قرينه ورفيق حياته بذلك، فقد ذكر الخطيب البغدادي عن أحمد بن حفص السعدي2 يقول: ذكر أحمد بن حنبل وأنا حاضر إسحاق بن راهوية فكره أحمد أن يقال راهوية، وقال: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي3، وهذا من تمام أدبه وورعه مع زميله الإمام إسحاق رحمه الله.
__________
1 سير أعلام النبلاء 11/296.
2 أحمد بن حفص السعدي من تلاميذ الإمام أحمد وحدث عنه بأشياء طبقات الحنابلة 1/41.
3 تاريخ بغداد 6/348.(1/128)
المبحث الثاني "ولادته، ونشأته"
اختلفت الأقوال في تاريخ ولادته إلى أقوال، وأرجح الأقوال أنه ولد سنة إحدى وستين ومائة رجح هذا القول الخطيب البغدادي فقال بعد أن ساق عن الإمام البخاري: أن إسحاق بن راهوية توفى وهو ابن سبع وسبعين سنة قال الخطيب: وهذا يدل على أن مولده كان في سنة إحدى وستين ومائة قبل مولد أحمد بن حنبل بثلاث سنين.1
وكان ولادته في مدينة مرو الشاهجان التي هي قاعدة بلاد خراسان على نهر مرغاب، فتحها الأحنف بن قيس أيام الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسكن فيها من الصحابة بريدة بن الخصيب والحكم بن عمر الغفاري، وبذروا فيها بذور العلم والحكمة، فأضحت المدينة الكبرى، والدار العظمى مربع العلماء، ومرتع الملوك والوزراء، وأخرجت كثيراً من علماء الدين والأعيان ما لم تخرج مدينة مثلهم، منهم الإمام أحمد، وسفيان الثوري، وعبد الله ابن المبارك، وهي مدينة حسنة المنظر، في أهلها رفق ولين الجانب2 وحسن المعاشرة.
__________
1 تاريخ بغداد 6/347، 355، وتهذيب الكمال للمزي 2/378.
2 إعجام الأعلام ص 236، وآثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ص456-457.(1/129)
في هذه الأرض الطيبة، والطبيعة الخلابة، والبيئة العلمية نشأ الإمام إسحاق بن راهوية في كنف أبيه التقي الورع المتحضر للمجد والسؤدد الذي قال فيه أحمد بن سعيد الرباطي1 في جملة أبيات يمدح فيها الإمام إسحاق فقال:
أبوك إبراهيم محض التقى ... سباق مجد وابن سباق2
فأخذ والده بتنشئته تنشئة علمية، ووجهه إلى التفقه في الدين فاتجه إلى هذا المجال يساعده في ذلك ذكاؤه المتوقد، وقوة ذاكرته العجيبة، وسرعة حفظه النادرة، فأدرك عصر النشاط العلمي الذي كان لبلده نصيب وافر فيه، فكان لهذه الأسباب أثر في نبوغه وشهرته، وتفوقه على أقرانه.
__________
1 هو أحمد بن سعيد بن إبراهيم الرباطي المرزوي أبو عبد الله الأشقر ثقة حافظ مات سنة ست وأربعين ومائتين.
تقريب التهذيب ص12، وتاريخ بغداد 4/165.
2 حلية الأولياء 9/234، وطبقات الشافعية للسبكي 1/235.(1/130)
المبحث الثالث طلبه للعلم، ورحلاته
ابتدأ الإمام إسحاق رحمه الله منذ نعومة أظافره بطلب العلم فالتحق بالكتاب، وحفظ بعض المجاميع، وتلقى الفقه، كما ذكر لدى مناقشته أحد الفقهاء في مجلس الأمير عبد الله بن طاهر.1
كما حضر مجالس كبار علماء بلده مثل عبد الله بن المبارك وهو صبي حدث، ثم ترك الرواية عنه لحداثته، ولأنه لم يجد في نفسه الكفاءة التامة المطلوبة لذلك2، كما التقى بطائفة جليلة من أقطاب أئمة عصره، أمثال الفضل بن موسى السيناني، وعمر بن هارون3 والنضر بن شميل المازني، ويحيى بن واضح4، وخلق سواهم.5
__________
1 تاريخ بغداد 6/353.
2 تهذيب الكمال 2/378.
3 هو عمر بن هارون بن يزيد الثقفي مولاهم البلخي كان حافظاً توفى سنة أربع وتسعين ومائة. تقريب التهذيب ص257، وتاريخ بغداد 11/187.
4 هو يحيى بن واضح الأنصاري مولاهم أبو تميلة - بمثناة مصغر - المرزوي مشهور بكنيته ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
انظر: تقريب التهذيب ص380، والجرح والتعديل 9/194.
5 طبقات الشافعية 1/233.(1/131)
وكان لهؤلاء الشيوخ أثر كبير في توجيه الإمام إسحاق العلمي، ولما أحس أنه قد أخذ الحديث والفقه، وغيرها من العلوم من علماء بلده، وما حولها من بلاد خراسان، ابتدأ في الرحلة لطلب العلم، فكان أول رحلاته إلى بغداد حاضرة العالم الإسلامي ومهد العلوم، ومقصد طلاب العلم من شتى الأمصار الإسلامية آنذاك، وكان ذلك سنة أربع وثمانين ومائة وهو ابن ثلاث وعشرين سنة.1
ثم تتابعت رحلاته، فورد بغداد غير مرة، ورحل إلى الحجاز واليمن والشام2 فسمع من علمائها، وتوطدت العلاقة بينه وبين قرينه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فكانا يتذاكران العلم، حتى غفلوا عن التكبير لانشغالهما بالمذاكرة.3
وقال الإمام إسحاق رحمه الله: كنت أجالس أحمد وابن معين، ونتذاكر فاقول: ما فقهه؟ وما تفسيره؟ فيسكتون إلا أحمد4 وكان صدراً في مجالس العلماء، يدير المناقشة بين الحاضرين، ويلقي الأسئلة، كما نقل
__________
1 وسير أعلام النبلاء 11/369-370.
2 تاريخ بغداد 6/345-346.
3 سير أعلام النبلاء 11/193.
4 المرجع السابق 11/188.(1/132)
ذلك محمد بن يحيى الذهلي1 قال: وافقت إسحاق ابن إبراهيم صاحبنا سنة تسع وتسعين ببغداد اجتمعوا في الرصافة أعلام أصحاب الحديث فمنهم أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما فكان صدر المجلس لإسحاق، وهو الخطيب.2
والتقى الإمام إسحاق رحمه الله بالإمام الشافعي أثناء رحلته مع الإمام أحمد إلى الحجاز، فقد قال إسحاق بن راهوية: لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال: تعالى حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله، فأراني الشافعي.
وقال: وكان أحمد يجالس الشافعي، وكنت لا أجالسه. فقال لي أحمد يا أبا يعقوب: لم لا تجالس هذا الرجل؟ فقلت: ما أصنع به وسنه قريب من سننا؟ كيف أترك ابن عيينة وسائر المشايخ لأجله؟ قال: ويحك هذا يفوت، وذلك لا يفوت، قال إسحاق فذهبت إليه، وتناظرنا في كراء بيوت أهل مكة3.
ونقل نتيجة هذه المناظرة الإمام أحمد رحمه الله الحكم العدل
__________
1 هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذويب الذهلي النيسابوري ثقة حافظ جليل مات سنة ثمان وخمسين ومائتين.
انظر: تقريب التهذيب 323، وشذرات الذهب 2/138.
2 تاريخ بغداد 6/352.
3 المنهج الأحمد 1/121، وطبقات الشافعية الكبرى 1/236.(1/133)
والصديق الحميم للمتناظرين، قال صالح بن أحمد بن حنبل قال أبي "جلست أنا وإسحاق بن راهوية يوماً إلى الشافعي، فناظره إسحاق في السكنى بمكة، فعلا إسحاق يومئذ الشافعي".1
كما ناظره في جلود الميتة إذا دبغت، فقال الشافعي: دباغها طهورها فقال إسحاق: ما الدليل؟ فقال الشافعي: حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم "مر بشاة ميتة فقال: هلا انتفعتم بجلدها"، فقال إسحاق: حديث ابن عكيم: "كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" أشبه أن يكون ناسخاً لحديث ميمونة أنه قبل موته بشهر، فقال الشافعي: هذا كتاب وذاك سماع فقال إسحاق: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم عند الله فسكت الشافعي.2
كما التقى خلال رحلاته بعبد الرزاق الصنعاني باليمن فقد قال: كنت مع أحمد بن حنبل عند عبد الرزاق، وكان معي جارية، وسكنا فوق وأحمد أسفل في البيت فقال لي: يا أبا يعقوب هوذا يعجبني ما أسمع
__________
1 تاريخ بغداد 6/351.
2 طبقات الشافعية 1/327.
سيأتي إن شاء الله تخريج الأحاديث وتوثيق قول الإمام أحمد وإسحاق في قسم التحقيق.(1/134)
من حركتكم. قال: وكنت أطلع فأراه يعمل التكك ويبيعها، ويتقوت بها.1
وهكذا جمع الإمام إسحاق علماً كثيراً نافعاً، وضارع بعض أئمة عصره وفاق آخرين، واشتهر حتى أن بعض شيوخه حلف أن لا يحدث كذا شهراً واستثناه، فقد قال الإمام إسحاق أتيت وهب بن جرير فقال: قد حلفت أن لا أحدث كذا شهراً، قال: قلت قد أغنى الله عنك، وأردت أن يكون اسمك عندي، قال: فقال لي: من أين أنت؟ قلت: خراساني قال: لعلك إسحاق بن راهوية؟ قال: قلت: نعم، قال: قد استثنيتك فسلني.2
وبعد هذا التجوال في البلاد الإسلامية، والاستفادة من علمائها وتزوده بالعلم النافع، عاد إلى خراسان، واستوطن نيسابور.3
وغدا مسموع الكلمة، موفور الكرامة، مقدماً لدى الأمراء مرجعاً للعلماء، قدوة للخاصة والعامة.
__________
1 سير أعلام النبلاء 11/193.
2 تاريخ بغداد 6/348.
3 تاريخ بغداد 6/346، تهذيب التهذيب 1/216.(1/135)
المبحث الرابع بعض شيوخ الإمام إسحاق
لقد كان الإمام إسحاق رحمه الله شغوفاً بالعلم، فلذا كثرت رحلاته العلمية، التقى خلالها بكثير من علماء عصره المبرزين في العلوم الإسلامية من فقه، وحديث، وتفسير، وليس قصدي في هذه العجالة أن أحصر وأجمع كل من التقى بهم وتتلمذ عليهم من الشيخ وإنما أترجم لبعض شيوخه الذين لهم تأثير في حياته العلمية، وهم على سبيل المثال:
- ابن المبارك 118-181هـ.
هو عبد الله بن مبارك بن واضح المرزوي، مولى بنى حنظلة، ثقة فقيه، عالم، قال أحمد: "لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه، وكان صاحب حديث حافظاً"، وقد أفنى عمره في الأسفار حاجاً، ومجاهداً، وتاجراً، وجمع الحديث والفقه، والعربية، وأيام الناس والشجاعة، والسخاء، كان من سكان خراسان، ومات بهيت على الفرات منصرفاً من غزو الروم.
سمع منه الإمام إسحاق وهو حدث، فترك الرواية عنه لحداثته.1
__________
1 تقريب التهذيب ص187، تاريخ بغداد 10/152.
وتذكرة الحفاظ 1/174، وطبقات الحفاظ 123.
وحلية الأولياء 8/162، والأعلام 4/115.(1/137)
الطنافسي ت 185هـ.
هو عمر بن عبيد بن أمية الطنافسي -بفتح الطاء والنون وبعد الألف فاء مكسورة، ثم سين مهملة- الكوفي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، روى عنه الإمام أحمد وإسحاق وابنا أبي شيبة وخلق سواهم، قال الإمام أحمد: لم ندرك بالكوفة أحداً أكبر منه، وقال ابن سعد: كان شيخاً قديماً ثقة توفى سنة خمس وثمانين، وقيل: بعدها.1
- عبد العزيز العمي ت 187.
هو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري الحافظ الثقة، أبو عبد الصمد روى له أصحاب الكتب الستة، وروى عنه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وبندار وآخرون توفى سنة سبع وثمانين ومائة2
-الدراوردي ت 187.
هو الإمام المحدث عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي، أبو محمد المدني الجهني بالولاء. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، يغلط، أصله من خراسان، ومولده ووفاته بالمدينة.3
__________
1 تهذيب التهذيب 7/480 وما بعده، وتقريب التهذيب 255.
2 تذكرة الحفاظ 1/270، وتقريب التهذيب ص55، 214، وطبقات الحفاظ 121.
3 تقريب التهذيب ص216، وتذكرة الحفاظ 1/269، وطبقات الحفاظ 121، والأعلام 4/25.(1/138)
-الفضيل بن عياض ت 187.
هو الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي المرزوي، أبو علي شيخ الحرم، من أكابر العباد الصلحاء، كان ثقة في الحديث، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، أخذ العلم عنه خلق منهم الإمام الشافعي وإسحاق بن راهوية وابن المبارك.
قال ابن سعد: كان ثقة نبيلاً فاضلاً عابداً ورعاً كثير الحديث، مات بمكة أول سنة سبع وثمانين ومائة.1
-السيناني 115-192هـ.
الفضل بن موسى السيناني المرزوي الحافظ ثقة ثبت، قال الإمام إسحاق بن راهوية: لم أكتب عن أحد أوثق في نفسي من الفضل بن موسى ويحيى ابن يحيى، ولد خمس عشرة ومائة، وتوفى رحمه الله في الحادي عشر من ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومائة.2
وروى أبو الحسن علي بن إسحاق بن راهوية، قال: ولد أبي من بطن أمه مثقوب
__________
1 تذكرة الحفاظ 1/245، وتقريب التهذيب 277، وحلية الأولياء 8/84، والأعلام 5/153.
2 تقريب التهذيب 276، وتذكرة الحفاظ 1/296، وطبقات الحفاظ 130.(1/139)
الأذنين، قال فمضى جدي راهوية إلى الفضل بن موسى السيناني فسأله عن ذلك، وقال: ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين فقال: يكون ابنك رأساً إما في الخير، وإما في الشر.1
-مروان الفزاري ت 193هـ.
هو مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء الفزاري الكوفي الحافظ المحدث الثقة، نزيل مكة، ثم دمشق حدث عنه الإمام أحمد وإسحاق وابن المديني وخلق، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
وذكره الإمام أحمد بن حنبل فقال: ثبت حافظ، كان يحفظ حديثه كله مات فجأة بمكة في عشر ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائة.2
-الوليد بن مسلم الدمشقي ت 195 هـ.
هو الإمام الحافظ الوليد بن مسلم الدمشقي أبو العباس الأموي مولاهم عالم أهل دمشق، ومحدث ثقة، حدث عنه الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية، وابن المديني وخلق، وصنف التصانيف والتواريخ، وعني بهذا الشأن أتم العناية، قال الإمام أحمد: ما رأيت في الشاميين أعقل منه، وأخرج له أصحاب الكتب الستة توفى آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومائة3.
__________
1 تاريخ بغداد 6/347.
2 تذكرة الحفاظ 1/295، وتقريب التهذيب 332.
3 تذكرة الحفاظ 1/302، وتقريب التهذيب ص371، وتهذيب التهذيب 11/151، وطبقات الحفاظ 132، وشذرات الذهب 1/344(1/140)
-معاذ بن معاذ العنبري ت 196هـ.
هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان الحافظ العلامة أبو المثنى العنبري التميمي البصري، قاضي البصرة، أخذ عنه العلم الإمام أحمد وإسحاق وبندار وخلق كثير، قال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت في البصرة ما رأيت أحداً أعقل منه، توفى في ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائة1.
-عبد الله بن وهب ت 197.
هو عبد الله بن وهب بن مسلم الإمام الحافظ أبو محمد الفهري مولاهم المصري الفقيه، أحد الأئمة الأعلام، جمع بين الفقه والحديث، والعبادة، وكان ثقة حجة حافظاً مجتهداً لا يقلد أحداً، وكان الإمام مالك يكتب إليه: إلى عبد الله مفتي أهل مصر، ولم يفعل هذا مع غيره، توفى في شعبان سنة سبع وتسعين ومائة2.
-الإمام الشافعي3.
يرجع الفضل في تعريف الإمام إسحاق بالإمام الشافعي إلى الإمام أحمد الذي قال له: تعالَ حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله، فأراه الإمام
__________
1 تذكرة الحفاظ 1/324، وتقريب التهذيب ص 240.
2 تذكرة الحفا1/304، وتهذيب التهذيب 6/71، وتقريب التهذيب 193.
3 سبقت الترجمة له ضمن شيوخ الإمام أحمد.(1/141)
الشافعي، وقد أعجب الإمام إسحاق بالإمام الشافعي وناظره، وقال: الشافعي إمام، ما أحد تكلم بالرأي- وذكر الثوري والأوزاعي ومالكاً وأبا حنيفة- إلا أن الشافعي أكثر اتباعاً، وأقل خطأ منهم1.
وبعد وفاته انكب على كتبه دراسة، يستوعبها، ويستوحيها وذكر البيهقي: أن الإمام إسحاق تزوج بمرو بامرأة كان عند زوجها كتب الشافعي فتوفي، ولم يتزوج بها إلا من أجل كتب الشافعي، وقال القهستاني: دخلت يوماً على إسحاق فأذن لي، وليس عنده أحد، فوجدت كتب الشافعي حواليه، فقلت: {معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده} 2 فقال لي: والله ما كنت أعلم أن "محمد بن إدريس" في هذا المحل الذي هو محله، ولو علمت لم أفارقه3.
- يحيى بن يحيى النيسابوري 142-226.
هو الإمام الحافظ شيخ خراسان، أبو زكريا بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي، النيسابوري، كان من سادة أهل زمانه علماً وديناً، ونسكاً وإتقاناً.
__________
1 حلية الأولياء 9/103، آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم الرازي ص43.
2 جزء من آية (79) سورة يوسف.
3 مناقب الإمام الشافعي 1/265-266، وتوالي التأسيس 76.(1/142)
المبحث الخامس بعض تلاميذه
- الإمام البخاري ت 256.
تتلمذ على شيخه وأستاذه إسحاق بن راهوية في الفقه والحديث وبمشورته قوي عزمه على جمع الحديث الصحيح، فصنف الجامع الصحيح، قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كنا عند إسحاق بن راهوية فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح.1
- الإمام مسلم 204-261.
أخذا العلم من شيخه الإمام البخاري، وشيخ شيخه الإمام إسحاق بن راهوية وتقدمت ترجمته.
- أحمد بن سيار المروزي ت 268
هو أحمد بن سيار بن أيوب، أبو الحسن الفقيه، ثقة حافظ، أخذ العلم من الإمام إسحاق بن راهوية، وعفان وطبقتهما، وكان يشبه في عصره بابن المبارك علماً وزهداً، وهو أحد من أدخل فقه الإمام الشافعي
__________
1 هدي الساري مقدمة فتح الباري ص6، وتقدمت ترجمة الإمام البخاري ضمن تلاميذ الإمام أحمد.(1/145)
على خراسان، وكان صاحب وجه في مذهب الإمام الشافعي1.
- داود الظاهري ت 270.
هو داود بن علي بن خلف الحافظ الفقيه المجتهد أبو سليمان الأصبهاني البغدادي، فقيه أهل الظاهر، أخذ العلم عن إسحاق بن راهوية وأبي ثور، وذكر الذهبي أن داود الظاهري ارتحل إلى إسحاق وسمع منه المسند والتفسير2.
وكان داود أكثر الناس تعصباً للإمام الشافعي وصنف في فضائله والثناء عليه كتابين، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية، وكان ولده محمد بن علي على مذهبه، وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد، فصنف التصانيف، وكان بصيراً بالحديث صحيحه وسقيمة، إماماً ورعاً ناسكاً زاهداً، توفى ببغداد سنة سبعين ومائتين3.
- الترمذي 209-279.
هو محمد بن عيسى بن سورة بن الضحاك السلمي، صاحب الجامع والعلل، الحافظ العلامة، طاف البلاد، وسمع خلقاً كثيراً من الخراسانيين والعراقيين. قال أبو سعيد الإدريسي: كان أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في
__________
1 شذرات الذهب 2/154، وتهذيب التهذيب 1/35، وتقريب التهذيب ص13.
2 سير أعلام النبلاء 13/98.
3 شذرات الذهب 2/158، وطبقات الحفاظ 257، وتاريخ بغداد 8/369.(1/146)
علم الحديث وكان يضرب به المثل في الحفظ، وقال الحاكم: سمعت عمر بن علك يقول مات البخاري فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى في العلم، والحفظ والورع والزهد، بكى حتى عمي، وبقي ضريراً سنين، توفي في الثالث عشر من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين بترمذ.1
عثمان الدارمي ت 280 هـ.
هو الحافظ الإمام الحجة أبو سعيد عثمان بن خالد السجستاني، محدث هراة، وتلك البلاد، أخذ العلم عن ابن المديني، ويحيى، وأحمد وإسحاق وأكثر الترحال، وله تصانيف في الرد على الجهمية، وهو الذي قام على ابن كرام، وطرده من هراة فيما قيل. توفي في ذي الحجة سنة ثمانين ومائتين2.
-عبدوس النيسابوري ت282
الحافظ الكبير أبو محمد عبد الله بن مالك النيسابوري، نزيل سمرقند أخذ العلم من يحيى بن يحيى، وقتيبة، وابن راهوية.
توفي بسمرقند سنة اثنتين وثمانين ومائتين.3
__________
1 تذكرة الحفاظ 2/633، طبقات الحفاظ 282، وتهذيب التهذيب 9/378، وشذرات الذهب 2/174.
2 تذكرة الحفاظ 2/621، وشذرات الذهب 2/167، وطبقات الحنابلة 1/221.
3 تذكرة الحفاظ 2/675، طبقات الحفاظ 298.(1/147)
- محمد السندي ت286
هو محمد بن محمد بن رجاء بن السندي الحافظ الإمام الكبير أبو بكر الإسفرائيني، مصنف الصحيح، ومخرجه على كتاب مسلم، سمع إسحاق بن راهوية، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأكثر الترحال.
قال الحاكم: كان ديناً ثبتاً مقدماً في عصره. توفي سنة ست وثمانين ومائتين، وكان من أبناء الثمانين.1
- محمد بن راهوية
هو محمد بن الإمام إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم أبو الحسين المروزي المعروف بابن راهويه، ولد بمرو، ونشأ بنيسابور، سمع أباه، ومحمد بن رافع القشيري، ومحمد بن يحيى الذهلي، والإمام أحمد، وعلي بن المديني، وحدث ببغداد، فروى عنه أهلها، كان عالماً بالفقه جميل الطريقة مستقيم الحديث، قال محمد بن إسحاق: دخلت على أبي عبد الله فقال: أنت ابن أبي يعقوب؟ قلت: بلى، قال: أما أنك لو لزمته كان أكثر لفائدتك، فإنك لم تر مثله، استشهد على يد القرامطة حين كان في طريقه للحج سنة أربع وتسعين ومائتين 2.
__________
1 تذكرة الحفاظ 2/686، طبقات الحفاظ 301
2 طبقات الحنابلة1/269، والشذرات2/216، وتاريخ بغداد 2/244، والجرح والتعديل7/196.(1/148)
- ابن نصر المروزي 202-294هـ
هو محمد بن نصر الإمام شيخ الإسلام، أبو عبد الله المروزي الفقيه ولد سنة اثنتين ومائتين، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، قال الحاكم: إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة، قال ابن حزم: أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن، وأضبطهم لها، وأذكرهم لمعانيها، وأدراهم بصحتها، وبما أجمع عليه الناس مما اختلفوا فيه، إلى أن قال: وما نعلم هذه الصفة بعد الصحابة أتم منها في محمد بن نصر، فلو قال قائل: ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث، ولا للصحابة سنة، إلا وهو عند محمد بن نصر، لما بعد عن الصدق، وقد أخذ العلم من الإمام إسحاق رحمه الله1.
- النسائي 215-303
هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار الخراساني النسائي القاضي الإمام الحافظ، أحد الأئمة المبرزين والحفاظ المتقنين، والأعلام المشهورين، طاف البلاد وسمع من خلائق.
قال الحاكم: كان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح. وقال الذهبي: هو أحفظ من مسلم بن الحجاج، توفى سنة
__________
1 طبقات الحفاظ289، وتذكرة الحفاظ2/650، وشذرات الذهب2/216، وتاريخ بغداد2/216، وطبقات الشافعية للسبكي1/235.(1/149)
ثلاث وثلاثمائة1.
- أبو العباس السراج ت313
هو أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران الثقفي مولاهم النيسابوري، أخذ العلم من الإمام إسحاق، وحدث عنه الشيخان وأبو حاتم، وورد بغداد مراراً، وحدث بها شيئاً يسيراً، وأقام بها دهراً طويلاً، ثم رجع إلى نيسابور، واستقر بها إلى حين وفاته سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة2.
__________
1 تذكرة الحفاظ2/698، وتهذيب التهذيب1/36، وتقريب التهذيب ص13، وشذرات الذهب2/239، وطبقات الحفاظ 306.
2 تاريخ بغداد1/248، والجرح والتعديل7/196.(1/150)
المبحث السادس مبلغ علمه وقوة حفظه
رزق الله سبحانه وتعالى الإمام إسحاق رحمه الله ذاكرة قوية نادرة المثال، فكان آية في سرعة الفهم، وشدة الحفظ، وهداه إلى سلوك الطريق الصحيح، واستعمال هذه الذاكرة في حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفقه في دينه القويم والذب عنه.
فكان من قوة حفظه لا يأخذ بيده كتاباً، قال أحد تلاميذه: ما رأيت بيد إسحاق كتاباً قط، وما كان يحدث إلا حفظاً1.
وقال الخفاف: أملا علينا إسحاق بن راهويه أحد عشر ألف حديث من حفظه، ثم قرأها علينا، فما زاد حرفاً، ولا نقص حرفاً2، قال أبو زرعة: ما رُئي أحفظ من إسحاق.
قال أبو حاتم: العجب من إتقانه، وسلامته من الغلط مع ما رزق من حفظ3.
وقال عبد الله بن طاهر لإسحاق بن راهويه: قيل لي: إنك تحفظ مائة ألف حديث؟ قال مائة ألف حديث ما أدري ما هو، لكني ما سمعت
__________
1 تاريخ بغداد6/354، وسير أعلام النبلاء11/375.
2 تهذيب الكمال2/384.
3 تذكرة الحفاظ2/434-435.(1/151)
شيئاً قط إلا حفظته، ولا حفظت شيئاً قط فنسيته1.
وقال محمد بن يحيى بن خالد: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: أعرف مكان مائة ألف حديث كأني أنظر إليها: وأحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي، وأحفظ أربعة آلاف حديث مزورة، فقيل له ما معنى حفظ المزورة؟ قال: إذا مر بي منها حديث في الأحاديث الصحيحة فليّته منها فليا2.
هذا: ومن المشهور أن الإمام إسحاق كان قد أملا مسنده في الحديث على طلابه عن ظهر قلب، كما أملا التفسير عن ظهر قلبه.
قال أبو حاتم: وهذا أعجب، فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير، وألفاظها3.
ومن نوادر حفظه وشدة ذكائه أن الإمام إسحاق ضمه مجلس به كثير من العلماء والأدباء، والمحدثين عند أمير خراسان، ومعهم إبراهيم بن أبي صالح، فسأل الأمير إسحاق في مسألة فقال إسحاق: السنة فيها كذا وكذا، وكذلك يقول من سلك طريق السنة، وأما أبو حنيفة، وأصحابه فإنهم قالوا بخلاف هذا، فقال إبراهيم: لم يقل أبو حنيفة بخلاف هذا، فقال
__________
1 تهذيب الكمال2/385.
2 تاريخ بغداد6/352.
3 تاريخ بغداد6/353، وسير أعلام النبلاء 11/373.(1/152)
إسحاق: حفظته من كتاب جده وأنا وهو في كتاب واحد، فقال إبراهيم: أصلحك الله، كذب إسحاق على جدي، فقال إسحاق: ليبعث الأمير إلى جزء كذا وكذا من جامعه، فأتي بالكتاب، فجعل الأمير يقلب الكتاب، فقال إسحاق: عد من الكتاب إحدى عشرة ورقة، ثم عد تسعة أسطر، ففعل فإذا المسألة على ما قال إسحاق، فقال الأمير عبد الله بن طاهر: قد تحفظ المسائل ولكني أعجب لحفظك هذه المشاهدة. فقال إسحاق: ليوم مثل هذا، لكي يخزي الله على يدي عدواً مثله1.
وتعددت جوانب ثقافته فشملت التفسير الذي برع فيه وأملاه على تلاميذه من حفظه وثوقاً بنعمة الله عليه، وشكراً له، ونال أعلى لقب في الحديث، فلقب بأمير المؤمنين، وهذه المنزلة قل أن يصل إليها أحد المحدثين، والذين نالوا هذا اللقب قلة: أمثال البخاري، وشيخه إسحاق.
وقد لقبه بهذا اللقب قرينه، وأدرى الناس بمخبره الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين.2
وقال الحافظ بن حجر عنه بأنه أمير المؤمنين في الحديث، والفقه3
__________
1 تاريخ بغداد6/353-354.
2 تهذيب الكمال 2/383، سير أعلام النبلاء 11/366-367، 382، وتاريخ بغداد6/351، وتحفة المودود 127.
3 هدي الساري ص6.(1/153)
ومسنده خير شاهد على بروزه في الحديث، وتفوقه على أصحابه في عصره في مجالات شتى حتى سلموا له بذلك، واعترفوا بفضله وعلمه، ونهلوا منه، فقام بنشر السنة في خراسان وحارب الجهمية، وأهل البدع، وكان له مقامات محمودة عند السلطان يظفره الله تعالى فيها بأعدائه، ويخزيهم على يديه1.
فقام تجاه المجتمع خير قيام.
__________
1 تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم127، وسير أعلام النبلاء11/364.(1/154)
المبحث السابع فقه الإمام إسحاق
كان الإمام إسحاق كنزاً من كنوز العلم في خراسان1، برع في علوم الشريعة، ومما برع فيه علم الفقه، وبلغ مبلغاً تسامى به على كثير من المتقدمين، فقد قال أحمد بن سعيد الرباطي: والله لو كان الثوري، وابن عيينة، والحمادان في الحياة لاحتاجوا إليه -أي إلى الإمام إسحاق- في أشياء كثيرة2.
واهتم ببدء دراسته بالفقه، ودرس فقه الرأي، ولا أدل على ذلك من مناظرته مع إبراهيم بن أبي صالح بمجلس الأمير ابن طاهر وظهوره عليه، وتعيينه الكتاب، والصفحة، والسطر من كتاب من كتب أهل الرأي حتى بهر من شدة حفظه لهذه الكتب الأمير عبد الله بن طاهر، وذكر أنه درس هذه المجاميع في الكتاتيب.
كما ناظر الإمام الشافعي الفقيه المشهور، فقال الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟ قال إسحاق: هكذا يزعمون.3 وانتهت إليه زعامة الفقه، والفتوى في خراسان.
__________
1 تاريخ بغداد 6/349، وتهذيب الكمال2/381، وسير أعلام النبلاء10/628.
2 تاريخ بغداد6/353، وشذرات الذهب2/89، وسير أعلام النبلاء10/371.
3 طبقات الشافعية1/236.(1/155)
وقد شهد له كثير من علماء عصره، ومن بعدهم برسوخه في علم الفقه والفتوى مع بقية العلوم.
فقال علي بن حجر المتوفى عام244هـ:
لم يخلف إسحاق يوم فارق مثله بخراسان علماً وفقهاً.1
وقال أبو زرعة: ما أعرف في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد ابن حنبل فقيل له: فإسحاق؟ قال: حسبك بأبي يعقوب فقيهاً.2
وقال الإمام ابن خزيمة: والله لو كان إسحاق في التابعين لأقروا له بحفظه، وعلمه، وفقهه.3
وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: رحم الله إسحاق، ما كان أفقهه وأعلمه. وقال الحاكم: إسحاق بن راهويه إمام في عصره في الحفظ، والفتوى.4
وقال ابن حبان: كان إسحاق من سادات زمانه فقهاً، وعلماً وحفظاً ونظراً.5
__________
1 سير أعلام النبلاء10/372.
2 تاريخ دمشق 7/253.
3 تاريخ بغداد 6/305، وسير أعلام النبلاء 11/372.
4 سير أعلام النبلاء 11/368، 369، وطبقات الشافعية 1/235.
5 الثقات لابن حبان 8/116.(1/156)
وقال الخطيب البغدادي: كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ، والصدق، والورع، والزهد1.
وكذلك قال المزي، والسبكي.2
وقال الحافظ الذهبي: قد كان مع حفظه إماماً في التفسير، رأساً في الفقه، من أئمة الاجتهاد.3
وقال أيضاً: كان إسحاق من كبار أئمة الاجتهاد، ومن أعلام الحفاظ4.
استطاع الإمام إسحاق -رحمه الله- بتوفيق الله له، وبجده، ثم باجتهاده ومثابرته في طلب العلم أن يكون لنفسه رصيداً هائلاً من العلوم هيأته أن يكون إماماً مجتهداً له مذهب مستقبل يعرف بالراهوية، انتشر في خراسان وصار له اتباع، قال السمعاني: كان إماماً مذكوراً مشهوراً من أهل مرو سكن نيسابور، وكان متبوعاً له أقوال واختيارات وهو من أقران الإمام أحمد.5
__________
1 تاريخ بغداد6/345، وتهذيب ابن عساكر2/417.
2 تهذيب الكمال2/373، وطبقات الشافعية10/232.
3 سير أعلام النبلاء11/375.
4 العلو للعلي الغفار للذهبي ص132.
5 الانساب6/56.(1/157)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وكان أبو زرعة، وأبو حاتم، وابن قتيبه، وغيرهم من أئمة السلف والسنه. والحديث يتفقهون على مذهب أحمد، وإسحاق، ويقدمون قولهما على أقوال غيرهما.1
وأئمة الحديث كالبخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي وغيرهم هم أيضاً من اتباعهما، وممن يؤخذ العلم والفقه عنهما وداود من أصحاب إسحاق.
وقال في موضع آخر: والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن نصر المروزي، وداود بن علي، هؤلاء كلهم فقهاء الحديث رضي الله عنهم.2
وذكره الشيرازي ضمن فقهاء خراسان فقال: ومنهم أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه جمع بين الحديث والفقه والورع.3
وقال المقدسي: وأما أهل الحديث فحنبلية والراهويه، والأوزاعية
__________
1 مجموع الفتاوي15/232-233.
2 مجموع الفتاوى 25/233.
3 طبقات الفقهاء للشيرازي ص94.(1/158)
والمنذرية.1
وقد اندثر مذهبه مع كثير من المذاهب التي كانت حَيَّةً لمدة من الزمان بسبب عوادي الدهر، وتضييع التلاميذ والمتبعين له، واندثار الكتب المؤلفة فيه وضياعها، ولعدم تبني السلطان مذهبه، والاعتماد عليه في نظام الحكم.
وقد كان الإمام إسحاق رحمه الله من الفقهاء الذين يعتمدون على الكتاب والسنة، والآثار عن الصحابة، والتابعين، ولا يلجؤون إلى القياس إلا عند الضرورة القصوى، وكانت أصول الإمام أحمد وإسحاق والشافعي شبيهة بعضها ببعض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن موافقة الإمام أحمد للإمام الشافعي وإسحاق أكثر من موافقته لغيرهما، وأن أصوله بأصولهما أشبه منهما بأصول غيرهما، وكان يثني عليهما، ويعظمهما، ويرجح أصول مذهبهما على من ليست أصول مذهبه كأصول مذهبهما.2
ويلاحظ المتتبع لأقوال الإمام إسحاق في مسائله برواية الكوسج:
1- غزارة معلوماته في الفقه، ودقته في الإجابة على السؤال، فقد
__________
1 أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص37 ط ليدن1909.
2 مجموع الفتاوى 34/113.(1/159)
سئل في القسم الذي قمت بتحقيقه على ست وخمسمائة مسألة لم يتوقف عن الإجابة إلا عن مسألة واحدة، وهي مسألة تعليق العتق بالملك، على أنه حاول الإجابة عليه حين كرر له المسألة1.
2- معرفته التامة بما ورد في المسألة من أدلة من كتاب، أو سنة، أو قول صحابي أو تابعي2.
3- قوة حجته واستدلاله.
4- إحاطته بآراء الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، ونسبة القول إلى قائله بأوجز عبارة، كالإشارة إلى راوي الحديث، أو إلى رجل من رجال الإسناد، أو بعبارة مشهورة لدى المحدثين في الحديث3.
5- وثوقه من قوله، وعدم تردده، فلذا قل أن يوجد له روايتان في مسألة واحدة.
6- تمكنه من المذهب الحنفي، وحفظه لأقوالهم، وآرائهم، وأدلتهم.
7- حدته أحياناً على بعض مخالفيه، فقد رد على القائلين إنه يسهم لكل فرس دخل أرض العدو وقاتل عليه أم لم يقاتل، فقال: أخطأ هؤلاء فقالوا إذا جاوز الدروب فباع فرسه فإن سهم الفرس له، وهو
__________
1 انظر المسألة رقم 448.
2 راجع المسألة 32-36.
3 راجع المسائل370-371-372-408.(1/160)
جهل بيّن1.
وقد خطأ الإمام أحمد في مسألة واحدة2.
8- عدم التصريح بمن يخالفهم والاكتفاء بالإشارة إليهم بهؤلاء، ولدى تتبعي ومراجعتي الأقوال المشار إليها وجدتها أقوالاً للأحناف.
9- مناقشته لأدلة الخصم، ودحض حجته، واحدة تلو الأخرى3.
__________
1 راجع المسألة 63-368-377.
2 راجع مسألة رقم 479.
3 انظر المسألة رقم 368.(1/161)
المبحث الثامن آثار الإمام إسحاق بن راهويه العلمية
الإمام إسحاق بن راهويه نبغ في علوم كثيرة، وترك ثروة هائلة من الآثار في فنون شتى، وقد نوه المؤرخون والمترجمون بمحصوله العلمي وعدوه من أصحاب التصانيف.1
ولكن المؤسف أن هذه الثروة العلمية العظيمة قد عدت عليها عاديات الزمان، وطوتها، فلم تصل إلينا منها إلا النزر اليسير، ونقلت الكتب المعنية بمؤلفات العلماء بعض أسماء كتبه، منها:
- تفسيره المشهور:
فقد ذكرت مصادر ترجمته أنه ألف كتاباً في التفسير نال إعجاب العلماء، وقد أملاه على تلاميذه عن ظهر قلبه، وقد ذكر ابن النديم أن له كتاب التفسير، وكذا الداودي، فقال: إن من جملة تآليفه تفسيره المشهور الذي رواه عنه بعض تلاميذه.2
وهذا التفسير من الكنوز المدفونة حتى الآن، ويحتاج إلى مزيد من
__________
1 شذرات الذهب 2/89.
2 الفهرست لابن النديم 321، طبقات المفسرين للداودي 1/102، كشف الظنون 1/442، معجم المؤلفين لكحالة 2/228.(1/163)
البحث والتنقيب في فهارس مكتبات العالم، من أشخاص لهم دراية في هذا الشأن.
- في الحديث والفقه:
أجمعت مصادر ترجمته أنه ألف كتاباً في الحديث باسم "المسند" وهو على غرار مسند الإمام أحمد، ويقع في ست مجلدات، ويوجد الجزء الرابع منه في دار الكتب المصرية، قسم فهارس الحديث1/146، وفي الظاهرية بدمشق في فهارس الحديث برقم9401، ويقع في ستة وثلاثمائة ورقة، كتبت سنة ثلاثين وستمائة، وقد حقق الدكتور عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي جزءاً منه "مسند عائشة رضي الله عنها" نال به درجة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية عام 1404-1405هـ.
ويوجد هذا المسند كاملاً في ألمانيا الشرقية، فقد وجدت لدى الشيخ حماد الأنصاري فهرساً ذكر من ضمن ما ضمنته المكتبة كتاب المسند لابن راهوية، وأنها بخط السيوطي، وعلق عليها الذهبي، وحقق رجاله، ونقل السيوطي هذا التعليق على هامشه.1
- كتاب المصنف:
أشار إليه ابن حجر في فتح الباري فقال: وقد أخرج إسحاق بن
__________
1 انظر مختارات من فهرس الكتب النادرة والموجودة في مكتبة دار العلوم بألمانيا الشرقية ص6.(1/164)
راهوية في مصنفه، عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كانت يمين عثمان بن أبي العاص لعمري.1
-كتاب العلم:
ذكره ابن حجر ضمن مسموعاته وساق إسناده إلى المؤلف.2
-كتاب الجامع:
قد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب ما نصه:
قال ابن عدي: بلغني أن أحمد نظر في جامع إسحاق فإذا أول حديث فيه حديث حادثة في استفتاح الصلاة، فقال: منكر جداً3.
كتاب المسائل للإمام أحمد وإسحاق بن راهوية برواية تلميذه النجيب إسحاق بن منصور بن بهرام المروزي، والتي هذه الرسالة جزء منها.
-كتاب الجامع الكبير:
الذي وضعه على غرار كتب الإمام الشافعي، انتسخ كتبه، وجمع
__________
1 فتح الباري 11/547.
2 تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة المعروف بمعجم المفهرس ص 36 لوحة رقم18.
3 تهذيب التهذيب 2/166.(1/165)
مصنفاته، وبنى عليها الجامع الكبير لنفسه1.
وذكر السخاوي: أن محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي الترمذي هو الذي حمل كتب الشافعي من مصر، فانتسخها إسحاق بن راهوية، وصنف عليها الجامع الكبير لنفسه2.
وفي رواية أخرى أنه تزوج بمرو بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي وتوفي، ولم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشافعي، ووضع جامعه الصغير على جامع الثوري الصغير3 (كتاب الجامع الصغير) .
-كتاب السنن:
ذكره ابن النديم، والداودي في طبقات المفسرين والبغدادي في هدية العارفين4.
هذا ولم يعثر على كتبه الفقهية سوى المسائل برواية إسحاق بن
__________
1 طبقات الفقهاء للعبادي ص38.
2 الإعلان بالتوبيخ للسخاوي ص99، وعلم التاريخ عند المسلمين ص558.
3 آداب الشافعي ومناقبه 64-65، وتوالى التأسيس ص76، وحلية الأولياء 9/102-103، مناقب الشافعي1/266.
4 الفهرست لابن النديم321، وطبقات المفسرين للداودي1/102، وهدية العارفين 1/197.(1/166)
منصور المروزي، أما بقية كتبه الفقهية التي ذكرتها مصادر ترجمته فلم تنقل فهارس المكتبات منها شيئاً.
ولعل سبب اندثار هذه الكتب الفقهية هو الإمام إسحاق نفسه، فقد قال الحاكم أبو عبد الله: إسحاق بن راهويه وابن المبارك ومحمد بن يحيى هؤلاء دفنوا كتبهم1.
__________
1 طبقات الشافعية1/235، وسير أعلام النبلاء11/377.(1/167)
المبحث التاسع وفاته
أكمل الإمام إسحاق رسالته في الحياة فنشر السنة في بلاد خراسان، وحارب أهل البدع والضلال، وفي ليلة باردة من ليالي نصف شعبان، سنة ثمان وثلاثين ومائتين1، استجاب الإمام إسحاق نداء ربه، وصعدت روحه إلى بارئها، عن عمر ناهز السبع والسبعين، وصلى عليه تلميذه الوفي إسحاق بن منصور الكوسج، وحزن لفراقه كثير من الناس، وأكثر الشعراء من رثائه فقال أحدهم:
يا هدة ما هددتنا ليلة الأحد ... في نصف شعبان لا تنسى مدى الأبد2
وأنشد آخر على قبره:
وكيف احتمالي للسحاب صنيعه ... بإسقائه قبراً وفي لحده بحر3
وقال السبكي: أخبرني علي بن سلمة الكرابيسي -وهو من الصالحين- قال: رأيت ليلة مات إسحاق الحنظلي كأن قمراً ارتفع من الأرض إلى السماء من سكة إسحاق ثم نزل فسقط في الموضع الذي دفن
__________
1 طبقات الشافعية1/235، تهذيب الكمال للمزي2/387، وتاريخ بغداد6/355.
2 طبقات الشافعية1/235، وسير أعلام النبلاء11/377.
3 سير أعلام النبلاء11/322، وحلية الأولياء9/234.(1/169)
فيه إسحاق، قال: ولم أشعر بموته، فلما غدوت إذا بحفار يحفر قبر إسحاق في الموضع الذي رأيت القمر وقع فيه.1
رحم الله الإمام إسحاق وجزاه خير ما يجزي به عباده الصالحين إنه على كل شيء قدير.
__________
1 طبقات الشافعية1/235، وسير أعلام النبلاء11/380.(1/170)
[الفصل الثالث: ترجمة لحياة إسحاق بن منصور المروزي]
المبحث الأول اسمه ونسبه
هو الإمام الفقيه الحافظ الثقة أبو يعقوب إسحاق بن منصور بن بهرام المروزي المعروف بالكوسج، نزيل نيسابور.
والكوسج -بفتح الكاف والسين، وسكون الواو والجيم في آخره-: الذي لا شعر على عارضيه، والكوسج فارسي معرب، واشتقوا منه فعلاً، وقالوا كوسج الرجل: إذا صار كوسجاً1.
بلده ومولده:
كانت ولادته بعد سنة سبعين ومائة بمدينة مرو، وبها نشأ، وإليه
مصادر ترجمته: التاريخ الكبير للبخاري (1/404) والجرج والتعديل لابن أبي حاتم (2/234) والثقات لابن شاهين (ص35) وتاريخ بغداد للخطيب (6/362- 364) وطبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى (1/113-115) وتهذيب الكمال للمزي (2/474-478) وتذكرة الحفاظ (2/524-525) وسير أعلام النبلاء (12/258-260) والعبر (2/1) ودول الإسلام (151) أربعتها للذهبي، واللباب لابن الأثير (3/117) والوافي بالوفيات (8/426) والنجوم الزاهرة (2/333) وتهذيب التهذيب (1/249-250) وطبقات الحفاظ (229) المقصد الأرشد (70-71) والمنهج الأحمد (1/191-192) وشذرات الذهب (2/123) .
__________
1 لسان العرب1/352، تاج العروس 2/91.(1/173)
تنسب أحد سككها -يقال لها كوى إسحاق كوسه- (زقاق إسحاق الكوسج) ثم انتقل إلى نيسابور عاصمة خراسان، فاستوطنها1.
أسرته:
لم تذكر المصادر التي بين أيدينا شيئاً عن والده وأسرته إلا ما نقله الذهبي عن الحاكم أنه كان له عقب2.
__________
1 الأنساب10/494، سير أعلام النبلاء 2/259.
2 سير أعلام النبلاء 12/259.(1/174)
المبحث الثاني طلبه للعلم
لم تحدد المصادر الوقت الذي بدأ الكوسج فيه طلب العلم، والذي يظهر لي من تاريخ وفيات شيوخه أنه بدأ يطلب العلم في سن متأخرة، وهو في ريعان شبابه، لأن أقدم شيوخه وفاةً هو ابن عيينة ت 198هـ وعبد الله بن نمير الكوفي ت 199هـ وطبقتهما.
وكان قد رحل إلى العراق، والحجاز، والشام1، وسمع سنة عشر ومائتين هشام بن عمار بدمشق.2
ثقافته:
لقد ولد الكوسج بعد سنة مائة وسبعين من الهجرة، وقد بدأت الحركة العلمية تزدهر، وظهرت مصنفات في الحديث، والفقه، فألف الإمام مالك ت 179هـ موطأه، والإمام الشافعي رسالته، وعبد الرزاق مصنفه.
وأخذ عن جماعة من أعلام ذلك العصر كابن عيينة، ووكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد القطان، كما يأتي في أسماء شيوخه.
__________
1 تاريخ بغداد 6/362.
2 تاريخ دمشق.(1/175)
وصحب الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وأخذ عنها فقهاً كثيراً، فكان يعرض المسائل على الإمام أحمد، ويأخذ رأيه فيها، ثم عرض تلك المسائل على إسحاق، وكتب ما وافق فيه إسحاق أحمد أو خالفه، وروايته للمسائل هي أوسع رواية وصلت إلينا عن أحمد وإسحاق.
كما لازم يحيى بن معين، وأخذ عنه علم الجرح والتعديل، وتأتي روايته عنه في المرتبة الثانية، بعد رواية الدوري من حيث الكمية، إذ بلغ عدد النصوص المروية من طريقه عن ابن معين ألف نص تقريباً1.
وبعد تجوله في البلاد الإسلامية، وأخذه العلم من أصحابه وتدوينه الفقه والحديث، وعلم الجرح والتعديل عاد إلى خراسان، وأخذ في تدريس ما تعلمه، وبث السنة وتوعية الناس.
وقدره أهل بلدته حق قدره، وعرفوا فضله عليهم فأطلقوا اسمه على شارع، وزقاق من أزقة مدينتهم، وعلى المسجد الذي كان يصلي فيه.
وقد بقيت هذه الأماكن تحمل اسمه إلى زمن السمعاني في القرن السابع.2
__________
1 انظر: مقدمة كتاب التاريخ لابن معين للدكتور أحمد نور سيف 138-150.
2 الأنساب 10/494.(1/176)
المبحث الثالث مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه
لقد احتل الكوسج مكانة علمية عالية لدى العلماء، والنقاد، وكان موضع تقديرهم، وثقتهم، وكان الإمام أحمد يبالغ في احترامه، روى الخطيب بإسناده إلى صالح بن الإمام أحمد قال: قلت لأبي: بلغني أن إسحاق بن منصور روى بخراسان هذه المسائل التي سألك عنها، ويأخذ عليها الدراهم، فغضب أبي من ذلك واغتم مما أعلمته فقال: تسألونني عن المسائل، ثم تحدثون بها وتأخذون عليها، وأنكر إنكاراً شديداً …
ثم إن إسحاق بن منصور قدم بعد ذلك بغداد، فصار إلى أبي، فأعلمته أنه على الباب فأذن له، ولم يتكلم معه بشيء من ذلك1.
وتلك الواقعة تبين مدى احترام الإمام أحمد له حيث لم يفاتحه فيما أنكر عليه.
وقد احتج بإسحاق بن منصور البخاري ومسلم في صحيحيهما، واعتمدا عليه، يقول صاحب الزهرة: إن البخاري روى عنه تسعين حديثاً، ومسلم مائة حديث، وخمسة أحاديث.2
وقد ورد إسحاق بن منصور بغداد، وحدث بها، فروى عنه من
__________
1 تاريخ بغداد 6/363-364.
2 انظر التعليق على تهذيب الكمال 2/478.(1/177)
أهلها إبراهيم بن إسحاق الحربي، وعبد الله أحمد بن حنبل1.
وقد أثنى عليه كثير من العلماء:
فقال مسلم: ثقة مأمون، أحد الأئمة من أصحاب الحديث.
وقال النسائي: ثقة ثبت.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال أبو عبد الله الحاكم: هو أحد أئمة الحديث، من الزهاد والمتمسكين، اعتماده في الصحيحين أي اعتماد.
وقال الخطيب: كان إسحاق بن منصور عالماً فقيهاً، وهو الذي دون عن أحمد وإسحاق المسائل في الفقه.2
وافتتح الذهبي ترجمته بقوله: الإمام الفقيه الحافظ الحجة.3
وقال عنه: من كبار علماء نيسابور.4
وقال ابن حجر: ثقة ثبت.5
وقال ابن العماد: كان ثقة نبيلاً.6
__________
1 تاريخ بغداد 6/363.
2 تاريخ بغداد 6/363، وتهذيب الكمال 2/476-477.
3 سير أعلام النبلاء 12/258.
4 دول الإسلام 1/151.
5 تقريب التهذيب ص30.
6 شذرات الذهب3/123.(1/178)
المبحث الرابع شيوخه
التقى إسحاق بن منصور المرزوي أثناء طلبه للعلم بكثير من علماء عصره، ورحل الرحلات العلمية إلى المدن الإسلامية التي كانت منارات للعلم، وخلال رحلاته التقي بالفقهاء والمحدثين، وسأقتصر هنا على ذكر بعض شيوخه وأترجم لهم ترجمة موجزة مرتبين على حسب أقدمية وفياتهم، مع ذكر مرجع أو مرجعين من الكتب التي ترجم لهم فيها.
- وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي 197.1
- سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي ت 198هـ.2
- عبد الله بن نمير الكوفي ت 199.
هو عبد الله بن نمير هدان أبو هشام الكوفي. أحد أصحاب الحديث المشهورين، وروى عن هشام بن عروة وطبقته، عاش بضعاً وثمانين سنة، ثقة ثبت توفي سنة تسع وتسعين ومائة.3
- المغيرة بن سلمة المخزومي أبو هشام البصري ثقة ثبت، مات سنة
__________
1 تقدمت ترجمته ضمن شيوخ الإمام أحمد.
2 تقدمت ترجمته ضمن شيوخ الإمام أحمد.
3 تقريب التهذيب ص192، وشذرات الذهب1/357.(1/179)
مائتين.1
- معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري سكن اليمن، صدوق أخرج له الجماعة، مات سنة مائتين.2
- إسحاق بن سلمان الرازي أبو يحيى الكوفي الأصل ثقة فاضل، وكان عابداً خاشعاً، روى له أصحاب الكتب الستة، وروى عن ابن أبي ذئب وطبقته مات سنة مائتين، وقيل قبلها.3
- محمد بن جهبذ بن عبد الله الثقفي أبو جعفر البصري، خراساني الأصل، صدوق، أخرج له البخاري ومسلم، وأبو داود، والنسائي. مات بعد المائتين.4
- مهنا بن عبد الحميد أبو شبل -بكسر المعجمة وسكون الموحدة- ويقال: أبو سهل، البصري، ثقة، مات بعد المائتين.5
- عيسى بن المنذر الحمصي السلمي أبو موسى مقبول مات
__________
1 تهذيب التهذيب10/261، تقريب التهذيب ص345.
2 تذكرة الحفاظ1/325، تقريب التهذيب ص341، طبقات الحفاظ142، شذرات الذهب2/359.
3 تقريب التهذيب ص28، وشذرات الذهب1/356.
4 تقريب التهذيب ص293.
5 تقريب التهذيب ص349.(1/180)
بعد المائتين.1
- بهلول بن مُوَرِّق- بضم الميم، وفتح الواو، وكسر الراء الثقيلة -أبو غسان المصري أصله شامي، صدوق أخذ عنه إسحاق بن منصور وروى له ابن ماجه حديثاً واحداً.2
- حماد بن أسامة بن زيد القرشي مولاهم، أبو أسامة الكوفي مشهور بكنيته ثقة ثبت، أخرج له الجماعة، روى عن الأعمش والكبار، وقال الإمام أحمد: ما أثبته، لا يكاد يخطئ.
توفي سنة إحدى ومائتين وهو ابن ثمانين.3
- عمر بن سعد الحضري - بفتح المهملة والفاء نسبة إلى موضع بالكوفة- إمام ثقة عابد صاحب حديث، مات سنة ثلاث ومائتين.4
- حسين بن علي بن الوليد الجعفي مولاهم، أبو عبد الله، ويقال أبو محمد الكوفي المقرئ، روى عنه الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وإسحاق بن منصور وخلق سواهم، وأخرج له الجماعة، كان ثقة
__________
1 تقريب التهذيب ص272.
2 تهذيب الكمال4/263، وتقريب التهذيب ص48.
3 تهذيب الكمال7/217، وشذرات الذهب2/2، وتقريب التهذيب ص81.
4 طبقات ابن سعد6/403، تهذيب التهذيب7/452، وتقريب التهذيب ص253.(1/181)
عابداً، ولد سنة تسع عشرة ومائة وتوفي سنة ثلاث أو أربع ومائتين.1
- سليمان بن داود بن الجارود أبو داود، الطيالسي، البصري، ثقة حافظ، مات سنة أربع ومائتين.2
- عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر العجلي، مولاهم البصري نزيل بغداد، إمام صدوق عابد محدث، سكن بغداد توفي سنة أربع ومائتين، ويقال سنة: ست ومائتين.3
- عبد الكبير بن عبد المجيد أبو بكر الحنفي البصري، ثقة من أصحاب الحديث مات سنة أربع ومائتين.4
- النضر بن شميل المازني أبو الحسن النحوي البصري، كان إماماً في العربية والحديث، وهو أول من أظهر السنة بمرو، وجميع خراسان، مات أول سنة أربع ومائتين.5
- محمد بن بكر بن عثمان البرساني -بضم الموحدة وسكون الراء، ثم المهملة- أبو عثمان البصري، صدوق أخرج له الجماعة، مات ستة
__________
1 تهذيب الكمال6/449، وتقريب التهذيب74، وشذرات الذهب2/5.
2 تقريب التهذيب133، وشذرات الذهب2/12.
3 تاريخ بغداد11/21-25، تذكرة الحفاظ1/329، تقريب التهذيب222-223.
4 طبقات ابن سعد5/424، سير أعلام النبلاء8/424، وتقريب التهذيب ص217.
5 تذكرة الحفاظ1/314، تهذيب التهذيب10/437، طبقات الحفاظ137.(1/182)
أربع ومائتين.1
- عبد الملك بن عمرو العقدي- بفتح المهملة والقاف- البصري أبو عامر الإمام الحافظ محدث البصرة، أخرج له الجماعة مات سنة أربع أو خمس ومائتين.2
- روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسى أبو محمد البصري، ثقة فاضل، كان من كبار المحدثين له تصانيف، وأخرج له الجماعة. مات سنة خمس أو سبع ومائتين.3
- وهب بن جرير بن حازم الحافظ الصدوق الإمام أبو العباس الأزدي البصري، روى عنه إسحاق بن راهويه، وإسحاق بن منصور، مات سنة ست ومائتين4.
- هارون بن إسماعيل الخزاز -بمعجمات- أبو الحسن البصري، ثقة، مات سنة ست ومائتين5.
- جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث القريشي المخزومي
__________
1 تاريخ ابن معين 506، تهذيب التهذيب9/73، تقريب التهذيب291.
2 تهذيب التهذيب6/399، تقريب التهذيب219، شذرات الذهب2/14.
3 تذكرة الحفاظ1/349، وتقريب التهذيب ص104.
4 الجرح والتعديل9/28، تهذيب التهذيب11/161.
5 تقريب التهذيب ص361.(1/183)
أبو عون الكوفي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، مات بالكوفة سنة ست ومائتين وقيل: سبع1.
- بشر بن عمر بن الحكم بن عقبه الزهراني الأزدي أبو محمد البصري، ثقة متقن ذو علم وحديث، أخرج له الجماعة، توفي بالبصرة آخر سنة ست ومائتين أول سنة سبع، وصلى عليه يحيى بن أكثم القاضي.2
- كثير بن هشام الكلابي أبو سهل الرقي نزيل بغداد، ثقة، مات سنة سبع ومائتين وقيل ثمان.3
- عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي الباهلي، أبو وهب البصري نزيل بغداد، ثقة حافظ، أخرج له الجماعة، مات سنة ثمان ومائتين4.
- سعيد بن عامر الضبعي -بضم المعجمة وفتح الموحدة- أبو محمد البصري، أحد الأعلام في العلم والعمل، ثقة صالح، أخرج له الجماعة، مات سنة ثمان ومائتين وله ست وثمانون سنة5.
__________
1 تهذيب الكمال5/70، وتقريب التهذيب ص56.
2 تهذيب الكمال4/138-139، شذرات الذهب2/18.
3 تهذيب التهذيب8/429-430، تقريب التهذيب285.
4 تقريب التهذيب ص169، شذرات الذهب2/20.
5 تقريب التهذيب ص123، شذرات الذهب2/20.(1/184)
- يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد، كان إماماً ثقة فاضلاً ورعاً كبير القدر، مات سنة ثمان ومائتين.1
- عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي أبو علي البصري، صدوق لم يثبت أن يحيى بن معين ضعفه، أخرج له الجماعة مات سنة تسع ومائتين2.
- زكريا بن عدي بن الصلت التميمي مولاهم، أبو يحيى، نزيل بغداد، ثقة جليل يحفظ مات سنة إحدى عشرة، أو اثنتي عشرة ومائتين3.
- محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي -بكسر الفاء وسكون الراء بعدها تحتانية، وبعد الألف موحدة- نزيل قيساريه من ساحل الشام، كان إماماً حافظاً أكثر من الأوزاعي والثوري، أدركه الإمام البخاري، ورحل إليه الإمام أحمد فلم يدركه، أخرج له الجماعة، مات سنة اثنتي عشرة ومائتين4.
- عبد القدوس بن الحجاج الخولاني أبو المغيرة الحمصي ثقة، أخرج
__________
1 تقريب التهذيب ص386، شذرات الذهب2/22.
2 تقريب التهذيب ص226، شذرات الذهب2/22.
3 تهذيب التهذيب3/301، تقريب التهذيب107.
4 تقريب التهذيب325، شذرات الذهب2/28.(1/185)
له الجماعة، وسمع من الأوزاعي وطبقته، توفي سنة اثنتي عشرة ومائتين.1
- بشر بن شعيب بن أبي حمزة، واسمه دينار القرشي مولاهم أبو القاسم الحمصي، ثقة مات سنة ثلاث عشرة ومائتين2.
- عبيد الله بن موسى بن أبي المختار باذام العبسي الكوفي أبو محمد، كان حافظاً للحديث مجوداً للقرآن، ثقة صدوقاً روى له الجماعة، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين على الصحيح.3
- محمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي أبو يوسف الصنعاني نزيل المصيصة صدوق، أخرج حديثه أبو داود والترمذي، والنسائي، مات سنة بضع عشرة ومائتين.4
- محمد بن المبارك الصوري القرشي، كان شيخ دمشق بعد أبي مسهر، حافظ ثقة، قال أبو داود: هذا رجل الشام بعد أبي مسهر، وهو شيخ الإسلام، مات سنة خمس عشرة مائتين5.
- يحيى بن حماد بن أبي زياد الشيباني مولاهم البصري، ثقة ثبت
__________
1 تقريب التهذيب217، شذرات الذهب2/28.
2 تهذيب الكمال4/126، تقريب التهذيب ص44.
3 المعرفة والتاريخ1/198، تذكرة الحفاظ1/353، تقريب التهذيب227.
4 تقريب التهذيب316.
5 تقريب التهذيب317، شذرات الذهب2/35.(1/186)
كثير الحديث، مات سنة خمس عشرة ومائتين.1
- حبان بن هلال أبو حبيب البصري، الحافظ الثقة.
قال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت في البصرة، مات سنة ست عشرة ومائتين2.
- الحجاج بن المنهال الأنماطي أبو محمد السلمي وقيل البرساني مولاهم البصري، ثقة كثير الحديث، وأحد الفقهاء، أخرج له الجماعة، توفي سنة سبع عشرة ومائتين.3
- علي بن معبد الرقي نزيل مصر، ثقة فقيه مات سنة ثماني عشرة ومائتين.4
- عبد الأعلى بن مسهر الغساني أبو مسهر الدمشقي، ثقة فاضل كان علامة بالمغازي، كثير العلم رفيع القدر، أخرج له الجماعة، مات سنة ثماني عشرة ومائتين، وله ثمان وسبعون سنة5.
- عمرو بن الربيع بن طارق الكوفي نزيل مصر، ثقة في الحديث،
__________
1 الجرح والتعديل9/137، وتقريب التهذيب384.
2 تقريب التهذيب ص62، وشذرات الذهب2/36.
3 تهذيب الكمال5/457، وتقريب التهذيب ص64، شذرات الذهب2/38.
4 تقريب التهذيب249.
5 تقريب التهذيب195، شذرات الذهب2/44.(1/187)
مات سنة تسع عشرة ومائتين.1
- يحيى بن صالح الوحاظي -بضم الواو وتخفيف المهملة، ثم معجمة- فقيه حمص، ومحدثها، وقاضيها، صدوق من أهل الرأي، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين، وقد جاوز التسعين.2
- الحكم بن نافع البهراني أبو اليمان الحمصي، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، أخرج له الجماعة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين.3
- يزيد بن عبد ربه الزبيدي -بالضم- أبو الفضل الحمصي المؤذن، يقال له الجرجسي -بجيمين مضمومتين بينهما راء ساكنة ثم مهملة- ثقة ثبت من أصحاب الحديث، مات سنة أربع وعشرين وله ست وخمسون سنة.4
- حيوة بن شريح بن يزيد الحضرمي أبو العباس بن أبي حيوة الحمصي، ثقة مات سنة أربع وعشرين ومائتين.5
- سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء
__________
1 تقريب التهذيب 259.
2 تقريب التهذيب376، شذرات الذهب 2/50.
3 تهذيب الكمال7/146، وتقريب التهذيب ص80، وشذرات الذهب2/50.
4 تقريب التهذيب ص383، وشذرات الذهب2/56.
5 تهذيب الكمال7/482، وتقريب التهذيب86.(1/188)
أبو محمد المصري، ثقة ثبت فقيه، أخرج له الجماعة، مات سنة أربع وعشرين ومائتين وله ثمانون سنة.1
- هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي الباهلي مولاهم البصري الحافظ أحد أركان الحديث، ثقة ثبت أخرج له الجماعة، مات سنة سبع وعشرين ومائتين.2
- يحيى بن معين بن عون أبو زكريا، من أقران الإمام أحمد وإسحاق، وهو الإمام الحافظ الجهبذ شيخ المحديثن أحد الأعلام، روى عنه إسحاق بن منصور في الجرح والتعديل، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.3
- هشام بن عمار بن نصير -بنون مصغرة- الدمشقي الإمام أبو الوليد السلمي، خطيب دمشق وقارؤها وفقيهها ومحدثها، مات سنة خمس وأربعين ومائتين على الصحيح، وله اثنتان وتسعون سنة.4
- كما أخذ العلم عن عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري، ويحيى بن سعيد القطان، والضحاك بن مخلد الشيباني، ويزيد بن هارون
__________
1 تقريب التهذيب ص120.
2 تقريب التهذيب364، شذرات الذهب2/62.
3 تقريب التهذيب379، شذرات الذهب2/79.
4 تقريب التهذيب364، وشذرات الذهب2/109.(1/189)
السلمي، وعفان بن مسلم الصفار، وعبد الرزاق بن همام الحميري، وعبد الصمد بن عبد الوارث، والإمام إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل رحمهم الله.(1/190)
المبحث الخامس بعض تلاميذه
- محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أبو عبد الله البخاري ت256.1
- إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي الجرجاني أبو إسحاق نزيل دمشق ومحدثها، وثقه النسائي، وقال الدارقطني: كان من الحفاظ الثقات المصنفين، مات بدمشق سنة ست أو تسع وخمسين ومائتين.2
- عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ القرشي المخزومي أحد الأئمة الأعلام، قال ابن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل. مات بالرى آخر يوم من ذي الحجة سنة أربع وستين ومائتين.3
- محمد بن إدريس بن المنذر بن داود الحنظلي الرازي، أحد الأئمة الحفاظ الأثبات المشهورين بالعلم والمذكورين بالفضل، مات بالرى سنة
__________
1 سبقت الترجمة له ضمن تلاميذ الإمام أحمد.
2 تذكرة الحفاظ للذهبي 2/549، وطبقات الحفاظ ص 248، وشذرات الذهب 2/138.
3 تذكرة الحفاظ للذهبي 2/557، وطبقات الحفاظ ص253، وشذرات الذهب 2/148.(1/191)
خمس وقيل سبع وسبعين ومائتين1.
- أحمد بن سهل بن بحر الحافظ المجود الإمام أبو العباس النيسابوري الفقيه، قال الحاكم: مجود في الشاميين، ليس في مشايخ بلدنا من أقرانه أكثر سماعاً بالشام منه، مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين.2
- محمد بن عيسى بن سورة السلمي أبو عيسى الترمذي ت279.
- عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل أبو عبد الرحمن الشيباني ت290.
- أحمد بن شعيب النسائي ت3033.
- عبد الله بن الحافظ الكبير سليمان بن الأشعث، أبو بكر السجستاني ابن أبي داود الحافظ العلامة قدوة المحدثين، صاحب التصانيف رحل، وسمع، وبرع، وساد الأقران، ولد سنة ثلاثين ومائتين، مات في ذي الحجة سنة ست عشرة وثلاثمائة4.
- الحافظ الكبير إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة ابن صالح بن بكر السلمي النيسابوري، صنف واشتهر، وانتهت إليه
__________
1 تذكرة الحفاظ2/567، وطبقات الحفاظ259، وشذرات الذهب2/171.
2 تذكرة الحفاظ2/670، طبقات الحفاظ ص300، والعبر2/83.
3 سبقت ترجمة الأئمة الثلاثة.
4 تذكرة الحفاظ 2/767، وطبقات الحفاظ 324.(1/192)
الإمامة والحفظ في عصره بخراسان، توفى في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وهو في تسع وثمانين سنة1.
- الحافظ الإمام الرحال أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم النيسابوري، كان شيخ نيسابور في الحشمة والثروة والتزكية، مات في ذي القعدة سنة سبع عشرة وثلاثمائة2.
- المؤمل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس الرئيس أبو الوفاء النيسابوري أخذ العلم عن أبيه وإسحاق بن منصور الكوسج والحسين الزعفراني وطبقتهما، كان صدر نيسابور، وروي أن أمير خراسان ابن طاهر اقترض منه ألف ألف درهم، مات سنة تسع عشرة وثلاثمائة3.
- الإمام الحافظ الثقة أبو حامد أحمد بن حمدون بن أحمد بن عمارة ابن رستم النيسابوري، كان قد جمع حديث الأعمش، واعتنى به، فنسب إليه، مات سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة4.
- محمد بن موسى الأصم، صدوق روى عنه الترمذي، وقد أخذ
__________
1 تذكرة الحفاظ 2/820، وسير أعلام النبلاء 12/209.
2 طبقات الحفاظ 335، شذرات الذهب 2/275 وفيه الجبري نسبة جبر بالفتح والتشديد.
3 تذكرة الحفاظ 3/803، شذرات الذهب 2/283.
4 تذكرة الحفاظ 3/805، وطبقات الحفاظ 338.(1/193)
العلم عن إسحاق بن منصور، وكان من رواة المسائل عنه، وأخذ منه الترمذي بعض المسائل التي لم يسمعها من ابن منصور مباشرة1.
- محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الحافظ المروزي، سمع علي بن خشرم المروزي، ومحمد بن يحيى القطيعي، وإسحاق بن منصور الكوسج2.
وقدم بغداد، وحدث بها، وحدث عن أهلها، وكان ثقة حافظاً.
__________
1 علل الترمذي المطبوع مع سنن الترمذي 5/737، تهذيب التهذيب 9/483، تقريب التهذيب 320.
2 تاريخ بغداد 3/68.(1/194)
المبحث السادس مؤلفاته
تعددت نواحي ثقافة الحافظ إسحاق بن منصور حتى شملت كثيراً من العلوم التي سادت ذلك العصر، وخاصة علوم الشريعة، وكان الحافظ ابن منصور ذا قلم ينطق بالبيان، وأسلوب رصين في الكتابة، فقد قال الإمام مسلم بن حجاج رحمه الله: "لم أر أحداً أصلح كتاباً من إسحاق ابن منصور."1
وشخص هذا شأنه لابد أن يكون له مؤلفات كثيرة، غير أن كتب الفهارس والتراجم لم تذكر من مؤلفاته إلا أربعة كتب هي:
1- كتاب الصلاة، ذكره السمعاني في الأنساب في ترجمته فقال: روى المسائل عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية، وصنف كتاباً كبيراً في الصلاة2.
2- كتاب المسائل في الفقه عن إمامي أهل الحديث، وفقيهي أهل السنة: الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهوية، وموضوع رسالتي جزء منه.
__________
1 الأنساب للسمعاني 10/295.
2 المرجع السابق.(1/195)
3- مسائل عن يحيى بن معين، والظاهر أنها سؤالات تتعلق بالجرح والتعديل، وقد ذكره ابن حجر في التهذيب فقال: تتلمذ على أحمد وإسحاق ويحيى بن معين، وله عنهم مسائل1.
4- المسند، وهو كتاب في الحديث وقد ذكره الكتاني في كتابه الرسالة المستطرفة، وعمر رضا كحالة في معجم المؤلفين، وقال: له مسند يروى عنه2.
__________
1 تهذيب التهذيب 1/149.
2 الرسالة المستطرفة ص68، ومعجم المؤلفين 1/239.(1/196)
المبحث السابع وفاته
في يوم الخميس لعشر بقين من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين ومائتين حل بابن منصور -رحمه الله تعالى- هادم اللذات، ومفرق الجماعات، فلبى نداء ربه راضياً مرضياً، بعد أن قضى عمره في سبيل العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه، وتثقيف من حوله، ونشر مذهب الإمام وإسحاق بخراسان، وصلى عليه الأمير محمد بن طاهر أمير نيسابور، ومحب العلم وأهله، ودفن يوم الجمعة إلى جنب إسحاق بن راهويةن ومحمد بن رافع.
هذا ولم يقع الخلاف في سنة وفاته، ولا تاريخه، إنما وقع خلاف في اليوم الذي توفى فيه.
فقد ذكر البخاري، وأبو حاتم، وابن حبان، وأحمد بن محمد بن حسين الكلاباذي أنه توفى في يوم الإثنين ودفن يوم الثلاثاء.
وقال الحسين بن محمد بن زياد القباني النيسابوري: إنه توفى يوم الخميس، ودفن يوم الجمعة.
وهذا القول أظهر فيما يبدو لي، لأن القباني من أئمة الحديث، ومن أهل بلده، وقديماً قيل: إن أهل مكة أدرى بشعابها.(1/197)
ولعل الإمام البخاري سمع الخبر من غيره، وتبعه ابن حبان والكلاباذي.1
فرحم الله ابن منصور رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً.
__________
1 تاريخ بغداد 6/364، والعبر للذهبي 2/1، والمنهج الأحمد 1/192، والمقصد الأرشد ص71، سير أعلام النبلاء 12/260 وتهذيب الكمال 2/477-478.(1/198)
[الفصل الرابع: (ويشمل على المباحث) ]
المبحث الأول وصف نسخ المخطوطة ومحتوياتها
لكتاب مسائل الإمام أحمد بن حنبل برواية إسحاق بن منصور المرزوي ثلاث نسخ خطية:
1- وهي النسخة الظاهرية،
2- ونسخة دارالكتب المصرية المنسوخة من الظاهرية،
3- والنسخة العمرية.
1 - وصف النسخة الأولى:
وهي نسخة المكتبة الظاهرية، وبها نقص يسير في أول الكتاب عن النسخة العمرية، ويبتدئ الجزء الظاهر منه بقوله: قلت: الصلاة بوضوء واحد أحب إليك، أو يتوضأ لكل مكتوبة، وهذه النسخة تحتوي على العناوين والأبواب التالية:-
العناوين ... الصفحات
باب الصلاة ... 11
من كتاب الزكاة ... 30
الجزء الثاني، فيه الزكاة، والصيام، والحيض، والنكاح، والطلاق، ويتلوه باب الصيام ... 36
في الصيام ... 38(1/201)
في الحيض ... 42
في النكاح والطلاق ... 43
المناسك ... 80
الجزء السابع من مسائل أحمد بن محمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية رواية إسحاق بن منصور المرزوي، في الكفارات وأول البيوع ... 100
كتاب البيوع ... 103
الجزء الخامس من مسائل أحمد بن محمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، رواية إسحاق بن منصور المرزوي سماع يوسف من ابن مسند ملك1 ... 129
في الحدود والديات ... 147
لجزء السادس من مسائل أحمد بن محمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، فيه بقية الحدود، والديات والجهاد، والذبائح والأشربة، والشهادات والفرائض. ... 159
كتاب الجهاد ... 171
__________
1 كلمة غامضة لم أعثر عليها.(1/202)
كتاب الذبائح ... 175
في الأشربة ... 180
في الشهادات ... 181
في الفرائض ... 185
الجزء السابع من مسائل أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، وفيه أبواب الوصايا والمدبر، والمكاتب ومسائل شتى، وهو آخر الكتاب ... 191
في المدبر، والمكاتب، والعتق ... 199
مسائل شتى ... 208
وجاء في آخر هذه النسخة: تم الجزء، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين ورسول رب العالمين، وسلم كثيراً.
ويلاحظ على هذه النسخة أنه لم يذكر الجزء الأول، ولعله ذكره في الصفحة الأولى من الكتاب الذي لم يظهر منه إلا الشيء اليسير بسبب انطماس الكلمات والجمل فيه بفعل الرطوبة.
وكذلك لم يذكر الجزء الثالث والرابع، وكرر العنوان بالجزء السابع مع اختلاف العناوين المندرجة تحت هذين الجزأين.
وتتكون هذه النسخة من ثلاث عشرة ومائة ورقة ذات وجهين، اثنتان وعشرون ومائتي صفحة، في كل صفحة من خمسة وثلاثين إلى(1/203)
سبعة وثلاثين سطراً تقريباً، يتراوح عدد الكلمات في كل سطر بين ست عشرة، وثماني عشرة كلمة، وهي فيما يبدو نسخة كاملة غير أنها سقط منها عدد من الأسطر من الأول، وبها بعض الانطماس في الكلمات والأسطر في البداية بفعل الرطوبة وكتبت بخط جيد دقيق شبيه بخط النسخ، والغالب عليها الإعجام، إلا في بعض الكلمات، يختلف رسم بعض الكلمات عما هو مألوف الآن كسفيان، ومالك، وإسحاق حيث يرسمها سفين، ملك، إسحق، وكذا زكاة، وجنى "من الجناية" والتقى هكذا، كذى، زكوة، جنا، التقا.
والنسخة خالية من السند إلا في موضع واحد ص 129 جاء فيه رواية إسحاق بن منصور المرزوي سماع يوسف من ابن مسند ملك إلا أن الاسم الأخير غير واضح.
ولم يذكر في النسخة اسم الناسخ، وتاريخ النسخ، ويرى الأستاذ فؤاد سزكين أنها كتبت في القرن الرابع الهجري1.
كما أن النسخة كانت في حيازة الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور السعدي المقدسي.
فقد جاء في الصفحة الأولى فوق عنوان الكتاب عبارة "وقف
__________
1 تاريخ التراث العربي 1/3/228.(1/204)
الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي رحمه الله ورضي عنه".
وجاء في الكتب التي ترجمت للحافظ ضياء الدين أبو عبد الله محمد ابن عبد الواحد أنه بنى مدرسة على باب جامع المظفري بسطح قاسيون، وأعانه عليها بعض أهل الخير، ووقف عليها كتبه، وأجزاءه.
وكانت ولادته سنة تسع وستين وخمسمائة ووفاته سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ودفن بسفح جبل قاسيون بدمشق1.
والذي يظهر أن هذه النسخة من كتاب المسائل كانت متداولة بين العلماء في القرن السادس، والسابع، وأن ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي وقفه كما ذكر ذلك مترجموه.
وجاء في الصفحة رقم مائة عبارة "وقف بالضيائية" والضيائية مدرسة يقال لها دار الحديث الضيائية المحمدية، ويقال لها درا السنة بسفح قاسيون شرقي الجامع المظفري.
قال ابن شداد: "بانيها الفقيه ضياء الدين محمد بجبل الصالحية2 والقسم الذي قمت بتحقيقه من هذه النسخة يبدأ من كتاب الجهاد
__________
1 شذرات الذهب لابن العماد 5/224وما بعده، والمقصد الأرشد 283 وما بعده، والقلائد الجواهرية في تاريخ الصالحية 1/130.
2 انظر القلائد الجواهرية في تاريخ الصالحية 1/130.(1/205)
صفحة إحدى وسبعين ومائة إلى نهاية المدبر والمكاتب، والعتق صفحة ثمان ومائتين، وقد اخترت ترتيب هذه النسخة.
وصف النسخة الثانية
النسخة الثانية هي العمرية التي انضمت أخيراً إلى المكتبة الظاهرية وبدأت هذه النسخة بعبارة: "بسم الله الرحمن الرحيم" ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حدثنا إسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج المرزوي قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه: إذا أحدث قبل أن يسلم؟ قال يعيد الصلاة ما لم يسلم، فإن انقضاء الصلاة التسليم، فإن لم يسلم رجع فقعد، ثم سلم ما دام قريباً، فإذا تباعد ذلك أعاد.
وتشمل هذه النسخة على الأبواب والعناوين التالية:-
العناوين ... الصفاحات
بدأ بمسائل من باب الطهارة دون أن يعنون لها ... 2
باب التيمم ... 9
باب الصلاة ... 13
باب الجمعة ... 46
آخر الجزء الأول، وأول الثاني بسم الله الرحمن الرحيم باب الزكاة ... 50
باب المكاتب يزكي ما أخذه منه سيده ... 56(1/206)
باب في زكاة مضارب يزكي غلته ... 57
باب من ابتاع قبل الفطر يطعم سيده عنه ... 59
باب في تعجيل الزكاة ... 60
كتاب الصيام ... 63
باب الحيض ... 67
بدأ في النصف الأخير من الصفحة في الكلام على غسل الميت، ولم يعنون له. ... 74
بدأ في كتاب الجهاد، ولم يعنون له ... 77
بدأ في الكلام على النكاح، ولم يبوب له ... 81
آخر الجزء الثاني، وأول الثالث ... 89
باب الرضاع ... 92
باب الظهار ... 94
باب الوصايا ... 133
باب الهبة ... 133
آخر الجزء الثالث، وأول الرابع ... 137
بقية باب الهبة ... 137
باب المكاتب ... 143
باب الأيمان ... 155
باب المناسك ... 163(1/207)
آخر الجزء الرابع، وأول الخامس ... 184
باب الحدود ... 192
باب القسامة ... 215
باب البيوع ... 236
آخر الجزء الخامس، وأول السادس ... 246
آخر الجزء السادس، وأول السابع ... 311
باب الصيد والذبائح ... 321
باب الأشربة ... 326
باب الشهادات ... 321
كتاب المواريث ... 326
مسائل شتى ... 336
وتحتوي هذه النسخة على تسع وسبعين ومائة ورقة ذات وجهين: أربعة وستون وثلاثممائة صفحة، في كل صفحة ما بين أربعة وثلاثين، واثنتين وعشرين سطراً، وفي كل سطر خمس عشرة كلمة تقريباً، وهي بخط عادي رديء متداخلة السطور والكلمات وهي منقوطة غالباً، ويختلف رسم بعض الكلمات عن القواعد الإملائية الحديثة فيكتب عثمان، وبئر، ولوى، وأعطى، وتطلى، وشراء هكذا: عثمن، وبير، ولوا، وأعطا، وتطلا، وشرى.
ويوجد بها نقص في عدة مواضع فنقص مقدار ورقة من كتاب(1/208)
الجهاد كما نقص في كتاب الصيد والذبائح، وفي كتاب العتق.
وكتبت هذه النسخة بخط محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن عمر بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة، وكان الفراغ منها يوم السبت شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وسبعمائة بصالحية دمشق.
وجاء في آخر هذه النسخة ما نصه: "وكتبه لنفسه أفقر عبده إلى ربه عز وجل محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة، ثم ساق نسبه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: "وكان الفراغ منه يوم السبت شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وسبعمائة بمحلة الصالحين، بمنزله بصالحية دمشق المحروسة، وغفر الله له، وللمسلمين أجمعين آمين.
وكتب بالهامش: آخر الأجزاء كلها.
وامتازت هذه النسخة بأنها صححت بعض الأخطاء اللغوية التي وقعت في النسخة الظاهرية، وزادت بعض المسائل، ووضحت بعض العبارات الغامضة، وأكملت بعض الخروم التي في الظاهرية.
وقد قابلت بين النسختين، وأخذت منها المسائل التي انفردت بها عن الظاهرية ووضعتها في القسم المحقق في الموضع الذي أصادف فيه المسألة الزائدة، وأشرت في الهامش إلى أن المسألة انفردت بها النسخة العمرية.
وهناك نسخة ثالثة مصورة من دار الكتب المصرية تشتمل على(1/209)
تسعة وعشرين وأربعمائة ورقة ذات وجهين في كل صفحة واحد وعشرون سطراً، وعدد كلمات كل سطر بين سبع، وثمان كلمات، وهي منقولة عن النسخة الظاهرية كتبت عام 1362هـ الموافق 1943 بخط عبد اللطيف فخر الدين الناسخ بالدار.
ويقع القسم الذي قمت بتحقيقه في هذه النسخة من الصفحة الثانية من المجلد الثاني من كتاب الجهاد، إلى صفحة اثنتين وأربعين ومائة آخر كتاب العتق والدبر والمكاتب.
وقد جعلت النسخة الظاهرية الأصل، وذلك لامتيازها عن بقية النسخ بالأمور التالية:
1- قدم النسخة، حيث إنها كتبت في القرن الرابع كما سبق.
2- كون النسخة كاملة، لا ينقص منها شيء في الجزء الذي اخترته.
3- عدم وجود الطمس والبياض فيها.
4- وضوح النسخة، وجودة خطها بالنسبة إلى النسخة العمرية.(1/210)
المبحث الثاني توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه
لقد كتب المؤلف كتابه عن الإمام أحمد وإسحاق، وقام بتدريسه بخراسان، وتتلمذ عليه، وأخذ هذه المسائل عنه كثير من الأئمة كالإمام الترمذي الذي سمع بعض هذه المسائل عن الحافظ إسحاق بن منصور المروزي مباشرة، كما صرح بذلك في شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي، وقد ضمن الترمذي كتابه كثيراً من هذه المسائل وجعله العمدة في ذكر مذهب الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه.
قال الترمذي: وما كان فيه من قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فهو ما أنبأنا به إسحاق بن منصور الكوسج عن أحمد وإسحاق إلا ما في أبواب الحج، والديات، والحدود فإني لم أسمعه من إسحاق بن منصور، وأخبرني به محمد بن موسى الأصم عن إسحاق بن منصور عن أحمد وإسحاق1.
وبعد وفاة المؤلف كان الكتاب يروى من طريقين: من طريق الرواية عن تلاميذه، ومن طريق كتابه الذي كان قد فرغ من تأليفه، وتهذيبه في حياته، فنرى الخلال يروي هذه المسائل في الغالب عن طريق
__________
1 شرح علل الترمذي لابن رجب1/31.(1/211)
محمد بن حازم، فإذا لم يذكر الراوي المسألة بتمامها، واحتاج إلى إكمالها أخذها من نسخة المؤلف وأشار إلى ذلك كما فعل في مسألة ترك التسمية على الذبيحة، فقال بعد أن روى المسألة من طريق الراوي، ثم أضاف رأي الإمام أحمد من كتاب المسائل لابن منصور وقال: قول أحمد لم يقرأه علينا الشيخ كتبناه من أصل كتابه1.
وقد اشتهرت هذه المسائل أنها من تأليف إسحاق بن منصور المروزي المعروف بالكوسج، فلم يترجم أحد له، إلا وقرنه بتأليفه كتاب المسائل عن الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، ويتأيد نسبة الكتاب إلى مؤلفه ابن منصور بأمور منها:
1- عنوان الكتاب الثابت في الورقة الأولى من النسخة الظاهرية، وجاء فيه ما نصه: "كتاب المسائل عن إمامي أهل الحديث، وفقيهي أهل السنة، أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني وأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي، رضي الله عنهما، ألفه ورواه عنهما إسحاق بن منصور المروزي الحافظ رحمه الله، وجزاه خيراً."
2- كتب الترجمة ذكرت أن إسحاق بن منصور المروزي قد سأل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه مسائل، وألف كتاباً باسم مسائل الإمام أحمد وإسحاق.
__________
1 أحكام أهل الملل.(1/212)
فقال الخطيب البغدادي: وكان إسحاق بن منصور عالماً فقيهاً، وهو الذي دون عن أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه المسائل في الفقه.1
وقال السمعاني: هو الذي يروي المسائل عن أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه.2
ونقل المزي كلام الخطيب البغدادي السابق.3
وقال الذهبي: وهو صاحب المسائل عن أحمد بن حنبل الذي يستهزئ به المبتدعة، والمتجرئون.4
وقال ابن حجر: تتلمذ لأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين وله عنهم مسائل.5
3- كتب تراجم أصحاب الإمام أحمد وذكرت هذه المسائل ونسبتها إلى إسحاق بن منصور المروزي.
قال أبو يعلى الفراء: وكان إسحاق عالماً فقيهاً، وهو الذي دون عن إمامنا المسائل في الفقه، وأورد أمثلة بذكر بعض المسائل ساقها بالسند
__________
1 تاريخ بغداد6/363.
2 الأنساب للسمعاني10/295.
3 تهذيب الكمال2/477.
4 سير أعلام النبلاء12/258.
5 تهذيب التهذيب1/250.(1/213)
التالي إلى إسحاق بن منصور:
أبنأنا رزق الله عن أبي الفتح بن أبي الفوارس قال أبو بكر بن مسلم حدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج1.
وقال ابن مفلح المقدسى: هو الذي دون عن إمامنا المسائل في الفقه وكان عالما فقيهاً، ونحو قول ابن مفلح قال العليمي في كتابه المنهج الأحمد2.
4- كتب الفهارس والمخطوطات ذكرت كتاب المسائل ونسبتها إلى إسحاق بن منصور المروزي، وأنه رواه عن الإمام أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه، ذكر ذلك كل من بروكلمان في تاريخ الأدب العربي، وفؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي3.
5- وقد تظافرت كتب المذهب من نقل المسائل برواية إسحاق بن منصور المروزي والاحتجاج بها، مثل الفروع لابن مفلح، والمحرر، والروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى الفراء، والقواعد لابن رجب، والمغني لابن قدامة والمبدع لابن مفلح، والإنصاف للمرداوي، وقد تطابق
__________
1 طبقات الحنابلة1/114.
2 انظر المقصد الأرشد ص71، والمنهج الأحمد1/191.
3 انظر تاريخ الأدب العربي3/312، وتاريخ التراث العربي1/3/228.(1/214)
كثير من نصوص هذه الكتب بما في مسائل ابن منصور.
وهم يشيرون إليه بلفظ: "قال أحمد في رواية ابن منصور"، أو قال: "في راوية ابن منصور"، أو: "ابن منصور الكوسج"، أو قال: "في رواية الكوسج"، وقد نقلت أثناء تحقيق الكتاب جملة من نقولاتهم.
كما أن كتب الخلاف نقلت من هذه المسائل إما بالنص، أو بالمعنى، وقد ضمن ابن المنذر مؤلفاته مثل الأوسط، والإشراف هذه المسائل واعتمد عليها في معرفة مذهب الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه وغيرهم من الأئمة المذكورة أقوالهم في الكتاب.
ونادراً ما يشير إلى الروايات الأخرى، وغالباً يذكر المسالة بنصها وكذلك فعل ابن نصر المروزي في كتابه اختلاف العلماء، فكثيراً ما نجد مسائل منقولة من هذه المسائل.
ثم توالت النقول عن هذه المسائل إما عن طريق كتب الخلاف كالأوسط والإشراف لابن المنذر كما فعل النووي في المجموع.
وإما بالرجوع إلى كتاب المسائل كما فعل أغلب من ألف في المذهب، وإما بالرجوع إلى الكتب التي نقلت عن هذه المسائل، وإلى كتاب المسائل، كما ظهر لي ذلك لدى تتبعي لكتاب المغني لابن قدامة.
6- وكان لإشاعة رجوع الإمام أحمد عن هذه المسائل أثر في شهرتها، فقد شاع في الآفاق رجوع الإمام أحمد عن هذه المسائل حتى بلغ ذلك إسحاق بن منصور بخراسان، روى الخطيب باسناده عن أحمد بن(1/215)
الربيع بن دينار- وهو من أصدقاء أحمد بن حنبل- قال: قال أحمد: بلغني أن الكوسج يروي عني مسائل بخراسان، أشهدوا أني رجعت عن ذلك كله1.
وقال أبو نعيم: قلت لصالح بن أحمد بن حنبل: عندنا شيخ يروي حكاية عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل أنه قال: قد رجعت عما رواه إسحاق الكوسج عني، وذكرت له هذه الحكاية، فقال صالح: إني قلت لأبي: بلغني أن إسحاق بن منصور روى بخراسان هذه المسائل التي سألك عنها، ويأخذ عليها الدراهم فغضب أبي من ذلك، واغتم مما أعلمته فقال: تسألوني عن المسائل، ثم تحدثون بها، وتأخذون عليها؟ وأنكر إنكاراً شديداً، قال صالح: فقلت له: إن أبا نعيم الفضل بن دكين كان يأخذ على الحديث، فقال: لو علمت هذا ما رويت عنه شيئاً، قال صالح: ثم أن إسحاق بن منصور قدم بعد ذلك بغداد فصار إلى أبي فأعلمته أنه على الباب فأذن له، ولم يتكلم معه بشيء من ذلك2.
وقال أبو الوليد حسان بن محمد: سمعت مشايخنا يذكرون أن إسحاق بن منصور بلغه أن أحمد بن حنبل رجع عن بعض تلك المسائل التي علقها عنه، قال فجمع إسحاق بن منصور تلك المسائل في جراب،
__________
1 تاريخ بغداد6/363.
2 تاريخ بغداد 6/363-364.(1/216)
وحملها على ظهره، وخرج راجلاً إلى بغداد، وهي على ظهره، وعرض خطوط أحمد عليه في كل مسألة استفتاه فيها فأقر له بها ثانياً، وأعجب بذلك من شأنه1.
وبعد إقرار الإمام أحمد بهذه المسائل للمرة الثانية صارت هذه المسائل أصلاً، ومعتمداً عليه في معرفة مذهب الإمام أحمد وإسحاق ابن راهوية قال الحسن بن حامد البغدادي إمام الحنابلة في زمانه:
"وقد رأيت بعض من يزعم أنه منتسب إلى الفقه يلين القول في كتاب إسحاق بن منصور، ويقول أنه يقال: إن أبا عبد الله رجع عنه، وهذا قول من لا ثقة له بالمذهب إذ لا أعلم أن أحداً من أصحابنا قال بما ذكره، ولا أشار إليه".
وكتاب ابن منصور أصل بداية حاله، تطابق نهاية شأنه، إذ هو في بدايته سؤلات محفوظة، ونهايته: أنه عرض على أبي عبد الله فاضطرب، لأنه لم يكن يقدر أنه لما سأله عنه مدون، فما أنكر عليه من ذلك حرفاً، ولا رد عليه من جواباته جواباً بل أقر على ما نقله، أو وصف ما رسمه، واشتهر في حياة أبي عبد الله ذلك بين أصحابه، فاتخذه الناس أصلاً إلى آخر أوانه.2
__________
1 المرجع السابق 6/364، والمنهج الأحمد 1/191، وطبقات الحنابلة 1/114.
2 طبقات الحنابلة 2/174-175.(1/217)
المبحث الثالث منهج ابن منصور في مسائله
لم يصدر إسحاق بن منصور كتابه بمقدمة يشير إلى منهجه في التأليف ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنهم في ذلك الزمن المتقدم لم يتعودوا أن يقدموا لمؤلفاتهم توطئه يبينون فيه عملهم في الكتاب.
وأثناء خدمتي للكتاب، وتتبعي لطريقة المؤلف، وعمله تبين لي أن المؤلف ينهج في كتابه النهج الآتي:
1- في الغالب الأعم يوجه السؤال إلى الإمام أحمد بلفظ "قلت لأحمد" أو "قلت" ويكتفي بمعرفة المسئول من السياق1.
أو يقول: سئل أحمد، أو سئل عن كذا دون ذكر المسئول2، أو يقول: قيل لأحمد3.
وأكثر المسائل سئل عنها بلفظ "قلت لأحمد" أو قلت فقط، والذي يظهر لي أنه فرق بين ما سأل الإمام أحمد بنفسه فعبر فيه بلفظ قلت، وبين ما سأله غيره، وسمع السؤال والإجابة عليه فعبر عنه بلفظ "سئل أحمد" أو "قيل للإمام أحمد".
__________
1 راجع المسائل 12-26-32-40-60.
2 راجع المسائل 4-9-13-15-18.
3 راجع المسائل: 237، 450(1/219)
2- وأحياناً يعرض عليه حديثاً نبوياً، ثم يعقبه باستفسار عن بعض الأحكام التي يستفاد من الحديث1.
3- كما يعرض عليه قول صحابي، أو تابعي للوقوف على رأي الإمامين فيه2.
4- وعرض على الإمامين آراء كثير من الفقهاء، وأغلب من عرض رأيهم: سفيان الثوري، والأوزاعي، والنخعي، والقاضي شريح، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى، وعطاء، والإمام مالك، والحسن البصري، وقتادة، وإياس بن معاوية، وابن شهاب الزهري، وقد أكثر من عرض مسائل عن الإمام الأوزاعي في كتاب الجهاد دون بقية الأبواب ولعل السبب في ذلك وجود كتاب للأوزاعي باسم سير الأوزاعي، وللأسف الكتاب لم يصل إلينا، والذي وصل إلينا، وبقى منه هو ما ضمنه أبو يوسف الأنصاري كتابه الرد على سير الأوزاعي وما جاء ضمن كتاب الأم للإمام الشافعي بعنوان سير الأوزاعي3.
وأما قول الإمام سفيان الثوري فيعرضه غالباً قبل نهاية كل باب وأحياناً يخالف هذا المنهج، فيأتي بقوله في بداية الباب، أو وسطه.
__________
1 انظر المسالة رقم 1-6.
2 انظر المسألة 38.
3 انظر تاريخ التراث العربي 1/3/244(1/220)
والسبب من إكثار عرض أقوال الثوري على الإمامين، أن الثوري كان من العلماء الذين جمع لهم الفقه، والحديث فكان من فقهاء المحدثين الذين اعتنى العلماء بجمع أقوالهم، وتدوينها، فنرى أن عبد الرزاق الصنعاني قد ضمن كتابه كثيراً من آرائه، وفتاويه الفقهية، وكذلك فعل ابن أبي شيبة في مصنفه، إلا أنه لم يكثر كما فعل عبد الرزاق، وصدر ابن نصر المروزي كتابه، وبداية كل مسألة فيه بآرائه، وأقواله كما اهتم بنقل أقواله ابن المنذر في كتابيه الأوسط والإشراف.
فكان للثوري مكانته العلمية المرموقة في ذلك الزمن، وكان يرأس مدرسة فقهاء أهل الحديث في زمانه، ولذا أكثر ابن منصور من عرض أقواله على الإمامين ليرى رأيهما فيه من حيث الموافقة والمخالفة.
5- وكان يعرض السؤال، وجواب الإمام أحمد وغيره من الأئمة على الإمام إسحاق بن راهويه.
والذي يظهر من أسلوب ابن منصور في الكتاب أنه كان قد سأل هذه المسائل الإمام أحمد، ودوّن إجاباته ثم ذهب إلى الإمام إسحاق، وعرض عليه تلك المسائل فما وافق فيه إسحاق أحمد كتب تحت المسألة "قال إسحاق كما قال" وإذا خالف إسحاق أحمد بين رأيه.
فلذا نراه يقدم أحمد ويذكر قوله بالتفصيل، بخلاف جواب إسحاق إذا كان موافقاً، وفعل ذلك ابن منصور ليعرف مذهبهما في المسألة وليثبت وجه الاتفاق، والاختلاف بينهما، باعتبارهما إمامي أهل السنة(1/221)
وفقيهي أهل الحديث في زمانهما.
6- أتى بجواب الإمام إسحاق على أربعة نماذج:
أ- موافقة الإمام إسحاق للإمام أحمد، فيذكر إسحاق بن منصور موافقته هذه بعبارة: قال إسحاق كما قال، أو كما قال أحمد.
ب- موافقته على قول الإمام أحمد، وتعقيبه عليه، بما يبين المسألة ويوضحها، والاستدلال لها.
جـ- موافقته لقول من عرض رأيه على الإمام أحمد كسفيان الثوري أو الأوزاعي، ويسوقه بعبارة قال إسحاق كما قال سفيان وقد يعقب عليه بما يوضحه ويبينه.
د- مخالفته لقول الإمام أحمد، فيذكر رأيه، وغالباً يستدل على رأيه، أو بيان وجه مخالفته.
7- يذكر أحياناً قول الإمام أحمد ولا يتبعه بقول الإمام إسحاق وأحياناً يذكر قول الإمام إسحاق، ولا يذكر قول الإمام أحمد وغالباً ما يكون ذلك في نهاية الباب، أو الكتاب1.
8- يوضح المعنى المراد من قول الإمامين أحمد وإسحاق2.
9- يحاور الإمام أحمد، ويكرر عليه السؤال، ويعترض على جوابه
__________
1 انظر المسالة رقم 54-62-63.
2 انظر المسالة رقم 173.(1/222)
بجزئيات قد يتغير من أجلها الحكم الذي قاله الإمام أحمد1.
10- كتب روايته عن الإمامين بأسلوب موجز لم يلجأ فيه إلى التطويل، فوردت عباراته على شكل أسئلة، وأجاب عنها الإمامان أحمد وإسحاق، وكانت إجاباتهم مختصرة دقيقة.
11- يشير إلى الدليل بأوجز عبارة.
فقد سأل الإمام أحمد عن المتاع يصيبه العدو، ثم يفيئه الله على المسلمين، فأجاب الإمام أحمد: أنه يرد على صاحبه ما لم يقسم، قال إسحاق بن منصور: احتج -الإمام أحمد- على قوله بحديث العضباء حيث أخذها النبي صلى الله عليه وسلم من المرأة، والحديث طويل اقتصر منه بشهرته لديهم، وموضع الشاهد منه.2
وأحياناً يذكر اسم راوي الحديث، أو إلى رجل من الإسناد أو يشير إلى كلمة من متن الحديث، أو معنى فيه.
هذا من ناحية طريقته، وأسلوبه في إلقاء الأسئلة، وترتيب الكتاب، أما طريقته في اختيار الأسئلة ففي الغالب الأعم وردت أسئلته في أمور خلافية بين الفقهاء، إما لاختلاف الآثار الواردة فيها، وإما لورود حديثين في المسألة، ويختلف درجتهما من الصحة فيريد ابن منصور أن يقف على
__________
1 انظر المسألة رقم 392.
2 انظر المسألة رقم 9-54.(1/223)
رأي الإمامين أحمد وإسحاق، وبأيهما يأخذان.
وإما أن يجتهد بعض الصحابة في بعض المسائل اجتهاداً يتعارض مع ما يبدو من ظاهر بعض النصوص فيسأل الإمامين عن رأيهما في هذا الاجتهاد1.
وإما أن يكون الأئمة اختلفوا في آية أهي منسوخة، أم غير منسوخة؟
فقد سأل ابن منصور الإمام أحمد: أيقتل الأسير، أو يفادى أحب إليك؟
وهنا خلاف بين الأئمة مرجعه اختلافهم في قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} 2.
هل هي منسوخة أو هي محكمة يعمل بها؟ 3
وقد يقع السؤال في حديث عام، وله صور شتى تشملها بعمومها ويسأل عن جزئية من العموم هل يشملها العموم في النهي أو أن هناك
__________
1 انظر المسألة رقم 32.
2 سورة محمد صلى الله عليه وسلم آية رقم (4) .
3 انظر المسألة رقم 35، وراجع الخلاف في: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 16/227، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص466، ومصنف عبد الرزاق 5/205، والمغني 8/372.(1/224)
دليلاً خاصاً يخرجها من دليل العموم.
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الأطفال والذراري والنساء، وغير المقاتلين.
فسأل ابن منصور عن حكم شن الغارة على المشركين ليلاً وقد يصاب الذراري، والأطفال، ومن لا يجوز قتلهم، فأجاب الإمامان: أن هذا لا يدخل في عموم لفظ النهي إذا لم يقصدوا قتلهم، وأن العموم هنا مخصوص بحديث الصعب بن جثامة.1
وبعد: كان هذا سرداً موجزاً لأسلوب الحافظ إسحاق بن منصور المروزي تبين لي ذلك أثناء تتبعي طريقته في إلقائه لأسئلته، وترتيب كتابه ومراجعتي لكتب الفقه والآثار في كل مسئلة قمت بتحقيقها.
__________
1 انظر المسألة رقم 37، وراجع المسألة رقم 11.(1/225)
المبحث الرابع أهم مميزات كتاب المسائل برواية إسحاق بن منصور المرزوي عن بقية كتب المسائل
دون كثير من أصحاب الإمام أحمد عنه مسائل وهم متفاوتون فيما بينهم في القلة والكثرة والترتيب، والتبويب، وقد امتاز كل واحد منهم عن غيره ببعض الميزات، وإن كانت كلها كتباً قيمة خرجت من مشكاة واحدة، ومتممة بعضها لبعض، وأضافت إلى مكتبة الفقه الإسلامي مسائل تهم المسلمين في حياتهم اليومية.
وقد امتاز كتاب مسائل الحافظ إسحاق بن منصور المروزي عن غيره من كتب المسائل بميزات أهمها:
1 - كثرة المسائل التي نقلها عن الإمامين، وتطرقها إلى جزئيات كثيرة، لم يتطرق إليها غيرها.
2 - نقله فقه الإمام إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهوية في هذه المسائل ومقارنته بفقه الإمام أحمد، ومعرفة سر اقتران قول الإمامين أحمد وإسحاق في كتب الخلافيات، حيث إنها نقلت ذلك من مسائل ابن منصور مباشرة أو من الكتب التي نقلت أقوالهما كسنن الترمذي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والكوسج سأله مسألة لأحمد وإسحاق، وكذلك حرب الكرماني… ولهذا يجمع الترمذي قول أحمد(1/227)
وإسحاق؛ فإنه روى قولهما من مسائل الكوسج1.
3 - عرضه كثيراً من أقوال الصحابة والتابعين على الإمامين، وتدوين رأي الإمامين في هذه الأقوال من حيث العمل بهذه الأقوال أو العمل بغيرها من النصوص مع بيان السبب.
4 - معرفة رأي الإمامين في أقوال الفقهاء السابقين، فقد عرض كثيراً من آراء الثوري، والنخعي، والأوزاعي، وشريح القاضي، وأخذ رأي الإمام أحمد وإسحاق في أقوالهم، ولهذا يعد كتابه من كتب الفقه المقارن، قارن بين كثير من آراء الفقهاء السابقين لعصره2.
5 - كتب هذه المسائل عن الإمام أحمد ثم عرضها عليه مرة ثانية فأقر له بها، وأعجب بذلك من شأنه، كما عرض عبد الله بن الإمام أحمد بعض مسائل ابن منصور على أبيه3 مما أضاف إلى هذه المسائل مزيداً من التوثيق والتنقيح، فصارت عمدة في المذهب4.
6 - نقل بعض مؤلفي المسائل عن الإمام أحمد من مسائل ابن منصور وتضمينهم له مع مسائلهم المدونة عن الإمام، كما فعل عبد الله
__________
1 مجموع الفتاوى 25/232.
2 مجموع الفتاوى 34/114.
3 تهذيب الكمال للمزي 2/477، مفاتيح الفقه الحنبلي 2/354.
4 طبقات الحنابلة 2/174-175.(1/228)
ابن الإمام أحمد رحمهم الله1.
7 - اهتمام الكتب التي نقلت مذاهب العلماء بهذا الكتاب، فقد نقل ابن المنذر أغلب نصوص الكتاب في مؤلفه الأوسط والإشراف واعتمد عليه في معرفة مذهب الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة المذكورة آراؤهم في الكتاب، وكذلك فعل الترمذي في سننه وابن نصر المرزوي في كتابه اختلاف العلماء.
8 - انتشار مذهب الإمام أحمد وإسحاق في كتب الخلاف عند المذاهب الأخرى عن طريق هذه المسائل، وذلك لاعتمادهم على كتب ابن المنذر في ذكر أقوال العلماء، وسنن الترمذي.
__________
1 مفاتيح الفقه الحنبلي 2/354.(1/229)
المجلد الثاني
كتاب الطهارة والصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
[1-] حدثنا إسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج المروزي. قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه: إذا أحدث قبل أن يسلم؟.
قال: يعيد الصلاة ما لم يسلم فإن انقضاء الصلاة التسليم1 فإن لم يسلم2 رجع فقعد ثم سلم ما دام قريباً، فإذا تباعد ذلك أعاد3.
__________
1 نقل عنه نحو ذلك عبد الله في مسائله ص82 (290) ، وصالح في مسائله 2/279 (886) ، وابن هانئ في مسائله 1/80 (398، 399) .
والمذهب أن التسليمة الأولى ركن من أركان الصلاة، وكذلك التسليمة الثانية في رواية عن أحمد اختارها وصححها غير واحد من الأصحاب.
وفي رواية عنه أنهما واجبتان.
وعنه التسليمة الثانية سنة.
وعنه أنها سنة في النفل دون الفرض.
انظر: المبدع 1/496، وكشاف القناع 2/454، والإنصاف 2/114، 117، 118.
2 بمعنى أنه ترك السلام سهواً وهو على طهارته، فإن كان قريباً بنى على ما تقدم من صلاته.
3 نقل نحوها عبد الله في مسائله ص82 (289) ، وصالح في مسائله 2/163، 3/192 (730، 1631) .
وتقدم أن السلام ركن من أركان الصلاة فلا تتم الصلاة إلا به، ولا يسقط لا عمداً ولا سهواً، فإن ذكره قبل أن يتكلم أو يعمل عملا كثيراً من غير جنس الصلاة رجع فجلس ثم سلم. أما إذا طال الفصل أو تكلم أو عمل عملاً من غير جنس الصلاة فإنه يعيد الصلاة.
انظر: المغني 1/551، 2/1، 2، المبدع 1/507، 508، الإنصاف 2/142.(2/255)
قيل: فإن لم يتشهد وسلم؟
قال: التشهد أهون1؛ قام النبي صلى الله عليه وسلم في ثنتين فلم يتشهد2.
__________
1 نقل الترمذي قول أحمد هذا في سننه فقال: (قال أحمد: إذا لم يتشهد وسلم أجزأه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وتحليلها التسليم والتشهد أهون، قام النبي صلى الله عليه وسلم في اثنتين فمضى في صلاته ولم يتشهد) السنن 2/262.
والمشهور عن أحمد أن التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة فلا تصح الصلاة إلا به. وهو المذهب وعليه الأصحاب. وروى البيهقي بسنده عن علي بن سعيد قال: (سألت أحمد بن حنبل عن من ترك التشهد، فقال: يعيد. قلت: فحديث علي من قعد مقدار التشهد فقال: لا يصح) . السنن الكبرى 2/140.
وعنه أنه واجب. قال في الرعاية: وهو غريب بعيد، وعنه أنه واجب يسقط بالسهو وهو غريب، وعنه أنه سنة.
انظر: الأنصاف 2/113، غاية المنتهى 1/139.
2 هو ما روى عبد الله بن بحينة رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك".
رواه البخاري في صحيحه في كتاب السهو، باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة 2/60، وفي كتاب الأذان، باب من لم ير التشهد واجباً 1/137. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له 1/299 (85ـ87) .(2/256)
قال إسحاق بن إبراهيم1 -رضي الله عنه-: لا تجوز صلاة إلا بتشهد2، إنما قام النبي صلى الله عليه وسلم في ثنتين ساهياً فمضى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحسن بن الحر3 أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا فرغت من التحيات فقد قضيت ما عليك4.
__________
1 هو ابن راهويه.
2 نقل قول إسحاق: بوجوب التشهد الأخير. الترمذي في سننه 2/262، والنووي في المجموع 3/442.
3 وهو الحسن بن الحر بن الحكم النخعي. ويقال: الجعفي أبو محمد، وثّقه يحيى بن معين والنسائي والعجلي وابن شاهين وابن حجر وغيرهم. قال الأوزاعي: (ما قدم علينا من العراق أحد أفضل من الحسن بن الحر، وعبدة بن أبي لبابة. وكان متعبداً سخياً مأموناً) ، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة.
انظر: ترجمته في تهذيب الكمال 6/80، تاريخ الثقات للعجلي ص113، سير أعلام النبلاء 6/152، الوافي بالوفيات 11/416.
4 نص الحديث هكذا: "قال الحسن بن الحر حدثني القاسم بن مخيمرة. قال: أخذ علقمة بيدي وحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله، فعلمه التشهد في الصلاة قال: "قل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين". قال زهير- وهو الراوي عن الحسن- حفظت عنه إن شاء الله "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، قال: "فإذا قضيت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد ".
رواه أحمد في المسند 1/422، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب التشهد 1/593 (970) ، والدارقطني في سننه 1/352، والطيالسي في مسنده ص36، والبيهقي في السنن الكبرى 2/174، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/275.
وقد اختلف في قوله: "فإذا قضيت" إلى آخر الحديث، هل هو مرفوع أو موقوف على ابن مسعود، والذي رجحه ابن حبان والدارقطني والبيهقي أنه موقوف على ابن مسعود.
انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان3/209، سنن الدارقطني 1/352، 354، السنن الكبرى 2/174.
وقال البيهقي: (الحفاظ وأهل الحديث حكموا بأن ذلك من كلام عبد الله) . معرفة السنن والآثار، ص 415.(2/257)
ويمكن قوله صلى الله عليه وسلم: "تحليلها التسليم"1 أنه عنى التشهد، لما روى
__________
1 ونصه هكذا: عن علي رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم".
رواه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب فرض الوضوء 1/49 (61) . والترمذي في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور 1/9 (3) ، وابن ماجه في سننه، كتاب الطهارة وسننها، باب مفتاح الصلاة الطهور 1/101 (275) ، وأحمد في المسند 1/123، 129.
قال الترمذي في سننه: (هذا أصح شيء في هذا الباب وأحسن. وعبد الله بن محمد ابن عقيل هو صدوق.. سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل) .
وقال ابن حجر في فتح الباري 2/322: (أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح) .
وقال الألباني في ارواء الغليل 2/9 (: الحديث صحيح بلا شك، فإن له شواهد يرقي بها إلى درجة الصحة) .(2/258)
أبو سفيان السعدي1 في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "في كل ركعتين فسلم"2 يعني تشهد.
وفي هذا القول دلالة: أن التشهد لما فيه من ذكر السلام على النبي صلى الله عليه وسلم
__________
1 هو: طريف بن شهاب، وقيل: ابن سعد أبو سفيان السعدي الأشل. قال أحمد: (ليس بشيء ولا يكتب حديثه) . وقال ابن عبد البر: (اجمعوا على أنه ضعيف الحديث) . وقال ابن عدي: (روى عنه الثقات، وانما أنكر عليه في متون الأحاديث أشياء لم يأت بها غيره، وأما أسانيده فهي مستقيمة) .
انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/11، الضعفاء الكبير للعقيلي 2/229، المجروحين لابن حبان 1/381، ميزان الاعتدال 2/336.
2 هو ما رواه الدارقطني بسنده عن أبي سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوضوء مفتاح الصلاة والتكبير تحريمها والتسليم تحليلها وفي كل ركعتين فسلم". قال أبو حنيفة: (يعني التشهد) .
انظر: سنن الدارقطني: 1/366.
وأبو سفيان: ضعيف. انظر: التعليق المغني 1/366، وتهذيب التهذيب 5/12.(2/259)
وعلى عباد الله الصالحين يجوز أن يقال: سلم، يعني تشهد.
وكذلك قال عطاء1: إذا انتهى في التشهد إلى سلام التشهد أجزأه2، وهو روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد أقبل على أصحابه3، ثم ترك السلام أدنى الانقضاء مع ما جاء عن علي بن أبي
__________
1 هو عطاء بن أبي رباح- أسلم- القرشي مولاهم المكي أبو محمد 24ـ114هـ، كان فقيهاً عالماً كثير الحديث، انتهت إليه فتوى أهل مكة في زمانه. قال ابن عباس: (تجتمعون إليّ يا أهل مكة وعندكم عطاء؟!) .
انظر ترجمته في: طبقات فقهاء اليمن ص58، سير أعلام النبلاء 5/78، حلية الأولياء 3/310، العقد الثمين 6/84.
2 روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا وكيع عن معقل عن عطاء في الرجل يحدث قال: (إذا قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أجزأه) . المصنف 2/290. وروى الطحاوي مثله في شرح معاني الآثار 1/277، وروى عبد الرزاق في مصنفه: أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال: (يجزئك التشهد وإن صليت مائة ركعة) المصنف 2/502. 3 هو: ما رواه البيهقي بسنده عن عطاء بن أبي رباح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا قضى التشهد أقبل على الناس قبل أن ينزل التسليم". السنن الكبرى 2/175، 176.
قال البيهقي: (وهذا وإن كان مرسلاً فهو موافق للأحاديث الموصولة المسندة في التسليم) .
انظر: السنن الكبرى 2/176، وحلية الأولياء 5/117.
وتعقبه ابن التركماني بقوله: "مقصوده إثبات التسليم وأنه متأخر؛ وذلك لا يثبت بهذا الحديث عنده لإرساله، ولا يوجد ذلك في أحاديث التسليم فموافقة هذا الحديث لها في غير الموضع المقصود لا تنفع".
انظر: الجوهر النقي 2/176. ورواه أبو نعيم موصولاً عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا فرغ من التشهد أقبل علينا بوجهه.. ". وقال: (غريب من حديث عمر بن ذر تفرد به متصلاً أبو مسعود الزجاج ورواه غيره مرسلاً) . انظر: حلية الأولياء 5/117.(2/260)
طالب كرم الله تعالى وتبارك وجهه1 أنه جائز، يعني (بدون) 2 تسليم3.
__________
1 هذه العبارة وإن كان معناها صحيحاً، لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة، ولا يفرد أحدهم بكلمات خاصة، والسلف التزموا الترضي عن كل الصحابة رضوان الله عليهم. انظر تفسير القرآن العظيم 3/516، 517.
(بدون) إضافة يقتضيها السياق.
3 هو ما رواه الطحاوي بسنده عن علي رضي الله عنه قال: (إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته) . شرح معاني الآثار 2/273.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/489، وروى الدارقطني بسنده عن علي رضي الله عنه قال: (إذا قعد قدر التشهد فقد تمت صلاته) . سنن الدارقطني 1/360.
ورواه البيهقي بسنده إلى عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: (إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته) . سئل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال: (لا يصح) . انظر: معرفة السنن والآثار، خ ص415.
وقال البيهقي: (لا يصح، وعاصم بن ضمرة- وهو الراوي عن علي- غير محتج به، إنما يذكر في الشواهد، فإذا انفرد بحديث لم يقبل منه، كيف وقد اختلف عليه في حكم الخبر وخالفه غيره عن علي؟) . السنن الكبرى 2/139، 140، معرفة السنن والآثار، خ ص414، 415.
وجاء في التعليق المغني على الدارقطني 1/360: (تفرد به أبو عوانه عن الحكم ولم يروه عنه غير أبي عاصم، وفي سماع الحكم من عاصم نظر) .(2/261)
وحديث الأفريقي1 واضح أن التشهد يجزئه إذا أحدث بعد ذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قضى صلاته فأحدث2 قبل أن يسلم"3. فالأثر
__________
1 هو: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي أبو أيوب، قاضي أفريقيا وعالمها ومحدثها، كان يعظ الملوك ولا يخاف في الله لومة لائم. قال أحمد: (ليس بشيء نحن لا نروى عنه شيئاً) . وقال إسحاق بن راهويه: (سمعت يحيى بن سعيد يقول: عبد الرحمن بن زياد ثقة) . وقال يحيى بن معين: (هو ضعيف ولا يسقط حديثه) . توفي سنة ست وخمسين ومائة، وقيل: إحدى وستين ومائة من الهجرة.
انظر ترجمته في: الجرح والتعديل 5/234، تهذيب التهذيب 6/173، ميزان الاعتدال 2/561، سير أعلام النبلاء 6/411.
(فأحدث) مكررة في ع.
3 هو ما رواه الترمذي بسنده عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، أن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة أخبراه عن عبد الله بن عمرو. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحدث -يعني الرجل- وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته". وقال: (هذا حديث إسناده ليس بذاك القوى، وقد اضطربوا في إسناده) . وقال أيضاً: (عبد الرحمن بن زياد بن أنعم هو الأفريقي، وقد ضعفه بعض أهل الحديث، منهم: يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنيل) . سنن الترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الرجل يحدث في التشهد 2/261، 262 (408) . ورواه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة 1/410 (617) .
وانظر: شرح معاني الآثار 1/274، ومصنف ابن أبي شيبة 2/489، ومصنف عبد الرزاق 2/353، والسنن الكبرى للبيهقي 4/137، وسنن الدارقطني 1/379.(2/262)
على ذلك.
[2-] قلت: إذا توضأ ولم يسم؟
قال: لا أعلم فيه حديثاً له إسناد جيد1.
__________
1 نقل الترمذي في سننه قول أحمد: (إنه لا يوجد حديث في التسمية له سند جيد) . السنن 1/38. وانظر: المجموع 1/393.
وقال ابن المنذر: (كان أحمد يقول: لا أعلم فيه حديثاً له إسناد جيد) . وضعف حديث حرملة، وقال: (ليس هذا حديث أحكم به) الأوسط 1/368.
قال أبو داود في مسائله: (قلت: لأحمد التسمية في الوضوء؟ قال: أرجو أن لا يكون عليه شيء، ولا يعجبني أن يتركه خطأ ولا عمداً، وليس فيه إسناد- يعني- حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا وضوء لمن لم يسم" المسائل ص6.
أما حكم المسألة، فقال عبد الله بن أحمد: (قلت لأبي: الرجل يتوضأ فينسى التسمية؟ قال: يتعاهد ذلك، فإن نسي رجوت أن يجزئه) المسائل ص25 (86) .
وظاهر المذهب أن التسمية مسنونة في طهارة الأحداث كلها. قال الخلال: (الذي استقرت عليه الروايات عنه أنه لا بأس إذا ترك التسمية) .
وعنه: أنها واجبة. قال المرداوي: (هي المذهب) وقال صاحب الهداية والفصول والمجد في شرحه وغيرهم: (التسمية واجبة في أصح الروايتين) .
انظر: المغني 1/102، الفروع 1/72، الانصاف 1/128.(2/263)
قال إسحاق: إذا ترك ذلك عمداً أعاد، وإن كان ناسياً أو متأولاً1 أجزأه2.
[3-] قلت: إذا توضأ فترك موضع ظفر؟
(قال) 3: يغسل ذلك المكان، ثم يغسل يديه إلى المرفقين4، ويمسح برأسه، ثم يغسل رجليه، وإن كان ترك في الرِجل فمثل ذلك يغسل الرِجلين فقط 5.
__________
1 التأويل: من آل الشي يؤول إلى كذا أي رجع وصار إليه. وهو نقل ظاهر اللفظ عن موضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ.
انظر: لسان العرب 11/33، الصحاح 4/1627، النهاية في غريب الحديث 1/80.
2 انظر: قول إسحاق في سنن الترمذي 1/38، والأوسط 1/368، والمجموع 1/395، والمغني 1/102، ومعالم السنن 1/46.
(قال) إضافة لابد منها ليستقيم الكلام.
4 المرفقين: تثنية مرفق، وهو موصل أعلى الذراع بأسفل العضد.
انظر: القاموس المحيط 3/236، لسان العرب 10/119.
5 نقل عن الإمام أحمد وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء عبد الله في مسائله ص26 (92، 94) وابن هانئ في مسائله 1/15 (79) ، وأبو داود في مسائله ص10، 11.
وقال ابن قدامة: (الترتيب في الوضوء على ما في الآية واجب عند أحمد لم أر عنه فيه اختلافاً، ثم ذكر رواية عنه أنه غير واجب) . المغني 1/136.
وانظر: كشاف القناع 1/116، والروض المربع 1/50، ولم يشر هنا إلى حكم الموالاة.
وعن أحمد روايتان: إحداهما أنه واجب، والثانية: هو سنة.
انظر: الانصاف 1/139، المغني 1/138، المبدع 1/115.(2/264)
قال إسحاق: كلما ترك منه شيئاً أعاد الوضوء، كما وصف الإمام أحمد إذا كان قرب وضوئه، وإن كان قد أتى على ذلك1 أعاد الوضوء كله2.
[4-] قلت: الصلوات بوضوء أحب إليك أو يتوضأ لكل صلاة؟
قال: إن قوي أن3 يصلي بوضوء واحد ما بأس به. ليتنا قوينا عليه ما أروحه4.
__________
1 أي مضى عليه وقت حتى جف وضوؤه.
2 نقل عن إسحاق وجوب الترتيب في الوضوء ابن المنذر في الأوسط 1/423، وابن عبد البر في الاستذكار 1/185 وابن حزم في المحلى 2/92، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 6/98.
3 من هنا بدأت النسخة الظاهرية وما قبل ذلك مفقود.
4 قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن الرجل يتوضأ لكل صلاة. فقال: (إن صلى الصلوات بوضوء واحد فلا بأس، صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بوضوء) . المسائل ص30 (108) .
وقال ابن قدامة: (يجوز أن يصلي بالوضوء ما لم يحدث ولا نعلم في هذا خلافاً) المغني 1/142، وانظر: الإفصاح 1/75.(2/265)
قال إسحاق: كما قال.
[5-] قلت: إذا لم يغسل ذكره يعيد الصلاة؟ 1.
قال: لا إذا كان يمسح بالحجارة فإن لم يكن يمسح بالحجارة يعيد الصلاة2.
__________
1 أي هل يشترط غسل الذكر بالماء بعد التبول.
2 أي لا يشترط الغسل بالماء ويكفي الاستجمار بالحجارة ووجود أحدهما شرط في صحة الصلاة.
ونقل عنه نحو هذه المسألة صالح في مسائله 1/152، 3/236 (48، 1726) ، وابن هانئ في مسائله 1/4 (21) ، وأبو داود في مسائله ص5.
وهنا عمم بأن الاستجمار يقوم مقام الماء مطلقاً. وما عليه أكثر الأصحاب وهو المذهب (أن الخارج إذا تجاوز موضع العادة فإنه لا يجزئ حينئذٍ إلا الماء) .
انظر: المبدع 1/89، الانصاف 1/105. وانظر: الأوسط 1/351.
قال البهوتي: (ويجب الاستنجاء أو الاستجمار من كل خارج من السبيلين معتاد كالبول أو المذى) . كشاف القناع 1/77.(2/266)
قال إسحاق: كما قال1 [ع-2/ب] وكذلك2 إذا كان يلطخ3 المقعدة4 أو انتشر البول على الحشفة5.
[6-] قلت: إذا توضأ يغسل فوق الذراعين6؟
قال: لا7.
__________
1 نقل قول إسحاق (أن الاستجمار يجزئ عن الاستنجاء) الترمذي في سننه 1/25.
ونقل عنه ابن المنذر: (أن الأذى إذا تجاوز موضعه لم يجز إلا الغسل) الأوسط 1/351.
وانظر: المجموع 2/98، عمدة القاري 2/288.
2 في (ع) (وذلك) .
3 يلطخ: أن يلوث سافلة الإنسان بالنجاسة فتصل إلى أماكن لا تزيلها الأحجار. انظر: لسان العرب 3/51.
4 المقعدة: بفتح الميم السافلة، ومكان القعود. انظر: الصحاح 2/252، لسان العرب 3/57
5 الحشفة: رأس ذكر الرجل. انظر: النهاية في غريب الحديث 1/391، المجمع المغيث ص455.
6 تثنية ذراع وهو من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى.
انظر: القاموس المحيط 3/22، غريب الحديث لإبراهيم الحربي 1/277.
7 أشار أبو يعلي إلى هذه الرواية. وقال: (قال الخلال: العمل على أنه لا يغسل؛ لأنه عضو محدود فلم يكن له تابع يغسل معه) الروايتين والوجهين 1/71.
والصحيح من المذهب أنه تستحب الزيادة على الفرض كاطالة الغرة والتحجيل، وروي عن أحمد (أنه لا تستحب) .
انظر: الانصاف 1/168، الكافي 1/40.(2/267)
قال إسحاق1: إن فعل فحسن، إذا أراد ما وصف به أبو هريرة -رضي الله عنه-2 إذا قال: أردت أن تنتهي الحلية3 إلى موضع الطهور4.
__________
1 كلمة (إسحاق) ساقطة من ع.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
3 الحلية: أي التحجيل يوم القيامة من أثر الوضوء. ومنه الحديث "غرا محجلين" أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه. انظر: النهاية 1/346، 435، الفائق 1/310.
4 هو ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن نعيم المجمر قال: رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل".
صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء 1/33.
ورواه مسلم في صحيحه بلفظ قال: "رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم الغر المججلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله".
صحيح مسلم، كتاب الطهارة باب استحباب اطالة الغرة والتحجيل في الوضوء 1/216 (34) .(2/268)
[7-] قلت: يخلل1 لحيته إذا توضأ؟.
قال: إي والله وإن لم يفعل أجزأه ما سال على اللحية2.
قال إسحاق: ذلك إذا سها عن التخليل: (أو) 3 كان متأولاً، فأما إذا ترك عمداً أعاد4.
__________
1 التخليل: هو تفريق شعر اللحية وأصابع اليدين والرجلين في الوضوء، وأصله من إدخال الشيء، يقال: خلل فلان لحيته إذا توضأ فأدخل الماء بين شعرها.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 4/371، المجمع المغيث ص613.
2 نقل عن الإمام أحمد عدم وجوب تخليل اللحية: صالح في مسائله 1/481 (351) ، وأبو داود في مسائله ص7.
والمذهب موافق لهذه الرواية في اللحية الكثيفة، حيث يستحب تخليلها، أما إن كانت خفيفة تصف البشرة، فيجب غسل باطنها.
انظر: الكافي 1/33، الفروع 1/74، 75، كشاف القناع1/107، 108.
3 في ظ (وإذا) والمثبت موافق لما في سنن الترمذي.
4 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 1/46، المغني 1/105، معالم السنن للخطابي 1/56، المجموع 1/418(2/269)
[8-] قلت: ينشف بالخرقة1؟.
قال: نعم2.
قلت: (كره) 3 المنديل4 ما يعني؟
قال: يعني كره أن يتمسح بالمنديل.
قال إسحاق: السنة5 أن يتمسح إن شاء، وتركه
__________
1 الخرقة: القطعة من الثوب.
انظر: القاموس المحيط 3/225، الصحاح 4/1467.
2 نقل عن الإمام أحمد جواز المسح بالمنديل بعد الوضوء ابنه عبد الله في مسائله ص29 (105ـ106) ، وابنه صالح في مسائله 169 (76) ، وأبو داود في مسائله ص 12.
والمذهب موافق لهذه الرواية في أنه يباح تنشيف الأعضاء بالمنديل بعد الوضوء أو الغسل.
انظر: المغني 1/141، 142، الإنصاف 1/166، المبدع 1/132.
3 في ظ (وكره) بزيادة الواو.
4 المنديل: بكسر الميم وفتحها الذي يتمسح به، يقال: تندل به أي تمسح.
انظر: القاموس 4/56، لسان العرب 11/653.
5 وردت عدة أحاديث تدل على جواز التمسح بالمنديل بعد الوضوء منها: حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء".
رواه الترمذي في سننه كتاب الطهارة، باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء 1/74 (53) . وقال: (حديث عائشة ليس بالقائم) . ورواه الحاكم في المستدرك 1/154، وقال العيني: (رواه النسائي في الكنى بسند صحيح) عمدة القاري 3/81(2/270)
أفضل1 لما قيل: إن أثر الوضوء نور لما يوزن كل قطرة وزناً فلا يزول أثر النور2.
[9-] قلت: يتوضأ الرجل في المسجد؟.
قال: قد فعل ذلك قوم3.
__________
1 نقل إباحة التنشيف عن إسحاق: النووي في المجموع 1/798، والعيني في عمدة القاري 3/81. وانظر: تحفة الأحوذي 1/177.
2 روى ابن أبي شيبة بسنده عن سعيد بن المسيب (أنه كرهه- أي استعمال المنديل- وقال هو يوزن- أي الوضوء-) المصنف 1/150.
وروى الترمذي بسنده عن الزهري قال: (إنما كره المنديل بعد الضوء؛ لأن الوضوء يوزن) سنن الترمذي 1/77.
3 ممن روى عنه أنه توضأ في المسجد ابن عمر وابن جبير بن مطعم، وطاووس وعطاء وأبو مجلز وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعبد الرحمن بن البيلماني وابن جريج.
انظر: مصنف عبد الرزاق 1/418، 419، مصنف ابن أبي شبية 1/36، 37.
والصحيح من المذهب أنه يباح الوضوء والغسل في المسجد إن لم يؤذ به أحداً.
وفي رواية عن الإمام أحمد يكره ذلك.
وعنه لا يكره التجديد.
انظر: الإنصاف 1/168، المغني 1/143، المبدع 1/133.(2/271)
قال: إسحاق: هو حسن1 ما لم يستنج فيه2.
[10-] قلت: إذا نسي أن يمسح برأسه؟
قال: إذا كان في الصلاة يقطع ويمسح برأسه ويغسل رجليه3.
وإذا نسي أن يغسل يديه أو بدأ برجليه قبل يديه أو برأسه قبل يديه فإنه يغسل وجهه ثم يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه، كما ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن4، وإن
__________
1 قال النووي: (قال ابن المنذر: أباح كل من يحفظ عنه العلم، الوضوء في المسجد إلا أن يبله أو يتأذى به الناس، فإنه يكره) المجموع 2/178.
2 الاستنجاء: هو الاغتسال بالماء من العذرة، والتمسح بالحجارة منه، أو هو قطع الأذى بأيهما كان. يقال: (استنجيت بالماء أو الحجارة أي تطهرت بها) .
انظر: لسان العرب 15/306.
3 مسح الرأس واجب بالإجماع لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} .
انظر: الكافي 1/35، الفروع1/75.
والترتيب واجب من واجبات الوضوء؛ ولذلك إذا تذكره يمسح الرأس ويغسل الرجلين.
4 يرى الإمام أحمد أن الترتيب في غسل أعضاء الوضوء واجب وتقدم بيان ذلك في مسألة: (3) .(2/272)
انغمس1 في الماء لا يجزئه حتى يتوضأ2.
وإذا3 علّم (رجلا) 4 الوضوء لا يجزئه5.
__________
1 الغمس: ارساب الشيء في الشيء السيال من ماء أو صبغ ونحوه غمسه يغمسه غمساً أي مقله فيه. وقد انغمس فيه واغتمس.
والمراد أنه دخل في الماء وغاص فيه ثم خرج منه.
انظر: القاموس 2/235، لسان العرب 6/156.
2 يجب الترتيب بين أعضاء الوضوء في الغسل، ولا يكفي في الضوء أن ينغمس في الماء.
قال عبد الله بن أحمد: (سألت أبي عن رجل أراد الوضوء فاغتمس بالماء يجزئه؟ قال: أما من الوضوء فلا يجزئه حتى يكون على مخرج الكتاب وكما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون أول ما يبدأ به أن يغسل كفيه ويمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ثم يديه إلى المرفقين ثم يمسح برأسه ويغسل رجليه. وقال: سألت أبي عن رجل لم يكن جنباً فاغتسل. قال: حتى يتوضأ على مخرج الكتاب، قال الله تبارك وتعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} ) . المسائل ص27، 28 (97، 100) .
3 في ع (فإذا) بإبدال الواو فاء.
4 في الأصل (رجل) وهو خطأ.
5 أي أنه لابد من النية المصاحبة للوضوء، ينوي رفع الحدث أو استباحة شيء لا يستباح إلا به، فمن نوى بغسل أعضاء الوضوء التبرد أو التعليم لم يرتفع حدثه. قال ابن قدامة: (النية شرط من شرائط الطهارة للأحداث كلها، لا يصح وضوء ولا غسل ولا تيمم إلا بها) . المغني 1/110.
وهذا هو المذهب المجزوم به عند جماهير الأصحاب. وقال الخرقي وابن تميم: النية فرض.
انظر: الانصاف1/142، الفروع 1/67.(2/273)
قال: وهو في الغسل من الجنابة1 أيسر، إنما قال الله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} 2،3.
__________
1 الجنابة: هي التي يجب منها الغسل بالجماع أو خروج المني. والجنب هو الذي يقع منه ذلك ويطلق على الواحد والاثنين والجميع والمؤنث بلفظ واحد.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 7/322، لسان العرب 1/279، النهاية في غريب الحديث 1/302.
2 سورة المائدة:6
3 أي الترتيب في غسل أعضاء الجسم من الجنابة ليس بواجب كما في الوضوء،. قال الإمام أحمد في جواب سؤال ابنه عبد الله المتقدم: (إذا كان جنباً فلا يبالي بأيه بدأ؛ لأنه قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} ولم يحدد له تحديد الوضوء) . المسائل ص27 (97) وقريباً منه في مسائل صالح: 1/142، 3/207 (35، 1664) ومسائل أبي داود ص6.
قال ابن قدامة: (لا يجب ترتيب الغسل؛ لأن الله تعالى قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} ولم يقدم بعض البدن على بعض) . الكافي 1/75.
وقال في الشرح الكبير: (لا يجب الترتيب في غسل الجنابة فكيفما اغتسل فقد حصل التطهير ولا نعلم في هذا خلافاً) 1/220.(2/274)
قال إسحاق: كما قال1.
[11-] قلت: إذا نسي المضمضة والاستنشاق2 يعيد؟
قال: (الإمام) 3 أحمد في الاستنشاق يعجبني أن يعيد الاستنشاق والصلاة والمضمضة أهون، وإذا بعد ذلك يعيد الوضوء والصلاة.4
__________
1 في أنه يرى وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء وتقدم الكلام عنه في مسألة (3) . وأنه تشترط النية للوضوء، فلا يعتد بالوضوء إلا بها.
انظر: اختلاف العلماء للمروزي ص34، الأوسط 1/369، المحلى 1/98، المجموع 1/363، المغني 1/110.
2 المضمضة: هي تحريك الماء في الفم وادارته فيه. والاستنشاق: هو إدخال الماء بالنفس في الأنف حتى يبلغ به الخياشيم.
انظر: القاموس 2/345، 3/285، لسان العرب 7/234، 10/353، غريب الحديث للخطابي 1/135.
(الإمام) إضافة من ع.
4 هذه الفتوى تدل على أن الاستنشاق واجب في الضوء دون المضمضة وهي إحدى الروايات عن الإمام أحمد. قال أبو يعلى: نقل الأثرم وابن منصور- وهو الكوسج- ما يدل على أنها غير واجبة؛ لأنه قال: المضمضة أهون من الاستنشاق. الروايتين والوجهين 1/70، وانظر: الأوسط 1/378، واختلاف العلماء للمروزي ص 24.
والمذهب: أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء وفي الغسل.
وفي رواية أنهما واجبان في الطهارة الصغرى دون الكبرى.
وفي الأخرى عنه أنهما واجبان في الطهارة الكبرى دون الصغرى عكس التي قبلها.
وعنه يجب الاستنشاق في الغسل وحده.
وعنه عكسها- أي يجب في الوضوء وحده-.
وعنه هما سنة مطلقاً.
انظر: المبدع 1/122، الفروع 1/73، الإنصاف 1/152، 153.(2/275)
قال: والمضمضة والاستنشاق1 في الوضوء والجنابة واحد.
قال: والاستنشاق أوكد إذا صلى ولم يستنشق يعيد الصلاة2.
قال إسحاق: يعيد من الجنابة والوضوء إذا ترك المضمضة والاستنشاق؛ لأنهما من الوجه، والجنابة والوضوء واحد، الجنابة يجب غسل الجسد كله، والوضوء يجب غسل الوجه منه، فحكمها واحد3.
__________
1 كلمة (الاستنشاق) ساقطة من ع.
2 هذه الفتوى تدل على أن الاستنشاق واجب في غسل الجنابة دون المضمضة، وتقدم الكلام عنها قريباً.
3 انظر: قول إسحاق: أنه يرى وجوب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين في اختلاف العلماء للمروزي ص 24، التمهيد 4/34، شرح مسلم للنووي 3/107، المغني 1/118، الاستذكار 1/158، عمدة القاري 1/301.(2/276)
[12-] قلت: يزيد الرجل على الثلاث في الوضوء؟.
قال: لا والله1 إلا رجل مبتلى2.
قال إسحاق: كما قال3.
[13-] قلت: الأذنان من الرأس؟
__________
1 نقل قول أحمد هذا ابن قدامة في المغني 1/140، وابن قيم الجوزية في اغاثة اللهفان 1/142، والترمذي في سننه 1/64.
وقال ابن المنذر: (قال أحمد: لا يزيد على الثلاث في الوضوء. الأوسط 1/410.
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول أكثر الوضوء ثلاثاً ثلاثاً) . المسائل ص 25 (87) .
والصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية في أنه تكره الزيادة على الثلاث وقيل: تحرم.
وعن أحمد أنه يزاد في الرجلين دون غيرهما. انظر: الإنصاف 1/136، 137.
2 البلاء الاختبار ويكون بالخير والشر. بلاه يبلوه بلواً إذا ابتلاه الله ببلاء.
انظر: الصحاح 6/2285، لسان العرب 14/85.
ولعل المراد أن الشيطان يوسوس له ويخيل له أنه لم يغسل الأعضاء كما يجب مما يجعله يزيد على ثلاث غسلات. وهذا ابتلاء من الله واختبار.
3 ذكر قول: إسحاق أن المتوضئ لا يزيد على الثلاث: الترمذي في سننه 1/64، وابن حجر في فتح الباري 1/234، وابن المنذر في الأوسط 1/410، والعيني في عمدة القاري 2/220(2/277)
قال: الأذنان من الرأس1 يمسحهما مع الرأس2.
قال إسحاق: الذي أختار أن يغسل مقدمهما مع الوجه ومؤخرهما مع الرأس3.
[14-] قلت: كيف يمسح الأذنين؟
قال: ظاهرهما وباطنهما4.
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص27 (95) ، وأبو داود في مسائله ص8.
والصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية في اعتبار الأذنين من الرأس، وفي رواية عن أحمد أنهما عضوان مستقلان. وروى عنه: أن ما أقبل منهما من الوجه يغسل معه وما أدبر من الرأس.
انظر: الفروع 1/77، 78، الإنصاف 1/135، 136.
2 قوله يمسحهما مع الرأس: يمسحهما بماء الرأس ولا يأخذ لهما ماء جديداً. هكذا ذكر أبو يعلى نقلاً عن هذه المسائل. الروايتين والوجهين 1/73.
والصحيح من المذهب أنه يستحب للمتوضئ أن يأخذ لأذنيه ماءً جديداً. وروي عن أحمد أنه لا يستحب بل يمسحان بماء الرأس. اختاره القاضي وأبو الخطاب والمجد وغيرهم.
انظر: كشاف القناع 1/112، المحرر 1/12، الإنصاف 1/135.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط 1/403، سنن الترمذي 1/55، التمهيد 4/317، الإنصاف 1/136، المجموع 1/454، شرح السنة للبغوي 1/441.
4 نقل عنه نحو هذه الرواية ابن هانئ في مسائله 1/75 (78) وأبو داود في مسائله ص8.
قال ابن قدامة: (يستحب أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح ظاهر أذنيه بإبهاميه) . المغني 1/132. وانظر: المبدع 1/111، مطالب أولي النهى 1/118(2/278)
قال إسحاق: كما قال1.
[15-] قلت: كيف تمسح المرأة برأسها؟
قال: مقدم رأسها يجزئها، وأشار الإمام أحمد بيده2.
__________
1 هذا خلاف اختياره المتقدم وهو أن يغسل مقدمهما مع الوجه ويمسح مؤخرهما مع الرأس. وهذه الرواية فيما إذا اقتصر المتوضئ على مسح أذنيه مع رأسه فإنه يمسح ظاهرهما وباطنهما.
2 هذه إحدى الروايات عن أحمد أشار إليها ابن المنذر في الأوسط 1/398، وابن حزم في المحلى 2/72.
قال صالح بن أحمد: سألت أبي عن المرأة كيف تمسح برأسها؟ قال: لا تبالي كيف مسحت. المسائل 1/168 (75) . وقال مهنا: قال أحمد: أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل. قلت: له ولِم؟ قال: كانت عائشة تمسح مقدم رأسها.
وقال الخلال: (العمل في مذهب أبي عبد الله- رحمه الله- أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها. وقال: هذه الرواية هي الظاهرة عن أحمد) .
والمذهب وعليه جماهير الأصحاب أنه يجب تعميم الرأس بالمسح.
وعن أحمد يجزئ مسح أكثره.
وعنه يجزئ مسح قدر الناصية.
وعنه يجزئ مسح بعض الرأس من غير تحديد.
وعنه يجزئ مسح بعضه للمرأة دون غيرها، وهي المذكورة في هذه المسائل.
انظر: المغني 1/125، الإنصاف 1/161، 162، الفروع 1/76، المحرر في الفقه 1/12.(2/279)
قال إسحاق: تمسح مقدمها ومؤخرها وقرنيها1 [ع-3/أ] فإن اقتصرت على مقدم رأسها رجونا2 أن يجزئها3.
[16-] قلت: كيف يمسح الرأس؟
قال: يمسح من مقدم إلى مؤخر، ثم من مؤخر إلى المقدم4.
__________
1 تثنية قرن. والقرن: الذؤابة، وخص بعضهم به ذؤابه المرأة وضفيرتها.
انظر: القاموس 4/257، المحكم والمحيط الأعظم 6/221. لسان العرب 13/331.
2 في ع (رجوت) بإبدال ضمير نون الجماعة بضمير المتكلم.
3 ذكر قول إسحاق ابن المنذر في الأوسط 1/398.
4 وردت هذه الكيفية من المسح بألفاظ متقاربة في رواية عبد الله ص26، 30 (93، 109) ، وصالح 1/166 (71) وابن هانئ 1/15 (15) ، وأبي داود ص 6.
والمذهب وما عليه الأصحاب موافق لهذه الرواية استحباباً. وإلا كيفما مسح أجزأه.
وفي رواية عن الإمام أحمد لا يردهما من انتشر شعره. ويردهما من لا شعر له أو كان مضفوراً.
وعنه تبدأ المرأة بمؤخرة الرأس وتختم به.
وعنه تبدأ بالمقدم إلى المؤخر ولا تردهما إلى المقدم.
وعنه تمسح المرأة كل ناحية لمصب الشعر.
انظر: المغني1/127، الإنصاف 1/160، المبدع 1/126، كشاف القناع 1/110.(2/280)
قال إسحاق كما قال1.
[17-] قلت: يخلل2 أصابع3 يديه ورجليه4؟
قال: نعم5.
قال إسحاق: كما قال6؛ لأن تخليل أصابع اليدين سنة7 أيضاً
__________
1 ذكر الترمذي قول إسحاق: أنه يرى مسح الرأس على هذه الصفة في سننه 1/47.
2 في ع (تخليل) بزيادة (ياء) وسطها.
3 في ع (الأصابع) بإضافة (ال) .
4 كلمة (ورجليه) ساقطة من ع.
5 قال عبد الله بن أحمد: سئل أبي وأنا شاهد عن تخليل الأصابع في الوضوء؟ قال: (يعجبني التخليل وإن وصل الماء إليه أجزأه) . المسائل ص26 (90) وقريب منه في مسائل ابن هانئ 1/15 (76) .
والصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية في أنه يستحب تخليل أصابع اليدين.
وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يستحب. أما تخليل أصابع الرجلين فيستحب تخليلهما بلا نزاع في المذهب.
انظر: الإنصاف 1/134. الفروع1/79، المغني 1/108.
6 انظر: قول إسحاق في سنن الترمذي 1/57.
7 روى عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأت فخلل الأصابع".
رواه الترمذي في سننه كتاب الطهارة، باب ما جاء في تخليل الأصابع 1/56 (38) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود في سننه كتاب الطهارة، باب في الاستنثار 1/97ـ100 (142) ، ورواه الحاكم في مستدركه 1/148، وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ورواه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء باب (116) ، وباب (131) 1/77، 78، 87 (150، 168) .(2/281)
وهو مقيل الشيطان1.
[18-] قلت: كم يمسح المقيم على خفيه2؟
قال: يوماً وليلة3 إلى مثل ساعته التي
__________
1 روى ابن أبي شيبة بسنده عن عكرمة قال: (إذا توضأت فابدأ بأصابعك فخللها فإنه يقال هو مقيل الشيطان) . المصنف 1/12.
2 الخف: قال ابن سيدة: الخف الذي يلبس، والجمع أخفاف وخفاف، وقال الشوكاني: (الخف نعل من أدم- جلد- يغطى الكعبين) .
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 4/387، نيل الأوطار 1/212.
3 قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن المسح على الخفين في دار الحرب كم يمسح عليه الرجل؟ فقال: (المسح في دار الحرب وغيره واحد للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة) . المسائل ص 33 (123) ، ونحوه في مسائل ابن هانئ 1/18، 19 (91، 99) .
وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل سئل كم يمسح المسافر؟ قال: ثلاثة أيام ولياليهن. المسائل ص 10.
وكون المقيم يمسح يوماً وليلة كهذه الرواية والمسافر يمسح ثلاثة أيام ولياليهن كما في المسألة الآتية، هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم. وقيل: يمسح بدون توقيت كالجبيرة، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في حق المسافر الذي يشق اشتغاله بالخلع واللبس كالبريد المجهز لمصلحة المسلمين.
انظر: المقنع 1/44، المغني 1/286، الإنصاف 1/176، الاختيارات الفقهية ص 15.(2/282)
أحدث فيها1.
قال إسحاق: كما قال.
