|
المؤلف: علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي (المتوفى: 885هـ)
الناشر: دار إحياء التراث العربي
الطبعة: الثانية - بدون تاريخ
عدد الأجزاء: 12
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وَعَنْهُ: يَكْفِي شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي عَنْ ابْنِ بَطَّةَ، وَعَنْهُ: يَكْفِي شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى اثْنَيْنِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ: جَوَازَ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ، وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: عَنْ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ؟ قَالَ: يَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
فَائِدَةٌ:
يَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَ فَرْعٌ عَلَى أَصْلٍ، وَهَلْ يَتَحَمَّلُ فَرْعٌ عَلَى فَرْعٍ؟ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ".
قَوْلُهُ (وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ) ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّ لَهُنَّ مَدْخَلًا فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهُنَّ: صَرِيحُ الْمُصَنِّفِ وَمَفْهُومُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ، وَلَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي الْأَصْلِ،
(12/94)
وَفِي الْفَرْعِ: رِوَايَتَانِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي الْأَصْلِ وَلَا فِي الْفَرْعِ، نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِيهِمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ قَرِيبًا، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَتُهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ أَوْ مُنْفَرِدَاتٍ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ (فَيَشْهَدُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) ، يَعْنِي: عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ فِيهِمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ سَهْوٌ مِنْ نَاقِلِهَا، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ، قَالَ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إنْ صَحَّتْ عَنْ حَرْبٍ: فَهِيَ سَهْوٌ مِنْهُ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: شَهَادَةُ امْرَأَةٍ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ تُقْبَلُ، فَأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَتِهِمَا، فَإِنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ أَقْوَى بِكُلِّ حَالٍ؛ وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ،
(12/95)
وَهَذَا مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ رَجُلًا وَاحِدًا لَوْ كَانَ أَصْلًا فَشَهِدَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَمَعَهُ أَلْفُ امْرَأَةٍ: لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، فَإِذَا شَهِدَ بِهَا وَحْدَهُ وَهُوَ فَرْعٌ: يُقْبَلُ وَيُحْكَمُ بِهَا؟ هَذَا مُحَالٌ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ذَلِكَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ حَتَّى يَنْضَمَّ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَيَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ، كَمَا يَقُولُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) ، وَعَلَى رَجُلَيْنِ أَيْضًا، يَعْنِي عَلَى الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الشَّهَادَةُ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِتَعَدُّدِهِمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ عَلَى الْفُرُوعِ تَعْدِيلُ أُصُولِهِمْ، وَلَوْ عَدَّلُوهُمْ قَبْلُ، وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُمْ لَهُمْ. الثَّانِيَةُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَا فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ، وَتَعَذَّرَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْآخَرِ: حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ: لَزِمَهُمْ الضَّمَانُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ: لَمْ يَضْمَنُوا) ، يَعْنِي: شُهُودَ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ،
(12/96)
وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ، (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنُوا) ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، قَالَهُ فِي النُّكَتِ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَنَصَرَهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ " كَذَبْنَا، أَوْ غَلِطْنَا ": ضَمِنُوا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُونَ، وَحَكَى هَذِهِ الصُّورَةَ وَمَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ: مَسْأَلَتَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَحَكَاهَا بَعْضُهُمْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ. الثَّانِيَةُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ: لَمْ يُعْمَلْ بِهَا؛ لِتَأَكُّدِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: لَوْ قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ " مَا أَشْهَدْنَاهُمَا بِشَيْءٍ " لَمْ يَضْمَنْ الْفَرِيقَانِ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَمَتَى رَجَعَ شُهُودُ الْمَالِ بَعْدَ الْحُكْمِ: لَزِمَهُمْ الضَّمَانُ، وَلَمْ يُنْقَضْ الْحُكْمُ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا أَوْ تَالِفًا، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْعِتْقِ: غَرِمُوا الْقِيمَةَ) ، بِلَا نِزَاعٍ نَعْلَمُهُ، لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُمْ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ،
(12/97)
وَأَمَّا الْمُزَكُّونَ: فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ شَيْئًا.
تَنْبِيهٌ:
مَحَلُّ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، فَإِنْ صَدَّقَ الرَّاجِعِينَ: لَمْ يَضْمَنْ الشُّهُودُ شَيْئًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الضَّمَانِ: لَوْ شَهِدَا بِدَيْنٍ، فَأَبْرَأَ مِنْهُ مُسْتَحِقُّهُ، ثُمَّ رَجَعَا، فَإِنَّهُمَا لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي " كِتَابِ الصَّدَاقِ " فِي مَسْأَلَةِ تَنْصِيفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ هِبَتِهَا لِلزَّوْجِ، قَالَ: وَلَوْ قَبَضَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَا: غَرِمَا، انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ: غَرِمُوا نِصْفَ الْمُسَمَّى أَوْ بَدَلَهُ) بِلَا نِزَاعٍ، (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ: لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا فِي الْأَشْهَرِ، قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَغْرَمُونَ كُلَّ الْمَهْرِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمِثْلِ،
(12/98)
قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُمْ يَغْرَمُونَ، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَتَقَرَّرُ بِالدُّخُولِ، فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى مَنْ فَوَّتَ عَلَيْهِ نِكَاحَهَا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْقِصَاصِ أَوْ الْحَدِّ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ: لَمْ يُسْتَوْفَ) ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُسْتَوْفَى إنْ كَانَ لِلْآدَمِيِّ. كَمَا لَوْ طَرَأَ فِسْقُهُمْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ رَجَعَ شَاهِدُ حَدٍّ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ: لَمْ يُسْتَوْفَ، وَفِي الْقَوَدِ وَحَدِّ الْقَذْفِ: وَجْهَانِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجِبُ دِيَةُ الْقَوَدِ، فَإِنْ وَجَبَ عَيْنًا فَلَا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ: لِلْمَشْهُودِ لَهُ الدِّيَةُ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ حَسْبُ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) ،
(12/99)
يَعْنِي بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ. (وَقَالُوا " أَخْطَأْنَا " فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ مَا تَلِفَ) ، بِلَا نِزَاعٍ، وَأَرْشُ الضَّرْبِ. قَوْلُهُ (وَيَتَقَسَّطُ الْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ) ، بِلَا نِزَاعٍ، (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ، غَرِمَ بِقِسْطِهِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَغْرَمُ الْكُلَّ، وَهُوَ احْتِمَالٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ سِتَّةٌ بِالزِّنَا، فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ: غَرِمَا ثُلُثَ الدِّيَةِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.
(12/100)
وَقِيلَ: لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا، قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِقَذْفِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ فِي الْوَاضِحِ احْتِمَالٌ؛ لِقَذْفِهِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ.
فَائِدَةٌ
لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ بِالزِّنَا، فَرَجَعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ: فَهَلْ عَلَيْهِمَا خُمُسَا الدِّيَةِ، أَوْ رُبُعُهَا؟ ، أَوْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ شُهُودِ قَتْلٍ، فَهَلْ عَلَيْهِمَا الثُّلُثَانِ أَوْ النِّصْفُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ بَعْدَ الْحُكْمِ ضَمِنَ الثُّلُثَ، وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسَةٍ فِي الزِّنَا: ضَمِنَ خُمُسَ الدِّيَةِ، وَهُمَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فِي مَالٍ: غَرِمَ الرَّجُلُ سُدُسًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: نِصْفًا، وَقِيلَ: هُوَ كَأُنْثَى، فَيَغْرَمْنَ الْبَقِيَّةَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَاثْنَانِ بِالْإِحْصَانِ. فَرُجِمَ. ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ: لَزِمَهُمْ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ ابْنِ هُبَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.
(12/101)
قَالَ النَّاظِمُ: تَسَاوَوْا فِي الضَّمَانِ فِي الْأَقْوَى. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: عَلَى شُهُودِ الزِّنَى النِّصْفُ وَعَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ: النِّصْفُ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْإِحْصَانِ شَيْئًا. لِأَنَّهُمْ شُهُودٌ بِالشَّرْطِ لَا بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ.
فَائِدَةٌ
لَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ كُلُّهُمْ، أَوْ شُهُودُ الزِّنَى كُلُّهُمْ: غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَغْرَمُونَ النِّصْفَ فَقَطْ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَاثْنَانِ مِنْهُمْ بِالْإِحْصَانِ: صَحَّتْ الشَّهَادَةُ. فَإِنْ رُجِمَ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ: فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْإِحْصَانِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا) . وَهُوَ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا. فَوَائِدُ
مِنْهَا: لَوْ شَهِدَ قَوْمٌ بِتَعْلِيقِ عِتْقٍ، أَوْ طَلَاقٍ. وَقَوْمٌ بِوُجُودِ شَرْطِهِ. ثُمَّ رَجَعَ الْكُلُّ: فَالْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَغْرَمُ كُلُّ جِهَةٍ النِّصْفَ. وَقِيلَ: يَغْرَمُ شُهُودُ التَّعْلِيقِ الْكُلَّ.
وَمِنْهَا: لَوْ رَجَعَ شُهُودُ كِتَابَةٍ: غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَمُكَاتَبًا.
(12/102)
فَإِنْ عَتَقَ غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَغْرَمُونَ كُلَّ قِيمَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ فَلَا غُرْمَ.
وَمِنْهَا: لَوْ رَجَعَ شُهُودٌ بِاسْتِيلَادِ أَمَةٍ، فَهُوَ كَرُجُوعِ شُهُودِ كِتَابَةٍ. فَيَضْمَنُونَ نَقْصَ قِيمَتِهَا. فَإِنْ عَتَقَتْ بِالْمَوْتِ فَتَمَامُ قِيمَتِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ فِي طَرِيقَتِهِ فِي بَيْعٍ وَكِيلٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلٍ لَوْ شَهِدَ بِتَأْجِيلٍ. وَحَكَمَ الْحَاكِمُ، ثُمَّ رَجَعُوا: غَرِمَ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ: غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ النِّصْفَ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. خَرَّجَهُ مِنْ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي. فَوَائِدُ
الْأُولَى: يَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّاهِدِ عَلَى الْيَمِينِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.
(12/103)
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ يَمِينَ الْمُدَّعِي قَبْلَ الشَّاهِدِ فِي أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ. وَحَكَى ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ وَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ رَجَعَ شُهُودُ تَزْكِيَةٍ: فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ رُجُوعِ مَنْ زَكُّوهُمْ.
الثَّالِثَةُ: لَا ضَمَانَ بِرُجُوعٍ عَنْ شَهَادَةٍ بِكَفَالَةٍ عَنْ نَفْسٍ، أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهَا، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، أَوْ أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمِ عَمْدٍ، لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ مَالًا.
وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَتَضَمَّنُهُ بِهَرَبِ الْمَكْفُولِ. وَالْقَوَدُ قَدْ يَجِبُ بِهِ مَالٌ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ شَهِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ الْأُولَى: فَكَرُجُوعِهِ وَأَوْلَى. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.
الْخَامِسَةُ: لَوْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ، أَوْ نَقَصَ قَبْلَ الْحُكْمِ، أَوْ أَدَّى بَعْدَ إنْكَارِهَا: قُبِلَ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. كَقَوْلِهِ " لَا أَعْرِفُ الشَّهَادَةَ ". وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ، كَبَعْدَ الْحُكْمِ. وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ. وَإِنْ رَجَعَ: لَغَتْ. وَلَا حُكْمَ. وَلَمْ يَضْمَنُ. وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ، بَلْ قَالَ لِلْحَاكِمِ " تَوَقَّفْ " فَتَوَقَّفَ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا: قُبِلَتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. فَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا احْتِمَالَانِ. قُلْت: الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِعَادَةِ.
(12/104)
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ: نُقِضَ الْحُكْمُ. وَيُرْجَعُ بِالْمَالِ أَوْ بِبَدَلِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ إتْلَافًا: فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ: فَعَلَى الْحَاكِمِ) . وَإِذَا بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ: نُقِضَ الْحُكْمُ بِلَا خِلَافٍ. وَكَذَا إذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَعَنْهُ لَا يُنْقَضُ إذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ) . قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ. وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَرَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ عَدَمَ النَّقْضِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي " كِتَابِ الصَّيْدِ " مِنْ خِلَافِهِ، وَالْآمِدِيُّ. لِئَلَّا يُنْقَضَ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ الْأَظْهَرُ. فَعَلَيْهَا: لَا ضَمَانَ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: يَضْمَنُ الشُّهُودُ. وَقَالَهُ الشَّارِحُ.
(12/105)
وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ حُكْمِهِ بِفِسْقِهِمَا، إلَّا بِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا، أَوْ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ. وَنَمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ جَازَ فِي الثَّانِيَةِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ وَافَقَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ: رَدَّ مَالًا أَخَذَهُ. وَنَقَضَ الْحُكْمُ بِنَفْسِهِ، دُونَ الْحَاكِمِ. وَإِنْ خَالَفَهُ فِيهِ غَرِمَ الْحَاكِمُ. انْتَهَى. وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا بَانَ لَهُ فِسْقُهُمَا وَقْتَ الشَّهَادَةِ، أَوْ أَنَّهُمَا كَانَا كَاذِبَيْنِ: نَقَضَ وَالْحُكْمُ الْأَوَّلُ. وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَنْفِيذُهُ. وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَرْجِعُ بِالْمَالِ أَوْ بِبَدَلِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِبَدَلِ قَوَدٍ مُسْتَوْفًى. فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّهِ تَعَالَى بِإِتْلَافٍ حِسِّيٍّ، أَوْ بِمَا سَرَى إلَيْهِ الْإِتْلَافُ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ. فَعَلَى الْحَاكِمِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْحَاكِمِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَّ مُزَكُّونَ، كَمَا لَوْ كَانَ فَاسِقًا. وَقِيلَ: لَهُ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ. وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُزَكِّينَ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَضْمَنُهُ الشُّهُودُ. ذَكَرَهُ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ.
(12/106)
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لَوْ بَانُوا عَبِيدًا، أَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا، أَوْ عَدُوًّا. فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ: لَمْ يَنْقُضْ. وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِهِ: نَقَضَهُ وَلَمْ يَنْفُذْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: مَنْ حَكَمَ بِقَوَدٍ أَوْ حَدٍّ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ بَانُوا عَبِيدًا: فَلَهُ نَقْضُهُ. إذَا كَانَ لَا يَرَى قَبُولَهُمْ فِيهِ. قَالَ: وَكَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَادَقَ مَا حَكَمَ فِيهِ وَجَهِلَهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْإِرْشَادِ فِيمَا إذَا حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ بِمَا لَا يَرَاهُ، مَعَ عِلْمِهِ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ".
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ بِحَقٍّ. ثُمَّ مَاتُوا: حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ جُنُّوا.
قَوْلُهُ (وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِشَاهِدِ الزُّورِ إمَّا بِإِقْرَارِهِ، أَوْ عَلِمَ كَذِبَهُ وَتَعَمُّدَهُ: عَزَّرَهُ، وَطَافَ بِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَشْتَهِرُ فِيهَا، فَيُقَالُ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ، فَاجْتَنِبُوهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَلِلْحَاكِمِ فِعْلُ مَا يَرَاهُ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ بِهِ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: مَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْ يُخَالِفُ مَعْنَى نَصٍّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ عُقُوبَاتٍ، إنْ لَمْ يَرْتَدِعْ إلَّا بِهِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: كَرَاهَةَ تَسْوِيدِ الْوَجْهِ.
(12/107)
وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ التَّعْزِيرِ " أَشْيَاءُ مِنْ ذَلِكَ. فَلْيُرَاجَعْ. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لَا يُعَزَّرُ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا بِخَلْطِهِ فِي شَهَادَاتِهِ. وَلَا بِرُجُوعِهِ عَنْهَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إذَا ادَّعَى شُهُودُ الْقَوَدِ الْخَطَأَ: عُزِّرُوا.
الثَّانِيَةُ: لَوْ تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ قَبْلَ التَّعْزِيرِ: فَهَلْ يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ عَنْهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ. وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا. وَقَالَ: فَيَتَوَجَّهَانِ فِي كُلِّ تَائِبٍ بَعْدَ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ. وَكَأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ الْحَدِّ، عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ حَدِّ الْمُحَارِبِينَ " قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ السُّقُوطِ هُنَا.
قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إلَّا بِلَفْظِ " الشَّهَادَةِ " فَإِنْ قَالَ " أَعْلَمُ " أَوْ " أَحَقُّ " لَمْ يُحْكَمْ بِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَيُحْكَمُ بِهَا. اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
(12/108)
وَقَالَ: لَا يُعْرَفُ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَا تَابِعِيٍّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ " وَفِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إطْلَاقُ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ " عَلَى الْخَبَرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ ". وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ: لَمْ يُشْتَرَطْ قَوْلُهُ " طَوْعًا فِي صِحَّتِهِ مُكَلَّفًا " عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. وَلَا يُشْتَرَطُ إشَارَتُهُ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ حَاضِرًا. مَعَ نَسَبِهِ وَوَصْفِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ " وَأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْآنَ " بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبَبُ الْحُكْمِ إجْمَاعًا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي أَوَائِلِ " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصْفَتِهِ ".
الثَّانِيَةُ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَقَالَ آخَرُ " أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ " أَوْ " بِمَا وَضَعْت بِهِ خَطِّي " أَوْ " بِذَلِكَ أَشْهَدُ " أَوْ " وَكَذَلِكَ أَشْهَدُ ". فَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا: الصِّحَّةَ، وَعَدَمَهَا.
وَالثَّالِثَةُ: يَصِحُّ فِي قَوْلِهِ " وَبِذَلِكَ أَشْهَدُ " وَ " كَذَلِكَ أَشْهَدُ ". قَالَ: وَهُوَ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَالْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِي الْجَمِيعِ أَوْلَى. وَاقْتَصَرَ فِي الْفُرُوعِ عَلَى حِكَايَةِ مَا فِي الرِّعَايَةِ.
(12/109)
[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى]
قَوْلُهُ (وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ) . هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْخَبَرِ. اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَتُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ. وَلَا تُشْرَعُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ الْحُدُودِ، وَالْعِبَادَاتِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا احْتِمَالٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَا تُشْرَعُ فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدَّمَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قَصَدَهُ: أَنَّهَا تُشْرَعُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (قَالَ أَبُو بَكْرٍ بِلَا وَاوٍ تُشْرَعُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ إلَّا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ) . جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إلَّا فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: النِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرِّقِّ.
(12/110)
يَعْنِي: أَصْلَ الرِّقِّ. (وَالْوَلَاءِ، وَالِاسْتِيلَادِ، وَالنَّسَبِ، وَالْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ) . وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُسْتَحْلَفُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ، إلَّا فِيمَا لَا يَجُوزُ بَذْلُهُ. وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ. فَذَكَرَ التِّسْعَةَ، وَزَادَ: الْعِتْقَ وَبَقَاءَ الرَّجْعَةِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ قَوْلَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَزَادَ عَلَى التِّسْعَةِ: الْإِيلَاءَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَلَا تُشْرَعُ فِي مُتَعَذِّرٍ بَذْلَهُ. كَطَلَاقٍ، وَإِيلَاءٍ، وَبَقَاءِ مُدَّتِهِ، وَنِكَاحٍ، وَرَجْعَةٍ وَبَقَائِهَا، وَنَسَبٍ، وَاسْتِيلَادٍ، وَقَذْفٍ، وَأَصْلِ رِقٍّ، وَوَلَاءٍ، وَقَوَدٍ. إلَّا فِي قَسَامَةٍ. وَلَا فِي تَوْكِيلٍ. وَالْإِيصَاءِ إلَيْهِ، وَعِتْقٍ مَعَ اعْتِبَارِ شَاهِدَيْنِ فِيهَا. بَلْ فِي مَا يَكْفِيهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ. سِوَى نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: مَا لَا يَجُوزُ بَذْلُهُ. وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ. لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يُسْتَحْلَفُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالْقَوَدِ، وَالْقَذْفِ، دُونَ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ. قَالَ الْقَاضِي: فِي الطَّلَاقِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْقَذْفِ رِوَايَتَانِ. وَسَائِرِ السِّتَّةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَفَسَّرَ الْقَاضِي الِاسْتِيلَادَ: بِأَنْ يَدَّعِيَ، اسْتِيلَادَ أَمَةٍ، فَتُنْكِرُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بَلْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ.
(12/111)
وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَحْلِفُ فِي الْقِصَاصِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إذَا أَنْكَرَتْ النِّكَاحَ. وَتَحْلِفُ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا. وَقِيلَ: يُسْتَحْلَفُ فِي غَيْرِ حَدٍّ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ. وَعَنْهُ يُسْتَحْلَفُ فِيمَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ فَقَطْ. فَوَائِدُ
الْأُولَى: الَّذِي يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ: هُوَ الْمَالُ، أَوْ مَا مَقْصُودُهُ الْمَالُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَعَنْهُ: هُوَ الْمَالُ، أَوْ مَا مَقْصُودُهُ الْمَالُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. إلَّا قَوَدَ النَّفْسِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَبَعَّدَهُ. وَعَنْهُ: إلَّا قَوَدَ النَّفْسِ وَطَرَفِهَا. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: فِي كَفَالَةٍ: وَجْهَانِ.
الثَّانِيَةُ: كُلُّ جِنَايَةٍ لَمْ يَثْبُتْ قَوَدُهَا بِالنُّكُولِ، فَهَلْ يَلْزَمُ النَّاكِلَ دِيَتُهَا؟ . عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ.
إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا فِي رِوَايَةٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا.
(12/112)
وَكُلُّ نَاكِلٍ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ كَاللِّعَانِ وَنَحْوِهِ: فَهَلْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ، أَوْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ، أَوْ يَحْلِفَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ.
أَحَدِهِمَا: يُخَلَّى سَبِيلُهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالنَّاظِمُ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ. قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ فِي اللِّعَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ مُحَرَّرًا. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قُلْنَا: يُحْبَسُ، فَيَنْبَغِي جَوَازُ ضَرْبِهِ، كَمَا يُضْرَبُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ اخْتِيَارِ إحْدَى نِسَائِهِ إذَا أَسْلَمَ، وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ. كَمَا يُضْرَبُ الْمُقِرُّ بِالْمَجْهُولِ حَتَّى يُفَسِّرَ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: لَا يَحْلِفُ شَاهِدٌ، وَلَا حَاكِمٌ وَلَا وَصِيٌّ: عَلَى نَفْيِ دَيْنٍ عَلَى الْمُوصِي، وَلَا مُنْكِرٌ وَكَالَةَ وَكِيلٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَحْلِفُ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِقَوْلِ مُدَّعٍ لِيَحْلِفَ " أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي أَنِّي مَا أُحَلِّفُهُ ". وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَلَا مُدَّعٍ طَلَبَ يَمِينِ خَصْمِهِ. فَقَالَ " لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي " فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ ادَّعَى وَصِيٌّ وَصِيَّةً لِلْفُقَرَاءِ، فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ: حُبِسُوا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
(12/113)
وَقِيلَ: يَحْكُمُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ. الْمَوْلَى مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ: حَلَفَ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَقِيلَ: لَا يَحْلِفُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ لِلْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا بِعِتْقِهِ: حُلِّفَ مَعَهُ وَعَتَقَ) . وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا هُنَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحْلَفُ. وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، عَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ ". وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا: دُخُولُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ، إذَا قُلْنَا: يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَيَأْتِي قَرِيبًا بَعْدَ هَذَا: هَلْ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؟ .
(12/114)
وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْيَمِينِ مَا يَدْخُلُ الْعِتْقُ فِيهِ، وَمَنْ قَالَ بِالْعِتْقِ وَعَدَمِهِ.
فَائِدَةٌ
قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْحُدُودِ وَالْعِبَادَاتِ) . وَكَذَا الصَّدَقَةُ، وَالْكَفَّارَةُ، وَالنَّذْرُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي إحْلَافُ الْمَتْهُومِ، اسْتِبْرَاءً وَتَغْلِيظًا فِي الْكَشْفِ فِي حَقِّ اللَّهِ. وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ. وَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى بِفُرُوعِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي " بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " الرَّابِعُ الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ".
قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٌ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ) . وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا هُنَاكَ مُسْتَوْفٍ مُحَرَّرًا، فَلْيُعَاوَدْ.
(12/115)
وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا: هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَيَمِينٍ أَمْ لَا؟
قَوْلُهُ (وَهَلْ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا: يَثْبُتُ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ. وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَيْضًا، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ " مُسْتَوْفًى. وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ، وَالتَّدْبِيرُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ التَّدْبِيرِ " هَلْ يَثْبُتُ التَّدْبِيرُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ؟
قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَسَائِرِ مَا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ: شَاهِدٌ وَيَمِينٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا إلَّا رَجُلَانِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينٌ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا هَذَا فِي ذَلِكَ الْبَابِ.
(12/116)
قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ: حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَسَوَاءٌ النَّفْيُ، وَالْإِثْبَاتُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ فِي الْبَائِعِ يَحْلِفُ لِنَفْيِ عَيْبِ السِّلْعَةِ. عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَةٌ: أَنَّ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا تَضْطَرُّوا النَّاسَ فِي أَيْمَانِهِمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ» قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ: خَصَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى النَّفْيِ. قَالَ: وَهُوَ أَقْرَبُ. وَاخْتَارَهَا أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ) . أَيْ: دَعْوَى عَلَى الْغَيْرِ. (فِي الْإِثْبَاتِ: حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ: يَمِينُهُ بَتٌّ عَلَى فِعْلِهِ، وَنَفْيٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ.
(12/117)
فَائِدَةٌ:
مِثَالُ فِعْلِ الْغَيْرِ فِي الْإِثْبَاتِ: أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَقْرَضَ، أَوْ اسْتَأْجَرَ وَنَحْوَهُ. وَيُقِيمُ بِذَلِكَ شَاهِدًا. فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْبَتِّ. لِكَوْنِهِ إثْبَاتًا. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ. وَمِثَالُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَيْرِ فِي الْإِثْبَاتِ: إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ: أَنَّهُ ادَّعَى عَلَى أَبِيهِ أَلْفًا.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى النَّفْيِ: حَلَفَ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ) . يَعْنِي: إذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ، أَوْ نَفْيِ دَعْوَى عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ. أَمَّا الْأُولَى: فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ: أَنَّهُ يَحْلِفُ فِيهَا أَيْضًا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَقَالَ فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ: يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي نَفْيِ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَالْأَيْمَانُ كُلُّهَا عَلَى الْبَتِّ، إلَّا الْيَمِينَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ. فَإِنَّهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ: انْتَهَى. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: مِثَالُ نَفْيِ الدَّعْوَى عَلَى الْغَيْرِ: إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى عَلَى أَبِيهِ أَلْفًا، فَأَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ، فَأَنْكَرَ الدَّعْوَى، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَإِنَّ يَمِينَهُ عَلَى النَّفْيِ. عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَمِثَالُ نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ: أَنْ يَنْفِيَ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ. مِنْ أَنَّهُ غَصَبَ، أَوْ جَنَى، وَنَحْوُهُ. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ.
(12/118)
الثَّانِيَةُ: عَبْدُ الْإِنْسَانِ كَالْأَجْنَبِيِّ. فَأَمَّا الْبَهِيمَةُ فِيمَا يُنْسَبُ إلَى تَفْرِيطٍ وَتَقْصِيرٍ: فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ. وَإِلَّا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ، فَقَالَ: أَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً لَهُمْ، فَرَضُوا: جَازَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا وَلَوْ رَضُوا بِوَاحِدَةٍ.
تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ مِنْ الْيَمِينِ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ فِي الْحَالِ. وَلَا تُسْقِطُ الْحَقَّ. فَلِلْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتَحْلِيفُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبَوْا: حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا) . بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ لَوْ ادَّعَى وَاحِدٌ حُقُوقًا عَلَى وَاحِدٍ: فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَمِينٌ.
قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ: هِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى اسْمُهُ) . فَتُجْزِئُ الْيَمِينُ بِهَا. بِلَا نِزَاعٍ.
(12/119)
قَوْلُهُ (وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَغْلِيظَهَا بِلَفْظٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ مَكَان: جَازَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. انْتَهَى.
وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغْلِيظُهَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَصَحَّ. وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً: لَا يَجُوزُ تَغْلِيظُهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَصَرَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ: أَنَّهَا لَا تَغَلُّظُ. لِأَنَّهَا حُجَّةُ أَحَدِهِمَا. فَوَجَبَتْ مَوْضِعُ الدَّعْوَى. كَالْبَيِّنَةِ. وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ تَغْلِيظُهَا مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحَدُ الْأَقْسَامِ وَمَعْنَى الْأَقْوَالِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ مَصْلَحَةً. وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ النُّكَتِ: إلَى وُجُوبِ التَّغْلِيظِ إذَا رَآهُ الْحَاكِمُ وَطَلَبَهُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِمَا. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ تَغْلِيظُهَا بِاللَّفْظِ فَقَطْ.
(12/120)
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: تَغْلِيظُهَا فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ خَاصَّةً. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ. قَالَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ: وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ.
قَوْلُهُ (وَالنَّصْرَانِيُّ يَقُولُ: وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) . هَكَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ نَظَرٌ. لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ إنَّمَا يَعْتَقِدُ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ.
قَوْلُهُ (وَالْمَجُوسِيُّ يَقُولُ: وَاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ ذَلِكَ بِمَا يُعَظِّمُهُ مِنْ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا. وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّهُ قَالَ: وَيَحْلِفُ الْمَجُوسِيُّ. فَيُقَالُ لَهُ: قُلْ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَحْلِفُوا، وَإِنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً، كَمَا يَحْلِفُونَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَوَاضِعَ يُعْصَى اللَّهُ فِيهَا. قَالَهُ فِي النُّكَتِ. وَنَقَلَ الْمَجْدُ مِنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي: تُغَلَّظُ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجُوسِيِّ: بِاَللَّهِ الَّذِي بَعَثَ إدْرِيسَ رَسُولًا. لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ الَّذِي جَاءَ بِالنُّجُومِ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ تَعْظِيمَهَا. وَيُغَلَّظُ عَلَى الصَّابِئِ: بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ. لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَعْظِيمَ النَّارِ.
(12/121)
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا بِالْعَكْسِ. لِأَنَّ الْمَجُوسَ تُعَظِّمُ النَّارَ، وَالصَّابِئَةَ تُعَظِّمُ النُّجُومَ.
فَائِدَةٌ لَوْ أَبَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ التَّغْلِيظَ: لَمْ يَصِرْ نَاكِلًا. وَحُكِيَ إجْمَاعًا. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي النُّكَتِ: لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ. فَيَجِبُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ. وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ التَّغْلِيظُ إذَا رَآهُ الْحَاكِمُ وَطَلَبَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِصَّةُ مَرْوَانَ مَعَ زَيْدٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا رَأَى التَّغْلِيظَ، فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِجَابَةِ أَدَّى مَا ادَّعَى بِهِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَا كَانَ فِي التَّغْلِيظِ زَجْرٌ قَطُّ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ. وَالرَّدْعُ وَالزَّجْرُ عِلَّةُ التَّغْلِيظِ. فَلَوْ لَمْ يَجِبْ بِرَأْيِ الْإِمَامِ لَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَانْتَفَتْ فَائِدَتُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: مَتَى قُلْنَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ الْخَصْمُ يَصِيرُ نَاكِلًا.
