إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لاَ تُنْقَلَ عَنْ بَلَدِهَا، ولاَ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا في الحَيْضِ، ولاَ في الدُّبُرِ، ولاَ يَجُوزُ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا إِلاَّ بإِذْنِهَا، وإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلاَ يَعْزِلْ عَنْهَا إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، ولَهُ أَنْ يُجبِّرَهَا عَلَى الغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ والحَيْضِ والنَّجَاسَةِ وتَرْكِ المُسّكْرِ وأَخْذِ الشَّعرِ الَّذِي تَعَافُهُ النَّفْسُ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ (1)، وإِذَا كَانَتْ ذِمِّيَّةً قَالَ في رِوَايَةِ صَالِحٍ (2): يَجِبُ عَلَيْهَا الغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ والحَيْضِ، فَإِنْ لَمْ تَغتسِلْ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهَا الشركُ أعظمُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى الغُسْلِ مِنَ الحَيْضِ فَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَشْيَاءِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (3)، ويَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ إِمَائِهِ وزَوْجَاتِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، ويُسْتَحَبُّ الوُضُوءُ عِنْدَ مُعَاوَدَةِ / 259 و / الوَطْءِ، وتُكْرَهُ المُجَامَعَةُ، وهُنَاكَ مَنْ يَرَاهُمَا أو مُتَجَرِّدَيْنِ ولاَ سُتْرَةَ عَلَيْهِمَا.
بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنَ النِّكَاحِ
المُحَرَّمَاتُ نِكَاحُهُنَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الأَبَدِ، ومُحَرَّمَاتٌ إِلَى أَمَدٍ.
فالمُحَرَّمَاتُ عَلَى الأَبَدِ: الأُمُّ والجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ أَبيْهِ وأُمِّهِ وإِنْ عَلَوْنَ، وبَنَاتُهُ مِنْ مِلْكٍ أو شِبْهِ مِلْكٍ أو زِناً، وبَنَاتُ أَوْلاَدِهِ وإِنْ سَفَلْنَ وأَخَوَاتُهُ وبنات أخواته، وبَنَاتُ إِخْوَتِهِ، وبَنَاتُ أَوْلاَدِ إِخْوَتِهِ وأَخَوَاتِهِ وإِنْ سَفَلْنَ، وعَمَّاتُهُ وخَالاَتُهُ وإِنْ عَلَوْنَ، ولاَ تُحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ وزَوْجَةُ ابْنِهِ وأَجْدَادُهُ وإِنْ عَلَونَ، وزَوْجَةُ ابْنِهِ وبَنِي ابْنِهِ وإِنْ سَفَلْنَ، ولاَ تُحْرُمُ بَنَاتُ زَوْجَاتِ الآبَاءِ والأَبْنَاءِ ولاَ أُمَّهَاتُهُنَّ، وتَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّ زَوْجَتِهِ وَجَدَّاتُهَا بِنَفْسِ عَقْدِ النِّكَاحِ، ولاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا وهُنَّ الرَّبائبُ بالعَقْدِ فَلَوْ طَلَّقَ الأُمَّ قَبْلَ الدُّخُولِ أُبِيْحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بالرَّبَائِبِ، فَإِنْ مَاتَتْ الأُمُّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ يحرمن الرَّبَائِبِ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4). فَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمَّهَاتِهَا وبَنَاتِهَا وبَنَاتِ أَوْلاَدِهَا وإِنْ سَفَلْنَ سَواءٌ كَانَ الوَطْءُ حلاَلاً أو حَرَاماً، فَإِنْ كَانَتْ المَوْطُوءةُ مَيِّتَةً أو صَغِيْرَةً لاَ يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (5)، فَإِنْ بَاشَرَهَا أو نَظَرَ إِلى فَرْجِهَا أَو خَلا بِهَا لِشَهْوَةٍ، فَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
__________
(1) انظر: الهادي: 170.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 117/ أ.
(3) أحدهما نقلها حنيل: أنَّهُ يملك إجبارها، والثانية نقلها صالح: أنَّهُ لا يملك إجبارها.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: 117/ أ.
(4) نقل أحمد بن أحرم والمزني: أنها لا تحل لَهُ، ونقل ابن مَنْصُوْر لفظين: أحدهما مِثْل الأول، والثاني: أنها حلال. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 116/ ب.
(5) أحدهما: لا يثبت التحريم بِذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي في خلافة. والثاني: يثبت بِهِ التحريم قَالَه الْقَاضِي في الجامع. انظر: الإنصاف 8/ 118.
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 116/ أ.(1/389)
فَإِنْ تَلَوَّطَ بِغُلاَمٍ فَحُكْمُهُ في تَحْرِيْمِ المُصَاهَرَةِ حُكْمُ المَرْأَةِ، يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمَّهَاتِهِ وبَنَاتِهِ وتَحْرُمُ عَلَى الغُلاَمِ أُمَّهَاتُ الوَاطِئ وبَنَاتُهُ عِنْدَ أًصْحَابِنَا، وعِنْدِي: أًنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ المُبَاشَرَةِ فِيْمَا دُوْنَ الفَرْجِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1)، ومَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا بالنَّسَبِ حَرُمَ بالرَّضَاعِ، ويَحْرُمُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ اليَمِيْنِ أَيْضاً.
فَأَمَّا المُحَرَّمَاتُ إِلَى الأَمَدِ: فَإِذَا تَزَوَّجَ بامْرَأَةٍ أو كَانَتْ في عِدَّةٍ مِنْهُ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وعَمَّتِهَا وخَالَتِهَا مِنْ نَسَبٍ أَو رِضَاعٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا وانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أُبيحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِنَّ، فَإِنِ اشْتَرَى أُخْتَ زَوْجَتِهِ وَخَالَتِهَا وعَمَّتِهَا صَحَّ الشِّرَاءُ ولاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ إِحْدَاهُنَّ حَتَّى يُطَلِّقَ الزَّوْجَةَ، فَإِنْ تَزَوَّجَهُنَّ في عَقْدٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، فَإِنِ اشْتَرَاهُنَّ في عَقْدٍ صَحَّ الشِّرَاءُ، ولاَ يَحِلُّ وَطْءُ إِحْدَاهُنَّ حَتَّى تَحْرُمَ الأُخْرَى بإخراج عَنْ مِلْكِهِ، أو تَزْوِيْجٌ، وَعَنْهُ: إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مَعَ الكَرَاهَةِ (2). فَإِنِ اسْتَفْرَشَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ. ذَكَرَهُ أَبو بَكْرٍ (3)، وظَاهِرُ كَلاَمِهِ في /260 ظ/ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وحَرْبٍ (4): يَصِحُّ النِّكَاحُ ولاَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَحْرُمَ المَوْطُوءةُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لأنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَزَوَّجَهَا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا، فَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ أُخْتَهَا فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ إِحْدَاهُمَا بالإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ فَصَحِيْحٌ اجْتِمَاعُ النِّكَاحِ مَعَ مِلْكِ اليَّمِيْنِ ومُنِعَ مِنَ الوَطْءِ حَتَّى تَحْرُمَ الأُخْرَى، ويَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ مَنْ طَلَّقَها ثَلاَثاً حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ويَدْخُلَ بِهَا ويُطَلِّقَهَا ويَقْضِيَ العِدَّةَ، وَكَذَلِكَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ كُلُّ امرَأَةٍ في عِدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تَقْضِيَ العِدَّةَ، ويَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ المَزْنِيِّ بِهَا حَتَّى تَتُوبَ وتَقْضِيَ عِدَّتَهَا. والإِحْرَامُ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ، وهَلْ يَمْنَعُ مِنَ الرَّجْعَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5).
ويَحْرُمُ عَلَى المُسْلِمِ نِكَاحُ المَجُوسِيَّةِ والمُرْتَدَّةِ والوَثَنِيَّةِ، ومَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهَا مَجُوسِيٌّ أو وَثَنِيٌّ أو مُرْتَدٌّ إِلَى أَنْ يُسْلِمْنَ فَيَحِلَّ نِكَاحِهِنَّ ويَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الكِتَابِ، وهَلْ يَحْرُمُ نِكَاحُ إِمَائِهِنْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6). ويَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ اليَمِيْنِ، ولاَ يَجُوزُ وَطْءُ
__________
(1) نقل إسماعيل بن سعيد وابن مَنْصُوْر والمروذي: لا ينشر الحرمة إلا الوطء، ونقل الحسن بن ثواب
وعبد الله والمروذي: أنها تنشر الحرمة. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 116/ أ - ب.
(2) انظر: الإنصاف 8/ 123.
(3) وَهُوَ المذهب، وَقَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظاهر كَلاَمَ الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللهُ. انظر: الإنصاف: 8/ 129.
(4) انظر: الإنصاف 8/ 129.
(5) نقل مهنّا إذا رجع يشهد عَلَى الرجعة، ونقل ابن مَنْصُوْر إذا رجع وَلَمْ يشهد حَتَّى انقضت العدة فهي رجعة. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 137/ ب.
(6) نقل صالح وأبو طَالِب: لا يجوز، وَهُوَ اختيار الخِرَقِيّ وغيره، وَقَالَ في رِوَايَة ابن القاسم: الكراهية في إماء أهل الكِتَاب. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 118/ أ.(1/390)
المَجُوسِيَّاتِ بِملْكِ اليَمِيْنِ، ويَحْرُمُ عَلَى الحُرِّ نِكَاحُ الأَمَةِ إِلاَّ أَنْ يَخَافَا العَنَتَ ولاَ يَجِدُ طَوْلَ حُرَّةٍ ولاَ ثَمَنَ أَمَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَعِفُّهُ أَمَةُ جَازُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثَانِيَةً وثَالِثَةً ورَابِعَةً، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لاَ تَعِفُّهُ وَلَمْ يَجِدْ طَوْلاً لِحُرَّةٍ أُخْرَى جَازَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَمَةٍ (1)، ولاَ يَتَزَوَّجُ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ، فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَتَزَوَّجَ بِحُرَّةٍ، فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الأَمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2). وَكَذَلِكَ إِذَا وَجَدَ طَوْلَ حُرَّةٍ فَهَلْ تَبْطُلُ نكاح الأَمَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3). فَإِنْ كَانَ تَحْتَ عَبْدٍ حُرَّةٌ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4). فَإِنْ تَزَوَّجَ الحُرُّ بِحُرَّةٍ وأَمَةٍ في عَقْدٍ وَاحِدٍ بَطَلَ نِكَاحُ الأَمَةِ، وهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الحُرَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5) فَإِنْ تَزَوَّجَهَا العَبْدُ في عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُهَا، وَهَذَا التَّفْرِيْعُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: ((إِنَّ فَقْدَ الكَفَاءةَ لاَ يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وإِنَّ الحُرِّيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ الكَفَاءةِ، ويَحْرُمُ عَلَى الحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بأَمَةِ وَلَدِهِ، ولاَ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى العَبْدِ، ولاَ يَحْرُمُ عَلَى الابنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بأَمَةِ أَبِيْهِ، ويَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بأَمَتِهِ، وعَلَى العَبْدِ أنْ يَتَزَوَّجَ بِسَيِّدَتِهِ، وإِذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الأَمَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، فَإِنِ اشْتَرَاهَا لابْنِهِ، فَهَلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (6).
وتَحْرُمُ (7) / 261 و /المُلاَعَنَةُ عَلَى المُلاَعِنِ، فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ؟ عَلَى
__________
(1) انظر: المغني 7/ 514.
(2) نقل بكر بن مُحَمَّد وحرب وأبو طَالِب: لا ينفسخ ويقيم للحرة ليلتين وللأمة ليلة. ونقل ابن مَنْصُوْر قَدْ تنفسخ ويكون طلاقاً للأمة.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 117/ أ - ب.
(3) نقل حرب عَنْهُ: لا يتزوج إلا واحدة ونقل أبو طَالِب عَنْهُ: إن خشي العنت تزوج أربعاً، وَهُوَ اختيار الخِرَقِيّ. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 117/ أ - ب.
(4) نقل ابن مَنْصُوْر جواز ذَلِكَ، وَهُوَ اختيار أبي بكر، ونقل حرب أنَّهُ لا يجوز لَهُ ذَلِكَ.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 11/ أ.
(5) نقل ابن مَنْصُوْر: يثبت نكاح الحرة ويفارق الأمة. ونقل مُحَمَّد بن حبيب لفظين: أحدهما مِثْل هَذَا، والثاني: يبطل العقد فيهما جميعاً، وَقَالَ أبو بكر: ويتخرج وجه آخر إن كَانَ يخاف العنت بنكاح الحرة منفردة أن يصح النكاحان جميعاً.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 117/ ب.
(6) أحدهما: ينفسخ، اختارها ابن عبدوس، وَقَالَ المروذي: وَهُوَ الصَّحِيْح من المذهب. والثانية: لا ينفسخ. انظر: الإنصاف 8/ 150.
(7) تكررت فِي الأصل.(1/391)
رِوَايَتَيْنِ (1). ويَحْرُمُ عَلَى الحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَر مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وعَلَى العَبْدِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَر مِنْ زَوْجَتَيْنِ.
بَابُ الشَّرْطِ في النِّكَاحِ
الشُّرُوطُ في النِّكَاحِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
شَرْطٌ صَحِيْحٌ لاَزِمٌ: وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ زِيَادَةً عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا مَعْلُومَةً أو نَقْداً مُعَيَّناً، أَو أَنْ لاَ يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، ولاَ يَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، وأَنْ لاَ يُسَافِرَ بِهَا، ولاَ يَنْقُلَهَا عَنْ دَارِهَا أو عَلَى طَلاَقِ ضَرَّتِهَا، فَهَذَا شَرْطٌ ثَابِتٌ إِنْ وَفَّى بِهِ وإلاَّ فَلَهَا الخِيَارُ في فَسْخِ النِّكَاحِ.
والضَّرْبُ الثَّانِي: شَرْطٌ فَاسِدٌ يَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:
القِسْمُ الأَوَّلُ: يُبْطِلُ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ نِكَاحَ الشِّغَارِ، وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ وَلِيَّتَهُ لِرَجُلٍ بِشَرْطِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ولَيَّتَهُ، ولاَ مَهْرَ بَيْنَهُمَا، وسَوَاءٌ قَالَ: وَتَضَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (2) مَهْرَ الأُخْرَى أو لَمْ يَقُلْ. فَإِنْ سَمُّوا مَعَ ذَلِكَ مَهْراً صَحَّ النِّكَاحِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الخِرَقِيُّ (3): لا يَصِحُّ أَيْضاً.
ونِكَاحُ المُحلِّلِ: وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أنَّهُ إِذا أَحَلَّهَا للأَوَّلِ فَلاَ نِكَاحَ بَيْنَهُمَا أو إِذَا أَحَلَّهَا لَهُ طَلَّقَهَا، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ وَلَمْ يَشْرُطْ، فَنَقَلَ حنبل أنَّهُ لا يَصِحُّ نِكَاحُهُ (4) أَيْضاً. ونَقَلَ حَربٌ أنَّهُ كَرَّهَهُ (5)، وظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ مَعَ الكَرَاهِيَةِ.
ونِكَاحُ المُتْعَةِ: وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِلَى مُدَّةٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بَاطِلٌ. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ (6) فِيْهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أنَّهُ مَكْرُوهٌ ويَصِحُّ، نَقَلَهَا ابنُ مَنْصُوْرٍ، وَعَنْهُ (7): أنَّهُ سَأَلَ هَلْ للعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يُفْتي بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ؟ فَقَالَ: يَجْتَنِبُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ، ومَعْنَاهُ الأَوَّلُ أَنْ لاَ يُقَلِّدَهُ؛ لأَنَّ المُتْعَةَ تَجُوزُ عِنْدَهُ أو تُحْمَلُ عَلَى أنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَطَلَ التَّأْقِيْتُ وصَحَّ النِّكَاحُ ويَجْتَنِبُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ.
__________
(1) نقل حنبل والميموني: أنَّهُ تحريم عَلَى التأبيد، ولا يزول ذَلِكَ التحريم. ونقل حنبل في موضع آخر متى أكذب نفسه زال تحريم الفراش. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 146/ أ - ب.
(2) تكررت في الأصل.
(3) انظر: المغني 7/ 569.
(4) انظر: الإنصاف 8/ 161.
(5) ينظر: المقنع: 213، الإنصاف: 8/ 161.
(6) انظر: المغني 7/ 569.
(7) نقل صالح وعبد الله وحنبل: نكاح المتعة حرام. ونقل ابن منصور: أنَّهُ سأله عن متعة النساء، تقول: إنها حرام، قَالَ: يجتنبها أحب إليّ. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 119/ أ - ب.(1/392)
ونِكَاحٌ عُلِّقَ انْعِقَادُهُ إلَى وَقْتٍ مِثْل أنْ يَقُوْلَ: زَوَّجْتُكَ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وإِذَا رَضِيَتْ أُمُّهَا، ونَحْو ذَلِكَ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ: أنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ وَهُوَ بَعِيْدٌ (1).
والقِسْمُ الثَّانِي: يَبْطُلُ الشَّرْطُ ويَصِحُّ العَقْدُ، مِثْل أَنْ يَشْرُطَ أَنْ لا مَهْرَ لها، أو إِنْ أُصْدقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بالصَّدَاقِ أو أَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أو يَشْرُطَ عَلَيْهِ أنْ لاَ يَطَأَهَا أو أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا، أو يَشْرُطَ أَنْ يُقْسِمَ لَهَا لَيْلَةً ولِزَوْجَتِهِ الأخرى ثَلاَثُ لَيَالٍ، ونَحْو ذَلِكَ، والشَّرْطُ بَاطِلٌ والنِّكَاحُ صَحِيْحٌ.
والقِسْمٌ الثَّالِثُ: بُطْلاَنُ الشَّرْطِ / 262 ظ / وفي صِحَّةِ النِّكَاحِ رِوَايَتَانِ (2) قُبَيْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ الخِيَارِ وإِنْ جَاءهَا بالمَهْرِ وَقْتَ كَذَا وإِلاَّ فَلاَ نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، فالنِّكَاحُ جَائِزٌ، والشَّرْطُ بَاطِلٌ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ، وعلى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يتخَرَّجُ: أنْ يَصِحَّ نِكَاحُ المُحَلِّلِ ونِكَاحُ الشِّغَارِ ويَبْطُلُ الشَرْطُ، ونَقَلَ عَنْهُ (3) ابْنَاهُ وحَنْبَلٌ نِكَاح المُتْعَةِ حَرَامٌ، وكُلُّ نِكَاحٍ فِيْهِ وَقْتٌ أو شَرْطٌ فَاسِدٌ، وهذا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ إِذَا شَرطَ الخِيَارَ أو غَيْرَهُ مِنَ الشُّرُوطِ الفَاسِدَةِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ.
بَابُ الرَّدِّ بالعَيْبِ في النِّكَاحِ وخِيَارِ الفَسْخِ
العُيُوبُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا خِيَارُ الفَسْخِ إِذَا قَارَنَتِ النِّكَاحَ تَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ يَخْتَصُّ بالرِّجَالِ، وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلُ مَجْبُوباً قَدْ قُطِعَ جَمِيْعُ ذَكَرِهِ أَو بَقَى مِنْهُ مَا لاَ يُمْكِنُ الجِمَاعُ بِهِ، فَإِنْ بَقَى مِنْهُ مَا يُمْكِنُ الجِمَاعُ بِهِ فَادَّعَى أنَّهُ يُجَامِعُ بِهِ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ المَرْأَةُ فَلاَ خِيَارَ لها، وإِنْ كَذَّبَتْهُ فالقَوْلُ قَوْلُهَا. وَكَذَلِكَ إنِ اخْتَلَفَا في الثَّانِي هَلْ يُمْكِنُ الاجْتِمَاعُ بِهِ ويَحْتَمِلُ أَنْ يَكُوْنَ القَوْلُ قَوْلَهُ (4) كَمَا قُلْنَا: لَوْ ادَّعَى الجِمَاعَ في العِنَّةِ، والثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ عِنِّيْناً لاَ يُمْكِنُهُ الإِيْلاَءُ، فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الزَّوْجُ أو قَامَتِ البَيِّنَةُ عَلَى إِقْرَارِهِ بِهِ أجَّلَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ المُحَاكَمَةِ وإِنْ جَحَدَ ولاَ بَيِّنَةَ، فَالقَوْلُ قَوْلُهُ وهَلْ تَحْلِفُ أو لاَ؟ عَلَى
وَجْهَيْنِ (5). فإِنْ جَامَعَهَا وَلَوْ بإِيْلاَجِ الحَشَفَةِ فِي الفَرْجِ سَقَطَتِ العِنَّةُ، وإِنِ ادَّعَى أنَّهُ وَطِئَهَا وقَالَتْ: إِنِّي
__________
(1) انظر: الإنصاف 8/ 164.
(2) إحداهما: يصح، اختارها ابن عبدوس، وَقَالَ المروذي: هُوَ الصحيح من المذهب. والثَّانية: لا يصح. انظر: الإنصاف 8/ 166.
(3) نقل صالح وعبد الله وحنبل نكاح المتعة حرام. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 119/ أ.
(4) انظر: الإنصاف 8/ 186.
(5) أحدهما: تستحلف لإزالة هَذَا الاحتمال. والثاني: لا تستحلف.
انظر: المغني 7/ 615.(1/393)
عَذْرَاء، أو شَهِدَ بِمَا قَالَتِ امْرَأَةٌ عَدْلَةٌ: أجل سَنَةً، فَإِنْ قَالَ: أَزَلْتُ بِكَارَتَهَا بالوَطءِ وعَادَتْ فَالقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِيْنِهَا، وإِنْ كَانَتْ ثَيِّباً فالقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ، وَعَنْهُ: القَوْلُ قَوْلُهَا (1)، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: يُخْلَى مَعَهَا (2) ويُكَلَّفُ إِخْرَاج مائِهِ عَلَى شَيءٍ، فَإِنِ ادَّعَتْ أنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ جُعِلَ عَلَى النَّارِ فَإِنْ ذَابَ فَهُوَ مَنِيٌّ وَسَقَطَ قَوْلُهَا، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا رَضِيَتْ بِعِنَّتِهِ فِي وَقْتٍ فَلاَ خِيَارَ لَهَا بِحَالٍ، وإِنْ ثَبَتَ أنَّهُ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ أو وَطِئَ غَيْرَهَا لَمْ يَزَلْ حُكْمُ العِنَّةِ. [ويخرج عَلَى قَوْل الخِرَقِيّ أنَّهُ يزول حكم العنَّة و] (3) الثَّالِثُ: أَنْ يَكُوْنَ خَصْيّاً: وَهُوَ مَنْ قُطِعَتْ خِصْيَتُهُ، أو كَانَ مَسْلولاً: وَهُوَ مَنْ سُلَّتْ بَيْضَتَاهُ، أو مَوْجُوءً: وَهُوَ مَنْ رُضَّتْ بَيْضَتَاهُ، فَهَلْ يَثْبُتُ لَهَا الخِيَارُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (4).
والقِسْمُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ بالنِّسَاءِ، وَهُوَ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: الرَّتْقُ: وَهُوَ أَنْ يَكُوْنَ الفَرْجُ مَسْدُوداً / 263 و / يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الذَّكَرِ فِيْهِ. وفي مَعْنَاهُ القرنُ والعَفَلُ؛ لأنَّهُ لَحْمٌ يَحْدُثُ في الفَرْجِ فَيَسُدَّهُ، وَقِيْلَ: إنَّ القرنَ عَظْمٌ في الفَرْجِ يَمْنَعُ. وَقَالَ أبو حَفْصٍ: العَفَلُ هُوَ كَالرِّغْوَةِ في الفَرْجِ تَمْنَعُ لَذَّةَ الوَطْءِ (5).
والثَّانِي: الفتقُ، وَهُوَ إنخرَاقُ مَا بَيْنَ القُبُلِ والدُّبُرِ، وَقِيْلَ: بَلْ إِنخرَاقُ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ البَوْلِ ومَخْرَجِ المَنِيِّ، وأَيُّهُمَا كان أَوْجَبَ الخِيَارِ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا (6).
والقِسْمُ الثَّالِثُ: يَشْتَرِكُ فِيْهِ الرِّجَالُ والنِّسَاءُ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: الجُنُونُ ولاَ فَرْقَ بَيْنَ المُطبقِ وبَيْنَ أَنْ يَحِسَّ في بَعْضِ الأَوْقَاتِ.
والثَّانِي: الجُذَامُ، وَهُوَ أَنْ يَتَنَاثَرَ بِهِ اللَّحْمُ.
والثَّالِثُ: البَرَصُ، وَهُوَ بَيَاضٌ يَظْهَرُ عَلَى الجِلْدِ، فَهَذِهِ الثَّلاَثَةُ تُثْبِتُ خِيَارَ الفَسْخِ، رِوَايَةٌ واحِدَةٌ (7).
والرَّابِعُ (8): البَخَرُ، واخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيْهِ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ وابنُ حَامِدٍ: هُوَ عَيْبٌ يُثْبِتُ
__________
(1) انظر: المقنع: 214، والإنصاف 8/ 191.
(2) انظر: المقنع: 214، والإنصاف 8/ 191.
(3) زيادة منا ليستقيم الكلام.
(4) نقل أبو طَالِب في المرأة تتزوج بالخصي تستحل بِهِ، قَالَ: لا حَتَّى تذوق العسيلة. وَقَالَ أبو بكر: الَّذِي أقول بِهِ ما نقله مهنّا؛ لأنَّهُ يجامع جماع الفحل وأشد إلا أنَّهُ ينزل فيضعف ولا يفتر.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 138/ أ.
(5) انظر: المغني 7/ 580، والإنصاف 8/ 193.
(6) انظر: الإنصاف: 8/ 194.
(7) انظر: المقنع: 285.
(8) وردت فِي المخطوط ((والرابح)).(1/394)
الخِيَار، واخْتَلَفَا في صِفَتِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ نَتَنٌ في الفَمِ (1)، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: هُوَ نَتَنٌ في الفَرْجِ يَثُورُ عِنْدَ الوَطْءِ (2)، وظَاهِرُ كَلاَمِ الخِرَقِيِّ وأَبِي حَفْصٍ العُكْبُرِيِّ: أنَّهُ عَيْبٌ لاَ يَثْبُتُ الخِيَارُ بِهِ (3).
والخَامِسُ: اسْتطَلاَقُ البَوْلِ والنَّجْوِ (4)، قَالَ أَبو بَكْرٍ (5): هُوَ مُثْبِتٌ للخِيَارِ. ويُتَخَرَّجُ عَلَيْهِ النَّاصُورُ (6) والبَاسُورُ (7) والقَرْحُ السَّيَّالَةُ في الفَرْجِ، وتُسَمَّى مَنْ لاَ يَنْحَبِسُ بَوْلُهَا المَاشُوكَةُ، ومَنْ لا يَنْحَبِسُ نَجْوُهَا (8) الشَّرِيْمُ، ومَنِ انْخَرَقَ مَسْلَكَاهَا المُفْضَاةُ، ويُحْتَمَلُ (9) أَنْ يَثْبُتَ الفَسْخُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ؛ لأنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الاسْتِمْتَاعَ ولاَ يَخْشَى مِنْ تَعَدِّيْهِ.
والسَّادِسُ: أَنْ يَجِدَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ خُنْثَى مُشْكلاً، فَذَكَرَ أَبو بَكْرٍ (10) عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ لاَ يَصِحُّ نِكَاحُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ. وذَكَرَ الخِرَقِيُّ (11): أنَّهُ إِذَا قَالَ: أنا رَجُلٌ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ، وإِذَا قَالَ: أنَا امْرَأَةٌ لَمْ تُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ الرِّجَالِ.
فَعَلَى هَذَا إنْ عَادَ بَعْدَ أَنْ زُوِّجَ وادَّعَى أنَّهُ بِضِدِّ مَا أَخْبَرَنَا في الأَوَّلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وإِذَا وَجَدَهُ الآخَرُ خُنْثَى وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ فَلَهُ خِيَارُ الفَسْخِ في أَظْهَرِ الوَجْهَيْنِ (12)، وعَلَى الوَجْهِ الآخَرِ: لاَ يَمْلِكُ الفَسْخ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بالآخَرِ عَيْباً بِهِ مِثلهُ أو حَدَثَ العَيْبُ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الفَسْخِ أَمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (13) وإنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بالعَيْبِ بَعْدَ العَقْدِ فَسَكَتْ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ الرِّضَا، أو مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
__________
(1) انظر: الإنصاف 8/ 197.
(2) انظر: المغني 7/ 582.
(3) انظر: الإنصاف 8/ 198.
(4) النجو: ما يخرج من البطن من ريح وغائط. انظر: المعجم الوسيط: 905.
(5) انظر: المغني 7/ 582.
(6) الناصور: قرحة تمتد فِي أنسجة الجسم عَلَى شكل انبوبة ضيقة الفتحة وكثيراً مَا تَكُوْن حول المقعدة وَهُوَ قرحة لاَ تزال تنتقض وَقَدْ يستعصي شفاؤها فكلما بريء جزء مِنْهَا عاوده الفساد وجمعها نواصير.
انظر: المعجم الوسيط: 925، 917.
(7) الباسور: مرض يُحَدِّثُ مِنْهُ تمدد وريدي دوالي فِي الشرج تَحْتَ الغشاء المخاطي غالباً.
انظر: المعجم الوسيط: 36.
(8) في الأصل: ((بولها))، وما أثبتناه من المغني 7/ 582.
(9) انظر: المغني 7/ 583.
(10) انظر: المغني 7/ 621.
(11) انظر: المغني 7/ 620.
(12) انظر: المغني 7/ 621.
(13) قَالَ أبو بكر وابن حامد: لا خيار لَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: له الخيار. انظر: المحرر 2/ 25.(1/395)
مِنَ التَّمَكُّنِ مِنَ الوَطْءِ ونَحْوِهِ، ولاَ يَجُوزُ الفَسْخُ إِلاَّ بِحُكْمِ الحَاكِمِ، فَإِذَا وَقَعَ الفَسْخُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ والخَلْوَةِ يَسْقُطُ المَهْرُ، وإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ والخَلْوَةِ وَجَبَ المَهْرُ، وهَلْ يَجِبُ المُسَمَّى أو يَسْقُطُ / 264 ظ / ويَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1). وهَلْ يَجِبُ أَنْ تَرْجِعَ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ مِنَ الوَلِيِّ أو المرأَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2). وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الحُرَّةِ والصَّغِيْرَةِ ولاَ لسَّيِّدِ الأَمَةِ تَزْوِيْجُهُنَّ مِمَّنْ بِهِ شَيءٌ مِنَ العُيُوبِ، فَإِنْ أَرَادَتِ المَرْأَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمَجْنُونٍ أو مَجْذُومٍ، فَهَلْ للوَلِيِّ مَنْعُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3)، أَصَحُّهَا أَنْ لَهُ مَنْعَهَا، وإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِعِنِّيْنٍ أَو مَجْبُوبٍ لَمْ يَكُنْ له مَنْعُهَا، وإِنْ حَدَثَ العَيْبُ بالزَّوْجِ فَرَضِيَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهَا إِجْبَارُهَا عَلَى الفَسْخِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَخَرَجَتْ كِتَابِيَّةً فَلَهُ الخِيَارُ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ فَخَرَجَتْ مُسْلِمَةً فَلاَ خِيَارَ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ (4): لَهُ الخِيَارُ، فإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَخَرَجَتْ أَمَةً وَهُوَ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ الإِمَاءِ فَهُوَ بالخِيَارِ، وإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ فَخَرَجَتْ حُرَّةً فلاَ خِيَارَ. فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى أنَّهُ حُرٌّ فَخَرَجَ عَبْداً، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (5)، وفي الأُخْرَى: تَصِحُّ ولَهَا الخِيَارُ، فَإِنْ فُسِخَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أو الخَلْوَةِ فَلاَ مَهْرَ لَهَا، وإنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ أو الخَلْوَةِ فَلَهَا المَهْرُ عَلَى كِلْتا الرِّوَايَتَيْنِ (6).
وإِذَا أُعْتِقَتِ الأَمَةُ وزَوْجهَا حُرٌّ فَلاَ خِيَارَ لَهَا في الفَسْخِ، ونَقَلَ الكَوْسَجُ إِذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ عُتِقَتْ وتُخيَّرُ وَلَمْ يُفَرّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُوْنَ الزَّوْجُ حُرّاً أو عَبْداً، وإِنْ عُتِقَتْ وزَوْجُهَا عَبْدٌ فَلَهَا الخِيَارُ الفَسْخ، روايَةٌ وَاحِدَةٌ (7)، وتَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي إِلاَّ أَنْ
__________
(1) نقل إسحاق بن إبراهيم لها مهر نسائها مِثْل أمها وأختها وعمتها ... الخ. ونقل أبو الحارث: ينظر في ذَلِكَ إِلَى عصبتها.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 123/ أ - ب.
(2) قَالَ أبو بكر: أحدهما يرجع بِهِ، والأخرى لا يرجع.
انظر: المغني 7/ 587.
(3) أحدهما: لا يملك منعها، والثانية: لَهُ منعها لا عَلَيْهِ ضرراً.
انظر: المغني 7/ 590.
(4) انظر: المغني 7/ 590.
(5) انظر: الإنصاف 8/ 176.
(6) نقل أبو الحارث لها المهر ونقل يعقوب بن بختان لها نصفه. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 125/ أ.
(7) نقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث لها الخيار، ونقل مُحَمَّد بن حبيب: لا خيار لها وَهُوَ اختيار أبي بكر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 119/ أ - ب.(1/396)
يَكُوْنَ قَدْ وَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بالمَقَامِ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى عَتَقَ الزَّوْجُ أَو مَكَّنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا بَطَلَ خِيَارُهَا. فإِنِ ادَّعَتِ الجَهْلَ بالعِتْقِ وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَحِقَّا عَلَيْهَا فالخِيَارُ بِحالِه، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ: لَمْ أَعْلَمْ أنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لي الخِيَار بالعِتْقِ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ (1): إِذَا مَكَّنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا بَطَلَ خِيَارُهَا سَوَاءٌ عَلِمْتَ أَنَّ الخِيَارَ لَهَا أو لَمْ تَعْلَمْ، وَيَجُوزُ أَنْ تفسَخ بالعِتْقِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، فَإِنْ فُسِخَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ أو الخَلْوَةِ فَلَهَا المهر، وإِنْ فُسِخَتْ قَبْلَهَا فَلاَ مَهْرَ لَهَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، وَهِيَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ، فَإِنْ عُتِقَتْ وَهِيَ في عِدَّةٍ مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ فَلَهَا الفَسْخُ، فَإِنْ لَمْ تَفْسَخْ واخْتَارَتِ المقَامَ فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُهَا أَمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3). فَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ صَغِيْرَةٌ أو مَجْنُونَةٌ ثَبَتَ لَهَا الخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ وعَقِلَتْ ولاَ يَخْتَارُ وَلِيُّهَا عَنْهَا، فإنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أنْ تَخْتَارَ الفَسْخَ وَقَعَ الطَّلاَقُ، وَقِيْلَ: يَقِفُ الحُكْمُ، فإِنْ فسختْ تَبَيَّنَّا / 265 و/ أنَّهُ لَمْ يَقَعْ، وإنْ [لَمْ تَفْسَخْ] (4) تَبَيَّنَّا أنَّهُ وَقَعَ.
وإِذَا كَانَتِ الأَمَةُ لاثْنَيْنِ فَعَتَقَ أَحَدهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ (5): لا خِيَارَ لَهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ (6): يَثْبُتُ لَهَا الخِيَارُ، وحَكَاهُ نَصّاً عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ [اللهُ] (7) -، فَإِنْ وَجَدَ عَتَقَ العَبْدَ والأَمَةَ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ وَلَمْ يَثْبُتِ الخِيَارُ إلاَّ عَلَى رِوَايَةِ الكَوْسَجِ (8). ونَقَلَ يَعْقُوبُ بنُ بختان أنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهمَا بالعِتْقِ في الحَالِ (9).
__________
(1) انظر: الإنصاف 8/ 178.
(2) إحداهما: لا مهر لها، والثانية: لها المهر؛ لأن المهر يجب بالعقد ويستقر بالدخول. انظر: المغني 7/ 585.
(3) أحدهما: لها الخيار في العدة؛ لأن نكاحها باقٍ، وإن اختارت المقام بطل خيارها.
انظر:: المغني 7/ 599.
(4) في الأصل: ((فسخت))، وما أثبتناه من كتب المذهب، انظر: المحرر 2/ 26.
(5) انظر: المغني 7/ 596.
(6) انظر: المغني 7/ 596.
(7) زيادة يقتضيها النص.
(8) نقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث: لها الخيار. ونقل مُحَمَّد بن حبيب: لا خيار لها وَهُوَ اختيار أبي بكر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 119/ أ - ب.
(9) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: 119/ب.(1/397)
بَابُ نِكَاحِ الكُفَّارِ
أنْكِحَةُ الكُفَّارِ صَحِيْحَةٌ (1) تَتَعَلَّقُ بِهَا أحْكَامُ الصِّحَّةِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلاقِ والظِّهَارِ والإيْلاءِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ والمَهْرِ والقَسْمِ والإبَاحَةِ لِلزَّوْجِ الأوَّلِ والإحْصَانِ وغيرِ ذلكَ. ويُحَرَّمُ فيها ما يُحَرَّمُ في أنْكِحَةِ المُسْلِمِينَ مِنْ نِكَاحِ ذَوَاتِ المَحَارِمِ والمَجُوسِيَّاتِ [والنِّكَاح في العَدُوِّ بِلا وَلِيٍّ ولا شُهُودٍ وغيرِ ذلكَ.
إلاَّ أنَّهُمْ يُقِرُّونَ على الأنْكِحَةِ المُحَرَّمَةِ] (2) بِشَرْطَينِ، أحَدُهُمَا: أنْ يَعْتَقِدُوا إبَاحَتَهَا في شَرْعِهِمْ، والثَّانِي: أنْ لا يَرْتَفِعُوا إلَيْنَا نَصَّ عليهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ ومُهَنَّا، ونَقَلَ مُهَنَّا في مَوْضِعٍ آخَرَ في مَجُوسِيٍّ تَزَوَّجَ كِتابِيَّةً أو اشْتَرَى نَصْرَانِيَّةً قالَ: يُحَالُ بَيْنَها وبَيْنَهُ (3)، قيلَ مَنْ يَحُولُ؟ قالَ: الإمَامُ يَخْرُجُ عَلَى هَذا أنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وبينَ ذَوَاتِ المَحَارِمِ وبينَ كُلِّ عَقْدٍ لاَ مَسَاغَ لهُ فِي الإسْلامِ، فإنْ قُلْنَا: إنَّهُمْ يُقِرُّونَ إذا لمْ يَرْتَفِعُوا فَمَتَى ارْتَفَعُوا إلَيْنَا فَظَاهِرُ كَلامِ أحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهِ - (4) أنَّ الحَاكِمَ مُخَيَّرٌ بَينَ أنْ يَحْكُمَ بَينهُمْ أوْ يترك الحكمُ وسَوَاءٌ كَانُوا أهْلَ مِلَّةٍ أو مِلَّتَينِ فإنِ اخْتَارَ الحكمُ نَظَرْنَا فإنْ تَحَاكَمُوا في ابْتِدَاءِ العَقْدِ فَلاَ يَجُوزُ العَقْدِ إلاَّ على الوَجْهِ الذي يُعْقَدُ عليهِ نِكَاحُ المُسْلِمِينَ، وأنْ تَحَاكَمُوا في اسْتِدَامَةِ العَقْدِ، لم نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ عَقْدِهِمْ لكنْ نَنْظُرُ في الحَالِ فإنْ كانَتْ المَرْأةُ مِمَّنْ يَجُوزُ له أنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا ابْتِداءاً أقَرَّ على نِكَاحِهَا، وإنْ كَانتْ مِمَّنْ لا يَجُوزُ لهُ العَقْدُ عَلَيْهَا ابْتَداءاً كَذَاتِ مَحْرَمَةٍ ومَنْ هِيَ في عِدَّةٍ لم يُقِرَّهُ على نِكَاحِهَا.
فأمَّا المَهْرُ فإنْ كانَ مُسَمّىً صَحِيحاً اسْتَقَرَّ، وإنْ كانَ فَاسِداً ولمْ يَقْبِضْهُ فَرَضَ لَها مَهْرَ المِثْلِ، وإنْ كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْهُ لمْ يَوجِبْ لَها مَهْراً غَيْرَهُ، وإذا أسْلَمَتْ زَوْجَةُ الكِتَابِيِّ أو أسْلَمَ أحَدُ الزَّوْجَيْنِ الوَثَنِيَّيْنِ أو المَجُوسِيَّيْنِ، فإنْ كانَ ذلكَ [قَبْلَ] (5) الدُّخُولُ تعجلت (6) الفُرْقَةُ ولا مَهْرَ لَها، إنْ (7) كَانَتْ هيَ المُسْلِمَةُ وإنْ كَانَ / 266 ظ / هو المُسْلِمُ، فَنَقَلَ
__________
(1) انظر: المغني 7/ 531.
(2) مَا بَيْنَ المعكوفتين وردت مكررة فِي الأصل.
(3) انظر: المغني 7/ 563، الإنصاف 8/ 206.
(4) انظر: المغني 7/ 564.
(5) زيادة منا ليستقيم الكلام.
(6) فِي الأصل ((تنجزت)) وما أثبتناه هُوَ الصواب، انظر: الهادي: 163.
(7) فِي الأصل ((فإن)).(1/398)
أحْمَدُ وحَرْبٌ: أنَّهُ لا مِهْرَ لَها (1) أيْضاً، ونَقَلَ مُهَنَّا أيضاً وابنُ مَنْصُورٍ: لَهَا نِصْفُ المَهْرِ وهِيَ اخْتِيارُ عَامَّةِ أصْحَابِنَا (2) فَعَلَى هَذِهِ إن اخْتَلَفَا في السَّابِقِ فَقَالَ الزَّوْجُ: أسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ فَسَقَطَ وقالتْ الزَّوْجَةُ: بلْ أسْلَمَ الزَّوْجُ أولاً فَلِي نِصْفُ المَهْرِ، فالْقَوْلُ قَولُهَا، وكذلكَ إنْ قَالا: أحَدُنَا أسْلَمَ أوّلاً ولا نَعْلَمُ عَيْنَهُ فَلَهَا نِصْفُ المَهْرِ. فإنْ قالَ الزَّوجُ: أسْلَمْنَا مَعاً فَنَحْنُ على النِّكَاحِ، وقالَتِ الزَّوْجَةُ: بلْ سَبَقَ أحَدُنَا بالإسْلاَمِ فانْفَسَخَ النَّكَاحُ، قُدِّمَ قَولُ الزَّوْجَةِ لأنَّ الظَّاهِرَ مَعَها، اختَارَهُ شَيْخُنَا (3) ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَا على النِّكَاحِ لأنَّ الأصْلَ بَقَاؤُهُ، وإنْ كانَ الإسْلامُ بِغَيْرِ الدُّخُولِ تَعَجَّلَتِ الفُرْقَةُ أيضاً في إحْدَى الرِّوَايتينِ (4)، وفي الأخْرَى: تَقِفُ الفُرْقَةُ على انْقِضَاءِ العِدَّةِ (5)، فإنْ أسْلَمَ الآخَرُ قَبْلَ أنْ تنْقَضِيَ العِدَّةُ فَهُمَا على نِكاحِهِما. وإن انْقَضَتْ ولَمْ تُسْلِمْ وَقَعَتْ الفُرْقَةُ مِنْ حِينِ الإسْلاَمِ الأَوَّلِ، فَعَلَى هذهِ الرِّوَايَةِ إنْ كَانَتْ المَرأةُ هيَ المُسْلِمَة فَلَهَا نَفَقَةُ العِدَّةِ وإنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ المُسْلِمُ سَقَطَتْ عنهُ نَفَقَةُ العِدَّةِ، فإن اخْتَلَفَا وقَدْ أسْلَمَ أحدُهُمَا بَعْدَ الآخَرِ فادَّعَى الزَّوْجُ أنَّهُ أسْلَمَ أوَّلاً، وأنَّ الزَّوْجَةَ أقَامَتْ على الشِّرْكِ فَلا نَفَقَةَ لَها فإن ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ عَكْسَ ذلكَ كانَ القَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِيْنِهَا في إحْدَى الوَجِهَيْنِ (6). وفي الآخَرِ نُقَدِّمُ قَوْلَ الزَّوْجِ فإنْ وَطِئَهَا في العِدَّةِ ولمْ يُسْلِم الثَّانِي منهما فَلَهَا مَهْرُ المِثْلِ لِلْوَطءِ. وإنْ أسْلَمَ في العِدَّةِ فلا مَهْرَ لَهَا.
فإنْ أسْلَمَ الزَّوْجَانِ وبينَهُمَا نِكَاحُ مُتْعَةٍ أوْ نِكَاحُ شَرْطٍ فيهِ خَيَارُ الفَسْخِ مَتَى شَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُما، لَمْ يُقَرَّا عليهِ، وإنْ أسْلَمَا وقد تَزَوَجَهَا فَلا وَلِيّ ولا شُهُود أقُرَّا عليهِ فإنْ تَزَوَّجَهَا في عِدَّةٍ فأسْلَمَا قَبلَ انْقِضَائِهِمَا لمْ يُقَرَّا عليهِ، وكذلكَ إنْ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ خَيَارِ مُدَّةٍ
__________
(1) انظر: الهادي: 216.
(2) انظر: الإنصاف 8/ 211.
(3) انظر: الإنصاف: 8/ 212.
(4) انظر: الإنصاف: 8/ 213.
(5) نقل أبو طالب والميموني ينفسخ في الحال ونقل حنبل على انقضاء العدة.
انظر: الروايتين والوجهين 118/ أ - ب.
(6) لأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعي سقوطها، والثاني أن القول قوله؛ لأن النفقة إنما تجب بالتمكين من الاستمتاع والأصل عدمه.
الشرح الكبير 7/ 599.(1/399)
مَعْلُومَةٍ فأسْلَمَا قبلَ انْقِضَائِهَا فأما إنْ أسْلَمَا بعدَ انْقَضَاءِ العِدَّةِ ومُدَّةِ الخَيَارِ أقُرَّا عليه.
فإنْ قَهرَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً فَوَطِئَهَا أو طَاوَعَتْهُ ثمَّ أسْلَمَا لَمْ يُقَرَّا على ذلكَ، فإن اعْتَقَدَا أنَّ ذلكَ نِكَاحٌ أُقِرَّا عليهِ، فإنْ لَمْ يَعْتِقِدَاهُ نِكَاحاً لمْ يُقَرَّا عليهِ.
فإنْ طَلَّقَهَا في حَالِ الكُفْرِ ثَلاثاً ثُمَّ اسْتَدامَ نِكَاحَهَا وأسْلَمَا لمْ يُقَرَّا عليهِ، فإنِ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ أو أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ نِكاحهُمَا، وعَلَيْهُ نِصْفُ المَهْرِ إنْ كَانَ هوَ المُرْتَدُّ أوَّلاً، وإنْ كَانَتْ هِيَ / 267 و / المُرْتَدَّةُ فَلا مَهْرَ لَها فإنْ كَانَت الرِّدَّةُ بعدَ الدُّخُولِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: تَقَعُ الفُرْقَةُ في الحَالِ أيضاً والثَّانِيَةُ على انْقِضَاءِ العِدَّةِ (1). فإنْ أسْلَمَا قَبلَ انْقِضَائِهَا فَهُمَا على نِكَاحِهِمَا والمَهْرُ يَجِبُ على كِلْتَا الرِّوَايَتَينِ (2). فإن انْتَقَلَ أحَدُهُمَا إلى دِيْنٍ لا يقر عليهِ أهْلهُ كَعِبَادَةِ الأوْثَانِ والزَّنْدَقَةِ لم يُقَرَّ عليهِ.
والذي يُقْبَلُ مِنهُ على ثَلاثِ رِوَايَاتٍ إحداهَا: الإسْلامُ (3)، والثَّانِيَةُ: الإسْلامُ أو الدِّينُ الذي كانَ عليهِ، والثَّالِثَةُ: الإسْلامُ أو الدِّينُ الذي كانَ عليهِ أو دِينٌ يقر أهله عليهِ. فإن انْتَقَلَ إلى دِينٍ يقر أهلهُ عليهِ فَعَلَى ثَلاثِ رِوَايَاتٍ، إحداهَا: يقرُّ، وهي اخْتِيارُ الخَلاّلِ (4) فَيَكُونَا على النِّكَاحِ إلاّ أنْ يَنْتَقِلَ إلى دَيْنِ المَجُوسِيَّةِ فَيُفَرَّقُ بينَهُما. والثَّانِيَةُ (5): لا يقر ولا يُقْبَلُ منهُ إلا الإسْلامُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ المُرْتَدِّ. والثَّالِثَةُ: إنِ انْتَقَلَ إلَى دِيْنٍ أَكْمَلُ مِنْ دِينِهِ أُقِرَّ وإلاَّ فَلا يُقَرُّ عليهِ.
وإذا أسْلَمَ الحُرُّ وتَحْتَهُ أكْثَرُ من أرْبَعِ نِسْوَةٍ فأسْلَمْنَ مَعَهُ أو كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ اخْتَارَ مِنْهُنَّ أرْبَعاً، وإنْ لمْ يخْتَرْ أُجْبِرَ عليهِ وأُلْزِمَ نَفَقَتَهُنَّ إلى أنْ يَخْتَارَ، فإنْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ أو وَطِئَهَا كانَ ذَلِكَ اخْتِياراً لَهَا. فإنْ طَلَّقَ الجَمِيعَ ثَلاثاً أقْرَعْنَا بينَهُنَّ فإذا وَقَعَتِ القُرْعَةُ على أرْبَعٍ مِنْهُنَّ كُنَّ المُخْتَاراتِ وكانَ لهُ أنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ على البَوَاقِي، وإنْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ أو آلَى فَهَلْ يَكُونُ اخْتِياراً؟ يَحتَمِلُ وَجْهَينِ (6). فإنْ مَات ولم يخْتَرِ فَعَلى الجَمِيعِ عِدَّةُ الوَفاةِ اختارَهَا
__________
(1) الأولى نقلها أبو طالب والميموني، والثانية نقلها حنبل وهو اختيار الخرقي.
انظر: الروايتين والوجهين 118/أ-ب.
(2) انظر ما سبق.
(3) اختارها الخرقي والخلال. انظر: الشرح الكبير 7/ 605.
(4) انظر: الشرح الكبير 7/ 605.
(5) فِي الأصل ((والثالثة)).
(6) أحدهما: لا يكون اختياراً؛ لأنه يصح في غير الزوجة، والثاني يكون اختياراً؛ لأن حكمه لا يثبت في غير الزوجة. الشرح الكبير 7/ 609.(1/400)
شَيْخُنا (1). ويُحْتَمَلُ أنْ تَجِبَ عِدَّةُ الوَفاةِ في حَقِّ أرْبَعٍ مِنْهُنَّ وفي حَقِّ البَوَاقِي تِجِبُ عِدَّةُ الوَطءِ، فَيَجِبُ على جَمِيْعِهِنَّ الاعْتِدَادُ بأطْوَلِ الأمَدَيْنِ مِنْ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ وعَشْرٍ أو ثَلاثَةِ أَقْراء ليَحْصُلَ قَضَاءُ عِدَّتِهِنَّ. فأمَّا المِيْراثُ فَيسْتَحِقُّهُ أرْبَعٌ مِنْهُنَّ بالقُرْعَةِ.
فإنْ أسْلَمَ وتَحْتَهُ أمٌّ وبِنْتٌ لمْ يَدْخُلْ بِهَا انْفَسَخَ نِكَاحُ الأمِّ، وإنْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا، وإنْ دَخَلَ بالبِنْتِ وَحْدَها انْفَسَخَ نِكَاحُهُما وحُرِّمَتَا عَليهِ على التَّأْبِيْدِ.
فإنْ أسْلَمَ وتَحْتَهُ امرَأَةٌ وأُخْتُهَا أو عَمَّتُهَا أو خَالَتُهَا، فَلهُ أنْ يَخْتَارَ أيَّهُمَا شَاءَ، ويَنْفَسِخُ نِكَاحُ الأخْرَى سَواءٌ كانَ ذلكَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِما أَوْ بعده.
فإنْ أسْلَمَ وتَحْتَهُ أرْبعُ إمَاءٍ فأسْلَمْنَ معهُ فإنْ كانَ في حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ في الإسلامِ مِمَّنْ لا يَحِلُّ لهُ نِكَاحُ الإمَاءِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ، وإنْ كانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لهُ نِكَاحُ الإمَاءِ اخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، فإنْ لمْ تَعْفُهُ إلاَّ الأرْبَعُ والشَّرْطانِ فيهِ جَازَ / 268 ظ / لهُ إمْسَاكُهُنَّ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، وفي الأُخْرَى لا يَجُوزُ لهُ أنْ يَمْسِكَ إلاَّ وَاحِدةً.
فإنْ أسْلَمَ وتَحْتَهُ إمَاءٌ قَدْ دَخَلَ بِهِنَّ وهُوَ مُوسِرٌ فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتّى أعْسَرَ، فإنْ على الرِّوَايَةِ التِي تَقُولُ: تَقِفُ الفُرْقَةُ على انْقِضَاءِ العِدَّةِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أسْلَمَ وهُوَ مِمَّنْ يَحِلُّ لهُ الإمَاءُ، فإنْ أسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ مِنَ الإمَاءِ بعدَ إسْلاَمِهِ ثمَّ أعْتِقَتْ ثمَّ أسْلَمَ البَوَاقِي كانَ لهُ الاخْتِيارُ مِن الكُلِّ، وبِمِثْلِهِ لَوْ أعْتِقَتْ ثمَّ أسْلَمَتْ وأسْلَمْنَ لَمْ يَكُنْ لهُ التَّخَيُّرُ في الإمَاءِ؛ لأنَّهَا في حَالَةِ الاجْتِمَاعِ مَعَهُ في الإسْلاَمِ كَانَتْ حُرَّةً، وفي التي كانِتْ قَبْلَهَا كانَتْ حَالَ الاجْتِمَاعِ أمَةً، وعلى هذا إذا أسْلَمَ وتَحْتَهُ إمَاءٌ وحُرَّةٌ، فإنْ أسْلًمَتِ الحُرَّةُ مَعَهُ انْقَطَعَ نِكَاحُ الإمَاءِ، فإنْ أسْلَمن الإمَاءُ ولم تُسْلِم الحُرَّةُ فإنْ قُلْنَا: الفُرْقَةُ تَقَعُ باخْتِلافِ الدِّينِ فَقَدْ انفسخ نكاح الحرة ويَخْتارُ مِنَ الإمَاءِ، وإنْ قُلْنَا: تَقِفُ الفُرْقَةُ على انْقِضَاءِ العِدَّةِ وَقْفٌ أم لا على إسْلامِ الحُرَّةِ، فإنْ أسْلَمَتْ في العِدَّةِ لزم نكاحها وانفسخ نكاحهن وإن لَمْ يسلم حَتَّى انقضت العدة كانَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لا حُرَّةَ تَحْتَهُ.
فإنْ أسْلَمَ عَبْدٌ وتَحْتَهُ أرْبَعُ نِسْوَةٍ فأسْلَمْنَ مَعَهُ اخْتَارَ مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ، فإنْ أسْلَمَ وأعْتَقَ ثمَّ أسْلَمْنَ وكُنَّ حَرَائِراً وإمَاءً فأعْتِقْنَ فَلَهُ إمْسَاكُ الجَمِيْعِ.
فإنْ سُبِيَ الزَّوْجَانِ فَهُمَا على نِكَاحِهِمَا فإنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا، فقالَ شَيْخُنَا (3): يَنْفَسِخُ ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَنْفَسِخَ.
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 7/ 609، الإنصاف 8/ 222.
(2) انظر: المغني 7/ 553.
(3) انظر: الإنصاف 8/ 226.(1/401)
كِتَابُ الصَّدَاقِ
الصَّدَاقُ مَشْرُوعٌ في النِّكَاحِ، ولا يُسْتَحَبُّ أنْ يُعَرَّى النِّكَاحُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ فإنْ أخَلَّ بِتَسْمِيَتِهِ انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَوَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ ويُسْتَحَبُّ تَخْفِيْفُهُ ولا يُسْتَحّبُّ الزِّيَادَةُ على صَدَاقِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وبَنَاتِهِ؛ وذلكَ خَمْسُ مِئَةِ دِرْهَمٍ ولا يَتَقَدَّرُ المَهْرُ، بلْ كُلُّ ما جَازَ أنْ يَكونَ ثَمَناً جَازَ أنْ يَكُونَ صَدَاقاً، وهَلْ يَصِحُّ أن يَجْعَلَ تَعْلِيمَ القُرآنِ صَدَاقاً؟ على رِوَايَتَيْنِ، أصَحُّهُمَا: لا يَجُوزُ ويَرْجِعُ إلَى مَهْرِ المِثْلِ، والثَّانِيَةُ: يَجُوزُ (1) فَعَلَى هذا يَفْتَقِرُ إلى تَعْيينِ السُّورَةِ وتَعْلِيمِهَا وتَعَلُّمِهَا، واحْتَمَلَ أنْ لاَ يَصِحَّ (2).
فَإِنْ تَعَلمتِ السُّورَةُ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيْمُ مَا عَيَّنَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَلْقِيْنُ نِصْفِ سُوْرَةٍ، ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَجبَ نِصْفَ أُجْرَةِ تَعْلِيْمِ السُّوْرَةِ.
فَإِنْ طَلَّقَهَا وَقَدْ لَقَّنَهَا السُّوْرَةَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أُجْرَةِ تَعْلِيْمِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا على تَعَلُّمِ / 269 و / قَصِيْدَةٍ مِنَ الشِّعْرِ المُبَاحِ صَحَّ. رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ (3).
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مُسَمًّى مُحَرَّمٍ كَالخَمْرِ والخِنْزِيْرِ والمَالِ المَغْصُوبِ صَحَّ النِّكَاحُ وبَطَلَ المُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ.
ونَقَلَ المِرْوَذِيُّ (4): إِذَا تَزَوَّجَ عَلَى مَالٍ بِعَيْنِهِ غَيْرِ طَيِّبٍ فَكَرِهَهُ وأَعْجَبَهُ اسْتِقْبَالُ النِّكَاحِ، وهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ (5) وهوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ (6).
وقَالَ شَيْخُنَا: هَذَا عَلَى طَرِيْقِ الاسْتِحْبَابِ، فَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ لَزِمَهُ مَهْرُ المِثْلِ، ويَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْنٍ مُشَاهدَةٍ وغَائِبَةٍ مَوْصُوفَةٍ، وعَلَى دَيْنٍ يُسَلَّمُ فِيْهِ، وعَلَى مَهْرٍ مُعَجَّلٍ ومُؤَجَّلٍ إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَحَلَّ الأَجَلِ، فَعِنْدِي: أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ ويَرْجِعُ إِلَى مَهْرِ المِثْلِ.
وقَالَ أَصْحَابُنَا: ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهُ يَصِحُّ (7) ويَكُونُ مَحَلُّهُ الفرْقَةَ بِطَلاَقٍ أَوْ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 122/ أ - ب.
(2) انظر: المغني 8/ 10.
(3) هذه الرواية اختارها القاضي. والثانية: لا تصح، اختارها أبو بكر الخلال. انظر: الزركشي 3/ 285.
(4) انظر: المغني 8/ 22.
(5) الكلمة في هامش المخطوطة غير واضحة.
(6) انظر: المقنع: 219.
(7) انظر: المغني 8/ 21.(1/402)
مَوْتٍ، وفِيْهِ نَظَرٌ.
ويَفِيْدُ أَنَّ لَهَا مَنْعَ نَفْسِهَا في العَاجِلِ حَتَّى تَقْبِضَهُ، وعَلَيْهَا تَسْلِيْمُ نَفْسِهَا في الآجَلِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ مُلْكِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّ، وإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (1)، إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، والأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ.
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ (2): إِنْ كَانَتْ خِدْمَةً مَعْلُومَةً كَخِيَاطِةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ أَو بِنَاءِ حَائِطٍ صَحَّ، وإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً كَشَرْطِهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بعْبدِهَا الآبِقُ أَيْنَ كَانَ، أَوْ يَخْدِمَهَا في أَيِّ شَيءٍ أَرَادَتْ سَنَةً أو سَنَتَيْنِ لَمْ تَصِحَّ ووَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ.
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صِدَاق ألفٍ إِنْ كَانَ أَبُوهَا حَيّاً، وعَلَى أَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ مَيّتاً، أو تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ، وعَلَى أَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ، فنَصَّ أَحْمَدُ
- رَحِمَهُ اللهُ (3) - في الأُوْلَة علَى أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ، وفي الثَّانِيَةِ عَلَى تَسْمِيَةِ الصِّحَّةِ (4)، فَتُخَرَّجُ في المَسْأَلتين رِوَايَتَانِ (5):
إحدَاهُمَا: فَسَادُ التَّسْمِيَةِ، ووُجُوبِ مَهْرِ المِثْلِ.
والثَّانِيَةُ: صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ فِيْهِمَا، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ (6).
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا مِنْهَا أَلِفاً أو يُزَوِّجَهَا عَلَى أَلفٍ لَهَا، وأَلفٍ لأَبِيْهَا، أو عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا أَلِفاً ويُعْطِيَ أَبَاهَا أَلِفاً صَحَّ النِّكَاحُ وَكَانتِ الأَلِفَانِ مَهْرَهَا حَتَّى إنَّهُ إنْ أَعْطَى ذَلِكَ وطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الأَلِفَيْنِ.
فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الأَبِ مِنَ القَرَابَاتِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ لِغَيْرِهَا وكَانَ جَمِيْعُ المُسَمَّى لَهَا.
فَإِنْ تَزَوَّجَها عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيْدِهِ صَحَّ وكَانَ لَهَا أَحَدُهُمْ بالقُرْعَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ مُهَنَّا (7) واخْتَارَهَا / 270 ظ / شَيْخُنَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فَرَجَعَ إِلَى مَهْرِ المِثْلِ (8).
وتَأَوَّلَ رَاوِيْهِ مُهَنَّا عَلَى أَنَّهُ عَيْنُ العَبْدِ، ثُمَّ أَشْكَلَ عَلَيْهِ، وعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ إِذَا أَصْدَقَهَا
__________
(1) الأولى نقلها أبو طالب، والثانية نقلها مهنّا. انظر: الروايتين والوجهين 121/ أ - ب.
(2) انظر: المغني 8/ 7.
(3) انظر: الشرح الكبير 8/ 25.
(4) هَكَذَا فِي الأصل، ولعل الصواب: صحة التسمية. انظر: الهادي: 166.
(5) انظر: شرح الزركشي 3/ 287.
(6) انظر: الإنصاف 8/ 242.
(7) انظر: الشرح الكبير 8/ 16.
(8) انظر: الإنصاف: 8/ 238 - 239.(1/403)
قَمِيْصاً مِنْ قُمْصَانِهِ، أو عِمَامَةً مِنْ عَمَائِمِهِ، أو دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ، أو حِمَاراً مِنْ حُمُرِهِ.
فَأَمَّا إِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ هَاهُنَا ويَكُونُ لَهَا الوَسَطُ مِنَ العَبِيْدِ (1)، وهوَ والسِّنْدِيُّ (2) عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ مُهَنَّا.
والصَّحِيْحُ هَاهُنَا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ (3) بِحَالٍ ويَكُونُ لَهَا مَهْرُ المِثْلِ؛ لأَنَّهُ يُبْعِدُ الوُصُولُ إِلَى الوَسَطِ كَمَا يُبْعِدُ في ثَوْبٍ وحَيَوَانٍ وشَجَرَةٍ، فَإِنْ جَاءهَا بِقِيْمَةِ العَبْدِ أو تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ فَجَاءهَا بِقِيْمَتِهِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يَلْزَمُهَا قَبُولُ ذَلِكَ، وعِنْدِي: لاَ يَلْزَمُهَا قَبُولُهُ (4)، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى طَلاَقِ زَوْجَةٍ لَهُ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ واسْتَحَقَّتْ مَهْرَ المِثْلِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وفي الأُخْرَى: يَصِحُّ (5) ذَلِكَ، فَإِنْ فَاتَ طَلاَقُهَا بِمَوْتِهَا فَقِيَاسُ المَذْهَبِ أنَّهَا تَسْتَحِقُّ مَهْرَ المُتْعَةِ.
فَإِنْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ في عَقْدٍ وَاحِدٍ عَلَى أَلِفٍ صَحَّتِ التَّسْمِيَةُ وقُسِّمَتِ الأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ عَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ وشَيْخِنَا (6)، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ (7): يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ أَرْبَاعاً، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ سِرّاً وعَقَدَ في العَلاَنِيَّةِ بِمَهْرٍ غَيْرِهِ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ (8): يُؤْخَذُ بالعَلاَنِيَّةِ، وإِنْ كَانَ السِّرُّ يُعْقَدُ بهِ النِّكَاحُ، وهوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ وغَيْرِهِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا (9): إِنْ تَصَادَقَا عَلَى نِكَاحِ السِّرِّ بِمَهْرِ السِّرِّ لَمْ يَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ، وحُمِلَ كَلاَمُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - والخِرَقِيُّ عَلَيْهِ إذَا اخْتَلَفَا، فَإِنْ قَالَتِ المَرْأَةُ تَزَوجني بينِكَاحَيْنِ فَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ المَهْرَيْنِ، وَقَدْ قَامَتِ البَيِّنَةُ بالعَقْدَيْنِ، وَقَالَ الزَّوْجُ: بَلْ هوَ نِكَاحٌ وَاحِدٌ أسْرَرْتُهُ ثُمَّ أَظْهَرْتُهُ، فالقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِيْنِهَا؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ أنَّ العَقْدَيْنِ صَحِيْحَانِ، فَإِنْ زَوَّجَ الأَبُ ابْنَتَهُ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ النِّكَاحُ وثَبَتَ المُسَمَّى، وإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ.
وإِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ الأَبِ بِذَلِكَ بِإِذْنِهَا صَحَّ ولَمْ يَكُنْ لِبَقِيَّةِ الأَوْلِيَاءِ الاعْتِرَاضُ، وإِنْ
__________
(1) انظر: الإنصاف 8/ 237.
(2) جَاءَ فِي المغني: 8/ 21: ((والوسط من العبيد السندي لأن الأعلى التركي والرومي، والأسفل الزنجي والحبشي، والوسط السندي والمنصوري)). ... =
= والظاهر أن هَذِهِ التسمية جاءت من بلاد السِّنْد الَّتِي تقع فِي الشمال الغربي من الهند الَّتِي يسكنها قَوْمُ يسموه بالسند. انظر: المعجم الوسيط: 454.
(3) وهو اختيار أبي بكر. انظر: الإنصاف 8/ 237.
(4) انظر: المغني 8/ 18.
(5) الرواية الأولى نقلها مهنّا، والثانية نقلها يعقوب بن بختيان. انظر: الروايتين والوجهين 122/ ب.
(6) انظر: المغني 8/ 83.
(7) انظر: المغني 8/ 84.
(8) انظر: المغني 8/ 81.
(9) انظر: المغني 8/ 82، والهادي: 166.(1/404)
زَوَّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا بهِ صَحَّ النِّكَاحُ وَوَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ، ويَحْتَمِلُ (1) أنْ لاَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ غَيْرُ المُسَمَّى، ويَلْزَمُ الوَلِيَّ تَمَامُ مَهْرِ المِثْلِ كَمَا لوْ وَكَّلَتْهُ فِي بيع أَمَتِهَا فبَاعَهَا بِدُونِ الثَّمَنِ يَصِحُّ ويَلْزَمُ الوَكِيْلَ تَمَامُ الثَّمَنِ.
فَإِنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا صَحَّ العِتْقُ ويَكُونُ صَدَاقَاً / 271 و / ولَمْ يَجِبْ لَهَا مَهْراً غَيْرَهُ، فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا، [وقُلْنَا: لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ بِقَوْلِهِ الأَوَّلِ فَلَهُ عَلَيْهَا قِيْمَةُ نَفْسِهَا] (2)، فَإِنْ قَالَتِ السَّيِّدَةُ لِعَبْدِهَا: أعْتقتكَ عَلَى أَنْ تَزَوِّجَ بِي، فَلاَ يُلْزِمْهُ ذَلِكَ، وهوَ حُرٌّ ولاَ يَلْزَمْهُ قِيْمَةُ نَفْسِهِ وكَذَلِكَ إذَا قالَ لَهَا: اعْتِقِيْنِي عَلَى أنْ أَتَزَوَّجَ بكِ فعَتِقَتْهُ.
فإنْ زَوّجَ ابْنَهُ الصَّغِير بأكْثَرَ مِنْ مَهْرِ المِثْلِ صحَّ ولَزِمَ ذِمَّةَ الابْنِ، فإنْ كانَ الابْنُ مُعْسِراً فَهَلْ يَضْمَنُ الأبُ المَهْرَ أم لا؟ على رِوَايَتَيْنِ (3).
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في الِّذي بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ، فَعَنْهُ (4): أنَّهُ الزَّوْجُ فَيَعْفُوا عَمّا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إذا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وعنهُ أنَّهُ الأبُ (5) فَيَعْفُو عَنْ نِصْفِ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الصَّغِيْرَةِ إذا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فإذا وَهَبَتِ المَرْأةُ صَدَاقَهَا لِزَوْجِها ثمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ نَظَرْنَا.
فإنْ كانَ الصَّدَاقُ عَيْناً أو دَيْناً قَبِضَتْهُ مِنْهُ ثَمَّ وَهَبْتْهُ لهُ فَلَهُ أنْ يَرْجِعَ عَلَيْها بِنِصْفِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، وفي الأُخْرَى: لا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وإنْ كَانَ دَيْناً لمَ تَقْبِضْهُ فأبْرأتْهُ منهُ ثمَّ طَلَّقَها، فإنْ قُلْنَا لا تَرْجِعُ هُنَاكَ فأوْلَى أنْ لا تَرْجِعَ هَا هُنَا وإنْ قُلْنا: تَرْجِعُ هُنَاكَ فَهَلْ تَرْجِعُ هَاهُنَا؟ على وَجْهَيْنِ (7).
فإنْ وَهَبَتْ لهُ الصَّدَاقَ ثمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيْعِ بَذْلِ الصَّدَاقِ أمْ لا؟ على الرِّوَايَتَيْنِ (8) في نِصْفِ الصَّدَاقِ، ويَجِبُ المُسَمَّى بالدُّخُولِ والخَلْوَةِ في النَّكَاحِ الفَاسِدِ، كَمَا يَجِبُ في الصَّحِيْحِ وعَنْهُ (9): يَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ.
__________
(1) انظر: الإنصاف 8/ 251.
(2) مَا بَيْنَ المعكوفتين تكرر فِي المخطوط.
(3) أحدهما يضمنه نص عليه أحمد، والثانية لا يضمنه وهو اختيار القاضي. الشرح الكبير 8/ 32.
(4) انظر: الإنصاف 8/ 271.
(5) انظر: الزركشي 3/ 305.
(6) الرواية الأولى نقلها مهنّا وعبد الله، والثانية نقلها ابن مشيش. انظر: الروايتين والوجهين 125/أ.
(7) انظر ما سبق.
(8) إحداهما: يرجع بجميعه والثانية: لا يرجع إلا بنصفه. انظر: الانصاف 8/ 277.
(9) وهي اختيار القاضي الإنصاف 8/ 309.(1/405)
وإذَا تَزَوَّجَ العِبْدُ بإذْنِ سَيِّدِهِ صَحَّ نِكَاحُهُ على مَا سَمَّاهُ، وهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أو بِذِمَّةِ السَّيِّدِ على رِوَايَتَيْنِ (1). وإنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ اذْنِهِ فالنَّكَاحُ فَاسِدٌ، فإنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ في رَقَبَتِهِ خُمْسا المُسَمَّى في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2) اخْتَارَهَا الخِرَقِيُّ، وفي الأخْرَى يَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ اخْتَارَهَا أبُو بَكْرٍ.
وإذا زَوَّجَ أمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَجَبَ عَلَى العَبْدِ مَهْرُ المِثْلِ ثمَّ سَقَطَ وقالَ شَيْخُنَا (3): لا يَجِبُ مَهْرٌ أصْلاً، فإنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِحُرَّةٍ على صَدَاقٍ ثمَّ بَاعَهَا العَبْدُ بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ تَحَوَّلَ جَمِيعُ صَدَاقِهَا إلى ثَمَنِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، ونِصْفَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فإنْ بَاعَهَا إيّاهُ بالصَّدَاقِ الذي عَلَيْهِ صَحَّ الشِّرَى سَواء كانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ وإذا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ في قدرِ المَهْرِ، ولا بَيِّنَةَ لَهُمَا فالقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِيْنِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ (4)، وفي الأخرى: القَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي / 272 ظ / مَهْرَ المِثْلِ مِنْهُمَا.
فإن ادَّعَى الزَّوْجُ دُونَ مَهْرِ المِثْلِ وادَّعَت الزَّوْجَةُ زِيَادَةً على مَهْرِ المِثْلِ رُدَّ إلى مَهْرِ المِثْلِ، ولا يَجِبُ الثَّمَنُ في الأحْوَالِ كُلِّهَا على قَوْلِ شَيْخِنَا. وعَنْدِي (5): إنَّهُ يَجِبُ الثَّمَنُ في الأحْوَالِ كُلِّهَا لإسْقَاطِ الدَّعْوَى. وفي كَلامِ أحْمدَ -رَحِمَهُ اللهُ- ما يَدُلُّ على الوَجْهَيْنِ.
وهَكَذَا الحُكْمُ إذا اخْتَلَفَا في عَيْنِ المَهْرِ فَقَالَت الزَّوْجَةُ: تَزَوَّجَنِي على هَذِهِ الأمَة، وقالَ: بلْ تَزَوَّجْتُكِ على هذا العَبدِ، يُخَرَّجُ على الرِّوَايَتَيْنِ.
فإن اخَتَلَفَا في نِصْفِ المَهْرِ فالقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ أنَّها لمْ تقبضْهُ ولا شَيئاً منهُ وتَسْتَحِقُّهُ سَواء كانَ ذلكَ قَبْلَ الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ. وإنْ اخْتَلَفَا فِيما يستَقِرُّ بهِ المَهْرُ مِن الخَلْوَةِ والمَسِيسِ فالقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. ولِلأبِ قَبْضُ مَهْرِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِكُلِّ حَالٍ، فأمَّا البِكْرُ البَالِغَةُ العاقِلَةُ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: أحَدُهُمَا لهُ قَبضُهُ أيضاً، والثَّانِيَةُ لا يَقْبِضُهُ إلاَّ بإذْنِهَا وهيَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا (6) ولِلْمَرأةِ مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرَهَا فإنْ تَبَرَّعَتْ بِتَسْلِيمِ نَفسِهَا فَهَلِ لَهَا الامْتَناعُ بعدَ ذلكَ حَتَّى تَقْبِضَ؟ قالَ ابنُ حَامِدٍ: لَها ذلكَ، وقالَ ابنُ شَاقْلا وابنُ بَطَّةَ: ليسَ لَهَا
ذلِكَ (7).
__________
(1) الأولى تتعلق بذمة السيد وهي رواية حنبل والثانية تتعلق بذمة العبد وهي رواية مهنّا. الروايتينِ والوجهين 112/ب-أ.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 113/أ-ب.
(3) انظر: الإنصاف 8/ 258.
(4) الروايتين نقلهما مهنّا. انظر: الروايتين والوجهين 124/أ-ب.
(5) انظر: المقنع: 221.
(6) انظر: الإنصاف 8/ 253.
(7) انظر: المغني 8/ 80.(1/406)
بَابُ الْحُكْمِ في مَهْرِ الْمُفَوِّضَةِ إذَا طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُوْلِ أَوْ بَعْدَهُ
التَّفْوِيْضُ على ضَرْبَيْنِ:
تَفْوِيضُ البِضْعِ: وهُوَ أنْ يُزَوِّجَ الأبُ ابْنَتَهُ البِكْرَ أوْ تَأْذَنَ المَرْأةُ لِوَلِيِّهَا في تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ. وتَفْوِيضُ المَهْرِ: وهُوَ أنْ يَتَزَوَّجَها على مَا شَاءَ أو شَاءَ أحَدُهُمَا فالنَّكَاحُ صَحِيحٌ، ويَجِبُ لَهَا مَهْرُ المِثْلِ بالعَقْدِ كَمَا يَجِبُ المُسَمَّى ولَهَا المُطَالَبَةُ بِفَرْضِهِ، فإنْ فَرَضَهُ الحَاكِمُ لمْ يَجُزْ أنْ يَفْرضَ إلاَّ بِمِقْدَارِهِ، فإنْ تَرَاضَى الزَّوْجَانِ بِفَرْضِهِ جَازَ بِقدرهِ وزِيَادَة عليهِ ونُقصَان منهُ ويَسْتَقِرُّ بالخَلْوَةِ والمَسِيسِ، وهَلْ يَسْتَقِرُّ بِالمَوْتِ أم لا؟ على رِوَايَتَيْنِ، أصَحُّهُمَا: أنَّهُ يَسْتَقِرُّ، والثَّانِيَةُ أنَّهُ يَتَنَصَّفُ بالمَوْتِ (1) إلاّ أنْ يَكونَ قد فَرَضَهُ فَيَسْتَقِرُّ بالمَوتِ كالْمُسَمَّى فإنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ المَسِيسِ أو الخَلْوةِ. فَهَلْ تَجِبُ المُتْعَةُ مَعَ المَهْرِ؟ عَلى رِوَايَتَيْنِ، أصَحُّهُمَا: لا يَجِبُ (2).
وكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَ تْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بإسْلامٍ أو رِدَّةٍ أو خُلْعٍ أو مِنْ جِهَةِ أجْنَبِيٍّ كأُمِّهِ وأُخْتِهِ. وإذا أرْضَعَتْ زَوْجَتَهُ الصَّغيرةَ فحُكْمُهَا حُكْمُ طَلاقِهِ وقدْ بَيَّنّا ذلكَ، وكلُّ
/ 273 و / فُرْقَةٍ جَاءَ تْ مِنْ قِبَلِ المَرْأَةِ بإسْلامٍ أو رِدَّةٍ أو فَسْخٍ بِعَيْبٍ أو فَسَخٍ بإعْسَارِهِ أو بِعِتْقِها فلا مُتْعَةَ، فيها رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ (3).
وأمَّا فُرْقَةُ اللِّعَانِ فَحَكَى أبُو بَكْرٍ عَنْ أحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّ الفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا فلا مُتْعَةَ لَها، وقالَ شَيْخُنَا: تَخْرُجُ المسألَةُ على رِوَايتَيْنِ (4).
أصْلُهُمَا إذا لاعَنَهَا في مَرَضِ مَوْتِهِ هَلْ تَرِثُهُ؟ على رِوَايتَيْنِ (5). وأمَّا فُرْقَةُ بَيْعِ الزَّوْجَةِ إذا كانَتْ أمَةً مِنَ الزَّوْجِ فقالَ أبُو بَكْرٍ (6): لا مُتْعَةَ. وقالَ شَيْخُنَا (7): فيهِ وَجْهٌ آخَرُ أنَّ لَها المُتْعَةَ، وتُقَدَّرُ المُتْعَةُ أرْفَعُهَا بِخَادِمٍ وأقَلُّهَا بِكِسْوَةٍ تُجْزِئُ فيها الصَّلاةُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأخْرَى: يَرْجِعُ في تَقْدِيرِها إلى الحَاكِمِ (8)، فيَفْرضُ على المُوسِعِ قَدَرُهُ
__________
(1) انظر: المغني 8/ 58.
(2) نقلها الميموني ومهنّا، والأخرى: لها المتاع نقلها حنبل، الروايتين والوجهين 126/أ.
(3) انظر: الإنصاف: 8/ 279.
(4) انظر: الشرح الكبير 8/ 67.
(5) انظر: الإنصاف: 8/ 281.
(6) انظر: الإنصاف 8/ 281.
(7) انظر: الإنصاف 8/ 281.
(8) الأولى: صححها المرداوي، والثانية: ذكرها القاضي. الإنصاف 8/ 300.(1/407)
وعلى المُقْتِرِ قَدَرُهُ.
وأمَّا مَهْرُ المِثْلِ فَيَعْتَبِرُ بِنِسَاءٍ مِنْ نِسائِهَا مِنْ ذَوِي أرْحامها وعَصَبَاتِهَا كالأمِّ والأُخْتِ والعَمَّةِ والخَالَةِ وغيرِهِنَّ في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ (1)، وفي الأخْرَى: يعتبرُ بِنِسَاءِ العَصَبَاتِ فَحَسْبُ. والمُسَاوَاةُ تُعْتَبَرُ في الجَمالِ والمَالِ والعَقْلِ والأدَبِ والسِّنِّ والبَكَارَةِ والثيوبة والبَلَدِ. فإنْ لمْ يَكُنْ في نِسَائِهَا مِنْ يساويها في الصِّفَاتِ بلْ وُجِدَتْ امرَأَةٌ دُونَهَا اعْتُبِرَ مَهْرُهَا ثمَّ يُزَادُ على ذلكَ زِيَادَةُ فَضْيلَتِهَا، وكذلكَ إنْ وُجِدَتْ امْرأةٌ فَوْقَهَا اعتبرَ مهرها ثمَّ نَقَصَتْ بِقَدْرِ نقصانِهَا عَنْها. فإنْ جَرَتْ عادَتُهُنَّ أنَّهُنَّ إذا تَزَوَّجُوا مِنْ عَشِيْرَتِهِنَّ خففوا المَهْرَ وإذا زَوَّجُوا مِنْ غَيْرِهِمْ ثقلوا اعْتُبِرَ بِعَادَتِهِنَّ، وإنْ كانَ عَادَتُهُنَّ التَّأْجِيلَ في المَهْرِ فَهَلْ يُفْرَضُ المَهْرُ مُؤَجَّلاً؟ يَحْتَمِلُ وَجهَينِ (2).
فإنْ لمْ يَكنْ لِلمَرْأَةِ أقَارِب اعتبرَ بِنِسَاءِ بَلَدِهَا ثمَّ بِأقْرَبِ النِّسَاءِ شبهاً بِها، ويَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ لِلْمَوْطُوءَ ةِ بِشُبْهَةٍ والمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَا، ولا يَجِبُ معَ ذلكَ أرشُ البَكَارَةِ ويحْتَمَلُ (3) أنْ يَجِبَ لِلْمُكْرَهَةِ المَهْرُ والأرْشُ.
وإذا دَفَعَ زَوْجَتَهُ فأذْهَبَ عُذْرَتَهَا وطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصفُ المَهْرِ بِلا أرْشٍ، وإنْ فَعَلَ ذلكَ أجْنَبِيٌّ فَعَلَيْهِ أرْشُ البَكَارَةِ، ذَكَرَهُ في رِوَايَةِ مُهَنَّا، وقالَ شَيْخُنَا (4): عليهِ مَهْرُ المِثْلِ.
بَابٌ في الْمُسَمَّى الصَّحِيْحِ
تَمْلِكُ المَرأةُ المَهْرَ المُسَمَّى بالعَقْدِ، فإنْ كانَ مُعَيَّناً كالأَمَةِ والدَّارِ والنَّخْلَةِ والقَطِيْعِ مِنَ الغَنَمِ ونَحْوَ ذَلكَ فنَمَاؤُهُ لَهَا. وإنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وكانَ الصَّدَاقُ بَاقِياً على صِفَتِهِ رَجعَ بِنِصْفِهِ، ويَدخُلُ النِّصفُ في مُلْكِهِ حُكْماً كالمِيْراثِ، وما يَحدثُ مِنَ النَّمَاءِ قَبَلَ ذلكَ لَها، / 274 ظ / وإنْ كانَ فَائِتاً بِتَلَفٍ أو خُرُوجٍ عَنْ مِلْكِهِ أو كانَ مُسْتَحَقّاً بِدَيْنٍ أو شُفْعَةٍ على أحدِ الوَجْهَيْنِ رَجعَ بِنِصفِ قيمَتِهِ يومَ العَقْدِ ذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ (5)، إلاَّ أنْ يَكُونَ له مِثلٌ فَيَرْجِعَ بِنِصْفِ المِثْلِ، وقالَ شَيْخُنَا (6): يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيْمَتِهِ أقَل ما كانت مِنْ يَومِ العَقْدِ
__________
(1) الأولى نقلها إسحاق بن إبراهيم والثانية أبو الحارث. انظر: الروايتين والوجهين 123/ب-أ.
(2) أحدهما يفرض مؤجلاً وهو المذهب واختاره ابن عبدوس والثاني يفرض حالاً. انظر: الإنصاف
8/ 304.
(3) وهي رواية منصوصة عن الإمام أحمد رحمه الله واختارها القاضي. الإنصاف 8/ 308.
(4) انظر: الإنصاف 8/ 309.
(5) انظر: المغني 8/ 93.
(6) انظر: الإنصاف 8/ 267.(1/408)
إلى يَومِ القَبْضِ، وإنْ كَانَ زَائِداً زِيادَةً مُنْفَصِلَةً كالثَّمَرَةِ والوَلَدِ رَجعَ في نِصْفِهِ دونَ الزِّيَادَةِ.
وإنْ كَانَت الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً كالسَّمْنِ وتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ فالمَرأةُ بالخَيَارِ بَيْنَ أنْ تَرُدَّ إليهِ النِّصفَ زَائِداً، أو تَدْفَعُ إليهِ قِيْمَتَهُ. فإنْ كانَ نَاقِصاً فالرَّجُلُ بالخَيارِ بينَ أخْذِ نِصْفِهِ نَاقِصاً وبينَ الرُّجُوعِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ.
فإنْ حَدَثَ النُّقْصَانُ في يَدِ المَرْأةِ بعدَ طَلاقِهَا فَهَلْ تَضْمَنُ النُّقصَانَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (1). فإن اخْتَلَفا فقالَ الزَّوْجُ: حَدَثَ النَّقْصُ قبلَ الطَّلاقِ، وقالَتْ: بلْ حَدَثَ بعدَ الطَّلاقِ، فالقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِيْنِهَا.
فإنْ تَلِفَ الصَّدَاقُ في يَدِ الزَّوْجِ ولمْ يكُنْ مُتَميِّزاً كالقَفِيزِ مِنْ صُبْرَةٍ ونَحْوِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وإنْ كانَ مُتَميِّزاً فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهَا؛ لأنَّهُ في حُكْمِ المَقبُوضِ؛ ولِهِذَا يَقُولُ: لَهَا أنْ تَتَصَرَّفَ فيهِ بأنْوَاعِ التَّصُرُّفَاتِ. ونَقَلَ عنْهُ مُهنَّا (2) فيمَنْ تَزَوَّجَ امرَأَةً على غُلامٍ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ، أنَّهَا إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ فَهُوَ لَها وإنْ لمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ فَهُوَ على الزَّوْجِ. فَعَلَى هذِهِ الرِّوَايَةِ يَضْمَنُ الزَّوْجُ الصَّدَاقَ إذا تَلِفَ قَبلَ القَبضِ بِمِثْلِهِ إنْ كانَ له مِثلٌ، وإلاَّ فَقِيمَتُهُ يَومَ التَّلَفِ.
ولا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ المَرأةِ فيهِ بِحالٍ حتّى تَقْبِضَهُ، وكذلكَ إذا تَعَذَّرَ عليهِ التَّسْلِيمُ لِلصَّدَاقِ أو تَزْوِيجُها على عَبْدٍ فخرجَ حُرّاً أو مُسْتَحِقّاً أو تَزَوَّجَ على عَيْنٍ فَخَرَجَتْ مَعِيبَةً فَرَدَّتْهَا فَلَهَا القِيْمَةُ في جَمِيعِ ذلكَ، ولا يَرجعُ إلى مَهْرِ المِثْلِ.
وإذا ارتَدَّت المَرأةُ أو أسْلَمَتْ قبلَ الدُّخُولِ سَقَطَ مَهْرُهَا إنْ لمْ تَكَنْ قَبضتْهُ، وإنْ كَانَتْ قَبضَتْهُ وَجَبَ عَلَيْها رَدُّهُ وإنْ كانَ تالِفاً رَدَّتْ مِثْلَهُ، فإنْ لمْ يكنْ لهُ مِثْلٌ رَدَّت قِيْمَتُهُ يَومَ وَقَعَت الفُرْقَةُ. فإنْ قَتلَتْ نَفْسَهَا لمْ يَسْقُطْ سواء كانَ ذلكَ قَبْلَ الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ.
وإذا أعسرَ الزَّوْجُ بالمَهْرِ قَبْلَ المَسِيسِ والخَلْوَةِ فَلَهَا خَيارُ الفَسْخِ وإنْ أعسَرَ بَعْدَ الدُّخُولِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (3). ولا يَجُوزُ الفَسْخُ إلاَّ بِحُكْمِ الحَاكِمِ.
بَابُ الوَلِيْمَةِ والنَّثْرِ (4)
وَلِيْمَةُ العُرْسِ مُسْتَحَبَّةٌ /275و/ والسنَّةُ أنْ لا يَنْقُصَ فيها عَنْ شاةٍ، وبأَيِّ شيءٍ أوْلَمَ
__________
(1) أما إذا كانت منعته منه بعد طلبه فعليها الضمانُ لأنها غاصبة وإن تلف قبل مطالبته فقياس المذهب أنه لا ضمانَ عليها. الشرح الكبير 8/ 48 - 49.
(2) انظر: الشرح الكبير 8/ 41.
(3) انظر: الهادي: 167.
(4) النَّثْرُ: النِّثارُ في الحفلات؛ والنِّثارُ: ما نُثِرَ في حفلات السرور من حلوى او نقود. =(1/409)
مِنَ الطَعامِ جَازَ، وإجابَةُ الدَّاعِي إليها إذا كَانَ مُسْلِماً وَاجِبَةٌ، فإنْ دَعَاهُ في اليَومِ الثَّانِي استحبَّ له الإجَابَةُ، فإنْ دَعَاهُ في اليَومِ الثَّالِثِ لم يستحبَّ له الإجَابَةُ، وإذا دَعَاهُ اثْنَانُ أجَابَ السَّابِقَ مِنْهُمَا، فإنْ كَلَّمَاهُ جَمِيعاً، أجابَ أدْيَنَهُمَا، فإن اسْتَوَيَا أجَابَ أقْرَبَهُمَا إليهِ جِواراً. فإنْ دَعَا الجَفَلَى (1) فقالَ: أذِنْتُ لِكُلِّ مَنْ جَاءَ نِي لم يستحَبَّ له الحُضُورُ.
وإذا حَضرَ، فإنْ كانَ صَائِماً صَوماً وَاجِباً دَعَا وانْصَرَفَ ولمْ يُفْطِرْ، وإنْ كانَ مُتَطَوِّعاً أو كانَ في تَرْكِهِ للأكْلِ كَسْرُ قَلْبِ الدَّاعِي حَضَرَ واستحبَّ لهُ الإفْطَار، فإنْ دُعِيَ إلى وَلِيمَةٍ فيها آلَةُ اللَّهْوِ، فإنْ كانَ قَادِراً عَلَى الإنْكَارِ حَضرَ واسْتحبَّ لهُ، وإنْ كانَ لا يَقْدِرُ على الإنْكَارِ لمْ يَحْضُرْ. فإنْ حَضَرَ ولمْ يَعْلَمْ فَشَاهَدَ المُنْكَرَ أنْكَرَهُ وأزَالَهُ، وإنْ لَمْ يَقْدِرْ على ذَلِكَ انْصَرَفَ. فإنْ حَضَرَ وعَلِمَ بِالْمُنْكَرِ إلاَّ أنَّهُ لَمْ يُشَاهِدْهُ، ولمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَنْصَرِفْ.
فإنْ رَأى على الثِّيَابِ صُورَةَ حَيَوَانٍ وكَانَتْ مَفْرُوشَةً بِحَيْثُ تُدَاسُ أو يُتَّكَأُ إلَيْهَا كَالبُسُطِ والمَخَادِّ جَلَسَ، وإنْ كانَتْ في سُتُورٍ مُعَلَّقَةٍ أو حِيْطَاناً، لمْ يَجْلِسْ إلاَّ أنْ تُزَالَ. فإنْ سُتِرَتِ الحِيْطَانُ بِسُتُورٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ، أو عَلَيْها صُورَةٌ لا حَيَوَانَ، فَعَنْهُ (2): أنَّهُ حَرَامٌ فَلا يَجْلِسُ، وعَنْهُ (3): أنَّهُ مَكْرُوهٌ فلا يَنْصَرِفُ.
وأمّا الوَلِيْمَةُ لِغَيْرِ العُرْسِ فَهِيَ جَائِزةٌ، والإجَابَةُ إليهَا غَيرُ وَاجِبَةٍ، والدُّعَاءُ إلى الوَلِيْمَةِ إذْنٌ في أكْلِ الطَّعَامِ (4)، ويُسْتَحَبُّ غَسْلُ اليَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وبَعْدَهُ، وعنهُ أنَّهُ يُكْرَهُ اخْتَارَهُ شَيْخُنا (5). ولا يُبَاحُ أكلُ طَعامِ أحَدٍ إلاَّ بإذْنِهِ، والنِّثَارُ والتقاطُهُ مَكْرُوهٌ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، وفي الأُخْرَى غَيْرُ مَكْرُوهٍ (7). ومَنْ وَقَعَ في حِجْرِهِ شَيءٌ مِنَ النِّثَارِ فهُوَ لهُ (8).
__________
= انظر: المعجم الوسيط: 901.
(1) الجفلى: بفتح الجيم والفاء معاً، هي الدعوة العامة للطعام. انظر: الصحاح 4/ 1657، ولسان العرب 11/ 114 (جفل).
(2) انظر: المغني 8/ 114، والإنصاف 8/ 337.
(3) وهذا القول اختاره القاضي. انظر: الشرح الكبير 8/ 117، والإنصاف 8/ 337.
(4) وقال الشيخ عبد القادر في الغنية: لا يحتاج بعد تقديم الطعام إذناً إذا جَرَت العادة في ذلك البلد بالأكل بذلك، فيكون العرف إذناً. انظر: الإنصاف 8/ 339.
(5) انظر: الإنصاف 8/ 324.
(6) وهذا القول اختاره القاضي والشريف والشيرازي والخرقي. انظر: المغني 8/ 118، الزركشي 3/ 314 - 315، والإنصاف 8/ 340.
(7) وهي اختيار أبي بكر. انظر: المغني 8/ 118، والزركشي 3/ 315، والإنصاف 8/ 341.
(8) وقيل لا يمكله إلا بالقصد. انظر: الإنصاف 8/ 341.(1/410)
بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ والقَسْمِ والنُّشُوزِ
يَلزمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مُعَاشَرَةُ الآخَرِ بالمَعْرُوفِ، ولا يَحِلُّ لهُ مَطْلُهُ بِما يَلْزَمُهُ مِنْ حَقِّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عليهِ، ولا إظْهَارُ الكَرَاهَةِ لِلبَذْلِ. ولا يَجْمَعُ بين زَوْجَتَيْهِ في مَسْكَنٍ وَاحِدٍ إلاَّ بِرِضَاهُمَا. ويُكْرَهُ أنْ يَطَأَ إحداهما (1) بِحَيْثُ تَرَاهُ الأُخْرَى (2)، أو يُحَدِّثَهَا بِما جَرَى بَينَهُما (3)، ولا بَأْسَ أنْ يَطُوفَ على إمَائِهِ ونِسَائِهِ بِغُسُلٍ وَاحِدٍ ويُسْتَحَبُّ له التَّسْمِيَةُ وتَغْطِيَةُ رَأْسِهِ عِنْدَ الجِمَاعِ. ويُكْرَهُ لهُ كَثْرَةَ الكَلامِ في حَالِ الوَطءِ. فإذا فَرَغَ قَبْلَهَا كُرِهَ لهُ النَّزْعُ حتَّى تَفْرُغَ.
ولِلرَّجُلِ / 276 ظ / مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنَ الخُرُوجِ عَنْ مَنْزِلهِ. فإنْ مَرِضَ مَنْ هوَ مِنْ مَحَارِمِهَا، أو مَاتَ اسْتحبَّ لهُ أنْ يَأْذَنَ لَهَا في الخُرُوجِ إليهِ (4).
بَابُ القَسْمِ
يَجِبُ قَسْمُ الابْتِدَاءِ، كَمَا يَجِبُ قَسْمُ الانْتِهَاءِ، فإذَا كانَ لِلرَّجُلِ امرَأَةٌ وَاحِدَةٌ حرة لَزِمَهُ أنْ يَكُونَ عَنْدَهَا لَيْلَةً ويَوماً (5) مِنْ كُلِّ أرْبَعَةِ أيَّامٍ ولَيَالِيْهَا. فإنْ كَانتْ أمَةً لَزِمَهُ ذلِكَ مِنْ كُلِّ سَبْعَةِ أيَّامٍ. وكذلِكَ إنْ كانَ لهُ زَوْجَتَانِ وثَلاثٌ، كانَ له الانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ عَنْهُنَّ فيمَا بَقِيَ مِنَ الأرْبَعِ والسَّبْعِ.
ويَجِبُ عَلَيهِ وَطْؤُهُنَّ في كُلِّ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ مَرَّةً، إذا لمْ يَكُنْ لهُ عُذْرٌ. فإنْ لمْ يَفْعَلْ وطَلَبْنَ الفُرْقَةَ فُرِّقَ بينَهُمَا، وإذا سَافَرَ عَنْ زَوْجَتِهِ أكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أشْهُرٍ، فَطَلَبَتْ منهُ القُدُومَ فأبَى أنْ يَقْدُمَ - مَعَ القُدْرَةِ على القُدُومِ -، فَلِلْحَاكِمْ أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إذا طَلَبَتِ الفُرْقَةَ، وعنهُ ما يَدُلُّ على أنَّ الوَطْءَ غيَرُ وَاجِبٍ لِيَكُونَ قَسْمُ الابْتِدَاءِ غَيرَ وَاجِبٍ (6).
فأمَّا قَسْمُ الانْتِهَاءِ، فَمَتَى بَدأَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَبَاتَ عِنْدَهَا، فَقَدْ أخطَأَ؛ لأنَّهُ لا تَجوزُ له البِدَايَةُ بإحْدَاهُنَّ إلاَّ بالقُرْعَةِ، ولَكِنَّهُ يِلْزَمُهُ أنْ يَبِيْتَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، ويقسمُ لِلْحائِضِ والنُّفَسَاءِ والمَرِيْضَةِ والمَعِيْبَةِ والذِّمِّيَةِ (7)، ويقسمُ لِلْحُرَّةِ لِيْلَتَيْنِ، ولِلأمَة لَيْلَةً،
__________
(1) في الأصل: أحدهما.
(2) وهناك رواية تقول بالتحريم، ولو رضيتا به. انظر: الإنصاف 8/ 360.
(3) وذهب الشيخ عبد القادر في الغنية والأدمي البغدادي في كتابه الى القول بالتحريم.
انظر: الإنصاف 8/ 360.
(4) وذهب ابن عقيل إلى أنه يجب عليه أن يأذن لها لأجل العبادة. انظر: الإنصاف 8/ 361.
(5) في الأصل: ((يوم)).
(6) وهو اختيار القاضي. انظر: الشرح الكبير 8/ 140، والإنصاف 8/ 354.
(7) وكذلك يقسم بين من آلى منها، أو ظاهر، والمحرمة ومن سافر بها بقرعة والزمنة والمجنونة =(1/411)
ولا يَجِبُ عليه إذا قسمَ أنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ في الوَطْءِ، بلْ يُسْتَحبُّ ذلكَ، وإذا أرادَ أنْ يُسَافِرَ بإحْداهُنَّ لَمْ يَجُزْ إلاّ بالقُرْعَةِ. فإنْ سَافرَ بِها بِغَيرِ قُرْعَةٍ أثِمَ وقضى لِلْبَواقِي، وإنْ سَافَرَ بِها بالقُرْعَةِ لم يقضِ، وكَذَلِكَ إنْ أرَادَ الانْتِقَالَ مِنْ بَلَدٍ إلى بَلَدٍ فَسَافَرَ معهُ بإحْدَاهُنَّ وبَعَثَ بالبَوَاقِي مَعَ غَيْرِهِ، فإنّهُ إنْ كانَ بِقُرْعَةٍ لمْ يقضِ، وإنْ كانَ لِغَيْرِ القُرْعَةِ قَضى.
وإذا امْتَنعتِ المَرْأةُ مِنَ السَّفَرِ مَعهُ سَقَطَ حَقُّها مِنَ القَسْمِ. وكذلكَ إنْ سَافَرَتْ بِغَيرِ إذْنِهِ. فأمّا إنْ سَافَرَتْ بإذْنِهِ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا من القسم؟ عَلَى وَجْهَينِ (1).
وإذا وَهَبَتْ المَرْأةُ حَقَّهَا مِنَ القَسْمِ لِبَعْضِ ضَرَائِرِها جَازَ، إذا رَضِيَ الزَّوْجُ، وإنْ وَهَبَتْ حَقَّهَا لِلزَّوْجِ جَعَلَهُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ نِسَائِهِ. فإنْ رَجَعَتْ في الهِبَةِ عَادَ حَقُّهَا إِلَى القَسْمِ مِنْ يَومِ الرُّجُوعِ. وعِمَادُ القَسْمِ اللَّيْلُ لِمَنْ مَعِيشَتُهُ بالنَّهَارِ، والنَّهَارُ لِمَنْ مَعِيْشَتُهُ في اللّيْلِ؛ كالحَارِسِ وغَيْرِهِ. فإنْ دَخَلَ إلى غَيْرِهَا لِحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ ولمْ يَلْبَثْ أنْ خَرَجَ لم يقضِ، وإنْ لَبِثَ أو جَامَعَ فَقَدْ أخطأَ ويَقْضِي لَها مِنْ حَقِّ الأُخْرَى بِمِقْدَارِ ما أقَامَ / 277 و / عِنْدَها، ولا قَسْمَ عليهِ فيما مَلَكَ منَ الإمَاءِ، بَلْ لهُ أنْ يَسْتَمْتِعَ بِهِنَّ، وبِكُلِّ وَاحِدَةٍ منهنَّ كيفَ أرَادَ، والمُستحَبُّ أنْ يَسَوِّيَ بينَهُنَّ ولا يَعْظُلَهُنَّ، إنْ لَمْ يُرِدِ الاستِمْتَاعَ بِهِنَّ، وإذا كانَ له إمَاءٌ وزَوْجاتٌ فَلَهُ الرُّجُوعُ على الإمَاءِ مِنْ غَيرِ قَضاء (2) لِلزَّوْجَاتِ، والدُّخُولُ على الزَّوْجَاتِ مِنْ غَيرِ قَضَاءٍ للإمَاءِ.
وإذا تَزَوَّجَ امْرَأةً وعِنْدَهُ نِسْوَةٌ، يقسمُ لَهُنَّ قطعَ الدورِ، وأقامَ عندَ الجَدِيْدَةِ بِحَقِّ العَقْدِ سَبْعاً، ثمَّ يَسْتأنِفُ القَسْمَ إنْ كَانَتْ بَاكِراً، وإنْ كَانَتْ ثَيِّباً أقَامَ عِنْدَها ثَلاثاً، ثمَّ اسْتَأْنَفَ القَسْمَ. فإنِ اخْتَارَتْ أنْ يُقِيْمَ عَندَها سَبْعاً، ويَقضي لَهُنَّ فلها ذلكَ. فإنْ تَزَوَّجَ امْرأتَينِ فَزُفَّتَا إليهِ في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أقَامَ عندَ السَّابِقَةِ بِحَقِّ العَقْدِ، ثمَّ يَفْعَلُ ذلكَ بالأُخْرَى. وإنْ زُفَّتا معاً أقْرَعَ بينَهُمَا بِحَقِّ العَقْدِ.
وإنْ أرَادَ السَّفَرَ فأقْرَعَ فَخَرَجَ السَّهْمُ لإحْدَى الجَدِيْدَتَيْنِ سَافَرَ بِهَا، ودَخَلَ حَقُّ العَقْدِ في القَسْمِ لِلسَّفَرِ. فإذَا رجَعَ قَضى للأُخَرى حَقَّ العَقْدِ، ويُحتَمَلُ أنْ لا يَقضيَ، فإذا قسمَ لِزَوْجَتَيْهِ وأقامَ عندَ إحْدَيْهِمَا، فلمَّا جَاءَ حَقُّ الأُخْرَى طلَّقَها أَثِم فإن عَادَ تَزَوَّجَها لَزَمَهُ أنْ يَقْضيَ لَهَا ويَجُوزُ أنْ يَخْرُجَ في نَهَارِ لَيْلَةِ القَسْمِ لِمَعَاشِهِ وقَضَاء حُقُوقِ النَّاسِ.
__________
= المأمونة، والصغيرة التي يمكن وطأها في أحد الوجهين وقيل: إن كانت مميزة قسم لها وإلا فلا. انظر: المغني 8/ 139، والإنصاف 8/ 367.
(1) الوجه الأول: يسقط حقها، وبهذا قال القاضي والخرقي. والوجه الثاني: لا يسقط. انظر: الشرح الكبير 8/ 162، والزركشي 3/ 320، والإنصاف 8/ 370.
(2) في الأصل: قضى.(1/412)
بَابُ النُّشُوزِ
إذا ظَهَرَ مِنَ المَرأَةِ دَلائِلُ النُّشُوزِ؛ مِثلُ أنْ يَدعُوَهَا إلى الاسْتِمْتَاعِ فَلا تُجِيب، أو تُجِيْبُهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً، وَعَظَهَا الزَّوْجُ وخَوَّفَهَا باللهِ تَعَالَى. فإنْ أَصَرَّتْ على ذلكَ هَجَرَهَا في المَضْجَعِ والكَلامِ فِيما دَونَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ (1).
فإنْ أصَرَّتْ على ذلكَ ضَرَبَهَا بِدُرَّةٍ أو مِخْرَاقٍ (2) ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ (3)، فإنْ مَنَعَهَا
الزَّوْجُ حَقَّهَا وأعْرَضَ عَنها وجَحَدَ ذلكَ عِنْدَ الحَاكِمِ، أسْكَنَهَا الحاكم إلى جَنْبِ ثِقَةٍ يَنْظُرُ حَالَهَا، ويُلْزِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الخُرُوجَ مِمَّا عليهِ مِنَ الحَقِّ لِصَاحِبِهِ ويَمْنَعُهُ مِنَ العُدْوَانِ. فإنْ بَلَغَا المُشَاتَمَةَ والمُضَارَبَةَ بَعَثَ الحَاكِمُ حَكَمَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَينِ، والأَوْلَى أنْ يَكُونَا مِنْ أهْلِهِمَا (4)، ويُوْكِّلُهُمَا الزَّوْجَانِ أنْ يَنْظُرَا ما فيهِ الْمَصْلَحَةِ، مِنْ إصْلاحٍ أو فِرَاقٍ أو خَلْعٍ فَيَفْعَلانِهِ (5).
فإنِ امْتَنَعَا مِنَ التَّوْكِيلِ في ذلكَ لَمْ يُجْبَرَا، ولكِنْ لا يَزَالُ يَبْحَثُ ويَسْتَخْبِرُ حَتَّى يَظْهَرَ له مِنَ المَظَالِمِ فَيَرْدَعَهُ عَنْ ظُلْمِهِ، ويَسْتَوْفِيَ الحَقَّ مِنْهُ وهُوَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (6) وعنهُ (7)، إنْ وَكَّلَ الزَّوْجُ في الطَّلاقِ / 278 ظ / بِعِوَضٍ وغَيرِ عِوَضٍ، وَوَكَّلَت الزَّوْجَةُ حَكَماً في بَذْلِ العِوَضِ برضاً مِنهُمَا، وإلاَّ جَعَلَ الحَاكِمُ إلَيْهِمَا ذلكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ.
فإنْ غَابَ الزَّوْجَانِ أو أحَدُهُمَا لمْ يَنْقَطِعْ نَظَرُ الحَكَمَيْنِ على الرِّوَايَةِ الأُوْلَة (8) وهَلْ يَنْقَطِعُ على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَينِ (9). وإنْ جُنَّ الزَّوْجَانِ أو أحَدُهُمَا انْقَطَعَ
__________
(1) وهناك قول يذهب إلى أنه لا يهجرها في المضجع إلا ثلاثة أيام. انظر: الإنصاف 8/ 376.
(2) المخراق: مِنديل أو نحوه يُلوى فيُضرب به أو يُلَفَّ فيفزع به، وهو لعبة يلعب بها الصبيان.
انظر: اللسان: 10/ 76 (خرق).
(3) وهناك رواية عن الإمام أحمد قال: له ضربها أولاً، يعني حين نشوزها. انظر: المغني 8/ 162،
والزركشي 3/ 325، والإنصاف 8/ 377.
(4) في الأصل: ((أهلها)).
(5) اختلفت الرواية عن أحمد في الحكمين ففي إحدى الروايتين عنه: أنهما وكيلان لهما لا يملكان التفريق لهما إلا بإذنهما، والرواية الثانية: انهما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغير عوض ولا يَحتاجان الى توكيل الزوجين ولا رضاهما.
انظر: المغني 8/ 167 - 168، والزركشي 3/ 325 - 326.
(6) انظر: الزركشي 3/ 325، والإنصاف 8/ 381.
(7) انظر: الشرح الكبير 8/ 170، والإنصاف 8/ 381.
(8) أي الرواية التي تقول أنهما وكيلان. انظر: المغني 8/ 171، والزركشي 3/ 327، والإنصاف 8/ 381.
(9) الوجه الأول: ينقطع، وبه قال أبو محمد وأبو البركات، إذ كل من الزوجين محكوم له وعليه =(1/413)
نَظَرُهُمَا على الأوْلَة ولمْ يَنْقَطِعْ على الثَّانِيَةِ (1).
كِتَابُ الْخُلْعِ
يَصِحُّ الخُلْعُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بالِغٍ عَاقِلٍ، فأمَّا الصَّبِيُّ المُمَيِّزِ فَهَلْ يَصِحُّ خُلْعُهُ؟ على وَجْهَيْنِ (2).
فإنْ كانَ الزَّوْجُ مَحْجُوراً عليهِ لِسَفَهٍ صَحَّ خُلْعُهُ ولزِمَ دَفْعُ العِوَضِ إلى وَلِيِّهِ، وكذلكَ إنْ كانَ صبِيّاً. وقُلْنَا يَصِحُّ خُلْعُهُ وإنْ كانَ مكاتباً لزم دفعه إليه وإن كان عَبْداً قنّاً أو مُدَبَّراً لَزِمَ دَفْعُ المَالِ إلى سَيِّدِهِ. وقالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ القَبضُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ خُلْعُهُ (3) ويَصِحُّ الخُلْعُ مَعَ الزَّوْجَةِ والأجْنَبِيِّ، ويَصِحُّ بَذْلُ العِوَضِ في الخُلْعِ مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ في مالِهَا.
وإنْ كَانتْ أَمَةً وخَالَعَتْ بإذْنِ السَّيِّدِ لَزِمَهَا العِوَضُ مَمَّا في يدِهَا إنْ كَانَتْ مُكَاتِبَةً أو مَأْذوناً لَها في التِّجَارَةِ وإلا لَزِمَ ذِمَّةَ السَّيِّدِ. وإنْ خَالَعَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ كانَ العِوَضُ في ذِمَّتِهَا يتبعُ بهِ بعدَ العِتْقِ.
وكذلكَ حُكْمُ الأجْنَبِيِّ في بَذْلِهِ العِوَضَ في الخُلْعِ وليسَ للأبِ ولا لِغِيْرِهِ مِنَ الأوْلِياءِ خُلْعُ الصَّغيرَةِ مِنْ زَوْجِهَا بِشَيءٍ مِنْ مَالِهَا. وهَلْ للأبِ خُلْعُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الطِّفْلِ أو طَلاقِهَا أمْ لا؟ على رِوَايَتَيْنِ (4).
وإذا وَقَعَ الخُلْعُ بِلَفْظِ الطَّلاقِ فهُوَ طَلاقٌ، فإنْ وَقَعَ بِلَفْظِ الخُلْعِ والمُفَادَاةِ والفَسْخِ، فإنْ نَوَى بهِ الطَّلاقَ فهُوَ طَلاقٌ وإنْ لمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلاقَ فإنَّهُ فَسْخٌ لا يَنْقُصُ بهِ عَدَدُ الطَّلاقِ
__________
= والقضاء للغائب لا يجوز، والوجه الثاني: لا ينقطع إذ المغلب في الحكم الحكم على كل منهما. انظر: المغني 8/ 171، والزركشي 3/ 327، والإنصاف 8/ 381.
(1) وهو قول أبي محمد وأبي البركات. انظر: المغني 8/ 172، والزركشي 3/ 327، والإنصاف 8/ 381.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 114/أ، والمقنع: 266، والهادي: 173، والمغني 8/ 220، والمحرر في الفقه 2/ 178، والإنصاف 8/ 385.
(3) انظر: المقنع: 226، والهادي: 173، والشرح الكبير 8/ 180.
(4) قال أحمد في رواية أبي الصقر قد اختلف في ذلك وكأنه رآه - أي الاختلاف -، وقال أبو بكر: لم يبلغني عن أبي عبد الله في هذه المسألة إلا ما رواه أبو الصقر، فيتخرج على قولين، أحدهما: يملك الفسخ عليه، والثاني: لا يملك إيقاع الطلاق عليه، وقال القاضي: وهو أصح؛ لأنَّ الطلاق إنما هو لعجزه عن القيام بالزوجة. انظر. الروايتين والوجهين 116/أ.(1/414)
في إحْدَى الرِّوَايَتينِ (1)، وفي الأخرَى: هوَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ بالخُلْعِ على ثَلاَثَةِ أضْرُبٍ: مَحْظُورٌ ومَكْرُوهٌ ومُبَاحٌ.
فالمحْظُورُ: أنْ يَمْنَعَها حَقَّهَا ويُكْرِهَهَا لِتَفْتَدِيَ بِنَفْسِهَا، فإذا فَعَلَتْ فالخُلْعُ بَاطِلٌ والعِوَضُ مَرْدُودٌ وهيَ على الزَّوْجِيَّةِ إلاَّ أنْ يَكُونَ الخُلْعُ طَلاقاً (2)، أوْ نَوَى بهِ الطَّلاقَ فَيَقَعُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً.
والمَكْرُوهُ: أنْ يُخَالِعَهَا مَعَ اسْتِقَامَةِ الحَالِ بَيْنَهُمَا فَيَصِحُّ الخُلْعُ على قَوْلِ الخِرَقِيِّ (3) وشَيْخِنا، ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَصِحَّ (4) على مَا حَكَاهُ عنهُ أبُو بَكْرٍ /279 و/ في زَادِ المُسَافِرِ.
وأمَّا المُبَاحُ: فأنْ تَكْرَهَ المَرأةُ زَوْجَهَا لِخُلُقِهِ أوْ خَلْقِهِ أو دِيْنِهِ فَتَخَافُ أنْ لا تُقِيمَ في حَقِّهِ حُدُودَ اللهِ تَعَالَى فِيْمَا يَلْزَمُهَا لهُ مِنَ الاسْتِمْتَاعِ والمُعَاشَرَةِ فَتَفْتدِيَ نَفْسَهَا منهُ، ولا يَصِحُّ الخُلْعُ إلاَّ بِعِوَضٍ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (5)، وفي الأخرَى: تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عِوَضٍ، وكلُّ ما جَازَ أنْ يَكُونَ صَدَاقاً مِنْ عَيْنٍ ودَينٍ ومَنْفَعَةٍ وقَلِيلٍ وكَثيرٍ جَازَ أنْ يَكُونَ عِوَضاً في الخُلْعِ، وما لا يَجُوزُ أنْ يكونَ صَدَاقاً مِنْ حَرَامٍ أو مَجْهُولٍ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عِوَضاً في الخُلْعِ، فإنْ خَالَعَهَا على أكْثَر مِمّا أصْدَقَهَا كُرِهَ ذلكَ وجَازَ على قَوْلِ شَيْخِنَا، وقال أبو بَكرٍ: لا يَجُوزُ ذلكَ (6)، فَتُرَدُّ عَلَيهَا الزِّيَادَةُ.
فإنْ خَالَعَها على مَجْهولٍ مِثْل أنْ يَقُولَ: على ما في بَيْتِي مِنْ مَتَاعٍ فَلَمْ يُوجَدْ فيهِ شَيءٌ، أو خَالَعَها على ما يُثْمرُ نَخْلُهَا أو على حَمْلِ أمَتِهَا، فقالَ أبو بَكرٍ في " التَّنْبِيْهِ ": الخُلْعُ بَاطِلٌ، وقالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ الخُلْعُ (7)، ويَرجعُ عليها بِمَا أعْطَاهاَ مِنَ المَهْرِ في مَسْألَةِ المَتَاعِ، ولا يَرجعُ في مَسْألَةِ الثَّمنِ والحملِ بِشَيءٍ، وعِنْدِي أنَّهُ يرجعُ بِمَا أعْطَاها في المَسألَتِيْنِ إلا أنْ يرضى بِدُونِهِ، وقد قالَ أحْمدُ - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَةِ مُهَنَّا: إذا خَالَعَهَا على ثَمَرَةِ نَخْلِهَا فَحَالَت الثَّمَرَةُ تُرْضيهِ بِشَيءٍ فإنْ خَالَعَهَا على مَا في يَدِهَا مِنَ الدَّنَانيرِ لمْ يَصِحَّ
__________
(1) انظر: المقنع: 227.
(2) في الأصل: ((طلاق)).
(3) انظر: المقنع: 227، والهادي: 173، والمغني 8/ 180، والمحرر في الفقه 8/ 45، وشرح الزركشي 3/ 330، والإنصاف 2/ 385.
(4) انظر: الشرح الكبير 8/ 175، وشرح الزركشي 3/ 329.
(5) انظر: المغني 8/ 173، والمحرر في الفقه 2/ 45، وشرح الزركشي 3/ 327، والإنصاف 8/ 396.
(6) انظر: المقنع: 227، والهادي: 173، والمغني 8/ 187.
(7) انظر: المقنع: 227، والهادي: 173، والمغني 8/ 175، وشرح الزركشي 3/ 328، والإنصاف 8/ 398.(1/415)
الخُلْعُ على قَولِ أبي بَكرٍ (1)، وحَكِيَ عن أحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ -: أنَّهُ يُلْزِمُهَا أقَل الجَمْعِ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ. (2)
فإنْ خَالَعَهَا على مُحَرَّمٍ كالخَمْرِ والخِنْزِيرِ. فقالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ (3) الخُلْعُ ولا يَسْتَحِقُّ عَلَيها شَيئاً، وعِنْدِي أنَّهُ كالخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لا يَصِحُّ في الرِّوَايَتَيْنِ (4). إلاَّ أنْ يَقُولَ أنَّ الخُلْعَ طَلاقٌ أو يَنْوِيَ به الطَّلاقَ فَيَقَعُ طَلقَةً رَجْعِيّةً وتَصِحُّ في الأخْرَى (5) فتَبِينَ بهِ ولا يَسْتَحِقُّ عَليها شَيئاً.
فإنْ خَالَعَهَا على مُعَيَّنٍ فَلَمْ يُمْكِنْها تَسْلِمَهُ مِثْلَ أنْ يُخَالِعَهَا على دَنِّ خلٍّ فَيَظْهَرُ أنَّهُ خمرٌّ، أو على عَبْدٍ فَيَظْهَرُ أنَّهُ حُرٌّ أو مَغصُوبٌ لا يَصِحُّ الخُلْعُ (6) ويرجِعُ عليها بِمِثلِ ذلكَ إنْ كَانَ لهُ مِثْلٌ وإلاَّ تُقَيِّمُهُ.
فإنْ خَالَعَها على رَضَاعِ وَلَدِهِ سَنَتَيْنِ فَمَاتَ الوَلَدُ رَجعَ بأجْرَةِ المُدَّةِ أو مَا بَقِيَ مِنْها.
فإنْ خَالَعَهَا على نَفَقَةِ عِدَّتِهَا وهيَ حَامِلٌ مِنْهُ صحَّ الخُلْع (7) وسَقَطَت النَّفَقَةُ.
فإنْ خَالَعَهَا بِعَوَضٍ معلوم صح الخلع ويتراجعان بما لأحدهما على صاحبه من الحقوق وعنه يسقط ما بينهما من الحقوق فإن خالعها بعوض على أنَّ لهُ / 280 ظ / عليها الرَّجعةُ صحَّ الخُلْعُ ولَزِمَ العِوَضُ وبَطَلَ شَرْطُ الرَّجعةِ في إحْدَى الوَجْهَينِ (8)، وفي الآخَرِ (9): تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ ويَسْقُطُ العِوَضُ.
فإنْ خَالَعَتْهُ في مَرِضِهَا على مُسَمًّى كانَ لهُ الأقلُّ مِنَ المُسَمّى أو مِيْرَاثُهُ مِنْهَا.
فإنْ خَالَعَهَا في مَرْضِهِ وحَابَاهَا فذلكَ مِنْ رأسِ المَالِ.
فإنْ قالَ (10): فإنْ أعْطَيتِنِي عَبْداً فأنتِ طَالِقٌ، فأعْطَتْهُ عَبْداً بانَتْ مِنهُ ومَلَكَ العَبْدَ،
__________
(1) انظر: المقنع: 227، والشرح الكبير 8/ 201، والإنصاف 8/ 398.
(2) انظر: الإنصاف 8/ 403.
(3) انظر: المغني 8/ 203، والشرح الكبير 8/ 194، والإنصاف 8/ 398.
(4) انظر: المقنع: 227، والهادي: 173، والمغني 8/ 194، وشرح الزركشي 3/ 333،
والإنصاف 8/ 397.
(5) انظر: المقنع: 227، والهادي: 173، والمغني 8/ 202، وشرح الزركشي 3/ 333، والإنصاف 8/ 399.
(6) انظر: الشرح الكبير 8/ 195، والإنصاف 8/ 400.
(7) انظر: المغني 8/ 190، والشرح الكبير 8/ 196.
(8) انظر: المقنع: 227، والهادي: 173، والإنصاف 8/ 396.
(9) انظر: المقنع: 227، والهادي: 173.
(10) انظر: المقنع: 227، والشرح الكبير 8/ 203، وشرح الزركشي 3/ 337، والإنصاف 8/ 405.(1/416)
نَصَّ عَليهِ. وقالَ شَيْخُنَا: يُلْزِمُهَا عَبْداً وَسطاً كَما ذكرَ في الصَّدَاقِ (1). فإنْ أعْطَتْهُ مُكَاتِباً أو مَغْصُوباً بَانَتْ مِنهُ في أحد (2) الوَجْهَينِ (3) ويلزمهُ القِيْمَة، وفي الآخر: لا يُطلقُ (4). فإنْ خَالَعَها على عَبْدٍ مَوْصُوفٍ في الذَّمَّةِ فأعْطَتْهُ إيّاهُ مَعِيْباً بَانَتْ ولَهُ مُطَالَبَتُهَا لعبدٍ سَّلِيم على تِلْكَ الصِّفَةِ. فإنْ قالَ لَها: إنْ أعْطَيْتِنِي هذا العَبْدَ فأنْتِ طَالِقٌ، فأعْطَتْهُ بانَتْ، فإنْ خَرَجَ مَعيباً لم يَرْجِعْ عَليها بِشَيءٍ، وقالَ شَيْخُنا: لهُ رَدُّهُ والرُّجُوعُ إلى قِيْمَتِهِ (5)، فإنْ خَرَجَ مَغْصُوباً لمْ يَقعِ الطَّلاقُ بِدَفْعِها إليهِ، وعنهُ أنَّهُ يَقَعُ ويُلْزِمُهَا له قِيْمَةَ العَبْدِ.
فإنْ خَالَعَتْهُ على ثَوبٍ هروي فَخَرَجَ مروياً باَنتْ وله الخَيارُ بينَ الإمْسَاكِ والرَّدِّ (6)، وعِنْدِي أنَّهُ إذا وَقَعَ الخُلْعُ على عَيْنِهِ لم يَسْتَحِقَّ سِوَاهُ.
فإنْ قالَ: إنْ أعْطَيْتِنِي ألْفاً، أو: إذا أعْطَيْتِنِي عَبْداً، أو: مَتَى أعْطَيْتِنِي ألْفاً فأنتِ طَالِقٌ، أو: أيُّ وَقْتٍ أعْطَيْتِنِي ألفاً فأنْتِ طَالِقٌ، كانَ ذلكَ على التَّرَاخِي؛ فأيُّ وَقتٍ أعْطَتْهُ المَشْرُوطَ وَقَعَ الطَّلاقُ. فإنْ قالَ: أنتِ طَالِقٌ عَلَى ألْفٍ، أو: بألفٍ، أو: وعَلَيكِ ألفٌ، وقعَ الطَّلاقُ رَجْعِيّاً ولَمْ يُلْزِمْهَا العِوَضَ. فإنْ قالَتْ لهُ: اخْلَعْنِي بألفٍ، أو: عَلَى ألفٍ، أو: طَلِّقْنِي على ألف ففعل لزمها الألف فإن قالت طلقني وَاحِدَةً بألْفٍ وطَلَّقَهَا ثَلاثاً لا يَسْتَحِقُّ الألفَ. فإنْ قالَتْ: طَلِّقْنِي، ثلاثاً بألفٍ أو علَى ألْفٍ وطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لمْ يَسْتَحِقَّ شَيئاً مِنَ الألفِ نَصَّ عليهِ (7) ويحْتَمَلُ (8) أنْ تَسْتَحِقَّ ثُلُثاً، فإنْ بقيتْ مَعهُ على وَاحِدَةٍ فقالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاثاً بألْفٍ، فَفَعَلَ اسْتَحَقَّ الألفَ سواء علمت بأنهُ لمْ يَنْوِ مِنْ طَلاقِهَا إلاَّ وَاحِدةً، أو لمْ تعْلمْ بأنْ كانَ لهُ زَوْجَتَانِ فقالَتَا له: طَلِّقْنَا بألْفٍ، فَطَلَّقَهُمَا وَقَعَ الطَّلاقُ وتَقَسَّطَتِ الألفُ على قَدْرِ مُهُورِهِمَا على قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ (9). وقال أبو بَكْرٍ: يكونُ /281 و/ الألفُ عَلَيهما نِصْفَينِ، فإنْ كانَ لهُ زَوْجَتَانِ: مُكَلَّفةٌ وغيرُ مُكلَّفَةٍ إلا أنّها
__________
(1) انظر: المقنع: 227، والمحرر في الفقه 2/ 49، الشرح الكبير 8/ 203، والإنصاف 8/ 405.
(2) في الأصل: إحدى.
(3) انظر: المغني 8/ 203، والإنصاف 8/ 406.
(4) انظر: المغني 8/ 203، والإنصاف 8/ 407.
(5) انظر: المقنع: 228، والمحرر في الفقه 2/ 49، والشرح الكبير 8/ 204.
(6) انظر: المقنع: 228، والمغني 8/ 196، والمحرر في الفقه 2/ 49، وشرح الزركشي 3/ 333، والإنصاف 8/ 408.
(7) انظر: المقنع: 228، والهادي: 174، والمحرر في الفقه 2/ 47، والشرح الكبير 8/ 212، والإنصاف 8/ 415.
(8) انظر: المقنع: 228، والهادي: 173، والمحرر في الفقه 2/ 47، والشرح الكبير 8/ 211، والإنصاف 8/ 414.
(9) انظر: المقنع: 228، والهادي: 174، والمحرر في الفقه 2/ 47، والإنصاف 8/ 417.(1/417)
عاقِلَةٌ، فقالَ: أنْتُمَا طَالِقَتَانِ بألْفٍ إنْ شِئْتُمَا، فقالَتَا: قدْ شِئْنَا، وَقَعَ الطّلاقُ بالمكلفة بائِناً ولَزِمَهَا نِصفُ الألْفِ إنْ كَانتْ [رشيدةً] (1) أو يُقَدَّرُ مَهْرُهَا على اخْتِلافِ الوَجْهَينِ (2) (3) وَوَقَعَ طَلاقُ غَيرِ البالِغَةِ رَجْعِيّاً ولا شَيْءَ عَلَيْهَا على اختلاف الوجهين (4).
فإنْ وَكَّلَ الزَّوْجُ في خُلْعِ زَوْجَتِهِ مُطْلَقاً فَخَالَعَ بِمَهْرِهَا، فَمَا زَادَ صَحَّ الخُلْعُ ولَزِمَ العِوَضُ، فإنْ نَقَصَ مِنَ المَهْرِ صَحَّ الخُلْعُ ورَجَعَ الزَّوْجُ على الوَكِيلِ بالنُّقْصَانِ ويُحْتَمَلُ (5) أنْ يَكُونَ بالخَيَارِ بينَ قَبُولِ العِوَضِ نَاقِصاً وبينَ أنْ يزدهُ ويَكُونُ لهُ الرَّجْعَةُ. فإنْ عَيَّنَ الزَّوْجُ العِوَضَ وقدرهُ فَخَالَفَ في ذلكَ فقالَ ابنُ حَامِدٍ: الخُلْعُ بَاطِلٌ (6) وقالَ أبو بَكرٍ: الخُلْعُ صَحِيحٌ (7) ورَجَعَ على الوَكِيلِ بِمَا بَيْنَ العِوَضَينِ مِنَ النَّقْصِ.
فإنْ كَانَتْ المُوَكِّلَةُ الزَّوْجَةُ فَخَالَعَهَا بِمَهْرِهَا فَما دُونَ صحَّ، وإنْ خَالَعَ بأكْثَرَ مِنْ مَهْرِهَا لم يُلْزِمْهَا إلاَّ مِقْدَارُ مَهْرِهَا المُسَمّى فإنْ لمْ يَكُنْ مُسَمَّى فَمَهْرُ المِثْلِ فإنْ خالَعَهَا على أكْثَرِ مِنْ مَهْرِهَا لَزِمَها مِقْدَارُ مَهْرِهَا فإنْ قدرت لهُ العِوَض فَخَلَعَهَا بأكثَرَ مِنهُ لَزِمَ الوَكيلَ قَدرُ الزِّيَادَةِ فإن اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ في الخُلْعِ فقالَ: خَلَعْتُكِ بألفٍ، فأنْكَرَتْ ذلكَ بَانَتْ والقوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِيْنِهَا في العِوَضِ، وكذلكَ إنْ قالَ: خَالَعْتُكِ بألْفٍ، فقالَتْ: بل خالعْتَ ضَرَّتِي، فإن قالَ: خالعْتُكِ على ألفٍ فقالَت: نَعَمْ إلاَّ أنَّها في ضَمَانِ زَيْدٍ، لَزِمَهَا الألِفُ، وإنْ قالَتْ: ما خَالَعْتَنِي وإنّمَا خَالَعْتَ غَيْرِي بألفٍ في ذِمَّتِهِ، فالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِيْنِهَا في العِوَضِ، فإن اخْتَلَفَا في قدرِ العِوَضِ أو في عَيْنِهِ أو في تَعْجِيلِهِ أو في تَأْجِيْلِهِ فالقَولُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا، وقالَ شَيْخُنَا: يَتَخَرَّجُ أنَّ القَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ (8)،
ويُحْتَملُ (9) أنْ يَتَخَالَفَا ويرجعُ إلى مَهْرِهَا المُسَمَّى، فإنْ لمْ يَكُنْ مُسَمَّى فمَهْرِ المِثْلِ فإذا عَلَّقَ طَلاَقَهَا بِصِفَةٍ ثمَّ خَلَعَهَا فَوُجِدَت الصِّفةُ ثم عَادَ فَتَزَوَّجَها فَوجِدَت الصِّفَةُ وَقَعَ الطَّلاقُ نَصَّ عليهِ (10).
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) في الأصل: الزوجين.
(3) انظر: الشرح الكبير 8/ 217، والإنصاف 8/ 415.
(4) تكررت في الأصل عبارة: ((ووقع طلاق غَيْر البالغة رجعياً ولا شيء عليها)).
(5) انظر: الهادي: 174، والمحرر في الفقه 2/ 49، والشرح الكبير 8/ 217.
(6) انظر: المقنع: 228، والهادي: 174، والشرح الكبير 8/ 225، والإنصاف 8/ 420.
(7) انظر: المقنع: 229، والهادي: 174، والشرح الكبير 8/ 225، والإنصاف 8/ 419.
(8) انظر: الإنصاف: 8/ 423.
(9) انظر: المقنع: 229، والهادي: 174، والمحرر في الفقه 2/ 49، والشرح الكبير 8/ 229، والإنصاف 8/ 422.
(10) انظر: المقنع: 229، والمغني 8/ 231، والإنصاف 8/ 422.(1/418)
ورُوِيَ عنهُ فيمنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِصِفَةٍ ثمَّ بَاعَهُ وَوجِدَت الصِّفَةُ ثمَّ اشْتَراهُ فَوُجِدَت الصِّفَةُ رِوَايَتَانِ (1)، إحْدَاهُمَا: إنَّهُ يعتقُ عَلَيْهِ، والثَّانِيَةُ: لا يعتق وتنحلُّ الصِّفَةُ، فإذا حَلَّ الصِّفَةَ في العِتْقِ مَع اسْتِحْبَابِهِ ونُفُوذِهِ / 282 ظ / حَتّى في مِلْكِ الغَيْرِ فأوْلَى أنْ يَكُونَ في الطَّلاقِ مِثل ذلكَ وهو اختِيارُ أَبِي الْحسنِ التَّمِيْمِيِّ (2)، فأمّا إن أبانها ولمْ تُوجد الصِّفَةُ وعاد فَتَزَوَّجَهَا عَادَت الصِّفَةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
كِتَابُ الطَّلاقِ
بَابُ مَنْ يَصِحُّ طَلاقُهُ ومَنْ لا يَصِحُّ طَلاقُهُ وما يَمْلِكُ مِنَ الطَّلاقِ
يَصِحُّ طَلاقُ الزَّوْجِ البَالِغِ العَاقِلِ المُخْتَارِ، فأمَّا غيرُ الزَّوْجِ فلا يَصِحُّ طَلاقُهُ مِنْ غَيرِ إذْنِ الزَّوْجِ إلا الأبُ إذا طَلَّقَ زَوْجَةَ ابْنِهِ الطِفْل، فَهَلْ يَقَعُ أمْ لاَ؟ على رِوَايَتَيْنِ. (3)
فإنْ تَزَوَّجَ تَزْوِيجاً مختلفاً في صِحَّتِهِ كالنِّكَاحِ بِلا وَلِيٍّ ولا شُهُودٍ أو بِوِلايَةِ فَاسِقٍ أو بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، أو نَكَحَ امْرَأةً في عِدِّةِ أُختِهَا أو نِكَاحِ الشِّغَارِ أو نِكَاحِ المُحَلَّلِ والنِّكَاحِ في الإحْرامِ، ثم طَلَّقَ يَقَعُ طَلاقُهُ نَصَّ عَليهِ (4) في النِّكَاحِ بِلا وَلِيٍّ وحَمَلَهُ أصْحَابُنَا على أنَّ طَلاقَهُ يَقَعُ وإن اعتقدَ فَسَادَ النِّكَاحِ، وعِنْدِي أنَّ كَلامَهُ مَحْمُولٌ على من اعتقدَ صِحَّة النِّكَاحِ إمَّا باجْتِهَادٍ أو بِتَقْلِيدٍ. فأمَّا إنِ اعْتَقَدَ أنَّهُ نِكاحٌ باطِلٌ فَطَلاقُهُ لا يَقَعُ.
وأمَّا الصَّبِيُّ العَاقِلُ فَيَصِحُّ طَلاقُهُ وعنهُ لا يَصِحُّ (5)، وأمَّا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فيهِ، كالمَجْنُونِ والمُبَرْسَمِ والمُغْمَى عَليهِ والنَائِمِ فلا يَصِحُّ طَلاقُهُ. ومَنْ زالَ عَقْلُهُ بِما لا يُعْذَرُ فيهِ كالسَّكْرَانِ ومَنْ شَرِبَ مَا يَزُولُ بهِ عَقْلُهُ لِغَيرِ حَاجَةٍ فَهَلْ يَصِحُّ طَلاقُهُ أم لا؟ على رِوَايَتَيْنِ (6). وكذلكَ يخرجُ في قَتْلِهِ وزِنَاهُ وسَرِقَتِهِ وقَذْفِهِ وظِهَارِهِ وإيْلائِهِ وما أشبَهَ ذلكَ.
وأمَّا المُكْرَهُ على الطَّلاقِ بِغَيرِ حَقٍّ فلا يَقَعُ طَلاقُهُ واخْتَلَفت الرِّوَايَةُ في صِفَةِ الإكْراهِ
__________
(1) انظر: المقنع: 229، الشرح الكبير 8/ 232.
(2) انظر: المقنع: 229.
(3) انظر: المغني: 8/ 257 - 258.
(4) الروايتين والوجهين 112/أ-ب، المقنع: 229، الإنصاف 8/ 443.
(5) انظر: المقنع: 229، المغني: 8/ 257 - 258.
(6) انظر: المقنع: 229، المحرر في الفقه 2/ 50، شرح الكبير 8/ 238، شرح الزركشي 3/ 347، الإنصاف 8/ 433.(1/419)
المَانِعِ مِنَ الوُقُوعِ فقالَ: في مَوْضِعٍ لا يكونُ مُكْرَهاً حَتّى يَنَالَ بِشَيءٍ مِنَ العَذَابِ كالضَّرْبِ والقَيْدِ والحَبْسِ، وقالَ في مَوْضِعٍ إذا هُدِّدَ بالضَّرْبِ والقَتْلِ وأخْذِ المَالِ مِمّنْ يقدرُ فَهُوَ إكْرَاهٌ وإذا وَكّلَ مَنْ يَصِحُّ طَلاقُهُ في الطَّلاقِ صَحَّ تَوكيله ولهُ أنْ يُطَلِّقَ مَتَى شاءَ ومَا شَاءَ إلاَّ أنْ يحدَّ في ذلكَ حَدّاً.
فإنْ وَكّلَ رَجُلَيْنِ في طَلاقِ زَوَجَتِهِ فَطَلَّقَ أحَدُهُمَا لم يَقَعِ طَلاقُهُ، إلاَّ أنْ يَجْعَلَ إليهِمَا الطَّلاقَ في حالِ الانْفَرَادِ، فإنْ طَلّقَ أحَدُهُمَا واحِدَةً والآخَرُ ثَلاثاً وَقَعَتْ وَاحِدَةً.
وإنْ قالَ لِزَوْجَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَكِ أو أمرُكِ بِيَدِكِ فقالت أنتَ طَالِقٌ لمْ يَقَعْ، ويُحْتَمَلُ (1) أنْ يَقَعَ إذا نَوَت طَلاقَ نَفْسِهَا منهُ فإنْ قالَ: / 283 و / طَلِّقِي ثَلاثاً فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً، وإنْ قالَ طَلِّقِي وَاحِدَةً فَطَلّقَتْ ثَلاثاً وَقَعَتْ وَاحِدَةً.
فإنْ قال: [أُخْرُجِي] (2) مِنَ الدَّارِ، وقال: هذا طَلاقُكِ، فقال ابن حامد (3): يَقَعُ نَوَاهُ أو لمْ يَنْوِهِ وَذَكَرَ شيخُنَا: أنّهُ مَنْصُوصُ أحْمدَ - رحِمَهُ اللهُ - وكذلكَ نَحَا على قِيَاسِهِ إذا أطْعَمَهَا وسَقَاهاَ وقال: هذا طَلاقُكِ وعِنْدِي أنّهُ إذا قالَ: نَوَيْتُ أنّ هذا يكونُ شَيئاً لِطَلاقِكِ، يُقْبَلُ مِنْهُ فيما بَيْنَهُ وبينَ اللهِ تَعَالَى، وهَذَا يقبلُ في الحُكْمِ على وَجهَينِ (4). أصَحُّهُمَا أنَّهُ يقبلُ، فإنْ كَتَبَ طَلاقَ زَوْجَتِهِ ونَوَى بهِ الطَّلاقَ وَقَعَ، رِوَايَة وَاحِدَة.
فإنْ قال: نَوَيتُ تَجْوِيدَ خَطِّي أو أنْ أغُمَّ أهْلِي قُبِلَ فيما بينهُ وبينَ اللهِ تَعالَى، وهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ على رِوايَتَينِ (5). قال: في رِوايَةِ أبِي طَالِبٍ إذا كَتَبَ ونَوَى الطَّلاقَ وَقَعَ، وإنْ أرادَ أنْ يعمَّ أهْلَهُ فَقَدْ عَملَ أيضاً في ذلك فَظَاهِرُهُ أنَهُ عملَ الطَّلاقَ أيضاً وقال في رِوَايَةِ إسْحَاقَ بنِ إبْرَاهِيمَ (6)، وقد سُئِلَ إذا كَتَبَ على وِسَادَةٍ فقال: قد اخْتَلَفُوا فيهِ، ولكنْ إذا كَتَبَ إلَيْهَا وقال: يومَ أكْتُبُ إلَيكِ بِطَلاقِكِ فأنْتِ طَالِقٌ فَيَومَ كَاتَبَهَا الكتاب تطلقُ، فلم يُوقِعِ الطَّلاقَ بِكِتَابَتِهِ وإنّمَا أوقَعَهُ بِشَرْطِهِ ولِهَذَا أوْقَعَهُ يَومَ كَاتَبَهَا الكِتابَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قد كَتَبَهُ قبلَ ذلكَ بِسَنَةٍ ولم يُوَقِّعْهُ وقد قالَ القَاضَي الشَّرِيفُ في " الإرشَادِ ": على روايتين (7)، وهذا صحيحٌ فإنَّ قَولَهُ أنتِ طَالِقٌ أصْرَحُ مِنَ الكِنَايَةِ.
وإذا نَوَى مِنْ وثاقِ فَفيهِ رِوَايَتَانِ (8)، فإنْ كَتَبَهُ بِشَيءٍ لا يَتَبَيّنُ، فقال أبو حَفْصٍ
__________
(1) انظر: الهادي: 178، الشرح الكبير 8/ 316.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) انظر: المغني 8/ 279، شرح الزركشي 3/ 375.
(4) انظر: المقنع: 231، الشرح الكبير 8/ 280، الإنصاف 8/ 468.
(5) انظر: المقنع: 231، المحرر في الفقه 2/ 54، الشرح الكبير 8/ 281، الإنصاف 8/ 472 - 473.
(6) انظر: المحرر في الفقه 2/ 54، الشرح الكبير 8/ 283.
(7) انظر: الإنصاف: 8/ 473.
(8) انظر: الشرح الكبير: 8/ 276.(1/420)
العُكْبُرِيُّ (1): يَقَعُ الطَّلاقُ، وظَاهِرُ كَلامِ أحمدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ لا يَقَعُ فإنْ نَوَى الطَّلاقَ بِقَلْبِهِ وأشَارَ بأصَابِعِهِ لمْ يَقَعْ، نَصَّ عليهِ (2) في رِوَايَةِ حَرْبٍ.
فَصْلٌ
فأمّا الكِنَايَاتُ فَعَلى ضرْبَينِ: ظَاهِرَةٌ وخَفِيَّةٌ.
فالظَّاهِرَةُ: أنتِ خَلِيّةٌ بَرِيّةٌ وبَائِنٌ وبتّةٌ وبتلَةٌ والْحَقِي بأهْلِكِ وأنْتِ الحرجُ وأنْتِ حُرَّةٌ وأنْتِ طَالِقٌ لا رَجْعَةَ لِي عَلَيكِ.
وأمّا الخَفِيّةُ فَنَحْو قَوْلِهِ: اخْرُجِي وتَجَرَّعِي وذُوقِي واذْهَبِي وأنتِ مُخلاةٌ وأنْتِ وَاحِدَةٌ واعْتَزِلِي واعْتَدِّي واستبرئي ونحو ذلكَ. واخْتُلِفَ في قَولِهِ في: حَبْلُكِ على غَارِبِكِ واذْهِبِي فَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْتِ وَحَلَلْتِ للأزْوَاجِ ولا سَبِيلَ لِي عليكِ ولا سُلْطَانَ لِي عَلَيكِ، فَرُوِيَ عنهُ أنّها ظَاهِرَةٌ، ورُوِيَ عنهُ أنَّها خَفِيّةٌ (3).
واخْتَلَفَ أصْحَابُنَا في الكِنَايَاتِ على طَرِيْقَيْنِ فقالَ شَيْخُنَا (4): / 284 ظ / إذا أتَى بالظَّاهِرَةِ فَهِيَ ثَلاثٌ وإنْ نَوَى وَاحِدَةً وإذا أتى بالخفية وقع ما نواه فإن لم ينو عدداً وقعت واحدة وقالَ ابنُ أبي مُوسَى في " الإرشادِ ": في الخفيةِ كَقَولِ شَيْخِنَا. وفي الظَّاهِرَةِ على رِوَايَتَينِ (5)، أصَحُّهُمَا: أنّها ثلاثٌ، والثَّانِيَةُ: يَرْجِعُ إلى مَا نَوَى وهو الأقْوَى عِنْدِي ونَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْهُ (6) إذَا طَلَّقَ امرأَتَهُ وَاحِدَةً الْبَتةَ كانَ أمْرَهَا بِيَدِهَا يَزِيْدُهَا في مَهْرِهَا إذا أرَادَ رَجْعَتَهَا، وظَاهِرُ هذَا أنَّهُ يَقَعُ بالكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ طَلْقَةً بَائِنَةً؛ لأنَّهُ جَعَل أمْرُهَا بِيَدِهَا وقالَ: يَزِيْدُهَا إن أرادَ رجعَتهَا يعني بالعَقْدِ ولَوْ وَقَعَ الثَّلاثُ لم تبحْ لهُ ولَو كَانَتْ رَجْعِيَّةً لم يَكُنْ أمْرُهَا بِيَدِهَا.
ومِنْ شَرْطِ وَقْعِ الطَّلاقِ بالكِنايَةِ أنْ يَنْوِيَ بِها الطَّلاقَ أو يَكُونَ جَوَاباً عَنْ سُؤَالِهَا الطّلاقَ، فإنْ عدمَ الشَّرْطَانِ ولكِنّهُ أتَى بِهَا في حَالِ الخُصُومَةِ والغَضَبِ فَعَلَى رِوَايَتَينِ، إحْدَاهُمَا: لا يَقَعُ بِها الطَّلاقُ نَصَّ عليهِ في رِوَايَةِ أبِي الحَارِثِ (7)، والثَّانِيَةُ: يَقَعُ الطَّلاقُ، نَصَّ عليهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وحَرْبٍ (8).
__________
(1) انظر: المقنع: 231، الهادي: 177، المحرر في الفقه 2/ 54، الشرح الكبير 8/ 283.
(2) انظر: الهادي: 177، الشرح الكبير 8/ 283.
(3) انظر: الإنصاف: 8/ 279 - 280.
(4) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 296، شرح الزركشي 3/ 360.
(5) انظر: المقنع: 232، شرح الزركشي 3/ 361.
(6) انظر: الشرح الكبير 8/ 248.
(7) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 268.
(8) الشرح الكبير 8/ 268.(1/421)
فإنْ قالَ: أمْرُكِ بِيَدِكِ، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي مِنْكَ ثَلاثاً، وَقَعَ الثَّلاثُ سَوَاءٌ نَوَى الثَّلاثَ أو وَاحِدَةً، ونَقَلَ عنهُ (1) مُهَنَّا: إذا قال: طَلِّقِي نَفْسَكِ، تَرْجِعُ إلى بَيْتِهِ. وكذلكَ يخرجُ في قَوْلِهِ: إذا قالَ: أمْرُكِ بِيَدِكِ، فإنْ قالَ: اخْتَارِي، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلاثاً أو قَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَتِ الثَّلاثَةَ لم يَقَعْ، إلاّ أنْ يكونَ الزَّوْجُ قد نَوَى الثَّلاثَ، فإنْ قالَ: أمْرُكِ بِيَدِكِ أو اخْتَارِي اليَومَ وغَداً أو بَعْدَ غَدٍ فَرَدَّت الأمْرَ أو الخَيَارَ في اليَومِ الأوَّلِ لم يَكُنْ لَهَا أنْ تُطَلَّقَ، أو يَخْتَار بَعْدَ ذلكَ ولَفْظُةُ الخَيارِ، وأمْرُكِ بِيَدِكِ كِنَايَةً في حَقِّ الزَّوْجِ تَفْتَقِرُ إلى بَيّنةٍ، أو أنْ يكونَ جَواباً عَن سُؤَالِهَا الطَّلاقَ، وهُوَ كِنَايَةٌ في حَقِّ الزَّوْجَةِ إنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الكِنَايَةِ كَقَوْلِهَا: اخْتَرْتُ نَفْسِي ولا تَدْخُل عَلَيَّ وما أشبه ذلكَ، فَيَفْتَقِرُ إلى نِيَّتِهَا، فأمّا إنْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي مِنْكَ، وَقَعَ الطَّلاقُ مِنْ غَيرِ نيّةٍ، ولِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ في ذلكَ قَبْلَ أنْ تَخْتَارِ فإن اختلفا فقال رجعت قبل أن تختاري فَقَالَتْ: بَلْ بَعْدَ اخْتِيَاري نَفْسِي، فالْقَولُ قَوْلُهُ.
وإنْ قال لَها: ما نَوَيْتِ الطَّلاقَ حتى اخْتَرْتِ، فقالَتْ: بلْ نَوَيْتُ، فالْقَوْلُ قَوْلُهَا، فإنْ قالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فقالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَتْ وَقَعَ /285 و/ الطَّلاقُ (2)، ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَقَعَ (3) حتّى يَأتِي بِصَرِيحِ الطَّلاقِ.
فإنْ قالَ لَها: كُلِي واشْرِبِي واقْعُدِي وبَارَكَ اللهُ عَلَيكِ وأنتِ مَلِيحَةٌ أو قَبِيحَةٌ، يَنوِي بِها الطَّلاقَ لم يَقَعْ.
فإنْ قالَ: أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، يَنْوي به الطَّلاقَ لمْ يَقَعِ الطَّلاقُ.
فإنْ قالَ: أنتِ عَلَيَّ حَرامٌ، ويَنْوِي الطَّلاقَ لمْ يَقَعْ، كانَ ظِهاراً في المَشْهُورِ مِنَ المَذْهَبِ، وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ (4)، وعنه: أنَّهُ طَلاقُ ثَلاثٍ، وعنهُ: أنَّهُ يَمِينٌ (5).
فإنْ قالَ: ما أحَلَّ اللهُ عَلَيّ حَرَامٍ، أعْنِي بهِ الطَّلاقَ، وَقَعَ بِهَا ثلاثاً، وإنْ قَالَ: أعْنِي بِهِ طَلاقاً، وَقَعَ بِهَا وَاحِدَةً نَصَّ عليهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وحَرْبٍ (6) ونَقَلَ عنهُ (7) فِيْمَنْ قالَ
__________
(1) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 249، شرح الزركشي 3/ 363، الإنصاف 8/ 491.
(2) الشرح الكبير 8/ 316. ذكر المرداوي هذا هو المذهب وجزم به في الوجيز وغيره. الإنصاف 8/ 495.
(3) الشرح الكبير 8/ 316. قال المرداوي: وهو لأبي الخطاب ووجه اختاره بعض الأصحاب وغيرهم وأطلقهما في الفروع والرعايتين والحاوي. انظر: الإنصاف 8/ 495.
(4) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 299، الإنصاف 8/ 486.
(5) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 300، الإنصاف 8/ 486.
(6) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 302.
(7) انظر: المقنع: 232، المغني 8/ 303.(1/422)
لِزَوْجَتِهِ: أنْتِ الطَلاق، أنّهُ يَقَعُ بهِ ما نَوَى، ونَقَلَ عنهُ النَّيْسَابُورِيُّ: إذا قالَ: أنْتِ حَرَامٌ أريدُ بِها الطَّلاقَ، لا أذهَبُ إلى أنَّهَا تطلقُ ويُكَفِّرُ كَفّارَةَ ظِهَارٍ.
فإنْ قالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ والدَّمِ، فإنْ نَوَى بهِ الطَّلاقَ كانَ طَلاقاً، وإنْ نَوَى بهِ الظِّهَارَ كانَ ظِهاراً، وإنْ نَوَى اليَمِينَ كانَ يَمِيناً، وإنْ لمْ يَنْوِ شَيئاً احتَمَلَ وَجْهَينِ (1)، أحَدُهُما: يَكُونُ يَمِيناً، والثَّانِي يَكُونُ ظِهاراً.
فإن قالَ: أنتِ طَالِقٌ، ونوَى ثَلاثاً وَقَعَ ما نَوَاهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ، وفي الأُخْرَى: تَقَعُ طَلقَة (2)، فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ وَاحِدةً ونَوَى الثَّلاثَ فَعَلَى الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ: يَقَعُ ما نَوَى، هَلْ يَقَعُ هاهنا ثَلاثاً؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَينِ، أحَدُهُمَا: أنَّهُ كِنَايَةٌ في الطَّلاقِ، والثَّانِي: لا يَقَعُ بهِ (3) شَيءٌ.
فإنْ قالَ أنا مِنْكِ بَائنٌ أو أنا مِنكِ، فقدْ تَوَقَّفَ أحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- وقالَ أصْحَابُنَا: يَحْتَمِلُ وَجْهَينِ، اَحدُهُمَا: أنَّهُ كِنايَةٌ في الطَّلاقِ، والثَّانِي: لا يَقَعُ بهِ (4) شَيءٌ.
فإنْ قالَ: أنَا مِنْكِ طَالِقٌ فقالَ ابن حَامِدٍ: لا يَقَعُ بهِ طَلاقٌ وإنْ نَوَى، ويَحْتَمِلُ (5) أنْ يكونَ كِنَايَةً كَقَوْلِهِ: أنَا مِنْكِ بائِنٌ. فإنْ قال: لَسْتِ لِي بامرأَةٍ، فَهُوَ كِنَايةٌ نَصَّ عليهِ (6)، وكَذلِكَ إذا قَيلَ: أَلَكَ امْرأَةٌ، فَقَالَ: لا، ونوى الطَّلاقَ وَقَعَ. فإنْ نَوَى لِلْكَذِبِ لم يَقَعْ.
فإنْ قِيلَ له: طَلَّقْتَ زَوْجَتَكَ، فقالَ: نَعَمْ، أو قيلَ له ألك زوجة فقال طلقتها طلقت وإن نوى به الكذب فإن قيل له: خَليتَ أمرَأتَكَ، فقال: نَعَمْ، كان كِنايَةً في الطَّلاقِ.
فإنْ قالَ: قدْ حلفْتُ بالطَّلاقِ، وكَذَبَ فإنّهُ يُلْزِمُهُ إقْرَارُهُ في الحُكْمِ ولا يُلْزِمُهُ فِيْمَا بَيْنَهُ وبَينَ اللهِ تَعَالَى، فإنْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لأهْلِكِ، ونَوى الطَّلاقَ فَقَالُوا: قَبِلْنَا، وَقَعَتْ طلْقَةٌ، وإنْ ردُّوا لَمْ يَقَعْ شَيءٌ ورَوَى / 286 ظ / عنهُ ابنُ مَنْصُورٍ (7) إنْ قبلُوهَا فَثَلاثٌ، وإنْ ردُّوهَا فَوَاحِدَةٌ، وكذلكَ إنْ قالَ: وَهَبْتُكِ لِنَفْسِكِ، فإنْ ضَرَبَهَا أو قَبَّلَها أو أطْعَمَها أو أسْقَاها أو ألْبَسَها ثَوباً وقالَ: هذا طَلاقُكِ ونَوَى بهِ الطَّلاقَ، أو كان جَواباً عن سُؤَالِهَا الطَّلاقَ وَقَعَ بِهَا الطَّلاقُ.