[19-] قلت: وكم يمسح المسافر على خفيه؟
قال: ثلاثاً2.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 كون المدة تبدأ من الحدث بعد لبس الخف كما في هذه الرواية هو ظاهر المذهب والمشهور من الروايتين. وعن الإمام أحمد ابتداء المدة من المسح على الخف بعد الحدث.
انظر: الكافي 1/46، المبدع 1/142، الروايتين والوجهين 1/96/97، المغني 1/290، 291.
2 تقدم في المسألة قبلها الإشارة إلى مدة مسح المسافر.
3 نقل مذهب إسحاق أن مدة المسح للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن. الترمذي في سننه 1/161، والمروزي في اختلاف العلماء ص29، وابن المنذر في الأوسط 1/435، والنووي في المجموع 1/521، وابن قدامة في المغني 1/286.(2/283)
[20-] قلت: وكيف1 يمسح على خفيه2؟
قال: أعلا الخفين إن شاء من الأصابع3 إلى الساق4 وإن شاء من الساق إلى الأصابع5،6 ولا يمسح أسفل الخفين7.
__________
1 في ع (كيف) بإسقاط (الواو) .
2 في ع (الخفين) بإضافة (ال) وإبدال (الهاء) نوناً.
3 أصابع الرجلين الملبوس عليها الخف.
4 في ع (من الساق إلى الأصابع) بالتقديم والتأخير.
5 في ع (من الأصابع إلى الساق) بالتقديم والتأخير.
6 الصحيح من المذهب أن الواجب مسح أكثر أعلى الخف وعليه جمهور الأصحاب، وفي وجه لبعض الأصحاب، أنه يجب مسح جميع أعلاه وهو من مشط القدم إلى العرقوب. وقيل يمسح قدر أربع أصابع فأكثر وقيل: يمسح على قدر الناصية من الرأس.
انظر: المحرر في الفقه 1/13، المبدع 1/148، الإنصاف 1/184.
7 نقل عنه الاقتصار في المسح على أعلى الخف، وكيفية المسح عبد الله في مسائله ص 33 (124) وصالح في مسائله 1/356، 2/124 (323، 688) ، وابن هانئ في مسائله 1/18، 20، 21 (92، 101، 105) وأبو داود في مسائله ص 9.
والمذهب وما عليه جمهور الأصحاب وقطع به كثير منهم موافق لهذه الرواية من مسح أعلى الخف وعدم استحباب مسح أسفله وعقبه ولو اقتصر على مسح الأسفل والعقب لم يجزه قولاً واحداً.
قال ابن قدامة: (السنة مسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه، فيضع يده على موضع الأصابع ثم يجرها إلى ساقه خطاً بأصابعه، وإن مسح من ساقه إلى أصابعه جاز، والأول المسنون) . المغني 1/297. وانظر: الإنصاف 1/184، 185، الفروع 1/94، مطالب أولي النهى 1/135.(2/284)
قال إسحاق: يمسح أعلاه وأسفله، كما فعله ابن عمر1 (رضي الله عنه) 2 مع ما ذكر عن النبي3 صلى الله عليه
__________
1 روى البيهقي عن ابن عمر أنه كان يمسح على ظهر الخف وباطنه. السنن الكبرى 1/291.
وروى قريباً منه عبد الرزاق في مصنفه 1/220، وابن المنذر في الأوسط 1/452.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
3 هو ما رواه أبو داود بسنده عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة قال: "وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما" قال أبو داود: وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء. سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب كيف المسح 1/116 (165) ورواه الترمذي في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله 1/182، 183 (97) ، وقال: (هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم، وقال أيضاً: سألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوه، قال: حدثت عن كاتب المغيرة مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه المغيرة) .
وروى ابن ماجه في سننه كتاب الطهارة وسننها باب في مسح أعلى الخف وأسفله 1/182، 183 (550) ، والدارقطني في سننه 1/195 والبيهقي في السنن الكبرى 1/290، وابن الجارود في المنتقى ص 38.
والحديث فيه كلام من حيث التدليس والإرسال ونحوها انظر: ذلك في الجوهر النقي 1/290، 291، ومصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه 1/79، وتلخيص الحبير 1/168.(2/285)
(وسلم) 1 (في) 2 ذلك، وإن مسح أعلاه دون أسفله أرجو أن يجزئه3.
[21-] قلت: إذا مسح على خفيه ثم نزعهما؟
قال: يعيد الوضوء كله4.
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
(في) زيادة يقتضيها السياق.
3 انظر: قول إسحاق أنه يرى مسح ظاهر الخفين وباطنهما في: سنن الترمذي 1/163، والأوسط 1/542، والمجموع 1/566، واختلاف العلماء للمروزي ص 30. ونقل عنه: أن الماسح يقتصر على أعلى الخف فقط. ابن المنذر في الأوسط 1/454، وابن قدامة في المغني 1/297.
وليستا روايتين كما ظنه البعض. بل الأول على سبيل الاستحباب والثاني على سبيل الإجزاء كما صرح به هنا- والله أعلم-.
4 نقل عنه نحوها صالح في مسائله 2/122، 2/64 (687، 1348) ، وابن هانئ في مسائله 1/19 (99) ، وأبو داود في مسائله ص 9.
والصحيح من المذهب موافق لما أفتى به هنا وهو المشهور عن أحمد.
وفي رواية عنه يجزئه غسل قدميه. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا ينتقض وضوء الماسح بنزعه الخف كإزالة الشعر الممسوح عليه أو تقليم الأظفار المغسولة.
انظر: المبدع 1/153، المحرر في الفقه 1/12، المغني 1/287، 288، الروايتين والوجهين 1/97، 98، الإنصاف1/190.(2/286)
قال: إسحاق: كما قال1.
[22-] قلت: إذا توضأ ولبس خفيه فأحدث ومسح عليهما؟
قال: يمسح عليهما يوماً وليلة إلى الوقت الذي يحدث ليس إلى الوقت الذي مسح فيه.
قال إسحاق كما قال2.
[23-] قلت: يمسح على الجوربين3. بغير نعلين؟ 4.
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط 1/458، المجموع 1/573، اختلاف العلماء للمروزي ص31، المغني 1/288.
2 تقدم قريباً منها في مسألة (18) .
3 الجورب: لفافة الرجل مُعَرَّب وهو بالفارسية كورب، والجمع جواربة، زادوا الهاء لمكان العجمة، ونظيره من العربية القشاعمة، وقال الزركشي: (هو غطاء من صوف يتخذ للدفء) .
انظر: الصحاح 1/99، المحكم والمحيط الأعظم 7/282، تاج العروس 1/18، المبدع 1/137.
4 النعل: الحذاء. تقول: نعلت وانتعلت إذا احتذيت. وقال ابن سيدة: النعل ما وقيت به القدم من الأرض.
انظر: القاموس 4/58، المحكم والمحيط الأعظم 2/114، الصحاح 5/1831.(2/287)
قال: نعم1.
قال إسحاق: شديداً كما قال2.
[24-] قلت: يمسح على العمامة؟ 3.
قال: نعم4.
__________
1 نقل عنه جواز المسح على الجوربين غير المنعلين صالح في مسائله 2/207 (779) ، وابن هانئ في مسائله 1/17، 21 (86، 106) .
والمذهب الذي عليه أكثر الأصحاب موافق لهذه الرواية بشرط أن يكون الجورب ساتراً لمحل الفرض صفيقاً لا يبدو منه شيء من القدم، وأن يثبت بنفسه حتى يمكن متابعة المشي فيه.
وفي رواية عنه أنه لا يجوز المسح إلا إذا كان الجوربان منعلين أو مجلدين.
انظر: الإنصاف 1/170، 179، المبدع 1/136، المغني 1/294، 295.
2 نقل قول إسحاق كل من الترمذي في: سننه 1/168، وابن المنذر في الأوسط 1/464، وابن قدامة في: المغني 1/295.
3 العمامة: ما يلف على الرأس، والجمع عمائم وعمام، وهو حسن العمة أي التعمم، وعممته ألبسته العمامة. انظر: القاموس 4/154، لسان العرب 2/424، 425.
4 نقل عنه جواز المسح على العمامة ابنه عبد الله في مسائله ص35 (132) وابنه صالح في مسائله 2/154، 3/57 (724، 1330) وابن هانئ في مسائله 1/18، 21 (59، 104) .
والمذهب جواز المسح على العمامة المحنكة- أي تحت الحنك منها شيء- إذا كانت ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس، فإنه يعفى عنه. وإن كانت العمامة ذات ذؤابة وهي غير محنكة ففي المسح عليها وجهان: أحدهما جوازه وهو المذهب. والثاني: لا يجوز.
وأما العمامة الصماء وهي التي لا حنك لها ولا ذؤابة، فالمذهب: أنه لا يجوز المسح عليها وعليه جمهور الأصحاب، وذكر جماعة أن فيها وجهين كذات الذؤابة. وقالوا: لم يفرق أحمد. قال ابن عقيل في المفردات وهو مذهبه، واختار الشيخ تقي الدين بن تيمية وغيره جواز المسح، وقال هي كالقلانس.
انظر: الإنصاف 1/185ـ187، المغني 1/301، 302، مطالب أولي النهى 1/131، 132، الاختيارات الفقهية ص 14.(2/288)
قلت: من غير أن يمسح رأسه1 بشيء؟
قال: نعم2.
قال: وإذا نزعها3 أعاد الوضوء مثل الخفين4.
__________
1 في ع (برأسه) .
2 قال ابن مفلح: (ما جرت العادة بكشفه يستحب أن يمسح عليه مع العمامة نص عليه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وناصيته. وتوقف أحمد عن الوجوب، والأصح عدمه؛ لأن الفرض انتقل إلى العمامة فلم يبق لما ظهر حكم) . المبدع 1/150. وانظر: المغني 1/302، كشاف القناع 1/135، الكافي 1/49.
3 في ع (نزعهما) .
4 نقل عن أحمد إعادة الوضوء إذا خلع العمامة ابنه عبد الله في مسائله ص35/131، 132) ، وصالح في مسائله 1/95، 2/154 (115، 724) ، وابن هانئ في مسائله 1/18 (95) وأبو داود في مسائله ص9.
والمذهب موافق لهذه الرواية وهي أشهر الروايتين عن أحمد وعليها أكثر الأصحاب.
والرواية الثانية: أنه يجزئه المسح على رأسه، واختار الشيخ تقي الدين بن تيمية أن الطهارة لا تبطل كإزالة الشعر الممسوح عليه.
انظر: الإنصاف 1/190، المبدع 1/153، مطالب أولي النهى 1/136، الاختيارات الفقهية ص15.(2/289)
قال إسحاق: سواء كما قال1؛ لأن أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) 2 رأيا ذلك3 اتباعا لقول
__________
1 نقل قول إسحاق: أن المتوضئ يمسح على العمامة وحدها دون أن يمسح على شيء من الرأس: الترمذي في سننه 1/171، وابن المنذر في الأوسط 1/468، والخطابي في معالم السنن 1/56، والنووي في المجموع 1/448، وابن حزم في المحلى 2/84.
2 في ظ (عليه السلام) .
3 روى ابن أبي شيبة بسنده عن حميد بن غسيلة الصناجي. قال: (رأيت أبا بكر يمسح على الخمار. المصنف 1/22. ورواه ابن حزم في المحلى 2/83.
وروى أيضاً بسنده عن سويد بن غفلة قال: قال عمر: إن شئت فامسح على العمامة وإن شئت فانزعها. وروى كذلك بسنده عن نباتة قال: سألت عمر بن الخطاب عن المسح على العمامة؟ قال: إن شئت فامسح عليها وإن شئت فلا) . المصنف 1/22، ورواه ابن حزم في المحلى 2/84.
وروى ابن حزم بسنده عن زيد بن أسلم قال: (قال عمر بن الخطاب من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله) . المحلى2/84.(2/290)
النبي صلى الله عليه (وسلم) 1 وإنما روى المغيرة بن شعبة2 أن النبي صلى الله عليه (وسلم) 3 مسح ناصيته4 مع العمامة5 وغيره روى بلا ناصية6.
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
2 هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبو عيسى. صحابي جليل أسلم قبل عمرة الحديبية وشهدها وما بعدها من المشاهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وشهد فتوح الشام والعراق، وأصيبت عينه يوم اليرموك، كان من دهاة العرب، وذوي الرأي الفهيم سريع البديهة لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجاً، توفي سنة خمسين من الهجرة.
انظر: ترجمته في أسد الغابة 5/247، تاريخ بغداد 1/191، طبقات ابن سعد 4/284، 6/20، تاريخ الطبري 5/334
3 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
4 الناصية: هي قصاص الشعر في مقدم الرأس المسترسل على الجبهة. وقال الأزهري: (الناصية عند العرب منبت الشعر في مقدم الرأس لا الشعر الذي تسميه العامة الناصية، وسمى الشعر ناصية لنباته من ذلك الموضع) .
انظر: لسان العرب 1/327، غريب الحديث للخطابي 1/579.
5 حديث المغيرة رواه مسلم في صحيحه بسنده عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين". صحيح مسلم، كتاب الطهارة باب المسح على الناصية والعمامة 1/231 (83) .
6 هناك عدة أحاديث رويت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الاقتصار على مسح العمامة دون ذكر للناصية أو الرأس. نكتفي باثنين منها:
حديث عمرو بن أمية الضمري. رواه البخاري في صحيحه بسنده عن جعفر بن عمرو عن أبيه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه". صحيح البخاري كتاب الوضوء، باب المسح على الخفين 1/44.
وحديث بلال: رواه مسلم في صحيحه بسنده عن بلال- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار (أي العمامة) . صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب المسح على الناصية والعمامة 1/231 (84) .(2/291)
[25-] قلت: إذا توضأ ولبس خفيه ثم نزعهما قبل أن يحدث؟
قال: ليس عليه شيء1.
قال إسحاق: كما قال2.
[26-] قلت: المسح أفضل أم الغسل؟
قال: المسح الاتباع وإذا3 كان (الرجل) 4 يدعه رغبة عنه فإن هذا رجل يخالف، وأما من يرى المسح وينزع فلا بأس به5.
__________
1 قال البهوتي: (فإن تطهر ولبس الخف، ولم يحدث لم تبطل طهارته بخلعه) الروض المربع 1/64.
2 هذه المسألة بأكملها في (ع) هي قبل مسألة رقم (22) .
3 في ع (إذا) بإسقاط الواو.
(الرجل) زيادة من ع.
5 أشار أبو يعلى إلى هذه الرواية. فقال: (اختلفت- أي الروايات عن أحمد- أيما أفضل المسح على الخفين أو غسل الرجلين؟ فنقل ابن منصور عنه المسح أفضل) . كتاب الروايتين الوجهين 1/98.
وذكر أحمد رحمه الله هنا وجه تفضيل المسح على الغسل، وهو اتباع نبي هذه الأمة وسلفها الصالح في المسح والمداومة عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته انما طلبوا الأفضل؛ ولأنه قد طعن في المسح على الخفين أناس من أهل البدع فمخالفتهم باحياء ما طعنوا فيه أفضل من إماتته.
والقول: بأن المسح أفضل من غسل الرجلين كما في هذه الرواية هو الصحيح من المذهب.
وعنه أن الغسل أفضل.
وعنه هما سواء في الفضيلة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الأفضل في حق كل أحد بحسب قدمه، فللابس الخف أن يمسح عليه ولا ينزع خفيه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولمن قدماه مكشوفتان الغسل، ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين، ويمسح إذا كان لابس الخفين) .
انظر: المغني 1/281، الإنصاف 1/169، كشاف القناع 1/123، الاختيارات الفقيهة ص 13.(2/292)
قال إسحاق: كما قال1 إلا قوله يرى المسح وينزع فهو جائز
__________
1 نقل مذهب إسحاق في تفضيل المسح على الخفين على غسل القدمين كل من ابن المنذر في الأوسط 1/440، وابن قدامة في المغني 1/281، والعيني في عمدة القاري 2/408.(2/293)
وأنه خطأ.
[27-] قلت: رجل مسح في الحضر1 يوماً وليلة ثم سافر؟
قال: يبتدئ. يقول: لا يبني على ما مسح في الحضر2.
قال إسحاق: إذا مسح وهو مقيم ثم سافر لم يزد على تمام يوم وليلة3 لما اختلط الإقامة بالسفر.
__________
1 في ع (على الخفين) بدل كلمة (في الحضر) .
2 هذه الرواية هي أصح الروايتين عن أحمد وعليهما المذهب، وبها قال: جماهير الأصحاب، قال في الفروع: اختاره الأكثر.
قال ابن قدامة: (إن مسح في الحضر ثم سافر، أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم؛ لأنها عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر، فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكم الحضر كالصلاة) . الكافي 1/46.
وأجابه هنا بأن يبتدئ المدة من جديد بأن يخلع خفيه ثم يتوضأ ثم إن شاء لبسهما واحتسب المدة من حين الحدث أو المسح على ما تقدم بيانه؛ لأنه أكمل مدة مسح المقيم وهي يوم وليلة.
والرواية الثانية: أنه يمسح مسح مسافر فيبني على ما مضى من المسح في الحضر.
انظر: الإنصاف 1/177، الفروع 1/93، الروايتين والوجهين 1/97، كشف المخدرات 1/29.
3 نقل مذهب إسحاق أن من مسح وهو مقيم ثم سافر أنه يمسح مسح مقيم: ابن المنذر في الأوسط 1/446، والنووي في المجموع 1/527، والمروزي في اختلاف العلماء ص31، وابن قدامة في الغني 1/291.(2/294)
وكذلك لو مسح ثم دخل المصر1 لم يزد على تمام [ع-3/ب] يوم وليلة2.
[28-] قلت: من نام قاعداً أو قائماً3؟
قال: ما أرى عليه وضوء إلا أن يكون ساجداً4.
__________
1 المصر: المدينة جمعها أمصار، وقال الليث: المصر كل كورة تقام فيها الحدود ويقسم فيها الفيء والصدقات من غير مؤامرة الخليفة.
انظر: منال الطالب في شرح طوال الغرائب ص 608، لسان العرب 5/176.
2 نقل مذهب إسحاق: أن من مسح مسافراً ثم أقام أنه لا يزيد على يوم وليلة. المروزي في اختلاف العلماء ص 31.
وقال ابن المنذر: (أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم ممن يقول بالتحديد في المسح على الخفين على أن من مسح ثم قدم الحضر خلع خفيه، إن كان مسح يوماً وليلة مسافراً، ثم قدم فأقام، أن له ما للمقيم، وإن كان مسح في السفر أقل من يوم وليلة مسح بعد قدومه تمام يوم وليلة) . الأوسط 1/446.
3 في ع (قائماً أو قاعداً) بالتقديم والتأخير.
4 نقل عبد الله وصالح في مسائلهما عن أبيهما، وكذلك أبو داود وابن هانئ في مسائلهما عن أحمد أنه لا وضوء على من نام قائماً أو جالساً إلا إذا طال نومه أو حلم وهو نائم فإن نام ساجداً انتقض وضوؤه.
مسائل عبد الله ص22 (74) ، مسائل صالح 1/178، 247 (88، 186) ، 3/38 (1283) ، مسائل أبو داود ص13 مسائل ابن هانئ 1/8 (42، 43) .
والصحيح من المذهب: أن نوم الجالس إن كان كثيراً نقض الوضوء وإن كان يسيراً لم ينقض.
وروي عن أحمد أنه ينقض مطلقاً.
وعنه لا ينقض مطلقاً، واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية وغيره.
والصحيح من المذهب: أن نوم القائم كنوم الجالس فلا ينقض اليسير منه.
قال ابن قدامة: (الظاهر عن أحمد التسوية بين الجالس والقائم، وعنه ينقض اليسير من القائم وإن لم ينقض من الجالس) .
أما نوم الساجد فالمذهب موافق لهذه الرواية: في أنه ينقض الوضوء مطلقاً كثيره وقليله.
قال ابن قدامة: (الظاهر عنه في الساجد التسوية بينه وبين المضطجع؛ لأنه ينفرج محل الحدث ويعتمد بأعضائه على الأرض، وعنه لا ينقض نوم الساجد إلا إذا كثر) .
انظر: الإنصاف 1/200، المغني 1/174، الكافي 1/53، الروايتين والوجهين 1/83، المبدع 1/159، 160.(2/295)
قال إسحاق: كلما نام حتى غلب على1 عقله توضأ2.
__________
1 في ع (وخشي على) . أي أن يفقد وعيه ويزول إدراكه بسبب النوم.
2 نقل قول إسحاق الترمذي في سننه 1/114، وابن المنذر في الأوسط1/147، وابن عبد البر في الاستذكار 1/191، والعيني في عمدة القاري 2/423، وراجع مسألة (473) .
ونقل عنه رواية ثانية: أن النوم ينقض الوضوء على كل حال.
انظر: المجموع 2/18، عمدة القاري 2/423، اختلاف العلماء للمروزي ص 28.(2/296)
[29-] قلت: ما يوجب الوضوء: من الغيبة1 أو الطعام أو أذى المسلم أو مس الفرج أو شرب اللبن أو لحوم الإبل أو القبلة؟.
قال (الإمام) 2 أحمد: من مس الفرج3 الوضوء. ومن لحوم الإبل
__________
1 الغيبة: هي أن يتناول شخصاً بظهر الغيب بما يسوؤه أو يغمه لو سمعه مما هو فيه. فإن كان كذباً فهو بهتان. انظر: المحكم والمحيط الأعظم 6/19، الصحاح 1/196، لسان العرب 1/656، غريب الحديث لإبراهيم الحربي 2/612.
(الإمام) إضافة من ع.
3 الفرج: اسم لمخرج الحدث ويتناول الذكر والدبر، وقبل المرأة. وجوابه هنا يفيد أن الوضوء ينتقض بمس أحد هذه الثلاثة. وقد اختلفت الرواية عن أحمد في حكم انتقاض الوضوء بمس أحدها، وسنشير إلى ذلك ونبدأ بالذكر؛ لأنه آكدها.
فنقل عنه انتقاض الوضوء بمس الذكر ابنه عبد الله في مسائله ص16/17 (51-57) ، وابنه صالح في مسائله 1/170 (80) ، وابن هانئ في مسائله 1/9، 10 (47، 50) ، وأبو داود في مسائله ص12، 13.
والصحيح من المذهب: أن مس الذكر ينقض الوضوء، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به جماعة منهم.
وفي رواية عن الإمام أحمد: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء مطلقاً بل يستحب الوضوء منه، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
وعنه: لا ينقض مسه سهواً.
وعنه: لا ينقض مسه بغير شهوة.
وعنه: لا ينقض مس غير الحشفة.
انظر: الإنصاف 1/202، المغني 1/178، كشاف القناع 1/142، 143، الفروع 1/103.
أما مس حلقة الدبر فعنه روايتان:
الأولى: ينقض الوضوء وهي المذهب وصححه غير واحد.
والثانية: لا ينقض. قال الخلال: العمل عليه، وقال في الإنصاف: (وهو الأشبه في قوله وحجته) . وقال في الفروع: (وهي أظهر، واختارها جماعة) .
انظر: الفروع 1/103، الإنصاف 1/209 المبدع 1/164، كشف المخدرات 1/32.
ولمس قبل المرأة فيه روايتان أيضاً:
الأولى: ينقض الوضوء وهو المذهب وصححه صاحب الفروع والمجد ابن تيمية.
والثانية: لا ينقض.
انظر: المغني 1/182، الإنصاف 1/210، الروايتين والوجهين 1/85، الكافي 1/56.(2/297)
الوضوء1، ومن القبلة إذا كان للشهوة الوضوء2.
__________
1 نقل عن أحمد وجوب إعادة الوضوء على من أكل لحم الإبل ابنه عبد الله في مسائله ص18 (58، 59) ، وابنه صالح في مسائله 1/450 (453) ، وابن هانئ في مسائله 1/7، 9 (39، 44) ، وأبو داود في مسائله ص15.
والمذهب موافق لهذه الرواية وهو ما عليه عامة الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه لا ينقض مطلقاً.
وعنه: إن علم النهي نقض وإلاّ فلا.
انظر: المبدع 1/168، الفروع1/106/ الإنصاف 1/216، كشاف القناع1/146.
2 نقل عن أحمد أن القبلة لشهوة تنقض الوضوء، ابنه عبد الله في مسائله ص20 (66) وابنه صالح في مسائله 2/10 (531) ، 3/210 (1670) وأبو داود في مسائله ص12.
وانتقاض الوضوء من القبلة بشهوة كما في هذه الرواية هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب. وعنه أنها تنقض الوضوء مطلقاً، وحكى أنه رجع عنها. وعنه: لا تنقض مطلقاً اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
انظر: المغني 1/192، 193، الفروع 1/104، 105، الاختيارات الفقهية ص16، مطالب أولي النهى 1/145، 146.(2/298)
وأما الغيبة1 (أو) 2 الطعام3 أو أذى
__________
1 قال صالح بن أحمد: (قلت ما تقول في الغيبة والكذب والخنا والفحش ينقض الوضوء؟ قال: أرجو) . المسائل 1/127 (692) .
وعدم انتقاض الوضوء بالكلام المحرم كالغيبة، والقذف، وأذى المسلم، كما في هذه الرواية هو المذهب وعليه الأصحاب، لكن يستحب الوضوء منه.
قال ابن قدامة: (لا ينقض الوضوء ما عدا الردة من الكلام من الكذب والغيبة والرفث والقذف وغيرها نص عليه أحمد) .
وقال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ قوله من علماء الأمصار على أن القذف وقول الكذب والغيبة لا تنقض طهارة ولا توجب وضوءاً. وحكي عن أحمد رواية بالنقض بذلك) .
انظر: المغني 1/177، الأوسط 1/230، الإنصاف 1/221، غاية المنتهى 1/39.
2 في ظ (و) بإسقاط الألف.
3 نقل عبد الله وصالح وابن هانئ وأبو داود عن أحمد- رحمه الله-: أنه لا وضوء على من أكل ما مسته النار. مسائل عبد الله ص 19 (62، 63) ، مسائل صالح 1/171 (82) ، مسائل ابن هانئ 1/9 (45) ، مسائل أبي داود ص15.
قال ابن قدامة: (ما عدا لحم الجزور من الأطعمة لا وضوء فيه سواء مسته النار، أو لم تمسه. ثم قال: ولا نعلم اليوم فيه خلافاً) . المغني 1/191، وانظر: كشاف القناع1/149، المبدع 1/170.(2/299)
المسلم، أو شرب اللبن1 فأرجو ألا يكون فيه وضوء.
قال إسحاق: كما قال في كله2 بلا رجاء3.
__________
1 شرب اللبن إن كان من غير الإبل فلا ينقض الوضوء وتقدمت الإشارة إليه في الهامش السابق وإن كان لبن الإبل. فنقل عبد الله في مسائله ص18 (58) ، وصالح في مسائله 1/450 (454) ، أن شرب لبن الإبل لا ينقض الوضوء.
والمذهب-وهو ما عليه أكثر الأصحاب-: موافق لهذه الرواية.
وعن أحمد رواية: أن شرب لبن الإبل ينقض الوضوء كاللحم.
انظر: الإنصاف 1/217، الفروع 1/106، الكافي 1/54، 55.
2 كلمة (في كله) ساقطة من ع.
3 نقل عن إسحاق أن من مس ذكره بباطن كفه انتفض وضوؤه، سواءً كان عامداً أو مخطئاً، وكذلك ينتقض وضوء من مس ذكر غيره صغيراً كان أو كبيراً بشرط أن يكون حياً، أما مس ذكر الميت أو انثيي الحي فلا ينقض وضوؤه. ابن المنذر في الأوسط 1/196، 206، 207، 209، 210، 211، 212، والترمذي في سننه 1/129، والخطابي في معالم السنن 1/65، وابن قدامة في المغني 1/179، 181، والنووي في المجموع 2/41، والبغوي في شرح السنة 1/342. ونقل عنه ابن المنذر أنه يرى انتقاض الوضوء بمس الدبر. الأوسط 1/212.
أما قوله: بانتقاض الوضوء من أكل لحم الإبل، فنقله عنه ابن المنذر في الأوسط 1/140، وابن قدامة في المغني 1/187، والترمذي في سننه 1/125، والمروزي في اختلاف العلماء ص25، والنووي في شرح مسلم 4/48، والمجموع 2/58، والبغوي في شرح السنة 1/349، وابن حزم في المحلى 1/327، والحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص32.
أما قوله: بانتقاض الوضوء من القبلة بشهوة فنقله عنه ابن قدامة في المغني 1/192، والترمذي في سننه 1/134، وابن المنذر في الأوسط 1/125، والبغوي في شرح السنة 1/345، والمروزي في اختلاف العلماء 29، والنووي في المجموع 2/30.
أما قوله: بعدم انتقاض الوضوء بالغيبة ونحوها من الكلام المحرم فنقله عنه ابن المنذر في الأوسط 1/231.
أما قوله: بعدم انتقاض الوضوء من الأطعمة سواء مستها النار أو لم تمسها سوى لحم الجزور فنقله عنه المروزي في اختلاف العلماء ص 25، وابن المنذر في الأوسط 1/223، والترمذي في سننه 1/120، والنووي في المجموع 2/58.(2/300)
[30-] قلت: اذا وجد المذي1 أو2 الودي؟ 3
__________
1 المذي: بسكون الذال هو ماء رقيق أبيض لزج، يخرج من قبل الإنسان عند ملاعبة النساء، وحصول الشهوة بدون دفق، ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة.
انظر: النهاية في غريب الحديث 4/312، مشارق الأنوار 1/376، غريب الحديث لأبي عبيد 2/55، غريب الحديث للخطابي 3/222.
2 في ع (و) بحذف الألف.
3 الودي: بتشديد الياء وتخفيفها، واختلف أيهما أصح. هو الماء الرقيق الأبيض يخرج من الذكر في أثر البول.
انظر: لسان العرب 15/384، غريب الحديث للخطابي 3/222، غريب الحديث لأبي عبيد 2/55.(2/301)
قال: أما المذي ففيه الوضوء، وأما الودي فشئ يكون على [ظ-2/ب] أثر البول ففيه الوضوء1.
قال إسحاق: كما قال.
[31-] قلت: ما معنى قوله: (صلى الله عليه وسلم) 2 " (لا) 3 يبولن أحدكم
__________
1 نقل عنه عبد الله وجوب الوضوء من المذي والودي. المسائل ص31، 32 (117) . ووجوب الوضوء من المذي والودي مجمع عليه بين أهل العلم.
قال ابن هبيرة: (أجمعوا على أن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء سواءً كان نادراً أو معتاداً، قليلاً كان، أو كثيراً، نجساً كان أو طاهراً. الإفصاح 1/78.
وقال ابن المنذر: (لست أعلم في وجوب الوضوء منه- أي المذي- اختلافاً بين أهل العلم) . الأوسط 1/134. وانظر: المغني 1/168، الكافي 1/51، كشاف القناع 1/138.
واختلفت الرواية عن أحمد هل يجب في المذي شيء غير الوضوء على روايتين: الأولى: يجب مع الوضوء غسل الذكر والانثيين.
والثانية: لا يجب أكثر من الاستنجاء والوضوء. انظر: المغني 1/171.
(صلى الله عليه وسلم) إضافة من ع.
3 في ظ (ولا) بزيادة الواو والمثبت موافق للحديث.(2/302)
في الماء الدائم1 ثم يتوضأ منه2 "؟
قال: إذا كان يبول في بئر مثل آبارنا هذه التي نغرف منها3، فأرى أن ينزح4 الماء حتى يغلبهم.
وأما مثل هذه المصانع5 المحدثة في طريق مكة فلا ينجس ذلك
__________
1 الدائم: الراكد الساكن الذي لا يجرى من دام يدوم إذا طال زمانه.
انظر: لسان العرب 12/214، الفائق 1/441، غريب الحديث للخطابي 2/578.
2 هو ما رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه". وقال: (هذا حديث حسن صحيح) . سنن الترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد 1/100 (68) .
ورواه النسائي في سننه، كتاب الطهارة، باب الماء الدائم 1/49 (57) ، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب (73) ، النهي عن الوضوء من الماء الدائم 1/50 (94) ، وابن الجارود في المنتقى ص 29، والبيهقي في السنن الكبرى 1/238، 239.
والحديث متفق عليه بلفظ: "ثم يغتسل فيه أو منه" انظر: صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب الماء الدائم 1/47، صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد 1/235 (95، 96) .
3 كلمة (منها) ساقطة من ع.
4 نزح البئر: إذا استقى ما فيها حتى ينفذ ماؤها وقيل حتى يقل. قال الجوهري: نزحت البئر نزحاً استقيت ماءها كله.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 3/168، لسان العرب 2/614، الصحاح 1/410.
5 المصانع: جمع مصنعة ومصنع وهي كالحوض، أو شبه الصهريج يجمع فيها ماء المطر. قال الأزهري: (سمعت العرب تسمى أحباس الماء الأصناع والصنوع. وقال الأصمعي: هي مساكات لماء السماء يحتفرها الناس فيملؤها ماء السماء) .
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 1/275/ لسان العرب 8/211، تاج العروس 5/422.(2/303)
شيء1 ومن أين كان لهم مثل هذه المصانع؟ 2.
__________
1 قال ابن قدامة: (يعني بالمصانع البرك التي صنعت مورداً للحجاج يشربون منها ويجتمع فيها ماء كثير ويفضل عنهم. ثم قال: ولم أجد عن إمامنا- رحمه الله- ولا عن أصحابنا تحديد ما يمكن نزحه بأكثر من تشبيهه بمصانع مكة. قال أحمد: انما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الراكد من آبار المدينة على قلة ما فيها؛ لأن المصانع لم تكن انما أحدثت) . المغني 1/39، 40.
2 نقل عنه ابن هانئ نصاً قريباً من هذا في مسائله 1/1، ونقل عنه روايات مماثلة ابنه عبد الله في مسائله، ص4، 5 (6، 10) ، وصالح في مسائله 1/175، 210، 211 (86، 145، 146) ، 2/116 (677) وابن هانئ في مسائله 1/2، 4، 5 (7، 24، 25) وأبو داود في مسائله ص3.
والحكم بنجاسة ماء البئر إذا وقع فيها بول إنسان أو عذرته ووجوب نزح مائها- كما في هذه الرواية- هو المذهب عند أكثر المتقدمين، وأشهر الروايتين عن أحمد.
والرواية الثانية: لا ينجس ماؤها إذا بلغ قلتين، ما لم يتغير أحد أوصافه، وعليها جماهير المتأخرين، وصححها غير واحد، وهي المذهب عندهم، وهي التي اعتمدها المرداوي مذهباً بناءً على اصطلاحه.
انظر: الإنصاف 1/59، 60، المغني 1/39، 40، الفروع 1/21، 22، الروايتين والوجهين 1/61.
أما المياه الكثيرة كالتي تكون في المصانع فأجمع العلماء على أنها لا تنجس بشيء من النجاسات ما لم تتغير.
قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن الماء الكثير من النيل والبحر ونحو ذلك إذا وقعت فيه نجاسة فلم تُغَيِّر له لوناً ولا طعماً ولا ريحاً أنه بحاله ويتطهر منه) . الإجماع ص33، الأوسط 1/261، وانظر: مراتب الإجماع ص17، المغني 1/39، المبدع 1/55.(2/304)
قال إسحاق: كلما بال في بئر فإذا كان الماء قدر قلتين1، وهو نحو أربعين2 دلواً3 أكثر ما قيل في القلتين
__________
1 القلة: هي الحب العظيم، وقيل: الجرة العظيمة، وقيل: الجرة عامة، وقيل: الكوز الصغير، وقيل هي: ما تُقلّه اليد أي ترفعه.
قال أبو عبيد في بيان معنى "قلتين": (يعني هذه الحُبَابُ العظام واحدتها قُلّه وهي معروفة بالحجاز، وقد تكون بالشام. وورد في الحديث قِلاَل هَجَر. وهجر قرية قريبة من المدينة وليست هجر البحرين، وكانت تعمل بها القلال، وتسع القلة من قلال هجر الفَرَق، والفَرَقُ أربعة أصواع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. قال أحمد بن حنبل: (قدر كل قلة قربتان) .
انظر: لسان العرب 11/565، المحكم والمحيط الأعظم 1/83، الفائق 3/174، 224، غريب الحديث لأبي عبيد 1/338.
2 نقل ابن منظور تقدير إسحاق بالدلو. لسان العرب 11/565.
ونقل ابن المنذر عن إسحاق قوله: (أما الذي يعتمد عليه إذا كان الماء قلتين وهما نحو ست قرب؛ لأن القلة نحو الخابية) . الأوسط 1/262، وانظر: المحلى 1/197.
3 قال ابن منظور: (الدلو معروفة، واحدة الدلاء، التي يستقي بها تذكر وتؤنث، والتأنيث أعلى وأكثر. لسان العرب 14/264.
قلت: والدلو إناء من جلد ونحوه على هيئة القدر، يوضع في فوهته خشبة صغيرة يربط بها حبل، يستقى بها الماء من البئر.(2/305)
لم ينجس1.
[32-] قلت:2 كم3 قدر ما لا ينجس من الماء؟
قال: أما4 القلتان فأخشى عليه من البول، وأما في غير البول فلا ينجسه شيء5.
__________
1 نقل قول إسحاق: (أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس بملاقاة النجاسة له سواء كان بولا أو غيره، وانما تنجس ما دون القلتين) .
انظر: ابن المنذر في الأوسط 1/261، 276، وابن قدامة في المغني 1/24، 25، والخطابي في معالم السنن 1/36، والنووي في المجموع 1/162.
2 هذه المسألة نقلها ابن منظور بأكملها. لسان العرب 11/565.
(كم) ساقطة من ع.
4 في ع (انما) بإضافة النون.
5 إذا كان الماء قلتين ووقع فيه بول أو عذرة فتقدم الكلام عن طهوريته في المسألة السابقة.
أما إذا وقع فيه شيء من النجاسات غير البول والعذرة ولم تغير أحد أوصافه، فهو طاهر لا تؤثر فيه النجاسة بلا خلاف في المذهب.
انظر: الإنصاف 1/59، المحرر في الفقه 1/2، المغني 1/23، 24، 39.(2/306)
[33-] قلت: كم قدر1 (القلتين) ؟ 2
قال: كل قلة قدر قربتين3.
قال إسحاق: البول وغيره سواء إذا كان قدر قلتين لم ينجسه شيء4.
[34-] قلت: ما يكره من سؤر5 الدواب؟
قال: (الحمير) .6 والبغال7 وما8 سوى ذلك فليس به
__________
1 في ع (قدركم) بالتقديم والتأخير.
2 في ظ (قتلين) بإسقاط "ال".
3 ذكر قول أحمد: (أن كل قلة قدر قربتين) . ابن قدامة في المغني 1/23، 27، وابن المنذر في الأوسط 1/262، ولمعرفة مقدار ذلك بالأرطال وبالمساحة.
انظر: الإنصاف 1/67، 68، المغني 1/22، 23، غاية المنتهى 1/10، الكافي 1/11.
4 تقدم قول إسحاق في مسألة رقم (31) .
5 السؤر: بقية الماء أو الطعام التي تفضل في الإناء أو الحوض من إنسان أو حيوان. انظر: لسان العرب4/339، معجم لغة الفقهاء ص238.
6 في ظ (الحمار) وفي ع (البغال والحمير) بالتقديم والتأخير.
7 البغال: جمع بغل، وهو حيوان ولد من نتاج حمار وفرس ولا يعيش له ولد، وليس بعقيم، والأنثى بغلة، ويكون أصبر على الأثقال من أبويه، وأطول عمراً منهما. انظر: كتاب الحيوان 1/103.
8 نقل عنه روايات نحوها ابنه عبد الله في مسائله ص8، 9 (22، 24) ، وصالح في مسائله 1/176 (87) ، وابن هانئ في مسائله 1/2/ (8، 11) وأبو داود في مسائله ص4.
والحكم بنجاسة سؤر الحمار والبغل كما في هذه الرواية هو المذهب الذي عليه جماهير الأصحاب والمشهور عندهم. قال المرداوي: (وهو الصحيح والأقوى دليلاً) .
والرواية الثانية: أن سؤرهما مشكوك فيه، فمن لم يجد وتوضأ منه تيمم معه.
انظر: الإنصاف 1/342، المغني 1/48، الروايتين والوجهين 1/62، 63.(2/307)
بأس1.
قال إسحاق: كما قال سواء2.
__________
1 أي سؤر ما سوى البغال والحمير من الدواب، وفي سؤرها ثلاث روايات عن الإمام أحمد:
إحداها: طهارة سؤرها كما أشار إليه في هذه الرواية، ويشمل الكلب والخنزير.
الثانية: طهارة سؤر غير الكلب والخنزير.
الثالثة: نجاسة سؤر السباع من البهائم، وهي المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. انظر: المبدع 1/236، الفروع 1/152، 161، الإنصاف 1/310، 342.
2 نقل قول إسحاق بنجاسة سؤر البغل والحمار كل من: ابن المنذر في الأوسط 1/309، وابن قدامة في المغني 1/48.
وحكى عنه ابن المنذر في رواية ثانية أنه قال: يتوضأ من سؤر الحمار والبغل إذا كان من ضرورة ولا يتيمم. الأوسط 1/309.
ونقل عنه المروزي طهارة مأكول اللحم. اختلاف العلماء ص 26.
قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن سؤر ما يؤكل لحمه طاهر يجوز شربه والتطهر به) . الإجماع ص34، الأوسط 1/299. وانظر: اختلاف العلماء للمروزي ص25، والإفصاح لابن هبيرة 1/64.(2/308)
[35-] قلت: ما يتنزه1 من أبوال الدواب؟
قال: يتنزه عن أبوال الدواب كلها أحب إليّ ولكن الحمار والبغل أشد2.
قال إسحاق: كما قال.
[36-] قلت: كم يجعل بين البالوعة3
__________
1 نقل ابن المنذر هذه المسألة بألفاظها. الأوسط 2/197، ثم قال: اختلف قول أحمد في هذا الباب.
2 ظاهر هذه الرواية أنه يستحب غسل أبوال الدواب كلها، مأكول اللحم وغيره، أما الحمار والبغل فيجب غسل بولهما، ونقل عنه ابن هانئ في مسائله نحو هذه الرواية 1/26 (132، 133) .
والمذهب: أن بول ما يؤكل لحمه طاهر، وبول ما لا يؤكل لحمه نجس. قال المرداوي: هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب.
وفي رواية عنه: أن بول مأكول اللحم نجس.
انظر: الإنصاف 1/339، 340، المحرر في الفقه 1/6، المبدع 1/253، 254، المغني 2/86، 88.
3 البالوعة: ثقب أو بئر في وسط الدار ضيقة الرأس يُحوَّل إليها ماء المطر والماء الوسخ.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 2/124، لسان العرب 8/20.(2/309)
و (بين) 1 البئر؟ 2
قال: ما لم يغير طعمه ولا3 ريحه فلا بأس4 به5.
قال إسحاق: كما قال6، وانما وقّت من وقت خمسة أذرع أو عشرة7،
__________
1 كلمة (بين) إضافة من ع.
2 البئر: القليب، وهي حفرة عميقة في الأرض يستقى منها الماء.
انظر: تاج العروس 3/23، معجم لغة الفقهاء ص102.
3 في ع بدل (ولا) (او) .
4 نقل عنه عبد الله نحوها في مسائله ص 4 (5) .
قال ابن قدامة: إذا كانت بئر الماء ملاصقة لبئر فيها بول أو غيره من النجاسات، وشك في وصولها إلى الماء، فهو على أصله في الطهارة، ثم أورد قول أحمد المذكور هنا. المغني 1/41.
فلا تضر مجاورة النجاسة للماء في البئر ما لم تغير أحد أوصافه، فإن تغير نجس.
5 كلمة (به) ساقطة من ع.
6 نقل قول إسحاق: ابن المنذر في الأوسط 1/284.
7 قال به أبو حنيفة- رحمه الله-. قال السرخسي: الحاصل أنه ليس فيه تقدير لازم بشيء، إنما الشرط أن لا يخلص من البالوعة والبئر شيء، وذلك يختلف باختلاف الأراضي في الصلابة والرخاوة. المبسوط 1/61.
وانظر: الأصل لمحمد بن الحسن 1/38، 39، بدائع الصنائع 1/255، حاشية رد المحتار 1/221.(2/310)
نظرًا منهم لكي1 لا يتغير طعم هذه البئر، فلو كانت2 البالوعة بجنبها ولم يتغير طعمه فلا بأس.
[37-] قلت: بول الصبي الذي لم يطعم؟
قال: يرش3.
قال إسحاق: كما قال إذا كان ذَكَراً، والجارية يغسل على كل حال4.
[38-] قلت5: سؤر السنور
__________
1 في ع (كي) بإسقاط اللام.
2 في ع (كان) بحذف تاء التأنيث.
3 نقل عنه رواية نحوها ابنه صالح في مسائله 1/180 (93) ، وأبو داود في مسائله ص21.
ورش بول الغلام الذي لم يأكل الطعام، وغسل بول الأنثى، هو المذهب بلا نزاع. انظر: الفروع 1/160، 161، الإنصاف 1/323، الكافي 1/115.
4 نقل قول إسحاق الترمذي في سننه 1/105، وابن المنذر في الأوسط 2/143، والنووي في المجموع 2/541، وابن قدامة في المغني 2/91، والخطابي في معالم السنن 1/116.
5 مسألة (38) ، متأخرة عن مسألة (39) في ع.(2/311)
12 والفأرة3؟
قال: ما أعلم بهما بأساً4.
قال إسحاق: كما قال5.
[39-] قلت: سؤر المرأة الجنب والحائض6 والمشرك؟
__________
1 السنّور: القط والهر.
2 نقل عنه طهارة سؤر السنور (الهرة) عبد الله في مسائله ص9 (27) ، وصالح في مسائله 1/176 (87) . وسؤر السنور طاهر باتفاق عند الأصحاب، ولا يكره الانتفاع به بوضوء أو شرب.
انظر: المغني 1/50، كشاف القناع 1/224، الإنصاف 1/343.
3 في (الفأرة والسنور) بالتقديم والتأخير.
4 المذهب موافق لهذه الرواية في طهارة سؤر الفأرة. وبدون كراهة على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وقيل: في طهارة سؤرها وجهان. قال الزركشي: الوجه بنجاسته ضعيف.
ونقل عن أحمد رواية بكراهة سؤر الفأرة.
انظر: الإنصاف 1/343، 344 المبدع 1/257، الكافي 1/17، المحرر في الفقه 1/7.
5 نقل قول إسحاق بطهارة سؤر السنور. الترمذي في سننه 1/155، وابن عبد البر في التمهيد 1/325، وابن المنذر في الأوسط 1/303.
6 الحيض: لغة السيلان. تقول العرب: حاضت الشجرة إذا سال منها ماء أحمر كالدم، ويقال: حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً فهي حائض وحائضة، أي سال دمها.
وفي الشرع: هو دم طبيعة وجبلّة يرخيه الرحم، فيخرج من قعره عند البلوغ وبعده في أوقات خاصة على صفة خاصة مع الصحة والسلامة. انظر: لسان العرب 7/142، 143، معجم مقاييس اللغة 2/124، الإنصاف 1/346.(2/312)
قال: أما سؤر المرأة الجنب والحائض فلا بأس به1. ولا أدرى ما سؤر المشرك2.
قال إسحاق: كما قال.
[40-] قلت3: الوضوء من المطاهر؟ 4.
__________
1 سؤر الآدمي المسلم طاهر، سواءً كان رجلاً أو امرأة، جنباً أو حائضاً، بغير خلاف في المذهب.
انظر: الكافي 1/16، الإنصاف 1/345، الفروع 1/176، مطالب أولي النهى 1/233.
2 نقل ابن المنذر عن أحمد وإسحاق قولهما: ما ندري ما سؤر المشرك. الأوسط 1/314.
وسؤر الكافر طاهر، وعليه أكثر الأصحاب.
وعن أحمد رواية أنه نجس. وقيل: إن لابس النجاسة غالباً أو تدين بها، أو كان وثنياً أو مجوسياً، أو يأكل الميتة النجسة، فسؤره نجس. قال الزركشي: (وهي رواية مشهورة مختارة لكثير من الأصحاب) .
انظر: المغني 1/49، المبدع 1/252، الإنصاف 1/345.
3 مسألة (40) متأخرة عن مسألة (41) في ع.
4 المطاهر: جمع مطهرة، وهو الإناء الذي يتوضأ به ويتطهر منه كالإبريق والسطل. انظر: المحكم والمحيط الأعظم 4/175، مجمل اللغة 2/588.(2/313)
قال: وما بأس به.
قال إسحاق: كما قال1.
[41-] قلت: الوضوء (من) 2 تور3 من صفر.4
قال: لا أكرهه5.
__________
1 لم أقف على نص صريح لإسحاق في المسألة، إلا أن العلماء متفقون على جواز التطهر من المطاهر، كما يفهم من قول شيخ الإسلام ابن تيمية: (مما اتفق عليه أئمة المسلمين بلا نزاع بينهم: أن الرجل والمرأة، أو الرجال والنساء، إذا توضؤوا واغتسلوا من ماء واحد جاز … وإذا جاز اغتسال الرجال والنساء جميعاً فاغتسال الرجال دون النساء جميعاً، أو النساء دون الرجال جميعاً أولى بالجواز، وهذا مما لا نزاع فيه، فمن كره أن يغتسل معه غيره أو رأى أن طهره لا يتم حتى يغتسل وحدة فقد خرج عن إجماع المسلمين وفارق جماعة المؤمنين) . مجموع الفتاوى 21/51.
2 في ظ (في) .
3 التور: إناء من صفر أو حجارة تشرب فيه العرب، وقد يتوضأ منه، وقيل: هو الطشت.
انظر: النهاية في غريب الحديث 1/199، لسان العرب 4/96.
4 الصفر: النحاس الجيد، وقيل: ضرب من النحاس تعمل منه الأواني.
انظر: القاموس 2/73، مجمل اللغة 2/536.
5 إباحة الوضوء من آنية صفر- كما في هذه الرواية- هو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وكره أبو الفرج المقدسي الوضوء من إناء صفر. وقال الزركشي: لا عبرة بما قاله.
انظر: الإنصاف 1/79، المغني 1/78، مطالب أولي النهى 1/56، الفروع 1/32.(2/314)
قال إسحاق: كما قال، انما يكره1 لريحه فقط2.
[42-] قلت: يتوضأ بالنبيذ3 واللبن؟
قال: لا يتوضأ بهما وكل شيء غُيّر حتى ذهب عنه اسم الماء فلا يتوضأ به4.
__________
1 في ع (كره) بإسقاط الياء.
2 روى عبد الرزاق بسنده عن عطاء قال: ذُكِرَتْ له كراهية ابن عمر في النحاس، قال: الوضوء في النحاس؟ ما يكره من النحاس شيء إلا لريحه قطُّ. المصنف 1/59.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن ابن جريج قال: عطاء عن الوضوء في النحاس فقال: (لا بأس به. قلت: فإن الناس يكرهونه. قال: يكرهون ريحه) . المصنف 1/37.
وقال ابن قدامة: (روي أن الملائكة تكره ريح النحاس) . المغني 1/78.
3 النبيذ: الأشربة التي تعمل من التمر والزبيب والعسل. فالماء الذي ينبذ فيه تمرات ليخرج حلاوتها الماء نبيذ، ما لم ينقلب إلى سكر فإن أسكر فهو خمر.
انظر: لسان العرب 3/511، معجم لغة الفقهاء ص 474.
4 نقل عبد الله عن أبيه قوله: (كل شيء يتحول عن اسم الماء لا يعجبني. ثم قال: قال أبي: يتيمم أحب إليّ من أن يتوضأ بالنبيذ) . المسائل ص7 (17) ، ومثله في مسائل ابن هانئ 1/5 (26) . قال ابن حزم: (أجمعوا أنه لا يجوز وضوء بشيء من المائعات وغيرها حاشا الماء والنبيذ) . مراتب الإجماع ص 17. وانظر: الإجماع لابن المنذر ص 32، 33، الأوسط 1/253.
وقال ابن قدامة: (غير النبيذ من المائعات غير الماء كالخل والدهن والمرق واللبن فلا خلاف بين أهل العلم أنه لا يجوز بها وضوء ولا غسل) . المغني 1/11.
وعدم إباحة الوضوء بالنبيذ هو المذهب بلا خلاف. انظر: المبدع 1/42، الفروع 1/10، كشاف القناع 1/30.(2/315)
قال إسحاق: كما قال.
فإن ابتلي وتوضأ بالنبيذ حلوا1 كما وصف أبو العالية2 تمرات ألقيت في الماء3 حتى غير [ع-4/أ] اللون فهو أحب إليّ من التيمم وجمعهما أحب إليّ4.5
__________
1 في ع (حلو) بالرفع.
2 هو رفيع بن مهران الرياحي أبو العالية البصري، أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بسنتين، فهو تابعي ثقة حجة فقيه عالم بالقراءة. قال أبو داود: ذهب علم أبي العالية لم يكن له رواة، توفي سنة تسعين من الهجرة.
انظر ترجمته في: غاية النهاية في طبقات القراء 1/284، معرفة القراء الكبار 1/60، تاريخ الإسلام للذهبي 3/319، صفة الصفوة 3/211.
3 هو ما رواه البيهقي بسنده عن أبي العالية قال: (نرى نبيذكم هذا الخبيث انما كان ماءً يلقى فيه تمرات فيصير حلوا) . السنن الكبرى 1/13.
4 في (ع) (الينا) .
5 نقل قول إسحاق: (نه لا يتوضأ بالنبيذ) . الترمذي في سننه 1/148، وابن حزم في المحلى 1/271، ثم نقل عنه الترمذي مثل ما قال هنا: (أن من ابتلى فتوضأ بالنبيذ فالأفضل عنده أن يجمع معه التيمم. وإن اقتصر عليه فهو أفضل من التيمم وحده) . السنن 1/148.
ونقل عنه مثل ذلك ابن المنذر في الأوسط 1/254، 255 وابن قدامة في المغني 1/10، وابن حجر في 1/354، والعيني في عمدة القاري 3/62.(2/316)
[43-] قلت: الرجل يتوضأ فينتضح1 من وضوئه في إنائه؟
قال: لا بأس به2.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 النضح: الرشح. نضح عليه الماء ينضحه نضحاً إذا ضربه بشيء فأصابه منه رشاش. والمراد: يسقط بعض القطرات من أعضائه في الإناء الذي يتوضأ منه. انظر: المحكم والمحيط الأعظم 3/93، لسان العرب 2/618.
2 ذكر ابن قدامة هذه الرواية في المغني 1/15، ثم قال: (إن كان الواقع في الماء مستعملاً عفي عن يسيره "كما أشارت هذه الرواية" وإن كثر الواقع وتفاحش منع على إحدى الروايتين. أي تزول طهوريته، ويكون ماء طاهراً غير مطهر؛ بسبب أنه أصبح ماءً مستعملاً في رفع الحدث. وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب. والرواية الثانية: أنه طهور يمكن استعماله في طهارة ثانية.
ويرجع في معرفة الكثير المتفاحش إلى العرف، وإن شك فالماء باق على الطهورية؛ لأنها الأصل فلا يزول عنها بالشك.
انظر: المغني 1/15، 16، 18، الإنصاف 1/35، 36، الكافي 1/7.
3 نقل قول إسحاق ابن المنذر في الأوسط 1/289.(2/317)
[44-] قلت: قول ابن عباس (رضي الله عنهما) 1 لا يجنب الإنسان ولا الأرض ولا الثوب2 ولا الماء3؟.
قال (الإمام) 4 أحمد: أما ما أعرف فهو إذا اغتسل أو غسل الشيء فقد ذهبت جنابته.
لم يفسره بأكثر من ذلك5.
قال إسحاق: إنما (معنى) 6 قول ابن عباس (رضي الله عنهما) 7 ليس على الثوب جنابة يقول: ما أصابه من الأقذار فلا يجب عليه الغسل8؛ لأن غسل الثياب ليس بفرض في القرآن، وكذلك يرى
__________
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
2 هو ما رواه عبد الرزاق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ليس على الثوب جنابة، ولا على الأرض جنابة، ولا على الرجل يمسه الجنب جنابة، ولا على الماء جنابة) . المصنف 1/91.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى 1/267، ورواه الطبري في تهذيب الآثار 2/207، ورواه ابن حزم في المحلى 1/190.
3 في ع (الثوب ولا الإنسان ولا الأرض ولا الماء) بالتقديم والتأخير.
(الإمام) إضافة من ع.
5 في ع (هذا) .
6 في ظ (يعني) .
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
8 روى عبد الرزاق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يفيد هذا الحكم قال: (من صلى وفي ثوبه دم أو احتلام علم به فلا يعيد الصلاة) . المصنف 2/358.(2/318)
أصحابه عطاء،1 وطاووس2،3 ومجاهد4،5 وسعيد بن
__________
1 روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: (قلت لعطاء: صليت في إزار غير طاهر فعلمت قبل أن تفوت تلك الصلاة أو بعد ما فاتت؟ قال: لا تعيد، وما شأن الثوب وما شأن ذلك) . المصنف 2/357.
2 هو طاووس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن الحميري (33ـ106هـ) . كان من أكابر التابعين، أدرك خمسين من الصحابة. راوية للحديث، فقيهاً زاهداً عفيفاً ورعاً جريئاً على قول الحق. قال ابن عباس: (إني لأظن طاووساً من أهل الجنة) .
انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/537، وفيات الأعيان 2/509، اللباب في تهذيب الأنساب 1/297، البداية والنهاية 9/235.
3 روى ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن أميٍ قال: (رأيت طاووساً يصلي وكأنّ ثوبه نطع من قروح كانت بساقيه) . المصنف 1/139.
وذكر في المعاني البديعة عن طاووس أنه رأى في ثوبه دماً كثيراً فصلى ولم يبال به. خ ل ب 25.
4 هو مجاهد بن جبر المخزومي مولاهم أبو الحجاج المكي (21ـ101هـ) . كان أحد الأئمة في التفسير والعلم، فقيهاً ورعاً عابداً متقناً كثير الحديث. قال قتادة: أعلم من بقي بالتفسير مجاهد.
انظر ترجمته في: غاية النهاية في طبقات القراء 2/41، مشاهير علماء الأمصار ص82، العقد الثمين 7/132، تاريخ الإسلام للذهبي 4/190.
5 روى عبد الرزاق عن أيمن بن نابل قال: (سألت عطاءً ومجاهداً عن الرجل يصلي في ثوب وليس بطاهر قالا: لا يعيد) . المصنف 2/358.(2/319)
جبير1،2 وفي قولهم بيان تفسير ابن عباس (رضي الله عنهما) 3.
وأما قوله ليس على الأرض جنابة يقول هي: محتملة للأقذار إ ذا يبست حتى (يذهب) 4 أثرها، وأما أمر الماء حيث قال: لا يجنب فهو بين به يقول الماء يُطَهِّرُ ولا يُطَهَّرُ.
وأما قوله: لا يجنب الإنسان فيقول: إذا أصابته الجنابة فله أن [ظ-3/أ] يتمسح به أو يأخذ5 بيده أو يصافحه، أو أدخلت يدك في
__________
1 هو: سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم أبو عبد الله الكوفي (38ـ95هـ) . تابعي جليل وفقيه قدير وعابد خاشع وناصح مرشد، وحافظ ثقة، وزاهد ورع محيط بكثير من العلوم والفنون. قال أحمد بن حنبل: (قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه) .
انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 1/71، سير أعلام النبلاء 4/321، طبقات ابن سعد 6/256، حلية الأولياء 4/272، وانظر ترجمة مفصلة له في: فقه سعيد بن جبير في العبادات.
2 روى عبد الرزاق بسنده عن أبي هاشم قال: (سألت سعيد بن جبير عن الرجل يرى في ثوبه الأذى وقد صلى؟ قال: اقرأ عليّ الآية التي فيها غسل الثوب) . المصنف 2/358. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/60، وانظر: فقه سعيد بن جبير في العبادات 2/498.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
4 في ظ (ذهب) .
5 في ع (تأخذه) بإضافة الهاء.(2/320)
إناء أو انصب عليك1 (ماء) 2 فأصاب ثوبك منه وما أشبه ذلك.
[45-] قلت: إذا3 استيقظ فغمس يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟
قال: أما أنا فأعجب اليّ أن يهريق ذلك الماء إذا كان من منام الليل4 لا5 من النهار فان نوم النهار6 لا يقال من منامه7.
__________
1 كلمة (عليك) مكررة في ع.
2 كلمة (ماء) إضافة من ع.
3 في ع (فاذا) .
4 نقل عنه عبد الله في مسائله: (أن المستيقظ من النوم يغسل يديه قبل إدخالهما الإناء) . المسائل ص 12 (38) ، وكذلك أبو داود في مسائله ص4، 5، 6.
وما أفتى به هنا هو استحباب غسل اليدين بعد نوم الليل قبل إدخالهما إناء الوضوء؛ لأنه قال: أعجب إليّ أن يريق الماء، وهو اختيار ابن قدامة، وابن عبدوس، والخرقي، وغيرهم. والمذهب: وجوب غسلهما بعد القيام من نوم الليل قبل إدخالهما الإناء، وهو اختيار أكثر الأصحاب. أما نوم النهار فلا يجب غسل اليدين كما في هذه الرواية. والمذهب: أنه يستحب غسلهما وعليه جماهير الأصحاب.
وفي رواية عن أحمد: أنه يجب غسلهما من نوم النهار.
انظر: الإنصاف 1/130، الروايتين والوجهين 1/69، الكافي 1/31.
5 في ع (الا) .
6 نقل ابن المنذر قول أحمد: (أعجب إليّ … من منامه) . الأوسط 1/372.
7 روى أحمد في المسند بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أستيقظ أحدكم من منامه فليفرغ على يديه ثلاث مرات قبل أن يدخلهما الإناء؛ فإنه لا يدري فيم باتت يده". المسند 2/403، 455، 471، 507.
ورواه النسائي في سننه كتاب الطهارة، باب الوضوء من النوم 1/99 (161) ، والدارقطني في سننه 1/49، وابن خزيمة في صحيحه 1/75 (145) وهو في الصحيحين بلفظ "من نومه" البخاري، كتاب الوضوء، باب الاستجمار وتراً. 1/37، وصحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء 1/233 (87) .(2/321)
قال إسحاق: هما سواء لا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها1.
ولقد قيل في الجنب لا يقيل2 نهارا حتى يتوضأ كنوم الليل.
قال: حدثنا أبو عبد الله3. قال: حدثنا4 إسحاق ابن منصور5 قال6 أخبرنا (النضر) 7 بن شميل8.
__________
1 نقل قول إسحاق ابن المنذر في الأوسط 1/373، والنووي في شرح مسلم 3/180، والترمذي في سننه 1/37، والبغوي في شرح السنة 1/407، 408.
2 يقيل: أي ينام نصف النهار في الظهيرة.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 6/311، لسان العرب 11/577.
(قال حدثنا أبو عبد الله) ساقطة من ع.
4 في ع (أملاه) بدل (حدثنا) .
(ابن منصور) ساقطة من ع.
(قال) ساقطة من ع.
(النضر) ساقطة من ع وفي ظ إسماعيل وهو خطأ.
8 هو: النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد التميمي المازني أبو الحسن البصري، كان إماماً في العربية وصاحب غريب وفقه وشعر، من فصحاء الناس وعلمائهم بالأدب ورواية الحديث. وقد ألف كتباً كثيرة في فنون لم يسبقه إليها أحد، توفي سنة أربع ومائتين من الهجرة.
انظر ترجمته في: مراتب النحويين ص108، معجم الأدباء 19/238، بغية الوعاة 2/316، أنباه الرواة 3/348.(2/322)
قال1 أخبرنا2 أشعث3 4 عن الحسن5: أنه كان لا يجعل نوم
__________
(قال) ساقطة من ع.
2 في ع (أنبا) .
3 هو: أشعث بن عبد الملك أبو هانئ الحمراني، مولاهم البصري، أحد علماء البصرة فقهاً وحفظاً للأحاديث، وهو ثقة ثبت مأمون. وقال أحمد بن حنبل: أشعث الحمراني كان صاحب سنة، وكان عالماً بمسائل الحسن الدقاق، توفي سنة ثنتين وأربعين، وقيل: ست وأربعين ومائة.
انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 6/278، ميزان الاعتدال 1/266، التاريخ الكبير للبخاري 1/431، شذرات الذهب 1/217.
4 في ع الأشعث.
5 هو الحسن بن أبي الحسن- يسار- الأنصاري أبو سعيد مولى زيد بن ثابت (ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر- 120هـ) .كان فقيهاً فاضلاً فصيحاً ورعاً زاهداً لا يسبق في وعظه، ولا يدانى في مبلغ تأثيره على قلوب سامعيه.
انظر ترجمته في: حلية الأولياء 2/131، طبقات الفقهاء للشيرازي ص87، المعرفة والتاريخ 2/32، الوافي بالوفيات 12/306.(2/323)
النهار مثل نوم الليل يقول: لا بأس إذا استيقظ من نوم النهار أن يغمس يده في وضوئه1.
[46-] قلت: الجنب أو الحائض يغمس يده في الإناء؟
قال: كنت لا أرى به بأسا، ثم حُدثت عن شعبة2 عن محارب3
__________
1 روى ابن أبي شيبة بسنده عن الحسن في الجنب يدخل يديه في الإناء قبل أن يغسلها، أو الرجل يقوم من منامه فيدخل يديه في الإناء قبل أن يغسلها، إن شاء توضأ وإن شاء أهراقه. المصنف 1/82.
2 هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري (82ـ160هـ) . إمام من أئمة الحديث بالبصرة، وأول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين وتكلم عليهم جرحاً وتعديلاً، وذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونقاها من دس الحاقدين.
قال أحمد: (شعبة أمة وحده في هذا الشأن. يعني في الرجال وبصره بالحديث وتثبته وتنقيته للرجال) .
انظر: ترجمته في: وفيات الأعيان 2/469، الجمع بين رجال الصحيحين 1/218، سير أعلام النبلاء 7/202، تهذيب التهذيب 4/338.
3 هو محارب بن دثار بن كردوس الدوسي، أبو دثار الكوفي، من ثقات التابعين وخيارهم وعلمائهم. كان حليماً شجاعاً متواضعاً عفيفاً، ولي قضاء الكوفة في إمرة خالد القسري. وثّقه أحمد وابن معين وأبو حاتم. وقال الثوري: (ما يخيل إليّ أنّى رأيت أحداً أُفضِّله عليه) . توفي سنة ستة عشرة ومائة من الهجرة.
انظر ترجمته في: ميزان الاعتدال 3/440، شذرات الذهب 1/152، التاريخ الكبير للبخاري 8/28، الجرح والتعديل 8/416.(2/324)
(ابن دثار) 1 عن ابن عمر2 - (رضي الله عنهما) -،3 كأنّي تهيبته4.
قال إسحاق: وتركه5 أفضل فإن غمس6 يده وهي نظيفة لم
__________
(بن دثار) زيادة من ع.
2 روى ابن أبي شيبة بسنده عن محارب عن ابن عمر قال: (من اغترف من ماء وهو جنب فما بقي منه نجس، ولا تدخل الملائكة بيتاً فيه بول) . المصنف 1/82، وذكره العيني في عمدة القاري 3/96.
وروى أيضاً بسنده عن نافع عن ابن عمر قال: (لا بأس بفضل المرأة ما لم تكن حائضاً أو جنباً) . المصنف 1/33، ورواه ابن حزم في المحلى 1/286، والبيهقي في معرفة السنن خ ص165.
(رضي الله عنهما) زيادة من ع.
4 نقل عنه صالح كراهة غمس الجنب يده في الماء. المسائل 2/12 (536) ، ونقل عنه عبد الله جواز ذلك. المسائل ص12 (38) .
والمذهب: أن الجنب إذا نوى بانغماس يده رفع الحدث عنها، لم يرتفع وصار الماء مستعملاً، وكذلك لو اغترف الجنب أو الحائض بيده من ماء قليل بعد نية غسله، صار الماء مستعملاً على الصحيح من المذهب، وعليه جمهور الأصحاب.
وفي رواية عن أحمد لا يصير مستعملاً بانغماس يديه أو اغترافه بها من الماء، وأن لم ينو بالغمس رفع الحدث فلا أثر له على الصحيح من المذهب، وعنه يكره.
انظر: الإنصاف 1/43، 44، المبدع 1/45، 46، الفروع 1/18، 19.
5 في ع (تركه) بإسقاط الواو.
6 في ع (انغمس) .(2/325)
يفسد الماء لما وصفنا عن ابن1 عباس (رضي الله عنهما) 2 وغيره3.
[47-] قلت: الدابة تقع في البئر؟
قال: كل شيء لا يغير ريحه ولا طعمه فلا بأس به4، إلا
__________
1 في الأثر المتقدم عنه في مسألة رقم (44) .
(رضي الله عنهما) زيادة من ع.
3 إباحة غمس اليد وكونه لا يفسد الماء مروي عن سعد بن أبي وقاص، وعطاء، وابن المسيب، وابن سيرين، وسالم.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة 1/82، عمدة القاري 3/97.
4 نقل عنه روايات مماثلة عبد الله في مسائله ص 3، 4 (2، 4) . وصالح في مسائله 1/301 (249) ، وابن هانئ في مسائله 1/1، 2، 4 (24، 43) ، وأبو داود في مسائله ص 32، وإذا وقعت دابة في بئر فغيرت الماء نجس باتفاق المسلمين.
قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت الماء طعماً أو لوناً أو ريحاً أنه نجس ما دام كذلك، ولا يجزئ الوضوء والاغتسال به) . الإجماع ص33، الأوسط 1/260.
فإن لم تغيره وكان أقل من قلتين، فالمذهب الذي علي جماهير الأصحاب أنه ينجس.
وفي رواية عن أحمد: لا ينجس، اختارها ابن عقيل، وابن تيمية.
أما إذا كان الماء أكثر من قلتين فلا ينجس بوقوع الدابة فيه إلا إذا تغير أحد أوصافه، بلا خلاف في المذهب.
انظر: الإنصاف 1/55، 59-60، والكافي 1/9، 10، والفروع 1/21، 22 والمبدع 1/52، 54.(2/326)
البول1 و2 العذرة3 الرطبة4.
قال إسحاق: كما قال، والبول5 والعذرة لا ينجسان إلا ما يكون من الماء أقل من قلتين6.
[48-] قلت: يغتسل من ماء الحمام؟
__________
1 أي بول الآدمي بقرينة ذكر العذرة بعده، فإنها خاصة بالآدمي. وهذا المذهب الذي قطع به جمهور الأصحاب. وذكر القاضي أن كل بول نجس حكمه حكم بول الآدمي. انظر: الأنصاف 1/60.
2 في ع (أو) .
3 العذرة: غائط الإنسان الذي هو السلح.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 2/55، لسان العرب 4/554.
4 اشتراط كون العذرة مائعة أو رطبة كما في هذه الرواية هو المذهب الذي جزم به غير واحد، وكذلك لو كانت يابسة وذابت على الصحيح من المذهب.
وروي عن أحمد أن الحكم كذلك ولو لم تذب.
انظر: الإنصاف 1/61، الفروع 1/21. وقد تقدم بيان حكم البئر التي وقع فيها بول أو عذرة. راجع مسألة (31) .
5 في ع (البول) بإسقاط الواو.
6 تقدم قول إسحاق راجع. مسألة (31) .(2/327)
قال: لا1.
قال إسحاق: كما قال.
[49-] قلت: ماء البحر؟
قال: هو طهور2.
قال إسحاق: كما قال3.
[50-] قلت: الرجل يخوض4 طين المطر؟
__________
1 نقل عنه رواية نحوها عبد الله في مسائله ص8 (20، 21) . ونقل عنه صالح وابن هانئ جواز الاغتسال بماء الحمام. مسائل صالح 2/137 (703) ، مسائل ابن هانئ 1/2 (12) .
والصحيح من المذهب إباحة استعمال ماء الحمام، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد أنه قال: يغتسل من الأنبوبة.
قال في المغني هذا على سبيل الاحتياط، وعنه يكره، وظاهر نقل الأثرم: لا تجزئ الطهارة به.
انظر: الإنصاف 1/28، المغني 1/232، الفروع 1/14.
2 لا خلاف في طهورية ماء البحر عند أحمد وأصحابه.
انظر: كشاف القناع 1/24، الكافي 1/5، المبدع 1/34.
3 نقل قول إسحاق ابن المنذر في الأوسط 1/249.
4 يخوض: خاض الماء يخوضه خوضاً وخياضاً مشي فيه. انظر: لسان العرب 7/147.(2/328)
قال: ليس به بأس كل ماء أو قذر يأتي (عليه) 1 الماء فقد طهر2.
واحتج3 بحديث الأعرابي4 الذي بال في المسجد فأمر بذنوب
__________
1 في ظ (عليها) .
2 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص 9، 10 (28، 32) ، وصالح في مسائله 1/169 (78) وأبو داود في مسائله ص20.
والصحيح من المذهب: أن النجاسة إذا كانت على الأرض تطهر بالمكاثرة، وعليه جماهير الأصحاب.
وفي رواية عنه لا تطهر الأرض حتى ينفصل الماء.
انظر: الإنصاف 1/315، الفروع 1/153.
قال ابن قدامة: (إن أصاب الأرض ماء المطر أو السيول فغمرها وجرى عليها فهو كما لو صب عليها؛ لأن تطهير النجاسة لا تعتبر فيه نية ولا فعل، فاستوى ما صبه الآدمي وما جرى بغير صبه) . ثم ساق ما رواه الأصحاب عن أحمد من طهارة طين المطر، وأنه احتج بحديث الأعرابي. المغني 2/96، وانظر مطالب أولي النهى 1/227، المسائل الماردينية ص26.
3 كذلك نقل عنه أبو داود أنه احتج بحديث الأعرابي على طهارة طين المطر. مسائل أبي داود ص21.
4 أعرابي: مفرد الأعراب وهم سكان البادية، ويقال لهم البدو.
انظر: مجمل اللغة 3/664، الصحاح 1/178.(2/329)
1 من ماء فَصُبَّ على بوله2.
قال إسحاق: كما قال3. وكذلك [ع-4/ب] أصحاب4 النبي صلى الله عليه وسلم (ورضي الله عنهم) 5 والتابعون6 كانوا
__________
1 الذنوب: هي الدلو الملأى بالماء، ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب.
انظر: القاموس المحيط 1/69، المجرد للغة الحديث 1/541.
2 هو ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجزه الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه. صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب يهريق الماء على البول 1/45. صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد 1/236، 237 (98، 99) .
3 نقل قول إسحاق ابن قدامة في: المغني 2/96، والترمذي في سننه 1/277.
4 روى عبد الرزاق بسنده عن ابن مسعود قال: كنا لا نتوضأ من موطئ. المصنف 1/32، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/56، 194. ورواه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في الرجل يطأ الأذى 1/141 (204) . ورواه ابن ماجه في سننه كتاب إقامة الصلاة، باب كف الشعر والثوب في الصلاة 1/331 (1041) ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 1/139. وروى عبد الرزاق بسنده عن ابن عباس قال: الوضوء مما خرج وليس مما دخل، ولا يتوضأ من موطئ) . المصنف 1/32. وروى أيضاً بسنده عن القاسم بن أبي برزة قال: (سأل رجل عبد الله بن الزبير عن طين المطر فقال: تسألني عن طهورين جميعاً قال الله: {أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً". المصنف 1/32.
(ورضي الله عنهم) إضافة من ع.
6 في ع (والتابعين) .(2/330)
يخوضون1 ماء المطر في الطرقات فلا يغسلون أرجلهم، لما غلب الماء القذر.
__________
1 روى عبد الرزاق بسنده عن عبد الرحمن بن الأسود قال: (كان علقمة والأسود يخوضان الماء والطين في المطر ثم يدخلان المسجد فيصليان) . المصنف 1/31. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/57، 194.
وروى عبد الرزاق بسنده عن قتادة قال: (خرجنا يوماً مع ابن المسيب إلى مسجد، وكانت الأرض مطرت ففيها ردغ- وحل-، فلما أتينا باب المسجد غسل رجل من القوم رجليه فقال له ابن المسيب: أما كنت توضأت في رحلك؟ قال: بلى، ولكننا مررنا في هذا الردغ، قال: ليس عليكم وضوء) . المصنف 1/30.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/194.
وروي أيضاً عن معمر قال: أخبرني من رأى الحسن يمشي في الطين، قال: والطين لا يبلغ ظهر القدمين ولكنه يملأ بطونهما، فلما بلغ باب المسجد مسح باطن قدميه بالأرض، ثم دخل المسجد ولم يغسلهما. المصنف 1/30. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/194.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن المختار بن سعد قال: (رأيت القاسم بن محمد دخل المسجد يوم مطر ولم يغسل رجليه) . المصنف 1/194.
وروى أيضاً بسنده عن إبراهيم- أي النخعي- قال: (كان أصحابنا يخوضون الماء والطين إلى مساجدهم ويصلون ولا يغسلون أرجلهم) . المنصف 1/194، وانظر: فقه سعيد بن جبير في العبادات 1/352.(2/331)
[51-] قلت: البول في المغتسل1 قال هذا مكروه2.
قال إسحاق: كما قال3.
[52-] قلت: الأرض يطهر بعضها بعضاً؟
قال: نعم سوى العذرة الرطبة والبول4.
__________
1 المغتسل: الموضع الذي يغتسل فيه، جمعه مغاسل ومغاسيل. انظر: لسان العرب 11/494.
2 أطلق هنا الكراهة وهي رواية عنه.
والصحيح من المذهب أنه يكره البول في المغتسل غير المبلط، ولا يكره في المبلط.
قال البهوتي: قال الإمام أحمد: (إن صب عليه الماء وجرى في البالوعة فلا بأس. وهذا انما يكون في المبلط أو المجصص ونحوه) .
انظر: الإنصاف 1/99، المغني 1/166، كشاف القناع 1/68.
3 نقل قول إسحاق: ابن المنذر في الأوسط 1/332.
4 نقل أبو يعلى هذه الرواية بنصها في الروايتين والوجهين 1/154، وقال عبد الله في مسائله: (قلت لأبي: إذا مر بموضع لا يعلم أنها عذرة بعينها أو بول بعينه؟ قال: يجزئه ما وطئ عليه من الأرض بعد، فالأرض يطهر بعضها بعضاً) . المسائل ص10 (32) . وانظر: مسائل ابن هانئ 1/26 (134، 135) ، ومسائل أبي داود ص 21.
وإذا أصابت أسفل الخف والحذاء نجاسة فإنه يجزئ دلكه بالأرض لإزالة النجاسة وتطهيره، وهذا رواية عن أحمد، اختارها جماعة من الأصحاب. وقال في الفروع: هي أظهر.
والمذهب: أنه يجب غسل أسفل الخف والحذاء وعليه الجمهور من الأصحاب.
وفي رواية ثالثة: يجب غسله من البول والغائط، ويدلك من غيرهما كما في رواية ابن منصور. أما الرجل إذا تنجست فالصحيح من المذهب لا يجزئ دلكها بالأرض وعليه الجمهور. وقيل: هي كالخف والحذاء، اختاره ابن تيمية.
وأما ذيل المرأة: فيجب غسله، رواية واحدة، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، واحد الوجهين. والوجه الثاني: أنه يطهر بمروره على طاهر بذيلها، اختاره غير واحد. انظر: الإنصاف 1/323، 325 المغني 1/83، 84، الفروع 1/160(2/332)
قال إسحاق: كما قال1. فأما اليابس (فلا شبهة) 2 إنه لا يضر.
[53-] قلت: إذا مس إبطه3 أو أنفه4؟
قال: لا بأس به5 وان كان في الصلاة، ليس يعيد إلا من
__________
1 نقل قول إسحاق ابن قدامة في المغني 1/83، ونقل عنه ابن المنذر قوله: (الأقذار جائز مسحها بالأرض، إلا أن يكون غائطاً أو بولاً) . الأوسط 2/167.
2 في ظ (فأشبهه) .
3 الإبط: باطن الكتف وهو باطن المنكب الذي ينبت فيه الشعر.
انظر: لسان العرب 7/253، معجم لغة الفقهاء ص39.
4 الأنف: المنخر، والجمع آنف وآناف وأنوف. انظر: لسان العرب 9/12.
5 قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عمن مس إبطه يتوضأ منه؟ قال: لا) . المسائل ص13.
قال ابن قدامة: (لا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن، كالرفع والانثيين والإبط، في قول عامة أهل العلم) . المغني 1/183. وانظر: كشاف القناع 1/144، الكافي 1/57.(2/333)
مس1 الذكر.
قال إسحاق: كما قال2؛ لأن مس الذكر قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم3، فهو تقليد، النساء والرجال4 في ذلك سواء.
[54-] قلت: إذا أخذ من شعره أو أظفاره وهو على وضوء؟
قال: ما عليه شيء5.
__________
1 تقدم الحديث عن انتقاض الوضوء بمس الذكر. راجع مسألة (29) .
2 نقل قول إسحاق: ابن المنذر في الأوسط 1/235، وتقدم قوله في مس الذكر وأن الحكم يعم الجميع رجالاً ونساءً. راجع مسألة (29) .
3 هو ما رواه الترمذي في سننه عن بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ". وقال: هذا حديث صحيح. سنن الترمذي، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر 1/126، 129 (82، 84) .
ومالك في الموطأ، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الفرج 1/42 (58) ، وابن ماجه في سننه، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر 1/161 (479) ، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/71، 72، وعبد الرزاق في مصنفه 1/112، 113، وانظر: إرواء الغليل 1/150.
4 في ع (الرجال والنساء) بالتقديم والتأخير.
5 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله 22، 23 (77) ، وصالح في مسائله 2/127 (691) وابن هانئ في مسائله 1/7 (35) ، وأبو داود في مسائله ص 13.
والمذهب الذي عليه الأصحاب موافق لهذه الرواية. وقيل: ينقض. قال في الرعاية: (وهو بعيد غريب) .
انظر: الإنصاف 1/221، الفروع 1/109، غاية المنتهى 1/39.(2/334)
قال إسحاق: كما قال1.
[55-] قلت: مصافحة اليهودي والنصراني. والمجوسي؟ 2.3
قال: أتوقاه.4
قلت: الجنب والحائض؟
قال: لا بأس به5.
__________
1 نقل قول إسحاق ابن المنذر في: الأوسط 1/338، واختلاف العلماء خ ل ب 11. وقال المروزي: (كان إسحاق يختار أن يعيد الوضوء شبه هذا بالذي يمسح خفيه ثم يخلعهما) . اختلاف العلماء ص32.
2 المجوسي واحد المجوس: وهم قوم يعبدون النار والشمس والقمر. انظر: معجم لغة الفقهاء ص407.
3 في ع (اليهود والنصارى والمجوس) .
4 قال ابن هانئ: (سألت أبا عبد الله عن الرجل يكون له جار نصراني فإذا مرض يعوده؟ قال: يجيء فيقوم على الباب ويعتذر إليهم، ولا يعجبني أن يصافح أهل الذمة) . المسائل 1/186 (927) .
وتكره مصافحة أهل الذمة عند الإمام أحمد رحمه الله.
انظر: الإنصاف 4/234، المغني 8/536، كشاف القناع 3/121، الآداب الشرعية 2/272.
5 قال ابن هانئ: سألته عن الرجل يصافح الجنب؟
فقال: لا بأس به. المسائل 1/24 (119) .(2/335)
قال إسحاق: كما قال؛ لأن في مصافحة1 غير أهل الملة تعظيم، وقد أمرنا بتذليلهم، إلا أن تكون2 حاجة أو أردت أن تدعوه إلى الإسلام [ظ-3/ب] و3ما أشبه ذلك من أمر الآخرة. كالسلام4، ليس لك أن تبدأه؛ لما5 فيه تعظيم وتشبيه بتحية المسلم، فإذا كانت حاجة إليه فلك أن تبدأه بالسلام، ومعنى (قول النبي صلى الله عليه وسلم) 6: "لا تبدؤهم بالسلام"7 لما خاف أن يدعوا ذلك أماناً وكان قد
__________
1 في ع (المصافحة) .
2 في ع (يكون) .
3 في ع (أو) .
4 في ع (كالاسلام) .
5 في ع (بما) .
6 في ظ (قوله عليه السلام) .
7 هو ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " صحيح مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام 4/1707 (13) .(2/336)
غدا1 إلى اليهود2.
[56-] قلت: كم يكفي الوضوء من الماء؟
فلم يوقت لي شيئاً.
قال: أقل ما يتوضأ مرة3 مرة لا4
__________
1 غدا: أي ذهب. والغدو نقيض الرواح، وهو سير أول النهار. انظر: المحكم والمحيط الأعظم 6/30.
2 جاء ذلك في حديث رواه أحمد في المسند عن أبي عبد الرحمن الجهني، قال: "قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني راكب غدا إلى يهود، فلا تبدؤوهم بالسلام، وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم". المسند 4/433. ورواه ابن ماجه في سننه، كتاب الأدب، باب رد السلام على أهل الذمة 2/1219 (3699) .
والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/341، وابن أبي شيبة في المصنف 8/442. قال البوصيري: (في إسناده ابن إسحاق وهو مدلس) .
انظر: سنن ابن ماجه 2/1219.
قال الساعاتي: (محمد بن إسحاق ثقة ولكنه مدلس، فإذا عنعن لا يحتج بحديثه، وإذا قال: حدثنا فحديثه صحيح، وقد عنعن عند ابن ماجه، لكنه صرح بالتحديث في رواية الإمام أحمد، فالحديث صحيح) . بلوغ الأماني من إسرار الفتح الرباني 17/338.
3 نقل عنه غير واحد من أصحابه أن الوضوء مرة مرة يجزئ. انظر: مسائل عبد الله ص25 (87) ، ومسائل صالح 1/163، 2/122 (65، 686) ، ومسائل ابن هانئ 1/14 (73) ومسائل أبي داود ص7.
وما في هذه الرواية هو المذهب بلا خلاف.
انظر: المغني 1/139، كشاف القناع 1/114.
4 في ع (ولا) بإضافة الواو.(2/337)
لا أبالي أَمُدّاً1 كان، أو أقل، أو أكثر.
قلت: فكم2 يكفي للغسل؟
قال: كذلك. ولم يوقت فيه شيئاً3.
__________
1 المد مختلف فيه. فقال فقهاء الحجاز: هو رطل وثلث، وقال فقهاء العراق: هو رطلان. ويعادل عند فقهاء الحجاز 543 غرام، ويعادل عند فقهاء العراق39ر815 غرام وهو مقدر بأن يمد الرجل المعتدل يديه فيملأ كفيه طعاماً.
انظر: النهاية في غريب الحديث 4/308، معجم لغة الفقهاء ص 417.
2 في ع (وكم) .
3 قال ابن هانئ: (سمعت أبا عبد الله يقول: أخبرني إنسان أنه توضأ بالمد مرة فأجزأه. قال أبو عبد الله: إذا كان يغسل يجزئه، ولا يمسح بالماء) . المسائل 1/14 (72) .
قال في المقنع: (ويتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فان أسبغ بدونهما أجزأه) 1/65.
قال المرداوي- معلقاً على قوله-: "فإن أسبغ أجزأه" هذا المذهب- وهو موافق لهذه الرواية بلا ريب- وعليه جمهور الأصحاب وجزم به كثير منهم. وقيل: لا يجزئ وقد أومأ إليه أحمد.
فعلى المذهب: هل يكون مكروه بدونهما؟ فيه وجهان: أحدهما: يكره، والثاني: لا يكره. قال: وهو الصواب؛ لفعل الصحابة ومن بعدهم لذلك. الإنصاف 1/258، 259. وانظر: إغاثة اللهفان 1/128، المغني 1/222ـ224، الروض المربع 1/81.(2/338)
قال إسحاق: كما قال1، لإن الصاع2 في الجنابة والمد في الوضوء ليسا بحتم3، يقول: لا ينبغي أقل4 من ذلك ولو كان لا يجوز في الجنابة إلا صاعاً لكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغتسل مع عائشة (رضي الله عنها) 5 في إناء6، وقد يعقل أن المغتسلين من إناء واحد يفضل
__________
1 نقل قول إسحاق: الترمذي في سننه 1/84، وابن قدامة في المغني 1/223، ونقل ابن المنذر والنووي: إجماع الأمة على أنه لا يشترط مقدار معين من الماء للوضوء أو الغسل. الأوسط 1/361، المجموع 2/193.
2 الصاع: مكيال يسع أربعة أمداد، والمد تقدم مقداره بالأرطال قبل قليل، فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا، أو ثمانية أرطال. ويعادل على رأى فقهاء الحجاز 172ر2 غرام، ويعادل على رأى فقهاء العراق 5ر261ر3.
انظر: غريب الحديث للخطابي 1/247، النهاية في غريب الحديث3/60، معجم لغة الفقهاء ص270.
3 حتم: الحتم اللازم الواجب الذي لابد من فعله. والمعنى: ليس هذا المقدار واجباً في الغسل أو الوضوء.
انظر: الصحاح 5/1892، لسان العرب 12/113.
4 في ع (أقام) .
(رضي الله عنها) إضافة من ع.
6 روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة"
انظر: صحيح البخاري، كتاب الغسل، باب هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها 1/51، صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد 1/256، 257 (45، 46) .(2/339)
أحدهما1 الآخر.
[57-] قلت: ما يصلح للرجل من امرأته حائضاً؟
قال: ما دون الجماع2، يقبلها ويباشرها3 ويتوضأ
__________
1 في ع (أحدهم) .
2 قال ابن هانئ لأحمد: (قلت: ما للرجل من المرأة الحائض؟ قال: ما فوق الإزار، وأرجو أن لا تضيق عليه ما دونه) . المسائل 1/32 (158) .
والاستمتاع بالحائض بما دون الفرج كما في هذه الرواية هو المذهب، وعليه جمهور الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وعن أحمد: لا يجوز الاستمتاع بما بين السرة والركبة.
انظر: الفروع 1/174، الإنصاف 1/350، المحرر في الفقه ومعه النكت 1/25، المبدع 1/264.
3 المباشرة: الملامسة بغير حائل، أي باشر الرجل بشرة زوجته وألصق جسده بجسدها. انظر: لسان العرب 4/61، معجم لغة الفقهاء ص399.(2/340)
منهما1.
قال إسحاق: كما2 قال، حتى لو جامعها دون الفرج فأنزل لم يكن به بأس3 حتى لقد قال الحكم4: لا بأس أن يضع فرجه على فرجها ما لم يدخله5. والنخعي6 يقول: إن أم
__________
1 حكم مباشرة المرأة حكم تقبيلها وتقدم الكلام عنه. راجع مسألة (29) .
2 نقل قو إسحاق الترمذي في سننه 1/239، وابن المنذر في الأوسط1/206، وابن قدامة في المغني 1/333، وابن حجر في فتح الباري 1/404، والنووي في المجموع 2/346، والعيني في عمدة القاري 3/167، والبغوي في شرح السنة 2/130.
3 نقل نص هذا القول ابن المنذر في الأوسط 1/208.
4 هو الحكم بن عتيبة الكندي مولاهم أبو محمد الكوفي (46ـ115هـ) عالم أهل الكوفة، وصاحب عبادة وفضل وسنة واتباع، وهو ثقة ثبت. قال أحمد: هو أثبت الناس في إبراهيم- أي النخعي.
انظر ترجمته: في تذكرة الحفاظ 1/117، الكامل في التاريخ 5/180، العبر 1/109، شذرات الذهب 1/151.
5 هو ما رواه ابن أبي شيبة بسنده عن الحكم قال: لا بأس أن تضعه على الفرج ولا تدخله. المصنف 4/255، وانظر: المغني 1/333.
6 هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، أبو عمران الكوفي. فقيه العراق، ومن أكابر العلماء صلاحاً وعبادة وفقهاً وحفظاً للحديث، ثقة حجة باتفاق، كان يتوقى الشهرة فلا يجلس إلى الأسطوانة. قال الشعبي- لما بلغه موته-: ما ترك بعده مثله.
انظر ترجمته: في حلية الأولياء 4/219، البداية والنهاية 9/140، وفيات الأعيان 1/25، العبر 1/85.(2/341)
عمران1 لتعلم أني أطعن2 بين إليتيها3 وهي حائض4.
[58-] قلت: يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد؟
قال: نعم5، ولا يعجبني أن يتوضأ إذا
__________
1 هي زوجة إبراهيم النخعي. اسمها هنيدة. وروى عنها سعيد الحجاب.
انظر: طبقات ابن سعد 8/497، سير أعلام النبلاء 4/523.
2 الطعن: الدخول في الشيء، والمراد أنه ينخز بذكره بين إليتي امرأته وهي حائض.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 1/344، لسان العرب 13/265.
3 الإلْية: ما ركب العجيزة من اللحم والشحم، وقيل هي العجيزة. انظر: لسان العرب 14/42.
4 ذكره ابن المنذر في الأوسط 2/208.
5 نقل عنه نحو هذه المسألة عبد الله في مسائله ص7، 8 (18، 19) وصالح في مسائله 2/14 (538) ، وابن هانئ في مسائله 1/24 (120) ، وأبو داود في مسائله ص 4.
وجواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد كما في هذه الرواية هو المذهب بلا خلاف.
أما إذا خلت المرأة بالماء وهذا دون قلتين للطهارة منه فلا يجوز للرجل الوضوء به كما أشارت هذه الرواية، وهو ظاهر المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وفي رواية عن أحمد: يجوز ويرفع حدثه كاستعمالهما معا، اختارها ابن عقيل والخطاب وصاحب الفائق وغيرهم.
انظر: المبدع 1/49، 50، الروايتين والوجهين 1/88، 89، الإنصاف 1/48، 49، الكافي 1/77.(2/342)
خلت به1.
قال إسحاق: كما قال2.
[59-] قلت: الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام؟
قال: أما إذا أراد أن يأكل أو يشرب يغسل يده وفمه3، ولا ينام
__________
1 نقل عن أحمد في معنى الخلوة روايتان: إحداهما: أنها عدم المشاهدة عند استعمالها من حيث الجملة، وصححها في الفروع. وهي المذهب، ويزول حكم الخلوة بمشاهدة مميز وبكافر وامرأة كخلوة النكاح، وقيل: لا تزول الخلوة إلا بمشاهدة مكلف مسلم، وقيل: لا تزول إلا بمشاهدة رجل مسلم حر.
الرواية الثانية: معنى الخلوة: انفرادها بالاستعمال سواءً شوهدت أم لا. اختارها ابن عقيل وصححها في الحاوي الكبير.
انظر: المغني 1/215، الإنصاف 1/49، الفروع 1/20.
2 نقل قول إسحاق كراهة الوضوء بفضل طهور المرأة: الترمذي في سنه 1/92، وابن المنذر في الأوسط 1/293، وابن حجر في فتح الباري 1/300.
3 الصحيح من المذهب: أنه يستحب لمن أراد الأكل أو الشرب وهو جنب أن يغسل فرجه ويتوضأ.
وروي عن أحمد: أنه يستحب للر جل فقط، وعنه يغسل يده ويتمضمض فقط.
انظر: الفروع 1/126، الإنصاف 1/261.(2/343)
إلا متوضئاً1.
قال إسحاق: كما قال2.
[60-] قلت: هل يقرأ الرجل على غير وضوء؟
قال: نعم3، ولكن لا يقرأ في المصحف إلا متوضئاً4.
__________
1 قال ابن هانئ: (قلت: يجب لمن جامع أن لا ينام حتى يتوضأ وضوءه للصلاة؟ قال: ما أحسنه يتوضأ) . المسائل 1/24 (122) .
وما أفتى به هنا هو الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب.
وروي عن أحمد أن ذلك يستحب للرجل فقط.
قال ابن تيمية: في كلام أحمد ما ظاهره وجوب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم. فعلى القول بالاستحباب يكره تركه على الصحيح من المذهب.
انظر: الكافي 1/74، المبدع 1/202، الاختيارات الفقهية ص17.
2 انظر قول إسحاق: (أن الجنب يغسل يده وفمه إذا أراد الأكل أو الشرب) في: الأوسط 2/93، المغني 1/229، وانظر قوله: (لا ينام الجنب إلا متوضئاً) في: الأوسط 2/89، المجموع 2/162.
3 قال النووي: (أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث الحدث الأصغر، والأفضل أن يتوضأ لها) . المجموع 2/167، وانظر: شرح السنة 2/48.
4 الصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية من أنه يحرم مس كتابة المصحف وجلده وحواشيه، وعليه جماهير الأًصحاب، وقيل: لا يحرم إلا مس كتابته فقط، اختاره ابن عقيل.
انظر: الإنصاف 1/223، المغني 1/147، المحرر في الفقه 1/16.(2/344)
قال إسحاق1: لما صح قول النبي عليه السلام: "لا يمس القرآن إلا طاهر"2. وكذلك فعل أصحاب النبي عليه السلام
__________
1 نقل ابن المنذر نص قول إسحاق في الأوسط 2/102، ونقل عنه الترمذي جواز قراءة القرآن على غير وضوء، وأنه لا يقرأ في المصحف إلا وهو طاهر. سنن الترمذي 1/275.
2 رواه الدارقطني والبيهقي والطبراني بأسانيدهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمس القرآن إلا طاهراً". سنن الدارقطني 1/121، السنن الكبرى للبيهقي 1/88، المعجم الكبير للطبراني 12/314 (13217) .
قال ابن حجر: إسناده لا بأس به. تلخيص الحبير 1/140. وقال الهيثمي: رجاله موثقون. مجمع الزوائد 1/276، وقال الجوزقاني: هذا حديث حسن مشهور.
انظر: البدر المنير خ2/ل ب 215، عمدة القاري 3/160. وقال ابن عبد الحق: هذا حديث صحيح رجاله ثقات. انظر: البدر المنير خ2/ل ب 215.
وللحديث شواهد يصح بها.
انظر: تلخيص الحبير 1/140، نصب الرواية 1/196ـ199.(2/345)
(والتابعون) 23.
[61-] قلت: إذا استيقظ من منامه فرأى بلة4؟
قال: أما أنا فأعجب إليّ أن يغتسل إلا رجل به إبرده5 فلا. فإذا كان شبقا6 فما تأمنه أن يكون قد احتلم7 وهو لا يدرى8.
__________
1 نقل ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلى بن أبي طالب، وسلمان الفارسي، وأبي هريرة، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر ونافع بن جبير، وأبي موسى الأشعري، وعائشة بنت أبي بكر. انظر: مصنف ابن أبي شيبة 1/104، 150. مصنف عبد الرزاق 1/338ـ340، شرح معاني الآثار 1/89، 90) .
2 في الأصل: (والتابعين) .
3 نقل ذلك عن علي بن الحسين وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وعطاء ببن أبي رباح ومحمد بن سيرين. انظر: مصنف عبد الرزاق 1/338ـ340. مصنف ابن أبي شيبة 1/104، 105.
4 البلة: الندوة، والمعنى وجد ندوة ورطوبة في ثيابه. انظر: القاموس المحيط 3/337، الصحاح 4/1639.
5 الأبردة: علة معروفة من غلبة البرد والرطوبة تفتر عن الجماع. ورجل به أبرده وهو تقطير البول ولا ينبسط إلى النساء.
انظر: القاموس المحيط 1/277، لسان العرب 3/83.
6 شبق: الشبق شدة الغلمة (أي الشهوة) وطلب النكاح. انظر: النهاية في غريب الحديث 2/441.
7 احتلم: الحلم والاحتلام: جماع المرأة وإنزال المني في المنام.
انظر: لسان العرب 12/145، معجم لغة الفقهاء ص46.
8 نقل عنه نحو هذه المسألة صالح في مسائله 3/233 (1719) وابن هانئ في مسائله 1/23، 24 (111، 116) وأبو داود في مسائله ص18.
والصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية من وجوب الغسل على من انتبه فوجد بللاً.
وروي عن أحمد: أنه يجب مع الحلم.
وعنه لا يجب مطلقاً.
فإن كان به أبردة فالصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية من أنه لا يجب عليه الغسل.
وعن أحمد أنه يجب.
وعنه يجب مع الحلم.
انظر: الفروع 1/118، 119، المغني 1/203، الإنصاف 1/228، 229(2/346)
قال إسحاق: كما قال إذا كانت البلة بلة نطفة لها1 رائحة تشبه رائحة الطلع.2
وكيف يجب الغسل من كل بلة والنبي عليه السلام يقول لأم سليم3:
__________
1 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 1/192، الأوسط 2/84، المغني 1/202، عمدة القاري 3/132.
2 الطلع: نور النخلة، وهو شيء يخرج كأنه نعلان مطبقان، والحمل بينهما منضود وطرفه محدد.
انظر: القاموس المحيط 3/59، مجمل اللغة2/585.
3 هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد الأنصارية، صحابية فاضلة، اشتهرت بكنيتها واختلف في اسمها، فقيل: سهلة، وقيل: رملة، وهي أم أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت من السابقين إلى الإسلام من الأنصار، وتغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم.
انظر ترجمتها في: الإصابة 4/441، المحبر ص428، سير أعلام النبلاء 2/304، الكاشف 3/489.(2/347)
هل تجدين شهوة؟ فقالت: لعله1. فسألها بعد ذكرها البلة عن الشهوة.
[62-] قلت2: يقرأ الجنب من القرآن؟
قال: طرف الآية (والشيء) 3 كذلك
__________
1 روى ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومجاهد قالوا: إن أم سليم قالت: يا رسول الله المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل أيجب عليها الغسل؟ قال: هل تجد شهوة؟ قالت: لعله قال: هل تجد بللاً؟ قالت: لعله، قال: فلتغتسل. فلقيتها نسوة فقلن لها فضحتنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: والله ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حل أنا أو في حرام. المصنف 1/81.
2 نقل ابن المنذر نص هذه المسألة عن إسحاق بن منصور. الأوسط2/98.
3 هذه الكلمة غير واضحة في الأصل، وهكذا هي في الأوسط.(2/348)
1 والتسبيح2، فأما أن يتعمد الآية والسورة فما يعجبني.
قال إسحاق: كما قال3.
[63-] قلت: هل يقرأ في الحمّام؟ 4
قال: ما هو ببيت قراءة5.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 نقل عنه نحو هذه المسألة: عبد الله في مسائله ص33 (121، 122) ، وابن هانئ في مسائله 1/25 (124) ، وأبو داود في مسائله ص26.
والمذهب موافق لهذه الرواية من جواز قراءة بعض آية وتحريم قراءة آية فصاعداً. وروي عن أحمد أنه لا يجوز قراءة بعض آية، واختاره المجد في شرحه، وعنه يجوز قراءة آية ونحوها، وعنه لا يقرأ شيئاً.
انظر: المغني 1/144، المحرر في الفقه 1/20، الإنصاف1/243.
2 قال النووي: (أجمع المسلمون على جواز التسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار، وما سوى القرآن للجنب والحائض) . المجموع 2/168، شرح مسلم 4/68.
3 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 1/237، الأوسط 2/98، المجموع 2/162، المعاني البديعة خ ل أ 12، شرح السنة للبغوي 2/43.
4 الحمام: بالتشديد يذكر ويؤنث، وهو مكان الاغتسال بالماء الحار. ومن فوائده أنه يوسع المسام، ويستفرغ الفضلات ويحلل الرياح، وينظف الوسخ والعرق.
انظر: لسان العرب 12، 154، معجم لغة الفقهاء ص186، الآداب الشرعية 3/342.
5 الصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية من كراهة القراءة في الحمّام. وقيل: لا تكره.
انظر: الفروع 1/127، المغني 1/232، 233، الإنصاف 1/262، كشاف القناع 1/183.(2/349)
[64-] قلت: إذا جامعها زوجها ثم حاضت قبل أن تغتسل؟
قال: إن اغتسلت، فليس به بأس، وإن لم تغتسل فليس عليها1.
قال إسحاق: كما قال2. ألا ترى أن عطاء قال: هذا في الحيض أكبر3.
__________
1 قال ابن قدامة: (إذا كان على الحائض جنابة فليس عليها أن تغتسل حتى ينقطع حيضها، … فإن اغتسلت للجنابة في زمن حيضها صح غسلها وزال حكم الجنابة) . المغني 1/210.
والصحيح من المذهب موافق لما أفتى به أحمد من أنه لا يجب على الحائض غسل أثناء حيضها من الجنابة.
وروى عنه أن يجب عليها الغسل.
والصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية من أنها إذا اغتسلت صح غسلها.
وروي عن أحمد أنه لا يصح غسلها.
انظر: الروايتين والوجهين 1/100، الإنصاف 1/240، كشاف القناع 1/167.
2 قول إسحاق في: الأوسط 2/105، المغني 1/210.
3 روى عبد الرزاق بسنده عن عطاء بن أبي رباح قال: الحيض أكبر. المصنف 1/275. وروي أيضاً عن ابن جريج قال: (سألت عطاء عن المرأة أصابها زوجها فلم تغتسل عن جنابتها حتى حاضت؟ قال: تغتسل من جنابتها ولا تنتظر أن تطهر، وقد كان قال لي قبل ذاك: الحيض أشد من الجنابة) . المصنف 1/275. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه. مختصراً 1/77(2/350)
[65-] قلت: المني يفرك1 أو يغسل أو يمسح؟
قال: الفرك والغسل والمسح كل جائز2.
قال إسحاق: كما قال3.
[66-] قلت: إذا جامع امرأته فأراد أن يعود؟
قال: إن توضأ أحب إليّ4 وإن لم يفعل فأرجو ألا يكون به
__________
1 يفرك: الفرك دلك الشيء وقرضه. والمعني: أنه يدلك الثوب ويحكه حتى يتفتت المني ويزول عن الثوب. انظر: القاموس المحيط 3/315، لسان العرب 10/473.
2 نقل عنه نحو هذه المسألة عبد الله في مسائله 14ـ16 (46ـ50) ، وصالح في مسائله 1/334، 471، 472 (286، 495، 496) ، وابن هانئ في مسائله 1/25 (125) ، وأبو داود في مسائله ص21.
والمذهب- وهو ما عليه جماهير الأصحاب-: أن مني الآدمي طاهر من رجل أو امرأة، فلا يجب فيه غسل ولا فرك.
وروي عن أحمد أنه نجس، يجزئ فرك يابسه ومسح رطبه.
وعنه أنه نجس يجزئ فرك يابسه من الرجل دون المرأة.
وعنه أنه كالبول فلا يجزئ فرك يابسه.
انظر: المبدع 1/254، الروايتين والوجهين 1/155، 156، الإنصاف 1/340، 341.
3 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 1/200، شرح السنة للبغوي 2/90.
4 نقل عنه نحوها صالح في مسائله 1/481 (512) ، وأبو داود في مسائله ص19. والصحيح من المذهب الذي عليه الأصحاب: أن من أراد معاودة الوطء استحب له غسل فرجه والوضوء.
وروي عن أحمد: أنه يستحب للرجل فقط.
انظر: الإنصاف 1/261، مطالب أولي النهي 1/186.(2/351)
بأس1.
قال إسحاق: كما قال. ولكن لابد (من) 2 غسل فرجه إذا أراد العود3 [ظ-4/أ] ذكر ذلك عن النبي صلى الله4 عليه (وسلم) 5 بعد ذكر الوضوء.
وقال ابن سيرين6: مثل
__________
1 الصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية في عدم كراهة ترك الوضوء عند إرادة معاودة الوطء، وقيل: يكره.
انظر: المبدع 1/202، الفروع 1/126.
2 في الأصل (عن) والتصحيح من الأوسط.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط 2/95، عمدة القاري 3/103، الاستذكار 1/376.
4 روى إسحاق ومسدد بسنديهما عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم أهله وأراد أن يعود فليغسل فرجه".
انظر: المطالب العالية 1/52 (192) .
5 كلمة (وسلم) إضافة يقتضيها السياق.
6 هو محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر البصري، مولى أنس بن مالك (ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان- 110هـ) . من كبار التابعين. فقيه ورع محدث لا يرى الرواية بالمعنى، عالم بالقضاء، معبر للرؤيا، مفسر للأحلام.
انظر ترجمته في: مرآة الجنان 1/232، وفيات الأعيان 4/181، تاريخ بغداد 5/331، طبقات الفقهاء للشيرازي ص88.(2/352)
ذلك1، فإنه أخرجه23.
[67-] قلت: الجنب [ع-5/أ] إذا اغتسل ثم خرج من ذكره شيء4؟
قال: يتوضأ
__________
1 روى ابن أبي شيبة بسنده عن الحسن: (أنه كان لا يرى بأساً أن يجامع الرجل امرأته ثم يعود قبل أن يتوضأ، قال: وكان ابن سيرين يقول: لا أعلم بذلك بأساً. قال: إنما قيل؛ لأنه أحرى أن يعود) . المصنف 1/80.
2 طمس بالأصل بمقدار كلمة.
3 من بداية مسألة (59) إلى نهاية مسألة (66) ساقط من العمرية.
4 أي من المني بعد الاغتسال من الجماع أو الاحتلام.(2/353)
(فقط) 2.
قال إسحاق: كما قال3.
[68-] قلت: الجنب4 إذا اغتسل يستدفئ5 بامرأته قبل أن تغتسل6؟
قال: نعم، ولكن إذا باشرها أو قبلها من شهوة فعليه الوضوء لحديث ابن مسعود7 (رضي الله
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص20 (68) ، وصالح في مسائله 1/354، 3/162 (321، 1572) .
وما أفتى به هنا هو المذهب، وعليه جمهور الأصحاب. قال الخلال: تواترت الروايات عن أبي عبد الله أنه ليس عليه إلا الوضوء بال أو لم يبل. وفي رواية عنه: يجب عليه الغسل مرة ثانية.
وفي رواية ثالثة: يجب عليه الغسل إن خرج المني قبل البول، بخلاف ما إذا خرج بعد البول.
وفي رواية رابعة: يجب الغسل بخروج المني بعد البول لا قبله، عكس التي قبلها.
انظر: الإنصاف 1/231، الفروع 1/118، كشاف القناع 1/161، المحرر في الفقه 1/18.
2 في ظ (قط) بإسقاط الفاء.
3 نقل قول إسحاق: النووي في المجموع 2/141، وابن قدامة في المغني 1/201، وابن المنذر في الأوسط 2/113.
4 كلمة (الجنب) ساقطة من ع.
5 يستدفئ: أي يطلب الدفء وهو السخونة، نقيض حدة البرد، والمراد: أنه يضاجعها فوق الثياب أو من تحتها. انظر: مجمل اللغة 2/329، الصحاح 10/50.
(قبل أن تغتسل) ساقطة من ع.
7 هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، صحابي جليل، هاجر الهجرتين، ثم لازم النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عنه، وشهد معه جميع غزواته، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة. توفي سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين من الهجرة.
انظر ترجمته في: الإصابة 2/360، تذكرة الحفاظ 1/13، الوافي بالوفيات 17/604، مشاهير علماء الأمصار ص10.(2/354)
عنه) 1 القبلة من اللمس2.
قال إسحاق: كما قال3.
[69-] قلت: من أي شيء يغتسل منه الإنسان؟
قال: يغتسل من4
__________
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
2 هو ما رواه عبد الرزاق بسنده عن ابن مسعود قال: (القبلة من اللمس ومنها الوضوء) . المصنف. 1/133. ورواه ابن أبي شيبة في المصنف 1/45، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 9/285 (9227) ، ورواه الدارقطني في سننه وصححه 1/145، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 1/124.
ورواه الطبراني بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: (الملامسة ما دون الجماع، أن يمس الرجل جسد امرأته بشهوة ففيه الوضوء) . المعجم الكبير 9/286.
قال الهيثمي: (رجاله موثقون إلا أن فيه حماد بن أبي سليمان وقد اختلف في الاحتجاج به) . مجمع الزوائد 1/247.
3 تقدم الكلام على حكم مباشرة المرأة وتقبيلها. راجع مسألة (29، 57) .
4 أفتى هنا أن مما يجب منه الغسل خروج المني، ولم يقيده بدفق ولا غيره. وقال عبد الله بن أحمد: (سمعت أبي يقول: ثلاثة أشياء يجب على الرجل في اثنين منها الوضوء، والآخر الغسل المذي يتوضأ وضوءه للصلاة، والودي يخرج على اثر البول فيه الضوء. والمني إذا كان الماء الدافق الذي ينكسر له الذكر ففيه الغسل) . المسائل 31، 32 (117) .
وخروج المني الدافق بلذة يوجب الغسل باتفاق، فإن خرج بغير ذلك يقظة كخروجه لمرض أو برد ونحوهما، فعن الإمام أحمد روايتان:
الأولى: لا يجب عليه في ذلك غسل، وهي المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
والثانية: يجب الغسل.
انظر: المغني 1/199، الإنصاف 1/227، 288، المبدع 1/177، 178، مطالب أولي النهى 1/162.(2/355)
المني1، ويوم الجمعة أحب إليّ أن يغتسل2 فيه، وليس في
__________
1 المني: هو الماء الأبيض الغليظ الدافق الذي يخرج بلذة عند اشتداد الشهوة، ويكون منه الولد- بإذن الله- ويجب منه الغسل. ومني المرأة: رقيق أصفر.
انظر: غريب الحديث للخطابي 3/222، المطلع ص27.
2 قال ابن هانئ في مسائل أحمد: (سألته عن الغسل يوم الجمعة قال: أخشى أن يكون واجباً، في كم حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالغسل يوم الجمعة. وعمر بن الخطاب يخطب يقول: من أتى الجمعة فليغتسل) . المسائل 1/91 (460) .
وما أفتى به هنا من استحباب الاغتسال يوم الجمعة هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وفي رواية عنه: يجب الغسل على من تلزمه الجمعة. وغسل الجمعة على القول باستحبابه أو وجوبه، إنما يكون في يومها قبل شهود الصلاة إن صلى الجمعة.
انظر: الفروع 1/123، غاية المنتهى 1/48، المغني 2/345، 346، الإنصاف 1/247.(2/356)
1 الحجامة2 وأشباه ذلك3 غسل4.
قال إسحاق: كما قال5.
[70-] قلت: الجرح إذا لم يرقأ6؟
__________
1 قال عبد الله بن أحمد: (قلت لأبي: فالرجل يغتسل من الحجامة؟ قال: يتوضأ للصلاة. وقال سمعت أبي يقول: … ولا يغتسل من الحجامة، ليس يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم) . المسائل ص23 (77، 78) .
وقال أبو داود: (قلت لأحمد: ترى في الحجامة غسل؟ فأشار برأسه أي لا) . المسائل ص14.
ولا يجب الغسل من الحجامة قولاً واحداً.
وروي عن أحمد في استحبابه روايتان:
إحداهما: لا يستحب، وهو الصحيح من المذهب.
والثانية: يستحب، اختارها القاضي وغيره.
انظر: الإنصاف 1/251، المبدع 1/193، كشاف القناع 1/173.
2 الحجامة: الحجم المص، والحجامة مص الدم من الجرح أو القيح من القرحة بآلة كالكأس.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 3/67، معجم لغة الفقهاء 175.
3 في ع (هذا) .
4 أي شبه الحجامة كالجرح مما يلزم منه خروج دم فاحش من الجسد.
5 نقل قول إسحاق: أن خروج المني موجب للغسل. الترمذي في سننه 1/197.
6 يرقأ: رقأ الدم والعرق يرقأ رقوءاً إذا جف وسكن وانقطع. فمعنى لم يرقأ: أي لم يجف ولم ينقطع ما يخرج منه.
انظر: النهاية في غريب الحديث 2/248، معجم مقاييس اللغة 2/426، 427(2/357)
قال: يحصنه1 ويصلي2.
كما فعل عمر3
__________
1 يحصنه: أصل الحصانة المنع. والمراد: يلفه بخرقه ونحوها ليمنع خروج شيء منه ولا يصل إلى جوفه شيء.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 3/110، لسان العرب 13/121.
2 نقل عنه نحو هذه المسألة- مستشهداً فيها بفعل عمر وزيد- عبد الله في مسائله ص24 (82) . وقال عبد الله: (سألت أبي عن رجل مقعد في رجله موضع الوضوء ناسور يسيل، والناسور في القدم محشوة بالقطن، ويضع فوق القطن ألواحاً، ثم يضع فوق الألواح قطناً، ثم يشدّه بالخرق شدّاً جيداً ترى له أن يمسح على الخفين ويتوضأ لكل صلاة؟ فقال: يتوضأ لكل صلاة ويحصن جرحه ولا يبالي ما خرج منه بعد ذلك) . المسائل ص35 (134) .
وقال ابن قدامة: (المستحاضة، ومن به سلس، أو المذي، أو الجريح الذي لا يرقأ دمه، وأشباههم ممن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته، عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل محل الحدث وشده والتحرز من خروج الحدث بما يمكنه) . ثم قال: (من به جرح يفور منه الدم.. فإن كان مما لا يمكن عصبه، مثل من به جرح لا يمكن شدّه … صلى على حسب حاله كما روى عن عمر رضي الله عنه) المغني 1/340.
وقال المرداوي: (يلزمه الوضوء لكل صلاة بلا نزاع، لكن عليه أن يحشى) . الإنصاف 1/381.
3 هو ما رواه مالك بسنده عن المسور بن مخرمة: (أنه دخل على عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح. قال عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعب دماً) . الموطأ، كتاب الطهارة، باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف 1/39، 40 (51) ورواه عبد الرزاق في مصنفه 1/150، والدارقطني في سننه 1/224، والبيهقي في السنن الكبرى 1/357.(2/358)
وزيد.1 (رضي الله عنهما) 2.
قال إسحاق: هكذا هو كما قال. ولا بد من الوضوء لكل صلاة3.
[71-] قلت: إذا خرج من أنفه شيء من دم؟
قال: إذا كان قليلاً فليس به بأس إلا أن يكثر مثل الرعاف4.5،
__________
1 هو ما رواه عبد الرزاق بسنده عن خارجة بن زيد قال: (كبر زيد حتى سلس منه البول، فكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه توضأ، ثم صلى) . المصنف 1/151 (582) . ورواه ابن المنذر في الأوسط 1/165، والبيهقي في السنن الكبرى 1/356، 357.
(رضي الله عنهما) زيادة من ع.
3 نقل قول إسحاق: أن من به جرح لا ينقطع دمه يتوضأ لكل صلاة ويصلي: ابن المنذر في الأوسط 1/166، وابن قدامة في المغني 1/184.
4 الرعاف: هو الدم يخرج من الأنف ويسبق علم الراعف.
انظر: الصحاح 4/1365، لسان العرب 9/123.
5 نقل عنه أن الدم الخارج من الأنف لا ينقض الوضوء إلا إذا كثر وفحش. عبد الله في مسائله ص 18 (60) ، وابن هانئ في مسائله 1/7، 9 (36، 46) ، وأبو داود في مسائله ص14.
وما أفتى به هنا هو المذهب وعليه الأصحاب.
وفي رواية: أن قليل الدم ينقض الوضوء. واختار ابن تيمية أن الكثير لا ينقض الوضوء. انظر: الإنصاف 1/197، المغني 1/184، 185، الاختيارات الفقهية 16.(2/359)
والقيء12.
قال إسحاق: كما3 قال؛ لأن القليل ليس بالسائل.
[72-] قلت: هل في القلس4 وضوء؟
__________
1 القيء: هو ما قذفته المعدة مما فيها عن طريق الفم. انظر: معجم لغة الفقهاء ص372.
2 نقل عنه الوضوء من القيء عبد الله في مسائله ص19 (61) ، وابن هانئ في مسائله 1/8 (41) وأبو داود في مسائله ص15.
وهنا أطلق القيء وأنه ناقض للوضوء.
والمذهب: أن كثير القيء ينقض دون يسيره. وفي رواية عنه: ينقض كثيره وقليله.
انظر: الفروع 1/100، كشاف القناع 1/140، 141، المقنع 1/50، 51.
3 نقل قول إسحاق: أن الرعاف والقيء ناقض للوضوء. الترمذي في سننه 1/145، والبغوي في شرح السنة 1/333، والنووي في المجموع 2/55، والمروزي في اختلاف العلماء ص 47.
4 القلس: ما خرج من الجوف من الطعام والشراب عن طريق الحلق، وكان ملء الفم، سواءً أعاده صاحبه إلى بطنه أو ألقاه خارجاً.
انظر: النهاية في غريب الحديث 4/100، تاج العروس 4/221.(2/360)
قال: إذا قل فلا، وإذا1 كثر حتى يكون شبه القيء فنعم2.
قال إسحاق: هذا قول ضعيف قليله وكثيره يعيد الوضوء؛ لأنه حدث3.
حدثنا أبو عبد الله قال4: حدثنا إسحاق بن منصور5
__________
1 في ع (فإذا) .
2 نقل هذه المسألة عن إسحاق بن منصور: ابن المنذر في الأوسط 1/188.
ونقل عن الإمام أحمد أن القلس لا يوجب وضوءاً حتى يكون كثيراً: ابنه عبد الله في مسائله ص18، 19 (60) ، وصالح في مسائله 3/216 (1678) ، وابن هانئ في مسائله 1/8 (41) .
قال ابن قدامة: والقلس كالدم ينقض الوضوء ما فحش. قال الخلال: الذي أجمع عليه أصحاب أبي عبد الله عنه: أنه إذا كان فاحشاً أعاد الوضوء منه. المغني 1/186.
وما أفتى به هنا هو المذهب وعليه الأصحاب.
وفي رواية عنه ينقض إذا ملأ الفم.
وفي أخرى ينقض قليله.
انظر: الإنصاف 1/197، المغني 1/187.
3 انظر قول إسحاق: في الأوسط 1/187.
(حدثنا أبو عبد الله قال) ساقطة من ع.
(ابن منصور) ساقطة من ع.(2/361)
قال1: أخبرنا2 ابن شميل قال3: أخبرنا4 أشعث5 عن الحسن أنه كان يقول في القلس: ليس فيه6 شيء حتى يكون قدر اللقمة.7.
[73-] قلت: لأحمد8: رجل رأى في المنام إنه يجامع فلم9 ينزل فانتبه فلم ير شيئاً فلما أصبح وجد بلة؟
قال: بلة يغتسل منه10.11.
__________
(قال) ساقطة من ع.
2 في ع (ثنا) .
3 ساقطة من (ع) .
4 في ع (أنبأ) .
5 في ع (الأشعث) .
6 في ع (ليس بشيء) .
7 روى ابن أبي شيبة بسنده عن الحسن أنه كان يقول في القلس: (إذا كان يسيراً فليس بشيء) . المصنف 1/40، 41.
8 كلمة (لأحمد) ساقطة من ع.
9 في ع (ولم) .
10 كلمة (منه) ساقطة من ع.
11 قال ابن قدامة: (إذا رأى أنه قد احتلم ولم يجد منياً فلا غسل عليه، لكن إن مشى فخرج منه المني أو خرج بعد استيقاظه فعليه الغسل نص عليه أحمد) . المغني 1/202، وتقدم حكم المسألة. راجع (61) .(2/362)
قال إسحاق: كما قال إذا كان بلة نطفة1.
[74-] قلت (للامام) 2 (أحمد) 3 (رضي الله عنه) :4 القيح5، والصديد6، والمدة7؟
قال: هذا كله عندي (سواء) 8 أيسر من الدم9.
__________
1 تقدم قول إسحاق: راجع مسألة (61) .
2 كلمة (للامام) إضافة من ع.
3 في ظ (لأحمد) .
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
5 القيح: هو المدة الخالصة التي لا يخالطها دم أو يقال هو السائل اللزج الأصفر الذي يخرج من الجرح ونحوه لفساد فيه.
انظر: مجمل اللغة 3/738، مجمع لغة الفقهاء ص373.
6 الصديد: هو ماء الجرح الرقيق المختلط بالدم قبل أن تغلظ المدة.
انظر: لسان العرب 3/246، مجمل اللغة 2/532.
7 المدة: هي ما يجتمع في الجرح من القيح.
انظر: القاموس المحيط 1/337، لسان العرب 3/399.
(سواء) إضافة من ع.
9 نقل عنه نحوها صالح في مسائله 3/208 (1666) .
قال ابن قدامة: (والقيح والصديد كالدم فيما ذكرناه، وأسهل وأخف منه حكماً عند أبي عبد الله) . المغني 1/186، 2/80.
وتقدم أن الوضوء لا ينتقض إلا بالدم الكثير الفاحش. راجع مسألة (71) .
وهذا هو الصحيح من المذهب الذي عليه الأصحاب.
وفي رواية عن أحمد: أن القيح والصديد والمدة لا ينقض إذا خرج من غير السبيلين، ولو كثر.
وعنه: ينقض قليلها.
انظر: الإنصاف 1/197، الفروع 1/100، مطالب أولي النهى 1/141.(2/363)
قال إسحاق رحمه الله1: ما كان2 سوى الدم فلا يوجب وضوءا3 هو عندي كالعرق المنتن وشبهه مع ما تقدم فيه من التمييز عن ابن عمر وأبي مجلز4. والحسن وغيرهم، أنهم لم يروا القيح والصديد كالدم5، حتى قال أبو مجلز في الدم. فقال في
__________
(رحمه الله) ساقطة من ع.
2 في ع (كلما) .
3 انظر: قول إسحاق في الأوسط 1/183، والمغني 1/186.
4 هو لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي أبو مجلز البصري، تابعي فقيه، روى عن عدد من الصحابة، منهم معاوية وعمران بن الحصين، وأبو موسى الأشعري. قال ابن عبد البر: (هو ثقة عند الجميع، نزل مرو وولي بيت المال بها. وتوفي سنة ست ومائة من الهجرة) .
انظر ترجمته في: حلية الأولياء 3/112، ميزان الاعتدال 4/356، شذرات الذهب 1/134، تهذيب التهذيب 11/171.
5 روى عبد الرزاق بسنده عن بكر بن عبد الله المزني أنه رأى ابن عمر عصر بثرة بين عينيه فخرج منها شيء ففته بين أصبعيه، ثم صلى ولم يتوضأ. المصنف 1/145، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/138، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 1/141. وروى ابن أبي شيبة بسنده عن أبي مجلز أنه كان لا يرى القيح شيئاً. قال: إنما ذكر الله الدم. المصنف 1/116، 117.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن الحسن أنه قال: (القيح والصديد ليس فيه وضوء) . المصنف 1/116. وروى عبد الرزاق بسنده عن الحسن: (أنه كان لا يرى القيح مثل الدم) . المصنف 1/144,(2/364)
الصديد: لا شيء، إنما ذكر الله الدم1 المسفوح2.
[75-] قلت (للامام) 3 (أحمد) 4 (رضي الله عنه) :5 الدمل6 يخرج منه
__________
(حتى قال أبو مجلز في الدم. فقال في الصديد لا شيء، إنما ذكر الله الدم) . هذه العبارة ساقطة من ع.
2 الدم المسفوح: السفح للدم كالصب. يقال: سفح الدم إذا صبه وأراقه. والمراد ما سال عن مكانه من الجرح.
انظر: القاموس المحيط 1/228، مجمل اللغة 2/464.
3 كلمة (للامام) إضافة من ع.
4 في ظ (لأحمد) .
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
6 الدمل: واحد الدماميل وهي القروح، والدمل الخراج على التفاؤل بالصلاح. انظر: لسان العرب 11/250، 251.(2/365)
الشيء؟
قال: حتى يكثر.
قال إسحاق: كلما خرج غير الدم فلا شيء1.
[76-] قلت: إذا استنجى بثلاثة أحجار يجزئه أم لا؟
قال: إذا أنقى بالأحجار ولم يتلطخ ماء يجزئه2 إلا أن يكون رجل3
__________
1 تقدم حكم هذه المسألة في التي قبلها.
2 نقل عنه اشتراط الإنقاء وإكمال الثلاث في الاستجمار بالأحجار. عبد الله في مسائله ص31 (113، 114) ، وصالح في مسائله 1/164 (68) وابن هانئ في مسائله 1/4 (21) وأبو داود في مسائله ص5.
وما أفتى به هنا هو المذهب بلا نزاع. فلا يجزئ أقل من ثلاث مسحات بثلاثة أحجار منقية. فإن استجمر بحجر واحد له ثلاث شعب فصاعدا فأنقى جاز على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه لا يجزئ إلا ثلاثة أحجار، فإن لم تكف الثلاثة للانقاء زاد حتى ينقي، ويستحب الا يقطع إلا على وتر.
انظر: المغني 1/152، 153، الإنصاف1/112، الفروع 1/51، 52.
3 هذا الاستثناء له أحد احتمالين:
الأول: أن ثلاثة أحجار لا تكفي لمن معه بطن.
والثاني: أنه لا يجزئه إلا الماء لوجود التلطخ.
فإن كان المراد الاحتمال الأول فقد سبقت الإشارة إلى أنه يشترط الانقاء بأي عدد كان أكثر من الثلاثة. وإن كان الثاني: فالمذهب الذي عليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم: أن الخارج إذا تعدى موضع العادة فلا يجزئه إلا الماء.
انظر: الإنصاف 1/105، كشاف القناع 1/73.(2/366)
به بطن1 وإذا لم يستنج بثلاثة أحجار أعاد الصلاة ولا يجزئه دون ثلاثة أحجار.
قال إسحاق: كما قال2. وقوله إلا أن يكون ماء: يعني أن يتلطخ- لرقة البطن- ما حوالي3 المقعدة فذاك لا ينقى بالأحجار4.
[77-] قلت: يمس (الدرهم) 5 الأبيض6 [ع-5/ب] على غير
__________
1 بطن: أي عليل البطن لا يستمسك برازه من داء أصابه في بطنه، ويقال له مبطون. انظر: لسان العرب 13/54، مجمل اللغة 1/128.
2 انظر قول إسحاق: أنه يجب ثلاث مسحات بثلاثة أحجار، أو بحجر كبير ذي ثلاث شعب، في: المجموع 2/107، المغني 1/158، الأوسط 1/351، 354، شرح مسلم للنووي 3/156.
3 في ع (حول) .
4 نقل قوله ان الخارج إذا تجاوز المخرج لم يجز إلا الغسل بالماء. ابن المنذر في الأوسط 1/351، وابن قدامة في المغني 1/159.
5 في ظ (الدراهم) .
6 الدرهم الأبيض: هو مما ضربه الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان، ونقش عليه (قل هو الله أحد) وكانت الدراهم قبل ذلك منقوشة بالفارسية. انظر: النقود والمكاييل والموازين 80/81.
والدرهم: قطعة نقدية من الفضة وزنها ستة دوانق، وتساوي 979ر2 غرام.
انظر: النقود والمكاييل 78/79، معجم لغة الفقهاء ص208.(2/367)
وضوء1؟
قال: أرجو إن شاء الله (تعالى) 2 أن لا3 يكون هذا بمنزلة المصحف وإن توقى ذلك أحب إليّ4.
قال إسحاق: كما قال: بلا شك.
__________
1 في ع (الوضوء) .
2 كلمة (تعالى) إضافة من ع.
3 حرف (لا) ساقط من ع.
4 قال عبد الله بن أحمد: سألت ابي عن الدراهم؟ قال: (لا بأس أن يمسها على غير وضوء. المسائل 30 (111) .
قال ابن قدامة: إن مس درهماً مكتوباً عليه آية جاز في أحد الوجهين؛ لأنه لا يسمى مصحفاً. والثاني: لا يجوز؛ لأن معظم ما فيه من القرآن) . الكافي 1/60، المغني 1/148.
قال المرداوي: (قال في النظم عن الدرهم المنقوش: هذا المنصور- أي جواز المس على غير طهارة- وعنه لا يجوز) .
وقال القاضي في التخريج: (ما لا يتعامل به غالباً لا يجوز مسه وإلا فوجهان) . الإنصاف 1/224.(2/368)
[78-] قلت: الرجل يكون معه الخاتم فيه ذكر الله (تبارك وتعالى) 1 يدخل الخلاء2؟
قال: إن شاء جعله3 في بطن كفه.4
قال إسحاق: كما قال. ولكن إن5 لم يجعل فلا بأس به6.
__________
(تبارك وتعالى) إضافة من ع.
2 الخلاء: هو المكان الخالي الذي ينفرد فيه الإنسان ليقضي حاجته من البول والغائط، ويسمى المرحاض والمرفق.
انظر: مشارق الأنوار 1/239، لسان العرب 14/238.
3 في ع (حمله) .
4 نقل ابن المنذر في كتابه الأوسط 1/342، قول أحمد هذا.
والصحيح من المذهب كراهة دخول الإنسان للخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى إذا لم تكن حاجة.
وفي رواية عنه لا يكره، اختارها علي بن أبي موسى وصاحب المغني والسامري، وحيث دخل الخلاء بخاتم فيه ذكر الله تعالى، جعل فصّه في باطن كفه، وإن كان في يساره أداره إلى يمينه؛ لأجل الاستنجاء.
انظر: الإنصاف 1/94، 95، المغني 1/167، مطالب أولي النهى 1/67، الفروع 1/46.
5 في ع (وان) بإضافة واو.
6 انظر قول إسحاق في: الأوسط 1/342، المغني 1/167،(2/369)
[79-] قلت: الرجل يجامع أهله في السفر وليس معه ماء؟
قال: لا أكره ذلك1. قد فعل ذلك ابن عباس2.
قال إسحاق: هو سنة مسنونة3 عن النبي صلى الله عليه وسلم في أبي ذر وعمار
__________
1 قال صالح بن أحمد: (سألته عن المسافر يغشى أهله ويعلم أن بينه وبين الماء يومين أو ثلاثة؟ قال أرجو أن لا يكون به بأس ويتيمم) . المسائل 1/182 (96) .
وما أفتى به هنا هو الصحيح من المذهب.
وروي عن أحمد أنه يكره لعادم الماء وطء زوجته إن لم يخف العنت.
انظر: الإنصاف 1/263، الفروع 1/128، 129، كشاف القناع 1/184.
2 هو ما رواه ابن أبي شيبة بسنده عن مجاهد قال: (كنا مع ابن عباس في سفر ومعه جارية له فتخلف فأصاب منها، ثم أدركنا فقال: معكم ماء؟ قلنا: لا، قال: أما إني قد علمت ذلك فتيمم) . المصنف 1/98.
وروى أيضاً بسنده عن سعيد بن جبير قال: (كان ابن عباس في سفر مع أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمار بن ياسر، فكانوا يقدمونه يصلي بهم لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم ذات يوم ثم التفت إليهم فضحك، فأخبرهم أنه أصاب من جارية له رومية وصلى بهم وهو جنب فتيمم) . المصنف 1/97.
ورواه البيهقي مختصراً في السنن الكبرى 1/218، 234، وروى ابن المنذر بسنده عن إسحاق بن راهوية: أنا المعتمر، سمعت ليثاً يحدث عن عطاء عن ابن عباس في الرجل يكون مع أهله في السفر وليس معهم ماء، فلم ير بأساً أن يغشى أهله ويتيمم. الأوسط 2/17، وصحح ابن حجر إسناده. فتح الباري 1/446.
3 في ع (من) .(2/370)
وغيرهما1.
__________
1 هو ما رواه أبو داود عن أبي ذر- رضي الله عنه- قال: (اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر أُبْدُ- أخرج إلى البادية- فيها، فبدوت إلى الربذة، فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والست فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبو ذر؟ ثكلتك أمك أبا ذر! لأمك الويل، فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بعس- قدح كبير- فيه ماء فسترتني بثوب واستترت بالراحلة واغتسلت، فكأني ألقيت عني جبلا، فقال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك، فإن ذلك خير.
السنن، كتاب الطهارة، باب الجنب يتيمم 1/235، 236 (332) ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 1/217، والحاكم في المستدرك وصححه 1/176.
ورواه مختصراً- دون ذكر القصة- الترمذي في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء 1/212، 213 (124) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في كتاب الطهارة، باب الصلوات بتيمم واحد 1/171 (322) ، وأحمد في المسند 5/180.
وفي رواية لأبي داود وأحمد: " فكنت أعزب- ابتعد- عن الماء ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة.. " سنن أبي داود 1/237، ومسند أحمد 5/146.
وروى مسلم والبخاري عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: "أن رجلاً أتى عمر فقال: " إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال عمر: لا تصل. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماءً، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك؟ فقال عمر: اتق الله يا عمار! قال: إن شئت لم أحدث به فقال عمر: نوليك ما توليت".
صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب التيمم 1/280، 281 (112) . صحيح البخاري كتاب التيمم، باب المتيمم هل ينفخ فيهما 1/63.(2/371)
وفعله ابن عباس1 رضي الله عنهم.
__________
1 نقل ابن المنذر نص قول إسحاق في الأوسط 2/17، وانظر قوله في: المغني 1/276، والمجموع2/211، المحلى 2/192.(2/372)
باب التيمم1
[80-] قلت: على كم يطلب الماء؟
قال: إذا2 لم يصرفه عن3 وجه يريد به الميلين4 والثلاثة، وإن اشتد5 عليه المشي6 [ظ-4/ب] فلا يطلبه7.
__________
1 هذا العنوان من العمرية.
2 في ع (ان) .
3 في ع (على) .
4 الميلين: تثنية ميل وهو من الأرض قدر منتهى مد البصر، وكل ثلاثة أميال فرسخ. والميل الشرعي الهاشمي ألف باع، والباع قدر مد اليدين، ويساوي ثمانية وأربعين وثمانمائة وألف متراً.
انظر: مجمل اللغة 4/821، لسان العرب 11/629، معجم لغة الفقهاء، ص740.
5 في ع (أشده)
6 في ع (الميلان) .
7 أفتى الإمام أحمد هنا بأن طلب الماء شرط لصحة التيمم. وذكر أبو يعلى أن رواية ابن منصور تفيد ذلك. الروايتين والوجهين 1/91. ونقل عنه وجوب الطلب: ابنه عبد الله في مسائله ص37 (141) وابن هانئ في مسائله 1/13 (64) .
ومن ظن وجود الماء في رحله، أو رأى خضرة ونحوها، وجب عليه الطلب، وإن تحقق عدم الماء فلا يلزمه الطلب. رواية واحدة في الاثنين.
وإن ظن عدم وجوده: فعلى الصحيح من المذهب: يلزمه الطلب وعليه أكثر الأصحاب.
وفي رواية: لا يلزمه الطلب والحالة هذه.
انظر: الإنصاف 1/275، الفروع 1/132، المبدع 1/214ـ216.
قال المرداوي: (صفة الطلب: أن يفتش في رحله ما يمكن أن يكون فيه، ويسأل رفقته عن موارد الماء، أو عن ماء معهم، وأن يسعى عن يمينه وشماله، وأمامه ووراءه، إلى ما قرب منه مما عادة القوافل السعي إليه لطلب الماء والمرعى. ثم قال: والقريب ما عد قريباً عرفاً على الصحيح، وقيل: ميل، وقيل: فرسخ، وهو ظاهر كلام أحمد) . الإنصاف 1/275، 276، وانظر: المغني 1/237، وكشاف القناع 1/192.(2/373)
قال إسحاق: لا يلزمه الطلب إلا في موضعه1، ألا ترى أن ابن عمر (رضي الله عنهما) 2 لم يكن يعدل إلى الماء وهو منه على غلوة3 أو غلوتين4.
__________
1 نقل ابن المنذر في: الأوسط 2/35، نص قول إسحاق. وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/229.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
3 غلوة: هي قدر رمية بسهم، وتقدر بأربعمائة ذراع، وتعادل 80ر184 متراً وكل خمسة وعشرين غلوة فرسخاً.
انظر: لسان العرب 15/132، 133، تاج العروس 10/269، معجم لغة الفقهاء ص334.
4 روى البيهقي بسنده عن الوليد بن مسلم قال: قيل لأبي عمرو- يعني الأوزاعي- حضرت الصلاة والماء جائز على الطريق، أيجب على أن أعدل إليه؟ قال: حدثني موسى بن يسار، عن نافع عن ابن عمر، أنه كان يكون في السفر فتحضره الصلاة والماء منه على غلوة أو غلوتين ونحو ذلك، ثم لا يعدل إليه. السنن الكبرى 1/233، ورواه ابن المنذر في الأوسط2/35.(2/374)
[81-] قلت: إذا تيمم وصلى ثم وجد الماء في الوقت؟
قال: لا يعيد1 وإذا تيمم ودخل في الصلاة ثم وجد الماء2 لم يلتفت إلى الماء3.
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص36 (138) ، وصالح في مسائله 3/473 (1190) ، وابن هانئ في مسائله 1/11 (55) .
وما أفتى به من عدم وجوب الإعادة هو المذهب بلا نزاع. ونقل عن أحمد جواز الإعادة من غير فضل، وعدم استحباب الإعادة هو الصحيح من المذهب، وروى عنه استحبابه.
انظر: الإنصاف 1/298، المبدع 1/227، 229، مطالب أولي النهى 1/218، 219.
(في الوقت قال: لا يعيد، وإذا تيمم ودخل في الصلاة ثم وجد الماء) هذه العبارة ساقطة من ع.
3 أشار أبو يعلى إلى هذه الرواية عن الإمام أحمد في الروايتين والوجهين 1/90، وما أفتى به هنا رواية غير المذهب اختارها الآجري.
ويجب المضي في الصلاة على الصحيح، وقيل: لا يجب المضي لكن هو أفضل، وقيل: الخروج منها أفضل للخروج من الخلاف.
والمذهب: وهو ما عليه جماهير الأصحاب- أن من وجد الماء أثناء الصلاة بطل تيممه.
ونقل المروزي عن أحمد: أنه رجع عن الرواية الأولى؛ فلذلك أسقطها أكثر الأصحاب.
قال أبو يعلى: نقل المروزي عنه أنه قال: كنت أقول يمضي في صلاته، ثم تدبرت فإذا أكثر الأحاديث أنه يخرج فيتوضأ. وظاهر كلامه: أنه رجع عن قوله بالمضي فيها، فيجوز أن يقال المسألة رواية واحدة. أن صلاته تبطل ولكن أصحابنا حملوا كلامه على روايتين. الروايتين والوجهين 1/90. وانظر: الإنصاف 1/298، 299، المغني 1/268، 269، الفروع 1/150.(2/375)
قال إسحاق: أما إذا صلى ثم وجد في الوقت فلا إعادة عليه، وإذا أعاد فله (الأجر) 1 مرتين2 وإذا رأى الماء في الصلاة وقد تيمم وهو يطمع في وصوله إلى الماء انصرف وتوضأ وأعاد3.
[82-] قلت: وكيف التيمم؟
قال: ضربة للوجه والكفين4.
__________
1 في ظ (أجر) بالتنكير.
2 نقل قول إسحاق: أن المتيمم إذا وجد الماء في الوقت بعد الصلاة لا إعادة عليه. المروزي في اختلاف العلماء ص34، وابن المنذر في الأوسط 2/64، وابن قدامة في المغني 1/244.
3 انظر: قول إسحاق في اختلاف العلماء للمروزي ص 34.
4 نقل عنه نحوها ابنه عبد الله في مسائله ص36، 39 (135، 150) ، وصالح في مسائله 2/121و 3/24 (684، 1250) ، وابن هانئ في مسألة 1/11، 12 (54، 60) ، وأبو داود في مسائله ص15، 16.
وكون التيمم ضربة واحدة كما في هذه الرواية هو الواجب، والمسنون على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وفي رواية عن الإمام أحمد أن المسنون ضربتان.
انظر: الإنصاف 1/301، المبدع 1/230، كشاف القناع 1/205.(2/376)
قال إسحاق: كما قال1.
[83-] قلت: يصلي الصلوات بالتيمم أو يتيمم لكل صلاة؟
قال: أعجب إلي أن يتيمم لكل صلاة2؛ لأنه ينبغي له أن يطلب3 الماء لكل صلاة4.
__________
1 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 1/269، الأوسط 2/51، التمهيد 19/282، المجموع 2/213، المغني 1/244.
2 أي مكتوبة، أما النفل، فالمذهب: أنه لا يشترط التيمم لكل صلاة منه، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وذكر في الانتصار وجهاً آخر: ان كل نافلة تفتقر إلى تيمم. انظر: الإنصاف 1/291، 292.
3 تقدم حكم طلب الماء لصحة التيمم في مسألة (80) .
4 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله 36، 37 (137، 140ـ143) ، وابن هانئ في مسائله 1/10، 11، 14 (51، 58، 69) وأبو داود في مسائله ص 16.
والمذهب: أن التيمم يبطل بخروج الوقت، وعليه جمهور الأصحاب، وقيل: لا يبطل إلا بدخول الوقت، وفي رواية عن أحمد يبطل بالحدث كالوضوء ولا يبطله خروج الوقت.
انظر: المغني 1/263، الروايتين والوجهين 1/90، 91، الفروع 1/146.(2/377)
قال إسحاق: هذا فرض عليه أن يتيمم لكل صلاة1.
[84-] قلت: ما الذي2 يتيمم به؟
قال: كل3 ما كان من الأرض من التراب4 (قال) 5: جعلت
__________
1 انظر قول إسحاق: في اختلاف العلماء للمروزي ص34، والأوسط 2/57، والمجموع 2/297، والمغني 1/263.
2 في ظ زيادة حرف (لا) قبل كلمة (يتيمم) .
3 في ع (كلما) .
4 قال ابن قدامة: (لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد) . المقنع 1/72. وقال المرداوي: (هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وعنه يجوز بالسبخة أيضاً، وعنه بالرمل أيضاً، واختاره الشيخ تقي الدين. وقيد القاضي وغيره جواز التيمم بالرمل والسبخة، بأن يكون فيهما غبار، وإلا فلا يجوز رواية واحدة. وقال صاحب النهاية: يجوز التيمم بالرمل مطلقاً، نقلها عنه أكثر الأصحاب، ثم نقل عنه روايات أخرى. الإنصاف 1/284، وانظر: المغني 1/247، 248، مطالب أولي النهى 1/208، 209.
5 كلمة (قال) إضافة من ع.(2/378)
الأرض مسجداً وطهوراً1.
وقال ابن عباس (رضي الله عنهما) 2: أطيب الصعيد3 أرض الحرث4.
قال إسحاق: كما قال.
(قال) 56: وما كان مثل الجص7
__________
1 ورد ذلك في حديث رواه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون". صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة 1/371 (5) .
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
3 روى ابن أبي شيبة بسنده عن ابن عباس قال: أطيب الصعيد الحرث وأرض الحرث. المصنف 1/161. ورواه عبد الرزاق في مصنفه 1/211، والبيهقي في السنن الكبرى 1/214.
4 أرض الحرث: أي الأرض التي تزرع أو تغرس. والمراد: أنها صالحة للزراعة وخالية منها، وبخلافها ما لا يصلح للزراعة.
انظر: الصحاح 1/279، لسان العرب 2/134.
5كلمة (قال) إضافة من ع.
6 أي إسحاق بن راهويه رحمه الله تعالى.
7 الجص: بالفتح والكسر ما يطلى به البيوت من الكلس، هو من كلام العجم وليس بعربي.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 7/130، لسان العرب 7/10.(2/379)
والنورة1 وتراب السبخة2 وما أشبه ذلك لا يتيمم به3، وإن كان ذلك من الأرض، لما زال عنه اسم الصعيد الطيب4.
[85-] سئل (الإمام) 5 أحمد إذا توضأ أيسمي؟
قال: إي لعمري6.
__________
1 النورة: نوع من الحجر الكلسى، يحرق ويطحن ويخلط بالماء، ويطلى به الشعر فيسقط.
انظر: لسان العرب 5/244، معجم لغة الفقهاء ص 490.
2 السبخة. أرض ذات ملح ونز، وجمعها سباخ. انظر: المحكم والمحيط الأعظم 6/30.
3 نقل ابن المنذر في كتابه الأوسط 2/39، نص قول إسحاق. وانظر قوله: أن التيمم لا يكون إلا بالتراب دون الجص والنورة، والسبخة ونحوها في المجموع 2/221، المغني 1/247، التمهيد 19/291، الجامع لأحكام القرآن 5/238.
4 ورد ذلك في حديث أبي ذر المتقدم في مسألة (79) .
5 كلمة (الإمام) إضافة من ع.
6 نقل عنه استحباب التسمية: ابنه عبد الله في: مسائله ص25 (86) ، وصالح في مسائله 1/162، 380، 2/130 (64، 357، 696) ، وابن هانئ في مسائله 1/3 (18) ، وأبو داود في مسائله ص6. وتقدم حكم التسمية. انظر: مسألة (2) .(2/380)
قيل: فإن نسي1 ولم يذكر اسم الله (سبحانه وتعالى) 2؟
قال: لا أعلم فيه حديثاً يثبت.
قال إسحاق: كما قال، إذا نسي أجزأه وإذا تعمد أعاد3؛ لما (صح) 4 عن النبي5 صلى الله عليه وسلم ذلك6.
__________
1 على القول بوجوب التسمية، وهو المذهب، هل تسقط سهواً أو لا؟ فقيل: هي فرض لا تسقط سهواً، اختاره أبو الخطاب والمجد بن تيمية وابن عبدوس وغيرهم، وقيل: هي واجبة تسقط سهواً، اختاره القاضي أبو يعلي وابن عقيل وابن قدامة وغيرهم. انظر: الإنصاف 1/129، المحرر في الفقه 1/11، كشاف القناع1/102.
(سبحانه وتعالى) إضافة من ع.
3 تقدم قول إسحاق راجع مسألة (2) .
4 ظ (يصح) بإضافة (ياء) .
5 قال البهوتي: (سئل إسحاق بن راهويه أي حديث أصح في التسمية؟، فذكر حديث أبي سعيد) . كشاف القناع 1/101، وانظر: تلخيص الحبير 1/85.
6 روى ابن ماجه في سننه بسنده عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا ضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه".
سنن ابن ماجه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في التسمية في الوضوء 1/139، 140 (397) ، ورواه أحمد في المسند 3/41، والدارمي في سننه ص176، والحاكم في مستدركه 1/147.