قَوْلُهُ (وَفِي الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، بَلْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ.
(12/122)
وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ النُّكَتِ فِيهَا.
قَوْلُهُ (وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ: عِنْدَ الْمِنْبَرِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: هَلْ يَرْقَى مُتَلَاعِنَانِ الْمِنْبَرَ؟ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ. وَقِيلَ: إنْ قَلَّ النَّاسُ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: يَرْقَيَانِهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْقَيَا عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَيَحْلِفُ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَيَحْلِفُونَ أَيْضًا فِي الْأَزْمِنَةِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا، كَيَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إلَّا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ) يَعْنِي حَيْثُ قُلْنَا يَجُوزُ التَّغْلِيظُ. (كَالْجِنَايَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْمَالِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.
(12/123)
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تُغَلَّظُ فِي قَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ فَأَزْيَدَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمَجْدِ فِي مُحَرَّرِهِ: التَّغْلِيظُ مُطْلَقًا.
فَائِدَةٌ
لَا يَحْلِفُ بِطَلَاقٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجْمَاعًا. قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي إحْلَافُ الْمَتْهُومِ اسْتِبْرَاءً وَتَغْلِيظًا فِي الْكَشْفِ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَحَقِّ آدَمِيٍّ، وَتَحْلِيفُهُ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهِ، وَسَمَاعُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْمِهَنِ إذَا كَثُرُوا. وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ، وَلَا إحْلَافُ أَحَدٍ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا عَلَى غَيْرِ حَقٍّ. انْتَهَى.
(12/124)
[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]
ِ فَائِدَةٌ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَعْنَاهُ فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي: الْإِقْرَارُ الِاعْتِرَافُ. وَهُوَ إظْهَارُ الْحَقِّ لَفْظًا. وَقِيلَ: تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا. وَقِيلَ: هُوَ صِيغَةٌ صَادِرَةٌ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ رَشِيدٍ لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ مَا أَقَرَّ بِهِ غَيْرُ مُكَذِّبٍ لِلْمُقِرِّ، وَمَا أَقَرَّ بِهِ تَحْتَ حُكْمِهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِهِ ثُمَّ قَالَ: قُلْت: هُوَ إظْهَارُ الْمُكَلَّفِ الرَّشِيدِ الْمُخْتَارِ مَا عَلَيْهِ لَفْظًا أَوْ كِتَابَةً فِي الْأَقْيَسِ، أَوْ إشَارَةً، أَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ، أَوْ مُوَلِّيهِ، أَوْ مَوْرُوثِهِ، بِمَا يُمْكِنُ صِدْقُهُ فِيهِ. انْتَهَى.
قَالَ فِي النُّكَتِ: قَوْلُهُ " أَوْ كِتَابَةً فِي الْأَقْيَسِ " ذَكَرَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: أَنَّ الْكِتَابَةَ لِلْحَقِّ لَيْسَتْ إقْرَارًا شَرْعِيًّا فِي الْأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ " أَوْ إشَارَةً " مُرَادُهُ: مِنْ الْأَخْرَسِ وَنَحْوِهِ. أَمَّا مِنْ غَيْرِهِ: فَلَا أَجِدُ فِيهِ خِلَافًا. انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ فِي " كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ " أَنَّ فِي إقْرَارِهِ بِالْكِتَابَةِ وَجْهَيْنِ. وَتَقَدَّمَ هَذَا هُنَاكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْإِظْهَارُ لِأَمْرٍ مُتَقَدِّمٍ. وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ.
قَوْلُهُ (يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ، غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
(12/125)
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَصِحُّ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ بِمَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْتِزَامُهُ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِيَدِهِ وَوِلَايَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ، لَا مَعْلُومًا. قَالَ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ مَوْرُوثِهِ أَوْ مُوَلِّيهِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " كِتَابِ الْحُدُودِ " وَقِيلَ: وَيُقْبَلُ رُجُوعُ مُقِرٍّ بِمَالٍ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي مَسْأَلَةِ إقْرَارِ الْوَكِيلِ: لَوْ أَقَرَّ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ بِحَقٍّ فِي مَالِهِ: لَمْ يَصِحَّ، وَأَنَّ الْأَبَ لَوْ أَقَرَّ عَلَى ابْنِهِ إذَا كَانَ وَصِيًّا: صَحَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ ذَكَرُوا: إذَا اشْتَرَى شِقْصًا فَادَّعَى عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ. فَقَالَ " اشْتَرَيْته لِابْنِي " أَوْ " لِهَذَا الطِّفْلِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ " فَقِيلَ: لَا شُفْعَةَ. لِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِإِقْرَارِ وَلِيِّهِ. وَقِيلَ: بَلَى. لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ. فَصَحَّ إقْرَارُهُ فِيهِ، كَعَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ.
وَذَكَرُوا: لَوْ ادَّعَى الشَّرِيكُ عَلَى حَاضِرٍ بِيَدِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ الْغَائِبِ بِإِذْنِهِ: أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالشُّفْعَةِ، فَصَدَّقَهُ: أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ. لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ يُصَدَّقُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيمَا بِيَدِهِ، كَإِقْرَارٍ بِأَصْلِ مِلْكِهِ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى: أَنَّك بِعْت نَصِيبَ الْغَائِبِ بِإِذْنِهِ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَنْكَرَ: صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الشَّفِيعِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: لَيْسَ إقْرَارُهُ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ إقْرَارًا. بَلْ دَعْوَى، أَوْ شَهَادَةً يُؤْخَذُ بِهَا إنْ ارْتَبَطَ بِهَا الْحُكْمُ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ: لَوْ شَهِدَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فَرُدَّتْ، ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ: صَحَّ. كَاسْتِنْقَاذِ الْأَسِيرِ. لِعَدَمِ ثُبُوتِ مِلْكٍ لَهُمَا، بَلْ لِلْبَائِعِ. وَقِيلَ فِيهِ: لَا يَصِحُّ. لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ. وَلَوْ مَلَكَاهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ: عَتَقَ.
(12/126)
وَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ: وَرِثَهُ مَنْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ رَدَّ الثَّمَنَ. وَإِنْ رَجَعَا احْتَمَلَ أَنْ يُوقَفَ حَتَّى يَصْطَلِحَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. فَقِيلَ: يُقَرُّ بِيَدِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَإِلَّا لِبَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْقَاضِي: لِلْمُشْتَرِي الْأَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ التَّرِكَةُ. لِأَنَّهُ مَعَ صِدْقِهِمَا: التَّرِكَةُ لِلسَّيِّدِ وَثَمَنُهُ ظُلْمٌ. فَيَتَقَاصَّانِ، وَمَعَ كَذِبِهِمَا: هِيَ لَهُمَا. وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقِهَا، فَرُدَّتْ، فَبَذَلَا مَالًا لِيَخْلَعَهَا: صَحَّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ كَانَ بِيَدِ الْمُقِرِّ، وَأَنَّ الْإِقْرَارَ قَدْ يَكُونُ إنْشَاءً، {قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ، وَأَرَادَ إنْشَاءَ تَمْلِيكٍ: صَحَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
تَنْبِيهٌ
قَوْلُهُ (غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ) . شَمِلَ الْمَفْهُومُ مَسَائِلَ:
مِنْهَا: مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ. فَأَمَّا الَّذِي لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ: فَهُوَ السَّفِيهُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ إقْرَارِهِ بِمَالٍ. سَوَاءٌ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ مِنْ سَفِيهٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ
(12/127)
وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي " بَابِ الْحَجْرِ ". وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " بَابِ الْحَجْرِ " عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ.
فَائِدَةٌ
مِثْلُ: إقْرَارِهِ بِالْمَالِ: إقْرَارُهُ بِنَذْرِ صَدَقَةٍ بِمَالٍ، فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، إنْ لَمْ نَقُلْ بِالصِّحَّةِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَالِ كَالْحَدِّ، وَالْقِصَاصِ، وَالنَّسَبِ، وَالطَّلَاقِ، وَنَحْوِهِ فَيَصِحُّ. وَيُتْبَعُ بِهِ فِي الْحَالِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ الْحَجْرِ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: وَبِنِكَاحٍ إنْ صَحَّ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ كَإِنْشَائِهِ. قَالَ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ، إلَّا أَنَّ فِيهِ احْتِمَالًا. لِضَعْفِ قَوْلِهِمَا. انْتَهَى. فَجَمِيعُ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ. أَوْ نَقُولُ وَهُوَ أَوْلَى: مَفْهُومُ كَلَامِهِ مَخْصُوصٌ بِمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَاكَ.
قَوْلُهُ (فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ: فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ، دُونَ مَا زَادَ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.
(12/128)
وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. عَلَى مَا مَرَّ فِي " كِتَابِ الْبَيْعِ ". وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ: صِحَّةَ إقْرَارِ مُمَيِّزٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي إقْرَارِهِ رِوَايَتَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَصِحُّ. نَصَّ عَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ فِي قَدْرِ إذْنِهِ. وَحَمَلَ الْقَاضِي إطْلَاقَ مَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ عَلَى غَيْرِ الْمَأْذُونِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: هُوَ حَمْلٌ بِلَا دَلِيلٍ. وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ: الصِّحَّةُ، وَعَدَمُهَا. وَذَكَرَ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ: أَنَّ السَّفِيهَ وَالْمُمَيِّزَ: إنْ أَقَرَّا بِحَدٍّ، أَوْ قَوَدٍ، أَوْ نَسَبٍ، أَوْ طَلَاقٍ: لَزِمَ. وَإِنْ أَقَرَّا بِمَالٍ: أُخِذَ بَعْدَ الْحَجْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي السَّفِيهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هُوَ غَلَطٌ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي آخِرِ " بَابِ الْحَجْرِ ". فَائِدَةٌ
لَوْ قَالَ بَعْدَ بُلُوغِهِ: لَمْ أَكُنْ حَالَ إقْرَارِي، أَوْ بَيْعِي، أَوْ شِرَائِي، وَنَحْوِهِ بَالِغًا. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَوْ أَقَرَّ مُرَاهِقٌ مَأْذُونٌ لَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَالْمُقَرُّ لَهُ فِي بُلُوغِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِبُلُوغِهِ. وَلَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ ثُبُوتِ بُلُوغِهِ. فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ: أَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَتَوَجَّهُ وُجُوبُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ.
(12/129)
قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ قَالَ " أَقْرَرْت قَبْلَ الْبُلُوغِ " فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ بُلُوغِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ بَلَغَ، وَقَالَ " أَقْرَرْت وَأَنَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ " صُدِّقَ إنْ حَلَفَ. وَقِيلَ: لَا. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابَيْهِ: بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِي عَدَمِ الْبُلُوغِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْخِيَارِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَجَلٍ أَوْ شَرْطٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ ". وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ هُنَاكَ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ: فِي الضَّمَانِ أَيْضًا إذَا ادَّعَى: أَنَّهُ ضَمِنَ قَبْلَ بُلُوغِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: لَوْ ادَّعَى الْبَالِغُ: أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا حِينَ الْبَيْعِ، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صُورَةِ دَعْوَى الصَّغِيرِ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْعُقُودِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ دُونَ الْفَسَادِ. وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الْبُلُوغِ وَالْإِذْنِ. قَالَ: وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ وَجْهًا آخَرَ فِي دَعْوَى الصَّغِيرِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَكْلِيفُهُ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. بِخِلَافِ دَعْوَى عَدَمِ الْإِذْنِ مِنْ الْمُكَلَّفِ. فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَتَعَاطَى فِي الظَّاهِرِ إلَّا الصَّحِيحُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَكَذَا يَجِيءُ فِي الْإِقْرَارِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ إذَا اخْتَلَفَا: هَلْ وَقَعَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ . وَقَدْ سُئِلَ عَمَّنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ، فَادَّعَى: أَنَّهُ بَالِغٌ؟ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ.
(12/130)
وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَمْ يُقِرَّ بِالْبُلُوغِ إلَى حِينِ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِالْبُلُوغِ. بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنْ ارْتَجَعَهَا. قَالَ: وَهَذَا يَجِيءُ فِي كُلِّ مَنْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ بَعْدَ حَقٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، مِثْلَ الْإِسْلَامِ، وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ تَبَعًا لِأَبِيهِ، أَوْ لَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ وَكَانَ رَشِيدًا، أَوْ بَعْدَ تَزْوِيجِ وَلِيٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَالَ " لَمْ أَكُنْ بَالِغًا " فَوَجْهَانِ. وَإِنْ أَقَرَّ وَشَكَّ فِي بُلُوغِهِ، فَأَنْكَرَهُ: صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَنِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ، وَالْمُحَرَّرِ. لِحُكْمِنَا بِعَدَمِهِ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ قُبِلَ بِبَيِّنَةٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُصَدَّقُ صَبِيٌّ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِلَا يَمِينٍ. وَلَوْ قَالَ " أَنَا صَبِيٌّ " لَمْ يَحْلِفْ وَيُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ أَنْكَرَهُ، وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ. أَوْ ادَّعَاهُ وَأَمْكَنَا: حَلَفَ إذَا بَلَغَ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُصَدَّقُ فِي سِنٍّ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ، وَهُوَ تِسْعُ سِنِينَ. وَيَلْزَمُهُ بِهَذَا الْبُلُوغِ مَا أَقَرَّ بِهِ. قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِهِ الْجَارِيَةُ. وَإِنْ ادَّعَى: أَنَّهُ أَنْبَتَ بِعِلَاجٍ وَدَوَاءٍ لَا بِالْبُلُوغِ: لَمْ يُقْبَلْ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ. انْتَهَى مَا نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمُمَيِّزِ بِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ، وَمِثْلُهُ يَبْلُغُ لِذَلِكَ. وَقِيلَ: بَلْ بَعْدَ عَشَرٍ. وَقِيلَ: بَلْ بَعْدَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً.
(12/131)
وَقِيلَ: بَلْ بِالِاحْتِلَامِ فَقَطْ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ: صُدِّقَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. إذْ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَإِنْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَقَالَ النَّاظِمُ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَنَّهُ بَلَغَ إذَا أَمْكَنَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ أَقَرَّ بِبُلُوغِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَبْلُغُ مِثْلُهُ كَابْنِ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا صَحَّ إقْرَارُهُ وَحَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قُلْت: الصَّوَابُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي الِاحْتِلَامِ إذَا أَمْكَنَ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ أَقَلَّ إمْكَانِهِ عَشَرُ سِنِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيمَا يُلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ وَعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي السِّنِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَأَمَّا بِنَبَاتِ الشَّعْرِ: فَبِشَاهِدٍ.
فَائِدَةٌ
لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: يُقْبَلُ أَيْضًا إنْ عُهِدَ مِنْهُ جُنُونٌ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِهِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ قَبُولُهُ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ السَّكْرَانِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.
(12/132)
وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ. وَيَتَخَرَّجُ صِحَّتُهُ، بِنَاءً عَلَى طَلَاقِهِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ " أَنَّ فِي أَقْوَالِ السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ خَمْسُ رِوَايَاتٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِهَا. فَيَكُونُ هَذَا التَّخْرِيجُ هُوَ الْمَذْهَبُ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمُكْرَهِ، إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى الْإِقْرَارِ لِإِنْسَانٍ فَيُقِرَّ لِغَيْرِهِ، أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَيُقِرَّ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا، أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِدَنَانِيرَ فَيُقِرَّ بِدَرَاهِمَ فَيَصِحُّ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَتُقْبَلُ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ بِقَرِينَةٍ. كَتَوْكِيلٍ بِهِ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ، أَوْ تَهْدِيدِ قَادِرٍ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَمَارَةِ الْإِكْرَاهِ: اسْتَفَادَ بِهَا أَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. فَيَحْلِفُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَيَتَوَجَّهُ لَا يَحْلِفُ.
فَائِدَةٌ
تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ عَلَى بَيِّنَةِ الطَّوَاعِيَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَتَعَارَضَانِ: وَتَبْقَى الطَّوَاعِيَةُ فَلَا يَقْضِي بِهَا.
(12/133)
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: أَصَحُّهُمَا قَبُولُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.
وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ. فَلَا مُحَاصَّةَ. فَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ (وَلَا يُحَاصُّ الْمُقَرُّ لَهُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ) . بَلْ يَبْدَأُ بِهِمْ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ الْبَنَّا: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي: يُحَاصُّهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَطَعَ بِهِ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي مَوْضِعٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
(12/134)
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: رِوَايَتَانِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا: وَجْهَانِ.
فَائِدَةٌ
لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ، أَوْ عَكَسَهُ: فَرَبُّ الْعَيْنِ أَحَقُّ بِهَا. وَفِي الثَّانِيَةِ: احْتِمَالٌ فِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ. يَعْنِي بِالْمُحَاصَّةِ كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَصِحُّ مَا لَمْ يَتَّهِمُ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَصِيَّتُهُ لِغَيْرِ وَارِثٍ ثُمَّ يَصِيرُ وَارِثًا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ لِوَارِثِهِ رِوَايَتَانِ.
إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ.
وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِوَارِثٍ. وَفِي الصِّحَّةِ: أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. وَالْأُولَى: أَصَحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ فِي الْفُنُونِ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ كَانَ حَنْبَلِيًّا اسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِوَارِثِهِ فِي مَرَضِهِ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ
(12/135)
فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ: لَوْ أَقَرَّ لَهُ فِي الصِّحَّةِ: صَحَّ. وَلَوْ نَحَلَهُ لَمْ يَصِحَّ. وَالنِّحْلَةُ تَبَرُّعٌ كَالْوَصِيَّةِ. فَقَدْ افْتَرَقَ الْحَالُ لِلتُّهْمَةِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. كَذَا فِي الْمَرَضِ. وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّبَرُّعُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ. وَيَلْزَمُ الْإِقْرَارُ. وَقَدْ افْتَرَقَ التَّبَرُّعُ وَالْإِقْرَارُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. كَذَا يَفْتَرِقَانِ فِي الثُّلُثِ لِلْوَارِثِ.
تَنْبِيهٌ
ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ " أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِإِجَازَةٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُقْبَلُ بِالْإِجَازَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ، عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. بَلْ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. فَإِنْ أَجَازُوهُ: جَازَ. وَإِنْ رَدُّوهُ: بَطَلَ. وَلِهَذَا قَالَ الْخِرَقِيُّ: لَمْ يَلْزَمْ بَاقِيَ الْوَرَثَةِ قَبُولُهُ.
قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُقِرَّ لِامْرَأَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، فَيَصِحُّ) . يَعْنِي: إقْرَارَهُ. هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْأَزَجِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَابْنِ رَزِينٍ. وَقَالَ: إجْمَاعًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بِالزَّوْجِيَّةِ، لَا بِإِقْرَارِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ.
(12/136)
وَنَقَلَ أَيْضًا: لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَأَنَّ عَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةَ بِالزَّائِدِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ فِي صِحَّتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا: رِوَايَتَيْنِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ أَقَرَّتْ امْرَأَتُهُ: أَنَّهَا لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ: لَمْ يَصِحَّ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَخَذَتْهُ. نَقَلَهُ مُهَنَّا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ، فَهَلْ يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ.
أَحَدِهِمَا: يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: الصِّحَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إذَا عَزَاهُ إلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ بِذَلِكَ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ، فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ: لَمْ يَصِحَّ
(12/137)
إقْرَارُهُ. وَإِنْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ: صَحَّ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اُعْتُبِرَ بِحَالِ الْإِقْرَارِ، لَا الْمَوْتِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْمَوْتِ. فَيَصِحُّ فِي الْأُولَى، وَلَا يَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ كَالْوَصِيَّةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ لِوَارِثٍ، ثُمَّ صَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ: الصِّحَّةَ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ: بِالصِّحَّةِ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ: لَا يَلْزَمُ. لَا أَنَّ مُرَادَهُمْ بُطْلَانُهُ. لِأَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَلِهَذَا أَطْلَقَ فِي الْوَجِيزِ: الصِّحَّةَ فِيهِمَا. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَعْطَاهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.
(12/138)
الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِأَخْذِ دَيْنِ صِحَّةٍ وَمَرَضٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ مَهْرٍ، وَعِوَضِ خُلْعٍ. بَلْ حَوَالَةٌ وَمَبِيعٌ وَقَرْضٌ. وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا: لَا يَصِحُّ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَغَيْرِهِ: إنْ أَقَرَّ " أَنَّهُ وَهَبَ أَجْنَبِيًّا فِي صِحَّتِهِ " صَحَّ. لَا أَنَّهُ وَهَبَ وَارِثًا. وَفِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ: يَصِحُّ لِأَجْنَبِيٍّ كَإِنْشَائِهِ. وَفِيهِ لِوَارِثٍ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ كَالْإِنْشَاءِ.
وَالثَّانِي: يَصِحُّ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ " أَنَّهُ وَهَبَ أَجْنَبِيًّا فِي صِحَّتِهِ " وَفِيهِ لِوَارِثٍ وَجْهَانِ. وَصَحَّحَهُ فِي الِانْتِصَارِ لِأَجْنَبِيٍّ فَقَطْ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا: لَا يَصِحُّ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ، وَلَا غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِوَارِثٍ: صَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ هَذَا أَصَحُّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ.
(12/139)
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِوَارِثٍ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هَذَا أَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا: لَوْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ بِنَسَبِ وَارِثٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي صِحَّتِهِ: لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُهَا) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَا تَرِثُهُ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِحَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ، أَوْ طَلَاقٍ: صَحَّ، وَأَخَذَ بِهِ، إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِقِصَاصٍ فِي النَّفْسِ، فَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) . إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِحَدٍّ، أَوْ طَلَاقٍ، أَوْ قِصَاصٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ: أُخِذَ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: فِي إقْرَارِهِ بِالْعُقُوبَاتِ: رِوَايَتَانِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَجْهَانِ.
(12/140)
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِقَوَدٍ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بْنُ أَبِي حَازِمٍ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ فِي النَّفْسِ: لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْحَالِ. وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي الْكَبِيرُ، وَجَمَاعَةٌ. وَعَدَمُ صِحَّةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ: مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ فِي الْحَالِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ
طَلَبُ جَوَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْعَبْدِ، وَمِنْ سَيِّدِهِ جَمِيعًا: عَلَى الْأَوَّلِ. وَمِنْ الْعَبْدِ وَحْدَهُ: عَلَى الثَّانِي. وَلَيْسَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ مَالٌ عَلَى الثَّانِي. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ.
(12/141)
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ: لَمْ يُقْبَلْ، إلَّا فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَيُقْبَلُ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ) . وَهَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي. يَعْنِي: إنْ أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فِي الْقِصَاصِ. وَيُقْبَلُ مِنْهُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ مِنْ الْمَالِ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ دِيَةُ ذَلِكَ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الشَّرْحِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إقْرَارَ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ: لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وَإِنَّمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ مَالًا، كَالْخَطَأِ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.
فَائِدَةٌ لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا: لَمْ يُقْبَلْ قَطْعًا. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ إقْرَارِهِ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ، وَبَيْنَ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِمَالٍ: لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحَالِ. وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ.
(12/142)
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَنَصُّهُ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ذَكَرَهَا الْقَاضِي. وَلَا وَجْهَ لَهَا عِنْدِي. إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ، كَالْمَالِ الَّذِي أَقَرَّ بِسَرِقَتِهِ. فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْقَطْعِ. وَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ. لَكِنْ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْحَجْرِ: إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَلْيُعَاوَدْ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فِي يَدِهِ، وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ: قُبِلَ. إقْرَارُهُ فِي الْقَطْعِ، دُونَ الْمَالِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ بَعْدَ عِتْقِهِ، لَا قَبْلَهُ. فَائِدَةٌ
لَوْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِالْجِنَايَةِ: تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ.
(12/143)
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَبِرَقَبَتِهِ أَيْضًا. وَقِيلَ: لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ، أَوْ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ بِمَالٍ: لَمْ يَصِحَّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ مَالِ السَّيِّدِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي الصَّدَاقِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ: أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِأَلْفٍ. وَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِهِ: ثَبَتَ. وَإِنْ أَنْكَرَ: عَتَقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.
(12/144)
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ بِمَالٍ: صَحَّ. وَكَانَ لِمَالِكِهِ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قُلْنَا يَصِحُّ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، بِدُونِ إذْنِ السَّيِّدِ: لَمْ يَفْتَقِرْ الْإِقْرَارُ إلَى تَصْدِيقِ السَّيِّدِ. قَالَ: وَقَدْ قَالَ: بَلَى، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ. لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَمَلَّك مُبَاحًا فَأَقَرَّ بِعَيْنِهِ، أَوْ أَتْلَفَهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ.
الثَّانِيَةُ لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِنِكَاحٍ أَوْ تَعْزِيرِ قَذْفٍ: صَحَّ الْإِقْرَارُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّيِّدُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْعَبْدِ دُونَ الْمَوْلَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا فِي النِّكَاحِ فِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَفِي ثُبُوتِهِ لِلْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ ضَرَرٌ. فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِبَهِيمَةٍ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، كَقَوْلِهِمْ بِسَبَبِهَا. وَيَكُونُ لِمَالِكِهَا. فَيُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ.
(12/145)
وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: يَصِحُّ لَهَا مَعَ ذِكْرِ السَّبَبِ. لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا
لَوْ قَالَ " عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِ الْبَهِيمَةِ " صَحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَوْ قَالَ " عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِ هَذِهِ الْبَهِيمَةِ " لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا. لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لِمَنْ هِيَ. وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ: ذِكْرُ الْمُقَرِّ لَهُ. وَإِنْ قَالَ " لِمَالِكِهَا، أَوْ لِزَيْدٍ عَلَيَّ بِسَبَبِهَا أَلْفٌ " صَحَّ الْإِقْرَارُ. فَإِنْ قَالَ " بِسَبَبِ حَمْلِ هَذِهِ الْبَهِيمَةِ " لَمْ يَصِحَّ. إذْ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ شَيْءٍ بِسَبَبِ الْحَمْلِ.
الثَّانِيَةُ لَوْ أَقَرَّ لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ، أَوْ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، وَذَكَرَ سَبَبًا صَحِيحًا كَغَلَّةِ وَقْفِهِ صَحَّ. وَإِنْ أَطْلَقَ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي. قُلْت: الصَّوَابُ الصِّحَّةُ. وَيَكُونُ لِمَصَالِحِهَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَالَ التَّمِيمِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ، فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ: لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا) .
(12/146)
وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. ذَكَرُوهُ فِي آخِرِ بَابِ اللَّقِيطِ. وَعَنْهُ يُقْبَلُ فِي نَفْسِهَا. وَلَا يُقْبَلُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَرِقِّ الْأَوْلَادِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي هُنَا، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ مُطْلَقًا.
تَنْبِيهٌ
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَدًا: كَانَ رَقِيقًا) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ. فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ: فَهُوَ حُرٌّ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَوَجَّهَ فِي النَّظْمِ: أَنَّهُ يَكُونُ حُرًّا بِكُلِّ حَالٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ: أَنَّهُ ابْنُهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ: هَلْ أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ
أَحَدُهُمَا: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّاظِمُ هُنَا.
(12/147)
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ. وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي " بَابِ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ " وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هُنَاكَ فِي آخِرِ الْبَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ " بَابِ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ " بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِنَسَبِ صَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ ابْنُهُ: ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَرِثَهُ) . يَعْنِي: الْمَيِّتَ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقِيلَ: لَا يَرِثُهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا لِلتُّهْمَةِ. بَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ إرْثٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
(12/148)
فَائِدَةٌ
لَوْ كَبُرَ الصَّغِيرُ، وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَأَنْكَرَ: لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ نَسَبُ الْمُكَلَّفِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا عَاقِلًا: لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ حَتَّى يُصَدِّقَهُ. وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي
أَحَدِهِمَا: يَثْبُتُ نَسَبُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.
وَالْوَجْهِ الثَّانِي: لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا
لَوْ أَقَرَّ بِأَبٍ: فَهُوَ كَإِقْرَارِهِ بِوَلَدٍ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: إنْ قَالَ عَنْ بَالِغٍ " هُوَ ابْنِي أَوْ أَبِي " فَسَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: ثَبَتَ نَسَبُهُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ.
الثَّانِيَةُ لَا يُعْتَبَرُ فِي تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ تَكْرَارُ التَّصْدِيقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
(12/149)
فَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِنَسَبِهِمَا بِمُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ فَلَا يَشْهَدُ إلَّا بَعْدَ تَكْرَارِهِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ: لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ: صَحَّ إقْرَارُهُ. وَثَبَتَ النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ: لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ. وَلِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ: مَا فَضَلَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ) . هَذَا صَحِيحٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُ ذَلِكَ، وَمَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ فِي " بَابِ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ " وَشُرُوطُهُ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فَلْيُرَاجَعْ.
فَائِدَةٌ
لَوْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ عَاقِلَيْنِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُنْكِرُ، وَالْمُقِرُّ وَحْدَهُ وَارِثٌ: ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ مِنْهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ. لَكِنْ يُعْطِيهِ الْفَاضِلَ فِي يَدِهِ عَنْ إرْثِهِ. فَلَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ بَنِي عَمٍّ، وَكَانَ الْمُقَرُّ بِهِ أَخًا: وَرِثَهُ دُونَهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَرِثُونَهُ دُونَ الْمُقَرِّ بِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ بِنَسَبِ وَارِثٍ: لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ مَوْلَاهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
(12/150)
وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَخُرِّجَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا.
تَنْبِيهٌ
مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ " أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ مَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ - وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ - بِنَسَبِ وَارِثٍ: أَنَّهُ يُقْبَلُ. وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا صَدَّقَهُ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ حَتَّى أَخٌ أَوْ عَمٌّ.
(وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِنِكَاحٍ عَلَى نَفْسِهَا، فَهَلْ يُقْبَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ. لِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِإِضَافَةِ الْإِقْرَارِ إلَى شَرَائِطِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ.
وَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يُقْبَلُ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمَا بِبَلَدِ غُرْبَةٍ لِلضَّرُورَةِ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ مُكَاتَبِهِ. وَلَا يَمْلِكُ عَقْدَهُ. انْتَهَى.
وَعَنْهُ: يُقْبَلُ إنْ ادَّعَى زَوْجِيَّتَهَا وَاحِدٌ، لَا اثْنَانِ.