__________
(1) انظر: المقنع: 232، الشرح الكبير 8/ 304، الإنصاف 8/ 490.
(2) انظر: الشرح الكبير 8/ 325، الزركشي 3/ 273.
(3) انظر: شرح الزركشي 3/ 375.
(4) انظر: المغني 8/ 279.
(5) انظر: المغني 8/ 299.
(6) انظر: المغني 8/ 284، شرح الزركشي 3/ 361.
(7) انظر: المقنع: 233، الشرح الكبير 8/ 317، الإنصاف 8/ 497.(1/423)
بَابُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلاَقِ
إذا قالَ لِزَوْجَتِهِ الّتِي دَخَلَ بِها: أنْتِ طَالِقٌ أنتِ طَالِقٌ أنتِ طَالِقٌ، فإنْ نَوَى العَدَدَ وَقَعَ بهِ الطَّلاقُ الثّلاثُ. وإنْ نَوَى إفْهَامَهَا أو التَّأكِيدَ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ، فإنْ لمْ يَنْوِ شَيئاً وَقَعَ الثَّلاثُ.
وإنْ كانَ ذلكَ قبل أنْ يَدْخُلَ بِها لمْ يَقَعْ بِها إلاّ طَلْقَة وَاحِدَة.
فإنْ قالَ لَهَا: أنتِ طَالِقٌ وطَالِقٌ وطَالِقٌ وَقَعَتْ بِها الثَّلاثُ سَواء كانَتْ مَدْخُولاً بِها أو غَيرَ مَدْخُولٍ.
فإنْ قال: أنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ أو أنْتِ طَالِقٌ ثمَّ طَالِقٌ أو أنْتِ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ، وَقَعَتْ بالمَدْخُولِ بِها طَلقَتَانِ، وبِغَيرِ المَدْخُولِ بِهَا طَلْقَةٌ.
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بل طَلقَتَينِ، وَقْعَ بِها طَلْقَتَانِ.
فإنْ كانَ لهُ امرَأتَانِ فَقَالَ لإحْدَاهُمَا: أنْتِ طَالِقٌ هكذا (1)؛ وأشَارَ بِأصَابِعِهِ الثَّلاث وَقَعَ بِهَا ثَلاثاً.
فإنْ قَالَ: أرَدْتُ تعَدُّدَ الإصْبَعَينِ المَقْبُوضَتَينِ قبل منهُ.
فإنْ قالَ: أنتِ طَالِقٌ طَلقةً مَعَها طَلْقَةٌ أو مَعَ طَلْقَةٍ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ.
فإنْ قالَ لِمَدْخُولٍ بِها: أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قبلَهَا طَلْقَةٌ وبَعْدَهَا طَلْقَةٌ، وَقَعَ بِهَا ثَلاثاً.
فإنْ قالَ لَها: أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَها طَلْقَةٌ، وادّعَى أنه أرَادَ قَبْلَهَا طَلْقَةً في نِكَاحٍ آخَر وَزَوْجٍ آخر. قبلَ فِيمَا بَينَهُ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى وهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ على ثَلاَثَةِ أوْجُهٍ: أحَدُهَا: يُقْبَلُ، والثَّانِي: لا يُقْبَلُ، والثَّالِثُ: إنْ كانَ قد وُجِدَ ذلكَ مِنهُ قُبِلَ وإلاّ لَمْ يُقْبَلْ.
فإنْ قالَ لِغَيْرِ مَدَخُولٍ بِها: أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَ طَلقَةٍ، وَقَعَ بِهَا وَاحِدةٌ. فإنْ قال: قَبْلَهَا طَلْقَةٌ، وَقَعَتْ بِها طَلْقَتَانِ، وقالَ شَيْخُنَا: لا تَقَعُ إلا طَلْقَةً.
فإنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أنْتِ طَالِقَةٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلى ثَلاثٍ وَقَعَ بِهَا طَلْقَتَانِ، وعنهُ: أنَّهُ تَقَعُ ثَلاثاً (2).
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ طَلقَةً في طَلْقَتَينِ، فإنْ نَوَى طَلْقَةً مَقْرُونَةً بِطَلْقَتَينِ طُلِّقَتْ ثَلاثاً، وإنْ نَوَى مُوجِبَةً عندَ أهْلِ الحِسابٍ وهُوَ لا يَعْرِفُ الحِسابَ فقال ابن حَامِدٍ (3): تَقَعُ طَلْقَتَانِ / 287 و /، وقال شَيْخُنَا: تَقَعُ طَلقَةٌ. فإنْ كانَ عَارِفاً بالحِسَابِ ونَوَى مُوجبَهُ عِنْدَهُمْ، وَقَعَ بِهَا الطَّلْقَتَانِ وإنْ لَمْ يَنْوِ فقالَ أبو بَكْرٍ: تَقَعُ بِهِ الطَّلْقَتَانِ، ويُحْتَمَلُ (4) أنْ لا تَقَعَ إلاّ طَلْقَةٌ.
__________
(1) في الأصل: ((هاكذا)).
(2) انظر: المقنع: 233.
(3) انظر: المقنع: 233، الهادي: 179، الشرح الكبير 8/ 339.
(4) انظر: المقنع: 233 - 234، الهادي: 179، الشرح الكبير 8/ 333.(1/424)
فإنْ قالَ: أنتِ طَالِقٌ نِصْفُ طَلقَةٍ أو نِصْفُ طَلْقَتَيْنِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ. فإنْ قالَ: نِصْفَي طَلْقَتَينِ، وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ. فإنْ قالَ: ثَلاثَةُ أنصَافِ طَلْقَتَينِ، وَقَعَتْ ثَلاثاً ويُحْتَمَلُ أنْ تَقَعَ طَلْقَتَانِ (1).
فإنْ قالَ: نِصْفُ طَلْقَةٍ ثُلُثُ طَلْقَةٍ سُدُسَ طَلْقَةٍ، وَقَعَتْ طَلقَةٌ. فإنْ قَالَ: نِصْفُ طَلْقَةٍ وثُلُثُ طَلقَةٍ وسُدُسُ طَلقَةٍ، وَقَعَتْ ثَلاثاً. فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ نِصْفُ وثُلُثُ وسُدُسُ طَلْقَةٍ، فقالَ أبُو بَكْرٍ: تَقَعُ طَلْقَةٌ، فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ ثَلاثَةُ أنْصَافِ طَلْقَةٍ، وَقَعَ طَلْقَتَانِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَقَعَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ.
فإنْ قالَ لأرْبَعِ نِسْوَةٍ: أوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أو طَلْقَتِينِ أو ثَلاثَ أو أرْبَعَ طَلَقَاتٍ، وَقَعَ لِكُلِّ امَرَأةٍ طَلْقَةٌ. فإنْ قالَ: أوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ خَمْسَ طَلَقَاتٍ، وَقَعَتْ بِكُلِّ امْرَأةٍ طَلْقَتَانِ، وروَى عنهُ الكَوْسَجُ إذا قَالَ: أوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ، ما أرَى إلاّ قَدْ بِنَّ منهُ وظَاهِرُهُ أنَّهُ أوْقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلاثاً، وكذلِكَ إذا قالَ: بَيْنَكُنَّ طَلْقَتَانِ يَقَعُ على كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَانِ وهو اخْتِيارُ شَيْخِنَا (2).
فإنْ كَانَ لهُ أرْبَعُ نِسْوَةٍ فقالَ: زَوْجَتُهُ طَالِقٌ، وَقَعَ على كُلِّ امرَأَةٍ طَلْقَةٌ، وكذلِكَ إذَا قَالَ: أمَتِي حُرَّةٌ، ولهُ إمَاءٌ يُعْتَقْنَ كُلُّهُنَّ (3).
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ كَألْفٍ، وَقَعَ ثَلاثاً ولمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: نَوَيْتُ وَاحِدَةً، وكَذَلِكَ إنْ قَالَ: بِعَدَدِ الرِّيْحِ أو المَاءِ أو التُّرَابِ وَقَعَ بِهَا ثَلاثاً. فإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ مِلءُ الدُّنِيا أطْوَلُ الطَّلاقِ أو أعْرَضُهُ أو أشَدُّ الطَّلاقِ أو أغْلَظُهُ، وَقَعَ طَلْقَةً إلاّ أنْ يَنويَ الثَّلاثَ (4). فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ أكْثَرُ الطَّلاقِ أو كُلُّ الطّلاقِ أو جَمِيْعُهُ أو مُنْتَهَاهُ، وَقَعَ بِهَا الطَّلاقُ الثَّلاثَ.
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ أو لا، لم يَقَعْ بِها الطَّلاقُ (5)، وكذلِكَ إنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ أو لا، فَالْحُكْمُ كالّتِي قَبلَهَا (6) ويُحْتَمَلُ أنْ يَقَعَ طَلْقَةً (7).
__________
(1) انظر: المقنع: 234، الهادي: 179، الشرح الكبير 8/ 333، شرح الزركشي 3/ 385.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 131/ب.
(3) وفي المسألة رواية أخرى أن طلاقه يقع بالتي نواها لا غير. انظر: الروايتين والوجهين 136/ب. أما إذا لم ينو ففيه روايتان أشهرهما عن أحمد وعليها عامة الأصحاب أنه يقرع بينهما. انظر: مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانيء 1/ 229. والرواية الثانية: يرجع إِلَى تعيينه. انظر:: شرح الزركشي 3/ 380.
(4) انظر: حلية العلماء 7/ 74.
(5) وهو الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. انظر:: الإنصاف 8/ 471.
(6) وهو أحد الوجهين.
(7) انظر: المقنع: 234، الشرح الكبير 8/ 327.(1/425)
فإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ لَيسَ بِشَيءٍ، أو أنْتِ طَالِقٌ ولا شَيءَ أو طَالِقٌ طَلْقَةً لا تَقَعُ عَليكِ، طُلِّقَتْ.
فإنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَدُكِ أو رِجْلُكِ أو إصْبَعُكِ أو رُبُعُكِ أو جُزءٌ مِنكِ طالِقٌ، طُلِّقَتْ. فإنْ قالَ: شَعْرُكِ أو سِنُّكِ أو ظُفُرُكِ طَالِقٌ، لم تُطَلَّقْ (1) نصَّ عليهِ ويُحْتَمَلُ أنْ تُطَلَّقَ كَمَا لو أضَافَهُ إلى رُوحِهَا ودَمِهَا وقالَ / 288ظ / أبو بَكْرٍ (2): إذا قالَ: زَوْجُكِ طَالِقٌ، لم تُطَلَّقْ، فإنْ أضَافَهُ إلَى الرِّيقِ والدَّمْعِ والعرف لم يَقَعْ.
فإنْ لَقِيَ امْرَأةً فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ فَقَالَ: فُلانَةٌ أنْتِ طَالِقٌ، فإذَا هِيَ أجْنَبِيّةٌ طُلِّقَتْ زَوْجَتُهُ (3).
فإنْ قَالَ العَجَمِيُّ: بهشتم (4) بسيار، وَقَعَ ما نَوَاهُ (5). فإنْ قَالَ العَرَبِيُّ ولم تَفْهَمْ مَعْنَاهُ لمْ يَقَعْ. فإنْ نَوَى مُقْتَضَاهُ عندَ العَجَمِ وَقَعَ (6) وقيلَ لا يَقَعُ (7).
بَابُ الاسْتِثْنَاءِ في الطَّلاَقِ
اسْتِثْنَاءُ الكُلِّ مِنَ الكُلِّ أو الأكْثَرِ مِنَ الكُلِّ لا يَصِحُّ. فإذا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أنْتِ طَالقٌ ثَلاثاً إلاَّ ثَلاثاً إلا اثنَتَينِ وَقَعَ بِها ثَلاثاً. فإنْ قالَ: ثَلاثاً إلاّ وَاحِدَةً، صَحَّ الاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ بِهَا طَلْقَتَانِ. وقالَ أبُو بَكْرٍ (8): لا يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ في الطَّلاقِ ويَقَعُ الثلاثُ والتَّفْرِيعُ على الأوّلِ، فإنْ قالَ أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَينِ إلا طَلْقَةً، احْتَمَلَ وَجْهَينِ، أحَدُهُمَا: يَصِحُّ فَيَقَعُ طَلْقَةً، والثَّانِي لا يَصِحُّ فَتَقَعُ طَلْقَتَانِ (9).
فإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَينِ وَوَاحِدَةً إلا وَاحِدَةً، وَقَعَ الثَّلاثُ ويُحْتَمَلُ أنْ يَقَعَ الثَّلاثُ، واحتملَ أنْ تَقَعَ طَلْقَتَانِ (10). فإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ اثنَتَينِ إلاَّ وَاحِدَةً وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ. فإنْ
__________
(1) لأن الشعر والظفر يزولان ويخرج غيرهما وليس هما كالأعضاء الثابتة.
(2) انظر: المقنع: 234، والشرح الكبير 8/ 238.
(3) لأنه إذا عدمت الإشارة تعلق الكلام بالنية وقد نص أحمد على هذا فيي رواية مهنا. انظر: الروايتين والوجهين 137/أ.
(4) بكسر الباء والهاء وسكون الشين وفتح التاء ومعناها خليتك وهذه اللفظة كناية. انظر: الشرح الكبير 8/ 284.
(5) لأن الكلام بالفارسية ليس له حد مثل كلام العربي.
(6) لأنه أتى بالطلاق ناوياً مقتضاه فوقع كما لو علمه.
(7) لأنه لا يتحقق اختياره لما لا يعلمه فأشبه مالو نطق بكلمة الكفر فإنه لا يعرف معناها. انظر: الشرح الكبير 8/ 284.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 136/ب.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 136/ب.
(10) انظر: المقنع: 235، والشرح الكبير 8/ 351.(1/426)
قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ خَمْساً إلاّ ثَلاثاً، وَقَعَ ثَلاثاً.
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً إلا رُبُعَ طَلْقَةٍ، وَقَعَ ثَلاثاً. فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَينِ ونِصْفَ طَلْقَةٍ إلاَّ طَلْقَةً، وَقَعَ به طَلْقَتَانِ، وقالَ شَيْخُنا: تُطَلَّقُ ثَلاثاً. فإنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وطَالِقٌ إلاّ طَلْقَةً، طُلِّقَتْ ثَلاثاً. وإنْ قالَ: أرَدْتُ اسْتِثْنَاءَ الوَاحِدِ مِنْ جَمِيْعِ الثُّلُثِ فَهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ على وَجْهَينِ.
فإنْ قَالَ: نَسَاؤُهُ طَوَالِقٌ واسْتَثْنَى بِقَلبِهِ إلا فُلانَةً، فَهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ على وَجْهَينِ. وإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً، ثُمَّ قالَ: اسْتَثْنَيْتُ وَاحِدَةً لمْ يُقْبَلْ في الحُكْمِ.
بَابُ تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالشُّرُوْطِ وكَذَلِكَ في الحُكْمِ
وهُوَ يَشْتَمِلُ على عَشرَةِ فُصُولٍ:
الأوَّلُ: تَصِحُّ بِتَعْليِقِ الطَّلاقِ بالشُّرُوطِ إذَا وَجَدَ ذَلِكَ مِنِ الزَّوْجِ، وكَذَلِكَ العِتَاقُ إذَا وُجِدَ مِنَ السَّيِّدِ. فأمّا إنْ وُجِدَ مِنَ الأجْنَبِيِّ فقالَ: إنْ تَزَوَّجْتُ فُلانَةَ أو تَزَوَّجْتُ بامْرَأةٍ فَهِيَ طَالِقٌ، فالْمَشْهُورُ عَنْهُ إنّهُ إذَا تَزَوَّجَ لمْ تُطَلَّقْ. ونَقَلَ ما يَدُلُّ على أنَّهَا تُطَلَّقُ. فإنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيكِ بِفُلانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فإنْ / 289و / تَزَوَّجَ بِها طُلِّقَتْ، وكذلِكَ نُقِلَ عنهُ إذَا قال لأمَتِهِ عَقيبَ عِتْقِهَا: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فأنْتِ طَالِقٌ، فإنّها تُطَلَّقُ إذا تَزَوّجَها قالَ بَعْضُ أصْحَابِنَا: هَذَا خَاصٌّ فِيْمَنْ كانَ لهُ عَلَيْهَا مِلْكٌ، والظَّاهِرُ خِلافُ هَذَا.
فأمّا العِتَاقُ فالمَشْهُورُ أنَّهُ إذا قالَ السَّيِّدُ: إنْ مَلَكْتُ فُلاناً فَهُوَ حُرٌّ، أنَّهُ إذا مَلَكَهُ عُتِقَ، ونقلَ عنهُ: إنَّهُ لا يُعْتَقُ. ولا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أنَّهُ إذا قالَ لأجْنَبِيَّةٍ: إنْ دَخَلْتِ دَارِي فأنْتِ طَالِقٌ ثمَّ تَزَوَّجَهَا ودَخَلتْ، إنَها لا تُطَلَّقُ. وكَذلِكَ في العِتْقِ.
وإذَا عُلِّقَ الطَّلاقُ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُسْتَحِيلٍ كَمَجِيءِ المَطَرِ وقُدُومِ زَيدٍ وطُلُوع الشَّمْسِ وما أشْبَهَ ذلكَ وَقَعَ الطَّلاقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وإنْ عُدِمَ لم يَقَعْ. فإنْ قالَ: عَجَّلْتُ ما كُنْتُ عَلَّقْتُهُ، لمْ تُطَلَّقْ حتّى يُوْجَدَ الشَّرْطُ فَتُطَلَّق.
فإنْ قالَ: إنْ قُمْتِ فأنْتِ طَالِقٌ، ثم قال: سَبَقَ لِسَانِي بالشَّرْطِ وإنَّمَا أرَدتُ أنْ يَقَعَ الطَّلاقُ في الحَالِ، طُلِّقَتْ في الحَالِ.
فإنْ قالَ: أنْتِ طَالِقٌ، ثم قالَ: أرَدْتُ إنْ كَلَّمْتِ زَيْداً أو دَخَلْتِ الدار دِيْنَ، وهَلْ تُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ على وَجْهَينِ (1).
فإنْ عَلّقَ الطَّلاقَ بِشُرُوطٍ مُسْتَحِيلَةٍ فقالَ: أنتِ طَالِقٌ لأشْرَبَنَّ هذا المَاءَ في هذا الكُوزِ - ولا ماءَ فيهِ -، أو: لآكُلَنَّ الخُبْزَ الذي في هذا الصُّنْدُوقِ - ولا خُبزَ فيهِ -، لَغَى
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 130/ب.(1/427)
شَرطَهُ وَوَقَعَ الطَّلاقُ في الحَالِ، وقالَ شَيْخُنَا (1): لا يَقَعُ بهِ الطَّلاقُ كَمَا لَو حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أو لَيَطِيْرَنَّ فإنَّهُ لا يَحْنَث. فإنْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلاناً المَيِّتِ فَهُوَ على ما تَقَدَّمَ مِنَ الوَجْهَيْنِ. (2)
فإنْ حَلَفَ لا يَرْكَبُ دَابّةً هو رَاكِبُهَا أو لا يَلْبَسُ ثَوباً هو لاَبِسُهُ فاسْتَدَامَ ذلكَ حَنَثَ. فإنْ حَلَفَ لا يَتَزوَّجُ وهُوَ مُتَزوِّجٌ، أو لا يَتَطَيَّبُ وهُوَ مُتَطيِّبٌ، أو لا يَتَطَهّرُ وهو مُتَطهِّرٌ فاسْتَدامَ ذلكَ لم يَحْنَثُ. فإنْ حَلَفَ لا يَدْخُلُ دَاراً وهُوَ دَاخِلُهَا فاسْتَدامَ الجُلُوسَ فيها فقالَ أحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: أخافُ أنْ يَكونَ قدْ حَنَثَ وهَذَا مَحْمُولٌ على أنَّهُ قَصَدَ الامْتِنَاعَ مِنَ الكَونِ في دَاخِلِهَا وإلاَّ فَلا يَحْنَثُ عِنْدِي حَتّى يَبتَدِئَ الدُّخُولَ، وقالَ شَيْخُنَا (3): يَحْنَثُ وإنْ لمْ يَقْصِدْ.
فإنْ حلَفَ ألاَّ يَفْعَلَ شيئاً ففعَلَهُ نَاسِياً لمْ يَحْنَثْ (4)، وعنْهُ: إنَّهُ يَحْنَثُ (5) وعنهُ لا يَحْنَثُ في اليَمِينِ المُكَفّرةِ ويَحْنَثُ في الطَّلاقِ والعِتَاقِ (6)، وإذا حَلَفَ لا يَفْعَلُ شيئاً فَوَكَّلَ غَيْرَهُ في فِعْلِهِ حَنَثَ وكانَ في حُكْمِ فِعْلِهِ.
فَصْلٌ ثَانٍ فِي تَعْلِيْقِ /290 ظ/ الطَّلاَقِ والعِتَاقِ بِوَقْتِ المُسْتَقْبَلِ
إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَداً، أو في شَهْرِ كَذَا، أو إِذَا جَاءَ يَوْمُ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلَقَتْ بأَوَّلِ جُزْءٍ ويُؤْخَذُ مِنَ الغَدِ والشَّهْرِ واليَومِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في هَذَا اليَوْمِ، أو في هَذَا الشَّهْرِ طَلَقَتْ في الحَالِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ في آخِرِ الشَّهْرِ دِيْنَ، وهَلْ يُقْبَلُ؟ في اخْتِيَارِي ثَلاَثُ تَطْلِيْقَاتٍ مَا شِئْتَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ الثَّلاَثِ بَلْ تَخْتَارُ طَلْقَةً أو طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا عَقِيبَ قَولِهِ ثُمَّ طُلِّقَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلاَقُ ما دامَا في المَجْلِسِ ولَمْ يَتَشَاغَلاَ بِعَمَلٍ يَقْطَعُ حُكْمَهُ، فَإِنْ تَفَرَّقَا ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا احْتَمَلَ أنْ يَقَعَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (7) في قَوْلِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، واحْتَمَلَ أَنْ لاَ يَقَعَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (8) في اخْتِيارِي نَفْسِكِ، وقدْ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 8/ 448.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 132/ب.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 133/أ، والشرح الكبير 8/ 450.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 133/أ، والشرح الكبير 8/ 445.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 133/أ، والشرح الكبير 8/ 445.
(6) به قال الخرقي - رحمه الله - وأبو بكر الخلال وصاحبه.
انظر: الروايتين والوجهين 133/أ-ب، والشرح الكبير 8/ 445.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 131/أ، والشرح الكبير 8/ 306.
(8) انظر: المصادر السابقة.(1/428)
فَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَهُمَا وجَعَلُوا مَسْأَلَةَ الخِيَارِ مَقْصُورَةً عَلَى المَجْلِسِ، وأَمْرُكِ بِيَدِكِ عَلَى التَّرَاخِي، وعِنْدِي: أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَيُنْقَلُ لَفْظُهُ في مَسْأَلَةٍ إِلَى الأُخْرَى فَيَكُونُ في المَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَانِ (1) كَمَا سَوَّيْنا بَيْنَهُمَا في أَنَّهُ إِذَا رَجَعَ فِيْهِمَا أو وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ أو يَخْتَارَ نَفْسَهَا أَنَّهُ يَصِحُّ رُجُوعُهُ.
فَإِنْ لَمْ يَرِدْ لَفْظُهُ بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ إِلاَّ في قَوْلِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، ويَمْلِكُ الحُرُّ ثَلاَثَ تَطْلِيْقَاتٍ، ويَمْلِكُ العَبْدُ تَطْلِيْقَتَيْنِ سَواءٌ كَانَ تَحْتَهُمَا حُرٌّ أو أَمَةٌ. ونَقَلَ عَنْهُ مُهَنَّا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الاعْتِبَارَ في الطَّلاَقِ بالنِّسَاءِ فَيَمْلِكُ زَوْجُ الأَمَةِ تَطْلِيْقَتَيْنِ وإِنْ كَانَ حُرّاً، وزَوْجُ الحُرَّةِ ثَلاَثاً وإِنْ كَانَ عَبْداً.
بَابُ سُنَّةِ الطَّلاَقِ (2) وبِدْعَتِهِ
الطَّلاَقُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3)، وفي الأُخْرَى: هوَ مُحَرَّمٌ. فَأَمَّا مَعَ الحَاجَةِ فَيَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:
وَاجِبٌ: وهوَ طَّلاَقُ المَوْلَى بَعْدَ التَّرَبُّصِ، وإِذَا أَقَامَ عَلَى الإِيْلاَءِ، وطَلاَقُ الحَكَمَيْنِ لأَجْلِ الشَّقَاقِ إِذَا رَأَيَا ذَلِكَ.
ومُسْتَحَبٌّ: وهوَ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقِيْمَ بِحَقِّ صَاحِبِهِ.
ومُبَاحٌ: وهوَ إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ لاَ تُطَاوُعُهُ فِيْمَا يَحِبُّ لَهُ عَلَيْهَا.
والسُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ الطَّلاَقَ مِنْ وَجْهَيْنِ (4):
أَحَدُهُمَا: مِنْ حَيْثُ العَدَدُ، وهوَ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً، فَإِنْ طَلَّقَ ثَلاَثاً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أو في ثَلاَثَةِ أَظْهارٍ، فَقَدَ فَعَلَ مُحَرَّماً في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وهيَ اخْتَيَارُ أَبِي بَكْرٍ وشَيْخِنَا، وفي الأُخْرَى: قَدْ تَرَكَ الأَفْضَلَ، وهوَ مُبَاحٌ، اخْتَارَهَا الخِرَقِيُّ وتَقَعُ الثَّلاَثُ /291 و/ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، والثَّانِي مِنْ حَيْثُ الوَقْتُ (5) وهوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا في طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيْهِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيْهِ أو في حَالِ حَيْضِهَا كَانَ مُحَرَّماً ووقَعَ واسْتُحِبَّ لَهُ ارْتِجَاعُهَا إِنْ كَانَ الطَّلاَقُ رَجْعِيّاً.
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 131/ ب.
(2) طلاق السنة: وهو الذي وافق أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله، والسنة في الطلاق أن يطلقها في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها.
انظر: الشرح الكبير 8/ 251، ومجموع الفتاوي 33/ 41.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 131/أ.
(4) انظر: الشرح الكبير 8/ 256، وشرح الزركشي 3/ 340.
(5) انظر: الشرح الكبير 8/ 250، وشرح الزركشي 3/ 345.(1/429)
وَحَكَى ابنُ أَبِي مُوْسَى رِوَايَةً أَنَّهُ يُحِبُّ الارْتِجَاعَ إِذَا طَلَّقَ في الحَيْضِ وكبر عَلَيْهِ واخْتَارَهَا، فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ صَغِيْرَةً أو آيِسَةً أو غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أو حَامِلاً (1) قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فلاَ سُنَّةَ في طَلاَقِهَا ولاَ بِدْعَةَ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (2)، وفي الأُخْرَى (3): تُعْتَبَرُ السُّنَّةُ في طَلاَقِهَا في العَدَدِ لاَ في الوَقْتِ.
فَعَلَى هَذَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً للسُّنَّةِ وطَلْقَةً للِبِدْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ بِدْعَةَ لِطَلاَقِهَا ولاَ سُنَّةَ طَلَقَتْ في الحَالِ طَلْقَتَيْنِ، وإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لِطَلاَقِهَا سُنَّة وبِدْعَة وَقَعَ بِهَا طَلْقَةٌ في الحَالِ، فَإِذَا صَارَتْ إِلَى ضِدِّ حَالِهَا التي كَانَتْ عَلَيْهَا وَقَعَتْ بِهَا الأُخْرَى.
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً للسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لِطَلاَقِهَا سُنَّة وبِدْعَة، وكَانَتْ حَائِضاً أو في طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيْهِ لَمْ يَقَعْ بِهَا في الحَالِ.
فَإِذَا وَجَدَ طُهْراً (4) لَمْ يُجَامِعْهَا فِيْهِ وَقَع الثَّلاَثَ عَلَى مَا اخْتَارَهَا الخِرَقِيُّ (5)، وعَلَى مَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ (6) إِذَا وَجَدَ الطُّهْرَ طَلَقَتْ واحِدَةً، وتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ والثَّالِثَةُ في طُهْرِهِنَّ في نِكَاحَيْنِ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ لِطَلاَقِهِمَا سُنَّةٌ ولاَ بِدْعَةٌ لَغَا قَوْلَهُ: للسُّنَّةِ ووَقَعَ بِهَا الثَّلاَثُ في الحَالِ، فَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ في كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةٌ، وكَانَتْ مِمَّنْ لِطَلاَقِهَا سُنَّةٌ وبِدْعَةٌ انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ، وهَلْ الأَقْرَاءُ الحَيْضُ أو الأَطْهَارُ؟
فَإِنْ قُلْنا: الأَقْرَاءُ الحَيْضُ، وَقَعَ في كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةٌ. وإِنْ قُلْنَا: الأَطْهَارُ، وَقَعَ في كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ. وإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ لِطَلاَقِهَا سُنَّة وبِدْعَة نَظَرْنَا، فَإِنْ قُلْنَا: الأَقْرَاءُ الحَيْضُ وكَانَتْ حَامِلاً أو حَائِلاً طَاهِراً ولَمْ يُدْخَلْ بِهَا أو آيِسَةً أو صَغِيْرةً لَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلاَقُ في الحَالِ حَتَّى إِذَا وَجَدَ الحَيْضَ مِمَّنْ تَحِيْضُ مِنْهُنَّ وَقَعَ لِكُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةٌ.
وإِنْ قُلْنَا: الأَقْرَاءُ الأَطْهَارُ وَقَعَتْ بِهَا في الحَالِ طَلْقَةٌ ووَقَعَ في كُلِّ طُهْرٍ تجدد لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وهيَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ طَلْقَةٌ، فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أحْسَنَ الطَّلاَقَ وأَجْمَلَهُ، فَإِنْ نَوَى أَحْسَنَ أَحْوَالِكِ وأَجْمَلَهَا أَنْ تَكُونِي مُطَلَّقَةٌ، أَو كَانَتْ مِمَّنْ لاَ سُنَّةَ /292 ظ/ ولاَ بِدْعَةَ لِطَلاَقِهَا طلقتْ في الحَالِ، وإِنْ لَمْ يَنْوِ طلقتْ في طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيْهِ، فَإِنْ عَكَسَ فَقَالَ: أَقْبَح الطَّلاَقِ وأَسْمَجَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ سُنَّةَ لِطَلاَقِهَا أو نَوَى أَقْبَحَ أَحْوَالِكِ
__________
(1) في الأصل ((حامل)).
(2) انظر: الشرح الكبير 8/ 250، وشرح الزركشي 3/ 344.
(3) انظر: الشرح الكبير 8/ 249، وشرح الزركشي 3/ 345.
(4) في الأصل: ((طهر)).
(5) انظر: المقنع: 230، وشرح الكبير 8/ 263، وشرح الزركشي 3/ 344.
(6) انظر: المقنع: 230، وشرح الكبير 8/ 269، وشرح الزركشي 3/ 345.(1/430)
تَكُونِي مُطَلَّقَةً وَقَعَ في الحَالِ، وإِنْ لَمْ يَنْوِ طلقتْ في زَمَانِ البِدْعَةِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً (1) قَبِيْحَةً (2) وَقَعَ الطَّلاَقُ في الحَالِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلاَثِ ثُمَّ نَكِحَتْ زَوْجاً غَيْرَهُ وطَلَّقَهَا فَعَادَ فَتَزَوَّجَهَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقَى مِنْ طَلاَقِهَا، وعَنْهُ (3): إِنَّهَا تَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى طَلاَقِ ثَلاَثٍ.
بَابُ صَرِيْحِ الطَّلاَقِ وكِنَايَتِهِ
اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في صَرِيْحِ الطَّلاَقِ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ (4): ثَلاَثَةُ أَلْفَاظٍ: الطَّلاَقُ والفِرَاقُ والسَّرَاحُ وما تَصَرَّفَ مِنْهُمَا (5).
فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أو طَلَّقْتُكِ، أو فارقتك، أو أَنْتِ مُفَارَقَةٌ أَوْ سَرَّحْتُكِ أو أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ طَلَقَتْ وإِنْ لَمْ يَنْوِ. وقَالَ ابنُ حَامِدٍ (6): صَرِيْحُهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ وهوَ الطَّلاَقُ ومَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، وهوَ الأَقْوَى عَنْهُ، فإنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْتِ طَالِقَةٌ أو مُطَلَّقَةٌ من وِثَاقِي أو من زَوْجِ قَبْلِي، أَو فَارقتك، بِقَلْبِي أو سَرَّحْتُكِ مِنْ يَدِي، قُبلَ: فِيْمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى، وهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7).
وكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: أَنْتِ طَاهِرٌ، فَقُلْتُ: أَنْتِ طَالِقٌ، وهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ في حَالِ الغَضَبِ وسُؤَالها الطَّلاَقُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ في حَالِ سُؤَالِهَا لَمْ يُقْبَلْ في الحُكْمِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.
فَإِنْ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ أو أَخْرَجَهَا [ ... ] (8) لِزَوْجَتِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أَو إِذَا أَكَلْتِ التَّمْرَ، أَو مَتَى صَعَدْتِ السَّطْحَ، أَو أَيَّ وَقْتٍ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ.
وأَيُّ وَقْتٍ وُجِدَ مِنْهَا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَقَعَ الطَّلاَقُ، وكَذَلِكَ إنْ قَالَ: مَنْ لَبِسَتْ منكن خُفّاً فَهيَ طَالِقٌ فأي وقت لبست طلقت، فَإِنْ كَرَّرَتْ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَتَكَرَّرِ الطَّلاَقُ. فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فأَيُّ وَقْتٍ دَخَلَتْ طلقتْ، وإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهَا تَكَرَّرَ وُقُوعُ الطَّلاَقِ، فَأمَّا إنْ قَالَ: إِنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ولاَ نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهَا
__________
(1) لكونها في زمان السنة.
(2) لإضرارها بالمرأة.
(3) انظر: المقنع: 231، والمحرر في الفقه 2/ 52، والشرح الكبير 8/ 272.
(4) انظر: المقنع: 231، والهادي: 176، والمغني 8/ 263.
(5) وجه قول الخرقي أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب في الفرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق. انظر: الشرح الكبير 8/ 274.
(6) انظر: المغني 8/ 264.
(7) انظر: المغني 8/ 268.
(8) بياض في الأصل، ولعله: ((أو قَالَ)).(1/431)
إِذَا لَمْ تَدْخُلْ لاَ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ إِلاَّ في آخِرِ جُزْءٍ /293و/ مِنْ آخِرِ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا.
فَإِنْ قَالَ: مَتَى لَمْ تَدْخُلِي أو أَيَّ وَقْتٍ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَتَى مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُهَا الدُّخُولُ فلم تَدْخُلْ طَلَقَتْ، وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: مَنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ.
فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا لَمْ تَدْخُلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَانٌ يُمْكِنُهَا الدُّخُولُ ولَمْ تَدْخُلْ طلقتْ، ثُمَّ إِنْ مَضَى زَمَانٌ آخَرُ كَانَ يُمْكِنُهَا الدُّخُولُ فَلَمْ تَدْخُلْ طلقتْ، وكَذَلِكَ في الثَّانِيَةِ.
فَإِنْ قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (1): أَحَدُهُمَا: يَمِيْنُهُ عَلَى التَّرَاخِي، والثَّانِي: عَلَى الفَوْرِ، فإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أو إِنْ شَاءَ أَبِي - بالفَتْحِ (2) الأَلِفِ، وهو مِمَّنْ يَعْرِفُ العَرَبِيَّةَ - طلقتْ في الحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِذْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أو لِدُخُولِ الدَّارِ.
وحُكِيَ (3) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةُ فَهُمَا سَوَاءٌ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْتُ الإِيْقَاعَ أو لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طلقتْ في الحَالِ.
وإِنْ قَالَ: نَوَيْتُ أَنْ أَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ وطَلاَقَهَا شَرْطَيْنِ لِعِتْقٍ أو طَلاَقِ أُخْرَى، أَمْسَكْتُ دِيْنَ، وهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).
وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ الشَّرْطَ والجَزَاءَ، أو أَقَمْتَ الوَاوَ مقَامَ الفَاءِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَدَخَلْتُ دَارَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُكَلِّمَهَا ثُمَّ يَدْخُلُ دَارَهَا، وإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ ودَخَلْتُ دَارَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طلقتْ بِوُجُودِ الكَلاَمِ والدُّخُولِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الكَلاَمُ أَوْ تَأَخَّرَ؛ لأَنَّ الوَّاوَ للجَمْعِ والفَاءَ للتَرْتِيْبِ، وعَنْهُ: أَنَّهَا تَطْلُقُ بِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ في المَسْأَلَتَيْنِ.
وأَصْلُ ذَلِكَ إِذَا حَلَفَ لاَ يَفْعَلُ شَيْئاً فَفَعَلَ بَعْضَهُ، مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ: لاَ أَكَلْتُ هَذَا الرَّغِيْفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ، أو لاَ كَلَّمْتُ زَيْداً وعَمْراً فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا، فَفِيْهِ رِوَايَتَانِ (5):
أَحَدَهُمَا: يَحْنَثُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وشَيْخُنَا.
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 131/أ-ب.
(2) هَكَذَا في الأصل.
(3) انظر: شرح الزركشي 3/ 346.
(4) في رِوَايَة أبي الحارث لَمْ يقبل مِنْهُ إذا كَانَ عَلَى حد الغضب، وإذا لَمْ يَكُنْ عَلَى حد الغضب يقبل.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 131/ ب.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 131/ب.(1/432)
والثَّانِيَةُ: لاَ يَحْنَثُ إِلاَّ بِفِعْلِ الجَمِيْعِ، وهِيَ الصَّحِيْحَةُ عِنْدِي، فَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ أو إِنْ دَخَلْتُ دَارَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طلقتْ بِوُجُودِ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ بِمَثَابَةِ مَا لوْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ أو إِنْ دَخَلْتُ دَارَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قُمْتِ /294 ظ/ إِنْ قَعَدْتِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ، وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَرِبْتِ إِنْ أَكَلْتِ لَمْ تَأْكُلْ ثُمَّ تَشْرَبْ. فَأَمَّا إِنْ تَقَدَّمَ القِيَامُ ثُمَّ القُعُود أو الشُّرْبُ ثُمَّ الأَكْل لَمْ تَطْلُقْ.
فَصْلٌ (1) ثَالِثٌ في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بِزَمَانٍ ماضٍ
إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ، أو في الشَّهْرِ المَاضِي، أو قِيْلَ: أَنْ أَتَزَوَّجَ بِكِ، فَإِنْ أَرَادَ الإيْقَاعَ مُسْتَنِداً إلى مَا ذَكَرَ وَقعَ في الحَالِ، وإِنْ أَرَادَ الإخْبَارَ وإنَّهَا كَانَتْ قَدْ طَلَّقَهَا هوَ أو زَوْجٌ غَيْرُهُ في الوقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ وكَانَ ذَلِكَ قَدْ وجدَ قُبِلَ مِنْهُ وإِلاَّ وَقَعَ الطَّلاَقُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ (2) - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهَا لاَ تَطْلُقُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: تَطْلُقُ (3).
وحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ قَالَ في قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وفي الشَّهْرِ المَاضِي: لاَ تَطْلُقُ، وفي قَوْلِهِ: قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَ بلْ إِنْهَا تَطْلُقُ. فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ أو جُنَّ أو خَرِسَ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ (4)، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقَعُ (5).
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ، أو قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ أو مَاتَ هوَ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ أو مَعَ مُضِيِّهِ لَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلاَقُ وإنْ وَجَدَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضْيِّ الشَّهْرِ ومَضَى جُزْءٌ يَقَعُ في مِثْلِهِ الطَّلاَقُ تَبَيَّنّا أَنَّ طَلاَقَهُمَا وَقَعَ في ذَلِكَ الجُزْءِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلاَقُ ثَلاَثاً ثُمَّ خَالَعَهَا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ أَو مَاتَ بَعْدَ الشَّهْرِ بِسَاعَةٍ أو يَوْمٍ وَقَعَ الطَّلاَقُ وبَطَلَ الخُلْعُ، ولَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِعِوَضِ الخُلْعِ، وإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الخُلْعِ بِشَهْرٍ وسَاعَةٍ صَحَّ الخُلْعُ وبَطَلَ الطَّلاَقُ المُعَلَّقُ.
فَصْلٌ رَابِعٌ في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالمَوْتِ
إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي، أو قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ طلقتْ في الحَالِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٍ مَعَ مَوْتِي، أو بَعْدَ موْتِي لَمْ تَطْلُقْ /298 ظ/ ولوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ
__________
(1) تنبيه: وقع في الأصل تأخير هَذَا الفصل فأسترجع إلى مكانه الصَّحِيْح، ولعله خطأ من الناسخ، والله أعلم.
(2) انظر: المغني 8/ 325.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 131/ب.
(4) انظر: المقنع: 236، والمغني 8/ 325، والمحرر في الفقه 2/ 68.
(5) انظر: المقنع: 236، والمغني 8/ 325، والمحرر في الفقه 2/ 68.(1/433)
بَعْدَ مَوْتِي عُتِقَ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إِذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً، فَمَاتَ الأَبُ لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا (1)، بلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بالمِلْكِ (2)، وكَذَا ذَكَرَهُ في المُجَرَّدِ، وذَكَرَ في الجَامِعِ: أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلاَقُ، وهوَ الصَّحِيْحُ؛ لأَنَّ صِفَةَ الطَّلاَقِ تُوجَدُ عقِيْبَ الأَمْرِ، وهوَ زَمَانُ تَمَلُّك الابْنِ، والفَسْخُ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ المِلْكِ.
فَإِنْ قَالَ الأَبُ لأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي، وَقَالَ الابْنُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي، فَمَاتَ الأَبُ وَقَعَ العِتْقُ والطَّلاَقُ مَعاً، فَإِنْ قَالَ: إِذَا اشْتَرَيْتُكِ مِنْ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاشْتَرَاهَا، لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ في أَظْهَرِ الوَجْهَيْنِ، ويَقَعُ في الآخَرِ (3) بِنَاءُ الملْكِ. هَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى المُشْتَرِي في مُدَّةِ خِيَارِ المَجْلِسِ أو بَعْدَ انْقِضَائِهِ.
فَصْلٌ خَامِسٌ في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالحَيْضِ
إِذَا قَالَ لَهَا: إِذا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طلقتْ بِأَوَّلِ جُزْءٍ تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ في الظَّاهِرِ، فَإِذَا اتَّصَلَ الدَّمُ يَوْماً في رِوَايَةٍ ويَوْماً ولَيْلَةً في رِوَايَةٍ أُخْرَى اسْتَقَرَّ وُقُوعُهُ. وإِنِ انْقَطَعَ لِدُونِ ذَلِكَ واتَّصَلَ الانْقِطَاعُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَقِيْلَ: ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً تَبَيَّنَّا بِأَنَّ الطَّلاَقَ لَمْ يَقَعْ، هَذَا إِذَا اتَّفَقَا. فَأَمَّا إِنْ قَالَتْ: قَدْ حِضْتُ وكَذَّبَهَا، فالقَوْلُ قَوْلُهَا، فَإِنْ قَالَتْ: مَا حِضْتُ، فَقَالَ: قَدْ حِضْتُ، طلقتْ بإِقْرَارِهِ، فَإِنْ قَالَ: فَإِنْ حِضْتِ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ، فَإِنْ صَدَّقَهَا طلقتْ الضَّرَّةُ، وإِنْ كَذَّبَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتِ فَأَنْتِ وَضَرَّتُكِ طَالِقَتَانِ، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ وكَذَّبَهَا طلَقَتْ هِيَ ولَمْ تَطْلُقْ ضَرَّتُهَا وإِنْ صَدَّقَتْهَا الضَّرَّةُ. وَذَكَرَ في الإِرْشَادِ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهَا تُعْطَى خِرْقَةً أو تُرِي النِّسَاءَ، فَإِنْ أَخْرَجَتْ عَلَيْهَا دَماً، أَو شَهِدَتِ النِّسَاءُ بالحَيْضِ طَلُقَتَا مَعاً ولاَ عَمَل عَلَيْهِ.
فَإِنْ قَالَ: إن حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَقَالَتَا: حِضْنَا، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا طلقتَا، وإِنْ كَذَّبَهُمَا لَمْ تَطْلُقْ واحِدَةٌ مِنْهُمَا، وإِنْ صَدَّقَ إِحْدَاهُمَا وكَذَّبَ الأُخْرَى كُذِّبَتِ المُطَلَّقَةُ ولَمْ (4) تَطْلُقِ المُصَدّقَةُ. فَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَقَالَ: إِنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ، فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا، فَإِنْ صَدَّقَهُنَّ طَلَقْنَ، وإِنْ كَذَّبَهُنَّ أو صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أو اثْنَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، فَإِنْ صَدَّقَ /299 و/ ثَلاَثاً طَلَقَتِ المُكَذّبَةُ، ولَمْ يَقَعْ بالمُصَدَّقَاتِ طَلاَقٌ. فَإِنْ قَالَ لَهُنَّ: كُلَّمَا حَاضَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ، فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا، فَإِنْ صَدَّقَهُنَّ، طلقتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلاَثاً، وإِنْ كَذَّبَهُنَّ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وإِنْ صَدَّقَ إِحْدَاهُنَّ لَمْ يَقَعْ بِهَا
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 131/أ.
(2) انظر: المقنع: 236، والمغني 8/ 457، والمحرر في الفقه 2/ 68.
(3) انظر: المغني 8/ 458.
(4) كلمة: ((ولَمْ)) كررت في المخطوط.(1/434)
طَلاَقٌ ووَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ ضَرَائِرِهَا طَلْقَةٌ، فَإِنْ صَدَّقَ اثْنَتَيْنِ طلقتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً، وطَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ المُكَذِّبَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ. فَإِنْ صَدَّقَ ثَلاَثاً مِنْهُنَّ وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَتَانِ، وطَلَقَتْ المُكَذّبَةُ ثَلاَثاً.
فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إِنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً وَاحِدَةً فَأَنْتُمَا طَالقَتَانِ لَغَا قَوْلَهُ: حَيْضَةً وَاحِدَةً، وصَارَ كَأنَّهُ قَالَ: إِنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ ذَلِكَ.
فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ حِضْتِ نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ شَيْخُنَا (1): إِذَا حَاضَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ونِصْف (2) طَلَقَتْ، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَلْغُوَ قَوْلهُ: نِصْفَ حَيْضَةٍ؛ لأَنَّ الحَيْضَةَ لاَ تَنْتَصِفُ، وتَصِيْرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (3).
فَإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَتْ طَاهِراً، فَإِذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرُتْ طلقتْ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ (4): فِيْهَا قَوْلٌ آخَرُ: لاَ تَطْلُقُ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الحَيْضِ (5)، وإِنْ كَانَتْ حَائِضاً عِنْدَ عَقْدِ الصِّفَةِ لَمْ تُقَيَّدْ بِتِلْكَ الحَيْضَةِ، ووَقَفَ طَلاَقُهَا عَلَى الطُّهْرِ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ.
فَإِنْ قَالَ: إِذَا طَهَرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضاً، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ طَلَقَتْ، وإِنْ كَانَتْ طَاهِراً لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيْضَ ثُمَّ تَطْهُرَ. وجَمِيْعُ ذَلِكَ يَخْرُجُ في تَعْلِيْقِ السَّيِّدِ العِتْقَ بالحَيْضِ فَاعْرِفْهُ.
فَصْلٌ سَادِسٌ في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالحَمْلِ والوِلاَدَةِ
إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ نَظَرْنَا، فَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ تَبَيَّنَّا أَنَّهَا طَلَقَتْ وَقْتَ اليَمِيْنِ، وإِنْ وَلَدَتْ لأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِيْنَ عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلاَقَ لَمْ يَقَعْ، وإِنْ وَلَدَتْ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الوَطْءِ لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ، فَإِنْ أَتَتْ بهِ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ لاَ يَقَعُ (6).
وإِنْ كَانَ الزَّوْجُ لاَ يَطَأُهَا طلقتْ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ نَظَرْنَا، فَإِنْ وَضَعَتْ لأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ العَقْدِ لَمْ تَطْلُقْ، وإِنْ وَضَعَتْ لأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِيْنَ طَلَقَتْ، وإِنْ وَضَعَتْ لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وأَرْبَعِ سِنِيْنَ /300 ظ/ ولَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 131/أ.
(2) كذا في الأصل، ولعل الصواب: ((نصفاً)) عطفاً عَلَى ((سبعة)) المنصوبة.
(3) انظر: المقنع: 239، والهادي: 183، والمغني 8/ 365، والمحرر في الفقه 2/ 69.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 130/أ.
(5) انظر: المغني 8/ 364، والمحرر في الفقه 2/ 68.
(6) والوجه الثَّانِي: أَنَّهُ يقع. انظر: المحرر 2/ 69 - 70.(1/435)
يَطَأُهَا لَمْ تَطْلُقْ أَيْضاً، وإِنْ كَانَ يَطأُهَا وأَتَتْ بهِ لأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الوَطْءِ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضاً، وإِنْ أَتَتْ بهِ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ، والآخَرُ: لاَ تَطْلُقُ. فَأَمَّا وَطْؤُهَا عقيْبَ هذه اليَمِيْنِ فَلاَ يَحْرُمُ في إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ (1)، وفي الأُخْرَى يَحْرُمُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ (2).
فَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِذَكَرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وإِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِأُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ باثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَراً وأُنْثَى طلقتْ ثَلاَثاً (3). وإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَراً فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، وإِنْ كَانَ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَراً وأُنْثَى لَمْ
تَطْلُقْ (4). فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثَلاَثاً في حَالٍ وَاحِدَةٍ طلقتْ ثَلاَثاً، فَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ طَلَقَتْ بالأَوَّلِ طَلْقَةً، وبالثَّانِي طَلْقَةً، فَإِذَا وَلَدَتِ الثَّالِثَ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: تَبِيْنُ بهِ، فَلاَ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ (5). وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَطْلُقُ بهِ الثَّالِثَةُ (6)؛ لأَنَّ زَمَانَ البَيْنُونَةِ زَمَانُ الوُقُوعِ، ولاَ تَنَافِي بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِداً طَلَقَتْ بالأَوَّلِ طَلَقَةً، وبَانَتْ بالثَّانِي، وهَلْ يَقَعُ بِهَا طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ أَمْ لاَ؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الوَجْهَيْنِ.
فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ ذَكَراً فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، وإِنْ وَلَدْتِ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَراً وأُنْثَى في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَ بِهَا ثَلاَثاً، وَلَوْ وَضَعَتْ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الآخَرِ، وَقَعَ بالأَوَّلِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقَعْ بالثَّانِي شَيءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ (7)، وعَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ: يَقَعُ بهِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ أَيْضاً (8). وإِنْ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ وَضَعَتْهُمَا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ بِيَقِيْنٍ، ومَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مَشْكُوكٌ فِيْهِ فَلاَ يُحْكَمُ فِيْهِ بالوُقُوعِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: قِيَاسُ المَذْهَبِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ القُرْعَةُ حُكِمَ بأَنَّهُ الأَوَّلُ (9) فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ وَلَداً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ وَلَدْتِ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ وَلَدْتِ غُلاَماً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَوَلَدَتْ أُنْثَى طلقتْ طَلْقَةً، وإِنْ وَلَدَتْ ذَكَراً طلقتْ ثَلاَثاً، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَلِدَ المَوْلُودَ حَيّاً أو مَيِّتاً (10) فِيْمَا ذَكَرْنَا.
__________
(1) انظر: المقنع 239، والهادي: 184، والمغني 8/ 367 - 368.
(2) انظر: المصادر السابقة.
(3) لأن صفة الثلاث وجدت وهي زوجة. المغني 8/ 369.
(4) لأن حملها كله ليس بغلام ولا جارية. المصدر السابق.
(5) انظر: المغني 8/ 369.
(6) انظر: المصدر السابق.
(7) انظر: المقنع: 239 - 240، والمحرر 2/ 70 - 71، والشرح الكبير 8/ 404.
(8) انظر: المصادر السابقة.
(9) انظر: المقنع: 240، والمحرر 2/ 71، والشرح الكبير 8/ 404.
(10) لأن الشرط ولادة ذكر أو أنثى وقد وجد.(1/436)
فَصْلٌ سَابِعٌ في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالمَشِيْئَةِ
إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ وكَيْفَ شِئْتِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ (1). وإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ فَقَالَتْ: /301 و/ قَدْ شِئْتُ إِنْ شِئْتِ، فَقَالَ: قَدْ شِئْتُ، لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ، نَصَّ عَلَيْهِ (2).
وكَذَلِكَ إِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْتُ إِنْ شَاءَ أَبِي، فَقَالَ أَبُوهَا: قَدْ شِئْتُ، لَمْ تَطْلُقْ. وكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ أَبُوكِ، فَقَالَ أَبُوهَا: قَدْ شِئْتُ إِنْ شَاءتْ، فَقَالَتْ: قَدْ شِئْتُ لَمْ تَطْلُقْ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، وشَاءَ أَبُوكِ فَإِنْ شَاءا (3) جَمِيْعاً طلقتْ سَوَاءٌ كَانَتْ المَشِيْئَةِ عَلَى الفَوْرِ أو عَلَى التَّرَاخِي، أَو شَاءَ أَحَدُهُمَا عَلَى الفَوْرِ، والآخَرُ: عَلَى التَّرَاخِي. ويَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ ذَلِكَ المَجْلِسُ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَقَالَ زَيْدٌ: قَدْ شِئْتُ، طلقتْ، وإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ تَطْلُقْ. وإِنْ مَاتَ زَيْدٌ أَو جُنَّ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ لَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ. وهوَ اخْتِيَارُ ابنِ حَامِدٍ (4). وَقَالَ أبو بَكْرٍ: يَقَعُ الطَّلاَقُ (5)، وإِنْ شَاءَ وهوَ سَكْرَانُ، أو صَبِيٌّ خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ في طَلاَقِهِمَا (6)، وإِنْ شَاءَ وهوَ أَخْرَسُ بالإِشَارَةِ إِلَى المَشِيْئَةِ وَقَعَ الطَّلاَقُ وإِنْ كَانَ نَاطِقاً فَخَرِسَ قَبْلَ أَنْ يشَاءَ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (7). فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ المَيِّتُ أو البَهِيْمَةُ فهوَ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ طِرْتِ أَوْ صَعَدْتِ السَّمَاءَ، أَو قَلَبْتِ الحَجَرَ ذَهَباً؛ وذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: لاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ، والثَّانِي: يَقَعُ الطَّلاَقُ في الحَالِ (8).
__________
(1) لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه باللسان.
(2) انظر: المغني: 242، والمغني 8/ 379، والمحرر 2/ 71.
(3) في الأصل: ((شاء))، ولعل المثبت هو الصواب.
(4) انظر: المغني 8/ 378.
(5) المصدر السابق، وليس بصحيح؛ لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه.
(6) الرواية الأولى في طلاق السكران: أَنَّهُ يقع، وهي رِوَايَة صالح وابن بدينا، والثانية: لا يقع، وهي رِوَايَة الميموني وحنبل.
أما الصبي: فالصبي الَّذِي لا يعقل الطلاق، فلا خلاف في عدم وقوع طلاقه، أما مَن يعقل الطلاق ويعرف معناه، فعن أحمد رِوَايَتَانِ:
الأولى: لزمه الطلاق، نقلها صالح وأبو الحارث.
الثانية: لا يلزمه حَتَّى يبلغ، نقلها أبو طالب.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: 134 - 135/ أ - ب، والمغني 8/ 255 و256 و257 و258، والزركشي 3/ 347 و349 و350، والإنصاف 8/ 431 و 433 و 434، ومجموع الفتاوى 33/ 61.
(7) الوجه الأَوَّل: يقع الطلاق، والثاني: لا يقع. انظر: الهادي: 184، والمغني 8/ 379.
(8) انظر: الهادي: 180 - 181، والمغني 8/ 384.(1/437)
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ أَبُوكِ ثَلاَثاً، فَقَالَ الأَبُ: قَدْ شِئْتُ ثَلاَثاً، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: تَطْلُقُ ثَلاَثاً (1) ويُحْتَمَلُ أنْ لاَ تَطْلُقَ بحَالٍ. وإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ أَبوكِ، فَمَاتَ الأَبُ أَو جُنَّ وَقَعَ الطَّلاَقُ في الحَالِ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللهُ طلقتْ في الحَالِ. وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ لأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ.
وحَكَى عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَقَعُ العِتَاقُ ولاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ، ولَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ رِوَايَةِ المَيْمُونِيِّ عَنْهُ، إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُكِ إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيءٌ. ولوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيْكَ إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَارَ حُرّاً، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ يَشَأِ اللهُ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (2).
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ إِنْ شَاءَ اللهُ فَدَخَلَتْ طلقتْ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ تَطْلُقُ (3).
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَا فُلاَنٍ أَو لِمَشِيْئَةِ فُلاَنٍ طَلَقَتْ في الحَالِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ إِنْ رَضِيَ وإِنْ يَشَأ، قِيْلَ: فِيْمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى /302 ظ/. وهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).
فَصْلٌ ثَامِنٌ في الأَلْفَاظِ المُسْتَعْمَلَةِ للشَّرْطِ في الطَّلاَقِ والعِتَاقِ واليَمِيْنِ ومَسَائِلَ مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ
وهيَ سِتَّةٌ: إِنْ، وإِذَا، ومَتَى، وأيّ، ومَنْ، وكُلَّمَا.
ولَيْسَ فِيْهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ إِلاَّ لَفْظَةُ ((كُلَّمَا)). وحُكْمُ هَذِهِ الحُرُوفِ أَنْ تَجَرَّدَتْ عَنْ حَرْفِ ((لَمْ)) (5) عَلَى التَّرَاخِي، وإِنْ دَخَلَهَا حَرْفُ ((لَمْ)) انْقَسَمَتْ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ، فكَانَ حُكْمُ ((إِنْ)) عَلى التَّرَاخِي، وحُكْمُ ((مَتَى)) و ((أيّ)) و ((مَنْ))
و ((كُلَّمَا)) عَلَى الفَوْرِ، وحُكْمُ ((إِذَا)) عَلَى وَجْهَيْنِ:
__________
(1) انظر: المقنع: 242، والهادي: 184 - 185.
(2) الوجه الأَوَّل: وقوعه في الحال؛ لأَنَّ وقوع طلاقها إذا لَمْ يشأ الله محال، والثاني: لا يقع بناء عَلَى تعليق الطلاق عَلَى المحال.
انظر: الهادي: 185، والمغني 8/ 383 و 384.
(3) نقل الأولى: الأثرم وإبراهيم بن الحارث، ونقل الثانية: بكر بن مُحَمَّد، عن أبيه.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: 135/ب، والهادي: 185، والمغني 8/ 383.
(4) الأولى: يقبل منه، والثانية: لا يقبل منه.
انظر: المقنع: 242، والمحرر 2/ 72، والشرح الكبير 8/ 440.
(5) المقصود به: النفي.(1/438)
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ((إِنْ))، والثَّانِي: عَلَى الفَوْرِ بِمَنْزِلَةِ ((مَتَى)) (1).
فَمَتَى قَالَ الرَّجُلُ لَهَا: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَعَ عَلَيْهَا سَاعَةَ تَلَفُّظِهِ طَلْقَةً أُخْرَى، فَإِنْ عَادَ وَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِهَا طَلاَقاً. فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ (2) وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وكُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ؛ طلقتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَيْنِ.
ولَوْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَهِيَ طَالِقٌ، طلقتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً. فَإِنْ كَانَ اسْمُ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ حَفْصَةً، والأُخْرَى: عَمْرَةً، فَقَالَ لِحَفْصَةَ: إِذَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِ عَمْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لِعَمْرَةَ: إِذَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِ حَفْصَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طلقتْ حَفْصَةُ في الحَالِ، وبَقِيَ طَلاَقُ عَمْرَةَ مُعَلَّقاً بِصِفَةٍ وهِيَ حِلْفُهُ بِطَلاَقِ حَفْصَةَ (3).
فَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ: أَيُّكُنَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلاَقِي، أو كُلَّمَا وَقَعَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ طَلاَقِي فَصُوَيْحِبَاتُهَا طَوَالِقُ، ثُمَّ قَالَ لإِحْدَاهُنَّ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَقْنَ جَمِيْعُهُنَّ ثَلاَثاً ثَلاَثاً.
وعَلَى هَذَا لوْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِي، فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيْدِي حُرٌّ، وكُلَّمَا طَلَّقْتُ امْرَأَتَيْنِ (4)، فَعَبْدَانِ حُرَّانِ، وكُلَّمَا طَلَّقْتُ ثَلاَثاً فَثَلاَثَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ، وكُلَّمَا طَلَّقْتُ أَرْبَعاً، فَأَرْبَعَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ، ثُمَّ طَلَّقَ الأَرْبَعَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أو بِكَلِمَاتٍ عُتِقَ مِنْ عَبِيْدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْداً عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا (5)، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ عَشْرَةٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُعْتَقَ عِشْرُونَ.
فَصْلٌ تَاسِعٌ (6) في تَعْلِيْقِ الطَّلاَقِ بالطَّلاَقِ ومَا يُخْتَلَفُ بهِ، وغَيْرِ ذلِكَ
إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِذَا أَتَاكِ طَلاَقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ: إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَتَاهَا الكِتَابُ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ بِذَلِكَ الطَّلاَقِ الَّذِي أَتَاكِ، فَهَلْ يُقْبَلُ في الحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7).
__________
(1) انظر: المقنع: 237، والمغني 8/ 353 - 354، والمحرر 2/ 63.
(2) في الأصل: ((لزوجته))، ولعل المثبت هو الصواب.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 136/ب، والمغني 8/ 336.
(4) في الأصل: ((امرأتان)).
(5) انظر: المقنع: 240، والهادي: 187، والمغني 8/ 345، والمحرر 2/ 64.
(6) تنبيه: حصل إرباك في ترتيب الفصول، ولعله من الناسخ؛ إذ قدّم الفصل التاسع عَلَى غيره، والله أعلم.
(7) الرواية الأولى: يقبل قوله في الحكم، والثانية: لا يقبل لظاهر اللفظ.
انظر: المقنع: 240، والهادي: 186، والمحرر 2/ 73، والشرح الكبير 8/ 419.(1/439)
فَإِنْ قَالَ: مَتَى طَلَّقْتُكِ طَلاَقاً أَمْلِكُ فِيْهِ الرَّجْعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَة (1) بِهَا طلقتْ طَلْقَتَيْنِ، وإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا طلقتْ وَاحِدَةً، فَإِنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً بِعِوَضٍ لَمْ تَقَعْ بِهَا غَيْرُهَا سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولاً بِهَا أو غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَإِنْ قَالَ لَهَا: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وهيَ مَدْخُولٍ بِهَا، ثُمَّ قَالَ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتِ الدَّارَ طلقتْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طالق فَدَخَلَتِ الدَّارَ طلقتْ طَلْقَةً، فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاَقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتِ الدَّارَ طلقتْ طَلْقَتَيْنِ.
فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طلقتْ طَلْقَتَيْنِ، وإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاَقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلْقَةً بالمُبَاشَرَةِ أو بِصِلَةٍ عَقَدَهَا قَبْلَ هَذَا العَقْدِ أو بَعْدَهُ وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلاَثُ، فَإِنْ قَالَ لَهَا: إِنْ طَلَّقْتُكِ، أَو إِنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاَقِي [فَأَنْتِ طَالِقٌ] (2) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبلَهُ ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، فلا نَصَّ فِيْهِ. وظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَشَيْخِنَا: أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ الَّذِي أَوْقَعَهُ (3)، وتَمَامُ الثَّلاَثِ المُعَلَّق.
فَإِنْ قَالَ جَمِيْعَ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا لَمْ يَقَعِ بِهَا إِلاَّ طَلْقَةٌ، إِمَّا بالمُبَاشَرَةِ أو بالصِّفَةِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلاَقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَو فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ، أو إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أو لاَ دَخَلْتِ الدَّارَ، أو لَتَدْخُلِيْنَ، أو لِيَقْدَمَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ.
فَإِنْ قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلاَقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ عَادَ ذَلِكَ ثَانِياً [وَقَعَتْ] (4) /295 و/ طَلْقَةً، فَإِنْ أَعَادَهُ ثَالِثاً وَقَعَتْ ثَانِيَةً، ثُمَّ أَعَادَهُ رَابِعاً طلقتْ ثَلاَثَةً؛ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلاَ تَقَعُ إِلاَّ الأَولَةُ.
فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ قَدْ دَخَلَ بِأَحَدِهِمَا، فَقَالَ: إِذَا حَلَفْتُ بِطَلاَقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ ثَانِياً طلقتِ المَدْخُولُ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، وطلقتِ الأُخْرَى طَلْقَةً ثَانِيَةً، فَإِنْ أَعَادَ ذَلِكَ ثَالِثاً لَمْ يَقَعْ بِهَا طَلاَقٌ؛ غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ أَعَادَ فَعَقَدَ عَلَى البَائِنِ نِكَاحاً، ثُمَّ الحُكْمُ يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ.
__________
(1) كذا في الأصل، ولعل الصواب: ((مدخول)).
انظر: المقنع: 236، والمغني 8/ 325، والمحرر في الفقه 2/ 68.
(2) كررت في المخطوط.
(3) وَقَالَ ابن عقيل: تعليقه باطل، ولا يقع سوى المنجز.
انظر: المقنع: 240، والهادي: 186، والمحرر 2/ 72 - 73.
(4) كررت في المخطوط.(1/440)
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في غَدٍ إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَمَاتَتْ في غَدٍ الظُّهْرِ، وقَدِمَ زَيْدٌ العَصْرَ، فَإِنَّا نَحْكُمُ بِطَلاَقِهَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: إِذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ غَداً إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ، فَقَدِمَ زَيْدٌ وَقَدْ أَكَلَ؛ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ؛ لأَنَّ نَذْرَهُ العَقْدُ، ويَحْتَمِلُ أنْ لاَ يَقَعَ؛ لأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يُطَلِّقَ في الغَدِ وَقْتَ قُدُومِهِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا. فَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ حَقَّهُ في غَدٍ فَمَاتَ صَاحِبُ الحَقِّ قَبْلَ الغَدِ حَنَثَ، وكَذَلِكَ إِذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيْفَ في غَدٍ، أو لَيَشْرَبَنَّ هَذَا المَاءَ في غَدٍ، أو لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ في غَدٍ فَتَلِفَ الرَّغِيْفُ والمَاءُ والعَبْدُ قَبْلَ الغَدِ حَنَثَ.
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اليَوْمَ غَداً، طلقتْ وَاحِدَةً، إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ طَالِقٌ اليَوْمَ وطَالِقٌ غَداً، أَو يَزِيْدَ نِصْفَ طَلْقَةٍ اليَوْمَ ونِصْفَهَا غَداً فَيَقَعُ بِهَا طَلْقَتَانِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ نِصْفَهَا اليَوْمَ وبَاقِيْهَا غَداً احْتَمَلَ أَنْ تَطْلُقَ وَاحِدَةً، واحْتَمَلَ أَنْ تَطْلُقَ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اليَوْمَ إِذَا جَاءَ غَداً لَمْ تَطْلُقْ.
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ اليَوْمَ، وخَرَجَ اليَوْمُ ولَمْ يُطَلِّقْ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: لا تَطْلُقُ (1)، وعِنْدِي: أَنَّهَا تَطْلُقُ إِذَا بَقِيَ مِنَ اليَوْمِ مَا لاَ يَتَّسِعُ لِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في اليَوْمِ وفي الغَدِ وفي بَعْدِ غَدٍ طَلَقَتْ ثَلاَثاً. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ في اليَوْمِ وغَدٍ أَو بَعَد غَدٍ طَلَقَتْ وَاحِدَةً، ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَقَعَ في المَسْأَلَةِ الأَوَّلَةِ إِلاَّ وَاحِدَةً أَيْضاً، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَداً، وَقَالَ: نَوَيْتُ آخِرَ النَّهَارِ لَمْ يُقْبَلْ في الحُكْمِ ووَقَعَ الطَّلاَقُ بِأَوَّلِ جُزْءِ مِنَ الغَدِ وهَلْ يَدِيْنُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (2).
فَإِنْ قَالَ لامْرَأَتِهِ، وهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وطَالِقٌ وطَالِقٌ، فَإِذَا دَخَلَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلاَثُ تَطْلِيْقَاتٍ. وكَذَلِكَ لوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وطَالِقٌ وطَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ تَطْلُقُ ثَلاَثاً، وكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ /296 ظ/ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ ثَلاَثاً إِذَا دَخَلَتِ الدَّارَ.
فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، لَمْ تَطْلُقْ إِلاَّ وَاحِدَةً إِذَا دَخَلَتْ، فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا طَلَقَتْ ثَلاَثاً، وَقَالَ شَيْخُنَا في المدْخُولِ بِهَا (3): تَطْلُقُ بالأُوْلَى بالدُّخُولِ، ويَقَعُ بِهَا الثَّانِيَةُ والثَّالِثَةُ في الحَالِ، وفي غَيْرِ المَدْخُولِ بِهَا تَطْلُقُ بالأُوْلَى بالمَدْخُولِ، وتَقَعُ بِهَا الثَّانِيَةُ وتَلْغُو الثَّالِثَةُ، فَإِنْ قَالَ لِغَيْرِ المَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَيَقَعَ بِهَا طَلْقَةٌ،
__________
(1) انظر: الهادي: 182.
(2) الوجه الأَوَّل: لَمْ يُقبل في الحكم ولَمْ يدين، والثاني: يدين، وهو رِوَايَة مهنا.
انظر: المحرر 2/ 66.
(3) انظر: المغني 8/ 406، المحرر 2/ 57.(1/441)
وَقَالَ شَيْخُنَا: تطلقُ واحدةً في الحال وتلغو ما بعدها (1).
فإنْ قَالَ: إنْ كنتِ تُحبين أن يُعَذِّبكِ اللهُ بالنار فأنتِ طالقٌ فقالتْ: أحِبُّ ذَلِكَ فقد توقف إمَامُنا - رضي الله عنه - عَنْهَا، وَقَالَ: دعْنا من هَذِهِ المسائل، وَقَالَ شَيْخُنَا: تطلق (2)، فإن قَالَ: إن كنتِ تُحِبّين ذَلِكَ بقلبِكِ، فقالت: أُحِبُّ ذَلِكَ، وهي كاذبةٌ فالحُكْمُ كالتي قَبْلَها وتحتملُ أنْ لا يَقعَ في هَذِهِ المَسْألةِ، فإذا قَالَ: أنتِ طَالِقٌ إلى شَهْرٍ، فإنْ نَوى مِنَ الآنَ إلى شَهْرٍ طلقتْ في الحالِ، وإنْ لَمْ يَنْوِ طلقتْ بَعْدَ خُروجِ الشَّهْرِ، فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ في آخِرِ الشَّهْرِ طلقتْ بطُلُوعِ الفَجْرِ مِنْ آخِرِ يومٍ فِيْهِ سواءٌ كَانَ تامّاً أو ناقِصاً، فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ في أوّلِ آخِرِ الشَّهْرِ طلقتْ في أوَّلِ جُزْءٍ مِنَ اليومِ الأخيرِ مِنْهُ، وَقَالَ أبو بكر: تطلقُ في أوّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَر مِنْهُ (3). فإنْ عكسَ، فَقَالَ: أنتِ طالقٌ في آخر أولِ الشهرِ طلقتْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمسِ مِنَ اليومِ الأوّلِ مِنْهُ، وعندَ أبي بكرٍ: تطلقُ بغُرُوبِها مِنَ اليومِ الخَامِسَ عَشَر مِنْهُ (4). فإنْ قَالَ: إذا مَضَتْ سنةٌ فأنتِ طَالِقٌ فإنه يعتبر مضى اثنا عَشَر شَهراً بالأهِلّةِ، فإنْ كَانَ يلفظُ بذَلِكَ في أثْنَاءِ شَهْرٍ كملَ ذَلِكَ الشهرُ بالعَدَدِ ثَلاثِينَ يوماً. فإنْ قَالَ: إذا مَضَتِ السَّنَةُ فأنتِ طَالِقٌ، طلقتْ بانْسِلاخِ ذي الحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ التي حَلَفَ فِيْهَا. فإنْ قَالَ: أرَدتُ سنةً كاملةً فهل يقبل في الحُكمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5). وكَذَلِكَ الحكمُ في تعليقِ العِتاقِ فيما ذكرْنا. فإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ ثلاثاً في ثلاثِ سِنين في كُلّ سنةٍ واحِدةً، وَقَعَتْ واحدةً في الحَالِ وتَقَعُ الثانيةُ بِدُخُولِ أول جزءٍ مِنَ المُحَرّمِ وكَذَلِكَ الثّالِثَةُ فإنْ قَالَ أرَدتُ بالسَّنَةِ اثناَ عَشَرَ (6) شَهْراً لَمْ تَقَعْ الثانية حَتَّى يمضي من ذَلِكَ الوَقْتِ اثنا عَشَر شَهراً /297 و/ وكَذَلِكَ الثّالِثةُ. هَذَا إذا بَقِيَتْ المَرْأةُ عَلَى مُلْكِهِ بأن يُرَاجِعَها عِنْدَ وُقُوعِ كُلّ طلقةٍ، فأمّا إذا بانَتْ مِنْهُ بالأوّلَةِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلاقٌ ثَانٍ (7)، إلاّ أنْ يعودَ فَيَتَزَوّجَها، وتأتي السَّنَةُ الثّانيةُ فَتَقَعُ الطَّلْقَةُ الثّانيةُ وكَذَلِكَ الثّالِثَةُ، فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ ثلاثاً كُلّ يومٍ طَلْقَةً فإنها تَطلقُ في الحالَ طَلْقَةً إذا كَانَ بِلَفْظِهِ في يومٍ وتَطْلُقُ الثَّانِيةُ بِطُلُوعِ الفَجْرِ مِنَ اليومِ الثَّانِي وكَذَلِكَ الثّالِثَةُ، فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ يومَ يَقْدِمُ فلانٌ فَقَدِمَ ليلاً لَمْ يَقَعْ طًلاقٌ إلا أنْ يَنْوِيَ باليَومِ الوَقْتَ فيقَعْ، فإنْ قُدِمَ به مَيِّتاً أو مُكرهاً لَمْ يقعِ الطلاقُ،
__________
(1) انظر: المغني 8/ 407، المحرر 2/ 57.
(2) وَقِيْلَ: لا تطلق، وَقِيْلَ: لا تطلق إن قَالَ: بقلبك وإلا طلقت. انظر: المحرر 2/ 62.
(3) انظر: الهادي: 182، المحرر 2/ 66.
(4) انظر: الهادي: 182، المحرر 2/ 66.
(5) الأولى: يقبل، الثانية: لا يقبل. انظر: المقنع: 237، والمحرر 2/ 67، والشرح الكبير 8/ 375.
(6) في الأصل: ((اثنا)).
(7) في الأصل: ((ثاني)).(1/442)
فإنْ قَالَ: إن رَأيْتِ فلاناً فأنتِ طَالِقٌ فرَأَتْهُ مَيِّتاً طلقتْ فإنْ رأَتْهُ في المَاءِ أو في المِرآةِ لَمْ تطلّق، فإنْ قَالَ: أنتِ طَالِقٌ إن رأيْتُ الهِلالَ، طَلَقَتْ إذا رأى الهلال، فإنْ قَالَ: نَوَيْتُ إذا رأيْتُهُ بعَيْنِي دِيْنَ فَهَلْ يقبلُ في الحُكْمِ؟ يخرجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
فَصْلٌ عَاشِرٌ في التَّعْلِيقِ /303 و/ بالكَلامِ والإذْنِ
فإنْ قَالَ: إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ، إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ، إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ، فإنْ كانَتْ غَيْر مَدْخُولٍ بِهَا طَلَقَتْ طَلْقَةً وَاحِدِةً، وإنْ كانَتْ مَدْخُولاً بِهَا، طَلَقَتْ طَلْقَتَيْن ومَتَى كَلّمَها قَبْلَ انْقِضَاءِ العِدّةِ طَلَقَتِ الثّالِثَةِ. وكَذَلِكَ إذا قَالَ: إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدّارَ فأنتِ طَالِقٌ طَلَقَتْ في الحالِ واحِدَةً، وإذا دَخَلَتِ الدارَ وَقَعَتِ الثانيةُ إنْ كانَتْ مَدْخُولاً بِهَا فإنْ قَالَ: إنْ كَلّمْتُكِ فأنتِ طَالِقٌ فَحَقِّقِي ذَلِكَ أو مُرِّي وَقَعَ الطّلاقُ فَحَقِّقِي ذَلِكَ أو مُرِّي، وَقَعَ الطّلاقُ في الحالِ. فإنْ قَالَ: إن بدأتكِ بالكلامِ فأنتِ طَالِقٌ، فقالَتْ لَهُ: فإنْ بَدَأتَ بالكلام فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ كَلّمَها وكَلّمَتْهُ لَمْ يَقَعِ الطّلاقُ ولا العِتْقُ، وإنْ كَلّمَتْهُ ثُمَّ كَلّمَهَا وَقَعَ العِتْقُ وَلَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ، فَإِنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتِ رَجُلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ كَلَّمْتِ فَقِيْهاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ طَوِيْلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْ رَجُلاً فَقِيْهاً طَوِيْلاً طَلَقَتْ ثَلاَثاً.
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتِ فُلاَناً فَكَلَّمَتْهُ مَيِّتاً أو نَائِماً أَو مُغْمًى عَلَيْهِ أو غَائِباً أو مَجْنُوناً، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: تَطْلُقُ، وحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ - رضي الله عنه - (2)، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ تَطْلُقُ (3). فَإِنْ كَلَّمَتْهُ وَهُوَ سَكْرَانٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ (4). وإِنْ كَلَّمَتْهُ وَهُوَ أَصَمُّ وَكَانَ الكَلاَمُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ لَوْ كَانَ سَمِيْعاً لَمْ يَحْنَثْ ويَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: أنَّهُ يَحْنَثُ (5). فَإِنْ كَلَّمَتْهُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ أو غَفْلَتِهِ عَنْهَا حَنَثَ، نَصَّ عَلَيْهِ (6). فَإِنْ كَاتَبَتْهُ أو رَاسَلَتْهُ طَلَقَتْ، فَإِنْ أَشَارَتْ إِلَيْهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (7). فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إِنْ كَلَّمْتُمَا هَذَيْنِ (8) الرَّجُلَيْنِ فَأَنْتُمَا
__________
(1) انظر: المغني 8/ 322.
(2) انظر: المحرر 2/ 74، والشرح الكبير 8/ 427.
(3) المصدران السابقان.
(4) الوجه الأول: يحنث، والثاني: لا يحنث. انظر: المقنع: 241، والمحرر 2/ 74.
(5) انظر: المقنع: 241، والمحرر 2/ 74.
(6) انظر: المقنع: 241، والهادي: 187، والمحرر 2/ 74.
(7) الوجه الأول: لا تطلق؛ لأنَّهُ لَمْ يوجد الكلام، والثاني: تطلق؛ لأنَّهُ يحصل بِهِ مقصود الكلام.
انظر: المقنع: 241، والمحرر 2/ 74، والشرح الكبير 8/ 427.
(8) في الأصل: ((هَذَا))، وما أثبتناه من المقنع.(1/443)
طَالِقَتَانِ، فَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاحِداً مِنَ الرَّجُلَيْنِ طَلَقَتَا، ويَتَخَرَّجُ: أَنْ لاَ يَقَعَ الطَّلاَقُ حَتَّى يُكَلِّمَا جَمِيْعاً كُلّ وَاحِدَةٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ.
فَإِنْ قَالَ: إِنْ أَمَرْتُكِ فَخَالَفْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: لا تُكَلِّمِي أَبَاكِ فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: لاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ (1)، وعِنْدِي: أنَّهُ يَقَعُ إِنْ قَصَدَ أَنْ لاَ تُخَالِفَهُ، أو لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ حَقِيْقَةَ الأَمْرِ والنَّهْيِ، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ الطَّلاَقُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لأنَّ نَهْيَهُ أَمْرٌ بِتَرْكِ كَلاَمِهِ، وَقَدْ خَالَفَتْهُ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِي أو إِلاَّ بِإِذْنِي أو حَتَّى آذَنَ، فَأَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادَتْ فَخَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ طَلَقَتْ، وَعَنْهُ: أنَّهَا لاَ تَطْلُقُ (2). وإِذْنُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً إِذْناً لها أَبَداً إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ /304 ظ/ أَنَّهَا تَسْتَأْذِنُهُ كُلَّ مَرَّةٍ، نَقَلَهَا عَبْدُ اللهِ. فَإِنْ أَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لاَ تَعْلَمُ فَخَرَجَتْ طَلَقَتْ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا تَطْلُقَ عَلَى مَا قَالَهُ في عَزْلِ الوَكِيْلِ أنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْلَمَ.
فإِنْ أَذِنَ لها في الخُرُوجِ فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى نَهَاهَا عَنِ الخُرُوجِ فَخَرَجَتْ احتَمَلَ أَنْ لاَ تَطْلُقَ؛ لأنَّهُ قَدْ أَذِنَ، واحْتَمَلَ أَنْ تَطْلُقَ؛ لأنَّ هَذَا الخُرُوجَ يَجْرِي مَجْرَى خُرُوجٍ ثَانٍ (3)، وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَى غَيْرِ الحَمَّامِ إِلاَّ بِإِذْنِي فَأنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ إِلَى الحَمَّامِ ثُمَّ عَدِلَتْ إِلَى غَيْرِ الحَمَّامِ، فَقِيَاسُ المَذْهَبِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ؛ لأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لاَ تَمْضِيَ إِلَى غَيْرِ الحَمَّامِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، ويَحْتَمِلُ أنْ لاَ تَطْلُقَ؛ لأنَّ خُرُوجَهَا لَمْ يَكُنْ إِلَى غَيْرِ الحمَّامِ وإِنَّمَا أَضَافَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الخُرُوجِ، فَإِنْ نَوَتْ في حَالِ خُرُوجِهَا الحَمَّامَ وغَيْرَهُ طَلَقَتْ. فَإِنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ لَمْ تَنْحَلَّ اليَمِيْنُ عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا (4)، ويَحْتَمِلُ أَنْ تَنْحَلَّ؛ لأنَّ قَصْدَهُ مَا دَامَتْ (5) وِلاَيَتُهُ.
بَابُ جَوَابَاتِ مَسَائِلَ يُعَايَا بِهَا في الطَّلاَقِ عَلَى وَجْهِ تَأْوِيْلِ الحَالِفِ ونِيَّتِهِ
إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ في مَاءٍ: إِنْ أَقَمْتِ في هَذَا المَاءِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ خَرَجْتِ مِنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَ المَاءُ جَارِياً ولاَ نِيَّةَ لَهُ لَمْ تَطْلُقْ سَوَاءٌ خَرَجَتْ، أو أَقَامَتْ، فَإِنْ كَانَ المَاءُ رَكِداً فالحِيْلَةُ أنْ تَحْمِلَ في الحَالِ مُكْرَهَةً. فإِنْ كَانَتْ عَلَى سُلَّمٍ فَقَالَ لَهَا:
__________
(1) انظر: المغني 8/ 392.
(2) انظر: المقنع: 241 - 242، والمحرر 2/ 75.
(3) في الأصل: ((ثاني)).
(4) انظر: الهادي: 188.
(5) بعد هذا في المخطوط كلمة ((دا)) ولا معنى لها وهي مقحمة.(1/444)
إِنْ صَعَدْتِ فِيْهِ أو نَزَلْتِ أو أَقَمْتِ أو رَمَيْتِ نَفْسَكِ أو حَطَّكِ أَحَدٌ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى سُلَّمٍ آخَرَ. فَإِنْ كَانَ في فَمِهَا رطْبَةٌ، فَقَالَ: إِنْ أَكَلْتِهَا أو أَلْقَيْتِهَا أو أمْسَكْتِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهَا تَأْكُلُ نِصْفَهَا وتَرْمِي البَاقِيَ، ولاَ تَطْلُقُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا فَعَلَ، ولا يَفْعَلُ شَيْئاً ففَعَلَ بَعْضَهُ. فَإِنْ أَكَلَ رُطَباً كَثِيْراً ثُمَّ قَالَ لها: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ تُخْبِرِيْنِي بعَدَدِ مَا أَكَلْتُ، فَخَلاَصُهَا أَنْ تَعدَّ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى عَدَدٍ يَتَحَقَّقُ أَنَّ مَا أَكَلَهُ قَدْ دَخَلَ فِيْهِ، فَإِنْ أَكَلَ رُطَباً فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ [إنْ لَمْ تُمَيِّزِي] (1) نَوَى مَا أَكَلْتِ مِن نَوَى مَا أَكَلْتُ وَقَدِ اخْتَلَطَ، فَإِنَّها تُفْرِدُ كُلَّ نَوَاةٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّهَا لاَ تَطْلُقُ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ تُصَدِّقِيْنِي هَلْ سَرَقْتِ مِنِّي أَمْ لاَ؟ فَإِنَّهَا إِذَا قَالَتْ: سَرَقْتُ مِنْكَ مَا سَرَقْتُ مِنْكَ لَمْ تَطْلَقْ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَوْدَعَهَا كِيْساً فَجَحَدَتْهُ أو أَخَذَتْ مِنْهُ لَمْ تَطْلُقْ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لاَ تَخُونَهُ في مَالِهِ، فَإِنْ قَالَ: مَنْ
بَشَّرَتْنِي (2) بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَأَخْبَرَتَاهُ (3) /305 و/ زَوْجَتَاهُ بِقُدُومِهِ وَاحِدَةً بَعْدَ الأُخْرَى، فَإِنْ كَانَتَا صَادِقَتَيْنِ طَلَقَتْ الأَوَّلَةُ وَلَمْ تَطْلُقِ الثَّانِيَةُ، وإِنْ كَانَتَا كَاذِبَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا صَادِقَةً، طَلَقَتْ دُوْنَ الكَاذِبَةِ، فَإِنْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِهِ فَهِيَ طَالِقَةٌ فَقَالَ شَيْخُنَا: حُكْمُهَا حُكْمُ المَسْأَلَةِ قَبْلَهَا (4)، وعِنْدِي: أَنَّهُمَا إِذَا أَخْبَرَتَاهُ وَقَعَ الطَّلاَقُ بِهِمَا عَلَى الأَحْوَالِ الثَّلاَثَةِ؛ لأَنَّ الخَبَرَ يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ والكَذِبُ، ويُسَمَّى خَبَراً وإِنْ تَكَرَّرَ. والبِشَارَةُ: القَصْدُ بِهَا السُّرُورُ، وإِنَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ مَعَ الصِّدْقِ ويَكُونُ مِنَ الأَوَّلِ لاَ غَيْرُ.
فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وكُلَّمَا أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَكَلْتِ رُمَّانَةً طَلَقَتْ ثَلاَثاً. فَإِنْ قَالَ: إِذَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وإِنْ أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ زَوْجَاتٍ فَاشْتَرَى لَهُنَّ خِمَارَيْنِ فَاخْتَصَمْنَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إِنْ لَمْ تَخْتَمِرْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ عِشْرِيْنَ يَوْماً في هَذَا الشَّهْرِ.
فَالوَجْهُ أَنْ تَخْتَمِرَ الكُبْرَى والوُسْطَى بالخِمَارَيْنِ عَشرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَدْفَعَ (5) الكُبْرَى الخِمَارَ إِلَى الصُّغْرَى ويَبْقَى خِمَارُ الوُسْطَى إِلَى تَمَامِ عِشْرِيْنَ يَوْماً ثُمَّ تَأْخُذَ الكُبْرَى خِمَارَ الوُسْطَى إِلَى تَمَامِ الشَّهْرِ، ومِثْلُهَا إِذَا سَافَرَ بالنِّسْوَةِ سَفَراً قَدْرُهُ ثَلاَثُ فَرَاسِخَ ومَعَهُ بَغْلاَنِ فَاخْتَصَمْنَ
__________
(1) في الأصل: ((لَمْ تميزي))، وما أثبتناه من المغني والكافي.
(2) في الأصل: ((بشرني)).
(3) هكذا في الأصل، والأصح: فأخبرته. ويجوز تخريجها عَلَى بَعْض اللغات أو الإعرابات.
(4) انظر: المقنع: 243، والمحرر 2/ 75.
(5) في الأصل: ((يدفع)).(1/445)
عَلَى الرُّكُوبِ فَحَلَفَ بِالطَّلاَقِ لَتَرْكَبَنَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ (1) مِنْكُنَّ فَرْسَخَيْنِ، فَتَرْكَبُ الكُبْرَى والوُسْطَى فَرْسَخاً ثُمَّ تَتْرُكُ الكُبْرَى وتَرْكَبُ الصُّغْرَى مَوْضِعَهَا فَرْسَخاً، ثُمَّ تَتْرُكُ الوُسْطَى وتَرْكَبُ الكُبْرَى مَوْضِعَهَا تَمَامَ المَسَافَةِ، فَإِنْ حَمَلَ إِلَى بَيْتِهِ ثَلاَثِيْنَ قَارُورَةً: عَشْرَةٌ مَلأَى، وعَشْرَةٌ في كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُهَا، وعَشْرَةٌ فُرَّغٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ لأُقَسِّمَنَّهَا بَيْنَكُمْ بالسَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيْنَ عَلَى القِسْمَةِ بِمِيْزَانٍ ولاَ بِمِكْيَالٍ فَإِنَّهُ يَمْلأُ خَمْساً مِنَ المُصَنَّفَاتِ بالخَمْسَةِ الأُخَرِ، ثُمَّ يَدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةً مَمْلُوءةً وخَمْسَةً فُرَّغاً. فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُونَ نَعْجَةً فَنَتَجَتْ عَشْرَةٌ مِنْهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلاَثَ سَخْلاَتٍ، ونَتَجَتْ عَشْرَةٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَتَيْنِ، ونَتَجَتْ عَشْرَةٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَةً، ثُمَّ حَلَفَ بالطَّلاَقِ لَيُقَسِّمَنَّهَا بَيْنَهُنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلاَثِيْنَ رَأْساً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ شَيءٍ مِنَ السَّخْلاَتِ وأُمَّهَاتِهِنَّ، فَإِنَّهُ يُعْطِي أَحْدَاهُنَّ العَشْرَةَ الَّتِي نَتَجَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَتَيْنِ، ويَقْسِمُ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ مَا بَقِيَ /307 ظ/ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةٌ مِمَّا نِتَاجُهَا ثَلاَثَةٌ، وخَمْسَةٌ مِمَّا نِتَاجُهَا سَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ بَيْضاً ثُمَّ رَأَى في كُمِّ إِنْسَانٍ شَيْئاً فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: شيءٌ (2) للأَكْلِ، فَقَالَ: زَوْجَتُهُ طَالِقٌ لاَ بُدَّ مِمَّا آكُلُ مِنْهُ وإِذَا هُوَ بَيْضٌ، فَالحِيْلَةُ أَنْ يَعْمَلَ بِذَلِكَ البَيْضِ نَاطِفاً (3) ويَأْكُلَ مِنْهُ فَلاَ يَحْنَثُ. وَكَذَلِكَ إِنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ رُمَّاناً ولاَ تُفَّاحاً ولاَ سَفَرْجَلاً، ثُمَّ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِمَّا في كُمِّ زَيْدٍ فَإِذَا هُوَ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ مِنْهُ شَرَاباً أو لَعُوقاً (4) ويَأْكُلُ مِنْهُ، فَإِنْ رَأَى مَعَ زَوْجَتِهِ إِنَاءً فِيْهِ مَاءٌ (5) صَحَّ، فَقَالَ: أَسْقِيْنِيْهِ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ، فَحَلَفَ بالطَّلاَقِ لا شَرِبْتُ هَذَا المَاءَ ولاَ أَرَقْتِيْهِ وَلاَ تَرَكْتِيْهِ في الإِنَاءِ ولاَ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُكِ.
فالحِيْلَةُ أَنْ تَطْرَحَ في الإِنَاءِ ثَوْباً يَشْرَبُ المَاءَ ثُمَّ تُجَفِّفُهُ في الشَّمْسِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شَرِيْكِهِ ثَمَانِيَةُ أَمْنَاءٍ دُهْناً في ظَرْفٍ ومَعَهُمَا ظَرْفَانِ يَسَعُ أَحَدَهُمَا خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ والآخَرُ ثَلاَثَةَ أَمْنَاءٍ فَارِغاً فَقَالَ لِشَرِيْكِهِ: اطْلُبْ مِكْيَالاً يُقْسَمُ بِهِ هَذَا الدُّهْنِ فَقَالَ: اطْلُبْ أَنْتَ فَحَلَفَ بالطَّلاَقِ لاَ بُدَّ أَنْ يُقْسِمَهُ بالسَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيْرَ مِكْيَالاً. فالوَجْهُ أَنْ يَكِيْلَ بالَّذِي يَسَعُ ثَلاَثَةً مَرَّتَيْنِ فَيَطْرَحَهُمَا في الَّذِي يَسَعُ خَمْسَةً فَيَبْقَى في الثُّلاَثِيِّ، ثُمَّ تَطْرَحُ مَا في الخُمَاسِيِّ في الثُّمَانِيِّ، ثُمَّ يَطْرَحُ المَنَّ في الخُمَاسِيِّ ويَكِيْلُ بالثُّلاَثِيِّ مِلأَهُ فَيَطْرَحُهُ في الخُمَاسِيِّ
__________
(1) في الأصل: ((يركبن كُلّ واحد)).
(2) في الأصل: ((شيئاً)).
(3) الناطف: نوع من الحلواء، ويسمى: القبيطي أو القبيط.
انظر: تاج العروس 24/ 423، ومتن اللغة 5/ 486 (نطف).
(4) اللعوق: ما يلعق من دواء أو عسل، وَقِيْلَ: هُوَ اسم لما يؤكل بالملعقة. تاج العروس 26/ 359 (لعق).
(5) في الأصل: ((ماء)).(1/446)
فَيَحْصُلُ فِيْهِ أَرْبَعَةٌ ويَبْقَى في الثُّمَانِيِّ أَرْبَعَةٌ.
فَإِنْ وَرَدَ أَرْبَعَةُ (1) رِجَالٍ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ زَوْجَتُهُ إِلَى شَّاطِئ نَهْرٍ لِيَعْبُرُوا فَلَمْ يَجِدُوا إِلاَّ سَفِيْنَةً لاَ تَحْمِلُ إِلاَّ نَفْسَيْنِ فَاخْتَلَفُوا في العُبُورِ، فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ بالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ لاَ تَرْكَبُ زَوْجَتِي مَعَ رَجُلٍ مِنْكُمْ، فَمَا زَادَ إِلاَّ وأَنَا مَعَهَا.
فَوَجْهُ الخَلاَصِ أَنْ يَعْبُرَ رَجُلٌ وامْرَأَتُهُ ثُمَّ يَصْعَدَ زَوْجُهَا مِنَ السَّفِيْنَةِ، وتَعُود امْرَأَتُهُ فَتَأْخُذَ امْرَأَةً أُخْرَى فَتَعْبُرَ مَعَهَا ثُمَّ تَصْعَدَ الأُوْلَى إِلَى زَوْجِهَا وتَعُودَ الثَّانِيَةُ فَتَأْخُذَ زَوْجَهَا فَتَعْبُرَ بِهِ فَيَصْعَدَ الزَّوْجُ ثُمَّ تَعُودَ امْرَأَتُهُ فَتَأْخُذَ المَرْأَةَ الثَّالِثَةَ فَتَعْبُرَ بِهَا ثُمَّ تَصْعَدَ الثَّانِيَةُ إِلَى زَوْجِهَا وتَعُودَ الثَّالِثَةُ فَتَأْخُذَ زَوْجَهَا فَتَعْبُرَ بِهِ فَيَصْعَدَ زَوْجُهَا ثُمَّ تَعُودَ، فَتَأْخُذَ الرَّابِعَةَ [زَوْجها] (2) فَتَعبُرَ بِهَا، ثُمَّ تَصْعَدَ الثَّالِثَةُ إِلَى زَوْجِهَا وتَعُودَ الرَّابِعَةُ فَتَأْخُذَ زَوْجَهَا فَتَعْبُرَ بِهِ فَيَصْعَدَانِ مَعاً.
فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيْقَةِ فَيَتَخَلَّصُونَ وَلَوْ كَانُوا أَلْفاً، فَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً، فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ: لاَ عَبَرْتِ جَانِب البَحْرِ وفِيْهِ رَجُلٌ إِلاَّ وأَنَا مَعَكِ، فَطَرِيْقُهُ: أَنْ تَعْبُرَ امْرَأَتَانِ /306 و/ فَتَصْعَدَ إِحْدَاهُمَا (3) ثُمَّ تَرْجِعَ الأُخْرَى فَتَأْخُذَ امْرَأَةً ثَالِثَةً فَتَعْبُرَ مَعَهَا، ثُمَّ تَعُودَ فَتَصْعَدَ إِلَى زَوْجِهَا ويَنْزِلَ زَوْجَا المَرْأَتَيْنِ فَيَعْبُرَا (4) إِلَيْهِمَا فَيَصْعَدَا (5) ويَنْزِلَ الرَّجُلُ وامْرَأَتُهُ فَيَعْبُرا (6) فَتَصْعَدَ المَرْأَةُ ويَنْزِلَ مَعَ الرَّجُلِ فَيَعْبُرَا (7) ويَصْعَدَا (8) وتَنْزِلَ المَرْأَةُ الثَّالِثَةُ فَتَعْبُرَ بالمَرأَتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَتَصْعَدَ الثَّلاَثُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، ولاَ تُصَوَّرُ هَذِهِ الطَّرِيْقَةُ في أَكْثَرِ مِنْ ثَلاَثٍ. فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ لاَ أَبْصَرْتُكِ إِلاَّ وأَنْتِ لاَبِسَةٌ عَارِيَةٌ حَافِيَةٌ رَاجِلَةٌ رَاكِبَةٌ فَأَبْصَرَهَا، وَلَمْ تَطْلُقْ كَيْفَ كَانَ خَلاَصُهُ؟
فَالوَجْهُ تُجِيْبُهُ باللَّيْلِ عُرْيَانَةً حَافِيَةً رَاكِبَةً في السَّفِيْنَةِ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ:
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} (9)، وَقَالَ: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْريهَا وَمُرْسَاهَا} (10)، فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ
__________
(1) في الأصل: ((أربع)).
(2) لعل كلمة: ((زوجها)) مقحمة هنا إذ لا يستقيم المعنى مَعَهَا.
(3) في الأصل: ((أحديهما)).
(4) في الأصل: ((فيعبران)).
(5) في الأصل: ((فيصعدان)).
(6) في الأصل: ((فيعبران)).
(7) في الأصل: ((فيعبران)).
(8) في الأصل: ((فيصعدان)).
(9) النبأ: 10.
(10) هود: 41.(1/447)
طَالِقٌ إِنْ وَلَدْتِ وَلَدَيْنِ ذَكَرَيْنِ أُنْثَيَيْنِ أو حَيَّيْنِ أَو مَيِّتَيْنِ، فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَلَمْ تَطْلُقْ. فَهَذِهِ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ ذَكَراً أَو أُنْثَى، أَحَدُهُمَا (1) مَيِّتٌ والآخَرُ حَيٌّ، فإِنْ قَطَعَ عَلَيْهِ رِجَالٌ فَأَخَذُوا رَحْلَهُ فَعَرَفَهُمْ فَحَلَّفُوهُ بالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ أَنْ لاَ يُخْبِرَ بِهِمْ ولاَ يَغْمِزَ عَلَيْهِمْ ويُرِيْدُ أَخْذَ مَالِهِ فَمَا يَصْنَعُ؟ فَالحِيْلَةُ أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبُ السُّلْطَانِ كُلَّ مَنْ يَسْكُنُ بَلَدَ القَاطِعِيْنَ مِنَ الرِّجَالِ ثُمَّ يَقِفَ عَلَى بَابِ البَلَدِ ويَأْمُرَهُمْ بالدُّخُولِ، كُلَّمَا دَخَلَ رَجُلٌ قَالَ: سأَخَذَ مَالَكَ هَذَا، فَيَقُولُ: لا حَتَّى إِذَى مَرَّ بِهِ أَحَدُ القَاطِعِيْنَ وسَأَلَهُ سَكَتْ فَيَعْلَمُ السُّلْطَانُ مِنْ غَيْرِ إِخْبَارِهِ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ في شَعْبَانَ بالثَّلاَثِ أَنْ يُجَامِعَهَا في نَهَارٍ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فالحِيْلَةُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، فَإِنْ حَاضَتْ وَطِئَ وكَفَّرَ عَنْ كُلِّ وَطْءٍ (2) في الحَيْضِ بِدِيْنَارٍ أَو نِصْفِ دِيْنَارٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - في رَجُلٍ حَلَفَ: لا بُدَّ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ اليَوْمَ، فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ، قَالَ: لاَ يَطَأُ وتَطْلُقُ. فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ بالطَّلاَقِ: أنِّي أُحِبُّ الفِتْنَةَ، وأَكْرَهُ الحَقَّ، وأَشْهَدُ بِمَا لَمْ تَرَ عَيْنِي، ولاَ أَخَافُ مِنَ اللهِ ولاَ مِنْ رَسُولِهِ، وأَنَا مُؤْمِنٌ عَدْلٌ مَعَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقَعِ الطَّلاَقُ. فَهَذَا رَجُلٌ يُحِبُّ المَالَ والوَلَدَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} (3) ويَكْرَهُ المَوْتَ، وَهُوَ حَقٌّ، ويَشْهَدُ بالبَعْثِ والحِسَابِ، ولاَ يَخَافُ مِنَ اللهِ ولاَ مِنْ رَسُولِهِ الظُّلْمَ والجَوْرَ، فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ بَعَثَتْ إِلَيْهِ، قَدْ حَرُمْتُ عَلَيْكَ وتَزَوَّجْتُ بِغَيْرِكَ وَأَوْجَبْتُ عَلَيْكَ أَنْ تُنْفِذَ لِي نَفَقَتِي وَنَفَقَةَ زَوْجِي وتَكُونَ هَذِهِ المَرْأَةُ عَلَى الحَقِّ في جَمِيْعِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ امْرَأَةٌ زَوَّجَهَا أَبُوهَا مِنْ مَمْلُوكَةٍ، ثُمَّ بَعَثَ المَمْلُوكَ في تِجَارَةٍ ومَاتَ الأَبُ، فَإِنَّ البِنْتَ تَرِثُهُ ويَفْسَخُ نِكَاحَ العَبْدِ، وتَقْضِي العدَّةَ، وتَتَزَوَّجُ بِرَجُلٍ فَتُنَفِّذُ (4) /308 ظ/ إِلَيْهِ: ابْعَثْ مِنَ المَالِ الَّذِي مَعَكَ فَهُوَ لي، فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ: إِحْدَاهُمَا في الغُرْفَةِ، والأُخْرَى في الدَّارِ فَصَعِدَ في الدَّرَجِ فَقَالَتْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَيَّ فَحَلَفَ: لاَ صَعَدْتُ إِلَيْكِ ولاَ نَزَلْتُ إِلَيْكِ ولاَ أَقَمْتُ مَكَانِي سَاعَتِي هَذِهِ، فَإِنَّ الَّتِي في الدَّارِ تَصْعَدُ، والَّتِي في الغُرْفَةِ تَنْزِلُ، ولَهُ أَنْ يَصْعَدَ ويَنْزِلَ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ تَطْبَخَ لَهُ قِدْراً بِرَطْلَيْنِ مَاءً وتَطْرَحَ مَعَهُ كَيْلَجَةَ (5) مِلْحٍ ويَأْكُلَ
__________
(1) في الأصل: ((أحديهما)).
(2) في الأصل: ((وطئ)).
(3) الأنفال: 28.
(4) كررت في المخطوطة.
(5) الكيلجة: كيل لأهل العراق. وهو يساوي بالكيلو غرام 1. 159,805.
انظر: معجم متن اللغة 1/ 89، والمعجم الوسيط: 880.(1/448)
مِمَّا طَبَخَتْ، ولاَ يَجِدُ لَهُ طَعْمَ مِلْحٍ فَتَسْلُقَ لَهُ بَيْضاً في قِدْرٍ وتَطْرَحَ مَعَهُ كَيلَجَةَ مِلْحٍ ويَأْكُلَ مِمَّا طَبَخَتْ، ولاَ يَجِدُ لَهُ طَعْمٌ.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ: لاَ دَخَلَ بَيْتَكِ بَارِيَةٌ (1) ولاَ وَطِئْتُكِ إِلاَّ عَلَى بَارِيَةٍ، ويُرِيْدُ أَنْ يَطَأَهَا في البَيْتِ ولاَ يَحْنَثُ، فالحِيْلَةُ أَنَّهُ يَحْمِلُ إلى بَيْتِهِ قَصَباً ويَنْسِجُ لَهُ الصَّانِعُ بَارِيَةً في بَيْتِهِ فَيَطَأَ عَلَيْهَا.
فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ لَيُجَامِعَهَا عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ فَإِنَّهُ يَثْقُبُ السَّقْفَ، ويُخْرِجُ مِنْهُ رَأْسَ رُمْحٍ قَلِيْلاً ثُمَّ يُجَامِعُهُ عَلَيْهِ.
فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ عَلَى زَوْجَتِهِ لاَ بُدَّ أَنْ تُخْبِرِيْنِي عَنْ شَيءٍ رَأْسُهُ في عَذَابٍ وأَسْفَلُهُ في شَرَابٍ ووَسَطُهُ في طَعَامٍ وَحَولَهُ سَلاَسِلُ وأَغْلاَلٌ وحبَسُهُ في بَيْتٍ مِنْ صفرٍ.
فَالجَوابُ: أنَّ ذَلِكَ فَتِيْلَةُ القِنْدِيْلِ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ في نَهَارِ يَوْمٍ، لاَ يَغْتَسِلُ فِيْهِ مِنْ جَنَابَةٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ المَاءِ ولاَ تَفُوتُهُ صَلاَةُ جَمَاعَةٍ مَعَ الإِمَامِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الإِمَامِ الفَجْرَ والظُّهْرَ والعَصْرَ، ويَطَأُ بَعْدَ العَصْرِ، فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ اغْتَسَلَ وصَلَّى مَعَ الإِمَامِ، فَإِذَا حَلَفَ المُكَلَّفُ المُقِيْمُ وَقَتَ الفَجْرِ ما افْتُرِضَ عَلَيَّ في يَوْمَي هَذَا إِلاَّ خَمْسَ عَشْرَةَ (2) رَكْعَةً لَمْ يَحْنَثْ إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْنَا في يَوْمِنَا هَذَا تِسْعَ عَشْرَةَ (3) رَكْعَةً، فَهُوَ عِيْدٌ.
فَإِنْ حَلَفَ أَنِّي رَأَيْتُ رَجُلاً يُصَلِّي إِمَاماً بِنَفْسَيْنِ وهوَ صَائِمٌ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَمِيْنِهِ، فَنَظَرَ إِلَى قَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وبَطَلَ صَوْمُهُ وصَلاَتُهُ، ووَجَبَ جَلْدُ المَأْمُوْمَيْنِ، ونَقْصُ المَسْجِدِ فَكَيْفَ كَانَ صِفَةُ ذَلِكَ؟
فَهَذَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ بامْرَأَةٍ قَدْ غَابَ زَوْجُهَا وشَهِدَ المَأْمُومَانِ بِوَفَاتِهِ، وأَنَّهُ وَصَّى بِدَارِهِ أَنْ تُجْعَلَ مَسْجِداً، وكَانَ /309 و/ مُتَيَمِّماً صَائِماً فالتَفَتَ فَرَأَى زَوْجَ المَرْأَةِ قَدْ قَدمَ والنَّاسُ يَقُولونَ: خَرَجَ يَوْمَ العِيْدِ، وجَاءَ يَومُ العِيْدِ وهوَ لاَ يَعْلَمُ بأَنَّ هِلاَلَ شَوَّالٍ قَدْ رُئِيَ (4) ورَأَى إِلى جَنْبِهِ مَاءً وعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً، فَإِنَّ المَرْأَةَ تَحْرُمُ بِقُدُومِ الزَّوْجِ، وصَوْمَهُ كَوْنُهُ صَوْمَ عِيْدٍ، وصَلاَتُهُ تَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ المَاءِ، ويُجْلَدُ الرَّجُلَيْنِ بِكَوْنِهِمَا شَاهِدَي زُورٍ. ويَجِبُ نَقْضُ المَسْجِدِ بأَنَّ الوَصِيَّةَ ما صَحَّتْ والدَّارُ لِمَالِكِهَا.
__________
(1) البارية: الحصير المنسوج، معرب (بوديا).
انظر: معجم متن اللغة 1/ 285، والمعجم الوسيط: 76.
(2) في الأصل: ((خمس عشر)).
(3) في الأصل: ((تسعة عشر)).
(4) في الأصل: ((رأى)).(1/449)
فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ تَمْرٌ وتِيْنٌ وزَبِيْبٌ وَزْنُ الجَمِيْعِ عِشْرُونَ (1) رَطْلاً فَحَلَفَ أَنَّهُ بَاعَ التَّمْرَ كُلَّ رَطْلٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، والتِّيْنَ كُلَّ رَطْلٍ بدِرْهمَيْنِ، والزَّبِيْبَ كُلَّ رَطْلٍ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ فَجَاءَ ثَمَنُ الجَمِيْعِ عِشْرُونَ دِرْهَماً وصَدقَ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ التَّمْرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَطْلاً، والتِّيْنُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ، والزَّبِيْبُ رَطْلاً وَاحِداً (2).
فَإِنْ رَأَى ثَلاَثَةَ إِخْوَةٍ لأَبٍ وأُمٍّ، أَحَدُهُمْ عَبْدٌ، والآخَرُ مَوْلًى، والآخَرُ عَرَبِيٌّ، فَإنَّهُ عَرَبِيٌّ تَزَوَّجَ بأَمَةٍ فَأَوْلَدَها ابْناً فَهُوَ عَبْدٌ لِسَيِّدِهَا، ثُمَّ كَاتَبَهَا السَّيِّدُ فَوَفَّتِ الكِتَابَةَ فَانْعَتَقَتْ وهيَ حَامِلٌ بابْنٍ، فَتَبِعَهَا الابْنُ في العِتَاقِ فَكَانَ مَوْلًى، ثُمَّ ولَدَتِ ابْناً بَعْدَ أَنْ عُتِقَتْ فَهُوَ عَرَبِيٌّ كَأَبِيْهِ. فَإِنْ حَلَفَ أَنِّي رَأَيْتُ امرَأَةً زَنَى بِهَا خَمْسَةُ (3) رِجَالٍ وَجَبَ عَلَى الأَوَّلِ القَتْلُ بالسَّيْفِ، وعَلَى الآخَرِ الرَّجْمُ، وعَلَى الثَّالِثِ الجَلْدُ، وعَلَى الرَّابِعِ نِصْفُ الجَلْدِ، ولَمْ يَجِبْ عَلَى الخَامِسِ شَيءٌ، فَإِنْ الأَوَّلَ كَانَ ذِمِّيّاً فَنَقَضَ العَهْدَ بِذَلِكَ الآخَرِ كَانَ مُحْصَناً، والثَّالِثَ كَانَ بِكْراً، والرَّابِعَ كَانَ عَبْداً، والخَامِسَ كَانَ حربياً وفي هَذَا كفاية.
بَابُ جامِعِ الأَيمانِ
مِمَّا يَشتَرِكُ فيهِ حُكمُ اليَمينِ بِاللهِ تَعَالَى وَبالطَّلاقِ والعِتَاقِ ويَرجِعُ في اليَمينِ إلى النِيَّاتِ. فَإنْ كانَتْ بطَلاقٍ أَو عِتاقٍ دِيْنَ فِيمَا بَينَهُ وبينَ اللهِ تَعَالَى، وَهَل يُقبَلُ في
الحُكمِ؟ عَلَى رِوايتَينِ. فَإنْ لم يَنوِ رَجَعَ إلى سَبَبِ اليَمينِ ومَا أثارهَا، فَإنْ عُدِمَ السَبَبَ رُجِعَ إلى ما تَناولَهُ الاسْمُ، فَإنْ اجتَمعَ الاسمُ، والتَّعيينُ أوِ الصِّفَةُ والتَّعيينُ عَلَينَا التَّعيينُ.
فَإنِ اجتَمعَ الاسْمُ والعَرفُ فَقدِ اختَلفَ أَصحَابُنا فَتارَةً غَلَّبوا الاسُمَ (4) وتَارَةً غلّبوا العُرفَ (5)، وَسَنُوضِح /310 ظ/ ذَلِكَ في المسَائلِ إنْ شَاءَ اللهُ وهَذا البَابُ يَشتَمِلُ عَلَى فُصولٍ: أحدُها في اليَمينِ عَلَى سُكنَى الدَّارِ، وَدَخولِها إذا حَلَفَ بِاللهِ أو بالطَّلاقِ، أو العِتَاقِ لأَسكُنُ هَذهِ الدَّارِ، وَهوَ سَاكِنُها فَمَتى أَمكَنهُ الخُروجُ فلَم يَخرُجْ حَنَثَ، فَإنْ خَرجَ دونَ رَحلِهِ وأَهلِهِ حَنَثَ. فَإنْ وَهَبَ رَحلَهُ أَو أَودَعَهُ، أو أعارَهُ وخَرَجَ لم يَحنَثْ فَإنِ امتَنعَتْ زَوجتُهُ مِنَ الخروجِ وَلمْ يُمكِنْهُ إخراجها لم يَحنَثْ فَإنْ أقامَ لِنَقلِ الأَمتعَةِ والرَّحْلِ، أو كَانَ لَيلاً فَخَشِىَ عَلَى نَفسِهِ إنْ خَرجَ، فأَقامَ حَتى طَلعَ الفَجرُ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يُسَاكنُ فلانَاً في هَذهِ الدَّارِ، وفي هَذهِ القريَةِ فَعلَى مَا ذَكرنَا.
__________
(1) في الأصل: ((عشرين)).
(2) في الأصل: ((رطل واحد)).
(3) في الأصل: ((خمس)).
(4) كررت في الأصل.
(5) انظر: الكافي 4/ 397.(1/450)
فَإنْ كَانَ في الدَّارِ حُجرَتانِ، يَستقِلُّ بكلِ وَاحِدِ منهُما بمَرافق وبَابٍ يخصها مَسكن كُلُّ وَاحِدٍ في حُجرَةٍ لم يَحنَثْ، وَإنْ تَشَاغَلا بقِسمَةِ الدَّارِ وَبنَيَا بينَهمَا حَائطاً وفتحَ كُلُّ وَاحدٍ مِنهُمَا بَابَاً، وَهُما مُتسَاكِنَانِ في مُدَةِ التَّشَاغُلِ بذلِكَ، فهل يَحنَثُ بِذَلِكَ أَم لا؟ عَلَى وَجهَينِ، فَإنْ حَلَفَ لَيرحَلَنَّ عَنْ هَذهِ الدَّارِ، وَلم يَنوِ وَقتَاً فَرحَلَ، فَهلْ يَجوزُ أنْ يَعودَ إليهَا بَعدَ وَقتٍ؟ نَقَلَ مُهَنَّا لا يَعودُ، وَنقلَ إسمَاعِيلُ بنُ سَعيدٍ فِيمَن حَلَفَ لَيخرُجَنَّ مِن بَغدادَ بالطَّلاقِ فَخَرجَ ثمَّ رَجعَ فقَالَ: مَضَتْ يَمِينُهُ ولا شَيءَ عَلَيهِ (1)؛ لأنهُ حَلَفَ عَلَى الخُروجِ وَقَد خَرجَ.
فَعلَى هَذا التَّعليلِ، لَهُ أنْ يَعودَ إلى الدَّارِ، لأَنهُ حَلَفَ عَلَى الرَّحِيلِ وَقَد رَحَلَ فلا حَنَثَ عَلَيهِ إذا عَادَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ دَارَ فُلانٍ هَذهِ، فَدخَلَهَا وقَد خُرِبَتْ، وَصَارتْ فَضَاءً أو غُيِّرَتْ فَصُيرَتْ حَمَّامَاً أو مَسجِدَاً، حَنثَ إلاّ أن يكونَ لَهُ نية، وكَذلِكَ إنْ بَاعَهَا فُلانٌ ثم دَخلَها حَنَثَ، فَإنْ لَم يَدخُلْها لَكِنَّهُ دخَلَ سَطحَها حَنَثَ.
فَإنْ دَخَلَ طَاقَ البَابِ فَهل يَحنَثُ؟ يَحتَمِلُ وجهَينِ (2)، فَإنْ كانَ دَاخِلَ الدَّارِ فَحلَفَ لا يَدخُلُها فَإنْ لَم يَخرَجْ في الحَالِ حَنَثَ. أَومَأ إليهِ أحمدُ - رَحِمَهُ اللهُ - (3)، وَعندِي أَنهُ لا يَحنَثْ، إلا أنْ يَكونَ بَينَهُ مُفَارَقَةِ أَهلِ الدَّارِ أَو يَكونَ سَبَبُ يَمينِهِ يَقتَضِي ذَلِكَ، فَإنْ حَلَفَ لا دَخَلتُ بَابَ هَذهِ الدَّارِ، فَإنْ حُوِلَ بَابُها ودَخلَهَا حَنَثَ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ بَيتَاً فَدخَلَ المسجِدَ، أوِ الحمَّامَ، أو بَيتَاً مِن شَعرٍ، أو أَدَمٍ، حَنَثَ. فَإنْ دخَلَ دِهليزَاً أو صفةً أو طرر، لم يَحنَثْ / 311 و/.
وإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ فأُدِخلَ فلانٌ عَلَيهِ فأقامَ مَعهُ حَنَثَ، ويحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثْ إلا أنْ يَنوِيَ أنْ لا يجتَمِعَ مَعَهُ في بَيتٍ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ الدَّارَ فَحُمِلَ بغَيرِ أَمرِهِ فأُدِخِلَهَا، وَكانَ يُمكِنُهُ الامتِنَاعَ فلَم يَمتَنِعْ احتَملَ وَجهَينِ، أحدُهُما يَحنَثُ والآخَرُ لا يَحنَثْ (4).
فَعلَى هَذا الوَجهِ إنْ أَقَامَ بَعدَ دُخولِهِ فَهَل يَحنَثُ؟ يخرَجُ عَلَى مَسألةِ إذا حَلَفَ لا يَدخُل الدَّارَ، وَهوَ فِيهَا، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ دَارَ فلانٍ، فَدخَلَ دَارَاً يَسكُنُهَا فلانٌ بِالأجرَةِ يحنَثُ، إلا أنْ يَنوِيَ مَلكَهُ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ عَلَى فُلانٍ بَيتَاً، فَدخَلَ بيتَاً هوَ فِيهِ، وَلم
__________
(1) انظر: المغني 11/ 288، والكافي 4/ 407.
(2) الوجه الأول يحنث لأنه دخل في حدها، والثاني: لا يَحنَثْ، لأنه لا يسمى داخلاً، انظر الكافي
4/ 406، والشرح الكبير 11/ 245.
(3) انظر: المغني 11/ 295، والشرح الكبير 11/ 270.
(4) الوجه الأول اختيار أبي محمد؛ لأن لَهُ نوع اختيار أشبه ما لو كان الدخول بأمره، والوجه الثاني: حكي عن القاضي؛ لأن الفعل منسوب إلى غيره، انظر: المغني 11/ 289.(1/451)
يَعلمْ كَونَهُ فيهِ يُخرجُ عَلَى روايتَينِ بِنَاءً عَلَى دُخولِهِ عَلَيهِ نَاسِياً فَإنْ دَخَلَ عَلَى جَماعَةٍ هوَ فِيهِمْ ويعلَمُ بِذلِكَ حَنَثَ.
فَإنْ نَوى بِدُخولِهِ عَلَى غَيرِهِ فَهلْ يَحنَثُ؟ يَحتَمِلُ وَجهَينِ، وَمِثلُ ذَلِكَ إنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ فُلاناً، فَسَلَّمَ عَلَى جَماعَةٍ هوَ فيهِم يخرجْ عَلَى الأحوالِ الثَلاثةِ.
فَإنْ حَلَفَ لَيدخُلَنَّ الدَّارَ فأَدخَلَ بَعضَ جَسَدِهِ لم يَبرَّ، وإنْ حَلَفَ لا يَدخُلَها فَأَدخلَ بَعضَ جَسَدِهِ، فَعلَى روايتَينِ، أحدُهُما يَحنَثُ، اختَارَهَا شَيخُنَا وَالأخرى لا يَحنَثْ وَهوَ الأقوَى عِندِي (1).
فَإنْ حَلَفَ لا دَخَلتُ هَذهِ الدَّارَ ثمَّ قَالَ: نَوَيتُ اليومَ دِيْنَ، وَهَلْ يُقبَلُ في الحُكمِ؟ يُخرَّجُ عَلَى رِوايتَينِ.
فَصلٌ ثَانٍ في اللبسِ وَالركوبِ
إذا حَلَفَ لا يَلبسُ مِنْ غَزلِها، فَلبِسَ ثَوباً فِيهِ مِنْ غَزلهِا، فَنقلَ مهنّا أَنهُ يَحنثُ، وَنقَلَ أَبو الحارِثِ أَنَّهُ لا يَحنَثْ (2). فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ ثَوباً نَسجَهُ زَيدٌ، فَلبِسَ ثَوباً نَسجَهُ زيدٌ وَعمرٌو، فَهَلْ يَحنَثُ؟ عَلَى روَايتَينِ (3)، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَأكُلُ طَعامَاً اشترَاهُ زَيدٌ، أو طبَخهُ زَيدٌ، فأكَلَ طَعامَاً اشتَراهُ زَيدٌ وَعَمرٌو، صَفقَةً واحِدَةً أو قدراً طَبخَاهَا مَعاً فَهلْ يَحنَثُ؟ عَلَى رِوايتَينِ (4)، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ مِنْ غَزلهِا يَقصِدُ بذلِكَ قَطعَ المنَّةِ فَإنْ بَاعَ الغَزلَ، واشتَرى بِثَمنِهِ ثَوباً فَلبِسَهُ حَنَثَ، وكَذلِكَ إذا امتَنَّ عَلَيهِ إنسَانٌ، فَحلَفَ لا يشرَبُ لَهُ هَذا الماءَ مِن عَطَشٍ فَإنَّهُ مَتى استَعَارَ ثَوبَهُ فَلِبسَهُ أو أكَلَ لَهُ خُبزَاً أو رَكِبَ لَهُ دابةً حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ هَذا الثَّوبَ فَعلَى أيِّ وَجهٍ لَبسَهُ حَنَثَ سَواءٌ قَطعَهُ قَمِيصَاً أو إزَارَاً أو تَعمَّمَ بهِ فَإنْ كانَ الثَّوبُ قَمِيصَاً فَجعَلَهُ سَراويلاً أو قباءً حَنَثَ، وَعلَى هَذا إذا حَلَفَ لا يُكَلِّمَ هَذا الصَبِيَّ /312 ظ/ فَصَارَ شَيخَاً أو لا أَكلَ لَحمَ هَذا الحَملِ فَصَارَ كَبشَاً أو لا أَكَلَ هَذا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمرَاً، أو دِبسَاً، أو خَلاً، أو حَيصَاً، أو مَا تَولَّدَ مِنهُ، أو لا يَأكُلُ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 205 /ب، والمغني 11/ 292 - 293، والكافي 4/ 414، والزركشي 4/ 391 - 392.
(2) انظر الروايتين والوجهين 205 - /ب، والمغني 11/ 297.
(3) الرواية الأولى: يحنث، والرواية الثانية: لا يَحنَثْ. انظر: المغني 11/ 297، والكافي 4/ 414.
(4) الرواية الأولى: انه يحنث، وهذا اختيار الشيخين، لأن زيداً مشترٍ لنصفه ونصفه طعام فوجب أن يحنث به لوجود المحلوف عَلَيهِ كما لو انفرد زيد بشرائه، هذا مقتضى قول الخِرَقِيِّ والشريف وابن البناء
وغيرهم، والرواية الثانية: لا يحنث.
انظر: المغني 11/ 297، والكافي 4/ 414، والزركشي 4/ 394 - 395.(1/452)
هَذا اللبنَ، فَعُمِلَ كَامِخَاً (1)، أو جُبنَاً، أو مصلاً، فَإنَّهُ يَحنَثُ بِأَكِلِهِ إلا أنْ يَنوِيَ ما دَامَ عَلَى تِلكَ الصِفَةِ، وعلى هَذا إذا حَلَفَ لا كَلَّمتُ زَوجَةَ فُلانٍ هَذهِ أو غَلامَهُ أو صَدِيقَهُ هَذا ثمَ كَلَّمَ الزَّوجَةَ بَعدَ
الطَّلاقِ، أو الغُلامَ بعدَ صَرفِهِ أو الصَّدِيقَ بَعدَ عَداوتِهِ حَنَثَ، إلا أنْ يَكونَ لَهُ نِيَّةٌ، فَإنْ حَلَفَ عَلَيهَا أنْ لا لَبِستِ حلياً حَنَثَ، بأيِّ حلِيٍّ لَبِسَتْ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والجَوهَرِ وَالياقُوتِ فَإنْ لَبِسَتْ دَرَاهِمَ أو دَنانِيرَ في مرسلة فَهلْ يَحنَثُ؟ يَحتَمِلُ عَلَى وجهَينِ (2) فَإنْ لَبِسَتْ العَقِيقَ أوِ السَّبجَ (3) لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبسُ ثَوبَاً وَهوَ لابِسُهُ أو لا يَركَبُ دَابَّةً وَهوَ رَاكِبُهَا، فَإنْ استَدَامَ ذَلِكَ حَنَثَ، وَإنْ حَلَفَ لا يتَزوجُ، ولا يتَوضَأُ ولا يتَطيَّبُ وَهوَ مُتَزوِجٌ مَتَطهِرٌ مُتَطيِبٌ فَاستَدامَ ذَلِكَ لم يَحنَثْ، وَإنْ حَلَفَ لا يَلبَسُ شَيئَاً فَلبِسَ دِرعَاً، أو جَوشَناً، أو خُفَّاً، أَو نَعلاً حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَلبَسُ ثَوبَ عَبدِ فُلانٍ، ولا يَركَبُ دَابتَهُ، ولا يَدخُلُ دَارَهُ فَرَكِبَ دَابةً قَد جَعلَت ترسمّه، وَلَبسَ ثَوباً قد جعل يرسمه ودَخَلَ دَارَاً أسكَنَها حَنَثَ وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَركَبُ دَابَّةَ فُلانٍ فَركِبَ دَابَّةً استَأجَرَهَا فُلانٌ حَنَثَ فَإنْ رَكِبَ دَابَّةً استعَارَهَا فلانٍ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَركَبُ دَابةَ فُلانٍ فَرَكبَ دَابَّةَ عَبدِهِ حَنَثَ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا دَخَلَ دَارَ فلانٍ، فَدخَلَ دَاراً لَهُ مؤجرَةً، ذَكَرهُ شَيخُنَا، فَإنْ حَلَفَ لا ركِبتُ فَركِبَ في سَفِينتِهِ حَنَثَ إلا أنْ ينوِيَ.
فَصلٌ ثَالِثٌ في الأَكْلِ وَالشُّربِ والشَمِّ
إذا حَلَفَ لا يأكُلُ اللَحمَ، فَأَكلَ الشَّحمَ، أو المخَّ، أو الدَّماغَ أو الأليةَ، أو الكَبدَ، أو الطحالَ، أو القَلبَ، أو القَانصَةَ (4)، أو الكرشَ، أو المصرانَ لم يَحنَثْ، فَإنْ أَكلَ لَحمَ السَّمَكِ أو الرَأسِ حَنَثَ (5)، وَقَالَ ابنُ أبي مُوسَى في الإرشَادِ لا يَحنَثْ إلا أنْ يَكونَ نَواهُ باليَمينِ (6)، فَإنْ أَكلَ مَرقَ اللحمِ، فقَالَ في رِوايَةِ صَالِحٍ لا يُعجِبُنِي (7)، لأَنَّ طَعمَ اللحمِ
__________
(1) وَهوَ ما يؤتدم به، واطلق عَلَى المخللات المشهية والمراد هنا المعنى الأول. انظر: تاج العروس
7/ 33.، والمعجم الوسيط 2/ 798 (كمخ).
(2) الوجه الأول: لا يَحنَثْ، لأنه ليس بحلي إذا لم يلبسه فكذلك إذا لبسه.
والوجه الثاني: يحنث لأنها من حلي الرجال ولا يقصد بلبسها محلاة في الغالب إلا التجمل بها.
انظر: المغني 11/ 296، والكافي 4/ 404 - 405.
(3) السبج: خرز اسود. انظر: المعجم الوسيط: 412 - 616.
(4) القانصة: وهي كالمصارين أو الكرش لغيرها. انظر: معجم متن اللغة 4/ 659 (قنص).
(5) انظر: المغني 11/ 320، والكافي 4/ 396، والزركشي 4/ 405.
(6) انظر: المغني 11/ 320، والكافي 4/ 396، والزركشي 4/ 406.
(7) وهذا قول القاضي وابن أبي موسى، انظر المغني 11/ 319، والكافي 4/ 403، والزركشي
4/ 404.(1/453)
قَد يُوجَدُ في المَرقِ وَهَذا عَلَى طَريقِ الورَعِ، وَالأَقوى أَنه لا يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ /313 و/ الشَّحمَ فَأَكَلَ اللحمَ الأَحمَرَ وَحدَهُ لم يَحنَثْ (1)، وَقالُ الخِرَقِيِّ يَحنَثُ (2).
وإنْ أكَلَ شَحمَ الظَّهرِ حَنَثَ (3) فإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الرُؤوسَ، فَإنَّهُ يَحنَثُ بِأَكلِ رؤوسِ الأنعَامِ، وَالطيَّورِ والحيتَانِ، ذَكَرَهُ شَيخُنَا (4)، وكَذلِكَ يخرجُ عَلَى قَولِهِ إذا حَلَفَ لا يأكُلُ بَيضَاً، تَناوَلَ بَيضَ السَّمَكِ، وَالجرَادِ، والطُّيورِ، وَعندِي لا يَحنَثْ، إلا بِأَكلِ رأسٍ جَرَتِ العَادَةُ أنْ يبَاعَ لِلأَكلِ مَنفَرِدَاً أو لا يدخُلُ فيه رُؤوسُ الطُيُورِ، وكَذلِكَ لا يَدخُلُ في البَيضِ بَيضَ مَا لا يُزايلُ بيَاضُهُ حَالَ الحَياةِ كبَيضِ السَّمَكِ وَالجَرادِ فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الزبدَ أو السَّمنَ فَأَكلَ اللبنَ لم يَحنَثْ وكَذلِكَ إن حَلَفَ لا يَأكُلُ لَبنَاً، فَأكَلَ زبدَاً، أو سَمنَاً أو مَصلاً، أو كشكاً، لم يَحنَثْ، نَصَّ عَلَيهِ (5).
وَكَذلِكَ إنْ أكَلَ جُبنَاً فَإنْ أكَلَ شِيرَازَاً (6) حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ سَويقَاً فَشَرِبَهُ، أو لا يَشَربُهُ فَأكلَهُ فَقَالَ الخِرَقِيِّ يَحنَثُ (7) وعلى ظَاهِرِ كَلامِهِ في رِوَايَةِ مُهنّا، فِيمَنْ حَلَفَ لا يَشرَبَ هَذا النَّبيذَ فثَرَدَ فِيهِ، وَأَكَلَهُ لا يَحنَثْ (8)، وَعلَى هَذهِ الرِوَايَةِ، إذا حَلَفَ لا يَشرَبُ هَذا السَّوِيقَ وَأَكلَهُ لا يَحنَثْ وَعَليهَا يُخرَّجُ إذا حَلَفَ لا يَأكلُ هَذا الرُّطَبَ فَعُمِلَ دِبسَاً، أو خَلاً لم يَحنَثْ، وكَذلِكَ سَائرُ مَسَائلِ التَّعيينِ إذا تَغيَرَتِ الصِّفَاتُ، وَالمذهَبُ هُوَ الأَولُ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الدِّبسَ فَذَاقَهُ ولَمْ يَبلَعْهُ لم يَحنَثْ. فَإنْ حَلَفَ لا ذَاقَهُ فأكَلَهُ حَنَثَ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَأكلُ سَمنَاً فأكَلَهُ بِالخُبزِ حَنَثَ، فَإنْ عَمِلَ بالسَّمنِ خَبِيصَاً (9)، فَصَارَ
__________
(1) انظر المغني: 11/ 320، والكافي: 4/ 404.
(2) وَهوَ ظاهر كلامه، لأنه من شحم وإن قل، ويظهر في الطبخ فَإنَّهُ يبين عَلَى وجه المرق وإن قل.
انظر: المغني: 11/ 320، والكافي: 4/ 404.
(3) وَهوَ قول القاضي لأنه يسمى لحماً ويسمى بائعه لحاماً ولا يفرد عن اللحم، وذهب الخِرَقِيِّ في ظاهر قوله واختاره طلحة أنه لا يَحنَثْ، وقال هو شحم لأنه يشبه الشحم في لونه وذوقه، ولا يسمى لحماً بمفرده، فعلى هذا يكون هذا، انظر المغني 11/ 318، والكافي 4/ 303 - 404.
(4) انظر المغني: 11/ 323، والكافي 4/ 397.
(5) وقال القاضي يحتمل أن يقال في الزبد إن ظهر فيه لبن حَنَثَ، يأكله وإلا فلا، انظر: المغني: 11/ 314، والكافي: 4/ 400 - 401.
(6) الشيراز هو اللبن الرائب المستخرج ماؤه انظر معجم متن اللغة 3/ 302 (شرز).
(7) انظر: الروايتين والوجهين: 206 /أ - ب، والمغني: 11/ 323 - 324، الكافي: 4/ 409، والزركشي: 4/ 407.
(8) انظر: الروايتين والوجهين: 206 /أـ ب، والمغني: 11/ 324، والكافي: 4/ 409، والزركشي: 4/ 407.
(9) الخبيص الحلواء المخبوصة من التمر والسمن جمعها أخبصة. انظر: المعجم الوسيط: 216 (خبص).(1/454)
مُستَهلَكَاً فِيهِ، فَأكَلَ مِنهُ يَحنَثُ، فَإنْ ظَهَرَ فِيهُ طعمُ السَّمنِ حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكلُ هَذهِ التَمْرَةَ فَاختَلطَتْ في التَّمرِ فَأَكلَهُ إلا وَاحِدةً لم يَحنَثْ.
وَالورَعُ أنْ لا يَقرَبَ زوجته حتَّى يَعلَمَ هَل أَكَلَ التَّمرَةَ أمْ لا؟ إن كَانَ يَمينُهُ بِالطَّلاقِ، فَإنْ حَلَفَ لا يأكلُ رُطَباً، فَأكلَ مذنباً حَنَثَ.
وإنْ أكَلَ تَمراً، أو بُسرَاً لم يَحنَثْ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَأكلُ تَمرَاً فَأَكَلَ دبسَاً أو لا يأكُلُ دِبسَاً فَأكَلَ نَاطِفَاً، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ شَعِيرَاً فَأكَلَ حِنطَةً فِيهَا حَبَّاُت شَعيرٍ حَنَثَ، وتخرجَ أَنْ لا يَحنَثْ عَلَى مَسألَةِ السَّمنِ في الخَبيصِ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الفَاكِهَةَ فَأكَلَ الرُّطَبِ، والعِنَبَ، والرمَّانَ، وَالبطِّيخَ (1)، واللوزَ حَنَثَ، كَمَا إذا أكَلَ التِّينَ والخَوخَ والأجَّاصَ /314 ظ/، والكمثرَى وَالسَفرجَلَ، وَالعنابَ، فَإنْ أكلَ الخِيارَ والقثاء لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ أدَمَاً فأكَلَ الشَوِيَّ والبَيضَ والجُبنَ، والملحَ، والزَّيتونَ حَنَثَ.
كَمَا إذا أكَلَ مَا يَصطَنِعُ بهِ مِنَ الخَلِّ، وَاللبنِ، والمرَقِ، وَإنْ أَكَلَ التَّمرَ احتَمَلَ وَجهَينِ (2).
فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ الخَلَّ فشَرِبُهُ أو لا يشرَبُهُ فَأَكَلَهُ بِالخُبزِ لم يَحنَثْ، عَلَى روايَةِ مُهنّا (3) وَعَلَى قَولِ الخِرَقِيِّ يَحنَثُ (4)، وكَذلِكَ يخرجُ في كُلِّ ما حَلَفَ لا يَأكُلُه فَشَرِبَهُ، أو يَشرَبُهُ فَأكَلَهُ وإنْ حَلَفَ لا يَطعَمُهُ حَنَثَ، بالأَكلِ والشُّربِ.
فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ السكَّرَ فتَركَهُ في فِيهِ حَتى ذَابَ خرجَ عَلَى الرِوايتَينِ (5)، وإنْ مَضَغَهُ، وبَلَعَهُ حَنَثَ، روايةٌ واحدةٌ، فَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مِنْ دِجلَةَ فَغَرفَ بِإنَاءٍ وشَرِبَ حَنَثَ.
كمَا لو حَلَفَ لا يَشرَبُ مِنَ البئرِ، فَاستَقَا وشَرِبَ، أو لا يَشرَبُ مِنَ الشَّاةِ فَحلَبَ، وَشَرِبَ.
__________
(1) وهذا القول ذكره القاضي؛ لأنه ينضج ويحلو أشبه ثمر الشجر، وهناك قول ثانٍ ذهب إلى أن البطيخ ليس بفاكهة لأنه ثمر بقلة أشبه الخيار والقثاء، انظر:: المغني 11/ 315، والكافي 4/ 401.
(2) الوجه الأول: هو إدام، والوجه الثاني: ليس بإدام، لأنه لا يؤتدم به عادة إنما يؤكل قوتاً، أو حلاوة فهو أشبه بالزبيب، انظر: المغني 11/ 316، والكافي 4/ 402.
(3) انظر الروايتين والوجهين: 206 /أ - ب، والمغني: 11/ 423 - 424، والكافي 4/ 409، والزركشي: 4/ 407.
(4) انظر الروايتين والوجهين: 206 /أ - ب، والمغني: 11/ 324، والكافي: 4/ 409، والزركشي: 4/ 407.
(5) انظر: المصادر السابقة.(1/455)
فَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مَاءَ هَذا النَّهرِ فَشَرِبَ مِنهُ جرعةً حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لَيشرَبَنَّ هَذا الماءَ في غَدٍ فَتلفَ قَبلَ الغَدِ حَنَثَ، عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ الخِرَقِيِّ (1).
وَيخرجُ أنْ لا يَحنَثْ إذا تَلفَ بِغَيرِ اختيارِهِ، لأنَّهُ كَالمكرَهِ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لَيضرِبَنَّ عَبدَهُ في غَدٍ فَماتَ العَبدُ قَبلَهُ فَإنْ حَلَفَ لَيشربَنَّ الماءَ الذي في الكُوزِ ولا مَاءَ فيهِ أو لَيأكُلَنَّ الخبزَ الذي في السَّلَّةِ ولا خُبزَ فِيها؛ تَنعَقِدُ بِيمينِهِ وكَذلِكَ إنْ حَلَفَ لَيقتُلَنَّ فلانَاً وَهوَ مَيِّتٌ وقَالَ شَيخُنَا: إنْ عُلِمَ بِموتِهِ حَنَثَ.
وَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مَاءَ هَذَا الكُوزِ فَشَرِبَ بَعضَهُ حَنَثَ عَلَى إحدَى الرِوايتَينِ ولم يَحنَثْ عَلَى الأخرَى (2)، وَهوَ الأَقوى عِندِي وَإنْ حَلَفَ لَيشرَبنَّ ماءَ هَذَا الكُوزِ لم يَبرَّ حتى يَشرَبَ جَميعَهُ روايةٌ واحدةٌ فَإنْ حَلَفَ لا يَشُمُّ البنَفسَجَ فَشَمَّ دهنَهُ حَنَثَ، وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَشُمُّ الوَردَ فَشمَّ مَاءَ الوَردِ فَإنْ حَلَفَ لا يَشُمُّ الرَّيحَانَ فَشَمَّ الوَردَ والبنفسَجَ والياسمَينَ فَإنَّهُ يَحنَثُ، كَمَا لَو شَمَّ الرَّيحانُ الفَارِسيَّ ويَحتمِلُ أنْ لا يَحنَثْ، فَإنْ شَمَّ الفاكِهَةَ لم يَحنَثْ وَجهَاً وَاحِدَاً وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَشُمُّ الطِّيبَ فَشَمَّها.
فَصلٌ رابِعٌ في البَيعِ والهبَةِ وَقَضَاءِ الحقُوقِ
إذا حَلَفَ لا يَبيعُ شَيئَاً فَباعَ بَيعَاً فَاسِدَاً لم يَحنَثْ، ذَكَرهُ الخِرَقِيِّ، وَيحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثَ؛ لأَنهُ يقَعُ عَلَيهِ اسْمُ البَيعِ (3)، فَإنْ بَاعَهُ /315 و/ بِشَرطِ الخِيارِ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا بَاعَ ثَوبَهُ مِنْ فُلانٍ بمئةٍ فَباعَهُ بِأقَّلَ حَنَثَ نَصَّ عَلَيهِ (4).
فَإنْ بَاعَهُ بِهذا الثَّمنِ فَباعَهُ بزِيادةٍ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَهبُ لِفلانٍ أو لا يوصِي لَهُ أو لا يَهدِي لَهُ أو لا يَتَصرَّفُ عَلَيهِ ثم فَعلَ ذَلِكَ ولم يَقبَلِ المَحلُوفُ عَلَيهِ حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَهَبُ لَهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيهِ فَقَالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ وعِندِي لا يَحنَثُ وَهوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحمدَ رَحِمهُ اللهُ في رِوَايةِ حَنبَلٍ (5) فِيمَنْ تَصدَّقَ عَلَى وَلدِهِ لا يَرجِعُ في شَيءٍ مِنَ الصَّدَقَةِ وَعِندَهُ أنَّ الألف تَرجِعُ في الهِبَةِ. فَإنْ وصَّى لَهُ لم يَحنَثْ فَإنْ وقف عَلَيهِ حَنَثَ، وكَذلِكَ أن باعه بالمحاباة حَنَثَ، ويحتمل أن لا يَحنَثَ فَإنْ أَعارَهُ حَنَثَ، وقَالَ شَيخُنَا: لا يَحنَثُ (6).
__________
(1) انظر: الشرح الكبير: 11/ 290.
(2) انظر: المغني: 11/ 292، 306، والزركشي: 4/ 391 - 392.
(3) انظر: المغني: 8/ 234، والزركشي: 4/ 359.
(4) انظر: المقنع: 247، والهادي: 247، والشرح الكبير: 11/ 212.
(5) انظر: المقنع: 318، الهادي: 247، المغني: 11/ 238.
(6) انظر: الهادي: 247، المغني: 11/ 238.(1/456)
فَإنْ حَلَفَ لا يَتَصدَّقُ عَلَيهِ فَوهَبَ لَهُ لم يَحنَثْ فَإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ مما اشتَراهُ زَيدٌ فَأَكَلَ مِمَا اشتَراهُ زيدٌ وَعَمرٌو حَنَثَ وَيَحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثَ وَإنْ اشتَرى زَيدٌ شَيئاً وخلَطَهُ بما اشتَراهُ عَمرٌو أَكلَ مِنهُ فَإنْ كَانَ أكثرَ مِنْ مِقدَارِ ما اشترَاهُ زَيدٌ حَنَثَ وأنْ أكَلَ مِثلَهُ أو دونَهُ يحتَمِلُ وَجهَينِ (1) فَإنْ استَردَّ مَأكولاً كَانَ قَد بَاعَهُ بِالمقَابلةِ فَأكَلَ مِنهُ فَهلْ يَحنَثُ؟ عَلَى وَجهَينِ. بناءً عَلَى المقابَلَةِ هل هِيَ بَيعٌ أو فَسخٌ؟ فَإنْ اشتَرى شَيئاً سَلَماً أو أَخَذَهُ عَلَى وَجهِ الصُّلحِ حَنَثَ فَإنْ وَكَّلَ زَيدٌ مَنِ اشتَرى لَهُ ثمَّ أكَلَ مِنهُ المحلوفُ حَنَثَ، وَكَذلِكَ إنْ حَلَفَ لا يَبيعُ فَوكَّلَ بِبيعٍ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا يَبيِعُ الخَمرَ ثم باعَهَا فَهلْ
يَحنَثُ؟ عَلَى وَجهَينِ (2) فَإنْ حَلَفَ لا يتَزوجُ فَتزوَجَ بِلا وَليٍ ولا شُهودٍ أو تَزوجَ أُختَ امرأَتِهِ في عِدَّتِهَا فَهَل يَحنَثُ؟ عَلَى وَجهَينِ (3) وإنْ حَلَفَ لا مَالَ لَهُ ولَهُ مَالٌ غَيرُ زَكاتِي أو دُيونٌ عَلَى النَّاسِ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لَيقضِينَّهُ حَقَّهُ فَقضَاهُ لِلوَرثَةِ لم يَحنَثْ، وقَالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ (4).
فَإنْ أبرأَهُ صَاحِبُ الحقِّ يخرجُ عَلَى وَجهَينِ (5)، بِنَاءً عَلَيهِ إذا أُكرِهَ ومُنِعَ مِنَ القَضَاءِ في الغَدِ هَلْ يَحنَثُ؟ عَلَى رِوايتَينِ (6) فَإنْ بَاعَهُ بمالِهِ عِندَهُ عروضَاً قبلَ أنْ يخرجَ الغَدُ وَقبضَهُ وخَرجَ الغَدِ لم يَحنَثْ، اختَارهُ ابنُ حَامِدٍ (7)، وَقالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ مَعَ كَونهِ قَدْ قَضَاهُ دينَهُ (8) فَإنْ حَلَفَ لَيقضِينَّهُ حَقَّهُ عِندَ رَأسِ الهِلالِ فقَضَاهُ عِندَ غُروبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَومٍ مِنَ الشَّهرِ لم يَحنَثْ وإنْ قَضَاهُ بعدَ ذَلِكَ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا فَارقْتُكَ /316 ظ/ حَتَّى أَستَوفِيَ حَقِّي مِنكَ فَفَرَّ مَنْ عَلَيهِ الحقُّ مِنهُ فَقالَ أَحمدُ رَحِمَهُ اللهُ في رِوايةِ محمدِ بنِ شَاكرٍ يَحنثُ وَقالَ الخِرَقِيِّ: لا يَحنَثُ (9).
فَإنْ فلَّسَهُ الحاكِمْ وحَكَمَ عَلَيهِ بِفِراقِهِ فَهلْ يَحنَثُ أَمْ لا؟ يتَخرَّجُ عَلَى رِوايتَينِ (10) فَإنْ أعطَاهُ حَقَّهُ في الظَّاهِرِ فَفارقَهُ فَخَرجَ الذي أعطَاهُ فلوسَاً أو ردَّيةً فهَلْ يحنَثُ؟ يخرجُ عَلَى
__________
(1) الوجه الأول: يحنث، والثاني: لا يَحنَثْ، المغني: 11/ 297.
(2) انظر: الكافي: 4/ 399، والهادي: 247، والشرح الكبير: 8/ 224.
(3) الوجه الأول يحنث، والثاني: لا يَحنَثْ، انظر الكافي: 4/ 399، والمغني: 11/ 234.
(4) انظر: المقنع: 322، والمغني: 11/ 305.
(5) الأول: يحنث لأنه لم يفعل ما حَلَفَ عَلَيهِ، والثاني لا يَحنَثْ لأنه منع من فعله فأشبه المكره عَلَى قول ما حَلَفَ عَلَى تركه، انظر: المقنع: 322، والشرح الكبير: 11/ 302.
(6) انظر: الهادي: 247.
(7) انظر: الهادي: 247.
(8) المرجع نفسه.
(9) انظر: المقنع: 322، المغني: 11/ 307، والمحرر: 2/ 82.
(10) انظر: المقنع: 322، المغني: 11/ 307، والمحرر: 2/ 82.(1/457)
رِوايتَينِ (1). في النَّاسِي والجَاهِلِ فَإنْ أَحَالَهُ أحالهُ بالحقِّ فَقبِلَ الحَوالةَ وانصَرفَ حَنَثَ فَإنْ فَعلَ ذَلِكَ ظنَّاً مِنهُ أنهُ قَد بَرَّ فَهلْ يَحنَثُ أم لا؟ يخرجُ عَلَى رِوايتَينِ (2).
فان حَلَفَ لا افتَرَقْنَا حَتَّى استَوفيَ مِنكَ حَقِّي فَفرَّ مَنْ عَلَيهِ الحقُّ حَنَثَ، وَمِقدَارُ مَا يَقَعُ عَلَيهِ بهِ الفِراقُ مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقاً، مِثلَ أنْ يَكونا في دَارٍ فَيخرُجَ المفَارِقُ عَنهَا أو في قَضَاءٍ فيُفَارِقَهُ عَنِ المكَانِ بمقدارِ فِرَاقِ المتتابعين.
فَصلٌ خَامِسٌ في الكَلامِ المعلَّقِ بِمُدَةٍ مَجهولَةٍ
إذا حَلَفَ لا يَتَكلَمُ فَقَرَأَ لم يَحنَثْ فَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِمُهُ فَدَقَّ عَلَيهِ البَابَ فَقَالَ: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} (3) يَقصِدُ تَنبيهَهُ بِالقُرآنِ لم يَحنَثْ وَإلا حَنَثَ (4). فَإنْ حَلَفَ لا يُكلمُهُ حِينَاً فَإنْ لم تَكُنْ لَهُ نِيةٌ (فَهوَ إلى سِتَّةِ أَشهُرٍ) نَصَّ عَلَيهِ (5)، قَالَ شَيخُنَا: وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يُكَلِّمُهُ زَمَاناً أو لا يُكَلمُهُ عُمْرَاً أو لا يُكَلِّمُهُ دَهرَاً وكَذلِكَ الحِينُ وَالزَّمَانُ. فأمَّا إنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُهُ الدَّهرَ فَهوَ عَلَى الأَبَدِ. قَالَ: وإذا حَلَفَ لا يُكَلمُهُ مَليَّاً أو طَويِلاً وعِندِي أنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ تَوقِيتٍ مِنْ ذَلِكَ رَجعَ إليهِ كَالحِينِ (6). نُقِلَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ (أَنهُ سِتةُ أشهرٍ) (7)، فَأمَّا غَيرُ ذَلِكَ مِنَ الأَلفَاظِ فَإنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ، وَإلا حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيهِ الاسْمُ مِنَ العُمرِ والدَّهرِ والزَّمَانِ، وكَذلِكَ في قَولِهِ: لا كَلَّمتُكَ بَعيدَاً أو مَلِيَّاً أَو طَوِيلاً فَأمَّا الحقبُ فَقِيلَ في التَّفسِيرِ عَلَى أَنهُ ثَمانونَ سَنَةً (8). فَإنْ حَلَفَ لا يُكلِّمُهُ شُهوراً. فَقالَ شَيخُنَا: يُحمَلُ عَلَى اثني عَشَرَ شَهراً، وَعِندِي أَنهُ يُحمَلُ عَلَى ثَلاثَةِ أَشهُرٍ وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يُكَلِّمَهُ أَياماً يُحمَلُ عَلَى ثَلاثةِ أيَّامٍ (9). وَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمَهُ إلى حِينِ
__________
(1) الأول يحنث، والثانية: لا يَحنَثْ، انظر: الهادي: 247، والشرح الكبير 11/ 312.
(2) الأول: يحنث، والثاني: لا يَحنَثْ، انظر: المغني: 11/ 308.
(3) الحجر: الآية 46.
(4) انظر: المغني: 11/ 301، والشرح الكبير: 11/ 246 - 247.
(5) انظر: المغني: 11/ 302، والشرح الكبير: 11/ 249.
(6) () انظر: المغني: 11/ 301، والشرح الكبير: 11/ 250.
(7) هكذا أخرجه الطبري في تفسيره 13/ 280.
(8) ورد هذا عن أبي هريرة، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وعمرو بن ميمون، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس والضحاك. انظر: تفسير مجاهد: 720، والزهد لابن المبارك: 90، وتفسير عبد الرزاق: 3/ 383 (3456)، (3457)، وتفسير الطبري: 3/ 7، وتفسير الوسيط للواحدي: 3/ 157، وتفسير البغوي: 5/ 201، وتفسير ابن كثير: 4/ 693 - 694.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 206/ب- 207/أ، والمغني 11/ 303 - 304، والشرح الكبير11/ 252 - 253.(1/458)
الحصَادِ أو إلى حِينِ الجَذاذِ. فَهلْ يَدخُلُ فيهِ جَميعُ زَمَانِ الحصَادِ والجَرادِ، أَو يَكونُ ابتِداءُ زَمانِ ذَلِكَ مُنتَهى يَمينِهِ؟ عَلَى رِوايتَينِ (1).
فَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ إنسَاناً حَنَثَ بِكلامِ كُلِّ مَنْ يُسمَى إنسَاناً مِنْ ذَكَرٍ أَو أنثَى وَصَغيرٍ وَكَبيرٍ وَعَاقلٍ /317 و/ وَمَجنونٍ، فَإنْ زَجرَ إِنساناً فَقَالَ: تَنَحَّ أو اسكُتْ حَنَثَ (2) فَإنْ حَلَفَ لا صَلَّى فَكَبَّرَ فَقالَ شَيخُنَا: يَحنُثُ وَعندِي لا يَحنَثْ حَتَّى يأتيَ برَكعَةٍ بَسَجدَتِها كَما لو حَلَفَ لا يَصُومُ فَإنَّهُ لا يَحنَثْ حَتى يَصُومَ يومَاً (3) فَإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ إنسَاناً حَتَّى يَبدَأَهُ ذَلِكَ الإنسَانُ بِالكَلامِ فَتكَلَّمَا معَاً حَنَثَ (4).
فَصْلٌ سَادِسٌ في الضَّربِ وَغَيرِهِ
إذا حَلَفَ لا يَضرِبُها، فَعضَّهَا أو خَنقَهَا أو نَتَفَ شَعرَهَا حَنَثَ ويَحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثْ بِذَلِكَ إلا أَنْ يَنوِيَ أَنْ لا يُؤلِمهَا أَومَأَ إليهِ في رِوايَةِ مُهنّأ (5) فَإنْ حَلَفَ أنْ يَضرِبَهُ مِئةَ سَوطٍ مُجمَعَةً وضَرَبهُ بها مَرَّةً وَاحِدَةً لم يَترُكْهَا لَو حَلَفَ أنْ يَضرِبَهُ مِئةَ سَوطٍ أَو ضَرَبهُ (6) فَإنْ حَلَفَ لَيتزَوَجَنَّ عَلَى امرَأَتِهِ لم يَبرَّ حَتَّى يَتَزوجَ نَظيرَتَها أو يَدخُلَ بهَا وَيحتَمِلُ أَنهُ يَأتِي امرَأةً تزوج نكاحَاً صَحِيحَاً لم يَحنَثْ كَمَا لو حَلَفَ لا يأكُلُ رَأسَاً (7). فَإنْ حَلَفَ لا يتَزَوَجُ فَوكلَ في التَّزويجِ حَنَثَ. فَإنْ حَلَفَ لا يَشتَرِي فَوطِئَ أَمتَهُ
حَنَثَ (8). فَإنْ حَلَفَ لا يَستَخدِمُ إنسَانَاً سَمَّاهُ فَخدَمهُ وَهوَ سَاكِتٌ لَم يَنهَهُ فَقالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ وَيحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثَ (9).