وقال الأثرم: (سمعت أحمد بن حنبل وسئل عمن يتوضأ ولا يسمى، فقال أحمد: أحسن ما يروى في هذا الحديث كثير بن زيد- وهو أحد رواه حديث أبي سعيد) . انظر: الكامل لابن عدي 6/2087، تلخيص الحبير 1/85.
وروى أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا ضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه". سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب في التسمية على الوضوء 1/75 (101) ، ورواه ابن ماجه في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في التسمية في الوضوء 1/140 (399) ، وأحمد في المسند 2/418، والدارقطني في سننه 1/79، والبيهقي في السنن الكبرى 1/43، والحاكم في مستدركه. وقال هذا حديث صحيح الإسناد 1/146. وحسن إسناده البخاري والعراقي وغيرهما. انظر: إرواء الغليل 1/122، 123.
قال ابن حجر- بعد أن ساق الأحاديث الواردة في التسمية-: (الظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً) . تلخيص الحبير 1/86.(2/381)
[86-] قلت: يجلس الجنب في المسجد أو يمر به1 مارا2؟
قال: إذا توضأ فلا بأس3 أن يجلس فيه4.
__________
1 في ع (فيه) .
2 فيه ع (مرا) .
3 في ع إضافة (به) . بعد كلمة (بأس) .
4 ما أفتى به هنا من جواز جلوس الجنب في المسجد إذا توضأ، هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وجزم به كثير منهم.
وفي رواية عنه: لا يجوز وإن توضأ.
وعنه يجوز وإن لم يتوضأ.
انظر: الإنصاف 1/246، الفروع 1/122 غاية المنتهى 1/46.(2/382)
قال إسحاق: كما قال1.
[87-] قلت: يؤم المتيمم المتوضئين؟
قال: نعم، أليس ابن عباس2 (رضي الله عنهما) 3 أمهم4؟.
قال إسحاق: كما قال5.
[88-] قلت: الضحك في الصلاة؟
قال: لا يوجب عليه الوضوء6 ويعيد
__________
1 انظر: قول إسحاق في المغني 1/146، الأوسط 2/108.
2 تقدم حديث ابن عباس. راجع مسألة (79) .
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
4 نقل عنه نحو ذلك: عبد الله في مسائله ص37 (142) ، وأبو داود في مسائله ص18.
قال ابن قدامة: (يصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم لا أعلم فيه خلافاً. المغني 2/225. قلت: ذكر الخلاف فيه ابن المنذر في كتابه. الأوسط 2/68، 69، وابن حزم في كتابه المحلى 2/195. ولم أطلع على قول لأحمد خلاف ما أفتى به هنا.
انظر: الإنصاف 2/276، المحرر 1/105، الفروع 1/487، كشاف القناع 1/570.
5 انظر قول إسحاق في: الأوسط 2/67، المحلى 2/ 194.
6 نقل عنه أن الضحك في الصلاة لا ينقض الوضوء، ويبطل الصلاة: ابنه عبد الله في مسائله ص99، 100 (350ـ352) ، وصالح في مسائله 2/464، 3/207 (1167، 1661) ، وابن هانئ في مسائله 1/7 (38) ، وأبو داود في مسائله ص13.
ولا خلاف عن أحمد أن الضحك في الصلاة لا ينقض الوضوء وفي استحباب الوضوء فيه وجهان.
انظر: المغني 1/177، كشاف القناع 1/149، الفروع 1/108، 109، مطالب أولي النهى 1/149.(2/383)
الصلاة1.
قال إسحاق: كما قال2.
[89-] قلت: قال سفيان:3 الضحك والريح والبول يعيد الوضوء
__________
1 قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن الضحك في الصلاة ينقض الصلاة) . الأوسط 1/226، الإجماع ص32، 40. وانظر: مراتب الإجماع ص 28.
واختلفت الرواية عن أحمد في القهقهة المبطلة للصلاة، فعنه: ما بان منها حرفان تبطل، وإن لم يبن منها حرفان فصلاته صحيحة، وهي ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
وعنه: أن القهقهة تبطل الصلاة ولو لم يبن منها حرفان. قال في المغني: لا نعلم فيه مخالفاً، واختاره ابن تيمية وقال: إنه الأظهر.
انظر: المغني 2/51، الإنصاف 2/138، الاختيارات الفقهية ص59.
2 انظر: قول إسحاق في: اختلاف العلماء للمروزي ص43، المجموع 2/61، المغني 1/177، الأوسط 1/227.
3 هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي (97ـ161هـ) ، كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، ويلقب بأمير المؤمنين في الحديث. قال: ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني. قال شعبة: ساد سفيان الناس بالورع والعلم.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/151، سير أعلام النبلاء 7/229، تذكرة الحفاظ 1/203، تاريخ جرحان للسهمي ص221.(2/384)
والصلاة، والقيء والرعاف، والحبن1 السائل يتوضأ ويبني ما لم يتكلم2؟
قال: أعجب إليّ أن يتوضأ في هذا كله ويستأنف الصلاة3.
__________
1 الحبن: هو ما يعتري الجسد كالدمل، يقيح ويرم وجمعه حبون.
انظر: القاموس 4/212، مجمل اللغة 1/262.
2 نقل المروزي هذه المسالة بأكملها عن سفيان. اختلاف العلماء ص47، ونقل عن سفيان انتقاض الوضوء بالضحك في الصلاة، المروزي في اختلاف العلماء ص43، وابن المنذر في الأوسط 1/226، والنووي في المجموع 2/61، وابن قدامة في المغني 1/177، وابن حزم في المحلى 1/362.
أما خروج الريح من الدبر، والبول من القبل. فقال: ابن المنذر: أجمعوا على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من الذكر، وكذلك المرأة وخروج المني وخروج الريح من الدبر، وزوال العقل بأي وجه زال، أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة ويوجب الوضوء. الإجماع ص 31، الأوسط 1/137.
3 تقدم الكلام عن نقض هذه الأشياء للوضوء. راجع مسألة (71، 72، 74) .
أما حكم استئناف الصلاة أو البناء على ما قبل الحدث. فقال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن الرجل يحدث فيقدم رجلا؟ قال: يعجبني أن يعيد- أي الذي أحدث- قلت من الدم؟ قال: الدم عندي أيسر من غيره. قيل من الريح؟ بقا: لا يبني) . المسائل ص37.
وقال ابن هانئ: (سئل- أي أحمد- عن الرجل يرعف في الصلاة؟ قال: ينصرف فيتوضأ ويستقبل الصلاة) . المسائل 1/7 (37) ، 1/48 (229) . وقال: (قيل له فالأحداث يبني أو يستقبل؟ قال: يستقبل) . 1/80 (399) .
والصحيح من المذهب: أن المصلي إذا سبقه الحدث- أي نوع منه- بطلت صلاته، ويلزمه استئنافها إماماً أو غيره.
وفي رواية عن أحمد: تبطل إذا سبقه الحدث من السبيلين، ويبنى إذا سبقه الحدث من غيرهما.
وفي رواية ثالثة: لا تبطل مطلقاً، فيبنى إذا تطهر، اختارها الآجري.
انظر: الإنصاف 2/32، المغني 2/103، الفروع 1/294.(2/385)
فإن1 ذهب ذاهب إلى الرعاف الذي بنى2 ابن3 عمر (رضي الله عنه) 4 فلا5 أعيبه.
__________
1 في ع (قال) .
2 أي بنى على ما تقدم من صلاته بعد توضئه من الرعاف الذي أصابه. جاء في مسائل صالح 1/173: (فإن ذهب ذاهب إلى ما رُوي عن ابن عمر أنه يبنى فلا أعيبه) .
3 في ع (بنا بنا) .
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
5 روى عبد الرزاق بسنده عن نافع أن ابن عمر رعف وهو في الصلاة فدخل بيته وأشار إلى وضوء فأتى به فتوضأ، ثم دخل فأتم على ما مضى منها، ولم يتكلم بين ذلك. المصنف 1/340. ورواه مالك في الموطأ، كتاب الطهارة في باب ما جاء الرعاف 1/38 (46) .
وروى عبد الرزاق بسنده عن ابن عمر قال: (إذا رعف الرجل في الصلاة، أو ذرعه القيء أو وجد مذياً، فإنه ينصرف ويتوضأ، ثم يرجع فيتم ما بقى على ما مضى مالم يتكلم) . المصنف 2/339. ورواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/194، والبيهقي في السنن الكبرى، وقال: هذا عن ابن عمر صحيح 2/256.(2/386)
[90-] ثم سألت أحمد1 فقلت: قال سفيان: الأكل والشرب والكلام يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء2 [ع-6/أ] والضحك والريح والبول3 يعيد الوضوء ويعيد الصلاة، والقيء والرعاف والحبن السائل يتوضأ، ويبنى ما لم يتكلم.
قال (الإمام) 4 أحمد (رضي الله عنه) 5: الأكل والشرب والكلام
__________
1 في ع (سألته) .
2 قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من أكل أو شرب في صلاته الفرض عامداً أن عليه الإعادة. وقال: أجمعوا على أن من تكلم في صلاته عامداً وهو لا يريد إصلاح شيء من أمرها أن صلاته فاسدة) . الإجماع ص 40، وانظر: مراتب الإجماع ص 27.
3 في ع (والبول والريح) بالتقديم والتأخير.
4 كلمة (الإمام) إضافة من ع.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.(2/387)
يستقبل1 ويتوضأ من البول والريح والضحك ويستقبل2، والقيء والرعاف والحبن السائل3 يستقبل4 وكلما5 أمرته بالوضوء، أمرته يستقبل6.
__________
1 قال أبو داود: (سمعت أحمد يقول: من شرب أو تكلم في الصلاة فليعد الصلاة) . المسائل ص44. ونقل عنه عبد الله وابن هانئ: أن من تكلم في الصلاة عامداً بشيء تكمل به صلاته فصلاته صحيحة، وإن تكلم بشيء ليس من شأن الصلاة بطلت صلاته ويلزمه الإعادة) . مسائل عبد الله ص 101 (360، 364) ، مسائل ابن هانئ 1/43 (203) .
قال ابن قدامة: (من أكل أو شرب في الفريضة عامداً بطلت صلاته، رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافاً) . المغني 2/61.
أما الكلام في الصلاة: فإن تكلم في صلب الصلاة عالماً عمداً بطلت الصلاة اتفاقاً، وإن وجب عليه الكلام كما لو خاف على ضرير أو صبي الوقوع في هلكة، أو يرى حية ونحوها تقصد غافلاً، أو نائماً فتكلم محذراً له بطلت الصلاة على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وقيل: لا تبطل.
انظر: الإنصاف 1/134، 136، المغني 2/45، 48، المبدع 1/513، 515.
2 في ع (يستقبل) بإسقاط الواو.
3 كلمة (السائل) ساقطة من ع.
4 في ع إضافة (يتوضأو) قبل كلمة (يستقبل) .
5 في ظ (وكل ما) .
6 نقل ابن هانئ عن الإمام أحمد مثل هذه العبارة إذا أمرته بالوضوء أمرته أن يستقبل. المسائل 1/80 (398) .(2/388)
قال إسحاق: كلما قال يتوضأ أو لا يتوضأ فهو كما قال1، ولكن له أن يبني على كل ذلك2.
[91-] قلت: قول حذيفة3 (رضي الله عنه) 4: إني لأتقي أحدهما كما أتقي الآخر؟
قال (الإمام أحمد) 5: يعني البول والعذرة.
قال (الإمام) 6 أحمد: هكذا أقول إلا أن البول أوكد7.
__________
1 تقدم قول إسحاق في نقض هذه الأشياء للوضوء. راجع مسالة (71، 72، 74) .
2 نقل قول إسحاق: أن المحدث يبنى على ما تقدم من صلاته. المروزي في اختلاف العلماء ص47.
3 هو حذيفة بن اليمان الصحابي الجليل.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
(الإمام أحمد) إضافة من ع.
(الإمام) إضافة من ع.
7 قال: عبد الله: سمعت أبي يقول: (يتوضأ من الدم إذا فحش عنده، ويعيد الصلاة إذا كان في ثوبه. قال: أما البول والغائط فإنه يعيد قليله وكثيره) . المسائل ص65 (234) . ومثله في مسائل صالح 1/183 (100) ، 3/236، (1727) ، وأبو داود في مسائله ص41.
قال ابن قدامة: (الطهارة من النجاسة في بدن المصلي وثوبه شرط لصحة الصلاة ولا فرق بين كثيرها وقليلها) . المغني 1/63، 77.(2/389)
قال إسحاق: كما قال، وكلاهما1 مؤكدان2 يتقيان.
[92-] قلت: إذا وجد البول وهو في الصلاة؟
قال: أما قبل الدخول فلا يدخل حتى يبدأ بالخلاء، وإذا3 كان في الصلاة ما لم يشغله ويثبت4 فلا ينصرف5.
قال إسحاق: كما قال، وأحسن الإجابة.
[93-] قلت: يفرك الثوب من المذي والودي؟
قال: الودي لا يكاد يصيب الثوب؛ لأنه إنما يكون على أثر
__________
1 في ع (من كليهما) .
2 في ع (مؤكداً) .
3 في ع (وإن) .
4 كلمة (ويثبت) ساقطة من ع.
5 نقل عنه نحوها: عبد الله في مسائله ص85 (301) ، وابن هانئ في مسائله 1/74 (369) .
والمذهب: أنه يكره للمصلي أن يصلي وهو حاقن، فإن خالف وفعل صحت صلاته.
وعن أحمد أنه يعيد إن أزعجه. وذكر ابن أبي موسى: أنه الأظهر من قوله.
وعنه: يعيد مع مدافعة أحد الأخبثين.
انظر: الإنصاف 2/92، المغني 1/269، 630، كشاف القناع 1/584.(2/390)
البول1، والمذي أرجو أن2 يجزئه النضح والغسل أعجب إليّ3.
قال إسحاق: لا بد للمذي4 من الغسل5.
[94-] قلت: سئل سفيان (رحمه الله تعالى) 6 عن رجل توضأ ونسي7 أن يمسح رأسه8 فقام يكبر9 في الصلاة ثم ضحك؟
__________
1 الصحيح من المذهب: أن الودي نجس لا يعفى عن يسيره.
وعن أحمد: أنه يعفى عن يسيره.
وفي رواية عنه: أن الودي كالمذي، وسيأتي بعد قليل حكم المذي.
انظر: الإنصاف 1/334، 341، المغني 2/86، الفروع 1/163.
2 في ع إضافة (يكون) بعد (أن) .
3 نقل ابن المنذر نص قول أحمد هذا في الأوسط 2/141. والمذي: نجس يغسل كسائر النجاسات على الصحيح من المذهب، وعليه جمهور الأصحاب.
وعن أحمد: أنه يجزئ فيه النضح كبول الغلام الذي لم يأكل الطعام.
وعنه ما يدل على طهارته، اختاره أبو الخطاب في الانتصار.
انظر: المغني 2/86، الفروع 1/162، المبدع 1/249، الروايتين والوجهين 1/154.
4 انظر: قول إسحاق في سنن الترمذي 1/198، الأوسط 2/141، المغني 2/87.
5 في ع (من الغسل للمذي) بالتقديم والتأخير.
(رحمه الله تعالى) إضافة من ع.
7 في ع (فنسي) .
8 في ع (برأسه) بزيادة الباء.
9 في ع (فكبر) .(2/391)
قال: يمسح برأسه [ظ-5/أ] ولا يعيد الوضوء (لأنه) 1 لم يكن دخل في صلاته2.
قال (الإمام) 3 أحمد: عليه أن يمسح برأسه (ثم) 4 يغسل رجليه.
قال إسحاق: كما قال5.
[95-] قلت: سئل سفيان عن رجل معه من الماء قدر ما يتوضأ وفي ثوبه شيء؟
قال: يغسل ثوبه والتيمم له وضوء.
قال أحمد: جيد6 إذا كان الدم بقدر ما يفسد عليه صلاته، إذا
__________
(لأنه) إضافة من ع.
2 تقدم قول سفيان بانتقاض الوضوء بالضحك في الصلاة. راجع مسألة (89) .
أما قوله بمسح الرأس وعدم إعادة الوضوء، وأنه لا يجب الترتيب فانظره في: الأوسط 1/423، اختلاف العلماء للمروزي، ص27، المغني 1/136، المحلى 2/96.
3 كلمة (الإمام) إضافة من ع.
4 في ظ (ويغسل) و (ثم) تدل على الترتيب.
5 تقدم الكلام على هذه المسألة. راجع المسألة رقم (3) .
6 ما أفتى به هنا هو أصح الروايتين، وهو المذهب، وعليه الأصحاب.
وعنه أنه يتوضأ ويدع الثوب؛ لأنه واجد للماء.
انظر: المغني 1/274، الإنصاف 1/274، 280.(2/392)
كان فاحشاً ذراعاً في ذراع أو شبراً في شبر1.2
قال إسحاق: لا بل يتوضأ ولا يكترث للدم والأقذار كلها ما لم تكن بولاً أو غائطاً، وأعجب إليّ إزالة الأقذار كلها عن الثياب إذا أمكنه ذلك.
[96-] قلت: سئل سفيان عن الثوب يصيبه المني فلا يعرف مكانه؟
__________
1 في ع (ذراع في ذراع شبر في شبر) ، برفع (ذراع وشبر) وإسقاط (أو) بينهما.
2 أشار أبو يعلى إلى هذه الرواية حينما تكلم عن حد الدم الفاحش الذي يمنع من صحة الصلاة. الروايتين والوجهين 1/86. ونقل ابن المنذر في الأوسط نص قول أحمد نقلاً عن إسحاق بن منصور 2/153.
وظاهر المذهب: أن الفاحش ما فحش في النفس. قال الخلال: الذي استقرت عليه الروايات عن أحمد: أن حد الفاحش ما استفحشه كل إنسان في نفسه. قال الزركشي: هو المشهور المعمول عليه.
وروي عن أحمد: أن الفاحش ما فحش في نفس أوساط الناس، اختاره القاضي أبو يعلى وابن عقيل، ومال إليه المرداوي.
وعنه: الكثير قدر الكف.
وعنه: قدر عشرة أصابع.
وعنه: ما لو انبسط جامده أو انضم متفرقة كان شبراً في شبر.
وعنه: هو ما لا يعفى عنه في الصلاة.
انظر: المبدع 1/157، المغني 1/185، 186. 2/79، الإنصاف 1/198، 336.(2/393)
قال: إن1 غسل الثوب كله فحسن، وإن فرك أجزأه2، والودي والمذي سواء في غسل الثياب.
قال (الإمام) 3 أحمد: كما قال، إن فرك أجزأه وإن غسل أجزأه4 وأرجو أن يكون المذي أيسر، والودي: شيء يتبع البول شبيه بالبول5.
قال إسحاق: كلما كان منياً أجزأه الفرك، وإن كان لا يدري مكانه فرك الثوب كله6.
__________
1 في ع (اذا) .
2 انظر قول سيفان: أنه يجزئ فرك المني عن الغسل في: سنن الترمذي 1/200، المحلى 1/163، شرح السنة 2/90. إلا أن ابن المنذر والنووي وغيرهما نقلوا عنه: أن المني نجس يجب غسله. الأوسط 2/158، المجموع 2/508، المغني 2/92، عمدة القاري 3/22، معالم السنن 1/115.
3كلمة (الإمام) إضافة من ع
4 قال ابن قدامة: (إن خفي موضع المني فرك الثوب كله إن قلنا: بنجاسته، وإن قلنا: بطهارته استحب فركه، وان صلى فيه من غير فرك أجزأه) . المغني 2/93،.
وتقدم القول في طهارة المني. راجع مسألة (65) .
5 تقدم الكلام عليهما في المسألة رقم (93) .
6 نقل ابن المنذر نص قول إسحاق هذا في الأوسط 2/162. وتقدم قوله في إزالة المني. راجع مسألة (65) .(2/394)
[97-] قلت: سئل سفيان عن الرجل يحدث وهو يصلي على الجنازة، قال: يتيمم مكانه، هو بمنزلة الصلاة التي يخاف فوتها1.
قال (الإمام) 1 أحمد: لا يتيمم على الجنازة؛ لأنه في مصر2.
قال إسحاق: كما قال سفيان يتيمم3 لما جاء عن ابن عباس4 (رضي الله عنهما) 5 وعكرمة6.7،
__________
1 انظر: قول سفيان في الأوسط 2/71، اختلاف العلماء للمروزي ص65.
2 نقل عنه عدم التيمم للجنازة عبد الله في مسائله ص38 (144، 145) ، وأبو داود في مسائله ص17. وما أفتى به هنا هو المذهب الذي عليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يجوز التيمم للجنازة إذا خاف فواتها مع الإمام، اختاره ابن تيمية.
انظر: الإنصاف 1/304، المغني 267، الفروع 1/138، الاختيارات ص20.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط 2/71، اختلاف العلماء للمروزي ص65، المغني 1/267.
4 روى ابن أبي شيبة بسنده عن ابن عباس قال: (إذا خفت أن تفوتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم وصل) . المصنف 3/305، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/86.
(رضي الله عنهما) زيادة من ع.
6 هو عكرمة البربري، أبو عبد الله المدني، مولى ابن عباس، تابعي من كبار أصحاب عبد الله بن عباس، ومن علماء زمانه بالتفسير والفقه والمغازي.
قال محمد بن نصر المروزي: (أجمع عامة أهل العلم بالحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة. توفي سنة أربع ومائة من الهجرة) .
انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 3/265، البداية والنهاية 9/244، تهذيب التهذيب 7/266، طبقات الشعراني 1/34.
7 روى ابن أبي شيبة بسنده عن عكرمة قال: (إذا فجئتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم وصل عليها) . المصنف 3/305(2/395)
وإبراهيم1 النخعي2 والشعبي3.4 وغيرهم التيمم على الجنازة5.
__________
1 روى عبد الرزاق بسنده عن إبراهيم. قال: (لا يصلي على جنازة غير متوضئ، فإن جاءته جنازة وهو على غير وضوء فخاف الفوت، تيمم وصلى عليها) . المصنف 3/452، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/305.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن إبراهيم قال: (يتيمم إذا خشي الفوت) . المصنف 3/305.
ورواه عبد الرزاق في مصنفه 3/452، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/86.
(النخعي) ساقطة من ع.
3 هو عامر بن شراحيل بن عبد، الشعبي الحميري، أبو عمر الكوفي (21ـ105هـ) . من أجلاء التابعين، كثير العلم عظيم الحلم، فقيه ولي قضاء الكوفه في خلافة عمر بن عبد العزيز. قال مكحول: ما رأيت أفقه منه.
انظر ترجمته في: أخبار القضاة 2/413، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 81، تاريخ بغداد 12/227، الوافي بالوفيات 6/587.
4 روى عبد الرزاق بسنده عن الشعبي قال: إذا حضر الجنازة على غير وضوء فليتيمم. المصنف3/452، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/305.
5 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عطاء والحكم وسالم والحسن. المصنف 3/305. ورواه الطحاوي عن بعضهم. شرح معاني الآثار 1/86.(2/396)
[98-] قلت: سئل-يعني1 سفيان- عن لعاب2 الحمار؟
قال: أرجو أن لا يكون به بأس3.
قال أحمد: أكرهه.
قال إسحاق: كما قال أحمد4.
[99-] قلت:5 سئل سفيان6 عن الوزغ7 يقع في البئر؟
__________
1 كلمة (يعني) ساقطة من ع
2 لعاب: اللعاب ما سال من الفم. لعب يلعب سال لعابه.
انظر: مجمل اللغة 3/809، الصحاح 1/220.
3 لم أطلع على قول سفيان صراحة في غير هذا الكتاب، لكن نقل عنه المروزي وابن المنذر أن من لم يجد إلا سؤر الحمار فإنه يتوضأ به ثم يتيمم. ولو نجس الماء من لعاب الحمار لما جاز استعماله. فدل ذلك على انه يرى طهارة لعاب الحمار. اختلاف العلماء للمروزي ص26، الأوسط 1/312.
4 تقدم بيان مذهب أحمد وإسحاق. راجع مسألة (47) .
5 في ع (قلت قال سئل) بإضافة (قال) .
(سفيان) ساقطة من ع.
7 الوزغ: سام أبرص؛ سميت بذلك لخفتها وسرعة حركتها.
انظر: غريب الحديث للخطابي 1/543، القاموس المحيط 3/115.(2/397)
قال: يستقى منها دلاء1.
قال (الإمام) 2 أحمد: لا إلا ما غير ريحه أو طعمه.
قال إسحاق: كما قال3 أحمد4.
[100-] قلت: قيل له- يعني سفيان- الرجل يكون في السفر ليس معه ماء أيأتي5 أهله؟
قال: نعم.
قيل: ويتمم؟
قال: نعم6.
قال أحمد: يأتي أهله، وإن (توقاه) 7 أياماً أحب إليّ إلا أن
__________
1 نقل ابن المنذر قول سفيان. الأوسط 1/276.
2 كلمة (الإمام) زيادة من ع.
3 تقدم بيان مذهب احمد وإسحاق. راجع مسألة (37) .
(أحمد) ساقطة من ع.
5 في ع (يأتي) بإسقاط همزة الاستفهام.
6 انظر قول سفيان في: المحلى 2/192، الأوسط 2/17، المغني 1/276، المجموع 2/211.
7 في ظ (توفى) بإسقاط الهاء.(2/398)
يخاف1.
قال إسحاق: كما قال سفيان2.
[101-] قلت3: قيل له: ما ترى في بول الصبي الذي لم يطعم؟
قال: يصب عليه الماء صباً، قيل له4 فالجارية5.
قال: سواء6 قال: أحمد أما الغلام7 فنعم، وأما الجارية فلا.
قال إسحاق: الغلام يُرش بوله رشا ما لم يطعم، ويغسل بول الجارية طعمت أو لم تطعم8.
__________
1 هذه المسألة سبقت الإشارة إليها. راجع مسألة (79) .
2 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (79) .
3 في ع (قلت قال قيل له) بإضافة (قال) .
(له) ساقطة من ع.
5 الجارية: هي الفتية من النساء بينة الجراية، والمراد هنا: الأنثى الصغيرة.
انظر: القاموس المحيط 4/312، لسان العرب 14/143.
6 انظر: قول سفيان في الأوسط 2/143، المجموع 2/542، المحلى 1/133، معالم السنن للخطابي 1/116، المغني 2/91.
7 الغلام: الصبي من حين يولد إلى أن يبلغ شاباً. والمراد هنا: الذكر الصغير.
انظر: القاموس المحيط 4/157، مجمل اللغة 3/683.
8 تقدم قول أحمد وإسحاق. راجع مسألة (37) .(2/399)
[102-] قلت لأحمد: إذا كان بين القريتين ميلان1 أقل أو2 أكثر (أيتيمم) ؟ 3
قال: إذا خاف الفوت4، نحن نرى أن يؤخر إلى آخر الوقت5.
قال إسحاق: كما قال6. ثم يتيمم في حضر كان أو في سفر.
__________
1 في ع (ميل أو ميلين) .
2 قال أبو داود: (قلت لأحمد: الرجل يخرج على الميلين والثلاثة والأكثر فتحضره الصلاة أيتيمم؟ قال: إذا خاف يتيمم، قلت له: أو قيل له: يعيد؟ قال: لا) . المسائل ص18.
والصحيح من المذهب: أنه يباح التيمم في السفر القصير والطويل، وعليه جمهور الأصحاب. قال القاضي: لو خرج إلى ضيعة له ففارق البنيان والمنازل ولو بخمسين خطوة جاز له التيمم. وقيل: لا يباح إلا في السفر الطويل.
انظر: المغني 1/233، 234، الفروع 1/129، الإنصاف 1/264، مطالب أولي النهى 1/190.
3 في ظ (يتيمم) بدون همزة الاستفهام.
4 تقدم حكم طلب الماء قبل التيمم. راجع مسألة (80) .
5 المذهب: أنه يستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء.
وروي عن أحمد: أن التأخير أفضل مطلقاً لمن يرجو وجود الماء، ولمن لا يرجوه.
وعنه: يجب التأخير حتى يضيق الوقت. قال الزركشي: ولا عبرة بهذه الرواية.
انظر: الإنصاف 1/300، المغني 1/243، المبدع 1/228، الروض المربع 1/95.
6 تقدم قول إسحاق: أنه لا يلزمه الطلب إلا في موضعه. راجع مسألة (80)(2/400)
[103-] قلت: المريض إذا لم يقدر على الوضوء؟
قال: بقدر ما يقدر.
قلت: لا يقدر على شيء.
قال: فما يصنع1؟
هو بمنزلة المجدور2.3
__________
1 قال ابن قدامة: (من كان مريضاً لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء فهو كالعادم قاله ابن أبي موسى، وهو قول الحسن؛ لأنه لا سبيل له إلى الماء فأشبه من وجد بئراً ليس له ما يستقى منها، وإن كان له من يناوله الماء قبل خروج الوقت فهو كالواجد؛ لأنه بمنزلة من يجد ما يستقى به في الوقت، وإن خاف خروج الوقت قبل مجيئه فقال ابن أبي موسى: له التيمم ولا إعادة عليه، وهو قول الحسن؛ لأنه عادم في الوقت، فأشبه العادم مطلقاً، ويحتمل أن ينتظر مجيء من يناوله؛ لأنه حاضر ينتظر حصول الماء قريباً، فأشبه المشتغل باستقاء الماء وتحصيله. المغني 1/239، 240، وانظر: كشاف القناع 1/185.
2 المجدور: هو من أصابه الجدري. والجدري مرض يصيب جلد الإنسان يحدث فيه بثورا حمراء تنفط عن الجلد، وتكون رؤوسها بيضاء وتمتلئ ماءً وقيحاً. وهو داء معروف يأخذ الإنسان في العمر مرة واحدة، وهو شديد العدوى.
انظر: الإفصاح في فقه اللغة 1/526، تاج العروس 3/89.
3 بمعنى أنه يتيمم كما يتيمم المجدور. قال عبد الله بن أحمد: (قلت لأبي: فإن كان في حضر فخاف على نفسه من البرد؟ قال: لا بأس أن يتيمم، وكذلك المجدور والذي به الجرح إذا خاف على نفسه) . المسائل ص39 (149) .
والصحيح من المذهب: أنه يجوز التيمم للمريض الذي يخشى زيادة مرضه، أو تطاوله أو بقاء فاحش في بدنه بسبب استعمال الماء.
وفي رواية عن الإمام أحمد: أنه لا يجوز له التيمم إلا إذا خاف التلف.
انظر: الروايتين والوجهين 1/92، الإنصاف 1/265، الكافي 1/82.(2/401)
قال إسحاق: كما قال سواء1.
[104-] قلت لإسحاق: المريض لا يقدر على الوضوء وليس له من يوضئه، والغني والفقير فيه سواء؟
قال: له أن يتيمم وإن كان في الحضر، وغناه وفقره في ذلك سواء.
[105-] قال إسحاق: وأما المضمضة والاستنشاق فهما واجبتان على كل متوضئ أو متطهر من الجنابة، لا فرق بينهما في نص كتاب أو سنة قائمة2 أو قياس (عليهما3"4.
__________
1 انظر: قول إسحاق: أن من لا يقدر على الوضوء يتيمم. في الأوسط 2/22.
2 قائمة: أي ثابتة من السنن الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر: معالم السنن 4/89.
3 في ظ (عليها) بالإفراد.
4 تقدم قول إسحاق في المضمضة والاستنشاق، وأنه يرى وجوبهما في الطهارتين: الكبرى والصغرى؛ وتعليل الوجوب. راجع مسألة (11) .(2/402)
[106-] قال إسحاق: وأما التيمم فهو ضربة واحدة للوجه والكفين، فإن كان يمسح وجهه بضربة فهو أفضل1.
[107-] قال إسحاق: والسنة أن يتيمم لكل صلاة لقول الله عز وجل {فلم2 َجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً 3} 4. فعليه الطلب [ظ-5/ب] في وقت كل صلاة فإذا لم يجد تيمم5.
[108-] قال إسحاق: أما6 من خلع خفيه بعد المسح فإنه يتوضأ الوضوء كله لما صار وضوؤه متفرقاً، بعضه بالغداة7 وبعضه عند الظهر8،
__________
1 تقدم قول إسحاق في صفة التيمم. راجع مسألة (82) .
2 في ع (فان لم) ومطموسة في ظ والتصحيح من القرآن الكريم.
(طيبا) ساقطة من ع.
4 سورة المائدة آية: 6.
5 تقدم قول إسحاق في وجوب طلب الماء والتيمم لكل صلاة. راجع مسألة (80، 83) .
6 في ع (واما) بإضافة الواو.
7 الغداة: الفجر.
8 تقدم قول إسحاق: ان من خلع خفيه بعد المسح عليهما أنه يلزمه الوضوء كاملاً. راجع مسألة (21) .(2/403)
لو1 كان يغسل قدميه2.
وقد أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) 3 الذي ترك من وضوئه قدر ظفر أن يعيد الوضوء والصلاة4؛ وذلك لأن التارك موضع الظفر ذكره، وقد كان فرغ من وضوئه وأخذ في عمل آخر، فوضوء المسلمين بعضه في أثر بعض5.
[109-] قال إسحاق: وأما مسّ الذكر فإنا نرى منه الوضوء6 لما صح
__________
1 في ع (ولو) بإضافة الواو.
2 يرد بهذا على من يرى الاقتصار على غسل الرجلين فقط. وأن الوضوء أصبح متفرقاً ومن شرطه الموالاة.
3 في ظ (عليه السلام) .
4 روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فاحسن وضوءك فرجع ثم صلى" صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة 1/215 (31) .
ورواه ابن ماجه في سننه بلفظ "فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة قال: فرجع". سنن ابن ماجه، كتاب الطهارة، باب من توضأ فترك موضعاً لم يصب الماء 1/318 (666) .
5 يرى إسحاق- رحمه الله- وجوب الموالاة في الوضوء.
6 تقدم قول إسحاق بنقض الوضوء بلمس الذكر. راجع مسألة (29) .(2/404)
ذلك1 عن النبي صلى الله عليه2 (وسلم) 3.
وجاء فيه4 حديث من وجه واحد عن النبي صلى الله عليه (وسلم) 5 رخصه5، وأكثر أصحاب النبي صلى الله عليه (وسلم) 5 على الرخصة6 فإن تأول رجل فلم يتوضأ لم آمره
__________
(ذلك) مؤخرة في ع بعد (النبي صلى الله عليه وسلم) .
2 تقدم حديث بسرة في نقض الوضوء من مس الذكر. راجع مسألة (53) .
(وسلم) إضافة من ع.
4 في ع (في) بإسقاط الهاء.
5 روى أبو داود في سننه عن طلق بن علي- رضي الله عنه- قال: قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله؛ ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ فقال: هل هو إلا مضغة أو بضعة منه؟ سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الرخصة في ذلك- أي من مس الذكر- 1/127 (182) .
ورواه الترمذي في سننه. وقال: هذا الحديث أحسن شيء روى في هذا الباب، كتاب الطهارة، باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر 1/131، 132 (85) . والنسائي في سننه، كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من ذلك 1/101 (165) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار. وقال: حديث ملازم- يعني هذا الحديث- صحيح مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ولا في متنه. شرح معاني الآثار 1/76.
6 روى ذلك عن علي، وابن مسعود، وعمار، وحذيفة، وسعد بن أبي وقاص، وعمران بن حصين، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وابن عباس.
انظر: مصنف عبد الرزاق 1/119ـ120، مصنف ابن أبي شيبة 1/164، 165، المجموع 2/41، شرح معاني الآثار 1/77ـ79، الروض النضير 1/317.(2/405)
بإعادة الصلاة1 ولا نرى ترك الوضوء منه على حال للاحتياط.
[110-] قال إسحاق: وأما لحم الجزور2 فإنه يتوضأ منه الوضوء كاملاً3 على كل حال لما (استثنى) 4 من جميع ما مسته النار؛ وذلك أن الوضوء مما مست النار5 أولاً، ثم رخص رسول الله صلى الله عليه (وسلم) 6 بعد ذلك في كل ما مست النار7 إلا لحم
__________
1 في ع (الوضوء) .
2 الجزور: البعير، أو هو خاص بالناقة المجزورة. انظر: القاموس المحيط 1/389.
3 تقدم قول إسحاق بوجوب الوضوء من أكل لحم الجزور. راجع مسألة (29) .
4 في ظ (استفتى) .
5 روى مسلم في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الوضوء مما مست النار ". صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب الوضوء مما مست النار 1/272 (90) .
(وسلم) إضافة من ع.
7 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ". صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق 1/44. صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب نسخ الوضوء مما مست النار 1/273 (91) .
قال الشافعي: (قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار، وإنما قلنا: لا يتوضأ منه؛ لأنه عندنا منسوخ، ألا ترى أن عبد الله بن عباس- انما صحبه بعد الفتح- يروي عنه أنه رآه أكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.
وهذا عندنا من أبين الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ، أو أن أمره بالوضوء منه بالغسل للتنظيف، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لم يتوضأ منه، ثم عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي … وكل هؤلاء لم يتوضأ منه) .
انظر: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ للحازمي ص 33، السنن الكبرى للبيهقي 1/155.(2/406)
الجزور1.
[111-] قال إسحاق: وأما الحجامة فإنه يتوضأ منها، وكذلك من الرعاف وكل دم سائل2 وليس عليه من الحجامة غسل، ولا من ماء الحمام، إذا أخذ من الحجر وحده، أو خلا له الحوض3، وإن4
__________
1 روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- "أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ. قال: أتوضأ من لحوم الإبل. قال: نعم. فتوضأ من لحوم الإبل.." الحديث. صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل 1/275 (97) .
2 تقدم قول إسحاق بانتقاض الوضوء من الرعاف. راجع مسألة (71) .
3 الحوض: مجتمع الماء. انظر: لسان العرب 7/141.
4 في ع (فان) .(2/407)
كان1 اغتساله من الحوض ومعه آخرون يدخلون [ع-7/أ] أيديهم وعليها الأقذار، رأينا له أن يصب عليه ماء آخر؛ لأن ما في الحوض لا يكون قدر قلتين2.
[112-] قال إسحاق: وأما الذي يتجشأ3 فيظهر على لسانه شيء من الطعام، أو يقطع صلاته، فإن عليه الوضوء؛ لأن القلس قليله وكثيره سواء4 وأخطأ هؤلاء الذين5 قالوا: ملء فم6.
__________
(كان) ساقطة من ع.
2 تقدم قول إسحاق: أن الماء الذي يكون أقل من قلتين ينجس بملاقاة النجاسة بولا أو غيره، وما كان أكثر من قلتين لا ينجس لا بهما ولا بغيرهما. راجع مسألة (31) . فإن لم يكن على الأيدي أقذار؛ فتقدم أنه أجاز الوضوء منها. راجع مسألة (40، 46) .
3 يتجشأ: التجشؤ تنفس المعدة عند الامتلاء، وجشأت المعدة وتجشأت تنفست والاسم الجشاء. انظر: لسان العرب 1/48، تاج العروس 1/52.
4 تقدم قول إسحاق في القلس. راجع مسألة (72) .
5 في ع (حيث) بدل (الذين) .
6 يشير إلى قول بعض الأحناف: أن القلس لا ينقض الوضوء إلا إذا كان ملء الفم، فإن كان أقل لم ينقض الوضوء، وهو رواية عن أحمد. انظر: الأصل لمحمد بن الحسن 1/56، المبسوط 1/74، 75، البناية على الهداية 1/206. وراجع مسألة (72) .(2/408)
فأما الصلاة فلا يقطعها نحو ذلك إن ابتلع ما1 في شدقه2 من الطعام و3 غيره4.
[113-] قال إسحاق: وأما الوضوء من لحم الجزور5 فقد صحت السنة أن أول ما كان من أمر النبي صلى الله عليه (وسلم) 6 الوضوء من جميع ما مست النار، ثم رخص رسول الله صلى الله عليه (وسلم) 7 آخر ذلك، فلم يتوضأ مما مست النار من اللحم
__________
(ما) ساقطة من ع.
2 الشدق: جانب الفم وهو طفطفة الفم من باطن الخدين.
انظر: الصحاح 4/1500، لسان العرب 10/172.
3 في ع (أو) .
4 قال البابرتي: (فإن أكل ما بين أسنانه، فمنهم من يقول: إذا كان ما دون ملء الفم لا تفسد، ومنهم من يقول: إن كان قليلاً فما دون الحمصة لا تفسد كما في الصوم، وإن كان أكثر من ذلك فسدت) . العناية على الهداية 1/412.
وقال ابن الهمام: (ذكر شيخ الإسلام أكل بعض اللقمة وبقي في فيه بعضها، فدخل في الصلاة فابتلعه لا تفسد، ما لم تكن ملء الفم) . فتح القدير 1/412. وانظر: البناية على الهداية 2/458، حاشية رد المحتار 1/623.
5 تقدم قول إسحاق بانتقاض الوضوء من أكل لحم الجزور. راجع مسألة (29) .
(وسلم) إضافة من ع.
(وسلم) إضافة من ع.(2/409)
وغيره1.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه (وسلم) 2 من وجهين متصلين برخصة في ترك الوضوء3 مما مست النار، واستثنى من جميع ما مست النار لحم الجزور ان يتوضأ منه رواه الثقتان4
__________
1 روى أبو داود في سننه عن جابر رضي الله عنه قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار". سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء مما مست النار 1/133 (192) .
ورواه النسائي في سننه، كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء مما غيرت النار 1/108 (185) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/67، والبيهقي في السنن الكبرى 1/155، 156
(وسلم) إضافة من ع.
3 لعله يقصد حديث ابن عباس المتقدم المتفق على صحته. راجع مسألة (110) . وأما حديث جابر آنف الذكر، فقد رواه البخاري في صحيحه عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنه سأله عن الوضوء مما مست النار؟، فقال: لا، قد كنا زمان النبي صلى الله عليه وسلم لا نجد مثل ذلك من الطعام إلا قليلاً، فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا ثم نصلي ولا نتوضأ". صحيح البخاري، كتاب الأطعمة، باب المنديل 7/71.
وهناك أحاديث أخرى في الصحيحين وغيرهما تدل على ترك الوضوء مما مست النار.
4 في ع (الثقات) بالجمع.(2/410)
من1 أصحاب رسول الله2 (محمد) 3 صلى الله عليه (وسلم) 4 البراء5 بن عازب6
__________
1 توثيق إسحاق هذا، نقله عنه الترمذي حيث قال: قال إسحاق: صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث البراء وحديث جابر بن سمرة. انظر: سنن الترمذي 1/125.
ونقله البيهقي ونسبه أيضاً إلى أحمد بن حنبل. انظر: السنن الكبرى 1/159، وانظر: تلخيص الحبير 1/125، الأوسط 1/140.
(رسول الله) ساقطة من ع.
(محمد) إضافة من ع.
(وسلم) إضافة من ع.
5 هو: البراء بن عازب بن الحارث الأوسي، أبو عمارة المدني، من أعيان الصحابة وفقهائهم، استصغره الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر فلم يقبله في المقاتلة، ثم شهد أحداً، وقيل أول مشاهدة الخندق، وكان فتح الري على يديه. ونزل الكوفة، وشهد مع علي- رضي الله عنهما- صفين وقتال الخوارج.
انظر ترجمته: في الاستيعاب 1/143، تاريخ بغداد 1/177، تهذيب الأسماء واللغات 1/133، جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص341.
6 حديث البراء رواه الترمذي في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل 1/122، 123 (81) ونصه: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: توضئوا منها، وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم؟ فقال: لا تتوضئوا منها) .
ورواه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب الوضوء من لحوم الإبل 1/128 (184) .
وابن ماجه في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل 1/166 (494) ، وابن حبان. انظر: الموارد ص78 (215) ، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب الأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل 1/22 (32) .
قال ابن خزيمة: ولم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر أيضاً صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه.(2/411)
وجابر1 بن سمرة2 (رضي الله عنهما) 3 ففيما بينا من تمييز ما4 بين لحم الجزور ولحم الغنم ما يكتفي المسلمون بذلك ولا ينقبوا ولا يفتشوا5؛ لأن المميز بينهما6 الذي ينزل الوحي عليه
__________
1 هو: جابر بن سمرة ببن جنادة السوائي، أبو عبد الله العامري. صحابي جليل، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وسعد بن أبي وقاص- رضي الله عنهم-، وروى عنه الشعبي، وتميم بن طرفة، وسماك بن حرب، وغيرهم. سكن الكوفة وشهد فتح المدائن، توفي سنة أربع أو ست وسبعين من الهجرة.
انظر ترجمته: في سير أعلام النبلاء 3/186، مختصر تاريخ دمشق 5/355، أسد الغابة 1/304، الوافي بالوفيات 11/27.
2 حديث جابر بن سمرة- رضي الله عنه- تقدم. راجع مسألة (110) .
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
(ما) ساقطة من ع.
5 في ع (ولا يتفرقوا ولا ينقسموا) .
6 في ع (السر سموا) الكلمة في الأولى: غير واضحة، والثانية: واضحة بواو الجماعة.(2/412)
صلى الله عليه1 (وسلم) 2 ولا يغلط ولا يسهو.
والعجب من هؤلاء3 الذين ينكرون الوضوء من لحم الجزور، ثم لا يرضون حتى يعيبوا الآخذين به وهم بأجمعهم يرون الوضوء من الضحك في الصلاة4.
__________
(صلى الله عليه) ساقطة من ع.
(وسلم) إضافة لتكملة الصلاة على النبي.
3 في ع (لهؤلاء) .
4 ممن رأى الوضوء من الضحك في الصلاة ولا يرى انتقاض الوضوء بأكل لحم الجزور: سفيان الثوري.
انظر: الأوسط 1/141، 226، اختلاف العلماء للمروزي ص25، 47، وأبو حنيفة وأصحابه.
قال محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الأصل: (قلت: أرأيت الطعام هل ينقض شيء منه الوضوء مثل لحوم الإبل أو البقر أو الغنم أو اللبن أو غير ذلك مما مسته النار؟ قال: أبو حنيفة: ليس شيء من الطعام ينقض الوضوء، إنما الوضوء ينقض بما يخرج وليس مما يدخل ولم تزده النار إلا طيباً، ولو كان هذا ينقض الوضوء لكان من توضأ بماء سخن نقض وضوءه، ولكان من ادهن بدهن قد مسته النار أعاد الوضوء، فليس شيء من هذا ينقض وضوءه. قلت: أرأيت رجلاً تبسم في صلاته ولم يقهقه هل ينقض ذلك الوضوء؟ قال: لا. قلت: فإن قهقه؟ قال: هذا ينقض الوضوء وعليه أن يستقبل الوضوء والصلاة. قلت: لم.؟ قال للأثر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) . كتاب الأصل 1/58، 59، 170، وانظر: المبسوط 1/171، 172.(2/413)
فإذا قيل لأحدهم: أرأيت لو أن ضاحكاً ضحك نهاراه أجمع أيجب عليه الوضوء؟
فيقول: لا1.
فيقال له: فإذا ضحك في الصلاة؟
فيقول: قد وجب عليه الوضوء وانتقضت الصلاة.
فيقال له2: فافترى3 في الصلاة على آخر أو سب4 آخرا، وكان بينهما من المنازعة إلى أن هجا5 بعضهم بعضاً، أو ما كان، أتوجب الوضوء عليه6؟
__________
1 انظر: البناية في شرح الهداية 1/227، وفتح القدير 1/51، 52، وتحفة الفقهاء 1/24.
2 في ع (لهم) .
3 افترى: الفرية الكذب، يقال فرى فلان الكذب يفريه إذا اختلقه.
انظر: القاموس المحيط 4/373، الصحاح 6/2454.
4 السب: الشتم، مصدر سبه يسبه سباً، شتمه.
انظر: غريب الحديث للخطابي 2/430، لسان العرب 1/455.
5 هجا: هجاه يهجوه هجواً وهجاء، شتمه وعدد معايبه بالشعر، وهو خلاف المدح.
انظر: مجمل اللغة 3/900، لسان العرب 15/353..
6 في ع (عليه الوضوء) بالتقديم والتأخير.(2/414)
فيقول: لا1.
فيقال له: فلِم جعلت الضحك أعلا من الذي وصفنا من الكلام السيئ؟
فيقول: ما ذكر عن النبي2 صلى الله عليه (وسلم) 3 ولا يستطيع أن يحتج في الفصل بينهما بأكثر من هذا.
فيقال له: فلِم عذرت نفسك إن اتبعت حديثاً منقطعاً4 مرسلاً5.6 بإيجاب الوضوء على الضاحك في الصلاة، وعبت
__________
1 قال محمد بن الحسن: (قلت: أرأيت الكلام الفاحش هل ينقض الوضوء؟ قال: لا) . كتاب الأصل 1/58، وانظر: بدائع الصنائع 1/153.
2 أحاديث الوضوء من الضحك في الصلاة استقصاها الزيلعي في نصب الراية، وذكر ما قاله أهل العلم فيها من توثيق أو تضعيف، واتصال أو إرسال.
انظر: نصب الراية 1/47ـ54، وانظر: سنن الدارقطني 1/161ـ175.
(وسلم) إضافة من ع.
4 المنقطع: هو الذي سقط من إسناده رجل أو ذكر فيه رجل مبهم.
انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص57، اختصار علوم الحديث ص53.
5 المرسل: هو ما سقط منه الصحابي ورفعه التابعي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صغيراً كان أو كبيراً.
انظر: شرح نخبة الفكر ص17، علوم الحديث لصبحي 166.
6 لعلة يريد حديث أبي العالية قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه يوماً فجاء رجل ضرير البصر فوقع في ركية فيها ماء، فضحك بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ضحك فليعد وضوءه ثم ليعد صلاته".
رواه عبد الرزاق في مصنفه 2/376، ورواه الدارقطني في سننه 1/168، وابن أبي شيبة في مصنفه 1/388. قال البيهقي بعد أن رواه: (هذا حديث مرسل، ومراسيل أبي العالية ليست بشيء، كان لا يبالي عمن أخذ كذا قال محمد بن سيرين) . السنن الكبرى 1/146، وانظر: نصب الراية 1/50ـ51.
ورواه الطبراني في معجمه الكبير موصولاً عن أبي العالية عن أبي موسى- الأشعري- انظر: نصب الراية 1/47. قال الهيثمي: (فيه محمد بن عبد الملك الدقيقي ولم أر من ترجمه، وبقية رجاله موثقون، وقال في موضع آخر: رجاله موثقون، وفي بعضهم خلاف) .
وجاء في الهامش- تعليقاً على كلام الهيثمي-: (قلت: قد ترجمه المزي في التهذيب، وهو ثقة لا طعن فيه، وعلة الحديث إنما هي الانقطاع، فإن راويه لم يسمع من أبي موسى- كما في هامش الأصل-) . مجمع الزوائد 1/246، 2/82.(2/415)
من توضأ من لحم الجزور والحديثان متصلان أن الوضوء من لحم الجزور قد فعله رسول الله صلى الله عليه (وسلم) 1 (أو) 2 أمر به؟
فتصير عند ذلك3 حجته داحضة وكلامه4 متناقض.
__________
(وسلم) إضافة من ع.
2 في ظ (و) بإسقاط الهمزة.
3 في ع (فتصير حجته عند ذلك) .
4 في ع (وكلامهم) بالجمع.(2/416)
[114-[] ظ-6/أ] قال إسحاق: وأما المصلي إذا صلى ثم رأى في ثوبه قذراً أيعيد الصلاة1؟ فإنه لا يعيد من الدم والجنابة وسائر الأقذار كلها، إذا رأى ذلك بعد فراغه من الصلاة قل ذلك أو2 كثر3.
لأن غسلها من الثياب سنة4 مسنونة، وليس بفرض في القرآن، كمواضع الوضوء5.
فأما إذا كان ذلك بولاً أو غائطاً فرأى بعد ما سلم، لزمته الإعادة قلّ ذلك أم كثر؛ لأن حكمهما6 مختلف عند إبراهيم والشعبي
__________
1 في ع (صلاته) .
2 في ع (أم)
3 انظر قول إسحاق: أن من صلى في ثوب، لم يعلم أن عليه قذراً إلا بعد الصلاة أن لا إعادة عليه. في الأوسط 2/163. المغني 2/65.
4 تقدم أن إسحاق يري وجوب غسل المذي من الثوب. راجع مسألة (93) .
5 فريضة غسل أعضاء الوضوء وردت في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} سورة المائدة: آية /6.
6 في ع (حكمها) بالأفراد.(2/417)
ومن اتبعهما1، وكذلك رأى الثوري2.
[115-] قال3 إسحاق: والماء الذي يقطر من قضبان الكرم4 أيجوز الوضوء5 به [ع-7/ب] ؟
__________
1 في ع (اتبعهم) .
2 نقل ابن المنذر عن سفيان الثوري: القول بنجاسة البول. الأوسط 2/138. وتقدم في مسألة (96) حكم المني في الثوب.
3 مسألة (115) ، مؤخرة في ع عن مسألة (116) .
4 الكرم: العنب. انظر: مجمل اللغة 3/782.
5 في ع (أن يتوضأ) .(2/418)
قال (إسحاق) :1 لأنه منسوب إلى ماء الكرم، وكل ما يضاف إلى شيء ليس هو من أصل الماء الذي أمر الله (تبارك وتعالى) 2 الطهارة به لم يجزه؛ لأنه كماء البيض، وكماء الورد، وكماء3 العصفر4، وما أشبهه5.
[116-] قال إسحاق: وأما من6 يخرج من دبره الدود7
__________
(إسحاق) إضافة من ع.
(تبارك وتعالى) إضافة من ع.
3 في ع (وماء) بإسقاط الكاف.
4 العصفر: نبات بأرض يصبغ به الثياب ونحوها. ومن خواصه انه يهرى اللحم الغليظ.
انظر: تاج العروس 3/408، مختار الصحاح ص344.
5 قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوضوء غير جائز بماء الورد وماء الشجر وماء العصفر، ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق يقع عليه اسم الماء) . الأوسط 1/253، الإجماع ص 32.
وقال ابن حزم: (أجمعوا على أنه لا يجوز وضوء بشيء من المائعات وغيرها حاشا الماء والنبيذ) . مراتب الإجماع ص17.
وانظر: الإجماع لابن المنذر ص32ـ33.
وتقدم قول إسحاق: أنه لا يرى جواز الوضوء بالنبيذ. راجع مسألة (42) .
6 في (ع) ما.
7 الدود: واحدته دودة وجمعه ديدان. والمراد: الحشرات الصغيرة التي تخرج من دبر الإنسان. انظر: لسان العرب 3/167، تاج العروس 2/347.(2/419)
أيتوضأ1؟
فكل شيء خرج من الفروج الثلاثة: القبل والدبر2 والذكر صوتاً كان أو ريحاً أو دوداً أو غير ذلك ففيه الوضوء3.
[117-] قال إسحاق: وقص الشارب وتقليم الأظفار يعيد الوضوء، أم لا؟
قال: ليس عليه في هذا إعادة وضوء4.
__________
1 في ع (يتوضأ) بإسقاط همزة الاستفهام.
2 في ع (الدبر والقبل) بالتقديم والتأخير.
3 قال ابن المنذر: (قال الشافعي: ما خرج من ذكر، أو دبر رجل، أو امرأة، أو قبل امرأة الذي هو سبيل الحدث، يوجب الوضوء، وكذلك الدودة والحصاة) . ثم قال: وقال إسحاق: كقول الشافعي. الأوسط 1/190، 191.
وقال أيضاً: (أجمعوا على أن خروج الغائط من الدبر، وخروج البول من الذكر، وكذلك المرأة، وخروج المني، وخروج الريح من الدبر، وزوال العقل-بأي وجه زال- إحداث ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء) . الإجماع ص31، الأوسط 1/137.
ونقل عن إسحاق: أن خروج الدود ينقض الوضوء. النووي في المجموع 2/6، وابن قدامة في المغني 1/169.
4 تقدم قول إسحاق في انتقاض الوضوء من هذه الأشياء. راجع مسألة (54) .(2/420)
[118-] قال إسحاق: وأما عقد النية، عند إحداث الوضوء1 والصلاة فسنة؛ لأنه لابد له من أن ينوي ذلك، لقول الله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} 2 (الآية) 3.فخاطبهم بما عقلوا، وكذلك الجنابة {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} 4.
وقال في الصلاة تحريمها التكبير5، ففي ذلك أعظم الدلائل أن ينوي عند أخذ العمل6 مع ما قال النبي صلى الله عليه (وسلم)
__________
1 تقدم قول إسحاق: بوجوب إحداث النية للطهارة كلها، الوضوء، والغسل، والتيمم. راجع مسألة (10) .
2 فسنة؛ لأنه لابد له من أن ينوي ذلك لقول الله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} هذه العبارة ساقطة من ع.
3 كلمة (الآية) إضافة من ع.
4 سورة المائدة آية: 6.
5 تقدم تخريجه. راجع مسألة (1) .
6 قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الصلاة لا تجزئ إلا بالنية. الأوسط 3/71، الإجماع ص39.
وانظر: المجموع 3/243، المغني 1/464.
7كلمة (وسلم) إضافة من ع.(2/421)
الأعمال1 بالنية2.
وكذلك الحج، يحتاج إذا أحرم أن ينوي قضاء حجته المفروضة3،
__________
1 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمر- بن الخطاب- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي 1/3، وكتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى 1/17. صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية"، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال 3/1515، 1516 (155) .
2 قال النووي: أجمع المسلمون على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده وصحته. قال الشافعي وآخرون: هو ثلث الإسلام. وقال الشافعي: يدخل في سبعين باباً من الفقه. وقال آخرون: هو ربع الإسلام.
وقال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: (ينبغي لمن صنف كتاباً أن يبدأ فيه بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية. ونقل الخطابي هذا عن الأئمة مطلقاً، وقد فعل ذلك البخاري وغيره، فابتدءوا به قبل كل شيء، وذكره البخاري في سبعة مواضع من كتابه) . شرح مسلم 13، 53، 54.
3 قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه إن أراد أن يهلّ بحج فأهلّ بعمرة، أو أراد أن يهلّ بعمرة فلبّى بحج، أن اللازم له ما عقد عليه قلبه لا ما نطق به لسانه.
وقال: أجمعوا على أن من أهلّ في أشهر الحج بحجة ينوي بها حجة الإسلام أن حجته تجزئه من حجة الإسلام. الإجماع ص55.(2/422)
وكذلك إذا أخرج الزكاة ينوي ما لزمه1، و2الصوم إذا دخل3 رمضان بنيّة صومه أجزأه4 وإن لم يجدد النية عند كل يوم؛ لأنه على نيته5 ما لم يغيرها6، فلو غير ذلك يوماً واحداً فنواها تطوعاً لم يجزه من رمضان، وكان كالمفطر فيه عليه الكفارة؛ لأنه
__________
1 قال ابن قدامة: مذهب عامة الفقهاء: أن النية شرط في أداء الزكاة.. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" وأداؤها عمل؛ ولأنها عبادة فتتنوع إلى فرض ونفل، فافتقرت إلى النية كالصلاة. ثم قال: النية أن يعتقد أنها زكاته، ومحلها القلب. المغني 2/638.
2 في ع (من) .
3 في ع (كان في) .
4 قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من نوى الصيام كل ليلة من صيام شهر رمضان فصام أن صومه تام) . الإجماع ص52.
وقال ابن قدامة: (لا يصح صوم إلا بنية إجماعاً، فرضاً كان أو تطوعاً؛ لأنه عبادة محضة، فافتقر إلى النية كالصلاة) . المغني 3/91.
ونقل الترمذي عن إسحاق: (أنه لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان) . سنن الترمذي 3/99. بمعنى: أنه لا يصح صوم إلا بنية من الليل.
وانظر: المجموع 6/337، عمدة القاري 9/57، شرح السنة 6/270.
5 في ع (نية) .
6 انظر قول إسحاق: (أنه لا يشترط تجديد النية لكل يوم ويجزئه نية واحدة لجميع الشهر إذا نوى صوم الجميع) في: الإشراف لابن المنذر خ ل ب 84، المغني 3/93، فتح الباري 4/142، المجموع 6/338، شرح السنة 6/270.(2/423)
(لم) 1 يصم يوماً من رمضان تعمداً، وإنما الكفارات في العمد2.
__________
1 في ظ (لا) .
2 انظر قول إسحاق: (أن من أفطر في رمضان متعمداً بغير الجماع أنه تجب عليه الكفارة) في: الإشراف لابن المنذر خ ل ب 87، سنن الترمذي 3/94، المجموع 6/375، المغني 3/115.(2/424)
باب الصلاة1
[119-] قلت لأحمد: آخر وقت العصر2؟
قال: تغيير3 الشمس4.
__________
1 الصلاة في اللغة: الدعاء والرحمة والاستغفار. وشرعاً: عبارة عن أركان مخصوصة، وأذكار معلومة بشرائط محصورة، في أوقات مقدرة.
انظر: لسان العرب 14/464، القاموس المحيط 1/353، التعريفات للجرجاني ص58.
2 أي المختار الذي ينبغي فيه تأدية الصلاة، ولا يباح تأخيرها عنه لغير المعذور. أما وقت الضرورة فهو: يمتد إلى غروب الشمس. فمن أدرك ركعة منها قبل غروب الشمس فهو مدرك ومؤدّ لها في وقتها، سواءً أخرها لعذر أو لغير عذر، إلا أنه انما يباح تأخيرها لعذر وضرورة، لحائض تطهر، أو كافر يسلم، أو صبي يبلغ، أو نائم ليستيقظ ونحو ذلك.
انظر: المغني 1/377، المبدع 1/341.
3 تغيير الشمس: تحولها عن حالها وتبدلها عما كانت عليه لمضيها في الغروب.
انظر: القاموس المحيط 2/106، لسان العرب 5/40.
4 نقل عنه نحوها صالح في مسائله 1/154 (51) . وأشار أبو يعلى إلى هذه الرواية فقال: اختلفت الرواية عن أحمد في آخر وقت العصر المختار، فنقل ابن منصور: آخر وقتها مادامت الشمس بيضاء، فإذا أصفرت خرج وقتها المختار. الروايتين والوجهين 1/109، واختار هذه الرواية ابن قدامة، وقال في الفروع: هي أظهر.
والمذهب: أن آخر وقت العصر المختار حين يصير ظل كل شيء مثليه، وعليه جمهور الأصحاب.
انظر: الإنصاف 1/433، الفروع 1/208، غاية المنتهى 1/92.(2/425)
قال إسحاق: آخر وقتها للمفرط1 أو2 صاحب عذر فهو3 قدر ما يبقى إلى غروب الشمس بركعة4.5.
[120-] قلت: الصلاة نصف النهار6؟
قال: أكرهه يوم الجمعة في الشتاء والصيف.7.
__________
1 مفرط: فرط في الأمر قصر فيه وضيعه حتى فات، وفرط فيه تفريطاً مثله. انظر: مختار الصحاح ص499.
2 في ع (و) بإسقاط الألف.
3 في ع (هو) بإسقاط الفاء.
4 في ع (ركعة) بإسقاط الباء.
5 انظر قول إسحاق: في الأوسط 2/332.
6 أي وقت الزوال وقيام الشمس في كبد السماء.
7 قال ابن هانئ: (سألت أبا عبد الله أي وقت تمسك عن الصلاة يوم الجمعة؟ قال: قبل أن تزول الشمس، إذا قام قائم الظهيرة حتى تزول) . المسائل 1/39 (179) ، وانظر التي بعدها.
والمذهب الذي عليه جماهير الأصحاب: أنه من قيام الشمس حتى تزول هو وقت نهي تحرم فيه صلاة النافلة المطلقة. واختار بعض الأصحاب: أنه ليس بوقت نهي؛ لقصره. واختاره ابن تيمية في يوم الجمعة خاصة.
وعلى المذهب: لا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها، ولا بين الشتاء والصيف.
انظر: الإنصاف 2/202، المغني 2/114، 115، 122، كشاف القناع 1/528.(2/426)
قال إسحاق: أما يوم الجمعة فهو أهون1.
[121-] قلت: الصلاة بعد العصر؟
قال: لا يصلى2 بعد العصر3 إلا صلاة فائتة4 أو على
__________
1 انظر قول إسحاق: بالرخصة في صلاة التطوع يوم الجمعة وقت الزوال في: الإشراف خ ل أ 30، المغني 2/123، الأوسط خ ل أ 191.
2 نقل ابن المنذر نص قول أحمد وإسحاق فقال: (كان أحمد ابن حنبل وإسحاق يقولان: لا يصلي بعد العصر إلا صلاة فائتة، أو على الجنازة، إلى أن تدخل الشمس للغيبوبة) الأوسط 2/397.
3 المذهب موافق لهذه الرواية في اعتبار ما بعد صلاة العصر وقت نهي، فلا يتطوع فيه.
وروي عن أحمد: أنه لا نهي بعد العصر مطلقاً.
وعنه: لا نهى بعد العصر ما لم تصفر الشمس.
انظر: المغني 2/114، 115، الإنصاف 2/202، الفروع 1/440، 441.
4 ما أفتى به في هذه الرواية من جواز قضاء الفرائض في أوقات النهي هو المذهب، وعليه الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروى عنه: لا يجوز؛ لعموم النهي.
انظر: المبدع 2/36، مطالب أولي النهى 1/595، الإنصاف 2/204.
أما قضاء السنن الرواتب في هذا الوقت كقضاء الركعتين اللتين بعد الظهر، أو قبل العصر. فنقل عن أحمد في ذلك روايتان:
إحداهما: لا يجوز، وهي المذهب، وعليها أكثر الأصحاب.
والثانية: يجوز فعلها فيه، اختارها أبو الخطاب، وابن عقيل، وابن تيمية، وغيرهم.
انظر: الإنصاف 2/208، المغني 2/121، كشاف القناع 1/531.(2/427)
الجنازة1 إلى2 أن تطفل3 (الشمس) 4 للغيبوبة5.
قال إسحاق: كما قال؛ لأن العصر لا يكون بعده
__________
1 الصحيح من المذهب جواز صلاة الجنازة بعد العصر، كما في هذه الرواية، وهو ما عليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: المنع من الصلاة عليها في هذا الوقت.
انظر: الفروع 1/443، الإنصاف 2/205، الروض المربع 1/233.
2 في ع (إلا) .
3 تطفل الشمس: طفلت الشمس تطفل طفولاً، همّت بالوجوب، ودنت للغروب.
انظر: الصحاح 5/1751، لسان العرب 11/403.
(الشمس) إضافة من ع.
5 الصحيح من المذهب متفق مع هذه الرواية من أنه لا تجوز صلاة الجنازة إذا تضيفت الشمس للغروب. نصره ابن قدامة وغيره.
وروي عن أحمد: جوازها في هذا الوقت، اختارها ابن تيمية وغيره.
انظر: الإنصاف 2/206، المحرر في الفقه 1/193، الاختيارات ص89.(2/428)
سنة1 (ولا) 2 تطوع، ولكن يصلي بعده الفوائت3 والجنائز4. وإن كان كسوفاً صليت؛ لأنها فائتة5.
[122-] قلت لأحمد6: إذا فاتته الصلاة نام، أو نسي، متى يصليها؟.
قال: يصليها إذا ذكر7، وإن كان في الساعات التي8 نهي
__________
1 أي صلاة راتبة للعصر.
(ولا) إضافة من ع.
3 انظر قول إسحاق: أنه يجوز قضاء الفوائت في أوقات النهي، ومنها بعد صلاة العصر في: المغني 2/108.
4 انظر قول إسحاق: أنه تجوز الصلاة على الجنازة بعد العصر في: المجموع 4/80.
5 انظر قول إسحاق: أنه تصلى صلاة الكسوف بعد العصر ما لم تصفر الشمس في: الإشراف، خ ل ب 52.
(لأحمد) ساقطة من ع.
7 المذهب: أن من فاتته صلوات لزمها قضاؤها على الفور، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وقيل: لا يجب القضاء على الفور مطلقاً، وقيل: يجب على الفور في خمس صلوات فقط.
انظر: الإنصاف 1/442، 443، كشاف القناع 1/302.
8 المشهور عن أحمد: أن أوقات النهي خمسة: بعد طلوع الفجر الثاني حتى تطلع الشمس. وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح. وعند قيامها حتى تزول. وبعد العصر حتى تشرع في الغروب. إذا شرعت في الغروب حتى تغرب.
وعنه: أن أوقات النهي ثلاثة: بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس. وعند قيامها حتى تزول. وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
انظر: كشاف القناع 1/528، 529.(2/429)
عنهن1.
قال إسحاق: كما قال سواء2.
[123-[] ظ-6/ب] قلت لأحمد: الصلاة قبل المغرب3؟
قال: لا أعلم به بأساً4.
__________
1 تقدمت الإشارة إلى ذلك في مسألة (121) .
2 انظر قول إسحاق: أنه يصلي الصلاة التي نسيها أو نام عنها، متى استيقظ، أو ذكر في وقت نهي، أو غير نهى، في: الأوسط 2/412، وسنن الترمذي 1/335، 336، الإشراف خ ل ب 15، المغني 2/108.
3 أي قبل صلاة المغرب وبعد غروب الشمس.
4 نقل عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- جواز التطوع بركعتين قبل صلاة المغرب: عبد الله في مسائله ص96 (339) ، وابن هانئ في مسائله 1/42 (199ـ201) وأبو داود في مسائله ص72.
والصحيح من المذهب: أنه تباح صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب، كما في هذه الرواية.
وروي عن أحمد: أنه يسن فعلهما. قال في مجمع البحرين، وابن تميم: لا يكره رواية واحدة، وهل يستحب؟ على روايتين.
انظر: الإنصاف 1/422، المغني 2/129، 130.(2/430)
وقال1: آخر وقت المغرب2 مغيب الشفق3.4.
قال إسحاق: كلاهما كما قال5.
[124-] قلت: إذا نسى الظهر فصلى العصر، ثم ذكر فصلى الظهر أيعيد6 العصر أم لا؟.
__________
1 في ع (قلت) .
2 في ع إضافة (قال) قبل كلمة (مغيب) .
3 الشفق: من الأضداد يقع على الحمرة التي ترى في المغرب بعد مغيب الشمس، وعلى البياض الباقي في الأفق الغربي بعد الحمرة المذكورة.
انظر: النهاية في غريب الحديث 2/487. وسيأتي تفسير أحمد للشفق. انظر مسألة (132) .
4 نقل عنه نحوها: عبد الله في مسائله ص52 (180) ، وصالح في مسائله 1/154، 155 (52) ، ولا خلاف في المذهب: أن آخر وقتها مغيب الشفق. وإنما الخلاف في الشفق هل هو الأحمر، أو الأبيض.
وسيأتي بيانه في مسألة (132) - إن شاء الله تعالى-.
انظر: الكافي 1/122، الفروع 1/208، مطالب أولي النهي 1/311.
5 انظر قول إسحاق: ان وقت المغرب يمتد إلى غياب الشفق. في: المجموع 3/37، المغني 1/381، الأوسط 2/335، الإشراف خ ل أ 4، شرح السنة 2/186
6 في ع (يعيد) بإسقاط همزة الاستفهام.(2/431)
قال: لا يعيدها1، إلا أن يكون ذكرها وهو في العصر، إذا كان في جماعة فلا يقطعها، كما فعل ابن عمر2 (رضي الله عنهما) 3، ثم يصلي4 الظهر، ثم يعيد العصر؛ لأنه كان فيها وهو ذاكر
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص57 (199) ، وصالح في مسائله 1/240، 241 (176) ، وأبو داود في مسائله ص48، 49.
قال ابن قدامة: متى صلى ناسياً للفائتة فصلاته صحيحة، وقد نص أحمد على هذا في رواية الجماعة. قال: متى ذكر الفائتة وقد سلم أجزأته، ويقضى الفائتة. المغني 1/609.
وما أفتى به هنا هو المذهب، وعليه الأصحاب، وقطع به أكثرهم. حتى قال القاضي: إذا نسي الترتيب سقط وجوبه رواية واحدة.
وعنه: لا يسقط الترتيب بالنسيان، حكاها ابن عقيل. قال أبو حفص: هذه الرواية تخالف ما نقله الجماعة عنه، فإما أن تكون غلطاً، أو قولاً قديماً.
انظر: الإنصاف 1/445.
2 روى عبد الرزاق بسنده عن ابن عمر قال: من نسي صلاة فلم يذكر إلا وهو مع الإمام، إذا سلم الإمام فليصل الصلاة التي نسي، وليصل الأخرى بعده. المصنف 2/5.
ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/467، والبيهقي في السنن الكبرى 2/221، 222 والدارقطني في سننه 1/421.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
4 أي بعد انتهاء صلاته مع الجماعة.(2/432)
للظهر1.
قال إسحاق: كما قال2.
__________
1 إذا ذكر الفائتة وهو في صلاة حاضرة، فإما أن يكون في صلاة جماعة إماماً، أو مأموماً، أو يكون منفرداً. فإن كان في صلاة جماعة إماماً، فالصحيح عن أحمد: أنه يقطعها؛ لأنهم يصلون فرضاً خلف متنفل، فإن قيل: يصح الفرض خلف المتنفل، أتمها نفلاً. واختار المجد: سقوط الترتيب والحالة هذه فيتمها الإمام فرضاً.
وروي عن أحمد: أن صلاته تبطل، ثم يصلي الفائتة وبعدها الحاضرة، وإن كان مأموماً، أو منفرداً، فالصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب: أنه لا يسقط الترتيب، ويتمّها نفلاً، إما ركعتين، وإما أربعاً.
وروي عن أحمد: أن المأموم يتمّها دون المنفرد.
وعنه: عكسها، أي يتمّ المنفرد دون المأموم.
وعنه: يتمّها فرضاً. اختارها المجد.
وعنه: تبطل، نقلها حنبل ووهّمه الخلال.
وروي عنه: أن الترتيب يسقط عن المأموم خاصة. وإن أتمها نفلاً، أو قطعها قضى الفائتة، ثم يصلي الصلاة التي كان فيها.
انظر: الإنصاف 1/445، 446، الفروع 1/214، المحرر 1/34، 35، الروايتين والوجهين 1/133، 134.
2 انظر قول إسحاق: أنه يجب الترتيب في قضاء الفوائت. في المغني 1/607، الإشراف خ ل أ 16، ونقل ابن المنذر عنه: أن من ذكر صلاة فائتة وهو خلف الإمام، فإنه يتمّ مع الإمام، ثم يصلي التي نسي، ويعيد الصلاة الأخرى.
ونقل النووي عنه: أن من ذكر فائتة وهو في حاضرة تمم التي هو فيها، ثم قضى الفائتة، ثم يجب عليه إعادة الحاضرة. المجموع 3/75.(2/433)
[125-] قلت: ما الإسفار بالفجر؟
قال: الإسفار1 أن يضح23 الفجر فلا يشك4 أنه5 قد طلع الفجر6.
قال إسحاق: كما قال7.
__________
1 في ع إضافة (بالفجر) بعد كلمة (الاسفار) .
2 في ع (يصبح) .
3 يضح: مضارع وضح، والوضح بياض الصبح. يقال: وضح الفجر يضح إذا أضاء.
انظر: معجم مقاييس اللغة 1/119. تاج العروس 2/246.
4 الشك: ضد اليقين.
5 في ع (بأنه) بزيادة الباء.
6 فالإسفار: هو انكشاف الصبح وإضاءة نوره، وبدء النهار، وانحسار الظلمة، وزوال الليل.
انظر: النهاية في غريب الحديث 1/372، لسان العرب 4/369.
7 نقل الترمذي نص قول أحمد وإسحاق. سنن الترمذي 1/291، وإشار إليه ابن حجر نقلاً عن الترمذي. تلخيص الحبير 1/193، وانظر: الأوسط 2/380.
وورد في مسائل صالح عن الإمام أحمد قال: إسفار الفجر عندي: طلوعه. المسائل 3/51 (1319) .
وقال ابن هانئ: (خرجت مع أبي عبد الله من المسجد بعد صلاة الفجر، وكان محمد ابن محرز يقيم الصلاة. قلت لأبي عبد الله: هذه الصلاة مثل حديث رافع بن خديج في الإسفار وهو: "اسفروا بالفجر" قال: لا، هذه صلاة مفرّط، إنما حدث رافع في الإسفار، أنه يرى ضوء الفجر على الحيطان) . المسائل 1/39، 40 (185) .
وقال أبو داود: قيل لأحمد: وأنا أسمع حديث رافع "أصبحوا بالصبح". قال: هذا مثل حديث عائشة- رضي الله عنها- (تنصرف النساء متلفعات، إذ أسفر الفجر فقد أصبحوا) . المسائل ص26.(2/434)
[126-] قلت: ما الإبراد1 في الظهر2؟
قال: الإبراد [ع-8/أ] في الصيف، يستحب تأخير3 صلاتين4: الظهر في الحر، والعشاء الآخرة5.
__________
1 الإبراد: الدخول في البرد، وهو انكسار وهج الشمس بعد الزوال، وانخفاض حدة الحرارة، فتكون صلاة الظهر بعد أن انكسر حر الظهيرة، وأصبح للجدار ظل يتمكن الماشي من الاستظلال به.
انظر: غريب الحديث للخطابي 1/186، تاج العروس 2/297، 298.
2 في ع (بالأظهر) .
3 في ع (تأخيرها) .
4 في ع (صلاتي) بحذف نون التثنية.
5 نقل عنه استحباب تأخير صلاة الظهر والعشاء في الحر. صالح في مسائله 3/51 (1318) ، وأبو داود في مسائله ص26.
والمذهب: استحباب الإبراد بصلاة الظهر مطلقاً لمن يصلي في جماعة وغيره.
وذهب بعض الأصحاب إلى: أن الأفضل تأخيرها لمن يصلي جماعة فقط.
انظر: الإنصاف 1/430، الفروع 1/206، الكافي 1/121.
أما صلاة العشاء الآخرة، فالصحيح من المذهب: أنه يستحب تأخيرها إلى آخر وقتها للمنفرد والجماعة الراضين بالتأخير. وأما مع المشقة على المأمومين، أو بعضهم فلا يستحب، بل يكره. وروي عنه: لا يكره وإن شق عليهم، ولم يقيد ذلك بصيف ولا شتاء.
بل إن أبا داود نقل عنه: استحباب التأخير صيفاً وشتاءً. المسائل 26.
انظر: المغني 1/393، 394، الإنصاف 1/437، كشاف القناع 1/295.(2/435)
قال إسحاق: كما قال، إلا أن العشاء1 (الآخرة) 2 تأخيرها3 محبوب في الشتاء والصيف4.
[127-] قلت: أول وقت الظهر؟
قال: إذا زالت5 الشمس6.
__________
1 في ع (الإعشاء) .
(الآخرة) إضافة من ع.
3 في ع (تأخير) .
4 انظر قول إسحاق: استحباب تأخير الظهر في شدة الحر. في الأوسط 2/360، سنن الترمذي 1/296، المغني 1/389، شرح السنة 2/206، معالم السنن 1/129، وانظر قوله: باستحباب تأخير العشاء، في سنن الترمذي 1/312، المجموع 3/59، فتح الباري 2/49.
5 زالت الشمس: مالت عن كبد السماء، وهو المعروف بالزوال. انظر: القاموس المحيط 3/391.
6 نقل عنه نحو هذه المسألة: عبد الله في مسائله ص52 (180) ، وصالح في مسائله 1/153 (50) ، وابن هانئ في مسائله 1/38 (177) .
ولا خلاف أن أول وقت الظهر يدخل بزوال الشمس. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن أول وقت الظهر زوال الشمس. الإجماع ص38، الأوسط 2/326. وانظر: مراتب الإجماع ص26، المغني 1/371، كشاف القناع 1/289.(2/436)
قال إسحاق: كما قال.
[128-] قلت: إذا شك في الزوال1 وهو في السفر؟
قال: لا، حتى لا يشك ويستيقن.
سألته مرة أخرى، فقال: حتى يستيقن.
ثم سألته فقال: حتى يستيقن2.
__________
1 قال ابن المنذر: (إذا أراد الرجل معرفة الزوال في كل وقت وكل بلد، فلينصب عوداً مستوياً في مستوى من الأرض قبل الزوال للشمس، فإن الظل يتقلص إلى العود فيتفقد نقصانه، فإن نقصانه إذا تناهي زاد، فإذا زاد بعد تناهي نقصانه فذلك الزوال، وهو أول وقت الظهر. وهذا المعنى محفوظ عن ابن المبارك، ويحيى بن آدم، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أهل العلم) . الأوسط 2/328، 329.
2 قال ابن هبيرة: (أجمعوا على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس، وأنه لا يجوز أن يصلي قبل الزوال) . الإفصاح 1/103.
والصحيح من المذهب: أن من شك في الوقت صلى إذا غلب على ظنه دخول الوقت، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم، إلا أنه يستحب له التأخير حتى يتيقن دخول الوقت.
وروى عن الإمام أحمد: أنه لا يصلي حتى يتيقن دخول الوقت، اختارها ابن حامد وغيره.
انظر: الإنصاف 1/440، المغني 1/386.(2/437)
قال إسحاق: كما قال. لابد من ذلك كالفجر، لا يجوز أبدا في عذر أو غير عذر أن يصلي قبل طلوع الفجر1، وكذلك المغرب قبل غروب الشمس2.
[129-] قلت: في يوم غيم كيف يصلي الظهر والعصر؟
قال: يؤخر الظهر ويعجل العصر3.
__________
1 قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر. وقال: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من صلى الصبح بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس فقد صلاها في وقتها) . الأوسط 2/347، 348، الإجماع ص38، وانظر: مراتب الإجماع ص26.
2 قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن صلاة المغرب تجب إذا غربت الشمس. الأوسط 2/334، الإجماع ص38، وانظر: مراتب الإجماع ص26، الاستذكار 1/42.
3 قال ابن قدامة: (ذكر القاضي أنه يستحب تأخير الظهر والمغرب في الغيم، وتعجيل العصر والعشاء فيه. قال: ونص عليه أحمد- رحمه الله- في رواية الجماعة منهم المرُّوذي. فقال: يؤخر الظهر في يوم الغيم ويعجل العصر) . المغني 1/390، 391.
وجاء في الإنصاف: أنه يستحب تأخير الظهر في اليوم الغائم لمن يصلي جماعة على الصحيح من المذهب. وقيل: يستحب تأخيرها سواءً صلى في جماعة أو وحده.
وروي عن أحمد: لا يؤخرها مع الغيم. وأن الأفضل تعجيل العصر مطلقاً في المذهب، وعليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يستحب تعجيلها مع الغيم دون الصحو. الإنصاف 1/431، 434.(2/438)
قال إسحاق: كما قال1.
[130-] قلت: هل يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة2 المغرب والعشاء؟
قال: نعم3.
قال إسحاق: كما قال4. وجمعهما5: أن يؤخر المغرب قليلاً،
__________
1 انظر قول إسحاق: في الأوسط 2/382.
2 في ع (ليلة مطيرة) بالتنكير.
3 قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن الجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من مطر قبل أن يغيب الشفق؟ قال: أرجو) . المسائل 75.
والصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية، حيث يجوز الجمع بين العشاءين في المطر الذي يبل الثياب.
وروي عن أحمد: أنه لا يجوز الجمع.
انظر: الإنصاف 2/337، الفروع 1/525، المبدع 2/118.
4 انظر قول إسحاق في الأوسط 2/430، المغني 1/274.
5 في ع (وجمعها) .(2/439)
ثم يصلي الإمام قبل أن يغيب الشفق ويضم إليه1 العشاء قبل غيبوبة الشفق2.
[131-] قلت: إذا وضع العشاء وحضرت الصلاة؟
(قال) 3: فابدءوا بالعشاء4.
__________
1 في ع (إليها) .
2 قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن الجمع بين الصلاتين في المطر؟ قال: نعم، يجمع بينهما إذا اختلط الظلام قبل أن يغيب الشفق. انظر: المغني 2/278.
وظاهر المذهب: أنه يفعل الأرفق به من تأخير الأولى إلى وقت الثانية، أو تقديم الثانية إليها. اختاره ابن تيمية. وقال: هو ظاهر المذهب. فلو استويا فالأفضل التقديم. وقال ابن رزين: التقديم أفضل.
وروي عن أحمد: أن جمع التأخير أفضل؛ لأنه أحوط، وفيه خروج من الخلاف، وعملاً بالأحاديث كلها. قال في روضة الفقه: الأفضل في جمع المطر التأخير.
انظر: المبدع 2/120ـ121، الإنصاف 2/340.
(قال) إضافة من ع.
4 نقل نحوه عبد الله في مسائله ص85 (300) ، وابن هانئ في مسائله 1/71 (355) ، وأبو داود في مسائله ص38. ويعذر في ترك الجمعة والجماعة من حضره طعام هو محتاج إليه بلا نزاع.
والصحيح من المذهب: أن له أن يأكل حتى يشبع.
وروي عن أحمد: أن له أن يأكل ما يسكن نفسه فقط، وجزم به جماعة في الجمعة. انظر: الفروع 1/503، المغني 1/629، الإنصاف 2/300.(2/440)
قال إسحاق: كما قال1.
[132-] قلت: ما الشفق؟
قال: في الحضر: البياض، وفي السفر: أرجو أن تكون2 (الحمرة) 3؛ لأن في السفر يجمع بين الصلاتين جد4 به السير، أو لم يجد5، فإذا جمع بينهما فلا يبالي
__________
1 انظر قول إسحاق: في سنن الترمذي 2/185، الاشراف خ ل ب 33، المغني 1/629.
2 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص 53 (182ـ184) ، وصالح في مسائله 1/155، 2/262 (52، 870) وابن هانئ في مسائله 1/39 (181) .
والمذهب: أن الشفق الحمرة، وعليه الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن أحمد: أنه الأبيض في الحضر، والأحمر في السفر، اختارها الخرقي. قال ابن قدامة: يعتبر غيبة البياض لدلالته على مغيب الحمرة لا لنفسه.
وروي عن أحمد الشفق البياض.
انظر: المبدع 1/344، المغني 1/382، 383. الفروع 1/208، الإنصاف 1/434.
3 في ظ (حمرة) بإسقاط (ال) التعريف.
4 جد به السير: أي أسرع فيه وأهتم به واستمر فيه.
انظر: لسان العرب 3/113، تاج العروس 2/314.
5 قال ابن مفلح- وهو يتكلم عن الجمع بين الصلاتين-: (لا فرق بين أن يكون نازلاً، أو سائراً في جمع التقديم، أو التأخير. وقال القاضي: لا يجوز إلا لسائر) . المبدع 2/117، وانظر: كشاف القناع 2/3.
وقال ابن قدامة: (إن أحب أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما جاز، نازلاً كان أو سائراً، أو مقيماً في بلد إقامة لا تمنع القصر. وقال- بعد أن أورد حديث معاذ في جمع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك-ما نصّه-: (في هذا الحديث أوضح الدلائل، وأقوى الحجج في الرد على من قال: لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جد به السير؛ لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر، ماكث في خبائه، يخرج فيصلي الصلاتين جميعاً، ثم ينصرف إلى خبائه …؛ ولأن الجمع رخصة من رخص السفر، فلم يختص بحالة السير كالقصر والمسح) المغني 2/272، 273.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه لا يجمع إلا في حالة شد السير، أما النازل أياماً في قرية، أو مصر، فلا يجمع. انظر: مجموع الفتاوى 24/63ـ65، 26/169.(2/441)
متى صلاها1.
__________
1 قال ابن قدامة: (الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما: جائز في قول أكثر أهل العلم) . المغني 2/271.
وظاهر المذهب: أنه يفعل الأرفق به من تأخير الأولى إلى وقت الثانية، أو تقديم الثانية إليها.
وروي عن أحمد: أن جمع التأخير أفضل. قال الزركشي: المنصوص- وعليه الأصحاب- أن جمع التأخير أفضل. وقال الآمدي: إن كان سائراً فالأفضل التأخير، وإن كان في المنزل فالأفضل التقديم.
انظر: الإنصاف 2/340، الفروع 1/526، كشاف القناع 2/5، 6.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس جمع التأخير بأولى من جمع التقديم، بل ذلك بحسب الحاجة والمصلحة، فقد يكون هذا أفضل، وقد يكون هذا أفضل، وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو ظاهر مذهب أحمد المنصوص عنه وغيره، ومن أطلق من أصحابه القول بتفضيل أحدهما مطلقاً فقد أخطأ على مذهبه. مجموع الفتاوى 24/57، 58.(2/442)
قال إسحاق: الشفق الحمرة في1 الحضر كان، أو في السفر2؛ لأن دخول الوقت به، وإنما رخص له العذر في المطر والسفر أن يقدم العشاء عن الوقت، يجمعهما3 جميعاً، أو يؤخر العشاء والمغرب، كذلك إلى ربع الليل حتى يجمعهما3 جميعاً4. وهكذا5 سنة6
__________
1 انظر قول إسحاق: أن الشفق الحمرة. في الأوسط 2/340، المجموع 3/44، المغني 1/382، المحلى 3/350.
2 في ع (حضر كل أو سفر) .
3 في ع (يجمعا) .
4 انظر قول إسحاق: أن للمسافر أن يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما: تقديماً، أو تأخيراً، في: سنن الترمذي 2/441، الأوسط 2/426، شرح السنة 4/196، المغني 2/271، المجموع 4/254، اختلاف العلماء للمروزي ص 55.
5في ع (هكذا) بإسقاط الواو.
6 روى الترمذي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر، فيصليهما جمعياً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب". وقال: حديث معاذ حديث حسن غريب، تفرد به قتيبة لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيره، وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن الطفيل عن معاذ حديث غريب. سنن الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين 2/438ـ440 (553) .
ورواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين 2/12ـ13 (1208) ، وأحمد في المسند 5/241، والدارقطني في سننه 1/392، والبيهقي في السنن الكبرى 3/162، 163.
والحديث ضعفه بعض أهل العلم، ووصفه بعضهم بأنه حديث منكر. انظر: تلخيص الحبير 2/52.
وهو عند مسلم في صحيحه بلفظ جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، كتاب صلاة المسافرين، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر 1/490 (53) . أحاديث الجمع بين الصلاتين في السفر تقديماً كثيرة بعضها في الصحيحين.(2/443)
(الجمع) 1.
[133-] قلت: (لأحمد) 2: إذا أخروا الصلاة فصلى رجل في بيته، ثم أدرك الصلاة معهم3؟
__________
1 في ظ (الجميع) ..
(لأحمد) . إضافة من ع.
3 في ع (معه) بالإفراد.(2/444)
قال: إذا صلوا في غير وقت صلى في بيته1، ثم أتاهم2.
__________
1 تجب المحافظة على الصلوات في أوقاتها، ويحرم تأخيرها عن وقتها المختار، فإذا كانت الجماعة تؤخر الصلاة إلى وقت الضرورة بعد الوقت المختار، فإن الرجل يصلي الصلاة في بيته لوقتها، ثم يصليها مع الجماعة لتلافي المحن والفتن، والأمن على نفسه من سطوة السلطان وبطشه، خاصة إذا كانت الصلاة تؤخر بأمره.
روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي ذر- رضي الله عنه- قال: قال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها- أي يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه- قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة". صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وما يفعله المأموم ذا أخّرها الإمام 1/448 (238) .
وجاء في الإنصاف: يحرم تأخير الصلاة، أو بعضها إلى وقت الضرورة ما لم يكن عذر على الصحيح من المذهب. وقيل: لا يحرم مطلقاً. قال في الفروع: ولعل مرادهم لا يكره أداؤها. الإنصاف 1/400، 436، الفروع 1/201.
2 نقل عنه جواز إعادة الصلاة مع الجماعة دون تعرض لها: صالح في مسائله 3/10، 28 (1216، 1258) ، وابن هانئ في مسائله 1/71، 72 (353ـ354، 357، 358) ، وأبو داود في مسائله ص 48، والمذهب وهو ما عليه جماهير الأصحاب: أن من صلى منفرداً، أو في جماعة، ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد، أو جاء المسجد في غير وقت نهي، ولم يقصده للإعادة، وأقيمت الصلاة، استحب له إعادتها مع الجماعة إلا صلاة المغرب.
وروي عن أحمد: تجب الإعادة، وعنه: تجب مع إمام الحي، وعنه: يعيد جميع الصلوات ويشفع المغرب برابعة. قال المرداوي: يكره قصد المسجد لإعادة الجماعة، زاد بعض الأصحاب ولو كان صلى وحده.
انظر: الإنصاف 2/217، 218، الفروع 1/450، 451، كشاف القناع 1/537، 538.(2/445)
قال إسحاق: كما قال1.
[134-] قلت: إذا فاتته2 الظهر وهو يخشى فوات العصر بأيهما3 يبدأ؟
قال: يبدأ بالذي يخاف فوتها العصر أو الفجر4.
__________
1 انظر قول إسحاق: في الأوسط خ ل أ 212.
2 في ع (فاته) بالتذكير.
3 في ع (بأيها) بالإفراد.
4 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص57 (199) ، وصالح في مسائله 1/240 (176) ، وأبو داود في مسائله ص49. والمذهب- وهو ما عليه أكثر الأصحاب-: موافق لهذه الرواية من أنه يسقط وجوب الترتيب إذا ضاق وقت الحاضرة- وهي هنا العصر- فيصلي الحاضرة إذا بقي من الوقت بقدر ما يفعلها فيه، ثم يقضي الفائتة- وهي الظهر.
وروى عنه لا يسقط الترتيب مطلقاً، اختارها الخلال. وأنكر القاضي هذه الرواية، وحكي عن أحمد: ما يدل على رجوعه عنها، وكذا قال أبو حفص: إما أن يكون قولاً قديماً، أو غلطاً.
وعنه: يسقط الترتيب بخشية فوات الجماعة.
انظر: الإنصاف 1/444، المغني 1/610، مطالب أولي النهى 1/321، الروايتين والوجهين 1/132، 133.(2/446)
قال إسحاق: كما قال. لكن لا يكون مضيعاً لهذه؛ لأنه لو بدأ بالظهر عند غروب الشمس فاته وقت العصر1.
[135-] قلت لإسحاق: فيمن يقضي صلوات فائتات فتحضره صلاة أيؤخرها إلى آخر الوقت، فإذا صلاها يعيدها بعد أم لا؟
قال: بل يصليها في الجماعة إذا حضرت [ظ-7/أ] إذا كان لا طمع أن يقضي الفوائت كلها إلى آخر وقت هذه الصلاة التي حضرت، فإن طمع في ذلك قضى الفوائت ما لم يخش فوت وقت هذه الصلاة، ولا قضاء عليه إذا صلاها مرة2.
__________
1 انظر قول إسحاق: في الأوسط 2/415، المغني 1/610.
2 قال أبو يعلى: (نقل ابن منصور عنه- أي أحمد- فيمن يقضي صلوات فاتته فيحضر الصلاة: صلى في الجماعة) ثم أكمل بقية الجواب. ثم قال: ظاهر هذا أنه اختار تقديم صلاة الوقت في جماعة إذا لم يعلم أن الوقت يتسع لقضاء جميع ما عليه من الفوائت، وهو اختيار أبي حفص؛ لأنه إذا لم يتسع الوقت لجميع ذلك كان فعل البعض في جماعة، وبعضه فرادى، أولى من فعل جميعه فرادى. الروايتين والوجهين 1/133.
كما نقل ابن قدامة نص هذا القول من رواية ابن منصور، وذكر أنها رواية عن أحمد. المغني 1/610.
وليس الأمر كما ذكرا، فهذا القول للإمام إسحاق بن راهويه- رحمه الله تعالى-.
وأما الإمام أحمد- رحمه الله تعالى- فما أفتى به في هذه المسائل هو وجوب الترتيب في قضاء الفوائت، حتى ولو أدرك الجماعة، كما في مسألة (281) وما أفتى به إسحاق هنا موافق لما أفتى به في مسألة (281) .(2/447)
[136-] قلت: رجل نسي صلاة واحدة لا يدري أيتهن نسي؟
قال أحمد: عندي أنه1 يصلي الصلوات كلها2.
قال إسحاق: يصلي الصلوات كلها3 حتى يأتي على الفائتة بيقين4.
__________
(عندي أنه) ساقطة من ع.
2 قال ابن هانئ: سألته- أي أحمد- عن رجل ترك صلاة من صلاة يوم لا يدري أي صلاة هي؟ قال: يصلي صلاة يوم. المسائل 1/73 (364) .
وهذه الرواية عليها الصحيح من المذهب، وهو: أن يصلي الخمس صلوات، ينوي بكل واحدة منها الفرض الذي عليه.
وروى عنه: أنه يصلي الفجر، ثم المغرب، ثم الرباعية: الظهر فالعصر. وقال في الفائق: ويتخرج إيقاع واحدة بالاجتهاد أخذاً من القبلة.
انظر: المبدع 1/358، الإنصاف 1/446، كشاف القناع 1/305.
(كلها) ساقطة من ع.
4 انظر قول إسحاق: في الإشراف خ ل ب 44.(2/448)
[137-] قلت: إذا فاتته الظهر [ع-8/ب] وهو مع الإمام في العصر فذكرها؟
قال: يتم ويعيدها بعد.
قال إسحاق: كما قال1.
[138-] قلت: حديث معاذ (رضي الله عنه) 2: أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه (وسلم) 3 ثم يرجع فيؤم قومه4؟
قال: لا أجد شيئاً يدفعه، إن ذهب ذاهب إليه5 لا ألومه6.
__________
1 تقدم الكلام عن هذه المسألة. راجع مسألة (124) .
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
3 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
4 روى مسلم والبخاري في صحيحيهما عن جابر بن عبد الله: "أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ". صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء 1/339، 340 (178ـ181) ، صحيح البخاري، كتاب صلاة الجماعة، باب إذا صلى ثم أمّ قوماً 2/119، وباب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى 2/117، 118، وغيرها.
5 في ع (إليه ذاهب) بالتقديم والتأخير.
6 قال ابن هانئ سألته- أي أحمد-: عن حديث معاذ في الصلاة؟ فقال: (أما ابن عيينة فإنه يقول: ما خبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وكان معاذ يصلي ولا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أذهب إليه، ولا يعجبني أن يجمع بين فرضين. وقال ابن هانئ: قيل له: إذا صلى جماعة يؤم قوماً؟ قال: لا) . المسائل 6/64 (316، 317) .
وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن رجل صلى العصر، ثم جاء فنسي، فتقدم بقوم يصلي تلك الصلاة، ثم ذكر لما أن صلى ركعة، فمضى في صلاته؟ قال: لا بأس. المسائل ص44.
والمذهب وهو ما عليه جماهير الأصحاب: لا يصح ائتمام المفترض بالمتنفل، اختارها القاضي وأبو الخطاب، وصاحب التلخيص، والمحرر، وغيرهم.
وعن أحمد رواية: أنه يصح ائتمامه به، اختارها ابن قدامة، وابن تيمية، وصاحب الفصول، والتبصرة، وغيرهم.
انظر: الروايتين والوجهين 1/170، 171 المغني 2/226، الإنصاف 2/276، 277.(2/449)
قال إسحاق: هذه1 سنة مسنونة2، وهو بناء على قول النبي صلى الله وعليه (وسلم) 3 في صلاة الخوف حين صلى ركعتين، وكل طائفة خلفه ركعوا ركعة4.
__________
1 في ع (هو) .
2 لحديث معاذ المتقدم. وانظر قول إسحاق: في سنن الترمذي 2/477.
3 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
4 روى أحمد في المسند عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذي قرد أرض من أرض بني سليم، فصف الناس خلفه صفين، صف موازي العدو وصف خلفه، فصلى بالصف الذي يليه ركعة ثم نكص- تأخر- هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء، فصلى بهم ركعة أخرى. 1/232. وفي رواية: "فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ولكل طائفة ركعة" 1/357.
ورواه النسائي في سننه، كتاب صلاة الخوف 3/169 (1533ـ1535) وابن خزيمة في صحيحه، باب صلاة الإمام في شدة الخوف 2/293، 294 (1344) ، والبيهقي في السنن الكبرى 3/262، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/309، والحاكم في المستدرك 1/335، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ. ووافقه الذهبي أنه على شرطهما. وانظر: التعليق على صحيح ابن خزيمة 2/293، والتعليق على شرح السنة 4/285.(2/450)
[139-] قلت: يمسح على الجبائر1؟
قال: نعم إذا خاف2.
__________
1 الجبائر: جمع جبيرة، وهي العيدان التي تربط على موضع الكسر، وتشدّ عليه حتى ينجبر على استوائها.
انظر: الصحاح 2/608، المطلع على أبواب المقنع ص22.
2 الصحيح من المذهب متفق مع هذه الرواية، وأنه يجزئ المسح على الجبيرة من غير تيمم بشرط تقدم الطهارة على شدّ الجبيرة.
قال في المستوعب وغيره: لا يجمع في الجبيرة بين المسح والتيمم قولاً واحداً.
وروي عن أحمد: أنه يلزمه التيمم مع المسح.
وروى عنه: أنه لا تشترط الطهارة لشدّ الجبائر، اختارها: الخلال وابن عقيل وابن عبدوس وغيرهم. قال المرداوي: وهو الصواب.
انظر: الإنصاف 1/ 173، 174، 187، 188، الروايتين والوجهين 1/93، 94، الفروع 1/91(2/451)
قلت: المجدور يتيمم إذا خاف؟
قال: نعم1.
قال: والجرح إذا خاف عليه، يمسح عليه على موضع الجرح، ويغسل ما حوله2.
قال إسحاق: كما قال في كلها سواء3.
__________
1 تقدم الكلام على هذه المسألة. راجع مسألة (103) .
2 قال ابن هانئ: سألت أبا عبد الله عن رجل بعقبه علة لا يستطيع أن يغسله إذا توضأ؟ قال: له عذر، وأمرني أن أمسح عليه. المسائل 1/18 (88) .
وأشار أبو يعلى إلى رواية ابن منصور عن أحمد، ثم قال: وظاهر هذا: أنه لا يجب عليه التيمم؛ لأنه لم يذكره. الروايتين والوجهين 1/93.
والصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية فمن كان به جرح يخاف من غسله ويمكنه مسحه بالماء، فيجزئه المسح فقط.
وفي رواية عن أحمد: أنه يتيمم مع المسح.
وعنه: يكفيه التيمم وحده، وهو ظاهر كلام جماعة كثيرة، واختاره القاضي والخرقي.
انظر: الإنصاف 1/271، المغني 1/257، 280، المبدع 1/212، 213.
3 انظر قول إسحاق: أن المتوضئ يمسح على الجبائر في: الأوسط 2/23 المغني 1/277. وقول إسحاق: يتيمم المجدور. انظره: في الأوسط 2/22.(2/452)
[140-] قلت (لأحمد) 1: الجنب يغتمس في نهر ماء؟
قال: إذا كان قد بل الشعر، هذا غير الوضوء2، إنما قال الله تبارك وتعالى3: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} 4.
قال إسحاق: كما قال.
ولا يجزئه إلا أن ينوي تطهير الجنابة5 ولا يلزمه6 أن يقدم شيئاً قبل شيء.
[141-] قلت7: إذا ولغ الهر8 في الإناء؟
قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
__________
(لأحمد) إضافة من ع.
2 تقدم حكم هذه المسألة، وأنه لا يشترط الترتيب في غسل أعضاء الجسم من الجنابة. راجع المسألة (10) .
3 في ع (عز وجل) .
4 سورة المائدة آية: 6.
5 تقدم قول إسحاق: أنه تشترط النية لأنواع الطهارة كلها. راجع مسألة (10) .
6 في ع (ولا يلز) بإسقاط الميم والهاء، ولعلها سقطت سهواً من الناسخ.
7 في ع مسألة (141) متأخرة عن مسألة (142) .
8 تقدم تحت مسمّى السنور. راجع مسألة (38) .(2/453)
قال إسحاق: كما قال1. بلا شك كما2 سن النبي صلى الله عليه (وسلم) 3 ذلك4.
__________
1 تقدم الكلام على حكم هذه المسألة. راجع مسألة (38) .
2 في ع (لما) بإبدال الكاف لاماً.
3 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
4 روى مالك في الموطأ عن كبشة بنت كعب، وكانت تحت ابن أبي قتادة الأنصاري- رضي الله عنهما- أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة لتشرب منه فأصغى لها الإناء حتى شربت. قالت كبشة: فرآني أنظرُ إليه. فقال أتعجبين يا ابنة أخي؟ قالت: فقلت: نعم. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات" كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء 1/22، 23 (13) .
ورواه الترمذي في سننه، كتاب الطهارة، با ما جاء في سؤر الهرة 1/153، 154 (92) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة 1/60 (75) ، وابن ماجه في سننه، كتاب الطهارة، باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك 1/131 (367) ، وأحمد في المسند 5/303.
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، على أنهما على ما أصلاه في تركه، غير أنهما قد شهدا جميعاً لمالك بن أنس أنه الحكم في حديث المدنيين، وهذا الحديث مما صححه مالك واحتج به في الموطأ، ووافقه الذهبي) . انظر: المستدرك وتلخيصه 1/160.
وقال البيهقي: قال أبو عيسى: (سألت محمداً- يعني ابن إسماعيل البخاري- عن هذا الحديث. فقال: جود مالك بن أنس هذا الحديث وروايته أصح من رواية غيره) . السنن الكبرى 1/245.(2/454)
[142-] قلت: إذا ولغ1 الكلب في الإناء؟
قال: (يغسل) 2 سبع3 مرار4، هذا أقلّه5.
__________
1 ولغ الكلب في الإناء يلغ ولوغاً شرب ما فيه بأطراف لسانه، أو أدخل لسانه فيه.
انظر: القاموس المحيط 3/115، مختار الصحاح ص735، 736.
(يغسل) إضافة من ع.
3 في ع (سبعاً) .
(مرار) ساقطة من ع.
5 أشار أبو يعلى إلى هذه الرواية نقلاً عن ابن منصور في الروايتين والوجهين 1/64، ونقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص8، 9 (22، 25، 27) ، وصالح في مسائله 1/176 (87) ، وأبو داود في مسائله ص4.
وما أفتى به هنا هو ما عليه الصحيح من المذهب، وهو ما عليه الأصحاب، فيجب غسل نجاسة الكلب سبع مرات.
وروي عن أحمد ثمان.
والصحيح من المذهب: أنه يشترط التراب في غسل نجاسة الكلب، وعليه جماهير الأصحاب.
وعنه: استعمال التراب في الولوغ مستحب غير واجب.
وعنه: استحباب التراب مطلقاً.
انظر: الفروع 1/151، الإنصاف 1/310، 311، المحرر في الفقه 1/4(2/455)
قال إسحاق: كما قال1.
[143-] قلت: الوضوء بالماء الحميم2؟
قال: ما بأس به3.
قال إسحاق: كما قال، وكذلك الغسل بالماء الحميم.
وأما الماء4 المشمس5 فقد كرهه قوم
__________
1 انظر قول إسحاق: في سنن الترمذي 1/152، الاستذكار 1/261، المحلى 1/146، الأوسط 1/305. نيل الأوطار 1/46.
2 الماء الحميم: أي الحار. انظر: مختار الصحاح ص157.
3 أشار ابن مفلح إلى هذه الرواية. المبدع 1/38.
والوضوء بالماء المسخن بطاهر جائز، ولا يكره باتفاق الأصحاب.
قال ابن مفلح: (وهذا إجماع منهم على أن سخونة الماء لا توجب كراهته) .
وجاء في الشرح الكبير 1/9 (لا تكره الطهارة به- أي المسخن بطاهر- لا نعلم فيه خلافاً إلا ما روى عن مجاهد: أنه كره الوضوء بالماء المسخن، فإن اشتد حره حرارة تمنع إسباغ الوضوء. فالمذهب: كراهة الوضوء به، وعليه الأصحاب. قال في الرعاية: ويحتمل ألا يجزئه مع شدة حره.
انظر: الفروع 1/9، المبدع 1/38، الإنصاف 1/25، المغني 1/16.
4 كلمة (الماء) ساقطة من ع.
5 المشمس: شيء مشمس أي عمل في الشمس، والتشميس بسط الشيء في الشمس. والمراد: الماء الذي وضع في الشمس، فسخن من حرارتها.
انظر: القاموس المحيط 2/224، الصحاح 3/940.(2/456)
لحال1 ما يخشى من نزول داء2 يصف الأطباء ذلك3.
[144-] قلت: إذا كان بالرجل دماميل كيف يصنع في ثيابه؟
قال: إذا كان شيء لا يرقأ يحصنه ويصلي4. وأما الثياب إذا كان
__________
1 في ع (لحاله) بإضافة هاء في آخر.
2 في ع (دانه) .
3 روى الشافعي في الأم بإسناده عن جابر بن عبد الله أن عمر كان يكره الاغتسال بالماء المشمس، وقال: إنه يورث البرص. الأم 1/3، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 1/6.
وهذا الأثر ضعيف باتفاق المحدثين، فإنه من رواية إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وقد اتفقوا على تضعيفه وجرحوه وبينوا أسباب الجرح. قال أحمد بن حنبل: كان قدرياً معتزلياً جهمياً، كل بلاء فيه، وقال يحيى القطان: كذاب، وسألت مالكاً: أكان ثقة؟ فقال: لا، ولا ثقة في دينه. وقال البخاري: جهمي تركه ابن المبارك والناس. ولم يوثقه إلا الشافعي- رحمه الله- انظر: المجموع 1/133، الجوهر النقي 1/6، تهذيب الكمال 2/184، وما بعدها، الكامل في ضعفاء الرجال 1/219، وما بعدها.
وقال الشافعي: لا أكره المشمس إلا أن يكره من جهة الطب. الأم 1/3، أي: لا أكرهه إلا أن قال الأطباء: أنه يورث البرص، فإن قالوا: بذلك أكرهه. المجموع 1/133.
4 تقدمت الإشارة إلى ذلك. راجع مسألة (70) .(2/457)
قليلاً فليس به بأس1، وإذا كان فاحشاً2.
قلت: ما الفاحش؟
قال: ذراع شبر3.
قال إسحاق: إذا أراد الغسل غسل الأقذار كلها ما زاد على القطرة.
[145-] قلت: الدود يخرج من الإنسان؟
قال: يتوضأ (من) 4 كل شيء يخرج من
__________
1 الصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية، حيث يعفى عن يسير الدم، وما تولد منه من القيح والصديد، وعليه جماهير الأصحاب.
وروى عنه: أنه لا يعفى عن يسيرهما.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يجب غسل الثوب والجسد من المدة، والقيح، والصديد، ولم يقم دليل على نجاسته.
انظر: الإنصاف 1/325، المغني 2/78، كشاف القناع 1/219.
2 لم يرد الجواب إذا كان النجس فاحشاً، وجوابه: (أعاد) كما سيرد ذلك في مسألة (283) .
3 تقدم بيان الفاحش. راجع مسألة (95) .
(من) إضافة من ع.(2/458)
1 الدبر2.
قال إسحاق: كما قال3.
[146-] قلت: المرأة إذا اغتسلت4 ثم خرج من فرجها من مني الرجل شيء؟
قال: تتوضأ5.
قال إسحاق: كما قال6.
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص20، 21 (67، 69) ، وصالح في مسائله 3/232 (1718) وابن هانئ في مسائله 1/8 (40) ، وأبو داود في مسائله ص14.
وانتقاض الوضوء بكل ما يخرج من الدبر نادراً، أو معتاداً، قليلاً، أو كثيراً. هو المذهب بلا خلاف.
انظر: المبدع 1/155، 156، الفروع 1/98، الإنصاف 1/195.
2 في ظ إضافة (يتوضأ) . بعد كلمة (الدبر) .
3 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (116) .
4 في ع (غسلت) .
5 قال ابن قدامة: (إذا وطئ امرأته دون الفرج فدب ماؤه إلى فرجها ثم خرج، أو وطئها في الفرج فاغتسلت ثم خرج ماء الرجل من فرجها، فلا غسل عليها. المغني 1/204. وقال المرداوي: لا غسل عليها ويكفيها الوضوء. الإنصاف) 1/232، وانظر: كشاف القناع 1/161.
6 انظر قول إسحاق: في المحلى 2/10، المغني 1/204، الأوسط 2/87، المجموع 2/154.(2/459)
[147-] قلت (لأحمد) 1: إذا2 عطس على الخلاء؟
قال: يحمد الله (عز وجل) 3 في نفسه4.
قال إسحاق: كما قال.
__________
[148-] قلت: استقبال القبلتين5 في الغائط والبول؟
قال: أما الكعبة أشدّ6.
(لأحمد) إضافة من ع.
(إذا) ساقطة من ع.
(عز وجل) إضافة من ع.
4 وردت إشار في الاختيارات الفقهية لهذه الرواية. الاختيارات ص8.
والصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية، فالعاطس يحمد بقلبه ويكره بلفظه، وعليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه لا يكره حمده بلسانه.
قال ابن قدامة: والأول أولى.
المغني 1/166، الإنصاف 1/95، الفروع 1/46، مطالب أولي النهى 1/69.
5 القبلتين: أي القبلة الأولى وهي بيت المقدس، والقبلة الثانية وهي الكعبة.
6 قال أبو داود: (قلت لأحمد بن محمد بن حنبل: استقبال القبلة بالغائط والبول؟ قال: ينحرف) . المسائل ص2.
والمذهب: جواز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان دون الفضاء، فلا يجوز استقبال القبلة، أو استدبارها فيه. قال ابن تيمية: هذا المنصور عند الأصحاب، وقال في الفروع: اختاره الأكثر.
وروي عن أحمد: أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الفضاء والبنيان. اختارها ابن تيمية وابن القيم وصاحب الفائق وغيرهم.
وعنه: يجوز الاستقبال والاستدبار في الفضاء والبنيان.
وعنه: يجوز الاستدبار في الفضاء والبنيان، ولا يجوز الاستقبال فيهما.
وعنه: يجوز الاستدبار في البينان فقط.
ويكفي الاستتار بدابة وجدار وجبل ونحوه على الصحيح من المذهب، وقيل: لا يكفي، كما يكفى الانحراف عن جهة القبلة على الصحيح من المذهب، وقيل: لا يكفي.
انظر: الإنصاف 1/100ـ102، الفروع 1/44، 45، المغني 1/162، 163، الروايتين والوجهين 1/80، الاختيارات الفقهية ص8.(2/460)
إنما الرخصة في بيت1 المقدس2.
قال إسحاق: كلاهما (فيه رخصة) 3 في
__________
1 لا يكره استقبال بيت المقدس، والنهي عن ذلك حين كان قبلة، ولا يسمى بعد النسخ قبلة، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب , وظاهر نقل حنبل في حكمه يكره.
انظر: الإنصاف 1/100، كشاف القناع 1/71، الفروع 1/45، 46.
2 بيت المقدس: هو ثالث الحرمين، والقبلة الأولى، يقع في فلسطين المحتلة تحت أيدي الصهاينة- أسأل الله العلي القدير أن يعين المسلمين على استرداده وإخراج الكفرة منه-.
3 في ظ (قد رخص) .(2/461)
كنف1 البيوت2 فأما الصحاري فلا يستقبل القبلتين ولا يستدبرهما3 إلا أن يجعل بينه وبين القبلة سترة4.
__________
1 كنف: جمع كنيف وهو المرحاض المعد للتخلي من الدار، ويقضي فيه الإنسان حاجته.
انظر: غريب الحديث للخطابي 2/576، لسان العرب 9/310.
2 روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام. صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب التبرز في البيوت 1/35، صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة 1/225 (62) .
وروى أبو داود في سننه عن مروان الأصفر قال: (رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها فقلت: يا أبا عبد الرحمن؛ أليس قد نهى عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس. كتاب الطهارة، باب كراهة استقبال القبلة عند قضاء الحاجة 1/20 (11) ، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب (44) 1/35 (60) والحاكم في مستدركه 1/154، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، فقد احتج بالحسن بن ذكوان ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ورواه الدارقطني في سننه 1/58، وقال: هذا صحيح كلهم ثقات. وقال الحازمي: هذا حديث حسن. الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص26.
3 في ع (يستدبرها) بالإفراد.
4 انظر: قول إسحاق بالرخصة في استقبال القبلة أو استدبارها في المنازل دون الصحراء، فلا يستقبلها ولا يستدبرها حال قضاء الحاجة. في سنن الترمذي 1/14، التمهيد 1/309، شرح مسلم للنووي 3/154، الأوسط 1/327، المجموع 2/84، شرح السنة 1/359، الاعتبار للحازمي ص26، عمدة القاري 2/262.(2/462)
[149-] قلت: دم البراغيث1؟
قال: لا بأس به، ليس هو دم مسفوح2.
قال إسحاق: كما قال3.
[150-] [ظ-7/ب] قلت: إذا احتلم في الثوب فلم يدر أين هو؟
قال: يفركه كله، أو يغسله كله
__________
1 البراغيث: جمع برغوث، وهو دويبة شبه الحرقوص، أسود اللون، شديد العض، يثب وثباً، وهو من الخلق الذي يعرض له الطيران، فيستحيل بقا، أي بعوضاً.
انظر: كتاب الحيوان 5/373، 384، تاج العروس 1/602.
2 نقل ابن المنذر قول أحمد: ليس هو دم مسفوح. الأوسط 2/151. وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن دم البراغيث في الثوب؟ قال: إذا كثر إني لأفزع منه. المسائل ص41.
والصحيح من المذهب: أن دم البراغيث طاهر. قال ابن قدامة: هذا ظاهر المذهب، وصححه ابن عقيل وغيره، ورجحه المجد بن تيمية.
وروي عن أحمد: أنه نجس. قال في المغني: قول أحمد: إني لأفزع منه، ليس بصريح في نجاسته، وإنما هو دليل على توقفه فيه.
انظر: الإنصاف 1/327، المغني 2/81، 82، الفروع 1/165، الكافي 1/111.
3 انظر قول إسحاق: في الأوسط 2/151، المغني 2/81.(2/463)
قال إسحاق: كما قال1.
[151-] قلت: في كم تصلي المرأة؟
قال: أقله ثوبان2 قميص3 ومقنعه4.5.
__________
1 تقدم حكم هذه المسألة. راجع مسألة (65) .
2 في ع (ثوبين) .
3 قميص: هو ثوب مخيط بكمين، غير مفرج، يُلبس تحت الثياب مما يلي الجلد، ويكون من القطن، فإن كان من الصوف فلا يسمى قميصاً.
انظر: القاموس المحيط 2/315، تاج العروس 4/428.
4 مقنعة: هي ما تغطي به المرأة رأسها. انظر: لسان العرب 8/300.
5 قال ابن هانئ: (سألته- أي أحمد- عن المرأة في كم ثوب تصلي؟ قال: أقله درع وخمار، وتغطي رجليها، ويكون درعاً سابغاً يغطي رجليها) . المسائل 1/58 (286) .
قال ابن قدامة: (إن صلت في درع وخمار يستر جميع بدنها أجزأ، لما روينا من حديث أم سلمة، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها". المغني 1/603، الكافي 1/144.
قال الإمام أحمد: قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار، وما زاد فهو خير وأستر. والمستحب أن تصلي المرأة بثلاثة ثياب: درع، وخمار، وجلباب، تتلحف به من فوق الدرع.
انظر: المبدع 1/366، كشاف القناع 1/311، 312.(2/464)
قال إسحاق: كما قال، عند الضرورة والذي يستحب لها ثلاثة أثواب.
[152-] قلت: قوم خرجوا من البحر عراة كيف يصلون؟
قال: يصلون قعوداً أعجب إليّ. يصلون جماعة إمامهم وسطهم1.
قال إسحاق: قياماً؛ لأنهم يطيقون ذلك، ويستر كل واحد منهم بيده على فرجه من غير أن يمس الفرج، يومؤن إيماء2.
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص 63 (226) ، وابن هانئ في مسائله 1/84، 85 (423) .
والمذهب: أن من عدم السترة صلى جالساً أو قائماً، والجلوس أولى، وعليه أكثر الأصحاب كما في هذه الرواية.
وقيل: تجب الصلاة جالساً والحالة هذه، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية أبي طالب، فإنه قال: لا يصلون قياماً إذا ركعوا وسجدوا بدت عوراتهم.
وروي عن الإمام أحمد: أنه يجب أن يصلي قائماً، اختارها الآجري وغيره.
وظاهر كلام الأصحاب: أنه يجب أن يصلي العراة جماعة.
والصحيح من المذهب: أن إمام العراة يجب أن يقف بينهم، وقيل: يجوز أن يؤمهم متقدماً عليهم.
انظر: الإنصاف 1/464، 465، 467، الروايتين والوجهين 1/137، المغني 1/592، 593، 596، 597، الفروع 1/242.
2 نقل ابن المنذر عن إسحاق: أن العراة يصلون ايماء وهم قيام. الإشراف خ ل أ 56.(2/465)
[153-] قلت: كم مؤخرة الرحل1؟
قال: ذراع2.
قال إسحاق: كما قال.
[154-] قلت: تقتل الحية والعقرب في الصلاة؟
قال: إي والله3.
قال إسحاق: كما قال4.
__________
1 الرحل: مركب للبعير والناقة، جمعه أرحل ورحال، وهو ما يوضع على ظهر البعير ليركب عليه كالسرج للفرس.
انظر: لسان العرب 11/274، معجم لغة الفقهاء ص220.
2 قال ابن قدامة: (قدر السترة في طولها ذراع، أو نحوه. قال الأثرم: سئل أبو عبد الله عن آخرة الرحل كم مقدارها؟ قال: ذراع.
وروي عن أحمد: انها قدر عظم الذراع.
والظاهر: أن هذا على سبيل التقريب لا التحديد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدرها بآخرة الرحل، وآخرة الرحل مختلف في الطول والقصر، فتارة تكون ذراعاً، وتارة تكون أقل منه، فما قارب الذراع أجزأ الاستتار به) . المغني 2/238. وانظر: الإنصاف 2/103، المبدع 1/489.
3 قال ابن قدامة: وله- أي المصلى- قتل الحية والعقرب. المقنع 1/162، قال المرداوي: بلا خلاف أعلمه. الإنصاف 2/96.
4 انظر قول إسحاق: في سنن الترمذي 2/235، الأوسط 3/271، المغني 2/11.(2/466)
[155-] قلت: من جيران المسجد؟
قال: كل من سمع النداء1.
قال إسحاق: كما قال.
وإن2 كان ذلك لحال وصية يوصي بها الميت فأربعون [ع-9/أ] دارا3 في كل ناحية لما ذكر النبي صلى الله عليه (وسلم) 4 ذلك5. وإن لم يكن
__________
1 قال صالح: حدثني أبي قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي قال: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. قيل: ومن جار المسجد؟ قال: من سمع المنادي. المسائل 2/38 (580) ، وانظر: كتاب الصلاة لابن القيم ص70، والمغني 6/124.
2 في ع (فان) .
3 في ع (ذراعا) .
4 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
5 روى البيهقي في الكبرى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوصاني جبريل عليه السلام بالجار إلى أربعين داراً، عشرة من ههنا، وعشرة من ههنا، وعشرة من ههنا، وعشرة من ههنا. قال إسماعيل عن يمينه وعن يساره وقباله وخلفه. وروى عنها رضي الله عنها قالت: يا رسول الله ما حق أو قال: ما حد الجوار؟ قال: أربعون داراً".
قال البيهقي: في هذين الإسنادين ضعف، وإنما يعرف من حديث ابن شهاب الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً أربعين داراً جار، قيل لابن شهاب: وكيف أربعين داراً؟ قال: أربعين عن يمينه وعن يساره وخلفه وبين يده. السنن الكبرى 6/276.
وروى أبو يلعى في مسنده عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حق الجوار أربعون داراً، هكذا وهكذا يميناً وشمالاً، وقداماً وخلفاً". المسند 10/385 (142) .
قال الهيثمي: (رواه أبو يعلي عن شيخه محمد بن جامع العطار وهو ضعيف) . مجمع الزوائد 8/168، وضعّفه أيضاً محقق المسند 10/385، وأضاف: عبد السلام- بن أبي الجنوب- متروك الحديث.
وروى الطبراني في معجمه الكبير، عن كعب بن مالك- رضي الله عنه-، قال:"أتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله اني نزلت في محلة بني فلان، وان أشدهم إلى أذى أقدمهم لي جواراً، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً يأتون المسجد، فيقومون على بابه، فيصيحون: ألا إن أربعين داراً جار، ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه". المعجم الكبير 19/73 (143) .
قال الهيثمي: فيه يوسف بن السفر وهو متروك. مجمع الزوائد 8/169، وروى أبو داود في مراسيله عن ابن شهاب- الزهري- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الساكن من أربعين داراً جار" قال: فقلت لابن شهاب: وكيف أربعون داراً؟ قال: أربعون عن يمينه، وعن يساره وخلفه، وبين يديه. ص257.
قال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات. تلخيص الحبير 3/107،
وقال الألباني: هذا سند رجاله ثقات، ولولا إرساله لحكمت عليه بالصحة، وعلى من يقول بصحة المرسل: أن يأخذ به. سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/295، وانظر: نصب الراية 4/413، 414.(2/467)
متصلاً1 اعتبر به وأخذ به الأوزاعي23.
[156-] قلت: يؤم الرجل أباه؟
قال: أي والله يؤم القوم اقرؤهم4.
__________
1 يريد حديث ابن شهاب.
2 هو عبد الرحمن بن محمد الاوزاعي، أبو عمرو، الشامي (88ـ156هـ) . كان إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وكثرة الرواية. وقد جمع بين: العبادة والورع والفصاحة وسعة العلم. وعرض عليه القضاء فامتنع عنه.
قال الشافعي: (ما رأيت أشبه فقهه بحديثه من الاوزاعي) .
انظر ترجمته: في طبقات ابن سعد 7/488، وفيات الأعيان 3/127، الفهرست لابن النديم ص284، صفة الصفوة 4/255.
3 نقل ذلك عن الأوزاعي: ابن قدامة في المغني 6/124، وابن المنذر في الإشراف خ ل أ 253.
4 قال أبو داود: قلت لأحمد: الرجل يؤّم أباه قال: من الناس من يتوقى ذلك إجلالاً لأبيه، ثم قال: إذا كان أقرأهم فأرجو، يعني: أنه لا بأس به. المسائل ص42.
ونقل عنه تقديم الأقرأ: عبد الله في مسائله ص 70، 110ت، 112 (252، 393، 399) ، وصالح في مسائله 2/118 (680) .
والمذهب: متفق مع هذه الرواية من أنه يسنّ أن يؤّم القوم أقرؤهم لكتاب الله، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن أحمد: أنه يقدم الأفقه على الأقرأ، إن قرأ ما يجزئ في الصلاة، اختارها ابن عقيل.
والصحيح من المذهب: أنه يقدم الأجود قراءة على الأكثر قرآناً، اختاره ابن قدامة، والمجد بن تيمية، وغيرهما.
وقيل: يقدم أكثرهم قرآنا، اختارها صاحب روضة الفقه.
انظر: الإنصاف 2/244، المغني 2/181ـ183، الفروع 1/474.(2/469)
قال إسحاق: كما قال1.
[157-] قلت: إذا سلم الإمام، وقد بقي على الرجل شيء من الدعاء؟.
قال: يسلم معه2.
__________
1 انظر قول إسحاق: في المجموع 4/180، الإشراف خ ل ب 33.
2 المذهب وهو ما عليه جماهير الأًصحاب: أنه يستحب للمصلي بعد فراغه من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بالله من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المسيح الدجال، وفتنة المحيا والممات.
وروي عن أحمد: أن التعوذ واجب، وعنه: من ترك شيئاً من الدعاء عمداً يعيد.
وقال أبو عبد الله بن بطة: (من ترك من الدعاء المشروع شيئاً مما يقصد به الثناء على الله تعالى أعاد) .
انظر: المبدع 1/467، 468، المغني 1/546، الإنصاف 2/81.
قال ابن قدامة: (ويستحب للإمام ابن يرتل القراءة والتسبيح والتشهد بقدر ما يرى أن من خلفه ممن يثقل لسانه قد أتى عليه، وأن يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يرى أن الكبير والصغير والثقيل قد أتى عليه، فإن خالف وأتى بقدر ما عليه كره وأجزأه) . المغني 1/550، 551.(2/470)
قال إسحاق: كما قال. إذا كان قد تشهد وصلى على النبي صلى الله عليه (وسلم) 1 فإن لم يفعل ذلك وسلم الإمام فليفعله2، ثم ليسلم.
[158-] قلت: أبو هريرة (رضي الله عنه) 3 اشترط على الإمام أن لا يسبقه بآمين4.
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
2 تقدم قول إسحاق: بوجوب التشهد. راجع مسألة (1) .
أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فنقل عنه: وجوبها، وبطلان الصلاة بتركها عمداً لا سهواً: ابن المنذر في الأوسط 3/214، وابن قدامة في المغني 1/542، والنووي في المجموع 3/450.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
4 روى عبد الرزاق في مصنفه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان مؤذناً للعلاء بن الحضرمي بالبحرين، فاشترط عليه بأن لا يسبقه بآمين. وروى عنه: أنه كان مؤذناً للعلاء بن الحضرمي. فقال له أبو هريرة: لتنظرني بآمين أو لا أؤذن لك. وروى عنه: أنه دخل المسجد والإمام- يقرأ- فناداه أبو هريرة لا تسبقني بآمين. المصنف 2/96. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/425، 427، والبخاري تعليقاً في الصحيح 1/129.
وروى البيهقي بسنده عن أبي رافع أن أبا هريرة (كان يؤذن لمروان بن الحكم فاشترط أن لا يسبقه بالضالين حتى يعلم أنه قد دخل الصف، فكان إذا قال مروان: ولا الضالين، قال أبو هريرة: آمين يمدّ بها صوته، وقال: إذا وافق تأمين أهل الأرض تأمين أهل السماء غفر لهم) . السنن الكبرى 2/59.(2/471)
قال: يقول: يتئد1 حتى يجيء المؤذن2؛ لفضل التأمين، كيف ترك الناس التأمين3.
__________
1 يتئد: التؤدة التأني والتمهل، ومنه يقال: اتئد يا فتى، وقد اتأد يتئد اتئاداً، إذا تأنى في الأمر.
انظر: القاموس المحيط 1/343، لسان العرب 3/443.
2 معناه: لا يكبر الإمام حتى ينتهي المؤذن من إقامته، ويقف في الصف. قال ابن قدامة: يستحب عندنا ألا يكبر إلا بعد فراغه من الإقامة، وعليه جلّ الأئمة في الأمصار. المغني 1/458.
وقال البهوتي: (لا يحرم الإمام حتى تفرغ الإقامة، نص عليه، وهو قول جلّ أئمة الأمصار) . كشاف القناع 1/382.
3 سؤال استنكاري عن ترك التأمين مع ثبوته بأحاديث صحيحة.
ونقل عن الإمام أحمد: أن الإمام والمأموم يؤمنون ويجهرون بتأمينهم. عبد الله في مسائله ص72 (258، 259) وصالح في مسائله 1/471 (494) ، وأبو داود في مسائله ص32.
والمذهب: أن التأمين عند فراغ الفاتحة سنة للإمام والمأموم، ويجهران به فيما يجهر فيه بالقراءة، ويخفى فيما تخفى فيه القراءة.
وروي عن الإمام أحمد: ترك الجهر بالتأمين.
انظر: الإنصاف 2/51، والفروع 1/307، الكافي 1/169.(2/472)
قال إسحاق: كما قال1. وهذا مما2 يدلك على3 أنه كان يقيم في موضعه.
[159-] قلت: إذا صلى في ماء وطين4 كيف يسجد؟
قال: إذا كان لا يقدر على السجود يفسد ثيابه يومئ إيماءً5 كما
__________
1 نقل قول إسحاق: (ان الإمام لا يكبر حتى تفرغ الإقامة) . ابن المنذر في الإشراف خ ل ب 35، وابن قدامة في المغني 1/458، وانظر قوله: أن التأمين سنة للإمام والمأموم، ويجهران به في الصلاة الجهرية. في سنن الترمذي 2/28، الأوسط 3/132، المجموع 3/335، المغني 1/489، المحلى 3/342، شرح السنة 3/59، اختلاف العلماء للمروزي ص41.
(مما) ساقطة من ع.
(على) ساقطة من ع.
4 في ع (طين وماء) بالتقديم والتأخير.
5 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص117 (418) ، وابن هانئ في مسائله 1/83 (416) ، وأبو داود في مسائله ص76.
والمذهب: متفق مع هذه الرواية، فمن كان في الطين والمطر، ولم يمكنه السجود على الأرض إلا بالتلوث بالطين والبلل بالماء، فله الصلاة على دابته، يومئ بالركوع والسجود. وهذا ما عليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن الإمام أحمد: أنه لا تصح صلاة الفرض على الراحلة.
والصحيح من المذهب: أن من كان راجلاً في ماء وطين، صلى قائماً، يركع ويومئ بالسجود، ولا يلزمه السجود على الأرض.
وعن الإمام أحمد: أنه يسجد على متن الماء كالغريق.
انظر: الإنصاف 2/311، 313، كشاف القناع 1/592، المبدع 2/103، 104.(2/473)
(فعل) 1 أنس (رضي الله عنه) 23.
__________
1 في ظ (قال) .
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
3 روى عبد الرزاق بسنده عن أنس بن سيرين قال: (كنت مع أنس بن مالك في يوم مطير حتى إذا كنا بأطيط- موضع بين البصرة والكوفة- والأرض فضفاض- علاها الماء- صلى بنا على حماره صلاة العصر يومئ برأسه إيماءً، وجعل السجود اخفض من الركوع) .
ورواه من طريق أخرى عن عاصم الأحول قال: (سمعت أنس بن مالك يقول: إنه كان يسير في ماء وطين، فحضرت الصلاة المكتوبة فلم يستطع أن يخرج من ذلك الماء. قال: وخشينا أن تفوتنا الصلاة، فاستخرنا الله واستقبلنا القبلة، فأومأنا على دوابنا إيماءً. المصنف) 2/573، 574.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/90، والطبراني في معجمه الكبير 1/214، 215 بلفظ (حتى إذا كنا بأطط أصبحنا والأرض طين وماء، فصلى المكتوبة على دابته، ثم قال: ما صليت المكتوبة قط على دابتي قبل اليوم) . قال الهيثمي: رجاله ثقات. مجمع الزوائد 2/162.
ووراه الترمذي تعليقاً في سننه فقال: (روى عن أنس بن مالك أنه صلى في ماء وطين على دابته) 2/268.
وقال الشوكاني: ثبت ذلك عن أنس- أي صلاة المكتوبة على الراحلة بعذر المطر- من فعله. نيل الأوطار 2/159.(2/474)
قال إسحاق: كما قال.
قال: وتجزئه المكتوبة1 في الحضر2 كما فعل أنس (رضي الله عنه) 3.
[160-] قلت: النفخ4 في الصلاة؟
قال: إي والله أكرهه شديداً إلا أني لا أقول يقطع الصلاة ليس هو كلام5.
__________
1 في ع إضافة (في المكتوبة) بعد كلمة (المكتوبة) وهي زائدة لا محل لها.
2 انظر قول إسحاق: (أن من كان في ماء وطين فله الصلاة على راحلته) في: سنن الترمذي 2/268، المغني 1/599، نيل الأوطار 2/160.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
4 النفخ في الصلاة: هو إخراج الهواء مع الفم، مع صوت شبيه بالنطق بحرفي أف أف.
انظر: القاموس المحيط 1/271، معجم لغة الفقهاء ص484.
5 قال ابن قدامة: (روي عن أحمد أنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة، ليس هو كلاماً) المغني 2/51. وذكر أبو يعلى: أن صالح نقل نحو هذه الرواية. الروايتين والوجهين 1/139.
والمذهب وهو ما عليه الأصحاب: أن المصلي إذا نفخ فبان منه حرفان فهو كالكلام يفسد الصلاة، وإن لم يبن منه حرفان فصلاته صحيحة.
وروى عن الإمام أحمد: أن النفخ ليس كالكلام، ولو بان حرفان فأكثر لا تبطل الصلاة به. اختارها ابن تيمية. وروى عنه: يفسدها مطلقاً ولو لم يبن منه حرفان.
قال أبو يعلى: (فيمكن أن تحمل المسألة على اختلاف حالين، فيقال: الموضع الذي قال: تفسد صلاته إذا كان حرفين، والموضع الذي قال: لا تبطل صلاته إذا كان حرفاً واحداً) .
انظر: الروايتين والوجهين 1/139، الإنصاف 2/138، الاختيارات الفقهية ص58، الفروع 1/370.(2/475)
قال إسحاق كما قال1.
[161-] قلت: إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} 2. يقول: سبحانك اللهم بلى؟
قال3: إن شاء قاله4 فيما بينه وبين نفسه، ولا يجهر بها في المكتوبة وغيرها5.
__________
1 انظر قول إسحاق: في سنن الترمذي 2/222، الأوسط 3/245، المجموع 4/22، المغني 2/52، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 22/618.
2 سورة القيامة آية: 40.
(قال) ساقطة من ع.
4 في ع (الله) .
5 ذكر في الفروع نص هذه الرواية نقلاً عن ابن منصور 1/315. وقال ابن هانئ: (قلت: رجل صلى بقوم صلاة الفريضة فمرت به آيات العذاب. قال الرجل: نستجير بالله من النار، أتكون صلاته تامة أم ناقصة؟ قال: مضت صلاته ولا يعيد الصلاة) . المسائل 1/43 (206) .
وقال ابن قدامة: (قيل لأحمد- رحمه الله-: إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} هل يقول: سبحان ربي الأعلى. قال: إن شاء قاله، فيما بينه وبين نفسه، ولا يجهر به في المكتوبة وغيرها) . المغني 2/58.
والمذهب: موافق لهذه الرواية، حيث يجوز للمصلي إذا مرت به آية رحمة وهو يقرأ أن يسأل الرحمة من الله تعالى، أو مرت به آية عذاب أن يستعيذ بالله منه.
وروي عن أحمد: أنه يستحب ذلك.
وعنه: يكره ذلك في الفرض.
ونقل الفضل بن زياد: لا بأس أن يقوله مأموم ويخفض صوته.
انظر: المبدع 1/493، الروايتين والوجهين 1/142، 143، الإنصاف 2/109، 110، المغني 1/550.(2/476)
قال إسحاق: كما قال. وإن أسمع أذنيه فحسن.
[162-] قلت: إذا دعا في صلاته يسمّى أحداً؟
قال: الوالدين والإخوان الذين سبقونا بالإيمان1.
__________
1 ما أفتى به هنا من جواز الدعاء في الصلاة لشخص معين هو ما عليه الصحيح من المذهب. قال الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول لابن الشافعي: انا أدعو لقوم منذ سنين في صلاتي أبوك أحدهم.
وروي عن أحمد: أنه لا يجوز، وعنه: يجوز في النفل دون الفرض. قال المرداوي: وهو أولى.
انظر: المغني 1/550، الفروع 1/332، الإنصاف 2/82، كشاف القناع 1/421.(2/477)
قال إسحاق: كلما كان بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه (وسلم) 1 فله أن يسمى في الدعاء من شاء، ويدعو على من شاء سنة ماضية2 من النبي (صلى الله عليه
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
2 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله- أي ابن مسعود- قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله … أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يتخيّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو".
ولفظ مسلم: "ثم يتخير بعد من الدعاء، ثم يتخير من المسألة ما شاء".
صحيح البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد 1/138، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة 1/301، 302 (55ـ58) .
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم، فيقول: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم أشدد وطأتك على مضر، وأجعلها عليهم سنين كسني يوسف"، وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له. صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب يهوي بالتكبير حين يسجد 1/132. صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب استحباب القنوات في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة 1/466، 467 (294، 295) .
وروى مسلم والبخاري في صحيحيهما بسنديهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحاً. يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصية، عصت الله ورسوله". صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة 1/468 (297ـ304) ، صحيح البخاري، كتاب الوتر، باب القنوت قبل الركوع وبعده 2/23.(2/478)
وسلم) 1 ومن بعده2 في المكتوبات.
__________
1 في ظ (عليه السلام) .
2 روى ابن المنذر بسنده عن عبد الرحمن بن مغفل قال: (صليت مع علي الغداة فقنت. فقال في قنوته: اللهم عليك بفلان وأصحابه وأشياعه أبي الأعور السلمي، وعبد الله بن فلان وأشياعه) . الأوسط 3/244.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وصرح بأسماء من دعا عليهم. المصنف 2/317. وروى ابن المنذر بسنده عن معاوية بن قرة قال: (قال أبو الدرداء: إني لأدعو لسبعين أخاً من اخواني وأنا في الصلاة أسميهم بأسمائهم، وأسماء آبائهم) . الأوسط 3/244.
ورواه ابن أبي شيبة مختصراً. المصنف 2/441 , وزاد فيه (وأنا ساجد) . وروى عبد الرزاق بسنده عن حفص بن الفرافصة: (أنه سمع عروة بن الزبير يقول في صلاته- وهو ساجد-: اللهم اغفر للزبير بن العوام ولأسماء بنت أبي بكر) . المصنف 2/449، 450. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/441، 442.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن عبد الأعلى أن أبا عبد الرحمن السلمي قنت في الفجر يدعو على قطري. المصنف 2/317. وروى أيضاً بسنده عن الحسن والشعبي: أنهما قالا: ادع في صلاتك بما بدا لك. المصنف 1/297.(2/479)
[163-] قلت: مسافر أدرك من صلاة المقيمين ركعة، أو أدركهم جلوساً؟
قال: يصلي بصلاتهم. وإذا أدركهم جلوساً1 يصلي بصلاتهم2، (فلولا) 3 الحديث في الجمعة4 لكان ينبغي
__________
1 في ع إضافة (قال) بعد كلمة (جلوساً) .
2 نقل عنه عبد الله وابن هانئ وأبو داود: (أن المسافر إذا دخل مع المقيم في صلاته فإنه يصلي صلاة المقيم) . مسائل عبد الله ص120 (432) ، مسائل ابن هانئ 1/81 (407) ، مسائل أبي داود ص59.
والمذهب: موافق لهذه الرواية، فالمسافر إذا ائتم بالمقيم لزمه أن يتمّ الصلاة، سواء أدرك جميع الصلاة، أو ركعة، أو أقلّ. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن المسافر يدخل في تشهد المقيم. قال: يصلي أربعاً.
وروي عن الإمام أحمد: أنه لا يلزمه الإتمام إلا إذا أدرك معه ركعة، فأكثر. اختارها في الفائق.
انظر: الإنصاف 2/323، المغني 2/284، الفروع 1/519، مطالب أولي النهى 1/723.
3 في ظ (لولا) بإسقاط الفاء.
4 روى النسائي في سننه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك". سنن النسائي، كتاب الجمعة، باب من أدرك ركعة من صلاة الجمعة 3/112 (1425) .
ورواه الحاكم في مستدركه 1/291، وأضاف في آخره (فقد أدرك الصلاة) ورواه ابن ماجه ولفظه: (من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى) سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة 1/356 (1121) .
ورواه الدارقطني في سننه 2/10، 11، والبيهقي في السنن الكبرى 3/203. والحاكم في مستدركه 1/291، وقال فيه وفي الحديث الأول: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الذهبي. وعند الدارقطني والبيهقي زيادة في آخره: (فإن أدركهم جلوساً صلى الظهر أربعاً) .
والحديث مختلف في إسناده؛ لأن في رجاله من هو ضعيف أو مدّلس، وقد تكلم أهل العلم في ذلك وأفاضوا.
انظر: الجوهر النقي 3/202ـ204، التعليق. المغني على الدارقطني 2/10ـ14، إرواء الغليل 3/84ـ88.
وروى النسائي في سننه بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها، فقد تمّت صلاته". سنن النسائي، كتاب الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة 1/274، 275 (557) .
ورواه ابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة 1/356 (1123) . والدارقطني في سننه 2/12، وفي آخره "فليضيف إليها أخرى وقد تمّت صلاته".
قال الألباني- بعد أن أورد طرق هذه الأحاديث وما قيل فيها-: (جملة القول أن الحديث بذكر الجمعة صحيح من حديث ابن عمر مرفوعاً، وموقوفاً لا من حديث أبي هريرة) . إرواء الغليل 3/90.
قال المجد بن تيمية: (قلّ أن تسلم طريق لهذا الحديث عن القدح إلا أن أحمد قال في رواية حنبل وعبد الله: لولا الحديث الذي يروى في الجمعة لكان ينبغي أن يصلي ركعتين إذا أدركهم جلوساً. وهذا يدل على أنه قد صح له طريق عنده) .(2/480)
قال ابن مفلح: (هو كما قال؛ لأن كلام الإمام يعطي أنه ترك قياساً وأصلاً لهذا الحديث) . النكت والفوائد السنية 1/155، 156.(2/481)
(له) 1 أن يصلي ركعتين إذا أدركهم جلوساً.
قال إسحاق: كلما دخل المسافر في صلاة المقيمين فنوى أن يصلي كصلاتهم2 لزمه ذلك، وله أن ينوي صلاة نفسه، ويدخل مع المقيمين3 [ظ-8/أ] فإذا صلى ركعتين وجلس سلم وخرج، وإن شاء تطوع معه فيما بقي.
فأما إذا أدرك المسافر المقيم جالساً في آخر صلاته فعليه صلاة المسافر؛ لأن المقيم قد فرغ كالجمعة إذا أدركهم جلوساً4.
[164-] قلت: ابن عمر (رضي الله عنهما) 5 قال: لقد قتل عثمان وما أحد
__________
(له) إضافة من ع.
2 في ع (صلاتهم) بإسقاط الكاف.
3 في ع (المقيم) بالإفراد.
4 انظر قول إسحاق: في المجموع 4/240، المغني 2/284.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.(2/482)
1 يسبحها2.3؟.
قال: يقول لم تكن تسبح4.
__________
1 هذا الأثر بهذه الألفاظ لم أعثر عليه، لكن روى عن ابن عمر رضي الله عنهما ما يفيد معناه. روى مسلم في صحيحه بسنده عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قال: "صحبت ابن عمر في طريق مكة. قال: فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله، وجلس وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى، فرأى ناساً قياماً. فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون. قال: لو كنت مسبحاً لأتممت صلاتي يا ابن أخي إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله. وقد قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ". صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها 1/479، 480 (8) . ورواه البخاري في صحيحه مختصراً، كتاب التقصير، باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها 2/40.
2 في ع (يستحبها) .
3 يسبحها: السبحة النافلة من الصلوات انظر: النهاية في غريب الحديث 2/331.
4 هذا رأي ابن عمر رضي الله عنهما. أما رأي أحمد- رحمه الله-. فقال ابن هانئ: (سألته عن التطوع في السفر؟ قال: يتطوع أفضل. وقال: سئل عن التطوع في السفر. فقال: وما بأس به، قيل له: فإن ترك التطوع؟ قال: لا عليه أن لا يتطوع. المسائل 1/82، 85 (411، 426) .
وقال أبو داود: (قلت لأحمد: التطوع في السفر؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس) . المسائل ص 77.
ولم أطلع على قول في المذهب يرى كراهة التطوع في السفر.
انظر: المغني 2/294، الإنصاف 2/344، كشاف القناع 2/8.(2/483)
قال إسحاق: كما قال1.
[165-] قلت2: يجمع بين الصلاتين في السفر و3 الحضر، كيف4 يجمع بينهما؟
قال: وجه الجمع: أن يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر، ثم ينزل فيجمع بينهما ويؤخر المغرب كذلك، وإن قدم فأرجو أن لا يكون به بأس.
قال إسحاق: كما قال. بلا رجاء5.
__________
1 يرى إسحاق- رحمه الله- جواز التطوع في السفر نقل ذلك عنه الترمذي في سننه 2/436، وابن المنذر في الإشراف خ ل ب 60، والأوسط خ ل أ 274، وابن بطال في شرح البخاري خ ل أ 302، وابن قدامة في المغني 2/294.
2 في ع إضافة (هل) بعد كلمة (قلت) .
3 في ع (أو) .
4 في ع (وكيف) بإضافة واو.
5 تقدم الكلام عن حكم هذه المسألة. راجع مسألة (132) .(2/484)
[166-] قلت: المؤذن الأعمى (أو) 1 الإمام؟.
قال: أما الإمام (أفليس) 2 النبي صلى الله عليه (وسلم) 3 استخلف4 ابن أم مكتوم5.6، والمؤذن إذا كان في المدينة تتبع
__________
1 في ظ (و) بإسقاط الهمزة.
2 في ظ (فليس) فإسقاط همزة الاستفهام.
3 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
4 روى أبو داود في سننه عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى. سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب إمامة الأعمى 1/398 (595) . ورواه أحمد في المسند 3/192، وابن الجارود في المنتقى ص114 (310) ، دون ذكر الإمامة. وإسناده حسن. انظر: تحقيق مسند أبي يعلى 7/435. ورواه أبو يعلى في مسنده عن عائشة رضي الله عنها 7/434، وابن حبان في صحيحه. انظر: الإحسان 3/287 (2131، 2132) ، والطبراني في الأوسط. انظر: مجمع البحرين في زوائد المعجمين خ، 1/64ـ70.
قال الهيثمي: (رجال أبي يعلى رجال الصحيح) . مجمع الزوائد 2/65، وقال البوصيري- بعد أن ساقه بإسناد أبي يعلى- هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. إتحاف الخيرة 3/341.
5 هو: عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم القرشي، معروف بابن أم مكتوم، وهي أمه عائكة بنت عبد الله. صحابي جليل، أسلم قديماً، وهاجر إلى المدينة قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يستخلفه عليه الصلاة والسلام في عامة غزواته، يصلي بالناس. انظر ترجمته في: الإصابة 2/516، سير أعلام النبلاء 1/360، العبر 1/19، مشاهير علماء الأمصار ص16.
