ـ[الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني]ـ
المؤلف: محفوظ بن أحمد بن الحسن، أبو الخطاب الكلوذاني
المحقق: عبد اللطيف هميم - ماهر ياسين الفحل
الناشر: مؤسسة غراس للنشر والتوزيع
الطبعة: الأولى، 1425 هـ / 2004 م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، ومذيل بالحواشي]
__________
أعده للمكتبة الشاملة: أسامة بن الزهراء، فريق عمل الشاملة(1/1)
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لهُ، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
((ونشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ، وأمينهُ على وحيه، وخيرتهُ من خلقه وسفيرهُ بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسلهُ الله رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين، وحجةً على الخلائق أجمعين)) (1).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فالحمد لله الذي أنعم علينا بالصحة والتمكين حتى أنهينا هذا السِفْر المبارك، الذي هو أحد المراجع الرئيسة المهمة في فقه مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل - رضي الله عنه -. وقد كان الوقت الذي قضيناه فيه كله مبارك.
وإنَّ من نعم الله علينا وعميم إحسانه إلينا أنَّا لم نبخل على الكتاب في تحقيقه بجهد أو وقت أو مال؛ إذ إننا أردنا أن يكون التحقيق على أفضل أسسه وقواعده فقد كنا نصرف الوقت الطويل في تدقيق لفظ أو ضبط حركة - إذ شكلنا النص كاملاً بجميع حروفه - وكنا نعيد النظر وندققه ونراجع الضبط والمقابلة ونكررها. ونحن إذ نقوم بهذا نعده أمانة دينية. زيادة على أنا أخذنا على عاتقنا بالتعليق على الكتاب بما يسهل على القاريء فهم النص، وقد خرّجنا غالب ما نستطيع تخريجه من آيات وأحاديث وآثار وأقوال ومذاهب، وشرحنا كثيراً من القضايا اللغوية والتعريفات الفقهية. وفصلنا النقل بالروايات عن الإمام أحمد مع بيان من روى عنه تلك الرواية وما إلى غَيْر ذلك من خدمة الكتاب التي يراها القاريء في تحقيق الكتاب، ثُمَّ حلّينا الكتاب بالفهارس المتعددة المتنوعة التي تسهل على القاريء الإفادة من الكتاب والرجوع إليه.
وهذه الطبعة الأولى للكتاب تخرج بهذا الشكل الذي يمتاز بجودة الكتاب المحقق
__________
(1) من مقدمة زاد المعاد 1/ 34 للعلامة ابن القيم.(1/5)
التي تمثلت بتدقيق النص والمبالغة في مقابلته مع وضع النقط والفواصل وبقية علامات الترقيم زيادة على ضبط كثير من الألفاظ التي يتعين ضبطها. وفوق ذلك الإشارة إِلَى مناجم الكتاب وموارده التي استسقى منها مؤلفه، وذلك بالمقابلة عليها وبيان الفوارق ثُمَّ بيان من استسقى من المؤلف وبين الاختلافات مع التدليل من السنة على كثير من المسائل الفقهية التي ذكرها المؤلف ولم يذكر دليلها.
وبعد فهذا كتاب " الهداية " نقدمه لمحبي الفقه الإسلامي، وعشاق المذهب السلفي خدمناه الخدمة التي توازي تعلقنا بحب كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمنهج الإسلامي الصحيح.
المحققان
9/ 1/2003
العراق - الأنبار
al-rahman@uruklik.net(1/6)
الكلوذاني وكتابه الهداية
اسمه ونسبه وولادته:
هو الإمام العالم محفوظ بن أحمد بن حسن بن أحمد الكلوذاني البغدادي الأزجي الحنبلي يكنى بأبي الخطاب (1).
والكلواذاني: بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الواو والذال المعجمة بين الألفين وفي آخرها النون، وهذه النسبة إلى كلواذان، وهي قرية من قرى بغداد، على خمسة فراسخ منها، فالنسبة إليها كلواذاني، وكلوذاني، وخرج منها جماعة من المحدثين (2).
والبغدادي: نسبة إلى مدينة بغداد التي كانت محط إقبال العلماء فقد كانت مدينة العلم.
والأزجي: بفتح الألف والزاي وفي آخرها الجيم، هذه النسبة إلى باب الأَزج، وهي محلة كبيرة ببغداد، قيل كان بها أربعة آلاف طاحونة، وكان منها جماعة كثيرة من العلماء والزهاد والصالحين (3).
والحنبلي: نسبة إلى صاحب المذهب الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -.
ولادته:
لم تذكر المصادر التي بين أيدينا والتي ترجمت لأبي الخطاب مكان ولادته، ولكن الراجح لدينا أنه ولد في قرية كلوذان لأنه نسب إليها.
أما تاريخ ولادته فقد اتفق جميع من ترجم له أنه ولد في شوال سنة (432 هـ) (4).
__________
(1) انظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى الحنبلي 2/ 221، والأنساب للسمعاني 4/ 642، والمنتظم في تاريخ الأمم والملوك لابن الجوزي 9/ 190، والكامل في التاريخ لابن الأثير 8/ 277، وتاريخ الإسلام حوادث ووفيات (501 - 510 و511 - 520) للذهبي: 251 - 252، وسير أعلام النبلاء للذهبي 19/ 348، وتذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1261، ومرآة الجنان لليافعي 3/ 152، والبداية والنهاية لابن كثير 12/ 160، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 97، والمنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد للعليمي 2/ 88 - 89، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن عماد الحنبلي 4/ 27، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 8/ 188.
(2) انظر: الأنساب 4/ 642.
(3) انظر: الأنساب 1/ 122، وتاج العروس 5/ 405 مادة (أزَج).
(4) انظر: طبقات الحنابلة 2/ 221، والأنساب 4/ 643، والمنتظم 9/ 190، وتاريخ الإسلام (501 - 510 و511 - 520): 252، وسير أعلام النبلاء 19/ 348، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 97، والمنهج الأحمد 2/ 89، ومعجم المؤلفين 8/ 188، وهدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل باشا البغدادي: 6.(1/7)
شُيُوخه:
قد أخذ أبو الخطاب العلم من عدد من فقهاء بغداد ومحدثيها الذين عاصرهم والتقى بهم والذين كَانَ لهم الأثر البالغ فِي تكوينه العلمي، وفيما يأتي ذكر ترجمة لعدد من شيوخه حسب ما ذكرتهم كتب التراجم مرتبين حسب الوفيات وهم على النحو الآتي:
أولاً: القاضي أبو يعلى: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي الحنبلي ابن الفراء (1) صاحب التعليقة الكبرى والتصانيف المفيدة في المذهب.
ولد في أول السنة (380 هـ)، وكان عالم العراق في زمانه تفقه على يديه عدد كبير من العلماء منهم أبو الخطاب الكلوذاني، له مصنفات كثيرة منها: (أحكام القرآن، ومسائل الإيمان، والمعتمد، ومختصره، والمقتبس، وعيون المسائل، والرد على الكرامية، والرد على السالمية والمجسمة، والرد على الجهمية، والكلام في الإستواء، والعدة في أصول الفقه، مختصرها، وفضائل أحمد، وكتاب الطب).
توفي سنة (458 هـ).
ثانياً: أبو طالب العشاري: محمد بن علي بن الفتح الحربي (2).
ولد سنة (366 هـ)، لقب بالعشاري لأن جسده كان طويلاً وكان فقيهاً حنبلياً تخرج على أبي حامد وكان من الزهاد وله كرامات كثيرة.
توفي سنة (451 هـ)، ودفن في مقبرة الإمام أحمد.
ثالثاً: أبو عبد الله: الحسين بن محمد الونّي الفرضي الحاسب (3).
كان إماماً في الفرائض وله فيها تصانيف كثيرة حسنة. سمع الحديث من أصحاب أبي علي الصفار وغيرهم، وانتفع به وبكتبه خلق كثير.
توفي شهيداً في بغداد سنة (451 هـ) في فتنة الباسري.
__________
(1) انظر عن القاضي أبو يعلى بن الفراء في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 256، وطبقات الحنابلة 2/ 166، والمنتظم 8/ 243، وتاريخ الإسلام (441 - 450 و451 - 460): 453، وسير أعلام النبلاء 18/ 89 - 91، ومرآة الجنان 3/ 63 - 64، والبداية والنهاية 12/ 85، والمنهج الأحمد 2/ 13، وشذرات الذهب 3/ 306، ومعجم المؤلفين 9/ 254 - 255.
(2) انظر عن أبي طالب العشاري في: تاريخ بغداد 3/ 107، وطبقات الحنابلة 2/ 163، والأنساب 5/ 526، والمنتظم 8/ 197، واللباب 3/ 375، ووفيات الأعيان 2/ 138، وتاريخ الإسلام (441 - 450 و451 - 460): 316، وسير أعلام النبلاء 18/ 48 - 50، والبداية والنهاية 12/ 77، والمنهج الأحمد 2/ 12، وشذرات الذهب 3/ 289.
(3) انظر عن أبي عبد الله الونّي في: الأنساب 5/ 526، والمنتظم 8/ 197 - 198، واللباب 3/ 375، ووفيات الأعيان 2/ 138.(1/8)
والونّي: بفتح الواو وتشديد النون نسبة إلى (وَنَّ) وهي قرية من أعمال قهستان (1).
رابعاً: أبو علي: محمد بن الحسين بن محمد بن علي بن بكران المعروف بالجازري (2).
والجازري: بفتح الجيم والزاي المكسورة بعد الألف وبعدها راء، هذه نسبة إلى جازرة وهي قرية من أعمال نهروان بالعراق (3).
ولد سنة (370 هـ)، روى كتاب "الجليس والأنيس" عن القاضي أبي الفرج المعافى بن زكريا الجريري يعرف بابن طرارا، روى عنه الأمير أبو نصر بن ماكولا والخطيب أبو بكر الحافظ.
توفي شهر ربيع الأول سنة (452 هـ).
خامساً: أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسن الجوهري (4).
والجوهري: بفتح الجيم والهاء وبينهما الواو الساكنة وفي آخرها الراء نسبة إلى بيع
الجوهر (5).
ولد سنة (363 هـ).
حدث عن القطيعي بمسند العشرة ومسند أهل البيت ومسند العباس.
روى عنه جماعة، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو منصور محمد بن عبد الملك بن ضيرون.
توفي سنة (454 هـ).
سادساً: أبو الحسن الهاشمي: محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله (6).
ولد سنة (384 هـ) وكان خطيب جامع المنصور.
قرأ القرآن على أبي القاسم الصيدلاني، كان عدلاً ثقةً شهد عند ابن ماكولا، وأبي
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 2/ 138، وتاج العروس 9/ 363 (ونن).
(2) انظر عن أبي علي في: الأنساب 2/ 29، والمنتظم 8/ 217، واللباب 1/ 251.
(3) انظر: الأنساب 2/ 29، واللباب 1/ 251.
(4) انظر عن أبي محمد تاريخ بغداد 7/ 393، والأنساب 2/ 157، والمنتظم 8/ 227، والكامل في التاريخ 8/ 94، وتاريخ الإسلام (441 - 450 و451 - 460): 356، وسير أعلام النبلاء 18/ 68 - 70، والبداية والنهاية 12/ 79، وشذرات الذهب 3/ 292، والأعلام 2/ 202.
(5) انظر: الأنساب 2/ 157، واللباب 1/ 313.
(6) انظر عن أبي الحسن الهاشمي المنتظم 8/ 274، والكامل في التاريخ 8/ 112، وتاريخ الإسلام (461 - 470): 155، والبداية والنهاية 12/ 94 - 95.(1/9)
عبد الله الدافعاني فقبلا شهادته. وكان ممن يلبس القلانس الطوال التي تسميها العوام الدنيات.
توفي سنة (464 هـ) ودفن بقرب قبر بشر الحافي - رضي الله عنه -.
سابعاً: أبو جعفر بن المسلمة القرشي: محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن ابن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرُّفَيْل (1).
ولد سنة (375 هـ).
وهو آخر من حدث عن أبي الفضل عبيد الله بن عبد الرحمان الزهري.
وأبي محمد بن معروف - وقد كان صحيح السماع واسع الرواية نبيلاً ثقة صالحاً.
خرج له الخطيب مجالس. توفي سنة (465 هـ) وصلى عليه في جامع الرصافة ودفن بالخيزرانية.
ثامناً: أبو عبد الله الدامغاني: محمد بن علي بن محمد الدامغاني الحنفي (2).
والدَّامغاني: بفتح الدال المشددة المهملة وفتح الميم والغين المعجمة في آخرها النون، هذه النسبة إلى دامغان، وهي مدينة من بلاد قومس ينسب إليها كثير من العلماء (3).
ولد سنة (398 هـ) (4) تفقه بخراسان وقدم بغداد شاباً ودرس بها فقه أبي حنيفة على يد أبي الحسين القدوري وسمع من القاضي أبي عبد الله الحسين بن علي الصيمري.
وُلِّيَ قضاء القضاة بعد أبي عبد الله بن ماكولا سنة (447هـ).
توفي سنة (478هـ).
تلامذته:
لقد تتلمذ على الشيخ أبي الخطاب الكلوذاني عددٌ من الدارسين نذكر منهم على
__________
(1) انظر عن أبي جعفر القرشي تاريخ بغداد 1/ 356، والمنتظم 8/ 282، واللباب 3/ 211، وتاريخ الإسلام (461 - 470): 181، وسير أعلام النبلاء 18/ 215، وشذرات الذهب 3/ 323.
(2) انظر عن أبي عبد الله الدامغاني تاريخ بغداد 3/ 109، والأنساب 2/ 508 - 509، والمنتظم 9/ 22، والكامل في التاريخ 8/ 139، واللباب 1/ 486، وتاريخ الإسلام (471 - 480): 247 - 251، وسير أعلام النبلاء 18/ 485 - 487، ومرآة الجنان 3/ 94، والبداية والنهاية 12/ 116، وشذرات الذهب 3/ 362.
(3) انظر: الأنساب 2/ 508، واللباب 1/ 486.
(4) جاء في: تاريخ بغداد 3/ 109، والمنتظم 9/ 22، والكامل في التاريخ 8/ 139، وتاريخ الإسلام (471 - 480): 428، وسير أعلام النبلاء 18/ 486. أنه ولد سنة (398 هـ). وجاء في الأنساب 2/ 509، واللباب 1/ 486. أنه ولد سنة (400 هـ). وجاء في البداية والنهاية 12/ 116. أنه ولد سنة (418 هـ).(1/10)
سبيل المثال لا الحصر - وهم مرتبون حسب وفياتهم -.
أولاً: أبو سعد: عبد الوهاب بن حمزة بن عمر البغدادي الفقيه المعدل.
ولد سنة (457 هـ) تفقه على أبي الخطاب وأفتى وبرع في الفقه.
توفي سنة (515 هـ) ودفن بمقبرة الإمام أحمد - رضي الله عنه - (1).
ثانياً: أبو الحسن الواعظ: علي بن الحسن الدواحي.
تفقه على أبي الخطاب وسمع منه الحديث.
توفي سنة (526 هـ). وصلى عليه من الغد، ودفن بمقبرة باب حرب (2).
ثالثاً: أبو بكر بن أبي الفتح: أحمد بن محمد بن أحمد الدينوري البغدادي الفقيه.
أحد الفقهاء الأعيان وأئمة المذهب. تفقه على أبي الخطاب وبرع في الفقه، وتقدم في المناظرة على أبناء جنسه، حتى كان أسعد الميهني شيخ الشافعية يقول: ما اعترض أبو بكر الدينوري على دليل أحد إلا ثلم فيه ثلمة.
وله تصانيف في المذهب، منها: كتاب ((التحقيق في مسائل التعليق)).
توفي سنة (532 هـ) ودفن قريباً من قبر الإمام أحمد - رضي الله عنه - (3).
رابعاً: أبو جعفر: محمد بن محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني الفقيه ابن الإمام أبي الخطاب.
ولد سنة (500 هـ)، تفقه على أبيه، وبرع في الفقه، صنف كتاباً سماه ((الفريد)).
توفي سنة (533 هـ) ودفن بمقبرة باب حرب عند أبيه (4).
خامساً: أبو الفتح: عبد الله بن هبة الله بن أحمد بن محمد السامري (5) الفقيه.
ولد سنة (485 هـ)، وسمع الكثير من جماعة وتفقه على أبي الخطاب وحدث وروى عنه.
__________
(1) انظر: المنتظم 1/ 73، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 159، والمنهج الأحمد 2/ 125، وشذرات الذهب 4/ 98.
(2) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 160، والمنهج الأحمد 2/ 119، وشذرات الذهب 4/ 79.
(3) انظر: المنتظم 10/ 73، والكامل في التاريخ 8/ 363، والبداية والنهاية 12/ 190، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 159، والمنهج الأحمد 2/ 125 - 126، وشذرات الذهب 4/ 98 - 99، ومعجم المؤلفين 2/ 68.
(4) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 160، والمنهج الأحمد 2/ 126، وشذرات الذهب 4/ 103.
(5) السامري: بفتح السين وفتح الميم وفي آخرها راء مشددة - هذه النسبة إلى مدينة سر من رأى بالعراق فوق بغداد، وهي مشهورة فخففها الناس وقالوا: سامِرّا. بناها المعتصم وخربت عن قريب من عمارتها فنسب إليها جماعة.
انظر: الأنساب 3/ 225، واللباب 2/ 94.(1/11)
توفي سنة (545 هـ) ودفن بمقبرة باب حرب (1).
سادساً: أبو محمد بن أبي الفتح: عبد الرحمان بن محمد بن علي بن محمد الحلواني (2).
ولد سنة (490 هـ) تفقه على أبيه وأبي الخطاب وبرع في الفقه وأُصوله وناظر.
وصنف تصانيف في الفقه وأُصوله منها: كتاب ((التبصرة)) في الفقه، وكتاب ((الهداية)) في أصول الفقه وله تفسير القرآن في إحدى وأربعين جزءاً، وروى عن أبيه وجماعة.
وكان فقيهاً في المذهب يفتي وينتفع به جماعة أهل محلته.
توفي سنة (546 هـ)، وصلّى عليه الشيخ عبد القادر ودفن بداره بالمأمونية (3).
سابعاً: أبو علي بن شاتيل: أحمد بن عبد الرحمان بن محمد بن محمد الأزجي.
سمع من أبي محمد التميمي وجماعة، وتفقه على أبي الخطاب الكلوذاني.
ولِّي القضاء بربع سوق الثلاثاء مدة. ثم ولِّي القضاء مدة. ثم ولِّي قضاء المدائن وكان أحد فقهاء الحنابلة وقضاتهم، وسمع من جماعة.
توفي سنة (548 هـ) (4).
ثامناً: أبو بكر بن أبي محمد: محمد بن خذا داذ بن سلامة بن خذا داذ العراقي المأموني المباردي (5) الحداد الكاتب الفقيه الأديب المشهور بنقاش المبارد.
__________
(1) انظر: تاريخ الإسلام (541 - 550): 221، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 184، والمنهج الأحمد 2/ 139.
(2) الحُلْوَاني: بضم الحاء المهملة وسكون اللام والنون بعد الواو والألف وهذه النسبة إِلَى بلدة حلوان وهي آخر حد عرض سواد العراق مما يلي الجبال وهي بلدة كبيرة خرب أكثرها نسب إليها جماعة.
انظر: الأنساب 2/ 290، واللباب 1/ 380.
وتأتي أيضا بلفظ (الحَلْوَاني): بفتح الحاء المهملة وسكون اللام وبعدها واو وفي آخرها نون هذه النسبة إلى عمل الحلوى وبيعها وقد نسب إليها جماعة.
انظر: اللباب 1/ 380. والظاهر والله أعلم أن أبا محمد يُنسب إلى (حُلْوَان) البلد المعروف بالعراق؛ لأن ابن الجوزي ذكر أنه كان يتجر في الخل ويقنع به ولا يقبل من أحد شيئاً.
انظر: المنتظم 10/ 146.
(3) انظر: المنتظم 10/ 146، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 185، والمنهج الأحمد 2/ 141، وشذرات الذهب 4/ 144.
(4) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 188، والمنهج الأحمد 2/ 144، وشذرات الذهب 4/ 147.
(5) المَبَاردي: بفتح الميم والباء وسكون الألف وكسرالراء وفي آخرها دال مهملة هذه النسبة إلى المبارد وهو جمع مبرد وبهذه النسبة اشتهر أبو بَكْرٍ فقد كان ينقش المبارد.
انظر: اللباب 3/ 159.(1/12)
سمع من جماعة وتفقه على أبي الخطاب. كان فقيهاً، مناظراً، أُصولياً، وقرأ الأدب، وقال الشعر.
توفي سنة (552 هـ) وصلِّي عليه بمسجد ابن جردة ودفن بمقبرة باب حرب (1).
تاسعاً: ابن بركة الحربي: أحمد بن معالي - يسمى عبد الله أيضاً -.
تفقه على أبي الخطاب الكلوذاني وبرع في النظر وكان قد انتقل إلى مذهب الشافعي ثم عاد إلى مذهب أحمد.
توفي سنة (554 هـ) وصلى عليه الشيخ عبد القادر ودفن بمقبرة باب حرب.
وكان سبب موته أنه ركب دابة فانحنى في مضيق ليدخل فاتكأ بصدره على قربوس (2) السرج فأثر فيه، وانظم إلى ذلك إسهال فضعفت القوة وكان مرضه يومين أو ثلاثة (3).
عاشراً: أبو حكيم: إبراهيم بن دينار بن أحمد بن الحسين بن حامد بن إبراهيم النهرواني (4) الرزاز.
ولد سنة (480 هـ) وسمع الحديث من أبي الخطاب وجماعة وتفقه على أبي سعد بن حمزة صاحب أبي الخطاب وبرع في المذهب والخلاف والفرائض وأفتى وناظر.
وكانت له مدرسة بناها بباب الأزج وكان يدرس ويقيم بها وفي آخر عمره فوضت إليه المدرسة التي بناها ابن الشمعل بالمأمونية وقرأ عليه العلم خلق كثير وانتفعوا به. منهم ابن الجوزي والسامري صاحب المستوعب وصنف تصانيف في المذهب والفرائض وصنف شرحاً للهداية كتب منه تسع مجلدات ومات ولم يكمله.
توفي سنة (556 هـ) ودفن قريباً من بشر الحافي - رضي الله عنه - (5).
أحد عشر: أبو الحسن: سعد الله بن نصر بن سعيد بن علي المعروف بابن الدجاجي
__________
(1) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 194، والمنهج الأحمد 2/ 148، وشذرات الذهب 4/ 164.
(2) قربوس: حِنْوُ السرج وجمعها قرابيس. انظر: المعجم الوسيط: 723.
(3) انظر: المنتظم 10/ 190، والبداية والنهاية 12/ 216، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 195 - 196، والمنهج الأحمد 2/ 149، وشذرات الذهب 4/ 170.
(4) النَهْرَوَاني: بفتح النون وسكون الهاء وضم الراء وفتح الواو بعد الألف نون، هذه النسبة إلى النَهْرَوَان وهي بليدة قديمة بالقرب من بغداد لها عدة نواحٍ خرب أكثرها ينتسب إليها جماعة من العلماء.
انظر: اللباب 3/ 337.
(5) انظر: المنتظم 10/ 201، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 201، والمنهج الأحمد 2/ 154، وشذرات الذهب 4/ 176.(1/13)
وبابن الحيواني (1)، ويلقب بمهذهب الدين.
ولد سنة (480 هـ) (2)، قرأ بالروايات على أبي الخطاب الكلوذاني وغيره، وتفقه على أبي الخطاب حتى برع، وقد روى عنه كتابه الهداية وقصيدته وغيرها وروى عن ابن عقيل كتاب الانتصار لأهل السنة والحديث.
توفي سنة (564 هـ) ودفن بمقبرة رباط الزوزني (3).
إثنا عشر: أبو عبد الله بن أبي بركات مسلم بن ثابت بن القاسم بن أحمد بن
النحاس البزازي البغدادي المأموني المعروف بابن جوالق (4).
ولد سنة (494 هـ) وتفقه على أبي الخطاب الكلوذاني وناظر وسمع منه جماعة من الطلبة وكان صحيح السماع.
توفي سنة (572 هـ) ودفن بمقبرة باب حرب (5).
وغير هؤلاء كثير ممن سمع من أبي الخطاب الكلوذاني الحديث والفقه يطول المقام بذكرهم فرحمه الله من عالم نفع الناس بعلمه.
أَخلاَقُهُ وَثَناء العُلَمَاء عَلَيه:
كان الإمام أبو الخطاب الكلوذاني مفتياً صالحاً ورعاً ديناً يتحلى بالأخلاق الكريمة والأدب الرفيع إضافةً إلى تمتعه بعلم واسع غزير وذكاء وفطنة، فقد وصفه معاصروه والمترجمون له بصفات كثيرة تدل على صلاحه وعلمه وفي ما يأتي بعض أقوال العلماء فيه: -
__________
(1) الحيواني: بفتح الحاء المهملة والياء المنقوطة باثنتين من تحتها وبعدها الواو والألف وفي آخرها النون هذه النسبة إلى بيع الحيوان وهذا يختص ببيع الدجاج والطيور ببغداد وإليها نسب أبو الحسن. انظر: الأنساب 2/ 348، واللباب 1/ 406.
(2) جاء في كتاب الذيل على طبقات الحنابلة 3/ 254، وشذرات الذهب 4/ 212 بأنه ولد سنة (482هـ).
(3) انظر: الأنساب 2/ 348، والمنتظم 10/ 228، واللباب 1/ 406 - 407، وتاريخ الإسلام (561 - 570): 190 - 192، والبداية والنهاية 12/ 231، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 254، وشذرات الذهب 4/ 212.
(4) الجُوَالِقِي: بضم الجيم والواو المفتوحة واللام المكسورة وفي آخرها القاف هذه النسبة إلى الجوالق وقد ينسب إليه بزيادة الياء أيضاً وهذه النسبة أصح وكلاهما إلى شيء واحد وهو عمل الجوالق أو بيعه وقد اشتهر بهذه النسبة أبو عبد الله بن أبي البركات.
انظر: الأنساب 2/ 134، واللباب 1/ 300.
(5) انظر: المنتظم 10/ 268، وتاريخ الإسلام (571 - 580): 111 - 112، والذيل على طبقات الحنابلة 3/ 283، والمنهج الأحمد 2/ 224، وشذرات الذهب 4/ 243.(1/14)
أولاً: قال ابن الجوزي: ((وكان ثقة ثبتاً غزير الفضل والعقل)) (1).
ثانياً: قال الذهبي: ((كان أبو الخطاب من محاسن العلماء، خيراً صادقاً، حسن الخلق، حلو النادرة، من أذكياء الرجال)) (2).
ثالثاً: قال ابن رجب الحنبلي: ((وكان حسن الأخلاق، ظريفاً، مليح النادرة، سريع الجواب، حاد الخاطر. وكان مع ذلك كامل الدين، غزير العقل، جميل السيرة، مرضي الفعال، محمود الطريقة)) (3).
رابعاً: قال ابن عماد الحنبلي: ((كان إماماً علامة، ورعاً صالحاً، وافر العقل، غزير العلم، حسن المحاضرة، جيد النظم)) (4).
خامساً: قال أبو الكرم بن الشهرزوري: ((كان إلكيا إذا رأى أبا الخطاب الكلوذاني مقبلاً قال: قد جاء الجبل)) (5).
سادساً: قال أبو بكر بن النقور: ((كان إلكيا الهراسي إذا رأى أبا الخطاب قال: قد جاء الفقه)) (6).
سابعاً: قال السلفي: ((أبو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد يفتي على مذهبه ويناظر وكان عدلاً رضياً ثقة)) (7).
ثامناً: وقال غيره: ((كان مفتياً صالحاً، عابداً ورعاً، حسن العشرة، له نظم رائق)) (8).
مصنفاته:
صنف أبو الخطاب كتباً في الفقه والأُصول والخلاف والفرائض، وسنورد هذه المصنفات حسب ما ذكرتها كتب التراجم.
1 - التمهيد في أصول الفقه (9): -
كتاب التمهيد هو الكتاب الثاني عند الحنابلة. بعد كتاب العدة لأبي يعلى. فهو بهذا
__________
(1) انظر: المنتظم 9/ 190.
(2) انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 350.
(3) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 98.
(4) انظر: شذرات الذهب 4/ 27.
(5) انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 348.
(6) انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 349، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 98، وشذرات الذهب 4/ 28.
(7) انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 349، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 98، وشذرات الذهب 4/ 28.
(8) انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 349.
(9) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 3/ 98، ومعجم المؤلفين 8/ 188، والأعلام للزركلي 5/ 291.(1/15)
من أوائل الكتب - التي وصلت إلينا - تأليفاً عند الحنابلة.
ويعتبر أبو الخطاب فيه من المنظمين لقواعد أُصول الفقه في المذهب، ولذلك اهتم به المصنفون في المذاهب واعتمدوا عليه ونقلوا منه، ولا نجد كتاباً من كتب الحنابلة المتأخرين إلا وتضمن آراء أبي الخطاب في عدد من مسائل الأُصول أو أغلبها.
ومن هؤلاء العلماء ابن قدامة المقدسي في "روضة الناظر"، وآل تيمية في "المسودة" والكناني في "شرحه لمختصر الطوفي"، وابن النجار الحنبلي في "شرح الكوكب المنير" (1).
2 - التهذيب في الفرائض (2).
3 - الخلاف الصغير المسمى برؤوس المسائل (3).
4 - الخلاف الكبير المسمى بالانتصار في المسائل الكبار (4).
وهو من أعظم كتبه، وقد صنفه أبو الخطاب انتصاراً لمذهب الإمام أحمد، وقد عرض فيه مسائل فقهية خلافية، ذكر فيها آراء الأئمة وأدلتهم، وناقش أدلة كل واحد منهم. وفي نهاية المسألة يرجح مذهب الإمام أحمد ويستدل له، يقول رحمه الله في مقدمة كتابه: ((رغب إليّ أصحابي كثرهم الله تعالى، ووفقهم للرشاد، وفقههم في الدين، وجعلهم من أئمة المؤمنين، في إفراد المسائل الكبار من الخلاف بين الأئمة - رضي الله عنهم -، والانتصار فيها لمذهب إمامنا الأفضل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل)) (5).
ومن المسائل التي بحثها أبو الخطاب في هذا الكتاب: التطهير بغير الماء، الوضوء بالنبيذ، طهارة صوف الميتة وشعرها وريشها، الموالاة، الوضوء، نقض الوضوء بمس المرأة، نقض الوضوء بأكل لحم الجزور، والتيمم بتراب ليس له غبار، رؤية الماء في الصلاة للمتيمم، التيمم لصلاة الجنازة والعيدين، نجاسة سؤر الكلب، العدد في التطهير من النجاسة (6).
__________
(1) انظر: التمهيد في أصول الفقه للكلواذاني دراسة وتحقيق د. مفيد محمد أبو عمشة 1/ 119.
(2) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 98، والمنهج الأحمد 2/ 98، ومعجم المؤلفين 8/ 188، والأعلام 5/ 291.
(3) انظر: تاريخ الإسلام (501 - 510 و510 - 520): 252، وسير أعلام النبلاء 19/ 349، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 98، ومعجم المؤلفين 8/ 188، والأعلام 5/ 291.
(4) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 98، والمنهج الأحمد 2/ 89، ومعجم المؤلفين 8/ 188، والأعلام 5/ 291.
(5) انظر: الانتصار في مسائل الكبار: (ق1أ) نقلاً من كتاب التمهيد في أصول الفقه 1/ 61.
(6) انظر: التمهيد في أصول الفقه 1/ 61 - 62.(1/16)
5 - العبادات الخمس (1).
6 - مناسك الحج (2).
7 - الهداية (3).
هذا ما ذكرته كتب التراجم من تصانيف الإمام العالم أبي الخطاب، وقد ذكرت كتب التراجم، بأنه - رحمه الله - كان يقول الشعر اللطيف، ومن أشهر ما نقل عنه قصيدة دالية طويلة معروفة يذكر فيها اعتقاده ومذهبه تناولتها كتب التراجم بأبيات منها أو بتمامها (4). ولإتمام النفع ارتأينا أن نذكر القصيدة كاملة كما ذكرها ابن الجوزي في المنتظم (5) وهي:
دع عنك تذكار الخليط لمنجد ... والشوق نحو الآنسات الخرد
والنوح في أطلال سعدى إنما ... تذكار سعدى شغل من لم يسعد
واسمع مقالي إن أردت تخلصاً ... يوم الحساب وخذ بهدي تهتد
واقصد فإني قد قصدت موفقاً ... نهج ابن حنبل الإمام الأوحد
خير البرية بعد صحب محمد ... والتابعين إمام كل موحد
ذي العلم والرأي الأصيل ومن حوى ... شرفاً على فوق السها والفرقد
واعلم بأني قد نظمت مسائلاً ... لم آل فيها النصح غير مقلد
وأجبت عن تسآل كل مهذب ... ذي صولة عند الجدال مسود
هجر الرقاد وبات ساهر ليله ... ذي همة لا يستلذ بمرقد
قوم طعامهم دراسة علمهم ... يتسابقون إلى العلى والسؤدد
قالوا بما عرف المكلف ربه ... فأجبت بالنظر الصحيح المرشد
قالوا فهل رب الخلائق واحد ... قلت الكمال لربنا المتفرد
__________
(1) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 98، والمنهج الأحمد 2/ 89.
(2) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 98، والمنهج الأحمد 2/ 89.
(3) وهو الذي بين يديك وانظر: تاريخ الإسلام (501 - 510 و511 - 520): 252، وسير علام النبلاء 19/ 349، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 98، والمنهج الأحمد 2/ 89، ومعجم المؤلفين 8/ 188، والأعلام 5/ 290.
(4) انظر: المنتظم 9/ 191، وتاريخ الإسلام (501 - 510 و511 - 520): 252، وسير أعلام النبلاء 19/ 349، والبداية والنهاية 12/ 160، والمنهج الأحمد 2/ 89.
(5) انظر: المنتظم 9/ 191 - 192.(1/17)
قالوا فهل تصف لنا الإله أبن لنا ... قلت الصفات لذي الجلال السرمدي
قالوا فهل تلك الصفات قديمة ... كالذات قلت كذاك لم تتجدد
قالوا فهل لله عندك مشبه ... قلت المشبه في الجحيم الموصد
قالوا فهل في الأماكن كلها ... قلت الأماكن لا تحيط بسيد
قالوا فتزعم أن على العرش استوى ... قلت الصواب كذاك أخبر سيدي
قالوا فما معنى استواه أبن لنا ... فأجبتهم هذا سؤال المعتدي
قالوا فأنت تراه جسماً قل لنا ... قلت المجسم عندنا كالملحد
قالوا تصفه بأنه متكلم ... قلت السكوت نقيصة بالسيد
قالوا فما القرآن قلت كلامه ... من غير ما حدث وغير تجدد
قالوا فما تتلوه قلت كلامه ... لا ريب فيه عند كل موحد
قالوا النزول قلت ناقله لنا ... قوم هموا نقلوا شريعة أحمد
قالوا فكيف نزوله فأجبتهم ... لم ينقل التكييف لي في مسند
قالوا فهل فعل القبيح مراده ... قلت الإرادة كلها للسيد
قالوا فأفعال العباد فقلت ما ... من خالق غير الإله الأمجد
لو لم يرده وكان كان نقصه ... سبحانه عن أن يعجز في الردي
قالوا فما الإيمان قلت مجاوباً ... عملاً وتصدقاً بغير تبلد
قالوا فمن بعد النبي خليفة ... قلت الموحد قبل كل موحد
حاميه في يوم العريش ومن له ... في الغر أسعد يا له من مسعد
قالوا فمن ثاني أبي بكر الرضا ... قلت الإمارة في الإمام الأزهد
فاروق أحمد والمهذب بعده ... سند الشريعة باللسان وباليد
قالوا فثالثهم قلت مجاوبا ... من بايع المختار عنه باليد
صهر النبي على ابنتيه ومن حوى ... فضلين فضل تلاوة وتهجد
أعني ابن عفان الشهيد ومن دعي ... في الناس ذو النورين صهر محمد
قالوا فرابعهم فقلت مجاوباً ... من حاز دونهم أخوة أحمد(1/18)
زوج البتول وخير من وطئ الثرى ... بعد الثلاثة عند كل موحد
أعني أبا الحسن الإمام ومن له ... بين الأنام فضائل لم تجحد
ولابن هند في الفؤاد محبة ... ومودة فليرغمن مفند
ذاك الأمين المجتبى لكتابة ... الوحي المنزل ذو التقى والسؤدد
فعليهم وعلى الصحابة كلهم ... صلوات ربهم تروح وتغتدي
إني لأرجو أن أفوز بحبهم ... وبما اعتقدت من الشريعة في غد
قالوا أبان الكلوذاني للهدى ... قلت رفع السماء مؤيدي (1)
وَفَاته:
توفي أبو الخطاب - رحمه الله - في بغداد سنة (510 هـ) وصَلَّى أبو الحسن بن الفاعوس الزاهد عليه إماماً وحضر الجمع العظيم والجند الكثير ودفن بين يدي صف الإمام أحمد - رضي الله عنه - بجنب أبي محمد اليميمي (رحمه الله تعالى) (2).
أولاً: عنوان الكتاب ونسبته إلى مؤلفه:
اتفقت كتب التراجم التي أبرزت مصنفات الإمام الكلوذاني بأن من مصنفاته فِي الفقه كتاباً اسمه (الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني - رضي الله عنه -). وقد أشار المصنف فِي مقدمة كتابه بالتلويح دون التوضيح إلى ذكر اسم هَذَا الكتاب.
فقد قَالَ: (هَذَا مُختَصر ذكرت فِيهِ جملاً من أصول مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن مُحَمَّد بن حنبل الشَّيْبَانِيّ فِي الفقه، وعيوناً من مسائله ليكون هداية للمبتدئين وتذكرة للمنتهين. الخ). وجاء عنوان الكتاب طرة المخطوط: ((الهداية فِي فروع الحنابلة)).
ثانياً: موضوعات الكتاب وترتيبها:
لَمْ يختلف الفقهاء القدامى كثيراً فِي تقسيم وترتيب أبواب الفقه الإسلامي فقد ذهب
__________
(1) انظر: القصيدة في المنتظم 9/ 191.
(2) انظر: طبقات الحنابلة 2/ 221، والمنتظم 9/ 193، والكامل في التاريخ 8/ 277، وتاريخ الإسلام (501 - 510 و511 - 520): 253، ومرآة الجنان 3/ 152، والبداية والنهاية 12/ 160، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 99، والمنهج الأحمد 2/ 93، وشذرات الذهب 4/ 28، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لجمال الدين أبي المحاسن 5/ 212، وهدية العارفين أسماء المؤلفين وأثار المصنفين: 6، وكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لمصطفى بن عبد الله القسطنطيني 4/ 482.(1/19)
الفقهاء القدامى إلى تقسيم وترتيب أبواب الفقه الإسلامي عَلَى نمط واحد ساروا عَلَيْهِ فِي كتبهم.
وَعَلَى هَذَا النهج والرسم سار أبو الْخَطَّابِ الكلوذاني فقد ابتدأ كتابه ب (باب الطهارة ثُمَّ بَاب الزكاة ثُمَّ بَاب الْحَجِّ ... الخ).
ثالثاً: منهج الكلوذاني فِي كتابه.
لَمْ يبين لنا الكلوذاني فِي مقدمة كتابه منهجه فِي الكتاب أو أسلوب كتابته، فكل مَا وجدناه فِي مقدمته خطبة قصيرة حمد الله فِيهَا وأثنى عَلَيْهِ، وصلى عَلَى رسوله الكريم وَعَلَى آله وأصحابه، وقد بين فِيها أيضاً سبب تأليفه للكتاب إذ قَالَ: ((هَذَا مُخْتَصَر ذكرت فِيهِ جملاً من أصول مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن مُحَمَّد بن حنبل الشَّيْبَانِيّ - رضي الله عنهم - ... ليكون هداية للمبتدئين وتذكرة للمنتهين ... ألخ).
إلا أننا بعد أن قمنا بدراسة هَذَا الكتاب استطعنا أن نلمس بَعْض الخطوط العريضة التي اعتمدها الكلوذاني فِي كتابه، وسوف نذكرها بإيجاز تاركين التفاصيل للنص المحقق والتي يمكن إيجازها بما يأتي:
أ- من الناحية اللغوية:
1 - استخدامه لغات نادرة مثل: ((الأولة)). (1)
2 - يذهب المصنف أحياناً إلى التعريف ببعض المفردات اللغوية، ومن الأمثلة عَلَى ذَلِكَ تعريفه (الخارصة) بقوله: ((وهي التي تشق الجلد وَلاَ تدميه)) وكَذَلِكَ تعريفه (الدامية) بقوله: ((وهي التي تدمي)) (2) وكذلك عرف المصنف (الباضعة) و (الملامحة) و (الموضحة) (3) و (الهاشمة) (4) و (المنقلة) و (المأمومة) (5) و (الخواسق) و (الخوارق) و (الحواصل) و (الموارق) و (الخوارم) (6).
ب - من الناحية الحديثية: بعد أن قمنا بدراسة الكتاب لاحظنا بأن المصنف لَمْ يورد فِي كتابه الأحاديث إلا فِي أبواب فقهية قليلة يمكن حصرها وهي عَلَى النحو الآتي:
1 - باب زكاة الزروع والثمار. (7)
__________
(1) انظر: 1/ 126، 127، 134، 271، 2/ 116، 153.
(2) انظر: 2/ 253.
(3) انظر: 2/ 253.
(4) انظر: 2/ 255.
(5) انظر: 2/ 255.
(6) انظر: 1/ 377.
(7) انظر: 1/ 166.(1/20)
2 - باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء. (1)
3 - باب حمل الجنازة والدفن. (2)
4 - باب أدب القاضي. (3)
5 - باب صلاة الاستسقاء. (4)
6 - باب صوم النذور والتطوع. (5)
7 - باب العقيقة. (6)
ج - من الناحية الفقهية: بما أن الكتاب الذي بين أيدينا كتاب فِقْه فقد كَانَ المصنف - رحمه الله - لَهُ الباع الطويل فِي هَذَا الجانب.
وقد كَانَ نهج المصنف فِي هَذَا الجانب يتمثل بالنقاط الآتية:
1 - ذكره المسائل الفقهية دون الدخول فِي التفاصيل، ويمكن للقارئ أن يلتمس ذَلِكَ بشكل واضح من خلال تحقيقنا للمتن.
2 - ذكره الروايات الواردة عَن الإمام أحمد - رحمه الله - وقد كان ذكره للروايات يختلف من حين لآخر، وهي كالآتي:
أ - ذكره الرِوَايَات أحياناً عَلَى إطلاقها دون الدخول فِي التفاصيل، كقوله: ((فِي إحدى الروايتين)) (7) أو ((في أحد الوجهين)) (8).
ب - ذكره الرِوَايَات المشهورة أحياناً وترك الرِوَايَات الضعيفة أو الآراء المرجوحة (9).
ج - ذكره الرِوَايَات الضعيفة والإشارة إليها بلفظ: ((احتمل)) (10) أو ((قيل)) (11).
د - ذكره الرِوَايَات وبيان الأوجه فِيهَا دون ذكر قائليها (12).
__________
(1) انظر: 1/ 200.
(2) انظر: 1/ 150.
(3) انظر: 2/ 310.
(4) انظر: 1/ 142.
(5) انظر: 1/ 205.
(6) انظر: 1/ 255.
(7) انظر: 1/ 132، 147، 264، 2/ 179، 240.
(8) انظر: 1/ 118، 126، 2/ 135، 318، 404.
(9) انظر: 1/ 105 هامش (7)، 110 هامش (2)، 292 هامش (1)، 2/ 34 هامش (3).
(10) انظر: 1/ 311، 312، 313، 314، 2/ 153، 157، 177.
(11) انظر: 1/ 254، 261، 2/ 270.
(12) انظر: 1/ 136، 137، 138 - 139، 2/ 15، 26.(1/21)
هـ - ذكره الرِوَايَات وذكر قائليها (1).
وذكره الرِوَايَات مَعَ ذكر الراجح منها أو الصحيح كقوله: (فِي أصح الروايتين) (2) و (المشهور من الروايتين) (3) و (فِي أصح القولين) (4) و (فِي أظهر الروايتين) (5).
ز- ذكره الرِوَايَات مَعَ ذكر من اختارها من العلماء (6).
ح- تأويله للروايات (7).
3 - تَخْرِيجه للفروع (8).
4 - استخدامه التَّخْرِيج بالقياس عَلَى المذهب (9).
5 - إشارته إلى بَعْض المذاهب الأخرى، فقد ذكر مذهب الحنفية فِي مسألة صلاة الخوف بقوله: ((وإن صلى كمذهب النعمان وَهُوَ أن يصلي ... فقد ترك الفضيلة وتصح الصَّلاَة)) (10)، وقد ذكر فِي مسألة حكم الخلطة مذهب مَالِك بقوله: ((وإن كَانَ بتأويل مثل أخذ كبيرة من السخال عَلَى قول مَالِك .. رجع ذَلِكَ عَلَيْهِ، وقد ذكر أيضا فِي هذه المسالة قول النعمان بقوله: ((أو أخذ قيمة القرض عَلَى قول النعمان رجع ذَلِكَ عَلَيْهِ)). (11)
6 - ذكره فِي بَعْض الأحيان الأدلة التي تؤيد المسألة الفقهية فقد ذكر فِي مسألة
((الصَّلاَةِ عَلَى الغائب)) صلاة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى النجاشي (12) وفِي مسألة مَا يجب عَلَى الخارص أن يترك لرب المال استدل بقول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خرصتم فدعوا الثلث أو الربع؛ فإن فِي المال العرية والأكلة والوصية)) (13).
7 - اهتمامه بذكر آراء شيخه أبي يَعْلَى وكانت عبارته المعتادة قوله: ((قَالَ شيخنا))
__________
(1) انظر: 1/ 79، 116، 118، 2/ 19، 73.
(2) انظر: 1/ 60، 62، 64، 2/ 101، 108، 280.
(3) انظر: 1/ 68، 185، 2/ 391.
(4) انظر: 1/ 114، 146.
(5) انظر: 1/ 67، 272.
(6) انظر: 1/ 90، 134، 135، 163، 2/ 211، 218، 219.
(7) انظر: 1/ 270.
(8) انظر: 1/ 162، 172، 236، 2/ 64، 93، 331.
(9) انظر: 1/ 283، 321، 2/ 51، 66.
(10) انظر: 1/ 130.
(11) انظر: 1/ 160.
(12) انظر: 1/ 149.
(13) انظر: 1/ 166.(1/22)
أو ((اختيار شيخنا)) أو ((ذكر شيخنا)) (1).
رابعاً: مصادر كتابه:
اعتمد المؤلف - رحمه الله - فِي كتابه عَلَى عِدَّة مصادر وقد كَانَ استخدامه للمصادر يختلف من حين لآخر فأحياناً يذكر المؤلف واسم كتابه - وهذا قليل جداً - وأحياناً يذكر المؤلف دون ذكر الكتاب.
وإليك أخي القاريء مصادر كتابه:
أ- المصادر التي ذكر فِيهَا المؤلف واسم كتابه.
1 - أبو بَكْرٍ في "التنبيه". (2)
2 - أبو بَكْرٍ فِي " الخلاف ". (3)
3 - أبو العباس بِن العاص فِي " دلائل لقبلة ". (4)
4 - أبو عبد الله الوني فِي " المفرد لمذهب احمد ". (5)
5 - أبو عَلَيَّ بِن أبي مُوسَى فِي " الإرشاد ". (6)
6 - شيخنا - أبو يَعْلَى - فِي " الأحكام السلطانية". (7)
7 - شيخنا- أبو يَعْلَى - فِي " الخصال". (8)
8 - شيخنا - أبو يَعْلَى - فِي " الخلاف ". (9)
9 - شيخنا -أبو يَعْلَى - فِي " المجرد ". (10)
ب - المصادر التي ذكر فِيهَا اسم المؤلف فقط:
1 - إبراهيم بن الحارث
2 - إبراهيم بن هانيء
3 - الأثرم
__________
(1) انظر: 1/ 117، 118، 157، 159، 2/ 37، 103، 109، 234، 315.