بَابُ الشَكِّ في الطَّلاقِ
وَإذا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أمْ لا؟ لَم يقعْ بهِ الطَّلاقُ. فَإنْ شَكَّ في عَدَدِ الطَّلاقِ بَنَى (10) علَى
__________
(1) انظر: المقنع: 320، والشرح الكبير 11/ 253 - 254، والكافي 4/ 410.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 206/ب، والمقنع: 320.
(3) انظر: المقنع: 318، والمغني 11/ 304، والمحرر 2/ 198.
(4) انظر: الراويتين والوجهين 206 /ب، والمغني: 11/ 303، والشرح الكبير: 11/ 247، وشرح الزركشي: 4/ 351.
(5) انظر: المقنع: 320، والشرح الكبير 11/ 263.
(6) انظر: الروايتين والوجهين: 207 / أ، والمقنع: 320، والمغني 11/ 325، والشرح الكبير: 11/ 263 - 264.
(7) انظر: المغني 11/ 236، والشرح الكبير: 11/ 224.
(8) انظر: المقنع: 321، والمغني: 11/ 236 - 237، والشرح الكبير: 11/ 225.
(9) انظر: المغني: 11/ 220، والشرح الكبير: 11/ 246، وشرح الزركشي: 4/ 351.
(10) في الأصل [بنا].(1/459)
اليقِينِ. فَإنْ طَارَ طَائِرٌ فَقَالَ: إنْ كانَ غُراباً فَعَمرَةُ طَالِقٌ وإنْ كَانَ حَمامَاً فَزَينَبُ طَالِقٌ وَلَمْ يَعلَمْ مَا هوَ، لمَ تَطلَقْ وَاحِدَةٌ مِنهُما. فَإنْ قَالَ: فَإنْ كَانَ غُرابَاً فَنِسَاؤهُ طَوالِقُ، وإنْ لم يَكُنْ غُرابَاً فَعَبيدُهُ أَحرَارٌ، وَلَم يَعلَمْ مَا كَانَ. أقرعَ بينَ النِّسَاءِ وَالعَبِيدِ، فَإنْ خَرجَتْ قُرعَةُ الطَّلاقِ طَلَقَ النِّسَاءُ، وإنْ خَرجَتْ قُرعَةُ العِتقِ عَتقَ العَبيدُ، وعَلَيهِ نَفقَةُ الجَمِيعِ إلى حِينِ خُروجِ القُرعَةِ. فَإنْ رَأى رَجلانِ شَيخَاً مُقبِلاً فقَالَ أَحدُهُما: إنْ كَانَ هَذا زَيداً فَعبدِي حُرٌّ وقالَ الآخَرُ: إنْ لم يَكنْ زيداً فعَبدِي حُرٌّ وَغَابَ الرَّجُلُ فلَمْ يَعلَمَا مَنْ كَانَ. لَم يَتَعينِ الحنثُ في حَقِّ أَحدِهمَا فَإنِ اشتَرى أحدُهُما عَبدَ الآخَرِ عُتِقَ عَلَيهِ أَحَدُ العَبدَينِ فَأيُّهما يُعتَقُ؟ قَالَ شَيخُنَا: يُعتَقُ الذي اشتَراهُ (1). وَعندِي أَنهُ يقَرعُ بَينَ العبدَينِ مِمَّنْ خَرجَتْ قُرعتُهُ مِنَ العَبدَينِ عُتِقَ. فَإنْ طلَّقَ أحدَ زَوجتَيهِ وأنسيها أَو قالَ: إحدَى زَوجَتيَّ طَالِقٌ أَقرعَ بَينَ الزَّوجتَينِ فَمنْ وقَعَ عَلَيهِا القُرعَةُ فَهِيَ المطَلَّقةُ /318 ظ/. فَإنْ ذَكرَ بَعدَ أنْ قَرعَ أنَّ المُطَلَّقةَ غَيرُ التي وَقَعَ عَليهَا القُرعَةُ. فَقالَ أَبو بكرٍ وَابنُ حَامِدٍ: تَطلَقُ الزَّوجَتَانِ. وَظَاهِرُ كَلامِ أَحمدَ رَحِمهُ اللهُ أنَّ التي وَقَعَتْ عَلَيهَا القُرعَةُ تَرجِعُ إلَيهِ (2) إلا أنْ يَكونَ قَالَ: تَزَوجَتْ أو تَكونَ القُرعَةُ بحُكمِ حَاكِمٍ، فَإنَّهُ لا يَنقُضُ ذَلِكَ. فَإنْ مَاتَ قَبلَ أَنْ يُقرِعَ أَقرَعَ الورَثةُ بَينَهُمَا فَمَنْ وَقعَتْ عَلَيهَا القُرعَةُ حُرمَتِ الميرَاثَ، وَكَذلِكَ إنْ
مَاتَتِ (3) الزَّوجتَانِ أو إحدَاهُما أقرعَ بينَهمَا فَإنْ وَقَعَتِ القُرعَةُ عَلَى الميتةِ حَرمنَاهُ مِيرَاثَهَا وَهَذا إذا كَانَ الطَّلاقُ بَائِناً فَإنْ قَالَ لِزَوجَتهِ وَأَجنَبيّةٍ: إحداكُما طَالِقٌ ثمَ قَالَ: أَرَدتُ الأَجنَبِيَةَ اسمها سَلمَى دِيْنَ وَهَلْ يُقبَلُ في الحُكمِ؟ يخرَجُ عَلَى روايتَينِ (4) فَإنْ قَالَ: يَا سَلمَى، فأَجَابْتهُ زَوجَةٌ لَهُ أخرى تُسمَّى زينبَ فَقالَ: أَنتِ طَالِقٌ وَقالَ: ظَنَنتُها سَلمَى طَلقَتِ الزَّوجتَانِ في إحدى الرِّوايتَينِ وفي الأخرى تَطلَقُ سَلمَى وهيَ اختِيارُ ابنِ حَامِدٍ (5) فَإنْ أشَارَ إلى سَلمَى وَقَالَ يَا زَينَبُ أَنتِ طَالِقٌ ثمَّ قَالَ: عَلِمْتُ أنَّ المشَارَ إليهَا سَلمَى، وَأَردتُ طَلاقَ زينبَ طَلَقَتَا رِوايَةٌ واحِدَةٌ فَإنْ لَقِيَ أجنَبيَةً فَقَالَ: أَنتِ طَالِقٌ ثمَ قَالَ: ظَنَنتُها زَوجَتي طلقَتْ زَوجتُهُ. فَإنْ كَانَ لَهُ أَربَعُ نِسوَةٍ فقَالَ: زَوجَتي طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلاقُ بالأَربَعِ وَكَذلِكَ إذا قَالَ: أَمَتي حُرَّةٌ ولَهُ إمَاءٌ.
__________
(1) انظر: الهادي: 88، والشرح الكبير 8/ 467.
(2) انظر: المقنع: 244، والمحرر: 2/ 61، والزركشي: 3/ 38.
(3) في الأصل ((مات)).
(4) الأولى: يقبل منه، والثانية: لا يقبل منه. انظر: المقنع: 245، والشرح الكبير: 8/ 468.
(5) انظر: المقنع: 245، والمحرر: 2/ 61، والشرح الكبير: 8/ 469.(1/460)
بَابُ الطَّلاقِ في المرَضِ
إذا طَلَّقَ الرَجُلُ زَوجَتهُ ثَلاثاً في الصّحَةِ لم يَتَوارَثا بِحالٍ. وإنْ كَانَ ذَلِكَ في مَرَضِ مَوتهِ وَرِثَتهُ ما دَامَتْ في العِدَّةِ روَايَةٌ واحِدَةٌ ولمْ يَرِثْها. فَإنْ مَاتَ بَعدَ انقضَاءِ العِدَّةِ فَهَلْ تَرِثُهُ أَم لا؟ عَلَى رِوايتَينِ: أحدُهُما: أنها تَرِثُهُ مَا لَم تَتَزوجْ، وَالثَانيةُ: لا تَرِثُهُ. فَإنْ طَلقَها طَلقةً رَجْعيةً وَهوَ صَحيحٌ فَماتَ أحَدُهُما في العِدَّةِ وَرِثَهُ اْلآخرُ، وَإنْ مَاتَ أَحدُهُما بَعْدَ اْنقَضاءِ العِدَّةِ لم يَرِثهُ اْلآخرُ. فَإنْ كانَتْ الطَلقةُ في المَرضِ تَوارثا مَا دَامتْ في العِدَّةِ. فإِن مَاتَتْ بَعدَ اْنقَضاءِ العدةِ لَمْ يَرثْها، وإِنْ ماتَ الزوجُ وَرِثَتُه مَا لمْ تَتَزوجْ، فإِنْ كَانَ الطَّلاقُ في المَرضِ ثُم صَحَّ ثم مَرِضَ ومَاتَ كَانَ حُكمَهُ حُكمَ الطَلاقِ في الصِحَةِ وَقَدْ بَينا ذَلِكَ فَإنْ طَلَّقَ اْمرأَتَهُ الذِمَية أو الأَمَةُ ثَلاثاً في مَرضِهِ ثُمَّ أَسلَمَتِ الذِميةُ أو أُعتقَتِ الأَمَةُ قَبلَ أَنْ يَموتَ ثُمَّ مَاتَ، وَهُما في العِدَّةِ لمْ يَرِثاهُ. وإنْ كانَ طَلاقُهُ رَجعِياً وَرِثتاهُ ما دَامَتا في العدةِ في رُوايةٍ وَما لم يتَزوجا في الأُخرى (1)، فإِنْ قَالَ لَها وَهوَ مَريضٌ: إِذا أُعتِقتِ فَأَنتِ طَالِقٌ ثلاثاً، فأَعتِقَتْ وَهوَ مريضٌ ثمُ ماتَ، ورِثَتْهُ ما لمْ تَتزوجْ في روايةٍ وَما لم تَنقَضِ العِدَّةُ في الأُخرى (2)، فَإنْ قَالَ لَها سَيدُها: أَنتِ حُرَّةٌ في غَدٍ. وَقَال الزَوجُ: أَنتِ طَالِقٌ ثَلاثَاً بَعدَ غَدٍ، فإنْ كانَ يَعلمُ بِعتقِ السَيِدِ وَرِثَتهُ. وإِن لمْ يَعلَمْ بِعتقِهِ لَمْ تَرثهُ. فإِن سأَلتهُ الطَّلاقَ وَهوَ مريضٌ فَطَلَّقها ثَلاثاً فَهلْ تَرِثُ أَم لا؟ عَلَى روايتَينِ (3). وَكَذلِكَ إِنْ علَّقَ طَلاقَها عَلَى فِعلٍ لها مِنهُ بدٌّ مِثلُ دُخولِ الدارِ، وَكَلامِ أُختِهَا، وَالخرُوجِ فَفَعلتهُ فَهَل تَرثهُ أَم لا؟ عَلَى رِوايتَينِ (4) فَإنْ عَلقَ طلاَقها عَلَى مَا لابدَّ لها مِن فِعلهِ مثلُ الصَّلاةِ والصِّيامِ ونحوِ ذَلِكَ فَفَعلتهُ وَرِثَتهُ روايةٌ واحدةٌ. فَإنْ عَلَقَ الطلاقَ الثلاثَ عَلَى فِعلٍ منْ جهتهِ مثلُ أَن يَقولَ: إِنْ لم أَضربْ غُلامي، إِنْ لمْ أَدخُلِ الدَّارَ فأَنتِ طَالِقٌ ثَلاثاً، ثمَّ مَاتَ قَبلَ أّنْ يَفعلَ ذَلِكَ ورثَتهُ. وإِنْ مَاتَتْ هيَ قَبلَ ذَلِكَ لَمْ يَرِثْها. وإنْ مَاتَ الغُلامُ وَهوَ مَريضٌ طَلَقتْ وهَلْ تَرثهُ يخرجُ عَلَى الرِوايتَينِ (5). فَإنْ قَالَ لها في الصِّحَةِ: أَنتِ طَالقٌ ثَلاثاً إنْ
__________
(1) انظر: المغني: 7/ 222 - 223، والإنصاف: 7/ 354 - 355
(2) الرواية الأولى: بانت ولم ترث والثانية: إنها ترث. انظر: المغني: 7/ 224، والإنصاف: 7/ 354 - 355.
(3) أحدهما: نقل مهنّا أنها ترثه، والثانية: أنها لا ترثه وهي ظاهر ما تدل عَلَيهِ رواية حنبل.
انظر: الروايتين والوجهين: 108/ أ - ب، والمغني: 7/ 223، والإنصاف: 7/ 354.
(4) انظر: الروايتين والوجهين: 109/ أ، والمغني: 7/ 223 - 224، والإنصاف: 7/ 354.
(5) أحدهما: لا ترثه؛ لأن اليمين كانت في الصحة، والثانية: ترثه لان الطلاق وقع في المرض.
انظر: الروايتين والوجهين: 109/ أ.(1/461)
لم أَتزَوجْ عَلَيكِ فَماتَ قَبلَ أَن يَتزوجَ وَرِثتهُ، فَإنْ مَاتَتْ هِيَ لمْ يرِثْها نَصَّ عَلَى ذلكَ (1) فَإنْ قَذَفَها في الصِحةِ وَلاعنَها في المرضِ وفُرِقَ بَينَها ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ تَرِثهُ؟ يُخرجُ عَلَى رِوايتَينِ (2). فَإنْ قَالَ لَها إِذا جَاءَ رأسُ الشَهرِ، فَأَنتِ طَالقٌ ثَلاثاً، فَجاءَ رأسُ الشَّهرِ وَهوَ مَريضٌ ثمَّ مَاتَ. فَهلْ تَرِثُهُ؟ يخرج عَلَى رِوايتَينِ فَإنْ استَكرهَ رَجلٌ امرَأةَ أَبِيهِ فَوطأَهَا في مَرَضِ الأَبِ بانَتْ مِنَ الأَبِ ولمْ يَسقُطْ مِيراثُها إِذا مَاتَ الأَبُ فَإنْ طاوَعَتهُ فَهلْ تَرِثُ؟ يخرجُ عَلَى رِوايتَينِ (3). وَلَو أَنَّ امرَأَةً مَريضَةً قَبَّلتِ اْبنَ زَوجِهَا بِشَهوةٍ، أَو اْستَدخَلتْ ذَكَرهُ بانتْ مِنهُ وإِنْ مَاتَتْ ورِثهَا الزَّوجُ سَواءٌ كانَتْ في العدَّةِ أو لَم تَكنْ. فَإنْ كانَ لَهُ أَربعُ نِسوةٍ فَطَلَّقَ إحداهُنَّ ثَلاثَاً في صِحتِه، وَتَزوجَ بِخامسَةٍ ومَاتَ ولم يَدرِ أيتَهِنَّ طَلقَ فَلِلخَامسَة رُبعُ مِيرَاثِ النِّسوةِ ويقرعُ بَينَ الأَربَعِ الأُوَلِ فَتخرُجُ المُطلقَةُ ويَكونُ الباقِي للثَّلاثِ /320 ظ/. فَإنْ طَلَّقَ إحداهُنَّ في المرَضِ؛ وَتَزوجَ الخامِسَةَ بَعدَ انقِضَاءِ العِدَّةِ المطلقة احتَمَلَ أَنْ يكونَ ميرَاثُ النِّسوَةِ بينَهنَّ أَخماسَاً واحتَمَلَ أَنْ لا تَرِثَ الخامِسَةُ مَعهُنَّ وعَلَى هَذا إذا كَانَ لَهُ أَربعُ زوجَاتٍ فَطلَّقهُنَّ في المرَضِ ثَلاثَاً واْنقضَتْ عِدَّتُهنَّ وتَزوجَ بأربعٍ ثمَّ مَاتَ، فَالمِيرَاثُ لِلمُطلَّقاتِ في أَحَدِ الوَجهَينِ وفي الوَجهِ الآخَرِ الميرَاثُ بَينَ الثَّمَانِ.
كِتابُ الرَّجعةِ والإباحةِ لِلزَّوجِ الأَوَّلِ
كُلُّ مُطلقَةٍ بَعدَ الدُّخولِ أوِ الخَلوَةِ إذا لم تستوفِ عَددَ طَلاقِهَا وَلم يَكُنْ طَلاقُهَا بِعِوَضٍ فَلَهُ أَنْ يَرتَجِعَهَا مَا دَامَتْ في العِدَّةِ سَواءٌ رَضِيَتْ أو كَرَهَتْ. وَيقَعُ بها طَلاقُهُ وَظِهَارُهُ وايلاؤُهُ، ويتَوارَثَانِ مَا دَامَا في العِدَّةِ. وَأَلفَاظُ الرَّجعِيَّةِ أَنْ يَقولَ: رَاجَعتُ زَوجَتي أَو ارتَجعتُهَا أَو أَردَدتُهَا، أَو أَمسَكتُهَا، فَإنْ قَالَ أَنكَحتُهَا، أَو تَزَوجتُهَا، لم تَقَعْ بهِ الرَّجعَةُ وقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَقَعُ بهِ الرَّجعَةُ (4). وَلَيسَ مِنْ شَرطِ الرَّجعَةِ الإشهَادُ في إحدَى الرِوايتَينِ، والأُخرى مِنْ شَرطِهَا الإشهَادُ (5). والرَّجعِيَةُ مبَاحَةٌ لِزَوجِهَا يَجوزُ أنْ تَتشَوَّفَ (6) لَهُ وَيَخلوَ
__________
(1) انظر: المغني: 7/ 225.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 109/ أ، والمحرر: 1/ 412.
(3) الأولى: ترثه والثانية لا ترثه بناءً عَلَى مسألة: إذا سألته الطلاق المتقدمة.
انظر: الروايتين والوجهين: 109/ أ، والمحرر: 2/ 412، والإنصاف: 7/ 358.
(4) انظر: المقنع: 245، والهادي: 191، والمغني: 8/ 484 - 485.
(5) نقل مهنّا أن الإشهاد شرط في الرجعة. ونقل ابن منصور أنه ليس بشرط.
انظر: الروايتين والوجهين: 37/ ب، والمغني: 8/ 482، والزركشي: 3/ 388.
(6) التشوفُ: البُدوُّ، والتزينُ، والتطلع. انظر: المعجم الوسيط: 500.(1/462)
بِها وَيسَافِرَ مَا دَامَتْ في العِدَّةِ وعَنهُ أنها غَيرُ مُبَاحَةٍ (1). والأَولُ أَصَحُّ فَعلَى هَذا إذا وَطأَهَا حَصَلَ بِذلِكَ. وَإنْ قبَّلهَا أو لَمسَهَا بِشَهوةٍ أو نَظرَ إلى فَرجِهَا فَعلَى وَجهَينِ: أحدُهُما: لا تَحصُلُ بذَلِكَ الرَّجعَةُ، والثَّاني: تَحصُلُ بهِ الرَّجعَةُ (2). وَسَواءٌ نَوى الرجعَةَ بِذَلِكَ أولَم يَنوِ وَعَنهُ: لا تَحصُلُ الرَّجعَةُ بالوَطءِ (3). ولَعلَّ اختِلافَ قَولهِ تَرجِعُ إلى أنَّهُ متَى أَباحَ وطأَهَا فَرجعتُهَا تَحصُلُ بهِ ولا يَستَحِقُّ بهِ مَهرٌ وَمتَى حرَّمهُ لَم تَحصُلُ بهِ الرَّجعَةُ. فإذا أَكرهَهَا عَلَيهِ لَزِمَهُ لها المَهرُ ولا يَصِحُّ تَعلِيقُ الرَّجعَةِ بِشَرطٍ ولا يَصِحُّ الارتِجَاعُ في الرَّدةِ وَهلْ يَصِحُّ الارتِجاعُ في الإحرَامِ عَلَى رِوايَتَينِ. فَإنْ اختَلفَ الزوجان بعد الطلاق فقال الزوج: قد أصبتُكِ فلي عليك الرجعة فأنكرته المرأةُ فالقول قَولُها. فَإنْ اتَّفَقَا عَلَى الإصَابةِ إلا أنَّ المرأةَ قَالَتْ: قَدِ انقَضَتْ عِدَّتي فَقَالَ الزَّوجُ: قَدْ كُنتُ رَاجَعتُكِ قَبلَ انقضَائِهَا فَأَنكَرتهُ فَالقَولُ قَولُهَا، وإنْ قَالَ الزَّوجُ قَد رَاجَعتُكِ فَقَالَتْ: قَدِ انقَضَتْ عِدَّتي قَبلَ رَجعَتِكِ فَأَنكَرهَا فَالقَولُ قَولُهُ. فَإنْ ادَّعَيا مَعَاً المرَاجَعةَ هوَ وانقِضَاءَ العِدَّةِ هِيَ، فَالقَولُ قَولُ المرأَةِ /321 و/. وَيَحتَمِلُ أنْ يُقرعَ بينَهمَا، فَمَنْ خَرجَتْ قُرعتُهُ فَالقَولُ قَولُهُ. فَإنْ طَهرتْ مِنَ الحَيضَةِ الثَّالثَةِ ولم تَغتَسِلْ. فَقالَ أَصحَابُنا: لَهُ أنْ يرتَجِعَهَا (4). وَعندِي لَيسَ لَهُ ذَلِكَ. وَكَذلِكَ إذا خَلا بِها قَالوا: تَحصُلُ الرَّجعَةُ بذَلِكَ (5). وعِندِي لا تَحصُلُ الرَّجعةُ بالخلوَةِ فَإنْ ادَّعَتْ أَنَّ عِدَّتها اْنقضَتْ في شَهرٍ لم يُقبلْ قَولهُا إلا بِبينَةٍ نَصَّ عَلَيهِ (6). وقَالَ الخِرَقِيُّ: يُقبَلُ مُجرَدُ قَولِهَا (7). وهَذا إذا طَلَّقَها في الطُّهرِ، وَقُلنا الإقراءُ الحَيضُ وَأقلُّ الطُّهرِ بَينَ الحيضَتَينِ ثَلاثةَ عَشَرَ يَومَاً فَأمَّا إنْ قُلنَا أقلُّ الطُّهرِ بَينَ الحيضَتَينِ خَمسَةَ عَشَرَ
__________
(1) نقل أبو الحارث وأبو طالب في ظاهر روايتها أنها مباحة. ونقل أبو داود في روايته: أكره أن يُرى شعرها فظاهر هذا إنها محرمة.
انظر: الروايتين والوجهين: 138/أ، والمغني: 8/ 477، والزركشي: 3/ 391.
(2) المنصوص عن أحمد انه ليس برجعة وقال ابن حامد فيه وجهان: أحدهما: هو رجعة والثانية ليس
برجعة. فأما اللمس لغير شهوة والنظر لغير شهوة فليس برجعة باتفاق لأنه يحصل مع الزوجة وغيرها. انظر: المقنع: 245، والمغني: 8/ 483 - 484.
(3) انظر: المقنع 245، والمحرر: 2/ 83، والمغني: 8/ 482.
(4) هما روايتان ذكرهما ابن حامد الأولى: لا تنقضي عدتها حتى تغتسل ولزوجها رجعتها في ذَلِكَ وَهوَ ظاهر كلام الخِرَقِيِّ والثانية: أن العدة تنقضي بمجرد الطهر قبل الغسل وهذه اختارها أبو الخطاب.
انظر: المقنع: 245، والمغني: 8/ 479.
(5) وظاهر كلام الخِرَقِيِّ أنه كالإصابة في إثبات الرجعة وقال أبو بَكْرٍ: لا رجعة لَهُ عليها إلا أن يصيبها.
انظر: المغني: 8/ 493، والزركشي: 3/ 39. .
(6) انظر: المقنع 246، والهادي: 191، والمغني: 8/ 487 - 488، والزركشي: 3/ 394.
(7) انظر: الزركشي 3/ 394.(1/463)
يَومَاً لم يُقبَلَ قَولُها في أَقلَّ مِنْ ثَلاثَةٍ وَثَلاثينَ يَومَاً وَلحظَةٍ وإنْ قُلنَا الإقرَاءُ الإطهَارُ فَأقَلُّ الطُّهرِ ثَلاثَةَ عَشَرَ يَومَاً فَأَقلُّ مَا تنقَضِي عِدَّتُها في ثمانيةٍ وعِشرينَ يَوماً وَلحظَتَينِ. وإنْ قُلنَا أقلُّ الطُّهرِ خَمسَةَ عَشَرَ يَومَاً، فَأَقلُّ مَا تَنقَضِي عِدَّتُها في اْثنَينِ وثَلاثِينَ يَومَاً ولَحظَتَينِ. فَإنِ ادَّعَتِ انقِضَاءَ عِدَّتِها بوَضْعِ الحَمْلِ، فَالقَولُ قَولُها إذا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ مُمكِناً وَهلْ يُحلَّفُ مَنْ قُلنَا، القَولُ قَولُهُ أَم لا؟ عَلَى رِوايتَينِ (1). وإذا طلَّقَ الحُرُّ امرَأتَهُ دونَ الثَّلاثِ، أو طلَّقَ العَبدُ طَلقَةً ثم عَادَتْ إليهِ بِرَجعَةٍ أو نِكَاحٍ قَبلَ أنْ يطأَهَا زَوجٌ ثَانٍ (2). عَادَتْ بِما بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الطَّلاقِ، وإنْ عَادَتْ إليهِ بَعدَ أَنْ وَطأَهَا زَوجٌ غَيرهُ فَكَذلِكَ أيضَاً في إِحدَى الرِوايتَينِ وفي الأُخرى تَعودُ بِطَلاقِ ثَلاثٍ (3). فَإنْ استَوفَى الزَّوجُ عَدَدَ الطَّلاقِ لم تَحلَّ لَهُ المرأَةُ حَتى تَتزَوجَ بِغَيرِهِ، ويَطَأَهَا في القُبُلِ. وَأَدنَى ما يَكفِي مِنْ ذَلِكَ تَغييبُ الحَشفَةِ في الفَرجِ. فَإنْ كَانَ مَجبوبَاً وَبقِيَ مِنَ الذَّكَرِ بِقَدرِ الحشَفَةِ فَأَولجَهَا حَلَّتْ. وَإنْ وَطأَها زَوجٌ مُراهِقٌ أَحلَّهَا. وإنْ وَطأَهَا رَجُلٌ بِشُبهَةٍ، أو كَانَتْ أَمةً فَوطأَهَا مَولاهَا لَم تَحلَّ. وَإنْ وَطأَهَا زَوجٌ بِنكَاحٍ فَاسِدٍ فَهلْ تَحِلُّ؟ يَحتَمِلُ وَجهَينِ (4). وإِنْ وَطأَهَا زوجٌ في الحَيضِ أوِ النفاسِ، أوِ الإحرامِ أو الصِّيامِ لَم تَحِلَّ ويَحتَمِلُ أنْ تَحِلَّ (5). فَإنْ كَانَتْ ذَميةً فَوطأَهَا ذِميٌ بنِكَاحٍ حَلَّتْ لِزوجِهَا المسلِمِ. فَإنْ كَانَتْ أَمَةً فَاشتَراهَا المُطَلِّقُ ثَلاثَاً لَم تَحِلَّ لَهُ حَتى تَنكِحَ زَوجَاً غَيرَهُ. فَإنْ غَابَ المُطَلِّقُ عَنهَا فَادَّعَتْ أَنَّها تَزوجَتْ بِزَوجٍ أَحَلَّهَا لَهُ، فَإنْ اعتَقَدَ صِدقَهَا حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا وإنْ لَم يعتَقِدْ صِدقَهَا لَم يَتَزَوجْهَا /322 ظ/. فَإنْ ارتَجعهَا في الغَيبةِ قَبلَ انقِضَاءِ عِدَّتِها فَلَم تَعلَمْ حتَّى انقَضَتْ عِدَّتُها وتَزوجَتْ ثمَّ قَدِمَ يُطالِبُ بِها فَأقَامَ بَينَةً عَلَى الرَّجعَةِ فَهيَ زَوجَتُهُ وَبطَلَ النِّكاحُ سَواءٌ كَانَ قَدْ دَخلَ بِها الثَّاني أولم يَدخُلْ. وَعَنهُ إنْ كَانَ الثَّانِي دخَلَ بِها فَهِيَ زَوجتُهُ وبَطلَ نِكاحُ الأَولِ فَإنْ لَم يَكنْ مَعَ الأَولِ بَينَةٌ فأَقرَّ لَهُ الثَّانِي بَطَلَ نِكاحُهَا ثُمَّ تُسألُ المرأَةُ فَإنْ أَقرَّتْ بِأنهُ رَاجَعَها فَهِيَ زَوجَتُهَ وَإنْ أنكَرتِ
__________
(1) الأولى عليها اليمين وقد أومأ إليه أحمد في رواية أبي طالب وَهوَ قول الخِرَقِيِّ. والثانية: قَالَ القاضي قياس المذهب أن لا يجب عليها اليمين وقد أومأ إليه أحمد بقوله: لا يمين في نكاح ولا طلاق.
انظر: الهادي: 192، والمغني: 8/ 490، والزركشي: 3/ 394 - 395.
(2) في الأصل ((ثاني)).
(3) لأن وطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث فأولى أن يهدم ما دونها. انظر: المقنع: 245، والشرح الكبير: 8/ 481.
(4) الوجه الأول: يحلها، والثاني لا يحلها. انظر: المقنع: 246، والمحرر: 2/ 84، والشرح الكبير: 8/ 494.
(5) الأولى: لا تحل لأنه وطء حرام لحق الله تَعَالَى فلم يحصل به الإحلال كوطء المرتدة. الثانية: حلها وهي ظاهر النص. انظر: المقنع: 246، والمحرر: 2/ 84، والشرح الكبير: 8/ 498.(1/464)
الرَّجعَةَ؛ فَالقَولُ قَولُها فَإنْ أنكَرَ الثَّاني فَالقَولُ قَولُهُ ولا اعتِبَارَ بِإقرَارِ الزَّوجَةِ وإنكارِهَا في حَقِّ الثَّاني إلا أنَّها مَتَى أَقرَّتْ فَبانَتْ مِنَ الثَّانِي بِطَلاقٍ أو فَسخٍ أو لِعَانٍ أو مَوتِهِ فَهيَ زَوجَةٌ مِنْ غَيرِ عَقدٍ جَدِيدٍ.
كِتَابُ الإيلاءِ
الإيلاءُ (1) في الشَّرعِ عِبارَةٌ عَنِ اليَمينِ عَلَى تَركِ الوَطءِ في القُبُلِ مَرةً تَزيدُ عَلَى أربعَةِ أَشهُرٍ (2)، فَأمَّا إنْ لَم يَحلِفْ لَكِنهُ تَركَ الوَطءَ لَم يَكنْ مُولِياً، وهلْ تُضرَبُ لَهُ مُدةُ الإيلاءِ؟ نَظَرَنَا فَإنْ تَرَكَهُ لِعُذرٍ مِنْ مَرَضٍ أو غَيبَةٍ لَم تُضرَبْ لَهُ مُدْةٌ، وإنْ تَركَهُ مُضِرَّاً بهَا فَهلْ تُضرَبُ لَهُ مدَّةُ الإيلاءِ؟ عَلَى رِوايَتَينِ. إحدَاهُما: تُضرَبُ لَهُ أربعةَ أَشهُرٍ. فَإنْ وَطَأَ فِيهَا وإلا دُعِيَ بَعدَهَا إلى الوَطءِ. فَإنْ امتنَعَ مِنهُ أُمِرَ الطَّلاقَ فَإنْ لَم يُطَلِّقْ فُعلَ بهِ كَمَا يَفعَلُ فِي الإيلاءِ سَواءً. وَالثَّانِيةُ: لا تُضرَبُ لَهُ مُدَّةٌ (3). وأمَّا إنْ حَلَفَ عَلَى تَركِ الوَطءِ في الدُّبُرِ أو دُونَ الفَرجِ لَم يَكُنْ مُولِياً (4). وَكَذلِكَ إنْ حَلَفَ عَلَى تَركِ الوَطءِ أَربَعةَ أشهُرٍ فَما دونَ، فَإنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطأتْكِ مُدَّةً لَم يَكُنْ مُولِياً حَتَّى يَنوِيَ بها أَكثَرَ مِنْ أَربَعَةِ أشهُرٍ. فَإنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطأتْكِ أربعَةَ أشهُرٍ. فَإذا مَضَتْ أَربعةُ أَشهُرٍ لَم يَكُنْ مولِياً، ويَحتمِلُ أنْ يَكونَ مُولِياً. فَإنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطأتُكِ في السَنةِ إلا مَرةً لَم يَكُنْ مولِيَاً في الحَالِ، وَلكِنَّهُ إنْ وَطأَهَا وَبقيَ مِنَ السَنةِ أربَعةُ أشهرٍ صَارَ مولِياً، وَكذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ وَطأتُكِ فَواللهِ لا وطأتُكِ، أو إنْ دَخَلتِ الدَّارِ فَواللهِ لا وطأتُكِ لَم يَصِرْ مُولِياً في الحَالِ بَلْ إنْ وَطأَها أو دخَلَتِ الدَّارَ صَارَ مُولِياً، وَيحتَمِلُ أنْ يَصيرَ مُولِياً في الحَالِ، فَإنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطأتُكِ سَنَةً إلا يومَاً صَارَ مُولياً وَيحتَمِلُ أنْ لا يَصيرَ مُولِياً (5). فَإنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطأتُكِ حتَّى /323 و/ يَنْزِلَ عيسَى بنُ مَريمَ، أو يَخرجَ الدَّجَالُ، أو تَطلُعَ الشَمسُ مِنْ مَغربِها، أو ما عِشتُ، أو علّقَهُ عَلَى وجودِ مَا يَغِلبُ عَلَى الظَنِّ أنهُ لا يوجَدُ في مُدَّةِ أربعةِ أشهرٍ صَارَ مُولِياً، وإنْ علَّقَهُ عَلَى وجودِ مُتَرددٍ بينَ أنْ يوجَدَ في الأَربعَةِ، ومَا بَعدَهَا تردداً وَاحِداً كَقُدومِ زَيدٍ وَحَبلِها وهيَ مِمنْ تَحملُ ونَحو ذَلِكَ لم يَصِر مُولياً. وإنْ قَالَ وَاللهِ لا وطَأتُكِ
__________
(1) في اللغة: هو الحلف عَلَى أي شيء كان. انظر: لسان العرب 14/ 41، والصحاح 6/ 227.
(2) انظر: مسائل عبد الله 3/ 1119، والإنصاف: 9/ 169 - 181، ومختصر الخرقي: 159.
(3) انظر: الشرح الكبير 8/ 503.
(4) انظر: الشرح الكبير: 8/ 405، وشرح الزركشي: 3/ 402.
(5) انظر: المقنع: 248، والشرح الكبير: 8/ 516.(1/465)
إنْ شِئتِ. فَقالَتْ: قَد شِئتُ صَارَ مُولِياً وإنْ قَالتْ: مَا أَشَاءُ أو سَكتَتْ لم يَصِرْ مُولِياً. فَإنْ قَالَ وَاللهِ لا وَطأتُكِ إلا أَنْ تشَائي، فَإنْ شَاءَتْ في المَجلسِ لم يَصِرْ مُولِياً وَإنْ لَم تَشَأْ فِيهِ صَارَ مُولياً. فَإنْ قَالَ لأربعِ نِسوَةٍ: وَاللهِ لا أطأَكُنَّ. لم يَصِرْ مُولِياً في الحَالِ فَإنْ وطيءَ ثَلاثَاً مِنهَنَّ صَارَ مُولِياً مِنَ الرَّابَعةِ في أحَدِ الوَجهَينِ. وفي الآخَرِ يَصيرُ مُولِياً مِنهُنَّ في الحَالِ. وَأَصلُ الوَجهَينِ. إذا حَلَفَ لا يَفعَلُ شَيئاً ففعَلَ بَعضَهُ هَلْ يَحنَثُ أَم لا؟ عَلَى رِوايتَينِ (1). فَإنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطأتُ وَاحِدَةً مِنكُنَّ صَارَ مُولِياً مِنْ كُلِّ وَاحِدةٍ مِنهُنَّ. فَإنْ قَالَ: أَردتُ فلانَةً بِعَينِهَا. قُبلَ مِنْهُ، وإنْ لَمْ يَقُلْ لكنهُ طَلقَ بعضَهنَّ كَانَ الإيلاءُ بِحَالِهِ في البَواقِي، وإنْ وَطِيءَ إحداهُنَّ حَنَثَ وانحلَّ الإيلاءُ في البَواقِي، وَإنْ قَالَ: وَاللهِ لا وَطأْتُ كُلَّ وَاحدَةٍ مِنكنَّ. كَانَ مُولِياً مِنْ كُلِّ واحِدَةٍ مِنُهنَّ حَتَّى إنْ وطيءَ بعضَهنَّ، أو طَلَقَ بَعضَهنَّ كَانَ الإيلاءُ بِحَالِهِ في بَقِيَتِهنَّ ذكَرهُ شَيخُنَا (2)، وَعندِي أَنَّ المَسألةَ كَالتي قَبلَهَا إذا وَطِيءَ إحدَاهُنَّ انحلَّ الإيلاءُ في بَقيتِهنَّ، فَإنْ قَالَ لِزَوجتِهِ: وَاللهِ لا أَصبتُكِ. ثُمَّ قَالَ للأُخرَى: أَشركتُكِ مَعهَا. لَمْ يَصِرْ مُولِياً مِنَ الثَّانِيةِ.
بَابُ مَنْ يَصِحُّ إيلاؤهُ وألفَاظِ الإيلاءِ
كُلُّ زَوجٍ يَصِحُ طَلاقُهُ، ويقدرُ عَلَى الجِمَاعِ يَصِحُّ إيلاؤهُ سَواءٌ كَانَ مُسلِماً أو كَافِراً، حُرَّاً أو عَبداً، سَليمَاً أو خَصِيَّاً، فَأمّا إنْ كَانَ عَاجِزاً عَنِ الوَطءِ بِجبٍّ (3) أو شَلَلٍ لَمْ يَصِحَّ إيلاؤهُ وَيحتَمِلُ أنْ يَصِحَّ كَالعاجِزِ بمرَضٍ وَتكونُ فيئةٌ (4) بِالقَولِ لو قَدَرتُ لجَامَعتُكِ. وفيئةُ (5) المَريضِ مَتى قَدرْتُ جَامَعتُكِ وَقَالَ شَيخُنَا: فَيئةُ المَعذُورِ أنْ يَقولَ: فِئتُ إلَيكِ (6). وإذا زَالَ العُذرُ لَمْ يَلزمْهُ الوَطءُ اختَارَهُ أبو بَكرٍ (7). وَظَاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ أنهُ يلزمُهُ أنْ يَطأَ أوَ يُطَلِّقَ (8). وأَمَّا المجنونُ والطِّفلُ فَلا يَصِحُّ إيلاؤُهُما. وَأمَّا السَكرانُ
__________
(1) انظر: المغني: 8/ 517.
(2) انظر: المغني: 8/ 519.
(3) الجب: القطع، وجب خصاه جباً استأصله. انظر: الصحاح: 1/ 96، لسان العرب: 1/ 49 (جبب).
(4) الفيئة: الرجوع.
(5) في الأصل: ((وفيه)).
(6) انظر: المغني: 8/ 538، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 406.
(7) انظر: الروايتين والوجهين: 139/ أ-ب، والمغني: 8/ 539 - 540، والمحرر: 2/ 88، الزَّرْكَشِيّ: 3/ 406.
(8) وهي رِوَايَة حَنْبَل. انظر: الروايتين والوجهين: 139/أ-ب، والمغني: 8/ 539 - 540، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 406.(1/466)
/324 ظ/ والممَيِزُ مِنَ الصِّبيانِ فَهلْ يَصِحُّ إيلاؤُهمَا؟ عَلَى وَجهَينِ. بِنَاءً عَلَى طَلاقِهَا. وَألفاظُ المولى تَنقِسمُ ثَلاثةَ أَقسَامٍ: الأولُ: صَريحَةٌ لا يَدينُ فيهِ وَهوَ قَولُهُ: وَاللهِ لا نِكتُكِ، أو لا أولَجتُ، أو لا أَدخَلتُ، أو لا غَيَّبتُ ذَكرِي في فَرجِكِ، أو لا أفتَضضتُكِ (1) للبِكرِ خَاصَّةً، والثاني صَريحَةٌ في الحُكمِ يَدينُ فِيهَا وهي عَشرَةُ ألفَاظٍ: وَاللهِ لا وَطأتُكِ، لا جَامَعتُكِ، لا بَاضَعتُكِ، لا باشَرتُكِ، لا أصَبتُكِ، لا باعَلتُكِ، لا اغتسَلْتُ مِنكِ، لا لامستُكِ، لا أتيتُكِ، لا قربتُكِ، والثالث: كِنايةٌ وهيَ عَشرَةُ ألفَاظٍ: وَاللهِ لا جَمعَ رَأسِي وَرأسَكِ مِخدَّةٌ، أو شَيءٌ ولا سَاقفَ رَأسي رأسُكِ، لأسوءَنَكِ، لا دخَلتُ عَلَيكِ لتطولَنَّ غَيبتي عَنكِ، لَيطولَنَّ تَركِي لِجِمَاعِكِ لا لامَسَ جِلدِي جِلدَكِ، ولا قَربتُ فراشَكِ، لا أَويَتُ مَعَكِ في بَيتٍ، لا بِتُّ عِندَكِ. بهَذهِ الألفَاظِ لَمْ يَكُنْ مُولِياً إلا بِالنيَّةِ. وهي تَنقَسِمُ في النِيَّةِ فَمِنهَا مَا يَكُونُ مُولِياً إذا نَوى مُدَّةَ الإيلاءِ فَقَطْ وَهوَ مولُهُ: لَيطولَنَّ تَركِي لجِمَاعِكِ ومنهَا مَا يَكونُ مُولِياً إِذا نَوى الوَطءَ وَالمدَّةَ مَعَاً وَهوَ قَولُهُ لأسوءَنّك، وَلَتطولَنَّ غَيبَتي عَنكِ. وَبقيةُ الأَلفَاظِ يَكونُ مُولِياً بنِيَّةِ تَركِ الجِمَاعِ فَقطْ. فَإنْ قَالَ: وَاللهِ لا أَدخَلتُ جَميعَ ذَكَري في فَرجِكِ لَمْ يكُنْ مُولِياً. وإنْ قَالَ: وَاللهِ لا جَامَعتُكِ إلا جِمَاعَ سُوءٍ رَجَعَ إلى تَفسيرِهِ فَإنْ قَالَ: أَردتُ بِجمَاعِ السُّوءِ الوَطءَ في الدُّبرِ، أو دُوْنَ الفَرجِ كَانَ مُولِياً وإنْ قَالَ: أَردتُ جِمَاعَاً ضَعيفَاً لا يَزيدِ عَلَى التقَاءِ الختَانَينِ، لَمْ يكنْ مُولِياً وتحصُلُ الفيئةُ بإيلاجِ الحشَفَةِ في الفَرجِ.
بَابُ ما يصيُرُ بهِ مُولِياً وألفَاظِ الإيلاءِ والفيئةِ
لا يَختَلِفُ المذهَبُ أنهُ إذا حَلَفَ بِاللهِ تَعَالَى أو بِصفَةٍ مِنْ صِفَاتهِ أنهُ يَصِيرُ مُولِياً فأمَّا إنْ حَلَفَ بغَيرِ اللهِ منَ النَّذرِ وَالعِتاقِ والطَّلاقِ فَظاهِرُ مَذهَبهِ لا يَصِيُر مُولِياً بذَلِكَ ونُقِلَ عَنْهُ أنَّهُ يَكونُ مُولِياً. فَعلَى هَذَا إذا قَالَ: إنْ وطِئتُكِ فَعبدِي حُرٌّ أو للهِ عَلَيَّ أنْ أعتِقَ رَقبةً أو فَزوجَتُه طَالِقٌ فَهوَ مُولٍ (2). فَإنْ قَالَ: إنْ وَطئتُكِ فَأَنتِ زَانِيَةٌ لَمْ يَكُنْ مُولِياً وَكَذلِكَ إنْ قَالَ: إنْ وطئتُكِ فَلِلهِ عَليَّ صَومُ هَذَا الشَّهرِ لَمْ يَكُنْ مُولِياً. وإذا صَحَّ الإيلاءُ ضُربتْ لَهُ مدَّةُ أَربَعةِ أَشهُرٍ مِنْ حِينِ اليَمينِ /325 و/. فَإنْ كَانَ لَهُ هُناكَ عذرٌ يمَنعُ الوَطءَ، وَكانَ مِنْ جِهَةِ الزَّوجَةِ، مِثلَ أنْ تَكونَ مَريضَةً أو مَجنونَةً أو نَاشِزَاً أو مَحبوسَةً أو صَغيرَةً، أو مُحرِمَةً أو صَائمَةً فرضَاً لَمْ تحتسِب عَلَيهِ بالمدَّةِ. وإنْ طَرأَ شَيءٌ مِنْ هَذهِ الأعذارِ في المدَّةِ انقَطَعتْ فَإنْ زَالَ العُذرُ استُؤنِفَتِ المدَّةُ. فَإنْ كَانَ العُذرُ حَيضَاً احتُسِبتْ عَلَيهِ بِالمدَّةِ وإنْ
__________
(1) في الأصل: ((افتقك)).
(2) في الأصل: ((مولي)).(1/467)
كَانَ نِفَاسَاً احتمَلَ وَجهَينِ (1). فَإنْ كَانَ العُذرُ مِنْ جِهَةِ الزَّوجِ كَالمَرضِ والسَّفَرِ والإحرَامِ والصَّومِ وَالاعتِكَافِ الوَاجِبيَنِ والحَبسِ احتُسبَتْ عَلَيهِ بالمدَّةِ. وَقَالَ شَيخُنَا تُحسَبُ المدَّةُ سَواءٌ كَانَ العُذرُ مِنْ جِهَتهِ أو مِنْ جِهَتِها (2). فَإنْ آلى (3) مِنَ الرَّجعِيَّةِ في عِدَّتها صَحَّ الإيلاءُ في أظهَرِ الرِّوايتَينِ. وَلَم تَصِحَّ في الأخرَى (4). فَإنْ آلى مِنْ زَوجَتِهِ ثمَّ أَبانَها انقطَعتْ مُدَّةُ الإيلاءِ. فَإنْ عَادَ فَتزوَجَهَا عَادَ حُكمُ الإيلاءِ وإذا انَقَضَتِ المدَّةُ طَالبَتِ المرأةُ بالفيئَةِ وقَفَ وطُولِبَ بِالفَيئةِ وهي الجِمَاعُ إنْ كَانَ قادِرَاً عَلَيْهِ. فَإنْ قَالَ: أمهِلُوني حَتَّى أَقضِيَ صَلاتِي، أو آكُلَ الخُبزَ فإني جَائِعٌ، أو حَتَّى نَهضمَ الطَّعامَ فَإني مُمتليءٌ أو أَنامَ فأني قَد غَلَبَني النُّعاسُ، وَجَبَ أنْ يُمهَلَ بِقَدرِ ذَلِكَ وَإنْ كَانَ غَيرَ قادِرٍ عَلَى الوَطءِ أُمِرَ بِفَيئةِ المَعذورِ فَإذا أفاءَ إليهَا لَزِمتهُ الكَفَّارُة إنْ كَانَتِ اليَمِينُ بِاللهِ تَعَالى. وإنْ كَانَتْ بصَومِ أو عِتقٍ فَهوَ مُخيرٌ بَينَ أنْ يَفعَلَ ذَلِكَ، أو يُكفِّرَ كفارةَ يمينٍ. فَإنْ كَانتِ اليَمِينُ بالطَّلاقِ الثَّلاثِ فَإذا غَيَّبَ الحشفَةَ طلقَتَا ثَلاثَاً وَيلزَمُهُ أنْ يَنزِعَ فَإنْ استَدامَ لزِمَهُ المَهرُ. وَهَلْ يَلزمُهُ الحدُّ يحتَمِلُ وَجهينِ؟ فَإنْ انقَضَتِ المدَّةُ وَالمرأةُ حَائضٌ، أو نُفسَاءُ، أو مُحرِمَةٌ، أو مُعتكِفَةٌ لَمْ يكُنْ لها مُطَالبتُهُ بِالفَيئَةِ. فَإنْ انقَضَتْ وَهوَ مُظاهِرٌ، لَمْ يكُنْ لَهُ أنْ يطأَ حَتَّى تُكِفِّرَ فَإنْ قَالَ: أمهِلُوني حَتَّى أَطلبَ رَقَبةً أَعتِقَها عَن طَهارَتي أُمهِلَ إلى ثَلاثَةِ أيامٍ فَإنْ انقَضَتِ المدَّةُ وأعتَقتهُ المرأَةُ منَ المطَالَبةِ بِالفيئَةِ سَقَطَ حَقُّها ولم يَكنْ لَها مطالبتُهُ بَعدَ ذَلِكَ. وَيحتَمِلُ أنْ لا يَسقُطَ وَيكونَ لَها المطَالَبةِ. وإذا وَجبَتْ عَلَيهِ الفَيئَةُ فَلمْ يفِيء أمرَ بالطَّلاقِ فَإنْ لَمْ يُطلِّقْ حُبسَ وَضُيِّقَ عَلَيهِ /326 ظ/ حَتَّى يُطّلقَ في إحدّى الرِّوايتَينِ وفي الأُخرَى يُطّلقُ عَلَيهِ الحاكِمُ (5). فَإنْ طّلقَ ثَلاثَاً أو فَسَخَ صَحَّ كَما لَو طَلقَ وَاحِدةً فَإنْ طَلَّقَ المولي طّلقةً فَهلْ تَقَعُ رَجعِيَةً أو بائن؟ فَنقَلَ شَيخُنا: أَنَّها تكونُ رَجعِيَةً، وَقَالَ ابنُ أبي مُوسَى فِيهَا رِوَايَةٌ أخرَى يَكونُ بَائِناً (6). وَمدَّةُ إيلاءِ الرَّقِيقِ والأَحرَارِ سَوَاءٌ، وَعنهُ أنَّ مُدةَ
__________
(1) الوجه الأول: لَمْ تضرب لَهُ المدة حَتَّى يزول كسائر الأعذار. والثاني: كالحيض لَمْ يمنع ضرب المدة. انظر: المقنع: 249، والمغني: 8/ 531، والشرح الكبير: 8/ 537 - 538، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 405.
(2) الأولى: رِوَايَة ابن منصور، والثانية: رِوَايَة الميموني. انظر: الروايتين والوجهين: 139/ أ، والمحرر: 2/ 87، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 405.
(3) في الأصل: ((الا)).
(4) انظر: المغني: 8/ 522، والمحرر: 2/ 87، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 402.
(5) نقل الرواية الأولى: صالح وإسحاق وإبراهيم والثانية نقلها: صالح في موضع آخر والأثرم وأبو طالب وحبيش. انظر: الروايتين والوجهين: 138/ أ-ب، والمغني: 8/ 541 - 542، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 408.
(6) انظر: المغني: 8/ 542، والمحرر: 2/ 87، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 408.(1/468)
إيلاءِ الرَّقِيقِ عَلَى النِّصفِ مِنْ مدَّةِ الأَحرارِ (1). ولا حَقَّ للسَيدِ في المُطالَبةِ بِالفَيئةِ والعَفوِ عَنهَا وإذا ادَّعى الزَّوجُ أنَّهُ فَاءَ إليهَا فَإنْ كَانَتْ ثَيباً فالقَولُ قَولُهُ وإنْ كَانَتْ بِكرَاً فَشَهِدَتِ امرَأةٌ مِنَ الثقَاتِ ببَكَارَتِها فَالقَولُ قَولُها وإنْ شَهِدَتْ بثُيبوبتِها فَالقَولُ قَولُهُ وَهَلْ يلزمُ مَعَ ذَلِكَ اليَمينُ؟ قَالَ أبو بَكرٍ: لا يَلزَمُ وَقَالَ الخِرَقِيِّ تَلزمُهُ اليَمينُ (2).
كِتابُ الظِّهارِ
الظِهارُ مُحّرمٌ. وَصِفَتهُ أنْ يُشَبِّهَ الرَّجُلُ زَوجتَهُ أو عُضواً (3) مِنْ أعضَائِهَا، بظَهْرِ مَنْ لا تَحِلُّ لَهُ عَلَى التَأبيدِ أو بِعُضوٍ مِمَّنْ لا تَحِلُّ لَهُ عَلَى التَأبيدِ كَأُمّهِ وَأختِهِ وَعمَّتهِ وخالَتِهِ وَبِنتهِ وَحَماتِهِ وزَوجَةِ ابنهِ. فَيقولُ: أَنتِ عَلَيَّ كَظَهرِ أمِّي، أو يَدِ أُختِي أو كَوجهِ حَمَاتِي. أو يدُكِ أو ظَهرُكِ كَيَدِ أمِّي، أو أختِي أو خَالَتي مِنَ النَّسَبِ أو الرضَاعَةِ. فَإنْ قَالَ أنتِ عَلَيَّ كَظهرِ الأَجنَبيةِ لَمْ يَكُنْ مظَاهِراً. اختَارهَا شَيخُنَا وَقَالَ الخِرَقِيِّ وأبو بَكرٍ: يَكونُ مُظَاهِراً (4). فَإنْ قَالَ: أَنتِ عَلَيَّ كَظَهرِ الرَّجُلِ فَهلْ يَكونُ مُظَاهِراً؟ عَلَى روايتَينِ (5). فَإنْ قَالَ: أَنتِ كَأمِّي، أو مِثلِ أُمِّي فَهوَ صَريحٌ في الظِّهَارِ نَصَّ عَلَيْهِ (6). فَإنْ قَالَ: نَوَيتُ كَهيَ أو مثلِهَا في الكَرامَةِ دِينَ فيمَا بَينَهُ وبَينَ اللهِ تَعَالَى وَهَلْ يُقبَلُ في الحُكمِ؟ يَحتَمِلُ وَجهَينِ (7). وَقَالَ ابنُ أبي مُوسَى: لا يَكونُ مُظَاهِراً بِقَولهِ: مِثل أمِّي وَكَأمِّي حَتَّى يَنوِيَ بهِ الظِّهارَ (8). فَإنْ قَالَ: أَنتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهوَ مُظَاهِرٌ (9). فَإنْ قَالَ: نَويتُ بهِ الطَّلاقَ أو اليَمِينَ لَمْ يُقبَلْ مِنْهُ في إحدَى الرِّوايتَينِ. وَيقبَلْ في الأُخرَى (10). فَإنْ قَالَ لأجنَبِيةٍ: أَنتِ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين: 139/ أ، والمغني: 8/ 527، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 404.
(2) انظر: المغني: 8/ 547 - 548، والمحرر: 2/ 88.
(3) في الأصل: ((عضو)).
(4) انظر: المقنع: 250، والمغني: 8/ 557، والشرح الكبير: 8/ 560، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 414.
(5) نقل أنَّهُ ظهار الميموني وحنبل، وانه ليس بظهار ابن القاسم. انظر: الروايتين والوجهين: 140/ب - 141/أ، والمقنع: 250، والمحرر: 2/ 89.
(6) قَالَ ابن أبي موسى: فِيْهِ روايتان أظهرهما أنه ليس بظهار حتى ينويه. انظر: الهادي: 195، والمغني:
8/ 559، والشرح الكبير: 8/ 558.
(7) الأول: يقبل في الحكم. والثاني: لا يقبل. انظر: الهادي: 195، والشرح الكبير: 8/ 559.
(8) انظر: الهادي: 195، والمغني: 8/ 559، والشرح الكبير: 8/ 558.
(9) في الأصل: ((مظاهراً)).
(10) انظر: الروايتين والوجهين: 141/أ-ب، والمغني: 8/ 303 - 305، والمحرر: 2/ 55، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 414 - 415.(1/469)
عَلَيَّ كَظَهرِ أُمِّي صَارَ مُظَاهِراً مِنْهَا فإذا تَزَوجَها لَمْ يَطأْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ. فَإنْ قَالَ: أَنتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنوى في تِلكَ الحَالِ لَمْ يَلزَمْهُ شَيءٌ وَيصِحُّ الظِّهَارُ مُعجَّلا وَمُعلَّقا بِشَرطٍ فَإذا وُجِدَ الشَّرطُ صَارَ مُظَاهِراً. وَيصِحُّ مطلَقَاً وَمؤقَتاً نَحوُ أنْ يَقولَ: أَنتِ عَلَيَّ كَظَهرِ أمِّي شَهراً فَمتَى عَزمَ عَلَى الوَطءِ في الشَّهرِ لَزِمتْهُ /327 و/ الكَفَّارةُ فَإنْ قَالَ لإحدَى زَوجَتَيهِ أَنتِ عَلَيَّ كَظَهرِ أمِّي ثم قَالَ: للأُخرى: وَأَنتِ مِثلُهَا أو كَهِيَ فَهوَ صَريحٌ في حَقِّها وَيحتَمِلُ أنْ تَكونَ كِنايَةً في حَقِّ الثَّانِيةِ (1). فَإنْ كَررَ لَفظَ الظِّهارِ في زَوجِتهِ فَكفَّارةٌ وَاحِدةٌ فَإنْ قَالَ لأربعِ نِسوَةٍ: أَنتُنَّ عَلَيَّ كَظَهرِ أمِّي فَكفَّارةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنهُ إنْ كَانَ في مَجلِسٍ فَكذلِكَ وإنْ كَانَ في مَجالِسَ لَزمَه لكُلِّ امرَأةٍ كَفَّارةٌ (2). فَإنْ ظَاهَرَ مِن زَوجَتِهِ ثمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَبطلِ الظِّهَارُ ومَتى عَادَتْ إليهِ بِنِكاحٍ آخَرَ لَزِمَهُ حُكمُ الظِهَارِ. وإذا قَالَتِ المرأَةُ لِزَوجِهَا: أَنتَ عَلَيَّ كظِهار أَبي لَزِمَهَا كَفَّارةُ الظِّهارِ إذا مَكَّنتهُ مِنْ نَفسِهَا وَعلَيهَا التَّكفِيرُ قَبلَ أنْ يُكَفرَ نَصَّ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلامِ أَبي بَكرٍ أنها لا تُمكنُهُ قبلَ التَّكفيرِ وَعنْ أحمَدَ -رَحمهُ اللهُ- رِوايةٌ أخرى لا يَلزمُهُا شَيءٌ (3). فَإنْ ظَاهَرَ الرَّجُلَ أَمتَهُ وَأمَّ وَلَدهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِراً ومَا الذِي يَلزَمُهَا إنْ وَطيءَ يَحتَمِلُ أنْ يَلزمَهُ كَفَّارةُ يمَينٍ كَمَا قُلنَا إذا حرَّمهَا، وَيحتَمِلُ أنْ تلزمَهُ كفَّارَةُ ظِهَارٍ ويحتَمِلُ أَنْ لا يَلزَمهُ شَيءٌ بِنَاءً عَلَى المسأَلةِ قَبلَهَا وَقَالَ أبو بَكرٍ في التَّنبيهِ: إذا ظَاهَرَ مِنْ أَمَتهِ فَعلَى قَولَينِ: أَحدُهمَا: يلزُمهُ الظِّهارُ، والثَّاني: كَفَّارَةُ يَمينٍ (4). وَكُلُّ مَنْ صَحَّ طَلاقُه، صَحَّ ظِهارُهُ. وَكُلُّ امرَأَةٍ يَصِحّ طَلاقُهاَ يَصِحَّ ظِهارُهُ مِنْهَا ولا تَجِبُ الكفَّارَةُ في الظِّهارِ إلا بالعَودِ. وَهيَ: العَزمُ عَلَى الوَطءِ فَإنْ عَزمَ ثم مَاتَ أحدهُمَا لَزِمتْهُ الكفَّارةُ، وإنْ مَاتَ أحدُهُما قَبلَ العَزمِ لَمْ تَجِبْ كَفَّارةٌ. فَإنْ كَانَتْ زَوجتُهُ أَمَهً فاشتَراهَا قبلَ العَزمِ انفَسَخَ نِكاحُهَا. فَإنْ عَزَمَ عَلَى وَطئهَا فَقَالَ الخِرَقِيِّ وابنُ حَامِدٍ: لا يطأهْا حتَّى يُكفِرَّ كَفَارةَ ظِهَارٍ (5). وَقَالَ أَبو بَكرٍ: يَبطُلُ الظِّهارُ ولا يحرمُ وَطؤُهْا. فَإذا وَطأَهَا لزِمَهُ كَفَارةُ يَمينٍ (6). ولا يُباحُ للمظَاهِرِ وَطءُ المظَاهَرِ مِنْهَا قَبلَ التَّكفِيرِ بأيِّ أنواعِ الكفَّارةِ كَانَ، وعَنهُ
__________
(1) انظر: الهادي: 195، والمغني 8/ 583.
(2) انظر: الروايتين والوجهين: 142/أ، والمغني: 8/ 581 - 582، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 421 - 422.
(3) وعنه لا يلزمها إلا كفارة يمين.
انظر: المحرر: 2/ 89، والشرح الكبير: 8/ 569، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 433 - 435.
(4) نقل الأولى: - أبو طالب والثانية: حَنْبَل والأثرم وأبو داود. انظر: الروايتين والوجهين: 140/ب، والمغني: 8/ 562، والمحرر: 2/ 89، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 417.
(5) انظر: الروايتين والوجهين: 145/أ، والمغني: 8/ 580 - 581، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 421.
(6) انظر: الروايتين والوجهين: 140/أ، والمغني: 8/ 580 - 581، والمحرر: 2/ 90، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 421.(1/470)
أنَّهُ إذا وَجَبَ التَّكفيرُ بالإطعَامِ جَازَ لَهُ وَطؤُها قَبلَ إخراجِ الطَّعامِ واختَارهُ أَبو بَكرٍ (1). وَهَلْ يَجوزُ أنْ يَستَمتِعَ مِنَ المظاهَرِ مِنهَا بِما دُوْنَ الفَرجِ؟ عَلَى روايتَينِ. أصحهما أنَّهُ لا يَجوزُ (2). وإذا وَطيءَ قبلَ التَّكفيرِ أَثِمَ واستقرتِ الكَفَّارةُ في ذِمَّتهِ.
بابُ كَفَّارةِ الظِهارِ/328 و/ وما في مَعناهَا مِنَ الكفَّاراتِ
الكفَّاراتُ التي يَدخُلُها العِتقُ والصِّيامُ والإطعامُ أَربَعةٌ. كَفَّارَةُ القَتلِ وهيَ عَلَى التَّرتيبِ في العِتقِ فَإنْ لَمْ يجدْ فَإنْ لَمْ يستَطِع فَهلْ يَجِبُ الإطعَامُ؟ عَلَى روايتَينِ (3). وَكفَّارةُ الظِهَارِ وهي عَلَى التَّرتيبِ أيضَاً إلا أنَّهُ لا يَدخُلهَا الإطعَامُ رِوَايَةٌ واحِدَةٌ وَكفَّارةُ الوَطءِ في رَمضَانَ وهي عَلَى التَّرتيبِ في إحدى الروايتَينِ وفي الأخرى هوَ مُخيرٌ بينَ الإطعَامِ وبَينَ الكِسوَةِ وبينَ العِتقِ (4). فَإنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلاثَةَ أَيامٍ والاعتبَارُ في الكفَّارتِ بِحالةِ الوُجوبِ في إحدَى الرِّوايتَينِ (5). فإذا وَجَبتْ عَلَيهِ الكَفَّارةُ وَهوَ مُوسِرٌ فلَمْ يُخرِجْهَا حَتَّى أعسَرَ لَمْ يُجزِهِ الصِّيامُ. وإنْ وَجَبتْ وَهوَ مُعسِرٌ ثُمَّ أيسَرَ جَازَ لَهُ الصِّيامُ فَإنْ اختَارَ أن يَنتَقِلَ إلى العِتقِ فَظاهِرُ كَلامِ أَحمدَ رَحمَهُ اللهُ أنَّهُ لا يُجزِيهِ إلا الصِّيامُ لأنه قَالَ في رِوَايَة الأَثرمِ في عَبْدٍ حَلَفَ وحنَثَ فَلمْ يُكَفِّرْ حَتَّى أعتَقَ يكفرُ كفَّارَةَ عَبدٍ؛ لأنه إنما يُكفِّرُ ما وَجبَ عَلَيهِ فَأَوجَبَ الصَّومَ (6). وعُلِّلَ بأنه إنما يفعلُ مَا وجَبَ عَلَيهِ وَقَد صَرَّحَ الخِرَقِيِّ بذَلِكَ فَقَالَ: وَلَو حَنَثَ وَهوَ عَبْد فَلم يَصُمْ حَتَّى عتقَ فَعليهِ الصَّومُ لا يُجزيِهِ غَيرهُ. وَيحتَمِلُ أنْ يُجزِيهِ العِتقُ لأَنهُ هوَ الأصلُ الذِي بهِ [ ... ] (7) ويحتملُ كَلامُ أحمدَ رَحمهُ اللهُ. عَلَى أنَّهُ قَصدَ أنْ يُجزِيهِ ذَلِكَ وَقَد صَرحَ بِذلَكِ في رِوَايَةِ أبي دَاودَ فِيمَنْ صَامَ في الكفَّاراتِ ثمَّ أيسَرَ يمضِي في صَومِهِ وَأرجُوا أنْ يُجزِيهِ، والروايةُ الأُخرى أنَّ الاعتبَارَ
__________
(1) انظر: المقنع: 251، والمغني: 8/ 567.
(2) والثانية: - يجوز نقل الإثنين أبو طالب كما قَالَ أبو بكر. انظر الروايتين والوجهين: 142/ب، والهادي: 195، والمغني: 8/ 567، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 417.
(3) الأولى: لا يجب لأن الله تَعَالَى لَمْ يذكره في القتل. والثانية: يجب قياساً عَلَى الظهار والجماع في نهار رمضان. انظر: المقنع: 251، والمحرر: 2/ 91، والشرح الكبير: 8/ 584.
(4) انظر: المقنع 65، والمحرر: 1/ 230، والشرح الكبير: 3/ 69، والزركشي: 2/ 32.
(5) والرواية الثانية: الاعتبار بأغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين التكفير. نقل الأولى أبو طالب والثانية: المروذي وابن قاسم. انظر: الروايتين والوجهين: 140/ب -141/أ، والمقنع: 250، والهادي: 195 - 196، والشرح الكبير: 8/ 584.
(6) انظر: المغني: 8/ 616 - 617، والمحرر: 2/ 91، والشرح الكبير: 8/ 585.
(7) بياض في الأصل مقدار كلمتين.(1/471)
بأغلَظِ الأحوالِ (1). فَمنْ قَدرَ عَلَى العِتقِ مِنْ حيثُ الوجوبُ إلى حِينِ الأَداءِ لا يُجزِيهِ غيرُهُ فَعلَى هَذَا يَجِبُ العِتقُ عَلَى مَنْ وجَدَ رقبةً أو ثَمنَها وَهوَ مُستَغنٍ عَنهَا فَإنْ احتَاجَ إلى الرَّقبةِ لِخدمَتهِ أو إلى ثَمنِهَا للنفَقَةِ عَلَى نَفسهِ وَعِيالهِ لَمْ يجب عَلَيهِ العِتقُ فَإنْ وجَدَ الرقبةَ بأكثرَ مِنْ ثَمنِ مثلِهَا بزِيادَةٍ لا تُجحِفُ بهِ احتَملَ وجهَينِ. أحدُهمَا: يلزمُهُ شِراؤُهَا والآخرُ لا يَلزَمُهُ (2). فَإنْ كَانَ مالُهُ غَائِباً ووجَدَ رَقَبةً تُباعُ نَسيئَةً لزِمَهَ الشِّراءُ. فَإنْ وهِبَتْ لَهُ رَقبةٌ يَعتقُها عِنْدَ كَفَّارتهِ لَمْ يلزمْهُ قَبولُهَا. وإذا كَانَ لَهُ دارٌ (3) يَسكُنُها أو دَابةٌ يَركبُهَا أو ثِيابٌ (4) يَتَجمَّل بِها لَمْ يَلزمْهُ بَيعُ ذَلِكَ /329 و/ في شَري الرقَبةِ. ولا يَجِبُ العِتْقُ إلا فِيمَا يَفضُلُ عَنْ كِفَايتِهِ عَلَى الدَّوامِ ولا يُجزيءُ في الكَفَّارَةِ إلا عِتقُ رَقَبةٍ سَليِمَةٍ مِنَ العُيوبِ المضرَّةِ بالعَمَلِ ضَررَاً بيَّناً كالعَمَى والزمَانَةِ (5) وقَطعِ اليَدِ أو الرجلِ أو قَطعِ الإبهامِ أو الأُنملَةِ مِنهُ أو قَطعِ السَبَّابةِ أو الوسطَى أو قَطعِ الخُنصُرِ والبنصُرِ مِنْ يدٍ واحدةٍ. فَإنْ قُطِعَ إحداهُما أو قُطعا مِنْ يَدينِ وَتجزيءُ عَنِ المقطوعِ الأنفِ والأذنِ والمجبوبِ والخَصيَّ ويجزيءُ الأعورُ وحَكى أَبو بَكرٍ رِوَايَةً أخرَى أنَّهُ لا يُجزِيءُ بهِ (6). ويجزيءُ الأعرَجُ يَسيرَاً والأصَمُّ والأخرَسُ إذا فُهِمَتْ إشَارتُهُ فَإنْ جَمعَ الخَرسَ والصَمَمَ لَمْ يجزيءْ، ولا يُجزِيءُ المطبقُ المجنَونُ فَإنْ كَانَ يَفيقُ أحياناً أخرَى ولا يُجزِيءُ المرِيضُ المأيؤسُ مِنهُ ولا النَّحِيفُ الذِي لا يَقدِرُ عَلَى العَمَلِ ويُجزيءُ الصَّغِيرُ ولا يُجزيءُ الكَافِرُ في إحدَى الرِوايتَينِ. ويجزيءُ في الأَخرَى (7). ولا تجزيءُ (8) أمُّ الولَدِ في أصَحِّ الرِوايتَينِ (9). فأمَّا المكَاتَبُ فَلا يُجزِيءُ في أصَحِّ الرِواياتِ. وَيُجزيءُ في الأخرَى وفي الثَالِثةِ. إنْ لَمْ يُؤَدِّ مِنْ كتِابتِهِ شَيئاً أجزأَ وإلا فَلا يُجزِيءُ (10). ويُجزِيءُ عتقُ المدبَّرِ والمعلَّقِ عتِقُه بِصفَةٍ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير: 8/ 584.
(2) انظر: المقنع: 252، والمغني: 8/ 593، والمحرر: 2/ 91.
(3) في الأصل ((داراً)).
(4) في الأصل ((ثياباً)).
(5) الزمانة: العاهة. انظر: لسان العرب: 13/ 199 (زمن).
(6) انظر: الروايتين والوجهين: 140/ب، والمغني: 8/ 588، والمحرر: 2/ 92، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 423.
(7) انظر: الروايتين والوجهين: 142/ب - 143/أ، والمغني: 8/ 585، والزَّرْكَشِيّ: 3/ 422 - 423.
(8) في الأصل ((تحرم)).
(9) الرواية الثانية: أنها تجزيء. انظر: المقنع: 252، والمغني: 11/ 270، والمحرر: 2/ 92.
(10) نقل الأولى: أحمد بن الحسين الترمذي، والثانية: ابن منصور، والثالثة: الميموني.
انظر: الروايتين والوجهين: 143/أ، والمقنع: 252، والمغني: 11/ 271.(1/472)
والجَانِي. ولا يُجزِيءُ عِتقُ غَائبٍ لا يُعلَمُ خَبرُهُ ويُحتَملُ أنْ يُجزِيءَ. ولا يُجزيءُ عِتقُ مَنْ يعتقُ عَلَيهِ بِالقرابَةِ إذا نَواهُ حَالَ الشَريِّ عَنْ كفارَتِهِ وإذا عَلَّقَ عتقَ عَبدِهِ بِصفَةٍ ثم نَوى عِنْدَ وُجودِ الصِفَةِ عَنِ الكفَّارةِ لَمْ يُجزِهِ. فَإنِ اشتَرى عَبدَاً بشَرطِ العتِقِ فَأعتقَهُ عَنْ كفَّارتِهِ لَمْ يجزهِ في ظَاهِرِ المذهَبِ ويَتَخرَّجُ أنْ تُجزئْهُ (1). فَإنْ أعتقَ شِركاً له في عَبدٍ يَنويهِ عَنِ الكفَّارَةِ فَإنْ كَانَ موسِراً لَمْ يُجزهِ نصَّ عَلَيهِ في رِوَايَة أحمدَ رَحمهُ اللهُ. واختَارَه الخلاّلُ وصَاحِبُه (2). وَقَالَ شَيخُنَا: قيَاسُ المذهبُ أنَّهُ يُجزيه وَيَقومُ عَلَيهِ نَصيبُ شَريكِهِ فَإنْ كَانَ مُعسِراً صَحَّ عتقُه في قَدرِ حقهِ، فَإنْ مَلكَ بَاقيَهِ فاعتقَهُ أجزء عَنِ الكفَّارةِ، ويحتَملُ أنْ لا يجزِيءَ عَلَى رِوَايَةِ إيجابِ الاستسعَاءِ فَإنْ أعتقَ نِصفَ رَقَبتينِ عن كفَّارِتهِ فَقَالَ: الخِرَقيُّ: تجزيءُ (3)، وَقَالَ: أبو بَكرٍ لا تُجزِيءُ (4). فَإنْ قَالَ: لآخرَ اعتِقْ عبدَكَ عَنْ كَفَّارَتي. فَفَعَلَ أجْزَئهُ وعَنْهُ: لا يُجزِئُ في الكَفَّارَةِ حَتَّى يَضْمَنَ لَهُ عوضاً واللهُ أعلم.
فَصْلٌ في الصِّيامِ
فأمَّا الصِّيامُ فَيَجِبُ التَّتَابُعُ في الصَّوْمِ كَفَّارَةُ القَتْلِ، والظِّهَارِ / 330ظ /، والوَطءِ في شَهْرِ رَمَضَانَ، واليَمينِ، ولا يُشْتَرَطُ أنْ يَنوِيَ التَّتَابُعَ وإنَّما يُشْتَرَطُ فِعْلُ التَّتَابُعِ فَعَلى هَذَا لو تَخَلَّلَ صُوْمَ الكَفَّارَةَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ لَمْ يَقْطَعِ التَّتَابُعَ، فلا يَجِبُ التَّتَابُعُ في بَقِيَّةِ الصِّيَامِ إلا أنْ يَشرطَهُ في النَّذْرِ ومِقْدارُ الصَّومِ في القَتْلِ والظِّهَارِ والوَطءِ في شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرَانِ، وفي اليَمينِ ثَلاثَةُ أيَّامٍ (5) فَإنْ دَخَلَ في أوَّلِ الشَّهْرِ أجْزَئَهُ شَهْرَانِ بالأهِلَّةِ وإنْ دَخَلَ في أثْنَاءِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ شَهْرٌ تَامٌّ بالعَدَدِ وشَهْرٌ بالهِلالِ، وإذا قَطَعَ صَومَ الكَفَّارَةِ بأنْ أفْطَرَ عَامِدَاً يَوْمَاً تَطَوُّعَاً أوْ عَنْ نَذْرٍ أوْ ثَلاَثَة أيَّامٍ يَنْويهَا عَنْ كَفَّارَةِ يَمينٍ بَطَلَ التَّتَابُعُ ووَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنافُ الصِّيَامِ وإنْ قَطَعَهُ بِعُذْرٍ يُوجِبُ الفِطْرَ كالمَرَضِ المُخَوِّفِ والجُنُونِ وفِطْرِ يَومِ العِيدِ وأيَّامِ التَشْريقِ إذا قُلنَا لا يُبَاحُ صَومُهَا بِحَالٍ والحَيضِ والنِّفَاسِ في حَقِ المَرأةِ لَمْ يَبْطُلُ التَّتَابُعُ ويَبْنِي (6) فَإنْ كَانَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الفِطْرَ كَالمَرَضِ غَيْرِ المُخَوِّفِ والسَّفَرِ فَعَلى
__________
(1) انظر: المقنع: 252، والمغني: 11/ 267، والمحرر: 2/ 92.
(2) انظر: الروايتين والوجهين: 140/ أ-ب، والمغني: 1/ 269، والمحرر: 2/ 92.
(3) انظر: الروايتين والوجهين: 143/ب.
(4) انظر: الروايتين والوجهين: 143/ب.
(5) في صيام اليمين هَلْ يشترط التَّتَابُع إلم لا؟ عَلَى رِوَايَتَينِ والمشهور من الروايتين والمختار هو التَّتَابُع.
انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 376.
(6) في الأصل "وبنى".(1/473)
وجْهَينِ. أحَدُهُمَا: يَقْطَعُ التَّتَابُعَ (1)، والثَّانِي: لا يَقْطَعُهُ (2)، فَإنْ أفْطَرَتِ الحَامِلُ والمُرْضِعُ خَوْفَاً عَلَى أنْفُسِهِمَا لَمْ يُقْطَعِ التَّتَابُعُ، وإنْ أفْطَرَتا خَوفَاً عَلَى جَنِينيهِمَا فَقَالَ: شَيْخُنا يُحْتَمَلُ أنْ يَنْقَطِعَ التَّتَابُعُ، وعِندِي: لا يَنْقَطِعُ (3). فَإنْ وطِئَ المُظَاهِرُ مِنْهَا لَيْلاً أوْ نَهَارَاً نَاسِيَاً انْقَطَعَ التَّتَابُعُ في إحْدَى الرِّوايَتَينِ (4)، وفي الأخْرَى لا يَنْقَطِعُ (5)، وإنْ وَطِئَ غَيرَهَا في هَاتَينِ الحَالَتَينِ لَمْ يَنْقَطِعِ التَّتَابُعُ رِوَايَةٌ واحِدَةٌ، وإذا وَجَدَ الرَقبَةَ في أثْنَاءِ صَوْمِ الكَفَّارَةِ لَمْ يَلزَمْهُ الانْتِقَالُ وإنْ قُلنَا الاعْتِبَارُ بأغْلَظِ الحَالَتَينِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَنْتَقَلِ إذا اعْتَبَرْنَا أغْلَظَ الحَالَتَينِ ولا يَجُوزُ أنْ يُكَفِّرَ الكَافِرُ بِغَيرِ المَالِ ولا يَجُوزُ تَكْفِيرُ الرَّقِيقِ بِغَيرِ الصَّيامِ ويخرجُ جَوَازُ تَكْفِيرِهِمْ بالمَالِ إذا قُلْنَا إنَّهُمْ يَمْلِكُونَ بالتَّمْلِيكِ.
فَصْلٌ في التَّكْفِيرِ بالطَّعَامِ
الذِي يَجُوزُ إخْراجُهُ في الكَفَّارَةِ: الحُنْطَةُ أوِ الشَّعِيرُ ودَقِيقهُماً أوِ التَّمْرُ أوِ
الزَّبِيبِ، فَأَمّا الإقِطُ فَعَلى وَجْهَينِ: فَإنْ كَانَ قُوتُ بَلَدِهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الحُبُوبِ كَالأرزِ والذُّرَةَ والدُّخْنِ ونَحوَ ذَلِكَ فَقَالَ: شَيْخُنا: لا يُجزِئُ الإخْراجُ وعِنْدِي: أنَّهُ يُجزِئُ، وَهَلْ يَجُوزُ الإخْراجُ للخُبْزِ عَلَى رِوايَتَينِ (6). وكَذلكِ يَخرجُ في السُويْقِ ولا يُجزِئُ في الحِنْطَةِ أوْ دَقِيقِهِ أقَلُ مِنْ مُدٍّ ولا فيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الحُبُوبِ أقَلُ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ ... /331 و/، ولا يُجْزِئُ مِنَ الخُبْزِ أقَلُ مِنْ رَطْلينِ لِكُلِّ فَقِيرٍ، فَإنْ أخْرَجَ القِيمَةَ أوْ غَدَّا المَساكِينَ وعَشَّاهُمْ لَمْ يُجْزِهِ في أظْهُرِ الرِّوايَتَينِ (7)، وعَنْهُ أنَّهُ يُجْزِئُ ذَلِكَ (8). وعَدَدُ المَسَاكِينِ مَشْرُوطٌ في إحْدَى
__________
(1) انظر: المغني 8/ 597، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 425.
(2) وهو ظاهر كلام الخرقي. شرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 425.
(3) لأنه فطر أبيح لهما بسبب لا يتعلق باختيارهما فلم ينقطع التَّتَابُع كما لو أفطرتا خوفاً عَلَى أنفسهما. المغني 8/ 596.
(4) نقلها عنه ابن منصور. انظر: الروايتين والوجهين 142 /ب.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 142/ب، والمغني 8/ 598.
(6) نقل الأثرم عن الإمام أحمد فَقَالَ في موضع وَقَد سئل إذا أخذ ثلاثه عشر رطلاً وثلث دقيق فخبزه وقسم الخبز فقال وهذا أرجو ان يجزيه، وَقَالَ في موضع آخر وَقَد سئل ان أطعمهم خبزاً وتمراً فَقَالَ: الخبز لا ولكن التمر أو الدقيق. وَقَالَ في رِوَايَة ابن هانئ عندما سأله: يجمعهم أي المساكين. ويطعمهم خبزاً ولحماً أو خبزاً وأُدماً؟ قَالَ: أنا اكره ذَلِكَ، بل يعطيهم تمراً، أهون حنطة، أهون شعيراً واختار الجواز القاضي والخرقي. انظر: الروايتين والوجهين 144/أ، مسائل ابن هانئ 2/ 74، والمغني 8/ 609، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 367.
(7) نقلها عَنْهُ الأثرم والميموني أن إخراج القيمة لا تجزيء. انظر: الروايتين والوجهين 44/ب، المغني 8/ 604 - 605و610، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 369.
(8) نقلها الأثرم أيضاً في جواز إخراج القيمة. انظر: الروايتين والوجهين 144/ب، المغني 8/ 604 - 605، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 369.(1/474)
الرِّوايَاتِ وَهُمْ سِتُونَ (1) مِسْكِينَاً إلا في كَفَّارَةِ اليَمِينِ فَإنَّهُمْ عَشَرَةٌ، وفي الثَّانِيَةِ: يُشْتَرَطُ عَدَدُهُمْ مَعَ وجُودِهِمْ فَأمَّا مَعَ عَدَمِهِمْ فَيَجُوزُ إطْعَامُ واحِدٍ سِتِّيْنَ يَومَاً، وهَذِهِ الرِّوايَةُ اخْتِيَارِ شِيُوخِنَا (2). وفي الثَّالِثَةِ الاخْتِيارُ عِنْدَهُ اسْتِغْراقُ العَدَدِ وإنْ كَرَّرَ إطْعَامُ واحِدٍ أجْزَئَهُ (3)، ولا يُجْزِئُ صَرْفُهَا إلى أهْلِ الذِّمَّةِ، ولا إلى مُكَاتِبٍ ويَتَخَرَّجُ جَوازُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عِتْقِهِمَا ولا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلى مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ويَجُوزُ صَرْفُهَا إلى الكِبَارِ والصِّغَارِ إلا أنَّ الصَّغِيرَ يَقْبِضُ لَهُ وَلِيُّهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلى مَنْ لَمْ يَأكُلِ الطَّعَامَ (4). ولا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلى عَبْدٍ ولا إلى غَنِيٍّ فَإنْ دَفَعَهَا إلى مَنْ ظَاهِرُهُ الفَقْرُ فَبَانَ غَنِيَّاً فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ عَلَى رِوايَتَينِ (5)، ولا مَدْخَلَ لِلكِسْوَةِ في شَيءٍ مِنَ الكَفَّارَاتِ إلا في كَفَّارَةِ اليَمِينِ والمُجْزِئُ أنْ يُعْطِيَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ سُتْرَهً تَصِحُّ صَلاتُهُ بِهَا، ولا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الكَفَّارَةِ مِنْ جِنْسَينِ مِثْلُ أنْ يَعْتِقَ نِصْفُ عَبْدٍ، ويَصُومَ شَهْرَاً، أو يُطْعِمَ ثَلاثِينَ مِسْكِينَاً أوْ يَصُومَ شَهْرَاً إلا في كَفَّارَةِ اليَمِينِ فإنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكْسُوَ خَمْسَاً ويُطْعِمَ خَمْسَاً، فَإنْ أعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ وكَسَا خَمْسَاً أوْ أطْعَمَهُمْ فَقَالَ أصْحَابُنَا: لا يَجُوزُ، ولا يُجْزِئُ شَيءٌ مِنَ الكَفَّارَاتِ إلا بالنِّيَّةِ، وإذا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسَينِ فَأعْتَقَ أو صَامَ أو أطْعَمَ يَنْوي بِهِ الكَفَّارَةَ مُطْلَقَاً أجْزَئهُ عَنْ أحَدِهِما، وإنْ كَانَتْ عَنْ أجْنَاسٍ عَنْ قَتْلٍ وَوطءٍ وظِهَارٍ فَقَالَ شَيْخُنَا: قِياسُ المَذْهَبِ لا يُجْزِئُ بِنِيَّةٍ مُطْلقَةٍ حَتَّى يُعَيَنَ سَبَبُها (6)، وعِنْدِي أنَّها تُجْزِئُ، فَعَلى هَذَا لَوْ عَلِمَ أنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَنَسَى سَبَبَها أجْزَئَهُ كَفَّارَةٌ واحِدَةٌ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أبُو بَكْرٍ، وعَلى قَوْلِ شَيْخِنَا: يَلْزَمُهُ أنْ يُكَفِّرَ بِعَدَدِ أسْبَابِ الكَفَّارَاتِ (7)، فَإنْ أطْعَمَ مِسْكِينَاً وَاحِدَاً في يَومٍ واحِدٍ مِنْ كَفَّارَتَينِ وثُلُثٍ لَمْ يُجْزِهِ مَعَ وجُودِ غَيْرِهِ أنَّهُ يُجْزِئهُ.
__________
(1) في الأصل ((ستون)).
(2) ونقلها عن الإمام أحمد، القاضي أبو الحسين. أنظر: المغني 8/ 600.
(3) انظر: الشرح الكبير 8/ 613.
(4) وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وهي ظاهر كلام الخرقي. والثانية: يجوز دفعها للصغير الذي لَمْ يطعم. انظر: المغني 11/ 252، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 367، والفروع 5/ 388، والإنصاف 9/ 229.
(5) نقل مهنا يجزئه، ونقل غيره لا يجزئه وَِهُوَ اختيار أبي بكر. انظر: الروايتين والوجهين 144/أ.
(6) انظر: المغني 8/ 625، والمقنع: 253، والشرح الكبير 8/ 625.
(7) انظر: المغني 8/ 625، والمقنع: 254، والشرح الكبير 8/ 625.(1/475)
كِتَابُ القَذْفِ واللعَانِ
قَذْفُ المُحْصِنينَ يُوجِبُ الحَدَّ، وقَذْفُ غيْرِ المُحْصِنينَ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ، وقَدَرُ الحَدِّ إذا كَانَ القَاذِفُ حُرَّاً ثَمانُونَ وعَبْدَاً أرْبَعُونَ وقَدَرُ التَّعْزِيرِ يُذْكَرُ في بَابِهِ /332ظ/ والمُحْصَنُ: هُوَ المُسْلِمُ الحُرُّ العَاقِلُ العَفِيفُ الذي يُجَامِعُ مِثْلُهُ وإنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغَاً (1) في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ، وفي الأخْرَى البَالِغُ (2) والقَذْفُ عَلَى ثَلاثة أضْرُبٍ: واجِبٌ، ومُبَاحٌ، ومَحْضُورٌ. فَالواجِبُ: أنْ يَرَى زَوجَتَهُ تَزْنِي في طُهرٍ لَمْ يُجامِعْهَا فِيْهِ فَيَعْتَزِلَهَا، وتَأتِي بِوَلَدٍ بَعْدَ سِتَّةِ أشْهُرٍ مِنْ حِينِ رُؤيَتِهِ، فَإنَّهُ يَلْزَمُهُ قَذْفُهَا في هَذِهِ الصُّورَةِ ونَفْيُ الوَلَدِ (3). والمُبَاحُ: أنْ يَرَاهَا تَزْنِي أوْ يَسْتَفِيضَ مِنَ النَّاسِ أنَّهَا تَزْنِي، أوْ يُخْبِرَهُ ثِقَةٌ بِأنَّهُ رَأى رَجُلاً يَطَأُهَا، أوْ يَرَى رَجُلاً مَعْرُوفَاً بالفُجَورِ عِنْدَهَا، ونَحْو ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ زَنَاهَا. فَإنْ أتَتْ بِوَلَدٍ أسْوَدٍ وهُمَا أبْيَضَانِ، أوْ أتَتْ بِوَلَدٍ أبْيَضٍ وهُمَا أسْوَدَانِ، فَظَاهِرُ كَلاِم أحْمَدٍ رَحِمَهُ اللهُ. إبَاحَةُ قَذْفِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَحِلُّ لَهُ قَذْفُهَا (4). ومَا عَدَا ذَلِكَ في حَقِّ الزَّوْجَاتِ والإمَاءِ فالأجَانِبُ مُحَرَّمٌ. وألفَاظُ القَذْفِ، تَنْقَسِمُ إلى: صَرِيْحٍ وكِنَايَةٍ، فَالصَّرِيْحُ: قُوْلُهُ يا زَانِي، يا عَاهِرُ، يا مَنْيوكُ، يا مَعْفُوجُ (5)، يا لُوطي، زَنَا فَرْجُكَ، ومَا أشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الألْفَاظِ الَّتي لا تَحْتَمِلُ في الغَالِبِ إلا القَذْفَ فَلا يقبَلُ تَفْسِيرُهُ بِها يُحِيْلُ القَذْفَ نَحْوَ أنْ يَقُولَ: أرِيْدُ بِقَوْلِي يا زَانِيَ العَيْنِ، يا عَاهِرَ اليَدِ، يا مَعْفُوجَ دُوْنَ الفَرْجِ، يا لُوطِي إنَّكَ مِنْ قَوْمِ لوطٍ، وذَلِكَ لا يُعْرَفُ، فَإنْ قَالَ: أنْتَ أزْنَى النَّاسِ فَهُوَ صَرِيْحٌ اخْتَارَهُ أبُو بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَيْسَ بِقَذْفٍ. وكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أنْتَ أزْنَى مِنْ فُلانَةٍ، وَهَلْ يَكُونُ قَاذِفَاً لِفُلانَةَ؟ فَقَالَ شَيْخُنَا: يَكُونُ قَاذِفَاً لَهَا أيْضَاً. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَكُونُ
__________
(1) وقطع به القاضي، وَهُوَ مقتضى كلام الخرقي. انظر: المغني 10/ 202 - 203، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 52.
(2) انظر: المغني 10/ 202 - 203، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 52، والكافي 4/ 217.
(3) لان ذَلِكَ يجري مجرى اليقين في ان الولد من الزاني، فإذا لَمْ ينفه لحقه الولد وورثه وورث أقاربه وورثوا منهُ ونظر الإنسان بناته وأخواته، وليس ذَلِكَ بجائز فيجب نفيه لإزالة ذلك. انظر: المغني 9/ 42.
(4) لأن الناس كلهم من آدم وحواء وألوانهم وخلقهم مختلفة فلولا مخالفتهم شبه والديهم لكانوا عَلَى خلقة واحدة، ولان دلالة الشبه ضعيفة ودلالة ولادته عَلَى الفراش قوية فلا يجوز ترك القوي لمعارضة الضعيف. انظر: المغني 9/ 44.
(5) العَفْج: بمعنى نكح فهو بمعنى منكوح. أي موطوء. انظر: اللسان 2/ 132"عفج"، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 56.(1/476)
قَاذِفَاً لَهُمَا (1). فَإنْ قَالَ لامْرَأتِهِ: يا زَانِي، وَقَالَ لِرَجُلٍ: يا زَانِيَةُ. فَهُوَ صَرِيْحٌ عَلَى قَوْلِ أبِي بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَكُونُ قَاذِفَاً. ومَعْنَى قَوْلهِ أنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ في القَذْفِ، وإلا فَلَوْ قَالَ: نَوَيْتُ بِهِ قَذْفَهُ، أوْ فَسَّرَهُ بِالقَذْفِ فَلا شَكَّ أنَّهُ يَكُونُ قَاذِفَاً فَإنْ قَالَ: زُنَاةٌ في الجَبَلِ. فَقَالَ أبُوْ بَكْرٍ هُوُ صَرِيْحٌ في القَذْفِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ يَعْرِفُ اللُّغَةَ (2) فَقَالَ: أرَدْتُ الصُّعُودَ في الجَبَلِ. قُبِلَ مِنْهُ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ إمَامِنَا أحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ. في العَرَبِيِّ إذا قَالَ بِهِشتَم (3) إنْ كَانَ لا يَعْرِفُ أنَّهُ طَلاقٌ لا يَلْزمُهُ الطَّلاقُ، فَإنْ قَالَ: زَنَأتَ ولَمْ يَقُلْ في الجَبَلِ فَيَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ كَالَّتي قَبْلَهَا (4)، ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَكُونَ صَرِيحَاً وَجْهَاً واحِدَاً، وأما الكِنَايَةُ فَيَجُوزُ أنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ قَدْ فَضَحْتِيهِ /333 و/ وَغَطَّيْتِ رَأسَهُ وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُونَاً وعَلَّقْتِ عَلَيْهِ أوْلادَاً مِنْ غَيْرِهِ وأفْسَدْتِ فِرَاشَهُ ونَكَسْتِ رَأسَهُ، أوْ يَقُولَ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: يا حَلالَ ابْنَ الحَلالِ، يا عَفِيفُ ما تَعْرِفُكَ النَّاسُ بالزِّنَا، أوْ يَقُولَ: يا فَاجِرَةُ، يا قَحْبَةُ، يا خَبِيْثَةُ، أوْ يَقُولَ لِنِبْطِيٍّ يا أعْجَمِيُّ يا عَرَبِيُّ فَهَذَا لا يَكونُ قَاذِفَاً إلا أنْ يَنْويَ بِذَلكِ القَذْفِ فَإنْ قَالَ نَوَيْتُ عَنِ القَذْفِ وفَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ فَالقَولُ قَولُهُ في إحْدَى الرِّوايَتَينِ (5)، وفي الأُخْرَى جَمِيعُ ذَلِكَ صَرِيحٌ في القَذْفِ ويُلْزِمُ الحَدَّ (6) اخْتَارَهَا شَيْخُنَا، وكَذَلِكَ الحُكْمُ إذا سَمِعَ إنْسَانَا يَقْذِفُ رَجُلاً بِالزِنَا فَقَالَ: صَدَقتَ. أو قَالَ: أخْبَرَنِي فُلانٌ أنَّكَ تَزْنِي، وكَذَّبَهُ فُلانٌ (7) يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَينِ (8)، فَإنْ قَالَ: أهْلُ بَغْدادَ كُلُّهُمْ زُنَاةٌ. لَمْ
__________
(1) انظر: المغني 10/ 216.
(2) انظر: المغني 10/ 216 - 217، والكافي 4/ 218، والمحرر 2/ 95، والمبدع 9/ 92، والفروع 6/ 93، والإنصاف 10/ 214.
(3) في الأصل "كهشتم"، ونقل عبارته المرداوي في الإنصاف 10/ 214 فَقَالَ: "قَالَ في الهداية قَالَ بهشيم "، وضبطها في المطلع1/ 335، والمبدع 7/ 274 بالحروف فَقَالَ: بكسر الباء والهاء، وهي تعني: خليتك، وهذا الإطلاق يكون بلسان العجم.
(4) يعني عَلَى قَوْل ابن حامد. انظر: الإنصاف 10/ 214، والفروع 6/ 93.
(5) ذكر أبو بكر عَبْد العزيز: أن أبا عَبْد الله رجع عن القول بوجوب الحد في التعريض. المغني 10/ 214.
(6) نقل حَنْبَل عن الإمام أحمد أنَّهُ لا حد عَلَيْهِ وَِهُوَ ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر، وروى الأثرم وغيره عن أحمد أن عَلَيْهِ الحد. انظر: المغني 10/ 213، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 56، والكافي 4/ 220.
(7) قَالَ ابن قدامة في المغني 10/ 216: "لَمْ يكن قاذفاً سواء كذبه المخبر عنه، أهون صدقه".
(8) الوجه الأول: لَمْ يكن قاذفاً كما سبق؛ لأنه أخبر أنَّهُ قَدْ قذف فلم يكن قذفاً مْنْهُ. والوجه الثاني: يكون قاذفاً ونسب هَذَا الوجه ابن قدامة لأبي الخطاب. انظر: المغني 10/ 216، والكافي 4/ 219، وكشاف القناع 6/ 112.(1/477)
يَكُنْ قَاذِفَاً، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ وكَذَلِكَ كُلُّ قَذْفٍ يَتَحَقَّقُ كَذِبُهُ فِيْهِ مِثْل أنْ يَقَذِفَ جَمَاعَةً لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ جَمِيعُهُمْ زَنَوا، فَإنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اقْذِفْنِي. فَقَذَفَهُ احْتَمَلَ وَجْهَينِ. أحَدُهُمَا يَكُونُ قَاذِفَاً. والثَّانِي: لا يَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبَاً لِلحَّدِ بَلْ يُعَزَّرُ. فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يا زَانِيَةُ فَقَالَتْ بَلْ زَنات (1) لَمْ تَكُنْ قَاذِفَةً، فَإنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يا نِبْطِيُّ (2)، يا فَارِسِيُّ، يا رُوْمِيُّ فَهَلْ يَكُونُ قَذْفَاً؟ عَلَى روايتين (3). وإذا قَالَ لِوَلَدِهِ: لَسْتَ بِوَلَدِي. فَهَلْ هُوَ صَرِيْحٌ في القَذْفِ أمْ كِنَايَةٌ؟ عَلَى وَجْهَينِ (4)، وإنْ قَالَ لأجْنَبِيٍّ: لَسْتَ بِوَلَدِ فُلانٍ. فَقَدْ قَذَفَ أُمَّهُ ولَهُ المُطَالَبَةُ إنْ كَانَتْ أُمُهُ مَيتَةٌ (5)، وَقَالَ أبُو بَكْرٍ: قَذْفُ المَيِّتِ لا يُوجِبُ الحَدَّ (6). فَإنْ قَالَ زَنَيْتِ أوْ أنْتِ صَغِيْرَةٌ، وفَسَّرَهُ بالصِّغَرِ الذِي لا يُجَامَعُ فِيْهِ لَمْ يَكُنْ قَاذِفَاً وعَلَيْهِ تَفْسِيْرُ السَّبِّ وإنْ فَسَّرَهُ بِصِغْرٍ يُجَامَعُ فِيْهِ كَتِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدَاً فَهُوَ قَاذِفٌ، فَإنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ: زَنَيْتِ وأنْتِ نَصْرانِيَّةٌ أوْ أنْتِ أمَةٌ، ولَمْ يَثْبُتْ أنَّهَا كَانَتْ نَصْرانِيَّةً ولا أمَةً فَهُوَ قَاذِفٌ لِمُسلِمَةٍ حُرَّةٍ وإنْ ثَبَتَ أنَّهَا كَانَتْ أمَةً أوْ نَصْرَانِيَّةً إلا أنَّهَا قَالَتْ: أرَدْتَ قَذْفِي في هَذِهِ الَحالِ وأضَفْتَ إليَّ ذَلِكَ كَوْنِي نَصْرَانِيَّةً أمَةً، فَقَالَ: بَلْ أرَدْتُ أنَّكِ زَنَيْتِ في حَالِ كُفْرِكِ أوْ رِقِّكِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: القَوْلُ قَولُهَا وَيلزِمُهُ مُوجبُ قَذْفِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ (7)، وعِنْدِي أنَّ القَولَ قولُهُ ويَلزَمُهُ مُوجِبُ قَذْفِ أمَةٍ أوْ كَافِرَةٍ، فَإنْ قَالَ زَنَتْ يَدَاكِ ورِجْلاكِ، وَقَالَ أبُو بَكْرٍ: يَكُونُ قَاذِفَاً، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ لا يَكُونُ قَاذِفَاً وَهُوَ الأقْوَى. /334 ظ/
بَابٌ فِيْمَنْ يَصُحُّ لِعِانُهُ أوْ لا يَصُحُّ وصِفَةُ اللعَانِ
يَصُحُّ اللعَانُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ سَواءٌ كَانَ الزَّوْجَانِ مُسْلِمَينِ، أوْ ذِمِّيينِ، أوْ رَقِيقَينِ، أوْ فَاسِقَينِ، أوْ مُسْلِمٌ وذِمِّيَّةٌ، أوْ حُرٌ وأمَةٌ، أوْ عَدْلٌ وفَاسِقَةٌ في أصَحِّ الرِّوايَتَينِ (8) إلا أنَّهُ إنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ المُسلِمةَ لَزِمَهُ حَدُّ القَذْفِ وَلَهُ إسْقَاطُهُ عَنْهُ بالبَيِّنَةِ أوْ
__________
(1) كذا في الأصل ويجوز أن تكون: "زنيت". وانظر: المغني 9/ 74.
(2) النَبَط والنَبيط: قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين. انظر: الصحاح 3/ 1162، ولسان العرب 7/ 411 "نبط"، وكشاف القناع 6/ 111.
(3) الأولى: ليس بقذف، ولا يجب عَلَيْهِ الحد وهي اختيار أبي بكر، وصححه أبانها مُحمَّد ابن قدامه في ... المغني. والثانية: هو قذف، وعليه الحد، وهي اختيار القاضي. انظر: المغني 10/ 215، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 56، وكشف القناع 6/ 111، والكافي 4/ 220.
(4) انظر: المبدع 9/ 91، والإنصاف 10/ 212، وكشاف القناع 6/ 110.
(5) وهو اختيار الخرقي. والكافي 4/ 226.
(6) انظر: الكافي 4/ 226، وكشاف القناع 6/ 110.
(7) انظر: المغني 10/ 224، والكافي 4/ 229، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 57.
(8) نقلها عَبْد الله وأبو طالب والميموني وابن منصور وابن القاسم وهي اختيار القاضي، والخرقي. =(1/478)
باللعَانِ فَإنْ قَذَفَهَا وهِيَ ذِمِّيَّةٌ أوْ أمَةٌ لَزِمَهُ التَّعْزِيرُ وَلَهُ إسْقَاطُهُ باللعَانِ أيْضَاً، وفي الرِّوايَةِ الأخْرَى (1) لا يَصُحُّ اللعَانُ إلا مِنْ زَوْجَينِ مُسْلِمَينِ عَدلَينِ فَأمَا إنْ قَذَفَ الذِّمِّيَّةَ أوْ الأمَةَ أوْ الفَاسِقَةَ فَإنَّهُ يُعَزَّرُ، وإنْ قَذَفَ المُحْصَنَةَ حُدَّ ولا لِعَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوايَةِ، ولا يَتَعَرَّضُ للقَاذِفِ بِلَعْنٍ ولا غَيْرِهِ إلا بَعْدَ مُطَالَبَةِ الزَّوْجَةِ لَهُ بِمُوجَبِ القَذْفِ فَإنْ عَفَتْ بَعْدَ المُطَالَبَةِ سَقَطَ ذَلِكَ، فَأمَّا الأخْرَسُ (2) فَإنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ أوْ كِنَايَتُهُ صَحَّ لِعَانُهُ وإلا فَلا يَصُحُّ وأمَّا مَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ وآيَسَ مِنْ نُطْقِهِ فَهَلْ يَصِحُّ لِعَانُهُ بالإشَارَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَينِ (3)، وأمَّا الأعْجَمِيُّ فَإنْ كَانَ يُحْسِنُ العَرَبِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ لِعَانُهُ بِلِسَانِهِ وإنْ كَانَ [لا] (4) يُحْسِنُهَا فَهَلْ يَصِحُّ لِعَانُهُ بِلِسَانِهِ يحْتَمِلُ أنْ يَصِحَّ ويحْتَمِلُ أنْ لا يَصِحَّ، ويتعلم، ولا تَصِحُّ المُلاعَنَةُ إلا لِحَضْرَةِ الحَاكِمِ، وصِفَتُهَا أنْ يَبْدَأ الزَّوْجُ فَيَقُولَ: أشْهَدُ باللهِ إني لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيْمَا رَمَيْتُها بِهِ مِنَ الزِّنَا. أرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ في الخَامِسَةِ: ولَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ [مِنَ] (5) الكَاذِبِينَ. ثُمَّ تَقُولُ الزَّوْجَةُ أرْبَعَ مَرَّاتٍ: أشْهَدُ باللهِ لَقَدْ كَذَبَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا. ثُمَّ تَقُولُ: وَغضَبُ اللهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. والسُّنَّةُ أنْ يَتَلاعَنَا قِياماً، ويُقَالُ للزَّوْجِ إذا بَلَغَ إلى اللعْنَةِ والزَّوْجَةِ إذا بَلَغَتْ إلى الغَضَبِ: اتَّقُوا اللهَ فَإنَّها المُوجِبَةُ وعَذَابُ الدُّنْيَا أهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ (6). وأنْ يَحْضَرَ اللعَانَ جَمَاعَةٌ ويُلاعِنُهَا في المَواضِعِ والأزْمَانِ الَّتِيْ تَعْظُمْ ولا يَجِبُ جَمِيعُ ذَلِكَ، ويَكُونُ اللعَانُ بِحَضْرَةِ الحَاكِمِ فإنْ كَانَتْ خَفِرةً (7) بَعَثَ مَنْ يُلاعِنُ بَيْنَهُمَا فَإنْ نَقَضَ أحَدُهُمَا شَيْئَاً مِنَ الألفَاظِ الخَمْسَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِلِعَانِهِ وإنْ بَدَّلَ لفْظَةَ أشْهَدُ بأُقْسِمُ أو حَلَفَ أوْ بَدَّلَ لفْظَةَ اللعَنَةِ بالإبْعَادِ ولَفْظَةَ الغَضَبِ بالسَّخَطِ احْتَمَلَ وَجْهَينِ (8) أحَدُهُمَا: لا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ وَهُوَ الأظْهَرُ، والثَّاني: يُعْتَدُّ
__________
= انظر: مسائل عَبْد الله 3/ 1152 و 1157، والروايتين والوجهين 145/أ، والمغني 9/ 6، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 349، والإنصاف 9/ 242 - 243.
(1) انظر: الروايتين والوجهين 145/أ.
(2) لأنه يصح طلاقه فصح قذفه ولعانه كالناطق. انظر: المغني 9/ 11.
(3) الأول: يصح؛ لأنه مأيوس من نطقه فأشبه الأخرس. والثاني: لا يصح؛ لأنه ليس بأخرس فلم يكتف بإشارته كغير المأيوس. انظر: الشرح الكبير 9/ 10. وذكر أبو مُحمَّد بن قدامه في المغني 9/ 11 - 12 أن من قذف وهو ناطق ثم خرس وأيس من نطقه فحكمه حكم الأصلي، وإن رجي عود نطقه وزوال خرسه انتظر به ذلك.
(4) زيادة يقتضيها السياق.
(5) زيادة يقتضيها السياق.
(6) قَالَ ابن قدامه في المقنع: 354: "وإذا بلغ كُلِّ واحد منهما الخامسة أمر الحاكم رجلاً فأمسك يده عَلَى فيّ الرجل وامرأة تضع يدها عَلَى فيّ المرأة ثم يعظه ويقول اتق الله فإنها الموجبة ".
(7) بفتح الخاء المعجمة وكسر الفاء - الشديدة الحياء. المطلع: 347.
(8) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 415.(1/479)
بِهِ، وإنْ كَانَ بَينَهُمَا وَلَدَاً فيقر نَفْيهُ عَنِ /335 و/ الأبِ إلى ذِكْرِهِ في اللعَانِ قَالَهُ الخِرقِيُّ (1) فَيَزِيدُ في لَفْظِ الشَّهَادَةِ: ومَا هَذَا الوَلَدُ وَلَدي (2)، وتَزيِدُ هِيَ فِيْهَا: وإنَّ هَذَا الوَلَدَ ولَدُهُ، وَقَالَ أبُو بَكْرٍ: يَنْتَفِي بِنَفِي الفِرَاشِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ (3). وإنْ بَدَأ بلعَانِ المَرْأةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ولا تَقَعُ الفُرْقَةُ وزَوَالُ الفِرَاشِ إلا بِلِعَانِهِمَا وتَفْرِيقِ الحَاكِمِ بَيْنَهُمَا بِقَولِهِ فرق بَيْنَهُمَا في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ (4) وفي الأُخْرَى (5): يَقَعُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ لِعَانِهِمَا، وفُرْقَةُ اللعَانِ فَسْخٌ ويَتَعَلَّقُ بِهَا ثَلاثَةُ أحْكَامٍ: سُقُوطُ الحَدِّ، وانْتِفَاءِ النَّسَبِ، والتَّحْرِيمِ المُؤبَدِ في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ (6)، فَإنْ أكْذَبَ نَفسَهُ لَحِقَهُ النَّسَبُ وحُدَّ إنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُحْصَنَةٌ وعُزِّرَ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ فَإنْ الْتَعَنَ الزَّوْجُ ونَكَلَتِ الزَّوْجَةُ عَنِ اللعَانِ حُبِسَتْ حَتَّى تَلْتَعِنَ أوْ تُقِرَّ بالزِّنَا في إحَدَى الرِّوَايَتَينِ (7) وفي الأخْرَى يُخلى سَبيلُهَا، وهِيَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ (8)، فَإنْ مَاتَ أحَدُ الزَّوْجَينِ قَبْلَ التَّلاعُنِ وَقَعَتِ الفِرْقَةُ بالمَوتِ، وَوَرِثَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وثَبَتَ نَسَبُ الوَلَدِ مِنْهُمَا، وسَقَطَ موجبُ القَذْفِ، وإنْ مَاتَ الوَلَدُ صَحَّ لِعَانُهُمَا ونَفْيُهُ، فَإنْ قَالَ: وطِئْتُ بِشُبْهَةٍ وهَذا الوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي فَلَهُ أنْ يُلاعِنَ لِنَفْي الوَلَدِ في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ (9)، وفي الأخْرَى لا مُلاعَنَةَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَقْذِفَهَا بالزِّنَا والوَلَدُ يَلْحَقُ بِهِ اخْتَارَهَا الخِرَقِيُّ (10) فَإن أمَرَ بالوَلدِ ثُمَّ عَادَ فَنَفَاهُ وَقَالَ: هُوَ مِنْ زِنَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ولَزمَهُ الحَدُّ ولَهُ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 146/أ، والمغني 9/ 37، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 452.
(2) قال القاضي: يشترط أن يقول: هذا الولد من الزنا وليس هو مني. شرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 452.
(3) انظر: المغني 9/ 38، والمقنع: 256، والروايتين والوجهين 146/ أ.
(4) نقلها عن الإمام أحمد، بن القاسم. انظر: الروايتين والوجهين 146/ أ.
(5) نقلها عن الإمام أحمد، إسماعيل بن سعيد. انظر: الروايتين والوجهين 145/ب.
(6) وهي الرواية المشهورة عن الإمام أحمد - رحمه الله - والثانية نقلها حَنْبَل وهي شاذة كما قَالَ ابن قدامة في المغني. انظر: الروايتين والوجهين 146/ أ، والمغني 9/ 33، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 442.
(7) نقلها عن الإمام أحمد - رحمه الله - ابن القاسم، وَقَالَ أبو بكر: "رَوَى ابن القاسم أنها تجبر عَلَى اللعان ووافقه غيره". وصححه القاضي. انظر: الروايتين والوجهين 145/ب، والمغني 9/ 73، والمحرر 2/ 99، والمبدع 8/ 89.
(8) قال أبو بكر: وروى الكوسج أنَّهُ يقال لها اذهبي والولد لهما. وَقَالَ بعدها: وهُوَ المعمول عَلَيْهِ عندي.
انظر: الروايتين والوجهين 145/ب.
(9) في رواية ابن منصور إذا قَالَ: لا أقذف امرأتي وليس مني فإذا كان الفراش له، وولدت في ملكه يلاعن، وقال في موضع آخر: إذا قَالَ: ليس مني لحق به ولا ينتفي إلا باللعان وهي اختيار أبي بكر وصححه القاضي. انظر: الروايتين والوجهين 146/ ب.
(10) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 447.(1/480)
إسْقَاطُهُ باللعَانِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ باللعَانِ وكَذَلِك إنْ أتَتْ بِتَوأمَينِ فَأقَرَّ بأحَدِهِمَا ونَفَى الآخَرَ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ زِنَا ثَبَتَ نَسَبُهَا ويُلاعِنُ لإسْقَاطِ حَدِّ القَذْفِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يُحَدُّ (1). فَإنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: زَنَيْتِ قَبْلَ أنْ أتزَوَجَ بِكِ فَعَلَيْهِ الحَدُّ، ولَيْس لَهُ إسْقَاطُهُ باللعَانِ، وإنْ أبانَهَا، ثُمَّ قَالَ: زَنَيْتِ حَيْثُ كُنْتِ زَوْجَتِي. فَإنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَلَهُ نَفْيُهُ باللعَانِ وإلا حُدَّ ولَمْ يُلاعِنْ وإنْ قَذفَهَا وهِيَ زَوْجُهُ ثُمَّ أبَانَها فَلَهُ الملاعَنَةُ سَواءَ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ يُرِيْدُ نَفْيَهُ أوْ لَمْ يَكُنْ فَإنْ قَذْفَ زَوجَتَهُ ولاعَنَ ثُمَّ عَادَ فَقَذَفَها بِذَلِكَ الزِّنَا عُزِّرَ ولَمْ يُلاعِنْ وكَذَلِكَ إنْ قَذْفَ أجْنبِيَّةً فَحُدَّ ثُمَّ عَادَ فَقَذَفها بِذَلِكَ الزِّنَا عُزِّرَ وإنْ قَذَفَها أجْنَبيٌّ بِذَلِكَ الزِّنَا حُدَّ فَإنْ قَالَ لِزَوْجَتهِ: يا زَانِيَّةُ، فَقَالَتْ بَلْ أنْتَ زَانٍ فَلَهُ إسْقَاطُ قَذْفِهِ باللعَانِ، وعَلى الزَّوْجَةِ حَدُّ قَذْفهِ فَإنْ قالَ /336ظ/ لَهَا زَنَا بِكِ فُلانٌ لاعَنَ لإسْقَاطِ الحَدِّ لَها ولِلمُسَمَّى وإذا قَذَفَ مُحْصَناً فَقْبِلَ إنْ يُطالِبَ بِحَدِّ القَذْفِ سَقَطَ إحصَانُ المَقْذُوفِ بِزِناً ثَبَتَ عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ حُكمُ المُحْصَنِ وإذا قَذْفَ زَوْجَتَهُ فَصَدَّقَتْهُ سَقَطَ عَنْهُ الحَدُّ وإنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَهُوَ قِياسُ المَذْهَبِ فَإنَهُ لَوْ قَذَفهَا، وَقَالَ: ولَدُكِ هَذَا مِنَ الزِّنَا فَمَاتَ قَبْلَ المُلاعَنَةِ سَقَطَ عَنْهُ الحَدُّ، ولَحِقَهُ الوَلَدُ نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة الأثْرَمِ وابْنِ القاسِمِ، ولا تَصُحُّ المُلاعَنَةُ عَلَى نَفِيِ الحَمْلِ (2)، ولا يَلْزَمُهُ اسْتِلْحَاُقُه حَتَّى تَضَعَهُ (3)، وإذا شَهِدَ الزَّوْجُ مَعَ ثَلاثَةٍ بالزِّنَا لاعَنَ الزَّوْجُ لإسْقَاطِ الحَدِّ، وحُدَّ الثَّلاثَةُ، فَإذا قَذَفَ أرْبَعَ زَوْجَاتٍ وْجَمَاعَةً أجَانِبَ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ فَقَالَ: يا زَوانِي، فَعَليهِ حَدٌّ واحِدٌ لِجَمَاعَتِهِنَّ في إحْدَى الرِّوايَتَينِ (4)، وفي الأخْرى إنْ طالَبُوا عِنْدَ الحَاكِمِ مُطَالَبَةً واحِدَةً فَحَدٌّ واحِدٌ، وإنْ طَالَبُوا مُتفَرِّقِينَ حَدٌّ لِكُلِّ واحِدٍ وحْدَهُ (5). وَلَهُ إسْقَاطُ حَقِّ الزَّوْجَاتِ باللعَانِ إلا أنَّهُ يُفْرِدُ كُلَ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِلِعَانٍ عَلى ظَاهِرِ كَلامِ أصْحَابِنا، ويَحْتَمِلُ أنْ يُجْرِيَ لِعَانٌ واحِدٌ في حَقِّهِنَّ فَيَقُولُ: أشْهَدُ باللهِ إنِّي لَصَادِقٌ فِيْمَا رَمَيْتُ بِهِ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْ زَوْجَاتي الأرْبَعِ مِنَ الزِّنَا. وتَقُولُ لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ: أشْهَدُ باللهِ لَقَدْ كَذَبَ فيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا. وأيَّتُهُنَّ بَدَتْ فَقَالَتْ ذَلِكَ جَازَ، فَإنْ كَانَ القَذْفُ بِكَلِمَاتٍ فَفِي الرِّوايَتَانِ الأُولَيَانِ ورِوايَةٌ ثَالِثَةٌ يَجِبُ لِكُلِّ واحِدَةٍ حَدٌّ، وإنْ قَذَفَ مَنْ تَزَوَّجَها نِكَاحَاً فَاسِدَاً لَمْ يَكُنْ لَهُ أنْ يُلاعِنَ إلا أنْ
__________
(1) انظر: المغني 9/ 39.
(2) اختلف في هذه المسألة فأبو الخطاب قد وافق الخرقي في هذا، وخالفهما أبو بكر. انظر: المغني 9/ 46.
(3) وهو المنصوص عن الإمام أحمد، ومن قَالَ: أنه لا يصح نفيه. انظر: المغني 9/ 47.
(4) نقلها الحارث والفضل وأبو طالب ويعقوب بن بختان ومهنا وعبد الله. انظر: الروايتين والوجهين 148/ أ، ... والمغني 10/ 232، والكافي 4/ 224.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 146/ أ، والمغني 10/ 232 _ 233، والكافي 4/ 424.(1/481)
يَكُونَ بَيْنَهُما وَلَدٌ يُريْدُ نَفْيَهُ، فإنْ قَذَفَها بِزِناً في الدُبُرْ لاعَنَ لإسْقَاطِ الحَدّ فإنْ قَالَ: وَطَأكِ فُلانٌ مُكْرَهَةً أوْ بِشُبْهَةٍ وهذَا لَيْسَ مِنِّي لاعَنَ لِنَفِيِ الوَلَدِ (1) وعَنهُ يَلْحَقُهُ الوَلَدُ (2).
بَابُ مَا يُلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ ومَا لا يُلْحَقُ
ومَنْ أتَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مِنْهُ لَحِقَهُ نَسَبُهُ إلا أنْ يَنْفِيَهُ باللعَانِ، وإنْ لَمْ يُمْكنْ أنْ يكُونَ مِنْهُ مِثْلُ أنْ يَأتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتةِ أشْهُرٍ مِنْ حينِ تَزَوجَها أوْ لأكْثَرَ مِنْ أرْبَعِ سِنِينَ (3) مِنْ حِيْنِ أبانَها أوْ مَعَ العَلْمِ بأنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَها كَالتي يَعْقِدُ عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ الحاكِمِ ثُمَّ يُطَلقُها عَقِبَ العَقْدِ أوْ يَتَزَوجها /337 و/ وهِيَ عَلَى مَسَافَةٍ لا يَصِلُ (4) إليْها في المُدَّةِ الَّتيْ جَاءَتْ بِالوَلَدِ فِيْها أوْ يَكُونَ الزَّوجُ مِمَّنْ لا يَنْزِلُ المَاءَ كَالمَقْطُوعِ الذِّكْرِ والاُّنْثَيينِ والصَّبِيِّ الذِي لَهُ تِسْعَ سِنينَ فَما دُوْنَ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ نَسَبُهُ فَإنْ وَطئَهَا، ثُمَّ طَلقَها طَلاقَاً رَجْعِياً، ثُمَّ أتَتْ بِوِلَدٍ لأكْثَرَ مِنْ أرْبَعِ سِنِينَ فَهَلْ يَلْحَقُهُ أمْ لا يُخَرَّجُ عَلَى وجْهَينِ (5)، فَإنْ أقَرَتْ بانْقِضَاءِ عِدَّتِها بالحَيْضِ ثُمَّ أتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتةِ أشْهُرٍ فَصَاعِداً لَمْ يُلْحَقْ نَسَبُهُ بالزَّوْجِ سَواءٌ تَزَوجَتْ أوْ لَمْ تَتَزَوجْ كَما لَوْ طلَّقَها وهِيَ حَامِلٌ فَولَدَتْ، ثُمَّ أتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتةِ أشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ فإنْ أتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتةِ أشْهُرٍ يَلْحَقْهُ لأنَّا تَيقنَّا أنَّ عِدَّتَها لَمْ تَنْقَضِ، وإذا وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ فأتَتْ بِوِلَدٍ لِدُونِ سِتةِ أشْهرٍ مِنْ حِيْنِ الوَطءِ فادَّعَا الزَّوْجُ أنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ أرى القَافةَ فَإن ألحَقُوهُ بالوَطءِ انْتَفَى عَنِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ وإنْ ألحَقُوهُ بِهِ لَحقَ وَهَلْ لَهُ نَفْيُهُ باللعَانِ عَلَى رِوَايَتَينِ (6) فإنْ ألحَقَتْهُ القَافَةُ بِهِما بِخِلافِ ما إذا ألحَقُوهُ بأمِينٍ ادَّعَاهُ فإنَّهُ لا يَلْحَقُ بِهِما ولا يُقْبَلُ قَوْلُ القَائِفِ (7) إلا أنْ يَكُونَ عَدْلاً ذَكَرَاً مُجَرَّباً في الإصَابَةِ، فَإنْ
__________
(1) في هذه المسألة روايتان الأولى: ليس لَهُ أن يلاعن أومأ إليه في رِوَايَة ابن القاسم وأبي طالب. والثانية: يلاعن. نقلها عن الإمام أحمد ابن المنصور. انظر: الروايتين والوجهين 146/ب.
(2) نص عليه في رواية ابن منصور. انظر الروايتين والوجهين 146 / ب، والمغني 9/ 57.
(3) اختلفت الرواية عن اكثر مدة الحمل فنقل صالح وحرب أنها أخرت سنين، ونقل ابن مشيش أنَّهُ قَالَ عندما سئل كم مدة الحمل فَقَالَ: الذي يعرف سنتين، وأهل المدينة يقولون أربع وصحح القاضي الرواية الأولى. انظر الروايتين والوجهين 150 /ب.
(4) في الأصل " لا تصل".
(5) جعلها في المغني عَلَى روايتين: الأولى: لا يلحقه؛ لأنها لَمْ تعلق بِهِ قبل طلاقها فأشبهت البائن. الثانية: يلحقه؛ لأنها في حكم الزوجات في السكنى والنفقة والطلاق والظهار والإيلاء.
انظر: المغني 9/ 56، والإنصاف 9/ 263.
(6) انظر: المغني 9/ 59.
(7) القائف: هو الذي يعرف النسب بفراسته، ونظره إلى أعضاء المولود. انظر: التعريفات: 219، والتعاريف: 569.(1/482)
عُدم القَافَةَ أوْ أُشْكِلَ عَلَى القَافَةِ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: لا يُلْحَقُ بواحِدٍ مِنْهُما (1)، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ ينتظرُ بِهِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبُ إلى أحَدِهِما (2) فإنْ انْتَسَبَ إلى الوَاطئِ انْتفَى عَنِ الزَّوْجِ بِغَيْرِ لِعَانٍ وإنْ انْتَسَبَ إلى الزَّوْجِ لَحِقَهُ، وَهَلْ لَهُ نَفْيُهُ باللعِانِ عَلَى رِوَايَتَينِ، ومَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَدٌ فأخَرَ نَفْيَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ سَقَطَ نَفْيُهُ فإنْ ادَّعاهُ أنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ بالوِلادَةِ وأمْكنَ صِدْقَهُ فالقَولُ قَولُهُ، وإنْ قَالَ: لَمْ أعْلَمْ إنْ كَانَ نَفْيُهُ أو لَمْ أعْلَمْ إنَّ النَفْيَ عَلَى الفَورِ، فإنْ كانَ قَرِيْب عَهْدٍ بالإسْلامِ قُبِلَ مِنْهُ وإلا فلا تُقْبَلُ دَعْواهُ فإنْ أخَّرَ النَّفْيَ لِعذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أوْ حَبْسٍ أوْ حِفْظِ مَالٍ أوْ تَعَذَّرَ السَّيْرُ عَلَيْهِ وَهُوَ في السَّفَرِ كَانَ لَهُ النَّفْيُ، فإنْ قَالَ: أخَّرْتُ النَّفْيَ رَجَاءَ أنْ يَمُوتَ فإكْفَاءُ اللعِانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ النَّفْيُ فإنْ هَنِيءَ بِهِ فَسَكَتَ، أوْ أمَّنَ عَلَى الدُعَاءِ سَقَطَ النَّفْيُ، وإذا اعْتَرفَ بوَطءِ أمتِهِ لَحِقَهُ ولَدُهَا ولَمْ يَنفِ عَنْهُ إلا أنْ يَدَّعِىَ الإسْتِبْراَء وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَيْهِ أمْ لا عَلَى وجْهَينِ: فإنْ قَالَ: كُنْتُ أطأُ وأعْزِلُ، أوْ أطأُ دُوْنَ الفَرجِ لَحِقَهُ الوَلَدُ. وإنْ وَطِئ أمَتَهُ ثُمَّ أعْتَقَها واسْتَبرَتْ ثُمَّ أتَتْ بوَلَدٍ لِدُونِ سِتةِ أشْهُرٍ مِنْ حِيْنِ /338 ظ/ العِتْقِ لَحِقَهُ وإنْ كَانَ لِسِتةِ أشْهُرٍ فَصاعِداً لَمْ يَلْزَمْهُ الوَلَدُ، وإذا وَطِئَ المَجْنُونُ مَنْ لا ملكَ لَهُ عَلَيْهَا ولا شبهةَ ملكِ فَعلقَتْ لَمْ يَلْحَقْهُ النَّسَبُ ولا حَدَّ عَلَيْهِ ويَلزَمُهُ المَهْرُ إنْ كَانَ اسْتَكْرَهَها وإذا أبانَ زَوْجَتَهُ فأتَتْ بِوَلَدٍ في مُدَّةِ الحَمْلِ فأنْكَرَ أنَّها ولَدَتْهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِشَهادَةِ امْرأةٍ ثِقَةٍ تَشْهَدُ بالوِلادَةِ.
كِتابُ العِدَدِ
بَابُ ما تنْقَضِي بِهِ العِدَّةُ
لا عِدَّةَ عَلَى مَنْ لا يَجْتَمِعُ بِها الزَّوْجُ أوْ يَمُوتُ عَنْها، فأمَّا إنْ فارَقَها بَعْدَ اسْتِمْتاعِهِ بِها أوْ خَلوَتِهِ وهِيَ مُطاوِعَةٌ فَعَلَيْها العُدَّةُ، فإنْ كَانَتْ حَامِلاً لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُها إلا بِوَضْعِ الحَمْلِ الذِي تَصورَ فِيْهِ شَيءٌ مِنْ خُلُقِ الإنْسانِ، فإنْ وضَعَتْ مُضْغَةً فَذَكَرَ ثِقَاتٌ مِنْ القَوابِلِ أنَّها مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ فَهَلْ تَنْقَضي بِهِ العِدَّةُ أمْ لا، عَلَى رِوَايَتَينِ (3). وأكْثَرُ مُدَّةِ الحَمْلِ أرْبَعُ سِنِينَ وعَنْهُ أكْثَرُهُ سَنَتانِ فإنْ ولَدَتْ ولَدَاً بَعَدَ مُدَّةِ أكْثَرِ الحَمْلِ لَمْ يَلْحَقْ بالزَّوْجِ إذا كَانَ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 151/ أ.
(2) لأنه أعرف بنفيه فيرجع إليه، والعمدة في ذَلِكَ عَلَى طبع الإنسان. انظر: الروايتين والوجهين 151/ أ.
(3) الرواية الأولى تنقضي العدة نقلها يوسف بن موسى. والرواية الثانية لا تنقضي بِهِ العدة نقلها إبراهيم بن الحارث. انظر: الروايتين والوجهين 228/ب.(1/483)
الطَّلاقُ بائِنَاً وَهَلْ تَنْقَضِي بِهِ العِدَّةُ؟ يَحْتَمِلُ وجْهَينِ (1). ولا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الأمَةِ أوْ الحُرَّةِ في ذَلِكَ، فإنْ كَانَتْ مِنْ ذَواتِ الإقْراءِ وكَانَتْ حُرَّةً فَعِدَّتُها ثَلاثَةُ إقْراءٍ، وإنْ كَانَتْ أمَةً فِعِدَّتُها قرْآنِ وإلاقْراءُ الحَيْضُ في أصَحِّ الرِّوايَتَينِ (2)، فَعَلى ذَلِكَ، إنْ طَلَّقَها في الحَيْضِ لَمْ يُعْتَدَّ بتِلْكَ الحيضَةِ قرْءاً واسْتَأنَفَتْ ثَلاثَ حيضٍ إلا أنْ تَكُونَ أمَةً فَتَسْتأنِفُ حَيْضَتَيْنِ وَهَلْ تَقْطَعُ الرجْعَةَ وتُبَاحُ للأزْواجِ قَبْلَ الاغْتِسَالِ مِنَ الحَيْضَةِ الأخيْرَةِ أمْ لا، عَلَى رِوَايَتَينِ (3). ورُوِيَ عَنْهُ (4) أنَّ الإقْراءَ هِيَ الأطْهارُ فإذا طَلَّقَها وَقَدْ بَقِيَ جُزْءٌ مِنَ الطُّهْرِ اعْتَدَّتْ بِهِ قُرْءاً، ثُمَّ إذا طَعَنَتْ في الحَيْضَةِ الثَّالِثَةَ إنْ كَانَتْ حُرَّةً، والثَّانِيةِ إنْ كَانَتْ أمَةً انْقَضَتْ عِدَّتُها وتَصْدُقُ في انْقِضَاءِ العِدَّةِ في ثَلاثَةً وثَلاثِينَ يَومَاً ولَحْظَةً، إنْ قُلْنا إنَّ الإقْراَءَ الحَيْضُ وإنْ قُلْنا الإطْهارُ صَدَقَتْ في اثْنَينِ وثَلاثِينَ يَوْماً ولَحْظَتَينِ، فإنْ ادَّعَتْ أنَّ عِدَّتَها انْقَضَتْ في تِسْعَةٍ وعِشْرينَ يَوْمَاً وسَاعَةٍ بالحَيْضِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُها حَتَّى تَشْهَدَ امْرأةٌ ثِقَةٌ لَها بِذلِكَ، هَذَا في حَقِّ الحُرَّةِ، فأما في حَقِّ الأمَةِ فَيُقْبَلُ قَولُها في سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمَاً ولَحْظَةٍ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأةٍ عَدْلَهٍ وأنْ كَانَتْ مِمَّنْ لا تَحِيْضُ لِصِغَرٍ أوْ إياسٍ فَعِدَّتُها ثَلاثَةُ أشْهُرٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وإنْ كَانَتْ أمَةً فَشَهْرَانِ في إحْدَى /339 و/ الرِّواياتِ والثَّانِيةُ شَهْرٌ ونِصْفٌ والثَّالِثَةُ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ فإنِ انْقَطَعَ دَمُها لِغَيْرِ عَارِضٍ فإنَّها تَقْعُدُ حَتَّى تَعْلَمَ بَراءةَ الرَّحِمِ ثُمَّ تَعْتَدَّ بالشُّهورِ وكَمْ قَدرَ ما تَعْتَدُّ؟ قَالَ شَيْخُنا تِسْعَةَ أشْهُرٍ، ويَحْتَمِلُ أنْ تَقْعدَ أرْبَعَ سِنِينِ، وكَذَلِكَ إذا أتى عَلَى الحَادِثَةِ زَمَانُ الحَيْضِ ولَمْ تَحِضْ فَطلقَتْ فإنَّها تَقْعُدُ تِسْعَةَ أشْهُرٍ ثُمَّ تَعْتَدُّ بالشُّهُورِ، وعَنْهُ (5) أنَّها تَعْتَدُّ بالشُّهُورِ كالصَّغِيْرَةِ فَأمَا إنِ ارْتَفَعَ حَيْضُها بِعَارِضٍ مِنْ مَرَضٍ أوْ رَضَاعٍ فإنَّها تَقْعُدُ حَتَّى تَحِيْضَ أوْ تَبْلغَ حَدَّ الإيَاسِ، ثُمَّ تَعْتَدُّ بالشُّهُورِ، وحَدُّ الإيَاسِ كَمَالُ خَمْسِينَ سَنَةً، وعَنْهُ (6) أنَّ ذَلِكَ حَدُّهُ في نِسَاءِ العَجَمِ، فأمَّا
__________
(1) الوجه الأول انقضاء عدتها بالغسل من الحيضة الثانية، والوجه الآخر بانقطاع الدم من الحيضة الثانية
وعلى الرواية الَّتِيْ تقول أن القروء الإطهار فانقضاء عدتها برؤية الدم من الحيضة الثانية. انظر: المغني9/ 89.
(2) الرواية الأولى عن أخمد أنها الحيض واليه ذهب أصحابنا والرواية الثانية عن أحمد أن القروء الإطهار وَقَالَ القاضي عن أحمد أن الإقراء الحيض وإليه ذهب أصحابنا. انظر: المغني 9/ 82.
(3) أن العدة لا يحكم بانقضائها بانقضاء الحيضة الثالثة لا بدَّ من الاغتسال وهذا أحدا الروايتين وأنهما عن أحمد واختيار أصحابه الخرقي والقاضي والشريف والشيرازي. والرواية الثانية - تنقضي بانقضاء دمها من الثالثة وان لَمْ تغتسل اختارها أبو الخطاب. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 461.
(4) في رِوَايَة الأثرم كنت أقول الإطهار وَقَالَ ابن عَبْد البر رجع أحمد إلى أن القرء الإطهار.
انظر: المغني 9/ 82 - 83.
(5) انظر: المحرر في الفقه 2/ 106، والمغني 9/ 99، والزَّرْكَشِيّ 3/ 465.
(6) انظر: المحرر في "الفقه" 2/ 105، والمغني 9/ 92، والزَّرْكَشِيّ 3/ 464.(1/484)
حَدُّهُ في نِسَاءِ العَرَبِ فَكَمَالُ سِتِينَ سَنَةً، فإنْ طَلَّقَها وهِيَ نَاسِيَةٌ فَحُكْمُها حُكْمُ مَنْ أتَى عَلَيْهَا زَمَانُ الحَيْضِ فَلَمْ تَحِضْ وإذا عتقَتِ الأمَةُ في أثْنَاءِ عِدَّتِها فإنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً انْتَقَلَتْ إلى عِدَّةٍ حُرَّةٍ، وإنْ كَانَتْ بائِناً لَمْ تَنْتَقِلْ فإنْ حَاضَتْ الجَارِيَةُ في أثْنَاءِ عِدَّتِها بالشُّهورِ انْتَقَلَتْ إلى الاعْتِدادِ بالإقْراءِ، ولا بِمَا مَضَى إذا قُلْنَا الإقْرَاءُ الحَيْضُ وإنْ قُلْنَا هِيَ الإطْهَارُ فَهَلْ تَعْتَدُّ بِما يَعْتَدُّ بِمَا مَضَى قُرْءً، يَحْتَمِلُ وَجْهَينِ (1)، ومَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أوْ زِنَا فَعِدَّتُها عِدَّةُ المُطَلَّقَةِ، وحَكَى الشَّرِيْفُ أبُو عَلِيٍّ بْنُ أبي مُوسَى رِوَايَةً أُخْرَى (2)، أنَّ الزَّانِيَةَ تَسْتَبْري بِحيضةٍ، ومَنْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وكَانَتْ حَامِلاً اعْتَدَّتْ بِوَضْعِ الحَمْلِ، إلا أنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لا يَجُوزُ أنْ يلْحَقَ بِهِ الحَمْلُ، كَالصَّبيِّ، ومَنْ عقَدَ عَلَيْهَا ومَاتَ عُقَيْبَ القَبُولِ والمَشْرِقِيَّةِ بالمَغْرِبيِّ فإنَّها تَعْتَدُّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرَاً مِثْلَ عِدَّتِها لَوْ كَانَتْ حَامِلاً، وتَعْتَدُّ الأمَةُ بِشَهْرينِ وخَمْسَةِ أيامٍ وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ أنَّهُ إذا مَاتَ الصَّبَيُّ عَنْ زَوْجَتِهِ وهِيَ حَامِلٌ انْقَضَتْ عِدَّتُها بِوَضْعِ الحَمْلِ (3)، ولا يلحقُ بِهِ، وفِيْهِ بُعْدٌ فإنْ أبانَها بَعَدَ الدُّخُولِ في مَرَضِ مَوتِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا اعْتَدَتْ بأطْولِ الأجَلينِ مِنْ ثَلاثَةِ إقْراءٍ أوْ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ وعَشْرٍ، وإنْ كَانَ الطَّلاقُ رَجْعِياً اعتَدَّتْ بأرْبَعَةِ أشْهُرٍ سَواءَ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِها أوْ لَمْ يَدْخُلْ كَالزَّوجَةِ سَواءً، وإذا مَاتَ عَنْهَا فإنْ بانَتْ بأنْ ظَهَرَ مِنْهَا إمَارَاتُ الحَمْلِ بِحَرَكَةٍ في الجَوفِ وانْتِفَاخٍ نَظَرْنَا فإنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ قَضَاءِ العِدَّةِ بالشُهورِ لَمْ تَزَلْ في عِدَّةٍ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ، ولَوْ إلى مُدَّةِ الحَمْلِ حَتَّى لَوْ تَزَوجَتْ قَبْلَ زَوالِها لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ وإن /340 ظ/ ذَلِكَ بَعْدَ العِدَّةِ والتَّزْويْجِ فالنِّكَاحُ صَحِيحٌ في الظَّاهِرِ فإنْ وَضَعَتْ الحَمْلَ بَعَدَ سِتَّةِ أشْهُرٍ مِنْ حِيْنِ العَقْدِ أوْ لَمْ تَضَعْ حَمَلاً وزَالَتِ الرِّيْبَةُ فَهُوَ صَحِيحٌ في البَاطِنِ أيْضَاً، وإنْ وَضَعَتْ الحَمْلَ قَبْلَ سِتَّةِ أشْهُرٍ مِنْ حِيْنِ العَقْدِ بَانَ لَنَا أنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ وإذا مَاتَ عَنْهَا أوْ طَلَّقَها وَهُوَ غَائِبٌ ثُمَّ عَلِمَتْ بِذَلِكَ بَعَدَ مدَّةٍ فَعِدَّتُهَا مِنْ حينِ الفُرقَةِ، في أصَحِّ الروايتيَنِ (4) والأخرَى (5) إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بالبينَةِ فَعِدَّتُهَا مِنْ حِينِ الفُرقَةِ، وإنْ بلَغَهَا ذَلِكَ خَبراً فَعِدَّتُهَا مِن الخَبَرِ، وإذا غَابَ الرَّجلُ عَن زَوجتِهِ فَما لَمْ يقطعْ خَبرهُ فالزَّوجيَّةُ قَائِمَةٌ فإنِ انقَطَعَ خَبرهُ
__________
(1) الأول تعتد بِهِ والثاني لا تعتد بِهِ وَهُوَ ظاهر كلام الشافعي.
انظر: المغني 9/ 103، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 466.
(2) والمزني بها كالموطوءة بشبهة وبهذا قَالَ الحسن والنخفي وعن أحمد رِوَايَة أخرى أنها تستبرأ بحيضة ذكرها ابن أبي موسى وهذا قَوْل مالك. انظر: المغني 9/ 79.
(3) انظر: المغني 9/ 110، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 467 - 468 وعن ابن عَبَّاس قَالَ في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها أنها تعتد بطول الأجلين وَِهُوَ إحدى الروايتين عن عَلِيّ رضي الله عَنْهُ.
(4) انظر: الزَّرْكَشِيّ 3/ 489، والمغني 9/ 130.
(5) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 490، والمغني 9/ 131.(1/485)
لِغَيبةٍ ظاهرُهَا السَّلامةُ فالحكمُ كَذلِكَ، حَتَّى يَثْبُتَ مَوتُهُ، ونقلَ أحْمَدُ بنُ أصَرمَ المزَنيُّ عَنْ أحْمَدَ رحِمَهُ اللهُ أنه إذا مضَى عَلَيْهِ تِسعُونَ سَنَةً قُسِّمَ مَالُهُ (1) وعلى هَذَا تَعْتَدُ زَوجتُهُ عِدَّةَ الوفَاةِ، وَتُبَاحُ لِلأَزواجِ فإنِ انقطَعَ خَبرُهُ بِغيبةٍ ظَاهرُهَا الهلاكُ مثل أنْ يَكْسِرَ بهم في البَحرِ فَيغرق قَومٌ دُوْنَ قَومٍ أو يكونَ بينَ الصَّفينِ فَيقتلَ قَومٌ ويسلَمَ قومٌ ونحو ذَلِكَ فرُويَ عَنْهُ (2) أنَّ زوجتَهُ تَتَربَّصُ أربعَ سِنينَ، ثمَّ تقضِي عِدَّةَ الوفَاةِ، وَتَحِلُّ للأزواجِ، ونَقلَ عَنْهُ أبو الحارِثِ كنتُ أقولُ ذَلِكَ، فَقدِ ارتَبتُ فِيْهِ اليَومَ وهَبتُ الجوابَ لاختِلافِ النَّاسِ، فكأنِّي أَحِبُّ السَّلامَةَ وهَذا تَوقفٌ يحتَمِلُ (3) الرُّجوعَ عمَّا قالَهُ وتَكونُ المرأةُ عَلَى الزَّوجيَّةِ حَتَّى يَثبُتَ مَوتُهُ ويَحتَمِلَ التَّورعَ وَيكونُ ما قالَهُ أولا بحالِهِ في الحُكمِ فَعَلَى هَذَا هَلْ يفتَقِرُ في ذَلِكَ إلى رَفعِ أمرِهَا إلى الحَاكِمِ أم لا عَلَى رِوايتَينِ (4) وإذا حَكَمَ بالفِرقةِ فَتزوجَتْ فإنما يُنفذُ الحُكمُ في الظَّاهِرِ دُوْنَ البَاطِنِ، فَعَلَى هَذَا لو طلقَهَا الزَّوجُ الأولُ أو ظَاهَرَ مِنْهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَتخَرجُ أنْ ينفذَ الحكمُ باطِنَاً فَإنْ قَدِمَ الزَّوجُ الأولُ، فالمنصُوصُ أنَّهُ إن كَانَ قدومُهُ قبلَ دُخولِ الثَّانِي بها فَهِيَ زَوجةُ الأَولِ وإنْ كَانَ بَعدَ دُخولِهِ بِها خَيَّرَ الأَولُ بَينَ أَخذهَا أو أَخذِ صَداقِهَا مِنَ الثَّاني وَتركِهَا مَعهُ، وفي مِقدارِ المأخوذِ رِوايتَانِ أَحدُهُما يَأخُذُ ما أَصْدَقَها وَالثَّاني يَأخُذُ ما أصدَقَها (5) الثَّانِي، وَهَلْ يرجعُ الثَّانِي عَلَيْهَا بما أخَذَهُ مِنهُ الأولُ عَلَى رِوايتَينِ (6) وَعندِي أنَّ قياسَ المذهَبِ إنَّا إنْ حكَمنَا بِوقُوعِ الفرقَةِ ظَاهِراً أو باطِنَاً فَهِيَ زَوجَةُ الأولِ بكلِّ حَالٍ، ووطءُ الثَّاني لَها وطءٌ /341 و/ بِشبهَةٍ تقضى منهُ العِدَّةَ، وهيَ في زَوجِيَّةِ الأولِ، وكذلِكَ كُلُّ مِن وطِئَتْ بشُبهَةٍ وَجبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ المطلَّقةِ والعِدَّتانِ مِنَ الرَّجلَينِ لا تَتَداخَلانِ بِحَالٍ فلَو بَانَتِ امرأةٌ مِنْ زَوجِهَا فوطئت في عِدَّتِها بنِكَاحٍ فَاسِدٍ أو شبهَةٍ فإنَّ عِدَّتَها لا تَنقَطِعُ، بذلِكَ يلزَمُهَا أنْ تَقضِيَ عِدَّةَ الأَولِ ثم يَستَأنِفَ للآخَرِ عِدَّةً، فإنْ عَلَقَتْ مِن ذَلِكَ الوَطءِ وَوضَعتهُ في مُدَّةٍ يَجوزُ أنْ يَكونَ مِنهمَا عُرِضَ عَلَى القَافَةِ، فَإنْ ألحقوهُ بإحدِهِما انقضَتْ عِدَّتُها مِنهُ، وقَضَتْ عِدَّةَ الآخرِ والعدَّتَانِ مِنْ رَجلٍ وَاحِدٍ
__________
(1) انظر: المغني 9/ 131.
(2) انظر: المغني 9/ 132.
(3) نقل عن أحْمَد أنَّهُ يحتمل الرجوع عما قاله وتربص أبداً ويحتمل التورع ويكون المذهب ما قاله.
انظر: المغني 9/ 133.
(4) الرواية الأولى تفتقر لأنها مدة مختلف فيها والثانية لا تفتقر لأنها مدة تعتبر لإباحة النكاح.
انظر: شرح الكبير 9/ 121.
(5) انظر: الشرح الكبير 9/ 124.
(6) أحدهما يرجع بِهِ لأنها غرامة لزمت الزوج والثاني لا يرجع لان الصحابة لَمْ يقضوا بالرجوع.
انظر: الشرح الكبير 9/ 1214.(1/486)
بتَداخلٍ، فلو طلَّقَ زَوجتَهُ ثم رَاجَعهَا إنْ كَانَ الطَّلاقُ رَجعيَّاً أو عَقدَ عَلَيْهَا عَقدَاً بَائناً إنْ كَانَ الطَّلاقُ بَائناً ثم طلَّقهَا فإنْ كَانَ طَلاقُهُ للثاني بَعدَ وَطئهَا استَأنَفَتْ عِدَّةً وبطلتْ الأُولى، وإنْ كَانَ قَبلَ وَطئهَا بَنتْ عَلَى العِدَّةِ الأُولى وَهُوَ اختِيارُ الخِرقِيِّ (1) وعَنهُ (2) أنها تَستَأنِفُ عِدَّةً أخرَى، وهيَ اختيارُ أبي بَكرٍ فإنْ وَطِئهَا المطلِقُ بِشُبهَةٍ في عدَّتِها استَأنَفتِ العِدَّةَ ودخلَتْ فِيهَا البقية مِنَ العِدَّةِ الأُولى وإذا تَزوجَتْ في عِدَّتِها وَدَخلَ بها الثَّاني لَمْ تَحرُمْ عَلَيْهِ في إحدَى الرِوايتَينِ (3)، وَلكِنهُ لا يَجوزُ لَهُ العَقدُ عَلَيْهَا إلا بعدَ كَمالِ العِدَّتينِ، وَعَنهُ (4) أنها تَحرمُ عَلَيْهِ عَلَى التَأبيدِ.
بابُ أحكَامِ العِدَدِ
المعتداتُ عَلَى خَمسةِ أَضرُبٍ الرجعيةُ فلَهَا عَلَى زَوجِهَا النفَقةُ والسُكنَى لِمدةِ عِدَّتِهَا، وَالبائنُ بفَسخٍ أو طَلاقٍ، فإنْ كانَتْ حَامِلاً استَحقَّتِ النَفَقَةَ والسُّكنَى، وإنْ كانَتْ حَائلاً فَلا نفقَةَ لها وَهَلْ تَستحِقُّ السُكنَى عَلَى رِوايتَينِ (5) والموطوءة بِشُبهَةٍ أو في نِكاحٍ فاسِدٍ إنْ كانَتْ حائلاً فلا نفقَةَ لها ولا سُكنَى، وإن كَانَتْ حَامِلاً فعلَى أصلِهِمَا أحدُهُما هَلْ تَجِبُ النَفقةُ للحَملِ أو للحَامِلِ فإنْ قُلنا تَجِبُ للحَملِ فَعَليهِ النَّفقَةُ هَاهُنا وإنْ قُلنا للحَاملِ فلا نَفَقَةَ عَلَيْهِ ولا سُكنَى، والمتوفى عَنهَا زَوجُها فلا نَفَقَةَ لها ولا سُكنَى إنْ كانَتْ حَامِلاً وإنْ كانَتْ حَائلاً فَعَلَى روايتَينِ (6) والزَّانِيةُ فلا نفقَةَ لها ولا سُكنَى، سَواءٌ كانَتْ حَامِلاً أو حَائِلاً، ولا يجِبُ الإحدادُ في عِدَّةِ الرَّجعِيةِ، والموطوءةِ بشبهَةٍ وفي نِكاحٍ فَاسِدٍ، وأمِّ الولَدِ والأمَةِ والزَّانِيةِ وهل تَجِبُ في عِدَّةِ الوفاةِ عَلَى البَائنِ أم لا عَلَى رِوَايتينِ (7) وَسَواءٌ في ذَلِكَ المُسلِمَةُ والذِّميَّةُ /342 ظ/ والمكلفَةُ وغيرُ المُكَلفَةِ والإحدَادُ اجتِنابُ الزِينةِ وَما يَدعُو إلى جِمَاعِهَا كَلَبسُ الحليِّ والطِّيبِ والحنَّا والكُحلِ الأَسوَدِ وَالخِضَابِ
__________
(1) لان الرجعة لا تزيد عَلَى النكاح الجديد. انظر: الشرح الكبير 9/ 142، والمقنع /261.
(2) لأن الرجعة أزالت شعث الطلاق ورد بها الإنسان النكاح. انظر: الشرح الكبير 9/ 142، والمقنع /261.
(3) أحدهما تحرم عَلَيْهِ عَلَى التأبيد وبه قَالَ مالك والشافعي في القديم والثاني تحل لَهُ قَالَه الشافعي في الجديد.
انظر: الشرح الكبير 9/ 140.
(4) انظر: الشرح الكبير 9/ 140.
(5) انظر: الشرح الكبير/9/ 158 إذا كانت حاملاً ليس لها السكنى فتطوع الورثة بإسكانها في سكن زوجها وإذا كانت حاملاً تستحق السكنى.
(6) انظر: الشرح الكبير 9/ 155.
(7) انظر: المصدر السابق.(1/487)
والكلكون وأسفيذاج العرائسِ والخِفَافِ والملون مِنَ الثيابِ لِتَحسينِ الثَّوبِ كالأَحمَرِ والأصفَرِ والأخضَرِ الصَّافِي والأزرَقِ الصَّافِي وأما الملونُ لِدَفعِ الوسَخِ كالكحليِّ والأسوَدِ فلا تُمنعُ مِنهُ، ويجِبُ في عِدَّةِ الوفَاةِ في المنْزِلِ الذِي وَجَبَتْ فِيْهِ إلا أنْ تَدعُوَ ضَرورةٌ إلى خُروجِهَا عَنْهُ بأنْ يحولَها مالكُهَا أو تَخشَى عَلَى نَفسِها فَتَنتَقِلَ إلى أقربِ ما يُمكنُ مِنهُ ويجوزُ لها الخُروجُ مِنْ منْزِلِها نَهاراً فأما لَيلاً فلا يجوزُ لَها الخُروجُ، وإذا أذنَ لِزوجتِهِ في النُقلةِ لتقيمَ في بَلَدٍ فَخرجَتْ ثُمَّ مَاتَ، فإن مَاتَ قَبلَ أنْ تُفَارِقَ سورَ البلَدِ لَزِمَها العَودُ إلى منْزلِها فَتَعتَدُّ فِيهِ، وإنْ مَاتَ بَعدَ أنْ فَارقَتِ البيوتَ لَزِمَها المضيُّ وَقضَاُء العِدَّةِ في ذَلِكَ البَلَدِ ويحتَمِلُ (1) أنْ تَكونَ بالخِيارِ بينَ البلَدَينِ فإنْ إذنَ لَها في الحَجِّ ثُمَّ مَاتَ فأحرَمَتْ لَزِمَها أنْ تَعتَدَّ في منْزِلِها، وإنْ فاتَها الحجُّ وتَحللتْ بِعمَلٍ غِيرِهِ وإنْ أحرَمتْ ثُمَّ مَاتَ فَظاهِرُ كَلامِهِ في رِوَايَةِ حَربٍ وَيعقوبَ أنها تُقيمُ لِقضاءِ العِدَّةِ وإنْ فَاتَها الحجُّ، وَقَالَ شَيخُنا (2) إنْ خَشِيتْ الفَواتَ مضَتْ في الحجِّ وإنْ لَمْ تخشَ أقَامتْ فَقضِيتْ العِدَّةَ ثُمَّ حَجَّتْ فإنْ سَافَرَ بِها ثُمَّ مَاتَ في بَعْضِ الطَّريقِ فإنْ كانَتْ قَريبَةً عَادتْ إلى منْزِلِها وإنْ كَانتْ عَلَى بُعدٍ كَمسافَةِ التَّرَخُصِّ فَصَاعِداً فَهِيَ بالخِيَارِ بَيْنَ المُضِيِّ إلى منْزِلِها أو العَودِ إلى بَلَدِها فأما المبتُوتَةُ فلا تَجِبُ عَلَيْهَا العِدَّة في مَنْزِلِ طَلاقِهَا وَلَها الانتِقَالُ عَنْهُ وَالاعْتِدَادُ في غيرِهِ نَصَّ (3) عَلَيْهِ.
بَابُ الاستبراءِ
إذا مَلَكَ الرَّجلُ أمةً تَحِلُ لَهُ لَزِمَهُ أنْ يَستبرِئَها إنْ كانَتْ حَامِلاً بِوَضعِ الحَملِ وإنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الأقرَاءِ استَبرَأها بِحَيضةٍ كَامِلةٍ وإنْ كانتْ صَغيرةً أو آيسَةً استَبرأها بِشهرٍ وَعَنهُ (4) تُستَبرَأُ بِثلاثَةِ أشهر وهيَ اختيارُ الخِرقِيِّ (5) فإنِ ارتفَعَ حَيضُها لا تدرِي مَا رَفعهُ استبراءهَا بعشرَةِ أشهُرٍ نَصَّ عَلَيْهِ (6) فإنْ كانتْ مِمَنْ لا يَحلُّ لَهُ كالمجوسِيةِ والمُرتدَّةِ والمُعتدَّةِ وأمِّهِ وأختِهِ مِنَ الرَّضَاعةِ لَمْ يَلزمْهُ الاستِبراءُ، وَكَذلِكَ إنْ مَلكَتِ امرأةٌ أمَةً /343 و/ لَمْ يَلزَم الاستِبراءُ، وإنْ كانتْ صَغِيرةً لا يوطأ مِثلُها فَهلْ يَجِبُ الاستِبراءُ عَلَى
__________
(1) انظر: المقنع 262، والشرح الكبير 9/ 16.
(2) انظر: المقنع 262، والمغني 9/ 183.
(3) انظر: المقنع 262، والشرح الكبير 9/ 169.
(4) انظر: الشرح الكبير 9/ 190، والزَّرْكَشِيّ 3/ 476.
(5) انظر: الشرح الكبير 9/ 189، والزَّرْكَشِيّ 3/ 476.