(12/151)
اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِي مَكَان آخَرَ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يَصِحُّ إقْرَارُ بِكْرٍ بِهِ، وَإِنْ أَجْبَرَهَا الْأَبُ. لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِمَا لَا إذْنَ لَهُ فِيهِ، كَصَبِيٍّ أَقَرَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ: أَنَّ أَبَاهُ أَجَّرَهُ فِي صِغَرِهِ.
فَائِدَةٌ
لَوْ ادَّعَى الزَّوْجِيَّةَ اثْنَانِ، وَأَقَرَّتْ لَهُمَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ: قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا. فَإِنْ جُهِلَ: عُمِلَ بِقَوْلِ الْوَلِيِّ. ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ. انْتَهَى.
وَإِنْ جَهِلَهُ: فُسِخَا. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَسْقُطَانِ، وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَلِيَّ. انْتَهَى.
وَلَا يَحْصُلُ التَّرْجِيحُ بِالْيَدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي: أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا: مَسْأَلَةُ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. وَسَبَقَتْ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، فِي الْعَيْنِ بِيَدِ ثَالِثٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا بِهِ: قُبِلَ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً، وَإِلَّا فَلَا) يَعْنِي: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْوَلِيِّ عَلَيْهَا بِهِ. فَشَمِلَ مَسْأَلَتَيْنِ فِي غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ
(12/152)
إحْدَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ مُنْكِرَةً لِلْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ. فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهَا بِهِ. قَوْلًا وَاحِدًا.
وَالثَّانِيَةَ: أَنْ تَكُونَ مُقِرَّةً لَهُ بِالْإِذْنِ فِيهِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إقْرَارَ وَلِيِّهَا عَلَيْهَا بِهِ: صَحِيحٌ مَقْبُولٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ: أَنَّ فُلَانَةَ امْرَأَتُهُ، أَوْ أَقَرَّتْ: أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا فَلَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ: صَحَّ. وَوَرِثَهُ) . قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِزَوْجِيَّةِ الْآخَرِ، فَجَحَدَهُ، ثُمَّ صَدَّقَهُ: تَحِلُّ لَهُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. انْتَهَى. وَشَمِلَ قَوْلُهُ " فَلَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ " مَسْأَلَتَيْنِ.
إحْدَاهُمَا: أَنْ يَسْكُتَ الْمُقَرُّ لَهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ الْمُقِرُّ، ثُمَّ يُصَدِّقُهُ: فَهُنَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ، وَيَرِثُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَفِيهَا تَخْرِيجٌ بِعَدَمِ الْإِرْثِ الثَّانِيَةَ: أَنْ يُكَذِّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ، ثُمَّ يُصَدِّقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ: فَهُنَا لَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ. وَلَا يَرِثُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَقْوَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ وَيَرِثُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.
(12/153)
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الصِّحَّةُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ، فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا فِي صِحَّةِ إقْرَارِ مُزَوَّجَةٍ بِوَلَدٍ: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ.
إحْدَاهُمَا: يَلْحَقُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فِي " بَابِ مَا يُلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ ". قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَقَرَّتْ مُزَوَّجَةٌ بِوَلَدٍ: لَحِقَهَا دُونَ زَوْجِهَا وَأَهْلِهَا كَغَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا. وَقَدَّمَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ. الثَّانِيَةُ لَوْ ادَّعَى نِكَاحَ صَغِيرَةٍ بِيَدِهِ: فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَفَسَخَهُ حَاكِمٌ. فَلَوْ صَدَّقَتْهُ بَعْدَ بُلُوغِهَا: قُبِلَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُبِلَ عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ مَنْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا، فَأَنْكَرَ، فَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ. وَسُئِلَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ؟ فَلَمْ يُجِبْ فِيهَا بِشَيْءٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ عَلَى مَوْرُوثِهِمْ بِدَيْنٍ: لَزِمَهُمْ قَضَاؤُهُ مِنْ التَّرِكَةِ) .
(12/154)
بِلَا نِزَاعٍ، إنْ كَانَ ثَمَّ تَرِكَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ: لَزِمَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَمُرَادُهُ: إذَا أَقَرَّ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ. فَأَمَّا إذَا شَهِدَ مِنْهُمْ عَدْلَانِ، أَوْ عَدْلٌ وَيَمِينٌ: فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي التَّبْصِرَةِ إنْ أَقَرَّ مِنْهُمْ عَدْلَانِ، أَوْ عَدْلٌ وَيَمِينٌ: ثَبَتَ. وَمُرَادُهُ: وَشَهِدَ الْعَدْلُ. وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الرَّوْضَةِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا: إنْ خَلَّفَ وَارِثًا وَاحِدًا لَا يَرِثُ كُلَّ الْمَالِ - كَبِنْتٍ، أَوْ أُخْتٍ - فَأَقَرَّ بِمَا يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ: أَخَذَ رَبُّ الدَّيْنِ كُلَّ مَا فِي يَدِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ - فِي " بَابِ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ " - وَعَنْهُ: إنْ أَقَرَّ اثْنَانِ مِنْ. الْوَرَثَةِ عَلَى أَبِيهِمَا بِدَيْنٍ: ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، إعْطَاءً لَهُ حُكْمَ الشَّهَادَةِ. وَفِي اعْتِبَارِ عَدَالَتِهِمَا: الرِّوَايَتَانِ. وَتَقَدَّمَ هَذَا هُنَاكَ بِزِيَادَةٍ.
فَائِدَةٌ يُقَدَّمُ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ، إذَا حَصَلَتْ مُزَاحَمَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ. عَلَى مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ التَّسْوِيَةَ. وَذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ وَجْهًا. وَيُقَدَّمُ مَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِمَا. نَصَّ عَلَيْهِ.
(12/155)
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ: صَحَّ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَقَرَّ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ بِمَالٍ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَا أَحْسِبُ هَذَا قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ إلَّا أَنْ يَعْزِيَهُ إلَى سَبَبٍ: مِنْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ. فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ: يَصِحُّ بِمَالٍ لِحَمْلٍ يَعْزُوهُ. ثُمَّ ذَكَرَ خِلَافًا فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الْمَوْتِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ أَطْلَقَ كُلِّفَ ذِكْرَ السَّبَبِ. فَيَصِحُّ مَا يَصِحُّ. وَيَبْطُلُ مَا يَبْطُلُ. وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بَطَلَ.
قَالَ الْأَزَجِيُّ: كَمَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ فَرَدَّهُ، وَمَاتَ الْمُقِرُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: كَمَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ لَا يُعْرَفُ مَنْ أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُهُ حَاكِمٌ، كَمَالٍ ضَائِعٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ.
(12/156)
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَاخْتُلِفَ فِي مَأْخَذِ الْبُطْلَانِ. فَقِيلَ: لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ. فَلَوْ صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ: تَمَلَّكَ بِغَيْرِهِمَا. وَهُوَ فَاسِدٌ. فَإِنَّ الْإِقْرَارَ كَاشِفٌ لِلْمِلْكِ وَمُبَيِّنٌ لَهُ، لَا مُوجِبٌ لَهُ. وَقِيلَ: لِأَنَّ ظَاهِرَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَالِمِ وَنَحْوِهَا. وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ مَعَ الْحَمْلِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ لَهُ الْمِلْكُ تَوَجَّهَ حَمْلُ الْإِقْرَارِ مَعَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ تَعْلِيقٌ لَهُ عَلَى شَرْطِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِدُونِ خُرُوجِهِ حَيًّا. وَالْإِقْرَارُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَهِيَ أَظْهَرُ. وَتَرْجِعُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ إلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَانْتِقَالِهِ. انْتَهَى.
الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " لِلْحَمْلِ عَلَيَّ أَلْفٌ جَعَلْتهَا لَهُ " وَنَحْوَهُ: فَهُوَ وَعْدٌ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ يَلْزَمُهُ. كَقَوْلِهِ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ أَقْرَضَنِيهِ " عِنْدَ غَيْرِ التَّمِيمِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ: لَا يَصِحُّ، كَ أَقْرَضَنِي أَلْفًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا: فَهُوَ لِلْحَيِّ) . بِلَا نِزَاعٍ. حَيْثُ قُلْنَا: يَصِحُّ قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا حَيَّيْنِ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي
(12/157)
وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّمِيمِيِّ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَعْزِهِ إلَى مَا يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ. فَأَمَّا إنْ عَزَاهُ إلَى مَا يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ - كَإِرْثٍ، وَوَصِيَّةٍ - عُمِلَ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَقَرَّ لِكَبِيرٍ عَاقِلٍ بِمَالٍ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ: بَطَلَ إقْرَارُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُحَرَّرِ.، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ (وَفِي الْآخَرِ: يُؤْخَذُ الْمَالُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُقَرُّ بِيَدِهِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: أَيُّهُمَا غَيَّرَ قَوْلَهُ: لَمْ يُقْبَلْ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ عَادَ الْمُقِرُّ فَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ الثَّالِثُ: قُبِلَ مِنْهُ. وَلَمْ يُقْبَلْ بَعْدَهَا عَوْدُ الْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ. وَلَوْ كَانَ عَوْدُهُ إلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ: فَفِيهِ وَجْهَانِ
(12/158)
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْمُنَوِّرِ. بِعَدَمِ الْقَبُولِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ عَبْدًا، أَوْ دُونَ الْمُقَرِّ، بِأَنْ أَقَرَّ بِرِقِّهِ لِلْغَيْرِ: فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي: يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِمَا. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ.
(12/159)
[بَابُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ تَنْبِيهٌ]
ٌ تَقَدَّمَ فِي " صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " هَلْ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْخَطِّ؟ . وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الْإِقْرَارِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا. فَقَالَ " نَعَمْ " أَوْ " أَجَلْ " أَوْ " صَدَقْت " أَوْ " أَنَا مُقِرٌّ بِهَا " أَوْ " بِدَعْوَاك " كَانَ مُقِرًّا) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ قَالَ " أَنَا أُقِرُّ " أَوْ " لَا أُنْكِرُ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَكُونُ مُقِرًّا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِي قَوْلِهِ " إنِّي أُقِرُّ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ قَالَ " أَنَا أُقِرُّ بِدَعْوَاك " لَا يُؤَثِّرُ. وَيَكُونُ مُقِرًّا فِي قَوْلِهِ " لَا أُنْكِرُ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا " أَوْ " عَسَى " أَوْ " لَعَلَّ " أَوْ " أَظُنُّ " أَوْ " أَحْسِبُ " أَوْ " أُقَدِّرُ " أَوْ " خُذْ " أَوْ " اتَّزِنْ " أَوْ " اُحْرُزْ " أَوْ " افْتَحْ كُمَّك " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا)
(12/160)
بِلَا نِزَاعٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " أَنَا مُقِرٌّ " أَوْ " خُذْهَا " أَوْ " اتَّزِنْهَا " أَوْ " اقْبِضْهَا " أَوْ " أَحْرِزْهَا " أَوْ " هِيَ صِحَاحٌ " فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي ذَلِكَ. إلَّا فِي قَوْلِهِ " أَنَا مُقِرٌّ ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. فِي قَوْلِهِ " خُذْهَا " أَوْ " اتَّزِنْهَا ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، فِي قَوْلِهِ " أَنَا مُقِرٌّ ". أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مُقِرًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِي قَوْلِهِ " إنِّي مُقِرٌّ ". وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ مُقِرًّا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ فِي غَيْرِ قَوْلِهِ " إنِّي مُقِرٌّ ". وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، فِي قَوْلِهِ " خُذْهَا " أَوْ " اتَّزِنْهَا " أَوْ " هِيَ صِحَاحٌ ". قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ " أَنَا مُقِرٌّ " أَنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
(12/161)
فَوَائِدُ الْأُولَى قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ " كَأَنِّي جَاحِدٌ لَك " أَوْ " كَأَنِّي جَحَدْتُك حَقَّك " أَقْوَى فِي الْإِقْرَارِ مِنْ قَوْلِهِ " خُذْهُ ".
الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ؟ " فَقَالَ " بَلَى " فَهُوَ إقْرَارٌ. وَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِقَوْلِهِ " نَعَمْ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا مِنْ. عَامِّيٍّ. كَقَوْلِهِ " عَشَرَةٌ غَيْرُ دِرْهَمٍ " يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ. قُلْت: هَذَا التَّوْجِيهُ عَيْنُ الصَّوَابِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ. وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا الْحُذَّاقُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ. فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَكُونُ كَذَلِكَ؟ هَذَا مِنْ أَبْعَدِ مَا يَكُونُ. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِ الْعَامِّيِّ احْتِمَالٌ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: إذَا قَالَ " لِي عَلَيْك كَذَا؟ " فَقَالَ " نَعَمْ " أَوْ " بَلَى " فَمُقِرٌّ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَفْظُ الْإِقْرَارِ يَخْتَلِفُ. بِاخْتِلَافِ الدَّعْوَى فَإِذَا قَالَ " لِي عَلَيْك كَذَا؟ " فَجَوَابُهُ " نَعَمْ " وَكَانَ إقْرَارًا. وَإِنْ قَالَ " أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا؟ " كَانَ الْإِقْرَارُ بِ " بَلَى ". وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ ".
الثَّالِثَةُ لَوْ قَالَ " أَعْطِنِي ثَوْبِي هَذَا " أَوْ " اشْتَرِ ثَوْبِي هَذَا " أَوْ " أَعْطِنِي أَلْفًا مِنْ الَّذِي لِي عَلَيْك " أَوْ قَالَ " لِي عَلَيْك أَلْفٌ " أَوْ " هَلْ لِي عَلَيْك أَلْفٌ؟ "
(12/162)
فَقَالَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ " نَعَمْ " أَوْ " أَمْهِلْنِي يَوْمًا " أَوْ " حَتَّى أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ " أَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ " أَوْ " إلَّا أَنْ أَقُومَ " أَوْ " فِي عِلْمِ اللَّهِ " فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِيمَا أَظُنُّ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ") فَقَدْ أَقَرَّ بِهَا. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا إنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُنِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ". وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ فِي قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ". وَفِيهِمَا احْتِمَالٌ لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ.
فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " بِعْتُك " أَوْ " زَوَّجْتُك " أَوْ " قَبِلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ " صَحَّ، كَالْإِقْرَارِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَوْ قَالَ " أَنَا صَائِمٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَصَوْمُهُ. وَيَكُونُ ذَلِكَ تَأْكِيدًا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْعُقُودُ. لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بَعْدَ إيجَابِهَا قَبْلَ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: فِي " بِعْتُك " أَوْ " زَوَّجْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ " أَوْ " بِعْتُك إنْ شِئْت " فَقَالَ " قَبِلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ " صَحَّ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) . يَعْنِي: إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ
(12/163)
وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي قَوْلِهِ " إنْ جَاءَ وَقْتُ كَذَا فَعَلَيَّ لِفُلَانٍ كَذَا " وَسَيَحْكِي الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي نَظِيرَتِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ " فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مُقِرًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَنَصَرَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ مُقِرًّا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي.
فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ جَاءَ الْمَطَرُ، أَوْ شَاءَ فُلَانٌ " خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا جَاءَ، رَأْسُ الشَّهْرِ " كَانَ إقْرَارًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
(12/164)
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ إقْرَارٌ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَهُوَ إقْرَارٌ. وَجْهًا وَاحِدًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَفِيهَا تَخْرِيجٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَهَا. وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ فِيهَا وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. فَيَكُونُ فِيهِمَا وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ لَوْ فَسَّرَهُ بِأَجَلٍ أَوْ وَصِيَّةٍ: قُبِلَ مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ " فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مُقِرًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ إقْرَارًا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ
(12/165)
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَنَصَرَهُ.
وَقِيلَ: يَكُونُ مُقِرًّا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " إنْ شَهِدَ فُلَانٌ فَهُوَ صَادِقٌ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مُقِرًّا فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ صِدْقُهُ إلَّا مَعَ ثُبُوتِهِ. فَيَصِحُّ إذَنْ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ مُقِرًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(12/166)
[بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ]
ُ قَوْلُهُ (إذَا وَصَلَ بِهِ مَا يَسْقُطُهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي " أَوْ " قَبَضَهُ " أَوْ " اسْتَوْفَاهُ " أَوْ " أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ " أَوْ " تَكَفَّلْت بِهِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ " أَوْ " أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا " أَوْ " إلَّا سِتَّمِائَةٍ " لَزِمَهُ الْأَلْفُ) . ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ. مِنْهَا: قَوْلُهُ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي " فَيَلْزَمُهُ. الْأَلْفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحُكِيَ احْتِمَالٌ: لَا يَلْزَمُهُ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَدْ قَبَضَهُ، أَوْ اسْتَوْفَاهُ " فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ بِلَا نِزَاعٍ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ " أَوْ " تَكَفَّلْت بِهِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ " فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْأَظْهَرُ يَلْزَمُهُ مَعَ ذِكْرِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.
(12/167)
وَقِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ " كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَقَضِيَّتُهُ ". وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ " أَوْ " لَمْ أَقْبِضْهُ " أَوْ " مُضَارَبَةً تَلِفَتْ، وَشَرَطَ عَلَيَّ ضَمَانَهَا " مِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عَادَةً مَعَ فَسَادِهِ: خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ " وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ " بَلْ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِك ". الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ " لَمْ يَلْزَمْهُ وَجْهًا وَاحِدًا. أَعْنِي إذَا قَدَّمَ قَوْلَهُ " عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ " عَلَى قَوْلِهِ " أَلْفٌ ". وَمِنْ مَسَائِلِ الْمُصَنِّفِ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا " فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفٌ قَوْلًا. وَاحِدًا. وَمِنْهُمَا: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا سِتَّمِائَةٍ " فَيَلْزَمُهُ أَلْفٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي " بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ ".
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ " كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَضَيْته " أَوْ قَضَيْت مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ " فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ
(12/168)
اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً بِغَيْرِ هَذَا. قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْجُمْهُورُ: الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْجَمِيعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ مُقِرًّا مُدَّعِيًا لِلْقَضَاءِ. فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ: حَلَفَ الْمُدَّعِي " أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَلَمْ يُبْرِئْ " وَاسْتَحَقَّ. وَقَالَ: هَذَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ يَكُونُ مُقِرًّا. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. فَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، وَيُحَلِّفُ خَصْمَهُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ، وَغَيْرُهُمَا. كَسُكُوتِهِ قَبْلَ دَعْوَاهُ. وَانْتَهَى. قُلْت: وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَوَابٍ. فَيُطَالَبُ بِرَدِّ الْجَوَابِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ. وَهِيَ أَشْهَرُ.
(12/169)
فَوَائِدُ: الْأُولَى لَوْ قَالَ " بَرِئْت مِنِّي " أَوْ " أَبْرَأْتَنِي " فَفِيهَا الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَقِيلَ: مُقِرٌّ. الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " كَانَ لَهُ عَلَيَّ " وَسَكَتَ: فَهُوَ إقْرَارٌ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. الثَّالِثَةُ لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَضَيْته " وَلَمْ يَقُلْ " كَانَ " فَفِيهَا طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ. أَحَدُهَا: أَنَّ فِيهَا الرِّوَايَةَ الْأُولَى. وَرِوَايَةَ أَبِي الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَرِوَايَةً ثَالِثَةً: يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَقِّ، وَكَذَّبَ نَفْسَهُ فِي الْوَفَاءِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ، وَلَوْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَهُ: هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْ ذَلِكَ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ هَذَا بِجَوَابٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَإِنْ كَانَ جَوَابًا فِي الْأُولَى فَيُطَالَبُ بِرَدِّ الْجَوَابِ.
(12/170)
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: قَبُولُ قَوْلِهِ هُنَا. وَإِنْ لَمْ نَقْبَلْهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا. وَهِيَ عَدَمُ قَبُولِ قَوْلِهِ هُنَا، وَإِنْ قَبِلْنَاهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا دُونَ النِّصْفِ) . تَقَدَّمَ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي " بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ ". وَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ لَا يَسْكُتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْكَلَامُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ لِابْنِ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْأَيْمَانِ ". وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: مِثْلُهُ كُلُّ صِلَةِ كَلَامٍ مُغَيِّرٍ لَهُ. وَاخْتَارَ: أَنَّ الْمُتَقَارِبَ مُتَوَاصِلٌ. وَتَقَدَّمَ هَذَا مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ " بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ " فَلْيُرَاجَعْ قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا زَادَ عَلَيْهِ) يَعْنِي: عَلَى النِّصْفِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.
(12/171)
حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي أُصُولِهِ: اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابِهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الطَّلَاقِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ.
وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا وَاخْتَارَهُ فِيمَا إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمَيْنِ " أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ. قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا يَجِيءُ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ. قَوْلُهُ (وَفِي اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ: وَجْهَانِ) . وَحَكَاهُمَا فِي الْإِيضَاحِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: الصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.
(12/172)
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ، ثُمَّ اسْتَثْنَى أَكْثَرَهُ: لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. وَلَزِمَهُ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ. فَظَاهِرُهُ: صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ.
قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ. فَظَاهِرُهُمَا: صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: يَصِحُّ فِي الْأَقْيَسِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قَالَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَشَارِحُ الْوَجِيزِ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ وَشَرْحِهِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: وَقَالَ طَائِفَةٌ: الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْ النِّصْفَ وَالثُّلُثَ. قَالَ: وَبِهِ أَقُولُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى أَيْضًا فِي " بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ ".
قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ " لَهُ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ الْعَشَرَةُ إلَّا وَاحِدًا " لَزِمَهُ تَسْلِيمُ تِسْعَةٍ. فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا. فَقَالَ " هُوَ الْمُسْتَثْنَى " فَهَلْ يُقْبَلُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى.
(12/173)
أَحَدِهِمَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَشَارِحُ الْوَجِيزِ وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ قَتَلَ، أَوْ غَصَبَ الْجَمِيعَ إلَّا وَاحِدًا: قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ. لِحُصُولِ قِيمَةِ الْمَقْتُولِينَ أَوْ الْمَغْصُوبِينَ، أَوْ رُجُوعِهِمْ لِلْمُقَرِّ لَهُ. الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " غَصَبْتُهُمْ إلَّا وَاحِدًا " فَمَاتُوا أَوْ قُتِلُوا إلَّا وَاحِدًا: صَحَّ تَفْسِيرُهُ بِهِ. وَإِنْ قَالَ " غَصَبْت هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ إلَّا وَاحِدًا " صُدِّقَ فِي تَعْيِينِ الْبَاقِي.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ " أَوْ " هَذِهِ الدَّارُ لَهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي " قُبِلَ مِنْهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَهَا. وَإِنْ قَالَ " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ نِصْفُهَا " فَقَدْ أَقَرَّ بِالنِّصْفِ. كَذَا نَحْوُهُ. وَإِنْ قَالَ. " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ وَلِي نِصْفُهَا " صَحَّ فِي الْأَقْيَسِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
(12/174)
وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: بَطَلَ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: بَطَلَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ قَالَ " هَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا ثُلُثَيْهَا " أَوْ " إلَّا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا " أَوْ " إلَّا نِصْفَهَا " فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ لِلْأَكْثَرِ وَالنِّصْفِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ، وَثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ " أَوْ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا " فَهَلْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالتَّلْخِيصِ إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ " لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِرَفْعِ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا أَوْلَى. وَرُدَّ غَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ. وَالْوَجْهِ الثَّانِي: يَصِحُّ. صَحَّحَهُ. فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ الْعَطْفِ بِوَاوٍ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: صَحَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَصِحُّ.
(12/175)
وَمَا قَالُوهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ. بَلْ قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ: تَقْتَضِي صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ، إلَّا دِرْهَمَيْنِ " فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، فَهُنَا لَا يَصِحُّ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ، فَيَتَوَجَّهُ فِيهَا وَجْهَانِ، كَالَّتِي قَبْلَهَا. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ: الْإِطْلَاقَ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي: وَالِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ الْعَطْفِ بِوَاوٍ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ. وَقِيلَ: إلَى مَا يَلِيهِ فَلَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، إلَّا دِرْهَمًا " فَدِرْهَمٌ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ صَحَّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، وَإِلَّا فَاثْنَانِ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: بِأَنَّهُ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ أَوْلَى. وَصَحَّحَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَرْجِعُ إلَى الْجَمِيعِ. وَرَدَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجَمِيعِ. وَلُزُومَ دِرْهَمَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا " لَزِمَهُ الْخَمْسَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَمْعًا لِلْمُسْتَثْنَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ
(12/176)
قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَالَ " خَمْسَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا " وَجَبَ خَمْسَةٌ، عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ، وَإِلَّا فَثَلَاثَةٌ. وَالْوَجْهِ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ. فَإِذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا " لَزِمَهُ خَمْسَةٌ) . لِأَنَّهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ سَبْعَةً. ثُمَّ نَفَى مِنْهَا ثَلَاثَةً. ثُمَّ أَثْبَتَ وَاحِدًا. وَبَقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَنْفِيَّةِ دِرْهَمَانِ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ السَّبْعَةِ. فَيَكُونُ مُقِرًّا بِخَمْسَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمَيْنِ إلَّا دِرْهَمًا " لَزِمَهُ عَشَرَةٌ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ) . إنْ بَطَلَ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بَاطِلٌ، بِعَوْدِهِ إلَى مَا قَبْلَهُ لِبُعْدِهِ، كَسُكُوتِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهَذَا الْوَجْهُ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَفِي الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ سِتَّةٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَبَعَّدَهُ النَّاظِمُ. قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا رَفَعَ الْكُلَّ، أَوْ الْأَكْثَرَ: سَقَطَ، إنْ وَقَفَ عَلَيْهِ.
(12/177)
وَإِنْ وَصَلَهُ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ: اسْتَعْمَلْنَاهُ. فَاسْتَعْمَلْنَا الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ لِوَصْلِهِ بِالثَّانِي، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُسْتَثْنَى عِبَارَةٌ عَمَّا بَقِيَ. فَإِنَّ عَشَرَةً إلَّا دِرْهَمًا عِبَارَةٌ عَنْ تِسْعَةٍ. فَإِذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا ثَلَاثَةً " صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْخَمْسَةِ. لِأَنَّهُ وَصَلَهَا بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ. وَلِذَلِكَ صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ وَالدِّرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ ذَلِكَ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. فَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْخَمْسَةِ. وَهِيَ نَفْيٌ. فَبَقِيَ خَمْسَةٌ. وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ إثْبَاتٌ. فَعَادَتْ ثَمَانِيَةٌ. وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الدِّرْهَمَيْنِ. وَهِيَ نَفْيٌ فَبَقِيَ سِتَّةٌ. وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ السِّتَّةِ: أَنْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ. وَيَبْطُلُ الزَّائِدُ. فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْخَمْسَةِ وَالدِّرْهَمِ. وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَعَلَى قَوْلِنَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ. وَلَا يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ، يَلْزَمُهُ سِتَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْخَمْسَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ بَقِيَ خَمْسَةٌ. وَاسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْخَمْسَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ، فَيَبْطُلُ، وَيَلِي قَوْلُهُ " إلَّا دِرْهَمَيْنِ " قَوْلَهُ " إلَّا خَمْسَةً " فَيَصِحُّ. فَيَعُودُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْخَارِجَةِ دِرْهَمَانِ. خَرَجَ مِنْهَا دِرْهَمٌ بِقَوْلِهِ " إلَّا دِرْهَمًا " بَقِيَ دِرْهَمٌ، فَيُضَمُّ إلَى الْخَمْسَةِ تَكُونُ سِتَّةً. انْتَهَى. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَوْجِيهِ الشَّارِحِ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءَاتِ كُلِّهَا. وَالْعَمَلِ بِمَا تَئُولُ إلَيْهِ.
فَإِذَا قَالَ " عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً " نَفَى خَمْسَةً.
(12/178)
فَإِذَا قَالَ " إلَّا ثَلَاثَةً " عَادَتْ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا إثْبَاتٌ. فَإِذَا قَالَ " إلَّا دِرْهَمَيْنِ " كَانَتْ نَفْيًا، فَيَبْقَى سِتَّةٌ. فَإِذَا قَالَ " إلَّا دِرْهَمًا " كَانَ مُثْبِتًا. صَارَتْ سَبْعَةً. قَالَهُ الشَّارِحُ. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّى: وَعَلَى قَوْلِنَا: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، وَلَا يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ: يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ. لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْخَمْسَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ لَا يَصِحُّ. وَاسْتِثْنَاءَ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ. وَاسْتِثْنَاءَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ لَا يَصِحُّ. بَقِيَ قَوْلُهُ " إلَّا ثَلَاثَةً " صَحِيحًا. فَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ " إلَّا عَشَرَةً، إلَّا ثَلَاثَةً " فَيَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ. انْتَهَى. وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى فِي ذَلِكَ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّارِحِ أَيْضًا.
(وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ) . قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ يُلْغِي الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ؛ لِكَوْنِهِ النِّصْفَ. فَإِذَا قَالَ " إلَّا ثَلَاثَةً " كَانَتْ مُثْبَتَةً. وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْخَمْسَةِ. وَقَدْ بَطَلَتْ. فَتَبْطُلُ الثَّلَاثَةُ أَيْضًا. وَيَبْقَى الِاثْنَانِ؛ لِأَنَّهَا نَفْيٌ، وَالنَّفْيُ يَكُونُ مِنْ إثْبَاتٍ. وَقَدْ بَطَلَ الْإِثْبَاتُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. فَتَكُونُ مَنْفِيَّةً مِنْ الْعَشَرَةِ، يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ. وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدِ مِنْ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نِصْفٌ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَعَلَى قَوْلِنَا: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْخَمْسَةِ لَا يَصِحُّ. وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ: وَلِيَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلَهُ " إلَّا ثَلَاثَةً ". فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُ، لَكِنْ وَلِيَهُ قَوْلُهُ " إلَّا دِرْهَمَيْنِ " وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ. وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ وَلِيَ قَوْلُهُ " إلَّا دِرْهَمًا " قَوْلَهُ " إلَّا ثَلَاثَةً ". فَعَادَ مِنْهَا الدِّرْهَمُ إلَى السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ. فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةً. انْتَهَى
(12/179)
فَخَالَفَ الشَّارِحَ أَيْضًا فِي تَوْجِيهِهِ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ أَقْعَدُ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي النُّكَتِ لِتَوْجِيهِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا وَمَا نَظَرَ عَلَيْهِ مِنْهَا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ خَامِسٌ: يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ إنْ صَحَّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْبَهِ إنْ بَطَلَ النِّصْفُ خَاصَّةً: فَثَمَانِيَةٌ. وَإِنْ صَحَّ فَقَطْ: فَخَمْسَةٌ. وَإِنْ عَمِلَ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ جُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ: فَسَبْعَةٌ. انْتَهَى.
وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَهَلْ يَلْزَمُهُ إذَا صَحَّحْنَا اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ خَمْسَةٌ، أَوْ سِتَّةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِذَا لَمْ نُصَحِّحْهُ: فَهَلْ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ، أَوْ ثَمَانِيَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ: بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّ فِي الْآخَرِ. فَيَكُونُ مُقِرًّا بِسَبْعَةٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي النُّكَتِ عَلَى وَجْهِ لُزُومِ الْخَمْسَةِ إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ صَحِيحٌ، وَاسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ بَاطِلٌ فَيَبْطُلُ مَا بَعْدَهُ. وَعَلَى وَجْهِ لُزُومِ السِّتَّةِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ صَحِيحٌ، وَاسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ بَاطِلٌ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَاسْتِثْنَاءُ اثْنَيْنِ مِنْ خَمْسَةٍ صَحِيحٌ. فَصَارَ الْمُقَرُّ بِهِ: سَبْعَةً. ثُمَّ اُسْتُثْنِيَ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَاحِدٌ. يَبْقَى سِتَّةٌ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ: الْكَلَامُ بِآخِرِهِ. وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءَاتُ كُلُّهَا. فَيَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ. وَهُوَ وَاضِحٌ
(12/180)
قَالَ: وَأَلْزَمَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِسِتَّةٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّرْهَمَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَرَادَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الشَّارِحَ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِهِ.
وَقَالَ عَنْ وَجْهِ الثَّمَانِيَةِ: لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْخَمْسَةِ بَاطِلٌ، وَاسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِهِ صَحِيحٌ، يَبْقَى سَبْعَةٌ. وَاسْتِثْنَاءُ الِاثْنَيْنِ بَاطِلٌ، وَاسْتِثْنَاءُ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ صَحِيحٌ، يَزِيدُهُ عَلَى سَبْعَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتِثْنَاءُ خَمْسَةٍ وَثَلَاثَةٍ بَاطِلٌ. وَاسْتِثْنَاءُ اثْنَيْنِ مِنْ عَشَرَةٍ صَحِيحٌ. وَاسْتِثْنَاءُ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ بَاطِلٌ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ عَنْ قَوْلِهِ " وَقِيلَ يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا " أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا: يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، أَوْ لَا. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ. وَهُوَ تَصْحِيحُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ كُلِّهَا. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ: وَحِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْوَجْهَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ: فِيهَا شَيْءٌ. وَأَحْسِبُهُ لَوْ قَالَ: وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ: كَانَ أَوْلَى.
تَنْبِيهٌ مَبْنَى ذَلِكَ: إذَا تَخَلَّلَ الِاسْتِثْنَاءَاتِ اسْتِثْنَاءٌ بَاطِلٌ. فَهَلْ يُلْغَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ الْبَاطِلُ وَمَا بَعْدَهُ، أَوْ يُلْغَى وَحْدَهُ وَيَرْجِعُ. مَا بَعْدَهُ إلَى مَا قَبْلَهُ؟ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. أَوْ يُنْظَرُ إلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ جُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ؟ . اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، فِيهِ أَوْجُهٌ.
(12/181)
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: لَوْ اسْتَثْنَى مَا لَا يَصِحُّ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْئًا: بَطَلَا. وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا بَعْدَ الْبَاطِلِ إلَى مَا قَبْلَهُ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَا يَئُولُ إلَيْهِ جُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: وَقِيلَ: إنْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ دُونَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِذَا قَالَ " لَهُ: عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا " لَزِمَتْهُ الْمِائَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، مُطْلَقًا، إلَّا مَا اسْتَثْنَى. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَلْزَمُ مِنْ رِوَايَةِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْآخَرِ: صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ نَوْعٍ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَزِمَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْوَرِقِ وَغَيْرِهِمَا فَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدِهِمَا صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا. قُلْت: صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ.
تَنْبِيهٌ قَدْ يُقَالُ: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: مَا لَوْ أَقَرَّ بِنَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ، وَاسْتَثْنَى نَوْعًا
(12/182)
مِنْ آخَرَ، كَأَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ بَرْنِيِّ، وَاسْتَثْنَى مَعْقِلِيًّا وَنَحْوَهُ. وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ هُوَ، وَابْنُ رَزِينٍ.
قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَيْنًا مِنْ وَرِقٍ أَوْ وَرِقًا مِنْ عَيْنٍ. فَيَصِحُّ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهَا أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيِّ. تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَبْنَى الرِّوَايَتَيْنِ: عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ أَوْ جِنْسَانِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَمَا قَالَهُ غَلَطٌ. إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْعُمْدَةِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: إنَّهُمَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي أَشْيَاءَ.
(12/183)
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَبِعَهُ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. بِحَمْلِ رِوَايَةِ الصِّحَّةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْآخَرِ، أَوْ يُعْلَمُ قَدْرُهُ مِنْهُ. وَرِوَايَةُ الْبُطْلَانِ عَلَى مَا إذَا انْتَفَى ذَلِكَ. فَعَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَاضِحِ: يَخْتَصُّ الْخِلَافُ فِي النَّقْدَيْنِ وَعَلَى مَا حَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ: يَنْتَفِي الْخِلَافُ.
فَائِدَةٌ قَالَ فِي النُّكَتِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْفُلُوسِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ فِيهَا قَوْلَانِ آخَرَانِ. أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ. وَالثَّانِي: جَوَازُهُ مَعَ نِفَاقِهَا خَاصَّةً. انْتَهَى. قُلْت: وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: الصِّحَّةُ، بَلْ هِيَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا دِينَارًا " فَهَلْ. يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ. وَقَدْ عَلِمْت مِنْهُمَا. وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: يَرْجِعُ إلَى سِعْرِ الدِّينَارِ بِالْبَلَدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِعْرٌ مَعْلُومٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
(12/184)
وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ " فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَرْجِعُ إلَى سِعْرِ الدَّنَانِيرِ بِالْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا مَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ: صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ إلَى الْمُقِرِّ. فَإِنْ فَسَّرَهُ بِالنِّصْفِ فَأَقَلَّ: قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: إنْ بَقِيَ مِنْهُ أَكْثَرُ الْمِائَةِ رَجَعَ فِي تَفْسِيرِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ. وَمَعْنَاهُ فِي التَّبْصِرَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ " ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْكَلَامُ. ثُمَّ قَالَ " زُيُوفًا " أَوْ " صِغَارًا " أَوْ " إلَى شَهْرٍ " لَزِمَهُ أَلْفٌ جِيَادٌ، وَافِيَةٌ حَالَّةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ أَوْزَانُهُمْ نَاقِصَةٌ، أَوْ مَغْشُوشَةٌ. فَهَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدِهِمَا: يَلْزَمُهُ جِيَادٌ وَافِيَةٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
(12/185)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذَا أَوْلَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إنْ فَسَّرَ إقْرَارَهُ بِسِكَّةٍ دُونَ سِكَّةِ الْبَلَدِ، وَتَسَاوَيَا وَزْنًا: فَاحْتِمَالَانِ. وَشَرَطَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا قَالَ " صِغَارًا " أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ دَرَاهِمُ صِغَارٌ، وَإِلَّا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ. وَيَأْتِي قَرِيبًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَى شَهْرٍ " فَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ التَّأْجِيلَ: لَزِمَهُ مُؤَجَّلًا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَالًّا. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عَزَاهُ إلَى سَبَبٍ قَابِلٍ لِلْأَمْرَيْنِ قُبِلَ فِي الضَّمَانِ. وَفِي غَيْرِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالنُّكَتِ، وَالنَّظْمِ
(12/186)
أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ فِي غَيْرِ الضَّمَانِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْمُحَرَّرِ: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَجَلِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ الْقَبُولُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِمُؤَجَّلٍ: أُجِّلَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَمَنْ أَقَرَّ بِمُؤَجَّلٍ: صُدِّقَ. وَلَوْ عَزَاهُ إلَى سَبَبٍ يَقْبَلُهُ الْحُلُولُ، وَلِمُنْكِرِ التَّأْجِيلِ يَمِينُهُ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: الَّذِي يَظْهَرُ قَبُولُ دَعْوَاهُ.
تَنْبِيهٌ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ " قُبِلَ فِي الضَّمَانِ " أَمَّا كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي الضَّمَانِ: فَلِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لِأَصْلٍ وَلَا ظَاهِرٍ فَقُبِلَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي الذِّمَّةِ فَقَطْ. وَمِنْ أَصْلِنَا صِحَّةُ ضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ غَيْرَ ضَمَانٍ كَبَيْعٍ وَغَيْرِهِ فَوَجْهُ قَوْلِ الْمُقِرِّ فِي التَّأْجِيلِ: أَنَّهُ سَبَبٌ يَقْبَلُ الْحُلُولَ وَالتَّأْجِيلَ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ، كَالضَّمَانِ. وَوَجْهُ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ: أَنَّهُ سَبَبٌ مُقْتَضَاهُ الْحُلُولُ. فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَأَصْلِهِ. وَبِهَذَا فَارَقَ الضَّمَانَ. قَالَ: وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ جُلِّ كَلَامِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ بَعْدَ نَظْمِ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ الَّذِي يَقْوَى عِنْدِي: أَنَّ مُرَادَهُ يُقْبَلُ فِي الضَّمَانِ أَيْ يَضْمَنُ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ثَمَنُ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٍ، لِيَكُونَ بِصَدَدِ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ إنْ تَعَذَّرَ قَبْضُ مَا ادَّعَاهُ
(12/187)
أَوْ بَعْضِهِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِهِ كَذَلِكَ. فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَقَرَّ بِمِائَةٍ سِكَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ نَاقِصَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَقِيلَ: بَلْ مُرَادُهُ نَفْسُ الضَّمَانِ. أَيْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ ضَامِنٌ مَا أَقَرَّ بِهِ عَنْ شَخْصٍ، حَتَّى إنْ بَرِئَ مِنْهُ بَرِئَ الْمُقِرُّ. وَيُرِيدُ بِغَيْرِهِ: سَائِرَ الْحُقُوقِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَا يَخْفَى حُكْمُهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ نَاقِصَةٌ " لَزِمَتْهُ نَاقِصَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: لَزِمَتْهُ نَاقِصَةً، وَنَصَرَهُ. وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ نَاقِصَةٌ " قُبِلَ قَوْلُهُ. وَإِنْ قَالَ " صِغَارًا " وَلِلنَّاسِ دَرَاهِمُ صِغَارٌ: قُبِلَ قَوْلُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَرَاهِمُ صِغَارٌ: لَزِمَهُ وَازِنَةٌ، كَمَا لَوْ قَالَ " دُرَيْهِمٌ " فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَازِنٌ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَالَ " صِغَارٌ " قُبِلَ بِنَاقِصَةٍ. فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: قُبِلَ وَلِلنَّاسِ دَرَاهِمُ صِغَارٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: وَإِنْ قَالَ " نَاقِصَةٌ " لَزِمَهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَجْهًا وَاحِدًا.
فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ وَازِنَةٌ " فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْعَدَدُ وَالْوَزْنُ
(12/188)
قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: أَوْ وَازِنَةٌ فَقَطْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ قَالَ " دَرَاهِمُ عَدَدًا " لَزِمَهُ الْعَدَدُ وَالْوَزْنُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ بِهَا عَدَدًا، أَوْ أَوْزَانُهُمْ نَاقِصَةٌ: فَالْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ. وَلَوْ قَالَ " عَلَيَّ دِرْهَمٌ " أَوْ " دِرْهَمٌ كَبِيرٌ " أَوْ " دُرَيْهِمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمٌ إسْلَامِيٌّ وَازِنٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي " دُرَيْهِمٌ " يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي رَهْنٌ " وَقَالَ الْمَالِكُ " بَلْ وَدِيعَةٌ " فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ قَوْلِهِ. " كَانَ لَهُ عَلَيَّ وَقَبَضْته ". ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ " وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ " بَلْ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِك " فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي
(12/189)
أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ شَارِحُ الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَوْلَى.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ " وَفَسَّرَهُ بِدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ: قُبِلَ مِنْهُ) بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ رَدَّدْتهَا إلَيْهِ " أَوْ " تَلِفَتْ " لَزِمَهُ ضَمَانُهَا وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ " وَفَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ: لَمْ يُقْبَلْ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَالْخِرَقِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ يُقْبَلُ
(12/190)
قَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى تَأْوِيلِ عَلَيَّ حِفْظُهَا أَوْ رَدُّهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يُفَسِّرْهُ مُتَّصِلًا فَإِنْ فَسَّرَهُ بِهِ مُتَّصِلًا: قُبِلَ قَوْلًا وَاحِدًا لَكِنْ إنْ زَادَ فِي الْمُتَّصِلِ " وَقَدْ تَلِفَتْ " لَمْ يُقْبَلْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ الْأَمَانَةَ، وَلَا مَانِعَ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ أَحْضَرَهُ، وَقَالَ " هُوَ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ " فَفِي قَبُولِ الْمُقَرِّ لَهُ: أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ غَيْرُهُ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: الْإِطْلَاقُ إحْدَاهُمَا: لَا يُقْبَلُ ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَالْكَافِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ.
(12/191)
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي مِائَةٌ وَدِيعَةٌ بِشَرْطِ الضَّمَانِ " لَغَا وَصْفُهُ لَهَا بِالضَّمَانِ وَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ مِنْ مَالِي " أَوْ " فِي مَالِي " أَوْ " فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ " أَوْ " نِصْفُ دَارِي هَذِهِ " وَفَسَّرَهُ بِالْهِبَةِ، وَقَالَ " بَدَا لِي فِي تَقْبِيضِهِ " قُبِلَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْأُولَى وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ فِي غَيْرِ الْأُولَى وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ أَيْضًا: فِي قَوْلِهِ " لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفٌ " أَوْ " لَهُ نِصْفُ مَالِي إنْ مَاتَ " وَلَمْ يُفَسِّرْهُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْوَجِيزِ: إنْ قَالَ " لَهُ مِنْ مَالِي " أَوْ " فِي مَالِي " أَوْ " فِي مِيرَاثِي أَلْفٌ " أَوْ " نِصْفُ دَارِي هَذِهِ " إنْ مَاتَ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: فِي قَوْلِهِ " لَهُ نِصْفُ دَارِي " يَكُونُ هِبَةً وَتَقَدَّمَ
(12/192)
وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْوَصَايَا " هَذَا مِنْ مَالِي لَهُ " وَصِيَّةٌ وَ " هَذَا لَهُ " إقْرَارٌ، مَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْوَصِيَّةِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِي قَوْلِهِ " لَهُ أَلْفٌ فِي مَالِي " يَصِحُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اسْتَحَقَّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ، وَ " مِنْ مَالِي " وَعْدٌ قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ " مِنْ " وَ " فِي " فِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا يَكُونُ إقْرَارًا إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُفَسِّرْهُ بِالْهِبَةِ: يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: فَلَوْ فَسَّرَهُ بِدَيْنٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ: صَحَّ وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، لِلتَّنَاقُضِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ زَادَ عَلَى مَا قَالَهُ أَوَّلًا " بِحَقٍّ لَزِمَنِي " صَحَّ الْإِقْرَارُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو " فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ " فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ)
(12/193)
هَذَا الْمَذْهَبُ فَلَوْ فَسَّرَهُ بِإِنْشَاءِ هِبَةٍ: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إذَا قَالَ " لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ " أَوْ " فِي هَذِهِ التَّرِكَةِ أَلْفٌ " يَصِحُّ، وَيُفَسِّرُهَا قَالَ: وَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكَهُ " فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ " أَقَرَّ وَكَانَ مِلْكَهُ إلَى أَنْ أَقَرَّ " أَوْ قَالَ هَذَا مِلْكِي إلَى الْآنَ وَهُوَ لِفُلَانٍ " فَبَاطِلٌ وَلَوْ قَالَ " هُوَ لِفُلَانٍ، وَمَا زَالَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت " لَزِمَهُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ كَذَلِكَ قَالَ الْأَزَجِيُّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ " دَارِي لِفُلَانٍ " فَبَاطِلٌ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ عَارِيَّةً " ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْعَارِيَّةِ) وَكَذَا لَوْ قَالَ " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ هِبَةً أَوْ سُكْنَى " وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، فِي الْأُولَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَزَادَ قَوْلَ الْقَاضِي لِأَنَّ هَذَا بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ قَالَ الْقَاضِي: فِي هَذَا وَجْهٌ لَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مَنْعُ قَوْلِهِ " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ ثُلُثَاهَا " وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ صِحَّتَهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " هِبَةً سُكْنَى " أَوْ " هِبَةً عَارِيَّةً " عُمِلَ بِالْبَدَلِ
(12/194)
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بُطْلَانُ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِلرَّقَبَةِ وَبَقَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ " أَنَّهُ وَهَبَ " أَوْ " رَهَنَ وَأَقْبَضَ " أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ، وَقَالَ " مَا قَبَضْت، وَلَا أَقْبَضْت " وَسَأَلَ إحْلَافَ خَصْمِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَهُمَا رِوَايَتَانِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ رِوَايَتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ بَلْ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ " بَابِ الرَّهْنِ " مِنْ الْمُغْنِي وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ
(12/195)
نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ قَالَ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ: وَلَا يُشْبِهُ مَنْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ وَادَّعَى تَلْجِئَةً، إنْ قُلْنَا: يُقْبَلُ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَعْنًى آخَرَ لَمْ يَنْفِ مَا أَقَرَّ بِهِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إقْبَاضٍ ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَهُ، وَأَنَّهُ أَقَرَّ يَظُنُّ الصِّحَّةَ: كُذِّبَ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ هُوَ بِبُطْلَانِهِ وَكَذَا إنْ قُلْنَا: تُرَدُّ الْيَمِينُ فَحَلَفَ الْمُقِرُّ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا، ثُمَّ أَقَرَّ: أَنَّ الْمَبِيعَ لِغَيْرِهِ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ، وَلَزِمَتْهُ غَرَامَتُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَمْ يَكُنْ مِلْكِي، ثُمَّ مَلَكْته بَعْدُ " لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً، فَيُقْبَلُ ذَلِكَ (فَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ: أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ قَالَ " قَبَضْت ثَمَنَ مِلْكِي " أَوْ نَحْوَهُ: لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا)
(12/196)
لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِخِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ قَالَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ فَائِدَةٌ لَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ، أَوْ بِزَكَاةٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ: لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ: إنْ أَقَرَّ بِمَا لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُهُ: صَحَّ رُجُوعُهُ وَعَنْهُ: فِي الْحُدُودِ دُونَ الْمَالِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " غَصَبْت هَذَا الْعَبْدَ مِنْ زَيْدٍ، لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو " أَوْ " مِلْكُهُ لِعَمْرٍو وَغَصَبْته مِنْ زَيْدٍ، لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو " لَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَى زَيْدٍ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: دَفَعَهُ لِزَيْدٍ وَإِلَّا صَحَّ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ " الْأَدَمِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: لَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو وَقِيلَ: لَا إقْرَارَ مَعَ اسْتِدْرَاكٍ مُتَّصِلٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الصَّوَابُ فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " غَصَبْته مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبَهُ هُوَ مِنْ عَمْرٍو " أَوْ " هَذَا لِزَيْدٍ لَا بَلْ لِعَمْرٍو "
(12/197)
وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذِهِ الْأَخِيرَةِ.
وَأَمَّا إذَا قَالَ " مِلْكُهُ لِعَمْرٍو وَغَصَبْته مِنْ زَيْدٍ " فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَى زَيْدٍ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَقَالَ هَذَا: الْأَشْهَرُ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَى عَمْرٍو، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِزَيْدٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: الْعَبْدُ لِزَيْدٍ وَلَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ لِعَمْرٍو شَيْئًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " غَصَبْته مِنْ زَيْدٍ وَمِلْكُهُ لِعَمْرٍو " فَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ لِزَيْدٍ، وَلَمْ يَغْرَمْ لِعَمْرٍو شَيْئًا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَخَذَهُ زَيْدٌ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُقِرُّ لِعَمْرٍو شَيْئًا فِي الْأَشْهَرِ انْتَهَى وَقِيلَ: يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو كَالَّتِي قَبْلَهَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ " مِلْكُهُ لِعَمْرٍو وَغَصَبْته مِنْ زَيْدٍ " دَفَعَهُ إلَى زَيْدٍ وَقِيمَتَهُ إلَى عَمْرٍو
(12/198)
وَهَذَا مُوَافِقٌ لِإِحْدَى النُّسْخَتَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " غَصَبْته مِنْ أَحَدِهِمَا " أُخِذَ بِالتَّعْيِينِ فَيَدْفَعُهُ إلَى مَنْ عَيَّنَهُ، وَيَحْلِفُ الْآخَرُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ قَالَ " لَا أَعْلَمُ عَيْنَهُ " فَصَدَّقَاهُ: اُنْتُزِعَ مِنْ زَيْدٍ وَكَانَا خَصْمَيْنِ فِيهِ وَإِنْ كَذَّبَاهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) فَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً " أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِمَنْ هُوَ مِنْهُمَا " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ: أَنَّهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا " أَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْهُ مِنْهُ " قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " بَابِ الدَّعَاوَى " فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِ ثَالِثٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى رَجُلَانِ دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا: فَالْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ وَقِيلَ: إنْ أَضَافَا الشَّرِكَةَ إلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ كَشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ وَنَحْوِهِمَا فَالنِّصْفُ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فَلَا زَادَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ: وَلَمْ يَكُونَا قَبَضَاهُ بَعْدَ الْمِلْكِ لَهُ
(12/199)
وَتَابَعَهُمَا فِي الْوَجِيزِ عَلَى ذَلِكَ وَعَزَاهُ فِي الْمُحَرَّرِ إلَى الْقَاضِي قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ " هَذَا الْأَلْفُ لُقَطَةٌ فَتَصَدَّقُوا بِهِ " وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ: لَزِمَ الْوَرَثَةَ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ صَدَّقُوهُ أَوْ لَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَصَاحِبُ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِالتَّصَدُّقِ بِثُلُثِهَا، إنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ اللُّقَطَةُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ مِائَةً، فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَأَقَرَّ ابْنُهُ لَهُ بِهَا، ثُمَّ ادَّعَاهَا آخَرُ فَأَقَرَّ لَهُ: فَهِيَ لِلْأَوَّلِ وَيَغْرَمُهَا لِلثَّانِي) هَذَا الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الشَّارِحُ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ " هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ لَا بَلْ لِعَمْرٍو " انْتَهَى
(12/200)
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ فِي غَرَامَتِهَا لِلثَّانِي خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا مَعًا: فَهِيَ بَيْنَهُمَا) قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَيْضًا
قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ مِائَةً دَيْنًا فَأَقَرَّ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَقَرَّ لَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: فَهِيَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي: إذَا كَانَتْ الْمِائَةُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اشْتِرَاكُهُمَا إنْ تَوَاصَلَ الْكَلَامُ بِإِقْرَارَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ: هِيَ لِلْأَوَّلِ وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَا فِي مَجْلِسَيْنِ، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَ الْأَزَجِيُّ احْتِمَالًا بِالِاشْتِرَاكِ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ، كَإِقْرَارِ مَرِيضٍ لَهُمَا وَقَالَ الْأَزَجِيُّ أَيْضًا: لَوْ خَلَّفَ أَلْفًا فَادَّعَى إنْسَانٌ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِهَا، فَأَقَرَّ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ أَلْفًا دَيْنًا، فَأَقَرَّ لَهُ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهَا وَبَقِيَّتُهَا لِلثَّانِي وَقِيلَ: كُلُّهَا لِلثَّانِي
(12/201)
وَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا مَعًا: احْتَمَلَ أَنَّ رُبْعَهَا لِلْأَوَّلِ وَبَقِيَّتَهَا لِلثَّانِي انْتَهَى قُلْت: عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: يُعَايَى بِهَا
قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَمِائَتَيْنِ فَادَّعَى رَجُلٌ مِائَةً دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَصَدَّقَهُ أَحَدُ الِابْنَيْنِ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ: لَزِمَ الْمُقِرَّ نِصْفُهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَيَحْلِفُ الْغَرِيمُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَيَأْخُذُ مِائَةً، وَتَكُونُ الْمِائَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ) تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ " كِتَابِ الْإِقْرَارِ " عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ عَلَى مَوْرُوثِهِمْ بِدَيْنٍ: لَزِمَهُمْ قَضَاؤُهُ مِنْ التَّرِكَةِ " قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَعَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْ الْقِيمَةِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا فَقَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ " أَبِي أَعْتَقَ هَذَا فِي مَرَضِهِ " فَقَالَ الْآخَرُ " بَلْ أَعْتَقَ هَذَا الْآخَرَ " عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ وَصَارَ لِكُلِّ ابْنٍ سُدُسُ الَّذِي أَقَرَّ بِعِتْقِهِ وَنِصْفُ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا " أَبِي أَعْتَقَ هَذَا " وَقَالَ الْآخَرُ " أَبِي أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا، لَا أَدْرِي مَنْ مِنْهُمَا؟ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي اعْتَرَفَ الِابْنُ بِعِتْقِهِ: عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثَاهُ إنْ لَمْ يُجِيزَا عِتْقَهُ كَامِلًا وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ: كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ عَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الْعَبْدِ الثَّانِي سَوَاءٌ) قَالَ الشَّارِحُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ
(12/202)
وَقُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: تُعْطِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ " عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ " وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ صَحِيحَةٌ لَا أَعْلَمُ فِيهَا خِلَافًا لَكِنْ لَوْ رَجَعَ الِابْنُ الَّذِي جَهِلَ عَيْنَ الْمُعْتَقَ وَقَالَ " قَدْ عَرَفْته قَبْلَ الْقُرْعَةِ " فَهُوَ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ جَهْلٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقُرْعَةِ، فَوَافَقَهَا تَعْيِينُهُ: لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ وَإِنْ خَالَفَهَا: عَتَقَ مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ ثُلُثُهُ بِتَعْيِينِهِ فَإِنْ عَيَّنَ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخُوهُ: عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَإِنْ عَيَّنَ الْآخَرَ: عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُهُ وَهَلْ يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الَّذِي عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ
(12/203)
[بَابٌ الْإِقْرَارُ بِالْمُجْمَلِ]
ِ قَوْلُهُ {إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ " أَوْ " كَذَا " قِيلَ لَهُ: فَسِّرْ فَإِنْ أَبَى: حُبِسَ حَتَّى يُفَسِّرَ} . وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنُّكَتِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْعَلُ نَاكِلًا وَيُؤْمَرُ الْمُقِرُّ لَهُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ بَيَّنَ شَيْئًا وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ: ثَبَتَ، وَإِلَّا جُعِلَ نَاكِلًا وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِمَا قَالَهُ الْمُقِرُّ وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ كَذَا، وَكَذَا " وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ كَرَّرَ بِوَاوٍ فَلِلتَّأْسِيسِ، لَا لِلتَّأْكِيدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلُهُ {فَإِنْ مَاتَ أَخَذَ وَارِثُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَإِنْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ شَيْئًا: يُقْضَى مِنْهُ}
(12/204)
وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِحَدِّ قَذْفٍ، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ: إنْ صَدَّقَ الْوَارِثُ مَوْرُوثَهُ فِي إقْرَارِهِ: أُخِذَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعِنْدِي: إنْ أَبَى الْوَارِثُ أَنْ يُفَسِّرَهُ، وَقَالَ " لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ " حَلَفَ وَلَزِمَهُ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ لِفُلَانٍ بِشَيْءٍ قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَالَ فِي النُّكَتِ عَنْ اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا قَوْلًا ثَالِثًا؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ جِدًّا عَلَى الْمَذْهَبِ إذَا ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ، وَحَلَفَ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ فَعَلَى الْأَوَّلِ وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ كَانَ أَوْلَى.