(2) انظر: 1/ 55، 106، 132، 135، 208، 255، 2/ 119، 191، 343.
(3) انظر: 1/ 165.
(4) انظر: 1/ 231.
(5) انظر: 2/ 400.
(6) انظر: 1/ 170، 2/ 31.
(7) انظر: 1/ 266.
(8) انظر: 1/ 352.
(9) انظر: 1/ 208، 2/ 261.
(10) انظر: 1/ 194، 279، 320، 2/ 143، 259، 268، 278، 326، 344، 400.(1/23)
4 - إسحاق بن إبراهيم
5 - إسماعيل بن سعيد
6 - أحمد بن أصرم المزني
7 - أحمد بن سعيد
8 - البغوي
9 - ابن بطه
10 - بكر بن مُحَمَّد
11 - ابن جامع
12 - جعفر بن محمد
13 - الجوزجاني
14 - ابن حامد
15 - حرب
16 - الحسن بن ثواب
17 - الحسن بن علي
18 - حنبل
19 - الخرقي
20 - الخلال
21 - ابن شاقلا
22 - صالح
23 - عبد العزيز
24 - علي بن سعيد
25 - الفصل بن زياد
26 - ابن قاسم
27 - القاضي الشريف
28 - القاضي أبو علي بن أبي موسى
29 - الكوسج
30 - محمد بن أبي حرب
31 - محمد بن الحكم
32 - محمد بن يحيى الكامل(1/24)
33 - محمد بن شاكر
34 - المروزي
35 - منصور
36 - ابن منصور
37 - مهنا
38 - الميموني
39 - النيسابوري
40 - يعقوب بن بختان
41 - يوسف بن موسى
42 - أبو إبراهيم
43 - أبو بكر
44 - أبو بكر بن جعفر
45 - أبو بكر بن عبد العزيز
46 - أبو بكر بن محمد
47 - أبو الحارث
48 - أبو الحسن
49 - أبو الحفص البرمكي
50 - أبو الحفص العكبري
51 - أبو داود
52 - أبو الصقر
53 - أبو طالي
54 - أبو علي النجاد
55 - ابن أبي موسى
56 - أبو يعلى
خامساً: آراؤه وترجيحاته:
لَمْ ينس المؤلف - رحمه الله - أن يبرز شخصيته العلمية ومقدرته على الترجيح. ويمكن لنا أن نتعرف عَلَى آرائه وترجيحاتة من خلال تصريحه بقوله ((وعندي)) أو ((علَى الصحيح)) أو ((فِي الأصح)) أَوْ ((وَهُوَ الأقوى عندي)).
وبعد أن قمنا بدراسة الكتاب استطعنا أن نحصر آراء المؤلف وترجيحاته، وهي عَلَى النحو الآتي:(1/25)
1 - ذهب فِي مسألة المغمى عَلَيْهِ والمجنون إذا أفاقا بعدم إيجاب الغسل إذا لَمْ يتيقن منهما الإنزال (1).
2 - ذهب فِي مسألة التيمم للنجاسة عِنْدَ عدم الماء والصلاة بلزوم الإعادة (2).
3 - ذهب فِي مسألة ولادة المرأة لتوأمين إلى ترجيح الرأي القائل: بأن النفاس من الأول وليس من الأخير (3).
1 - ذهب فِي مسألة الجمع بَيْنَ الظهر والعصر لأجل المطر إلى ترجيح رأي شيخه أبي يَعْلَى القائل: بجواز الجمع (4).
2 - ذهب فِي مسألة صلاة الاستسقاء إلى ترجيح الرأي القائل: بإقامة الخطبة قبل الصَّلاَةِ (5).
3 - ذهب فِي مسألة غسل الميت إلى القول: بأن الأفضل هُوَ تجريده وستر عورته. (6)
4 - ذهب إلى القول: بأن الميت يغسل بالمرة الأولى بالماء والسدر ثُمَّ يغسل بالماء القراح. (7)
5 - ذهب فِي مسألة غسل الميت وخروج شيء منه بعد ذَلِكَ إلى القول: بأنه يغسل موضع النجاسة ويوضأ وضوءه للصلاة بخلاف قول أصحابه أنه يعاد عَلَيْهِ الغسل إلى سبع مرات. (8)
6 - ذهب فِي مسألة زكاة الماشية إلى القول: بأن ملك الإنسان يُضمُ بعضه إلى بَعْض سواء قربت البلدان أو تباعدت. (9)
7 - ذهب فِي مسألة زكاة الثمار إلى ترجيح الرأي القائل: إن الأرز والعلس نصابه عشرة أوسقٍ مَعَ قشره. (10)
8 - جعل زكاة الورس والعصفر خمسة أوسق قياسا عَلَى الزعفران والقطن والزيتون (11).
__________
(1) انظر: 1/ 69.
(2) انظر: 1/ 74.
(3) انظر: 1/ 82.
(4) انظر: 1/ 127.
(5) انظر: 1/ 141.
(6) انظر: 1/ 146.
(7) انظر: 1/ 147.
(8) انظر: 1/ 147.
(9) انظر: 1/ 159.
(10) انظر: 1/ 163.
(11) انظر: 1/ 163 - 164.
[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]
* تنبيه: إحالات المحقق في الهامش، وإلى غاية الصفحة 37، لا تتوافق مع هذه الطبعة.(1/26)
9 - خالف شيخه أبا يعلى فِي مسألة زكاة الزرع الذي يحمل فِي العام الواحد حملين كَمَا فِي النخل إِلىَ القول: أنه يضم أحد الحملين للأخر فِي إكمال النصاب. (1)
10 - ذهب فِي مسألة زكاة الفطر إلى القول: بأن الذي لاَ تلزمه نفقته لاَ تلزمه فطرته. (2)
11 - ذهب فِي مسألة النية فِي أداء الزكاة إلى القول: بأن نية الإمام لاَ تجزيء عَنْ نية رب المال. (3)
12 - ذهب إلى القول بأن دفع الزكاة إلى الإمام العدل أفضل من إنفاقها بنفسه (4).
13 - رجح الرِّوَايَة القائلة: بأن نقل الصدقة منْ بلد إلى بلد تقصر فِيمَا بينهما الصَّلاَة تجزيه. (5)
14 - رجح الرِّوَايَة القائلة بأن من ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب وهي لاَ تقوم بكفايته بجواز الأخذ (6).
15 - ذهب فِي مسألة نية المراهق فِي صوم رمضان من الليل ثُمَّ بلغ فِي أثناء النهار بالاحتلام أو السن إلى القول: عَلَيْهِ القضاء (7).
16 - رجح الرأي القائل: بأن من نذر صيام يوم العيد لَمْ يصمه وإنما يكفر من غَيْر قضاء. (8)
17 - ذهب فِي مسألة الاعتكاف إلى القول: بأنه يستحب للمعتكف إقراء القرآن وتدريس العلم ومناظرة الفقهاء إذا قصد بِهِ طاعة الله تَعَالَى لاَ المباهاة. (9)
18 - رجح الرأي القائل: بأن غَيْرَ المميز إذا حج عَنْهُ وليه فنفقة الْحَجِّ وما يلزمه من الكفارة من مال الولي وليس من ماله. (10)
19 - ذهب فِي مسألة تأخير الهدي والصوم لغير عذر إلى القول: بأن لاَ يلزمه مَعَ
__________
(1) انظر: 1/ 164.
(2) انظر: 1/ 175.
(3) انظر: 1/ 179.
(4) انظر: 1/ 182.
(5) انظر: 1/ 183.
(6) انظر: 1/ 188.
(7) انظر: 1/ 192.
(8) انظر: 1/ 202.
(9) انظر: 1/ 209.
(10) انظر: 1/ 210.(1/27)
الصوم دم حال. (1)
20 - ذهب فِي مسألة استنابة شخصٍ عَنْ رجلين لأداء الْحَجِّ فأحرم عن أحدهما لاَ بعينه إلى القول: بأن لَهُ صرفه إلى أيهما شاء. (2)
21 - ذهب فِي مسألة من حلق من شعر رأسه وبدنه عَلَى انفراد فِي حالة الإحرام إلى القول: بأنه يلزمه دم واحد. (3)
22 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسألة ذبح الصيد بعد التحلل بالقول: أنه يباح أكله وعليه ضمانه. (4)
23 - ذهب فِي مسألة من نذر هدياً بعينه فهل يجوز لَهُ بيعه وإبداله؟ إلى القول: لاَ يجوز بيعه وَلاَ إبداله. (5)
24 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسألة حكم الحَاكِم المسلم بالمن عَلَى الكفار عِنْدَ محاصرتهم فأبى الإمام ذَلِكَ بالقول: لاَ يلزم حكمه. (6)
25 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسألة انفساخ النكاح باسترقاق أو سبي أحد الزوجين بالقول: أنه لاَ ينفسخ. (7)
26 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسألة قسمة الغنيمة بالقول: أنه لاَ يسهم لراكب بعير وَلاَ فيل وَلاَ بغل وَلاَ حمار. (8)
27 - ذهب فِي مسألة أخذ الجزية من الرسول والمستأمن بعد عقد الهدنة مَعَ الإمام إلى القول: بأنه لاَ يجوز أن يقيم سنة فصاعداً إلا بجزية. (9)
30 - رجح الرأي القائل: بأن من ملك مئة ألف درهم فهو غني ومن ملك دون مئة ألف إلى العشرة آلاف فهو متوسط ومن ملك عشرة آلاف فما دون فهو فقير. (10)
31 - خالف شيخه أبا يعلى في مسألة الشرط في البيع بقوله: من اشترى طائراً على
__________
(1) انظر: 1/ 215.
(2) انظر: 1/ 218.
(3) انظر: 1/ 221.
(4) انظر: 1/ 223.
(5) انظر: 1/ 250.
(6) انظر: 1/ 259.
(7) انظر: 1/ 260.
(8) انظر: 1/ 267.
(9) انظر: 1/ 275.
(10) انظر: 1/ 277.(1/28)
أنه يجيء من البصرة أو مسافة ذكرها فالشرط صحيح. (1)
32 - ذهب في مسألة خيار التصرية إلى القول: إنه إذا تبين التصرية كان له الرد سواء كان قبل الثلاث أو بعدها. (2)
33 - رجح الرأي القائل: بأنه إذا كان العيب في السلعة يحتمل قولهما كالخرق في الثوب والبرص في العبد وما أشبهما فالقول قول البائع. (3)
34 - خالف شيخه أبا يعلى في مسألة اختلاف المتبايعين في قدر الثمن بقوله: إذا كان البائع ظالماً بالفسخ انفسخ في الظاهر دون الباطن لأنه كان يمكنه إمضاء العقد واستيفاء حقه. (4)
35 - خالف شيخه أبا يعلى في مسألة القرض بالقول: بأن ما لا يثبت في الذمة سلماً كالجواهر لا يجوز قرضها لأنها لا تثبت في الذمة. (5)
36 - ذهب في مسألة الرهن إلى القول: بأن الرهن يصح انعقاده قبل الحق فإذا وجب الحق صار رهناً محبوساً به. (6)
37 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسألة تزويج المرهونة إِلىَ القول: بأنه لاَ يصح تزويجها لأنه ينقص ثمنها. (7)
38 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسألة رهن العبد المسلم لكافر بقوله: يجوز إذا شرطا كونه عَلَى يد مُسْلِم. (8)
39 - ذهب فِي مسألة ادعاء العدل تسليم الثمن إِلىَ المرتهن إِلىَ القول: بأن القول قول العادل فِي حق الراهن. (9)
40 - ذهب فِي مسألة الجناية عَلَى الرهن إِلىَ القول: إنَّهُ تجب عَلَيْهِ قيمة تجعل مكانه
رهناً. (10)
__________
(1) انظر: 1/ 298.
(2) انظر: 1/ 307.
(3) انظر: 1/ 310.
(4) انظر: 1/ 313.
(5) انظر: 1/ 320.
(6) انظر: 1/ 321.
(7) انظر: 1/ 322.
(8) انظر: 1/ 323.
(9) انظر: 1/ 324.
(10) انظر: 1/ 326.(1/29)
41 - خالف شيخه أبا يعلى فِي مسألة إشراع البناء إِلىَ ملك إنسان بقوله: يجوز إذا صالح المالك عَلَى ذَلِكَ. (1)
42 - ذهب فِي مسألة شركة الأبدان إِلىَ القول: بأنها غَيْرَ جائزة مَعَ اختلاف الصنائع. (2)
43 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسألة الاستئجار للحجامة بقوله: أَنَّهُ يصح ويكره للأجير أكل الأجرة ويجوز أن يطعمها عبده وناصحه. (3)
44 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسألة إجارة الدراهم والدنانير للوزن بقوله: تصح وينتفع بها بالوزن وتحلية المرأة. (4)
45 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسالة اغتصاب الوديعة بقوله: للمودع المخاطبة فِيهَا لأن لَهُ حق اليد والحفظ. (5)
46 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسألة طلب الغاصب طم البئر الذي حفره فِي الدار المغصوب بقوله: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذا أبرأه المالك من ضمان مَا يتلف فِيها. (6)
47 - رجح الراوية القائلة: بأن من اقتنى في منزله كلباً عقوراً فعقر أنساناً أو خرق ثوبه نظرنا فإن كَانَ المعقور داخلاً بغير إذنه فلا ضمان عَلَيْهِ وإن كَانَ بإذنه فعليه الضمان. (7)
48 - خالف شيخه أبا يَعْلَى فِي مسألة شركة الوقف بقوله: إن المسألة مبنية عَلَى أن الوقف يملكهُ المُوَقَّفُ عَلَيْهِ أم لاَ؟. (8)
49 - ذهب فِي مسألة إحياء الموات إِلىَ القول: بأن من حفر بئراً كبيراً فِي موات ملكها وملك حريمها بقدر مَا يحتاج إليه فِي ترقية الماء منها. (9)
50 - ذهب فِي مسألة اللقطة إِلىَ القول: إن وجدها بمضيعة لاَ يأمن عليها فالأفضل تركها وإذا أخذها وجب عَلَيْهِ حفظها. (10)
__________
(1) انظر: 1/ 335.
(2) انظر: 1/ 353.
(3) انظر: 1/ 370.
(4) انظر: 1/ 371.
(5) انظر: 1/ 382.
(6) انظر: 1/ 390.
(7) انظر: 1/ 395.
(8) انظر: 1/ 398.
(9) انظر: 2/ 5.
(10) انظر: 2/ 8.(1/30)
51 - ذهب فِي مسألة أجرة المنادي عَلَى اللقطة إِلىَ القول: إن أجرة المنادي فِي مال المعرف إذا كَانَ يملكه فأما إن كانت مِمَّا لاَ يملك أو أراد الحفظ عَلَى صاحبها لاَ غير رجع بالأجرة عَلَيْهِ. (1)
52 - ذهب فِي مسألة دخول اللقطة فِي ملكه بغير اختياره بعد الحول إِلىَ القول: لاَ تدخل بغير اختياره ولهذا يضمنها لمالكها إذا أنفقها بعد الحول. (2)
53 - ذهب فِي مسألة الوقف إِلىَ القول: إنه إذا كَانَ فِي المسجد نبقة أو نخلة، فإن أكلها للجيران إذا لَمْ يكن المسجد بحاجة إِلىَ ثمن ذَلِكَ؛ لأن الجيران يعمرونه ويكسونه أما إذا كَانَ المسجد بحاجة إِلىَ ثمن بيعت وصرفت ثمنها فِي عمارته. (3)
54 - رجح فِي مسألة الوقت عَلَى الفقراء الرأي القائل: بأنه يجوز الدفع إِلىَ الفقير من ذَلِكَ زيادة عَلَى خمسين أو قيمة من الذهب. (4)
55 - ذهب فِي مسألة الوصية بثلث المال لرجلين أحدهما كَانَ ميتاً إِلىَ القول: إنه إذا علم الموصي أنه ميت كَانَ جميع الثلث للحي. (5)
56 - ذهب فِي مسألة الموصى بِهِ إِلىَ القول: إنه إذا لَمْ يكن فِي الوصية دلالة حال فإن الوصية تنصرف للجميع. (6)
57 - رجح الرِّوَايَة القائلة: بأن الألفاظ ((لاَ سبيل لي عليك، وَلاَ سلطان لي عليك، وَلاَ مَالك لي عليك، وَلاَ رق لي عليك، وملكت رقبتك، وأنت مولاي، وأنت الله، وأنت سائبة)) من ألفاظ الكناية فِي العتق. (7)
58 - ذهب فِي مسألة أمهات الأولاد إِلىَ القول: إذا أسلمت أم ولد النصراني فإنه يستسعى فِي قيمتها ثُمَّ تعتق. (8)
59 - ذهب فِي مسألة أم الولد إِلىَ القول: بأن عدة أم الولد عَنْ العتق والوفاة شهر واحد مقام حيضة. (9)
__________
(1) انظر: 2/ 8.
(2) انظر: 2/ 9.
(3) انظر: 2/ 20.
(4) انظر: 2/ 21.
(5) انظر: 2/ 37.
(6) انظر: 2/ 40.
(7) انظر: 2/ 57.
(8) انظر: 2/ 74.
(9) انظر: 2/ 74.(1/31)
60 - خالف الرأي القائل: إن من تلوط بغلام فحكمه فِي تحريم المصاهرة حكم المرأة، يحرم عَلَيْهِ أن يتزوج بأمهاته وبناته وتحرم عَلَى الغلام أمهات ألواطيء وبناته. وذهب إِلىَ القول إن حكمه حكم المباشرة فِيمَا دون الفرج. (1)
61 - ذهب فِي مسألة المهر إِلىَ القول: إن أجل المهر ولم يذكر أجله فإنه لا يصح ويرجع لمهر المثل. (2)
62 - خالف شيخه أبا يعلى في مسالة الصداق على عبدٍ موصوف فجاءها بقيمته إِلَى القول: لا يلزمها قبوله. (3)
63 - خالف رأي شيخه أبي يعلى القائل: إن أدعى الزوج دون مهر المثل وادعت الزوجة زيادة إلى مهر المثل رد إِلَى مهر المثل ولا يجب الثمن في الأحوال كلها، وذهب إِلَى القول: إنه يجب الثمن في الأحوال كلها لإسقاط الدعوى. (4)
64 - خالف سيخه أبا يعلى في مسألة الخلع إِلَى القول: إن خلعته بما في بيتها من المتاع أو على ما يثمر نخلها أو حمل أمتها فإنه يصح ويرجع بما أعطاها. (5)
65 خالف شيخه أبا يعلى في مسألة الخلع على محرم إِلَى القول: إن خلعها على محرم كالخمر والخنزير؛ فإنه لا يصح ويعتبر كالخلع بغير عوض. (6)
66 - ذهب في مسألة الخلع على ثوب هروي فخرج مرويا إِلَى القول: إنه وقع الخلع على عينه لم يستحق سواه. (7)
67 - رجح الرواية القائلة: بأن الطلاق بالكناية الظاهرة يقع على ما نوى ولا يقع ثلاثاً. (8)
68 - رجح الرواية القائلة: أن من حلف أن لا يفعل شيئاً ففعل بعضه مثل أن يحلف لا أكلت هذا الرغيف فأكل بعضه، أو لا كلمت زيداً وعمراً وكلم أحدهما فإنه لا يحنث إلا بفعل الجميع. (9)
__________
(1) انظر: 2/ 86
(2) انظر: 2/ 102
(3) انظر: 2/ 104.
(4) انظر: 2/ 107.
(5) انظر: 2/ 119.
(6) انظر: 2/ 119.
(7) انظر: 2/ 121.
(8) انظر: 2/ 127.
(9) انظر: 2/ 142.(1/32)
69 - ذهب في مسألة من قال لزوجته أنت طالق إن لم أطلقك اليوم إلى القول أنها تطلق إذا بقى من اليوم ما لا يتسع لقوله: أنت طالق. (1)
70 - ذهب في مسألة من قال لزوجته: إن أمرتك فخالفتيني فأنت طالق ثم قال: لا تكلمي أباك فكلمته إلى القول: أنه يقع إن قصد أن لا تخالفه. (2)
71 - ذهب في مسألة من كان داخل الدار فحلف أن يدخلها إلى القول: أنه لا يحنث. (3)
72 - رجح الرواية القائلة، فيمن حلف لا يدخل داراً فدخل بعض جسده، بأنه لا يحنث وخالف شيخه أبا يعلى بذلك. (4)
73 - رجح الرواية القائلة: فيمن حلف لا يأكل لحماً فأكل مرقها إلى أنه لا يحنث. (5)
74 - رجح الرواية القائلة: فيمن حلف أن لا يشرب ماء هذا الكوز فشرب بعضه لم يحنث. (6)
75 - خالف شيخه أبا يعلى فيمن حلف لا يهب لشخص، فتصدق عليه، لم يحنث. (7)
76 - ذهب في مسألة من حلف أن لا يكلمه دهراً، أو عمر اً، أو حيناً إلى القول: إن ما ورد في اللفظ من التوقيت رجع إليه، كالحين فقد نقل عن ابن عباس ((أنه ستة أشهر)). وأما غير ذلك من الألفاظ غير المقيدة بزمن فإنه يحمل على أقل ما يقع عليه الاسم من العمر والدهر والزمان. (8)
77 - خالف شيخه أبا يعلى فيمن حلف لا يكلم شخصاً مشهوراً، إِلىَ القول: إنه يحمل على ثلاثة أشهر. (9)
78 - خالف شيخه أبا يعلى فيمن حلف لا يصلي فكبر، إِلىَ القول: إنه لا يحنث
__________
(1) انظر: 2/ 153.
(2) انظر: 2/ 157.
(3) انظر: 2/ 166.
(4) انظر: 2/ 167.
(5) انظر: 2/ 169.
(6) انظر: 2/ 173.
(7) انظر: 2/ 173.
(8) انظر: 2/ 176.
(9) انظر: 2/ 176.(1/33)
حتى يأتي بركعة بسجدتها. (1)
79 - خالف شيخه أبا يعلى في مسألة رجلين إذا شاهدا رجلاً مقبلاً فقال أحدهما: إن كان هذا زيداً فعبدي حرٌ، وقال الأخر، إن يكن زيداً فعبدي حرٌ، فغاب الرجل ولم يعلم من كان، فإن اشترى أحدهما عبد الآخر عتق عليه أحد العبدين بالقرعة بينهما فمن خرجت قرعته من العبدين عتق. (2)
80 - ذهب إلى القول: أن المرأة إذا طهرت من الحيضة الثالثة، ولم تغتسل فليس للزوج أن يرتجعها وكذلك لا تحصل الرجعة بالخلوة. (3)
81 - خالف شيخه أبا يعلى في مسألة من قال لأزواجه: والله لا وطأت كل واحدة منكن فإذا وطيء إحداهن انحل الإيلاء فِي بقيتهن. (4)
82 - خالف شيه أبا يعلى في مسألة التفكير بالطعام فقال بجواز الإخراج من قوت البلد كالأرز والذرة والدخن. (5)
83 - خالف شيخه أبا يعلى فيمن قال: لحرة مسلمة زنيت وأنت نصرانية أو أنت أمة مع ثبوت أنها كانت أمه أو نصرانية، إلا أنها قالت، أردت قذفي في هذا الحال أضفت على ذلك كوني نصرانية أمة فقال: بل أردت أنك زنيت في حال كفرك أو رقك، فالقول قوله ويلزمه موجب قذف أمة أو كافرة. (6)
84 - رجح الرواية القائلة فيمن قال: زنت يداك ورجلاك بأنه لا يكون قاذفاً. (7)
85 - ذهب في مسألة الزوجة التي انقطع خبر زوجها لغيبة فتزوجت ثم عاد زوجها إلى القول: إن قياس المذهب أنها للأول بكل حال سواء حكمنا بوقوع الفرقة ظاهراً أو باطناً. (8)
86 - خالف شيخه أبا يعلى في مسالة من تزوج امرأتين إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة من لبن غيره، وكان ذلك قبل الدخول بالكبيرة فتحرم الكبيرة وينفسخ نكاحه من الصغيرة ويبتدئ العقد عليها ويجب نصف مهر الصغيرة
__________
(1) انظر: 2/ 176 - 177.
(2) انظر: 2/ 178.
(3) انظر: 2/ 182.
(4) انظر: 2/ 185 - 186.
(5) انظر: 2/ 196.
(6) انظر: 2/ 201.
(7) انظر: 2/ 201.
(8) انظر: 2/ 211.(1/34)
يرجع الزوج به إلى الكبيرة وأما مهر الكبيرة فتستحقه كاملاً. (1)
87 - فيمن تزوج بامرأة لها لبن من زوج آخر فحبلت منه فانقطع لبن الأول ثم ثاب بحملها من الثاني إلى القول: بأن الطفل ابن للثاني دون الأول. (2)
88 - خالف شيخه أبا يعلى فيمن قطع النفقة عن زوجته مع اليسار والحبس الحاكم له وصبره على الحبس إِلىَ القول: إنه يثبت للزوجة حق النفقة. (3)
89 - خالف رأي شيخه أبي يَعْلَى القائل: بأن ذوي الأرحام إذا لَمْ يكن بينهم من يرث بفرض وَلاَ تعصيب بأنه لاَ يلزمه، والصحيح إنه عَلَى روايتين أحدهما لاَ يلزمه، والأخرى يلزمه. (4)
90 - خالفه شيخه فِي مسألة اليد الشلاء إِلىَ القول: إنه يأخذ أرش الشلل مَعَ القصاص. (5)
91 - ذهب فِي مسألة من جعل وكيلاً لَهُ فِي القصاص فاقتص من الجاني، بعد عفو الموكل وبدون علمه، فإنه تلزمه دية الذي أقتص منه، وتكون عَلَى عاقلته. (6)
92 - خالف شيخه فِي مسألة إذا عاد الجاني بعد العفو عَنْ القطع، فقتل العافي، كَانَ لوليه القصاص فِي النفس أو العفو عَلَى كمال الدية. (7)
93 - ذهب إِلىَ أن حكم الدامية ببعير، وفي الباضعة بعيرين وفي المتلاحمة ثَلاَثَةَ أبعر وفي السمحاق أربعة أبعر. (8)
94 - خالف شيخه فِي قاتل العمد، ولم يكن لَهُ أصل دين فَقَالَ يضمن بِهِ أهل دينه. (9)
95 - خالف شيخه فيمن سرق صليباً، أو صنماً من ذهب، فإنه يقطع. (10)
96 - ذهب فِي مسألة تحريم العصير إذا أتى عَلَيْهِ ثَلاَثَةَ أيام، أنه محمول عَلَى العصير
__________
(1) انظر: 2/ 218.
(2) انظر: 2/ 220.
(3) انظر: 2/ 225.
(4) انظر: 2/ 226.
(5) انظر: 2/ 237.
(6) انظر: 2/ 241.
(7) انظر: 2/ 242.
(8) انظر: 2/ 253.
(9) انظر: 2/ 258.
(10) انظر: 2/ 275.(1/35)
الغالب منه أن يتخمر فِي ثَلاَثَةَ أيام. (1)
97 - ذهب إِلىَ أن الجارح إذا جرح الصيد، فبقيت فِي حياة يجوز بقاؤه معها معظم اليوم، وتركه حَتَّى مات، فإنه لاَ يباح أكله. (2)
98 - خالف شيخه فِي مسألة المضطر إذا لم يجد إلا لحم أدمي ميت غَيْرَ مباح الدم، فإنه يجوز لَهُ الأكل إذا خاف الموت. (3)
99 - خالف شيخه فِي مسألة الشحوم المحرمة عَلَى اليهود فإنها حلال لنا، سواء كَانَ الذابح مُسْلِماً أو كتابياً. (4)
100 - خالف شيخه فِي مسألة غسل الدهان المتنجسة وطهوريتها فَقَالَ: إن ما يأتي غسله منها يجوز غسله وتطهر بذلك. (5)
101 - رجح عدم جواز تقليد قاضيين بعمل واحد فِي بلد واحد. (6)
102 - رجح جواز الحكم برد اليمين. (7)
103 - رجح مسألة رد اليمين عَلَى المدعي والحكم بها، بعد نكول المدعى عَلَيْهِ. (8)
104 - ذهب إِلىَ القول: إِلىَ أن من أقر بالحد فلا يقبل قوله فِي القضاء إلا ببينة. (9)
105 - ذهب فِي مسألة من شهدا على رجل بألف فَقَالَ صاحب الدِّينُ: أريد أن تشهد لي من الدِّينُ بخمسمئة فلهما أن يشهدا بذلك. (10)
106 - رجح شهادة البدوي عَلَى القروي. (11)
107 - رجح المسألة فيمن قَالَ: ودرهم أو ألف ودينار، بأنه يلزمه الدرهم، والدينار، ويرجع فِي تفسير الألف إليه، وقد خالف شيخه بذلك. (12)
108 - ذهب فِي مسألة من تزوج تزويجاً مختلفاً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ طلق، فإنه يقع فِيمَا
__________
(1) انظر: 2/ 281.
(2) انظر: 2/ 288.
(3) انظر: 2/ 296.
(4) انظر: 2/ 296 - 297.
(5) انظر: 2/ 298.
(6) انظر: 2/ 308.
(7) انظر: 2/ 315.
(8) انظر: 2/ 316.
(9) انظر: 2/ 318.
(10) انظر: 2/ 345.
(11) انظر: 2/ 350.
(12) انظر: 2/ 365.(1/36)
اعتقد صِحَّتِهِ من النكاح إما باجتهاد أو بتقليد، فأما مَا اعتقد بطلانه فلا يقع. (1)
109 - رجح فِي مسالة الطلاق فِي الكتابة الظاهرة بالرجوع إِلىَ نية المطلق. (2)
110 - ذهب فِي مسألة من قَالَ لزوجته أخرجي من الدار، وكذا إذا أطعمها، وسقاها وَقَالَ: هَذَا طلاقك، فإن نوى أن يكون هَذَا شيئاً من طلاق، قبل منه فِيمَا بينه وبَيْنَ الله تَعَالَى، وكَذَلِكَ يقبل فِي الحكم عَلَى اصح الوجهين. (3)
111 - ذهب فِي مسألة من خالعت زوجها عَلَى شي، فوقع الخلع عَلَى عينه لَمْ يستحق سواه. (4)
112 - ذهب فِي مسألة المخالعة عَلَى المجهول مثل أن يقول: عَلَى مَا فِي بيته من متاع فَلَمْ يجد فِيهِ شيئاً أو خالعها عَلَى مَا يثمر نخلها أو عَلَى حمل أمتها فإنه يرجع بما أعطاها من المهر فِي مسألة المتاع وكَذَلِكَ الثمن والحمل إلا أن يرضى بدونه (5).
113 - ذهب فِي مسألة الخلع عَلَى محرم كالخمر إِلىَ القول: إنه كالخلع بغير عوض لاَ يصح فِي إحدى الروايتين إلا أن يَقُولُ: إن الخلع طلاق أو ينوي بِهِ الطلاق فيقع طلاقه رجعية وتصح فِي الأخرى فتبين بِهِ وَلاَ يستحق عليها شيئاً (6).
114 - رجح فيمن وصى لاَ جنبي بثلث ماله ولكل واحد من ابنيه بثلث ماله فأجاز أحد الابنين للأخر ولم يجز للأجنبي فإن جميع الثلث للأجنبي وَلاَ يلتفت إِلىَ رد الابنين (7).
115 - ذهب إِلىَ إن قياس المذهب فيمن وصى بحق مقدر من المال لإنسان والآخر بمثل نصيب أحد ولده فإنه يخرج كل واحد من الوصيتين من جميع المال إن أجاز الورثة ومن الثلث إن لم يجيزوا ثُمَّ يقسم مَا بقي بَيْنَ الورثة (8).
منهجنا فِي التحقيق:
لقد اتبعنا فِي تحقيقنا للكتاب المنهج المتعارف عَلَيْهِ فِي تحقيق المخطوطات الشرعية.
ويمكننا أن نلخص منهج التحقيق الذي سرنا عَلَيْهِ والتزمناه فِي تحقيقنا لكتاب
__________
(1) انظر: 2/ 124.
(2) انظر: 2/ 127.
(3) انظر: 2/ 125.
(4) انظر: 2/ 121.
(5) انظر: 2/ 119.
(6) انظر: 2/ 119.
(7) انظر: 2/ 56.
(8) انظر: 2/ 51.(1/37)
"الهداية " فِيمَا يأتي:
1 - حاولنا ضبط النص قدر المستطاع مَعَ مراجعة كَتَب الفقه الحنبلي.
2 - قمنا بشكل النص شكلاً كاملاً.
3 - قدمنا للكتاب بدراسة نراها - حسب اعتقادنا - كافية كمدخل إليه.
4 - خرجنا الآيات الكريمة من مواطنها فِي المصحف مَعَ الإشارة إلى اسم السورة ورَقَم الآية.
5 - خرجنا الأحاديث النبوية الشريفة تخريجاً مستوعباً حسب الطاقة.
6 - علقنا عَلَى المواطن التي نعتقد أنها بحاجة إلى مزيد من الإيضاح والبيان.
7 - توضيح المفردات التي ذكرها المصنف مستعينين ببعض المراجع اللغوية أو الفقهية.
8 - ذكر الرِوَايَات وقائليها عَنْ الإمام أحمد والتي أهملها المصنف. ذ
9 - نسب الرِوَايَات إلى أصحابها فِي حالة عدم ذكر أصحابها.
10 - قمنا بوضع علامة (/ /) للإشارة إلى بداية الصفحة ثُمَّ أشرنا إلى وجه المخطوط بعلامة (/ و /) وإلى ظهرها بعلامة (/ ظ /).
11 - لَمْ نألوا جهداً فِي تقديم أي عمل يخدم الكتاب وهذا يتجلى فِي الفهارس المتنوعة التي ألحقناها فِي الكتاب بغية توفير الوقت والجهد عَلَى الباحث والتي شملت مَا يأتي:
أ -فهرس الآيات القرآنية.
ب - فهرس الأحاديث النبوية الشريفة.
ج- فهرس الأعلام.
د- فهرس الفرق والأقوام
هـفهرس الأمكنة والبقاع
وفهرس الأيام والوقائع
ز- فهرس الكتب الواردة في المتن
ح- ثبت المراجع
ط- فهرس مواضيع الكتاب(1/38)
صور المخطوطات(1/39)
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
[قَالَ الشَّيْخُ الإمَامُ، نَاصِحُ الإسلامِ، نَجْمُ الْهُدَى أبُو الخطَّابِ مَحْفُوظُ بنُ أحمدَ بنِ الحسَنِ الكَلْوَاذَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -:] (1)
الحمدُ للهِ وَلِيِّ كُلِّ نعمةٍ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمةِ (2)، وعَلَى آلِهِ وأصْحابِهِ خِيَارِ الأمَّةِ وسَلَّمَ تَسليماً كَثيراً.
هذَا مُخْتَصَرٌ ذَكَرْتُ فيهِ جُمَلاً مِنْ أُصولِ مَذْهَبِ الإمامِ أبي عبدِ اللهِ أحمدَ بنِ مُحَمَّد بن حَنْبَلٍ الشَّيْبانيِّ - رضي الله عنه - في الفِقْهِ، وعُيُوناً مِنْ مَسَائِلِهِ؛ لِيَكُونَ هِدَايةً لِلْمُبْتَدِئينَ وتَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهينَ (3)، ومِنَ اللهِ تعالى اسْتَمِدُّ الْمَعُونةَ، وإيَّاهُ أسأَلُ أنْ يَنْفَعَنا وَجَمِيْعَ المسْلِمينَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ.
* * *
__________
(1) ما بين المعكوفتين في أول المخطوط.
(2) روى مسلم في صحيحه 7/ 90 (2355) (126) من حديث أبي موسى الأشعري، قال: كَان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمّي لنا نفسه أسماء، فقال: ((أنا محمد، وأحمد، والمقفى، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة)). وانظر تخريج الحديث موسعاً في تحقيقنا لشمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - (366)، وشرح التبصرة والتذكرة
1/ 104.
(3) وبنحو هذا المعنى قال العراقي في البيت الخامس من الألفية:
نَظَمْتُهَا تَبْصِرَةً لِلمُبتَدِيْ ... تَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِي والْمُسْنِدِ(1/45)
كِتَابُ الطَّهَارَةِ (1)
- بَابُ المِيَاهِ -
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَنْزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوْراً} (2).
والمِيَاهُ تَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:
مَاءٌ يَجُوزُ بهِ رَفْعُ الأحداثِ، وإزالَةُ الأنجاسِ، وهو الطَّهُورُ (3) الذي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ أوْ نَبَعَ مِنَ الأرْضِ وَبَقِيَ على إطلاقِهِ، فإنْ سُخِّنَ بالشَّمْسِ أوْ بالطَّاهِراتِ لَمْ تُكْرَهِ الطَّهَارَةُ بهِ، وإنْ سُخِّنَ بالنَّجَاسَاتِ كُرِهَ التَّطْهُّرُ بهِ في إحدَى الرِّوايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: لاَ يُكْرَهُ (4).
وَمَاءٌ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، وهوَ مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ إذا اسْتُعْمِلَ في رَفْعِ حَدَثٍ، فإنِ اسْتُعْمِلَ في طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ، كغسلِ الْجُمُعَةِ والعِيْدَيْنِ وتَجْدِيْدِ الوُضُوءِ، أو خَلَتْ بالوُضُوءِ منهُ امْرَأَةٌ، أوْ غَمسَ فيهِ يَدَهُ قائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ قَبْلَ غَسْلِهِما ثلاثاً، فَهُوَ عَلَى إطلاقِهِ في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأخْرَى يَصِيْرُ غَيْرَ مُطَهِّرٍ (5).
__________
(1) الطَّهارَةُ: النَّزَاهَةُ عَنِ الأدناسِ وقومٌ يَتَطَهَّرُونَ، أي: يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الأدناسِ. الصحاح2/ 727، والتاج 12/ 224.
(2) الفرقان: 48.
(3) قال البغوي في التَّهذيب 1/ 142: ((الطَّهُورُ: هو الْمُطَهَّر، وهو اسم لِما يُتَطَهَّر بهِ، كالسَّحُورِ: اسم لِمَا يُتَسَحَّرُ بهِ، والفَطُور: اسمٌ لِمَا يُتَفَطَّرُ بهِ)).
وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق 1/ 187: ((الطهور: هو الطاهر في نفسه المطَهِّر لغيره، فهو من الأسماء المتعدية)). وانظر: المغني 1/ 7، والإنصاف 1/ 21، وكشاف القناع 1/ 23، وشرح منتهى الإرادات 1/ 10. وَفِي الصحاح 2/ 727: ((الطهور: مَا يتطهر بِهِ، كالكافور والسحور والوقود)).
(4) هاتان الروايتان لَم يذكرهما أبو يعلى الفرّاء في كتابه " الروايتين والوجهين "، ولا المرداوي في الإنصاف. ونقلهما ابْن قدامة فِي المغني 1/ 18 عن الكلوذاني وحكاهما القفال فِي حلية الْعُلَمَاء 1/ 70، والبهوتي فِي كشاف القناع 1/ 27.
(5) نقل الروايتين أبو يعلى الفراء في كتابه: " الروايتين والوجهين " 5 / أ، ونقل الأولى عن أبي الحارث وإسماعيل ابن سعيد، عن الإمام أحمد، ونقل الثانية عن حنبل، عن الإمام.
وقد خصَّصَ ابن قدامة في المغني 1/ 80 - 82 وجوب غسل اليدين عقب النوم عن أحمد في الرواية الأخرى بما إذا كان ذلك عقب القيام من نوم الليل.
قلنا: السنة تعضد ذلك، فقد روى مُسْلِم1/ 160 (278) (87) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتَّى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده)).(1/46)
فإنْ خالَطَهُ طاهِرٌ يُمْكِنُ الاحْتِرازُ منهُ، فغَلَبَ على أجزَائِهِ أو طُبِخَ فيهِ سَلَبَهُ التَّطْهِيْرَ وإنْ غَيَّرَ إحدَى صِفَاتِهِ: طَعْمُهُ أو لَوْنُهُ أوْ رِيْحُهُ، فَعَلَى رِوايَتَيْنِ:
إحدَاهُما أنَّهُ يَسْلِبُهُ التَّطْهِيْرَ أيضاً، والأخرَى لا يَسْلبُهُ (1).
فإنْ تَغَيَّرَ بطاهِرٍ لا يُخالِطُهُ كالعُوْدِ والكَافُورِ والدُّهْنِ أو طَاهِرٍ لا يُمْكِنُ الاحترازُ منهُ كالتُّرَابِ والطُّحْلُبِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ فهُوَ مُطَهِّرٌ.
ومَاءٌ نَجِسٌ (2) وهوَ مَا دُونَ القُلَّتَيْنِ إذا وَقَعَتْ فيهِ نَجَاسَةٌ. والقُلَّتَانِ (3) فَصَاعِداً إذا [تغير] (4) لِغَيْرِ مُلاقاةِ النجاسَةِ، فإنْ زَالَ التَّغْييرُ بنفسِهِ أو بقُلَّتَي (5) ماءٍ طَهُورٍ فطرَأَ عليهِ أوْ كانَ أكثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَنَزَحَ منهُ / 2 ظ / فَزَالَ التَّغْييرُ وَبَقِيَ قُلَّتَانِ طَهرَ، وإنْ ظَهَرَ فيهِ تُرابٌ فَقَطَعَ التَّغْيير لَمْ يَطْهُرْ - والقُلَّتَانِ خَمْسُ مِئَةِ رَطْلٍ بالعِرَاقِيِّ (6) -.
وَعَنْهُ لا يَنْجسُ الماءُ إلاَّ بتَغَيُّرِ أحدِ صِفاتِهِ بالنَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَليْلاً أوْ كَثِيْراً (7).
بَابُ الآنِيَةِ
وَكُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَثْمَانِ فَمُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ واسْتِعْمَالُهُ، سَوَاءٌ كَانَ ثَمِيْناً كَاليَاقُوْتِ والبَلُّوْرِ والعَقِيْقِ، أوْ غَيْرَ ثَمِيْنٍ كَالصُّفْرِ والرَّصَاصِ والْخَشَبِ.
فأمَّا آنِيَةُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ فَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهُمَا واسْتِعْمَالُهُمَا، فَإنْ خَالَفَ وتَطَهَّرَ مِنْها، فَهَلْ تَصُحُّ طَهَارَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (8).
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 3 / أ.
(2) ((النَّجْس والنِّجْس والنَّجَس: القذر من الناس ومن كُلّ شيء قذرته)). اللسان 6/ 226 (نجس).
(3) القُلَّةُ: الجرَّة من الفخار يشربُ منها. والقلتان: مثنى قلة، وَهِيَ الحب العظيم، وَقِيلَ الجرة العظيمة، وَقِيلَ: الجرة عامة، وَقِيلَ الكوز العظيم. قَالَ أحمد بن حَنْبَل: قدر كُلّ قلة قربتان، قَالَ: وأخشى عَلَى القلتين من البول، فأما غَيْر البول فَلا ينجسه شيء. انظر: اللسان 11/ 565 (قلل)، والمعجم الوسيط
2/ 756، وسيأتي مقدارها بالرطل العراقي.
(4) زيادة منا اقتضاها السياق.
(5) في الأصل: ((بقلتين))، وما أثبتناه هُوَ الصَّحِيح؛ لأن نون المثنى تحذف عِنْدَ الإضافة، ينظر: شرح المفصل 3/ 35.
(6) ذكر صاحب المحرر 1/ 2 رواية أخرى عن الإمام أحمد، فقال: ((وعنه أنهما أربع مئة))، والرطل: اثنتا عَشْرَة أوقية بأواقي العرب، والأوقية: أربعون درهماً، فذلك أربعمئةٍ وثمانون درهماً.
اللسان 11/ 285 - 286 (رطل).
(7) انظر: الروايتين والوجهين 3 / ب.
(8) لَمْ يذكر أبو يعلى الفراء في كتابه " الروايتين والوجهين "، الوجهين، وذكرها صاحب الشرح الكبير، قائلاً: ((أحدهما: تصح طهارته، اختاره الخرقي، وَهُوَ قَوْل أَصْحَاب الرأي والشافعي وإسحاق وابن المنذر؛ لأن فعل الطهارة وماءها لا يتعلق بشيء من ذَلِكَ، أشبه الطهارة في الدار المغصوبة. والثاني: لا تصح اختاره أبو بَكْر؛ لأنه استعمل المحرم في العبادة فلم تصح، كَمَا لَوْ صلى في دار مغصوبة)) الشرح الكبير بهامش المغني 1/ 58 - 59.(1/47)
ومَا ضُبِّبَ بالفِضَّةِ إنْ كانَ كَثِيراً فَهوَ مُحَرَّمٌ بِكُلِّ حَالٍ، وكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَسِيْراً لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَالْحَلقَةِ فِي الإنَاءِ ونَحْوِهَا، وإنْ كَانَ اليَسِّيرُ لِحَاجَةٍ كَشَعْبِ (1) قَدَحٍ وَقَبِيْعَةِ (2)
سَيْفٍ (3) وَشَعِيْرَةِ سِكِّيْنٍ (4)، فإنَّ ذلكَ مُبَاحٌ غَيْرَ أنَّهُ يُكْرَهُ أنْ يُبَاشِرَ مَوْضِعَ الفِضَّةِ
بالاسْتِعْمَالِ، ويَسِيْرُ الذَّهَبِ مِثْلُ كَثِيْرِهِ فِي التَّحْرِيْمِ إلاَّ مِنْ ضَرُوْرَةٍ؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لِعَرْفَجَةَ بنِ أَسْعَدٍ (5) لَمَّا قُطِعَ أنْفُهُ أنْ يَتَّخِذَ أنْفاً مِنْ ذَهَبٍ (6).
__________
(1) لِما رواه البخاري 4/ 101 (3109) من حديث أنس قال: ((إن قدح النبي انكسر، فاتَّخذ مكان الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِن فِضَّةٍ))، وفي النهاية 2/ 477: ((أي: مكان الصدع والشق الذي فيه))، وشعب الصدع في الإناء إنما هُوَ إصلاحه وملاءمتهُ ونحو ذَلِكَ. اللسان 1/ 285.
(2) القبيعة: التي عَلَى رأس قائم السيف، وَهِيَ التي يدخل القائم فِيْهَا، وَقِيلَ: هِيَ تَحْتَ شاربي السيف، وَقِيلَ: قبيعة السيف رأسه الذي فِيهِ منتهى اليد إِليهِ، وَقِيلَ: قبيعته مَا كَانَ عَلَى طرف مقبضه من فضة أَوْ حديد. اللسان 8/ 259.
(3) روى ابن سعد 1/ 487، والدارمي (2461)، وأبو داود (2583)، والترمذي (1691)، وحسَّنه من حديث أنس بن مالك قال: ((كانت قبيعة سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضة))، وانظر: نقد الحديث في تحقيقنا للشمائل: 81.
(4) قال الجوهري في الصحاح 2/ 698: ((شعيرة السكين: الحديدة التي تُدْخَل في السيلان؛ لتكون مِسَاكاً للنصلِ)). وانظر: التاج 12/ 190، وَفِي اللسان 4/ 415: ((الشعيرة: هنة تصاغ من فضة أَوْ حديد عَلَى شكل الشعيرة تدخل في السيلان فتكون مساكاً لناصب السكين والنصل)).
(5) هو: عَرْفَجَةُ بنُ أسعد بنِ كَرب - بفتح الكاف وكسر الراء بعدها موحدة -: صحابيٌّ، نزل البصرة. التقريب (4554).
(6) هذا الحديث اختلف فيه اختلافاً كثيراً:
فأخرجه علي بن الجعد (3264)، وابن أبي شيبة (25255)، وأحمد 4/ 342 و 5/ 23، وأبو داود (4232)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 5/ 23، وأبو يعلى (1501) و (1502)، والطبراني في الكبير 17/ 371 من طريق عبد الرحمان بن طرفة بن عرفجة بن أسعد، أنّ جدّه عرفجة بن أسعد أصيب أنفه ... مرسلاً، وهو المحفوظ، كما في تهذيب الكمال 17/ 192.