(6) في المسألة روايتان أحدهما أنها تستبرأ بعشرة أشهر والثانية بسنة. انظر: الشرح الكبير 9/ 190، والزَّرْكَشِيّ 3/ 477.(1/488)
روايتَينِ (1) فإنْ أسلَمتِ المجوسِيَةُ والمرتدَّةُ فإنها تَحلُّ للسيِّدِ بِغيرِ استِبراءٍ، فإنْ كانتْ أمتَهُ فَعجِزتْ وعَادتْ إليهِ أو ارتَدَّتْ أو ارتَدَّ السيِّدُ ثُمَّ عَادَ إلى الإسلامِ أو اشتَرَى زَوجتَهُ الأمَةَ وَرَهنَها ثُمَّ أنفذَ الرَّهنَ جَازَ لَهُ الوطءُ قَبلَ الاستِبراءِ في جَميعِ هِذهِ المسائِلِ، فإنْ اشتَرَى أمَةً فَحاضَتْ في يَدِ البائِعِ قَبلَ القَبضِ أو وَلدتْ حَصَلَ بذلِكَ الاستِبراءُ، وعَنهُ لا يحصُلُ (2)، فإنْ وجدَ ذَلِكَ في مُدَّةِ الخيارِ حَصَلَ الاستِبراءُ بِذلِكَ إذا قُلنَا أنَّ بَيْعَ الخِيارِ يَنْقُلُ الملِكَ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ عَنِ الاسْتِبْراءِ، وإنْ باعَها ثُمَّ تَقايَلا أوْ فُسِخَ البَيْعُ بالعَيْبِ لَمْ يَحِلَّ وطْؤها حَتَّى يَسْتَبْرِئْها إذا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ القَبْضِ وإنْ كَانَ قَبْلَ القَبْضِ فَعَلى رِوَايَتَينِ إحْداهُما (3) تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ اسْتِبراءٍ، والأخْرى لا تَحِلُّ فَإنْ ابْتَاعَ أمَةً مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَها الزَّوجُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يَسْتَبرِئها (4) فإنْ طَلَّقَها بَعْدَ الدُّخُولِ اعْتَدَّتْ مِنَ الطَّلاقِ وَهَلْ يَدْخُلُ الاسْتِبراءُ في العِدَّةِ أمْ لا عَلَى وجْهَينِ (5) فإنِ اسْتَبرَأها غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ فَعَتَقَها قَبْلَ الاسْتِبراءِ وتَزَوَّجَها لَمْ يَحِلَّ لَهُ حَتَّى يستبرءها ثُمَّ يعقدَ فإنْ اشْتَرى عبدَه التاجر أمَةً واسْتَبْرَأها أوِ اشْتَرى مكاتبة ذا رَحمِهِ فَخَصَى عَبدَهُ ثُمَّ اشْتَرى الأمَةَ مِنْ عَبْدِهِ ومكاتبة، أوْ عَجَزَ العَبْدُ المكاتبُ فإنهنَّ يُبَحْنَ للسيدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِبَراءٍ، ومَنْ حَرُمَ عَليهِ وطْؤها لأجْلِ الاسْتِبْرَاءِ لَمْ يَجِزْ لَهُ التَّلذُّذُ بالمَسِّ والنَّظَرِ إلا المَسْبِيَّةَ فإنَّها عَلَى رِوايَتَينِ (6)، وإذا وطِئ أمَتَهُ ثُمَّ أرَادَ بَيْعَها لَزِمَهُ أنْ يستبرءهَا بحيضَةٍ في إحدَى الروايتينِ (7) ولا يلزمُهُ ذَلِكَ في الأخرى فإنْ أرادَ تَزويجَهَا لَمْ يَجِزْ حَتَّى يستبرءها فإنْ باعَهَا أو زَوَّجَها قبلَ أنْ يطأهَا جَازَ قبلَ الاستِبراءِ، وإذا أعتَقَ أمَّ ولدِهِ في حَياتِهِ أو مَاتَ عَنهَا لزِمَهَا الاستِبراءُ عَلَى ما بينَاهُ في عتقِ أمهَاتِ الأولادِ، فإنْ أعتقَها أو مَاتَ عَنهَا وَهيَ مزوجَةٌ لَمْ يَلزَمْهَا الاستِبراءُ وكَذلِكَ إنْ كَانَتْ في عِدَّةٍ منَ الزَّوجِ فعتقَها السَّيدُ أو مَاتَ فإنْ مَاتَ زَوجُها وَسيدُهَا أحدُهما قبلَ
__________
(1) ويجب الاستبراء وبه قطع أبو مُحمَّد عَلَى وجه والمذهب لا يجب لذلك وإذا كانت صغيرة لا يوطأ مثلها فانه لا يجب استبراءها عَلَى إحدى الروايتين. انظر: الزَّرْكَشِيّ 3/ 480.
(2) انظر: الشرح الكبير/9/ 179.
(3) الأولى إذا عادت إليه بعد القبض وافتراقها لزمه استبراءها وان كَانَ قبل افتراقها أو قبل غيبة المشتري بالجارية فعليه الاستبراء في أحدهما الروايتين. انظر: الشرح الكبير 9/ 180.
(4) انظر: الشرح الكبير 9/ 180.
(5) انظر: المغني 9/ 162.
(6) الرواية الأولى تحرم مباشرتها وَهُوَ ظاهر كلام الخرقي وَهُوَ الظاهر عن أحْمَد والثانية لا يحرم مباشرتها.
انظر: الشرح الكبير 9/ 174.
(7) انظر: المغني 9/ 164.(1/489)
الآخَرِ ولَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنهمَا، نَظَرنا فإنْ كَانَ بَينَ مَوتِهِا شَهرانِ وَخمسةُ أيامٍ فما دُوْنَ فعليهَا أنْ تَعتَدَّ بَعدَ مَوتِ الأخيرِ مِنهُمَا أربعةَ أشهُرٍ وعَشرَاً لا استبراءَ فِيهَا، وإنْ كَانَ /344 ظ / بَينَ مَوتِهما أكثرُ مِن شَهرَينِ وَخمسَةِ أيامٍ لزِمَهَا بعدَ موتِ الأكثرِ مِنْ عِدَّةِ الوَفاةِ أو الاستبراء بحَيضَةٍ وكَذلِكَ الحكمُ إنْ جَهِلنَا قدرَ مَا بينَ المدَّتينِ ولا مِيراثَ لَها مِنَ الزَّوجِ، وإذا اشتَركَ رَجلانِ في وَطءِ أمَةٍ لزِمَهَا استبرآنِ، ومَنِ اشتَرى أمَةً فظَهَرَ بِها حَبلٌ فأدَّعى البائِعُ أنَّهُ مِنهُ فإنْ صدَّقَهُ المشتَرِي فالبيعُ باطِلٌ والولَدُ يلحَقُهُ، والأمَةُ أمُّ ولَدٍ لَهُ وإنْ كَذَّبَهُ المشتَرِي نَظَرنا فإنْ كَانَ البائِعُ أقرَّ بالوَطْءِ قَبلَ البَيعِ وإنَّهُ استَبرأهُ أو بَاعَ، فإنْ أتَتْ بوَلَدٍ لِدونِ سِتَّةِ أشهُرٍ مِنْ وقْتِ البَيعِ لَحقَهُ نَسبُهُ، وصَارَتْ أمَّ ولَدٍ، وبَطَلَ البَيعُ، وإنْ أتَتْ بِهِ لسِتَّةِ أشهُرٍ فصَاعِداً لَمْ يَلحقْهُ الولَدُ، والبَيعُ بِحالِهِ، وكَذلِكَ إنْ كَانَ البائِعُ لَمْ يقرَّ بالوَطءِ قبلَ البِيعِ لَمْ يقبل قولُهُ في إبطَالِ البَيعِ وَهَلْ يَلحقُهُ نَسبُ الولَدِ يحتَملُ وجهَينِ (1) أحدُهما أنَّهُ يلحقُهُ ويَكونُ عَبداً للمشترِي والثاني أنَّهُ لا يلحقُهُ وإذا طَلَّقَ زَوجتَهُ الأمَةَ ثلاثَاً ثُمَّ استَبرَأهَا لَمْ يحلَّ لَهُ وطؤها إلا بعدَ زَوج وأصابه ويحتَمِلُ (2) أنْ تُباحَ لَهُ؛ لأنهُ سبَبٌ غَيرُ النِّكاحِ.
كِتابُ الرَضاعِ
اختلفَتِ الروايةُ عَنْ أحْمَدَ - رضي الله عنه - في الرَضاعِ المحرَّمِ فَرويَ عَنْهُ: أنَّ الرضعَةَ الواحِدَةَ تحرِمُ وعنه لا تحرِمُ دونَ الثَّلاثِ وعَنهُ لا يحرمُ دونَ الخَمسِ، وَهُوَ اختِيارُ شُيوخِنا (3). وَصِفَةُ الرضعَةِ أنْ يرتَضِعَ ثُمَّ يقطَعَ باختيارِهِ فإنْ قطَعَ للتنفُسِ أو لأمرٍ يُلهِيهِ، أو قطَعَتِ المرضِعَةُ عَلَيْهِ فَقَدِ اختَلفَ أصحَابُنا فَقَالَ أبو بَكرٍ: يكونُ ذَلِكَ رضعةً وإذا عَادَ كَانَ رضعَةً أخرَى وَهُوَ ظَاهِرُ كلامِ أحْمَدَ رَحمهُ اللهُ (4)، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ لا يُعتَدُّ بِذَلِكَ رَضعَةً وَهُوَ ظاهِرُ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 9/ 78.
(2) انظر: المحرر في الفقه 2/ 111، والشرح الكبير 9/ 83.
(3) نقل رواية الخمس أبو الحارث واختارها الخرقي وقال الزركشي: هي اختيار أصحابه من المتقدمين والمتأخرين. ونقل رواية الرضعة الواحدة حنبل فقال: كلما كان قبل الحولين قليلاً أو كثيراً يحرم الرضاع. ونقل الثلاث مُحمد بن العباس.
انظر: الروايتين والوجهين: 155/ب، والمقنع: 264، والمغني 9/ 192 - 193، والزَّرْكَشِيّ ... 3/ 491 - 492.
(4) نقله حَنْبَل عن الإمام أحْمَد. انظر: الهادي: 205، والمحرر 2/ 112، والشرح الكبير 9/ 201.(1/490)
كلامِ الخَرقيِّ (1). وكَذلِكَ إنِ انتقَلَ من ثَديٍ إلى ثَديٍ أو مِنِ امرَأةٍ إلى أخرى فإنَّ أبا بكرٍ احتَسبَ بذلك رضعَتينِ (2)، وعندَ ابنِ حَامِدٍ هي رضعَةٌ واحِدَةٌ إذا لَمْ يَتطاوَلِ الفصلُ بينَهمَا، وإنْ أُوجرَ (3) مِنْ لَبنِ امرَأةٍ أو أسعطَ (4) فهل يتعلقُ بِذَلِكَ تَحريمٌ عَلَى روايتَينِ (5). وإنْ حُقِنَ باللبنِ فنصَّ أحْمَدُ رَحِمهُ اللهُ أنَّهُ لا يحرمُ. وَقَالَ ابنُ حامِدٍ: يحرمُ (6).
فإنْ شِيبَ (7) اللبنُ بغيرِهِ، فَقَالَ الخِرقيُّ: هوَ كَالمَحضِ ومعناهُ: أنَّهُ يَحرمُ. وَقَالَ أبو بَكرٍ: قِياسُ قولِهِ أنَّهُ لا يحرمُ كالوجُورِ. وَقَالَ ابنُ حامِدٍ: إنْ غَلبَ اللبنُ /345 و/ حرمَ وإنْ غَلبَ مَا خُلِطَ بِهِ لَمْ يحرمْ (8). ولا فَرقَ بينَ أنْ تشيبَهُ بمائعٍ أو جَامَدٍ. ولَبنُ الميتَةِ في نَشرِ الحرمَةِ كلبنِ الَّتِيْ لَمْ تَمتْ نصَّ عَلَيْهِ واختَارَهُ الخِرَقيُّ. وَقَالَ أبو بكرٍ الخلالُ: لا يحرمُ بحالٍ (9). وإذا ثَابَ لِلمَرأةِ لَبنٌ مِنْ غيرِ حَملٍ تَقدَّمَ فأرضَعتْ بِهِ طفلاً لَمْ تُحرَّمْ عَلَيْهِ نصَّ عَليْهِ (10). وكذلكَ إذا ثَابَ للرجلِ لبنٌ لم يُحرَّمْ. وَكذلِكَ الخُنثَى المشكِلُ، وَقَالَ ابنُ حَامدٍ يقِفُ الأمرُ أبَداً حَتَّى يَنكشَّفَ أمرُ الخُنثَى (11). وإذا شَكَّتِ المرضِعَةُ هَلْ أرضعتْهُ أم لا؟ وشَكَّتْ هَلْ كمُلَ العَدَدُ عَلَى الروايةِ الَّتِيْ تَعتبرُ العدَدَ؟ لَمْ يَثبُتِ التَّحرِيمُ بينَهمَا. فإنْ شَرِبَ طِفلانِ مِن لَبَنِ شَاةٍ أو بَقَرةٍ لَمْ تُنشرْ بينَهمَا حُرمةُ الرضَاعِ. وَمدَّةُ الرضَاعِ حَولانِ فإنِ ارتَضَعَ بعدَهُما ولو بِساعَةٍ لَمْ تُنشرْ بَينَهما حُرمةٌ. وإذا أرضَعَتِ الطفلَ في الحَولينِ فَقدَ صَارَ وَلَداً لها في تَحريم النكَاحِ وفي جَوازِ الخلوَةِ والنَّظرِ وَصارَ
__________
(1) انظر: الهادي 205، والمقنع: 264، والشرح الكبير 9/ 201، والزَّرْكَشِيّ 3/ 493.
(2) انظر: المقنع: 264، والهادي: 205، والمغني 9/ 194.
(3) الوجور: الدواء يصب في الحلق. المعجم الوسيط: 1014 والمراد بهما صب اللبن.
(4) السعوط: الدواء يدخل في الأنف. المعجم الوسيط: 431.
(5) الرواية الأولى: يثبت التحريم بهما وَهُوَ اختيار الخرقي والقاضي وأصحابه وأبي مُحمَّد. والثانية: لا يثبت بهما التحريم وَهُوَ اختيار أبي بكر. انظر: الروايتين والوجهين 156/أ، والمغني 9/ 195، الزَّرْكَشِيّ 3/ 493.
(6) انظر: المقنع 264، والمغني 9/ 197، والمحرر 2/ 112.
(7) الشوبُ: الخلطُ. شابَ الشيءَ: خلطه. تاج العروس 3/ 160 مادة شوب.
(8) انظر: المغني 9/ 197، والزَّرْكَشِيّ 3/ 494 - 495.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 156/ب، والمقنع: 264، والمغني 9/ 198 - 19، والزَّرْكَشِيّ 3/ 495.
(10) في هذه المسألة روايتان. قَالَ ابن أبو موسى: أظهرها أنه رضاع. وكونه لا ينشر الحرمة هو المنصوص والمختار للقاضي وعامة أصحابه. والأخرى أنه ينشر الحرمة.
انظر: الهادي: 205، والمغني 9/ 206، والزَّرْكَشِيّ 3/ 496.
(11) فعلى قَوْل أبي حامد يثبت التحريم إلا أن يثبت عونه رجلاً لا يأمن كونه محرماً.
انظر: المقنع 264، والمغني 9/ 205، والمحرر 2/ 112.(1/491)
أولادُهُ أولادَهَا وهيَ جَدَّتَهم وأمهاتُها جدَّاتِهِ وآباؤها أجدادَهُ وأولادها إخوتَهِ وأخواتِهِ وإخوَتَها أخوالهُ. ومَنْ يَنسب حملُها الذي ثَابَ لأجلِهِ اللبنُ إليه، أباهُ وآباؤهُ أجدَادَهُ وأمهاتهُ جَداتِهُ وأولادُهُ أخوتهِ وأخَواتُهُ وأخوتَهُ أعمَامَهُ، وأخواتُه عمَّاتِهِ، وأولادُ الطَّفلِ أولاداً لَهُ، وَهُوَ جَدَّهُم. وتنشُرُ حُرمةُ الرَضاعِ مِنَ المُرتضعِ إلى أولادهِ، وأولادِ أولادهِ، وإن سَفَلوا ولا تَنشُرُ حُرمتهُ إلى مَن هوَ في دَرجَتِهِ، مِنْ إخوَتهِ وأخواتهِ، ولا إلى مَنْ هوَ أعلى مِنهُ مِن آبائهِ، وَأمهَاتهِ وأعمَامِهِ وعمّاتِهِ، وأخوالهِ وخَالاتهِ فلا يحرُمُ عَلَى المرضِعَةِ أن تَتَزوجَ بأبي المُرتَضِعِ، ولا بأخِيهِ، ولا تحُرمُ عَلَى أبيِهِ منَ الرضَاعِ أنْ يتزوَجَ بأمِّ المرتَضَعِ، ولا بأختِهِ. وإذا كَانَ لَهُ امرأتَانِ صَغيرَةٌ وكَبيرةٌ لها لبنٌ فأرضَعَتِ الكبيرةُ الصغيرةَ، فإنْ كَانَ اللَبنُ مِنَ الزَّوجِ حَرمُتا عَليهِ عَلَى التأبِيدِ بِكلِ حَالٍ وإنْ كَانَ مِنْ غَيرهِ حَرمتَا عَليهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعدَ الدُّخُولِ بِالكَبيرةِ. وإنْ كَانَ قَبلَ الدُّخُولِ بِهَا حَرُمتِ الكبيرةُ وَهَلْ يَنفسِخُ نِكَاحُ الصَغيرَةِ؟ عَلَى روايتين: إحداهُما لا يَنفسِخُ نِكاحُهَا وهي اختِيارُ الخِرقِيّ. والثانيةُ يَنفسِخُ نكاحُهُ وله أنْ يَبتَدِئَ العَقدَ عَلَيْهَا (1). وَيَجبُ عَلَيْهِ نِصفُ مَهرِ الصَّغيرَةِ يَرجِعُ الزَّوجُ بِهِ عَلَى الكَبيرَةِ، وَأمَّا الكَبيرَةُ فَيَسقُطُ مهَرهُا إنْ كَانَ غَيرَ مَدخُولٍ بها وإنْ كانَتْ قد دُخلَ بها، فَلهَا نِصفُ مَهرِها ذكَرَهُ شَيخُنا (2). وَعِندي تَستَحقُ /346 ظ/ جَميعَ المهرِ فإنْ كانَتِ الصَغيرَةُ هِيَ الَّتِيْ دنَتْ إلى الكَبيرَةِ وَهِيَ نَائمةٌ أو مُغمَىً عَلَيْهَا فارتضعَتْ مِنْهَا، فإنَّهُ لا مَهرَ لِلصَغِيرَةِ، ولِلكَبيرةِ نِصفُ المَهرِ إنْ كَانَ لَهُ لَمْ يَدخلْ بِها وإنْ كَانَ قد دَخَلَ بِها فَلَها المَهرُ، وترتَجِعُ بِذلِكَ عَلَى مَالِ الصَغِيرَةِ فإنْ كَانَ تَحتُهُ ثَلاثُ صَبايَا مُرضِعَاتٍ وَكَبيرَةٌ فَأرضَعَتِ الكَبِيرَةُ اثنَتَينِ مِنهنَّ دُفعةً وَاحِدةً بأنْ جَعَلتْ كُلَّ ثَديٍ في فَمِ إحْدَيهمَا فارتَضَعتْ حَرُمتِ الكَبيرَةُ والصَّغيرَتانِ إنْ كَانَ بعد الدُّخُولِ بِالكَبيرَةِ، فإنْ كَانَ قَبلَ الدُّخُولِ حَرُمتِ الكَبيرَةُ خَاصَّةً، وانفسَخَ نِكاحُ الصَّغِيرَتَينِ. وَلَهُ أنْ يَعِقدَ عَلَى أيَتهمَا شَاءَ فإنْ أرضَعَتِ الثَّالِثةَ بَعدَهُما حَرُمتْ، إنْ كَانَ بَعدَ الدُّخُولِ وَلَم تَحرُمْ ولَم يُفسَخْ نِكاحُها، إنْ كَانَ قَبلَ الدُّخُولِ، وإنْ أرضَعَتْ كُلَّ وَاحِدةٍ مِنهُمَا بَعدَ الأخرَى، فإنْ كَانَ بَعدَ الدُّخُولِ حَرُمنَ كلُهنَّ، وإنْ كَانَ قَبلَ الدُّخُولِ لَمْ يَحرُمنَ المرضعَاتُ وَهَلْ يَنفسِخُ نِكاحُ الأولى قَبلَ ارتضَاعِ الثَّانيَةِ عَلَى رِوَايَتينِ: أحدهما: يَنفسِخُ نِكاحُ الأولى لأنَّها اجتَمعَتْ
__________
(1) نقل الأولى: - أَبُو طالب وصالح وهي اختيار الخرقي وابن عقيل، لأنها قد صارت ربيبة ولم يدخل بأمها فلا تحرم. ونقل الثانية أبن منصور لأنهما قد صارتا أماً وبنتاً واجتمعتا في نكاحه ولا ريب أن الجمع بينهما محرم فيفسخ النكاح. انظر: الروايتين والوجهين: 156ب، والمغني 9/ 210، والمحرر 2/ 112، والزَّرْكَشِيّ 3/ 499.
(2) انظر: المغني 9/ 211 - 212، والزَّرْكَشِيّ 3/ 499 - 500.(1/492)
مَعَ الأمِّ في عَقدٍ وَاحِدٍ فإذا أرضَعَتِ الثانيةُ لَمْ يَنفسِخْ نِكاحُها لأنَّها لَمْ تَجتَمعُ مَعَ الأمِّ ولا مَعَ الأختِ في عَقدٍ وإذا أرضَعَتِ الثَّانيةُ الثَّالثَةَ انفَسَخَ نِكَاحُ الثَّانيةِ والثَّالثةِ لأنَّهُما أُختَانِ اجتَمعَتا (1) في عَقدٍ والروايةُ الأخرَى لا يَنفسِخُ نِكاحُ الأولى لأنَّها رَبيبةٌ لَمْ يَدخلْ بِأمِّها (2). فإذا أرضعَتِ الثانيةَ انفسَخَ نكاحُ الأولى والثَّانيةِ، لأنَّهمَا أختَانِ اجتَمعَتا في عَقدٍ وإذا أرضَعَتِ الثَّالثةَ لَمْ ينفسِخْ نِكاحُها وهِيَ اختِيارُ الخِرقِيِّ. فإنْ أرضَعَتهُنَّ أجنبيةٌ حَالَةً واحِدَةً، بأنْ: جَلبتْ لَبناً في ثَلاثَةِ أوانٍ (3)، وأوجَرَتْ كُلَّ صَبِيٍّ في إناءٍ في حَالَةٍ واحِدَةٍ عَلَى الروايةِ الَّتِيْ تَقولُ: الوَجورُ ينشُرُ الحُرمَةَ انفسَخَ نكاحُهُنَّ فإنْ أرضعتهُنَّ واحِدَةً بَعدَ واحِدَةٍ انفَسَخَ نِكاحُ الأولتَينِ، وَثَبتَ نِكاحُ الثَّالِثةِ. فإنْ كَانَ لِرجُلٍ ثَلاثُ بَناتِ زوجةٍ لهنَّ لَبنٌ فأرضَعنَ ثَلاثَ زَوجَاتٍ لَهُ صِغارٍ في حالةٍ واحِدَةٍ بأنْ تُرضِعَ كُلُّ واحِدَةٍ واحِدَةً في حَالةٍ واحِدَةٍ إنْ قُلنَا أنَّ الرَضَاعَ يثبتُ بمرّةٍ، أو في الخَامِسَةِ إنْ قُلنَا يَثبُتُ بِخَمسٍ، أو في الثَّالثةِ إن قُلنا إنهُ يَثبُتُ بِثَلاثٍ حَرُمتِ الكَبيرَةُ بِكُلِ حَالٍ، فَأمَّا الصِغَارُ فَيحرُمنَ إنْ كَانَ بَعدَ الدُّخُولِ بِالزَّوجَةِ الكَبيرَةِ. وإنْ كَانَ قَبلَ الدُّخُولِ، لَمْ يحرُمنَ وَهَلْ يَنفَسِخُ نِكِاحُهُنَّ؟ مَبنيٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الرِوايَتينِ (4) في [طعان] (5) الجَمعُ بَينَ الأمِّ وَالبِنتِ فإنْ قُلنا هُناكَ يَنفَسِخُ انفَسَخَ نكاحُهُنَّ وإنْ قُلنا /347 و/ لا ينفَسِخُ هناكَ لَمْ يَنفسِخْ هَاهُنا. ولا يُؤثرُ الجَمعُ، لأنَّه جَمعٌ بَينَ بَناتِ خَالاتٍ، وذلِكَ جَائزٌ لِكُلِّ مَنْ أفسَدَ عَلَى الزَّوجِ نَكاحَ زَوجَتِهِ بالرَّضَاعِ لزِمَ المفسِدَ نِصفُ مَهرِ الزَّوجَةِ. وإذا كَانَ لِرجُلٍ خَمسُ أمهَاتِ أولادٍ فَأرضَعنَ طِفلاً كُلُّ واحِدَةٍ مِنهنَّ رَضعَةٍ لَمْ يَصرْ وَلداً لِوَاحِدَةٍ مِنهنَّ وَهَلْ يَصِيرُ السيدُ أباً لَهُ؟ قَالَ ابنُ حَامدٍ: يَصيرُ أباً لَهُ. وَقَالَ غيرهُ لا يَصيرُ أباً لَهُ (6). وهَذا عَلَى الروايَةِ الَّتِيْ تُعتَبرُ في التَّحرِيِمِ خَمسَ رَضعَاتٍ. وإذا تَزَوَّجَ بامرَأةٍ لَها لبنٌ مِنْ زَوجٍ آخَرَ فَحَبلتْ مِنهُ وَزَادَ لَبنُهَا فَأرضَعَتْ بِهِ طِفلاً، صَارَ الطفلُ ابناً لَهُما فإنِ انقَطعَ اللَّبنُ الأولُ ثُمَّ ثَابَ بِحملِهَا مِنَ الثَّاني فَقَالَ أبو بَكرٍ حُكمُهَا حُكمُ الأولِ (7). وَعِندِي أنَّهُ يَكونُ الطفلُ ابناً للثَّانِي دُوْنَ الأولِ. فإنْ وَطِئَ رَجُلانِ امرأةً فأتَتْ بِوَلدٍ فأرضَعتْ بِلَبنهِ طِفلاً فَمنْ ثَبتَ مِنهُ
__________
(1) في الأصل [اجتمعا].
(2) انظر: المغني 9/ 291 - 220، والمحرر 2/ 112 - 113، والزَّرْكَشِيّ 3/ 500.
(3) في الأصل [أواني].
(4) انظر: المقنع: 265 - 266، والهادي: 205.
(5) هكذا في الأصل.
(6) قَالَ ابن حامد لأنه ارتضع من لبنةِ خمسَ رضعاتٍ وقيل لا يثبت الأبوة لأنه رضاع لَمْ يثبت الأمومة فلم يثبت الأبوة كالإرتضاع بلبن الرجل والأول أصح. انظر: الهادي: 206، والمغني 9/ 206.
(7) أي: هو لبن لهما. انظر: الهادي 206، والمغني 9/ 209، والمحرر 2/ 111.(1/493)
نَسبُ المولودِ بِحُكمِ القَافَةِ كَانَ المُرضعُ وَلداً لَهُ، وإنْ مَاتَ المولودُ ولَم يَثبُتَ نَسبُهُ مِنْ أحَدِهِما فالمرضَعُ أبناً لَهُما. فإنْ زَنَا بِامرَأةٍ فأتَتْ بولدٍ ثُمَّ أرضَعَتْ مِنْ لَبِنِ ذَلِكَ الوَلَدِ رَضِيعاً فَهُو ولَدُهَا وَهَلْ يَحَرمُ عَلَى الزَّانِي؟ قَالَ أبو بَكرٍ: يَحرُمُ عَلَى [الزاني] (1) إنْ كَانَ أنثَى كما تحرُمُ ابنتُهُ مِنَ الزِّنَا، وإنْ كَانَ ذَكَراً حَرُمَ أنْ يَتَزوجَ بنتَ الزَّانِي. وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: لا يَحرمُ ذَلِكَ وَهُوَ ظاهِرُ كَلامِ الخِرقِيِّ (2). وَقَالَ: كَذَلِكَ الحُكمُ لو أرضَعَتْ مَولُوداً بِلَبَنِ ولدِها الذِي نفى اللعان عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكرٍ تَحرمُ المرضِعَةُ عَلَى الملاعِنِ وعلى أولادِهِ. وَعَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ لا يحرمُ. وإنِ ادَّعَى رَجلٌ فُلانةً أختُهُ مِنَ الرضاعِ حَرمُتْ عَلَيْهِ وَكَذلِكَ إنِ ادَّعَتِ امرَأةٌ أنَّ فلانَاً أخوهَا مِنَ الرضَاعِ لَمْ يَجزْ لَها أنْ تَتَزوَّجَ بِهِ فإنْ كانَتْ زَوجتَهُ فادَّعَتْ أنَّهُ أخوهَا مِنَ الرَّضَاعِ لَمْ يُقبَلْ قَولُها، إلا أنْ تَشهَدَ بذلِكَ امرَأةٌ ثقةٌ ولا فَرقَ بينَ أنْ تَكونَ المرضِعَةَ [أو غيرَها] (3) فَتشهد أَنَّها أرضَعتهَا أو غَيرَها فَتشهَدُ أني رأيتُ فلانةً ترضِعُها في إحدى الروايتينِ. وفي الأخرى لا يُقبلُ إلا شَهادَةُ امرأتين (4). فإنِ ادَّعَى رجلٌ أنَّ هَذهِ المرأةَ ابنَتِي مِنَ الرَّضَاعِ وَهِيَ أكبرُ سِنَّاً مِنهُ لَمْ تَحرمْ علَيهِ لأنها تَحققَّ كذبُهُ.
كتابُ النفقَاتِ
بابُ نفقَةِ الزَّوجَاتِ
نَفَقَةُ الزَّوجّةِ نَفَقَةٌ غَيْرُ مُقَدَّرةٍ وَهيَ مُعتَبَرةٌ /348 ظ/ بحالِ الزَّوجَينِ فَيَجتَهِدُ الحَاكِمُ في مِقدَارِ ذَلِكَ وصِفَتِهِ. ويَرجِعُ فِيْهِ إلى عَادَةِ بَلدِهَا الذي يَسكُنانِ فِيْهِ فيَفرِضُ للموسِرَةِ تحتَ الموسِرِ قدرَ كفاتِهَا مِنْ أرفعِ خُبزِ البَلَدِ كالسَّميدِ (5) بَبغدَادَ. وَمِنَ الأُدُمِ مَا يضَاهي ذَلك مِن الجُبنِ والزَيتوِنِ والشِيرازِ (6). وَالبَاذِنجانِ وَالخَلِّ والَّشَيَرجِ (7) واللَحمِ مَرَتيِن
__________
(1) زيادة تقتضيها السياق وكان في الأصل بياضاً.
(2) انظر: الروايتين والوجهين156/أ، والمقنع: 263، والهادي: 206، والمحرر 2/ 111، والشرح الكبير 9/ 194.
(3) بياض في الأصل ولعل المثبت هو الصواب.
(4) نقل الأولى - جواز شهادة امرأة واحدة - أبو طالب وابن منصور وإسماعيل بن سعيد وَهُوَ اختيار الخرقي وأبي بكر. ونقل الثانية: - مهنا وحرب قالوا: لا يجوز إلا شهادة امرأتين.
انظر: الروايتين والوجهين 215/أ، والمقنع: 266، والمغني 9/ 222 - 223.
(5) السَميدُ: لُبابُ الدَقيقِ. المعجم الوسيط: 447 (سمد).
(6) الشيراز: اللبنُ الرائبُ المستخرج ماؤه. تاج العروس 15/ 177 (شرز).
(7) الشيرج: زيت السمسم. المعجم الوسيط: 502 (شرج).(1/494)
وَمِنَ الكِسوَةِ جَيدُ القطنِ والكِتانِ والَخزِ. والإبريسَمِ فأَقلُهُ قميصٌ وَمْقنَعةٌ (1)، ووقايةٌ (2)، وسَراويلُ، ومَداسٌ، وجبَةٌ في الشتاءِ وللنَومِ فِراَشٌ ولِحَافٌ وَمخَدة وازارٌ، ولجلوِسِ النهارِ الحصَيرُ والزلى (3) ونحوَ ذَلكَ، ويَفرِضُ للفَقيرةِ تَحتَ الفَقيِر أدنى قُوتِ البَلدِ كَالخُشكارِ (4) بالعرَاقِ وَمِنَ الأُدُمِ اِلخَلُ والشيرجُ والباقلي (5) والكامِخُ (6) واللحمُ في كُلِ شُهرٍ مرةً والكِسوةُ مِنْ غليَظِ القُطنِ والكِتانِ وَللنومِ المبطَنةُ والكساءُ والباريَةُ للجُلوسِ وللمتوسطةِ تَحتَ المتوسطِ ما بينَ ذلَكَ منْ خُبزِ الحُوَار والأُدُمِ كَالُجُبِنِ والباقِلي والشيرجِ والكسوةُ وَسَط القُطنِ والكتانِ والَخزِ. وللنَومِ اللِحاَفُ وَالَحصير وَللجُلوسِ اللَبُد (7) والغليَطُ مِنَ الحُصُرِ. وكذلكَ إذا كانَ أَحدُ الزوجيِن غَنيَّاً، وَالآخرُ فقيراً أُلزمَ وَسطَ المؤنَةِ ويَلزمُهُ نَفَقةُ خَادمِهِ إنْ كانَ مِثلها لا تَخدِمُ نَفَسها أَو كانَتْ مَريضَةً. فإنْ قالتْ: أَنا أَخدِمُ نَفسي وَآخذُ ما يَلزمُكَ لَخادِمَتي لَمْ يَكنْ لَهَا ذَلِكَ وإنْ قَالَ الزَوجُ: أَنا أَخدمُكِ احتَملَ وَجَهيِن: أحدَهمُا يَلزمُها [قَبولُ] (8) ذَلكَ والآخرَ لا يَلزمُها (9). ويَلزمُهُ مؤنةُ الَخادِمَةِ بمقدَارِ النفَقَةِ للفقيرَينِ وَعَليهِ دَفعُ النفَقةِ إليها في صَدرِ نَهار كُلِّ يوَمٍ فَإنِ اتفقَا عَلى تَأخيرِهَا إلى آخِرِ النَّهارِ جَازَ وَكَذلكَ إنِ اتفقَا عَلى أَنْ يُعَجِلَ لهَا نَفقةَ الشَّهرِ أَو السَنَةِ جَازَ وإذا طلَبتْ قِيمةَ النفقَةِ أو طَلَبَ الزَوجُ إنْ يأخذَ مِنه القيمةَ لم يلزمْ ذلِكَ. وإذا قبَضَتِ النفَقَةَ مَلكَتهَا ومَلكَتِ التصَرفَ فِيهَا على وجَهٍ لا يضرُّ بهَا ولا يُنهكُ بَدنَها وإذا دفعَ إليها كِسوَةَ سَنَتِهَا فَتلِفتْ أو سُرقَتْ قَبلَ انقِضَائها لم يَلزمْهُ عوضُهَا وإن انقضَتِ السنَةُ وهي بَاِقيةٌ صَحِيحِةٌ فعَليهِ استئَنافُ ذلِكَ للسنَةِ الأخرَى ويحتَملُ أنْ لا يلزمَهُ ذلِكَ فإن طَلَقَ الزَّوجُ قبلَ انقضَاءِ /349 و/ السنَةِ أو مَاتَتَ فَهَل له الرُّجوعُ في قِسط بَقِيةِ السَنَةِ أم لا على وجهَينِ (10). وعليَهِ ما يعَودُ بنظافَةِ المرأةِ منَ الدهنِ والسدرِ والمشطِ وقيمةِ المَاءِ
__________
(1) المقنعة: ما تغطي به المرأة رأسها وهي أصغر من القناع ولا فرق بينهما. متن اللغة: 4/ 662 (مادة قنع).
(2) الوقاية: ما يوقى به الشيء المعجم الوسيط: 1052.
(3) الزلى: لعلها نوع من البسط. انظر: المعجم الوسيط: 398.
(4) الخشكار: الخبز الأسمر غير النقي. المعجم الوسيط: 236 (مادة خشر).
(5) الباقلي: الباقلاء. المعجم الوسيط: 66 (مادة بقل).
(6) الكامخ: ما يؤتدم به أو المخللات المشهية جميعها كوامخ. المعجم الوسيط: 798 (مادة كمخ).
(7) اللبد: كل شعر أو صوف متلبد. المعجم الوسيط: 812 (مادة لبد).
(8) في الأصل (قبل) وما أثبتناه أنسب للسياق.
(9) انظر: المقنع: 267، الهادي: 207، والمغني 9/ 238، والمحرر 2/ 114.
(10) الأول: له ذلك؛ لأنه دفعها للزمن المستقبل فإذا طلقها قبل مضيه كان له استرجاعها. الثاني: ليس له الاسترجاع لأنه دفع إليها الكسوة بعد وجوبها عليه فلم يكن الرجوع فيها.
انظر: المقنع: 268، والهادي: 208، والمغني 9/ 242.(1/495)
ولا يجبُ عليهِ ثَمنُ الطيبِ والأدويَةِ وأجرةِ الطَّبيبِ فأمَّا الحناءُ والخضَابُ فان طلبَ مِنهَا التزُينَ بذلِكَ فعلَيهِ ثَمنهُ وإلا فلا يِجَبُ ولا يَلزمُهُ في حَقِّ الخادِمَةِ مؤنةُ شيءِ منْ جَميعِ ذلِكَ ولا يلزمُهُ مؤنةُ أكثرَ منْ خادِمٍ واحِدٍ فإنْ كانَ لها جَازَ وإن اشتراهُ أو استأجَرهُ جَازَ ولا يَلزمُهُ أنْ يُملكَها خادم.
بابُ الحَالَةِ التي تَستَحقُّ عليهِ فيهَا النفَقةَ والتي لا تَستِحقُّ
تَجبُ نفَقةُ الزَّوجَةِ على زَوجِهَا إذا بَذلَتْ تَسلِيمَ نَفِسهَا إليهِ (1). وكانَتْ ممَّنْ توطَأُ مِثلُها وسَواءٌ كانَ الزَّوجُ كَبِيراً يمكِنهُ الوطءُ أو كانَ عَبداً أو مَجنوناً أو صَغِيرَاً لاَ يمكنُهُ الوطءُ فإنْ كانَتْ لا يوطَأُ مثلهَا لِصِغَرٍ فلا نَفَقةَ لَها وإنْ كانَ لِرَتقٍ أو قَرنٍ أو مرَضٍ أو حَيضٍ فَلَهَا النفَقَةُ فإنْ بذلَت التَّسليمَ والزَّوجُ غائِبٌ لم يَفرِضْ لها الحَاكِم النفقة حتى تراسِلَهُ ويَمضِيَ زمَانٌ يُمكِنُ أن يخدمَ مثلُهُ فإنْ نَشَزَتْ أو سَافَرتْ بِغَيرِ إذنِهِ أو تَطَوعَتْ بِصَومٍ أو حَجٍّ فلا نفَقَةَ لَها وإنْ أحرَمَتْ بحَجَّةِ الإسلامِ أو صَامَتْ رمضَانَ أو سَافَرت في حَاجَتِهِ بإذنه فلَهَا النَّفَقَةُ فإنْ أحرمَتْ بِحَجٍ مَنذُورٍ في الذِمَّةِ فلا نفقَةَ لها (2). وإن أحرَمَتْ بِحجٍّ مُعَينٍ في وقتهِ فَهَل لها النَفقَةُ أم لا على وجهَينِ (3)، وإنْ سَافَرتْ في تجارَةٍ أو زِيارَةِ أَهلهِا أو حَاجَّةَ لها بإذنِهِ فَلا نَفقَهَ لهَا على ظَاهِر كَلامِ الخِرقِيِّ (4)، ويحتَمِل أنْ تَجِبَ النَّفَقةُ فإنْ منَعَتْ نفَسَهَا لأجلِ قَبض مَهرِهَا الحالِّ قبلَ الدخولِ فَلهَا النَّفقَةُ وإنْ كانَ ذلِكَ بعدَ الدُّخولِ فَعلَى وَجهَينِ أحدُهُما لا نَفَقةَ لها والثَّاِني لها النَّفقَةُ (5)، فإنْ منَعَتْ نَفسهَا لقَبضِ صَدَاقِها المؤجَّل فَليسَ لهَا ذلِكَ وتَسقطُ نفَقَتُهَا (6)، وإذا أسلمتْ زَوجَةُ الكافِرِ بعدَ الدُّخولِ فَلهَا النَّفقَةُ ما دامَتْ في العِدَّةِ. وإن أسلَمَ الزَّوجُ وَلم تُسلمْ فلا نفقَةَ لهَا (7)، وإن ارتَدَّ أحدُهُما
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 157/أ، والمغني 9/ 229، وشرح الزركشي 3/ 515.
(2) انظر: الشرح الكبير 9/ 260، والمحرر 2/ 115.
(3) أحدهما، لها النفقة، ذكره القاضي؛ لأن أحمد نص على أنه ليس له منها والثاني، إنه إن كان نذرها قبل النكاح أو كان النذر بإذنه لم تسقط نفقتها لأنه كان واجباً عليها بحق سابق على نكاحه أو واجب أذن في سببه وأن كان النذر في نكاحه بغير إذنه فلا نفقة لها لأنها فوتت عليه حقه من الاستماع باختيارها بالنذر الذي لم يوجبه الشرع عليها ولا ندبها إليه، الشرح الكبير 9/ 262، والمحرر 2/ 115.
(4) انظر: الشرح الكبير 9/ 262 - 263.
(5) انظر: الشرح الكبير 9/ 262 - 267.
(6) المقنع: 268، الهادي: 208.
(7) انظر: المغني 9/ 259.(1/496)
وَقلنَا الردَّةُ تَفسخُ النِّكاحَ في الحَالِ فلا نَفقَةَ لهَا وإن /350 ظ/ قلنَا تَقِفُ على انقِضَاءِ العِدَّةِ نَظرنَا فإن كانَتْ هِيَ المرتدَّة فلا نَفقَةَ لهَا وإن كانَ هوَ المرتَدُ فلهَا النفقَةُ والأمةُ إذا أسلَمهَا سَيِّدُها (1) نهاراً فهيَ كَالحُرةِ في تمَامِ النفقَةِ على الزَّوجِ وإنْ أسلَمَها لَيلاً واستَخدمهَا نهَاراً على الزَّوجِ نفَقَةُ الليلِ وعَلَى السَّيِّدِ نَفقَةُ النهَارِ وإذا غَابَ الزَّوجُ مُدةً ولم يَترُكْ للزَّوجَةِ نفقَةً فلهَا نفقَةُ ما مضَى مِنَ المدَّةِ في إحدَى الروايتيَنِ وفي الأُخرَى لا نفقَةَ لها إلا أنْ يَكونَ الحاكِمُ قد فَرضَ لهَا وإذا أَبانهَا وَهِيَ حَامِلٌ فلَهَا النَّفقَةُ يأخذُهَا في كُلِّ يومٍ نَصَّ عَلَيهِ (2)، وَيحتَمِلُ أنْ لا يَجِبَ عَلَيهِ تسَلمُهُ النفقَةَ حتى تَضعَ الحَملَ، لأنَّ مِنْ مَذهبه أنَّ الحمْلَ لا يُعلمُ وَلهِذا لا يَصِحُّ اللعانُ عَليَهِ فإذا وضَعَتِ استَحقَّتْ نفَقةَ مدَّة الحَملِ وَإنْ أَنفَقَ ثم بَانَ أنه لَيسَ بِحملٍ فَهل يرجِعُ علَيهَا بما أنفَقَ على رِوايتينِ (3)، وهَلْ تجبُ النفقَةُ في حَقِّ البَائنِ الحامِلِ لَها أو للحَمْل على رِوايتينِ (4)، فإنْ قُلنَا لِلحَمل فَتَزوجَ حُرٌ أو عَبدٌ بأمة فَأَبانهَا حَامِلاً فَالنَّفقَةُ على سَيدِ الأَمَةِ وكذلِكَ إن تَزوَجَ عَبدٌ بحرَّةٍ فأبانها (5) حَامِلاً فَالنفقَةُ على الحرَّةِ وكَذلِكَ إنْ نَشَزَتْ لم تَسقطْ نَفقَتُها (6)، وإنْ كَانَ نِكاحَاً فاسِداً أو بِشُبهَةٍ استَحَّقتِ النَّفقةَ فإن قُلنَا تَجبُ لَهَا النَّفقَةُ وَجبَتْ لَهَا النفقةُ مِنَ المسأَلةِ الأولة (7)، على الحرِّ وعلى سَيِّدِ العَبدِ في المسأَلتَينِ ولا نفَقَةَ لها إنْ نَشَزَتْ أو وُطِئَتْ بِشُبهَةٍ أو نِكاحٍ فَاسِدٍ. (8)
بَابُ الحُكمِ في قَطعِ النفَقَةِ عَنِ الزَّوجِ واختلافِهَا في قَبضِهَا
إذا قَطَعَ عَنْ زَوجَتِهِ النَّفقَةَ معَ اليَسَارِ، أمرَهُ الحاكِمُ بالإنفَاقِ فَإنْ أبى أَجبرَهُ وَحبَسهُ
__________
(1) لعل هَذَا فِي الأصل ((إليها ونهاراً)) وهي مقحمة فِي النص؛ وإنما حذفت حَتَّى يستقيم النص.
(2) انظر: المغني 9/ 252، والشرح الكبير 9/ 256 - 257 - 258.
(3) على روايتين إحداهما النفقة للحمل أو هي إليه في رواية أحمد وسعيد فقال النفقة لحمل وهو اختيار أبي بكر ذكره في كتاب " الخلاف " واختاره الخرقي أيضاً لأنه قال والناشز لا نفقة لها فإن كانت حاملاً أعطاها نفقة حملها والثانية النفقة لها لأجل الحمل أومأ إليه في رواية ابن منصور وفي رجل طلق ثلاثاً وهي مملوكة حامل قال هو ولده عليه النفقة وهذا من فوائد الروايتين فان اتفقا كانت للحمل لم تلزمه النفقة، الروايتين والوجهين 157/ب، والمغني 9/ 276، وشرح الزركشي 3/ 514.
(4) انظر: المغني 9/ 276، وشَرْح الزركشي 3/ 514.
(5) في المخطوط: ((فانها)).
(6) انظر: المغني 9/ 277، والشرح الكبير 9/ 244 - 245، وشرح الزركشي 3/ 522.
(7) انظر: المغني 9/ 293، والشرح الكبير 9/ 245 - 246، وشرح الزركشي 3/ 522.
(8) انظر: المغني 9/ 293 - 294، والشرح الكبير 9/ 246، وشرح الزركشي 3/ 525.(1/497)
حتى ينفِقَ فإنْ غَيَّبَ مَالَهُ ولم يُنفِقْ وصَبرَ على الحَبسِ فقالَ شَيُخَنا (1): ((لا يثبُتُ لهَا حَقُّ النفَقَةِ))، وَعندِي انه يَثبتُ لها ذَلِكَ ويأمرُه الحاكِمُ بالطَّلاقِ فَإنْ لَمْ يُطَلقْ طَلَّقَ الحاكِمُ عَلَيهِ فأمَّا إنْ قَطَعهَا لإعسَارِهِ فَلهَا الخيارُ بَينَ الإقَامَةِ ويجعلُ النَفقَةَ دَينَاً في ذِمَّتِهِ وَبينَ الفَسخِ نَصَّ علَيهِ في روايةِ الجمَاعَةِ ونَقَلَ عنهُ ابنُ منصورٍ ما يَدُلُّ /351 و/ على أنّها لا تَملِكُ حَقَّ الفَسخِ والتَفرِيعِ على الأَولِ (2)، فإن اختَارَتِ المقام ثم بَدالها فاختَارَتِ الفَسخَ فَلهَا ذلِكَ وإنْ أعسَرَ بنَفقَةِ الموسِرِ أو المتوَسِطِ لم يُفسَخْ وكَانَ نَفيه النَفقَةَ دَينَاً في ذمَّتِهِ (3) وقالَ شَيخُنَا: لا يَثبتُ في ذِمَّتِهِ وكَذلِكَ إنْ اعسَرَ بنَفقَةِ الخَادِم أو بالأدمِ فإن أعسَرَ بِبعضِ القُوتِ فَلهَا الفَسخُ (4) وإنْ أعسرَ بالكِسوةِ فلهَا الفَسخُ نَصَّ عَليهِ وإنْ أعسَرَ بِالسُكنَى فَهل يَثبتُ لَها حَقُّ الفَسخِ يَحتَمِلُ وجهَينِ وإذا أعسَرَ بالنفقَةِ الماضِيَةِ لم يثبُتِ الفَسخُ، وإذا أعسَرَ المهر فَقالَ أبو بكرٍ يثبتُ حَقُّ الفَسخِ وقال ابنُ حَامِدٍ لا يثبتُ حَقُّ الفَسخِ (5) وإذا أعسَرَ زَوج الأَمَةِ واختَارَتِ المقامَ لم يكنْ لِسَيدِهَا الفَسخُ، وكَذلِكَ إذا أعسَرَ زَوج الصَّغيرَةِ والمجنونَةِ فلَيس للوليِّ الفَسخُ ويحتَمِلُ أنْ يَكونَ لَهُما الفَسخُ (6)، وإذا اختلفَ الزَّوجَانِ في قَبضِ النفقَةِ أو المهرِ فالقَولُ قَولُ الزوجَةِ مَعَ يَميِنهَا وإذا اخَتَلفَا في بَذلِ التَّسليمِ فالقَولُ قولُ الزَّوج وإن اختَلفَا في النشوزِ بعدَ الاعترافِ بالتَّسليمِ فالقَولُ قَولُ الزَّوجَةِ (7).
بابُ نَفَقةِ الأقارِبِ
قَالَ: وَكُلُّ شَخصَينِ جَرى بَينهمَا التَوارُثُ بِغَرضٍ أو تَعصِيبٍ مِنَ الطَرَفَينِ فَإنَهُ يلزمُ أَحدَهُما نَفَقَةُ الآخَرِ بشَرطَينِ أحدُهُمَا أنْ يكونَ أحدُهُما فَقِيرَاً لا حِرفَةَ لهَ (8)، فَقَالَ شَيخُنا: ظاهِرُ كَلامِ أحْمَدَ رَحِمهُ اللهُ يحتملُ روايتينِ إحداهُما يَستَحِقُ النَّفقَةَ أيضَاً وَالثَّانِيةُ لا يَستَحِقُ والشَّرطُ الثَّانِي أنْ يفَضُلَ عَن قُوتِ الآخرِ وَقوتِ زَوجَتهِ في كلِّ يومٍ مَا ينفقهُ فأما إن جَرى التوارُثُ من أحَدِ الطَّرفَينِ كَالعَمَّةِ معَ ابنِ أخِيهَا والمولى مَعَ عَتيقِهِ وأَمَّ الأمِّ مَعَ
__________
(1) الروايتين والوجهين 157/أ، والشرح الكبير 9/ 515.
(2) انظر: الشرح الكبير 9/ 272 - 273.
(3) انظر: المغني 9/ 236، والشرح الكبير 9/ 255.
(4) انظر: المغني 9/ 250، والشرح الكبير 9/ 231.
(5) انظر: المغني 9/ 251، والشرح الكبير 9/ 267.
(6) انظر: الشرح الكبير 9/ 268.
(7) انظر: المغني 9/ 253، الشرح الكبير 9/ 267.
(8) الروايتين والوجهين 157/ ب، والشرح الكبير 9/ 276.(1/498)
ابنِ بنِتِها فَعلَى روايتَينِ (1) إحديهما لاَ يلزم أحدهُما نَفقَةُ الآخرِ والثَّانيةِ يلزمُ الوارِثَ منهُمَا نفقةُ الآخرِ فَأمَا ذَوو الأرحَامِ إذا لم يَكُنْ مَنْ يرثُ بِفَرضٍ وَلا تَعصِيبٍ فَهل يَلزَمُ أحدَهُما نَفقَةُ الأخرِ يُخرجُ على رِوايتَينِ إحداهُما يَلزمُهُ والأُخرى /352ظ/ لا يَلزَمهُ (2)، وقال شيخُنا لا تَختَلِفُ الروايةُ أنهُ لا يَلزمُهُ والصَّحِيحُ مَا ذكرتهُ وإذا فَضَلَ عنْ كِفايِتهِ ما يُنفقُ على وَاحدٍ وَلهُ أبٌ وَأمٌّ جعلَ بينَهمَا وَيحتَمِلُ أن يُقدّمَ الأب ويحتمل أنْ تقدم الأم (3)، فإنْ كانَ لهُ أبٌ وابنٌ احتملَ أنْ يكونَ الأبُ أحَق واحتملَ أنْ يكونَ الاْبنُ أحقَّ فإنْ كانَ لهُ أبٌ وجَدٌ أو ابنٌ وابنُ ابنٍ فالأَبُ والابنُ أحقُّ بهِ وقالَ شَيخُنا يَحتَمِلُ أنْ يَكونَ أسوء أو هُوَ سَهوٌ لأنَّ أحدَهُما غَيرُ وارِثٍ للآخرِ (4)، فَإنِ احتَاجَ ولَهُ أقاربُ مُوسرونَ وجَبَتِ النَّفقَةُ عَلَيهِم على قَدرِ ميِراثِهمْ مِنْهُ إلا الأبَ فإنهُ يختَصُّ بِنفَقةِ ولَدِهِ (5) فَعلَى هَذَا إذا كَانَ لهُ ابنٌ وَبِنتٌ فَالنَّفقَةُ بَينَهُما أثلاثٌ وكَذلِكََ إنْ كَانَ لهُ أمٌّ وجَدٌّ فَإنْ كَانَ لهُ ابنٌ وَجدٌ فعلَى الجدِّ سُدُسُ النفَقةِ وبَاِقيها على الابنِ وَكَذلِكَ القِياسُ في أَبٍ وَابنٍ إلا أنَّ أصحَابنَا ترَكُوا القِياسَ لظاهِرِ الآيةِ (6)، فإنْ كَانَ له أمٌّ وجَدَةٌ فالنفَقَةُ على الأمّ فإن كَانَ لهُ ثلاثُ أَخواتٍ مُفترِقَاتٍ فَعلَى الأُختِ مِن الأُمِّ خُمسُ النفَقةِ وكَذلِكَ علَى الأُختِ مِنَ الأَبِ وعلى الأختِ من الأبَوينِ ثَلاثُ أخمَاسِ النفَقَةِ (7)، فإنْ كَانَ لهُ ابنٌ فقيرٌ وأخٌ موسرٌ فلا نفَقَةَ لهُ عليهِمَا وإذا لم ينُفِقْ على وَارِثه مُدَّةً لم يلزمْهُ نَفَقةُ زَوجتِهِ أم لا على روَايَتَين (8)، وتلزمُ نفقةُ الظئرِ (9) لمن تَلزَمُهُ نفقةُ الطفلِ (10) وإذا أَرادَتِ الأمُّ إرضَاعَ وَلَدِهَا لم يكنْ لزوجِهَا منَعُهَا وإنِ امتَنعَتْ مِنْ إرضاعِهِ لَم تجُبرْ عَلى ذَلِكَ إلا أنْ تدعُو لضَرورةٍ وإنْ طَلَبتِ الأجرةَ فَلَهَا ذَلِكَ وإنْ كَانَ تُرضعهُ بغيرِ عِوضٍ فهيَ أحَقُ بِرَضَاعهِ بأجرةِ المثلِ ولا تَجِبُ أُجرةُ الظئرِ لما زادَ عَلى الحولينِ، ولا تَجبُ نَفقَةُ الأقَارِبِ مَعَ اْختلافِ الدِّين وقالِ شَيخُنَا في
__________
(1) الروايتين والوجهين 158/أ، والشرح الكبير 9/ 278.
(2) الروايتين والوجهين 158/أ، والشرح الكبير 9/ 279 - 280، والمحرر 2/ 117، وشرح الزركشي 3/ 512.
(3) انظر: المحرر 2/ 118، والشرح الكبير 9/ 281.
(4) انظر: المحرر 2/ 118، والشرح الكبير 9/ 287 - 289، وشرح الزركشي 3/ 513.
(5) انظر: الشرح الكَبِير 9/ 285، وشرح الزركشي 3/ 513.
(6) انظر: المحرر 2/ 118، والشرح الكبير 9/ 282، وشرح الزركشي 3/ 513.
(7) انظر: الشرح الكبير 9/ 282، وشرح الزركشي 3/ 513.
(8) انظر: المقنع: 270، والشرح الكبير 9/ 284، وشَرْح الزركشي 3/ 513.
(9) الظئر: المرضعة لغير ولدها.
(10) انظر: المغني 9/ 297، والشرح الكبير 9/ 297، والمحرر 2/ 119، وشرح الزركشي 3/ 525.(1/499)
عَموَديِ (1)، النَسَبِ روَايتَانِ إحداهُما تَجِبُ والأخرى لا تَجِبُ.
بَابُ مَنْ أَحَقُّ بكَفَالةِ الطِّفْلِ
أحَقُ الناسِ بالكفالةِ لِلطفلِ وحضَانتهِ أمُهُ ثُمَ أُمهَاتُهَا الأقربُ فَالأَقربُ ثُمَّ الأبُ ثُمَّ أمهاتهُ ثُمَ الجدُّ ثُمَّ /353 و/ أُمهَاتهُ ثُمَ الأُختُ مِنَ الأَبوَينِ ثُمَّ الأُختُ لِلأَبِ ثُمَّ الأُختُ للأمَ ثُمَ الخالةُ ثُمَ العمَّةُ هذا هوَ الصَّحِيحُ مِنَ مَذهَبهِ ونُقلَ عَنهُ (2) أنَّ الأُختَ مِنَ الأمِّ والخالةَ أحَقُّ مِنَ الأبِ فَعلَى هَذا الأُختُ مِنَ الأَبَوين أولى أنْ يَكونَ أحقَّ مِنهُ ويكونَ هوَ (3) أحقَّ مِنْ جَميعِ العصَباتِ ومِنَ الأُختِ لِلأَبِ وإذا عُدِمَ كلُّ [هَذا] (4) فَهَل لأبي الأمِّ وأمهاتهِ والأخِ مِنَ الأمِّ والخالَةِ حَقٌّ في حضَانَتِهِ يَحتَمِلُ أنْ لاحَقَّ لهَمْ فِيهَا وينتقلُ الأمرُ إلى الحاكِمِ وَيحتَمِلُ أنْ يَكونَ حَقُّ الحضَانةِ لهم فِيهَا الجدُ وَأمهاتهُ أولى مِنَ الخالِ وهَل يُقدَّموا عَلى الأخِ مِنَ الأمِّ أو يُقدمُ الأخُ يحتملُ وجهَينِ (5)، ولا تَثبتُ الحضَانةُ لِرَقيقٍ ولا لِفاسِقٍ ولا لِكافرٍ عَلى مُسلِمٍ ولا لامرأَةٍ لها زَوجٌ أجنبيٌّ منَ الطِفلِ فإنْ اعتَقَ الرقِيقُ وعَدلَ الفاسِقُ وأسلمَ الكافِرُ وَطلقَتِ الزَّوجَةُ عَادَ إليهِم حُقوقُهُمْ مِنَ الحضَانَةِ (6)، واذا بَلغَ الولَدُ سَبعَ سِنينَ وَهوَ عَاقِلٌ خُيرَ بَينَ أَبوَيهِ إن كَانَ ذكَراً وإنِ اختَارَ أمهُ كانَ عِندَها لَيلاً وَعندَ أبيهِ نهاراً لِيُعلمَهُ الكِتابةَ والصِّنَاعَةَ ويؤدِّبَهُ وإنِ اختَارَ أَباهُ كَانَ عِندَهُ ليلاً ونهَارَاً ولمَ يمنعْ مِنْ زِيارةِ أمّهِ ولا يمنعُ الأمَّ مِن تمَريضهِ إذا اعتَلَّ (7)، وَإنْ كَانَ أُنثَى فَمنصوصُ أحمَدَ رَحِمَهُ الله أنَّ الأبَ أحَقُّ بها بكلِّ حَالٍ ولا يمنعُ الأم مِن زيارَتهِا وتمَريضِها وإنِ احتَاجَتْ، وإذا اختَارَ الابنُ أَحدَهُمَا فَدفِع إليهِ ثمَ عادَ فاختَارَ الآخر نُقِلَ إليهِ فَإنْ أرادَ العوَدَ إِلىَ الأولِ لم يُمنعْ وإنْ لمَ يخَترْ أَحدهُمَا أقرعَ بينَهمَا فسُلمَ إلى مَنْ يَقعُ عَلَيهِ القُرعَةُ فإنْ وجَبتْ للأمِّ الحضَانَةُ فامتنَعَتْ مِنهَا انتقَلتْ إِلىَ أمها ويحتَمِل أنْ يَنتقِل إِلىَ الأبِ فَإنِ استَوى شَخصَانِ في الحضَانةِ كالأختَينِ والعَّمتَينِ والخالتَينِ أُقرعَ بينَهمَا (8)، وإذا أَرادَ أحدُ أبويِ الطِفلِ النقلَةَ إلى بلَدٍ عَلى مسَافةٍ تُقصَرُ فيها الصَّلاةُ لِلمقَامِ فيهِ والطريق وَذلِكَ البلدُ آمناً والأبُ
__________
(1) انظر: المقنع: 270، والمحرر 2/ 119.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 158/ أ، والمغني 9/ 298، وشَرْح الزركشي 3/ 526
(3) بعد هَذَا فِي المخطوط (لاي) وهي مقحمة لاَ معنى لَهَا.
(4) بعد هَذَا فِي المخطوط (لاي) وَلاَ معنى لَهَا ولعل المثبت هُوَ الصواب.
(5) انظر: المغني 9/ 306 - 307، وشرح الزركشي 3/ 528 - 530.
(6) انظر: المغني 9/ 310، والمحرر 2/ 120.
(7) انظر: المغني 9/ 303 - 304، والمحرر 2/ 120، وشرح الزركشي 3/ 526.
(8) انظر: المغني 9/ 302.(1/500)
أحقُ (1)، بالولدِ سَواءٌ كَانَ هوَ المسَافِرُ أو المقيمُ وعنهُ إنْ الأمَّ أحَقُ بهِ فأما إنْ سَافَر لحاجَةٍ /354 ظ/كانتِ المسَافةُ قَصِيرةً أو أرادَ الأبُ الانتقالَ وذلِكَ البلدُ أو الطَّريقُ مخَوفٌ فللأمِّ الحضَانَةُ عَلى الرِّوَايَتَين (2)، معاً وإذا بلَغَ الغلامُ مَعتوهَاً كَانَ عندَ الأمِّ وإنْ بَلغَ عاقِلاً فأمرُ نفَسهِ إليهِ.
بَابُ نَفقَةِ الرَقيقِ وَالبهَائِمِ
يَجِبُ عَلى السَّيِّد أَنْ يُنِفقَ عَلى عَبيدهِ وإمَاَئهِ فَيعطِيَهُم من قُوتِ البلَدِ ويكسوَهُمْ ولا يُكلَّفَهُم مِنَ العَملِ ما لا يُطِيقونَ ويريحَهم مِنَ الخِدمَةِ في وَقتِ القَيلُولةِ وَوقتِ النَّومِ وَأوقَاتِ الصَلواتِ وإنْ مَرضُوا أنفقَ عَلَيهِم في الأَدوِيَةِ (3)، وإن سَافَر بهِم أركَبهُم عَقِبَهُ وإذا تَولى لَهُ أحدُهُم طَعامَاً أطعَمَهُ مَعَهُ فإنْ لم يفعَلْ أطعمَهُ مِنهُ، ولا تُكلَّفُ الجارِيَةُ إرضَاعَ غَيرِ وَلدِهَا إلا مَا فضَلَ عَن وَلدِهَا ولا يُجبرُ العَبدُ وَلاَ الأَمَةُ عَلى المخَارَجَةِ وهوَ أنْ يَقطَعَ عليهِ خَراجَاً في كُلِّ يومٍ درهَماً مَعلومَاً ولهُ تأدِيبُ رَقيقِهِ بِاللومِ أو الضَربِ كَمَا يَؤدِّبُ أولادَهُ وزَوجَتهُ (4)، إذا نَشَزَتْ وإذا طَلبَ العَبدُ مِن سَيدهِ التزَويجَ فَعلَيهِ تَزويجهُ (5)، فَإنْ وَهَبَ لهُ أمةً فسرى بها فذَلِكَ مَبنيٌ عَلى أَصلٍ هَل يَملِكُ العَبدُ المَالَ بِالتمَّلِيكِ عَلى رِوَايَتَينِ إحداهُمَا يملكُ فإذا وَهبَ لهُ أمةً جَازَ لهُ وطؤهَا وإذا وهَبَ لَهُ مَا لا جَازَ أنْ يَشترِيَ أمةً يتسرى بها. ولا تَجِبُ الزَّكاةُ عَلَيهِ ولا السَيّد في ذَلِكَ المالِ، وَيجَوزُ لهُ أنْ يُكفر بالعتقِ وَالإطعَامِ وإذا قُلنا لا يمَلِكُ لم يحَلَّ لهُ التَّسرِي بالإماءِ ولا أنْ يُكفرَ بالمالِ وزَكاة ما في يَدهِ تجبُ عَلى السَّيدِ ويجب عَلَيهِ إطعَامُ بهَائمِهِ وسَقيها وأنْ لا يحَمِل عَليهَا مَا لا تطيقُ وأنْ لا يحلبَ من لَبنهَا إلا ما يَفضُلُ عَن وَلدِهَا فإنْ لم يَكُنْ لهُ ما عَلَيها، أُجبِرَ عَلى إجارتها أو بِبعضِهَا أو ذَبحِها إنْ كانَتْ مما يُباحُ أَكلُهَا.
__________
(1) انظر: المغني 9/ 304 - 305، والمحرر 9/ 120.
(2) انظر: المغني 9/ 304 - 305، والمحرر 9/ 120.
(3) انظر: المغني 9/ 314، والشرح الكَبِير 9/ 301، وشرح الزركشي 3/ 533.
(4) انظر: المغني 9/ 315، والشرح الكبير 9/ 302 - 303 - 304، وشرح الزركشي 3/ 535.
(5) انظر: المغني 9/ 315، وشرح الزركشي 3/ 534.(1/501)
كتابُ الجِنَايَاتِ (1)
قال: والجِناياتُ عَلى أَربعَةِ أَضرُبٍ عَمدٍ وَشِبهِ عَمدٍ وخَطأ وما جَرى مجَرى الخَطَأ (2)، ولا يَجِبُ القِصَاصُ إلا في العَمِد مِنها بثلاث شَرائطَ: أنْ يَكونَ الجاني [مكلفاً] (3) /355 و/ وأن يَكونَ المجني عَليهِ يُكَافيءُ دمهُ دَمهُ أو يَزيدُ علَيهِ وأنْ تَكونَ الآلةُ التي قصدَ الجنايةِ بها مما تَقُتلُ غَالِباً (4)، فالمُكَلفُ هوَ البَالِغُ العاقِلُ، فأمَّا الصبيُّ والمجنونُ فلا قصَاصَ عَلَيهِمَا، ومَنْ زَالَ عَقلُهُ بمحرمٍ فَهل يَجِبُ عَلَيهِ القصَاصُ؟ يخرجُ عَلى روَايَتَينِ: أَصحُهُمَا أنهُ يَجِبُ، والتكافؤُ أن تُساويَهُ فِي التدينِ والحُريةِ والرقِّ فَيقتلُ المسلمُ بالمسلمِ والذميُّ بِالذمِيِّ والحرُ بالحر والعَبدُ بالعَبدِ والأٌنثَى بالذَّكرِ والذكَرُ بالأُنثَى وقد نُقِلَ عَنهُ بَقَتلِ الذَّكَرِ بالأُنثَى وتُعطى نِصفَ الِديةِ، وأنهُ لاَ قِصَاصَ بَين الرَّقِيقِ إلا أنْ تَستَويَ قيمَتُهم والعَمَلُ عَلى مَا ذَكرنَاهُ أَولى، ويُقتلُ بالخُنثَى قَاتِلُهُ سَواءٌ كَانَ ذكراً أو أنثى فأما المسلم فلا يُقتَلُ بكافرٍ، وَلاَ الحرُ بعبدٍ إلا أن يجرح كافرٌ كافراً أو عبدٌ عبداً ثُمَ يسلم الجارحُ وَيعَتقُ العبدُ ويمَوتَ المجروحُ، فإنهُ يُقتَلُ فكَذلِكَ إن قَتلَ الحُرُّ المسلمُ مَنْ يَعرِفُهَ ذِمياً أو عَبداً فقَامَتِ البينةُ أنَهُ كَانَ قد أسلَمَ وَأعَتقَ، فَإنهُ يُقتلُ فَإنْ قَتلَ مَنْ لاَ يَعرفهُ ثُمَ ادّعى رِقَّهُ أو كُفرَهُ فقَالَ المجنيُّ عَلَيهِ بل أنا مُسلِمٌ حُرٌ فالقَولُ قولهُ وَيقتَلُ قاتلُهُ، وكَذلِكَ إنْ ضَرَبَ ملفوفَاً (5)، فَقدَّهُ نِصفَينِ وقالَ ضَربتُهُ وَهوَ مَيتٌ فَقالَ الوَليُّ بَلْ كَانَ حَياً فالقَولُ قَولُ الوَليِّ (6)، وَيُقتَلُ الكَافِرُ بالمسلمِ والعَبدُ بالحُرِّ ويقتَلُ المرتَدُّ بالذِميّ وإنْ عَادَ المرتَدُّ إلى الإسلامِ نصَّ علَيهِ (7)، ولا يقتَلُ الذِميُ بالمرتدِّ ولا يجبُ بقتل الزاني المحصَنِ القَوَدُ، ولا يُقتَلُ الأَبوانِ وإنْ عَلَوا بِالولَدِ ويُقَتلُ الولَدُ بكلِّ واحِدٍ منهُمَا في
__________
(1) قال: ابن قدامه يعبر أحيانا عَنهُ بكتاب الجراح لغلبة وقوعها به المغني 9/ 318، وانظر: شرح
الزركشي: 537.
(2) وقد ذكر الخرقي ثلاثة اضرب فقط، إلا إن أبا الحظاب هنا ذكر أربعة أضرب ومُثِّل للقسم الرابع أي بما جرى مجرى الخطأ بالنائم ينقلب عَلَى شخص فيقتله.
انظر: المقنع: 276، والمغني والشرح الكَبِير: 9/ 320.
(3) في الأصل: ((متكلفاً)).
(4) أضاف ابن قدامه شرطاً رابعاً وهو انتفاء الأبوة. انظر: الكافي 4/ 7.
(5) أي ((بكساء)). انظر: الرُوَايَتَين والوجهين: 172 /أ.
(6) قال أبو بكر في " كتاب الخلاف ": القول قول المجني عليه لأن الحياة متحققة، والجاني يدعي ما هو مشكوك فيه: الرُوَايَتَين والوجهين 172 /أ.
(7) انظر: المقنع: 275، والكافي 4/ 6، والمحرر 2/ 125.(1/502)
أظهَرِ الروَايَتَينِ (1)، ولا يُقتَلُ في الأُخرَى (2)، وإنْ وجَبَ القِصَاصُ عَلى أحَدِ الأَبوينِ فَورِثَهُ وَلدُهُ سَقَطَ القِصَاصُ، نحوَ أنْ يقتلَ الأَبُ خَال ولَدِهِ فترثهُ أُمُ الولَدِ، ثُمَ تمَوتَ الأمُّ فيرِثَها الولَدُ أو تَقتلَ الأمُّ عمَ الولَدِ فيرثهُ الأبُ، ثُمَ يموتَ الأب فينتقلُ الإرث إلى الابنِ وقد نَقَلَ عَنهُ مُهنَّا في أمِّ ولَدٍ قَتلَتْ سَيدَها عَمداً تُقَتلُ فقيلَ لهُ مَن يقتلُهُا؟ قالَ ولدُها (3)، فَظَاهِرُ هَذا أنهُ أثبتَ /356 ظ/ لَهُ القِصاصَ عَلى أمّهِ بالميرَاثِ فَفِي هَذهِ الروَايةِ سَهوٌ، فإنها تُخالِفُ جمَيعَ أُصولِهِ ولَعلَّهُ قالَ يقَتلُها ولدُهُ وأرادَ بهِ أنْ يَكونَ لهُ ولدٌ مِن غَيرِهَا أَرضَعتهُ وقد مَاتَ وَلدُهَا فَيقتلُها ولدُ السَيِّدِ فإن قتل أَحَدُ الابنينِ أَباهُ ثُمَ قتل أمَّهُ فإنا ننَظرُ فإنْ كانَتِ الزَّوجِيَّةُ بينَ الأَبوينِ قَائمَةً إِلىَ حينِ القَتلِ وجَبَ القصَاصُ عَلى قَاتلِ الأمِّ وسقَطَ عَنْ قَاتِل الأَبِ لأنهُ وَرِثَ ثمَنَ دَمِهِ عَنْ أمِّهِ ويلزَمُهُ سبعُ أثمانِ دِيَةِ الأَبِ لِقَاتِلِ الأمِّ وإنْ كَانَتْ بَائنةً منهُ فعَلَى الإبنَينِ القَودُ فإنْ كَانَ أربعةُ اخوةٍ فَقتلُ الثَّاني للأولِ والثالثِ للرَّابعِ وجَبَ القِصاصُ عَلى الثَالثِ دونَ الثَّانِي لأنَّ الثانَي ورثَ نِصفَ دَمِ نفسه عَن أَخيهِ الرَّابعِ ويَلزمُهُ نِصفُ دِيَةِ الأَخِ الأوَلِ لِلأَخِ الثَّالِثِ وإذا قتلَ مَن الأنكا فيهِ فِي المحاربةِ لَمْ يقتَلْ، فإنْ قطعَ مُسلِمٌ يدَ مُسلِمٍ ثُمَ ارتدَّ الَمقطوعُ ثُمَّ اسلَمَ ثُمَ ماتَ فعلَى الجاِني القِصَاصُ عَلى ظاهِرِ كَلامِ أحَمَدَ رَحِمَهُ اللهُ فِي روايَةِ مُحَمَدِ بنِ الحَكَمِ (4)، وقَالَ شَيخُنَا إنْ كَانَ زَمانُ ردتهِ مَمِا تسرىِ فيه الجنَايةُ فَلا قِصَاصَ عَلى الجَاني (5)، فإنْ ماتَ المجروحُ في رِدَّتهِ فلا قَوَدَ عَلى الجَارِحِ في النَّفسِ. وهَل في الطَّرفِ؟ عَلى وجهَين (6)، فإنْ قطعَ يدَ مرتدٍ فأسلَمَ وماتَ فلا قَودَ عَلى القَاطِعِ وَلاَ دِية، فإنْ قطَع حرٌّ يدَ عَبدٍ فأعتقَ العبدُ ثُمَ ماتَ فلا قَودَ عَلى الحرِّ ويلزمُهُ دِيةُ حُرٍ، فَإن قَطَعَ مُسلِمٌ يدَ ذِميّ فأَسلَم ثُمَ مَاتَ فلا قَودَ ويلزمُهُ دِيَةُ مسلِمٍ، فإنْ رمى ذِميَّاً بسَهمٍ فلَمْ يُصِبهُ حَتَّى أسلمَ أو رمى عَبداً فأصَابهُ وأعتق، وقالَ الخِرَقيُّ لاَ قصَاصَ علَيهِ ويلزمُهُ دِيَةُ مُسلِمٍ حُر (7)، وَقالَ أبو بكرٍ عَلَيهِ
__________
(1) انظر: مسائل عبد الله 3/ 1226، والمغني 9/ 365.
(2) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 160/ب، والمغني 9/ 365.
(3) انظر: المغني 9/ 360، وشرح الزركشي 3/ 554.
(4) انظر: المغني 9/ 345، والكافي 4/ 6.
(5) انظر: المغني 9/ 345، والكافي 4/ 6، والشرح الكبير 9/ 354.
(6) أَحدُهُمَا: لا ضمان فيه لأنه تبين انه قتل لغير معصوم. والثاني: تَجِبُ لان سقوط حكم سراية الجرح لا يسقط ضمانه كما لو قطع طرف رجل ثُمَ قتله آخر. المغني 9/ 344. وانظر الشرح الكبير 9/ 353.
(7) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/أ، والكافي 4/ 58، والشرح الكبير 9/ 365، وشرح الزركشي 3/ 564.(1/503)
القِصَاصُ (1)، فانْ رمَى حَربياً فأصَابهُ السَّهمُ بعدَ إسلامِهِ فلا قَودَ ولا دِيةَ كمَا لو رَمَاهُ يَظنّهُ حَربِياً فَبانَ أَنهُ قد أسلَمَ وكَتمَ إيمانَهُ وإن رمى مُرتَدَّاً فوقَعَ السَّهمُ فيه بعدَ أَنْ أسلَمَ فلا قَودَ وهَل يلزمُهُ دِيةٌ؟ يحَتمِلُ وجَهيِن (2)، واختَلفَتِ الرِوايَةُ هل يكاِفيءُ دمُ واحدٍ دمَ جمَاعةٍ فَيقتل /357 و/ عَنْهُ لاَ يقتلُ الجَماعَة بالواحِدِ (3)، ونقلُ عَنهُ يقتلونَ بِهِ، وهوَ اختِيارُ عامَّةِ شُيوخِنا (4)، وَعلَيها يقعُ التفَّرِيعُ وأمَّا الآلةُ التي يُقتلُ بها غالباً فنذكرُهَا فِي بَابِ الجناياتِ الموجبةِ للقصَاصِ، وأما شِبهُ العَمدِ والخطأُ وما يجرِي مجرى الخَطَأ فذكَرَهُ في بَابِ الدياتِ إن شَاءَ اللهُ تَعالى.
بَابُ الجنَايَاتِ المُوجِبَةِ للقصَاصِ َوذِكرُ مَا تَقَعُ بِهِ الآلةُ
إذا خَرجَ مَن يُكافئهُ بمالهِ مور (5) في البدنِ من حَديدٍ أو غَيرِهِ فَمَاتَ فعلَيهِ القَودُ إلا إنْ يَغرِزَهُ بابرةٍ ونحوِهَا في غيِر مَقتلٍ فيَموتَ في الحالِ فَعلَى وجهَينِ قال ابنُ حامدٍ لا قَودَ عَلَيهِ (6)، وقالَ غيرهُ عليه القَودُ، واتفَقوا أنهُ إن بَقي مِن ذَلِكَ سقماً حتى مَاتَ أو كَانَ الغرزُ بهَا في مَقتلٍ كَالعَينِ والفُؤادِ والخِصيتَينِ أن علَيهِ القَودُ، فَإنْ ضَربَهُ بمثقَّلٍ كَبيرِ كاللّتِ (7)، والكوذين (8)، والسندانِ (9)، فعَلَيهِ القَودُ، وإنْ ضَربَهُ بمثقَّلٍ صَغيرِ كالسَّوطِ والعصَا الصَّغير ونحو ذَلِكَ في مَقتَلٍ أو كَرّر بهِ الضَّربَ أو كَانَ ذَلِكَ في حَالِ ضَعفِ قوَّةٍ أو في حَرٍ أو بَردٍ فعلَيهِ القَودُ فإنْ حَبسَهُ ومنعهُ الطَّعامَ والشَّرابَ حتى مَاتَ جوعَاً وعَطَشَاً أو طَرحَهُ في زبية (10)، فيها أَسَدٌ أو كَتَّفهُ وانهشَهُ كَلباً أو السَعَهُ حَيَّهً أو عَقربَاً مِنَ القَواتلِ غَالِباً وَجبَ علَيهِ القَودُ، فإنْ طَرحَهُ في أرضٍ مُسبعَةٍ أو ذاتِ حَياتٍ فَقَتَلتْهُ السِّباعُ أو
__________
(1) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161 /أ، والشرح الكبير 9/ 365.
(2) انظر: الكافي 4/ 58.
(3) نقله حنبل: الرُوَايَتَين والوجهين 160/ أ، والمغني 9/ 366، والكافي 4/ 9، وشرح الزركشي
3/ 554 - 555.
(4) نقله الجماعة منهم أبو طالب، وحرب، وابن منصور، الرُوَايَتَين والوجهين 160 /ب، وانظر: شرح المغني 9/ 366، والكافي 4/ 9، وشرح الزركشي 3/ 554 - 555.
(5) بمعنى الاضطراب: انظر: المعجم الوسيط: 891، ولسان العرب 5/ 186.
(6) انظر: المغني 3/ 322، والكافي 4/ 12، وشرح الزركشي 3/ 540 - 541.
(7) اللت: بمعنى الدق. انظر: لسان العرب 2/ 83.
(8) الخشبة الثقيلة التي يدق بها الدقيق الثياب. انظر: كشف القناع 5/ 506.
(9) مُدُقُ الطيب. انظر: معجم متن اللغة 3/ 223.
(10) حفره في موضع عالٍ تغطي فوهتها، فإذا وطئها الأسد وقع فيها. انظر: المعجم الوسيط: 389.(1/504)
الحيَّاتُ فَحُكمهُ حُكمُ الممسِكِ لِلقَتلِ وهَل يلزمُهُ القَودُ؟ عَلى روَايَتَينِ: فإنْ خَنقَهُ أوسَدَّ فَمَهُ وانفهُ أو عَصَرَ خِصَيتهُ حَتَّى مَاتَ فعلَيهِ القَودُ، فإنْ طَرحَ علَيهِ حائطاً أو سَقفَاً أو رمَاهُ مِن شَاهِقٍ فمَاتَ فعلَيهِ القَودُ، فإنْ رمَاه مِن علوٍ فقَبلَ أن يَصِلَ إِلىَ الأرَضِ تَلقَّاهُ إنسَانٌ بسيفٍ فَقدَّهُ نصفَينِ كَانَ عَلى مَنْ قدَّهُ القصاصُ، وإنْ رمَاهُ فِي لجةٍ فَقبلَ أنْ يصِلَ إِلىَ الماءِ التقَمَهُ حُوتٌ فهل يجَبُ القَودُ عَلى الرَّامِي؟ تحَتمِلُ وجهَينِ (1). وإذا جَرحَهُ جُرحَاً لاَ يجَوزُ أنْ يبقى مَعهُ مِثلُ أنْ تقَطعَ حشوتَهُ أو حُلقومَهُ ومرِيئَهُ، /358 ظ/ ثُمَ جَاءَ آخَرُ فقدَّهُ نِصفَينِ فالقَودُ عَلى الأَولِ، ويعزَّرُ الأخرُ، وإنْ جَرحَهُ جرحَاً يجَوزُ أنْ يبقَى مَعهُ، وجَاءَ آخرُ فذبحَهُ فعلى الذَّابِحِ القَودُ، ولَو قَطعَ يدَهُ مِنَ الكَوعِ فجَاءَ آخرُ فقطَعهَا مِنَ المرفَقِ فمَات فَعليهِمَا القَودُ فإنْ جَرحَهُ أَحدُهُمَا جرحَاً وجَرحَهُ الآخرُ مئةَ جَرحٍ فهُما قَاتِلانِ، فإنْ أمسَكَ رجلاً حَتَّى قَتلهُ آخَرُ فَعَلى القاتلِ القَودُ ويحبسُ الماسكُ حَتَّى يموتَ فِي إحدى الرُوَايَتَينِ (2)، وفي الأُخَرى يقتلُ الممسكُ أيضَاً (3)، وإن أُكرهَ إنسَانٌ عَلى قَتلِ مَن يُكافِيهِ قُتِلَ المكرهُ وَالُمكَرهُ، وإنْ أمرَ مَنْ لاَ يميز فقَتلَ إنسَاناً قُتِلَ الآمِرُ وحدهُ، وإنْ أمرَهُ السُّلطانُ بقتلِ إنسَانٍ بغير حقٍ فقَتلهُ، فَإن عَلَمِ بذَلِكَ فعَلَى القَاِتلِ القَودُ، وإنْ جَهِلَ الحَالَ فعلَى الآمِرِ القَودُ. فإن شَهِدَ اثنانِ عَلَى رَجلٍ بالقَتلِ فَقَتلهُ الحَاكِمُ بِشَهادَتِهما، ثُمَ رجَعا عَنِ الشَّهادَةِ فِإنْ قالا: تَعمدنَا فعلَيهِمَا القَودُ وإنْ قالا: أخطأنا فعَليهِمَا الدِيةُ، فإنْ قالَ القاضِي أو وليُّ الدَمِ: قَدْ علمتُ أن الشاهدَينِ كَذَبا وأنَّ المشهودَ بقتلِهِ حَيٌ ولكنَّا تعَمدْنا قتَلهُ فعليهِمَا القَودُ فإنْ خلَطَ سُمَّاً قَاتِلاً بِطَعامٍ، ثُمَ أطعَمهُ إنسَاناً أو خَلَطهُ بِطَعامِ إنسَانٍ فأكَلهُ ولم يعلمْ فمَاتَ فعَلَيهِ القَودُ وإنْ علِمَ أنَّ فيه سُماً فأكَلهُ مختارَاً، أو خلطَ السُمَّ بطعامِ نَفسهِ فأخذَهُ إنسَانٌ فأكَلهُ بغيرِ إذنهِ فلا قَودَ علَيهِ، فإنِ ادَّعى القَاتِلُ بالسّم أني لم أعلمْ أنه سُمّ يقتلُ لم يقبلْ قَولهُ في أحَدِ الوجهَينِ (4)، وفي الآخَرِ يُقبلُ (5)، ويكونُ
__________
(1) أَحدُهُمَا فيه القَودُ، لأنه ألقاه في مهلكة فهلك، أشبه ما لو هلك بها. والثاني: لا قود فيه، لأنه هلك بغير ما قصد هلاكه به. انظر: المغني 9/ 326، والمحرر 2/ 123.
(2) نقلها أبو طالب، واحمد بن سعيد. انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/ب، والمغني 9/ 476 - 477، والكافي 4/ 16، والمحرر 2/ 123، وشرح الزركشي 3/ 580 - 581.
(3) نقلها ابن منصور يقتلان جميعاً. انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/ب، وانظر: المغني 9/ 476 - 477، والكافي 4/ 16، والمحرر2/ 123، وشرح الزركشي 3/ 580 - 581.
(4) لا يقبل قوله وعليه القَودُ، لأن السم من جنس ما يقتل به غالباً، فأشبه ما لو جرحه، وقال لم اعلم أنه يموت منه. المغني 9/ 330، وانظر الكافي 4/ 15، والمحرر2/ 122.
(5) يقبل قوله فلا قود عليه لأنه يجوز أن يخفى عليه أنه قاتل، وهذه شبه يسقط بها القَودُ. المغني 9/ 330، وانظر: الكافي 4/ 15، والمحرر2/ 122.(1/505)
قتلُهُ بذَلِكَ خَطأً، فإنْ قتلهُ بشَجرٍ يقتلُ في الغالبُ فَعليهِ القَودُ فإنْ طرحَهُ في نارِ لا يمُكنهُ التَّخلصُ منهُ فعلَيهِ القَودُ، وإذا قطعَ أجنبيٌ سَلعةً مِن إنسَانٍ بغيرِ إذنهِ فَماتَ فَعلَيهِ القَودُ، وإن قطَعهَا حَاكِمٌ مِنْ صَبيّ صَغيرٍ ومَاتَ فلا قَودَ، وإذا قتلَ واحِدٌ جمَاعةً فَحضَروا أولياءُ الجمَيعِ فَطَلبوا القصَاصَ قيلَ لهَم لم تستحقوا غيرَ ذلِكَ، وإنْ طلبَ بعضُهم، وبعضُهُم الدِيةَ أقيدَ لمن طَلبَ القِصَاصَ وأُعطُوا /359 و/ الباقينَ كلُّ واحدِ ديَةُ موروثهِ وإن اشتركَ الأبُ والأجنبيُ في قتلِ الابنِ لم يُقتلُ الأبُ، وَهلْ يقتلُ الأجنبيُ؟ عَلى روَايَتَينِ (1)، أصحُّهما أَنهُ يقتَلُ وكَذلِكَ إنِ اشتَركَ حُرٌ وعَبدٌ فِي قَتل عَبدٍ لَمْ يُقتلِ الحرُّ، وهَل يقتلُ العَبدُ؟ عَلى روَايَتَينِ (2)، وكذلِكَ إن اشتَركَ الخَاطيءُ والعامِدُ لَمْ يُقتَل المخطِيءُ، وهلَ يقَتلُ العَامِدُ؟ عَلى روَايَتَينِ (3): أصحُّهمَا أنَّهُ لا يُقتَلُ، فَإنْ جَرحهُ أجنبيٌ وجَرحَ نفسَهُ أو جَرحَهُ سَبعٌ فمَاتَ فَهلْ يقتلُ الأجنَبيُّ أم لا؟ عَلى وَجهَينِ (4)، فإنْ جرحَهُ إنسَانٌ فخَاطَ هوَ جرحَهُ في اللَحمِ أو دَاواهُ بسُمٍّ يقتلُ غالباً فهَل يقتلُ الجَارِحُ؟ عَلى ما تَقدمَ منَ الوجهَينِ، فَإنْ خاطَ جُرحَهُ الإمامُ وكانَ المجروحُ مولى علَيهِ فماتَ فَهل يُقتلُ الجارِحُ أم [لا] (5)؟ عَلى وَجهَينِ أيضَاً بناءً عَلى العَامِدِ إذا شَاركَ المخطيءَ، وَهكذا يُخرجُ في كلِّ عامِدَين أَحدُهُمَا لا يَلزمُهُ القصَاصُ وكل عامِدِ شَارك مخطيء فَهلْ يُقتلُ شريكُهُما أم لا؟ عَلى وَجهَينِ، ولا يُقتصُّ في النَّفسِ إلا بالسَيفِ في إحدَى الروَايَتَين (6)، وفي الأُخرى يُفعلُ بهِ كَما فَعلَ (7)، فإنْ مَاتَ وإلا جزّ رقبتهُ بالسَّيف إلا أنْ يكونَ قد قَتلهُ بمحرم كالسحورِ (8) واللواطِ وتجريع الخَمر ونحوهُ، فإنهُ لا يُفعلُ بهِ ذَلِكَ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 162/ب، والمغني 9/ 373.
(2) نقل عبد الله بن أحَمَدَ قال سألت أبي عن حُرٍ وعبدٍ قتلا عبداً؟ فَقَالَ: أما الحر فلا يقتل بالعبد ويكون عَلى الحر نصف قيمة من ماله، والعبد إن شاء سيده أسلمه بجناية وإلا فداه بنصف قيمه العبد المقتول.
انظر: مسائل عبد الله 3/ 1229 - 1230، وانْظُرِ: والروايتين والوجهين 162/ ب، والمقنع: 275، والمغني 9/ 374 - 375، والكافي 4/ 9 - 10، والشرح الكبير 9/ 345.
(3) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 162/ب، والمغني 9/ 379، والشرح الكبير 9/ 346.
(4) انظر: المغني 9/ 380.
(5) زياد ليستقيم بها المعنى.
(6) نقل حرب إذا قتله بخشبه يقتل بالسيف. ونقل أبو طالب عَنهُ إذا خنقه قتل بالسيف، وهو الأصح.
انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 163/أ، وانظر: المغني 9/ 389، والكافي 4/ 42.
(7) نقل ابن منصور إذا قتل رجلاً بعصاً أو خنقه أو شدخ رأسه بحجر يقتل بمثل الذي قتل به.
انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 163/أ، وانظر: المغني 9/ 389، والكافي 4/ 42.
(8) جمع سحر.(1/506)
ويقتلهُ بالسَّيفِ وأولى القِصَاصِ أن يَستوفِيَهُ بنَفسهِ ولهُ أنْ يُوكِّلَ في استِيفَائهِ وقِيل: لَهُ ذَلِكَ في النَّفس دونَ الطَّرفِ، فإنْ تَشَاحَّ أولياءُ المقتولِ فَطلبَ كُلُّ واحِدٍ أنْ يتَولى القِصاصَ أقرعَ بينَهم فَمنْ خَرجَت قُرعتهُ تولى ذَلِكَ، فإنْ وجَبَ عَلَيهِ قصَاصٌ في النَّفسِ لإنسَانٍ وفيمَا دونَ النَّفسِ لآخَرَ بُدِيءَ بالقصَاص فيمَا دونَ النَّفسِ، ثُمَّ اقتَصَّ مِنهُ في النَّفسِ.
بابُ الجنَاياتِ الموجبَةِ للقود في النَّفسِ والجوارِحِ
كُلُّ مَنْ أُقِيدَ بغَيرهِ في النفسِ أُقِيدَ به الطَّرفُ وكُلُّ مَن لا يُقادُ بغيرِهِ في النَّفسِ لا يُقادُ بهِ في الطَّرفِ، وكُلُّ فعلٍ لا يَجِبُ بهِ القِصَاصُ في النَّفسِ لا يَجِبُ بهِ في الطَّرفِ لِشبهِ العَمدِ /360 ظ/ والخطأ وشبهِ الخَطأ، ويجبُ القصَاصُ في إبانةِ الأعضَاءِ، وفي الجراحِ إذا أمكنَ استِيفَاءُ ذَلِكَ من غَيرِ حَيفٍ فَقلعُ العَينِ اليَمينِ بالعَينِ اليُمنى واليُسرى باليُسرَى، ولا يؤخذُ يمينٌ بيسَارٍ، ولا يَسارٌ بيَمينٍ في جَميعِ الأعضَاءِ، ولا تؤخَذُ عَينٌ صَحيحَةٌ بقائمَة، وتؤخذُ القائِمةُ بالصَّحيحَةِ. وإذا أوضَحَهُ (1) فذَهبَ ضوء عينه أو سَمعهُ أو شَجَّهُ، وجبَ القصَاصُ عليهِ في جَميعِ ذَلِكَ إنْ أمكنَ استيفَاؤُهُ ومن غَيرِ أن تذهَبَ الحدقةُ والأذنُ أوِ الأَنفُ نحو أنْ توضِحَهُ، فإنْ ذَهبَ ذَلِكَ وإلا استعمَلَ فيهِ دَواءً أو فعلاً يَذهَبُ بهِ ذَلِكَ، فإنْ لَم يُمكِنْ إلا بالجِنايةِ عَلى هَذهِ الأعضَاءِ انتَقَلَ إلى الدِِيَةِ. ويُؤخَذُ الجِفنُ بالجِفنِ الأعَلى بالأَعلى والأسفَلِ بالأسفَلِ. ويؤخَذُ المارِنُ بالمارِنِ (2) والمنخرُ بالمنخرِ، فإن عَلى بعضه قدر بالأَجزاءِ كالنِّصفِ والربعِ والثُلثِ وما أشبَه وأخذ منَ الآخرِ مثلَهُ. ويؤخَذُ الأَنفُ بالأَنفِ الصَحيحِ، والأخشَمُ بالأخشَمِ، فأَمَّا الأنفُ
الأشَمُّ بالأخشَمِ والصَّحِيحُ بِالمخرومِ أو بالمستحشفِ، فلا يُعرفُ فيه رِوايةٌ فيحتَمِلُ وجهَينِ: أحدُهُما: يُقتَصُ منه (3)، والآخَرُ لا يقتَصُّ (4). ولا يُقتصُّ في الأنفِ إلا مِن حَدِّ المَارِنِ: وَهوَ ما لانَ مِنهُ فإنْ قَطعَ قَصبَةَ أنفهِ فالمجنيُّ علَيهِ بالخيارِ بينَ أَخذِ الدِيةِ للمَارِنِ وحكومةٍ في القصبةِ، وبينَ أنْ يقطَعَ مَارِنَ ويأخذَ رأسَ القَصَبةِ. وتؤخَذُ الأُذنُ الصَّحيحَةُ
__________
(1) قال ابن الأثير: وهي التي تبدي وضح العظم - أي بياضه. وانظر النهاية 5/ 196.
(2) أي الأنف أو طرفه أو ما لان منه منحدراً عن العظم. معجم متن اللغة 5/ 286، والمعجم الوسيط: 865.
(3) لأن فيه نقصاً. انظر: شرح الزركشي 3/ 570، والمغني 9/ 422، والكافي 4/ 244، والمحرر2/ 127.
(4) وهو مقتضى كلام الخرقي، واختيار القاضي.
انظر: شرح الزركشي 3/ 570، والمغني 9/ 422، والكافي 4/ 24، والمحرر 2/ 127.(1/507)
بالصَّحيحَةِ والأَصمُّ بالأصَمِّ والبَعضُ بِالبَعضِ، فأمَّا الصَّحِيحَةُ بالصَّمَّاءِ فعلَى وَجهَين، وتؤخَذُ السِّنُّ بالسِّنِّ، إذا كَانَ مُشَارِكَاً لَهُ في الاسمِ وَالموضِعِ كالثنيةِ بالثنيةِ، والنَّابِ بالنَّابِ والضَّاحِكِ [بالضَّاحِكِ] (1) والضرسِ بالضرسِ الأعلَى بالأعلَى، والأسفلِ بالأسفلِ وبعض السنِّ بالبعضِ يبردُ بقَدرِ المكسورِ، ويؤخَذُ اللسانُ باللسَانِ الصَّحيحُ بالصَّحيحِ والأخرَسُ بالصَّحيحِ، ولا يؤخَذُ الصَّحيحُ بالأَخرَسِ والبَعضُ بالبَعضِ وتُؤخَذُ الشفةُ بالشفةِ العُليا بالعُليا والسُّفلَى بالسّفلَى وتُؤخَذُ /361 و/ اليدُ باليدِ والرجلُ بالرجلِ والأصابعُ بالأصابعِ والأنامِلُ بالأنامِلِ المماثلةِ لها في الاسمِ والموضِعِ، ولا يؤخَذُ خُنصرٌ بإبهَامٍ ولا سَبَّابهٌ بوسطَى ولا أناملُ ولا شناثرةٌ (2) ببراجمَ (3) ويؤخذُ الكَفُّ بالكَفِّ والمرفَقُ بالمرفقِ والمنكبُ بالمنكَبِ إذا لم يخف من خائفةٍ إذا قطَعَ يدهُ مِن نصفِ الذراعِ، فَقالَ أصحَابُنا لا قصَاصَ في ذَلِكَ (4)، وَيحتَمِلُ أنْ يقطعَ يدَهُ مِن الكوعِ (5)، وهَل يؤخَذُ الإرشُ للباقي يحتَمِلُ وجهَينِ (6)، شلاء. وتؤخَذُ الناقِصَةُ والشَّلاءُ بالصَّحِيحَةِ إنْ أرادَ القصاصَ ولا شَيءَ لَهُ عَلى قَولَ أبي بَكرٍ (7)، وقَالَ ابنُ حَامدٍ وشَيخُنا: في الشَّلاءِ لِقَولهِ وفي النَّاقِصَةِ انهُ يأخُذُ مَعَ القصَاصِ دِيَةُ إصبعٍ (8)، وَعندِي أنهُ يأخذُ إرشَ الشللِ مَعَ القصَاصِ عَلى قِياسِ قَولهِ في غَيرِ الأعوَرِ إذا قُلِعت وأرادَ القصَاصَ اقتصَّ مِنْ فردِ عين وأَخذَ نِصفَ دِيَةٍ، ولا يُؤخَذُ الإصَبعُ الأصليَّة بالإصَبعِ الزائدةِ وَلاَ الزائدةُ بالأصليَّةِ، وإذا قَطعَ إصبَعاً فَشلَّتْ إلى جَنبِها أخرى اقتصَّ عَنِ المقطُوعِ وأخَذَ الارشَ للشَّلاءِ فإنْ تآكلَتْ إلى جَنبِها أخرَى وسقَطَتْ مِن مفصَلٍ وَجَبَ القصَاصُ فيهِمَا ذكَرهُ أَبو بَكرٍ (9)، وَكَذلِكَ إنْ قطَعَ بعضَ الكُوعِ فتآكلَتِ اليَدُ وسقَطَتْ وجَبَ القصَاصُ، وإذا قَطعَ جماعةٌ طَرفاً في حَالةٍ واحَدَةٍ فَعلَيهِمْ جمَيعُهمُ القِصاصُ في إحدَى الروَايَتَينِ، وفي الأخرَى: لا قصاصَ
__________
(1) في الأصل (والضاحك).
(2) الإصبع. انظر: لسان العرب 4/ 430.
(3) مفصل الإصبع. انظر: المعجم الوسيط: 47.
(4) اختاره أبو بكر. الكافي 4/ 27، وانظر: المغني 9/ 417 - 418، وشرح الزركشي 3/ 568.
(5) اختاره بعض الأصحاب.
انظر: الكافي 4/ 27، المغني 9/ 417 - 418، وشرح الزركشي 3/ 568.
(6) قال الزركشي اشهرها ليس عليه. انظر: شرح الزركشي 3/ 568.
(7) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 163/ب، والمغني 9/ 454، والمحرر 2/ 127، والشرح الكبير 9/ 454.
(8) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 163/ب، والمغني 9/ 454، والمحرر 2/ 127، والشرح الكبير 9/ 454.
(9) انظر: المغني 9/ 356، والشرح الكبير 9/ 455 - 456.(1/508)
عليهم وتجِبُ عَلَيْهِمْ ديةُ الطرفِ، فإنْ تَفرقَتْ جِناياتُهم فلا قصَاصَ رِوايَةٌ واحِدَةٌ (1)، ويؤخَذُ الذَّكرُ بالذَّكَرِ والأنثيين بالأُنثَيينِ السَّليَمةُ بالسَّليمَةِ والذَّكرُ المختُونُ بالأقلَفِ، ولا يؤخَذُ الصَّحيحُ باِلأَشلِّ، ولا ذكَرُ الفَحلِ بالخَصيِ ولا الذِي ينتشرُ بالعنّين في إحدَى الروَايَتَينِ (2)، وفي الآخرِ يؤخَذانِ (3)، وَأَصلُ الوجهَينِ هل في ذَكَرِ العنّينِ والخصيِّ دِيَةٌ كَامِلةٌ أو حُكومَةٌ عَلى روَايَتَينِ (4)، فأما الَشَعرُ فَقالَ شَيخُنا: لا يجَبُ فيهِ القصَاصُ (5)، وإذا اختَلفَ الجاني والمجني علَيهِ في شَكلِ العضوِ وصحَتهِ، فقالَ أبو بكرٍ: القَولُ قَولُ المجني (6)، /362 ظ/ عَلَيهِ. وقالَ ابنُ حَامِدٍ: القولُ قولُ الجانِي (7).
فَصْلٌ
فأمَّا الجِراحُ فيَجبُ القصَاصُ فِي كُلِّ جَرحٍ، ينتَهِي إلى عَظمٍ، كالموضِحَةِ وجرحِ العَضُدِ والسَّاعدِ والفخِذِ والسَّاقِ والقدَمِ، ويعتبرُ مِقدَارُ الجَرحِ بالمسَاحةِ، حتى إذا أوضَحَ إنسَاناً في بَعضِ رَأسهِ، وكانَ مِقدارُ ذَلِكَ البَعضِ، بمقدَارِ جمَيعِ رأسِ الشَّاج، أوضَحَ في جميعِ رَأسهِ، وإنْ زادَ مِقدارٌ عَلى جمَيعِ رَأسِ الشَّاجِّ أوضحَ جمَيعَ رأسِ الشَّاجِّ وأخذَ إرشَ الزِّيادَةِ عَلى قَولِ ابنِ حَامِدٍ (8)، ولم يؤخَذْ للزيادَةِ إرشٌ عَلى قَولِ أبى بكرٍ (9). وإن هشَمَ رأسَهُ لم يقتصَّ إلا في الموضِحَةِ، وَوجَبَ الإرشُ في الزيادَةِ خمَسٌ مِنَ الإبلِ وكذلكَ إن شَجَّهُ منقلةً (10) أوضحَهُ وأخذَ عَشراً مِنَ الإبلِ وإنْ كانتْ مأمَومةٌ أوضَحَهُ وأخذَ ثمَاِنيةً وَعِشرينَ وثلث مِنَ الإبلِ هذا عَلى قَولِ ابن حَامِدٍ (11)، وعلى قول
__________
(1) انظر: الإنصاف 10/ 29.
(2) انظر: المغني 9/ 425 - 426، والكافي 4/ 30، والمحرر 2/ 127، وشرح الزركشي 3/ 571.
(3) اختارها أبو بَكْرٍ، وهو مقتضى كلام الخرقي. واختار ابن حامد أن يؤخذ ذكر الفحل بذكر العنين خاصة. انظر: المغني 9/ 425 - 426، والكافي 45/ 30، والمحرر 2/ 127، شرح الزركشي 3/ 570.
(4) الرواية الأولى نقلها أبو الحارث وفيه دية كاملة. والثانية نقل حنبل فيه حكومة ولا تختلف الرواية في ذكر الخصي، أن فيه حكومة، نص عليه في رواية ابن منصور. الروايتين والوجهين 166 - 157/ب-أ.
(5) انظر: المغني 9/ 597، وشرح الزركشي 3/ 613.
(6) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 164/أ.
(7) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 164/أ.
(8) انظر: والمغني 9/ 413، والكافي 4/ 21، والشرح الكبير 9/ 463، والإنصاف 10/ 27.
(9) انظر: المغني 9/ 413، والكافي 4/ 21، والشرح الكبير 9/ 463، والإنصاف 10/ 27.
(10) هي التي تنقل العظم أي تكسره حتى يخرج منه قشره. انظر لسان العرب 11/ 674.
(11) انظر: المبدع 8/ 321، والإنصاف 10/ 27.(1/509)
أبي بكرٍ: هُوَ مخيرٌ بينَ الإيضَاحِ ولا شَيءَ له وبينَ أن يأخُذَ ديةَ الجِراحِ كَامِلَةً (1)، ولا تكونُ الموضحةُ إلا في رَأسٍ أو وضحَهٍ وعلى ما ذَكرنَا يعتبرُ في بقيَّةِ الجراحِ الموجَبةِ للقصَاصِ ويَضمنُ الجرح وسَرَايتهِ بالقصَاصِ، ولا يقتصُّ مِنَ الجرحِ والطرفِ حتى تَندمِلَ فإنْ بادرَ المجنيُّ علَيهِ فاقتصَّ قَبلَ الإندمَالِ بَطلَ حَقُّهُ مِن سرائه إن وجدتْ بعدَ الاقتصَاصِ، وإذا اقتَصَّ مِنَ الجاني فسرى إلى نفسِه فهوَ هَدرٌ غيرُ مَضمُونٍ فعلَى هَذا إذا اقتصَّ في طَرفٍ فَسرى إلى نَفسِ الجَانِي ثُمَ إِلىَ نَفسِ المجني عَليهِ أو سَرى إلى نَفسِ المجني عَليهِ ثُمَ إلى نَفسِ الجَانِي وكانَ الاقتِصَاصُ قَبلَ الإندِمَال هُدرتِ السِّرايةُ في حَقَّها. وإذا أقلعَ سِنَّاً فلا قِصاصَ ولا دِيَةَ حتى ييئس عَن عَودِهَا بأنْ يقولَ أهلُ الخبرَةِ: هذهِ لا تَعودُ فإن عَادَتْ بعدَ أنِ اقتصَّ المجنيُّ علَيهِ فعلَى المقِتصِّ دِيَةُ سنِّ الجاِني، فإنْ عادَتْ سِنُّ الجاني أيضَاً لَزِمَهُ ردُّما أخذَ مِنَ الدِيَةِ فإنْ عادَتْ قَصيرةً أو معيبةً لزمهُ الجاني إرش النقصِ فإنْ ماتَ المجنيُّ علَيهِ قبلَ الإِياسِ منَ عود السِنِّ فلا قصَاص لوليهِ، ولَهُ دِيةُ السّن. وإذا وجَبَ /363 و/ لَهُ القصَاصُ في اليمَينِ فَقالَ: اخرج يمينَكَ ليقتصَّ منها فَأخرجَ يسَارَهُ عَمداً فقطِعت لم تجَزِ عمَّا علَيهِ عَلى قولِ ابن حَامِدِ (2)، ويستوفى القصَاصَ مِنْ يمَينهِ بعدَ اندِمالِ اليَسارِ، وقال أبو بَكرٍ تجزي عن ما عَليهِ ويسقُطُ حقُ المقتَصِ (3)، فإن قالَ المخرِجُ: أخرجتُها إليهِ غلَطاً وَدهشَةً أو ظنَّاً إنها تجَزي نظرنَا في المقتصِّ فإنْ كَانَ قَطعَ وهوَ جَاهِلٌ فلا قصاصَ علَيهِ ويلزمُهُ ديةُ اليدِ، وكذلِكَ إن قطَعَ وهوَ عَاِلمٌ إلا أَنَّهُ يعزرُ مَعَ ذَلِكَ وإن اخَتلفَا في العلمِ فالقَولُ قولُ الجَاني، فإنْ تَراضَيا على أَخذِ اليَسارِ لزِمَهُ دِيَةُ اليسَارِ وهل يَسقُطُ قصاصُهُ في اليَمينِ عَلى وجهَينِ (4)، فإنْ كَانَ القصَاصُ عَلى مجَنونٍ فقال لهُ: اخرِجْ يمينَكَ فأخرَجَ يسَارَه فقَطعَها مَعَ علمِهِ بأنَّ ذَلِكَ ليسَ لهُ فَعليهِ القصَاصُ، وإن كَانَ جَاهِلاً بالحُكمِ أو بأنهَّا اليسَارُ فعلَيهِ الدِيَةُ فإنْ كَانَ لَهُ القصَاصُ مجنوناً فقال للعاقلِ: أخرج يمينكَ لأقتصَّ فأخرجَها إليهِ فقطعَها ذَهبَتْ يمينهُ هَدراً فإن وثَبَ المجنُونُ فقَطعَ يمينَهُ قَهراً سقَطَ حَقُّ المجنونِ بذَلِكَ في أحَدِ الوجهَينِ، وفي الآخَرِ: لا يسقُطُ ويكونُ لِلمَجُنونِ دِيَةُ يَدهِ وعلى عَاقِلةِ المجنونِ دِيَةُ الجانِي.
__________
(1) انظر: المبدع 8/ 321، والإنصاف 10/ 27.
(2) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 164/ب، والكافي 4/ 46 - 47، والمحرر 2/ 133، والإنصاف 8/ 312.
(3) انظر: المصادر السابقة.
(4) انظر: الفروع 5/ 505، والكافي 4/ 46، والمحرر2/ 133، والإنصاف 10/ 21.(1/510)
بَابُ العَفْوِ وَالقِصَاصِ
العفوُ عَنِ الجَانِي أفضَلُ مِنَ الاقتصَاصِ، وإذا قَتَلَ مكافئه عَمداً فلوارِثِهِ أنْ يقتَصَّ أو يَعفوَ، فإنْ عفا عَن الدِيةِ وجبت لَهُ الديةُ، وإنْ سَخَطَ الجانِي وإنْ عفَا مُطلَقَاً، وَقلنَا: العمَدُ يُوجِبُ أحدَ شَيئينِ في إحدَى الرُوَايَتَينِ (1)، فَلهُ الديةُ، وإنْ قُلنَا: لا يَجِبُ بهِ إلا القَودُ عَلى الرِوايةِ والأخرى (2) فلا شَيءَ لَهُ، فإنْ عفَا عَلى الدِيَةِ ثُمَّ طلبَ القصَاصَ أو طلبَ القصَاصَ ثُمَ عفا عَلى الدِيَةِ لم يكنْ لَهُ غير الدِيَةِ، فإنْ قَطَعَ شَيئاً منْ أطْرَافِ القَاتِلِ فلا قصَاصَ عليهِ وتَلزَمُهُ دِيَتُهُ سَواءٌ عفَا عَنِ القَاتِلِ أو قَتلهُ، فإنْ مَاتَ القَاتِلُ وَجَبَتِ الدِيَةُ في تَرِكَتِهِ /364 ظ/ فَإنْ كَانَ القصَاصُ لجَمَاعةٍ فعفَا أحدُهم لم يَكنْ للبَاقينَ أنْ يَقتَصُّوا ولهم حَقُّهم منَ الدِيَةِ، وهَل يَجِبُ للعَافي حقُّه مِنَ الدِيَةِ أمْ لا؟ عَلى روَايَتَينِ، فَإنْ قَتَلهُ الباقونَ ولمْ يعلَموا بالعَفوِ فَلا قَودَ عَلَيهِم، وَكَذلكَ إنْ عَلِموا بالعَفوِ إلاَ أنهمْ لمْ يَعلَموا أنَّ القصَاصَ يَسْقُطُ بذلك فأمَّا إنْ علِموا بِذلكَ القصَاص قد سقطَ بالعفوِ ثُمَ قَتَلوا وَجَبَ عَلَيهمُ القَودُ، فإنْ لمْ يُوجَدِ العفوُ فبادرَ أحَدُ الأولياءِ فاقتَصَّ مِنْ غَيرِ إذنِ البَاقِينَ فَلا قودَ عَلَيهِ، وَيَجِبُ للبَاقِينَ حَقُّهمْ مِنَ الدِيَةِ وَمِمنْ يأخذون يحتَمِلُ وَجهَينِ: أَحدُهُمَا: يأخذونَ مِنَ المقتَصِ، والثاني: من تركة الجاني (3)، فإنْ وكلَ في القصاصُ فللوَكِيلِ أنْ يقتصّ مَعَ حضورِ الموكَلِ وغيبتِهِ، فإنْ عفَا الموكِّلُ واقتصَّ الوَكِيلُ قبلَ العِلمِ بالعَفوِ فقَالَ أبو بَكرٍ: لا ضَمَانَ عَلى الوَكِيلِ (4)، وَيَحتَمِلُ أن تكونَ عليهِ الدِيَةُ بنَاءً عَلى الوكالةِ هَلْ تَنْفَسِخُ بغيرِ علمِ الوَكِيلِ؟ عَلى روَايَتَينِ: إحداهمَا: [لاَ] (5) يَنعزلُ فلا يَضمَنُ، وهل يضمَنُ العافي يحتَمِلُ وجهينِ ذكرهما أبو بَكرٍ: أَحدُهُمَا: تلزمُهُ الدِيَةُ، والآخَرُ: لاَ يَلزمهُ شيءٌ (6). والثانيةُ: يَنعزلُ الوَكِيلُ فيلزمهُ هَاهُنَا دِيَةُ الذي اقتَصَّ منهُ قالَ: ويكونُ حَالهُ فِي مَالهِ وَلاَ يَرجِعُ بها عَلى الموَكلِ، وَعندِي أنها تكُونُ عَلى عَاقِلتَهِ، فإنَّ هَذَا أجريَ مَجرى الخطأ كمَنْ رمى صَيداً بِظنِّهِ، فبانَ آدميِّاً. فإن قتل من وارث لَهُ فللإمام الخيارُ بينَ أن يقتصَّ أو يَعفوَ عَلى الدِيَةِ وكلُّ مَن ورِثَ مِنَ المَالِ، وَرِثَ مِنَ القَود حتى الزوجِ والزوجةِ
__________
(1) نقلها الميموني. انظر: الروايتين والوجهين 161 - 162/ب-أ، وانظر: الكافي 4/ 50 - 51، والمحرر2/ 130.
(2) نقلها صالح. انظر: الروايتين والوجهين 162/أ، والكافي 4/ 50 - 51، والمحرر2/ 130.
(3) انظر: المغني 9/ 462.
(4) انظر: المغني 9/ 467، والشرح الكبير 9/ 421 - 422.
(5) في الأصل ((عَلى)).
(6) انظر: المغني 9/ 468، والكافي 4/ 52، والشرح الكبير 9/ 422.(1/511)
وذوِي الأرحَامِ، وإذا وَجبَ القصَاصُ لصبيٍّ أو معتوهٍ حبسَ القاتِلُ حتى يبلغَ الصبيُّ ويفيقَ المعتوهُ فإنْ كَانَ معهُمَا مُستَحقٌ كبيرٌ، فهَل لَهُ الاستيفاءُ قبلَ ذَلِكَ أمْ لا؟ عَلى روَايَتَينِ (1): أصحُّهمَا أنهُ ليسَ لَهُ ذَلِكَ، فإنْ كَانَ للصَّغيرِ والمجنونِ أبٌ فهلْ لَهُ أنْ يَقتَصَّ لهما عَلى روايةِ المنعِ أم عَلى روَايَتَينِ: إحداهُمَا: لَيسَ لَهُ ذَلِكَ سواءٌ كَانَ شريكاً أو لَم يَكُنْ (2)، والثانِيةُ: /365 و/ لَهُ أنْ يقتَصَّ (3)، فإنْ كَانَ الصَّبيُّ والمجنُونُ محتَاجَينِ إلى مَا يُنفَقُ عليهِمَا فهَل لوليِّهما العَفوُ عَلى الدِيَةِ أم لاَ؟ يحتَمِلُ وجهَينِ (4)، فإنْ وثَبَ الصَبيُّ والمجنونُ فَقَتَلا قَاتِلَ أبيهمَا فَدِيَتُهُ عَلى عاقِلَتِهما، ولهما دِيَةُ أبيهِمَا فِي مَالِ الجَاني، ويَحتملُ أنْ يَسقطَ حقُّهُمَا فإنْ قَطعَ يَدَ رَجُلٍ فَعفَا عَنهُ ثُمَ سَرَتِ الجِنَايَةُ إلى نَفسِهِ فَمَاتَ نظرت، فإن كَانَ المجنيُّ عَلَيهِ عفَا عَلى مَالٍ كَانَ لِوَليِّهِ [المطالبةُ] (5) بِكَمَالِ الدِيَةِ، وإنْ كَانَ عَفوُهُ عَلى غَيرِ مَالٍ فظَاهِرُ كَلامِهِ أنْ لاَ شيءَ لِوَلِيهِ (6)، قالَ شَيخُنَا: القِياسُ عندِي أنْ يَرجِعَ الوليُّ بنِصفِ الدِيَةِ (7) لأنَّ المجنيّ علَيهِ إنما عفَا عَن نِصفِها وإنْ عفَا مُطلَقَاً فهَل يَستَحِقُ وَليُهُ الدِيَةَ عَلى وَجهَينِ، بنَاءً عَلى موجِبِ العَمدِ، فإنْ عَادَ الجَاني بعدَ العَفوُ عَنِ القَطعِ فقَتل العَافِي كَانَ لِوَليِّهِ القصَاصُ فِي النَّفسِ أو العَفوُ عَلى نِصفِ الدِيَةِ ذكرَهُ شَيخُنَا، وَعندِي أنَّ لَهُ العفوَ عَلى كمَالِ الدِيَةِ، وإذا وَجَب القصَاصُ عَلى حامِلٍ أو حَائِلٍ فلم يقتصَّ منهَا حتى حبلت لَم يقتصّ منهَا حتى تَضَعَ الحَملَ وَتَسقِيَهُ اللبأَ، ثُمَ إنْ وَجَدَ مَنْ تُرضعُهُ قُتِلَتْ، وإلا تُرِكَتْ حتى تَفطِمَهُ فإنْ ادَّعَتِ الحَملَ احتَمَلَ أنْ يُقبَلَ مِنهَا وَتُحبَسَ حتى يَتَبينَ (8)، واحتَمَلَ أنْ لا يقبلَ إلا بِبَينةٍ (9)، فإنِ اقتُص مِنهَا فَتلفَ الجَنينُ وَجَبَ
__________
(1) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 168/أ، وشرح الزركشي 3/ 557، وانظر: مسائل عبد الله 3/ 1230، ومسائل ابن هانئ 2/ 86، والمغني 9/ 375.
(2) انظر: المغني 9/ 459، والكافي 4/ 35، والمحرر 2/ 131.
(3) انظر: ما تَقَدَّمَ.
(4) أَحدُهُمَا لَهُ ذَلِكَ لحاجته إلى المال لحفظه. قال القاضي هنا أصح. والثاني: لا يجوز، لأنه لا يملك إسقاط قصاصه وأما حاجته فإن نفقته في بيت المال، والصحيح الأول. انظر: المغني 9/ 475، والكافي 4/ 52، والمحرر2/ 131.
(5) في الأصل: ((أن لمطالبه)).
(6) انظر: الكافي4/ 53، والإنصاف 10/ 8.
(7) انظر: المبدع 8/ 294، والإنصاف 10/ 8.
(8) لأن للحمل إمارات خفيه تعلمها من نفسها ولا يعلمها غيرها فوجب أن يحتاط للحمل حتى يتبين انتفاء ما ادعته، ولأنه أمر يختصها فقبل قولها فيه كالحيض.
انظر: المغني 9/ 450، والكافي 4/ 39، والمحرر2/ 132.
(9) هذه الوجه ذكره القاضي: أنها ترى أهل الخبرة فإن شهدن بحملها أخرت، وإن شهدن ببراءتها =(1/512)
ضَمَانُهُ عَلى السُّلطانِ الذي مَكَّنَ مِنْ قَتلِهَا فإنْ رَمَتِ الجنينَ ميتاً ففيه عَشرةٌ في بَيتِ المال، وإنْ رَمَتهُ حَيَّاً فَمَاتَ، وَجَبتْ ديتُهُ عَلى عاقِلَةِ الإمَام في إحدَى الرُوَايَتَينِ (1)، وَفي الأخرَى: هيَ في بَيتِ المَالِ (2)، لأنهُ مِن خَطَأ الإمَامِ. ولا يستوفي القصَاصَ إلا بِحَضرَةِ السُّلطَانِ، وَعَلَيهِ أنْ يَتَفَقدَ الآلةَ التي يستَوفي بَها، فإنْ كَانَ وليُّ القصَاصِ يحسنُ الاستيفاءِ، أمرَهُ بالتوكلِ، فإنْ لم يَجدْ مَنْ يتوكَّلُ بِغَيرِ جُعلٍ استؤجرَ مِنْ مَالِ الجَاني وإنْ قَتلَ وارتدَّ أو قطعَ وسَرقَ أقيدَ للآدمِي وَدَخَلَ فيهِ حَدُّ السَرِقةِ والرَّدةِ وإنْ قَطعَ يدَ رَجُلٍ ثُمَ قتلَهُ قُتلَ ولم يُقطَعْ في إحدَى الرُوَايَتَينِ (3). وفي /366 ظ/ الأخرَى: يُقطَعُ ويُقتَلُ (4)، وَكذلِكَ إن قَطَعَهُ فَمَاتَ يخرجْ عَلى الروَايَتَين في المُماثلَةِ في القصاصُ وَقالَ شَيخُنَا: يُقتلُ ولا يُقطَعُ ولا يوضَحُ روايةٌ واحدةٌ (5)، وإذا قَطعَ إصبعَ رَجُلٍ عَمداً فَقَالَ: عَفَوتُ عَن هَذهِ الجنايةِ، فإنِ اندَمَلَت فَلا قصَاصَ ولا دِيَةَ، وإن سَرتْ إلى الكَفَّ فاختَلفَا فَقَالَ الجاني: عَفَوتُ عَنِ الجنَايَةِ وَعَمَّا يَحدثُ عَنها، وَقَالَ المجنيُّ عَليهِ: إنما عَفوتُ عنهَا، وَلم أَعفُ عَنِ سِرايَتِها أو عَفوتُ عَنِ القَودِ وَلم أَعفُ عَنِ الدِيَةِ، فالقَولُ قَولُ المجني عَلَيهِ مَعَ يمينهِ، وتجَبُ لهُ دِيَةُ الكَفِ إلا إصبع، وكَذلِكَ إن سَرتْ إلى نَفسهِ، تَجِبُ لَهُ الدِيَةُ، وَقالَ شَيخُنَا: لا قودَ فيهَا ولا في سِرايِتهَا ولا دِيةَ (6)، فإنْ جَنى عَبدٌ عَلى حرٍّ جنايةً يتَعلقُ إرشُها بِرقبتِهِ كالموضِحَةِ ونحوها، فأبرأهُ الحرُّ عنهَا لم يَصِحَّ الإبراءُ، لأنهُ إبراءُ مَن لا حَقَّ لَهُ علَيهِ وإنْ ابرأَ سَيَّدهُ صَحَّ الإبراءُ فإنْ قتلَ حرٌّ حُراً خَطأً فإبراءُ المقتُولِ القاتِلَ مِنَ الديةِ لم يصحَّ، لأنهُ إبراءُ مَن لا حقَّ لَهُ علَيهِ، وإن أبرأَ العاقلةَ صَحَّ وَيتَخرَّجُ أنْ لا يصِحَّ الإبراءُ منهُ بحَالٍ عَلى الرِوايَةِ التي تقولُ تجَبُ الدِيَةُ للوَرَثةِ لا للمقتُولِ (7)، وفيهِ بعدٌ فإن كَانَ القَتلُ ثبَتَ باعِترافِهِ فالدِيَةُ في ذِمَّتهِ، وإذا أبدأَهُ أو وصَّى لَهُ بعَقلِ الجَنايةِ فَهِيَ وَصِيةٌ لِقاتِلٍ وهَل تَصِحُّ
__________
= لم تؤخر لأن الحق حال عليها فلا يؤخر بمجرد دعواها. انظر: المغني 9/ 450، والكافي 4/ 39، والمحرر2/ 132.
(1) انظر: الكافي4/ 121، والمحرر 2/ 132.
(2) انظر: المصادر السابقة.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 160/ب، والمغني 9/ 386، وشَرْح الزركشي 3/ 562.
(4) نقلها أيضاً الخرقي ونص عليها الأثرم. انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/أ، وانظر: المغني 9/ 386، والكافي 4/ 33، والمحرر 2/ 133، وشرح الزركشي 3/ 563.
(5) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 160/ب.
(6) انظر: الشرح الكبير 9/ 417.
(7) انظر: المغني 7/ 162، والمحرر 1/ 412، وشرح الزركشي 3/ 53، والإنصاف 7/ 368.(1/513)
عَلى رِوَايَتَينِ (1): إحداهمَا: تَصِحُ وتحُتسبُ مِنَ الثُلُثِ.
بَابُ الجِنايَاتِ الموجِبَةِ للدِيَةِ في النَفسِ
تَجِبُ الديةُ بمَا عدا العَمد مِنَ الجَناياتِ، كالخَطأ وما أجريَ مجرى الخَطَأ، وشَبهِ العَمدِ، فأمَّا العَمدُ فَهل تَجِبُ به الدِيَةُ أم لا؟ عَلى روَايَتَينِ: أصحُّهمَا: أنه يَجِبُ بِالعَمدِ أحدُ شيئينِ، إما القصَاصُ أو الدِيَةُ (2). والثانيةُ: لا يَجِبُ إلا القصَاصُ (3). والخطأُ تارَةً يقعَ في الفِعلِ نحو: إنْ رمى صَيداً أو عرضَاً فيَصيبُ آدِميَّاً، وتَارةً يقعُ في القَصدِ مثل: أنْ يَرميَ شَخصَاً يظنهُ حَربِيَّاً فإذا هوَ مُسلِمٌ.
وما أُجريَ مجَرى الخطَأ مثلُ: النَّائمِ ينقَلِبُ /367 و/ عَلى إنسَانٍ فَيقتلهُ فلا يوصَفُ فِعلُهُ بِعَمدٍ ولا خَطَأ. وكَذلِكَ مَنْ حَفرَ بِئراً أو نَصَبَ سكيناً فَليسَ لَهُ فِعلٌ في القَتلِ لا عَمد ولا خطأ ولكنْ أُجريَ ذَلِكَ في الحكم مجَرى الخَطَأ. [وأما] (4) شِبهُ الخَطَأ فأن تَقصدَ الِجنايَةَ عليه بما لا يقتلُ غَالِباً نحو: إن يَضرِبَهُ بالسَّوطِ أو العصَا الصَّغيرِ أو يَلكمَهُ أو يلقَيهُ في مَاءٍ قليلٍ أو يجرهُ بما لا يقتُلُ في الغالبِ، ومَا أشبَهَ فإنَّ الدِيَة تجبُ في جَميع ذَلِكَ، فَإنْ ألقَاهُ عَلى أفعى أو ألقى الأفعى علَيهِ فَقَتلهُ فعلَيهِ دِيَتهُ، فإنْ غَصبَ حُراً صَغِيراً فأصَابَهُ عندَهُ صَاعقَةٌ أو نَهَشتْهُ حَيّةٌ عندَهُ فَعلى عَاقلَتهِ ديَتهُ فإنْ مَرِضَ عندَهُ فمَاتَ فعلَى وجهَينِ (5)، فإن صَاحَ بِصَبيٍّ أو مَعتوهٍ وَهمُا عَلى سَطحٍ فَسقَطاَ، أو اعتقَلَ عَاقِلاً فصَاحَ بهِ فَسقَطَ وذهَبَ عَقلُهُ فعلَى عاقِلَتهِ الدِيَةُ في جَميع ذَلِكَ، فأنَ أفزعَ إنسَاناً فأحدَثَ بِغَائطٍ أو بَولٍ فعلَيهِ ثُلثُ دِيتهِ، وعنهُ لاضَمانَ علَيهِ فإنْ أدَّبَ الأبُ ولدَهُ أو المعلِّمُ الصَبيَّ، أو الزَّوجُ زَوجَتهُ، أو السُّلطانُ رَعيتَهُ فَأدَّى إلى تَلفهِ فلا ضَمانَ في ذَلِكَ ويتخرَّجُ وجوب الضَّمانِ عَلى ما قَالهُ إذا أرسَلَ السُّلطانُ إلى امرأةٍ ليحضِرَها فاجهضَتْ جَنينهَا ومَاتَتْ فَعلَى عاقِلتَهِ الدِيَةُ فإن سَلَّمَ وَلدَهُ إلى السَّابحِ لِيُعلمَهُ السِّباحَةَ فغَرقَ في يَدهِ فَقالَ شَيخُنَا: لا ضَمانَ ويحتَملُ وجوب الدِيَةِ عَلى عَاقِلتَهِ (6)، وإذا طلبَ إنسَاناً بالسَّيفِ فوقعَ مِن
__________
(1) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 97/أ، والمغني 9/ 540.
(2) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 161/ب، والشرح الكبير 9/ 481.
(3) انظر: الرُوَايَتَين والوجهين 162/أ، والمحرر2/ 135.
(4) في الأصل ((ما)).
(5) أحدهما يضمنه كالعبد الصغير والثاني لا يضمنه لأنه حُر لا تثبت اليد عليه في الغصب أشبه الكبير.
انظر: الشرح الكبير 9/ 491.
(6) انظر: المقنع: 284، والهادي: 219، والشرح الكبير 9/ 502.(1/514)
سَطحٍ أو تردَّى إلى بئرٍ وَجَبتِ الدِيَةُ سواءٌ كَانَ المطلوبُ بَصِيراً أو ضَرِيراً، فإنْ حَفَر بئراً في فَنائهِ أو وضَعَ حَجَراً أو طَرحَ ماء فهَلكَ بهِ إنسَانٌ وَجبتْ دِيتُهُ، فإنْ حفر البئر ووضَعَ آخرَ حَجَراً فعثَر إنسَانٌ بالحجرِ فترَّدى في البئرِ فهَلكَ فديتهُ عَلى واضِعِ الحجَرِ فإن أمرَ إنسَاناً أن ينْزل بِئراً أو يصعَدَ إلى نَخلةٍ فَهلكَ بذَلِكَ، فإنْ كَانَ الآمرُ لَهُ غيرَ السُّلطانِ فلا ضَمانَ عليهِ إنْ كَانَ السُّلطانُ فَهل يلزَمُهُ الضَّمَانُ يحتَمِل وجَهَينِ، فإن وضَعَ جرةً عَلى سَطحهِ /368 ظ/ فَرماهَا الريحُ عَلى إنسَان فقَتلَهُ ولا ضَمانَ علَيهِ، وإذا اصطَدمَا الفارِسَانِ فَماتا فَعلَى عَاقلَتهِ كل واحِدٍ منهُمَا كَمَالُ دِيَةِ الآخَرِ، وإذا ركبَ بِصَبيينِ مَنْ لا وِلايةَ لَهُ علَيهِما دَابتَينِ فاصطَدمَا وماتا فعَلَى الذِي أركَبهمَا دِيتُهمَا.
وإذا (1) نزلَ رجلٌ إلى بئرٍ فَوقَعَ علَيهِ رَجُلٌ ثَاني، ثُمَ وَقعَ علَيهِمَا ثاَلِثٌ فَماتَ الأولُ خَاصَّةً فإنْ تَعمَّدا رَميَ أنفُسِهمَا وَمثل ذَلِكَ يَقتلُ غَالِباً فهُمَا [متعمِّدانِ] (2) لِقَتلهِ فَعلِيهِمَا موُجِبُ العَمدِ، وإنْ كَانَ مثل ذَلِكَ لا يَقتُلُ غاِلباً فهَوَ عَمدٌ خَطَأ وفيهِ الدِيَةُ مُغلَّظةٌ، فَإنْ كَانَ الوقوعُ خَطأً فعلَى عَاقِلَتِهِما الديةُ مخفَفَةٌ، فإنْ مَاتَ الثَّاني فلا شَيءَ عَلى الأولِ، والثاِلثُ هوَ القَاتِلُ، والحُكمُ فيهِ عَلى ما تَقدَّمَ، فإنْ مَاتَ الثَّالثُ فَدمُهُ هَدرٌ فإن مَاتَ الثَّلاثَةُ فَفي الأولِ كَمَال الدِيَةِ عَلى الثَّاني والثَّالِثِ، وفي الثَّانِي كَمَالُ الدِيَة عَلى الثَّالثِ وَدَمُ الثالِثِ هدرٌ، فإن تردَّى رَجُلٌ في زبيةٍ فَجذَبَ ثَانِياً وَجذَبَ الثاني ثَالِثاً والثَالِثُ رَابعَاً وَمَاتُوا كُلُهُم أو قَتلَهم أسَدٌ كَانَ في الزبيةِ فَذهَبَ أحَمَدُ (3) رَحِمَهُ اللهُ إلى قِصَّةِ عليٍ
- عليه السلام - وأنهُ قَضَى للأَولِ بربعِ الدِّيَة، وللثاني بِثُلُثِها، وللثَّالِثِ بنِصفِها، وللرابِعِ بِكمِالِها، وأنها رُفِعتْ إلى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَأجازَ قضَاءهُ وهذا توقِيفٌ يُخالِفُ القِيَاَسَ ومقتضَى القِيَاسِ أن يَجِبُ لكُلِ وَاحِدٍ منهم دِيةَ نفسهِ إلا أنَّ دِيَة الأولِ تَجبُ عَلى الثاني والثَالثَ، لأنهُ ماتَ مِن جَذبهِ وجَذبِ الثاني للثالثِ وجذبِ الثَّالثِ للرابعِ فَسقَط فعلى نَفسِهِ كَما قلنا في المتصادِمينِ، ووجَبَ عَلى الثاني والثالثِ دِيتهُ نِصفَينِ بينَهما بالسَّويَةِ ولا شَيءَ عَلى الرَّابعِ، لأنهُ لم يُوجَدْ منهُ فعِلٌ فَيصِيرُ ذَلِكَ سَبَباً في الإيَجابِ علَيهِ، وَأمَّا ديَةُ [الثاني] (4) فتَجِبُ عَلى الأولِ والثَّالثِ نِصفَينِ، وأما دِيَةُ الثَّالثِ فَتَجِبُ عَلى الثَّاني، وَقِيلَ: بَل عَلى الثَّاني والأولِ نِصفَانِ، وأما دِيَةُ الرابع فَتجِبُ عَلى الثَّالثِ في أحَدِ الوَجهَينِ، وفي الآخرِ تَجِبُ عَلى الأولِ والثانِي والثَّالثِ أثلاثاً وعلَى /369 و/ هَذا وإنْ كَثرُوا يَجرِي الحُكمُ وهَذا
__________
(1) تكررت في الأصل.
(2) في الأصل ((متعدان)).
(3) انظر: المقنع: 284، والهادي: 220، الشرح الكبير 9/ 500 - 501، والكافي 4/ 69.
(4) فِي المخطوط (الثالث). والمثبت هُوَ الموافق للمعنى. انظر: الهادي: 220.(1/515)
هُوَ عَمدٌ خَطأٌ، وسنذكرُ في مالِ مَن يَجِبُ فإن رمَى ثلاثةً بالمنجنيقِ فَقَتلَ الحَجرُ إنسَاناً فَعلَى عَاقلةِ كلِّ واحِدٍ منهُم ثلثُ الدِيَةِ، فإنْ عَادَ الحَجرُ فَقَتلَ أحَدهُم فقالَ شَيخُنَا (1): تَجِبُ عَلى عَاقِلةِ كلِّ واحِدٍ منَ الباقِينَ ثلثُ الدِيَةِ، وَيسقُطُ ثلثُ الدِيَةِ، لأنهُ قَابلَ فِعلَ نَفسهِ، وَقِياسُ المذهَبِ أن يُلغي فِعل المقتولِ وتَجبُ الدِيَةُ إلى عَاقِلَتهِ لباقين نِصفَينِ كَمَا قُلنَا في المتصادِمَينِ وفي مَسأَلةِ الزِبيةِ، فإن عَادَ الحَجَرُ فَقَتلَ الثَّلاثةَ فَعلَى قواتلهِ عَلى عَاقلةِ كُلِّ وَاحدٍ ثُلثُا الدِيَةِ للآخرِين، وعلى قِياسِ المذهَبِ عَلى عَاقِلَةِ كلِّ واحِدٍ كَمَالُ الدِيَة للآخرِينَ.
وإذا جَنَى عَلى نَفسهِ أو على أطرافِهِ جنَايَةً خَطأ فدِيَةُ النَّفسِ عَلى عَاقِلتهِ لوَرثتهِ، ودِيَةُ الطَّرفِ عَلى عاقلتهِ لَهُ نصَّ علَيهِ في روايةِ ابنِ (2) منصورِ وأبي طَالِبِ ونقَل عَنهُ حربٌ مَا يَدُلُ عَلى أنَّ ذَلِكَ غير مَضمونٍ وهوَ القِيَاسُ، وعلى رِوَايةِ ابنِ مَنصورٍ تخَرجُ في الثلاثة إذا رمَوا بالمنجنيق فَعادَ فقتلَ واحِداً منهُم أنْ يكونَ عَلى عَاقلةِ المقتولِ ثلثُ الدِيَةِ وعلى عَاقِلَةِ كلِّ واحدٍ منَ الباقِينَ الثلثُ وكذلِكَ في مَسأَلةِ المصادَمَةِ، وَمَنِ اضطرَّ إلى طَعامِ الغَيرِ وشَرابهِ فَمنعهُ منهُ فَماتَ فعلَيهِ ديتهُ نصَّ عَلَيهِ (3) وعلى هَذَا يتَخرَّجُ في كلِّ مَنْ أمكنه أنْ ينجي إنساناً منَ الهلاكِ، إما من غَرقٍ أو سبعٍ فلم يفعل فإنهُ تلزمه ديته، وإذا [تجارحا] (4) فماتا بعد أن ادعى كل واحد منهما أنه جرحَ الآخر دَفعاً عن نفسه فعلى كل واحدٍ منهما ديةُ الآخرِ ولا تقبل دعواه.
بَابُ الجناياتِ عَلى الأعضَاءِ وَمنَافِعِهَا
إذا جَنى عَلى رَأسِ إنسَانٍ فَأَزالَ شَعرَهُ بحَيثُ لا يَنبُتُ، فَعَليهِ كَمَالُ دِيتِهِ، فَإنْ أَزالَ بعضَهُ وجَبَ فيهِ بِحسَابِ ذَلِكَ، وَيحتَمِلُ أنْ تَجِبَ فيهِ حُكومَةٌ، فَإنْ قَطَعَ أُذنَيهِ فَفِيهمَا دِيتهُ، وفي أَحَدِهمَا نِصفُ /370 ظ/ دِيَتهِ وَفي بَعضِهَا بِحسَابهِ فَإنْ ضَرَبَ أُذنَيهِ فَشُلَتا، فَفِيهَا حُكومَةٌ، فَإنْ قطَعَها قَاطِعٌ بَعدَ الشَللِ وَجبَتِ الدِيَةُ، فَإنْ قَطعَ أذنَيهِ، فَذهَبَ سَمعُهُ فَفِيهِمَا دِيتَانِ، فَإنْ اختَلَفَا في ذَهَابِ السَمعِ صِيحَ بهِ في أَوقَاتِ غَفلَتِهِ، فَإنْ ظَهرَ منهُ إجَابةٌ أو انزِعَاجٌ سَقطَتْ دَعوَاهُ. وَإنْ لَم يظهرْ مِنهُ ذَلِكَ فَالقَولُ قَولُهُ مَعَ يمينهِ، فَإنِ ادَّعَى نُقصَانَ السَّمعِ فَالقَولُ قَولُهُ مَعَ يَمينهِ، وَيَجبُ بقدرِ مَا نقَصَ. وفي ذَهابِ العَقلِ الدِيَةُ،
__________
(1) انظر: المحرر في الفقه 2/ 136، والشرح الكبير 9/ 493.
(2) انظر: الشرح الكبير 9/ 494.
(3) انظر: الهادي: 220، والمحرر في الفقه 2/ 137، والشرح الكبير 9/ 501.
(4) في الأصل: ((تجارحا)).(1/516)
فَإنْ جَنَى عَلَيهِ فَزالَ عَقلُهُ لَم يدخل أرشُ (1) الجِنَايةِ في دِيَةِ العَقلِ في قَولِ شَيخِنَا. وَاحتمَل أَنْ يَدخُلَ، فَإنْ نَقصَ مِن عَقلِهِ مَا يُعرفُ قدرُهُ مِثلُ: أنْ يجنَّ يومَاً، وَيفيقَ يومَاً، أو يُجنَّ يومَاً ويفيقَ يومَينِ، أو يجنَّ يومَينِ، وَيفيقَ يَومَاً وَجَبَ مِنَ الدِيةِ بقسِطِ ذَلِكَ. وإن نَقصَ مَا يُعرفُ قدرهُ فصَارَ مَدهوشَاً فَفيهِ حَكومَةٌ. وفي العَينينِ الدِيَةُ وفي أَحدِهِمَا نِصفُها فَإنْ ضَربَ رأسَهُ فَادَّعى ذهَابَ بَصرِهِ وَشَهدَ لَهُ بذَلِكَ شاهِدانِ مِنْ أهلِ الخِبرَةِ فَعلَيهِ الدِيَةُ وإنْ قالا ذَهبَ ويُرجَى عَودُهُ إلى مُدَّةٍ انتظرَ إليهَا، فَإنْ مَاتَ قَبلَ انقضَائِها وجَبَتِ الدِيَةُ، فَإنْ قالَ الجانِي: عادَ بصَرُهُ قَبلَ وَفاتِهِ وأنكرَ وليُّ المجنِيِّ عَلَيهِ، فالقَولُ قَولُ الوليِّ. فَإنْ نقَصَ الضوءُ وَجبتْ حُكومَةٌ، فَإنِ اختَلفَا في النقصَانِ، فالقَولُ قولُ المجنيِّ عَلَيهِ مَعَ يمينهِ. وفي العَينِ القائِمةِ حُكومَةٌ وعنهُ فِيهَا ثُلثُ دِيتِها (2). وكَذلِكَ الرِوايتَانِ في اليدِ الشَّلاءِ، وَلسَانِ الأَخرسِ، والذكرِ الأَشَلِّ، وذكرِ الخَصيِّ، [والسِنِّ السودَاءِ] (3) والإصبعِ واليدِ الزائدَةِ وشحمَةِ الأُذنِ. وفي عَينِ الأَعوَرِ الدِيةُ كاملَةً نصَّ علَيهِ (4). واختَلفَتِ الرِوايَةُ في قَطعِ يَدِ الأقطَعِ ورِجلِهِ، فَعنهُ: تَجِبُ ديَةٌ، وعَنهُ: نِصفُ الدِيةِ (5) بخلافِ العَينِ فَإنْ قلعَ الأعَورُ إحدَى عَينيِ الصَّحيحِ عَمدَاً فَلا قصَاصَ. وعَلَيهِ دِيَةٌ كامِلَةٌ، ويحتَمِلُ أنْ تُقلَعَ عَينُه ويعطَى /371 و/ نِصفَ الدِيَةِ عَلى مَا قالَهُ في رِوايَة إبراهيم بن هَانئ في رَجلٍ قَتلَ امرأةً يُقتَلُ بها وَيُعطَى وَرثتُهُ نِصفَ الدِيَةِ (6). فَإنْ قَلعَهَا خَطأ فَعلَيهِ نِصفُ الدِيَةِ نَصَّ عَلَيهِ في رِوايةِ ابنِ مَنصورٍ (7)، فَإنْ قَلعَ الأَعوَرُ عَينَي الصَّحيحِ عَمْدَاً فَهوَ بِالخيارِ إنْ شَاءَ قَلعَ عَينَهُ وإنْ شَاءَ تركَهَا، وأخذَ الدِيَةَ كَامِلَةً. وفي الأجفَانِ الأربعةِ الدِيةُ، وفي كُلِّ جفنٍ رُبعُ الدِيةِ. وَكَذلِكَ في الأهدَابِ وفي الحاجِبَينِ إذا لَم تَثبتِ الدِيةُ وفي بَعضِهِ بحسَابهِ فَإنْ ضَربَ المارِنَ فَشلَّ أوِ اعوَجَّ فَفيهِ حُكومَةٌ، فَإنْ قطعَ بَعدَ ذَلِكَ فَفيهِ الدِيةُ، فَإنْ قُطعَ المارنُ
__________
(1) الإرَش: دية الجراحة. انظر: المعجم الوسيط: 13.
(2) نقل الرواية الأولى عبد الله وأبو داود وأبو طالب ونقل الثانية: مهنأ وأبو الحارث. وهكذا الروايتان في كل عضو ذهب نفعه كالسن السوداء والإصبع الشلاء ... انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 167/أ، مسائل عبد الله: 3/ 1236، والكافي: 4/ 116، والمغني: 9/ 636.
(3) في الأصل: ((السود)) وما أثبتناه موافق لما جاء في مسائل عبد الله.
(4) نقلها عَنهُ أبو النضر. وعنه نصف دية. انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين 166/أ، والمغني: 9/ 432.
(5) نقل الأولى: أبو النضر ونقل الثانية ابن منصور وأبو طالب. انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 166/أ.
(6) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 163/أ، والكافي: 4/ 23، والمغني: 9/ 430، والزركشي: 3/ 751 - 572.
(7) انظر: المقنع: 290، والمغني: 9/ 431.(1/517)
وبَعضُ القَصَبةِ فَفِيهِ دِيَةٌ وحكومَةٌ، ويحتَمِلُ أنْ لا تَجِبَ إلا دِيَةٌ. وفي المنخرَينِ ثُلثا الدِيةِ وفي كُلِّ واحِدٍ ثُلثُها، وفي الحاجِزِ بينَهمَا ثُلثُ الدِيَةِ، وقالَ في رِوايَةِ الميمونيِّ: في كُلِّ زوجٍ مِنَ الإنسَانِ الدِيَةُ كَامِلَةً (1). وظاهِرُ هَذا أنَّ في المنخَرينِ الدِيَةَ وفي كلِ واحِدٍ نِصفَها. وفي الشَمِّ الدِيَةُ وإن قطعَ الأنفَ، وذَهبَ الشمُ وجبَ دِيتَان، فَإنِ اختَلفا في ذَهابِ الشَمِّ تُتْبع في حَالةِ الغَفلَةِ بشَمِّ الرَوائِحِ المنتنةِ، فَإنْ عَبسَ بَطلَتْ دَعواهُ وإلا فَالقَولُ قولُهُ مَعَ يمينهِ. وفي الشَّفتَينِ الدِيَةُ وفي احديهما نِصفُ الدِيَةِ، وَعَنهُ في السُّفلَى ثُلُثا الدِيةِ (2)، فَإنْ جَنَى عَليهِمَا فَتقلَصتَا بِحَيثُ لا [تَنطَبِقُ] (3) عَلى [الأسنَانِ] (4)، فَفِيهمَا الدِيَةُ فَإنْ تَقلصَتَا بَعضَ التَقليصِ فَفِيهَا حُكومَةٌ، فَإنْ قطعَ بَعضَ الشَفَةِ فَفِيهَا مِنَ الدِيَةِ بحسَابِ ذَلِكَ. وفي اللسَانِ الناطِقِ الدِيَةُ فَإنْ جَنى عَلَيهِ فَخَرسَ فَعلَيهِ الدِيَةُ، وإنْ ذهَبَ بَعضُ الكَلامِ وجَبَ بِقسطِهِ، يقسمُ عَلى الحُروفِ الثَمانيِةِ [والعشرين] (5) مثل أنْ يقولَ في أحمدَ أمَدَ، فإنهُ تَجبُ دِيةُ الحاءِ، ويحتَمِلُ أن يقسم عَلى الحُروفِ التي لِلسَانِ فيهَا عَمَلٌ دونَ الشَفَويةِ كَالباءِ، والفَاءِ، والمِيمِ وَنحوِهَا فَإنْ حَصَلَ /372 ظ/ بهِ تَمتَمةٌ أو لَثغةٌ أو عَجَلةٌ، وَجَبتْ حُكومَةٌ. فَإنْ قَطعَ بعضَ اللسانِ فأذهَبَ بعضَ الكَلامِ، فالإعتِبَارُ بالأكثَرِ حَتى إنْ قَطعَ ثُلثَ اللسَانِ فذَهبَ نِصفُ الكَلامِ، أو قطعَ نِصفَ اللسانِ فذَهبَ ثُلُثُ الكَلامِ، فَعلَيهِ نِصفُ الدِيَةِ في الموضِعَينِ، فَإنْ قَطَعَ ربعَ لسَانهِ فذَهبَ نِصفُ كَلامهِ فأخذَ نِصفَ الدِيةِ، فجَاءَ آخرُ فقطَعَ اللسَانَ فَعلَيهِ نِصْفُ الدِيةِ وحكومَةٌ، لأنَّ رُبعَهُ صَارَ أشَلاً بالقَطعِ الأولِ، فَإنْ قطعَ لسَانهُ ثُمَ عادَ فَنبتَ - إنْ تُصورَ ذَلِكَ - سَقطَتِ الدِيةُ وَكَذلِكَ إن قَلعَ سِنَّهُ ثُمَ عادَ، أو ذَهبَ ضَوءُ عَينيهِ أو سَمعهُ أو ذوقهُ ثُمَ عَادَ سَقطَتِ الدِيةُ، فَإنْ قَطعَ لِسانَ الطفلِ الذِي يحرِكُهُ بالبكَاءِ فَفِيهِ الدِيَةُ، فَإنْ قطَعَ لسانَ الأخرَسِ فَعلَى وجهَينِ:
أَحدُهُمَا: فيهِ حُكومَةٌ، والثَّاني: ثُلثُ الدِيَةِ. وفي ذهَابِ الذَّوقِ الدِيَةُ فَإنِ اختلَفَا، أطعِمُ الأَشياءَ الحامِضَةَ والمرَّةَ فَإنْ عَبسَ عَلِمنا أنهُ لَم يَذهبْ. فَإنْ ضَربَهُ فَأَذهبَ مَنفعَةَ المَضغِ والأَكلِ فَفيهِ الدِيَةُ. وفي كُلِّ سِنٍّ خَمسٌ مِنَ الإبلِ إذا كَانَ كَامِلاً، سَواءٌ قَطعَهُ مِنْ
__________
(1) انظر: المقنع: 287، والهادي: 222، والمغني: 9/ 600، والمحرر: 2/ 138.
(2) نقل الميموني فيها نصف الدية وهوقول أبي بكر وعلي وابن مسعود، ونقل حنبل أن فيها ثلثي الدية0. ... وانظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 165 /ب، والهادي: 221، والكافي: 4/ 102، والمغني: 9/ 603.
(3) في الأصل ((تنطق)).
(4) في الأصل ((الإنسان)).
(5) في الأصل: ((وعشرين)) بدون تعريف.(1/518)
شَجَّةٍ أو كَسرِ مَا ظَهرَ فِيهِ. وفي كُلِّ شَجَّةٍ مِنهُ حُكومَةٌ وفي بَعضِهِ بقسطِهِ، فَإنْ ضَربَها فاسودَّتْ فَفِيهَا دِيتُها، وَعَنهُ ثُلثُ دِيَتِها (1)، وقالَ أبو بَكرٍ: فِيهَا حُكومَةٌ فَإنْ
تَغيَّرتْ، أو تَحركتْ وَجَبتْ حُكومةٌ، فَإنْ جَنَى عَلى سِنّهِ اثنانِ واختَلفَا، فَالقَولُ قَولُ المجني عَلَيهِ في مِقدَارِ ما أتلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا. فَإنْ قلعَ سِنَّ كَبيرٍ فَضمِنَ ثُمَ نَبتَ، فإنَّهُ يردُ ما أخَذَ. ذَكرهُ أبو بكرٍ. وَظاهِرُ كَلامِ أحَمَدَ -رَحِمَهُ [الله] (2) - أنهُ يُردُ مَا أخَذَ ويكونُ عَلَيهِ حُكومَةٌ لِقَلعِ الأولِ. فَإنْ قلعَ سِنَّ صَغيرٍ لَم يتَغير انتَظرهَا، فَإنْ أيسَ مِنهَا فَعلَيهِ دِيتُها كَما لو قَطعَ لِسَانهُ، وقَالَ شَيخُنَا: فِيهَا حُكومةٌ وَأَخَذَ (3) بروايةِ ابنِ مَنصورٍ في سِنِّ الصَبيِّ حُكومَةٌ وهذا مَحمولٌ عَلَيهِ إذا نَبتَ تَجِبُ حُكومَةٌ لأَجلِ الأولةِ وقالَ في رِوايةِ جَعفرٍ بنِ مُحَمَدٍ: إذا قلَعَ سِنهُ فَردَّهُ، فَالتَحَم ترد الدِيةُ وَيكونُ لهُ إرشُ /373 و/ الجراحِ (4). وَكذلِكَ قَالَ: إذا قَطعَ لسَانَهُ فأخَذَ إرشَهُ ثُمَ نَبتَ صَحِيحَاً يردُ إرشَهُ [ثُمَ نبتَ صَحيحَاً يرد إرشهُ] (5)، وَيكونُ لَهُ حكومَةُ قَطعهِ فَهذَا مثلهُ، فَإنْ قَلعَ أَسنَانَهُ دفَعةً واحِدَةً وَهِيَ اثنانِ وثلاثونَ، فَعلَيهِ مِئةٌ وسِتونَ بَعيرَاً، ويحتَمِلُ أن تَجِب مئةُ بَعيرٍ. وفي [اللحيين] (6) الدِيَةُ وفي أَحدِهِمَا نِصفُ الدِيَةِ إذا قَلعَ ممنْ لا سِنَّ لهُ كالطِّفلِ أو الشَّيخِ، فَإنْ قُلِعَتْ وَعلَيهَا الأَسنَانُ وَجَبتْ دِيتُها ودِيَةُ الأَسنَانُ، وفي حَلقِ اللِّحيةِ إذا لَم تَنبَت كَمالُ الدِيَةِ، وفي بَعضِها بحسَابِ ذَلِكَ، فَإنْ أبقى مِنها ما لا جَمالَ في بقَائهِ بحَالٍ، فَهلْ يَلزمُهُ كَمَالُ الديةِ أو بالحسابِ؟ عَلى وَجهَين (7). وفي الصَّغيرِكَمالُ الدِيةِ. وَهوَ أنْ يَضرِبُهُ فَيصيرَ وجهُهُ في جَانبٍ. فَإنْ ضرَبَهُ فَاسوَدَّ [وَجهُهُ] (8) بِحَيثُ لا يُزالُ السَّوادُ فعلَيهِ كَمالُ الدِيَةِ. وفي اليدَينِ الدِيَةُ، وَفي أَحدِهِمَا نِصفُ الدِيَةِ فَإنْ ضَربَهُ فَشلتَا وَجَبَ كَمالُ الدِيَةِ. وفي كُلِّ أصبَعٍ عَشرٌ مِنَ الإبلِ، وفي كُلِّ أنملَةٍ ثُلثُ دِيَةِ الإصبَعِ إلا الإبهامَ فإنهُ تَجِبُ فيهِ نِصفُ دِيَةِ الإصبَعِ وفي كُلِّ ظفرٍ خُمسُ دِيَةِ الإصبَعِ، وَكَذلِكَ إذا اسوَدَّ فَإنْ
نَبتَ عَلى صِفَتهِ،
__________
(1) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 165/ب.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) انظر: المقنع: 289.