6 قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الأعمى يؤم؟ قال: لا بأس. المسائل ص42. ولا خلاف في المذهب في جواز إمامة الأعمى، والخلاف فيه فيما إذا اجتمع مع البصير من أولى منهما بالإمامة؟.
والمذهب: أن البصير أولى. وعن أحمد رواية: أن الأعمى أولى.
وعنه: هما سواء، اختارها القاضي.
انظر: المغني 2/193، الإنصاف 2/251، الفروع 1/476.(2/485)
الناس في الأذان. ألا أن يكون في قرية وحده1.
قال إسحاق: كما قال2.
[167-] قلت (لأحمد) :3 كيف الأذان؟
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص58 (204) ، وصالح في مسائله 1/161 (60) ، وأبو داود في مسائله ص28.
والمذهب: أنه يصح أذان الأعمى بدون كراهة إذا علم بالوقت، بأن كان معه بصير يعرفه الوقت، أو يؤذن بعد أذان بصير، إلا أنه يستحب أن يكون المؤذن بصيراً؛ لأن الأعمى لا يعرف الوقت، فربما غلط. انظر: الإنصاف 1/409، الكافي 1/131، المبدع 1/315، كشاف القناع 1/271.
2 نقل قول إسحاق: بجواز إمامة الأعمى. ابن المنذر في الإشراف خ ل أ 34، والأوسط خ ل أ 201، وابن قدامة في المغني 2/193، ونقل عنه: صحة أذان الأعمى ابن المنذر في الإشراف خ ل ب 6، والأوسط 3/42، وانظر: فتح الباري لابن رجب خ ل أ331.
(لأحمد) إضافة من ع.(2/486)
قال: الأذان مثنى مثنى1، والإقامة فرد2، إلا قوله قد قامت الصلاة.
قال: مرتين3.
قال إسحاق: كما قال4.
__________
1 نقل عنه: أن الأذان مثنى مثنى. صالح في مسائله 3/244 (1739) ، وقال ابن هانئ: (سمعت أبا عبد الله يؤذن مثنى مثنى) . المسائل 1/41 (190) .
والصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية، حيث إن المختار من الأذان، أذان بلال خمس عشرة كلمة، مثنى مثنى لا ترجيع فيه.
وروي عن أحمد أنه قال: الترجيع أحب إليّ. نقلها حنبل.
وعنه: هما سواء أي الترجيع أو عدمه.
انظر: الإنصاف 1/412، 413، الفروع 1/219، كشاف القناع 1/273.
2 في ع (فرداً) بالنصب.
3 نقل عنه إفراد الإقامة إلا قوله قد قامت الصلاة فتثنى. عبد الله في مسائله ص58 (202) ، وابن هانئ في مسائله 1/41 (190) ، وأبو داود في مسائله ص27.
والمذهب: متفق مع هذه الرواية من أن الإقامة إحدى عشرة كلمة (الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله) .
وروي عن أحمد: أنه مخير بين هذه الصفة وتثنيتها.
انظر: المغني 1/406، المبدع 1/316، 217، الإنصاف 1/413.
4 انظر قول إسحاق: في تثنية الأذان في الأوسط 3/16، المجموع 3/101، المغني 1/404، فتح الباري 2/84، معالم السنن 1/152.
وانظر: قوله في إفراد الإقامة في سنن الترمذي 1/370، الأوسط 3/17، شرح السنة 2/255، اختلاف العلماء للمروزي ص62، المجموع 3/101، معالم السنن 1/152، فتح الباري لابن رجب خ ل ب 13(2/487)
[168-] قلت: آخر الأذان.
قال: لا إله إلا الله.
قال إسحاق: كما قال1.
[169-] قلت: من أول من قال الصلاة خير من النوم؟
قال: يقال: إنه [ع-9/ب] بلال2 (رضي الله
__________
1 لا خلاف أن آخر الأذان لا إله إلا الله، إذ جميع الأحاديث التي رويت في صفة الأذان ختمته بكلمة لا إله إلا الله.
قال ابن مفلح: (ختم بلا إلا إله إلا الله ليختم بالتوحيد وباسم الله تعالى كما بدأ به، وشرع مرّة أشارة إلى وحدانية المعبود سبحانه) . المبدع 1/317.
2 هو: بلال بن أبي رباح الحبشي، وهو بلال بن حمامة وهي أمه، صحابي جليل من أوائل الذين أسلموا، فعذبه المشركون على التوحيد أشد العذاب، حتى اشتراه أبو بكر رضي الله عنه فأعتقه، ثم لزم بلال النبي صلى الله عليه وسلم، وأذّن له، وشهد معه جميع المشاهد، ثم أذن في خلافة أبي بكر، ثم خرج مجاهداً في سبيل الله، إلى أن توفي بالشام سنة عشرين من الهجرة.
انظر ترجمته في: الاستيعاب 1/145، مرآة الجنان 1/75، البداية والنهاية 7/102، سير أعلام النبلاء 1/347.(2/488)
عنه) 1.2.
وقال أحمد: نعم نقول34.
__________
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
2 روى ابن ماجه في سننه عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر. فقيل: هو نائم، فقال الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، فأقرت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك". سنن ابن ماجه، كتاب الأذان، باب السنة في الأذان 1/237 (716) .
قال البوصيري: هذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعاً سعيد بن المسيب، لم يسمع من بلال. مصباح الزجاجة 1/90، وانظر: تلخيص الحبير 1/212.
ورواه عبد الرزاق في مصنفه مرسلاً عن ابن المسيب 1/472، والبيقهي في سننه الكبرى 1/422.
3 في ع (يقوله) .
4 قال أبو داود: (كان يؤذن في مسجد أحمد كأذان أهل العراق. يقول في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم مرتين) . المسائل ص27.
ولا نزاع في المذهب في استحباب أن يقول المؤذن في أذان الصبح: " الصلاة خير من النوم" مرتين، بعد قوله: (حي الفلاح) .
ولا يجب على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أن ذلك يجب.
انظر: الإنصاف 1/413، الفروع 1/219، المغني 1/407.(2/489)
قال إسحاق: كما قال1.
هو سنة2 (مسنونة) 3 في صلاة الصبح (فلا) 4 يدعنه (المؤذن) 5 مغلساً6 كان أو7 مسفراً.
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/22، المغني 1/408، المجموع 2/101.
2 روى أبو داود في سننه عن أبي محذورة -رضي الله عنه- قال: (قلت: يا رسول الله؛ علمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي، وقال: "تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ترفع بها صوتك، ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله،، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، فإن كانت صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، إلا إله إلا الله".
سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان 1/340 (500) .
ورواه ابن حبان في صحيحه. انظر: الإحسان 3/96 (1680) ، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التثويب في أذان الصبح 1/200 (385) والدارقطني في سننه 1/234، 235، والبيهقي في السنن الكبرى 1/422.
والحديث صححه ابن حزم. انظر: تلخيص الحبير 1/213.
(مسنونة) إضافة من ع.
4 في ظ (لا) بإسقاط الفاء.
(المؤذن) إضافة من ع.
6 مغلساً: الغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
انظر: النهاية في غريب الحديث 3/377، مختار الصحاح ص478.
7 في ع (أم) .(2/490)
[170-] قلت: الأذان1 بالليل؟
قال: في الفجر ليس به بأس2.
قال إسحاق: السنة3 في الفجر
__________
1 في ع (الآن) .
2 نقل عنه جواز الأذان قبل طلوع الفجر. عبد الله في مسائله ص58 (203) ، وصالح في مسائله 1/277 (219) ، وأبو داود في مسائله ص 27.
والصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية من صحة الأذان وإجزائه بعد نصف الليل لصلاة الفجر، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن أحمد: أنه لا يصح الأذان قبل طلوع الفجر كغيرها من الصلوات.
وعنه: يكره الأذان قبل الوقت مطلقاً، ويستحب لمن أذن قبل الفجر أن يكون معه من يؤذن في الوقت.
انظر: الفروع 1/225، المبدع 1/325، 326، الإنصاف 1/420، مطالب أولي النهى 1/291.
3 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم". صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره 1/106، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، أو أن له الأكل حتى يطلع الفجر 2/766 (1092) .(2/491)
كذلك1، وسائر الصلوات يعيد إذا أذن قبل الوقت2.
[171-] قلت: المؤذن يجعل أصبعيه3 في أذنيه؟
قال: إي والله4.
__________
1 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 1/393، الأوسط 3/29، المغني 1/409، شرح السنة 2/300، المجموع 3/97، معالم السنن 1/157، عمدة القاري 4/292.
2 لا يصح الأذان قبل دخول الوقت في غير صلاة الفجر بإجماع المسلمين. قال النووي: (أما غيرها- أي الفجر- فلا يصح الأذان لها قبل وقتها بإجماع المسلمين، نقل الإجماع فيه ابن جرير وغيره) . المجموع 3/97.
وقال ابن قدامة: (الأذان قبل الوقت في غير الفجر لا يجزئ، وهذا لا نعلم فيه خلافاً) المغني 1/409.
3 يجعل إصبعيه: أي مقدمة الإصبعين، ولا يدخل كل الإصبعين في الأذنين لعدم إمكانية ذلك.
4 قال عبد الله: (رأيت أبي يؤذن، فرأيته يجعل إصبعيه في أذنيه) المسائل ص59، 60 (210، 212) . ومثله قال ابن هانئ في: مسائله 1/41 (193) .
والمذهب: متفق مع هذه الرواية، حيث يستحب أن يجعل إصبعيه السبابتين في أذنيه حال الأذان، وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يجعل أصابعه على أذنيه مبسوطة مضمومة سوى الإبهام.
وعنه: يفعل ذلك مع قبضه أصابعه على كفيه، وهو اختيار الخرقي وابن عبدوس وابن البنا.
انظر: المغني 1/422، 423، الإنصاف 1/417، المحرر في الفقه ومعه النكت 1/37، 38، كشاف القناع 1/277.(2/492)
قال إسحاق: نعم1 وفي إقامته2 أيضاً.
كذلك قال الأوزاعي3.
[172-] قلت (لأحمد) :4 هل5 يدور6 المؤذن في الأذان، أو يتكلم؟
قال: لا، إلا أن يكون في منارة يريد أن يسمع الناس7.
__________
1 انظر قول إسحاق: أن المؤذن يجعل إصبعيه في، أذنيه في: الأوسط 3/27، عمدة القاري 4/315.
2 في ع (امامته) .
3 نقله عنه الترمذي في سننه 1/377، والبغوي في شرح السنة 2/269، وانظر: فتح الباري 2/116، وعمدة القاري 4/315.
(لأحمد) إضافة من ع.
(هل) ساقطة من ع.
6 يدور: أي ينحرف برأسه وعنقه يمنة ويسرة عند التلفظ بالحيعلتين في الأذان.
انظر: فتح الباري 2/115، شرح مسلم للنووي 4/219.
7 قال عبد الله: (رأيت أبي يؤذن … فأحسب اني رأيته يقبل بوجهه يمنة مرة، ومرة يسرة) . المسائل ص60 (212) .
ونقل عنه صالح وابن هانئ: أنه يلتفت برأسه ولا يدير بدنه. مسائل صالح 1/160 (58) ، مسائل ابن هانئ 1/41 (192) .
والمذهب- وهو ما عليه جمهور الأصحاب- أن المؤذن إذا بلغ الحيعلة التفت يمنياً وشمالاً بوجهه، ولا يحول صدره عن القبلة، ولا يزيل قدميه عن مكانهما.
وروي عن أحمد: أنه يزيل قدميه ويستدير في منارة ونحوها. قال المرداوي: وهو الصواب؛ لأنه أبلغ في الإعلام، وهو المعمول به، زاد أبو المعالي: يفعل ذلك مع كبر البلد.
انظر: الإنصاف 1/416، المغني 1/426، الفروع 1/221، 222 الروايتين والوجهين 1/112.(2/493)
قال: والكلام ليس به بأس1.
__________
1 نقل نحوها صالح في مسائله 1/159 (57) ، وأبو داود في مسائله ص27، 29. والصحيح من المذهب: أن الكلام الكثير محرماً كان أو مباحاً يبطل الأذان، وفي الرعاية: وجه أنه يعتد به.
أما الكلام اليسير المحرم كالسب. فالصحيح من المذهب: أنه يبطل الأذان ولا يعتد به، وعليه أكثر الأصحاب، وقيل: لا يبطله ويعتد بالأذان، وذكره ابن قدامة وجهاً. والكلام اليسير المباح: جائز للحاجة بلا كراهة كرد السلام، فإن كان لغير حاجة، فالصحيح من المذهب: أنه يكره، وروي عن أحمد: أنه لا بأس به، وعنه: يكره رد السلام.
انظر: المبدع 1/323، 324 المغني 1/424، 425، الإنصاف 1/419، 420، مطالب أولي النهى 1/293(2/494)
قال إسحاق كما قال1. ولكن يكون كلامه ذكرا لله (عز وجل) 2 أو حاجة من سبب الصلاة.
[173-] قلت: يؤذن على غير وضوء؟
قال: ما أعلم به بأسا3.
قال إسحاق: لا يؤذن إلا متوضئاً4.
__________
1 نقل قول إسحاق: بالتفات المؤذن في الحيعلتين وعدم الاستدارة، إلا إذا كان في المنارة. ابن المنذر في الأوسط 3/27، والنووي في المجموع 3/114.
ونقل عنه عدم جواز الكلام في الأذان إلا إذا كان يتعلق بالصلاة: ابن المنذر في الأوسط 3/45، حيث قال: (قال إسحاق: لا ينبغي للمؤذن أن يتكلم في أذانه، إلا كلاماً من شأن الصلاة، نحو صلوا في رحالكم) .
وانظر: عمدة القاري 4/292، فتح الباري 2/97.
(عز وجل) إضافة من ع.
3 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص58 (201) ، صالح في مسائله 1/185 (102) .
ولا نزاع بين الأصحاب أنه يستحب للمؤذن أن يكون متطهراً من الحدث الأصغر، ولا تجب الطهارة الصغرى له بلا نزاع، فإن أذن وهو محدث صح بدون كراهة، كما في هذه الرواية، وهو ما عليه الصحيح من المذهب، وقيل: يكره مع صحته.
انظر: الإنصاف 1/415، الكافي 1/132، المبدع 1/320، كشاف القناع 1/276.
4 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 1/390، الأوسط 3/38، المجموع 3/112.(2/495)
[174-] قلت التثويب1 في أي (صلاة) 2 هو3؟
قال: لا أعرفه، (وأما) 4 الذي نعرف التثويب أن يقال5: الصلاة خير من النوم6.
__________
1 التثويب: قال الخطابي: العامة لا تعرف التثويب في الأذان إلا قول المؤذن في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم، وسمي تثويباً؛ لأن المؤذن يرجع إليه مرة أخرى. غريب الحديث 1/715، وانظر: الصحاح 1/95.
2 في ظ (الصلاة) بزيادة ال التعريف.
3 في ع (هي) .
4 في ظ (وما) بإسقاط الألف.
5 في ع (يقول) .
6 تقدم الكلام على قول: الصلاة خير من النوم في الأذان. راجع مسألة (169) . قال ابن قدامة- عن هذا العمل-: يسمى التثويب. وقال: يكره التثويب في غير الفجر، سواء ثوب في الأذان أو بعده. المغني 1/407، 408، وانظر: الإنصاف 1/414، الفروع 1/219.
وقال الترمذي: اختلف أهل العلم في تفسير التثويب، فقال بعضهم التثويب: أن يقول في أذان الفجر: (الصلاة خير من النوم) وهو قول ابن المبارك وأحمد، ثم قال: وهو قول صحيح، ويقال له: التثويب أيضاً، وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه. سنن الترمذي 1/380، 381.
وقال البغوي: التثويب هو أن يقول في أذان الصبح- بعد قوله حي على الفلاح-: (الصلاة خير من النوم) مرتين، وإليه ذهب ابن المبارك والشافعي وأحمد.
ثم قال: سمي تثويباً من ثاب إذا رجع؛ لأنه يرجع إلى دعائهم بقوله: الصلاة خير من النوم، بعد ما دعاهم إليها بقوله: حي على الصلاة، حي الفلاح. شرح السنة 2/265.(2/496)
قال إسحاق: التثويب1 بين الصلوات، وهو2 مما ابتدعه القوم بعد النبي صلى الله عليه (وسلم) 3 وتركه أفضل4.
__________
1 التثويب بين الصلوات: هو الإعلام بالصلاة بعد الأذان، وذلك أن المؤذن إذا نادى بالأذان الناس إلى الصلاة، فإنه ينادي بعد التأذين. فيقول: الصلاة الصلاة رحمكم الله، يدعو إليها عوداً بعد بدء.
انظر: لسان العرب 1/247، معجم لغة الفقهاء ص121.
(وهو) ساقطة من ع.
3 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
4 نقله الترمذي عنه حيث قال: (قال إسحاق: في التثويب غير هذا- أي المعنى المتقدم- قال: التثويب المكروه: هو شيء أحدثه الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم قال: بين الأذان والإقامة: (قد قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح) .
قال الترمذي: وهذا الذي قال إسحاق: هو التثويب الذي قد كرهه أهل العلم، والذي أحدثوه بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال: روى عن مجاهد قال: (دخلت مع عبد الله بن عمر مسجداً، وقد أذن فيه ونحن نريد أن نصلي فيه. فثوب المؤذن، فخرج عبد الله بن عمر من المسجد، وقال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع، ولم يصل فيه. سنن الترمذي 1/380ـ382. ونقل عنه مثله البغوي في شرح السنة 1/265.
وقال ابن العربي: شاهدت فنا من التثويب بمدينة السلام، وهو: أن يأتي المؤذن إلى دار الخليفة فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين. ورأيت الناس في مساجدهم في بلاد إذا قامت الصلاة يخرج إلى باب المسجد من ينادي: الصلاة رحمكم الله، وهذا كله تثويب مبتدع، وإنما الأذان مشروع للإعلام بالوقت لمن بعد، والإقامة لإعلام من حضر، حتى لا تأتي العبادة على غفلة. عارضة الأحوذي 1/313، 314.(2/497)
[175-] قلت: يؤذن الغلام وإن1 لم يحتلم2؟
قال: إذا كان قد راهق345.
__________
1 في ع (قبل ان) .
2 يحتلم: أي يبلغ؛ لأن أمارته نزول المني أثناء النوم. انظر: معجم لغة الفقهاء ص46.
3 راهق: أي دنا من الاحتلام واقترب منه.
انظر: معجم مقاييس اللغة 2/451، الصحاح 4/1487.
4 في ع إضافة (الحلم) بعد كلمة (راهق) .
5 المذهب: أنه يجزئ أذان المميز للبالغين، وعليه جمهور الأصحاب، واختاره أبو يعلى وابن قدامة وغيرهما.
وروي عن أحمد: أنه لا يجزئ أذانه. اختاره ابن تيمية، ومال إليه المجد بن تيمية. وقال في مجمع البحرين: لا يجزئ أذان المميز في أقوى الروايتين.
وقال القاضي أبو يعلى: يصح أذان المراهق رواية واحد. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: اختلف الأصحاب في تحقيق موضع الخلاف. منهم من يقول: موضع الخلاف: سقوط الفرض به، والسنة المؤكدة إذا لم يوجد سواه. وأما صحة أذانه في الجملة، وكونه جائزاً إذا أذن غيره فلا خلاف في جوازه.
ومنهم من أطلق الخلاف … والأشبه: أن الأذان الذي يسقط الفرض عن أهل القرية ويعتمد في وقت الصلاة والصيام لا يجوز أن يباشره صبي قولاً واحداً، ولا يسقط الفرض ولا يُعْتَدُّ به في مواقيت العبادات.
وأما الأذان الذي يكون سنة مؤكدة في مثل المساجد التي في المصر ونحو ذلك، فهذا فيه روايتان والصحيح جوازه. انظر: الإنصاف 1/423، الروايتين والوجهين 1/111، المغني 1/413، 414 الاختيارات الفقهية ص37(2/498)
قال إسحاق: يجوز إذا جاوز سبع سنين لما قد أمر بالصلاة1.
[176-] قلت: يؤذن في السفر ويقيم؟
قال: نعم2، حديث مالك3 ابن
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/40.
2 قال عبد الله: قلت: فيجب الأذان على الجماعة في السفر؟ قال: ما أحسنه، قلت: فإن لم يفعلوا؟! قال: يجزئهم. المسائل ص59 (206) .
والصحيح من المذهب: أن الأذان والإقامة في السفر سنة، وعليه جمهور الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنهما فرض كفاية كالحضر، إذا قام به من تحصل به الكفاية سقط عن الباقين. قال ابن قدامة: وهذا قول أكثر أصحابنا. ثم قال: وإن صلى مصل بغير أذان ولا إقامة فالصلاة صحيحة على القولين. انظر: الإنصاف 1/407، الفروع 1/216، المغني 1/417، الروض المربع 1/123، 124.
3 هو مالك بن الحويرث بن أشيم بن زياد الليثي، أبو سليمان البصري، صحابي جليل، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاب، وأقام عنده عشرين يوماً. روى عنه فيها عدة أحاديث، ثم رجع إلى قومه، توفي سنة أربع وسبعين من الهجرة.
انظر ترجمته في الإصابة 3/422، تهذيب الأسماء واللغات 2/80، الاستيعاب 3/354، الجرح والتعديل 8/207.(2/499)
الحويرث1.
قال إسحاق: كما قال2.
[177-] قلت: يؤذن وهو قاعد؟
قال: ما يعجبني3.
__________
1 روى البخاري في صحيحه عن مالك بن الحويرث قال: أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أنتما خرجتما فأذنا، ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما". صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر 1/107، ورواه الترمذي والنسائي والبيهقي بلفظ "قدمت على رسول الله أنا وابن عم لي، فقال لنا: إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الأذان في السفر، 1/399 (205) ، سنن النسائي، كتاب الإمامة، باب تقديم ذوي السن 2/77 (781) ، السنن الكبرى للبيهقي 1/411.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/47، سنن الترمذي 1/399.
3 يستحب أن يؤذن الرجل قائماً، فإن أذن قاعداً أو راكباً لغير عذر، أو ماشياً جاز، ويكره على الصحيح من المذهب.
وروي عن أحمد: أنه لا يكره ذلك لا في الحضر ولا في السفر.
وعنه: يكره في الحضر دون السفر.
وعنه: إن أذن قاعداً يعيد، ومال إليه ابن تيمية.
قال ابن قدامة: (وإن كان له عذر فلا بأس أن يؤذن قاعداً) . قال الحسن العبدي: (رأيت أبا زيد- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكانت رجله أصيبت في سبيل الله يؤذن قاعداً) .
انظر: المبدع 1/319، 320 المغني 1/423، 424، الإنصاف 1/414، 415.(2/500)
قال إسحاق: كما قال، إلا من عذر مرض، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو كان مؤذناً فأصابته الأكلة1 فقطعت رجله، أو كان قطعها من سرقة [ظ-8/ب] أو غير ذلك أذن قاعداً2.
[178-] قلت: التطريب3 في الأذان؟
__________
1 الأَكِلَة: داء يقع في العضو فيأتكل منه.
انظر: القاموس المحيط 3/329، لسان العرب 11/22.
2 قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من السنة أن يؤذن المؤذن قائماً) . الإجماع ص39، وانظر: المغني 1/423.
وقال أيضاً: (لم يختلف أهل العلم في أن من السنة أن يؤذن المؤذن وهو قائم إلا من علة؛ فإن كانت به علة فله أن يؤذن جالساً) . الأوسط 3/46.
3 التطريب: ترجيع الصوت وتزيينه ومده وتحسينه. والمراد: تلحين الأذان، والتغني بألفاظه.
انظر: لسان العرب 1/557، والصحاح 1/172.(2/501)
قال: كل شيء محدث. كأنه لم يعجبه1.
قال إسحاق: كما قال2؛ لأنه بدعة.
[179-] قلت: من نسي الأذان والإقامة؟
قال: (أجزأته) 3 صلاته4.
__________
1 نقل في الفروع قول أحمد هذا. والمذهب: أن الأذان الملحن إذا لم يحل المعنى، فإنه يعتد به مع الكراهة. وهذا أحد الوجهين. والوجه الثاني: لا يعتد به ولا يصح.
انظر: الفروع 1/224، 225، المغني 1/414. الإنصاف 1/424، 425.
2 ذكر ابن رجب قول إسحاق نقلاً عن ابن منصور من هذه المسائل. فتح الباري خ ل أ 14.
3 في ظ (أجزت) بإسقاط الهاء في آخر الكلمة.
4 قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن قوم صلوا بغير أذان ولا إقامة؟ قال: صلاتهم جائزة) . المسائل ص29.
والصحيح من المذهب: أن الأذان والإقامة فرض كفاية في القرى والأمصار وغيرهما، وعليه جمهور الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنهما فرض كفاية في الأمصار، سنة في غيرهما.
وعنه: هما سنة مطلقاً.
قال الخرقي: (من صلى بلا أذان ولا إقامة كرهنا له ذلك ولا يعيد) .
قال ابن قدامة: ظاهر كلام الخرقي أن الأذان سنة مؤكدة وليس بواجب؛ لأنه جعل تركه مكروهاً … فعلى قول أصحابنا- أي على المذهب-، إذا قام به من تحصل به الكفاية سقط عن الباقين؛ لأن بلالاً كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فيكتفي به، وإن صلى مصل بغير أذان ولا إقامة فالصلاة صحيحة على القولين- أي من يقول: بأنه فرض، أو يقول: هو سنة.
انظر: المغني 1/417، المبدع 1/312، الفروع 1/216، الإنصاف 1/407.(2/502)
قال إسحاق: كما قال. إذا كان في المصر1، وإذا كان في السفر وحده فلابد له من الإقامة.
[180-] قلت: متى يقوم الناس؟
قال: إذا قام2 المؤذن.
قال: إذا كان إمامهم في المسجد يقومون إذا قال: قد قامت الصلاة3.
__________
1 انظر قول إسحاق: أن من صلى بغير أذان ولا إقامة فلا إعادة عليه، وصلاته جائزة، في: الأوسط 3/25. وذكر النووي: أن مذهب إسحاق هو سنية الأذان والإقامة في الحضر والسفر. المجموع 3/89.
2 في ع (قام) بإسقاط الألف.
3 نقل عنه نحوها صالح في مسائله 2/480 (1202) . وابن هانئ في مسائله 1/41 (195) ، وأبو داود في مسائله ص29.
والصحيح من المذهب: أن المأموم لا يقوم للصلاة حتى يرى الإمام إذا كان غائباً، أما إذا كان الإمام في المسجد فكما أفتى به هنا يقوم المأموم عند قول المؤذن (قد قامت الصلاة) سواء رأى الإمام، أو لم يره، وعليه جمهور الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يقوم عند كلمة (قد قامت الصلاة) ، سواء رأى الإمام أو لم يره، وسواء كان الإمام في المسجد، أو قريباً منه أو لا.
ذكر الآجرى عن أحمد: أن المأمومين لا يقومون إذا كان الإمام في المسجد حتى يروه، وقال ابن قدامة: إنما يقوم المأمومون عند كلمة الإقامة إذا كان الإمام في المسجد أو قريباً منه، وإن أقيمت والإمام في غير المسجد، ولم يعلموا قربه لم يقوموا حتى يروه.
انظر: المبدع 1/426، 427، المغني 1/458، 459، الفروع 1/229، الإنصاف 2/38، 39.(2/503)
قال إسحاق: كما قال1 سواء2.
[181-] قال إسحاق: والمؤذن إذا فرغ من أذانه فله أن ينتظر الإمام قدر ما لا يشق على الذين اجتمعوا، أو يفوته الوقت الذي يلزمه أن يصلي فيه، أو وقته3 لنفسه.
__________
1 نقل ابن المنذر عن إسحاق: أن المأموم يقوم عند بدء الإقامة إذا كان الإمام في المسجد. الأوسط خ ل أ 203، الإشراف خ ل أ 35، وانظر: المجموع 3/235. وذكر النووي أن إسحاق يرى استحباب قيام الإمام والمأموم بعد فراغ المؤذن من الإقامة. المجموع 3/235.
(سواء) ساقطة من ع.
3 في ع (أوقته) .(2/504)
[182-] قال إسحاق: وأما الأذان على الدابة1 للمسافر فسنة2 ولابد
__________
1 نقل ابن المنذر عن إسحاق جواز الأذان راكباً. الأوسط 3/50.
2 روى الترمذي في سننه بسنده عن يعلى بن مرة- رضي الله عنه- "أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير فانتهوا إلى مضيق وحضرت الصلاة فمطروا، السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذّن رسول الله وهو على راحلته وأقام، أو أقام. فتقدم على راحلته فصلى بهم يومي إيماء، يجعل السجود أخفض من الركوع".
قال الترمذي: (هذا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي، لا يعرف إلا من حديثه، وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم) ، سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر 2/266، 267 (411) .
ورواه أحمد في المسند 4/173، 174، والبيهقي في سننه الكبرى 2/7، والدارقطني في سننه 1/380، 381.
قال البيهقي: في إسناده ضعف ولم يثبت من عدالة رواته ما يوجب قبول خبره، ويحتمل أن يكون ذلك في شدة الخوف. السنن الكبرى 2/7.
وقال النووي: رواه الترمذي بإسناد جيد. المجموع 3/113، وروى عبد الرزاق في مصنفه عن زيادة بن الحارث الصدائي رضي الله عنه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضرت صلاة الصبح فقال: أذن يا أخا صداء! فأذنت وأنا على راحلتي". المصنف 1/471.
وهو ضعيف، انظر: المجموع 3/113.
وروى البيهقي بسنده عن الحسن البصري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً في سفر فأذن على راحلته، ثم نزلوا فصلوا ركعتين ثم أمره فأقام فصلى بهم الصبح" السنن الكبرى 1/392.
وهو مرسل، وفيه إسماعيل بن مسلم البصري وهو ضعيف. انظر: إرواء الغليل 1/243.(2/505)
للإقامة أن يكون على الأرض.
وكذلك كان ابن عمر (رضي الله عنهما) 1 يفعله2.
[183-] قال إسحاق: وأما الأذان على غير طهارة فمكروه3.
قال عطاء: حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن إلا متوضئاً 4.
__________
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
2 روى عبد الرزاق بسنده عن نسير بن ذعلوق قال: (رأيت ابن عمر يؤذن وهو راكب) . المصنف 1/470. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/210، 213. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- (أنه كان يؤذن على البعير وينزل فيقيم) . المصنف 1/213. ورواه البيهقي في سننه الكبرى 1/392، وقال ابن المنذر: (ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير وينزل فيقيم) . الأوسط 3/49، وذكره الحافظ نقلاً عن ابن المنذر وأقره عليه تلخيص الحبير 1/214.
وقال الألباني: إسناده حسن. إرواء الغليل 1/242.
3 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (173) .
4 ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً. كتاب الأذان، باب هل يتبع فاه هاهنا وهاهنا 1/108. ووصله عبد الرزاق بسنده عن ابن جريج قال: قال لي عطاء: حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن مؤذن إلا متوضئاً) المصنف 1/465. وروى ابن أبي شيبة بسنده عن عطاء أنه كره أن يؤذن الرجل وهو على غير وضوء. المصنف 1/211. وانظر: السنن الكبرى للبيهقي 1/397.(2/506)
وأما الإقامة فلم يختلفوا فيها1 أنها أشد2، وأما الجنب فليس له أن يؤذن أصلاً ولا يقيم3.
[184-] قال إسحاق: وأما الرجل الذي عليه الفوائت أيقيم لكل صلاة يصليها4؟
فإن فعل فهو أحب إلينا وإن لم يفعل فهي5 جائزة6 لا يكون ذلك أشد منه لو7 فاتته الصلاة في الجماعة في المصر، فله أن يصليها بغير أذان ولا8 إقامة9 والفوائت أحسن حالاً.
__________
1 في ع (فيه) .
2 نقل النووي عن إسحاق: ان الإقامة لا تصح إلا بالوضوء. المجموع 3/112.
3 انظر قول إسحاق: (أن الجنب ممنوع من الأذان والإقامة، وإن فعل فلا يعتد به) في: الأوسط 3/38، المجموع 3/112، المغني 1/413.
4 انظر قول إسحاق: (أن من عليه فوائت يقيم لها ولا يؤذن) في: الأوسط 3/33، المجموع 3/91.
(فهي) ساقطة من ع.
6 في ع (فجائز) .
7 في ع (ولو) . بإضافة الواو.
(لا) ساقطة من ع.
9 تقدم قول إسحاق في ذلك. راجع مسألة (179) .(2/507)
[185-] قلت: إذا لم يتم الركوع والسجود يعيد1؟
قال: يعيد ما لم يقم2 صلبه3 في الركوع والسجود4 أعاده5.
قال إسحاق: كما قال6 لما سن النبي صلى الله عليه (وسلم) 7 [ع10/أ] ذلك8.
__________
(يعيد) ساقطة من ع.
2 في ع (يقيم) .
3 الصلب: الظَّهر، وهو الفقرات التي تمتد من لدن الكاهل إلى العجب، والمراد: استقامة الظهر وامتداده دون انحناء.
انظر: مجمل اللغة 2/538، لسان العرب 1/526، 527.
4 الطمأنينة ركن من أركان الصلاة بلا نزاع في المذهب. وإذا كانت ركناً فمن لم يأت بها فصلاته فاسدة. وحدّها: حصول السكون وإن قَلَّ على الصحيح من المذهب. وقيل هي بقدر الذكر الواجب. وقيل: هي بقدر ظنه أن مأمومه الضعيف وثقيل اللسان أتى بما يلزمه.
انظر: المبدع 1/495، المغني 1/500، الإنصاف 2/113.
5 في ع (أعاد) بإسقاط الهاء.
6 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/52.
7 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
8 روى النسائي في سننه عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود". سنن النسائي، كتاب الافتتاح، باب إقامة الصلب في الركوع، وباب إقامة الصلب في السجود 2/183، 214 (1027، 1111) .
ورواه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود 2/51 (265) .
وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود 1/533 (855) .
وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب الركوع في الصلاة 1/282 (870) .
وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ذكر البيان أن صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود غير مجزئة، وباب إيجاب إعادة الصلاة التي لا يتم المصلي فيها سجوده 1/300، 333 (591، 592، 666) ، وابن حبان في صحيحه. انظر: الإحسان 3/184 (1889، 1890) .
قال الترمذي: حديث أبي مسعود حسن صحيح. سنن الترمذي 2/52، وكذلك قال البغوي. شرح السنة 3/98. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه- "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره، فعلمني قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم أرفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". صحيح البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب استواء الظهر في الركوع 1/131، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة 1/298 (45)(2/508)
[186-] قلت: ما يقول إذا افتتح الصلاة؟(2/509)
قال: أما أنا فأذهب إلى قول1 عمر2 (رضي الله
__________
1 نقل عنه رواية بهذا المعنى عبد الله في مسائله ص75 (270) ، وأبو داود في مسائله ص 30. والاستفتاح بـ (سبحانك اللهم) ، هو المستحب عند الإمام أحمد، وجمهور أصحابه، وقطع به أكثرهم. واختار الآجري: الاستفتاح بخبر علي- رضي الله عنه- كله، وهو (وجهت وجهي لله للذي فطر السموات والأرض حنيفا … الخ) .
واختار ابن هبيرة وابن تيمية: الجمع بينهما، واختار ابن تيمية أيضاً أن يقول هذا تارة وهذا أخرى.
قال المرداوي: وهو الصواب جمعاً بين الأدلة. قال ابن القيم: قال الإمام أحمد: أما أنا فأذهب إلى ما روى عن عمر، ولو أن رجلاً استفتح ببعض ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كان حسناً، وانما اختار الإمام أحمد هذا لعشرة أوجه، ثم ذكر بعض هذه الأوجه.
انظر: الإنصاف 2/47، الفروع 1/303، 304، المبدع 1/433، زاد المعاد 1/205.
2 روى مسلم في صحيحه بسنده عن عبدة، أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك". صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة 1/299 (52) .
قال النووي: (قال أبو علي الغساني: هكذا وقع عن عبدة أن عمر، وهو مرسل، يعني أن عبدة وهو ابن لبابة لم يسمع من عمر، قال: وقوله بعده عن قتادة، يعني الأوزاعي عن قتادة عن أنس، هذا هو المقصود من الباب، وهو حديث متصل. هذا كلام الغساني، والمقصود: أنه عطف قوله: وعن قتادة، على قوله: عن عبدة، وإنما فعل مسلم هذا؛ لأنه سمعه هكذا، فأداه كما سمعه، ومقصوده الثاني المتصل دون الأول المرسل) . شرح صحيح مسلم 4/111، 112.
والحديث رواه الطحاوي، والدارقطني والبيهقي، والحاكم، موصولاً عن الأسود بن يزيد، عن عمر- رضي الله عنه-.
شرح معاني الآثار 1/198، سنن الدارقطني 1/300، السنن الكبرى 2/34، 35، المستدرك 1/235. قال الحاكم: (صحت الرواية فيه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، ووافقه الذهبي على تصحيحه ووقفه) . المستدرك مع التلخيص 1/235.
وقال ابن خزيمة: هذا صحيح عن عمر بن الخطاب، صحيح ابن خزيمة 1/240. وقال الدارقطني- بعد أن رواه من طريق ابن عمر عن عمر-: (المحفوظ عن عمر من قوله … وهو الصواب) وقال: (هذا صحيح عن عمر قوله) سنن الدارقطني 1/299.(2/510)
عنه) 1.
وإن قال2 كل3 ما روى عن النبي صلى الله عليه (وسلم) 4 فليس به
__________
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
2 في ع إضافة (كان) قبل كلمة (قال) .
3 في ع (كما) .
4 كلمة (وسلم) إضافة من ع.(2/511)
1 بأس، وعامته ما قال في صلاة الليل2.
ذكر له حديث علي بن3 علي4.
__________
1 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير وبين القراءة اسكاتة، قال: أحسبه، قال: هنية، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، أسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطابا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد".
صحيح البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب ما يقول بعد التكبير 1/123، صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة 1/419 (147) . وستأتي زيادة أحاديث في الموضوع إن شاء الله تعالى.
2 قال ابن خزيمة: (قد رويت أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في افتتاحه صلاة الليل بدعوات مختلفة الألفاظ، قد خرجتها في أبواب صلاة الليل) . صحيح ابن خزيمة 1/238، وانظر: بعض هذه الألفاظ في مختصر قيام الليل للمروزي ص98ـ100، وعمل اليوم والليلة للنسائي ص497، 498، والفتح الرباني 4/243ـ247، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 4/129ـ131.
3 هو علي بن علي بن نجاد بن رفاعة اليشكري، أبو إسماعيل البصري. كان عابداً فاضلاً، حسن الصوت بالقرآن، ويشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وله عدد قليل من الأحاديث. قال أحمد: لم يكن به بأس، ومرة قال صالح: ووثقه ابن معين وأبو زرعة ووكيع. وقال النسائي: لا بأس به.
انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 7/366، ميزان الاعتدال 3/147، التاريخ الكبير للبخاري 6/288، الجرح والتعديل 6/196.
4 هو ما رواه أحمد في المسند بسنده عن علي بن علي اليشكري، عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل واستفتح صلاته وكبر قال: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثاً، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه". المسند 3/50.
ورواه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة 2/9 (242) ، والنسائي في سننه، كتاب الافتتاح، باب نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة 2/132 (889، 900) . وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم 1/490 (775) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/197، 198.(2/512)
فلم يعبأ1 به شيئاً2.
__________
1 يعبأ به: ما عبأت، بالشيء عبأ أي: ما باليت به، وما عبأت بفلان، أي: ما كان له عندي وزن ولا قدر.
انظر: القاموس المحيط 1/22، الصحاح 1/62.
2 نقل عبد الله بن أبيه أنه لم يحمد إسناده، المسائل 1/247. ونقل الترمذي عنه أنه قال: (لا يصح هذا الحديث) السنن 2/11.
قال الألباني: (ولعل هذا لا ينفي أن يكون حسناً، فإن رجاله كلهم ثقات، وعلي هذا وإن تكلم فيه يحيى بن سعيد فقد وثقه يحيى بن معين ووكيع وأبو زرعة.. وقال أحمد: لم يكن به بأس إلا أنه رفع أحاديث، ثم قال: وهذا لا يوجب إهدار حديثه، بل يحتج به حتى يظهر خطؤه) . إرواء الغليل 2/51، 52.
وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. مجمع الزوائد 2/265. وقال أحمد شاكر: هو حديث صحيح. تحقيق سنن الترمذي 2/11. ورواه ابن خزيمة في صحيحه. وقال: المعلق عليه سنده جيد. صحيح ابن خزيمة 1/238.(2/513)
قال إسحاق: ونختار1 له أن يقول: وجهت وجهي (للذي فطر السموات والأرض) 2. حديث3 علي4، ويلحق سبحانك اللهم وبحمدك به5 فقد جمعهما6 علي بن أبي طالب (رضي الله
__________
1 في ع (نختار) بإسقاط الواو.
(للذي فطر السموات والأرض) إضافة من ع.
3 روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت. أنت ربي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك. والشر ليس إليك. أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت. استغفرك وأتوب إليك … ". صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/534ـ536 (201ـ202) .
(حديث علي) ساقطة من ع.
5 نقل ابن المنذر عن إسحاق أنه يرى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك. الأوسط 3/86. وانظر: المجموع 3/280، المغني 1/473.
6 في ع (جمعها) .(2/514)
عنه) 1 في حديث ذكر عنه2.
[187-] قلت: كيف يرفع يديه في الصلاة؟
قال: حذو3 منكبيه.4. إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من
__________
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
2 لم أعثر على حديث علي الذي جمع فيه بين لفظي الاستفتاح لا مرفوعاً ولا موقوفاً، وورد الجمع بينهما من حديث جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر- رضي الله عنهم-. روى البيهقي في سننه الكبرى بسنده عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ". السنن الكبرى 2/35.
وروى الطبراني في معجمه بسنده عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، سبحانك اللهم بحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك لا إله غيرك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ". المعجم الكبير 12، 353، 354 (13324) ، ورواه أيضاً في كتابه الدعاء 2/1031 (500) . قال الهيثمي: فيه عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف. مجمع الزوائد 2/107.
3 حذو: الحذو والحذاء: الإزاء والمقابل. والمعنى: انها محاذية لمنكبيه.
انظر: الصحاح 6/2311، مجمل اللغة 1/224.
4 المذهب موافق لهذه الرواية، فالمصلي يرفع يديه إلى حذو منكبيه. قال الزركشي: وهو المشهور.
وفي رواية عن أحمد: أنه مخير بين رفعهما إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه. اختاره الخرقي. وقال في الفروع: هو أشهر.
وعنه: يرفعهما إلى فروع أذنيه، اختارها الخلال.
وعنه: إلى صدره.
قال أبو حفص العبكري: (الذي اختار أن يجعل يديه حذاء منكبيه، وإبهاميه عند شحمة أذنيه، فتحصل أطراف أصابعه عند فروع أذنيه ليكون قد أخذ بالأحاديث كلها.
انظر: الإنصاف 1/45، الروايتين والوجهين 1/144، 115، المغني 1/470.(2/515)
الركوع1.
قال إسحاق: كما قال2، ولا يفعل في شيء من السجود ذلك.
__________
1 نقل عنه الرفع في الثلاثة مواضع: عبد الله في مسائله ص70، 75 (253، 269) ، وصالح في مسائله 1/120، 129 (682، 694) ، وأبو داود في مسائله ص33.
ولا خلاف في المذهب في استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع، وما عدا ذلك فلا يرفع يديه على المذهب، وعليه الأصحاب. وروي عن أحمد: أنه يرفع في كل خفض ورفع. وعنه: يرفعهما عندما يكبر للسجود.
انظر: المبدع 1/430، 446، 449، 451، الفروع 1/302، 319، 320، 322، كشاف القناع 1/388، 403، 406، 408.
2 نقل قول إسحاق: انه يرفع يديه إلى حذو منكبيه: ابن المنذر في الأوسط 3/72، وابن قدامة في المغني 1/470، والنووي في المجموع 3/265.
ونقل عنه: رفع اليدين في المواطن الثلاثة فقط: الترمذي في سننه 2/37، والبخاري في قرة العينين برفع اليدين في الصلاة ص55، والنووي في المجموع 3/367، 368، والمروزي في اختلاف العلماء ص48، والبغوي في شرح السنة 3/23، والبيهقي في السنن الكبرى 2/75، والعيني في عمدة القاري 5/8، وابن المنذر في الأوسط 3/147، والسروي في اختلاف الصحابة والتابعين خ ل أ 19، وابن عبد البر في الاستذكار 1/126، وابن قدامة في المغني 1/497.(2/516)
[188-] قلت: إذا نسي تكبيرة الافتتاح؟
قال: إنه ليس في الصلاة، قرأ ولم يكن دخل في الصلاة فكيف تجزئه تكبيرة الركوع1؟!، وإذا جاء والإمام راكع كبر تكبيرة وركع2،
__________
1 قال ابن هانئ: قيل لأبي عبد الله: إذا لم يكبر الرجل في الصلاة؟ قال: يعيد الصلاة، قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم". المسائل 1/49 (233) .
وتكبيرة الإحرام ركن في الصلاة لا تنعقد الصلاة إلا بها، سواء تركها عمدً أو سهواً بلا نزاع في المذهب، وليست بشرط بل هي من الصلاة.
انظر: المغني 1/461، الإنصاف 2/112، الفروع 1/347.
2 نقل عنه نحوها: عبد الله في مسائله ص106 (379) ، وابن هانئ في مسائله 1/48، 51 (230، 242) ، وأبو داود في مسائله ص35. والمذهب: متفق مع هذه الرواية، فمن أدرك الإمام راكعاً أجزأته تكبيرة واحدة للإحرام، وتسقط تكبيرة الركوع، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أن عليه تكبيرتين، تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع. اختارها ابن عقيل وابن الجوزي.
انظر: المبدع 2/49، المحرر في الفقه 1/96، الإنصاف 1/224، كشاف القناع 1/540، 541(2/517)
حديث زيد1 وابن عمر (رضي الله عنهما) .2
قيل له3: ينوي بها الافتتاح؟
قال: نوى أو لم ينو4 ما نعلم أحداً قال: ينوي، أليس جاء وهو
__________
1 روى عبد الرزاق بسنده عن الزهري أن زيد بن ثابت وابن عمر كانا يفتيان الرجل إذا انتهى إلى القوم وهم ركوع أن يكبر تكبيرة، وقد أدرك الركعة، قالا: وإن وجدهم سجوداً سجد معهم ولم يعتد بذلك. المصنف 2/278.
ورواه ابن هانئ في مسائله عن عبد الأعلى، عن عمر، عن الزهري عن سالم، أن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت قالا… فذكره. المسائل 1/48، وابن أبي شيبة في مصنفه 1/242، وابن المنذر في الأوسط 3/80.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن عروة بن الزبير وزيد بن ثابت أنهما كانا يجيئان والإمام راكع فيكبران تكبيرة الافتتاح للصلاة وللركعة. المصنف 1/242.
وروى البيهقي بسنده عن ابن شهاب قال: كان ابن عمر وزيد بن ثابت إذا أتيا الإمام وهو راكع كبرا تكبيرة ويركعان بها، السنن الكبرى 2/91.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
(له) ساقطة من ع.
4 الصحيح من المذهب: أن المأموم لو نوى بالتكبيرة الواحدة تكبيرة الإحرام والركوع لم تنعقد صلاته. اختاره القاضي وغيره. قال أبو يعلى: إن نوى بالتكبير الإحرام وحده أجزأه، وإن نوى به الإحرام والركوع، فظاهر كلام أحمد أنه لا يجزئه؛ لأنه شرك بين الواجب وغيره في النية.
وقال ابن قدامة: (هذا القول يخالف نصوص أحمد، فلا يُعَولّ عليه، وقد قال في رواية ابنه صالح فيمن جاء والإمام راكع: كبّر تكبيرة واحدة، قيل له: ينوي بها الافتتاح؟ قال: نوى أو لم ينو، أليس قد جاء وهو يريد الصلاة.
وروي عن أحمد: أنها تنعقد. اختاره ابن شاقلا، وابن قدامة، والمجد ابن تيمية وغيرهم. قال في الحاوي الكبير: وإن نواهما- أي تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع- بتكبيرة واحدة أجزأه في ظاهر المذهب.
انظر: الإنصاف 1/224، المغني 1/505، الفروع 1/453.(2/518)
يريد الصلاة؟ 1
[189-] قلت: جاء والإمام جالس؟
قال: يكبر تكبيرة ثم يقعد.
قلت: لا2 يكبر للقعود.
قال: لا3.
__________
1 هذا القول نقله ابن قدامة، ونسبه إلى مسائل صالح، ولم أعثر عليه فيها، فلعله في القسم المفقود. انظر: المغني 1/505.
(لا) ساقطة من ع.
3 قال عبد الله: (سمعت أبي يقول: عن الرجل يدرك الإمام وهو راكع أتجزئه تكبيرة واحدة؟ قال: نعم. وكذلك إن أدركه ساجداً) . المسائل ص 106 (379) .
والصحيح من المذهب: أن المأموم إذا أدرك الإمام في ركن غير الركوع فإنه لا يكبر إلا تكبيرة الإحرام وينحط معه بغير تكبير. وقيل: يكبر.
انظر: المغني 1/506، الإنصاف 2/ 225.(2/519)
قال إسحاق: عليه تكبيرتان: أحدهما ينوي بها الافتتاح، ثم الثانية للركوع والجلوس1.
فإن كبر واحدة نوى بها الافتتاح، ثم ركع ولم يكبر له أجزأه. هكذا معنى قول زيد بن ثابت2.
وإن كبر [ظ-9/أ] تكبيرة لم ينو3 بها افتتاحها لم يجزه4، لما جاء: مفتاح الصلاة التكبير5، ولابد من إحداث نية إذا دخلها6، فإن7 نوي بالتكبير الافتتاح والركوع لم يجزه.
__________
1 انظر قول إسحاق: أن من أدرك الإمام راكعاً فكبر تكبيرة واحدة ينوي بها الافتتاح والركوع لم يجزئه. في الأوسط 3/80.
2 تقدم قوله. راجع مسالة (188) .
(ينو) ساقطة من ع.
4 انظر قول إسحاق: أنه لا تنعقد الصلاة بدون تكبيرة الإحرام. في الأوسط 3/78، المغني 1/461.
5 تقدم تخريجه. راجع مسألة (1) .
6 في ع (أدخلها) بإضافة الألف.
7 النية للصلاة تقدم الكلام عنها. راجع مسألة (118) .(2/520)
[190-] قال إسحاق: وأما من ترك التكبيرات عمداً سوى تكبيرة افتتاح الصلاة، فعليه إعادة الصلاة، لا تتم1 الصلاة إلا بالتكبيرات والتسبيح2 والتشهد والقراءة، فإذا تركها تارك عمداً كان تاركاً لما أمر به فعليه إعادتها3 ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه (وسلم) 4 حين رأى رجلاً لا يتم ركوعاً ولا سجوداً، فقال5 له: "أعد صلاتك فإنك لم تصل فأعاد، ثم قال (له) 6: أعد فإنك لم تصل" فقال: لقد حرصت وجهدت فعلمني7.
__________
1 في ع (ولا تتم) بإضافة الواو.
2 انظر قول إسحاق: أن التسبيح في الركوع والسجود واجب. في معالم السنن 1/213.
3 نقل ابن المنذر نص قول إسحاق هذا. في الأوسط 3/186، ونقل ابن قدامة عنه: أن تكبيرة الرفع والخفض وتسبيح الركوع والسجود وقول (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) وقول: (ربي اغفر لي) بين السجدتين والتشهد الأول كلها واجبة في الصلاة. المغني 1/502، 2/4.
4 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
5 في ع (قال) بإسقاط الفاء.
(له) إضافة من ع.
7 الحديث تقدم تخريجه. راجع مسألة (185) ، وجاء فيه (والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره، فعلمني) .
أما لفظ: (لقد حرصت وجهدت فعلمني) ، فلم أعثر عليه فيما أطلعت عليه من كتب الحديث.
وفي سنن النسائي (لقد جهدت فأرني وعلمني) من رواية رافع ابن رفاعة. قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد فدخل رجل فصلى …) .
سنن النسائي، كتاب السهو، باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة 3/60 (1314) .(2/521)
ومن يشك أن صلاة المرة الثانية حين حذره النبي (صلى الله عليه وسلم) 1 وأنذره أن يكون ركوعه واضعاً يديه2 على ركبتيه.
ولكنه إذا لم يستو في ركوعه حتى يطمئن راكعاً، ولا في قيامه
__________
1 في ظ (عليه السلام) .
2 روى أحمد في مسنده عن رفاعة بن رافع الزرقي- رضي الله عنه- وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "جاء رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، فصلى قريباً منه، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعد صلاتك فإنك لم تصل، قال: فرجع فصلى كنحو مما صلى ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أعد فإنك لم تصل، فقال: يا رسول الله علمني كيف أصنع؟ قال: إذا استقبلت القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك ومكن لركوعك، فإذا رفعت رأسك فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، وإذا سجدت فمكن لسجودك، فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة". المسند 4/340.(2/522)
حتى يستوي معتدلاً1، من غير علة تمنعه من2 ذلك أن لا صلاة له، وكذلك3 قال: رسول الله صلى الله عليه (وسلم) 4 لهذا المصلى: "سو5 صلبك حتى تعتدل قائماً، واركع حتى تطمئن راكعاً6".
[191-] سئل إسحاق عن الواجب في الصلاة عندكم وعن ما لابد منه؟
(فقال) 7: وأما ما سألت عن الواجب في الصلاة أيها هي فإن8 الصلاة كلها من أولها إلى آخرها واجبة، والذين يقولون (للناس) 9: في الصلاة سنة وفيها فريضة10، خطأ من المتكلم،
__________
1 تقدم قول إسحاق في الطمأنينة. راجع مسألة (185) .
2 في ع (عن) .
3 في ع (كذلك) بإسقاط الواو.
4 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
5 سو صلبك: أي اجعل ظهرك معتدلاً مستقيماً لا انحناء فيه وأنت في وضع القيام.
6 تقدم ذلك في الحديث الذي رواه أحمد عن رفاعة.
7 في ظ (قال) بإسقاط الفاء.
8 في ع (قال) .
(للناس) إضافة من ع.
10 في ع (فريضة وفيها سنة) بالتقديم والتأخير.(2/523)
لكن رسول الله صلى الله عليه (وسلم) 1 حين بيّن لهم إقامة الصلوات بين فيها سننا تكلم فيها بين2 القوم، كنحو التسبيح3 في الركوع ثلاثاً فأعلى، ولا4 يجوز أن يقول: إن (من) 5 سبح واحدة أو ثنتين6 إن صلاته فاسدة [ع-11/ب] ؛ لأنه قد سبح في الركوع.
وكذلك لو ترك تكبيرة ناسياً سوى الافتتاح7 إن صلاته فاسدة وما أشبه ذلك؛ لأنا وجدنا عن النبي صلى الله عليه (وسلم) 8 من الأشياء التي9 بينها، على المصلين أن يقيموها فتركها تارك سهواً
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
2 في ع إضافة (على ما) قبل كلمة (بين) .
3 في ع (التكبير) .
4 في ع (فلا) .
(من) إضافة من ع.
6 في ع (اثنتين) بإضافة الألف.
7 انظر قول إسحاق: أن من نسي التكبيرات سوى تكبيرة الافتتاح لا تبطل صلاته، وعليه سجدتا السهو. في الأوسط 3/304، المغني 2/4، اختلاف العلماء للمروزي ص41.
8 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
9 في ع (الذي) .(2/524)
أن لا يعيد، وفعل النبي صلى الله عليه (وسلم) 1 بعض وما وصفنا في الصلاة مثل التشهد في الأوليين2 وشبهه ناسياً3، فلم4 يعد5 الصلاة6.
ولكن لا يجوز لأحد أن يجعل الصلاة أجزاء مجزأة فيقول: فريضته7 كذا8، وسنته كذا، فإن ذلك بدعة.
[192-] قلت: ما الذي كانوا9 نقصوا من التكبير10؟
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
2 في ع (الثنتين) .
3 في ع (ساهياً) .
4 في ع (ثم لم) .
5 في ع (يعيد) .
6 تقدم تخريجه. راجع مسألة (1) .
7 في ع (فرضه) .
(كذا) ساقطة من ع.
(كانوا) ساقطة من ع.
10 روى عن ابن عباس، وابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وابن سيرين، وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد، وسعيد بن جبير، انهم كانوا نقصوا من التكبير في الصلاة. انظر: مصنف ابن أبي شيبة 1/242، الأوسط 2/136، عمدة القاري 5/117. وانظر: فقه سعيد بن جير 2/520.(2/525)
قال: إذا انحطوا للسجود من الركوع، وإذا أراد أن يسجد (السجدة) 1 الثانية2.
قال إسحاق: إنما نقصوا3 التكبير4 إذا انحط للسجود قط5.6.
[193-] قلت7: ما يقرأ في الظهر؟
قال: قدر ثلاثين آية8 قدر
__________
1 في الأصل (سجدة) والتصحيح من التمهيد.
2 نقل ابن عبد البر نص قول أحمد نقلاً عن ابن منصور، التمهيد 7/84.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا عبدة بن سليمان عن مسعر عن يزيد الفقير قال: كان ابن عمر ينقص التكبير في الصلاة. قال مسعر: إذا انحط بعد الركوع لم يكبر، فإذا أراد أن يسجد الثانية لم يكبر. المصنف 1/242، ورواه ابن المنذر في الأوسط 3/136.
3 في ع (نقصان) .
4 في ع (إضافة) (هو) بعد كلمة (التكبير) .
5 في ع (فقط) .
6 نقل ابن عبد البر نص قول أحمد وإسحاق نقلاً عن إسحاق ابن منصور. التمهيد 9/180.
7 في ع إضافة (قدر) بعد كلمة (قلت) .
8 قال الخرقي: (يقرأ في الصبح بطوال المفصل، وفي الظهر في الركعة الأولى بنحو الثلاثين آية، وفي الثانية بأيسر من ذلك) .
قال ابن قدامة: (قراءة السورة بعد الفاتحة مسنون، ويستحب أن يكون على الصفة التي بين الخرقي، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً لسنته) . المغني 1/570
والمذهب: أنه يستحب أن تكون القراءة في الظهر من أوساط مفصل القرآن، وعليه جمهور الأصحاب.
انظر: الإنصاف 2/55، الفروع 1/309، 310، كشاف القناع 1/400.(2/526)
تنزيل1.
قال إسحاق: كما قال.
[194-] قلت: من قال لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب؟
قال: إذا كان خلف الإمام أجزأته2 على حديث جابر إلا وراء
__________
1 هي سورة السجدة وأولها (ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) .
2 نقل عنه: أن قراءة الإمام تجزئ عن قراءة المأموم عبد الله في مسائله ص 71، 72، 77، 78 (255، 257، 276، 278) ، وابن هانئ في مسائله 1/52 (250) .
والمذهب: موافق لهذه الرواية من حيث إنه لا تجب القراءة على المأموم، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن أحمد: أنه تجب القراءة على المأموم اختارها الآجري. وقال في الفروع: هي أظهر.
وعنه: تجب عليه القراءة في الصلاة السرية دون الجهرية، وقيل: تجب القراءة في سكتات الإمام وما لا يجهر فيه.
انظر: الإنصاف 2/228، المبدع 2/51، 52، الفروع 1/316، 317.(2/527)
الإمام.1
قال: وإذا جهر الإمام فلا يقرأ.
قال إسحاق2: إذا جهر الإمام، يعني قرأ3 قبله أو بعده بفاتحة الكتاب4 لابد5، لقول عمر وعبادة (رضي الله عنهما) 6.7.
__________
1 روى مالك بسنده عن وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فلم يصل إلا وراء الإمام. الموطأ، كتاب الصلاة، باب ما جاء في أم القرآن) 1/84 (38) .
ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/121، وابن أبي شيبة في مصنفه 1/360، ورواه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة 2/124 (313) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
2 في ع إضافة (يقرأ) بعد كلمة (إسحاق) .
(يعني قرأ) ساقطة من ع.
4 انظر: قول إسحاق في سنن الترمذي 2/118، 122، 123، الأوسط 3/106، شرح السنة 3/46، 85. المجموع 3/285، اختلاف العلماء للمروزي ص49.
(بد) ، ساقطة من ع.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
7 روى عبد الرزاق بسنده عن يزيد بن شريك أنه قال لعمر: (أقرأ خلف الإمام؟ قال: نعم، قلت: وأن قرأت يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم وإن قرأت) .
المصنف 2/131. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/373، والبخاري في جزء القراءة ص15، 16، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/218، 219، والدارقطني في سننه 1/317، وقال: رواته كلهم ثقات.
وروى عبد الرزاق بسنده عن الحارث بن سويد ويزيد التيمي قالا: (أمرنا عمر بن الخطاب أن نقرأ خلف الإمام) . المصنف 2/131. وروى ابن أبي شيبة بسنده عن عباية بن ربعي قال: (قال عمر: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فصاعدا) . المصنف 1/360.
وروى عبد الرزاق بسنده عن أبي أمية الأزدي قال: قال لي عبادة بن الصامت: اقرأ بأم القرآن في كل صلاة- أو قال: في كل ركعة- قال: قلت: أتقرأ بها يا أبا الوليد مع الإمام؟ قال: لا أدعها إماماً ولا مأموماً. المصنف 2/129، 130.
وروى أيضاً بسنده عن رجاء بن حيوة قال: صليت إلى جنب عبادة فسمعته يقرأ خلف الإمام فلما قضينا صلاتنا قلنا: يا أبا الوليد أتقرأ مع الإمام؟ قال: ويحك، إنه لا صلاة إلا بها. المصنف 2/130. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/375، والبخاري في جزء القراءة قريباً منه ص 18.(2/528)
[195-] قلت: إذا لم يقرأ في الأخيرتين؟
قال: لا تجزئه، كل صلاة لا يقرأ فيها1 بفاتحة الكتاب في كل ركعة لا تجزئه2 إلا وراء الإمام.
__________
(فيها) . ساقطة من ع.
2 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص 71، 77 (255، 276) ، وابن هانئ في مسائله 1/51، 52 (245، 248، 249) وأبو داود في مسائله ص32.
والصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية، فقراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في كل ركعة، تجب على الإمام والمنفرد، ويتحملها الإمام عن المأموم.
وروي عن أحمد أنها ركن في الأوليين.
وعنه: ليست ركناً، ويجزئه آية من غيرها وأن الفاتحة سنة. وعنه: لا يجزئ إلا سبع آيات من غيرها. وعنه: لا تجب القراءة في الأوليين والفجر.
انظر: الروايتين والوجهين 1/117، المغني 1/485. الإنصاف 2/112(2/529)
قال إسحاق: بلى إذا قرأ في ثلاث ركعات بفاتحة الكتاب أجزأه [ظ-9/ب] لا1 شك2 في ذلك؛ لإجماع الأمة؛ لأنه3 إذا أدرك الإمام راكعاً كبر وقد أدرك الركعة وقراءتها4.
[196-] قلت: إذا لم يحسن أن يقرأ من القرآن شيئاً؟
قال: يسبح ويكبر5.
__________
1 في (ع) بإضافة الباء.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/115.
3 في (ع) أنه بإسقاط اللام.
4 روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وعائشة أنهم قالوا: لا يجزئه حتى يدرك الإمام قائماً، ولا يركع حتى يقرأ بأم القرآن.
وروى عن غيرهم مثل هذا.
وأنكر: البخاري وابن حزم أن يكون في المسألة إجماع. انظر: خير الكلام في القراءة خلف الإمام 9، 42، المحلى 3/315ـ317.
5 أشار إلى هذه الرواية صاحب الفروع 1/309، وصاحب الإنصاف 2/54، وصاحب المبدع 1/442.
والمذهب: موافق لهذه الرواية، فمن لم يحسن شيئاً من القرآن فإنه يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. وعند بعض الأصحاب: يزيد في آخره (ولا حول وقوة إلا بالله) .
وروي عن أحمد: أنه يكرر هذا بقدر الفاتحة.
وعنه: يزيد على الخمس جمل المتقدمة جملتين لتصير سبع جمل بدل آيات الفاتحة من أيّ ذكر شاء أو ثناء.
انظر: الإنصاف 2/53، المغني 1/488، المبدع 1/441، 442.(2/530)
قال إسحاق: يسبح ويكبر قدر سبع آيات سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول1 ولا قوة2 إلا بالله.
[197-] قلت (لأحمد) 3: إذا تعوذ قبل فاتحة الكتاب يجزئه أو4 لا؟
__________
1 لا حول: الحول الحركة، تقول حال الشخص إذا تحرك، فإذا قال القائل: لا حول ولا قوة إلا بالله يقول: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله تعالى. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله.
انظر: النهاية في غريب الحديث 1/462، لسان العرب 11/189.
2 لا قوة: المراد من هذه اللفظة إظهار الفقر إلى الله بطلب المعونة منه على ما يحاول من الأمور، وهو حقيقة العبودية. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله. انظر: النهاية في غريب الحديث 1/465.
(لأحمد) إضافة من ع.
4 في ع (أم) .(2/531)
قال: أجزأه1.
قال إسحاق: كما قال2.
[198-] قلت3: إذا لحن4 الإمام أو قرأ حرفاً ليس من القرآن يعيد من
__________
1 ورد في مسائل عبد الله قال- أي أحمد-: اختار افتتاح الصلاة بـ (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم هذا أعجب إلي) المسائل ص76 (271) ، فكانت الاستعاذة بعد الاستفتاح وقبل الفاتحة.
وقال أبو داود: (سمعت أحمد قيل له: يستعيذ الرجل؟ فقال: نعم إذا استفتح الصلاة) ، المسائل ص30.
قال ابن قدامة: (الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة سنة) . المغني 1/475.
والمذهب: أن التعوذ في الصلاة سنة، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن أحمد: أنه واجب.
وعنه: يجب التعوذ في كل ركعة.
انظر: المبدع 1/433، 434، الفروع 1/304، كشاف القناع 1/391.
2 انظر قول إسحاق: ان الاستعاذة سنة في الصلاة في: الأوسط 3/88، المغني 1/475، المجموع 3/283.
قال النووي: أما محل التعوذ فقال الجمهور: هو قبل القراءة، وقال أبو هريرة وابن سيرين والنخعي: يتعوذ بعد القراءة. المجموع 3/283، 284.
3 في ع (قيل له) .
4 لحن: اللحن هو الخطأ في الإعراب وترك الصواب في القراءة.
انظر: غريب الحديث للخطابي 2/536، الصحاح 6/2193.(2/532)
خلفه الصلاة؟
قال: إذا لم يحسن أن يقرأ الرجل أليس تجزئه صلاته1؟
فلم ير أن يعيد من خلفه إذا لحن2
__________
1 قال ابن قدامة: يلزم المصلي أن يأتي بقراءة الفاتحة مرتبة مشددة غير ملحون فيها لحناً يحيل المعنى، فإن ترك ترتيبها، أو شَدَّة منها، أو لحن لحناً يحيل المعنى، مثل أن يكسر كاف (إياك) أو يضم تاء (أنعمت) أو يفتح ألف الوصل في (اهدنا) لم يعتد بقراءته. إلا أن يكون عاجزاً عن غير هذا.
وقال القاضي: لا تبطل بترك شدة؛ لأنها غير ثابتة في خط المصحف هي صفة للحرف، ويسمى تاركها قارئاً. ولا يختلف المذهب أنه إذا لينها ولم يحققها على الكمال أنه لا يعيد الصلاة؛ لأن ذلك لا يحيل المعنى ويختلف باختلاف الناس. المغني 1/482، 483.
وانظر: الإنصاف 2/49، 50، الفروع 1/307.
2 قال ابن هانئ: (سمعته يقول- أي أحمد-: إذا كان الإمام يلحن لحناً كثيراً لا يعجبني أن يصلى خلفه إلا أن يكون قليلاً، فإن الناس لا يسلمون من اللحن، يصلى خلفه إذا كان مثل لحن أو لحنين) . المسائل 1/55 (266) .
والمذهب: أنه تكره إمامة اللّحّان الذي لا يحيل المعنى، وتصحّ صلاته بمن لا يلحن وهو المشهور عند الأصحاب.
أما اللحن اليسير الذي يسبق على اللسان فقد لا يخلو من ذلك إمام أو غيره. فإن تعمد اللحن لم تصح صلاته؛ لأنه مستهزئ ومتعمد.
انظر: الفروع 1/481، الإنصاف 2/272، المغني 2/198.(2/533)
الإمام1.
قال إسحاق: كما قال، (لا) 2 و (لا) 3 الإمام (أيضاً) 4 و (لا) 5 المصلى وحده.
[199-] قال إسحاق: وأما القارئ آية رحمة بآية6 عذاب، أو آية عذاب آية رحمة أيعيد من خلفه الصلاة؟
قال: إنه لا تلزم الإعادة على أحد إماماً كان، أو مأموماً، أو مصلياً وحده.
[200-] قلت: قول ابن عباس (رضي الله عنهما) 7 الجهر قراءة
__________
1 في ع إضافة (ولا إمام) بعد كلمة (الإمام) .
(لا) إضافة من ع.
(لا) إضافة من ع.
(أيضا) إضافة من ع.
(لا) إضافة من ع.
6 في ع (آية) بإسقاط الباء.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.(2/534)
الأعراب.1
قال: كأنه يجفيهم2 بذلك3 يعني من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم.
قال إسحاق: إنما معنى ذلك ما كان4 يعني به الجهر (ببسم) 5 الله الرحمن الرحيم، يقول: الأعراب يحسنون ذلك، يعيرهم بفعل الأعراب إذا تركوا الجهر بها.
[201-] قال أحمد (يقرأ) 6: (ببسم) 7 الله الرحمن الرحيم في كل سورة8
__________
1 روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال: (الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قراءة الأعراب) . المصنف 2/89 (2605) . ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/411.
2 في ع (يخفتهم) .
3 يجفيهم: من الجفاء وهو ترك الصلة والبر. والمعنى: أنه يتركهم ويبتعد عنهم بسبب جهرهم بالبسملة. انظر: لسان العرب 14/148.
4 في ع إضافة (ابن) قبل كلمة (يعني) .
5 في ظ (بسم) بإسقاط الباء الأولى.
(يقرأ) إضافة من ع.
7 في ظ (بسم) بإسقاط الباء الأولى.
8 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص76 (272، 274) وصالح في مسائله 1/479 (510) ، وابن هانئ في مسائله 1/51، 52، 53 (247، 252) ، وأبو داود في مسائله ص30، 31.
والمذهب: أن المصلي يسن له أن يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل الفاتحة وبعدها قبل السورة؛ لأنها ليست آية من الفاتحة.
وروي عن أحمد: أنها آية من الفاتحة تجب قراءتها قبلها. ولا نزاع انها ليست آية من كل سورة سوى الفاتحة.
انظر: الإنصاف 2/48، المغني 1/477، 480، المبدع 1/434.(2/535)
ولا يجهر بها1.
قال إسحاق: كما قال2 إذا لم يرد الجهر3.
__________
1 نقل عنه عدم الجهر بالبسملة في الصلاة: عبد الله في مسائله ص75، 76 (270، 272) ، وصالح في مسائله 1/480 (511) ، وابن هانئ في مسائله 1/52 (247) ، وأبو داود في مسائله ص30.
والصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية، حيث إن المصلي لا يجهر بالبسملة في الصلاة، سواء قلنا: هي آية من الفاتحة أو لا.
وروي عن أحمد: أنه يجهر بها.
وعنه: أنه يجهر بها في النفل فقط.
وعنه: يجهر بها في المدينة المنورة.
انظر: الفروع 1/304، الإنصاف 2/48، 49، كشاف القناع 1/391.
2 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/14، شرح السنة 3/54، الاعتبار للحازمي ص56.
3 نقل عنه: الجهر بالبسملة النووي في المجموع 3/300، وقال ابن المنذر- بعد أن نقل قول إسحاق بالتخيير بين الجهر والإسرار-: (وكان يميل إلى الجهر بها) . الأوسط 3/129، وانظر: حلية العلماء 2/87.(2/536)
[202-] قلت: إذا جهر فيما يخافت (فيه) 1، أو خافت فيما يجهر فيه؟
(قال) :2 (إن) 3 سجد لا يضره (ذلك) 4 وإن لم5 يسجد فلا بأس6.
__________
(فيه) إضافة من ع.
(قال) إضافة من ع.
3 في ظ (فإن) بزيادة الفاء.
(ذلك) إضافة من ع.
(لم) ساقطة من ع.
6 أشار أبو يعلى إلى هذه الرواية، حيث قال: (اختلفت- أي الرواية- هل يسجد للسهو لأجل الإخفات في موضع الجهر، والجهر في موضع الإخفات … ونقل ابن منصور ليس عليه سجود) . الروايتين والوجهين 1/122.
وقال ابن المنذر: اختلف عن أحمد فيها، فحكى إسحاق بن منصور عنه قال: (إن سجد فلا بأس، وإن لم يسجد فليس عليه) . الأوسط 3/302، وانظر: الإنصاف 2/122.
قال أبو داود: قيل لأحمد: إن جهر فيما يخافت به، ثم ذكر؟ قال: (يسكت ويمضي من حيث انتهى) . المسائل ص54.
والمذهب: موافق لهذه الرواية من أن الجهر بالقراءة، أو الأخفات بها في الصلاة سنة، وعليه جماهير الأصحاب.
وقيل: هما واجبان. وقيل: الإخفات وحده واجب.
ومن ترك سنة من سنن الصلاة: لا يجب عليه سجود السهو بلا خلاف في المذهب، وهل يشرع له السجود؟
روايتان عن أحمد:
إحداهما: يشرع له السجود وهي المذهب.
والرواية الثانية: لا يشرع.
انظر: المغني 2/5، 6، 30، 31، الإنصاف 2/120، 121، الروايتين والوجهين 1/121، 122.(2/537)
قال إسحاق: بل يسجد في ذلك وفي كل سهو سجدتان1.
[203-] قال (أبو عبد الله) 2 أحمد: يسجد فيما سجد فيه النبي صلى الله عليه (وسلم) 3 نهض من ثنتين فسجد قبل السلام4، وسلم5 من ثنتين فسجد بعد السلام6، وسلم في ثلاث فسجد بعد
__________
1 انظر قول إسحاق في الأوسط 3/299، المجموع 4/57.
(أبو عبد الله) إضافة من ع.
3 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
4 تقدم تخريجه. راجع مسألة (1) .
(وسلم) ساقطة من ع.
6 في ظ تكرار لقوله (وسلم من ثنتين فسجد بعد السلام) .(2/538)
السلام، والشك أمر فيه على التحري1 أن يسجدهما بعد، وعلى اليقين2 أن يسجدهما قبل، وكل سهو سوى ذلك يسجد قبل التسليم3.4.
__________
1 التحري: هو طلب غالب الظن عند تعذر الوقوف على الحقيقة. وسيأتي تفسير أحمد للتحري. انظر: مسألة (238) .
وانظر: القاموس المحيط 4/316، الصحاح 6/2311.
2 متى شك المصلي في عدد الركعات بنى على اليقين إماماً كان، أو منفرداً. هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يبنى على غالب ظنه إماماً كان، أو منفرداً (وهو التحري) اختاره ابن تيمية، وقال: على هذا عامة أمور الشرع.
وعنه: المنفرد يبنى على اليقين، والإمام يبنى على غالب ظنه- التحري- قال ابن قدامة: هذا ظاهر المذهب.
وقال ابن رجب: هذه المشهورة في المذهب، واختارها الخرقي.
انظر: المقنع 1/177، الإنصاف 2/146، 147، الفروع 1/390، 391، مطالب أولي النهي 1/526، 527.
3 في ع (السلام) .
4 نقل عنه روايات مماثلة لهذه المسألة: عبد الله في مسائله ص 87، 88 (308، 310) ، وصالح في مسائله 3/217، 218 (1679) ، وابن هانئ في مسائله 1/74، 75 (371) ، وأبو داود في مسائله ص52.
والمذهب: أن سجود السهو يكون قبل السلام إلا في السلام قبل إتمام المصلي صلاته (أي السلام عن نقص في الصلاة) وفيما إذا بنى الإمام على غالب ظنه فإنه يسجد بعد السلام. وهذا هو المشهور والمعروف عند الأصحاب.
وإن قلنا: الإمام يبنى على اليقين فإنه يسجد قبل السلام، ويكون الاستثناء المتقدم في صورة واحدة فقط.
وروي عن أحمد: أن جميع سجود السهو يكون قبل السلام، اختاره أبو محمد الجوزي، وابنه أبو الفرج، قال القاضي: وهو القياس.
وعنه: أن الجميع يكون بعد السلام.
وعنه: ما كان من نقص فهو بعد السلام، وما كان من زيادة كان قبله، فيسجد من أخذ باليقين قبل السلام ومن أخذ بظنه بعده، اختارها ابن تيمية.
وعنه: ما كان من نقص فهو بعد السلام، وما كان من زيادة كان قبله، عكس التي قبلها.
والصحيح من المذهب: أن ما قيل فيه قبل السلام أو بعده على سبيل الاستحباب والأفضلية، فيجوز السجود بعد السلام إذا كان محله قبل السلام، وعكسه. قال القاضي: لا خلاف في جواز الأمرين، وإنما الكلام في الأولى والأفضل.
وقيل: هو محله وجوباً، اختاره ابن تيمية، وقال: وعليه يدل كلام الإمام أحمد، وقال الزركشي: وظاهر كلام أكثر الأصحاب أنه على سبيل الوجوب.
انظر: الإنصاف 2/154، 155، المغني 2/15، 21، 22، المبدع 1/527، 528، الاختيارات الفقهية ص61، 62.(2/539)
[204-] قلت1: وإذا سجد بعد التسليم يتشهد ويسلم؟
__________
(قلت) ساقطة من ع(2/540)
قال: نعم1، وإذا سجدهما قبل التسليم لا يتشهد، يسجدهما ويسلم2.
قال إسحاق: هو كما قال3 [ع-11/أ] في كله إلا قوله:
__________
1 نقل عنه: أن من سجد للسهو بعد السلام يتشهد. عبد الله في مسائله ص87 (308) ، وابن هانئ في مسائله1/75 (371) ، وأبو داود في مسائله ص53.
والمذهب- وهو ما عليه جماهير الأصحاب-: متفق مع هذه الرواية، فمن سجد للسهو بعد السلام جلس فتشهد، ثم سلم. وقيل: لا يتشهد، واختاره ابن تيمية. انظر: الفروع 1/395، 396، المغني 2/34، الإنصاف 2/159.
(وإذا سجدهما قبل التسليم لا يتشهد، يسجدهما ويسلم) هذه العبارة ساقطة من ع.
3 قال الترمذي: قال أحمد- ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في سجدتي السهو فيستعمل كل على جهته-: يرى إذا قام في الركعتين على حديث ابن بحينة فإنه يسجدهما قبل السلام، وإذا صلى الظهر خمساً فإنه يسجدهما بعد السلام، وإذا سلم في الركعتين من الظهر والعصر فإنه يسجدهما بعد السلام، وكل يستعمل على جهته، وكل سهو ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فإن سجدتي السهو قبل السلام.
وقال إسحاق: نحو قول أحمد في هذا كله. إلا أنه قال: كل سهو ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فإن كانت زيادة في الصلاة يسجدهما بعد السلام، وإن كان نقصاناً يسجدهما قبل السلام. السنن 2/237، 238. وانظر: أيضاً السنن 2/236، 240.
ونقل المروزي: أن مذهب إسحاق هو أن كل سهو كان نقصاناً من الصلاة، فإن سجوده قبل السلام، وكل سهو هو زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام. اختلاف العلماء ص53. ومثله نقل ابن المنذر في: الأوسط 3/311، والبغوي شرح السنة 3/286.
وهذا فيما لم يرد فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ما ورد فيه حديث فيعمل به كما أشار إليه الترمذي.(2/541)
وكل1 سهو يسجدهما قبل السلام2، فإن ذلك إذا كان سهو نقصان، تكبير3 أو تسبيح4، أو ما أشبهه5.
[205-] قلت: القنوت6 في المغرب؟
قال: لا يقنت7.
__________
1 في ع إضافة (في) قبل (كل) فتكون العبارة (وفي كل) .
2 في ع (التسليم) .
3 في ع (تكبيراً) بالنصب.
(أو تسبيح) ساقطة من ع.
5 تقدمت الإشارة إليه في هامش (1) .
6 القنوت: يراد به معان متعددة كالطاعة والخشوع والدعاء والقيام، فيصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى ما تحتمله الجملة الواردة فيها. والمراد هنا: الدعاء الذي يكون بعد الرفع من الركوع والتحميد وقبل السجود.
انظر: غريب الحديث للخطابي 1/691، النهاية في غريب الحديث 4/111.
7 الصحيح من المذهب: أن المصلي لا يقنت في غير الوتر من الصلوات، وعليه جمهور الأصحاب. قال ابن تميم: القنوت في غير الوتر من غير حاجة بدعة، فإن نزل بالمسلمين نازلة، فالصحيح من المذهب: أن الإمام يقنت في جميع الصلوات المكتوبات عدا الجمعة، اختاره المجد بن تيمية، وحفيده أحمد بن عبد الحليم وابن عبدوس.
وعن الإمام أحمد رواية: أنه لا يقنت في المغرب.
انظر: الإنصاف 2/174، 175، المبدع 2/12ـ14، كشاف القناع 1/493، 494.(2/542)
قال إسحاق: إذا فعله الإمام1 وكان محارباً2 جاز.
[206-] قلت: في الفجر؟
قال: أما الفجر فإن3 ذهب إليه ذاهب. يقول: كأنه ليس به بأس4.
__________
1 في ع (امام) .
2 محارباً: الحرب نقيض السلم؛ ولشهرته يعنون به القتال. فمعنى محارباً: أنه وقع بين إمام المسلمين وعدوه قتال بالترامي والمطاعنة والمجالدة. انظر: تاج العروس 1/205.
3 في ع (إن) بإسقاط الفاء.
4 تقدمت الإشارة إلى الصحيح من المذهب.
وروي عن أحمد: الرخصة للمصلي في أن يقنت في صلاة الفجر ولم يذهب إليه، فإن نزلت بالمسلمين نازلة، فإنه يقنت في الفجر.
نقل ذلك عنه: عبد الله في مسائله ص91، 98 (323، 345) وابن هانئ في مسائله 1/99، 100 (498، 501) ، وأبو داود في مسائله ص39.
والصحيح من المذهب: أن يقنت في كل الصلوات المكتوبات خلا الجمعة، إذا نزلت بالمسلمين نازلة.
وعن الإمام أحمد رواية: أنه لا يقنت إلا في الفجر خاصة، اختارها ابن قدامة وابن منجا وغيرهما.
وعنه: يقنت في الفجر والمغرب.
وعنه: يقنت في الفجر والمغرب والعشاء، في صلاة الجهر.
انظر: المغني 2/155، 156، الفروع 1/415، الإنصاف 2/174، 175.(2/543)
قال إسحاق: أما الفجر فهو سنة1 عند حوادث الأمور من أمر حروب وغيرها، لا يدعن الأئمة ذلك2.
__________
1 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس رضي الله عنه "بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية يقال لهم: القراء فأصيبوا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وجد على شيء ما وجد عليهم، فقنت شهراً في صلاة الفجر، ويقول: ان عصية عصوا الله ورسوله". صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء على المشركين 8/71، صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة 1/468 (301، 302) ، ورويا في صحيحيهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: اللهم انج عياش بن أبي ربيعة، اللهم انج سلمة بن هشام، اللهم انج الوليد بن الوليد، الله انج المستضعفين من المؤمنين، اللهم أشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" قال ابن أبي الزناد عن أبيه: هذا كله في الصبح. صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم سنين كسني يوسف 2/24، صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة 1/467 (295) .
2 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/252، شرح السنة للبغوي 3/124، المجموع 3/484.(2/544)
[207-] قلت: (هل) 1 يقرأ خلف الإمام؟
قال: يقرأ فيما لا يجهر2، وإن أمكنه أن يقرأ فيما يجهر قبل أن يأخذ الإمام في القراءة، ولا يعجبني أن يقرأ والإمام يجهر أحب إليّ أن ينصت3.
قال إسحاق: هو كما قال، لا يقرأن أبداً خلفه معه إذا جهر، يقرأ قبله أو بعده4.
[208-] قال إسحاق: وأما القراءة خلف الإمام فإنه يقرأ في الظهر والعصر
__________
(هل) إضافة من ع.
2 تقدم حكم قراءة المأموم. راجع مسألة (194) .
3 يستحب للمأموم أن يقرأ في سكتات الإمام كما في هذه الرواية، وهو المذهب، وعليه جمهور الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وقيل: يجب أن يقرأ في سكتات الإمام.
انظر: المغني 1/565، 566، المبدع 2/52، كشاف القناع 1/544.
4 نقل عنه: أن المأموم يقرأ خلف الإمام. الترمذي في سننه 2/118، 122) ، وانظر: المجموع 3/323.
ونقل عنه ابن المنذر: أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر به الإمام، سمع المأموم قراءة الإمام أو لم يسمع، ويقرأ خلفه فيما لا يجهر به الإمام سراً في نفس المأموم، الأوسط 3/106، وانظر: المجموع 3/324، المغني 1/567، شرح السنة 3/85.(2/545)
خلف الإمام، كما يقرأ وحده لما لا يجهر1، وأما المغرب والعشاء فيقرأ في سكتات الإمام2 فاتحة الكتاب، وفي الفجر ينصت خلفه ويقرأ فاتحة الكتاب عند سكتته الأولى، فإن لم يمكنه ذلك فحين3 يريد أن يركع بعد سكوته قرأ، ثم اتبع الإمام راكعاً.
[209-] قال إسحاق: والقراءة في الركعتين الآخرتين بفاتحة4 الكتاب سنة5، وعلى ذلك عشرة من أصحاب محمد صلى الله عليه
__________
1 تقدم نقل ابن المنذر عنه. راجع مسألة (207) .
2 انظر قول إسحاق في: اختلاف العلماء للمروزي ص49، ونقل الترمذي عن إسحاق: أنه يستحب للإمام أن يسكت بعد ما يفتتح الصلاة وبعد الفراغ من القراءة. السنن 2/31.
وقال ابن قدامة: (يستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة سكتة يستريح فيها، ويقرأ فيها من خلفه الفاتحة، كيلا ينازعوه فيها هذا مذهب إسحاق) . المغني 1/491.
3 في ع (فحينيذ) .
4 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/114، المعاني البديعة خ ل ب 31، الاستذكار 2/170، اختلاف العلماء لابن المنذر خ ل أ 100.
5 روى مسلم والبخاري في صحيحيهما بسنديهما عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة ويسمعنا الآية أحياناً، ويقرا في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب". صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر 1/333 (155) . صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب 1/128.(2/546)
(وسلم) 1 بعده، وما قال هؤلاء: في التسبيح في الآخرتين2 خطأ3.
[210-] [ظ-10/أ] قلت: يجهر بآمين؟
قال: إي لعمري الإمام وغير الإمام.
قال إسحاق: كما قال4.
[211-] قال إسحاق: وأما الجهر بآمين فإنه سنة5
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
2 بمعنى: أنه لا يُقرأ في الركعتين الآخرتين شيء من القرآن، وإنما يُكتفي بقول سبحان الله ونحوها.
3 قال به: النخعي، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة 1/372، الأوسط 3/144، المعاني البديعة خ ل ب 31، كتاب الأصل1/4، البناية في شرح الهداية 2/240.
4 تقدم الكلام على التأمين والجهر به. راجع مسألة (158) .
5 روى أبو داود في سننه بسنده عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ (ولا الضالين) قال: آمين ورفع بها صوته". سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب التأمين وراء الإمام 1/574 (932) .
ورواه النسائي في سننه، كتاب الافتتاح، باب رفع اليدين حيال الأذنين 2/122 (879) ، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب الجهر بآمين 1/278 (855) ، والدارمي في سننه 1/284.
أعلّ ابن القطان هذا الحديث بحجر بن عبس- وهو الراوي عن وائل- وقال: إنه لا يعرف، وأجيب عنه: بأنه ثقة معروف وثقه يحيى بن معين وغيره، وقيل: له صحبة.
انظر: تلخيص الحبير 1/252، نصب الراية 1/369، 370. وصحح: هذا الحديث الدارقطني وأبو زرعة، وحسنه الترمذي. انظر: سنن الدارقطني 1/334، سنن الترمذي 2/27.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه". وقال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "آمين". صحيح البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب جهر الإمام بالتأمين 1/129. صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين 1/307 (72) .(2/547)
من1 (النبي صلى الله عليه وسلم) 2 وأصحابه (رضي الله عنهم) 3 من بعده4 وذلك
__________
(من) ساقطة من ع.
2 في ظ (عليه السلام) .
(رضي الله عنهم) إضافة من ع.
4 روى الجهر بالتأمين عن ابن الزبير وابن عمر وأبي هريرة. انظر: مصنف عبد الرزاق 2/96، 97، مصنف ابن أبي شيبة 2/425، 427، الأوسط 3/131، المجموع 3/335.(2/548)
ليوافق1 تأمينهم تأمين الملائكة، وهو على الإمام ألزم2، وعليه أن يجهر جهراً حتى3 يسمع من يليه (فقط) 4، وإن زاد على ذلك حتى يسمع آخر الصفوف فحسن أيضاً؛ لما ذكر عن النبي صلى الله عليه، (وسلم) 5 أنه قال: آمين حتى أسمع6 صف النساء وهن7 خلف الرجال فلا8 يدعن ذلك إمام ولا مأموم9 لحال ترك الناس، أو
__________
1 في ع (يوافق) بإسقاط اللام.
2 اللزوم: الوجوب. بمعنى: أنه أوجب عليه من غيره. انظر: معجم لغة الفقهاء ص391.
(حتى) ساقطة من ع.
4 في ظ (قط) بإسقاط الفاء.
5 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
6 روى الطبراني في معجمه عن أم الحصين- رضي الله عنها- (أنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صف من النساء فسمعته يقول: {الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين} . بلغ {ولا الضالين} قال: آمين، حتى سمعته وأنا في صف النساء وكان يكبر إذا سجد وإذا رفع) . المعجم الكبير 25/158 (383) . قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف. مجمع الزوائد 2/114.
7 في ع (وهو) ويعود الضمير إلى الصف.
8 في ع (ولا) .
9 في ع (إماماً) ولا مأموماً) بالنصب.(2/549)
يدعه استحياء، أو خوفاً من أن ينسب إلى مكروه، فإن الله (عز وجل) 1 لا يستحي من الحق.
[212-] قلت: يجمع بين السور2 في الركعة؟ 3
قال: لا بأس به في التطوع، وأما في4 الفريضة فلا5.
قال إسحاق: هو في الفريضة يجوز ولكن قراءة سورة سورة في كل ركعة أفضل.
__________
(عز وجل) إضافة من ع.
2 في ع (السورتين) بالتثنية.
3 في ع (ركعة) بالتنكير.
(في) ساقطة من ع.
5 أشار أبو يعلى إلى هذه الرواية في: الروايتين والوجهين 1/119، وكذلك نقلها صاحب الفروع والإنصاف. الفروع 1/311، الإنصاف 2/99.
والمذهب وهو ما نقله الجماعة عن أحمد: أنه لا يكره الجمع بين السور في الفرض، ولا يستحب الزيادة على سورة في الركعة.
وروي عن أحمد: كراهة ذلك في الفريضة.
وعنه: تكره المداومة عليه. أما النفل فكما في هذه الرواية: لا يكره الجمع فيه بين السور في ركعة واحدة. وهذا هو المذهب، وعليه الأصحاب. وقيل: يكره. قال المرداوي: وهو غريب بعيد.
انظر: المغني 1/494، المبدع 1/485، الإنصاف 2/99.(2/550)
[213-] قلت: أين يضع يمينه على شماله؟
قال: كل هذا عندي واسع1.
[214-] قلت: إذا وضع يمينه على شماله2 أين (يضعهما) 3؟
قال: فوق السرة وتحته، كل هذا ليس بذاك4.
قال إسحاق5: كما قال تحت السرة أقوى في
__________
1 جاء في الإنصاف 2/46: ثم يضع كفّ يده اليمنى على كوع اليسرى. هذا المذهب نص عليه، وعليه جمهور الأصحاب. ونقل أبو طالب: يضع بعض يده على الكف وبعضها على الذراع.
(شماله) ساقطة من ع.
3 في ظ (يضعها) بالإفراد.
4 قال عبد الله: (رأيت أبي إذا صلى وضع يديه إحداهما على الأخرى فوق السرة) . المسائل ص72 (260) . وقال أبو داود: سمعته سئل عن وضعه فقال: فوق السرة قليلاً وإن كانت تحت السرة فلا بأس. المسائل ص31.
والمذهب وهو ما عليه جماهير الأصحاب: أن المصلي يضعهما تحت سرته. وروي عن أحمد: أنه يجعلها تحت صدره وفوق سرته.
وعنه: أنه مخير في ذلك؛ لأن الجميع مروي، والأمر في ذلك واسع.
انظر: المغني 1/472، 473، الروايتين والوجهين 1/116، 117، كشاف القناع 1/389.
(إسحاق) ساقطة من ع(2/551)
الحديث1 وأقرب إلى التواضع.2.
__________
1 روى أحمد في المسند عن علي- رضي الله عنه- قال: (إن من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة) . المسند 1/110. ورواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة 1/480 (756) ، والدارقطني في سننه 1/286، والبيهقي في السنن الكبرى 2/31، وابن أبي شيبة في مصنفه 1/391.
والحديث سنده ضعيف؛ لأن في سنده عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي وهو ضعيف.
قال أبو داود: (سمعت أحمد بن حنبل يضعف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي) سنن أبي داود 1/481.
وقال النووي: (اتفقوا على تضعيفه؛ لأنه من رواية عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف باتفاق أئمة الجرح والتعديل) المجموع 3/272، شرح صحيح مسلم 4/115. وقال ابن حجر: (إسناده ضعيف) فتح الباري 2/224، وقال البيهقي: (لا يثبت إسناده تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو متروك) . معرفة السنن والآثار خ ص313. وانظر: نصب الراية 1/313، 314.
قال الألباني: (الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم في موضع وضع اليدين إنما هو الصدر وفي ذلك أحاديث كثيرة … ثم قال: وأسعد الناس بهذه السنة الصحيحة الإمام إسحاق بن راهويه فقد ذكر المروزي في المسائل ص222، كان إسحاق يوتر بنا … ويرفع يديه في القنوت ويقنت قبل الركوع، ويضع يديه على ثدييه أو تحت الثديين) إرواء الغليل 2/70ـ71.
2 قال ابن المنذر: قال إسحاق: (تحت السرة أقوى في الحديث وأقرب إلى التواضع) . الأوسط 1/94. وانظر: قوله في شرح مسلم للنووي 4/114، المغني 1/472، المجموع 3/271، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 20/221، المعاني البديعة خ ل ب 29.(2/552)
[215-] قلت: يصفن1 بين قدميه أو يراوح2 (بينهما) 3؟
قال: بل يراوح4.
__________
1 يصفن بين قدميه: أي يقيمهما على صف ومستوى واحد، ويعتمد عليهما سوياً أثناء القيام.
2 يراوح: أي يعتمد على إحداهما مرة وعلى الأخرى مرة، ليوصل الراحة إلى كل منهما.
انظر: غريب الحديث للخطابي 3/115، لسان العرب 2/466.
(بينهما) إضافة من ع.
4 قال ابن قدامة: يكره أن يلصق إحدى قدميه بالأخرى في حال قيامه، لما روى الأثرم عن عينيه بن عبد الرحمن قال: (كنت مع أبي في المسجد فرأى رجلاً يصلي قد صف بين قدميه والزق إحداهما بالأخرى، فقال أبي: لقد أدركت في هذا المسجد ثمانية عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيت أحداً منهم فعل هذا قط. وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه ولا يمس إحداهما بالأخرى، ولكن بين ذلك لا يقارب ولا يباعد) . المغني 2/9. وقال في الفروع: ومراوحته بين رجليه مستحبة ويكره كثرته؛ لأنه فعل اليهود 1/364.
وانظر: مطالب أولي النهى 1/480، 481، كشاف القناع1/435.(2/553)
قال إسحاق: كما قال1.
[216-] قلت: كيف يجلس في الصلاة في الركعتين والأربع؟
قال: أما في الأوليين ينصب اليمنى ويفترش2 اليسرى، وأما في الأخريين فيؤخر رجله اليسرى ويقعد متوركاً3 على شقه4 اليسرى واليمنى منصوبة5.
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/276، المجموع 3/240.
2 يفترش اليسرى: أي يبسطها على الأرض ويجلس عليها في القعود في الصلاة.
3 متوركاً: أي معتمداً على وركه. والورك ما فوق الفخذ. والتورك في الصلاة: هو القعود بوضع الورك الأيمن على الرجل اليمنى، وجعل الورك الأيسر على الأرض.
انظر: الصحاح 4/1614، معجم لغة الفقهاء ص151.
(شقه) ساقطة من ع.
5 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص80، 81 (284ـ286) ، وصالح في مسائله 2/386 (1051) ، وابن هانئ في مسائله 1/79 (389، 391) ، وأبو داود في مسائله ص34.
والمذهب: أن المصلي يجلس في التشهد الأول الذي يكون بعد ركعتين مفترشاً على الصفة التي رواها ابن منصور.
وروي عن أحمد: أن المصلي إن تورك فيهما جاز. قال المرداوي والأفضل تركه.
انظر: الإنصاف 2/70، 75، الفروع 1/325، 326، الروض المربع 1/177، 179.
قال ابن قدامة: (السنة عند إمامنا- رحمه الله-: التورك في التشهد الثاني) . المغني 1/539.
والصحيح من المذهب: أن صفة التورك أن يفرش المصلي رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، ويخرجهما عن يمينه ويجعل إليتيه على الأرض، والذي اختاره الخرقي، والقاضي أبو يعلى، والمجد بن تيمية، وغيرهم: أن ينصب رجله اليمنى ويجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى ويجعل اليتيه على الأرض. قال ابن قدامة: وأيهما فعل فحسن.
وقيل: يخرج قدمه الأيسر من تحت ساقه الأيمن ويقعد على اليتيه، وقيل: أو يؤخر رجله اليسرى ويجلس متوركاً على شقه الأيسر، أو يجعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه. قال ابن مفلح: أيها فعل جاز.
انظر: المغني 1/539، المبدع 1/472، 472، الإنصاف 2/89.(2/554)
قال إسحاق: كما قال1.
[217-] قلت: كيف تجلس المرأة؟
قال: تقعد تسدل23
__________
1 انظر قول إسحاق في: اختلاف العلماء للمروزي ص50، سنن الترمذي 2/87، الأوسط 3/203، المغني 1/533، شرح السنة 3/172.
2 في ع إضافة حرف (و) قبل كلمة (تسدل) .
3 تسدل: السدل: الإرسال والإرخاء. والمعنى: أنها تجلس على إليتيها وتجعل رجليها بجانب يمينها.
انظر: القاموس المحيط 3/395، لسان العرب 11/189.(2/555)
سقطت هذه الصفحة(2/556)
ربي الأعلى1.
قال إسحاق: كما قال ثلاثاً ثلاثاً فأعلى2.
[219-] قلت: كم يسبح في سجوده؟
قال: ما أمكنه3 إذا أمكن يديه من
__________
1 قال عبد الله: (سمعت أبي يقول: يسبح الرجل في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثاً، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثاً) . المسائل ص74 (266) .
والصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية، من أن الأفضل الاقتصار على قول سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى من غير زيادة. وقطع به جمهور الأصحاب. وروي عن أحمد: أن الأفضل قول سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي الأعلى وبحمده، اختاره المجد بن تيمية وصاحب مجمع البحرين.
والواجب: مرة واحدة إذا اقتصر عليها أجزأته.
انظر: المبدع 1/448، المذهب الأحمد ص16، الإنصاف 2/60، 70.
2 انظر قول إسحاق في سنن الترمذي 2/48، شرح السنة 3/103.
3 تقدم في مسائل عبد الله أنه يقول: ثلاثاً، ثلاثاً. وقال ابن هانئ: قلت: كم يجوز من التسبيح في الركوع والسجود خلف الإمام؟ قال: ثلاث، قيل: له خمس تجوز؟ قال: نعم وسبع. المسائل 1/45 (219) .
وقال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عمن سبح تسبيحه في سجوده؟ قال: تجزئه) . المسائل ص37، وأدنى الكمال ثلاث تسبيحات في كل من الركوع والسجود بلا نزاع في المذهب.
وأما أعلى الكمال، فالصحيح من المذهب: أن الكمال في حق الإمام إلى عشر تسبيحات، وقيل: ثلاث إن لم يؤثر المأموم الزيادة، وقيل: لا يزيد على ثلاث إلا برضى المأموم، أو بقدر ما يحصل الثلاث له، وقيل: سبع، وقيل: خمس؛ ليدرك المأموم ثلاثاً، وقيل: مالم يطل عرفاً، وقيل: أوسطه سبع وأكثره بقدر القيام.
أما الكمال في حق المنفرد، فالصحيح من المذهب: أنه لا حد لغايته ما لم يخف سهواً، اختاره القاضي. وقيل: بقدر قيامه، وقيل: سبع، وقيل: عشر، وقيل: أوسطه سبع وأكثره بقدر قراءة القيام.
انظر: الإنصاف 2/60، 61، 70، الفروع 1/319، 320، المغني 1/501، 502.(2/557)
ركبتيه1 وأمكن جبهته من الأرض2 والثلاث وسط.
قال إسحاق: كما قال، إلا أن يكون إماماً فلا يدعن أن يبلغ بعدد التسبيح سبعاً، أو خمساً؛ لكي يدرك من خلفه ثلاثاً فأعلى3.
__________
1 هذا هو قدر الإجزاء في الركوع؛ لأنه لا يسمى راكعاً بدونه، ولا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا به. والاعتبار بمتوسطي الناس، لا بالطويل اليدين ولا بقصير هما وقدره من غيرهم، وهذا هو المذهب. وجزم به الجمهور وصرح جماعة بأنه يمس ركبتيه بكفيه. وفي أقل من ذلك احتمالان.
قال المجد بن تيمية ضابط الأجزاء الذي لا يختلف: أن يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل.
انظر: المغني 1/500، المبدع 1/447، المحرر في الفقه ومعه النكت 1/63، 64، الإنصاف 2/59، 60.
2 هل يكفي السجود على الجبهة، أو لابد معها من السجود على الأنف؟.
المذهب وهو ما عليه أكثر الأصحاب أنه يجب السجود عليهما معاً.
وروي عن أحمد: أنه لا يجب السجود على الأنف، اختاره القاضي. وقال: وهو أصح.
انظر: الروايتين والوجهين 1/124، 125، الإنصاف 2/66.
3 انظر: قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/48، شرح السنة 3/103.(2/558)
[220-] قلت: إذا قرأ سجدة1 فسجد2 ما يقول في سجوده؟
فتلكأ3 ساعة.
فقلت: أعجب إليّ أن أقول (فيه) 4 ما أقول في الصلاة.
قال: أنا كذلك أفعل5.
__________
1 في ع (السجدة) بإضافة (ال) التعريف.
(فسجد) ساقطة من ع.
3 تلكأ: توقف وتباطاً أن يقول شيئاً.
انظر: مجمل اللغة 3/813، الصحاح 1/71.
(فيه) إضافة من ع.
5 قال ابن هانئ: (صليت إلى جنب أبي عبد الله فقرأ الإمام (ألم) تنزيل (السجدة) فبلغ إلى السجدة فسجد وسمعته يقول: سبحان ربي الأعلى، كما يقول في سائر السجود) . المسائل 1/98 (489) ،
وقال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عما يقول في سجود القرآن؟ قال: أما أنا فأقول: سبحان ربي الأعلى) . المسائل ص64.
وقال ابن قدامة: (يقول في سجوده- أي سجود القرآن- ما يقول في سجود الصلاة، ثم ذكر أحاديث فيها أذكار ودعوات قيلت في سجود التلاوة، ثم قال: ومهما قال من ذلك فحسن) . المغني 1/662.
قال ابن مفلح: (ذكر في الرعاية أنه يخير بين التسبيح وبين ما ورد، ثم قال: الأولى أن يقول فيه ما يليق بالآية) . المبدع 2/32(2/559)
قال إسحاق: ليقل ما جاء عن النبي صلى الله عليه (وسلم) 1 "سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن2 الخالقين3" و"رب
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
(وصوره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن) إضافة من ع، ويوجد في ظ (خلقه إلى الخالقين) .
3 روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال … وإذا سجد قال: "اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين …" صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل، وقيامه 1/535، 536 (201) .
وعند الترمذي وأحمد (فتبارك الله) بزيادة الفاء. سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة بالليل 5/486، 487 (3422) ، مسند أحمد 1/95، 102.
وروى البيهقي في الكبرى عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل، يقول في السجدة مراراً: سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين". السنن الكبرى 2/325.
بنقص (وصورة) وزيادة (بحوله وقوته) عما في الأصل، ورواه الحاكم في مستدركه وقال: (وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي) . المستدرك مع التلخيص 1/220.(2/560)
إني1 ظلمت نفسي فاغفر لي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) 2.
[221-] قلت: إذا لم يسجد على أنفه؟
قال: حديث عاصم3 عن عكرمة4 ما أجترئ أن
__________
(إني) ساقطة من ع.
2 انظر: قول إسحاق في الأوسط خ ل أ (278) ، الإشراف خ ل أ 62.
3 هو عاصم بن سليمان الأحول، أبو عبد الرحمن البصري مولي بني تميم. إمام حافظ وهو محدث البصرة في عصره، وولي الحسبة في المكاييل والموازين في الكوفة، ثم ولي القضاء بالمدائن لأبي جعفر. وثقة أحمد وابن معين وابن المديني والعجلي وغيرهم، توفي سنة ثنتين وأربعين ومائة من الهجرة، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/42، الثقات للعجلي ص241، شذرات الذهب 1/210، سير أعلام النبلاء 6/13.
4 روى عبد الرزاق بسنده عن عاصم بن سليمان، عن عكرمة مولى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى امرأة تسجد وترفع أنفها فقال فيها قولاً شديداً في الكراهة لرفعها أنفها. وروى أيضاً عنه قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يصلي أو امرأة فقال: لا يقبل الله صلاة لا يصيب الأنف منها ما يصيب الجبين ". المصنف 2/182. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/262، والبيهقي في سننه الكبرى 2/104.
ورواه الدارقطني والبيهقي مسنداً عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو بكر عبد الله ابن سليمان بن الأِشعث: لم يسنده عن سفيان وشعبة إلا أبو قتيبة، والصواب: عن عاصم عن عكرمة مرسلاً. سنن الدارقطني 1/348، 349، السنن الكبرى2/104. وقال الترمذي وغيره من الحفاظ: (الصحيح أنه مرسل عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم) . انظر: المجموع 3/399.(2/561)
أحكم به1.
قال إسحاق: كما قال، لإرساله2، لا يجزئه دون أن يسجد على أنفه3.
[222-] قلت: (يسجد) 4 ويداه في ثوبه؟
__________
1 توقف أحمد هنا عن الحكم بعدم صحة صلاة من لم يسجد على أنفه، ولعله لإرسال الحديث. ونقل ابن المنذر نص قول أحمد هذا في: الأوسط 3/176، وتقدم حكم السجود على الأنف. راجع مسألة (219) .
2 أي أن حديث عاصم عن عكرمة مرسل، ولا يثبت مسنداً.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/176، المغني 1/516. شرح البخاري لابن بطال خ ل أ 235، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/346، اختلاف الصحابة والتابعين خ ل ب 22.
4 في ظ (فسجد) .(2/562)
قال: من برد أو علة1، فأما2 لغير علة3 فلا4.
قال إسحاق: كما قال5.
__________
1 علة: عل يعل واعتل أي: مرض فهو عليل.
انظر: الصحاح 5/1773، لسان العرب 11/471.
2 في ع (وأما) .
3 في ع (العلة) بإضافة (ال) .
4 قال ابن هانئ: (قلت أيسجد الرجل ويداه في طيلسانه؟ قال: لا بأس به) . المسائل 1/47 (226) .
قال ابن قدامة: ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه أعضاء- أي أعضاء السجود السبعة- قال القاضي: إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله فالصلاة صحيحة رواية واحدة. ثم قال ابن قدامة: والمستحب مباشرة المصلي بالجبهة واليدين ليخرج من الخلاف ويأخذ بالعزيمة. قال أحمد: ولا يعجبني إلا في الحر والبرد. المغني 1/517، 518.
والصحيح من المذهب: أنه لا تجب مباشرة اليدين بالأرض ويكره سترهما، وعليه الأصحاب، وقطع به أكثرهم.
وروي عن أحمد: أنه لا يكره سترهما.
وعنه: أنه يجب مباشرة اليدين لما يسجد عليه فوق الأرض. ومحل الخلاف: إذا لم يكن عذر؛ فإن كان عذر من حر أو برد ونحوه فلا كراهة، وصلاته صحيحة رواية واحدة.
انظر: الإنصاف 2/68، 69، الفروع 1/323، الروض المربع 1/177.
5 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/178، المجموع 3/399، المغني 1/517، 518.(2/563)
[223-] قلت: يسجد على عمامته؟
قال: لا يعجبني، اللهم إلا أن يكون يتأذى (بالبرد) 1 أو2 الحر3.
قال إسحاق: كما قال4.
__________
1 في ظ (البرد) بإسقاط الباء.
2 في ع (و) .
3 قال ابن هانئ: رأيت أبا عبد الله إذا سجد يضع طرف ردائه على البوري- الحصير- ويسجد عليه. وقال: سمعته يقول في السجود على كور العمامة: لا يعجبني. وقال: سئل عن السجود على كور العمامة؟ قال: لا، حتى يفضي بجبهته إلى الأرض. المسائل 1/47، 59 (224، 225، 227، 290) .
وقال أبو داود: قلت لأحمد: السجود على كور العمامة؟ قال: لا. المسائل ص 36.
والمذهب- وهو ما عليه جمهور الأًصحاب-: أنه لا تجب مباشرة الجبهة لما يسجد عليه فإن سجد على كور عمامته صحت صلاته. وهل يكره؟ روايتان، اختار المرداوي: الكراهة.
وروي عن أحمد: أنه تجب مباشرة الجبهة للأرض، أو لما يسجد عليه فوقها. قال ابن أبي موسى: إن سجد على قلنسوته لم يجزه قولاً واحد، وإن سجد على كور العمامة لتوقي حر أو برد جاز قولاً واحداً.
وقال صاحب الروضة: إن سجد على كور العمامة وكانت ممكنة جاز وإلا فلا.
انظر: الروايتين والوجهين 1/127، الإنصاف 2/67، 68، المبدع 1/455.
4 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/179، المغني 1/518، المجموع 3/399، معالم السنن 1/183(2/564)
[224-] قال إسحاق: وأما كور1 العمامة فالصلاة عليه مكروه فإن سجد على العمامة من غير علة فإن ذلك مكروه، وهو جائز، ولا يتعمدن لذلك، فإن فعل فلا إعادة عليه.
[225-] [ظ-10/ب] قلت لأحمد2: إذا التفت في صلاته3 يعيد الصلاة؟
قال: أساء، ما4 أعلم أني5 سمعت فيه حديثاً أي أنه يعيد.
__________
1 كور العمامة: إدارة العمامة على الرأس، وكل دور كور يقال: كار العمامة على رأسه يكورها كوراً لواها وأدارها على رأسه.
انظر: غريب الحديث للخطابي 2/308، القاموس المحيط 2/129، لسان العرب 5/155.
(لأحمد) ساقطة من ع.
3 في ع (الصلاة) .
4 في ع (ولا) .
5 يكره أن يلتفت المصلي في الصلاة لغير حاجة، فإن كان لحاجة كما إذا اشتدت الحرب ونحو ذلك كالمرض لم يكره. ولا تبطل الصلاة بالالتفات إلا أن يستدير بجملته عن القبلة أو يستدبر القبلة؛ فحينئذٍ تبطل صلاته بلا نزاع في المذهب.
فإن التفت بصدره مع وجهه فالمذهب: أن صلاته لا تبطل، وعليه أكثر الأًصحاب، منهم ابن عقيل وابن قدامة. وذكر جماعة أنها تبطل، وجزم به ابن تميم.
انظر: الفروع 1/364، المحرر في الفقه 1/77، الإنصاف 2/91، مطالب أولي النهى 1/474(2/565)
قال إسحاق: كما قال1.2.
[226-] قلت: إذا قام من القعدة الأولى يضع يديه على الأرض، أو ينهض على صدور قدميه؟
قال: بل ينهض على صدور قدميه (و) 3 يعتمد على ركبتيه، قال: وفي الركعة الأولى4 والثالثة ينهض على صدور قدميه5.
__________
1 مكان هذه المسألة في ع بعد مسألة (212) .
2 نقل ابن حجر إجماع العلماء على كراهة الالتفات في الصلاة، والجمهور على أنها للتنزيه. فتح الباري 2/234.
(و) إضافة من ع.
(الأولى و) ساقطة من ع.
5 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص82 (287، 288) ، وابن هانئ في مسائله 1/54 (259) ، وأبو داود في مسائله ص35.
والصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية، حيث إن المصلي إذا قام من السجدة الثانية لا يجلس جلسة الاستراحة، بل يقوم على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه إلا أن يشق عليه، فيعتمد بالأرض. قال ابن الزاغوني: هو المختار عن جماعة المشايخ.
وروي عن أحمد: أنه يجلس جلسة الاستراحة، اختاره الخلال، وقال: إن أحمد رجع عن الأول، وقيل: يجلس جلسة الاستراحة من كان ضعيفاً، اختاره القاضي وابن قدامة وغيرهما.
فإن جلس للاستراحة فالصحيح من المذهب: أنه لا يعتمد على الأرض إذا قام، بل ينهض على صدور قدميه، معتمداً على ركبتيه إلا أن يشق عليه، فيعتمد على الأرض. واختار الآجرى أنه يعتمد بالأرض إذا قام.
انظر: الفروع 1/325، 326، المغني 1/529، 530، 531، الروايتين والوجهين 1/127، 128، الإنصاف 2/71، 72.(2/566)
قال إسحاق: ينهض على صدور قدميه ويعتمد بيديه على الأرض، فإن لم يقدر أن يعتمد على يديه وصدور قدميه جلس، ثم اعتمد على يديه وقام1.
[227-] قلت: التشهد أيهم تختار؟
قال: تشهد2
__________
1 انظر قول إسحاق أنه لا يرى جلسة الاستراحة بعد الركعة الأولى والثالثة في: شرح السنة 3/165، المغني 1/529، ونقل عنه الترمذي: أنه يجلسها. السنن 2/79.
قلت: ولعل الأول فيما إذا استغني عنها، وكان باستطاعته النهوض من السجدة مباشرة. والثاني فيما إذا لم يقدر أن يعتمد على يديه وقدميه للنهوض فيجلس ثم ينهض. ونقل عنه ابن المنذر: أن المصلي ينهض على صدور قدميه ولا يجلس. الأوسط 3/197، وانظر: المجموع 3/420.
2 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: "كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله هو السلام فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين- فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد الله صالح في السماء والأرض- أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " صحيح البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب التشهد في الآخرة 1/137، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة 1/302 (56) .(2/567)
ابن مسعود1 (رضي الله عنه) 2.
__________
1 نقل عنه ابنه عبد الله أن التشهد المختار هو تشهد ابن مسعود. في مسائله ص84 (297، 298) ، وابن هانئ في مسائله 1/79، 80 (392، 395) ، وأبو داود في مسائله ص34، 35.
قال الخرقي: (ويتشهد، فيقول: التحيات لله … وهو التشهد الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-) .
قال ابن قدامة: هذا التشهد هو المختار عند إمامنا. ثم قال: وبأي تشهد مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز، نص عليه أحمد فقال: تشهد عبد الله أعجب إليّ، وإن تشهد بغيره فهو جائز. وقال: ليس الخلاف في إجزاء غيره في الصلاة، إنما الخلاف في الأولى الأحسن، ورواية ابن مسعود أصح إسناداً وأكثر رواة. وقد اتفق على روايته جماعة من الصحابة فيكون أولى. المغني 1/534ـ536.
وروي عن أحمد: أن تشهد ابن مسعود وتشهد ابن عباس سواء، وقال بعض الأصحاب: لا يجزئ غير تشهد ابن مسعود.
انظر: الإنصاف 2/77، المبدع 1/463، 464، مطالب أولي النهى 1/457.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.(2/568)
قال إسحاق: كما قال1.
[228-] قلت: الصلاة على الخمرة2 والطنفسة3؟
قال: لا بأس بهما4. الخمرة عن النبي5 صلى الله عليه
__________
1 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/82، الأوسط 3/207، المغني 1/535، شرح السنة 3/183.
2 الخمرة: هي سجادة صغيرة بقدر ما يضع عليه الرجل وجهه تعمل من سعف النخل، وترمل بالخيوط سميت بذلك؛ لأنها تستر الوجه من الأرض؛ أو لأن خيوطها مستورة بسعفها.
انظر: النهاية في غريب الحديث 2/77، تهذيب اللغة 7/380.
3 الطنفسة: بكسر الطاء والفاء وضمها وبكسر الأول وفتح الثاني، بساط له خمل رقيق.
انظر: النهاية في غريب الحديث 3/140، تاج العروس 4/181.
4 قال ابن قدامة: (لا بأس بالصلاة على الحصير والبسط من الصوف والشعر والوبر، والثياب من القطن والكتان وسائر الطاهرات، وصلى عمر على عبقري، وابن عباس على طنفسة، وزيد بن ثابت وجابر على حصير، وعلي وابن عباس وابن مسعود على المنسوج) . المغني 2/77. وانظر: كشاف القناع 1/334، مطالب أولي النهى 1/352.
5 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ميمونة- رضي الله عنها- قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على الخمرة ". صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة على الخمرة 1/72، صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات 1/458 (270) .(2/569)
(وسلم) 1 والطنفسة عن ابن عباس2 (رضي الله عنهما) 3.
قال إسحاق: كما قال4.
[229-] قلت: (بما) 5 يدعو الرجل في الفريضة؟
قال: يدعو (بما) 6 (جاء) 7 في القرآن8.
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
2 روى ابن أبي شيبة بسنده عن سعيد بن جبير قال: صلى بنا ابن عباس على طنفسة قد طبقت البيت صلاة المغرب. المصنف 1/400. ورواه عبد الرزاق في مصنفه 1/395، والبيهقي في السنن الكبرى 2/436.
وروى عبد الرزاق بسنده عن مقسم قال: صلى ابن عباس على طنفسة أو بساط قد طبق بيته. المصنف 1/395. وروى أيضاً بسنده عن سعيد بن جبير أن ابن عباس أمهم في ثوب واحد، مخالفاً بين طرفيه، على طنفسة قد طبقت البيت. المصنف 1/396.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
4 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/152، 155، نيل الأوطار 2/141، الأوسط خ ل أ 254.
5 في ظ (ما) بإسقاط الباء.
6 في ظ (ما) بإسقاط الباء.
(جاء) إضافة من ع.
8 قال عبد الله: سألت أبي ما يدعو به الرجل بعد التشهد؟. فقال: حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يتعوذ من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن شر فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال. قال أبي: ثم يدعو بدعاء ابن مسعود وما أحبّ من الدعاء بعد ذلك: "اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبادك الصالحون، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد" المسائل ص84 (298) .
وفي مسائل صالح قال: يعجبني يدعو بدعاء ابن مسعود (ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) . المسائل 1/379 (356) .
قال ابن هانئ: (سألته عن الرجل ما يقول بعد تشهد ابن مسعود في الركعتين الأخيرتين ما يقول؟ قال يقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، ويدعو بما أحب) . المسائل 1/79 (392) ،
وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل ما يختار في التشهد من الدعاء؟ قال: دعاء ابن مسعود. المسائل ص34، 35.
ولا نزاع في جواز الدعاء بما ورد في الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح. أما ما لم ترد به الأخبار فإن كان الدعاء من أمر الآخرة كالدعاء: بالرحمة والعصمة من الفواحش، والرزق الحلال ونحوه. فالصحيح من المذهب- وهو ما عليه جمهور الأصحاب-: أنه يجوز الدعاء به في الصلاة.
وروي عن أحمد: أنه لا يجوز الدعاء به، وتبطل الصلاة به، فإن لم يكن من أمر الآخرة، فالصحيح من المذهب: أنه لا يجوز الدعاء به في الصلاة، وتبطل الصلابة به.(2/570)
وروي عن أحمد: أنه يجوز الدعاء بحوائج دنياه.
وعنه يجوز الدعاء بحوائج دنياه وملاذها. كقوله: اللهم ارزقني جارية حسناء.
انظر: الإنصاف 2/81، 82، المغني 1/546ـ549، الفروع 1/331، 332، مطالب أولي النهى 1/461.(2/571)
ويدعو لوالديه1 ما لم يكن دعاء شنعاً2.
قال إسحاق: يدعو بما شاء مما3 في القرآن والسنن وإن جرى في دعائه تسمية4 الرجال5.
[230-] قلت: ما الاقعاء؟
قال: أن يضع اليتيه على عقبيه6.7. وأهل مكة يفعلون ذلك.
__________
1 الدعاء لشخص معين جائز على الصحيح من المذهب. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. راجع مسألة (162) .
2 شنعاً: شنع الشيء شناعة وشنعاً قبح، وشنع فلاناً استقبحه , وشتمه وفضحه.
انظر: مجمل اللغة 2/513، الصحاح 3/239.
3 في ع (بما) بإبدال الميم الأولى باء.
4 في ع (بتسمية) بإضافة باء في أولها.
5 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/244.
6 عقبيه: تثنية عقب وهو مؤخرة القدم مما يلي الساق.
انظر: لسان العرب 1/611، معجم لغة الفقهاء ص317.
7 وتكون ركبتاه حينئذٍ على الأرض.(2/572)
وبعضهم1 يقول: أن يقوم على رجليه ويضع إليتيه2 على عقبيه3 كأنه قاعد عليهما كما يقعي الكلب4.
__________
1 روى عبد الرزاق عن معمر قال: (سألت عطاء الخراساني وأيوب عن الرجل يقعي إذا رفع رأسه من المسجد- أي السجدة- حتى يسجد الأخرى، فقال أيوب: كان الحسن وابن سيرين لا يقعيان. قال عطاء: كذلك كنا نسمع، حتى جاءنا أهل مكة بغير ذلك) . المصنف 2/190.
وممن روي عنه: أنه يقعي في الصلاة: ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وطاووس ومجاهد وعطاء وسالم ابن عبد الله. انظر: مصنف عبد الرزاق 2/191ـ193، مصنف ابن أبي شيبة 1/285ـ286، السنن الكبرى للبيهقي 2/119.
2 في ع (اليته) بالإفراد.
3 وتكون ساقاه وفخذاه منصوبة ويداه على الأرض. انظر: النهاية في غريب الحديث 4/89.
4 ذكر ابن المنذر نص قول أحمد وإسحاق في: الأوسط 3/193.
وقال الخطابي: (قال أحمد بن حنبل: وأهل مكة يستعملون الإقعاء) . معالم السنن 1/209.
والمذهب- وهو ما عليه جماهير الأصحاب-: أنه يكره الإقعاء في الجلوس.
وروي عن أحمد: أنه جائز.
وعنه: سنة، اختاره الخلال.
قلت: وهو محمول على التفسير الأول فهو الذي قال فيه ابن عباس: (سنة نبيكم) . انظر: الإنصاف 2/91، المبدع 1/477، 478.(2/573)
قال إسحاق: كما قال1.
[231-] قلت: يصلي2 الرجل متربعاً؟
قال: يجعل قيامه متربعاً، فإذا أراد أن يركع ثني رجليه34.
قلت: إذا صلى متربعاً كيف يركع؟
قال: إذا أراد أن يركع ثنى رجليه5 كما يركع القائم.
__________
1 انظر قول إسحاق بكراهة الإقعاء في الجلوس في الصلاة في: الأوسط 3/194، شرح السنة 3/156، المجموع 3/415
2 في ع (يقعد) .
3 في ع (رجله) بالإفراد.
4 نقل نحوها أبو داود في مسائله ص51. والمذهب- وهو ما عليه الأصحاب-: موافق لما أفتى به هنا من أنه يستحب لمن صلى قاعداً أن يكون حال قيامه متربعاً.
وروي عن أحمد: أنه يفترش. وعنه: إن كثر ركوعه وسجوده لم يتربع وإلا تربع.
فإذا أراد أن يركع ثني رجليه- كما في هذه الرواية- وهو الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه لا يثنيهما حال ركوعه، بل يركع وهو متربع. قال ابن قدامة: هذا أصح في النظر، إلا أن أحمد ذهب إلى فعل أنس وأخذ به.
انظر: المغني 2/142، 143، المبدع 2/22، 23، كشاف القناع 1/517، الإنصاف 2/188.
5 في ع (رجله) بالإفراد.(2/574)
قال إسحاق: كما قال1.
[232-] قلت: ما2 يقول بين السجدتين؟
قال: رب اغفر لي3 حديث
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 236، مختصر قيام الليل للمروزي ص190، المغني 2/142.
(ما) ساقطة من ع.
3 قال ابن هانئ: (سألته عن الإمام إذا صلى بقوم يقول: ربنا اغفر لنا؟ قال: أما الذي سمعنا رب اغفر لي، رب اغفر لي، وما سمعنا رب اغفر لنا) . المسائل 1/47 (223) ،
وقال في مسائل أبي داود يقول: رب اغفر لي. المسائل ص34.
قال ابن قدامة: (المستحب عند أبي عبد الله أن يقول بين السجدتين: رب اغفر لي يكرر ذلك مراراً، والوجوب منه مرة) . المغني 1/525.
والصحيح من المذهب: أن الكمال ثلاث مرات لا غير، وقال ابن أبي موسى السنة: أن لا يزيد على مرتين. وهو ظاهر كلام الخرقي.
وقال ابن قدامة وغيره: أدنى الكمال ثلاث، والكمال فيه مثل الكمال في تسبيح الركوع والسجود، على ما مضى في مسألة (219) .
والصحيح من المذهب: أنه لا تكره الزيادة على قول رب اغفر لي مما ورد في الأخبار، وقيل: يكره.
وروي عن الإمام أحمد: أنه تستحب الزيادة في النفل. وقيل والفرض أيضاً: اختاره ابن قدامة وصاحب الفائق.
انظر: الإنصاف 2/70، 71، الفروع 1/325، مطالب أولي النهى 1/454.(2/575)
حذيفة1.2
قال إسحاق: إن شاء قال ذلك3 ثلاثاً4 وإن شاء قال: اللهم
__________
1 في ع إضافة: (قال حذيفة) بعد قوله (حديث حذيفة) .
2 روى أبو داود في سننه عن حذيفة- رضي الله عنه "أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فكان يقول الله أكبر ثلاثاً … وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده وكان يقول: رب اغفر لي رب اغفر لي … ".
سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده 1/544 (874) .
ورواه النسائي في سننه، كتاب التطبيق، باب ما يقول في قيامه، وباب الدعاء بين السجدتين 2/199، 231 (1069، 1145) .
وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما يقول بين السجدتين 1/289 (897) .
وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين 1/340، 341 (684) ، وأحمد في المسند 5/398، 400، والبيهقي في السنن الكبرى 2/109، 122.
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي. المستدرك مع التلخيص 1/271.
3 في ع (ذاك) .
4 في ع كلمة (ثلاثا) مكررة مرتين.(2/576)
اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني؛ لأن (كليهما) 1 يذكران2 عن النبي3 صلى الله عليه (وسلم) 4 بين السجدتين5.
[233-] قلت: إذا رفع رأسه من الركوع يزيد على ربنا ولك الحمد؟
قال: إذا كان وحده6 يقول: ملء السماء7 وملء
__________
1 في ظ (كلاهما) .
2 في ع (يذكر) بالإفراد.
3 روى أبو داود في سننه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني". سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين 1/531 (850) .
ورواه البيهقي في السنن الكبرى 2/122، والحاكم في المستدرك، وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي. المستدرك مع التلخيص 1/262.
4 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
5 نقل الترمذي في سننه 2/77 عن إسحاق أنه يرى جواز الدعاء باللهم اغفر لي وارحمني.. بين السجدتين: في المكتوبة والتطوع. وانظر: شرح السنة 3/163.
6 نقل عنه عبد الله وأبو داود قوله: (إن المأموم يقتصر على: ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد، وأن الإمام أو المنفرد يزيد ملء السموات ... ) . مسائل عبد الله ص73 (265) ، مسائل أبي داود ص34.
ولا نزاع في المذهب أن الإمام يقول بعد التسميع: ربنا ولك الحمد، ثم يزيد ملء السموات وما بعده. أما المنفرد فالصحيح موافق لهذه الرواية من أنه كالإمام يأتي بالتسميع والتحميد وملء السماء … إلى آخره.
وروي عن أحمد: أنه يسمع ويحمد فقط.
وعنه: يسمع فقط.
وعنه: يحمد فقط.
وأما المأموم فالمذهب: متفق مع هذه الرواية، حيث لا يزيد على قول: (ربنا ولك الحمد) شيئاً وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يزيد على ذلك (سمع الله لمن حمده) .
وعنه: يزيد ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. اختاره أبو الخطاب والمجد بن تيمية وحفيده شيخ الإسلام وغيرهم.
انظر: المغني 1/507ـ511، الإنصاف 2/64، المحرر في الفقه 1/62، الروايتين والوجهين 1/123.
7 في ع (السموات) بالجمع.(2/577)
الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، وإذا كان خلف الإمام، فقال الإمام: سمع الله لمن حمده، قال1 من خلفه: ربنا ولك الحمد2، وإن شاء قال: اللهم ربنا
__________
1 في ظ (وقال) بزيادة (و) .
2 نقل عنه إثبات الواو في ربنا ولك الحمد. وأنه يختار ذلك. عبد الله في مسائله ص73 (262، 264، 265) وصالح في مسائله 1/429، 2/433 (414، 1109) ، وابن هانئ في مسائله 1/45 (218) ، وأبو داود في مسائله 34.
والإتيان بالواو أفضل على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه بلا واو أفضل.
وعنه: لا يخير في تركها بل يأتي بها لزاماً.
انظر: المبدع 1/449، الفروع 1/321، الإنصاف 2/62.(2/578)
ولك الحمد1.
قال إسحاق: كما قال [ع-12/أ] ولكن من خلفه يقولون مثل ما قال الإمام: ربنا ولك الحمد2 إلى قوله (وملء) 3 ما شئت من شيء
__________
1 قال أبو داود: قلت لأحمد إذا قال: اللهم لا يقول يعني الواو في ربنا ولك الحمد؟ قال: نعم. المسائل ص34.
وقال ابن قدامة: نقل ابن منصور عن أحمد: إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه لا يجعل فيها الواو. المغني 1/510.
ولم أعثر على هذه الرواية لابن منصور في المسائل، وما يوجد في النسختين هو إثبات الواو. وقد ثبت الجمع بين الواو واللهم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده قال: اللهم ربنا ولك الحمد". صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رافع رأسه من الركوع 1/131.
(ربنا ولك الحمد) ساقطة من ع.
(ملء) إضافة من ع.(2/579)
1 بعد وإن مد2 إلى منك الجد3 إذا كان إماماً أحب إليّ في المكتوبة والتطوع4.
[234-] قلت الإمام: يصلي على5 المكان الذي أَمَّ فيه؟
قال: لا, مكروه6.
__________
1 أي يقول: (ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد) .
2 أي يقول بعد ما تقدم (أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) . ورد ذلك في حديث رواه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع 1/347 (206) .
3 الجد: الحظ والرزق، يقال: فلان ذو جد في كذا أي ذو حظ. ومعنى: لا ينفع ذا الجد منك الجد: أي من كان له حظ في الدنيا لم ينفعه ذلك منه في الآخرة. وقال الجوهري: أي لا ينفع ذا الغني عندك غناه، وإنما ينفعه العمل بطاعتك.
وقال أبو عبيد: أي لا ينفع ذا الغنى عنك غناه، انما ينفعه الإيمان والعمل الصالح بطاعتك.
انظر: مجمل اللغة 1/169، الصحاح 2/452، لسان العرب 3/107.
4 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/56، الأوسط 3/161، شرح السنة 3/114، المجموع 3/391. المغني 1/510.
5 في ع (في) .
6 نقل ابن قدامة قول أحمد هذا واستدلاله بقول علي- رضي الله عنه-. انظر المغني: 1/562، ونقل عن الإمام أحمد أن الإمام لا يتطوع في المكان الذي صلى فيه الفريضة، وغير الإمام له ذلك. عبد الله في مسائله 114 (409) ، وابن هانئ في مسائله 1/61 (303) ، وأبو داود في مسائله ص 72.
والمذهب: موافق لهذه الرواية من أنه يكره للإمام أن يتطوع في موضع المكتوبة إلا من حاجة، كأن لا يجد موضعاً يتحول إليه، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وقال ابن عقيل: لا يكره، لكن تركه أفضل كالمأموم.
انظر: المبدع 2/92، الإنصاف 2/298، كشاف القناع 1/581، 582.(2/580)
كرهه1 علي2 (رضي الله عنه) 3.
قال إسحاق: كما قال4.
[235-] قلت: إذا صلى الظهر خمساً؟
__________
1 في ع إضافة (و) قبل كلمة (كرهه) .
2 روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي- رضي الله عنه- قال: إذا سلم الإمام لم يتطوع حتى يتحول من مكانه، أو يفصل بينهما بكلام. وروى عنه أيضاً- رضي الله عنه- قال: لا يتطوع الإمام في المكان الذي أمّ فيه القوم حتى يتحول، أو يفصل بكلام. المصنف 2/209، 210.
وروى البيهقي بسنده عن عباد بن عبد الله قال: سمعت علياً- رضي الله عنه- يقول: إن من السنة إذا سلم الإمام أن لا يقوم من موضعه الذي صلى فيه يصلي تطوعاً حتى ينحرف أو يتحول أو يفصل بكلام. السنن الكبرى 2/191.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
4 انظر قول إسحاق في: المغني 1/562.(2/581)
قال: يسجد سجدتين وقد تمت صلاته1.
قال إسحاق: كما قال2.
[236-] قلت3:كم يسلم في الصلاة؟
قال: تسليمتين4، وفي الجنازة
__________
1 قال أبو داود: (قيل لأحمد: فإذا صلى خمساً فذكر في التشهد يسجد قبل السلام؟ قال: نعم. المسائل ص52.
وقال ابن قدامة: متى قام إلى الخامسة في الرباعية، أو إلى الرابعة في المغرب أو إلى الثالثة في الصبح لزمه الرجوع متى ما ذكره فيجلس … فإن لم يذكر حتى فرغ من الصلاة سجد سجدتين عقيب ذكره وتشهد وصلاته صحيحة) . المغني 2/31. وانظر: المبدع 1/504، الفروع 1/385، المحرر في الفقه 1/82.
2 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/240، الأوسط 3/294، شرح السنة 3/288، معالم السنن 1/263. المغني 2/31.
3 مسألة (236) مقدمة في ع على مسألة (235) .
4 نقل عنه أن المصلي يسلم تسليمتين عبد الله في مسائله ص83 (295) ، وابن هانئ في مسائله 1/63 (315) ، وأبو داود في مسائله ص73.
قال ابن قدامة: ويشرع أن يسلم تسليمتين عن يمينه ويساره. المغني 1/552.
والمذهب: أن التسليمة الأولى ركن من أركان الصلاة.
وروي عن أحمد: انها واجبة. والتسليمة الثانية ركن أيضاً كالأولى في رواية عن الإمام أحمد. واختاره أكثر الأًصحاب، وصححه غير واحد منهم.
وعنه: أنها واجبة. قال القاضي: وهي أصح.
وعنه: أنها سنة. اختارها ابن قدامة وغيره. وعنه: سنة في النفل دون الفرض.
انظر: الإنصاف 2/114، 117، 118. الروايتين والوجهين 1/130، الفروع 1/348.(2/582)
واحدة1.
قال إسحاق: كما قال2.
قال3: وليقل في الجنازة على يمينه السلام عليكم قط4.
__________
1 نقل عنه: أن التسليم من الجنازة تسليمة واحدة. ابن هانئ في مسائله 1/186، 187 (931ـ933) وأبو داود في مسائله ص135.
والمذهب: يتفق مع هذه الرواية من أن المصلي على الجنازة يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، وإن أتى بالثانية جاز من غير استحباب. وقال القاضي: يستحب أن يسلم تسليمة ثانية عن يساره.
انظر: المبدع 2/254، كشاف القناع 2/134، المغني 2/491.
2 انظر قول إسحاق: أن المشروع للصلاة تسليمتان في: سنن الترمذي 2/90، الأوسط 3/221، الإشراف لابن المنذر خ ل ب 12، المجموع 3/463، المغني 1/552، الاستذكار 2/214، شرح البخاري لابن بطال خ ل أ 241، عمدة القاري 5/194.
وقال ابن المنذر: كان إسحاق يقول تسليمة تجزئ، وتسليمتان أحب إليّ. الأوسط 3/223.
(قال) ساقطة من ع.
4 انظر قول إسحاق: أن السنة في السلام من الجنازة واحدة عن اليمين. في الإشراف لابن المنذر خ ل ب 54، المجموع 5/202، الأوسط خ ل ب 306، المغني 2/491، تجريد المسائل اللطاف خ ل أ 58.(2/583)
[237-] قيل لأحمد (رضي الله عنه) :1 صلى الغداة2 ثلاثاً فلما كان في الثالثة ذكر أنه نسى سجدة؟
قال: يركع ركعة ويسجد سجدتين3.
__________
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
2 الغداة: الفجر.
3 نقل عنه: أن من نسي سجدة من ركعة سابقة أنه قد بطلت تلك الركعة ويلزمه إعادتها. عبد الله في مسائله ص85، 86 (303) ، وصالح في مسائله 2/465، 466 (1170) ، وابن هانئ في مسائله 1/76، 77 (378، 384، 385) ، وأبو داود في مسائله ص51.
والمذهب- وهو ما عليه أكثر الأصحاب-: موافق لما أفتى به هنا، فمن نسى سجدة من ركعة ثم ذكرها بعد شروعه في قراءة الركعة التي تليها بطلت الركعة التي ترك منها السجدة. وصارت التي شرع في قراءتها مكانها.
وفيه وجه لا تبطل الركعة بشروعه في قراءة ركعة أخرى، فمتى ذكر قبل سجود الثانية رجع فسجد للأولى، وإن ذكر بعد أن سجد كان السجود عن الأولى، ثم يقوم إلى الثانية.
وفي رواية عن الإمام أحمد: أن من ترك ركناً ناسياً فذكره حين شرع في ركن آخر بطلت الركعة.
انظر: المغني 2/27، الإنصاف 2/139، الفروع 1/387(2/584)
قلت: فقد صلى ثلاث ركعات، أما يجزئه؟
قال: ما أحسنه، كأنه مال إلى قولي.
قلت: فيسجد سجدة واحدة؟
قال: لا، قد كفاه ذلك صلى ثلاث ركعات1.
قال إسحاق2 كلما ذكر سجدة في آخر صلاته لا يدري من أي الركعات، تركها3 إذا تركها4 من الركعة الثانية، فأما إن كان تركها من الأولى فلابد من أن5 يبني6.7
[238-] قلت: إذا شك في صلاته؟
قال: يرجع إلى اليقين، واليقين8 أن يكون يشك في واحدة أو
__________
1 إحدى هذه الركعات باطلة لا يعتد بها؛ لأنه ترك فيها ركناً، بقي ركعتان وهما عدد ركعات صلاة الفجر.
(إسحاق) ساقطة من ع.
3 أي ترك الركعة الثانية ولم يعتد بها.
4 أي السجدة.
5 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/198، المغني 2/27.
6 أي يني على تكبيرة الإحرام والاستفتاح؛ لأن تلك الركعة قد بطلت. والله أعلم.
7 في ظ إضافة (إذا تركها من الركعة الثانية بني إذا كان تركها) بعد كلمة (يبني) ولا فائدة منها؛ لأنها تناقض أول كلام إسحاق ولعلها وهم من الناسخ.
8 نقل عنه: أن من شك في صلاته يني على اليقين وهو الأقل. عبد الله في مسائله ص89 (315) ، وابن هانئ في مسائله 1/77 (382) ، وأبو داود في مسائله ص52، 54. وتقدم بيان المذهب. راجع مسألة (203) .(2/585)
ثنتين، أكثر وهمه (أنها) 1 ثنتان وهو التحري، واليقين2 واحدة، وإن كان هو وآخر فكان اليقين [ظ-11/أ] عنده خلاف ما3 أخبره صاحبه لم يقبله منه، وإن كانوا أكثر من واحد قبل منهم4؛
__________
1 في ظ (انه) .
2 نقل عنه تفسير اليقين والتحري كما هنا: عبد الله في مسائله ص87 (308) ، وابن هانئ في مسائله 1/75 (371) ،
3 في ع (بما) بإضافة الباء.
4 نقل عنه: أن الإمام لا يرجع عن فعله إذا سبح به واحد، ويراجع إذا سبح به اثنان فأكثر. عبد الله في مسائله ص86 (304) , وابن هانئ في مسائله 1/75 (372ـ374) .
والمذهب موافق لهذه الرواية، من أنه إذا سبح به واحد لا يرجع إلى قوله، وقيل: يرجع إلى ثقة في زيادة فقط، واختار أبو محمد الجوزي: يجوز رجوعه إلى واحد يظن صدقه، وإن سبح به ثقتان، فالمذهب- وهو ما عليه الأًصحاب-: أنه يلزمه الرجوع إلى قولهما سواء قلنا يعمل الإمام بغلبة ظنه أو لا.
وروي عن أحمد: أنه يستحب له الرجوع فيعمل بالتحري أو بيقينه، وقيل: إن قلنا: يبني الإمام على غلبة ظنه رجع وإلا فلا. اختاره ابن عقيل.
انظر: المغني 2/18ـ20، الإنصاف 2/125، الفروع 1/385.(2/586)
لأن (النبي صلى الله عليه وسلم) 1 لم يقبل قول ذي2 اليدين حتى استشهد القوم فشهدوا3، وهذا إذا سبح
__________
1 في ظ (عليه السلام) .
2 ذو اليدين: صحابي اسمه الخرباق السلمي؛ وسبب التسمية إما لأن في يديه طولاً حقيقة، واما أن ذلك كناية عن طولها بالعمل أو البذل.
انظر: الاستيعاب 1/448، فتح الباري 3/100.
3 روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفة اليسرى، وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين. قال يا رسول الله: أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه- أي ابن سيرين-، ثم سلم؟ فيقول: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم".
وفي رواية لهما: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس نعم". صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره. وكتاب الأذان والجماعة، باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس 1/86، 120. صحيح مسلم كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له 1/403، 404، (97، 99) .(2/587)
به1. وكل من تكلم وراء الإمام أعاد2.
قال إسحاق: كما قال3، إلا أنه إذا لقّنه4 واحد شك قبل منه.
__________
1 أي قال: سبحان الله لينبه الإمام إلى خطئه.
2 نقل عنه: (أن من تكلم خلف الإمام بطلت صلاته دون الإمام) . صالح في مسائله 2/476، 3/74، 75 (1194، 1195، 1372ـ1374) ، وابن هانئ في مسائله 1/76، 77 (379) ، وأبو داود في مسائله ص53.
والمذهب- وهو ما عليه أكثر الأصحاب-: أن الإمام أو المأموم إذا تكلم لمصلحة الصلاة بطلت صلاته. قال المجد بن تيمية: هذه أظهر الروايات.
وروي عن أحمد: أنه لا تبطل صلاة أحدهما. اختارها ابن قدامة وغيره.
وعنه: تبطل صلاة المأموم دون صلاة الإمام. اختارها الخرقي.
وعنه: إذا تكلم لمصلحتها سهواً لا تبطل صلاته وإلا بطلت. اختاره المجد بن تيمية.
انظر: الإنصاف2/133، 134، المبدع 1/511، 512، المحرر في الفقه 1/72، الفروع 1/367ـ369.
3 انظر قول إسحاق: أن من شك في صلاته فإنه يبني على اليقين. في اختلاف العلماء للمروزي ص51، الأوسط 3/280، المغني 2/15، تجريد المسائل اللطاف خ ل ب 35، عمدة القاري 6/346، وانظر قوله: أن من تكلم في صلاته فقد بطلت صلاته. في الأوسط 3/234.
4 لقّنه: لقن الكلام يلقنه لقناً وتلقنه فهمه ولقنه إياه فهمه مشافهة، والمراد: أنه أفهمه خطأ في صلاته بتسبيح رجل، أو تصفيق امرأة.
انظر: مجمل اللغة 3/811، لسان العرب 13/390.(2/588)
[239-] قلت: إذا سها ولم يسجد سجدتي السهو حتى تكلم؟
قال: يسجدهما بعد الكلام.
قيل: له فإذا تباعد؟ 1
قال: في حديث عمران2 بن
__________
1 أشار المرداوي إلى هذه الرواية، الإنصاف 2/156، ونقل عنه عبد الله وأبو داود (أن من نسي سجدتي السهو فإنه يسجدهما ما دام في المسجد ولو تكلم) مسائل عبد الله ص88 (311) ، مسائل أبو داود ص55.
والمذهب: أن من نسي سجود السهو قضاه ما دام في المسجد ولم يطل الفصل. قال في الفروع: ولعله أشهر. وقيل: أو طال الفصل وهو في المسجد.
وروي عن أحمد: أنه يسجد مع قصر الفصل ولو خرج من المسجد. اختاره القاضي والمجد بن تيمية.
وعنه: يشترط أيضاً ألا يتكلم. وقيل: يسجد إن تكلم لمصلحة الصلاة وإلا فلا.
وعنه: لا يسجد مطلقاً سواء قصر الفصل أو طال، خرج من المسجد أو لا.
وعنه: يسجد وإن بعد. اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. وقيل: يسجد مع طول الفصل ما دام في المسجد، وهو ظاهر كلام الخرقي.
انظر: الفروع 1/394، المغني 2/33، الإنصاف 2/155، 156، كشاف القناع 1/479، 480، الاختيارات الفقهية ص62.
2 هو: عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، صحابي جليل، أسلم عام خيبر، وحمل راية خزاعة يوم الفتح، وبعثه عمر- رضي الله عنه- إلى البصرة ليفقه أهلها، ثم تولى قضاءها مدة يسيرة؛ إذ طلب العفو فأعفى عنه. توفي سنة ثنتين وخمسين من الهجرة.
انظر ترجمته: في أسد الغابة 4/218، أخبار القضاة 1/291. تاريخ ابن معين ص436، البداية والنهاية 8/60.(2/589)
الحصين1 أن النبي صلى الله عليه (وسلم) 2 كان دخل الحجرة فخرج فبنى3.
قال إسحاق: كما قال.
[240-] قلت: إذا صلى المغرب أربعاً؟
قال: يسجد سجدتين مثل من صلى الظهر خمساً4.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في ع (حصين) بإسقاط التعريف.
2 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
3 روى مسلم في صحيحه عن عمران بن الحصين- رضي الله عنه- قال: "سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام فدخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً، فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم". صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له 1/405 (102) .
4 نقل عنه نحوها ابن هانئ في مسائله 1/76 (376) ، وأبو داود في مسائله ص54. وتقدم حكم هذه المسألة. راجع مسألة (235) .(2/590)
[241-] قلت: إذا سها وقام1 من2 الثنتين يمضي؟
قال: ما أبالي إن شاء قام فمضى، وإن شاء قعد، وهذا إذا يقن3.
قال إسحاق: كما قال.
[242-] سئل أحمد4 عن رجل شك5 في الثنتين والثلاث، ثم استيقن
__________
1 في ع (فقام) .
2 في ع (في) .
3 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص86، 88 (305، 313) ، وابن هانئ في مسائله 1/76 (375) ، وأبو داود في مسائله ص55.
والصحيح من المذهب: أن من نسي التشهد الأول ونهض ولم يذكره حتى استتم قائماً قبل شروعه في القراءة فإنه يمضي في صلاته، وإن رجع جاز مع الكراهة، وصححه غير واحد من الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يخير بين الرجوع وعدمه.
وعنه: يمضى في صلاته ولا يرجع وجوباً، اختاره ابن قدامة وغيره.
وعنه: يجب الرجوع.
انظر: المبدع 1/521، 522، المحرر في الفقه 1/82، الإنصاف 2/144، مطالب أولي النهى 1/515، 516.
(أحمد) ساقطة من ع.
5 في ع (شك رجل) .(2/591)
أنهما1 ثنتنان2؟
قال: يسجد سجدتي السهو، وإن لم يسجدهما فلا بأس3.
قال إسحاق: بل يسجدهما أحبُّ إلينا4.
[243-] قلت: سجدتا السهو فيهما تشهد وتسليم؟
قال: أما إذا سجدهما قبل السلام (فلا) 5 يتشهد، وإذ سجدهما
__________
1 في ع (أنه) .
2 تقدم حكم الشك في عدد الركعات. راجع مسألة (203) .
3 قال ابن هانئ: (سألته عن رجل سها فشك في الركعتين، أو في الثلاث؟ قال: يذهب إلى قول ابن مسعود، يرجع إلى اليقين ويسجد قبل التسليم. المسائل 1/77 (382) .
والمذهب- وهو ما عليه الأصحاب-: أن سجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب.