وأخرجه أحمد 5/ 23، وأبو داود (4233)، والترمذي (1770) وفي علله (533)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 5/ 23، والنسائي 8/ 163 و164، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 257 و258، وابن حبان (5462)، والطبراني في الكبير 17/ (369) و (370)، والبيهقي 2/ 425 من طريق عبدالرحمان بن طرفة، عن عرفجة بن أسعد، قال: أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية ... الحديث.
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 5/ 23، والبيهقي 2/ 425 من طريق عبد الرحمان بن طرفة بن عرفجة، عن أبيه، عن جده.
وأخرجه أبو داود (4234)، والبيهقي 2/ 426 من طريق عبد الرحمان بن طرفة بن عرفجة بن أسعد، عن أبيه، أن عرفجة ... فذكر معناه مرسلاً.(1/48)
وذَكَرَ أبو بَكْرٍ (1) في " التَّنْبِيْهِ " أنَّهُ يُبَاحُ يَسِيْرُ الذَّهَبِ.
وَجَمِيْعُ الأوَانِي والآلاتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَجُلُودِها نَجِسَةٌ في ظاهِرِ الْمَذْهَبِ، وأَوَانِي الكُفَّارِ - مَا لَمْ تُتَيَقَّنْ نَجَاسُتُها - طاهِرَةٌ مُبَاحَةُ الاسْتِعْمَالِ، وكَذلكَ ثِيَابُهُمْ وعنهُ الكَرَاهَةُ (2). ويُسْتَحَبُّ تَخْمِيْرُ الأَوَاني، فإنْ نَجسَ بَعْضُهَا واشْتَبَهَتْ عليهِ لَمْ يَتَحَرَّ على الصَّحِيْحِ مِنَ المذْهَبِ، بلْ يُرِيْقُهَا وَيَتَيَمَّمُ، وعنهُ [أنَّهُ] (3) يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ غَيْرِ إرَاقَةٍ (4)، فإنْ كَانَ معهُ إناءانِ: ماءٌ طاهِرٌ، وماءٌ مُسْتَعْمَلٌ، أو ماءُ الشَّجَرِ وماءٌ مُطْلَقٌ، فإنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْهُما ويُصَلِّي ولاَ يَتَحَرَّ، وكذلكَ إذا كانَ مَعَهُ ثِيَابٌ بَعْضُها نَجِسٌ وَبَعْضُها طاهِرٌ واشْتَبَهَتْ عليهِ كَرَّرَ فِعْلَ الصَّلاَةِ الحاضِرَةِ في ثَوْبٍ بَعْدَ ثَوبٍ بعَددِ النَّجَسِ، وزَادَ صَلاَةً لِيَحْصُلَ لَهُ تأدِيَةُ فَرْضِهِ.
بَابُ الاسْتِطَابَةِ (5) والْحَدَثِ
لاَ يَجُوْزُ لِمَنْ أرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ ولاَ اسْتِدْبَارُها إذا كَانَ في الفَضَاءِ، وإنْ كانَ بينَ البُنْيَانِ جازَ لَهُ ذلِكَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، والأُخْرَى لاَ يَجُوزُ لَهُ / 3 و / ذَلِكَ في الموضعَينِ.
وإذا أرادَ دُخُولَ الخَلاءِ فإنْ كَانْ مَعَهُ ما فِيْهِ ذِكْرُ اللهِ تعالَى أَزَالَهُ (7)، ويُقَدِّمُ رِجْلَهُ اليُسْرَى في الدُّخُولِ، واليُمْنَى في الخُرُوجِ، ويَقُولُ عِندَ دُخُولِهِ: ((بِسْمِ اللهِ (8)، أَعُوْذُ باللهِ
__________
(1) هُوَ الإمام أبو بكر أحمد بن هارون الخلال، له تصانيف كثيرة الجامعة لعلوم الإمام أحمد، توفي سنة (311 هـ)، ودفن رَحِمَهُ اللهُ عِنْدَ رجلي أحمد رَحِمَهُ اللهُ. مختصر طبقات الحنابلة: 28.
(2) قال في المحرر 1/ 7: ((ولا بأس باستعمال آنية الكفَّار وثيابهم ما لم يتيقن نجاستها، وعنه الكراهة، وعنه المنع فيما ولي عوراتهم كالسراويل ونحوها، حتى يغسل دون ما علا)).
(3) زيادة منا اقتضاه السياق.
(4) جاء في المحرر 1/ 7: ((وإذا اشتبه طهور بنجس تيمم وَلَمْ يتحر. وهل يلزمه إعدام الطهور بخلطٍ أَوْ إراقة أم لا؟ عَلَى روايتين إحداهما: لا يلزمه، وَهُوَ المذهب. وَقِيلَ: يتحري إذَا كَانَتْ أواني الطهور أكثر)).
(5) الاستطابة: سُمِّيَت استطابة من الطيب، تَقُوْل: فُلاَن يطيب جسده مِمَّا علم من الخبث، أي: يطهره، والاستطابة: الاستنجاء، وَهُوَ مشتق من الطيب؛ لأنه يطيب جسده بِذَلِكَ. اللسان 1/ 355.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 7 / ب.
(7) وذلك لأنه صحَّ أن نقش خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان: محمد (سطر)، ورسول (سطر)، والله (سطر). صحيح البخاري 4/ 100 (3106) و 7/ 203 (5878). وروي عن همام عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس: ((أن النبي كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه)). الشمائل: 76، والمغني 1/ 158 - 159.
(8) وذلك لما رواه ابن ماجه (297)، والترمذي (606)، والبغوي (187)، والمزي في تهذيب الكمال 7/ 90 من حديث علي بن أبي طالب مرفوعاً: ((ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء، أن يقول: بسم الله)). وسنده ليس بذاك القوي كما قال الترمذي لضعف محمد بن حميد الرازي.
وله طرق أخرى من حديث أنس بن مالك أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة: 20، والطبراني
في الأوسط (2525) و (7062)، والحديثُ بَحَثَ طرقه بحثاً موسعاً العلاَّمة الألباني في إرواء الغليل 1/ 87 - 90، وانتهى فيه إلى تقوية الحديث فراجعه تجد فائدة.(1/49)
مِنَ الْخُبُثِ والْخَبائِثِ ومِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ)) (1)، ولاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُو مِنَ الأرضِ (2)، ويَعْتَمِدُ علَى رِجلِهِ اليُسْرَى ويَنْصِبُ اليُمْنَى، ولاَ يَتَكَلَّمُ فإنْ عَطَسَ حَمَدَ اللهَ بِقَلْبِهِ، وإذا انْقَطَعَ البَوْلُ مَسَحَ بيَدِهِ اليُسْرَى مِنْ أصْلِ الذَّكَرِ إلى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَنْتِرُ (3) ذَكَرَهُ ثلاثاً، ولاَ يُطِيْلُ المقَامَ إلاَّ بقَدَرِ الحاجَةِ، فإذا خَرَجَ، قالَ: ((غُفْرَانَكَ (4)، الحمدُ للهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وعَافَانِي)) (5)، وإذا كانَ في الفضاءِ أبْعَدَ واسْتَتَرَ عَنِ
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 1، وأحمد 3/ 99 و101 و282، والدارمي (675)، والبخاري 1/ 48 (142) و8/ 88 (6322)، وفي الأدب المفرد (692)، ومسلم 1/ 195 (375) (122)، وأبو داود (4) و (5)، وابن ماجه (298)، والترمذي (5) و (6)، والنسائي 1/ 20، وفي الكبرى (19)، وفي عمل اليوم والليلة (74)، وابن الجارود (28)، وأبو عوانة 1/ 216، وابن حبان (1407)، والبيهقي 1/ 95، والبغوي (186)، من حديث أنس بن مالك، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء، قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
(2) روى الدارمي (666)، وأبو داود (14)، والترمذي (14)، وفي علله الكبير (8)، والبيهقي 1/ 96 من حديث الأعمش عن أنس، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتَّى يدنو من الأرض.
وروي نحوه عند أبي داود (14)، والترمذي (14)، والبيهقي 1/ 96 من حديث الأعمش عن رجل، عن ابن عمر. قال الترمذي: ((وكلا الحديثين مرسل)).
(3) روى ابن أبي شيبة 1/ 161، وأحمد 4/ 347، وابن ماجه (326) من طريق عيسى بن يزداد اليماني، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا بال أحدكم فلينتر ذَكَرَهُ ثلاث مرّات))، وإسناده ضعيف لإرساله؛ إذ لا تصح صحبة لوالد عيسى.
والنتر: جذب فيه قوة وجفوة. النهاية 5/ 12.
(4) ((غفرانك)) وردت مكررة في الأصل، ولم ترد في شيء من روايات الحديث، ولا كتب المذهب؛ ولأن الناسخ لَمْ يضبب عَلَيْهَا وَلَمْ يصحح فوقها، نبهنا عَلَيْهَا فلعلها خطأ منه فآثرنا حذف التكرار.
(5) الجزء الأول دليله ما أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 2، وأحمد 6/ 155، والدارمي (686)، والبخاري في الأدب المفرد (693)، وأبو داود (30)، وابن ماجه (300)، والترمذي (7)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (79)، وابن خزيمة (90)، وابن الجارود (42)، وابن حبان (1444)، والحاكم 1/ 158، والبيهقي 1/ 97، والبغوي (188) من حديث عائشة قالت: كان رسول الله إذا خرج من الخلاء قال: ((غفرانك)). قال الترمذي: ((حسن غريب)).
والجزء الآخر أخرجه ابن ماجه (301) من حديث أنس بن مالك، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء، قال: ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)). وهو ضعيف.(1/50)
العُيُونِ (1) وارتَادَ مَوْضِعاً رَخْواً لِبَوْلِهِ (2)، ولَمْ يَسْتَقْبِلِ الشَّمْسَ، ولاَ القَمَرَ، ولاَ يَبُوْلُ في شِقٍّ ولاَ سَرَبٍ، ولاَ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، ولاَ في ظِلٍّ، ولاَ قارِعَةِ طَرِيْقٍ (3).
وإذا أرَادَ الاسْتِنْجَاءَ تَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهِ.
والاسْتِنْجَاءُ واجِبٌ في كُلِّ ما يَخْرُجُ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ إلاَّ الرِّيْحَ، والأفْضَلُ أنْ يَبْدَأَ فيهِ بالقُبُلِ وَيَسْتَجْمِرَ بالحَجَرِ، ثُمَّ يُتْبِعَهُ الماءَ، فإنْ أرادَ الاقْتِصَارَ عَلَى أحدِهِما، فالْمَاءُ أفْضَلُ، فَإنْ عَدَلَ عَنِ الماءِ إلى الحَجَرِ أَجْزَأَهُ ولاَ يُجْزِئُ أقَلُّ مِنْ ثَلاثِ مَسَحَاتٍ، وإنْ نَقى بدُونِها لَمْ يُجْزِهِ، فإنْ لَمْ تَزَلْ العيْنُ بالثَّلاَثِ زادَ حَتَّى يَنْقَى، وصِفَةُ مَا يَجُوزُ بهِ الاسْتِجْمَارُ أنْ يَكُونَ جامِداً طَاهِراً مُنْقِياً غَيرَ مَطْعُومٍ لاَ حُرْمَةَ لَهُ ولاَ مُتَّصِلاً بحَيَوَانٍ، وهذا يَدْخُلُ فيهِ الْحَجَرُ وما قَامَ مَقَامَهُ مِنَ الْخَشَبِ والخِرَقِ والتُّرَابِ وغيرِهِ، ويَخْرُجُ مِنهُ المأكولاَتُ والرَّوْثُ (4) والرِّمَّةُ (5) وإنْ كَانا طَاهِرَيْنِ؛ لأنَّهُما مِنْ طَعَامِ الجِنِّ، ومَا فيهِ ذِكْرُ اللهِ تعالَى مِنَ الكَاغدِ وغَيْرِهِ، وعنهُ (6) أنَّ الاسْتِجْمَارَ يَخْتَصُّ بالْحَجَرِ، ويَجُوزُ
__________
(1) روى أحمد 4/ 248، وأبو داود (1)، وابن ماجه (331)، والترمذي (20)، والنسائي 1/ 18 من حديث المغيرة بن شعبة، قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأتى النبي حاجته فأبعد في المذهب)). قال الترمذي: ((حسن صحيح)).
(2) روى أحمد 4/ 396 و 399 و 414، وأبو داود (3) من طريق شعبة، عن أبي التياح الضبعي، عن رجل أسود طويل قَدِمَ مع ابن عَبَّاس، عن أبي موسى مرفوعاً: ((إذا أراد أحدُكم أن يبولَ فليرتدْ لبولِهِ)). وعلَّق الترمذي عقب حديث رقم (20) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرتاد لبوله مكاناً كما يرتاد منْزِلاً.
وقوله: ((فليرتدْ))، أي: يطلب مكاناً ليّناً لئلا يرجع عليه رشاش بَوْله.
(3) أخرج أحمد 2/ 372، ومسلم 1/ 156 (269) (68)، وأبو داود (25)، وأبو يعلى (6483)، وابن خزيمة (67)، وابن حبان (1415)، والحاكم 1/ 185 - 186، والبيهقي 1/ 97، والبغوي (191) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((اتَّقوا اللَّعَّانين، قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلَّى في طريق الناس أو ظلهم)).
(4) أخرج أحمد 1/ 418 و427، والبخاري 1/ 51 (156)، وابن ماجه (314)، والنسائي 1/ 39 من حديث عبد الله بن مسعود، قال: أتى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الغائطَ فأمَرَني أنْ آتِيْه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: ((هذا ركس)).
وروى الترمذي (18) من حديث ابن مسعود مرفوعاً: ((لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن)).
(5) الرمة -بالكسر-: هي العظام البالية، والجمع: رِمَم ورِمام. الصحاح 5/ 1937، والنهاية 2/ 267.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 7 / ب، ونقل الجواز عن الميموني، عن الإمام، وقال في عدم الجواز:
((ونقل حنبل أنه لا يجوز وهو اختيار أبي بكر؛ لأنها عبادة تتعلّق بالأحجار، فلم يقم غيرها مقامها، ودليله: رمي الجمار. انتهى)).(1/51)
الاسْتِجْمَارُ إذا لَمْ يَنْتَشِر الخارِجُ عَنِ المخْرَجِ إلاَّ بقَدَرِ مَا جَرَتْ بهِ العَادَةُ فإنِ انْتَشَرَ إِلَى صَفْحَتَيْهِ ومُعْظَمِ حَشَفَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ الماءِ، وعَلَى أيِّ صِفَةٍ حَصَلَ الإنْقَاءُ فِي الاسْتِجْمَارِ أجْزَأَهُ، غيرَ أنَّ الْمُسْتَحَبَّ فيهِ أنْ يُمِرَّ حَجَراً مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ اليُمْنَى إلى مُؤَخَّرِهَا، ثُمَّ يُدِيْرُهُ على اليُسْرَى حَتَّى يَرْجِعَ إلى الْمَوْضِعِ الذي بَدَأَ منهُ، ثُمَّ يُمِرَّ الثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ صَفْحَتِهِ اليُسْرَى كذلكَ، ثُمَّ يُمِرَّ الثَّالِثَ على المسربَةِ والصَّفْحَتَيْنِ، ولاَ يَسْتَجْمِرْ بيَمِيْنِهِ وَلاَ يَسْتَعِيْنُ /4ظ/ بها في ذَلِكَ (1)، فإنْ خَالَفَ وَفَعَلَ أَجْزَأَهُ.
فأمَّا الاسْتِعَانَةُ بِهَا في الماءِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ لأنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إليْهِ، ويُفْعَلُ الاسْتِنْجَاءُ قَبْلَ الوُضُوءِ، فإنْ أخَّرَهُ إلى بعْدِهِ لَمْ يُجْزِئهُ على إحدى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، والأُخْرَى يُجْزِئُهُ، فإنْ أَخَّرَهُ إلى بَعْدِ التَّيَمُّمِ، فَقِيْلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وقِيْلَ: لاَ يُجْزِئُهُ وَجْهاً واحِداً.
بَابُ السِّوَاكِ وغَيْرِهِ
السِّوَاكُ مَسْنُونٌ لِكُلِّ صَلاَةٍ، فَإنْ كَانَ صَائماً كُرِهَ لَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ (3)، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَاكَ عِنْدَ قِيَامِهِ مِنَ النَّوْمِ، وإذا خَلَتْ مَعِدَتُهُ مِنَ الطَّعَامِ، وإذا أكَلَ ما يُغَيِّرُ رَائِحَةَ فَمِهِ. ويَكُونُ سِوَاكُهُ بعُودِ أَرَاكٍ أوْ زَيْتُونٍ أوْ عُرْجُونٍ (4)، ويَكُونُ يَابِساً قَدْ نَدِيَ بالماءِ، فإنْ كَانَ بحَيْثُ يَتَفَتَّتُ في الفَمِ أوْ يَجْرَحُهُ كُرِهَ. وإنِ اسْتَاكَ بإِصْبَعِهِ أوْ بخِرْقَةٍ لَمْ يُصِبِ السُّنَّةَ، وقِيْلَ: قَدْ أصَابَ (5).
ويَسْتاكُ عَرْضاً (6)، ويَكْتَحِلُ وُتْراً، ويَدَّهِنُ غِبّاً، ويُسَرِّحُ شَعْرَهُ، ويَحُفُّ الشَّارِبَ، ويَنْتِفُ الإبْطَ، ويُقَلِّمُ الأَظَافِرَ، ويَحْلِقُ العَانَةَ (7)، ويَنْظُرُ في المِرْآةِ، ويَتَطَيَّبُ، ويَجِبُ الخِتَانُ، ويُكْرَهُ
__________
(1) روى الحميدي (428)، وأحمد 4/ 483 و 5/ 295 و296 و300 و311، والدارمي (679) و (2128)، والبخاري 1/ 50 (154) و 7/ 146 (5630)، ومسلم 1/ 155 (267) (63)، وأبو داود (31)، وابن ماجه (310)، والترمذي (15) و (1889)، والنسائي 1/ 25و43 من حديث أبي قتادة مرفوعاً: ((إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه ولا يستنجِ بيمينه)).
(2) انظر: الروايتين والوجهين 7 / ب - 8 / أ.
(3) بعد هذا في الأصل كلمة مطموسة.
(4) العُرْجُون: هو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق. النهاية 3/ 203.
(5) وحجة هذا القول ما رواه البيهقي 1/ 40 من حديث أنس مرفوعاً: ((يجزئ من السواك الأصابع))، وضعَّفه البيهقي نفسه، فقال: ((حديث ضعيف))، وله شواهد لا يفرح بها أوردها العلاّمة الألباني في إرواء الغليل (69)، وبيَّن عللها.
(6) وردت في ذلك أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، قال البيهقي 1/ 40: ((لا أحتج بمثلها)).
(7) وقد وردت هذه السنن في حديث خصال الفطرة عند مسلم 1/ 153 - 154 (261) (56).(1/52)
القَزَعُ (1)، ويُسْتَحَبُّ التَّيَامِنُ في وُضُوئِهِ، وسِوَاكِهِ، وانْتِعَالِهِ، ودُخُولِهِ المسْجِدَ (2).
بَابُ صِفَةِ الوُضُوْءِ
يَجِبُ عَلَى مَنْ أرَادَ الوُضُوءَ أنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ، أوالطَّهَارةَ لِكُلِّ أمْرٍ لاَ يُسْتَبَاحُ إلاَّ بالطَّهَارَةِ، كالصَّلاَةِ والطَّوَافِ ومَسِّ الْمُصْحَفِ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يأتِيَ بالنِّيَّةِ عِنْدَ إرَادَتِهِ غَسْلَ يَدَيْهِ، فإنْ أخَّرَها إلى حينِ المضْمَضَةِ أجْزَأَهُ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إلى آخِرِ طَهَارَتِهِ، فإنِ اسْتَصْحَبَ حُكْمَها دُوْنَ ذِكْرِها أجْزَأَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُعْقِبُ النِّيَّةَ بالتَّسْمِيَةِ، وهِيَ واجِبَةٌ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (3)، والأُخْرَى أنَّهَا سُنَّةٌ، ويَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلاثاً، فإنْ كَانَ قَدْ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ كَانَ غَسْلُهُما ثلاثاً واجباً لاَ عَنْ حَدَثٍ ولاَ عَنْ نَجَسٍ لَكِنْ تَعَبُّداً، ينوي لذلكَ ويُسَمِّي في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، وفي الأُخرَى: إنَّ غَسْلَهُما سُنَّةٌ، ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ ويَسْتَنْشِقُ ثلاثاً يَجْمَعُ بينَهُما بغَرْفَةٍ (5) واحِدَةٍ، وإنْ أحَبَّ بثلاثِ غَرْفَاتٍ لِكُلِّ عُضْوٍ، ويُبَالِغُ فيهِما إلاَّ أنْ يَكُونَ صائِماً (6)، وهما واجِبانِ في الطَّهَارتَيْنِ (7) وعنهُ أنَّ الاسْتِنْشَاقَ وَحْدَهُ واجِبٌ (8) / 5 و / وعنهُ أنَّهُما واجبانِ في الكُبْرَى مَسْنُونانِ في الصُّغْرَى (9)، ثُمَّ يَغْسِلُ وجْهَهُ ثلاثاً مِنْ مُنْتَهَى شَعْرِ رَأْسِهِ إلى الْخَدَّيْنِ مِنَ اللِّحْيَيْنِ والذَّقْنِ طُولاً ومِنْ وَتَدِ الأُذُنِ إلَى وَتَدِ الأُذُنِ عَرْضاً فإنْ كَانَ عليهِ شَعْرٌ كَثِيْفٌ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ ما تَحْتَهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ
__________
(1) القَزَع: وهو أن يحلق رأس الصبي ويترك في مواضع منه الشعر متفرقاً ... وقزَعَ رأسَهُ تقزيعاً: إذا حلق شعره وبقيت منه بقايا في نواحي رأسه. الصحاح 3/ 1265.
وروى البخاري 7/ 210 (5920)، ومسلم 6/ 164 (2120) (113)، عن ابن عمر، قال:
((سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن القَزَع)).
(2) لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحب التَيَمُّن في طهوره، وفي ترجله إذا ترجّل، وفي انتعاله إذا انتعل)). صحيح البخاري 1/ 53 (168)، ومسلم 1/ 155 (268) (66).
(3) انظر: الروايتين والوجهين 5 / أ.
(4) انظر: الروايتين 5 / أ.
(5) يقال: غرفتُ الماءَ غَرفاً واغترفتُ منه، والغَرْفَةُ: المرَّة والواحدة، والغُرْفَة - بالضمِّ -: اسم للمفعول منه؛ لأنَّكَ ما لَم تغرفه لا تسميه غرفة. الصحاح 4/ 1410.
(6) لحديث لقيط بن صبرة مرفوعاً: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)). أخرجه أحمد 4/ 32، وأبو داود (143)، والترمذي (38)، وقال: ((حسن صحيح)).
(7) يعني: الغسل والوضوء.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 5 / أ، والمحرر 1/ 11.
(9) انظر: المصدرين السابقين.(1/53)
تَخْلِيْلُهُ، وإنْ كَانَ خَفِيْفاً يَصِفُ البَشرَةَ وَجَبَ ذَلِكَ، وسَواءٌ في ذَلِكَ شَعْرُ اللِّحْيَةِ والْحَاجِبَيْنِ والشَّارِبِ والعَنْفَقَةِ (1)، ويَجِبُ غَسْلُ العِذَارِ (2) والعَارِضِ (3) ومَا اسْتَرْسَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ، فأمَّا التَّحْذِيْفُ (4) والصَّدغُ (5) فَعَلَى وَجْهَيْنِ، ويسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنَيْهِ إذا أَمِنَ الضَّرَرَ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاثاً ويُدْخِلُ المِرْفَقَيْنِ في الغَسْلِ، فإنْ كَانَ أقْطَعَ مِنْ دُوْنِ المِرْفَقَيْنِ غَسَلَ مَا بَقِيَ منْهُما، وإنْ كَانَ مِنَ المِرْفَقَيْنِ سَقَطَ غَسْلُ اليَدَيْنِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ فَيَبْدَأُ بيَدَيْهِ مِنْ مُقَدّمهِ، ثُمَّ يُمِرُّهُما إلى قَفَاهُ، ثُمَّ يُعِيْدُهُما إلى الموضِعِ الذي بَدَأَ منهُ ويَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِمَاءِ رأْسِهِ، واسْتِيْعَابُ الرَّأْسِ بالمسْحِ واجِبٌ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى يُجْزِئُ مَسْحُ أكْثَرِهِ (6)، وهَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ وأخْذِ ماءٍ جَدِيْدٍ للأُذُنَيْنِ أمْ لاَ؟ عَلَى رِّوَايَتَيْنِ (7).
[و] (8) يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ عُنُقِهِ بالماءِ، وعنهُ أنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ (9)، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ثَلاثاً، ويُدْخِلُ الكَعْبَيْنِ في الغَسْلِ ويُخَلِّلُ بَيْنَ أصَابِعِهِ، ويَبْدأُ بِيَميْنِ يَديْهِ وَرِجْلَيْهِ.
ويَجِبُ تَرْتِيْبُ الوُضُوْءِ على مَا ذَكَرْنَا، فإنْ نَكَسَهُ لَمْ يَصِحّ علَى المشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وعَنْهُ أنَّهُ يَصِحُّ (10).
وتَفْرِيْقُ الوُضُوْءِ إذا كَانَ كَثِيْراً مُتَفَاحِشاً يَمْنَعُ صِحَّتَهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ يَمْنَعْ (11)، وإنْ كانَ يَسِيْراً بحيثُ لَمْ يَنْشَفْ ما غَسَلَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَبْطلْ رِوَايَةً واحدةً (12).
__________
(1) العَنْفَقَة: هو الشعر الذي في الشفة السفلى، وقيل: هو الذي بينها وبين الذقن، وأصله خفة الشيء وقلّته. النهاية 3/ 309.
(2) هو جانب اللحية. المعجم الوسيط 590.
(3) العارض من اللحية ما ينبت عَلَى عرض اللحي فَوْق الذقن. اللسان 7/ 181.
(4) التحذيف: هُوَ الشعر الداخل في الوجه مَا بَيْن انتهاء العذار والنزعة. تاج العروس 23/ 125.
(5) جاء في المغني 1/ 98: ((الصدغ: هُوَ الشعر الذي بَعْدَ انتهاء العذار، وَهُوَ مَا يحاذي رأس الأذنين، وينزل عن رأسها قليلاً)).
(6) انظر: الروايتين والوجهين 5 / ب - 6 / أ.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 6 / أ.
(8) زيادة منا؛ ليستقيم الكلام.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 6 / ب.
قلنا: والأصح عدم استحباب المسح على العنق؛ لعدم ثبوت شيء في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل عدّه بعض العلماء بدعة.
(10) الروايتان ذكرهما أبو يعلى الفراء، الأولى: وجوب الترتيب نقلها أبو طالب وإسحاق بن إبراهيم، والثانية: سقوط الترتيب، نقلها أبو دَاوُد وإبراهيم بن الحارث، انظر: الروايتين والوجهين 5/ ب.
(11) انظر: الروايتين والوجهين 7 / ب.
(12) انظر: الروايتين والوجهين 5 / ب.(1/54)
فإذا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ اسْتُحِبَّ لَهُ أنْ يَرْفَعَ نَظَرَهُ إلى السَّماءِ ثُمَّ يَقُولَ: ((أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ)) (1). ولاَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يُنَشِّفَ أعْضاءَهُ، وهَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2).
ويُكْرَهُ لَهُ نَفْضُ يَدَيْهِ، وتُبَاحُ مُعَاوَنَتُهُ فِي وُضُوْئِهِ ولاَ تُسْتَحَبُّ، فَخَرَجَ مِنْ هذهِ الْجُمْلَةِ أنَّ فُرُوْضَ الوُضُوءِ على الصَّحِيْحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عَشَرَةٌ:
النِّيَّةُ، والتَّسْمِيَةُ، والْمَضْمَضَةُ، والاسْتِنْشَاقُ، وغَسْلُ الوَجْهِ، وغَسْلُ اليَدَيْنِ، ومَسْحُ جَمِيْعِ الرَّأْسِ، / 6 ظ / وغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، والتَّرْتِيْبُ، والْمُوَالاَةُ.
وسُنَنُهُ عَشَرَةٌ:
غَسْلُ اليَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِما الإنَاءَ، والسِّوَاكُ، والْمُبَالَغَةُ في الْمَضْمَضَةِ والاسْتِنْشَاقِ، وتَخْلِيْلُ اللِّحْيَةِ، وغَسْلُ دَاخِلِ العَيْنَيْنِ، والبِدَايَةُ باليَمِيْنِ، وأخْذُ مَاءٍ جَدِيْدٍ للأُذُنَيْنِ، ومَسْحُ العُنُقِ، وتَخْلِيْلُ مَا بَيْنَ الأَصَابِعِ، والغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ والثَّالِثَةُ.
بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَغَيْرِهِمَا
يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْجُرمُوقِ (3)، وَالْجَوْرَبَيْنِ، وَالعِمَامَةِ، وَالْجَبَائِرِ، رِوَايَة وَاحَدَة. وَهَلْ يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى القَلانِسِ الْمنومناتِ (4) وَالدَّنياتِ وخُمُرِ النِّسَاءِ الْمُدَارةِ تَحْتَ حُلُوقِهنَّ أَمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5). ومن شرط جواز المسح أن يلبس الْجَمِيْع بَعْدَ كمال الطهارةَ وَعَنْهُ لاَ يشترط ذَلِكَ.
وَيَتَوَقَّتُ الْمَسْحُ في الْجَمِيْعِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيْمِ، وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيْهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، إِلاَّ الْجَبِيْرَةَ، فَإِنَّهُ يِمْسَحُ عَلَيْهَا إِلَى حِيْنِ حلّها، وابتداء مدة المسح من حِيْنَ الحدث بَعْدَ اللبس في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى: مِنْ حِيْنِ الْمَسْحِ بَعْدَ الْحَدَثِ (6).
__________
(1) وذلك لما أخرجه أحمد 1/ 19 - 20، والدارمي (716)، وأبو داود (170)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (84)، وأبو يعلى (180) و (249)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (31) من حديث عُمَر مرفوعاً: ((مَن توضّأ فأحسن الوضوء، ثم رفع نظره إلى السماء، فقال: ((أشهد أن لاَ إله إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شريك له، وأشهد أنَّ مُحمَّداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)).
(2) انظر: الروايتين والوجهين 7 / أ.
(3) الجرموق: هُوَ مَا يلبس فَوْق الخف. الصحاح 4/ 1454. وجاء في التهذيب 1/ 433: ((هُوَ خفٌّ يلبسه فَوْق خفٍّ)).
(4) المثبت من الشرح الكبير 1/ 151، بهامش المغني وَفِي المخطوط: ((النوميات)).
(5) نقل إسحاق بن إبراهيم جواز ذَلِكَ، ونقل الميموني منع ذَلِكَ. انظر الروايتين والوجهين 7/أ.
(6) الرِّوَايَة الأولى هِيَ: قَوْل الثَّوْرِيّ والشافعي وأصحاب الرأي. والثانية: رويت عن عُمَر - رضي الله عنه -، وَهِيَ اختيار ابن المنذر، الشرح الكبير 1/ 158.(1/55)
ومَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيْمٌ ثُمَّ سَافَرَ، أَوْ مَسَحَ وَهُوَ مُسَافِرٌ ثُمَّ أَقَامَ، أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيْمٍ. وَعَنْهُ: في مَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيْمٌ، ثُمَّ سَافَرَ أَنَّهُ يُتِمّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، فَإِنْ شَكَّ هَلْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ في الْحَضَرِ، أَوْ في السَّفَرِ احتاط، فبنى عَلَى مسح حاضر ومن ابتدأ المسح فِي السفر، أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَثُ في الْحَضَرِ.
وَلاَ يَجُوْزُ الْمَسْحُ إِلاَّ عَلَى مَا يَسْتُرُ مَحلَّ الفَرْضِ مِنَ الرِّجْلَيْنِ، وَيثبتُ بِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ جلوداً، أَوْ لبوداً (1)، أَوْ خَشَباً، أَوْ زُجَاجاً. فَإِنْ كَانَ فِيْهِ خَرْقٌ يَبْدُو مِنْهُ بَعْضُ القَدَمِ، أَوْ كَانَ الْمَقْطُوْعُ وَاسِعاً، بِحَيْثِ يُرَى مِنْهُ الكَعْبَانِ، أَوْ كَانَ الْجَوْرَبُ خَفِيْفاً يَصِفُ القَدَمَ، أَوْ وَاسِعاً يَسْقُطُ مِنْ رِجْلِهِ، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ.
فَإِنْ لبسَ مَعَ الْجَوْرَبَيْنِ نَعْلَيْن فَثَبَتَا بِهِمَا، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، فَمَتَى خَلَعَ النَّعْلَيْن بَطَلَ وُضُوْءُهُ.
وَلاَ يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى اللَّفَائِفِ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُمَا نَعْلٌ؛ لأَنَّهَا لاَ تثبتُ بِأَنفُسِها، وَإِنَّمَا تثبُتُ بِشَدِّهَا. وَإِذَا لَبِسَ الْجُرمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ، أَوْ الْخُفَّ فَوْقَ الْجَوْرَبِ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الفَوْقانِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي تَحْتَهُ صَحِيْحاً، أَوْ مُخَرَّقاً، إِذَا كَانَ قَدْ لَبِسَ الفَوْقانِيَّ قَبْلَ أَنْ يُحدثَ (2) فَمَسَحَ عَلَى الذي تَحْتَهُ.
وَمَنْ شَرَطَ جَوَازَ المَسْحِ على العِمَامَةِ / 7 و / أَنْ تَكُوْنَ تَحْتَ الْحِنْكِ سَاتِرَةً لِجَمِيْعِ الرَّأْسِ إِلاَّ مَا جَرَتِ العَادَةُ بِكَشْفِهِ، كَمقدمِ الرَّأْسِ، وَالأُذُنَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَ الْحِنْكِ، بَلْ كَانَتْ مُدوَّرةً، لا ذُؤَابَةَ لَهَا، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا ذُؤابَةٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ (3).
وَالسُّنَّة أَنْ يَمْسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ، دُوْنَ أَسْفَلِهِ وَعَقِبهِ (4)، فَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ الأَصَابِعِ، ثُمَّ يَجُرُّهَا إِلَى سَاقِهِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الكَثِيْرِ مِنْ أَعْلاهُ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا مَسَحَ أَكْثَرَ العِمَامَةِ، وَقِيلَ: لا يُجْزِيء إِلاَّ مَسْحُ جَمِيْعِهَا (5)، وَلا يَجْزِيء فِيْهِمَا مَا
__________
(1) اللبدة: هُوَ الشعر المتراكب بَيْن كتفي الأسد، واللبادة: مَا يلبس مِنْها للمطر. انظر: الصحاح 2/ 533 (لبد).
(2) في المخطوط: ((أحدث)).
(3) جاء في الشرح الكبير 1/ 167: ((أحدهما: جوازه؛ لأنها لاَ تشبه عمائم أهل الذمة، إِذْ لَيْسَ من عادتهم الذؤابة، والثاني: لاَ يجوز، وَهُوَ الأظهر)).
(4) لحديث عَلِيّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ((لَوْ كَانَ الدين بالرأي، لكان باطن الخفّ أولى بالمسح من ظاهره، وقد رأيتُ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح عَلَى ظاهر خُفِّه)). والحديث أخرجه ابن أبي شَيْبَة 1/ 181، وأبو دَاوُد (162)، والدارقطني 1/ 199، والبيهقي 1/ 292، وابن حزم في المحلى 2/ 111.
(5) انظر: المحرر 1/ 13، والشرح الكبير 1/ 165.(1/56)
يُسَمَّى مَسْحاً إِلاَّ مِقْدَارَ ثَلاثَة أَصَابِعَ.
وَإِذَا ظَهَرَ قَدَمُهُ، أَوْ رَأْسُهُ، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، اسْتَأْنَفَ الوُضُوْءَ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: يَجْزِيْهِ مَسْحُ رَأْسِهِ، وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ (1).
وَإِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالْجَبِيْرَةِ قَدرَ الْحَاجَةِ، مَسَحَ جَمِيْعَهَا، وَصَلَّى وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلا مدخل لِلْحَائِل في الطَّهَارَةِ الكُبْرَى، إِلاَّ الْجَبِيْرَةَ لِلضَّرُوْرَةِ.
بَابُ مَا يَنقضُ الوضُوءَ
وَالَّذِي يَنْقُضُ الوُضُوءَ سَبْعَةُ (2) أَشْيَاءَ:
الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ طَاهِراً كَالرِّيْحِ، أَوْ نَجَساً كَالبَوْلِ، وَالغَائِطِ، وَالْمَذِيِ، وَالوَدِيِ، وَالدُّوْدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَلِيْلاً كَانَ ذلك أَوْ كَثِيْراً، نَادِراً أَوْ مُعْتَاداً.
والثَّانِي: خُرُوجُ النَّجَاسَاتِ مِنْ بَقِيَّةِ البَدَنِ، إِنْ كَانَتْ بَوْلاً، أو عَذَرَةً، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قَلِيْلِهَا وكَثِيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ، لَمْ ينقضْ قَلِيْلُهَا، وينقضُ كَثِيْرُهَا، وَهُوَ مَا فحشَ في النَّفسِ، وذَكَرَ أَبُو عَلِيِّ بن أَبِي مُوْسَى (3) في " الإِرْشَادِ ": أَنَّ في قَلِيْلِهَا رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أنَّهُ يَنْقُضُ، وَالأُخْرَى: لاَ يَنْقَضُ (4).
وَالثَّالِثُ: زَوَالُ العَقْلِ، إلاّ بالنَّوْمِ اليَسِيْرِ جَالِساً، أَوْ قَائِماً، أَوْ رَاكِعاً، أَوْ سَاجِداً، وَعَنْهُ: أَنَّ نَوْمَ الرَّاكِعِ والسَّاجِدِ يَنْقضُ بكُلِّ حَالِ، وَعَنْهُ: أَنَّ النَّوْمَ ينقضُ في سَائِرِ الأَحْوَالِ، إلاّ اليَسِيْرَ في الْجُلُوسِ (5).
وَالرَّابِعُ: أنْ تَمَسَّ بَشَرَتُهُ بَشَرَةَ أُنْثَى لِشَهْوَةٍ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ لا تَنْقُضُ مُلاَمَسَةُ النِّسَاءِ بِحَالٍ، وَعَنْهُ: تَنْقُضُ بكلِّ حَالٍ (6). فأمَّا لَمْسُ الشَّعْرِ والسِّنِّ والظفرِ والأَمْردِ، فَلا
__________
(1) الأولى عن صالح وحنبل وأبي دَاوُد ويوسف بن موسى، والثانية عن مُحَمَّد بن دَاوُد وجعفر بن دَاوُد المصيصي والميموني، بلفظ (أرجو)، كِتَاب الروايتين والوجهين 11/ب.
(2) قَالَ صاحب المقنع: 16: ((هِيَ ثَمَانِيَة))، وكذلك صاحب المحرر 1/ 13، وَقَالَ صاحب حلية الأولياء 1/ 180: ((والأحداث الموجبة للطهارة أربعة)).
(3) هُوَ أبو عَلِيّ مُحَمَّد بن أَحْمَد بن أحمد بن أبي موسى البغدادي الهاشمي الحنبلي الْقَاضِي الشريف، آلت إِليهِ رئاسة المذهب، أخذ عن أبي الحَسَن التميمي، وغيره، وحدث عن ابن المظفر، وله من التصانيف: شرح لكتاب ابن الخرقي، والإرشاد إلى سبيل الرشاد، وَهُوَ المذكور في هَذَا الكِتَاب، وله نسخة خطية في المكتبة الوطنية، باريس برقم: 1105، الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي 1/ 336. تُوُفِّي في ربيع الآخر سنة 428 هـ. ينظر: المنهج الأحمد 2/ 4، شذرات الذهب 3/ 238.
(4) ينظر في الروايتين: الشرح الكبير 1/ 178.
(5) ينظر: كِتَاب الروايتين والوجهين 8/أ.
(6) ينظر: الشرح الكبير 1/ 186.(1/57)
يَنْقُضُ، ويَتَخَرَّجُ أنْ يَنْقُضَ، إذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ، وَفِي نَقْضِ وُضُوْءِ الْمَلْمُوسِ رِوَايَتَانِ (1).
وَالْخَامِسُ: مَسُّ فَرْجِ الآدَمِيِّ (2)، قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُراً، كَبِيراً كَانَ أَوْ صَغِيراً،
حَيّاً أَوْ مَيِّتاً، ولا فَرْقَ بَيْنَ بَطْنِ الكَفِّ وَظَهْرِهَا، ورَأْسِ الذَّكَرِ، وَأَصْلِهِ، في أصَحِّ الرِّوَايَتَينِ. ولا ينقض / 8 ظ / مَسُّهُ بِذِرَاعِهِ، وعَنْهُ: أنَّهُ يَنْقُضُ (3). وفي مَسُّ الذكرِ الْمَقْطُوْعِ وَجْهَانِ (4). وعَنْهُ: لا يَنْقُضُ مسُّ الفَرْجِ بِحَالٍ، فأمَّا لَمْسُ قُبُلِ الْخُنْثَى الْمشكل، فَيَنْبَنِي لَنَا عَلَى أَرْبَعَةِ أُصُولٍ:
أحدها: مَسُّ النِّسَاءِ.
وَالثَّانِي: مَسُّ الذَّكَرِ.
والثَّالِثُ: مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا، هَلْ يَنْقُضُ أمْ لا؟
والرَّابِعُ: هَلْ يَنْقُضُ وُضُوْءَ الْمَلْمُوسِ أمْ لاَ؟
وَجُمْلَتُهُ أنَّهُ مَتَى وُجِدَ في حَقِّهِ مَا يحتملُ النَّقْضَ وَمَا لا يحتملُ، تَمَسَّكْنَا بِيَقِينِ الطَّهَارَةِ، وَلَمْ نُزِلْهَا بالشَّكِّ، هَذَا إذَا قلنا: أنَّ الطَّهَارَةَ تَنْقُضُ باللَّمْسِ، فَلاَ يُتَصَوَّرُ النَّقْضُ إلاَّ إذَا مُسَّ الذَّكَرُ والقُبُلُ معاً.
فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: لا مَدخَلَ للّمسِّ في النَّقْضِ، فَلا مَعْنَى لِذكْرِ الْخُنْثَى المشكل.
وَالسَّادِسُ: أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ في أظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ شَرِبَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَعَلَى رِوَايَتَينِ. وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كَبِدِهَا أوْ طُحَالِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ (5).
والسَّابِعُ: غَسْلُ الْمَيِّتِ.
ومَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ في الْحَدَثِ، أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ في الطَّهَارَةِ، بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ، فَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا، وَشَكَّ في السَّابِقِ مِنْهُمَا، رَجَعَ إلى حَالِهِ قَبْلَهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُحدِثاً،
__________
(1) ينتقض، ولا ينتقض، انظر: الشرح الكبير 1/ 188.
(2) فِيهِ ثلاث روايات عن الإمام أحمد: الأولى: لا ينقض، والثانية: ينقض بك حال - وهاتان الروايتان ذكرهما المصنف - والثالثة: لا ينقض إلاّ أن يقصد مسه. ينظر: الشرح الكبير 1/ 183 - 184.
(3) ينظر: الشرح الكبير 1/ 184.
(4) الأول: ينقض، لبقاء اسم الذكر، والثاني: لا ينقض، لذهاب الحرمة، فَهُوَ كيد المرأة. ينظر: الشرح الكبير 1/ 185.
(5) في شرب لبن الجزور، وأكل كبده وطحاله وسنامه روايتان: الأولى نقلها صالح أن ينقض، والثانية نقلها عَبْد الله وحرب ويوسف بن موسى وأبو الحارث أنه لا ينقض. كِتَاب الروايتين والوجهين 9/أ.(1/58)
فَهُوَ متطهرٌ، وإن كَانَ مُتَطهِّراً فَهُوَ مُحْدِثٌ.
فَإِنْ تَيَقَّنَ أنَّه ابْتَدَأَ نَقْضِ الطَّهَارَةِ، وفعلها في وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَشَكَّ في السَّابِقِ مِنْهُمَا رجعَ إِلَى حَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّراً، فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وإنْ كَانَ محدثاً، فَهُوَ عَلَى حَدَثِهِ. وَمَنْ أَحْدَثَ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ، والطَّوَافُ، وَمَسُّ الْمُصْحَفِ.
بَابُ مَا يُوجِبُ الغُسْلَ
وَيَجِبُ الغُسْلُ بسَبْعَةِ أشْيَاءَ:
خُرُوْجُ الْمَنِي عَلَى وَجهِ الدَّفْقِ واللَّذَّةِ، فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، نَحْو أَنْ يَخْرُجَ لِمَرَضٍ أَوْ إِبْرِدَةٍ (1)، لَمْ يُوْجِب الغُسْلَ، فإِنْ أحَسَّ بانْتِقَالِ الْمَنِي عِنْدَ الشَّهْوَةِ، فأَمْسَكَ ذِكْرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ، وَجَبَ الغُسْلُ في الْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايتين (2). فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الغُسْلِ فَهُوَ كَبَقِيَّةِ الْمَني، إذَا ظَهَرَ بَعْدَ الغُسْلِ، وَفِي ذَلِكَ ثَلاثُ رِوَايَاتٍ:
أَحَدُهَا: لا يَجِبُ الغُسْلُ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ.
والثَّالِثُ: إنْ ظَهَرَ قَبْلَ البَوْلِ وَجَبَ الغُسْلُ وإِنْ ظَهَرَ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ (3).
وَالثَّانِي: تغييبُ الْحَشفَةِ في الفَرْجِ سَوَاء كَانَ قُبُلاً أَوْ دُبُراً مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ نَاطِقٍ، أَوْ بَهِيْمٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ حَيّاً أَوْ مَيِّتاً.
والثَّالِثُ: / 9 و / إسْلاَمُ الكَافِرِ، سَوَاء كَانَ أصْلِيّاً، أَوْ مُرْتَدّاً، سَوَاءٌ اغْتَسَلَ قَبْلَ إِسْلاَمِهِ، أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ (4): لا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ الغُسْلُ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ.
وَالرَّابِعُ: الْمَوت.
فَهَذِهِ الأربع يَشْتَرِكُ فِيْهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.
__________
(1) وَهِيَ برد النَّدى والثَّرى، اللسان 3/ 84 (برد).
(2) ينظر: المحرر 1/ 18، والشرح الكبير 1/ 199 - 200.
(3) ذكر أبو يعلى الفراء أن المني يخرج بَعْدَ الغسل قَبْلَ البول فِيهِ روايتان، الروايتين والوجهين 9/أ، وذكر صاحب الشرح الكبير بثلاث روايات من غَيْر تقييد بالبول في الأولى والثانية، فذكر في الأولى عدم وجوب الغسل وفي الثانية وجوب الغسل في كُلّ حال، والثالثة وجوب الغسل إن خَرَجَ قَبْلَ البول، إلا أنه ذكر في نهاية المسألة: أن الْقَاضِي ذكر في هاتين المسألتين: أنه إن خَرَجَ بَعْدَ البول لَمْ يَجِبُ الغسل رِوَايَة واحدة، وإنْ خَرَجَ قبله فعلى روايتين، الشرح الكبير 1/ 201 - 202.
(4) انظر قوله في: المغني 1/ 206، والمحرر 1/ 17.(1/59)
وَتَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِوُجُوبِ الغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ، والنِّفَاسِ، والوِلادَةِ، عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1).
فأما الْمُغْمَى عَلَيْهِ والْمَجْنُونُ إذَا أفَاقَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا يلْزَمُهُمَا الغُسْلُ. والثَّانِي لا يلْزمهُمَا.