(4) انظر: الهادي: 222، والكافي: 4/ 108، والمغني: 8/ 617.
(5) تكرار في الأصل.
(6) في الأصل: ((اللحين)).
(7) الوجه الأول: يؤخذ بالقسط كما لو بقي من إذنه يسيراً. الثاني: تجب الدية بكمالها لأنه أذهب المقصود منها. ويشمل هذا غيرها من الشعور. انظر: المقنع: 290، والكافي: 4/ 117، والمغني: 9/ 589.
(8) في الأصل: ((وجهها)).(1/519)
رد ارشَهُ عَلى قِياسِ قَولهِ وفي السِّنِّ. ورويَ عَنهُ يلزمُهُ [خمسةُ] (1) دَنانيرَ (2). وإن نَبتَ أسوَد يَلزمُهُ عَشرَةُ دَنانِيرَ نَصَّ عَلَيهِ. وفي الكَفِّ الذي لا أصَابعَ عَلَيهِ حُكومَةٌ، وَعنهُ ثلثُ الدِيةِ وَكذلِكَ في الذرَاعِ وَحدَهُ أو العضُدِ. فَإنْ قَطعَ كَفَّاً عَلَيهِ بعضُ الأصَابِعِ دَخلَ ارشَ ما حَاذى الأصابعَ في دِيَةِ الأصَابعِ [ووجَبَ] (3) في الباقِي حُكومَةٌ، فَإنْ قَطعَ اليدَ مِنَ المرفَقِ أو العضُدِ فظاهرُ كلامِ أحَمَدَ-رَحِمَهُ اللهُ- أنهُ يلزمُهُ دِيةَ اليَدِ (4). وقَالَ شَيخُنَا: يلزمُهُ في اليَدِ إلى حدِ الكَوعِ ديتُها، وَيلزمُهُ فيما زادَ حكومَةٌ. وفي الرجْلَينِ الدِيَةُ وفي أحَدَيهمَا نِصفُها، وفي كُلِّ إصبَعٍ عَشرةٌ مِنَ الإبلِ، وفي شَلَلِهَا وقَطعِهَا دونَ الأَصَابعِ وقَطعِ جُزءٍ منَ السَّاق معَها عَلى مَا ذَكرناَ في اليدَينِ وفي الأليتَينِ الدِيَةِ وفي أحدَيهمَا نِصفُها. وَإذا كسَرَ صُلبَهُ فَعجِزَ عَنِ المشيِ فَعلَيهِ الدِيَةُ /374 ظ/، وإنْ نَقصَ مَشيُهُ، أو انحنَى فَعلَيهِ حُكومَةٌ، وإنْ أذهَبَ بِكَسرهِ مَنفعَةَ الوَطءِ فعليهِ الدِيةُ، وإنِ أختَلفَا فالقَولُ قَولُ المجنيِّ عَلَيهِ، وقَد قَالَ أحَمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- في الحَدبِ [الديةُ] (5) وظاهرُهُ أنهُ إذا كَسَرَ صُلبَهُ، فَانحنى لزِمَهُ الديَةُ، فَإنْ أبطلَ بذَلِكَ مَنفَعةَ المَشيِ والوَطءِ لزِمَهُ ديتَانِ في إحدى الرِّوايَتَيْنِ، وفي الأخرى تلزمهُ ديةٌ واحِدَةٌ (6). وفي حَلَمَةِ الثَديَينِ الدِّيَةُ، سَواءٌ كانتْ مِنَ الرَّجُلِ [أوِ المرأَةِ] (7) وفي أحدَيهمَا نِصْفُها. وفي الثَديينِ بغيرِ حَلَمَتَينِ حُكومَةٌ. وفي شَلَلِها ما في قَطعِهمَا، وإنْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَذَهَبَ لَبَنُهُما فعليهِ حُكومَةٌ. وفي حَشفَةِ الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وفي جَميعِهِ ما في الحَشَفَةِ، وفي قَطْعِهِ بلا حَشَفةٍ حُكومَةٌ أو ثُلثُ الدِّيةِ، وفي قَطْعِ بَعْضِهِ بقِسْطِهِ، فَإنْ جَنَى عَلَيهِ فشلَّ لَزِمَهُ الدِّيةُ. وفي الخِصْيَتَينِ وفي أحَدَيهمَا نِصفُها، فَإنْ قَطَعَ الخِصْيَتَيْنِ، والذَّكَرَ مَعَاً أوِ الذَّكَرَ ثُمَّ الخصيتين لزمهُ ديتانِ، فَإنْ قطع الخصيتين ثُمَ الذكر وجب ديةُ الخصيتين، وهل في الذكر ديةٌ أم لا؟ عَلى روَايَتَينِ: إحْدَاهُمَا: دِيَةٌ، والأخرى: حُكومَةٌ أَو ثلثُ الدِّيَةِ عَلى اختِلافِ الرِّوايَتَيْنِ (8). وفي ذَكَرِ العِنِّينِ الدِّيَةُ، وعَنْهُ فيهِ حُكومَةٌ (9).
__________
(1) في الأصل: ((خمس)).
(2) قال ابن قدامة: وهذا إنما يصار إليه بالتوقيف وما لا توقيف فيه من سائر الجروح فيه الحكومة.
انظر: المقنع: 289، والشرح الكبير 9/ 565.
(3) في الأصل: ((وجب)).
(4) وهي نص رواية أبي طالب. انظر: المقنع 287، الهادي 222، الشرح الكبير 9/ 570 - 571.
(5) غير موجود في الأصل وزيدت ليستقيم المعنى.
(6) الديتان رواية عبد الله عن أبيه. انظر: المغني 9/ 626، الكافي 4/ 115.
(7) كلمة غير مقروءة ولعل المثبت هو الصواب
(8) انظر: الهادي: 223، المقنع: 288، الشرح الكبير 9/ 590، الزركشي 3/ 617 - 618.
(9) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين 166/أ، والكافي 4/ 112، والزركشي 3/ 617.(1/520)
وفي أسكِتَي (1) المرأةِ ديتُها وفي أَحَدَيهِما نِصفُها، وإذا أفْضَى امرأةً بالوَطءِ - والإفضَاءُ أَنْ يجعَلَ مَخْرَجَ البَوْلِ والولَدِ وَاحِداً ـ فإنْ كانَتْ زَوْجَتُهُ ومِثْلُهَا يُوطَأُ فلا شَيءَ عَلَيهِ، وإنْ كَانَ مثلُهَا لا يوطَأُ نَظَرْنَا فَإنْ [كَانَ] (2) البَوْلُ يَسْتَمسِكُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وإنْ كَانَ لا يَسْتَمسِكُ فعلَيهِ كَمالُ دِيتِها. وإنْ كانَتِ المرأَةُ أجْنَبيَةً مُطَاوِعَةً فَوطئَها فلا ضَمانَ عَلَيهِ، وإن وطِئَها بشُبهةٍ أو أكرهَهَا فَحكمُها في الضَّمانِ حُكمُ من لا تُوطَأُ مثلُها، وَيزيدُ عَلى ذَلِكَ بأنْ يَجِبَ عَلَيهِ مَعَ الدِّيةِ إرشُ البَكَارةِ. وإذا كَدَمَ يَدَ رَجلٍ فانتزَعَهَا مِنْ فَمِهِ فسقطَتْ أسنَانُه فلا ضَمانَ عَلَيهِ. وإذا اطَّلعَ في بَيتِ إنسَانٍ بحيثُ يَنظرُ عَورَتَهُ أو حُرمتهُ فلهُ أنْ يَرميَ عَينَهُ، فَإنْ /375و/ فَقَأَهَا فلا ضَمانَ عَلَيهِ.
بَابُ ارشِ الشَجَاجِ وَكَسرِ العِظَامِ
الشجاجُ (3) في الرَأْسِ عَشرةٌ: الخارِصَةُ: وهي التي تَشُقُّ الجِلدَ ولا تُدميهِ، والدَّامِيةُ: وَهيَ التي تُدمِي، والباضِعَةُ: وهي مَا تَقطعُ اللحمَ، والملاحِمةُ: وهي مَا تَنزلُ في اللحمِ، والسِّمْحَاقُ: وهي ما يَبْقَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَظْمِ الرأسِ (4) جِلْدَةٌ رَقيقةٌ، فهذهِ خَمْسَةٌ تَجِبُ فيها حُكومَةٌ في أَصَحِّ الرِّوايَتَيْنِ (5)، وَنَقَلَ عَنهُ أَبُو طَالبٍ أنهُ قالَ: قَدْ حَكَمَ زَيْدٌ في الدَّاميَةِ بِبَعيرٍ، وفي البَاضِعَةِ بِبَعيرينِ، وفي المُتلاحِمَةِ بثَلاثةِ أَبعِرَةٍ، وفي السمحَاقِ بأَربعَةِ أبعرَةٍ (6) فأذهبُ إليه وعلى كلا الرِّوايَتَيْنِ لا يبلغُ بإرشِ هَذهِ الشجَاجِ إرشِ الموضِحَةِ، فأمّا الخمسَةُ التي فِيهَا مقدرٌ روايةٌ واحدةٌ (7)، فالموضِحَةُ وَهِيَ التي تُوضِحُ العَظمَ ولا فَرقَ بين كونها في رَأس أو وَجهِهِ وفيهَا خَمْسٌ مِنَ الإبلِ، وَعَنْهُ إن كَانَ في الوَجهِ فَفِيهَا عَشْرٌ مِنَ الإبل (8)، وإنْ عَمَّتِ الرَّأسَ وَنَزَلتْ إلى الوَجهِ فَهلْ هِيَ مُوضِحَةٌ أَو
__________
(1) الاسكتان: شُفرا الرحم أو جنباه مما يلي شُفريه أو جانبا الفرج واحدهما أسكة وتفتح الهمزة. وجمعها إِسَك وأَسْك وإِسك. متن اللغة 1/ 176 مادة (أَسك).
(2) كلمة غير موجودة وزيدت ليستقيم الكلام.
(3) شجا: شق جلد رأسه أو وجهه. انظر: المعجم الوسيط (ص473).
(4) في الأصل (الراين).
(5) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين (165/ب)، والمغني 9/ 657 - 658، والكافي 4/ 88، والمحرر 2/ 142، وشرح الزركشي 3/ 627.
(6) وهي اختيار أبي بكر الرِّوايَتَيْنِ والوجهين (165/أ-ب) وانظر: المغني 9/ 657 - 658، والكافي 4/ 88، والمحرر 2/ 142، وشرح الزركشي 3/ 627 - 628.
(7) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين (165/ب)، والكافي 4/ 89.
(8) نقلها حنبل. واختارها الشيرازي، انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين (165/ب)، والمغني 9/ 641، والكافي 4/ 89، والمحرر2/ 142، وشرح الزركشي 3/ 622.(1/521)
موضِحتَانِ؟ عَلى الوجهَين (1)، فَإنْ أَوضَحَهُ موضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَائلٌ فَعَلَيهِ عَشرٌ مِنَ الإبلَ، فَإنْ خَرَقَ بينَهُمَا أَو ذَهَبَ مَا بَيْنَهُمَا بالسِّرَايَةِ فَهيَ موضِحَةٌ واحِدَةٌ، فَإنْ خَرَقَ المجَنيُّ عَلَيهِ مَا بَيْنَهُمَا أَو خَرَقَهُ أَجنبيٌ فَهُنَّ ثلاثُ مَواضِحَ، فَإنْ اختَلفَا فقالَ الجَاني: أَنا خَرقتُها، وقالَ المَجنيُّ عليهِ: بَلْ أَنا، فالقَولُ قَولُ المجني عَلَيهِ فَإنْ خَرقَ ما بينَهمَا في البَاطِنِ فَهل هِيَ موضِحَةٌ أَو موضِحَتَانِ؟ عَلى الوَجهَينِ (2). فَإنْ شَجَّ جَميعَ رَأسِهِ سمحاقاً إلا موضعاً منهُ فإنهُ أوضَحَهُ فَعلَيهِ إرشُ موضِحَةٍ. والثانيةُ الهاشِمةُ: وَهيَ التي تَرضخُ العظمَ وتَهْشِمُهُ فَفِيهَا عشرةٌ مِنَ الإبل فَإنْ كانَتْ عَمدَاً فَهوَ مُخَيِّرٌ بينَ أَنْ يُوضِحَهُ وَيَأْخذَ خَمسَاً مِنَ الإبلِ أَو يعفوَ عَنِ القصَاصِ ويأخذَ عَشراً. وقال أبو بَكرٍ: لا يجتَمِعُ القِصَاصُ وإرشٌ وَلَهُ أنْ يَقْتَصَّ مِنَ الموضِحَةِ أو يأخذَ عَشرةً (3)، فإنْ ضَرَبَهُ بِمثقَلٍ فَهَشَمَ العَظمَ ولم يوضِحَهُ فَعلَيهِ حُكومَةٌ. وَقيلَ: يَلزمُهُ خُمْسُ الإبلِ.
وَالثالثةُ /376ظ/ المنقِلةُ: وهي ما لا يَبرأُ إلا بنَقلِ عَظمٍ مِنهَا فَيجبُ فيها خَمس [عشرةَ] (4) منَ الإبلِ.
والرَّابِعةُ المأمومَةُ: وَهيَ التي تَصِلُ إلى جِلدٍ رَقيقٍ فيه الدَّمَاغُ وَيسمَّى أمَّ الدَّماغِ؛ لأنَّها تَجمعُهُ وتحوطُهُ وفيها ثُلثُ الدِّيَةِ.
والخامِسَةُ الدَّامِغَةُ: وَهيَ التي تَخرِقُ أمَّ الدَّمَاغِ فَفِيهَا مَا في المَأمومَةِ، وفي الجَائِفَةِ ثُلثُ الدِّيَةِ وهي الجَرحُ الذي يَصِلُ إلى بَاطِن الجَوفِ مِنْ ظَهرٍ أو بَطنٍ أو صَدرٍ أو حَلقٍ، فَإنْ طَعَنَهُ في بَطْنِهِ فَنَفَذَتِ الطَّعْنَةُ مِنْ ظَهرِهِ (5). فَهَلْ هُمَا جَائِفَةٌ أو جَائِفَتَانِ؟ عَلى وجهين (6) فإن طعنهُ في خَدِّهِ فَوَصَلَتِ الطَّعنةُ إلى فَمِهِ فَفِيهِ حُكومَةٌ، وَيَحتَمِلُ أَنْ تكونَ جَائِفَةً، فَإنْ جَرحَهُ في وَركِهِ ثُمَّ مَدَّ السِّكينَ إلى جوفهِ، فَعلَيهِ ثُلثُ الدِّيَةِ للجَائفَةِ، وَحكومَةٌ في جَرحِ الوَركِ كَمَا لو أَوضَحَهُ في رَأَسِهِ وَمدَّ السِّكينَ إلى قفاهُ وجب إرشُ
__________
(1) أَحدُهُمَا: أنها موضحة واحدة، لأن الوجه والرأس سواء في الموضحة فصار العضو الواحد. ... والثاني: هما موضحتان لأنه أوضحه في عضوين فكان لكل واحد مِنهُمَا حكم نفسه كما لو أوضحه في رأسه ونزل إلى القفا. المغني 9/ 642 - 643، وانظر: الكافي 4/ 89 - 90، والمحرر2/ 142.
(2) أَحدُهُمَا: يلزمه أرش موضحتين لا نفصالها في الظاهر. والثاني: أرش موضحه لاتصالهما. المغني 9/ 643 - 644، وانظر الكافي 4/ 90، والمحرر 2/ 43.
(3) انظر: الهادي: 215، والكافي 4/ 90.
(4) في الأصل ((عشر)).
(5) في الأصل ((طره)).
(6) قال الخرقي هما جائفتان. شرح الزركشي 3/ 624، وانظر: المغني 9/ 650، والمحرر 2/ 143.(1/522)
الموضِحةِ وحكومَةٌ، فَإنْ أَجَافَهُ ثُمَّ جاء آخرُ فأوسَعَ الجُرحَ فهما جائِفَتانِ فإن أوسَعَ ظاهرَهُ دونَ باطِنهِ أو باطِنَهُ دونَ ظاهِرِهِ فَعلَيهِ حكومَةٌ، فَإنْ خيطَتِ الجَائِفَةُ فالتَحَمَتْ فجَاءَ آخرُ فَفَتَقَها فَعَلَيهِ ثُلثُ الدِّيةِ. وَيَجِبُ في كَسرِ الضلعِ بَعِيْرٌ، وفي التِّرقُوَةِ بَعيرٌ، وفي الترقوَتَيِنِ بعيرانِ، وفي كُلِّ واحِدٍ مِنَ الذِّراعِ والسَّاعدِ والزَّندِ والعَضُدِ والفَخذِ والسَّاقِ بعيرانِ، وما عَدا ما ذكرنا مِنَ الجِراحِ والشّجاجِ وكسرِ العظَامِ مثلُ: خرزةِ (1) الصُلبِ (2) والعصعص فلا مِقدارَ فيهِ بَل فيهِ حُكومَةٌ أنْ يُقَوَّمَ الحُرُّ كأنهُ عبدٌ لا جِناية [به] (3) ثُمَّ يُقَوَّمَ وبهِ الجنايةُ المبدلةُ فمَا نقَصَ مِنْ قيمتهِ سَليماً وَجَبَ من ديتهِ بقسطِ ذَلِكَ، فَإنْ كانَتِ الجنَايةُ مما لا ينقصُ بها شَيءٌ بعدَ الاندِمَالِ قُوِّمَ حالُ الجنايةِ، فَإنْ كانتِ الجنايةُ مما تَزيدهُ حُسناً وتَزيدُهُ في قيمتهِ كَمَنْ حَلَقَ لحيةَ امرأةٍ قَوَّمنَا لو كَانَ عَبداً كَبيراً لَهُ لحيةٌ، ثُمَّ إذا ذَهَبتْ لحيتهُ فَأَشَانَهُ فمَا نَقَصَ أَلزمنَاهُ بقسطِ ذَلِكَ منْ دِيةِ المرأةِ وفيهِ نظرٌ.
بَابُ مقاديرِ الدياتِ
/377و/ ديةُ الحرِّ المسلِمِ مِئةٌ مِنَ الإبلِ أو ألفُ دينَارٍ من الذَّهَب، أو اثنا (4) عَشَرَ ألفَ دِرهَمٍ مِنَ الوَرِقِ أو مئتا (5) بَقَرَةٍ، أو ألفا شَاةٍ أو مِئَتَا حُلَّةٍ (6) فهذهِ السِّتَةُ (7) كُلُّها أصولٌ فأيَّ شَيءٍ أحضَرهُ الجاني أوِ العاقِلَةُ مِنْهَا لَزِمَ وليُّ المقتُولِ قبولُهُ في أَصَحِّ الرِّوايَتَيْنِ، وفي الأُخرَى: الأَصلُ الإبلُ (8)، وَهَذِهِ أبدالٌ مقدرةٌ بالشَّرعِ، فَإنْ قَدَرَ عَلى إبلٍ قيمَةُ كلِّ وَاحِدٍ منهَا عَشرَةُ دَنانيرَ أو مِئَةٌ وعِشْرونَ دِرهَمَاً، لَزِمَهُ دَفْعُهَا وإلا جَازَ لَهُ الانتقَالُ إلى الأبدالِ ثُمَّ ينظرُ في القَتلِ، فَإنْ كَانَ عَمداً أو شِبهَ عَمْدٍ وَجَبَتِ الدِّيةُ ... أرباعاً: خمسٌ (9)
__________
(1) في الأصل ((جرزه)).
(2) أي الفقرات. انظر: المعجم الوسيط (226).
(3) ما بين المعكوفتين زيادة منا ليستقيم الكلام
(4) في الأصل (اثنى).
(5) في الأصل (مائتي).
(6) قال القاضي: لا يختلف المذهب في أن هذه الأنواع أصول في الدية إلا الحُلل فَإنْ فيها روَايَتَينِ.
انظر: المغني: 9/ 481، والكافي: 4/ 75، وشرح الزركشي: 3/ 485، والإنصاف: 10/ 58.
(7) نقل عن الإمام أحَمَدَ -رَحِمَهُ الله- رواية ثانية أنها خمسة.
انظر: المغني 9/ 482، شرح الزركشي 3/ 585.
(8) وهذا ظاهر كلام الخرقي. قال ابن قدامة: ((وذكر أصحابنا أن ظاهر مذهب أحَمَدَ أن تؤخذ منهُ قيمة كل بعير منها مئة وعشرون درهماً، فَإنْ لم يقدر عَلى ذَلِكَ أدى اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار ... )) المغني 9/ 484، وانظر: الكافي 4/ 74 - 75.
(9) في الأصل: ((خمسة)) وما أثبتناه هو الصواب إن شاء الله تعالى.(1/523)
وعشرونَ بناتِ مخاضٍ، وخمسٌ (1) وعشرونَ بناتِ لبونٍ، وخمسٌ وعشرون حُقَّةً، وخمسٌ (2) وعشرون جَذعَةً إحدى الرِّوايَتَيْنِ (3)، وفي الأخرى: يَجبُ ثلاثونَ حُقةً، وثلاثونَ جَذعَةً وأربعونَ خَلفَةً (4) في بُطُونِهَا أَولادُها (5)، وإن كَانَ القتلُ خَطأً وَجَبَتِ الدِّيَةُ أخْمَاسَاً عشرونَ بنَ مخَاضٍ، وعشرونَ بنتَ مخاضٍ، وعشرونَ بنتَ لبونٍ، وعشرونَ حقَّةً، وعشرونَ جذَعةً. وأمَّا البقرُ والغَنَمُ فتؤخذُ السِّنُ المأخوذُ في الزَّكاةِ، ويَكونُ نِصفُها مُسِنَّاً ونِصفُها أتبعه في البقَرِ. وفي الغنمِ نِصفُها ثنايا وَنِصفُها جذاعٌ وأمَّا الحُلَلُ فَيؤخَذُ المتَعارَفُ، فَإنْ كَانتْ مختَلِفَةَ القِيَمِ واختَلفَا فيؤخَذُ مِنهَا ما قِيمَةُ كلِّ حُلةٍ خَمسَةُ دَنانِيرَ أو سِتونَ دِرهماً، وَتغلظُ الدِيَةُ بِالقَتلِ في الحرَمِ، والإحرَام، والأشهُرِ الحُرمِ، والرَحِمِ، فيزادُ لكلِّ واحِدٍ مِنهَا ثلثُ الديةِ، فَإنِ اجتمَعَتِ الحرمتَانِ مثل: أنْ يقتُلَ ذا رَحِمهِ في الحرَمِ وهو مُحرِمٌ في شَهرٍ حَرامٍ لزمَهُ دِيتَانِ وَثلثٌ، وسَواءٌ كانتِ الديَةُ الإبلَ أو غيرَها.
وَأمَّا اليهوديُّ والنَّصرانيُّ ومَنْ أجرِيَ مَجراهُم من السَّامرةِ (6) والصَّابئينَ فديتُهُ نِصفُ دِيَةِ المسلمِ في إحدى الرِّوايَتَيْنِ (7)، وَفي الأخرى: ثُلثُ دِيَةِ المسلِمِ إلا أنْ يقتلَ عَمداً فَيجِبُ كمالُ دِيَةِ المسلمِ (8) وَأمَّا المجوسيُ /378ظ / فَدِيتُهُ ثُلثا عُشرِ دِيَةِ المسلِمِ، فَإنْ قَتلَ عَمدَاً أضعفت دِيتُهُ، وَأمَّا مَن لَم تَبلغْهُ دَعوةُ نَبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - فَلا يلحَقُ [الذي] (9) يكونُ لَهُ
__________
(1) كذلك.
(2) كذلك.
(3) نقلهما عن الإمام أحَمَدَ - رَحِمَهُ الله - أبو الحارث وبكر بن مُحَمَدِ، وحرب، وابن منصور، واختارها الخرقي وأبو بكر، والقاضي. انظر الرِّوايَتَيْنِ والوجهين 164 /ب، والمغني 9/ 488 - 489، وشرح الزركشي 3/ 589.
(4) الخلفة: هي الحامل، وهي التي لها خمس سنين ودخلت في السادسة، وأي ناقة حملت فهي خلفة.
انظر: المغني 9/ 490.
(5) انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 164 /ب، والمغني 9/ 589، وشرح الزركشي 3/ 589 - 590.
(6) هم قوم يسكنون جبال بيت وقرى من أعمال مصر، ومن ميزاتهم التقشف في الطهارة اكثر من سائر اليهود، وهم يثبتون نبوة موسى وهارون ويوشع عليهم السلام، وينكرون نبوة من بعدهم من الأنبياء والتوراة التي بأيديهم تختلف عن التوراة الموجودة والمعروفة لدى اليهود ويعتبرون بالنسبة لليهود روافض كالروافض في المسلمين ويشابهون في وجوه كثيرة.
انظر: الملل والنحل 1/ 218، وكتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة 4/ 121، والتبصير 1/ 152.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 167/ب.
(8) انظر: أحكام أهل الملل: 304، والرِّوايَتَيْنِ والوجهين: 167/ب، والمغني: 9/ 527، والإنصاف: 10/ 64 - 65.
(9) في الأصل: كلمة غير مقروءة.(1/524)
أَصلُ دينٍ هُوَ مُتمسِّكٌ كَاليهودِيِّ والنَّصرانيِّ أو لا يكونُ لَهُ دِينٌ فَإنْ لَم يَكنْ لَهُ أَصلُ دِينٍ فَلا يَضمَنُ، وإنْ كَانَ لَهُ أصلُ دِينٍ فَلا رِوايَةَ فيهِ إلا أنَّ شَيخَنا قالَ: لا ضَمانَ عَلى قَاتِلهِ، وَعندِي: أنهُ مما يضمَنُ بهِ أهلُ دِينهِ (1).
فَأمَّا الحربيُّ والمرتَدُّ فلا ضَمانَ عَلى قاتِلهِمَا بحَالٍ، وَدِيَةُ المرأةِ في النَّفسِ عَلى النِّصفِ مِن دِيَةِ الرَّجُلِ، فَأما فِيمَا دُونَ النَّفسِ مِنَ الجراحِ فيسَاوي ارشُ جراحِها ارشَ جراحِ الرَّجُلِ إلى ثُلثِ دِيَةٍ، فإذا زَادَ عَلَى الثُلثِ فَعلَى النِّصفِ مِنَ ارشِ جرَاحِهِ، وَعنْهُ: أَنها متَسَاويَةٌ فيمَا دونَ الثُلثِ، فإذا أبلغَ صَارَ إرشُها عَلَى النِّصفِ (2).
وَأمَّا الخنثى المُشكِلُ فَدِيتُهُ نِصفُ دِيَةِ ذَكَرٍ ونِصفُ دِيَةِ أُنثَى، وَكَذلِكَ في إرشِ جرَاحِهِ، ومَنْ قَطعَ يَدَ ذِميٍّ فَأسلَمَ ثُمَ مَاتَ ضَمِنَهُ بدِيَةِ ذمِيً، فَإنْ قَطعَ يَدَ مُسلِمٍ فَارتَدَّ ومَاتَ علَى ردَّتِهِ فَعلَيهِ نِصفُ دِيَةِ مُسلِمٍ، فَإنْ قَطعَ يَدَ مُرتَدٍ أو حَربيٍّ فأَسلَمَ ثُمَ مَاتَ فلا ضَمانَ عَلَيهِ. ومَنْ أرسَلَ سَهمَاً إلى كَافرٍ أو عَبدٍ فأسلَمَ الكَافِرُ وعَتقَ العَبدُ، ثُمَ وقعَ بهِ السَّهمُ فَقتَلَهُ ضَمِنَهُ بدِيَةِ حُرٍّ مُسلمٍ. فَإنْ رمَى إلى مُسلِمٍ فَلمْ يَقعْ بهِ السَّهمُ حَتى ارتَدَّ فلا ضَمانَ عَلَيهِ، وَدِيةُ الجَنينِ غرةُ عَبدٍ أو أمَةٍ قيمتُها نِصفُ عُشرِ دِيةِ أَبيهِ أو عُشرُ دِيَهِ أمِّهِ (3) إذا سقَطَ مِنَ الجنَايةِ تدفَعُ إلى وَارِثهِ، فَإنْ كَانَ أَحدُهُما مُسلِمَاً والآخَرُ كَافِراً، أحدُهُما ذِميٌّ والآخَرُ مَجوسِيٌ اعتبرَ بأكثرِهِما دِيَة، ولا يُقبَلُ في الغرَّةِ مَن لَم يَبلُغْ لَهُ سَبعَ سِنينَ، ولا يُقبَلُ خُنثَى ولا مَعيبٌ، فَإنْ القَتهُ مُضغَةً وشَهِدَ القَوابِلُ أنهُ خَلقُ آدميٍ فَعلَى وجهَينِ:
أَحدُهُمَا: تَجبُ الغرةُ، والثَّاني: لا تَجِبُ بِنَاءً عَلى انقضَاءِ العِدَّةِ، فَإنْ القتْهُ حَيَّاً ثُمَ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وإنِ اختَلفَا في حَياتِهِ فَقامَتِ البَينَةُ أنهُ تَنفَسَ أو تَحرَّكَ أو عَطشَ فَهوَ حَيٌّ وإنْ عدِمتِ البينَة فَعلَى وَجهَينِ، وَتجبُ في جَنينِ الأَمةِ عُشرُ قِيمَةِ أمةٍ حالَ / 379و / الجنَايةِ سَواءٌ كَانَ ذَكرَاً أو أنثَى ويجبُ في قَتلِ العَبدِ والأَمةِ قِيمتُها، وإنْ بلغَتْ دِياتٍ وعَنهُ: لا يَبلغُ بالعَبدِ دِيةَ الحرِّ (4)، والجِنايَةُ المضمُونَةُ مِنَ الحرِّ بالحكومَةِ مَضمَونَةٌ في الرَّقِيقِ بما نقَصَ، وَالجِنَايةُ مِنَ الحرِّ بالدِيةِ أو بمقدَارٍ مِنَ الدِيةِ، مَضمونَةٌ للرقِيقِ بالقِيمَةِ وبمقدرٍ منَ القِيمَةِ، وَعنهُ: أنَّ جَميعَ جِنَاياتِ الرَّقِيقِ تَضمَنُ نقص وَهِيَ اختِيارُ الخلاَّلِ (5)،
__________
(1) انظر: المقنع: 285، والمغني 9/ 531، والكافي 4/ 78.
(2) انظر: مسائل عبد الله 3/ 1258، المغني 9/ 532 - 533، والإنصاف 10/ 63.
(3) انظر: المغني 9/ 535 - 543.
(4) انظر: المحرر 2/ 145، والمبدع 8/ 354، والإنصاف/66.
(5) انظر: المحرر 2/ 145.(1/525)
وإنْ قَطعَ يدَ عَبدٍ فأعَتقهُ مَولاهُ ثُمَ مَاتَ فعلَيهِ قِيمتُهُ لِلسيِّدِ نَصَّ عَلَيهِ وفي رِوَايةِ حَنبلٍ (1)، وحَكَى شَيخُنَا في المجردِ عَنِ ابنِ حَامِدٍ (2): أنَّ عَلَيهِ دِيةُ حرٍّ لِلمولَى مِنهَا أقل الأمرَينِ مِنْ نِصفِ الدِيَةِ أو نِصفِ القِيمَةِ والبَاقي لِورثَتهِ اعتبارَاً بحَالِ الاستِقرَارِ، قَالَ: وَعلَى ذَلِكَ لو قَطعَ يدَ ذمِيٍّ ثُمَ أَسلَمَ ومَاتَ فعلَيهِ دِيةُ مُسلِمٍ، ولَو ضَربَ بَطنَ أمَةٍ حَامِلٍ فأعتقتْ وأعتَقَ الجَنينُ ثُمَ ألقتْهُ مَيتاً فَعلَيهِ غَرةُ (3) قيمتُها خَمسونَ دِينَاراً، قَالَ: وهو ظَاهِرُ كَلامِ أحمَدَ رحمَهُ اللهُ، والأولُ أصَحُّ في المذهَبِ، ولا يختَلِفُ العَمدُ والخَطأُ في ضَمانِ الرَّقِيقِ، وإذا جَنَى العَبدُ جِنايةً خَطأ فَمولاهُ بالخِيارِ بَينَ أنْ يسلمَهُ أو إرشُ الجنَايةِ، فَإنْ سَلمهُ فامتنعَ [ولي] (4) الجنايةَ مِنْ أخذهِ، وَقَالَ: بِعهُ وادفعْ إليَّ قِيمتَهُ فَهلْ يلزَمُ السَّيدَ ذَلِكَ أم لا؟ عَلى روَايَتَينِ (5)، فَإنْ كَانَتِ الجنَايَةُ عَمداً فَلِوَليِّ الجِنَايَةِ الاقتصَاصُ، فَإنْ عَفى عَنِ القصَاصِ عَلى رَقبةِ العَبدِ فَهلْ يملكُهُ بِذلِكَ؟ عَلى روَايَتَينِ: أَحدُهُمَا: يَملِكهُ بذَلِكَ مِنْ رِضَى السَّيِّدِ. والثانيةُ: لا يَملكهُ بِغَيرِ رِضَى السَّيِّدِ ويرجِعُ عَلَى السَّيِّدِ، وهل يرجِعُ بقِيمتهِ أو بدِيَةِ المَقتولِ يحتَمِلُ وجهَينِ.
بَابُ العَاقِلَةِ (6) وَمَا تَحمِلُهُ
اختَلفَتِ الرِوايَةُ في العَاقِلةِ فَرويَ عَنهُ (7): أنهمُ العُصبةُ الأبُ ومَنْ دونَهُ مِنَ الجَدِّ وَالابنِ والأخِ وابنِ الأخِ والعَمِّ وابنِ العَمِّ، ورُويَ عنهُ (8) أَنهمُ العصَبةُ مَا عَدا عموديِ النَّسبِ فَنبدَأَ بالأقرَبِ فالأقرَبِ مِنهُم، فَنبدأَ بالأَباءِ ثُمَ الأبناءِ ثُمَ بالإخوةِ ثُمَ بنيهم عَلَى الرِوايةِ الأَولى /380ظ /، وعَلَى الثَّانِيةِ: نَبدأُ بالإخوُةِ ثُمَ بَنيهِمْ ثُمَ الأعمَامِ ثُمَ بَنيهِمْ، وعلَى هَذَا مَتى اتسعَتْ أموالُ الأَقربِ لحملِ العَقلِ لم يُنتَقلْ إلى مَنْ بَعدَهُمْ، ومَتى
__________
(1) انظر: المغني 9/ 343.
(2) انظر: المغني 9/ 343.
(3) عَلى قول ابن حامد والقاضي، لأنه كَانَ حراً اعتباراً بحال الاستقرار، وعلى قول أبي بكر فيه عُشر قيمة أمه اعتباراً بحال الجناية، لأنها كانت في حال كونه عبداً. انظر: الشرح الكبير 9/ 542.
(4) ما بين المعكوفتين زيادة منا ليستقيم الكلام
(5) انظر: المغني 9/ 350 وجعلها ابن قدامة عَلى وجهين.
(6) هو من يحمل العقل، والعقل الدية وتسمى عقلاً لأنها تعقل لسان ولي المقتول، وقيل: إنما سميت العاقلة لأنهم يمنعون القاتل. انظر: المغني 9/ 514، والفروع 6/ 41.
(7) نقلها عن الإمام أحَمَدَ أبو طالب والفضل بن عبد الصمد وهي اختيار أبي بكر، والقاضي، والشريف أبي جعفر انظر: الرِّوايَتَيْنِ والوجهين 169/ب، والمغني 9/ 515، والكافي 4/ 123.
(8) نقلها عن الإمام أحَمَدَ حرب، وهي اختيار الخرقي. انظر: الروايتين والوجهين 169/ب، والمغني 9/ 515، والكافي 4/ 123.(1/526)
عَجِزْت أَموالُهم قسم عَلى مَنْ بعدَهُم، فَإنِ استَووا في القُربِ وبعضُهم غَائِبٌ دخَلَ التحمُلُ، فَإنْ لَم يكُنْ لهُ عُصبَةٌ منَ النسَبِ حمل المولى المُعتِقُ ثُمَ عِصَباتهُ، فَإنْ عُدِمَتِ العُصَبةُ عَقلَ بَيتُ المَالِ في إحدَى الرِّوايَتَيْنِ، وفي الأخرَى: لا يَعقِلُ بيَتُ المالِ (1)، ويسقُطُ ولا يتعلَّقُ العَقلُ بمالِ القَاتِلِ بحَالٍ، ولا يعقِلُ صَبيٌّ ولا مَجنونٌ ولا المولى مِنْ اسفَلَ ولا أَهلِ الدِّيوانِ ولا مَولى المولاةِ ولا امرأةٌ وهل يلزَمُ الفَقيرَ المعتمل شَيءٌ مِنَ العَقلِ أم لا؟ عَلى روَايَتَينِ (2). وَلا يَعقِلُ مُسلِمٌ عَنْ كَافرٍ ولا كَافِرٌ عَنْ مُسلِمٍ ولا ذِميٌّ عَن حَربيٍّ، فَإنْ رمَى مُسلِمٌ سَهماً ثُمَ ارتدَّ ثُمَ أصَابَ سَهمُهُ فَقتَلَ فالدِيَةُ في مَالِهِ اعتِبارَاً بحَالِ الإصَابةِ. وأهلُ الذِمَّةِ يتعاقَلونَ، وَعنهُ: أَنهمْ لا يتعَاقَلونَ (3)، ومَا يَلزَمُ كُلَّ واحِدٍ مِنَ العَاقِلةِ لا يَتقدَّرُ بَل يَجتَهِدُ الحَاكِمُ فَيُلزِمُ كُلَّ إنسَانٍ عَلَى قَدرِ حَالهِ عَلى مَا يسهلُ ولا يؤذِي. وقَالَ أَبو بَكرٍ (4): يَتقدَّرُ عَلَى المؤسِرِ نِصفُ دِينَارٍ وعَلى المتوسِطِ رُبعُ دينَارٍ (5)، ولا تَحمِلُ العَاقِلةُ جِنَايَةَ عَمدٍ ولا جِنايَةً عَلَى عَبدٍ ولا صُلحَ ولا اعتِرافَ ولا مَا دُونَ الثُلثِ ويَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالهِ حَالاً، وتَحمِلُ جِنَاياتِ الخطَأَ فأمَّا عَمدُ الخطَأَ، فقَالَ أَبو بَكرٍ: لا تَحمِلُهُ. وَيكونُ في مَالِ الجَاني في ثَلاثِ سِنينَ وقَالَ الخِرقيُّ: تَحمِلُهُ العَاقِلةُ ومَا تَحمِلُهُ العَاقِلَةُ مِنَ الدِيَةِ مؤجلَةً في ثَلاثِ سِنينَ ومَا كَانَ دُونَ الدِيَةِ، فَإنْ كَانَ ثُلثُ الدِيَةِ كإرشِ الجَائِفةِ وَالمأمومَةِ ودِيَةِ الذميِّ في رِوايةٍ فإنهُ يَجبُ عِندَ انقضَاءِ سَنةٍ واحِدَةٍ، وإنْ كَانَ نِصفُ الدِيَةِ كَدِيَةِ المرأَةِ ودِيَةِ العَينِ وَاليَدِ وَجَبَ عِندَ انقضَاءِ الحَولِ الثُلثُ والباقِي في الحَولِ الثَّانِي، وإنْ كَانَ أكثرَ مِن دِيَةٍ كَمَا لَو ضَربَ رأسَهُ فزالَ سَمعُهُ وبَصرُهُ تجبُ ديتانِ في كلِّ حَولٍ أكثرُ /381و / مِن ثُلثِ الدِيةِ، وقَالَ شَيخُنَا في الخِلافِ دِيةِ الذِميِّ والمرأَةِ تُسقطُ (6) في ثَلاثِ سِنينَ (7)، ويخرجُ في الأطرَافِ كَذلِكَ يُعتبرُ ابتِداءُ حولِ العَقْلِ في النَّفسِ مِن حِينِ المَوتِ، وفي الجَرحِ مِنْ حِينِ الاندِمَالِ لا مِن حِين حُكمِ الحاكِمِ، وَخطأ الإمامُ عَلى عَاقِلته وعنهُ في المَالِ (8)، ومَن مَاتَ مِنَ العَاقِلَةِ قَبلَ حُلولِ الحَولِ سَقَطَ ما عَلَيهِ مِنَ العَقلِ، وَمَنْ مَاتَ بَعدَ حَولهِ لَم يسقطْ مَا لَزِمَهُ، وعَمدُ الصَّبيِّ المميزِ
__________
(1) انظر: المغني 9/ 524 - 525.
(2) انظر: المغني 9/ 523.
(3) انظر: المغني 9/ 507، والكافي 4/ 124، والمبدع 9/ 18، والإنصاف 10/ 122.
(4) انظر: المحرر 2/ 149، والإنصاف 10/ 129.
(5) وهي رواية عن الإمام أحَمَدَ. انظر: الإنصاف 10/ 129.
(6) في المخطوط: ((تسقط)) والصواب ما أثبتناه. انظر: المحرر 2/ 150.
(7) انظر: المحرر 2/ 150.
(8) انظر: المغني 9/ 510.(1/527)
في حُكمِ الخطَأ، فَتجِبُ الدِيَةُ عَلى عَاقِلَتهِ، وحُكِيَ عَنهُ: أَنهُ في حُكمِ العَمَدِ فَتجِبُ الدِيةُ في مَالهِ (1).
بَابُ القَسَامَةِ (2)
لا يُحكمُ في القَسَامةِ إلا في قَتلِ النَّفسِ ولا فَرقَ بينَ نَفسِ الحُرِّ وَالعَبدِ والذَّكَرِ والأُنثَى، وأنْ يكونَ بينَ المقتُولِ والمدَّعي عَلَيهِ لَوثٌ، واختلَفَ الرُوَاةُ في اللوثِ فَرويَ عَنهُ: أنَّ اللَوثَ هُو العَداوةُ الظَّاهِرةُ والعَصَبيةُ خَاصَّةً (3) كَنحوِ مَا بَينَ العيَّارِينَ وأصحَابِ المصَالحِ ببِغدادَ، وَبينَ ما بينَ القَبائلِ إذا طالَبوا بَعضٌ لِبعضٍ بالدَّمِ وما بَينَ أَهلِ البغيِ وأَهلِ العَدلِ وَهوَ اختِيارُ عَامَّةِ اصحَابِنا (4) ونقلَ عَنهُ المَيمونيُّ (5): أَذهَبُ [إلى] (6) القَسَامَةِ إذا كَانَ ثُمَ لَطخٌ، وإذا كَانَ سَبَبٌ بَيّنٌ، وإذا كَانَ ثَمَّ عَداوةٌ، وإذا كَانَ مِثلُ الذِي ادَّعى عَلَيهِ بفعلِ هَذا، ونَقلَ عَنهُ ابنُ منصورٍ في دَارٍ بَينَ مكاتَبٍ وَمُدَّبرٍ وأمَّ ولدٍ وُجدَ فِيهَا قَتلٌ يُقسِمونَ. وظَاهِرُ هَذا أنَّ اللَوثَ وُجودُ سَبَبٍ يُوجِبُ عَلَيهِ الظنَّ (7) أنَّ الأمرَ عَلى مَا ذَكرَهُ المدَّعِي مِثلُ: أن يوجَدَ مَقتولٌ في صَحرَاءَ، [وعندَهُ] (8) رَجُلٍ سَيف مجرَّدٌ ملطَّخٌ بالدِمَاءِ ومثلهُ يقتلُ، أو يُرى رَجلٌ يُحرِّكُ يدَيهِ كالضَّارِبِ، ثُمَ يوجَدَ بِقربِهِ قَتيلٌ، أو تَجيءُ شَهاداتٌ مِن فُسَّاقٍ ونسَاءٍ وصبيانٍ أن فلاناً قَتلَ فُلاناً أو يشهدُ بهِ رجُلٌ عَدلٌ، أو يَدخُلُ قَومٌ داراً فَيتَفرقُوا عَنْ قَتيلٍ أو عَدَاوةٍ ظَاهِرةٍ ومَا أَشبهَ ذَلِكَ، فأمَّا دَعوى المقتولِ أنَّ فُلاناً قَتلَني فَلا يَكونُ لَوثاً وَكَذلِكَ إنْ شَهدَ اثنَانِ أنهُ قَتلَهُ أحدُ هَذينِ /382ظ / الرَّجلَينِ أو قَالَ أحدُ بَني المقتولِ: قَتلَهُ هَذا، وَقَالَ الآخرُ: مَا قَتلهُ هَذَا فَعلَى ذلِكَ لَيسَ بِلَوثٍ يوجِبُ القَسامَةَ، وإذا ثَبتَ اللَوثُ بُديءَ بأيمانِ المدَّعينَ فإذا ادَّعى الأولياءُ أنَّ القَتلَ كَانَ عَمداً مَحضَاً لَم يُقسِمُوا إلا عَلى وَاحِدٍ مُعَيَنٍ ويَستَحِقُّونَ قَتلُهُ، وإنِ ادَّعَوا أنهُ قُتلَ خَطأَ أو شِبهَ عَمدٍ فَلهُم أنْ يُقسِمُوا عَلى جَماعَةٍ معينينَ ويَستَحِقُّونَ الدِيةَ، ويحلِفُ في القسَامةِ خمَسِينَ
__________
(1) نقلها عَنهُ ابن منصور كما نقل ذَلِكَ أبو بكر انظر الرِّوايَتَيْنِ والوجهين 168/ب، والمحرر 2/ 149.
(2) القسامة في اللغة مأخوذة من القسم، وهو اليمين. وفي الاصطلاح: هي الإيمان المكررة في دعوى القتل، وقال القاضي: هي الأيمان إذا كثرت عَلى وجه المبالغة. انظر: المغني 10/ 2، وشرح الزركشي 3/ 635، ولسان العرب 12/ 480 ((قسم)).
(3) والرواية الثانية عَنهُ: أن اللوث ما يغلب عَلى الظن صدق المدعي. انظر المغني 10/ 9.
(4) قال المرداوي في الإنصاف 10/ 139: ((وهو المذهب)).
(5) انظر: الإنصاف 10/ 141، والمبدع 9/ 34.
(6) زيادة منا ليستقيم النص.
(7) انظر: المغني 10/ 9.
(8) في المخطوط ((وعند)).(1/528)
يَميناً، فَإنْ كَانَ الوارِثُ واحِدَاً حَلفَها، وإنْ كَانوا جَماعَةً قُسمَتْ عَلَيهِم عَلى مِقدَار موارِثِهم، فَإنْ كَانَ في القِسمَةِ كَسرٌ جُبرَ نحو أنْ يَكونَ المقتُولُ امرأَةً خَلَّفتْ زوجَاً وَابناً فيَحلِفُ الزَّوجُ رُبعَ الخَمسِينَ ويُجبرُ الكَسرُ فَيحلِفُ ثَلاثةَ عشَرَ يَميناً والابنُ ثَلاثةَ أرباعِها ثَمانِيةً وثَلاثَينَ يَمينَاً ولا مدخَلَ لِلنسَاءِ في أَيمَانِ القَسَامَةِ سَواءٌ كَانَ القتلُ عَمداً أو خَطأً وإنما يَحلِفُ الوارِثونَ مِنَ العصَبةِ، وعَنهُ (1): أنهُ يَحلِفُ الوَارِثُ، وغَيرُ الوارِثِ مِنَ العصَبَةِ. فَيَحلِفُ خمَسونَ مِنهُمْ خَمسينَ يَمينَاً، كُلُّ واحِدٍ يَمينٌ واحِدَةٌ، فَإنْ كَانَا اثنَينِ أَحدُهُمَا صَغيرٌ أو مَجنونٌ أو غَائبٌ، فَإنَّ للحَاضِرِ المكلفِ أنْ يحَلِفَ ويَستَحِقَّ نِصفَ الدِيةِ وَكَمْ يحَلِفُ قَالَ أبو بَكرٍ: يَحلِفُ خَمسِينَ يَمينَاً، وقَالَ [ابنُ] (2) حَامِدٍ يَحلفُ خَمسَةً وعَشرِينَ يَميناً (3)، وإذا قدِمَ الغَائبُ وبلغَ الصَّبيُّ حَلَفَ خَمسَةً [وعشرينَ] (4) يَمينَاً واستَحقَّ بقيَّةَ الدِيةِ، فَإنْ كَانَ القَتلُ عَمدَاً لم يحلفْ حَتى يَقدُمَ الغَائِبُ ويبلغَ الصَّبيُّ، وإذا نكَلَ أولياءُ المقتُولِ عَنِ اليمَينِ حلَفَ المدَّعَى عَليهِم خَمسينَ يَمينَاً ولم يغرموا شَيئاً، وعَنهُ: أَنهُ تَجبُ علَيهِمُ الدِيةُ مَعَ اليَمينِ، فَإنْ نكَلوا لم يحبسوا (5) وهَلْ تلزمُهمُ الدِيَةُ أو تكونُ في بيتِ المالِ؟ عَلى رِوايتَينِ (6). فَإنِ ادَّعى القَتلَ عَلى إنسَانٍ مِن غَيرِ لَوثٍ وجَحَدَ ولا بَينَةَ حُلفَ المدَّعَى عَلَيهِ يَمينَاً واحِدَةً وبُرِىءَ في العَمدِ والخَطأ، وعَنهُ: في العَمدِ أنهُ لا يَحلِفُ، وإذا ادَّعى عَلى اثنينِ قَتلَ خَطأ عَلى أَحدِهِمَا لَوثٌ حلَفَ عَلى صَاحِبِ اللَوثِ وأخذَ نِصف /383و / الدِيَةِ وحَلفَ لَهُ الآخرُ وبرِئَ. فَإنْ نَكلَ المنكِرُ عَنِ اليَمينِ فَهلْ يُقضَى عَلَيهِ بالنكُولِ أم لا؟ عَلى وَجهَينِ.
بَابُ القَتلِ الموُجِبِ للكَفَارَةِ
لا تجَبُ الكفَّارةُ بقتلٍ واجِبٍ كَقتلِ المرتدَّ [والزَّاني] (7) المحصَنِ، ولا بمبَاحٍ كَقَتلِ القِصَاصِ والصَّائلِ وتَجِبُ الكَفَّارةُ بقَتلِ الخَطأ، وهَلْ تَجبُ بقَتلِ العَمدِ عَلى رِوَايَتَينِ:
أَحدُهُمَا: تَجِبُ وهَيَ اختِيارُ الخِرقيِّ، [والأخرى] (8): لا تَجبُ، وَهيَ اختِيارُ أبي بَكرٍ
__________
(1) نقلها عَنهُ الميموني. انظر: المغني 10/ 26 - 27، والمبدع9/ 40.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) انظر: الكافي 4/ 134، والفروع 6/ 50، والمبدع 9/ 37، والإنصاف 10/ 144.
(4) في الأصل وعشرون.
(5) وعنه يحسبون حتى يقروا أو يحلفوا. المغني 10/ 22، والإنصاف 10/ 149.
(6) الأولى: تلزمهم. وهي اختيار أبي بكر. والثانية: لا تلزمهم. انظر: شرح الزركشي 3/ 644، والمبدع 9/ 41، والفروع 6/ 46، والإنصاف 10/ 149.
(7) في الأصل: ((والزان)).
(8) في الأصل: ((والحزي)).(1/529)
وَشيخِنَا (1)، وتَجبُ الكفَّارَةُ بقَتلِ الذميِّ والمستأمِنِ كَمَا تَجبُ بقَتلِ المسلِمِ، وتَجبُ بالقَتلِ بِالسَّببِ كحَفرِ البئرِ ونَصبِ السِّكينِ، وإذا جَنى عَلى بَطنِ امرأةٍ فَألقَتْ جَنينَاً مَيتاً ومَاتَتْ فعلَيهِ كفارتَانِ، وإذا اشتَرَكَ جمَاعَةٌ في قَتلِ إنسَانٍ لَزِمَ كُلَ واحِدٍ مِنهُم كفَّارةٌ، وَعنهُ (2): أنهُ تَجبُ كَفارةٌ واحِدَةٌ عَلَى الجَميعِ، وإذا أتلفَ الصَّبيُّ والمجنونُ نفسَاً وجبتِ الكفَّارةُ في مالِهمَا، ويكفرُ العَبدُ إذا قَتلَ بالصِّيامِ.
بَابُ حَدِّ الزِنَا
إذا زَنَا المُكَلَّفُ وجَبَ عَلَيهِ الحَدُّ، فَإنْ كَانَ محصَناً فَحدُّهُ الرَّجمُ حَتى يَموتَ، وهَلْ يُجلَدُ قَبلَ الرَّجمِ، عَلى روَايَتَينِ: أَحدُهُمَا: يُجلدُ مئةً ثُمَ يرجَمُ (3)، والثَانِيةُ: لا يُجلَدُ (4). والمحصَنُ مَنْ كَانَ بَالِغاً عَاقِلاً حُرَاً جَامَعَ في نِكاحٍ صَحِيحٍ وهوَ عَلى مِثلِ حَالهِ، فَإنْ اختَلَّ شَرطٌ من ذَلِكَ في أحدَيهمَا فَلا إحصَانَ لَهما، ورُويَ عَنهُ في الذِّمِيَّةِ هَل تُحصِنُ المسلِمَ؟ رِوايَتانِ: أصحُّهمَا أنها تُحصِنُهُ (5)، فَإنْ وطيءَ في نِكاحٍ فَاسِدٍ أو شُبهَةِ نكَاحٍ أو في مُلكِ يَمينٍ أو في الموضِعِ المكروهِ أو وطيءَ وهوَ مَجنونٌ ثُمَ عَقلَ أو عَبدٌ ثُمَ عُتِقَ لم يصِرْ محصَناً. وإن [كَملتِ] (6) الشَّرائطُ في أحدِهمَا ولم تَكملْ في الآخَر مِثلَ: أنْ يتزَوجَ حُرٌّ مُكلَفٌ بِمجنونَةٍ أو أمَةٍ لم يصِرْ بذَلِكَ محصَناً. فَإنْ زَنَا مُحصَنٌ بِغَيرِ مَحصنَةٍ رجمَ المحصَنُ وجُلِدَ الآخرُ وغرِّبَ، والصَّبيُّ لَيسَ بمحصَنٍ ولا يُحصِنُ غَيرهُ، وإذا قَامَتِ البَينةُ بِالزِّنا عَلى رَجُلٍ ولهُ زَوجَةٌ لَهُ مِنها ولدٌ فَقَالَ: مَا وطِئتُ زَوجَتي لم يُرجَمْ، وإنْ كَانَ الزَّاني غَيرَ مُحصَنٍ وَهوَ حُرٌّ فحدُّهُ مِئةُ جَلدَةٍ وتَغرِيبُ عَامٍ إلَى /384ظ /بَلَدٍ تُقْصَرُ فِي مَسَافَتِهِ الصَّلاةُ، وعَنْهُ فِي المرأَةِ أَنَّها تَبَعَاً إلى مَالا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلاةُ، وَيخرجُ مَعَ المرأة مَحْرَمَهَا، فإنْ أَبَا بَذَلَ لَهُ الأجرَةَ مِنْ مَالِهَا، فَإن لَمْ يَفْعَلْ استؤجِرَ امرأةً ثقةً، فَإنْ تَعَدَّتِ الأجرةُ بَذَلَتْ مِنْ بَيْتِ المالِ، فإنْ أَعْوَزَ بَقيَتْ بغيرِ مَحْرمٍ، وإن كَانَ الزَّاني رَقيقَاً فحدُّهُ خَمْسونَ جَلدةً، ولا تَغريبَ عليهِ، وأُمُّ الولَدِ كالأَمَةِ، فإنْ كَانَ نصفُهُ
__________
(1) انظر: المغني 10/ 40، والإنصاف 10/ 136.
(2) قال ابن قدامة في المغني 10/ 39: ((وحكى أبو الخطاب عن أحمَدَ رواية أخرى)) فذكرها.
(3) نقلها عن الإمام أحمَدَ ابن هانيء. انظر: مسائله 2/ 90، والمغني 10/ 124، والكافي 4/ 207.
(4) واختارها أبو إسحاق الجوز جاني، والأثرم. انظر: المغني 10/ 125، والكافي 4/ 207.
(5) نقل أبو بكر الخلال في أحكام الملل: 276 - 278، عن عبد الله أحمَدَ وأبي طالب وصالح والميموني ومنه واحمد بن القاسم وحرب والأثرم ويعقوب بن بختان بأن الذمية تحصن المسلم، وقال في ص281 ((قد روى هذه المسألة عن أبي عبد الله قريب من عشرين نفساً)).
(6) في الأصل: ((كلمت)).(1/530)
حُرَّاً فَحَدُّهُ نصفُ حدِّ حُرٍّ، ونِصفُ حَدِّ عَبْدٍ، خَمسةً وسَبعينَ جلدةً، وهَلْ يُغَرَّبُ يُحتَمَلُ أن يُغَرَّبَ نِصفَ عَامٍ، ويُحتَمل أن لايُغَرَّبَ، وَحَدُّ الِلواطِ كَحَدِّ الزِّنا، وعَنْهُ أنَّ حَدَّه الرَّجْمُ بِكُلِّ حَالٍ (1)، وإذا أَتَى بَهيمَةً فَعَلَيْهِ حَدُّ اللوطيِّ اختَارهُ شيخُنَا، وَعَنْهُ لا حَدَّ عَلِيهِ ويُغَرَّبُ (2)، وَهِيَ اختيارُ الخِرَقيِّ (3)، وأبي بَكرٍ، وَتُذبَحُ البَهيمَةُ، وهل يَحْرمُ أَكلُهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤكَلُ؟ قَالَ أحمد: أكرهُ أَكلَ لَحمِهَا، فَيحتَملُ كَراهيةَ تحريمٍ، وَكَرَاهية تنزيهٍ، وَيغرمُ القيمةَ لِمَالِكِهَا، وإذا وطيءَ امرَأةً فِي نِكاحٍ مُجمَعٍ عَلَى بُطلانِهِ وَهُوَ يَعتَقِدُ تحريمَهُ، كَنِكَاحِ ذواتِ المَحَارِمِ (4)، وَنِكاحِ المعتدَّةِ، وإذا استَأجَرَ امرَأةً للزِّنا فَعَلَيهِ حَدُّ الزَّاني، وعَنْهُ وطءُ ذَواتِ المَحَارِمِ أَنَّهُ يَجِبُ رَجْمُهُ بكلِّ حَالٍ، وإذا وَطِئَ أُختَهُ، أو أمَّهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَهيَ مَالِك يمينهِ فإنَّهُ يُجلَدُ، وَعَنْهُ [لا يجُلَدُ] (5)، وعَنْهُ أنه يُعزَّرُ، وإذا أَباحَتْ لَهُ زَوجَتُهُ أَمَتَهَا فَوَطِئهَا عزِّر بمائةِ جَلدَةٍ، ولَمْ يُرْجَمْ، فإن عَلِقَتْ مِنْهُ فهل يُلحقُ بِهِ النَّسبُ أم لا، عَلَى روايتَينِ، فإنْ وَطيءَ أَمَتَهُ فهلْ يجلَدُ أو يُعزَّر على وجهَينِ ذَكرهُما أبو بَكْرٍ، وإذا وَطيءَ الأَبُ جَاريَةَ ابنهِ عُزِّرَ، ولم يُحَدَّ، ويُحتَملُ أن لا يُعَزَّرَ وإنْ وَطيءَ الابنُ جاريةَ أَبيهِ، أَو أُمِّهِ فَعَليهِ الحَدُّ، ولا يُلحَقُ بِهِ نَسَبُ الوَلَدِ، وإذا وَطِيءَ جَاريَةً مُشتَرَكَةً بَينَهُ وبَيْنَ غَيْرِهِ عُزِّر، فإنْ عَلِقَتْ مِنْهُ فَعَلَيهِ قيمةُ حَقِّ شَريكِهِ، وَيَلحَقُ بِهِ نَسَبُ الوَلَدِ، وَتَصيرُ أُمُّ وَلَدِهِ، وإذا وَطِيءَ دونَ الفَرجِ عُزِّر، وإذا أتَتِ المرأةُ المرأةَ عُزِّرَتا، وَمَنِ استَمنَى بِيَدِهِ لِغَيْرِ حاجَةٍ عُزِّر، وإن فَعَلَ ذَلِكَ لخوفِ الزِّنَا على نَفْسِهِ، فلا شَيءَ عَلِيهِ وَمَنْ وَطيءَ فِي /385 و/ نِكَاحٍ مُختَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ كالنِّكاحِ بلا وَليٍّ ولا شُهودٍ، ونِكاحُ المِتْعَةِ لَمْ يُحَدَّ (6)، ومَنْ وَجَدَ امرأةً عَلَى فِراشِهِ وَظَنَّهَا زَوجَتَهُ فَوَطِئَهَا، أو كَانَ ضَريراً واستَدعَى
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 175/ب، ومجموع الفتاوى 21/ 141 و28/ 185، وكشاف القناع 6/ 94.
(2) اختلف الرواية عَن أحمد فِي الَّذِي يأتي البهمية ففي إحدى الروايتين يدرأ عنه الحد ويعزر، وهذا منصوص أحمد فِي رِوَايَة ابْن منصور، ونقل عَنْهُ حَنْبل حده كحد الزاني.
انظر: الروايتين والوجهين 175 /ب، وشرح الزركشي 4/ 40.
(3) نَصَّ الخرقي عَلَى التأديب لا التخريب. انظر: شرح الزركشي 4/ 40.
(4) انظر: مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله 3/ 1084 - 1085، والروايتين والوجهين 175/ب و176/أ، ومجموع الفتاوى 34/ 113.
(5) في المخطوط (يجلد).
(6) وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لأن الإختلاف فِي إباحة الوطء فِيهِ شبهة الحدود بالشبهات، قَالَ ابْن المنذر: ((أجمع كل من نحفظ عَنْهُ من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهة)).
انظر: الإجماع: 113، والمغنى 10/ 155، والمحرر فِي الفقه 2/ 153.(1/531)
زَوجَتَهُ فأجَابتهُ غَيرُهَا فَوَطِئَها فلا حَدَّ عَلَيهِ، وَمَنْ زَنَا وادّعى أنَّه لَمْ يَعلَمْ تَحريمَ الزِّنا، فإنْ كَانَ قَريبَ عَهدٍ بالإسلامِ، أو نَشَأَ فِي بَادِيَة بَعيدَةٍ لَمْ يُحَدَّ، وَمَنْ وَطِيءَ زَوْجَتَهُ فِي الموضِعِ المكروهِ، أَو وطِئَها وَهيَ حائِضٌ، عُزِّر إنْ عَلِمَ بالتَّحريمِ، وإذا أُكرِهَتِ المرأةُ عَلَى الزِّنا فلا حَدَّ عَلَيْهَا، وإن أُكرِهَ الرَّجُلُ فَزَنَا، فَعَلَيهِ الحَدُّ (1)، وإذا ظَهَرَ الحَمْلُ بامرَأَةٍ وَلا زَوجَ لَهَا ولا مَوْلَى، ولم تُقِرَّ بالزِّنَا، أَو تَقُومَ عَلَيْهَا بَيْنَةٌ فَلا حَدَّ عَلَيْهَا، وإذا زَنَا بِحُرةٍ ثُمَّ تَزَوجَها، أَو بِأَمَةٍ ثُمَّ اشتَراهَا، لَمْ يَسقُطِ الحدُّ عَنْهُ، وإذا مَكَّنَتِ العاقِلةُ مِنْ نَفْسِها مُراهِقاً، أو مجنوناً لَزِمَهَا الحَدُّ، ولم [يَلْزَمهُ] (2)، وإذا زَنا بأَمَةٍ لهُ عَلَيْهَا القصاصُ، لَزِمَهُ الحَدُّ، وَلا يُقيمُ الحدودَ أَحَدٌ إلا الإمامُ، أَو نائِبُهُ، فَأَمَّا الرَّقيقُ فَيَجُوزُ للمولي أَنْ يُقيمَ حَدَّ الزِّنا عَلَيهِم إلا أَنْ تَكونَ أمةً مزوجةً؛ فيكونُ إقامةُ الحدِّ عَلَيْهَا إلى الإمامِ، فإن كَانَ جُزءاً مِنَ الرّقيقِ حراً، فَالحدُّ إلى الإمامِ، فأمَّا قَتلُهُ فِي الردةِ، وَقَطْعهُ (3) فِي السَّرِقةِ فهل يَملِكُ أن يُقيمَهُ أم لا؟ عَلَى روايتين (4)، ولا فَرقَ بَيْنَ أن يَثبُتَ الزِّنَا بالإِقرَارِ، أو بِالبَينَةِ، أو بِمُشَاهَدَةِ السَّيدِ لَهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أبي طَالبٍ: يُقيمُ الحَدَّ إذا تَبينَ لَهُ الزِّنَا حَمَلتْ، أو رَآها تَزني جَلَدَها، وَقَالَ شَيخُنا: لا يُقيمُ الَحدَّ بِعِلمِهِ كالإمَامِ إذا شَاهَدَ الحُرَّ، فإنْ كَانَ السَّيدُ فَاسِقَاً، أو امرَأةً فلَه إقَامَةُ الحدِّ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أحمَدَ
-رحِمهُ اللهُ-، وَقَالَ شَيخُنَا: يُحْتَملُ أنْ لا يَملِكَ ذَلِكَ؛ فَإنْ [كَانَ] (5) السَّيدُ مُكَاتِبَاً احتَمَلَ وَجهَينِ: أَصَحُّهُمَا أنَّه لا يَمْلِكُ إقامَةَ الحَدِّ، وإذا وَجَبَ الرَّجْمُ لَمْ يُؤخَّر لأجلِ المرَضِ، والحرِّ، والبَردِ، فإن كَانَ الحدُّ جَلدَاً، أو خُشيَ عَليهِ التَّلَفُ أقيمَ الحَدُّ مُتَفَرِّقاً بِسَوطٍ يؤمنُ مَعَهُ تلفُهُ، وإنْ خُشيَ عَلَيهِ مِنَ السَّوطِ لِمَرضٍ /386 ظ/ أَو كَونِهِ نضوِ الخَلقِ أقيمَ بأَطرافِ الثِّيابِ، وعثكولِ النَّخلِ، ولا تحدُّ المرأةُ فِي حَالِ الحَبَل حَتَّى تَضَعَ، فَإذَا وَضَعَتْ، وَكَانَ حَدُّها الجَلدُ جُلِدَتْ، وإن كَانَ حَدُّهَا الرَّجمُ لَمْ تُرجَمْ حَتَّى تسقيَ الولدَ اللبأَ، ثُمَّ وجِدَ مَنْ يُرضِعُهُ غَيْرُهَا، رُجِمَتْ وإلا أُخِّرتْ حَتَّى تُرضِعَهُ حَوْليَن، وَيُقامُ الحَدُّ بسَوطٍ لا جَديدٍ ولا خَلقٍ، ولا يُمَدُّ المحدودُ، ولا تُشَدُّ يَدُهُ، ولا يُجَرَّد بل يَكُونُ عَلِيهِ القَمِيصُ، والقَميصَانِ، ولا يُبالغُ فِي ضَربِهِ بحيثُ يُشَّقُ الجِلْدُ، ويُضْرَبُ الرَّجُلُ قائمَاً، ويُفَرقُ الضَّربُ عَلَى أعضائِهِ إلا الرأسَ، والوَجهَ، والفَرجَ، ومَوضِعَ المَقْتَلِ عَلَى ظاهِرِ كلامِ الخِرَقِيِّ، وروى عَنْهُ حَنْبل
__________
(1) انظر:: المغني 10/ 159، والمحرر في الفقه 2/ 154، وكشاف القناع 6/ 97 - 98.
(2) فِي الأصل ((يلزمها)) ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(3) فِي الأصل ((قطعه)) بدون واو، وإنما أضفناه ليستقيم الكلام.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 178/أ.
(5) زيادة يقتضيها السياق.(1/532)
أنَّهُ يُضربُ قاعداً، فعلى هَذَا يُضْرب ظهرُه (1) وما قَاربَهُ، ولا تُضرَبُ المَرأَةُ إلا جَالِسَةً فِي شَيءٍ يستر عَلَيْهَا، وَتَمْسكُ امرأةٌ ثيابَها، وإذا كَانَ [الحدُ] (2) رَجْماً؛ فلا يُحْفَرُ للرَّجُلِ، وهل يُحْفَرُ لِلمرأَةِ؟ قَالَ شَيخُنا فِي المجردِ: إنْ ثَبَتَ الحدُّ بالإقرارِ لَمْ يُحْفَرْ لها وإن ثبتَ بالبيِّنَةِ حُفِرَ لها إلى الصَّدرِ (3)، وَقَالَ فِي الخلافِ: لا يُحْفَر لَهاُ (4)، والأول أصحُّ عِندي، وَالجَلدُ فِي الزِّنَا أشدُّ مِنهُ فِي القَذفِ، وفي القذفِ أشَدُّ مِنْهُ في الشُّربِ، وفي الشُّربِ أشدُّ مِنْهُ فِي التَّعزِيرِ.
بَابُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنا واللوِاط
لا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلا بالإقرَارِ، أَربَعَ مَرَّاتٍ، إمّا فِي مَجْلِسٍ أو فِي مَجَالِسَ (5)، أو بشَهادَةِ أربعةِ رِجالٍ (6) عُدولٍ يَشهدونَ فِي مَجلِسٍ وَاحِدٍ، وإنْ تَفَرَّقَ مجيئُهمِ إلَيهِ، فإنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَا بامرَأَةٍ بَعيْنِهَا فَجَحَدَتْ، لِزمَهُ الحَدُّ دُونَهَا، وإنْ شَهِدَ عَلِيهِ أربعَةٌ بالزِّنا فَصَدَّقَهُم لَمْ يَسقُطْ عَنْهُ، وإذا شَهِدَ ثلاثةٌ وامتنعَ الرابع، أو شَهِدَ الرَّابعُ، وَهُوَ زَوجُ المشهُودِ، حُدَّ الثلاثةُ حَدَّ القذفِ ولا يُحَدُّ الزوجُ، فإن شَهِدَ أربعةٌ فرجعَ أَحَدُهُم قَبْلَ إقامةِ الحدِ حُدَّ الثلاثةُ وهل يُحَدُّ الرابعُ أم لا؟ عَلَى رِوايتين (7)، وإنْ رَجع بعدَ إقامةِ الحدِّ، فلا شيءَ عَلَى الثلاثةِ، وعلى الرابعِ رُبْعُ الدِّيَّة، فإن شَهِدَ أربعةٌ فَبَانَ أَنَّهم فُسَّاقٌ، أَو عِميانٌ، أو بَعْضُهُم فَعَليهِمُ الحَدُّ فِي إحدَى الرِّوايَتَيْنِ، والأخرى لا حَدَّ عليهِم /387 و/.
وإنْ شَهِدَ أربعةٌ عَلَى مَجبوُبٍ أنّهُ زنَا، فَهُم قاذِفُون، وإنْ شَهِدَ اثنَانِ أنها زَنَا بِهَا مُكرَهَةً، لَمْ يُحَدَّ المشهُودُ عَلَيْهَا، وهل يُحَدُّ الشُّهودُ جَميعُهُم؟ عَلَى وجهينِ أحدُهمَا
__________
(1) فِي الأصل: ((طرهُ)) ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(2) في المخطوط ((الجلد)).
(3) وذلك؛ لأن الحد إذا ثبت بالبينة، فلا يسقط بفعل من جهتها بخلاف الثابت بالإقرار، فإنها تترك عَلَى حال لَوْ أرادت الهرب تمكنت مِنْهُ؛ لأنَّ رجوعها عَن إقرارها مقبول. انظر: المغني 10/ 123.
(4) هُوَ ظاهر كلام أحمد، وهذا مَا جاءت بِهِ أكثر الأَحَادِيث فإن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يحفر للجهنية، ولا لماعز، ولا لليهوديين والحديث الَّذِي احتج بِهِ من قَالَ بالحفر، غَيْر معمول بِهِ، وإذا ثبت هَذَا، فإن ثياب المرأة تشد عَلَيْهَا، كيلا تنكشف لما رَوَى أبو داود 4/ 152 (4440) بإسناده عن عمران بن حصين، قَالَ: ((فأمر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فشدت عَلَيْهَا ثيابها)) ولأن ذَلِكَ أستر لها. انظر: المغني 10/ 123.
(5) اشترط الخرقي أن يشهدوا كلهم فِي مجلس واحد، وَقَالَ: ((إن جَاءَ أربعة متفرقين والحاكم جالس فِي مجلس حكمه لَمْ يقم، قبلت شهادتهم، وإن جَاءَ بعضهم بعد أن قام إلى الحَاكِم كانوا قذفة وعليهم الحد)). انظر: شرح الزركشي 4/ 47 - 48، وانظر المغني 10/ 178.
(6) انظر: المغني 10/ 175.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 176/ب.(1/533)
يُحدُّونَ، والثاني: يُحَدُّ الشَّاهدانِ اللذانِ شَهِدا أنها طاوَعَتْهُ، وَهُوَ اختيارُ أبي بكرٍ، ويُقَوي أنَّه يُحَدُّ الرَّجُلُ المشْهودُ عَلِيهِ، ولا حَدَّ عَلَى المرأَةِ والشُّهودِ، فإن شَهِدَ اثنانِ أنّه زَنَا بِهَا فِي هَذَا البَيْتِ، وَآخرَانِ أنَّه زَنَا بِهَا فِي بَيتٍ آخرَ، أو شَهِدَ اثنانِ أنَّهُ زنا بِهَا فِي بَغدادَ وآخرانِ أنَّه زَنا بِهَا فِي عكبرى؛ فالشُّهودُ فِيهِ فِي إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اختارَهَا الخِرَقيُّ، وفي الأخرى يَلزَمُ الشُّهودَ عَلَيْهِما الحدُّ، وَهيَ اختيارُ أبي بَكرٍ ظَاهِرُ هَذِهِ الروايَةِ أنَّه لا تُعْتبَرُ شهادَةُ الأربَعةِ عَلَى فِعلِ واحِدٍ، وإنّما يُعتبرُ عَدَدُ الشهود فِي كَونِها زانيةً وَفيهَا تُحَدُّ، فإنْ شَهِدَ اثنانِ أنها زنا بِهَا فِي قَمِيصٍ أَحمرَ، واثنانِ أنَّه زَنَا بِهَا فِي قَميصٍ أَبيضَ، أو شَهِدَ اثنان أنّه زَنَا بِهَا فِي زاويةِ بيتٍ، واثنان أنّه زَنَا بها فِي زاويةٍ مِنْهُ أُخرى؛ فَقَالَ أبو بَكرٍ، وشيخُنا: يَجِبُ الحدُّ عَلَى المشهودِ علَيهِمِا، وَيتخرجُ أنهَّ لا حدَّ عليهِمِا فيمَا ذَكَرنَا فِي مَسأَلَةِ اختِلافِهمِ فِي الإكرَاهِ، والمطاوَعَةِ، فإنْ قَامَتِ البيَّنةُ عَلَيْهِمَا بالزِّنَا؛ فَشَهِدَ نِساءٌ ثقاتٌ أَنّها عَذْراءُ، فلا حَدَّ عَلَيْهَا وعلى الشُّهود نَصَّ عَلِيهِ، وإذا شَهِدَ عَلِيهِ بالزِّنا ثمانيةٌ، فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ أربعةٌ مِنْهُم وقالوا: أخطأنا، لَزِمَهُم نِصفُ دِيَّة المرجومِ، وإن رَجَعَ الجَميعُ، لَزِمَ كلَّ واحِدٍ مِنْهُم ثُمنُ الدِّيَّة، فإنْ شَهِدَ أربعَةٌ بالزِّنَا، واثنَانِ بالإحصَانِ، فَرُجِم، ثُمَّ رَجَعَ الجميعُ وَقالُوا: أخطأنَا لَزِمَهُ الدِّيَّة بينَهُم أسدَاسَاً فِي أحَدِ الوَجهَينِ، وفي الأخر عَلَى شَاهِدَي الإحصَانِ النِّصف، وعلى شهودِ الزِّنا النِّصفُ، اختارَهَا أبو بَكرٍ فإنْ شَهِدَ أربَعةٌ بالزِّنا، وشَهِدَ منهم اثنانِ بالإحصَانِ، صَحَّت الشهادة، فإن رُجِمَ ثُمَّ رجَعوا فَعَلى مَنْ شَهِدَ بالإحصَانِ ثَلاَثَةُ أربَاعِ الدِّيَّة فِي أحَدِ الوجهَينِ، وفي الآخَرِ: ثُلُث الدِّيَّة، فإن شَهِدَ أربعةٌ بالزنا وزَكّاهم اثنان فَرُجِمَ المشهودُ عَلَيهِ، ثُمَّ بان أنَّ الشُّهودَ كَانوا فُسّاقاً، فلا شَيءَ عَلَى الشُّهودِ بالزِّنا /388 ظ/ وَيلْزمُ شاهِدَ التزكيةِ الدِّيَّة، وإنْ شَهِدَ أربعةٌ عَلَى رجلٍ أنه زَنَا بامرأَةٍ فجَاءَ شُهودٌ أربعةٌ فشَهِدوا على الشهودِ أنّهم هُمُ الزُّناةُ بِهَا، لَمْ يُحَدَّ المشهودُ عَلِيهِ، وهل يُحَدُّ الشُّهودُ الأولونَ؟ عَلَى روايتينِ، ولا يثبُتُ الإقرارُ بالزِّنا إلا بأربَعةِ شُهودٍ، وَعنْهُ: أنّه يَثبُتُ بِرَجُلَينِ، وَتُقْبَلُ الشَّهادَةُ عَلَى الزِّنا والسَّرِقَةِ، وشُربِ الخَمْرِ مَعَ تَقادُمِ الزَّمانِ، ويَحتَمِلُ أنْ لا يُقبَل للتُّهمَةِ، وإذا ثَبتَ الحَدُّ بالإقرارِ، فالمُستَحَبُّ أنَّ يَبْدَأَ الإمامُ بالرَّجمِ، وإذا رَجَعَ المقرُّ فِي إقرَارهِ سَقَطَ عَنْهُ الحدُّ، وإذا ثَبَتَ بالبيِّنةِ، فالمُستَحَبُّ أَنْ يبدأَ الشُّهودُ بِالرَّجمِ، ولا يسقُطُ الحدُّ بِتَوبَةٍ، ولا تُقامُ الحُدودُ فِي المسَاجِدِ.(1/534)
بَابُ التَّعزِيرِ (1)
التَّعزِيرُ فيمَا شُرِّعَ لَهُ التَّعزيرُ وَاجِبٌ، والذي شُرِّعَ لَهُ التَّعزيرُ هُوَ فِعلُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ لا حَدَّ فيها، ولا كفّارةَ، وَيَختَلِفُ مقدارُهُ باختلافِ أسبَابِهِ، فما كَانَ سَبَبُهُ الوطءَ غُلِّظَ، ولم يُبالِغْ بِهِ عَلَى الحُدودِ، مثلُ وطءِ الجاريةِ المشرِكَةِ يُضْرَبُ مِئَةً إلا سَوطانِ، ووطءِ جاريةِ امرأَتهِ إذا أباحَتْهَا لَهُ، ووطءِ المرأةِ دونَ الفَرجِ، ويَسقطُ النَّقيُ. نَصَّ عَلَيهِ، وكذلكَ إذا زَوَّجَ أمتَهُ، ثُمَّ وَطئَهَا، أو مَلَكَ أختَهُ مِنَ الرضَاعِ فَوَطِئَهَا، يُضَربُ مِئَةً نَصَّ عَلَيهِ.
وكذلكَ يخرجُ إذا أتى بهيمةً؛ فقلنا: أنَّه لايُحَدُّ، وقد نقلَ عَبْدُ اللهِ، وأبو طالبٍ، وابنُ منصورٍ، وأبو الحارثِ فيمن وَجَدَ مَعَ امرأةٍ رَجُلاً. قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: لا يُجلدُ مئةً إلا فِي حَدٍّ، وعليه تعزيرٌ، وكلُّ من لَمْ يكن عَلِيهِ حدٌّ قائمٌ بعينِهِ؛ فعليهِ تعزيرٌ، والتعزيرُ عشرُ جلداتٍ لحديثِ أبي بردة بن نيارٍ (2)، وهذا يدلُّ عَلَى أنّه لا يزادُ فِي التعزيرِ عَلَى عشرِ جلداتٍ، والأولُ أشهرُ فِي المذهبِ، فأمّا مَا لَمْ يكنُ وَطئاً، كقُبْلةِ الأجنبيةِ، والخلوةِ معها، وشتمِ النَّاسِ، والجنايةِ عليهم بما لا يوجبُ القصاصَ والقذفِ بغير الزِّنا، واللواطِ، وشهادةِ الزورِ، وإذا سَرقَ نصاباً من غير حِرزٍ، وأقلَّ من نصابٍ من حرزٍ، وما أشبهَ ذَلِكَ؛ فإنّه لا يبلُغُ بِهِ أدنَى الحدودِ، وعنه أنّه يُجْلدُ عشرةً، وعنه: أنه يجلدُ تسعةً، وإنْ زادَ الإمامُ فِي الجلدِ سَوطاً، أو حَكَمَ بشهادةِ شهودٍ فبانوا أنَّهم /389 و/ لَيسُوا من أهلِ الشَّهادةِ، أو أحَدَّ امرأةً، ولم يَعْلَمْ بحملِها، فألقَتْ جَنينَاً، وما أشبه ذَلِكَ مِنْ خَطأ الإمامِ فهل يكونُ ذَلِكَ عَلَى عاقِلَتِهِ، أم فِي بيت المالِ؟ عَلَى روايتينِ.
بَابُ الحدِّ فِي السَّرِقَةِ
إذا سَرَقَ المكلَّفُ نِصاباً من المالِ لا شبهةَ لَهُ فِيهِ من حرزٍ (3) مثلهِ (4)، وَجَبَ عَلِيهِ
__________
(1) التعزير: - لغة مأخوذ من الفعل الثلاثي عَزَرَ، وعزرَّه: منعه ورده وأدبه. وشرعاً: هُوَ عقوبة غير مقدرة شرعاً، تجب حقاً لله، أو لآدمي فِي كل معصية لَيْسَ فيها حد ولا كفارة غالبا.
انظر المعجم الوسيط 598 مادة (عزر)، الموسوعة الفقهية 12/ 254.
(2) ونص الحديث: ((لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله)).
أخرجه ابن أبي شيبة 10/ 107، وأحمد 3/ 466 و4/ 75، وعبد بن حميد (366)، والدارمي (2319)، والبخاري 8/ 215، وأبو داود (4491)، وابن ماجه (2601)، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 164، وفي شرح مشكل الآثار (2443)، وابن حبان (4452) و (4453)، والطبراني في الكبير 22/ (514) و (515) و (516)، والحاكم 4/ 381 - 382، والبغوي (2609).
(3) فِي الأصل: ((حر)).
(4) انظر: الروايتين والوجهين 178/ب و 179/أ، والهادي: 234.(1/535)
القطعُ، وسواءٌ كَانَ السارقُ مسلماً، أو ذمياً، أو مرتدَّاً (1)، والنصابُ: ثلاثةُ دراهمَ فضةً، أو رُبعُ دينارٍ ذهباً، أو قيمةُ أحدِهِمَا من العروضِ فِي إحدى الروايتيِنِ (2)، وفي الثانيةِ لا تُقوَّمُ العروضُ إلا بالدرَاهمِ، وفي الثالثةِ الاصلُ الدراهمِ فَقَطْ، ويُقَوَّمُ الذهبُ والعروضُ بها، ولا فرقَ بَيْن مضروبِ ذَلِكَ وتَبرِهِ، ولا فرقَ فِي العروضِ بَيْنَ مَا يُسرعُ إليهِ الفسادُ من الفاكهةِ، والبطيخِ، وبين غيرهِ، ولا فرقَ بَيْن الصُّيودِ المملوكةِ والطيرِ، وبين غيرهاِ، ولا بَيْن الحَطَبِ، والخَشَبِ غير الثمينِ وبين الثمينِ من الأينوسِ، والساجِ، والصندلِ فِي وجوبِ [القطعِ] (3).
فإن سَرَقَ ما يساوي نصاباً، ثُمَّ نقصتْ قيمَتُه، أو مَلكُهُ ببيعٍ، أو هبةٍ لَمْ يسقطِ القطعُ، وإذا اشتركَ جماعةٌ فِي سرقةِ نصابٍ. قُطِعوا سواءٌ أخرجُوه معاً أو أخرجَ كلُّ واحدٍ منهم جزءً مِنْهُ (4)، فإن اشتَركَ اثنانِ فِي هَتْكِ حِرْزٍ، وَدَخَلا، فأخرَجَ أحدُهُما نِصَابَاً، ولَمْ يُخْرِج الآخرُ شيئاً، لَزِمَهُما القطعُ، فإن دَخَلَ أحدُهُما، ورمى المسروقَ إلى خارجِ الحِرزِ، فأخَذَهُ الآخرُ، أو خَرَجَ فأخَذَهُ، فالقطعُ عَلَى الداخلِ خاصةً، فإن قَرَّبَهُ من بَابِ النَقَبِ، فأدخلَ الخارجُ يدهُ، فأخذَهُ، فالقطعُ عَلَيْهِمَا، فإن نَقَبَ أحدُهُما، وَدَخَل الآخرُ، فأخرجَ المتاعَ، فلا قَطْعَ عَلَى واحِدٍ منهُما، ويحُتملُ أن يُقطَعا، إلا أن ينقبَ أحدُهما، ويمضيَ، فيجيءَ آخرٌ من غَيرِ علمٍ، فيرى هَتْكَ الحِرزِ، فيدخلَ ويأخذَ، فلا يُقطعانِ وجهاً واحداً، وإذا نَقَّبَ الحرزَ فَقَالَ لِصغيرٍ ادخلْ فأخرِج المالَ، فأخرَجَهُ، أو دَخَلَ وتركَ المالَ عَلَى بهيمةٍ فخرجتْ بِهِ، فَعَلَيهِ القَطعُ، والسارقُ من غيرِ حِرزٍ لا يُقْطَع، والأحرازُ تَخْتَلفُ باختلافِ الأموالِ والبلدانِ /390 ظ/ وعدلِ السلطانِ، وجورهِ،
__________
(1) يقطع الْمُسْلِم بسرقة مال الْمُسْلِم والذمي ويقطع الذمي بسرقة مالهما، وكذلك المرتد إذا سرق لان أَحْكَام الاسلام جارية عَلِيهِ، انظر المغني 10/ 276.
(2) اختلفت الرواية عَن أحمد فِي قدر النصاب الَّذِي يجب القطع بسرقته فروى عَنْهُ أبو اسحاق الجوزجاني أَنَّهُ ربع دينار من الذهب، أو ثَلاَثَة دراهم من الورق أو ماقيمته ثَلاَثَة دراهم من غيرهما. وعنه أن الأصل الورق ويقوم الذهب بِهِ، فإن نقص ربع دينار عَن ثَلاَثَة دراهم لَمْ يقطع سارقه. انظر مسائل الامام أحمد (رِوَايَة أبنه عَبْد الله) 3/ 1286 (1787)، ومسائل أحمد (برواية ابْن هانيء) 2/ 89
(1561)، والمغني 10/ 242.
(3) فِي الأصل بدون كلمة " القطع " فأثبتناها لإتمام الكلام والفائدة.
(4) وذلك لأن النصاب أحد شرطي القطع، فاذا اشترك الجماعة فِيهِ، كانوا كالواحد قياساً عَلَى هتك الحرز، ولأن سرقة النصاب فعل يوجب القطع، فاستوى فِيهِ الواحد والجماعة كالقصاص، وبدون تفرق بَيْن كون المسروق ثقيلا يترك الجماعة فِي حمله وبين أن يخرج كل واحد مِنْهُ جزءاً ونص أحمد عَلَى هَذَا.
انظر: المغني 10/ 295 - 296، والمحرر فِي الفقه 2/ 157.(1/536)
وضَعْفِهِ، وقوتهِ عَلَى قَوْلِ ابْن حامدٍ.
فحرزُ الثيابِ، والحِليِّ، والدراهمِ، والدنانيرِ، والجواهرِ فِي الصنادِيق وراءَ الأقفال أو الأغلاقِ الوثيقةِ (1) فِي العمرانِ، وَحِرزُ القماشِ من الصُّفرِ، والنُّحاسِ، والزلالي، والفُرُشِ فِي الدورِ والدكاكينِ، والأبوابِ، والأغلاقِ، وَحِرزُ البَقلِ، وقدرُ الباقلاني وراءَ الشرائجِ إذا كَانَ فِي السوقِ حارساً وحِرزُ الحطبِ أن يُعبأَ بعضَهُ عَلَى بعضٍ فِي الحظائرِ ويُربَطَ بحبلٍ، وحِرزُ الثيابِ فِي الحمامِ بالحافظِ، وحفظُ المواشي بالرَّاعي، ونظرهِ إليها، وحِرزُ السُّفُنِ فِي الشطِّ بِرَبْطِها، وحِرزُ الحمولَةِ من الإبل بالفقطيرِ والسائقِ، وحرز الماشيةِ بنظرِ الراعي إليها، وحرز الكَفَنِ عَلَى الميتِ بالقبرِ، فعلى هَذَا لَوْ جُعِلَ الجَوهَرُ، والذهبُ، والفضةُ، والثيابُ والقماشُ فِي وراءِ الشرائِجِ لَمْ يكنْ ذَلِكَ
حِرزاً، وكذلكَ لَوْ جُعِلَ القُدورَ فِي الحظيرةِ وراءَ الجبلِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: الاحراز لا تختلفُ فما كَانَ حرزاً لمالٍ كَانَ حرزاً لمالٍ آخرَ، وعندي: أنَّ قولهَما يرجِعَ إلى اختلافِ حالينِ فما قَالَ (2) أبو بَكْر يرجعُ إلى قوةِ السلطانِ وعَدْلهِ، وبسطِ الأمنِ، وما قالهُ ابْن حامدٍ يرجعُ إلى ضعفِ السلطانِ، وعادُ البلدِ مَعَ الدمارِ فِيهِ، وإذا نقب حرزاً فدخلَ وابتلعَ ديناراً، أو جوهراً، وخرجَ، وجبَ عَلِيهِ القطعُ وإنْ سرقَ منديلاً لا يساوي نصاباً، وفِي طرِفِهِ دينارٌ مشدودٌ لا يعلمُ بِهِ لَمْ يلزمْهُ القطعُ، وكذلك إذا يساوي نصاباً فِيهِ خمرٌلم يُقطَعْ عَلَى قولِ أصحابِنا، وعندي: أنّه يُقطَعُ، وَهُوَ ظاهُر كلامِ أحمدَ (رحَمهُ اللهُ (فِي روايةِ حربٍ فيمن سرقَ كتاباً فِيهِ علمٌ لينظرَ فِيهِ، وهل يُقْطعُ؟ فَقَالَ كلُّ مَا (3) بلغَ قيمتُهُ ثَلاَثَةَ دراهمَ قُطِعَ فِيهِ، فعلى هَذَا يقطعُ بسرقةِ المصحفِ، وكتبِ الفقهِ، والحديثِ، وَقَالَ أبو بكرٍ وشيخُنا لا يقطعُ بسرقةِ المصحفِ، وإن سرقَ رِتَاجَ الكعبةِ قُطعَ، وإن سرقَ الستارةَ المعلقةَ عَلَى البيتِ فظاهرُ كلامِهِ فِي روايةِ إبراهيمَ أنّهُ لا يُقْطعُ /391 و/ لأنّه قَالَ من سرقَ شيئاً من الكعبةِ قُطِعَ، وإن كانَ خارجاً مِنْهَا لَمْ يُقْطع، وَقَالَ شيخُنا: يُقْطعُ بسرقةِ الستارةِ المخيطةِ عَلَيْهَا، وإن سرق تأزيرَ المسجدَ وبابَهُ قطعَ (4)، فإن سرقَ قناديلَهُ،
__________
(1) فِي الأصل: (والوثيقة).
(2) فِي الأصل: كال.
(3) فِي الأصل: كُلَّمَا.
(4) حكى ابْن قَدامة فِيهِ وجهين:
أحدهما: القطع مذهب الشَّافِعِيّ وأبي الْقَاسِم صاحب مَالِك وأبي ثور وابن المنذر، لانه سرق نصابا محرزاً بحرز مثله لا شبهة لَهُ فِيهِ، فلزمه القطع كباب بيت الادمي.
والثاني: لا قطع عَلِيهِ وَهُوَ قَوْلِ أَصْحَاب الراي؛ لانه لامالك لَهُ من المخلوقين فلا يقطع فِيهِ.
انظر: المغني 10/ 255 (256.(1/537)
وحصيرَهُ فهل يُقْطع؟ يحتملُ وجهينِ (1)، وإذا سرَقَ آلةَ اللَّهْوِ، لَمْ يُقطعْ. فإن سَرَقَ صليباً، أو صنماً من ذهبٍ، فَقَالَ شيخُنا: لا يُقطعُ وعندي: أنّه يُقطعُ. فإن سَرَقَ صغيراً من حرزٍ قُطعَ إذا كَانَ عبداً (2)، وإن كَانَ حراً فهل يقطع؟ عَلَى روايتينِ فإنْ قلْنَا لا يُقطع فسَرقَه وعليه الحِليُّ فهل يقطَعُ؟ يحتملُ وجهينِ (3)، فإن سرقَ ثياباً من الحمَّامِ أو عِدْلاً من السوقِ وهناك حافظٌ فعليه القطعُ، وإذا قَطَّ (4) جيبَ رجلٍ فسقطَ مِنْهُ المالُ فأخذهُ فعليهِ القطعُ، وعنهُ لا قطعَ عَلِيهِ، وإذا قُطِع بسرِقَةِ عَينٍ ثُمَّ عادَ فسرقهاَ وجَبَ عَلِيهِ القطعُ، ومن أعارَ دارَهُ، أو أجرها ثُمَّ سُرقَ مِنْهَا مالُ المُستعيرِ أو المستأجِرِ لَزِمَهُ القطعُ، وإذا سُرِقَ المسروقُ مِنْهُ أو المغصوبُ مِنْهُ مال الغاصب أو السارقِ من الحرزِ الَّذِي فِيهِ العينُ المسروقةُ أو المغصوبةُ لَمْ يلزمْ القطعُ فِي أحدِ الوجهينِ، وفي الآخرِ يلزمُهُ القطعُ، فإن سرقَ الأجنبيّ المالَ المسروقَ من السارقِ أو المغصوبَ من الغاصبِ فلا قطعَ. فإن كانَ لَهُ عَلِيهِ دينٌ فسرق مِنْهُ مقدارَ دينهِ، فَقَالَ شيخُنا: يقطعُ، وعندي: إن جَحدَهُ دينَهُ فسرقَ مِنْهُ بمقدَارِ دَينهِ فلا قطعَ عَلِيهِ. ومنْ سَرَقَ من مالٍ لَهُ فِيهِ شبهة كمالِ بيتِ المال، أو المالِ الَّذِي لَهُ فِيهِ شريكه، والغازي إذا سَرَقَ من الغنيمةِ قَبْلَ القسمةِ، والابن وإن سَفلَ من أبيه، والأبِ وإن علا من ابنهِ، والعبدِ من مالِ سيّدِه، لَمْ يقطعْ، وإن سَرَقَ أحدُ الزَّوجَينِ من الآخرِ فهل يقطعُ؟ عَلَى روايتينِ (5)، وإن سَرَقَ الأخُ من أخيِهِ قُطِعَ، وكذلكَ بقيَّةُ الأقاربِ، ويُقطع (6) الْمُسْلِمُ بسرقةِ مالِ الذميِّ والمستأمَنِ، ويَقطَعُ الذمِّيُّ والمستأمَنُ بسَرِقَةِ مالِ الْمُسْلِمِ، ومن سرقَ عيناً وادّعى أنها ملكُهُ /392 ظ/ لَمْ يُقْطَعْ فِي إحدى (7) الرِّواياتِ، والثانيةُ: أنّه يُقطعُ، والثالثةُ: إن كَانَ معروفاً بالسرقةِ قُطِعَ، وإلا فلا يقطعُ،
__________
(1) ذكر ابْن قدامة أنَّ فِي سرقة حصر المسجد وقناديله، وجهاً واحداً، وَهُوَ عدم القطع لا غيره، لكونه مِمَّا ينقطع بِهِ فيكون لَهُ فِيهِ شبهة فَلَمْ يقطع بِهِ كالسرقة من بيت المال. انظر لمغني 10/ 256.
(2) وهذا عَليهِ عامة أهل العلم، قَالَ ابْن المنذر: ((أجمع عَلَى هَذَا كل من نحفظ عَنْهُ من أهل العلم)) والصغير الَّذِي ينقطع بسرقته هُوَ الَّذِي لايميز، فإن كَانَ كبيراً لَمْ يقطع سارقه، إلا أن يكون نائماً، أو مجنوناً، أو عجمياً، لا يميز بَيْن سيده، وبين غيره فِي الطاعة فيقطع. انظر: المغني 10/ 245.
(3) انظر المغني 10/ 245.
(4) فِي الأصل: رط، ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(5) نقل صالح لا قطع عَلِيهِ، وَهُوَ اختيار الخرقي وأبي بَكْر ونقل حَنْبل: عَليهِ القطع.
انظر الروايتين والوجهين 179/ب.
(6) فِي الأصل: ويقع.
(7) فِي الأصل: (احد).(1/538)
ويُقطعُ النباشُ بسرقةِ كفنِ الميتِ من القبرِ، ولا قطعَ عَلَى من انتهبَ، أو اختلسَ، أو خانَ، فأما جاحِدُ العاريةِ فَنصَّ عَلَى أنّهُ يُقطَعُ وقالَ أبو إسحاقَ بْنُ شاقلا: يُقطَعُ، وَهُوَ الصَّحيحُ، ولا يقطعُ السارقَ إلا الإمامُ أو نائبُهُ، ولا يقطعُ بمطالبةِ المسروقِ مِنْهُ اختارَهُ الخِرَقِيُّ، وَقَالَ أبو بكرٍ: يقطعُ من غيرِ مُطالَبةٍ (1)، ولا يُقطَعُ إلا بشهادةِ رَجُلينِ عَدْلينِ، وإقرار مرَّتينِ (2)، وإذا رجَعَ بعد الإقرارِ سقَطَ القطعُ، وإذا وَجَبَ القطعُ قُطِعَتْ يَدُهُ اليمنى، فإن [عاد] (3) قطعت، رجلهُ اليسرى، فإن عادَ لَمْ يُقطعْ، وحُبِسَ وعزِّرَ فِي إحدى الرِّوايتينِ، وفي الأخرى تُقطعُ يَدُهُ اليُسرى وإن عادَ الرابعةَ قُطِعَتْ رِجلُهُ اليُمنَى (4)
__________
(1) المذهب المختار للقاضي والخرقي وأصحابه أن لاقطع وأن اعترف بالسرقة، أو قامت بينة، حَتَّى يأتي مالك المسروق يدعيه؛ لأن المال مِمَّا يباح بالبذل، فيحتمل أن مالكه أباحه له، أَوْ وقفه عَلَى طائفة السارق منهم، أو أذن لَهُ فِي دخول حرزه، ونحو ذَلِكَ، فا عتبرت المطالبة لتزول الشبهة، وعلى هَذَا يخرج الزنا فإنه لا يباح بالإباحة، ولأن القطع أوسع فِي الإسقاط، ولأن القطع شرع لصيانة مال الآدمي فله بِهِ تعلق فَلَمْ يستوف من غَيْر حضور مطالب بِهِ، والزنا حق الله تعالى محض فَلَمْ يفتقر إلى طلب بِهِ. انظر: المغني 10/ 300.
وَقَالَ أبو بَكْر فِي الخلاف: لا يشترط المطالبة، وَهُوَ قوي، عملاً بإطلاق الآيَة الكريمة، وعامة الأَحَادِيث، فإنه لَيْسَ فِي شيء مِنْهَا اشتراط للمطالبة ولا ذكرها، ولو اشترطت لبين ذَلِكَ، وذكرها وألا يلزم تأخير البيان عَن وقت الحاجة، والإخلال بما الحكم متوقف عَلِيهِ، وأنه لايجوز.
انظر: شرح الزركشي 4/ 83.
(2) انظر: شرح الزركشي 4/ 81 - 82، وكشاف القناع 6/ 143.
(3) زيادة يقتضيها السياق.
(4) فِي إحدى الروايتين عَن أحمد، واختيار الخرقي، وأبي بَكْر فِي خلافه، وابن عقيل، والشيرازي، وأبي مُحَمَّد وغيرهم لعموم قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} (المائدة: من الآية33) إلى قوله: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} (المائدة: من الآية33) وهذا محارب لله ولرسوله، فشملته الآيَة وقد اشار عَلِيّ - رضي الله عنه - إلى ذَلِكَ فروى سَعِيد، حَدَّثَنَا أبو الأحوص، عَن سماك بْن حرب عَن عَبْد الرحمان بْن عابد قَالَ: أُتي عُمَرُ - رضي الله عنه - برجل أقطع اليد والرجل قَدْ سرق فأمر به عُمَر - رضي الله عنه - أن تقطع رجله فَقَالَ عَلِيّ - رضي الله عنه -: إنما قَالَ الله تعالى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ =
= اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (المائدة: من الآية33) إلى آخر الآية وقد قطعت يد هَذَا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله، فتدعه فاستودعه السجن)) ولأن ذَلِكَ بمنزلة إهلاكه، فإنه لايمكنه أن يتوضأ ولا يغتسل، ولا يحترز من نجاسة، ولا يزيلها عَنْهُ ولا يدفع عَن نفسه، ولا يأكل، ولا يبطش، وبذلك علل عَلِيّ بْن أبي طالب - رضي الله عنه -.
والرواية الثانية: تقطع يده اليسرى فِي الثالثة، والرجل اليمنى فِي الرابعة لما رَوَى جابر - رضي الله عنه - قَالَ:
((جِىءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بسارق، فَقَالَ: اقتلوه، فَقَالَوا: يارسول الله إنه سرق فَقَالَ: (اقطعوه فقطع ثُمَّ رمي بِهِ الثالثة فَقَالَ: اقتلوه فقالوا: يارسول الله إنه إنما سرق. فَقَالَ: اقطعوه، فقطع، ثُمَّ جىء بِهِ الثالثة فَقَالَ: اقتلوه، قالوا: يارسول الله إنما سرق فَقَالَ: اقطعوه، فقطع ثُمَّ أتي بِهِ =(1/539)
ومنْ سرقَ، ولا يَدَ لَهُ، قُطِعتْ رجلُه اليُسرى، فإن سَرَقَ ولَهُ يمنى فَلَمْ يُقطع حَتَّى ذَهَبَتْ سَقَطَ القطعُ، فإن وَجَبَ عَلِيهِ القطعُ، فَقَطَعَ القاطعُ يسارَهُ عمداً، اقتيدَ من القاطعِ، وهل تُقْطع يمينُهُ أم لا (1)؟ عَلَى وجهين أصلهما هَلْ يقطع أربعته أم لا؟ عَلَى روايتين، وإن قطعَهَا خطأً أُخِذَ مِنَ القاطعِ الدِّيَّة، وهل تقطع يمينُه؟ عَلَى وجهين، وإذا قطع حُسِمتْ يمينه بالزيتِ المغلي، وهل يخرجُ من بيتِ المالِ، أو من مالِهِ؟ يحتمل وجهين، وتُرَدُّ العينُ المسروقَةُ، أو قيمتُها إن كَانَتْ قَدْ تَلَفَتْ مَعَ القطعِ، ومَنْ سَرَقَ التمرَ من النخل، أو الشجرِ وهِيَ فِي غيرِ حرزِ، فلا قطعَ عَلَيهِ، ويضمن عوضها مرتين، وإذا أقَرَّ العبدُ بسرقةِ مالٍ فِي يدِهِ من رَجُلٍ فصدَّقه، وكذَّبه السيدُ، فالمالُ للسيدِ، ويقطع العبدُ، وإن كَانَ المالُ تالفاً ثبتَ فِي ذِمَتِه.
بابُ حدِّ قطَّاعِ الطريقِ (2)
قطاعُ الطريقِ همُ الذينَ يُشهرُونَ السلاحَ، ويُخيفُونَ السبيلَ فِي البراري، والصَّحاري، فأمّا بينَ البُنيانِ فِي الأمصارِ /393 و/ فَقَدْ تَوقَفَ إمامُنا أحمدُ -رَحِمَهُ الله- عَن الجوابِ، واختلَفَ أصحابُنا، فظاهرُ كلامِ الخرقِيِّ أنّهُ لا يكونُ قاطعُ الطريقِ إلا خارجَ المِصرِ، وَقَالَ شيخنُا، وأبو بكرٍ حُكمُهُم فِي المِصرِ حكمُهم فِي الصحراءِ ولا فرقَ بينَ البَردِ والمباشرةِ، ولا بَيْنَ النِّساءِ والرِّجالِ. وعلى الإمام أن يطلُبَهم، فإن ظَفَرَ بهم قبلَ أنَ يُقْتَلُوا ويَأخذُوا المالَ فإنّه ينفيهم، فلا يَدَعُهُم يقطُنونَ فِي بَلَدٍ، وعنه أنه يطلبهُم فإذا ظَفَرَ بهم عَزَّرهم بما يَرْدعُهم فإن ظَفَرَبِهم وَقَدْ أخذَوا من المالِ مايُقْطَعُ فِيهِ السارقُ لا شبهةَ لهم فِيهِ، قُطِعَ من كلِّ واحدٍ منهم يدُه اليمنى، ورجلُه اليسرى فِي مقام ٍواحدٍ وجسمهما، وإن كَانَ دونَ النصابِ، فلا قَطْعَ عليهم وإن كانوا قَدْ قتلوا مكافئاً لهم
__________
= الرابعة، فَقَالَ: اقتلوه فقالوا: يارسول الله إنما سرق فَقَالَ: اقطعوه فقطع، فأتي بِهِ الخامسة، فَقَالَ: اقتلوه قَالَ: جابر - رضي الله عنه - فانطلقنا بِهِ فقتلناه، ثُمَّ اجتررناه، فألقيناه فِي بئر، ورمينا عَليهِ الحجارة))
أخرجه أبو داود 4/ 142 (4410)، والنسائي 8/ 90. انظر: شرح الزركشي 4/ 73 - 74.
(1) فِي الأصل بدون ((لا)).
(2) الأصل فِي حكمهم قَوْلِ الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (المائدة: من الآية33) وهذه الآية فِي قَوْلِ ابْن عَبَّاس، وكثير من العلماء نَزَلَتْ فِي قطاع الطريق من المُسْلِمِين.
انظر المغني 10/ 302.(1/540)
قتلوا حتمَاً، وهل يُصْلَبون؟ عَلَى روايتينِ (1) وإن قَتَلوا غيرَ مُكافيءٍ فهل يُقْتَلون أم لا؟ عَلَى روايتينِ (2)، وإن قَتَلَوا وأخذَوا المالَ، قُتِلوا وصُلبوا حَتمَاً، وعنه: أنَّهم يُقْطعونَ، ويقتلونَ، ذكرهُ شيخُنا فِي " المجردِ "، ولا توقيتَ فِي الصَّلبِ إلا أنهم يُصلبونَ بمقدارِ مَا يُشْهَرُ صلبُهم، وَقَالَ أبو بَكْر: مقدارُ مايقَعُ عَليهِ اسم الصَّلبِ، وإن جَنى قاطعُ الطريقِ جنايةً توجبُ القصاصَ فيما دونَ النفسِ، فهل يتحتمُ القصاصَ فيها؟ يحتملُ وَجهينِ (3) ولايسقط حكمُ الجرحِ بالقتلِ فِي المحارِبةِ، بل إِذا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وقتَلَ آخرَ قُطِعَ ثُمَّ قتل. فإن قَطع يسارَ رجلٍ ثُمَّ أخذ المالَ قُطِعت يسارُهُ قِصاصاً، وَقُطِعَت رجلُه اليسرى. وهَلْ تُقْطَعُ يَدُهُ اليُمْنى؟ بنيَ عَلَى الرَّوايتينِ فِي السَّارِقِ، إن قُلْنَا لا نقطعُ أرْبَعَتَهُ لَمْ تُقْطعْ يُمْناه هَاهُنا، وإنْ قُلْنَا تُقْطعُ أربَعَتُهُ قَطِعتْ يُمْناهُ وإذا اجْتَمَعَتْ عَلِيهِ حُدودُ اللهِ تعالى من جنْسٍ، مثل إن زنا مِراراً أو سرقَ مراراً حُدَّ لكلِّ جنسٍ حَّدٌ واحدٌ، وكذلك إذا كَانَتْ من أجناسٍ وَفيها قَتْلٌ مثل إن سرقَ وزنا وشرِبَ الخمرَ وقَتَلَ فِي المحاربةِ، قُتِلَ وسَقَطَت /394 ظ/ بقيةُ الحدودِ، وإن لَمْ يكن فيها إستُو فيَتْ جميعها، وكذلك إن كَانَتْ جميعها للآدميين إستوفيت، سواءٌ كَانَ فيها قَتْلٌ أو لَمْ يكنْ، وإن كَانَ بعضها للآدميِّ وبعضها لله تعالى بُديءَ بَحقّ الآدمي، نحو أن يقذِفَ ويَقطَعَ يدَ مكافٍ ويزنيَ ويشربَ الخمرَ، فإنا نقطعُ يدَهُ قِصاصَاً، فإذا بَرِيءَ حَدَدناه للقذفِ إذا قلنا هُوَ حقُّ آدميٍ، فإذا بَريء يحدُّ للشُربِ، وإذا بريء يحدُّ للزنا وإذا تابَ المحاربُ قبلَ أن يقدرَ عَلِيهِ سقطَ عَنْهُ كُلَّمَا كَانَ حقاً لله تعالى من أحكام القَطْعِ والقَتْلِ والصَّلْبِ وَيُسْتَوْفى مِنْهُ مَا كَانَ حقاً للآدمي، من
__________
(1) فإنهم يقتلون ولا يصلبون، وعن أحمد رِوَايَة أخرى أنهم يصلبون؛ لأنهم محاربون، يجب قتلهم فيصلبون كالذين أخذوا المال قَالَ ابْن قدامة: والأولى أصح؛ لأن الخبر المروي فيهم، قَالَ فِيهِ: ((ومن قتل ولم يأخذ المال قتل)) ولم يذكر صلبا، ولأن جنايتهم بأخذِ المال مَعَ القتل تزيد عَلَى الجناية بالقتل وحده، فيجب أن تكون عقوبتهم أغلظ، ولوشرع الصلب هاهنا؛ لاستويا. انظر: المغني 10/ 309 - 310.
(2) انظر: المغني 10/ 307، وشرح الزركشي 4/ 89 - 90.
(3) أحدهما: - لايتحتم؛ لان الشرع لَمْ يرد بشرع الحد فِي حقه بالجرح فان الله تعالى ذكر فِي حدود المحاربين القتل، والصلب، والقطع، والنفي فَلَمْ يتعلق بالمحاربة غيرها فلا يتحتم بخلاف القتل، فأنه حد فتحتم كسائر الحدود، فحينئذ لايجب فِيهِ أَكْثَر من القصاص والثاني: - يتحتم؛ لان الجرح تابعة للقتل، فيثبت فيها مثل حكمه ولانه نوع قود اشبه القود فِي النفس والأولى أولى، وإن جرحه جرحاً لا قصاص فِيهِ كالجائفة فليس فيه الا الدِّيَّة، وإن جرح انسانا وقتل آخر اقتص مِنْهُ للجراح وقتل للمحاربة.
انظر: المغني 10/ 310.(1/541)
القَصاص وضَمَانِ المَالِ وغَيْرِ ذَلِكَ، فإن تَابَ الزاني والسَّارِقُ وَشَارِبُ الخَمْرِ قَبْلَ أن يقام عَلِيهِ الحدودُ فهل يسقطُ عَنْهُ الحدُّ أم لا؟ على روايتينِ؛ إحداهُما: تسقطُ الحدودُ بمجردِ توبتِهِ ولا يُعتبرُ معَ ذلكَ إصلاحُ العَملِ، والثانيةُ: لا يَسقُطُ ويكونُ من تمامِ تَوبَتِهِ تطهرهُ بالحدِّ، فإنْ ماتَ من اجتمعتْ عليهِ هذهِ الحدودُ قبل الاستيفاءِ سقطَ عنه استيفاءُ ما كانَ حقاً للهِ تعالى وما كانَ حَقَّاً للآدَميِّ مما يوجِبُ المالَ كالقَتلِ والجراحِ فيسقطُ إليه.
باب حد المسكر (1)
كلُّ شرابٍ أسكرَ كثيرُهُ فشُربُ قليلِهِ وكثيرهِِ حرامٌ، سواءٌ كانَ مِنْ عَصِيْرِ العِنَبِ أو مِنَ التَّمرِ والعَسَلِ والحِنْطَةِ والشَّعيرِ والأرزِّ والذِّرةِ والدخنِ والجَزَرِ وسواءٌ شُرِبَ للذَةِ أوِ العَطَشِ والتداوي ويسمى خَمرَاً. ويجب بهِ الحدُّ على المسلِمِ المكلَّف الحرِّ المختَارِ ثمانونَ (2) في إحدى الروايتينِ وفي الأخرى حَدُّهُ أربعونَ (3)، والرَّقيقُ على النصفِ منْ ذلكَ (4)، فأمَّا الذِّمِي فلا يُحَدَّ بشُربِهَا والسكر مِنْهَا في الصحيحِ من المذهَبِ، وعنه (5) أنه يُحَدُّ ويُستوفى الحَدُّ بالسَّوطِ إلا أن يرى الإمامُ استيفَاءَهُ بالنِّعالِ والأَيدي، وإذا جَلَدَهُ
__________
(1) قال الزركشي في شرحه 4/ 92 - 93 ((تحريم الخمر إجماع أو كالإجماع، وقد شهد لذلك من الكتاب قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون - إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 90 , 91) قال بعض العلماء: والتحريم في الآية من نحو عشرة اوجه: تسميتها رجسا، وهو المستقذر، وجعلها من عمل الشيطان، والآمر باجتنابها، وجعل الفلاح مرتباً على اجتنابها، فمن لم يتجنبها لا يفلح، وجعلها توقع العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ثم طلب الانتهاء عنها بقوله سبحانه {فهل انتم منتهون} أي جدير وحقيق أن ينتهي عن شيء جمع هذه الأوصاف)).
(2) وهي اختيار الخرقي وابن عقيل والشيرازي. شرح الزركشي 4/ 96 وانظر المغني 10/ 329.
(3) وهي اختيار أبي بكر. انظر: المغني 10/ 329، وشرح الزركشي 4/ 96.
(4) أي على النصف من حد الحر وهو أربعون إن قلت: أن الحد ثمانون ويستوفي في ذلك العبيد والامة، وعلى الرواية الأخرى عشرون. الشرح الكبير 10/ 334.
وقال ابن قدامة في المغني 10/ 339: ((بدون سوط الحر - أي يحد بدون سوط الحر - لانه لما خفف عنه في عدده خفف عنه في صفته كالتعزير مع الحد، ويحتمل أن يكون سوطه كسوط الحر، لانه إنما يتحقق التنصيف إذا كان السوط مثل السوط أما إذا كان نصفا في عدده وأخف منه في سوطه كان أقل من النصف والله تعالى قد أوجب النصف بقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَاب} النساء 25. وانظر: شرح الزركشي 4/ 104 - 105.
(5) لانه شرب مسكر عالما به مختاراً أشبه شارب النبيذ إذا اعتقد حله. الشرح الكبير 10/ 334.(1/542)
الإمامُ في حَدِّ الخَمْرِ فماتَ فلا ضَمَانَ عَلَيهِ فإنْ زادَ على الحَدِّ سَوْطَاً فمَاتَ المحدودُ فَعَلَيْهِ كمَالُ الدِّيَّةِ /395و/ في أَحَدِ الوَجْهَينِ، وفي الآخَرِ نِصْفُ الدِّيَّةِ، فإنْ تَعَمَّدَ لَزِمتهُ في مالِهِ، وإنْ سَهَا فهل يكونُ في بَيْتِ المَالِ أو عَلَى عَاقِلَتِهِ؟ على روايتينِ، وإذا أقَرَّ بِشُربِ الخَمْرِ ثُمَّ رَجَعَ قَبلَ رُجوعِهِ، ولا يَجِبُ الحدُّ بوجوبِ الرائحَةِ، وعَنْهُ يَجِبُ الحَدُّ إذا شُمَّ مِنْهُ ريحُ المسكِرِ (1)، وحَدُّ السُّكرِ الذي يمنعُ صحةَ العباداتِ ودخولَ المسجدِ ويوجِبُ فسقَ شَارِبِ النَّبيذِ ويختَلِفُ في وُقوعِ طَلاقِهِ مَعَهُ هوَ الذي يجعلُهُ يَخْلِطُ في كَلامِهِ، وإذا وَضَعَ ثَوبَهُ معَ ثيابِ غَيْرِهِ أو نَعلَهُ مع نِعالِ غَيرِهِ لم يعرفهُ، وإذا أتى على العَصيرِ ثلاثةُ أيامٍ حُرمَ شُربُهُ، وإن لمْ تظهرْ فيه الشدةُ نصَّ عليه، وذكرهُ الخِرَقيُّ (2)، وعندي (3) أنه محمولٌ على عَصيرِ الغالبِ منهُ أَنْ يتخمرَ في ثلاثٍ، ولا يكرهُ أن يُنبذَ التمرَ أو الزبيبَ في الماءِ ليأخُذَ ملوحتَهُ ويشربَهُ ما لم يَشتدَّ، فان شَدَّ التَّمرُ والزَّبيبُ أو البرُّ والتمرُ كرِهَ شربُهُ، وإن وَجَدَ فيه الشِّدَّةَ حرمَ شُربُهُ، ويكرهُ أن يُنبذَ في الدبَّاءِ وهي القرعَةُ والحَنْتَمُ وهي شِبهُ الجرَّةِ الصَّغيرةِ، والنَّقيرِ وهي خَشَبَةٌ تخرطُ كالبرنيةِ والمز فَّتِ وهوَ ماقير بالزفتِ في إحدى الروايتينِ، وفي الأخرى لا يكرهُ ذلكَ (4) وهي الصحيحةُ (5).
كتابُ قتالِ أهلِ البغي (6)
كلُّ طائفةٍ كانت لهم مَنعةٌ وشوكةٌ وخَرجُوا عَنْ قَبضةِ الإمامِ وراموا خَلعَهُ أو مخالفَتهُ
__________
(1) نقلها عنه أبو طالب. الشرح الكبير 10/ 335.
(2) انظر: المغني 10/ 340، وشرح الزركشي 4/ 105.
(3) نقل كلامه ابن قدامه في المغني 10/ 340.
(4) انظر: المغني 10/ 341 - 342.
(5) قال المر داوي في الإنصاف 10/ 236: ((هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب)).
(6) البغي: هو التعدي، وبغي رجل على رجل: استطال عليه والخروج عن القانون يسمى بغيا، والباغي هو الذي يخرج على الأمام العادل، والخارجون على الأمام أربعه أصناف:
الأول: قوم امتنعوا من طاعته وخرجوا عن قبضته بلا تأويل أو بتأويل غير سائغ، فهولاء قطاع الطريق.
الثاني: قوم خرجوا عن قبضة الإمام أيضا، ولهم تأويل سائغ الا أنهم غير ممتنعين لقتلهم.
الثالث: الخوارج الذين يكفرون بالذنب، ويكفرون عثمان وعليا وطلحة والزبير. ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم الا من خرج معهم.
الرابع: قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الإمام ويرون خلعه لتأويل سائغ وإن كان صوابا.
انظر: المغني 10/ 49 - 50، وشرح الزركشي 3/ 655 - 657، والصحاح 6/ 228، والمعجم الوسيط: 65 (بغى).(1/543)
بتأويلٍ محتمَلٍ فَهُم بُغَاةٌ، وعلى الإمامِ أن يراسِلَهُم ويسألَهم ما يَبغونَ مِنْهُ، فان ذكروا مظلمةً أزالَها، وان ذكروا شبهةً كَشَفَها وبَيَّنَ لهمُ الحقَّ فيها. وإن أبوا قبولَ الحقِّ وَعَظَهُم، فإنْ أصَرُّوا خَوَّفَهم بالقتالِ، فإن لحوا قاتلَهم، فان استنظروا مُدةً ليتفكَّروا فإن رَجَا رجوعَهم أنظَرَهُم، وإنْ خَافَ اجتماعَهُم على حَربِهِ لم ينظِرْهُم ويقاتلُهم حتى يفيؤا إلى اللهِ تعالى والدخول /396 ظ/ في الجماعةِ. ولا يستعينُ على حربِهِم بالكفارِ. وهل يستعينُ بسلاحِ أهلِ البغي وكراعِهِم (1) على حربهم أم لا؟ يَحتَمِلُ وجهينِ (2)، ولا يتبعُ مُدبرَهم ولا يُجبروا على حَربِهِم، وإذا أسرَ مِنْهُم حَبَسَهُ حتى يقضِيَ حربَهم ويُطلقه، ولا يَغنمُ أموالَهم، ولا يَسبِي ذَرارِيَّهُم، وأذا أسَرَ مِنهُم امرأةً أو صَبياً خَلاَهُ، في أحَدِ الوجهَينِ. وفي الآخَرِ: - يحبِسُه (3). ولا يقاتِلُهم بما يعَمُّ إتلافُهُ كالنَّارِ والمنجَنيقِ إلاَّ لِضَرورَةٍ، وما أتلفَه أهلُ العدلِ على أهلِ البَغي في حَالِ القِتالِ غَيرُ مَضمونٍ.
وَهلْ يَضمنُ ما أتلفَهُ أهلُ البَغيِ على أهلِ العَدلِ أم لا؟ على روايتَينِ (4)، وَما أتلَفوهُ في غَيرِ حَالِ الحَربِ بَعضُهم على بَعضٍ فَهو مَضمونٌ، وَمَن وَجَدَ مَالَهُ في يَدِ الآخَرِ فله أخذُهُ ويَنفذُ مِن قَضاياهُم ما يَنفذُ مِن قَضايا أهلِ العَدلِ، وتُقبلُ شَهاداتُهُم ما أخَذوهُ مِن زَكاةٍ وأجِزيةِ اعتدَّ بِهِ، وَمَن ادّعى دَفعَ الزَّكاةَ إليهِم قُبِلَ مِنهُ، وإنِ إدَّعى ذِميٌّ دفعَ جِزيَتِهِ إليهِم لَمْ تُقبلْ إلا بِبَينةٍ (5). وإنِ ادَّعى مَن عَليهِ الخراجُ دَفَعهُ إليهِم فَهلْ تُقبلُ بِغيرِ بَينةٍ أمْ لا؟ عَلَى وَجهَينِ (6)، وإذا استَعانوا عَلَى قِتالِ أهلِ العدلِ بأهلِ الحَربِ وأعطَوهُم الأمانَ لَمْ يَصُحَّ أمانُهم وَجازَ لَنا قَتلُهم وسَبِي ذَرارِيهِم، واستغنامُ أموالِهِم، وإنِ استَعانُوا بِأهلِ الذِّمةِ فَقاتَلوا مَعهُم طَوعاً مَعَ عِلمِهم بأنَّ ذَلِكَ لا يَجوزُ فَقَد نَقَضوا العَهدَ، وهم كَأهلِ الحَربِ.
__________
(1) أي الخيل والسلاح. المعجم الوسيط: 783.
(2) الأول: لا يجوز؛ لأنه لا يحل أخذ مالهم لكونه معصوما بالإسلام، وانما أبيح قتالهم لردهم إلى الطاعة يبقى المال على العصمة كمال قاطع الطريق الا أن تدعو ضرورة فيجوز كما يجوز أكل مال الغير في المخمصة.
والوجه الثاني: يجوز قياسا على أسلحة الكفار. الشرح الكبير 10/ 58، والأنصاف 10/ 314.
(3) لأن فيه كسر البغاة. الشرح الكبير 10/ 60 وقال المرداوي في الإنصاف 10/ 315: ((الصواب النظر إلى ما هو أصلح من الإمساك والإرسال)).
(4) انظر: المغني 10/ 61، والإنصاف 10/ 315.
(5) أما إذا كان بغير بينة ففيه وجهان: الأول: لا يقبل قوله. وهو المذهب. الثاني: يقبل قوله مع يمينه.
الإنصاف 10/ 311.
(6) الأول: لا يقبل. الثاني: يقبل مع يمينه. انظر: المحرر 2/ 166، والإنصاف 10/ 318.(1/544)
وإذا ادَّعُوا شُبهةً بأنْ قَالوا: ظَنَنا أنَّ كُلَّ طَائِفةٍ مِنَ المُسلِمينَ إذا استَعانُوا بِنَا لَزِمَنا مَعونَتَهُم، وَمَا عَلِمنَا أنَّهُم أهلُ العَدلِ، والبَاغِي إذا قَتَلَ مَورُوثَه العَادِل لَمْ يرِثْهُ. فإنْ قَتلَ العَادلُ البَاغِيَ فَهلْ يَرِثُهُ أم لا؟ عَلَى رِوايَتَينِ:
فإنْ أظهرَ قومٌ رأيَ الخَوارجِ ولَمْ يَجتَمعوا لِحَربٍ لَمْ يَتعرضْ لهم بقتَالٍ، وَكانَ حُكمُهم حُكمَ أهلِ العَدلِ فِيما لَهُم وَعَليهِم، وإنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ الإمَامِ عَزَّرهُم، وإن أتوا بما يُوجِبُ حَدَّاً أقامَهُ عليهِم، وإذا أقتَتلَ طَائفتَانِ لِطَلبِ رِئاسَةٍ أو عَصَبيةٍ /397 و/ فَمالها بحاله وإنَّ لُكلِّ وَاحِدَةٍ مِنهُما ما أتلفَتْ عَلَى الأخرَى مِن نَفسٍ ومَالٍ، ومَنْ قَصَدَ نَفسَ رَجلٍ أو حُرمَتُه أو مَالَهُ فَلهُ دفعُهُ بأسهَلِ ما يُمكِنُ، فأنْ زَالَ إلى قَتلِهِ فَلا ضَمانَ عَليهِ. وَهلْ يَجِبُ عَليهِ دَفعُهُ؟ يحتَمِلُ وَجهَينِ، وإذا قَتَل إنسَاناً وادَّعا أنَّه دَخَلَ لِيسرُقَ مَالَهُ أو لِيقتُلهُ ولَم يَدفَعْ إلا بِقَتلِهِ، فإنْ كَانَ لَهُ بِينَةٌ بِما قَالَ، وإلا فَعَليهِ القِصاصُ.
كتاب المرتدِّ (1) والزنديقِ (2) والساحرِ
تَصِحُّ ردَّةُ البَالِغِ العَاقلِ المُختارِ، ولا تَصحُّ ردَّةُ الصَّبِي غَيرِ المُميزِ وَالمَعتُوهِ والمُكرهِ، فأمَّا الصَبيُ المُميزِ فَهلْ نَردُّهُ أم لا؟ عَلَى رِوايَتَينِ (3)، وأمَّا السَّكرانُ فَتصِحُّ رِدَّتُه في أظهَرِ الرِوايتَينِ. أجَازَهَا عَامَّةُ شيوخِنا، ولا تَصحُّ رِدَّتُهُ في الأخرَى (4)، وَيجبُ استِتَابَةُ المُرتَدِّ، وتَأجِيلِهِ بَعدَ الاستِتَابَةِ بِثَلاثَةِ أيَّامٍ في إحدى الرِوايَتينِ (5)، وفي الأخرَى لا يَجبُ
__________
(1) المرتد: لغة الراجع. شرعا: الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر.
انظر: المغني 10/ 74، وشرح الزركشي 4/ 5.
(2) الزنديق: هو من يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وهي نسبة إلى الزند (كتاب المجوس).
انظر: شرح الزركشي 4/ 13، والمعجم الوسيط: 403، ومعجم متن اللغة 3/ 65.
(3) انظر: شرح الزركشي 4/ 15، والإنصاف 10/ 329، والفروع6/ 126، ودليل الطالب: 318.
(4) لأن ذلك يتعلق بالاعتقاد والقصد، والسكران لا يصح عقده ولا قصده، فأشبه المعتوه؛ ولانه زائل العقل فلم تصح ردته كالنائم ولانه غير مكلف فلم تصح ردته كالمجنون، والدليل على أنه غير مكلف أن العقل شرط في التكليف وهو معدوم في حقه ولهذا لم تصح استتابته. المغني 10/ 108 - 109.
(5) نقلها عنه عبد الله، وحنبل، وإسحاق بن منصور، وأبو طالب.
انظر: مسائل عبد الله بن الإمام أحمد3/ 129 (1791)، أحكام أهل الملل: 416 - 417 (1201 - 1203)(1/545)
ذَلِكَ وتُستَحبُّ (1)، فإذا تَكرَّرتْ مِنهُ الرِّدةُ فَهلْ يُقبلُ إسلامُهُ أم لا؟ على روايَتينِ (2)، وَهلْ تُقبلُ تَوبةُ الزِّنديقِ وَهُوَ الذي يُظهِرُ الإسلامَ ويُبطِنُ الكُفرَ أم لا؟ عَلى رِوايَتينِ (3).
والذِي يعلمُ السِّحرَ الذي يَدَّعي بِهِ الجنُّ فَيطيعُهُ وإنه يعزمُ عَلَيها بطلسماتٍ وأشياءَ يَقولَها وَتَدخينٍ يُدخنُهُ فَتحضرُ، وَتَفعلُ مَا يَأمُرُها، وأنَّهُ يَركَبُ المِكنَسةَ فتسيرُ بِهِ في الهَواءِ، وأنَّه يُخاطِبُ الكَواكِبَ فَتُجيبُهُ، وما أشبهَ ذَلِكَ، فإنَّه يكفرُ بِذَلكَ. وَهلْ تُقبلُ تَوبتُهُ أمْ لا؟ عَلَى رِوايَتينِ: - أحدُهما: لا تُقبلُ تَوبتُهُ (4)، والثَّانيةُ: تُقبلُ تَوبَتُهُ (5)، ولا فَرقَ في ذلك بينَ الرجلِ والمرأةِ منَ المسلمينَ، فأمَّا ساحرُ أهلِ الكتابِ فقالَ أَصحابُنَا لا يقبلُ نصَّ عليهِ، ويخرجُ منْ عُمومِ قَولِهِ في روايةِ يعقوبَ بنِ بختانَ الزِّنديقُ والسَّاحِرُ: كيفَ تقبلُ تَوبَتُهُما يقتَلا، فأما مَن يَسحرُ بالأدويةِ والتَّدخينِ وَسقَى شيء يضرُّ بهِ الإنسان فلا يكفرُ بذلكَ، ولا تقبلُ إلا أن يقبل بهِ فيكونُ بمنزلةِ من يسقى السمَّ، إن كانَ الغالِبُ مِنْهُ أنهُ تقبل قبلَ بهِ، وإلا فعلَيهِ الدِّيَّةُ، وَيُعَزَّرُ بما يردعه عن فعلِ ذلكَ، ومَن
__________
(1) المغني 10/ 76، والإنصاف 10/ 328 - 329.
(2) الأولى: ما دام يتوب يستتاب، نقلها عن الأمام أحمد: إسحاق بن منصور
الثانية: نقل عبد الملك بن عبد الحميد أنه سأل أبا عبد الله: ما تقول في من خرج من الإسلام إلى الكفر ثم قال: قد تبت تقبل توبته؟ قال لي: نعم. قلت: فأن عاد آنفا، قال: قد تبت تقبل توبته؟ قال: نعم، قلت: فإذا فعل ذلك أبدا يؤخذ ويقول: قد تبت. قال: ما يعجبني هذا إلا آمن أن يكون هذا يتلعب بالإسلام يقتل. أحكام أهل الملل: 421 - 422 (1216، 1217).
(3) الأولى: يقتل ولا يستتاب. نقلها عن الأمام أحمد حنبل، وأبو الحارث، والميموني وأبن منصور.
وجهها أن الزنديق من عادته أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر ويدعو إليه في السر ويسعى في الأرض فساداً فأذا كان هذا معلوما من حاله لم يقبل قوله: أنه تاب.
والثانية: أنها تقبل. نقلها عنه عبد الله، وأبو طالب، وإسحاق بن إبراهيم بن هاني. ووجهها أن المنافقين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظهرون الإسلام ويسرون الكفر، ومع هذا فأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتلهم كذلك الزنديق.
انظر: مسائل عبد الله 3/ 1289 (1790)، ومسائل ابن هاني 2/ 93 (1579)، وأحكام أهل الملل: 459 - 461 (1333 - 1339)، والروايتين والوجهين 172/ ب -173/أ.
(4) نقل عن الإمام أحمد يعقوب بن بختان: الزنديق والساحر كيف تقبل توبتهما وهي اختيار أبي بكر والشريف وابن البنا. انظر: الروايتين والوجهين 172/ب. وشرح الزركشي 4/ 8.
(5) نقل حنبل عن الأمام أحمد أنه كالمرتد يستتاب وهي ظاهر كلام الخرقي.
انظر: الروايتين والوجهين 172/ ب، وشرح الزركشي 4/ 8.
وانظر: مسائل عبد الله 3/ 1279 (1777)، ومسائل ابن هاني 2/ 93 (1578)، أحكام أهل الملل: 464 - 468 (1349 - 1363)، وشرح الزركشي 4/ 807.(1/546)
/398 ظ/ لَمْ يَعْتَقِدْ وجوبَ العباداتِ الخمسِ وتحريمَ الخَمرِ والرِّبا واللواطِ والزِّنا، وما أشبهَ ذلكَ، ممَّا أجمعَ على وجوبِهِ فهوَ كافِرٌ، وَمَنْ تَرَكَ فِعلَ الصلاةِ مع اعتقادِهِ وجوبَهَا مِنْ غَيرِ عذرٍ كفرَ في إحدَى الرِّوايتينِ وكذلك الزكاةُ والحجُّ ومنْ سبَّ اللهَ ورسولَهُ وجبَ قتلُهُ ولم تقبلْ توبَتُهُ في إحدى الروايتينِ، وتقبلُ توبتُهُ في الأخرى، والمرتدُّ وغيرُهُ مِنَ الكفَّارِ إذا أتى بالشَّهادتينِ فقط أسلَمَ، وإنْ شَهِدَ أنَّ محمداً رسولُ اللهِ فقط حَكَمنَا بإسلامِهِ في إحدى الروايتينِ، وفي الأخرى إن كانَ مِمَّن يُقِرُّ بالتَّوحيدِ كاليهودِ حُكِمَ بإسلامِهِ، وإن كانَ مِمَّن لا يقِرُّ بالتَّوحيدِ كَمَنْ يعبدُ الأصنامَ والشَّمسَ والنَّصارى لم يُحْكم بإسلامِهِ، فان ارتَدَّ إلى دينٍ يرونَ أن محمداً - صلى الله عليه وسلم -، بُعثَ إلى العَربِ خاصَّةً لم يَصرْ مسلماً بالإقرارِ بالشَّهادتينِ حتى يَقولَ أَرسَلَهُ إلى العالمينَ، أو يقولَ: أنا بريءٌ مِن كلِّ دينٍ يخالفُ دينَ الإسلامِ، فان أَقامَ على الرِّدَةِ قَتَلَهُ الإمامُ، فإنْ قَتَلَهُ إنسانٌ بغَيرِ إذنِهِ عُزِّرَ، فان قامَتِ البَينَةُ أنهُ أَسلَمَ بعدَ الرِّدَةِ وجَبَ على قاتلِهِ القَوَدَ، قالَه أَبو بَكرٍ، ويحتمِلُ أَن لا يلزمَهُ إلا الدِّيَّةُ، ولا يزولُ ملكُ المرتَدِّ عن مالِهِ بنفسِ الرِدَّةِ: بل يكونُ مُوفقاً، وإنْ تَصَرَّفَ وَقَعَ تَصَرفُهُُ موفَقَاً، فإنْ عادَ الى الإسلامِ نَفَذَ تَصرفُهُ، وإنْ قتل على كرهٍ لم يَنْفُذْ تصرفُه، ويَقضي ديونَهُ، وتنفقُ على من يلزمُهُ نَفقتهُ ويؤدي أروشَ جناياتِهِ، وينفق على زَوجتِهِ إذا قلنا لا تَبينُ حتى تقضيَ عِدَّتَهَا ويحفظ الحاكمُ بقيةَ أموالِهِ، [فإذا رجع إلى الإسلام] (1) رُدَّتْ عليهِ، وقالَ أبو بَكرٍ يزولُ مُلكُه عن المالِ بنفسِ الرِّدَةِ، ولا ينفذُ شيءٌ من تَصرفَاتهِ ولا يلزمهُ نفقةٌ ولا حَدٌّ، فان رجعَ إلى الإسلام رُدَّ ماله إليه تمليكاً مستأنفاً، وإذا قُتِلَ المرتد أو ماتَ صَارَ مالُهُ فيئاً في بَيتِ المالِ في إحدَى الرواياتِ، وفي الأخرى يَكونُ مالُهُ لورثَتِهِ مِنَ المسلمينَ، وفي الثالِثَةِ: مَالُهُ لورَثَتِهِ مِنَ الكفَّارِ الذينَ اختارَ دينَهم، وما يَنقُله في حَالِ رِدَّتهِ من مالٍ أو نَفسٍ فهو مضمونٌ علَيهِ، سَواءٌ كانَ وحدَهُ أو ارتَدَّ جَماعَةٌ أو امتَنعوا /399 و/ بالحربِ، ويَحتملُ في الجماعةِ المرتدةِ أنْ لا يضمنَ مالَها في حالِ الحربِ، وما يتركُهُ من العباداتِ في حَالِ رِدَّتِهِ فهل يلزمُهُ قضاؤُهُ في حالِ إسلامِهِ؟ على روايتينِ، وإذا أقامَ وأرِثُهُ بينَةً أنه صَلَّى بعدَ الردةِ حكمنَا بإسلامِهِ، وكانَ مالُهُ لوارثِهِ. بينوا أصَلَّى في دارِ الحربِ أو دارِ الإسلامِ، ولا يصحُّ نكاحُ المرتدِّ، وما ولدَ له مِنَ الأولادِ في حَالِ ردَّتِهِ محكومٌ بكفرِهِم، ويجوزُ استرقاقُهم، وما ولدَ في حالِ الإسلامِ فهو مُسلمٌ لا يجوز استرقاقُهُ، ولا يجوز استرقاقُ المرتدةِ إذا ألحقَتْ بدارِ الحربِ. كما لا يجوز استرقاقُ المرتدِّ، ويجبُ قتلُهَا كالرَّجُلِ، ونقلَ فضلٌ بزيادةٍ في
__________
(1) في المخطوط: (فإذا لي السلام).(1/547)
المرتَدِّ إذا تزوجَ في دارِ الحربِ وولِدَ له ما يَصنعُ بولَدِهِ؟ فقالَ: - يُردونَ إلى الإسلامِ ويكونونَ عبيداً للمسلمينَ: فظاهِرُ هذا أنَّ نكاحَهُ صحيحٌ، وأنَّهُ لا يجوزُ إقرارُهُ له بالجزيةِ، ولا يقبلُ منهم إلا بالإسلامِ، إذا أسَروا يَرقونَ أو السَّيف، وإذا نقضَ الذميُّ العهدَ ولَحِقَ بدارِ الحربِ لَمْ ينقضِ العهدَ في ذريتِهِ ومالِهِ، ولم يَجزْ استرقَاقُهُم، سواءٌ كانوا في دَارِ الإسلامِ أو أخذَهُم مَعَهُ إلى دارِ الحربِ. ويجوزُ استرقاقُ الأبِ إذا وقعَ في الأسرِ، واسترقاقُ أولادِهِ الذينَ حَدثوا بعدَ نَقضِهِ، والردةُ لا تُبطِلُ إحصانَ الرجمِ ولا إحصانَ القذفِ. فَلوأنَّهُ قذفَهُ إنسانٌ بعد إسلامِهِ لزمه الحَدُّ، فإنْ قَطَعَ إنسانٌ يدَ مسلمٍ خطأً فارتَدَّ وماتَ فعلى عاقِلَةِ القاطعِ نصفُ ديتِهِ لورثةِ المقطوعِ فإنْ أسلَمَ وماتَ فعلى عاقِلَةِ القاطعِ كمالُ ديتِهِ، وإذا انتقلَ الذميُّ إلى التمجُّسِ أو التو ثنِ لم يقبلْ منهُ إلا الإسلام، وإلا قتِلَ. فان انتقلَ الذميُّ إلى دينِهِ فعلى وَجهينِ: أحدُهُما يقرُّ على ذلك، والثَّاني: لا يَقِرُّ علَيهِ.
كتابُ الصَيدِ وَالذَبائحِ وَالأَطعِمَةِ
يُشتَرطُ في إباحَةِ الصَيدِ ثَلاثةُ أَشياءَ:
- أَهلِيةُ الصَائدِ، وصَلاحِيةُ الآلةِ، /400 ظ / وَكَيفيةُ الاصطِيادِ.
فأهليةُ الصَائدِ بأنْ يكونَ مِنْ أَهلِ الذكَاةِ كَالمسلمِ والكِتابيِّ إذا كانا مُمَّيزَينِ فَأَمَّا مَنْ ليسَ مِنْ أَهلِ الذَكاةِ فَلا يَحلُّ صَيدهُ إلا صَيدَهُ للسَمكِ والجرادِ فَإنَهُ على رِوايتَينِ (1):
إحدَاهُما يُباحُ وهوَ اختيارُ الخِرَقيِّ (2) والأُخرى لا يُباحُ (3)، فانْ رمَى مسلِمٌ وَمجوسيٌّ صَيدَاً فقتَلاهُ لم يَحلَّ وكذلِكَ إنِ اشترَكا في إرسَالِ الجارحَةِ أو شَارَكتْ جَارِحَةُ المسلِمِ جارِحةَ المجوسِيِّ أو جَارِحةً غَيرَ مُعَلَّمَةٍ في قَتلِ الصَيدِ لَم يحلَّ فَإنْ أَصَابَ سَهمُ إحداهما المقتَلَ وسَهمُ الأخرى غيَر المقتَلِ غلبَ حكمُ مَن أَصابَ سَهمُهُ المقتلَ وَيحتملُ أنْ لا تحلَّ (4) فَإنْ أَرسَلَ مسلمٌ كَلبَهُ فَفاتهُ الصَيدُ فَعارضَهُ كَلبُ مَجوسيٍّ أو كَلبٌ غَيرُ معلَّم فَردَّهُ عليهِ فَعقَرهُ كَلبُ المسلِم أُبيحَ وَإنْ أرسَلَ مسلِمٌ كَلباً لِوَثَنِيٍّ فَأَصَابَ أُبيحَ وَبعكسهِ لو
__________
(1) الروايتين والوجهين 195/ب.
(2) انظر: مختصر الخرقي 1/ 134.
(3) ووجه عدم الإباحة: إنه صيد مجوسي فلا يباح، دليله صيد البر. انظر: الروايتين والوجهين 195/ب.
(4) انظر: المحرر في الفقه 2/ 193.(1/548)
أَرسلَ مجوسِيٍّ كَلبَ مسلِمٍ فَأَصَابَ لَم يُبحْ وَعنهُ أنَّ مُعلِّمهُ مَجوسيٌّ لا يباحُ صَيدُهُ (1)، وَلو أَرسلَ مَجوسِيٌّ كَلبهُ فَزجَرهُ مُسلِمٌ لم يُبحْ وإن أرسَلَه مُسلِمٌ فَزجَرهُ مَجوسِيٌ أُبيحَ.
فَصلٌ
فأمَّا الآلةُ فعلَى ضَربَينِ: جَوارِحُ، وَغيرُ جَوارِحَ فَالجوارِحُ ضَربَانِ: حَيوانٌ، وَمحدودٌ فَالجوارِحُ مِنَ الحيوانِ يحلُّ مِن صَيدِهَا ما اصطَادَتْهُ بعدَ تَعليمِهَا إلاّ الكَلبَ الأَسوَدَ البَهيمَ فلا يُباحُ صَيدُهُ بحالٍ نَصَّ عَليهِ وهي نَوعانِ: أَحدُهمَا: يصيدُ (2) بنَابهِ كَالكَلْبِ وَالفَهدِ وَالنَّمرِ فَتعْليمُهُ يَحِلُّ بِثَلاثةِ أشياءَ أَنْ يَستَرسِلَ إذا أُرسِلَ، وَينزَجِرَ إذا زُجِرَ وَإذا أَمسَكَ لَم يأكُلْ وَلا يُعتَبرُ تَكررُ ذلِكَ مِنهُ (3) وَالثاني: - بمِخلابِهِ كَالبازِي (4) والصَّقرِ والعُقابِ وَالشَّاهينِ فَتعليمُهُ بأَنْ يَستَرسِلَ إذا أَرسَلَهُ وإذا دعَاهُ رَجعَ إليهِ وَلا يُعتَبرُ في تَعَلُّمِهِ الأَكلُ وَعدمُهُ، فَإِنْ أَكَلَ ذو النَّابِ مِنْ صَيدٍ بَعدَ تَعلُّمِهِ لَم يَحرمْ ما تَقدمَ مِنْ صُيودِهِ وَهلْ
/ 401 و/ يَحرمُ ما أَكلَ مِنهُ أَمْ لا؟ عَلى رِوايتَينِ (5) وَإذا أَكلَ ذو المخَالبِ مِنْ صَيدهِ لَم يَحرمْ وإذا قَتَلَ الجارِحُ الصَيدَ بصَدمتِهِ أو خَنقِهِ لم يَحلَّ أكلُهُ (6) وَقالَ ابنُ حَامدٍ: يَحلُّ أكلُه (7) على ظاهِرِ كَلامِ أَحمدَ رَحمهُ اللهُ، وَإنْ جَرحَهُ فَماتَ أو بقِيتْ فيهِ حَياةٌ غيرُ مُستَقِرَّةٍ كَحَركَةِ المذبُوحِ فَلم يُذَكِّهِ حتى مَاتَ حَلَّ أكلُهُ وإنْ بقِيتْ فيهِ حَياةٌ يَجوزُ بَقاؤُهُ معَها مُعظمَ اليَومِ لم يَحِلَّ أَكلُه حَتى يُذبَحَ فَإنْ لم يجدْ مَا يَذبحُهُ فَأَشْلا (8) الجارِحَ عَليهِ فقَتلهُ حَلَّ أَكلُهُ في
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 192/ب و 193/أووجه عدم الإباحة ما احتج به الإمام أحمد رضي الله عنه من قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم} فأباح الأكل من الجوارح التي علمناها فاقتضى الظاهر أنه لا يباح أكل ما علمه غيرنا.
(2) في الأصل: ((يصاد)) والصواب ما أثبتناه والله أعلم. انظر: المقنع: 313.
(3) خالفه صاحب المغني فقال: ((إنَّ تركه للأكلِ يحتمل أن يكون لشبع ويحتمل إنه لتعلم فلا يتميز ذلك إلا بالتكرار وما اعتبر فيه التكرار اعتبر ثلاثا)) انظر المغني 11/ 7.
(4) ضرب من الصقور يستخدم في الصيد انظر: المعجم الوسيط: 76.
(5) إحداهما: يباح والثانية لا يباح. انظر: الروايتين والوجهين 193/أ-ب، والمغني 11/ 8، وشرح الزركشي 4/ 234 - 235.
(6) وبه قال القاضي في الجامع، والشريف، والشيرازي، وأبو محمد في المغني انظر: المغني 11/ 9، وشرح الزركشي 4/ 236.
(7) وهو ظاهر كلام الخرقي. انظر: شرح الزركشي 4/ 236.
(8) قال ابن درستويه: ((من قال أشليت الكلب على الصيد فإنما معناه دعوته فأرسلته على الصيد)).
انظر: لسان العرب 14/ 443.(1/549)
أصَحِّ الرِوايتينِ (1) وإنْ لم يَفعَلْ ذلكَ وتَركَهُ حَتى مَاتَ فقالَ: يُباحُ أَكلُهُ (2)، وَعندِي لا يُبَاحُ أَكلُهُ (3)، وَكَذلِكَ الَموقُوذَةُ (4) والمتردِّيةُ والنَّطِيحَةُ وما أَكلَ السَبعُ إنْ لم يَكنْ فيها حَياةٌ إلاَّ كحَركَةِ المذَبوحِ لم تُبَحْ بِالذَّكَاةِ وإنْ كانَ فيها حَياةٌ يَجوزُ بَقَاؤُهَا مَعَها مُعظَمَ اليَومِ حَلَّتْ بالذَّبحِ، وما أَصَابهُ فَمُ الكَلبِ أو الفَهدِ أو النَّمرِ فَإِنهُ يَنجَسُ وَيجِبُ غَسلُهُ في أَحَدِ الوَجهينِ، وَالثاني لا يَجِبُ غَسلُهُ بل يُعفَى عَنهُ (5)، وَأَمَّا الجَوارِحُ مِنَ المحدَودِ فكلما رَمَى بِهِ الصَيدَ فَجَرحَهُ وأَنهرَ دَمه حل أَكلُهُ إلاَّ السِنَّ وَالظُفرَ فإنه لا يُباحُ الصَيدُ بِهمَا، فَإنْ رَمَى الصَيدَ بِمحدَّدٍ فَقتلَهُ بثقلِهِ ولَم يجرحْهُ لم يحلَّ، وإنْ نَصبَ منَاجِلَ أو سَكاكينَ وسَمَّى فَجرحَتِ الصَّيدَ ومَاتَ أُبيحَ أكلُهُ، وإنْ رمى صَيدَاً أو ضَربَهُ فأَبَانَ منهُ عُضوا فإن بَقيَ فيهِ حَياةٌ مُستقِرةٌ لَم يَبحْ أكلُ ما بانَ مِنهُ وإنْ مَاتَ في الحَالِ حلَ أكلُ الجَميعِ في إحدى الرِّوايتينِ (6) والأخرى لا يباحُ ما بانَ مِنهُ (7)، فإنْ رَماهُ فقَطعَ مِنهُ عُضواً وَبقيَ مُعلَّقاً بجِلدِهِ وَماتَ أُبيحَ أكلُ الجَميعِ روايةٌ واحدةٌ (8) فإنْ أبانَ منَ الحوتِ جُزءاً وأفلَتَ حَيَّاً حلَّ أكلُ ذَلكَ الجزءِ، وكذلكَ إذا رَمَى طَائراً بِسَهمٍ فأصَابهُ /402 ظ/ وَوقعَ على الأرضِ فَوجدَهُ مَيتاً حلَّ أكلُهُ، وإنْ وَقعَ في مَاءٍ أو وَقعَ على جَبلٍ أو شَجرةٍ ثَّم تردَّى إلى الأرضِ فإنْ كانَتِ الجراحَةُ غَيرَ موحيةٍ لَم يحلَّ أكلُهُ وَإنْ كَانَتْ موحِيَةً قَد وَقَعَتْ في
__________
(1) في المسالة روايتان: الأولى: لا يكون له ذكاة واختاره أبو بكر، لأنه مقدور عليه وذكاة المقدور عليه في الحلق واللبة، والثانية: إن ذلك ذكاة له وهو اختيار الخرقي، لأن هذه الحال يتعذر فيها الذكاة في الحلق واللبة في الغالب فجاز أن يكون ذكاته على حسب الإمكان. انظر: الروايتين والوجهين 194/ب
و195/أ، ومختصر الخرقي 1/ 133، والمغني 11/ 14.
(2) حكي عن القاضي أنه قال في هذا: يتركه حتى يموت فيحل لأنه صيد تعذرت تذكيته فأبيح بموته من عقر الصائد له كالذي تعذرت تذكيته لقلة لبته. انظر: المغني 11/ 14.
(3) ووجه الاستدلال ((لأنه حيوان لا يباح بغير التذكية إذا كان معه آلة الذكاة فلم يبح بغيرها إذا لم يكن معه آلة كسائر المقدور على تذكيته)). انظر: المغني 1111/ 14.
(4) التي وقذت بالعصا حتى ماتت. انظر: المعجم الوسط: 1048.
(5) انظر: الشرح الكبير 11/ 32، وشرح الزركشي 4/ 237.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 195/ب، والمغني11/ 24، والشرح الكبير11/ 21، وشرح الزركشي4/ 247.
(7) انظر: الشرح الكبير 11/ 21، والمحرر 2/ 194.
(8) ذكر الزركشي قول للخرقي، بأنه إذا بان منه عضواً ظاهراً إنه لو بقي معلقا بجلده حل بحل الصيد بلا خلاف، وهو كذلك وصرح به أبو الخطاب وغيره. شرح الزركشي 4/ 248، وانظر: الروايتين والوجهين (195/ب).(1/550)
مَقتلٍ فَهَلْ يَحِلُّ أَم لا؟ على رِوَايتَينِ (1) وكذلِكَ الحُكمُ في المُذَكَّاةِ إذا تَحَامَلَتْ فَوقَعتْ في مَاءٍ (2) فإنْ رَمى صَيدَاً فغَابَ عَنهُ ثمَّ وجَدَهُ مقتُولاً وسَهمُهُ فيهِ حَلَّ (3)، وعنه إنْ كانَتِ الجراحَةُ موحيةً حلَّ وإلاّ فَلا يَحلُّ (4)، وَعنهُ إنْ وُجِدَ في يَومِهِ حَلَّ وإنْ بانَ عنهُ لم يَحِلَّ (5)، وَكذلكَ حُكمُ الكَلبِ (6) وإذا رمَى صَيدَاً بسَهمٍ مَسمْومٍ فقَتلهُ لم يبحْ أكلُهُ إذا غَلبَ عَلى ظنِّهِ أنَّ السُمَّ أَعانَ عَلى قَتلِهِ، فأما الضَربُ الثاني وهوَ غَيرُ الجَوارحِ كَالشَبكَةِ والشَّرَكِ والفَخِّ والأُحبولَةِ (7) وما أشبهَ ذَلِكَ إذا وقَعَ فيهِ الصَيدُ ولا يبُاحُ إلا أن يُدرِكهُ الصَّيادُ وَبهِ حَياةٌ فَيذكِّيهِ وكذلكَ إذا رمَى الصَيدَ بالبُندُقِ والحجَارةِ والخذافةِ ونحو ذلكَ لم يبحْ إلا أن يبقَى فيهِ حَياةٌ مستقِرَةٌ فَيذكِّيهِ.
فَصلٌ
فأمَّا كَيفيَّةُ الاصطِيادِ فَيُشتَرطُ في ذلِكَ ثَلاثةُ أَشياءَ أنْ يُسمِّيَ وَيقصِدَ الاصطيادَ ويُرسِلَ كَلبَهُ أو سَهمَهُ عَلى صَيدٍ فأَمَّا إنْ تَركَ التَسميةَ لَم يبُحِ الصَيدُ سَواءٌ تركَهَا عَمْداً أو سَهواً (8) وكذلِكَ لو أتى بغَيرِها مِنَ الأذكَارِ وَعنهُ (9) أنه [إنْ] (10) نَسيَ التَسميَةَ على السَهْمِ أَبيحَ صَيدُهُ فأمَّا علَى الكَلبِ فَلا، وَعنهُ أَنهُ إنْ نَسِيَ التَسميَةَ على جَميعِ الجَوارِحِ أُبيحَ فإنْ أَرسَلَ سَهمَهُ إلى هَدَفٍ فَقتلَ صَيدَاً لم يَحلَّ وَكذلِكَ إنْ رأى حَجَراً فَظنَّهُ صَيدَاً فرمَاهُ فأَخطَأهُ وأَصَابَ صَيدَاً لم يَحِلَّ وَيَحتمِلُ أنهُ يَحلُّ كَمَا لَو رمَى صَيدَاً فأصَابَ غَيرَهُ فإنَّهُ يَحِلُّ نَصَّ عَليهِ (11) فإنْ أرسَلَ كَلبَهُ أو سَهمَهُ يُريدُ الصَّيدَ وَيسَمِّي وَهوَ لا يرَى صَيدَاً فأصَابَ صَيدَاً
__________
(1) قال الزركشي عنه أنه أوجب التحريم، وقال أبو محمد أنه المشهور، وهو ظاهر كلام الخرقي، وأبي بكر، وبه جزم الشيرازي. شرح الزركشي 4/ 246، وانظر: الروايتين والوجهين (196/أ)، والمغني 11/ 21، والشرح الكبير 11/ 16.