وروي عن أحمد: أنه يشترط السجود لصحة الصلاة. قال ابن هبيرة: وهو المشهور عن أحمد.
وعنه: أنه غير واجب، بل مسنون.
انظر: المغني 2/35، الإنصاف 2/153.
4 انظر قول إسحاق: أنه يسجد سجدتي السهو إذا شك في الصلاة وبنى على اليقين. في الأوسط 3/280، اختلاف العلماء للمروزي ص51، المغني 2/15.
5 في ظ (لا) بإسقاط الفاء(2/592)
بعد التسليم1 تشهد فيهما وسلم2.
قال إسحاق: كما قال3.
[244-] قلت: إذا فات (الرجل) 4 شيء من الصلاة وسها الإمام؟
قال: يسجد معه، ثم يقضي5.
__________
1 في ع (السلام) .
2 تقدم حكم هذه المسألة. راجع مسألة (204) .
3 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/242.
(الرجل) إضافة من ع.
5 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص88 (312) ، وصالح في مسائله 1/144، 392 (38، 369) ، وابن هانئ في مسائله 1/77، 78 (381، 386) ، وأبو داود في مسائله ص55.
والصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية، فالمأموم المسبوق بالصلاة يسجد تبعاً لإمامه مطلقاً، أي سواء كان سهو الإمام فيما أدركه المأموم معه، أو لم يدركه معه.
وروي عن أحمد: أنه يسجد معه إن سجد الإمام قبل السلام وإلا قضى المأموم، ثم يسجد، سواء سجد إمامه قبل السلام أو بعده.
وعنه: يخير في متابعته.
وعنه: يسجد معه، ثم يعيده.
انظر: الإنصاف 2/152، المغني 2/41، الفروع 1/392، 393، الروايتين والوجهين 1/150.(2/593)
قيل له: فإن قام قبل أن يسجدهما مع الإمام؟
قال: إن شاء قعد فسجدهما مع الإمام وإن شاء مضى في صلاته، ثم يسجدهما بعد1.
قال إسحاق: لا، بل يسجد أبداً بعد ما يقضي فرضه ولا يخلط2 بين ظهراني3 صلاته4.
[245-] قلت: إذا أدرك من الصلاة وتراً5 يسجد سجدتي السهو؟
__________
1 إذا قام المأموم لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه فسجد الإمام بعد السلام فإن كان لم يشرع في القراءة رجع فسجد مع الإمام وبنى، وقيل: لا يرجع، وقيل: إن لم يتم قيامه رجع وإلا فلا، وإن شرع في القراءة لم يرجع قولاً واحداً.
انظر: المبدع 1/526، المغني 2/42، 43، الإنصاف2/153، كشاف القناع 1/477.
2 يخلط: خلط الشيء بالشيء يخلطه خلطاً مزجه، والمراد: أنه أدخل في الصلاة شيئاً خارجاً عنها، فكأنه مزجه معها.
انظر: القاموس المحيط 2/358، لسان العرب 7/291.
3 ظهراني صلاته: أي في وسطها. يقال للشيء إذا كان وسط شيء: هو بين ظهريه وظهرانيه. انظر: تاج العروس 3/373.
4 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/323، المغني 2/41.
5 وتراً: أي فردا ضد الزوج، كأن أدرك واحدة أو ثلاثاً.(2/594)
قال: لا1.
قال إسحاق: بل يسجدهما2 كما جاء3.
[246-] قلت: هل يرخص لأحد في ترك الجمعة والجماعة في المطر4؟
__________
1 قال ابن قدامة: (ليس على المسبوق ببعض الصلاة سجود لذلك) . المغني 2/43.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/306، المغني 2/43.
3 فعل ذلك ابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وابن الزبير وأبو قلابة وعطاء وطاووس ومجاهد.
روى عبد الرزاق بسنده عن نافع أن ابن عمر (كان إذا أدرك مع الإمام سجدة سجد إليها أخرى وإذا فرغ من صلاته سجد سجدتي السهو) المصنف 2/286.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن عطاء أن ابن عباس وابن الزبير وأبا سعيد وابن عمر (كانوا إذا فاتهم وتر من صلاة الإمام سجدوا سجدتين) .
وروى أيضاً بسنده عن أبي قلابة قال: (إذا أدرك الرجل سجدة من صلاة الإمام سجد إليها أخرى، ثم سجد سجدتين بعد ما يفرغ من صلاته، وإذا أدرك سجدتين سجد بعد ما يفرغ من صلاته) .
وروى أيضاً بسنده عن عطاء وطاووس ومجاهد (قالوا: إذا فاتك وتر من صلاة الإمام فاقض ما فاتك واسجد سجدتين وأنت جالس) . المصنف 2/58. وانظر: السنن الكبرى للبيهقي 2/353.
4 المذهب: أن الرجل يعذر في ترك الجمعة والجماعة إذا تأذى بالمطر بأن كان يبل الثياب، وعليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه عذر في السفر فقط.
ونقل أبو طالب من قدر يذهب في المطر فهو له أفضل. وتعقبه أبو المعالي فقال: لو قلنا ينبغي مع هذه الأعذار لأذهبت الخشوع وجلبت السهو فتركه أفضل.
انظر: الفروع 1/504، 505، المغني 1/631، المبدع 2/97.(2/595)
قال: أما الجمعة فعلى حديث عبد الرحمن1 بن سمرة2، وأما
__________
1 هو عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب العبشمي أبو سعيد، صحابي جليل، أسلم يوم فتح مكة، وشهد غزوة مؤتة، ثم سكن البصرة. وهو الذي افتتح سجستان وخراسان وكابل وغيرها، توفي سنة خمسين من الهجرة.
انظر ترجمته في: الإصابة 2/393، الجمع بين رجال الصحيحين 1/282، سير أعلام النبلاء 2/571، تاريخ الإسلام للذهبي 2/231.
2 روى أحمد بسنده عن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم أنه مرّ على عبد الرحمن بن سمرة وهو على نهر أم عبد الله يسيل الماء مع غلمته , فقال له عمار: يا أبا سعيد الجمعة، فقال له عبد الرحمن بن سمرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إذا كان يوم مطر وابل فليصل أحدكم في رحله". المسند 5/62.
ورواه الحاكم في المستدرك، وقال- بعد روايته له-: (ناصح بن العلاء بصري ثقة، انما المطعون فيه ناصح أبو عبد الله المحلمي الكوفي، فإنه روى عنه سماك بن حرب المناكير) 1/292، 293.
ورده الذهبي بقوله: (ضعفه النسائي وغيره، وقال البخاري: منكر الحديث، ووثقه ابن المديني وأبو داود، ما خرج له أحد) التلخيص على المستدرك 1/293.
قال الألباني: مثله حسن الحديث في الشواهد. إرواء الغليل 2/344.(2/596)
الجماعة فعلى حديث أبي1 المليح2.
قال إسحاق: [ع-12/ب] على كلا الحديثين العمل؛ لأنه عذر3.
[247-] قلت: قوله: ولا يؤم الرجل في أهله، ولا يجلس على تكرمته4 إلا
__________
1 هو أبو المليح بن أسامة بن عمير بن عامر الهذلي، قيل اسمه: عامر، وقيل: زيد. روى عن أبيه ومعقل بن يسار وعوف بن مالك وعائشة وابن عباس وغيرهم وهو ثقة.
وروى عنه أولاده: محمد وعبد الرحمن ومبشر وزياد وأيوب وخالد الحذاء وغيرهم- تولى على الأبلة، وتوفي سنة ثمان وتسعين من الهجرة، وقيل: غير ذلك.
انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 12/246، الجرح والتعديل 6/319، طبقات خليفة بن خياط 207، سير أعلام النبلاء 5/94.
2 روى أحمد بسنده عن أبي المليح عن أبيه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية فأصابنا مطر لم يبل أسفل نعالنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا في رحالكم". المسند 5/74. ورواه ابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب الجماعة في الليلة المطيرة 1/302 (936) ، والحاكم في المستدرك. وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد. وقد احتج الشيخان برواته) . ووافقه الذهبي. المستدرك مع التلخيص 1/293، وصححه أيضاً ابن حجر. انظر: فتح الباري 2/113.
3 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/264.
4 تكرمته: هي الموضع الخاص الذي أعده الرجل وحسنه من فراش، أو سرير ليجلس عليه.
انظر: لسان العرب 12/515، تاج العروس 9/43.(2/597)
بإذنه1؟
قال: أرجو أن يكون الاستثناء على كله2. وأما التكرمة فلا بأس إذا أذن له3.
قال إسحاق: كما قال4.
__________
1 روى مسلم في صحيحه عن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً. ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه". صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة 1/465 (290) .
2 المذهب: أن صاحب البيت أحق بالإمامة من غيره إذا أقيمت الصلاة في بيته، وكان ممن تصح إمامته ولو كان في المأمومين من هو أقرأ منه. وله تقديم غيره بدون كراهة، ويستحب إذا كان أفضل منه.
وروي عن أحمد: أنه يكره تقديمه غيره للإمامة، فإن كان في المأمومين ذا سلطان فهو أولى بالإمامة من صاحب البيت على الصحيح من المذهب. وقيل: صاحب البيت أحق منه، اختاره ابن حامد.
انظر: المبدع 2/62، 63، المحرر في الفقه 1/108، المغني 2/205، الإنصاف 2/249.
3 قول أحمد نقله الترمذي في سننه 1/460، 461، والبغوي في شرح السنة 3/399، وابن حجر في فتح الباري 2/172.
4 قال الترمذي: قال إسحاق: (بحديث مالك بن الحويرث، وشدد في أن لا يصلي أحد بصاحب المنزل وإن أذن له صاحب المنزل) . سنن الترمذي 2/188.
وحديث مالك: قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زار قوماً فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم". رواه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن زار قوماً لا يصلي بهم 2/187 (356) . وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ورواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب إمامة الزائر 1/399 (596) ، والنسائي في سننه، كتاب الإمامة، باب إمامة الزائر 2/80 (787) ، وأحمد في المسند 3/436، 437.(2/598)
[248-] قلت لأحمد1: العبد2 يؤم الحر وولد الزنا3؟
قال: نعم4.
__________
(لأحمد) ساقطة من ع.
2 العبد: خلاف الحر، وهو الرقيق المملوك لغير الله تعالى.
انظر: الصحاح 2/502، مجمل اللغة 3/642.
3 الزنا: هو وطء في قبل، أو دبر حراماً ولا شبهة في وطئها.
انظر: كشاف القناع 6/89 المطلع على أبواب المقنع 371.
4 قال ابن هانئ: (سئل- أي أحمد- عن العبد يؤم؟ قال: إذا قرأ) . المسائل 1/61 (305) .
وقال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن خصي يقرأ يؤم الناس؟. قال: نعم) . المسائل ص42.
ولا خلاف في المذهب في صحة إمامة العبد ولو بالأحرار بدون كراهة، إلا ان الحر أولى منه بالإمامة.
وروي عن أحمد: أنه لا يقدم الحر على العبد إلا إذا تساويا، وقيل: إلا إذا لم يكن أحدهما إماماً راتباً.
انظر: الإنصاف 2/249، 250، الفروع 1/476، كشاف القناع 1/556، 557(2/599)
قلت: وولد الزنا؟
قال: وولد الزنا1.
قال إسحاق: كما قال2.
[249-] قلت3: هل يسعى4 إلى الصلاة؟
__________
1 المذهب وهو ما عليه الأصحاب: موافق لما أفتى به هنا من أنه لا بأس بإمامة ولد الزنا.
وروي عن أحمد: أنه لا بأس بإمامته إذا كان غير راتب، ويكره اتخاذه إماماً راتباً.
انظر: المبدع 2/79، الكافي 1/236، الإنصاف 2/274.
2 نقل قول إسحاق بصحة إمامة العبد. ابن المنذر في الأوسط خ ل ب 201، والإشراف خ ل ب 34، وابن قدامة في المغني 2/193، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 1/355، ونقل قوله بصحة إمامة ولد الزنا. ابن المنذر في الأوسط خ ل أ 193، والإشراف خ ل ب 34، والنووي في المجموع 4/186، وابن قدامة في المغني 2/230.
3 هذه المسألة جعلت في ع بعد مسألة (246) .
4 يسعى: السعي: العدو دون الشد، والإسراع في المشي دون الجري.
انظر: القاموس المحيط 4/342، مجمل اللغة 2/461.(2/600)
قال: لا1، على حديث أبي هريرة2.
قال إسحاق: بلى إذا خاف فوت التكبيرة الأولى3.
__________
1 قال ابن هانئ: (سألت أبا عبد الله عن المشي إلى الصلاة، يسرع في مشيه أم يمشي على هيئته؟ قال: يأتيها وعليه السكينة) .
وقال: (سألته عن المشي إلى الصلاة إذا كان لا يخاف الفوت؟ قال: يمشي على هينته) . المسائل 1/55، 56 (268، 271) .
قال ابن قدامة: (يستحب للرجل إذا أقبل إلى الصلاة أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وخضوع، وعليه السكينة والوقار، وإن سمع الإقامة لم يسع إليها، ثم قال: قال الإمام أحمد: ولا بأس إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى أن يسرع شيئاً ما لم يكن عجله تقبح) . المغني 1/453، 454. وانظر: الفروع 1/298، الإنصاف 2/40، مطالب أولي النهى 1/412.
2 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون، عليكم السكينة". صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة 2/7، صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة 1/430 (151) .
3 نقل ابن المنذر نص قول إسحاق في الأوسط خ ل أ 200. وانظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/149، شرح البخاري لابن بطال خ ل أ 188، فتح الباري 2/118، الاستذكار 2/92، المجموع 4/104، فتح الباري لابن رجب خ ل أ 49، نيل الأوطار 3/153.(2/601)
[250-] قلت: يؤم القوم من لم يحتلم؟
فسكت1.
قلت: حديث أيوب2 عن عمرو3 بن
__________
1 توقف الإمام أحمد في حكم المسألة هنا، وأجاب عنها في مسائل عبد الله وأبي داود: قال عبد الله: (سألت أبي عن غلام أمّ قوماً قبل أن يحتلم؟ قال: لا يعجبني أن يؤم إلا أن يحتلم) . المسائل ص110 (394) .
وقال أبو داود: (سمعت أحمد يقول: لا يؤم الغلام حتى يحتلم) . المسائل ص41.
والصحيح من المذهب: أنها لا تصح إمامة الصبي في الفرض، وتصح في النفل لبالغ، وعليه جماهير الأصحاب. وروي عن أحمد: أنها تصح إمامته في الفرض، اختارها الآجري. قال ابن عقيل: يخرج في صحة إمامة ابن عشر وجه بناء على القول بوجوب الصلاة عليه. وعنه: لا تصح إمامته في النفل أيضاً.
أما إمامته بمثله، فالمذهب: أنها صحيحة، وعليه أكثر الأصحاب، وقيل: لا تصح إمامته بمثله.
انظر: المغني 2/228، 229، الإنصاف 2/266، 267، الروايتين والوجهين 1/172، 173.
2 هو: أيوب بن تميمة- كيسان، السختياني، أبو بكر البصري (68ـ132هـ) . كان ثقة ثبتاً في الحديث، وحجة عدلاً. روى له الجماعة وله نحو ألفا حديث، وكان كثير العلم والعبادة، يقوم الليل كله، شديد الإتباع للسنة.
قال الحسن البصري: أيوب سيد شباب أهل البصرة.
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال 3/457، طبقات ابن سعد 7/246، التاريخ الكبير للبخاري 1/409، المعرفة والتاريخ 2/231.
3 هو: عمرو بن سلمة بن قيس الجرمي أبو بريد البصري، كان يصلي بقومه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، ولأبيه صحبة ووفادة. واختلف في قدومه هو على الرسول صلى الله عليه وسلم، وما رجحه ابن حجر أنه ليس له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا رؤية له. توفي سنة خمس وثمانين من الهجرة.
انظر ترجمته في: الاستيعاب 2/536، شذرات الذهب 1/95، تهذيب التهذيب 8/42، تهذيب الأسماء واللغات 2/27.(2/602)
سلمة1؟
قال: دعه ليس هو شيء بيّن.
__________
1 روى أحمد بسنده عن أيوب عن عمرو بن سلمة قال: "كنا على حاضر فكان الركبان يمرون بنا راجعين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدنوا منهم فأسمع حتى حفظت قرآناً، وكان الناس ينتظرون بإسلامهم فتح مكة، فلما فتحت جعل الرجل يأتيه فيقول: يا رسول الله أنا وافد بني فلان وجئتك بإسلامهم. فانطلق أبي بإسلام قومه فرجع إليهم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قدموا أكثركم قرآنا. قال: فنظروا وإنا لعلى حواء عظيم فما وجدوا فيهم أحداً أكثر قرآناً مني فقدموني وأنا غلام فصليت بهم …". المسند 5/30، 71.
ورواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة 1/393، 394 (585) ، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الإمامة، باب إباحة إمامة غير المدرك البالغين 3/6، 7 (1512) . والنسائي في سننه، كتاب الإمامة، باب إمامة الغلام قبل أن يحتلم 2/80 (789) ، وابن الجارود في المنتقى ص114 (309) .
ورواه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي، باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح 5/124، عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو بن سلمة.(2/603)
جبن أن يقول فيه شيئاً1.
قال إسحاق: كلما بلغ عشراً أو جاوز التسع، فقد علم ما أمر به من الصلاة فصلى فهو جائز2.
__________
1 قال أبو داود: قيل لأحمد: (حديث عمرو بن سلمة؟ قال: لا أدري أي شيء هذا، وسمعته مرة أخرى ذكر هذا الحديث فقال: لعله كان في بدء الإسلام) . المسائل ص41، 42.
وقال الخطابي: (كان أحمد بن حنبل يضعف أمر عمرو بن سلمة. وقال مرة: دعه ليس بشيء بيّن) . معالم السنن 1/169، وانظر: شرح السنة 3/401.
وقال ابن حجر:- وهو يتكلم على حديث عمرو بن سلمة الجرمي- (قيل: انما لم يستدل به أي البخاري- هنا- أي في باب إمامة العبد … والغلام الذي لم يحتلم؛ لأن أحمد بن حنبل توقف فيه) . فتح الباري 2/185.
وقال ابن قدامة: (ولعله انما توقف عنه؛ لأنه لم يتحقق بلوغ الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان بالبادية في حي من العرب بعيد من المدينة، وقوى هذا الاحتمال قوله في الحديث: (وكنت إذا سجدت خرجت استى) . وهذا غير سائغ. المغني 2/229.
وقال النووي: (عمرو اختلف في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته إياه، والأشهر أنه لم يسمعه ولم يره، لكن كانت الركبان تمر بهم فيحفظ عنهم ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أحفظ قومه لذلك، فقدموه ليصلي بهم) . المجموع 4/147.
قلت: جاء ذلك صريحاً في رواية البخاري عنه أنه انما كان يتلقى من الركبان. صحيح البخاري 5/124.
2 انظر قول إسحاق بصحة إمامة الصبي في: الأوسط خ ل ب 200، الإشراف خ ل أ 34، المجموع 4/149، معالم السنن 1/169، شرح السنة 3/401، فتح الباري 2/186، المغني 2/228، مختصر قيام الليل ص 223، 224.(2/604)
(قال إسحاق: يعني تسع سنين) 1.
[251-] قلت: تكره المحراب2 في المسجد؟
قال: ما أعلم فيه حديثاً يثبت، ورب مسجد يحتاج إليه يرتفق3 به4.
__________
(قال إسحاق يعني تسع سنين) إضافة من ع.
2 المحراب: هو صدر البيت والمجلس وأكرم موضع فيه، ومنه سمى محراب المسجد، وعند العامة: هو الذي يقيمه الناس مقام الإمام في المسجد. انظر: لسان العرب 1/305.
قلت: والمقصود البناء نصف الدائري الذي يكون في مقدمة المسجد يوضع لتحديد اتجاه القبلة، وقد يقف فيه الإمام وخاصة عند امتلاء المسجد بالمصلين، ويسمى الطاق.
3 يرتفق به: الارتفاق تحصيل منافع تتعلق بالعقار. والمراد: أنه يستعان به على معرفة جهة القبلة.
انظر: القاموس المحيط 3/236، معجم لغة الفقهاء ص53.
4 الصحيح من المذهب: أنه يباح اتخاذ المحراب في المسجد، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: ما يدل على الكراهة.
وعنه: يستحب اتخاذه. اختاره الآجري وابن عقيل.
انظر: الإنصاف 2/298، المبدع 2/92، كشاف القناع 1/581.(2/605)
قال إسحاق: كما قال1.
[252-] قلت2: إذا ركع الإمام فسمع خفق3 النعال4 ينتظرهم؟
قال: أما أنا فيعجبني (أن ينتظرهم) 5 ما لم يشق على أصحابه6.
__________
1 قال الزركشي: (المشهور الجواز بلا كراهة، ولم يزل عمل الناس عليه من غير نكير) إعلام الساجد بأحكام المساجد ص364.
2 هذه المسألة مقدمة في ع على مسألة (251) .
3 خفق: الخفق: صوت النعل. والمعنى: أن الإمام يسمع صوت نعال بعض المأمومين المتأخرين ويحدث لها الصوت نتيجة الوطء على الأرض إذا مشوا.
انظر: القاموس المحيط 3/227، لسان العرب 10/82.
4 في ع إضافة (قال) قبل كلمة (ينتظرهم) .
(أن ينتظرهم) إضافة من ع.
6 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص112 (400) ، وابن هانئ في مسائله 1/60 (299) ، وأبو داود في مسائله ص35.
والمذهب: متفق مع هذه الرواية من أنه يستحب للإمام انتظار الداخل إلى المسجد بشرط إلا يشق على المأمومين. اختاره القاضي وأبو الخطاب والشريف أبو جعفر. وصححه المجد بن تيمية، ونصره ابن قدامة.
وروي عن أحمد: أنه جائز وليس بمستحب. اختاره ابن عقيل وغيره.
وعنه: يكره الانتظار.
انظر: المبدع 2/56، 57، الفروع 1/462، المحرر في الفقه 1/103، الإنصاف 2/240، 241.(2/606)
قال إسحاق: كما قال1.
[253-] قال إسحاق: وأما الصلاة2 في المحاريب، فجائزة ونختار3 للأئمة أن يعدلوا يمنة عن الطاق4، فإن لم يفعلوا فقاموا في الطيقان أجزأتهم (صلاتهم) 5.
[254-] قلت: يفتح6 على الإمام؟
قال: إي والله يفتح على الإمام7.
__________
1 انظر قول إسحاق هذا في: الإشراف خ ل أ 39، الأوسط خ ل أ 214، المغني 2/236، المجموع 4/130، فتح الباري 2/203، عمدة القاري 3/433
(الصلاة في) ساقطة من ع.
(ونختار) ساقطة من ع.
4 الطاق: هو المحراب.
5 في ظ (الصلاة) .
6 يفتح على الإمام: يعلم الإمام ويلقنه ما نسيه إذا ارتج عليه في القراءة وهو في الصلاة.
انظر: لسان العرب 2/538، تاج العروس 2/195.
7 قال أبو داود: قلت لأحمد: تلقين الإمام؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس. مسائل أبي داود ص: 33.
والمذهب: موافق لما أفتى به هنا، حيث يجوز للمأموم الفتح على إمامه إذا ارتج عليه. وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يفتح عليه إن طال ارتجاجه وإلا فلا.
وعنه: يفتح عليه في النفل فقط.
انظر: المغني 2/55، الإنصاف 2/100، الفروع 1/361.(2/607)
قال إسحاق: كما قال في المكتوبة والتطوع1.
[255-] [ظ-11/ب] قلت: إذا رفع رأسه قبل الإمام؟
قال: يعود فيسجد.
قلت: من ساعته؟
قال: نعم2.
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 212، الإشراف خ ل أ 38.
2 يحرم أن يسبق المأموم إمامه في الركوع، أو السجود أو غيرهما، فإن سبق إمامه لم تبطل صلاته، وعليه أن يعود ليأتي بذلك بعد إمامه مؤتماً به. هذا هو الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: تبطل إذا فعله عمداً؛ لأنه قال: ليس لمن سبق الإمام صلاة. قال في الحواشي: اختاره بعض أصحابنا. فإن فعل ذلك سهواً، أو جهلاً فلا تبطل صلاته على الصحيح من المذهب، ولو قلنا: تبطل بالعمدية، وقيل: تبطل.
انظر: المبدع 2/53، 54، المغني 1/526، 527، الإنصاف 2/234، كشاف القناع 1/547.(2/608)
قال إسحاق: كما قال1.
[256-] قال إسحاق: وأما إعادة الجماعة في مسجد الجماعة بعد ما صلي فيه مرة فحسن جميل2 قد فعل ذلك أنس بن مالك3 (رضي الله عنه) 4 وغيره5 من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) 6.
__________
1 انظر قول إسحاق: في الأوسط خ ل أ 207.
2 انظر قول إسحاق: بجواز إعادة الصلاة جماعة في المسجد الذي قد جمع فيه. في سنن الترمذي 1/430، الأوسط خ ل أ 210، المغني 2/180، المجموع 4/121، عمدة القاري 4/336، اختلاف العلماء للمروزي ص44، فتح الباري لابن رجب خ ل ب 65.
3 روى ابن أبي شيبة بسنده عن أبي عثمان اليشكري قال: (مر بنا أنس بن مالك وقد صلينا صلاة الغداة ومعه رهط، فأمر رجلاً منهم فأذن، ثم صلوا ركعتين قبل الفجر. قال ثم أمروه فأقام ثم تقدم فصلى بهم) . المصنف 2/321، 322.
ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/291، 292، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 3/70. ورواه البخاري تعليقاً في صحيحه، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة 1/109.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
5 روى ذلك عن ابن مسعود- رضي الله عنه-. انظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/323، عمدة القاري 4/336.
6 في ظ (عليه السلام) .(2/609)
[257-] قلت لأحمد بن محمد1: الرجل يؤم قوماً2 وفيهم من يكره (ذلك) 3؟
قال: إن4 كان رجل رجلان5 فلا حتى تكون جماعة ثلاثة فما فوقه6.
قال إسحاق: حتى يكون أكثر القوم7.
__________
(بن محمد) ساقطة من ع.
2 في ع (القوم) .
3 في ظ (ذاك) .
4 في ع (اذا) .
5 في ع (رجلين) .
6 قال الترمذي: قال أحمد وإسحاق: (في هذا إذا كره واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم) . سنن الترمذي 2/192، وانظر: شرح السنة 3/404، المغني 2/229.
والمذهب: كراهة الإمامة لقوم أكثرهم كارهون للإمام، وعليه جماهير الأًصحاب، وقطع به كثير منهم، وقيل: تفسد صلاته. فإن كرهه نصفهم فلا تكره إمامته وهو المذهب، وعليه الأصحاب. وقيل: يكره.
قال ابن قدامة: فإن استوى الفريقان فالأولى أن لا يؤمهم؛ إزالة لذلك الاختلاف.
انظر: الإنصاف 2/273، 274، المغني 2/229، الفروع 1/479، 480.
7 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/192، شرح السنة 3/404(2/610)
[258-] قلت: إذا صلى مرة يعيد في الجماعة؟
قال: إذا أقيمت الصلاة وهو في المسجد يعيد، وإذا لم يكن في المسجد فلا يدخل.
(و) 1 قال: كل الصلوات يصليها إذا كان في المسجد إلا أنه يشفع2 المغرب3.
قال إسحاق: كما قال4.
[259-] قلت: (للإمام أحمد رضي الله عنه) 5 إذا جاء الرجل وقد امتلأ الصف يقوم وحده حتى يجئ إنسان؟
__________
(و) إضافة من ع.
2 يشفع: الشفع خلاف الوتر، وهو الزوج. تقول كان وتراً فشفعته شفعاً. والمراد: إضافة ركعة رابعة إلى صلاة المغرب المعادة.
انظر: مجمل اللغة 2/508، الصحاح 3/1238.
3 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (133) .
4 انظر قول إسحاق: (أن المصلي وحده إذا أدرك الجماعة فإنه يعيد الصلاة أي صلاة كانت ويضيف إلى المغرب ركعة رابعة) . في الأوسط 2/402، اختلاف الصحابة والتابعين خ ل أ 29، المغني 2/113، الروض النضير 2/220، المعاني البديعة خ ل ب 43، اختلاف العلماء للمروزي ص44.
(للإمام أحمد رضي الله عنه) إضافة من ع.(2/611)
قال: أما أنا فأستقبح أن يمد1 رجلاً ليرده معه، يدخل مع القوم في الصف، أو يتبرع2 رجل3 من الصف فيرجع4 معه، ويكره أن يمد رجلاً إليه5.
__________
1 يمد رجلاً: المد الجذب، ومددت الشيء مداً جذبته. والمعني: يجذب إليه رجلاً من الصف.
انظر لسان العرب 3/396، تاج العروس 2/497.
2 في ع (ينتزع) .
3 في ع (رجلا) بالنصب مفعول لينتزع.
4 الفرق بين هذا وما قبله أن المراد بالأول: جذب إنسان من الصف، والتحكم فيه بإرجاعه إلى صف متأخر. وأما الثاني: فإن من في الصف هو الراجع باختياره وإرادته ليقف مع من جاء متأخراً، بعد أن علم به بكلام أو نحنحة ونحو ذلك. والأول كرهه أحمد دون الثاني- والله أعلم-.
5 قال ابن هانئ: (سألت أبا عبد الله عن الرجل ينتهي إلى الصف الأول وقد تم، يدخل بين رجلين؟ قال: نعم إذا علم أنه لا يشق عليهم. قلت: الرجل يجئ والقوم في الصلاة وقد تم الصف كيف يصنع؟ قال: يدخل مع القوم إذا لم يشق عليهم) . المسائل 1/86 (430) .
قال ابن قدامة: (إذا دخل المأموم فوجد في الصف فرجه دخل فيها، فإن لم يجد وقف عن يمين الإمام، ولا يستحب أن يجذب رجلاً فيقف معه، فإن لم يمكنه ذلك نبه رجلاً فخرج فوقف معه) المغني 2/216.
والصحيح من المذهب: أن المأموم إذا لم يجد فرجة وكان الصف مرصوصاً فله أن يخرق الصف ويقف عن يمين الإمام إذا قدر. وقيل: يؤخر واحداً من الصف إليه، وقيل: يقف فذا اختاره ابن تيمية.
والصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية من أنه يكره للمأموم أن يجذب رجلاً من الصف ليقف معه، اختاره ابن عقيل وصححه المجد بن تيمية وغيره. وقيل: لا يكره اختاره ابن قدامة، وقيل: يحرم. وقال في الفروع: اختاره ابن عقيل.
وللمأموم أن ينبه من يقف معه بكلام، أو نحنة أو إشارة بلا خلاف في المذهب.
انظر: الإنصاف 2/288، 289، الفروع 1/496، كشاف القناع 1/577، 578.(2/612)
قال إسحاق: كما قال1 (و) 2 يمد إليه رجلاً3 إذا لم يجد آخر.
[260-] قلت: أي نواحي الصف أفضل؟
قال: الذي على يمين الإمام.
قال إسحاق: كما قال.
[261-] قلت: يقوم الإمام بين الساريتين4 يؤم القوم؟
__________
1 انظر قول إسحاق: (أنه يكره أن يجذب رجلاً من الصف) في الأوسط خ ل ب 205، الإشراف خ ل أ 36، المغني 2/217. المجموع 4/193، نيل الأوطار 3/212، عمدة القاري 5/114.
(و) إضافة من ع.
3 في ع (رجل) بالرفع.
4 الساريتين: تثنية سارية. وهي الاسطوانة من حجر أو آجر. والمراد: أعمدة المسجد التي يقوم عليها بناؤه، وتكون في وسطه.
انظر: تاج العروس 10/173، مختار الصحاح ص297.(2/613)
قال: إنما يكره للصف، إذا كان يستتر بشيء1 فلا بأس2.
قال إسحاق: كما قال3.
[262-] قلت: إذا صلى خلف الصف وحده يعيد؟
__________
1 الضمير: يعود للإمام. والمعنى: أن الإمام إذا وقف بين الساريتين وجعل أمامه ستره فلا بأس بصلاته بينهما.
2 نقل عنه: (كراهة الصلاة بين السواري للمأمومين) . صالح في مسائله 1/259 (194) ، وابن هانئ في مسائله 1/69 (337) ، وأبو داود في مسائله ص 47.
قال ابن قدامة: ولا يكره للإمام أن يقف بين السواري، ويكره للمأمومين؛ لأنها تقطع صفوفهم) . المغني 2/220.
وهذا هو المذهب، وهو ما عليه الأصحاب إذا لم يكن حاجة، فإن كان ثم حاجة لم يكره الوقوف بينهما، وكذا إذا كان الصف صغيراً قدر ما بين الساريتين.
وروي عن أحمد: أنه لا يكره للمأمومين الوقوف بين السواري كالإمام، وكقطع المنبر.
قال ابن العربي: (لا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما مع السعة فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد فلا بأس به) .
انظر: المبدع 2/92، 93، الفروع 1/502، الإنصاف 2/299، كشاف القناع 1/583، عارضة الأحوذي 2/28.
3 انظر قول إسحاق: (أنه يكره الصف بين السواري) . في سنن الترمذي 1/444.(2/614)
قال: يعيد1.
قال إسحاق: كما قال2.
[263-] قلت: إذا دخل رجل3 المسجد والإمام راكع يركع قبل أن يصل إلى الصف؟
قال: إذا كان وحده وظن أنه يدرك فعل، وإذا كان مع غيره
__________
1 نقل عنه نحو هذه المسألة عبد الله في مسائله ص115 (413) ، وصالح في مسائله 1/440 (434) ، وابن هانئ في مسائله 1/86 (431، 433) ، وأبو داود في مسائله ص35.
والمذهب: موافق لما أفتى به هنا، فمن صلى ركعة فذا خلف الصف لم تصح صلاته، وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أن صلاته صحيحة مطلقاً في الفرض والنفل.
وعنه: تصح في النفل فقط.
وعنه: إن علم النهي بطلت وإلا فلا.
انظر في ذلك: المبدع 2/87، الكافي 1/248، الإنصاف 2/289، الفروع 1/494، 495.
2 انظر قول إسحاق في: الإشراف خ ل أ 36. سنن الترمذي 1/447، المجموع 4/192، المغني 2/211، الأوسط خ ل ب 205، المبدع 2/87، معالم السنن 1/185، شرح السنة 3/378، اختلاف العلماء للمروزي ص42.
(رجل) ساقطة من ع.(2/615)
فيركع حيث ما أدركه الركوع1.
قال إسحاق: لا يركع أبداً إذا كان وحده، وإذا2 كان معه آخر (ركعا) 3، ثم مشيا حتى يلحقا الصف.
__________
1 نقل عنه نحو هذه المسألة ابن هانئ في مسائله 1/46، 86 (221، 432) ، وقال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن رجل ركع دون الصف ثم مشى حتى دخل الصف، وقد رفع الإمام قبل أن ينتهي إلى الصف؟ قال: تجزئه ركعة، وإن صلى خلف الصف وحده أعاد الصلاة) . المسائل ص35.
والمذهب: موافق لهذه الرواية، حيث إن المأموم إذا ركع وحده، ثم دخل في الصف راكعاً، أو وقف معه آخر قبل رفع الإمام فصلاته صحيحة، وعليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنها لا تصح صلاته، وعنه: إن علم النهي لم تصح وإلا صحت.
قال القاضي: (إذا كبر للإحرام دون الصف طمعاً في إدراك الركعة جاز، وإلا فوجهان: أصحها لا يجوز.
أما إذا دخل المأموم الصف بعد رفع الإمام رأسه من الركوع وقبل سجوده، فالمذهب: أن صلاة المأموم صحيحة، اختاره ابن تيمية.
وعن أحمد رواية: إن علم النهي لم تصح، وإلا صحت. نصره ابن قدامة وحمل كلام الخرقي عليه.
وعنه: لا تصح صلاته مطلقاً، اختارها المجد بن تيمية.
انظر: الروايتين والوجهين 1/173، 174، الفروع 1/495، المغني 2/234، 235، الإنصاف 2/290، 291.
2 في ع (وان) .
3 في ظ (ركع) بالإفراد.(2/616)
[264-] قلت: تكره الصلاة في المقصورة1؟
قال: إي والله.
قلت2 لِم؟
قال: لأنها3 تحمى عن الناس4.
قال إسحاق: كما قال. فإن صلوا فيها جاز5.
__________
1 المقصورة: الدار الواسعة المحصنة لا يدخلها إلا صاحبها، وكل ناحية من الدار الكبيرة إذا أحيط عليها مقصورة. والمراد: بالمقصورة هنا حجرة في طرف المسجد يصلي فيها السلطان عادة.
انظر: مجمل اللغة 3/756، لسان العرب 5/100، معجم لغة الفقهاء ص454.
2 في ع (فقلت) بإضافة الفاء.
3 في ع (نها) بإسقاط (لا) .
4 قال ابن قدامة: (تكره الصلاة في المقصورة التي تحمى نص عليه أحمد؛ لأنه يمنع الناس من الصلاة فيه كالمغصوب فكره ذلك، فأما إن كانت لا تحمى فيحتمل أن لا تكره الصلاة فيها؛ لعدم شبه الغصب) . المغني 2/352، 353.
قال ابن عقيل: إنما كرهها- أي أحمد-؛ لأنها كانت تختص بالظلمة وأبناء الدنيا فكره الاجتماع بهم.
قال: وقيل: كرهها لقصرها على اتباع السلطان ومنع غيرهم، فيصير الموضع كالغصب.
انظر: الفروع 1/375، 376، وانظر: كشاف القناع 1/347.
5 انظر قول إسحاق في: الإشراف خ ل أ 32، الأوسط خ ل أ 195، المغني 2/353.(2/617)
[265-] قلت: إذا جاء الرجل المسجد وقد صلوا يطلب مسجداً يصلي فيه؟
قال: لِم لا يطلب1
قلت: من فعله؟ [ع-13/أ]
قال: الأسود23.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 قال ابن هانئ: (سئل- أي أحمد- عن الرجل يدخل في المسجد فيصلي من المكتوبة ركعة، وركعتين فجاء قوم فأذنوا وأقاموا أيصلي معهم، أو يتم صلاته؟ قال: إذا افترد بالصلاة يتمها. قيل له: وكذلك إذا كان في المسجد وهو يصلي فيسمع الأذان من مسجد آخر يخرج من صلاته. قال: لا يخرج إذا افترد) . المسائل 1/72 (359) .
2 هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو، تابعي من أصحاب ابن مسعود، وكان صالحاً فقيهاً حافظاً. حج مع أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- وروى عنهما وعن ابن مسعود، وثقه أحمد والعجلي وابن سعد. وقال: له أحاديث صالحة. توفي سنة أربع أو خمس وسبعين من الهجرة.
انظر ترجمته في: البداية والنهاية 9/12، مرآة الجنان 1/156، تاريخ الإسلام 3/137، حلية الأولياء 2/102.
3 روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن الأسود (أنه كان إذا فاتته الصلاة في مسجد قومه ذهب إلى مسجد غيره) . المصنف 2/205. ورواه عبد الرزاق في مصنفه 1/515. ورواه البخاري تعليقاً في صحيحه، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة 1/109، وانظر: المحلى 4/375.(2/618)
وقد فعله حذيفة1 أيضاً (رضي الله عنه) 2.
[266-] قلت: إذا دخل المسجد وقد صلى أهله أيتطوع؟
قال: يبدأ بالمكتوبة، فعله ابن عمر3 (رضي الله عنهما) 4.
قال إسحاق: كما قال.
[267-] قلت: إذا وجد الإمام راكعاً كم يكبر؟
قال: يكبر واحدة يريد بها الافتتاح5.
__________
1 روى ابن أبي شيبة بسنده عن معاوية بن قرة قال: كان حذيفة إذا فاتته الصلاة في مسجد قومه يعلق نعليه ويتبع المساجد حتى يصليها في جماعة. المصنف 2/205، وانظر: عمدة القاري 4/335.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
3 روى عبد الرزاق بسنده عن نافع قال: كان ابن عمر إذا انتهى إلى المسجد وقد صلى فيه بدأ بالفريضة. المصنف 2/295. وروى في مصنفه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه قال: اقض ما عليك واجباً خيراً لك، ابدأ بالمكتوبة. المصنف 2/295. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/320.
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إذا أتيت المسجد فوجدتهم قد صلوا فلا تصل إلا المكتوبة. المصنف 2/295.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
5 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (188) .(2/619)
قال إسحاق: وإن1 أمكنه أن يكبر أخرى للركوع، ولكن لابد من أن ينوي بالأولى الافتتاح2.
[268-] قلت: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، ما يقول هو ومن خلفه؟
قال: يقول من خلفه: ربنا ولك الحمد، ويقول الإمام: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد.
قال إسحاق: كما قال3.
[269-] قلت: يصلي الرجل فوق البيت بصلاة الإمام؟
قال: إن كان في موضع ضيق يوم الجمعة4 كما
__________
1 في ع (فان) .
2 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (189) .
3 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (233) .
4 الصحيح من المذهب: أن المأموم إذا كان خارج المسجد وكان يرى الإمام، أو من وراءه وأمكنه الاقتداء صحت صلاته، وإن لم تتصل الصفوف. واشترط ابن قدامة اتصال الصفوف، وجزم به الخرقي وابن الجوزي وغيرهما.
وإن كان المأموم لا يرى من خلف الإمام، ولكنه يسمع تكبيره، فالصحيح من المذهب: أنه لا تصح صلاة المأموم.
وروي عن أحمد: أنه يصح. قال المرداوي: وهو عين الصواب في الجمعة ونحوها؛ للضرورة.
وعنه: يصح في الجمعة خاصة.
انظر: الإنصاف 2/293، 296، المغني 2/207، 208، الفروع 1/499، 500، المذهب الأحمد ص23.
والصحيح من المذهب: أنه لا بأس بعلو المأمومين على الإمام.
وروي عن أحمد: اختصاص الجواز بالضرورة.
انظر: الإنصاف 2/398، الفروع 1/501.(2/620)
فعل1 أنس2 (رضي الله عنه) 3.
قال إسحاق: كما قال4.
__________
1 في ع (فعله) بإضافة الهاء في آخره.
2 روى عبد الرزاق بسنده عن صالح بن إبراهيم أنه رأى أنس بن مالك صلى الجمعة في دار حميد بن عبد الرحمن بصلاة الوليد بن عبد الملك وبينهما طريق. المصنف 3/83، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 3/111.
وروى البيهقي بسنده عن عبد ربه قال: رأيت أنس يصلي بصلاة الإمام الجمعة في غرفة عند السدة بمسجد البصر ة. السنن الكبرى 3/111.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن حميد قال: كان أنس يجمع مع الإمام وهو في دار نافع بن عبد الحارث بيت مشرف على المسجد له باب إلى المسجد، فكان يجمع فيه ويأتم بالإمام. المصنف 2/223.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
4 انظر قول إسحاق: (بجواز الصلاة خارج المسجد في الرحاب المتصلة به) ، في: الأوسط خ ل ب 195، الإشراف خ ل ب 32.(2/621)
[270-] قلت: التسبيح1 للرجال والتصفيق2 للنساء؟
قال: إي والله3.
قال إسحاق: كما قال4.
[271-] قلت: حديث ذي اليدين5 فسره لي؟
قال: انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة وسلم من ثنتين وهو [ظ-12/أ] على يقين أنه قد كملت صلاته، فقال: ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت؟.
__________
1 التسبيح: يقول إذا نابه شيء في صلاته سبحان الله بصوت مسموع.
انظر: المغني 2/54.
2 التصفيق: هو ضرب الكف بالكف على شكل يسمع له صوت. والمعنى: أن المرأة إذا نابها شيء في صلاتها فأرادت تنبيه من بحذائها ضربت باطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر.
انظر: مجمل اللغة 2/535، لسان العرب 10/200، معجم لغة الفقهاء ص132.
3 لا نزاع: أن الرجل إذا نابه شيء في صلاته سبح، ويكره له التصفيق، وتبطل الصلاة بالتصفيق إن كثر. ويستحب للمرأة أن تصفق ببطن كفها على الأخرى إذا نابها شيء، فإن كثر بطلت الصلاة، فإن سبحت كالرجل كره. وقيل: لا يكره.
انظر: الإنصاف 2/101، الفروع 1/362، كشاف القناع 1/444، 445.
4 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/240، المغني 2/54، سنن الترمذي 2/206.
5 تقدم تخريجه. راجع مسألة (238) .(2/622)
ففي1 قول ذي اليدين: دليل على أنه لا يدري لعلها2 قد قصرت الصلاة؛ لأنها كانت مقصورة فأتمت، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فرد عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) 3 وهو على يقينه أنها لم تقصر ولم أنس، فلم يقبل4 قوله حتى قال: أكما يقول ذو اليدين؟ فصدقه القوم فأتم الصلاة، فذو اليدين تكلم وهو لا يدري لعلها قد قصرت، وليس يتكلم اليوم أحد على معنى ذي اليدين، والقوم لما أجابوا النبي (صلى الله عليه وسلم) 5 وجب عليهم أن يجيبوه بسؤاله إياهم، وليس يجب اليوم على أحد أن6 يجيب أحداً.
فإذا فعل الإمام مثل ما فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) 7 وتكلم بمثل كلام النبي صلى الله عليه (وسلم) 8؛ وذلك
__________
1 في ع (يعني) .
2 في ع (لعله) بالتذكير.
3 في ظ (عليه السلام) .
4 تقدم حكم ما إذا سبح واحد خلف الإمام. راجع مسألة (238) .
5 في ظ (عليه السلام) .
(أن) ساقطة من ع.
7 في ظ (عليه السلام) .
8 كلمة (وسلم) إضافة من ع.(2/623)
لما1 كان من شأن الصلاة أتم، وإن تكلم غيره يعيد2؛ لأنه لا يكون اليوم في معنى ذي اليدين أحد.
قال إسحاق: كما قال سواء3.
[272-] (سمعت إسحاق بن منصور يقول:) 4 قلت: (لأبي عبد الله رضي الله عنه هل) 5 يسلم على القوم وهم في الصلاة؟
قال: نعم6. فذكر قصة بلال حين سأله ابن عمر (رضي الله
__________
1 في ع (انه) .
2 تقدم حكم كلام الإمام والمأموم. راجع مسألة (238) .
3 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (238) .
(سمعت إسحاق بن منصور يقول) إضافة من ع.
(لأبي عبد الله رضي الله عنه هل) إضافة من ع.
6 قال ابن هانئ: (سئل- أي أحمد- عن الرجل يُسلم عليه وهو يصلي هل يرد؟ قال: لا يرده إلا أن تكون تطوعاً، فيشير بيده ولا يتكلم بلسانه) . المسائل 1/44 (211) .
وقال أبو داود: (قلت لأحمد: يسلم عليّ وأنا أصلى؟ قال: إن شاء أشار، وأما بالكلام فلا يرد. وقال: قلت لأحمد: الرجل يدخل المسجد وبعضهم يصلي وبعضهم قعود أيسلم؟ قال: نعم) . المسائل ص37.
والصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية من أن للداخل السلام على المصلي من غير كراهة.
وروي عن أحمد: أنه يكره. قال المرداوي: وهو الصواب.
وقال في الفروع: إن تأذى به المصلي كره، وإلا فلم يكره.
وعن أحمد: أنه يكره في الفرض، وقيل: لا يكره إن عرف المصلي كيفية الرد به، وإلا كره.
وللمصلي رد السلام بالإشارة من غير كراهة على الصحيح من المذهب.
وروي عن أحمد: أنه يكره الرد في الفرض.
وعنه: يجب ولا يرده في نفسه، بل يستحب بعد فراغه من الصلاة.
انظر: الفروع 1/361، المغني 2/61، 62، الإنصاف 2/110، 111، كشاف القناع 1/442.(2/624)
عنهم) 1 كيف كان يرد؟
قال: كان يشير2.
__________
(رضي الله عنهم) إضافة من ع.
2 روى أحمد في المسند عن ابن عمر قال: (قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده) . المسند 6/12. ورواه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الإشارة في الصلاة 2/204 (368) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/454. ورواه أبو داود وابن الجارود والبيهقي مطولاً.
عن نافع قال: "سمعت عبد الله بن عمر يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فيه قال: فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون- أحد رواة الحديث- كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق" سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة 1/569 (927) ، المنتقى لابن الجارود ص 84 (215) . السنن الكبرى للبيهقي 2/259.(2/625)
قال إسحاق: كما قال1.
[273-] قلت: كيف ينتظرون2 الإمام؟
قال: ينتظرونه قعوداً3.
قال إسحاق: كما قال.
[274-] قلت: متى يكبر الإمام؟
قال: أما أنا فيعجبني إذا فرغ المؤذن من الإقامة4.
__________
1 انظر قول إسحاق: أنه يرد بالإشارة. في المغني 2/61، المجموع 4/38.
2 في ع (ينتظر) .
3 تقدم بيان متى يقوم المأمومون للصلاة جماعة. راجع مسألة (180) .
4 قال عبد الله: سألت أبي عن الإمام يكبر إذا قال المؤذن: (قد قامت الصلاة) أو حتى يفرغ من الإقامة؟. قال: حديث أبي قتادة عن النبي "لا تقوموا حتى تروني". وقد روى عن عمر أنه كان يبعث إلى الصفوف فإذا استوت كبر، وحديث "لا تسبقني بآمين" وأرجو أن لا يضيق ذلك. المسائل ص61 (271) .
قال ابن قدامة: (ولا يستحب عندنا أن يكبر إلا بعد فراغه من الإقامة. المغني 1/458.
وقال ابن مفلح: لا يحرم الإمام حتى تفرغ الإقامة نص عليه- أي أحمد- وهو قول جل أئمة الأمصار) . المبدع 1/427.
وانظر: الفروع 1/229، مطالب أولي النهى 1/414، كشاف القناع 1/382.(2/626)
قال إسحاق: كما قال. لا يبتدئ بالتكبير حتى يفرغ المؤذن من الإقامة1.
[275-] قلت: إذا جاء لصلاة الغداة وقد أقيمت ولم يكن صلى الركعتين؟
قال: يدخل مع القوم2.
قلت: متى يقضيها؟
قال: من الضحى3.
__________
1 انظر قول إسحاق في: الإشراف خ ل ب 354، الأوسط خ ل ب 203، المغني 1/458.
2 قال ابن قدامة: (إذا أقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بنافلة سواء خشي فوات الركعة الأولى، أو لم يخش) . المغني 1/456.
ولا نزاع بين الأصحاب في هذا، فإن تلبس بنافلة بعد ما أقيمت الصلاة لم تنعقد على الصحيح من المذهب، وقيل: تصح.
انظر: الإنصاف 2/220، المحرر في الفقه 1/40، الروض المربع 1/238.
3 نقل عنه تأخير قضاء نافلة الفجر إلى الضحى. عبد الله في مسائله ص104، 105 (372ـ374) ، وصالح في مسائله 1/435 (424) ، وابن هانئ في مسائله 1/103ـ105 (515، 517، 522) ، وأبو داود في مسائله ص50.
والمختار عند أحمد: قضاء نافلة الفجر في الضحى. ونص على أن من صلاها بعد صلاة الفجر أجزأه.
انظر: المغني 2/120، الفروع 1/417، المبدع 2/16.(2/627)
قال إسحاق: كما قال1.
[276-] قلت: يقتل القمل في2 الصلاة؟
قال: ما أحبُّ العبث به، وإن قتل فليس به بأس3.
__________
1 انظر قول إسحاق: (أنه يكره للرجل أن يشرع في النافلة بعد إقامة الصلاة) . في اختلاف الصحابة والتابعين خ ل ب 27، فتح الباري لابن رجب خ ل ب 74، شرح البخاري لابن بطال خ ل أ 195، الإشراف خ ل أ 49، المجموع 3/550، 4/110، شرح السنة 3/362، سنن الترمذي 2/284، عمدة القاري 4/358، وانظر قوله بقضاء ركعتي الفجر ضحى في: الأوسط خ ل ب 271، معالم السنن 1/275، سنن الترمذي 2/288.
2 في ع (في) كررت مرتين.
3 نقل عنه جواز قتل القملة في الصلاة. عبد الله في مسائله ص101 (358) ، وصالح في مسائله 1/456 (466) ، وابن هانئ في مسائله 1/43 (204) .
والصحيح من المذهب: جواز قتل القمل في الصلاة من غير كراهة. قال ابن مفلح: لأن في تركها أذى له إن تركها على جسده ولغيره إن ألقاها، وهو عمل يسير فلم يكره. وقال القاضي: (التغافل عنها أولى) .
وروي عن أحمد: كراهة قتلها. وعنه: يصرها في ثوبه.
انظر: الإنصاف 2/96، المبدع 1/483، المحرر في الفقه 1/78، كشاف القناع 1/440.(2/628)
قال إسحاق: كما قال1.
[277-] قلت: إذا سئل الرجل صليتم؟ يكره أن يقول لم نصل؟
قال: لا بأس أن يقول: لم نصل.
قال إسحاق: كما قال.
[278-] قلت: يكره التلثم2 في الصلاة وفي القتال وعند الذكر؟
قال: نعم [ع-13/ب] .
قلت: ما التلثم؟
قال: أراه على الفم3.
__________
1 انظر قول إسحاق في الأوسط 3/277.
2 التلثم: اللثام تغطية الشفتين بثوب، أو عمامة ونحوها، وقيل: هو تغطية الأنف. قال الفراء: (إذا كان على الفم فهو اللثام، وإذا كان على الأنف فهو اللفام) . وقال أبو زيد: (تميم تقول: تلثمت على الفم وغيرها يقول تلفمت) .
انظر: القاموس المحيط 4/174، لسان العرب 12/533.
3 ما أفتى به هنا من أنه يكره التلثم على الفم في الصلاة هو الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن أحمد: أنه لا يكره.
والصحيح من المذهب: أنه يكره التلثم على الأنف في الصلاة. اختاره ابن قدامة والمجد بن تيمية، وجزم به في الوجيز والنظم والهادي وغيرهم.
وروي عن أحمد: أنه لا يكره.
انظر: المغني 1/585، الروايتين والوجهين 1/159، الإنصاف 1/470.(2/629)
قال إسحاق: كما قال. والتلثم وضع الثوب على الأنف1.
[279-] قلت لأحمد2: تكره التروح34 في الصلاة؟
قال: نعم إلا أن يأتي الأمر الشديد أو الغم56 الشديد7، كما
__________
1 انظر قول إسحاق: (بكراهة التلثم وكراهة تغطية الفم في الصلاة) . الأوسط 3/264، 266.
(لأحمد تكره) ساقطة من ع.
3 في ع (الترويح) .
4 التروح: استعمال المروحة لتحريك الهواء في شدة الحر. انظر: تاج العروس 2/152.
5 في ع (العمر) .
6 الغم: الكرب والحزن، ضد السرور.
انظر: لسان العرب 12/441، معجم لغة الفقهاء ص334.
7 يكره أن يروح الإنسان على نفسه بمروحة ونحوها، وهو يصلي من غير حاجة، فإن كان ثم حاجة كغم شديد، أو حزن جاز من غير كراهة. جزم به في الفروع وغيره.
انظر: الفروع 1/364، المبدع 1/480، الإنصاف 2/93.(2/630)
لو أنه1 آذاه الحر، أو البرد سجد على ثوبه2.
قال إسحاق: كما قال سواء3.
[280-] قلت: تكره الإشارة في الصلاة؟
قال: قد أشار النبي4 صلى الله عليه (وسلم) 5 اجلسوا6، إذا كان يفهمهم شيئاً من أمر صلاتهم7.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في ع (أنه لو) بالتقديم والتأخير.
2 تقدم حكم مباشرة أعضاء السجود للأرض. راجع مسألة (222، 223)
3 تقدم قول إسحاق. راجع مسالة (222، 223) .
4 قال ابن قدامة: (لا بأس بالإشارة في الصلاة باليد والعين) . المغني 2/11، وانظر: كشاف القناع 1/440.
5 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
6 روى مسلم في صحيحه عن جابر- رضي الله عنه- قال: "اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا رواءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره. فالتفت إلينا فرآنا قياماً، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً..". صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام 1/309 (84) .
7 في ع (الصلاة) .(2/631)
[281-] قلت: الرجل يقضي الصلوات الفائتة فتحضر صلاة مكتوبة ويسمع الإقامة؟
قال: لا يصلي حتى يخاف الفوت1.
قلت: إنه يعلم ألا2 يفرغ منها حتى يفوت وقت هذه الصلاة؟
قال: لا يصلي حتى يخاف الفوت3.
قال إسحاق: بل يصليها معهم في الجماعة؛ لأن جميع ما بقي عليه لا يستطيع قضاءها في هذا الوقت.
[282-] قال أحمد (رضي الله عنه) 4: لا تجزئه صلاة، وهو يذكر صلاة فائتة إلا إن5 نسيها6، فإن كان نسياناً لا يعيد7.
قلت: فالمعنى فيه واحد إذا ذكر الصلوات وهو يقضيها، ثم
__________
1 تقدم حكم الترتيب في قضاء المفروضات. راجع مسألة (124، 134) .
2 في ع (ان لا) .
3 تقدم حكم الترتيب في قضاء المفروضات. راجع مسألة (124، 134) .
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
5 في ع إضافة (يكون) بعد (ان) .
6 في ع (فيها) .
7 تقدم حكم هذه المسألة. راجع مسألة (124) .(2/632)
(جاءت) 1 صلاة2 وهو في قضاء.
فقال3: على (ذلك) 4 هو أهون.
قال إسحاق: لا، بل هذه مثل الأولى إذا جاء وقت صلاة دخل مع الجميع.
[283-] قلت: الثوب يصيبه شيء5 من الدم؟
قال: إذا كان كثيراً فاحشاً أعاد6.
قلت: كم الكثير؟
قال: إذا كان [ظ-12/ب] شبراً في شبر.
قال إسحاق: لا يعيد الصلاة أبداً إذا كان قد نسي غسله قلّ أم أكثر7.
__________
1 في ظ (جاء) بالتذكير.
2 أي أنه ذكر الصلوات وبدأ في قضائها، ثم جاء وقت صلاة حاضرة وهو يقضي الفائتة.
3 في ع (قال) بإسقاط الفاء.
4 في ع (ذاك) .
5 في ع (الشيء) .
6 تقدم حكم هذه المسألة. راجع مسألة (95) .
7 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (95، 114) .(2/633)
[284-] قلت: الصلاة في الكنيسة؟
قال: إذا كانت نظيفة1.
قال إسحاق: كما قال. ويكره إن (كان) 2 فيها تماثيل3.
[285-] قلت: عد الآى في الصلاة؟
قال: ليس به بأس4.
__________
1 قال ابن قدامة: (لا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة) . المغني 2/75. وهذا هو الصحيح من المذهب من غير كراهة، وهو متفق مع هذه الرواية.
وروي عن أحمد: كراهة الصلاة فيها، وعنه: يكره مع الصور. وظاهر كلام بعض الأصحاب يحرم دخول الكنيسة عند وجود الصور. وقال ابن تيمية: (انها كالمسجد على القبر، وقال: وليست ملكاً لأحد، وليس لأهل الذمة منع أحد من التعبد فيها؛ لأنا صالحناهم على ذلك) .
انظر: الإنصاف 1/496، الفروع 3/129، مطالب أولي النهى 1/373.
2 في ظ (يكون) .
3 تماثيل: جمع تمثال وهو الصورة ذات الظل لذوات الأرواح، ويقال له: الصنم.
انظر: لسان العرب 11/613، معجم لغة الفقهاء ص146.
4 قال عبد الله: (سئل أبي عن عد الآي من الصلاة؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس) . المسائل ص100 (353) .
وقال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن عد الآي في الصلاة. قال: أرجو) . المسائل ص32.
والصحيح من المذهب: موافق لما أفتى به هنا من جواز عد الآي بالأصابع في الصلاة، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وقيل: يكره. قال ابن عقيل: (لا يكره عد الآي وجهاً واحداً) .
انظر المغني 2/10، المبدع 1/482، 483، الإنصاف 2/95، 96(2/634)
قال إسحاق: كما قال1.
[286-] قلت: ما اشتمال2 الصماء3؟
__________
1 انظر قول إسحاق في: المجموع 4/32، المغني 2/10، اختلاف العلماء لابن المنذر خ ل أ 120.
2 الوارد في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء". صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب ما يستر من العورة 1/69.
3 اشتمال الصماء: هو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده ولا يرفع منه جانباً، فيكون فيه فرجه تخرج منها يده وهو التلفع، وربما اضطجع فيه على هذه الحالة. وكرهت هذه الصفة؛ لأنه ربما دفع إلى حالة سادة لتنفسه فيهلك.
والفقهاء يفسرون اشتمال الصماء: بأنه الاشتمال بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فتبدو منه فرجه. قال أبو عبيد: (والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا الباب) .
انظر: القاموس المحيط 3/403، الصحاح 5/1741، لسان العرب 11/368.(2/635)
فوصفت له شيئاً، فكأنه لم يقم على حده1.2.
قال إسحاق: اشتمال الصماء أن يلتحف، ثم يخرج إحدى يديه
__________
1 حدّه: أي تعريفه.
2 قال ابن قدامة: (اختلف في تفسير اشتمال الصماء. فقال بعض أصحابنا: هو أن يضطبع بالثوب ليس عليه غيره) . ومعنى الإضطباع: أن يضع وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، ويبقى منكبه الأيمن مكشوفاً. وروى عن حنبل عن أحمد في اشتمال الصماء: (أن يضطبع الرجل بالثوب ولا إزار عليه فيبدو شقه وعورته) . أما إن كان عليه إزار فتلك لبسة المحرم. المغني 1/584.
وهذا هو المذهب.
وقال صاحب التبصرة: (هو أن يضع الرداء على رأسه، ثم يسدل طرفيه إلى رجليه) . وقال السامري: (هو أن يلتحف بالثوب ويرفع طرفيه إلى أحد جانبيه ولا يبقى ليديه ما يخرجهما منه) . وقال في الفروع: (وهو المعروف عند العرب) .
انظر: الإنصاف 1/470، الفروع 1/244، الروايتين والوجهين 1/158.
قال أبو عبيد: (قال الأصمعي: اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانباً، فيخرج منه يده. وقال أبو عبيد: (وربما اضطجع فيه على هذه الحال) .
قال أبو عبيد: (كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه وأن يقيه بيديه فلا يقدر على ذلك لإدخاله اياهما في ثيابه، فهذا كلام العرب. وأما تفسير الفقهاء فإنهم يقولون: هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه على منكبيه فيبدو منه فرجه. والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا) غريب الحديث 1/271.(2/636)
من تحت صدره، وقال: هذه الصماء1.
[287-] قلت: الرجل يصلي2 في القميص ليس عليه غيره؟.
قال: إذا كان قميصاً صفيقاً3 ليس يشف4،5 ترى منه العورة6.
__________
1 فعلى تفسير أهل اللغة: يكره الاشتمال المذكور؛ لئلا تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام ونحوها، أو غير ذلك، فيعسر عليه أو يتعذر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر. وعلى تفسير الفقهاء: يحرم الاشتمال المذكور إن انكشف به بعض العورة، وإلا فيكره.
انظر: شرح مسلم للنووي 14/76، عمدة القاري 3/315.
2 في ع (يصلي الرجل) بالتقديم والتأخير.
3 صفيقاً: الصفيق ضد السخيف، والثوب السخيف قليل الغزل. انظر: القاموس المحيط 3/151، 254.
4 في في ع (يشفه) بإضافة الهاء في آخره.
5 يشفه: شف الثوب يشف شفوفاً إذا رق حتى يرى ما خلفه، فيصف جلد لابسه ويعرف لونه.
انظر: مجمل اللغة 2/497، الصحاح 4/1382.
6 نقل عنه نحو هذه المسألة عبد الله في مسائله ص64 (228) ، وابن هانئ في مسائله 1/57، 58 (275، 282) ، وأبو داود في مسائله ص39.
قال المرداوي: (يحب ستر العورة في الصلاة عن نفسه وعن غيره، فلو صلى في قميص واسع الجيب ولم يزره ولا شد وسطه، وكان بحيث يرى عورته في قيامه أو ركوعه، فهو كرؤية غيره في منع الأجزاء) الإنصاف 1/448.
وقال ابن قدامة: (وسترها- أي العورة- عن النظر بما لا يصف البشرة واجب) . المقنع 1/113.
وقال: (الواجب الستر بما يستر لون البشرة، فإن كان خفيفاً يبين لون الجلد من ورائه فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه؛ لأن الستر لا يحصل بذلك) . المغني 1/579. وقال المرداوي: (وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب) . الإنصاف 1/449.(2/637)
قال إسحاق: كما قال1.
[288-] [ع-14/أ] قلت: الصلاة في ثوب اليهودي والنصراني؟
قال: أما ما يلي جلده فلا، والذي فوق ثيابه فأرجو أن لا يكون به بأس2، وأما ما ينسجون فهو
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 246.
2 نقل عنه جواز الصلاة في ثياب اليهود والنصارى التي لا تلي بشرتهم. عبد الله في مسائله ص14 (45) ، وصالح في مسائله 3/48 (1312) ، وأبو داود في مسائله ص41. وقال ابن هانئ: (قلت لأبي عبد الله: الصلاة في ثياب اليهود والنصارى والمجوس؟ قال: تكره الصلاة في ثياب هؤلاء) المسائل 1/58 (284) .
والمذهب: أن ثياب الكفار طاهرة مباحة الاستعمال ما لم تعلم نجاستها، سواءً كانوا يهوداً أو نصارى أو غيرهم. وروي عن أحمد: ما ولي عوراتهم كالسراويل ونحوها لا يصلي فيه حتى يطهر بالغسل. اختاره القاضي.
وعنه: المنع من استعمال جميع ثيابهم حتى تغسل. وعنه: كراهة استعمالها.
انظر: الإنصاف 1/84، 85، الفروع 1/35، المحرر 1/71، المغني 1/83.(2/638)
أهون1.
قال إسحاق: كل شيء من ثيابهم أرى تطهيرها لهم إذا أسلموا، وكذلك إن صلى المسلم في ثيابهم مما يشترونها منهم يطهرونها2.
(قال إسحاق بن منصور: قول إسحاق أحسن) 3.
[289-] قلت: إذا صلى لغير القبلة وهو لا يعلم، ثم علم؟
قال: يستدير.
__________
1 قال ابن هانئ: (قرأت على أبي عبد الله: ابن أبي عدي عن ابن عون قال: كان محمد يختار إذا أخذ الثوب من النساج أن لا يلبسه حتى يغسله، قال أبو عبد الله: أذهب، أو قال: أحبّ إليّ أن لا يصلي فيه حتى يغسله) . المسائل 1/57 (274) .
وقال أبو داود: (سئل أحمد عن الثوب النسيج يصلي فيه قبل أن يغسل؟ قال: نعم إلا أن يكون نسجه مشرك أو مجوسي) . المسائل ص41.
قال ابن قدامة: (لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة الصلاة في الثوب الذي نسجه الكفار) المغني 1/83.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط 2/174، المجموع 1/326.
(قال إسحاق بن منصور قول إسحاق أحسن) إضافة من ع.(2/639)
قلت: يعيد ما صلى؟
قال: لا1.
قال إسحاق: (كما قال) 2، إذا كان ذلك في موضع لا يستطيع معرفة عين الكعبة3.
[290-] قلت: ما يقطع4 الصلاة؟
__________
1 نقل عنه نحو هذه المسألة عبد الله في مسائله ص68، 69 (245، 246) ، وأبو داود في مسائله ص45.
والمذهب: أن من صلى بالاجتهاد، ثم علم أنه أخطأ القبلة فلا إعادة عليه، سواء كان خطؤه يقيناً أو عن اجتهاده، فإن بان له يقين الخطأ وهو في الصلاة بمشاهدة، أو خبر عن يقين استدار إلى جهة الصواب، وبني على ما تقدم من صلاة كأهل قباء لما أخبروا بتحويل القبلة استداروا إليها وبنوا.
انظر: المغني 1/445، 451، الإنصاف 2/18، المبدع 1/412، 413.
(كما قال) إضافة من ع.
3 انظر قول إسحاق في: شرح السنة 2/326. ونقل الترمذي عن إسحاق: (أن من صلى في الغيم لغير القبلة، ثم استبان له بعدما صلى انه صلى لغير القبلة فإن صلاته جائزة) . سنن الترمذي 2/177.
وقال ابن قدامة: (إن كان معايناً للكعبة ففرضه الصلاة إلى عينها لا نعلم فيه خلافاً) . المغني 1/439، وانظر: مراتب الإجماع 26، بداية المجتهد 1/87.
4 نقل الترمذي هذه المسألة بأكملها في: سننه 2/163.(2/640)
قال: ما (أعلمه) 1 يقطعها إلا الكلب الأسود2 الذي لا أشك3 فيه4، وفي قلبي من
__________
(أعلمه) . إضافة من ع.
2 نقل عنه (أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود) . عبد الله في مسائله ص102، 115 (365، 415) ، وابن هانئ في مسائله 5/65 (319، 330) ، وأبو داود في مسائله ص44. ولا خلاف في المذهب: أن من مر بين يديه كلب أسود بطلت صلاته.
انظر: المبدع 1/490، 491، الفروع 1/354. المغني 2/249، 250، الروض المربع 1/192.
3 في ع (شك) بإسقاط الألف.
4 أي ليس عندي أدنى شك أن الكلب الأسود يقطع الصلاة لثبوت ذلك بالنص. جاء في مسائل أحمد لأبي داود ص44، 45: (ان الإمام أحمد سئل عن سبب تخصيصه الكلب الأسود بقطع الصلاة دون المرأة والحمار، مع انها كلها تقطع الصلاة كما ورد في حديث أبي ذر. فأجاب: أن المرأة والحمار ورد فيهما حديثان يعارضان حديث أبي ذر هما: حديث عائشة وابن عباس. أما الكلب الأسود فلم يرد ما يعارضه أو ينسخه) .
وقال ابن قدامة:- بعد أن ساق أدلة من يقول: لا يقطع الصلاة شيء- قال: (هذه الأحاديث كلها في المرأة، والحمار يعارض حديث أبي هريرة وأبي ذر فيهما. فيبقى الكلب الأسود خالياً عن معارض، فيجب القول به؛ لثبوته وخلوه عن معارض) . المغني 2/251.
وحديث أبي ذر وأبي هريرة رواهما مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلى 1/365، 366 (265، 266) .(2/641)
الحمار1 والمرأة شيء2.
قال إسحاق: لا يقطع إلا الكلب الأسود3.
[291-] قال (الإمام) 4 أحمد: ومن الناس من يقول: إن قول عائشة (رضي الله عنها) 5 حيث6 قالت: كنت أنام بين يدي النبي7
__________
1 المراد بالحمار هو الأهلي على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وفي الحمار الوحشي وجه أنه كالحمار الأهلي.
انظر: الفروع ومعه التصحيح 1/354، 355، مطالب أولي النهى 1/491، الإنصاف 2/107.
2 اختلفت الرواية عن أحمد في قطع المرأة والحمار للصلاة. فنقل عنه الجماعة: أن مرور المرأة والحمار أمام المصلي لا يبطل الصلاة، وهي المذهب. قال ابن قدامة: (هذا المشهور) . وقال الزركشي: (هي أشهرهما) .
وروى عنه: أن الصلاة تبطل بمرورهما. اختارها المجد بن تيمية وحفيده تقي الدين. وقال: هو مذهب أحمد.
انظر: الإنصاف 2/106، 107، الكافي 1/255، كشاف القناع 1/448.
3 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/163، الأوسط خ ل أ 252، شرح السنة 2/463، اختلاف العلماء للمروزي ص56.
(الإمام) إضافة من ع.
(رضي الله عنها) إضافة من ع.
(حيث) ساقطة من ع.
7 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها- انها قالت: "كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورِجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح".
صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة على الفرش 1/72، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي 1/367 (272) .(2/642)
صلى الله عليه (وسلم) 1 ليست بحجة عليّ هذا الحديث- يعني من قال: يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب-؛ لأن النائم غير المار.
وقال ابن عباس (رضي الله عنهما) 2 في الحمار حيث مر بين يدي بعض الصف3 ليست بحجة؛ لأن سترة الإمام سترة من خلفه.
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
3 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قال: "أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمرت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك عليّ أحد".
صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب سترة الإمام سترة لمن خلفه 1/88. صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي 1/361 (254) .(2/643)
قال إسحاق: كل هذا حجة ولا يحتاج إلى هذا1 المبهم مع المفسر. قول عائشة (رضي الله عنها) 2 عدلتمونا3 بالحمار4.
[292-] قلت: ما يكره من الأرض أن يصلى عليها؟
قال: المقبرة والحش5 وكل أرض قذرة6.
__________
(هذا) ساقطة من ع.
(رضي الله عنها) إضافة من ع.
3 عدلتمونا: عادلت بين الشيئين وعدلت فلاناً بقلان إذا سويت بينهما، وقيل: العدل تقويمك الشيء بالشيء من غير جنسه حتى تجعله له مثلاً.
انظر: القاموس المحيط 4/13، لسان العرب 11/432.
4 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "أعدلتمونا بالكلب والحمار؟، لقد رأيتني مضطجعة على السرير فيجئ النبي صلى الله عليه وسلم فيتوسط السرير فيصلي، فأكره أن أسنحه- أي أظهر من قدامه- فأنسل من قبل رجلي السرير حتى أنسل من لحافي". صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة إلى السرير 1/90. صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي 1/367 (271) .
5 الحش: موضع قضاء الحاجة وهو الكنيف، وأصله من الحش البستان؛ لأنهم كانوا كثيراً ما يتغوطون في البساتين.
انظر: النهاية في غريب الحديث 1/390، الصحاح 3/1001.
6 قال عبد الله: (سألت أبي عن الصلاة في المقبرة وفي معاطن الإبل والحمام؟ فقال: تكره الصلاة في هذه المواطن كلها وأنا أكرهه) . المسائل ص67 (241) .
وقال ابن هانئ: (سمعته- أي أحمد- يكره الصلاة في الحش والحمام والمقبرة والموضع الذي غير نظيف) . المسائل 1/70 (350) .
والمذهب وهو ما عليه الأًصحاب: موافق لهذه الرواية، حيث إن الصلاة لا تصح في المقبرة والحش والحمام وأعطان الإبل) . وروي عن أحمد: إن علم بالنهي لم تصح، وإلا صحت. وعنه: تحرم الصلاة فيها وتصح. وعنه: تكره الصلاة فيها.
قال ابن قدامة: (أما الحش فالحكم يثبت فيه بالتنبيه؛ لأنه إذا منع من الصلاة في هذه المواضع لكونها مظان للنجاسة فالحش معد للنجاسة ومقصود لها فهو أولى بالمنع فيه) .
وقال المرداوي: (المنع من الصلاة في هذه الأمكنة تعبدي على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور. وقيل: معلل بمظنة النجاسة فيختص بما هو مظنة من هذه الأماكن) .
انظر: الإنصاف 1/489، 491، المغني 2/67، 68، الفروع 1/268، 269.(2/644)
قلت: السبخة؟
قال: إذا كانت نظيفة1، وموضع قد خسف2 به
__________
1 قال صالح: (سألت أبي عن الصلاة في السباخ والتيمم منها؟ قال: أما الصلاة فجائز، وأما التيمم فلا يعجبني؛ لأنه لا يثبت في يديه منه شيء، يخرج منها إلى غيرها. وقال: وأطيب الصعيد أرض الحرث) . المسائل 2/15 (539) .
والصحيح من المذهب متفق مع ما أفتى به هنا من أن الصلاة تصح في الأرض السبخة. قال في الرعاية مع الكراهة) .
وروي عن أحمد: أن الصلاة لا تصح فيها. قال: في الرعاية مع ظن نجاستها. وعنه: التوقف فيها. انظر: المبدع 1/398، الفروع 1/275، الإنصاف 1/496.
2 خسف به: الخسف غياب الأرض بما عليها. يقال: خسف المكان يخسف خسوفاً أي ذهب في الأرض.
انظر: الصحاح 4/1349، لسان العرب 9/67.(2/645)
أكرهه1.
قال إسحاق: كما قال2. فإن صلى في أرض سبخة، أو مخسوف بها جاز ذلك (وكلما صلى في أرض مغصوب أو استصفاها3 الولاة، فصلاة المسلم فيها فاسدة إذا علم ذلك، فإذا لم يعلم ثم علم جاز ذلك) 4.
[293-] قلت: ما يكره للمصلي أن يكون بين يديه؟
__________
1 قال عبد الله: (سمعت أبي سئل عن أرض الخسف يصلي فيها؟ فكره ذلك) . المسائل 68 (243) .
وقال ابن قدامة: (قال أحمد: أكره الصلاة في أرض الخسف؛ وذلك لأنها موضع مسخوط عليه) . المغني 2/75.
وقال ابن تيمية: مقتضى كلام الآمدي وأبي الوفاء بن عقيل أنه لا تصح الصلاة في أرض الخسف، وهو قوي) . الاختيارات الفقهية ص45.
وانظر: الفروع 1/275، الإنصاف 1/496، كشاف القناع 1/346.
2 انظر قول إسحاق بكراهة الصلاة في المقبرة والحش في: الأوسط 2/184، شرح السنة 2/411.
3 استصفاها: أي استأثر بها واستخلصها لنفسه. انظر: لسان العرب 14/463.
(وكلما صلى في أرض مغصوب أو استصفاها الولاة فصلاة المسلم فيها فاسدة إذا علم ذلك، فإذا لم يعلم ثم علم جاز ذلك) إضافة من ع.(2/646)
قال: كل شيء في القبلة فهو مكروه حتى المصحف1.
قال إسحاق: كما قال.
(قال) 2 وعن يمينه وعن شماله لا3 بأس.
[294-] قلت: (ما) 4 بين المشرق والمغرب قبله؟
قال: نعم إذا استقبلت القبلة، وهذا لأهل المشرق5.
__________
1 قال في الفروع: (يكره أن يكون بين يديه ما يلهيه، أو نار حتى سراج وقنديل وشمعة، ويكره أن يعلق في قبلته شيئاً لا وضعه بالأرض. قال أحمد: كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئاً حتى المصحف) . الفروع 1/365.
وقال ابن قدامة: (يكره أن يصلي إلى نار. قال أحمد: إذا كان التنور في قبلته لا يصلي إليه. وقال في السراج والقنديل: يكون في القبلة أكرهه وأكره كل شيء حتى كانوا يكرهون أن يجعلوا شيئاً في القبلة حتى المصحف. وقال أحمد: لا تصل إلى صورة منصوبة في وجهك. وقال: يكره أن يكون في القبلة شيء معلق مصحف أو غيره ولا بأس أن يكون موضوعاً بالأرض. قال أحمد: ولا يكتب في القبلة شيء؛ وذلك لأنه يشغل قلب المصلي وربما اشتغل بقراءته عن صلاته) . المغني 2/242، 243.
(قال) إضافة من ع.
3 في ع (فلا) بإضافة الفاء.
(ما) إضافة من ع.
5 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص69 (247) ، وابن هانئ في مسائله 1/65 (322) وأبو داود في مسائله ص 45.
قال ابن قدامة: (الواجب على من بعد من مكة طلب جهة الكعبة دون إصابة العين، قال أحمد: ما بين المشرق والمغرب قبلة، فإن انحرف عن القبلة قليلاً لم يعد، ولكن يتحرى الوسط) . المغني 1/439.
وما أفتى به هنا هو المذهب، وعليه جمهور الأصحاب، وهو المعمول به في المذهب،
وروي عن أحمد: أن فرض من بعد عن مكة الاجتهاد إلى عينها، فعليها يضر التيامن والتياسر عن الجهة التي اجتهد إليها.
انظر: الإنصاف 2/9، الفروع 1/279، المحرر في الفقه 1/52.(2/647)
قال إسحاق: كما قال.
[295-] قلت: القنوت في صلاة الغداة؟
قال: أما الأئمة فلا بأس أن يقنتوا يدعون1 للجيش إذا أوغلوا2.
قال إٍسحاق: كما قال3. [ع-14/ب] وكذلك كلما حزب4 المسلمين أمر شدة من حرب أو غير ذلك.
__________
1 في ع (يدعوا) .
2 أوغلوا: أوغل في البلاد ذهب وأبعد، ويقال: أوغل القوم إذا أمعنوا في سيرهم داخلين في أرض العدو.
انظر: مجمل اللغة 3/931، لسان العرب 11/733.
3 تقدم حكم هذه المسألة. راجع مسألة (206) .
4 حزب المسلمين أمر شدة: أصابهم أو نزل بهم. انظر: تاج العروس 1/209.(2/648)
[296-] قلت: يرفع يديه في القنوت؟
قال: نعم1.
قال إسحاق: كما قال2.
[297-] قلت: الوتر على الراحلة؟
قال: لا بأس3 به، ولا يعجبني أن يوتر بركعة إلا أن يكون قبلها
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص90، 90، 95، 98، 99 (319، 323، 332، 347) . وأكثر الأصحاب: يرون أن المصلي يرفع يديه في القنوت إلى صدره ويبسطهما ويجعل بطونهما نحو السماء.
وقال ابن مفلح: (قال ابن عقيل: وقال شيخنا: نختار رفع اليدين عند تكبيرة الانحطاط عن هذا الدعاء- أي دعاء القنوت-) .
انظر: الفروع 1/413، المحرر ومعه النكت والفوائد السنية 1/88، الإنصاف 2/172، كشاف القناع 1/490.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 270، المغني 2/154، المجموع 3/487.
3 نقل عنه جواز الوتر على الراحلة. عبد الله في مسائله ص69، 89 (248، 318) ، وصالح في مسائله 1/444، 2/257 (442، 859) ، وابن هانئ في مسائله 1/83 (415) .
والمذهب وهو ما عليه الأصحاب: موافق لهذه الرواية، حيث تجوز صلاة الوتر على الراحلة. وروي عن أحمد: لا يصلي الوتر عليها.
انظر: الإنصاف 2/3، الفروع 1/410.(2/649)
صلاة يصلي ركعتين، ثم يسلم ثم يوتر بركعة1.
قال إسحاق: السنة2 الوتر على الراحلة في
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله 94، 95، 96 (328ـ330، 335) ، وصالح في مسائله 1/387، 388 (366) ، وابن هانئ في مسائله 1/99، 100 (495، 502، 503) ، وأبو داود في مسائله ص65، 66.
قال الخرقي: (الوتر ركعة) مختصر الخرقي ص25. قال ابن قدامة قوله: (الوتر ركعة) يحتمل أنه أراد جميع الوتر ركعة، وما يصلى قبله ليس من الوتر كما قال الإمام أحمد: إنا نذهب في الوتر إلى ركعة، ولكن يكون قبلها صلاة عشر ركعات، ثم يوتر ويسلم، ويحتمل أنه أراد أقل الوتر ركعة. فإن أحمد قال: إنا نذهب في الوتر إلى ركعة، وإن أوتر بثلاث أو أكثر فلا بأس) . المغني2/150.
والمذهب: أن أقل الوتر ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة. وقيل: الوتر ركعة وما قبله ليس منه.
والصحيح من المذهب: أنه لا يكره الوتر بركعة، وإن لم يتقدمها صلاة.
وروي عن أحمد: أنه يكره حتى في حق المسافر ومن فاته الوتر.
وعنه: يكره بلا عذر. قال أبو بكر: لا بأس بالوتر بركعة لعذر من مرض، أو سفر ونحوه.
انظر: الإنصاف 2/167، 168، المحرر في الفقه 1/88، المبدع 2/4، 5، الروايتين والوجهين 1/161، 162.
2 روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض ويوتر على راحلته". صحيح البخاري، كتاب الوتر، باب الوتر في السفر 2/23.(2/650)
السفر1، ولا يوتر بواحدة إلا من عذر من مرض أو سفر أو حادث أمر2.
[298-] قلت: يضطجع3 بعد ركعتي الفجر؟
قال: إن فعل يريد الإتباع4 فلا بأس به5.
__________
1 انظر قول إسحاق بجواز الوتر على الراحلة في: سنن الترمذي 2/336، شرح السنة 4/190، المجموع 3/517.
2 نقل عنه جواز الوتر بركعة إلا أنه يفضل أن تسبقها ركعتان. الترمذي في سننه 2/325، والخطابي في معالم السنن 1/287، والمروزي في اختلاف العلماء ص32. وانظر: مختصر قيام الليل ص266، والبغوي في شرح السنة 4/82، وابن قدامة في المغني 2/150.
3 يضطجع: الاضطجاع وضع الجنب بالأرض. انظر: لسان العرب 8/219.
4 أي اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم الواردة في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر، قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة".
صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب من انتظر الإقامة 1/107، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل 1/508 (122) .
5 نقل عنه جواز الاضطجاع ابن هانئ في مسائله 1/105، 106، 108 (523، 526، 536) .
والصحيح من المذهب استحباب الاضطجاع بعد نافلة الفجر قبل صلاة الفريضة.
وروي عن أحمد: أنه لا يستحب.
انظر: الفروع 1/416، الإنصاف 2/177، المغني 2/127.(2/651)
قال إسحاق: حسن وتركه لا بأس به1.
[299-] قلت: إذا أوتر أول الليل، ثم قام آخره فصلى2؟
قال: أما أنا فلا يعجبني3 أن ينقض وتره4.
__________
(به) ساقطة من ع.
(فصلى) ساقطة من ع.
3 نقل عنه نحوها عبد الله في: مسائله ص92 (325) ، وابن هانئ في: مسائله 1/101 (504) ، وأبو داود في مسائله ص65.
والصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية من أن من أوتر ثم أراد الصلاة بعد وتره فلا ينقض وتره ويصلي مثنى مثنى ولا يوتر إذا فرغ من صلاته.
وروى عن الإمام أحمد: أنه ينقض وتره- استحباباً- بركعة يصليها فتصير مع التي قبلها شفعاً، ثم يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر.
وعنه: ينقضه وجوباً على الصفة المتقدمة.
وعنه: يخير بين نقضه وتركه.
انظر: الإنصاف 2/182، 183، المغني 2/163، الروايتين والوجهين 1/162، كشاف القناع 1/500.
4 ينقض وتره: نقض الوتر إبطاله وتشفيعه بركعة لمن يريد أن يتنفل بعد أن أوتر. انظر: النهاية في غريب الحديث 5/107.(2/652)
قال إسحاق: أما إذا أحب أن يصلي بعد وتره وقد نام نومة، فالذي نختار له أن ينقض وتره بركعة [ظ-13/أ] ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر حتى لا يكون مصلياً بعد الوتر، ولا يكون له وتران في ليلة1.
[300-] قلت: إذا أصبح ولم يوتر؟
قال: ما أعرف الوتر بعد صلاة الغداة2.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/334، الأوسط خ ل أ 267، المجموع 3/521، المغني 2/163.
2 قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عمن أصبح ولم يوتر؟ قال: يوتر ما لم يصل الغداة) . المسائل ص71.
والصحيح من المذهب أن الوتر يقضى إذا فات وقته بطلوع الفجر الثاني، وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أن الوتر لا يقضي اختاره ابن تيمية: وعنه: لا يقضى بعد صلاة الفجر.
انظر: الفروع 1/412، المغني 1/161، 162، الإنصاف 2/178، الاختيارات الفقهية ص64.
3 انظر قول إسحاق في: اختلاف العلماء للمروزي ص42، سنن الترمذي 2/333، شرح السنة 4/88، الأوسط خ ل ب 266.(2/653)
[301-] قلت: يكره الكلام1 بعد ركعتي الفجر2؟
قال: يروى عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) 3 أنه كرهه4.
__________
1 في ع (الصلاة) .
2 أشار إلى هذه الرواية صاحب الفروع في كتابه 1/416، وصاحب الإنصاف في كتابه 2/177.
قال صالح: قلت يتكلم فيما بين الركعتين وصلاة الغداة؟ قال: الكلام في قضاء الحاجة وليس الكلام الكثير، كان عبد الله يعز عليه أن يسمع متكلماً. المسائل 2/479 (1199) .
ونقل أبو طالب يكره الكلام بعدهما انما هي ساعة تسبيح، ولعل المراد في غير العلم لقول الميموني: كنا نتناظر أنا وأبو عبد الله في المسائل قبل صلاة الفجر وغير الكلام المحتاج إليه. ويتوجه لا يكره لحديث عائشة المتفق عليه.
انظر: الإنصاف 2/177، الفروع 1/416، المبدع 2/15، كشاف القناع 1/495، 496.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
4 روى عبد الرزاق بسنده عن عطاء، قال: (خرج ابن مسعود على قوم يتحدثون، فنهاهم عن الحديث، وقال: إنما جئتم للصلاة، إما أن تصلوا واما أن تسكتوا) . المصنف 3/60، 61. ورواه الطبراني في معجمه الكبير 9/330 (9438) .
قال الهيثمي: (عطاء لم يسمع من ابن مسعود وبقية رجاله ثقات) . مجمع الزوائد 2/219.
وروى عبد الرزاق بسنده عن أبي عبيدة بن عبد الله قال: كان عزيزاً على عبد الله بن مسعود أن يتكلم بعد طلوع الفجر إلا بذكر الله. المصنف 3/61.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/250، ورواه الطبراني في معجمه الكبير 9/329 (9436) ، قال الهيثمي: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد 2/219.
وروى عبد الرزاق بسنده عن قتادة أن ابن مسعود كان يكره الكلام إذا صلى ركعتي الفجر. المصنف 3/62. ورواه الطبراني في معجمه الكبير 9/330 (9440) ، وانظر: عمدة القاري 6/237، ونيل الأوطار 3/28.(2/654)
قلت (له) 1: حديث النبي صلى2 الله عليه (وسلم) 3؟
قال: ليس ذلك4 ببيّن؛كأن السكوت أعجب إليه.
قال إسحاق: كما قال. إلا5 أن يكون
__________
(له) إضافة من ع.
2 روى مسلم والبخاري في صحيحيهما عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع ". صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل 1/511 (133) . صحيح البخاري، كتاب التهجد، باب الحديث يعني بعد ركعتي الفجر 2/50.
3 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
4 في ع (ذاك) .
(إلا) ساقطة من ع.(2/655)
من1 ذكر الله (عز وجل) 2 أو حديث لا يكون فيه خوض3 (للدنيا) 4.
[302-] قلت: هل يقضى شيء من التطوع؟
قال: أما النبي (صلى الله عليه وسلم) 5 فقد قضى الركعتين قبل الفجر6، والركعتين بعد الظهر7، قضاهما بعد
__________
(من) من ساقطة من ع.
(عز وجل) إضافة من ع.
3 انظر قول إسحاق في: شرح البخاري لابن بطال خ ل ب 319، سنن الترمذي 2/278، شرح السنة 3/461.
4 في ظ (الدنيا) .
5 في ظ (عليه السلام) .
6 روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: "عرّسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ كل رجل برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان قال: ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ، ثم سجد سجدتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة". صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة 1/471، 472 (310) ، وقد بوب ابن خزيمة على هذا الحديث، بباب قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس إذا نام المرء فلم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس. صحيح ابن خزيمة 2/165.
7 روى البخاري ومسلم بسنديهما عن كريب أن ابن عباس والمسور ابن مخرمة وعبد الرحمن ابن أزهر- رضي الله عنهم- "أرسلوه إلى عائشة- رضي الله عنها- فقالوا اقرأ عليها السلام منا جميعاً وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر وقل لها: إنا أخبرنا أنك تصلينها وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها … فقالت أم سلمة- رضي الله عنها-: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر، ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه قولي له: تقول لك أم سلمة يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخرى عنه، ففعلت الجارية، فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر، وأنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان".
صحيح البخاري، كتاب السهو، باب إذا كُلِّم وهو يصلي فأشار بيده واستمع 2/62.
صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر 1/571 (297) .(2/656)
العصر1.
__________
1 نقل عنه قريباً منها: عبد الله في مسائله ص93 (327) .
والمذهب وهو المشهور عند الأصحاب: موافق لما أفتى به هنا؛ حيث إن من فاته شيء من السنن الرواتب سن له قضاؤها.
وروي عن أحمد: أنه لا يستحب قضاؤها.
وعنه يقضي سنة الفجر إلى الضحى.
وقيل: لا يقضي إلا سنة الفجر إلى وقت الضحى، وركعتي الظهر.
انظر: الإنصاف 2/178، المغني 2/128، مطالب أولي النهى 1/548.(2/657)
قال إسحاق: كما قال.
[303-] (قلت: إذا فاتته الركعتان قبل الفجر متى يصليهما؟
فقال يصليهما من الضحى قال: إسحاق كما قال) 1.2.
[304-] قلت: التطوع في البيت أفضل أو في المسجد؟
فذكر شيئاً كأنّه لم ير به بأساً في المسجد3.
__________
1 تقدم حكم هذه المسألة. راجع مسألة (275) .
2 مسألة (302) . إضافة من ع.
3 قال ابن هانئ: (رأيت أبا عبد الله لا يصلي الركعتين قبل الفجر ولا الركعتين بعد المغرب ولا شيئاً من بعد المكتوبة إلا أن يكون يصلي في بيته) . المسائل 1/106 (527) .
وقال أبو داود: (رأيت أحمد أكثر أمره لا يتطوع بعد الصلاة في المسجد إلا أن يكون يريد أن يقعد مع بعض من يحبه، وكان يتطوع قبل الصلاة كثيراً حتى تقام الصلاة، أو يأتي وقت الإقامة) . المسائل ص72.
ونقل عنه عبد الله وأبو داود: (أنه كان يصلي نافلة الفجر في بيته) . مسائل عبد الله ص97 (341) ، مسائل أبي داود ص 50.
والصحيح من المذهب: أن فعل السنن الرواتب في البيت أفضل.
وروي عن أحمد: أن التفضيل لركعتي الفجر والمغرب فقط.
وعنه: التسوية بين البيت والمسجد فلا فضل لأحدهما.
وعنه: لا تسقط سنة المغرب بصلاتها في المسجد.
انظر: المبدع 2/15، الفروع 1/417، الإنصاف 2/177، المذهب الأحمد ص20.(2/658)
قال إسحاق: البيت أفضل؛ لأنه أسلم، وإن قوي رجل على أن يصلي في المسجد ويريد أن يقتدي الناس به فهو أفضل.
[305-] قلت: طول القنوت1 أحبّ إليك أم كثرة (الركوع والسجود) 2؟
قال: (هذا) 3 فيه حديثان4 لم يقض فيه
__________
1 طول القنوت: إطالة القيام في الصلاة. انظر: القاموس المحيط 1/155.
2 في ظ (السجود) والركوع) بالتقديم والتأخير.
(هذا) إضافة من ع.
4 أي هناك حديث يدل على أن الفضل في طول القنوت، وهناك حديث يدل على أن الفضل في كثرة الركوع والسجود.
أما الأول: فما رواه مسلم في صحيحه عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة طول القنوت". صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب أفضل الصلاة طول القنوت 1/520 (164) .
والثاني: ما رواه مسلم بسنده عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: "لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة". قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته: فقال لي مثل ما قال لي ثوبان".
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه 1/353 (225) .
وبوب له الترمذي بباب ما جاء في كثرة الركوع والسجود 2/230.
وأدخله البيهقي تحت باب من استحب الإكثار من الركوع والسجود 3/9، 10.(2/659)
بشيء1.
ثم سألته قلت: طول القنوت أحبّ إليك أم كثرة الركوع والسجود؟
قال: أحبّ إليّ أن يكون للرجل ركعات معلومات2 بالليل
__________
1 نقل الترمذي: (نص قول أحمد في هذه المسألة) . سنن الترمذي 2/233، وقد توقف الإمام أحمد في حكم المسألة هنا.
والصحيح من المذهب أن كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام.
وقال بعض الأصحاب: كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام في النهار، وطول القيام في الليل أفضل.
وروي عن أحمد: طول القيام أفضل مطلقاً، وعنه: التساوي، اختاره المجد بن تيمية وحفيده تقي الدين.
انظر: الروايتين والوجهين 1/166، المغني 2/140، الإنصاف 2/190.
2 في ع (ركعتان معلومتان) بالتثنية.(2/660)
والنهار إن شاء طول فيهن وإن شاء قصر1.
قال إسحاق: أما بالليل2 فطول القنوت، وأما بالنهار3، فكثرة الركوع والسجود، إلا أن يكون رجلاً4 له جزء يحييه بالليل، يأتي عليه بالليل، فكثرة الركوع والسجود أحبّ إليّ؛ لأنه يأتي على جزئه وقد ربح الركوع والسجود5.
[306-] قلت: يرفع صوته بالقرآن بالليل؟
قال: نعم إن شاء رفع6.
__________
1 قال أبو داود: (سمعت أحمد يقول: يعجبني أن يكون للرجل ركعات من الليل والنهار معلومة، فإذا نشط طولها وإذا لم ينشط خفضها وجاء بها) . المسائل ص73.
قال ابن قدامة: (يستحب أن يكون للإنسان تطوعات يدوام عليها فإذا فاتت يقضيها، ثم أورد قول أبي داود المتقدم وذكر عدة أحاديث تدل على ذلك) . المغني 2/141، وانظر: مطالب أولي النهى 1/570.
2 في ع (الليل) بإسقاط الباء.
3 في ع (النهار) بإسقاط الباء.
(رجلاً) ساقطة من ع.
5 نقل الترمذي نص قول إسحاق هذا. سنن الترمذي 2/233.
6 قال ابن قدامة: (المتهجد: مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها إلا أنه إن كان الجهر انشط له في القراءة، أو كان بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها، فالجهر أفضل، وإن كان قريباً منه من يتهجد، أو من يستضر برفع صوته فالإسرار أولى وإن لم يكن لا هذا ولا هذا فليفعل ما شاء) . المغني 2/139. وانظر الإنصاف 2/57، كشاف القناع 1/515.(2/661)
ثم ذكر حديث أم هانئ1 (رضي الله عنها) 2 كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه (وسلم) 3 وأنا على عريشي4 من الليل5.
__________
1 هي أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية. اسمها فاخته، وقيل: فاطمة، ابنة عمّ الرسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تحت هبيرة بن عمرو المخزومي، ففرق الإسلام بينهما فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت بوجود أطفال صغار عندها وتخشى إن تزوجت أن يضيعوا، أو يضيع حق الزوج. فقال عليه الصلاة والسلام خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد) . عاشت إلى ما بعد مقتل على- رضي الله عنهما-.
انظر ترجمتها في: الاستيعاب 4/479، سير أعلام النبلاء 2/311، تهذيب الأسماء، واللغات 2/366، طبقات خليفة بن خياط ص 330.
(رضي الله عنها) إضافة من ع.
3 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
4 عريشي: العريش: سرير الملك. والعريش: شبه الهودج يتخذ ذلك للمرأة تقعد فيه على بعيرها.
انظر: مجمل اللغة 3/658، لسان العرب 6/313.
5 روى أحمد في المسند: عن أم هانئ- رضي الله عنها- قالت: "كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وأنا على عريشي". المسند 6/343، 424.
ورواه النسائي في سننه في كتاب الافتتاح، باب رفع الصوت بالقرآن 2/178 (1013) ، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في القراءة في صلاة الليل 1/429 (1349) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/344. قال البوصيري: (هذا إسناد صحيح رجاله ثقات) . مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه 1/159..(2/662)
قال إسحاق: الذي نختار له إذا أمن العجب، أو أن يدخله في شيء يكرهه أن يرفع صوته.
[307-] قلت: صلاة الضحى؟
قال: ثماني1 ركعات المثبت2 عن أم3 هانئ (رضي الله
__________
1 في ع (ثمان) .
2 المذهب: أن أدنى صلاة الضحى ركعتان وأكثرها ثمان ركعات. وهذا ما عليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أن أكثرها ثنتى عشرة ركعة. والصحيح من المذهب: أنه لا يستحب المداومة على فعلها، بل تفعل غباً. وعليه جمهور الأصحاب.
واختار الآجري وابن عقيل وأبو الخطاب وابن الجوزي والمجد بن تيمية وغيرهم، اختاروا استحباب المداومة عليها.
انظر: الإنصاف 2/190ـ192، الفروع 1/436، 437، المبدع 2/23، 24.
3 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "ما حدثنا أحد أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود ".صحيح البخاري، كتاب التهجد، باب صلاة الضحى في السفر 2/52، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات 1/497 (80) .(2/663)
عنها) 1.
قال إسحاق: إن2 صلى ثمانياً فهو أفضل وأعلى، ثم الست ثم أربع ثم ركعتين كل ذلك قد3 ذكر عن النبي صلى الله عليه (وسلم) 45.
__________
(رضي الله عنها) إضافة من ع.
2 في ع (إذا) .
(ذلك قد) ساقطة من ع.
4 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
5 أما الثمان، فقد ذكرت في حديث أم هانئ المتقدم. وأما الست ركعات. فقد روى الطبراني في معجمه عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عليه بعيراً لي فرأيته صلى الضحى ست ركعات".مجمع البحرين في زوائد المعجمين ج 1/ ل أ 59.
قال الهيثمي: (رواه الطبراني في الأوسط من رواية محمد بن قيس عن جابر، وقد ذكره ابن حبان في الثقات) . مجمع الزوائد 2/238.
والحديث صححه الألباني بعد أن عضده بعدة شواهد. إرواء الغليل 2/216، 217.
وروى الطبراني في معجمه عن أم هانئ- رضي الله عنها- "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فصلى الضحى ست ركعات". المعجم الكبير 24/435 (1063) .
قال الهيثمي: (إسناده حسن) . مجمع الزوائد 2/238. وأما الأربع ركعات.
فقد روى مسلم في صحيحه عن عائِشة- رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله".
صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست. 1/497 (79) .
وأما الركعتان صلاة للضحى فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى". وروى أيضاً في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: "أوصاني خليلي بثلاث بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد".
صحيح مسلم، كتاب، صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى 1/498، 499 (84، 85) .(2/664)
[308-] قلت: إن رجلاً قال: يا رسول الله إني أعمل العمل أسره فيطلع عليه1 فيعجبني.
__________
1 روى ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: "قال الرجل: يا رسول الله إني أعمل العمل، فيطلع عليه، فيعجبني، قال: لك أجران أجر السر وأجر العلانية".
سنن ابن ماجة، كتاب الزهد، باب الثناء الحسن 2/1412، 1413 (4226) .
ورواه الترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب عمل السر 4/594 (2384) . وقال: هذا حديث حسن غريب.(2/665)
قال: لما أسر العمل فأظهر الله (عز1 وجل) له2 الثناء الحسن فأعجبه، فلم يعب ذلك أن الرجل يعجبه أن يقال فيه الخير.
قال إسحاق: كلما أطلع عليه فأعجبه فإذا كان ذلك منه3 ليقتدي به الناس وليذكر [ع-15/أ] بخير صار له أجر سره وأجر ما نوى من اقتداء الناس به وذكرهم إياه بخير.
[309-] قلت: المرأة تؤم النساء؟
قال: نعم، تقوم وسطهن4.
__________
(عز وجل) إضافة من ع.
(له) ساقطة من ع.
(منه) ساقطة من ع.
4 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص114 (408) ، وابن هانئ في مسائله 1/72 (360) .
والصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية من أنه تستحب الجماعة للنساء إذا اجتمعن منفردات عن الرجال.
وروي عن أحمد: أنها لا تستحب وأن فعلن أجزأهن.
ولا نزاع في المذهب: أن المرأة إذا أمّت نساء أنها تقوم وسطهن.
انظر المغني 2/202، المبدع 2/94، الإنصاف 2/299، كشاف القناع 1/535.(2/666)
قال إسحاق: كما قال1.
[310-] (حدثنا إسحاق بن منصور قال:) 2 أملى عليّ (الإمام) 3 أحمد (رضي الله عنه) 4 قال: سجدتا السهو إذا نهض من ثنتين سجدهما قبل التسليم ولم يتشهد فيهما على حديث ابن5 بحينة6 (رضي الله عنه) 78، وإذا شك فرجع إلى اليقين سجدهما قبل،
__________
1 قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 212، المجموع 4/96. المغني 2/202.
(حدثنا إسحاق بن منصور قال) إضافة من ع.
(الإمام) إضافة من ع.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
(ابن) ساقطة من ع.
6 هو عبد الله بن مالك بن القشب- أو جندب- ابن نضلة الأزدي، أبو محمد حليف بني عبد المطلب، معروف بابن بحينة وهي أمه، صحابي جليل أسلم قديماً وكان ناسكاً فاضلاً وعابداً خاشعاً، ينزل بطن ريم على ثلاثين ميل من المدينة، وتوفي ست وخمسين من الهجرة.
انظر: ترجمته في الاستيعاب 2/258، الوافي بالوفيات 17/417، تاريخ الإسلام للذهبي 2/301، مشاهير علماء الأمصار ص15.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
8 تقدم تخريجه. راجع مسألة (1) .(2/667)
على حديث عبد الرحمن بن عوف1 وأبي سعيد الخدري2 (رضي الله عنهما) 3 وإذا سلم من ثنتين أو من4 ثلاث سجدهما
__________
1 روى أحمد في المسند عن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم ثنتين فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثاً فليجعلها ثنتين، وإذا لم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً فليجعلها ثلاثاً ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين". المسند 1/190.
ورواه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان 2/245 (398) . وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن شك في صلاته فرجع إلى اليقين 1/381، 382 (1209) ، والبيهقي في السنن الكبرى 2/332، والحاكم في المستدرك 1/324، 325، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي في التلخيص 1/325.
2 روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى؟ ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلي إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان". صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له 1/400 (88) .
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
(من) ساقطة من ع.(2/668)
بعد (التسليم) 1 وتشهد2 على حديث أبي هريرة وعمران بن حصين3 (رضي الله عنهما) 4 وإذا شك فكان ممن يرجع (إلى) 5 التحري سجدهما بعد التسليم على حديث ابن مسعود6 (رضي الله عنه) 7.
وكل سهو يدخل عليه يسجدهما قبل التسليم سوى ما روى عن
__________
(التسليم) إضافة من ع.
(وتشهد) ساقطة من ع.
3 تقدم تخريجهما. راجع مسألة (238، 239) .
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
5 في ظ (على) .
6 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم- قال: إبراهيم لا أدري زاد أو نقص- فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ قال وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم؟ فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنسي كما تنسون فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحرى الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين". صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان 1/74، صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له 1/400 (89) .
(رضي الله عنه) إضافة من ع.(2/669)
النبي صلى الله عليه (وسلم) 1.
قال إسحاق: كل ذلك كما قال. إلا قوله كل سهو (يدخل عليه) 2 يسجدهما قبل التسليم، إنما هذا إذا كان نقصان تكبير، أو تسبيح، أو ترك جلسة، أو ما أشبه ذلك3.
[311-] قلت: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها؟
قال: لا يقضي إلا ما فاته، الأحاديث كلها على غير ما قال أبو قتادة45.
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
2 في ظ (يدخله فانه) .
3 تقدم حكم هذه المسألة بالتفصيل. راجع مسألة (203) .
4 هو الحارث- أو النعمان- بن ربعي بن بلدهة السلمي أبو قتادة الأنصاري صحابي جليل. اختلف في شهوده بدراً، وشهد أحداً وما بعدها. وكان يقال له: فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد مع علي حروبه ثم ولاه على مكة ثم ولي المدينة لمعاوية- رضي الله عنهم أجمعين.
انظر ترجمته في: أسد الغابة 1/391، 6/250، تاريخ الإسلام للذهبي 2/264، طبقات ابن سعد 6/15، العبر 1/60.
5 المعنى: لا يلزمه إلا قضاء الصلاة الفائتة مرة واحدة، ولا يلزمه أعادتها مرة أخرى في وقت مماثلتها من الغد.
وحديث أبي قتادة المشار إليه رواه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله غداً، فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد، ثم ذكر الحديث في قصة نومهم عن الصلاة … قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثم قال: أما لكم فيَّ أسوة، ثم قال: أما أنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها، فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها" صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها 1/372، 373 (311) .
ورواه أبو داود والبيهقي بألفاظ أخرى وورد في آخره: "فمن أدرك منكم الغداة من غد صالحاً فليقض معها مثلها". سنن أبي داود كتاب الصلاة، باب من نام عن الصلاة أو نسيها 1/305، 306 (438) ، السنن الكبرى للبيهقي 2/217.
قال الخطابي: (هذه اللفظة وهي قوله: "ومن الغد للوقت" فلا أعلم أحداً من الفقهاء قال بها وجوباً، ويشبه أن يكون الأمر به استحباباً ليحرز فضيلة الوقت في القضاء) . معالم السنن 1/139.
وتعقبه ابن حجر بقوله: (لم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضاً، بل عدو الحديث غلطاً من رَاوِيهِ، وحكى ذلك الترمذي عن البخاري) . فتح الباري 2/71.
والبخاري- رحمه الله- عقد في صحيحه: باب من نسى صلاة فليصل إذا ذكرها، ولا يعيد إلا تلك الصلاة، في كتاب مواقيت الصلاة 1/102.
وعلق عليه علي بن المنير بقوله: (صرح البخاري بإثبات هذا الحكم، مع كونه مما اختلف فيه لقوة دليله، ولكنه على وفق القياس؛ إذ الواجب خمس صلوات لا أكثر، فمن قضى الفائتة كمل العدد المأمور به ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب لقول الشارع: "فليصلها" ولم يذكر زيادة. وقال أيضاً: "لا كفارة لها إلا ذلك". فاستفيد من هذا الحصر أنه لا يجب غير إعادتها.
وقال ابن حجر: ويحتمل أن يكون البخاري أشار بقوله: (ولا يعيد إلا تلك الصلاة) إلى تضعيف ما وقع في بعض طرق(2/670)
حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن الصلاة حيث قال: (فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها) ، فإن بعضهم زعم أن ظاهره إعادة المقضية مرتين عند ذكرها وعند حضور مثلها في الوقت الآتي، ولكن اللفظ المذكور ليس نصاً في ذلك؛ لأنه يحتمل أن يريد بقوله: (فليصلها) عند وقتها أي الصلاة التي تحضر لا أنه يريد أن يعيد التي صلاها بعد خروج وقتها.
وهذا المعنى هو الذي رجحه النووي في شرح. صحيح مسلم 5/187.
لكن في رواية أبي داود … في هذه القصة: (من أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحاً فليقض معها مثلها) فتح الباري 2/71. قال البيهقي: قال محمد بن إسماعيل البخاري: (لا يتابع في قوله من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها ولوقتها من الغد) ثم قال البيهقي: الذي يدل على ضعف هذه الكلمة، وأن الصحيح ما مضى من رواية سليمان بن المغيرة أن عمران بن حصين أحد الركب كما حدث عبد الله بن رباح عنه، وقد صرح في رواية هذا الحديث بأنه لا يجب مع القضاء غيره) السنن الكبرى 2/217.(2/671)
قال إسحاق: كما قال.
[312-] [ظ-13/ب] قلت: في أي الأسفار لا تقصر الصلاة؟ فإن ابن(2/672)
مسعود (رضي الله عنه) 1 قال: لا يقصر إلا حاج أو غازي2؟
قال: يقصر في كل سفر3، ويفطر في أربعة برد4.5 ويقصر في
__________
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
2 روى عبد الرزاق بسنده عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود قال: (لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد) . المصنف 2/521 , ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/446، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/427، وابن حزم في المحلى 4/483، والطبراني في معجمه الكبير 9/333 (9454) .
3 نقل عنه: (جواز القصر في كل سفر ليس بمعصية) . عبد الله في مسائله 117 (419، 420) ، وابن هانئ في مسائله 1/129 (627) ، وأبو داود في مسائله ص74. والمذهب متفق مع هذه الرواية، حيث يجوز القصر في السفر المباح، وعليه جماهير الأصحاب. وروي عن أحمد: اشتراط أن يكون مباحاً في غير نزهة ولا فرجة. اختاره أبو المعالي.
ونقل محمد بن العباس: يشترط أن يكون سفر طاعة. ولا يجوز القصر في سفر المعصية على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
واختار ابن تيمية: جواز القصر فيه، ورجحه ابن عقيل في بعض المواضع.
انظر: الإنصاف 2/314، 316، الفروع 1/515، 516، الاختيارات الفقهية ص72، الروض المربع 1/271، 272.
4 برد: جمع بريد وهو مسافة قدرها أربعة فراسخ وتساوي اثني عشر ميلا وهي 22179 متراً.
انظر: النهاية في غريب الحديث 1/116، معجم لغة الفقهاء ص107.
5 قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل في كم تقصر الصلاة؟ قال: في أربعة برد ستة عشر فرسخاً، قيل له: وأنا أسمع ويفطر فيه؟ قال: نعم) . المسائل ص74.
والصحيح من المذهب موافق لما أفتى به هنا من أن الذي يباح له الفطر هو الذي يباح له قصر الصلاة، وهو من كان سفره أربعة برد. وقال ابن تيمية: (يباح له الفطر ولو كان سفره قصيراً) .
انظر: الفروع 2/23، الإنصاف 3/287، كشاف القناع 1/596، 2/363.(2/673)
أربعة1 برد2.
__________
1 نقل عنه: (أن المسافر يقصر إذا كان سفره أربعة برد وهي ستة عشر فرسخاً) . عبد الله في مسائله ص117ـ119 (419، 420، 425، 428، 429) ، وصالح في مسائله 1/135، 2/468 (26، 1176) ، وابن هانئ في مسائله 1/81 (402، 404) ، وأبو داود في مسائله ص74.
والصحيح من المذهب وهو ما عليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم، موافق لهذه الرواية من أنه يشترط في جواز القصر للمسافر أن تكون مسافة السفر ستة عشر فرسخاً براً أو بحراً.
وروي عن أحمد: اشتراط أن تكون المسافة عشرين فرسخاً. واختار ابن تيمية: جواز القصر في مسافة فرسخ.
وقال ابن قدامة وابن تيمية: لا حجة للتحديد، بل الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه.
انظر: المغني 2/255، 257، 258، المبدع 2/107، 108، المذهب الأحمد ص23، الإنصاف 2/318.
2 في ع (ويقصر في أربعة برد ويفطر في أربعة برد) بالتقديم التأخير.(2/674)
قال إسحاق: كما قال1.
[313-] قلت2: في كم يقصر الصلاة؟
قال: في أربعة برد.
قيل: وإذا3 أربعة برد؟
قال: لا، إذا أراد أربعة برد.
قال: ويفطر في أربعة برد.
قال إسحاق: كما قال.
[314-] قلت: من أين4 يقصر الصلاة؟
قال: إذا فارق القرية قصر، ويقصر حتى يصير إليها5.
__________
1 انظر قول إسحاق: جواز القصر في كل سفر. في الأوسط خ ل ب 230، المغني 2/261.
وانظر: قوله: بأن المسافر يقصر ويفطر إذا كان سفره أربعة برد. في شرح السنة 4/173، معالم السنن 1/262، المجموع 4/215، الأوسط خ ل ب 231.
2 مسألة (312) ، ساقطة من ع.
3 طمس بالأصل بمقدار ثلاث كلمات ولعلها (أراد أقل من) فتكون العبارة (قيل وإذا أراد أقل من أربعة برد) .
4 في ع (متى) بدل (من أين) .
5 نقل عنه أن المسافر يقصر إذا جاوز بيوت القرية. عبد الله في مسائله ص117، 118 (420، 425) ، وصالح في مسائله 1/135 (27) ، وابن هانئ في مسائله 1/130 (631) ،
والمذهب متفق مع هذه الرواية من أن المسافر يبدأ بالقصر إذا فارق بيوت قريته العامرة وجعلها خلف ظهره، سواء كانت داخل السور أو خارجه. وقيل له: القصر إذا فارق سور بلده ولو لم يفارق البيوت، فإن ولي البيوت العامرة بيوت خربة، فالصحيح من المذهب أنه لا يشترط أن يفارق البيوت الخربة، بل له القصر إذا فارق البيوت العامرة. وفي وجه في المذهب يشترط أن يفارق البيوت العامرة والخربة. اختاره أبو يعلى.
انظر: الفروع 1/514، الإنصاف 2/320، 321، المبدع 2/108، كشاف القناع 1/598.(2/675)
قال إسحاق: كما قال1.
وكذلك إذا كانت القرية خارجاً2 من المصر، فإذا خرج من بيوت القرية وهو يريد المرور بمصره قصر (حين) 3 يجاوز البيوت، ثم إذا رجع قصر حتى ينتهي إلى بيوت قريته، وكذلك إن كان في صحراء أو في بطن واد فإنه حين يجاوز المظال4 يقصر حتى
__________
1 انظر قول إسحاق في: الإشراف خ ل ب 41، عمدة القاري 6/129، المغني 2/259، الأوسط خ ل ب 232.
2 في ع (خارجة) .
3 في ظ (حتى) .
4 المظال: جمع مظلة وهي بيوت الأخبية ولا تكون إلا من الثياب وهي كبيرة ذات رواق وربما كانت شقة أو شقتين وثلاثاً من الشعر.
انظر: القاموس المحيط 3/10، لسان العرب 11/418.(2/676)
قال إسحاق: كما قال1.
وكذلك إذا كانت القرية خارجاً2 من المصر، فإذا خرج من بيوت القرية وهو يريد المرور بمصره قصر (حين) 3 يجاوز البيوت، ثم إذا رجع قصر حتى ينتهي إلى بيوت قريته، وكذلك إن كان في صحراء أو في بطن واد فإنه حين يجاوز المظال4 يقصر حتى
__________
1 انظر قول إسحاق في: الإشراف خ ل ب 41، عمدة القاري 6/129، المغني 2/259، الأوسط خ ل ب 232.
2 في ع (خارجة) .
3 في ظ (حتى) .
4 المظال: جمع مظلة وهي بيوت الأخبية ولا تكون إلا من الثياب وهي كبيرة ذات رواق وربما كانت شقة أو شقتين وثلاثاً من الشعر.
انظر: القاموس المحيط 3/10، لسان العرب 11/418.(2/677)
على أربع1 أتم الصلاة2.
واحتج بحديث جابر (رضي الله3 عنه) قدم النبي صلى الله عليه (وسلم) 4 صبح رابعة5.
__________
1 أي أربعة أيام.
2 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص243 (903) ، وصالح في مسائله 1/138، 443 (29، 441) ، وابن هانئ في مسائله 1/81، 131 (403، 405، 641) .
والمذهب متفق مع هذه الرواية، فإذا نوى المسافر الإقامة ببلد زيادة على أربعة أيام أتم الصلاة، أي أكثر من عشرين صلاة فإن كانت أقل قصر. قال أبو يعلى: هذه أصح الروايتين. وقال ابن عقيل: هذه المذهب.
وروي عن أحمد: أن من نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإلا قصر، واختارها الخرقي وابن قدامة. وقال: هذا المشهور عن أحمد. وقال ابن رجب: هذا مذهب أحمد المشهور عنه، واختيار أصحابه.
وعنه: إن نوى الإقامة أكثر من تسع عشرة صلاة أتم وإلا قصر.
انظر: الروايتين والوجهين 1/178، الإنصاف 2/329، 330، الفروع 1/521، المغني 2/287، 288
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
4 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
5 روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: "أهللنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً وحده … فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة فأمرنا أن نحل..". صحيح مسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام 2/883 (141) .
ورواه أحمد في المسند بلفظ آخر عن جابر بن عبد الله قال: "قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صبح أربع مضين من ذي الحجة مهلين بالحج كلنا فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم فطفنا بالبيت وصلينا الركعتين، وسعينا بين الصفا والمروة، ثم أمرنا فقصرنا ثم قال: أحلوا قلنا: يا رسول الله حل ماذا؟ قال: حل ما يحل للحلال … حتى إذا كان يوم التروية وأرادوا التوجه إلى منى أهلوا بالحج …". المسند 3/366.(2/678)
قال: فما نعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) 1 أزمع المقام في شيء من سفره إلا في حجته2 هذه، فإنه أجمع أن يقيم إلى يوم التروية3. ثم خرج إلى منى4 يوم التروية فأنشأ
__________
1 في ظ (عليه السلام) .
2 لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا حجة واحدة، وكانت في السنة العاشرة من الهجرة، وكان يقول فيه: "خذوا عني مناسككم".
3 يوم التروية: هو يوم الثامن من ذي الحجة قبل يوم عرفة بيوم؛ وسمى بذلك لأن الحجاج يتروون فيه من الماء لما بعد من الأيام فهم ينهضون إلى منى ولا ماء بها فيتزودون ريهم من الماء في ذلك اليوم.
انظر: القاموس المحيط 4/337، لسان العرب 14/347.
4 منى: أحد مشاعر الحج وأقربها إلى مكة بينهما فرسخ، ويعادل 5544 متراً. تعمر أيام الموسم فيسكنها الحاج وغيره وتخلو بقية أيام السنة إلا ممن يحفظها، وفيها الجمرات الثلاث ومسجد الخيف، وغيرها من المعالم التاريخية والأثرية؛ سميت بذلك لما يمنى بها من الدماء أي يهراق.
وحدّها من مهبط العقبة إلى وادي محسر، وليس داخلاً فيها. وقد وضعت الحكومة السعودية- أيدها الله- علامات واضحة للعيان وعليها كتابة توضح حدودها من كل الجهات؛ وبذلك زال اللبس والأشكال عن عامة الناس.
انظر: معجم البلدان 5/198، معالم مكة التاريخية ص290(2/679)
السفر1.
وكذلك حديث ابن عمر (رضي الله عنهما) 2 حين كان يقيم بمكة فإذا خرج إلى منى قصر3.
وكذلك حديث أنس (رضي الله عنه) 4، حيث قال: أقام بمكة
__________
1 نقل عنه أن من قدم مكة حاجاً ثم خرج إلى منى منشئاً للسفر إلى أهله فإنه يقصر الصلاة دون أهل مكة ومن حولها فإنهم لا يقصرون. عبد الله في مسائله 210 (779ـ780) ، وصالح في مسائله 1/443 (441) ، وابن هانئ في مسائله 1/166، 167 (831ـ833) ، وأبو داود في مسائله ص132.
والصحيح من المذهب: أن أهل مكة ومن حولهم لا يقصرون الصلاة إذا خرجوا إلى منى حجاجاً، وعليه أكثر الأصحاب. وأختار أبو الخطاب وابن تيمية جواز القصر لهم.
انظر: المغني 3/409، والمبدع 3/231، الإنصاف 2/320.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
3 روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- (أنه كان يقيم بمكة فإذا خرج إلى منى قصر) . المصنف 2/451.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.(2/680)
عشراً.1
فصير2 أنس هذا كله إقامة صبح رابعة إلى آخر أيام التشريق3.
قال إسحاق: لا نعلم شيئاً مما وصف يؤكد قول من يقول: لا يقصر إذا سافر أكثر من مسيرة ثلاث؛ لأن إقامة النبي صلى الله عليه (وسلم) 4 كان قدر ما وصف، فلا5 بيان فيه أن لو كان
__________
1 روى مسلم والبخاري في صحيحيهما عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع. قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشراً".
صحيح مسلم، في كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها 1/841 (15) .
صحيح البخاري، في كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر 2/38.
2 في ظ (فصير) مكررة وفي ع (قصر) .
3 أيام التشريق: هي ثلاثة أيام تلي عيد النحر، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة؛ سميت بذلك لأن لحم الأضاحي يشرق فيها للشمس أي يقدد ويبسط في الشمس ليجف، وقيل: لأن الهدي والأضاحي لا تذبح حتى تشرق الشمس أي تطلع.
انظر: النهاية في غريب الحديث 2/264، مجمل اللغة 3/527، لسان العرب 10/176.
4 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
5 في ع (ولا) .(2/681)
أكثر كان يتم، ومقامه بتبوك1 وفتح مكة2 سبع3 عشرة ليلة، أو تسع عشرة4 ليلة5 يصلي ركعتين6 أبين من قدومه صبح
__________
1 تبوك: كانت منهلاً من أطراف الشام، وكانت من ديار قضاعة تحت سلطة الروم. وقد أصبحت اليوم من مدن المملكة العربية السعودية، شمال المدينة المنورة , وتبعد عنها حوالي 778 كم على طريق تمر بخبير وتيماء، انظر: معجم المعالم الجغرافية ص59.
2 فتح مكة: كان في السنة الثامنة من الهجرة ودخلها عليه الصلاة والسلام وعلى رأسه المغفر وقال: "أحلت لي ساعة من نهار ولم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي".
3 في ع (سبعة عشر) .
4 روي البخاري في صحيحه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين". صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح 5/123. وروى أحمد في المسند عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عام الفتح سبع عشرة يصلي ركعتين". المسند 1/315، ورواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر 2/25 (1232) ، وسندها جيد. انظر: الفتح الرباني 5/11. وعند أبي داود، قال ابن عباس: (ومن أقام سبع عشرة قصر ومن أقام أكثر أتم) . سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر 2/24 (1230) ، وقريباً منه عند ابن أبي شيبة في مصنفه 2/454.
(ليلة) ساقطة من ع.
6 انظر قول إسحاق: (أن من أجمع إقامة فوق تسعة عشر يوماً يتم الصلاة، ومن أقام دونها قصر) . في سنن الترمذي 2/433، المجموع 4/248، عمدة القاري 6/111.(2/682)
رابعة؛ لأن ابن عباس (رضي الله عنهما) 1 حين ذكر مقامه بتبوك وفتح مكة.
قال: فنحن فيما2 بيننا وبين سبع عشرة نقصر، فإذا زدنا أتممنا.3
(قيل لإسحاق: ما يقول؟
قال: فما أحسنه) 4.
[317-] قلت لإسحاق: معنى5 قوله: فإذا رجعت إلى أهل، أو
__________
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
2 في ع (ما) .
3 هذا اللفظ لم أعثر عليه ولعله أورده بالمعنى، وقريب منه: ما رواه الدارقطني في سننه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام سبع عشرة يقصر الصلاة قال ابن عباس: ونحن إذا سافرنا فأقمنا سبع عشرة قصرنا وإذا زدنا أتممنا". وفي رواية (ونحن نقصر سبع عشرة فإذا زدنا أتممنا) . سنن الدارقطني 1/388، ورواه البيهقي في سننه 3/150.
وعند أبي داود: (قال ابن عباس ومن أقام سبع عشرة قصر ومن أقام أكثر أتم) . سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر 2/24 (1230) ، وقريباً منه عند ابن أبي شيبة في مصنفه 2/454.
(قيل لإسحاق ما يقول؟ قال: فما أحسنه) إضافة من ع.
5 في ع (ومعنى) بإضافة الواو.(2/683)
ماشية فأتم1، لو أن رجلاً من أهل مرو2 كان مقيماً بنيسابور3، ثم خرج منها يريد بخارى4 فإذا قدم مرو يقصر أو
__________
1 روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (لا تقصر إلى عرفه وبطن نخلة واقصر إلى عسفان والطائف وجدة فإذا قدمت على أهل أو ماشية فأتم) . المصنف 2/445.
ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/524، والبيهقي في السنن الكبرى 3/156.
2 مرو: هي مر العظمى، وهي مرو الشاهجان، أشهر مدن خراسان وأقدمها وأكثرها خيراً وأحسنها منظراً، بناها ذو القرنين. وفي أهلها من الرفق ولين الجانب وحسن المعاشرة ما لا يوجد في غيرهم. وخرّجت من الأعيان وعلماء الدين ما لم تخرج مدينة مثلها كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسفيان الثوري وإسحاق بن منصور الكوسج وغيرهم.
انظر: معجم البلدان 5/112، آثار البلاد ص456، معجم ما استعجم 4/1216.
3 نيسابور: مدينة عظيمة من مدن خراسان، ذات فضائل جسيمة، وهي معدن الفضلاء ومنبع العلماء، كثيرة الفواكه والخيرات، بينها وبين الري مائة وستون فرسخاً. وفتحت أيام عثمان- رضي الله عنه- صلحاً سنة إحدى وثلاثين من الهجرة. وينسب إليها الإمام العلامة رضى الدين النيسابوري.
انظر: آثار البلاد ص473، مراصد الإطلاع 3/1411.
4 بخارى: هي من أعظم مدن ما رواء النهر وأجلها، كثيرة البساتين والفواكه في أرض مستوية واسعة الخضرة، بينها وبين مرو ثنتا عشرة مرحلة، وبينها وبين سمرقند سبعة وثلاثين فرسخاً، كانت مجمع الفقهاء، ومعدن الفضلاء، ومنشأ علوم النظر، وإليها ينسب إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل صاحب الصحيح.
انظر: معجم البلدان 1/353، مراصد الإطلاع 1/169، آثار البلاد ص509.(2/684)
يتم1 أو يصوم إذا كان ينوي مقام يوم [4-15/ب] أو يومين؟
قال: يقصر إلا أن يتوطنها2 أو يجمع على إقامة لحاجة3 لابد له منها؛ فحينئذٍ يأخذ بالثقة، ويتم أحبّ إليّ لما اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين في المكث في المصر4.5
فإذا زال اسم السفر عنه ونوى الإقامة لحاجة قل أم كثر؛ لأن الاحتياط له في المكتوبات الأخذ بالثقة، فأما لو6 أقام أياماً لما
__________
1 سياق الكلام يقتضي أن يكون هنا كلمة "يفطر" قبل (أو يصوم) .
2 يتوطنها: وطن بالمكان وأوطن أقام فيه واتخذه محلاً ومسكناً يقيم فيه.
انظر: القاموس المحيط 4/276، الصحاح 6/2215.
3 نقل النووي عن إسحاق أن المسافر يقصر أبداً حتى يدخل وطنه أو بلداً له فيه أهل أو مال. المجموع 4/248، وانظر: الأوسط خ ل أ 235.
4 في ع (المسجد) .
5 انظر أقوال العلماء في مدة الإقامة التي تلزم من أقامها إتمام الصلاة في: الأوسط خ ل أ 231- ل ب 234، المغني 2/288، 289، المجموع 4/248، 249.
6 في ع (إذا) .(2/685)
حبسه (الكري) 1،2 أو كان إبله يرعاها أو ما أشبهه، قصر ولو أقام أياماً.
[318-] قلت: متى يصلي المريض جالساً؟
قال: إذا كان3 قيامه يزيده وهنا4 ويشتد عليه (القيام) 5 ولا يخرج في حاجة من حوائج الدنيا6.
__________
1 الكري: على فعيل الذي يكري الجمال وهو مؤجرها.
انظر: مجمل اللغة 3/782، لسان العرب15/218.
(الكري) إضافة من ع.
(إذا كان) ساقطة من ع.
4 وهنا: الوهن الضعف، يقال وهن الإنسان يهن ووهنه غيره وهنا وأوهنه. والمعنى تزيده صلاته قائماً ضعفاً ومرضاً.
انظر: النهاية في غريب الحديث 5/234، مختار الصحاح ص738.
5 في ظ (المقام) .
6 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص106 (377) ، وابن هانئ في مسائله 1/74 (366) .
قال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالساً، وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به أو تباطؤ برئه أو يشق عليه مشقة شديدة فله أن يصلي قاعداً.
وقال ميمون بن مهران: (إذا لم يستطع أن يقوم لدنياه فليصل جالساً، وحكى عن أحمد نحو ذلك) . المغني 2/143، 144.
والصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية من أن المصلي إذا كان يلحقه بالقيام ضرر أو زيادة مرض أو تأخر برء فإنه يصلي قاعداً.
وروي عن أحمد: أنه لا يصلي قاعداً إلا إذا عجز عن القيام. وأسقط أبو يعلى القيام بضرر متوهم وأنه لو تحمل القيام حتى زاد مرضه أثم.
انظر: الفروع 1/506، 507، المحرر ومعه النكت والفوائد السنية 1/124، 125، الإنصاف 2/305.(2/686)
قال إسحاق: كما قال1.
[319-] قلت: إذا لم يستطع المريض أن يصلي جالساً كيف يصلي2؟
قال: على ما قدر وتيسر عليه3.
قال إسحاق: كما قال4.
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 235، المغني 2/144.
2 في ع (يصنع) .
3 أشار صاحب الفروع والإنصاف إلى هذه الرواية.
انظر: الفروع 1/507، الإنصاف 2/307.
وقال أبو داود: (قلت لأحمد: كيف يصلي المريض على جنبه أو رجليه إلى القبلة؟ قال: كل أرجو أن يجزئه) . المسائل ص51.
والصحيح من المذهب: أن المريض إذا شق عليه الصلاة قاعداً صلى على جنبه، وعليه أكثر الأصحاب. فإن صلى على ظهره ورجلاه إلى القبلة وهو يستطيع الصلاة على جنبه صحت صلاته على المذهب.
وروي عن أحمد: أنه لا تصح صلاته والحال هذه ومال إليه ابن قدامة.
وعنه: يخير في الهيئة التي يصلي عليها، وهي التي نقلها ابن منصور.
انظر: المغني 2/146، 147 المبدع 2/100، الإنصاف 2/306، كشاف القناع 1/588.
4 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 236.(2/687)
[320-] قلت: هل1 يسجد المريض على شيء يرفعه إلى جبهته؟
قال: أحبّ إلى أن لا يرفعه، وإن فعل فلا بأس به، ولا يرفعه أحب إلي2.
ثم قال: ويسجد على المرفقة3 أحبّ إليّ من أن يومئ برأسه4
__________
1 في ع (وهل) بإضافة الواو.
2 أشار أبو يعلى إلى هذه الرواية في الروايتين والوجهين 1/180.
والمذهب: أن المصلي إذا عجز عن الركوع والسجود يومئ بهما، ولو سجد قدر ما أمكنه على شيء رفعه إلى وجهه أجزأه مع الكراهة.
وروي عن أحمد: أنه يخير بينهما.
وعنه: لا يجزئه كالسجود على يديه.
انظر: الإنصاف 2/308، المغني 2/148.
3 المرفقة: المخدة: انظر: لسان العرب 10/119.
4 نقل عنه نحو هذه المسألة عبد الله في مسائله ص105 (375) ، وابن هانئ في مسائله 1/74 (367) .
والصحيح من المذهب: أنه لا بأس بسجود المريض على وساده ونحوها. روي عن أحمد: أنه اختار السجود على الوسادة وفضله على الإيماء. وعنه أنه قال: الإيماء أحبّ إليّ. انظر: الفروع 1/507، 508، الكافي1/269، الإنصاف 2/308، مطالب أولي النهى 1/707.(2/688)
حديث أم1 سلمة2 وابن عباس3 (رضي الله عنهم) 4.
__________
1 هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية بن المغيرة القرشية المخزومية، أسلمت قديماً وهاجرت إلى الحبشة، وبعد وفاة زوجها أبي سلمة بن عبد الأسود تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربع من الهجرة. وهي من فقهاء الصحابيات، ومن أجمل النساء وأشرفهن نسباً، وإشارتها على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أن يخرج على الناس فيحلق وينحر، تدل على وفور عقلها وصواب رأيها، توفيت سنة ثنتين وستين من الهجرة، وهي آخر أمهات المؤمنين موتاً.
انظر ترجمتها في: الإصابة 4/440، العبر 1/48، سير أعلام النبلاء 2/201، تهذيب التهذيب 12/455.
2 روى عبد الرزاق بسنده عن أم الحسن قالت: (رأيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسجد على مرفقة وهي قاعدة- أعني تصلى قاعدة-) . مصنف عبد الرزاق 2/477.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/272، والبيهقي في السنن الكبرى 2/307.
3 روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (يسجد المريض على المرفقة والثوب الطيب) . المصنف 1/272.
ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/478، وانظر: السنن الكبرى للبيهقي 2/307.
(رضي الله عنهم) . إضافة من ع.(2/689)
قال إسحاق: كما قال1.
[321-] [ظ-14/أ] قلت: المريض يجمع بين الصلاتين؟
قال: إي والله، إذا كان علة، وليس يجمع إلا بين الظهر والعصر2 والمغرب والعشاء3.
قال إسحاق: كما قال سواء.
__________
1 انظر قول إسحاق بتفصيل السجود على المخدة على الإيماء في: الأوسط خ ل ب 237، المغني 2/147.
2 في ع (العصر والظهر) بالتقديم والأخير.
3 قال صالح: (قوله: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً جميعاً وثمانياً جمعياً بالمدينة من غير خوف ولا مطر. قال: قد جاءت الأحاديث بتحديد المواقيت للظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأما المريض فأرجو. وقال- أي أحمد-: المريض يجمع بين الصلاتين. كان عطاء يرخص له أن يجمع) المسائل 2/159ـ162، 1/177 (728، 1598) .
والصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية، حيث يجوز الجمع للمريض إذا كان يلحق المريض بتركه ضعف ومشقة.
وروي عن أحمد: أنه لا يجوز الجمع للمريض.
وذهب الأصحاب إلى أنه إن جاز للمريض ترك القيام جاز له الجمع وإلا فلا.
انظر: الإنصاف 2/325، المغني 2/276، 277، الفروع 1/524، 525.(2/690)
[322-] قلت: المغمي1 عليه ما يقضي من الصلوات؟
قال: يقضي الصلوات2 كلها، نام النبي3 صلى4 الله عليه (وسلم) 5 عن الصلاة فقضاها.
وذكر حديث أبي مجلز عن عمران بن حصين وسمرة بن6
__________
1 المغمي عليه: غمي على المريض وأغمي عليه: غشى عليه، وعرض له ما أفقده الحس والإدراك، فيظن أنه مات ثم يفيق.
انظر: الصحاح 4/371، معجم لغة الفقهاء ص444.
(قال يقضي الصلوات) ساقطة من ع.
3 أشار المرداوي إلى هذه الرواية في الإنصاف 1/390. ونقل عنه أن المغمي عليه يقضي جميع الصلوات التي فاتته لإغمائه: عبد الله في مسائله 56 (196، 198) ، وصالح في مسائله 1/445، 446، 2/201ـ203، 3/28، 40، 188 (447، 772، 773، 1256، 1257، 1291، 1619) ، وأبو داود في مسائله ص49.
والصحيح من المذهب: متفق مع ما أفتى به هنا من أنه يجب على المغمي عليه قضاء الصلوات مطلقاً، وعليه جماهير الأصحاب. وقيل: لا يجب عليه قضاؤها كالمجنون، اختاره في الفائق.
انظر: المبدع 1/300، الكافي 1/119، الإنصاف 1/390.
4 تقدم تخريجه. راجع مسألة (302) .
5 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
6 هو سمرة بن جندب بن هلال بن جريج الفزاري، أبو سيلمان حليف الأنصار، صحابي جليل، شهد المشاهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عظيم الأمانة يحب الإسلام وأهله، شديداً على الخوارج، وقتل جماعة منهم، فكانوا يطعنون عليه وينالون منه. توفي سنة ثمان وخمسين من الهجرة.
انظر ترجمته في: أسد الغابة 2/454، مرآة الجنان 1/131، الجمع بين رجال الصحيحين 1/202، جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص259(2/691)
جندب1 وعمار بن ياسر2 (رضي الله عنهم) 3.
قال: إما أن يقضيها كلها، وإما أن لا يقضي شيئاً من الصلوات.
قال إسحاق: لا يقضي إلا صلاة يومه الذي أفاق فيه، وإن أفاق قبل طلوع الشمس قضى الفجر وإن لم يفق حتى انتصف النهار فإنه يقضي الفجر قط4.
__________
1 روى ابن أبي شيبة بسنده عن أبي مجلز. قال: (قيل لعمران بن حصين: إن سمرة بن جندب يقول في المغمى عليه: يقضي مع كل صلاة مثلها، فقال عمران: ليس كما يقال: يقضيهن جمعياً) . مصنف ابن أبي شيبة 2/269.
2 روى عبد الرزاق بسنده عن يزيد أن عمار بن ياسر (رمي فأغمى عليه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأفاق نصف الليل، فصلى الظهر، ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء) . مصنف عبد الرزاق 2/479، 480. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/268، 269، والبيهقي في السنن الكبرى 1/388، والدارقطني في سننه 2/81. وروى ابن المنذر بسنده (عن أم سعيد مولاة عمار، وكانت جارية عمار أنه غشي عليه ثلاثاً لا يصلي، ثم استفاق بعد ثلاث فقال: هل صليت؟ فقالوا: ما صليت منذ ثلاث، فقال: أعطوني وضوءاً فتوضأ، ثم صلى تلك الثلاث) . الأوسط خ ل أ 239.
(رضي الله عنهم) إضافة من ع.
4 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 239، اختلاف العلماء للمروزي ص 50.(2/692)
[323-] قلت: إذا صلى جالساً يركع جالساً، أو يقوم فيركع؟
قال: كلا الحديثين1 إن فعلهما فلا بأس به2.
قال إسحاق كما قال3.
__________
1 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما بسنديهما عن عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يصلي جالساً فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته نحواً من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم، ثم ركع ثم سجد، يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك".صحيح البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب إذا صلى قاعداً ثم صح، أو وجد خفة تمم ما بقي 2/43. صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز النافلة قائماً وقاعداً أو فعل بعض الركعة قائماً وبعضها قاعداً 1/505 (112) .
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً، فإذا صلى قائماً ركع قائماً وإذا صلى قاعداً ركع قاعداً". صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز النافلة قائماً وقاعداً 1/504 (106) .
2 قال ابن هانئ: "وسئل- أي أحمد- عن الرجل يصلي ثلاث ركعات ثم يجلس فيقرأ ثم يقوم فيركع؟ قال: إذا كان بقي عليه من ورده بقدر أربعين آية أو ما كان، فليقم فليقرا، ثم ليركع. وكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل". المسائل 1/107 (531) .
قال ابن قدامة في- ثنايا حديثه عمن يتطوع جالساً-: (وهو مخير في الركوع والسجود إن شاء من قيام وإن شاء من قعود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين) . المغني 2/143.
3 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/212.(2/693)
[324-] قلت لأحمد1: الرجل يصلي محتبياً2؟
قال: نعم، إذا كان تطوعاً3.
قال إسحاق: كما قال.
[325-] قلت: متى يؤمر [ع-16/أ] الصبي بالصلاة؟
قال: لسبع ويضرب عليها لعشر4.
__________
(لأحمد) ساقطة من ع.
2 محتبياً: الاحتباء: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعها به مع ظهره ويشده عليها، وقد يكون باليدين بحيث تكون ساقاه منصوبتين وبطنا قدميه موضوعين على الأرض ويداه موضوعتين على ساقية.
انظر: النهاية في غريب الحديث 1/335. تاج العروس 10، 81.
3 قال ابن هانئ: (وسئل- أي أحمد- عن رجل يصلي محتبياً أو متكئاً تطوعاً؟ قال: لا بأس به) . المسائل 1/107 (530) . وتقدم في مسألة (217، 221) أن المستحب للمصلي جالساً أن يتربع.
4 قال أبو داود: (قيل لأحمد بن حنبل: متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ قال: يضرب عليها إذا بلغ عشراً ويفرق بينهم في المضاجع، ويؤمر بالصلاة إذا بلغ سبع) . المسائل ص50.
قال ابن قدامة: (قال القاضي: يجب على ولي الصبي أن يعلمه الطهارة والصلاة إذا بلغ سبع سنين، ويأمره بها ويلزمه أن يؤد به عليها إذا بلغ عشر سنين) . ثم قال: وهذا التأديب المشروع في حق الصبي لتمرينه على الصلاة لكي يألفها ويعتادها ولا يتركها عند البلوغ، وليست واجبة عليه في ظاهر المذهب) .
ومن أصحابنا من قال: تجب عليه. المغني 1/615، 616، وانظر: الإنصاف 1/397، الفروع 1/200(2/694)
قال إسحاق: كما قال1.
[326-] قلت: سئل سفيان عن رجل وضع يديه على فخذيه في الركوع، أو وضع إحدى يديه على ركبتيه ولم يضع الأخرى؟
قال: يجزئه.
قال (الإمام) 2 أحمد: أرجو أن يجزئه3.4.
قال إسحاق: كما قال إذا كانت به علة.
[327-] قلت: سئل سفيان عن رجل ركع قبل الإمام؟
__________
(قال إسحاق كما قال) ساقطة من ع.
(الإمام) إضافة من ع.
3 قال ابن قدامة: (الواجب في الركوع الانحناء، بحيث يمكن المصلي مس ركبتيه بيديه ولا يلزمه وضعهما، وإنما ذلك مستحب، فإن كانتا عليلتين لا يمكنه وضعهما انحنى ولم يضعهما، وإن كانت إحداهما عليلة وضع الأخرى) . المغني 1/500، وتقدمت الإشارة إلى القدر المجزئ من الركوع. راجع مسألة (219) .
4 في ع إضافة (به) بعد كلمة (يجزئه) .(2/695)
قال1: ينبغي له أن يرفع رأسه ثم يركع.
قلت2 له: أيعيد؟
قال: ومن يسلم من هذا3؟
قال أحمد: نعم4.
قال إسحاق5: كما قال على6 السهو7.
[328-] قلت: قال سفيان في رجل نسي سجدة وهو ساجد؟
قال: يرفع رأسه وليسجد التي نسي، ولا يعتد بالسجدة التي كان (يسجدها) 8 فإن ذكرها وهو راكع لم يفرغ من الركوع فليسجد (ولا يعتد بتلك)
__________
1 في ع (فقال) بإضافة الفاء.
2 في ع (قيل) بدل (قلت له) .
3 انظر نص قول سفيان في: الأوسط خ ل أ 207.
4 تقدم حكم هذه المسألة. راجع مسألة (255) .
5 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (255) .
6 في ع إضافة (في) بعد (على) .
7 أي في حالة ما إذا كان المأموم ساهياً لا متعمداً، وظاهره أن المأموم إذا تعمد ذلك بطلت صلاته.
8 في ظ (سجدها) .
(ولا يعتد بتلك) إضافة من ع.(2/696)
(الركعة) 1 فإن ذكرها وهو يقرأ فليسجد، ولا يعتد بالقراءة التي قرأ؛ لأنه إنما هو2 شيء لم يفرغ منه بعد.
قال أحمد: كل ركعة لا يأتي فيها بسجدتين حتى يأخذ في عمل (الأخرى) 3 لم تجزه تلك الركعة؛ لأن الفرض عليه في كل ركعة سجدتان، فإذا ذكر سجدة وهو ساجد من ركعة متقدمة لم يعتد بالركعة المتقدمة واعتد بهذه4 السجدة وركعتها.
قال إسحاق: أجاد كما قال5.
[329-] قلت لأحمد6: قال سفيان7: السهو إذا قمت فيما لا ينبغي لك أن تقوم، أو قعدت فيما لا ينبغي لك أن تقعد، أو سلمت ناسياً، أو جهرت فيما لا ينبغي لك8 أن تجهر
__________
1 في ظ (بالرجعة) .
(هو) ساقطة من ع.
3 في ظ (آخر) .
4 في ع (بها) .
5 تقدم قولهما. راجع مسألة (237) .
(لأحمد) ساقطة من ع.
7 في ع إضافة (في) بعد كلمة (سفيان) .
(لك) ساقطة من ع.(2/697)
فيه1، أو خافت فيما لا ينبغي لك أن تخافت ناسياً فعليك سجدتا السهو، والسهو في المكتوبة والتطوع سواءً.2
قال (الإمام) 3 أحمد (رحمه الله تعالى) 4: كله جيد5 إلا جهره
__________
(فيه) ساقطة من ع.
2 روى عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري قال: (إذا قمت فيما يجلس فيه، أو جلست فيما يقام فيه، أو جهرت فيما يخافت فيه، أو خافت فيما يجهر فيه ناسياً سجدت سجدتي السهو، فإن تعمدت الجهر فيما يخافت فيه، أو عمدت شيئاً من ذلك لم تسجد سجدتي السهو) . المصنف 2/313 (3495) ، وانظر: الأوسط 1/299، 303، المغني 2/23، المجموع 4/57.
(الإمام) إضافة من ع.
(رحمه الله تعالى) إضافة من ع.
5 نقل عبد الله عن الإمام أحمد: (أن من سها في صلاته فقام فيما لا ينبغي له أن يقوم فإنه يسجد سجدتي السهو) . المسائل 86ـ88 (305ـ309، 310، 313) ، وانظر: مسائل ابن هانئ 1/76 (375) ، ومسائل أبي داود ص55.
قال الخرقي: (ما عدا هذا من السهو فسجوده قبل السلام مثل … أو قام في موضع جلوس أو جلس في موضع قيام) .
قال ابن قدامة: (أكثر أهل العلم يرون أن هذا يسجد له) . المغني 2/20، 23.
وقال ابن قدامة أيضاً: (لا يشرع- أي سجود السهو- في العمد ويشرع للسهو في زيادة ونقص … فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت الصلاة، وإن كان سهواً سجد له.. وإن نسي التشهد الأول ونهض.. عليه السجود لذلك) . المقنع 1/169، 170، 177.
أما السلام ناسياً: فقال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن إمام صلى ركعتين ثم سلم وظن أنها أربع ثم علم فصلى ركعتين، أيسجد أيضاً؟ قال: نعم) . المسائل ص54.
ولا خلاف في المذهب: أن من سلم ناسياً فإنه يتم صلاته ويسجد سجدتي السهو.
انظر: الإنصاف 2/132، كشاف القناع 1/467، 468.
وأما الجهر بالقراءة أو إخفائها، فتقدم الكلام عليها. راجع مسألة (202) .(2/698)
بالقرآن1 أو (إخفائه) 2 فيما لا ينبغي (له) 3 أن يجهر، إن سجد فلا بأس وإن لم يسجد فليس عليه.
[330-] قلت: قال: فإن4 سهوت في صلاة واحدة عشرين مرة يكفيك سجدتا السهو5؟
قال أحمد: جيد6.
__________
1 في ع (بالقراءة) .