والصَّحِيْحُ أنَّهُ إنْ لَمْ يُتَيَقَّنْ مِنْهُمَا الإْنْزَالُ، فَلا غُسْلَ عَلَيْهِمَا (2).
وَمَنْ لَزِمَهُ الغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءةُ آيَةٍ فَصَاعِداً. فَأَمَّا قِرَاءةُ بَعْضِ آيَةٍ، فَعَلَى رِوَايَتَينِ (3). ولا يَحْرُمُ عَلَيْهِ العُبُورُ في الْمَسْجِدِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللَّبْثُ فِيهِ، إلاَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ.
بَابُ صِفَةِ الغُسْلِ
وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: كَامِلٌ وَمُجْزِئٌ، فَالْكَامِلُ يَأْتِي فِيهِ بِعَشَرَةِ أشْيَاءَ: النِّيَّةِ، والتِّسْمِيَةِ، وَغَسْلِ يَدَيْهِ ثَلاثاً، وَغَسْلِ مَا بِهِ مِنْ أَذًى، والوُضُوءِ، وَأَنْ يُحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ يَرْوِي بِهَا أُصُوْلَ شَعْرِهِ، ويُفِيْضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلاثاً، وَيدلكُ بَدَنَهُ بِيَدِهِ، وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الأَيْمَنِ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِ غُسْلِهِ فَيَغْسلُ قَدَمَيْهِ.
والْمُجْزئ: أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ، وَيَنْوِي، ويُسَمِّي، ويعم بَدَنَهُ بِالغُسْلِ، وَبِأيِّ قَدرٍ مِنَ الْمَاءِ أَسْبغ، أَجْزَأَهُ، غَيْرَ أنَّ الْمُسْتَحَبَّ أنْ لا يَنْقُصَ في غُسْلِهِ مِنْ صَاعٍ، ولا في وُضُوئِهِ مِنْ مُدٍّ (4).
وإذَا اغْتَسَلَ يَنْوِي بِغُسْلِهِ الطَّهَارَتَيْنِ، أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى لا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَأْتِي بالوُضُوءِ، إِمَّا قَبْلَ الغُسْلِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ في ذَلِكَ وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَثُ الأَصْغَرُ؛ أَوْ لَمْ يُوْجَدْ مثلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَكَّرَ، أَوْ نَظَرَ، فانْتَقَلَ الْمَني، فإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ غُسْلٌ لالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وغسل للإنزال، أَوْ اجتمع عَلَى المرأة غسل حيض،
__________
(1) الظاهر أن الوجهين يعودان عَلَى الولادة فَقَطْ، فإن ابن قدامة قَالَ في المغني 1/ 208 - 209: ((ولا خِلاَف في وجب الغسل بالحيض والنفاس ... فأما الولادة - إذَا عريت عن دم - فَلا يَجِبُ الغسل في ظاهر كلام الخرقي، وَقَالَ غيره: فِيْهَا وجهان)). وَقَالَ صاحب الشرح الكبير 1/ 206 قَالَ: ((مسألة ((وَفِي الولادة وجهان)) يعني إذَا عريت من دمٍ)).
(2) قَالَ في المغني 1/ 211: ((ولا يَجِبُ الغسل عَلَى المجنون والمغمى عَلَيْهِ، إذَا أفاقا من غَيْر احتلام، ولا أعلم في هَذَا خلافاً ... ولأن زوال العقل في نَفْسه لَيْسَ بموجب للغسل، ووجود الإنزال مشكوك فِيهِ، فَلا نزول عَلَى اليقين بالشك، فإن تيقن مِنْهُمَا الإنزال، فَعَلِيْهِمَا الغُسْلُ، لأنه يَكُون من احتلام، فيدخل في جملة الموجبات المذكورة)).
(3) الأولى يحرم والثانية لا يحرم، انظر: المحرر 1/ 20.
(4) لرواية صفية بنت شَيْبَة عن عائشة (رضي الله عَنْهَا)، وسالم بن أَبِي الجعد عن جابر: ((أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يغتسل بالصّاعِ ويَتَوضّأُ بالمُدِّ)).
حَدِيث عائشة أخرجه البُخَارِيّ في الغسل 1/ 72 (251). وحديث جابر أخرجه البُخَارِيّ في الغسل 1/ 72 (252)، وَالنَّسَائِيّ 1/ 128.(1/60)
وغُسْلُ جَنَابَةٍ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُمَا أَحْدَاثٌ تُوجِبُ الوُضُوءَ كالنَّومِ، وَخُرُوجِ النَّجَاسَاتِ، واللَّمْسِ، فَنَوَى بِطَهَارَتِهِ عَنْ أَحَدِهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَرْتَفِعُ مَا نَوَاهُ دُوْنَ مَا لَمْ يَنْوِهِ، وَقَالَ: تَرْتَفِعُ جَمِيْعُ الأَحْدَاثِ.
وَمَنِ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعةِ، فَهَلْ يُجْزِيهِ عَنِ الْجَنَابَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصْلُهُمَا: إذَا نَوَى رَفْعَ تجديد (1) الوُضُوءِ، وَهُوَ مُحْدِثٌ، فَإنَّ حَدَثَهُ يَرْتَفِعُ بِذَلِكَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَين / 10 ظ / وَالأُخْرَى لا يَرْتَفِعُ (2).
وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ، إذَا أَرَادَ أنْ يَطَأَ ثانياً، أَوْ يَأْكُلَ، أَوْ يَنَامَ، أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ (3).
بَابُ الأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ
وَهِيَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ غُسْلاً: لِلْجُمُعَةِ، والعِيْدَيْنِ، والاسْتِسْقَاءِ، والكُسُوفَيْنِ، والغُسْلُ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ، وغُسْلِ الْمَجْنُونِ والْمُغْمَى عَلَيْهِ، إذَا أفَاقَا مِنْ غَيْرِ احْتِلامٍ، وغُسْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلاةٍ، والغُسْلُ للإحْرَامِ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ، والوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، والْمَبِيْتِ بِمُزْدَلِفَة، ولِرَميِ الْجِمَار، ولِلطَّوافِ.
بَابُ التَّيَمُّمِ (4)
وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَنْ جَمِيْعِ الأَحْدَاثِ، عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ خَوْفِ الضَّرَرِ باسْتِعْمَالِهِ، ولا
__________
(1) كَذَا في المخطوط.
(2) انظر: الشرح الكبير 1/ 224.
(3) انظر: المقنع: 18.
(4) التيمم: القصد والتوخي والتعمد. تاج العروس 9/ 114 (يمم) (طبعة قديمة).
وَفِي اصطلاح الفُقَهَاء: هُوَ القصد إلى مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد. الشرح الكبير 1/ 233.
والأصل فِيهِ الكِتَاب والسنة والإجماع، أما الكِتَاب فلقوله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه} (المائدة: 6) والسنة لحديث عَمَّار - رضي الله عنه - قَالَ: بعثني رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة، فأجنبت - فلم أجد الماء - فتمرغت في الصعيد، كَمَا تمرغ الدابة، ثُمَّ أتيت النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: ((إنما كَانَ يكفيك أن تَقُوْل بيديك هكذا)) ثُمَّ ضرب بيديه عَلَى الأرض ضربة واحدة. ثُمَّ مسح الشمال عَلَى اليمين. وظاهر كفيه ووجهه. رَواهُ البُخَارِيّ، باب إذَا خاف الجنب عَلَى نَفْسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم 1/ 95 - 96 (346)، وَمُسْلِم 1/ 193 (368) (110) أما الإجماع ((فَقَدْ أجمعت الأمة عَلَى جواز التيمم في الجملة)). انظر: الشرح الكبير 1/ 233.(1/61)
يَتَيَمَّمُ إلاّ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْوَجْهِ، فإنْ خَالَطَهُ مَا لاَ يَجُوْزُ التَّيَمُّمُ بِهِ كَالنُّوْرَةِ (1) والزِّرْنِيخِ والْجُصِّ ونحوِهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ إذَا خَالَطَتْهُ الطَّاهِرَاتُ.
وَمَنْ أَرَادَ التَّيَمُّمَ لَزِمَهُ أَنْ يَنوِيَ بِتَيَمُّمِهِ اسْتِبَاحَةَ صَلاةٍ مَفْرُوْضَةٍ، فإِنْ نَوَى نَفْلاً، أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ، لَمْ يجزْ أَنْ يُصَلِّيَ إلاّ نَافِلَةً، وإِنْ كَانَ جُنُباً وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْويَ الْجَنَابَةَ والْحَدَثَ، ثُمَّ يُسَمِّي، وَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ - وهُمَا مَفْرُوْجَتَا الأَصَابِعِ - ضَرْبَةً وَاحِدةً عَلَى التُّرَابِ وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَظَاهِرِ كَفَّيْهِ بِبِاطِنِ رَاحَتَيْهِ، هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ عَنْ أَحْمَدَ (2) رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا (3): هَذَا صِفَةُ الإجْزَاءِ (4)، فَأَمَّا الْمَسْنُونُ فَهُوَ: أَنْ يَضْرِبَ ضَرْبَتَيْنِ (5). يمسح بإِحْدَاهُمَا جَمِيْعَ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنَ الوَجْهِ، مِمَّا لا يشقُّ، وَيَمْسَحُ بِالأُخْرَى يَدَيْهِ إلى الْمِرْفَقَيْن (6)، فَيَضَعُ بُطُوْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ اليُسْرَى عَلَى ظُهُوْرِ أَصَابِعِ يَدِهِ اليُمْنَى، وَيَمُرُّها عَلَى ظَهْرِ الكَفِّ فَإِذَا بَلَغَ الكُوعَ (7)، قَبَضَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى حَرْف الذراع، ثُمَّ يَمُرُّهَا إلى مِرْفَقِهِ، ثُمَّ يُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إلى بَطْنِ الذِّرَاعِ، وَيُمِرُّهُ عَلَيْهِ، ويَرْفَعُ إبْهَامَهُ، فَإِذَا بَلَغَ الكُوْعَ أَمَرَّ الإِبْهَامَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِ يَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ يَمْسَحُ بِيَدِهِ اليمنى يده اليُسْرَى كَذلِكَ، ثُمَّ يَمْسَحُ إِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بالأُخْرَى، ويُخَلِّلُ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا.
وَيَجِبُ تَرْتِيبُ الوَجْهِ عَلَى اليَدَيْنِ، والْمُوَالاَةُ، / 11 و / في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (8).
وَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّم لنافِلَةٍ في وَقْتٍ نُهِيَ عَنْ فِعْلِهَا فِيهِ، ولا لِفَرِيْضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا. فإِذا
__________
(1) النّورة من الحجر الذي يحرق ويسوى من الكلس. اللسان 5/ 244 (نور).
(2) جاء في الشرح الكبير 1/ 276 ((المسنون عن أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - التيمم بضربة واحدة، قَالَ الأثرم: قُلْتُ لأبي عَبْد الله: التيمم ضربة واحدة؟ فَقَالَ: نعم للوجه والكفين)). لحديث عَمَّار بن ياسر - رضي الله عنه - الَّذِي سقناه عِنْدَ بداية الباب.
(3) هُوَ أبو يعلى الفراء، وقد تقدمت ترجمته فِي مقدمة التحقيق.
(4) يعني (المفروض).
(5) وذهب الشَّافِعيّ - رَحِمَهُ اللهُ - إلى أنَّ التيمم لا يُجْزِئ إلا بضربتين. الأم 1/ 49.
(6) وَهُوَ الفرض، لقوله تَعَالَى: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مِنْهُ} المائدة: 6.
(7) الكوع: طرف الزند الذي يلي أصل الإبهام. اللسان 8/ 316 (كوع).
(8) أحال صاحب الشرح الكبير 1/ 258 في اختلاف الرِّوَايَة في وجوب الترتيب والموالاة وعدمه إلى باب الوضوء. قَالَ: ((والتيمم مبني عَلَيْهِ [الوضوء] لأنه بدل عنْهُ ومقيس عَلَيْهِ)) وجاء في 1/ 119: ((إن الترتيب في الوضوء - كَمَا ذكر الله تَعَالَى - واجب في قَوْل أحمد، قَالَ شَيْخُنا: لَمْ أر فِيهِ اختلافاً ... وحكى أَبُو الخطاب رِوَايَة أخرى: أنه غَيْر واجبٍ)) وجاء في " الروايتين والوجهين " 5/ب
((واختلف في وجوب ترتيب الوضوء ... فنقل أبو طالبٍ وإسحاق بن إبراهيم وجوب الترتيب ... ونقل أبو دَاوُد وإبراهيم بن الحارث سقوط الترتيب)).(1/62)
دَخَلَ وَقْتُهَا، وَجَبَ عَلَيْهِ طَلَبُ الْمَاءِ في رَحْلِهِ، ورفْقَتِهِ، وَمَا قَرُبَ منْهُ، فَإِنْ بُذِلَ لَهُ مَاءٌ، أَوْ بِيعَ مِنْهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ زِيَادَةٍ يَسِيْرَةٍ لا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وإنْ دُلَّ عَلَى مَاءٍ، لَزِمَهُ قصدُهُ، مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ، ومَالِهِ، وَلَمْ يَفتِ الوَقْتُ. فإِنْ وَجَدَ مَا يَحْتَاجُ إِليهِ للعَطَشِ، أَوْ بِيعَ مِنْهُ الْمَاء بِزِيَادَةٍ كَثيرَةٍ، فَهُوَ كَالعَادِمِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ لا يَجِبُ الطَّلَبُ (1).
ويُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلى آخِرِ الوَقْتِ، إِنْ رَجَا وُجُوْدَ الْمَاءِ، وإِنْ يَئِسَ مِنْ وُجُوْدِهِ، اسْتُحِبَّ تَقْديْمُهُ.
فَإِذَا تَيَمَّمَ، صَلَّى صَلاةَ الوَقْتِ، وَقَضَى الفَوَائِتَ (2)، وَجَمعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، وتَنَفَّلَ حَتَّى يَخْرُجَ الوَقْتُ، فَإِذَا خَرَجَ اسْتَأْنَفَ التَّيَمُّمَ لِلصَّلاَةِ الأُخْرَى، في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يُحْدِثَ (3). فَيَتَخَرَّجُ مِنْ هذِهِ الرِّوَايَةِ: أنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عِنْدَ عدم الْمَاءِ، وأنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الوَقْتِ، وأنَّهُ إذَا نَوَى مُطْلَقاً، جَازَ أنْ يُصَلِّيَ بِهِ الفَرْضَ، ويُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنَ الصَّلَوَاتِ في الوَقْتِ.
وَإِذَا نَسِي الْمَاءَ بِمَوْضِعٍ يُمكنهُ اسْتِعْمَالُهُ، وصَلَّى بالتَّيَمُّمِ، لَمْ يُجْزِهِ. وإِذَا تَيَمَّمَ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الدُّخُولِ في الصَّلاةِ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الفَراغِ مِنْها، أَجْزأتْهُ صَلاتُهُ، وإنْ كَانَ فِيْهَا، لَزِمَهُ الْخُرُوجُ، وقِيْلَ: في ذَلِكَ رِوَايَتَانِ (4).
وإِذَا وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِبَعْضِ بَدَنِهِ، لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، إنْ كَانَ جُنُباً. وإنْ كَانَ مُحْدِثاً، فَهَلْ يَلْزمُهُ اسْتِعْمَاله؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5).
وَإِذَا كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ قَرِيْحاً غسل الصَّحِيحَ، وَتَيَمَّمَ لِلْقَرِيحِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى جرحِهِ نَجَاسَةٌ يستضرُّ بإِزَالَتِهَا، تَيَمَّمَ، وَصَلَّى، ولا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. وإِذَا تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَصَلَّى، لَزِمَهُ الإِعَادَةُ عِنْدِي. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لاَ تَلْزَمُهُ الإِعَادَةُ (6).
__________
(1) رِوَايَة الوجوب عن صالح وابن منصور، ورواية الاستحباب عن الميموني. الروايتين والوجهين 10/ أ.
(2) فِي الأصل بدون ((أل)) إلاّ أن العبارة لاَ تستقيم بِهَا.
(3) نقل الأولى: جَمَاعَة مِنْهُمْ أبو طالب والمروذي وأبو دَاوُد ويوسف بن موسى، ونقل الثانية: الميموني والفضل بن عَبْد الصمد. الروايتين والوجهين 10/أ.
(4) الأولى عن أبي طالب والمروذي وغيرهما، والثانية عن ابن منصور والميموني، وسبب وجود الاختلاف في الروايتين وعدم وجوده هُوَ رجوع الميموني عن قوله بالمعنى. الروايتين والوجهين 10/أ.
(5) ينظر: الروايتين والوجهين 10/ب -11/أ.
(6) ينظر: المغني 1/ 274.(1/63)
وَإذَا خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ (1)، وتَبَاطُؤَ (2) البَرْءِ باسْتِعْمَالِ الْمَاءِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وإذَا خَافَ مِنْ شِدَّةِ [البَرْدِ] (3)، تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسَافِراً، وَإِنْ كَانَ حَاضِراً، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).
وَإِذَا حُبِسَ في الْمِصْرِ صَلَّى بالتَّيَمُّمِ وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ (5). وإِذَا خَشِيَ فَوَاتَ الْمَكْتُوبَةِ في الْحَضَرِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، فَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْجَنَازَةِ فَعَلَى / 12 ظ / رِوَايَتَيْنِ.
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلاَ تُرَاباً صَلَّى، وَهَلْ تَلْزَمهُ الإِعَادَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6). وَمَنْ تَوَضَّأَ، وَلَبِسَ خُفَّيْنِ، أَوْ عِمَامَةً، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ، ثُمَّ خَلَعَ الْخُفَّ، أَوْ العِمَامَةَ، بَطَلَ تَيَمُّمَهُ، وإِذَا اجْتَمَعَ جُنُب، وَمَيِّت، وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ الْحَيْضِ، فَلَمْ يَجِدُوا مِنَ الْمَاءِ إلاَّ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ، فَالْمَيِّتِ أَوْلَى بِهِ في إِحْدَى الروايتين، والأُخْرَى: الْحَي أَوْلَى بِهِ (7). وَهَلْ يُقَدَّم الْجُنُبُ عَلَى الْحَائِضِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْجُنُبُ؛ لأنَّ غَسْلَهُ وَجَبَ بِنَصِّ القُرْآنِ، وغسل الْحَائِضِ بالاجْتِهَادِ.
والثَّانِي: الْحَائِضُ لأنَّهَا تَقْضِي حَقَّ اللهِ -تَعَالَى- وَحَقَّ زَوْجِهَا فِي جَوَازِ وَطْئِهَا (8).
بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَاتِ
لا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ في نَجَاسَةِ الكَلْبِ، والْخِنْزِيْرِ، وَمَا تولّدُ مِنْهُمَا؛ إذَا أَصَابَتْ غَيْرَ الأَرْضِ، أَنَّهَا يَجِبُ غَسْلُهَا سَبْعاً، إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ (9). فَإِنْ جَعلَ بَدَلَ التُّرَابِ أَشْنَاناً، أَوْ
__________
(1) جاء في "الروايتين والوجهين"10/ب: مَا معناه: إن المريض إذَا خاف زيادة المرض فيْه روايتان الأولى جواز التيمم، ونقلت عن الميموني، والثانية مَا نقل عن الأثرم من كلام يدل عَلَى أنه لا يجوز حَتَّى يخاف التلف.
(2) فِي الأصل: " تباطئ " واثبتناها " تباطؤ" لأن العبارة تستقيم بِهَا.
(3) زيادة اقتضاها السياق والمقام.
(4) ينظر: الروايتين والوجهين ل10/أ.
(5) جاء في المحرر 1/ 23 ((ومن حبس في المصر صلى بالتيمم، وَلَمْ يعد، ويتخرج أن يعيد، وعنه:
لا يُصَلِّي حَتَّى يجد الماء، أَوْ يسافر)).
(6) الأولى: يعيد، وَهِيَ رِواية الميموني وأحمد بن الْحُسَيْن، وَقَالَ أبو يعلى الفراء: ((وَهِيَ أصح)).
والثانية: لا يعيد، وَهِيَ رِوَايَة أبي الحارث، الروايتين والوجهين 10/أ.
(7) الأولى والثانية نقلهما مهنّا، وَقَالَ أبو يعلى الفراء: ((وَهُوَ أصح [تقديم الميت]، لأنَّ الغسل خاتمة عمله)). الروايتين والوجهين 11/أ.
وَقَالَ صاحب المغني 1/ 277: ((إن كَانَ ملكاً لأَحَدِهِم فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لأنَّهُ يحتاج إِليهِ لنفسه، فَلا يجوز لَهُ بذله لغيره، سَوَاء كَانَ مالكه الميت أو أحد الحيّين)).
(8) ينظر: المغني 1/ 277.
(9) لحديث أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إذَا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مراتٍ، أولاهن بالتراب)). أخرجه أحمد 2/ 427، وَمُسْلِم 1/ 162 (279) (71)، كِتَاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، وأبو دَاوُد 1/ 57: كِتَاب الطهارة، باب الوضوء بسؤر الكلب، وجاء في كِتَاب الروايتين والوجهين 4/أأن الرِّوَايَة اختلفت في عدد مرات الغسل ففي رِوَايَة سبعة -وَقَالَ عَنْهَا صاحب الكِتَاب: (وَهُوَ أصح) - وَفِي أخرى ثَمَانِيَة، قَالَ: ((لما روي في خبر آخر: وليعفر الثامنة بالتراب، وهذه الرِّوَايَة موجودة فِي صَحِيْح مُسْلِم: 1/ 162 (280) (93)، كِتَاب الطهارة: بَاب حكم ولوغ الكلب. وَقَالَ صاحب المغني 1/ 45 (والرواية الأولى أصح))).(1/64)
صَابُوناً، أَوْ غَسَلَهُ ثَامِنَةً، لَمْ تَطْهُرْ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَتَطْهُرُ في الآخِرِ (1).
واخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ في بَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ فَرُوِيَ: إِيْجَابُ غَسْلِهَا سَبْعاً، وَهَلْ يشترط التُّرَابُ عَلَى وَجْهَيْن (2)، وَرُوِيَ: أَنَّهَا تُكَاثَرُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ، كَالنَّجَاسَاتِ كُلِّهَا، إذَا كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ (3).
وَلاَ يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ بِالاسْتِحَالَةِ، إِلاَّ الْخَمْرَ إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا، فَإنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ (4). وَقِيلَ: تطهر وَلاَ يَطْهُرُ جِلْدُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِالذَّكَاةِ، وَلاَ تَطْهُرُ جُلُوْدُ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخْرَى يَطْهُرُ مِنْها جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِراً في حَالِ الْحَيَاةِ (5).
وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا (6) نَجَسٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَطَاهِرٌ في الأُخْرَى (7).
وعظمُ الْمَيْتَةِ وَقَرْنُهَا وَظُفُرُهَا نَجِسٌ، وَيحتملُ كَونَهَا كَالشَّعْرِ. وَصُوفُهَا، وَشَعْرُهَا، وَرِيْشُهَا طَاهِرٌ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَنُقِلَ عَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَجسٌ (8).
وَلاَ يَنْجَسُ الآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ويَنْجَسُ بالأُخْرَى (9).
__________
(1) انظر: المغني 1/ 46.
(2) وَهِيَ رِوَايَة حَنْبَل وأبي طالب، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وصالح لا يَجِبُ فِيْهَا العدد، لأنها لَيْسَ من شرط إزالتها التراب. الروايتين والوجهين 3/ب - 4/أ.
(3) وجاء في المقنع: 19، أنها ثلاث روايات، الثالثة: غسلها ثلاثاً، وكذلك هُوَ في المحرر 1/ 4.
(4) ينظر: المحرر 1/ 6.
(5) وَهِيَ عن جَمَاعَة مِنْهُمْ صالح وعبد الله والأثرم وحنبل وابن منصور وأبو الصقر. والثانية عن الصاغاني، الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 4/ب.
(6) شيء يستخرج من بطن الجدي الرضيع أصفر، فيُعصر في صُوفةٍ مبتلَّةٍ في اللبَنِ، فيغلظ كالجبن. التاج 7/ 190 - 191 (نفح).
(7) وانظر: المحرر 1/ 6 في اختلاف الرِّوَايَة.
(8) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 4/أ-ب.
(9) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 34/أ-ب، والمحرر 1/ 6، وَلَمْ يرد في المقنع: 20 إلا عدم نجاسة الآدمي بالموت.(1/65)
وَمَا لاَ نفسَ لَهُ سَائِلَةٌ، كَالذُّبَابِ، وَالبَقِّ، وَالعَقَارِبِ، والْخَنَافِسِ، والزَّنَابِيْرِ لا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ، وكذلك السَّمَكُ، والْجَرَادُ.
وَمَنِيُّ الآدَمِيِّ، وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ نَجسٌ (1). ويُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ.
وَيُجْزِئُ في بَولِ الغُلامِ، والَّذِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ النَّضْحُ (2). وَإِذَا أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ، أَوْ الْحِذَاءِ / 13 و / نَجَاسَةٌ وَجَبَ غَسْلُهُ، وَعَنْهُ: - يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالأَرْضِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلهُ مِنَ البَوْلِ والعَذرةِ، ويُجْزِئُ دَلْكُهُ من غَيْرِ ذَلِكَ (3).
ولا يُعْفَى عَنِ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ إِلاَّ الدَّمَ والقَيْحَ وأَثَرَ الاسْتِنْجَاءِ. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في رِيْقِ البَغْلِ، والْحِمَارِ، وسِبَاعِ البَهَائِمِ، وَجَوَارِحِ الطَّيْرِ، وَعَرَقِهِمْ، وَبَولِ الْخُفَّاشِ والنَّبِيْذِ وَالْمَنِي، إذَا قُلْنَا: أَنَّهُ نَجس، فَرُوِيَ: أَنَّهُ لا يُعْفَى عَنْ يَسِيْرِ ذَلِكَ. وَرُوِيَ: أَنَّهُ كَالدَّمِ (4).
وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَرَوْثُهُ، طَاهِرٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ نَجسٌ، كَبَوْلِ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ (5). وأسَايِرِ (6) سِبَاعِ البَهَائِمِ، وَجَوارِحِ الطَّيْرِ، وَالبَغْلِ، والْحِمَارِ الأَهْلِيِّ، نَجِسَة، وَعَنْهُ: أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، مَا عَدَا الكَلْبَ والْخِنْزِيْرَ (7)، وَعَنْهُ: في البَغْلِ والْحِمَارِ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيْهِمَا، إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ سُؤْرِهِمَا، تَيَمَّمَ مَعَهُ (8).
وسُؤْرُ الْهِرِّ، وما دُوْنَهُ (9) في الْخِلْقَةِ (10)، طَاهِرٌ.
وَسَائِرُ الدِّمَاءِ نَجَسَةٌ إِلاَّ الكَبدَ، والطّحَالَ وَدَمَ السَّمَكِ، فأمَّا دَمُ البَرَاغِيْثِ، والبَقِّ،
__________
(1) ينظر: المحرر 1/ 6.
(2) فعن أم قيسٍ بنت محصن، أنها أتت بابن لها صَغِير لَمْ يأكل الطعام، فأجلسه رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره، فبال قَالَت فلم يزد عَلَى أن نضح بالماء. أخرجه البُخَارِيّ 1/ 326، كِتَاب الوضوء: باب بول الصبيان، حَدِيث (223)، وَمُسْلِم 1/ 165 كِتَاب الطهارة: بَاب حكم بول الطفل الرضيع حَدِيْث (287) (103)، وأبو دَاوُد (374).
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/ب.
(4) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/أ، والمقنع: 20، والمحرر 1/ 7.
(5) انظر: المقنع: 20، والمحرر 1/ 6.
(6) هكذا وردت، والظاهر أنها جمع سؤر، إلا أننا لَمْ نجد جمع سؤر عَلَى أساير أو أسائر وإنما يجمع عَلَى: (أسْآر) ومقلوبه: آسار، ينظر: التاج 11/ 483 (سأر).
(7) الأولى عن حَنْبَل وصالح، والثانية عن إِسْمَاعِيْل بن سعيد وأبي الحارث. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 3/ب.
(8) الأولى: النجاسة، عن صالح وعبد الله وحنبل، والثانية: نقلها حرب، الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 3/ب. وقوله تيمم مَعَهُ، يعني مَعَ الوْضُوْء من هَذَا الماء.
(9) في المخطوط: (وما دونهما) بالتثنية.
(10) جاء في المغني 1/ 44: ((السنور، وما دونها في الخلقة، كالفأرة وابن عرس، فهذا ونحوه من حشرات الأرض، سؤره طاهر)).(1/66)
والذُّبَابِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
وَمَا لا يَرْفَعُ الْحَدَثَ مِنَ الْمَائِعَاتِ لا يُزِيْلُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُزَالُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيْلٍ كَالخَلِّ، وَنَحْوِهِ (2).
وَمَا أُزِيْلَ بِهِ النَّجَاسَةُ فَانْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ فَهُوَ طَاهِرٌ، إذَا كَانَ الْمَحَلُّ أَرْضاً، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَرْضٍ، فَعَلَى وَجْهِيْنِ، أصَحُّهُمَا: أنَّهُ طَاهِرٌ. فَإِن انْفَصَلَ قَبْلَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ نَجسٌ بِكُلِّ حَالٍ.
بَابُ الْحَيْضِ (3)
كُلُّ دَمٍ تَرَاهُ الأُنْثَى قَبْلَ تِسْعِ سِنِيْنَ، وَبَعْدَ خَمْسِيْنَ سَنَةً (4)، فَلَيْسَ بِحَيْضٍ، وأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَعَنْهُ يَوْمٌ (5). وأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَقِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً (6).
وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. ولا حَدَّ لأَكْثَرِهِ. والْمُسْتَحَاضَةُ تَرْجِعُ إلى عَادَتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ، وَرَجَعَتْ إلى تَمْيِيزِهَا (7)، فَكَانَ حَيْضُهَا أَيَّامَ الدَّمِ الأَسْوَدِ، واسْتِحَاضَتُهَا زَمَانَ الدَّمِ الأَحْمَرِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ ولا تَمْيِيْزٌ، وَهِيَ الْمُبْتَدِأَةُ (8) فَأَنَّهَا تَجْلِسُ أقَلَّ الْحَيْضِ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، والثَّانِيَةِ:
غَالِبَهُ (9). والثَّالِثَةِ: أَكْثَرَهُ. والرَّابِعَةِ: عَادَةَ نِسَائِهَا، /14 ظ/ كَأُمِّهَا، وَأُخْتِهَا، وَخَالَتِهَا، وَعَمَّتِهَا (10).
فَإِنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ فَنَسِيَتْ وَقْتَهَا، وَعَدَدهَا، فَهِيَ: الْمُتَحَيِّرَة، فَتَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ في
__________
(1) ينظر: المحرر 1/ 6.
(2) ينظر: المقنع: 19.
(3) الحيض: دم طبيعةٍ، يخرج مَعَ الصِّحَّة من غَيْر سبب ولادةٍ من قعر الرحم، يعتاد الأنثى إذَا بلغت في أوقات معلومة. انظر: كشاف القناع 1/ 196.
(4) جاء في المقنع: 20: أكثر عمرٍ تحيض بِهِ المرأة خمسون سنة، وَعَنْهُ: ستون في نساء العرب.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 13/أ، وجاء فِيهِ: ((ويحتمل قوله: أن أقله يوم، أراد بِهِ بليلته؛ فتكون المسألة روايةٌ واحدةٌ)).
واليوم عِنْدَ العرب مقداره من طلوع الشمس إلى غروبها. أو من طلوع الفجر الصادق إلى غروبها. وهذا الأخير هُوَ الحد الشرعي. التاج 9/ 115 (يوم) (الطبعة القديمة).
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 13/أ، وصحيح أَبُو يعلى الرِّوَايَة الأولى.
(7) التمييز: أن يتميز أحد الدمين عن الآخر في الصفة. انظر: المغني 1/ 326.
(8) المبتدأة: هِيَ من كَانَتْ في أول حيضٍ، أَوْ نفاس، أَوْ هِيَ التي لَمْ يتقدم لها حيض قَبْلَ ذَلِكَ. انظر: حاشية ابن عابدين 1/ 19 (طبعة دار إحياء التراث العربي)، كشاف القناع 1/ 204 (عالم الكُتُب 1983م).
(9) يعني: ستة أيام، أو سبعةً.
(10) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 12/أ - ب.(1/67)
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: غَالِبَهُ (1).
وَقَالَ شَيْخُنَا (2): هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبْتَدِأَةِ؛ لأَنَّهَا لا عَادَةَ لَهَا، ولا تَمْيِيْزَ.
فَإِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً للوَقْتِ ذَاكِرَةً لِلْعَدَدِ، فَقَالَتْ: حَيْضِي خَمْسٌ مِنْ نِصْفِ الشَّهْرِ الأَوَّلِ، لا أَعْلَمُ عَيْنَهَا، قلنا: اجْلِسِي مِنْهُ خَمْساً بِالتَّحَرِّي في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخِر تَجْلِسُ الْخَمْسَ الأُوَلَ مِنْهُ (3). فإنْ قَالَتْ: حَيْضِي مِنْهُ عَشْرَةٌ، لا أَعْلَمُ عَيْنَهَا، قلنا: الْخَمْسَةُ الأَوَاسِطُ (4) حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، والنِّصْفِ الثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِيْنٍ.
فَإِنْ قَالَتْ: حَيْضِي مِنْهُ أَحَدَ عَشَرَ يوماً، قلنا لَهَا (5): سَبْعَةُ أيَّامٍ حَيْضٌ بِيَقِيْنٍ، وَهِيَ: مِنَ الْخَامِسِ إلى الْحَادِي عَشَرَ. وكَذَلِكَ كُلَّمَا زَادَ عَلَى ربع الشَّهْرِ، أَضْعَفْنَاهُ، وَجَعَلْنَاهُ حَيْضاً بِيَقِيْن، والبَاقِي مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ زَمَانٍ لا يَصْلُحُ لِغَيْرِ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ. وَكُلُّ زَمَانٍ لا يَصْلُحُ لِغَيْرِ الطُّهْرِ، فَهُوَ طُهْرٌ. وَكُلُّ زَمَانٍ يَصْلُحُ لَهُمَا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ مِنْهُ قَدْرَ عَادَتِهَا بالتحري عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا: تَجْلِسُ مِنْ أَوَّلِهِ قَدْرَ عَادَتِهَا.
وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِلْوَقْتِ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ فَلابُدَّ أنْ تَذْكُرَ أَحَدَ طَرَفَيْهِ، وتَنْسَى الآخَرَ، فَإِنْ قَالَتْ: كُنْتُ أوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ حَائِضاً، ولا أَعْلَمُ آخِرَهُ، فَالنِّصْفُ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِيْنٍ، واليَوْمُ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ حَيَضٌ بِيَقِيْنٍ، وَتَمَامُ النِّصْفِ الأَوَّلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ؛ فَحُكْمُهَا فِيهِ حُكْم الْمُتَحَيِّرَةِ؛ تَجْتَهِدُ فَتَجْلِسُ مِنْهُ غَالِبَ الْحَيْضِ أَوْ أَقَلُّهُ عَلَى اخْتِلافِ الرِّوَايَتَيْنِ (6)، فَيَكُونُ ذَلِكَ حَيْضاً مَشْكُوكاً فِيهِ، وَبَقِيَّةُ النِّصْفِ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَتْ: كُنْتُ آخِرَ يَومٍ مِنَ الشَّهْرِ حَائِضاً، ولا أَعْلَمُ أَوَّلَهُ، فَمَعْنَى الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ، وإِنْ اخْتَلَفَتْ صُوْرَتُهُمَا.
وَحُكْمُ الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، إذَا جَلَسَتْ مِنْهُ شَيْئاً بِالتَّحَرِّي، أَوْ كَوْنَهُ أوَّلاً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الوَجْهَيْنِ، حُكْمُ الْحَيْضِ بِيَقِيْنٍ في تَرْكِ العِبَادَاتِ (7). وَكَذَلِكَ حُكْمُ الطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ / 15 و / حُكْمُ الطُّهْرِ بِيَقِيْنٍ في فِعْلِ العِبَادَاتِ.
وَمَتَى رَأَتْ يَوْماً طُهْراً، وَيَوْماً دَماً، وَلَمْ تُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَإِنَّهَا تَضُمُّ الدَّمَ إلى الدَّمِ
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 12/ب.
(2) هُوَ: أبو يعلى الفراء. وَلَمْ نعثر عَلَى قوله في كتابه " الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين ".
(3) انظر: المغني 1/ 340.
(4) في المخطوط: ((الأوسط)).
(5) في المخطوط: ((لَكَ)).
(6) رِوَايَة أقل الحيض رواها حَنْبَل، وغالب الحيض رواها مُحَمَّد بن الحكم وعبد الله، الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 12/ ب.
(7) انظر: المغني 1/ 341.(1/68)
فَيَكُونُ حَيْضاً، والبَاقِي طُهْرٌ. وإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهَا. والْحَامِلُ لا تَحِيْضُ (1).
وَيَجُوْزُ أنْ يُسْتَمْتَعَ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُوْنَ الفَرْجِ (2)، فَإِنْ وَطِئَهَا في الفَرْجِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ دِيْناَراً، أَوْ نِصْفَ دِيْنَارٍ (3) في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى لا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِر الله - تَعَالَى - (4).
والْحَيْضُ يَمْنَعُ فِعْلَ الصَّلاةِ، وَوُجُوبَهَا، وفِعْلَ الصِّيَامِ، دُوْنَ وُجُوبِهِ، وَقِرَاءةَ القُرْآنِ، وَمَسَّ الْمُصْحَفِ، واللَّبْثَ في الْمَسْجِدِ، والطَّوَافَ بِالبَيْتِ، والوَطْءَ في الفَرْجِ، وسنّةَ الطَّلاقِ، والاعْتِدَادَ بِالأَشْهرِ. وَيُوْجِبُ الغُسْلَ، وَالبلُوْغَ والاعْتِدَادَ بِهِ.
وإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ أُبِيْحَ لَهَا فِعْلُ الصَّوْمِ، وَلَمْ تُبَحْ بَقِيَّةُ الْمُحَرَّمَاتِ حَتَّى تَغْتَسِلَ.
وتَغْسلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا، وَتَعْصبُهُ، وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلاَةٍ، وَتُصَلِّي مَا شَاءتْ مِنَ الفَرَائِضِ، والنَّوافِلِ؛ وكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ، أَوْ الرِّيْحِ، والْمَذِي، والْجَرْيحُ الذي لا يَرْقَى دَمُهُ، وَمَنْ بِهِ الرُّعَافُ (5) الدَّائِمُ.
ولا يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ في الفَرْجِ إذَا لَمْ يَخَفِ العَنَتَ عَلى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ويُبَاحُ في الأُخْرَى (6).
بَابُ النِّفَاسِ (7)
وأَقَلُّ النِّفَاسِ قَطْرَةٌ. وأَكْثَرُهُ أَرْبَعُوْنَ يَوْماً. فَإِنْ جَاوَزَ الدمُ الأَكْثَرَ، وَصَادَفَ زَمَانَ عَادَةِ
__________
(1) أراد المصنف - رَحِمَهُ اللهُ - بهذه الجملة أن ينبه إِلَى أن كُلّ دم تراه الحامل - وإن وافق عادتها فِي الحيض- فليس بدم حيض، وإنما هُوَ دم إستحاضة وله حكم الإستحاضة فِي وجوب فعل العبادات، وَلَيْسَ لَهُ حكم دم الحيض فِي تركها والله أعلم.
(2) لقوله تَعَالَى: {فاعتزلوا النساء في المحيض} البقرة: 222، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اصنعوا كُلّ شيء إلا النكاح)). أخرجه مُسْلِم 1/ 169 (302) (16)، وأحمد 3/ 132، وأبو دَاوُد الطَيَالِسِيّ (258) و (273).
(3) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذَا وقع الرجل بأهله -وَهِيَ حائض- إن كَانَ دماً أحمر فليتصدق بدينار، وإن كَانَ أصفر فنصف دينار)). أخرجه أحمد 1/ 229 - 230، والدارمي1/ 254، وأبو دَاوُد (264)، وَالنَّسَائِيّ 1/ 153.
وجاء في التهذيب 1/ 441: ((إن كَانَ في أول الدم يتصدق بدينار، وإن كَانَ في آخره، أَوْ بعدما انقطع الدم - قَبْلَ الغسل - بنصف دينار، وَهُوَ قَوْل الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق)).
(4) انظر: الروايتين والوجهين 12/أ.
(5) الرعاف: خروج الدم من الأنف. اللسان 9/ 123 (رعف).
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 12/ب، والعنت هنا: الزنا.
(7) النفاس: اسم لدم يخرج عقيب الولادة؛ وحكمه حكم الحيض، غَيْر أنهما يختلفان بالتقدير. انظر: التهذيب 1/ 477.(1/69)
الْحَيْضِ. فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً؛ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، وَلاَ تَدْخُل الاسْتِحَاضَةُ في مُدَّةِ النِّفَاسِ.
وَحُكْمُ النُّفَسَاءِ حُكْمُ الْحَائِضِ في جَمِيْعِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا، وَيَسْقُطُ عَنْهَا.
وإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ في مُدَّةِ الأرْبَعِيْنَ، ثُمَّ عَادَ؛ فَالأَوَّلُ (1) نِفَاسٌ، وَالثَّانِي مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ نِفَاسٌ (2).
وَيُكْرَهُ الوَطْءُ في مُدَّةِ الانْقِطَاعِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُبَاحٌ (3).
وَإِذَا وَلَدَتْ تَوْأَمِيْنِ؛ فَالنِّفَاسُ مِنَ الأَوَّلِ، وآخِرُهُ مِنْهُ، وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ مِنَ الأَخِيْرِ (4)، والأَوَّلُ أَصَحُّ.
كِتَابُ الصَّلاَةِ
/ 16 ظ / الصَّلاَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ (5)، وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ شَرْطٌ رَابِعٌ، وَهُوَ: خُلُوُّهُا مِنَ الْحَيْضِ، والنِّفَاس.
فَأَمَّا الكَافِرُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ؛ سَوَاءٌ كَانَ أَصْليّاً، أَوْ مُرْتَدّاً، وَقَدْ خَرَّجَ أَبُو إِسْحَاق بنُ شَاقْلا (6) في الْمُرْتَدِّ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ (7).
وَمَتَى صَلَّى الكَافِرُ حَكَمْنَا بِإِسْلامِهِ؛ سَوَاءٌ كَانَ في دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ في دَارِ الإِسْلاَمِ، أَوْ صَلَّى جَمَاعَةً، أَوْ فُرَادَى (8).
__________
(1) في المخطوط ((والأول)) بالواو.
(2) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. وانظر: المقنع: 22 وفيه: ((وعَنْهُ: أنه مشكوك فِيهِ، تصوم وتصلي، وتقضي الصوم المفروض)).
(3) غَيْر موجودتين في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين. ولا في الشرح الكبير، إلا أنه ورد فِيهِ: أن الْقَاضِي ذكر في تحريمه رِوَايَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح أنه لا يحرم. إلا أن صاحب المحرر ذكر الرِّوَايَتَيْنِ 1/ 27.
(4) الظاهر: أن الرِّوَايَة اختلفت في الآخر، كَمَا جاء في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 13/ أ. وزاد: ((فعلى هذِهِ الرِّوَايَة [الثانية] يَكُون آخره من الولد الثَّانِي، وإن زاد عَلَى الأربعين من ولادة الأول. وعلى الرِّوَايَة الأولى؛ إذَا كَانَ بَيْن الولدين أربعين يوماً؛ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الثَّانِي نفاس)).
(5) لقوله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} النساء: 103.
(6) شيخ الحنابلة، أبو إسحاق، إبراهيم بن أحمد بن عُمَر بن حمدان بن شاقلا البغدادي البزاز، كَانَ رأساً في الأصول والفروع يعرف بابن شاقلا، نِسْبَة إلى جده المذكور. تُوُفِّي في رجب سنة (369هـ)، وله 54 سنة. انظر طبقات الشيرازي: 173، وتاريخ بغداد 6/ 17، وطبقات الحنابلة 2/ 128 - 139، وأعلام النبلاء 16/ 292، والعبر: 2/ 357، والشذرات 3/ 68.
(7) انظر: الشرح الكبير 1/ 378 - 379.
(8) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المُسْلِم)). البُخَارِيّ 1/ 108 (391)، والنَّسَائِيّ 8/ 105. وَفِي الكبرى (11728)، والبيهقي 2/ 3.(1/70)
وَلاَ تَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ (1)؛ فَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ سُكَرٍ، أَوْ شربِ دَوَاءٍ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ.
وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلاَةِ لسبع، ويُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْر (2). وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ (3). وتَصِحُّ صَلاَتُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ فَإِنْ بَلَغَ في أَثْنَائِهَا، أَوْ صَلَّى في أَوَّلِ الوَقْتِ؛ وَبَلَغَ فِي آخِرِهِ؛ لَزِمَهُ إِعَادَتُهَا.
وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْخِيْرُهَا عَنْ وَقْتِهَا؛ إذَا كَانَ ذَاكِراً لَهَا قَادِراً عَلَى فِعْلِهَا؛ إلاَّ مَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ لِعُذْرٍ؛ فَإِنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا جَاحِداً لِوُجُوبِهَا؛ كَفَرَ (4) وَوَجَبَ قَتْلُهُ، وإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُناً، لا جُحُوْداً لِوُجُوبِهَا، دُعِيَ إلى فِعْلِهَا؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ التي بَعْدَهَا؛ وَجَبَ قَتْلُهُ، وَعَنْهُ: لا يَجِبُ قَتْلُهُ حَتَّى يَتْرُكَ ثلاث صَّلَوَاتِ وَيَتَضَايَقُ وَقْتُ الرَّابِعَةِ (5). وإِذَا وَجَبَ قَتْلُهُ؛ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنْ تَابَ؛ وإِلاَّ قُتِلَ بالسَّيْفِ. وَهَلْ وَجَبَ قَتْلُهُ حَدّاً أوْ لِكُفْرِهِ؛ على رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لِكُفْرِهِ كَالْمُرْتَدِّ. والثَّانِيَة: حَدّاً (6)، وحُكْمُهُ حُكْمُ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِيْنَ.
بَابُ مَوَاقِيْتِ الصَّلاَةِ
الصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَةُ خَمْسٌ (7)؛ الفَجْر، وَهِيَ: رَكْعَتَانِ، وأَوَّلُ وَقْتِهَا؛ إذَا طَلَعَ الفَجْرُ الثَّانِي، وآخِرُهُ إذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ. والتَغْلِيْسُ (8) بِهَا أَفْضَلُ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْمُعْتَبِر بِحَالِ
__________
(1) لحديث النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفِعَ القلم عن ثلاث: عن الصبي حَتَّى يَبْلُغ، وعن النائم حَتَّى يستيقظ، وعن المجنون حَتَّى يفيق)). أخرجه أحمد 6/ 100 - 101، والدارمي 2/ 171، وأبو دَاوُد (4398)، وَالنَّسَائِيّ 6/ 156.
(2) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مروا أولادكم بالصّلاةِ، وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عَلَيْهَا، وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع)). أخرجه أحمد2/ 187، وأبو دَاوُد حَدِيث (495)، والترمذي حَدِيث (407).
(3) انظر: المقنع: 22، والمحرر 1/ 30 - 31.
(4) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بَيْن العبد وبين الكفر ترك الصَّلاَة)). أخرجه أحمد 3/ 370 و389، وَمُسْلِم 1/ 62 (82) (134)، والبيهقي 3/ 366.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 32/ب.
(6) انظر: المقنع: 22، والمحرر 1/ 33.