فَائِدَةٌ لَوْ ادَّعَى الْمُقِرُّ قَبْلَ مَوْتِهِ عَدَمَ الْعِلْمِ بِمِقْدَارِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَحَلَفَ فَقَالَ فِي النُّكَتِ: لَمْ أَجِدْهَا فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ كَذَلِكَ، إذَا حَلَفَ " أَنْ لَا يَعْلَمَ " كَالْوَارِثِ
(12/205)
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ، لَيْسَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يُخَالِفُهُ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ النُّكَتِ وَتَابَعَ فِي الْفُرُوعِ صَاحِبَ الشَّرْحِ، وَذَكَرَ الِاحْتِمَالَ وَالِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ قُلْت: وَهَذَا الِاحْتِمَالُ عَيْنُ الصَّوَابِ
قَوْلُهُ {فَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ أَوْ مَالٍ: قُبِلَ وَإِنْ قَلَّ} بِلَا نِزَاعٍ
قَوْلُهُ {فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَقِشْرِ جَوْزَةٍ، أَوْ مَيْتَةٍ، أَوْ خَمْرٍ لَمْ يُقْبَلْ} هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَكَذَا لَوْ فَسَّرَهُ بِحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ نَحْوِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: فِي قَبُولِ تَفْسِيرِهِ بِالْمَيِّتَةِ: وَجْهَانِ وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ: الْخِلَافُ فِي كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَإِنْ قَالَ " حَبَّةُ حِنْطَةٍ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي: الْوَجْهَيْنِ فِي " حَبَّةِ حِنْطَةٍ " وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالْقَبُولِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ: يُقْبَلُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ، وَزَادَ: أَنَّهُ يَحْرُمُ أَخْذُهُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ وَإِنَّ قِلَّتَهُ لَا تَمْنَعُ طَلَبَهُ وَالْإِقْرَارَ بِهِ لَكِنْ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ تَرَدَّدَ: هَلْ يَعُودُ الْقَوْلُ إلَى حَبَّةِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ
(12/206)
فَقَطْ، أَوْ يَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ؟ فَدَخَلَ فِي الْخِلَافِ الْمَيْتَةُ وَالْخَمْرُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْحَبَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ خِلَافًا انْتَهَى قُلْت: الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ، وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الصُّوَرِ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا غَيْرَ الْمُتَمَوَّلِ قِشْرَ الْجَوْزَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ حَبَّةِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَهِيَ أَوْلَى أَنْ يَحْكِيَ فِيهَا الْخِلَافَ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ: الَّذِي لَيْسَ بِمَالٍ كَقِشْرِ الْجَوْزَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. الثَّانِيَةُ لَوْ فَسَّرَهُ بِرَدِّ السَّلَامِ، أَوْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، أَوْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، أَوْ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَنَحْوِهِ: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يُقْبَلُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ
قَوْلُهُ {وَإِنْ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ} يَعْنِي: الْمُقِرَّ {فَعَلَى وَجْهَيْنِ} إذَا فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ: فَفِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ
(12/207)
أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَالْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِي الْكَلْبِ الْمُبَاحِ نَفْعُهُ فَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُبَاحِ النَّفْعِ: لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ الْخِلَافَ فِي الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ فَسَّرَهُ بِجِلْدِ مَيْتَةٍ، تَنَجَّسَ بِمَوْتِهَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قَبْلَ دَبْغِهِ وَبَعْدَهُ وَقِيلَ: وَقُلْنَا: لَا يَطْهُرُ وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: قَبْلَ دَبْغِهِ وَبَعْدَهُ، وَقُلْنَا: لَا يَطْهُرُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ قَوْلٍ وَأَمَّا إذَا فَسَّرَهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي قَبُولِهِ بِهِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ
(12/208)
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ فِي الْوَارِثِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ شَارِحُ الْوَجِيزِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْقَبُولِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهِ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ: قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ بَعْضُ الْعَشَرَةِ " فَلَهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا شَاءَ مِنْهَا وَإِنْ قَالَ " شَطْرُهَا " فَهُوَ نِصْفُهَا وَقِيلَ: مَا شَاءَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا " ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ وَلَدِهِ: لَمْ يُقْبَلْ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ: فِي نَفْسِهِ وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ وَقِيلَ: بَلْ تَفْسِيرُهُ بِوَلَدِهِ
(12/209)
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فِي الْوَلَدِ وَجَزَمُوا بِعَدَمِ الْقَبُولِ فِي النَّفْسِ أَيْضًا فَوَائِدُ: إحْدَاهَا لَوْ فَسَّرَهُ بِخَمْرٍ وَنَحْوِهِ: قُبِلَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُبَاحُ نَفْعُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي: هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا قَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ مُسْلِمًا: لَزِمَهُ إرَاقَةُ الْخَمْرِ، وَقَتْلُ الْخِنْزِيرِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " غَصَبْتُك " قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِحَبْسِهِ وَسَجْنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْصِبُهُ نَفْسَهُ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: أَنَّهُ إنْ قَالَ " غَصَبْتُك " وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا: يُقْبَلُ بِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ عِنْدَ الْقَاضِي قَالَ: وَعِنْدِي لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِمَا هُوَ مُلْتَزَمٌ شَرْعًا وَذَكَرَهُ فِي مَكَان آخَرَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ مَالٌ " قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ وَالْأَشْبَهُ: وَبِأُمِّ وَلَدٍ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ كَالْقِنِّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ: قُلْت: وَيَحْتَمِلُ رَدَّهُ
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ " أَوْ " خَطِيرٌ " أَوْ " كَثِيرٌ "
(12/210)
أَوْ " جَلِيلٌ " قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ} هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قُبِلَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ شَيْئًا، أَوْ يُبَيِّنَ وَجْهَ الْكَثْرَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْعُرْفُ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ، كَيَسِيرِ اللُّقَطَةِ وَالدَّمِ الْفَاحِشِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ إلَى عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ عَلَى أَقَلِّ مُحْتَمَلَاتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ عِظَمَهُ عِنْدَهُ لِقِلَّةِ مَالٍ أَوْ خِسَّةِ نَفْسِهِ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِالْقَلِيلِ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي نَظْمِهِ انْتَهَى وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَالٍ عَظِيمٍ: أَنَّهُ لَزِمَهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ وَقَالَ " خَطِيرٌ " وَ " نَفِيسٌ " صِفَةٌ لَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا كَ " سَلِيمٌ " وَقَالَ: فِي " عَزِيزٌ " يُقْبَلُ فِي الْأَثْمَانِ الثِّقَالِ، أَوْ الْمُتَعَذِّرِ وُجُودُهُ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ وَلِهَذَا اعْتَبَرَ أَصْحَابُنَا الْمَقَاصِدَ وَالْعُرْفَ فِي الْأَيْمَانِ وَلَا فَرْقَ قَالَ: وَإِنْ قَالَ " عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ " قُبِلَ بِالْقَلِيلِ وَإِنْ قَالَ " عَظِيمٌ عِنْدِي " اُحْتُمِلَ كَذَلِكَ وَاحْتُمِلَ يُعْتَبَرُ حَالُهُ
(12/211)
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ " قُبِلَ تَفْسِيرُهَا بِثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا} وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ كَقَوْلِهِ " لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ " وَلَمْ يَقُلْ كَثِيرَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ يَلْزَمُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَوْقَ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ اللُّغَةُ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا بُدَّ لِلْكَثْرَةِ مِنْ زِيَادَةٍ وَلَوْ دِرْهَمٌ، إذْ لَا حَدَّ لِلْوَضْعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ وَفِي الْمُذْهَبِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ: احْتِمَالُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْقَلِيلِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ فِي قَوْلِهِ " عَلَيَّ دَرَاهِمُ " يَلْزَمُهُ فَوْقَ عَشَرَةٍ فَائِدَةٌ لَوْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِمَا يُوزَنُ بِالدَّرَاهِمِ عَادَةً كَإِبْرَيْسَمٍ وَزَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِمَا فَفِي قَبُولِهِ احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ بِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَالثَّانِي: يُقْبَلُ بِهِ
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٌ " أَوْ " كَذَا وَكَذَا " أَوْ " كَذَا كَذَا دِرْهَمٌ " بِالرَّفْعِ: لَزِمَهُ دِرْهَمٌ} إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٌ " أَوْ " كَذَا كَذَا دِرْهَمٌ " بِالرَّفْعِ فِيهِمَا: لَزِمَهُ دِرْهَمٌ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ
(12/212)
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ " كَذَا كَذَا دِرْهَمًا " بِالنَّصْبِ وَيَأْتِي " لَوْ قَالَ: كَذَا أَوْ كَذَا دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قَالَ " كَذَا وَكَذَا دِرْهَمٌ " بِالرَّفْعِ: لَزِمَهُ دِرْهَمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ أَيْضًا وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَبَعْضُ آخَرَ يُفَسِّرُهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ أَيْضًا قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ بِالْخَفْضِ: لَزِمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ، يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ} يَعْنِي: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٍ " أَوْ " كَذَا وَكَذَا دِرْهَمٍ " أَوْ " كَذَا كَذَا دِرْهَمٍ " بِالْخَفْضِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ: إنْ كَرَّرَ الْوَاوَ: لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَبَعْضُ آخَرَ يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ
(12/213)
فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ ذَلِكَ وَوَقَفَ عَلَيْهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ قَالَهُ بِالْخَفْضِ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِبَعْضِ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَيَتَوَجَّهُ مُوَافَقَةُ الْأَوَّلِ فِي الْعَالِمِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَمُوَافَقَةُ الثَّانِي فِي الْجَاهِلِ بِهَا قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " كَذَا دِرْهَمًا " بِالنَّصْبِ: لَزِمَهُ دِرْهَمٌ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي عَرَبِيٍّ يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمَيِّزُهُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي جَاهِلِ الْعُرْفِ قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا} بِالنَّصْبِ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ " كَمَا اخْتَارَهُ فِي الرَّفْعِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ هُنَا أَيْضًا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ
(12/214)
وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الرَّفْعِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَكَذَا فِي الْخَفْضِ فَإِنَّهُ مَرَّةً قَدَّمَ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَدَّمَ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَبَعْضُ آخَرَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ، وَبَعْضُ آخَرَ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ هُنَا دِرْهَمَانِ وَيَلْزَمُهُ فِيمَا إذَا قَالَ بِالرَّفْعِ: دِرْهَمٌ وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ " رَجَعَ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَجْنَاسٍ: قُبِلَ مِنْهُ} بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ فَسَّرَهُ بِنَحْوِ كِلَابٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَصَحَّحَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْمَالِ
(12/215)
قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ " أَوْ " أَلْفٌ وَدِينَارٌ " أَوْ " أَلْفٌ وَثَوْبٌ " أَوْ " فَرَسٌ " أَوْ " دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ " أَوْ " دِينَارٌ وَأَلْفٌ " فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي: الْأَلْفُ مِنْ جِنْسِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَقَالَ التَّمِيمِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهِ وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ مَعَ الْعَطْفِ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: أَنَّهُ بِلَا عَطْفٍ لَا يُفَسِّرُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ: مَعَ الْعَطْفِ لَا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَ الْأَلْفَ بِقِيمَةِ شَيْءٍ، إذَا خَرَجَ مِنْهَا الدِّرْهَمُ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.
فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ " فَهُوَ مِنْ دِرْهَمٍ
(12/216)
وَقِيلَ: لَهُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِهِ وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ كَمِائَةٍ وَدِرْهَمٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا " أَوْ " خَمْسُونَ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ " فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ {وَيَحْتَمِلُ عَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إلَيْهِ} قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ: احْتَمَلَ عَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ أَنْ يَلْزَمَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إلَيْهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دَرَاهِمَ زَادَ فِي الْهِدَايَةِ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ ذَكَرَ الدَّرَاهِمَ لِلْإِيجَابِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِلتَّفْسِيرِ وَذَكَرَ الدِّرْهَمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ لِلتَّفْسِيرِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ لَهُ زِيَادَةٌ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِينَ وَوَجَبَ بِقَوْلِهِ: دِرْهَمٌ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَلْفِ انْتَهَى قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَقَالَ التَّمِيمِيُّ: يُرْجَعُ إلَى تَفْسِيرِهِ مَعَ الْعَطْفِ، دُونَ التَّمْيِيزِ وَالْإِضَافَةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا " فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ} هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ
(12/217)
وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهَا إلَيْهِ وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ فَسَّرَ الْأَلْفَ بِجَوْزٍ أَوْ بَيْضٍ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِقِيمَةِ الدِّرْهَمِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ: صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا النِّصْفُ فَاحْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَلْزَمُهُ مَا فَسَّرَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ " لَهُ عِنْدِي دِرْهَمٌ، إلَّا دِرْهَمًا " وَالثَّانِي: يُطَالَبُ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ، بِحَيْثُ يَخْرُجُ قِيمَةُ الدِّرْهَمِ، وَيَبْقَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ قَالَ: وَكَذَا قَوْلُهُ " دِرْهَمٌ إلَّا أَلْفٌ " فَيُقَالُ لَهُ " فَسِّرْ " بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ الدِّرْهَمِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَذَا " الْأَلْفُ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ " يُفَسِّرُ الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ عَلَى مَا مَرَّ انْتَهَى فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " لَهُ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ " فَإِنْ رَفَعَ الدِّينَارَ: فَوَاحِدٌ وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَإِنْ نَصَبَهُ نَحْوِيٌّ: فَمَعْنَاهُ إلَّا اثْنَيْ عَشَرَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ شِرْكٌ " أَوْ " هُوَ شَرِيكِي فِيهِ أَوْ " هُوَ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا " رَجَعَ فِي تَفْسِيرِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إلَيْهِ} وَكَذَا قَوْلُهُ " هُوَ لِي وَلَهُ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا قُلْت: لَوْ قِيلَ: هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، كَانَ لَهُ وَجْهٌ
(12/218)
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ النُّكَتِ قَالَ: وَقِيلَ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا سَوَاءً نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَعَزَاهُ إلَى الرِّعَايَةِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ قَالَ " لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ سَهْمٌ " رُجِعَ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَهُ سُدُسُهُ كَالْوَصِيَّةِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَلَوْ قَالَ " لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ " " قِيلَ لَهُ: فَسِّرْهُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ عِنْدَهُ بِالْأَلْفِ، فَقِيلَ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ كَجِنَايَتِهِ وَكَقَوْلِهِ " نَقَدَهُ فِي ثَمَنِهِ " أَوْ " اشْتَرَى رُبْعَهُ بِالْأَلْفِ " أَوْ " لَهُ فِيهِ شِرْكٌ " وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ " إنْ أَقْرَرْت بِك لِزَيْدٍ، فَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ إقْرَارِي " فَأَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ: صَحَّ الْإِقْرَارُ دُونَ الْعِتْقِ وَإِنْ قَالَ " فَأَنْتَ حُرٌّ سَاعَةَ إقْرَارِي " لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ وَلَا الْعِتْقُ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ " لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى بَيْعِهِ، مُحَرَّرًا
(12/219)
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ " قِيلَ لَهُ: " فَسِّرْهُ " فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ قَدْرًا: قُبِلَ وَإِنْ قَلَّ} بِلَا نِزَاعٍ {وَإِنْ قَالَ " أَرَدْت أَكْثَرَ بَقَاءً وَنَفْعًا؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ أَنْفَعُ مِنْ الْحَرَامِ " قُبِلَ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ عَلِمَ مَالَ فُلَانٍ أَوْ جَهِلَهُ، ذَكَرَ قَدْرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ} هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَجَرَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ {وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ قَدْرًا بِكُلِّ حَالٍ} وَلَوْ بِحَبَّةِ بُرٍّ قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ قَدْرًا لِأَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ السَّابِقِ إلَى الْفَهْمِ قَالَ النَّاظِمُ: وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ قَدْرًا مَعَ عِلْمِهِ بِهِ فَقَطْ
قَوْلُهُ {وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا فَقَالَ " لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِكَ " وَقَالَ " أَرَدْت التَّهَزِّيَ " لَزِمَهُ حَقٌّ لَهُمَا، يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ
(12/220)
قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَهُوَ أَوْلَى انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَوْلَى وَفِي الْآخَرِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " لِي عَلَيْك أَلْفٌ " فَقَالَ " أَكْثَرُ " لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَكْثَرُ وَيُفَسِّرُهُ وَخَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ
قَوْلُهُ {إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ " لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ} لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَقَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ " لَزِمَهُ تِسْعَةٌ} هَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قَالَ فِي النُّكَتِ: هُوَ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ
(12/221)
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ عَشَرَةٌ وَهُوَ رِوَايَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ قَوْلًا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ قِيَاسَ هَذَا الْقَوْلِ: يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَعَشَرَةٌ وَالْعَطْفُ بِهِ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ. انْتَهَى وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ جَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَقَالَ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا بَعْدَ الْوَاحِدِ قَالَ الْأَزَجِيُّ: كَالْبَيْعِ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يَجْمَعَ مَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ مِنْ الْأَعْدَادِ فَإِذَا قَالَ " مِنْ وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ " لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ إنْ أَدْخَلْنَا الطَّرَفَيْنِ، وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ إنْ أَدْخَلْنَا الْمُبْتَدَأَ فَقَطْ، وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ إنْ أَخْرَجْنَاهُمَا.
وَمَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ عَلَى قَاعِدَتِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ عُرْفَ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْإِقْرَارِ عُرْفُ الْمُتَكَلِّمِ وَنُنَزِّلُهُ عَلَى أَقَلِّ مُحْتَمَلَاتِهِ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا: يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ إنْ أَرَادَ مَجْمُوعَ الْأَعْدَادِ وَطَرِيقُ ذَلِكَ: أَنْ تَزِيدَ أَوَّلَ الْعَدَدِ وَهُوَ وَاحِدٌ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَتَضْرِبَهَا فِي نِصْفِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَمَا بَلَغَ: فَهُوَ الْجَوَابُ وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ عَلَى الْقَوْلِ بِتِسْعَةٍ أَنْ يَلْزَمَهُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَعَلَى الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَهُوَ أَظْهَرُ
(12/222)
وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ تَابَعَ الْمُغْنِيَ وَاقْتَصَرَ عَلَى خَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ وَالتَّفْرِيعُ يَقْتَضِي مَا قُلْنَاهُ انْتَهَى.
فَوَائِدُ الْأُولَى لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ " لَزِمَهُ تِسْعَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ، كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا سَوَاءٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَهُنَّ شَارِحُ الْوَجِيزِ وَقِيلَ: فِيهَا رِوَايَتَانِ وَهُمَا لُزُومُ تِسْعَةٍ وَعَشَرَةٍ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ هُنَا: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِيهَا: مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَلَيْسَ هُنَا ابْتِدَاءُ غَايَةٍ وَانْتِهَاءُ الْغَايَةِ فَرْعٌ عَلَى ثُبُوتِ ابْتِدَائِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ " مَا بَيْنَ كَذَا وَبَيْنَ كَذَا " وَلَوْ كَانَتْ هُنَا " إلَى " لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَمَا بَعْدَهَا لَا يَدْخُلُ فِيمَا قَبْلَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدِي انْتَهَى فَتَلَخَّصَ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا
(12/223)
وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ هُنَا ثَمَانِيَةٌ، وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ هُنَاكَ تِسْعَةً أَوْ عَشَرَةً وَهُوَ أَوْلَى. الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي مَا بَيْنَ عَشَرَةٍ إلَى عِشْرِينَ " أَوْ " مِنْ عَشَرَةٍ إلَى عِشْرِينَ " لَزِمَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَعِشْرُونَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُ: وَقِيَاسُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيَاسُ الثَّانِي: أَنْ يَلْزَمَهُ ثَلَاثُونَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَحَدَ عَشَرَ.
الثَّالِثَةُ لَوْ قَالَ " لَهُ مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذِهِ الْحَائِطِ " فَقَالَ فِي النُّكَتِ: كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي: أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: أَنَّ الْحَائِطِينَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ وَجَعَلَهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ فِي حُجَّةِ زُفَرَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَدَدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ابْتِدَاءٍ يَنْبَنِي عَلَيْهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ الْقَاضِي، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ شَعِيرٍ إلَى كُرِّ حِنْطَةٍ " لَزِمَهُ كُرُّ شَعِيرٍ، وَكُرُّ حِنْطَةٍ، إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ، عَلَى قِيَاسِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ: إنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ هُنَاكَ عَشَرَةٌ لَزِمَهُ هُنَا كُرَّانِ وَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ: لَزِمَهُ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزًا شَعِيرًا
(12/224)
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يَتَخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، إنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ: لَزِمَهُ الْكُرَّانِ وَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ: لَزِمَهُ كُرَّانِ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَزِمَهُ الْكُرَّانِ وَقِيلَ: إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ، إنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ: هُوَ قِيَاسُ الثَّانِي فِي الْأَوْلَى وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ: هَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ بِمُعَوَّدٍ فَإِنَّهُ إنْ قَالَ لَهُ " عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ " فَالْوَاجِبُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِمَا وَهُوَ قِيَاسُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَاخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ انْتَهَى
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ فَوْقَهُ، أَوْ تَحْتَهُ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ، أَوْ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ} إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ مَعَ دِرْهَمٍ، أَوْ فَوْقَهُ، أَوْ تَحْتَهُ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: أَصَحُّهُمَا دِرْهَمَانِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ
(12/225)
وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ.
قَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ مَعَ دِرْهَمٍ " لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَقَطَعَ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِهِ " دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ " دِرْهَمَانِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي " فَوْقَ " وَ " تَحْتَ " قَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ " فِي دِرْهَمٍ قَبْلَ دِرْهَمٍ، أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ " احْتِمَالَيْنِ قَالَ فِي النُّكَتِ: كَذَا ذَكَرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: لَا أَدْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ " دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ " فِي لُزُومِهِ دِرْهَمَيْنِ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَبَيْنَ " دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ " وَنَحْوِهِ فِي لُزُومِهِ دِرْهَمًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ إلَى نَظَرِهِ فِيهِمَا نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ انْتَهَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ فِي " لَهُ دِرْهَمٌ قَبْلَ دِرْهَمٍ أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ " احْتِمَالَانِ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ
(12/226)
مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ وَشَرْحُ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ " وَأَطْلَقَ: لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ " دِرْهَمَانِ " لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَالثَّالِثُ مُحْتَمَلٌ وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: فَهَلْ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَنَزَّلَهَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ: عَطْفُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي انْتَهَى.
جَزَمَ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ: إنْ قَالَ " أَرَدْت بِالثَّالِثِ تَأْكِيدَ الثَّانِي وَثُبُوتَهُ " قُبِلَ وَفِيهِ ضَعْفٌ انْتَهَى وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَيَأْتِي قَرِيبًا: إذَا أَرَادَ تَأْكِيدَ الثَّانِي بِالثَّالِثِ
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ، بَلْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، لَكِنْ دِرْهَمٌ " فَهَلْ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ}
(12/227)
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَحَكَاهُمَا فِي التَّلْخِيصِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي " دِرْهَمٌ، بَلْ دِرْهَمٌ " رِوَايَتَانِ فَوَائِدُ لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، فَدِرْهَمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: دِرْهَمٌ فَقَطْ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ نَوَى " فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لِي " أَوْ كَرَّرَ بِعَطْفٍ ثَلَاثًا، وَلَمْ يُغَايِرْ حُرُوفَ الْعَطْفِ، أَوْ قَالَ " لَهُ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ " وَنَوَى بِالثَّالِثِ تَأْكِيدَ الثَّانِي وَقِيلَ: أَوْ أَطْلَقَ بِلَا عَطْفٍ فَقِيلَ: يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: وَلَوْ قَالَ " دِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ " وَأَرَادَ بِالثَّالِثِ: تَكْرَارَ الثَّانِي وَتَوْكِيدَهُ: قُبِلَ وَإِنْ أَرَادَ تَكْرَارَ الْأَوَّلِ: لَمْ يُقْبَلْ، لِدُخُولِ الْفَاصِلِ
(12/228)
وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ " وَأَرَادَ بِالثَّالِثِ: تَأْكِيدَ الثَّانِي، فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ انْتَهَى وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَرَادَ بِالثَّالِثِ: تَكْرَارَ الثَّانِي وَتَوْكِيدَهُ: صُدِّقَ وَوَجَبَ اثْنَانِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ لَوْ نَوَى " فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لِي " وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ وَرَجَّحَهُ فِي الْكَافِي فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ غَايَرَ حُرُوفَ الْعَطْفِ، وَنَوَى بِالثَّالِثِ تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِلْمُغَايَرَةِ وَلِلْفَاصِلِ وَأَطْلَقَ الْأَزَجِيُّ احْتِمَالَيْنِ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، وَالطَّلَاقُ إنْشَاءٌ قَالَ: وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ إنْ صَحَّ صَحَّ فِي الْكُلِّ، وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ قَوْلًا فِي " دِرْهَمٌ فَقَفِيزٌ " أَنَّهُ يَلْزَمُ الدِّرْهَمُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: قَفِيزَ بُرٍّ خَيْرٌ مِنْهُ
(12/229)
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي الْوَاوِ وَغَيْرِهَا
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " قَفِيزُ حِنْطَةٍ، بَلْ قَالَ قَفِيزُ شَعِيرٍ، أَوْ دِرْهَمٌ بَلْ دِينَارٌ " لَزِمَاهُ مَعًا} هَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الشَّعِيرُ وَالدِّينَارُ فَقَطْ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَبُولُ قَوْلِهِ فِي الْإِضْرَابِ مَعَ الِاتِّصَالِ فَقَطْ ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا وَمِمَّا قَبْلَهُ هَلْ يُقَالُ: لَا يُقْبَلُ الْإِضْرَابُ مُطْلَقًا؟ وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَوْ يُقْبَلُ مُطْلَقًا؟ أَوْ يُقْبَلُ مَعَ الِاتِّصَالِ فَقَطْ؟ أَوْ يُقْبَلُ مَعَ الِاتِّصَالِ ضِرَابُهُ عَنْ الْبَعْضِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ وَقَوْلٌ خَامِسٌ وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ يُقْبَلُ مَعَ تَغَايُرِ الْجِنْسِ، لَا مَعَ اتِّحَادِهِ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَهُ إلَى جِنْسٍ آخَرَ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ " لَزِمَهُ دِرْهَمٌ} بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ إنْ فَسَّرَهُ بِالسَّلَمِ، فَصَدَّقَهُ: بَطَلَ إنْ تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ
(12/230)
وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ رَهَنْت بِهِ الدِّينَارَ عِنْدَهُ " فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ قَالَ " دِرْهَمٌ فِي ثَوْبٍ " وَفَسَّرَهُ بِالسَّلَمِ فَإِنْ قَالَ " فِي ثَوْبٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ إلَى سَنَةٍ، فَصَدَّقَهُ " بَطَلَ إقْرَارُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَا الدِّرْهَمُ وَإِنْ قَالَ " ثَوْبٌ قَبَضْته فِي دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ " فَالثَّوْبُ مَالُ السَّلَمِ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ فَيَلْزَمُهُ الدِّرْهَمُ
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ " لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحِسَابَ، فَيَلْزَمَهُ عَشَرَةٌ} أَوْ يُرِيدَ الْجَمْعَ، فَيَلْزَمَهُ أَحَدَ عَشَرَ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ قَوْلِهِ دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ كَذَا دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ فَإِنْ خَالَفَهُ عُرْفٌ فَفِي لُزُومِهِ بِمُقْتَضَاهُ: وَجْهَانِ وَيَعْمَلُ بِنِيَّةِ حِسَابٍ وَيَتَوَجَّهُ فِي جَاهِلٍ الْوَجْهَانِ، وَبِنِيَّةِ جَمْعٍ، وَمِنْ حَاسِبٍ وَفِيهِ احْتِمَالَانِ انْتَهَى وَصَحَّحَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ لُزُومَ مُقْتَضَى الْعُرْفِ أَوْ الْحِسَابِ، إذَا كَانَ عَارِفًا بِهِ
قَوْلُهُ {فَإِنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ " أَوْ " سِكِّينٌ فِي قِرَابٍ " أَوْ " ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ " أَوْ " عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ " أَوْ " دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ " فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا بِالظَّرْفِ وَالْعِمَامَةِ وَالسَّرْجِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ} وَكَذَا قَوْلُهُ " لَهُ رَأْسٌ وَأَكَارِعُ فِي شَاةٍ " أَوْ " نَوَى فِي تَمْرٍ " ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ
(12/231)
وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ " أَوْ " سَيْفٌ فِي قِرَابٍ " أَوْ " ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ " أَوْ " زَيْتٌ فِي جَرَّةٍ " أَوْ " جِرَابٌ فِيهِ تَمْرٌ " أَوْ " قِرَابٌ فِيهِ سَيْفٌ " أَوْ " مِنْدِيلٌ فِيهَا ثَوْبٌ " أَوْ " كِيسٌ فِيهِ دَرَاهِمُ " أَوْ " جَرَّةٌ فِيهَا زَيْتٌ " أَوْ " عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ " أَوْ " دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ " أَوْ " مِسْرَجَةٌ " أَوْ " فَصٌّ فِي خَاتَمٍ " فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْأَوَّلِ وَفِي الثَّانِي: وَجْهَانِ وَقِيلَ: إنْ قَدَّمَ الْمَظْرُوفَ، فَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ: فَهُوَ مُقِرٌّ بِالظَّرْفِ وَحْدَهُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: فِي الْكُلِّ خِلَافٌ انْتَهَى أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ: أَشْهَرُهُمَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمَظْرُوفِ دُونَ ظَرْفِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ انْتَهَى.
وَقَالَهُ أَيْضًا فِي النُّكَتِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ مُقِرًّا بِهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي، إلَّا إنْ حَلَفَ " مَا قَصَدْته " انْتَهَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي قِرَابٍ " لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْقِرَابِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ
(12/232)
وَلَوْ قَالَ " سَيْفٌ بِقِرَابٍ " كَانَ مُقِرًّا بِهِمَا وَمِثْلُهُ " دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ " وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ: إنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ " أَوْ " سَيْفٌ فِي قِرَابٍ " أَوْ " ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ " فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْمَظْرُوفِ دُونَ الظَّرْفِ ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا بِهِمَا فَإِنْ قَالَ " عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ " أَوْ " دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ " احْتَمَلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْعِمَامَةُ وَالسَّرْجُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ انْتَهَى وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَكُونُ مُقِرًّا بِالْعِمَامَةِ وَالسَّرْجِ قَالَهُ فِي النُّكَتِ وَمَسْأَلَةُ الْعِمَامَةِ رَأَيْتهَا فِي الْمُغْنِي وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ مَا يَتَّصِلُ بِظَرْفِهِ عَادَةً أَوْ خِلْقَةً، فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهِ دُونَ مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ عَادَةً قَالَ: وَيَحْتَمِلُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي تَابِعًا لِلْأَوَّلِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهِ كَ " تَمْرٍ فِي جِرَابٍ " أَوْ " سَيْفٍ فِي قِرَابٍ " وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ، كَ " نَوًى فِي تَمْرٍ " وَ " رَأْسٍ فِي شَاةٍ " انْتَهَى
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي خَاتَمٌ فِيهِ فَصٌّ " كَانَ مُقِرًّا بِهِمَا} هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ لُزُومُهُمَا لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا قَالَ الشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ
(12/233)
وَحَكَى فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا فِيهَا الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَالَ: مِثْلُهُ " جِرَابٌ فِيهِ تَمْرٌ " وَ " قِرَابٌ فِيهِ سَيْفٌ "
قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " فَصٌّ فِي خَاتَمٍ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ} وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْخَاتَمِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ وَقَالَهُ فِي النُّكَتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ مُقِرًّا بِهِمَا قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي، إلَّا إنْ حَلَفَ " مَا قَصَدْته " وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ مِثْلُ قَوْلِهِ " عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ " أَوْ " سِكِّينٌ فِي قِرَابٍ " وَنَحْوِهِمَا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: خِلَافًا وَمَذْهَبًا فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي دَارٌ مَفْرُوشَةٌ " لَمْ يَلْزَمْهُ الْفُرُشُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ
(12/234)
جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِهِ وَقِيلَ: يَكُونُ مُقِرًّا بِالْفِرَاشِ أَيْضًا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي عَبْدٌ بِعِمَامَةٍ " أَوْ " بِعِمَامَتِهِ " أَوْ " دَابَّةٌ بِسَرْجٍ " أَوْ " بِسَرْجِهَا " أَوْ " سَيْفٌ بِقِرَابٍ " أَوْ " بِقِرَابِهِ " أَوْ " دَارٌ بِفُرُشِهَا " أَوْ " سُفْرَةٌ بِطَعَامِهَا " أَوْ " سَرْجٌ مُفَضَّضٌ " أَوْ " ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ " لَزِمَهُ مَا ذَكَرَهُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَمِنْهَا: لَوْ أَقَرَّ بِخَاتَمٍ ثُمَّ جَاءَ بِخَاتَمٍ فِيهِ فَصٌّ، وَقَالَ " مَا أَرَدْت الْفَصَّ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا: دُخُولُهُ لِشُمُولِ الِاسْمِ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ
وَقَالَ: لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ " فَهَلْ يَدْخُلُ الْجَنِينُ فِي الْإِقْرَارِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ ذَكَرَهُمَا فِي أَوَائِلِ " كِتَابِ الْعِتْقِ " فَقَالَ: وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأُمِّ فَاحْتِمَالَانِ فِي دُخُولِ الْجَنِينِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي جَنِينٌ فِي دَابَّةٍ " أَوْ " فِي جَارِيَةٍ " أَوْ " لَهُ دَابَّةٌ فِي بَيْتٍ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالدَّابَّةِ وَالْجَارِيَةِ وَالْبَيْتِ
(12/235)
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ " غَصَبْت مِنْهُ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ " أَوْ " زَيْتًا فِي زِقٍّ " وَنَحْوَهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَمِنْ الْعَجَبِ: حِكَايَةُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّهُمَا يَلْزَمَانِهِ وَأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ " غَصَبْته " أَوْ " أَخَذْت مِنْهُ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ " وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ " لَهُ عِنْدِي ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ " فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي: أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ فِي الْمِنْدِيلِ وَقْتَ الْأَخْذِ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا وَكِلَاهُمَا مَغْصُوبٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ " لَهُ عِنْدِي " فَإِنَّهُ يَقْتَضِي: أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ لَهُ انْتَهَى
وَمِنْهَا: لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِنَخْلَةٍ، لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِأَرْضِهَا وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهَا وَثَمَرَتُهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَفِي الِانْتِصَارِ: احْتِمَالُ أَنَّهَا كَالْبَيْعِ يَعْنِي: إنْ كَانَ لَهَا ثَمَرٌ بَادٍ: فَهِيَ لِلْمُقِرِّ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ أَقَرَّ بِهَا: هِيَ لَهُ بِأَصْلِهَا قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَرْضَهَا وَيَحْتَمِلُ: لَا وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَخْرُجُ: هَلْ لَهُ إعَادَةُ غَيْرِهَا أَمْ لَا؟ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: اخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: وَالْبَيْعُ مِثْلُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ
(12/236)
يَعْنِي: عَنْ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ، لِذِكْرِهِ: أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قَالَ: وَرِوَايَةُ مُهَنَّا هِيَ لَهُ بِأَصْلِهَا فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ سَقَطَتْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعُهَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ مِنْ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَمِنْهَا: لَوْ أَقَرَّ بِبُسْتَانٍ: شَمِلَ الْأَشْجَارَ وَلَوْ أَقَرَّ بِشَجَرَةٍ شَمِلَ الْأَغْصَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَهَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ جَمْعُهُ وَتَصْحِيحُهُ وَاَللَّهَ نَسْأَلُ: أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ نَافِعًا لِلنَّاظِرِ فِيهِ مُصْلِحًا مَا فِيهِ مِنْ سَقِيمٍ
(12/237)
[قَاعِدَةٌ نَافِعَةٌ جَامِعَةٌ لِصِفَةِ الرِّوَايَاتِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ]
َ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَوْجُهِ وَالِاحْتِمَالَاتِ الْوَارِدَةِ عَنْ أَصْحَابِهِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَغَفَرَ لَنَا وَلَهُمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
(12/239)
فَكَلَامُهُ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا أَوْ تَنْبِيهًا كَقَوْلِنَا " أَوْمَأَ إلَيْهِ " أَوْ " أَشَارَ إلَيْهِ " أَوْ " دَلَّ كَلَامُهُ عَلَيْهِ " أَوْ " تَوَقَّفَ فِيهِ " وَنَحْوُ ذَلِكَ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَمَذْهَبُهُ:
2 - مَا قَالَهُ بِدَلِيلٍ وَمَاتَ قَائِلًا بِهِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: مَذْهَبُ الْإِنْسَانِ: مَا قَالَهُ، أَوْ جَرَى مَجْرَاهُ، مِنْ تَنْبِيهٍ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى.