(إخفائه) إضافة من ع.
(له) إضافة.
4 في ع (وإن) .
5 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/318، المغني 2/39.
6 أشار أبو يعلى إلى هذه الرواية في الروايتين والوجهين 1/146.
وقال صالح: (قلت: رجل سبقه الإمام ببعض، وقد سها الإمام فيما سبقه أو فيما أدرك فلم يسجد مع الإمام، قام ليقضى، فسها هو في القضاء، هل تجزئه سجدتان لسهوه وسهو الإمام؟ قال:- أي أحمد- تجزئه سجدتان لسهوه وسهو الإمام، وقد كان ينبغي له أن يتبع الإمام سهوه) . المسائل 2/240 (830) .
ولا خلاف في المذهب: أن من سها مراراً كفاه سجدتان، إلا أن يختلف محل السجدتين باختلاف سببهما ففيه وجهان: أحدهما- وهو المذهب-: أنه يكيفه سجدتان، اختاره ابن قدامة، ومال إليه المجد بن تيمية. والوجه الثاني: لكل سهو سجدتان، اختاره أبو بكر من الأصحاب.
انظر: الفروع 1/393، المبدع 1/528، 529، الإنصاف 2/157، مطالب أولي النهى 1/534.(2/699)
قال إسحاق: كما قال سفيان.
[331-] قلت: سئل سفيان عن رجل ركع أربع ركعات وسجد [ع-16/ب] في كل ركعة سجدة سجدة، فذكر وهو جالس في الرابعة؟
قال: يسجد الأول فالأول1 وهو جالس، وإن كان قد تشهد يعيد2 التشهد، ثم يسجد3 سجدتي السهو بعد ما يسلم4، وإن كان (قد) 5 تكلم قبل أن يسجد أعاد6.
__________
1 في ع (الأول) بحذف الفاء.
2 في ع (يُعِدْ) .
3 في ع (سجد) . بحذف الياء.
4 في ع (سلم) بحذف الياء.
(قد) إضافة من ع.
6 روى عبد الرزاق في مصنفه (عن الثوري في رجل جلس في الركعة الرابعة؛ ثم ذكر أنه نسي من كل ركعة سجدة قال: يسجد أربعاً متواليات ثم يتشهد، ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو) . المصنف 2/321.
وانظر: الأوسط 3/296، المجموع 4/50، المغني 2/37.(2/700)
قال (الإمام) 1 أحمد (رحمه الله تعالى) 2: يستأنف أربع ركعات كأنه لم يصل3.
قال إسحاق: كما قال أحمد4 (رحمهما الله تعالى) 5.
[332-] قلت: سئل سفيان عن رجل قرأ فسجد ولم يركع، ثم قام فقرأ
__________
(الإمام) إضافة من ع.
(رحمه الله تعالى) إضافة من ع.
3 المذهب: أن من نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة فتصح له ركعة، ثم يأتي بثلاث ركعات، ويسجد للسهو. وهذا ما عليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنها تبطل صلاته ويبتدئ الصلاة من أولها.
وعنه: يبنى على تكبيرة الإحرام.
وعنه: يصح له ركعتان.
انظر: المغني 2/36، 37، الإنصاف 2/142، 143، الفروع 1/388، الروايتين والوجهين 1/145، 146، وراجع مسألة (237) .
4 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (237) .
(رحمهما الله تعالى) إضافة من ع.(2/701)
وركع فذكر في الثانية أنه لم يركع في الأولى؟
قال: لا1 يحتسب بالأولى ويسجد سجدتي السهو2.
قال أحمد: (جيد) 3 هذا صحيح4.
(قال إسحاق: كما5 قال) 6.
[333-] قلت لأحمد7: سئل سفيان عن رجل قرأ فركع، ثم رفع رأسه فقرأ وركع، ثم ذكر في الثانية؟
__________
(لا) ساقطة من ع.
2 انظر: مصنف عبد الرزاق 2/320.
(جيد) إضافة من ع.
4 قال ابن قدامة: (من ترك ركناً إما سجدة أو ركوعاً ساهياً، ثم ذكر بعد الشروع في قراءة الركعة التي تليها، بطلت الركعة التي ترك الركن منها، وصارت التي شرع في قراءتها مكانها، نص على هذا أحمد في رواية الجماعة) . المغني 2/27.
وما ذكره ابن قدامة موافق لهذه الرواية وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. وروي عن أحمد: أن من ترك ركناً ناسياً فذكره حين شرع في ركن آخر بطلت الركعة. انظر: الإنصاف 139، الفروع 1/387.
5 انظر قول إسحاق في: المغني 2/27.
(قال إسحاق كما قال) إضافة من ع.
(لأحمد) ساقطة من ع.(2/702)
قال: يجعل هذه الآخرة الأولى، ولا يحتسب بالأولى، ويسجد1 سجدتي السهو.
قال أحمد: [ظ-14/ب] جيد.
قال إسحاق: كما قال2.
[334-] قلت: سئل سفيان عن رجل أدرك إحدى سجدتي السهو أيضيف إليها أخرى إذا سلم؟
قال: لا.
قال (الإمام) 3 أحمد: بلى يقضي السجدة، ثم يقوم فيقضي ما فاته4.
قال إسحاق: كما قال. ويقضي السجدة الثانية إذا كان قد سجد
__________
(ويسجد) ميكررة في ع.
2 حكم هذه المسألة كسابقتها.
(الإمام) إضافة من ع.
4 المذهب متفق مع ما أفتى به هنا من: أن المأموم إذا أدرك الإمام في إحدى سجدتي السهو سجد معه، فإذا سلم الإمام أتي المأموم بالسجدة الثانية. ثم قام ليقضي صلاته. وقيل: لا يأتي بالسجدة الأخرى، بل يقوم بعد سلام إمامه ليقضي صلاته، ثم يسجد سجدتي السهو.
انظر: الفروع 1/392، 393، الإنصاف 2/153. كشاف القناع 1/477، 478.(2/703)
معه واحدة وتجزئه، والذي نختار أن لا يسجد حتى يقضي فريضته1 ثم يسجد2.
[335-] قلت: سئل سفيان عن الصبي إذا أمّ قبل أن يحتلم؟
قال: أحبّ إلي أن يعيدوا3.
وقال أحمد: دعها4
قال إسحاق: كلما أمّ4 بعد عشر سنين فإنه5 جائز.
[336-] قلت: قال سفيان سألوني عن مُقْعدَ مات أبوه أيصلي عليه؟ فنهيتهم؛ قلت6: لا يؤمهم في الصلاة ولا على الجنائز إلا قائماً، بالسنة7 قائم8.
__________
1 في ع (فرضه) .
2 اختيار إسحاق تقدم. راجع مسألة (244) .
3 انظر قول سفيان بكراهة إمامة من لم يحتلم في: الأوسط خ ل ب 200، شرح السنة 3/401، المغني 2/228. المجموع 4/149، معالم السنن 1/169.
4 نقدم قولهما. راجع مسألة (250) .
5 في ع (فهو) .
6 القائل سفيان الثوري- رحمه الله تعالى-.
7 في ع (السنة) بحذف الباء.
8 هذا إذا لم يكن إماماً راتباً، فإن كان راتباً وصلى جالساً لمرضه صلى من خلفه قياماً، فإن صلوا جلوساً لم تصح صلاتهم. انظر: الأوسط خ ل ب 209، سنن الترمذي 2/196، معالم السنن 1/173، المجموع 4/164.(2/704)
قال (الإمام) 1 أحمد (رحمه الله تعالى) 2: لا يؤم المقعد إلا أن يكون رجل يؤمهم ثم مرض أياماً3 كما فعل جابر4
__________
(الإمام) إضافة من ع.
(رحمه الله تعالى) إضافة من ع.
3 قال ابن هانئ: (سألت أبا عبد الله عن الإمام إذا صلى جالساً يصلي من خلفه جلوساً؟ قال: إذا كان إمام جماعة أو إمام حي، فإذا صلى جالساً صلوا هم جلوساً) . المسائل 1/45 (216) .
والمذهب وما عليه جماهير الأصحاب: موافق لهذه الرواية، حيث لا تصح الصلاة خلف إمام عاجز عن القيام، فإن كان إماماً راتباً ويرجى زوال عجزه بشفائه من مرضه. فالصحيح من المذهب- كما في هذه الرواية-: صحة إمامته، وعليه أكثر الأصحاب. وقال القاضي: لا تصح. ومنع ابن عقيل الإمامة جالساً مطلقاً.
فعلى القول بصحة إمامته فإن المأمومين يصلون خلفه جلوساً. هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يصلون خلفه قياماً.
انظر: المغني 2/220، 223، الإنصاف 2/260، 261، المحرر في الفقه 1/105، شرح العمدة ص96.
4 روى ابن أبي شيبة بسنده عن أبي الزبير (أن جابراً اشتكى عندهم بمكة، فلما أن تماثل خرج وأنهم خرجوا معه يتبعونه، حتى إذا بلغوا بعض الطريق حضرت صلاة من الصلوات فصلى بهم جالساً وصلوا معه جلوساً) . مصنف ابن أبي شيبة 2/326.(2/705)
وأسيد1 بن حضير2 (رضي الله عنهما) 3.
قال إسحاق: كما قال السنة اتباعهم4.
[337-] قلت: سئل سفيان عن رجلين صليا جميعاً ائتم كل واحد منهما
__________
1 هو: أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأشهلي أبو يحيى الأنصاري، صحابي جليل، كان أحد النقباء ليلة العقبة، وتخلف عن شهود بدر؛ لأنه قال: ظننت أنها العير ولو ظننت أنه غزو ما تخلفت، وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن ومن العقلاء ذوي الرأي، شريفاً في قومه. قال صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل أسيد بن حضير". توفي سنة عشرين من الهجرة.
انظر ترجمته في: الإصابة 1/64، تهذيب الكمال 3/246، طبقات ابن سعد 3/603، تهذيب تاريخ ابن عساكر 3/50.
2 روى ابن أبي شيبة بسنده عن عبد الله بن هبيرة (أن أسيد بن حضير كان يؤم بني عبد الأشهل وأنه اشتكى فخرج إليهم بعد شكواه فقالوا له: تقدم، قال: لا أستطيع أن أصلي قالوا: لا يؤمنا أحد غيرك مادمت. فقال: اجلسوا فصلى بهم جلوساً) . مصنف ابن أبي شيبة 2/326، 327. رواه عبد الرزاق في مصنفه مختصراً 2/462.
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
4 انظر قول إسحاق: أن الإمام إذا صلى جالساً صلى من خلفه جلوساً في: سنن الترمذي 2/196، شرح السنة 3/422، الأوسط خ ل أ 209، المغني 2/220، معالم السنن 1/173، المحلى 3/102.(2/706)
بصاحبه؟
قال: يعيدان جميعاً.
قال: أحمد يعيدان جمعياً1.
قال إسحاق: كما قال.
__________
[338-] قلت: قال سفيان: لو أن رجلاً ائتم برجل ولم ينو ذلك الرجل أن يكون إمامه:
قال: تجزئ الإمام صلاته ويعيد هو2.
قال (الإمام) 3 أحمد (رحمه الله تعالى) 4:كما قال5.
1 الصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية، فإذا صلى رجلان ينوي كل واحد منهما أنه إمام صاحبه، أو مأموم له فصلاتهما فاسدة. وقيل: تصح صلاتهما على أنهما فرادى لا جماعة.
انظر: المبدع 1/419، الكافي 1/229، الإنصاف 2/28.
2 انظر قول سفيان في: الأوسط خ ل أ 210، المغني 2/232، المجموع 4/100، حلية العلماء 1/157.
(الإمام) إضافة من ع.
(رحمه الله تعالى) إضافة من ع.
5 الصحيح من المذهب وما عليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم: موافق لهذه الرواية، حيث إن من شرط صحة الجماعة أن ينوي الإمام الإمامة.
وروي عن أحمد: أنه لا يشترط نية الإمامة في الإمام إلا في الجمعة فقط.
وعنه: يشترط أن ينوي الإمام حاله في الفرض دون النفل.
انظر: المغني 2/231، الفروع 1/292، الإنصاف 2/27، 28، كشاف القناع 1/371.(2/707)
قال إسحاق: كلما لم ينو الإمامة واقتدى الآخر به لم يجزئه إلا أن يكون قد قرأ1.
[339-] قلت: سئل2 سفيان عن رجلين نسيا الظهر من3 يوم واحد؟
قال: يصليان جميعاً، فإن كان نسي هذا الظهر أمس وهذا الظهر أول من أمس لا يجمعان، يصلي4 كل رجل منهما وحده.
قال (الإمام) 5 أحمد: (رحمه الله تعالى) 6: يجمعان جميعاً من يوم واحد7 أو أيام متفرقة8.
__________
1 انظر: قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 210، المجموع 4/100.
2 في ع (قال) .
3 في ع (في) .
4 في ع (ويصلي) بزيادة واو.
(الإمام) إضافة من ع.
(رحمه الله تعالى) إضافة من ع.
7 لا خلاف في صحة ائتمام من يقضي فرضاً بمن يقضي نفس الفرض، بل تستحب له الجماعة لفعله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق. انظر: الإنصاف 2/276، 1/614.
8 المذهب وما عليه أكثر الأصحاب موافق لما أفتى به هنا من أنه يصح ائتمام قاضي ظهر يوم بقاضي ظهر يوم آخر. اختاره الخرقي وابن عبدوس وغيرهما.
وروي عن أحمد: أنه لا تصح صلاته لعدم صحة ائتمامه به.
انظر: الفروع 1/456، المبدع 2/79، المذهب الأحمد 21، كشاف القناع 1/570.(2/708)
قال إسحاق: كما قال أحمد1 سواء.
[340-] قلت: قال سفيان: لو أن رجلاً نسي الظهر فرأى قوماً يصلون الظهر من الغد2 فذكر ما نسي.
قال: لا يدخل معهم يصليها وحده، وكان يقول3: لا تكون صلاة واحدة لشتى.
قال (الإمام) 4 أحمد (رضي الله عنه) 5: يصلي معهم6.
__________
(أحمد) ساقطة من ع.
2 في ع (من الغد الظهر) بالتقديم والتأخير.
3 في ع (يقال) .
(الإمام) إضافة من ع.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
6 الحكم في هذه المسألة كسابقتها خلافاً ومذهباً، على الصحيح من المذهب. ونقل بعض الأصحاب صحة الائتمام في هذه الحالة وجهاً واحداً.
انظر: الشرح الكبير 2/59، الإنصاف 2/276، مطالب أولي النهى 1/680.(2/709)
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[341-] قلت: سئل سفيان عن (الرجل) 2 يدرك الإمام وهو راكع فيرفع الإمام رأسه قبل أن يستمكن من الركوع؟
قال: كان ابن أبي3 ليلى يقول: هو بمنزلة4 الناعس5.
قال سفيان: وأرى أن يستقبل6.7
__________
(أحمد) ساقطة من ع.
2 في ظ (رجل) بإسقاط (ال) .
3 هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن الكوفي (74ـ148هـ) . كان من كبار الفقهاء عالماً بالقرآن صاحب سنة، ولي القضاء بالكوفة في خلافة بني أمية، ثم خلافة بني العباس، له أخبار ومناظرات مع أبي حنيفة. قال أحمد بن يونس: كان أفقه أهل الدنيا.
انظر ترجمته في: طبقات الفقهاء للشيرازي ص84، طبقات المفسرين للداودي 1/275، الكامل في التاريخ 5/249. الفهرست لابن النديم ص256.
4 روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن أبي ليلى- رحمه الله- قال: (إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه اتبع الإمام، وكان بمنزلة النائم) . المصنف 2/279.
5 الناعس: هو الذي رهقه ثقل وفتور في الحواس قطعه عن معرفة الأحوال الباطنة. والنعاس: السنة ومقاربة النوم.
انظر: غريب الحديث للخطابي 1/178، الصحاح3/983.
6 يستقبل: أي يستأنف صلاته من جديد.
7 انظر: قول سفيان أن من كبر قبل رفع الإمام رأسه من الركوع فقد أدرك الركعة في: الأوسط خ ل ب 207. المحلى 3/318.(2/710)
قال: (الإمام) 1 أحمد: كما قال سفيان2.
قال إسحاق: كما قالا3.
__________
(الإمام) إضافة من ع.
2 قال عبد الله: (قرأت على أبي من كبر مع الإمام بعد أن يركع الإمام، فرفع رأسه من الركوع قبل الدخول معه؟ قال: لا يعتد بتلك الركعة، يعيدها) . المسائل ص114 (410) .
وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عمن أدرك الإمام راكعاً، فكبر ثم ركع فرفع الإمام؟ قال إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك) . المسائل ص35.
والمذهب: أن من أدرك الركوع مع الإمام أدرك الركعة، سواءً أدرك معه الطمأنينة أو لا. إذا اطمأن المأموم، وهذا ما عليه جماهير الأصحاب. وقيل: يدرك الركعة إن أدرك الطمأنينة مع الإمام.
فإن شك هل أدرك الإمام راكعاً أو لا؟.
فالصحيح من المذهب: أنه لا يعتبر مدركاً للركعة، وعليه أن يأتي بها بعد سلام الإمام.
وذكر في التلخيص وجهاً: أنه يدركها؛ لأن الأصل بقاء ركوعه.
انظر: المغني 1/504، الفروع 1/453، الإنصاف 2/223، 224، الروض المربع 1/239.
3 انظر قول إسحاق: أن من أدرك الإمام راكعاً فقد أدرك الركعة في: الأوسط خ ل ب 207.(2/711)
[342-] قلت1: قال سفيان تجزئه تكبيرة إذا نوى2 بها افتتاح الصلاة3.
قال (الإمام) 4 أحمد: إي والله تجزئه إذا نوى كقول5 ابن عمر وزيد6 (رضي الله عنهما) 7.
قال إسحاق: كما قال8.
[343-] [ع-17/أ] قلت: قال سفيان: لو أن أنساناً سلم على إنسان وهو في الصلاة فرد عليه استقبل الصلاة9.
__________
1 هذه المسألة في ع مقدمة على مسألة (341) .
(نوى) ساقطة من ع.
3 انظر قول سفيان في: الأوسط 3/80، المغني 1/505.
(الإمام) إضافة من ع.
(كقول) ساقطة من ع.
6 تقدم قولهما. راجع مسألة (188) .
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
8 تقدم قول أحمد وإسحاق. راجع مسألة (188، 189) .
9 روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا وكيع قال: (سمعت سفيان يقول: لا يرد السلام حتى يصلي فإن كان قريباً رد عليه وإن كان بعيداً اتبعه السلام) . المصنف 2/75. وانظر: الأوسط 3/253، معالم السنن 1/219، شرح السنة 3/237، المجموع 4/38(2/712)
قال أحمد: نعم1.
قال إسحاق: كما قال2.
[344-] قلت: سئل سفيان عن رجل أقام الصلاة فكبر وحده، ثم جاء آخر فقام إلى جنبه فدخل معه في الصلاة فأحدث الإمام، ولم يقدم هذا ولم يغمزه فانصرف فتوضأ، ثم جاء ولم يركع الآخر؟
قال: كان ينبغي له أن يأخذ بيده فيقدمه، فإن لم يفعل فيؤمه الآخر3.
__________
1 قال ابن هانئ: (سئل- أي أحمد- عن الرجل يسلم عليه وهو يصلي هل يرد؟ قال: لا يرد إلا أن تكون تطوعاً. فيشير بيده ولا يتكلم بلسانه) . المسائل 1/44 (211) .
وقال أبو داود: (قلت لأحمد يسلم عليّ وأنا أصلي؟ قال: إن شاء أشار، وأما بالكلام فلا يرد) . المسائل ص37.
قال ابن قدامة: (إذا سلم على المصلي لم يكن له رد السلام بالكلام، فإن فعل بطلت صلاته) المغني 2/60.
وهذا لا خلاف فيه في المذهب؛ لأنه كلام في صلب الصلاة وليس لمصلحتها.
انظر: الإنصاف 2/134، الفروع 1/367.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط 3/252، المغني 2/60، المجموع 4/38.
3 أي الذي لم يحدث. وتقدم قوله: أن من انتقض وضوؤه بالبول والريح والضحك فإنه يستقبل الصلاة. راجع مسألة (89) .(2/713)
قال (الإمام) 1 أحمد (رضي الله عنه) 2 الذي3 أحدث يستقبل الصلاة4 والذي كان خلفه يبني5.
قال إسحاق: كلاهما صلاتهما جائزة6.
[345-] قلت: سئل سفيان7 عن إمام أحدث فقدم
__________
(الإمام) إضافة من ع.
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
(الذي) مكررة في ع.
4 أشار صاحب الفروع 1/295، والإنصاف 2/33 إلى هذه الرواية، وقد تقدم قول أحمد أن من انتقض وضوؤه فإنه يستقبل الصلاة- أي يبتدئ بها من أولها-. راجع مسألة (89) .
5 نقل عنه أن المأموم يبني على صلاته إذا أحدث الإمام عبد الله في مسائله ص110، 111 (395ـ398) ، وابن هانئ في مسائله 1/48 (228) . الصحيح من المذهب، أن صلاة المأموم تبطل ببطلان صلاة إمامه، فيستقبل الصلاة حينئذٍ.
وروي عن أحمد: أنه لا تبطل صلاته ويبنى على ما تقدم منها. اختاره ابن قدامة وابن تميم وغيرهما.
انظر: المغني 2/101، 102، الإنصاف 2/30ـ33. المحرر ومعه النكت والفوائد السنية 1/97ـ100.
6 نقل المروزي عن إسحاق أن المحدث يبني على صلاته بعدما يتطهر. اختلاف العلماء ص47. فمن باب أولى المأموم الذي لم يحدث.
(سفيان) ساقطة من ع.(2/714)
رجلاً1 ولم يدخل معهم في صلاتهم جاء تلك الساعة؟
قال: أرى أن يستقبلوا.
قيل له: فإن جاء فكبر خلف الإمام قبل أن يحدث2 أو بعدما أحدث؟ قال: بعد ما أحدث لا شيء [ظ-15/أ] .
قال (الإمام) 3 أحمد: إذا قدم رجلاً قبل أن يحدث أو بعد ما أحدث أو لم يقدم فتقدم رجل4 فصلى بهم فصلاتهم تامة5
__________
(رجلا) ساقطة من ع.
2 روى عن عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري في رجل أمّ قوماً فصلى بهم ركعة أو ركعتين ثم أحدث فقدم رجلاً لم يدرك أول الصلاة؟ قال يصلي: بهم الذي قدم صلاة الإمام، ثم ينكص قاعداً ويقدم رجلاً زحفاً، فيسلم بهم ويقوم هو فيتم. المصنف 2/356.
ونقل عنه: جواز الاستخلاف. المروزي في اختلاف العلماء ص62، 63، وابن قدامة في المغني 2/102.
(الإمام) إضافة من ع.
4 في ع (رجلا) .
5 قال ابن قدامة: (إذا سبق الإمام الحدث فله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة، وحكي عن أحمد رواية أخرى: أن صلاة المأمومين تبطل؛ لأن أحمد قال كنت أذهب إلى جواز الاستخلاف وجبنت عنه) . وقال أبو بكر: (تبطل صلاتهم رواية واحدة؛ لأنه فقد شرط صحة الصلاة في حق الإمام، فبطلت صلاة المأموم، كما لو تعمد الحدث) .
ولنا أن عمر- رضي الله عنه- لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة، وكان ذلك بمحضر الصحابة وغيرهم، فلم ينكره منكر، فكان إجماعاً.. إذا ثبت هذا فإن للإمام أن يستخلف من يتم بهم الصلاة كما فعل عمر- رضي الله عنه-، وإن لم يستخلف فقدم المأمومون منهم رجلاً فأتهم بهم الصلاة جاز) . المغني 2/102.
والصحيح من المذهب- وهو ما عليه جمهور الأصحاب-: موافق لهذه الرواية من أنه يحق للإمام أن يستخلف إذا سبقه الحدث.
وروي عن أحمد: أنه لا يصح الاستخلاف.
انظر: الفروع 1/295، 296، المبدع 1/422، 423، كشاف القناع 1/374، 375.(2/715)
ويستقبل الذي أحدث.
قال إسحاق: كلهم جائز1.
[346-] قلت: قال سفيان في إمام أحدث وهو ساجد، قال: يرفع رأسه من السجود2، ثم يستأخر ويقدم رجلاً يسجد بهم، ولا يعتد بالسجدة التي أحدث فيها قبل أن يرفع رأسه.
قال أحمد: يقدم رجلاً ويأتمون3 به في بقية صلاتهم.
__________
1 في ع (جائزة) .
2 في ع (السجدة) .
(يأتمون) بإسقاط الواو.(2/716)
قال إسحاق: جائز1.
[347-] قلت: سئل سفيان عن رجل أمّ قوماً فضحك في آخر صلاته بعد ما تشهد؟
قال: تجزئه2 ويتوضأ لما يستقبل3.
قال (الإمام) 4 أحمد: الإمام يستقبل صلاته ومن خلفه يسلمون، وقد تمت صلاتهم، أو يقدمون رجلاً فيسلم بهم5.
قلت: قيل له من خلفه ممن أدرك ركعة، أو ركعتين؟
قال: أحبّ إليّ أن يعيدوا.
قال أحمد: يبنون على ما صلوا6.
قال إسحاق: السنة7 في ذلك أن المتشهد في الصلاة إذا ضحك،
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (345) .
2 انظر قول سفيان: أنه لا يرى وجوب السلام من الصلاة. في البناية شرح الهداية 2/260.
3 تقدم قول سفيان: بانتقاض الوضوء من الضحك في الصلاة. راجع مسألة (89) .
(الإمام) إضافة من ع.
5 تقدم قول أحمد: بوجوب السلام من الصلاة. راجع مسألة (1) .
6 تقدم قول أحمد: أن المأموم يبني على صلاته إذا أحدث إمامه. راجع مسألة (344) .
7 تقدمت أحاديث في مسألة (1) تدل على أن السلام ليس بشرط للصلاة.(2/717)
أو أحدث أن صلاته تامة وإن لم يسلم، ولا وضوء عليه في الضحك لصلاة أخرى1.
[348-] قلت: سئل سفيان عن رجل كان يصلي فوقع ثوبه فبدت عورته؟
قال: ما أرى أن يعيد.
قال أحمد: أحسن إذا كان ذلك بقرب2.
قال إسحاق: كما قالا.
[349-] (قال إسحاق بن منصور) :3 قلت: لإسحاق (بن إبراهيم) 4 من
__________
1 تقدم قول إسحاق في التسليم من الصلاة. راجع مسألة (1) . وقوله بعدم انتقاض الوضوء من الضحك في الصلاة. راجع مسألة (88) .
2 قال ابن قدامة: (فإن انكشفت عورته من غير عمد فسترها في الحال من غير تطاول الزمان لم تبطل) . المغني 1/580.
والصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية، فإن من انكشفت عورته من غير قصد زمناً قصيراً لم تبطل صلاته.
وقيل: تبطل، وقيل: إن احتاج إلى عمل كثير في أخذها فوجهان:
انظر: الإنصاف 1/457، الفروع 1/235.
(قال إسحاق بن منصور) إضافة من ع.
(بن إبراهيم) إضافة من ع.(2/718)
صلى في ثوب (واحد) 1 قد2 توشح3 به فلما كان في التشهد سقط الثوب عن4 منكبيه، أو أحدهما فأعاده من ساعته يدخل عليه فساد؟
قال: صلاته تامة إنما يكره إعراء المناكب تعمداً، ألا ترى أن جابراً (رضي الله عنه) 5 صلى في ثوب قد6 توشح7 به8.
__________
(واحد) إضافة من ع.
2 في ع (وقد) بزيادة واو.
3 توشح: التوشح أن يلبس الرجل الرداء ويدخل طرفه من تحت يده اليمنى فيلقيه على منكبه الأيسر، كالاضطباع الذي يفعله المحرم عند الطواف بالكعبة.
انظر: لسان العرب 2/633، تاج العروس 2/246.
4 في ع (على) .
(رضي الله عنه) إضافة من ع.
(قد) ساقطة من ع.
7 في ع (متوشحاً) .
8 روى مسلم بسنده عن أبي الزبير المكي "أنه رأى جابر بن عبد الله يصلي في ثوب متوشحاً به وعنده ثيابه". صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه 1/369 (283) .
ورواه عبد الرزاق بسنده عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله، وكان من آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موتاً- قال: (فكنا نأتيه في بيته، في بني سلمة، ونحن نفر فأمنا وإن مشجبه لموضوع عليه رداؤه، قال: فتوشح ثوباً. قال: ما تطلع على منكبيه، قال محمد: حسبت انه قال: نساجه، قال: فما رأيته الا يرينا أن ذلك لا بأس به) مصنف عبد الرزاق 1/354.(2/719)
ويقال: إنه صلى في إزار1 محتجزاً2 فوق الثديين، وإنما كان يفعل ذلك لينظر الناس إليه فيقتدوا3 به4. ففي ذا تحقيق أن إعراء المناكب لا يفسد الصلاة.
[350-] قلت: سئل سفيان (أيستعيذ) 5الإنسان خلف الإمام؟
قال: يستعيذ من يقرأ6.
__________
1 إزار: لباس غير مخيط يستر أسفل البدن. انظر: تاج العروس 3/11.
2 محتجزاً: أي شاداّ له على جسمه.
3 في ع (فيقتدون) .
4 روى البخاري بسنده عن محمد بن المنكدر قال: "صلى جابر في إزار قد عقده من قبل قفاه وثيابه موضوعه على المشجب. قال له قائل: تصلي في إزار واحد؟ فقال: إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك. وأينا كان له ثوبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب عقد الإزار على القفا في الصلاة 1/67.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن محمد بن عقيل عن جابر قال: (رأيته يصلي في ثوب مؤتزراً به) . مصنف ابن أبي شيبة 1/314، ورواه عبد الرزاق في مصنفه 1/354.
5 في ظ (يستعيذ) بإسقاط همزة الاستفهام.
6 انظر قول سفيان في: الأوسط 3/89، المجموع 3/284. قال ابن المنذر: (وذلك؛ لأنه كان لا يرى خلف الإمام قراءة) . الأوسط 3/89.(2/720)
قال أحمد: صدق1.
قال إسحاق: كما قال إلا أنه إذا2 كان مسبوقاً فقام يقضي استعاذ أيضاَ؛ لأن الاستعاذة وإن لم يقرأ، فإن عليه أن يستعيذ لئلا3 يكون له في الصلاة وسوسة الشيطان وما أشبهها.
[351-] قلت: سئل سفيان عن الرجل يصلي العصر، ثم يدرك مع الإمام ركعتين من العصر؟
قال4: يتم.
قيل له: فإن أدرك ركعتين من المغرب؟
قال: يتم ويشفع.5
قيل (له) 6: يجلس في الثانية، أو في آخرهن؟
__________
1 تقدم قول أحمد وإسحاق في حكم الاستعاذة في الصلاة. راجع مسألة (197) . وانظر: قولهما في حكم قراءة المأموم في المسألة (194) .
2 في ع (أن) .
3 في ع (لان لا) .
4 في ع إضافة (ركعتين) قبل كلمة (يتم) .
5 نقل ابن المنذر نص قول سفيان هذا في: الأوسط 2/402، وانظر: اختلاف العلماء للمروزي ص44، المغني 2/111، المعاني البديعة خ ل ب 43.
(له) إضافة من ع.(2/721)
(قال: في1 آخرهن) 2.
قال أحمد: كما قال3.
قال إسحاق4: كما (قالا) 5.
[352-] (قال قلت لسفيان) 6: رجل7 صلى بقوم جالساً وهم جلوس وهو مريض؟
قال: تجزؤه ولا تجزؤهم8.
قال أحمد: بلى9. (إن) 10 [ع-17/ب] النبي صلى الله عليه
__________
1 وذلك لأنه تشهد بعد الركعتين، فيجعل تشهده بعد تمام أربع ركعات.
(قال في آخرهن) إضافة من ع.
3 تقدم قول أحمد في حكم إعادة الصلاة جماعة. راجع مسألة (133) .
4 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (133) .
5 في ظ (قال) بالإفراد.
6 في ظ (قلت قال يعني سفيان) والمثبت فيه صيغة سؤال.
7 في ع (رجلاً) بالنصب.
8 نقل ابن المنذر نص قول سفيان في: الأوسط خ ل ب 209. وانظر: سنن الترمذي 2/196، معالم السنن 1/173، المغني 2/221، شرح السنة 3/423.
9 تقدم قول أحمد. راجع مسألة (336) .
10 (أن) إضافة من ع.(2/722)
(وسلم) 1 يقول: إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً2.
قال إسحاق: السنة3 إذا صلى قاعداً أن يصلوا قعوداً4.
[353-] (قلت) 5 لسفيان رجل صلى خلف6 الصف وحده؟
قال: ما أرى عليه إعادة7.
__________
1 كلمة (وسلم) إضافة من ع.
2 روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: "سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش- خدش- شقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعداً، فصلينا وراءه قعوداً، فلما قضى الصلاة قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون".صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام 1/308 (77) .
ورواه البخاري بلفظ: "وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون". صحيح البخاري، كتاب الأذان والجماعة، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به 1/116.
3 كما تقدم في حديث أنس- رضي الله عنه-.
4 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (336) .
5 في ظ (قلت قال قلت) بزيادة (قلت قال) .
(خلف) ساقطة من ع.
7 انظر قول سفيان في: سنن الترمذي 1/447، المجموع 4/192، شرح السنة 3/378، عمدة القاري 5/114.(2/723)
قال (الإمام) 1 أحمد: خلافاً أبدا2.
قال إسحاق: إذا صلى خلف الصف وحده فعليه الإعادة3.
[354-] قلت: قال (قلت) 4 رجل صلى في أهله، ثم دخل المسجد فأقيمت الصلاة فصلى معهم بأيهما يعتد؟
قال: بالأولى.
قيل: وكذلك العصر؟
قال: نعم5.
قال (الإمام) 6 أحمد: جيد7.
__________
(الإمام) إضافة من ع.
2 أي خلافاً لما ذهب إليه سفيان فلا تصح صلاته أبدا. وتقدم قول أحمد في هذه المسألة. راجع مسألة (262) .
3 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (262) .
(قلت) إضافة من ع.
5 انظر قول سفيان: (أن الصلاة الأولى هي الفريضة) في الأوسط 2/406، المغني 2/113، اختلاف العلماء للمروزي ص44، المعاني البديعة خ ل ب 43.
(الإمام) إضافة من ع.
7 أي ما أجاب به سفيان من أن الأولى هي فرضه والثانية تكون نفلاً. وهذا بلا خلاف في المذهب.
انظر: الفروع 1/452، الإنصاف 2/218.(2/724)
قال إسحاق: كما قال سواء1.
[355-] قلت: قال2 سألت- يعني سفيان3- عن رجل صلى الظهر خمساً؟
قال: أجلس4 في الرابعة؟
قلت: لا.
قال: أحبّ إليّ أن يعيد5.
قال أحمد: يسجد سجدتين بعد ما يسلم6.
قال إسحاق: هو جائز (وصارت) 7 جلسته عوضاً من الرابعة
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط 2/406، المغني 2/113، الروض النضير 1/411، 2/220.
(قال) ساقطة من ع.
(سفيان) ساقطة من ع.
4 في ع (جلس) بحذف همزة الاستفهام.
5 انظر قول سفيان في: سنن الترمذي 2/240، معالم السنن 1/236، اختلاف الصحابة والتابعين خ ل ب 22. الأوسط 3/294، شرح السنة 3/288.
6 تقدم قول أحمد. راجع مسألة (235) .
7 في ظ (وصار) بحذف التاء.(2/725)
ويسجد سجدتين1.
[356-] قلت: قال (سألت يعني) 2 سفيان عن رجل صلى ست ركعات بالنهار، فلم ير بأساً أن لا يسلم فيهن3.
قال أحمد: أستحب (أن يصلي) 4 ركعتين ركعتين5 فإن صلى أربعاً لا أرى به بأساً6.
__________
1 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (235) .
(سألت يعني) إضافة من ع.
3 قال البغوي: (قال أبو نعيم: سألت سفيان الثوري قلت: أصلي ست ركعات بالنهار ولا أسلم؟ قال: لا بأس) . شرح السنة 3/470.
وقال الترمذي: (قال بعضهم- أي بعض أهل العلم- صلاة الليل مثنى مثنى ورأوا صلاة التطوع بالنهار أربعاً مثل الأربع قبل الظهر وغيرها من صلاة التطوع وهو قول سفيان الثوري) . سنن الترمذي 2/493. وانظر: شرح السنة 3/469.
4 في ظ (إذا صلى) .
(ركعتين) الثانية ساقطة من ع.
6 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص89، 98 (316، 343) ، وأبو داود في مسائله ص72، والأثرم في سننه. انظر: طرح التثريب 3/76.
والمذهب: متفق مع هذه الرواية، فالأفضل في صلاة التطوع في النهار: أن تكون مثنى مثنى فإن صلى أربعاً صح. اختاره القاضي وأبو الخطاب والمجد وغيرهم. وقيل: لا يصح إلا مثنى مثنى. فعلى القول بصحة التطوع في النهار بأربع: لو تطوع بأربع لم يكره على الصحيح من المذهب.
وروي عن أحمد: أنه يكره.
انظر: المغني 2/124، الفروع 1/432، 433، الإنصاف 2/186، 187.(2/726)
قال إسحاق: كما قال. ولا يجاوز الأربع أبداً إلا بسلام1 [ظ-15/ب] .
[357-] قال إسحاق: وأما صلاة الليل والنهار فالذي نختار له أن تكون (صلاته) 2 بالليل مثنى مثنى إلا الوتر فإن له أحكاماً مختلفة. وأما صلاة النهار فأختار له أن يصلي قبل الظهر أربعاً، وقبل العصر أربعاً، وضحوه أربعاً، لما جاء عن ابن مسعود وعلي وابن عمر3
__________
1 انظر قول إسحاق: (أن الأفضل في صلاة التطوع في النهار أن تكون أربعاً وإن صلى مثنى مثنى جاز) . في سنن الترمذي 2/493، الإشراف لابن المنذر خ ل ب 60، تجريد المسائل اللطاف خ ل ب 38، المغني 2/124، طرح التثريب3/75، المجموع 3/543، 549.
(صلاته) إضافة من ع.
3 روى عبد الرزاق بسنده عن أبي عبيدة قال: (كان تطوع عبد الله الذي لا ينقص منه أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الغداة) . مصنف عبد الرزاق 2/66.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/202، 203، وروى عبد الرزاق بسنده عن معمر قال: (بلغني أن ابن مسعود كان يصلي قبل الظهر أربع ركعات وبعدها ركعتين) . مصنف عبد الرزاق 2/66. وروى ابن أبي شيبة بسنده عن إبراهيم النخعي قال: (قال عبد الله: أربع قبل الظهر لا يسلم بينهن إلا أن يتشهد) . مصنف ابن أبي شيبة 2/199.
وروى أيضاً عن عبد الرحمن بن بديل قال: حدثني انظر الناس بعبد الله بن مسعود (أنه كان يصلي في بيته إذا زالت الشمس أربع ركعات يطيل فيهن، وإذا تجاوب خرج فجلس في المسجد حتى تقام الصلاة) . مصنف ابن أبي شيبة 2/68، ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/68.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن حذيفة بن أسيد قال: (رأيت علياً إذا زالت الشمس صلى أربعاً طوالاً) . مصنف ابن أبي شيبة 2/200.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر: أنه كان يصلي قبل الظهر أربعاً) . وروى بسنده عن عبد العزيز بن رفيع. قال: (رأيت ابن عمر يصلي أربعاً قبل الظهر يطيلهن) . مصنف ابن أبي شيبة 2/200.(2/727)
(رضي الله عنهم) 1 من وجه واحد، فإن صلى في النهار ركعتين ركعتين وسلم كان جائزاً2، مع أن قوماً من أهل العلم مثل مالك ومن اتبعه3 اختاروا صلاة الليل والنهار (مثنى) 4 الفصل
__________
(رضي الله عنهم) إضافة من ع.
2 نقل ابن المنذر نص قول إسحاق هذا في: الأوسط خ ل أ (273) .
3 جاء في المدونة 1/99. (قال مالك في صلاة الليل والنهار: النافلة مثنى مثنى) . فمذهب مالك وأصحابه: أن المصلي نافلة ليلاً أو نهاراً يسلم من كل ركعتين.
انظر: الكافي في فقه أهل المدينة 1/220، قوانين الأحكام الشرعية ص105.
(مثنى) إضافة من ع.(2/728)
بين الأربع.
[358-] قلت: التطوع في السفر؟
قال: ما أعلم به بأساً إذا كان لا يشق على أصحابه1.
قال إسحاق: كما قال.
[359-] قلت: رجل2 خرج مسافراً فبدا له في حاجة إلى بيته ليأخذها فأدركته الصلاة؟.
قال: هو مسافر3 إلا إذا لم يكن له أهل فهو أهون4؛ لأن ابن
__________
1 تقدم قول أحمد وإسحاق. راجع مسألة (164) .
2 ع في (رجلاً) بالنصب.
3 قال ابن قدامة: (إذا خرج المسافر فذكر حاجة فيرجع إليها فله القصر في رجوعه إلا أن يكون نوى أن يقيم إذا رجع مدة تقطع القصر، أو يكون أهله أو ماله في البلد الذي رجع إليه. ثم قال: وقوله: أي أحمد- في الرواية الأخرى: أتم إلا أن يكون ماراً. يقتضي أنه إذا قصد أخذ حاجته والرجوع من غير إقامة أنه يقصر) . المغني 2/291. والصحيح من المذهب: أن من فارق وطنه بنية السفر، ثم بدأ له العود لحاجة فليس له الترخص بالقصر لا في عودته ولا في بلده حتى يفارقه.
وروي عن أحمد: أنه يترخص في عوده إلى بلده لا فيه.
انظر: الفروع 1/522، الإنصاف 2/332، كشاف القناع 1/599.
4 في الأوسط (إلا إذا كان أهل لأن ابن عباس) وهو أصح مما هو مثبت في النسختين.(2/729)
عباس (رضي الله عنهما) 1 [ع-18/أ] .
قال: إذا قدمت على ماشية أو أهل2 فأتمّ3.
راددته، فقال: (هو مسافر. ثم راددته، فقال:) 4 هو مسافر يقصر.
قال إسحاق: كما قال، إذا كان موضع الحاجة قدر (ستة) 5عشر فرسخاً، فإن6 كان أقل لم يقصر، وإذا رجع من قريب أتم حتى يعود إلى موضعه7.
[360-] قلت: مسافر نوى المقام وهو في الصلاة؟
قال: يتم.
قلت: فإنه قعد في الركعتين8 قبل أن يتشهد؟
__________
(رضي الله عنهما) إضافة من ع.
2 في ع (أهل أو ماشية) بالتقديم والتأخير.
3 تقدم تخريجه. راجع مسألة (317) .
(هو مسافر ثم راددته فقال) إضافة من ع.
5 في ظ (ست) .
6 في ع (وان) .
7 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 235.
8 أي نوى الإقامة حينما قعد للتشهد قبل البداية فيه.(2/730)
قال: يتم حتى يخرج منها بتسليم1 وإذا افتتح المقيم الصلاة ثم بدا له أن يسافر.
قال: يتم2.
قال إسحاق: كما قال.
[361-] قلت: الجمع بين الصلاتين؟
قال: نعم، يجمع ولا يكون الجمع إلا في وقت إحدى الصلاتين فلو (كان) 3 (صلى) 4 كل صلاة في وقتها أين كانت5 تكون
__________
1 قال ابن قدامة: (من نوى القصر ثم نوى الإتمام، أو نوى ما يلزمه به الإتمام من الإقامة أو قلب نيته إلى سفر معصية أو نوى الرجوع عن سفره ومسافة رجوعه لا يباح فيه القصر ونحو هذا لزمه الإتمام) . المغني 2/266.
والمذهب: موافق لما أفتى به هنا، فمن أحرم بالصلاة مسافراً، ثم أقام لزمه أن يتم الصلاة. وقيل: إن نوى القصر مع علمه بإقامته في أثنائها صح.
انظر: الإنصاف 2/322، المبدع 2/110.
2 إذا أحرم المرء بالصلاة في الحضر ثم سافر فعلى المذهب يتم صلاته. قلت: فمن باب أولى من نوي السفر ولم يسافر فعلاً.
انظر: الفروع 1/519، الإنصاف 2/322.
3 في ظ (كانت) .
(صلى) إضافة من ع.
5 في ع (كان) .(2/731)
الرخصة.
قال إٍسحاق: كما قال1.
[362-] قلت: صلاة الخوف؟
قال: صلاة الخوف كلها جائزة2، ولا3 أعلم (فيها) 4 إلا إسناداً جيداً5.
__________
1 تقدم قول أحمد وإسحاق في الوقت الذي يجمع فيه المسافر. راجع مسألة (132) .
2 قال أبو: داود: (سمعت أحمد سئل عن صلاة الخوف؟ فقال: ستة أوجه يروى فيه أو سبعة. قيل: له ما تختار منه. قال: من الناس من يختار حديث ابن أبي حثمة. فقلت: إن فلاناً قال: إن لها مخارج أن يكون العدو بينه وبينه القبلة، أي وجه منه، وأن يكون الخوف أشد، أي وجه آخر، ونحو هذا فلم يعجبه هذا التفسير. وقال: جابر يروى عنه وحده وجوه) . المسائل ص77.
3 في ع (لا) بحذف الواو.
4 في ظ (فيه) .
5 قال الترمذي: (قال أحمد: قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف على أوجه، وما أعلم في هذا الباب إلا حديثاً صحيحاً. واختار حديث سهل ابن أبي حثمة) . سنن الترمذي 2/454.
وقال ابن المنذر: (قال أحمد بن حنبل: كل حديث روى في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز، ثم قال: وقال أحمد: ستة أوجه تروى فيه أو سبعة) . الأوسط خ ل ب 243. وانظر: شرح السنة 4/286، المغني 2/412، معالم السنن 1/272.
والأحاديث في كيفية صلاة الخوف كثيرة ولا يمكن إيرادها هنا فمن أراد الإطلاع عليها فليراجع.
شرح السنة 4/275ـ291، جامع الأصول 6/463ـ477، منتقى الأخبار 2/47، السنن الكبرى للبيهقي 3/251ـ265.(2/732)
قلت: فالذي يقول: إنه1 إنما صلى مرة واحدة؟
قال: وما علم من يقول هذا، قال: وأختار قول2 سهل3
__________
(انه) ساقطة من ع.
2 روى البخاري في صحيحه عن سهل ابن أبي حثمة- رضي الله عنه- قال: "يقوم الإمام مستقبل القبلة وطائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو وجوههم إلى العدو، فيصلي بالذين معه ركعة، ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة ويسجدون سجدتين في مكانهم، ثم يذهب هؤلاء إلى مقام أولئك، فيجئ أولئك فيركع بهم ركعة فله ثنتان، ثم يركعون ويسجدون سجدتين". صحيح البخاري، كتاب المغازي غزوة ذات الرقاع 5/95.
وقد أخرجه البخاري في صحيحه عن سهل مرفوعاً مثل المتن الموقوف. وأخرجه مسلم في صحيحه عن سهل بلفظ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف … ". صحيح البخاري الكتاب السابق.
وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الخوف 1/575 (309) .
3 هو: سهل بن أبي حثمة- عبد الله أو عامر- الأوسي أبو عبد الرحمن الأنصاري، صحابي ولد سنة ثلاث من الهجرة، وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر سهل سبع سنين أو ثمان، وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى وأتقن.
وقال أبو حاتم: إنه بايع تحت الشجرة وشهد المشاهد كلها إلا بدراً، وكان دليل الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة أحد، لكن قال ابن القطان: هذا لا يصح لإطباق الأئمة على أنه كان ابن ثمان سنين أو نحوها عند موت النبي صلى الله عليه وسلم.
انظر ترجمته في: الإصابة 2/85، الاستيعاب 2/96، تهذيب التهذيب 4/248، الجرح والتعديل 4/200.(2/733)
ابن أبي حثمة1.
قال إسحاق: كما قال في كلها إنها على أوجه خمسة أو أكثر، فأيّتها أخذت بها2 أجزأك، وقول سهل بن أبي حثمة يجزئ ولسنا
__________
1 قال الأثرم: (قلت لأبي عبد الله: تقول بالأحاديث كلها كل حديث في موضعه أو تختار واحداً منها؟ قال: أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن. وأما حديث سهل فأنا أختاره. وقال: قلت له: حديث سهل نستعمله مستقبلين القبلة كانوا أو مستدبرين؟ قال: نعم هو أنكى) . انظر: المغني 2/401، 412.
وقال ابن قدامة- بعد أن ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما-: (فهذا الوجه جوّز أحمد- رضي الله عنه- الصلاة به. واختار حديث سهل؛ لأنه أشبه بظاهر الكتاب وأحوط للصلاة وأنكى في العدو) . الكافي 1/274.
وقال المرداوي: هذه الصلاة- أي الخوف- بهذه الصفة- أي على حديث سهل- اختارها الإمام أحمد وأصحابه، حتى قطع بها كثير منهم وقدموها على الوجه الثالث الآتي بعد- وهو كما ورد في حديث ابن عمر المتفق عليه- وفضلوها عليه) . الإنصاف 2/351.
2 في ع (به) .(2/734)
نختاره على غيره من الوجوه1.
[363-] قلت: إذا2 قرأ السجدة بعد الصبح وبعد العصر يسجد؟
قال: لا يسجد ولا يعيدها3.
قال إسحاق: يعيدها إذا غربت الشمس4.
[364-] قلت: القراءة في صلاة الكسوف يعلن أو يسر5؟
__________
1 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/454، 455، الأوسط خ ل ب 243.
(إذا) ساقطة من ع.
3 قال ابن هانئ: (سألته على الرجل يقرأ السجدة بعد العصر هل يسجد؟ قال عمر: ما علينا أن نسجدها إلا أن نشاء) . المسائل 1/89 (490) .
والمذهب: موافق لهذه الرواية، حيث لا يجوز فعل سجود التلاوة في أوقات النهي، ومنها في هذين الوقتين بعد طلوع الفجر الثاني وبعد صلاة العصر، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يجوز فعلها في أوقات النهي. اختارها أبو الخطاب وابن عقيل وابن الجوزي وغيرهم.
انظر: المبدع 2/39، 40، المحرر في الفقه 1/86، الإنصاف 2/208، مطالب أولي النهى 1/594.
4 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 278، المغني 1/623، المجموع 3/568.
5 قال أبو داود: (قلت لأحمد: يصلي الرجل وحده الكسوف؟ قال: نعم. قال: قلت: يصلي بأهل مسجده؟ قال: نعم … قيل له: يجهر بقراءته؟ قال: نعم) . المسائل ص72، 74.
والمذهب: أنه يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف ليلاً كان أو نهاراً، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه لا يجهر فيها بالقراءة، اختاره الجوزجاني.
وعنه: لا بأس بالجهر.
انظر: الفروع 1/589، الكافي 1/316، المبدع 2/196، الإنصاف 2/443.(2/735)
قال: في حديث الزهري1 أنه جهر2.
قال إسحاق: كما قال يجهر3.
__________
1 هو: محمد بن مسلم بن عبد الله الزهري أبو بكر القرشي (50ـ124هـ) أحد الأعلام والحفاظ الفقهاء، متفق على جلالته وإتقانه، ومن رؤوس التابعين، كثير الحديث والرواية. قال: ما استودعت قلبي شيئاً قط فنسيته وما استفهمت عالماً قط. قال عمر بن عبد العزيز: لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية من الزهري.
انظر ترجمته في: البداية والنهاية 9/340، حلية الأولياء 3/360، الجمع بين رجال الصحيحين 2/449، التاريخ الصغير 1/320.
2 روى مسلم والبخاري بسنديهما عن عبد الرحمن بن نمر: " أنه سمع ابن شهاب- أي الزهري- يخبر عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات". صحيح مسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف 2/620 (5) ، صحيح البخاري، كتاب الكسوف، باب الجهر بالقراءة في الكسوف 2/35.
3 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/448، الأوسط خ ل أ 281، المغني 2/423، شرح السنة 4/382، شرح صحيح مسلم للنووي 6/204، المجموع 5/56، معالم السنن 1/257.(2/736)
[365-] قلت: النوم في المسجد؟
قال: إذا كان رجل على سفر وما يشبهه1، فأما2 أن يتخذه مقيلاً (أو) 3 مبيتاً فلا4.
__________
1 في ع (وما يشبه) .
2 في ع (واما) .
3 في ظ (و) .
4 نقل أبو يعلى نص قول أحمد نقلاً عن ابن منصور في: الروايتين والوجهين 1/148، وكذلك فعل ابن المنذر في: الأوسط خ ل ب 257.
وقال أبو داود: سئل أحمد عن النوم في المسجد قال: (لا بأس به ما لم يكن مبيت أو مقيل) . سنن أبي داود ص46.
قال ابن تيمية: (إذا اتخذ المسجد بمنزلة البيوت فيه أكله وشربه ونومه وسائر أحواله، التي تشمل على ما لم تبن المساجد له دائماً فإن هذا يمنع باتفاق المسلمين، فإنما وقعت الرخصة في بعض ذلك لذوي الحاجة، مثل ما كان أهل الصفة، كان الرجل يأتي مهاجراً إلى المدينة وليس له مكان يأوي إليه فيقيم بالصفة إلى أن يتيسر له أهل أو مكان يأوي إليه ثم ينتقل. ومثل المسكينة التي كانت تأوي إلى المسجد وكانت تقمه. ومثل ما كان ابن عمر يبيت في المسجد وهو عزب؛ لأنه لم يكن له بيت يأوي إليه حتى تزوج. ومن هذا الباب علي بن أبي طالب لما تقاول هو وفاطمة ذهب إلى المسجد فنام فيه فيجب الفرق بين الأمر اليسير، وذوي الحاجات، وبين ما يصير عادة ويكثر، وما يكون لغير ذوي الحاجات) . مجموع الفتاوى 22/196، وانظر: مطالب أولي النهى 2/258، 259.(2/737)
قال إسحاق: كما قال، وإن1 بات لانتظار صلاة فلا بأس2.
[366-] قلت: يكره لهؤلاء3 الخياطين الذين في المساجد؟
قال: إي لعمري شديداً4.
قال إسحاق: كلما كان حرفتهم ذلك5 فلا خير فيه6.
__________
1 في ع (فان) .
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 257، المجموع 2/177، إعلام الساجد بأحكام المساجد ص306، عمدة القاري 4/11.
3 في ع (لهذه) .
4 قال عبد الله: (سألت أبي عن الرجل يخيط في المسجد وعن الخراق يرده إلى صاحبه؟ فقال: يعجبني في الخراق أن يرده إلى صاحبه إلا أن يكون شيئاً ليست له قيمة. وقال: لا ينبغي أن تتخذ المساجد حوانيت ولا مقيلاً ولا مبيتاً، إنما بنيت للصلاة ولذكر الله تعالى) . المسائل ص313 (1163) .
وقال المرداوي: (يحرم التكسب بالصنعة في المسجد كالخياطة وغيرها. والقليل والكثير والمحتاج وغيره سواءً) . الإنصاف 3/386.
وانظر: الفروع 2/157، كشاف القناع 2/427، الآداب الشرعية 3/395.
(ذلك) ساقطة من ع.
6 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 255.(2/738)
[367-] قلت له1: تكره أن يمر الرجل2 في المسجد ولا يصلي فيه؟
قال:3 أما ماراً فلا أكرهه4، ولكن لا يجلس حتى يصلي5 ولا يتخذه طريقاً.6
قال إسحاق: كما قال.
__________
(له) ساقطة من ع.
(الرجل) ساقطة من ع.
(قال) ساقطة من ع.
4 قال ابن هانئ: (سألته- أي أحمد- عن الجنب والحائض يمر ان في المسجد؟ قال: يمران مجتازين في المسجد، والمجتاز يمر ولا يقعد) . المسائل 1/69 (339) .
5 قال ابن قدامة: (يسن لمن دخل المسجد أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين قبل جلوسه) . المغني 2/135.
وقال البهوتي: (وتسن تحية المسجد ركعتان فأكثر لكل من دخله- أي المسجد- قصد الجلوس به أو لا لعموم الأخبار) . كشاف القناع 2/51.
6 قال ابن هانئ: (سئل عن أحمد عن المشي في المسجد؟ قال: لا تتخذوا المسجد طرقاً. قد نهي عن ذلك، قلت: فإن اضطر إلى أن يمشي في المسجد؟ قال: إذا كانت علة فلا بأس) . المسائل 1/69 (340) .
وقال ابن تيمية: (ليس للمسلم أن يتخذ المسجد طريقاً) .انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 22/193.
وقال في مطالب أولي النهى: (وسن صون المسجد عن اتخاذه طريقاً بلا حاجة، ومنها: أن يكون أقرب إلى غرضه فلا يكره حينئذٍ) . مطالب أولي النهى 2/257.(2/739)
[368-] قلت: يقعد في [ع-18/ب] المسجد على غير طهارة؟
قال: أما غير طاهر فلا بأس1، وأما الجنب فإذا2 توضأ3.
قال إسحاق: كما قال4، ولا يبيتن جنب ولا حائض في المسجد تعمداً، وكذلك الجلوس لهما.
[369-] قلت: يبسط5 الرجل على المكان القذر ثم يصلي عليه؟
قال: إذا كان شيء لا يعلق بالثوب ولا يرى بولاً ولا عذرة بعينه6.
__________
1 قال النووي: (يجوز للمحدث الجلوس في المسجد بإجماع المسلمين) . المجموع شرح المهذب 2/176.
2 في ع (إذا) بإسقاط الفاء.
3 تقدم حكم لبث الجنب في المسجد. راجع مسألة (86) .
4 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (86) .
5 يبسط: بسط الشيء نشره. والمراد: فرش عليه ملحفة ونحوها.
انظر: القاموس المحيط 2/350، الصحاح 3/1116.
6 أشار أبو يعلى إلى رواية ابن منصور عن أحمد في: الروايتين والوجهين 1/157، والمذهب: أن الأرض إذا كانت نجسة وبسط المصلي عليها شيئاً طاهراً صحت صلاته مع الكراهة.
وروي عن أحمد: أنه لا تصح صلاته. وروي عنه: أن النجاسة المبسوطة عليها إذا كانت رطبة لم تصح الصلاة وإلا صحت.
انظر: الإنصاف 1/484، المبدع 1/388، 389، كشاف القناع 1/337.(2/740)
قال إسحاق: كل ذلك جائز إذا كان البساط طبق1 الموضع2.
[370-] قلت: هل في المفصل3 سجود في النجم وإذا السماء انشقت، واقرأ بسم ربك، وفي الحج سجدتان؟
قال: نعم4.
__________
1 طبق الموضع: أي غطاه كله فعم جميع أجزائه وملأ جنباته.
انظر: لسان العرب 10/209، 210.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط 2/192، المغني 2/76.
3 المفصل: هو ما يلي المثاني من قصار السور؛ سمي مفصلاً لكثرة الفصول التي بين السور ببسم الله الرحمن الرحيم، وقيل: لقلة المنسوخ فيه. وأوله سورة "ق" إلى آخر القرآن على ما صححه الزركشي.
انظر: البرهان في علوم القرآن 1/244، 246.
4 نقل عنه السجود في هذه المواضع. عبد الله في مسائله ص104 (369) ، وابن هانئ في مسائله 1/98 (488) ، وأبو داود في مسائله ص63.
والمذهب: موافق لهذه الرواية، حيث إن سجدات التلاوة في القرآن أربع عشرة سجدة في المفصل، منها ثلاث سجدات هي في النجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ بسم ربك الذي خلق، وفي الحج سجدتان. وهذا ما عليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن أحمد: أنه ليس في الحج إلا سجدة واحدة هي الأولى.
وعنه: هي الثانية، فيكون مجموع السجدات ثلاث عشرة سجدة.
وعنه: أنها خمس عشرة سجدة بإضافة سجدة "ص" اختارها أبو بكر وابن عقيل.
انظر: المغني 1/616، 617، الفروع 1/380، 381، الروايتين والوجهين 1/143، 144، الإنصاف 2/196.(2/741)
قال إسحاق: كما قال1.
[371-] قلت: السجدة على من يسمع السجدة؟
قال: لا، إلا أن يشاء2.
قال إسحاق: السجدة على من سمعها3.
__________
1 نقل عن إسحاق السجود في هذه المواضع الخمسة. الترمذي في سننه 2/465، 472، الأوسط خ ل ب 275، ب 276، أ 277، ب277، المجموع 3/577، شرح السنة 3/302، 303، 305، المغني 1/617، 618، عمدة القاري 6/89، المعاني البديعة خ ل ب 37.
2 المذهب، وما عليه جماهير الأصحاب: أن سجود التلاوة يسن للتالي والمستمع.
أما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له. وقيل: يسجد السامع أيضاً.
انظر: الإنصاف 2/193، 194، المغني 1/624.
3 انظر قول إسحاق: إن السامع يسجد أيضاً في: سنن الترمذي 2/467، الأوسط خ ل ب 279، المغني 1/624.(2/742)
[372-] قلت: قال: قلت له1:- يعني لسفيان- الرجل يسمع السجدة (وهو) 2 على غير وضوء؟
قال: يتوضأ ويسجد3.
قال أحمد: وضحك لم يره45.
__________
(له) . ساقطة من ع.
(وهو) إضافة من ع.
3 انظر قول سفيان في: سنن الترمذي 2/467، شرح السنة 3/411، الأوسط خ ل ب 279، المغني 1/620.
4 في ع (يراه) .
5 قال ابن هانئ: (سألت أبا عبد الله عن الرجل يسمع السجدة وهو غير طاهر أيسجد؟ قال: لا يسجد، وإن سجد وهو طاهر وإلا فليس عليه أن يسجد) . المسائل 1/98 (494) .
قال ابن قدامة: (إذا سمع السجدة غير متطهر لم يلزمه الوضوء ولا التيمم) . المغني لابن قدامة 1/620.
والمذهب: أن سجود التلاوة سنة. وروي عن أحمد: أنه واجب، اختاره ابن تيمية، فعليها يتيمم محدث.
وقال المجد بن تيمية: (لا يسجد وهو محدث ولا يقضيها إذا توضأ) .
وعنه: هو واجب في الصلاة.
وعنه: يتطهر محدث ويسجد.
انظر: الفروع 1/378، 379، الإنصاف 2/193، الاختيارات الفقهية من 60.(2/743)
قال إسحاق: كما قال سفيان1.
[373-] قلت: قال قلت2- يعني لسفيان- أقضى الوتر إذا طلعت الشمس؟
قال: نعم3.
قال (الإمام) 4 أحمد: لا5.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[374-] [ظ-16/أ] قلت: مسافر صلى بمسافرين ومقيمين6 أربعاً؟
قال: صلاتهم كلهم تامة7.
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 279، المغني 1/624.
(قلت) ساقطة من ع.
3 انظر قول سفيان في: سنن الترمذي 2/331. ونقل عنه ابن المنذر وغيره: أنه يرى قضاء الوتر بعد صلاة الصبح. الأوسط خ ل ب 266، اختلاف العلماء للمروزي ص42، معالم السنن 1/286، شرح السنة 4/88.
(الإمام) إضافة من ع.
5 تقدم قول الإمامين: أحمد وإسحاق. راجع مسألة (300) .
6 في ع (بمقيمين ومسافرين) بالتقديم والتأخير.
7 أشار أبو يعلى إلى رواية ابن منصور هذه في: الروايتين والوجهين 1/171، وأشار لها المرداوي في: الأنصاف 2/250.
قال ابن قدامة: (إذا أمّ المسافر المقيمين فأتم بهم الصلاة، فصلاتهم تامة صحيحة، وإن أمّ المسافر مسافرين فنسي فصلاها تامة صحت صلاته وصلاتهم) . المغني 2/286، 287.
والصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية من أن الإمام المسافر إذا أتم الصلاة صحت صلاة المأموم المقيم. وعليه عامة الأصحاب.
والمذهب: متفق مع ما أفتى به هنا، فالمسافر يجوز له أن يتم الصلاة من غير كراهة، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: لا يعجبني الإتمام.
وعنه: التوقف. وقيل: يكره الإتمام، اختاره ابن تيمية واستظهره صاحب الفروع. وقيل: لا يجوز الإتمام.
انظر: الفروع لابن مفلح 1/476، 517، الإنصاف 2/250، 321، كشاف القناع 1/601، 604.(2/744)
قال إسحاق: كما قال1.
[375-] قلت: الصلاة في السفينة؟
قال: إن قدر على القيام صلى قائماً، وإلا صلى قاعداً مستقبل القبلة2.
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 235، المغني 2/287.
2 نقل عنه نحو هذه المسألة عبد الله في مسائله ص68 (244) ، وصالح في مسائله 3/45 (1305) ، وأبو داود في مسائله ص76.
وقال ابن هانئ: (قيل له- أي لأحمد- فالسفينة يصلى فيها أيضاً؟ قال: نعم، ويستقبل بوجهه القبلة وبتكبيره القبلة) . المسائل 1/82 (412) .
ولا نزاع في المذهب أن من استطاع الصلاة قائماً في السفينة وصلى قاعداً لم تجز صلاته، ولو كان في السفينة ولا يقدر على الخروج منها صلى على حسب حاله فيها، وأتى بما يقدر عليه من القيام وغيره.
والصحيح من المذهب: صحة الصلاة في السفينة مع القدرة على الخروج منها.
وروي عنه: أنها لا تصح.
والصحيح من المذهب: أنها كلما دارت انحرف إلى القبلة في الفرض. وقيل: لا يجب كالنفل على الأصح فيه.
انظر: المبدع 2/103، الإنصاف 2/311، مطالب أولي النهى 1/710.(2/745)
قال إسحاق: كما قال، ويدور حيث دارت.
[376-] قلت: النساء عليهن أذان وإقامة؟
قال: إن فعلن فليس1 به2 بأس، وإن لم يفعلن فليس عليهن3.
__________
1 في ع (فلا) .
(به) ساقطة من ع.
3 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص59 (207) ، وصالح في مسائله 1/162 (63) ، وأبو داود في مسائله ص29.
والمذهب- وهو ما عليه جمهور الأصحاب-: أنه يكره الأذان والإقامة للنساء.
وروي عن أحمد: أنهما يباحان لهن مع خفض الصوت.
وعنه: يستحبان للنساء، وعنه: يسن لهن الإقامة لا الأذان.
انظر: الفروع 1/218، الإنصاف 1/406، 407، كشاف القناع1/268.(2/746)
قال إسحاق: كلما صلين1 جماعة أذن وأقمن2.
[377-] قلت: سئل سفيان عن صلاة المغرب إذا كان خوف كيف تصلى؟
قال: ركعتين وركعة3.
قال أحمد: جيد (و) 4 لا يقصر5.
__________
1 في ع إضافة (في) قبل كلمة (جماعة) .
2 انظر: قول إسحاق في: الأوسط 3/53، المغني 1/422.
3 نقل ابن المنذر نص هذه المسألة في: الأوسط خ ل أ 243.
وقال ابن حزم: (اتفقوا على أن صلاة المغرب للخائف والآمن في السفر والحضر ثلاث ركعات) . مراتب الإجماع ص24، وانظر: الإجماع لابن المنذر ص42.
(و) إضافة من ع.
5 قال الخرقي: (والصبح والمغرب لا يقصران، وهذا لا خلاف فيه) . انظر: المغني2/267.
قال البهوتي: (إنما لم تقصر الفجر؛ لأنه إذا سقط منها ركعة بقى أخرى ولا نظير لها في الفرض. ولا المغرب؛ لأنها وتر النهار، فإذا سقط منها ركعة بطل كونها وتراً، وإن سقط منها ركعتان صار الباقي ركعة ولا نظير لها في الفرض) كشاف القناع 1/595، 596.(2/747)
قال إسحاق: كما قال.
[378-] قلت: قال سفيان: صلاة المسايفة1 أينما كان وجهه فإن لم يستطع أن يقرأ يجزئه التكبير2.
قال (الإمام) 3 أحمد: لابد من القراءة4.
__________
1 المسايفة: المجالدة بالسيوف، وتسايفوا تضاربوا بالسيوف. انظر: لسان العرب 9/167.
2 انظر: قول سفيان في: الأوسط خ ل أ 244، تفسير القرآن العظيم 1/295، المحلى 5/54، عمدة القاري 5/357، معالم السنن 1/272.
(الإمام) إضافة من ع.
4 قال ابن قدامة: (إذا اشتد الخوف والتحم القتال، فلهم أن يصلوا كيفما أمكنهم رجالاً وركباناً إلى القبلة إن أمكنهم، وإلى غيرها أن لم يمكنهم يومؤن بالركوع والسجود على قدر الطاقة، ويجعلون السجود أخفض من الركوع، ويتقدمون ويتأخرون، ويضربون ويطعنون ويكرون ويفرون، ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها) . المغني 2/416.
والصحيح من المذهب: أن الصلاة لا تؤخر في شدة الخوف، وعليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: أن المقاتل له التأخير إذا احتاج إلى عمل كثير. قال في الرعاية: رجع أحمد عن جواز تأخيرها حال الحرب.
انظر: الفروع 1/538، الإنصاف 2/359، مطالب أولي النهى 1/750، 751. أما حكم القراءة في الصلاة فتقدم. راجع مسألة (194، 195) .(2/748)
قال إسحاق: كما قال أحمد لابد من القراءة1.
[379-] قلت: قال2: قيل له- يعني لسفيان-: مسافر أَمّ مسافرين ومقيمين فأتم بهم أربعاً؟
قال: أحبّ إليّ أن يعيد المقيمون3.
قال أحمد: صلاتهم جائزة.
قال إسحاق: كما قال أحمد4.
[380-] قلت: إذا كان آخر السورة سجدة ركع إن شاء؟
قال: إن شاء ركع وإن شاء سجد5.
قال: إسحاق6: كما قال7.
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 244.
2 في ع (فان) .
3 انظر قول سفيان في: الأوسط خ ل أ 235، المغني 2/287.
4 تقدم قولهما. راجع مسألة (374) .
5 تقدم حكم سجود التلاوة. راجع مسألة (371) .
6 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 280.
7 في ع إضافة (أحمد) بعد كلمة (قال) .(2/749)
[381-] قلت: اختصار السجود1؟
قال: أكرهه، وإنما هي أن يقرأ آية أو آيتين ثم يسجد2.
قال إسحاق: كما قال3.
[382-] قلت: هل4 يكبر إذا سجد أو يسلم إذا رفع رأسه؟
قال: يكبر إذا سجد5.
__________
1 اختصار السجود: له معنيان:
أحدهما: أن يفرد الآية التي فيها السجود بالقراءة، ثم يسجد فيها كما ذكره الإمام أحمد.
والثاني: أن يقرأ السورة فإذا انتهى إلى السجدة ترك آيتها ولم يسجد لها.
انظر: القاموس المحيط 2/20، لسان العرب 4/241.
2 قال أبو داود: (سمعت أحمد يقول: يكره اختصار السجود) . المسائل ص63.
وقال ابن قدامة: (يكره اختصار السجود، وهو: أن ينتزع الآيات التي فيها السجود فيقرؤها ويسجد فيها) . المغني 2/627.
وانظر: الفروع 1/382، المبدع 2/32، كشاف القناع 1/526.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 279، المغني 2/627، المجموع 3/569.
(هل) ساقطة من ع.
5 المذهب- وهو ما عليه الأصحاب-: موافق لهذه الرواية، فإنه يجب التكبير إذا انحط للسجود. وقال في الرعايتين: (ويكبر غير المصلي في الأصح للإحرام والسجود والرفع منه) . فظاهر كلامه أن في تكبيرة السجود خلافاً.
انظر الفروع: 1/371، الإنصاف 2/197، كشاف القناع 1/526.(2/750)
وأما التسليم لا أدري ما هو1.
قال إسحاق: بل يكبر إذا سجد ويرفع رأسه بالتكبير2، ثم يقول عن يمينه: السلام عليكم3.
[383-] قلت: في كم يقرأ الرجل القرآن؟
قال: أقل ما سمعنا4
__________
1 نقل أبو يعلي قول أحمد عن طريق الكوسج في الروايتين والوجهين 1/145، ونقله أيضاً ابن المنذر في: الأوسط خ ل أ 279.
والصحيح من المذهب: أن السلام من سجود التلاوة ركن، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه ليس بركن.
فعلى الصحيح من المذهب: تجزئ الساجد تسليمه واحدة وتكون عن يمينه. وهذا المذهب، وعليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه تجب الثنتان.
انظر: الكافي 1/205، الإنصاف 2/198، المبدع 1/31، 32.
2 انظر قول إسحاق في التكبير لسجود التلاوة في: الأوسط خ ل ب 278، المغني 1/621.
3 انظر قول إسحاق: في السلام من سجود التلاوة في: سنن الترمذي 5/197، الأوسط خ ل أ 279، شرح السنة 3/315، المغني 2/623.
4 روى الترمذي في سننه عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اقرأ القرآن في أربعين". وقال: هذا حديث حسن غريب. سنن الترمذي، كتاب القراءات- باب- ولم يسمه- 5/197 (2947) ، وصححه الأرناؤوط. انظر: تعليقه على شرح السنة للبغوي 4/498.(2/751)
أربعون1، وأكره له دون ثلاث2.
قال إسحاق: كما قال3 أجاد4.
__________
1 قال أبو داود: (سمعت أحمد يقول: أكثر ما سمعنا أن يختم القرآن فيه أربعين) . المسائل ص71.
وقال ابن قدامة: (يكره أن يؤخر ختمة القرآن أكثر من أربعين يوماً … وهذا إذا لم يكن له عذر، فأما مع العذر فواسع له) . المغني 2/173، 174. وانظر: مطالب أولي النهى 1/604.
2 ما نص عليه أحمد في رواية الجماعة، واستحبه أكثر الأصحاب، هو ختم القرآن في سبعة أيام. وهل يكره في أقل منها أم لا يكره؟ وهل يكره دون ثلاث؟ فيه روايات عن الإمام أحمد:
فعنه: يكره ختمه فيما دون سبع. وعنه: لا يكره. وعنه يكره ختمه في دون ثلاثة أيام دائماً ولا بأس بذلك أحياناً.
وعنه: تجوز قراءة القرآن كله في ليلة واحدة. وعنه: إن ختم القرآن غير مقدر بمدة، بل هو على حسب حالة الشخص من النشاط والقوة.
انظر: المغني 2/174، الفروع وتصحيحه 1/423، 424، كشاف القناع 1/503.
3 انظر قول إسحاق في سنن الترمذي 5/197، شرح السنة 4/498.
4 في ع (أجاد كما قال) بالتقديم والتأخير.(2/752)
[384-] قلت: القراءة على غير وضوء؟
قال: لا بأس1 بها2.
ولكن لا يقرأ في المصحف إلا متوضئ3.
قال إسحاق: كما قال،4
__________
1 قال عبد الله: (رأيت أبي إذا كان على غير وضوء فقرأ في أجزاء أسباع أدخل يده في ثيابه وأمسك الجزء بيده، ويده في ثيابه ويقرأ، فإذا أراد أن يقلب الورقة قلبها بشيء يكون في يده لطيف، ولم يمس الجزء بيده) المسائل ص30 (110) .
قال صاحب الفروع: (تجوز القراءة قائماً وقاعداً ومع حدث أصغر) . الفروع 1/422، وانظر: كشاف القناع 1/506.
2 في ع (به) بالتذكير.
3 قال ابن هانئ: (سألته عن النظر في المصحف على غير وضوء؟ قال: لا بأس به إذا قلبت الورق بعود أو بطرف كمك فلا بأس به. وقال: قلت: أقرأ في المصحف على غير وضوء؟ قال: قلب الورق بعود) . المسائل 1/102، 103 (509، 512) .
والصحيح من المذهب: أنه يحرم مس كتابة المصحف وجلده وحواشيه، ولو كان المس بصدره، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم. وقيل: لا يحرم إلا مس كتابته فقط، واختاره ابن عقيل.
انظر: المغني 1/147، الفروع 1/111، الإنصاف 1/223.
4 انظر قول إسحاق بجواز قراءة القرآن على غير وضوء في: سنن الترمذي 1/275. قال النووي: (أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث، والأفضل أن يتطهر لها) . المجموع 2/71.
وقال البغوي: (أما قراءة القرآن على ظهر القلب فاتفقوا على جوازها للمحدث، غير أنه لا يسجد للتلاوة) . شرح السنة 2/48.
وانظر: قوله بعدم مس المصحف لغير المتوضئ في: الأوسط 2/102(2/753)
سنة مسنونة1.
[385-] قلت2: الحائض والجنب سواء؟
قال: الجنب أهون في بعض الأحوال3.
__________
1 روى ابن ماجه بسنده عن عبد الله بن سلمة قال: "دخلت على عليّ بن أبي طالب فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الخلاء فيقضي الحاجة، ثم يخرج فيأكل معنا الخبز واللحم ويقرأ القرآن … " سنن ابن ماجه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة 1/195 (594) ، ورواه ابن خزيمة في صحيحه 1/104.
والطيالسي في مسنده 179، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. انظر: المستدرك 4/107، وصححه أيضاً ابن حبان وابن السكن، انظر: نيل الأوطار 1/266.
وروى الدارقطني بسنده عن سالم- بن عبد الله بن عمر- يحدث عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر" وتقدم تخريجه. راجع مسألة (60) .
2 من هنا إلى نهاية كتاب الصلاة من هذه المسائل موجود في النسخة العمرية فقط.
3 المذهب- وهو ما عليه جماهير الأصحاب-: أن الجنب يحرم عليه قراءة آية فصاعدا.
وروي عن أحمد: أنه يجوز له قراءة آية ونحوها.
والصحيح من المذهب: أن الحائض تمنع من قراءة القرآن. وهذا ما عليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن أحمد: أنها لا تمنع من قراءة القرآن، اختاره ابن تيمية. وقال: إن ظنت نسيانه وجبت القراءة.
وروي عن أحمد: أنهما لا يقرآن، والحائض أشد.
انظر: الفروع 1/121، 122، الإنصاف 1/243، 347، الكافي 1/73.(2/754)
قال إسحاق: كما قال، إلا أن حكمهما في القراءة واحد1.
[386-] قلت: من يعلق شيئاً من القرآن؟
قال: التعليق2 كلها مكروه3.
قال إسحاق: كما قال، إلا أن يكون بعد وقوع البلاء4.
[387-] قلت: كم [ع-19/أ] من ركعة يصلي في قيام شهر رمضان؟
__________
1 انظر قول إسحاق بتحريم القراءة على الجنب والحائض في: سنن الترمذي 1/237، المجموع 2/340، شرح السنة 2/43، المعاني البديعة خ ل ب 12.
2 التعليق: هو أن يربط على نفسه شيئاً من التعاويذ والتمائم وأشباهها.
انظر: لسان العرب 10/262، تاج العروس 7/23.
3 اختلفت الرواية عن الإمام أحمد- رحمه الله- في حكم تعليق التمائم التي من القرآن، فروي عنه: أن ذلك لا يجوز واختارها أكثر أصحابه وجزم بها المتأخرون. وروي عنه جواز ذلك. انظر: فتح المجيد ص127.
4 البلاء: تقدم تعريف البلاء. راجع مسألة (12) . والمراد: هنا المصائب والكوارث.(2/755)
قال: قد قيل فيه ألوان1، يروى2 نحواً من أربعين3، إنما هو
__________
1 ألوان: أي ضروب وأنوع. انظر الصحاح 6/2197.
2 نقل المروزي: نص هذه المسألة من طريق ابن منصور. انظر: مختصر قيام الليل ص202.
وقال الترمذي: (قال أحمد: روى في هذا ألوان ولم يقض بشيء) . السنن 3/161.
3 روى ابن أبي شيبة بسنده عن الحسن بن عبد الله قال: (كان عبد الرحمن بن الأسود يصلي بنا في رمضان أربعين ركعة ويوتر بسبع) . مصنف ابن أبي شيبة 2/393.
وذكر المقريزي في مختصر قيام الليل للمروزي: (أن صالح مولى التوأمة. قال: أدركت الناس قبل الحرة- أي وقعة الحرة بالمدينة أيام يزيد بن معاوية- يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس. قال ابن أبي ذئب فقلت: لا يسلمون بينهن؟ فقال: بل يسلمون بين كل ثنتين ويوترون بواحدة إلا أنهم يصلون جميعاً) . ص201.
قال الترمذي: (اختلف أهل العلم في قيام رمضان، فرأى بعضهم: أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة) . سنن الترمذي 3/161.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ان نفس قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عدداً معيناً، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أُبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات؛ لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة. ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث. وهذا كله سائغ، فكيفما قدم رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن. والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين … وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره) . مجموع الفتاوى 22/272.(2/756)
تطوع1.
قال إسحاق: نختار أربعين ركعة وتكون القراءة أخف2.
[388-] قلت: الصلاة في الجماعة أحب إليك أم يصلي وحده في قيام شهر رمضان؟
قال: يعجبني أن يصلي في الجماعة3
__________
1 المذهب متفق مع هذه الرواية من أن التراويح سنة، وعليه الأصحاب، وقطع به أكثرهم. وقيل: بوجوبها. وقال أكثر الأصحاب: هي عشرون ركعة.
وقال في الفروع: (ولا بأس بالزيادة، نص عليه قال: روى في هذا ألوان ولم يقض فيه بشيء) .
انظر: الفروع 1/418، المغني 2/166، 167. الإنصاف 2/180.
2 قال الترمذي قال إسحاق: بل نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب. السنن 3/161، وانظر: شرح السنة 4/122.
3 نقل المروزي نص هذه المسألة عن ابن منصور. انظر: مختصر قيام الليل ص199. وقال أبو داود: (سمعت أحمد قيل له يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده؟ قال: يصلي مع الناس، وسمعته أيضاً يقول: يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه. وقال قلت لأحمد: الإمام يصلي التراويح بالناس، وناس في المسجد يصلون لأنفسهم؟ فقال: لا يعجبني أن يصلوا، يعجبني أن يصلوا مع الإمام. وقال: كان أحمد يقوم مع الناس حتى يوتر معهم ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام) . المسائل 62.
وقال ابن قدامة: (المختار عند أبي عبد الله فعلها في الجماعة، قال في رواية يوسف بن موسى: الجماعة في التراويح أفضل، وإن كان رجل يُقتدى به فصلاها في بيته خفت أن يقتدي به الناس) . المغني 2/168.
وما صرح به الأصحاب: أن صلاته جماعة أفضل، وكلام جماعة منهم يدل على استحباب المسجد أيضاً.
قال المرداوي: (وعليه العمل في كل عصر ومصر) .
وروي عن أحمد: أن فعلها في البيت أفضل من الجماعة.
وانظر: المحرر ومعه النكت 1/91، الإنصاف 2/181، المبدع 2/17، 18.(2/757)
يحيي السنة1.
__________
1 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة- رضي الله عنها- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا انني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان". صحيح البخاري، كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل 2/44، 45. صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح 1/524 (177) .
وروى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: "خرجت مع عمر ابن الخطاب- رضي الله عنه- ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون- يريد آخر الليل- وكان الناس يقومون أوله". صحيح البخاري، كتاب التراويح، باب فضل من قام رمضان 3/39، 40.(2/758)
قال إسحاق: أجاد، كما قال1.
[389-] قلت: هل يؤم في المصحف في شهر رمضان؟
قال: ما يعجبني إلا أن يضطروا إلى ذلك فليس به بأس2.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 3/161، شرح السنة 4/123، مختصر قيام الليل ص199.
2 قال ابن هانئ: (سألته عن الرجل يؤم في رمضان في المصحف؟ فقال: لا بأس به، قد كانت عائشة تأمر مولى لها يؤمها في شهر رمضان في المصحف، وعدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والحسن ومحمد بن سيرين وعطاء، لم يكونوا يرون به بأساً.
وقال: أمرني أبو عبد الله، أن أؤم الناس في المصحف ففعلته) . المسائل 1/97 (485، 487) .
وقال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن الرجل يؤم في شهر رمضان في المصحف؟ فرخص فيه) . المسائل ص63.
3 انظر قول إسحاق في: مختصر قيام الليل ص215.(2/759)
[390-] قلت: كيف يدعو في الوتر؟
قال: يدعو الإمام ويؤمن من خلفه1.
قال إسحاق: كما قال سواء2.
[391-] قلت: الصلاة بعد العصر؟
قال: ما يعجبني أن يصلي بعد العصر إلا أن يكون فاته شيء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم3.
__________
1 قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن القنوت؟ فقال الذي يعجبنا أن يقنت الإمام ويؤمن من خلفه) . المسائل 67.
والصحيح من المذهب متفق مع هذه الرواية: من أن المأموم يؤمن خلف الإمام ولا يقنت.
وروي عن أحمد: أنه يقنت، وعنه: يقنت في الثناء. وعنه: يخير بين القنوت وعدمه،
وعنه: إن لم يسمع الإمام دعا.
انظر: الفروع 1/413، الإنصاف 2/172.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 270، المغني 2/154.
3 تقدم تخريجه. راجع مسألة (301) .(2/760)
قال إسحاق: كما قال1.
[392-] قلت: كم التكبير على الميت؟
قال: أربع عندي أثبت2.
قال إسحاق: كما قال3.
[393-] قلت: إذا كبر الإمام خمساً أو ثلاثاً على الجنازة؟
قال: أما في الخمسة فيتبعه4.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (121) .
2 نقل عنه: (ان عدد تكبيرات صلاة الجنازة أربع) . عبد الله في مسائله ص139، 140 (517، 522) ، وابن هانئ في مسائله 1/186، 187 (931، 932) ، وأبو داود في مسائله ص153.
قال ابن قدامة: (سنة التكبير على الجنازة أربع لا تسن الزيادة عليها، ولا يجوز النقص منها) . المغني 2/485.
وهذا هو المذهب مطلقاً، وعليه الأصحاب. انظر: الإنصاف 2/520.
3 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 3/333، الأوسط خ ل ب 303، المجموع 5/187، شرح السنة 5/343.
4 المذهب: أن الإمام إذا زاد على أربع تكبيرات فإن المأموم يتابعه إلى سبع تكبيرات فقط، اختارها الخلال وابن بطة، وأبو الخطاب وغيرهم. قال الزركشي: أختارها عامة الأصحاب.
وروي عن أحمد أنه يكبر معه الخامسة فقط، ولا يتابعه على أزيد منها. اختاره الخرقي وابن قدامة. وقال الزركشي: هي أشهر الروايات.
وعنه لا يتابع في زيادة على أربع. اختاره ابن عقيل وابن عبدوس. وقال أبو المعالي: هذا المذهب.
انظر: الفروع 1/660، المحرر في الفقه 1/197، 198، الإنصاف 2/526، 527.(2/761)
قلت: إذا كبر ثلاثاً قال: أما الثلاث فما يعجبني1.
قال إسحاق: كما قال2.
[394-] قلت: كم التكبير على الميت؟
قال: أربع عندي أثبت.
قال إسحاق: كما قال. وكذلك لو كبر ستاً أو سبعاً فلا يزاد
__________
1 قال ابن قدامة: روي عن ابن عباس: (أنه كبر على الجنازة ثلاثاً، ولم يعجب ذلك أبا عبد الله. وقال: قد كبر أنس ثلاثاً ناسياً فأعاد؛ ولأنه خلاف ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الصلاة الرباعية إذا نقص منها ركعة بطلت كذلك هاهنا، فإن نقص منها تكبيرة عامداً بطلت، كما لو ترك ركعة عامداً، وإن تركها سهواً احتمل أن يعيدها كما فعل أنس، ويحتمل أن يكبرها ما لم يطل الفصل كما لو نسي ركعة) . المغني 2/516.
2 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 3/334، شرح السنة 5/344، اختلاف العلماء للمروزي ص65.(2/762)
على سبع ولا ينقص من أربع1.
[395-] قلت: غلام ورجل وحر ومملوك اجتمعوا في جنازة؟
قال: أما الرجل والنساء فالرجل يكون (يلي) 2 الإمام3 والصبي وأمه، فالصبي يلي الإمام4 والحر والمملوك فالحر يلي الإمام5.
__________
1 أشار أبو يعلي إلى هذه الرواية في: الروايتين والوجهين 1/208، وتقدم حكم المسألة في المسألة التي قبلها.
(يلي) إضافة يقتضيها السياق.
3 قال ابن هانئ: (سئل- أي أحمد- عن جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت؟ قال: يجعل الرجل مما يلي الإمام، والنساء وراء الرجال مما يلي القبلة) . المسائل 1/188 (942) .
ولا خلاف في المذهب أنه إذا اجتمع مع الرجال نساء أنه يجعل الرجل مما يلي الإمام) .
انظر: المغني 2/560، الإنصاف 2/285، 517.
4 الصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية، فالصبي يقدم إلى الإمام وتجعل المرأة مما يلي القبلة. وروي عن أحمد: أن المرأة تقدم على الصبي، اختارها الخرقي وأبو الوفاء ونصرها أبو يعلى وغيره.
انظر: الفروع 1/654، 655، الروايتين والوجهين 1/206، 207، الإنصاف 2/517، 518.
5 قال عبد الله: (سمعت أبي يقول: إذا اجتمع جنازة حر وعبد؟ قال: يجعل الحر مما يلي الإمام والعبد وراءه) . المسائل ص142 (530) .
وقال أبو يعلى: (لا تختلف الرواية أن الحر البالغ مقدم على العبد لما فيه من الكمال. ونقل أبو الحارث عنه: فإن صلى على حر وعبد يصير أكبرهما مما يلي الإمام. قال أبو بكر أخطأ أبو الحارث ولم يضبط، والعمل على ما رواه الباقون يعني من تقدمة الحر) . الروايتين والوجهين 1/207.
وقال ابن قدامة: (لا خلاف في تقديم الحر على العبد لشرفه وتقديمه عليه في الإمامة) . المغني 2/561.(2/763)
هذه الصفحة ساقطة(2/764)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لا يقضيه1 من حديث العمري2.
قال إسحاق: كما قال3.
[397-] قلت: الصلاة في العيدين قبل خروج الإمام؟
__________
1 لم أعثر على حديث العمري عن ابن عمر. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- (أنه لم يكن يقضي ما فاته من التكبير على الجنازة) . المصنف 3/306.
قال ابن قدامة: (العمري عن نافع عن ابن عمر أنه لا يقضي) . المغني 2/495.
2 هو: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن العمري، رجل صالح وعالم في حديثه بعض الضعف والاضطراب. قال أحمد: لا بأس به قد روى عنه ولكنه ليس مثل أخيه عبيد الله، وقال: كان يزيد في الأسانيد ويخالف. وقال ابن حبان كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فاستحق الترك. توفي سنة إحدى وسبعين أو ثنتين وسبعين ومائة من الهجرة) .
انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 5/326، تاريخ بغداد 10/19، الكامل لابن عدي 4/1459، الجرح والتعديل 7/339.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 306، المغني 1/495، عمدة القاري 7/50.(2/765)
قال: لا يصلي قبل ولا بعد1.
قال إسحاق: كما قال2.
[398-] قلت: كم التكبير في العيدين؟
قال: أما أنا فأختار حديث أبي هريرة رضي الله عنه3 سبعاً
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص127، 128 (467، 469) ، وابن هانئ في مسائله 1/95، 96 (479، 482) ، وأبو داود في مسائله ص60.
والصحيح من المذهب موافق لما أفتى به هنا وهو كراهة التنفل قبل صلاة العيد وبعدها في موضع الصلاة، سواء كان في المصلى أو في المسجد.
وقيل: يصلى تحية المسجد، اختاره أبو الفرج، وقال في الفروع: هو أظهر. وقيل: تجوز التحية قبل صلاة العيد لا بعدها. أما في غير موضعها فالمذهب التنفل من غير كراهية، وعليه جماهير الأصحاب.
انظر: المغني 2/387، الفروع 1/582، الإنصاف 2/431، 432، كشاف القناع 2/62.
2 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/418، فتح الباري 2/476، شرح السنة 4/316، عمدة القاري 5/386.
3 روى أحمد في المسند عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التكبير في العيدين سبعاً قبل القراءة وخمساً بعد القراءة". المسند 2/357. وفي سنده ابن لهيعة ضعفوه. انظر: الفتح الرباني 6/141.
وروى موقوفاً على أبي هريرة من فعله، ولعله هو المراد. فإنه في هذا الكتاب يقول: حديث فلان ويقصد به الأثر عن الصحابي.
روى مالك بسنده عن نافع مولى عبد الله بن عمر أنه قال: (شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة) . الموطأ، كتاب العيدين، باب ما جاء في التكبير والقراءة 1/180 (9) .
ورواه البيهقي في السنن الكبرى 3/288، وعبد الرزاق في مصنفه 3/292، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/173، والطحاوي في شرح معاني الآثار /344.
قال ابن حزم: روينا من طريق مالك وأيوب السختياني كلاهما عن نافع قال: (شهدت … وهذا سند كالشمس) . المحلى 5/123.(2/766)
وخمساً1.
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص127، 128 (467، 468) ، وصالح في مسائله 2/279 (887) ، وابن هانئ في مسائله 1/92، 93 (464، 466) ، وأبو داود في مسائله ص59، 60.
والمذهب وهو ما عليه الأصحاب: أن تكبيرات العيد سبع في الأولى مع تكبيرة الإحرام، وخمس في الثانية سوى تكبيرة القيام.
وروي عن أحمد: أنه يكبر في الأولى سبعاً سوى تكبيرة الإحرام.
وعنه: يكبر في الأولى خمساً، وفي الثانية أربعاً.
وعنه: يصلي أهل القرى بلا تكبير.
قال ابن مفلح: (قال أحمد: اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير وكل جائز) .
انظر: الإنصاف 2/427، 428، المبدع 2/184، الكافي 1/309.(2/767)
قلت: يوالي بين القراءتين؟
قال: لا1.
قال إسحاق: كما قال2.
[399-] قلت: من فاته العيد كم يصلي؟
قال: إن صلى ركعتين أرجو أن يجزئه3.
__________
1 المذهب وهو ما عليه جماهير الأصحاب متفق مع هذه الرواية من أن القراءة في صلاة العيد تكون بعد التكبير في الركعتين.
وروي عن أحمد: أنه يوالي بين القراءتين، فتكون القراءة في الركعة الثانية عقب القيام، واختاره أبو بكر.
وعنه يخير.
انظر: الفروع 1/579، الإنصاف 2/429.
2 انظر قول إسحاق في عدد تكبيرات العيد في: سنن الترمذي 2/417، اختلاف العلماء للمروزي ص58، المجموع 5/23، معالم السنن 1/251، شرح السنة 4/309، المغني 2/381.
3 المذهب: أن من فاتته صلاة العيد قضاها على صفة صلاة العيد عدداً وتكبيراً. اختاره الجوزجاني وابن عبدوس، قال في مجمع البحرين: هذا أشهر الروايات.
وروي عن أحمد: أنه يقضيها أربعاً بلا تكبير وبسلام واحد.
وعنه: يقضيها أربعاً بلا تكبير بسلام أو سلامين. واختارها الخرقي وأبو يعلى وأبو الخطاب وغيرهم.
وعنه: يصلي ركعتين كالنافلة، وعنه: يصلي ركعتين بتكبير.
وعنه: يخير في الركعتين بين التكبير وتركه.
وعنه: يصلي إن شاء صلى أربعاً بلا تكبير، وإن شاء صلى ركعتين بتكبير.
انظر: الروايتين والوجهين 1/190، 191، المغني 2/390، الإنصاف 2/433، 434.(2/768)
قال إسحاق: إن كان في الجبان1 فيصلي ركعتين كما صلى الإمام يكبر، وإن لم يصل في الجبان صلى أربعاً2.
[400-] قلت: للإمام أحمد - رحمه الله تعالى-: الرحبة3 إذا كانت نائية4 من المسجد؟
فكرهها5.
__________
1 الجبان: والجبانة الصحراء. المراد: المصلى العام للمسلمين خارج البلد.
انظر: لسان العرب 13/85، معجم لغة الفقهاء ص159.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 222، المجموع 5/33.
3 الرحبة: هي ما أتسع من الأرض، ورحبة المسجد ساحاته ومتسعه التي تكون بجواره.
انظر: الصحاح 1/134، تاج العروس 1/268.
4 نائية: النأي البعد، نأى ينأى بعد. والمعنى: أنها بعيدة عن المسجد منفصلة عنه.
انظر: مجمل اللغة 3/851، القاموس المحيط 4/392.
5 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (269) .(2/769)
قلت: إذا كانت قدام المسجد؟
قال: هذا على ذاك1 إذا لم تكن2 شيء.
[401-] قلت: إذا ضاق المسجد بأهله فبنوا مسجداً في مكان آخر؟
قال: أليس مسجد الكوفة3 حول4 حين
__________
1 قال ابن هانئ: (سألت أبا عبد الله عن رجل صلى بقوم فتقدمه بعضهم فصلى قدامه.؟ قال: من صلى قدام الإمام يعيد الصلاة) . المسائل 1/66 (326) .
والمذهب: أن المأموم إذا وقف قدام الإمام لم تصح صلاته، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وقيل: تصح الجمعة والعيد والجنازة ونحوها؛ لعذر. اختاره ابن تيمية.
وذكر بعض الأصحاب وجهاً، تصح مطلقاً وقيده في الفروع بإمكان الاقتداء.
انظر: الفروع 1/492، 493، الإنصاف 2/280.
2 يوجد كلمة غير واضحة أو هما كلمتان أدمجتا مع بعضهما ولعلهما (منه فلا) .
3 الكوفة: هي المدينة المشهورة بأرض العراق، مصرها الإسلاميون على عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بعد البصرة بسنتين؛ وسبب تسميتها قيل: لاستدارتها، وقيل: لأن طينها خالطه حصا، وقيل: لاجتماع الناس. ورد في حديث سعد لما أراد أن يبنى الكوفة قال: تكوفوا في هذا الموضع، أي اجتمعوا فيه.
وينسب إليها أبو حنيفة النعمان بن ثابت، وسفيان الثوري، وشريح بن الحارث القاضي. انظر: النهاية في غريب الحديث 4/210، آثار البلاد ص 250، تهذيب الأسماء واللغات 3/125.
4 نقل عنه جواز نقل المسجد من مكان لآخر عبد الله في مسائله ص318 (1178) ، وصالح في مسائله 1/295، 3/34 (241، 1272، 1273) .
قال ابن قدامة: (ان الوقف إذا خرب وتعطلت منافعه … أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته، وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه) . المغني 2/575، 576.
والصحيح من المذهب: أن الوقف إذا تعطلت منافعه فإنه يباع، وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه لا تباع المساجد، لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر. قال: اختاره أبو محمد الجوزي والحارثي.
والمراد بتعطل منافعه: المنافع المقصودة بخراب أو ضيق المسجد عن أهله أو خراب محلته. هذا هو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. ونقل جماعة: لا يباع إلا أن لا ينتفع منه بشيء أصلاً بحيث لا يرد شيئاً.
انظر: الإنصاف 7/102، 103، المبدع 5/356، كشاف القناع 4/323.(2/770)
نقب1 بيت2 المال3؟
__________
1 نقب: النقب الثقب في أي شيء كان، نقبه ينقبه نقباً. انظر: لسان العرب 1/765.
2 بيت المال: هو خزانة الدولة، وهي المكان الذي تجمع فيه الأموال العامة للدولة الإسلامية. انظر: معجم لغة الفقهاء ص112.
3 روي أن عمر كتب إلى سعد لما بلغه أن بيت المال الذي بالكوفة نقب. أن انقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصل، وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه، فكان كالإجماع.
انظر: المبدع 5/353، 354.
قال ابن تيمية: (قال أبو بكر عبد العزيز: حدثنا الخلال ثنا صالح بن أحمد ثنا أبي ثنا يزيد بن هارون ثنا المسعودي عن القاسم قال: لما قدم عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- على بيت المال كان سعد بن مالك قد بنى القصر واتخذ مسجداً عند أصحاب التمر قال: فنقب بيت المال، فأخذ الرجل الذي نقبه، فكتب عمر أن لا تقطع الرجل، وانقل المسجد، واجعل بيت المال في قبلته، فإنه لن يزال في المسجد مصل، فنقله عبد الله فخط له هذه الخطة) . مجموع الفتاوى 31/215، 216.(2/771)
قال أبو يعقوب: هذا بأمر الوالي يحول المسجد من مكان إلى مكان، ولا يجوز إلا بأمر الوالي.
[402]-1 أبو محمد حدثني بعض أصحابنا عن أحمد قال: يقول بين التكبيرتين في العيدين: الحمد لله وصلى الله على محمد اللهم اغفر لي2.
__________
1 بياض في الأصل بمقدار ثلاث كلمات، ولعلها بداية السند من ابن منصور إلى أبي محمد.
2 قال عبد الله: (قلت لأبي: ما تقول بين التكبير إذا كبر في العيدين؟ قال: حديث ابن مسعود هو أرفعها) . المسائل 128 (470) .
وقال ابن هانئ: (قلت: ماذا يقول بين التكبير؟ قال صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما دعا به من دعاء فحسن. قلت: إيش يقول بين التكبيرتين؟ قال: يسبح ويهلل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم) . المسائل 1/93 (466) .
وما عليه أكثر الأصحاب- وهو ما نقله حرب عن أحمد-: أنه ليس بين كل تكبيرتين ذكر محدود، بل للمصلي أن يقول بينهما ما أحب من الذكر والدعاء، جمعاً للروايات التي نقلت عن الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-) .
انظر: المغني 2/382، الفروع 1/579، 580، المحرر في الفقه 1/162، 163، الإنصاف 2/428، كشاف القناع 2/60، 61.(2/772)
[403-] قلت: فأعطي رجل موضع المسجد بدل هذا المسجد أوسع منه؟
قال: إذا لم يكن رغبة في هذا الموضع لا بأس1.
[404-] قلت لأحمد: مسجد موضع الإمام ليس يطيب؟
قال: كيف؟!
قلت: أما أن يكون من الطريق أو غصباً، وأقوم أنا في موضع طيب أينفعني ذاك؟
قال: يوم الجمعة؟
قلت: لا، في غير مسجد الجامع.
قال: لا2.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسالة (400) .
2 نقل عنه نحوها ابن هانئ في مسائله 1/70 (344) ، وأبو داود في مسائله 46، 47.
والمذهب: موافق لهذه الرواية في عدم صحة الصلاة في الموضع المغصوب، وعليه جمهور الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن أحمد: أنها تصح مع التحريم. اختارها الخلال وابن عقيل والطوفي وغيرهم. وقيل: تصح إن جهل النهي، وقيل: تصح مع الكراهة، وقيل: إن أمكنه الخروج منه لم تصح الصلاة فيه بحال، وإن فات الوقت.
والمذهب أيضاً متفق مع هذه الرواية من أن الصلاة لا تصح في قارعة الطريق، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أن الصلاة تصح فيه. اختاره ابن قدامة.
وعنه: إن علم النهي لم تصح وإلا صحت.
وعنه: تحرم الصلاة فيها وتصح.
وعنه: تكره الصلاة فيها.
انظر: المغني 2/68، 70، 71، 74، الإنصاف 1/491، 492، مطالب أولي النهي 1/367ـ370(2/773)
قال إسحاق: لابد أن يكون مقام الإمام مقاماً طيباً أجزأهم وينفعهم ذاك.
[405-] [ع-19/ب] قلت: يصلي الرجل خلف من يشرب السكر1؟
قال: لا2.
__________
1 السكر: الخمر. انظر: لسان العرب 4/373.
2 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص113 (404، 406) ، وصالح في مسائله 2/149 (714) ، وابن هانئ في مسائله 1/59، 62، 63 (292، 293، 310) ، وأبو داود في مسائله ص42.
والمذهب: موافق لما أفتى به هنا، فإن من يشرب ما يسكره- من أي شراب كان- لا تصح الصلاة خلفه لفسقه، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنها تصح مع الكراهة. وعنه: تصح في التنفل.
أما من يشرب من النبيذ المختلف فيه ما لا يسكره معتقداً حله فلا بأس بالصلاة خلفه؛ لعدم فسقه، وذكر ابن أبي موسى فيه روايتين.
انظر: المغني 2/187، الفروع 1/482، المبدع 2/64ـ67، الإنصاف 2/252، 253، 256.(2/774)
قال إسحاق: إذا كان معلناً بشربه ويدعو الناس إليه فلا يصلين خلفه.
[406-] سئل الإمام أحمد عن ماء الوضوء أيجزئ في الكنيف؟
قال: إنما يكره من ذاك أن يكون البول قريباً من مغتسل الإنسان1.
[407-] قلت: لا تغير الماء من ورق؟
قال: لا، إلا من مجانبة2 هذه الحياض3 إذا لم يجر ماؤها تغير
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع المسألة (47، 51) .
2 مجانبة: جنب الشيء وتجنبه وجانبه وتجانبه بعد عنه، وجنبه الشيء وجنبه إياه نحاه عنه. انظر: القاموس المحيط 1/48، لسان العرب 1/278.
3 الحياض: جمع حوض وهو مجتمع الماء. انظر: لسان العرب 7/141.(2/775)
فيها1.
[408-] سئل عن الوتر بركعة؟
قال: ما يعجبني أن يوتر بركعة، يصلي ركعتين ويوتر بركعة2.
[409-] قال إسحاق الكوسج: صلى بنا ابن3 عم الإمام أحمد، فتحرك
__________
1 قال ابن قدامة: (ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب والخز وسائر ما ينبت في الماء، وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء أو تحمله الريح فتلقيه فيه … وهذا كله يعفى عنه؛ لأنه يشق التحرز منه ويجوز الوضوء به رواية واحد) .
وقال: (الماء الآجن وهو الذي يتغير بطول مكثه في المكان من غير مخالطة شيء بغيره باق على إطلاقه في قول أكثر أهل العلم) . المغني 1/13، 14.
والمذهب: أن ما تغير بمكثه، أو بطاهر لا يمكن صونه عنه فهو طاهر مطهر ولا كراهة في الوضوء به. وقيل: يكره فيهما. جزم به في الرعاية الكبرى.
انظر: الفروع 1/11، الإنصاف 1/22.
2 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (296) .
3 هو حنبل بن إسحاق بن حنبل أبو علي الشيباني. سمع من الإمام أحمد، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وعفان بن مسلم وآخرين، وحدث عنه ابنه، وعبد الله بن محمد البغوي، وأبو بكر الخلال وغيرهم.
قال الخلال: (قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية وأغرب بشيء يسير، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم. وكان حنبل رجلاً فقيراً وثقة ثبتاً في الحديث، سمع المسند من أحمد، وقال الدارقطني: كان صدوقاً) .
انظر ترجمته في: طبقات الحنابلة 1/143، تاريخ بغداد 8/286، سير أعلام النبلاء 13/51، شذرات الذهب 2/163.(2/776)
للقيام في الركعتين فسجد قبل التسليم1 ولم يتشهد2 وأحمد خلفه.
ورأينا أحمد- رحمه الله تعالى- يسلم في كل ركعتين في التطوع بالنهار3.
ورأيته كثيراً يصلي قبل الظهر ثمان ركعات4، يسلم في كل ركعتين، ورأيت أحمد يصلي قد سدل كساءه5 وأمسك ناحيته
__________
1 تقدم وقت سجود السهو هل هو قبل السلام أو بعده. راجع مسألة (203) .
2 تقدم متى يتشهد في سجود السهو. راجع مسألة (241) .
3 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (355) .
4 قال عبد الله: (كان أبي يصلي ركعتي الفجر في البيت … فإذا كان وقت الظهر وأذن المؤذن خرج إلى المسجد فيصلي أربع ركعات يفصل بين كل ركعتين بسلام، وربما صلى أكثر من أربع ثم يصلي الظهر) . المسائل ص97 (341) .
وإن كان المراد قبل أذان الظهر وهي صلاة الضحى فقد تقدم الكلام عليها. راجع مسألة (307) .
5 الكساء: هو الثوب الذي يلبس ويستتر به ويتجمل به.
انظر: تاج العروس 10/315، معجم لغة الفقهاء ص381.(2/777)
بيديه1 فإذا رفع رأسه من الركوع خلى عنهما إلى أن يسجد.
ورأيت أحمد- رحمه الله تعالى- إذا سجد في تلاوة في الصلاة رفع يديه2، ورأيته إذا قرأ الإمام ولا الضالين قال: آمين، يسمع من
__________
1 قال ابن هانئ: (سألته عن السدل؟ قال: أن يرخي ثوبه على عاتقه ثم لا يمسه. هذا السدل مكروه) . المسائل 1/59 (288) .
فما فعله الإمام أحمد ليس هو من السدل، فقد جاء في كتب اللغة: ان السدل هو إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين بيديه، فإن ضمه فليس بسدل.
انظر: لسان العرب 11/333، تاج العروس 7/374.
وقال ابن قدامة: (هو أن يلقي الرداء من الجانبين، ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الآخر، ولا يضم الطرفين بيديه) . المغني 1/584.
وهناك تفسيرات أخرى لمعنى السدل انظرها في: الفروع 1/244، المبدع 1/374، 375، كشاف القناع 1/319، 320.
أما حكم السدل: فالمذهب كراهة السدل في الصلاة، وعليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: إن كان تحته ثوب لم يكره.
وعنه: إن كان تحته ثوب وإزار لم يكره وإلا كره.
وعنه: لا يكره مطلقاً.
وعنه: يحرم ويعيد الصلاة.
انظر: الإنصاف 1/468، 469، المذهب الأحمد ص13، مطالب أولي النهى 1/343.
2 المذهب- وهو ما عليه جماهير الأصحاب-: متفق مع فعله، حيث إن المصلي إذا سجد للتلاوة في الصلاة رفع يديه.
وروي عن أحمد: أنه لا يرفعهما.
انظر: المغني 1/621، الفروع 1/381، الإنصاف 2/198، 199.(2/778)
يليه1.
[410-] سئل الإمام أحمد عن صلاة الخوف؟
فقال: فيها بتكثير23. ويختلف عن4 جابر بن عبد الله رضي الله عنهما5.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (158) .
(بتكثير) هكذا في الأصل ولا معنى لها.
3 تقدم حكم المسالة. راجع مسألة (362) .
4 أي يروي عن جابر- رضي الله عنه- أوجه مختلفة في كيفية صلاتها.
5 روى مسلم في صحيحيه عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصفنا صفين، صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعاً، ثم ركع وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً. ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحذر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم.
ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعاً ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى. وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعاً. قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم". صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الخوف 1/574، 575 (307) .
وهناك روايات أخرى عن جابر- رضي الله عنه- راجعها في مصنف ابن أبي شيبة 2/462ـ464، والسنن الكبر للبيهقي 3/258، 259، 263.(2/779)
قال: وكان مالك بن أنس يذهب إلى حديث سهل بن أي حثمة1 وهو أشبه بالآية {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} 2.
[411-] قال الإمام أحمد في صلاة الاستسقاء3: يصلي ثم يدعو4 ويجهر
__________
1 روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات أن سهل بن أبي حثمة- بمعنى حديث سهل المروي في الصحيحين- والمتقدم تخريجه في مسألة (361) ثم قال مالك: (وحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات أحب ما سمعت إلى في صلاة الخوف) . الموطأ 1/183، 185، وانظر: المدونة 1/162.
2 سورة النساء آية 102.
3 الاستسقاء: استفعال من طلب السقيا، أي إنزال الغيث على البلاد والعباد بعد طول انقطاع بصلاة خاصة ودعاء. انظر: النهاية في غريب الحديث 2/381.
4 المذهب وهو ما عليه أكثر الأصحاب: أن الإمام يخطب للاستسقاء.
وروي عن أحمد: أنه يدعو ويتضرع ولا يخطب، قال ابن عقيل: وهو الظاهر من مذهبه، وذكر أنه أصح الروايتين. وقال الزركشي: هي الأشهر عن أحمد.
انظر: المغني 2/433، المبدع 2/204، 205، الإنصاف 2/457.
والمذهب: أن الخُطبة تكون بعد الصلاة، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يخير. اختارها أبو بكر وابن أبي موسى والمجد بن تيمية.
وعنه: يخطب قبل الصلاة.
انظر: الروايتين والوجهين 1/194، الفروع 1/596، الإنصاف 2/457.(2/780)
بالقراءة1.
وقال مالك: يحول2 رداءه،3 يقول4: يجعل اليمين على اليسرى5.
__________
1 قال ابن قدامة: (ويسن أن يجهر بالقراءة وإن قرأ فيهما بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية فحسن) . المغني 2/431.
والمذهب: متفق مع هذه الرواية من أنه يجهر بالقراءة فيها، وعليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه لا يجهر. قال أبو إسحاق البرمكي: (يحتمل أن هذه الرواية قول قديم رجع عنه) .
انظر: الإنصاف 2/452، كشاف القناع 2/75.
2 يحول: أي يلبسه على قفاه؛ وبذلك يتحول يمينه يساراً. انظر: معجم لغة الفقهاء ص124.
3 رداءه: الرداء لباس يوضع على المنكبين وفوق الكتفين. انظر: تاج العروس 10/147.
4 انظر قول مالك في: الموطأ 1/190، المدونة 1/166.
5 قال أبو داود: (قلت لأحمد: تقليب الرداء- أعني في صلاة الاستسقاء- هكذا؟ وجعلت طرف ردائي اليمين إلى اليسار واليسار إلى اليمين قال: نعم) .
قال أبو داود: (قلت لأحمد: ولِم يكون التقليب؟ قال يقول: تقلب السنة) . المسائل ص74.
وقال ابن قدامة: (ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه، يجعل اليمين يساراً واليسار يميناً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم تفاؤلاً أن يحول الله الجدب خصباً ولا يجعل أعلاه أسفله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله) . الكافي 1/323.(2/781)
[412-] سئل عن صلاة الكسوف؟ [ع-20/أ]
قال: فيه اختلاف كثير1 وما يروى عن عائشة -رضي الله عنها- حديث الزهري ركعتان2 وسجدتان3 في كل
__________
1 قال ابن هانئ: (سألت أبا عبد الله عن الصلاة في الكسوف؟ قال: فيه اختلاف. أما ابن عباس وعائشة فيقولان: أربع ركعات في أربع سجدات ويطيل فيهن القراءة ويقرأ بما شاء من القرآن. وأما علي ابن أبي طالب فإنه يقول: ست ركعات في أربع سجدات، وأذهب إلى قول عائشة وابن عباس أربع ركعات في أربع سجدات) . المسائل 1/108 (537) .
2 أي ركوعان.
3 روى البخاري ومسلم بسنديهما عن ابن شهاب- الزهري- حدثني عروة عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه فكبر، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً.
ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام ولم يسجد وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر وركع ركوعاً طويلاً وهو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم سجد ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف".صحيح البخاري، كتاب الكسوف، باب خطبة الإمام في الكسوف 2/31. صحيح مسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف 1/619 (3) .(2/782)
ركعة1.
[413-] سئل أحمد عن بئر كثيرة الماء وجدوا الماء قد تغير ريحه، منهم من يقول قد تغير، ومنهم من يقول: لم يتغير، ثم وجدوا فيها عصفوراً ميتاً2؟
__________
1 نقل عنه اختيار هذه الكيفية ابن هانئ في مسائله 1/108 (537، 538) ، وأبو داود في مسائله ص73، 74.
والمذهب: جواز فعل صلاة الكسوف بكل صفة وردت، لكن الأفضل ركوعان في كل ركعة على الصحيح من المذهب.
وروي عن أحمد: أن أربع ركوعات في كل ركعة أفضل.
انظر: المغني 2/426، الفروع 1/590، الإنصاف 2/447.
2 قال عبد الله: (قرأت على أبي قال: وإذا تغير ريح الماء من الشيء وقع فيه من الميتة أو طير وقع فيه فمات، فلا يعجبني أن يتوضأ منه) . وقال: (سمعت أبي سئل عن البئر يقع فيها الطير والعصفور ونحو هذا أو ما أشبهه؟ فيقول: لا بأس به، ما لم يغير ريح أو طعم. قال إلا أن يكون بول أو عذرة رطبة. فأعجب إلى أن ينزح ماؤها كله) . المسائل ص3، 4، (2، 6) .
وتقدم حكم وقوع حيوان في البئر. راجع مسألة (47) .(2/783)
قال: التغير شديد إذا تغير من نجاسة1 لا يشكون أنه يعيد الصلاة من يوم تغير أو ينزح ماؤها، قلت: شكوا في تغييره؛ كأنه رأى إذا شكوا أنه لا بأس حتى يستيقنوا.
[414-] قال: سألت أحمد عن الرد على الإمام إذا سلم؟
قال: لا أدري ما هو؟ ليس هو سلام علي إنما هو إذن2.
__________
1 تقدم بيان حكم ما إذا وقع في البئر بول آدمي أو عذرته. راجع مسألة (31) .
2 نقل عنه مسائل في السلام على الإمام صالح في مسائله 2/127 (690) ، وابن هانئ في مسائله 1/63 (314، 315) ، وأبو داود في مسائله ص73.
والمذهب: استحباب أن ينوي المصلي بسلامه الخروج من الصلاة، وعليه أكثر الأًصحاب. فإن نوى بسلامه الخروج من الصلاة وعلى الحفظة والإمام جاز، ولم يستحب على الصحيح من المذهب. وقيل: يستحب، وقيل: يستحب بالتسليمة الثانية، وقيل: تبطل صلاته للتشريك في النية.
وإن نوى بسلامه على الحفظة والإمام والمأموم ولم ينو الخروج من الصلاة فالصحيح من المذهب. جواز الصلاة. وقيل: تبطل لتمحضه كلام آدمي.
وروي عن أحمد: أن المأموم ينوي بسلامه الرد على إمامه.
انظر: الروايتين والوجهين 1/131، والفروع لابن مفلح 1/333، 334، والإنصاف 2/86، 87.(2/784)
قلت: ترد أنت؟
قال: لا.
قال أبو يعقوب: نحن نرى أن ترد.
[415-] قلت لأحمد رضي الله عنه: يقرأ في الطريق؟
قال: لا بأس1.
[416-] سئل أحمد عمن أحدث قبل أن يسلم؟
قال: يعيد2.
[417-] سئل عمن نسي القراءة؟
قال: يعيد3.
[418-] سئل عمن نسي المضمضة والاستنشاق؟
__________
1 أشار في الفروع 1/422 إلى رواية ابن منصور. وقراءة القرآن في الطريق جائزة بدون كراهة بلا خلاف في المذهب.
انظر: المغني 2/173، كشاف القناع 1/506، مطالب أولي النهى 1/596.
2 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (1) .
3 تقدم حكم القراءة في الصلاة. راجع مسألة (194، 195) .(2/785)
قال: يعيد1.
[419-] قلت لأحمد: المريض إذا لم يقدر أن يصلي؟
قال: لابد من شيء إذا كان يعقل إلا أن لا يعقل2.
[420-] قلت لأحمد: ما يقول من خلف الإمام إذا رفع رأسه من الركوع؟
قال يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا كان إماماً أو وحده قال: سمع الله لمن حمده3، إنما قال إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد4.
[421-] قلت لأحمد: قوله صلى الله عليه وسلم "ثمانياً وسبعاً5 أو ثمانياً
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (11) .
2 المذهب وهو ما عليه الأصحاب: موافق لهذه الرواية، فالصلاة لا تسقط عن المريض بأي حال من الأحوال مادام عقله ثابتاً، ويصلي على حسب حاله.
وروي عن أحمد: أن الصلاة تسقط عن المريض إذا لم يقدر على الإيماء برأسه. اختارها ابن تيمية. وضعفها الخلال.
انظر: الروايتين والوجهين 1/179، الإنصاف 2/308، 309.
3 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (233) .
4 تقدم تخريجه. راجع مسألة (351) .
5 وروى أبو داود في سننه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانياً وسبعاً: الظهر والعصر والمغرب والعشاء". سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين 2/16 (1214) . ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ولفظه: "صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر …". صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب تأخير الظهر إلى العصر 1/95. صحيح مسلم، كتاب المسافرين، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر 1/491 (56) .(2/786)
جيمعاً1؟
قال: الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
قلت: قد عرفت ولكن ما هذا؟
قال: هو في الحضر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أراد التوسعة على أمته2.
__________
1 قوله: "أو ثمانياً جميعاً" يشير إلى الرواية الثانية: "ثمانياً جمعياً وسبعاً جمعياً". روى مسلم والبخاري في صحيحيهما عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جمعياً. قلت: يا أبا الشعثاء؛ أظنه أخر الظهر وعَجّل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء , قال: وأنا أظنه". صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر 1/491 (55) . صحيح البخاري، كتاب التهجد، باب من لم يتطوع بعد المكتوبة 2/51.
2 روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في غير خوف ولا مطر، قال: فقيل لابن عباس: لِم فعل ذلك؟ قال: أراد التوسعة على أمته". مصنف ابن أبي شيبة 2/456، ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/555، والطبراني في معجمه الكبير 1/397 (10803) ، ورواه أحمد في المسند بلفظ: (يا أبا عباس ما أراد بذلك؟ قال: التوسع على أمته) . المسند 1/346.
قال الألباني: (هذا سند حسن في المتابعات والشواهد، رجاله ثقات، رجال مسلم غير صالح- مولى التوأمة- ففيه ضعف) إرواء الغليل 2/36.(2/787)
[422-] قلت: رأيت أحمد بعدما كبر في الفريضة والتطوع يجر نعليه ويسويهما برجله، ويمسح رأسه ووجهه بيديه جميعاً، ويسوي ثيابه1 ويقارب صلاة التطوع [ع-20/ب] لا يطول ويتم ركوعها وسجودها2.
[423-] قلت لأحمد: رجل صحيح لا يشهد الجماعة؟
قال: رجل ليس له علم، وأما من علم الحديث يتخلف عن
__________
1 قال أبو داود: (قلت لأحمد: الرجل يزر عليه- أي يزر ثوبه على نفسه- قال: أرجو. أو يأخذ قلنسوته في الصلاة. قال: أرجو. عاودته فيه فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو حامل أُمامة، وفتح لعائشة الباب، أي لا بأس به) . المسائل ص33.
وقال ابن قدامة: (لا بأس بالعمل اليسير في الصلاة للحاجة) . المغني 2/12.
والصحيح من المذهب: أن الأفعال المتفرقة في الصلاة لا تبطلها حتى وإن كانت لو جمعت متوالية أصبحت فعلاً طويلاً، وقيل: تبطل.
انظر: الفروع 1/259، 361، الإنصاف 2/97.
2 أي يجعل القيام والركوع والسجود متقارباً في المدة بدون إطالة.(2/788)
الجماعة1.
وقد قيل: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد2 إن هذا الرجل
__________
1 قال عبد الله (سألت أبي عن الصلاة في جماعة حضورها واجب؟ فعظم أمرها جداً، وقال: كان ابن مسعود يشدد في ذلك) .
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك تشديداً كثيراً: "لقد هممت أن آمر بحزم الحطب فأحرق على قوم لا يشهدون الصلاة". المسائل ص106 (378) .
وقال صالح: (قال أبي: الصلاة جماعة أخشى أن تكون فريضة، ولو ذهب الناس يجلسون عنها لتعطلت المساجد، ويروي عن علي وابن مسعود وابن عباس: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له) . المسائل 2/34 (573) .
والمذهب وهو ما عليه جماهير الأصحاب: وجوب أداء الصلوات الخمس جماعة على الرجال، وليست الجماعة شرطاً لصحة الصلاة.
وروي عن أحمد: أنها شرط لصحة الصلاة. اختارها ابن عقيل وابن أبي موسى وابن تيمية.
وعنه: أن الجماعة سنة.
انظر: المحرر في الفقه ومعه النكت 1/91، المبدع 2/41، 42، الإنصاف 2/210.
2 روى الدارقطني في سننه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". سنن الدارقطني 1/420. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 2/57، والحاكم في المستدرك 1/246.
وفي سنده سليمان بن داود اليمامي قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: متروك.
انظر: التعليق المغني على الدارقطني 1/420، وإرواء الغليل 2/251.(2/789)
أي رجل سوء1.
[424-] قال: ورأيت أحمد محلول الإزار في الصلاة وغيرها2.
ورأيته يضع نعليه بين رجليه إماماً كان أو غير إمام3.
ورأيته وهو إمام حين سلم يقوم فيدخل بيته4.
__________
1 قال ابن قدامة: (ويجوز فعلها في البيت والصحراء، وقيل: فيه رواية أخرى ان حضور المسجد واجب إذا كان قريباً منه) . المغني 2/178.
والصحيح من المذهب: أن فعلها في المسجد سنة.
وروي عن أحمد: أنه فرض كفاية.
وعنه: واجبة على القريب من المسجد.
انظر: الفروع 1/446، الكافي 1/326، الإنصاف 2/213، 214، الروايتين والوجهين 1/164، 165.
2 قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن الرجل يصلي في قميص محلول الإزار وعليه رداء؟ قال: إن كان يلزم صدره فلا يرى عورته) . المسائل ص39.
ومعنى محلول الإزرار: أنه لم يكن يشدد في ربطه على وسطه، وإنما يكون الإزرار مرتخياً. والله أعلم.
3 قال أبو داود: (رأيت أحمد إذا صلى بنا خلع نعليه وجعلهما بين يديه) . المسائل ص41.
4 قال ابن قدامة: (ويكره للإمام إطالة القعود بعد الصلاة مستقبل القبلة) . المقنع 1/216.
وقال ابن مفلح: (لأنه إذا بقي على حاله ربما سها فظن أنه لم يسلم أو ظن غيره أنه في الصلاة) . المبدع 2/93.
فإن كان القعود يسيراً، فالمذهب: أنه لا يكره.
وروي عن أحمد: أنه يكره. انظر: الإنصاف 2/299.(2/790)
[425-] قال أحمد: التلثم على الفم، وأشار إلى نواحي الفم، قال: يغطي هذا كله1 وصلى بنا الإمام أحمد رضي الله (عنه) 2 فلم أره سهاً، فسلم ثم سجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم3.
[426-] ورأيته في صلاة الغداة وهو إمام حين سلم قعد ناحية اليسرى وتساند إلى الحائط4.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (278) .
(عنه) إضافة يقتضيها السياق.
3 قال أبو داود: (رأيت أبا عبد الله صلى بنا غير مرة ولم نر سهواً، فلما انتظرنا التسليم سجد بنا سجدتين) . المسائل ص53، 54.
وتقدم مكان سجدتي السهو، وهل فيهما تشهد أم لا. راجع مسألة (203، 204) ، ولا يلزم علم المأموم بسهو إمامه؛ لاحتمال أنه نسي تسبيح الركوع أو السجود أو نحو ذلك.
4 قال ابن هانئ: (سألته عن الرجل يصلي بالقوم، فإذا فرغ من الصلاة خرج من بين رجلين أفهو تخط؟ قال: نعم هذا تخط إذا خرج بين رجلين، وأحب إلى أن يتنحى عن القبلة قليلاً حتى يتفرق الناس فيخرج) . المسائل 1/63 (313) .
والمذهب: أنه يستحب للإمام إذا لم يقم من مكانه بعد السلام أن ينحرف عن القبلة ولا يلبث مستقبل القبلة) .
انظر: المغني 1/561، الفروع 1/334، كشاف القناع 1/425.(2/791)
[427-] سئل أحمد عن ركعتي الفجر أيهما أحب إليك أيصليهما في بيته أو في1 المسجد2؟.
[428-] قلت: حديث النبي صلى الله عليه وسلم "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس"3؟
قال: إذا كان في مثل هذه الساعة يعني قبل الفجر، أو بعد العصر في وقت لا تصلح الصلاة فيه4 أو كان على غير وضوء5.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (304) .
2 يوجد في الأصل بياض بعد كلمة (المسجد) بمقدار كلمتين أو ثلاث، وهي جواب الإمام أحمد لسؤال ابن منصور. ولعل الجواب (قال في البيت) .
3 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي قتادة السلمي- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس". صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين 1/81، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تحية المسجد بركعتين 1/495 (70) .
4 تقدم حكم التطوع بعد الفجر وبعد العصر. راجع مسألة (121، 122) .
5 لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} الآية. وانظر: المغني 2/6، مطالب أولي النهى 1/306.(2/792)
[429-] قلت: سئل أحمد عن بئر مات فيها ضفدع فغير ريح الماء؟ قال فما بقي؟
قال: إنهم يقولون: إن الضفدع من دواب الماء.
قال أحمد: لا، قد فسد الماء1.
[430-] سئل أحمد عن بئر بال فيها إنسان؟
قال: تنزح حتى تغلبهم.
قلت: ما حده؟
قال: تغلبهم لا يقدرون على نزحها2.
قيل: وإذا وجدوا فيها عذرة؟
قال: يُنقى من العذرة وينزح الماء3.
__________
1 تقدم حكم الماء الذي يقع فيه حيوان ويغير ريحه. راجع مسألة (47) .
2 نقل ابن قدامة نص هذه المسألة عن ابن منصور في المغني 1/40، وتقدم حكم المسألة. راجع مسألة (31) .
3 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (31) .(2/793)
[431-] سئل أحمد عن التيمم على الجنازة؟
قال: لا.
قيل: فإنه يروى فيه أحاديث،1 قال: عامة الناس قالوا: يتيمم.
قال: أحمد أعجب إلي أن لا يصلي عليها إلا متوضئاً.
قيل له: فإنه يخاف الفوت.
قال: فإن فاته فما يكون2؟.
[432-] قلت لأحمد: يتيمم بين القريتين بينهما فرسخ؟.
__________
1 روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (إذا خفت أن تفوتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم وصل) . مصنف ابن أبي شيبة 3/305، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/86، وابن المنذر في: الأوسط 2/70.
قال البيهقي: (الذي روى المغيرة بن زياد عن عطاء عن ابن عباس في ذلك لا يصح عنه، إنما هو قول عطاء، كذلك رواه ابن جريح عن عطاء من قوله. وهذا أحد ما أنكر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين على المغيرة بن زياد. وقد رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو خطأ قد بيناه في الخلافيات) . السنن الكبرى 1/231.
وروى ابن المنذر في: الأوسط عن ابن عمر- رضي الله عنهما- (أنه أتى بجنازة وهو على غير وضوء فتيمم وصلى عليها) . الأوسط 2/70. قال البيهقي: (في إسناد حديث ابن عمر في التيمم ضعف) . السنن الكبرى 1/231.
2 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (97) .(2/794)
قال: إذا خاف الفوت1 ابن عمر رضي الله عنهما تيمم بالمربد2 ثم دخل [ع-21/أ] المدينة فلم يعد3.
[433-] قال صلى بنا العصر فنهض على ركبتيه في الثنتين4 فلما قعد
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (102) .
2 المربد: موضع على ميلين من المدينة المنورة تحجز فيه الإبل.
انظر: معجم البلدان 5/98، النهاية في غريب الحديث 2/182.
3 روى مالك بسنده عن نافع: (أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر من الجرف، حتى إذا كان بالمربد نزل عبد الله فتيمم صعيداً طيباً، فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى) . الموطأ، كتاب الطهارة، باب العمل في التيمم 1/56 (90) .
وروى الدارقطني بسنده عن نافع (أن ابن عمر تيمم بمربد النعم وصلى- وهو على ثلاثة أميال من المدينة- ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد) . سنن الدارقطني 1/186، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 1/224، وعبد الرزاق في مصنفه 1/229.
ورواه البخاري تعليقاً في صحيحه، كتاب التيمم، باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة 1/63.
4 لا خلاف في المذهب: أن من نسي التشهد الأول وقام إلى الركعة الثانية ثم ذكر قبل أن يعتدل قائماً إنه يلزمه الرجوع للتشهد.
انظر: المغني 2/24، الإنصاف 2/144. وإن ذكر بعد استتمامه قائماً فتقدم حكمه. راجع مسألة (240) .(2/795)
وتشهد ودعا سجد سجدتين1 ثم سلم2.
[434-] قال: رأيت أحمد خرج عند المغرب فحين انتهى إلى موضع الصف أخذ المؤذن في الإقامة جلس3.
[435-] سألت أحمد عن الغلام يترك الصلاة قبل أربع عشرة سنة أيعيد؟
قال: نعم، هو4 يضرب على الصلاة إذا بلغ
__________
1 نقل عنه سجود السهو في مثل هذه الحالة عبد الله في مسائله ص 86 (305) ، وابن هانئ في مسائله 1/76 (375) .
والصحيح من المذهب- وهو ما عليه أكثر الأصحاب-: أنه إذا ذكر قبل الاعتدال قائماً فإنه يسجد للسهو.
وروي عن أحمد: إن كثر نهوضه سجد له وإلا فلا. وقيل: لا يجب له سجود. أما إذا استتم قائماً فلا خلاف في المذهب: أنه يسجد للسهو.
انظر: الفروع 1/388، 389 الإنصاف 2/145، كشاف القناع 1/474.
2 تقدم بيان مكان سجدتي السهو. راجع مسألة (203) .
3 تقدم حكم التطوع قبل صلاة المغرب. راجع مسألة (123) . وتقدم: ان الإمام لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة. راجع مسألة (274) .
4 أشار أبو يعلى إلى هذه الرواية في الروايتين والوجهين 1/266.
والمذهب- وهو ما عليه الأصحاب-: أن الصلاة لا تجب على الصبي حتى يبلغ.
وروي عن أحمد: أنها تجب على من بلغ عشراً. اختارها أبو بكر.
وعنه: تجب على المراهق، اختارها أبو الحسن التميمي وابن عقيل.
وعنه: تجب على المميز.
انظر: الفروع 1/199، 200، المبدع 1/303، الإنصاف 2/396.(2/796)
العشر.1
قيل: فالصيام؟
قال: إذا أطاق الصيام2.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (325) .
2 قال أبو داود: (قلت لأحمد بن حنبل متى يؤمر الغلام بالصيام؟ قال: إذا أطاقه قيل وإن لم يحتلم؟ قال: نعم) . المسائل ص96.
والصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب: أنه لا يجب الصوم على الصبي حتى يبلغ.
وروي عن أحمد: أنه يجب على المميز إن أطاقه وإلا فلا. اختاره أبو بكر وابن أبي موسى.
وعنه: يجب على من بلغ عشر سنين وأطاقه. وأكثر الأصحاب أطلق الإطاقة. وحدد ابن أبي موسى إطاقته بصوم ثلاثة أيام متوالية ولا يضره.
ويجب على الولي: أن يأمره بالصوم إذا أطاقه ويضربه عليه ليعتاده. وحدد ابن قدامة والمجد بن تيمية ذلك ببلوغ عشر سنوات لأمره عليه الصلاة والسلام بالضرب على الصلاة عندها.
انظر: الروايتين والوجهين 1/265، 266، المغني 3/153، 154، المحرر في الفقه 1/227، الإنصاف 3/281، كشاف القناع 2/359.(2/797)
[436-] سئل أحمد في كم يقصر الصلاة؟
قال: في قدر ستة عشر فرسخاً1.
قيل له: إن علياً رضي الله عنه يقول في مسيرة ثلاث2؟
قال: لا، أربعة برد.
[437-] سئل أحمد عن القنوت في الوتر؟
قال: أما أنا فأختار النصف الأخير، وإن قنت السنة أجمع لا أعيبه3.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (312) .
2 هذا القول لعلي- رضي الله عنه- لم أعثر عليه. وروى عنه: خلافه. فقد روى عبد الرزاق بسنده عن عبد الرحمن بن زيد الفايشي قال: (خرجنا مع علي إلى صفين فصلى ركعتين بين القنطرة والجسر) . مصنف عبد الرزاق 2/530، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/445، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/419.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن البراء: (أن علياً خرج إلى النخلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين، ثم رجع من يومه فقال: أردت أن أعلمكم سنة نبيكم) . مصنف ابن أبي شيبة 2/443، ورواه ابن حزم في المحلى 5/10.
3 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص90، 96، 98، 99 (320، 337، 347) ، وصالح في مسائله 1/332، 435 (282، 423) ، وابن هانئ في مسائله 1/99، 100 (497، 500) ، وأبو داود في مسائله ص66.
والمذهب:- وهو ما عليه الأصحاب-، وقطع به كثير منهم: أنه يقنت في جميع السنة.
وروي عن أحمد: أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان. قال القاضي: (عندي أن أحمد رجع عن القول بأن لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير؛ لأنه صرح في رواية خطاب، فقال: كنت أذهب إليه ثم رأيت السنة كلها) .
انظر: الروايتين والوجهين 1/163، المغني 2/151، الإنصاف 2/170.(2/798)
قال إسحاق بن منصور: أنبأ النضر بن شميل قال: أنبأ الأشعث عن الحسن أنه كان يقول في القنوت في شهر رمضان في النصف بعد الركوع(2/799)
[438-] سئل أحمد عن التطوع فقال: ركعتان1، واحتج بأحاديث قال: حديث ابن عمر رضي الله عنهما في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتان بعد الظهر ركعتان2، وحديث العيدين ركعتان3، والاستسقاء ركعتان4.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (356) .
2 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: "حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح، كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين". صحيح البخاري، كتاب التهجد، باب الركعتان قبل الظهر 2/52، صحيح مسلم، كتاب المسافرين، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن 1/504 (104) .
3 روى مسلم والبخاري في صحيحيهما عن ابن عباس- رضي الله عنهما- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فطر، فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وتلقى سخابها". صحيح مسلم، كتاب العيدين، باب ترك الصلاة قبل العيد وبعدها في المصلى 2/606 (13) ، صحيح البخاري، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد 2/17.
4 روى البخاري ومسلم بسنديهما عن عباد بن تميم عن عمه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقى، قال: فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه، ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة". صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب كيف حول النبي صلى الله عليه وسلم ظهره إلى الناس 2/28، صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء 2/611 (4) .(2/800)
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس"1، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته صلى ركعتين2.
قال الإمام أحمد: كل هذا يقوي الصلاة ركعتين.
قال إسحاق بن منصور: أنبأ النضر بن شميل. قال: أنبأ الأشعث عن الحسن- رحمه الله تعالى- أنه قال: (صلاة النهار ركعتان ركعتان) 3.
__________
1 تقدم تخريجه. راجع مسألة (428) .
2 روى مسلم بسنده عن عبد الله بن شقيق، قال: "سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه؟ فقالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين …". صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز النافلة قائماً وقاعداً 1/504 (105) .
3 هذا الأثر لم أعثر عليه بهذا السند. وروى ابن أبي شيبة بسنده عن الحسن قال: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى". مصنف ابن أبي شيبة 2/274.(2/801)
[439-] سئل الإمام أحمد إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن؟
قال: يستحب أن يقول مثل ما يقول المؤذن1، وإن لم يقل وافتتح الصلاة -أي فلا بأس-2، إلا في صلاة الغداة، -يعني إذا جاء عند الإقامة- فإنه يقال: إذا أقيمت الصلاة3 فلا صلاة إلا المكتوبة4.
__________
1 قال الخرقي: (ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول) .
قال ابن قدامة: (لا أعلم خلافاً بين أهل العلم في استحباب ذلك) . المغني 1/426.
والصحيح من المذهب: أنه يستحب أن يقول: السامع في الحيعلة "لا حول ولا قوة إلا بالله" وهذا ما عليه جماهير الأصحاب.
وقيل: يجمع بينهما أي بين الحيعلة والحوقلة، وقيل: يخير بينهما، وقيل: إذا كان في المسجد حيعل، وإذا كان خارجه حوقل، وقيل: يقول كما يقول فقط.
انظر: الفروع 1/227، 228، المحرر ومعه النكت 1/38ـ40، الإنصاف 1/425، 426.
2 من دخل المسجد والمؤذن قد شرع في الأذان استحب له انتظاره حتى يفرغ فلا يأتي بتحية المسجد ولا غيرها، ويقول مثل ما يقول جمعاً بين الفضيلتين.
وروي عن أحمد: انه إن لم يقل مثل ما يقول وافتتح الصلاة فلا بأس.
انظر: المغني 1/429، المبدع 1/332، كشاف القناع 1/285، 286.
3 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (275) .
4 روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة". صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن 1/493 (63) .(2/802)
[440-] قلت لأحمد: إذا ركع [ع-21/ب] دون الصف ثم مشى1؟
قال: في حديث أبي بكرة2 "زادك الله تعالى3 حرصاً"4.
[441-] قلت: لم يدرك الصف حتى رفع الإمام رأسه5؟
قال: يروى عن ابن مسعود6، وعن زيد بن
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (263) .
2 هو نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي أبو بكرة، صحابي جليل من خيار الصحابة وفضلائهم ومن الذين اعتزلوا الفتن فلم يدخلوا في شيء منها، توفي سنة خمسين أو إحدى وخمسين من الهجرة.
انظر ترجمته في: أسد الغابة 5/354، العقد الثمين 7/347، تاريخ الإسلام للذهبي 2/329، العبر 1/58.
(تعالى) لم أرها في روايات الحديث التي أطلعت عليها.
4 روى البخاري في صحيحه عن أبي بكرة- رضي الله عنه- "أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: زادك الله حرصاً ولا تعد". صحيح البخاري، كتاب الأذان والجماعة، باب إذا ركع دون الصف 1/129.
5 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (262) .
6 روى الطبراني بسنده عن إبراهيم قال: (دخل عبد الله المسجد ودخل معه فركع الإمام فركعنا قبل أن انتهينا إلى الصف، ثم انتهينا إلى الصف حين قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فلما سلم الإمام قام صاحب عبد الله ليقضي فأخذ عبد الله بثوبه فقال: اجلس فقد أدركت الصلاة) . المعجم الكبير 9/313 (9359) .
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن زيد بن وهب. قال: (خرجت مع عبد الله من داره إلى المسجد، فلما توسطنا المسجد ركع الإمام فكبر عبد الله، ثم ركع وركعت معه، ثم مشينا راكعين حتى انتهينا إلى الصف حتى رفع القوم رؤوسهم. قال: فلما قضى الإمام الصلاة قمت أنا، وأنا أرى لم ندرك، فأخذ بيدي عبد الله فأجلسني وقال: إنك قد أدركت) . مصنف ابن أبي شيبة 1/255.
ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/283، والطبراني في معجمه الكبير 9/312، والبيهقي في السنن الكبرى 2/90، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/397. قال الهيثمي (رجاله ثقات) . مجمع الزوائد 2/77.(2/803)
ثابت1، كأنه2، لم ير أن يعيد على هذه الحال.
__________
1 روى الطحاوي بسنده عن خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت (كان يركع على عتبة المسجد ووجهه إلى القبلة، ثم يمشي معترضاً على شقه الأيمن، ثم يعتد بها إن وصل إلى الصف أو لم يصل) .شرح معاني الآثار 1/398.
وروى عبد الرزاق بسنده عن سعيد بن إبراهيم أن زيد بن ثابت (كان يركع ثم يتمشى راكعاً) . مصنف عبد الرزاق 2/283. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/256، والبيهقي في السنن الكبرى 3/90، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/398.
2 هذا استنتاج من الكوسج بناءً على جواب الإمام أحمد وهو المذهب المعمول به كما تقدم.(2/804)
[442-] قلت لأحمد: بئر تغير ريح الماء؟
قال: ينزح حتى يطيب.
قيل: وإن لم ينزحوا كله1؟
قال: نعم2.
[443-] سئل أحمد إذا أحس بمذي فأدخل يده فوضعه3 على ذكره أيعيد الوضوء؟
قال: نعم4.
__________
1 أي لم ينزحوا كل البئر وإنما نزحوا منها حتى زال الريح وطاب الماء.
2 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (31، 47) .
3 الصواب (فوضعها) .
4 نقل عنه انتقاض الوضوء من مس الذكر. عبد الله في مسائله ص16، 17 (51ـ57) ، وصالح في مسائله 1/170 (80) ، وابن هانئ في مسائله 1/9، 10 (47، 50) ، وأبو داود في مسائله ص12، 13.
والصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية: من أن مس الذكر ينقض الوضوء مطلقاً، أي سواء كان الماس ذكراً أو أنثى بشهوة أو غيرها، ذكره أو ذكر غيره، وسواء كان صغيراً أو كبيراً. وهذا ما عليه جماهير الأًصحاب، وقطع به جماعة منهم.
وروي عن أحمد: أنه لا ينقض مسه مطلقاً، بل يستحب الوضوء منه. اختاره ابن تيمية.
وعنه: لا ينقض مسه سهواً.
وعنه: لا ينقض مسه بغير شهوة.
وعنه: لا ينقض مس ذكر الميت والصغير وفرج الميتة.
وعنه لا ينقض مس ذكر الطفل.
انظر: المغني 1/178، 181 الفروع 1/103الإنصاف 1/202، كشاف القناع 1/142، 143.(2/805)
قيل: وإن مسه فوق الثياب؟
قال: لا يعيد1.
[444-] سئل أحمد عن شاة مذبوحة وقعت في بئر تغير ريح الماء؟
قال: لا بأس2 إنما إذا كان من
__________
1 نقل عنه عدم انتقاض الوضوء بمس الذكر من فوق الثياب. عبد الله في مسائله 16ـ17 (53) ، وأبو داود في مسائله ص13.
والمذهب كما أفتى به هنا: أن المماسة تكون من غير حائل، وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه ينقض إذا مسه بشهوة من وراء حائل.
انظر: المبدع 1/160، الإنصاف 1/202.
2 أشار ابن قدامة إلى هذه الرواية في المغني 1/12.
والمذهب- وهو ما عليه جماهير الأصحاب-: أن الماء الذي خالطه طاهر فغير أحد أوصافه: لونه أو طعمه أو ريحه، فقد سلبه الطهورية وأصبح الماء طاهراً غير مطهر.
وروي عن أحمد: أنه لا يسلبه الطهورية، بل هو باق على طهوريته. اختاره الآجري وابن قدامة والمجد بن تيمية وحفيده شيخ الإسلام وغيرهم.
انظر: الروايتين والوجهين 1/59، الفروع 1/14، 15، الإنصاف 1/32، 33(2/806)
نجاسة1.
[445-] قلت لأحمد: إذا توضأ وغسل إحدى رجليه ولبس خفه؟
فما درى بالجواب، قال: لا يمسح عليهما؛ لأنه لم يلبسه على طهارة2.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (31) .
2 قال ابن هانئ: (قلت: فإني توضأت فغسلت رِجلاً واحدة فأدخلتها الخف، والأخرى غير طاهرة، ثم غسلت الأخرى ولبست الخف؟ فقال لي أبو عبد الله: لا تفعل.
كذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أدخلتهما وهما طاهرتان" فهذه واحدة طاهرة والأخرى غير طاهرة، تعيد الوضوء من الرأس إن كان جف الوضوء) . المسائل 1/20 (102) .
والصحيح من المذهب: موافق لهذه الرواية، حيث يشترط لجواز المسح على الخف كمال الطهارة قبل لبسه.
وروي عن أحمد: أنه لا يشترط كمالها. اختاره ابن تيمية وصاحب الفائق.
انظر: المحرر في الفقه 1/12، الإنصاف 1/172.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط 1/442، المغني 1/282، المجموع 1/555.(2/807)
[446-] قلت لأحمد: بئر تغير ماؤها من نجاسة؟
قال: يعيد الصلاة ويغسل الثياب1 وإن عجن بذلك الماء فلا يطعمه شيئاً يؤكل لحمه أو يشرب لبنه2.
[447-] قال أحمد: لا، التكبير على الجنازة من أربع ولا يزاد على سبع3.
__________
1 لأنه أصبح ماء نجساً لا يصح استعماله في الطهارة وغيرها. وقد تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (31) .
2 المذهب موافق لهذه الرواية: من أن العجين إذا تنجس فإنه يطعم النواضح ولا يطعم ما يؤكل لحمه، أو يشرب لبنه؛ لئلا يتنجس به ويصير كالجلالة.
انظر: المغني 1/38، 39، كشاف القناع 1/216.
3 تقدم: أن المختار في تكبيرات الجنازة أربع تكبيرات. راجع مسألة (391) .
ونقل عنه: أنه لا يزاد على سبع تكبيرات في صلاة الجنازة. عبد الله في مسائله ص139 (515) ، وابن هانئ في مسائله 1/188 (937) ، وأبو داود في مسائله ص152، 135.
والمذهب: إذا زاد الإمام على أربع تكبيرات فإنه يتابع إلى سبع، اختارها الخلال وابن بطة، وأبو الخطاب وغيرهم.
وروي عن أحمد: أنه لا يتابع في زيادة على أربع. اختاره ابن عقيل وابن عبدوس.
وعنه: لا يتابع في زيادة على خمس فيكبرون معه الخامسة ولا يتابعونه على أزيد منها. اختاره الخرقي وابن قدامة.
انظر: الروايتين والوجهين 1/207ـ209، المحرر في الفقه 1/197، الإنصاف 2/526، 527(2/808)
[448-] قلت: التشهد1؟
قال: حديث ابن إسحاق لا أدري ما هو2.
[449-] سئل أحمد عن النوم؟
قال: إذا نام حتى يحلم يعجبني أن يتوضأ إلا أن يكون ذاك قليل3.
[450-] قيل لأحمد: أين يقوم من المرأة والرجل في الصلاة عليه؟
قال: من المرأة وسطها4 حديث
__________
1 الصحيح من المذهب: أن المصلي على الجنازة لا يتشهد بعد التكبيرة الرابعة، وعليه أكثر الأصحاب. واختار حرب- وهو من كبار أئمة الأصحاب- أن يقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) .
انظر: الفروع 1/657، الإنصاف 2/523، مطالب أولي النهى 1/883.
2 لم أقف على حديث ابن إسحاق في التشهد على الجنازة.
3 تقدم حكم نقض النوم للوضوء. راجع مسألة (28) .