(7) فَقَدْ رَوَى طلحة بن عَبْيد الله قَالَ: جاء رَجُل إلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس، يُسْمَع دوي صوته، ولا نفقه مَا يَقُول حَتَّى دنا، فإذا هُوَ يسأل عن الإسلام فَقَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خَمْسُ صلوات في اليوم والليلة)) فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غيرهنَّ؟ فَقَالَ: ((لا إلا أنْ تَطَوَّعَ ... )).
البُخَارِيّ 1/ 18 (46)، وَمُسْلِم 1/ 31 - 32 (11) (8)، وأبو دَاوُد (391)، وَالنَّسَائِيّ 1/ 226 - 228.
(8) الغلس: ظلام آخر الليل، وَهُوَ أول وقت الصبح. اللسان 6/ 156 (غلس).(1/71)
الْمَأْمُوْمِيْنَ، فَإِنْ أَسْفَرُوْا؛ فَالأفْضَلُ الإسْفَار (1).
ثُمَّ الظُّهْرُ، وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وآخِرُهُ إذَا صار ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. والأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا؛ إِلاّ في شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَعَ الغَيْمِ لِمَنْ أَرَادَ الْخُرُوْجَ إلى الْجَمَاعَةِ.
ثُمَّ العَصْرُ، وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ / 17 و / وآخِرُهُ إذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ، وَعَنْهُ: أَنَّ آخِرَهُ مَا لَمْ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَخْرُجُ وَقْتُ الاخْتِيَارِ (2)، وِيَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلى الغُرُوْبِ. وَهِيَ الوُسْطَى (3). وَتَعْجِيْلُهُا أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ.
ثُمَّ الْمَغْرِبُ، وَهِيَ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ، وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، وآخِرُهُ إذَا غَابَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ. والأَفْضَلُ تَعْجِيْلُهَا؛ إِلاَّ لَيْلَةَ النَّحْرِ في حَقِّ الْمُحْرِمِ إذَا قَصَدَ مُزْدَلِفَةَ.
ثُمَّ العِشَاءُ، وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إذَا غَابَ الشَّفَقُ، وآخِرُهُ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَعَنْهُ: نِصْفُهُ (4).
والأَفْضَلُ تَأْخِيْرُهَا إلى آخِرِهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الاخْتِيَارِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي (5).
وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاةِ تَكْبِيْرَةَ الإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الوَقْتُ؛ فَقَدْ أَدْرَكَهَا.
وَمَنْ شَكَّ فِي الوَقْتِ؛ فَلاَ يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُوْلُهُ. فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ عِنْدَهُ بِدُخُوْلِ الوَقْتِ؛ عَمِلَ بِهِ، وإِنْ أَخْبَرَهُ عَنِ اجْتِهَادٍ؛ لَمْ يُقَلِّدْهُ، واجْتَهَدَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الوَقْتِ. وإِذَا اجْتَهَدَ في الوَقْتِ وصَلَّى؛ فَبَانَ أَنَّهُ وَافَقَ
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 13/ب.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (13/ب).
(3) اختلف في المقصود بالصلاة الوسطى، في قوله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} (البقرة: 238)، فمنهم من قَالَ هِيَ العصر، ومنهم من قَالَ هِيَ الظهر، ومنهم من قَالَ هِيَ المغرب، وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ. انظر: تفسير الطبري 2/ 553 - 568، والدر المنثور في التفسير بالمأثور 1/ 719 - 729.
(4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 13 / ب.
(5) قَالَ البَغَوِيّ في التهذيب 2/ 6: ((وأبين آيةٍ في المواقيت في القُرْآن قوله عز وجل: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الروم: 17) إلى آخر الآيتين. قوله: ((سبحان الله)) أي: سبّحوا الله؛ يعني: صلُّوا لله، ((حِيْنَ تُمْسُونَ)) أراد: صلاة المغرب والعشاء. ((وحِيْنَ تُصْبِحُونَ)): صلاة الصبح،
((وعشياً)): صلاة العصر، {وحِيْنَ تُظْهِرُونَ} (الروم: 18) صلاة الظهر)).
ورُوِيَ عن عَبْد الله بن عَمْرو بن العاص، عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((وقت الظُّهر إذَا زالت الشمس، كَانَ ظل الرجل كطوله، مَا لَمْ يحضر العصر. ووقت العصر مَا لَمْ تصفر الشمس. ووقت صلاة المغرب مَا لَمْ يغب الشفق. ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط. ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر مَا لَمْ تطلع الشمس)). أخرجه مُسْلِم 2/ 105 (611) (173)، وأحمد 2/ 210، وأبو دَاوُد الطَيَالِسِيّ: (2249)، وأبو دَاوُد (396).(1/72)
الوَقْتَ، أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ، أَجْزَأَهُ، وإِنْ وَافَقَ قَبْلَ دُخُولِ الوَقْتِ لَمْ يُجْزِئْهُ. وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الصَّلاةِ قدرَ تَكْبِيْرَةَ الإحْرَامِ، ثُمَّ جُنَّ، أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَحَاضَتْ؛ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ.
وإِذَا بَلَغَ صَبِيٌّ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ، أَوْ نُفَسَاءُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِمِقْدَارِ تَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ؛ لَزِمَهُمْ الصُّبْحُ، وإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ، أَوْ قبلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لَزِمَهُمْ الْمَغْرِبُ والعِشَاءُ والظُّهْرُ والعَصْرُ.
ومَنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلاَةِ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا - لَزِمَهُمْ القَضَاءُ عَلَى الفَوْرِ مُرَتَّباً؛ سَوَاءٌ قَلَّتِ الفَوائِتُ، أَوْ كَثُرَتْ؛ فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ؛ سَقَطَ وُجُوبُ التَّرْتِيْبِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى لا يَسْقُطُ (1). فَإِنْ نَسِيَ التَّرْتِيْبَ؛ سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنْهُ.
بَابُ الأَذَانِ
الأَذَانُ والإِقَامَةُ فَرْضٌ (2) عَلَى الكِفَايَةِ لِكُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى
تَرْكِهِ؛ قاتَلَهُمْ الإِمَامُ، والأَذَانُ خَمْسَ عَشْرَةَ (3) كَلِمَةً لاَ تَرْجِيْع (4) فِيهِ. التَكْبِيْرُ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعٌ، والشَّهَادَتَانِ / 18 ظ / أَرْبَعٌ، والدُّعَاءُ إِلَى الصَّلاَةِ أَرْبَعٌ، والتَكْبِيْرُ فِي آخِرِهِ مَرَّتَانِ، وَكَلِمَةُ الإِخْلاَصِ مَرَّةً، وَيُثَوِّبُ فِي أَذَانِ الفَجْرِ؛ فَيَقُولُ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ: الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، مَرَّتَيْنِ.
والأَفْضَلُ في الإِقَامَةِ الإِفْرَادُ (5)، وأَنْ يَكُونَ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً، التَكْبِيرُ فِي أولها مرتان والشهادتان مرتان والحيعلة وذكر الإقامة مرتان والتكبير فِي آخِرِهَا مَرَّتَانِ، وَكَلِمَةُ الإِخْلاَصِ مَرَّةٌ، فَإِنْ ثَنَّى فِيْهَا؛ فَلا بأْسَ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يُرَتِّلَ (6) الأَذَانَ، ويُحْدِرَ (7) الإِقَامَةَ، وأَنْ يُؤَذِّنَ، ويُقِيْمَ قَائِماً (8) مُتَطَهِّراً (9)، ويَتَوَلاّهُمَا معاً (10).
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 18/ب.
(2) وَهُوَ سنة عَنْد أبي حَنِيْفَة والشافعي. انظر: الشرح الكبير 1/ 391.
(3) في المخطوط: ((خمسة عشر)).
(4) الترجيع: هُوَ إعادة الشهادتين مرتين بأعلى صوتٍ من المرتين الأوليين. انظر: القوانين الفقهية: 54.
(5) وجاء في القوانين الفقهية 54 - 55: ((وكلماتها وتر، إلا التكبير، فإنه مثنى، وعددها في المذاهب عشر كلمات، ومذهب الشَّافِعيّ وابن حَنْبَل تثنية التكبير، وقوله (قد قامت الصَّلاَة))).
(6) الترتيل: التأني والتمهل والترسل، وتبين الحروف والحركات. انظر: غَرِيْب الحَدِيْث، لابن الأثير 2/ 194.
(7) الحدر: الإسراع. انظر: غَرِيْب الحَدِيْث، لابن الأثير 1/ 353.
(8) جاء في الحاوي الكبير 2/ 53: ((ومن السُّنَّة أن يؤذن قائماً اقتداءً بمؤذني رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -)).
(9) للحديث الذي أخرجه التِّرْمِذِي (200)، والبيهقي 1/ 397، عن أبي هُرَيْرَة عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا يؤذن إلا مُتَوضئ)). وإسناده ضَعِيْف مرفوعاً، وأخرجه التِّرْمِذِي (201) موقوفاً عَلَى أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ أصح. وانظر: التلخيص الحبير 1/ 216.
(10) لما رُوِيَ عن زياد بن الحارث الصُّدَائِي قَالَ: أمرني رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أن أُؤَذّنَ في صلاةِ الفَجْر؛ =(1/73)
وَيُؤَذِّنُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ (1). وَيَجْعَلُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً على أُذُنَيْهِ (2)، ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ، فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ الْتَفَتَ يَمِيْناً وَشَمَالاً (3)، وَلَمْ يُزِلْ قَدَمَيْهِ عَنْ مَوْضِعِهِمَا، وَلَمْ يَسْتَدْبِرِ القِبْلَةَ، ويُقِيْمُ في مَوْضِعِ أَذَانِهِ؛ إِلاَّ أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، مِثْل أن يَكُونَ قد أَذَّنَ في الْمَنَارَةِ. ولا يُجْهِدُ نَفْسَهُ في رَفْعِ صَوْتِهِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ.
وَلاَ يَقْطَعُ الأَذَانَ بِكَلامٍ، وَلا غَيْرِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ كَثِيْراً، أوَ كَانَ الكَلاَمُ سبّاً، أَوْ مَا أشْبَهَهُ؛ لَمْ يعتدَّ بِأذَانِهِ. ولا يُعْتَدُّ بِأذَانِ الفَاسِقِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، ويُعْتَدُّ بِهِ في الآخِرِ (4)؛ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إِمَامَتِهِ، وكَذَلِكَ في الأَذَانِ الْمُلَحَّنِ وَجْهَانِ (5).
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الأَذَانِ: ((اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القَائِمَةِ؛ آتِ مُحَمَّداً الوَسِيْلَةَ، والفَضِيْلَةَ، وابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُوْدَ الَّذي وَعَدْتَهُ. واسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ بِكَأسِهِ مشرباً هَنِيئاً سَائِغاً رَوِيّاً، غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَاكِثِيْنَ بِرَحْمَتِكَ)) (6).
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كَما يَقُولُ؛ إلاَّ في الْحَيْعَلَةِ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لا حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ (7). وَيَقُولُ في كَلِمَةِ الإِقَامَةِ: ((أَقَامَهَا اللهُ وأَدَامَهَا مَا دَامَتِ
__________
= فأذنت، فأَراد بلال أن يقيم، فَقَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أخا صداءٍ قد أذن، ومَنْ أذّن، فَهُوَ يقيم)).
أخرجه أحمد 4/ 169، وأبو دَاوُد (514)، والترمذي (199)، والبيهقي 1/ 399.
(1) فَقَدْ روي أنّ ((بلالاً كَانَ يؤذن عَلَى سطح امرأةٍ من بني النجار، بيتها من أطول بيت حول المسجد)). رَواهُ أبو دَاوُد (519)، والبيهقي 1/ 425.
(2) لقول أبي جحيفة: ((إنَّ بلالاً وَضَعَ إصْبَعيه في أذنيه)). رَواهُ أحمد 4/ 308، والترمذي (197)، وَقَالَ: ((حَدِيث حَسَن صَحِيْح)).
(3) لقول أبي جحيفة: ((رأيت بلالاً يؤذن، فجعلت أتتبع فاه هاهنا، وهاهنا، يَقُول يميناً وشمالاً حيَّ عَلَى الصَّلاَة، حيَّ عَلَى الفلاح)). أخرجه البُخَارِيّ 1/ 163 (633)، وَمُسْلِم 2/ 56 (249) (503).
(4) انظر: المقنع: 23، والمحرر 1/ 38.
(5) انظر: المقنع: 23، والمحرر 1/ 38.
(6) من قوله: ((واسقنا)) إلى قوله ((برحمتك)) زيادة من المصنف. والحديث إلى قوله: ((وعدته)) أخرجه البُخَارِيّ 1/ 159 (614)، وأبو دَاوُد (529)، والبيهقي 1/ 410.
(7) لحديث النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إذَا قَالَ المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، فَقَالَ أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثُمَّ قَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، قَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، ثُمَّ قَالَ أشهد أنَّ محمداً رَسُوْل الله، قَالَ أشهد أن محمداً رَسُوْل الله، ثُمَّ قَالَ حي عَلَى الصَّلاَة، قَالَ: لا حول ولا قُوَّة إلا بالله، ثُمَّ قَالَ: حي عَلَى الفلاح، قَالَ: لا حول ولا قُوَّة إلا بالله، ثُمَّ قَالَ: الله أكبر الله أكبر، قَالَ: الله أكبر، الله أكبر، ثُمَّ قَالَ: لا إله إلا الله، قَالَ: لا إله إلا الله من قلبه، دخل الجنة)). رَواهُ البُخَارِيّ 1/ 159 (613)، وَمُسْلِم 2/ 4 (385) (12)، والبيهقي 1/ 409.(1/74)
السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ)) (1).
وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُوْلَ مِثْلَ مَا يَقُوْلُ مَنْ سَمِعَهُ في خُفْيَةٍ (2).
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ الْمُؤَذِّنُ ثِقَةً أَمِيْناً عَالِماً بِالأَوْقَاتِ.
ويُجْزِئُ أَذَانُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِيْنَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلاَ يُجْزِئ في
الأُخْرَى (3). وَلاَ يَصِحُّ الأَذَانُ إلاَّ مُرَتَّباً. وَلاَ يَجُوْزُ قَبْلَ دُخُولِ الوَقْتِ إلاَّ لِلصُّبْحِ؛ فَإِنَّهُ
/ 19 و / يُؤَذِّنُ لَهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، ويُكْرَهُ ذَلِكَ في رَمَضَانَ (4).
ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ جِلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يُقِيْمُ.
وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ، أَوْ جَمْعٌ بَيْنَ صَلاتَيْنِ؛ أَذَّنَ وأقَامَ للأُوْلَى، وأَقَامَ لِلَّتِي بَعْدَهَا.
وَلاَ يُسَنُّ في حَقِّ النِّسَاءِ أَذَانٌ، ولا إقَامَةٌ (5).
والأَذَانُ أَفْضَلُ مِنَ الإِمَامَةِ.
ولا يَجُوْزُ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَيْهِ (6)؛ فَإِنْ لَمْ يُوْجَدْ مَنْ يَتَطَوَّع بِهِ رَزَقَ الإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَقُوْمُ بِهِ.
وَإِذَا تَشَاحَّ نَفْسَانِ في الأَذَانِ، قُدِّمَ أَكْمَلُهُمَا في دِيْنِهِ، وَعَقْلِهِ، وَفَضْلِهِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا في ذَلِكَ، قُدِّمَ أَعْمَرُهُمَا لِلْمَسْجِدِ، وَأَتَمُّهُمَا مُرَاعَاةً لَهُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: يُقَدَّمُ مَنْ يَرْتَضِي بِهِ الْجِيْرَانُ (7).
__________
(1) قوله: ((مَا دامت السماوات والأرض)) زيادة من المصنف. والحديث أخرجه أبو دَاوُد (528)، وابن السني في عمل اليوم والليلة: 104، والبيهقي 1/ 411، وانظر: إرواء الغليل 1/ 258.
(2) انظر: المغني 1/ 443.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (14/أ).
(4) جاء في المغني 1/ 423: ((ويكره الأذان قَبْلَ الفجر في شهر رمضان، نص عَلَيْهِ أحمد في رِوَايَة الجماعة، لئلا يغتر الناس فيتركوا سحورهم، ويحتمل أن لا يكره في حق من عرف عادته بالأذان بالليل؛ لأن بلالاً كَانَ يفعل ذَلِكَ بدليل قوله - عليه السلام -: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا، حَتَّى يؤذن ابن أمِّ مَكْتُوم)). والحديث أخرجه البُخَارِيّ 1/ 160 (617)، وَمُسْلِم 3/ 129 (1092) (37).
(5) وجاء في المغني 1/ 433: ((وهل يسن لهن ذَلِكَ الأذان والإقامة؟ فَقَدْ روي عن أحمد قَالَ: إن فعلن فَلا بأس، وإنْ لَمْ يفعلن فجائز)).
(6) فَقَدْ جاء عن عُثْمَان بن أبي العاص، أنه قَالَ: يا رَسُوْل الله اجعلني إمام قومي، قَالَ: ((أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتّخذ مؤذناً لا يأخذ عَلَى أذانه أجراً)).
أخرجه التِّرْمِذِي (209)، وَقَالَ: ((حَدِيث حَسَن))، وأبو دَاوُد (531)، وابن ماجه (714)، وانظر إرواء الغليل 5/ 315.
(7) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 14/أ.(1/75)
وَلاَ يُسَنُّ الأَذَانُ لِغَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ.
وَلَيْسَ لِلْعِيْدِ والكُسُوْفِ، والاسْتِسْقَاءِ؛ إلاَّ النِّدَاءُ بِقَوْلِهِ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ.
وَلَيْسَ لِصَلاةِ الْجَنَازَةِ أَذَانٌ، ولا نِدَاءٌ، واللهُ أَعْلَمُ.
بَابُ سِتْرِ العَوْرَةِ
سِتْرُ العَوْرَةِ بِمَا لاَ يَصِفُ البَشَرَةَ وَاجِبٌ، وَهُوَ شَرْطٌ في صحَّةِ الصَّلاَةِ.
وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ، والأَمَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا القُبُلُ والدُّبُرُ. وعَوْرَةُ الْحُرَّةِ جَمِيْعُ بَدَنِهَا، إِلاَّ الوَجْهَ، وَفِي الكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ (1). وَعَوْرَةُ أُمِّ الوَلَدِ (2) والْمُعْتَقِ بَعْضُهُا عَوْرَةُ الْحُرَّةِ، وَعَنْهُ: كَحَدِّ عَوْرَةِ الأَمَةِ (3).
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ في قَمِيصٍ، وَرِدَاءٍ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى سِتْرِ العَوْرَةِ؛ أَجْزَأَهُ في النَّفْلِ، وَلَمْ يَجْزِهُ في الفَرْضِ؛ حَتَّى يَستُرَ مَنْكِبَيْهِ (4) عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: إذَا طَرَحَ شَيْئاً وَلَوْ خَيْطاً؛ أَجْزَأَهُ.
ويُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّي في دِرْعٍ، وخِمَارٍ وَجُلْبَابٍ تَلْتَحِفُ بِهِ، وَلاَ تَضُمُّ ثِيَابَهَا في حَالِ قِيَامِهَا. فَإِنِ اقْتَصَرَتْ عَلَى دِرْعٍ وَخِمَارٍ يَسْتُرُ جَمِيْعَ عَوْرَتِهَا؛ أَجْزَأَ.
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَا يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، أَوْ مَنْكِبَيْهِ، سَتَرَ عَوْرَتَهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا (5): يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ، ويُصَلِّي جَالِساً. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ العَوْرَةِ سَتَرَ الفَرْجَيْنِ، فَإِنْ كَانَ يَكْفِي أَحَدَهُمَا، سَتَرَ الدُّبُرَ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - / 20 ظ / وَقِيلَ: يَسْتُرُ القُبُلَ؛ لأَنَّ بِهِ يَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ ثَوْباً نَجِسَاً؛ صَلَّى فِيهِ، وَأَعَادَ عَلَى الْمَنْصُوْصِ، وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ لاَ يُعِيْد بِنَاءً عَلَى مَنْ صَلَّى في مَوْضِعٍ لا يُمْكِنُهُ الْخُرُوْجُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.
وإِنْ صَلَّى في ثَوْبِ حَرِيْرٍ، أَوْ مَغْصُوبٍ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، وَفِي الأُخْرَى: تَصحُّ مَعَ التَّحْرِيْمِ.
__________
(1) انظر: المقنع: 24، والمحرر 1/ 42.
(2) أم الولد هِيَ الأمة يطؤها مالكها فتحمل مِنْهُ، انظر: القوانين الفقهية: 377.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 19/ب - 20/أ، وفيه: أن الاختلاف في أم الولد فَقَطْ، وجاء في المحرر 1/ 43: ((والمعتق بعضها كالحرة عَلَى الأصح)).
(4) المنكب: مجتمع الكتف والعضد، اللسان 1/ 569 (نكب).
(5) هُوَ أبو يعلى الفراء.
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/أ-ب.(1/76)
فَإِنْ بُذِلَ لَهُ سُتْرَةٌ لَزِمَهُ قَبُولُهَا وإِنْ عدم بِكُلِّ حَالٍ؛ صَلَّى عُرْيَاناً جَالِساً يُوْمِئُ إِيْمَاءً. فَإِنْ صَلَّى قَائِماً؛ فَلاَ بَأْسَ، ولا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَإِذَا وَجَدَ السُّتْرَةَ قَرِيْبَةً مِنْهُ - في أثْنَاءِ الصَّلاَةِ -؛ سَتَرَ، وبَنَى، وإِنْ كَانَتْ بِالبُعْدِ سَتَرَ واسْتَأْنَفَ.
وَإِذَا انْكَشَفَ مِنَ العَوْرَةِ يَسِيْرٌ - وَهُوَ مَا لاَ يَفْحَشُ فِي النَّظَرِ-؛ لَمْ تَبْطُلِ الصَّلاَةُ، ولا فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ الفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ تَفَاحشَ؛ بَطلَتْ.
وَيُصَلِّي الغُزَاةُ جَمَاعَةً، وَيَكُوْنُ إِمَامُهُمْ فِي وَسَطِهِمْ. فَإِنْ كَانُوْا رِجَالاً، وَنِسَاءً، وَكَانُوْا في سَعَةٍ؛ صَلَّى كُلُّ نَوْعٍ لأَنْفُسِهِمْ، وإِنْ كَانُوْا في ضِيْقٍ، صَلَّى الرِّجَالُ، واسْتَدْبَرَهُمْ النِّسَاءُ، ثُمَّ صَلَّى النِّسَاءُ، واسْتَدْبَرَهُمْ الرِّجَالُ؛ لِئَلاَّ يَرَى بَعْضُهُمْ عَوْرَاتِ بَعْضٍ.
وَيُكْرَهُ في الصَّلاَةِ السَّدْلُ (1) - وَهُوَ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ ثَوْباً، ولا يَرُدّ أَحدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الكَتِفِ الآخَرِ -، واشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ (2) - وَهُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِالثَّوْبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَضْطَبِعُ بالثَّوْبِ؛ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ غَيْرُهُ (3) -.
ويُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الوَجْهِ، وَكَفُّ الكَمِّ، وشَدُّ الوَسَطِ بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ (4)، والتَّلَثُّمُ عَلَى الفَمِ (5). فَأَمَّا التَّلَثُّم عَلَى الأْنْفِ فَعَلى رِوَايَتَيْنِ (6).
وَيُكْرَهُ إسْبَالُ الإزَارِ والقَمِيْصِ، والسَّرَاوِيْلِ، والعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِ التَّفَاخُرِ،
__________
(1) فَقَدْ روي عن أبي هُرَيْرَة: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن السدل في الصَّلاَة. أخرجه أبو دَاوُد (643).
(2) فَقَدْ رُوِيَ عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ أنه قَالَ: نهى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبستين، وعن بيعتين، ... ، واللبستين: اشتمال الصماء ... الخ. أخرجه البُخَارِيّ 7/ 190 (5820)، وأحمد 3/ 6 و13 و46، وَالنَّسَائِيّ 8/ 210.
واشتمال الصماء: هُوَ أن يلتوي في ثوب واحدٍ، ولا يَكُون لَهُ من أين يخرج يديه؛ إلا من أسفله، انظر: القوانين الفقية: 59، والمعجم الوسيط 1/ 495، وانظر: فتح الباري 1/ 477 في اختلاف أهل اللغة والفقهاء في التعريف.
(3) انظر: المقنع: 25، والمغني 1/ 622 وجاء فِيهِ: ((واختلف في تفسير اشتمال الصماء، فَقَالَ بَعْض أصحابنا: هُوَ أن يضطبع بالثوب، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غيره ... وروى حَنْبَل عن أحمد في اشتمال الصماء: أن يضطبع الرجل بالثوب ولا إزار عَلَيْهِ، فيبدو شقه وعورته))، وانظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 25/ب.
(4) الزّنّار: هُوَ خيط دقيق يشد بِهِ الوسط، تستعمله النصارى والمجوس، مأخوذ من تزنر الشيء إذَا دق، انظر: التاج 11/ 452 (زنر)، وجاء في المغني 1/ 624: أن شد الزنار في الصَّلاَة عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
الأولى: يكره، والثانية: قَالَ [أحمد]: لا بأس.
(5) فعن أبي هُرَيْرَة: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُغَطِّي الرَّجُلُ فَاهُ. أخرجه أبو دَاوُد (643)، وابن ماجه (966)، والبيهقي 2/ 248.
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 25/ب.(1/77)
والْخُيَلاَءِ (1). وَتُكْرَهُ الصَّلاَةُ في الثَّوْبِ الْمُعَصْفَرِ والْمُزَعْفَرِ (2).
بَابُ مَوَاضِعِ الصَّلَوَاتِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ
يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الصَّلاَةَ أَنْ يُطَهِّرَ ثَوْبَهُ وَبَدَنَهُ، وَمَوْضِعَ صَلاتِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ
/ 21 و / فَإِنْ حَمَلَهَا، أَوْ لاَقَاهَا بِبَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ؛ إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ نَجَاسَة مَعْفُوّاً عَنْهَا، كَيَسِيْرِ الدَّمِ، وما أَشْبَهَهُ. فَإِنْ صَلَّى ثُمَّ رَأى في ثَوْبِهِ نَجَاسَةً لا يَعْلَمُ بِهَا: هَلْ لَحِقَتْهُ في الصَّلاَةِ، أَوْ بَعْدَهَا، ويَحْتَمِل الأَمْرَيْنِ؟ فَصَلاتُهُ مَاضِيَةٌ. وإِنْ عَلِمَ أنَّهَا لَحِقَتْهُ في الصَّلاَةِ؛ لَكِنْ نَسِيَهَا، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِزَالَتِهَا، فَهَلْ يُعِيْدُ الصَّلاَة أَمْ لا؟ على روايتين (3).
وإذا خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا تَيَقَّنَ بِهِ أنَّ التَّطْهِيْرَ قد لَحِقَ الْمَوْضِعَ.
وَإِذَا أَصَابَ الأَرْضَ نَجَاسَةٌ؛ فَذَهَبَ أَثَرُهَا بِالشَّمْسِ، أَوْ الرِّيْحِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ عَلَيْهَا. فَإِنْ طَيَّبَهَا، أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئاً طَاهِراً، كُرِهَ ذَلِكَ، وَصَحَّتْ صَلاتُهُ، وَقِيلَ: لا تَصِحُّ (4).
وإنْ صَلَّى عَلَى مِنْدِيْلٍ عَلَى طَرَفِهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ في طَرَفِهِ نَجَاسَةٌ؛ فَصَلاتُهُ صَحِيْحَةٌ. وإِنْ كَانَ الْمِنْدِيْلُ، والْحَبْلُ مُتَعَلِّقاً بِهِ؛ بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ.
وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ في الْمَقْبَرَةِ، والْمَجْزَرَةِ، وَبَيْتِ الْحُشِّ (5)، والْمَزْبَلَةِ، والْحَمَّامِ، وأَعْطَانِ الإِبِلِ - وَهِيَ: الَّتِي تُقِيْمُ فِيْهَا، وتَأْوِي إِلَيْهَا - وَمَحَجَّةِ الطَّرِيْقِ، وظَهْرِ الكَعْبَةِ، والْمَوْضِعِ الْمَغْصُوْبِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى تَصُحُّ الصَّلاَةُ مَعَ التَّحْرِيْمِ. وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ بالنَّهِيِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وإِنْ لَمْ يَعْلَمْ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
__________
(1) فَقَدْ جاء في صَحِيْح البُخَارِيّ 7/ 182 (5784)، وَمُسْلِم 6/ 146 (2085) (42)، أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((مَنْ جر ثوبه خُيلاء لَمْ ينظر الله إِليهِ يوم القيامة)).
(2) فعن أنس بن مَالِك قَالَ: نهى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزعفر الرجل. أخرجه مُسْلِم 6/ 155 (2101) (77).
والزعفران: صبغ مَعْرُوف، وَهُوَ من الطيب، والعصفر: نبات، وعصفرت الثوب، صبغته بالعصفر، انظر: اللسان 4/ 324، 581 (زعفر، عصفر).
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/ب، والإنصاف 1/ 486 وفيه أن صِحَّة الصَّلاَة هِيَ الصحيحة عِنْدَ أكثر المتأخرين.
(4) وجاء في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 25/ أ: أن الاختلاف في الكراهة فَقَطْ، وَلَيْسَ في صِحَّة الصَّلاَة، وانظر: الإنصاف 1/ 484.
(5) بيت الحش: مَوْضِع قضاء الحاجة. انظر: اللسان 6/ 286 (حشش).
(6) وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 25/أ: أن في المسألة ثلاث روايات. الأولى: لا تصح، والثانية: =(1/78)
فَإِنْ صَلَّى إِلَى هذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ فصلاتُهُ صَحِيْحَةٌ. وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ (1): إِنْ صَلَّى إلى الْمَقْبَرَةِ، وَبَيْتِ الْحُشِّ، ولا حَائِلَ بَيْنَهُمَا؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّى فيهما وإذا صلى عَلَى سَابَاطٍ (2) أُحْدِثَ عَلَى طَرِيْقٍ، أَوْ نَهْرٍ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، أَوْ في مَسْجِدٍ بُنِيَ في الْمَقْبَرَةِ أَوْ في سَطْحِ بَيْتِ الْحُشِّ والْحَمَّامِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُصَلِّي فِيْهِمَا.
ولا بَأْسَ بِصَلاةِ الْجَنَازَةِ في الْمَقْبَرَةِ. ولا تَصِحُّ صَلاةُ الفَرِيْضَةِ في الكَعْبَةِ، ولا عَلَى سطحها. فأَمَّا النَّافِلَةُ فَتَصِحُّ، إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْها.
ولا يَجُوْزُ لِكَافِرٍ دُخُولُ الْحَرَمِ، وَهَلْ يَجُوْزُ لأَهْلِ الذِّمَةِ دُخُوْلُ مَسَاجِدِ الْحِلِّ (3)؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).
وَإِذَا جَبَرَ سَاقَهُ، أَوْ زَنْدَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ، فَانْجَبَرَ؛ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَلْعُهُ؛ / 22 ظ / إذَا خاف الضَّرَرَ، وأجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ، وقيل يلْزمُهُ قَلْعُهُ؛ إذَا لَمْ يَخَفْ التَّلَفَ (5). وَإذَا سَقَطَ سِنٌّ مِنْ أَسْنَانِهِ، أَوْ عُضْوٌ مِنْ أعْضَائِهِ؛ فأَعَادَهُ بِحَرَارَتِهِ؛ فَثَبَتَ في مَوْضِعِهِ؛ فَهُوَ طَاهِرٌ، ولا بَأْسَ بِصَلاَتِهِ مَعَهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: هُوَ نَجَسٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ العَظْمِ النَّجِسِ، إذَا جَبَرَ به سَاقَهُ (6).
بَابُ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ
اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ شَرْطٌ في صِحَّةِ الصَّلاَةِ (7)؛ إلاَّ في حَالِ الْمُسَايَفَةِ (8)، والنَّافِلَةِ في السَّفَرِ؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَ. فَإِنْ أَمْكَنَهُ افْتِتَاحُ الصَّلاَةِ إلى القِبْلَةِ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ (9)، وتَمَّمَ الصَّلاَةَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَاكِباً، أَوْ مَاشِياً.
__________
= تصح، والثالثة: إن علم بالنهي، لَمْ تصح، وإنْ لَمْ يعلم صحت مَعَ الكراهة. وجاء في الإنصاف 1/ 489: إن عدم الصِّحَّة هُوَ المذهب، وَعَلَيْهِ الأصحاب.
(1) هُوَ الحَسَن بن حامد بن عَلِيّ بن مروان أبو عَبْد الله البغدادي، جاء في طبقات الحنابلة 2/ 222 ((إمام الحنابلة في زمانه، ومدرسهم، ومفتيهم. لَهُ المصنفات في العلوم المختلفات، لَهُ الجامع في المذهب، نَحْو أربع مئة جزء)) وغيرها. وانظر: المنتظم 7/ 263، والمنهج الأحمد1/ 382، ومختصر طبقات الحنابلة: 32.
(2) الساباط: سقيفة بَيْن حائطين. انظر: اللسان 7/ 311 (سبط).
(3) مساجد الحل: يعني غَيْر مساجد الحرم المكي.
(4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 25 / ب.
(5) في المخطوط: ((وَقِيلَ يلزمه ... التلف))، وَهِيَ عبارة مضطربة، صححناها من المقنع: 26.
(6) انظر: المقنع: 26.
(7) لقوله تَعَالَى ذكره: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه}. البقرة: 144.
(8) المسايفة: المقاتلة، مأخوذة من (تسايفوا) إذَا تضاربوا بالسيوف، انظر: التاج 23/ 482 (سيف).
(9) وجاء في المقنع: 26: إن في ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ، وَفِي المغني 1/ 448 كَذلِكَ.(1/79)
والفَرْضُ في القِبْلَةِ إِصَابَةُ العَيْنِ. فَمَنْ قَرُبَ مِنْها، أَوْ مِنْ مَسْجِدِ الرَّسُوْلِ - صلى الله عليه وسلم -؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِيَقِيْنٍ، وَمَنْ بَعُدَ عَنْهَا، فَبِالاجْتِهَادِ.
وَقَالَ الْخرْقِي (1): يَجْتَهِدُ إلى جِهَتِهَا في البُعْدِ (2).
فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ؛ صَلَّى بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَجْتَهِدْ.
وَإِذَا كَانَ في السَّفَرِ، واشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ القِبْلَةُ؛ اجْتَهِدَ في طَلَبِهَا بالدَّلاَئِلِ مِنَ النُّجُومِ، وأَثْبَتَهَا الْجَدِي - وَهُوَ نَجْمٌ خَفِيٌّ يُعْرَفُ مَكَانُهُ بالفَرْقَدَيْنِ لأَنَّهُمَا دُوْنَهُ (3) - فَإِذَا جَعَلَهُ الْمُصَلِّي حِذَاءَ ظَهْرِ أُذُنِهِ الْيُمْنَى عَلَى عُلُوِّهَا؛ كَانَ مُتَوَجِّهاً إلى بَابِ البَيْتِ (4).
والشَّمْسُ، وَهِيَ تَطْلُعُ أَبَداً مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي مُحَاذِيَةً لِحَرْفِ كَفِّهِ اليُسْرَى، وَتَغْرُبُ حِذَاءَ حَرْفِ كَفِّهِ الْيُمْنَى.
والرِّيْحُ الْجَنُوب تَهُبُّ مُسْتَقْبِلَةً لِبَطْنِ كَفِّ الْمُصَلِّي الأَيْسَرِ، مَارَّةً مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ إلى يَمِيْنِهِ. والشَّمَالُ مقابلتها (5) تَهُبُّ مِنْ يَمِينِهِ، مَارَّةً إلى مَهَبِّ الْجَنُوْبِ. والدَّبُوْرُ (6) مُستَقْبِلَة شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الأَيْمَن. والصَّبَا (7) مُقابلتها تَهُبُّ مِنْ ظَهْرِ الْمُصَلِّي. والْمِيَاهُ تَجْرِي مِنْ يَمْنَةِ الْمُصَلِّي إلى يَسْرَتِهِ عَلَى انْحِرَافٍ قَلِيْلٍ؛ كَدِجْلَةَ، والفُرَاتِ، والنَّهْرَوَان. ولا اعْتِبَارَ بِالأَنْهَارِ الْمُحْدَثَةِ، ولا بِنَهْرٍ بِخُرَاسَانَ، ولا بالشَّامِ يَمْشِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَقْلُوبَ؛ لأَنَّهُ يَجْرِي مَاؤُهُ / 23 و / مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي إلى يَمْنَتِهِ.
وَالْجِبَالُ، فَأَوْجُهُهَا جَمِيْعاً مُستَقْبِلَةً لِلْبَيْتِ.
وَالْمَجَرَّةُ (8)، وتُسَمَّى شَرَجَ السَّمَاء؛ تَكُوْنُ أَوَّلَ اللَّيْلِ مُمْتَدَّةً عَلَى كَتفِّ الْمُصَلِّي الأَيْسَر إلى القِبْلَةِ، ثُمَّ يَلْتَوِي رَأْسُهَا؛ حَتَّى يَصِيْرَ في آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى كَتِفِهِ الأَيْمَن. فَاعْرِفْ ذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ؛ صَلَّى، ولا إِعَادَةَ عَلَيْهِ؛ وإِنْ أخْطَأَ القِبْلَةَ.
وإِذَا اجْتَهَدَ رَجُلانِ في القِبْلَةِ، واخْتَلَفَا؛ لَمْ يَتَّبِعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ. وَيَتَّبِع الْجَاهِلُ بِهَا،
__________
(1) هُوَ أبو القاسم عُمَر بن الْحُسَيْن بن عَبْد الله بن أحمد الخرقي، نِسْبَة إلى بيع الخرق، كَانَ من سادات الفُقَهَاء والعباد، لَهُ المختصر. انظر: طبقات الحنابلة 2/ 64، ووفيات الأعيان 1/ 441، والمنهج الأحمد 1/ 358، ومختصر طبقات الحنابلة: 31.
(2) انظر: المغني 1/ 456.
(3) انظر: اللسان 14/ 135 (جدا) و 3/ 334 (فرقد).
(4) هَذَا إذَا كَانَ بالعراق، كَمَا جاء في المغني 1/ 460 - 461، وكذلك كُلّ الدلائل الآتية.
(5) أي: مقابلة لريح الجنوب.
(6) الدبور: ريح تهب من نَحْو المغرب. انظر: اللسان 4/ 271 (دبر).
(7) الصبا: ريح تهب من ناحية المشرق. انظر: اللسان 4/ 271 (دبر).
(8) المجرة: البياض المعترض في السماء. انظر: التاج 10/ 400 (جرر) والمعروفة حديثاً بـ: مجرة درب التبانة.(1/80)
والأَعْمَى أَوْثَقَهُمَا.
وإِذَا صَلَّى الأَعْمَى بلا دَلِيْلٍ؛ أَعَادَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ صَلَّى، وَفِي الإِعَادَةِ وَجْهَانِ؛ سَوَاءٌ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ (1).
وَقَالَ ابنُ حَامِد (2): إِنْ أَخْطَأَ؛ أَعَادَ، وإِنْ أَصَابَ؛ فَعَلَى الوَجْهَيْنِ.
ومَنْ صَلَّى بِالاجْتِهَادِ، ثُمَّ أَرَادَ صَلاةً أُخْرَى؛ اجْتَهَدَ؛ فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ؛ عَمِلَ بِالثَّانِي، ولا يُعِيْدُ مَا صَلَّى بالاجْتِهَادِ الأَوَّلِ.
وإِذَا دَخَلَ بَلَداً فِيْهِ مَحَارِيْبُ لاَ يَعْلَمُ هَلْ هِيَ للمُسْلِمِيْنَ أو لأَهْلِ الذِّمَّةِ اجْتَهَدَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا.
بَابُ صِفَةِ الصَّلاَةِ
وَإِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ، قَامَ إلى الصَّلاَةِ النَّاسُ، ثُمَّ سَوَّى الصُّفُوْفَ إِنْ كَانَ إمَاماً، ثُمَّ يَنْوِي الصَّلاَةَ بِعَيْنِهَا؛ إنْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً، أو سُنَّةً مُعَيَّنَةً. وهَلْ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ القَضَاءِ إنْ كَانَتْ فَائِتَةً؟ عَلَى وجْهَيْنِ (3). وإنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ أجْزَأَتْهُ نِيَّةُ الصَّلاَةِ.
قَالَ ابنُ حَامِدٍ (4): لاَ بُدَّ في المَكْتُوبَةِ أنْ يَنْوِيَ الصَّلاَةَ بِعَيْنِهَا فَرْضاً.
ويَجُوْزُ تَقْدِيْمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيْرِ بالزَّمَانِ اليَسِيْرِ إِذَا لَمْ يَفْتَتِحْهَا.
ويَفْتَتِحُ الصَّلاَةَ بِقَوْلِهِ: ((اللهُ أَكْبَرُ))، لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ التَّكْبِيْرَ بالعَرَبِيَّةِ؛ لَزِمَهُ أنْ يَتَعَلَّمَ. فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الصَّلاَةِ؛ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ. ويَجْهَرُ بالتَّكْبِيْرِ؛ إنْ كَانَ إمَاماً بِقَدْرِ مَا يُسْمِعْ مَنْ خَلْفَهُ، والمَأْمُومُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، كَقَوْلِنَا في القِرَاءةِ.
ويَمُدُّ أَصَابِعَهُ ويَضُمُّ بَعْضَهَا إلى بَعْضٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَديْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيْرِ إلى مَنْكِبَيْهِ، وعَنْهُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَلِكَ وبَيْنَ رَفْعِهَا إلى فُرُوْعِ أُذُنَيْهِ (5). فَإِذَا انْقَضَى التَّكْبِيْرُ / 24 ظ / حَطَّ يَدَيْهِ، وأَخَذَ بِكَفِّهِ الأيْمَنِ كُوْعَهُ الأَيْسَرَ ويَجْعَلُهُما تَحْتَ سُرَّتِهِ. وعَنْهُ: تَحْتَ صَدْرِهِ. وعَنْهُ: أنَّهُ مُخَيَّرٌ في ذَلِكَ (6).
__________
(1) انظر: المقنع: 27، والمغني 1/ 489 - 490.
(2) انظر قوله في المغني 1/ 490.
(3) انظر: المقنع: 27، وجاء في المحرر 1/ 52: ((ولا تجب نية الفرض للفرض، ولا نية القضاء للفائتة. وَقَالَ ابن حامد: يجبان)).
(4) انظر: قوله في المحرر 1/ 52.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 14 / ب.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 14 / ب - 15 / أ، ينظر في هذه المسألة مفصلاً أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 429 - 440.(1/81)
ويَنْظُرُ إلى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ، ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ الصَّلاَةَ، فَيَقُولُ: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وبِحَمْدِكَ، وتَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالَى جَدُّكَ، ولاَ إِلَهَ غَيْرُكَ)) (1). ثُمَّ يَسْتَعِيْذُ، فَيَقُولُ: أَعُوْذُ باللهِ السَّمِيْعِ العَلِيْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ، إِنَّهُ الله هُوَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ (2).
ثُمَّ يَقْرَأُ: بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، ولا يَجْهَرُ بِجَمِيْعِ ذَلِكَ (3). ثُمَّ يَقْرَأُ
الفَاتِحَةَ (4) ويُرَتِّبُهَا، ويَأتِي فِيْهَا بإِحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيْدَةً عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيْحَةِ وأنَّ:
((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)) لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنَ الفَاتِحَةِ، وعَلَى أنَّهَا مِنْهَا (5)؛ فَيَأَتِي بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ تَشْدِيْدَةً. فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيْبَهَا، أوْ تَشْدِيْدَةً مِنْهَا أَعَادَ، وإِنْ قَطَعَ قِرَاءةَ الفَاتِحَةِ بِذِكْرٍ، مِثْل: آمِيْنَ، ونَحْوِهِ، أو سَكَتَ سُكُوتاً يَسِيْراً؛ أَتَمَّ قِرَاءتَهَا وأَجْزَأَتْهُ. وإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيْراً في العَادَةِ؛ اسْتَأْنَفَ قِرَاءتَهَا.
فَإذَا قَالَ: ولاَ الضَّالِّيْنَ؛ قَالَ: آمِيْنَ، يَجْهَرُ بِهَا الإمَامُ والمأْمُومُ فِيْمَا يُجْهَرُ بالقِرَاءةِ (6). ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الفَاتِحَةِ بِسُورَةٍ، وتَكُونُ في الصُّبْحِ [من] (7) طِوَالِ المُفَصَّلِ، وفي المَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وفي البَقِيَّةِ مِنْ أَوَاسِطِهِ.
ويَجْهَرُ الإمَامُ في الصُّبْحِ، وفي الأُوْلَيَيْنِ مِنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ.
ومَنْ لاَ يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ، وضَاقَ وَقْتُ الصَّلاَةِ عَنْ تَعْلِمِهَا؛ قَرَأَ بَقَدْرِهَا فِي عَدَدِ الحُرُوفِ. وَقِيْلَ: بَلْ فِي عَدَدِ الآيَاتِ مِنْ غَيْرِهِا (8). فَإنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ الآيَةَ؛ كَرَّرَهَا
__________
(1) أخرجه أبو داود (776)، وابن ماجه (806)، والترمذي (243)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 198، والدارقطني 1/ 235 و 299 و 301، والحاكم 1/ 235، والبيهقي 2/ 34: وَقَالَ عَنْهُ البَيْهَقِيّ ((وأصح ما رُوِي فِيْهِ الأثر الموقوف عَلَى عمر)).
(2) لقوله تَعَالَى: {فَإذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ}. النحل: 98.
وجاء في المغني 1/ 519: ((وعن أحمد أنه يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ... ، وهذا متضمن للزيادة، ونقل حنبل عنه: أنه يزيد بَعْدَ ذَلِكَ: إن الله هُوَ السميع العليم، وهذا كله واسع، وكيفما استعاذ، فهو حسن)).
(3) جاء في المغني 1/ 518: ((قَالَ أحمد: ولا يجهر الإمام بالافتتاح، وعليه عامة أهل العلم؛ لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يجهر بِهِ، وإنما جهر بِهِ عمر؛ ليُعْلِمَ الناسَ)).
(4) وجاء في المغني 1/ 520 أن المَشْهُوْر عَنْ أحمد - نقله جَمَاعَة - أن قراءة الفاتحة واجبة في الصَّلاَة، وركن من أركانها، ولا تصح إلا بِهَا.
(5) لأن الرِّوَايَة اختلفت عَنْ أحمد، هل البسملة آية من الفاتحة أم لا؟ انظر:: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 15/ أ.
(6) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قَالَ الإمام: غَيْر المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين، فقولوا: آمين)). رَوَاهُ البُخَارِيّ 6/ 21 (4475)، ومسلم 2/ 18 (410) (76). قال ماهر: وقد جليت المسألة في كتابي " أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 513 - 522.
(7) في المخطوط: ((و)).
(8) انظر: العمدة: 21.(1/82)
بِقَدْرِهَا. فَإِنْ قَرَأَ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ (1) كَقِرَاءةِ ابنِ مَسْعُودٍ (2)، وغَيْرِهِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ. وعَنْهُ: أنَّهَا تَصِحُّ (3). فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ بالعَرَبيَّةِ؛ لَكِنْ قَدَرَ أنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى؛ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَلَزِمَهُ أنْ يَقُولَ: ((سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ، ولا إِلَهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، ولاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ)) (4). فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئاً مِنَ الذِّكْرِ، وقَفَ بِقَدَرِ /25 و/ القِرَاءةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، ويَرْكَعُ مُكَبِّراً؛ حَتَّى يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ويَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِياً، ويَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَ ظَهْرِهِ ولاَ يَرْفَعُهُ ولاَ يَخْفِضُهُ، ويُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ. وقَدَرُ الإجْزَاءِ: الانْحِنَاءُ حَتَّى يُمْكِنَهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ، ويَقُولُ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيْمِ)) - ثَلاَثاً - وَهُوَ أدْنَى الكَمَالِ. ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلاً: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ؛ فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِماً؛ قَالَ: ((رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلءَ السَّمَاءِ ومِلءَ الأرْضِ ومِلءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ)) - لا يَزِيْدُ عَلَى ذَلِكَ - فَإِنْ كَانَ مَأْمُوماً؛ فقالَ أصْحَابُنا: لاَ يَزِيْدُ عَلَى قَوْلِ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ.