(2) انظر: الروايتين والوجهين (195/ب).
(3) انظر: المغني 11/ 19، والشرح الكبير 111/ 18، وشرح الزركشي 4/ 243.
(4) انظر: الشرح الكبير 11/ 18، وشرح الزركشي 4/ 244.
(5) انظر: المغني 11/ 19 - 20، والشرح الكبير 11/ 18، وشرح الزركشي 4/ 243 - 244.
(6) انظر: المغني 11/ 19، والشرح الكبير 11/ 18.
(7) الأحبولة: المصيدة وجمعها ((أحابيل)). انظر: المعجم الوسيط: 153.
(8) قال الخرقي مثل هذا القول وعلق الزركشي في شرحه فقال: ((وظاهر كلام الخرقي لا فرق بين الصيد بالكلب والسهم)). انظر: شرح الزركشي 4/ 252.
(9) نقل هذه الرواية جعفر بن محمد. انظر: الروايتين والوجهين (154/أ).
(10) زيادة يقتضيها السياق.
(11) انظر: مسائل ابن هانيء 2/ 141.(1/551)
لَم يَحلَّ، وإذا استَرسَلَ الكَلبُ بنَفسِهِ فَصاحَ بهِ وسَمَّى فَمضَى علَى مَا كَانَ فأَصادَ لم يَحلَّ /403 و/ وإنْ زَجرَهُ فَوقَفَ ثُمَّ أَشلاهُ أو لَم يقِفْ لكن زَادَ في عَدْوِهِ بإشلائهِ حَلَّ صَيدُهُ، فَإنْ أَرسَلَ سَهمَهُ على صَيدٍ فأعانَتِ الريحُ السَهْمَ حتى وَصَلَ إلى الصَّيدِ فَقتَلَهُ ولولا الرِّيحُ ما وصَلَ حَلَّ، وإذا غَصَبَ كَلباً أو فَهْداً أو سَهْمَاً فأصَادَ بهِ فَالصَيدُ لصَاحِبهِ، وإذا مَلَكَ صَيدَاً ثم أرسَلَهُ مِنْ يدِهِ أو قَالَ أَعتَقتُكَ لَم يَزُلْ مُلكُهُ عَنهُ، وإذا رَمى صَيدَاً فَأَثبَتَهُ ثمَّ رَماهُ آخَرُ فَقتَلَهُ لَم يَحلَّ أكلُهُ وعلى الثَّاني ضَمَانُ (1) قِيمَتِهِ مَجروحَاً، وَلَو أَصابَ الأَولُ مَقتَلَهُ ثمَّ جَرحَهُ الثَّاني حَلَّ ولم يَلزَمِ الثَّانيَ إلا غُرمُ مَا خَرقَهُ مِنْ خرقِهِ، فإنْ جَرحَهُ الأَولُ فتَحامَلَ فدخَلَ خَيمةَ الآخَرِ فَهوَ لِمَنْ هوَ في خَيمتهِ، وكذلِكَ لو كَانَ في سَفينَةٍ فَوثَبتْ سَمكَةٌ فوقعَتْ في حِجرِهِ فَهيَ لَه دونَ صَاحِبِ السَّفينَةِ، فإنْ وَقعَ الصَّيدُ في شَبكَةِ صَيَّادٍ فَخَرقَها وَخَرجَ مِنهَا فأَصَادهُ آخرُ فَهوَ للثاني فَإنْ أصَادَ سَمكَةً فوَجدَ في جَوفِهَا سَمكَةً أُخرى أو أَصَادَ طائراً فَوجَدَ في جَوفِهِ جَراداً أو حِنطَةً أو شَعيراً فَهلْ يُباحُ أَكلُ مَا وَجدَ في جَوفِهِ علَى رِوايتَينِ (2)، ويُكرَهُ صَيدُ السَمَكِ بِشَئٍ نَجسٍ وَصَيدُ الطَّيِر بِالشباشبِ (3) لأَجلِ تَعذيبِ الشباشبِ.
بَابُ الذَبائِحِ
لا يُبَاحُ شَيءٌ مِنَ الحَيوانِ المأكُولِ بغَيرِ ذَكَاةٍ إلا السَّمَكَ والجَرادَ وَعنهُ (4) في بَقيَّةِ حَيوانِ البَحرِ أنهُ يُباحُ بِغَيرِ ذَكاةٍ كَالسَّمَكِ وَعَنهُ (5) في الجَرادِ لا يؤكَلُ إلا أنْ يَموتَ بِسَببٍ كَتَحرِيقِهِ وَطبخِهِ وَكَبسِ بَعضِهِ عَلى بَعضٍ فَيُخرَّجُ في السَّمَكِ مثلُ ذَلكَ وَأَنه لا يباحُ الطَّافي وَلا تَحِلُّ ذكَاةُ المجوسِيِّ والمرتَدِّ والوثَنيِّ وَمَنْ أَحدُ أَبويهِ مَجوسِيٌّ أو وَثَنيٌّ والمَجنونِ والسَّكرانِ وَغيِر المُميِّزِ مِنَ الصِبيَانِ، وفي النَّصَارى العَربِ رِوايتَانِ (6) وَيَجوزُ الذَّكَاةُ بكُلِّ آلةٍ لَها حَدٌّ يَقطَعُ ويُنهِرُ الدَّمَ إلا السِنَّ والظُّفرَ فَإنْ ذَبحَ بآلةٍ / 404 ظ/ مَغصُوبَةٍ فَهلْ يُباحُ عَلى وَجهينِ (7) وَيُكرَهُ أَنْ توجَّهَ الذَّبِيحَةُ إلى غَيرِ القِبلَةِ وأَنْ تُذبَحَ
__________
(1) ورد في المخطوط ((الأول)) وما أثبتناه هو الصحيح. انظر: المحرر في الفقه 2/ 195.
(2) نقل أبو الصقر رواية الجواز، ونقل مهنأ رواية النهي. انظر: الروايتين والوجهين (196/ب).
(3) (شباشب: وهو طائر تخاط عيناه أو تربط) انظر: كشاف القناع 6/ 224.
(4) انظر: مسائل عبد الله 3/ 890.
(5) انظر: مسائل عبد الله 3/ 883 - 884.
(6) نقل حنبل رواية الجواز، ورواية النهي رواها ابن منصور فقال أما النسك فلا يجوز ولكن تصح في الأضحية، انظر: الروايتين والوجهين (198/ب).
(7) أصح الوجهين الإباحة. انظر: المقنع: 310، وكشاف القناع 6/ 204.(1/552)
بسِكِّيٍن كَالٍّ (1) وأَنْ يَحدَّ السِّكينَ وَالحَيوانُ يُبصِرُهُ وَيجِبُ أَنْ يُسَمِّيَ فإنْ تَركَ التَسميَةَ عَمْداً فأَكثرُ الرواياتِ أَنَّهُ لا يحلُّ (2) ونَقلَ عَنهُ المَيمونيُّ أَنهُ يَحِلُّ وَإنْ تركَهَا سَهْواً فأكثرُ الرواياتِ أَنه يُبَاحُ ونَقلَ عَنهُ أبو طَالبٍ: لا تجزي الذَّبيحَةُ إلا باِلتَّسمِيةِ، وَظَاهِرُ هَذا أنها لا تَحلُّ معَ تَركِهَا سَهوَاً، وَذَبيحةُ الأخرَسِ إذا أَومَأَ إلى التَّسمِيةِ وَأَشَارَ إلى السَّمَاءِ
ولا تَحصُلُ الذَّكَاةُ في الحَيوانِ المقدُورِ عَليهِ إلا بقَطعِ الحُلقومِ (3) والمريءِ (4) وعنه (5) أنهُ يُشتَرطُ معَ ذلكَ قَطعُ الودجَينِ (6) (7)، فأَمَّا غيرُ المقدُورِ عَليهِ مِنَ الصُّيودِ ومَا يوحِشُ مِنَ النَّعمِ فَذكَاتُهُ بِعَقرِهِ في مَوضِعٍ كَانَ مِنْ يدَيهِ ويُستَحَبُّ نَحرُ الإبِلِ وَذَبحُ بقيَّةِ الحيوانِ ولا يَكسِر عُنقَها ولا يَسلَخهَا حتى تَبردَ وإذا أَخطَأَ فذَبحَ الحَيوانَ مِن قَفاهُ فأَتَتِ السِّكينُ على المقَاتِلِ وهوَ حَيٌّ أُبيحَ وَإنْ تَعمَّدَ ذَلكَ فَهلْ يُباحُ تحمل وَجهَينِ (8)، وَتَحصلُ ذكَاةُ الجَنينِ بذَكَاةِ أُمِّهِ إذا خَرجَ مَيتاً أو متحَرِّكَاً كَحرَكَةِ المذبوحِ ولا فَرقَ بينَ أنْ يكونَ قد كَملَ ونَبتَ عَليهِ الشَعرُ أو لم يُشعِرْ.
__________
(1) كال من كل: وهو ضعف يقال كل السيف ونحوه لم يقطع فهو كليل وكل. انظر المعجم الوسيط: 796.
(2) من هذه الروايات رواية إسحاق بن إبراهيم كما في مسائل ابن هانيء 2/ 131، والميموني وصالح كما في الروايتين والوجهين 193/ب، وهذا الرأي أصح. انظر: المقنع: 311، والمغني 11/ 32 - 33، وشرح الزركشي 4/ 252، وكشاف القناع 6/ 207، وهناك روايات إباحة الأكل على ما لم يسم عمدا وهي روايات حنبل، وأحمد بن هاشم، وبكر بن محمد. انظر: الروايتين والوجهين (193/ب).
(3) الحلقوم: وهو تجويف خلف تجويف الفم، وهو مدار الطعام والشراب والنفس. انظر: المعجم الوسيط: 193.
(4) المريء: وهو مجرى الطعام والشراب من الحلقوم إلى المعدة. انظر: المعجم الوسيط: 860.
(5) انظر مسائل عبد الله 3/ 867.
(6) الودجان: عرقان متصلان من الرأس إلى السحر وجمعهما أوداج أو الأوداج وهي ما أحاط بالحلقوم من عروق وقيل أيضاً الودجان هما عرقان عظيمان عن يمين ثغرة النحر ويسارها. انظر تاج العروس 6/ 256.
(7) نقل حنبل أنه يشترط في الذبح أن يقع على الحلق واللبة وينبغي قطعهما. وظاهر ذلك أنه يجزي في ذلك قطع الحلقوم والمريء وهو اختيار الخرقي ولكن نقل إبراهيم وعبد الله بن أحمد أنها يجب أن تذبح على الحلقوم والأوداج وظاهر هذا الأمر أن الذكاة تحصل بقطع أربعة الحلقوم والمريء والودجين.
انظر مسائل ابن هانيء 2/ 131، ومسائل عبد الله 3/ 867، والروايتين والوجهين 198/أ.
(8) الرواية الأولى: تباح: إذا أتت السكين على الحلقوم والمريء بشرط أن تبقى في حياة مستقرة قبل قطعها وهو المذهب. والرواية الثانية: لا تباح. انظر: الإنصاف10/ 394.(1/553)
كِتابُ الأَطعِمَةِ
يُباحُ أَكلُ كُلِّ طَاهِرٍ لا ضَررَ في أَكلِهِ كَالحَيوانِ كلهما (1) والثِّمارِ جَميعِهَا وما عُمِلَ مِنهَا وَكَذلِكَ لُحومُ الحَيوانَاتِ وهيَ على ضَربَينِ إِنسِيٌّ وَوَحشِيٌّ فالإنسِيُّ يَنقَسِمُ إلى مَا يُباحُ ذَبحُهُ وَأكلُ لَحمِهِ وهوَ الإبلُ والبقَرُ والغَنمُ والخَيلُ والدَّجاجُ والدُّيوكُ وإلى ما لا يُبَاحُ ذَبحُهُ وأكلُه فَالآدميُّ وَالحميرُ والبِغَالُ والكِلابُ والخَنازِيرُ والسَّنَانِير (2)، وأَما الوَحشِيُّ فَيُقسَمُ إلى مُباحٍ وهوَ البقَرُ والحَميرُ وَالظِباءُ (3) وَالضَبعُ والضَبُّ (4) والبَطُّ /405 و/ والأوزُّ والنَّعامُ والحمَامُ والغُرابُ وَغُرابُ الزَّرعِ وَالعصَافيرُ وما أَشبهَهَا، وإلى مَحظورٍ وهوَ كلُّ ذي (نابٍ ((5) مِنَ السِّباعِ وَكلُّ ذي مَخلبٍ مِنَ الطَّيرِ كالأَسدِ والنَّمِرِ والذِئبِ والفَهدِ والفيلِ والزَرافةِ وابنِ آوى وابنِ عرسٍ والقُنفذِ والنسرِ والصَّقرِ والعقَابِ والشَّاهينِ والبازي وَالحدأَةِ وَاللقلَقِ وَالغرابِ الأَسودِ الكَبيرِ والرَّخمِ (6) والبُرمِ وكُلِّ ما يَأكلُ الجِيَفَ وَكُلِّ ما يخبثهُ العَربُ مِنَ الحشَراتِ كالحيَّةِ والعَقرَبِ والوَزغِ وسَامَ أبرصَ (7) والخنَافِسَ وَالجُعلانِ (8) وبنَاتِ وردان (9) وَالفَأرِ وَسَائرِ البَعوضِ وَما يولَدُ مِنْ مأكولٍ وَغَيرِ مَأكولٍ كَالسَّمعِ (10) وَاختلَفَتِ الرِوايةُ في الثَعلَبِ والأرنَبِ واليَربوعِ [والوَابرِ] (11) وَسِنَّورِ البَرِّ
__________
(1) هكذا جاءت في الأصل.
(2) السنور: حيوان أليف من الفصيلة السنورية ورتبة اللواحم، من خير مآكله الفأر، ومنه أهلي وبري، وجمعها سنانير. انظر: المعجم الوسيط: 454.
(3) جمع ظبي: وهو من ذوات الأظلاف والمجوفات القرن. انظر: المعجم الوسيط: 575.
(4) الضب: وهو حيوان من جنس الزواحف من رتبة العظماء غليظ الجسم وله ذنب عريض ويكثر في الصحراء العربية. انظر: المعجم الوسيط: 532.
(5) زيادة اقتضاها السياق.
(6) وهو طائر غزير الريش، أبيض اللون مبقع بسواد، وله منقار طويل قليل التقوس رمادي اللون إِلَى الحمرة، وأكثر من نصفه مغطى بجلد رقيق وفتحة أنفه مستطيلة عاري من الريش، وله جناح طويل مدبب يبلغ طوله تقريباً نصف متر، الذنب الطويل به أربع عشرة ريشة، والقدم ضعيفة والمخالب متوسطة الطول سوداء اللون، انظر: المعجم الوسيط: 336.
(7) سام أبرص وهو ضرب من الوزغ. انظر: المعجم الوسيط: 451.
(8) هو حيوان كالخنفساء. انظر: المعجم الوسيط: 126.
(9) وهو جمع لـ (بنت وردان) وهي دويبة تشبه الخنفساء حمراء اللون وأكثر ما تكون في الحمامات وفي الكنف. انظر:: المعجم الوسيط: 1025.
(10) وهو سبع مركب فهو ابن الذئب من الضبع. انظر: لسان العرب 8/ 168.
(11) في الأصل رسمت أقرب إلى (الوسر) وما أثبتناه هو الصواب. انظر: المقنع: 309، =(1/554)
فَعنهُ (1) أنَّها مباحةٌ وعنهُ (2) أنها مُحرَّمَةٌ فأمَّا حَيوانُ البحرِ فَيباحُ أكلُ جَميعهِ إلا الضِفدَعَ والتِّمسَاحَ، قَالَ ابنُ حامِدٍ: وَإلاّ الكَوسَجَ أيضاً وَحُكِيَ عَن أبي] عَليٍّ [(3) النَّجادِ أنَّه لا يؤكَلُ مِنْ حَيوانِ البَحرِ مَا أَشبَهَهُ في البرِّ لا يؤكَلُ مثلَ كلبِ الماءِ وَخِنْزِيرِهِ وَإنسَانِ المَاءِ، وَيحرمُ لحُومُ الجَلالةِ (4) وأَكلُ بَيضِهَا وَلَبنِهَا حَتَّى تُحبَسَ وتُغذَّى بالطَّاهِراتِ وَمقدَارُ الحَبسِ ثَلاثةُ أيامٍ في إحدَى الرِّوايتينِ وفي الأُخرَى يُحبَسُ الطَّائرُ ثلاثاً وما عدَاهُ أَربعِينَ يَوماً (5)، وَيحرُمُ أكْلُ الثِّمارِ وَالبَقْولِ والزُّروعِ التي يَسقِيهَا الماءُ النَّجسُ وَيحرمُ أكلُ النَّجاسَاتِ كُلِّهَا إلاَّ المَيتَةَ في حَقِّ المُضطَرِّ فإنه يَحِلُّ لَهُ مِنهَا ما يَسدُّ رَمقَهُ في إحدَى الرِّوايتَينِ (6) وفي الأُخرَى يَحِلُّ لَهُ الشَّبعُ (7)، فَإنْ وَجَدَ الميتَةَ وطَعاماً لإنسَانٍ غائبٍ أَكلَ الميتَةَ وَكذلِكَ إنْ وَجَدَ المُحرِمُ صَيدَاً وَمَيتةً أَكلَ الميتَةَ، ولا يَحِلُّ لأَحدٍ شُربُ الخَمرِ لا لِلتدَاوي ولا لِلعَطَشِ فإنِ أضطَرَّ إليهَا لِدَفعِ اللقمَةِ مِنْ حَلقِهِ جَازَ وَكذلِكَ إن أُكرِهَ على شُربِهَا ولا يَحِلُّ (8) لهُ أكلُ مَا يَضُرُّهُ كَالسُمِّ ومَا يَجرِي مَجراهُ، وإذا اضطُرَ إلى لحَمِ آدميٍ فَإنْ كانَ مُبَاحَ الدَّمِ كَالمرتَدِّ والحَربيِّ وَالزَّاني المحصَنِ فَهوَ كَالميتَةِ يُقتَلُ / 406 ظ/ وَيأكلُ وإنْ لم يَجِدْ مُبَاحَ الدَّمِ لكِنَّهُ وجدَ مَيتَاً لَم يجزْ لهُ أَكلُهُ ذَكَرهُ شَيخُنا وَعندِي أَنهُ يَجوزُ له أَكلُهُ إذا خَافَ الموتَ. والشُّحومُ المحرَّمَةُ على اليهَودِ وهي الثربُ (9) وشَحمُ الكِليتَينِ باقِي تَحريمُهمَا عليهِم لم يُنسَخْ نصَّ عليهِ (10)، فأمَّا تحَريمُهمَا علَينا فلا يَحرمُ إذا كانَ الذابِحُ مُسلِمَاً وَكذلِكَ إذا كانَ كِتَابيَّاً وَهوَ ظَاهِرُ كَلامِ أحمَدَ في رِوايَةِ مهنا وَاختارَهُ
__________
= والهادي: 241، والشرح الكبير 11/ 75، وشرح الزركشي 4/ 273، والروض المربع 3/ 348، وزاد المستقنع 1/ 88. والوبر: هو حيوان من ذوات الحوافر في حجم الأرنب أطحل اللون أي بين الغبرة والسواد ويكثر في لبنان، انظر: المعجم الوسيط: 1008.
(1) انظر: الروايتين 198 - 199/ب- أ.
(2) نقل عنه عبد الله بن أحمد، رواية النهي، مسائل عبد الله 3/ 886، انظر: الروايتين والوجهين 198 - 199/ب- أ.
(3) سقطت من الأصل وأثبتنا ذلك من المقنع: 309، والكافي 1/ 490، والمبدع 9/ 202.
(4) وهي الماشية التي تأكل الجلة والعذرة. انظر: المعجم الوسيط: 131.
(5) انظر: مسائل أبي داود: 257، ومسائل ابن هانيء 2/ 132.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 199/ب، وشرح الزركشي 4/ 274.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 199 /ب.
(8) تكرر في الأصل.
(9) الثرب: شحم رقيق يغشى الكرش والأمعاء، انظر: الروايتين والوجهين (200/ب).
(10) نقله عنه عبد الله بن أحمد. انظر أحكام أهل الملل: 369 - 370، الروايتين والوجهين (200/ ب).(1/555)
ابنُ حَامدٍ وَحَكاهُ عنِ الخِرَقي (1) وَهوَ الصَّحِيحُ عِندِي. وَقالَ أَبو الحسَنِ التَمِيمِيُّ: [إذا ذَبَحَ] (2) كِتابِيٌّ كَانتْ مُحرَّمَةً على مُسلِمٍ وَاختَارَ ذلِكَ شَيخُنَا (3) ولَمْ يُنقَلْ عَنْ أَحمدَ في ذَلِكَ إلاَّ الكَرَاهَةُ (4)، وإذا اجتَازَ الإنسَانُ على الثِّمارِ المغَلَّةِ ولا حَائِطَ علَيهَا ولا نَاظِرَ جَازَ لَهُ الأكلُ في إحدَى (5) الرِّوايتَينِ، واختارَهَا عَامَّةُ شُيوخِنَا، وَفي الأُخرى لا يَأكلُ إلاّ مِنْ حَاجَةٍ فَإنْ مَرَّ على مَاشِيَةٍ فَهلْ يُباحُ له شُربُ لَبنِهَا أَمْ لا؟ عَلى رِوايتَينِ، وَكذلِكَ في الزَّرعِ رِوايتَانِ. وَيجِبُ علَى المُسلِمِ ضِيافَةُ المسلِمِ المسَافِرِ المُجتَازِ بهِ لَيلَةً، فَإنْ نزَلَ بهِ الضَّيفُ فَامتَنعَ مِنْ ضِيافَتِهِ كانَ الضَّيفُ مُخيرَاً بَينَ ضِيافتِهِ عِندَ الحاكِمِ بذلِكَ أو [إعفَائهِ] (6)، وَلا يَجِبُ إنزَالُهُ في بَيتِهِ إلاّ أَنْ لا يَجِدَ مَسجِدَاً أو رِباطَاً يبيتُهُ فِيهِ. وَيُستَحبُّ الضِّيافَةُ ثَلاثاً، وإذا اضطُرَّ إلى طَعَامِ الغَيرِ وَالغَيرُ مَستَغنٍ عَنهُ كَانَ عَليهِ أنْ يَبذلَهُ لهُ بثمنِهِ، فإنْ امتَنعَ كَانَ لِلمُضطَرِّ أخذُهُ قَهراً، فَإنْ قَاتلَهُ جَازَ أنْ يُقاتِلَهُ عَلى أَخْذِ مَا يَسُدُّ رَمقَهُ، أو قَدرِ شبعِهِ على اختِلافِ الرِّوايتَينِ في الميتَةِ. فَإنْ أدَّى القِتَالُ إلى قَتلِ المضْطَرِّ ضَمِنَهُ القَاتِلُ، وإنْ قُتِلَ صَاحِبُ الطَّعامِ كَانَ دمُهُ هَدْرَاً. وإذا مَاتَتِ الفَأرَةُ في السَّمِنِ الجَامِدِ أُلقِيَتْ ومَا حَولَها وجَازَ أكلُ الباقِي وَإنْ كَانَ مائعَاً نجسَ الجَمِيعُ كَما لو وقَعتْ في الأدهَانِ كالبَررِ والشَّيرَجِ (7) والزَّيتِ ولا يَجوزُ بَيعُهُ وَعنهُ أنَّهُ يَجوزُ بَيعُهُ للكَافرِ بِشَرطِ أنْ يُعلِمَهُ أَنْهُ نَجسٌ، وَيجوزُ الاستصبَاحُ بهِ. وَقَد تَقدَّمَ ذِكرُ ذلِكَ وهَل يَجوزُ غَسلُ الأدهَانِ قَالَ شَيخُنا: لا يجوزُ ذلِكَ وَلا يَطهُرُ. وَعندِي أنَّ مَا يأتي غسله مِنهَا يَجوزُ غَسلُه وتَطهرُ بذَلِكَ /407 و/.
كِتابُ الأَيمانِ
اليَمينُ على ضَربَينِ: - مُنعقِدةٌ وغَيرُ مُنعقدَةٍ (8)، فَالمنعقِدَةُ: ما أَمكنَ الحَالِفُ أنْ يَبرَّ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين (200/ ب).
(2) في الأصل ((اذ ابح)).
(3) انظر: الروايتين والوجهين (200/ ب).
(4) هذه الرواية نقلها عنه صالح عن أحمد بن حنبل. انظر: الروايتين والوجهين (200/ب).
(5) ونقل ذلك عنه حرب، والأثرم، أي جواز ذلك ولكن له أن يأكل منها ولا يحمل.
انظر: الروايتين والوجهين (199/ب)، والمقنع: 310.
(6) في الأصل: ((اعفا)).
(7) الشيرج: زيت السمسم. انظر: المعجم الوسيط: 502.
(8) تقسيم ابن قدامة أعم وأشمل. انظر: الكافي 4/ 373.(1/556)
فيهَا أو يَحنَثَ ولا يَكونُ إلا على مستَقبَلٍ كَالحِلْفِ على فِعلِ شَيءٍ أو تَركِهِ، فَإنْ وفَّى بما حَلَفَ عليهِ برَّ ولا شَيءَ علَيهِ لأجلِ اليَمينِ، وإنْ لم يَفِ بذلِكَ عَمْداً حَنَثَ، وإنْ كانَ سَهوَاً وكانَ يَمينُهُ بالطَّلاقِ، وَالعِتاقِ حَنَثَ وإنْ كانَ باللهِ أو بِالظِّهارِلم يحَنَثْ، وَهِيَ اختِيارُ أكثَرِ شُيوخِنَا وَعَنهُ لا يَحنَثُ في الجَميعِ (1) وَعنهُ أَنهُ يحنَثُ في الجَمِيعِ (2) (3)، فأمَّا غَيرُ المنعَقِدةِ فَلا يُمكِنُ فيها البَرُّ ولا تَكونُ إلاّ عَلى مَاضٍ وَهوَ على ضَربَينِ: غَموسٍ وَلَغوٍ، فَالغَموسُ: الحِلفُ على ما يُعلمُ كذبُهُ فيهِ فإنْ كانَتْ بِطَلاقٍ أو عتَاقٍ وقعَ في الحَالِ وإنْ كانَ باللهِ تعَالى، فَهوَ حَانِثٌ آثمٌ ولا كَفَّارةَ لها في إحدَى الرِّوايتَينِ (4) وفي الأُخرَى عَليهِ كَفَّارةٌ (5) وَأَمَّا اللَّغوُ: فَهوَ أَنْ يَحلِفَ على شَيءٍ يَظنُّهُ كَما حَلفَ عَلَيهِ فَيبِينُ بِخلافِ ذَلكَ (6) هَذا المقبِلُ خَالدٌ فإذا هوَ زيدٌ، ومَا فَعلتُ كَذا وقد فَعَلَهُ في إحدى الرِّوايتينِ (7) والأُخرَى اللغو أَنْ يَسبِقَ عَلى لِسَانِهِ لا وَاللهِ وَبلى وَاللهِ، وَهوَ لا يُرِيدُ اليَمِين (8)، فَلا إثمَ عَليهِ في ذَلِكَ وَلا كفَّارَةَ. واليَمِينُ الموجِبَةُ للكفَّارةِ بِشَرطِ الحنْثِ أنْ يَحلِفَ بالله تَعالى أو باسْمٍ مِنْ أسمَائهِ أو بِصفَةٍ منْ صِفَاتِ ذَاتِهِ أو يَحلِفَ بِغَيرِ ذَلكَ مما نُبيّنُهُ فِيمَا بَعدُ. فأمَّا الحِلفُ بأسمَاءِ اللهِ وصِفَاتِهِ فَينقَسِمُ ثَلاثةَ أَقسَامٍ: - أحدها: أنْ يَحلفَ بِاسْمٍ أو صِفَةٍ لا يشَارِكُ البارِي تَعالى فِيهَا غَيرُهُ مِثلَ قولِهِ: وَاللهِ وَالقَديمِ وَالأَزليِّ وَالأَولِ الذي لَيسَ قَبلَهُ، وَالآخِرِ الذِي لَيسَ بَعدَهُ شَيءٌ، وَالقادِرِ عَلى كلِّ شَيءٍ، وخَالِقِ الخَلقِ ورَازِقِ العَالَمينَ وما أشبهَ ذَلِكَ فَهذَا يَمينٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَالثَّاني: أنْ يَحلِفَ بما يُشارِكُهُ فيه غَيرُهُ إلاّ أنَّ إطلاقَهُ ينصَرِفُ إليهِ تعَالى كَالرَّحمنِ والرَّحيمِ والرَّبِّ وَالمولَى والقادِرِ والعَالِمِ
/ 408 و/ والرَّازقِ وَمَا أشبهَ ذلِكَ فَهذَا إنْ نَوَى بهِ اليَمينَ أو أطلقَ فَهوَ يَمينٌ وإنْ نوى بهِ غَيرَ اللهِ تَعَالى مِثلَ: رَحمنِ اليمَامَةِ ورَجلٍ رَحيمٍ ورَبِّ الدَّارِ والمولَى
__________
(1) انظر: المغني 11/ 175، والشرح الكبير 11/ 184، وشرح الزركشي 4/ 330.
(2) انظر: المغني 11/ 174، والشرح الكبير 11/ 185، وشرح الزركشي 4/ 330
(3) ورد في الأصل بعد: ((في الجميع)) ((فأما الجميع)) وهي زيادة لا علاقة لها بما قبلها ولا بما بعدها.
(4) قال أحمد: إذ الكفارة لا ترفع إثمها ولا تمحو ما حصل بها. انظر: الروايتين والوجهين (201/ب)، والمغني 11/ 177، والشرح الكبير 11/ 180، كشاف القناع 6/ 232.
(5) لا يجب فيها كفارة عليه؛ لأن الذي أتى به أعظم من أن تكون فيه الكفارة.
انظر: الروايتين والوجهين 201/ب، والمقنع: 315، والمغني 11/ 177، والكافي 4/ 374، والشرح الكبير 11/ 180، وشرح الزركشي 4/ 332.
(6) كلمة طمست في الأصل.
(7) انظر الروايتين والوجهين (202/أ).
(8) هذا ظاهر المذهب، انظر: الروايتين والوجهين (201 - 202/ب-أ)، والمغني 11/ 179، والكافي 4/ 374، والشرح الكبير 11/ 183، وشرح الزركشي 4/ 334.(1/557)
المعتِقِ والقَادِرِ باكتسَابِهِ والعَالمِ في البلَدِ ورزَّاقِ الجنةِ فَقَد عَصَى بذلِكَ وَلا يَكونُ يَميناً. وَالثالِثُ: ما يشَارِكُهُ فيهِ غَيرُهُ وإطلاقهُ لا يَنصَرِفُ إلَيهِ كَالشَيءِ وَالموَجودِ والحَيِّ والنَّاطِقِ والواحِدِ، وَما أشبهُ ذلِكَ فَهذا إنْ نَوى به اليَمينَ بصفَةِ اللهِ تعَالى كَانَ يَمينَاً. وَإنْ لَم يَنوِ لَم يكُنْ يَميناً. وقال شَيخُنا لا يَكونُ يَميناً وإنْ قَصدَ بهِ اليَمينَ (1)، وَلا فَرقَ في اسْمِ اللهِ سُبحَانهُ في قَولِنَا وَاللهِ وبين اللهِ وَتاللهِ وَلا بَينَ إسقَاطِ حَرفِ القَسمِ نَحُو قَولِهِ لأفعلَنَّ فَإنْ قَالَ: أَحلِفُ بِاللهِ أو أُقسِمُ بِاللهِ أو أشهَدُ بِاللهِ لا فَعلتُ كَذا فَهوَ يَمينٌ نَواهُ أو أَطلَقَ فَإنْ قَالَ: أُقسِم أو أَحلِفُ أو أَشهَدُ وَلم يَكُنِ اسمُ اللهِ سُبحَانهُ فإنْ نوَى اليَمينَ كَانَ يمينَاً وإنْ أطلَقَ فَعلَى روايتَينِ (2): إحداهما: هوَ يَمينٌ أيضَاً وَهيَ اختِيارُ الخِرَقيِّ وأبي بَكرٍ (3). وَالثَّانيةُ: لَيسَ يَمينٌ فَإنْ قالَ يَنوِي بهِ، وَلَعَمرُ اللهِ لأَفعلَنَّ فَهوَ يَمينٌ، وَعنهُ لا يَكونُ يَمينَاً حَتَّى يَنويَ بهِ اليَمِينَ (4)، فَإنْ قَالَ: وَحَقِّ اللهِ وعَهدِ اللهِ وَأمَانةِ اللهِ وَميثاقِهِ وَقُدرَتِهِ وَعَظَمتِهِ وَجَلالِهِ وَكبرِيائهِ وَجَبَروتِهِ وسَائرِ صِفَاتِهِ لأَفعلَنَّ، فَهوَ يَمينٌ إذا قَرنَ بهِ اسْمَ اللهِ تعَالَى. وَإنْ لَم يُقرِنْ بهِ الاسْمَ وَإنَّما قَالَ: وَالعَهدِ وَالميثَاقِ والأَمانَةِ والجَبَروتِ وَالعظمَةِ وَالجَلالِ فإنْ نَوى يَمينَاً كانَ يَمينَاً وَإلاَّ فَلا (5) فإنْ قَالَ: وَكَلامِ اللهِ أو أحلِفُ بِالمصحَفِ، فَهوَ يَمينٌ وإذا حَنَثَ فَعلَيهِ كفَّارَةٌ (6). وَرُوِيَ عَنهُ أنَّهُ يَجبُ لِكلِّ آيةٍ كَفَّارةٌ وإنْ حَلَفَ بِصفَاتِ الفعلِ مِثلُ قَولِهِ: وَخَلقِ اللهِ ورِّزقِ اللهِ ومَعلومِ اللهِ لا فَعلتُ فَليسَ بِيَمينٍ، فَإنْ قَالَ: وَحَقِّ رَسولِ اللهِ لا فَعلتُ وَحَنثَ فَقالَ في رِّوايةِ أبي طَالبٍ عَلَيهِ كفَّارةٌ (7). فَإنْ قَالَ هوَ يَهودِيٌّ أو نَصرَانِيٌّ
أو بَريءٌ مِنَ الإسْلامِ أو مِنَ النَّبيِّ أو مِنَ القُرآنِ إنْ فَعلَ كَذَا فَحنثَ
__________
(1) إن اليمين إذا جاء بنية مجردة لا ينعقد. شرح الزركشي 4/ 336. وانظر: الهادي: 243، المغني 11/ 184، والكافي 4/ 377، والمحرر 2/ 196.
(2) انظر: الروايتين والوجهين (202/ب)، والشرح الكبير 11/ 174،
(3) وافق المصنف على هذا النقل شيخه أبو يعلى في الروايتين والوجهين (202/ب). ونقل أبو الخطاب لأبي بكر قولين أحدهما يكون يمينا والثاني لا يكون يمينا. انظر الكافي 4/ 380 - 381.
(4) ذكر ابن قدامة في الكافي 4/ 381 أن الرواية الأولى هي المذهب، انظر: المقنع: 315، والمغني 11/ 205، والشرح الكبير 11/ 174.
(5) انظر: الروايتين والوجهين (203/ب)، والكافي 4/ 379، وشرح الزركشي 4/ 339.
(6) نص عليه الإمام أحمد في رواية حرب وغيره، وقال أبو محمد: ((ويحتمل أن كلام أحمد في الجميع على الاستحباب)). شرح الزركشي 4/ 348. انظر: المغني 11/ 214، والمحرر 2/ 197، والشرح الكبير 11/ 171 - 172.
(7) ولصاحب الشرح الكبير كلام مخالف لكلام الإمام أحمد. الشرح الكبير 11/ 178.(1/558)
فَعلَيهِ كفَّارةٌ، وعَنهُ لاَ كَفَّارةَ عَلَيهِ (1) وَكذلِكَ / 409 و/ إذا قَالَ أنا أَستَحِلُّ (2) الزِّنَا وشُربَ الخَمرِ وأكلَ لحمِ الخِنزِيرِ إنْ فَعلتُ كَذَا، وَفعَلَ فَهلْ تَلزمُهُ كَفَّارَةٌ؟ علَى وَجهَينِ (3). فَإنْ قَالَ: عَصَيتُ اللهَ أو أنا أعصِي اللهَ في كُلِّ ما أَمَرَني أو مَحوتُ المصحَفَ إنْ فَعلتُ لَم يكنْ يَميناً (4) فَإنْ قَالَ عَليَّ نَذرٌ أو يَمينٌ إنْ فَعلتُ كَذَا فَفَعلَ مَا قَالَ فَعلَيهَ كَفَّارةُ يَمينٍ (5) فإنْ حَرَّمَ أَمَتهُ أو مَالَهُ فَهوَ يَمينٌ وَعلَيهِ الكفَّارَةُ (6) وإذا حَلَفَ علَى مُبَاحٍ أنْ لا يفعَلَهُ لَم يصر فعالُه عَلَيهِ مُحرَّماً؛ بَلْ فِعلُهُ مباحٌ كَمَا كَانَ قَبْلَ اليَمينِ إلا أنَّهُ يلزمُهُ كَفَّارةٌ إذا فَعَلَ وَيَحتَملُ أَنْ يَصيرَ مُحرَّمَاً لكنَّ الكَفَّارةَ تُزِيلُ التَحرِيمَ (7)؟ عَلَى مَا قَالَهُ في تَحريمِ طَعامِهِ يَلزمُهُ كَفَّارةٌ ومَعلومٌ أنه لَمْ يَهتِكْ حُرمَةَ قَسمٍ؛ فَثبتَ أنَّها وَجبَتْ لارتكَابِهِ المحظُورَ وإنْ قَالَ: إنَّما البَيعةُ تَلزمُني لافعَلتُ وفَعلَ فَهذِهِ رَتَّبها الحَجَّاجُ، وَهِيَ تَشمَلُ عَلَى اليَمينِ باللهِ سبحَانهُ والإطلاق وَالعتَاقِ وصَدَقةِ المالِ، فَإنْ نوى تِلْكَ اليَمينَ انعقَدَتْ يَمينُهُ بجَميعِ مَا فِيْهَا، وإنْ لَمْ يَنوِهَا فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ أَومأَ إِليهِ الخِرَقيُّ، فِيْمَا حُكِيَ عَنْهُ (8) وَذكَرهُ شَيْخُنَا (9). وَيُكرَهُ للإنسَانِ أَنْ يحَلِفَ بغَيرِ اللهِ تَعَالَى (10)، وَلاَ يُستَحَبُّ لَهُ تَكرارُ اليَمينِ باللهِ سبُحَانَهُ وَإذا دَعتهُ الحَاجةُ إلى اليَمِينِ عِنْدَ الحَاكِم فَالأَولَى لَهُ أَنْ لا يَحلِفَ، وَيفتَدِيَ يَمينَهُ فإنْ لَمْ يقبَلْ مِنْهُ إلا اليَمِينِ حَلَفَ عَلَى مَا يَراهُ الحَاكِمُ. وسَنذكرُ هذِهِ اليَمينَ في بَابِ الدَّعاوِي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى. وَإِنْ أرادَ اليَمينَ غَيْرُ الحَاكِمِ فَالمشروعُ أنْ يَقُولَ والذي نَفسِي بِيَدِهِ والذي فَلقَ الحبَّةَ، وَبرىء النَّسمَةَ وتردَّى بالعِصمَةِ، والذِي أطمَعُ أنْ يغفِرَ لي خَطيئَتي يَومَ الدِّينِ لا وَمُقَلِّبِ القُلوبِ لا والذي رَفعَ السَّمَاءَ بغيرِ عَمدٍ وَما أَشبهَ ذَلِكَ، وإذا أُكرِهَ عَلَى اليَمينِ فَحلَفَ لَمْ تنعَقِدْ يَمينُهُ وإنْ حَلَفَ وأُكرِهَ عَلَى الحنثِ لَمْ
__________
(1) وحمل أبو يعلى هذه الرواية على الاستحباب. الروايتين والوجهين (201/أ) وانظر: المغني 11/ 199، والشرح الكبير 11/ 192 - 193. وشرح الزركشي 4/ 340 - 341.
(2) في الأصل ((استحمل)) والصواب ما أثبتناه. انظر: كتاب الهادي: 244.
(3) انظر: المغني 11/ 200، والشرح الكبير 11/ 193.
(4) نص عليه الإمام أحمد وخالفه ابن عقيل. انظر: الكافي 4/ 383.
(5) انظر: المغني 11/ 196، مجموعة الفتاوى لابن تيمية 35/ 153.
(6) انظر: شرح الزركشي 4/ 342.
(7) انظر: شرح الزركشي 4/ 342 - 343.
(8) انظر: الشرح الكبير 11/ 195.
(9) انظر المحرر 2/ 198، والشرح الكبير 11/ 195.
(10) قال صاحب المحرر 2/ 197 (الحلف بغير الله محرم. وقيل يكره تنْزيها).(1/559)
تَلزمُهُ كفَّارةٌ وإذَا حَلَفَ عَلَى شَيءٍ ونَوى غَيرَهُ فإنْ كَانَ مظلومَاً صَحَّتْ نِيتُهُ وَلَمْ تَنعقِدِ اليَمينِ وإنْ لَمْ يَكُنْ مَظلومَاً لَمْ تَصِحَّ نيتُهُ وانعقَدَتِ /410 ظ/ اليَمينِ. وَإنْ حَلَفَ باللهِ عَلَى فعلِ [قسمْ] (1) إنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يحنَثْ إذَا حَلَفَ.
ويَنعْقِدُ يَمينُ الكَاْفِرِ إذَا حَنَثَ لزمَهُ أنْ يُكَفّرَ بالْعِتْقِ والإطعَامِ وَقَدِ استَوفينَا مسَائلَ الأيمان في كتَاْبِ الَّطلاَقِ في بَابِ جَاْمِع الأيماَنِ مِمَّا يشترِكُ فِيهِ حُكمُ اليَمينِ باللهِ سُبحَانَهُ وبالطَّلاقِ وَالعتَاقِ.
بَابُ كَفَّارةِ اليَمينِ
لا يَجوزُ إخراجُ كَفَّارةِ اليَمينِ قَبْلَ عَقدِ اليَمينِ، وَيجوزُ إخراجُها قَبْلَ حِنثِ اليَمينِ (2). وَلاَ فَرقَ بَيْنَ التَكفيرِ بِالمالِ وَالصِّيامِ. وَيجِبُ إخراجُهَا بَعْدَ الحِنثِ وَإِذَا كرّرَ اليَمينَ فَكفّارَةٌ وَاحِدةٌ إذَا لَمْ يكفرْ عَنِ الأولِ سَواءٌ كَانَتْ يَميُنهُ عَلَى فِعلٍ وَاْحِدٍ مِثْل أنْ يَقُولَ: وَاللهِ لا أَكلتُ وَاللهِ لاَ أكَلْتُ أوْ عَلى أفعَالٍ نَحْو قَوْلهِ واللهِ لا شَربْتُ واللهِ لا أكَلتُ واللهِ لاَ لبِستُ (3)، وعَنْهُ يَجِبُ بكلِّ يَمينٍ كَفَّارةٌ، وَظاهِرُ كَلامِ الخِرَقيِّ إنْ كَرَّرَ عَلَى شيءٍ واحدٍ فكفَّارةٌ وَاْحِدَةٌ، وَإنْ كَرَّرَ عَلَى أَشياءَ فَبِكُلِّ يَمينٍ كفّارةٌ (4)، فإنْ حَلَفَ باللهِ وبالظَّهارِ وَبنَحرِ وَلَدِهِ عَلَى شَيءٍ وَحَنَثَ لِزمَهُ كفَّارةُ يَمينٍ وَكَفَّارةُ ظِهارٍ وَذَبحُ كَبشٍ لأَجلِ الوَلَدِ، وَإِذَا حَلَفَ وَحَنِثَ مَنْ نِصفُهُ حُرٌّ في كُمّهِ (5)، وإذَا حَلَفَ العَبدُ وَحَنثَ فَعَليهِ التَّكفِيرُ بالصِّيامِ، وَلَيْسَ لِسيَّدِهِ مَنعُهُ مِنَ الصِّيامِ فإنْ أذنَ لَهُ في التَّكفِيرِ بالإطعَامِ صَحَّ،
__________
(1) وردت في الأصل: ((قم)).
(2) قَالَ ابن أَبِي موسى بعده أفضل عِنْدَ أحمد. انظر: المغني 11/ 255، والشرح الكبير 11/ 199، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 353.
(3) ذكر الزَّرْكَشِيّ في شرحه 4/ 347 في هذِهِ المسألة رِوَايَتَين الأولى أَنَّهُ تجزؤهُ كفارة وَاحِدَة وَهُوَ اختيار أبي بَكْر والْقَاضِي، لأن الكفارات زواجر بمنزلة الحدود، والثَّانِي تجب عَلَيْهِ كفارات بعدد مَا حلف عَلَيْهِ لأن كُلّ وَاحِدَة يمين معقدة، قَالَ أبو بَكْر: المذهب الأول وَقَدْ رجع أحمد عن الرِّوَايَة الأخرى. الكافي 4/ 388 - 389. وانظر: مسائل ابن هاني 2/ 73، والرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 202/ أ-ب، والمقنع: 317، والشرح الكبير 11/ 201.
(4) وذكر الزَّرْكَشِيّ 4/ 347 - 348 رِوَايَة أُخْرَى للأمام أحمد وإليها ميل ابن قدامه ويحتملها كلام الخرقي أنه إذَا كرر الحلف عَلَى شيء واحد فكفارة وَاحِدَة لأن ذَلِكَ يُسْتَعْمَل للتأكيد. وأن كَانَ الحلف عَلَى أفعال= = مختلفة فكفارات الانتفاء التأكيد إذن. وانظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 202/ب والكافي 4/ 388 - 389، والشرح الكبير 11/ 201 - 202، ومجموعة الفتاوي لابن تيمية 33/ 124.
(5) الأصل ((حر فحكمه في الكفارة حكم الاحرار)). انظر: المقنع: 317، والهادي: 248، والشرح الكبير 11/ 203، وكشاف القناع 6/ 341.(1/560)
وإنْ أذِنَ لَهُ أنْ يُكفِّرَ [بالعِتقِ] (1) فَهلْ يَصِحُّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2):
إحداهما: لا يَجزي، وَالثَّانيةُ: يَجزي وَهِيَ اختيارُ أبي بَكرٍ وَفرَّعَ عَلَيْهَا إنْ /411 و/ أُذِنَ [لَهُ] (3) في العِتقِ فَأعتَقَ نَفْسهُ فهَلْ يَصِحُّ عَلَى وَجهَينِ (4):
أحدُهُما: يَصِحُّ وإنْ عَتقَ وَيَجزِي والآخرُ: لا يَجزي، وَقَدْ ذكرنَا صِفَاتِ الكَفَّارةِ ومَا يَجزي مِنَ العِتقِ والإطعَامِ والكِسوَةِ. واَلصِّيامِ في بَابِ كَفَّاراتِ الظِّهارِ مِمَّا يُغني عَن ذكرِهَا هَاهُنَا.
بابُ النُّذورِ
لا يَصِحُّ النَّذرُ إلاّ مِنْ بَالِغٍ عاقِلٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسلِماً أو كَافِراً. ولا يَنعقِدُ إلاّ بِالقَولِ، فَإنْ نَواهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ لَمْ يَلزمْ.
وَالنُّذورُ تَنقَسِمُ سِتَّةَ أَقسَامٍ (5):
أحدُها: نَذرُ لَجاجٍ وَغَضَبٍ نَحْوُ أنْ يَقُولَ: إنْ كَلَّمتُ فُلاناً فَما لِي صَدقَةٌ، إنْ دَخلتُ الدَّارَ فَعلَيَّ الحجُّ، إنْ لَمْ أَضرِبْ فُلاناً فَعلَيَّ صَومُ سَنَةٍ، فَهذَا صورَتُه صورَةُ اليَمينِ إنْ وفّى بِما قَالَ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ، وَإنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ فَهُوَ مُخَيّرٌ بينَ أنْ يفعَلَ نَذرَهُ أو يُكفِّرَ كَفَّارةَ يَمينٍ، فإنْ قَالَ: إنْ كَلَّمتُ زَيداً فَعبدِي حُرٌ فكَلَّمهُ عتقَ العَبدُ لِوجودِ الصِّفَةِ لا لِلوفَاءِ بالنَّذرِ. والثَّانِي: نَذر طَاعَةٍ وَبرٍّ مِثْلُ أنْ يَقُولَ: للهِ عَلَيِّ أنْ أَتصَدَّقَ بِمالِي أو أنْ أَحجَّ حَجَّتَينِ أو أنْ أصُومَ سَنةً عَينَها فَهذَا يَلزمُهُ الوفَاءُ بما نَذَرَ إلاّ أَنَّهُ في جَمِيْعِ مالِهِ يَلزمُهُ الثُلثُ وَفِي صَدَقةِ ألفِ درهَمٍ منْ مَالِهِ يَلزمُهُ الْجَمِيْعُ، وَعَنْهُ (6) يَجزيه ثُلثُ ألفٍ أَيضَاً.
__________
(1) في الأصل ((بالعتق صح)) وحذفناها ليستقيم الكلام، وهو المذكور في كتب المذهب.
انظر: الهادي: 248.
(2) نقل أبو طالب لَيْسَ لَهُ أن يعتق وإن أذن لَهُ سيده، لأَنَّهُ ملك لمولاه. الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 204/ب
وانظر: مسائل ابن هانئ 2/ 87، والمغني 11/ 274، والكافي 4/ 387، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 431.
(3) في الأصل ((لها)).
(4) قَالَ أبو بَكْر يتخرج عَلَى قولين أَحَدهما يجزيه لأن الإذن مُطْلَق فَهُوَ عام فِيهِ وَفِي غيره والثَّانِي لا يجزيه لأن المأمور لا يدخل تحت الأمر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 205/أ، الكافي 4/ 387، وشرح الزَّرْكَشِيّ 3/ 431.
(5) اختلف في أقسام النذور فمنهم من زاد عَلَى ستة ومِنْهُمْ من قلل عن ذَلِكَ ومنهم ساوى ذَلِكَ.
انظر: المقنع: 322، والمغني 11/ 332، والشرح الكبير 11/ 333، وكشاف القناع 6/ 269.
(6) روي عن أحمد أَنَّهُ يجوز ثلثه لأَنَّهُ مَالِك نذر الصدقة بِهِ فأجزأه ثلثه كجميع المال. والصَّحِيح في المذهب لزوم الصدقة لجميعه لأَنَّهُ منذور وَهُوَ قربه فيلزمه الوفاء بِهِ. المغني 11/ 341، =(1/561)
وأمّا صَومُ السُّنَّةِ فَلاَ يَدخُلُ في نَذرِهِ رَمضَانُ ويومَا العِيدَينِ، وَهَل يدخُلُ أَيامُ التَّشرِيقِ؟ فإنْ أفطَرهَا قَضَاهَا (1). وَالثَّانيةُ: لا يَقضِيهَا كَمَا لا يقضِي العِيدَينِ وَرمضَانَ، وَنقَلَ أبُو طَالبٍ فِيمَنْ نذَرَ صَومَ شَوَّالٍ يَقضِي يَومَ الفِطرِ وَيُكَفِّرُ (2) فَعلَى هَذَا يَقضِي العِيدَينِ وَأيامَ التَّشرِيقِ فَإنْ أَفطَرَ لِمرَضٍ أو أَفطَرتِ المَرأَةُ لِلحَيضِ قَضَيا ذَلِكَ، وَإنْ أفطَرَ لِغَيرِ عُذرٍ انقَطَعَ التتَابعُ وَوَجبَ استِئنافُ الصَّومِ سَنَةً، وَكفَّارةُ يَمينٍ. والثَّالِثُ: نَذْرُ طَاعَةٍ في مُقَابَلةِ تَجددِ نِعمَةٍ أو دَفعِ نِقمَةٍ مِثْل أنْ يَقُولَ: إنْ شَفَى اللهُ مَريِضي تَصدَّقتُ بجَميعِ مَالي أو حَجَجتُ في عَامِي، وإنْ رُزِقتُ ابنَاً صمتُ شَهراً فَحكمُهُ حُكمُ القِسْمِ الَّذِي /412 ظ/ قبله إلا أَنَّهُ مَعلومٌ بِوجودِ الشَّرطِ فَإنْ وَجَدَ لَزِمَهُ ذَلِكَ (3) وإنْ لَمْ يوجَدْ مَا شَرطَهُ لَمْ يلزمْهُ شَيءٌ. الرَّابعُ: نَذرُ المَبَاحِ مِثْلُ أنْ يَقُولَ: للهِ عَلِيَّ أنْ أَسكنَ دَارِي أو أَلبسَ ثَوبي فَهذَا يَنعَقِدُ ويُخيرُ فِيهِ بَيْنَ فِعلِ مَا قَدرَ أو تَركِهِ ويُكفِّرُ كَفَّارةَ يَمينٍ.
وَالخَامِسُ: نَذرُ المعصِيَةِ مِثْل أنْ يَقُولَ: للهِ عَلِيَّ أنْ أَشرَبَ الخَمرَ أو أقتُلَ النَّفسَ فَهذَا نَذرٌ لا يَجوزُ لَهُ فِعلُهُ وَيلزمُهُ أنْ يُكفِّرَ كَفَّارةَ يَمينٍ، فإنْ نَذرَ نَحْرَ وَلَدهِ فَكَذلِكَ في إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4) وَفِي الأخرى: يلزمُهُ نَحرُ كَبشٍ. السَّادِسُ: إذَا قَالَ للهِ عَلِيَّ نذرٌ لزِمَهُ كَفَّارةُ يمينٍ، وَإِذَا نَذَرَ الصَّلاَة في المسجِدِ الحرَامِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فإنْ نَذرَ الصَّلاَة في مَسجِدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أو المسجدِ الأقصَى لزمَهُ فِعلُ ذَلِكَ فإنْ جَعَلَ بَدلَ ذَلِكَ الصَّلاَةَ في المسجِدِ الحرَامِ أجزاهُ، ولا تَجزِي الصَّلاَةُ في هَذينِ عَنْ نَذرِهِ الصَّلاَةَ في المسجِدِ الحرَامِ، فإنْ نَذَرَ الصَّلاَةَ في المسَاجِدِ الثَّلاثَةِ لَمْ يَلزمْهُ الوفَاءُ وَكَانَ مخيراً بَيْنَ فِعلِ ذَلِكَ وبينَ تَركِهِ ويُكفِّرُ كَفَّارةَ يَمينٍ، فَإنْ نَذرَ أنْ يَأتيَ الحَرمَ أو يَزورَ البَيتَ مَاشِيَاً لَزمَهُ فِعلُ ذَلِكَ وَلاَ يدخُلُ الحَرمَ إلاّ مُحرِمَاً بحجٍّ أو عُمرَةٍ فإنْ تَركَ المشيَ ورَكِبَ فَعلَيهِ كَفَّارةُ يَمينٍ وَعَنهُ يَلزمُهُ (5) دَمٌ ويَكونُ مَشياً، فإنْ تَركَ المشيَ لِغَيرِ عُذرٍ فَإنْ نَذَرَ أنْ يَأتيَ البَيتَ رَاكِباً لَزِمَهُ ذَلِكَ ومَشَى فَعلَيهِ كَفَّارةٌ وَعَنْهُ يلزمُهُ دَمٌ (6)، فإنْ نَذَرَ أنْ يَهدِيَ بهدياً لَزِمَهُ أنْ يَهدِيَ إلى
__________
= والشرح الكبير 11/ 341 - 342، وانظر: الهادي: 248 - 249 والمحرر 2/ 199، وكشاف القناع 6/ 273 - 274.
(1) انظر: المقنع: 323، والمحرر 2/ 200، والشرح الكبير 11/ 345.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 210/ أ، والمغني 11/ 363.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 209/أ.
(4) نقل الخرقي عن الإِمَام أحمد فيمن حلف بنحر ولده رِوَايَتَينِ إحديهما كفارة يميين والثانية بذبح كبش. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 210/ب، والمحرر 2/ 200، والشرح الكبير 11/ 336.
(5) انظر: المقنع: 324، والمغني 11/ 346، والشرح الكبير 11/ 360.
(6) انظر: المحرر 2/ 201، والشرح الكبير 11/ 362.(1/562)
الحَرَمِ لِينَحَرَ هنَاكَ
وَيفَرَّقَ، فَإنْ عَينَ الهَدْيَ بمَا يَنقلُ وَيَحولُ لَزِمَهُ انفَاذُهُ يباع وَينفذُ ثَمنهُ يفرق هُناكَ، فإنْ نَذَرَ أنْ يَنحَرُ هَدياً بِغيرِ مَكةَ مِثْل المِدينَةِ وَبغْدادَ والكوفَةِ أو يُضَحِّي أضحِيَةً في مَوضِعٍ عَيَّنَهُ لزمَهُ نَحرُ ذَلِكَ وَيفرِّقُهُ لَحمَاً في المَوضِعِ الذِي عَيَّنهُ، وَإِذَا نَذَرَ صَومَاً أجزاهُ صَومُ يومٍ فَإنْ نَذرَ صَلاةً لَمْ يُجزِئهُ أقلُّ مِنْ رَكعَتينِ وَعَنْهُ تجزي رَكعَةٌ (1)، فإنْ نَذَرَ عِتقَاً لَزِمَهُ مَا يجَزِي في الكفَّارَةِ وَمَنْ نَذَرَ أنْ يَصومَ الدَّهرَ فَعجزَ لِكِبَرٍ أَو مَرَضٍ أَفطَرَ وَكفَّرَ كَفَّارةُ يمينٍ/413و/ وَأَطعَمَ عَنْ كُلِّ يَومٍ مِسكينَاً (2) فَإنْ نَذَرَ أنْ يَطوفَ عَلَى أَربَعٍ طَافَ طَوافَينِ نَصَّ عَلَيْهِ فإنْ قَالَ: عَبْدُ (3) فُلاَنٍ حرٌّ لأفعَلنَّ كَذَا اليومَ وَلَمْ يَفعَلْ فَعلَيهِ كَفَّارةٌ في إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ والأُخرى لا شَيءَ عَلَيْهِ.
كِتَابُ الأَقضِيَةِ
بابُ ولايةِ القَضَاءِ وصِفَةِ مَنْ يَجوزُ أنْ يَكُونَ [قاضياً] (4)
اختَلفَتِ (5) الرِّوَايَةُ عَنْ إمامِنَا -رَحِمَهُ اللهُ - في ولايةِ القَضَاءِ فَروى عَنْهُ المروذيُّ أنَّهُ قَالَ: لا بُدَّ لِلمُسلِمينَ مِنْ حَاكِمٍ أتذهَبُ حقُوقُ النَّاسِ (6)؟ وهَذا يَدُلُ عَلَى أنَّ وِلايةَ القَضَاءِ فَرضٌ عَلَى الكِفَايةِ وأَنّهُ يَتعَينُ عَلَى الإنسَانِ إذَا لَمْ يوجَدْ غَيرهُ الدُّخولُ فِيهِ وروى عنهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ سَعيدٍ وَقَدْ سُئلَ هَلْ يَأثمُ الْقَاضِي إذَا لَمْ يوجَدْ غَيرُهُ مِمّنْ يوثَقُ بِهِ قَالَ: لا يَأثمُ (7) بِذَلِكَ وهَذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لا تجَبُ وَلاَ يختَلِفُ أَصحَابُنا أنّهُ يُكرهُ لَهُ طَلبُهُ إذَا كَانَ هُناكَ غَيرُهُ فإنْ دُعِيَ لِلقضَاءِ فَقَالَ شَيْخُنَا: الأفضَلُ أنْ لا يَدخُلَ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحمدَ - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ (8).
وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: الأفضَلُ أنْ يَدخُلَ فيهِ (9)، وَلاَ تَصِحُّ ولايةُ القضَاءِ إلاّ أنْ يُولِّيَهُ الإمامُ
__________
(1) نقل إِسْمَاعِيْل بن سعيد يجزيه ركعة واحدة.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ: 60، 210/ب، والمغني 11/ 345، والشرح الكبير 11/ 358.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 211/أ - ب، والمغني 11/ 343، والشرح الكبير 11/ 357.
(3) وردت في الأصل ((علام)) والصواب ما أثبتناه. انظر: المقنع: 316.
(4) زيادة منا ليستقيم بها الكلام.
(5) في الأصل: ((اختلف)).
(6) انظر: المغني 11/ 373، والشرح الكبير 11/ 373.
(7) انظر: المغني 11/ 376، والكافي 4/ 431، والشرح الكبير 11/ 376.
(8) لَمْ نقف عَلَيْهِ في رِوَايَة عَبْد الله. وانظر: المغني 11/ 376، والشرح الكبير 11/ 377.
(9) انظر: الكافي 4/ 431، والشرح الكبير 11/ 376.(1/563)
أو مَنْ فَوضَ إليهِ الإِمَامُ ذَلِكَ فَإنَّه لَهُ ذَلِكَ فَإنْ وَلاَّهُ مَنْ لَيْسَ بِعَدلٍ فَهل تَصِحُّ ولايتُهُ؟ يحَتَمِلُ وَجْهَيْنِ (1)، وإنْ تَحاكَمَ اثنَانِ إلى رَجُلٍ يَصلُحُ لِلقضَاءِ فَحكَّمَاهُ في مَالٍ فَمَا قَضَى بِهِ في حَقِّهمَا لَزِمَهُمَا، فأمَّا تَحكُّمُهُ في الحدُودِ والقصَاصِ والنِّكاحِ واللعانِ فَظَاهِرُ كَلامِ أَحمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ-: أنّهُ ينفُذُ حُكمُهُ فِيهِ (2)، وَقَالَ شَيْخُنَا: لا يَنفُذُ حُكمُهُ في ذَلِكَ (3)، وَيلزَمُ الإِمَامَ أنْ يختَارَ لِلقضَاءِ بَيْنَ المسلِمينَ أفضَلَ مَنْ يَقدِرُ عَلَيْهِ وأورَعَهُم ويأمره بتَقوى اللهِ تَعَالَى وَإيثَارِ طَاعَتِهِ في سِرِّ أَمرهِ وجَهرِهِ وَيُجري الحقَّ والاجتهَادَ في إقامَةِ الحقِّ وأنْ يَستَخلِفَ في كُلِّ صَقْعٍ (4) أصلَحَ مَنْ يَقدِرُ عَلَيْهِ لَهُمْ.
وَمِنْ شَرطِ صِحَّة الولايةِ مَعْرِفَةُ الموَلِّي للموَلَّى، وأنهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَصلُحُ لِلقضَاءِ وَيعينُ /414 ظ/ مَا يولِّيهِ الحكم فِيهِ مِنَ البلدَانِ وَمشَافَهتِهِ بالتَوليةِ إنْ كَانَ حَاضِراً أو مُكَاتَبتِهِ إنْ كَانَ غَائباً وَيُشهِدُ عَلَى توليتِهِ شَاهدَينِ وَقِيلَ تَثبُتُ ولايتُهُ بالاستفَاضَةِ إذَا كَانَ البلَدُ قَريباً فَيستفِيضُ فِيهِ أَخبارُ الأَيامِ كَالكُوفَةِ ووَاسِطٍ والمَوصلِ ونَحوِهَا، والأَلفَاظُ الَّتِي تَنعَقِدُ بِهَا الولايةُ صَريحةٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحَةُ سَبعَةُ ألفَاظٍ: قَدْ وَلَّيتُكَ الحُكمَ وَقَلدتُكَ واستَنبتُكَ واستَخلَفتُكَ وردَدتُ إِلَيْكَ الحُكمَ وَفَوَّضْتُ إِلَيْكَ وجَعَلتُ إِلَيْكَ فإذا وُجِدَ أَحَدُ هذِهِ الأَلفاظِ مِنَ الموَلِّي وَجَوابُها مِنَ المُوَلَّى بِالقَبولِ انعقَدَتِ الوَلايةُ، وأمّا الكِنايةُ فَهِيَ أَربَعةُ ألفَاظٍ: قَدْ اِعقَدْتُ عَلَيْكَ وَعَوّلتُ عَلَيْكَ ووَكَّلْتُ إِلَيْكَ وأَسنَدتُ إِلَيْكَ، فَلاَ تَنعقِدُ الولايةُ بهذِهِ حَتَّى يَقرِنَ بِهَا قَرينةً نَحْوُ قَولِهِ: فَاحكُمْ فِيْمَا وَكَّلتُ إِلَيْكَ وَانظُرْ فِيْمَا أسنَدتُ إِلَيْكَ وَتَولَ عَلَى مَا عَوَّلْتُ فِيهِ عَلَيْكَ، وَيَجوزُ أنْ يوَلّيَهُ عُمومَ النَّظَرِ في خَاصِّ العَمَلِ فَيقَلِدَهُ النَّظرَ في جَمِيْعِ الأَحكَامِ في بَلَدٍ بِعَينهِ أو مَحِلِّةِ مِنَ البلَدِ فَينفُذُ حُكمُهُ فِيمَنْ سَكَنَ في ذَلِكَ الموضِعِ وَمَنْ يَطرأُ إليهِ مِنْ غَيْرِ سُكَّانِهِ وَيجوزُ أن يُقَلِّدَهُ خُصوصَ النَّظرِ في عُمومِ العَمَلِ فَيقُولُ: جَعَلتُ إِلَيْكَ الحُكمَ في المُدَاينَاتِ خَاصَّةً في جَمِيْعِ ولايتِي، وَيجوزُ أنْ يَجعلَ حُكمَهُ في قَدرٍ مِنَ المالِ وَيَجوزُ أنْ يُولِّيَ في بَلَدٍ قَاضِيَيَنِ وَثَلاثةً فيَجعَلَ إلى أَحَدِهِم عُقودَ الأنِكحَةِ وإلى الآخَرِ النَّظرَ في المُدَاينَاتِ وإلى الآخَرِ في العَقَارِ، فَإنْ قَلَّدَ قاضِيَيَنِ عَمَلاً
وَاحِداً فَالأَقَوَى عِندِي أنَّه لا يَجوزُ (5) وَقَدْ قِيلَ: يجَوزُ (6)، فَإنْ قَالَ: مَنْ نَظَرَ في
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 11/ 379.
(2) انظر: المغني 11/ 484، والكافي 4/ 436، والشرح الكبير 11/ 393.
(3) انظر: المغني 11/ 484، والكافي 4/ 436، والشرح الكبير 11/ 393.
(4) في الأصل: (صفح)، وما أثبتناه هُوَ الأصوب، وَهُوَ المذكور في كتب المذهب.
(5) لأنهما قَدْ يختلفان فتقف الحكومة. الكافي 4/ 437، وانظر: المغني 11/ 481، والشرح الكبير11/ 382.
(6) لأَنَّهُ نيابة، فجاز جعلها إلى اثنين، كالوكالة. الكافي 4/ 437، وانظر: المغني 11/ 481 - 482،
والشرح الكبير 11/ 382.(1/564)
الحُكمِ في البَلَدِ الفُلانِيِّ مِنْ فُلاَنٍ وَفُلانٍ فَهُوَ خَليفَتي لَمْ تَنعَقِدِ الولايةُ لِمَنْ نَظرَ وإنْ قَالَ: قَدْ وَلَّيْتُ فُلاناً وَفُلاناً فأيُّهمْ نَظرَ فَهُوَ خَليفَتي انعَقَدَتِ الولايةُ لِمَنْ نَظَرَ مِنْهُمْ، وَإِذَا صَحَّتِ الولايَةُ وَكَانَتْ عَامَّةً [استفاد] (1) بِهَا النَظَرُ في عَشْرَةِ أَشياءَ: فَصلُ (2) الخصُومَاتِ بَيْنَ المتنازِعِينَ وَاستيفَاءُ الحقِّ مِمَّنْ ثَبتَ عَلَيْهِ وَدفعُهُ إلى مُستَحِقِّهِ والنَّظَرُ /415 و/ في أَموَالِ اليتَامَى مِنَ الصِّبيَانِ وَالمجانِينِ والْحَجْرُ عَلَى مَنْ يَرى الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أو فَلَس ٍوالنَظَرُ في الوقُوفِ في عَملَهِ في حِفظِ أَموالِها وإجراءُ فروعِهَا عَلَى مَا شَرطَهُ الوَاقِفُ، وتنفِيذُ الوصَايا عَلَى شَرائطِ الموصِي وَتَزوِيجُ الأَيامَى وَإقاَمةُ الحدُودِ والنَّظَرُ في مصَالحِ عَملِهِ بِكَفِّ التعدِّي عَنْ طرقَاتِ المسلِمينَ وَأفنيتِهِمْ وَيتصَفحُ حَالَ شهودِهِ وَأُمنَائهِ والاستبدالُ بمنْ ثَبتَ جَرحُهُ عِندَهُ والإمَامَةُ في صَلاةِ الجمعَةِ والعِيدِ في عَملِهِ فأمَّا جِبايةُ الخَراجِ وأَخذُ الصَدقَةِ فَهل تَدخُلُ في ولايتِهِ إذَا لَمْ يَحضَ بِنَاظِرٍ فِيْهَا يَحتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحدُهُما: لا تَدخُلُ (3)، والأخرَى: تَدخُلُ (4)، وَيَجوزُ لَهُ طَلَبُ الرِّزقِ لنَفسِهِ
وَلحلفَائهِ وأمنَائهِ مَعَ الحَاجَةِ فأمَّا مَعَ عَدَمِ الحاجَةِ فهل يجَوزُ لَهُ أخْذُ الرِّزقِ؟ يحتملُ
وَجْهَيْنِ (5).
فَصْلٌ
فأمَّا صِفَةُ مَنْ يَصلحُ لِلقضَاءِ فَيشترطُ فِيْهَا عَشْرَةُ أَشياءٌ:
أنْ يَكُونَ بَالِغاً عَاقِلاً ذَكَراً حُرَّاً مُسلِمَاً عَدْلاً سَميعَاً بَصِيراً مُتكَلِّمَاً مِنْ أَهلِ الاجتِهادِ وَكُلُّ هذِهِ الشَرائطِ مَعلومَةٌ إلاَّ العدَالةَ وسَنذكُرهَا في بَابِ الشَهادَاتِ إنْ شَاءَ اللهُ وأمَّا الاجتِهادُ فَنذكرُ شَرائطَهُ فَنقولُ: يَفتقِرُ الاجتِهادُ إلى مَعْرِفَةِ سِتةِ أَشياءَ:
الكِتَابُ والسُّنَّةُ والإجمَاعُ والقِياسُ واختِلافُ العُلَمَاءِ ولسَانُ العَربِ، فأمَّا الكِتَابُ فيحتَاجُ إلى أنْ يَعرِفَ مِنْهُ الحقِيقَةَ وَالمَجازَ والأَمرَ والنَّهيَ والمجمَلَ والمبِّينَ والمحكَمَ والمتشَابهَ والخَاصَّ والعَامَّ والمطلَقَ والمقيّدَ والمستثنَى والمستثنَى مِنْهُ والنَّاسِخَ والمنسوخَ. وأمَّا السُّنَّة فيحتاجُ أنْ يَعرِفَ مِنْها جَمِيْعَ مَا ذكرنَا مِن عِلمِ الكِتَابِ بَعْدَ أنْ يَعرِفَ صَحيحَهَا مِنْ سَقيمِهَا، وَتواترَها مِنْ آحادِهَا، ومرسَلَها مِنْ متَصلِهَا، وَمسندَهَا مِنْ مُنقطِعِها مِمَّا لهُ تَعلُّقٌ بأحكَامِ الشَّرعِ، ولا يُشتَرطُ عَلَيْهِ الإحَاطَةُ بجَميعِ مَا في الكِتَابِ
__________
(1) وردت في الأصل ((استاد))، والصواب ما أثبتناه. انظر: الهادي: 251.
(2) وردت في الأصل ((فعل))، والصواب ما أثبتناه. انظر: المقنع: 325.
(3) لأن العادة لَمْ تثبت بتولية القضاء لَهُمَا لأن الأصل ذَلِكَ، فَلاَ يثبت. الشرح الكبير 11/ 380.
(4) وَذَلِكَ قياساً عَلَى سائر الخصال المذكورة. الشرح الكبير 11/ 380.
(5) قَالَ الإِمَام أحمد: مَا يعجبني أن يأخذ عَلَى القضاء أجراً، وإن كَانَ فبقدر شغله، مِثْل ولي اليتم. الكافي 4/ 433، وانظر: الشرح الكبير 11/ 381.(1/565)
والسُّنَّةِ مِنْ هَذِهِ الأَبوابِ. /416 ظ/ وأمّا الإجمَاعُ (1): فَيعرِفُ مِنْهُ مَا اتفَقَ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ ومَنْ بَعدَهُمْ في كُلِّ عَصرٍ ومَا اختَلَفوا فِيهِ مِنَ المسَائلِ. وَأمَّا القِياسُ (2): فَيعرِفُ حُدودَهُ وشروطَهُ وكيفِيَّةَ استنبَاطِهِ. وأمّا لسَانُ العَربِ: فَهُوَ المَعْرِفَةُ باللغةِ العَربيةِ المتدَاوَلةِ بَيْنَ أَهلِ الحجَازِ واليمَنِ والشَّامِ والعِراقِ، ومَنْ في بوادِيهِم مِنَ العَربِ جَمِيْع ذَلِكَ مذكورٌ في أصولِ الفِقهِ وفُروعِهِ مستَوفىً بأَدلتِهِ، ومَا قَالَ الناسُ فِيهِ فَمنْ تَشاغَل بحفظِ الفِقهِ وأصولِهِ وَرَزقهَ اللهُ فهمَهُ فَهُوَ مِنْ أَهلِ الاجتهَادِ وَيصلُحُ مَعَ وُجودِ بقيةِ الشَرائطِ فِيهِ أنْ يُفتِيَ وَيقضِيَ وهَلْ يُشتَرطُ في حَقِّ الْقَاضِي أنْ يَكُونَ كَاتِباً أمْ لا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3).
كِتَابُ أدَبِ الْقَاضِي
فأمَّا أدَبُ الْقَاضِي إذَا وَليَ الحَكمَ فَينبَغي لَهُ أنْ يَكُونَ قويَّاً في ولايتِهِ مِنْ غَيْرِ عُنفٍ لَيِّناً مِنْ غَيْرِ ضَعفٍ، ويسأَلُ عَن حَالِ البَلَدِ الَّذِي قُلِّدَ الحُكَمَ فِيهِ وعَنْ حالِ مَنْ فِيهِ مِنَ الفُقَهَاءِ والعُدولِ والفضَلاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِن أهلِهِ وَيَسيرُ وَينفِذُ عِنْدَ مَسيرِهِ مَنْ يُعلِمُ أَهلَ البلَدِ بيَومِ دُخولِهِ وَيأمُرهُم بِاجتمَاعِهِم لِتَلقيَهُ فإذا قَربَ مِنَ البَلَدِ لَبسَ أَجمَلَ ثيابِهِ وَتَهيأَ لِلدُّخُولِ فإذا شَارَفَ البلَدَ يُستَحبُّ لَهُ أنْ يَدعوَ بما رُويَ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ مِنْ دعائهِ: ((اللهمَّ ربَّ السَّمواتِ السَّبعِ وما أَظلَّتْ وربَّ الأرَضِينَ السَّبعِ وما أقلَّتْ وربَّ الرِّياحِ ومَا ذَرتْ أسألكَ خَيرَ هذِهِ البَلدةِ وخَيرَ أَهلِهَا وَخَيرَ مَا فِيهَا)) (4) فإذا [دَخلَ] (5) البلد قَالَ: ((اللهُمَّ اجعلْهُ لَنَا قرَارَاً واجعلْ لَنَا فِيهِ رِزقَاً طَيَّباً اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ مِنَ الأَسَدِ والأُسْوَدِ
__________
(1) انظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب 3/ 224.
(2) انظر: التمهيد في أصول الفقه 3/ 358.
(3) أورده ابن حمدان مذهباً، وَهُوَ ظاهر كلام عامة الأصحاب.
انظر: المغني 11/ 385.
(4) أخرجه النَّسَائِيّ في عمل اليوم والليلة (543) (544)، وابن خزيمه (2565)، والطحاوي في شرح المشكل (1778) و (2528) (2529)، وابن حبان (2704) وط الرسالة (2709)، والطبراني في الكبير (7299)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (524)، والحَاكِم في المستدرك 1/ 446 و 2/ 100، والبَيْهَقِيّ 5/ 252 من طرق عن كعب الأحبار عن صهيب بِهِ، بلفظ: ((اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فاءنا نسألك خير هذِهِ القَرْيَة وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر مَا فِيْهَا)) هناك تقديم وتأخير في الألفاظ في بَعْض الروايات.
(5) في الأصل ((فادخل)).(1/566)
والحيَّةِ والعقرَبِ ومِنْ شَرِّ سَاكِني البلَدِ ومِنْ شَرِّ والدٍ وَمَا ولدَ ومِنْ شَرِّ كُلّ أَحَدٍ)) (1).
وَيستَحبُّ /417 و/ لَهُ الدُّخولُ في يَومِ الاثنينِ فإنْ لَمْ يَقدِرْ فَالسَّبتُ أو الخَميسُ وَيقصِدُ مَسجِدَ الجامِعِ فَيدخُلُهُ ويصَلِّي فِيهِ رَكعتَينِ وَيجلِسُ مُستَقبِلاً لِلقِبلَةِ فَإذا اجتَمعَ النَّاسُ أَمرَ بعَبدِهِ فَقرَى عَلَيْهِمْ ثُمَّ يأمُرُ منَاديَهُ فَينادِي في البلَدِ: مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلى الْقَاضِي فَليحضَرْ في يَومِ كَذَا ثُمَّ يَنهَضُ إلى مَنزلِهِ الَّذِي أعدَّهُ للنُّزولِ، وينفذ فَيتسلمُ ديوانَ الحكمِ مِنَ الَّذِي كَانَ قَبلَهُ. فَإذا كَانَ اليَومُ الَّذِي وَعَدَ النَّاسَ الجلوسَ فِيهِ أنقد بسَاطاً أو لبداً (2) أو حَصِيرَاً لِيفرَشَ لَهُ، ثُمَّ يَخرجُ عَلَى أَعدَلِ أَحوالِهِ لا جَائعَ ولا شَبعَانَ وَلاَ عَطشَانَ وَلاَ مَهموماً بأمرٍ يَشغِلُهُ عَنِ الاجتهَادِ والفَهمِ وَيسلِّمُ عَلَى مَنْ يَمرُّ بِهِ في طَريقِهِ مِنَ المُسلِمينَ وإنْ كَانَ صَبيّاً فإذا وصَلَ إلى مَجلِسِه سَلَّمَ عَلَى مَنْ فِيهِ، فإنْ كَانَ مَسجِداً صَلَّى رَكعتَينِ وجَلَسَ، وإنْ كَانَ غَيرُهُ فَهُوَ مُخيرٌّ. ويستَحَبُّ أنْ يَستَعِينَ باللهِ ويتَوكَلَ عَلَى اللهِ وَيدعوَ اللهَ سِراً أنْ يَعصِمَه مِنَ الخطَأ وَالزَلَلِ، وأنْ يُوفِقَهُ لما يُرضِيهِ مِنَ القَوْلِ والعَمَلِ ويُستَحَبُّ أنْ يَجعَلَ مَجلِسَهُ وَسطَ البلَدِ وَيكونَ فَسحَاً كَالجامِعِ أو الدَّارِ الكَبيرَةِ والفَضَاءِ الواسِعِ بحَيثُ لا يَزدَحِمُ الخصُومُ ويَصِلُ إليهِ كُلُّ أحَدٍ، وَلاَ يَتَخِذُ حَاجِباً وَلاَ بَوابَّاً إلا في غَيْرِ مَجلسِ الحكمِ إنْ شَاءَ ويَعتَرِضُ القَصَصَ وَيبَدأُ بالأَولَ فَالأَولَ، فَإنْ حَضَروا في حَالٍ وَاحِدَةٍ وتَشَاحّوا (3) أقرعَ بينَهم فَمنْ خَرَجَ اسمُهُ قَدَّمهُ، وَلاَ (4) يقَدِّمُ مَنْ سَبقَ في أَكثرَ مِنْ حُكومَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإنِ احتَاجَ أنْ يتَّخِذَ كَاتِباً فَيكونُ مُسلِماً مُكَلَّفاً عَدلاً عَالِماً حَافِظاً يُجلسُهُ بِحَيثُ يشَاهِدُ مَا يَكتُبهُ، وَيجعَلُ القمطرَ (5) مَختوماً بَيْنَ يَدَيهِ، وينبَغي أنْ يُحضِرَ مَجلسَهُ الفُقَهَاءَ مِنْ أَهلِ كُلِّ مَذْهَبٍ إنْ أَمكَنَ، وإذَا أشكَلَ عَلَيْهِ أَمرٌ شَاورَهُم فإذا أتضَحَ لَهُ حَكَمَ فِيهِ، وإنْ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ أَخَّرَهُ حَتَّى يَتضِحَ وَلاَ يُقَلِدْ غَيرَهُ في الحُكمِ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَهُ /418ظ/ أو أعلَمَ مِنْهُ، وَيسَوي بَيْنَ الخَصمَينِ في لَحظِهِ وَلَفظِهِ وَمَجلسِهِ والدُّخُولِ عَلَيْهِ، فإنْ كَانَ أحَدُ الخَصمَينِ كَافِراً قُدّمَ عَلَيْهِ المُسْلِمُ في الدُّخولِ وَرُفِعَ عَلَيْهِ،
__________
(1) أخرجه أحمد 2/ 132 و3/ 124، وأبو دَاوُد (2603)، والنَّسَائِيّ في الكبرى (10398) وَفِي عمل اليوم والليلة، لَهُ (563)، وابن خزيمه (2572)، والحَاكِم في المستدرك 1/ 446 - 427 و 2/ 100، والبَيْهَقِيّ 5/ 253. من طرق عن الزُّبَيْر بن الوليد عن ابن عُمَر بِهِ، لفظ: ((يا أرض ربي وربك الله، وأعوذ بالله من شرك، وشر ماخلق فيك، وشر مَا دب عَلَيْكَ أعوذ بالله من شر كُلّ أسد وأسود وحية وعقرب ومن ساكني البلد ومن شر والد وما وُلِدَ)).
(2) لبداً: ضرب من البسط: انظر: المعجم الوسيط: 812.
(3) تشاحوا: تسابقوا إِليهِ متنافسين. المعجم الوسيط: 474.
(4) تكررت في الأصل.
(5) القمطر: مَا تصان بِهِ الكُتُب المعجم الوسيط: 759.(1/567)
[فإنْ كَانَ] (1) في الجُلوسِ (2)، وَلاَ يُسَارَّ أحدَهُما وَلاَ يُلقِّنهُ حُجَّتَهُ وَلاَ يعَلِمْهَ كَيْفَ يدَّعي (3)، وله أنْ يَشفَعَ إلى خَصمِهِ أنْ يُنظرَهُ، وَلهُ أنْ يزن عَنْهُ، وَلاَ يَحكُمْ بَيْنَ الخَصمَينِ وَهُوَ غَضبَانُ، وَلاَ يَقضِي في حَالِ شِدَّةِ الجوعِ والعطَشِ والهمِّ والوجَعِ والنُّعاسِ والبَردِ المؤلِمِ والحَرِّ المزعِجِ ومُدافَعةِ الأخبثَينِ، فإن خَالفَ وحَكَمَ فوافقَ حُكمُه الحقَّ نَفذَ. وَقَالَ شَيْخُنَا لا ينفُذُ حُكمُهُ (4)، وَلاَ يحلُّ لَهُ أنْ يرتَشِيَ وَلاَ يقبلُ الهدِيةَ إلاّ مِمّن كَانَ يلاطفُهُ ويهَادِيهِ قَبْلَ الولايةِ بِشَرطِ أنْ لا يَكُونَ لَهُ حُكومَةٌ، وَيكرهُ لَهُ أنْ يتولَى البيعَ والشِراءَ لِنفسِهِ، ويُستَحبُّ أنْ يوكِّل في ذَلِكَ مَنْ لا يُعرَفُ [أَنَّهُ وَكيلُهُ] (5). وَيجَوزُ لَهُ حُضورُ (6) الوَلائمِ فَإنْ كَثرَتْ عَلَيْهِ [تَركَها وَلاَ] (7) يُجيبُ بَعضَهم وَيمتَنِعَ عَنْ بَعْضٍ وَيُستَحَبُّ لَهُ [عِيادَةُ] (8) [المرِيضِ] (9) وَشُهودُ الجنازَةِ وتَشمِيتُ العَاطِسِ. وَلاَ يَجوزُ لَهُ أنْ يَحكُمَ لِنفسِهِ وَلاَ لوالدَيهِ وَلاَ لِوَلدِهِ، وَلاَ لِعَبدِهِ وأَمَتِهِ، فَإنِ اتفَقَ لأَحِدهمْ خُصومَةٌ حَكَمَ فِيْهَا بَعْضُ خُلفَائِهِ، وَقَالَ: أَبو بَكْرٍ: يجوزُ لَهُ الحكمُ لَهمْ (10). وَيوصِي الوكَلاءَ والأَعوانَ عَلَى بابِهِ بِتقوَى اللهِ تَعَالَى والرِّفقِ بالخصُومِ وقلَّةِ الطَّمَعِ، ويجتَهِدُ أنْ لا يَكُونُوا إلاّ شيوخَاً أو كُهولاً
مِنْ أَهلِ الدِّينِ والصِّيانَةِ والعِفَّةِ، وَينبغِي أنْ لا يَحكُمَ إلاّ بِمَحضَرٍ مِنَ الشُّهودِ. وَأولُ مَا ينظر فِيهِ عِنْدَ جلوسِهِ في ولايتِهِ: أَمرَ المحبسينَ فيَنفذُ ثقتَهُ إلى الحَبسِ، فَيكتُبُ اسمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ فِيهِ في رقعةٍ مُنفَرِدَةٍ، وَيكتبُ اسمَ مَنْ حَبَسهُ وفيما حَبسَهُ، ثُمَّ [ينادي] (11) في البلَدِ: أنَّ الْقَاضِي يَنظرُ في أَمرِ المحبسينَ، فَمنْ كَانَ لَهُ
__________
(1) هكذا وردت في الأصل
(2) لا فرق في ذَلِكَ بَيْنَ المُسْلِم والكافر، وَهُوَ ظاهر كلام الخرفي، وَهُوَ أحد الوَجْهَيْنِ.
انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 456.
(3) فِيهِ وَجْهَانِ أحدهما: لا يجوز، لأن في تلقينه مَا يثبت حقه بِهِ، أشبه الحجة. والثَّانِي يجوز إلا أَنَّهُ لا ضرر عَلَى الآخر في تصحيح دعواه الكافي 4/ 456.
(4) لأَنَّهُ منهي عَنْهُ، والنهي يَقْتَضِي فساد المنهي عَنْهُ، وَقِيلَ، إنما يمنع الغضب الحكم قَبْلَ أن يتضح حكم المسألة، لأَنَّهُ يشغله عن استيضاح الحق. الكافي 4/ 442، وانظر: المغني 11/ 395، والشرح الكبير 11/ 402، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 442، وكشاف القناع 6/ 310.
(5) زيادة يقتضيها السياق. وانظر: الهادي: 253، والمقنع: 328.
(6) في الأصل: ((يجوز لَهُ حضور لَهُ حضور الولائم)).
(7) زيادة من عندنا ليستقيم بِهَا السياق، انظر: الهادي: 253.
(8) طمست في الأصل، انظر: المقنع: 328.
(9) في الأصل ((المريضي)).
(10) انظر: المغني 11/ 483، والكافي 4/ 439 - 440، والشرح الكبير 11/ 408.
(11) في الأصل ((يناد)).(1/568)
عَلَى مَحبوسٍ حَقٌّ فَليَحضرْ في غَدٍ فإذا كَانَ /419 و/ في غَدٍ وَحضَرَ الْقَاضِي، أَخرَجَ الْقَاضِي رُقعةً فنادَى هَذِهِ رُقعَةُ فُلاَنِ بنِ فُلاَنٍ فَمنْ خَصمُهُ؟ فإذا حَضَرَ خَصمُهُ بَعَثَ فَأخرَجَهُ، وَنَظَرَ فِيْمَا بينَهُ وبينَ خَصمِهِ فإنْ كَانَ حَبسُهُ بحَقٍّ: مِثْلَ دَينٍ أو أرَشٍ جِنَايةٍ أو إتلافِ مَالٍ قِيلَ لَهُ: أَخرجْ ممّا عَلَيْكَ فإنْ قَالَ: أنا مُعسِرٌ نَظَرنا، فإنْ عُرِفَ لَهُ أَصْلُ مالٍ لَمْ تُقبلْ دَعواهُ إلاّ بِبيَنةٍ تَشهَدُ أَنَّهُ ذَهَبَ مَالُهُ، فإنْ لَمْ تَقُمْ بَينَةٌ وعرِفَ لَهُ عَينُ مَالٍ كُلِّفَ قضاة مِنْهُ، فإنْ أبا قَضَى الحَاكِمُ الدَّينَ مِنْهُ إنْ كَانَ مِنْ حَبسِ الدَّينِ وإلاَّ باعَهُ وقَضَى الدَّينَ مِنْ ثَمنهِ، وَإنْ لَمْ يُعرَفْ لَهُ عَينُ مَالٍ أعُيدَ إلى الحَبسِ، وإنْ بانَ أَنَّهُ حَبَسَهُ بغَيرِ حَقٍّ ثَبَتَ مِثْل، أنْ يَكُونَ حُبِسَ في تُهمةٍ أوِ افتِياتٍ (1) عَلَى الْقَاضِي خَلَّى سَبيلَهُ، فإنْ لَمْ يَحضَرْ لَهُ خَصْمٌ، قِيلَ لَهُ فِيْمَا حُبِستَ، فَإنْ قَالَ: حَبسَني القاضِي وَلا خَصمَ لِي ولا حَقَّ عَلَيَّ لأَحَدٍ نَادى الْقَاضِي بِذَلِكَ، فَإنْ ظَهرَ لَهُ خَصمٌ والاَّ حَلَّفهُ أَنَّهُ لا خَصْمَ لَهُ وأُطلِقَ. ثُمَّ يَنظرُ في أَمرِ الأيتَامِ والمجَانِينِ وَفِي الوصَايا والوُقوفِ وَتحرِي الأَمرِ فِيْهَا عَلَى مَا يَقتَضِيهِ الشَّرعُ، ثُمَّ يَنظُرُ في
[حَالِ] (2) الْقَاضِي قَبلَهُ. فإنْ كَانَ مِمّنْ لا يَصلُحُ للقضَاءِ نَقَضَ أَحكَامَهُ. وإنْ كَانَتْ قَدْ وَافقَتِ الصَّحِيحَ وإنْ كَانَ يَصلُحُ للقضَاءِ لَمْ يَنقُضْ مِنْ أَحكَامِهِ إلاّ مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى أو سُنَّةَ نَبيهِ - صلى الله عليه وسلم - أو إجمَاعَ العُلَمَاءِ (3). وإنِ استعدَاهُ خَصمٌ عَلَى الْقَاضِي الَّذِي قَبلَهُ سَألَهُ عمّا يَدَّعيهِ عَلَيْهِ، فَإنْ قَالَ: لي عندَهُ حَقٌّ مِنْ دَينٍ ومعَامَلةٍ وَغَصبٍ وَرشوةٍ ونحو ذَلِكَ أَرسَلَ إليهِ وعَرَّفَهُ، فَإنِ اعتَرَفَ بما ادَّعاهُ أمرَهُ بإيفَائهِ أَو الحضُورِ، وَإنْ جَحَدَ وَقَالَ: إنما يُرِيدُ هَذَا الَخصمُ تَبذُّلي والتَّشَفِي مِنِّي لَمْ يُحضِرَهُ حَتَّى يَبينَ لَهُ أنَّ لما ادَّعَاهُ أصلاً في إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4). وَكَذَلِكَ الحكمُ في كُلِّ مُدَّعى عَلَيْهِ لا /420 ظ/ يَحضرُهُ الحَاكِمُ حَتَّى يَعلَمَ، أَنَّهُ كَانَ بَينَهُ وبينَ المدَّعِي مُعامَلةٌ فِيْمَا ادَّعَاهُ وَفِي الرِّوَايَة الأخرَى: يُحضِرُ كُلّ مدعىً عَلَيْهِ ويَحكُمُ بَينَهُ وبَيْنَ خَصمِهِ وَهِيَ اختِيارُ عَامَّةِ شُيوخِنَا (5)، وإنْ قَالَ: جَارَ عَلَيَّ في الحكمِ، فإنْ كَانَ مِمَّا لا يَسوغُ فِيهِ الاجتِهَادُ نَقضَهُ، وإنْ كَانَ مِمَّا يَسُوغُ لَمْ يَنقُضْهُ سَوَاءٌ وافقَ رأيَ الْقَاضِي أو خَالفَهُ فإنْ قَالَ: حَكَمَ عَلِيَّ بشهادَةِ فاسِقَينِ فَقَالَ: بَلْ حَكَمتُ بِشَهادَةِ عَدلَينِ فَالقَولُ قولُهُ بِلا يَمينٍ، فإنِ ادَّعَى إنسَانٌ
__________
(1) يقال افتأت عَلَيْهِ القَوْل: أي افتراه واختلقه. بالهمزة والتخفيف. المعجم الوسيط: 670، لسان العرب 2/ 74 - 75.
(2) كلمة غَيْر واضحة في الأصل، انظر: المقنع: 328، والهادي: 253.
(3) انظر: الكافي 4/ 452، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 449.
(4) انظر: المغني 11/ 414، الكافي 4/ 452.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 213/ب، والمغني 11/ 410.(1/569)
أنَّ الحَاكِمُ المعزُولَ حَكَمَ لَهُ عَلَى خَصْمٍ عَيَّنهُ بكَذا، فأَنكَرَ الخَصْمُ ذَلِكَ وَلا بينةَ لَهُ سُئِلَ الحَاكِمُ فإنْ قَالَ: كُنتُ حكَمتُ لَهُ في حَالِ ولاِيَتي في ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَهمَاً في خَبرهِ ذَكَرهُ الخِرَقيّ (1)، وَيحتمِلُ أنْ لا يُقبَلَ قَولُه لأَنَّهُ في حَالِ ولايتِهِ لا يَجوزُ لَهُ الحُكمُ بِعلمِهِ فَبعدَ عَزلِهِ أَولى. وَإِذَا مَاتَ المولِّي لَمْ تَبطُلِ ولايةُ المولّى في أَحَدِ الوَجهيَنِ (2)، وتبطُلُ في الأخرَى، فَإنْ عَزَلهُ الإِمَامُ مَعَ
صَلاحِهِ لِلقضَاءِ فَهلْ ينعَزِلُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3)، فَإنْ قلنا ينعَزِلُ قَبْلَ أنْ يعلمَ بالعَزلِ عَلَى وَجْهَيْنِ أصلُهُما الوَكيلُ هَلْ يَنعزِلُ قَبْلَ العِلْمِ (4).
بابُ طَريقِ الحُكمِ وصِفَتِهِ
لا تَخْتَلِفُ المذاهِبُ أَنَّهُ يَجوزُ للحَاكِمِ أنْ يَحكُمَ بِالبينَةِ وبِالإقرَارِ في مَجلِسِهِ إِذَا سَمعَهُ مَعَهُ أحَد أو سَمعَهُ مَعَهُ شَاهِدٌ واحِدٌ فَنصَّ أَحمدُ في رِوَايَةِ حَربٍ أَنَّهُ يَحكمُ بهِ (5)، وَقَالَ شَيْخُنَا: لا يَحكُمُ حَتَّى يَشهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ (6)، فأمّا مَا يَعلَمُهُ في غَيْرِ مَجلِسهِ برُؤيةٍ أو سَمَاعٍ أو غَيْرِ ذَلِكَ فهلْ يجوزُ أنْ يَحكُمَ فِيهِ بِعلمِهِ أمْ لا؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ (7).
إحداهُما: لا يَحكُمُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ في حَدٍّ أو قِصَاصٍ أو غَيرِهِمَا مِنَ الحقُوقِ وَهُوَ اختِيارُ عامَّةِ شيوخِنَا.
وَالثَّانيةُ: يَحكُمُ بِهِ، قَالَ في رِوَايَةِ أَبي طَالِبٍ في الأَمَةِ إذَا زَنَتْ يُقيمُ مولاهَا الحَدَّ إذَا
__________
(1) هَذَا منصوص عن أحمد، وبه جزم الْقَاضِي في جامعه، وأبو الخطاب في خلافه، وابن عقيل في تذكرته، وغيرهم. شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 461، وانظر: المغني 11/ 477 - 478.
(2) انفرد أبو الخطاب في حكاية الوَجْهَيْنِ في حِيْنَ حكى صاحب المغني 11/ 479، وجهاً واحداً وَهُوَ أنه لَمْ ينعزل، لأن الخلفاء - رضي الله عنهم - وَلَّوْ حكاماً في زمنهم فلم ينعزلوا بموتهم ولأن في عزله بموت الإِمَام ضرراً عَلَى المسلمين، فإن البلدان تتعطل من الحكام وتقف أحكام الناس إلى أن يولي الإِمَام الثَّانِي حاكماً جديد وفيه ضرر عظيم. وانظر: 11/ 383 من المغني.
وذكر صاحب الكافي حكاية الوَجْهَيْنِ. انظر: الكافي 4/ 438 - 439.
(3) انظر: المغني 11/ 479، والكافي 4/ 438 - 439، والشرح الكبير 11/ 383.
(4) ينعزل سَوَاء علم أم لَمْ يعلم، وَهُوَ ظاهر كلام الخرقي، والثانية: لا ينعزل قَبْلَ علمه نَصَّ عَلَيْهِ أحمد في رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد. المغني 5/ 242 - 243. وانظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 80/ب، والشرح الكبير 5/ 218، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 530.
(5) انظر: المغني 11/ 403، والمحرر 2/ 206، وكشاف القناع 6/ 329.
(6) انظر: المغني 11/ 403، والمحرر 2/ 206، والشرح الكبير 11/ 424 وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 447، وكشاف القناع 6/ 329.
(7) انظر: المغني 11/ 400، والكافي 4/ 464، والمحرر 2/ 206، والشرح الكبير 11/ 424، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 446.(1/570)
تَبينَ لَهُ الزِّنَا حَملَتْ أو رَآها جَلَدَهَا (1)، فَإذا جَازَ لِلسَّيدِ ذَلِكَ بِرؤيتِهِ /421 و/ في الحُدودِ فَالحاكِمُ أَولَى، وَقَالَ في رِوَايَةِ حَربٍ إذَا أَقرَّ في مَجلسِهِ حُدَّ أو حَقٌّ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَأخذَهُ بهِ (2)، وهذا حُكمٌ بِعلمِهِ، وَيجوزُ لَهُ الحُكمُ بِشَاهِدٍ وَيَمينِ المدَّعِي، وَيَجوزُ لَهُ القَضَاءُ (3) بِالنُّكولِ، وَلاَ يَحكُمُ بِرَدِّ اليَمينِ نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة الأثرَمِ وَحَربٍ والميمُونِيِّ، وَيقوى عِندي جَوازُ الحُكمِ بِرَدِّ اليَمينِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وعُثْمَانَ وعَليٍّ - رضي الله عنهم -، وَقَدْ قَالَ أَحمَدُ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ مَا هوَ بِبَعيدٍ أنْ يَحلِفَ وَيأخُذَ (4)، فَقَالَ لَهُ: وخذ وَهَابهُ فَقَدْ صَوَبَهُ وَقياسُ قَولِهِ يَقضِيهِ فإنَّه قَدْ حَكَمَ باليَمينِ والشَّاهِدِ ابتدَاءً مِنْ غَيْرِ رِضَى المنكِرِ، وَكَذَلِكَ في القَسَامَةِ فإذا رَضِيَ المنكرِ بِيَمينِهِ كَانَ أولى بجَوازِ الحُكمِ وَقَولُهُ أهابهُ لا تجرحُه أنْ يَكُونَ مَذهَباً لَهُ، فَقَدْ قَالَ في المفقُودِ: كُنْتُ أَقولُ إذَا تَربَّصَتْ زَوجَتُهُ أَربعَ سِنينَ ثُمَّ اعتَدَّتْ أربَعةَ أشهُرٍ وَعشر تَزوَّجَ وقَدِ ارتَبتُ اليومَ وَهِبتُ الجَوابَ فَقَدْ صَرَّحَ بأنَّهُ هَابَ ذَلِكَ، وأشبها جَمِيْع أصحابنا مذهباً.
وَاختَارَهُ شَيْخُنَا. وَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يدَيهِ الخصمَانِ فَلَهُ أنْ يَقُولَ لَهُمَا مَنِ المدَّعي منكُما ولَهُ أنْ يَسكُتَ حَتَّى يَبتَدِيا، فإنْ سَبقَ أَحدُهُما بالدَّعَوى قُدمَ، وَإنِ ادَّعَيا مَعاً أَقرَعَ بَيْنَهُمَا فَقدّمَ مَنْ خَرجَتْ لَهُ القُرعَةُ، فَإذا انقَضَتْ حُكومَتُهُ سَمِعَ دَعوى الآخَرِ. وَلاَ يَسْمَعُ الدعوَى إلا صَحِيْحَةً مُحررَةً، ثُمَّ يَقُولُ لِلخَصمِ: مَا تَقُوْلُ فِيْمَا ادَّعَاهُ عَلَيْكَ فَإنْ أَقرَّ لَمْ يَحكُمْ حَتَّى يُطالِبَهُ المدَّعِي بالحُكمِ، وإنْ أنكَرَ سَألَ المدَّعِي ألكَ بَينَةٌ فإنْ قَالَ مَالي بيّنةٌ فَالقَولُ قَوْلُ المنكِرِ مَعَ يَمينِهِ إنْ سَألَ المدَّعي إحلافَهُ، فَإنْ نَكَلَ المنكِرُ عَنِ اليَمينِ فَعلَى المَنصوصِ يَحكُمُ عَلَيْهِ بالنكُولِ، بَعْدَ أنْ يَقُولَ لَهُ إنْ لَمْ تَحلِفْ وَنكلتَ قَضَيتُ عَلَيْكَ بِالنُّكولِ ثَلاثاً وَهِيَ اختيارُ عَامَّةِ شيوخِنَا (5)، وَعلَى مَا يقوى عِندِي يُقَالُ: لَكَ رَدُّ اليَمينِ عَلَى المدَّعِي، فَإنْ رَدَّهَا وحَلَفَ المدَّعِي حَكَمَ لَهُ بِما ادَّعَى (6)، وإنْ نَكَلَ أيضَاً صَرَفَهمَا، فَإنْ عَادَ أحدُهُمَا /422 ظ/ قَبْلَ اليَمينِ بَعْدَ نكُولِهِ لَمْ يقبلْ مِنْهُ في ذَلِكَ المَجلِسِ حَتَّى يتحَاكَمَا في مَجلِسٍ آخَرَ، وَإنْ عَادَ المدَّعِي بَعْدَ قَولِهِ لا بَينَةَ لي فَقَالَ: لي
__________
(1) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 446.
(2) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 446.
(3) انظر: المحرر 2/ 208.
(4) انظر: المقنع: 330، والهادي: 254، والكافي 4/ 461، والمحرر 2/ 208، والشرح الكبير 11/ 428.
(5) ?انظر: الهادي: 254، والمغني 11/ 456، والشرح الكبير 11/ 427.
(6) انظر: المقنع: 330، والهادي: 254، والكافي 4/ 461، والمحرر 2/ 208، والشرح الكبير 11/ 428.(1/571)
بَينَةٌ لَمْ [تُسمَعْ] (1) ذَكَرهُ الخِرَقيُّ (2)، فَإنْ قَالَ: مَا أَعلَمُ لي بَينَةً فَقَالَ شَاهِدَانِ: نحَنُ نَشهدُ بحقِّكَ فَقَالَ: هَذانِ بَينَتي سُمِعَتْ بَينتُهُ، فَإنْ لَمْ يُرِدْ أنْ يَشهَدا لَهُ لَمْ يُطالَبْ بإقامةِ البَينَةِ، فَإنْ قَالَ المدَّعِي: لي بَينَةٌ وأريدُ أنْ أحلّفَهُ فَهَلْ يحلِفُ؟ يحتَمِلُ وَجْهَيْنِ (3)، فَإنْ شَهِدَ للمدِّعي شَاهِدانِ وكَانا فَاسِقَينِ قَالَ للمدِّعِي: زِدْ في الشُّهودِ، وإنْ كَانا عَدلَينِ يَعرفُ الْقَاضِي عَدالتَهمَا ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً، مِثْل أنْ يَكونَا قَدْ عدلا عِندَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أو ممّا في حِوارِهِ حَكَمَ بِشَهادَتِهمَا، إلاّ أنْ يرتَابَ بِهما فيفرقهمَا ثُمَّ يَسألُ أَحدُهمَا كَيْفَ تَحمَّلتَ الشَّهَادةَ ومتى تَحمَّلْتَها وَفِي أيِّ مَوْضِعٍ كَانَ التَّحمُلُ وهَل تَحمَّلتَهَا وَحدَكَ؟ أو أنتَ والشَّاهِدُ الآخرُ، فَإنْ اختَلَفا تَوقَّفَ عَنْ قَبولِ الشَّهادَةِ، وَإنِ اتَّفقَا وَعظَهُمَا وخَوَّفَهمَا فَإنْ ثَبتا عَلَى شَهادَتِهمَا استُحبَّ أنْ يَقُولَ للمنكِرِ قَدْ شَهِدَ عَلَيْكَ فُلاَنٌ وفلانٌ وَقَدْ قُبِلَتْ شَهادتُهمَا، إلاّ أنْ يثَبتَ أمرٌ يَقْدَحُ فِيْهِمَا، فَإنْ جَرحَهمَا كُلِّفَ إقامَةَ البينَةِ عَلَى الجَرحِ، فَإنْ طَلبَ إمهالَهُ لِيُقِيمَ البينَةَ أُمهِلَ اليومَ واليومَينِ والثَّلاثَ، وَلِلمدَّعِي مُلازَمتُه إلى أنْ يَثبُتَ الجَرحُ، فَإنْ أقامَ البينَةَ بِالجَرحِ وإلاّ حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا طالَبَهُ المدَّعِي بِالحُكمِ وَلاَ يَقبَلُ الجَرحُ إلاّ مُفسَّراً بما يَقْدَحُ في العَدالةِ نَحْوَ أنْ يشهَدَا عَلَيْهِ بشُربِ الخَمرِ أو أَكلِ الرِّبا أوِ القَتلِ عَمْداً أو الغَصبِ وَلاَ فَرقَ بَيْنَ أنْ يَراهُ عَلَى ذَلِكَ أو يَستَفيضَ في النَّاسِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَكفِي أنْ يشهَدا عَلَيْهِ بأَنهُ فَاسِقٌ أو بأنَّه لَيْسَ بعَدلٍ (4) /423 و/ وإنْ شَهِدَ عندَهُ المجاهِيلُ الحالِ، فَإنْ جُهِلَ إسلامُهُم عِندَنا، إلاّ في الحُدودِ عَلَى خِلاَفٍ نَذكُرهُ في بَابِ الشَّهادَاتِ إنْ شَاءَ اللهُ وإنْ جَهلَ عَدَالتَهم فَفيهِ رِوَايَتَانِ: إحداهما: تُقبلُ شَهادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ مَا ظَهرَ مِنْهُ ريبة وَهِيَ اختِيارُ أَبي بَكرٍ (5).
والثَّانية: لا تُقبلُ إلاّ شَهادةُ مَن تَثبتُ عَدالتُهُ باطِناً وظَاهِراً وَهِيَ اختِيارُ الخِرَقيِّ وشَيْخِنَا (6)، فَعلَى هَذَا يَسألُ الحَاكِمُ عَنِ اسمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وكنيتِهِ ونَسَبهِ وصنعتِهِ وَسوقِهِ ومَسجدِهِ
__________
(1) زيادة ليستقيم بِهَا المَعْنَى، انظر: المقنع: 330.
(2) نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَام أحمد. المحرر 2/ 209، انظر: المقنع: 330، الشرح الكبير 11/ 428.
(3) انظر: المقنع: 330، الشرح الكبير 11/ 429.
(4) انظر: المغني 11/ 424، والكافي 4/ 448.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 212/ب، والمغني 11/ 415، والمحرر 2/ 207، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 449.
(6) هَذَا هُوَ المذهب عند الأَكْثَرِيْنَ مِنْهُمْ الْقَاضِي وأصحابه وأبو مُحَمَّد، والخرقي فِيْمَا قَالَهُ أبو البركات لا تقبل. شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 449، وانظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 212/ب، والمغني 11/ 415، والمحرر 2/ 207.(1/572)
ومَوضِعِ نزولِهِ ويَكتبُ ذَلِكَ في رِقاعٍ وَيدفعُ الدفَائعَ إلى أَصحَابِ مسَائلِهِ، وَلاَ يُعلِمُ بَعضَهم بِبَعضٍ يأمُرهُم أنْ يسأَلوا ويستَكشِفوا مِنْ جِيرَانِهِ ومعَامِليهِ وأَهْلِ مَسجِدِهِ وسوقِهِ سِرَّاً، فَإنْ رجعُوا إليهِ بالتَّعديلِ وَلاَ يُقبلُ في ذَلِكَ أقلُّ منِ اثنينِ أمرَهُم أنْ يُظهرُوا تَزكيِتَهُ بأنْ يَشهَدوا بأنَّهُ عَدلٌ رضَا، وَإنْ رجَعُوا بالجَرحِ لَمْ تُقبَلْ شَهادَتُهم (1)، وَإنْ عَادَ بَعضُهُم بالجَرحِ وَبَعضُهُم بالتَّعدِيلِ، فَإنْ عدَّلَهُ اثنَانِ وجَرحَهُ واحِدٌ قدَّمَنا العدَالةَ، وإنْ عَدَّلهُ اثنانِ وَجَرحَهُ اثنَانِ قُدِّمَ الجَرحُ، وَلاَ تُقبَلُ التَّزكِيَةُ إلاّ مِنْ ثقَةٍ أَمِينٍ متظاهرٍ غَيْرِ مُتظَاهِرٍ بِالمعصِيَةِ مِنْ أَهلِ الخِبرَةِ الباطِنَةِ وَإِذَا سَألَ المدَّعِي أنْ يُحبَسَ المَشهُودُ عَلَيْهِ حَتَّى تَثبُتَ عَدَالَةُ شُهودِهِ احتَمَلَ أَنْ يَحبِسَهُ وَإنْ أقامَ شَاهِدَاً وَسَألَ حَبسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الآخَرَ، فَإنْ كَانَ ذَلِكَ في المَالِ حَبِسَهُ، وَإنْ كَانَ في غَيْرِ المَالِ فَعلَى وَجهَينِ (2): فَإنْ سَكَتَ المدَّعَى عَلَيْهِ فَلمْ يَقِرَّ وَلَمْ يُنكِرْ قَالَ لَهُ الْقَاضِي: إنْ أجَبتَ وإلا جَعلتُكَ نَاكِلاً. فَإنْ قَالَ: لي حِسَابٌ أُرِيدُ أنْ انظُرَ فِيهِ، لَمْ يَلزَمِ المَّدعِيَ إنظَارُهُ (3)، فَإنْ قَالَ: كَانَ لَهُ عِندِي وَقَضَيتُهُ أو بَرِئتُ إليهِ مِنْهُ فَقَالَ الخِرَقيُّ القَوْلُ /424 ظ/ قَولُهُ مَعَ يَمينِهِ، وَعندِي: أنّه قَدْ أَقرَّ بالحدِّ فَلاَ يُقبَلُ قولُهُ في القَضَاءِ إلاّ بِبينَةٍ، فَإنْ قَالَ: لي بَيِّنَةٌ أقَمتُها بِالقَضَاءِ أوِ الإبرَاءِ أُمهِلَ ثَلاثةَ أَيامٍ وَلِلمدَّعِي مُلازَمتُهُ حَتَّى يُقِيمَ البَينَةَ، فَإنْ عَجزَ عَن إقَامتِهَا حَلَفَ المدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقضِ وَلَمْ يَبرَّ واستَحقَّ مَا ادَّعاهُ فَإنْ ادَّعَى عَلَى غَائبٍ أو مُستَترٍ في البَلَدِ أو مَيِّتٍ أو صَبِيٍّ أو مَجنُونٍ ولَهُ بَينةٌ سَمِعَهَا الْقَاضِي وحَكَمَ بِهَا وَهل يُحلَّفُ المدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يبر إليه مِنْهُ وَلاَ مِنْ شَيءٍ مِنْهُ أم لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4):
فَإنْ حَلَّفَهُ الحَاكِمُ وقدِمَ الغَائِبُ وبَلَغَ الصَبيُّ وأفاقَ المجنونُ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ، فَإنْ ادَّعَى عَلَى ظاهرٍ في البَلَدِ غَائبٍ عَنْ مَجلسِ الحُكمِ فَهلْ يَسْمَعُ عَلَيْهِ البينةَ؟ يَحتَمِلُ وَجْهَيْنِ (5):
__________
(1) انظر: الكافي 4/ 447.
(2) أحدهما يحبس كَمَا لَوْ جهل عدالة الشهود، والثَّانِي لا يحبس؛ لأن البينة لَمْ تتم. الكافي 4/ 464.
انظر: الشرح الكبير 11/ 452.
(3) قَالَ صاحب الكافي: يهمل ثلاثة أيام؛ لأنها قريبة، وَلاَ يهمل أكثر مِنْها لأَنَّهُ كَثِيْر. الكافي 4/ 460. انظر: المحرر 2/ 209، الشرح الكبير 11/ 432.
(4) احدهما: لايستحلفه لأَنَّهُ أقام البينة فلم يستحلفه كَمَا لَوْ كَانَ خصمه حاضراً. والثانية يستحلفه لأَنَّهُ يَجِبُ الاحتياط ويحتمل ان يَكُون قَدْ قضاه أو أبرأه أو غَيْر ذَلِكَ.
انظر: المغني 11/ 486، والكافي 4/ 467، والمحرر 2/ 210.
(5) نقل أبو طالب: يسمع ولكن لا يحكم عَلَيْهِ حَتَّى يحضر وَهُوَ الأصح. المحرر 2/ 210.
انظر: المغني 11/ 487، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 464 - 465.(1/573)
أَحدُهُما: يَسْمَعُ، والثَّاني: لا يَسمَعُ. وَيُنفِذُ الحَاكِمُ مَنْ يُحضِرُهُ فَإنْ امتَنَعَ عَنِ الحضُورِ أَشهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَينِ أَنَّهُ امتَنعَ ثُمَّ يَتقدَّمُ إلى صَاحِبِ الشُّرطَةِ لِيُحضِرُه، فَإنْ اختَبأَ مِنَ المحضَرِ تَقدَّمَ إلى مَنزلِهِ وَقَالَ: إنَّ الْقَاضِيَ يَستَدعِي فُلاناً إلى مَجلِسِ الحُكمِ فَاخبروهُ لِيحضَرُ فَإنْ تَكَررَ مِنْهُ أقعدَ عَلَى بَابِهِ مَنْ يضَيِّقُ عَلَيْهِ الدُّخولَ والخُروجَ حَتَّى يُحضِرَهُ، فَإنْ استَعدَى عَلَى غَائبٍ عَنِ البَلَدِ في مَوْضِع لا حَاكِمَ فِيهِ كَتبَ إلى ثِقَاتٍ مِنْ أَهلِ ذَلِكَ المَوضِعِ لِيستَوسِطوا بينَهمَا، فَإنْ لَمْ يَقبَلا الوسَاطَةَ قِيلَ للخَصمِ حَقِّقْ مَا تَدَّعِيهِ فإذا فَعَلَ ذَلِكَ أحضَرهُ سَوَاءٌ قَربَتِ المسَافةُ أو بَعدَتْ، وَإِذَا ادَّعى عَلَى امرَأةٍ غَيْرِ برزة لَمْ يُحضِرْهَا الحَاكِمُ وتَقدَّمَ إليهَا أنْ تُوكِّلَ فَإنْ وَجَبَ عَلَيْهَا اليَمِينُ أَرسَلَ إليهَا مَنْ يُحلِّفُهَا، وَإِذَا لَمْ يَعرِفِ الحَاكِمُ لسَانَ الخَصمَينِ أو أحَدِهمَا رجَعَ إلى مَنْ يَعرِفُ ولا يُقبلُ في التَّرجمَةِ والجرحِ والتَّعديلِ والتَّعرِيفِ والرِّسَالةِ /425 و/ إلاّ قَوْلُ عَدلَينِ وَهِيَ اختيارُ أبي بكرٍ (1) وَإِذَا اختلَفَ الخَصمَانِ فَقَالَ أَحدُهُما: قَدْ حَكَم لي بكَذا فأنكَرَ الآخَرُ، فَقَالَ الحَاكِمُ: حَكَمتُ لَهُ قَبلَ قَولَهُ وحدَهُ فَإنْ عُزِلَ الحَاكِمُ واختلَفَا فَقَالَ: كُنتُ حَكَمتُ عَلَيْهِ حَالَ ولايَتي قُبِلَ قَولُهُ نَصَّ علَيهِ (2)، فَإنْ ادَّعى أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ فلَمْ يَذكُرَ الْقَاضِي حَكمَهُ فَشهِدَ عَدلانِ أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ قَبِلَ شَهادتَهمَا وَنفَذَ القَضَاءُ.
وَكَذَلِكَ إنْ شهد عِندَهُ عَدلانِ بِحقٍّ فَنَسِيَ شَهادَتَهمَا فَشَهِدَ اثنانِ أنَّهمَا شَهِدَا عِندَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ شهادتهما، وحَكَمَ فَإنْ وَجَدَ في قَمطرِهِ صَحِيفَةً وتَحتَ خَتمِهِ بخَطِّهِ فِيْهَا مَكتُوبٌ حُكمُهُ لَمْ ينفذْ ذَلِكَ في إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3) وَفِي الأخرى: يَنفُذُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إذَا رأى خَطَّهُ في كِتَابٍ وَلَمْ يَذكُرِ الشَّهَادةَ فَهل يَجوزُ لَهُ أنْ يَشهدَ بِهَا أم لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4) وحُكمُ الحَاكِمِ لا يحُيلُ الشَيءَ عَن صِفَتهِ في البَاطنِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يحل في العقُودِ والفُسوخِ ذَكَرَها شَيْخُنَا عَن أبي مُوسَى (5)، وينقضُ (6) حُكمُ الحَاكِمِ إذَا حَكَمَ بما
__________
(1) اختلف في هذِهِ المسألةِ مَعَ أبي الخطاب، قَالَ الزَّرْكَشِيّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أحدهما لا تقبل الا من اثنين عدلين وَهُوَ اختيار عامة الاصحاب بناءاً عَلَى أَنَّهُ أجري مجرى الشهادة.
والثانية: يقبل من عدل واحد بناءاً عَلَى إجرائه مجرى الخبر وَهُوَ اختيار أبي بَكْر. الزَّرْكَشِيّ 4/ 460، انظر: المغني 11/ 474 - 475، والمحرر 2/ 208.
(2) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 461، والمغني 11/ 476 - 477، والشرح الكبير 11/ 417.
(3) انظر: المغني 11/ 211.
(4) انظر: مَا سبق.
(5) انظر: المغني 11/ 409.
(6) وردت في المخطوط ((ولا ينقض)) والصواب ما أثبتناه.
انظر: المغني 11/ 407، وشرح الزركشي 4/ 447.(1/574)
خَالفَ نَصَّ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ أو إجمَاعٍ، فَإنْ حَكَمَ في قَضِيَّةٍ باجتِهَادِهِ لَمْ يُنقَضِ اجتِهَادُهُ باجتِهَادِهِ.
بابُ حُكمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلى الْقَاضِي وَغيرِهِ
لا يُقبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلى الْقَاضِي في الحُدودِ المَتعلِقَةِ بِاللهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَاللِواطِ وقَطْعِ الطَّرِيقِ والسَّرِقَةِ وشُربِ الخَمرِ والرِدَّةِ، وتُقبَلُ فِيْمَا كَانَ مَالاً أو المقصودُ مِنْهُ المالُ كالقَرضِ والغَصبِ والبيوعِ والإجارَاتِ والصُلحِ والرَّهنِ والجنَايَةِ الموجِبَةِ لِلمَالِ فأمّا ما لَيسَ /426 ظ/ بِمَالٍ وَلاَ القَصدُ مِنْهُ المالُ كالقَصَاصِ والنِّكاحِ والطَّلاقِ والخلعِ والتَّوكِيلِ والوصِيَّةِ والعِتقِ والنَّسَبِ والكتَابةِ فَهلْ يُقبَلُ فِيْهَا كِتَابُ الْقَاضِي إلى الْقَاضِي أم لا؟ يَخرجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1):
إحداهُما: يُقبَلُ، وَالأخرى: لاَ يقبلُ وأمّا حَدُّ القَذفِ فَإنْ قلنا يَغلِبُ فِيهِ حَقُّ اللهِ سُبحَانهُ فَهُوَ كَالحُدودِ وإنْ قلنَا يَغلِبُ حَقُّ الآدمِيِّ فَهُوَ كالقصَاصِ وهَكَذا حُكمُ الشَّهادةِ عَلَى الشَّهادَةِ فِيْمَا ذكرنَا، وَيجوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلى الْقَاضِي فِيْمَا حَكَمَ بِهِ لِينفذَهُ وَفيمَا ثَبتَ عِندَهُ لِيَحكُمَ بِهِ إلاّ أنَّهُ إذَا كَانَ فِيْمَا حَكَمَ بِهِ جَازَ فِي المسَافَةِ القَرِيبَةِ والبَعيدَةِ، وإنْ كَانَ فِيْمَا ثَبتَ عِندَهُ لَمْ يَجُزْ إلا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافةٌ يقصَرُ فِي مثلِهَا الصَّلاَةُ. ويَجوزُ أنْ يَكتبَ إلى قَاضٍ مُعَينٍ وإلى مَنْ وصَلَهُ كِتَابٌ مِنْ قُضَاةِ المُسلِمينَ وحُكَّامِهِم وَلا يُقبَلُ الكِتَابُ إلاّ أنْ يشهَدَ بِهِ شَاهدَانِ يُحضِرُهُما الْقَاضِي الكَاتِبُ فيقرأهُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ يَقُولُ: أُشهِدُكُمَا أنَّ هَذَا كتَابي إلى فُلاَنٍ وَيدفَعُهُ إليهِمَا فإذا وَصَلا إلى الْقَاضِي المكتُوبِ إليهِ وقَالا: نَشهَدُ أنّ هَذَا كِتَابُ فُلاَنٍ إلَيكَ كَتَبهُ مِن عَمَلِهِ وأَشهَدَنا بنسخِهِ بِهِ فإذا وصَلا شَهِدَا بما فِيهِ وَلا فَرقَ بَيْنَ أنْ يَصِلَ إليه مخَتومَاً أو غَيْرَ مَختومٍ؛ لأنّ الاعتمَادَ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهدَينِ، فَإنْ كَتبَ كِتَاباً وَأدرَجَهُ وَخَتمَهُ ثُمَّ قَالَ: لِشَاهِدَينِ هَذَا كِتَابي إلى فُلاَنٍ اشهَدَا عَلِيّ بما فِيهِ لَمْ تَصِحَّ هذِهِ الشَّهَادَةُ، والتَحمُّلُ مأخُوذٌ مِن قَوْلِ أحمَدَ (2) - رَحِمَهُ اللهُ -، فَمَنْ كَتبَ وَصيَتهُ وَخَتَمهَا ثُمَّ أشهَدَ /427 و/ عَلَى مَا فِيْهَا فَلاَ يشهَدونَ حَتَّى يَعلَمُوا مَا فِيْهَا نقَلَهَا ابنُ مَنصُورٍ (3)، وَنقلَ عَنْهُ إسحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ إذَا وجَدُوا وَصِيَّةَ الرَّجُلِ مَكتوبَةً عِنْدَ رأسِهِ مِنْ غَيْر أن يَكُون أشهَدَ (4) أو أَعلَمَ بِهَا أحَداً عِنْدَ مَوتِهِ فَعرَفَ خَطَّهُ وإنْ كَانَ مَشهُورَاً
__________
(1) انظر: المقنع: 333.
(2) انظر: المحرر: 2/ 212، والشرح الكبير 11/ 471، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 459.
(3) انظر: الشرح الكبير 11/ 471، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 459.
(4) في الأصل ((اشهدوا)).
انظر: المقنع: 334.(1/575)
فَإِنّهُ يُنَفِّذُ مَا فِيهَا (1)، فَعلَى هَذَا إذَا عَرَفَ المكتُوبُ إِليهِ خَطَ الْقَاضِي الكَاتِبِ وخَتمَهَ جَازَ قَبُولَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ عندَهُ شَاهِدَانَ أنَّ هَذَا كِتَابَ فُلاَنٍ كَتَبهُ إِلَيْكَ مِن عِلمِهِ وخَتمِهِ وإنْ لَمْ يَعلَمُوا مَا فِيهِ، فَإنْ تَغيَّرَتْ حَالُ الْقَاضِي الكَاتِبِ بِعَزلٍ أو مَوتٍ لَمْ يَقْدَحُ في كِتَابِهِ وجَازَ لِكُلِّ مَنْ وَصَلَ إليهِ أنْ يُنَفِّذَهُ، وإنْ تَغيَرتْ حَالُهُ بِفسقٍ ووَصَلَ كِتَابُهُ فِيْمَا حَكَمَ بِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِسقُهُ في الحُكْمِ ونَفَّذَهُ مَنْ وَصَلَ إليهِ، وإنْ كَانَ التَّغيُّرُ فِيْمَا ثَبتَ عندَهُ لَمْ يَجُزِ الحُكمُ بِهِ كشَهَادَةِ شَاهِدَي الفَرعِ إذَا شَهَدَا وفُسِّقَ شَاهِدَ الأَصلِ قَبْلَ الحُكمِ يُثبِتُهَا بِهِمَا وإنْ تَغَيرَتْ حَالُ المكتُوبِ إليهِ بِمَوتٍ أو عَزلٍ أو فِسقٍ وقَامَ غَيرُهُ مَقَامَهُ جَازَ لَهُ قَبولُ الكِتَابِ والعَمَلِ بما فِيهِ، وإنْ أحضَرَ المكتُوبُ إليهِ الخصمَ المحكومَ عَلَيْهِ في الكِتَابِ فَقَالَ: لَستُ فُلاَنٍ فَالقَولُ قَولُهُ مَعَ يَمينِهِ، إلاّ أنْ يُقِيمَ المدَّعِي بَيِّنَةً بِأنّهُ فُلاَنُ بنُ فُلاَنٍ وَلا يُقبَلُ قَولُهُ، فَإنْ قَامَتْ البيِّنَةُ أو أَقْرَّ بِأَني فُلاَن بن فُلاَن إلاّ أنّ المحكوم عَلَيْهِ غيري لَمْ يقبل مِنْهُ إلاّ ببينة، فَإنْ أقام بينة أنَّ في البلد من يشاركه في جَمِيْع ما سمي بِهِ ووصف توقف عن الحكم حَتَّى يثبت من المحكوم /428 ظ/ عَلَيْهِ مِنْها، فَإنْ حَكَمَ عَلَى أحَدِهِمَا فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ إلى الحَاكِم الكَاتِبِ أنّك قَدْ حَكَمتَ عَلِيّ حَتَّى لا يحَكُمَ عَلِيّ ثانِياً لَمْ يَلزَمهُ ذَلِكَ ولكنًّهُ يَكتُبُ لَهُ محضَراً بالقضِيَّةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ من ثَبتَ لَهُ عِنْدَ حَاكِم حَقاً فَسَأَلَهُ أن يكتُبَ لَهُ مَحْضَراً بما جَرَى لزِمَهُ أن يَكتُبَ لَهُ وَيدفَعَهُ إليهِ بَعْدَ أن يَكتُبَ نُسخَةً فَتَكُونَ في دِيوانِهِ فَإنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الحَاكِم بَيَاضٌ من بَيتِ المالِ كَانَ عَلَى صَاحِبِ الحَقِّ أن يأتِيَهُ بما يَكتُبُ فِيهِ وَكَذَلِكَ إن أنكَرَ المدَّعى عَلَيْهِ وحَلَّفَهُ الحَاكِمُ وسَأَلَهُ الحالِفُ أن يَكتُبَ لَهُ محضراً بمَا جَرَى ليكُونَ حُجةً عَلَى فَصلِ الحُكمِ وبراءتِهِ مِمّا ادعي عَلَيْهِ حَتَّى لاَ يُطالِبَ بِهِ مرةً أُخَرى لَزِم الْقَاضِي أن يَكْتُبَ لَهُ بِذَلِكَ فَإنْ سَألَ من ثَبَتَ لَهُ الحقَّ الحَاكِمَ أن يُسَجِّل لَهُ بِهِ فَعَلَ ذَلِكَ وَجَعلَهُ نُسْخَتَينِ نُسخَةً يَدفَعُهَا إليهِ ونُسخَةً يِحبِسُهَا عندَهُ وصفَةُ (2) المحضرِ أن يَكتُبَ:
بِسِم اللهِ الرَّحمن الرَّحِيم حَضَرَ الْقَاضِي فُلاَنُ الفُلاَنيُّ قَاضِي عبد الله الإِمَام عَلَى كَذَا وكذا، وإن كَانَ من قَبْلُ كَتَبَ خَلِيفَةُ الْقَاضِي فُلاَنُ بن فُلاَنٍ قَاضِي عبد الله الإِمَامِ عَلَى كَذَا في مجْلِسِ حُكْمِهِ وقَضَائهِ بموَضِعِ كَذَا مُدَعٍ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلاَنُ بن فُلاَنٍ الفلانيُّ وأحَضَرَ مَعَهُ مدعاً عَلَيْهِ ذكر أَنَّهُ فُلاَن بن فُلاَنٍ (3) فادعى عَلَيْهِ كَذَا وكذا فَأقرَّ لَهُ وأَنكرَ فَقَالَ الْقَاضِي للمدعي:
__________
(1) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 459.
(2) في الأصل ((ووصفهُ))، انظر: المقنع: 334.
(3) كلمة ساقطة في الأصل، انظر: المقنع: 335.(1/576)
ألَكَ بَينَةٌ فَقَالَ: نَعَم وأحضَرَهَا وسألَهُ سَمَاعَهَا فَفَعَل وسألَهُ أن يَكتُبَ لَهُ محضَراً بما جَرَى فأَجَابَهُ وَذَلِكَ في يَومِ كَذَا في شَهرِ كَذَا ويَعلَمُ في الإقرَارِ كَذَا عَلَى ذَلِكَ وَفِي البينةِ شَهِدَ عندِي بِذَلِكَ، فإن أنكَرَ وَلَمْ تَقُم البَينَةُ وحَلَّفَهُ قَالَ: فلم تكن لَهُ بينةٌ وسأَلَهُ احلافَهُ فَفَعَل ذَلِكَ في يومِ كَذَا فَإنْ نكل عنِ اليمين ذكرَ ذَلِكَ، وأنّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بنكولِهِ، إن كَانَ يرى ذَلِكَ وإن ردَّ اليمِينَ فحلَّفهُ حَكَى مَا جرى كلهُ، وأمّا السِّجِلُ /429 و/ فَهُوَ لانفاذِ من ثَبَتَ عندَهُ والحُكمُ بِهِ وصفتُهُ أن يكتُبَ بَعْدَ البسمَلَةِ هَذَا مَا شَهَدَ عَلَيْهِ قاضي القضاة أو الْقَاضِي فُلاَنُ بن فُلاَنٍ قَاضَي عبد الله الإِمَام ويذكُرُ مَا تَقَّدَمَ في مجلِسِ حكمِهِ وقَضَائِهِ بمُوضِعِ كَذَا في يومِ كَذَا من حَضَرَهُ من الشُّهُودِ أشهدَهُمْ أنّه ثَبَتَ عندهُ بِشَهَادَةِ فُلاَنٍ وفُلاَنٍ وَقَدْ عرفهُمَا بما رأى مَعَهُ من قبولِ شَهَادتِهمَا بمَحضَرٍ من خَصمَينِ ويذكُرهُمَا إن كانَا مَعرُوفَينِ وإلا قَالَ مدعٍ ومدعاً عَلَيْهِ جَازَ حُضُورهُمَا وسَمَاعُ الدَّعُوى من أحدِهِما عَلَى الآخَرِ مَعْرِفَة فُلاَنِ بن فُلاَنٍ ويذكُرُ المشهُودَ عَلَيْهِ وإِقرَارَه طوعاً في صِحَّةٍ مِنْهُ، وجوازِ أمرٍ بجميعِ ماسَمَّى ووصفَ في كِتَابِ نسختِهِ وينسَخُ الكِتَابُ المثبتُ أو المحضَرُ جميعُهُ حَرفاً حرفاً، فإذا [فرَغ] (1) مِنْهُ قَالَ: وإن الْقَاضِي فُلاَنٌ أنفَذَ ماذَكَرَ ثبوتَهُ عندهُ في صدرِ هَذَا السجِلِ وأمضاهُ وحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الواجِبُ في مِثْلِهِ بَعْدَ أن سأَلَهُ ذَلِكَ والإشهادُ بِهِ الخصَمُ المدَّعِي [ويذْكُرُ] (2) اسمهُ ونسَبهُ وَلَمْ يدفعهُ الخصَمُ الحاضِرُ مَعَهُ بحجةٍ وجَعَلَ كُلَّ ذي حجةٍ في حجتِهِ عَلَى حجتِهِ (3) واشهَد الْقَاضِي فُلاَنٌ عَلَى انفاذِهِ وحكمِهِ وإمضائهِ من حَضَرَهُ من الشهودِ في مجلِسِ حُكمِهِ في اليومِ المؤرخِ بِهِ اعلاه وأمَرَ بكَتبِ هَذَا السِّجِلِ عَلَى نسخَتَينِ متَسَاوِيتينِ لتخلدَ نسخة منها ديوان الحكم ويدفع الأخرى إلى من يجوزُ [دَفْعُها] (4) إليه وكل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حجةٌ ووثيقةٌ فِيْمَا أنفذهُ فِيْهِمَا وهذا يذكرهُ ليخرج بِهِ من الخلاف وإلا فلَو قَالَ: إنّه ثبَتَ عندَهُ بشهادِةِ فُلاَنٍ وفلانٍ مَا في كِتَابِ نسختِهِ وَلَمْ يذكر الخصمينِ ساغ ذَلِكَ لِجَوازِ القضاءِ عَلَى الغائِبِ وما يجتمعُ عِنْدَ الحَاكِم من المحاضِرِ والسجلاتِ في كُلّ أسبوعِ أو شهرٍ عَلَى قدرِ قلتهَا وكثرتها فإنّه يضمُ بعضَهَا إلى بَعْضٍ ويكتُبُ عَلَيْهَا محاضَرَ وقتِ كَذَا وسجلاتِ وقتِ كَذَا من سَنَةِ كَذَا، وإن ادعى رَجُل حقاً /430 ظ/ وذَكَرَ أن لَهُ بِهِ حجةً في ديوانِ الحكمِ فَوَجَدَهَا الحَاكِم كَمَا
__________
(1) في الأصل ((فرح))، انظر: المقنع: 335.
(2) في الأصل ((بَكْر))، انظر: المقنع: 335.
(3) عبارة صاحب المقنع: ((وجعل لكل ذي حجة على حجته)).
انظر: المقنع: 335، والمحرر 2/ 214.
(4) في الأصل دفها.(1/577)
ادعاه فَإنْ ذكر حكمه بِهَا والشهادة عنده بِهَا حكم بِذَلِكَ، وإن لَمْ يَذكَر فَشهَدَ بِذَلِكَ شَاهَدانِ حَكَم بِهِ وإن لَمْ يوجَد ذَلِكَ فَهل يحكمُ أم لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
بَابُ القِسمَةِ
قِسمةُ الأملاكِ جائزةٌ في الشَّرعِ، وهي عَلَى ضربينِ: قسمةِ تراضِي، وقسمةِ ... إجبار، فأمّا قسمةُ التراضي فما كَانَ فِيْهَا ردَّ عوضٍ أو كَانَتْ فِيْمَا لا يَكُنْ قسمتُهُ إلا بضررٍ كالدُورِ الصغَارِ والحمامِ والعضائدِ المتلاصِقةِ الَّتِي لا يمكِنُ قسمَةُ كُلّ وَاحِدَة بانفرادهَا إذَا رضوا بقسمتهَا أعيانًا بالقيمةِ ومَا أشبهَ ذَلِكَ فهذه قسمةٌ جائزة تجري مجرى البيع لايجُوزُ فِيْهَا إلاّ مَا يجوزُ في البيعِ.
وأما قسمةُ الإجبارِ: فهي فيمَا يمكنُ قسمتُهُ من غَيْر ردِّ عوضٍ وَلاَ ضَرَرٍ يلحَقُ بأحدِهما كالأراضي الواسِعةِ والبساتِينِ والقرايَا والدُورِ الكبارِ والمكِيلاتِ والموزُونات كلها إذَا كَانَتْ جِنساً واحداً سَوَاءٌ كَانَتْ مِمّا مستهُ النارُ كالدِّبسِ وخلِ التمر أو لَمْ تمسهُ النَّارُ كخلِ العنَبِ [والأدهانِ] (2) والألبانِ وما أشبَهَ، فإذا طَلَبَ أحدهما القِسمَة قُسمَ سَوَاءٌ رضي شريكُهُ أو سخطَ والضررُ المانعُ من الاجبارِ هُوَ أن تَكُون (3) بالقسمةِ تنقُصُ القيمةُ عَلَى ظاهِرِ كلامِهِ في رِوَايَة الميموني (4)، وظاهرُ كلام الخرقي هُوَ أن لاينفع أحدهما أو كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا بما يحصل لَهُ، والقسمة: اقرار حق كُلّ واحد مِنْهُمَا من حق صاحبه في ظاهر المذهب. وحكي عن ابن بطة: يدل عَلَى أَنَّهَا كالبيع وفائدة هَذَا ظاهر المذهب، وحكي: إلاّ العقار وقفاً ونصفه طلقاً وطلب صاحب الطلق القسمة جَازَ قسمته عَلَى قولنا: هِيَ إفراز، وَلَمْ يَجُزْ إذَا قلنا هِيَ بيع وَكَذَلِكَ يجوز قسمة الثمار خرصاً وقسمة مايكال وزناً وما [يوزن] (5) كيلاً ويجوز التفرق في قسمة المكيل والموزون /431 و/ قَبْلَ القبض وَإِذَا حَلَفَ لا يبيع فقسم لايحنثُ كُلّ ذَلِكَ إذَا قلنا هِيَ إفراز حق ولا يجوز كُلّ ذَلِكَ إذَا قلنا: هِيَ بيع ويحنث، ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم وأن ينصبوا قاسماً يقسم بينهم. وأن يترافعوا إلى الحَاكِم فينصبَ قاسماً يقسمَ بينهم ومن شرطِ من ينصبونَه أو ينصبَهُ الْقَاضِي أن يَكُون عدلاً عارفاً بالقسمةِ وأي ذَلِكَ كَانَ فاذا عدلتِ السِّهامُ واخرجتِ القرعَةُ لزِمت القسمةُ ويحتملُ فِيْمَا فِيهِ ردٌّ أن لايلزمَ بخروجِ
__________
(1) انظر: الكافي 4/ 473.
(2) في الأصل الأهان، انظر: المقنع: 337.
(3) مكررة في الأصل.
(4) انظر: الشرح الكبير 11/ 490.
(5) في الأصل ((يون)).(1/578)
القرعةِ حَتَّى يَرضَيا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ في القِسمَةِ تقويمٌ لَمْ يَجُزْ أقل من قاسمينِ وإن خلت من تقويمٍ اجزأ قاسِمٌ واحدٌ وَإِذَا سألُوا الحَاكِمَ قسمةَ، عقارٍ في أيديهِم لَمْ يثبُت عندهُ (1) أنّه لَهُمْ قسمةُ بينهم، وَذكَرَ في كِتَابِ القسمةِ أَنَّهُ قَسَّمَهُ بمجَردِ دعواهُم، وَإِذَا كَانَ بينهُم أراضي في بعضهَا نخيلٌ وَفِي بعضهَا أشجارٌ وبعضُهَا يسقَى سيحاً وبعضُهَا بالنواضح، فطلَبَ بعضُهم أن تقسَم بينهم أعياناً بالقيمةِ، وطَلَبَ بعضهُم قِسمةَ كُلّ عينٍ عَلَى حدةٍ قُسِّمت كُلّ عين بانفرادِها، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أرضٌ فِيْهَا [زرع] (2) فطَلَبَ أحدُهُما قسمتَها دُوْنَ الزرعِ قسِّمَت وإن طَلَبَ قسمَةَ الزَّرعِ منفرِداً لَمْ يجبر الآخرُ وإن طَلَبَ قسمَتَهَا مَعَ زرعِهَا لَمْ يجبر أيضاً فَإنْ تراضيا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ الزرعُ قصيلاً أو كَانَ قُطناً جازَ، وإن كَانَ بذراً أو سنَابُل فَهلْ يجوزُ قسمَتَهُ؟ يحتمل وَجْهَيْنِ (3)، وَقَالَ شَيْخُنَا فِي "المجرد": ينظرُ فَإنْ كَانَ الزرعُ بذراً فِي الأرضِ لَمْ يَجُزْ القسمَةُ وإن كَانَ قصِيلاً أو سَنَابُلَ قَدْ اشتدَّ حَبُهَا جَازَ قسمتُهَا (4) فإن كَانَ بَيْنَهُمَا دارٌ فَطَلَبَ أحدُهُمَا أن يجعلَ العلوَّ لأحدهما والسفلُ للآخرِ فَإنْ رضي شريكهُ قسمت، وإن أبى لَمْ يجبر فَإنْ كَانَ بَيْنَ مُلكَيْهِما عرضة حائط فطلب أحدهما أن تقسم فيجعل لكل واحد مِنْهُمَا نصف الطول في كمال العرض أجبر الآخر عَلَى القسمة وَلَوْ طلب أحدهما أن يجعل لأحدهما نصف العرض في كمال الطول لَمْ يجبر الآخر عَلَى ذَلِكَ /432 ظ/ فَإنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حائطٌ فأراد احدُهُمُا قسمتهُ لَمْ يجبر الآخر فَإنْ كَانَ بَيْنَهُمَا منافعُ فتراضيا عَلَى قسمتهَا بالمهايأةِ جَازَ وإن امتَنعَ أحدُهُمُا لَمْ يجبر عَلَى ذَلِكَ فَإنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نهرٌ أو قناةٌ أو عينٌ ينبع مِنْها الماءُ فالماءُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشتَرطَا عَلَيْهِ عِنْدَ استخراجِ ذَلِكَ فَإنْ اتفقا عَلَى سقيِّ أرضيهِمَا من ذَلِكَ الماءِ بالمهايأةِ جَازَ، وإن أراد قسمَةَ ذَلِكَ جَازَ وتنصبُ خشبَةٌ مستويةٌ في مقدمِ الماءِ وَفِيْهَا ثقبان عَلَى قدر حقِّ كُلّ واحد مِنْهُمَا يجري فِيْهِمَا الماءِ إلى أرضيهِمَا، فإذا أرادَ أحدُهُما أن يأخُذَ قدر حقهِ من الماءِ فيسقي بِهِ أرضاً لَيْسَ لَهَا رسمُ شربٍ من هَذَا النهرِ فهل يجوزُ ذَلِكَ يحتملُ وَجْهَيْنِ (5)، ويجيء عَلَى أصلنَا أن لايملكَ الماءَ وينتفعَ كُلّ واحدٍ عَلَى قدرِ حاجتِهِ، وَإِذَا كَانَ الماءُ في نهر غَيْرَ مملوكٍ سقى أحدُهُم ملكهُ حَتَّى يَبْلُغَ الكعبَ ثُمَّ يرسلُهُ إلى الثَّانِي، وَكَذَلِكَ يفعل الثَّانِي مَعَ الثَّالِثِ، فَإنْ كَانَ أرضُ الأول
__________
(1) انظر: المغني 11/ 494.
(2) زيادة من عندنا ليستقيم الكلام.
(3) انظر: الشرح الكبير 11/ 499.
(4) انظر: الشرح الكبير 11/ 499.
(5) انظر: المحرر 2/ 216 - 217.(1/579)
مُستغلةً وأرض الثَّانِي عاليِةٌ لايبلُغُ الماءُ إليها حَتَّى يَبْلُغ في المُستَغَلَةِ إلى الوسطَى سَقَى مايريدُ ثُمَّ يسدُّ أرضهُ حَتَّى يصعَدَ الماءُ إلى العَاليَةِ. وإن أراد بعضُهُم أن يحُيي أرضاً يسقيهَا من هَذَا النهرِ، جَازَ ذَلِكَ بشرِطِ أن لايستضرَّ أهل الأراضي الشارِفةُ عَلَى هَذَا النهر، فَإنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عبيدٌ أو ثيابٌ أو حيوانٌ فَطَلَبَ أحدُهما قسمَتَهَا أعياناً بالقِيمةِ، فَلاَ أعرفُ فِيهِ عن إمامنا رِوَايَةً إلاّ ان شَيْخُنَا قَالَ: يُجْبَرُ (1) الآخر عَلَى قِسمتِهَا، ويحتَمَل أن لايجبرَ عَلَى قسمِتهَا (2) وإن نصبوا قاسماً أو نصبهُ الحَاكِمُ فإنّه يعدلُ السِّهَامُ بالأجزاءُ إن كَانَتْ متساويةً أو بالقيمة إن كَانَتْ مختلفةً أو بالردِّ إن كَانَتْ تقتضي الرَّدَّ، فَإنْ كَانَتْ الأجزاء متساويةً والسهامُ متفقةً كأرضٍ بَيْنَ ثلاثةِ أثلاثٍ فإنّه يعدلها بالمساحةِ ثُمَّ يقرعُ بينهم أمّا بأن يخرج الاسماءَ عَلَى السهامُ وَهُوَ أن يكتُبَ اسم كُلِّ واحدٍ مِنْهُمْ في رقعةٍ ويُدرج /433 و/ كُلّ رقعةٍ في بندقةٍ (3) من شمعٍ أو طينٍ وتكون البنادقُ متساويةً في القدرِ والوزن ثُمَّ تطرحُ في حجرِ رَجُل لَمْ يحضُر ذَلِكَ، ويقال لَهُ: أخرج بندقةً عَلَى هَذَا السهمِ فمن خَرَجَ اسمُهُ كَانَ ذَلِكَ السهمُ لَهُ ثُمَّ يقالُ: أخرج أُخْرَى عَلَى السهمِ الَّذِي يليهِ فيدفعهُ إلى من خَرَجَ اسمهُ ويكونُ السهمُ الثَّالِث الآخرُ وإن اختارَ إخراجِ السِّهامِ عَلَى الأسماءِ كتبَ في الرقاعِ في كُلّ رقعةٍ اسمِ سهم وحدهُ ثُمَّ يفعلُ كَمَا كَانَ ذَلِكَ أخرَجَ بندقةً عَلَى اسم فُلاَنٍ فإذا أخرجَهَا كَانَ ذَلِكَ السهمُ لَهُ، وَكَذَلِكَ يفعلُ في الثَّانِي ويكونُ السهمُ الباقي للآخرِ فَإنْ كَانَتْ السهامُ مختلفةً مِثْل أن يَكُون لواحدِ السدسُ ولآخرٍ الثلُثُ ولآخرِ النصفُ جزأ الأرض سِتَةَ أجزاءٍ وكتب ستةَ رقاعٍ باسمِ صاحبِ السُدس رقعةً وباسمِ صاحِب الثلثُ رقعتين وباسم صاحبِ النصفِ ثلاثَ رقاع وتخرجُ الأسماءُ عَلَى السهامِ لاَ غَيْرَ، فيقالُ: أخرج عَلَى السهمِ الأولِ فَإنْ خَرَجَ اسمَ صاحبِ السُّدُس دفعهُ إليهِ ثُمَّ يقرعُ بَيْنَ الآخرينَ فَإنْ خَرَجَ اسمُ صاحبِ الثُلثُ أعطي السهمُ الثَّانِي، والثالثُ ويكونُ الباقي لصاحبِ النصفِ وإن خَرَجَ اسمُ صاحِبِ النصفِ أعُطي الثَّانِي والثالثَ والرابعَ ويكونُ الباقي لصاحِبِ الثلثِ وإن خرجت الرقعةُ الأولةُ باسمِ صاحبِ النصفِ أعُطيَ الأولُ والثاني والثالثُ ويقرعُ بَيْنَ الآخرينَ فَإنْ وقعتْ عَلَى صاحبِ الثلثِ أعُطيَ الرابعُ والخامسُ ويكونُ السدسُ لصاحبِ السدسِ وإنْ وقعتْ عَلَى صاحبِ السدسِ أعُطيَ الرابعُ والباقي لصاحبِ الثلثِ، ومثلَ ذَلِكَ العَمَل إذَا
__________
(1) وردت في الأصل ((لا يجير)) والصواب ما أثبتناه. انظر: المقنع: 336.
(2) قَالَ صاحب المحرر 2/ 216: ((نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَام)). انظر: الهادي: 260.
(3) البندقة: كرة في حجم البندقة - النبات المعروف - يرمى بِهَا في القتال والصيد. المعجم الوسيط: 71.(1/580)
أخُرِجَت الأولةُ لصاحبِ الثلثِ فَإنْ كَانَتْ السهامُ مختلفةً والأجزاءُ مختلفةً عدلها بالقيمةِ وفعلَ مِثْلَ ماذكرنا في الأجزاءِ المتساويةِ /434 ظ/ وَإِذَا تقاسموا ثُمَّ ادعى بعضهم عَلَى بعضٍ غلطاً في القسمةِ فَإنْ كَانَ فِيْمَا تقاسموهُ بأنفسهمْ، وأشهدوا عَلَى تراضيهمْ لَمْ يلتفت بَعْدَ ذَلِكَ إلى دعاوى المدعي وإنْ كَانَ فِيْمَا قسمهُ قاسمٌ من جهةِ الحَاكِمِ فعلى المدَّعي البينةَ فَإنْ عدمَتْ فالقولُ قَوْلُ المُدّعَىْ عَلَيْهِ مَعَ يمينهِ، وإنْ كَانَ ذَلِكَ فِيْمَا قسمَهُ بينهم قاسمٌ نصبوهُ وتراضوا بِهِ فَإنْ كَانَ فِيْمَا فِيهِ رَدٌّ واعتبرنا الرضَا بَعْدَ خُروجِ القرعةِ لَمْ تُقبَلُ دعواهُ وإنْ كَانَ في غَيْر ذَلِكَ فحكمهُ حُكْمُ قاسمِ الحاكِمِ وإن تقاسموا ثُمَّ استحقَ منْ جهةِ أحدهما شيئاً معيناً بطلتْ القسمةُ وإن استحقَّ (1) مشاعاً بطلتِ القسمةُ في المستحقِ وهل تبطلُ في الباقي؟ تحتملُ وَجْهَيْنِ (2)، وَإِذَا اقتسما دارينِ قسمةَ تراضٍ فأخذَ كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا داراً وبنى أحدهما ثُمَّ خرجت الدار الَّتِي فِي يدهِ مستحقةً ونقضَ بناءهُ، فَقَالَ شَيْخُنَا يرجعُ عَلَى شريكهِ بنصفِ قيمةِ البناءِ (3) وَإِذَا خَرَجَ فِي نصيبِ أحدهما عيبٌ فلهُ فسخُ القسمةِ فَإنْ قَسَّمَ الوارثانِ التركةَ ثُمَّ ظهرَ دينٌ عَلَى الْمَيِّتِ فَإنْ قلنا القسمةَ إفرازُ حقٍ لَمْ تبطلِ القسمةُ ولزم كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا بقدرِ حقهِ منَ الدَّينِ وإنْ قلنا هِيَ بيعٌ انبنى عَلَى بيعِ التركةِ قَبْلَ قضاءِ الدينِ هَلْ يصحُ أم لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (4)، وَإِذَا اقتسما داراً فحصلَ الطَّرِيق في نصيبِ أحدهما، فَإنْ كَانَ للنصيبِ الآخرِ منفذاً يتطرف مِنْهُ وإلاّ بطلت
القسمةُ، ويجوزُ للأبِ والوصيِ قسمةَ مالِ الصغيرِ مَعَ شريكهِ.
كِتَاب الدّعَاوي والبينات
المدّعي: هُوَ الَّذِي إذَا سكتَ ترك والمدعى عَلَيْهِ: من إذَا سكتَ لَمْ يترك /435 و/ والبينةَ مشروعةٌ في جَنْبِهِ المدعي (5) عَلَيْهِ، واليمين مشروعة في جَنْبِهِ [المدعى] (6) عَلَيْهِ، ولاتصحُ الدعوى إلاّ من جائزِ التصرفِ، ولاتصحُ إلاّ محررةٌ يعلمُ بِهَا المدعى عَلَيْهِ إلاّ في الوصيةِ فإنها تصحُ في المجهول، فَإنْ كَانَ المدعى عيناً حاضرَة كالعبد والثوبِ والدارِ عينهَا وإن كَانَتْ غائبةً ذكر صفاتها إن كَانَتْ ممّا يضبط عينها بالصفةِ والأولى أن
__________
(1) يوجد في الأصل كلمة غير مقروءة.
(2) انظر: المحرر 2/ 218.
(3) الهادي: 261.
(4) وجعلها صاحب المحرر عَلَى رِوَايَتَيْنِ. المحرر 2/ 219.
(5) أظنه المدعي وَلَيْسَ المدعى عَلَيْهِ والله أعلم.