3 - وَفِيمَا قَالَهُ قَبْلَهُ بِدَلِيلٍ يُخَالِفُهُ أَوْجُهٌ: النَّفْيُ، وَالْإِثْبَاتُ وَالثَّالِثُ: إنْ رَجَعَ عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَذْهَبُهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا قُلْت: الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّانِيَ: مَذْهَبُهُ اخْتَارَهُ فِي التَّمْهِيدِ، وَالرَّوْضَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ مَذْهَبُ كُلِّ أَحَدٍ عُرْفًا وَعَادَةً مَا اعْتَقَدَهُ جَزْمًا أَوْ ظَنًّا انْتَهَى.
4 - فَإِذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلَانِ صَرِيحَانِ، مُخْتَلِفَانِ فِي وَقْتَيْنِ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ: فَالثَّانِي فَقَطْ مَذْهَبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ: وَالْأَوَّلُ، إنْ جُهِلَ رُجُوعُهُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ وَقِيلَ: أَوْ عُلِمَ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ مُحَرَّرًا مُسْتَوْفًى.
(12/241)
فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُحْمَلُ عَامُّ كَلَامِهِ لَهُ عَلَى خَاصِّهِ، وَمُطْلَقُهُ عَلَى مُقَيَّدِهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَذْهَبَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَصَحَّحَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ وَقِيلَ: لَا يُحْمَلُ انْتَهَى فَيُعْمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلِّهِ، وَفَاءً بِاللَّفْظِ.
6 - وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ، فَمَذْهَبُهُ: أَقْرَبُهُمَا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ أَثَرٍ، أَوْ قَوَاعِدِهِ، أَوْ عَوَائِدِهِ، أَوْ مَقَاصِدِهِ، أَوْ أَدِلَّتِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: إنْ لَمْ يُجْعَلْ أَوَّلُ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا لَهُ مَعَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ فَيَكُونُ هَذَا الرَّاجِحَ: كَالْمُتَأَخِّرِ فِيمَا ذَكَرْنَا، إذَا جُهِلَ رُجُوعُهُ عَنْهُ قُلْت: وَيَحْتَمِلُ الْوَقْفَ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الرَّاجِحِ وَإِنْ جَعَلْنَا أَوَّلَهُمَا ثَمَّ مَذْهَبًا لَهُ، فَهُنَا أَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الرَّاجِحُ مُتَأَخِّرًا.
انْتَهَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ جُهِلَ، فَمَذْهَبُهُ أَقْرَبُهُمَا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَقَوَاعِدِهِ وَإِنْ تَسَاوَيَا نَقْلًا وَدَلِيلًا: فَالْوَقْفُ أَوْلَى قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ التَّخْيِيرَ إذَنْ وَالتَّسَاقُطَ.
7 - فَإِنْ اتَّحَدَ حُكْمُ الْقَوْلَيْنِ دُونَ الْفِعْلِ كَإِخْرَاجِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ عَنْ مِائَتَيْ بَعِيرٍ، وَكُلِّ وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ أَوْ مُخَيَّرٍ: خُيِّرَ الْمُجْتَهِدُ بَيْنَهُمَا وَلَهُ أَنْ يُخَيِّرَ الْمُقَلِّدَ بَيْنَهُمَا، إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُجْتَهِدُ حَاكِمًا.
8 - وَإِنْ مَنَعْنَا تَعَادُلَ الْأَمَارَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْهُ فَلَا وَقْفَ وَلَا تَخْيِيرَ، وَلَا تَسَاقُطَ أَيْضًا وَيُعْمَلُ بِالرَّاجِحِ رُوَاةً، أَوْ بِكَثْرَةٍ، أَوْ شُهْرَةٍ، أَوْ عِلْمٍ، أَوْ وَرَعٍ وَيُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ عَلَى الْأَوْرَعِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ
(12/242)
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ فِي آدَابِ الْإِفْتَاءِ، فِي " بَابِ الْقَضَاءِ "
9 - فَإِنْ وَافَقَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مَذْهَبَ غَيْرِهِ: فَهَلْ الْأَوْلَى مَا وَافَقَهُ، أَوْ مَا خَالَفَهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: الْأَوْلَى مَا وَافَقَهُ وَحَكَى الْخِلَافَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ: وَهَذِهِ التَّرَاجِيحُ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَمَا رَجَّحَهُ الدَّلِيلُ مُقَدَّمٌ عِنْدَهُمْ وَهُوَ أَوْلَى.
10 - وَإِنْ عُلِمَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ: فَكَمَا لَوْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَحْتَمِلُ الْوَقْفَ.
11 - وَيُخَصُّ عَامُّ كَلَامِهِ بِخَاصِّهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَصَحَّحَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: لَا يَخْتَصُّ.
12 - وَالْمَقِيسُ عَلَى كَلَامِهِ: مَذْهَبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَذْهَبُهُ فِي الْأَشْهَرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَثْرَمِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِمَا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَقِيلَ: لَا يَكُونُ مَذْهَبُهُ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا مِثْلُ الْخَلَّالِ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيمِ، وَسَائِرِ مَنْ شَاهَدْنَاهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ وَأَنْكَرُوا
(12/243)
عَلَى الْخِرَقِيِّ مَا رَسَمَهُ فِي كِتَابِهِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاسَ عَلَى قَوْلِهِ. انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ.
13 - وَالْمَأْخُوذُ أَنْ يُفَصَّلَ فَمَا كَانَ مِنْ جَوَابٍ لَهُ فِي أَصْلٍ يَحْتَوِي عَلَى مَسَائِلَ، خَرَجَ جَوَابُهُ عَلَى بَعْضِهَا: فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ بَقِيَّةُ مَسَائِلِ ذَلِكَ حَيْثُ الْقِيَاسُ وَصَوَّرَ لَهُ صُوَرًا كَثِيرَةً فَأَمَّا أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْقِيَاسِ فِي مَسَائِلَ لَا شَبَهَ لَهَا فِي أُصُولِهِ، وَلَا يُوجَدُ عَنْهُ الْأَصْلُ مِنْ مَنْصُوصٍ يَبْنِي عَلَيْهِ، فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ انْتَهَى وَقِيلَ: إنْ جَازَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَذْهَبُهُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: إنْ نَصَّ عَلَيْهَا، أَوْ أَوْمَأَ إلَيْهَا، أَوْ عَلَّلَ الْأَصْلَ بِهَا: فَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ تَشْهَدَ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ وَأَحْوَالُهُ لِلْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ بِالصِّحَّةِ وَالتَّعْيِينِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بَعْدَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قُلْت: إنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً فَلَا نَقْلَ وَلَا تَخْرِيجَ انْتَهَى
14 - فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ أَفْتَى فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ: جَازَ نَقْلُ الْحُكْمِ وَتَخْرِيجُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَى الْأُخْرَى جَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَعِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ وَشَرْحِهِ وَقَالَ: إذَا كَانَ بَعْدَ الْجِدِّ وَالْبَحْثِ قُلْت: وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ
(12/244)
وَقَدْ عَمِلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَقَوْلِ الشَّارِعِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَالطُّوفِيُّ فِي أُصُولِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ، كَمَا لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَنَعَ النَّقْلَ وَالتَّخْرِيجَ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي: أَوْ قَرُبَ الزَّمَنُ، بِحَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ ذَاكِرُ حُكْمِ الْأَدِلَّةِ حِينَ أَفْتَى بِالثَّانِيَةِ وَالْمَذْهَبُ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ وَجْهًا لِمَنْ خَرَّجَهُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَكُونُ رِوَايَةً مُخَرَّجَةً ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي.
15 - فَعَلَى الْجَوَازِ: مِنْ شَرْطِهِ: أَنْ لَا يُفْضِيَ إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: أَوْ يَدْفَعُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أَوْ عَارَضَهُ نَصُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ " مُسْتَوْفًى وَأَصْلُهُ فِي الْخُطْبَةِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ وَلَمْ نَجْعَلْ أَوَّلَ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا لَهُ جَازَ نَقْلُ حُكْمِ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى فِي الْأَقْيَسِ وَلَا عَكْسَ، إلَّا أَنْ نَجْعَلَ أَوَّلَ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا، لَهُ مَعَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَإِنْ جَهِلَ التَّارِيخَ: جَازَ نَقْلُ حُكْمِ أَقْرَبِهِمَا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ أَثَرٍ، أَوْ قَوَاعِدِ الْإِمَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَى الْأُخْرَى فِي الْأَقْيَسِ وَلَا عَكْسَ إلَّا أَنْ نَجْعَلَ أَوَّلَ
(12/245)
قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا لَهُ، مَعَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَأَوْلَى لِجَوَازِ كَوْنِهَا الْأَخِيرَةَ، دُونَ الرَّاجِحَةِ انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ فِي آدَابِ الْمُفْتِي
16 - وَإِذَا تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْأَلَةٍ تُشْبِهُ مَسْأَلَتَيْنِ، فَأَكْثَرُ أَحْكَامِهِمَا مُخْتَلِفَةٌ: فَهَلْ يَلْحَقُ بِالْأَخَفِّ، أَوْ بِالْأَثْقَلِ، أَوْ يُخَيَّرُ الْمُقَلَّدُ بَيْنَهُمَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي، وَالْحَاوِي: الْأَوْلَى الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِمَنْ هُوَ أَصْلَحُ لَهُ وَالْأَظْهَرُ عَنْهُ هُنَا: التَّخْيِيرُ وَقَالَا: وَمَعَ مَنْعِ تَعَادُلِ الْأَمَارَاتِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فَلَا وَقْفَ، وَلَا تَخْيِيرَ، وَلَا تَسَاقُطَ.
17 - وَإِنْ أَشْبَهَتْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً: جَازَ إلْحَاقُهَا بِهَا، إنْ كَانَ حُكْمُهَا أَرْجَحَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي.
18 - وَمَا انْفَرَدَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ، وَقَوِيَ دَلِيلُهُ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَالَ: يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى سَائِرِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَكَيْفَ؟ وَالرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةٌ، خَبِيرٌ بِمَا رَوَاهُ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ بَلَى مَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ أَوْلَى
(12/246)
وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْخَطَأِ إلَى الْوَاحِدِ أَوْلَى مِنْ نِسْبَتِهِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَالْأَصْلُ: اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ.
قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ خَطَأُ الْجَمَاعَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
19 - وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ، إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ أَقْوَى مِنْهُ قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي.
20 - وَقَوْلُهُ " لَا يَنْبَغِي " أَوْ " لَا يَصْلُحُ " أَوْ " اسْتَقْبَحَهُ " أَوْ " هُوَ قَبِيحٌ " أَوْ " لَا أَرَاهُ " لِلتَّحْرِيمِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِرَاقُ غَيْرِ الْعَفِيفَةِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَهَا وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ: يُصَلِّي إلَى الْقَبْرِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْحُشِّ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَا يُصَلِّ إلَيْهِ قُلْت: فَإِنْ كَانَ؟ قَالَ: يَجْزِيهِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ قَرَأَ فِي الْأَرْبَعِ كُلِّهَا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ حَسَّانٍ فِي الْإِمَامِ وَفِي الْأَوْلَى وَيُطَوِّلُ فِي الْأَخِيرَةِ: لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ
(12/247)
قَالَ الْقَاضِي: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ، لِمُخَالَفَتِهِ لِلسُّنَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ.
21 - وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ قَالَ " هَذَا حَرَامٌ " ثُمَّ قَالَ " أَكْرَهُهُ " أَوْ " لَا يُعْجِبُنِي " فَحَرَامٌ وَقِيلَ: يُكْرَهُ.
22 - وَفِي قَوْلِهِ " أَكْرَهُ " أَوْ " لَا يُعْجِبُنِي " أَوْ " لَا أُحِبُّهُ " أَوْ " لَا أَسْتَحْسِنُهُ " أَوْ " يَفْعَلُ السَّائِلُ كَذَا احْتِيَاطًا " وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي آدَابِ الْمُفْتِي، فِي " أَكْرَهُ كَذَا " أَوْ " لَا يُعْجِبُنِي " أَحَدُهُمَا: هُوَ لِلتَّنْزِيهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي، فِي غَيْرِ قَوْلِهِ " يَفْعَلُ السَّائِلُ كَذَا احْتِيَاطًا " وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي قَوْلِهِ " أَكْرَهُ كَذَا " أَوْ " لَا يُعْجِبُنِي.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَالَ " يَفْعَلُ السَّائِلُ كَذَا، احْتِيَاطًا " فَهُوَ وَاجِبٌ وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ انْتَهَوْا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلتَّحْرِيمِ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، وَابْنُ حَامِدٍ، فِي قَوْلِهِ " أَكْرَهُ كَذَا " أَوْ " لَا يُعْجِبُنِي " وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي، وَالْحَاوِي: وَالْأَوْلَى النَّظَرُ إلَى الْقَرَائِنِ فِي الْكُلِّ انْتَهَيَا.
23 - وَقَوْلُهُ " أُحِبُّ كَذَا " أَوْ " يُعْجِبُنِي " أَوْ " هَذَا أَعْجَبُ إلَيَّ " لِلنَّدْبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: لِلْوُجُوبِ
(12/248)
اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي قَوْلِهِ " أَحَبُّ إلَيَّ كَذَا " وَقِيلَ: وَكَذَا قَوْلُهُ " هَذَا أَحْسَنُ " أَوْ " حَسَنٌ " قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قُلْت: قَطَعَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: أَنَّ قَوْلَهُ " هَذَا أَحْسَنُ " أَوْ " حَسَنٌ " كَ " أُحِبُّ كَذَا " وَنَحْوِهِ وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: أَسْتَحْسِنُ شَيْئًا، أَوْ قَالَ " هُوَ حَسَنُ " فَهُوَ لِلنَّدْبِ وَإِنْ قَالَ " يُعْجِبُنِي " فَهُوَ لِلْوُجُوبِ.
24 - وَقَوْلُهُ " لَا بَأْسَ " أَوْ " أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ " لِلْإِبَاحَةِ.
25 - وَقَوْلُهُ " أَخْشَى " أَوْ " أَخَافُ أَنْ يَكُونَ " أَوْ " لَا يَكُونَ " ظَاهِرٌ فِي الْمَنْعِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقَدَّمَاهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَالْفُرُوعِ: فَهُوَ كَ " يَجُوزُ " أَوْ " لَا يَجُوزُ " انْتَهَى.
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ.
26 - وَإِنْ أَجَابَ فِي شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ فِي نَحْوِهِ " هَذَا أَهْوَنُ " أَوْ " أَشَدُّ " أَوْ " أَشْنَعُ " فَقِيلَ: هُمَا عِنْدَهُ سَوَاءٌ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْقَاضِي وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ قُلْت: وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: إنْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى، وَكَثُرَ التَّشَابُهُ: فَالتَّسْوِيَةُ أَوْلَى، وَإِلَّا فَلَا
(12/249)
وَقِيلَ: قَوْلُهُ " هَذَا أَشْنَعُ عِنْدَ النَّاسِ " يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَقِيلَ: لَا وَقَوْلُهُ " أَجْبُنُ عَنْهُ " لِلْجَوَازِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ: يُكْرَهُ اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: الْأَوْلَى النَّظَرُ إلَى الْقَرَائِنِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَ " أَجْبُنُ عَنْهُ " مَذْهَبُهُ وَقَالَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ: جُمْلَةُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا قَالَ " أَجْبُنُ عَنْهُ " فَإِنَّهُ إذْنٌ بِأَنَّهُ مَذْهَبُهُ، وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَقْوَى الْقُوَّةَ الَّتِي يَقْطَعُ بِهَا وَلَا يَضْعُفُ الضَّعْفَ الَّذِي يُوجِبُ الرَّدَّ.
28 - وَمَعَ ذَلِكَ: فَكُلُّ مَا أَجَابَ فِيهِ فَإِنَّك تَجِدُ الْبَيَانَ عَنْهُ فِيهِ كَافِيًا فَإِنْ وَجَدْت عَنْهُ الْمَسْأَلَةَ وَلَا جَوَابَ بِالْبَيَانِ، فَإِنَّهُ يُؤْذِنُ بِالتَّوَقُّفِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ انْتَهَى.
29 - وَمَا أَجَابَ فِيهِ بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ أَحَدِ الصَّحَابَةِ عِنْدَهُ حُجَّةٌ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
30 - وَمَا رَوَاهُ مِنْ سُنَّةٍ، أَوْ أَثَرٍ، أَوْ صَحَّحَهُ أَوْ حَسَّنَهُ، أَوْ رَضِيَ سَنَدَهُ، أَوْ دَوَّنَّهُ فِي كُتُبِهِ، وَلَمْ يَرُدَّهُ وَلَمْ يُفْتِ بِخِلَافِهِ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ قَدَّمَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَنَصَرَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ
(12/250)
وَاخْتَارَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَصَالِحٌ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَالْأَثْرَمُ قَالَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي.
وَقِيلَ: لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ، كَمَا لَوْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ قَبْلُ، أَوْ بَعْدُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَالْفُرُوعِ وَقَالَ: فَلِهَذَا أَذْكُرُ رِوَايَتَهُ لِلْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ انْتَهَى.
31 - وَإِنْ أَفْتَى بِحُكْمٍ، فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فَسَكَتَ: فَلَيْسَ رُجُوعًا قَدَّمَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَنَصَرَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ: يَكُونُ رُجُوعًا اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَإِنْ ذَكَرَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي مَسْأَلَةٍ قَوْلَيْنِ، فَمَذْهَبُهُ: أَقْرَبُهُمَا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، سَوَاءٌ عَلَّلَهُمَا أَوْ لَا، إذَا لَمْ يُرَجِّحْ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَخْتَرْهُ قَدَّمَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَنَصَرَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ: لَا مَذْهَبَ لَهُ مِنْهُمَا عَيْنًا، كَمَا لَوْ حَكَاهُمَا عَنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا بِمَا ذَكَرَ لِجَوَازِ إحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ يُخَالِفُ الصَّحَابَةَ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ.
32 - وَإِنْ عَلَّلَ أَحَدَهُمَا وَاسْتَحْسَنَ الْآخَرَ، أَوْ فَعَلَهُمَا فِي أَقْوَالِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ: فَأَيُّهُمَا مَذْهَبُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ
(12/251)
قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ مَذْهَبُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَ بِهِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدْته فِي آدَابِ الْمُفْتِي قَدَّمَهُ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَقَالَ عَنْ الثَّانِي فِيهِ بُعْدٌ.
33 - وَإِنْ حَسَّنَ أَحَدَهُمَا، أَوْ عَلَّلَهُ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ قَوْلًا وَاحِدًا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.
34 - وَإِنْ أَعَادَ ذِكْرَ أَحَدَهُمَا، أَوْ فَرَّعَ عَلَيْهِ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ قَدَّمَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَقِيلَ: لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ إلَّا أَنْ يُرَجِّحَهُ، أَوْ يُفْتِيَ بِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا فَرَّعَ عَلَى أَحَدِهِمَا
35 - وَإِنْ نَصَّ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى حُكْمٍ، وَعَلَّلَهُ بِعِلَّةٍ، فَوُجِدَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فِي مَسَائِلَ أُخَرَ: فَمَذْهَبُهُ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُعَلَّلَةِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: سَوَاءٌ قُلْنَا بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَوْ لَا كَمَا سَبَقَ انْتَهَى وَقِيلَ: لَا
36 - وَإِنْ نُقِلَ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةٍ رِوَايَتَانِ، دَلِيلُ أَحَدِهِمَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَلِيلُ الْأُخْرَى: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ وَهُوَ أَخَصُّ وَقُلْنَا هُوَ حُجَّةٌ يَخُصُّ بِهِ الْعُمُومَ فَأَيُّهُمَا مَذْهَبُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: مَذْهَبُهُ مَا كَانَ دَلِيلُهُ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَنَصَرَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي
(12/252)
وَقِيلَ: مَذْهَبُهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَالْحَالَةُ مَا تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَصَّهُمَا، أَوْ أَحْوَطَهُمَا: تَعَيَّنَ.
37 - وَإِنْ وَافَقَ أَحَدُهُمَا قَوْلَ الصَّحَابِيِّ، وَالْآخَرُ قَوْلَ التَّابِعِيِّ: اُعْتُدَّ بِهِ إذًا وَقِيلَ: وَعَضَّدَهُ عُمُومُ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ أَوْ أَثَرٍ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي.
38 - وَإِنْ ذَكَرَ اخْتِلَافَ النَّاسِ وَحَسَّنَ بَعْضَهُ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ إنْ سَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ.
39 - وَإِنْ سُئِلَ مَرَّةً فَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ ثُمَّ سُئِلَ مَرَّةً ثَانِيَةً فَتَوَقَّفَ ثُمَّ سُئِلَ مَرَّةً ثَالِثَةً، فَأَفْتَى فِيهَا: فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ مَذْهَبُهُ.
40 - وَإِنْ أَجَابَ بِقَوْلِهِ " قَالَ فُلَانٌ كَذَا " يَعْنِي بَعْضَ الْعُلَمَاءِ: فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَاخْتَارَ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّهُ يَكُونُ مَذْهَبَهُ.
41 - وَإِنْ نَصَّ عَلَى حُكْمِ مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ قَالَ " وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ، أَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى كَذَا " يُرِيدُ حُكْمًا يُخَالِفُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ كَانَ مَذْهَبًا: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِلْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا، كَمَا لَوْ قَالَ " وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى كَذَا "، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَمَنْ بَعْدَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا لَهُ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ، قُلْت: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ.
(12/253)
كَقَوْلِهِ " يَحْتَمِلُ قَوْلَيْنِ "، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ أَجَابَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ: هَلْ يَقْصُرُ؟ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِمِثْلِ هَذَا، وَأَثْبَتَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: رِوَايَتَيْنِ.
43 - وَهَلْ يُجْعَلُ فِعْلُهُ، أَوْ مَفْهُومُ كَلَامِهِ مَذْهَبًا لَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي، وَأُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ، قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ: عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: إنَّ فِعْلَهُ مَذْهَبٌ لَهُ، وَقَدَّمَهُ هُوَ، وَرَدَّ غَيْرَهُ، قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: اخْتَارَ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: أَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِ مَذْهَبُهُ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ.
44 - فَإِنْ جَعَلْنَا الْمَفْهُومَ مَذْهَبًا لَهُ، فَنَصَّ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى خِلَافِ الْمَفْهُومِ: بَطَلَ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ، فَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إنْ جَعَلْنَا أَوَّلَ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا لَهُ. 45 - وَصِيغَةُ الْوَاحِدِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَرُوَاتِهِ فِي تَفْسِيرِ مَذْهَبِهِ، وَإِخْبَارُهُمْ عَنْ رَأْيِهِ: كَنَصِّهِ فِي وَجْهٍ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ: إذَا بَيَّنَ أَصْحَابُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلَهُ بِتَفْسِيرِ جَوَابٍ لَهُ، أَوْ نَسَبُوا إلَيْهِ بَيَانَ حَدٍّ فِي سُؤَالٍ: فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَمَنُوطٌ بِهِ، وَإِلَيْهِ يُعْزَى، وَهُوَ بِمَثَابَةِ نَصِّهِ، وَنَصَرَهُ، قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ،
(12/254)
وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَخَالَفَنَا فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: مِثْلُ الْخَلَّالِ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ.
تَنْبِيهٌ
هَذِهِ الصِّيَغُ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي وَرَدَتْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِيهَا كُلِّهَا أَوْ غَالِبِهَا مَذْكُورٌ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ لِابْنِ حَامِدٍ، مَبْسُوطٌ بِأَمْثِلَةٍ كَثِيرَةٍ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَهُ فِيهَا أَيْضًا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ، تَرَكْنَا ذِكْرَهَا لِلْإِطَالَةِ، وَمَذْكُورٌ أَيْضًا فِي آدَابِ الْمُفْتِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَبَعْضُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ.
(12/255)
فَصْلٌ هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ: هُوَ الْوَارِدُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَبَقِيَ الْوَارِدُ عَنْ أَصْحَابِهِ.
46 - وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَارِدَ عَنْ الْأَصْحَابِ: إمَّا وَجْهٌ، وَإِمَّا احْتِمَالٌ، وَإِمَّا تَخْرِيجٌ، وَزَادَ فِي الْفُرُوعِ: التَّوْجِيهَ.
47 - فَأَمَّا الْوَجْهُ: فَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَتَخْرِيجُهُ، إنْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ إيمَائِهِ أَوْ دَلِيلِهِ، أَوْ تَعْلِيلِهِ " أَوْ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَقُوَّتِهِ.
48 - وَإِنْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُخَرَّجًا مِنْهَا: فَهِيَ رِوَايَاتٌ مُخَرَّجَةٌ لَهُ وَمَنْقُولَةٌ مِنْ نُصُوصِهِ إلَى مَا يُشْبِهُهَا مِنْ الْمَسَائِلِ إنْ قُلْنَا مَا قِيسَ عَلَى كَلَامِهِ: مَذْهَبٌ لَهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا فَهِيَ، أَوْجُهٌ لِمَنْ خَرَّجَهَا وَقَاسَهَا.
49 - فَإِنْ خَرَّجَ مِنْ نَصٍّ وَنَقْلٍ إلَى مَسْأَلَةٍ فِيهَا نَصٌّ يُخَالِفُ مَا خَرَّجَ فِيهَا: صَارَ فِيهَا رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ، وَرِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ نَصِّهِ، إذَا قُلْنَا الْمُخَرَّجُ مِنْ نَصِّهِ مَذْهَبُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا، فَفِيهَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهٌ لِمَنْ خَرَّجَهُ.
50 - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ يُخَالِفُ الْقَوْلَ الْمُخَرَّجَ مِنْ نَصِّهِ فِي غَيْرِهَا: فَهُوَ وَجْهٌ لِمَنْ خَرَّجَ.
51 - فَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْحُكْمِ، دُونَ طَرِيقِ التَّخْرِيجِ: فَفِيهَا لَهُمَا وَجْهَانِ،
(12/256)
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُمْكِنُ جَعْلُهُمَا مَذْهَبًا لِلْأَمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالتَّخْرِيجِ دُونَ النَّقْلِ، لِعَدَمِ أَخْذِهِمَا مِنْ نَصِّهِ.
52 - وَإِنْ جَهِلْنَا مُسْتَنَدَهُمَا: فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا قَوْلًا مُخَرَّجًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا مَذْهَبًا لَهُ بِحَالٍ.
53 - فَمَنْ قَالَ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَا " هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ " أَرَادَ نَصَّهُ.
54 - وَمَنْ قَالَ " فِيهَا رِوَايَتَانِ " فَإِحْدَاهُمَا بِنَصٍّ، وَالْأُخْرَى بِإِيمَاءٍ، أَوْ تَخْرِيجٍ مِنْ نَصٍّ آخَرَ لَهُ، أَوْ نَصٍّ جَهِلَهُ مُنْكِرُهُ.
55 - وَمَنْ قَالَ " فِيهَا وَجْهَانِ " أَرَادَ: عَدَمَ نَصِّهِ عَلَيْهِمَا، سَوَاءٌ جَهِلَ مُسْتَنَدَهُ أَوْ عَلِمَهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَذْهَبًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَلَا يُعْمَلُ إلَّا بِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَأَرْجَحِهِمَا، سَوَاءٌ وَقَعَا مَعًا أَوْ لَا، مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ عُلِمَ التَّارِيخُ، أَوْ جُهِلَ.
56 - وَأَمَّا " الْقَوْلَانِ " هُنَا: فَقَدْ يَكُونُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ عَلَيْهِمَا، كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الشَّافِي، أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا وَأَوْمَأَ إلَى الْآخَرِ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا وَجْهًا، أَوْ تَخْرِيجًا، أَوْ احْتِمَالًا بِخِلَافِهِ.