4 المذهب- وهو ما عليه الأصحاب- كما أفتى به هنا: من أن الإمام يقف من المرأة المتوفية عند وسطها.
وروي عن أحمد: أنه يقف عند صدرها. قال الخلال: (رواية قيامه عند صدر المرأة سهو فيما حكى عنه، والعمل على ما رواه الجماعة) .
انظر: المغني 2/517، المحرر في الفقه 1/201، الإنصاف 2/516، 517.(2/809)
سمرة1، وأنس2 رضي الله عنهما والرجل عند صدره3.
__________
1 روى مسلم والبخاري في صحيحيهما عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى على أم كعب ماتت وهي نفساء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها وسطها". صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه 2/664 (87) ، صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها، وباب أين يقوم من المرأة والرجل 2/78.
2 روى أحمد بسنده عن أبي غالب الخياط، قال: شهدت أنس ابن مالك صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه، فلما رفع أتى بجنازة امرأة من قريش أو من الأنصار.
فقيل له يا أبا حمزة؛ هذه جنازة فلانة ابنة فلان فصلِ عليها، فصلي عليها فقام وسطها. وفينا العلاء بن زياد العدوي، فلما رأي اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الرجل حيث قمت، ومن المرأة حيث قمت؟ قال: نعم. قال فالتفت إلينا العلاء فقال: احفظوا) . المسند 3/204.
ورواه الترمذي في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة 2/249 (1039) ، وقال: (حديث أنس حديث حسن) وابن ماجه في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء أين يقوم الإمام إذا صلى على الجنازة 1/479 (1494) ، والطيالسي في مسنده ص286 (2149) .
والحديث رجاله رجال الصحيحين غير أبي غالب وهو ثقة.
انظر: أحكام الجنائز وبدعها ص109، التعليق على شرح السنة للبغوي 5/360.
3 قال ابن هانئ: (وسئل أين يقام من الرجل إذا أراد أن يصلى عليه؟ قال: يقام من الرجل حيال صدره، ويقام من المرأة حيال وسطها) . المسائل 1/187 (934) .
والمذهب- وهو ما عليه أكثر الأصحاب-: متفق مع هذه الرواية، حيث يقف الإمام عند صدر الرجل.
وروي عن أحمد: أنه يقف عند رأس الرجل. قال المجد بن تيمية: (القولان متقاربان، فإن الواقف عند أحدهما يمكن أن يكون عند الآخر لتقاربهما) .
انظر: الفروع 1/655، المبدع 2/249، الإنصاف 2/516.(2/810)
قال الإمام أحمد: من الناس من ينكر القيام من المرأة وسطها1.
[451-] سئل أحمد أيصلى على البدن وإن لم يكن عليه رأس؟
قال: نعم2.
__________
1 روى عن عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وإبراهيم النخعي: (أن الإمام يقوم عند صدر المرأة) .
انظر: مصنف ابن أبي شيبة 3/313، شرح معاني الآثار 1/491، الأوسط خ ل أ 302.
وبه قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني.
انظر: كتاب الأصل 1/426، تحفة الفقهاء 1/250.
2 نقل عنه الصلاة على ابعاض الميت. عبد الله في مسائله ص141 (525، 526) ، وأبو داود في مسائله ص155.
والمذهب: موافق لما أفتى به هنا، فمتى وجد بعض الميت غسل وصلى عليه، سواء كان البعض الموجود يعيش معه كيد ورجل ونحوهما، أو لا كرأس ونحوه.
وروي عن أحمد: أنه لا يصلي على الجوارح. قال: الخلال: (لعله قول قديم لأبي عبد الله، والذي استقر عليه قوله هو الأول) .
انظر: الإنصاف 2/536، المحرر في الفقه 1/201، مطالب أولي النهى 1/890، 891.(2/811)
حتى ذكر أن بعضهم صلى على رِجْل1.
[452-] سئل أحمد أيصلى على الميت قبل أن يدفن بعد ما صلي عليه؟
قال: نعم2 يروى عن خمسة3.
__________
1 روى ابن أبي شيبة بسنده عن سفيان، عن رجل، أن أبا أيوب صلى على رِجْل.
وروى أيضاً بسنده عن عامر أن عمر صلى على عظام بالشام. مصنف ابن أبي شيبة 3/356.
والأثر الأول: فيه رجل لم يسم، والثاني: منقطع وفيه جابر بن زيد الجعفي وهو متهم. انظر: إرواء الغليل 3/169.
2 قال أبو داود: (قلت لأحمد: يصلي على الجنازة بعد ما صلى عليها قبل أن تدفن؟ قال: نعم) . المسائل ص157.
والصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية، فمن فاتته صلاة الجماعة على الجنازة استحب له أن يصلي عليها.
انظر: المغني 2/512، الإنصاف 2/533.
3 هم: علي بن أبي طالب، وسلمان بن ربيعة، وأنس بن مالك، وأبو حمزة، ومعمر بن سمير. انظر: المغني 2/512.
أما أثر علي وأنس فرواهما البيهقي في السنن الكبرى 4/45، وأثر سلمان بن ربيعة رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/361. ولم أقف على بقية الآثار(2/812)
[453-] قلت: كيف يصلي على القبر؟
قال: جماعة1.
قيل: كم يسلم على الجنازة؟
قال: تسليمة2.
[454-] قال أحمد: يعجبني أن يقف وقفة الأربعة3، يعني التكبير على الجنازة4.
[455-] سئل أحمد بعد كم يصلى على القبر؟
__________
1 قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل هل يصلي على القبر؟ قال: نعم. قيل جميعاً أو فرادى؟ قال: جميعاً) . المسائل ص156، 157.
2 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (236) .
3 بمعنى: أن يقف بعد التكبيرة الرابعة وقفة يسيرة قبل أن يسلم.
4 نقل عنه نحوها. عبد الله في مسائله ص 139 (517) ، وصالح في مسائله 1/214 (154) . والمذهب- وهو ما عليه جماهير الأصحاب-: موافق لهذه الرواية من أنه يشرع أن يقف بعد التكبيرة الرابعة قليلاً. ولم يذكر جماعة من الأصحاب الوقوف بعد التكبيرة الرابعة.
انظر: المبدع 2/254، الإنصاف 2/522، كشاف القناع 2/133(2/813)
قال: أكثر ما سمعنا عن سعيد بن المسيب1 أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى2 على أم سعد3 بعد شهر4.
__________
1 هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي، أبو محمد (ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر-92هـ) كان من سادات التابعين علماً وفقهاً وورعاً وعبادة وفضلاً وزهادة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة. قال ابن المديني: (لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه) .
انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 2/375، مشاهير علماء الأمصار ص63، طبقات الحفاظ للسيوطي ص17، تهذيب الأسماء واللغات 1/219.
2 روى الترمذي بسنده عن سعيد بن المسيب "أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب، فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر". سنن الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على القبر 3/347 (1038) ، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/360، والبيهقي في السنن الكبرى 4/48.
وقال البيهقي: (هو مرسل صحيح) ، وضعفه الألباني، انظر: إرواء الغليل 3/186.
3 هي عمرة بنت مسعود بن قيس بن عمرو النجارية، والدة سعد بن عبادة ومن المبايعات. ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة خمس من الهجرة، والرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة دومة الجندل في شهر ربيع الأول، فلما جاء عليه الصلاة والسلام المدينة أتى قبرها فصلى عليها.
انظر ترجمتها في: الإصابة 4/356، أسد الغابة 7/202، 204، طبقات ابن سعد 8/451، الاستيعاب 4/352.
4 نقل عنه: أن مدة الصلاة على القبر شهر. عبد الله في مسائله ص140 (521) ، وصالح في مسائله 1/466، 2/9، 134، 3/58 (484، 485، 528، 699، 1335) ، وابن هانئ في مسائله 1/188 (939) ، وأبو داود في مسائله ص157.
والمذهب: أن أكثر مدة الصلاة على القبر شهر، ولا تضر الزيادة اليسيرة كاليوم واليومين، وقيل: يصلى ما لم يبل الجسد، وقيل: يصلى أبداً.
انظر: المغني 2/511، الفروع 1/664، الإنصاف 1/531، 532.(2/814)
قال أحمد: أما تراه يقول مر بقبر جديد1؟ مر بقبر امرأة كانت في المسجد2. هذا كله يدل أنه قريب، لولا هذا كان ينبغي أن
__________
1 روى أحمد في المسند عن يزيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد فسأل عنه، فقيل: فلانة فعرفها، فقال: ألا آذنتموني بها، فقالوا: يا رسول الله كنت قائلاً صائماً فكرهنا أن نؤذنك، فقال: لا تفعلوا، لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه له رحمة. قال: ثم أتى القبر فصفنا خلفه وكبر عليه أربعاً". المسند 4/388.
ورواه النسائي في سننه، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر 4/84، 85 (2022) ، وابن ماجه في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على القبر 1/489 (1528) والبيهقي في السنن الكبرى 4/48.
وسنده صحيح. انظر: إرواء الغليل 3/186.
2 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه- "أن أسود رجلاً أو امرأة، كان يقم المسجد فمات ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموته، فذكره ذات يوم، فقال: ما فعل ذلك الإنسان قالوا: مات يا رسول الله، قال: أفلا آذنتموني فقالوا: إنه كان كذا وكذا قصته، قال: فحقروا شأنه، قال: فدلوني على قبره فأتى قبره فصلى عليه". صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن 2/79، صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر 2/659 (71) .(2/815)
يصلوا أبداً، متى كان ينقطع هذا.
[456-] قال أحمد: إذا سجد بهما- يعني سجدتا السهو- قبل التسليم فلا يتشهد فيهما1.
[457-] قال: رأيت الإمام أبا عبد الله رضي الله عنه كبر من صلاة الفجر يوم عرفة2 إلى آخر أيام التشريق كبر بعد العصر3.
__________
1 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (204) .
2 يوم عرفة: هو اليوم التاسع من ذي الحجة. وعرفة وعرفات هي مشعر من مشاعر الحج في فسيح من الأرض محاط بقوس من الجبال، يكون وتره وادي عرنة، والوقوف فيها ركن من أركان الحج. وهي المشعر الوحيد من مشاعر الحج الذي يكون خارج الحرم؛ سميت بذلك لأن الناس يتعارفون فيها، وقيل: غير ذلك.
انظر: معجم البلدان 4/104، معالم مكة التاريخية ص 182.
3 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص129، 130 (476، 481) ، وابن هانئ في مسائله 1/94 (473) ، وأبو داود في مسائله 61.
والمذهب الذي عليه الأصحاب: موافق لما أفتى به هنا من أن غير الحاج يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة.
وروي عن أحمد: أنه كالحاج يكبر من صلاة الظهر يوم النحر.
وعنه: يكبر من صلاة الفجر يوم النحر.
أما آخره: فلا نزاع أنه إلى العصر من آخر أيام التشريق.
انظر: الفروع 1/585، الإنصاف 2/436، 437، مطالب أولي النهى 1/802.(2/816)
[458-] سئل عمن قرأ في أول ركعة سورة خفيفة، وقرأ بالثانية سورة طويلة؟
قال: تجزئه صلاته، ولكن ينبغي له أن لا يفعل.
[459-] قال الإمام-أبي عبد الله رحمه الله تعالى-: والبئر إذا بال فيها إنسان ينزح الماء، فإذا كانت عذرة ينزح الماء، ويتبع ما كان فيها من العذرة.
قال إسحاق: كما قال، إذا كان الماء كثيراً أو العذرة1.
[460-] سئل أحمد عن مس الذكر؟
قال: يتوضأ منه2.
[461-] وسئل عن لحوم الإبل؟
فقال: يتوضأ منه3.
__________
1 تقدم حكم المسألة وقولا الإمامين. راجع مسألة (31) .
2 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (29، 443) .
3 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (29) .(2/817)
[462-] وسئل عن ألبان الإبل؟
فقال: لا يتوضأ منه1.
[463-] وسئل أحمد عن الضحك في الصلاة؟
قال: لا أرى عليه وضوءاً فإن توضأ فذاك إليه2.
[464-] وكان الإمام أحمد يؤخر الظهر في الحر3.
[465-] سئل أحمد عن الجمع بين الصلاتين؟
فقال: يؤخر الظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء4.
[466-] قال أحمد: الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة، إلا قوله: قد قامت الصلاة5. ورأيته يرفع يديه إلى منكبيه6.
__________
1 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (29) .
2 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (88) .
3 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (126) .
4 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (132) .
5 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (167) .
6 أي عند التكبير في الصلاة، وتقدم الكلام عن حكم المسألة، راجع مسألة (187) .(2/818)
[467-] سئل ما بين المشرق والمغرب قبلة؟
قال: هذا لأهل المشرق، وإذا [ع-22/أ] جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره توخى ما بينهما1 فراده2 فقال: إذا لم يخرج بينهما فهذا كله واسع3.
[468-] سئل أحمد عمن يرفع يديه في قنوت الوتر؟
فقال: إن شاء4، وأما أنا فأختار النصف الآخر من شهر رمضان5.
[469-] قال أبو يعقوب6: كذا أيسر أن يرفع يديه إذا قنت ويضمها حين يفرغ، وإن لم يرفع وأشار بالسبابة7 جاز، ولا يمسح بهما
__________
1 توخى ما بينهما: التوخي التحري والقصد للحق. والمعنى: أنه تحرى في القبلة واجتهد في طلبها، فيما بين المغرب والمشرق.
انظر: الصحاح 6/2521، لسان العرب 14/382.
2 فراده: أي أعاد السائل السؤال مرة ثانية.
3 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (294) .
4 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (296) .
5 تقدم حكم المسألة، راجع مسألة (437) .
6 هو الكوسج صاحب المسائل.
7 السبابة: هي الأصبع التي بين الإبهام والوسطى، وهي المسبحة عند المصلين.
انظر: الصحاح 1/145، لسان العرب 1/456.(2/819)
وجهه في شيء من الصلوات1، إنما يستحب مسح الوجه بعد الدعاء2.
[470-] سئل أحمد عن رجل بقي عليه ركعتا الفجر والمؤذن يقيم أي ذلك أحب إليك يكبر مع الإمام ثم يقضي، أو يركعهما ثم يدخل في صلاة الإمام؟
قال: السنة3 فيه إذا أقيمت الصلاة فلا يصلي ركعتي الفجر في
__________
1 قال ابن قدامة: (يكره أن يكثر الرجل مسح جبهته في الصلاة) . المغني 2/10، وانظر: الفروع 1/365، غاية المنتهى 1/135.
2 ما اختاره الكوسج من مسح الوجه باليدين بعد دعاء القنوت هو المذهب، وفعله الإمام أحمد، وقال المجد بن تيمية: (هذا أقوى الروايتين) .
وروي عن أحمد: أنه لا يمسح، اختارها الآجرى.
انظر: الروايتين والوجهين 1/164، المحرر في الفقه 1/89، الإنصاف 2/172، 173.
3 تقدم حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) . راجع مسألة (438) . وروى مسلم في صحيحه عن ابن بحينة- رضي الله عنه- قال: "أقيمت صلاة الصبح فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي والمؤذن يقيم، فقال: أتصلي الصبح أربعاً". صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن 1/494 (66) .(2/820)
المسجد أبداً، ولو1 ركعها في المنزل قبل أن يخرج رجونا أن لا يضيق عليه2.
وقد (كرهه) 3 قوم أيضاً4 وترك ذلك أحبّ إليّ، ولكن إن افتتح بركعتي الفجر، ثم أخذ المؤذن في الإقامة فطمع إن خففها أدرك
__________
1 تقدم أنه إذا أقيمت الصلاة يدخل مع الجماعة ولا يصلي النافلة، راجع مسألة (274) .
2 قال ابن رجب في شرح البخاري: (نقل ابن منصور عن أحمد وإسحاق أنهما رخصا فيهما في البيت، قال أحمد: وقد كرهه قوم وتركه أحبّ إليّ) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب: خ ل ب 74.
وقال في الفروع وهو يتحدث عن النافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة ما نصه: (ولا فرق على ما ذكروه في الشروع في نافلة بالمسجد أو خارجه ولو ببيته، وقد نقل أبو طالب إذا سمع الإقامة وهو ببيته فلا يصلي ركعتي الفجر ببيته والمسجد سواء) . الفروع 1/227، وانظر: مطالب أولي النهى 1/618، 619.
3 في الأصل (كره) والمثبت هو ما يقتضيه السياق. وما كرهوه هو صلاة النافلة في البيت بعد سماع الإقامة.
4 روى ذلك عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وأبي موسى وابن سيرين وعروة وأبي ثور وإسحاق والشافعي.
انظر: الأوسط خ ل أ 272، معالم السنن 1/274، عمدة القاري 4/358، 359 المجموع 3/545، 550، 4/110.(2/821)
التكبيرة مع الإمام مضى فيهما1.
[471-] سئل إسحاق عن رجل أخبر أنه قصر في مسيرة يوم، أو أربعة فراسخ هل تأمر بالإعادة؟
قال: كلما قصر الصلاة إذا سافر في أدنى من ستة عشر فرسخاً وهو ثمانية وأربعون ميلاً هاشمياً، فعليه الإعادة، وإن كان أفطر في شهر رمضان قضى ما أفطر فيه2.
[472-] سئل عن رجل صلى فنسي الحمد وقرأ السورة، فلما فرغ منها ذكر. أترى له أن يقرأ الحمد لله، ثم يركع؟
قال: كلما كان قبل أن يركع (و) 3 كان ناسياً (قراءة) 4 الحمد
__________
1 المذهب- وهو ما عليه جماهير الأصحاب-: موافق لما أفتى به هنا من أنه إذا أقيمت الصلاة وهو في نافلة أتمها، إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها.
وروي عن أحمد: أنه يتمها وإن خشي فوات الجماعة، وتكون ركعتين خفيفتين إلا أن يشرع في الثالثة فيتم الأربع.
انظر: المبدع 2/47، 48، الإنصاف 2/220، 221. كشاف القناع 1/539، 540.
2 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (312) .
(و) إضافة من يقتضيها السياق.
4 في الأصل (قرأ الحمد لله قراءة سورة غيرها) . والمثبت هو المناسب لسياق الكلام.(2/822)
لله (وقرأ) سورة غيرها فإنه يعود في الحمد، ثم يقرأ السورة بعد الحمد، فيكون كلاً في موضعه كما أمر1، فإن كان ركع فذكر ترك الحمد فإن الباقي عليه ركعتان2 فله أن يقرأ (في) 3 الباقيتين ولا يرجع من الركوع إلى القراءة والعامد أن يعمد4، ولا يقرأ وهو راكع.
[473-] سئل إسحاق عن رجل توضأ، ثم نام ولم يحدث البتة5، ثم قام، أتوجبون عليه الضوء من النوم والحدث إن كان أحدث؟
قال: كلما كان نوماً مستثقلاً6 يعلم أن قد ذهب عقله منه الوضوء، جالساً كان أو راكعاً أو ساجداً، وإن كان نومه خفيفاً يخفق7 برأسه أو يرى في نعاسه كالحلم وما أشبهه، لم يلزمه
__________
1 تقدم حكم قراءة الفاتحة في الصلاة. راجع مسألة (195) .
2 لأن الركعة التي لم يقرأ فيها الحمد لا يعتد بها، فكأنه ابتدأ الصلاة من جديد.
(في) إضافة يقتضيها السياق.
4 أي يتعمد ترك قراءة الفاتحة في الصلاة.
5 البتة: أي إطلاقاً.
6 مستثقلاً: أي مستغرقاً في نومه فاقداً لحواسه.
7 يخفق: خفق برأسه أماله وحركه لا شعورياً وهو نائم. انظر: لسان العرب 10/80.(2/823)
الوضوء على أي حال كان1.
[474-] سئل إسحاق عن الرجل يدخل المسجد فيتطوع بركعة واحدة ويسلم ويخرج؟
قال: السنة في التطوع: أنها تكون ركعة2، فما زاد، إلا أن الذي
__________
1 تقدم قول إسحاق، راجع مسألة (28) .
2 روى عبد الرزاق بسنده عن أبي ظبيان قال: (دخل عمر بن الخطاب المسجد فركع ركعة فقيل له، فقال: إنما هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص. كرهت أن اتخذه طريقاً) . مصنف عبد الرزاق 3/145، 155.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/232، وروى ابن أبي شيبة بسنده عن سماك قال: (حدثني من رأى طلحة بن عبيد الله مر في المسجد فركع ركعة ثم خرج) . وروى أيضاً بسنده عن أبي سعيد قال: (رأيت الزبير بن العوام خرج من القصر فمر بالمسجد فركع ركعة أو سجد سجدة) . مصنف ابن أبي شيبة 2/232.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن عبد الرحمن بن عثمان قال: (قمت خلف المقام أصلي وأنا أريد أن لا يغلبني عليه أحد تلك الليلة، فإذا رجل من خلفي يغمزتي فلم التفت إليه، ثم غمزني، فالتفت فإذا هو عثمان بن عفان فتنحيت وتقدم وقرأ القرآن كله في ركعة، ثم انصرف) . مصنف ابن أبي شيبة 2/502، 503.
وروى عبد الرزاق بسنده عن ابن سيرين (أن عثمان كان يقرأ القرآن في ركعة يحي بها ليله) . مصنف عبد الرزاق 3/354، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/503،
وروى الطحاوي بسنده عن ابن سيرين قال: (كان تميم الداري يحي الليل كله بالقرآن كله في ركعة) . شرح معان الآثار 1/348، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/502. وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار عن عبد الله بن الزبير- رضي الله عنه- أنه قرأ القرآن في ركعة) . شرح معان الآثار 1/348.(2/824)
يستحب أن لا يقصر على ركعتين إلا عند حال العذر1.
[475-] قال إسحاق: وأما الذي ينام وهو قاعد حتى يستثقل نوماً فإن الذي نختار له الوضوء2، لإجماع أهل العلم كلهم أن من أغمي عليه فقد زالت طهارته3.
[476-] قال إسحاق: وأما رفع اليدين عند الركوع فإن ذلك سنة4 يرفع
__________
1 تقدم قول إسحاق: (أنه يختار أن تكون صلاة الليل مثنى مثنى، وصلاة النهار أربعاً مع جوازها بركعتين) . راجع مسألة (356) .
2 تقدم في مسألة (472) ، وراجع مسألة (28) .
3 قال ابن المنذر: (أجمعوا على إيجاب الطهارة على من زال عقله بجنون أو إغماء) . الأوسط 1/155) .
4 روى البخاري ومسلم بسنديهما عن سالم بن عبد الله عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضاً، وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود". صحيح البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء 1/122. صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع 1/292 (21) .(2/825)
يديه عند افتتاح الصلاة حذو منكبيه، وإذ ركع وإذا رفع رأسه، ولا يفعل ذلك في السجود ولا من السجدتين1.
[477-] قال إسحاق: وأما التسهيل2 فإنه سنة3، ولا يدع ذلك على حال4.
__________
1 تقدم قول إسحاق في مواطن رفع اليدين في الصلاة. راجع مسألة (187) .
2 التسهيل: التخفيف والتيسير.
3 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء". صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء 1/118، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام 1/341 (183ـ185) .
وروى مسلم والبخاري في صحيحيهما عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه قال: "ما صليت ورواء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام 1/342 (190) ، صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي 1/119.
4 قال ابن عبد البر: (التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه، مندوب عند العلماء إليه) . انظر: نيل الأوطار 3/156.
وقال العيني: (استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين، وهذا لا خلاف فيه لأحد) . عمدة القاري 2/426.(2/826)
[478-] قال إسحاق: وأما إذا صلى بالقوم وهو على غير وضوء، أو كان جنباً فعليه الإعادة ولا إعادة على من خلفه1 سنة مسنونة2.
والقياس على الأصول على ذلك أيضاً؛ لأن (الكل) 3 مؤد فرض نفسه لنفسه لا لغيرهم.
__________
1 انظر قول إسحاق في: التمهيد 1/182، الاستذكار 1/362.
2 روى أحمد في المسند عن أبي بكرة- رضي الله عنه- "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ إليهم أن مكانكم فذهب، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم". المسند 5/41.
ورواه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس 1/159 (233، 234) . وزاد: " فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر". والبيهقي في السنن الكبرى 2/397.
وصححه البيهقي والنووي. انظر: معرفة السنن خ 1 /524 , المجموع 4/160.
وروى مالك بسنده عن زبيد بن الصلت: أنه قال: " خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل فقال: والله ما أراني إلا احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت. قال: فاغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه، ونضح ما لم ير وأذن وأقام ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا". الموطأ، كتاب الطهارة، باب إعادة الجنب الصلاة 1/49 (80) .
ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/349، والبيهقي في السنن الكبرى 2/399.
3 في الأصل (لكل) بإسقاط الألف(2/827)
[479-] قال إسحاق: وأما الرجل يسبق (ببعض) 1 الصلاة فإن الذي نختار له إذا قام أن يكون يقضي آخر صلاته، ويجعل ما أدرك مع الإمام أوّلاً2 على ما قال علي رضي الله عنه3.
وإن جعل ما أدرك مع الإمام آخر صلاته على ما قال ابن مسعود رضي الله عنه4، فحسن، مع أن ابن مسعود رأى كلاهما صواباً.
وأختار الذي يجعل آخر صلاته أولاً على ما قال علي رضي الله عنه، وإن جعل ما أدرك مع الإمام آخر صلاته ما أدرك.
[480-] قال إسحاق: وأما الصلاة في جلود5 الثعالب
__________
1 في الأصل (بعض) .
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ب 214، طرح التثريب 2/361، المجموع 4/119، المغني 2/408، عمدة القاري 4/319.
3 روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي- رضي الله عنه- قال: (ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك) . مصنف ابن أبي شيبة 2/323، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 2/298.
4 روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبد الله ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: (ما أدركت مع الإمام فهو آخر صلاتك) .
وروى أيضاً في مصنفه عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: (اجعل آخر صلاتك ما أدركت من صلاتك) . مصنف ابن أبي شيبة 2/324.
5 جلود: جمع جلد وهو غشاء البدن- المسك- من جميع الحيوان.
انظر: القاموس المحيط 1/283، لسان العرب 3/124.(2/828)
وفي1 جلد كل سبع23 يحرم عليه أكله، فإن عليه إعادة في كل ما صلى في جلد الثعلب، فإن كان مقتدياً بإمام عليه جلد4 ثعلب وقد كان قضى فرضه خلفه بما لزمه من القراءة لم يضره الاقتداء به.
قال: وأما الصلاة في أعطان5 الإبل ومرابض6 الغنم، فإنه يصلي في مرابض الغنم7، ولا يتوضأ من
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط 2/301، المغني 1/68.
2 سبع: هو كل ما له ناب من الحيوان ويعدو على الناس والدواب فيفترسها، مثل: الأسد والذئب والنمر.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 1/315، لسان العرب 8/147.
3 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 4/221، الأوسط 2/304، المغني 1/68، شرح السنة 2/99.
4 في الأصل كررت كلمة (جلد) .
5 أعطان: العطن مكان للإبل تقيم فيه، وهو للإبل كالوطن للناس، كما يطلق على مبركها حول الحوض: عطن.
انظر: القاموس المحيط 4/248، لسان العرب 13/286.
6 مرابض: جمع مربض، وهو مأوى الغنم كالعطن للإبل. انظر: الصحاح 3/1076.
7 انظر قول إسحاق بجواز الصلاة في مرابض الغنم في: سنن الترمذي 2/181، الأوسط 2/187، 189، معالم السنن 1/148، المغني 2/67.(2/829)
لحومها1 [ع-22/ب] و2 يصلي في أعطان الإبل3 ويتوضأ من لحومها4.
وأما إذا أناخوها5 ونزلوا منزلاً ثم ارتحلوا فجاء آخرون بعدهم، فلهم أن يصلوا في مناخ الإبل؛ لأن أعطانها مواضعها التي كانت تبرك6 فيها.
[481-] قال إسحاق: وأما الصلاة في جلود الميتة إذا دبغت7 وكانت إبلاً
__________
1 تقدم قول إسحاق: أنه لا يوجب الوضوء في شيء من الأطعمة طبخ أو لم يطبخ. راجع مسألة (29) .
2 نقص حرف (لا) لتكون العبارة (ولا يصلى) ؛ لأن جميع من نقل قول إسحاق ذكره أنه لا يجيز الصلاة في أعطان الإبل.
3 انظر قول إسحاق: (أنه لا يصلي في أعطان الإبل) في سنن الترمذي 2/181، الأوسط 2/187، 189، معالم السنن 1/148، المغني 2/67، شرح السنة 2/405.
4 تقدم قول إسحاق: بوجوب الوضوء من لحوم الإبل. راجع مسألة (29) .
5 أناخوها: أناخ الإبل أبركها، واستناخت بركت. انظر: تاج العروس 2/284.
6 تبرك: برك البعير يبرك بروكاً استناخ وألقى بركه بالأرض، أي جثم بصدره عليها. انظر: الصحاح 3/1574، لسان العرب 10/396، 397.
7 دبغت: الدبغ هو تليين الجلد وإزالة ما به من رطوبة ونتن بقرض أو ارطا، يقال: دبغ الجلد يدبغه دبغاً ودباغة.
انظر: التعريفات 108، المحكم والمحيط الأعظم 5/278.(2/830)
أو بقراً أو غنماً، أو كل ما يؤكل لحمه، فإن الصلاة ماضية لا يشبه ذلك جلود السباع1.
وفسر ابن المبارك2- رحمه الله تعالى- قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب3 دبغ فقد طهر" على ما العمل عند القوم -يعني أهل المدينة- وهم لا يستعملون الأهب إلا ما يأكلون لحومها4.
__________
1 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 4/221، الأوسط 2/268، المجموع 1/274، المغني 1/66، 69، شرح مسلم للنووي 4/54، معالم السنن 4/200، الاعتبار للحازمي ص38، عمدة القاري 7/349.
2 هو: عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، أبو عبد الرحمن المروزي (118ـ181هـ) . إمام اجتمعت فيه من خصال الخير ما لم يجتمع في أحد من أهل زمانه، فقد جمع الفقه والحديث والحفظ والزهد والعبادة والجهاد والورع والعربية والفصاحة.
قال أحمد: (لم يكن في زمانه أطلب للعلم منه جمع أمراً عظيماً) .
انظر ترجمته في: تاريخ جرجان للسهمي ص305، تاريخ بغداد 10/152، ترتيب المدارك 1/300، طبقات الشعراني 1/59.
3 إهاب: الإهاب هو الجلد ما لم يدبغ. انظر: مختار الصحاح ص22.
4 هذا التفسير لم أطلع عليه.
لكن نقل غير واحد من أهل العلم أن مذهب ابن المبارك هو أن مأكول اللحم هو الذي يطهر جلده بالدباغ ولا يطهر غيره.
انظر: شرح صحيح مسلم 4/54، معالم السنن للخطابي 4/200، عمدة القاري 7/349، سنن الترمذي 4/221، المجموع 1/574، شرح السنة للبغوي 2/99.(2/831)
قال النضر بن شميل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" فإنما يقال الأهب (للإبل) 1 والبقر والغنم، وللسباع جلود2.
__________
1 في الأصل (الإبل) .
2 هذا القول لم أعثر عليه للنضر بن شميل. ونقل عنه ما يفيد معناه. قال الترمذي: (قال إسحاق بن إبراهيم: إنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما إهاب دبغ فقد طهر" إنما يعني به جلد ما يؤكل لحمه. هكذا فسره النضر بن شميل، وقال: إنما يقال: إهاب لجلد ما يؤكل لحمه) . سنن الترمذي 4/221، وانظر: المنتقى من أخبار المصطفى 1/36.
وقال القاضي عياض: (قال النضر بن شميل: لا يقال إهاب إلا لجلد ما يؤكل لحمه) . مشارق الأنوار 1/50.
قال الشوكاني: (هذا يخالف ما قال أبو داود في سننه، قال النضر بن شميل: إنما يسمى إهاباً ما لم يدبغ، فإذا دبغ لا يقال له: اهاب، إنما يسمى شناً وقربة، فليس في رواية أبي داود تخصيصه بجلد المأكول.
ورواية أبي داود عنه أرجح لموافقتها ما ذكره أهل اللغة، كصاحب الصحاح والقاموس والنهاية وغيرها. والمبحث لغوي، فيرجع ما وافق اللغة.
ولم نجد في شيء من كتب أهل اللغة ما يدل على تخصيص الإهاب بإهاب مأكول اللحم كما رواه الترمذي عنه) . نيل الأوطار 1/79.(2/832)
[482-] قال إسحاق: وأما الصلاة في المواضع التي أصابها الأقذار فإن ذلك لا يجوز إذا سجد عليها أو قام عليها، وذلك إذا كان القذر بولاً أو عذرة يابسة أو رطبة. فاما إذا كان سرقيناً1 أو ما أشبهه فإن ذلك جائز2.
[483-] قال إسحاق: وأما دخول أهل الذمة3 المسجد فإن ذلك مكروه؛ لما قال عمر بن عبد العزيز4 لأصحابه أن يحولوا بين دخول
__________
1 سرقينا: السرقين معرب وهو الزبل الذي تدمل به الأرض الزراعية.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم 6/381، القاموس المحيط 4/234.
2 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (369) .
3 أهل الذمة: الذمة في اللغة الأمان والعهد، وأهل الذمة هم المعاهدون من النصارى واليهود وغيرهم ممن يقيم في دار الإسلام.
وقال ابن قيم الجوزية: (أهل الذمة في اصطلاح كثير من الفقهاء: هم من يؤدي الجزية، وهؤلاء لهم ذمة مؤبدة، وهؤلاء عاهدوا المسلمين على أن يجرى عليهم حكم الله ورسوله إذ هم مقيمون في الدار التي يجرى فيها حكم الله ورسوله) .
انظر: تاج العروس 8/301، شرح السير الكبير 1/252، 631، أحكام أهل الذمة 2/475، 476.
4 هو: أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي أبو حفص القرشي (61ـ101هـ) . من أفاضل التابعين، واسع العلم، وثقة مأمون، وفقيه مدرك، وزاهد ورع، وخليفة صالح، وإمام عادل.
قال ميمون بن مهران: (ما كانت العلماء عند عمر إلا تلامذة، وكان سعيد بن المسيب لا يأتي أحداً من الأمراء غيره) .
انظر ترجمته في: العقد الثمين 6/331، حلية الأولياء 5/53، تاريخ الطبري 6/550، تهذيب الأسماء واللغات 2/17.(2/833)
هذه الصفحة سقطت(2/834)
يكن علة لا يسعه أكلها لكي لا يترك الجماعة.
[485-] قال إسحاق: وأما أذان الفجر فقد كان يؤذن بليل فمن أذن بليل1 فهو متبع للسنة2، وذلك أن بلالاً كان يؤذن بليل، فإن احتج محتج أن معه ابن أم مكتوم وكان يؤذن بعد الصبح.
قيل له: أترى لأحد يؤذن بليل إن كان المؤذنون كثيراً.
فإن قال: لا، فقد انتقض عليه كلامه.
[486-] قال إسحاق: وأما الصلاة في النعال والخفاف سنة3 إذا لم يكن
__________
1 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (170) .
2 روى البخاري ومسلم بسنديهما عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" زاد البخاري: "ثم قال: وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت". صحيح البخاري، كتاب الأذان والجماعة، باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره 1/106. صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر 2/766 (36، 37) .
3 روى البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي قال: "سألت أنس بن مالك: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم". صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعال 1/73، صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب جواز الصلاة في النعلين 1/391 (60) .(2/835)
عليها أقذار1، [ع-23/أ] وإن كان قد أصابها أقذار جاز مسحها بالأرض إلا أن يكون غائطاً أو بولاً2.
[487-] قال إسحاق: وأما إمامة ولد الزنا3 والأقلف4 والمخنث5 فإن أموا فإمامتهم جائزة. وولد الزنا أحسنهم حالاً في الإمامة إذا كان عدلاً6 قارئاً.
[488-] قال إسحاق: وأما المؤذن إذا أخذ في الإقامة وهو إمام، فليس له أن يمشي في الإقامة حتى يفرغ منها، وما يرجو من فضل الدخول في الصلاة إذا أسرع أدرك فضل ذلك في الثبوت في الموضع الذي يقيم حتى يفرغ من الإقامة.
[489-] قال إسحاق: ولا ينبغي للإمام أن يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة كلها7، ويستوي الصف خلفه، وإن أقام8 قبل أن يستوي الصف أقبل بيديه يمنة ويسرة، وهو في مقامه حتى يستووا.
__________
1 قال القرطبي: (لم يختلف العلماء في جواز الصلاة في النعل إذا كانت طاهرة من ذكى) . الجامع لأحكام القرآن 11/174.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط 2/167، المغني 2/83، نيل الأوطار 1/58.
3 تقدم قول إسحاق بصحة إمامة ولد الزنا. راجع مسألة (248) .
4 الأقلف: هو الذي لم يختن، والقلفة الجلدة التي تقطع من ذكر الصبي.
انظر: القاموس المحيط 3/187، النهاية في غريب الحديث 4/103.
5 المخنث: الانخناث التثني والتكسر، والمخنث: هو الرجل المتشبه بالنساء في مشيته وكلامه وتعطفه وتلينه.
انظر: مجمل اللغة 2/304، معجم لغة الفقهاء ص417.
6 عدلاً: العدل ضد الجور، ورجل عدل أي رضا مقنع في الشهادة قد اجتنب الكبائر ولم يصر على الصغائر وتحاشى من التصرفات ما فيه خسة.
انظر: الصحاح 5/1760، معجم لغة الفقهاء 307.
7 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (274) .
8 مقتضى السياق أن يقال: (وان كبر) .(2/836)
[490-] سئل إسحاق عن الرجل يدرك مع الإمام ثلاث ركعات، وعلى الإمام سهو، يسهو مع الإمام أم يقوم إلى ركعته؟
قال: يقوم إلى ركعته فيقضيها ثم يسهو1.
وكذلك قال ابن سيرين2 وبه آخذ؛ لأن السجدتين سنة ويدخل
__________
1 تقدم قول إسحاق. راجع مسألة (244) .
2 روى ابن أبي شيبة بسنده عن ابن سيرين والحسن. قال ابن سيرين: (يقضي ثم يسجد، وقال الحسن: يسجد مع الإمام ثم يقوم فيقضي) . مصنف ابن أبي شيبة 2/43.(2/837)
سنة في فريضة.
[491-] قال إسحاق: وأما الرجلان يصليان في شهر رمضان التطوع في مسجد واحد، أحدهما يأتم بالآخر وهو ناحية المسجد فلا يأتم بالآخر1، وإن كان المسجد واسعاً والإمام يصلي بهم التراويح2 فقام رجل ناحية المسجد يصلي لنفسه لما يحب أن يختم القرآن، أو اختار القراءة لنفسه، فإن ذلك جائز بعد أن لا يؤذي برفع صوته أهل المسجد، كان المجتهدون يفعلون ذلك في شهر رمضان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده صلى الله عليه وسلم3.
__________
1 تقدم قول إسحاق باختيار الصلاة جماعة في قيام شهر رمضان. راجع مسألة (388) .
2 التراويح: جمع ترويحة، وهي المرة الواحد من الراحة، وهي قيام شهر رمضان؛ سمي بذلك لأن القوم يستريحون بعد كل أربع ركعات.
انظر: القاموس المحيط 1/224، لسان العرب 2/462.
3 روى ابن أبي شيبة بسنده عن إبراهيم- النخعي- قال: (كان المجتهدون يصلون في جانب المسجد والإمام يصلي بالناس في شهر رمضان) . مصنف ابن أبي شيبة 2/398، ورواه المروزي، انظر: مختصر قيام الليل ص213، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/351.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن إبراهيم قال: (كان الإمام يصلي بالناس في المسجد والمجتهدون يصلون في نواحي المسجد لأنفسهم) . المصنف 2/398.
وروى عبد الرزاق بسنده عن إبراهيم قال: (كانوا لا يرون بأساً أن يصلي الرجل وحده في مؤخرة المسجد في رمضان والإمام يصلي) . مصنف عبد الرزاق 3/264.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن أشعث ابن أبي الشعثاء قال: (شهدت مكة في زمان ابن الزبير في رمضان والإمام يصلي بقوم على حدة، والناس يصلون في نواحي المسجد) .
وروى بسنده عن عبد الملك بن عمر قال: (رأيت شبث بن ربعي وناس معه يصلون وحداناً في رمضان والناس في الصلاة) . مصنف ابن أبي شيبة 2/398.
وروى المروزي بسنده عن أشعث بن سليم قال: (أدركت أهل مسجدنا يصلي بهم إمام في رمضان ويصلون خلفه، ويصلي ناس في نواحي المسجد لأنفسهم فرادى، ورأيتهم يفعلون ذلك في عهد ابن الزبير- رضي الله عنه- في مسجد المدينة) .
وعن إسحاق بن سويد قال: (كان صف القراء في بني عدي في رمضان، الإمام يصلي بالناس وهو يصلون على حدة) . انظر: مختصر قيام الليل 212، 213، وانظر: شرح معاني الآثار 1/351، 352.(2/838)
[492-] قال إسحاق: وأما الإمام إذ صلى بالقوم ترويحة أو ترويحتين، ثم قام من آخر الليل فأرسل إلى قوم فاجتمعوا فصلى بهم بعد ما ناموا فإن ذلك جائز، إذا أراد به قيام ما أمر أن يصلي من التراويح، وأقل من ذلك خمسة. مع أن أهل المدينة لم يزالوا من لدن عمر رضي الله عنه إلى زماننا هذا يصلون أربعين ركعة في قيام شهر رمضان، يخففون القراءة1.
__________
1 تقدم راجع مسألة (386) ، والثابت أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أمر من يصلي بهم أن يصلي بهم عشرين ركعة.(2/839)
وأما أهل العراق فلم يزالوا من لدن علي رضي الله عنه إلى زماننا هذا على خمس ترويحات1، فأما أن يكون إمام يصلي بهم أول الليل تمام الترويحات ثم يرجع [ع-23/ب] آخر الليل، فيصلي بهم جماعة فإن ذلك مكروه. ألا ترى إلى قول عمر رضي الله عنه حيث قال: التي تنامون عنها خير من التي تقومون فيها2، فكانوا يقومون أول الليل، فرأى القيام آخر الليل أفضل.
فإنما كرهنا ذلك لما روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه3
__________
1 روى البيهقي بسنده عن أبي الحسناء (أن علي بن أبي طالب أمر رجلاً أن يصلي بالناس خمس ترويحات عشرين ركعة) . السنن الكبرى 2/497، وقال: في هذا الإسناد ضعف.
وذكر المقريزي في مختصر قيام الليل عن يونس قال: أدركت مسجد الجامع قبل فتنة ابن الأشعث يصلي بهم عبد الرحمن بن أبي بكر وسعيد بن أبي الحسن وعمران العبدي، كانوا يصلون خمس تراويح، فإذا دخل العشر زادوا واحدة ويقنتون في النصف الآخر، ويختمون القرآن مرتين) . مختصر قيام الليل ص202.
2 تقدم راجع مسألة (388) .
3 هذا الأثر لم أعثر عليه في كتب الحديث. وذكره الخطابي في غريب الحديث. قال: (في حديث أنس أنه سئل عن التعقيب في رمضان فأمرهم أن يصلوا في البيوت) . من حديث ابن المبارك (أنا هارون بن موسى عن مكحول) غريب الحديث 2/512، وانظر: الفائق 3/13، والنهاية في غريب الحديث 3/267.(2/840)
وسعيد بن جبير- رحمه الله تعالى-1 كراهية التعقيب2.
[493-] قال إسحاق: وأما ما سألت عن الصلاة في الثعالب والفنك3، فإن الصلاة في جلود السباع كلها محرم4 ونهي النبي صلى الله عليه وسلم5 وهو مخصوص على جلود السباع، حتى
__________
1 نقل المقريزي عن سعيد بن جبير: (أنه كره التعقيب في رمضان) . مختصر قيام الليل ص226.
2 التعقيب: هو أن يعمل عملاً من صلاة أو غيرها، ثم يعود فيه من يومه، يقال: عقب بصلاة بعد صلاة. والمقصود هنا: صلاة النافلة في المسجد بعد صلاة التراويح.
انظر الفائق 3/13، النهاية في غريب الحديث 3/267.
3 الفنك: فارسي معرب، وهو ثعلب صغير ناعم الشعر، أغبر اللون، وفروه أطيب أنواع الفراء وأشرفها وأعدلها.
انظر: كتاب الحيوان 5/484، لسان العرب 10، ص480.
4 تقدم قول إسحاق في حكم الصلاة في جلود السباع. راجع مسألة (479) .
5 روى أحمد بسنده عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن جلود السباع". المسند 5/74، 75. ورواه الترمذي في سننه، كتاب اللباس، باب ما جاء في النهي عن جلود السباع 4/241 (1770) وأبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب في جلود النمور والسباع 4/374، 375 (4132) ، والنسائي في سننه، كتاب الفرع والعتيرة، باب النهي عن الانتفاع بجلود السباع 7/176 (4253) . قال الحاكم: (هذا الإسناد صحيح) . ووافقه الذهبي. انظر: المستدرك مع التلخيص 1/144.(2/841)
نهى1 أن تفترش2 فضلاً على اللباس، فمن أتى نهي النبي صلى الله وسلم فعليه الإعادة كلما صلى في جلود السباع.
فأما السنجاب3: فمختلف فيه،
__________
1 ورد ذلك في بعض روايات حديث أبي المليح المتقدم عند الترمذي في سننه 3/152، والدارمي في سننه 2/85 "نهى عن جلود السباع أن تفترش". وروى أحمد في المسند عن المقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مياثر- جمع ميثرة وهي وطاء محشو يترك على رحل البعير- النمور. نهى أن تفرش جلودها على السرج والرحال لجلوس عليها". المسند 4/132.
ورواه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب في جلود النمور والسباع 4/373 (4131) ، والنسائي في سننه، كتاب الفرع والعتيرة، باب النهي عن الانتفاع بجلود السباع 7/176 (4254) ، والبيهقي في السنن الكبرى 1/21.
2 تفترش: فرش الشيء يفرشه وافترشه بسطه، وافترشه وطئه. والمعنى: أنه يجعله تحته ويجلس عليه، أو يصلي عليه.
انظر: القاموس المحيط 2/282، الصحاح 3/1014.
3 السنجاب: حيوان على حد اليربوع من الفأر، وشعره في غاية النعومة، يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون، وهو شديد الحيل، إذا أبصر الإنسان صعد الشجرة العالية، وفيها يأوي ومنها يأكل، وهو كثير ببلاد الصقالبة والترك.
انظر: حياة الحيوان 1/515، المعجم الوسيط 1/456.(2/842)
فالأكثر1 على أنه ليس من السباع. وأما (الدباغ) 2 فهو محلل وإن كانت الجلود ميتة، فإذا دبغت انتفع بها3.
[494-] قال إسحاق: أما القهقهة4 في الصلاة فإن الذي يعتمد عليه ما صح عن جابر بن عبد الله5 وأبي موسى
__________
1 الصحيح في المذهب الشافعي: أن السنجاب حلال، فيحل جلده، وفي وجه في المذهب: أنه حرام. انظر: المجموع 9/12.
وفي المذهب الحنبلي وجهان في السنجاب: أحدهما: يحرم. صححه في الرعاية الكبرى، وتصحيح المحرر، واختاره أبو يعلى. والثاني: لا يحرم، مال إليه ابن قدامة وغيره.
انظر: المغني 8/592، الفروع 2/667، 668، الإنصاف 10/362.
2 في الأصل (السباع) وهو خطأ والمثبت هو ما يستقيم معه الكلام.
3 تقدم قول إسحاق بما ينفع فيه الدباغ من جلود الميتة. راجع مسألة (492) .
4 القهقهة: قهقه يقهقه قهقهة إذا مد ورجع في ضحكه، وقيل: هو أن تقول: قه قه، وقيل: هو اشتداد الضحك، بحيث يكون له صوت يسمعه من يجلس بجواره.
انظر: الصحاح 6/2246، لسان العرب 13/531.
5 روى عبد الرزاق في مصنفه عن جابر بن عبد الله قال: (إذا ضحك الرجل في الصلاة فإنه يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء) . مصنف عبد الرزاق 2/377. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/387، ورواه الدارقطني في سننه بأكثر من عشرة طرق وألفاظ متقاربة 1/172، 173، 174. والبيهقي في السنن الكبرى 1/144، بأربعة طرق مختلفة.(2/843)
الأشعري1 رضي الله عنهم وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين2 يعيدون الصلاة ولا وضوء عليهم، فلم
__________
1 روى ابن أبي شيبة بسنده عن حميد بن هلال قال: (كانوا في سفر فصلى بهم أبو موسى فسقط رجل أعور في بئر، أو شيء فضحك القوم كلهم غير أبي موسى والأحنف، فأمرهم أن يعيدوا الصلاة) . مصنف ابن أبي شيبة 1/387، 388.
ورواه الدارقطني في سننه بثلاثة طرق ألفاظها مختلفة أصرحها (فقال أبو موسى: حيث انصرف من صلاته من كان ضحك منكم فليعد الصلاة) . سنن الدارقطني 1/174، 175، والبيهقي في السنن الكبرى 1/145.
2 روى الدارقطني في سننه عن ابن مسعود- رضي الله عن- قال: (إذا ضحك أحدكم في الصلاة فعليه إعادة الصلاة) . سنن الدارقطني 1/174.
وروى عبد الرزاق بسنده عن القاسم بن محمد أنه رأى رجلاً يضحك فأمره أن يعيد الصلاة) . مصنف عبد الرزاق 2/377. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/387.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن عطاء في الرجل يضحك في الصلاة قال: (إن تبسم فلا ينصرف، وإن قهقه استقبل الصلاة وليس عليه وضوء) . مصنف ابن أبي شيبة 1/387. ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/378. وروى أيضاً بسنده عن هشام قال: (ضحك أخي في الصلاة فأمره عروة أن يعيد الصلاة ولم يأمره أن يعيد الوضوء) .
وروى أيضاً بسنده عن الشعبي قال: (يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء) . ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/377، والدارقطني في سننه 1/173. وروى أيضاً بسنده عن ابن سيرين قال: (كانوا يأمروننا ونحن صبيان إذا ضحكنا في الصلاة أن نعيد الصلاة) . مصنف ابن أبي شيبة 1/387، 388. وروى عبد الرزاق بسنده عن معمر قال: (سألت الزهري عن ذلك قال: ليس في الضحك وضوء) . مصنف عبد الرزاق 2/377.
وروى البيهقي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: (كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهي إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبو بكر ابن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، في مشيخة جلة سواهم يقولون فيمن رعف: غسل عنه الدم ولم يتوضأ، وفيمن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد وضوءه) . السنن الكبرى 1/145(2/844)
يذكر في حديث متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم إعادة الوضوء1 منه، لو كان ذلك لاتبعناه وتركنا الخوض بالعقول والمقاييس فيه وكنا نتوضأ منه2، كما نتوضأ من لحم الجزور3 اتباعاً لسنة4 النبي صلى الله عليه وسلم.
[495-] قال إسحاق: وأما المصلي وحده وهو ينظر في المصحف أو يقلب
__________
1 روى بعض أهل العلم أحاديث تفيد وجوب الوضوء على من ضحك في الصلاة، لكنها لا تصح. وأشار إلى عللها الدارقطني في سننه 1/161ـ172، والزيلعي في نصب الراية 1/47ـ53، والبيهقي في السنن الكبرى 1/146ـ148.
2 تقدم قول إسحاق بعدم انتقاض الوضوء من الضحك في الصلاة. راجع مسألة (88) .
3 تقدم قول إسحاق بانتقاض الوضوء من أكل لحم الجزور. راجع مسألة (29) .
4 الوضوء من لحم الجزور تقدم حديثه. راجع مسألة (110ـ113) .(2/845)
الورق أو يقلب له، وكل ما كان من ذلك حين إرادة أن يختم القرآن، أو يؤم قوماً ليسوا ممن يقرؤن، فهو سنة، كان أهل العلم عليه، وقد (فعلته) 1 عائشة رضي الله عنها2، ومن بعدها من التابعين اقتدوا بفعالها3، ولم يجئ ضده عن أهل العلم، وإن قلب له الورق كان أفضل، وإن لم يكن له قلب هو لنفسه4.
__________
1 في الأصل (فعلت) .
2 روى ابن أبي شيبة بسنده عن أبي بكر بن أبي مليكة أن عائشة (اعتقت غلاماً لها عن دبر فكان يؤمها في رمضان في المصحف) . وروى أيضاً بسنده عن أيوب قال: (سمعت القاسم يقول كان يؤم عائشة عبد يقرؤ في المصحف) . مصنف ابن أبي شيبة 2/338، وعلقه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان والجماعة، باب إمامة العبد والمولى 1/116. وانظر: مختصر قيام الليل ص214، 206.
3 روى ابن أبي شيبة بسنده عن عائشة بنت طلحة أنها كانت تأمر غلاماً أو إنساناً يقرأ في المصحف يؤمها في رمضان. وروى أيضاً بسنده عن أيوب قال: (كان محمد بن سيرين لا يرى بأساً أن يؤم الرجل القوم يقرؤ في المصحف) .
وروى أيضاً بسنده عن الحكم في الرجل يؤم في رمضان يقرؤ في المصحف رخص فيه. وروى أيضاً بسنده عن الحسن قال: (لا بأس أن يؤم في المصحف إذا لم- يجد يعني من يقرأ ظاهراً-) . مصنف ابن أبي شيبة 3/338.
وروى أيضاً جواز ذلك عن ابن المسيب وعطاء والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك وأحمد. انظر: مختصر قيام الليل ص 214، 215.
4 تقدم قول إسحاق في القراءة من المصحف في قيام شهر رمضان. راجع مسألة (388) .
وقال المروزي: (قال إسحاق: لا بأس أن يؤمهم في المصحف واحتج بحديث عائشة كان لها إمام يؤمها في المصحف) . اختلاف العلماء ص47.(2/846)
[496-] قال إسحاق: وأما المصلي بغير القبلة وهو لا يعلم ثم علم، فإن ذلك إذا كان في مصر من الأمصار ويمكنه معرفة القبلة، فإنه يعيد كما لو كان يمكنه فصلى لغيرها؛ لأنه مفرط حينئذٍ لما يمكنه معرفة عين القبلة1.
وأما إذا كان في سفر، أو في بيت مظلم لا يمكنه معرفة القبلة لو أرادها فصلى لغير القبلة، فإنه إذا ذكرها وهو في الصلاة اعتد بما مضى، وإن ذكرها بعد فراغها أجزأته.
[497-] قلت لإسحاق: وجانبا الصف إذا تقدما أمام الإمام حتى وجه كل الجانبين إلى غير القبلة وكان الذي يلي2 يميل من أحد الجانبين (و) 3 وجهه إلى القبلة فيصير مؤدياً فرض نفسه يجوز أم لا؟ وإن كان هذا خلف الإمام يوم جمعة أله جمعة؟
__________
1 تقدم قول إسحاق: (فيما إذا لم يمكنه معرفة القبلة وصلى لغيرها أنه تجزئه صلاته) . راجع مسألة (288) .
2 أي يلي الإمام ويكون خلفه.
(و) إضافة يقتضيها السياق.(2/847)
قال: كلما كان خلف الإمام، إلا أن أحد جانبي الصف ربما تقدم حتى كان بحذاء الإمام أو أمامه فإن صلاتهم جائزة1 وسيما إذا كان يوم جمعة، واختلاف الصفوف يكثر، حتى لا يدري من تقدم ومن تأخر.
ولقد أخبرني حماد بن سلمة2 عن تمام3 قال: أخبرني رجل من بني نمير أنه سأل الحسن عن اختلاف الصفوف يوم الجمعة فلم ير به بأساً4، ولكن إن كان أحد جانبي الصف مال عن القبلة حتى
__________
1 انظر قول إسحاق بصحة الصلاة أمام الإمام في: الأوسط خ ل ا 214، المغني 2/214.
2 هو: حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري، إمام من أئمة التابعين وبحر من بحور العلم في الحديث والفقه والعربية، ثقة ثبت، حجة فصيح بليغ، له تصانيف وكتب. توفي سنة سبع وستين ومائة من الهجرة.
انظر ترجمته في: أنباه الرواة 1/329، معجم الأدباء 10/254، طبقات خليفة بن خياط ص223، طبقات ابن سعد 7/282.
3 هو: تمام بن أبي الحكم روى عن الحسن وروى عنه حماد بن سلمة منقطع وحديثه في البصريين.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري 2/157، الجرح والتعديل 2/445.
4 لم أعثر عليه. وروى ابن حزم بسنده عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني قال: (جئت أنا والحسن البصري يوم الجمعة والناس على الجدر والكنف فقلت له: أبا سعيد أترجو لهؤلاء؟ قال: أرجو أن يكونوا في الأجر سواء) . المحلى 5/113.(2/848)
صاروا إلى غير القبلة فصلاتهم فاسدة، إلا أن يتداركوا سريعاً فيرجعوا إلى القبلة.
[498-] قلت لإسحاق: وكم صلى جبريل بالنبي صلى الله عليهما وسلم أربعة أو ركعتين، وأين صلى به؟
قال: كل صلاة صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة كانت ركعتين ركعتين إلا المغرب ثلاثاً ما لم يهاجر إلى المدينة، ثم ضم إلى كل ركعتين ركعتين إلا المغرب والفجر تركا على حالهما1 وصلى جبريل بالنبي صلى الله عليهما وسلم بمكة عند المقام2
__________
1 روى أحمد بسنده عن الشعبي أن عائشة قالت: "قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها وتر النهار وصلاة الفجر لطول قراءتهما". المسند 6/241، 265.
ورواه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة 1/157 (305) ، عن الشعبي عن مسروق عن عائشة. وقال: هذا حديث غريب لم يسنده أحد أعلمه غير محبوب بن الحسن. رواه أصحاب داود، فقالوا: (عن الشعبي عن عائشة خلا محبوب بن الحسن والحديث منقطع؛ لأن الشعبي لم يسمع من عائشة) انظر: التعليق على صحيح ابن خزيمة 1/157.
2 المقام: هو الحجر الذي كان يقف عليه إبراهيم عليه السلام أثناء بناء الكعبة، ويقع بجوار الكعبة من الجهة الشرقية لها.
انظر: معالم مكة التاريخية والأثرية ص 276.(2/849)
مرتين1.
[499-] قلت لأحمد: إذا لم يقدر أن يصلي؟
قال: لا بدّ من شيء إذا كان يعقل إلا (ألا2" يعقل3.
قال إسحاق: إن استطاع مستلقياً4 يومئ إيماءً برأسه، فإن لم يقدر أومأ بحاجبيه5، فإن لم يقدر الإيماء بحاجبه، فإنه
__________
1 روى أحمد في المسند عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين..". المسند 1/354. ورواه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في مواقيت الصلاة 1/278، وما بعدها (149) .
وقال: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في المواقيت 1/274ـ278 (393) ، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ذكر الدليل على أن فرض الصلاة كان على الأنبياء قبل محمد 1/168 (325) ، والحاكم في المستدرك 1/193.
وقال ابن عبد البر: (تكلم بعض الناس في حديث ابن عباس هذا تكلم لا وجه له، ورواته كلهم مشهورون بالعلم..) . انظر التعليق المغني 1/259.
2 في الأصل (أن) ولا يستقيم الكلام معها.
3 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (419) .
4 مستلقياً: الاستلقاء التمدد على القفا، وكل شيء فيه كالانبطاح استلقاء.
انظر: القاموس المحيط 4/386، لسان العرب 15/256.
5 حاجبيه: تثنية حاجب، وهو أحد العظيمين اللذين فوق العينين بلحمهما وشعرهما، وقيل الحاجب: الشعر النابت على العظم؛ سمي بذلك لأنه يحجب عن العين شعاع الشمس. انظر: لسان العرب 1/298، 299.(2/850)
يكبر1، فإن لم يقدر أن يكبر فليكبر عنه رجل وليجمع بين الصلاتين، هكذا قال إبراهيم2 والحكم بن عتيبة.
[500-] [ع-24/أ] قال إسحاق: وأما من قرأ الحمد حتى بلغ غير المغضوب فأحدث، ثم قال: ولا الضالين، ثم قدم رجلاً؟
قال: يأخذ الذي قدمه من حيث بلغ الإمام قبل أن يحدث.
[501-] قلت لإسحاق: هل على من خلف الإمام أن يقول: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد، كما يقول: إذا صلى مفرداً؟.
__________
1 تقدم قول إسحاق: (أن المريض يصلي على قدر ما تيسر عليه) . راجع ذلك في المسألة (319) .
2 روى عبد الرزاق بسنده عن أبي الهيثم قال: (دخلت على إبراهيم وهو مريض، وهو يصلي مضطجعاً على يمينه يومئ إيماءً لصلاة الظهر. قال: وكان غيره من الفقهاء يقول: كان مستلقياً على قفاه تلي قدماه القبلة قدر ما لو قام استقبل القبلة) . مصنف عبد الرزاق 2/473، 474.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/273، وروى ابن أبي شيبة بسنده عن إبراهيم قال: (يصلي المريض على الحالة التي هو عليها) . مصنف ابن أبي شيبة 1/273، وانظر: الإشراف خ ل ب 43.(2/851)
قال: لا بدّ لمن خلف الإمام أن يقول: سمع الله لمن حمده كما يقول الإمام، وعلى الإمام أن يقول اللهم ربنا ولك الحمد، كما يقول إذا صلى مفرداً1.
[502-] قلت: اللبن يقع فيه قطرة دم أيحل أكله؟
قال: كلما كان اللبن حيث يحلب حتى اختلط وهو يسير لا يتبين أثره فيه فلا بأس به2؛ لأن دم الشاة وما اختلط باللبن كاللحم يجعل في القدر، فيخرج منه الدم حتى يرى أثر ذلك في المرقة3، ثم لا يكون به بأس4 وأما دم إنسان أو غير ذلك من الأقذار
__________
1 تقدم قول إسحاق فيما يقوله المأموم والإمام بعد الرفع من الركوع. راجع مسألة (232) .
2 ظاهر المذهب أن النجاسة إذا وقعت في مائع غير الماء نجسته، وإن كثر المائع أو كانت النجاسة معفو عنها.
وروي عن أحمد: أن حكمه حكم الماء فلا ينجس إذا كثر. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية العفو عن يسير جميع النجاسات في الأطعمة وغيرها.
انظر: المغني 8/608، الإنصاف 1/334، 335. كشاف القناع 1/41.
3 المرقة: مفرد المرق، وهو الذي يؤتدم به، وهو الماء المختلط بطعم اللحم. انظر: تاج العروس 7/67.
4 الصحيح من المذهب: أن دم عروق المأكول لحمه طاهر ولو ظهرت حمرته، وظاهر كلام القاضي في الخلاف نجاسته.
وأما الدم الذي يبقى في خلل اللحم بعد الذبح فقال جماعة الأصحاب: بطهارته. وقال ابن تيمية: (لا أعلم خلافاً في العفو منه، وأنه لا ينجس المرق بل يؤكل معها) .
انظر: الفروع 1/168، الإنصاف 1/327.(2/852)
واختلط باللبن حرم شربه.(2/853)
باب في الجمعة
[503-] قلت لإسحاق: قوله: الصلاة خلف كل بر1 وفاجر2 ما يعني3 به؟
__________
1 بر: أي صاحب صلاح وتقوى وأفعال خيرة. انظر: لسان العرب 4/52.
2 فاجر: أصل الفجور الميل عن الحق، والفاجر هو المنبعث في المعاصي المرتكب لما حرم الله. قال الجرجاني: (الفجور هيئة حاصلة للنفس، بها يباشر المرء أموراً على خلاف الشرع والمروءة) .
انظر: مشارق الأنوار 2/47، لسان العرب 5/46، التعريفات ص171.
3 روى الدارقطني في سننه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر". قال الدارقطني: (مكحول لم يسمع من أبي هريرة ومن دونه ثقات) . سنن الدارقطني 2/57.
ورواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب إمامة البر والفاجر 1/398 (594) ، والبيهقي في السنن الكبرى 3/121.
ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية من طريق الدارقطني وأعله بمعاوية بن صالح وقال: (وقال الرازي: لا يحتج به) . العلل 1/422، 425، وتعقبه ابن عبد الهادي قال: (إنه من رجال الصحيح) . انظر: نصب الراية 2/27، وقال ابن التركماني: (سكت عنه- البيهقي- وقال في كتاب المعرفة: إسناد صحيح، إلا أن فيه إرسالاً بين مكحول وأبي هريرة) . الجوهر النقي 3/121.(2/855)
قال معناه: إن ملك الناس بخلافة عليهم، أو ولاية فلا يتخلفن عن الجماعة أحد بحال جور، ما يبلغ ذلك كفراً عياناً1، أو يؤخر الصلاة عن الوقت، وإذا (ائتم) 2 به إذا بلغ ما فيه الكفر فكأنك لم تصل معه.
[504-] قلت لإسحاق: رجل صلى صلوات فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم؟
قال: يعيد الصلوات3.
[505-] قلت لأحمد: متى يحرم البيع والشراء4 يوم الجمعة؟
__________
1 عياناً: رآه بعينه وتحقق من كفره وأيقن به، بحيث لا يشك فيه. انظر: القاموس المحيط 4/252، 253.
2 في الأصل (أعد) ، ولا يستقيم الكلام معها.
3 يرى إسحاق: (ان البسملة آية من الفاتحة، وتجب قراءتها في بدايتها) . وتقدم قول إسحاق بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة. راجع مسألة (195) .
انظر: قوله بأن التسمية آية من أم الكتاب في: المجموع 3/292، شرح السنة 3/49، معالم السنن 1/205، الأوسط 3/123، المغني 1/480، نيل الأوطار 2/224.
4 الشراء: هو ابتياع السلعة وملكها بالبيع بعد دفع ثمنها. انظر: غريب الحديث للخطابي 2/206، تاج العروس 10/196.(2/856)
قال: أليس يقال: {ذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} ؟!
قلت: أي النداء؟
قال: الوقت، وإني خائف أن يوجب إذا أذن المؤذن وإن لم يكن الوقت1.
قال إسحاق: إذا أذن المؤذن حرم البيع والشراء، وإن كان قبل الوقت مع أنهم لا يؤذنون إلا في الوقت2.
[506-] قلت: متى رخص له في ترك الجمعة؟
__________
1 أشار أبو يعلى إلى رواية ابن منصور، الروايتين والوجهين 1/186. ونقل عن الإمام أحمد نحو هذه المسألة ابنه عبد الله في مسائله ص 122، 123 (445) .
والصحيح من المذهب: أنه لا يصح البيع ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها، وهذا ما عليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وروي عن أحمد: أنه يصح مع التحريم.
والمراد بالنداء الثاني الذي عند أول الخطبة، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: ان ابتداء المنع من النداء الأول.
وعنه: المنع من أول دخول الوقت.
انظر: المغني 2/297، 298، الإنصاف 4/323، كشاف القناع 3/169، 170.
2 انظر: قول إسحاق في الأوسط 2/353.(2/857)
قال: أما صاحب الزرع1.
[507-] قلت: فالخائف؟
قال: نعم، إذا خاف أن يعتل المريض قد رخص الله عز وجل له في ذلك2 وابن عمر رضي الله عنهما ترك الجمعة للجنازة3 إذا كان لابد من دفنه4.
__________
1 قال البهوتي: (يعذر في ترك الجمعة والجماعة من أطلق الماء على زرعه أو بستانه، ويخاف إن تركه فسد) . كشاف القناع 1/584 بتصرف.
2 أشار صاحب الفروع 1/504، والإنصاف 2/301 إلى رواية ابن منصور.
قال ابن قدامة- في ثنايا كلامه عن أعذار التخلف عن الجمعة والجماعة- ما نصه: (أو يكون له قريب يخاف إن تشاغل بهما- أي الجمعة والجماعة- مات) . المغني 1/632.
3 روى البخاري بسنده عن نافع: "أن ابن عمر- رضي الله عنهما- ذكر له أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل- وكان بدرياً- مرض في يوم جمعة، فركب إليه بعد أن تعالى النهار واقتربت وترك الجمعة". صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب- ولم يعنون له- 5/67، 68.
وروى البيهقي بسنده عن إسماعيل بن عبد الرحمن: (ان ابن عمر دعى يوم الجمعة وهو يستجهز للجمعة إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو يموت، فاتاه وترك الجمعة) . السنن الكبرى 3/185.
4 لا نزاع في المذهب: (أن من مات له قريب ولم يكن عنده من يقوم مقامه في تجهيزه، فإنه يعذر في ترك الجمعة) .
انظر: الإنصاف 2/301، مطالب أولي النهى 1/702، 703.(2/858)
قال إسحاق: كما قال.
[508-] قلت: إذا خطب رجل يوم الجمعة يصلي آخر؟
قال: لا أعرفه1.
قال إسحاق: إذا خطب الإمام أو من أمره الإمام، فإنه يصلي ركعتين ولو خطب آخر2.
[509-] قلت: إذا أدرك من الجمعة ركعة؟
__________
1 المذهب: أنه لا يشترط فيمن يتولى الخطبة أن يتولى الصلاة، فإذا خطب رجل وصلى آخر جاز.
وروي عن أحمد: أن ذلك شرط.
قال ابن أبي موسى: لا تختلف الرواية أن ذلك شرط مع عدم العذر، فأما مع العذر فعلى روايتين.
وعنه: أن ذلك شرط إن لم يكن عذر. قال في الفصول: هذا ظاهر المذهب. وستأتي هذه الرواية. راجع 530.
انظر: الروايتين والوجهين 1/184، المحرر في الفقه 1/153، المبدع 2/160.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 189.(2/859)
قال: يضيف إليها أخرى1، وإذا أدركهم جلوساً يصلي أربعاً2.
قال إسحاق: كما قال سواء3.
[510-] قلت: تكره الصلاة نصف النهار في الشتاء، والصيف؟
قال: نعم، في يوم الجمعة وغيرها.
__________
1 نقل عنه نحو هذه المسألة عبد الله في: مسائله ص 122 (443) .
ولا خلاف في المذهب أن من أدرك مع الإمام ركعة بسجدتيها أتمها جمعة.
انظر: المغني 2/312، الإنصاف 2/380، كشاف القناع 2/32.
2 نقل عنه نحوها عبد الله في: مسائله ص122 (443) ، وابن هانئ في مسائله 1/90 (454، 457) .
والمذهب: موافق لهذه الرواية من أن المأموم إذا أدرك مع الإمام أقل من ركعة، فإنه يتم صلاته ظهراً إذا كان قد نوي الظهر. ولا يصح إتمامها جمعة.
وروي عن أحمد: أنه ينوي جمعة ويتمها ظهراً.
وعنه: يتمها جمعة.
انظر: المحرر ومعه النكت 1/ 155، 156، الفروع 1/574. الإنصاف 2/380، 381.
3 انظر قول إسحاق: (أن من أدرك ركعة من الجمعة صلى إليها أخرى، ومن أدركهم جلوساً صلى أربعاً) . في سنن الترمذي 2/403، التمهيد 7/71، معالم السنن 1/249، الأوسط خ ل ب 192، المغني 2/312.(2/860)
قال إسحاق: لا بأس بها يوم الجمعة1.
[511-] قلت: هل من إمام يترك الجمعة معه؟
قال: لا، لا يترك الجمعة لشيء2.
قال إسحاق: كما قال، إلا أن يجاوز الوقت.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (120) .
2 أشار أبو يعلى إلى رواية ابن منصور في الروايتين والوجهين 1/185. وقال ابن قدامة: (فأما الجمع والأعياد فإنها تصلى خلف كل بر وفاجر، وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة) .
وقال: (تجب الجمعة والسعي إليها سواء كان من يقيمها سنياً أو مبتدعاً، عدلاً أو فاسقاً، نص عليه أحمد، وروى عن العباس بن عبد العظيم: أنه سال أبا عبد الله عن الصلاة خلفهم- يعني المعتزلة- يوم الجمعة؟ قال: أما الجمعة فينبغي شهودها، فإن كان الذي يصلي منهم أعاد، وإن كان لا يدري أنه منهم فلا يعيد. قلت: فإن كان يقال: أنه قد قال بقولهم قال: حتى يستيقن. ولا أعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً) . المغني 2/189، 301.
والصحيح من المذهب: (أن الفاسق في الاعتقاد أو الأعمال يصلى خلفه الجمعة، وعليه جماهير الأصحاب. وقال كثير منهم: يصلى خلفه صلاة الجمعة رواية واحدة لكن بشرط عدم جمعة أخرى خلف عدل.
وروي عن أحمد: أنه لا يصلى خلفه الجمعة) .
انظر: المبدع 2/66، الإنصاف 2/254، مطالب أولي النهى 1/652.(2/861)
[512-] قلت: هل يجمع أهل القرى؟
قال: إذا كانوا أربعين رجلاً1 إذا كان تجب2 عليهم الجمعة.
__________
1 نقل عنه: (أن الجمعة تقام إذا اجتمع أربعون رجلاً) . عبد الله في مسائله ص120، 124، 126، 127 (433، 452، 462ـ464) ، وابن هانئ في مسائله 1/88 (439) .
والمذهب وما عليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم: أنه يشترط لإقامة الجمعة أن يكون بقرية يستوطنها أربعون من أهل وجوبها. وقدم الأزجي صحتها ووجوبها على المستوطنين بعمود أو خيام. واختاره ابن تيمية.
والمذهب أيضاً موافق لهذه الرواية من أنه يشترط لإقامة الجمعة حضور أربعين من أهل القرية.
وروي عن أحمد: أنها تنعقد بثلاثة. اختارها ابن تيمية.
وعنه تنعقد في القرى بثلاثة، وبأربعين في أهل الأمصار.
وعنه: تنعقد بأربعة.
وعنه: تنعقد بخمسة.
وعنه: تنعقد بسبعة.
وعنه: لا تنعقد إلا بحضور خمسين.
انظر: الروايتين والوجهين 1/182، المغني 2/327، 328، الفروع 1/540، 548، الإنصاف 2/378.
2 في الأصل يوجد قبل كلمة (تجب) (لا) ، والصحيح حذفها؛ لأن الجمعة لا تنعقد بمن لا تجب عليه(2/862)
قال إٍسحاق: السنة1 أن يكون أهل القرى إذا بلغوا أربعين رجلاً
__________
1 روى الدارقطني في سننه عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: (مضت السنة أن في كل ثلاثة إمام، أو في كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطراً؛ وذلك أنهم جماعة) . سنن الدارقطني 2/4. ورواه البيهقي في سننه 3/177. وقال: (تفرد به عبد العزيز القرشي وهو ضعيف. وعبد العزيز قال فيه أحمد: أضرب على حديثه، فإنها كذب أو موضوعة. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: منكر الحديث. وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به) . انظر: تلخيص الحبير 2/59.
وروى أبو داود بسنده عن عبد الرحمن بن كعب- وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره- عن أبيه كعب بن مالك (أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة، فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة قال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات. قلت: كم أنتم يومئذٍ؟ قال: أربعون". سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الجمعة في القرى 1/645، 646 (1069) .
ورواه ابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب في فرض الجمعة 1/343، 344 (1082) ، وابن خزيمة في صحيحه 3/112، 113 (1724) ، والدارقطني في سننه 2/5، 6، والبيهقي في سننه الكبرى 3/176، 177، والحاكم في المستدرك 1/281، وابن الجارود في المنتقى ص109 (291) .
والحديث في سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن في رواية أبي داود، لكنه صرح بالتحديث في رواية الدارقطني والبيهقي والحاكم وابن الجارود. قال البيهقي: (محمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه في الرواية، وكان الراوي ثقة استقام الإسناد، وهذا حديث حسن الإسناد صحيح) السنن الكبرى 3/177.
وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) . المستدرك مع التلخيص 1/281. وقال ابن حجر: (إسناده حسن) انظر: تلخيص الحبير 2/60، وروى البيهقي بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: (كل قرية فيها أربعون رجلاً فعليهم الجمعة) . وروى بسنده عن أبي المليح الرقي قال: (أتانا كتاب عمر بن عبد العزيز إذا بلغ أهل القرية أربعون رجلاً فليجمعوا) . السنن الكبرى 3/178.(2/863)
فصاعدا1 أن يصلي بهم بعضهم ويخطب2.
[513-] قلت: على من تجب الجمعة؟
قال: من أسمعه المنادي لا شك فيه3.
__________
1 انظر قول إسحاق: (أنه يشترط لانعقاد الجمعة أربعون رجلاً) . في المجموع 4/373، شرح السنة 4/219، معالم السنن 1/245.
2 انظر قول إسحاق: (أنه لا يشترط حضور السلطان للجمعة) . في الأوسط خ ل أ 194، المجموع 4/452.
3 نقل عنه نحو هذه المسألة عبد الله في مسائله ص120، 124 (434، 435، 451) ، وابن هانئ في مسائله 1/89 (445) ، وأبو داود في مسائله ص56.
والمذهب: وجوب الجمعة على من ليس بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ.
قال ابن قدامة: (هذا في حق غير أهل المصر، أما أهل المصر فيلزمهم كلهم الجمعة بعدوا أو قربوا) .
وروي عن أحمد: أن المعتبر إمكان سماع النداء.
وعنه: المعتبر سماع النداء لإمكانه.
وعنه: إن فعلوها، ثم رجعوا لبيوتهم في يومهم لزمتهم وإلا فلا.
انظر: المغني 2/359، 360، الإنصاف 2/365، 366، كشاف القناع 2/23، 24.(2/864)
قال إسحاق: كما قال، فإن كان خارجاً من المصر بعد أن يسمع النداء1.
[514-] قلت: لا جمعة ولا تشريق2 إلا في مصر جامع؟
قال: هذا لا شيء3.
قال إسحاق: القرى إذا كانوا أربعين فإنه يسعها أن يقال هذا مصر جامع4.
__________
1 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/376، الأوسط خ ل أ 183، المجموع 4/356، المحلى 5/82، شرح السنة 4/222، المغني 2/360، الجامع لأحكام القرآن 18/104.
2 تشريق: صلاة العيد، أخذاً من شروق الشمس؛ لأن ذلك وقتها.
انظر: النهاية في غريب الحديث 2/464، تاج العروس 6/393.
3 قال ابن قدامة: (ولا يشترط للجمعة المصر) . المغني 2/331. وتقدم أنه إذا استوطن أربعون رجلاً قرية وجبت عليهم الجمعة. راجع مسألة (512) .
4 انظر قول إسحاق: (أنه لا يشترط لإقامة الجمعة المصر) في الأوسط خ ل ب 181، المجموع 4/374، شرح السنة 4/219.(2/865)
[515-] قلت: على المسافر جمعة؟
قال: لا1.
[516-] قلت: على العبد جمعة؟
قال: ولا على العبد إلا أن يأذن له سيده2.
[517-] قلت: متى يترك البيع والشراء يوم الجمعة؟
__________
1 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص125 (457) ، وأبو داود في مسائله 56.
والصحيح من المذهب موافق لما أفتى به هنا من أن الجمعة: لا تجب على المسافر، وهذا ما عليه الأصحاب.
وروي عن أحمد: أن الجمعة تلزمه إذا حضرها في وقتها ما لم يتضرر بالانتظار. وقال ابن تيمية: (يحتمل أن تلزمه تبعاً للمقيمين) .
انظر: الفروع 1/542، الاختيارات الفقهية ص79، الإنصاف 2/368، 369.
2 أشار أبو يعلى إلى رواية ابن منصور في الروايتين والوجهين 1/182، وكون الجمعة لا تجب على العبد كما في هذه الرواية، هو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنها تجب عليه، اختارها أبو بكر. وعليها يستحب أن يستأذن سيده ويحرم على سيده منعه، فلو منعه خالفه، وذهب إليها.
وعنه: تجب عليه بإذن سيده.
انظر: المغني 2/339، المحرر في الفقه 1/142، المبدع 2/141، 144.(2/866)
قال: إذا زالت الشمس.
قال إسحاق: (لا، قرب) 1 يوم الجمعة2.
[518-] قلت: إذا اغتسل أول النهار يوم الجمعة ثم أحدث؟
قال: أرجو أن يجزئه3.
قال إسحاق: كلما كان بعد طلوع [ع-24/ب] الفجر أجزأه4.
[519-] قلت: على النساء غسل يوم الجمعة؟
__________
1 هكذا في الأصل وتقدم في مسألة (505) ، أنه قال: (يحرم البيع والشراء إذا أذن المؤذن) .
2 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (505) .
3 الصحيح من المذهب: (أن أول وقت الغسل بعد الفجر، والأفضل فعله عند الذهاب إلى الصلاة) . قال ابن تميم.
وعنه: ما يدل على صحته سحراً. وقيل: أوله بعد طلوع الشمس وآخره وقت الرواح إليها) .
قال ابن قدامة: (وإن اغتسل ثم أحدث أجزأه الغسل وكفاه الوضوء) .
انظر: الفروع 1/552، الإنصاف 2/407، المغني 2/347.
4 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 184، المجموع 4/410، المغني 2/347.(2/867)
قال: لا1.
قال إسحاق: أما من شهدت الجمعة فلتغتسل.
[520-] قلت: متى يستقبل الإمام بوجهه يوم الجمعة؟
قال: لا أدري2.
قال إسحاق: حين يخرج الإمام فعليهم استقباله3، وإذا أخذ في الكلام حرم الكلام.
[521-] قلت: هل يذكر الله عز وجل المرء والإمام يخطب؟
__________
1 الصحيح من المذهب متفق مع هذه الرواية (من أن المرأة لا يستحب لها الاغتسال للجمعة) . وقيل: يستحب لها. قال القاضي: (من لا يكون لها الحضور من النساء يسن لها الغسل) .
انظر: المغني: 2/348، الإنصاف 1/247.
2 لا خلاف: أنه يستحب أن يستقبل الناس الخطيب إذا خطب. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: (يكون الإمام متباعداً، فإذا أردت أن انحرف إليه حولت وجهي عن القبلة، فقال: نعم، تنحرف إليه) .
انظر: المغني 2/303، الإنصاف 2/396.
3 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/384، الأوسط خ ل أ 189، المغني 2/304، عمدة القاري 5/309.(2/868)
قال: نعم، ويقرأ القرآن إذا لم يسمع الخطبة1.
قال إسحاق: كما قال2.
[522-] قلت: إذا جاء والإمام يخطب يوم الجمعة يصلي ركعتين؟
قال: يصلي ركعتين3.
__________
1 قال أبو داود: (قيل لأحمد فيقرأ؟ قال: إذا كان لا يسمع الخطبة فيقرأ) .
والمذهب: موافق لما أفتى به هنا، حيث يجوز لمن بعد عن الخطيب ولم يسمعه أن يذكر الله تعالى ويقرأ القرآن ولا يرفع صوته.
وهل ذلك أفضل أو الإنصات يحتمل وجهين: أحدهما: الإنصات أفضل. والثاني: الذكر أفضل.
انظر: المبدع 2/176، الفروع 1/569، 570، المغني 2/322.
2 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 188، المعاني البديعة خ ل أ 52.
3 نقل عنه نحو: هذه المسألة عبد الله في مسائله ص 122 (441) ، وصالح مسائله 2/383 (1043) ، وابن هانئ في مسائله 1/89، 90 (344، 348، 351) ، وأبو داود في مسائله ص58.
والمذهب متفق مع هذه الرواية من أن من دخل والإمام يخطب للجمعة لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما، فإن كان دخوله في آخر الخطبة، بحيث إذا تشاغل بالركوع فاته أول الصلاة لم يستحب له التشاغل بالركوع.
انظر: الفروع 1/567، الإنصاف 2/416، كشاف القناع 2/51.(2/869)
قال إسحاق: نعم1 فإنهما من السنة2.
[523-] قلت: إذا عطس الرجل والإمام يخطب يوم الجمعة أشمته3؟
قال: شمته4.
__________
1 انظر قول إسحاق في سنن الترمذي 2/386، شرح السنة 4/266، الأوسط خ ل ب 191، المغني 2/319.
2 روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن جابر- رضي الله عنه- قال: "دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: أصليت؟ قال: لا، قال: فصل ركعتين". صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب إذا رأى الإمام رجلاً وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين 2/11. صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب 1/596 (55) .
3 أشمته: تشميت العاطس الدعاء له بالخير والبركة والثبات على طاعة الله كقول يرحمكم الله.
انظر: مجمل اللغة 2/511، لسان العرب 2/52.
4 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص124 (449) ، وابن هانئ في مسائله 1/91 (458) ، وأبو داود في مسائله ص58.
والصحيح من المذهب: متفق مع هذه الرواية، حيث يجوز تشميت العاطس نطقاً مطلقاً، أي: سمع الخطبة أو لم يسمعها.
وروي عن أحمد: أنه يجوز لمن لم يسمع الخطبة.
وعنه: يحرم مطلقاً.
انظر: الروايتين والوجهين 1/184، الفروع 1/568، الإنصاف 2/418.(2/870)
قال إسحاق: شديداً كما قال1.
[524-] قلت: وهل يرد السلام والإمام يخطب؟
قال: يرد السلام2.
قال إسحاق: نعم3.
[525-] قلت: كم يصلي قبل الجمعة وبعدها؟
قال: أما بعدها إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء أربعاً، وإن شاء التطوع كلها مثنى مثنى4.
__________
1 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/388، الأوسط خ ل ب 188، شرح السنة 4/260، المغني 2/323.
2 نقل عنه نحوها عبد الله في مسائله ص123، 124 (449) ، وأبو داود في مسائله ص58. والمذهب فيها كما تقدم في تشميت العاطس.
3 انظر قول إسحاق في: المصادر الواردة في الهامش السابق.
4 نقل عنه عدد ركعات التطوع بعد الجمعة. عبد الله في مسائله ص121، 123 (436، 437، 446) ، وصالح في مسائله 2/8 (526) ، وابن هانئ في مسائله 1/89 (443) ، وأبو داود في مسائله ص59.
والمذهب وهو ما عليه أكثر الأصحاب: أن أقل السنة بعد الجمعة ركعتان، وأكثرها ست ركعات، وقيل: أكثرها أربع. اختاره ابن قدامة.
وروي عن أحمد: أنه لا سنة للجمعة بعدها.
انظر: المغني 2/364، المبدع 2/168، 169، الإنصاف 2/405.(2/871)
قال إسحاق: كما قال. إلا أنه يجوز الأربع بالنهار1.
[526-] قلت: من زحم يوم الجمعة فلم يقدر على الركوع والسجود كيف يصنع؟
قال: يتبع الإمام أو يسجد على ظهر الرجل2.
فإذا لم يقدر على الركعتين جميعاً استقبل الصلاة3.
__________
1 قال الترمذي: (قال إسحاق: إن صلى في المسجد يوم الجمعة صلى أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين) . سنن الترمذي 2/401. ونقل ابن المنذر عن إسحاق (أنه يرى أن يصلى بعد الجمعة أربع ركعات) . الأوسط خ ل ب 196.
2 نقل عنه نحو هذه المسألة. عبد الله في مسائله ص 123 (447) ، وابن هانئ في مسائله 1/89، 90 (446، 455، 456) ، وأبو داود في مسائله ص 57.
والمذهب وهو ما عليه أكثر الأصحاب: متفق مع هذه الرواية، حيث إن من أحرم مع الإمام ثم زحم عن السجود سجد على ظهر إنسان أو رجله.
وروي عن أحمد: إن شاء سجد على ظهر إنسان وإن شاء انتظر زوال الزحام.
وقال ابن عقيل: (لا يسجد على ظهر أحد ولا على رجله ويومئ غاية الإمكان. ولا نزاع في المذهب: أنه إذا لم يمكنه السجود على ظهر إنسان فإنه يسجد إذا زال الزحام ثم يتبع إمامه.
انظر: المغني 2/314، 315، الإنصاف 2/382، 383، المبدع 2/154، 155.
3 أشار أبو يعلى إلى رواية ابن منصور في الروايتين والوجهين 1/185، وتقدم حكم ما إذا أدرك مع الإمام أقل من ركعة. راجع مسألة 508) .(2/872)
قال إسحاق: كما قال1.
[527-] قلت: يسافر يوم الجمعة؟
قال: ما يعجبني2.
قال إسحاق: كما قال في التجارة أو غيره3.
__________
1 انظر قول إسحاق بالسجود على ظهر الرجل في: الأوسط خ ل أ 193، اختلاف العلماء للمروزي ص58. وتقدم قوله فيمن لم يدرك ركعة من الجمعة. راجع مسألة (508) .
2 قال صالح: (وقال- أي أحمد- في الرجل يخرج يوم الجمعة من المصر: لا يخرج حتى يجمع، ليس هو بمنزلة المسافر ليس عليه جمعة) المسائل 2/468 (1175) .
والصحيح من المذهب وهو ما عليه الأصحاب: أنه لا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر بعد الزوال إذا لم يكن له عذر حتى يصلي، فإن كان له عذر كخوف فوات الرفقة جاز.
أما قبل الزوال فيجوز له. وهذا المذهب اختاره ابن قدامة وابن عبدوس.
وروي عن أحمد: أنه لا يجوز له السفر حتى قبل الزوال.
وعنه: يجوز للجهاد خاصة.
انظر: الروايتين والوجهين 1/187، الإنصاف 2/373، 374، مطالب أولي النهى 1/761.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 181، المغني 2/362.(2/873)
[528-] قلت: الرجل يحتبي يوم الجمعة والإمام يخطب؟
قال: أرجو أن لا يكون به بأس1.
قال إسحاق: كما قال2.
[529-] قلت: الساعة التي ترجى في يوم الجمعة متى هي؟
قال: أكثر الأحاديث3 على بعد
__________
1 الصحيح من المذهب موافق لهذه الرواية: من أنه لا يكره الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب، وقيل: يكره.
انظر: المغني 2/326، المبدع 2/175، الإنصاف 2/396.
2 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/391، شرح السنة 4/262.
3 روى الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي فيسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه. قال أبو هريرة: فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له هذا الحديث. فقال: أنا أعلم بتلك الساعة فقلت أخبرني بها ولا تظنن- تبخل- بها على. قال: هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس". سنن الترمذي، كتاب الجمعة، باب فضل صلاة الجمعة 2/362 363 (491) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ورواه ابن خزيمة في صحيحه 3/120 (1738) ، ومالك في الموطأ، كتاب الجمعة، باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة 1/109 (16) ، وعبد الرزاق في مصنفه 3/265، 266. قال ابن عبد البر: (إنه أثبت شيء في الباب) . انظر: فتح الباري 2/421.
وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) . المستدرك 1/279.
قال ابن حجر: (لا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام. ونقل عن المحب الطبري قوله: أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى، وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام) . فتح الباري 2/421.
وروى أبو داود في سننه عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه قال: يوم الجمعة ثنتا عشرة- يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً إلا آتاه الله عز وجل فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر". سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب الإجابة أي ساعة هي في يوم الجمعة 1/636 (1048) .
ورواه النسائي في سننه، كتاب الجمعة، باب وقت الجمعة 3/99، 100 (1389) ، والبيهقي في سننه الكبرى 3/250.
والحديث صححه النووي والحاكم والذهبي وغيرهم.
انظر: المجموع 4/427، المستدرك مع التلخيص 1/279، صحيح الجامع الصغير 6/366(2/874)
هذه الصفحة ساقطة(2/875)
العصر1.
قال إسحاق: بعد العصر لا أكاد أشك فيه , وأرجو زوال الشمس2.
[530-] قلت: قال سفيان: جلس رجل عن الجمعة فصلى في بيته أربعاً، ثم بدا له أن يأتي الجمعة؟
قال: إن أدرك الإمام جمع3 وإن لم يدرك الجمعة أعاد الظهر؛ لأنه إنما ينبغي له أن يصلي الظهر إذا فاتته الجمعة4.
قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: آمره أن يعيد، ولكن الفرض الذي صلى في بيته هذا إذا كان إمام يؤخر الجمعة، وأما [ع-25/أ] إذا كان إمام يعجل الجمعة فينبغي له أن يأتي الجمعة5.
__________
1 قال الترمذي: (قال أحمد: أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر، وترجى بعد زوال الشمس) . سنن الترمذي 2/361، وانظر: الفروع 1/553، الإنصاف 2/409.
2 انظر قول إسحاق في: سنن الترمذي 2/361، فتح الباري 2/421، شرح السنة 4/209، مطالب أولي النهى 1/783، المجموع 4/426، الاستذكار 2/303.
3 انظر قول سفيان (أن من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الجمعة ويصلي ركعة أخرى ومن أدركهم جلوساً صلى أربعاً) . في سنن الترمذي 2/403، الأوسط خ ل ب 192. التمهيد 7/70، المغني 2/312، معالم السنن 1/249، اختلاف العلماء للمروزي ص57، أحكام القرآن للجصاص 3/447.
4 انظر قول سفيان: (أن من لزمته الجمعة وصلى الظهر قبل صلاة الإمام أنه لا تجزئه صلاته، وعليه إعادتها بعد الجمعة، إن لم يدرك الجمعة) . في الأوسط خ ل ب 193، المجموع 4/366، المغني 2/342.
5 المذهب- وهو ما عليه جماهير الأصحاب-: أن من صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام لم تصح صلاته، ويلزمه السعي إلى صلاة الجمعة إن ظن أنه يدركها، فإن أدركها معه صلاها، وإن فاتته فعليه صلاة الظهر، وإن ظن أنه لا يدركها انتظر حتى يتيقن أن الإمام قد صلى ثم يصلي الظهر) .
وقيل: إن أخر الإمام الجمعة تأخيراً منكراً فللغير أن يصلي ظهراً وتجزئه عن فرضه. قال المجد بن تيمية: وهذا ظاهر كلام أحمد.
انظر: المغني 2/342، الإنصاف 2/372، المحرر في الفقه 1/156.(2/876)
قال إسحاق: كما قال1.
[531-] قلت: قال سفيان: إن أحدث الإمام يوم الجمعة قبل أن يدخل في الصلاة فلا يقدمن إلا من شهد الخطبة2، فإذا دخل الإمام في الصلاة فصلى ركعة، ثم أحدث فلا بأس أن يقدم من كان دخل معه في صلاته، وإن لم يكن شهد الخطبة.
قال الإمام أحمد: إن شاء قدم من شهد الخطبة، أو لم يشهد هو واحد إذا كان عذر. وأما من غير عذر فما يعجبني أن يصلي
__________
1 انظر قول إسحاق: (أن من وجبت عليه الجمعة وصلى الظهر قبل الإمام أنه يلزمه إعادتها بعد الجمعة، إن لم يدرك الجمعة مع الإمام) . في الأوسط خ ل ب 193، المجموع 4/366، اختلاف العلماء للمروزي ص59.
2 انظر قول سفيان: (أنه لا يصلى إلا من شهد الخطبة) في الأوسط خ ل أ 189، المغني 2/308.(2/877)
رجل ويخطب آخر1.
قال إسحاق: أجاد كما قال.
[532-] قلت: قال سفيان: إذا لم يخطب الإمام يوم الجمعة فصل أربعاً لا يكون جمعة إلا بخطبة، وإن جمع بغير خطبة فأعد الصلاة وهي الظهر2.
قال أحمد: جيد3.
__________
1 تقدم قول الإمام أحمد وإسحاق. راجع مسألة (508) .
2 روى عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن الزبير عن الضحاك بن مزاحم (أنه صلى مع إمام لم يخطب يوم الجمعة فصلى الإمام ركعتين، فقام الضحاك فصلى ركعتين بعدما قضى الصلاة جعلهن أربعاً) . قال سفيان: (وقال غيره: استقبل الصلاة أربعاً ولا يعتد بما صلى مع الإمام) . المصنف 3/171.
وانظر قول سفيان: (باشتراط الخطبة لصحة صلاة الجمعة) . في شرح البخاري لابن بطال خ ل ب 255، الأوسط خ ل أ 187، المغني 2 /302، المعاني البديعة خ ل أ 51، الروض النضير 2/300.
3 نقل عنه أن من لم يخطب يوم الجمعة يصلي أربعاً ابن هانئ في مسائله 1/88 (441) ، وأبو داود في مسائله ص 57.
ولا نزاع في المذهب أن الخطبة شرط في الجمعة لا تصح بدونها.
انظر: الفروع 1/556، الإنصاف 2/386، الكافي 1/289.(2/878)
قال إسحاق: كما قالا1.
[533-] قلت: قال سألت سفيان عن رجل أمره الأمير أن يخطب يوم الجمعة فخطب وصلى الأمير؟
قال: لا بأس به إذا حضر الأمير الخطبة، فإن لم يحضر الأمير الخطبة فصلى بهم ركعتين فصلاتهم فاسدة2.
قال أحمد: أما ما أعرف أن يكون هو يخطب ويصلي للناس إلا أن يأتيه موضع يحذر3 من رعاف أو حدث، فإذا كان موضع فمن شهد الخطبة ومن لم يشهد واحد.
قال إسحاق: كما قال أحمد4.
[534-] قلت: قال سفيان في إمام خطب يوم الجمعة فلما فرغ من الخطبة جاء أمير غيره قال: يصلي الذي خطب، فإن صلى الذي قدم عليه صلى أربعاً، وإن شاء الذي قدم عليه أن يخطب ويصلي ركعتين
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 187، المغني 2/302.
2 تقدم قول سفيان. راجع مسألة (531) .
3 يحذر: الحذر الخيفة. والمراد: يخاف من وقوع هذه الأمور. انظر: مجمل اللغة 1/223.
4 تقدم قول الإمامين: أحمد وإسحاق. راجع مسألة (508) .(2/879)
فعل1.
قال أحمد: الذي يخطب إن صلى بهم فصلاته تامة، وإن بنى الذي جاء على خطبة الأول فصلاته تامة.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[535-] قلت: سئل سفيان عن رجل صلى مع الإمام يوم الجمعة ركعة، ثم رعف فخرج فتوضأ، ثم جاء وقد صلوا؟
قال: يقضي تلك الركعة إن لم يكن تكلم، فإن كان تكلم صلى الظهر أربعاً.
قال أحمد: إذا أمرته بالوضوء أمرته بالصلاة يصلي الظهر أربعاً2.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[536-] قلت: قال- يعني سفيان-: ما ترى في المرأة تكبر3 أيام التشريق؟
__________
1 تقدم قول سفيان. راجع مسألة (531) .
2 تقدم قول الإمام أحمد: راجع مسألة (89) .
3 هو التكبير الذي يكون بعد الصلوات المفروضة. ومن صيغه: " الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".(2/880)
قال: لا، إلا في جماعة1.
قال أحمد: أحسن2.
قال إسحاق: [ع-25/ب] بل تكبر المرأة وحدها كلما صلت.
[537-] قلت: سئل سفيان عن مسافر انتهى إلى الإمام يوم الجمعة وهو جالس في آخر صلاته؟
قال: يصلي أربع3.
قال أحمد: جيد؛ لأنه دخل في صلاة المقيمين4.
__________
1 انظر قول سفيان في: الأوسط خ ل ب 225، المجموع 5/45، المغني 2/396.
2 أشار ابن قدامة إلى رواية ابن منصور في المغني 2/396، ونقل عنه: (أن المرأة لا تكبر في أيام التشريق) . عبد الله في مسائله 129 (474) ، وابن هانئ في مسائله 1/93 (470) ، وأبو داود في مسائله 61.
والصحيح من المذهب: أن المرأة تكبر أيام التشريق عقب الصلاة في جماعة كانت أو منفردة لكنها لا تجهر به.
وروي عن أحمد: أنها لا تكبر.
وعنه: تكبر تبعاً لجماعة الرجال، وقطع به كثير من الأصحاب.
انظر: الفروع 1/586، الإنصاف 2/438، كشاف القناع 2/65.
3 انظر قول سفيان في: الأوسط خ ل أ 193، المغني 2/284، المجموع 4/239.
4 قال أبو داود: قلت لأحمد: إذا أدرك المسافر يوم الجمعة الإمام ساجداً في آخر صلاته؟ قال: يصلي أربعاً. المسائل ص59.
والمذهب موافق لما أفتى به هنا: من أن المسافر إذا أدرك الإمام في تشهد الجمعة أتم صلاته ظهراً. وقيل: يقصر من أدرك التشهد في الجمعة.
انظر: الفروع 1/519، الإنصاف 2/323.(2/881)
قال إسحاق: المسافر إذا جاء وهم في آخر صلاتهم يوم الجمعة فإن عليه ركعتين1.
[538-] قلت: سئل سفيان عن رجل نسي صلاة الغداة حتى دخل في صلاة الجمعة؟
قال: يمضي في الجمعة.
قال أحمد: يمضي في الجمعة ولكن يعيد2.
قلت: الظهر أربعاً؟
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال أحمد رضي الله عنهما3.
[539-] قلت: قوله: يوم الجمعة صلاة كله؟
قال: ليس هذا استثناء، لا يعجبني الصلاة نصف النهار، ولو كان
__________
1 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 193، المغني 2/284، المجموع 4/240.
2 تقدم قول أحمد وإسحاق بوجوب الترتيب في قضاء الصلوات. راجع مسألة (124) .(2/882)
كما قال لصلوا بعد العصر.
قال إسحاق: بل يوم الجمعة صلاة كله1.
[540-] قلت: الجمعة قبل الزوال أم بعد الزوال؟
قال: إن فعل ذلك- يعني قبل الزوال- فلا أعيبه، وأما بعده فليس فيه شك2.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 تقدم حكم المسألة. راجع مسألة (120) .
2 نقل ابن المنذر نص هذه المسألة عن إسحاق الكوسج في: الأوسط 2/354. قال عبد الله: (قرأت على أبي سئل عن وقت صلاة الجمعة؟ قال: إن صلى قبل الزوال فلا بأس) . المسائل ص125 (458، 459) .
والمذهب: أن أول وقت صلاة الجمعة هو أول وقت صلاة العيد. وهذا ما عليه أكثر الأصحاب.
وروي عن أحمد: أنه يجوز فعلها في الساعة السادسة، اختارها ابن قدامة وابن شاقلاً وغيرهما.
وعنه: أول وقتها بعد الزوال، اختارها الآجري: وقال المرداوي: هو الأفضل.
انظر: الإنصاف 2/375، 376، المبدع 2/147، 148. كشاف القناع 2/27، 28.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط 2/355. المجموع 4/382.(2/883)
[541-] قلت: الإمام لا يركع في المسجد بعد الجمعة؟
قال: ليس حديث السائب1 بن يزيد2 يدل3.4 وقال ابن عمر- رضي الله عنهما-: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته5.
__________
1 هو السائب بن يزيد بن سعيد الكندي ابن خت نمر (3ـ91هـ) ذهبت به خالته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمسح برأسه ودعا له بالبركة، وتوضأ الرسول عليه الصلاة والسلام، فشرب من وضوئه ونظر إلى خاتمه بين كتفيه. وحج به أبوه وأمه مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين. قال الذهبي: (له نصيب من صحبة ورواية) .
انظر ترجمته في: الاستيعاب 2/104، الجمع بين رجال الصحيحين 1/202، سير أعلام النبلاء 3/437، العبر 1/78.
2 روى مسلم بسنده عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة. فقال: "نعم صليت معه الجمعة في المقصورة- حجرة مبنية في المسجد- فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إليّ فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج". صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة 2/601.
3 أي يدل على المنع.
4 المذهب أن الأفضل صلاة السنة في المسجد. وروي عن أحمد أن البيت أفضل. انظر: الإنصاف 2/405، كشاف القناع 2/45.
5 روى مسلم والبخاري في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر: "أنه وصف تطوع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين".
زاد مسلم "في بيته". صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة 2/600 (71) . صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها 2/12.(2/884)
قال إسحاق هو كما قال، إن صلى في بيته، وإن صلى في المسجد صلى أربعاً لا يسلم إلا في آخرهن1.
[542-] قلت: الصلاة على الميت في المسجد؟
قال: ليس به بأس2.
قال إسحاق: كما قال3.
[543-] قلت: سئل سفيان عن الإمام إذا صلى على النبي صلى الله عليه
__________
1 تقدم قوله إسحاق. راجع مسألة (525) .
2 المذهب متفق مع هذه الرواية: من أنه لا بأس بالصلاة على الميت في المسجد بدون كراهة إذا أمن تلويثه، وهذا ما عليه جماهير الأصحاب. وقيل: الصلاة فيه أفضل. وقيل عدم الصلاة فيه أفضل.
انظر: الفروع 1/670، المحرر في الفقه 1/193. الإنصاف 2/538.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل ب 301، شرح مسلم للنووي 7/40، المغني 2/493، المجموع 5/168.(2/885)
وسلم يوم الجمعة، قال: السكوت1.
قال أحمد: ما بأس أن يصلي على النبي صلى الله وسلم فيما بينه وبين نفسه2.
قال إسحاق: كما قال أحمد رضي الله عنه3.
[544-] قلت: قال رجل من أهل خراسان4 لسفيان: إن مسجد مرو أخذ غصباً وهدم ما حوله دوراً وأدخل في المسجد وسأله عن الصلاة فيه، وقال: ليس لنا جمعة إلا فيه؟
فقال: فصل الجمعة ولا تطوع فيه.
قال أحمد: ما أحسن ما قال5.
__________
1 انظر قول سفيان في: الأوسط خ ل أ 190.
2 لا خلاف في المذهب: أنه تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الخطبة إذا سمع الصلاة عليه سراً بلا رفع صوت.
انظر: المغني 2/322، الفروع 1/568، الإنصاف 2/418.
3 انظر قول إسحاق في: الأوسط خ ل أ 190.
4 خراسان: هي بلاد واسعة أول حدودها ما يلي العراق، وآخر حدودها ما يلي الهند، ومن أمهات مدنها: نيسابور وهراة ومرو وبلخ، وقد دخل أهل خراسان في الإسلام رغبة من أنفسهم، وظهر منهم العلماء والنبلاء والمحدثون والنساك.
انظر: معجم ما استعجم 1/489، معجم البلدان 2/350.
5 المذهب: صحة الجمعة في موضع الغصب، وفي الطرق ورحاب المسجد إذا دعت الحاجة إلى فعلها في هذه المواضع.
انظر: المغني 2/75، الإنصاف 1/494، كشاف القناع 1/344.(2/886)
قلت: السوق؟
قال: ولا يدخل السوق إلا شيئاً كان يعرف أنه طريق قبل ذلك فيصلي فيه1.
قال إسحاق: كما قال.
[545-] قال إسحاق: نظرنا اختلاف الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التقصير في إقامته وفي أسفاره وفي ظعنه2 حين يقصد إلى الحرب، وما أجاب السائلين في التقصير في السفر فوجدنا ألفاظاً تكون في الظاهر ينقض بعضه بعضاً، ولكن المذهب في ذلك ائتلاف معانيها وتصرف علتها عن معانيها على تحقيق إرادته والله سبحانه وتعالى أعلم.
من ذلك ما أقام النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة سبعة عشر، أو تسعة عشر يقصر3 وبتبوك عشرين ليلة
__________
1 تقدم قول أحمد في الصلاة في الطريق. راجع مسألة (404) .
2 ظعنه: ظعن يظعن ظعناً ذهب وسار.
انظر: الصحاح 6/2159، لسان العرب 13/270.
3 تقدم تخريجه. راجع مسألة (315) .(2/887)
يقصر1، وقصد للحج في العشر صبح أربع ليال خلون2 فقصر إلى خروجه إلى منى وبمنى3، وحكى عمران بن حصين- رضي الله عنه-: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحججت معه فلم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة، وكذلك فعل أبو بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم-4.
__________
1 روى أحمد في المسند عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة". المسند 3/295. ورواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب إذا قام بأرض العدو يقصر 2/27 (1235) ، وقال: غير معمر يرسله لا يسنده.
وابن حبان في صحيحه. انظر: الإحسان 4/184، 185 (2741) ، وعبد الرزاق في مصنفه 2/532. قال النووي: (هو حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم لا يقدح فيه تفرد معمر فإنه حافظ، فزيادته مقبولة. انظر نصب الراية 2/186.
وقال الحافظ ابن حجر: (صححه ابن حزم والنووي، وأعله الدارقطني في العلل بالإرسال والانقطاع) . تلخيص الحبير 2/47.
2 خلون: خلا الشيء خلوا مضي. والمعنى: أنه قد مضى من شهر ذي الحجة أربع ليال. انظر: تاج العروس 10/119.
3 تقدم تخريجه. راجع مسألة (316) .
4 روى أحمد بسنده عن أبي نضرة أن فتى سأل عمران بن حصين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فعدل إلى مجلس العوقة فقال: "إن هذا الفتى سألني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فاحفظوا عني، ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً إلا صلى ركعتين ركعتين حتى يرجع، وأنه أقام بمكة زمان الفتح ثماني عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم يقول: يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا سفر، ثم غزا حنيناً والطائف، فصلى ركعتين ركعتين ثم رجع إلى جعرانه فاعتمر منها في ذي القعدة. ثم غزوت مع أبي بكر- رضي الله عنه- وحججت واعتمرت، فصلى ركعتين ركعتين، ومع عمر- رضي الله عنه- فصلى ركعتين ركعتين إلا المغرب، ومع عثمان- رضي الله عنه- صدر إمارته ركعتين إلا المغرب، ثم إن عثمان- رضي الله عنه- صلى بعد ذلك أربعاً".
وفي رواية: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة، وحججت معه فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة، وشهدت معه الفتح …". المسند 4/430، 431، 440.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/450، والطبراني في معجمه الكبير 18/209 (515، 516) ، والبيهقي في سننه الكبرى 3/135، 136، 153، والطحاوي في شرح الآثار 1/417،. ورواه الترمذي وأبو داود في سننهما مختصراً. سنن الترمذي كتاب السفر، باب ما جاء في التقصير في السفر 2/430 (545) ، وقال: (هذا حديث حسن صحيح) . سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر 2/23 (1239) .
قال ابن حجر: حسنه الترمذي وعلي- ابن زيد بن جدعان- ضعيف، وإنما حسن الترمذي حديثه لشواهده، ولم يعتبر(2/888)
الاختلاف في المدة، كما عرف عن عادة المحدثين من اعتبارهم الاتفاق على الأسانيد دون السياق. تلخيص الحبير 2/48.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن التقصير؟(2/889)
فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزله إلى مكة لا يزال يصلي ركعتين حتى ينصرف.1
وكذلك كتب إلى ابن عمر رضي الله عنهم أنا بفارس2 نقيم
__________
1 روى أحمد في المسند عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: جعل الناس يسألونه عن الصلاة في السفر فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من أهله لم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى أهله". المسند 1/241.
وسنده جيد انظر الفتح الرباني 5/97، وقال أحمد شاكر: (إسناده صحيح) . انظر: التعليق على المسند 4/23، 24.
ورواه ابن أبي شيبة بسنده عن سعيد بن شفي ولفظه قال: "قلت لابن عباس إنا قوم كنا إذا سافرنا كان معنا من يكفينا الخدمة من غلماننا، فكيف نصلى؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر صلى ركعتين حتى يرجع. قال: ثم عدت فسألته فقال مثل ذلك، ثم عدت فقال لي بعض القوم: أما تعقل، أما تسمع ما يقول لك". مصنف ابن أبي شيبة 2/447.
ورواه البيهقي في سننه الكبرى مختصراً 3/153، ورواه الطيالسي في مسنده ص 358 (2737) ، والطبراني في معجمه الكبير 12/ 143 (12711، 12712) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/417.
2 فارس: ولاية واسعة، وإقليم فسيح يحيط بها من الشرق كرمان، ومن الغرب خوزستان، ومن الشمال مفازة خراسان، ومن الجنوب البحر. وهي مائة وخمسون فرسخاً طولاً ومثلها عرضاً. واكتمل فتحها في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضي الله عنه-. وتشتمل على مواضع لا تنبت الفاكهة لشدة بردها، ومواضع لا يسكنها الطير لشدة حرها.
انظر: آثار البلاد ص232، مراصد الإطلاع 3/1012.(2/890)
السنتين والثلاث فكم أصلى؟
قال ابن عمر رضي الله عنه: كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله إلى مكة صلى ركعتين حتى يرجع.1
وأشباه ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده رضي الله عنهم، يذكر عنهم كنحو ما وصفنا من إجماع إقامة على عشر2 واثنتي
__________
1 لم أعثر عليه. لكن روى أحمد في المسند القصة بدون ذكر عدد السنين، روى أحمد بسنده عن عون الأزدي قال: "كان عمر بن عبيد الله بن معمر أميراً على فارس، فكتب إلى ابن عمر يسأله عن الصلاة، فكتب ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من أهله صلى ركعتين حتى يرجع إليهم". المسند 2/45، 99، 124.
وإسناده صحيح. انظر: تعليق أحمد شاكر على المسند 7/117، وراجع التاريخ الكبير 1/14.
وروى عبد الرزاق بسنده عن ابن سيرين قال: "كتب عبيد الله بن عمر إلى ابن عمر وهو بأرض فارس أنا مقيمون إلى الهلال، فكتب أن أصلي ركعتين". المصنف 2/534.
2 روى مالك بسنده عن نافع أن ابن عمر (أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته) . الموطأ كتاب قصر الصلاة، باب صلاة المسافر ما لم يجمع مكثاً 1/148 (17) .
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي- رضي الله عنه- قال: (إذا أقمت عشراً فأتم) . مصنف ابن أبي شيبة 2/455. ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/532.(2/891)
(عشرة1" ليلة2. (وخمس عشرة3" ليلة وعشرين ليلة4 ومن بعدهم من التابعين مثل ذلك أيضاً5.
__________
1 في الأصل (عشر) .
2 روى مالك بسنده عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر (كان يقول: أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثاً، وان حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة) . الموطأ، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب صلاة المسافر ما لم يجمع مكثاً 1/148 (16) .
ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/533، 534، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/420، والبيهقي في سننه الكبرى 3/152. وروى عبد الرزاق بسنده عن نافع أن ابن عمر (كان يقول: إذا أجمعت أن تقيم اثنتي عشرة ليلة فأتم الصلاة) . المصنف 2/534، وانظر: المحلى 5/33، المجموع 4/248.
3 في الأصل (خمسة عشر) .
4 روى عبد الرزاق بسنده عن مجاهد قال: (كان ابن عمر إذا قدم مكة فأراد أن يقيم خمس عشرة ليلة سرح ظهره فأتم الصلاة) . مصنف عبد الرزاق 2/534. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/455، وانظر: المجموع 4/248.
وروى عبد الرزاق بسنده عن ابن أبي نجيح قال: (سألت سالم بن عبد الله. قال: كيف كان ابن عمر يصنع؟ قال: إذا كان صدر الظهر، وقال نحن ماكثون أتم الصلاة. وقال: وإذا قال اليوم وغدا قصر الصلاة، وإن مكث عشرين ليلة) . المصنف 2/539) . ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/420.
5 روى عبد الرزاق بسنده عن ابن المسيب قال: (إذا أزمعت بقيام خمس عشرة ليلة فأتم) . مصنف عبد الرزاق 2/535. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/454. وروى ابن أبي شيبة بسنده عن سعيد بن جبير قال: (إذا أقمت أكثر من خمس عشرة فأتم الصلاة) . المصنف 2/455.
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة والأوزاعي: (يتم المسافر إذا نوى الإقامة اثني عشر يوماً) . وقال الحسن بن صالح: (يتم إذا نوى إقامة عشرة أيام) .
انظر: المجموع 4/248، المحلى 5/33، أحكام القرآن للجصاص 2/256، عمدة القاري 6/111.(2/892)
ومنهم من قال: فأربعة أيام فقط1. وأكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين على أنهم كانوا يقيمون في أسفارهم الأشهر والسنة والسنتين لا يصلون إلا ركعتين2
__________
1 نقل ذلك عن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- وأبي ثور والليث.
انظر: المجموع 4/248، المغني 2/288، أحكام القرآن للجصاص 2/256، عمدة القاري 6/111.
وروى مالك بسنده عن عطاء الخرساني (أنه سمع سعيد بن المسيب قال: من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة) . الموطأ، كتاب قصر الصلاة، باب صلاة الإمام إذا أجمع مكثاً 1/149 (18) ، ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/534، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/455، والبيهقي في سننه 3/148.
وإليه ذهب مالك والشافعي وهو رواية عن أحمد.
انظر: حاشية الدسوقي 1/346، روضة الطالبين 1/384، الإنصاف 2/329.
2 روى عبد الرزاق بسنده عن عبد الرحمن بن المسور عن سعد- ابن مالك بن أبي وقاص- قال: (كنا معه بالشام شهرين فكنا نتم وكان يقصر، فقلنا له، فقال: إنا نحن أعلم) . مصنف عبد الرزاق 2/535.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/453، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/419، 420، والبيهقي في سننه 3/153. وروى عبد الرزاق بسنده عن جعفر بن عبد الله (أن أنس بن مالك أقام بالشام شهرين مع عبد الله بن مروان يصلي ركعتين ركعتين) . مصنف عبد الرزاق 2/536، ورواه البيهقي في سننه 3/152.
وروى عبد الرزاق بسنده عن نافع: (أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة قال: وكان يقول: إذا أزمعت إقامة فأتم) . مصنف عبد الرزاق 2/533، ورواه البيهقي في سننه 3/152.
وروى البيهقي في سننه "عن أنس- رضي الله عنه- أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة". السنن الكبرى 3/152.
وروى عبد الرزاق بسنده عن عيسى بن أبي عزة. قال: (مكث عندنا عامر الشعبي بالنهرين أربعة أشهر لا يزيد على ركعتين) . مصنف عبد الرزاق 2/538.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن أبي المنهال قال: (قلت لابن عباس إني أقيم بالمدينة حولاً لا أشد على سير قال صل ركعتين) . المصنف 2/453.
وروى ابن أبي شيبة بسنده عن الحسن (أن أنس بن مالك أقام بنيسابور سنة أو سنتين يصلي ركعتين، ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين) .
وروى أيضاً بسنده عن مالك قال: (قلت لجابر بن زيد: أقيم بكسكر السنة والسنتين وأنا شبه الأهل فقال صل ركعتين) . مصنف ابن أبي شيبة 2/454.
ورواه عبد الرزاق بسنده عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: كنا معه في بعض بلاد فارس سنتين، وكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين) . مصنف عبد الرزاق 2/536.(2/893)
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/454، والبيهقي في السنن الكبرى 3/152.
وروى أيضاً بسنده عن إبراهيم عن علقمة (أنه أقام بخوارزم سنتين فصلى ركعتين) . مصنف عبد الرزاق 2/536، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/454، وروى ابن أبي شيبة بسنده عن أبي وائل عن مسروق قال: (أقمت معه سنتين يصلي ركعتين بالسلسلة قال: فقلت له: ما حملك على هذا يا أبا عائشة؟ فقال التماس السنة) . مصنف ابن أبي شيبة 2/454، ورواه عبد الرزاق في مصنفه 2/536، 537.(2/894)
فنرى- والله سبحانه وتعالى أعلم-: أن حجة الأوائل أن الرجل إذا خرج مسافراً من أهله لا يريد التوطن ببلدة يمر بها ولا مقام له [ع-26/أ] حيث قصد إليه حتى يرجع إلى منزله أن يصلي ركعتين، وإن طال مقامه في مصر شهراً، أو أكثر أو أقل؛ لأن ذلك المقام ليس بتوطن ولا اختيار دار، فإذا لم يقل العالم بهذا القول بعدل؛ فلأن يقول: كل مسافر قدم بلدة فأجمع الإقامة بها أياماً لا يشخص1.
فمتى يقضي نهمته من إقامة قلّ أم كثر، أن يصلي صلاة المقيم؛ لأن اسم الإقامة وإجماعها قد وقع عليه.
__________
1 يشخص: الشخوص السير من بلد إلى بلد، وقد شخص يشخص شخوصاً أي ذهب من بلد إلى بلد.
انظر: مجمل اللغة 2/524، الصحاح 3/1043.(2/895)
وهذا أحب الأقاويل إليّ أن يؤخذ بها؛ لأن في ذلك يجمع الاختلاف والاختباط إذا اختلفوا في توقيت الإقامة بمصر، وقد أجمعوا كلهم على أن المقيم يتم الصلاة، فالأخذ بما اجتمعوا عليه حتى يتبين ما اختلفوا أولى، من غير أن يعيب اقتداء أهل العلم وقت أربعاً أو عشراً أو اثنتي عشرة ليلة.
فأما إذا قدم فأقام يوماً أو يومين أو أكثر لانتظار إبله أو1 الذين هم معه وأوليا كان أو غيره لم يجمعوا على إقامة بينه، وإن التقصير لهم مباح. لا شك في ذلك، مع أن هؤلاء الذين باينونا2 فيما وصفنا من الإجماع على الإقامة وإن قلت، أو على طول المقام بالأسفار، قالوا: كلما أقام ببلدة مع أمير قد غزا بهم.
وإن كان مقامهم لتجارة في سفرهم ذلك فأقاموا شهراً أو شهرين، أو سنة أو سنتين أو أكثر بعد؛ إذ لم يجمعوا على إقامة خمسة عشر، فإنهم يقصرون الصلاة. منهم الثوري3 وأصحاب
__________
1 بياض بالأصل بمقدار كلمة ولعلها (رفقته) .
2 باينونا: المباينة المفارقة، والبين الفراق. والمعنى: أنهم فارقوهم وخالفوهم فيما ذهبوا إليه.
انظر: المحيط 4/204. الصحاح 5/2082.
3 انظر قول سفيان هذا في: الأوسط خ ل ب 232، المجموع 4/248، المغني 2/288، عمدة القاري 6/111، المعاني البديعة خ ل ب 47، البناية في شرح الهداية 2/757.(2/896)
الرأي12 ومن لحق بهم3 وفيما اجتمعوا تصديق ما أنكروا من قولنا.
آخر الجزء الأول4.
__________
1 أصحاب الرأي: هم أصحاب القياس؛ لأنهم يقولون برأيهم فيما لم يجدوا فيه حديثاً أو أثراً فيما أشكل عليهم من الحديث، وهم من تبع مدرسة ابن مسعود- رضي الله عنه- كإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان، وأبي حنيفة، ومحمد بن أبي ليلى وغيرهم- رحمهم الله تعالى-.
انظر: تاج العروس 10/141، معجم لغة الفقهاء 70.
2 الدر المختار 2/125، تبيين الحقائق 1/211، الهداية 2/34، 36.
3 هو مروى ابن عباس وابن عمر والليث بن سعد. واختاره المزني. انظر: المصادر في هامش (4) .
4 انتهى كتاب الصلاة، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/897)
المجلد الثالث
وصف النسخ الخطية ومنهج التحقيق لكتاب الزكاة:
أولاً: وصف النسخ التي جرى تحقيق النص منها:
لقد دفع إليّ المسؤولون في عمادة البحث العلمي ثلاث نسخ مصورة للكتاب هي:
1 - مصورة نسخة المكتبة الظاهرية، وهي مصورة من "الفيلم" رقم 7974 في الجامعة، وتقع مسائل الزكاة فيها في خمس أوراق تقريباً؛ من الورقة رقم 16 إلى الورقة رقم 20.
ومتوسط عدد الأسطر في كل صفحة 33 سطراً تقريباً.
وعدد الكلمات في كل سطر يتراوح بين 14 و 20 كلمة تقريباً.
وقد بدأت مسائل الزكاة في هذه النسخة بكتابة عبارة: [من كتاب الزكاة] ، كُتبت بخط عريض، منتصف الوجه الأول من الورقة رقم 16.
وهذه النسخة المصورة، وقع فيها طمس كثير جداً، لا سيما في أطراف الأوراق، وأكثرها انطماساً، الورقة رقم 16، حيث انطمس أكثر من النصف، من جهة جوانب الورقة.
وفي الورقة رقم 18 بياض، كثير، في منتصف الورقة، من جهة الوجه الثاني.
وفي نهاية الوجه الأول من الورقة رقم 19 كتب بخط، عريض، عبارة: [الجزء الثاني] .
ويظهر من نوع الخط، أن هذه النسخة، هي أقدم النسخ الثلاث.(3/989)
2 - مصورة النسخة العمرية، وهي مصورة من "الفيلم" رقم 7306 في الجامعة، ويقع باب الزكاة فيها في 7 أوراق تقريباً؛ من ص 50 إلى ص 63، أي في 14 صفحة، وذلك من الورقة رقم 26 إلى الورقة رقم 32.
ومتوسط عدد الأسطر في كل صفحة يتراوح بين 34 و 37 تقريباً، عدا صفحتي 51، 52 فعدد الأسطر في كل منهما 25 سطراً فقط؛ لوجود بياض بقدر الثلث في أعلى الصفحتين.
وقد ظهر للمحقق أن هذا البياض، لا يعدّ طمساً، إذ الكلام متصل بعضه ببعض. وحيث إن التحقيق جرى على نسخ مصورة، فإنه لا يمكن الجزم بسبب ذلك البياض!!.
وأما عدد الكلمات في كل سطر، فيتراوح ما بين 12 و 17 كلمة تقريباً.
هذا وقد كتب قبل باب الزكاة، وبعد نهاية كتاب الصلاة؛ كُتب بخط عريض: [آخر الجزء الأول، وأول الثاني] ثم كُتب: [بسم الله الرحمن الرحيم، باب الزكاة] .
هذا، وقد انفردت هذه النسخة عن نسخة الظاهرية، بزيادات؛ أهمها: الزيادة في أول باب الزكاة، منتصف ص 50 إلى قريب من الربع الأخير من ص 53، ثم التقت النسختان عند قوله: [قلت: قال سفيان: ما كان من أرض، صولح عليها ثم أسلم أهلها ... ] .(3/990)
وقَدْر هذه الزيادة 23 مسألة بترقيم المحقق.
ويظهر من نوع خط هذه النسخة، أنها متأخرة عن نسخة الظاهرية، والله تعالى أعلم.
3 - مصورة النسخة المصرية (نسخة دار الكتب المصرية) ، وهي مصورة من "الفيلم" رقم 758 ج1 في الجامعة، وتقع مسائل الزكاة فيها من الصفحة رقم 93 إلى الصفحة رقم 122.
وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة 21 سطراً، وعدد الكلمات ما بين 7 إلى 9 كلمات في السطر تقريباً.
وقد ظهر لي -كما ظهر لمن سبقني إلى تحقيق أجزاء من هذا الكتاب - أن هذه النسخة منسوخة من نسخة الظاهرية، وأنها نسخة معاصرة، وناسخها يُبيِّض لما لا يستطيع قراءته من الظاهرية، ويكتب في حاشية الكتاب الجانبية، عبارة: [بياض بالأصل] .
وقد ساعدت هذه النسخة على قراءة بعض ما عسرت قراءته من نسخة الظاهرية.(3/991)
ثانياً: منهج التحقيق:
1 - أقرأ النص، وأكتبه كما هو في النسخ الثلاث، وذلك حين تتفق على لفظ واحد؛ إلا ما يقتضيه الرسم الإملائي الحديث.
أما حين تختلف النسخ: فإن كان الاختلاف في الزيادة والنقصان؛ فإني أُثبت الزائد - لاسيما إن كان كلمة فأكثر - وأحجزه بين معقوفين، وأذكر مأخذه في الحاشية، وأقول: وليس في نسخة كذا، أو سقط من نسخة كذا، بحسب الحال، إلا أن يترجح عندي كون الزيادة لا معنى لها، أو لا حاجة إليها، فحينئذ أكتفي بإثباتها في الحاشية، ومن ذلك التوبيب الذي ذكر في بعض المواضع من النسخة العمرية، فإنه لا معنى له؛ إذ قد بوَّب على مسائل قليلة جداً، وترك سائر المسائل؛ فلو أُثبت لأخلّ بسياق المسائل، ولظُنّ أن ما بعده إلى التبويب الذي يليه داخل تحته، والحال ليست كذلك، فلم أرَ إثباته سليماً؛ إلا أن يُقحم المحقق أبواباً من عنده يستكمل بها بقية التوبيب، وهذا ما لا أرتضيه في مناهج التحقيق.
أما إن كان الاختلاف بين النسخ في غير الزيادة والنقص، من سائر أنواع الاختلافات، فإني وإن كنت لم ألتزم نسخة أصلاً، بل أنظر إلى الأقرب إلى صحة المعنى، إلا أنه بالنظر إلى أن نسخة الظاهرية هي أقدم النسخ الثلاث، فإني أحرص على إثبات ما فيها في المتن في مواضع كثيرة، مع أن ظاهر ما في النسخة العمرية، هو الأولى.
ولم يمنعني من اتخاذ نسخة الظاهرية أصلاً، إلا كثرة الطمس،(3/992)
ووجود النقص.
وما كان من اختلاف من هذا النوع، فإني لا أضعه بين معقوفين، وإنما أذكر ما يخالفه، أو يغايره في الحاشية.
هذا، ولما كانت نسخة دار الكتب المصرية منسوخة من الظاهرية، فقد قصرت الاعتماد عليها في التحقيق، على حال ما إذا وقع طمس، أو بياض، في مصورة الظاهرية - وهو كثير جداً، كما تقدم، ولكثرته لم أشأ أن أملأ الحواشي بالإشارة إليه عند كل موضع - أو حال ما إذا تعذر، أو تعسّر عليّ قراءة ما في الظاهرية قراءة ظاهرة.
وعلى هذا فكل موضع ذكرت فيه ما في نسخة دار الكتب المصرية، ولم أذكر فيه ما في مصورة الظاهرية، فهو موضع طمس، أو بياض، في الظاهرية.
وللاختصار فقد رمزت لنسخة الظاهرية بحرف: "ظ"، وللنسخة العمرية بالحرف: "ع"، ولنسخة دار الكتب المصرية بالحرف: "م".
وقد التزمت أن لا أغيّر، ولا أعدّل، ولا أصوّب شيئاً من عندي أقحمه في النص، وإن ظهر خطؤه، بل أقف عند حدّ بيان ذلك في الحاشية فحسب.
2 - قمت بخدمة النص المحقق في الأمور التالية:
1 - عزو الآيات الكريمة إلى مواضعها في كتاب الله تعالى.
2 - تخريج الأحاديث والآثار، وبيان الحكم عليها من حيث(3/993)
الثبوت، ما أمكن ذلك.
3 - توثيق الآراء والمسائل الفقهية: فما جاء منها عن غير الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - من الأئمة؛ فإني أجتهد في توثيقه عنه من المصادر التي أخرجته عنه بالإسناد إليه، أولاً، فإن لم أجد فبالعزو إليه، نصاً أو معنى، فإن لم أجد فإني -غالباً - أشير إلى ذلك، وأعتذر عنه.
وما جاء منها عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - فإني أحرص على توثيقه أولاً، من المصادر التي عزته إلى رواية ابن منصور -هذه - ثم من بعض كتب المسائل الأخرى -خاصة مسائل عبد الله، ومسائل أبي داود - ثم من بعض كتب المذهب، ولا أستقصي، ولا أُطيل في ذلك؛ إذ من المعلوم أن المسألة الواحدة قد تتكرر في عشرين مرجعاً أو أكثر من كتب الحنابلة.
لذا أكتفي غالباً بالتوثيق من المصادر الحنبلية التي تمتاز بالشمول، أو الدقة، أو استقصاء الروايات، والأقوال الأخرى في المذهب، كالمغني، والفروع، والإنصاف، ونحوها.
وغير خافٍ على أهل التحقيق أن تسمية ذلك توثيقاً هو من باب التسامح في العبارة، وإلا فإن الكتاب المحقق - ههنا - هو الأصل.
ثم إني إن وجدت عن إمام، أو فقيه، رواية، أو روايات أخرى، غير التي في المسائل هذه فإني أشير إليها.
ثم - فيما يتعلق بالروايات عن الإمام أحمد خاصة؛ فمهما وجدت(3/994)
ما يدل على رجحان رواية، أو رجوع عن رواية، أو كون رواية هي المذهب، ونحو ذلك، فإني أثبته باختصار، معزواً إلى مصدره.
وأما إن وجدت ما ظاهره - عندي - أنه خطأ، من نقل، أو حكاية إجماع، ونحو ذلك، فإني أُعبِّر عنه بأنه مشكل، ثم أذكر وجه الإشكال فيه، وأبيّن ما ظهر لي أنه الصواب، موثقاً بالمصادر العلمية الرصينة المعتبرة في هذا الباب.
وأما ما أشكل عَلَيَّ، ولم يظهر لي فيه شيء، فإني أذكر ذلك، وأبيّن وجه الإشكال فيه، ثم أَكِلُهُ إلى عالمه.
4 - قمت بترقيم المسائل ترقيماً خاصاً، بباب الزكاة هذا، ونظرت فيه إلى المسألة، لا إلى الأسئلة، ومع هذا فقد لاحظت صعوبة ضبط ترقيم المسائل، فهو عمل اصطلاحي، اجتهادي محض، قابل للزيادة والنقص، والتعديل.
5 - حددت بداية النص في النسخة الظاهرية، برقم اللوحة "الورقة"، وحددته في النسخة العمرية برقم الوجه "الصفحة"، وذلك بسبب كثرة الطمس، والبياض في مصورة الظاهرية.
6 - حرصت على ربط المسائل المتكررة، أو المتشابهة، أو ذات الموضوع الواحد، بعضها ببعض؛ بالإشارة إلى أرقامها في مواضع ورودها المختلفة.
7 - أعلّق على بعض المواضع التي تحتاج إلى بيان، أو كشف إبهام،(3/995)
وأقْصِر ذلك على قدر الحاجة، ولا أتوسع فيه، بل أحاذر التزيّد أشد الحذر.
8 - شرحت المصطلحات، وفسّرت غريب اللغة، وعادلت المقاييس، ووثقت ذلك من مصادره المعتبرة، ونبهت في أثناء ذلك على ما قد يقع فيه لبس، أو خلط.
9 - ترجمت للأعلام الواردة أسماؤهم في هذا الباب جميعاً -عدا الأئمة سفيان، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وإسحاق بن منصور، فإن مدار الكتاب عليهم فينبغي أن يترجم لهم في المقدمة العامة للكتاب -.
وقد حرصت على أن تكون الترجمة للعَلَم موجزة جداً، وغالباً ما أذكر عبارة الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في تقريب التهذيب، ثم أحيل المطّلع على جملة من المصادر الأصيلة للترجمة.
10 - قمت بتحديد البقاع، والأمكنة التي تحتاج إلى تحديد، وعيّنت مواضعها بالرجوع إلى المصادر المعروفة في هذا الشأن.
11 - وضعت فهارس متنوعة، تسهل الاستفادة من النص المحقق، وتيسر على المطلع عليه المراجعة فيه، وهي:
أ - فهرس الآيات الكريمة.
ب - فهرس الأحاديث الشريفة، والآثار.
ج - فهرس الأعلام.
د - فهرس الغريب والمصطلحات.(3/996)
- فهرس الأمكنة والبقاع.
و فهرس المصادر.
ز - فهرس الموضوعات(3/997)
كتاب الزكاة
بسم الله الرحمن الرحيم
باب الزكاة1
[546 -] قال: قلت لأبي عبد الله - رضي الله عنه -: سئل سفيان الثوري أيعطي من في عياله، وليس بقريب له؟
قال: أعط من لا تجبر على نفقته، وإن كانوا في عياله2.
__________
1الزكاة في اللغة: التطهير، والصلاح، والزيادة، والنمو.
انظر: العين للخليل 5/394.
وهي شرعًا: حق يجب في مال خاص، وتسمى صدقة، لأنها دليل لصحة إيمان مؤديها وتصديقه.
انظر: الفروع لابن مفلح 2/316.
2هكذا في النسخة، وفي كتاب "الأموال" لابن زنجويه 3/1171: "عيالك".
ونص قول سفيان في هذه المسألة أخرجه عنه ابن زنجويه في الأموال 3/1171 رقم 2189، ومذهبه فيها أخرجه عنه: عبد الرزاق في "المصنف" 4/113، وابن أبي شيبة في "المصنف" 3/192 وعزاه إليه: محمد بن نصر المروزي في "اختلاف الفقهاء" ص 445، والطحاوي كما في "مختصر اختلاف العلماء" للجصاص 1/48، والجصاص في "أحكام القرآن" 3/134.
وراجع المسألة رقم (631) من باب الزكاة هذا.(3/999)
قال الإمام أحمد: لا يعطي من كان في عياله وإن لم يكن بقريب له1.
قال إسحاق: كما قال سفيان2.
[547 -] قلت: قال الحسن3: كل وارث يجبر على وارثه إذا لم يكن له حيلة4.
__________
1هذا ما نقله الأكثر، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد.
وعنه: يجوز دفعها إليه، اختاره الأكثر.
انظر: المغني -مع الشرح الكبير- 2/514، والفروع 2/634، والإنصاف 3/261، والمبدع 2/435.
وانظر الآثار في المسألة في: الأموال لأبي عبيد ص 694، ومصنف ابن أبي شيبة 3/191، وفتح الباري 3/330.
2لم أعثر على رأي إسحاق بن راهويه في مصدر آخر، لكن انظر آخر المسألة رقم (631) من هذا الباب.
3هو التابعي الجليل الحسن بن أبي الحسن البصري.
4أخرجه عنه: عبد الرزاق في المصنف 9/134، وابن أبي شيبة في المصنف 5/247، وابن زنجويه في الأموال 3/1172 من طريقين، والطبري في تفسيره 2/309، وابن حزم في المحلى 10/103.
وانظر أيضًا: الإشراف لابن المنذر 4/150، والناسخ والمنسوخ للنحاس 2/65، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب ص 152، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/168، وفتح الباري لابن حجر 9/514، والدر المنثور للسيوطي 1/288(3/1000)
قال سفيان: وكان حماد1 يقول: يجبر كل ذي محرم على محرمه2.
قال سفيان: وقول الحسن أحب إليَّ3.
قال أحمد: على قول الحسن إنما هو على العصبة4، إن عمر
__________
1هو العلامة الإمام فقيه العراق، أبو إسماعيل حماد بن أبي سليمان الكوفي، الأشعري مولاهم، من صغار التابعين، توفي سنة 119هـ أو 120هـ رحمه الله تعالى.
انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/332، والثقات لابن حبان 4/159، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/146، وسير أعلام النبلاء 5/231، وتهذيب التهذيب 3/16، وتقريبه ص 178.
2أخرجه عنه: ابن زنجويه في الأموال 3/1172 برقم 2192، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور 1/288، وذكره عنه ابن حزم في المحلى 10/101، وراجع: مصنف عبد الرزاق 9/135، والأموال لأبي عبيد ص 696 وص 701.
3قول سفيان هذا أخرجه عنه ابن زنجويه في الأموال 3/1172.
وانظر مذهب سفيان في هذه المسألة في: المصنف لعبد الرزاق 7/61، واختلاف الفقهاء للمروزي ص 294 وص 445، وتفسير ابن جرير2/311، والمحلى لابن حزم 10/104، وتفسير القرطبي 3/168، وفتح الباري 9/514.
4انظر مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة في: المغني -مع الشرح الكبير- 9/256-261، والفروع 5/595، والإنصاف 9/392(3/1001)
-رضي الله عنه - وقف بني عمِّ مَنْفُوسٍ1.
قال إسحاق: كما قال أحمد2.
[548 -] قلت: قال: سألت الحسن عن الرجل يشتري أباه من الزكاة،
1المنفوس: الولد وهو طفل حين ولادته.
__________
انظر: الصحاح مادة "نفس" 3/985، ولسان العرب مادة "نفس" 6/4503.
والمعنى هنا: أن عمر رضي الله تعالى عنه ألزم أبناء عم مولود بالنفقة عليه، بإرضاعه وتربيته.
انظر: النهاية لابن الأثير 5/95.
وهذا الأثر عن عمر رضي الله تعالى عنه، أخرجه: عبد الرزاق في المصنف 7/59، وأبو عبيد في الأموال ص 305 رقم 595، وسعيد بن منصور في سننه 2/144، وابن أبي شيبة في المصنف 5/246-247، وابن جرير في تفسيره 2/308-309، وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ 2/64، والبيهقي في السنن الكبرى 7/478، وذكره ابن حزم في المحلى 10/102، وعزاه السيوطي -أيضًا- إلى عبد بن حميد، كما في الدر المنثور 1/288.
قال الألباني -رحمه الله تعالى- في إرواء الغليل 7/231 -بعد أن ساق هذا الأثر، بإسناد ابن أبي شيبة-: "وهذا إسناد رجاله ثقات، لولا عنعنة ابن جريج، والخلاف في سماع سعيد من عمر" يعني سعيد بن المسيب.
قلت: قد صرح ابن جريج بالسماع من عمرو بن شعيب في رواية عبد الرزاق.
2انظر: مذهب إسحاق هذا في: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 295، والإشراف لابن المنذر 4/150، وتفسير القرطبي 3/168، وفتح الباري 9/514.(3/1002)
فيعتقه؟.
قال: لا بأس به1.
قال أحمد: لا، ما يعجبني، كيف يجوز وهو إذا ملك أباه عتق!!، يشتريه من غير الزكاة2.
قيل: يجبر على ذلك؟ قال: لا3.
قال إسحاق: بل يجزيه عتقه من الزكاة، وإذا اشتراه فعتق، ثم
__________
1أخرج هذا الأثر عن الحسن: ابن أبي شيبة في المصنف 3/179، وابن زنجويه في الأموال [3/1170-1171] برقم 2188 - بنصه الحرفي- وفيه التصريح باسم السائل وأنه: أشعث بن سوَّار، وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم في صحيحه - كتاب الزكاة- باب قول الله تعالى {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} -الآية 60 من سورة التوبة- انظره مع شرحه فتح الباري 3/331.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 3/332 عن أثر الحسن هذا: "هذا صحيح عنه".
وراجع في مذهب الحسن في العتق من الزكاة: ما أخرجه عنه أبو عبيد في الأموال ص 723، وما ذكره عنه المروزي في اختلاف الفقهاء ص 444، والشاشي في حلية العلماء 3/132.
2انظر: المقنع والشرح الكبير - مع المغني- 12/241ـ والفروع 2/614، والمبدع 2/422، وراجع المسألة رقم (659) من هذا الباب.
3هذه إحدى الروايتين، قال في الإنصاف 7/401: "وفي إجباره على عتقه روايتان".(3/1003)
استفاد من ميراثه شيئًا جعله في مثله1.
أخبرني بذلك يحيى بن آدم2، عن هُشَيم3، عن يونس4، عن الحسن5 -رضي الله عنه-.
__________
1انظر مذهب إسحاق هذا في: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 444، والمجموع للنووي 6/146، والشرح الكبير - مع المغني - 2/699، وفتح الباري 3/332، وراجع المسألة رقم (659) من هذا الباب.
2هو العلامة الحافظ: أبو زكريا يحيى بن آدم الكوفي الأموي، مولاهم، صاحب التصانيف؛ منها كتاب "الخراج"، ثقة مشهور، توفي سنة 203هـ، رحمه الله تعالى.
انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 6/402، والجرح والتعديل 9/128، والثقات لابن حبان 9/252، وتهذيب الأسماء واللغات 2/150، وسير أعلام النبلاء 9/522، وتهذيب التهذيب 11/175.
3هو الإمام الحافظ الثقة: أبو معاوية هُشيم بن بَشير بن أبي خازم، السلمي، الواسطي، ولد سنة 104هـ وتوفي سنة 183هـ، رحمه الله.
انظر ترجمته في: الجرح والتعديل 9/115، وتأريخ بغداد 14/85، وسير أعلام النبلاء 8/287، وتهذيب التهذيب 11/59.
4هو الإمام الحافظ الحجة: أبو عبد الله يونس بن عبيد بن دينار البصري، العبدي، مولاهم، من صغار التابعين وفضلائهم، ثقة ثبت، توفي سنة 139هـ رحمه الله تعالى.
انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 7/260، والجرح والتعديل 9/242، وحلية الأولياء 3/17، وسير أعلام النبلاء 6/288، وتهذيب التهذيب 11/442.
5هو البصري، ورجال الإسناد إليه - هنا- ثقات كلهم، كما هو ظاهر في تراجمهم المذكورة ههنا، وهو إسناد ظاهر الاتصال، لولا ما يخاف من تدليس هشيم، فإنه كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب ص 574 رقم 7312: "كثير التدليس والإرسال الخفي". وقد تقدم آنفًا توثيق مذهب الحسن - هذا- وانظر خاصة: الأموال لأبي عبيد ص 723، والمصنف لابن أبي شيبة 3/221.(3/1004)
[549 -] قلت: قال: شهدت سفيان وسَأَلَتْهُ امرأة عن أخ لها يُرَهَّق1 له مال، فتأمره بالزكاة، فيقول: زكوه، ثم يقول: عليَّ بمالي، عليَّ بمالي. أفتزكيه بغير أمره؟
قال: لا، دعوه وقولوا له: زكِّ مالك2، فإذا قال: نعم، فزكوه عند ذلك ولا تؤخروه3.
قال الإمام أحمد: يزكَّى مال الصغير والمجنون بغير أمرهما4.
__________
1لعله من الرَّهَق وهو الجهل والخفة في العقل، والسفه.
انظر: لسان العرب مادة "رهق" 10/128-131.
2هكذا في النسخة، ولعل صحتها: "نزكي" على سبيل الاستفهام والاستئمار.
3انظر: المغني - مع الشرح الكبير- 2/493.
4تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، بلا خلاف في المذهب، ويلزم وليهما إخراج الزكاة عنهما، من مالهما، لأنه حق واجب عليهما، فوجب على الولي أداؤه عنهما، كسائر الواجبات المالية من النفقات والغرامات، وتعتبر النية منه في الإخراج كرب المال. هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وعنه: لا يلزمه الإخراج، إن خاف أن يطالب بذلك، كمن يخشى رجوع الساعي، لكن يعلمه إذا بلغ وعقل.
انظر: مسائل أبي داود ص 78-79، ومسائل عبد الله ص 158، والإفصاح لابن هبيرة 1/205، والمقنع 1/343، والفروع 2/543، والقواعد لابن رجب القاعدة 96 ص 237، والإنصاف 3/191، والمبدع 2/401(3/1005)
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[550 -] قلت: قال سفيان: لأن يعطيها على وجهها أحب إليَّ، وإن أعطى العروض2 أجزأه3.
قال أحمد: ما يعجبني أن يعطي العروض4.
قال إسحاق: كما قال أحمد، إلا أن يكون في موضع ضرورة5 [ع-26/ب] .
__________
1انظر: المغني - مع الشرح الكبير- 2/493، وراجع في المسألة: المجموع للنووي 6/129-130، وانظر المسألة رقم (641) من هذا الباب.
2العروض: جمع عرض، وهو ما عدا النقدين من أصناف المال.
انظر: مقاييس اللغة لابن فارس 4/276، والمبدع 2/375، وفتح الباري 4/53.
3انظر: هذا القول لسفيان في: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 449، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/438، والمجموع 5/379، وعمدة القاري 7/258.
4انظر: المسائل لعبد الله ص 152، والمقنع 1/333، والإنصاف 3/153، وانظر: المسألة رقم (663) من هذا الباب.
5انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 449، وراجع المسألة رقم (663) من هذا الباب.(3/1006)
551-1 قلت: سئل سفيان عن رجل دفع إلى رجل مالاًً يصدقه2، فمات المعطي؟ قال: ميراث3.
قال أحمد: أقول إنه ليس بميراث إذا كان من الزكاة، أو شيء أخرجه للحج، وإن كان غير ذلك فهو ميراث4.
قال إسحاق: كما قال أحمد5.
[552 -] قلت: المعدن6 لا يؤخذ منه زكاة؟
__________
1هنا بياض في النسخة المصورة في أعلى الصفحة بمقدار الثلث تقريبًا، وبعد التأمل والنظر، لم يظهر لي أن في هذا الموضع سقطًا، بل ظهر أنه تداخل في تصوير الأوراق.
[2] هكذا في النسخة وهي في الفروع 2/652 - وقد نقل هذه المسألة بنصها تامة، وعزاها إلى هذه المسائل-: "يتصدق به".
3انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/442، والمغني - مع الشرح الكبير- 2/540، وراجع اختلاف الفقهاء للمروزي ص 508.
4انظر: المغني - مع الشرح الكبير- 2/540، والفروع 2/350، والإنصاف 3/41، وراجع المسألة رقم (643) من هذا الباب.
5انظر: المجموع 5/288-289، وبداية المجتهد 1/249، والمغني - مع الشرح الكبير- 2/540، وراجع: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 508، والمسألة رقم (643) من هذا الباب، والمسألة برمتها نقلها ابن مفلح في الفروع 2/652 -كما تقدم-.
6المعدن: مشتق من العدون وهو الإقامة والثبات، سمي معدنًا لثبوته في الأرض، وإقامته فيها، وقيل: لأن الجوهر يعدن فيه أي يقيم، وقولهم: زكاة المعدن، أي زكاة المتخرج من المعدن.
انظر: تهذيب اللغة للأزهري 2/218-219، والمجموع للنووي 6/29، وطلبة الطلبة ص 48.(3/1007)
قال: في المعادن الزكاة1 حين يخرجه هكذا سنته2، والكنز3 فيه الخمس4.
قال إسحاق: كما قال5.
__________
1قال النووي في المجموع 6/29: "قال أصحابنا: أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في المعدن".
2انظر: المقنع 1/325، والمحرر 1/222، والفروع 2/483-484، والإنصاف 3/120، وراجع: الإفصاح لابن هبيرة 1/224، وحلية العلماء 3/96-97، والمجموع 6/37.
3هو الركاز، انظر: الفروع 2/489، والمسألة رقم (652) من هذا الباب.
وقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف 3/225 عن الحسن، قال: "الركاز: الكنز العادي، وفيه الخمس".
4انظر: المقنع 1/326، والفروع 2/489، والمبدع 2/358، والإنصاف 3/123.