وعِنْدِي: أنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ كَالإِمَامِ، والمُنْفَرِدِ (5). ثُمَّ يُكَبِّرُ ويَخِرُّ سَاجِداً؛ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الأرْضِ، ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، ويَجْعَلُ صُدُوْرَ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ عَلَى الأرْضِ (6).
والسُّجُودُ عَلَى جَمِيْعِ هَذِهِ الأعْضَاءِ وَاجِبٌ إلاَّ الأَنْفَ؛ فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7)، ولاَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ المُصَلَّى بِشَيءٍ مِنَ الأَعْضَاءِ إِلاَّ الجَبْهَةَ؛ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ (8).
__________
(1) هُوَ عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ثالث الخلفاء الراشدين، كان قد جمع القرآن في عهده، وَقَدْ ثبت رسم المصحف عَلَى ما أمره عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلى الآن.
(2) هُوَ عَبْد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، صَحَابِيّ جليل توفي 33هـ، انظر: السير: 1/ 461، واعتبرت قراءته من القراءات الشاذة. والقراءة الشاذة: هي كُلّ قراءة أخلت بالشروط الثلاثة - التِي وضعها العلماء، وهي: صحة الرواية، وموافقة الرسم العثماني، وموافقة العربية وَلَوْ بوجه - أو أحدها.
واختلف العلماء في حكم القراءة بالقراءات الشاذة في الصلاة، فأكثر أهل العلم يرون عدم جواز القراءة بها. انظر: النشر 1/ 14، ومعجم القراءات القرآنية 1/ 113.
(3) انظر: الروايتين والوجهين (ق 16/أ). وعلّل الجواز باستفاضة قراءة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(4) لأنه جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فَعَلِّمْني ما يجزيني، قال:
((قل: ... الخ)). أخرجه أحمد 4/ 356 (18617)، وأبو داود (832)، وابن خزيمة (544)، وابن حبان (1805).
(5) جاء في الروايتين والوجهين 16/ أ - ب، أن الرواية اختلفت في المنفرد، هل يقول ذلك؟
(6) انظر: لزاماً أثر اختلاف المتون والأسانيد في اختلاف الفقهاء: 541 - 551.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 16 / ب.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 17 / ب، وفيه: أن رواية المباشرة يمكن أن تُحمل على طريق الاختيار والاستحباب.(1/83)
والمُسْتَحَبُّ أنْ يُجَافِيَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، ويَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ويُفَرِّقُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، ويَقُولُ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى)) - ثلاثاً - وَهوَ أدْنَى الكَمَالِ. ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّراً، ويَجْلِسُ مُفْتَرِشاً - وَهوَ: أنْ يَفْتَرِشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، ويَجْلِسُ عَلَيْهَا ويَنْصِبُ اليُمْنَى - ولاَ يُقْعِي؛ فَيَمُدَّ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ، ويَجْلِسُ عَلَى عَقِبَيْهِ،
أوْ يَجْلِسَ عَلَى إلْيَتَيْهِ، ويَنْصِبُ قَدَمَيْهِ (1)، فَإنَّهُ مُنَّهِيٌّ عَنْهُ (2). ثُمَّ يَقُولُ: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي)) - ثَلاثاً - ثُمَّ يَسجُدُ السجدة الثَّانِيَةَ مُكَبِّراً، ويَقُولُ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى))
- ثلاَثاً - ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّراً.
وهَلْ يَجْلِسُ جَلْسَةَ الاسْتِرَاحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: لا يَجْلِسُ، بَلْ يَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ مُعْتَمِداً عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
والثَّانِيَةُ: يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ وإلْيَتَيهِ ثُمَّ يَنْهَضُ مُكَبِّراً مُعْتَمِداً عَلَى رُكْبَتَيْهِ (3).
ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ؛ إلاَّ في النِّيَّةِ والاسْتِفْتَاحِ رِوَايَةٌ واحِدَةٌ والاسْتِعَاذَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4).
فَإِنْ كَانَ / 26 ظ / في صَلاَةٍ - هِيَ رَكْعَتَانِ - جَلَسَ مُفْتَرِشاً، وجَعَلَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى؛ يَقْبِضُ مِنْهَا الخُنْصُرَ والبُنْصُرَ ويُحَلِّقُ الإبْهَامَ مَعَ الوُسْطَى، ويُشِيْرُ بالسَّبَّاحَةِ (5) في التَّشَهُّدِ مِرَاراً، ويَبْسُطُ اليَدَ اليُسْرَى مُجْتَمِعَةً - مَضْمُومَةَ الأصَابِعِ - عَلَى الفَخِذِ اليُسْرَى، ويَتَشَهَّدُ، فَيَقُولُ: ((التَّحِيَّاتُ للهِ، والصَّلَوَاتُ، والطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ، أَشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ)) (6).
ثُمَّ يَأْتِي بالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُوْلُ: ((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيْمَ، إنَّكَ [حَمِيْدٌ] (7) مَجِيْدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ
__________
(1) جاء في المغني 1/ 564: أن الصفة الأولى للإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - وهو قَوْل أهل الحديث، والثانية عند العرب.
(2) فعن أنس، قال: قَالَ لي رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رفعت رأسك من السجود، فَلاَ تُقْعِ كَمَا يُقعِي
الكلب)). أخرجه ابن ماجه (896).
(3) انظر: الروايتين والوجهين 17 / ب، وفيه: أن الأولى أصح.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 14 / ب.
(5) السباحة: هِيَ السبابة، ومنه حَدِيْث الوضوء: ((فأدخل السباحتين فِي أُذنيه)). اللسان 2/ 300 (سبح).
(6) وهو التشهد الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. انظر: صَحِيْح مسلم 2/ 13 - 4 (402) (55) و (402) (59)، وسنن أبي داود (968).
(7) ما بين المعكوفتين لم يرد في المخطوط، واستدركناه من المقنع: 30.(1/84)
مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ، [في العَالَمِيْنَ] (1) إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ)) (2). وعَنْهُ أنَّهُ يَقُولُ: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيْمَ وآلِ إبْرَاهِيْمَ))، وكَذَلِكَ: ((كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وآلِ إِبْرَاهِيْمَ)) (3).
وَيُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَعِيْذَ، فَيَقُوْلَ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ عَذَابِ القَبْرِ ومِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَسِيْحِ الدَّجَّالِ)) (4). ثُمَّ يَدْعُو فَيَقُوْلُ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، ومَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، ومَا لَمْ أعْلَمْ. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ، ومَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وعَمَلٍ، وأعَوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، ومَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وعَمَلٍ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوْبَنَا، وكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا، وتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ، ربنا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ، ولاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، إنَّكَ لاَ تُخْلِفُ المِيْعَادَ)) (5).
ولا يَدْعُو في صَلاَتِهِ إلاَّ بِمَا وَرَدَ في الأَخْبَارِ. وقَدرُ الإجْزَاءِ مِنْ ذَلِكَ: التَّشَهُّدُ والصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى: ((حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ)) عَلَى الصَّحِيْحِ مِنَ المَذْهَبِ. ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيْمَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا الخُرُوْجَ مِنَ الصَّلاَةِ / 27 و / وهلْ نِيَّةُ الخُرُوجِ وَاجِبَةٌ، أمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (6). فَإِنْ نَوَى بالسَّلامِ عَلَى الحَفَظَةِ، أو الإِمَامِ، أو المَأْمُوْمِيْنَ، وَلَمْ يَنْوِ الخُرُوجَ، فَقَالَ: ابنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ صَلاَتُهُ. ونَصَّ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ -: أنها لا تَبْطُلُ.
ولا يَجُوزُ الخُرُوجُ مِنَ الصَّلاَةِ بِغَيْرِ السَّلاَمِ. وتَجِبُ التَّسْلِيْمَتَانِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْن، والأُخْرَى: أنَّ الثَّانِيَةَ سُنَّةٌ (7). وقَدرُ الوَاجِبِ: ((السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ)) (8)، وَقَالَ شَيْخُنَا (9): إنْ تَرَكَ: ((رَحْمَةُ اللهِ)) أجْزَأَهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ في صَلاَةِ الجَنَازَةِ. ثُم يَسْتَقْبِلِ
__________
(1) لَمْ ترد قي الأصل، واستدركناها من المقنع: 30.
(2) انظر: صَحِيْح البخاري 4/ 78 (3370)، وصحيح مسلم 2/ 16 (406) (65).
(3) انظر: الروايتين والوجهين 18/ أ، وفيه: أن كليهما مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(4) انظر: صحيح البخاري 1/ 211 (832)، وصحيح مسلم 2/ 93 (588) (128).
(5) انظر: المغني 1/ 584.
(6) جاء في الروايتين والوجهين 18 / ب: ((لا يختلف أصحابنا في التسليمة الأولى أنه ينوي بِهَا الخروج من الصَّلاَة ولا غيره، واختلفوا في الثانية)). فقسم قَالَ: هِيَ كالأولى، وقسم قَالَ: الثانية مستحبة، وينوي بِهَا السلام عَلَى الحفظة والرد عَلَى الإمام.
(7) الرواية اختلفت في الثانية، هل هِيَ واجبة أم سنة؟ انظر: الروايتين والوجهين 18/ أ.
(8) هَذَا ما ورد عَنْ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر: سنن ابن ماجه (916)، وسنن أبي داود (996)، وصحيح ابن حبان (1987)، وسنن البيهقي 2/ 177.
(9) هُوَ أبو يعلى الفراء. انظر: ترجمته في المقدمة.(1/85)
المَأْمُومِيْنَ بِوَجْهِهِ بَعْدَ السَّلاَمِ في الفَجْرِ والعَصْرِ؛ لأنَّهُ لاَ صَلاَةَ بَعْدَهُمَا، ويَقُولُ: ((لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ يُحْيِي ويُمِيْتُ وَهوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِي آخِرَهُ، وخَيْرَ عَمَلِي آخِرَهُ، وخَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ
أَلْقَاكَ))، ويَدْعُو بِمَا يَجُوزُ مِنْ أمْرِ الدِّيْنِ والدُّنْيَا.
وإنْ كَانَ في صَلاَةِ المَغْرِبِ أو رُبَاعِيَّةٍ، جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ - مُفْتَرِشاً - وأَتَى بالتَّشَهُّدِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. فإنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ، وقَامَ إلى الثَّالِثَةِ رَجَعَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدِ انْتَصَبَ قَائِماً، فإنِ انْتَصَبَ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الرُّجُوعِ، فَإِنْ شَرَعَ في القِرَاءةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ. ثُمَّ يُصَلِّي بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ مِثْلَ الثَّانِيَةِ؛ إلاَّ أنَّهُ لا يَقْرَأُ شَيْئاً بَعْدَ الفَاتِحَةِ.
ويَجْلِسُ في تشهدهُ الثَّانِي مُتَوَرِّكاً - يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى ويَنْصِبُ اليُمْنَى ويُخْرِجُهُمَا مِنْ تَحْتِهِ إلى جَانِبِ يَمِيْنِهِ ويَجْعَلُ إلْيَتَيْهِ عَلَى الأرْضِ -.
والمَرْأَةُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ إلاَّ أنَّهَا تَجْمَعُ نَفْسَهَا في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وتَسْدِلُ رِجْلَهَا في الجُلُوسِ؛ فَتَجْعَلهُمَا فِي جَانِبِ يَمِيْنِهَا، أو تَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً.
ولاَ يَقْنُتِ المُصَلِّي فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، إلاَّ فِي الوِتْرِ. فَإِنْ نَزَلَتْ (1) بِالمُسْلِمِيْنَ
نَازِلَةٌ؛ جَازَ لأَمِيْرِ الجَيْشِ أنْ يَقْنُتَ في الفَجْرِ والمَغْرِبِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، ويَقُولُ ما قَالَهُ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في دُعَائِهِ (2)، ونَحْوَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لآحَادِ المسلمين.
ولاَ تُكْرَهُ قِرَاءةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وأوساطها في صَلاَتِهِ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، ويُكْرَهُ على الأُخْرَى (3).
بَابُ شَرَائِطِ الصَّلاَةِ وأَرْكَانِهَا ووَاجِبَاتِهَا /28 ظ/ ومَسْنُونَاتِهَا وهَيْئَاتِهَا
شَرَائِطُ الصَّلاَةِ مَا يَجِبُ لَهَا قَبْلَهَا، وَهِيَ سِتَّةُ أشْيَاءَ:
دُخُولُ الوَقْتِ، والطَّهَارَةُ، والسِّتَارَةُ، والمَوْضِعُ، واسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ، والنِّيَّةُ.
وأَرْكَانُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ:
__________
(1) فِي الأصل ((نزل)) وأثبتناها ((نزلت)) لأن العبارة تستقيم بِهَا أكثر.
(2) وهو: ((اللَّهُمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألِّف بَيْنَ قلوبهم، وأصلح ذات
بينهم، وانصرهم عَلَى عدوك وعدوهم، اللَّهُمَّ العن كفرة أهل الكِتَاب الذي يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللَّهُمَّ خالف بَيْنَ كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يُرَدّ عن القوم المجرمين، بسم الله الرحمن الرحيم، اللَّهُمَّ إنا نستعينك ... الخ. انظر: المغني 1/ 788.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 15 / ب.(1/86)
القِيَامُ، وتَكْبِيْرَةُ الإِحْرَامِ، وقِرَاءةُ الفَاتِحَةِ، والرُّكُوعُ، والطُّمَأْنِيْنَةِ فِيْهِ، والاعْتِدَالُ عَنْهُ، والطُّمَأْنِيْنَةُ فِيْهِ، والسجودُ والطمأنينةُ فيهِ والجَلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، والطُّمَأْنِيْنَةِ فِيْهِ، والتَّشَهُّدُ الأَخِيْرِ، والجُلُوسُ لَهُ، والصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والتَّسْلِيْمَتَانِ، وتَرْتِيْبُهَا (1) عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَوَاجِبَاتُهَا تِسْعَةٌ:
التَّكْبِيْرُ - غَيْرُ تَكْبِيْرَة الإِحْرَامِ، والتَّسْمِيْعُ (2)، والتَّحْمِيْدُ (3) في الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ، والتَّسْبِيْحُ في الرُّكُوْعِ والسُّجُودِ: مَرَّةً مَرَّةً (4)، وَسُؤَالُ المَغْفِرَةِ في الجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَرَّةً، والتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ، والجُلُوسُ لَهُ، ونِيَّةُ الخُرُوجِ مِنَ الصَّلاَةِ في سَلاَمِهِ.
ومَسْنُونَاتُهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ:
الافْتِتَاحُ، والتَّعَوُّذُ، وقِرَاءةُ: ((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ))، وقَولُ: ((آمِيْنَ)) وقِرَاءةُ السُّوْرَةِ، وقَوْلُ: ((مِلءَ السَّمَاءِ)) بَعْدَ التَّحْمِيْدِ، ومَا زَادَ عَلَى التَّسْبِيْحَةِ الواحِدَةِ في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وعَلَى المَرَّةِ في سُؤَالِ المَغْفِرَةِ، والسُّجُودُ عَلَى أنْفِهِ، وجَلْسَةُ الاسْتِرَاحَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيْهِمَا (5)، والتَّعَوُّذُ، والدُّعَاءُ بَعْدَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في التَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ، والقُنُوتُ في الوِتْرِ، والتَّسْلِيْمَةُ الثَّانِيَةُ في رِوَايَةٍ.
وَهَيْئَاتُهَا، وَهِيَ مَسْنُونَةٌ؛ إلاَّ أنَّهَا صِفَةٌ في غَيْرِهَا، فَسُمِّيَتْ: هَيْأَةٌ، وَهِيَ خَمْسٌ وعِشْرُوْنَ:
رَفْعُ اليَدَيْنِ عِنْدَ الافْتِتَاحِ، والرُّكُوعُ، والرفْعُ مِنْهُ، وإرْسَالُهُمَا بَعْدَ الرَّفْعِ، ووَضْعُ اليَمِيْنِ عَلَى الشِّمَالِ وَجَعْلُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ، والنَّظَرُ إلى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ، والجَهْرُ، والإسْرَارُ بالقِرَاءةِ والتَّأْمِيْنِ (6)، ووَضْعُ اليَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ في الرُّكُوعِ، ومَدُّ الظَّهْرِ، ومُجَافَاةُ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِيْهِ، والبِدَايَةُ بِوَضْعِ الرُّكْبَةِ، ثُمَّ اليَدِ في السُّجُودِ، ومُجَافَاةُ البَطْنِ عَنِ الفَخِذَيْنِ، والفَخِذَيْنِ عَنِ السَّاقَيْنِ فِيْهِ، والتَّفْرِيْقُ / 29 و / بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَوَضْعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، والافْتِرَاشُ في الجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وفي التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، والتَّوَرُّكِ في التَّشَهُّدِ الثَّانِي، ووَضْعُ اليَدِ اليُمْنَى عَلَى الفَخِذِ اليُمْنَى مَقْبُوضَةً مُحَلَّقَةً،
__________
(1) فِي الأصل: ((ترتيبهما)) وأثبتناها ((ترتيبها)) لأن العبارة تستقيم بِهَا.
(2) هو قول: ((سَمِعَ الله لِمَنْ حمده)).
(3) هو قول: ((ربنا ولك الحمد)).
(4) أي: تسبيحة واحدة في الركوع، وواحدة في السجود.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 17 / ب، وفيه أن الرِّوَايَة الأولى: لا يجلس جلسة الاستراحة، والثانية: يجلس.
(6) وردت فِي الأصل بدون ((الـ)) إلاّ أن العبارة لاَ تستقيم بِهَا.(1/87)
والإشَارَةُ بالسَّبَّاحَةِ، وَوَضْعُ اليُسَرَى عَلَى الفَخِذِ اليُسْرَى مَبْسُوطَةً.
فَإِنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاَتُهُ.
وإِنْ تَرَكَ رُكْناً، فَلَمْ يَذْكُرْ، حَتَّى سَلَّمَ، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْداً أوْ سَهْواً، وإنْ تَرَكَ وَاجِباً عَمْداً؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَرْكِ الرُّكْنِ، وإنْ تَرَكَهُ سَهْواً، سَجَدَ للسَّهْوِ، وإنْ تَرَكَ سُنَّةً أوْ هَيْأَةً، لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ بِحَالٍ، وهَلْ يُسْجُدُ للسَّهْوِ، يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
بَابُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ
أَفْضَلُ تَطَوُّعِ البَدَنِ الصَّلاَةُ، وآكَدُهَا ما سُنَّ لَهَا الجَمَاعَةُ، كَصَلاَةِ الكُسُوفِ، والاسْتِسْقَاءِ، والتَّرَاوِيْحِ، وبَعْدَ ذَلِكَ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ، قَبْلَ الفَجْرِ رَكْعَتَانِ، وقَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ، وبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وقَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَانِ، وبَعَدَ العِشَاءِ رَكْعَتَانِ (2) والوِتْرُ (3) وأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وأَفْضَلُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ويُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وأَدَنَى الكَمَالِ، ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيْمَتَيْنِ، يَقْرَأُ في الأُوْلَى
- بَعْدَ الفَاتِحَةِ - بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (4)، وفي الثَّانِيَةِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُوْنَ} (5)، وفي الثَّالِثَةِ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} (6)، ثُمَّ يَقْنُتُ فِيْهَا بَعْدَ الرُّكُوعِ (7)، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِيْنُكَ، وَنَسْتَهْدِيْكَ، ونَسْتَغْفِرُكَ، ونَتُوبُ إِلَيْكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، ونَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ،
__________
(1) الأولى: يسجد، والثانية: أن السجود غَيْر مسنون، وَهُوَ جائز. انظر: الروايتين والوجهين (ق 16/ أ).
(2) فَقَدْ قَالَ ابن عمر - رضي الله عنه -: ((صلَّيت مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدتين قَبْلَ الظهر، ... ، وحدثتني أختي حفصة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلّي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر)). أخرجه البخاري 2/ 72 (1172)، ومسلم 2/ 162 (729) (104)، والبيهقي 2/ 471. وعنه أيضاً قَالَ: قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعاً)). أخرجه أبو داود الطيالسي (1936)، وأحمد 2/ 117 (5944)، وأبو داود (1271) والترمذي (430)، وابن حبان (2450)، والبيهقي 2/ 273.
(3) قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله أمدَّكم بصلاة هِيَ خير لكم من حمر النعم، الوتر)). أخرجه ابن ماجه (1168)، وأبو داود (1418)، والترمذي (452)، والبيهقي 2/ 478.
(4) الأعلى: 1.
(5) الكافرون: 1.
(6) الإخلاص: 1.
وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في الوتر هذه السور الثلاث. انظر: مسند أحمد 1/ 299 (2715)، وسنن ابن ماجه (1172)، وجامع الترمذي (462)، وسنن البيهقي 3/ 39.
(7) فقد ورد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بَعْدَ الركوع. انظر: صحيح مسلم 1/ 136 (677) (300).
وجاء في المغني 1/ 785: ((وروي عَن أحمد أنه قال: أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع، فإن قنت قبله، فَلاَ بأس)). انظر: صحيح مسلم 1/ 136 (677) (300).(1/88)
ونَثْنِي عَلَيْكَ الخَيْرَ كُلَّهُ، ونَشْكُرُكَ، ولاَ نَكْفُرُكَ، إيَّاكَ نَعْبُدُ، وإلَيْكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ (1)، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، ونَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجِدُّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ (2)، اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْك?، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ولاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ [رَبَّنَا] (3) وَتَعَالَيْتَ (4)، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) (5) / 30 ظ /. وهَلْ يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
والوِتْرُ آكَدُ مِنْ جَمِيْعِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ؛ لأنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ (7).
وَقَالَ أبو بَكْرٍ فِي " التَّنْبِيه ": هُوَ وَاجِبٌ، وقَدْ أوْمَأَ إِلَيْهِ إمَامُنَا - رضي الله عنه - وَوَقْتُهُ مِنْ بَعْدِ صَلاَةِ العِشَاءِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي. وَقَالَ شَيْخُنَا: آكَدُهَا ركْعَتَا الفَجْرِ، وَوَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ إلى أنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ.
ويَقُومُ في رَمَضَانَ بِعِشْرِيْنَ رَكْعَةً في جَمَاعَةٍ، ويُوْتِرُ بَعْدَهَا في الجَمَاعَةِ. فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهْجدٌ جَعَلَ الوِتْرَ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ الإِمَامِ أَوْتَرَ مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ فَضَمَّ إلى الوِتْرِ رَكْعَةً أُخْرَى، وكَذَلِكَ يَفْعَلُ إذَا أَعَادَ مَعَهُ المَغْرِبَ.
ويُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيْحِ، ويُكْرَهُ التَّعْقِيْبُ: وَهوَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ التَّرَاوِيْحِ والوِتْرِ نَافِلَةً أُخْرَى في جَمَاعَةٍ.
وأَفْضَلُ التَّهَجُّدِ وَسَطُ اللَّيْلِ، والنِّصْفُ الآخَرُ مِنَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ الأَوَّلِ. وتَطَوَّعُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ النَّهَارِ، وأَفْضَلُهُ أنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وفِعْلُهُ سِرّاً أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهِ.
وأَدْنَى صَلاَةِ الضُّحَى رَكْعَتَانِ وَأَفْضَلُهَا ثَمَانٍ. ووَقْتُهَا إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ واشْتَدَّ حَرُّهَا، ولاَ تُسْتَحَبُّ المُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وعِنْدِي: يُسْتَحَبُّ ?ذَلِكَ.
__________
(1) وإليك نسعى ونحفد، أي: نسرع في العمل والخدمة. التاج 8/ 32 (حفد).
(2) إلى هنا رواه ابن أبي شيبة (7029)، والبيهقي 2/ 211.
(3) ((ربنا)) لَمْ ترد فِي الأصل. ووردت فِي المقنع: 34.
(4) إلى هنا أخرجه: أبو داود الطيالسي (1179)، وأحمد 1/ 199 (1720)، وابن ماجه (1178)، وأبو داود (1425)، والبيهقي 3/ 38 - 39.
(5) أخرجه ابن ماجه (1179)، وأبو داود (1427)، والنسائي 3/ 249، بلفظ: كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في آخر الوتر: (( ... ))، وانظر: إرواء الغليل 2/ 175.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 26 / ب.
(7) فقد أوجبه أبو حنيفة. انظر: بدائع الصنائع 1/ 270.(1/89)
ويَجُوزُ التَّنَفُّلُ جَالِساً، والفَضِيْلَةُ في القِيَامِ. وكَثْرَةُ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ طُوْلِ القِيَامِ. وعَنْهُ: أنَّهُمَا سَوَاءَ. وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ قَضَاهُ.
ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَهُ، وأرْبَعٍ قَبْلَ العَصْرِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَ المَغْرِبِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَ العِشَاءِ، ويَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ، وعَنْهُ: لا يَصِحُّ.
بَابُ مَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ فِيْهَا
إذَا دَخَلَ في الصَّلاَةِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ أو عَزَمَ عَلَى قَطْعِهَا بَطَلَتْ، وَإِنْ تَرَدَّدَ هَلْ يَقْطَعُهَا أمْ لاَ؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
وتَبْطُلُ إِنْ تَرَكَ شَرْطاً مِنْ شَرَائِطِهَا أو رُكْناً مِنْ أَرْكَانِهِا عَمْداً كَانَ ذَلِكَ أو سَهْواً. وإِذَا سَبَقَهُ الحَدَثُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وعَنْهُ: أنَّهُ يَتَوَضَّأُ ويَبْنِي. وَإِذَا زَادَ رُكُوعاً أو سُجُوداً أو قِيَاماً أَو قُعُوداً عَامِداً بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَإِنْ كَرَّرَ الفَاتِحَةَ لَمْ تَبْطِلْ. وإنْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ في النَّافِلَةِ لَمْ يُكْرَهْ، وفي الفَرِيْضَةِ يُكْرَهُ / 31 و / وَقِيْلَ: لاَ يُكْرَهُ. وإنْ تَكَلَّمَ عَامِداً بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وسَهْواً عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1). وكَذَلِكَ إنْ قَهْقَهَ أو انْتَحَبَ أو نَفَخَ أو تَنَحْنَحَ فَبَانَ حَرْفَانِ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ. فَإِنْ تَأَوَّهَ أو أَنَّ أو بَكَى لِخَوْفِ اللهِ تَعَالَى لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ.
والعَمَلُ المُسْتَكْثَرُ في العَادَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ يُبْطِلُ الصَّلاَةَ. وَلَهُ أنْ يَرُدَّ المَارَّ بَيْن? يَدَيْهِ، ويَعُدَّ الآي والتَّسْبِيْحَ، ويَنْظُرَ في المُصْحَفِ، ويَقْتُلَ الحَيَّةَ والعَقْرَبَ والقَمْلَةَ، ويَرُدَّ السَّلاَمَ بالإِشَارَةِ، ويَلْبَسَ الثَّوْبَ ويَلُفَّ العِمَامَةَ مَا لَمْ يُطِلْ. فَإِنْ طَالَ أَبْطَلَ إلاَّ أنْ يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقاً. وإنْ أَكَلَ أو شَرِبَ عَامِداً بَطَلَتْ صَلاَةُ (2) الفَرِيْضَةِ، وهَلْ تَبْطُلُ النَّافِلَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3)، وإِنْ كَانَ سَاهِياً لَمْ تَبْطُلْ. وإنِ التَفَتَ أو رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ أو فَرْقَعَ أَصَابِعَهُ أو عَبَثَ أو شَبَكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ أو تَخَصَّرَ أو تَرَوَّحَ أو لَمَسَ لِحْيَتَهُ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ. ويُكْرَهُ أنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلاَةِ وَهوَ يُدَافِعُ (4) الأَخْبَثَيْنِ أو تُنَازِعُهُ نَفْسُهُ إلى الطَّعَامِ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ. وإِذَا بَدَرَهُ البُصَاقُ وَهوَ في المَسْجِدِ بَصَقَ في ثَوْبِهِ وحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وإنْ كَانَ في غَيْرِ المَسْجِدِ بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ أو تَحْتَ قَدَمِهِ.
وإِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ وَبَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ مِثْلُ أَخَرَةِ الرَّحْلِ لَمْ يُكْرَهْ، وكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً فَخَطَّ بَيْنَ يَدَيَهِ خَطّاً، وإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الكَلْبُ الأَسْودُ البَهِيْمُ قَطَعَ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 20 / أ، وفيه: أن بطلان الصَّلاَة هُوَ الأصح.
(2) فِي الأصل: ((صلاته)) وأثبتناها ((صلاة)) ليستقيم الكلام.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 21 / أ.
(4) فِي الأصل ((مدافع)) وأثبتناها ((يدافع)) ليستقيم الكلام.(1/90)
صَلاَتَهُ، وفي المَرْأَةِ والحِمَارِ رِوَايَتَانِ (1)، وسُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ المَأْمُوْمِ.
وإِذَا نَابَهُ شَيْءٌ في صَلاَتِهِ مِثْلُ أنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ أو يَسْهُوَ إِمَامُهُ أو يَخْشَى عَلَى ضَرِيْرٍ أنْ يَقَعَ في بِئْرٍ، فَإِنَّهُ يُسَبِّحُ إن كَانَ رجلاً، وإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً صَفَّعتْ بِبَطْنِ رَاحَتِهَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّهَا الأُخْرَى. ويَجُوزُ لَهُ إذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أنْ يَسْأَلَهَا، وإِذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ عَذَابٍ أنْ يَسْتَعِيْذَ مِنْهَا، وعَنْهُ: أنَّهُ يُكْرَهُ في الفَرِيْضَةِ.
بَابُ سُجُوْدِ التِّلاَوَةِ والشُّكْرِ
سُجُوْدُ التِّلاَوَةِ سُنَّةٌ في حَقِّ القَارِئِ والمُسْتَمِعِ دُوْنَ السَّامِعِ. وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ
سَجْدَةً: في الأَعْرَافِ، والرَّعْدِ (2) / 32 ظ/ والنَّحْلِ، وسُبْحَانَ (3)، ومَرْيمَ، وفي الحَجِّ سَجْدَتَانِ، والفُرْقَانِ والنَّمْلِ، والم * تَنْزِيْلُ، وحم: السَّجْدَةِ والنَّجْمِ والانْشِقَاقِ، واقْرَأْ بِسْمِ رَبِّكَ. وسَجْدَةُ (ص) سَجْدَةُ شُكْرٍ، وعَنْهُ: أنَّهَا مِنْ عَزَائِمِ السُّجُوْدِ.
ويُسْتَحَبُّ سُجُوْدُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وانْدِفَاعِ النِّقَمِ. وحُكْمُ السُّجُودِ حُكْمُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ في اعْتِبَارِ القِبْلَةِ وسَائِرِ الشَّرَائِطِ. ومَنْ سَجَدَ للتِّلاَوَةِ في الصَّلاَةِ كَبَّرَ في السُّجُودِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يَرْفَعُ؛ لأنَّ مَحَلَّ الرَّفْعِ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ. ويُكَبِّرُ للرَّفْعِ مِنْهُ ويَجْلِسُ ويُسَلِّمُ ولاَ يَفْتقِرُ إلى تَشَهُّدٍ.
وَعَنْهُ: يُكْرَهُ للإمَامِ قِرَاءةُ السَّجْدَةِ في صَلاَةٍ لا يَجْهَرُ فِيْهَا، فَإِنْ قَرَأَ لَمْ يَسْجُدْ، وإِنْ سَجَدَ فالْمَأْمُوْمُ بالخِيَارِ بَيْنَ أنْ يَتْبَعَهُ أو يَتْرُكَ، وإِذَا لَمْ يَسْجُدِ التَّالِي لَمْ يَسْجُدِ المُسْتَمِعُ، ويُكْرَهُ اخْتِصَارُ السُّجُودِ: وَهُوَ أنْ يَجْمَعَ السَّجَدَاتِ فَيَقرَأَهَا في وَقْتٍ وَاحِدٍ، ولاَ يَسْجُدُ للشُّكْرِ وَهُوَ في الصَّلاَةِ.
بَابُ سُجُوْدِ السَّهْوِ
إِذَا شَكَّ المُصَلِّي في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ إنْ كَانَ مُنْفَرِداً، وإِنْ كَانَ إِمَاماً فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: أنَّهُ يَبْنِي عَلَى اليَقِيْنِ، والثَّانِيَةُ: يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، فَإِنِ اسْتَوَى عِنْدَهُ الأَمْرَانِ عُمِلَ عَلَى اليَقِيْنِ وَأَتَى بِمَا بَقِيَ وسَجَدَ للسَّهْوِ. وإِذَا زَادَ في صلاَتِهِ رُكُوعاً أو سُجُوْداً أو قِيَاماً أو جُلُوْساً سَاهِياً سَجَدَ للسَّهْوِ فإن فعل مَا لاَ يبطل عمده الصَّلاَة كالعمل اليسير ساهياً لَمْ يسجد وإذا قرأ فِي الآخرتين منْ رباعيةِ والأخيرةِ منَ المغربِ بِسورةٍ بَعْدَ الفاتحةِ أو قرأ فِي سجودِهِ أو أتَى بالتَّشَهُّدِ في قِيَامِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَهَلْ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 19/ ب.
(2) تكررت في الأصل.
(3) هَذَا أحد تسميات سورة الإسراء. انظر: تفسير بحر العلوم 2/ 257 مَعَ حاشية المحقق.(1/91)
يَسْجُدُ للسَّهْوِ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
وإِذَا قَامَ إلى ثَالِثَةٍ في صَلاَةِ الفَجْرِ أو إلى رَابِعَةٍ في المَغْرِبِ أو إلى خَامِسَةٍ في بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يَعُوْدُ إلى تَرْتِيْبِ صَلاَتِهِ، فَيَنْظُرُ إِنْ كَانَ قَدْ سَهَا عَقِيبَ الثَّانِيَةِ مِنَ الفَجْرِ والثَّالِثَةَ مِنَ المَغْرِبِ أو الرَّابِعَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ سَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ، وكَذَلِكَ إِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ، وَإِنْ لَمْ / 33 و / يَكُنْ قَدْ تَشَهَّدَ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ. فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أنْ فَرغَ مِنَ الصَّلاَةِ سَجَدَ للسَّهْوِ عَقِيْبَ ذِكْرِهِ، وصَلاَتُهُ مَاضِيَةٌ. فَإِنْ سَبَّحَ بِهِ اثْنَانِ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ إنِ اتَّبَعُوهُ، فَإِنْ فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا صَحَّتْ صَلاَتُهُمْ (2).
وَمَتَى قَامَ إلى الرَّكْعَةِ فَذَكَرَ قَبْلَ الشُّرُوْعِ في قِرَاءتِهَا أنَّهُ قَدْ تَرَكَ رُكْناً مِنْ أَرْكَانِهَا الَّتِي قَبْلَهَا، لَزِمَهُ أنْ يَعُودَ فَيَأْتِي بِمَا تَرَكَهُ ثُمَّ يَأْتِي بِمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَمْ يعتدَّ بِجَمِيْعِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ المَتْرُوْكِ. وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ شُرُوعِهِ في قِرَاءتِهَا، صَارَتِ الرَّكْعَةُ أَوَلِيَّةً، وبَطَلَ ما فَعَلَهُ قَبْلَهَا.
وإِنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وذَكَرَ وَهُوَ في التَّشَهُّدِ، سَجَدَ سَجْدَةً في الحَالِ، يُصْبِحُ لَهُ بِهَا رَكْعَةً، وقَامَ فَأَتَى بِثَلاَثِ رَكَعَاتٍ، وتَشَهَّدَ، وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ. وعَنْهُ: أنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّلاَةَ (3).
وإِذَا تَرَكَ رُكْناً ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ في الصَّلاَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ، بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ وأَطْرَحَ الشَّكَّ.
وإِذَا شَكَّ هَلْ سَهَا سَهْوَيْنِ أو أَكْثَرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ كَفَاهُ لِلْجَمِيْعِ سَجْدَتَانِ. وإِنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ جِنْسَيْنِ، فَقَالَ: أبو بَكرٍ: فِيْهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُجْزِيْهِ سَجْدَتَانِ.
والآخَرُ: يَسْجِدُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَيْنِ (4).
وإِذَا سَهَا خَلْفَ الإِمَامِ، لَمْ يَسْجُدْ، وإِنْ سَهَا إمَامُهُ، سَجَدَ مَعَهُ، فَإِنْ تَرَكَ الإِمَامُ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 22 / ب، وفيه: أن الأصح هو العمل بسجدة السهو؛ لأن الزيادة في الصَّلاَة نقصان في المعنى.
(2) في الروايتين والوجهين 29 / أ - ب: أن في هَذِهِ المسألة ثلاث روايات:
الأولى: لا يتبعوه بل يسلموا، فإن تبعوه بطلت صلاتهم وصلاته أيضاً إذا لَمْ يجلس.
والثانية: يتبعونه في القيام والسلام.
والثالثة: لا يتبعونه في القيام؛ لَكِنْ ينتظرونه جلوساً حَتَّى يسلم بهم.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 22 / أ.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 22 / أ.(1/92)
السُّجُودَ، فَهَلْ يَسْجُدُ المَأْمُومُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
وسُجُودُ السَّهْوِ وَاجِبٌ، ومَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلاَمِ إلاَّ أنْ يُسَلِّمَ مِنْ نُقْصَانٍ، أو يَتَحَرَّى الإِمَام، فَيَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلاَمِ، وعَنْهُ: إنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ نُقْصَانٍ، فَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلاَمِ، ومِنْ زِيَادَةٍ فَمَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلاَمِ، وعَنْهُ: أنَّ مَحَلَّ الجَمِيْعِ قَبْلَ السَّلاَمِ (2).
وإِذَا نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ في مَحَلِّهِ، سَجَدَ مَا لَمْ يَتَطَاوَلِ الزَّمَانُ، ويَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ، وإنْ تَكَلَّمَ، وعَنْهُ: أنَّهُ يَسْجُدُ، وإنْ خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ وتَبَاعَدَ (3).
فَإِنْ تَرَكَ سُجُوْدَ السَّهْوِ المَرْفُوعِ قَبْلَ السَّلاَمِ عَامِداً، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وإنْ تَرَكَهُ نَاسِياً لَمْ تَبْطُلْ، وإنْ تَرَكَ المَشْرُوْعَ بَعْدَ السَّلاَمِ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْداً أو سَهْواً. وإِذَا سَجَدَ للسَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ.
وحُكْمُ /34 ظ/ النَّافِلَةِ حُكْمُ الفَرِيْضَةِ في سُجُوْدِ السَّهْوِ. وإذَا تَعَمَّدَ تَرْكَ مَا شُرِّعَ لأَجْلِهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ.
بَابُ الأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلاَةِ فِيْهَا
وَهِيَ خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ:
بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وعِنْدَ طُلُوعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قَدَرَ رُمْحٍ. وعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُوْلَ. وبَعْدَ صَلاَةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وعِنْدَ غُرُوْبِهَا حَتَّى تَتَكَامَلَ.
ولاَ يُتَطَوَّعُ في هَذِهِ الأوْقَاتِ بِصَلاَةٍ لاَ سَبَبَ لَهَا، وسَوَاءٌ في ذَلِكَ مَكَّةُ وَيَوْمُ الجُمُعَةِ وغَيْرُهُمَا.
فَأَمَّا مَا لَهَا سَبَبٌ كَصَلاَةِ الكُسُوفِ، والاسْتِسْقَاءِ، ورَكْعَتَي الفَجْرِ، وتَحَيَّةِ المَسْجِدِ، ورَكْعَتَي الطَّوَافِ، وسُجُودِ التِّلاَوَةِ والشُّكْرِ، والوِتْرِ إِذَا فَاتَ، وإِذَا حَضَرَتِ الجَمَاعَةُ مَعَ إمَامِ الحَيِّ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى فَإِنَّهُ يَفْعَلُ منها رَكْعَتَي الفَجْرِ قَبْلَ صلاة الفَجْرِ، ورَكْعَتَي الطَّوَافِ حِيْنَ يطَّوف ويُعِيْدُ الجَمَاعَةَ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وهَلْ يَفْعَلُ بَاقِيْهَا أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: أصَحُّهُمَا: أنَّهُ يَفْعَلُهَا (4).
وأَمَّا الفَرَائِضُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا ويَقْضِيْهَا في جَمِيْعِ الأَوْقَاتِ.
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 23 / أ - ب.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 22 / ب. وفيه: أن الثانية أصحّ، وانظر بلا بد كتابنا أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 268 - 274.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 23 / ب.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 25 / ب - 26 / أ.(1/93)
ويُصَلَّى عَلَى الجَنَازَةِ بَعْدَ الفَجْرِ، وبَعْدَ العَصْرِ، وفي بَقِيَّةِ الأَوْقَاتِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1)، وَإِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ يُصَلِّي غَيْرَ الَّتِي أُقِيْمَتْ، سَوَاءٌ خَشِيَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ الأُوْلَى، أو لَمْ يَخْشَ.
بَابُ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ
الجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ لِكُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ. ولَيْسَتْ بشَرْطٍ (2) في الصِّحَّةِ.
ومِنْ شَرْطِهَا أنْ يَنْوِيَ الإِمَامُ والمَأْمُومُ حَالَهُمَا (3). ويَجُوْزُ فِعْلُهَا في بَيْتِهِ، وعَنْهُ: أنَّ حُضُوْرَ المَسْجِدِ وَاجِبٌ. وفِعْلُهَا فِيْمَا كَثُرَ فِيْهِ الجَمْعُ مِنَ المَسَاجِدِ أَفْضَلُ، إلا أنْ يَكُوْنَ ذُو الجَمْعِ القَلِيْلِ عَتِيْقاً، فَفِعْلُهَا فِيْهِ أَفْضَلُ (4). فَإِنْ كَانَ في جِوَارِهِ مِسْجِدٌ لا تَنْعَقِدُ الجَمَاعَةُ فِيْهِ إلاَّ بِحُضُوْرِهِ، فَفِعْلُهَا فِيْهِ أَفْضَلُ. وإِنْ كَانَ الجَمَاعَةُ تُقَامُ فِيْهِ فَأَيُّمَا أَفْضَلُ قَصْدُهُ أو قَصْدُ الأَبْعَدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5).
فَإِنْ كَانَ البَلَدُ أَحَدَ ثُغُورِ المُسْلِمِيْنَ، فَالأَفْضَلُ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لأَنَّهُ أَعْلَى لِلْكَلِمَةِ، وأَوْقَعُ لِلْهَيْبَةِ.
ويُكْرَهُ إعَادَةُ الجَمَاعَةِ في المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (6)، ولاَ يُكْرَهُ في بَقِيَّةِ المسَاجِدِ.
وإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ إِمَامٌ / 35 و / رَاتِبٌ، لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أنْ يَؤُمَّ قَبْلَهُ؛ إلاَّ أنْ
__________
(1) انظر: المقنع: 35.
(2) في المحطوط: ((شرط)) بالرفع.
(3) قَالَ في المبدع 1/ 419: ((أي: يشترط أن ينوي الإمامُ الإمامةَ عَلَى الأصح كالجمعة وفاقاً، والمأمومُ لحاله)).
(4) انظر: مسائل عَبْد الله لأبيه الإمام أحمد 2/ 353 (502).
(5) انظر: الروايتين والوجهين 27 / أ - ب.
(6) وزاد ابن قدامة المسجد الأقصى، فقال في المقنع: 36: ((ولا تكره إعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة)).
وعلّل الكراهة في المغني 2/ 9 فَقَالَ: ((وذكره أصحابنا لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مَعَ الإمام الراتب فيها إذا أمكنهم الصَّلاَة في الجماعة مَعَ غيره)).
والسنة جاءت بعدم الكراهة للحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو سعيد الخدري، قَالَ: جاء رجل وقد صلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: ((أيكم يتجر عَلَى هَذَا؟)) فقام رجل فصلى مَعَهُ.
والحديث أخرجه أحمد 3/ 5 و45 و64 و85، وعبد بن حميد (936)، والدارمي (1375) و (1376)، وأبو داود (574)، والترمذي (220)، وابن خزيمة (1632)، وأبو يعلى (1057)، وابن حبان (2399)، والحاكم 1/ 209، والبيهقي 3/ 69، وابن حزم في المحلى 4/ 238. وَقَالَ عَنْهُ التِّرْمِذِيّ: " حَدِيْث حسن ".(1/94)
يَأْذَنَ، أو يَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ (1). وإذَا صَلَّى في المَسْجِدِ ثُمَّ حَضَرَ إِمَامُ الحَيِّ اسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَةُ الجَمَاعَةِ مَعَهُ إلاَّ المَغْرِبَ، وعَنْهُ (2): أنَّهُ يُعِيْدُهَا أَيْضاً، ويُشْفِعُهَا بِرَابِعَةٍ.
ومَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِداً، ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الإمَامِ؛ لَمْ يَجُزْ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: أنَّهُ يُكْرَهُ ويُجْزِئُهُ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ أتَمَّ أو أَقَلَّ أو أكْثَرَ. فَإِنْ نَوَى الإِمَامَةَ لَمْ تَصِحَّ. وَقِيْلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَقِيْلَ: يَصِحُّ في النَّفْلِ، ولاَ يَصِحُّ في الفَرْضِ. فَإِنْ أحْرَمَ مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ أَخْرَجَ نَفْسَهُ عَنِ الجَمَاعَةِ - يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ لِعُذْرٍ - فَأَتَمَّ مُنْفَرِداً جَازَ. وإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ في أصَحِّ القَوْلَيْنِ. ومَنْ كَبَّرَ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ الإمَامُ فَقَدْ أدْرَكَ الجَمَاعَةَ، وَهُوَ عَلَى تَكْبِيْرَتِهِ (3) ومَنْ أَدْرَكَهُ في الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وعَلَيْهِ تَكْبِيْرَتَانِ للافْتِتَاحِ والرُّكُوعِ، فَإِنْ كَبَّرَ وَاحِدَةً ونَوَاهُمَا لَمْ يُجْزِهِ، وعَنْهُ أنَّهُ يُجْزِيْهِ (4).
وَمَا أَدْرَكَ المَأْمُومُ مَعَ الإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلاَتِهِ، ومَا يَقْضِيْهِ فَهُوَ أَوَّلُهَا، يَأْتِي فِيْهِ بالافْتِتَاحِ والتَّعَوُّذِ وقِرَاءةِ السُّوْرَةِ. ولاَ تَجِبُ القِرَاءةُ عَلَى المَأْمُومِ، ويُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يَقْرَأَ بالحَمْدِ وسُوْرَةٍ في سَكَتَاتِ الإمَامِ، وفِيْمَا لاَ يُجْهَرُ فِيْهِ، ويُكْرَهُ أنْ يَقْرَأَ فِيْمَا جَهَرَ فِيْهِ الإمَامُ، إِذَا كَانَ يَسْمَعُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بُعْدٍ لاَ يَسْمَعُ قِرَاءتَهُ لَمْ يُكْرَهْ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِطَرَشٍ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، والآخَرُ: يُسْتَحَبُّ (5).
وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ المأْمُومُ، ويَسْتَعِيْذَ فِيْمَا يَجْهَرُ فِيْهِ الإِمَامُ أو يُكْرَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
__________
(1) وذلك لأن الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - لَمْ يتقدم أحد منهم للإمامة في مرض النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أذن لأبي بكر بقوله:
((مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس)). والحديث أخرجه أحمد 6/ 96 و159 و206 و231 و270، والبخاري 1/ 173 (679) و174 (682) 4/ 182 (3385)، ومسلم 2/ 22 (418) (95)، وابن ماجه (1233)، والترمذي (3672)، وأبو عوانة 2/ 117، وأبو يعلى (4478)، وابن حبان (6601)، والبيهقي 2/ 250 و 3/ 82.