(6) هكذا كتب في المخطوط ((المدعا)).(1/581)
يذكَرَ قيمتهَا وإن كَانَتْ تالفةً، وَهِيَ من ذواتِ الأمثالِ كالمكيلِ والموزونِ ذكرَ جنسَهَا وصفَتَهَا وقدرها وَكَذَلِكَ يذكر إن كَانَ المدعي ديناً. إن ذكر القيمةَ كَانَ آكد وإن لَمْ تكن من ذَواتِ الأمثالِ فلا بُدَّ من ذكرِ قيمِتهَا، فَإنْ كَانَ ادَّعى نكاحَ امرأةٍ فلا بدَّ من تعيينها إن حَضَرَت أو ذِكرِ اسمهَا ونَسبِهَا إن غَابت وذكر شرائِط النكاحِ من أنّه تزوجها بوليٍّ مرشدٍ وشاهدي عَدلٍ وَرَضَاهَا عَلَى الصَّحِيحِ من المذهَبِ (1) وإن ادعت امرأةٌ عَلَى رجُلٍ نكاحاً فَإنْ ادعت مَعَهُ حَقاً من مهرٍ ونفقة سمعت دعواهَا وإن لَمْ تدعِ سوى النكَاح فهل يَسْمَع؟ وجهين (2)، وإن ادعى بيعاً أو هبةً أو إِجارةً أو غَيْرهُ من العقودِ فهل يفتقرُ إلى ذَلِكَ شروطِ ذَلِكَ العقدِ أم لا تحتملُ وجهين (3)، وإن ادَّعى قتلَ موروثِهِ ذكَرَ القاتلُ وأنّه انفردَ بقتلِهِ أو شاركَهُ غيرهُ، وذكَرَ هَلْ قتلهُ عمداً أو خطأً أو شبهَ عمدٍ ويصفَ كُلَّ واحدٍ مِنْهُمَا، وإن ادَّعى الإرثَ ذكر السبَبَ في الإرث وإن ادَّعى إتلافَ شيءٍ [محلى] (4) فَإنْ كَانَ [محلى] (5) بذهبٍ قَوَّمَهُ بفضةٍ، وإن كَانَ بفضة قَوَّمَهُ بذهب، وإن كَانَ [محلى] (6) بذهبٍ وفضةٍ قَوَّمَهُ بما شَاءَ مِنْهُمَا للحاجةِ فَإنْ لَمْ يحسنُ المدعي تحريرَ الدعُوى فهل للحاكِمِ تحريرهَا يحتملُ وَجْهَيْنِ، فإذا تحرَّرت الدعُوى فهل للحاكِمِ مطالبةُ المدعى عَلَيْهِ بالجوابِ قَبْلَ قَوْل المدعي أسئِلَ سؤاله عَلَى ذَلِكَ يحتملُ وجهين /436 ظ/ وَإِذَا سألهُ الحَاكِم فَإنْ أقر حَكَمَ عَلَيْهِ وإن أنكرَ مَا ادعَاهُ عَلَيْهِ بأن يَقُول المدعي: أقرضتهُ ألفاً فيقولَ: مَا أقرضَني، أو يَقُول: بعتُهُ، فيقولَ: ماباعني فَهَذَا جواب، وإن قَالَ: مَا يستحقُ عَلَى مَا ادعاهُ ولاشيئاً مِنْهُ أو قَالَ: لاحقَ لَهُ عَلِيّ صَحَّ الجوابُ أيضاً، وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فللخصم أن يَقُول: لي بينةٌ فَإنْ لَمْ يعرف أنّه مَوْضِع البينةِ قَالَ لَهُ الحَاكِمُ: ألكَ بينةٌ؟ فَإنْ أقام بينة قضى لَهُ بِهَا وإن لَمْ يَكُنْ لَهُ بينة عرفَهُ أن لَهُ عَلَى المنكرِ اليمينَ، فَإنْ طالبَ الحَاكِمُ باستيفائها حلّفهُ، وإن لَمْ يطالبهُ لَمْ يحلّفهُ، فَإنْ بدر المنكر وحلفَ أو حلّفهُ الحَاكِم من غَيْر مسألةِ المدعي لَمْ يعتدَّ بتلكَ اليمينِ، وَإِذَا طَلَبَ اليمينَ فَإنْ حَلَفَ المنكِرِ سقطت الدَّعوى، وإن نكل قَالَ لَهُ الحَاكِم (7): لَمْ تحلف خلعتُكَ ناكِلاً وقضيتُ عَلَيْكَ بالحقِّ، فَإنْ لَمْ يحلف قَضَى عَلَيْهِ في ظاهِرِ المذهبِ (8) ويتخرجَ أن لا يقتضي بردِّ اليمين فَإنْ سكتَ المنكرُ فلم يَجِبُ بإقرار وَلاَ إنكارٍ أمره الحَاكِمُ بالجوابِ فَإنْ أبى الجوابَ حبسهُ
__________
(1) انظر: الهادي: 262.
(2) انظر: المغني 12/ 165.
(3) انظر: الهادي: 262.
(4) في المخطوط كتبت ((محلا)).
(5) كذلك.
(6) كذلك.
(7) يوجد في الأصل كلمة غير مقروءة ولعلها ((إنْ)).
(8) انظر: كشاف القناع 6/ 332.(1/582)
حَتَّى يجيبَ، فَإنْ قَالَ المدعى عَلَيْهِ: لي مخرجٌ مِمّا ادعاه لَمْ يَكُنْ مقراً ولامجيباً، فَإنْ ادعى عَلَيْهِ مبلغاً من الدين فَقَالَ المدعى عَلَيْهِ لفلانٍ عَلِيّ أكثر مِمّا لَكَ عَلِيّ لَمْ يَكُنْ إقراراً بالمدعى وهل يَكُون إقراراً بحقٍ؟ يحتملُ وَجْهَيْنِ:
أحدهما: يَكُونُ مقرٌ بحقٍ لَهُمَا يرجعُ فِي تفسيرهِ إليهِ (1) وَالثَّانِيَ: لايكونُ مقراً إذَا زعمَ أنّه أرادَ التهزي بِهِ (2)، فإذا ادعى عَلَيْهِ ألفاً فَقَالَ المدعى عَلَيْهِ: إن كنت تدعي هذِهِ الألف من ثمن المبيعِ الفلاني الَّذِي بعتني إياه وَلَمْ تقبضني فنعم وإن ادعيتَ ألفاً من قرض فَلاَ تستحق عَلَى ذَلِكَ أو قَالَ: إن ادعيت ألفاً عَلَى رهن فلاني لي في يديك أجبت. وإن ادعيت ألفاً مطلقاً فَلاَ تستحق عَلَيَّ شيء فَقَدْ أجابه، فَإنْ ادعى عَلَيْهِ عيناً في يده فَقَالَ: ليست لَكَ وَلاَ لي وإنما هِيَ للثالث، فَإنْ سمّى حاضراً مكلفاً سقط عنهُ / 437 و/ جواب الدعوى وسألنا المقر لَهُ فَإنْ اعترف بِذَلِكَ صارت الخصومة مَعَهُ، وإن أنكر وَقَالَ: ليست لي فهل تسلم إلى المدعي؟ يحتمل وَجْهَيْنِ:
أحدهما: تسلم إليه (3)، وَالثَّانِيَ: لاَ تسلم إليه إلاّ ببينةٍ وتجعل عِنْدَ أمين الحَاكِم، وإن سمى صبياً أو مجنوناً أو غائباً سقطت عَنْهُ الدعوى أيضاً ثُمَّ إن كَانَ للمدعي بينة بما ادعاه سلمت إليه العين وهل يحلف مَعَ بينته ظاهر كلام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ - أنّه لاَ يحلف مَعَ البينة، وَعَنْهُ أنّه يحلف معها وإن لَمْ يَكُنْ لَهُ بينة والتمس يمين المدعى عَلَيْهِ حلف أنّه لايلزمه تسليم العين المدعاة إليه: فَإنْ أقام المدعى عَلَيْهِ بينةً انها للغائب أو للصبي؛ سقطت عَنْهُ اليمين ومن كَانَ لَهُ عَلَى رَجُل حق فقدر عَلَى أخذ حقه من مال من عَلَيْهِ الحق لَمْ يَجُزْ لَهُ أخذهُ من غَيْر إذنه أو دفع الحَاكِم ذَلِكَ إليه سَوَاء كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحق باذلاً لأدائه أو مانعاً وسواء كَانَ من جنس حقه أو من غيره نَصَّ عَلَيْهِ واختاره عامة شيوخنا (4)، ويتخرج أنّه يجوز لَهُ الأخذ إذَا أنكره ومنعه، وإن كَانَ مَا قدر عَلَيْهِ من غَيْر جنس حقه تحرى واجتهد في تقويمه وأخذ بمقدار حقه مأخوذ من قوله في المرتهن يجَلبُ ويركب بمقدار مَا ينفق عَلَى الرهن والزوجة تأخذ من مال الزوج بمقدار قوتها وبائع المفلس يأخذ سلعته، كُلّ ذَلِكَ بغير رضا المالكين.
__________
(1) الهادي: 263.
(2) الهادي: 263.
(3) المحرر 2/ 219.
(4) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 544.(1/583)
باب تعارض الدعوتين والبينتين
إذَا تداعيا عيناً ولا بينةَ لأحدهما فَإنْ كَانَتْ في يد أحدهما فالقول قوله مَعَ يمينه ولاحق فِيْهَا للمدعي الآخر، وإن كَانَتْ في يدهما أو لَمْ تكن في يد واحد مِنْهُمَا حلفا وجعلت بَيْنَهُمَا نصفين وإن كَانَتْ في ثالث رجع إليه فَإنْ أداها لنفسه /438 ظ/ فالقول قوله مَعَ يمينه وإن أقربها لأحدهما بعينه فهي لَهُ مَعَ يمينه وإن أقربها لأحدهما لابعينه أقرع بَيْنَهُمَا فمن خرجت لَهُ حلف انها لَهُ وحكم بِهَا له، فَإنْ أقربها لغيرهما وصدقهُ المقرله انتقلت الخصومة، وهل يحلف لَهُمَا، تحتمل وجهين (1)، وإن كذبه المقرلهُ حفظها الحَاكِم حَتَّى يظهر صاحبها، فإن أقر بِهَا لمجهول قِيلَ لَهُ: إما أن تعرفه أو نخلعك ناكِلاً، فَإنْ أقر بِهَا لغائب مَعْرُوف انتقلت الخصومة إليه بَعْدَ أن يحلف المقر للمدعي فإن أقر بها لأحدهما وأقام الآخر بينة أنها له حُكم بها لصاحب البينةِ فَإنْ أقر بها لَهُمَا ولكل واحد مِنْهُمَا بينة فهي بَيْنَهُمَا فَإنْ أقر بها لأحدهما ولكل واحد مِنْهُمَا بينة؛ فهي بينة عَلَى بينة الداخل والخارج، وَفِيْهَا ثلاث روايات (2):
إحداها: تقدم بينة الخارج عَلَى بينة من العين في يده؛ فيحكم بِهَا ها هنا لِمَنْ لَمْ يُقرَّ لَهُ.
والثانية: تقدم بينة الداخل فيحكم بِهَا ها هنا للمُقِرِّ له.
والثالثة: إن أقام صاحب اليد البينة انها لَهُ نتجت في ملكه أو نتجت في ماله أو هِيَ لَهُ قطيعة من الإِمَام حكم بِهَا لصاحب اليد، وإلاّ حكم بِهَا لِمَنْ ليست في يده فيكون حكم المقرله حكم صاحب اليد في ذَلِكَ، فَإنْ لَمْ يقر بِهَا لأحدهما ولكل واحد مِنْهُمَا بينة إنها لَهُ تعارضت البينتان وسقطت أو كانا كمن لابينة لَهُمَا في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ (3)، وَفِي الأخرى تستعمل البينتان (4) وَفِي كيفية استعمالها رِوَايَتَانِ (5):
إحداهما: تقسم بينهما، والثانية: يقرع بَيْنَهُمَا فمن خَرَجَ لَهُ القرعة حلف أن العين لَهُ، لا حق للخصم فِيْهَا ودفعت العين إليه وَكَذَلِكَ الحكم إذَا كَانَتِ الدار في يدهما لَوْ لَمْ تكن في يد أحدهما، فشهدت بيِّنة أحدهما بالملك لَهُ منذ سنة وشهدت بينة الآخر بالملك لَهُ منذ شهر قامت البينة /439 و/ الَّتِي شهدت بالملك القديم، فَإنْ وقتت
__________
(1) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 535 - 536.
(2) الهادي: 263، والمغني 12/ 167، انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 531 - 532.
(3) انظر: المحرر 2/ 228، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 533.
(4) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ: 4/ 533.
(5) الهادي: 263، والمغني 12/ 174، والمحرر 2/ 228، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 534 - 535.(1/584)
إحدى البينتين وَلَمْ توقت الأخرى فهُمَا سَوَاء ذكره شَيْخُنَا (1)، ويحتمل أن يحكم بِهَا لِمَنْ لَمْ توقت، فَإنْ شهدت بينة أحدهما بالملك لَهُ والنتاج في ملكه، وبينة الآخر بالملك وحده احتمل أن يَكُونا سَوَاء واحتمل ملكه أن تقام بينة النتاج، فَإنْ ادعى كُلّ واحد مِنْهُمَا أنّه اشترى العين من زيد، وَهِيَ ملكهُ وأقام كُلّ واحد مِنْهُمَا البينةَ بما ادعاه فَإنْ كَانَ تاريخهما واحد تعارضت البينتان. وَقَدْ تقدم حكم تعارضهما وإن اختلف التأريخ فهي لِمَنْ شهد لَهُ سابق التأريخ وإن ادعى أحدهما أنّه اشترى من زيد وأنَّها ملكه وادعى الآخر أنّه اشترى من بَكْر وأنها ملكه وأقاما البينة بِذَلِكَ تعارضت البينتان أيضاً، فَإنْ كَانَ في يد زيد دار فادَّعاها اثنان كُلّ واحد ادعى أنّه باعه إياها بثمن ذكره وأقاما البينة بما ادعياهُ، فَإنْ كَانَ تاريخ العقدين مختلفاً حكم بِهَا لصاحب العقد الأول وألزم ردَّ الثمن الَّذِي قبضه من الثاني وإن كَانَ تاريخهما واحد تعارضت البينتان وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ تقدم ذكرهما، وَإِذَا تعارضت البينتان لَمْ تقدم إحداهما عَلَى الأخرى بكثرة العدد وَلاَ باشتهار العدالة ويتخرج أن يقدم المشهور عدالته كَمَا لَوْ اختلف اجتهاد اثنين في القبلة. قَالَ الخِرَقِيُّ: يتبع الأعمى أوثقهما في نفسه (2) فإن كَانَت إحدى (3) البينتين رجلين والأخرى رَجُلاً وامرأتين فهُمَا سَوَاء فَإنْ كَانَتْ الأخرى رَجُل ويمين المدعي احتمل ان يكونا سَوَاء، واحتمل أن يقدم الرجلين وَإِذَا تداعيا حائطاً بَيْنَ ملكيهما فَإنْ كَانَ معقوداً بَيْنَ بناء أحدهما أو متصلاً اتصالاً لايمكن إحداثها أو كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أزج (4) حكم لَهُ بِهِ /440 ظ/ فَإنْ كَانَ لأحدهما عَلَيْهِ جذوع لَمْ يرجح بالجذوع وجعل بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لايرجع [بوجوه] (5) الآجر والتجصيص (6) والتزويق (7) ومعاقد القمط في الخص (8)، وإن تنازعا غيضة لأحدهما فِيْهَا بناء أو شجر فالقول قَوْل صاحب البناء والشجر مَعَ يمينه، فَإنْ كَانَ
__________
(1) الهادي: 263، والمغني 12/ 176، والشرح الكبير 12/ 190.
(2) المغني 12/ 176.
(3) في الأصل: ((كان أحد)).
(4) أزج: الأَزَجّ: بناء مستطيل مقوس السقف، المعجم الوسيط: 15.
(5) في الأصل ((بوجود))، انظر: المقنع: 339.
(6) التجصيص: طلي البناء بالجص، المعجم الوسيط: 124.
(7) التزويق: التحسين والتزيين، المعجم الوسيط: 407.
(8) معاقد القمط في الخص: معاقد: جمع (مَعْقَد): وَهُوَ مَوْضِع العَقْد من الحبل. والقِمْط: بالكسر: حبل من ليف أو خص تشد بِهِ الاخصاص وَهِيَ البيوت الَّتِي تعمل من القصب، تاج العروس 8/ 394، 20/ 54.(1/585)
سفل البيت لرجل وعلوه لآخر (1) وتنازعا في السقف حلفا وجعل بَيْنَهُمَا، وإن تداعيا سلماً منصوباً فالقول قول صاحب العلو مع يمينه وإن تداعيا دَرَجَة فَإنْ كَانَ تحتها مسكن حلفا وجعلت بَيْنَهُمَا وإن لَمْ يَكُنْ تحتها مسكنٌ فهي لصاحب العلو مَعَ يَمينه، وإن تنازعا مسناة (2) بَيْنَ أرض أحدهما ونهر الآخر حلفا وجعلت بَيْنَهُمَا، وَإِذَا تنازع الزوجان في قماش البيت وادعاه كُلّ واحد مِنْهُمَا فَإنْ كَانَ لأحدهما بينة قضينا لَهُ ببينته وإن لَمْ يَكُنْ بينة قضينا بما يصلح للرجال من العمائم وقمصان الرِّجَال وجيابهم وذراريعهم والسلاح للرجل وما يصلح للنساء من الوقايات والمقانع وقمصانهن وحليهن للمرأة، وما يصلح لَهُمَا من الأواني ونحو ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نصفين، وسواء كَانَ التنازع مَعَ بقاء الزوجية، أو الفرق وَفِي حال الحياة وبعد الموت إذَا اختلف الورثة وسواء كَانَتْ ايديهما عَلَيْهِ من طريق الحكم، أو طريق المشاهدة عَلَى ظاهرِ كلام أحمد (3) -رَحِمَهُ اللهُ- ويتحالفا وَكَذَلِكَ إذَا اختلف [العطار] (4) وللإسكاف في بيت لَهُمَا في قماش حكم بآلة العطر للعطار وآلة الإسكاف للاسكاف وَقَالَ شَيْخُنَا: إن كَانَتْ ايديهما عَلَيْهِ من طريق (5) الحكم فكذلك (6) يقضي وإن (7) كَانَتْ من طريق المشاهدة فَهُوَ بَيْنَهُمَا نصفين بكل حال، وَإِذَا تنازعا دابَّة وأحدهما راكبها، والآخر آخذ بزمامها حكم بِهَا للراكب وَكَذَلِكَ /441 و/ إن كَانَ لأحدهما عَلَيْهَا حمل، وَكَذَلِكَ إذَا تنازعا قميصاً أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه حكم بِهِ للابس، وَكَذَلِكَ إذَا تنازع المؤجر والمستأجر في مصراع أو رفٍ مقلوعٍ فَإنْ كَانَ لَهُ شكل في الدار منصوباً، حكم بِهِ لصاحب الدار وإلاّتحالفا وجعل بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ إذَا تنازع الخياط وصاحب الدكان في الأبرة والمقص حكم بهما للخياط، وَكَذَلِكَ إذَا اختلف صاحب الدار والقراب في القَرْيَة، فالقول قَوْل القراب وكل من عَلَيْنَا قوله فلابد من تحليفه لإسقاط دعوى خصمه، وَإِذَا كَانَ في أيديهما صبي غَيْر مميز فادعى كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا أنّه مملوكه حلفا وجعل بَيْنَهُمَا، وإن كَانَ مميزاً فَقَالَ: إني حر منعنا مِنْهُ حَتَّى يقيما
__________
(1) وردت في المخطوط ((لا)) والصواب ما أثبتناه.
(2) المسناة: سد يبنى لحجز ماء السيل أو النهر، به مفاتح للماء تفتح على قدر الحاجة.
انظر: المعجم الوسيط: 457.
(3) انظر: المقنع: 340، المغني 12/ 225، المحرر 2/ 220، الشرح الكبير 12/ 177.
(4) في الأصل العطاء.
(5) عبارة ((من طريق)) مكررة في الأصل.
(6) انظر: المقنع: 340، الهادي: 264، المغني 12/ 225، الشرح الكبير 12/ 178 - 179، شرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 544.
(7) تكررت في الأصل.(1/586)
بينةً بما ادعياه. واحتمل أن يَكُون كغير المميز، وَإِذَا ادعى رَجُل ملك عَبْد وادعى آخر أنّه باعهُ إياه أو [وقفه] (1) أو أعْتَقَهُ وأقام كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا بيّنة قدّمت بينة البيع والوقف والعِتق، فَإنْ ادعى العبد أنّ سيّدهُ أعْتَقَهُ وادعى آخر أنّه اشتراهُ من سيده وأقام كُلّ واحدٍ منهُمَا بينةٌ نظرنا فَإنْ اختلف تاريخهما قدّمنَا قَوْل السابقة وإن اتفق تاريخهمَا أو اطلقا التّاريخَ نظرنا فَإنْ كَانَ العبْدُ في يد المشتري فهل تقدم بيِّنةُ العبد أو بيّنة المشتري تنبني عَلَى مسألةِ الداخل والخارج، فَإنْ قدمنا بيِّنةَ الخارج قدمنا هَاهُنَا بيّنةَ العبد لأنّه خارج، وإن قدمنا بيّنةُ الدّاخل قدّمنا بينة المشتَري، لأن العبد في يده، وإن كَانَ العبد في يد المالك فاقرَّ لأحدهما لَمْ يرجح بإقراره، وإن جَحَدَهُما حلف لكل واحد عَلَى نفي دعواه وَكَانَ العبد لَهُ ذكره شيخنا (2).
قَالَ أبو بكرٍ يُقرع بَيْنَهُمَا فإن وقعت القرعة /442 ظ/ عَلَى بيّنة العبد كَانَ حراً وبطل البيع (3) وإن وقعت عَلَى بينة المشتري صَحَّ البيع وبطل العتق فَإنْ كَانَ عَبْد في يد رَجُل فادعى اثنان كُلّ واحد مِنْهُمَا أنّهُ بَاعه مِنْهُ بألف فاصدقهما لزمه لكل واحدٍ مِنْهُمَا كمال الثمن، وإن أقرا بِهِ انّه مَا اشتراه مِنْهُ هَذَا مَعَ عدم البينة فَإنْ أقام كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا البينة أنّه اشتراهُ منهُ فاتفق تاريخ البينتين في وقت واحدٍ تعارضتا وَقَدْ بينا الحكم في ذَلِكَ، وإن اختلف تاريخهما حكمنا بصحة العقدين ولزمه الثمن لكل واحد مِنْهُمَا وإن كَانَتْ إحداهما مطلقة التأريخ، والأخرى مقيدة؟ احتمل وَجْهَيْنِ:
أحدهما: أن يتعارضا (4)، والثَّانِي: يحكم بصحة العقدين (5). وَإِذَا ادعيا أمة فِي يد غيرهما فأقرت لأحدهمَا لَمْ يقدم بإقرارها وإن شهدت البينة انها ملك أحدهما حكم لَهُ بِهَا وإن شهدت انها بنت امة أحدهما لَمْ يحكم لَهُ بِهَا إلاّ أن تشهد بأنها فِي ملكه فيحكم لَهُ بِهَا، فَإنْ تنازعا فِي غزلٍ أو دقيق فقامت البينة أن الغزل من قطن أحدهما والطير من بيضته والدقيق من حنطته حكم لَهُ بِهِ فَإنْ قَالَ لعبده: متى قتلت فأنت حر فأقام العبد بينة أَنَّهُ قتل وأقام الورثة بينةً أَنَّهُ مات احتمل أن تَقَدَّمَ بينة القتل فيعتق العبد، واحتمل أن يتعارضا ويرق العبد فَإنْ قَالَ: إن مت فِي المحرم فعبدي حرٌ وإن مت فِي صفرٍ فجاريتي حرةٌ فأقام العبد بينة بموته فِي محرمٍ وأقامت الجارية بينةً بموته فِي صفرٍ قدمت بينة
__________
(1) في الأصل ((أوقفه)).
(2) انظر: الهادي: 264، المقنع: 341.
(3) الهادي: 264، المقنع: 341.
(4) انظر: المقنع: 341، المغني 12/ 187.
(5) انظر: المقنع: 341، المغني 12/ 187 - 188.(1/587)
العبد، فَإنْ قَالَ: إن مت من مرضي فعبدي حر وإن برئت مِنْهُ فجاريتي حرةٌ ثُمَّ مات فأقام كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا بينةً بما يوجب عتقه تعارضتا وسقطتا وبقيا عَلَى الرق، فَإنْ قامت البينة بأنه عتق زيداً فِي مرضه وَهُوَ ثلث ماله وشهدت /443 و/ بينة بأنّه عتق سالماً وَهُوَ ثلث ماله، وَلَمْ يُجْزِ الورثة احتمل أن يعتق من كُلّ واحد مِنْهُمَا نصفه واحتمل أن يقرع بَيْنَهُمَا فمن خرجت قرعته عتق فَإنْ كَانَتْ دار في يد اثنين فادعى أحدهما أنّ الكل لَهُ، وادعى الآخر أن النصف لَهُ ولابينة لأحدهما فهي بينَهُمَا نصفان؟ نَصَّ عَلَيْهِ (1)، ويحلف مدعي النصف لمدعي الكل عَلَى إسقاط دعواه فِي النصف، فَإنْ ادعى الآخر بدل النصف الثلث فَهُوَ لَهُ والثلثان للآخر، فَإنْ كَانَ لِكُلِّ واحد مِنْهُمَا بينة بما ادعاه انبنى عَلَى بينة الداخل والخارج فإن قدمنا بينة الخارج حكم بالجميع لِمَنْ أقام البينة بالكل لأَنَّ يده عَلَى النصف وَقَدْ شهدت لَهُ بِهِ البينة ولامنازع لَهُ فِيهِ فثبت وبقي النصف والثلث فِي يد من يدعيه ولَهُ بينة بِهِ فقدمت بينة الخارج وإن قدمنا بينة الداخل حكمنا بالنصف أو الثلث لِمَنْ قامت لَهُ بِهِ البينة، فَإنْ كَانَتْ بيد ثَلاَثَةَ فادعى أحدهم نصفها والآخر ثلثها والآخر سدسها فهي بينهم عَلَى مَا اتفقوا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الحكم إن قامت لِكُلِّ واحدٍ مِنْهُمْ بما يدعيه، فَإنْ قامت بينة بأن هذِهِ الدار لزيد وقامت بينة أنَّ بَكْر اشتراها من زيد فهي لبكر، لأنَّ بينة شهدت بزيادة هِيَ الشري وَكَذَلِكَ إن مات رَجُل وخلف زوجةً وابناً وداراً فأقام الابن بينة أن الدار ملك لأبيه فهي تركة واقامت الزوجة بينةً ان زوجها أصدقها الدار حكم بِهَا للزوجه، لأن بينتها شهدت بزيادة خفيت عَلَى بينة الابن فَإنْ ادعى داراً في يد زيد فأنكره زيد وَقَالَ: هِيَ لي فأقام المدعي بينة أَنَّهُ اشتراها من عَمْرو وإن عمراً وقفها عَلَيْهِ لَمْ يحكم بِهَا للمدعي إلاّ أن تشهد البينة أن عمراً باعها لَهُ أو وقفها عَلَيْهِ وَهِيَ مُلكَهُ، فَإنْ ادعيا داراً في يد رَجُل فَقَالَ /444 ظ/ أحدهما: غصبني إياها، وَقَالَ الآخر: ملكني إياها أو أقر لي بِهَا بأمر حق سابق وأقام كُلّ واحدٍ البينة بدعواه حكمنا انها للمغصوب مِنْهُ وَلَمْ يغرم المقربها شيئاً للمقر لَهُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يحد بينه وبينها وإنما البينة أحالت بَيْنَ المقر لَهُ وبينها ويخالف هَذَا لَوْ قَالَ هذِهِ الدار لزيد لابل هِيَ لعمرو فإنا نحكمُ بِهَا لزيدٍ ونغرمهُ قيمتها لعمروٍ؛ لأَنَّهُ أحال بَيْنَ عَمْرو وبينها بإقراره لزيد. وَإِذَا مات يهودي وخلف ابناً مسلماً وابناً يهودياً فادعى المُسْلِم أن أباهُ فات مسلماً وأقام البينة وادعى الآخر أن اباه مَات يهودياً وأقام بينة فَإنْ لَمْ يؤرخا قدمنا بينة المُسْلِم وإن أرخَا فَقَالَ (2): بينة المُسْلِم مات ناطقاً بكلمة التوحيد، فَقَالَ (3): بينة اليهودي مَات ناطقاً
__________
(1) انظر: المغني 12/ 177، والشرح الكبير 12/ 172.
(2) في المخطوط ((فقالت)).
(3) كذلك.(1/588)
بكلمة الكفر تعارضت البينتان وسقطتا ورجع إلى أصل دينه فحكمنا بأنّه مات يهودياً في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، وَفِي الأخرى لا يسقطان بَلْ يقرع بَيْنَهُمَا أو يقسم بينهما (2) عَلَى ماتقدم من الوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ الحكم إذَا لَمْ يعرف أصل دينه وتعارضت البينتان فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بينة وعرف أصل دينه فالقول قَوْل مدعي ذَلِكَ الأصل مَعَ يمينه، وإن لَمْ يعرف أصل دينه، فَقَالَ شَيْخُنَا: قياس المذهب أن يقرع بينهما (3)، فمن خرجت قرعتهُ فالقول قوله مَعَ يمينه ويحتمل أن يؤخر الأمر حَتَّى يظهر لَنَا أصل دينه أو يصطلحا وعلى كُلّ حال يغسل ويصلى عَلَيْهِ ويدفن في مقابر المسلمين، فَإنْ اتفق الاثنان عَلَى إسلام الأب وإسلام احدهما قَبْلَ موت الأب واختلفا في إسلام الآخر هَلْ كَانَ قَبْلَ موت الأب أو بعدهُ؟ فهما شريكان فِي الميراث فِي إحدى /445 و/ [الرِّوَايَتَيْنِ (4)] (5) لأن من أسلم قَبْلَ قسمة الميراث شاركه فِيهِ، والأخرى: القَوْل قَوْل المتفق عَلَى إسلامه ولايرث مَعَهُ الآخر بَعْدَ أن يحلف أَنَّهُ لايعلم أن أخاه أسلم قَبْلَ موت أبيه (6)، فَإنْ اتفقا أن أحدهما أسلم فِي المحرم، والآخر أسلم فِي صفر، واختلفا فِي الأب فَقَالَ أحدهما: أسلم فِي المحرم ومات فِيهِ، وَقَالَ الآخر: بَلْ اسلم فِي صفر ومات فِيهِ، فالقول قَوْل من يدعي الموت فِي صفر؛ لأن الأصل بقاء الحياة ويكون التركة بَيْنَهُمَا، فَإنْ خلف أبوين كافرين وابنين مسلمين فَقَالَ الأبوان: مات ولدنا عَلَى الكفر، وَقَالَ الابنان: بَلْ مات مسلماً.
فَقَالَ شَيْخُنَا: القَوْل قَوْل الأبوين (7) ويحتمل أن القَوْل قَوْل الابنين لظاهر دار (8) وانقطاع حكم التبعية عن الأبوين بالبلوغ فَإنْ خلف ابناً كافراً وأخاً وزوجةٍ مسلمين، فَقَالَ الابن: مات كافراً وَقَالَ الأخ والزوجة: مات مسلماً وَلاَ بينة، فَإنْ عرفنا أصل دينه فالقول قَوْل من يدعيه، وإن لَمْ يعرف أصلُ دينه، فَقَالَ شَيْخُنَا: يقرع بَيْنَهُمَا فمن اخرجته القرعة حكم بقوله (9). وَقَالَ أبو بَكْر: قياس المذهب أن تعطى الزوجة حقها من
__________
(1) انظر: المقنع: 343، والمغني 12/ 214، والمحرر 2/ 232، والشرح الكبير 12/ 221.
(2) انظر: المغني 12/ 215، المحرر 2/ 232.
(3) قَالَ الْقَاضِي: وهو القياس، انظر: المقنع: 343، الهادي: 266.
(4) زيادة منا ليستقيم بِهَا المَعْنَى.
(5) انظر: المقنع: 344، المغني 12/ 218، المحرر 2/ 235.
(6) انظر: المقنع: 344، المغني 12/ 218، المحرر 2/ 235.
(7) انظر: الهادي: 266.
(8) في المخطوط ((لظاهر والدار)).
انظر: المبدع 10/ 185.
(9) انظر: المقنع: 343، الهادي: 266، الشرح الكبير 12/ 228.(1/589)
الميراث الربع ويقسم الباقي بَيْنَ الابن والأخ نصفين (1)؛ لأنهما في الدعوى سَوَاء وتصح ثمنيه، فَإنْ ماتت امرأة وابنها فَقَالَ زوجها: ماتت فورثناها ثُمَّ مات الابن فورثته. وَقَالَ أخوها: بَلْ مات الابن أولاً فورثته الأم ثُمَّ ماتت فورثناها ولابينة، فَقَالَ الخرقي: يحلف كُلّ واحد عَلَى إبطال دعوى صاحبه ويكون ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لزوجها وأخيها (2)، ويتخرج عَلَى مَا قلنا في الخرقي أن يجعل للأخ سدس مال الابن وَهُوَ نصف ميراث الأم من ابنها، ويجعل مال المرأة جميعهُ /446 ظ/ لزوجها. وَإِذَا ادعى رَجُل أنَّ أباهُ مَات عَنْهُ وعن أخ لَهُ غائب، وله مال في يد فُلاَن الحاضر أحضر فُلاَن وإن أقر بما ادَّعاهُ أو أنكَرَ فأُقيمَ عليهِ بيِّنةٌ بِذَلِكَ سلِّم إلى المدعي نصف المال، وأخذ الحَاكِم النصف الآخر فحفظه للغائبِ، ويَحتَمِلُ إنْ كَانَ المالُ دَينَاً [فيترك] (3) في ذِمَّةِ الغَرِيمِ حَتَّى يَقْدُمَ الغَائِبُ. وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَارِثُهُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ وَارِثُهُ لا يَعْلَمُ لَهُ وَارِثاً غَيْرَهُ سَلمَ المَالُ إليهِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أهْلِ الخِبرَةِ البَاطِنةِ أو لَمْ يَكُونَا وإنْ قَالا: لا نَعلَمُ لَهُ وَارِثاً غَيرَهُ في هَذَا البَلَدِ احْتَمَلَ أنْ يُسَلَّمَ إليهِ أيضاً، واحْتَمَلَ أنْ لا يُسَلَّمَ حَتَّى يَسْتَكشِفَ الْقَاضِي وَيَسْألُ عَنْ حَالِهِ في البَلَدِ الَّتِي سَافَرَ إليْهَا، وَإِذَا شَهِدَ اجنَبِيانِ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ أوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ أو قِيمَتِهِ ثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ أوْصَى بِعِتْقِ غَانِمٍ وَهُوَ ثُلُثَ مَالِهِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: قِيَاسُ المَذْهَبِ أنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عُتِقَ (4)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لا يُقْرَعُ وَيَعتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ (5)، فإنْ شَهِدَ الوَرَثَةُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ عِتِقِ سَالِمٍ وأعْتَقَ غَانِماً قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَحُكِمَ بِعِتْقِ غَانِمٍ لأَنَّهُ لا تُهْمَةَ في حَقِهِمْ، فإنْ شَهِدَ أجْنَبِيَانِ أَنَّهُ أعْتَقَ سَالِماً وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ أعْتَقَ غَانِمَاً فإنْ عُلِمَ عَينُ السَّابِقِ مِنْهُمَا عَتِقَ وَرُقَّ الآخرُ وَإنْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ السَّابِقِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ القُرْعَةَ عُتِقَ وَرُقَّ الآخَرُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِعِتْقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اجْنَبِيانِ، فإنْ كَذبت البَيِّنةُ، الوَرَثَةَ للأجْنَبِيةِ فَقَالتْ: كَذَبَتْ مَا أعْتَقَ سَالِماً وإنَّما أعْتَقَ غَانِماً، لَمْ يُقْبَلْ تَكذِيبَهُمْ وَعُتِقَ العَبْدَانِ مَعاً فإنْ كانَ قِيْمَةُ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الأجنَبِيةُ الثُلُثُ وَقِيمَةُ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الوَرَثَةُ السُدُسُ فالوَرَثَةُ مُتَهَمةٌ لأنها تَجَرُ إلى أنفسِهَا نَفعَاً وَهُوَ سُدُسُ المَالِ فَتُرَّدَ شهادَتُها عَلَى مَا قَالَهُ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ: إذَا شَهِدَ لِنَفسِهِ ولأجنَبِي رُدَّتْ شَهَادَتُهُ في الْجَمِيْع فَيعْتِقُ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ
__________
(1) انظر: المقنع: 343، الشرح الكبير 12/ 228.
(2) انظر: المغني 12/ 220.
(3) في الأصل: ((في يترك)).
(4) انظر: المغني 12/ 197، الشرح الكبير 12/ 210 - 211.
(5) انظر: المغني 12/ 196، الشرح الكبير 12/ 211.(1/590)
الأجنَبِيةُ، ويَعْتَقُ /447 و/ الآخَرُ لأَنَّهُ أقلُّ مِنْ ثُلُثِ البَاقِي بَعْدَ الثُلُثِ وَقَدْ أقرَّ الوَرَثَةُ بِعِتْقِهِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: وَيَجُوزُ عَلَى مَذهَبِهِ أنْ يَقُولَ يُعْتَقُ مِمّنْ قِيمَتُهُ الثُلُثُ نِصْفُهُ، وَيَقْرَعُ بَيْنَ العَبْدَينِ فأيُّهُمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ القُرْعَة عُتِقَ (1) وَاخْتَاَرَهُ، فإنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ عَلَى خَصمٍ أَنَّهُ أقَرَّ لَهُ بألفٍ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ أَنَّهُ أقَرَّ لَهُ بِألفَينِ ثَبَتَتْ لَهُ الألِفُ بِشَاهِدَينِ وَيَحْلِفُ عَلَى الألِفِ الأخْرَى مَعَ الشَّاهِدِ وَيستَحِقُهَا، فإنْ شَهِدَ أحَدُهُمَا بِعِشْرِينَ والأخْرَى بِثَلاثِينَ احتَمَلَ أنْ تَثْبُتَ العِشْرِونَ بِشَاهِدَينِ كَالتي قَبِلَهَا واحْتَمَلَ أنْ لا تَثْبُتْ بَلْ يَحْلِفُ مَعَ [شاهده] (2) كَمَا لَوْ شَهِدَ أحَدُهُمَا أنَّ لَهُ عَلَيْهِ ألفاً مِنْ ثَمَنِ مَبِيِع وَشَهِدَ الآخرُ أنَّ لَهُ عَلَيْهِ ألفاً مِنْ جِهَةِ القَرضِ، فإنْ شَهِدَ أحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ ثَوباً أبْيَضاً وَشَهِدَ الآخرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوباً أحمَر لَمْ تَكْمُلِ البيِّنةُ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ أحَدُهُما أَنَّهُ قَذَفَهُ يَومَ [الخَميسِ] (3)، وَشَهِدَ الآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهُ يَومَ الجُمُعَةِ لَمْ يَثْبُتِ القَذفُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَثْبُتُ القَذفُ (4)، وإنْ شَهِدَ شَاهِدانِ أَنَّهُ أتْلَفَ عَلَيْهِ ثَوباً قِيَمتُهُ عِشْرُونَ، وَشَهِدَ آخرَانِ أنَّ قِيَمتَهُ ثَلاثُونَ لِزَمَهُ أقَلَّ القِيمَتينِ فإنْ شَهِدَ شَاهِدانِ عَلَى شَاهِدينِ أنَّهُما قَتَلا فُلاناً فَشَهِدَ الآخرَانِ عَلَى الشَّاهِدَينِ أنَّهُما هُمَا قَتَلاه رَجَعَ إلى الوَلَي فَإنْ كَذَّبَ الْجَمِيْعَ أو صَدَّقَهُمْ سَقَطَتْ الشَّهَادَتَانِ وَكَذَلِكَ إذَا كَذَّبَ الأوليِّنِ وَصَدَّقَ الآخَرَينِ، وإنْ صَدَّق الأوَّليَّنِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِما، وَقَتَلَ المَشهُودُ عَلَيْهِمَا.
بابُ اليَمِيْنِ في الدَّعَاوى
يَجْزِي في اليَمِينِ أنْ يَحْلِفَ باسْمِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ فَإنْ رَأَى الحَاكِم تَغْلِيظَ اليَمِينِ في اللَّفْظِ وَالزَّمَانِ وِالمَكانِ فَلَهُ فِعْل ذَلِكَ فَيَقُولُ في اللَّفْظِ: ((قل والله الَّذِي لا اله إلاّ هُوَ عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطَّالِب الغالب الضار النافع الَّذِي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور القادر عَلَى كُلّ شيء))، ويزيد في / 448ظ/ تَحْلِيفِ اليَهُودِّي الَّذِي أنْزَلَ التَّورَاةَ عَلَى مُوسَى وَجَاوزَ بِهِ البَحرَ وَأنْجَاهُ مِنْ فِرعَونَ ومَلأهِ وَيَزِيدَ في تَحْلِيفَ النَّصْرَانِي الَّذِي أنْزَلَ الإنْجِيلَ عَلَى عِيْسَى وَجَعَلَهُ يُحيِي المَوتَى وَيُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ. وَإنْ كَانَ مَجُوسِياً أو وَثَنياً حَلَفَهُ باللهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَرَزَقَهُ. وأمَّا التَّغْلِيظُ في الزَّمَانِ بِأنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ أو بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقِامَةِ وأمَّا التَّغْلِيظُ بِالمَكَانِ بِمَكةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ وَبِالمَدِينَةِ عِندَ مِنْبَرِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْتِ المَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَفِي بَقِيَّةِ البِلادِ في الجَوَامِعِ عِنْدَ المِنْبَرِ وَإنْ كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ حَلِّفُوا في المَواضِعَ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا وَقَدْ أوْلَى أحمَدُ إلى القَوْلِ بِالتَّغْلِيظِ في
__________
(1) انظر: المحرر 2/ 238.
(2) وردت في الأصل ((شاشده)).
(3) وردت في الأصل ((الخميسة)).
(4) انظر: المحرر 2/ 241.(1/591)
رِوَايَةِ المَيْمُونِي (1) وَذَكَرَهُ الخِرَقِي ذَلِكَ في حَقِّ أهْلِ الذِّمَةِ (2) وَقَدْ غَلَّظَ اليَمِيْن في القِسَامَةِ وَاللِّعَانِ بِزيَادَةِ العَدَدِ وَقَدْ بيَّنا ذَلِكَ في مَوضِعِهِ وَلا تُغَلَّظُ اليَمِينُ إلاّ فِيْمَا لهُ خَطَرٌ مِثْلُ: الجِنَايَاتِ وَالحُدُودِ وَالطَّلاقِ وَالعِتَاقِ وَنَحوِهَا وَفِي المَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقِيلَ: مَا تَقْطَعُ بِهِ يَدُ السَّارِقِ وَإنْ رَأَى الحَاكِمُ اسْقَاطَ التَّغْلِيظِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ تَارِكاً للسُنَّةِ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ حَلَفَ عَلَى البَتِّ إثْبَاتَاً كَانَ أو نفياً وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَإنْ كَانَ إثْبَاتاً حَلَفَ عَلَى البَتِّ، وَإنْ كَانَ نَفْياً حَلَفَ عَلَى نَفِي علْمِهِ، وَمَنْ تَوجَهَ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ فَقَالَ: أحْلِفُ يَمِيناً وَاحِدَةً لِلجَمَاعَةِ، إنْ رَضُوا بِذَلِكَ جَازَ وَإنْ أبَوَا حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِيناً، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ أقَامَ المُدَّعِي البَيِّنَة بِذَلِكَ قَضَى بِالبَيِّنَةِ وَسَقَطَ اليَمِينُ ولا يَسْتَحْلِفُ في شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى كَالحُدُودِ وَالعِبَادَاتِ وَيَسْتَحْلِفُ في كُلِّ حَقٍ لآدَمِيٍ إلاّ فِيْمَا لا يَجُوزُ بَدَلُهُ وَهُوَ تِسْعَةُ أشْيَاءَ: النِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّقُ، وَالاسْتِيلادُ، وَالوَلاءُ، وَالنَّسَبُ، وَالقَذْفُ، وَالقِصَاصُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: في القِصَاصِ وَالقَذْفِ وَالطَّلاقِ رِوَايَةٌ أخرَى أنَّهُ يُسْتَحلَفُ فِيْهَا (3) والسِّتْةُ البَاقِيَةُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لا يُسْتَحلَفُ فِيْهَا وَيَتَخَرَّجُ لَنَا أن /449 و/ يَسْتَحلِف في كُلِّ حَقٍ لآدَمِي، فَإنْ نَكَلَ رَدَدنَا اليَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ، فِإذَا حَلَفَ قَضَينَا عَلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنا أنَّ لَنَا في رَدِّ اليَمِينِ رِوَايَتَينِ (4)، وَقَدْ قَالَ الخِرقِي: إذَا قَالَ: ارْتَجَعتُكِ فَقَالتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ فالقَولُ قَولُهَا مَعَ يَمِينِها (5)، وَإِذَا آلى مِنْهَا وَاخْتَلفَا في مُضِي الأرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَالقَولُ قَولُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ وَإِذَا أوْجَبَ الحِلْفُ في انْقِضَاءِ العِدَّةِ وَبَقَاءِ مُدَّةِ الإِيلاءِ وَذَلِكَ مِمَّا لا يَصُحُ بَدَلُهُ فَكَذلِكَ بَقِيَةُ الأشْيَاءِ وَقَالَ أبو بَكْرٍ في "التَّنْبِيهِ" يَسْتَحْلِفُ الْقَاضِي في كُلِّ الدَعَاوِي إلاّ في الحُدُودِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلاقِ (6).
كِتَابُ الشَّهَادَاتِ
تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرضٌ عَلَى الكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهَا مَنْ فِيهِ الكِفَايَةُ سَقَطَ عَنِ البَاقِيْنَ، فَإنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ تَقَعُ بِهِ الكِفَايَةُ غَيرَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرضُ الشَّهَادَةِ أنْ يَأخُذَ عَلَيْهِ
__________
(1) انظر: المغني 12/ 115.
(2) ظاهر كلام الخرقي - رَحِمَهُ اللهُ - أن اليمين لا تغلظ إلا في حق أَهْل الذمة وَلاَ تغلظ في حق المسلمين. ونحو هَذَا قَالَ أَبُو بَكْر. المغني 12/ 114، الشرح الكبير 12/ 145.
(3) يستحلف فيها، لأنها دعوى صَحِيْحَة يستحلف فِيْهَا كدعوى المال. الشرح الكبير 12/ 137، وانظر: المقنع: 352.
(4) فِي الأصل: ((روايتان)).
(5) انظر: المقنع: 352، والمغني 12/ 127.
(6) انظر: الشرح الكبير 12/ 137.(1/592)
أُجْرَةً بِحَالٍ فَأمَّا مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَهَلْ يَجُوزُ لهُ أَخْذُ الأجْرَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أصَحُهُمَا أنْ لا يَجُوزَ أَخْذُ الأُجْرَةِ (1) وَأصْلُ ذَلِكَ أَخذُ الأجرَةِ عَلَى القرْبِ، وَيَجِبُ الإشْهَادُ عَلَى النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ، وَعَنْهُ لا يَجِبُ ذَلِكَ وَيُستَحَبُ الإشْهَادُ عَلَى سَائِرِ العُقُودِ كَالبَيعِ وَالإجَارةِ وَنَحِوهِمَا وَلاَ يَجبُ وَمَنْ كَانَتْ عِندَهُ شَهَادةٌ في حدٍ للهِ تَعَالَى لَمْ يُسْتَحَبْ لَهُ أنْ يُقِيمَها وَيُبَاحُ لَهُ إقَامَتهَا، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لآدَمي وَهُوَ لا يَعْلَمُ بِهَا فَالمسْتَحبُ لهُ أنْ يُعَلِّمَهُ، فإنْ سَألَهُ إقامَتَها أقَامَهَا، وَيَجُوزُ لَهُ أنْ يُقِيمَهَا قَبْلَ أنْ يُعَلمَهُ فأمّا إنْ كَانَ مَنْ لَهُ الشَّهادَةُ يَعْلَمُ بِهَا لَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِهَا قَبْلَ أنْ يَسْألَهُ فلا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أنْ يَشهَدَ إلاّ بِمَا يَعلَمُهُ حَالَ التَّحَمُلِ وَالعِلْمُ يَحْصُلُ لَهُ في ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
إمَّا بالمعَايَنَةِ أو بالسَمَاعِ، فأمَّا المُعَايَنَةُ فَتَختَصُ بِالفِعلِ مِثْل أنْ يَراهُ قَدْ قَتَلَ أو سَرَقَ أو غَصِبَ أو زَنَا أو لاطَ أو شَرِبَ الخَمْرَ أو يَرَى المَرأةَ أرْضَعَتْ أو وَلَدتْ وَنحوُ المَشْهُودِ عَلَيْهِ الافْعَالُ، وأمّا السَّمَاعُ فَعَلَى ضَربَينِ سَمَاعٌ مِنَ المَشهُودِ عَلَيْهِ نَحْوُ أنْ يَقَولَ عِندَهُ أو يَسْمَعَهُ /450 ظ/ يَعقدُ العُقودَ أو يُخبرُ عن أفعالِهِ وأقوالِهِ وَقَدْ قَالَ أحمدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: لا يَشهدُ عَلَى وَصيةٍ مَختومةٍ حَتَّى يَعلمَ مَا فِيها (2) لأنَّ البيّنةَ إنَّما سُميتْ بَينةً لأنَّها تُبيِّنُ مَا يَشهدُ بِهِ، وسماعٌ مِن جِهةِ الأخبارِ المستَفِيضَةِ بَيْنَ النَّاسِ الَّتِي يَتعذرُ عِلمُها في الغَالبِ إلاّ مِن جِهةِ الإسْتفَاضَةِ كالنَّسبِ والموتِ والملكِ والنِّكاحِ والوَقفِ [وَمَصرفِهِ] (3) والعِتقِ والوَلاءِ والوِلايةِ والعَزلِ والخَلعِ وما أشبَهَ ذَلِكَ.
ولا تُقبَلُ الاسْتِفاضَةُ إلاّ مِن عَددٍ يَقعُ العِلْمُ بِخبَرِهِمْ وَهُوَ ظاهِرُ كَلامِ أحمدَ والخِرقي (4)، وَقَالَ شَيْخُنَا: في " المجرَّدِ " يُسمعُ مِن عَدلينِ فَصاعِداً (5) فإنْ سَمِعَ إنساناً يُقِّرُ بِنَسبِ أبٍ أو ابنٍ فإنْ صدَّقَهُ المقرُ لَهُ جازَ أنْ يَشهدَ بِذَلِكَ وإنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَشهدْ وإنْ سَكتَ جازَ أنْ يَشهدَ بِهِ واحْتَملَ أنْ لا يَشهدَ حَتَّى يَتكرْرَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَأى شَيئاً في يَدِ إنسانٍ يَتصرَّفَ فِيهِ تَصرُفَ المالكينَ في أملاكِهِمْ مِن النَّقضِ والبِنَاءِ وَالإجارَةِ والإعارَةِ ونحوِ ذَلِكَ جازَ أنْ يَشهدَ لَهُ بالمِلكِ ويَتحملَ أنْ لا يَشهدَ لَهُ إلاّ باليَدِ والتَّصرفِ، ويَجوزُ لِلأعمَى أنْ يَتحمَّلَ الشَّهادَةَ ويَشهدَ بِهَا فِيْمَا طَريقُهُ السَّمَاعُ مِن الإقرارِ والعُقودِ والطَّلاقِ
__________
(1) انظر: المقنع: 344، الشرح الكبير 12/ 5.
(2) انظر: الكافي 4/ 546.
(3) في الأصل ((مرفه))، انظر المقنع: 344.
(4) انظر: المقنع: 344، المغني 12/ 24، المحرر 2/ 245، والشرح الكبير 12/ 12.
(5) انظر: المقنع: 344، المغني 12/ 24، قَالَ صاحب المحرر: والأصح: أَنَّهُ حَتَّى وثق بمن اخبره وسكنت نَفْسه إِليهِ فليشهد وإلاّ فَلاَ.
انظر: المحرر 2/ 245.(1/593)
والاسْتِفاضَةِ. ولا يَجوزُ أنْ يَشهدَ فِيمَا طَريقُهُ الأفعَالُ إلاّ أنْ يَكُونَ قَدْ تَحملَ ذَلِكَ وَهُوَ بصيرٌ ثُمَّ عُمِيَ فإنّه يَشهدُ بِهِ إذَا عَرِفَ الفَاعلَ بِاسمِهِ وَنَسبِهِ فإن لَمْ يَعرِفْهُ إلا بِعَينِهِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: تُقْبَلُ شَهَادتُهُ أيضاً ويَصِفُهُ للحَاكِمِ بما يَتَميَّزُ (1) ويَحتملَ أنْ لا تُقْبَلَ لأنَّ هَذَا مِمَّا لا يَنضَبِطُ لَهُ غَالباً فإنْ شَهِدَ عِنْدَ الحَاكِمِ عَلَى الفِعْلِ ثُمَّ عُمِيَ قُبِلتْ شَهادَتُهُ وَجهاً واحِداً، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ عَلَى الإقرارِ ثُمَّ طَرِشَ وَلاَ تقبلُ شَهادَةُ الأخْرسِ ويَحتملُ أنْ تُقبلَ فِيْمَا طَرِيقُهُ الرؤيةُ لأنَّ أحمدَ عَلَّلَ في رَدِّ شَهَادتِهِ بأنّهُ أصَمٌّ فَلاَ تُقبلُ فِيْمَا طَريقُهُ السَّمعُ (2)، ومَن شَهِدَ بالنكاحِ فلا بُدَّ مِن ذِكرِ شُروطِهِ ومَن شَهِدَ بالرضاعِ شَهِدَ بالنكاحِ/451 و/ فَلاَ بدَّ مِن أنْ يَذكرَ أَنَّهُ شَرِبَ مِن ثَديِها أو مِن لَبَنٍ حُلِبَ مِنْ ثَدِيها ولا بُدَّ مِن ذِكرِ عَدَدِ الرَضعاتِ، ومَن شَهِدَ بالقَتلِ فَلا بُدَّ أنْ يَقُولَ: ضَربَهُ بالسَّيفِ أو جَرحَهُ فَقَتلَهُ أو مَاتَ مِن ذَلِكَ، فإنْ قَالَ: جَرحَهُ فَمَاتَ لَمْ يَحكمْ وإنْ شَهِدَ بالزِّنَا فَلا بُدَّ أنْ يَذكُرَ بِمَن زَنَا وَكيْفَ زَنَا في الصَّحِيحِ مِنَ المَذهَبِ (3) ومِن أصحَابِنا مَن قَالَ: لا يَحتَاجُ إلى ذِكرِ المزَنِي بِها، ولا يَذكرُ المَكانَ (4). وإنْ شَهِدَ بالسَرقةِ ذَكرَ السَّارقُ والمَسرُوقَ مِنْهُ والنِّصَابَ والحِرزَ وصِفَةَ السَرِقةِ وإنْ شَهِدَ بالقَذفِ ذَكرَ القَاذِفَ والمَقذُوفَ وصفةَ القَذفِ، وَلَوْ كَانَا شَهِدا عَلَى رَجُل بألفٍ فَقَالَ صَاحِبُ الدَّينِ: أُريدُ أنْ تَشهَدا لِي مِن الدَّين بِخَمسَمِئَةٍ، فإنَّ الحَاكِمَ لَمْ يُولِّ الحُكمَ بِأكثرَ مِن ذَلِكَ لَمْ يُجِزْ لَهُما أنْ يَشهَدَا بِخَمسِمِئةٍ، وعِندِي أنّهُ يجوزُ أنْ يَشهَدَا بِذَلِكَ (5)، وَهَلْ يَجُوزُ لِلحَاكِمِ أنْ يُعَرِّضَ لِلشُهودِ بالوَقفِ عَن الشَّهادَةِ في الحُدُودِ الخالِصَةِ للهِ؟ يَحتَمِلُ وَجْهَيْنِ (6).
بابُ مَنْ يَجُوزُ وَمَنْ لا يَجوزُ
يُعتَبرُ فِيمَنْ يَجوزُ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ في المذْهَبِ سِتُ شَرائِط: البُلوغُ، والعَقلُ، والإسلامُ، والعَدالَةُ، وانتِفاءُ التُهمةِ، والعلمُ بِما يَشهدُ بِهِ.
فأمَّا الحريةُ والذُكُوريةُ فَلاَ يَشرُطُهما فأمَّا البُلوغُ: فَقَدْ بَينا بِماذا يَحصُلُ، وأمَّا العَقلُ: فَهُوَ العِلْمُ بِحقائِقِ المَعلوماتِ كَعِلمِهِ باستِحَالَةِ اجتِماع [كَوْنِ] (7) الجسْمِ في مَكانَينِ
__________
(1) انظر: المقنع: 348، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 497.
(2) انظر: المغني 12/ 63، والشرح الكبير 12/ 33، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 489.
(3) انظر: الهادي: 269، والشرح الكبير 12/ 15.
(4) انظر: المقنع: 345، والشرح الكبير 12/ 15.
(5) انظر: الهادي: 269.
(6) انظر: الهادي: 269، والشرح الكبير 12/ 6، والكافي 4/ 548.
(7) وردت ي الأصل ((وكون)).(1/594)
والتَّميِيزِ بَيْنَ مَا يَنفَعُهُ ويَضرُّهُ.
وأمَّا الإسلامُ فَهُوَ التَّلفظُ بالشَهادتَينِ والتِزامُ أحكامِ الملةِ. وأمَّا العَدالَةُ فَهِيَ في اللُّغةِ: عِبارةٌ عنِ الاستِواءِ والاستِقامةِ، لأنَّ العَدلَ ضِدَّ الجَورِ، والجَورُ المَيْلُ، فَالعَدلُ الاستِواءُ في الأَحوالِ وَهِيَ في الشَّرعِ: عِبارَةٌ عنِ [الصَّلاحِ] (1) في الدِّينِ وَاجتنابِ الرَّيبِ وَاستِعمالِ المُروءةِ وَالصَّلاحِ (2) هُوَ فعل /452ظ/ الفَرائِضِ في أوقَاتِها بِشُروطِهَا وتَكمِيلِها بِسُنَنِها واجتِنابِ الرَّيبِ أنْ لا يَرتَكِبَ كَبيرةً ولا يُدمِنُ عَلَى صَغِيرةٍ، وَقِيلَ: لا يَظهرُ مِنهُ إلاَّ الخَيرُ.
وأمَّا المُروءةُ: فِعْلُ مَا يُجمِلُهُ ويُزينهُ واجتِنابُ مَا يُدنِسهُ وَيَشينُهُ. وأمَّا انتِفَاءُ التُّهمَةِ: فَهُوَ نَفيُ الظِنَّة عَنْهُ بأنْ لا يَجرَّ بِشهادَتِهِ إلى نَفْسهِ نَفعاً وَلاَ يَدفَعَ عَنْهَا ضَرراً ولا يَكونَ خَصماً وَلاَ عَدُواً ولا بَينَهُما إيلاد. وأمّا العِلْمُ: فَلا يَجوزُ لَهُ أنْ [يشهَدَ] (3) إلاَّ بِما يَعرِفُهُ ويُحيِطُ بِهِ عِلماً، وسَنُبيِّنُ جَمِيْعَ ذَلِكَ مُفصَلاً فِيمَنْ لا يَجُوزُ الحُكمُ بِشَهادَتِهِ وَإِذَا اجتَمعَتْ هَذِهِ الشَرائِطُ في العَبدِ قُبِلتْ شَهادَتُهُ في جَمِيْعِ الأشياءِ، إلاّ في الحُدودِ والقِصاصِ فإنَّها عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4). وَإِذَا وُجِدَتْ في المرأةِ قُبِلتْ شَهادَتُها مَعَ الرِّجَالِ في المالِ وفِيما يُقصَدُ بِهِ المالُ وهَلْ تُقبَلُ في النِّكاحِ والعِتقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5). وتُقبلُ شَهادتُها مُنفرِدةً فِيْمَا لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجالُ مِنَ الوِلادَةِ والاستِهلالِ والرَّضاعِ والعُيوبِ تَحْتَ الثَّيابِ والنَّظرِ إلى الفَرجِ، وهَلْ هِيَ بِكْرٌ أم ثَيبٌ؟ وانقِضاء العِدَّةِ بالإقراءِ في شَهرٍ، ولا تُقبَلُ شَهادَتَها في غَيْرِ ذَلِكَ. ولا تُقبَلُ شَهادَةُ الصِّبيانِ في أصَحِّ الرِّواياتِ (6) وَعَنْهُ أنَّها تُقبلُ في الجِراحِ خَاصةً إذَا شَهِدوا قَبْلَ الافتِراقِ عَن الحَالِ الَّتِي تَجَارَحوا عَلَيْهَا (7). والثَّالِثةُ أنَّها تُقبلُ عَلَى
__________
(1) في الأصل ((الصلاع))، انظر: المقنع: 347.
(2) وردت في الأصل ((الصلاع)).
(3) في الأصل: ((يشهَدَا)).
(4) انظر: المغني 12/ 6، والشرح الكبير 12/ 66، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 500 - 501.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 215/أ، والهادي: 270، والمغني 12/ 7، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 477.
(6) نقل عدم الجواز عن الإِمَام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ - حرب، والميموني، وابن منصور. وهذه الرِّوَايَة الأشهر وعليها اختيار أصحابه. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ: 215/ب، والمغني 12/ 27، والكافي 4/ 521، والمقنع: 346، والمحرر 2/ 283، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 486.
ونقل عَنْهُ ابن إِبْرَاهِيم: جواز شهادة الصبي إذَا كَانَ ابن عَشْر سنين أو أثنتي عشرة سنة. وَقَالَ ابن حامد فعلى هذِهِ الرِّوَايَة تقبل شهادتهم في غَيْر الحدود والقصاص كالعبيد. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 215/ب، والمغني 12/ 27 والمقنع: 346، والمحرر 2/ 284، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 487.
(7) نقلها عن الإِمَام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- حَنْبَل. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 215/ب، والمغني 12/ 27، والكافي 4/ 521، والمحرر 2/ 284، وشرح الزَّرْكَشِيّ 4/ 487.(1/595)
الإطلاق مَعَ وُجودِ بَقيَّةِ الشُروطِ الَّتِي قَدَّمنا ذِكرَها فِيْهِمْ وَلاَ تُقْبَلُ شَهادَةُ مَعتوهٍ ولا مُغَفّلٍ ولا مَن يُعرَفُ بِكثرَةِ الغَلطِ، فأمَّا مَن يُصرَعُ في الشَّهرِ المرَّةَ وَالمرَّتينِ فَتُقبلُ شَهادتُهُ في حَالِ إفاقَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَن يَندُرُ غَلطُهُ، ولا تُقبلُ شَهادَةُ المَحدُودِ في القَذفِ حَتَّى يَتوبَ، وتَوبتُهُ إكذَابُهُ نَفسَه. ولا تُقبلُ شَهادَةُ أهلِّ الذمَّةِ عَلَى المُسلِمينَ بِحالٍ إلاَّ في وَصيةِ المُسافِرِ إذَا لَمْ يِجِدْ غَيرَهُمْ ويُحلِّفُهُم الحَاكِم بَعْدَ صلاَةِ العَصرِ أنَّهُما مَا /453ظ/ خَانا ولا بَدَّلا ولا غَيَّرَا ولا كَتَما، وأنَّها لَوَصيَّةُ الرَّجُلِ فَإنَّها تُقبلُ هاهُنَا استِحْساناً، فأمَّا شَهادَةُ بَعضِهِمْ عَلَى بَعضٍ فَهَلْ تُقبلُ أمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أصحهُمَا أنَّها لا تُقبلُ (1) وأمَّا الفُسَّاقُ فَلاَ تُقبلُ شَهادَتُهم، وَلاَ أخبَارَهُمْ، وَهلْ يَنعَقِدُ النِّكاحُ بِحُضُورِهِمْ أمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2). وأمَّا أهلُ الأهواءِ مِمَّنْ يُحكَمُ بِكفرِهِ أو فُسقِهِ مِنْهُمْ فَلاَ تُقبلُ شَهادَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ منْ جِهةِ الفِعلِ أو مِن جِهةِ الاعتِقادِ، ويَتخرَجُ عَلَى قَبولِ شَهادَةِ أهلِ الذمَّةِ أنَّ الفِسقَ الَّذِي يَتَدينُ بهِ مِن جِهةِ الاعتِقادِ لا تُرَّدُ بهِ الشَّهادَةُ إلاَّ أنْ يَتَدينَ بالشهادَةِ لِمَنْ يُوافِقُهُ عَلَى مَن يُخالِفُهُ وَمَنْ لا تُفسقُهُ تُقبلُ شَهادَتهُ (3)، فإنْ تَابَ الفاسِقُ وأسلَمَ الكافرُ، وبَلغَ الصَّبِيُّ مِن بَعْدِ ما رُدَّتْ شهادتهم ثُمَّ أعادوا الشهادة المردودة قُبلت ممّن أسلم وَبَلغَ، ولَمْ تقَبل مِمَّن تَابَ، وتقبلُ شهَادتُهُ في بقيّةِ الأشياءِ بمجردِ التوبةِ عَلَى ظاهرِ كلامِ أحمدَ (4) -رَحِمَهُ اللهُ - وَقِيْلَ: يُعْتَبَرُ مَعَ التوبةِ صلاحُ العَملِ سنةً إذا كَانَ فسقهُ بالفعلِ (5)، وَلا تُقبَلُ شهَادَةُ مَنْ لا مُروءةَ لَهُ كَالمصَافِعِ والمتمسخِرِ والمغّنَّي والرَّقَاصِ والذي يلعبُ بالشطرنجِ والنَّردِ والحَمَامِ ويأكُلُ في الأسوَاقِ ويمد رِجْليهِ في مجمعِ النَّاسِ ويحدِّثُ بمَا يجري في بيتهِ وبينَ زَوجتهِ وَأمتهِ مِنَ المباضَّعةِ ونحو ذَلِكَ.
وأمّا الشينُ في الصنَاعةِ مثلُ الحائكِ، والحجَّامِ، والنَّخالِ، والنَّفاطِ (6)، والقمَّامِ، والزَّبَالِ، والمشعوذِ، والدبَّاغِ، والحارسِ والقرَّادِ (7) والكنَّاسِ فهلْ تُقبلُ شَهادتهمْ أمْ لا؟ يَحتَملُ وَجْهَيْنِ:
__________
(1) نقل الميموني وأبو دَاوُد والمروذي وحرب: لاتقبل، ونقل حَنْبَل: تقبل. قَالَ أَبُو بَكْر الخلال وصاحبه: غلط حَنْبَل فِيْمَا نقل، والمذهب أنها لا تقبل. وَقَالَ ابن حامد: المسألة عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
المغني 12/ 54، والشرح الكبير 12/ 34.
(2) انظر: المقنع: 209، والهادي: 158.
(3) انظر: المقنع 347.
(4) انظر: المقنع: 347، والمغني 12/ 80 - 81، والمحرر 2/ 257.
(5) انظر: المقنع: 347، والمغني 12/ 81، والمحرر 2/ 257.
(6) النفاط: هو اللعاب بالنفط. انظر: كشاف القناع 6/ 418.
(7) القَرَّاد: سائس القرود. المعجم الوسيط: 724.(1/596)
أحَدِهمَا: تُقبَلُ إذا حَسنتْ طرائِقِهمْ فِي دِينهمْ (1)، وَالوَجهِ الآخَرِ: لاَ تُقبلُ (2) فأمَّا مَنْ شرِبَ النَّبيذَ متَأوِلاً ولَمْ يسكَرْ فَلا تُردُ شَهَادَتُهُ ويُحَدُّ، وَأمَّا مَنْ تَزَوَجَ بِغَيرِ وليٍ أو أكَلَ مَتروك التَّسميَةِ، أو وَجَبَ عَلَيْهِ الحجَّ وأمْكَنَهُ فِعْلهُ فَلَمْ يَحُجَّ، أو تَزَوَّجَ بِنْتَهُ مِنَ الزنَا أو تَزوجَ بِأمِّ مَنْ زَنَا بِهَا، أو شَرِبَ /454 ظ/ النَّبيذَ مُعتَقِداً لِتحريمِ ذَلِكَ فإنَّهُ تُردُ شَهَادَتُهُ وَيحتملَ أنْ لاَ تُرَدَّ وَلا تُقبَلُ شهادَةُ الوَالدِ لوَلدِهِ وإنْ سَفُلَ وَلا شَهَادَةُ الوَلَدِ لوَالديهِ وَإنْ عَليَا فِي أصْحِّ الرِّوَايَاتِ (3) وعَنْهُ تُقْبَلُ شَهادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا للآخَرِ فيمَا لاَ يَجرُّ بِهِ نَفعَاً إلى نَفسهِ فِي الغَالبِ نَحْوَ: أنْ يَشهَدَ لَهُ بِعقدِ نِكَاحٍ أو بِأنَّ فُلانَاً قَذَفَهُ (4)، وَتُقبَلُ شهَادَةُ بَعضهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي أَصحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (5)، وَلاَ تُقبلُ فِي الأخرى (6) وَلا تُقبَلُ شَهَادَةُ إحدَى الزَّوجَينِ للآخَرِ في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ (7)، وَتُقبلُ في الأخرَى (8)، وَتُقبلُ شَهادَةُ الأخِ لأخِيهِ وَالصَديقِ لِصَديقِهِ وَالمَولى لِعَتيقِهِ، وَلا تُقبلُ شَهادَةُ الجَارِ إلى نَفْسِهِ نَفعاً كَشَهادَةِ الوَارِثِ لموَّرِثِهِ بِالجِراحَةِ قَبْلَ الاندِمالِ، وَشَهادَةُ الوَصِي للمَيتِ وَالوَكيلِ لِلمُوكلِ وَالغُرمَاءِ لِلمُفلِسِ بِالمالِ، والسَّيدِ لِعَبدِهِ وَالمأذُونِ لَهُ بِالحُقوقِ، وَالشَّريكِ لِشَريكِهِ فإنْ شَهِدَ لموَّرثِهِ في المَرَضِ ثُمَّ بَرِئَ فَهلْ يُحكَمُ بِتِلكَ الشَّهادَةِ؟ يَحتَمِلُ وَجْهَيْنِ (9)، ولا تُقبلُ شَهادَةُ مَنْ يَدفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَراً كَشَهادَةِ العَاقِلَةِ عَلَى شُهُودِ القَتْلِ بِالفِسْقِ، وَشَهادَةِ السَّيدِ
__________
(1) انظر: المغني 12/ 34، والكافي 4/ 523، والشرح الكبير 12/ 47.
(2) انظر: المغني 12/ 34، والكافي 4/ 523، والشرح الكبير 12/ 47، والزركشي 4/ 492.
(3) نقل المروذي ومهنَّا وحنبل: لاتقبل شهادة الوالد لولده وان سفل وكذَلِكَ الوالدة، ولا الولد لوالده وان علا كالجد ولا لوالدته وإن علت كالجدة. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: 217/أ، والمقنع: 348، والمغني 12/ 64، والشرح الكبير 12/ 71.
(4) نقل بَكْر بن مُحَمَّد عن الإِمَام أَحْمَد: يحق شهادة كُلّ واحد مِنْهُمَا لصاحبه فِيْمَا لا يجر نفعاً إِليهِ في الغالب. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ: 217/ أ.
ورَوَى أيضاً عن الإمام أحمد أنه تجوز شهادة الابن لأبيه وَلاَتجوز شهادة الأب لابنه، لأن مال الابن لأبيه ومال الأب لا يضاف إلى ابنه. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 217/أ، والمقنع: 348، وعن الإِمَام رِوَايَة أخرى هِيَ: تقبل شهادة الولد لوالده ولاتقبل شهادة الوالد لولده. انظر المقنع: 348، والمغني 12/ 65، والشرح الكبير 12/ 71، والمغني 12/ 65 - 66، والشرح الكبير 12/ 72.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 217/ ب، والمقنع: 348، والمغني 12/ 66، والشرح الكبير 12/ 72.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 217/ب، والمغني 12/ 66، والشرح الكبير12/ 73.
(7) انظر: المقنع: 348، والمغني 12/ 68، والشرح الكبير 12/ 73، والزَّرْكَشِيّ 4/ 499.
(8) انظر: المغني 12/ 68، والشرح الكبير 12/ 73، والزَّرْكَشِيّ 4/ 499.
(9) انظر: الهادي: 270، والمحرر 2/ 295.(1/597)
بِفِسْقِ مَنْ شَهِدَ عَلَى مُكاتَبِهِ بِحَقٍ وَشَهادَةِ الوَّصِي يخرجَ مَن شَهِدَ عَلَى الأيْتامِ بِمالٍ وَشَهادَةِ الشَّريكِ لِمَنْ شَهِدَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحقٍ ولا تُقبلُ شَهادَةُ العَدوِّ عَلَى عَدُوِّهِ كَشَهادَةِ المَقذوفِ عَلَى قَاذِفِهِ والمَقطوعِ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ عَلَى القاطِعِ عَلَيْهِ والزَّوجِ عَلَى زَوجَتِهِ بِالزِّنا، وتُقبلُ شَهادَةُ الإنْسانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَالمُرضِعَةِ عَلَى الرِّضَاعِ. والقَاسِمِ عَلَى القِسْمَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ إذَا كَانَ بِغَيرِ عِوَضٍ. وَالحَاكِمِ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ العَزْلِ. [وَتُقبلُ] (1) شَهادَةُ البَدَوي فأمَّا شَهادَتُهُ عَلَى القَرَويِّ فَقَالَ أحمدُ: أخْشَى أنْ لا يَجوزَ (2)، وَقَولُهُ أخشَى تَحتَمِلُ أنْ لا تُقبلَ، وَتَحتَمِلُ أنْ تُقبلَ وَهُوَ الأقْوَى عِندِي، وتُقبلُ شَهادةُ وَلَدِ الزِّنَا وَغَيرِهِ ومَن جَمَعَ في /455ظ/ الشَّهادَةِ بَيْنَ مَن تُقبلُ شَهادَتُهُ فِيهِ وَبَينَ مَا لا تُقبلُ شَهادَتُهُ لا تُقبلُ الْجَمِيْعُ، وَإِذَا شَهِدَ السَّيدُ لِمُكاتِبِهِ بِحقٍ فَرُدَّتْ شَهادَتُهُ، ثُمَّ أدَّى المكَاتِبُ النُّجومَ وَعُتِقَ ثُمَّ أعادَ السَّيدُ تِلْكَ الشَّهادَةَ فَهلْ تُقبلُ؟ يَحتمِلُ وَجْهَيْنِ (3). وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ أخوَانِ وَارِثانِ لأخِيهِمَا بِجراحَةٍ لَمْ تَندَمِلْ فَرُدَّتْ شَهادَتُهُما ثُمَّ اندَمَلتْ الجِراحَةُ وأعادَ الشَّهَادَةَ فَهلْ تُقبَلُ أو تُرَّدُ؟ تَحتَمِلُ وَجْهَيْنِ (4).
وَتَجوزُ شَهادَةُ المُستَخفِي (5) ومَن يَسْمَعُ رَجُلاً يُقرُّ لِرَجُلٍ بِمالٍ أو يَشهَدَ شَاهِداً بِحقٍ أو يَسْمَعُ الحَاكِمُ يَحكُمُ أو يَشهَدُ عَلَى حُكمِهِ وإنفاذِهِ بِشيءٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلا تَجوزُ شَهادَتُهُ بِجَميعِ ذَلِكَ فِي الأخْرَى (6). وتُقبلُ في المَالِ ومَا يُقصَدُ بِهِ المَالُ كالقَرْضِ وَالبَيعِ وَالإجَارَةِ وَالهِبَةِ والاقرارِ وَالوَقفِ وَالرَّهنِ وَالحَوالَةِ وَالصُلحِ وَالغَصبِ وَالصِدَاقِ وَجِنايَةِ الخَطَأِ وَنَحوِ ذَلِكَ شَهادَةِ رَجُلينِ وَرَجُلٌ وامرَأَتَينِ، وَيَمِينُ المُدَّعِي، ولا تُقبلُ في ذَلِكَ شَهادَةُ امرَأتَينِ ويَمِينُ المُدَّعِي، وَيَحتَمِلُ أنْ يُقبلَ، وَهَلْ يُحكمُ بِالشَّاهِدِ وَاليَمينِ في العِتَاقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7). فأمَّا النِكاحُ والرَّجعَةُ فَلا يُقبلُ فِيهِ الشَّاهِدُ وَاليَمينُ. وَهَلْ تُقبلُ
__________
(1) زيادة منا ليستقيم بها المعنى، انظر: المقنع: 349.
(2) انظر: المقنع: 348، والهادي: 270، والمغني 12/ 31. وظاهر كلام الخرقي قبول الشهادة.
انظر: الشرح الكبير 12/ 70.
(3) انظر: الهادي: 270، والمغني 12/ 83، والشرح الكبير 12/ 82.
(4) انظر: الهادي: 270.
(5) نقل ابن منصور: تجوز شهادة المختبيء إذَا كَانَ عدلاً، واختارها الخرقي.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 218/أ.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 218/ب.
(7) انظر: الكافي 4/ 538 - 539. وجاء فِيهِ: أن الْقَاضِي قَالَ: النكاح وحقوقه لايثبت إلا بشاهدين وما عداه يخرج فِيهِ رِوَايَتَانِ.
انظر: المحرر 2/ 322.(1/598)
شَهادَةُ رَجُلٍ وامرَأتَينِ أمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1). وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمالٍ وَلاَ المَقصُودُ مِنهُ المالُ وَهُوَ مِمَّا يَطلعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالحُدودِ وَالقِصاصِ وَالطَّلاقِ وَالنَّسَبِ وَالولاءِ وَالوكالَةِ وَالوَصيةِ ومَا أشبَهَ ذَلِكَ، فَلاَ تُقبلُ إلاَّ شَهادَةُ الرِّجَالِ وَعَددُهُمْ فِيْمَا يُوجِبُ حَدُّ الزِّنَا أربَعةٌ، وَفِي بَقيَّةِ ذَلِكَ رَجُلانِ، فإنْ شَهِدَ بِقَتلِ العَمدِ رَجلٌ وامرَأتانِ لَمْ يَثْبُتْ قِصَاصٌ وَلاَ دِيَّةٌ، وإنْ شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ رَجُلٌ وامرَأتانِ ثَبَتَ المَالُ وَلَمْ يَجِبِ القَطعُ، فإنْ شَهِدَ عَلَى صِحَّة العَمدِ رَجُلٌ وامرَأتانِ لَمْ يُقبلْ، وَكَذَلِكَ بِكُلِّ مَا يُوجِبُ القِصَاصَ فإنْ شَهِدَ بالهَاشِمَةِ أو المنقَّلةِ رَجُلٌ وامرَأتانِ قُبِلَ، وإنِ ادَّعتِ المَرأةُ /456 و/ الخُلعَ وَأنكَرَ الزَّوجُ لَمْ يَثبُتَ الخُلعَ إلاَّ بِشَهادَةِ رَجُلينِ، وإنِ ادَّعى الزَّوجُ الخُلعَ وأنكَرَتِ المَرأةُ ثَبَتَ بِشاهدٍ وامرَأتَينِ، وَإِذَا كَانَ في يَدِ رَجُلٍ جَاريةً لَهَا وَلدٌ فَادَّعَى رَجُلٌ أنَّها أمُ وَلَدِهِ وَوَلَدُهَا مِنهُ فَشَهِدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ رَجُلٌ وامرَأتانِ قُضِيَ لَهُ بِالجَاريَةِ وأنَّها أمُ وَلَدٍ، وَهلْ ثَبتَتْ حُرِّيةُ الوَلَدِ أمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحداهما: يَثبُتُ وَيَثْبتُ نَسَبُهُ مِنْهُ بِإقرارِهِ (2)، وَالثَّانِيةِ: لا تَثْبُتُ الحُرِّيةُ وَيَبقَى عَلَى مُلكِ مَن هُوَ في يَدِهِ (3)، وَيُقبلُ في كُلِّ مَا لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْهُ لا يُقبلُ أقلُّ مِن امرَأتَينِ (4)، فإنْ شَهِدَ في جَمِيْعِ ذَلِكَ الرَّجُلُ كَانَ أولى في ثُبُوتِهِ بِشَهادَتِهِ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدانِ أنَّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ألفاً ثُمَّ قَالَ أحَدُهُما: قَضاهُ مِنْها خَمسُمِئةٍ بَطُلتْ شَهادَتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ (5).
فإنْ شَهِدَا أَنَّهُ أقرَضَهُ ألفاً ثُمَّ قَالَ أحَدُهمَا: قَضاهُ مِنْها خَمسُمِئَةٍ صَحَّتْ شَهادَتُهُما، فإنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ بَاعَهُ دَارَهُ في أمْسِنا، وَشَهِدَ آخرُ أَنَّهُ بَاعَها مِنْهُ اليَوْمَ، أو شَهِدَ أحَدُهُما بأنَّهُ أقَرَّ لِفُلانٍ بِألفٍ في يَومِ الاثنَينِ، وَشَهِدَ آخرٌ بأنَّهُ أحدهما أقَرَّ لَهُ بِألفٍ في يَومِ الثَّلاثاءِ قُبِلتْ شَهادَتُهُما، وَحُكِمَ بِالبَيعِ والإقرَارِ، وَكَذَلِكَ الحُكمُ في كُلِّ شَهَادةٍ تَقَعُ عَلَى القَوْلِ إلاَّ في النِّكاحِ فإنَّهُ إذَا شَهِدَ أحَدُهُما أنَّهُ تَزَوَّجَها أَمسِ وَشَهِدَ آخَرٌ أنَّهُ تَزَوَّجَهَا اليَومَ لَمْ يُحكَمْ بِالنِكاحِ فأمَّا الشَّهادَةُ إذَا كَانَتْ عَلَى الفِعْلِ، واختَلَفا في الوَقتِ، لَمْ تُقبلْ مِثْلُ: أنْ يَشهَدَ أحَدُهُما أنَّهُ غَصَبَهُ هَذَا العَبدُ أمسِ، وَشَهِدَ آخرٌ أنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ اليَومَ لَمْ تَكمُلْ
__________
(1) انظر: الهادي: 270، والكافي 4/ 538 - 539، والمحرر 2/ 323.
(2) انظر: المغني 12/ 15، والمحرر 2/ 327، والشرح الكبير 12/ 100.
(3) انظر: المغني 12/ 15، والشرح الكبير 12/ 100.
(4) انظر: المقنع: 350، والهادي: 270، والمغني 12/ 17، والمحرر 2/ 328، والشرح الكبير 12/ 97.
(5) انظر: المقنع: 346، والشرح الكبير 12/ 28.(1/599)
شَهَادَتِهُمُا، وَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِحقٍ فَأقَامَ المَشهودُ عَلَيْهِ البَيِّنة أنَّهُما فَاسِقانِ لَمْ يَحكُمِ الْقَاضِي بِشَهادَتِهِمَا وَتُسمَعُ البَينةُ عَلَى الجُرحِ إذَا ثَبتوا سَبَبَهُ فَلاَ يُقبَلُ في ذَلِكَ إلاَّ شَاهِدانِ وَشَاهِدُ الزُّورِ يُعَزرُ ويُطافُ بِهِ في بَلدِهِ فَيُقالُ: إنَّا وَجَدنا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاجتَنِبوهُ، ولا تُقبَلُ الشَّهادَةُ إلاَّ بِلَفظِ الشَّهادَةِ /457 و/ فإنْ قَالَ: أعْلمُ أو أحقُّ لَمْ يحكمْ بذَلِكَ.
بَابُ الشَّهادَةِ عَلَى الشَّهادَةِ وَالرُّجُوعِ عَنِ الشَّهادَةِ
تُقبَلُ الشَّهادَةُ عَلَى الشَّهادَةِ في حُقوقِ الآدَمِيينَ المُتعلِّقةِ بالمَالِ كَالدُّيونِ (1) وَالغُصُوبِ وَالعُقودِ وَالخِياراتِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، فأمَّا القِصاصُ وَحَدُّ القَذفِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحداهما: تُقبلُ أيضاً (2)، وَالثَّانِيَةِ: لا تُقبلُ (3) وَلا تُقبلُ فِيْمَا يُوجِبُ حَداً للهِ تَعَالَى كالزِّنَا وَاللِّواطِ وَشُربِ الخَمرِ وَالسَّرِقَةِ وَالقَتلِ (4) أو غَيبَةِ شُهُودِ الفرعِ إلاَّ أنْ يَتَعذَّرَ شَهَادَةُ شُهُودِ الأصلِ بِمَوتٍ أو مَرَضٍ أو غَيبَةٍ عَلَى مَسافَةٍ تُقصَرُ في مِثلِها الصَّلاَةُ، وَقِيلَ: لا تُقبلُ شَهادَتُهم إلاَّ بَعدَ مَوتِ شُهودِ الأصلِ ولا يَجوزُ لِشَاهِدِ الفَرعِ أنْ يَستَدعِيَهُ شَاهِدُ الأصْلِ بأنْ يَقُولَ لَهُ: أشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي أنِّي أشَهَدُ أنَّ فُلاناً بنُ فُلاَنٍ وَقَدْ عَرَفتُهُ بِعَينِهِ وَاسمِهِ ونَسَبِهِ أقرَّ عِندِي وأشهَدَني عَلَى نَفْسِهِ طَوعاً بِكَذا وكَذَا فأمَّا إنْ سَمِعهُ يَقُولُ: أشْهَدَني فُلاَنٌ بِكَذَا أو شَهِدتُ عَلَيْهِ بِكَذَا أو أقَرَّ عِندِي بِكَذَا لَمْ يَجُزْ أنْ يَشهَدَ فإنْ سَمِعَهُ يَشهَدُ عِنْدَ الحَاكِمِ بِحقٍ أو يَشهَدُ عَلَى إنسَانٍ بِحقٍ يُعزِّيِهِ إلى سَبَبٍ من بَيعٍ أو إجَارَةٍ أو قَرضٍ فَهلْ يَشهَدُ بِذَلِكَ يَحتَمِلُ وَجهَينِ (5). وَلاَ مَدخَلَ لِلنِّساءِ مَعَ شُهُودِ الفَرعِ في إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، وَعَنْهُ يَدخُلونَ مَعَ شُهودِ الفَرعِ (7) فَيَشهدُ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ، وامرَأتانِ علَى امرَأتينِ، فإنْ شَهِدَ رَجُلانِ عَلَى شَهادَةِ رَجُلٍ وامرَأتَينِ جَازَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: لا يَجوزُ لأنَّ أحمدَ -رَحِمَهُ اللهُ - قَالَ في رِوَايَةِ حَربٍ: لا يَجوزُ شَهادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهادَةِ امرَأةٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَة إنْ صَحَّتْ عَن حَربٍ فَهِيَ سَهوٌ مِنْهُ فَإنَا إذَا قُلنا شَهادَةُ امرأةٍ عَلَى شَهادَةِ امرَأةٍ تُقبلُ فَأولى أنْ تُقبلُ شَهادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهادَتِهِا فَإنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ أقوَى بِكُلِّ حَالٍ، ولأنَّ في هذِهِ الرِّوَايَة أنَّهُ قَالَ: أَقبَلُ شَهادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلينِ وَهَذا مِمَّا لا وَجهَ لَهُ فإنَّ رَجُلاً
__________
(1) في الأصل ((كالديوان)).
(2) انظر: المغني 12/ 94، والشرح الكبير 12/ 102، والزَّرْكَشِيّ 4/ 506.
(3) انظر: المغني 12/ 94، والكافي 4/ 550، والشرح الكبير 12/ 102، والزَّرْكَشِيّ 4/ 506.
(4) في الأصل ((ولاتقبل)).
(5) انظر: المقنع: 351، والمغني 12/ 94، والمحرر 2/ 340، والشرح الكبير 12/ 105.
(6) انظر: الهادي: 272، والمحرر 2/ 341، والشرح الكبير 12/ 110.
(7) انظر: المقنع: 351، والهادي: 272، والمحرر 2/ 342.(1/600)
واحِداً لَوْ كَانَ أصلاً فَشَهِدَ في القَتلِ العَمدِ وَمَعهُ ألفُ امرَأة لا تُقبلُ هَذِهِ الشَّهادَةِ، فإذا شَهِدَ بِهَا وَحدَهُ وَهُوَ فَرعٌ تُقبلُ /458 ظ/ وَيُحكَمُ بِهَا هَذَا بِحالٍ وَلَوْ ثَبَتَ أنَّ أحمدَ قَالَ ذَلِكَ فَيحتَمِلُ أنَّهُ أرادَ لا تُقبلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ حَتَّى يَنضَمَّ مَعهُ غَيرُهُ فَيَخْرُجَ مِن هذِهِ أَنَّهُ لا يَكفِي شَهادَةُ واحدٍ عَلَى واحدٍ كَمَا يَقُولُ أكثَرُ الفُقَهَاءِ، وَتَثبتْ شَهَادَةُ شَاهِدَي الأصلِ بِشَهادَةِ رَجُلينِ يَشْهَدَ أنَّ عَلَيْهِمَا سَوَاء شَهِدَا عَلَى كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا أو شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُما واحِدٌ مِن شُهُودِ الفَرعِ، وَقَالَ أبو عَبْدِ اللهِ بنِ بَطةَ: لا يَثبُتُ حَتَّى يَشهَدَ أربَعةٌ عَلَى كُلِّ شَاهِدٍ أصْلٍ شَاهِدَا فَرعٍ (1)، ولا يَحكُمُ الحَاكِمُ بِشَهادَةِ شُهودِ الفَرعِ [حَتَّى يَثبُتَ عِندَهُ] (2) عَدَالتِهِمْ وَعَدالَةِ شُهُودِ الأصْلِ، فإنْ شَهِدَ شُهودُ الفَرعِ فَلَمْ يَحكُمْ حَتَّى حَضَرَ شُهودُ الأصْلِ أو صَحُّوا مِن مَرَضِهِمْ وَقَفَ جَوازُ حُكمِهِ عَلَى سَمَاعِ شُهودُ الأصْلِ، فإنْ لَمْ يَحكُمْ حَتَّى فَسَقَ شُهودُ الأصْلِ أو صَاروا أعداءً لَمْ يَحكُمْ بِشَهادَةِ الفَرعِ فإن حكم الحَاكِم بشهادة ثُمَّ رَجعُوا عنِ الشَّهادَةِ ضَمِنوا، وَلَوْ رَجَعَ شُهودُ الأصْلِ لَمْ يَضمَنوا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا (3).
ويَحتَمِلُ أنْ يَضمَنوا بِنَاءً عَلَى المُزكِّينَ وَشُهُودِ الإحصَانِ، وَمَتَى رَجَعَ المَالُ بَعْدَ الحُكمِ لَزِمَهُمْ الضَّمانَ، وَكَذَلِكَ شُهُودُ العِتقِ فإنْ كَانُوا اثنَينِ فَصَاعِداً تَقَسَّطَ الغُرمُ عَلَى عَدَدِهمْ، وإنْ كَانَ وَاحِداً مَعَ اليَمِينِ لَزِمَهُ جَمِيْعُ المَالِ، وَيَتخرَّجُ أنْ يَلزَمَهُ النِّصفُ ويَلزَمُ الَّذِي حَلَفَ إذَا قُلنَا بِرَدِ اليَمِينِ.
فَإنْ رَجَعَ شُهُودُ الطَّلاقِ بَعْدَ الحُكمِ، فإنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخولِ ضَمِنَا نِصفَ المُسمَّى، وإنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخولِ لَمْ يَضمَنا شَيئاً ذَكَرَهُ شَيْخُنَا (4).
ومَتَى شَهِدَ الشُّهودُ بِالحَقِّ ثُمَّ رَجَعوا عَنِ الشَّهادَةِ، فإنْ كَانَ قَبْلَ الحُكمِ لَمْ يَستَوفِ الحَقَّ، وإنْ كَانَ بَعْدَ الحُكمِ فإنْ كَانَ في حَدٍّ أو قِصَاصٍ لَمْ يَستَوفِ وإنْ كَانَ في عَقدٍ أو مَالٍ استَوفَى وَإِذَا حَكَمَ واستَوفَى ثُمَّ بَانَ أنَّ الشَّاهِدَينِ كَانَا كَافِرَينِ نَقَضَ حُكمَهُ، فإنْ بَانَ أنَّهُما فَاسِقانِ نَقَضَ أيضاً. وَعَنْهُ لا يَنقُضُ ويَغرَمُ الشَّاهِدَينِ (5)، فإنْ نَقَضَ وَكَانَ المَحكُومُ بِهِ إتْلافاً كَالقَتلِ وَالقَطعِ ضَمِنَهُ /459و/ الإِمَامُ. وَهَلِ الضَّمَانُ في بَيتِ المَالِ أو عَلَى عَاقِلَتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6). وَإنْ كَانَ المَحكُومُ بِهِ مَالاً أمَرَ بِرَدِّهِ إنْ كَانَ باقِياً، وَبِضَمانِهِ إنْ
__________
(1) انظر: المقنع: 351، والهادي: 272، والمحرر 2/ 340، والشرح الكبير 12/ 108.
(2) عبارة غير مقروءة في المخطوط والمثبت من عندنا حتى يستقيم النص.
انظر: المقنع: 351، وانظر: المحرر في الفقه 2/ 343
(3) انظر: الهادي: 272، والمغني 12/ 147، والكافي 4/ 564.
(4) انظر: الشرح الكبير 12/ 115 - 116.
(5) انظر: الهادي 272، والمغني 12/ 151، والكافي 4/ 566، والشرح الكبير 12/ 126.
(6) المغني 12/ 149، والشرح الكبير 12/ 128.(1/601)
كَانَ تَالِفاً. وإنْ شَهِدُوا عِنْدَ الحَاكِمِ بِحقٍ، أو حَدَّ ثُمَّ مَاتُوا حَكَمَ الحَاكِمُ بِشَهادَتِهِمْ إذَا ثَبَتَ عِندَهُ (1) عدالتهم.
كِتَابُ الإقرَارِ
بَابُ مَنْ يَصُحُ إقْرَارُهُ وَمَنْ لا يَصُحُ وَمَا يَصُحُ مِنَ الاقْرَارِ وَمَا لا يَصُحُ
لا يَصُحُّ الإقرَارُ إلاَّ مِن عَاقِلٍ مُختَارٍ فَأمَّا المجنُونُ والطِّفلُ وَالسَّكرَانُ والمُكرَهُ فَلا يَصُحُّ إقرَارُهُمْ، وَيَتَخرَّجُ في السَّكرَانِ لمعصِيَةٍ أنْ يَصُحَّ إقرارُهُ فإنْ أقَرَّ المجَنُونُ في حَالِ إفاقَتِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، وإنْ عَقَلَ المجَنونُ أَذِنَ لَهُ في البَيعِ والشِّراءِ صَحَّ إقرارُهُ في قدرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ولايصحُّ في غَيْر ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغ، وإن أُكرِهَ عَلَى الإقرارِ لزيد بمال فأقر بِهِ لبكر صَحَّ إقراره، وكذا لَوْ أكرِه عَلَى الإقرارِ بطلاقِ زوجتهِ زَيْنَب فأقرَّ بطلاقِ زوجتِهِ لُبْنَا صَحَّ الإقرارُ. فإن أكرِهَ عَلَى وزنِ دنانيرَ فَبَاعَ عقارَهُ في ذَلِكَ صَحَّ البيعُ، والمكلفُ عَلَى ضَربَيْنِ: مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَمُطْلَقِ التَّصَرُفِ، فالمُطلَقُ يَصُحُ إقرارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وأموالِهِ، والمحجورُ عَلَيْهِ عَلَى أربعةِ أضرُبٍ: مَحجورٍ لِفَلَسٍ، أو سَفَهٍ، أو مَرضِ مَوْتٍ، أو رِقٍّ فإن كَانَ إقرارُهُم بالطَّلاقِ أو بما يُوجِبُ حَداً أو قِصَاصَاً صَحَّ من الْجَمِيْع وأخذوا بِهِ في الحالِ إلاّ العبدَ فإنّه إذَا أَقَرَّ بما يُوجِبُ قِصَاصَاً في النَّفسِ نَصَّ عَلَيْهِ أنّه يُتبَعُ بِهِ بعدَ العتقِ (2)، وعندي أنّه يُؤخَذُ بِهِ في الحالِ، وإن كَانَ إقرارُهُم بالمالِ أو بِمَا يُوجِبُ مالاً كَجِنايَةِ الخَطَأ وإتلافاتِ الأموَالِ صَحَّ من المفلِسِ إلاّ أَنَّهُ لايُشارِكُ المقرُّ لَهُ الغُرماء وصحَّ من السَّفيهِ إلاّ أنه يُتبَعُ بِهِ بَعْدَ فكِّ الْحَجْر عَنْهُ، وصحَّ من المريضِ في حقِّ من لايرثُهُ في أصحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (3) ولايصُحُّ فِيْمَا زادَ عَلَى الثُلُثِ في الرِّوَايَة الأخرَى (4) والتفريعِ عَلَى
__________
(1) في الأصل ((عند)).
(2) وعن الإِمَام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهُ لايصح اقراره بِهِ.
انظر: المغني 5/ 74، والكافي 4/ 569، والمقنع: 354، والشرح الكبير 5/ 279 - 280.
(3) رَوَى أَبُو بَكْر: يصح اقراره. وَهُوَ اختيار الخرقي -رَحِمَهُ اللهُ - وَهُوَ المشهور من الروايات.
انظر الرِّوَايَتَيْنِ والوَجْهَيْنِ 82/ب، والمقنع: 354، والهادي: 273، والمحرر 2/ 376، والزَّرْكَشِيّ 2/ 539.
(4) جاء عن أبي بَكْر رِوَايَة فِيْهَا: لاينفذ اقراره، انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين82/ب. وَفِي هَذَا المَعْنَى =(1/602)
الاولةِ، وَلَمْ يصحَّ في حق الوارثِ إلاّ أن يخبرَ الورثةَ فإنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ في المرَضِ وَعَلَيْهِ ديونٌ في الصِّحَّةِ /460 ظ/ صَحَّ إقرارُهُ بِهِ وَلَمْ يُحاصّ غُرمَاءُ الصحةِ.
وَقَالَ أبو الحَسَنِ التَّميمي وشيخُنَا: يُحاصِّهمْ (1) كَمَا يُحاصِّهم لوثَبَتَ بِالبينةِ فإنْ قَضَى بَعضُ غُرَمائِهِ دُونَ بَعضٍ فإنْ كَانَ في المالِ وَفَّى لِلجَميعِ صَحَّ، وإنْ لَمْ يَكُنْ وفَّى لَمْ يَصُحَّ، وَكلامُ أحمدَ لا بأسَ أنْ يَقضِيَ بَعضَهُم دُوْنَ بعضٍ مَحْمُوْلٌ عَلَى من وَفَّى وَقَالَ شَيْخُنَا: يَصُحُّ وإنْ لَمْ يَحلف وَفَّى، فإنْ أقرَّ بِديونٍ لِوارِثٍ وأجنَبِي بَطَلَ الإقرارُ في حَقِّ الوارِثِ وَصَحَّ في حَقِّ الأجنَبِي في أحَدِ الوَجْهَيْنِ (2) ويَبطُلُ فِيْهِمَا في الآخَرِ (3)، وأصلُهُما تَفريقُ الصَّفقَةِ فإنْ أقَرَّ المَريضُ لامرَأتِهِ بِمَهرِ المِثلِ أو بِدَينٍ ثُمَّ عَادَ فَتزوَّجَها ومَاتَ فِي مَرَضِهِ لَمْ يَصُحَّ إقرَارُهُ لَهَا. وعُقودُ المَرِيضِ مَعَ وَارِثِهِ بِثَمنِ المِثلِ جَائِزةٌ، ويَحتَملُ أنْ لاَ تَجوزَ، وإقرارُ المَريضِ بِوارِثٍ يَصُحُّ (4)، وعَنهُ أنَّهُ لاَ يَصُحُّ (5) وَإِذَا أقرَّ رَجُلٌ أنَّ فُلانَةً زَوجتُهُ أو أقرَّتِ امرَأةٌ أنَّ فُلاناً زَوجُهَا فَلَمْ يُصدِّقْ المُقَّرُ لَهُ المقِرُ إلا بَعدِ مَوتِهِ وَرِثَهُ وَصَحَّ مِنَ الرَّقِيقِ إنْ كَانَ مَأذوناً لَهُ فِي قَدَرِ مَا أُذِنَ لَهُ وإنْ لَمْ يَكُنْ مَأذوناً يتبع بِهِ بَعْدَ العِتقِ، وَقَدْ حَكَى شَيْخُنَا رِوَايَةً أخرَى أَنَّهُ يَتَعلَّقُ بِرقَبتِهِ (6)، فإنْ أقرَّ العَبدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فِي يَدهِ قطع ولم يسلم المال الذي في يده إلى المَسروقِ مِنهُ إلاَّ أنْ يُقِرَ بِهِ السَّيدِ، فإنْ أقََّر المَولَى الَّذِي عَلَيْهِ بِجِنايةٍ خَطَأَ قَبْلَ إقرَارِهِ وإنْ أقَرَّ عَلَيْهِ بِما يُوجِبُ حَدَّاً وقِصَاصاً لَمْ يُقبلْ إقرَارُهُ عَلَيْهِ فإنْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى عَبْدٍ جِنايَةً تُوجبُ قِصاصاً لَمْ يُقبلْ إقرَارُهُ عَلَيْهِ، فإنْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى عَبْدٍ جِنايَةً تُوجبُ قِصاصاً أو قَذَفهُ ثَبَتَ القِصاصُ والتَّعزِيرِ لِلعَبدِ، وَلَهُ المُطالَبةُ بِذَلِكَ والعَفوُ عنهُ، وَلَيْسَ لِسيدِهِ المُطالَبَةُ بِذَلِكَ وَلاَ العَفوُ عَنْهُ وَإِذَا بَاعَ السَّيدُ عَبدَهُ مِن نَفْسِهِ بِثَمنٍ فِي الذِّمةِ صَحَّ البَيعُ وعُتِقَ فِي الحَالِ وإنْ كَانَ بِمالٍ فِي يَدِهِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ /461و/ فَعَلَى هَذَا لَوْ أقرَّ أَنَّهُ بَاعَ عَبدَهُ مِن نَفْسِهِ بألفٍ وأنكَرَ العبدُ عُتِقَ العَبدُ وإنْ لَمْ
__________
= رِوَايَة أُخْرَى عن ابن منصور. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 82/ب، والمقنع: 354، والهادي 273، والمحرر 2/ 377، والزَّرْكَشِيّ 2/ 539. وهناك رِوَايَة ثالثة: لايقبل مطلقاً كالاقرار لوارث. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 239.
(1) انظر: المقنع: 354، والهادي: 273.
(2) انظر: الهادي: 273، والمحرر 2/ 375، والشرح الكبير 5/ 277.
(3) انظر: المحرر 2/ 375، والشرح الكبير 5/ 277.
(4) انظر: المقنع: 354، والهادي: 273، والكافي 4/ 471، والمحرر 2/ 380، والشرح الكبير 5/ 278.
(5) انظر: المقنع: 354، والهادي: 273، والكافي 4/ 471، والمحرر 2/ 380، والشرح الكبير 5/ 278.
(6) انظر: المحرر 2/ 385.(1/603)
تَلزَمهُ الألفُ، ومَن أقرَّ بِنَسبِ صَغيرٍ أو مجنونٍ مَجْهُوْلِ النَّسبِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وإنْ كَانَ مَيتاً وَرِثهُ، فإنْ جَاءتْ أمُّ الصَغيرِ وَالمجنونِ وادَّعتْ الزَّوجِيةَ بَعْدَ مَوتِ المُقِرِّ لَمْ تَثبُتْ الزَّوجِيةِ، فإنْ أقرَّ بِنسبِ كَبيرٍ لَمْ يَثبتْ حَتَّى يُصدقَهُ فإنْ كَانَ الكَبيرُ مَيتاً فَهلْ يَثبتُ نَسبُهُ يَحتَملُ وَجْهَيْنِ (1). فإنْ أقرَّ مَن عَلَيْهِ وَلاءٌ بأبٍ أو أخٍ يُقبلُ إقرارُهُ. وإنْ أقرَّتِ امرأةٌ لَهَا زَوجٌ بِولدٍ فَهلْ يُقبلُ إقرارُهُ أمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2). وَمَن أقرَّ بأبٍ أو مَوْلَى أعْتَقَهُ وصَدَّقهُ المقِّرُ لَهُ ثَبَتَ إقرارُهُ، ومَن أقرَّ بأخٍ أو عمٍّ فإنْ كَانَ في حَياةِ الأبِ أو الجدِّ لَمْ يَثبُتْ نَسبُهُ مِنهُ بإقرارِهِ، وإنْ كَانَ بَعْدَ موتِهِما، فإنْ كَانَ هُوَ الوارِثُ وجَده صَحَّ إقرارُهُ، وثَبَتَ النَّسبُ ولا يَأخذُ مِن مِيراثِ جَدهِ شَيئاً، ويأخُذُ نِصفُ تَركةَ أبيهِ، وإنْ كَانَ المقِرُّ بَعْضَ الوَرثةِ لَمْ يَثبتِ النسبُ عَلَى الأبِ والجدِّ، وأعطاهُ الفَاضِلُ في يَدِهِ عَن مِيراثِهِ لَوْ صَحَّ نَسبُهُ بَيانهُ لَوْ خَلَّفَ الميتُ ابنينِ فَأقرَّ أحَدُهُمَا بأخٍ وَكذَّبَهُ الآخرُ قُلنا لِلمُقِرِ ادفعْ إليهِ ثُلُثَ ما في يَدِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَّفَ ابنَي ابنٍ فأقرَّ أحَدُهُما بِعمٍ هُوَ ابنُ الجدِّ قُلنا لَهُ ادفعْ إليهِ جَمِيْعَ ما في يَدِكَ وَهُوَ نِصفُ التَّرِكةِ، فإنْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ خَمسةَ بَنينَ فأقرَّ اثنانِ مِنهُمَا بابنٍ سَادسٍ وكذبهُمَا البَاقونَ، فإنْ كَانَ المقِرانِ عَدلِينِ وشَهِدَا بالنَّسبِ ثَبَتَ النَسبُ، واستحقَّ المقِرُّ بِهِ مَعَهُمْ سُدسُ الترِكةِ وإنْ كانَا فاسِقينِ أو عَدلينِ إلا أنَّهمَا لَمْ يَشهَدا بالنسبِ لَمْ يَثبُتْ نَسبُهُ مِنَ الأبِ ولزِمَهُمَا سُدسُ ما في ايديهمَا وهَلْ يثبت نسبهُ من المقر حَتَّى لَوْ لَمْ يَبقَ غَيْرُ المقِرِ ومَاتَ وَرَثةُ المقَّرِ بِهِ ويَحتمل وَجْهَيْنِ (3):
أحدهما يثبت، وَمَن أقرَّ لِوارثٍ في مَرَضِهِ /462 ظ/ فَماتَ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ صَحَّ إقرارُهُ، بَيانُهُ أنْ يُقِرَّ لأخيِهِ بِمَالٍ ثُمَّ يُولَدُ لَهُ ابنٌ ويَموتَ فَيثبتَ المالُ للأخِ وَلَوْ أقرَّ للأخِ ولهُ ابنٌ ثُمَّ مَاتَ الابنُ ومَاتَ بَعدَهُ بَطَلَ إقرارُهُ للأخِ وَعَنْهُ أنَّ الإعتبارَ بِحالِ الإقرارِ، فإنْ أقرَّ لِوارثٍ لَمْ يَصُحَّ، وإنْ مَاتَ وَهُوَ غَيْرُ وارثٍ. وإنْ أقرَّ لِغيرِ وارثٍ صَحَّ وإنْ صَارَ وارِثاً عِنْدَ المَوتِ فإنْ ملَكَ إنسانٌ ابنَ عمِّهِ ثُمَّ مَرِضَ فأقرَّ أنَّه كَانَ أعْتَقَهُ في صِحتِهِ وَهُوَ أقربُ عَصَبَتِهِ صَحَّ العِتقُ وَلَمْ يِرِثهُ، وَإِذَا أقرَّ الورثةُ بِزوجيَّةِ امرأةٍ لمُورثِهِم ثَبتَ لَها الميراثُ وإنْ أقرَّ بَعضُهُم لَزِمَهُ مِن إرثِها بِقدَرِ حِصَّتِهِ إلا أنْ يَثبتَ النكاحُ بِشهادَتِهِم فَيستَحِقَّ جَمِيْعَ الإرثِ وَإِذَا أقرَّ الوَرثةُ بِدَينٍ عَلَى الْمَيِّتِ صَحَّ وَلَزِمَهُم قَضاهُ مِنَ الترِكةِ وإنْ أقرَّ أحدُهُم لَزمهُ بِقِسطِهِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أمةً فأقرَّ بولدٍ مِنْها ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يُبينْ هَلْ أتَتْ بِهِ بِوطءٍ في مُلكِ أو بِزوجِيةٍ أو بِشُبهةٍ في ملكِ غَيرِهِ احتَمَلَ أنْ تَصيرَ أمَّ ولدٍ وتُعتقُ بِموتِهِ
__________
(1) انظر: المقنع: 355.
(2) انظر: الهادي: 273، والمغني 5/ 335.
(3) انظر: الهادي: 274.(1/604)
واحتَملَ أنْ لا تَصِيرَ أمَّ ولدٍ، وَإِذَا تَزوَّجَ مجهولةَ النَسبِ فأولدَهَا ثُمَّ أقرَّتْ بالرقِّ لِرجلٍ لَمْ يَصحَّ إقرَارُها عَلَى نَفسِها في إحدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1) وَعَنْهُ أَنَّهُ يَصحُ إقرارهَا عَلى نَفسِهَا بِالرقِّ ولا تُصدَّقُ في فَسادِ النكاحِ ورَقِّ الأولادِ (2) لَكِنَّهُ إنْ أولدَهَا بَعْدَ إقرارِهَا أولاداً كَانُوا رَقيقاً، فإنْ أقرَّ بِحَملٍ بِمالٍ صَحَّ عَلَى قَوْلِ ابنِ حامدٍ (3) وَقَالَ أبو الحَسَن التَّميمي: لا يَصحُ إلا أنْ يُعزيَهُ إلى إرثٍ أو وصِيةٍ (4). فإنْ القَتهُ مَيتاً بَطَلَ الإقرارُ، وإنْ ألقتْ حياً جَعَلَ لِلحَيِّ، فإنْ ألقتْ [ذكراً وأنثَى كَانَ] (5) بَيْنَهُمَا نِصفانِ عَلَى قَوْل ابنِ حامدٍ، وعلى قَوْل التميمي إنْ أعزاهُ إلى إرثٍ كَانَ لِلذَّكرِ مِثْلَ حَظِ الأُنثَيينِ، وإنْ أعزاهُ إلى وَصيةٍ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصفينِ ومَن أقرَّ أنَّ امرأتهُ أخُتَهُ مِن الرضاعَةِ قَبْلَ قَولِهِ في فَسخِ النكاحِ وَلَمْ يُقبلْ إقرارُهُ في إسقاطِ المَهرِ، وإنْ أقرَّتِ المرأةُ أنَّ /463 و/ الزَّوجَ أخوهَا مِنَ الرَّضَاعِ لَمْ يُقبلْ قَولُهَا في فَسخِ النكاحِ وقُبِلَ قَولُهَا في إسقاطِ المَهرِ، وإنْ أقرَّ لإنسانٍ بِمالٍ في يَدِهِ فَكذَّبَهُ المقرُّ لَهُ بَطَلَ إقرارُهُ ومَا حُكمُ المالِ؟ يَحتِملُ وَجْهَيْنِ: أحدِهِما: يُقرُّ في يَدِهِ (6)، والثَّانِي: يأخُذُهُ الإِمَامُ إلى بَيتِ المالِ (7) وَإِذَا أقرَّ لِعَبدِهِ بِمالٍ صَحَّ وَكَانَ لِسيدِهِ. وإنْ أقرَّ لِبهيمَةٍ لَمْ تَكُنْ لِمالِكها، فإنْ أقرَّ عَربِيٌ بِالعُجميةِ، أو عَجميٌ بِالعَربِيةِ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أعرفْ مَعْنَى مَا قُلْتُ فَالقَولُ قَولُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فإنِ ادعَى عَلَيْهِ ألفاً فَقَالَ: أنا أقرُّ أو لا أنكرُ أو يَجوزُ أنْ يَكُونَ مُحِقَّاً أو عَسَى أنْ يَكُونَ أو لَعَلَّ أو أظنُّ أو أحسَبُ أو أقدِّرُ لَمْ يَكُنْ مَقراً بِجميعِ ذَلِكَ، فإنْ قَالَ: أنا مُقِرٌ احتَملَ وَجْهَيْنِ:
أحدِهِما: يَكُونُ مُقِراً بِالدَّعوى (8). والثَّاني: لا يَكونُ مُقراً (9). فإنْ قَالَ: أنا مُقِرٌ بِدعواكَ أو قَالَ: نَعمْ أو قَالَ: أجلْ أو صَدَقتَ كَانَ مُقِراً، فإنْ قَالَ: خُذْ أو اتَّزِنْ أو احرِزْ أو افتَحْ كُمَكَ لَمْ يَكُنْ مُقِراً. فإنْ قَالَ: خُذهَا واتَّزنها واقبِضهَا واحرِزهَا فهلْ يَكُونُ مُقِراً؟ يَحتَملُ وَجْهَيْنِ (10). وَكَذَلِكَ الحُكمُ إذَا قَالَ وَهِيَ صِحَاحٌ. فإنْ قَالَ: لَهُ ألفٌ في عِلمي
__________
(1) انظر: المقنع: 355، والشرح الكبير 5/ 282.
(2) انظر: المقنع: 355، والشرح الكبير 2/ 282.
(3) انظر: المقنع: 355، والهادي: 274، والمغني: 5/ 276.
(4) انظر: المقنع: 355، والهادي: 274، والمغني: 5/ 276.
(5) زيادة منا ليستقيم بِهَا السياق، انظر: الهادي: 274.
(6) انظر: الهادي: 274، والمحرر 2/ 392، والشرح الكبير 5/ 293.
(7) انظر: الهادي: 274، والمحرر 2/ 392.
(8) انظر المقنع: 356، والهادي: 274، والمحرر 2/ 418، والشرح الكبير 5/ 294 - 295.
(9) انظر المقنع: 356، والهادي: 274، والمحرر 2/ 418، والشرح الكبير 5/ 294 - 295.
(10) انظر الهادي: 274، والشرح الكبير 5/ 294 - 295.(1/605)
أو فِيْمَا أعلمُ أو لَهُ عَلِيَّ ألفٌ إنْ شَاءَ اللهُ كَانَ إقرَاراً، فإنْ قَالَ: أقضِي ألفاً دَينِي عَلَيْكَ فَقَالَ: نَعمْ، فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ ألفٌ إنْ قَدِمَ فُلاَنٌ لَمْ يَكُنْ مُقِراً. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: لَكَ عَلِيَّ مِئةٌ إنْ شَهِدَ بِهَا فُلاَنٌ وفلانٌ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ شَهِدَ عَلِيَّ فُلاَنٌ وفلانٌ بِكذا صَدَّقتُهما لَمْ يَكُنْ مُقراً، فإنْ قَالَ: إنْ شَهِدَ عَلِيَّ فُلاَنٌ بِدينارٍ فَهُوَ صادِقٌ فَهلْ يَكُونُ إقراراً؟ يَحتَملُ وَجْهَيْنِ (1).
بَابُ الحُكمِ فِيْمَا إذَا وَصَلَ بإقرارِ ما يَسقُطُ جَميعُهُ أو بَعضُهُ
إذَا وَصَلَ بإقرارهِ ما يَنقضُهُ بأنْ يَقُولَ: لَهُ عَلِيَّ ألفٌ لا تلزمُني أو قَبِضَها أو استَوفَاهَا أو لَهُ عَلِيَّ ألفٌ إلاَّ ألفٌ فَإنهُ تَلزمُهُ الألفُ وَلاَ يلتفتُ إلى مَا وصَلَهُ بإقرارِهِ فإنْ كَانَ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ ألفٌ وقضَيتُهُ إياهَا أوِ استوفَاهَا أو كَانَ لَهُ عَلِيّ مئة قبض مِنْها خمسين /464 ظ/ أخَذَ بِما أقرَّ بِهِ وَلَمْ يُقبلْ مَا ادَّعاهُ إلاَّ بِبينةٍ؛ فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَينة فَلَهُ عَلَى خَصمِهِ اليَمينُ فِي رِوَايَة ذَكرهَا ابنُ أَبِي مُوسَى فِي " الإرشَادِ " (2). وَقَالَ الخِرقِيُّ: القَوْلُ قَوْلُ المقرِ مَعَ يَمينِهِ واختَارَهُ شَيْخُنَا (3) فإنْ قَالَ: لَهُ عَلَيّ ألفٌ مؤجَّلَةٌ لَزِمهُ مَا أقرَّ بِهِ مُؤجَلاً، وَيَحتملُ أنْ تلزمَهُ الألفُ فِي الحَالِ إذَا عُدِمَتِ البَينَةُ وَعَلَى المُدَّعِي اليَمينُ أنَّها حَالةٌ غَيْرُ مُؤجلَّةٍ، فإنْ أقَرَّ بِعَدَدٍ واستثنَى أكثَرَهُ نَحْوُ أنْ يَقُول: لَهُ عَلَيَّ مِئةُ دِرهمٍ إلا سِتينَ لَمْ يَصُحَّ استثناءُ الأكثَرِ وَلزمَهُ المِئَةُ، فَإنِ استثنَى النِّصفَ صَحَّ عَلَى قَوْلِ الخِرقِيِّ (4)، وَلَمْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أبي بَكرٍ (5) فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِئةُ دِرهَمٍ إلا أربَعينَ إلاَّ عِشرِينَ لَزِمَهُ عَلَى قَوْلِ الخِرقِي ثَمانُونَ؛ لأنَّ الإستثناءَ مِنَ الإثباتِ نَفيٌ، ومِنَ النَّفِيِ اثباتٌ فَقَدْ نَفَى مِنَ المِئَةِ أربَعِينَ ثُمَّ أثبَتَ مِنَ الأربعينَ عِشرِينَ ويَصُحُّ استِثناءُ العِشرينَ مِنَ الأربَعينَ عَلَى قَوْلِ الخِرقِيِّ فَيَضُمُّ إلى الستينَ فَتَصيرُ ثَمانونَ، ولا يَصحُّ استثناؤُها عَلَى قَوْلِ أبي بَكْرٍ فَينفِي استِثناءَ الأربعينَ مِنَ المِئةِ فيَلزمُهُ ستونَ عِندَهُ، فإنْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ عَشرةٌ إلا خمسة إلاَّ ثَلاثة إلاَّ دِرهَمينِ إلاَّ
__________
(1) انظر الهادي: 274، والشرح الكبير 5/ 297.
(2) وحكى ابن أَبِي موسى في هذِهِ المسألة رِوَايَتَيْنِ إحداهما: أن هَذَا لَيْسَ بإقرار. واختارها الْقَاضِي وَقَالَ لَمْ أجد عن أَحْمَد رِوَايَة بغير هَذَا.
والثانية: أنه مقر بالحق مدع لقضائه فعليه البينة بالقضاء وإلا حلف غريمه وأخذه.
انظر المقنع: 356، والشرح الكبير 5/ 299.
(3) انظر: المقنع: 356، والشرح الكبير 5/ 299.
(4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 82/أ، والمغني 5/ 304، والشرح الكبير 5/ 304.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 82/أ، والمغني 5/ 304، والشرح الكبير 5/ 304.(1/606)
دِرهَم فَيَجيءُ عَلَى قَوْل الخِرَقي أنْ يَلزمَهُ ستةٌ، ويحتملُ قَوْلُ أبي بكرٍ أنْ يَلزمَهُ عشَرةٌ ويحتملُ أنْ يَلزمهُ ثَمانيةٌ واللهُ أَعْلَمُ. ولا يَصُحُّ الاستثناءُ منْ غَيْرِ الجِنسِ نَصَّ عَلَيْهِ إمامُنا في رِوَايَةِ ابنِ مَنصورٍ إذَ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ مِئةُ دِينارٍ إلاَّ قِرشاً إلا ثَوباً فَهُوَ مُحالٌ مِنَ الكلامِ يُؤخَذُ بِالمِئةِ، فإنِ استثنى عَيناً مِنْ وَرِقٍ أو وَرِقاً مِنْ عَينٍ لَمْ يَصحَّ أيضاً وَهُوَ اختيارُ أَبِي بكرٍ. وقَالَ الخِرقِي: يَصُحُّ فَعَلَى قَولِهِ إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيّ ألفُ دِرهَمٍ إلاَّ عَشَرةَ دَنانِيرَ ثُمَّ فَسَّرَ قِيمةَ الدَّنانِيرِ بِالنِّصفِ فَما دُوْنَ مِنَ الدَّراهمِ قُبلَ مِنهُ وإنْ فَسَّرَ بِأكثَرَ مِنَ النِّصفِ لَمْ يُقبلْ، ومتى يَثبتُ هَذَا مَذهَباً لأحمدَ (1) فاستِثناءُ الثَّوبِ مِنَ الدَّراهِمِ جَائزٌ عَلَى هَذَا التَّقدِير إِذْ لا فَرقَ بَيْنَهُمَا.
فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيّ هَؤُلاَءِ العَبيدُ إلاَّ عَشْرَةَ إلا واحِداً /465 و/ لَزِمَهُ تَسليمُ العَشرَةِ وإنْ هَلكوا إلا واحِداً فَذَكر أَنَّهُ المُستثنَى فَهلْ يُقبلُ مِنْهُ؟ يحتملُ وَجْهَيْنِ (2).
فإنْ قَالَ: لَهُ هذِهِ الدارُ إلاّ هَذَا البيتِ أو هذِهِ الدارُ لَهُ وهَذا البيتُ لِي قُبِلَ مِنْهُ، فإنْ قَالَ: لَهُ نِصفُ هذِهِ الدارُ لَزِمَهُ الإقرارُ فإنْ قَالَ: لَهُ نِصفُ دَاري هذِهِ فَهُوَ هِبةٌ يُعتَبَرُ فِيْهَا شُروطُ الهِبةِ، فإنْ قَالَ: لَهُ هذِهِ الدارُ عاريةً فَلَهُ الرُّجوعُ متى شاءَ فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ ألفٌ مِن ثَمرةٍ تبع لَمْ أقبضْهُ فَقَالَ: المدَّعِي بَلْ لي الألفُ دَينٌ فِي ذِمتكَ فَهلْ تَلزمُهُ الألفُ تَخرج عَلَى وَجْهَيْنِ (3)، فإنْ قَالَ لَهُ عَلِيّ ألفُ دِرهَمٍ وَهُوَ فِي بلدٍ أوزانُهُم ناقِصَةٌ كطبريّةَ الشامِ فِي دِرهَمَهُم أربعةَ دَوانيقَ فَهلْ يلزمُهُ مِن دَراهِمِ البَلدِ أو يَلزمَهُ الألفُ وأرشَهُ؟ يَحتمِلُ وَجْهَيْنِ (4). فإنْ قَالَ لَهُ عَلِيَّ ألفٌ ناقِصَةٌ لَزِمَهُ مِن دَراهِمِ البَلدِ وَجهاً واحِداً، فإنْ قَالَ: لَهُ ألفُ زيوفٌ فإنْ فَسَّرها بِما لا فِضَّة فِيْهَا لَمْ يُقبلْ، وإنْ فسَّرَهَا بِمَغشوشَةٍ قُبِلَ، وإنْ قَالَ: لَهُ عِندي ألفٌ وفسَّرها بِدَينٍ أو وَدِيعةٍ قُبلَ مِنْهُ، وإنْ قَالَ لَهُ عَلِيَّ ألفٌ أو في ذِمَّتي ألفٌ وفَسرَها بِوَدِيعةٍ لَمْ يُقبلْ، وإنْ قَالَ: لَهُ عِندِي هَذَا العَبدُ رَهنٌ فَقَالَ المَالِكُ بَلْ وديعةٌ فالقَولُ قَولُ المَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ، وإنْ قَالَ: لَهُ في مِيراثِ أَبِي ألفُ درهمٍ فَهُوَ دَينٌ عَلَى التَّرِكَةِ، وإنْ قَالَ: لَهُ في مِيراثٍ مِن أبي ألفٌ ثُمَّ قَالَ: أردتُ هبةً وَبَدا لي مِن تَقبيضِهِ قُبلَ مِنهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَهُ في هَذَا المالِ ألفٌ لَزِمَهُ تَسلِيمُها، وإنْ قَالَ: لَهُ مِن مَالي أو في مَالي ألفٌ وفسَّرها بالهِبةِ قُبِلَ، وإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ ألفُ درهمٍ مِنْ ثَمنِ خَمرٍ أو تَكفَّلتُ بِما لَكَ عَلَى فُلانٍ عَلَى أنِّي بِالخِيارِ لِزمهُ الألفُ وَمَا عَلَى فُلانٍ وَلَمْ يُقبَلْ دَعوَاهُ فَإنْ قَالَ
__________
(1) انظر: المقنع: 357.
(2) انظر: المقنع: 357، والشرح الكبير 5/ 304.
(3) انظر: الهادي: 275، والشرح الكبير 5/ 317.
(4) انظر: الهادي: 275، والشرح الكبير 5/ 313.(1/607)
غَصبتُ هَذا العَبدَ مِنْ زَيدٍ لا بلْ مِنْ عَمرٍو لَزِمَهُ تَسلِيمُهُ إلى زَيدٍ يغرمُ لعمروٍ قِيمتَهُ، فإنْ قَالَ: غَصبتهُ مِن أحدِ هَذينِ الرَّجُلينِ طُولِبَ بِالتَّعيينِ فإنْ عَينَ أحدَهُما لَزِمَه أنْ يَحلفَ لِلآخَرِ فإنْ قَالَ: هذِهِ الدارُ مَلَّكتُها لِزَيدٍ وَغَصَبتُها مِنْ عَمْرٍو فَعَليهِ تَسليمُها إلى عمروٍ وَيَغرمُ قيمَتَها /466 ظ/ لِزيدٍ، فإنْ قَالَ: لَهُ عِندِي تَمرٌ في جِرابٍ أو سَيفٌ في قِرابٍ أو ثَوبٌ في مِندِيلٍ فَهُو إقرارٌ بِالمظروفِ دُوْنَ الظَّرفِ ذَكَرهُ ابنُ حَامدٍ (1). وَيحتملُ أنْ يَكُونَ إقِراراً بِهِما فإنْ قَالَ: لَهُ عِندِي عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمامَةٌ، أو دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرجٌ احتَمَلَ أنْ لا تَلزمَهُ والسَّرجُ واحتَملَ أنْ يلزمَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا قَالَ في مَرَضِهِ: هذِهِ ألفٌ لُقطَةً فَتَصدَّقوا بِهَا ولا مَالَ لَهُ غَيرُها ثُمَّ مَاتَ لَزِمَ الوَرَثةَ أنْ يَتَصدَّقوا بِثُلثِهِا سَوَاءٌ صَدَّقوهُ أو كذَّبوهُ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: يَلزَمُهُم أنْ يَتَصدَّقوا بِجَميعِها فَإنْ مَاتَ أبوهُ وَخَلَّفَ ألفاً فأدَّعاها رَجُلٌ فأقرَّ بِها لَهُ ثُمَّ جَاءَ آخرُ فأدَّعَاهَا فأقرَّ لَهُ بِهَا فَهِيَ لِلأولِ وَيَلزَمُهُ مِثلُها لِلثانِي فإنْ ادَّعَياهَا معاً فأقرَّ بِها لأحدِهِما فَهِيَ لَهُ وإنْ أقرَّ لَهُمَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا بالتَّسويَةِ فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ ألفُ دِرهَمٍ إذَا جَاءَ رَأسُ الشَّهرِ كَانَ إقراراً بِالألِفِ، وإنْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأسُ الشَّهرِ فلَهُ عَلِيَّ ألفٌ احتَملَ وَجْهَيْنِ:
أحدِهِما: يَكُونُ إقراراً، والثَّاني لا يَكُونُ إقرَاراً وَهُوَ الأصحُّ (2).
بَابُ الإقرارِ بِالمُجمَلِ
إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ شيء قِيلَ لَهُ فَسَّرهُ وإنْ أبى حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ فإنْ مَاتَ أَخذَ وارِثُهُ بِمِثلِ ذَلِكَ فإنْ فَسَّرهُ بِشيءٍ مِنَ المَالِ وإنْ قَلَّ قُبِلَ فإنْ فَسَّرَهُ بِقِشرِ لَوزَةٍ أو جَوزةٍ أو بِميتةٍ أو خِنْزِيرٍ أو خَمرٍ لَمْ يُقبلْ وإنْ فسرَهُ بِكلبٍ أو حَدِ قَذفٍ فَهلْ يُقبلُ يَحتملُ وَجهَينِ (3). وإنْ فَسَّرهُ بِحقِّ شُفعَةٍ قُبِلَ، فإنْ قَالَ: غَصَبتَ مِنْهُ شَيئاً ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَفسِهِ (4) أو وَلَدِهِ لَمْ يُقبلْ فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ مَالٌ عَظيمٌ أو خَطيرٌ أو كَثيرٌ أو جَليلٌ قُبِلَ تَفسِيرهُ بِالكَثيرِ وَالقَليلِ فإنْ أقرَّ بِدراهِمَ كثَيرةٌ قُبِلَ تَفسيرُهُ بِثَلاثةِ دَراهِمَ فَصاعِداً، فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ ما بَينَ الدِّرهَمِ وَالعَشرَةِ لَزِمَهُ تِسعَةٌ في أحدِ الوجهينِ (5)، وَعَشرةٌ في الآخرِ (6).
__________
(1) انظر: الكافي 4/ 581 - 582.
(2) انظر: الهادي: 275، والكافي 4/ 575 - 576.
(3) انظر: المقنع: 359، والمغني 5/ 314، والشرح الكبير 5/ 338.
(4) وردت في الأصل ((قال نفسه)) والصواب ما أثبتناه. انظر: المقنع: 395.
(5) انظر: الشرح الكبير 5/ 349.
(6) وإن قَالَ عَلِيَّ مابين درهم وعشرة لزمه ثَمَانِيَة؛ لأن ذَلِكَ مابينهما وإن قَالَ درهم إلى عَشْرَة ففيه ثلاثة أوجه أحدها: يلزمه تسعة، والثاني ثَمَانِيَة، والثالث: عَشْرَة.
انظر: الشرح الكبير 5/ 349.(1/608)
فإنْ أقرَّ بألفٍ في وَقتٍ وبِألفٍ في وَقتٍ آخرَ لَزِمَهُ ألفٌ وَاحِدَة فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ مِئةٌ مِن ثَمنِ فَرسٍ ثُمَّ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ مِئةٌ مِن ثَمنِ عَبْدٍ لَزِمَهُ مِئتانِ، فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ دِرهَمٌ فَوْقَ دِرهَمٍ أو دِرهَمٌ تَحْتَ دِرهَمٍ أو دِرهَمٌ قَبلَهُ دِرهَمٍ أو بَعدَهُ دِرهَمٍ أو مَعَهُ دِرهَمٍ أو دِرهَمٌ بَلْ دِرهَمانِ أو دِرهَمٌ وَدِرهَمٌ لَزِمَهُ /467 و/ في جَمِيْعِ ذَلِكَ دِرهَمانِ. فإنْ قَالَ: لَكَ عَلِيَّ دِرهَمٌ بَلْ دِرهَمٌ فَقَالَ أبو بَكْرٍ فِيْهَا قَولانِ:
أحدُهُما: يَلزَمُهُ دِرهَمانِ، والآخَرُ: أَنَّهُ يلزمُهُ دِرهَمٌ (1)، فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ دِرهَمانِ بَلْ دِرهَمٌ لَزِمَهُ دِرهَمانِ فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ هَذَا الدِرهَمُ بَلْ هَذانِ الدِّرهَمانِ لَزِمَهُ الدَّراهِمَ الثَّلاثَةُ الَّتِي أشَارَ إليها، وإنْ قَالَ: لَهُ قَفيزُ حِنطةٍ لا بَلْ قَفيزَا شَعِيرٍ لَزِمَاهُ مَعاً فإنْ قَالَ: لَهُ عَليَّ دِرهَمٌ بَلْ دِينَارٌ لَزِمَهُ دِرهَمٌ ودِينارٌ، فإنْ قَالَ: دِرهَمٌ أو دِينَارٌ لَزِمَهُ أحدُهُما ورَجَعَ إلى تَعيِينِهِ، فإنْ قَالَ: لَهُ دِرهَمٌ في دِينَارٍ لَزِمَهُ دِرهَمٌ، فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ دِرهَمٌ في عَشْرَةٍ، فإنْ أرَادَ الحِسابَ لَزِمَهُ عَشْرَةٌ وإلاَّ لَزِمَهُ دِرهَمٌ، فإنْ قَالَ: لَهُ عَلِيَّ كَذَا رَجَعَ إلى تَفسِيرِهِ إليهِ، فإنْ قَالَ لَدَيَّ دِرهَمٌ أو لَدَيَّ كَذَا دِرهَمٌ لَزِمَهُ دِرهَمٌ، فإنْ قَالَ: كَذَا لَدَيَّ دِرهَماً فَقَالَ: ابنُ حَامدٍ يَلزَمُهُ دِرهَمٌ (2)، وقَالَ أبو الحَسسنِ التَّميميُّ: يَلزمَهُ دِرهَمانِ (3)، فإنْ قَالَ كَذَا دِرهَمٍ بِالخَفضِ لَزِمَهُ بَعْضُ دَرهَمٍ وَيَرجَعُ في التَّفْسِيْرِ إلَيهِ، فَإِنْ قَالَ: لهُ عَلَي ألفٌ ودرهَمٌ أو أَلفٌ ودينَارٌ، فَقَالَ ابنٌ حَامَدٍ وشيخُنَا يكُونُ الَجمِيعُ مِن جِنسِ المقَرِّ فَيَلزَمهُ ألفُ دِرهَمٍ وَدِرهَمٌ وألفُ دِينارٍ ودِينَارٌ (4) وكَذا إذا قَالَ: ألفٌ وثوبٌ أو أَلفٌ وفَرَسُ.
وَقَالَ أبو الحَسَن التمِيمِيُّ: يَلزَمَهُ الدِرهَمُ والدِّينَارُ وَالثَّوبُ وَالفَرَسُ ويَرجَعُ في تَفسَيرَ الألَفِ إلَيهِ وَهُوَ الأقوَى عِندِي (5). فإنْ قَالَ: لَهُ عَليَّ ألفٌ وخَمسُونَ دِرهمَاً احتَمَلَ عَلَى قَولِ التمِيمِيُّ أن يَلزَمَهُ خَمسُوَنَ دِرهَماً وَيَرجَعُ في تَفسِير الألفِ إلَيهِ واحتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الجميعُ دَرَاهماً لأنّهُ ذكرَ الدراهمَ للإيجابِ ولمْ يذكرهُ للتفسيرِ وَذكرَ الدراهمَ بعدَ الخمسينَ للتفسيرِ ولهَذَا لا يجبُ لأنهُ زيادةٌ على ألفٍ وخمسينَ ووجبَ بقولهِ درهمٌ زيادةً على الألفِ فإنْ قالَ: لهُ عليَّ درهمٌ لكنْ درهمٌ فهوَ بمنزلةٍ بل درهمٌ، فإنْ قالَ: لهُ عليَّ درهمٌ ودرهمٌ إلاّ درهماً لزمهُ درهمانِ، فإنْ قالَ: لهُ عليَّ درهمانِ وثلاثةٌ إلا
__________
(1) انظر: المقنع: 360، والشرح الكبير 5/ 350.
(2) انظر: المقنع: 359.
(3) انظر: المصدر السابق.
(4) انظر: المقنع: 359 - 360، والشرح الكبير 5/ 344 - 345.
(5) انظر: المقنع: 359 - 360، والشرح الكَبِير 5/ 346.(1/609)
درهمينِ احتملَ أنْ يَلزَمَهُ خمسةٌ لأنَّ استثناءَ الدرهمينِ مِنَ الثلاثةِ المعطوفةِ /468 ظ/ لاَ يصحُّ لأنها أكثرُ منْ نصفهِ ويحتمِلُ أنْ يلزَمَهُ ثلاثةٌ لأنَّهُ جمعَ بينَ الدرهمينِ والثلاثةِ بواوِ العطفِ، ثَّم استثنى فصارَ كأنَّهُ قالَ: خمسةٌ إلا درهمينِ، فيلزَمَهُ ثلاثةٌ، وعلَى هَذا فقِسْ أبَداً، فإنْ قالَ: لَهُ فِي هَذا العبدِ شريكٌ أو هُوَ شريكي فِيهِ أو هُوَ شِركَةٌ بيننا رَجعَ في تَفسيرِ نصيبِ الشريكِ إليهِ.
فإنْ ادَّعَى رَجلانِ دَاراً في يَدِ رَجلٍ أنها شِركَةٌ بينهمَا بالسَّويَّةِ فأقرَّ لأحدهمَا بنصفِهَا وَجَحدَ الآخرُ فالنِّصفُ بينَ المُدَّعيَيْنِ بالسَّويِّةِ، فإنْ بَاعَ شَيئَاً وأخذَ الثَّمَنَ ثمَّ أقرَّ أنَّ المبيعَ لغيرهِ لمْ ينفسخَ البيعُ ولزمهُ دفعُ القيمةِ إلى ذلكَ الغيِر فإنْ قالَ: غصبتُ هذهِ العينُ منْ أحدِهمَا ولا أعرفُهُ إنْ صدَّقَاهُ انتُزِعتْ منهُ وكانا فيهَا خصمَينِ وإنْ كذباهُ فالقولُ قولهُ معَ يمينهِ وإنْ أقرَّ بها لأحدهمَا دُفعتْ إليهِ ولم يَغرمْ لآخَرَ شيئَاً وَمنْ وَكَلَ غَيرَهُ أنْ يقرَّ بألفٍ لزيدٍ لَزِمَتْهُ، وإنْ لمْ يقرِّ الوكيلُ، وإنْ أقرَّ أنَّهُ وَهبَ وَقبضَ أو رَهنَ أو قَبضَ الثَّمنَ ثمَّ عَادَ المُقرُّ فقالَ: ما قبضتُ الهبةَ والرهنَ وأريدُ أنْ أفسخَ أو قالَ: أقررتُ بِقبضِ الثمنِ منَ المشتري وَمَا كنتُ قَبضتُ وأنا مُطالبٌ بهِ سألنا المتَّهبَ والمرتهنَ والمشتريَ إنْ صدَّقُوهُ فَلا كلام وإنْ كذَّبوهُ وجحدُوا فسألَ أحلافَهُم فهلْ يحلفونَ مَعَ ثبوتِ إقرارهِ عندَ الحاكمِ إمَا بِسمَاعِ الحُكمِ مِنْهُ أو بينةٌ شَهِدتْ عِنْدَهُ أمْ لا؟ عَلَى روايتينِ (1):
إحداهمَا: لاَ يحلفونَ، والثانيةِ: أنهم يحلفونَ. فإنْ قالَ: لهُ عليَّ أكثرُ منْ مالِ فلانٍ رجعَ إلى تفسيرهِ إليهِ، فإنْ قالَ: أردتُ منْ جنسهِ وقدرهِ ومالِ فلانٍ ألفَ دينارٍ أو درهمٍ قلنَا فسِّرِ الأكثرَ فإِذا فسَّرَ بأكثرِ منهُ بدانقٍ قَبلنَا وإنْ قالَ: أردتُ بهِ أنَّهُ أكثرُ منهُ بقاءً ومنفعةً منَ الحرامِ فالقولُ قولُهُ معَ يمينهِ وسواءٌ فِي ذَلِكَ عَلمَ المقرُّ بمالِ فلانٍ أو جهلهُ أو قامتْ عليهِ بينةٌ أنهُ قالَ: أعلمَ أنَّ مالَ فلانٍ كذَا وَكذَا. فإنْ أقرَّ بخرَاسَانَ أنهُ غصبهُ ببغدادَ مَالاً ممَا ينقَلُ ويحوَّلُ فقالَ المقرُّ لهُ: اعطِني حَقي هَاهنَا فإنْ كانَ ممَا لنقلهِ مؤنةٌ كالطعامِ والإِبرسيمِ وَالقطنِ قلنَا لَهُ إمَّا أنْ تُوَكِّلَ مَنْ يَقبِضهُ ببغدادَ أو تأخُذَ مثلهُ هَاهنَا إنْ كانتِ القيمةُ واحدة وإنْ كانت قيمتهُ بِخُراسانَ أكثرَ قلنَا خُذْ قيمتَهُ هاهنَا مَا يسَاوِي ببغدادَ، وإنْ كانَ ممَّا لا مُؤنَةَ في حملِهِ كالثَّمَانِ لزمَهُ أنْ يسلِّمَ إليهِ مثلهُ وكذلكَ الحكمُ في القرضِ.
__________
(1) انظر: الهادي: 277.(1/610)
كِتَابُ الفَرَائضِ /469 و/
بابُ ما يُبتدئُ بهِ في التَّركَةِ وذكْرِ أقسامِ الورثةِ
إذا مَاتَ الإنسَانُ بَدِئَ بِكفنِهِ وَحَنُوطِهِ ومؤنةِ دَفنِهِ بالمعروفِ مِنْ رأسِ مالهِ وَقُدِّمَ ذلكَ على الدُّيونِ والوَصَايَا والموَاريثِ، ثمَّ تنقضِي ديونهُ منْ بقيةِ المالِ، ثمَّ تنفذُ وصَاياهُ منَ الثلثِ بَعدَ ذلكَ إلاَّ أنْ يُجيزَ الورثةُ فَتُنْفَذَ مِنْ جميعِ البَاقي، ثمَّ يُقسمَ مَا بَقِي بعدَ ذلكَ: علَى وَرَثتِهِ وَهمْ ثلاثَةُ أقسَامٍ:
ذَوُوْ فُروضٍ، وَعصبةٍ، وَذوْ رَحمٍ ليسَ بِذيْ فرضٍ ولا عَصَبةٍ. فأمَّا ذَوُوْ الفُروضِ فَعشرةٌ: الزَّوْجَانِ، وَالبِنْتُ، وَبنتُ الابْنِ، وَالأَبَوَانِ، وَالجَدُّ، وَالجدَّةُ، وَالأختُ مِنْ كلِّ جهةٍ، والأخُ مِنَ الأمِّ.
وأمَّا العَصَبَةُ فَعَشْرَةٌ أيضَاً: الابنُ، وابْنُ الابنِ وإنْ نَزلَ، والأبُ، وَالجدُّ أبو الأبِ وإنْ عَلا، والأخُ مِن ولدِ الأبِ وابنُهُ، والعمُّ مِنْ وَلدِ الجدِّ وابنهُ، والمولى والمولاة ُ المُعْتَقَانِ وهَؤلاءِ الذينَ اتفقَ العُلَماءُ على تَوريثهمْ وهمْ خمسةَ عشرَ ذَكرَاً (1)، وَعشْرُ إنَاثٍ (2) فالذكورُ: الابنُ، وابنُ الابنِ، والأبُ، والجدُّ، والأخُ منَ الأبوينِ وابنهُ، والأخُ منَ الأبِ وابنهُ، والأخُ منَ الأمِّ، والعمُّ منَ الأبوينِ وابنهُ، والعمُّ منَ الأبِ وابنهُ، والزوجُ، وَمَولَى النعمةِ.
والإناثُ: البِنتُ، وبنتُ الابنِ، والأمُّ، والجدةُ مِنَ الأمِّ، والجدَّةُ مِنَ الأبِ، والأختُ منَ الأبوينِ، والأختُ منَ الأبِ، والأختُ منَ الأمِّ، والزوجةُ، ومولاةُ النعمةِ وهي المعتقةُ. وأمَّا ذووْ الرحمِ فعشرةُ أحْيَازٍ (3) ولدُ البنَاتِ وولدُ الأخواتِ، وبناتُ الأخوةِ، وبناتُ الأعمامِ، والعمُ منَ الأمِّ وهوَ أخُ الأبِ لأمِّهِ، والعمَّاتُ الأخواتُ والخالاتُ، والجدُّ أبو الأمِّ، وَكلُّ جدَّةٍ أدلتْ بأبٍ بينَ أمَّينِ أو بأبٍ أعلا منَ الجدِّ (4) وَولدُ الأخوةِ منَ الأمِّ.
__________
(1) ذكر صاحب المحرر أن المتفق على توريثهم من الذكور عشرة.
انظر: المحرر1/ 394، وانظر: المقنع: 180، والشرح الكَبِير 7/ 4.
(2) وكذلك ذكره صاحب المحرر أن المتفق عليهن من النساء سبعٌ.
انظر: المحرر 1/ 394، والمقنع: 180، والشرح الكَبِير 7/ 4.
(3) زاد ابن قدامة في عدد الذين يرثون من ذوي الأرحام فذكرهم بأحد عشر حيزا. 7/ 82، وانظر:
المقنع: 188.
(4) انظر: "الإنصاف" 7/ 323.(1/611)
بَابُ الفُرُوضِ
الفُرُوضُ المحدُودةُ في كِتَابِ اللهِ وتسميةِ مستحقيهَا
الفُروضُ المحدودةُ في القرآنِ ستةٌ:
النصفُ، والربْعُ، وَالثمنُ، والثلثانِ، والثلثُ، والسدسُ.
فَمُستحقُ النِّصفِ خمسةٌ: البنتُ إذا انفردتْ وبنتُ الابنِ إذا لم يكنْ للميتِ بنتٌ، والأختُ منَ الأبوينِ إذالم يكنْ أخٌ لأبوينِ، والأختُ منَ الأبِ إذا لم يَكنْ أختٌ لأبوينِ، والزوجُ إذا لم يكنْ للميتةِ ولدٌ ولا ولدُ ابنٍ.
وَمُستَحِقُ الربْعِ اثنانِ: الزوجُ مَعَ الولدِ أو وَلَدِ الابنِ، والزوجةُ والزوجاتُ مَعَ عَدَمهمَا /470ظ/.
وَمُستحِقُ الثمنِ: الزَّوجةُ والزوجاتُ مَعَ الوَلَدِ وَوَلدِ الابنِ.
وَمُستحِقُ الثُّلثينِ أربعةٌ: كلُّ اثنينِ فصَاعِدَاً مِنَ البناتِ وبناتِ الابنِ، والأخواتُ مِنَ الأبوينِ، والأخواتُ مِنَ الأبِ.
وَمُستحِقُ الثلثِ اثنانِ: الأمُّ إذَا لمْ يكنْ للميتِ وَلدٌ وَلا وَلدُ ابنٍ وَلا اثنانِ مِنَ الأخوةِ والأخواتِ، إلا في مَسألتينِ وَهمَا:
زوجٌ وأبوانِ، وزوجةٌ وأبوَانِ، فإنَّ للأمِّ ثلثَ الباقي بَعدَ فرضِ الزوجِ والزوجةِ فيهما (1)، والاثنانِ فصَاعداً مِنْ ولدِ الأمِّ ذكرهمْ وانثاهمْ فيهِ سواءٌ.
وَمُستحِقُ السدسِ سبعةٌ: الأبوانِ، والجدُّ إذا كانَ للميتِ ولدٌ أو ولدُ ابنٍ، والأمُّ أيضاً معَ كلِّ اثنينِ فصَاعداً مِنَ الأخوةِ والأخواتِ والجدَّةِ والجدَّاتِ، والواحدُ منْ ولدِ الأمِّ، وبناتُ الابنِ مَعَ بنتِ الصّلبِ والأخواتُ مِنَ الأبِ معَ الأختِ منَ الأبوينِ. فأمَّا العَصَبَاتُ: فلا فرضَ لهمْ بلْ يستحقونَ جميعَ المالِ إذا انفردُوْا وباقيهِ بعدَ الفروضِ، فإنْ استغرقتِ الفروضُ المالَ سقطوْا، وهذا البابُ يشتملُ على الحجبِ عنْ بعضِ الفروضِ، فأمَّا الحجبُ عنْ جميعِ الفروضِ فيسمى حَجَبَ الإِسقاط ونذكرُهُ بعدَ هَذَا إنْ شاءَ اللهُ تعالَى.
بَابُ حَجْبِ الإِسقَاطِ
يَسقطُ الأجدادُ بالأبِ، والجداتُ بِالأمِّ، وَولدُ الابنِ بالابنِ، ويسقطُ الأخوة والأخواتُ مِنَ الأبوينِ بثلاثةٍ: بالابنِ، وابْنِ الابنِ وإنْ نزلَ، وبالأبِ. ويسقطُ الأخوةُ
__________
(1) انظر: " المغني " 7/ 20، و"شرح الزركشي" 3/ 14.(1/612)
والأخواتُ منَ الأبِ بهؤلاءِ الثلاثةِ، وبالأخِ مِنَ الأبوينِ. ويسقطُ ولدُ الأمِّ بالولدِ وولدِ الابنِ، ذَكَرَاً كَانَ أو أنثىَ وبالأبِ والجدِّ. وإذا استكمَلَ البنَاتُ الثلثَينِ سَقَطنَ بنَاتُ الابنِ إلاّأن يكُونَ بازائِهِنَّ أو أُنزلَ منهُنَّ ذَكَرٌ من بِني الابنِ. فَيعصِبهُنَّ فَيكُونَ البَاقِي بَينَهُ وبينهُنَّ للذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ. وإذا استكمَلَ الأخوَاتُ مِنَ الأبَوَينِ الثُّلثينِ سَقَطَ الأخَوَاتُ مِنَ الأبِ، إلا أن يَكُونَ معَهُنَّ أخٌ من أبٍ فَيَعَصبهُنَّ، فيكون البَاقِي بينَهُ وَبَينهُنَّ، لِلذَّكرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثيَينِ.
بابُ ذكرِ أقرَبِ العصَبَاتِ
اعلَم أنَّ أقرَبَ العَصَباتِ يُسقِطُ من بعدَ مِنهُم، فَلِذا يحتاَجُ إلى مَعرِفةِ الأقربِ مِنهُم، وأقرَبُهُم إلى الميتِ بنوُهُ، ثم بنوُهُم وإن نَزلُوا، ثم أبوه ولَهُ ثلاثةُ أحوالٍ:
حَالَةٌ ينفردُ بالفرضِ وهي مَعَ الابنِ وابنِ الابنِ، وحالةٌ ينفردُ بالعصِيبِ /471و/ وهي مع عَدَمِ الوُلدِ وولدِ الابنِ، وحالةٌ يجتمِعُ لهُ الفَرضُ والتَّعصِيبُ وهي مع البناتِ وبناتِ الابنِ، ثم الجدِّ، وأحوالُهُ كأحوالِ الأبِ، إلا مع الأُخوَةِ والأخواتِ، فإنَّهُم يرثُونَ مَعَهُ على ما نذكُرُه في بابهِ إن شاء الله تعالى، ثم بنُو أبيهِ وهم أخوتهُ، ثم بنوُهُم وإن نزلوا، ثم بنُو جدِّه وهُم أعمَامُ أبيهِ، ثمَّ بنُوهُم وإن نزَلُوا، ثم بَنُو جدِّ جدِّه وهم أعمَامُ جدِّهِ، ثم بَنُوهُم وإن نَزَلُوا، ثمَّ على هذا التَّرتِيبِ أبَدَاً كُلَّما انقَرَضَ بنو أبٍ فلمَ يبقَ منهُم أحدٌ ورِثَ الأبُ الذِي هو أعلَى مِنهُ، ثم بنوُهُ. ومتى استَوَى شخصَانِ في القربِ فأولاهُم من كانَ [لأبوينِ] (1). والبنُونَ وبنُوهُم والأخوةُ إذا كانُوا من أبٍ يعصِبُونَ أخَوَاتهم، فيكونُ المَالُ أو ما بقِيَ منهُ بعدَ الفرضِ بينهُم وبين أخواتِهِم للذكرِ مِثلُ حَظِّ الأنثيينِ، وبقِيةُ العَصَبَاتِ ينفرِدُ ذُكُورهُم بِالمِيراثِ كالأجدادِ وبِني الأخوة والأعمَامِ وَبنيهِم، والأخوَاتِ إذا كانُوا من ولدِ أبِ الميتِ مع البناتِ وبناتُ الابنِ عصَبَةٌ يأخُذُونَ ما بقيَ، ومَتَى كان بعضُ بنِي الأعمَام زوجَاً أو أخاً لأمِّ انفَرَدَ بفرضِهِ، ثم شَارَكَ العصَبَةَ في تعصيبِهِم، وَيَسقُطُ ولدُ الأبوينِ إذا كانُوا عصبةً واستغَرقَتِ الفروضُ المالَ، ولا يشاركُونَ ولدَ الأمِّ في فرضِهِم وأربَعَةُ ذكورٍ يرثن نِسَاءً ولا يرثنهُمُ النساءُ بفرضٍ ولا تعصِيبٍ، ابنُ الأخ يرِثُ عمتهُ ولا ترثُهُ، والعمُّ يرثُ بِنتَ أخيهِ ولا ترثُهُ، وابنُ العمِّ يَرثُ بنتَ عمهِ ولا ترثُهُ، والمولَى يَرثُ عتيقهُ ولا يرثُهُ، وامرأتَانِ يرِثانِ ذكَرينِ ولا يرِثهمَا الذكرَانِ، ترثُ عتِيقَهَا ولا يرثُهَا، ومتى لم يَبقَ مِن عصَبَةِ النسَبِ أحدٌ ورِثَ المولَى المعتقُ وعصَبَاتِهِ بعدهُ على نحوِ ترتِيبِ عَصَبَاتِ الميِّتِ.