57 - وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الَّذِي لِلْأَصْحَابِ: فَقَدْ يَكُونُ لِدَلِيلٍ مَرْجُوحٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا خَالَفَهُ، أَوْ دَلِيلٍ مُسَاوٍ لَهُ، وَقَدْ يَخْتَارُ هَذَا الِاحْتِمَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، فَيَبْقَى وَجْهًا بِهِ.
58 - وَأَمَّا التَّخْرِيجُ: فَهُوَ نَقْلُ حُكْمِ مَسْأَلَةٍ إلَى مَا يُشْبِهُهَا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْخُطْبَةِ.
(12/257)
فَصْلٌ صَاحِبُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَالِاحْتِمَالَاتِ وَالتَّخَارِيجِ: لَا يَكُونُ إلَّا مُجْتَهِدًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مُجْتَهِدٍ مُطْلَقٍ، وَمُجْتَهِدٍ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، أَوْ فِي مَذْهَبِ إمَامِ غَيْرِهِ، وَمُجْتَهِدٍ فِي نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ، وَمُجْتَهِدٍ فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ مَسَائِلَ، ذَكَرَهَا فِي " آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي " فَقَالَ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ
" الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ " وَهُوَ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ " كِتَابِ الْقَضَاءِ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ إذَا اسْتَقَلَّ بِإِدْرَاكِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَأَحْكَامِ الْحَوَادِثِ مِنْهَا، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبِ أَحَدٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ أَكْثَرَ الْفِقْهِ، قَدَّمَهُ فِي " آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي "، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: مَنْ حَصَّلَ أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ فَمُجْتَهِدٌ، وَتَقَدَّمَ هَذَا وَغَيْرُهُ فِي آخِرِ " كِتَابِ الْقَضَاءِ "، قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي: وَمِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ عُدِمَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ
(12/258)
مَعَ أَنَّهُ الْآنَ أَيْسَرُ مِنْهُ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَالْفِقْهَ قَدْ دُوِّنَا، وَكَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ الْآيَاتِ، وَالْآثَارِ، وَأُصُولِ الْفِقْهِ، وَالْعَرَبِيَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنْ الْهِمَمُ قَاصِرَةٌ، وَالرَّغَبَاتُ فَاتِرَةٌ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، قَدْ أَهْمَلُوهُ وَمَلُّوهُ، وَلَمْ يَعْقِلُوهُ لِيَفْعَلُوهُ. انْتَهَى.
قُلْت: قَدْ أَلْحَقَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَصْحَابِ هَذَا الْقِسْمِ: الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَتَصَرُّفَاتُهُ فِي فَتَاوِيهِ وَتَصَانِيفِهِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْمُفْتِي مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ عَلَى يُسْرٍ، مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ آخَرَ.
الْقِسْمُ الثَّانِي " مُجْتَهِدٌ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، أَوْ إمَامٍ غَيْرِهِ "، وَأَحْوَالُهُ أَرْبَعَةٌ:
الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُقَلِّدٍ لِإِمَامِهِ فِي الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ، لَكِنْ سَلَكَ
(12/259)
طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى، وَدَعَا إلَى مَذْهَبِهِ، وَقَرَأَ كَثِيرًا مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَهُ صَوَابًا وَأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَأَشَدُّ مُوَافَقَةً فِيهِ وَفِي طَرِيقِهِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي " آدَابِ الْمُفْتِي " وَقَدْ ادَّعَى هَذَا مِنَّا ابْنُ أَبِي مُوسَى، فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الَّذِي لَهُ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَغَيْرُهُمَا عَنْ الشَّافِعِيَّةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، قُلْت: وَمِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: كَالْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ، وَغَيْرِهِمَا، وَفَتْوَى الْمُجْتَهِدِ الْمَذْكُورِ، كَفَتْوَى الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ فِي الْعَمَلِ بِهَا، وَالِاعْتِدَادِ بِهَا فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، مُسْتَقِلًّا بِتَقْرِيرِهِ بِالدَّلِيلِ، لَكِنْ لَا يَتَعَدَّى أُصُولَهُ وَقَوَاعِدَهُ، مَعَ إتْقَانِهِ لِلْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، وَأَدِلَّةِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ، عَالِمًا بِالْقِيَاسِ وَنَحْوِهِ، تَامَّ الرِّيَاضَةِ، قَادِرًا عَلَى التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي لِإِمَامِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا مَعْرِفَةُ عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِكَوْنِهِ يَتَّخِذُ نُصُوصَ إمَامِهِ أُصُولًا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا الْأَحْكَامَ، كَنُصُوصِ الشَّارِعِ، وَقَدْ يَرَى حُكْمًا ذَكَرَهُ إمَامُهُ بِدَلِيلٍ، فَيَكْتَفِي بِذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ مُعَارِضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ،
(12/260)
وَهَذَا شَأْنُ أَهْلِ الْأَوْجُهِ وَالطُّرُقِ فِي الْمَذَاهِبِ، وَهُوَ حَالُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الطَّوَائِفِ الْآنَ، فَمَنْ عَلِمَ يَقِينًا هَذَا، فَقَدْ قَلَّدَ إمَامَهُ دُونَهُ؛ لِأَنَّ مُعَوَّلَهُ عَلَى صِحَّةِ إضَافَةِ مَا يَقُولُ إلَى إمَامِهِ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِتَصْحِيحِ نِسْبَتِهِ إلَى الشَّارِعِ بِلَا وَاسِطَةِ إمَامِهِ، وَالظَّاهِرُ: مَعْرِفَتُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ حَدِيثٍ، وَلُغَةٍ، وَنَحْوٍ، وَقِيلَ: إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَقْلِيدِهِ نَقْصًا وَخَلَلًا فِي الْمَقْصُودِ، وَقِيلَ: يَتَأَدَّى بِهِ فِي الْفَتْوَى، لَا فِي إحْيَاءِ الْعُلُومِ الَّتِي تُسْتَمَدُّ مِنْهَا الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ فِي فَتْوَاهُ مَقَامَ إمَامٍ مُطْلَقٍ، فَهُوَ يُؤَدِّي عَنْهُ مَا كَانَ يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ حِينَ كَانَ حَيًّا قَائِمًا بِالْفَرْضِ مِنْهَا، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ فِي جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ قَدْ يُوجَدُ مِنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُقَيَّدِ اسْتِقْلَالٌ بِالِاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةٍ خَاصَّةٍ، أَوْ بَابٍ خَاصٍّ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ عَنْ إمَامِهِ، لِمَا يُخَرِّجُهُ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ، وَهُوَ أَصَحُّ.
فَالْمُجْتَهِدُ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَثَلًا: إذَا أَحَاطَ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ، وَتَدَرَّبَ فِي مَقَايِيسِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ: يَنْزِلُ مِنْ الْإِلْحَاقِ بِمَنْصُوصَاتِهِ وَقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ مَنْزِلَةَ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ فِي إلْحَاقِهِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَقْدَرُ عَلَى ذَا مِنْ ذَاكَ عَلَى ذَاكَ، فَإِنَّهُ يَجِدُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ قَوَاعِدَ مُمَهَّدَةً، وَضَوَابِطَ مُهَذَّبَةً، مَا لَا يَجِدُهُ الْمُسْتَقِلُّ فِي أُصُولِ الشَّارِعِ وَنُصُوصِهِ،
(12/261)
وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ يُفْتِي بِالْحَدِيثِ: هَلْ لَهُ ذَلِكَ، إذَا حَفِظَ أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ؟ فَقَالَ: أَرْجُو، فَقِيلَ لِأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا: فَأَنْتَ تُفْتِي، وَلَسْت تَحْفَظُ هَذَا الْقَدْرَ؟ فَقَالَ: لَكِنِّي أُفْتِي بِقَوْلِ مَنْ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيثٍ، يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَفْتَى فِيمَا يُفْتِي بِهِ مِنْ تَخْرِيجِهِ هَذَا مُقَلِّدٌ لِإِمَامِهِ، لَا لَهُ، وَقِيلَ: مَا يُخَرِّجُهُ أَصْحَابُ الْإِمَامِ عَلَى مَذْهَبِهِ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْسُبُوهُ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُهُ؟ فِيهِ لَنَا وَلِغَيْرِنَا خِلَافٌ، وَتَفْصِيلٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ: هُوَ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى أَقْوَالِهِ، كَمَا يَتَمَكَّنُ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى كُلِّ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاسْتِنْبَاطُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُجْتَهِدِ: أَنْ يُفْتِيَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي كُلِّ مَا يُفْتِي بِهِ، بِحَيْثُ يَحْكُمُ فِيمَا يَدْرِي، وَيَدْرِي: أَنَّهُ يَدْرِي، بَلْ يَجْتَهِدُ الْمُجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ، وَيَجْتَهِدُ الْعَامِّيُّ فِيمَنْ يُقَلِّدُهُ وَيَتْبَعُهُ، فَهَذِهِ صِفَةُ الْمُجْتَهِدِينَ أَرْبَابِ الْأَوْجُهِ وَالتَّخَارِيجِ وَالطُّرُقِ،
(12/262)
وَقَدْ تَقَدَّمَ صِفَةُ تَخْرِيجِ هَذَا الْمُجْتَهِدِ وَأَنَّهُ: تَارَةً يَكُونُ مِنْ نَصِّهِ، وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَقْسَامِ الْمُجْتَهِدِ مُحَرَّرًا. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهِ رُتْبَةَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ، غَيْرَ أَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ، حَافِظٌ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ، عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهِ، قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهِ، وَنُصْرَتِهِ، يُصَوِّرُ، وَيُحَرِّرُ، وَيُمَهِّدُ، وَيُقَوِّي، وَيُزَيِّفُ، وَيُرَجِّحُ، لَكِنَّهُ قَصَرَ عَنْ دَرَجَةِ أُولَئِكَ إمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْ فِي حِفْظِ الْمَذْهَبِ مَبْلَغَهُمْ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِثْلُهُ فِي ضِمْنِ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ الْفِقْهِ وَيَعْرِفُهُ مِنْ أَدِلَّتِهِ عَنْ أَطْرَافٍ مِنْ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُقَصِّرًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ أَدَوَاتُ الِاجْتِهَادِ الْحَاصِلِ لِأَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ، وَهَذِهِ صِفَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ رَتَّبُوا الْمَذَاهِبَ، وَحَرَّرُوهَا، وَصَنَّفُوا فِيهَا تَصَانِيفَ، بِمَا يَشْتَغِلُ بِهِ النَّاسُ الْيَوْمَ غَالِبًا، وَلَمْ يُلْحِقُوا مَنْ يُخَرِّجُ الْوُجُوهَ، وَيُمَهِّدُ الطُّرُقَ فِي الْمَذَاهِبِ، وَأَمَّا فَتَاوِيهِمْ: فَقَدْ كَانُوا يَسْتَنْبِطُونَ فِيهَا اسْتِنْبَاطَ أُولَئِكَ أَوْ نَحْوَهُ وَيَقِيسُونَ غَيْرَ الْمَنْقُولِ وَالْمَسْطُورِ عَلَى الْمَنْقُولِ وَالْمَسْطُورِ نَحْوَ قِيَاسِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ فِي رُجُوعِ الْبَائِعِ إلَى عَيْنِ مَالِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الثَّمَنِ، وَلَا تَبْلُغُ فَتَاوِيهِمْ فَتَاوَى أَصْحَابِ الْوُجُوهِ، وَرُبَّمَا تَطَرَّقَ بَعْضُهُمْ إلَى تَخْرِيجِ قَوْلٍ، وَاسْتِنْبَاطِ وَجْهٍ، أَوْ احْتِمَالٍ، وَفَتَاوِيهِمْ مَقْبُولَةٌ. الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُومَ بِحِفْظِ الْمَذْهَبِ، وَنَقْلِهِ وَفَهْمِهِ، فَهَذَا يُعْتَمَدُ نَقْلُهُ وَفَتْوَاهُ بِهِ فِيمَا يَحْكِيهِ مِنْ مَسْطُورَاتِ مَذْهَبِهِ: مِنْ مَنْصُوصَاتِ
(12/263)
إمَامِهِ، أَوْ تَفْرِيعَاتِ أَصْحَابِهِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَذْهَبِهِ، وَتَخْرِيجَاتِهِمْ، وَأَمَّا مَا لَا يَجِدُهُ مَنْقُولًا فِي مَذْهَبِهِ: فَإِنْ وَجَدَ فِي الْمَنْقُولِ مَا هَذَا مَعْنَاهُ، بِحَيْثُ يُدْرِكُ مِنْ غَيْرِ فَضْلِ فِكْرٍ وَتَأَمُّلٍ أَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْأَمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي إعْتَاقِ الشَّرِيكِ: جَازَ لَهُ إلْحَاقُهُ بِهِ وَالْفَتْوَى بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا يَعْلَمُ انْدِرَاجَهُ تَحْتَ ضَابِطٍ، وَمَنْقُولٍ مُمَهَّدٍ مُحَرَّرٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ: فَعَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْفُتْيَا فِيهِ، وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ نَادِرًا فِي حَقِّ مِثْلِ هَذَا الْمَذْكُورِ، إذْ يَبْعُدُ أَنْ تَقَعَ [وَاقِعَةٌ] حَادِثَةٌ لَمْ يُنَصَّ عَلَى حُكْمِهَا فِي الْمَذْهَبِ، وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى بَعْضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، وَلَا مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ شَيْءٍ مِنْ قَوَاعِدِ وَضَوَابِطِ الْمَذْهَبِ الْمُحَرَّرِ فِيهِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الْفَقِيهَ: لَا يَكُونُ إلَّا فَقِيهَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ تَصْوِيرَ الْمَسَائِلِ عَلَى وَجْهِهَا، وَنَقْلَ أَحْكَامِهَا بَعْدَهُ: لَا يَقُومُ بِهِ إلَّا فَقِيهُ النَّفْسِ، وَيَكْفِي اسْتِحْضَارُهُ أَكْثَرَ الْمَذْهَبِ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مُطَالَعَةِ بَقِيَّتِهِ قَرِيبًا.
(12/264)
الْقِسْمُ الثَّالِثُ
" الْمُجْتَهِدُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ "، فَمَنْ عَرَفَ الْقِيَاسَ وَشُرُوطَهُ: فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي مَسَائِلَ مِنْهُ قِيَاسِيَّةٍ، لَا تَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثِ، وَمَنْ عَرَفَ الْفَرَائِضَ: فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا، وَإِنْ جَهِلَ أَحَادِيثَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ، دُونَ غَيْرِهَا، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ فِيهِمَا، وَهُوَ بَعِيدٌ، ذَكَرَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ
" الْمُجْتَهِدُ فِي مَسَائِلَ، أَوْ مَسْأَلَةٍ "، وَلَيْسَ لَهُ الْفَتْوَى فِي غَيْرِهَا، وَأَمَّا فِيهَا، فَالْأَظْهَرُ: جَوَازُهُ، وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْقُصُورِ وَالتَّقْصِيرِ، قَالَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، قُلْت: الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: يَتَجَزَّأُ الِاجْتِهَادُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَمَدِيُّ، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِثْلَهُ، وَذَكَرَ أَيْضًا: قَوْلًا يَتَجَزَّأُ فِي بَابٍ، لَا مَسْأَلَةٍ. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ " كِتَابِ الْقَضَاءِ "، فَهَذِهِ أَقْسَامُ الْمُجْتَهِدِ، ذَكَرَهَا ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي
(12/265)
فَصْلٌ
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ " الْمَذْهَبُ كَذَا " قَدْ يَكُونُ بِنَصِّ الْإِمَامِ، أَوْ " بِإِيمَائِهِ، أَوْ بِتَخْرِيجِهِمْ ذَلِكَ وَاسْتِنْبَاطِهِمْ إيَّاهُ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ تَعْلِيلِهِ، وَقَوْلُهُمْ " عَلَى الْأَصَحِّ " أَوْ " الصَّحِيحِ " أَوْ " الظَّاهِرِ " أَوْ " الْأَظْهَرِ " أَوْ " الْمَشْهُورِ " أَوْ " الْأَشْهَرِ " أَوْ " الْأَقْوَى " أَوْ " الْأَقْيَسِ " فَقَدْ يَكُونُ عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ " الْأَصَحُّ " عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ الْأَصْحَابِ: قَدْ يَكُونُ شُهْرَةً، وَقَدْ يَكُونُ نَقْلًا، وَقَدْ يَكُونُ دَلِيلًا، أَوْ عِنْدَ الْقَائِلِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي " الْأَشْهَرِ " وَ " الْأَظْهَرِ " وَ " الْأَوْلَى " وَ " الْأَقْيَسِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُمْ " وَقِيلَ " فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ رِوَايَةً بِالْإِيمَاءِ، أَوْ وَجْهًا، أَوْ تَخْرِيجًا، أَوْ احْتِمَالًا، ثُمَّ " الرِّوَايَةُ " قَدْ تَكُونُ نَصًّا، أَوْ إيمَاءً، أَوْ تَخْرِيجًا مِنْ الْأَصْحَابِ، وَاخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ كَثِيرٌ، لَا طَائِلَ فِيهِ، وَ " الْأَوْجَهُ " تُؤْخَذُ غَالِبًا مِنْ نَصِّ لَفْظِ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَسَائِلِهِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَإِيمَائِهِ، وَتَعْلِيلِهِ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مَأْخَذِ الْأَوْجَهِ، وَتَقَدَّمَ أَكْثَرُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَالْمُصْطَلَحَاتِ فِي الْخُطْبَةِ.
تَنْبِيهٌ عَقَدَ ابْنُ حَمْدَانَ بَابًا فِي " آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي " لِمَعْرِفَةِ عُيُوبِ التَّآلِيفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِيَعْلَمَ الْمُفْتِي كَيْفَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَنْقُولِ، وَمَا مُرَادُ قَائِلِهِ وَمُؤَلِّفِهِ فَيَصِحُّ
(12/266)
نَقْلُهُ لِلْمَذْهَبِ، وَعَزْوُهُ إلَى الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَأَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهُ هُنَا لِأَنَّ كِتَابَنَا هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا قَالَهُ، فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَ الْمَحَاذِيرِ فِي التَّأْلِيفِ النَّقْلِيِّ: إهْمَالُ نَقْلِ الْأَلْفَاظِ بِأَعْيَانِهَا، وَالِاكْتِفَاءُ بِنَقْلِ الْمَعَانِي، مَعَ قُصُورِ التَّأَمُّلِ عَنْ اسْتِيعَابِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ الْأَوَّلِ بِلَفْظِهِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ بَقِيَّةُ الْأَسْبَابِ مُفَرَّعَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِحُصُولِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِهِ، أَوْ الْكَاتِبِ بِكِتَابَتِهِ مَعَ ثِقَةِ الرَّاوِي: يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِفَاءِ الْإِضْمَارِ وَالتَّخْصِيصِ، وَالنَّسْخِ، وَالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ، وَالِاشْتِرَاكِ، وَالتَّجَوُّزِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالنَّقْلِ، وَالْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ، فَكُلُّ نَقْلٍ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ حُصُولُ بَعْضِ الْأَسْبَابِ، وَلَا نَقْطَعُ بِانْتِفَائِهَا نَحْنُ وَلَا النَّاقِلُ وَلَا نَظُنُّ عَدَمَهَا، وَلَا قَرِينَةَ تَنْفِيهَا، وَلَا نَجْزِمُ فِيهِ بِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، بَلْ رُبَّمَا ظَنَنَّاهُ، أَوْ تَوَهَّمْنَاهُ، وَلَوْ نَقَلَ لَفْظَهُ بِعَيْنِهِ، وَقَرَائِنِهِ، وَتَارِيخِهِ، وَأَسْبَابِهِ: لَانْتَقَى هَذَا الْمَحْذُورُ أَوْ أَكْثَرُهُ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الظَّنُّ بِنَقْلِ الْمُتَحَرِّي فَيُعْذَرُ تَارَةً لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إلَى التَّصَرُّفِ لِأَسْبَابٍ ظَاهِرَةٍ وَيَكْفِي ذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ، وَأَكْثَرُ الْمَسَائِلِ الْفُرُوعِيَّةِ، وَأَمَّا التَّفْصِيلُ: فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ التَّظَاهُرُ بِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ، وَالتَّنَاصُرُ لَهَا مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، وَصَارَ لِكُلِّ مَذْهَبٍ مِنْهَا أَحْزَابٌ وَأَنْصَارٌ، وَصَارَ دَأْبُ كُلِّ فَرِيقٍ نَصْرَ قَوْلِ صَاحِبِهِمْ، وَقَدْ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمْ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى مَأْخَذِ إمَامِهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ، فَتَارَةً يُثْبِتُهُ بِمَا أَثْبَتَهُ بِهِ إمَامُهُ، وَلَا يَعْلَمُ بِالْمُوَافَقَةِ، وَتَارَةً يُثْبِتُهُ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَشْعُرُ بِالْمُخَالَفَةِ.
وَمَحْذُورُ ذَلِكَ: مَا يَسْتَجِيزُهُ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْ تَخْرِيجِ أَقَاوِيلِ إمَامِهِ مِنْ مَسْأَلَةٍ
(12/267)
إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَالتَّفْرِيعُ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ مَذْهَبًا لَهُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ، وَهُوَ لِهَذَا الْحُكْمِ غَيْرُ دَلِيلٍ، وَنِسْبَةُ الْقَوْلَيْنِ إلَيْهِ بِتَخْرِيجِهِ، وَرُبَّمَا حَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ فِيمَا خَالَفَ نَظِيرَهُ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ، اسْتِمْرَارًا لِقَاعِدَةِ تَعْلِيلِهِ وَسَعْيًا فِي تَصْحِيحِ تَأْوِيلِهِ، وَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَنْقُلُ عَنْ الْإِمَامِ مَا سَمِعَهُ، أَوْ بَلَغَهُ عَنْهُ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ وَلَا تَارِيخٍ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ قَرِينَةٌ فِي إفَادَةِ مُرَادِهِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ، كَمَا سَبَقَ، فَيَكْثُرُ لِذَلِكَ الْخَبْطُ؛ لِأَنَّ الْآتِيَ بَعْدَهُ يَجِدُ عَنْ الْإِمَامِ اخْتِلَافَ أَقْوَالٍ، وَاخْتِلَالَ أَحْوَالٍ، فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ نِسْبَةُ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ، عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ، يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِهِ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، دُونَ بَقِيَّةِ أَقَاوِيلِهِ، إنْ كَانَ النَّاظِرُ مُجْتَهِدًا.
وَأَمَّا إنْ كَانَ مُقَلِّدًا: فَغَرَضُهُ مَعْرِفَةُ مَذْهَبِ إمَامِهِ بِالنَّقْلِ عَنْهُ، وَلَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْجَمْعَ، وَلَا يَعْلَمُ التَّارِيخَ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ، وَلَا التَّرْجِيحَ عِنْدَ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِهِ مِنْهُ، وَهَذَا الْمَحْذُورُ إنَّمَا لَزِمَ مِنْ الْإِخْلَالِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَيَكُونُ مَحْذُورًا، وَلَقَدْ اسْتَمَرَّ كَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ، وَالْحَاكِينَ عَلَى قَوْلِهِمْ " مَذْهَبُ فُلَانٍ كَذَا " وَ " مَذْهَبُ فُلَانٍ كَذَا "، فَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ: أَنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ فَقَطْ، فَلِمَ يُفْتُونَ بِهِ فِي وَقْتٍ مَا، عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ؟ وَإِنْ أَرَادُوا: أَنَّهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَيَمْتَنِعُ الْمَصِيرُ إلَى غَيْرِهِ لِلْمُقَلَّدِ، فَلَا يَخْلُو حِينَئِذٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّارِيخُ مَعْلُومًا، أَوْ مَجْهُولًا،
(12/268)
فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا، فَلَا يَخْلُوا: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَذْهَبَ إمَامِهِ: أَنَّ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ إذَا تَنَاقَضَا، كَالْأَخْبَارِ، أَوْ لَيْسَ مَذْهَبُهُ كَذَلِكَ، بَلْ يَرَى عَدَمَ نَسْخِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي، أَوْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ اعْتِقَادَ النَّسْخِ: فَالْأَخِيرُ مَذْهَبُهُ، فَلَا تَجُوزُ الْفَتْوَى بِالْأَوَّلِ لِلْمُقَلِّدِ، وَلَا التَّخْرِيجُ مِنْهُ، وَلَا النَّقْضُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ: أَنَّهُ لَا يُنْسَخُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي عِنْدَ التَّنَافِي، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يَرَى جَوَازَ الْأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ الْمُقَلِّدُ إذَا أَفْتَاهُ الْمُفْتِي، أَوْ يَكُونُ مَذْهَبُهُ الْوَقْفَ، أَوْ شَيْئًا آخَرَ، فَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ الْقَوْلَ بِالتَّخْيِيرِ: كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا لَا يَتَعَدَّدُ، وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْوَقْفَ: تَعَطَّلَ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ، وَلَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا قَوْلٌ يُعْمَلُ عَلَيْهِ سِوَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ إمَامِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ: فَهُوَ لَا يَعْرِفُ حُكْمَ إمَامِهِ فِيهَا، فَيَكُونُ شَبِيهًا بِالْقَوْلِ بِالْوَقْفِ فِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ مِنْهَا، هَذَا كُلُّهُ إنْ عَلِمَ التَّارِيخَ، وَأَمَّا إنْ جَهِلَ: فَإِمَّا أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، بِاخْتِلَافِ حَالَيْنِ أَوْ مَحَلَّيْنِ، أَوْ لَا يُمْكِنُ، فَإِنْ أَمْكَنَ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ إمَامِهِ جَوَازَ الْجَمْعِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْآثَارِ وَوُجُوبَهُ، أَوْ التَّخْيِيرَ، أَوْ الْوَقْفَ، أَوْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، أَوْ الثَّانِي: فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ مِنْهُمَا، فَلَا يَحِلُّ حِينَئِذٍ الْفُتْيَا بِأَحَدِهِمَا عَلَى ظَاهِرِهِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ،
(12/269)
وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ: فَمَذْهَبُهُ أَحَدُهُمَا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، سِيَّمَا مَعَ تَعَذُّرِ تَعَادُلِ الْأَمَارَاتِ، وَإِنْ كَانَ الرَّابِعُ، أَوْ الْخَامِسُ: فَلَا عَمَلَ إذًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّارِيخِ: فَإِمَّا أَنْ يَعْتَقِدَ نَسْخَ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي أَوْ لَا يَعْتَقِدُ، فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ: وَجَبَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْأَخْذِ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّهُمَا هُوَ الْمَنْسُوخُ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ النَّسْخَ: فَإِمَّا التَّخْيِيرُ.
وَإِمَّا الْوَقْفُ، أَوْ غَيْرُهُمَا، وَالْحُكْمُ فِي الْكُلِّ سَبَقَ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ: فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِحْضَارِ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ نُصُوصِ إمَامِهِ عِنْدَ حِكَايَةِ بَعْضِهَا مَذْهَبًا لَهُ، ثُمَّ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا، فَإِنْ اعْتَقَدَهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُهُ فِي كُلِّ حِينٍ أَرَادَ حِكَايَةَ مَذْهَبِهِ، وَهَذَا يَتَعَذَّرُ فِي مَقْدِرَةِ الْبَشَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي الْإِحَاطَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى جِهَتِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُسْأَلُ، وَمَنْ لَمْ يُصَنِّفْ كُتُبًا فِي الْمَذْهَبِ، بَلْ أَخَذَ أَكْثَرَ مَذْهَبِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَفَتَاوِيهِ، كَيْفَ يُمْكِنُ حَصْرُ ذَلِكَ عَنْهُ؟ هَذَا بَعِيدٌ عَادَةً،
(12/270)
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْهَبُ إمَامِهِ وُجُوبَ تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ نِسْبَةِ بَعْضِهَا إلَيْهِ مَذْهَبًا لَهُ: يَنْظُرُ، فَإِنْ قِيلَ: رُبَّمَا لَا يَكُونُ مَذْهَبُ أَحَدٍ الْقَوْلُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَضْلًا عَنْ الْإِمَامِ، قُلْنَا: نَحْنُ لَمْ نَجْزِمْ بِحُكْمٍ فِيهَا، بَلْ رَدَّدْنَاهُ، وَقُلْنَا: إنْ كَانَ كَذَا: لَزِمَ مِنْهُ كَذَا، وَيَكْفِي فِي إيقَافِ إقْدَامِ هَؤُلَاءِ تَكْلِيفُهُمْ نَقْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْ الْإِمَامِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ قَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ.
وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَيَانِهِ، وَإِنَّمَا يُقَابِلُونَ هَذَا التَّحْقِيقَ بِكَثْرَةِ نَقْلِ الرِّوَايَاتِ، وَالْأَوْجُهِ، وَالِاحْتِمَالَاتِ، وَالتَّهَجُّمِ عَلَى التَّخْرِيجِ وَالتَّفْرِيعِ، حَتَّى لَقَدْ صَارَ هَذَا عِنْدَهُمْ عَادَةً وَفَضِيلَةً، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةٍ، فَالْتَزَمُوا لِلْحَمِيَّةِ نَقْلَ مَا لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ، لِمَا عَلِمْته آنِفًا، ثُمَّ لَقَدْ عَمَّ أَكْثَرَهُمْ بَلْ كُلَّهُمْ نَقْلُ أَقَاوِيلَ يَجِبُ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا فِي نَظَرِهِمْ، بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ، أَوْ لِأَنَّهَا مُرْسَلَةٌ فِي سَنَدِهَا عَنْ قَائِلِهَا، وَخَرَّجُوا مَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلٍ ثَالِثٍ، بِنَاءً عَلَى مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ الدَّلِيلِ، فَمَا هَؤُلَاءِ بِمُقَلِّدِينَ حِينَئِذٍ، وَقَدْ يَحْكِي أَحَدُهُمْ فِي كِتَابِهِ أَشْيَاءَ، يَتَوَهَّمُ الْمُسْتَرْشِدُ: أَنَّهَا إمَّا مَأْخُوذَةٌ مِنْ نُصُوصِ الْإِمَامِ، أَوْ مِمَّا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى نِسْبَتِهَا إلَى الْإِمَامِ مَذْهَبًا لَهُ، وَلَا يَذْكُرُ الْحَاكِي لَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ، وَلَعَلَّهُ يَكُونُ قَدْ اسْتَنْبَطَهُ أَوْ رَآهُ وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ أَوْ احْتِمَالًا، فَهَذَا أَشْبَهَ التَّدْلِيسَ، فَإِنْ قَصَدَهُ فَشِبْهُ الْمَيْنِ، وَإِنْ وَقَعَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا، فَهُوَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْبَلَادَةِ وَالشَّيْنِ.