(2) هكذا رَوَاهُ عنه أبو طَالِب. انظر: الروايتين والوجهين (27 / أ).
(3) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ: ((مَنْ أدرك من الصَّلاَة رَكْعَة فَقَدْ أدرك الصَّلاَة)). والحديث صَحِيْح أخرجه أحمد 2/ 241 و270 و375، والدارمي (1223) و (1224)، والبخاري 1/ 151 (580)، وفي القراءة خلف الإمام، لَهُ (205) و (206) و (210) و (211) و (212) و (213)، ومسلم 2/ 102 (607) (161)، وأبو داود (1121)، وابن ماجه (1122)، والترمذي (524). وَقَالَ ابن قدامة في المغني 2/ 9 بَعْدَ ذكر الحديث: ((ولأنه لَمْ يفته من الأركان إلا القيام)).
(4) وذلك في رِوَايَة أبي داود وصالح كَمَا قال صاحب الشرح الكبير 2/ 9، وَقَالَ صاحب المقنع: 36:
((وأجزأته تكبيرة واحدة، والأفضل اثنان)).
(5) انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/ 12.
(6) انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/ 12، ومسائل عَبْد الله 2/ 352 (499).(1/95)
ومَنْ حَضَرَ وَقَدْ أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ لَمْ يَشْتَغِلْ عَنْهَا بِنَافِلَةٍ، وإنْ أُقِيْمَتْ وَهُوَ في النَّافِلَةِ، وَلَمْ يَخْشَ فَوَاتَ الجَمَاعَةِ، أَتَمَّهَا، وإنْ خَشِيَ فَوَاتَهَا؛ فعَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا يُتِمُّهَا، والأُخْرَى: يَقْطَعُهَا (1).
ومَنْ دَخَلَ في جَمَاعَةٍ فَنَقَلَهَا إلى جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِعُذْرٍ - مِثْلُ أنْ يَكُوْنَ مَأْمُوْماً فيَسْبِقُ إِمَامَهُ الحَدَثُ فَيَخْرُجُ ويَسْتَخْلِفُهُ؛ لِيُتِمَّ بِهِمُ الصَّلاَةَ - فَهُوَ جَائِزٌ، وهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: مَنْ سَبَقَهُ الحَدَثُ لاَ تَبْطُلُ صَلاَتُهُ (2).
وكَذَلِكَ إنْ أَدْرَكَ نَفْسَانِ بَعْضَ الصَّلاَةِ مَعَ الإِمَامِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ في بَقِيَّةِ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ / 36 ظ / يَصِحُّ، وفِيْهِ وَجْهٌ آخَرُ: أنَّهُ لاَ يَصِحُّ.
فَإِنْ أَحْرَمَ بِفَرِيْضَةٍ، فَبَانَ أنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا؛ انْقَلَبَتْ نَفْلاً، وإِنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَرَادَ قَلْبَهَا نفلاً لِغَرَضٍ - نَحْوُ: أنْ يَكُونَ قَدْ أَحْرَمَ بِهَا مُنْفَرِداً، وحَضَرَتْ جَمَاعَةٌ، فَأَرَادَ أنْ يَجْعلَهَا نَفْلاً، ثُمَّ يُصَلِّي فَرْضَهُ جَمَاعَةً - جَازَ. وإِنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ كُرِهُ، وصَحَّ قَلْبُهَا، وَقِيْلَ: لاَ يَصِحُّ لَهُ فَرْضٌ ولاَ نَفْلٌ (3).
فَإِنْ نَقَلَهَا إلى فَرِيْضَةٍ أُخْرَى فَاتَتْهُ، بَطَلَتْ الصَّلاَتَانِ وَجْهاً وَاحِداً.
ولاَ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ المُفْتَرِضِ بالمُتَنَفِّلِ، ولاَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي العَصْرَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يَصِحُّ (4).
فَإِنْ صَلَّى مَنْ يؤدي (5) الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يَقْضِي الظُّهْرَ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ الخَلاَّلُ: يَصِحُّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ.
ومَنْ سَبَقَ إِمَامَهُ في أَفْعَالِ الصَّلاَةِ، فَرَكَعَ أو سَجَدَ قَبْلَهُ؛ فَعَلَيْهِ أنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ
مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى لَحِقَهُ الإِمَامُ في الرُّكْنِ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ عَلَى قَوْلِ شَيْخنَا (6)، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: تَبْطُلُ (7). فَإِنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، ورَفَعَ قَبْلَ أنْ يَرْكَعَ الإِمَامُ عَامِداً، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلاَتُهُ؟
__________
(1) انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/ 9.
(2) انظر: مسائل ابن هانئ 1/ 80 (397 - 399).
(3) في المخطوط: ((فرضاً ولا نفلاً)). انظر: مسائل ابن هانئ 1/ 49 (234).
(4) نقل عدم الجواز أبو حارث وأبو طَالِب وحنبل ويوسف بن موسى والمروزي ومهنّا؛ لأنَّهُ لا تصح صلاته بنية صلاة إمامه، فَلاَ يصح اقتداؤه بِهِ، ونقل صالح وإسماعيل بن سعيد والميموني وأبو داود الجواز؛ لأن الصلاتين متفقتان في الأفعال الظاهرة وتُفعل جَمَاعَة وفرادى، فيصح اقتداؤه. الروايتين والوجهين 28/ أ.
(5) في المخطوط: ((صلاتكم))، تحريف.
(6) أبو يعلى الفراء. انظر: السِّيَر 19/ 350.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 27/ ب.(1/96)
عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً أو نَاسِياً لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ، وهَلْ يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1). فَإِنْ سَبَقَهُ بِرَكْنيْنِ فَرَكَعَ قَبْلَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أنْ يَرْكَعَ رَفَعَ، فَلَمَّا أَرَادَ أنْ يَرْفَعَ سَجَدَ، فَمَتَى فَعَلَ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيْمِهِ، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وإنْ فَعَلَهُ مَعَ الجَهْلِ لَمْ تَبْطُلْ، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ.
ويُسْتَحَبُّ للإِمَامِ أنْ يُخَفِّفَ صَلاَتَهُ (2) مَعَ إتْمَامِهَا (3) إلاَّ أنْ يَعْلَمَ أنَّ مَنْ وَرَاءهُ يُؤْثِرُ التَّطْوِيْلَ. ويُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يُطِيْلَ الرَّكْعَةَ الأُوْلَى مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ (4)، وإِذَا أَحَسَّ بِدَاخِلٍ وَهُوَ في الصَّلاَةِ اسْتُحِبَّ لَهُ انْتِظَارُهُ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى المَأْمُومِيْنَ، وَقِيْلَ: لا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ (5).
وكُلُّ صَلاَةٍ شُرِّعَ فِيْهَا الجَمَاعَةُ للرِّجَالِ اسْتُحِبَّ للنِّسَاءِ فِعْلُهَا في جَمَاعَةٍ، وعَنْهُ: لاَ يُسْتَحَبُّ. ولاَ يُكْرَهُ لِلْعَجَائِزِ حُضُورُ الجَمَاعَةِ مَعَ الرِّجَالِ (6).
بَابُ صِفَةِ الأَئِمَّةِ
السُّنَّةُ أَنْ يَؤُمَّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ (7)، فَإِنِ اسْتَوَوا فَأَفْقَهُهُمْ،
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 27/ ب.
(2) في المخطوط: ((صلاتكم))، تحريف.
(3) للحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ عَن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم السقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة)). والحديث أخرجه أحمد 2/ 271 و502، ومسلم 2/ 43 (467) (185)، وأبو داود (795).
(4) لحديث أبي قتادة قَالَ: ((كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي بنا، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكِتَاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحياناً. وَكَانَ يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية)). والحديث متفق عليه أخرجه البخاري 1/ 197 (776)، ومسلم 2/ 37 (451) (154). وانظر: الشرح الكبير 2/ 16015.
(5) انظر تفصيل ذَلِكَ في: الشرح الكبير 2/ 16.
(6) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات)). رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ، وأخرجه الحميدي (978)، وأحمد 2/ 438 و475 و528، والدارمي (1282) و (1283)، وأبو داود (565)، وابن خزيمة (1679)، ومعنى ((التفلات)): تاركات للعطر. انظر: النهاية 1/ 190.
(7) ذَكَرَ صاحب الشرح الكبير 2/ 17 خلافاً في هذه المسألة وسنورده لما فيه من الفائدة، قَالَ: ((يعني أن القارئ مقدم عَلَى الفقيه وغيره، ولا خلاف في التقديم بالقراءة والفقه، واختلف في: أيهما يقدم؟ فذهب أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - إِلَى تقديم القارئ، وَهُوَ قَوْل ابن سيرين والثوري وابن المنذر وإسحاق وأصحاب الرأي، وَقَالَ عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي: يقدم الأفقه إذا كَانَ يقرأ ما يكفي في
الصَّلاَة؛ لأنَّهُ قَدْ ينوبه فِي الصَّلاَة مَا لاَ يدري مَا يفعل فِيْهِ إلا بالفقه فيكون أولى)).
قُلْنَا: والحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو مَسْعُود يبين أن القارئ مقدم عَلَى الفقيه، فَقد قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سناً، ولا يؤم الرجلُ الرجلَ في سلطانه)).
والحديث أخرجه الطيالسي (618)، وعبد الرزاق (3808)، والحميدي (457)، وأحمد 4/ 118 و121 و5/ 272، ومسلم 2/ 133 (673) (290)، وابن ماجه (980)، والترمذي (235)، وابن خزيمة (1507) و (1516)، والدارقطني 1/ 279، والبيهقي 3/ 90 و119 و125، والبغوي (832) و (833). ولأن هَذَا الترتيب جاء عَن الشارع فيتقيد بِهِ، فالأولى تقديم القارئ.(1/97)
فَإِنِ (1) / 37 و / اسْتَوَوا فَأَسَنَّهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوا فَأَشْرَفُهُمْ، فَإِنِ اسْتَوَوا فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانَا فَقِيْهَيْنِ قَارِئَيْنِ إلاَّ أنَّ أَحَدَهُمَا أَقْرَأُ أو أَفْقَهُ قُدِّمَ بِذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَأُ والآخَرُ أَفْقَهُ قُدِّمَ الأَقْرَأُ (2)، فَإِنِ اسْتَوَوا في جَمِيْعِ ذَلِكَ قُدِّمَ أَتْقَاهُم وَأْورَعُهُمْ، فَإِنْ تَشَاحَّا (3) مَعَ التَّسَاوِي أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا.
وَإِمَامُ المَسْجِدِ أحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وصَاحِبُ البَيْتِ أَحَقُّ مِمَّنْ عِندَهُ، والسُّلْطَانُ أَحَقُّ مِنْهُمَا في أحَدِ الوَجْهَيْنِ (4). والحُرُّ أَوْلَى مِنَ العَبْدِ، والحَاضِرُ أَوْلَى مِنَ المُسَافِرِ، والحَضَرِيُّ أَوْلَى مِنَ البَدَوِيِّ (5)، والبَصِيْرُ أَوْلَى مِنَ الأَعْمَى عِنْدِي، وَقَالَ شَيْخُنَا: هُمَا سَوَاءٌ (6)، وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ - رضي الله عنه - عَنْ إِمَامَةِ الأَقْطَعِ اليَدَيْنِ، وقَالَ أبُو بَكْرٍ: لاَ تَصِحُّ إمَامَتُهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: تَصِحُّ. وتُكْرَهُ إِمَامَةُ الأَقْلَفِ (7) والفَاسِقِ، سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الاعْتِقَادِ، مِثْلُ: أنْ يَعْتَقِدَ مَذْهَبُ الجَهْمِيَّةِ (8) والمُعْتَزِلَةِ والرَّافِضَةِ تَقْلِيْداً، أومِنَ جهة الأَفْعَالِ مِثْلُ: أنْ يَزْنِيَ أو يَشْرَبَ الخَمْرَ أو يَسْرِقَ. وَهَلْ تَصِحَّ إِمَامَتُهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (9). وتَصِحُّ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ في النَّوَافِلِ، ولاَ تَصِحُّ في الفَرَائِضِ عَلَى أصَحِّ
__________
(1) تكررت في الأصل.
(2) هَذَا مذهب الإمام أحمد، وقد نقلنا قبل قليل الخلاف الذي وقع بَيْنَ أهل العِلْم في هَذِهِ المسألة.
(3) تشاحوا في الأمر وعليه: تسابقوا إليه متنافسين فيه. انظر: اللسان 2/ 325، والوسيط: 474 (شح).
(4) انظر: المحرر 1/ 108.
(5) لأن الحضري أقرب إلى العلماء ومجالسهم من البدوي، والله أعلم.
(6) وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استخلف ابن أم مكتوم عَلَى المدينة مرتين وهو يصلي بهم، لَكِن المؤلف
- رَحِمَهُ اللهُ - أعطى الأولوية للبصير؛ وذلك - والله أعلم - لأنَّهُ يخشى عَلَى الأعمى من أمور مِنْهَا: قَدْ تصل نجاسته إلى ثوبه من غَيْر أن يشعر بِهَا.
(7) وهو الَّذِي لَمْ يختن. انظر: الصحاح 4/ 1418، وتاج العروس 24/ 282 (قلف).
(8) طائفة من المبتدعة، جاءت تسميتهم نسبة إلى جهم بن صفوان الَّذِي تبنّى آراء الجعد بن درهم والتي
منها: نفي صفات الله عزوجل، والقول بخلق القرآن الكريم، والقول بالجبر وما إلى غَيْر ذلك من الافتراءات عَلَى الله - عز وجل -. انظر: الفرق بَيْنَ الفرق: 211 - 212، ومقالات الإسلاميين 1/ 214، 338.
(9) نقل أبو الحارث عدم جواز الصَّلاَة خلف الفاجر والمبتدع والفاسق إلا أن يخافهم فيصلي ويعيد، ونقل الجواز أبو الحارث عندما سئل: هل يُصلى خلف من يغتاب الناس؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ كُلّ من عصى الله تَعَالَى لا يصلى خلفه من يؤم الناس عَلَى هَذَا؟
وَقَالَ الإمام أحمد (في رِوَايَة حرب): يصلى خلف كُلّ برّ وفاجر فَلاَ يكفر أحد بذنب.
انظر: الروايتين والوجهين 28 / ب.(1/98)
الرِّوَايَتَيْنِ (1).
ولاَ تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا والجُنْدِيِّ إِذَا سَلِمَا في دِيْنِهِمَا، ولاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ المَرْأَةِ بالرِّجَالِ (2). والخَنَاثَى (3) بِحَالٍ عِنْدِي، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَصِحُّ في التَّرَاوِيْحِ وَتَكُوْنُ وَرَاءهُمْ، ولاَ تَصِحُّ إمَامَةُ الخنثيِّ بالرِّجَالِ (4)، ولاَ بالخَنَاثَى، ولاَ تَصِحُّ (5) إمَامَتُهُ بالنِّسَاءِ. ويُكْرَهُ أنْ يَؤُمَّ الرجَالُ نِسَاءً أَجَانِبَ لاَ رَجُلَ مَعَهُنَّ (6). ويُكْرَهُ أنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْماً وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ.
ولاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ خَلْفَ كَافِرٍ ولاَ أخْرَسَ، ولا تَصِحُّ خَلْفَ نَجِسٍ ولاَ مُحْدِثٍ يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِنْ جَهِلَ هُوَ والمأْمُومُ ذَلِكَ حَتَّى فَرغَ مِنَ الصَّلاَةِ، فَصَلاَةُ المَأْمُومِ صَحِيْحَةٌ وصَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ (7). ولاَ تَصِحُّ صَلاَةُ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ: وَهُوَ مَنْ لاَ يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ، ولاَ أَرَتٍّ: وَهُوَ الَّذِي يُدْغِمُ حَرْفاً في حَرْفٍ (8)، ولاَ أَلْثَغَ: وَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّاءَ غَيْناً [و] (9) الغَيْنَ رَاءً أو نَحْوَهُ (10). وتَصِحُّ صَلاَتُهُمْ بِمَنْ حَالُهُ في ذَلِكَ كَحَالِهِ. وتُكْرَهُ إِمَامَةُ الفَأْفَاءِ: وَهُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ الفَاءَ (11). والتَّمْتَامَ: وَهُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ (12). والَّذِي لاَ يُفْصِحُ بِبَعْضِ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 28 / ب - 29 / أ.
(2) لحديث جابر الَّذِي رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تؤمَّنَّ امرأةٌ رجلاً)). أخرجه عَبْد بن حميد (1136)، وابن ماجه (1081)، وأبو يعلى (1856)، والبيهقي 2/ 90 و171، والمزي في تهذيب الكمال 16/ 103.
(3) جمع خُنْثَى، وهو مَن لَيْسَ رجلاً ولا امرأة عَلَى وجه بيِّن فيهما. انظر: التعريفات: 60.
(4) لأنه يحتمل أن يكون امرأة فَلاَ يجوز أن يؤم رجالاً. انظر: المغني 2/ 33.
(5) ورد فِي المخطوط ((تصح)) والصواب هو ((لاَ تصح)) انظر المغني والشرح الكبير 2/ 33، والمقنع: 37.
(6) للحديث الَّذِي رواه عمر مرفوعاً: ((ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كَانَ ثالثهما الشيطان)). والحديث أخرجه أحمد 1/ 18، والبزار (166)، والترمذي (2165)، وابن أبي عاصم (88) و (897)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 150، والبيهقي 7/ 91.
(7) للحديث الَّذِي رواه الدارقطني 1/ 363 من حَدِيْث البراء قَالَ: صلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - بقوم، وليس هُوَ عَلَى وضوء، فتمت (الصَّلاَة) للقوم وأعاد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا الحديث ضعيف فيه عيسى بن عَبْد الله وجوير، وكلاهما ضعيف.
(8) انظر: الصحاح 1/ 249، والتاج 4/ 524 (رتت).
(9) غير موجود في النسخة الخطية، وهي ضرورية لاستقامة النص.
(10) انظر: الصحاح 4/ 1325، والتاج 22/ 557 (لثغ).
(11) انظر: اللسان 1/ 141 (فأفأ).
(12) انظر: الصحاح 5/ 1878 (تتم).(1/99)
الحُرُوفِ / 38 ظ / مِثْلُ: العَرَبِيِّ الَّذِي لاَ يُفْصِحُ بالقَافِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ أَمُّوا صَحَّتْ إمَامَتُهُمْ. ويُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ - وإِنْ كَانَ لاَ يُحِيْلُ المَعْنَى -، فَإِنْ أَحَالَ المَعْنَى وَكَانَ ذَلِكَ في الفَاتِحَةِ، مِثْلُ: أنْ يَكْسِرَ الكَافَ مِنْ ((إيَّاكَ))، أو يَضُمَّ التَّاءَ مِنْ ((أَنْعَمْتَ))، ومَا أَشْبَهَهُ، وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِصْلاَحِهِ فَهُوَ كَالأُمِّيِّ، وإِنْ قَدِرَ عَلَى إصْلاَحِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَصَلاَتُهُ وَصَلاَةُ مَنْ خَلْفَهُ بَاطِلَةٌ. وَإنْ كَانَ في غَيْرِ الفَاتِحَةِ لَمْ تَبْطُلْ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ.
ويَصِحُّ ائْتِمَامُ المُتَوَضِّيءِ بالمُتَيَمِّمِ، ولاَ يَصِحُّ ائْتِمَامُ مَنْ لاَ سَلَسَ (1) بِهِ بِمَنْ بِهِ سَلَسٌ، ولاَ القَادِرِ عَلَى الرُّكُوعِ والسُّجُودِ بالمُوْمِيءِ، ولاَ القَادِرِ عَلَى القِيَامِ بالعَاجِزِ عَنْهُ، إلاَّ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ إذَا مَرِضَ إمَامُ الحَيِّ، وكَانَ مَرَضُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ، وإِذَا ابْتَدَأَ بِهِمْ إِمَامُ الحَيِّ الصَّلاَةَ جَالِساً صَلَّوا خَلْفَهُ جُلُوساً (2) نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ صَلَّوا قِيَاماً صَحَّتْ صَلاَتُهُمْ، وَقِيْلَ: لاَ تَصِحُّ. وإِنْ تَأَخَّرَ الإِمَامُ انْتَظَرُوا وَرُوْسِلَ إلاَّ أنْ يُخَافَ خُرُوجُ الوَقْتِ.
بَابُ مَوْقِفِ الإِمَامِ والمَأْمُوْمِ
السُّنَّةُ أنْ يَقِفَ المَأْمُوْمُوْنَ خَلْفَ الإِمَامِ، فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُمْ، فَإِنْ كَانَ المَأْمُومُ وَاحِداً وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِهِ، فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ. وإِذَا كَبَّرَ عَنْ يَمِيْنِهِ وَجَاءَ آخَرُ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مَعَهُ، ويَخْرُجَانِ وَرَاءَ الإِمَامِ، فَإِنْ كَبَّرَ الثَّانِي عَنْ يَسَارِهِ أَخْرَجَهُمَا بِيَدَيْهِ إلى وَرَائِهِ، ولاَ يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ وَرَاءهُ ضَيِّقاً. وَإِذَا أَمَّ امْرَأَةً كَانَتْ خَلْفَهُ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُمَا خَنَاثَى كَانُوا خَلْفَهُ والمَرْأَةُ خَلْفَهُمْ. فَإِنِ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وصِبْيَانٌ وخَنَاثَى، يُقَدَّمُ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ. وَإِذَا خَافَ الرَّجُلُ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ مَعَ الإِمَامِ فَكَبَّرَ فَذّاً (3) خَلْفَ الصَّفِّ وصَلَّى رَكْعَةً كَامِلَةً لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاَتُهُ، وإِنْ كَبَّرَ فذاً (4) ثُمَّ دَخَلَ في الصَّفِّ، أو جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ الإِمَامُ مِنَ الرُّكُوعِ صَحَّتْ صَلاَتُهُ (5).
وإنْ كَانَ الإِمَامُ قَدْ رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَمَّا يَسْجُدْ فَصَلاَتُهُ تَصِحُّ أيْضاً. وعَنْهُ: إنْ كَانَ
__________
(1) شيء سلس: أي سهل، وفلان سَلِسُ البول، إذا كَانَ يستمسكه. الصحاح 3/ 938 (سلس).
(2) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به ... وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)). أخرجه
عَبْد الرزاق (2909)، والحميدي (1189)، وأحمد 3/ 110 و 162، وعبد بن حميد (1161)،
وابن ماجه (876) و (1238)، والترمذي (361)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 238، والبيهقي 2/ 96 و 97 من حديث أنس بن مالك.
(3) ((فذا)) الفذ: الفرد، والجمع أفذاذ وفذوذ. انظر: لسان العَرَبِ لابن منظور 2/ 1064.
(4) وردت فِي المخطوط ((وفذاً)) وحذفنا ((الواو)) ليستقيم الكلام.
(5) انظر: مسائل أبي داود للإمام أحمد: 35.(1/100)
عَالِماً بالنَّهْيِ لَمْ تصح، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ غَرَضٍ ولاَ خَشِيَ الفَوَاتَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاَتُهُ، وَقِيْلَ: تَنْعَقِدُ (1). / 39 و / وإِذَا حَضَرَ فَوَجَدَ في الصَّفِّ فُرْجَةً دَخَلَ فِيْهَا، وإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِ الإِمَامِ، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ أنْ يَجْذِبَ رَجُلاً فَيَقُومَ مَعَهُ صَفّاً، فَإِنْ وَقَفَ إلى جَنْبِ كَافِرٍ أو مُحْدِثٍ يَعْلَمُ بِحَدَثِهِ، أو امْرَأَةٍ أو صَبِيٍّ فَهُوَ فَذٌّ، وعَنْهُ في الصَّبِيِّ: أنَّهُ يَكُوْنُ صَفّاً مَعَهُ في النَّافِلَةِ فَقَطْ. وَإِذَا وَقَفَتْ المَرْأَةُ في صَفِّ الرِّجَالِ كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهَا ولاَ صَلاَةُ مَنْ يَلِيْهَا. وَقَالَ أبو بَكْرٍ (2): تَبْطُلُ صَلاَةُ مَنْ يَلِيْهَا (3).
وإِذَا صَلَّى في المَسْجِدِ مَأْمُوْماً وَهُوَ لاَ يَرَى الإِمَامَ ولاَ مَنْ وَرَاءهُ غَيْرَ أنَّهُ يَسْمَعُ التَّكْبِيْرَ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ، وعَنْهُ: أنَّهَا تَصِحُّ (4). وَإِذَا صَلَّى خَارِجَ المَسْجِدِ وَهُوَ يَرَى مَنْ وَرَاءَ الإِمَامِ ولَيْسَ بَيْنَهُمَا طَرِيْقٌ، أو بَيْنَهُمَا طَرِيْقٌ والصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ صَحَّتِ الصَّلاَةُ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُهُ مِنْ رُؤْيَةِ المَأْمُوْمِيْنَ أو طَرِيْقٌ أو نَهْرٌ تَجْرِي فِيْهِ السُّفُنُ لَمْ يَصِحَّ أنْ يَأْتَمَّ بِهِ. ويُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَكُوْنَ أَعْلَى مِنَ المَأْمُوْمِيْنَ سَوَاءٌ أَرَادَ تَعْلِيْمَهُمُ الصَّلاَةَ (5) أو لَمْ يُرِدْ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ الصَّلاَةُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لاَ تَبْطُلُ. ولاَ يُسْتَحَبُّ للإِمَامِ أنْ يَقِفَ في طَاقِ القِبْلَةِ إلاَّ أنْ يَكُوْنَ المَسْجِدُ ضَيِّقاً، ولاَ يُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَقِفَ بَيْنَ
__________
(1) انظر: شرح الزركشي عَلَى مَتْن الخرقي 1/ 419 و421.
(2) هو الإمام أبو بَكْرٍ أحمد بن هارون الخلال، له تصانيف كثيرة جامعة لعلوم الإمام أحمد، توفي سنة (311هـ)، ودفن رحمه الله عند رجلي أحمد رحمه الله. مختصر طبقات الحنابلة: 28.
(3) قلنا: ورد عن السيدة عَائِشَة أنها قالت: ((كَانَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاته من الليل، وأنا عَنْ يمينه وعن شماله مضطجعة)). والحديث أخرجه أحمد 6/ 95 و146، وأبو يعلى (4819). فكون المرأة عن يمين وشمال المصلي لا تبطل صلاته، فالوقوف بجنب المصلي أولى بِذَلِكَ.
(4) وعنه روايتان أخريان:
أحدهما: تصح في المسجد ولا تصح في غيره، وهي اختيار القاضي.
الثانية: يصح ذلك في التطوع دون الفريضة. حكاها ابن حامد. انظر: شرح الزركشي 1/ 410.
(5) إذا أراد تعليمهم فَلاَ بأس بذلك لما رواه سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عَلَى المنبر، والناس وراءه، فجعل يصلي عليه ويركع، ثُمَّ يرجع إلى القهقري فيسجد عَلَى الأرض، ثُمَّ يعود إلى المنبر، فلما فرغ أقبل عَلَى الناس، فَقَالَ: ((إنما صنعت هَذَا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي)). والحديث أخرجه أحمد 5/ 339، والبخاري 2/ 11 (917) ومسلم 2/ 74 (44) (544)، وأبو داود (1080)، وابن ماجه (1416)، والنسائي 2/ 57، والبيهقي 3/ 108.
لكن إذا كَانَ لعدم التعليم فإنه يكره، ولذلك عندما قام عمار يصلي في المدائن عَلَى دكان، والناس تصلي أسفل منه تقدم إليه حذيفة وأنزله، فلما فرغ عمار من الصَّلاَة، قَالَ لَهُ حذيفة: ألم تسمع رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْل: ((إذا أمَّ الرجلُ القومَ فَلاَ يقوم في مقام أرفع من مقامهم)). الحديث أخرجه أبو داود (598)، والبيهقي 3/ 109.(1/101)
السَّوَارِي (1)، ويُكْرَهُ لِلْمَأْمُوْمِيْنَ؛ لأنَّهَا تَقْطَعُ صُفُوْفَهُمْ (2). ويُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَتَطَوَّعَ مَوْضِعَ صَلاَتِهِ المَكْتُوْبَةِ، ولاَ يُكْرَهُ لِلْمَأْمُوم. وَإِذَا صَلَّتِ امْرَأَةٌ بِنِسَاءٍ قَامَتْ وسَطَهُنَّ فِي الصَّفِّ، وكَذَلِكَ إمَامُ الرِّجَالِ العُرَاةِ يَكُوْنُ فِي وسَطِهِمْ.
بَابُ الأَعْذَارِ الَّتِي يَجُوْزُ مَعَهَا تَرْكُ الجُمُعَةِ والجَمَاعَةِ
ويُعْذَرُ في تَرْكِ الجُمُعَةِ والجَمَاعَةِ المَرِيْضُ، ومَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ، أو قَرِيْبٌ يَخَافُ مَوْتَهُ، ومَنْ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ أو أَحَدَهُمَا، ومَنْ يَحْضُرُ الطَّعَامَ وبِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ، ومَنْ يَخَافُ مِنْ سُلْطَانٍ يَأْخُذُهُ، أو غَرِيْمٍ (3) يُلاَزِمُهُ ولاَ شَيْءَ مَعَهُ يُعْطِيْهِ، والمُسَافِرُ إِذَا خَافَ فَوَاتَ القَافِلَةِ، ومَنْ يَخَافُ ضَرَراً في مَالِهِ أو يَرْجُو وُجُوْدَهُ، ومَنْ يَخَافُ مِنْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ حَتَّى يَفُوْتَ الوَقْتُ، ومَنْ يَخَافُ التَّأَذِّي بالمَطَرِ والوَحْلِ والرِّيْحِ الشَّدِيْدَةِ في اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ البَارِدَةِ / 40 ظ /.
بَابُ صَلاَةِ المَرِيْضِ (4)
وَإِذَا عَجَزَ المَرِيْضُ عَنِ الصَّلاَةِ قَائِماً صَلَّى قَاعِداً مُتَرَبِّعاً ويَثْنِي رِجْلَيْهِ في حَالِ سُجُوْدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ القُعُودِ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، فَإِنْ صَلَّى مُسْتَلْقِياً عَلَى ظَهْرِهِ، ووَجْهُهُ وَرِجْلاَهُ إلى القِبْلَةِ جَازَ، وكَانَ تَارِكاً للاسْتِحْبَابِ، ويُومِئُ بالرُّكُوْعِ والسُّجُودِ ويَكُونُ سُجُوْدُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوْعِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِطَرَفِهِ ونَوَى بِقَلْبِهِ.
__________
(1) جمع سارية، وَهِيَ الإسطوانة العمودية الَّتِي يستند عليها السقف. انظر: الصحاح 6/ 2376 (سرا).
(2) رَوَى معاوية بن قرة، عن أبيه، أنه قَالَ: ((كنا ننهى أن نصفّ بَيْنَ السواري، عَلَى عهد رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، ونطرد عَنْهَا طرداً)).
والحديث أخرجه الطيالسي (1073)، وابن ماجه (1002)، وابن خزيمة (1567)، والطبراني 19/ (39) و (40)، والحاكم 1/ 218، وانظر: الهادي: 30.
(3) غريم: تطلق عَلَى الَّذِي عليه الدين، وأيضاً عَلَى الَّذِي لَهُ دين. وأطلقه هنا عَلَى الَّذِي لَهُ دين. انظر: الصحاح 5/ 1996 (غرم).
(4) في هَذَا الباب بَيَان كيفية صلاة المريض، وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - فِيْمَا رواه وائل بن حجر أنه قَالَ: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى جالساً عَلَى يمينه وَهُوَ وجع)). أخرجه ابن ماجه (1224).
وصح عَنْ عمران بن حصين أنه قَالَ: ((كَانَ بي الناسور، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصَّلاَة فَقَالَ: ((صلِّ قائماً، فإن لَمْ تستطع فقاعداً، فإن لَمْ تستطع فعلى جَنب)). أخرجه أحمد 4/ 426، والبخاري 2/ 60 (1117)، وأبو داود (952)، وابن ماجه (1223)، والترمذي (372)، وابن خزيمة (979) و (1250)، والدارقطني 1/ 380، والبيهقي 2/ 304، وانظر: المغني 2/ 86 - 89.(1/102)
ولاَ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلاَةُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتاً، فَإِنْ قَدِرَ عَلَى القِيَامِ في أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ أو عَلَى القُعُودِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ وأَتَمَّ صَلاَتَهُ. فَإِنْ قَدِرَ عَلَى القِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ والسُّجُودِ صَلَّى قَائِماً وَأَوْمَأَ بالرُّكُوْعِ وجَلَسَ فَأَوْمَأَ بالسُّجُوْدِ. فَإِنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ، فَقَالَ ثِقَاتٌ مِن العُلَمَاءِ بالطِّبِّ: إنْ صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِياً أَمْكَنَ مُدَاوَاتُكَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ (1).
ولاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ في السَّفِيْنَةِ (2) جَالِساً وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى القِيَامِ. وتَجُوزُ صَلاَةُ الفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ؛ لأَجْلِ التَّأَذِّي بالمَطَرِ والوَحْلِ، وَهَلْ تَجُوْزُ الصَّلاَةُ عَلَيْهَا لأَجْلِ المَرَضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3).
بَابُ صَلاَةِ المُسَافِرِ
وَإِذَا سَافَرَ سَفَراً يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخاً (4) - ثَمَانِيَةً وأَرْبَعِيْنَ مِيْلاً بالهَاشِمِيِّ - في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَلَهُ أنْ يَقْصُرَ الرُّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ أو خِيَامَ قَوْمِهِ. والقَصْرُ أَفْضَلُ مِنَ الإِتْمَامِ (5).
وإِذَا كَانَ
__________
(1) وَقَدْ نقل عَنْ بَعْض الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - المنع، من ذَلِكَ ما روي عَن ابن عَبَّاسٍ أنه لَمَّا كُفَّ بصره أتاه رجل فَقَالَ لَهُ: ((إنك إن صبرت لي سبعاً لَمْ تصلِّ إلا مستلقياً تومئ إيماءً داويتك فبرأت إن شاء الله تَعَالَى، فأرسل إلى عَائِشَة وأبي هُرَيْرَةَ وغيرهما من أصحاب مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - كلٌّ يَقُوْل: رأيت إن متَّ في هَذَا السبع كيف تصنع بالصلاة فترك عينه وَلَمْ يداوها)). أخرجه الحَاكِم 3/ 545، وبنحوه البيهقي 2/ 309.
(2) الصَّلاَة في السفينة مَعَ القدرة عَلَى الخروج مختلف فِيْهَا فقد نقل عَبْد الله: إذا لَمْ يمكنهم الخروج صلوا في السفينة، فأما إن كَانَ يمكنهم الخروج خرجوا حَتَّى يصلون عَلَى الأرض، فظاهر هَذَا منع الصَّلاَة فِيْهَا؛ لأنها ليست حال استقرار أشبه الراحلة. ونقل أبو الحارث والأثرم وغيرهما جواز الصَّلاَة فِيْهَا مَعَ القدرة عَلَى الخروج؛ لأنَّهُ يتمكن في العادة من القيام والركوع والسجود فأشبه إذا كانت واقفة عَلَى الأرض. الروايتين والوجهين 30 / أ.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 30/ ب.
(4) الفرسخ: ثلاثة أميال هاشمية. انظر: الصحاح 5/ 1823 (ميل)، وتاج العروس 7/ 317 (فرسخ). وهذه المسألة موطن نزاع واختلاف بين الفقهاء، وقد أشبعها بحثاً محقق " التهذيب في الفقه الشافعي ". فانظره 2/ 289 فما بعدها.
والفرسخ يعادل (5540) متراً، وعليه فمسافة القصر (88640) متراً، أي: (88. 64) كيلو متراً. انظر: تعليق الأستاذ مُحَمَّد الخاروف على كتاب ابن رفعة "الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان": 77.
(5) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صدقة تصدّق الله بِهَا عليكم فاقبلوا صدقته)). والحديث أخرجه أحمد 1/ 36، والدارمي (1513)، ومسلم 2/ 143 (686) (4)، وأبو داود (1199)، وابن ماجه (1065)، والترمذي (3034)، والبيهقي 3/ 134، والنحاس في الناسخ والمنسوخ: 161.
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كَمَا يكره أن تؤتى =(1/103)
لِمَقْصَدِهِ طَرِيْقَانِ يَقْصُرُ في أَحَدِهِمَا ولاَ يَقْصُرُ في الآخَرِ، فَمَتَى اخْتَارَ الأَبْعَدَ قَصَرَ. وإِذَا أَحْرَمَ في الحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ أو أحْرَمَ في السَّفَرِ، ثُمَّ أَقَامَ أو ائْتَمَّ بِمُقِيْمٍ أو بِمَنْ يَشَكُّ، هَلْ هُوَ مُقِيْمٌ أو مُسَافِرٌ، أو لَمْ يَنْوِ القَصْرَ لَزِمَهُ أنْ يُتِمَّ. وإِذَا نَسِيَ صَلاَةَ سَفَرٍ فَذَكَرَهَا في الحَضَرِ، أو صَلاةَ حَضَرٍ فَذَكَرَهَا في السَّفَرِ أو ائْتَمَّ بِمُقِيْمٍ فَفَسَدَتِ الصَّلاَةُ وَأَرَادَ إِعَادَتَهَا وَحْدَهُ، أو سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ القَصْرُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ. فَإِنْ نَسِيَ صَلاَةً في سَفَرٍ فَذَكَرَهَا في سَفَرٍ آخَرَ جَازَ لَهُ القَصْرُ، ويُحْتَمَلُ /41 و/ أنْ لاَ يَجُوْزَ.
وإِذَا نَوَى المُسَافِرُ الإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ (1)، وَعَنْهُ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ صَلاَةً أَتَمَّ (2)، وَإِنْ نَوَى دُوْنَهَا قَصَرَ. وَإِنْ أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَلَمْ يَنْوِ الإِقَامَةَ قَصَرَ أَبَداً، وَكَذَلِكَ إِذَا حَبَسَهُ السُّلْطَانُ أو عَدُوُّهُ وَهُوَ في سَفَرٍ.
وَالمَلاَّحُ والمُكَارِيُّ (3) والفَيْجُ (4)، إذَا كَانُوا يُسَافِرُوْنَ بِأَهْلِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ نِيَّةُ الإِقَامَةِ بِبَلَدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُمُ التَّرَخُّصُ.
بَابُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ
يَجُوْزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، والمَغْرِبِ والعِشَاءِ في السَّفَرِ الطَّوِيْلَ، ولاَ يَجُوزُ في القَصْيرِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَأخِيْرِ الأُوْلَى إلى الثَّانِيَةِ، وبَيْنَ تَقْدِيْمِ الثَّانِيَةِ إلى وَقْتِ الأُوْلَى. والمُسْتَحَبُّ التَّأْخِيْرُ، فَإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ (5) افْتَقَرَ إلى ثَلاَثَةِ شُرُوطٍ:
- أنْ يُقَدِّمَ الأَوَّلَةَ مِنْهُمَا.
__________
= معصيته)). رَوَاهُ أحمد 2/ 108، وابن خزيمة (950) و (2027)، والبزار (988 كشف الأستار)، والبيهقي في السنن 3/ 140 وفي الشعب (3890)، والخطيب في تاريخه 10/ 347.
(1) كَمَا نقلها أبو داود وابن إبراهيم في أصح الروايتين. الروايتين والوجهين 30/ أ، وانظر: مسائل أبي داود: 74 - 75، ومسائل إسحاق بن إبراهيم بن هانئ 1/ 81.
(2) نقلها عنه عبد الله والأثرم. الروايتين والوجهين 30/ أ، وانظر: مسائل عبد الله 2/ 395 (556)، وراجع: بدائع الفوائد 4/ 116 فما بعدها.
(3) والجمع فيها مكارون: وهو مكري الدواب للمسافرين. المعجم الوسيط: 785 وهو قريب الشبه بسائقي سيارات الأجرة في زماننا. انظر: الصحاح 6/ 2273، وتاج العروس 10/ 312 (كري).
وَقَدْ خطّأ صاحب المغني 2/ 105 المصنف في عدم جواز الفطر له فقال: ((وهذا غير صحيح؛ لأنَّهُ مسافر مشفوق عَلَيْهِ، فكان له القصر كغيره، ولا يصح قياسه على الملاح ...
(4) الفَيْج: هو المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد، والجمع: فيوج، وهو فارسي معرّب. انظر: النهاية 3/ 483، والمحرر 1/ 133، والصحاح 1/ 336 (فوج).
(5) هَكَذَا وردت فِي الأصل.(1/104)
- وأَنْ يَنْوِيَ الجَمْعَ عِنْدَ الإِحْرَامِ بالأَوَّلَةِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَرِ يَجُوْزُ أنْ يَنْوِيَ قَبْلَ الفَرَاغِ مِنَ الأوَّلَةِ (1).
- وألاَّ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إلاَّ بَقَدْرِ الإِقَامَةِ [وَ] (2) الوُضُوْءِ، فَإِنْ صَلَّى بَيْنَهُمَا سُنَّةَ الصَّلاَةِ بَطَلَ الجَمْعُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى لاَيَبْطُلُ.
وإِنْ أَرَادَ الجَمْعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَفَاهُ نِيَّةُ الجَمْعِ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ إلى أنْ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ مَا يُصَلِّيْهَا والتَّرْتِيْبُ. وهَلْ يُشْتَرَطُ أن لاَ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: أن لا يُشْتَرَطَ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ يَفْتقِرُ الجَمْعُ والقَصْرُ إلى أنْ يَنْوِيَهُمَا.
ويَجُوزُ لِلْمُقِيْمِ الجَمْعُ لأَجْلِ المَرَضِ كَمَا يَجُوزُ لأَجْلِ السَّفَرِ. فَأَمَّا الجَمْعُ لأَجْلِ المَطَرِ فَيَجُوْزُ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ، ولاَ يَجُوْزُ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ (3) في قَوْلِ أبي بَكْرٍ وابْنِ حَامِدٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا أبو يَعْلَى: يَجُوْزُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيْحُ عِنْدِي (4).
فَإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ اعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ المَطَرُ مَوْجُوْداً عِنْدَ افْتِتَاحِ الأَوَّلَةِ، وعِنْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا وافْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ، وإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ جَازَ (5) سَوَاءٌ كَانَ المَطَرُ قَائِماً أو قَدِ انْقَطَعَ. وهَذَا إِذَا كَانَ يُصَلِّي في مَوْضِعٍ يُصِيْبُهُ المَطَرُ وكَانَ المَطَرُ مِمَّا /42 ظ/ يَبِلُّ الثِّيَاب، فَأَمَّا إِنْ كَانَ يُصَلِّي في بَيْتِهِ أو في مَسْجِدٍ يَخْرُجُ إِليْهِ تَحْتَ سَابَاطٍ أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أو لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ لَكِنْ وَحْلٌ أو رِيْحٌ شَدِيْدَةٌ بَارِدَةٌ، فَهَلْ يَجُوْزُ الجَمْعُ أمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (6).
__________
(1) القول بالنية مَعَ القصر قول الخرقي، أما عدم النية فهو قول أبي بكر الخلال. انظر: الروايتين والوجهين 31/ أ، والمغني 2/ 105.
(2) في النسخة الخطية: ((في))، ولا يستقيم بِهَا السياق، والصواب ما أثبتناه نص عليه في: المحرر 1/ 135، والمبدع 2/ 121، ودليل الطالب: 51، ومنار السبيل 1/ 134، والإنصاف 2/ 342.
(3) نقل صاحب المغني 2/ 117 عَنْ الأثرم أنه قال: ((قيل لأبي عَبْد الله: الجمع بين الظهر والعصر في المطر، قَالَ: لا ما سمعت)).
(4) وهو الصواب - إن شاء الله تَعَالَى - للحديث الذي رواه ابن عباس قَالَ: ((جمع رَسُوْل الله بَيْنَ الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غَيْر خوف ولا مطر. فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قَالَ: أراد أن لا يحرج أمته)).
والحديث أخرجه الشافعي 1/ 118 - 119، والطيالسي (2614)، وعبد الرزاق (4435)، والحميدي (471)، وأحمد 1/ 283 و349 و354، ومسلم 2/ 151 (705) (49) و152 (705) (54)، وأبو داود (1210) و (1211)، والترمذي (187)، والنسائي 1/ 290، وابن خزيمة (971) و (972).
فالحديث فيه جواز الجمع بين الظهر والعصر من غَيْر مطر، فوجود المطر أولى بالجمع، والله أعلم.
وانظر: الشرح الكبير 2/ 117.
(5) ورد فِي المحطوط ((جمع)) والصواب هُوَ ((جاز)) انظر: كِتَاب الهادي: 33.
(6) انظر: المغني 2/ 118.(1/105)
بَابُ صَلاَةِ الخَوْفِ (1)
تَجُوزُ صَلاَةُ الخَوْفِ عَلَى الصِفَةِ الَّتِي [صَلاَّهَا رَسُوْلُ اللهِ] (2) - صلى الله عليه وسلم - بِذَاتِ
الرِّقَاعِ (3)، بِأَرْبَعَةِ شَرَائِطَ:
- أنْ يَكُونَ العَدُوُّ مُبَاحَ القِتَالِ.
- ويَكُوْنَ في غَيْرِ جِهَةِ القِبْلَةِ.
- وأن لا يُؤْمَنَ هُجُومُهُ.
- ويَكُوْنَ في المُصَلِّيْنَ كَثْرَةً يُمْكِنُ تَفَرّيقُهُمْ طَائِفَتَيْنِ، كُلُّ طَائِفَةٍ ثَلاَثَةٌ (4) أَو أَكْثَرُ، تُجْعَلُ طَائِفَةٌ بِإِزَاءِ العَدُوِّ، وطَائِفَةٌ تُصَلِّي خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً، فَإِذَا قَامَ إلى الثَّانِيَةِ نَوَتْ مُفَارَقَتَهُ وأَتَمَّتْ لأَنْفُسِهَا بِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ بِالْحَمْدِ وبِسُوْرَةٍ، ثُمَّ تَمْضِي إلى وَجْهِ العَدُوِّ، وتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وتَجْلِسُ، وتَقُومُ هِيَ فَتُصَلِّي رَكْعَةً ثَانِيَةً وتَجْلِسُ، فَيَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ بِهِمْ، ويَقْرَأُ ويَتَشَهَّدُ في حَالِ الانْتِظَارِ ويُطِيْلُ حَتَّى يُدْرِكُوهُ.
فَإِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ مَغْرِباً صَلَّى بالأُوْلَى رَكْعَتَيْنِ وبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وهَلْ تُفَارِقُهُ الطَّائِفَةُ الأُوْلَى في التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ أو حِيْنَ يَقُومُ إلى الثَّالِثَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (5).
وإِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ رُبَاعِيَّةً صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ، فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: لاَ تَصِحُّ صَلاَةُ الإِمَامِ، وتَصِحُّ صَلاَةُ الفِرْقَةِ الأُوْلَى والثَّانِيَةِ، وتَبْطُلُ صَلاَةُ الثَّالِثَةِ والرَّابِعَةِ إِنْ عَلِمَتَا بِبُطْلاَنِ صَلاَتِهِ.
وإِنْ كَانَ العَدُوُّ في جِهَةِ القِبْلَةِ، وهُمْ بِحَيْثُ لاَ يَخْفَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلاَ يَخَافُ كَمِيْناً لَهُمْ، وفي المُسْلِمِيْنَ كَثْرَةٌ جَازَ أنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعُسْفَانَ (6)، وَصِفَتُهَا:
__________
(1) قَالَ الله تَعَالَى: {وإذَا كُنْتَ فِيْهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ... الآية}.
النساء: 102. هَذِهِ الآية تشريع لصلاة الخوف.
(2) ما بين المعكوفين ليس في النسخة الخطية، واستدركناها من الكافي 1/ 207، وهي ضرورية لاستقامة النص.