__________
(1) ما بين المعكوفتين ورد هكذا في "المقنع": 184، و"الهادي": 280 أما في الأصل ((ولأم)).(1/613)
بَابُ أصُولِ مسَائِل الصُّلبِ
أصُولُ مَسائِل الصُّلبِ سَبعَة، أربَعَةٌ لا تعُولُ وثلاثة تعُولُ، فإذا كَانَ في /472ظ/ المسأَلَةِ نصفٌ ونصفٌ أو نصفٌ وَمَا بقي فأصلُهَا من اثنينِ، وإذا كانَ فيها ثُلُثٌ وثُلُثانِ أو ثُلُثٌ وما بقيَ، أو ثُلُثَانِ وما بقيَ فأصلُهَا من ثلاثةٍ. وإذا كان فيها ربعٌ ونصفٌ وما بقيَ. أو ربعٌ وما بقِيَ فأصلُهَا من أربعةٍ. وإذا كان فِيهَا ثمُنٌ وما بقي، أو ثمُنٌ ونصفٌ وماَ بقيَ فأصلُهَا من ثُمُنهٍ فهذهِ الأربعةُ التي لا تعُولُ، إذا كَانَ في المسألةِ سُدُسٌ وما بقيَ، أو سُدُسٌ ونصفٌ وما بقيَ أو نصفٌ وثلُثٌ أو نصفٌ وثُلُثَانِ فأصلُهَا من سِتةٍ، فإذا اجتَمَعَتْ فِيهَا الفُرُوضُ غَالِبٌ إلى سَبعَةٍ وثمانيةٍ وتسعةٍ وعشرةٍ ولا تعُول إلى أكثرِ من ذلِكَ، وإذا كان في الفريضةِ ربعٌ وكَانَ مَعَهُ غيُر النِّصفِ فأصلُهَا من اثنَى عَشَرَ وتعُولُ إلى أكثَرِ من ذَلِكَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وخَمْسَةَ عَشَرَ وسَبْعَةَ، ولا تعُولُ إلى أكثَرِ من ذَلِكَ، وإذا كان في الفَريضَةِ ثُمُنٌ وكَانَ معه غيرُ النِّصفِ فأصلُهَا مِن أربَعَةٍ وعشرِيْنَ، وتعُولُ إلى سَبعَةٍ وعِشرِينَ، فهذهِ الثلث التي تعُولُ فإذا أخذْتَ المسألَةَ من أصلِهَا وكَانَت سِهَامُ كُلَّ فرِيقٍ تَنقسِمُ عَلَيهِمْ قِسمَةً صَحِيحَةً فَقَدْ صحَّتِ المسأَلَةُ مِن أَصلِهَا. فإن انكَسَرَ شَيٌء مِنَ السِّهَامِ عَلَى العَدَدِ صَحَّحتَ المسأَلَةَ على مَا نبَيِّنُهُ في البَابِ الذِي يِليهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
بَابُ تَصحِيحِ المَسَائِلِ
إذا انكَسَرَ سهَامُ فَريقٍ مِنَ الوَرَثَةِ عَلَى عَدَدهِم فَلَم تَنقَسِم قسمَةً صَحِيحَةً فاَضرِب عَدَدَهُم في أصلِ المسأَلَةِ وعَولِها إن كَانَتْ عَايِلةٍ، فَمَا بَلَغَ صحَّت منهُ المَسْألةِ، فإذا أرَدتَ القسمَةَ فمن لَهُ شيءٌ من أصلِ المسأَلَةِ فاضرِبهُ في العدَدِ الذي ضَربتَهُ في المسأَلَةِ، فما بَلَغَ فهو لَهُ، فاقسمهُ على المنكَسِرِ عليهِمْ يخرُجُ لوحِدِهِم مَا كَانَ لِجمِيعِهِم، فإن كَانَ بين عددٍ منكِسرٍ عليهم وبين سِهامِهِم موافقةً فاردُدِ العَدَدَ إلى وفقِهِ، ثم افعَل فِيهِ ما فَعَلتَهُ في أصلهٍ، واعلَم أنَّ الموافَقَةَ بين العَدَدِ والسِّهَامِ لا تقعُ إلا بأَحَدَ تسعَةِ أجزاءٍ، ستَّةٌ قبلَ العشرَةِ وهي الأنصَافُ، والأثلاَثُ، والأربَاعُ، والأخمَاسُ، والأسبَاعُ، والأثمَانُ، وثَلاَثَةٌ بعدَ العَشرَةِ وهي أجزاءٌ ثلاَثَةَ عَشَرَ وستَّةَ عَشَرَ وسَبعَةَ عَشَرَ، ومَتَى كَانَ العَدَدُ والسِّهَامُ جَمِيعُهَا زَوجينِ لم تَقَعِ الموُافَقَةِ بيَنَهُمَا إلا بالنِّصْفَ أو بالرُّبعَ أو الثُّمُنِ أجزاءٍ ستَّةَ عشر وهذِهِ الموافقةُ تختصُّ بالفرُوضِ، إلا النِّصفَ والرُّبعِ، فإِنًهُ يشتركُ فيهِما دُونَ الفرُوُضِ والعَصَبَاتِ، فمتى وَجَدْتَ /473و/ الأقلَّ من هذهِ لم تَستَعمِلِ الأكثَرَ منهَا، وإذا لم يَكُنِ العدَدُ والسِّهَامُ زوجينِ لم يتَّفقَا إلا بالثُّلُثِ أو الخُمُسِ أو السُّبُعِ أو أجزاءِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وَسَبعَةَ عَشَرَ وهذه الموافَقَةُ تختصُّ العصَبَاَتِ فَاعرِف ذلِكَ.(1/614)
بَابُ الكَسرِ عَلَى جِنسَينِ
وإذا انكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقٍ من الوَرَثَةِ عليهِم فانظر، فإن كَانَ بين سِهَامِ كُلِّ فريقٍ وعددِهِ موافَقَةٌ بجزءٍ من الأجزاءِ التِّسعةِ المقدَّمِ ذكرُهَا ردَدتَ ذَلِكَ العَدَدَ إلى وَفقِهِ، وإن لم تتَّفق تركتَهُ بحالِهِ، ثم نظرتَ في العَدَدَينِ الحاصِلينِ مَعَكَ، فإن كَانَا مُتَمَاثلينِ ضربتَ أحَدَهُما في المسأَلَةِ وأجزَأَ عنِ الآخَر، وإن كَانَا مُتَنَاسِبيِن (1) أحدَهُمَا جُزءاً واحدَاً من الآخَرِ كالنِّصفِ فَمَا دونَ ويعتبرُ ذلِكَ بأحَدِ ثلاثةِ أشياءٍ، أمَّا بِأن تُلقيَ الأقلَّ من الأكثَرِ فيفِنيهِ، أو تَقسِمَ الأكثَرَ عَلَى الأقلِّ فينقسِمَ قِسمَةً صحِيحَةً، أو تُضَاعِفَ الأقلَّ، بِأن تَزِيد علَيهِ مِثلَهُ أبداً فَتُسَاوِي الأكثَرَ، فَتعلَمَ حِينئِذٍ أنَّهُ جُزءٌ مِنهُ ومنتَسِبٌ إليهِ فتضرِبَ أكثَرَهُمَا في المسأَلَةِ فيَجزِي عن الأقلِّ، وإن كَانَا مُتبَايِنَينِ ضَربتَ أحدَهُمَا في الآخَرِ، فما ارتَفَعَ من ذَلِكَ ضَرَبتَهُ في المسأَلَةِ، وإن كَانَا مُتوَافِقَينِ بجُزءٍ من الأجزَاءِ أي جُزءٍ كانَ، فإنَّ الموافقةَ بينَ الأعدادِ لا تختصُّ بجزءٍ مخصوصٍ ضربتَ وفقَ أحدهمَا في جميعِ الآخرِ، فمَا بلغَ ضربتَهُ في المسألةِ، فمَا بلغَ فمنهُ تصحُّ ثمَّ كلُّ منْ لَهُ شيءٌ منْ أصلِ المسألةِ مضروبٌ فيمَا ضربتَهُ في المسألةِ فمَا بلغَ فهوَ لَهُ، وَكيفيةُ الموافقةِ أنْ تلقيَ أقلَّ العددينِ منْ أكثرهمَا، فإنْ بقيتْ منهُ بقيةٌ هيَ أكثرُ منَ العددِ الأقلِّ، ومنَ البقيةِ أيضَاً حتى يبقَى منَ الأكثرِ بقيةٌ هيَ أقلُّ منَ العددِ الأقلِّ فتفني البقيةَ منَ الأقلِّ أبدَاً، فإنْ أفنتهُ فالعددانِ متفقانِ بجزءِ تلكَ البقيةِ، وإنْ لم تفنِهِ التي تليهَا منهُ أخرى ألقيتَهَا منَ البقيةِ الأولى لا تزالُ تفني كلَّ بقيةٍ بالبقيةِ التي تليهَا حتى تنتهيَ إلى عددينِ يفني أقلَّهُمَا الأكثَرُ قبلهُ، فيكونَ الاتفاقُ بجزءِ ذلكَ العددِ المغني، إنْ كانَ اثنيِن فبالأنصافِ، وإنْ كانَ ثلاثةً فبالأثلاثِ وخمسةً بالأخماسِ، وأحدَ عَشَرَ بأجزَاءِ أحدَ عَشَرَ وَسبْعَةَ عَشَرَ وتِسْعَةَ عَشَرَ فَيَكونَ الاتفَاقُ بذلكَ الجزءِ وكائناً مَا كانَ، فإنْ فَضُلَ في ذلكَ وَاحدٌ فالعددَانِ متباينَانِ، وَمتَى كَانَ في الورثةِ ذكورٌ وإناثٌ /474ظ/ فَاجعَلْ كلَّ ذكرٍ كأنثيينِ، واضممْ عددهمْ إلى عددِ الإناثِ واعملْ على مَا ذكَرنَا.
بَابُ الكسرِ على ثلاثةِ أجنَاسٍ
وَمتى انْكسرَ سهَامُ ثلاثةِ أحيَازٍ مِنَ الورثَةِ عليهم فاعملْ في سهَامِ كلِّ فريقٍ معَ عددهِ على مَا بينَا ثمَّ انظر في الأعدادِ المجتمعةِ معكَ، فإنْ كانتْ متماثلةً اجتزئتَ بأحدهَا عنْ باقِيهَا وضربتَهُ في المسَألةِ وَإنْ كانَتْ متنَاسبةً اجتزئتْ بالأكثرِ منهَا وضربتَهُ في ... المسَألةِ،
__________
(1) أي متداخلين كما جاء في حاشية الأصل.(1/615)
وإنْ كانَتْ متباينةً ضرَبْتَ الأعدادَ بعضَهَا في بَعضٍ، فَمَا بَلَغَ ضَرَبَتهُ في المسَألَةِ. وإن تَوَافَقتْ وفَّقتَ أحَدَ الأعدَادَ وَوَافقتَ بَينَهُ وبين العدَدينِ الآخرينِ عدداً بعد عددٍ، ورددتَ كلَّ واحدٍ منها إلى وفقِهِ وعَمَلتَ في الراجِعَينِ بالموافَقَةِ لِعَمَلِكَ في الأصلَينِ، ثمَّ ضَربتَ ذَلِكَ في الموَقُوفِ، فَمَا بَلَغَ ضَرَبتَهُ في المسأَلَةِ. ومَسَاِئلُ ذَلِكَ تُسَمَّى الموقُوفَاتِ، وإن تَمَاثَلَ من الأَعَدادِ اثنَانِ وبايَنَهُمَا الثَّالِثُ ضَرَبتَ أحَدَهُمَا في المُبَايِنِ لهُمَا. وكَذلِكَ إن تَشَارَكَ مِنهُمَا اثناَنِ وباينَهُمَا الثَّالثُ ضَرَبتَ أحَدَهُمَا في المُبايِنِ لهُمَا، وَفقَ أحَدَ المشُترِكَينِ في جمِيعِ الآخَرِ، فَمَا بَلَغَ ضَربتَهُ في المُبَاينِ لَهُمَا، ولا يَكُونُ الكَسرُ على ثلاَثَةِ أجنَاسٍ إلا من الأصُولِ العَاِئلَةِ فَافَهمهُ، فَأَمَّا الكَسرُ عَلَى أربَعَةِ أجنَاسٍ منفَقَهٍ ولا تخرُجُ على أصُولِنَا في مَسَائِلِ الصُّلبِ لأنَّهُ لا يُنِفقُ ذَلِكَ إلا أن يكُونُ أحَدُ الأعدَادِ جدَّاتٍ وَنَحنُ لا نُورِثُ أكثَرَ من ثَلاَثِ جَدَّاتٍ فَلاَ يَقَعُ على قولِنَا أربَعَةُ أَعدَادٍ مُشَترِكَةٌ إلا في المُناسَخَاتِ وَذَوِي [الأرحَامِ] (1) فإنّهُ يَقَعُ الكَسرُ عَلَى أربَعَةِ أجَناسٍ وخَمسَةٍ وأكثَرَ فَاعرِف ذَلِكَ.
بَابٌ فِي اختِيَارِ (2) مَسَائِلِ التَّصحِيحِ
إذا كَانَ مَعَكَ مَن يَرِثُ بفرضٍ وتعصِيبٍ كالأبِ والجدِّ مَعَ البَنَاتِ وبناتِ الابنِ، وكالزوجِ والأخِ من الأمِّ، إذا كانا ابني عَمٍّ، فاجمَع مَا يرثُهُ بالفرضِ والتَّعصِيبِ ووافِق بَينَهُ وبين أنصباء بقِيةِ الورثَةِ، فإذا اتفقَا بجزءٍ فاردُدِ المسأَلَةِ إلى ذَلِكَ الجزءِ، ثم اقسِمْ، فإن وقَعَ كَسرٌ فَصَححهُ بَعدَ الاختِصَارِ.
بَابُ /475و/ استخرَاجِ نَصِيبِ مَا لكُلِّ وارِثٍ مِنَ الوَرَثَةِ المنُكسِرِ عَلَيهِم سِهامُهُم قبلَ التصحِيحِ
إذا أرَدتَ مَعرفَةَ ذَلِكَ فانظُرِ الكَسرَ، فإن كَانَ عَلَى جِنسٍ واحِدٍ، ولم يُوافِق عَدَدهُم سِهَامهُم فَلآحَادِهِم مالجَمَاعَتِهِمْ وَفقَ أصلِ المسأَلَةِ، وإنْ وَافَقَتْ سهامُهُم عددهُمْ فلآحادِهِمْ وفق سِهِامِ جماعَتِهِمْ، فإنْ كَانَ الكَسرُ عَلى جِنسيَنِ فانْظُر فيمَا يَحصُلُ مَعَكَ مِنْ عَدَدِهِمْ، فإنْ كَانَا متماثِلينِ، فإنَّ لِكلِّ وَاحدٍ مِنَ الفَريقَينِ سِهَامُ جَمَاعتهِمْ أو وَفْق سِهَامِهِمْ إنْ اتفقَا فإنْ كَانَا مُتنَاسبينِ كَانَ لِكلِّ وَاحدٍ مِنَ الفَريقِ الأكثَرِ مَا لِجَمَاعَتِهِمْ مِنْ أَصلِ المَسألةِ أو وَفقِهِ إنْ كَانتْ سِهامهمْ مُوَافقَةً لعدَدِهِمْ، وَلكُلِّ وَاحدٍ مِنَ الفَريقِ الأَقَلِّ أَقَلُّ
__________
(1) في الأصل: ((الارام)).
(2) في فهرس الأصل: ((اختصار)).(1/616)
عَدَدٍ تَخْرجُ منهُ نِسبةُ عَدَدِهِمْ مِنَ العَددِ الآخرِ مَضروبَاً ذلكَ في سِهَامِهِمْ، أو في وَفْقِهَا إنْ كَانتْ مُنْفَقةً، وإنْ كَانتْ متبَاينتينِ كَانَ لكلِّ وَاحدٍ مِنَ الفَريقينِ وَمَا يخرجُ مِنْ مَضروبِ سِهَامِ الفَرِيقِ، أو وَفْق سِهَامِهِ إنْ كَانتْ سِهَامُ الفَريقِ تُوافِقُ عَددهُ في عَددِ الفَريقِ الآخرِ، وإنْ كَانَا مُتَفقينِ كَانَ لِكلِّ وَاحدٍ مِنْهُمْ مَا يَجْتَمِعُ مِنْ مَضروبِ جَميعِ سِهَامِ فَريقهِ أو وَفْقهَا وَفي وَفْقِ عَددِ الفَرِيقِ الآخَرِ، وَإنْ كَانتْ الأعدَادُ أكثَرَ مِنْ جِنسينِ فالعَمَلُ فيهَا عَلى نَحوِ مَا ذَكرنَا في الجِنسينِ وَاللهُ أعلمُ.
بَابُ مِيراثِ الجَدِّ معَ الأِخوةِ وَالأخوَاتِ
إِذَا اجْتَمَعَ الجَدُّ مَعَ الأخوةِ والأخوَاتِ فَإِنّهُ يُجعلُ كَأخٍ وَيقسمُ المالُ بَينهُ وَبينهمْ مَالم تَنقصهُ المُقَاسَمَةُ مِنْ ثُلثِ جَميعِ المَالِ، فَإنْ نَقَصَتْهُ مِنَ الثلثِ فَرضتَ لَهُ الثلثَ كالأمِّ، وَجعل البَاقي للأخوةِ والأخواتِ، فَعلى هَذَا لا يُقَاسُ الجدُّ أَكثرُ مِنَ أخوينِ، أو مَنْ يقومُ مَقَامَهمَا ثمَّ يفرضُ لَهُ الثلثُ، فَإنْ كَانَ مَعهمْ مَنْ لَهُ فَرضٌ أعطَاهُمْ فرضهُ ثمَّ جَعلَ للجدِّ الأَحظَّ مِنْ ثلاثةِ أشياءَ: المقَاسَمَةِ، أو ثُلثِ الباقي بعدَ الفروضِ، أو سدسِ جميعِ المَالِ، فإذا كَانَت الفُروضُ نِصف المَالِ، فَالمُقَاسَمَةُ أحظُّ لَهُ مَعَ الأخوينِ فمَا دُونَ، وَإنْ كَانت النِّصفَ كَانت المُقاسمةُ مَعهمَا وَالفرْضُ سواءً، وَإنْ كَانَت أكثرَ مِنَ النِّصفِ فَالفرضُ /476 ظ/ مَعهَا خبرٌ لَهُ، وَإذا بَلغَت الفُروضُ خَمسةَ أسداسِ المَالِ فَلا مِيرَاثَ للأخوَةِ وَالأخوَاتِ مَعهُ بَلْ يُفرضُ لَهُ السُّدُسُ البَاقِي، إلا في مَسَألةِ الأكْدَريَّةِ (1) خاصةً وَهيَ زَوجٌ وأمٌّ وأختٌ وَجَدٌّ، فإِنَّهُ يَفرضُ للأختِ النِّصْفَ بَعدَ أنْ فَرَضَ الزَوجُ النِّصفَ وَللأمِّ السُّدُسَ وذلكَ خَمسةُ أسْدَاسِ المَالِ، لَكنْ يُفرَضُ للجدِّ السُّدسُ فيهَا وَيجمَعُ سَهْمهُ وَبَينَهُمْ الأختُ فَيُقْسَمُ بَينهمَا للذكرِ مثل حظِّ الأنثيينِ على ثَلاثَةٍ فَيُضْرَبُ في المسْألَةِ وَعَوْلهَا وَهيَ تِسْعَةٌ فَتَكنْ سَبعةً وَعشرينَ للزوجِ تِسعةٌ وللأمِّ ستةٌ وللجدِّ ثمانيةٌ وللأختِ أربعةٌ.
بَابُ المُعادَّةِ في مَسَائِلِ الجدِّ
اعلَمْ أنَّ ولدَ الأبِ يقُومُونَ مَعَ الجدِّ مَقَامَ ولدِ الأبوينِ عندِ عَدَمِ وُلدْ الأبوينِ، فإنْ
__________
(1) ذكر المرداوي في كتابه الإنصاف 7/ 306، سميت ((أكدرية)) لتكديرها أصول زيد - رضي الله عنه -، في الجد، في الأشهر عنه.
وقيل: أن عبد الملك بن مروان، سأل عنها رجلاً اسمه ((الأكدر)) فنسبت إليه، وقيل سميت أكدرية باسم السائل عنها.
وقيل إن الميتة كان اسمها ((أكدرة)). وقيل لأن زيد - رضي الله عنه - كدَّر على الأخت ميراثها. وقيل لتكدر أقوال الصحابة - رضي الله عنهم - فيها، وكثرة اختلافهم. انظر: المغني 7/ 76.(1/617)
اجتمعُوا قُسِمَ المالُ بينهُم وبين الجدِّ، فما صَارَ لولدِ الأبِ رَدَّهُ على ولدِ الأبوينِ، إلا أن يَكونَ الأبوانِ فيردُّونَ عليها تمامَ نِصفِ المالِ، فإن لم يَبقَ مَعَهُم شَيءٌ سَقَطُوْا، وإن بقِيَ بَعدِ النِّصفِ بقيَّةٌ كَانَت لهم كُلَّ هذا مَا لم تَنقُصِ المقاسمَةُ للجدِّ من ثُلُثِ المالِ مع عَدَمِ ذوي الفُرُوضِ أو مِن ثُلُثِ الباقِي مَعَ ذَوِي الفُرُوضِ إذا كَانَتْ فُرُوضُهُمْ النِّصفِ فما دُونَ أو من السُّدُسِ إذا جاوزتِ الفُرُوضُ نِصفَ المالِ، فإذا فَرَضَ لهُ أحدٌ هذه الفُرُوضَ كان الباقي لوُلدِ الأبِ والأمِّ وسَقَطَ ولدُ الأبِ مِن غيرِ مُعَادَّةٍ.
بَابُ الجدَّاتِ
لا يرثُ عند إمَامِنَا رحمه الله من الجدَّاتِ إلا ثلاثٌ (1)، أمُّ الأمِّ وأمُّ الأبِ وأمُّ الجدِّ أبي الأبِ، ومن كَانَ من اُمّهَاتِهِنَّ وإن علينَ فُيقسَمَ السُّدُسُ بينهُنَّ أثَلاثَاً إذا اسَتَوتْ دَرَجتُهُنَّ، وإن كان بعضُهُنَّ أقرَبَ من بعضٍ فَظَاهِرُ كلامِ الخرقي أنه يجعلُ السُّدُسَ لمن قرُبَ مِنْهُنَّ من أي جهةٍ كَانَت (2)، ومنصوصُ أحمد أنَّ السُّدُسَ للقُربَي إن كَانَتْ من جِهَةِ الأمِّ (3)، فإن كانت من جهةِ الأبِ جعلَهُ بينَهَا وبين البعدِي من جِهَةِ الأمِّ (4)، وترثُ أمُّ الأبِ وأمُّ الجدِّ مع حَيَاةِ ابنيهِمَا في إِحدَى الروايتينِ وهي اخِتيارُ الخرقي (5)، وفي الأخرَى لا ترثُ مع حَيَاتِهِمَا (6). فإن كَانَ ابنَاهُمَا عمَّاً لَمْ يَحجِبهَا على كِلاَ الروايتينِ، وترثُ الجدَّةُ بقرابتينِ (7)، فإذا زوَّجَتِ المرأَةُ بِنْتَ بِنتِهَا بابنِ بِنْتِ لَهَا أُخْرَى، فولدَ بينهُمَا مولِدٌ، كَانَتْ هذِهِ المرأةُ أُمَّ أُمِّ أمِّهِ وأُمَّ /477و/ أمِّ أبِيهِ، فإذا مَاتَ المولُودُ وخَلَّفَ هذِهِ الجدَّةَ وأُمَّ أبي
__________
(1) ذكر ابن قدامة أنه لا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين أم الأم، وأم الأب، إلا أنهم اختلفوا على ما زاد على جدتين فذهب أبو عبد الله إلى توريث ثلاث جدات.
انظر: المغني 7/ 54، وانظر: الشرح الكبير 7/ 38 - 39، وشرح الزركشي 3/ 26.
(2) انظر: المغني 7/ 53، وشرح الزركشي 3/ 23 - 24.
(3) انظر: مسائل ابن هاني 2/ 65، والروايتين والوجهين (104/ب)، والمغني7/ 56، وشرح الزركشي3/ 24.
(4) ذكر ابن قدامة أن الإمام أحمد في هذه المسألة روايتان:
أحدهما: أنها تحجبها ويكون الميراث للقربى وهذا قول علي عليه السلام، والثانية عن أحمد هو بينهما. انظر: المغني 7/ 56 - 57، والإنصاف 7/ 309 - 310، والمحرر 1/ 395، الروايتين والوجهين 104/ب، وشَرْح الزركشي 3/ 24.
(5) نقلها أبو طالب. انظر: الروايتين والوجهين (104/أ). الإنصاف 7/ 311، وانظر: المقنع: 182، والمغني 7/ 58 - 59، وشرح الزركشي 3/ 25.
(6) انظر: الروايتين والوجهين (104/أ)، والمغني 7/ 58 - 59، والإنصاف 7/ 311.
(7) إذا اجتمعت معها أخرى فقياس مذهب أبي عبد الله أن السدس بينهما أثلاثاً، لذات القرابتين ثلثاه، وللأخرى ثلثه. انظر: المغني 7/ 57، وانظر: الإنصاف 7/ 311.(1/618)
أبِيهِ كَانَ السُّدُسُ بينهُمَا لأمِّ أبي الأبِ ثُلُثُهُ وثُلُثَاهُ للأخرى بِقَرَابَتِهَا، واَخْتَلَفَ من وَرَّثَ القُربَي من الجُدَّاتِ واسقَطَ الجدَّةَ بِابنِهَا إذا خَلَّفَ الميِّتُ أُمَّ أُمَّ أُمٍّ وَأُمَّ أَبٍ فَقِيْلَ السُّدُسُ كُلُّهُ لأُمِّ أُمِّ الأُمّ (1)، وقيلَ بل نِصفُهُ لأُمِّ أُمِّ الأُمِّ (2)، والبَاقِي للأبِ، فَكَانَ الأبُ عَادَ بأُمِّهِ ثم أَسَقطَهَا.
بَابُ الرَّدِّ
المَشهُورُ عَن إِمَامِنَا أنَّهُ يردُّ سَهْمَ العَصَباتِ إذا عُدمُوا على ذَوِي الفروضِ بِقَدَرِ فَرُوضِهِم إلا الزّوجُ والزَّوجَةُ (3)، وَنَقَلَ عنهُ ابنُ منصورٍ أنهُ [لا يُوصِي] (4) من لا وارِثَ لَهُ بجميعِ مَالِهِ (5) [زِيدَ رَدّ ما بقِيَ إلى بيتِ المالِ لهُ عصبةٌ] (6)، وهذا من قَولِهِ يدُلُّ على أنَّ الفَاضِلَ عن ذَوِي الفُرُوضِ لا يُردُّ ويجعلُ في بيتِ المالِ لأنَّهُ قَالَ: بَيتُ المالِ لهُ عصبةٌ وجُملَةُ مَن يُردُّ عليه سَبعَةُ أحيازٍ الأمُّ والجدَّاتُ والبَنَاتُ وبَنَاتُ الابنِ والأخَوَاتُ من الأبوينِ والأخَوَاتُ من الأبِ وَوَلدُ الأمِّ ذكورُهُمْ وإناثُهمْ وفُرُوضُ الذَينَ يردُّ عَلَيهِمْ لا تَكُونُ ابَدَاً إلا من سِتَّةٍ، وأصُولُ مَسَائِلِهِمْ يَخرُجُ مِنْ أَربَعَةِ أُصُولٍ إذا لم يَكُنْ في المسألَةِ زوجٌ أو زوجَةٌ، فإِن كَانَ في المسَأَلةِ سُدُسٌ وَسُدُسٌ فَأَصلُهَا من اثنيِن، وإذا كان فيها سُدُسٌ وثُلُثٌ فأصلُهَا من ثلاثةٍ، وإذا كَانَ فيها نِصفٌ وسُدُسٌ فأصلُهَا من أربَعٍ، وإذا كَانَ فيها نِصفٌ وثُلُثٌ أو سُدُسٌ وثُلُثَانِ، أو نِصفٌ وَسُدُسَانِ، فَأَصْلُهَا من خَمسَةٍ، فإذا عَرَفتَ أصلَ مَسأَلَتِهِم فَاجعَل لكُلِّ فَرِيقٍ منهُم سِهَامَهُ مِنهَا، فَإِن انكَسَر عَلَيكَ فَاعمَل التصحِيحَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ في بابِهِ.
فَصْلٌ
فَأمّا إذا كَانَ في المسأَلَةِ زَوجٌ أو زَوجَةٌ، فَإنَّكَ تُعطِيهِ سَهمَهُ من أقلِّ مَا يُمكِنُ، ثم يُقسَمُ البَاقِي بين المردُودِ عَلَيهِم على مَبلَغِ سِهَامِهِمْ، فَإنْ انقَسَمَ، صَحَّتِ المسأَلَةُ مِنْ أَصلِهَا، وإن لم يَنقَسِمْ ضَرَبتَ سِهَامَ المرَدُودِ عَلَيهِم في أَصلِ المسْألَةِ الَّتي أَخَذتَ مِنهَا فَرضَ الزَّوجِ أو الزَّوجَةِ، فَمَا بَلَغَ انتَقَلَت إليهِ المسأَلَةُ، فَمَا بَلَغَ فاجعَلهُ أَصلاً لمَسألَتِكَ، ثم
__________
(1) انظر: المبدع 6/ 136، والمغني 7/ 59 - 60، والمحرر 1/ 395.
(2) انظر: المبدع 6/ 136، والمغني 7/ 59 - 60، والمحرر 1/ 395.
(3) انظر: المغني 7/ 46، والمحرر 1/ 399، وشرح الزركشي 3/ 19، والإنصاف 7/ 317.
(4) في الأصل ((لا يرضي)).
(5) انظر: المغني 7/ 46، وشرح الزركشي 3/ 20، والإنصاف 7/ 317.
(6) مَا بَيْنَ المعكوفتين هكذا وَرَدَ فِي الأصل. وانْظُرِ المغني 7/ 46 - 47.(1/619)
اعْمَل في القِسمَةِ والتَّصحِيحِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَجَمِيعُ مَسَائِل أهلِ الرَّد مَعَ الزَّوجَينِ خمسٌ:
الأولَةُ: إذا كَانَ الزَّوجُ يَرثُ النِّصفَ لم يَكُنْ مَعَهُ رَدٌّ، إلا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ من يَرِثُ السُّدُسَ والسُّدُسَ فتَكُونَ الفرِيضَةُ من أربَعَةٍ.
وَالثَّانِيَةُ: إذا كَانَ الزَّوجُ /478 ظ/ يَرِثُ الرُّبعَ كان الباقِي بَعدَ فَرضِهِ مَقسُومَاً عَلَى نِصفٍ وسُدُسٍ وذَلِكَ أربَعَةٌ فتَكُونُ المسأَلَةُ من سِتَّةَ عَشَرَ.
وَالثَّالثَةُ: إذَا كَانَ ميرَاثُ الزوجةِ الرُّبعَ كَانَ مَا بعدَ فرضهَا مقسومَاً على اثنينِ سدسٌ وَسدسٌ فَتكونُ مِنْ ثمَانية وَقدْ يَكونُ مقسومَاً على أربعةٍ مِنْ ستةَ عَشَرَ.
وَالرابعةُ: إذَا كَان ميراثهَا الثمنُ كَانَ البَاقي مَقسومَاً على أربعةٍ فتكونُ اثنينِ وثلاثينَ.
وَالخَامسَةُ: قَدْ يكونُ مقسومَاً على خمسةٍ فتكونُ صحيحةً مِنْ أربعينَ فهذهِ جملةُ المسَائِلِ أربعةٌ، وَثمَانيةٌ، وَستةَ عَشَرَ واثنَانِ، وَثلاثونَ، وَأربعونَ وَفي البابِ طريقةٌ ثَانيةٌ وهوَ أنْ تصححَ مسألةَ الردِّ لوْ لم يكنْ معهمْ أحدُ الزوجينِ، فإنْ صحتْ منْ عددٍ زِدْتَ على ذلكَ العددِ لأجلِ الزوجِ أو الزوجةِ الكسرَ الذي قَبلَ فرضهِ، فإنْ كانَ نصفَاً زدتَ على العددِ مثلَهُ، وَإنْ كَانَ ربعَاً زِدتَ على العددِ مثلَ ثلثهِ، وَإنْ كَانَ ثمنَاً زدتَ على العددِ مثلَ سبعِهِ، فإنْ كَانَ مَا أضفتَهُ فيهِ كسرَاً ضَرَبتَ المسْألَةَ ومَا زِدْتَ عليهَا في مَخرجِ الكَسْرِ فمَا بَلَغَ فمنهُ تَصحُّ المسْألَةُ.
بَابُ ميراثِ ذوي الأَرحَامِ (1)
مَذْهبُ إمَامنَا رَحمهُ اللهُ توريثُ ذويْ الأرحَامِ (2)، وَقدْ تقدَّمَ ذكرهمْ بالتَّنْزيلِ إلا مَا يَتخرَّجُ عَلَى رِوايَةِ ابنِ منصورٍ وَقدْ تقدمتْ فِي بَابِ الرَّدِ (3)، وَمعنى التنْزيلِ أنْ يجعلَ كلَّ شخصٍ بمنْزلةِ مَنْ بِهِ مِنَ الوَرَثةِ فيجعلَ وَلدَ البنَاتِ وَوَلدَ الأخوَاتِ بمنْزلةِ أمهَاتهنَّ، وَيجعلَ بنَاتِ الأخوَةِ وبنَاتِ الأعمَامِ وَولدَ الأخوَةِ منَ الأمِّ بمنْزِلَةِ آبائِهمْ وَيجعلَ الأَخوَالَ وَالخالاتِ وأبَا الأمِّ بمنْزلَةِ الأمِّ وَيجعلَ الأعمَامَ مِنَ الأمِّ وَالعمَاتِ بمنْزلَةِ أخيهمْ وَهوَ الأبُ (4)
أو العمُّ مِنَ
__________
(1) ذوو الأرحام في أصل الوضع اللغوي والشرعي: كل من انتسب إلى الميت بقرابة، سواء ذلك القرابة من قبل الأب، أو من قبل الأم.
انظر: "شرح الزركشي" 3/ 35.
(2) انظر: "مسائل أبي داود: 218، و"المغني" 7/ 83، و"شرح الزركشي" 3/ 36.
(3) تقدم.
(4) نقلها المروزي، وإسحاق بن إبراهيم، وإسحاق بن منصور هي بمنزلة الأب، الروايتين والوجهين (103/ب)، واختارها القاضي في التعليق، وجزم به في الوجيز، وقدمه في الفروع انظر: الإنصاف7/ 323، ومسائل ابن هانيء 2/ 66، والمغني 7/ 85 - 86.(1/620)
الأبوينِ (1) على اختلافِ الروايتينِ (2)، وَيجعلَ الأجدادَ وَالجداتِ بمنْزلَةِ أولادِهمْ ثمَّ يجعلَ نصيبَ ذلكَ الوَارثِ لهمْ، فإنْ أدلى جماعةٌ بوارثٍ وَاحدٍ واستوتْ منازلهمْ منهُ كانَ نَصيبهُ بَينهمْ السَّويَّةَ، فإِنْ كَانوا ذُكوراً وَإناثَاً جَعَلَ للذكرِ مِثل حظِّ الأنثيينِ في إحدى الروايتينِ (3)، وَفي الأُخرَى يسويِّ بينَ الذكرِ وَالأنثَى وَعليهِ عَامَّةُ شُيوخِنَا (4).
وَقَالَ الخِرقيُّ: بالسَّويةِ إلا في الخَالِ وَالخَالَةِ خَاصَةً، فإِنَّهُ جَعَلَ للخَالِ الثُّلُثَينِ وَالخَالَةِ الثُّلثَ (5)، فإنْ اختلفَ منَازِلهمْ مِنَ الوَارِثِ جَعَلَ الوارثَ /479و/ كأنَّهُ وَرِثَ الميتَ ثمَّ ماتَ وَخلَّفَ الذينَ يدلونَ بِهِ فَيُقسمُ مالُهُ على ذلكَ، مثالُهُ أنْ يَخلِفَ الميِّتُ ثَلاثَ خَالاتٍ مُتفرقاتٍ وَثلاثَ عماتٍ متفرقاتٍ، فإنَّهُ يجعلُ للخَالَةِ الثُّلثَ بينهنَّ على خمسةٍ، كأنَّ الأمَّ ورثتِ الثُّلثَ، ثمَّ مَاتتْ، وَخَلَفَتْ ثلاثَ أخواتٍ متفرقاتٍ، ويجعلُ للعمَّاتِ الثُّلثَينِ بينهنَّ على خمسةٍ، كأنَّ الأبَ مَاتَ وَخلَّفَ ثلاثَ أخواتٍ متفرقاتٍ، فإنْ خلَّفَ خَالاً وَخَالَةً وأبَا أمٍّ فالمالُ لأبي الأمِّ كأنَّ الميتَ مَاتَ وَخَلَّف أمَّهُ ثمَّ مَاتتِ (6) الأمُّ وَخَلَّفَتْ أبَاهَا وَأخَاهَا وَأختهَا، فإنْ اجتَمَعَ ذَوُوْ الأرحامِ، فكَانَ بعضهمْ أقربَ مِنْ بعضٍ، فإن أولاهمْ مَنْ قَرُبَ الوَارِثَ، وَإنْ بعدَ عنِ الميتِ إذا كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ.
مِثَالُهُ: بنتُ ابنِ ابنِ ابنِ عمٍّ وبنتُ بنت عمٍ، المالُ لبنتِ ابنِ ابنِ ابنِ العمِّ، وإنْ كَانتْ أبعدَ مِنْ بنتِ عمٍّ، لأنَّ الأولةَ أقربُ إلى الوارثِ، وإنْ كَانَا مِنْ جِهتينِ، فإنَّا نُنْزلُ كلَّ وَاحدٍ منهمَا حَتَّى يَلحَقَ بالوارثِ (7) الذي يمتُّ بِهِ ويقسِمَ المالَ بَيْنَ الوَارِثَينِ، فمَا أصَابَ
__________
(1) نقلها الأثرم، وإبراهيم بن الحارث، وحنبل هي بمنزلة العم، وهي اختيار أبي بكر، انظر: الروايتين والوجهين 103/ب، وانظر: المغني 7/ 85 - 86، والمحرر 1/ 403، وشرح الزركشي 3/ 38 - 39، والإنصاف 7/ 323.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 103/ب.
(3) نقلها يعقوب بن بختان انظر: الروايتين والوجهين 103/ب، وانْظُرِ: المغني 7/ 95، وشرح الزركشي 3/ 41 - 42.
(4) نقلها الأثرم، وإبراهيم بن الحارث، وحنبل، انظر: الروايتين والوجهين 103/ب، وانظر: المغني 7/ 95، وشرح الزركشي 3/ 41 - 42.
(5) ذكر المرداوي كلام الخرقي إلا أنه قال أنه رواية عن الإمام أحمد، واختاره ابن عقيل استحساناً واختاره أيضاً الشيرازي، انظر: الإنصاف 7/ 324 - 325. إلا أن القاضي قال: لم أجد هذا بعينه عن الإمام أحمد، انظر: الروايتين والوجهين 103/ب، وانظر: المغني 7/ 95، وشرح الزركشي 3/ 41 - 42.
(6) في الأصل ((مات ماتت)).
(7) فِي الأصل ((بالواث)).(1/621)
كلَّ وَاحدٍ جعلهُ لمْن يمتُّ بِهِ وَلا يعتَبَرُ السبقُ إلى الوارثِ. وَالجهاتُ المختلفُ
خمسٌ: الأُبُوَةُ، وَالأُمُومَةُ، وَالبُنوةُ، وَالأُخوةُ، وَالعُمُومَةُ (1)، وَجَمعُ التنْزيِلِ يتفرعُ على هَذهِ الجهَاتِ، وَلا فَرقَ عندَ إمَامِنَا وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ المنْزِلينَ (2)، بينَ أنْ يَكونَ البعيدُ إذَا نَزَلَ حتى يلحقَ بالوارثِ لاَ يسقِطُ القرِيبَ أوكَانَ لا يُسقطَهُ مِثل: بِنتِ بِنتِ بِنتٍ وبِنتِ أخٍ لأُمٍّ، فإن بِنتَ بِنتِ البِنتِ اذا نَزَلتْ درجتيِن صَارَتْ [بِنتَانِ] (3) وأسقَطَتِ الأخرَى لأِنها بعدَ تنزِيلِ درجةٍ تصيرُ أخَاً لأمٍّ والبنتُ تُسقِطُ ولدَ الأمِّ، وكذلك بِنتُ بِنتِ عمٍّ وبِنتُ بِنْتِ بِنْتِ أخ لأبٍ المالُ لبِنْتِ بِنْتِ الأخِ، فَإن كَانَ من ذوِي الأرحَامِ من يمُتُّ بقرابتينِ ورثَ بهمَا، ويجعلُ بمنزلةِ شخصَينِ يمُتُّ كُلُّ واحِدٍ مِنهُمَا بأحَدِ القرابتينِ واعلَم أن أُخوَةَ الميِّتِ وأخواتهُ لأبوَيهِ نِسبَتُهُمْ كَنَسَبهٍ فكُلُّ مَن انتَسَبَ إليهِم فَنِسبَتُهُ إلى الميِّتِ كنِسبتِهِ إليهِم، فَأَمَّا أخوَتُهُ وأخَوَاتُهُ مِن قِبَل أمِّه فَمَن انتَسَبَ إليهِم بقرَابةِ الأمِّ فَهُو أجنبيٌّ من الميِّتِ، وكَذلِكَ أخوتُهُ وأخواتهُ من أمِّهِ من انتَسَبَ إليهم بقرابةِ الأبِ فهُوَ أجنبيٌّ /480ظ/ من الميِّتِ، وكذلِكَ حُكمُ من انتَسَبَ إلى [أعمامِهِ] (4) وعماتِهِ وأخوالِهِ وخالاتِهِ لأن العمُومَةَ أخوةٌ والخوالَةَ أخوةُ الأمِّ فَخَالُ الأبَوَينِ في ذلك كَحَالِ الميِّتِ في أخوتِهِ وأخواتِهِ، وإذا اتَّفقَ الزَّوجُ أو الزَّوجَةُ مع ذوِي الأرحامِ أعطيَ فرضَهُ غيرَ محجُوبٍ ولا معَاوَلُ وقُسِمَ الباقِي بين ذوِي الأرحَامِ عَلَى قدرِ موارِيثِهِمْ إذا انفَرَدُوا كَمَا فَعَلنا في الرَّدِّ ولا يدخُلُ العَولُ في مَسَائلِ ذوِي الأرحَامٍ إلا في أصلٍ وهو السِّتَّةُ، فإنَّهُ يعُولُ إلى سبعةٍ ولا يعُولُ إلى أكثرِ من ذلك. ومثالُهً: خَالَةٌ وبنتُ أخٍ لأمٍّ وثلاثُ بَنَاتٍ ثلاثُ أخواتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ للخَالَةِ السُّدُسُ ولبِنتِي الأخَ والأختِ من الأمِّ الثُّلُثُ ولبنتِ الأُختِ مِن الأبوَينِ النِّصفُ ولبنتِ الأختِ من الأبِ السُّدُسُ أصلُهَا من سِتَّةٍ تعُولُ إلى سَبْعَةٍ.
بَابٌ في الملاعِنِينَ وَوَلدُ المُلاَعَنَةِ
لا يختلفُ المذهبُ أنَّ الفرقَةَ إذا وقَعَتْ بين المُتَلاعِنينِ في حَالِ الصَّحَّةِ، ثم مَاتَ أحدُهُمَا لم يَرِثهُ الآخرُ، فإن قذفَهَا ولاعَنَهَا في المرضِ ورثتهُ، فإن قَذَفَهَا في الصحَّةِ
__________
(1) ذكر ابن قدامة في المغني 7/ 90، أربع جهات فأسقط العمومة، إلا أن المرداوي قال أن الصحيح من المذهب أن الجهات ثلاث هم: الأبوة، والأمومة، والبنوة، وجزم به في "العمدة والوجيز، وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله، النْزاع لفظي لا فرق بين جعل ((الأخوة)) و ((العمومة)) جهة. انظر: الإنصاف 7/ 325 - 326، وانظر: الشرح الكبير 7/ 123.
(2) انظر: المغني 7/ 91، والإنصاف 7/ 325.
(3) يوجد فِي الأصل كلمة غَيْرَ مقروءة والله أعلم ((بنتان)).
(4) فِي الأصل ((جماعة)) وما أثبتناه الصحيح.(1/622)
ولاعَنَهَا في مَرَضِ موتِهِ فهل ترثُهُ أم لا؟ عَلَى روايتينِ (1) أصحُّهُمَا لاَ ترِثُهُ، فإن أكذَبَ نفسَهُ وَجَبَ عليهِ الحدُّ، وإذا مَاتَ لاَ ترثُهُ، فإن نَفَى فِي لعانِهِ ولدَاً وضَعَتهُ انقَطَعَ نسبُهُ عنهُ ولم يَتَوَارَثَا، وإن أكذَبَ نَفسَهُ واستلحَقَهُ فَقَالَ أبو بكرٍ: قِياسُ المذهَبِ أنَّهُ يلحَقُهُ (2) ويَتَوارَثَا. وإن أقَامَ عَلَى نفيِهِ انقَطَعَ تعصِيبُهُ من جهةِ الأبِ كَوَلَدِ الزِّنَا، وَكَانت عَصبتُهُ أمَّهُ وعَصَبَاتُهَا من بَعدهَا فِي إحدَى الروايتينِ (3)، وفي الأُخرَى عصبتُهُ عصبَةُ أمِّةِ فِي حَالِ حَيَاةِ الأُمِّ وبعدَ وفَاتِهَا (4)، فإذا خَلَّفَ ولَدُ الملاعنةِ أمَّاً وخَاَلاً فالمَالُ لأمِّهِ فالفرضُ والتعصِيبُ عَلَى الرِّوايةِ الأُوْلَةِ (5) وَعَلَى الأُخرى لأمِّهِ الثُّلُثُ والبَاقِي لخالِهِ (6)، فإن مَاتَ ابنُ ابنِ ملاعِنةٍ وتركَ أمَّهُ وأُمَّ أبِيهِ وهي الملاعنةُ فَعَلَى الروايةِ الأوْلةِ لأمِّهِ الثُّلُثُ والباقي لأمَّ أبِيهِ (7)، لأنَّها عصبةُ أبِيهِ ويعايابِهَا فَيُقَالُ جدَّهٌ وَرَثَتْ مَعَ أُمٍّ وَرَثَتْ ضِعْفَي مَا ترثُ الأمُّ، وَعَلَى الرِّوايةِ الثَّانيةِ المالُ لأمِّهِ بالفرضِ والرَّدِّ عَلَى الروايتينِ مَعَاً (8)، ولا تكُونُ الملاعِنَةُ عَصَبَةً لِولدِ بِنْتِهَا لأن نَسَبهُ ثابتٌ من أبِيهِ وحَالَهُ من ذوِي الأرحَامِ، وحُكمُ ولَدِ الزَّنَا حُكمُ ولَدِ الملاَعَنَةِ في جمِيعِ مَا ذَكَرنَا.
بَابُ مِيراثِ المجُوسِ /481و/
الثَّابتُ عِندَ إمَامِنَا رحمه الله تَوْرِيْثُ المجُوسِ بِقَرَابتينِ (9)، إلا ما نَقَلَ عَنهُ حَنْبَلُ أنَّهُ وَرَّثهُم بأثبَتِ القرابتينِ (10)، وأنكرهُ صَاحِبُنَا أبو بكرٍ (11)، وقال حَنبَلُ لم يُحْكَ عن إِمَامِنَا أحمد رحمهُ اللهُ لفَظَاً وَمَعنَىً أًثبَتَ القرابتيِن أن يكونَ أحَدُ القرابتينِ يورَّثُ بها مَعَهُمَا يُسْقِطُ
__________
(1) انظر: الهادي: 285، والمبدع 6/ 241، المغني 6/ 271، وكشاف القناع 4/ 533.
(2) انظر: شرح الزركشي 3/ 446.
(3) نقلها أبو الحارث ومهنا انظر: الروايتين والوجهين (106/ب)، وانظر: المغني 7/ 132 - 133، وشرح الزركشي 3/ 48 - 49، والإنصاف 7/ 309.
(4) انظر: الرواتين والوجهين (106/ب)، وشَرْح الزركشي 3/ 48 - 49.
(5) انظر: المغني7/ 124، وشرح الزركشي 3/ 49.
(6) انظر: المغني 7/ 124، وشرح الزركشي 3/ 49.
(7) انظر: المغني 7/ 128، والمحرر 1/ 398.
(8) انظر: المغني 7/ 128، والمحرر 1/ 398.
(9) نقلها ابن القاسم، والفضل بن عبد الصمد، وابن منصور في الروايتين والوجهين 107/ب، وانظر: الإنصاف 7/ 353.
(10) انظر: الروايتين والوجهين (107/ب)، والإنصاف 7/ 353.
(11) انظر: الروايتين والوجهين (107/ب)، والإنصاف 7/ 353.(1/623)
الأُخرَى من المِيراثِ (1)، ولا يخلفُ مَذهَبهُ أنَّهُ لا يورَّثُ بِنِكَاحِ [ذواتِ المحارِمِ] (2) وَلاَ يُتَصَوَّرُ المِيرَاثُ بقرابتينِ في حَقِّ غيرِ أمِّهِ إلا في مِلةٍ واحِدةٍ، فاعرِفْ ذَلِكَ وُجُملةُ المسَائِلِ التي يُورَّثُ فِيهَا المجوسُ بقرابتينِ عَشْرَةٌ:
الأُولةُ: مجُوسيٌ تزوَّجَ بِنتَهُ فَأَولَدَهَا بِنتَاً ثم مَاتَ، وخَلَّفَ عَمَّاً فَلابنتِهِ الثُّلُثَانِ والباقِي لعمِّهِ، فإن مَاتَتِ الكُبرَى بَعدَهُ فالمالُ للصُّغرَى نصفُهُ بكُونِهَا بِنتَاً والبَاقِي بكونِهَا أُختَاً مِن أبٍ.
وَالثَّانِيَةُ: أن تَمُوتَ الصُّغرَى قَبلَ الكُبرَى، فَتَأَخُذَ الكبرَى الثُّلثَ بِكَونِهَا أمَّاً، والنِّصفَ بِكونهَا أختاً، وَالباقي للعمِّ الأبِ.
وَالثَّالثَةُ: إذا تزوَّجَ بنتهُ فأولدهَا بنتينِ، فمَاتَتْ (3) إحدى هاتينِ البنتينِ بعدَ فقدْ خَلَّفَتْ أمَّاً هيَ أختٌ لأبٍ، فلهَا السُّدسُ بِكونهَا أمَّاً وَالسُّدسُ بِكونهَا أختاً لأبٍ، ولأختهَا لأبويهَا النِّصفُ، وَالباقي لعمِّ الأبِّ، وقدْ حجبتْ الأمُّ نفسهَا بنفسهَا.
وَالرَّابعَةُ: تزوَّجَ أمَّهُ فأولدهَا بنتاً ثمَّ مَاتَ، وخلَّف أخَاً فلأمِّهِ السدسُ ولابنهِ النِّصفُ ولأخيهِ البَاقي، وَلا تَرثُ الأمُّ بِالزوجيةِ، إلا البنتُ بِكونهَا أختاً لأمٍّ، فَإنْ مَاتتْ أمُّ المجوسيِّ بعدهُ فقدْ خلَّفَتْ بنتهَا وهيَ بنتُ ابنهَا، فَلهَا الثُّلُثَانِ بِقرابتهَا وَالبَاقي للعَصَبَةِ.
وَالخامسةُ: تزوَّجَ بنتهُ فأولدهَا بنتاً ثمَّ تزوَّجَ بالبنتِ الثانيةِ فأولدهَا بنتَاً، ثمَّ مَاتَ عماً وَمنْ خلَّفَ فلبنَاتهِ الثُّلُثَانِ، وَالبَاقي للعمِّ، وَتَصحُّ مِنْ تِسعةٍ، فإنْ مَاتتْ بَعْدَهُ بنتُهُ الوُسطى، فقدْ خلَّفت الكبرَى وهيَ أمهَا وأختهَا لأبيهَا وَالصُغرَى وَهيَ بنتهَا وأختهَا لأبيهَا، فلأمهَا السُّدسُ ولبنتهَا النِّصفُ، وَالبَاقي لهمَا بالتعصيبِ فَيكونُ للأمِّ الثُّلُثُ وللبنتِ الثُّلُثَانِ.
وَالسَّادسةُ: فإنْ مَاتتْ بعدهَا الصُّغرَى فقدْ خلَّفتْ جدتهَا أمَّ أمِّهَا وهيَ أختُهَا لأبيهَا فَلهَا الثُّلُثَانِ وَالبَاقي للعَصَبَةِ.
وَالسَّابعةُ: لَو مَاتَ بعدَ المجوسيِّ بنتهُ الكُبرَى. كَانَ للوسطى وَهيَ بِنتهَا النِّصفُ وّالبَاقي بينهَا وبَيْنَ الصُّغرَى نصفينِ بكونهمَا أختينِ /482ظ/ وتصحُّ منْ أربعةٍ للوسطَى ثلاثةُ أسهمٍ وللصُّغرى سهمٌ ويعايا بهَا فَيُقَالُ بنتُ بنتٍ وَرَثَتْ.
[وَ] (4) الثَّامِنَةُ: لَو مَاتَتْ بعدَ المجوسيِّ بنتهُ الصغرَى كَانَ للوسطَى بِكونهَا أمَّهَا
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين (107/ب)، والإنصاف 7/ 353.
(2) في الأصل ((ذوي الأرحام)) والصحيح مَا أثبتناه، انظر: المقنع: 192، والهادي: 285.
(3) في الأصل ((فمات)).
(4) زيادة من عندنا ليستقيم الكلام.(1/624)
السُّدسَ وَلهَا وَللكبرَى بكونهمَا أختينِ الثُّلُثَانِ، وَالبَاقي للعمِّ فيصيرُ للوُسطَى نِصفُ المالِ وَللكبرَى ثُلثُ المالِ، وَقدْ حجبتِ الأمُّ نفسهَا وسقطتِ الكبرَى بِكونهَا جدةً والجدةُ لا ترثُ مَعَ الأمِّ وَيعايا بهَا فيقالُ: جدةٌ قدْ حجبتْ أمهَا وَوَرثتْ معهَا.
[وَ] (1) التاسعةُ: مجوسيٌّ تزوجَ بنتَ بنتٍ وهيَ بنتهُ فأولدهَا ابنَاً، ثُمَّ تزوجَ هَذَا الابنُ أمَّ أمِّهِ فأولَدهَا وَلَدٌ، ثُمَّ مَاتَ المجوسيُّ وابنُهُ وَبنتُهُ الكُبرَى، ثُمَّ مَاتَ المولودُ وَهُوَ ولدُ الابنِ بعدَ ذَلِكَ فقدْ خلَّفَ جدتهُ أمَّ أبيهِ وهيَ أختهُ مِنْ أمِّهِ فَلهَا الثُّلُثَانِ بِالقرابتينِ وَالبَاقي للعَصَبَةِ.
وَالعَاشرَةُ: وهيَ المسألةُ التي يرثُ الذكورُ بِقرابتينِ، وَهيَ أنْ يتزوجَ المجوسيُّ بأمرأةِ أبيهِ فتولِدُ لَهُ ابنَاً ولأبيهِ مِنهَا ولدٌ فَيكونَ هَذَا الابنُ أخاً للولدِ لأمهِ وَهُوَ عمهُ أيضاً لأبيهِ ولَهُ عمٌ آخرُ لأبيهِ، فإذا ماتَ الولدُ وَرثَ هَذَا الابنُ السدسَ بكونهِ أخٌ لأمٍّ والبَاقي بينهُ وبَيْنَ العمِّ الآخرِ نصفَانِ وتصحُّ منِ اثنَى عَشَرَ لهذا الابنِ سبعةٌ وللآخرِ خمسةٌ.
بَابُ مَواريثِ أهلِ المللِ
لا يَرثُ المسلِمُ كَافراً وَلا الكَافرُ مُسلمَاً، فأمَّا المرتدُّ فَلا يَرثُ المسلمَ بحالٍ وأمَّا الذي يصنعُ بمالِ المرتدِّ إذا هلكَ على ثلاثِ رِواياتٍ:
أحدهَا: يَكونُ في بيتِ المالِ (2).
وَالثَّانيةِ: يَكونُ لورثتهِ منَ المسلمينَ.
وَالثَّالِثَةِ: يَكونُ لأقاربهِ مِنْ أهلِ دينهِ الذي اختارهُ (3). وَلا يرثُ ذمِّيٌّ حَربياً وَلا حربيٌّ ذِمِّيَاً (4)، وَهلْ يَرثُ أهلُ الذِّمَّةِ بعضهمْ بَعضَاً؟ فعنهُ أنهمْ يَتوارثونَ وإنْ اختَلَفَتْ أَديانهُمْ (5)، وعنهُ أنَّ الكفرَ ثلاثُ مللٍ، اليَهودُ ملَّةٌ، والنَّصرانيةُ ملَّةٌ، والمجوسُ
__________
(1) زيادة من عندنا ليستقيم الكلام.
(2) هذه الرواية نقلها حنبل، والعباس بن أحمد الثمامي، والعباس بن محمد النسائي، وموسى بن سعيد الطرسوسي، وابن مَنْصُور انظر: الروايتين والوجهين (106/أ)، وانظر: المغني 7/ 174 - 175، والمحرر 1/ 413، والشرح الكبير7/ 167، وشرح الزركشي 3/ 58 - 59، والإنصاف 7/ 352.
(3) نقل بكر بن محمد، ما يدل على أن ميراثه لورثته من أهل دينه.
انظر: الروايتين والوجهين 106/أ، وانظر: المغني 7/ 174 - 175، والمحرر 1/ 413، والشرح الكبير 7/ 167، وشرح الزركشي 3/ 59، والإنصاف 7/ 352.
(4) قال المرداوي: ويحتمل أن يتوارثا، وهو المذهب، نص عليه في رواية يعقوب، وذكره القاضي في التعليق، وذكره أبو الخطاب في الانتصار: أنه الأقوى في المذهب. انظر: الإنصاف 7/ 351.
(5) نقله حرب، واختاره أبو بكر الخلال. الروايتين والوجهين 103/أ، وانظر: المقنع: 191، =(1/625)
والصابئونَ (1) ملةٌ، فَلا يرثُ أهلُ ملةٍ أهلَ ملَّةٍ أخرَى (2)، فأمَّا إذا كَانَ الذِّمِّيُّ قريبَ مُسلمٍ فَمَاتَ المسلمُ، ثُمَّ أسلَمَ الذميُّ قبلَ قسمةِ تَرِكَتِهِ فَهَلَ يَرِثهُ أمْ لا؟ على رِوَايَتَينِ:
أَحَدِهمَا: يَرِثهُ وَهيَ اختيَارُ الخِرَقِيِّ (3).
وَالأُخْرَى: لا يَرِثُهُ (4)، فَأمَّا [إِنْ] (5) كَانَ عَبْدَاً فَأَعتَقَ بعدَ مَوتِ مَورثهِ وَقبلَ قسمةِ تركتهِ فلا يَرثُهُ رِوايةٌ وَاحدةٌ (6).
بَابُ مِيرَاثِ الخُنَاثَى /483و/
اعلَمْ أنَّ الخُنْثَى: هُوَ الذي لَهُ ذَكَرٌ [كَذَكَرِ] (7) الرَّجُلِ، وَفَرْجٌ كَفَرْجِ المرأَةِ وَلا يَخْلوا أنْ يَشْكُلَ عَلَينَا أمرَه، وَهُوَ أنْ يَبُولَ مِنْ الذَّكَرِ فَيُعْلَمَ أنَّه رَجُلٌ، أو يَبُولَ من الفرجِ فَيُعْلَمَ أنَّهُ أنْثَى، أو يَبُولَ مِنهمَا، لَكنَّهُ سَبقَ البولُ مِنْ أحَدِهمَا فيقدَّمَ حُكْمُهُ، أو يخرجَ منهمَا مَعاً في حَالٍ وَاحدَةٍ، فَيكونَ الحكمُ الأكثَرُ، أو يَحِيضَ أو يحَبَلَ، فيكُونَ امرأةً أو يمُنيَ مِن ذكرِهِ، أو تنبُتَ لَهُ لحية فهو رجُلٌ، فإن عَدِمَ جمِيعَ مَا ذَكَرنَا فهُو مُشكِلٌ ولهُ حَالَتاَنِ:
حَالَةٌ فِيهَا انكِشافُ حالِهِ، وهُوَ أن يَكُونَ صغِيرَاً فيرُجَى أن ينكَشِفَ أمرُهُ عِندَ بلوغِهِ، فَهَذَا يُعطِيَ اليقِينَ هو وَمَن مَعَهُ مِنَ الوَرَثةِ، ويُوقَفُ البَاقِي إلى حِينِ الانكِشَافِ والإياسِ، فإن كَانَ ممن يرثُ في حَالٍ دُونَ حالٍ لم يَدفَع إِلَيه من التَّرِكَةِ شَيئَاً، وَطَرِيقُ العَمَلِ في المَسأَلَتَينِ عَلَى أنهُ ذَكَرٌ ثمَّ على أنَّهُ أنثى ثمَّ تَضرِب إحدَى المسأَلتَينِ في الأخرَى إن تَبَايَنَتْ أو تُعْطيَ كُلَّ وَاحِدٍ أقَلَّ النِّصفَينِ، فإن اتَّفَقَا ضَرَبتَ وَفقَ إحْدِهِمَا في الآخر، وإنْ تمَاثَلَتَا أجزَى أحدهُما عن الآخر، وإن تَنَاسَبَتَا اجْتَزَئْتَ بأكثرِهِمَا أجزَى أحدهُمَا عن
__________
= والمغني 7/ 167، والمحرر1/ 413، والشرح الكبير7/ 163، وشرح الزركشي 3/ 56 - 57، والإنصاف 7/ 350.
(1) فِي المخطوط ((الصابئين)).
(2) نقله ابن منصور، وهو اختيار أبي بكر. انظر: الروايتين والوجهين 103/أ، وانظر: المقنع: 191، والمغني 7/ 167، والشرح الكبير 7/ 163، وشرح الزركشي 3/ 56 - 57، والإنصاف 7/ 350.
(3) نقلها الأثرم، وابن منصور، وبكر بن محمد، انظر: الروايتين والوجهين 106/ب، وانظر: المحرر 1/ 413، وشرح الزركشي 3/ 57 - 58، والإنصاف 7/ 348.
(4) نقلها أبو طالب: انظر: الروايتين والوجهين 106/ب، وانظر: المحرر1/ 413، والشرح الكبير7/ 161، وشرح الزركشي 3/ 58، والإنصاف 7/ 348.
(5) ما بين المعكوفتين زيادة منا لتستقيم بها العبارة.
(6) نص عليها في رواية بكر بن مُحَمَّد. انظر: الروايتين والوجهين 106/ب.
(7) في الأصل كدر.(1/626)
الآخر ثم دَفَعْتَ في جميعِ ذَلِكَ اليقِينَ وَوَقَفْتَ الباَقِي. والحَالَةُ الأُخرَى يُيْأسُ (1) فيها مِن انكِشافِ حاله، وهو أن يَمُوتَ على إشكالِهِ أو لاَ تَظهَرَ عَلَيهِ أَمَارَةٌ، فيحُكَمَ عَلَيهِ بنِصفِ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، ونِصفِ ميرَاث أُنثَى، إن كَانَ من وِلدِ الميِّتِ، أو من ولدِ أبِيهِ أو ابنهِ الذِينَ يُورَّثُونَ مع الذُّكورَّيةِ وألأنثَويَّةِ، فَأمَّا إن كَانَ مِن ولد أخِي المَيِّتِ، أو وُلدِ جدِّهِ الذِين يَرثُ ذكورُهمْ دُونَ إناثِهِم، فإنهُ يُعطى نِصفَ ميراثٍ خاصَّةً، فإن كَانَ في موضِع يرثُ إن كان أنثَى ولاَ يرِثُ إن كَانَ ذكَرَاً فلَهُ نِصفُ مِيرِاثِ أُنثَى.
مثالُهُ: زوجٌ وأُختٌ لأبَوينِ وولدُ أبٍ خُنثَى، للِزوجِ النِّصْفُ، وللأُختِ للأبَوَينِ النِّصفُ، وَوَلد الأَبِ إن جَعَلنَاهُ ذكَرَاً سَقَطَ، وإن جَعَلنَاهُ أنثَى فَلَهُ السُّدُسُ عائِلاًَ فَنُعِطِيهِ نِصِّف سُدُسٍ عَائِلاً فَتَصيرُ المَسألَةُ من سِتَّةٍ ونِصفٍ فَتَضربُ في مخرجِ النِّصفِ فتصِيرُ ثلاثةَ عَشَرَ، للزَّوجِ سَّتةٌ، وكَذَلِكَ للأختِ، وللخُنثَى سَهمٌ وعقدُ البَاقِي في الخُنثَى الذي يَرِثُ مع الذكورية والأنوثية أن تصحح المسألة على أن الخنثى ذكرٌ ثُمَّ على أنه أُنثى ثُمَّ تضرب إحدى المسألتين في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها إن اتَّفقَتا (2) فما اجتَمَعَ ضَربْتهُ في الحالَينِ فما بَلَغَ /484 ظ/ فمِنْهُ تَصِحُ المسْألةُ، ثمَّ كلُّ مَنْ لهُ شَيءٌ مِنْ مَسألةِ الذُّكوريَّةِ مَضرُوبٌ في مَسألَةِ الأُنُوثِيَّةِ، أو في وفْقِها ومَنْ لهُ شَيءٌ مِنْ مَسألةِ الأنُوثيَّةِ مَضروبٌ في مَسألَةِ الذُّكوريَّةِ أو في وفْقِها، فمَا اجتَمَعَ لهُ فَهوَ حَقُّهُ، فإنْ كانَتِ المسْألتَانِ مُتماثِلتَينِ ضُرِبَتْ أحْدَاهُما في الحَالَينِ، فَمَا بَلَغَ فمِنهُ تَصِحُ المسألةُ ثمَّ تَجمَعُ لكُلِ واحِدٍ مَا نَصيبُهُ في الحَالينِ فَتدفَعُهُ إليهِ، فإنْ كانَتْ إحْدَى المسْألتين تناسِبُ الأُخرَى اجتُزِئَتْ بأعْلى العَدَدينِ وَضَربَتْهُ في الحَالينِ، فَمَا بَلَغَ فمِنْهُ تَصِحُ المسْألةُ ثمّ كلُّ مَنْ لهُ شَيءٌ مِنْ أدْنى العَدَدينِ مَضْروبٌ في مَخْرَجِ نِسبةِ أقلِّ الفَريضَتينِ إلى أكثرِهِما، فما بَلَغَ أَضفْتَهُ إلى نصِيبِهِ مِنْ أعلَى العَدَدَينِ مِنْ غَيرِ ضَرْبٍ في الحَالينِ وهكَذا العَملُ في الخُنثَيينِ والثلاثةِ. والأَكثرُ يَنْزِلونَ حَالينِ فيُجعَلونَ تارةً ذُكورَاً وتارَةَ إناثَاً، ثمَّ يُجعَلُ لكُلِ واحِدٍ مِنهُم نِصْفُ مَالِهِ في الحَالينِ.
بابُ ميِرَاثِ الغَرقَى
إذا ماتَ جماعةٌ بِغَرَقٍ أو تَحتَ هَدمٍ، وهمْ مِمَّنْ يَرِثُ بَعضُهمْ بَعضاً. عُلِمَ السَّابِقُ مِنهمْ عُمِلَ على ذلكَ، وَوَرِثَ الثَّاني مِنَ الأولِ ولَمْ يُورَّثِ الأولُ مِنَ الثَّاني، وإنْ عُلِمَ خُروجُ
__________
(1) في الأصل: ((يؤيس)).
(2) في الأصل ((نفقتا)).(1/627)
رُوحَيهِما مَعاً لَمْ يَرثْ أَحدُهُما صاحِبَهُ، وإنْ كانَ مِيراثُ كلَّ واحِدٍ لِوَرثَتِهِ الأَحْياءِ دونَ الميَّتِ مَعهُ، فإنْ لَمْ يُعلَمْ أيُّهُما ماتَ أَولاً وأدَّعى وَرَثَةُ كُلُّ مَيِّتٍ مِنْهُمْ أنَّ صاحِبَهمْ كانَ حيَّاً بعدَ صاحِبِهِ وأقَامُوا البَيِّنَةَ، أو ماتَ أحدُهُما قَبلَ الآخرِ ثمَّ أَشْكَلَ السَّابقُ، فإنهُ يُوَرَّثُ بَعضهُمْ مِنْ بَعضٍ (1) مِنْ تِلادِ (2) أموَالهِمْ دونَ ما وَرِثَهُ ميَّتٌ عن ميِّتٍ، ومَعنى ذلكَ أنْ يَبْدأ بأحدِ الأمْواتِ، فَيُقسَمَ مالُهُ بينَ وَرَثةِ الأحياءِ، ومَنْ ماتَ في تلكَ الحَالِ، ثمَّ يُنظَرَ ما وَرِثَ كلُّ ميِّتٍ مِنْ هذا الميِّتِ الذِي قَسَّمْتَ مالَهُ فَيُقَسَّمُهُ بينَ وَرَثِةِ الأحياءِ دونَ الأمواتِ أو لا تَحْجِبَ بِهِمْ في هَذا الحَالِ، لأنَّكَ لا تُورِثُهُمْ، ثمَّ لمِيِّتٍ
آخرَ وتَجعَلَ الباقينَ كأنَّهمْ أحياءُ وتَفعلَ في مالِهِ كما فَعلتَ في مالِ الآخرِ. مِثالُ ذلكَ أخَوانِ غَرِقا، فلَمْ يُعلَمْ مَنْ ماتَ مِنهُما أوَلاً، وخَلَّفَ الأكبَرُ مِنهُما بِنْتاً، وخَلَّفَ الأصغرُ بِنتَينِ، ولَهُما أُمٌّ وعَمٌّ، وَتَرِكَةُ الأكبَرِ دارٌ، وتَرِكَةُ الأصغَرِ دكّانٌ، فنقُولُ كأنَّ الأكْبَرَ ماتَ أولاً فمسْألتُهُ مِنْ ستَّةٍ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ وَلبِنْتَيهِ النِّصفُ، والباقِي وهُو سَهْمانِ لأخِيهِ الأصغَرِ بينَ وَرَثَتِهِ وهُمْ: أُمُّهُ وبنَاتُهُ وعَمُّهُ على ستَّةٍ فلا تَصِحُّ وتُوافِقُ /485 و/ مسألتُهُ بالإنصافِ فَتَرجعُ إلى ثلاثَةٍ فَتَضَرِبهُا في ستَّةٍ تكُنُ ثمانيةَ عَشَرَ لأمِّهِ السُّدُسُ ثلاثةٌ، ولابنَتِهِ النِصفُ تِسعةٌ، ولأخِيهِ سِتَّةُ أسهمٍ لأُمِّهِ سُدُسُها ولِبِنتِهِ أربعةُ أسْهمٍ ولعَمّهِ سَهمٌ، ثمَّ تَجعلُ كأنَّ الأصغرَ ماتَ أولاً، فمسألتُهُ مِنْ ستَّةٍ لأمِّهِ سَهمٌ ولابنَتَيهِ أربَعةٌ ولأَخيهِ الأكبرِ ما بَقيَ، وهُو سَهمٌ بينَ ورَثتِهِ على ستَّةٍ لا تَصِحُ فَتَضرِبُ ستةً في ستةٍ تَكنْ ستةً وثلاثينَ ومِنْها تَصِحُ لأمِّهِ سِتةُ أسهُمٍ ولِبنتِهِ أربعةٌ وعِشرونَ (3) سَهْماً ولأختهِ ستةُ أسهمٍ لأُمِّهِ مِنْ ذلكَ سهمٌ ولبنتهِ ثلاثةُ أسْهُمٍ ولِعمِّهِ سَهمانِ فتَجعَلُ للأُمِّ مِنْ مَالِ الأكْبَرِ أربَعةَ أسهُمٍ ثَلاثةً ورِثَتها (4) مِنْ صُلْبِ مالِهِ وسَهمٌ ورِثَتهُ عْنِ الأصغَرِ تُسْعا الدَّارِ ولبِنتِهِ نِصفُ الدَّارِ ولبِنتَي أخيهِ تُسعَا الدَّارِ أيضاً ولعَمِّهِ نِصفُ تُسعِها، وللأُمِّ أيضاً مِنْ مالِ الأصغرِ سَبعةُ أسهُمٍ وهيَ تُسْعُ الدُكانِ وَرُبْعُ ثُلُثِهِ ولابنَتِهِ أيضاً، ولعمّهِ نِصفُ تُسعِهِ، ويتخرَّجُ أنْ لا يُورَّثُ بعضُهُمْ مِنْ بَعضٍ ويكونُ مالُ كل واحدٍ مِنهُمْ لورثَتِهِ الأحياءِ على ما ذَكَرَهُ الخِرَقيّ (5) إذا ماتَتِ امرأةٌ فاختَلفَ الزَّوجُ وأخُو المرْأةِ فقَالَ الزَّوجُ: ماتَتْ قبلَ ابنِها فَوَرثِنَاهَا ثمَّ ماتَ ابْنِي فورِثْتُهُ، وقالَ
__________
(1) نص عليه الإمام أحمد، فإنه قال أذهب إلى قول عمر وشريح وإبراهيم والشعبي يرث بعضهم من بعض. المغني 7/ 186. انظر: مسائل ابن هانيء 2/ 565، ومسائل أبي داود: 218، وشرح الزركشي 3/ 59.
(2) يعني قديم. انظر لسان العرب 3/ 100.
(3) في الأصل ((عشرين)).
(4) في الأصل ((ورثها)).
(5) انظر: المغني 7/ 191، والشرخ الكبير 7/ 155.(1/628)
أخُوهَا: ماتَ ابْنُها فورِثْتُهُ، ثمَّ ماتَتْ فورِثنَاها ولا بَيِّنةَ، فإنَّهُ يَحلِفُ كلُّ واحدٍ لإبطالِ دَعْوى صاحبِهِ ويكونُ مِيراثُ الابنِ لأبيهِ [و] (1) مِيراثُ المرأةِ لأَخِيها وزَوجِها نِصفَينِ، وهذهِ مثلُ مَسألةِ الغَرْقى سَواءٌ.
فَصلٌ
فإنْ اتفَقَ معَكَ في مسألةِ مُناسَخةِ غَرقى فَتُصحِّحُ مسألةَ الميتِ الأولِ واجْعَلها أصْلَ مسألتِكَ ثمَّ تُصحِّحُ مسألةَ كلِّ غَريقٍ على ما بيَّنَا، واجعَلْ مسألةَ كُلِّ غَريقٍ كأعدَادٍ تَكرَّرَتْ عَليهِمْ سِهامُهُمْ مِنْ أصلِ مسألةِ الميِّتِ الأولِ ووافَقَ بينَ سِهامِ كُلِّ غَريقٍ مِنْ أصلِ المسألةِ وبينَ مَا صَحَّتْ مِنهُ مسألتُهُ ووافَقَ بينَ المسَائِلِ بَعضِهَا لبَعضٍ كما بيَّنا في تَصحيحِ مَسائِلِ الصُّلبِ على الأعدَاد، واضْرِبْ المسائِلَ بَعضَها في بَعضٍ إنْ لمَّ يتَّفقْ أو وفقَ بَعضِها في بَعضٍ إنِ اتَّفقَتْ ثمَّ ما اجتَمَعَ في مسألةِ الميِّتِ الأولِ فمَا ارْتَفعَ فَمنْهُ تصِحُّ المسائِلُ /486 ظ/ كُلَّها.
مِثالُهُ: رجلٌ ماتَ وخلَّفَ بِنْتاً وأخَويْنِ فَلمْ يَقسِمِ المالَ حتى غَرقَ الأخَوانِ ولمْ يُعلَمْ أيُّهُما ماتَ أولاً وخلَّفَ أحَدُهُما امرأةً وبنْتَاً وعمَّاً، وخلَّفَ الآخرُ ابْنَينِ وبِنتَينِ، مسألةُ الأولِ مِنْ أربَعَةٍ ماتَ أحَدُ الأخوينِ وخلَّفَ ابنَينِ وبنتَينِ، ومسألةٌ مِنْ ستَّةٍ وقدْ ماتَ عَنْ سَهْمٍ فلا تَنقَسِمُ على مسألتِهِ، وخلَّفَ الآخرُ امرأةً وبنْتاً ومسألتُهُ مِنْ ثَمانِيةٍ لزَوجَتِهِ سَهْمٌ ولابْنَتِهِ أربَعةٌ ويَبْقى ثلاثَةُ أسْهُمٍ، للأخِ الغَريقِ بينَ ابْنَيهِ وابْنَتَيهِ على ستَّةٍ فلا تَنْقَسِمُ وتُوافِقُ بالأثْلاثِ فاضْرِبْ ثُلُثَ الستَّةِ في ثَمانِيةٍ تَكنْ ستَّةَ عَشرَ، فَمسألةُ الأخِ الذي لهُ امرأةٌ تَصِحُّ مِنْ ستَّةَ عَشرَ وهِي تُوافِقُ مَسألةَ الآخرِ بالإنصَافِ فاضْربِ نِصفَ إحْدى المسألتَينِ في الأخْرى تَكنْ ثَمانِيةً وأربَعينَ ثمَّ في مَسالةِ الميِّتِ الأولِ وهِي أربعةٌ تَكُنْ مِئةً واثْنينِ وتِسعينَ، فلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، ستَّةٌ وتِسعونَ ولِولَدِ الأخِ نِصفُ ما بَقيَ وهُو ثَمانِيةٌ وأربَعونَ، وللأخِ الذي لهُ امرَأةٌ ثَمانيةٌ وأربَعونَ أيضاً لامرَأتِهِ ثُمُنُها ستَّةٌ ولابْنَتِهِ أرْبَعَةٌ وعِشرونَ (2)، ولأخِيهِ الغَريقِ ثَمانِيةَ عَشرَ يَكونُ ذلكَ بينَ ابْنَيهِ وابنَتَيهِ، فيَجتَمعُ لابنَي وابنَتَي الأخِ ستَّةٌ وسِتُّونَ سَهْماً.
بابُ ميْراثِ المفقُودِ
مَنْ سافَرَ عَنْ أهلِهِ وخَفيَ خبرُهُ فلَم يُعلَمْ حالُهُ فلا يَخْلو سَفرُهُ أنْ يَكونَ غالِبُهُ السَّلامةَ أو الهَلاكَ، فإنْ كانَ غالِبُهُ السَّلامةَ مِثلُ: أنْ يَخرُجَ في تِجارَةٍ أو ليتَزَهَّدَ ويَسيْحَ في
__________
(1) زيادة منا يقتضيها السياق.
(2) في الأصل ((عشرين)).(1/629)
الأرضِ، ثمَّ خَفِيَ خبَرُهُ، فإنهُ يُنتَظَرُ تَمامَ تِسعِينَ سَنَةً مِنْ يَومِ ولِدَ في أشْهَرِ الرِّوايَتينِ (1)، والأخْرى قَالَ: يُنتَظَرُ بِهِ أبَدَاً، فَلمْ يُقَدِّرِ المدَّةَ وجعَلَ ذلكَ إلى اجتِهادِ الحاكِمِ رَواها عَنهُ جَعفرُ بْنُ مُحَمَّدٍ النسائيُّ (2)، وإنْ كانَ غَالِبُ سَفرِهِ الهلاكَ مِثلَ: أنْ يَركبَ في البَحرِ فتَغرَقَ السفِينَةُ، ويَسلَمَ قومٌ ويَهلكَ قَومٌ، أو يَكونَ مُجاهِداً فيُقتلَ قومٌ ويُسلِمَ قومٌ آخرونَ وما أشبَهَ ذلكَ، فإنَّ الأثرمَ نَقلَ عنهُ إذا أمَرْتَ امرأتَهُ أنْ تتَزوجَ قَسَمتْ مالَهُ ... [بينَ] (3) وَرَثَتِهِ (4)، وقدِ اختُلِفَ عَنهُ في مِقدارِ تلكَ المدَّةِ، فَنَقَلَ حَنبلٌ والكوسَجُ تتَرَبَّصُ زَوجَتُهُ أربعَ سِنينَ أكَثَرَ مُدَّةِ الحَملِ وأربعةَ أشْهرٍ وعَشْراً. عِدَّةُ الوفَاةِ (5)، ثمَّ تَحِلُّ (6) للأزْواجِ ونَقلَ عَنهُ أبو الحارثِ كُنتُ أقولُ إذا تَربَّصَتْ أربعَ سِنينَ واعتَدَّتْ أربعةَ أشهرٍ وعَشراً تُزَوَّجُ وقدْ ارتَبْتُ فِيها اليَومَ وهَبْتُ الجَوابَ لِما قدِ اختَلفَ النَّاسُ وكَأنِّي أُحِبُ السَّلامةَ (7)، وظَاهِرُ /487 و/ هَذا أنَّها تَبقَى إلى أنْ تَتَيقَّنَ مَوتَهُ، وقدْ ذَكرنَا أنَّهُ إلى اجْتِهادِ الحاكمِ، أو إلى أنْ تَمضيَ تِسعونَ سَنةً على اخْتِلافِ الرِّوايَتَينِ، فَعَلى هَذا إذا مَاتَ للمَفقُودِ مَنْ يَرِثُهُ في مُدَّةِ غَيْبَتِهِ دُفِعَ إلى كُلِّ وارِثٍ أقَلُّ ما يُصِيبُهُ ووُقِفَ نَصيبُ المفْقُودِ حتى يُعلَمَ حَالُهُ، فإنْ عُلِمَ أنهُ كانَ حَيَّاً يَومَ مَاتَ مُوَرِّثُهُ جُعِلَ للمَفقُودِ نَصِيبُهُ مِمَّا أُوقِفَ، فإنْ بَقيَ شَيءٌ رُدَّ على مَنْ يَستَحِقُهُ مِنْ وَرَثَةِ الميِّتِ، وإنْ بَانَ أنَّهُ كانَ مَيِّتاً يَومَ مَاتَ مُورِّثُهُ أو كَانتِ المدَّةُ قدْ مَضتْ رُدَّ الموقُوفُ على ورَثَةِ الميِّتِ الأولِ دُونَ ورَثَةِ المفْقودِ، وطريْقُ عَمَلِ ذلكَ أنْ تُصَحَّحَ المسألَةُ على أنَّ المفقُودَ حَيٌّ، ثمَّ تُصحِّحَها على أنهُ ميِّتٌ، ثمَّ تَنظُرَ ما صَحَّتْ مِنهُ المسألتَانِ، فإنَّهُ لا يَخلُو مِنْ أربَعةِ أحْوالٍ: إمَّا (8) أنْ تَكونَ المسْألتانِ مُتَماثِلتَينِ فَتَجزيَ إحْدَاهُما عَنِ الأُخْرى ويُجْعَلَ لِكُلِّ وارِثٍ أقَلُّ مَا يُتَيَقَنُ أنهُ يَرِثُهُ وتُوقِفُ الباقِي. أو تَكوَن المسألتانِ مُتَناسِبتَينِ فَتَجزي بأكْثَرهِما سِهامَاً عَنِ الأخْرَى، وتَجعَلَ لِكلِّ وارِثٍ اليَقِينَ، وتُوقِفُ البَاقي.
__________
(1) انظر: المغني 7/ 207، والمحرر 1/ 406، والإنصاف 7/ 335.
(2) انظر: المغني 7/ 207، والمحرر 1/ 406، والإنصاف 7/ 335.
(3) زيادة منا ليستقيم بها المعنى كما جاء في الروايتين والوجهين 154/أ.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 154/أ.
(5) وكذلك ابن منصور. انظر: الروايتين والوجهين 153/ب. وهي اختيار أبي بكر. المغني 7/ 206، وانظر: مسائل أبي داود: 220، والإنصاف 7/ 336.
(6) في الأصل: ((تجعل)) والصواب ما أثبتناه. انظر: المغني 7/ 206.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 153/أ، والمبدع 8/ 128، والإنصاف 7/ 316.
(8) وردت في الأصل ((ما)) وأثبتناها ((إما)) ليستقيم الكلام.(1/630)
أو تَكونَ المسْألَتانِ مُتَباينَتَينِ فَتَضرِبَ إحْدَاهُما (1) في الأخْرَى، فَمَا ارْتَفعَ فَمِنهُ تَصِحُّ المسْألَتانِ، ثمَّ تَضْرِبُ سِهامَ كُلِّ وارِثٍ مِنْ إحْدَى المسْألتَينِ في الأخْرَى، وسِهَامَهُ مِنَ الثَّانِيةِ في الأولَى، ثمَّ تُعْطِيهِ أقَلَّ الأمْرينِ وتُوقِفُ البَاقيَ.
أو تَكونَ إحْدَى المسْألتَيِن مُوافِقَةً للأخْرَى فَتَضرِبَ وَفْقَ إحدَاهُما في جَميعِ الأخْرَى. فَما بَلَغَ فَمنْهُ تَصِحُّ، ثمَّ تَضْرِبَ سِهَامَ كُلِّ وارِثٍ في إحْدَى المسْألَتينِ، في وَفْقِ الأخْرَى، ثمَّ تَدْفعُ إليْهِ أقَلَّ الأمرَينِ وتُوقِفُ البَاقيَ، فإنْ كانَ في الوَرَثَةِ الأحْياءِ مَنْ يَرِثُ مِنْ إحْدَى المسْألَتينِ دُونَ الأخْرَى، فَلا تُعْطِهِ شَيْئاً، وإنْ كانَ المفْقُودُ لا يَرِثُ لَكنَّهُ يَحْجِبُ بَعضَ الوَرَثَةَ، فاحْجِبْ بِهِ، واعْمَلْ في المسْائِلِ على ما تَقدَّمَ وإنْ كانَ في المسْألَةِ مَفقُودَانِ احْتَجْتَ إلى عَملِ أرْبعِ مَسائَلَ، وإنْ كَانوا ثَلاثةً احْتَجْتَ إلى عَملِ ثَمانِ مَسائِلَ وعلى هَذا التَّرتِيبِ يَتضَاعَفُ عَددُ المسائِلِ كما ذُكِرَ في بابِ الخُنَاثَى ويَجوزُ لِوَرثَةِ الميِّتِ أنْ يَصطَلِحونَ على الفَاضِلِ عَنْ نَصيبِ المفْقودِ مِنَ الموْقوفِ ولَيسَ لَهُمْ أنْ يَصطَلِحونَ على ما وقِفَ للمَفْقودِ، وحُكْمُ الأسيْرِ إذا لمْ يُعْلَمْ بِحالِهِ حُكْمُ المفْقودِ.
بَابُ مِيْراثِ القَاتِلِ
القَاتِلُ بِغَيرِ حَقٍّ لا يَرِثُ مِنَ المَقْتُوِل سَواءً كَانَ قَتْلُهُ عَمْدَاً أو خَطَأً أو شِبْهَ الخَطَأِ كالقَتل/488 ظ/ بالتَّسَبُّبِ مِثْلُ أنْ يَحفِرَ بِئْراً أو يَنصِبَ سِكِّيْناً أو يُخرِجَ ظُلَّةً إلى الطَّريْقِ فَيُهلِكَ بِهِ مُورِّثَهُ ولا فَرْقَ بينَ أنْ يَكونَ القَاتِلُ مُكَلَّفاً أو غَيرَ مُكَلَّفٍ كالصَّبيِّ والمجْنُونِ، فأمَّا القَتْلُ بِحَقٍّ مِثلَ: أنْ يَثْبتَ عَليهِ قِصَاصٌ باعْتِرافِهِ أو بِبَيِّنَةٍ فَيأمُرَهُ الحَاكِمُ بِقَتْلهِ فَيَقْتُلَهُ أو يَكونَ إمَاماً فَيثْبِتَ عَقْدُهُ إيَّاهُ فَيقتُلَهُ بِذلكَ فإنَّهُ يَرِثُهُ في أصَحِّ الرِوايَتَينِ (2). ونَقَلَ صالِحٌ وعبدُ اللهِ عَنْ أحمَدَ لا يَرِثُ العَادِلُ الباغِيَ، ولا الباغِي العَادِلَ (3)، وظَاهِرُ هَذا أنَّ كُلَّ قَاتِلٍ يُحرَمُ الإرْثَ وإنْ كانَ قَتْلُهُ بِحقٍ، ولا فَرقَ بينَ الدِّيَّةِ وبَقيَّةِ أمْوالِهِ، فأمَّا دُيونُ المقْتولِ ووصَايَاهُ فَهَلْ تُؤخَذُ مِنْ دِيَّتهِ؟ على رِوايَتَينِ:
إحْدَاهُما الدِيَّةُ تَحدُثُ على مُلكِ المقْتُولِ فَيقْضِيا مِنْهَا دُيونَهُ وتُنَفَّذُ وصَايَاهُ (4).
والثانِيةُ: أنَّها تَحدُثُ على مُلكِ الورَثَةِ فلا يَقْضي مِنْها دُيُونَهُ، ولا تُنَفَّذُ وصَاياهُ.
وقال شَيْخُنا: تُقْضى مِنْها دُيونهُ على الرِّوايَتَينِ ولا تُنَفَّذُ وصَاياهُ (5).
__________
(1) في الأصل ((أحدهما)).
(2) انظر: الروايتين والوجهين 109/ب، والمغني 7/ 163، وشرح الزركشي 3/ 53.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 109/ب، والمغني 7/ 163، والإنصاف 7/ 269.
(4) انظر: الإنصاف 7/ 26.
(5) انظر: المصدر السابق.(1/631)
بَابُ ميْراثِ الحَمْلِ
إذا ماتَ الإنْسانُ وتَرَكَ حَمْلاً يَرِثُهُ وطَالَبَ بَقيَّةُ الورَثَةِ بالقِسْمةِ، نَظرْتَ، فإنْ كانَ الحَمْلُ يُسقِطُ الورَثةَ أو بَعضَهمْ في حَالٍ فلا يُعْطُونَ شَيئَاً حتى يَتَبيَّنَ حَالُهُ، وإنْ كانَ في الورَثَةِ مَنْ لا يَحجُبُهُ الحَملُ عَنْ شَيءٍ كالجَدَّةِ وكالزَّوجَةِ، إذا كانَ للميِّتِ ولَدٌ أو ولدُ ابْنٍ دَفعَ إليهِ ميْراثَهُ، إذْ لا فَائِدَةَ في إيقَافِهِ، وإنْ كانَ فِيهِمْ مَنْ يُنقِضُ الحمْلُ مِيْراثَهُ إذا وُلِدَ حيَّاً دَفعَ إليْهِمْ أقَلَّ ما يَتَيقَنُ أنَّهمْ يَستَحِقُّونَهُ بَعدَ أنْ يُوقِفَ الحَمْلُ مِيْراثَ ذَكَرينِ إنْ كانَ ميْراثُهُمْ أكثَرُ مِنْ ميْراثِ أنثَيينِ وإنْ كانَ ميْراثُ الإنَاثِ أكثَرَ مِنْ الذُّكورِ وُقِفَ لَهُ ميْراثُ أُنثَينِ، فإذا وُضِعَ الحَمْلُ دَفعْنا إليهِ ما يَستَحقُّهُ مِنَ الميْراثِ، فإنْ بَقِيَ شَيءٌ مِنَ الموقُوفِ رَدَدْتَهُ على مَنْ يَستَحقُّهُ مِنَ الورَثةِ.
بابُ الاسْتِهْلالِ
إذا اسْتَهَلَّ المولُودُ صَارِخَاً وَرِثَ (1)، وفي مَعنى ذلكَ أنْ يَعطِسَ أو يَبكِيَ أو يَرتَضِعَ، فأمَّا الحرَكةُ والاختِلاجُ (2) فلا يدلُ على الحياةِ. فأمَّا إنْ ظَهرَ بَعضُهُ فاسْتَهَلَّ /489 و/ ثمَّ انْفَصلَ باقِيْهِ وقدْ ماتَ فَعلى رِوايَتَينِ: إحْدَاهُما: يَرِثُ، والأخْرى: لا يَرِثُ (3). فإنْ ولَدَتِ المرأةُ تَوأمَينِ في بَطْنٍ فاسْتَهَلَّ أحَدُهُما ولمْ يُعْلَمْ مَنِ المُسْتَهِلُّ مِنهُما نَظرْنا، فإنْ كَانا ذَكرَينِ أو أُنْثَيينِ أو كَانا مِمَّنْ لا فَرقَ في مِيراثِهِ بينَ الذَّكَرِ والأنْثى كَولدِ الأمِّ لمْ يُحْتَجْ إلى مَعرفةِ المسْتَهِلِّ مِنْهُما وفَرضْتَ لأحَدِهِما فَرضَهُ، وإنْ كانَا ذَكَراً وأُنْثَى وحُكْمُ مِيْراثِهِما مُخْتَلفٌ قُرِعَ بَينَهُما بسَهْمِ ذَكَرٍ وسَهْمِ أُنْثَى فَمَنْ خَرجَ سَهْمُهُ حَكمْنا بأنَّهُ المُسْتَهِلُّ فأعْطيْناهُ مِيْراثَهُ.
بَابُ التَّزويْجِ والطَّلاقِ في الصَّحَّةِ والمَرَضِ
يَجُوزُ للصَّحِيحِ أنْ يَتزَوَّجَ أرْبَعَ نِسوَةٍ في عَقْدٍ واحِدٍ، وفي عُقُودٍ مُتفَرِّقةٍ. وكَذلكَ المرِيضُ سَواءٌ كَانَ مَرضُهُ مُخَوِّفاً أو غَيْرَ مُخَوِّفٍ. وكَذلكَ يَجُوزُ للمَرأةِ المرِيضَةِ أنْ تَتزَوَّجَ، وإذا مَاتَ أحَدُهُما وَرثَهُ الآخَرُ، فأمَّا إنْ تَزوَّجَ بأكثَرَ مِنْ أربَعِ نِسوةٍ في عَقْدٍ فالنُّكاحُ بَاطِلٌ، وإنْ كَانَ في عُقُودٍ بَطَلَ ما زَادَ على الأرْبَعِ، فإنْ لمْ يَعْلَمْ مَنْ صَاحِبَةَ العَقْدِ الزَّائِدِ أُخْرِجَتْ بالقُرعَةِ فأمَّا طَلاقُ الصَّحيحِ فإنْ كانَ بائِناً قَطَعَ الميْراثَ، وإنْ كانَ
__________
(1) انظر: مسائل ابن هاني 2/ 70، والشرح الكبير 7/ 133.
(2) الاختلاج: تحرك واضطراب. انظر المعجم الوسيط: 248.
(3) انظر: المحرر 1/ 406، والإنصاف 7/ 331 - 332.(1/632)
رَجْعيَّاً لمْ يَقطَعِ التَّوارُثَ ما دَامتِ المرْأةُ في العِدَّةِ، وكَذلكَ مَنْ مَرَضُهُ غَيْرُ مُخوِّفٍ فأمَّا الطَّلاقُ في المرَضِ المُخوِّفِ إذا تَعَقَّبَهُ الموتُ فلا يَقطَعُ التَّوارُثَ ما دَامَتِ المرْأةُ في العِدَّةِ، فإنِ انْقَضتِ العِدَّةُ ثمَّ ماتَ فَهلْ يَرثُهُ أمْ لا؟ فِيهِ رِوايَتَانِ (1) عَنْ أحمَدَ (2)، فإنْ تَزوَّجَتْ لمْ تَرِثْهُ، فإنْ سألَتْهُ الطَّلاقَ أو حَلَفَ عَليهَا أنْ لا تَفْعَلَ شَيْئاً ولَها بُدٌّ مِنْ فِعْلِهِ فَفَعَلَتْهُ في حَالِ مَرضِهِ فَهلْ تَرِثُهُ؟ عَلى رِوايَتَين (3): أصَحُّهُما أنْ لا تَرِثُهُ فإنْ حَلَفَ أنْ لا تَفْعلَ شَيئاً لا بُدُّ لَها مِنْ فِعْلِهِ كالصَّلاةِ والصِّيامِ فَفَعلَتْهُ وهُو مَريْضٌ وَرِثَتْهُ رِوايَةُ واحِدَةً (4)، فإنْ كَانَ حِلْفَهَ على ذَلكَ في الصَّحَّةِ فَفَعلَتْهُ في المرَضِ فَهلْ تَرِثُهُ؟ عَلى رِوايَتينِ (5). وإذا شُفِيَ مِنْ مَرْضَتِهِ التي حَلَفَ فِيهَا ثمَّ مَرَضَ ومَاتَ لمْ تَرِثْهُ.
بابُ مِيراثِ المُعتَقِ بَعضُهُ والمُكَاتِبِ /490 ظ/
المُعتَقُ بَعضَهُ يَرِثُ ويُورِثُ عَلى مِقْدَارِ مَا فِيهِ مِنَ الحُرِّيَّةِ، وإنَّما يَتَصَوَّرُ ذَلكَ إذا أعْتَقَ الشَّريْكُ في العَبْدِ حَقَّهُ وهُو مُعْسِرٌ فيَصِيرُ حُرَّاً وبَاقِيهِ رَقِيقٌ للشَّرِيكِ، فإنْ تَراضَيا عَلى أنْ يَخدِمَهُ يَوماً ويَكتَسِبَ لِنَفْسِهِ يَومَاً جَازَ، وإنِ اكتَسبَ كُلَّ يَومٍ كانَ نِصفُ كَسبِهِ لِسيِّدِهِ ونِصفُهُ لهُ، وإذا مَاتَ ولهُ مَالٌ مِنْ ذَلكَ فَهوَ لِوَرَثَتِهِ المنَاسِبينَ فإذا عُدِموا فَهوَ لِمُعتِقِ نَصفِهِ، وإنْ ماتَ لهُ مَنْ يَرثُهُ ورِثَ مِنهُ ويُحجَبُ على قَدَرِ ما فِيهِ مِنَ الحُرِّيَّةِ وطَريقُ ذَلكَ أنْ تَنظُرَ ما لهُ مِنَ الحُرِّيَّةِ فَتُعطيَهُ منهُ بِقدرِ ما فيهِ مِنَ الحُرِّيَّةِ وتَنظُرَ مِقدارَ ما يَحجِبُ الوارِثَ مَعهُ بِحُرِّيَّةٍ تَامَةٍ فَتحجِبُهُ ببَعضِ حرِّيَّةٍ عَنْ مُلكِ ذَلكَ مِنَ المقْدارِ.
مِثالُهُ: بِنتٌ وأمٌّ نِصفُهمَا [حُرٌّ] (6) وعَمٌّ حُرٌّ، للبِنتِ النِّصفُ بِحرِّيَّةٍ كَامِلةٍ فَلها نِصفُ ذَلكَ وهُو الرُّبْعُ بِنِصْفِ حُرِّيَّةٍ وللأم الُثلثُ مع رق البنت ولها السُدُس معَ حُريتهَا،
__________
(1) في الأصل ((روايتين)).
(2) انظر: المغني 7/ 218، والمحرر 1/ 41، والشرح الكبير 7/ 135.
(3) نقل مهنا أنها ترثه، ونقل حنبل في رجل خيّر امرأته في مرضه فاختارت نفسها ثم مات لم ترثه. انظر: الروايتين والوجهين 108/أ-ب، انظر: المغني 7/ 23، والشرح الكبير 7/ 180، والإنصاف 7/ 354.
(4) انظر: مسائل أبي داود: 182، والروايتين والوجهين 108/ب، والمغني 7/ 224، والشرح الكبير 7/ 180.
(5) أحدهما لا ترثه علمت بيمينه أم لم تعلم أن اليمين كان في الصحة وقد نهى على ذلك في رواية مهنأ في القذف إذا كان في حال الصحة واللعان في المرض لا يرثه. والثانية ترثه نص عليه أيضاً في رواية مهنا. انظر: الروايتين والوجهين 109/أ، وانظر مسائل أبي داود: 182، والمغني 7/ 24، والمحرر 1/ 412، والشرح الكبير 7/ 180، والإنصاف 7/ 355.
(6) زيادة منا ليستقيم الكلام.(1/633)
فالحريةُ التَّامَّةُ حَجَبَها عن السُّدسِ. فَنصفُ حرِّيةٍ تحجبهَا عن نِصفِ السُّدسِ. وأقلُّ مَالهُ رُبُعٌ وَسُدسٌ وَنِصفُ سُدسٍ اثْنَا عَشَرَ فَمنهَا يَصحُّ للبنتِ ثلاثةٌ وللأمِّ ثلاثةٌ، وَالبَاقي وَهوَ ستةٌ للعمِّ ونرجعُ للاختصارِ إلى أربعةٍ: للبنتِ سهمٌ، وللأمِّ سهمٌ، وَللعمِّ سَهمَانِ، فإنْ تركَ الميتُ ابنينِ نصفُ كلُّ واحدٍ منهمَا حرٌ فهلْ تجمعُ الحريةُ فيهمَا؟ يحتملُ وجهينِ أحدُهمَا: أنهُ يُجمعُ كَما قَالَ فِيمَنْ أعتَقَ نِصفَي رَقَبتينِ في كفَّارَتِهِ تُجمعُ حريتُهما فَيَصيرُ كَأنَّه أعتَقَ رَقَبةً كَامِلَةً ذَكَرهُ الخِرَقي (1). وقَالَ أبو بَكرٍ: لا يُجزي نِصْفَي رَقَبتينِ في الكَفارَةِ فَعَلَى قَولِهِ لا تُجمعُ الحُرِّيةُ، وَيرِثُ كُلُّ وَاحدٍ بَقدرِ مَا فِيهِ مِنَ الحُريةِ (2)، فإنِ اتفَقَ عَصَبتانِ (3) يَحجِبُ أحدُهُما الآخَرُ كَابنٍ وابنِ ابنٍ وأخٍ وابنِ أخٍ نِصفُهما حُرٌ فَهلْ تُكمَّلُ فِيهما الحُرِّيةِ؟ الصَّحيحُ أنْ لا تُكمَّلَ، بلْ يُعطى الابنُ نِصفَ المَالِ، وابنُ الابنِ رُبُعَهُ (4)، والبَاقِي لِلعَصبةِ لأنْ لَيسَ تُكْمُلُ الحُريةُ لِلابنِ بأولى مِن تَكمِيلِها لابنِ الابنِ، وتكميلُ الحُريةِ فِيهِما مُستَحيلٌ لأنَّ نِصفَها رقٌ فَكانَ الأولَى اعتِبارُ حالِ /491 و/ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما بانْفِرادِهِ. فأمَّا المُكاتَبُ فلا يَرثُ بِحالٍ مَا دَامَ في كِتَابتِهِ وَهلْ يُورَثُ إذا مَاتَ وخلَّفَ زيادةً عَلى مَالِ الكِتابَةِ؟ قَالَ في رِوايةِ ابنِ منصورِ وَغَيرِهِ: لا يورثُ ومَا خلَّفه لسيدِهِ (5)، وقالَ في رِوايةِ حَربٍ يُؤدَّى مَالُ الكتابةِ مِن المَالِ ويُحكمُ بِعتقِهِ ويَكونُ الباقي لِوَرثَتِهِ وَهِيَ اختِيارُ أبي بَكرٍ وَعَبدِ العَزيزِ (6).
بابُ الميراثِ بالولاءِ
الميراثُ بالولاءِ عِندَ عَدمِ من يرثُ بِفرضٍ أو تَعصيبٍ مِنَ المُناسِبِينَ مُقدَّمٌ عَلَى المِيراثِ بِالرِّدِ وَعَلى ذَوِي الأرحَامِ، وكُلُّ مَن أنعَمَ على رَقيقٍ بِالعِتقِ مُتطوعاٌ أو دبَّرَهُ أو وَصَّى بِعتقهِ أو عَلَّقَ عِتقَهُُ بِصفةٍ فَلَهُ الوَلاءُ عَلَيهِ وَعَلَى أولادِهِ مِن زَوجَتِهِ معتقيهِ أو مِن أمَتهِ، وعلى مُعتِقيهِ وَمُعتِقِي أولادِهِ وأولادِهِم ومُعتقِهِم أبداً مَا تَناسَلوا، ثُم يَنتقِلُ ولاءُ السَّيدِ إلى عَصبَتِهِ مِن بَعدِهِ، فأمَّا مَن أعتَقَهُ سَائِبةً أو أعتَقَهُ في كَفَّارتِهِ أو نُذرِهِ أو زَكاتِهِ أو عَتقَ عليه بِالشَّريِ مِن ذَوي أَرحامِهِ فَيتَخرجُ فِيهِ رِوايَتانِ: إحداهُما: أنَّ الوِلايَةَ إيصاءٌ (7)،
__________
(1) انظر: المغني 7/ 135، والشرح الكبير 7/ 226 - 227، والإنصاف 7/ 372.
(2) انظر: الإنصاف 7/ 372، والمغني 7/ 135، والشرح الكبير 7/ 27.
(3) في الأصل ((عصبتين)).
(4) انظر: المغني 7/ 140، والشرح الكبير 7/ 231، والإنصاف 7/ 373.
(5) انظر: شرح الزركشي 4/ 588، والإنصاف 7/ 425.
(6) انظر: شرح الزركشي 4/ 588 - 589، والإنصاف 7/ 452.
(7) انظر: الإنصاف 7/ 7، والمغني 7/ 245 - 247، والمحرر 1/ 416، والشرح الكبير 7/ 249، وشرح الزركشي 3/ 64.(1/634)
والثانيةُ: يُصرفُ وَلاءهُم في رِقابِ يُشتَرونَ فَيُعتَقونَ (1). وإنْ كَاتَبَ عَبداً فَأدَّى إلى السيدِ فَولاءهُ لِلسَّيدِ، وإنْ أدَّى إلى وَرَثتِهِ فَعَلى رِوايَتينِ:
إحداهُما: يَكونُ الولاءُ لِمَنْ أدَّى إليهِ (2)، فإنْ أدَّى البَعضُ إلى السيدِ والبَعضُ إلى الوَرثَةِ فَالولاءُ بَينَهُما عَلَى ذَلِكَ (3)، وإذا مَاتَ عَن أمِّ وَلدِهِ عُتقتْ عليهِ مِن رأسِ المالِ ووَلاؤُها لَهُ وَلعَصَبتِهِ مِن بَعدِهِ، وإذا عَتقَ الإنسانُ عَبداً يُباينُهُ في دِينِهِ فَلهُ وَلاؤُهُ وَهلْ يَرثُ بِهِ؟ عَلَى رِوايَتينِ:
إحداهُما: يَرثُ بِهِ (4). والثَّانيةُ: لا يَرِثُ (5)، كالنَّسبِ هُو ثَابتٌ ولا يَرثُ بِهِ مَعَ اختِلافِ الدِّينِ وَبيانُ ذَلكَ إذا أعتَقَ الكافِرُ عَبداً مُسلِماً ثُم مَاتَ المُعتِقُ وتَرَكَ مالاً وابنُ مَولاهُ كَافرٌ وعُمُّ مَولاهُ مُسلمٌ فَعَلى الروايةِ الأولَةِ المَالُ لابنِ مَولاهُ (6)، وَعَلى الثَّانِيةِ: المَالُ لِعَمِّ مَولاهُ (7). وإذا مَاتَ السَّيدُ قَبلَ المُعتِقِ وخَلَّفَ وَرثةً فَولاءُ العَبدِ باقٍ لِلسيدِ لا يَرثُهُ الورَثةُ /492 ظ/ وإنِّما يُورَّثونَ بِهِ كالنَّسبِ، وإذا مَاتَ المُعتِقُ بَعدَ السيدِ فَمَالُهُ لأقرَبِ عَصَبَاتِ السيدِ على ما بيَّنا مِن أقربِ العَصباتِ في مَسائلَ الصُّلبِ، وإذا مَاتَ وخلَّفَ ابنُ سَيدِهِ وابنَ ابنِ سَيدِهِ فالمَالُ لابنِ السَيدِ، وهَذا مَعنى قَولُهم الوَلاءُ لِلكَبيرِ وَنَقلَ حَنبلٌ أنَّ الولاءَ مَورُوثٌ كَما يُوَّرثُ المَالُ إلا أنه تَرثُهُ العَصباتُ دُونَ غَيرِهِمْ (8)، فإذا مَاتَ المَولى عَنِ ابنَينِ فَماتَ أحدُ الابنَينِ عَنِ ابنٍ ثُم مَاتَ العَبدُ المُعتقُ كَانَ مَالُهُ بَينَ ابنِ المَولَى وابنِ ابنِهِ نِصفَينِ (9)، والأول أصحُّ. ولا يَرثُ النِساءَ مِن الولاءِ إلا مَا أعتَقْنَ أو أعَتَقَ مَن أعتَقْنَ. وَنَقَلَ الخِرَقي عَنهُ في ابنِهِ المَولى خَاصَّةً أنَّها تَرِثُ مَعَ أخِيها (10).
__________
(1) انظر: المغني 7/ 245 - 247، والمحرر 1/ 4161، والشرح الكبير 7/ 249، وشرح الزركشي 3/ 64، والإنصاف 7/ 377 - 378.
(2) انظر: المحرر 1/ 416، والشرح الكبير 7/ 247، والإنصاف 7/ 375.
(3) انظر: المحرر 1/ 416، والشرح الكبير 7/ 247، والإنصاف 7/ 375.
(4) انظر: الإنصاف 7/ 383 - 384، والمغني 7/ 240 - 241، والشرح الكبير 7/ 253 - 254، وشرح الزركشي 3/ 55.
(5) قال في الخلاصة: لا يرث به على الأصح، وصححه في التصحيح. انظر: الإنصاف 7/ 3840، والمغني ... 7/ 240 - 241، والشرح الكبير7/ 253 - 254، وشرح الزركشي 3/ 55.
(6) انظر: الإنصاف 7/ 384.
(7) انظر: الإنصاف 7/ 384.
(8) انظر: المغني 7/ 244، والروايتين والوجهين 104/ب، والشرح الكبير 7/ 261، والإنصاف 7/ 388.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 104/ب، والإنصاف 7/ 387.
(10) انظر: شرح الزركشي 3/ 70 - 71. وانظر: المغني 7/ 264، والروايتين والوجهين 105/أ، والشرح الكبير 7/ 255، والإنصاف 7/ 384 - 385.(1/635)
ولا يَرِثُ مِنَ الوَلاءِ ذُو فَرضٍ إلا الأبُ والجَدُّ فإنَّهُ يُورَثهُما مَعَ الابنِ وابنِ الابنِ السُدسُ (1). ولا يُباع الولاءُ ولا يُوهبُ ولا يُتصدَّقُ بِهِ وَلا يُورَثُ بِالمُوالاةِ وَالمُعاقَدةِ، وَكونِهِما مِن أهلِ الدُّيونِ (2) في أصَحِّ الرِوايَتَينِ، وَعَنهُ نُقِلَ أنَّهُ ورَّثَ بِذلِكَ عِندَ عَدَمِ النَسبِ وَالولاءِ.
بَابُ جَرِّ الولاءِ
الولاءُ على ضَربَينِ: وَلاءٌ لا يَزولُ عَن مُستحقِه أبداً، وَهُو إذا بَاشَرَ الرَّجُلُ بِالعِتقِ رَقِيقاً كَانَ عَليهِ الوَلاءُ وعَلى أولادِهِ ومُعتِقيهِ لا يَزولُ عَنهُ أبداً، ولا يَنتقِلُ إلى مَولى أبِيهِ، فَلو مَاتَ المُعتِقُ وخلَّفَ عَصبةَ مَولاهُ، وإنْ بَعُدُوا وَمَوالي أبِيهِ فَمالِهِ لِعصبةِ مَولاهُ وإنِ انقَرَضتْ عَصبةُ مَولاهُ فَلمْ يَبقَ مِنهُم أحدٌ فَمالُهُ لِبيتِ المَالِ ولا ينتَقلُ وَلاؤُهُ إلى مَولى أبيهِ، ولو تَزوَّجَ عَبدٌ بِأمةٍ فَحَملتْ مِنهُ ثُم أعتقَ الأمةَ سيدُهَا في حَالِ كونِها حَامِلاً، فإنَّ حِملَها يَصيرُ حُراً وَولاؤُهُ (3) لِسيدِ أُمِّهِ لا يَزولُ عَنهُ لأنَّهُ هو المُباشِرُ لَهُ بِالعِتقِ، وَكذلِكَ إنْ أعتَقَها وَهُوَ لا يَعلمُ فَأتتْ بِهِ لِدونِ سِتةِ أشهُرٍ كَانَ لَهُ ولاءُ ذَلِكَ الوَلدِ لا يَنجَرُّ عَنهُ ولا يَزولُ، فأمَّا إنْ أعتَقَها ولَم يَعلمْ بِالحملِ، وأتتْ بِالولدِ لأكثرَ مِن سِتةِ أشهُرٍ مِن وَقتِ تَلفَّظَ بِالعِتقِ كَانَ الولدُ حُراً أيضاً وكانَ وَلاؤُهُ لِمَولى أُمهِ تَبعاً لولاءِ أُمهِ، فإذا أعتَقَ العبدَ سيدُهُ انجرَّ وَلاءُ هَذَا الوَلدِ مِن مَوالي أمِّهِ إلى مَوالي أبيهِ، فإنْ لَم يَعتَقِ الأبَ وأعتَقَ جدَّهُمْ /493 و/ سَيدُهُ لَم يُنجرِّ الولاءُ إلى مَوالي الجَدِّ في أصحِّ الرِوايتَينِ (4). وَنَقَلَ الحسنُ بنُ ثَوابٍ عَنهُ أنهُ ينجُرُّ مِنْ مَوالي الأمِّ إلى مَوالي الجدِّ إذا مَاتَ الأبُ أو كانَ بِحَالِهِ رَقيقاً (5)، فإنِ انقَرَضَ مَوالي الأبِ ومَوالي الجدِّ فإنَّهُ لا يَعودُ الولاءُ إلى مَوالي الأمِّ بِحالٍ بَعدَ انتِقالِهِ عَنهُمْ، ويَكونُ الولاءِ لجَماعَةِ المسلِمينَ. وإذا تَزوجَ العَبدُ بِمُعتَقَةٍ لقَومٍ فَولَدتْ لهُ ابنَاً فهوَ حُرٌّ وولاؤُهُ لمَوالي أُمِّهِ فإنِ اشتَرى الابْنُ أباهُ عَتَقَ عليهِ ولهُ عليهِ وعَلى أوْلادِهِ مِنْ حرَّةِ مُعتِقِهِ وعَلى مُعتِقِيْهِ الولاءُ، فأمَّا ولاءُ هَذا الابنُ المُشتَري للأبِ فَهو بَاقٍ
__________
(1) انظر: المحرر 1/ 418، والشرح الكبير 7/ 258، والإنصاف 7/ 386.
(2) في الأصل ((الديوان)).
(3) في الأصل ((وأولاده)).
(4) نص عليها في رواية أبي طالب فقال: الأب يجر الولاء فأما الجد فليس هو كالأب وفي رواية أخرى يجر. انظر: الروايتين والوجهين 105/ب، وانظر: المحرر 1/ 418 - 419، وشرح الزركشي 3/ 69، والإنصاف 7/ 389.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 105/ب، والمحرر1/ 419، وشرح الزركشي 3/ 69، والإنصاف 7/ 390.(1/636)
لمَوالي أُمِّهِ وَلا يَجُرُّهُ إلى نَفسِهِ لأنَّ الإنْسانَ لا يَصِحُّ أنْ يَكونَ مَولى نَفسِهِ كَما لا يَصِحُّ أنْ يَرِثَها ويَعقِلَ عَنها.
بَابٌ في دُورِ الوَلاءِ
إذا خَرَجَ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ قِسْطٌ إلى ميِّتٍ آخَرَ بحُكمِ الولاءِ ثمَّ رَجعَ مِنْ ذَلكَ القِسطِ جُزءٌ إلى الميِّتِ الأولِ بُحكِم الولاءِ أيْضاً كانَ هَذا الجُزءُ الراجِعُ قدْ دَارَ بَينهُما فَما الحُكمُ فَيهِ؟ قَالَ شَيخُنا أبو يَعْلى في المُجَرَّدِ يَكونُ لبَيتِ المَالِ لأنَّهُ لا مُستَحِقَّ لهُ بِعلمِهِ فجُعِلَ في بَيتِ المَالِ (1). وقَالَ شَيخُنا أبو عبدِ اللهِ الوَنيُّ في كِتابِهِ المُفرَدِ لمَذهَبِ أحمدَ قِياسُ قَولِ أحمدَ أنْ يَكونَ هَذا السَّهمُ الدَّائِرُ مَردُودَاً عَلى مَوالي أُمِّ الميِّتِ ولا يَقعُ الدَّورُ في مَسألَةٍ حتى تَجتَمِعَ فيْها ثَلاثَةُ شُروطٍ:
الأولُ: أنْ يَكونَ المُعْتَقُ اثنَينِ فصَاعِداً.
والثَّاني: أنْ يَموتَ في المسْالَةِ اثنانِ فصَاعِداً.
والثَّالثِ: أنْ يَكونَ البَاقِي مِنهُمْ يُجَوِّزُ إرْثَ الميِّتِ قَبلَهُ.
ومِثالُ ذَلكَ (2): اثنتَانِ عَليهِما ولاءٌ لمَوالي أٌمِّهِما اشَترَيا أباهُما (3) فَعَتَقَ عَليهِما بَينَهُما نِصفَينِ فالوَلاءُ بَينَهُما، للكُبْرى نِصفُ ولاءِ الأبِ، ونِصفُ ولاءِ الصُّغرَى بِجَرِّ الأبِ إليْها ذَلكَ، وللصُّغرَى كَذلكَ ويَبقَى نِصفُ ولاءِ كُلِّ واحِدَةٍ لمَوالي أُمِّها، فإنْ ماتَتِ الكُبرى ثمَّ ماتَ الأبُ بَعدَها فالأخْتُ الباقِيةُ تَستَحِقُّ تِسعَةَ أثمَانِ المَالِ، نِصفَهُ بمِيراثِ النَّسَبِ، ورُبعَهُ بكَونِها [جَاءَ مَولاه نَصفَهُ والرُّبْعُ الباقي لمَوالي الميتَةِ وهُمْ أخْتهَا ومَوالي أُمِّها فيَكُونُ الرُّبْعُ بَينَهُما للأختِ الباقِيةِ] (4) نِصفَهُ وهوَ ثَمَنُ المالِ والثَّمنُ البَاقي لمَوالي الأمِّ فَصارَ للباقيةِ سَبعَةُ أثْمانِ المالِ ولمَوالي أُمِّها /494 ظ/ ثُمنُهُ، فإنْ مَاتتِ الأخْرَى وكانَ مالُها لمَواليْهَا وهُمْ أُختُها الصُّغْرى ومَوالي أُمِّها فَجُعِلَ مالُها الذِي أخَذَتهُ بالولاءِ مِنَ الصُّغرَى وهوَ النِّصفُ مَقسُومَاً بالسَّويَّةِ بَينَ الأخْرَى ومَوالي الأمِّ لمَوالي الأمِّ نِصفُهُ وهو الرُّبْعُ وللصُّغْرى نِصفُهُ وهوَ الرُّبْعُ فهَذا الرُّبعُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مَالِ الصُّغْرى إلى مَوالي أختِها الكُبرى، ثمَّ عَادَ إليْها لأنَّها مَولاةٌ لنِصفِ أختِها، وهَذا هوَ الجُزْءُ الدَّائِرُ، فمَنْ جَعلَهُ لبَيتِ المالِ جَعلَ المسألَةَ مِنْ أربَعَةٍ، سَهمَانِ لمَوالي أمِّهَا وسَهمٌ لمَوالي أمِّ الكُبرى، وسَهمٌ لبَيتِ المالِ، ومَنْ جَعلَهُ لِمَوالي الأمِّ جَعلَ ثَلاثَةَ أربَاعِ المَالِ لمَوالي أمِّ الصُّغرَى ورُبْعَهُ لمَوالي أمِّ الكُبْرى.
__________
(1) انظر المغني 7/ 262.
(2) طمست في الأصل.
(3) في الأصل ((اياهما))، وانظر: المقنع: 196.
(4) العبارة وردت هكذا في المخطوط.(1/637)
بابُ إذا أقَرَّ الورَثةُ بوارِثٍ يُشارِكُهُمْ في المِيْراثِ
أمَّا الإقْرارُ بالمناسِبينَ ومَا يَثْبُتُ مِنْ ذَلكَ ومَا لا يَثبُتُ فَقدْ ذَكرْناهُ في كِتَابِ الإقْرارِ، ونَذكُرُها هُنا إذا أقرَّ الورَثَةُ بِوارِثٍ يُشارِكُهُمْ في الميْراثِ كَمْ يُعْطى؟ وكَيفِ طَريْقُ العَمَلِ في ذَلكَ؟ إذا أقرَّ الورَثَةُ في الظَّاهِرِ بِوارِثٍ للمَيِّتِ يَثبُتُ نَسَبُهُ مِنهُ، سَواءٌ كانُوا جمَاعةً أو واحِداً، وسَواءٌ كَانَ المُقَرَّ بهِ إذا ثَبتَ نَسَبُهُ يَسقُطُ المُقِرَّ أو لا يَسقُطُ، فأمَّا إذا اختَلفُوا فأقَرَّ بَعضُهُمْ بِوارِثٍ وأنْكَرهُ الآخَرُ لمْ يَثبُتْ نَسَبُهُ في المشْهُورِ مِنَ المذْهَبِ (1) إلاَّ أنْ يَشهَدَ مِنْهُمْ عَدْلانِ أنهُ وُلِدَ عَلى فِراشِهِ، وأنَّ الميِّتَ أقَرَّ بِهِ، وإذا قُلنَا لا يَثبُتُ نَسَبُهُ وإنَّهُ يَستَحقُّ ما فَضَلَ في يَدِ المُقِرِّ بِهِ عَنْ مِيراثِهِ. فَطَريْقُ العَمَلِ أنْ تُصحَّحَ الفَريضَةُ عَلى الإنْكارِ ثمَّ تُصحِّحَها عَلى الإقْرارِ ثمَّ تَضرِبَ أحْدى الفَريضَتينِ في الأخْرى إنْ تَبايَنا وفي وَفقِهمَا إنْ تَوافَقا فمَا بَلغَ فمِنْهُ تصِحُّ المسائِلُ وكُلُّ مَنْ لهُ شَيءٌ مِنْ فَريضَةِ الإقْرارِ مَضرُوبٌ في فَريضَةِ الإنْكَارِ وفي وَفقِهَا ومَنْ لهُ شَيءٌ مِنْ فَريضَةِ الإنْكَارِ مَضرُوبٌ في فَريضَةِ الإقْرارِ وفي وَفقِهَا فَيُبَيِّنُ لكَ ما في يَدِ المُقِرِّ مِنَ الفَضلِ فَيُعطيهُ للمُقَرِّ لهُ.
مِثالُهُ: إذا خَلَّفَ ابنَينِ فاقتَسَما مَالَهُ فأقَرَّ /495 و/ أحَدُهُما بأخْتٍ مِنْ أبيهِ، وأنكَرَ الآخرُ نَقولُ فَريضَةُ الإقرَارِ مِنْ خَمسةٍ وفَريضَةُ الإنكَارِ مِنِ اثنَينِ تَضرِبُ إحْدى المسْألتَينِ في الأخرِى يَكُنْ عَشْرَةٌ للمُقِرِّ مِنْ فَريضَةِ الإقْرارِ سَهمَانِ في فَريضَةِ الإنكَارِ وهِي اثنَتانِ تَكُنْ أربَعةٌ، وللمُنْكِرِ مِنْ فَريضَةِ إنكَارِ سَهْمٌ في فَريَضِة الإقْرارِ تَكُنْ خَمسَةٌ فَقدْ بَانَ أنَّ الفَاضِلَ في يَدِ المُقِرِّ سَهْمٌ فَيَدفَعُهُ إلى الأخْتِ فإنْ لمْ يَكُنْ في يَدِ المقِرِّ فَضْلٌ عَنْ حَقِّهِ بَلْ كانَ الفَضلُ في يَدِ غَيرِهِ مِنَ الوَرثَةِ لمْ يَستَحِقَّ المُقِرِّ بِهِ عَليهِ شَيءٌ إذْ لَيسَ في يَدِهِ زِيادَةٌ عَلى مِيراثِهِ، ومتى أقَرَّ الوارث بوَارِثَينِ أو أكثَرَ بِكلامٍ واحِدٍ مُتَّصِلٍ ولا مُشارَكةٍ لهُ في الميراثِ فلا يَخلو أنْ يُصَدِّقَ بَعضُهُمْ بَعضَاً أو يَتَجاحَدوا، فإنِ اتَّفَقوا ثَبتَ نَسَبُ الجَميْعِ وإنْ اخْتَلفوا فأقَرَّ كُلُّ واحِدٍ مِنهُمْ بِذلكَ في حَقِّ نَفسِهِ وجَحَدَهُ في حَقِّ الذي أقَرَّ بهِ مَعهُ ثَبتَ نَسبُ الجمِيعِ ولمْ يلتَفت إلى تَجاحُدِهِمْ لأنَّ نَسَبهُمْ ثَبتَ في حَالةٍ واحِدَةٍ بِقولِ الوَارِثِ الثَّابِتِ النَّسَبِ قَبلهُمْ ويَحتَملُ أنْ لا يَثْبُتَ نَسَبُ واحِدٍ مِنهُمْ لأنَّهُ يَجعَلُ الإقْرارَ مِنْ جَميعِ الورَثَةِ فإنْ كانَ مَعَ المُقِرِّ الأوَّلِ شَريْكٌ في المِيْراثِ نَظَرنا فإنْ كَذَّبَهُ في الإقْرارِ لمْ يَثْبتِ النَّسَبُ وكانَ على المُقِرِّ أنْ يَدفَعَ ما فَضَلَ في يَدِهِ إلى المُقَرِّ بهِ، وإنْ صَدَّقَهُ شَريكُهُ
__________
(1) انظر: الإنصاف 7/ 363.(1/638)
فِيهِمْ دَفعَا الفاضِلَ في أيدِيهِما إلى المُقَرِّ بهِ وإنْ صَدَّقَهُ شَريكُهُ في بَعضِهِمْ دُونَ الآخَرِ ثَبتَ نَسَبُ مَنِ اتَّفَقا على الإقْرارِ بهِ ووفَّى حَقَّهُ، ودَفَعَ المقِرُّ إلى المُقَرِّ بهِ المُخْتَلَفِ فيهِ ما فَضَلَ في يَدِهِ عَنْ مِيراثِهِ.
مِثالُهُ: إذا تَرَكَ الرَّجُلُ ابْنَينِ زَيدَاً وعَمْراً فاقْتَسمَا مالَهُ بَينَهُما نِصفَينِ ثمَّ أقَرَّ زَيدٌ بأخَويْنِ مِنْ أبيْهِ بَكْرٌ وبِشْرٌ، فَصَدَّقَهُ عَمرٌو وفي بَكرٍ خَاصَةً، فَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُ بَكرٍ لاتِّفَاقِ الوَرَثَةِ عَليهِ فَيأخُذُ ثُلُثَ المَالِ ويأخُذُ عُمَرٌو ثُلُثَهُ ويأخُذُ زَيدٌ رُبْعَهُ، وبِشْرٌ نِصفَ سُدُسِهِ وتَصِحُّ مِنِ اثْني عَشَرَ، وإنْ كانَ بَكْرٌ يُصَدِّقُ بِبِشرٍ، وبِشْرٌ يُصَدِّقُ /496 ظ/ بِبَكرٍ فإنَّ بَكْراً يأخُذُ مِنْ يَدِ زَيدٍ وعمرٍو رُبْعَ ما في أيدِيهِما فيَأخُذُ بِشْرٌ ثُلُثَ مَا بَقِيَ في يَدِ زَيدٍ، ويَصِحُّ مِنْ ثَمانِيَةٍ لِعَمرٍو ثَلاثَةٌ ولِزَيدٍ سَهمَانِ ولِبَكرٍ سَهمَانِ ولِبِشرٍ سَهْمٌ (1)، فإنْ تَركَ الرَّجُلُ ابنَاً يُقالُ لهُ بكرٌ فَأقرَ بأَخٍُ يقالُ لهُ خالدٌ فإنهُ يَثبتُ نَسَبُهُ، ويُعطيهِ نِصفَ مَا في يدِهِ فَإنْ اقرَّ زيدٌ بعدهُ بأخٍ آخرَ يُقالُ لهُ عَمروٌ فإنَّهُ يُعطيهِ ثُلُثَ مَا في يدِهِ وهو سُدُسُ المالِ لأنه يقولُ: نحنُ ثَلاثَةٌ فلي ثُلُثُ المالِ ويفضُلُ في يدِي سُدُسٌ فيُسلّمُهُ إليهِ، فإن أَقرَّ بِأخٍ يُقالُ لهُ بشْرٌ أعطَاهُ رُبُعَ مَا في يدهِ ونِصفَ سُدُسِ المالِ، وإن أقر بآخَرَ أعطَاهُ خُمُسَ مَا في يَدِه وهو نِصفُ عُشرِ المَالِ وعَلَى هذا كُلَّمَا أقرّ بِأخٍ أعَطَاهُ مَا فَضَلَ في يدِهِ عَن مِيراثِهِ هَذَا إِذاَ كَانَ المقِرُ لم يكَذب بَعضُهُمْ بَعضَاً، فإن تَصَادَقُوا أَخَذَ كُلُّ واحدٍ ممَّن صَدَّقَ بهِ مَا فَضَلَ في يدِهِ. فإن خَلّفَ رجلٌ أخا لأِب وأخا لأمٍّ فَادَّعَى مَجهُولُ النَّسبِ أنهُ أخُ الميَّتِ لأبيهِ وأمِّهِ، فإن صَدَّقَاهُ أخَذَ مَا في يَدِ الأخِ مِن الأبِ ولم يأخُذ من يد الأخِ من الأمِّ شَيئاً، وإن صَدَّقَهُ الأخُ من الأمِّ وَكذَّبهُ الأخ من الأبِ لم يَستَحِقَّ شيئاً من المِيرَاثِ، وإن صَدَّقَهُ الأخ من الأبِ وكذَّبهُ الأخ من الأمِّ دَفَعَ إليهِ الأخُ من الأبِ نِصفَ مَا في يَدِهِ، وإذا قال مجهولُ النَّسبِ في يَدِيِ مالٌ لمجهولِ النَّسبِ مَاتَ أبي فَوَرِثتُ هَذَا المالَ وأنتَ أَخَيِ وابنَ أبي فَقالَ المقَرُّ بهِ أنا ابنُ هذا الميِّتِ ولستَ بِأخي لم يُقبلْ إنكارُهُ وقُسِمَ المالُ بَينَهُما بالسَّويةِ فإن قَالَ لهُ: مَاتَ أبوكَ وخلّفَ هذا المالَ وأنا أخوكَ، فقالَ: لَستَ بِأخي فَالمالُ كُلهُ للمُقَرِّ بهِ، فإن قَالَ لِرجلٍ: مَاتَتْ زَوجَتي فُلانةُ وأنتَ أخُوهَا تَرثُ نِصفَ المالِ، فقالَ الرجلُ المُقرُّ بهِ: أنا أخُوهَا ولَستَ بِزوجِها فالقَولُ قَولُ الأَخِ في أحَدِ الوَجهَينِ (2) لأنَّ النكاحَ مما يمكنُ إقامةَ البَينةِ عَلَيهِ والوَجهُ الآخَرُ يَقتَسِمَانِ المالَ. /497 و/
__________
(1) انظر: الإنصاف 7/ 364، وانظر: المقنع: 193، والهادي: 289، والمحرر 1/ 420 - 421.
(2) انظر: الإنصاف 7/ 366، والمقنع: 192، والهادي: 290، والمحرر 1/ 422.(1/639)
بَابُ قِسمَةِ التَرِكَاتِ
إذا كَانَتِ الترِكةُ مما يُكالُ ويوزنُ ويُذرعُ ويُعدُّ فالوَجهُ في القِسمةِ أن تُصحَّحَ المسَألةُ ثم تُضربَ سَهامُ كُلِّ وارثٍ في عَدَدِ التَركَةِ، فَمَا بَلغَ قَسمَتَهُ على سِهَامِ المسَألةِ، فَمَا خَرجَ بِالقَسمِ فهو نَصيبُهُ وإن شئِتَ أن تَقسِمَ التَركَةَ عَلَى ما صَحَّتْ مِنهُ المسَألةُ من السِهامِ، فَمَا خَرَجَ بالقَسمِ ضَرَبتهُ في سِهام كُلِّ وارثٍ فَمَا اجتمعَ فهو نصيبُهُ، فإن كَانَ بين المسألةِ والترِكةِ مُوافقةٌ أخَذَتَ وَفقَيهَا وعَمَلتَ فيهمَا على مَا ذَكَرنَاهُ من العَمل في أصليهِمَا، فإن كَانَتِ المسألِةُ من عَددٍ أصمًّ كَثَلاثَةَ عَشَرَ أو سَبعةَ عَشَرَ وتِسعةَ عَشَرَ وما أشبه ذلك من الأعداد المُفردةِ غير المُرَكَّبةِ والتَرِكةِ أقلَّ من ذَلِكَ أو أكَثَرَ، فاضرِب سِهامَ كُلِّ وارثٍ في التَرِكةِ، فَمَا بَلَغَ فَاقسِمهُ على المسألةِ، فإن بقِيَ ما لا يَبلغُ دِينَاراً فَابسطهُ قَرَاريطَ، بِأن تَضرِبَهُ في عِشرينَ ثمُ اقسمهُ على الفَريضَةِ فإن بقِيَ مالاً يبلغُ قيراطَاً فابسُطهُ حَبَّاتٍ (1)، بأن تَضربَهُ في أَربَعَةٍ ثم تَقسمَهُ عَلى الفَريضَةِ فَمَا بقيَ فانسبهُ من أجزاءِ ... الأرزَّةِ (2)، فإن كَانَ فَوقَ الدينارِ قيرَاطٌ أو حُبوبٌ أو أنصافُ حبُوبٍ قَسَّمتَ الصِّحَاحَ أولاً ثم بَسَّطتَ الكَسرَ من جِنسِ أقَلهِّا ثم ضَربتَ سِهَامَ كُلِّ وارثٍ في بَسطِ الكُسُورِ وقَسَّمتَ ذَلِكَ عَلَى المسألةِ على مَا بَينَّا، فإن كانتِ التركَةُ من الموزُونَاتِ بالأمنَانِ (3) والأرطَالِ (4) أو المكيلاَتِ كالحُبُوبِ فإن العَملَ فِيهَا كالعمَلِ في الدَّراهِمِ والدَّنَانِيرَ إلا أنَّكَ تجعلُ موَضِعَ الدِّينَارِ قَفِيزَاً أو مَناً، ومَوضِعَ القِيرَاطِ أوقيةً ومَكُوكَاً ومَوضِعَ الحبَّةِ رُبعَ أوقيةٍ وكَيلجَةٍ وَتَعمَلُ عَلَى مَا ذَكَرنَا مِن البَسطِ والقِسمةِ. وإن كَانتِ التَرِكَةُ عَقَارَاً أو حَيواناً أو شَيئاً مما لا يُقسمُ كالحَمَامِ والرُّخَا والعَبدِ فصححِ المسألةَ وانسِب سِهَامَ كُلِّ وارثٍ منها بِنصفٍ أو رُبعٍ أو خُمسٍ ومَا أشبهَ ذَلِكَ من الكسورِ، ثم انسب مثلَ ذلك من التركةِ، فإن كانتِ المسألةُ من عددٍ أصمٍّ لا ينتسبُ، فاجعل التركةَ كالدرهمِ، وأضرِب سِهامَ كل واحدٍ في حباتِ الدِّرهمِ: وهي ثمانيةٌ وأربَعَونَ، واقسِم ذلك على المسَألةِ فما خَرجَ من ذلِك كَان لهُ من العقارِ مثلَ نسبةِ ذلك من الدِّرهمِ. /498ظ /
__________
(1) وهو يساوي (050115و0و0) من كسور الغرام. معجم متن اللغة 1/ 89.
(2) الأرزّة: وهي مفرد الأرزّ. انظر لسان العرب 1/ 45.
(3) الأمنان: مفرده المن: ويساوي (562و618و0) من الغرام وكسور الغرام. انظر: معجم متن اللغة 1/ 89.
(4) الأرطال: مفرده رطل: ويساوي (281و209و0) من الغرام وكسور الغرام. انظر: معجم منتن اللغة 1/ 89.(1/640)
بابُ المجهولاتِ
إذا كان في التركةِ شيءٌ تجهلُ قيمتُهُ فأخذَهُ بعضُ الوَرَثةِ بنصيبِهِ فإنكَ تُسقطُ سِهَامَ الوارثِ الذي أخَذَ المجهولَ من المسألةِ ثم تنُظرُ مَا بقيَ من المسألةِ فتجعلُهُ الجزءَ المقسومَ عَليهِ، ثم تعودُ فتضربُ سِهَامَ ذَلِكَ الوارثِ في معلوُمِ التَركَةِ فَمَا بَلغَ قسمتَهُ على ذَلِكَ الجُزءِ، فما خَرَجَ فهو نَصيبُهُ وهو قيمةُ المجهولِ، فإذا أردتَ امتحانَ ذلك ضَمَّمتَ ما خرجَ بالقسمِ إلى معلومِ التركَةِ ثم ضَربتَ سِهَامَهُ في جمَيعِ ذلكَ ثم قَسَمتَهُ على سِهَامِ الفريضَةِ فإن خَرجَ مثلُ الأولِ فقد صَحَّ العملُ وإلا عُدتَ فيهِ، وإن عَمِلتَ بالجبرِ والمقابلةِ قلتَ المجهولُ شيءٌ استحقَّهُ الوارثُ بقدرِ سهامِهِ من المسألةِ فيستحقُّ بقيةُ الوَرَثةِ بِبقيةِ سِهَامِهِم كَذَا وَكَذَا شَيئاً يجعلُ لكلِّ شيءٍ مِثلَ سِهَامِ من أخَذَ المجهولَ ثم تجَمعُ الأشياءَ التي حَصَلَت لِبقيةِ الورثةِ فتُقومُهَا بمعلُوم الترِكةِ فَمَا خَرجَ قيمةٌ كُلِّ شيءٍ علمتَ أنهُ قيمةُ المجهولِ.
فَصلٌ
فإن أخَذَ أحدُ الورثةِ المجهولَ، وردَّ عَلَيهِم دَنَانيرَ فَضُمِّ الدنانيرَ التي رَدَّهَا إلى مَعلومِ التركةِ، ثم اضرِب سِهَامَ الوارثِ في جميعِ ذَلِكَ، فَمَا بَلَغَ فاقسمهُ على الجُزءِ فَمَا خَرَجَ فهو نَصيبُ الوارثِ فأضِف إليهِ ما رَدَّه عَلَى الوَرَثةِ من الدَّنانيرِ فما صَارَ فهو قيمةُ المجهولِ.
فصلٌ
فإذا أخذَ الوارثُ المجهولَ، وَأخذَ مَعَهُ دنانيرَ فالقِ ما أخَذَ من العَينِ ثم اضرِب سِهَامَهُ في الباقي وَاقسِم ذلكَ على الجزُءِ فَمَا خَرجَ بالقَسمِ فهوَ نصيبهُ، فَالقِ مِنهُ الدنانيرَ التي أخذَهَا، وانظر مَا بقيَ فهو قيمةُ المجهولِ.
فصلٌ
فإن كَانَ في الترِكَةِ مَجهُولاتٌ قيمَتُهَا سواءٌ، فَأخَذَ أَحَدُ الوَرَثةِ أحَدُ المجَهولين، فالقِهِ من التَركَة، وَألقِ الآخَرَ مَعَهُ وألقِ مِنَ المسألةِ سِهَامَ الوارثِ الذي أخَذَ المجهولَ، ومثلَ سِهَامِهِ، فما بقِي فهو الجزءُ المقسومَ عَلَيهِ، فاضرِب /499 و/ سِهَام الوارثِ في مَعلومِ الترِكَةِ واعمَل على ما ذَكَرنَا. وإن كَانَ هُناكَ أخذٌ أو ردٌّ فاعمَل فيهِ وفي المجهولِ الآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، فإن كَانَ بين المجهولَينِ تفاضُلٌ في القسمَةِ فأضِف مِقدارَ التَفاضُلٌ إلى معلُومِ الترِكةِ حتى يَتَسَاوَى قيمةُ المجهولَينِ، واعمَل على مَا قَدَّمَنا مِن العملِ، فَإذَا عَلمتَ قيمةَ(1/641)
كُلِّ مجهولٍ أضفتَ الفَضلَ إلى الأَرفَعِ فَمَا صَارَ فهو قيمتُهُ.
فصلٌ
فإن أَخَذَ بَعضُ الوَرَثةِ بدينِهِ وميراثِهِ جزَءَاً من الترِكَةِ كَالثُلثِ والرُبعِ ونحوهما فصححِ المسالةَ، وأسقِط مِنهَا سِهَامَ ذَلكَ الوَارثِ فَمَا بقيَ فاضربهُ في مخرجِ الجزُءِ الذي أخَذَُ فأسقِط مِنهُ الجزءَ المأخوذَ الوارثُ، فمَا ارتفَعَ مِنهُ فهو الترَكَةُ ثم ارجع إلى مخرجِ الجزءِ الذي أخَذَهُ فأسقِط مِنهُ الجزءَ المأخُوذَ، فَمَا بقي فاضرِبهُ فِيمَا صَحَّتْ مِنهُ المسألةُ، فما بلَغَ فهو المِيراثُ، ومَا بقِي من الترِكةِ فهو الدَّينُ.
فصلٌ
فإن قِيلَ لَكَ رَجُلٌ تَرَكَ من الوَرَثةِ كَذَا وكَذَا فَاستَحقَّ بَعضُهُم كذا وكذا دِيناراً كَم كَانَتِ التَرِكةُ، فإِنكَ تَضربُ مَا أخذَهُ منَ المسألةِ وَتَقسِمُ ذلكَ على سِهَامِهِ، فَمَا خَرَجَ فهوَ الترِكَةُ. وإِن شِئتَ ضَرَبتَ مَا أَخذَهُ مِنَ المَسْألَةِ في سِهَامِ الوَرَثةِ وَتَقسِمُ ذَلكَ عَلى سِهَامِهِ، فَمَا خَرَجَ فهو التَرِكَةُ، وَإن شئتَ ضَربتَ ما أخذه في سهامِ الورثةِ ثم قسمّتَ ذَلكَ عَلى سِهَامِهِ فَمَا خَرجَ فهوَ بَاقِي التركةِ فأَضِف إليهَا مَا أُخِذَ تَكُنْ جمُلةَ التَرِكَةِ، وإنِ شِئتَ فاقسِم الدنانيرَ التي أخَذَهَا على سِهَامِهِ، فَمَا خَرجَ ضَربتَهُ في المسألةِ، فَمَا كَانَ فهوَ التركِةُ.
مثالهُ: امرَأةٌ تركتْ زَوْجَاً وَأبوينِ وَابنتينِ فَأَخذَ الزَّوجُ بِمِيرَاثهِ اثنَي عَشَرَ دِينَارَاً كَمْ كَانَتِ الترِكَةُ؟ إنْ شِئْتَ ضَربْتَ الإثنَي عَشَرَ فِي سِهَامِ المَسْألةِ وَهيَ خمسةَ عَشَرَ تَكُنْ مئةً وَثَمَانِينَ فتُقَسِمُّها عَلَى سِهَامِهِ تَخرجُ سِتِينَ فَهيَ الترِكَةُ، وَإنْ شِئتَ ضَرَبتَ /500 ظ/ اثنَي عَشَرَ فِي سِهَامِ بَاقِي الوَرَثَةِ وَهيَ اثنَا عَشَرَ تَكُنْ مئةً وأربعةً وأربعِيَن فتُقَسِمُّها عَلَى سِهَامِه يخرجْ القِسمُ ثمَانِيةٌ وَأرْبَعُونَ فإذَا أضَفْتَ إليهِ مَا أُخِذَ فَهوَ الترِكَةَ، وَإِنْ شِئتَ قَسَمتَ مَا أَخذَ عَلَى سِهَامِهِ تخرج أربعةُ دنانيرَ فَتضربُهَا في المَسألَةِ تَكُنْ سِتِينَ فَهيَ جُملةُ المسألةِ.
بَابُ المنَاسَخَاتِ
مَعنَى المنَاسَخَةِ: أنْ يَمُوتَ الإِنْسَانُ فَلا تُقسَّمُ تَرِكَتهُ حتى يَموتَ بَعضُ وَرَثَتِهِ فَلا يَخْلو أنْ يَكُونَ وَرَثَةُ الثَّانِي يَرثُونَهُ عَلى حَسَبِ مَا كَانُوا يَرِثُونَ الأولَ مِثْلُ: أنْ يَكونوا عُصْبَةً لهمَا، فَإنَّكَ تُقسِمُ التَركَةَ على مَنْ بَقيَ وَلا تَلتَفِتْ إلى الميِّتِ، أو يَكونُ في المَسأَلَةِ مَن يَرِثُ منَ الأولِ دُونَ الثَّانِي فَتُعطِيهِ حَقَهُ، وَاجْعَلِ البَاقِي بَيْنَ وَرَثَةِ الأوَلِ، وَالثاني عَلى مَا ذَكَرْنَا، أو يَكُونَ وَرثَةُ الثاني لا يَرِثُونَهُ عَلى حَسبِ مَا وَرِثَ الأولُ، فإنكَ تُصححُ مسألةَ الأولِ وَتَنْظُرُ سِهَامَ الثاني مِنهَا، فإِن انقَسَمَتْ على وَرَثَتِهِ قسمةً صَحِيحَةً فَقَدْ صَحَّتِ المسألَتَانِ مِمَا صَحَّتْ مِنهُ الأولى، فَمَنْ لَهُ شَيٌ مِنَ الأولى بَاقٍ بِحَالِهِ(1/642)
وَتُضِيفُ إليهِ مَا وَرِثَهُ مِنَ الثاني، فإنْ كَانتْ سِهَامِ الثاني لا تَنقسمُ على مَسألتهِ وَلا تُوافقُهَا، فَصَححِ المسألةَ الثانيةَ ثُمَّ اضربهَا في المسألةِ الأولى، فمَا بَلَغَ صحتْ منهُ المسألتَانِ، ثُمَّ كلُّ مَنْ لَهُ مِنَ المسألةِ الأولى مَضْروبٌ في المَسألةِ الثانيةِ وَمَنْ لَهُ شيٌ مِنَ الثانيةِ مضروبٌ فِيمَا مَاتَ عنهُ الميِّتُ الثاني، فَإِنْ كَانتْ سهَامُ الثاني تُوافِقُ مَسألتَهُ فاضرِبْ وَفقَ مسألتِهِ في المسألةِ الأولى، فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ منهُ المسألتَانِ ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيءٌ مِنَ الأولى مَضْروبٌ في وَفْقِ الثَّانِيةِ وَمَنْ لَهُ شَيءٌ مِنَ الثَّانِيةِ مَضْرُوبٌ في وَفْقِ ما مَاتَ عنهُ الميِّتُ الثَّاني.
فَصلٌ
فإنْ مَاتَ ثَالثٌ وَرَابِعٌ وَخَامِسٌ /501 و/ فإنَّكّ تُصححُ المسألتينِ الأُولَيينِ على مَا ذَكَرنَا ثم تَنظُرُ مَا صَارَ لِلثَّالِثِ، فإن انقَسَمَ عَلَى وَرَثتِهِ قِسمَةً صَحِيحَةً فقد صَحَّتِ الثُلُثُ مِمَّا صَحَّت منهُ الأوليانِ وان لم تَصِح، فاضرِبِ المسأَلةَ أو وفقَهَا إن وافَقَت سِهَامَهُ فيما صَحَّت مِنهُ الأولَيانِ، فَمَا بَلَغَ فَمِنهُ تَصِحُ الثُلُثُ وَهَكَذَا تَفعلُ في الرَّابِعِ والخَامِسِ وأكثَرَ من ذلِكَ، فكلُّ مَسأَلةٍ انقَسَمت سَهَامُ المَيِّتِ فيها على وَرَثتِهِ قِسمَةً صحيحَةً، فإنَّكَ لا تَعتَدُّ بها وتضرِبُ مَا قَبلهَا فِيمَا بَعدَهَا، ومن لَهُ شيءٌ مضرُوبٌ فيما خَرَجَ من قِسمَةِ سِهَام ميِّتِهِمْ على مسألتِهِ، ثم في مَسَائِلِ من مَاتَ بَعْدَهُ، وإذا أردَّتَ القِسمَةَ، فكلُّ من لَهُ شيءٌ من الأولىَ مضرُوبٌ في الثَّانيةِ أوفي وفقِهَا، ثم في الثَّالِثَةِ أو في وفقِهَا، ثم في الرَّابِعَةِ أو في وفقِهَا وعلى هذا أَبَداً، وكلُّ من لَهُ شيءٌ من الثَّانيةِ مضرُوبٌ فِيمَا مَاتَ عنهُ الميتُ الثَّاني أو في وفقِهِ ثم فِيمَا بعد من المَسَائِلِ، وكذلِكَ في الرَّابعِ والخامِسِ وما زَادَ.
فَصْلٌ
وَمَتىَ كَانَ وَرَثَةُ الأولُ لا يرثُونَ من الثَّاني، وَوَرَثَةُ الثاني لا يَرثُونَ من الثَّالِثِ، وَوَرَثَهُ كلِّ ميِّتٍ ينفردُونَ بميراثِهِ لا يُشَارِكُهُم غيرُهُم فيهِ، فإنَّكَ لاَ تحتَاجُ إلى ما ذَكرنَا من العَمَلِ، ولكنَّكَ تُصحِحُ المسأَلةَ الأولَى، ثم تنظُرُ مَا لكلِّ ميِّتٍ منها من السِّهَامِ فَتُقّسمُهُ على مسألتِهِ، فإن لم يَنقَسِمْ قِسمَةً صَحيحَةً جَعَلتَ المَسَائِلَ كُلَّهَا كأعدَادٍ قد انكسَرَت علَيهِم سِهَامُهُم، فَتضَرِب بعضَهَا في بعضٍ إن تَبَاينَتْ، أو وفقَ بَعضِهَا في بعضٍ. إن اتَّفَقَت، فما اجتمَعَ ضَرَبتَهُ في المسألَةِ الأولى، فَمَا بَلَغَ فمنهُ تَصِحُّ المسائِلُ كُلُّهَا، فَإذَا أرَدَّتَ القِسمَةَ فكُلُّ من لَهُ شيءٌ من المسأَلةِ الأولى مضرُوبٌ في العَدَدِ المضرُوبِ في المسأَلةِ الأولى، وكُلُّ من لهُ شيءٌ من الثَّانيةِ مضرُوبٌ فِيمَا [مَاتَ عنهُ] (1) الميِّتُ الثَّاني
__________
(1) كلمة طمست في الأصل.(1/643)
ثم في /502 ظ/ مَسَائِلِ المُتوفينَ بعدَهُ مَسأَلةً بعد مَسأَلةٍ، أو في وفقِ مَا يوافِقُ منها حتَّى يَنتَهِي إلى آخِرِهِم، وكذلِكَ تَفعَلُ بِورِثَةِ كلِّ مَيِّتٍ تضربُ مَالَهُ فيما مَاتَ عنهُ ذلِكَ الميِّتُ، ثم في مسَائِل من مَاتَ معهُ سِوَى المَسأَلةِ الأولى. وفي القِسمَةِ وجهٌ آخَرُ وهو أن تَنظُر كُلَّ من لَهُ شيءٌ من المَسألَةِ الأولى فَتَضربَهُ فيما ضَرَبتَهُ فيها فمَا بَلَغَ فهو لَهُ، فَإن كَانَ حَيِّاً أخَذَهُ وإن كَانَ مَيتَاً قَسَمتَهُ عَلَى مَسأَلَتِهِ، فَمَا خَرَجَ ضَرَبتَهُ في سِهَامِ كُلِّ واحِدٍ مِن وَرثتِهِ.
بَابٌ في اختِصَارِ مَسَائِلِ المُنَاسَخَاتِ
وَيَقَعُ الاختِصَارُ في ذَلِكَ من وَجْهَينِ:
أحَدِهِمَا: قَبلَ القِسمَةِ وهو على ما يَثبُتُ لَكَ في أولِ بَابِ المُناسَخَاتِ من أن يَكُونَ وَرَثَةُ الميِّتِ الثَّاني هُم وَرَثةُ الميِّتِ الأولِ، وَوَرَثةُ الميتِ الثالِثِ هُم وَرَثَةُ الثَّاني والأولِ وَوَرَثَةُ كُلِّ ميتٍ وَرَثَةُ مَن قَبلَه لا يُشَاركُهُم في ذَلِكَ غيرُهُم، فإنَّكَ لا تحتاجُ إلى قِسمَةٍ وتنظُرُ إلى آخِرِ من بقيَ، فَتقَسِمُ المالَ بينهُم عَلَى ما يُوجِبُهُ الحالُ، ولا تَعتَدُّ بما كَانَ قَبلَ ذَلِكَ فهذا نَوعُ اختِصَارٍ.
الوجَهُ الثَّاني: يَقَعُ بعد القِسمَةِ وهو أن تُصحِّحَّ المَسَائِلَ ثم تَنظُرَ في سِهَام الوَرَثَةِ إن اتَّفَقَت بجُزءٍ من الأجزَاءِ مِثلَ: أن يَكُونَ لجميعِهَا نِصفٌ صحَيحٌ أو ثُلُثٌ أو ربُعٌ أو خُمسٌ أو مَا كَانَ من الأجزَاءِ، فإنَّكَ ترُدُّ المَسَائِلَ إلى وفقِهَا وتردُّ سِهَامَ كُلِّ وارثٍ إلى ذلك الجُزُءِ فيكُونُ ذلك أخصَرَ لكَ، وكيفيَّةُ الموافقةِ بين سِهَامِ الوَرَثَةِ أنهُ لا تخَلوُ أُصُولُ الأجزَاءِ في الموافَقَةِ من ثَلاَثَةِ أَشَياءٍ (1) يَكونُ عَدَدَاً زَوجٌ أو فردٌ أو أصَمٌّ. فَأصلُ /503 و/ الزَّوج الاثنانِ وأصَّلَ الفَردَ ثَلاَثَةٌ وخمسةٌ وسبعةٌ فَمَتَى أردَّتَ الموافَقَةَ نَظَرتَ في سِهَامِ الوَرَثةِ هل لها نِصفٌ صَحيحٌ أم لا؟ فإن لَمْ تجِد نِصفاً صَحيحَاً عَلِمتَ أنهُ لاَ يكُونُ لَهَا رُبُعُ صحيحٌ، وَلاَ سُدُسٌ صحيحٌ، وَلاَ ثُمُنٌ، وَلاَ عُشرٌ، وَلاَ أجزاءُ اثني عَشَرَ، وَلاَ نسبهٌ من عَدَدٍ زَوجٍ بحالٍ، ثُمَّ تنظُرُ هل لَهَا ثُلُثٌ صحيحٌ؟ فإن لَمْ تجد عَلمِتَ أنَّكَ لاَ تجدُ لَهَا شَفعَاً وَلاَ جُزءاً من أجزَاء ثمانيِةَ عَشَرَ وَلاَ من أجزَاءِ سَبعَةٍ وعِشرينَ وَلاَ مَا يأتلفُ من تَضعيفِ الثَّلاثَةِ ثُمَّ تنظُرُ هل لَهَا خُمُسٌ صحيحٌ؟ فإن لم تجد ما يكون من تَضاعِيفِ الخمسَةِ، كَخَمسَةَ عَشَرَ وعِشرينَ، وما أشبَهَ ذَلِكَ ثم تنظُرُ هل لها سبعْ صَحيحٌ؟ فإن لم تجدهُ لم تجد ما يأتلفُ من تَضعيفِ السَّبعةِ فإن عَدمتَ الموافَقَةَ بأجزَاءِ الزَّوجِ والفَردِ عُدتَ حينئِذٍ إلى طَلَبِ الموَافَقةِ بالأجزَاءِ الصُمَّ كأجزاءِ أحَدَ عَشَرَ، فإن لم تجد لم تَطلُب ما يَكُونُ من
__________
(1) بياض في الأصل.(1/644)
تَضَاعِيفِها، ثم تنظُر أجزَاءَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، فإن لم تجد فَسَبعةَ عَشرَ، فإن لم تجد فأحَدَ وثلاثينَ، فإن لم تجد فَأَربَعينَ، ثم أحَدَ وَسَبعينَ، ثم ثلاثةً وسَبعينَ، ثم ثَلاثَةً وثمانينَ ثم تِسعةً وثمانينَ، ثم سبعةً وتسعينَ وعلى هذا ابدأ كُلَّمَا لم تجد عَدَدَاً لم تَطلُب ما يَكونُ من تَضَاعيفِها، وبمعرفةِ هذا تهونُ عَلَيكَ المُناسخةُ والموافَقَةُ.
بَابُ قِسمَةِ المُناسَخَاتِ عَلَى حَبَّاتِ الدِّرهَمِ
وعِلمُ ذَلِكَ أن تُقَسمَ ما صَحَّتْ مِنه المَسَائِلُ عَلَى (1) الدِّرهَمِ فمَا خَرَجَ بالقَسمِ /504 ظ/ فهو أَجَزاءُ الحَبَّةِ، فإذا أضعَفتَهُ أربَعَ مرَّاتٍ فهو أجزَاءُ القِيراطِ، فإذا أضعَفتَ فَمَا بَلَغَ من ذَلِكَ مَرَّتينِ فهو أجزاءُ الدانِقِ (2)، فَإذَا عَرَفتَ ذَلِكَ نَظَرتَ في سِهَامِ كُلِّ وارِثٍ فَعَزلتَ مِنهُ اجزَاءَ الدوانقِ، ثم أجزَاءَ القِيرَاطِ، ثم أجزَاءَ الحبّةِ، وإن كَانَ في أجزاءِ الحبةِ كسرٌ بَسطَّتَ الحبَّاتِ من جِنسِ ذَلكَ الكسرِ وبَسطَّتَ الفَضلَةَ المنَسُوبَةَ من ذَلِكَ أيضَاً ثم نَسَبَتَها من ذَلِكَ أيضَاً عَلَى مَا بَيّنَاهُ لك، فَافهَم ذَلِكَ مُوفَقاً إن شَاءَ الله تَعَالَى.
تَمَّ الكتابُ بحَمدِ الله وعَونِهِ ومنَهِ وفَضلِهِ، وصَلَوَاتِهِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الرَّسُول الأُمِّي، وعلى آلِهِ الطاهِرينَ وسَلَّمَ تَسلِيمَاً إلى يَوم الدِّينِ، وَرَضيَ الله عن الصحَابةِ والتابِعينَ، وتابِعي التابعيَن وَتَابِعيهِم بِإِحسَانٍ آمِين، ولا حَولَ ولا قُوّةَ إلا بالله العَليِّ العظِيم، وحَسبُنَا اللهُ ونِعمَ الوَكيلِ، تمتْ في العُشرِ الأوسَطِ من ذِي الحجُّةِ، من خَاتمةِ سَنَةِ سَبعٍ وَعشَرٍ وَسَبعِ مِئةٍ، أحسَنُ الله خاتِمَتَهَا ونَفَعَ بِهِ المُسلميَن آمين. عَلَى يدِ العَبدِ الفَقيرِ الرَّاجِي فَضلِ اللهِ وعفوِهِ المذُنِبِ الجَانِي مُحَمُدِ بن عُمرٍ الحرَّانيِّ غفر الله لهُ، ولمن (3) ولكَاَفةِ المُسلِمينَ.
__________
(1) كلمة مطموسة فِي الأصل.
(2) الدانق: يساوي (4010و0و0) من كسور الغرام. انظر: معجم متن اللغة 1/ 89.
(3) بياض في الأصل.(1/645)