وهذا الحكم مجمع عليه.
انظر: الإجماع لابن المنذر ص 44، وشرح السنة للبغوي 6/59، والمجموع 6/38، ومع هذا فراجع: مراتب الإجماع لابن حزم ص 38.
5انظر: الحاوي الكبير للماوردي 3/335، والمجموع للنووي 6/37، وفيهما أن مذهب إسحاق أن الواجب في المعدن، ربع العشر، لكن انظر -أيضاً-: شرح السنة للبغوي 6/61 ففيه أن مذهب إسحاق، أن المعدن يجب فيه الخمس، كالركاز، وانظر كذلك: الحاوي الكبير 3/339، ففيه أن مذهب إسحاق اشتراط مضي الحول لوجوب الزكاة في المعدن، وما فيهما ظاهر أنه خلاف ما في المسائل - ههنا- من مذهبه.
وانظر -في استكمال بعض أحكام المعادن والركاز-: المسألتين (652) ، و (653) من هذا الباب.(3/1008)
[553 -] قلت: رجل ورث مالاً، عليه فيه زكاة قبل أن يحول عليه الحول؟
قال: لا1، ولا في الفائدة حتى يحول عليه الحول2.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1انظر: المغني - مع الشرح الكبير- 2/496-497، والفروع 2/339-340، وفيه: "ولا يبني الوارث على حول الموروث"، وحكاه ابن عبد البر في الاستذكار 9/88 إجماعًا.
2انظر: مسائل عبد الله ص 162، والمغني -مع الشرح الكبير- 2/496-497، والفروع 2/339-340، والإنصاف 3/30، وراجع أيضًا: معالم السنن للخطابي 2/31، والتمهيد لابن عبد البر 20/156، والاستذكار له 9/46.
والفائدة: هي الزيادة تحصل للإنسان، والمراد بها هنا: ما استفاده من طريفة مال، من ذهب، أو فضة، أو مملوك، أو ماشية.
انظر: المصباح المنير مادة "فيد" ص 185.
والحكم هنا في الفائدة في غير ما استثني من نتاج السائمة، وربح التجارة، كما هو ظاهر من المصادر المتقدمة.
3انظر: جامع الترمذي - مع تحفة الأحوذي- 3/274، واختلاف الفقهاء للمروزي ص 460، وشرح السنة 3/338.
وراجع المسائل: (595) ، (607) ، (608) ، (609) ، (635) ، من هذا الباب، إذ لها ارتباط بهذه المسألة(3/1009)
[554 -] قلت: من استفاد ماشية من إبل أو بقر أو غنم، متى تجب فيها الزكاة؟ قال: حتى يحول عليها الحول.
قال إسحاق: كما قال1.
[555 -] قلت: الرجل تجب عليه الصدقة وإبله مائة بعير، فلا يأتيه الساعي حتى تجب عليه صدقة أخرى، فيأتيه المصدق وقد هلكت إبله إلا خمس ذود2؟ 3
قال: يأخذ من ماله كله الصدقتين جميعاً، كما أنه لو وجبت عليه الزكاة ففرط فيها حتى ذهب المال4.
__________
1هذه المسألة كسابقتها، في الصورة والحكم. وراجع: الاستذكار 9/32.
2الذَّوْد: اسم العدد من الإبل غير كثير، قيل إنه ما بين الثلاث إلى العشر، ولا واحد له من لفظه، وقيل: الذود الواحد من الإبل، وقيل: هو من الثنتين إلى التسع من الإناث دون الذكور. انظر: معالم السنن 2/13، والتمهيد 20/136، وشرح السنة للبغوي 5/500، والمغرب للمطرزي 1/310، وفتح الباري 3/323.
3نص هذا السؤال، موجود من كلام الإمام مالك في الموطأ - رواية يحيى بن يحيى الليثي- العمل في صدقة عامين إذا اجتمعا ص 178.
4هذا مبني في مذهب الإمام أحمد - رحمه الله تعالى- على أمرين: الأول: أن الزكاة لا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء، ولا تسقط بتلف المال، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام، وهي المذهب، وهي المشهور عن أحمد، وعليها جماهير الأصحاب. والثاني: أن الزكاة تجب في الذمة لا في عين المال، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد، وعليها فإنه يلزمه، إذا لم يزك نصابًا حولين فأكثر، أن يزكي لكل حول، قال في الفروع: "أطلقه أحمد وبعض الأصحاب". انظر: المقنع 1/297-298، والمغني - مع الشرح الكبير- 2/537، 539، والفروع 2/343-347، والقواعد لابن رجب القاعدة 19 ص 26-27، والإنصاف 3/39-40.
وقوله: "ففرط فيها" فسره ابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير- 2/540 فقال: "ومعنى التفريط: أن يتمكن من إخراجها، وإن لم يتمكن من إخراجها، فليس بمفرط، سواء كان ذلك لعدم المستحق، أو لبعد المال عنه، أو لكون الفرض لا يوجد في المال، ويحتاج إلى شرائه، فلم يجد ما يشتريه، أو كان في طلب الشراء، أو نحو ذلك". وقال في الفروع 2/349: "ومن أمكنه، لكن خاف رجوع الساعي، فكمن لم يمكنه".(3/1010)
قال إسحاق: كما قال1.
[556 -] قلت: الحنطة والشعير والسلت2 صنف، والتمر صنف، والزبيب
__________
1انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 459، والمغني - مع الشرح الكبير- 2/539.
وراجع المسائل: (584) ، (624) ، (644) ، (645) ، من هذا الباب، إذ لها ارتباط بهذه المسألة.
2السُّلْت: نوع من الشعير، ليس له قشر، يشبه الشعير في صورته، لونه لون الحنطة، وطبعه طبع الشعير في البرودة. انظر: المصنف لعبد الرزاق 4/143-144، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 122، والفروع 2/415، والإنصاف 3/98، وراجع: غريب الحديث لابن الجوزي 1/492، والقاموس المحيط 1/150.
فائدة: قال زهير الشاويش في تحقيقه لمسائل عبد الله ص 166: "ويسمى الشوفان".(3/1011)
صنف؟
قال: ما هذا ببعيد، ما أحسن ما قال1؟
ثم سمعته بعدُ يقول: لا تجمع الحنطة والشعير2، ولا نرى بأساً
__________
1كأنه يقصد الإمام مالكاً؛ فإن هذا قوله المشهور عنه، وبدلالة ما بعده، وكأنه سقط لفظة "قال" بعد قوله "قلت" في رأس المسألة. انظر: الموطأ - ما لا زكاة فيه من الثمار- ص 184.
2ذكر ههنا روايتين في ضم الحنطة إلى الشعير - والسلت نوع منه- في الزكاة، الأُولى: رواية الضم - التي تابع فيها هنا الإمام مالكاً- وهذه الرواية نقلها أبو الحارث عن أحمد، وحكاها ابن تميم رواية، وهي مقتضى الرواية التي جاءت بإطلاق ضم الحبوب بعضها إلى بعض، التي رواها صالح، وأبو الحارث، والميموني، وصححها القاضي وغيره، وقال فيها إسحاق بن هاني: رجع أبو عبد الله عن عدم الضم، وقال: يضم، وهو أحوط.
الثانية: رواية عدم الضم، وهي التي رجع إليها ههنا، وهي المذهب في اصطلاح المرداوي.
وقال ابن قدامة: هذه الرواية هي الأولى إن شاء الله تعالى.
وقال ابن عبد البر: إن الإمام أحمد كان في آخر عمره يقول فيها -أي في حكم ضم الحبوب بعضها إلى بعض- بقول الشافعي. ومن المعلوم أن مذهب الشافعي هو عدم الضم.
انظر: الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص 123، والمقنع 1/318، والمغني - مع الشرح الكبير- 2/594، والفروع 2/417، والإنصاف 3/96-97، والاستذكار لابن عبد البر 9/256-258، والتمهيد له 20/150، والأم للشافعي 2/35، واختلاف الفقهاء للمروزي ص 466، ومعالم السنن للخطابي 2/15.(3/1012)
أن تباع واحد باثنين1.
قال الإمام أحمد: مالك يكره أن تباع الحنطة بالشعير اثنين بواحد2، ويجمعهما في الصدقة3.
__________
1هذا على أنهما جنسان، إذ ربا الفضل، إنما يكون بين الجنس الواحد، وكونهما جنسين، أعني الحنطة والشعير هذا هو المذهب، وعليه الأصحاب.
وعنه: هما جنس واحد.
انظر: الإنصاف 5/17، وراجع: الشرح الكبير - مع المغني- 4/136-137.
2انظر: الموطأ - بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما- ص 446 فقد روى الإمام مالك فيه أثراً: "خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرًا، ولا تأخذ إلا مثله". عن عدّة، ثم قال: "وهو الأمر عندنا". وانظر أيضًا: الخراج ليحيى بن آدم ص 156، ومسائل أبي داود ص 197.
3تقدم أنه في الموطأ - ما لا زكاة فيه من الثمار- ص 184، وانظره معزوًا إلى الإمام مالك في: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 466، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/454، ومعالم السنن 2/15، والمحلى 5/251، والاستذكار 9/258، وحلية العلماء 3/73، وشرح السنة للبغوي 5/502، وبداية المجتهد 1/266، والمجموع 5/449-450.(3/1013)
ولا نرى1 بالقنيطة2 بأساً اثنين بواحد3، ويجمعهما في الصدقة4.
قال إسحاق: كما قال سواء، وليس قوله الأول بشيء5.
[557 -] قلت: الحمص والعدس واللوبيا والجلبان6 ونحو ذلك صنف
__________
1هكذا رسمت في المخطوط بالنون، والسياق يقتضي أنها بالياء، وعليه جاء التوثيق.
2هكذا في النسخة، وهو خطأ نسخي، صحته (بالقطنية) .
والقُِطْنية: بكسر القاف، وضمها، مع تشديد الياء، أو تخفيفها مع الكسر خاصة: واحدة القطاني، وهي الحبوب التي تقتات، وتدخر، وتطبخ وتختبز، عدا الحنطة والشعير، وهي أنواع كثيرة، منها: الحمص، والعدس، والأرز، والدخن، واللوبياء، والباقلى، والجلبان، ونحوها، مما يطلق عليه هذا الاسم. قيل: سميت قطنية لأنها قاطنة في منزل أربابها إذا ادخرت، أي: مقيمة.
انظر: مصنف عبد الرزاق 4/120، ومصنف ابن أبي شيبة 3/198، والخراج ليحيى ابن آدم ص 141، وغريب الحديث لابن قتيبة 1/185، والحاوي الكبير للماوردي 3/242، والمطلع للبعلي - مع المبدع- 11/131، والإنصاف 3/95، وراجع: لسان العرب مادة "قطن" وتعليق أحمد شاكر على المحلى 5/210.
3انظر: الموطأ - ما لا زكاة فيه من الثمار- ص 185.
4انظر: المصدر السابق، في الموضع نفسه.
5انظر مذهب إسحاق هذا، وهو عدم ضم الشعير إلى الحنطة في الزكاة: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 466.
6الجُلُبَّان: بضم الجيم، وتشديد الباء، ويخفف: نبت من القطاني المأكولة، وله قضبان مربعة، ينبسط على الأرض، وله ورق على الطول، ملتوية على القصب، وله نوار إلى الحمرة، تخلفه مزاود فيها حب مدوَّر إلى البياض، وليس صحيح التدوير، حلو، يؤكل نيئًا في الربيع، ثم يجفف فيطبخ، وهو من أغذية الفلاحين، وهو الهرطمان عند أهل العراق وبعض الأطباء يجعلون الماش هو الجلبان، وهو خطأ. قيل هو: الذي يقال له: الخلّر، بضم الخاء المعجمة، وتشديد اللام المفتوحة، وبعدها راء.
انظر: المجموع للنووي 5/445، ولسان العرب مادة "قطن"، والقاموس المحيط مادة "جلب" 1/48، والمعتمد في الأدوية المفردة للملك المظفر يوسف بن عمر بن رسول ص 70، وص471، وص 534، وفيه وصفه وذكر خواصه الطبية.(3/1014)
واحد؟
قال: ما أحسنه1!.
قال إسحاق: سِوى الحنطة والشعير، الحبوبُ كلها صنف، إذا بلغ
__________
1قد جاء في ضم الحبوب في الزكاة، أربع روايات:
الأولى: لا تضم.
والثانية: تضم.
والثالثة: تضم الحنطة إلى الشعير، وتضم القطاني بعضها إلى بعض.
والرابعة: يضم ما تقارب في المنبت والمحصد.
والمذكور ههنا ضم القطاني بعضها إلى بعض. وظاهر أنه داخل في عموم الرواية الثانية، ومنصوص عليه في الرواية الثالثة. وأما الرواية الرابعة فتحتاج إلى تأمل في الأصناف المذكورة ههنا، هل هي كذلك أو لا؟.
انظر: الفروع 2/417، وتصحيح الفروع للمرداوي مع الفروع 2/417-418، والإنصاف 3/96-97.(3/1015)
خمسة أو سق زُكِّي1.
قال إسحاق: الوسق ستون صاعاً2.
[558 -] قلت: قال3: إذا أخرج زكاته من هذه الأصناف كلها، التمر والزبيب والحبوب، ثم أمسك بعد ذلك سنين، ثم باعها إنه ليس عليه في ثمنها الزكاة، حتى يحول على ثمنها الحول، من يوم باعه، إذا كان أصل ذلك من فائدة ولم يكن للتجارة.
__________
1انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 466، والاستذكار 9/240.
2هذا مجمع عليه، حكى الإجماع فيه: أبو بكر ابن خزيمة في صحيحه 4/38-39، وابن عبد البر في التمهيد 20/147-148، والاستذكار 9/17، وابن رشد في بداية المجتهد 1/265، وابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير- 2/560، والنووي في المجموع 5/415 وقال: "نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره" وابن حجر في فتح الباري 4/53.
وراجع: الخراج ليحيى بن آدم ص 135-137، ومصنف ابن أبي شيبة 3/138، والسنن الكبرى للبيهقي 4/121، والفروع 2/412.
وقال الدكتور/ محمد ضياء الدين الريس في كتابه "الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية" ص 336: "الوسق يساوي 130 كيلوجرام فقط". وقال عبد القديم زلوم في كتابه "الأموال في دولة الخلافة" ص 63: "إن الوسق يساوي 130كيلوجرام و560جرام". والله أعلم.
3يظهر لي - والله أعلم- أن القائل هو الإمام مالك - رحمه الله تعالى- انظر الموطأ - ما لا زكاة فيه من الثمار- ص 186.(3/1016)
فإن كان للتجارة فعلى صاحبها فيها الزكاة حين يبيعها، إذا كان قد حبسها من يوم زكى المال الذي ابتاعه به.
قال أحمد: كما قال1.
قال إسحاق: كما قال سواء2.
[559 -] قلت: سئل سفيان عن نصراني أعتق [ع-27/أ] عبده نصرانياً، عليه الخراج3؟
__________
1انظر: المغني - مع الشرح الكبير- 2/562، والفروع 2/452.
2قال ابن عبد البر في الاستذكار 9/269 بعد أن نقل معنى كلام الإمام مالك المتقدم: "أمر مجتمع عليه، لا خلاف بين العلماء فيه".
ونقل الإجماع في المسألة - أيضًا- الماوردي في الحاوي الكبير 3/255.
وراجع المسألة رقم (593) من هذا الباب.
3الخراج: هو في اللغة الكراء والغلة. وفي الاصطلاح العام: يطلق على جميع الموارد المالية للدولة الإسلامية، وفي الاصطلاح الخاص: "ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدى عنها" أي هو: ما وضع من ضريبة على الأرض الزراعية التي يغنمها المسلمون من الكفار، وهو بالنظر إلى سببه نوعان: خراج عنوة، وخراج صلح. وهو بالنظر إلى كيفية أخذه، نوعان أيضًا: خراج وظيفة وخراج مقاسمة.
وينبغي التنبه - ههنا- إلى أن المراد بكلمة "الخراج" هو الجزية!! فإن الخراج يطلق على الجزية، كما تطلق الجزية على الخراج أيضًا. فيقال: هذه جزية الأرض، وهذا خراج رؤوس أهل الذمة.
انظر في هذا كله: لسان العرب مادة "خرج"، والخراج لأبي يوسف ص 67، والأموال لأبي عبيد ص 79، والأحكام السلطانية للماوردي ص 186، والخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية للدكتور محمد ضياء الدين الريس ص 116.(3/1017)
قال: نعم، هو عندي سواء1.
قال أحمد: نعم2.
قال إسحاق: كما قال سواء3.
[560 -] قلت: عمر -رضي الله عنه - ضرب الجزية4 على أهل الذهب
__________
1قول سفيان هذا، أخرجه عنه ابن زنجويه في كتابه "الأموال" 1/175-176، وعزاه إليه ابن قدامة في المغني 10/590، وقوله "هو عندي سواء" يعني: أن يعتقه نصراني أو مسلم، فالحكم واحد، في هذا العبد النصراني المعتق، وهو أنه يؤخذ منه الخراج، ويفسره ما جاء في المسألة رقم (565) من هذا الباب، وما جاء في المصدر السابق، فإن ابن منصور - رحمه الله تعالى- أو الناسخ قسم الأثر على موضعين، وفصل بينهما بمسائل، وجاء بآخر الأثر قبل أوله.
2هذا الصحيح عن أحمد، رواه عنه جماعة، وعن أحمد: يقر بغير جزية، ووهَّن الخلال هذه الرواية، وقال: هذا قول قديم، رجع عنه أحمد، والعمل على ما رواه الجماعة.
انظر: المغنى - مع الشرح الكبير - 10/590.
3لم أعثر على رأيه هذا منصوصًا عنه في غير هذا الموضع.
4الجزية في اللغة: من جزى يجزي، إذا قضى، وقيل: مشتقة من الجزاء، لأنها جزاء على كفرهم، أو على أماننا لهم. وهي في الاصطلاح الفقهي: الوظيفة المأخوذة من الكافر، لإقامته بدار الإسلام، في كل عام.
انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 1/57، ومجمل اللغة لابن فارس 1/188، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص153، والمغني - مع الشرح الكبير- 10/567، وأنيس الفقهاء للقونوي ص 182.(3/1018)
أربعة دنانير، وعلى أهل الوَرِق أربعين درهما1؟
قال: إن عمر -رضي الله عنه - ضرب على الغني ثمانية وأربعين درهماً، وعلى الوسط أربعة وعشرين درهماً، وعلى الفقير اثنا عشر درهماً2.
__________
1هذا الأثر عن عمر - رضي الله تعالى عنه- أخرجه مالك في الموطأ - كتاب الزكاة- جزية أهل الكتاب والمجوس ص 188، وأبو يوسف في الخراج ص 138، وعبد الرزاق في المصنف 6/87 و10/328-329، وأبو عبيد في الأموال ص 49 وص191، وابن زنجويه في الأموال 1/156، والبيهقي في السنن الكبرى 9/195.
2هذا الأثر عن عمر - رضي الله تعالى عنه- أخرجه أبو يوسف في الخراج ص 138، وابن أبي شيبة في المصنف 3/216-217، والبيهقي في السنن الكبرى من طريقين: من طريق يحيى بن آدم في 9/134، ومن طريق ابن أبي شيبة في 9/196.
وقال ابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير- 10/576 عن هذا الأثر عن عمر - رضي الله تعالى عنه-: "هو حديث لا شك في صحته، وشهرته بين الصحابة - رضي الله عنهم- وغيرهم، ولم ينكره منكر، ولا خلاف فيه، وعمل به مَنْ بعده من الخلفاء - رضي الله عنهم- فصار إجماعًا لا يجوز الخطأ عليه".
وقال في المقنع 1/512-513: "والمرجع في الخراج والجزية، إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقصان، على قدر الطاقة، وعنه: يرجع إلى ما ضربه عمر - رضي الله تعالى عنه- لا يزاد ولا ينقص، وعنه: تجوز الزيادة دون النقص". فهذه ثلاث روايات.
قال المرداوي في الإنصاف 4/227 عن الأولى إنها هي الصحيح من المذهب.
وراجع: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 155 حيث ذكر أن الرواية الثانية هي التي نقلها الجماعة. وقارن مع ما في المغني - مع الشرح الكبير- 10/575.
وقوله: "اثنا عشر" هكذا في النسخة!!.(3/1019)
قال إسحاق: كما قال، والغني إذا كان له أربعة آلاف درهم فصاعداً.
فأما أصحاب عشرة آلاف، فلا شك فيهم، أنهم في حد الأغنياء، وأما الوسط، فألفان، وما دون ذلك فهم فقراء.
وهذا كله دراهم، إلا أن يكون عَرْض فيه فَضْل1.
[561 -] قلت فتوضع الجزية عن من أسلم من أهل الجزية؟
قال: إي لعمري2 توضع
__________
1انظر في حدِّ الغني والفقير في هذا الباب: المغني - مع الشرح الكبير- 10/577، والإنصاف 4/227، وراجع: المبسوط للسرخسي 10/78، وبدائع الصنائع 7/112.
2الصحيح - والله تعالى أعلم- أن كلمة "لعمري" ليست بقسم، ولذا جاء جوازها، واستخدامها عن طائفة من السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم-، انظر جملة من الآثار عنهم في المصنف لعبد الرزاق 8/469-470.
قال الحافظ عبد الرزاق - رحمه الله تعالى-: "ما لم يكن حلف بغير الله فلا بأس، فليس لعمري بقسم".
وقد سئل الإمام أحمد - رحمه الله تعالى- نفسه عن قول هذه الكلمة فقال: "لا أعلم بها بأسًا" انظر هذا في آخر كتاب المسائل هذا في "مسائل شتى"، وهذا يرد ما جاء في بعض كتب اللغة من أن "لعمري" قسم بالعمر، وهو الحياة، أو قسم بالدين، انظر مثلاً مادة "عمر" من لسان العرب.(3/1020)
عنه1.
قال إسحاق: كما قال2.
[562 -] قلت: هل على نساء أهل الذمة وصبيانهم، ونخيلهم3،
__________
1انظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 160، والمغني - مع الشرح الكبير- 10/588، بل المذهب الذي عليه جماهير الأصحاب: أن الجزية توضع عن من أسلم، ولو بعد مضي كامل الحول، أو في أثنائه.
انظر: الإنصاف 4/228.
2قال الحافظ ابن المنذر - رحمه الله تعالى- في "الإجماع" ص 59: "وأجمعوا على أن لا جزية على مسلم".
وقال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله تعالى- في الاستذكار 9/311: "فأجمع العلماء على أن الذمي، إذا أسلم، فلا جزية عليه، فيما يستقبل".
وراجع: الأموال لأبي عبيد ص 59-61، ومراتب الإجماع لابن حزم ص 120.
3في النسخة كتبت قريبة من "وعيلهم"، وفي الموطأ - وسياق العبارة فيه يشبه ما هنا-: "نخيلهم".
انظر: الموطأ - كتاب الزكاة- جزية أهل الكتاب والمجوس ص 189.
وراجع: أحكام أهل الذمة لابن القيم - تحقيق صبحي الصالح- 1/84.(3/1021)
وكرومهم، وزرعهم، ومواشيهم، صدقة؟
قال: ليس عليهم فيها شيء1، إلا على مواشي أهل تغلب2، فإنه تضاعف عليهم الصدقة3.
__________
1هذا كله موضع إجماع، إلا ما استثني بعدُ، حكى الإجماع فيه: ابن المنذر في الإجماع ص 59، وابن عبد البر في الاستذكار 9/312، وابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير- 10/581.
وراجع: المصنف لعبد الرزاق 10/328-331، والسنن الكبرى للبيهقي 9/189.
2تَغْلِب: قبيلة عربية مشهورة، وهم من أشد قبائل العرب بأسًا، وهم أبناء تغلب بن وائل بن قاسط بن هِنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وتغلب بن وائل هذا هو أخ لبكر بن وائل، الجد الأعلى للإمام أحمد ابن حنبل الشيباني البكري الوائلي، وتعد قبيلة تغلب داخلة، ضمن قبائل عنزة المشهورة في عصرنا الحاضر.
انظر: الأنساب للسمعاني 1/469، وتهذيبه لابن الجزري المسمى اللباب 1/217، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 303.
3انظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم - تحقيق صبحي الصالح- 1/84 فقد ذكر هذه المسألة وعزاها إلى رواية ابن منصور هذه. والأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص 156، والمغني - مع الشرح الكبير- 10/594، والإنصاف 4/220-221، وراجع: الاستذكار 9/312.
وقد ذكر المرداوي في الإنصاف 4/220-221 أن كون نصارى بني تغلب لا تؤخذ منهم الجزية، وإنما تضعف عليهم الصدقة، وأنها تؤخذ من نسائهم وصبيانهم، وأن ما يؤخذ منهم يصرف مصرف الجزية، أن ذلك كله هو المذهب، على أن هناك رواية ثانية عن الإمام أحمد أن ما يؤخذ منهم يصرف مصرف الزكاة.
وإنما استثني نصارى بني تغلب، وخصوا بهذا الحكم لفعل عمر - رضي الله تعالى عنه-.
انظر: ذلك مبينًا في المصادر الآتية: الآثار لأبي يوسف ص 91، والخراج له ص 129-130، والخراج ليحيى بن آدم ص 24 وص61-64، والأموال لأبي عبيد ص 649-651، والمصنف لابن أبي شيبة 3/197-199، والأموال لابن زنجويه 1/130-134، والسنن الكبرى للبيهقي 9/218.(3/1022)
[563 -] قلت: جاء رجل إلى عمر -رضي الله عنه - فقال: "إني قد أسلمت، فضع الخراج عن أرضي. قال: لا، إنما أخذت أرضك عنوة1" 2؟
قال: "الخراج على الأرض مثل الجزية على الرقبة3، والصدقة
__________
1العَنوة: القهر والقسر والغلبة والعنف، انظر: العين للخليل 2/252، والمجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى محمد بن أبي بكر المديني الأصفهاني 2/516، ولسان العرب مادة "عَنَا".
2هذا الأثر عن عمر - رضي الله عنه- أخرجه: يحيى بن آدم في كتابه الخراج ص 51، وعبد الرزاق في المصنف 6/101 و10/336، وأبو عبيد في الأموال ص 190، والبلاذري في فتوح البلدان ص 374، من طريق يحي بن آدم، والبيهقي في السنن الكبرى 9/142 من طريقه أيضًا.
3قال القاضي في الأحكام السلطانية ص 136: "وقال في رواية ابن منصور وصالح: الخراج على الأرض، مثل الجزية على الرقبة". وهذا نص ما ههنا، منقول عنه(3/1023)
فيها ثابتة، وهي العشر"1.
قال إسحاق: كما قال، لأنها كانت عنوة، فوضع عليها
__________
1أي أن ما فتح عنوة يعد أرضا خراجية، والعشر الزكوي والخراج، يجتمعان في الأرض الخراجية، إذا زرعها مسلم.
انظر: مسائل عبد الله ص 165، والفروع 2/443، والإنصاف 3/116، والمبدع 2/351. وفي اجتماع العشر والخراج - خارج المذهب- خلاف، انظره في: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/443.
ولفظة "العُشر" يكثر ذكرها في كتب الخراج والأموال، ويدخل في معناها أنواع كثيرة، يجمعها قسمان:
الأول: العشر الزكوي: ويشمل زكاة الخارج من الأرض؛ لأنه إما عشر أو نصف عشر، وزكاة عروض التجارة، التي تؤخذ من تجار المسلمين، إذا مروا بها على العشارين، وقد تكون زكاة معجلة.
الثاني: العشر غير الزكوي، ومنه العشر التجاري الذي يؤخذ من تجار أهل الذمة، وأيضًا من تجار أهل الحرب، والمعاهدين، إذا دخلوا بتجاراتهم بلاد المسلمين، ومنه ما يؤخذ من نصارى بني تغلب، ومنه العشر الذي يؤخذ صلحًا، زائدًا عن الخراج والجزية. وهذا القسم الثاني مصرفه مصرف الفيء، إلا ما يؤخذ من نصارى بني تغلب، فإن من أهل العلم من يلحقه بالقسم الأول في المصرف، وقد تقدم.
انظر: النهاية لابن الأثير 3/238-239، والمطلع للبعلي ص 219، وراجع المصنف لابن أبي شيبة 3/199.(3/1024)
الخراج1.
[564 -] قال: قلت: جاء رجل إلى عمر -رضي الله عنه - فقال: إن أرض كذا وكذا يطيقون من الخراج أكثر مما عليهم. فقال: لا سبيل إليهم، إنما صولحوا صلحاً2.
قال: هؤلاء قد ملكوا، أليس عليهم إلا ما صالحوا عليه3؟
قال إسحاق: كما قال سواء4.
__________
1لأن ما فتح من الأرضين عنوة، ولم يقسم، يكون ملكًا عامًا للمسلمين فلا يسقط الخراج عنه لإسلام من هو تحت يده.
انظر: الموطأ ص 312.
2هذا الأثر عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أخرجه: يحيى بن آدم في كتابه الخراج ص 51، وعبد الرزاق في المصنف 6/101-102، وأبو عبيد في الأموال ص 190، والبيهقي في السنن الكبرى 9/142 من طريق يحيى بن آدم، وهو جزء من الأثر السابق.
3انظر: الفروع 2/442، والإنصاف 3/116، والمبدع 2/351.
4ما فتح صلحًا نوعان:
نوع: يقع الصلح فيه على أن الأرض للمسلمين، ويقرون فيها بخراج يضرب عليهم، فهذه أرض خراجية.
ونوع: يقع الصلح فيه على أن الأرض لهم، ويضرب عليهم فيها الخراج. فهذه أرض عشرية، يسقط خراجها عن من أسلم، بخلاف النوع الأول.
انظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 164.(3/1025)
[565 -] قلت: المسلم يعتق عبده النصراني، قال سفيان: يؤخذ منه الخراج1.
قال أحمد: كما قال2.
قال إسحاق: كما قال3.
[566 -] قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل –رضي الله عنه - عن السواد4؟.
__________
1قول سفيان أخرجه عنه: ابن زنجويه في الأموال 1/175-176، وعزاه إليه ابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير- 10/590.
2هذا الصحيح عن أحمد، رواه عنه جماعة.
وعن أحمد: يقر بغير جزية. ووهَّن الخلال هذه الرواية. وقال: هذا قول قديم، رجع عنه أحمد، والعمل على ما رواه الجماعة. انظر: المغني - مع الشرح الكبير- 10/590.
3لاحظ أن هذه المسألة، كالجزء للمسألة المتقدمة رقم 14 ولذا تكرر التوثيق فيهما.
4قال أبو يعلى في الأحكام السلطانية ص 203: "هذا السواد مُشَارٌ به إلى سواد كسرى، الذي فتحه المسلمون على عهد عمر من أرض العراق، سمي سواداً لسواده بالزرع والأشجار، ... وهم يجمعون بين الخضرة والسواد في الاسم، فسموا خضرة العراق سواداً".
وراجع في سبب التسمية أيضاً: فتوح البلدان للبلاذري ص 420.
وقال أبو عبيد في الأموال ص92: "ويقال: إن حدَّ السواد الذي وقعت عليه المساحة، من لدن تخوم الموصل، مادَّاً مع الماء إلى ساحل البحر ببلاد عبَّادان من شرقي دجلة، هذا طوله، وأما عرضه: فحدّه منقطع الجبل من أرض حلوان إلى منتهى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب، فهذه حدود السواد، وعليه وقع الخراج".
وقال أبو يعلى في الأحكام السلطانية ص203: "يكون طوله مائة وستين فرسخاً وعرضه ثمانين فرسخاً".
والفرسخ 1/ 25 كم تقريباً، انظر: الخراج للدكتور/ محمد ضياء الدين الريِّس ص301(3/1026)
قال: أمر السواد عندنا بيِّن.
قلت: هاتِ، كيف هو؟.
قال: فتح المسلمون السواد عنوة1، إلا ما كان منه صلح، وهي أرض الحيرة2، وأرض بانِقيا3، فإنها زعموا
__________
1قال أبو يعلى في الأحكام السلطانية ص204: "فمذهب أحمد أنه فتح عنوة، ولم يقسمه عمر بين الغانمين، بل وقفه على كافة المسلمين، وأقره في يد أربابه بخراج، ضربه على رقاب الأرضين، يكون أجرة لها، يؤدى في كل عام".
2الحيرة: بالكسر ثم السكون وراء: مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة، على موضع يقال له: النجف، زعموا أن بحر فارس كان يتصل به، كانت مسكن ملوك العرب في الجاهلية، ونزلها أخلاط من قبائل العرب.
انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي 3/201-204.
3بانِقْيَا: بكسر النون، ناحية من نواحي الكوفة، على شاطئ الفرات، وتسمى: "أرض بني صلوبا" نسبة إلى أمرائها. انظر: معجم البلدان 2/264-265.
وانظر: خبر فتح الحيرة وبانقيا في: تأريخ الطبري (تأريخ الأمم والملوك) 3/343-344، والبداية والنهاية لابن كثير 6/737.(3/1027)
صلح1، فأراد عمر –رضي الله عنه - أن يقسم السواد بين المسلمين، فاستشار الناس فيهم علي -رضي الله عنهم-، فقالوا: "دعهم ينزل عليهم المسلمون2، فأقروا الأرض في أيديهم،
__________
1قال ابن رجب في "الاستخراج لأحكام الخراج" ص56: ونقل ابن منصور عن أحمد وإسحاق: "السواد عنوة، إلاَّ ما كان منه صلحاً، وهي أرض الحيرة، وأرض بانقيا، فإنها زعموا صلح" وهذا نص ما هنا، منقول عنه.
وقول الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "فإنها زعموا صلح" قد جاءت الآثار الكثيرة المسندة التي تبين أن الحيرة وبانقيا فتحتا صلحاً، انظرها في: الخراج لأبي يوسف ص30 وص157، والخراج ليحي بن آدم ص49، والأموال لأبي عبيد ص105-106، وفتوح البلدان للبلاذري ص342، والخراج وصناعة الكتابة لقدامة بن جعفر ص 354-355، والسنن الكبرى للبيهقي 9/133-134.
2هذا الأثر عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أخرجه: أبو يوسف في الخراج ص 38-39، وأبو عبيد في الأموال ص74، ويحي بن آدم في الخراج ص40، وابن زنجويه في الأموال 1/159، والبلاذري في فتوح البلدان ص371 من طريق يحيى، والبيهقي في السنن الكبرى 9/134.
وقال ابن رجب في الاستخراج لأحكام الخراج ص17: "قلت: أمّا ما أشار به معاذ -رضي الله عنه- فهو وضع الخراج على الأرض، وتركها فيأً للمسلمين وأمّا ما أشار به عليٌّ -رضي الله عنه- فإنما هو في رقاب الأسارى، ولذلك بعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم الجزية".
وقوله في المسائل هنا: "دعهم ينزل عليهم المسلمون" هو في المصادر: دعهم يكونوا مادَّة للمسلمين.(3/1028)
ووضع عليها الخراج؛ على كل جريب1، درهماً2 وقفيزاً3".
__________
1الجريب: اسم يطلق على مساحة معروفة من الأرض، وهي عند المتقدمين: عشر قصبات في عشر قصبات، والقصبة ستة أذرع، فيكون الجريب ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مكسرة.
انظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص194.
وهي عند المعاصرين: [1366] متراً مربعاً وهذا يعادل: دونماً وثلث دونم تقريباً.
انظر: الخراج للريِّس ص289-290، والأموال في دولة الخلافة لزلّوم ص 59، 61.
2ذكر عبد القديم زلّوم في كتابه "الأموال في دولة الخلافة" ص63 أن الدرهم الذي وضعه عمر -رضي الله تعالى عنه- خراجاً على الجريب كان بوزن المثقال، أي 4.25 غرامات فضة، في حين أن درهم النقود يساوي 2.975 غرام.
3قال الماوردي في الأحكام السلطانية ص188 وهو يتحدث عن صنيع عمر -رضي الله عنه- بأرض السواد: "وأخذ من كل جريب، قفيزاً، ودرهماً، وكان القفيز وزنه ثمانية أرطال، وثَمَنه ثلاثة دراهم بوزن المثقال".
وقال ابن قدامة في المقنع - مع الإنصاف - 4/194: "وقدر القفيز ثمانية أرطال - يعني بالمكي - فيكون ستة عشر رطلاً بالعراقي".
فقال المرداوي في الإنصاف 4/194: "هذا الصحيح، قدمه في الشرح، وقال: نص عليه، واختاره القاضي.
وقال أبو بكر، قيل: إن قدره ثلاثون رطلاً، وقدم في المحرر: أن قدره ثمانية أرطال بالعراقي، وقدمه في الرعايتين والحاويين، وقالوا: نص عليه، قال ابن منجا في شرحه: المنقول عن أحمد -رحمه الله تعالى-: أنه ثمانية أرطال، ففسره القاضي بالمكي".
ثم قال: "هذا القفيز قفيز الحجاج، وهو صاع عمر -رضي الله عنه- نص عليه".
لكن قال بعض المعاصرين: "نرجح أن القفيز الذي وضعه عمر على السواد -مع الدرهم- عند فتحه، هو ذاك القفيز الأصلي، الذي كان موضوعاً من عهد كسرى الأول، وإذا أطلقت كلمة قفيز فإن المعنى ينصرف إليه، فمقداره إذاً 64 رطلاً، أو 33 لتراً، أو 12 صاعاً، أو 48 مداً، أو 8 مكاكيك". انظر: الخراج للدكتور الريَّس ص325.
وإليه ذهب أيضاً عبد القديم زلّوم في الأموال في دولة الخلافة، ثم قال في ص63: "يتبين أن وزن القفيز الذي وضعه عمر بن خطاب مع الدرهم خراجاً على الجريب في أرض العراق يساوي 26.112 كيلوا غراماً من القمح". والله تعالى أعلم.
وراجع: فتوح البلدان للبلاذري ص375، والخراج وصناعة الكتابة لقدامة بن جعفر ص367.
وهذا هو قفيز الكيل، وهو المراد هنا - وهناك قفيز المساحة، وهو عُشْر الجريب، ويقع الخلط بينهما فينبغي التنبه لهذا.(3/1029)
من حنطة1 والشعير وما سوى ذلك [ع-27/ب] من القصب2
__________
1هكذا في النسخة، وهي في الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص165-166: "الحنطة" وقد عزا العبارة لابن منصور، ومثله ابن رجب في الاستخراج ص84، كلاهما نقل هذه العبارة من المسائل هذه.
2القصب بالصاد المهملة هو قصب السكر، ويقول النووي -رحمه الله تعالى- في المجموع 5/444: "والقضب بإسكان الضاد المعجمة هو: الرطبة" ويقول الماوردي في الأحكام السلطانية وهو يذكر ما وضع عمر بن خطاب -رضي الله تعالى عنه- على أرض السواد من خراج: " ... ومن قصب السكر ستة دراهم، ومن الرطبة خمسة دراهم".
وجاء في الفروع 2/409، ذكر القصب الفارسي معطوفاً على الحشيش، وأنه لا زكاة فيهما، وراجع: الخراج لقدامة ص221.(3/1030)
والزيتون والنخيل، أشياء موظفة1، دونها2، ومسح عليهم العامر والغامر3 إذا الما4، وأسلم رجل منهم، فقال عمر -رضي الله
__________
1انظر تفصيلها في: الخراج لأبي يوسف ص 38-39، والمصنف لعبد الرزاق 6/100-101، والأموال لأبي عبيد ص87-88، وفتوح البلدان ص375-376، والسنن الكبرى للبيهقي 9/136، والإنصاف للمرداوي 4/194.
2هكذا في النسخة، وجاءت "يؤدونها" في الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص165-166، والاستخراج لابن رجب ص84، وقد نقلا العبارة بنصها، معزوة إلى مسائل ابن منصور هذه، من قوله: "ووضع عليها الخراج" إلى قوله: "يؤدونها".
3العامر: ما زرع. والغامر: ما لم يزرع مما يحتمل الزراعة، وإنما قيل له غامر؛ لأن الماء يبلغه فيغمره، وهو فاعل بمعنى مفعول. وأما ما لا يبلغه الماء من موات الأرض، فلا يقال له غامر.
انظر: الصحاح للجوهري 2/773 مادة "غمر" والاستخراج لابن رجب ص71، وراجع: المسألة رقم (568) .
4هكذا في النسخة، وهو في المصادر التي نقلت هذا الأثر -وستأتي بعد-: "يناله الماء" أو "يبلغه الماء" وراجع: الاستخراج لابن رجب ص71.
وهذا الأثر عن عمر -رضي الله عنه- أنه وضع على أرض السواد، الخراج على كل جريب، درهماً وقفيزاً، وأنه مسح عليهم العامر والغامر.
أخرجه: أبو يوسف في الخراج ص41، ويحيى بن آدم في الخراج ص22، وأبو عبيد في الأموال ص88، وابن أبي شيبة في المصنف 3/217، والبيهقي في السنن الكبرى ص9/136.
وفي هذا يقول الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "أعلى وأصح حديث في أرض السواد: حديث عمرو بن ميمون في الدرهم والقفيز" انظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص166.(3/1031)
عنه - إن تحولتَ عنها، فالمسلمون أحق بأرضهم، وإن أقمت عليها فأنت أحق1. وفي ذلك دليل أنهم ليسوا بمالكين للأرض،
__________
1الذي وجدت في المصادر التي بين يديَّ: ما أخرجه يحيى بن آدم في الخراج ص57، والبيهقي في السنن الكبرى 9/141-142 أن الرفيل، أسلم على عهد عمر -رضي الله عنه- فأقره على أرضه على أن يؤدي خراجها. وكذلك فعل عمر -رضي الله عنه- مع دهقانة نهر الملك حين أسلمت.
أخرجه: يحيى بن آدم في الخراج ص56، وفيه: "فقال عمر أو كتب عمر -رضي الله عنه-: إن اختارت أرضها، وأدَّت ما على أرضها، فخلوا بينها وبين أرضها، وإلاَّ فخلوا بين المسلمين وأرضهم" وأخرجه أيضاً أبو عبيد في الأموال ص111-112.
وأما الأثر الذي جاء قريباً من لفظ ما ههنا، فقد وجدته عن عليٍّ -رضي الله تعالى عنه- فقد أخرج يحيى ابن آدم في الخراج ص57-58، وأبو عبيد في الأموال ص112، وسعيد بن منصور في سننه 2/269، والبيهقي في السنن الكبرى 9/142، أن دهقاناً أسلم على عهد عليٍّ، فقال له عليٌّ -رضي الله عنه-: "إن أقمت في أرضك، رفعنا الجزية عن رأسك، وأخذناها من أرضك، وإن تحولت عنها فنحن أحق بها" والله تعالى أعلم.(3/1032)
وإنما أقرهم فيها عمر -رضي الله عنه - ليعملوا فيها، ويعمروها، فما أخرج الله -عز وجل - منها من شيء، أخذوا منه ما يقيمهم، وردوا سائر ذلك على المسلمين.
ومما يبين ذلك قوله لعثمان بن حنيف1: الله لئن وضعت على كل جريب درهماً وقفيزاً، لا يجهدهم ولا يضر بهم2.
قال: فكانت ثمانية وأربعون، فجعلها خمسين3.
__________
1هو الصحابي الجليل: أبو عمرو عثمان بن حُنَيف بن واهب الأوسي الأنصاري المدني استعمله عمر -رضي الله تعالى عنه- على مساحة أرض الكوفة، واستعمله عليّ -رضي الله تعالى عنه- على البصرة قبل الجمل، ومات في خلافة معاوية -رضي الله تعالى عنهم جميعاً وأرضاهم-.
انظر: الاستيعاب 3/89، وأسد الغابة 3/371، والإصابة 2/459.
2هذا الأثر أخرجه: أبو عبيد في الأموال ص90، وابن زنجويه في الأموال ص1/160، والبيهقي في السنن الكبرى 9/196.
وهذا النص في المسائل من قوله: "وإنما أقرهم فيها عمر ... " إلى قوله: "لا يجهدهم ولا يضر بهم ... " نقله ابن رجب في الاستخراج ص87 وعزاه إلى رواية ابن منصور هذه.
3جاء هذا في الرواية التي أخرجها البيهقي في السنن الكبير 9/196، وذكرها ابن رجب في الاستخراج ص81، وقال: خرجه الأثرم، وأشار إليها ابن قدامة في المغني -مع الشرح الكبير- 10/576.(3/1033)
قلت: ما هذا؟
قال: على رقابهم1. وأخذ من الغني ثمانية وأربعين، ومن الوسط أربعة وعشرين، ومن الفقير اثنا عشر2.
ومما يبين أنهم ليسوا بمالكين للأرض، أن عثمان -رضي الله عنه - أقطع في السواد؛ فأقطع سعداً3، وابن مسعود، وخباباً4، والزبير5،
__________
1أي: جزية، قال ابن قدامة في المغني -مع الشرح الكبير- 10/575: "قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: فيزاد اليوم فيه وينقص؟ يعني الجزية، قال: نعم، يزاد فيه وينقص على قدر طاقتهم، وعلى قدر ما يرى الإمام، وذكر أنه زيد عليهم فيما مضى درهمان، فجعله خمسين". انظر: الاستخراج ص87 وص85.
2تقدم تخريج هذا الأثر عن عمر -رضي الله تعالى عنه- عند المسألة رقم (560) من هذا الباب، وقوله: "اثنا عشر" هكذا هو في المخطوط!!.
3هو الصحابي الجليل المشهور: سعد بن أبي وقاص.
4هو الصحابي الجليل: أبو عبد الله خباب بن الأرت التميمي، من السابقين إلى الإسلام، وكان يعذب في الله تعالى، شهد بدراً والمشاهد كلها، نزل الكوفة وتوفي بها سنة 37هـ رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
انظر: الطبقات الكبرى 3/164، والاستيعاب 1/423، وأسد الغابة 2/98، والإصابة 1/416.
5هو الصحابي الجليل: أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، قتل سنة 36هـ -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.
انظر: الطبقات الكبرى 3/100، والاستيعاب 1/580، وأسد الغابة 2/196، والإصابة 1/545.(3/1034)
وأسامة1، -رضي الله عنهم - فأقطعهم فيها2.
ولو كانوا مالكين، ما أقطع فيها.
فرأى عمر - رضي الله عنه - أن يدعها للمسلمين.
__________
1هو الصحابي الجليل: أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، صحابي مشهور، حِبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن حِبَّه، مات سنة 54هـ بالمدينة، -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.
انظر طبقات ابن سعد 4/61، والاستيعاب 1/57، وأسد الغابة 1/64، والإصابة 1/31.
2هذا الأثر، أن عثمان -رضي الله تعالى عنه- أقطع أولئك النفر من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم جميعًا- أرضين في السواد، أخرجه: يحيى بن آدم في الخراج ص74 لكن فيه أن الذي أقطع هو عمر -رضي الله تعالى عنه-.
وأخرجه أيضًا: أبو يوسف في الخراج ص67، وأبو عبيد في الأموال ص353، والبلاذري في فتوح البلدان ص 381-382، والبيهقي في السنن الكبرى 6/145، وراجع: معجم البلدان لفظة "أستينيا".
تنبيه: ما وقع في النسخة المطبوعة من الخراج ليحيى من أن المقطع هو عمر -رضي الله تعالى عنه- يظهر لي -والله تعالى أعلم- أنه خطأ، لأن المصادر التي أخرجت الأثر كلها، تذكر أن المقطع عثمان - رضي الله تعالى عنه - وهي ترويه من الطريق الذي أخرجه منه يحيى بن آدم، بل إن ابن رجب في الاستخراج ص133 عزا هذا الأثر إلى يحيى بن آدم – نفسه - وساق إسناده تامًا، وذكر فيه: "أقطع عثمان ... ". ويظهر أن الخطأ في نسبة هذا الإقطاع إلى عمر، وليس إلى عثمان - رضي الله تعالى عنهما - قديم، انظر طرفًا منه في الاستخراج ص134. والله تعالى أعلم.(3/1035)
ورأى عثمان - رضي الله عنه - لمنزلة هؤلاء من الإسلام، وما كانوا فيه، أن يقطعهم فيها1.
قال: فالأرض التي يملكها ربها، ليس عليه فيها خراج، وإنما عليه فيها الصدقة؛ وهو العشر، من كل خمسة أوسق؛ يعني: مثل هذه القطايع التي اقتطعها عثمان -رضي الله عنه - لهؤلاء2.
قال: والسواد على الرقبة الخراج قبل3 جزية الرؤوس.
ومما يبين ذلك أنه مسح العامر والغامر، إذ الغامر ليست بمعمورة، فقد أوجب عليها الخراج، فمن ثَمَّ يجب على الأرض، الخراج والعشر4، وهو الذي قال عمر بن عبد العزيز: إن العشر في
__________
1من قوله "فرأى عمر" إلى قوله "يقطعهم فيها" نقله ابن رجب في الاستخراج ص130 وعزاه إلى رواية ابن منصور هذه.
2انظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص163، والفروع لابن مفلح 2/442، والاستخراج لابن رجب ص130 كلهم نقل هذه الجملة -بتصرف- وعزاها إلى رواية ابن منصور هذه.
3هكذا في النسخة ولعل صحتها "مثل"، وقد تقدم قوله في المسألة رقم (563) "الخراج على الأرض مثل الجزية على الرقبة".
4قال ابن مفلح: "ويجتمع العشر والخراج فيما فتح عنوة، وكل أرض خراجية، نصَّ عليه، فالخراج في رقبتها، والعشر في غلتها".
انظر: الفروع 2/438، وراجع: مختصر الخرقي ص36-37.(3/1036)
الحب، والخراج على الأرض1.
قال إسحاق: كما قال سواء2.
[567 -] قلت: فخيبر3؟
قال: ما صح لي من أمر خيبر شيء4، وأما أهل المدينة فقولهم
__________
1هذا الأثر عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى- أخرجه: يحيى بن آدم في الخراج ص160-161، وأبو عبيد في الأموال ص114، وابن أبي شيبة في المصنف 3/201 من طريقين، والبيهقي في السنن الكبرى 4/131.
وراجع: الاستخراج لابن رجب ص141، وسيأتي لهذا الأثر ذكر عند المسألة رقم (670) من هذا الباب.
2انظر: الاستخراج لابن رجب ص71.
3خيبر هي مدينة كبيرة، ذات حصون ومزارع، على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام، [والبريد يساوي 22,176 كيلومتر] وغزوتها كانت في آخر سنة 6هـ أو أوائل 7هـ. انظر: معجم البلدان 3/263، وفتح الباري 7/464، والخراج للريَّس ص301.
4شيء: رسمت في النسخة "شيئاً" بالنصب، وقد جاءت كما أثبتها في الاستخراج ص37، قال ابن رجب في الاستخراج ص37: "وسئل الإمام أحمد عن أرض خيبر فقال: ما صح لي من أمرها شيء، نقله عنه إسحاق بن منصور".
وقول الإمام هذا لعله، بالنظر إلى اشتباه حال خيبر من حيث، هل هي فتحت عنوة، أو صلحاً، أو بعض وبعض ولم يتميزا، أو بالنظر إلى وقوع الخلاف في قسمها، هل قسمت؟ وفي كيفية قسمها، وفيمن قسمت عليه؟
انظر ذلك كله في: الاستخراج لابن رجب ص33-37.
وراجع: الخراج ليحيى ابن آدم ص34-39، والأموال لابن زنجويه 3/1065-1068، ومعالم السنن للخطابي 3/31، والسنن الكبرى للبيهقي 9/137-138، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص200-201. والله تعالى أعلم.(3/1037)
قول واحد؛ كل ما فتح المسلمون من الأرض عنوة، أو أخذوا الرقاب عنوة، أو مالاً، أو حرثاً، فهم يقسمونه قسماً واحداً؛ الخمس فيه؛ لله -عز وجل - وللرسول -صلى الله عليه وسلم - ولذي القربى. الآية1.
والباقي بين من شهد الوقعة.
فهذا قول أهل المدينة2.
__________
1إشارة إلى الآية رقم 41 من سورة الأنفال.
2انظر: المدونة الكبرى ص386-387، والمقدمات لابن رشد -مع المدونة- 1/386.
وراجع: التمهيد لابن عبد البر 6/454-455، والاستذكار 21/204-205، وبداية المجتهد 1/401، والتاج والإكليل لمختصر خليل للمواق - مع مواهب الجليل للحطاب- 3/365.
ففي هذه المراجع المالكية، ما يفيد أن مذهب مالك وأصحابه - وهم من أهل المدينة- لا يتفق مع ما أطلق عزوه إلى أهل المدينة ههنا فيما يخص الأرض المفتوحة، عنوة فليحرر.
وإنما وقفت على ما نُسب إلى أهل المدينة منسوباً إلى الإمام مالك في غير كتب المالكية، كالمغني - مع الشرح الكبير- 2/582.(3/1038)
قال إسحاق: كما قال سواء1.
[568 -] قال الإمام أحمد: لما مسح عمر -رضي الله عنه - العامر والغامر، فالعامر قد بان أمره، والغامر: الذي لا يزرع، فإنما هو جزية رقبة الأرض2.
ففي هذا دليل على أن في الحب العشر، ولابد من أداء ما على رقبة الأرض، وهو الخراج.
فمن ثم مسح الغامر عليهم، وهو ما لا يعمر، فمن عمَّر شيئاً، وجب عليه الخراج في الأرض، والعشر في الحب3.
قال إسحاق: كما قال سواء4] 5.
__________
1انظر الاستخراج لابن رجب ص37.
2نقل هذا أبو يعلى في الأحكام السلطانية ص170، وعزاه إلى رواية ابن منصور، هذه.
3انظر: مسائل عبد الله ص165، والفروع 2/438.
4انظر: الاستخراج لابن رجب ص71-141.
5من أول باب الزكاة إلى ههنا انفردت به النسخة العمرية.(3/1039)
[569 - 1] قلت [لأحمد بن حنبل] 2: قال سفيان: ما كان من أرض صُولح عليها، ثم أسلم أهلها بعدُ؛ وُضِعَ عنها الخراج3.
قال أحمد: جيد4.
[570 -] قال5: وما كان من أرض أخذت عنوة، ثم أسلم صاحبها وضعت عنه الجزية، وأقر على أرضه الخراج6.
قال أحمد: جيد7.
__________
1من هنا بداية النسخة الظاهرية في باب الزكاة هذا، وقبل الكلمة "قلت" وضع في الظاهرية عنوان وسط الوجه الأيمن من الورقة رقم 16، هكذا: "من كتاب الزكاة".
ومن هنا سيكون الرمز للنسخة الظاهرية بالحرف ظ، وللنسخة العمرية بالحرف ع، ولنسخة دار الكتب المصرية -حين الحاجة إليها- بالحرف م.
2من ظ، وليس في ع.
3في ع: [وضع الخراج عنها] تقديم وتأخير، والمثبت من ظ، وهذا الأثر عن سفيان، أخرجه عنه: ابن زنجويه في الأموال 1/175، وعزاه إليه الخطابي في معالم السنن 3/40.
4انظر الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص149وص164، والاستخراج لابن رجب ص46، وقد نقلا نص هذه المسألة، معزواً إلى رواية ابن منصور، هذه.
5من ظ وفي ع: [قلت] .
6أخرجه من قول سفيان، ابن زنجويه في الأموال 1/175 وعزاه إليه الخطابي في معالم السنن 3/40، وهو جزء من الأثر قبله.
7انظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص149-164، والاستخراج لابن رجب ص46، وقد نقلا نص هذه المسألة -كسابقتها- معزواً إلى رواية ابن منصور هذه.(3/1040)
قال إسحاق: كما قال1.
[571 -] قلت: [قد] 2 سمعت الأوزاعي يقول: جمع3 أصحابنا خصلتي سوء؛ دخلوا في الخراج، وهي شريعة، من شرائع الكفر، ومنعوا الزكاة وهي4 فريضة من فرائض الإسلام5.
__________
1انظر: المغني - مع الشرح الكبير- 2/590.
2من ظ، وليست في ع.
3من ظ، وفي ع [أجمع] .
4من ظ، وفي ع: [وهو] .
5قد جاءت آثار كثيرة جداً في النهي عن دخول الأرض الخراجية؛ لأن الخراج إنما أصل وضعه على الكفار، حين يقرون على الأرض التي فتحها المسلمون عنوة، فإذا اشتراها المسلم أو تقبلها لزمه خراج الأرض، فتشبه بأدائه الخراج بالكفار.
قال أبو عبيد في الأموال ص102، "تتابعت الآثار بالكراهة لشراء أرض الخراج، وإنما كرهها الكارهون من جهتين: إحداهما: أنها فيء للمسلمين، والأخرى: أن الخراج صغار".
وراجع: الخراج ليحيى ابن آدم ص51-56.
ونقل النووي في المجموع 5/454، عن بعض الفقهاء قوله: "الخراج يجب بسبب الشرك، والعشر بسبب الإسلام".
وأخرج عبد الرزاق في المصنف 10/336-337، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قوله: "لا تعمد إلى ما ولَّى الله هذا الكافر، فتحله من عنقه، وتجعله في عنقك".
وانظر نقل الأوزاعي في هذا في: المغني - مع الشرح الكبير- 2/584.
ومع هذا فقد قال البيهقي في السنن الكبرى 9/139: "قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: وقد اتخذ أرض الخراج، قوم من أهل الورع والدين، وكرهه قوم احتياطاً". وأما قول الإمام الأوزاعي - رحمه الله تعالى- ههنا: ومنعوا الزكاة، فكأنه - والله تعالى أعلم- يشير إلى ما ذهب إليه، بعض فقهاء أهل الرأي، من أن المسلم إذا اشترى أرضًا خراجية، أو تقبلها فإنه لا تلزمه زكاة الخارج من الأرض إذا زرعها بل يكفيه أن يدفع الخراج المضروب على الأرض، وهذا حين قالوا: لا يجتمع العشر مع الخراج، فأسقطوا العشر الزكوي بسبب الخراج.
انظر في ذلك: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/443، وحلية العلماء 3/75.
وراجع في مذهب الأوزاعي في أنه يجتمع العشر والخراج: الأموال لأبي عبيد ص 114 رقم 339.(3/1041)
قال: صدق -رحمه الله [تعالى] 1 - الأوزاعي.
قال [إسحاق] 2: هذا من الأوزاعي طعن على من دخل فيه، ويحرَّضهم على الدخول في أرض العشر.
__________
1من ع وليست في ظ.
2من ظ وليست في ع.(3/1042)
[572 -] قال أحمد: ليس في مال مكاتب1 زكاة؛ لأنه ليس بمالك لماله تاماً، ولا للسيد أن يأخذ من مال مكاتبه2.
قال إسحاق: كما قال، إلا أن يملك تمام ما عليه، وزيادة مائتين، فيحول الحول على المائتين، فعليه حينئذ الزكاة3.
[573 -] قال أحمد: لا يعطى من عنده خمسون درهماً، أو من الحلي ذهب4، أو فضة [ع-28/أ] ما يسوى خمسين درهماً5؛ لقول
__________
1في ع: [المكاتب] .
2هذا المذهب، نصَّ عليه، وعليه الأصحاب، وعنه: هو كالقن، وعنه: يزكي بإذن سيده.
انظر: الفروع 2/318، والإنصاف 3/5، والمبدع 2/290، وراجع: المغني -مع الشرح الكبير- 2/495.
3انظر المسألة القادمة رقم (619) من هذا الباب.
وراجع: الإجماع لابن المنذر ص44، وما ذكره إسحاق - رحمه الله تعالى- من الاستثناء لم أعثر عليه - الآن- منسوبًا إليه في مصدر آخر مما بين يديّ.
4في ع: [ذهبًا] .
5هذه إحدى الروايتين المشهورتين عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، وهي الظاهر من مذهبه، وهذه هي الرواية التي عليها جماهير الأصحاب، وهي المذهب عندهم، وهي من المفردات، ونقلها الجماعة عن أحمد.
انظر: المغني -مع الشرح الكبير- 2/523، والمقنع 1/345-346، والفروع 2/588-590، والإنصاف 3/221-222، والمبدع 2/414.
وقال المرداوي في الإنصاف 3/222 عن هذه الرواية: "قلت: نقلها الأثرم وابن منصور، و ... " ثم سمّى أكثر من عشرين من الأصحاب من تلاميذ الإمام أحمد الذين نقلوا هذه الرواية عنه.
والرواية الثانية: أن الغنى ما تحصل به الكفاية، دون حدِّه بخمسين ولا غيرها.
وهذه الرواية قال عنها المرداوي في الإنصاف 3/221: "وهذا المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة".
ثم قال المرداوي 3/222: "وعنه: الخمسون تمنع المسألة لا الأخذ".
وراجع المصادر المتقدمة، ومسائل أبي داود ص81، ومسائل عبد الله ص154، وجامع الترمذي - مع التحفة- 3/315، ومعالم السنن 2/56. وانظر المسألة القادمة رقم (654) من هذا الباب(3/1043)
النبي -صلى الله عليه وسلم - "أو حسابها من الذهب"1.
__________
1جاء هذا في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سأل، وله ما يغنيه جاءت خموشًا، أو كدوحًا في وجهه يوم القيامة، قيل: يا رسول الله: وما يغنيه؟ قال: خمسون درهمًا، أو حسابها من الذهب" وفي لفظ "أو قيمتها من الذهب".
أخرجه: أحمد في المسند 1/388، وأبو داود في سننه 1/257 - كتاب الزكاة باب من يعطى وحد الغنى-، والترمذي في جامعه - مع التحفة- 3/313 وقال: "حديث حسن، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث"، والنسائي في المجتبى 5/97، وابن ماجة في سننه 1/589، والدارمي في سننه 1/386، وابن أبي شيبة في المصنف 3/180-181، وأبو عبيد في الأموال ص659-660، وابن زنجويه في الأموال 3/1118، والطحاوي في معاني الآثار 2/20، والدارقطني في سننه 2/122، وقال: "حكيم بن جبير: متروك"، والحاكم في المستدرك 1/407، وسكت عنه، هو والذهبي في التلخيص.
ومدار هذا الحديث عندهم على حكيم بن جبير، قال عنه الإمام أحمد: "ليس بذاك".
انظر: العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد، رواية المروذي وغيره ص87 برقم 122، وقال عنه الدارقطني - كما تقدم-: "متروك"، بل قال عنه الجوزجاني - وهو المعروف بتشدده في الجرح-: "حكيم بن جبير: كذاب". انظر: أحوال الرجال ص48 رقم21.
لكن جاء عند الأربعة، أن سفيان حين حدث بهذا عن حكيم، فقيل له: لو غير حكيم!! قال - واللفظ للترمذي-: "سمعت زبيدًا يحدث بهذا عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد".
واختلف في هذه المتابعة هل هي موصولة أو موقوفة، فقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 3/341: "نصَّ أحمد في (علل الخلاّل) وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة". وقال الخطابي في معالم السنن 2/56: "قالوا: وأما ما رواه سفيان فليس فيه بيان أنه أسنده".
وذهب أحمد شاكر في تحقيقه للمحلى لابن حزم 6/154 إلى أن طريق زبيد متصلة صحيحة.
وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لشرح السنة للبغوي 6/83: "حكيم بن جبير ضعيف، لكن تابعه زبيد بن الحارث كما نقله الترمذي وغيره عن سفيان، وهو ثقة، فالإسناد صحيح". والله تعالى أعلم.
هذا وقد أخرج الدارقطني في سننه 2/121-122 الحديث من طرق أخرى وضعفه.
ثم أخرجه موقوفًا على عليّ وعبد الله -رضي الله تعالى عنهما-، وانظر: مسائل عبد الله ص154-155.
وراجع: المطالب العالية 1/249-250 رقم 858.(3/1044)
قال إسحاق: كما قال سواء، وإن احتاط للزكاة فلم يعط من له أربعون1 درهماً2.
[574 -] قال [الإمام] 3 أحمد: يعجبني أن يعطي من زكاة ماله الجيران مع قرابته4.
__________
1من ع، وفي م: [أربعين] .
2من م، وفي ع: [درهم] . وانظر مذهب إسحاق هذا في: جامع الترمذي - مع التحفة- 3/315، واختلاف الفقهاء للمروزي ص448، ومعالم السنن للخطابي 2/56، وشرح السنة للبغوي 6/85، والمغني - مع الشرح الكبير- 2/523، وانظر المسألة القادمة رقم (654) من هذا الباب.
3من ع، وليست في: م.
4قال ابن قدامة في المقنع 1/353: "ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم، ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم".
فقال في الإنصاف 3/249: "وهذا بلا نزاع". ثم قال المرداوي: "والجار أولى من غيره، والقريب أولى من الجار، نصَّ عليه".
وانظر أحكام دفع الزكاة إلى الأقارب مفرقًا في المسائل ذات الأرقام: (546) ، (548) ، (579) ، (631) .
وراجع: الفروع 2/628، والمبدع 2/430.(3/1046)
قال إسحاق: [كما قال] 1، شديداً، يبدأ2 بالقرابة.
[575 -] [ظ-16/ب] قال [الإمام] 3 أحمد: -[رضي الله عنه] 4-: ولا يعطي من الزكاة [الولد] 5 وإن سفل، ولا يعطي الجد وإن ارتفع6.
قال [إسحاق] 7: كما قال، كانوا8 من ذكوره أم9 من إناثه، وإن لم يرثوا.
قال [الإمام] 10 أحمد: سمعت سفيان بن عيينة يقول: لا يحابى بها
__________
1من م، وليست في: ع.
2من م، وفي ع: [ابتدأ] .
3من ع وليست في م.
4من ع وليست في م.
5من م وساقطة من ع.
6انظر: المقنع 1/353، والفروع 2/628، والإنصاف 3/254.
7من م وساقطة من ع.
8من ع، وفي م: [كأنه] .
9من ع، وفي م: [أو] .
10من ع، وليست في ظ.(3/1047)
قريب، ولا تمنع من بعيد1.
قال إسحاق: كما قال.
[576 -] قلت [لأحمد] 2 كيف تؤخذ الصدقة من الغنم؟
قال: يجعلها ثلاثة أثلاث3، ثم يأخذ من الأوسط4.
قال إسحاق: كما قال.
[577 -] قلت: في مال العبد زكاة؟
قال: أرجو أن لا يكون في مال العبد زكاة5.
__________
1انظر: مسائل أبي داود ص83، والفروع 2/635 وفيه تفسير الإمام أحمد للعبارة، وراجع: المغني - مع الشرح الكبير- 2/547.
2من ظ وليست في ع.
3ثلاثة أثلاث: من ع، وفي م: [أثلاثًا] .
4جاءت بهذا الآثار المسندة عن بعض الصحابة والتابعين -رضي الله تعالى عنهم- انظر طرفًا منها في: الأموال لأبي عبيد ص497، والمصنف لابن أبي شيبة 3/135، والمصنف لعبد الرزاق 4/12-16، والسنن الكبرى للبيهقي 4/88 و4/102، وراجع: جامع الترمذي - مع التحفة- 3/254-255.
5هذا المذهب، وعنه: فيه الزكاة على سيده، وعنه: يزكيه العبد، وعنه: يزكيه العبد بإذن سيده، وعنه: التوقف.
انظر: المغني - مع الشرح الكبير- 2/494، والفروع 2/318، والإنصاف 3/6، وكشاف القناع 2/194، وراجع: مسائل عبد الله ص161.
وراجع: اختلاف الفقهاء للمروزي ص452، وبداية المجتهد 1/245.
ولهذه المسألة ارتباط بمسألة هل يملك العبد بالتمليك أو لا، وستأتي مقرونة مع هذه المسألة في المسألة رقم (639) ، وهي مكررة أيضًا في المسألة رقم (621) .(3/1048)
قال إسحاق: فيه زكاة على مولاه، يضم مال عبده إلى ماله، عند حلول1 الحول2.
[578 -] قلت: الحلي فيه زكاة3؟
قال: الحلي ليس فيه زكاة4.
__________
1من ظ، وفي ع: [حول] .
2انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي ص452، والمغني - مع الشرح الكبير- 2/494.
3من ظ، وفي ع: [الزكاة] .
4هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وعنه: تجب فيه الزكاة، وعنه: تجب فيه الزكاة إذا لم يعر ولم يلبس.
انظر: المقنع 1/331، والفروع 2/462، والإنصاف 3/138، والمبدع 2/367. وراجع: مسائل أبي داود ص78، ومسائل عبد الله ص164.
وهذا المذهب للإمام أحمد معزو إليه أيضًا في: جامع الترمذي - مع التحفة- 3/285، واختلاف الفقهاء للمروزي ص439، ومعالم السنن 2/17، وشرح السنة للبغوي 6/50، والتمهيد لابن عبد البر 20/147، والمجموع للنووي 5/501، وغيرها. وانظر المسألة القادمة رقم (636) من هذا الباب.(3/1049)
قال إسحاق: كما قال1؛ إلا أن يكون سرفاً بيناً، أو2 احتيالاً3.
[579 -] قلت: يعطى الأخ و4 الأخت، أو الخالة، من الزكاة؟
قال [الإمام] 5 أحمد: كل القرابة إلا الأبوين والولد، يعطى من الزكاة6، ما لم يَقِ به ماله، أو مذمة يدفعها7.
قال إسحاق: كما قال، وأجاد8.
__________
1انظر: جامع الترمذي - مع التحفة- 3/85، واختلاف الفقهاء للمروزي 2439، ومعالم السنن 2/17، والتمهيد لابن عبد البر 20/147، وشرح السنة للبغوي 6/50، والمجموع للنووي 5/501.
2من ع، وفي م: [و] .
3من ع، وفي م: [اختيالاً] .
وانظر المسألة القادمة رقم (636) من هذا الباب.
4من ظ، وفي ع: [أو] .
5من ع، وليست في ظ.
6هذه المسألة إلى هنا نقلها ابن قدامة في المغني -مع الشرح الكبير- 2/512 وعزاها إلى رواية ابن منصور هذه.
7نقل ابن مفلح في الفروع 2/635 تفسير الإمام أحمد لهذه العبارة، وانظر المسألة رقم (631) ، وراجع مسائل عبد الله ص149.
8من ظ، وفي ع: [كما قال سواء، وقد أجاد] ، وراجع: الإجماع لابن المنذر ص46.(3/1050)
[580 -] قلت: ما سقت السماء، والأنهار، والعيون، العشر. وما سقي بالرشاء1، فنصف العشر؟
قال: نعم2.
قال إسحاق: شديداً3.
[581 -] قلت: يستحلف الناس على صدقاتهم أو ما جاؤا به أخذ منهم؟
قال: لا، من جاء بشيء قبل منه4.
__________
1الرشاء: الحبل يربط به الدلو ونحوه ليتوصل به إلى أخذ الماء، وجمعه أَرْشِيَة.
انظر: الصحاح 6/2357، واللسان مادة "رشا"، وراجع: معالم السنن 2/41.
2هذا الحكم مجمع عليه، وقد نَقَلَتِ الإجماعَ فيه بعضُ كتب المذهب.
انظر: المغني -مع الشرح الكبير- 2/558، والفروع 2/420، والمبدع 2/344.
3من ع، وفي م: [سديدًا] . وقد تقدم آنفًا أن هذا الحكم مجمع عليه، وراجع أيضًا في نقل الإجماع عليه: مراتب الإجماع لابن حزم ص35، والاستذكار لابن عبد البر 9/238، والمجموع للنووي 5/421.
4نقل القاضي أبو يعلى، هذا في كتابه الأحكام السلطانية ص131 وعزاه إلى رواية ابن منصور هذه.
وانظر: المغني - مع الشرح الكبير- 2/499، 565، والمقنع 1/343، والفروع 2/546، والإنصاف 3/103، والمبدع 2/400.
وانظر الآثار في المسألة في مصنف عبد الرزاق 4/150، ومصنف ابن أبي شيبة 3/196، والأموال لابن زنجويه 3/889-890، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/422.(3/1051)
قال إسحاق: هذا إلا أن يتهم أو يأتي بريبة.
[582 -] قلت: قول ابن عباس: في أموال أهل الذمة العفو1؟
[] قال أحمد: عمر -[رضي الله عنه] 2 - جعل عليهم ما قد بلغك3. كأنه لم يَرَ ما قال ابن عباس – [رضي الله عنهما]-4.
__________
1هذا الأثر عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أخرجه: أبو يوسف في الخراج ص133، ويحيى بن آدم في الخراج ص70 رقم233، وعبد الرزاق في المصنف 6/98 و10/333-334، والبيهقي في السنن الكبرى 9/205 من طريق يحيى بن آدم، وانظر أيضًا: الأموال لأبي عبيد ص119.
2من ع وليست في ظ.
3يعني -والله تعالى أعلم- أن عمر -رضي الله تعالى عنه- كان يأخذ من أموال أهل الذمة التي يتنقلون بها للتجارة العشر أو نصف العشر.
انظر هذا الأثر مخرجًا في: الموطأ لمالك - كتاب الزكاة- عشر أهل الذمة ص190، والخراج ليحيى بن آدم ص64، ومصنف عبد الرزاق 6/95، والأموال لأبي عبيد ص639، والمصنف لابن أبي شيبة 3/198، ومختصر اختلاف العلماء 1/464، والمحلى 6/115، والسنن الكبرى للبيهقي 9/209-210، وراجع: أحكام أهل الذمة لابن القيم 1/124-128.
4من ع: وليست في ظ.
انظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم -تحقيق صبحي الصالح- 1/161-162 فقد ذكر هذه المسألة، وعزاها إلى إسحاق بن منصور.
وانظر مذهب الإمام أحمد في هذا في: الفروع 2/439-441، 444.(3/1052)
قال إسحاق: معناه، والله -[سبحانه وتعالى] 1 - أعلم أنه إذا صار في أيديهم من أرض المسلمين، فزرعوا2 أن لا يؤخذ منهم العشر؛ لأنه [لا] 3 طهرة لهم4.
[583 -] قلت: قال سفيان: والغنم بمنزلة الورق5، ليس6 عليها صدقة، حتى يحول عليها الحول.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال7.
__________
1من ع، وليست في ظ.
2من ع، وفي م: [فورعوا] وهي في ظ محتملة.
3من م، وليست في ع.
4فسَّر أبو عبيد في الأموال ص120 قول ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- بنحو تفسير إسحاق، فقال: "العفو في أموال أهل الذمة الذي ذكره ابن عباس، إنما هو إسقاط الصدقة عنهم".
5قال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار 9/19: "أهل اللغة قالوا: الورق والرِّقة هي: الدراهم المضروبة، ولا يقال عندهم لما عداها من النقود والمسبوك وَرِقًا ولا رقة، وإنما يقال: فضة. والفضة: اسم جامع لذلك كله، وأما الفقهاء: فالفضة والورِق عندهم سواء".
6من ع، وفي ظ: [وليس] .
7هذا الحكم الذي تتابع عليه الأئمة الثلاثة هو موضع إجماع عند أهل العلم، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 4/53: "أجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد".(3/1053)
[584 -] قلت: سئل سفيان عن رجل باع غنماً، قد حلت فيها الزكاة، ببقر1، قد حلت فيها الزكاة، قال: على البائع والمشتري الزكاة2.
قال أحمد: وجب على كل واحد منهما فيما باع، إذا كان قد حال عليه3 الحول، وكذلك إذا كانت عطبت، وقد حال عليها الحول، قبل مجيء المصدق، وكذلك4 لو كانت5 عنده مائتا درهم، فحال عليها الحول، فسرق بعضها، أو كلها كان عليها6 الزكاة، لوجوب الحول7.
__________
1من ع، وفي م: [فيقر أنه] .
2من م، وفي ع: [والمشتري عليه الزكاة] .
3من ظ، وفي ع: [عليها] .
4من ظ، وفي ع: [وكذلك وكذلك] بالتكرار.
5من ظ، وفي ع: [كان] .
6من ظ، وفي ع: [عليه] .
7انظر المسألة السابقة رقم (555) ، وراجع المسائل اللاحقة رقم (624) ، (644) ، (645) ، من هذا الباب، وانظر مسائل عبد الله ص 155.(3/1054)
قال إسحاق: أما البقر والغنم1، كما قال أحمد.
وأما الدراهم، فإذا سرقت فإن [كان] 2 فرط، وأتى3 عليه أيام، فلم يؤدّ حتى سرق، فهو ضامن، وإن لم يفرط، فسرق فلا ضمان عليه، ذهبت الزكاة بما فيها4.
[585 -] قلت: قال سفيان في رجل ورث من أبيه غنماً، أو إبلاً، أو بقراً: يستقبل بها حولاً5، فإن كانت عند الأب للتجارة، وهو يريد أن يتخذها سائمة، يستقبل بها حولاً.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال6.
[586 -] قلت: قال سفيان: ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء7، وفي
__________
1من ظ، وفي ع: [الغنم والبقر] تقديم وتأخير.
2من ظ، وليست في ع.
3من ظ، وفي ع: [حتى أتى] .
4انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 459، وراجع المسألتين رقم (624) ورقم (645) .
5قول سفيان إلى هنا أخرجه عنه بمعناه ابن زنجويه في الأموال 3/1054.
6تقدم هذا الحكم عن أحمد وإسحاق في المسألتين: (553) و (554) .
7هذا كالمجمع عليه، قال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار 9/159-160: "على ذلك مضى جماعة الخلفاء.
ولم يختلف في ذلك العلماء، إلا شيء روي عن سعيد بن المسيب وأبي قلابة والزهري وعمر بن عبد الرحمن ابن أبي خلدة المزني وقتادة، ولا يلتفت إليه، لخلاف الفقهاء من أهل الرأي، والآثار بالحجاز، والعراق، والشام له.
وذلك لما قدمنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وجمهور العلماء، وهو يرد قولهم، لأنهم يرون في كل خمس من البقر، شاة إلى ثلاثين، واعتلوا بحديث لا أصل له،…".
وراجع: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص 203-204.(3/1055)
كل ثلاثين تبيع1، وفي كل أربعين مسنة2، وفي ستين تبيعان، وفي سبعين تبيعة ومسنة، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاث أتابيع، وفي مائة تبيعان ومسنة، وفي عشر ومائة مسنتان
__________
1التبيع: ما عمره سنة ودخل في الثانية على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب، وقيل: ماله نصف سنة، وقيل: سنتان، وقيل: ما يتبع أمه إلى المرعى، وقيل: ما انعطف شعره، وقيل: ما حاذى قرنه أذنه، نصَّ عليه.
انظر: الإنصاف 3/57، وراجع: مسائل عبد الله ص 173، ومصنف ابن أبي شيبة 3/130، ومعالم السنن 2/29-30، وحلية العلماء 3/42، وشرح السنة للبغوي 6/21، والمجموع للنووي 5/361.
2المسنة: هي التي لها سنتان، وهذا هو الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وهناك في تفسيرها ستة أقوال.
انظر: الإنصاف 3/57، وبقية المصادر في الحاشية السابقة.(3/1056)
[وتبيعة] 1، وفي عشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربع تبايع2.
فإذا كثرت البقر فعلى هذا الحساب، تأخذ بالأكبر3، والجواميس والثيران [ع-28/ب] والبقر يحسب صغارها وكبارها4.
وليس على بقر الوحش5 السائمة زكاة، إلا أن تكون للتجارة.
__________
1من ع، وساقطة في م.
2أخرجه عن سفيان عبد الرزاق في المصنف، 4/24، وانظر الأموال لأبي عبيد ص 474، ومختصر اختلاف الفقهاء للطحاوي للجصاص 1/413، والاستذكار 9/160.
3من ع، وفي م: [بالأكثر] .
4ههنا أمور؛ الأول: أنها إذا كانت صغاراً كلها فمذهب الثوري أنه لا زكاة فيها.
انظر مختصر اختلاف الفقهاء للطحاوي للجصاص 1/419.
الثاني: أجمع العلماء على أن حكم الجواميس، حكم البقر، وأنها تجمع إليها في الزكاة.
انظر: الإجماع لابن المنذر ص43، والاستذكار 9/165، والمغني مع الشرح الكبير 2/470.
الثالث: البقر جنس، والجواميس نوع من أنواعه، قيل: إنها أكثرها ألباناً وأعظمها أجساماً.
انظر: حياة الحيوان الكبرى للدميري 1/209، وراجع المجموع 5/426.
5قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى 1/215 إن بقر الوحش أربعة أصناف: المها، والأيل، واليحمور، والثيتل. لكن ذكر في مواضع أخرى من كتابه أن الأيل والثيتل من الأوعال، وأن اليحمور قيل: إنه هو حمار الوحش. والله تعالى أعلم.(3/1057)
قال [الإمام] 1 أحمد -رضي الله عنه -: على بقر [الوحش] 2 السائمة زكاة، ومتى يجتمع عند الرجل، بقر الوحش3؟!.
قال إسحاق: كما قال [الثوري في هذا كله] 4 [ظ-17/أ] .
[587 -] قلت: قال إبراهيم5: إذا زادت على عشرين ومائة، استأنف الفرائض6،
__________
1من ع، وليست في م.
2من ع، وساقطة في م.
3كون بقر الوحش السائمة تجب فيها الزكاة - كما ههنا - هذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهي المذهب، وعليها جماهير الأصحاب، وهي من المفردات.
وعنه: لا زكاة فيها، قال ابن قدامة: وهي أصح، وهذا قول أكثر أهل العلم.
انظر: المغني - مع الشرح الكبير - 2/289. والفروع 2/378. والإنصاف 3/4. والمبدع 2/289. وراجع: حلية العلماء 3/13. وانظر في مذهب الإمام أحمد في أنصبة البقر، مسائل عبد الله ص 173، والمغني - مع الشرح الكبير - 2/468، والفروع 2/368، وراجع: الاستذكار 9/160.
4من ع، وليست في م، وكتب في حاشية م عند هذا الموضع: [بياض بالأصل] .
وانظر مذهب إسحاق في أنصبة زكاة البقر: الاستذكار 9/160، والمغني مع الشرح الكبير 2/468.
5هو الفقيه المشهور: أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي.
6مذهب إبراهيم النخعي - رحمه الله تعالى - في هذه المسألة، أخرجه عنه: أبو يوسف في كتابه الآثار ص85 رقم 423، وعبد الرزاق في مصنفه 4/9-10، وابن أبي شيبة في مصنفه 3/125، وعزاه إليه: أبو يوسف في الخراج ص83، ومحمد ابن الحسن في الأصل 2/3، والطحاوي كما في مختصر اختلاف العلماء للجصاص 1/412، والخطابي في معالم السنن 2/21، وابن عبد البر في الاستذكار 9/145، وابن حزم في المحلى 6/34، والبغوي في شرح السنة 6/9، والشاشي في حلية العلماء 3/31، وابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير - 2/451، والنووي في المجموع 5/344.
وراجع أيضاً: الخراج لقدامة بن جعفر ص 227 - 228، وفقه الملوك للرحبي ص 506.(3/1058)
وليس1 في الأشناق2، شيء.
__________
1من ظ، وفي ع: [قال إبراهيم: وليس] .
2الأشناق: جمع شنق، ويطلق على معنيين:
الأول: ما دون الفريضة، مما لم يبلغ أول النصاب.
وبهذا فسره الإمام أحمد كما في مسائل عبد الله ص173 قال: "قال أبي: والشنق ما لم تبلغ الفريضة، وهو ما كان أقل من ثلاثين من البقر، وأقل من خمس من الإبل، فهو الشنق".
وكذا في المغني - مع الشرح الكبير - 2/464-465، وكذا في النهاية لابن الأثير 2/505.
والثاني: ما بين الفريضتين، حيث لا تجب فيه الزكاة، وبه فسره الشعبي، وهو التفسير المشهور في كتب اللغة والغريب.
انظر: الصحاح للجوهري 4/1503، والنهاية في غريب الحديث والأثر 2/505، والمجموع للنووي 5/336، وفيه: "وقال الأصمعي: الشنق يختص بأوقاص الإبل".
وانظر أيضاً: المغني - مع الشرح الكبير - 2/464-465، وفيه نقل تفسير الشعبي له.
وراجع: الخراج لقدامة ص 228، وبه فسره سفيان ههنا.
ويجمع بين المعنيين أنه ما لا زكاة فيه، إما لعدم بلوغه النصاب، أو لوقوعه بين فريضتين.(3/1059)
قال سفيان: [الأشناق] 1 ما بين خمسة2 إلى عشرة3، وما بين العشرة إلى خمسة4 عشر.
قال أحمد: لا5.
قلت: ما يعني به؟
قال: [يقول] :6 في [كل] 7 خمس شاة8.
__________
1من م، وساقطة في ع.
2من م، وفي ع: [خمس] .
3من ظ، وفي ع: [العشرة] .
4من ظ، وفي ع: [الخمسة] .
5أي: أن الإمام أحمد لا يرى ما ذهب إليه إبراهيم من استئناف الفريضة، إذا زادت الإبل على عشرين ومائة. وانظر: مسائل عبد الله ص 172.
6من م، وليست في ع.
7من ظ، وساقطة في ع.
8انظر هذا التفسير للإمام أحمد في معنى استئناف الفريضة - أيضا في مسائل عبد الله ص 172، وانظر تفسير سفيان الثوري لها بأوسع من ذلك في المصنف لعبد الرزاق 4/10، وانظر الاستذكار لابن عبد البر 9/145، والخراج لقدامة بن جعفر ص 227-228، وبداية المجتهد 1/259، وفقه الملوك للرحبي ص506.(3/1060)
قال إسحاق: مازاد على العشرين والمائة1، فلا يكون فيه شيء من الغنم، وفي كل خمسين حقة2، وفي كل أربعين بنت3 لبون4.
وسقط الغنم، لأن ما بين العشرين والمائة أو أكثر أوقاصاً5.
__________
1من ظ، وفي ع: [ومائة] .
2الحقة: ما تم لها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة، ثم لا تزال تسمى حقة إلى آخر السنة الرابعة، وسميت حقة لأنها استحقت الركوب والتحميل، وأن يطرقها الفحل، وتجمع على حقاق وحقائق.
انظر: مسائل عبد الله ص 174-175، وسنن أبي داود - كتاب الزكاة - باب تفسير أسنان الإبل - 1/251-252، وصحيح ابن خزيمة 4/15-16، والسنن الكبرى للبيهقي 4/95، والتمهيد لابن عبد البر 17/355-357، وحلية العلماء 3/31، والنهاية 1/415، والمغني - مع الشرح الكبير - 2/446، والمجموع 5/329، وفتح الباري 3/319-320.
3من ظ، وفي ع: [ابنت] .
4بنت اللبون: هي الأنثى من الإبل، التي تم لها سنتان، ودخلت في الثالثة إلى آخرها، سميت بذلك، لأن أمها تكون قد حملت حملاً آخر ووضعته، فهي ذات لبن ترضعه، وهذا على الغالب.
انظر: المصادر السابقة آنفا في تفسير معنى الحقة.
5الأوقاص: جمع وقص، والوقص: فسر بتفسيرين، الأول: أن الوقص ما لم يبلغ الفريضة، وجاء هذا التفسير عن الشافعي، كما في السنن الكبرى للبيهقي 4/98-99.
والثاني: أن الوقص ما بين الفريضتين، وجاء هذا التفسير عن أحمد كما في مسائل عبد الله ص 173، والمغني - مع الشرح الكبير - 2/464-465، وذكر ابن حجر أن هذا التفسير هو تفسير الجمهور، انظر الفتح 3/319.
وذكر النووي في المجموع 5/336-337: "أنه يطلق على ما لا زكاة فيه، سواءً كان بين نصابين، أو دون النصاب الأول، لكن أكثر استعماله فيما بين النصابين".
وجاء في المجموع أيضا - 5/336: "أكثر أهل اللغة يقولون: الوقص والشنق سواء لا فرق بينهما، وقال الأصمعي: الشنق يختص بأوقاص الإبل، والوقص مختص بالبقر والغنم".
هذا، وانظر مذهب إسحاق في هذه المسألة في: المغني مع الشرح الكبير 2/450، والمجموع للنووي 5/343.(3/1061)
[588 -] قلت: قول علي – [رضي الله عنه]-1: إذا أخذ سناً دون2 سن، أو سناً فوق3 سن4.
__________
1من ع، وليست في: ظ.
2من ظ، وليست في ع: [فوق] .
3من ظ، وليست في ع: [دون] .
4هذا الأثر عن علي - رضي الله عنه - أخرجه عنه: أبو داود في سننه - كتاب الزكاة - باب زكاة السائمة - 1/247-248، وعبد الرزاق في المصنف 4/39-40، وأبو عبيد في الأموال ص 455 برقم 953، وابن أبي شيبة في المصنف 3/219، وابن زنجويه في الأموال 2/814، والبيهقي في السنن الكبرى 4/92، وابن حزم في المحلى، 6/15 و 6/23.(3/1062)
قال: على ما في كتاب [عمرو بن حزم] 1 لم
__________
1من ع، وليست في ظ.
وعمرو بن حزم هو: الصحابي الجليل: عمرو بن حزم بن زيد بن لَوْذان الأنصاري، صحابي مشهور، شهد الخندق فما بعدها، وكان عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - على نجران، مات بعد الخمسين من الهجرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
انظر: الاستيعاب 2/517، وأسد الغابة 4/98، والإصابة 2/532.
وكتاب عمرو بن حزم كتاب مشهور أخرجه جمع من الحفاظ منهم: النسائي في سننه "المجتبى" 8/57-58، والدارمي في سننه 2/193، وابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمآن ص 202-203، والدارقطني في سننه 3/209-210، والحاكم في المستدرك 1/ 395-397، والبيهقي في السنن الكبرى4/89-90، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 9/369،316 عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه عن جده، وأخرجه من طريقه ابن الجارود في المنتقى ص 297، وأخرجه مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه مرسلاً، كما في الموطأ 2/849، وأخرجه من طريقه الشافعي في الأم 6/118.
وقد اختلف في صحته، وثبوته اختلافاً عريضا، انظر: السنن الكبرى للبيهقي 4/90 والمحلى 10/412، ونصب الراية 2/342، والدراية لابن حجر 2/276، والتمهيد لابن عبد البر 17/ 338-339، ونيل الأوطار للشوكاني 7/162-163. والله تعالى أعلم.
على أنني لم أجد فيه - فيما بين يدي من مصادر تخريجه - هذه الجملة، أعني حكم ما إذا لم يجد المصدّق السن الواجبة، فأخذ سناً فوقها، أو دونها، وما يصنع حينئذ.
وإحالة الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - هذه المسألة على كتاب عمرو بن حزم تدل على وجوده فيه.
ثم إني رجعت إلى رسالة ألفها أحد المعاصرين وهو الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان، جمع فيها طرق ومتون حديث عمرو بن حزم وسمّاها "كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم - رضي الله عنه" فلم أجد فيها أيضاً هذه الجملة، ولا هذا الحكم، فكدت أن أحكم على ما جاء في النسخة ع بالخطأ، لولا أنني وقفت على كلام للحافظ ابن عبد البر - رحمه الله - في الاستذكار 9/169 ذكر فيه أن هذا الحكم، وهذه المسألة، موجودة في: "حديث أنس، عن أبي بكر في الصدقة، وهو أيضا مذكور في حديث عمرو بن حزم، وغيره، ولم يقل مالك بذلك، لأنه ليس عنده في الزكاة إلا كتاب عمر، وليس ذلك فيه، فقال بما روى، وذلك شأن العلماء.". فبقي المقام يحتاج إلى تحرير وتحقيق لا تتسع له بضاعتي.
هذا ومن المعلوم أن مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة، أن من وجبت عليه سن فعدمها، أخرج سناً أسفل منها، ومعها شاتان أو عشرون درهما، وإن شاء أخرج سناً أعلى منها، وأخذ مثل ذلك، وهذا لا نزاع فيه في المذهب.
انظر: المغني - مع الشرح الكبير - 2/456، والفروع 2/365، والإنصاف 3/55.(3/1063)
يحفظه1.
__________
1يظهر لي - والله تعالى أعلم - أن هذا عائد إلى الأثر المتقدم عن علي - رضي الله عنه - الذي رواه عنه أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة؛ فإن كثيراً من الحفاظ أحالوا فيه بالغلط على عاصم.
انظر: السنن الكبرى للبيهقي 4/92-94، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص 23-24، وراجع: معالم السنن 2/21-22، وشرح السنة للبغوي 6/10، والمجموع للنووي 5/344 والدراية لابن حجر 1/251.(3/1064)
قال إسحاق: على ما في كتاب ثمامة1، إذا ارتفع السن أو انخفض23
__________
1هو ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، ينسب إلى جده فيقال ثمامة بن أنس، أحد ثقات التابعين، تولى قضاء البصرة، وتوفي بعد العشر والمائة من الهجرة، رحمه الله تعالى.
انظر: الجرح والتعديل 2/466، والثقات لابن حبان 4/96، والكاشف للذهبي 1/119، وتهذيب التهذيب 2/28، وتقريبه ص 134.
وكتاب ثمامة هذا أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الزكاة - باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض، وليست عنده - رقم 1453 انظره مع شرحه فتح الباري 3/316، والبخاري رحمه الله تعالى - فرق هذا الحديث في عدة مواضع من صحيحه، ولكن هذا الموضع الذي ذكرت هو الذي فيه موضع الشاهد في هذه المسألة.
وهذا الحديث من الأحاديث التي ذكرها الدارقطني في كتابه الإلزامات والتتبع ص366-368.
وإسحاق بن راهويه هو أحد رواة حديث ثمامة، وقد أخرجه في مسنده.
انظر: سنن الدارقطني 2/114-116، وفتح الباري 3/318.
2من ظ، وفي ع: [وانخفض] .
3الذي في حديث ثمامة أنه حين يرتفع السن، أو ينخفض، فإن المصدق يعطي، أو يأخذ شاتين أو عشرين درهما. وهذا يختلف عن الأثر عن علي - رضي الله تعالى عنه - فإن فيه شاتين أو عشرة دراهم.
وقد صرح إسحاق بن راهويه هنا أنه يأخذ بحديث ثمامة في هذه المسألة، وهذه إحدى الروايتين عنه، وذكرها عنه: الخطابي في معالم السنن 2/22، والبغوي في شرح السنة 6/12، وابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير - 2/457، والنووي في المجموع 5/353، وابن حجر في فتح الباري 3/320.
والرواية الثانية عنه: شاتين أو عشرة دراهم، ذكر هذه الرواية عنه: ابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير - 2/457، والنووي في المجموع 5/353، وابن حجر في فتح الباري 3/320.
وانظر المسألة رقم (3524) من "مسائل شتى" آخر كتاب المسائل هذا.(3/1065)
[589 -] قلت: قال سفيان: لولا ما جاء [في] 1 الأثر كان ما بين القيمتين ما بين السنين، ولكن الأثر أحق أن يتبع2.
__________
1من ع، وليست في ظ.
2يعني بالأثر الأثر السابق عن علي - رضي الله عنه - فإن سفيان هو أحد رواته، وبه يأخذ، إذ مذهب سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - أنه إذا زادت السن، أو نقصت، أعطى أو أخذ شاتين، أو عشرة دراهم، ومعنى كلامه هنا: أنه لولا مجيء الأثر لكان يرى أن تقوم السن الواجبة - المفقودة - ثم تقوم السن المأخوذة، ويعطي أو يأخذ الفرق بين القيمتين، بحسب الحال زيادة، أو نقصاً، لكن الأثر صرف النظر عن ذلك، حين حدد عوض الزيادة، أو النقص بدراهم محددة أو شياه محددة، فقطع الأثر، باب الاجتهاد والنظر في هذه المسألة، وهذا يدل على عظيم تعظيم السلف للسنن والآثار، وشدة تمسكهم بها، ونبذهم للآراء المخالفة لها، فرحمهم الله تعالى ما أفقههم في الدين!!.
وكون سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - يأخذ بما جاء في الأثر عن علي - رضي الله عنه - أخرجه عنه ابن زنجويه في الأموال 2/81.
وانظر أيضاً: السنن الكبرى للبيهقي4/92.
ولذا قال أبو عبيد في الأموال ص 456: "فأما سفيان، فأخذ بالأثر الذي رواه عن عليّ، لم يَجُزْهُ إلى غيره". وراجع: حلية العلماء 3/38، وفتح الباري 3/320.
أما قوله - ههنا - لولا ما جاء في الأثر … الخ، فقد أخرجه ابن زنجويه في الأموال 2/815 وفيه: "عن سفيان قال: ولولا الحديث رأيت القيمة".
وجاء في الاستذكار 9/168-169 عن سفيان الثوري أنه قال: "ولولا الأثر الذي جاء كان ما بين القيمتين أحب إليّ".(3/1066)
قال أحمد: ليس في الأوقاص شيء1.
قال إسحاق: كما قال2.
[590 -] قلت [لأحمد: قيل] 3 له – يعني سفيان -: في ست وتسعين ومائة، قال: أربع حقاق4.
__________
1تقدم تفسير الأوقاص آخر المسألة رقم (587) من هذا الباب.
وانظر: الإنصاف 3/54، ولكن تأمل ما علاقة هذا بما قبله؟! فإنه لم يظهر لي فيه شيء أحقه.
2انظر حكاية الإجماع على أن لا شيء في الأوقاص نيل الأوطار 4/192.
3من ظ، وساقطة من ع.
4هذا من سفيان - رحمه الله تعالى - مبني على مذهبه في أن ما زاد على عشرين ومائة من الإبل، فإنه تستأنف له الفرائض، وهو مذهب إبراهيم النخعي - رحمه الله تعالى - كما تقدم عنه في المسألة رقم (587) ، ووجهه: أن من يقول بهذا القول من مذهبه أنك تنظر ما زاد على المائة والعشرين، حتى تجعل في كل خمسين، حقة حين تبلغ مائة وخمسين، فهذه ثلاث حقاق، ثم لما زادت ههنا ستاً وأربعين والواجب فيها حقة، حين استئناف الفريضة، أصبح الواجب في مائة وست وتسعين، أربع حقاق.
انظر توضيح هذا في: شرح السنة للبغوي 6/9-10، والفروع 2/363.
وراجع: المحلى 6/31-34، والمجموع 5/344.
وانظر في مذهب سفيان في استئناف الفريضة: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/412، والخراج لقدامة بن جعفر ص 229، والاستذكار 9/145، والمحلى 6/34، وحليه العلماء 3/31، وبداية المجتهد 1/259، والمغني - مع الشرح الكبير - 2/451، والمجموع 5/344.(3/1067)
قال أحمد: لا، [فيها] 1 ثلاث حقاق2، وابنة لبون؛ في خمسين ومائة3، ثلاث حقاق4، وفي أربعين، بنت لبون، وليس في الستة5، شيء6.
__________
1من ظ، وليست في ع.
2من ظ، وفي ع: [حقايق] وتقدم عند المسألة (587) أنها تجمع بالجمعين كليهما.
3من ظ، وفي ع: [في خمس ومائة] ، وهذا خطأ ظاهر.
4من ظ، وفي ع: [حقايق] .
5من ظ، وفي ع: [ست] .
6لأن الستة ههنا وقص، وما ذكره الإمام هنا، هو مذهب كل من لا يرى استئناف الفريضة بعد المائة والعشرين. وانظر: مسائل عبد الله ص 172، والمغني - مع الشرح الكبير - 2/453.(3/1068)
قال إسحاق: كما قال1.
[591 -] قلت لأحمد2: قال سفيان: إذا أخذت3 سنين أوأكثر من ذلك، كان ما بين القيمتين4.
قال الإمام أحمد5: يقول: إذا أخذ حقة مكان ابنة مخاض6، أو
__________
1الإمام إسحاق بن راهويه - رحمه الله تعالى - هو كذلك لا يرى استئناف الفريضة. انظر: المغني - مع الشرح الكبير - 2/450.
2من ظ، وفي ع: [قال قلت] .
3من ظ، وفي ع: [أخذ]
4أخرجه عنه ابن زنجويه في الأموال 2/815، وفيه: "… قال سفيان: فإن لم تكن السن التي تليها وكانت السن التالية، فوق التي تليها، فإنه لا يحسب بذلك، ولكن يأخذ القيمة.".
5من ع، وفي ظ عبارة غير واضحة بمقدار كلمتين، وكأنها كتبت أولاً "ما بين السنين" ثم كتب عليها "قال أحمد".
6ابنة المخاض: هي الأنثى من الإبل التي لها سنة، وقد دخلت في الثانية، سميت بذلك لأن أمها قد حملت بغيرها، والماخض: الحامل، وليس كون أمها ماخضا، شرطاً فيها، وإنما ذكر تعريفاً لها بغالب حالها، قاله ابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير 2/446.
وانظر المصادر المذكورة سابقاً في تفسير الحقة، عند المسألة (587) .
وراجع: الفروع 2/360.(3/1069)
ابن مخاض1، يردّ ما بين القيمتين.
كما قال2.
قال إسحاق: كل ما3 كان على ما وصف بين السنين يرد ما بين القيمتين، على ما روى ثمامة بن أنس4.
__________
1هذا مشكل، فإن ابن المخاض لا يؤخذ في الزكاة مطلقاً، ولعل العبارة (ابن لبون) فإنه يكون بدلا من ابنة المخاض حين فقدها. وراجع: المغني - مع الشرح الكبير - 2/446.
2قال في المقنع 1/302: "فإن عدم السن التي تليها، انتقل إلى الأخرى، وجبرها بأربع شياه أو أربعين درهماً".
قال في الإنصاف 3/55-56: "وهو المذهب … قال ابن أبي المجد: وأومأ إليه الإمام أحمد….
وقال أبو الخطاب: لا ينتقل إلا إلى سن تلي الواجب، … قال في النهاية: هو ظاهر المذهب".
وراجع: تصحيح الفروع - بحاشيته - 2/366، والمحلى 6/23، وفتح الباري 4/59.
3من ع، وفي ظ: [كلما] .
4مذهب إسحاق الذي جاء عنه في هذه المسألة، أنه إذا لم يجد السن الواجبة، ولا التي تليها، فإنه ينزل، أو يرتقي للسن الثانية. وحينئذ يتضاعف البدل، فيأخذ، أو يعطي أربع شياه، أو أربعين درهما.
انظر: معالم السنن 2/23، وشرح السنة 6/13.(3/1070)
[592 -] قلت: قال ابن عيينة1: إن سفيان كان يقول: كل شيء أخرجت الأرض، مما يكال، إذا بلغ خمسة أوسق، وله بقاء إذا يبس ففيه الزكاة2.
قال: لن ترى بعينيك مثل سفيان حتى تموت.
قال أحمد: هو كما قال3.
قال إسحاق: كما قال في الأوساق4.
__________
1من ظ، وفي ع: [قلت: قال قلت لابن عيينة] .
2هذا مشكل؛ لأن مذهب سفيان الثوري في هذه المسألة الذي جاء عنه بالإسناد الثابت، والنقول المتعددة: أن الزكاة لا تجب، إلا في أربعة أصناف من الخارج من الأرض هي: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب.
انظر مثلاً: الخراج ليحيى بن آدم ص 149،143،والأموال لابن زنجويه 3/1032، والتمهيد لابن عبد البر 20/149، بل عزاه إليه إسحاق بن راهويه ههنا في المسائل، انظر المسألة رقم (670) من هذا الباب، وقد يقال لعل هذه رواية ثانية عنه، والله تعالى أعلم.
3انظر: مسائل أبي داود ص 79، ومسائل عبد الله ص 165، والفروع 2/406-409، والإنصاف 3/86-87، وفيهما نقل رواية أخرى عن الإمام، أنها لا تجب إلا في الأصناف الأربعة.
4انظر مذهب إسحاق في الأوساق: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 464.
أما مذهب سفيان الثوري في الأوساق فقد أخرجه عنه ابن زنجويه في الأموال 3/1038-1039، وعزاه إليه المروزي في اختلاف الفقهاء ص 463(3/1071)
[593 -] قلت [لأحمد] 1: طاوس والشعبي2 وعطاء3 قالوا: إذا زكيت طعامك، أو شعيرك خمسة أوسق، ثم حبسته سنين4، للتجارة أو لغير تجارة، فليس عليك فيه زكاة، فإذا بعته استقبلت بالمال حولا5.
[قال أحمد: إذا كنت لا تريد به التجارة، فليس عليك فيه الزكاة، إذا حبسته سنين] 6.
__________
1 من ظ، وليست في ع.
2 الشعبي: هو التابعي الجليل، والفقيه المعروف، والقاضي المشهور: أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي الهمداني.
3 عطاء: هو التابعي الجليل: عطاء بن أبي رباح.
4 من ع، وفي ظ: [سنتين] .
5أما الأثر عن طاووس فأخرجه عنه: عبد الرزاق في المصنف 4/95، وابن أبي شيبة في المصنف 3/148-149، وابن زنجويه في الأموال 3/1056 برقم 1952، والبيهقي في السنن الكبرى 4/131.
وأما الأثر عن الشعبي: فأخرجه عنه: عبد الرزاق في المصنف 4/95 و4/137، وابن زنجويه في الأموال 3/1056 برقم1953.
وأما الأثر عن عطاء فأخرجه عنه: عبد الرزاق في المصنف 4/137، وابن أبي شيبة في المصنف 3/149.
6 من ع، وليس في ظ.(3/1072)
[قال أحمد] 1: إذا كنت تريد به للتجارة2 فأعجب إليّ أن تقوّمه وتزكيه3.
قال إسحاق: كما قال أحمد4، لا بد من أن يزكيه، إذا نوى التجارة5.
[594 -] قلت: قال سفيان: إذا كان عندك طعام من زرعك، وقد زكيته في شعبان، فبعته بدراهم، وعندك مال [لم تزكه] 6
__________
1من ظ، وليست في ع.
2من ظ، وفي ع [فإذا كان يريد التجارة] .
3من ظ، وفي ع: [يقومه ويزكيه] .
وانظر في مذهب أحمد في هذه المسألة: المغني - مع الشرح الكبير - 2/562، والفروع 2/452.
وقال المرداوي في الإنصاف 3/153: "وعنه: أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية، نقله صالح، وابن إبراهيم، وابن منصور".
وأما ابن قدامة فقد ذكر الرواية كمثلها في المسائل، لكن لم يعزها لرواية بعينها: انظر المغني - مع الشرح الكبير- 2/631.
4في ع، قال أحمد، قال أحمد، مكررة مرتين.
5انظر مذهب إسحاق في أن مجرد نية التجارة، يصير بها المال للتجارة: المجموع للنووي 6/5.
وانظر المسألة السابقة رقم (558) ، وراجع المسألة اللاحقة رقم (614) .
6من ظ، وليست في ع.(3/1073)
– [تزكيه] 1 في شهر رمضان – سوى ذلك المال، فجاء شهر رمضان وعندك ذلك المال، فلا تزكيه حتى يحول عليه الحول، لا يجتمع في مال واحد زكاة مرتين2.
قال [الإمام] 3 أحمد: صدق4.
قال إسحاق: كما قال5.
[595 -] قلت: قال سفيان: إذا كان الطعام الذي بعت تجب فيه الزكاة6، فإذا كان الطعام لم تجب فيه الزكاة، ثم بعته، بورق قبل أن تحل في
__________
1من ع، وساقطة من ظ.
2مذهب سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - أن الفوائد كلها تزكى بحول الأصل، إذا كان الأصل نصاباً، وإنما استثنى هذه الصورة للتعليل الذي ذكر، وسيأتي توثيق مذهب سفيان، في زكاة الفائدة في المسألة التي تلي هذه.
3من ع، وليست في ظ.
4الإمام أحمد رحمه الله - هنا - على أصله في أن الفائدة ليس فيها زكاة حتى يحول عليها الحول، وقد تقدم توثيق ذلك عنه عند المسألة رقم (553) من هذا الباب.
5سبق توثيق مذهب إسحاق في زكاة الفائدة عند المسألة رقم (553) من هذا الباب.
هذا وسيعيد ابن منصور - رحمه الله تعالى - هذه المسألة دون عزوها إلى سفيان، وذلك في المسألة رقم (634) من هذا الباب.
6أي: ففيه الحكم المتقدم في المسألة السابقة.(3/1074)
مالك الزكاة1، فزكه مع مالك2.
قال أحمد: لا يزكى شيء من الفائدة أبداً، حتى يحول عليه الحول، مثل الـ[صلة] 3، والميراث، وكل نماء يكون من شيء، وجبت4 فيه الزكاة، فيقومه ويزكيه؛ لأنه منه. والـ[صلة] 5 والميراث بائن منه6.
قال إسحاق: كما قال [سواء] 7.
__________
1من ظ، وفي ع: [زكاة] .
2هذا وفق الأصل الذي يأخذ به سفيان - رحمه الله تعالى - وهو أن الفوائد كلها تزكى بحول الأصل، إذا كان الأصل نصاباً.
انظر: جامع الترمذي - مع التحفة - 3/274-275، واختلاف الفقهاء للمروزي ص 459-460، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/422، والاستذكار 9/49،45، وشرح السنة 3/338، وبداية المجتهد 1/271.
3من ظ، وفي ع بياض بقدر الكلمة.
4من ظ، وفي ع: [وجب] .
5من ظ، وفي ع بياض بقدر الكلمة.
6تقدم آنفاً أن هذا موثق عند المسألة السابقة رقم (553) .
7من ظ، وليست في ع.
وتقدم أن مذهب إسحاق في هذا موثق عند المسألة السابقة رقم (553) .
وراجع المسائل القادمة (607) ، (608) ، (635) فإن لها ارتباطاً بهذه المسألة.
وطالع: المغني - مع الشرح الكبير - 2/632 ففيه النص على أن مذهب إسحاق، هو أن النماء مبني، على حول الأصل.(3/1075)
[596 -] قلت: قال سفيان: وإذا باع زرعا أخضر بقلاً، أو نخلاً1 فيه طلع، فليس على البائع زكاة.
قيل له: فالذي اشتراه؟
قال: إن أدرك حتى يصير حباً أو تمراً، عليه [ع-29/أ] الزكاة2.
قال أحمد: هذا الأصل مكروه أن يبيع الثمر حتى يطيب، فإذا باعه قبل أن يطيب فسخته3، فإن باع ثمرة قد طابت، فالزكاة على البائع،4 وليس في الخضر شيء، إنما الزكاة في أثمانها، إذا حال
__________
1من ظ، وفي ع: [نخل] .
2من ظ، وفي ع: [زكاة] .
وانظر في مذهب سفيان هذا: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/447.
ومن المعلوم أن الإجماع انعقد على منع بيع الثمار، قبل بدو صلاحها، لكن ينبغي أن يعلم أنه يستثنى من ذلك صور منها: أن يبيعها بشرط قطعها في الحال. ومنها أن يبيعها مع الأصل، أو الزرع مع الأرض، فهذا جائز بالإجماع، وعليه تنزل الصورة التي ذكر سفيان ههنا.
انظر المغني - مع الشرح الكبير - 4/202-203، وراجع: الإجماع لابن المنذر ص 90.
3انظر: المغني - مع الشرح الكبير - 4/202، والفروع 2/424.
4انظر: الفروع 2/422، وراجع: المغني - مع الشرح الكبير - 2/565.(3/1076)
عليها1 الحول2.
قال إسحاق: كما قال أحمد3.
[597 -] قلت: قال سفيان: إن4 كان ابتاع الزرع والنخل للتجارة5، قومه قيمته6، إذا حال عليه الحول، فزكاه7.
قال أحمد: جيد8.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1من ع، وفي ظ: [عليه] .
2انظر: الفروع 2/409، والمبدع 2/338-340، وكشاف القناع 2/236- 238، وراجع: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 465.
3انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 465.
4من ظ، وفي ع: [إذا] .
5من ظ، وفي ع: [والنخيل ننجارة] ، هكذا.
6من ظ، وفي ع: [قيمه] .
7من ظ، وفي ع: [زكاة] .
وانظر مذهب سفيان الثوري في هذه المسألة في: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/433.
8انظر: المغني - مع الشرح الكبير - 2/562 و 2/630.(3/1077)
[598 -] قلت: وإن كان اشتراه لغير التجارة1، فأدرك زكاه، وإن كان2 قبل ذلك بشهر؟
قال أحمد: مالم يشتره3 للتجارة، فليس عليه زكاة، إلا [أن] 4 زكاة ماأخرجت الأرض، إذا استحصد فهو على البائع، وإن لم يكن استحصد5، فسخته، يعني البيع6.
قال إسحاق: كما قال أحمد [ظ-17/ب] .
[599 -] قلت: قال سفيان: وإذا باع الزرع، والنخل وقد أدرك، فالزكاة على البائع7.
قال [أحمد] 8: نقول كذا9.
__________
1من ظ، وفي ع: [تجارة] .
2من ظ، وفي ع: [كا] سقطت النون.
3من م، وفي ع: [يشتريه] .
4من م، وليست في ع.
5من م، وفي ع: [وإذا لم يستحصد] .
6تقدم في المسألة السابقة رقم (596) .
7انظر: المغني - مع الشرح الكبير - 2/565.
8من ظ، وليست في ع.
9هذه الكلمة غير واضحة في ظ، وفي ع: [كانى] والمثبت من م.(3/1078)
قال إسحاق: كما قال1.
[600 -] [قلت] 2 قال: قلت لسفيان: أرأيت إن باع نخله، أو عنبه، أو زرعه، وقد بلغ مالاً؟ قال: في ثمنه العشر، أو نصف [العشر] 3، وإن باع برخص، فهو ضامن لقيمة ما باع4.
قال أحمد: [هو] 5 كما قال6.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1تكرر حكم هذه المسألة في المسألتين السابقتين (596) ، (598) .
2من ظ، وساقطة في ع.
3من ظ، وساقطة في ع.
4انظر مذهب سفيان هذا في: اختلاف الفقهاء للمروزي ص 467، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/447.
5من ظ، وليست في ع.
6هذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -.
وقد ذكرها وعزاها إلى رواية ابن منصور هذه كل من: القاضي أبي يعلى في الأحكام السلطانية ص 121-122، وابن مفلح في الفروع 2/565، والمرداوي في الإنصاف 3/66.
وانظر: مسائل أبي داود ص 80-81.
وقال المرداوي في الإنصاف 3/66: "وعنه رواية ثانية: لا يجوز أن يخرج من الثمن، قلت: وهو الصواب، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب،…".(3/1079)
[601 -] قلت: قال سفيان: وبلغني عن الحسن أنه قال: وما أكل يحسب عليه1.
قال أحمد: ليس ذا شيء2، يترك لهم في الخرص3 بقدر ما يأكلون4.
__________
1لم أعثر عليه - الآن - عن الحسن في مصدر آخر مما بين يديّ، وهو مذهب سفيان المعروف عنه، أخرجه عنه يحيى بن آدم في الخراج ص 161 برقم 604، وابن زنجويه في الأموال 3/1048 برقم 1940، وعزاه إليه في: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/450، وأحكام القرآن للجصاص 3/12، والاستذكار 9/247.
2هكذا في النسخ، والوجه شيئاً. قال في المغني - مع الشرح الكبير - 2/571: "… ولا يحتسب عليهم به نصَّ عليه".
3الخرص: هو في اللغة: كما فسره الخليل في العين 4/183: "الحزر في العدد والكيل" والمراد به هنا كما بينه الترمذي في جامعه - مع التحفة- 3/306: "والخرص: إذا أدركت الثمار من الرطب والعنب، مما فيه الزكاة، بعث السلطان خارصاً فخرص عليهم، والخرص أن ينظر من يبصر ذلك فيقول: يخرج من هذا من الزبيب كذا، ومن التمر كذا وكذا، فيحصى عليهم، وينظر مبلغ العشر من ذلك فيثبت عليهم، ثم يخلي بينهم وبين الثمار فيصنعون ما أحبوا، وإذا أدركت الثمار أخذ منهم العشر، هكذا فسره بعض أهل العلم، وبهذا يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق".
4انظر الفروع 2/433، والإنصاف 3/110-111، والمبدع 2/349-350.
وهذا القدر المأكول الذي لا يخرص قدره بعض أهل العلم بالثلث أو الربع، انظر مثلاً: الأموال لأبي عبيد ص585، وفتح الباري 3/347.
وقال ابن حزم في المحلى 5/259 بعد أن ذكر حديث سهل بن أبي حثمة - رضي الله تعالى عنه - في خرص الثمار، وترك الثلث، أو الربع: "ولا يختلف القائلون بهذا الخبر - وهم أهل الحق الذين إجماعهم الإجماع المتبع - في أن هذا على قدر حاجتهم إلى الأكل رطباً".(3/1080)
قال إسحاق: كما قال، الربع لا يخرص عليهم1.
[602 -] قلت [لأحمد] 2: سئل سفيان عن رجل له أرض حرة، منحها3 رجلاً، فزرعها؟
قال: أرى الزكاة على من زرعها4.
__________
1انظر مذهب إسحاق في هذا: جامع الترمذي - مع التحفة - 3/305، ومعالم السنن 2/45، وشرح السنة للبغوي 6/39، والمغني - مع الشرح الكبير - 2/570، وفتح الباري 3/347.
2من ظ، وليست في ع.
3من ظ، وفي ع: [فمنحها] .
والأرض الحرة: التي يملكها صاحبها، ليست بأرض خراج، انظر مسائل عبد الله ص 165.
4انظر نظير هذه المسألة عن سفيان فيما أخرجه عنه يحيى بن آدم في الخراج ص 167 برقم 631.
وراجع: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/443.(3/1081)
قال أحمد: كذا هو1.
قال إسحاق: كما قال.
[603 -] قلت: كان2 سفيان والأوزاعي يقولان: على أرض الخراج الزكاة حيث مازرع المسلم3.
قال أحمد: أجود4. وأعجبه5.
قال إسحاق: كما قالوا، إلا أنا نرى أن يكون يرفع من جملة الطعام نفقاته، والخراج أيضاً، ثم ما حصل بعد ذلك عشره6.
__________
1انظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 124، والفروع 2/435، والإنصاف 3/113، والمبدع 2/350-351، وراجع المجموع للنووي 5/455-456.
2من ظ، وفي ع: [قلت: قال: وكان] .
3أما مذهب سفيان في هذا فانظر فيه: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/444، والمحلى5/249.
وأما مذهب الأوزاعي هنا فانظره في الأموال لأبي عبيد ص 114 برقم 339.
4من ظ. وفي ع: [جود] .
5انظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 124، والفروع 2/438.
6ونحو هذا الاستثناء جاء عن سفيان في المحلى 5/249، وعن مذهب أحمد في الفروع 2/438.(3/1082)
[604 -] قلت: قال مكحول1 في المصدِّق يأتي المال، فلا يجد فيها السن التي عليه.
قال: أرى أن يأخذ قيمتها2.
قال أحمد: [هذا] 3 خلاف ما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم -4.
__________
1مكحول: هو الفقيه التابعي الثقة المشهور، أبو عبد الله مكحول الشامي، مات سنة بضع عشر ومائة من الهجرة، رحمه الله تعالى.
انظر الجرح والتعديل 8/407، ووفيات الأعيان 5/280، وسير أعلام النبلاء 5/155، وتهذيب التهذيب 10/289، وتقريبه ص 545.
2انظر: المجموع 5/353 وفيه: "وعن مكحول، والأوزاعي أنه يجب قيمة السن الواجب"، وجاء هذا الرأي أيضاً، عن طاووس، وأبي حنيفة.
انظر: مصنف عبد الرزاق 4/40، والمحلى 6/23، وراجع الأموال لأبي عبيد ص 456.
3من ظ، وليست في ع.
4من ع، وفي ظ: [عليه السلام] .
وأظن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - يقصد بذلك حديث إذا لم يجد السن الواجبة، انتقل إلى التي تليها، وأخذ، أو أعطى شاتين أو عشرين درهما، وهو موجود من حديث ثمامة في صحيح البخاري - وقد تقدم - وعزاه الإمام أحمد ههنا إلى كتاب - عمرو بن حزم - كما تقدم أيضاً - انظر ما كتب عند المسألة السابقة رقم (588) من هذا الباب.
وجاء في الفروع 2/562-563 ما يفيد أن المذهب أنه لا يجزئ إخراج القيمة في الزكاة عموماً.
وعنه: تجزئ القيمة.
وعنه: في غير زكاة الفطر. وعنه: تجزئ للحاجة(3/1083)
قال إسحاق: لا يأخذ إلا منها؛ من أوساطها، ولو كن كلها هرمة1، أو2 ذات عوار3؛ لأن زكاتها4 منها، كالدراهم التي لا يبقوا5 عليه الجياد في الزكاة.
__________
1قوله: هرمة: الهرمة هي الكبيرة الشارف التي سقطت أسنانها، وهي بفتح الهاء وكسر الراء.
انظر: الاستذكار 9/150، وفتح الباري 3/321.
2من ع، وفي ظ: [و] .
3ذات العوار: هي المعيبة، فالعوار: النقص والعيب، وهو بفتح العين المهملة وبضمها، وقيل: بالفتح العيب، وبالضم العور، وهو الذهاب العين، وقيل في ذلك بالضد.
انظر الاستذكار 9/150، وشرح السنة للبغوي 6/13، والمجموع 5/332، وفتح الباري 3/321.
4من ظ، وسقط حرف الزاي في ع.
5من م، وليست واضحة في ظ ولا في ع، وتحتمل: ينضوا من الناض وهو النقد، وتحتمل: ينقوا، وتحتمل غير ذلك، ورسمها في ع بغير واو الجماعة. والمعنى: أن الدراهم إذا كان بعضها جياداً، وبعضها مغشوشاً، أو رديئاً فإنه لا يلزمه أن يخرج زكاتها من الجياد وحدها.
انظر المغني - مع الشرح الكبير - 2/602-603، والمجموع 5/466.(3/1084)
[605 -] قلت: قول شريح1: لا حبس عن فرائض الله -[عز وجل] 2 -؟ 3.
قال أحمد: يقول: من أوقف وقفاً فمات فهو ميراث، لا يحبس عن فرائض الله -[عز وجل] 4 ـ شيء.
قال إسحاق: كما قال، إذا كان حبسا [على ولده] 5،لم يجعل6 عاقبة ذلك للمساكين، فلذلك يرد إلى فرائض الله -[عز وجل] 7 -.
__________
1شريح: هو التابعي الجليل، والقاضي المشهور، أبو أمية: شريح بن الحارث بن قيس الكوفي الكندي، ثقة إمام، بقي على القضاء 75 سنة، ومات قبل الثمانين أو بعدها. رحمه الله تعالى.
انظر ترجمته في: الجرح والتعديل 4/332، والثقات لابن حبان 4/352، وأخبار القضاة لوكيع 2/189-398، وتهذيب التهذيب 4/326، وتقريبه ص 265.
2من ع، وليست في ظ.
3هذا القول لشريح أخرجه عنه: وكيع في أخبار القضاة 2/295، والبيهقي في السنن الكبرى 6/162، وعزاه إليه ابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير - 6/185.
4من ع، وليست في ظ.
5من ظ، وساقطة من ع.
6من ظ، وفي ع: [ولم يجعل] .
7من ع، وليست في ظ.(3/1085)
606-1 قلت: سئل سفيان عن ما2 يأخذ السيد من المكاتب، أيزكيه حين يقع في يده؟
قال: نعم، هو بمنزلة الدين3.
قال أحمد: هذا شيء لا أملكه، إنما ملكته الساعة، حتى يحول عليه الحول4.
قال إسحاق: كما قال أحمد. وهذا5 أمر بيِّن، فلا أدري6 ممَّ7
__________
1في ع قبل هذه المسألة وضع عنوان: [باب في المكاتب يزكى ما يأخذ منه سيده] ، وليس هذا في ظ.
2من ظ، وفي ع: [من] بدلاً من: ما.
3هكذا جاء هنا، وفي المسألة القادمة رقم (620) ، لكن جاء في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي للجصاص 1/431 أن الثوري يقول: "ولا يزكى مال الكتابة حتى يقبض، ويحول الحول" وظاهره خلاف ما هنا من مذهبه، فلعله رواية ثانية عنه. والله تعالى أعلم.
4هذا المذهب، الذي قطع به الأصحاب، أنه لا زكاة في دين الكتابة، لعدم استقرارها.
انظر: الفروع: 2/323، والإنصاف 3/14، وراجع المسألة القادمة رقم (620) من هذا الباب.
5من ظ، وفي ع: [وهو] .
6من ظ، وفي ع: [فلا ندري] .
7من ظ وع، وفي م: [هل] على أنها ليست واضحة تماماً في ظ.(3/1086)
قال سفيان ذلك؟!.1
[607 -] قلت: قال سفيان: إذا استفاد الرجل ألف درهم، ثم استفاد قبل أن يحول على الألف الحول مالاً، يزكيه معه2.
قال أحمد: ليس ذا شيء، ليس في الفائدة زكاة حتى يحول عليها3 الحول4.
قال إسحاق: كما قال أحمد [سواء] 5.
[608 -] قلت: قال: فإن سرقت الألف قبل الحول، فليس فيما استفاد بعدُ شيء، حتى يحول على ما استفاد الحول من يوم استفاد، فإن بقي من الألف مئتا درهم [ع-29/ب] ، وذهبت بقيتها، فإن فيها
__________
1قارن رأي إسحاق هذا مع رأيه في المسألة رقم (620) !!.
2أخرجه عنه معناه عبد الرزاق في المصنف 4/80 برقم 7044، وتقدم توثيق مذهب سفيان في زكاة الفائدة عند المسألة رقم (595) من هذا الباب.
3من ع، وفي ظ: [عليه] .
4تقدم توثيق مذهب أحمد في زكاة الفائدة عند المسألة رقم (553) من هذا الباب.
5من ظ، وليست في ع.
وانظر توثيق مذهب إسحاق في زكاة الفائدة عند المسألة السابقة رقم (553) من هذا الباب.(3/1087)
الزكاة وفيما استفاد1.
قال أحمد: ليس2 فيما استفاد زكاة3.
قال إسحاق: كما قال أحمد4.
[609 -] قلت لأحمد: قال سفيان: إذا كانت خمسمائة [درهم] 5 تزكيها، فذهبت وأنفقت6 سائرها، فلم يبق منها إلا درهم، ثم استفدت مالاً، أو ورثت ميراثاً، فحل على ذلك الدرهم الزكاة، زكيت ما أصبت، ولو قبله بيوم.
قيل له: هذا لمكان الدرهم7؟
__________
1أخرجه عنه بمعناه عبد الرزاق في المصنف 4/80 برقم 7042، وذلك إلى قوله: "يوم استفاد "، وعزاه إليه، وإلى طائفة من أهل العلم، ابن عبد البر في الاستذكار 9/50 فقال: "وقالوا: ولو هلك بعض النصاب في داخل الحول، ثم استفاد، وحال عليه الحول، وعنده نصاب فعليه الزكاة، قالوا: ولو هلك المال كله ثم استفاد نصاباً استقبل به حولاً".
2من ظ، وفي ع: [لا، ليس] .
3انظر ما كتب عند المسألة رقم (553) من هذا الباب.
4كذلك انظر ما كتب عند المسألة رقم (553) من هذا الباب
5من ع، وليست في ظ.
6من ع، وفي ظ: [وأنفق] .
7من ظ، وفي ع: [المكان للدرهم] .(3/1088)
قال: نعم1.
قال [الإمام] 2 أحمد: سبحان الله [تعالى] 3! وتعجب من قوله هذا درهم، يوجب على مائة ألف الزكاة!! 4.
قال إسحاق: كما قال أحمد – [رضي الله عنهما] 5 – لا زكاة6 في الفائدة أبداً حتى يحول عليها الحول عند ربه، وإن كان ملك قبل ذلك مائتي درهم، ولم يملكها سواء7.
__________
1أخرجه عنه بمعناه: عبد الرزاق في المصنف 4/79-80 برقم 7042 ورقم 7044، وابن زنجويه في الأموال 3/926 و 3/1187. وراجع ما كتب عند المسألة السابقة رقم (595) من هذا الباب.
2من ع، وليست في ظ.
3من ع، وليست في ظ.
4تقدم مراراً أن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - من مذهبه أن لا زكاة في الفائدة حتى يحول عليها الحول.
وانظر المسألة رقم 8، وراجع أيضاً المسائل ذات الأرقام التالية: (595) ، (607) ، (608) .
5من ع، وليست في ظ.
6من ظ، وفي ع: [لما لا زكاة] .
7من ظ، وفي ع: [أولم يملك فهما سواء] .
وراجع في مذهب إسحاق في هذا ما كتب عند المسألة رقم (553) من هذا الباب.(3/1089)
610-1 [قلت لأحمد: قال سفيان في رجل دفع إلى رجل مالاً مضاربة، ألف درهم، فابتاع به المضارب بزَّا، فحال عليها الحول، وبزّه ثمن ألف درهم وأربعمائة درهم، ولم يبع البزّ بعد:
صاحب المال، يزكي عن ألف ومائتي درهم قيمة البز، وليس على المضارب في المائتين زكاة؛ لأنه لم يسلم له بعد، فإن باعوه بنقد، استأنف به المضارب حولاً، وإن باعه بنسيئة سنة، بألف وأربعمائة درهم، فأخذ المضارب الربح أدى الزكاة حين يصل إليه2.
قال أحمد: جيد3.
قلت: ولِمَ وقد باعه بنسيئة؟
__________
1من هنا زيادة أخرى انفردت بها النسخة ع، وقبل هذه المسألة وضع في ع تبويب بعنوان: [باب في زكاة المضارب يحول عليه الحول] .
2جاء في " مختصر اختلاف العلماء للطحاوي " للجصاص 1/437: "وقال الثوري: لا يزكي المضارب الربح حتى يقبضه، ويحول عليه الحول بعد أخذه". وهذا مطابق في الحكم لما في صدر هذه المسألة.
وأما قوله في المسألة: "وليس على المضارب في المائتين زكاة" إنما قال في المائتين لأن الربح بينهما نصفان، فالمضاربة على نصف الربح، والربح ههنا أربعمائة.
وقوله: "حين يصل إليه" أي لأجل مضي الحول، وهو أجل النسيئة.
3انظر: الفروع 2/337، والإنصاف 3/16.
وراجع: المغني - مع الشرح الكبير - 2/639.(3/1090)
قال: هو بمنزلة الدين1.
قال إسحاق: كما قال أحمد، لأن الدين الذي في ثقة2 كشيء في يد3.
[611 -] قلت: سئل سفيان عن رجل أخذ مالاً مضاربة، فربح فيه، أيؤدي زكاته أو ينتظر حتى يؤدي إلى صاحب المال ماله؟
قال: بل ينتظر حتى يؤدي إلى صاحبه؛ لأنه لم يسلم له بعد4.
قال أحمد: إن كان احتسبا زكى المضارب، إذا حال عليه الحول
__________
1سيأتي في المسائل بيان مذهب أحمد في زكاة الدين. انظر المسألة رقم (637) ، وطالع المسألة رقم (622) من هذا الباب.
2هذه الكلمة (ثقة) ليست واضحة في النسخة، وهكذا قرأتها بعد التأمل والمقارنة مع المسألة رقم 77.
3سيأتي مذهب إسحاق في زكاة الدين في المسألتين (622) ، (637) من هذا الباب، وقد أخرج البيهقي في السنن الكبرى 4/150 بسنده: عن ابن عمر قال: "زكوا ما كان في أيديكم، وما كان من دين في ثقة فهو بمنزلة ما في أيديكم،…" فانظر إلى فقه أهل الأثر كيف يخرج من مشكاة واحدة.
4اختلف أهل العلم في متى يملك العامل في المضاربة حصته من الربح، هل هو بالظهور أو بالمقاسمة؟.
انظر: حلية العلماء 3/93-94، والمجموع 6/24.(3/1091)
من يوم احتسبا؛ لأنه علم ماله في المال؛ لأنه إن وضع1 بعد ذلك كانت الوضيعة على صاحب المال2.
قال إسحاق: كما قال أحمد.] 3.
[612 -] قلت: قال سفيان: لو أن رجلاً اصطاد بقر وحش، أو حمر وحش، أو ظباء، أو سمكاً، أو وهب له أو ورثه، فبلغ مالاً، فليس عليه زكاة، حتى يبيعه بدراهم، ويحول عليه [الحول] 4، من يوم
__________
1قوله: "وُضِع" هو بضم الواو أي: خسر، والوضيعة: الخسارة، ويقال أيضاً: وَضِعَ.
انظر: القاموس المحيط 3/95، مادة "وضعه" فصل الواو باب العين، وراجع النهاية لابن الأثير 5/198.
2هذا القول للإمام أحمد نقله ابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير - 2/634 وعزاه إلى رواية ابن منصور هذه فقال: "نص عليه أحمد في رواية صالح وابن منصور فقال: فإذا احتسبا يزكي المضارب، إذا حال الحول من حين احتسبا؛ لأنه علم ماله في المال، ولأنه إذا اتضع بعد ذلك، كانت الوضيعة على رب المال، يعني: إذا اقتسما؛ لأن القسمة في الغالب تكون عند المحاسبة، ألا تراه يقول: إن اتضع بعد ذاك كانت الوضيعة على رب المال، وإنما يكون هذا بعد القسمة".
وراجع الإنصاف 3/16.
3إلى هنا انتهت الزيادة - المشار إليها سابقاً - التي انفردت بها النسخة "ع".
4من ظ، وساقطة في ع.(3/1092)
يبيعه1.
قال أحمد: جيد2.
__________
1قال ابن حزم في مراتب الإجماع ص 39: "وأما الصيد البري فقد اتفقوا على أنه لصائده في أرض الإسلام خاصة، حاشا الحرمين، وأنه لا شيء عليه فيه" أي: لا زكاة فيه. وقال في الموضع نفسه: "ولا أعلم بينهم خلافاً في أنه لا شيء في السمك المتصيد".
2أما بقر الوحش فقد تقدم رأي الإمام أحمد فيها عند المسألة رقم (586) من هذا الباب.
وهناك ذكر الإمام أن فيها الزكاة، وهنا وافق سفيان على أن لا زكاة فيها، ولا أظن هذا مبنياً على اختلاف الروايتين المشهورتين عنه في هذه المسألة، بل أراه - والله تعالى أعلم - لاختلاف الحال، فهناك الحديث عن بقر الوحش السائمة، وهنا الحديث عن بقر وحش صيدت، أو ورثت، أو وهبت، فبلغت مالاً.
وأما حُمُر الوحش فليست من بهيمة الأنعام، ولا تشترك مع أحدها في الاسم، فهي صيد بري داخل فيما حكاه ابن حزم آنفاً من الإجماع.
وراجع: المغني - مع الشرح الكبير - 2/470.
وأما الظباء: فهي داخلة أيضاً في جملة الصيد البري.
قال ابن قدامة في المغني مع الشرح الكبير 2/470: "ولا تجب الزكاة في الظباء رواية واحدة، لعدم تناول اسم الغنم لها".
لكن ذكر في الفروع 2/378 والإنصاف 3/4 أنه حكي رواية أن الزكاة تجب في الظباء، ولكن هذا خلاف الصحيح من المذهب المنصوص عليه.
وأما السمك: فقد قال ابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير - 2/620: "وأما السمك فلا شيء فيه بحال، في قول أهل العلم كافة، إلا شيء يروى عن عمر بن عبد العزيز، رواه أبو عبيد عنه، وقال: ليس الناس على هذا، ولا نعلم أحداً يعمل به، وقد روي ذلك عن أحمد أيضاً".
وقد تقدم قول ابن حزم: "ولا أعلم بينهم خلافاً في أنه لا شيء في السمك المتصيد".(3/1093)
قال1 إسحاق: كما قال2.
[613 -] قلت: قال سفيان: وإن ورث طعاماً، أو3 ثياباً، أو آنية، أو سفناً، فليس عليه [فيه] 4 زكاة، حتى يبيعه بدراهم ويحول عليه الحول.
قيل له: وإن كان مائة ألف5؟!
__________
1من م، وفي ع: [وقال] .
2رأي إسحاق داخل في جملة الإجماع الذي ذكرته آنفاً عن ابن حزم، وأيضاً عن أبي عبيد وابن قدامة.
3من ظ، وفي ع سقطت الواو من "أو".
4من ظ، وليست في ع.
5من ظ، وفي ع: [مائة ألف درهم] بزيادة لفظة "درهم"، والمعنى: وإن كانت قيمة تلك الأشياء المذكورة مائة ألف؟! سؤال على التعجب، أي كيف لا تجب فيها الزكاة إذا بلغت تلك الأثمان والقيم.(3/1094)
قال: وإن كان؛ ما خلا الذهب، والفضة، والإبل، والبقر، والغنم، فإن عليه فيها الزكاة إذا حال عليها1 الحول من يوم يرثها2.
قال أحمد: جيد3.
قال إسحاق: كما قال4.
[614 -] قلت: قال سفيان: إذا ابتعت غلاماً، أو جارية5 للتجارة6، ثم بدا لك أن تمسكه لغير التجارة، ثم بدا لك أن تبيعه، [ع-18/أ] فبعته، فليس عليك فيه زكاة، حتى يحول على ثمنه الحول.
قيل له: من يوم يبدوا له بيعه أو من يوم يبيعه؟
قال: من يوم يبيعه7.
__________
1من ظ، وفي ع: [عليه] .
2قول سفيان هذا أخرجه عنه بمعناه مختصراً، عبد الرزاق في المصنف 4/94 برقم 7093.
3راجع المسألتين المتقدمتين: (553) ، (554) ، من هذا الباب.
4راجع المسألتين المتقدمتين: (553) ، (554) ، من هذا الباب.
5من ع، وفي م: [دابة] بدلاً من جارية.
6من م، وفي ع: [لتجارة] .
7قول سفيان هذا إلى قوله: الحول، أخرجه عنه بمعناه، عبد الرزاق في المصنف 4/81 رقم 7044.
وبنحوه أخرجه عنه ابن زنجويه في الأموال 3/945.
وراجع: المغني - مع الشرح الكبير - 2/631.(3/1095)
قال أحمد: نعم، من يوم يبيعه1.
قال إسحاق: كما قال2، ولكن إذا3 أجمع على بيعه ثم لم يبعه كان كالبيع، يكون ذلك [ع-30/أ] في قيمته يوم أجمع4.
[615 -] قلت: قال سفيان: إذا كان لك على رجل دين، فدخل عليه5 الزكاة، فما أخذت منه فزكه، ولو درهما بالحساب.6
__________
1قارن مع ما جاء عنه في المسألتين السابقتين: (558) ، (593) .
وراجع: الإنصاف 3/153.
2من ظ، وفي ع: [كما قال أحمد] ، بزيادة أحمد.
3من م، وفي ع: [إن] بدلاً من إذا.
4قارن مع ما جاء عنه في المسألتين السابقتين: (558) ، (593) ، وراجع: المجموع للنووي 6/5.
5من ظ، وفي ع: [عليك] .
6الذي جاء عن سفيان - فيما اطلعت عليه - تقييد ذلك بأن يقبض من دينه مقدار نصاب أولاً، ثم بعد ذلك ما أخذ من دينه زكاه بالحساب. جاء في " مختصر اختلاف العلماء للطحاوي " للجصاص 1/434-435: وقال مالك والثوري: "لا يزكي حتى يقبض مقدار النصاب، وهو مائتا درهم، ثم ما قبض بعد ذلك من قليل، أو كثير زكاه".(3/1096)
قال أحمد: جيد1
قال إسحاق: كما قال2
[616 -] قلت: [قال] 3: سألت4 سفيان عن رجل أسلف5 في أثواب
__________
1قال ابن مفلح في الفروع 2/325: "ومتى قبض شيئا من الدين، أخرج زكاته ولو لم يبلغ نصاباً، نصَّ عليه". وظاهر ما تقدم أن مذهب سفيان، يختلف عن مذهب أحمد من جهة هذا القيد، لكن واضح في المسائل أن أحمد، لم يُذكر له أن سفيان قيده بذلك القيد، لذا جوَّد رأيه، ويحتمل أنه جاء عن سفيان في ذلك روايتان. والله تعالى أعلم.
2ذكر ابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير - 2/638-639 أن مذهب إسحاق في زكاة الدين أنه إن كان على معترف به باذل له، فعليه إخراج زكاته في الحال، وإن لم يقبضه، وإن كان الدين على معسر أو جاحد أو مماطل به، فلا تجب فيه الزكاة.
وكأن هذا لا يتسق مع ما ههنا، إلا أن يكون ما في المسائل هنا مفروضاً في معسر، أيسر ببعض الدين، فدفعه إلى ربِّه.
وراجع المسألة السابقة رقم (610) ، والمسألتين اللاحقتين: (622) ، (637) .
3من ظ، وساقطة في ع، والقائل في قوله "قال" هو محمد بن يوسف الفريابي، كما سيتبين حين توثيق قول سفيان بعدُ.
4لفظة "سألت" في ظ كتبت بين الأسطر، وهي ثابتة في ع، وملحقة بالحاشية في م، ومعها علامة التصحيح.
5من ظ، وفي ع: [سلف] .(3/1097)
حرير؛ كل ثوب بعشرين [درهماً] 1، فحلّ عليه الزكاة، وحلّ أجل الحرير، وقيمة الحرير كل ثوب2، خمسة3 وعشرين4 درهماً5، ولم يقبضها بعدُ؟
قال: يزكيه إذا حل6 عليه، من خمسة7 وعشرين درهماً8.
قال أحمد: لم يصر الملك له، ليس عليه زكاة، فإذا قبضه قوَّمه وزكاه9.
قال إسحاق: كما قال أحمد10.
__________
1من ظ، وليست في ع.
2من ظ، وفي ع سقط حرف الباء من قوله ثوب.
3من ع، وفي ظ: [بخمس] وما في ع هو الموافق لرواية ابن زنجويه الآتية.
4هكذا في النسخ، وفي رواية ابن زنجويه الآتية: [وعشرون] بالرفع.
5من ظ، وفي ع: [درهم] .
6من ظ، وفي ع: [دخل] وما في ظ هو الموافق لما في رواية ابن زنجويه.
7من ع، وفي ظ: [خمس] وما في ع هو الموافق لرواية ابن زنجويه.
8قول سفيان هذا أخرجه عنه ابن زنجويه في الأموال 3/944 قال: "أخبرنا محمد بن يوسف قال: سألت سفيان عن رجل سلف في أثواب حرير" ثم ساق قول سفيان هنا إلى آخره.
9انظر: المغني - مع الشرح الكبير - 2/639-640.
10وراجع المسألة القادمة رقم (638) من هذا الباب.(3/1098)
- قلت: قال سفيان: إذا ابتعت بزاً1 للتجارة، فقومته قيمة، فحال عليه الحول، وقد نقص من تلك القيمة، فزكه من القيمة، يعني الآخرة.2
قال [الإمام] 3 أحمد -[رضي الله عنه] 4 -: إنما يزكيه [من] 5 يوم يحول عليه الحول، نقصان أو زيادة6.
قال إسحاق: كما قال أحمد؛ لما قال عمر بن الخطاب -[رضي الله عنه] 7 -: قومه ثم زكِّه8.
__________
1من ع، وفي ظ: [برَّاً] بالمهملة.
2انظر: المصنف لعبد الرزاق 4/81، وفيه أن مذهب سفيان أنه لا عبرة، بالزيادة والنقصان بعد التقويم للزكاة.
3من ع، وليست في ظ.
4من ع، وليست في ظ.
5من ظ، وليست في ع.
6انظر: المغني - مع الشرح الكبير - 2/623، وراجع: مسائل أبي داود ص 78، ومسائل عبد الله ص 163.
7من ع، وليست في ظ.
8هذا الأثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أخرجه عنه: الشافعي في الأم 2/46، وعبد الله بن الإمام أحمد كما في مسائله ص 163، وعبد الرزاق في المصنف 4/96 برقم 7099، وأبو عبيد في الأموال ص 520، برقم 1179 و1180، وابن أبي شيبة في المصنف 3/183، ومسدد في مسنده كما في المطالب العالية 1/242، والدارقطني في سننه 2/125، والبيهقي في السنن الكبرى 4/147.
وراجع: الاستذكار 9/116، ومعرفة السنن والآثار للبيهقي 6/8312، والمحلى 5/234.(3/1099)
[618 -] قلت: قال: [سألت] 1 سفيان في رجل اشترى متاعاً بمائة، وهو ثمن مائتين، يوم اشتراه، ثم أتى عليه الحول وهو ثمن مائتين؟
قال: عليه فيه الزكاة2.
قال [الإمام] 3 أحمد: يزكيه بقيمته على المائتين، ولو أنه اشتراه بمائة وهو يساوي مائة يوم اشتراه لم تجب فيه الزكاة حتى يحول عليه الحول، [وهو يساوي مائتين، وإنما تجب فيه الزكاة، من يوم يساوي مائتين إلى أن يحول عليه الحول] 4.
قال إسحاق: كما قال5.
__________
1من ظ، وليست في ع.
2قول سفيان هذا أخرجه عنه بنصه ابن زنجويه في الأموال 3/944 برقم 1697.
وانظر: الاستذكار 9/49-50، وفيه أن من مذهب سفيان أن الفائدة لا تزكى، إلا إن كان عنده نصاب في أول الحول، وهو هنا نظر إلى القيمة لا إلى الثمن، لذا رأى الزكاة واجبة فيه، إذ المائة ناقصة عن النصاب، إنما النصاب المئتان.
3من ع، وليست في ظ.
4ما بين المعقوفين من ظ، وساقط من ع. وانظر مذهب أحمد هذا في المغني - مع الشرح الكبير - 2/624، وراجع: حلية العلماء 3/88.
5انظر مذهب إسحاق هذا في المغني - مع الشرح الكبير- 2/624.(3/1100)
[619 -] قلت: سئل سفيان عن مكاتب له فضل مالٍ عما عليه.
قال: ليس عليه زكاة، حتى يؤدي ما عليه؛ فإنه لا يدري لعله أن يسترق1، فإذا [أدى] 2 استأنف3.
قال أحمد: [نعم] 4، ليس على المكاتب زكاة5.
قال إسحاق: كلما كان عنده فضل، عن مكاتبته، ما تجب فيه الزكاة، فإن عليه الزكاة إذا حال عليه [الحول] 6.
[620 -] قلت: وسئل7 [فقيل] 8: ليس9 على سيده زكاة؟
__________
1من ع، وليست واضحة في ظ، وفي م: [يسرق] . وما في ع موافق لرواية ابن زنجويه الآتية.
2من ظ، وساقطة من ع.
3قول سفيان هذا أخرجه بنصه ابن زنجويه في الأموال 3/1017-1018 رقم 1867.
4من ظ، وليست في ع.
5تقدم توثيق مذهب أحمد وبيانه عند المسألة رقم (572) من هذا الباب.
6من ع، وساقطة في م. وقد تقدمت هذه المسألة عن إسحاق عند المسألة رقم (572) من هذا الباب.
7من ظ، وفي ع: [سئل] بدون الواو.
8من ظ، وليست في ع.
9من ظ، وفي ع: [وليس] بزيادة الواو.(3/1101)
قال: لا؛ لأنه لا يقدر عليه، فإذا قبضه أدى لما غاب عنه1.
قال أحمد: ليس على السيد زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم قبضه2.
قال إسحاق: كما قال سفيان3.
[621 -] [قلت: سئل سفيان عن زكاة مال المملوك على من هو؟
قال: على السيد4.
قال أحمد: ليس في مال العبد زكاة5.
__________
1أخرجه بنصه ابن زنجويه في الأموال 3/1018 رقم 1867 وهو جزء من الأثر السابق عنه في المسألة رقم 74.
2تقدم هذا عند المسألة رقم (606) من هذا الباب.
3كلمة " سفيان " من ع وم، وفي ظ بياض في الصورة، وانظر وقارن مع ما جاء عنه في المسألة السابقة رقم (606) من هذا الباب!!؟.
4قول سفيان أخرجه عنه ابن زنجويه في الأموال 3/1007 برقم 1854 وزاد بعد قوله " على السيد ": "لأنه ليس بمال عبده، إنما هو مال سيده، وينبغي له أن يزكيه"، وهذا القول لسفيان عزاه إليه - أيضاً - أبو عبيد في الأموال ص557 رقم 1338، والمروزي في اختلاف الفقهاء ص 452، والطحاوي كما في " مختصر اختلاف العلماء للطحاوي " للجصاص 1/431، وابن عبد البر في الاستذكار 9/369، وابن قدامة في المغني - مع الشرح الكبير - 2/494.
5تقدم في المسألة رقم (577) من هذا الباب، وانظر المسألة القادمة رقم (639) من هذا الباب.(3/1102)
قال إسحاق: كما قال سفيان] 1.
[622 -] قلت: قال سفيان: كان حماد2، وابن أبي ليلى يقولان: إذا كان على الرجل دين، فعليه الزكاة، يعني الذي عليه الدين3.
وكان سفيان لا يرى ذلك4.
قال أحمد: لا، كما قال سفيان5.
__________
1ما بين المعقوفين من ع، وليس في ظ، وتقدم توثيق مذهب إسحاق عند المسألة رقم (577) من هذا الباب، وسيتكرر ذكره في المسألة رقم (639) من هذا الباب.
2هو ابن أبي سليمان.
3مذهب حماد وابن أبي ليلى في هذه المسألة انظره في اختلاف الفقهاء للمروزي ص 455، فقد جاء فيه ما نصه: "وقد كان ابن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان يقولان: زكاة الدين على الذي عليه الدين".
وراجع: المصنف لابن أبي شيبة 3/194، والاستذكار 9/93-94.
4مذهب سفيان الثوري أن زكاة الدين على من هو له لا على من هو عليه، وأن الدين يمنع من الزكاة، وأنه إنما يزكيه إذا قبضه لما مضى.
انظر: الأموال لابن زنجويه 3/971، واختلاف الفقهاء للمروزي ص 453، والأموال لأبي عبيد ص 530، والاستذكار 9/92، والمحلى 6/101-104، والمغني - مع الشرح الكبير - 2/544-545.
5انظر مذهب أحمد في زكاة الدين: مسائل عبد الله ص 156-157، والمغني - مع الشرح الكبير - 2/635-639، والفروع 2/323-326، والإنصاف 3/18-22، وانظر المسألة القادمة رقم (637) .(3/1103)