كَمَا قِيلَ:
(12/271)
فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ ... وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ
وَقَدْ يَحْكُونَ فِي كُتُبِهِمْ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْعَمَلُ بِهِ، وَيُرْهِقُهُمْ إلَى ذَلِكَ: تَكْثِيرُ الْأَقَاوِيلِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَحْكِي عَنْ الْإِمَامِ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً، أَوْ يُخَرِّجُ خِلَافَ الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ، بَلْ إمَّا التَّخْيِيرُ، أَوْ الْوَقْفُ، أَوْ الْبَدَلُ، أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ عَنْهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ حَالَيْنِ، أَوْ مَحَلَّيْنِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ: حُكْمُهُ خِلَافُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ عِنْدَ تَعَرِّيهَا عَنْ قَرِينَةٍ مُفِيدَةٍ لِذَلِكَ، وَالْغَرَضُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَشْرَحُ أَحَدُهُمْ كِتَابًا، وَيَجْعَلُ مَا يَقُولُهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ الْمَشْرُوحِ رِوَايَةً، أَوْ وَجْهًا، أَوْ اخْتِيَارًا لِصَاحِبِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ أَنَّهُ ظَاهِرٌ الْمَذْهَبِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا إجْمَالٌ، أَوْ إهْمَالٌ، وَقَدْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ " أَوْ " ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَذَا " وَلَا يَقُولُ " وَعِنْدِي " وَيَقُولُ غَيْرُهُ خِلَافَ ذَلِكَ، فَلِمَنْ يُقَلِّدُ الْعَامِّيُّ إذًا؟ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَعْمَلُ بِمَا يَرَى، فَالتَّقْيِيدُ إذًا لَيْسَ لِلْإِمَامِ، بَلْ لِلْأَصْحَابِ فِي أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ، ثُمَّ إنَّ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفِينَ وَالْحَاكِينَ قَدْ يَفْهَمُونَ مَعْنًى، وَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِلَفْظٍ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ وَافٍ بِالْغَرَضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِذَا نَظَرَ أَحَدٌ فِيهِ وَفِي قَوْلِ مَنْ أَتَى بِلَفْظٍ وَافٍ بِالْغَرَضِ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ يَفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مَعْنًى قَدْ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ لِلَّفْظِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ، فَيُحْصَرُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي لَفْظٍ وَجِيزٍ.
(12/272)
فَبِالضَّرُورَةِ يَصِيرُ مَفْهُومُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي اللَّفْظَيْنِ مِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ غَيْرَ مَفْهُومٍ لِلْآخَرِ، وَقَدْ يَذْكُرُ أَحَدُهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ إجْمَاعًا، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِقَوْلٍ يُخَالِفُ مَا يَعْلَمُهُ، وَمَنْ يَتَتَبَّعُ حِكَايَةَ الْإِجْمَاعَاتِ مِمَّنْ يَحْكِيهَا، وَطَالَبَهُ بِمُسْتَنَدَاتِهَا: عَلِمَ صِحَّةَ مَا ادَّعَيْنَاهُ، وَرُبَّمَا أَتَى بَعْضُ النَّاسِ بِلَفْظٍ يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ مِنْهُ، فَيَظُنُّ: أَنَّهُ قَدْ أَخَذَهُ مِنْهُ، فَيَحْمِلُ كَلَامَهُ عَلَى مَحْمَلِ كَلَامِ مَنْ قَبْلَهُ، فَإِنْ رُئِيَ مُغَايِرًا لَهُ: نُسِبَ إلَى السَّهْوِ أَوْ الْجَهْلِ، أَوْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ، إنْ كَانَ، أَوْ يَكُونُ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يُغَايِرُ مَدْلُولَ كَلَامِ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ، فَيَحْمِلُ كَلَامَهُ عَلَى غَيْرِ مَحْمَلِ كَلَامِ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ، فَيَجْعَلُ الْخِلَافَ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ، أَوْ الْوِفَاقَ فِيمَا فِيهِ خِلَافٌ، وَقَدْ يَقْصِدُ أَحَدُهُمْ حِكَايَةَ مَعْنَى أَلْفَاظِ الْغَيْرِ، وَرُبَّمَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَرَى جَوَازَ نَقْلِ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، وَقَدْ يَكُونُ فَاعِلُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُعَلِّلُ الْمَنْعَ فِي صُورَةِ الْفَرْضِ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيفِ غَالِبًا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي أَلْفَاظِ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ، فَمَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ: رُبَّمَا رَأَى تَرْكَ التَّصْنِيفِ أَوْلَى، إنْ لَمْ يَحْتَرِزْ عَنْهَا، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَحَاذِيرِ وَغَيْرِهَا غَالِبًا، فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ هَذَا فِعْلُ الْقُدَمَاءِ وَإِلَى الْآنَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَى الْأَئِمَّةِ تَرْكُ الْإِنْكَارِ إذَنْ، {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَنَحْوُهَا مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
قُلْت: الْأَوَّلُونَ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِمَّا عَنَيْنَاهُ،
(12/273)
فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَأْلِيفٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَفِعْلُهُمْ غَيْرُ مُلْزِمٍ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ حُجَّةً، بَلْ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا لِبَعْضِ الْعَوَامّ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى أَنَّ الْعَامِّيَّ مَلْزُومٌ بِالْتِزَامِهِ مَذْهَبَ إمَامٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَحْفَظُوا الشَّرِيعَةَ مِنْ الْإِغْفَالِ وَالْإِهْمَالِ، قُلْنَا: قَدْ كَانَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فِي حِفْظِهَا أَنْ يُدَوِّنُوا الْوَقَائِعَ وَالْأَلْفَاظَ النَّبَوِيَّةَ وَفَتَاوَى الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جِهَاتِهَا وَصِفَاتِهَا، مَعَ ذِكْرِ أَسْبَابِهَا كَمَا ذَكَرْنَا سَابِقًا حَتَّى يَسْهُلَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ مَعْرِفَةُ مُرَادِ كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِهِ، فَيُقَلِّدُهُ عَلَى بَيَانٍ وَإِيضَاحٍ،
(12/274)
وَإِنَّمَا عَنَيْنَا مَا وَقَعَ فِي التَّآلِيفِ مِنْ هَذِهِ الْمَحَاذِيرِ، لَا مُطْلَقَ التَّأْلِيفِ، وَكَيْفَ يُعَابُ مُطْلَقًا؟ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابَةِ» فَلَمَّا لَمْ يُمَيِّزُوا فِي الْغَالِبِ مَا نَقَلُوهُ مِمَّا خَرَّجُوهُ، وَلَا مَا عَلَّلُوهُ مِمَّا أَهْمَلُوهُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا عِبْنَاهُ وَبَيْنَ مَا صَنَّفْنَاهُ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ يُمْكِنُ أَنْ أَذْكُرَهَا مِنْ ذِكْرِ الْمَذْهَبِ مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً، لَكِنَّهُ يَطُولُ هُنَا، وَإِذَا عَلِمْت عَقْدَ اعْتِذَارِنَا، وَخِيَرَةَ اخْتِيَارِنَا، فَنَقُولُ: الْأَحْكَامُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَغَيْرِهِ مِنْ اللَّفْظِ: أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِعَيْنِهِ، أَوْ إيمَائِهِ، أَوْ تَعْلِيلِهِ، أَوْ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ لَفْظِهِ: إمَّا اجْتِهَادًا مِنْ الْأَصْحَابِ، أَوْ بَعْضِهِمْ، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ".
وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ " وَمِنْهَا مَا قِيلَ " إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ "، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " نَصَّ عَلَيْهِ " يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَفْظُهُ، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ " وَلَمْ يُعَيِّنْ قَائِلُهُ لَفْظَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " وَيَحْتَمِلُ كَذَا " وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ كَلَامَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ غَيْرَهُ، وَمِنْهَا: مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ سَرْدًا، وَلَمْ يُوصَفْ بِشَيْءٍ أَصْلًا، فَيَظُنُّ سَامِعُهُ: أَنَّهُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا،
(12/275)
وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ "، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ فِيهِ "، وَمِنْهَا: مَا قَالَ فِيهِ بَعْضُهُمْ " اخْتِيَارِيٌّ " وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أَصْلًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ خَرَجَ عَلَى رِوَايَةِ كَذَا " أَوْ " عَلَى قَوْلِ كَذَا " وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ، وَلَا تَعْلِيلَهُ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا لِغَيْرِ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يُعَيَّنْ رَبُّهُ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، لَكِنْ الْقَوْلُ بِهِ لَا يَكُونُ خَرْقًا لِإِجْمَاعِهِمْ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى وَفْقِ مَذَاهِبِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَمْدَانَ.
وَفِي بَعْضِهِ شَيْءٌ وَقَعَ هُوَ فِيهِ فِي تَصَانِيفِهِ، وَلَعَلَّهُ بَعْدَ تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ، وَوَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ حِكَايَةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَخِيرَةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ فَائِدَةً فِي الْخُطْبَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مُصْطَلَحِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِهِ هَذَا، مَعَ أَنِّي لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى كِتَابِهِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
(12/276)
[فَصْلٌ مَنْ نَقَلَ الْفِقْهَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ]
فَصْلٌ
فِي ذِكْرِ مَنْ نَقَلَ الْفِقْهَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ إلَى أَنْ وَصَلَتْ إلَيْنَا، فَمِنْهُمْ الْمُقِلُّ عَنْهُ، وَمِنْهُمْ الْمُكْثِرُ، وَهُمْ كَثِيرُونَ جِدًّا، وَلَكِنْ نَذْكُرُ مِنْهُمْ جُمْلَةً صَالِحَةً يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ عَلَّمْت عَلَى كُلِّ مَنْ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ بِالْأَحْمَرِ عَلَى مُصْطَلَحِ " الْكَاشِفِ " لِلذَّهَبِيِّ، فَمِنْهُمْ:
1 - إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، كَانَ إمَامًا فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ، مُتْقِنًا مُصَنِّفًا مُحْتَسِبًا، عَابِدًا زَاهِدًا، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا حِسَانًا جِيَادًا.
2 - إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَنْبَسِطُ إلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ، وَيُفْطِرُ عِنْدَهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
3 - إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ مُصْعَبٍ الطَّرَسُوسِيُّ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُعَظِّمُهُ، وَيَرْفَعُ قَدْرَهُ وَيَنْبَسِطُ إلَيْهِ، وَرُبَّمَا تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَيُجِيبُ هُوَ، فَيَقُولُ لَهُ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رَوَى عَنْهُ الْأَثْرَمُ، وَحَرْبٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَرَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً فِي أَرْبَعَةِ أَجْزَاءَ.
(12/277)
إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِهْرَانَ الدِّينَوَرِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ.
5 - إبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الصَّائِغُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
6 - إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ.
7 - إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
8 - د ت س إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
9 - إبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعُبَّادِ، وَكَانَ وَرِعًا صَالِحًا، صَبُورًا عَلَى الْفَقْرِ، وَاخْتَفَى فِي بَيْتِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيَّامَ الْوَاثِقِ بِاَللَّهِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَسَائِلَ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ وَلَدِهِ إِسْحَاقَ.
10 - م د ت ق أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الدَّوْرَقِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ جَمَّةً، وَيَأْتِي ذِكْرُ أَخِيهِ يَعْقُوبَ.
11 - أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْكُوفِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
12 - أَحْمَدُ بْنُ أَضْرَمَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْمُزَنِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
13 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدَةَ،
(12/278)
نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ، وَكَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، وَرِعًا، وَتُوُفِّيَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
14 - أَحْمَدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ.
15 - أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَكِيعِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
16 - خ م أَحْمَدُ بْنُ حَسَنٍ التِّرْمِذِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
17 - أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمِشْكَاتِيُّ، أَبُو طَالِبٍ، كَانَ فَقِيرًا صَالِحًا، خِصِّيصًا بِصُحْبَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيُقَدِّمُهُ.
18 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَاسْمُ أَبِي خَيْثَمَةَ: زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ.
19 - خ م د س ت أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
20 - أَحْمَدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا.
21 - خ د أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ، وَكَانَ مِنْ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ.
(12/279)
د أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ، أَبُو مَسْعُودٍ الضَّبِّيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
23 - أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ.
24 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، كَانَ وَرَعًا صَالِحًا، خِصِّيصًا بِخِدْمَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ يَأْنَسُ بِهِ وَيَنْبَسِطُ إلَيْهِ، وَيَبْعَثُهُ فِي حَوَائِجِهِ، وَكَانَ يَقُولُ " كُلُّ مَا قُلْت فَهُوَ عَلَى لِسَانِي، وَأَنَا قُلْته "، وَكَانَ يُكْرِمُهُ، وَيَأْكُلُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى إغْمَاضَهُ لَمَّا مَاتَ، وَغَسَّلَهُ، رَوَى عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا، وَهُوَ الْمُقَدَّمُ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ.
25 - س أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ الطَّائِيُّ الْأَثْرَمُ، كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، وَيُقَالُ: إنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ كَانَ جِنِّيًّا نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا، وَصَنَّفَهَا، وَرَتَّبَهَا أَبْوَابًا.
26 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ أَبُو الْحَارِثِ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ وَيُجِلُّهُ، وَيُقَدِّمُهُ، وَكَانَ عِنْدَهُ بِمَوْضِعٍ جَلِيلٍ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا بِضْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا، وَجَوَّدَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ
(12/280)
27 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَحَّالُ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
28 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْمَرْوَزِيِّ، أَبُو الْحَارِثِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
29 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَدَقَةَ، أَبُو بَكْرٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
30 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ وَاصِلٍ الْمُقْرِي رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
31 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، أَبُو الْعَبَّاسِ الْبَرَائِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ.
32 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
33 - ق أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ.
34 - ع - أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغَوِيّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
35 - أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبٍ بْنُ حَيَّانَ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ.
36 - أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، أَبُو حَامِدٍ الْخَفَّافُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا.
37 - أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، جَالَسَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَاسْتَفَادَ مِنْهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ.
38 - أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ،
(12/281)
يُقَالُ: مَا يَرِدُ الْقِيَامَةَ أَعْلَمُ بِالنَّحْوِ مِنْهُ، وَكَانَ صَدُوقًا دَيِّنًا، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَ شَيْءٍ.
39 - أَحْمَدُ بْن يَحْيَى الْحَلْوَانِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَسَائِلَ.
40 - أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً حِسَانًا.
41 - إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ، كَانَ خَادِمًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَرَوَى عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً فِي سِتَّةِ أَجْزَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَالِدِهِ.
42 - إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيّ قَرَابَةُ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، وَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ.
43 - د إِسْحَاقُ بْنُ الْجَرَّاحِ، كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
44 - إِسْحَاقُ بْنُ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالٍ، عَمُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، كَانَ مُلَازِمًا لَهُ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَيَأْتِي ذِكْرُ وَلَدِهِ حَنْبَلٍ.
45 - إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا
(12/282)
46 - خ م ت س ق إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ الْمَرُّوذِيُّ الْإِمَامُ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، وَهُوَ مِمَّنْ دَوَّنَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَسَائِلَ الْفِقْهِ.
47 - إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيُّ، أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ الْخَلَّالُ: رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، مَا أَحْسِبُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى عَنْهُ أَحْسَنَ مِمَّا رَوَى، وَلَا أَشْبَعَ وَلَا أَكْثَرَ مَسَائِلَ.
48 - إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ، أَبُو النَّضْرِ الْعِجْلِيّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
49 - أَيُّوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ كَانَ جَلِيلًا عَظِيمَ الْقَدْرِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً صَالِحَةً، فِيهَا شَيْءٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُهُ.
50 - بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً صَالِحَةً.
51 - بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ وَيُقَدِّمُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
52 - بَدْرُ بْنُ أَبِي بَدْرٍ، أَبُو بَكْرٍ الْمَغَازِلِيُّ، وَاسْمُهُ: أَحْمَدُ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ وَيُقَدِّمُهُ، وَيَقُولُ " مَنْ مِثْلُ بَدْرٍ؟ قَدْ مَلَكَ لِسَانَهُ "، وَكَانَ صَبُورًا عَلَى الْفَقْرِ وَالزُّهْدِ،
(12/283)
نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
53 - جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ النَّسَائِيّ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُجِلُّهُ، وَيُكْرِمُهُ وَيُقَدِّمُهُ، وَيَعْرِفُ لَهُ حَقَّهُ، وَيَأْنَسُ بِهِ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ صَالِحَةً.
54 - جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ الصَّائِغُ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
55 - حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ، ابْنُ عَمِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ الْخَلَّالُ: جَاءَ حَنْبَلٌ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِمَسَائِلَ أَجَادَ فِيهَا الرِّوَايَةَ، وَأَغْرَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى مَسَائِلِهِ شَبَّهْتَهَا فِي حُسْنِهَا وَإِشْبَاعِهَا وَجَوْدَتِهَا بِمَسَائِلِ الْأَثْرَمِ. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَالِدِهِ.
56 - حَرْبُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ خَلَفٍ الْحَنْظَلِيُّ الْكَرْمَانِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
57 - الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً كِبَارًا، وَكَانَ لَهُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أُنْسٌ شَدِيدٌ.
58 - الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ كَانَ صَدِيقًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَقَلَ عَنْهُ أَشْيَاءَ.
59 - خ د ت الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ، وَيُقَدِّمُهُ، وَيَأْنَسُ بِهِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَسَائِلَ حِسَانًا
(12/284)
60 - الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْإِسْكَافِيُّ كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً حِسَانًا كِبَارًا.
61 - الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
62 - الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْمَاطِيُّ الْبَغْدَادِيُّ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً.
63 - الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَبُو عَلِيٍّ الْخِرَقِيُّ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَ مَسَائِلَ.
64 - حُبَيْشُ بْنُ سِنْدِيٍّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ جِدًّا، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جُزْأَيْنِ، مَسَائِلَ مُشَبَّعَةً حِسَانًا جِدًّا.
65 - خَطَّابُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، مَسَائِلَ حِسَانًا صَالِحَةً، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ.
66 - خ د ت س زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ زِيَادٍ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
67 - زِيَادُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً، وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ وَرِعًا صَالِحًا.
68 - زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى النَّاقِدُ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يَقُول " هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ "،
(12/285)
نَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
69 - سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ، صَاحِبُ السُّنَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
70 - سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، كَانَ رَفِيعَ الْقَدْرِ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ مُهَنَّا، وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ قَيِّمَةً.
71 - سِنْدِيٌّ، أَبُو بَكْرٍ الْخَوَاتِيمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، سَمِعَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ صَالِحَةً، قَالَ الْخَلَّالُ: هُوَ مِنْ نَحْوِ أَبِي الْحَارِثِ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ.
72 - صَالِحُ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَقَلَ عَنْ أَبِيهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
73 - طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَانَ جَلِيلًا عَظِيمَ الْقَدْرِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً.
74 - س عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا حِسَانًا.
75 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَ مَسَائِلَ.
76 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، الْمَعْرُوفُ بِفَوْزَانِ كَانَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُجِلُّهُ، وَيَأْنَسُ بِهِ، وَيَسْتَقْرِضُ مِنْهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
(12/286)
77 - عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَبُو الْقَاسِمِ، ابْنُ بِنْتِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، بَغَوِيُّ الْأَصْلِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً صَالِحَةً.
78 - عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ كَبِيرًا، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كِبَارًا جِدًّا.
79 - خ م س عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ السَّرَخْسِيُّ، قَالَ الْخَلَّالُ: نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا، لَمْ يَرْوِهَا عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَهُوَ أَرْفَعُ قَدْرًا مِنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ.
80 - م ت س ط ق عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
81 - عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ الْمَرْوَزِيِّ كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، عَالِمًا بِالْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كِبَارًا لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ.
82 - د ت ق عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيُقَالُ: ابْنُ الْحَكَمِ الْوَرَّاقُ، الْإِمَامُ، جَمَعَ بَيْنَ التَّقْوَى وَالْعِلْمِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ.
83 - د عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ صَفْوَانَ، أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ الْإِمَامُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً مُشَبَّعَةً.
84 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَبُو الْفَضْلِ الْمُتَطَبِّبُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا
(12/287)
85 - عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَيْمُونِيُّ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ، وَرَوَى عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا، سِتَّةَ عَشَرَ جُزْءًا، وَجُزْأَيْنِ كَبِيرَيْنِ.
86 - عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْقَطَّانِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا، مُشَبَّعَةً فِي جُزْأَيْنِ.
87 - ع عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَ مَسَائِلَ.
88 - عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ كَانَ لَهُ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأُنْسٌ شَدِيدٌ، وَكَانَ يُقَدِّمُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ جَيِّدَةً.
89 - عِصْمَةُ بْنُ عِصْمَةَ، كَانَ صَالِحًا، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً حِسَانًا، وَصَحِبَهُ.
90 - عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ كَانَ صَدِيقًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَقَلَ عَنْهُ بَعْضَ مَسَائِلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ.
91 - س عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ بْنُ جَرِيرٍ النَّسَوِيُّ كَانَ يُنَاظِرُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُنَاظَرَةً شَافِيَةً، نَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً فِي جُزْأَيْنِ.
92 - عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْأَنْمَاطِيُّ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ.
93 - عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
94 - عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ
(12/288)
نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ.
95 - عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً.
96 - الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ كَانَ يُصَلِّي بِالْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ يَعْرِفُ قَدْرَهُ، وَيُقَدِّمُهُ، وَرَوَى عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
97 - الْفَرَجُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَرْزَاطِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
98 - مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمُتَطَبِّبُ الْكَحَّالُ الْبَغْدَادِيُّ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً حِسَانًا، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ يُكْرِمُهُ وَيُقَدِّمُهُ.
99 - مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، أَخُو خَطَّابِ بْنِ بِشْرٍ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
100 - مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنُ مُشَيْشٍ كَانَ جَارًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَاحِبَهُ، وَكَانَ يُقَدِّمُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
101 - مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي مُوسَى، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَزْءَ مَسَائِلَ كِبَارٍ جِدًّا.
102 - خ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، أَبُو بَكْرٍ، مَاتَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ الْخَلَّالُ، لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَشَدَّ فَهْمًا مِنْهُ فِيمَا سُئِلَ بِمُنَاظَرَةٍ أَوْ احْتِجَاجٍ، وَمَعْرِفَةٍ وَحِفْظٍ،
(12/289)
وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُسِرُّ إلَيْهِ، وَكَانَ خَاصًّا بِهِ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّ أَبِي طَالِبٍ، وَبِهِ وَصَلَ أَبُو طَالِبٍ إلَى أَحْمَدَ.
103 - مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ بَكْرٍ الْمُقْرِي، كَانَ عَالِمًا بِالْقُرْآنِ وَأَسْبَابِهِ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُصَلِّي خَلْفَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ وَغَيْرَهُ وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
104 - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَبُو جَعْفَرٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا جِيَادًا.
105 - خ د ت س مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا، وَسُمِّيَ صَاعِقَةَ، قِيلَ: لِجَوْدَةِ حِفْظِهِ، وَقِيلَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ إنَّمَا لُقِّبَ بِذَلِكَ: لِأَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا قَدِمَ بَلْدَةً لِلِقَاءِ شَيْخٍ إذَا بِهِ قَدْ مَاتَ بِالْقُرْبِ.
106 - د س مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الْمِصِّيصِيُّ، أَخُو إِسْحَاقَ، كَانَ مِنْ خَوَاصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ يُكْرِمُهُ، نَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً عَلَى نَحْوِ مَسَائِلِ الْأَثْرَمِ، وَلَكِنْ لَمْ يُدْخِلْ فِيهَا حَدِيثًا.
107 - د س ق مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ مُشَبَّعَةً.
108 - مُحَمَّدُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْبَغَوِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
109 - مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا.
110 - ت س مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ يُوسُفَ التِّرْمِذِيُّ،
(12/290)
نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً حِسَانًا.
111 - مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ بْنِ بُدَيْنَا، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ.
112 - خ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْبُوشَنْجِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.
113 - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ الْخَلَّالُ: كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً حِسَانًا.
114 - مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الطَّرَسُوسِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الْمُسْتَمْلِي، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا.
115 - مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ، كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، لَهُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ حِسَانٌ، نَقَلَهَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
116 - مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ، كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جُزْءًا فِيهِ مَسَائِلُ حِسَانٌ.
117 - مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَشْيَاءَ.
118 - مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ، أَبُو عِمْرَانَ، كَانَ جَارًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، نَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ، وَرَوَى عَنْهُ
(12/291)
119 - مُوسَى بْنُ عِيسَى الْجَصَّاصُ، كَانَ وَرِعًا، مُتَحَلِّيًا، زَاهِدًا، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، وَكَانَ لَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَسَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ بِشَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ فِي الزُّهْدِ.
120 - مُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ الْأَنْبَارِيُّ، كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يَعْرِفُ قَدْرَهُ وَحَقَّهُ، وَنَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا.
121 - مُهَنَّا بْنُ يَحْيَى الشَّامِيُّ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُكْرِمُهُ، وَيَعْرِفُ لَهُ قَدْرَهُ وَحَقَّ الصُّحْبَةِ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ يَسْأَلُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى يُضْجِرَهُ، وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا.
122 - س مَيْمُونُ بْنُ الْأَصْبَغِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا.
123 - هَارُونُ الْمُسْتَمْلِي، الْمَعْرُوفُ بِمُكْحُلَةٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
124 - م 4 هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ، الْمَعْرُوفُ بِالْحَمَّالِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً حِسَانًا جِدًّا فِي جَزْءٍ كَبِيرٍ.
125 - يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بُخْتَانَ، كَانَ جَارَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَدِيقَهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً
(12/292)
126 - ع يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الدَّوْرَقِيُّ، الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُ أَخِيهِ أَحْمَدَ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ، 127 يَعْقُوبُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً.
128 - ق يَحْيَى بْنُ يَزْدَادَ، الْمُكَنَّى بِأَبِي الصَّقْرِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً حِسَانًا فِي جَزْءٍ.
129 - يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا الْمَرُّوذِيُّ، نَقَلَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَسَائِلَ حِسَانًا.
130 - يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْعَطَّارُ الْحَرْبِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَشْيَاءَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ ثَنَاءً حَسَنًا.
131 - خ د ت ق يُوسُفُ بْنُ مُوسَى بْنُ رَاشِدٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ، وَهَذَا آخِرُ مَا قَصَدْنَا ذِكْرَهُ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِمَّنْ نَقَلَ الْفِقْهَ عَنْهُ مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ طَالِبُ الْعِلْمِ، وَهُمْ نَيِّفٌ عَلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةِ نَفْسٍ، وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْفِقْهَ وَغَيْرَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ جِدًّا، ذَكَرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ أَبِي يَعْلَى فِي الطَّبَقَاتِ، وَقَدْ زَادُوا فِيهَا عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْضَهُمْ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُمْ، فَإِنَّ مَنْ طَالَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ النَّاقِلِينَ عَنْهُ،
(12/293)
فَإِنَّ بَعْضَهُمْ تَارَةً يَذْكُرُهُمْ بِكُنَاهُمْ، وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهُمْ بِأَلْقَابِهِمْ، وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَهُمْ أَيْضًا مُتَفَاوِتُونَ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي النَّقْلِ عَنْهُ، وَالضَّبْطِ وَالْحِفْظِ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِ كُلِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِمْ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَغَالِبُ مَا ذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ. فَمِنْ الْمُكْثِرِينَ عَنْهُ:
1 - إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ.
2 - وَابْنُ هَانِئٍ.
3 - وَوَلَدُهُ.
4 - وَأَبُو طَالِبٍ.
5 - وَالْمَرُّوذِيُّ.
6 - وَالْأَثْرَمُ.
7 - وَأَبُو الْحَارِثِ.
8 - وَالْكَوْسَجُ.
9 - وَالشَّالَنْجِيُّ.
10 - وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَحَّالُ.
11 - وَأَبُو النَّضْرِ.
12 - وَبِشْرُ بْنُ مُوسَى.
13 - وَخَطَّابُ بْنُ بِشْرٍ.
14 - وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ.
15 - وَحَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ.
(12/294)
وَالْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ.
17 - وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ.
18 - وَأَبُو دَاوُد صَاحِبُ السُّنَنِ.
19 - وَسِنْدِيٌّ الْخَوَاتِيمِيُّ.
20 - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ.
21 - وَصَالِحُ بْنُ الْإِمَامِ.
22 - وَفَوْزَانُ.
23 - وَالْمَيْمُونِيُّ.
24 - وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ.
25 - وَابْنُ مُشَيْشٍ.
26 - وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ.
27 - وَالْبُرْزَاطِيُّ.
28 - وَالْبُوشَنْجِيُّ.
29 - وَمُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ.
30 - وَمُهَنَّا بْنُ يَحْيَى الشَّامِيُّ.
31 - وَهَارُونُ الْحَمَّالُ.
32 - وَابْنُ بُخْتَانَ.
33 - وَأَبُو الصَّقْرِ.
34 - وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا آخِرُ مَا قَصَدْنَا جَمْعَهُ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ عَلَى ذَلِكَ، فَمَا كَانَ مِنْهُ صَحِيحًا صَوَابًا: فَذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَتَوْفِيقِهِ لَنَا وَمَا كَانَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ: فَذَلِكَ مِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ،
(12/295)
فَإِنَّ جَامِعَهُ مُعْتَرِفٌ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَبِضَاعَتُهُ فِي الْعِلْمِ مُزْجَاةٌ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ سَلَكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ طَرِيقًا لَمْ يَرَ أَحَدًا مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ سَلَكَهَا، فَإِنَّ الْمُؤَلِّفَ إذَا صَنَّفَ كِتَابًا قَدْ سُبِقَ إلَى مِثْلِهِ: يَسْهُلُ عَلَيْهِ تَعَاطِي مَا يُشَابِهُهُ، وَيَزِيدُهُ فَوَائِدَ وَقُيُودًا، وَيُنَقِّحُهُ وَيُهَذِّبُهُ، بِخِلَافِ مَنْ صَنَّفَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُسْبَقْ إلَى التَّصْنِيفِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مَشَقَّةٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَالْمَطْلُوبُ مِمَّنْ طَالَعَ هَذَا الْكِتَابَ، أَوْ نَظَرَ فِيهِ، أَوْ اسْتَفَادَ مِنْهُ: دَعْوَةٌ لِمُؤَلِّفِهِ بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ، فَإِنَّهُ قَدْ كَفَاهُ الْمُؤْنَةَ وَالطَّلَبَ وَالتَّعَبَ فِي جَمِيعِ نُقُولَاتٍ وَمَسَائِلَ، لَعَلَّهَا لَمْ تَجْتَمِعْ فِي كِتَابٍ سِوَاهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ الْمُبَارَكَةِ: فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ شُهُورِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَكَتَبَهُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: حَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمِرْدَاوِيُّ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ السَّعْدِيُّ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرْمِهِ، بِصَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ، مِنْ نُسْخَةِ شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ، أَبْقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى آمِينَ.
(12/296)