(3) الرِّقاع - بكسر أوله وآخره عين مهملة، وهي اسم غزوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - غزاها، قيل: هي اسم شجرة في ذلك الموضع، وقيل: ذات الرِّقاع جبل فيه سواد وبياض وحمرة، وقيل: سميت بهذا الاسم؛ لأن أقدامهم نقبت من المشي فلفوا عَلَيْهَا الخرق. انظر:: مراصد الاطلاع 2/ 624 - 625، وتاج العروس 21/ 115 - 116 (رقع).
(4) في النسخة المعتمدة: ((ثلاثة آلاف)). وكلمة ((آلاف)) مقحمة من الناسخ، فكل من نقل عن المصنف اقتصر عَلَى لفظ: ((ثلاثة)). وانظر: المغني 2/ 261، وشرح الزركشي 1/ 495.
(5) انظر: شرح الزركشي 1/ 492، والمقنع: 40.
(6) وذلك عام الحديبية سنة ست من الهجرة.
والحديث أخرجه الطيالسي (1347)، وأحمد 4/ 59 - 60، وأبو داود (1236)، والنسائي 3/ 176 و 177، والدولابي في الكنى والأسماء 1/ 47، وابن الجارود (232)، والطحاوي في شرح الآثار 1/ 318، وابن حبان (2875) ط الرسالة (2871) ط الفكر، والدارقطني 2/ 59، والحاكم 1/ 337 - 338، والبيهقي 3/ 254، وشرح السنة (1096) من حديث أبي عياش الزرقي.(1/106)
[أَنْ] (1) يُوْقِفَهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَصَاعِداً ويُحْرِمُ بِهِمْ أَجْمَعِيْنَ، ويُصَلِّي الأَوَّلَةَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فِيْهَا سَجَدُوا كُلُّهُمْ إلاَّ الصَّفَّ الأوَّلَ الَّذِي يَلِيْهِ، فَإِنَّهُ يَقِفُ فَيَحْرُسَهُمْ /43 و/ فَإِذَا قَامُوا (2) إلى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ الَّذِيْنَ حَرَسُوا وَلَحِقُوا بِهِ فَصَلُّوا أَجْمَعِيْنَ، فَإِذَا سَجَدَ في الثَّانِيَةِ حَرَسَ الصَّفَّ الذِي سَجَدَ مَعَهُ في الرَّكْعَةِ الأُوْلَى، فَإِذَا جَلَسَ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَ ثُمَّ لَحِقُوهُ فَيَتَشَهَّدُ بالجَمِيْعِ ويُسَلِّمُ. فَإِنْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَوَّلُ إلى مَوْضِعِ الثَّانِي وتَقَدَّمَ الثَّانِي إلى مَوْضِعِ الأَوَّلِ فَحَرَسَ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَلاَ بَأْسَ.
وإِنْ صَلَّى كَمَذْهَبِ النُّعْمَانِ (3)، وَهُوَ أنْ يُصَلِّيَ بِأَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً ثُمَّ تَنْصَرِفُ وتَجِيءُ الأُخْرَى فَتُحْرِمُ مَعَهُ فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً ويَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ، ولاَ تُسَلِّمُ الطَّائِفَةُ مَعَهُ بَلْ تَرْجِعُ إلى وَجْهِ العَدُوِّ ثُمَّ تَجِيءُ الأُوْلَى فَتَقْضِي مَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهَا وتُسَلِّمُ وتَمْضِي، وتَجِيءُ الأُخْرَى فَتُتِمُّ صَلاَتَهَا (4)، فَقَدْ تَرَكَ الفَضِيْلَةَ وتَصِحُّ الصَّلاَةُ.
ولاَ يَجِبُ حَمْلُ السِّلاَحِ في صَّلاَةِ الخَوْفِ، ويُسْتَحَبُّ مِنْهُ ما يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَالسَّيْفِ والسِّكِّيْنِ، ويُكْرَهُ مَا يُثْقِلُهُ كَالجَوْشَنِ (5): وَهُوَ التَّنُّورُ الحَدِيْدُ، والمِغْفَرِ (6): وَهُوَ مَا يُغَطِّي الوَجْهَ؛ لأنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إِكْمَالِ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ.
وإِذَا اشْتَدَّ الخَوْفُ والْتَحَمَ القِتَالُ صَلُّوا رِجَالاً (7) ورُكْبَاناً إلى القِبْلَةِ وغَيْرِ القِبْلَةِ إيْمَاءً وغَيْرَ إِيْمَاءٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، وهَلْ يَجِبُ أَنْ يَفْتَتِحُوا الصَّلاَةَ مُتَوَجِّهِيْنَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: لاَ يَجِبُ. فَإِنِ احْتَاجُوا إلى الضَّرْبِ والطَّعْنِ والكَرِّ والفَرِّ فَعَلُوا، ولاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ، ولاَ يُأَخِّرُونَ الصَّلاَةَ. فَإِنْ أَمِنُوا - وهُمْ رُكْبَانٌ - نَزَلُوا فَبَنَوا، ويَكُونُ نُزُولُهُمْ مُتَوَجِّهِيْنَ.
__________
(1) في النسخة الخطية: ((أو))، ولا يستقيم بِهَا المعنى.
(2) في النسخة المعتمدة: ((أقاموا))، بزيادة ألف وليست بشيء.
(3) هُوَ الإمام، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ولد سنة (80 هـ)، توفي سنة (150 هـ)، انظر: تاريخ بغداد 13/ 323 والعبر 1/ 314 وسير أعلام النبلاء 6/ 390.
(4) انظر: المبسوط 2/ 46، وبدائع الصنائع 1/ 243، وتبيين الحقائق 1/ 232.
(5) درع مصنوع من الحديد يلبس أثناء المعركة عَلَى الصدر. انظر: الصحاح 5/ 2092، واللسان 13/ 88 (جشن).
(6) انظر: الصحاح 2/ 771، وتاج العروس 13/ 248 (غفر).
(7) أي: مشاة عَلَى أرجلهم.(1/107)
وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ آمِناً فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الخَوْفُ فَرَكِبَ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ ويَبْنِي، وَإِذَا رَأَى سَوَاداً فَظَنُّوا عَدُوّاً، فَصَلُّوا صَلاَةَ شِدَّةِ الخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَدُوّاً أَعَادُوا، وكَذَلِكَ إنْ بَانَ أنَّهُ عَدُوٌّ ولَكِنَّهُ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ خَنْدَقٌ ومَا يَمْنَعُ العُبُورَ.
وَإِذَا هَرَبَ مِنَ العَدُوِّ هَرَباً مُبَاحاً أو خَافَ مِنْ سَيْلٍ أو سَبْعٍ جَازَ لَهُ أنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ شِدَّةِ الخَوْفِ. ويَجُوزُ أنْ يُصَلُّوا في شِدَّةِ الخَوْفِ جَمَاعَةً رِجَالاً ورُكْبَاناً. وإِذَا كَانَ طَالِباً لِلْعَدُوِّ، فَهَلْ يُصَلِّي صَلاَةَ شِدَّةِ الخَوْفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
بَابُ مَا يَحْرُمُ لِبَاسُهُ وَمَا يُبَاحُ، وغَيْرِ ذَلِكَ
يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ ثِيَابِ الإِبْرِيْسَمِ (1) ومَا كَانَ غَالِبُهُ الإبْرِيْسَمُ في لِبْسِهِ وافْتِرَاشِهِ / 44 ظ / وغَيْرِ ذَلِكَ، وكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ المَنْسُوجِ بالذَّهَبِ والمُمَوَّهِ بِهِ (2)، فَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتحَالَ لَوْنُهُ، فعَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنِ اسْتَوَى الإِبْرِيْسَمُ ومَا يُنْسَجُ مَعَهُ مِنَ القُطْنِ والكتَّانِ، فَهَلْ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَإِنْ لَبِسَ الإِبْرِيْسَمَ فِي الحَربِ فَهُوَ مُبَاحٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3)، سَوَاءٌ كَانَ بِهِ
حَاجَةٌ إِلَيْهِ أوْ لَمْ يَكُنْ، والأُخْرَى لاَ يُبَاحُ. [وَ] (4) إِذَا لَبِسَهُ لِلْمَرَضِ أو للحَكَّةِ (5)، فَهَلْ يُبَاحُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ولاَ يُبَاحُ لُبْسُ المَنْسُوجِ بالذَّهَبِ ولاَ مَا فِيْهِ التَّصَاوِيْرُ مِنَ الثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ ضَرُوْرَةٍ إلَيْهَا، ويُبَاحُ لُبْسُ مَا فِيْهِ التَّمَاثِيْلُ غَيْرُ المُصَوَّرَةِ. ولاَ يُكْرَهُ حَشْوُ الجِبَابِ والفُرُشِ بالإِبْرِيْسَمِ؛ لأنَّهُ لَيْسَ فِيْهِ خُيَلاَءُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَحْرُمَ لِعُمُومِ الخَبَرِ. ويُبَاحُ (6) عَمَلُ العَلَمِ الحَرِيْرِ في الثَّوْبِ إِذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَما دُوْنَ. وَقَالَ أبو بَكْرٍ في " التَّنْبِيْهِ ": يُبَاحُ، وإنْ كَانَ مُذَهَّباً،
__________
(1) وهو نوع من الحرير، أو الخام منه. انظر: معجم مَتْن اللغة 1/ 272.
(2) المموه: طلي النسيج بالذهب، يقال: موَّهت الشيء: طليته بفضة أو ذهب. انظر: الصحاح 6/ 2251 (موه).
(3) ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رخّص لعبد الرَّحْمَان بن عوف، والزبير بن العوام في قميص الحرير من حكة كَانت بهما.
والحديث أخرجه الطيالسي (1972)، وأحمد 3/ 122 و 127 و 180 و 192 و 215 و 252 و255 و 273، والبخاري 4/ 50 (2919) و7/ 195 (5839)، ومسلم 6/ 143 (2076) (25)، وأبو داود (4056)، وابن ماجه (3592)، والترمذي (1722)، والنسائي 8/ 202، وأبو يعلى (2880) و (3148)، والبيهقي 3/ 268، والبغوي (3105) من حديث أنس بن مالك.
(4) زيادة من عندنا؛ ليستقيم النص.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 32/ب.
(6) فِي الأصل: ((يباع)).(1/108)
وكَذَلِكَ الرِّقَاعُ، وكَذَلِكَ لَبَّةُ الجَيْبِ وسُجُفُ (1) الفِرَاءِ، ولاَ بَأْسَ بِقَبِيْعَةِ (2) السَّيْفِ الذَّهَبِ.
ويَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الخَاتَمِ الذَّهَبِ، ولاَ بَأْسَ بالخَاتَمِ الفِضَّةِ، وهَلْ يُبَاحُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُلْبِسَ الصَّبِيَّ الحَرِيْرَ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3).
ويَجُوزُ أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ الجِلْدَ النَّجِسَ، ويُكْرَهُ لَهُ لُبْسُهُ وافْتِرَاشُهُ، ويُبَاحُ لُبْسُ السَّوَادِ، ويُكْرَهُ لُبْسُ الأَحْمَرِ لِلرَّجُلِ، وهَلْ يُبَاحُ لُبْسُ ثَوْبٍ مِنْ شَعْرِ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
بَابُ صَلاَةِ الجُمُعَةِ
كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ المَكْتُوبَةُ لَزِمَهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ إِذَا كَانَ مُسْتَوْطِناً يَسْمَعُ النِّدَاءَ وبَيْنَهُ وبَيْنَ
الجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيْهِ الجُمُعَةِ فَرْسَخٌ إلاَّ المَرْأَةَ والخُنْثَى والعَبْدَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4) فَلاَ جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهَا وبَيْنَ الظُّهْرِ، والأَفْضَلُ أَنْ لاَ يُصَلُّوا الظُّهْرَ إلاَّ بَعْدَ فَرَاغِ الإِمَامِ مِنْهَا، فَإِنْ تَرَكُوا الفَضِيْلَةَ وصَلُّوا صَحَّتْ ظُهْرُهُمْ (5)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ تَصِحُّ كَمَا لَوْ صَلاَّهَا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الجُمُعَةِ (6).
ولاَ يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ الجُمُعَةُ أو لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ في جَمَاعَةٍ،
__________
(1) السجُف: بكسر السين وفتحها: التّستْر. اللسان (9/ 144، سجف).
(2) القبيعة: هِيَ الَّتِي عَلَى رأس قائم السيف، وَهِيَ الَّتِي يدخل القائم فِيْهَا، وَقِيْلَ: هِيَ مَا تَحْتَ شاربي السيف مِمَّا يَكُون فَوْقَ الغمد فيجيء مَعَ قائم السيف. اللسان (8/ 259، قبع).
(3) انظر: المغني 1/ 629.
(4) اختلف في وجوب الجمعة عَلَى العبد فقط، فقد نقل ابن منصور وصالح: أنه لا جمعة عليه لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
((لا جمعة على عبد)).
الْحَدِيْث أخرجه أبو داود (1067)، والدارقطني 2/ 3، والبيهقي 3/ 172 من حديث طارق بن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((الجمعة حق واجب عَلَى كُلّ مسلم في جَمَاعَة إلا أَربعة: عبد مملوك، أو امرأة أو صبي أو مريض)).
ونقل المروذي عن الإمام أحمد في عبد سأله: أن مولاه لا يدعه، هل يذهب من غَيْر علمه؟ فَقَالَ:
إذا نودي فَقَدْ وجبت عليك وعلى كُلّ مُسْلِم لقوله تَعَالَى: {إِذَا نُوْدِيَ للصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ
فَاسْعَوا} الجمعة: 9. وهذا عام؛ ولأنَّهُ ذَكَرٌ مُقيمٌ صَحِيْح فلزمته الجمعة كالحر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 21/ أ.
(5) كَذَا في الأصل، الفعل بتاء التأنيث، ولعله أنث الفعل عَلَى تقدير محذوف، فيكون أصل الكلام:
((صحت صلاة ظهرهم)).
(6) وعُلِّلَ ذَلِكَ باحتمال زوال أعذارهم فتجب عليهم، واستبعده الزركشي في شرحه. انظر: المغني 2/ 198، وشرح الزركشي 1/ 473.(1/109)
ومَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ أنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وهَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ، عَلَى رِوَايَاتٍ:
إحداهَا: تجُوزُ.
والثَّانِيَةِ: لاَ تَجُوزُ.
والثَّالِثَةِ: تَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً (1).
ويُشْتَرَطُ في انْعِقَادِ الجُمُعَةِ: حُضُورُ أَرْبَعِيْنَ / 45 و / نَفْساً مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الجُمُعَةُ، وَعَنْهُ: حُضُورُ خَمْسِيْنَ، وَعَنْهُ: حُضُورُ ثَلاَثَةٍ (2). فَإِنِ انْفَضُّوا فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ (3) أو بَقِيَ أَقَلُّ مِنَ العَدَدِ المُعْتَبَرِ فِيْهَا، اسْتَأْنَفَ ظُهْراً.
وأَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ، مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا:
حَمْدُ اللهِ تَعَالَى، والصَّلاَةُ عَلَى رَسُوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقِرَاءةُ آيَةٍ فَصَاعِداً، والوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، وحُضُورُ العَدَدِ المَشْرُوطِ في الجُمُعَةِ.
ومِنْ سُنَنِهِمَا: الطَّهَارَةُ، وأَنْ يَتَوَلاَّهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلاَةَ، وَعَنْهُ: أنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِهِمَا (4)، وأَنْ يَكُونَ عَلَى مِنْبَرٍ أوْ مَوْضِعٍ عَالٍ، وأنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ، إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، ويَجْلِسُ إلى أنْ يَفْرَغَ المُؤَذِّنُونَ مِنْ أَذَانِهِمْ، وأَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَائِماً. ويَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أو قَوْسٍ أو عَصًا، وأَنْ يَقْصِدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وأَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا جَلْسَةً خَفِيْفَةً، وأَنْ يُقَصِّرَ الخُطْبَةَ، ويَدْعُو لِلْمُسْلِمِيْنَ.
ولاَ يُشْتَرَطُ في انْعِقَادِ الجُمُعَةِ والعِيْدَيْنِ إِذْنُ الإِمَامِ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يُشْتَرَطُ (5). ومَنْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الجُمُعَةِ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أو مَطَرٍ ونَحْوِهِ إِذَا حَضَرَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وانْعَقَدَتْ بِهِ، ولاَ تَنْعَقِدُ بالمُسَافِرِ، ولاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً فِيْهَا، ولاَ كَذَلِكَ العَبْدُ والصَّبِيُّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وتَصِحُّ إِقامَةُ الجُمُعَةِ في القَرَايا (6) والأَبْنِيَةِ المُتَفَرِّقَةِ إِذَا شَمِلَهَا اسمٌ واحِدٌ، وفِيْمَا قَارَبَ البُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ. وتَصِحُّ إِقامَتُهَا في مَوْضِعَيْنِ مِنَ البَلَدِ مَعَ الحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ، فَإِنْ وَقَعَتَا مَعاً أو لَمْ يُعْلَمِ الأَوَّلَةَ مِنْهُمَا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ،
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 21/ أ.
(3) فِي الأصل: أحداً خطأ.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب.
(6) كذا في الأصل، والذي في لسان العَرَبِ (15/ 180، قرا) ط. القديمة: أنها جمعٌ مفرده قرية، وهو: عيدان من خشب تصنع عَلَى شكل مخصوص توضع في رأس العمود الَّذِي ينصب عليه الخباء. فلعل المصنف استعاره للدلالة عَلَى الأخبية المتفرقة، من باب ذكر الجزء وإرادة الكل.(1/110)
فَإِنْ كَانَ للثَّانِيَةِ مَزِيَّةٌ - لِكَوْنِهَا جُمُعَةَ الإِمَامِ - فهِيَ الصَّحِيْحَةُ، وَقِيْلَ: السَّابِقَةُ الصَّحِيْحَةُ.
ويَجُوزُ فِعْلُ الجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ في الوَقْتِ الَّذِي تُقَامُ فِيْهِ صَلاَةُ العِيْدِ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ (1)، وإِذَا دَخَلَ وَقْتُ العَصْرِ وَهُمْ فِيْهَا أَتَمُّوْهَا جُمُعَةً.
وَصَلاَةُ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، مِنْ سُنَنِهَا الجَهْرُ بالقِرَاءةِ، وأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الفَاتِحَةِ في الأُوْلَى سُوْرَةَ الجُمُعَةِ والثَّانِيَةِ بالمنافقين، وَعَنْهُ أنَّهُ يقرأ فِي الثانية بسَبِّح (2)، وَهُوَ اخْتِيَار أبي بَكْرٍ، ذَكَرَهُ فِي " التَّنْبِيْهِ " (3).
ومَنْ (4) أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، ومَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا دُوْنَ ذَلِكَ أتَمَّهَا
ظُهْراً، وأمَّا (5) الَّذِي يَنْوِي في حَالِ دُخُولِهِ مَعَهُ فَقَالَ الخِرَقِيُّ: ومِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَنْوِيَ ظُهْراً (6)، وَقَالَ ابنُ شَاقْلاَ (7) / 46 ظ /: يَنْوِي جُمْعَةً ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهَا ظُهْراً (8)، وَإِذَا أَحْرَمَ مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ إِنْ أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتَظَرَ حَتَّى يَزُوْلَ الزِّحَامُ ثُمَّ يَسْجُدُ إلاَّ أنْ يَخَافَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يُتَابِعُ الإِمَامَ وتَحْصُلُ الثَّانِيَةُ أَوْلَتُهُ ويُتِمُّهَا جُمْعَةً. فَإِنْ ظَنَّ أنَّهُ لاَ تَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فَسَجَدَ ثُمَّ أَدْرَكَ الإِمَامَ في التَّشَهُّدِ، إذَا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ فَأَتَى بِثَانِيَةٍ وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ وصَحَّتْ جُمْعَتُهُ، وَعَنْهُ: أنْ يُتِمَّهَا ظُهْراً (9)، فَإِنْ تَرَكَ مُتَابَعَتَهُ مَعَ عِلْمِهِ أنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ.
بَابُ هَيْأَةِ الجُمُعَةِ
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الجُمُعَةَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا، وَقِيْلَ: الغَسْلُ وَاجِبٌ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ، والأَفْضَلُ أَنْ يَفْعَلَهُ عِنْدَ الرَّوَاحِ، ويَتَنَظَّفَ (10) بِأَخْذِ شَعْرِهِ وظُفْرِهِ، وقَطْعِ رَائِحَتِهِ (11)، ويَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ - وأَفْضَلُهَا البَيَاضُ - ويَتَعَمَّمَ وَيَرْتَدِي ويَتَطَيَّبَ.
__________
(1) انظر: مختصر الخرقي: 35.
(2) يعني بها: سورة الأعلى.
(3) ذكره ابن الشطبي في مختصر طبقات الحنابلة: 31.
(4) فِي الأصل مكررة.
(5) فِي الأصل: ((مَا الَّذِي)).
(6) مختصر الخرقي: 34.
(7) هُوَ الشَّيْخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا البغدادي البزاز، توفي سنة (369هـ). انظر: تاريخ بغداد 6/ 17، وسير أعلام النبلاء 16/ 292.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.
(9) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.
(10) في الأصل: ((ويتنضف)).
(11) وذلك حَتَّى لا يتأذى جاره في الصَّلاَة.(1/111)
ويُسْتَحَبُّ لَهُ التَّبْكِيْرُ، وأنْ يَأْتِيَهَا مَاشِياً وعَلَيْهِ السَّكِيْنَةُ (1) والوَقَارُ، ويَقْرَأُ سُوْرَةَ الكَهْفِ (2)، ويَدْنُوَ مِنَ الإِمَامِ، ويَتَشَاغَلَ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وتِلاَوَةِ القُرْآنِ، ويُكْثِرَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا (3)، ويُكْثِرُ الدُّعَاءَ في يَوْمِهَا لَعَلَّهُ أنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الإِجَابَةِ.
وَإِذَا أَتَى المَسْجِدَ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ إِمَاماً. فَإِنْ رَأَى بَيْنَ يَدَيْهِ فرْجَةً جَازَ أَنْ يَتَخَطَّى فَيَجْلِسَ فِيْهَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4). والأُخْرَى: يُكْرَهُ، ولَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيْمَ إِنْسَاناً ويَجْلِسَ مَكَانَهُ، إلاَّ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ قَدِمَ صَاحِباً لَهُ لِيَجْلِسَ في مَوْضِعٍ فَيَحْفَظَهُ لَهُ، فَإِنْ بَعَثَ شَيْئاً يُصَلِّي عَلَيْهِ فَفَرَشَهُ في مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَقِيْلَ: لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْفَعَهُ ويَجْلِسَ في المَوْضِعِ، فَإِنْ قَامَ الجَالِسُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.
وإِذَا حَضَرَ والإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيْفَتَيْنِ تَحِيَّةَ المَسْجِدِ. ويَجْلِسُ فَيُنْصِتُ لِلْخُطْبَةِ إنْ كَانَ يَسْمَعُهَا، ويَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى إِنْ كَانَ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُهَا. ولاَ يَتَكَلَّمُ، فَإِنْ تَكَلَّمَ أَثِمَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (5)، وفي الأُخْرَى: لاَ يَأْثَمُ / 47 و/ وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، ولاَ يَحْرُمُ الكَلاَمُ عَلَى الخَاطِبِ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ، ولاَ يُكْرَهُ الكَلاَمُ قَبْلَ الشُّرُوعِ في الخُطْبَةِ وبَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا.
وإِذَا وَقَعَ العِيْدُ في يَوْمِ الجُمُعَةِ اسْتُحِبَّ حُضُوْرُهَا، فَإِنِ اجْتَزَي بِحُضُورِ العِيْدِ عَنِ
__________
(1) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقيمت الصَّلاَة، فَلاَ تأتوها وأنتم تسعون، وَلَكِن ائتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)).
الحديث أخرجه الطيالسي (2350)، وعبد الرزاق (3405)، وأحمد 2/ 239 و 270 و 382 و386، والبخاري 2/ 9 (908)، وفي القراءة خلف الإمام، له (170) و (171) و (172) و (173)، ومسلم 2/ 100 (602) (151)، وأبو داود (573)، والترمذي (327)، وابن خزيمة (1505)
و (1772)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 396، والبيهقي 2/ 297 من حديث أبي هريرة.
(2) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء لَهُ من النور ما بين الجمعتين)). أخرجه الحاكم 2/ 368، البيهقي 3/ 249 من حديث أبي سعيد الخدري.
(3) لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصَّلاَة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ)).
الحديث أخرجه أحمد 4/ 8، والدارمي (1580)، وأبو داود (1047) و (1531)، والنسائي 3/ 91، وابن خزيمة (1733) و (1734)، والحاكم 1/ 278، والبيهقي 3/ 248 من حديث أوس بن أوس.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 21 / أ.(1/112)
الجُمُعَةِ وصَلَّى ظُهْراً جَازَ. وأقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا سِتٌّ.
بَابُ صَلاَةِ العِيْدَيْنِ
صَلاَةِ العِيْدَيْنِ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، فَمَتَى اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا قَاتَلَهُمُ الإِمَامُ.
وأَوَّلُ وَقْتِهَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، وآخِرُهُ إِذَا زَالَتْ. ويُسَنُّ تَقْدِيْمُ الأَضْحَى وتَأْخِيْرُ الفِطْرِ (1)، وأَنْ يَأْكُلَ فِي الفطر قَبْلَ الصَّلاَةِ (2)، ويُمْسِكَ في الأضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ.
ومِنْ شَرْطِهَا: الاسْتِيطَانُ، والعَدَدُ، وإِذْنُ الإِمَامِ، وَعَنْهُ: لاَ يُشْتَرَطُ جَمِيْعُ
ذَلِكَ (3).
ويُسْتَحَبُّ أن يُبَاكِرَ إِلَيْهَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ عَلَى أَحْسَنِ هَيْأَةٍ وأَكْمَلِ زِيْنَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا في الجُمُعَةِ؛ إلاَّ أنْ يَكُوْنَ مُعْتَكِفاً فَيَخْرُجُ في ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، ويَتَأَخَّرُ الإِمَامُ إلى الوَقْتِ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ.
ويُسْتَحَبُّ إِقَامَتُهَا في الصَّحْرَاءِ، وتُكْرَهُ في الجَامِعِ إلاَّ لِعُذْرٍ ولاَ بَأْسَ أَنْ يَحْضُرَهَا النِّسَاءُ، ويَخْرُجُونَ إلَيْهَا مَشَاةً، ويَرْجِعُونَ في طَرِيْقٍ آخَرَ، ويُنَادَى لَهُا: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ.
ويُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ويُكَبِّرُ في الأُوْلَى بَعْدَ تَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ وَدُعَاءِ الافْتِتَاحِ، وَقَبلَ: التَّعَوُّذُ، سِتَ تَكْبِيْرَاتٍ، وفي الثَّانِيَةِ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ السُّجُودِ خَمْسَ تَكْبِيْرَاتٍ (4)، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ، ويَقُوْلُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيْراً، والحَمْدُ للهِ كَثِيْراً، وسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وأَصِيْلاً، وصَلَوَاتُ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وآلِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً.
وإِذَا أَدْرَكَهُ المَأْمُومُ في الرُّكُوعِ أَحْرَمَ وتَبِعَهُ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِقَضَاءِ التَّكْبِيْرَاتِ، ويَقْرَأُ في الأُوْلَى بَعْدَ الفَاتِحَةِ بِـ ((سَبِّح))، وفي الثانية بـ ((الغَاشِيَة))، وتَكُونُ القِرَاءةُ بَعْدَ التَّكْبِيْرَ في الرَّكْعَتَيْنِ، ورَوَى عَنْهُ المَيْمُونِيُّ: أنَّهُ يُوَالِي بَيْنَ القِرَاءتَيْنِ (5)، وَهُوَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ، ثُمَّ يَخْطُبُ بِهِمْ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَي الجُمُعَةِ / 48 ظ/ إلاَّ أنَّهُ يَسْتَفْتِحُ الأُوْلَى بِتِسْعِ تَكْبِيْرَاتٍ، وفي الثَّانِيَةِ بِسَبْعِ تَكْبِيْرَاتٍ، فَإِنْ كَانَ فِطْراً بَيَّنَ لَهُمْ زَكَاةَ الفِطْرِ، وإِنْ كَانَ أَضْحَى بَيَّنَ لَهُمْ حُكْمَ الأُضْحِيَةِ.
__________
(1) لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى عَمْرو بن حزم: ((أن عجل الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس)).
الحديث أخرجه الشافعي في الأم 1/ 386، والبيهقي 3/ 282، من طريق إبراهيم بن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنِي أبو الحويرث.
(2) لما صح عَنْ أنس، قَالَ: كَانَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حَتَّى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً)). أخرجه أحمد 3/ 126، والبخاري 2/ 21 (953)، وابن ماجه (1754)، وابن حبان (2814) وغيرهم.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 22/ ب.
(4) هَذَا سوى تكبيرة القيام.
(5) انظر الشرح الكبير 2/ 242.(1/113)
والخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ، ولاَ يُسَنُّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ صَلاَةِ العِيْدِ ولا بَعْدَهَا في مَوْضِعِ صَلاَةِ العِيْدِ.
ومَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ في التَّشَهُّدِ قَامَ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، يَأْتِي فِيْهَا
بالتَّكْبِيْرِ (1)، فَإِنْ أَدْرَكَهُ في الخُطْبَةِ اسْتُحِبَّ لَهُ أنْ يَجْلِسَ فَيَسْتَمِعَ الخُطْبَةَ، فَإِذَا انْقَضَتْ قَضَى صَلاَةَ العيد. وفي صِفَةِ القَضَاءِ ثَلاَثُ رِوَايَاتٍ:
أَحَدُهَا: يُصَلِّي كَمَا يُصَلِّي مَعَ الإِمَامِ.
والثَّانِيَةُ: يَقْضِيْهَا أَرْبَعاً.
والثَّالِثَةُ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أو أَرْبَعٍ (2).
ويُسَنُّ التَّكْبِيْرُ مِنْ بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الفِطْرِ إلى فَرَاغِ الإِمَامِ مِنَ الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3)، وفي الأُخْرَى إلى خُرُوجِ الإِمَامِ إلى الصَّلاَةِ. وفي الأَضْحَى يَبْتَدِئُ مِنْ صَلاَةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ العَصْرِ فإن كَانَ محرماً بدأ من صلاة العصر وصِفَةُ التَّكْبِيْرِ شَفْعاً: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ ويُكَبِّرُ عَقِيْبَ الفَرَائِضِ سَوَاءٌ صَلاَّهَا جَمَاعَةً أو فُرَادَى، وَعَنْهُ: لا يُكَبِّرُ إِلاَّ عَقِيْبَ الجَمَاعَةِ (4)، ولاَ يُسَنُّ التَّكْبِيْرُ عَقِيْبَ النَّوَافِلِ، وظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - لاَ يُسَنُّ التَّكْبِيْرُ عَقِيْبَ صَلاَةِ العِيْدِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: يُسَنُّ.
وَإِذَا نَسِيَ التَّكْبِيْرَ قَضَاهُ ما لَمْ يُحْدِثْ أو يَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ. ويُسَنُّ التَّكْبِيْرُ في جَمِيْعِ الأَيَّامِ المَعْلُوْمَاتِ، وفي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ يَوْمُ العِيْدِ إلاَّ بَعْدَ الزَّوالِ خَرَجَ مِنَ الغَدِ فَصَلَّى بِهِمُ العِيْدَ.
بَابُ صَلاَةِ الكُسُوفِ (5)
صَلاَةُ الكُسُوفِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. ووَقْتُهَا مِنْ حِيْنِ الكُسُوفِ إلى حِيْنِ التَّجَلِّي، فَإِنْ فَاتَتْ لَمْ تُقْضَ، وهَلْ تُفْعَلُ في أَوْقَاتِ النَّهْيِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
__________
(1) لأنه أدرك بَعْض الصَّلاَة الَّتِي ليست مبدلة من أربع فقضاها عَلَى صفتها كسائر الصلوات. الشرح الكبير 2/ 249.
(2) نقل أبو طالب أنه يقضي أربع ركعات بلا تكبير، ولا خطبة، وهو اختيار الخرقي، ونقل بكر بن مُحَمَّد، وأحمد بن الحسن أنه يصلي ركعتين بتكبير.
ونقل حنبل وصالح: هُوَ مخير إن شاء صلى أربعاً بلا تكبير، وإن شاء صلى ركعتين بتكبير.
انظر: الروايتين والوجهين 23/ أ، والشرح الكبير 2/ 250.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 23/ أ.
(5) كسفت الشمس كسوفاً، أي: احتجبت وذهب ضوءها. انظر: الصحاح 4/ 1421، وتاج العروس 24/ 308 (كسف).(1/114)
والسُّنَّةُ أَنْ تُفْعَلَ في مَوْضِعِ الجُمُعَةِ، ويُنَادَى لَهَا: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ (1)، ويُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، يُحْرِمُ بالأُوْلَى، ويَسْتَفْتِحُ ويَسْتَعِيْذُ ويَقْرَأُ الفَاتِحَةَ وسُورَةَ البَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيْلُ الرُّكُوْعَ، ويُسَبِّحُ بِقَدْرِ مِئَةِ آيَةٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيسَمِّعُ ويَحْمَدُ ويَقْرَأُ بالفَاتِحَةِ وآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ يَرْكَعُ دُونَ الرُّكُوعِ / 49 و / الأَوَّلِ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيُسَمِّع ويَحْمَدُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ يُطِيْلُ التَّسْبِيْحَ فِيْهِمَا بِقَدْرِ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُومُ إلى الثَّانِيَةِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ؛ إلاَّ أنَّهُ يَقْرَأُ بالنِّسَاءِ في القِيَامِ الأَوَّلِ، وبالمَائِدَةِ في الثَّانِي.
فَإِنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ ذَلِكَ قَرَأَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ القُرْآنِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ويَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ، فَيَكُونُ في كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وقِرَاءتَانِ وَرُكُوعَانِ وسُجُوْدَانِ، وَعَنْهُ (2): أنَّهُ يَفْعَلُ في كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَ رُكُوْعَاتٍ - عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا - وسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ تَجَلَّى الكُسُوفُ وَهُوَ في الصَّلاَةِ أَتَمَّهَا غَيْرَ أنَّهُ يُخَفِّفُ.
ويَجْهَرُ بِالقِرَاءةِ، ولاَ يُسَنُّ لَهَا خُطْبَةٌ، وإِذَا لَمْ يُصَلِّ لِخُسُوفِ القَمَرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ خَاسِفاً، أو لَمْ يُصَلِّ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ حَتَّى غَابَتْ كَاسِفَةً، لَمْ يُصَلِّ فِيْهَا؛ لأنَّهُ قَدْ ذَهَبَ وَقْتُ الانْتِفَاعِ بِنُوْرِهِمَا.
فَإِنِ اجْتَمَعَ صَلاَتَانِ بَدَأَ بِأَخْوَفِهِمَا فَوْتاً مِثْلُ الجُمُعَةِ والكُسُوفِ يَبْدَأُ بالكُسُوفِ إذَا كَانَ في أوَّلِ وَقْتِ الجُمُعَةِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا في الفَوْتِ بَدَأَ بِآكَدِهِمَا كَالخُسُوفِ والوِتْرِ قَرِيْبُ الفَجْرِ يَبْدَأُ بالخُسُوفِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَبْدَأَ بالوِتْرِ (3).
وتُصَلَّى هَذِهِ الصَّلاَةُ في الحَضَرِ والسَّفَرِ، جَمَاعَةً وفُرَادَى، بِإِذْنِ الإِمَامِ وغَيْرِ إِذْنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ في ذَلِكَ رِوَاياتٍ بِنَاءً عَلَى صَلاَةِ العِيْدِ.
ويُصَلِّي لِلزَّلْزَلَةِ كَمَا يُصَلِّي لِلْكُسُوفِ، ولاَ يُصَلِّي لِلصَّوَاعِقِ والرِّيْحِ الشَّدِيْدَةِ ومَا أَشْبَهَهَا.
__________
(1) هكذا روت السيدة عائشة - رضي الله عنها وعن أبيها - فَقَالَت: ((إن الشمس خسفت عَلَى عهد رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعث منادياً: الصَّلاَة جامعة، فصلى أربع ركوعات في ركعتين، وأربع
سجدات)).
الحديث أخرجه الحميدي (180)، وأحمد 6/ 32 و 65 و 67 و 87 و 164 و 168، والدارمي (1537)، والبخاري 2/ 42 (1044) و 43 (1046) و48 (1058) و49 (1064) و82 (1212) و4/ 132 (3203)، ومسلم 3/ 27 (901) (1) و28 (901) (2) و (3) و29 (901) (4)، والترمذي (561)، والنسائي 3/ 127 و 128 و 130 و 132، وابن خزيمة (1378) (1379)، وابن ماجه (1263) والطحاوي في شرح المعاني 1/ 327، والبيهقي 3/ 320 و 322، والبغوي (1142)
و (1143) و (1146).
(2) انظر: الروايتين والوجهين 23/ أ.
(3) انظر: كلاماً أوسع عَنْ هَذِهِ المسألة في المغني 2/ 280 - 281.(1/115)
بَابُ صَلاَةِ الاسْتِسْقَاءِ
وَهِيَ مَسْنُونَةٌ وصِفَتُهَا في مَوْضِعِهَا. وأَحْكَامهَا كَصَلاَةِ العِيْدِ، ويُسْتَحَبُّ لَهُ التَّنْظِيْفُ، ولاَ يَتَطَيَّبُ، وإِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ لِذَلِكَ وَعَظَ النَّاسَ وأَمَرَهُمْ بالتَّوْبَةِ مِنَ المَعَاصِي، والخُرُوجِ مِنَ المَظَالِمِ، والصِّيَامِ والصَّدَقَةِ وتَرْكِ التَّشَاحُنِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مُتَوَاضِعاً مُتَخَشِّعاً مُتَذَلِّلاً، ويَخْرُجُ مَعَهُ الشُّيُوخُ والعَجَائِزِ، ويَجُوزُ خُرُوجُ الصِّبْيانِ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ (1).
فَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا وَلَمْ يَخْتَلِطُوا بالمُسْلِمِيْنَ، فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ خَطَبَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلاَةِ، وروِيَ عَنْهُ: أنَّهُ مُخَيَّرٌ.
وروي لاَ تُسَنُّ لها الخُطْبَةُ وإِنَّمَا يَدْعُو، والأَوَّلُ أَصَحُّ (2). فَإِذَا صَعَدَ المِنْبَرَ جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً يَفْتَتِحُهَا بالتَّكْبِيْرِ كَمَا يَفْعَلُ في خُطْبَةِ العِيْدِ، ويُكْثِرُ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ويَقْرَأُ فِيْهَا: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ /50 ظ/ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً - يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً ... الآيَاتِ} (3)، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيْثاً مَرِيّاً هَنِيْئاً مُرِيْعاً غَدَقاً (4) مًجَلَّلاً (5) سَحّاً (6) عَامّاً طَبَقاً دَائِماً. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ ولاَ تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِيْنَ. اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ ولاَ سُقْيَا عَذَابٍ، ولاَ مَحْقٍ (7) ولاَ بَلاَءٍ ولاَ هَدْمٍ ولاَ غَرَقٍ، اللَّهُمَّ [إنّ] (8) بالعِبَادِ والبِلاَدِ والخَلْقِ مِنَ البَلاَءِ والجَهْدِ والضَّنَكِ (9) مَا لاَ نَشْكُوهُ إلاَّ إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، واسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ. اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ والجُوْعَ والعَرِيَّ (10)، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ البَلاَءِ مَا لاَ يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنتَ غَفَّاراً فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَاراً)) (11)، ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ في أَثْنَاءِ الخُطْبَةِ ويُحَوِّلُ رِدَاءهُ، فَيَجْعَلُ مَا عَلَى عَاتِقِهِ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 2/ 287.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 23/ ب.
(3) نوح: 10 - 11.
(4) الغدق: الكثير، والماء الغدق: الماء الكثير. انظر: الصحاح 4/ 1536 (غدق).
(5) أي: يعم الأرض بمائه ونباته. انظر: النهاية 1/ 289.
(6) سحَّ الماء يَسحُ سحّاً، أي: سال من فوق. انظر: الصحاح 1/ 373 (سحح).
(7) المحق: النقص والمحو والإبطال. انظر: النهاية 4/ 303، والصحاح 4/ 1553 (محق).
(8) زيادة يقتضيها السياق.
(9) الضنك: الضيق. انظر: الصحاح 4/ 1598 (ضنك).
(10) الريح الباردة. انظر: المعجم الوسيط: 597.
(11) ذكره الشافعي في الأم 1/ 251 معلقاً من حديث ابن عمر. قَالَ ابن حجر في التلخيص 2/ 105: ((هذا الحديث ذكره الشافعي في"الأم" تعليقاً، فَقَالَ: وروي عَنْ سالم عَنْ أبيه، فذكره ... وَلَمْ نقف لَهُ عَلَى إسناد ولا وصله البيهقي في مصنفاته، بَلْ رواه في " المعرفة " من طريق الشافعي قَالَ: ويروى عَنْ سالم بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وقد روينا بَعْض هذه الألفاظ وبعض معانيها في حديث أنس بن مالك، وفي حديث جابر، وفي حديث عَبْد الله بن جراد، وفي حديث كعب بن مرة، وفي حديث غيرهم)). وانظر: الْمَعْرِفَة 3/ 100.(1/116)
الأَيْمَنِ عَلَى الأَيْسَرِ، ومَا عَلَى الأَيْسَرِ عَلَى الأَيْمَنِ، ولاَ يَجْعَلْ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ، ويَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَ ذَلِكَ، ويَتْرُكُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْزَعُوْنَهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ، ويَدْعُو سِرّاً في حَالِ اسْتِقْبَالِهِ القِبْلَةَ، ثُمَّ يَقُوْلُ في دُعَائِهِ: ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ فَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ مِنَّا كَمَا وَعَدْتَنَا)). وإِنْ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ. فَإِنْ لَمْ يُسْقَوا عَادُوا ثَانِيَاً وثَالِثاً، وإِنْ تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ فَسُقُوا قَبْلَ أنْ يَخْرُجُوا صَلُّوا وشَكَرُوا اللهَ تَعَالَى وسَأَلُوهُ المَزِيْدَ، وهَلْ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الصَّلاَةِ إِذْنُ الإِمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَسْقُوا عَقِيْبَ صَلاَتِهِمْ، ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ في أَوَّلِ المَطَرِ، ويُخْرِجُ رَحْلَهُ وثِيَابَهُ لِيُصِيْبَهَا، وإِذَا سَالَ الوَادِي اغْتَسَلَ مِنْهُ وتَوَضَّأَ.
وإِذَا زَادَ المَطَرُ بِحَيْثُ يَضُرُّهُمْ، أو كَثُرَتِ المِيَاهُ بِحَيْثُ يَخَافُونَ مِنْهَا، فالْمُسْتَحَبُّ أنْ يَدْعُوَ اللهَ تَعَالَى أنْ يَصْرِفَهُ، ويُخَفِّفَهُ، والمُسْتَحَبُّ مِنْ ذَلِكَ: ((اللَّهُمَّ حَوَالِيْنَا ولا عَلَيْنا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ (1) ومَنَابِتِ الشَّجَرِ، رَبَّنَا لاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ، واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنَا وارْحَمْنَا أنْتَ مَوْلاَنا فَانْصُرْنَا /51 و/ عَلَى القَوْمِ الكَافِريْنَ)) (2).
__________
(1) الظراب: الجبال الصغار، واحدها ظَرِب بوزن كَتِف، وقد يجمع عَلَى القلة أظرب. انظر: النهاية 3/ 156، والصحاح 1/ 174 (ظرب).
(2) أخرجه مالك في الموطأ [(448) برواية عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم، (197) برواية سويد بن سعيد، (611) برواية أبي مصعب الزهري، (514) برواية الليثي]، وأحمد 3/ 104 و187 و194 و245 و261 و271 وعبد بن حميد (1282)، والبخاري 2/ 15 (933) و 2/ 34 (1013) و 2/ 35 (1014) و 2/ 36 (1015) و (1016) و (1017) و 2/ 37 (1019) و (1021) و 4/ 236 (3582)، ومسلم 3/ 24 (897) (8) و 3/ 25 (897) (9) (10) (11) (12)،
وأبو داود (1174) (1175)، والنسائي 3/ 159 - 160 و 161 - 162 وفي الكبرى (1818) (1824)، وأبو يعلى (3863)، وابن الجارود (256)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 322 و323، وابن حبان (2857) و (2859)، والسهمي في تاريخ جرجان: 246، وأبو نعيم في دلائل النبوة (371)، والبيهقي 3/ 353 و 354 و 355، وفي دلائل النبوة لَهُ 6/ 140، والبغوي (1168) من طرق عن أنس بن مالك بِهِ، من غَيْر ذكر للآية فيه.(1/117)
كِتَابُ الجَنَائِزِ (1)
بَابُ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ المَوْتِ
يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ ذِكْرُ المَوْتِ (2)، وأَنْ يَكُونَ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، فَإِذَا مَرِضَ اسْتُحِبَّ عِيَادَتُهُ (3)، فَمَتَى رَجَاهُ العَائِدُ دَعَا لَهُ وانْصَرَفَ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يَمُوْتَ رَغَّبَهُ في في التَّوْبَةِ والوَصِيَّةِ.
ويُسْتَحَبُّ لأَهْلِهِ إِذَا رَأَوْهُ مَنْزُوْلاً بِهِ أَنْ يُلْزِمُوهُ أَرْفَقَهُمْ بِهِ، وأَعْرَفَهُمْ بِسِيَاسَتِهِ، وأَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ؛ لِيُذَكِّرَهُ باللهِ تَعَالَى، ويَحُضُّهُ عَلَى الخُرُوْجِ مِنَ المَظَالِمِ والتَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ والوَصِيَّةِ، وأَنْ يَتَعَاهَدَ بَلَّ حَلْقِهِ، بِأَنْ يَقْطُرَ فِيْهِ مَاءً أو شَرَاباً، ويُنْدِيَ شَفَتَيْهِ بِخِرْقَةٍ أو قُطْنَةٍ، ويُلَقِّنَهُ قَوْلَ: ((لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ))، ولاَ يَزِيْدُ عَلَى ثَلاَثٍ، فَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيءٍ أَعَادَ تَلْقِيْنَهُ؛ لِيَكُونَ آخِرَ كَلاَمِهِ (4). ويَكُوْنُ جَمِيْعُ ذَلِكَ في لُطْفٍ ومُدَارَاةٍ، ويَقْرَأُ عِنْدَهُ سُوْرَةَ ((يس)) (5) ويُوَجِّهُهُ إلى القِبْلَةِ عَلَى ظَهْرِهِ طُوْلاً بِحَيْثُ إِذَا قَعَدَ كَانَ وَجْهُهُ إِلَيْهَا.
__________
(1) جمع جنازة، وَهِيَ بالكسر للإنسان الميت، وبالفتح للسرير، فإذا لَمْ يَكُنْ عليه الميت فهو سرير ونعش. انظر: الصحاح 3/ 870، وتاج العروس 15/ 72 (جنز).
(2) لحديث النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات))؛ لأن ذكرَ الموت دائماً يجعل الإنسان مستقيم السير معتدل التعامل كَثِيْر العبادة دوام الاتصال بالله - عز وجل -.
والحديث أخرجه أحمد 2/ 292، وابن ماجه (4258)، والترمذي (2307)، وابن حبان (2992)، وابن عدي في الكامل 5/ 1164، والحاكم 4/ 321، والقضاعي في مسند الشهاب (669)، والخطيب 1/ 384 و 9/ 470 من حديث أبي هُرَيْرَةَ، وانظر: علل الدارقطني 8/ 39، والتلخيص الحبير 2/ 108.
(3) من الأمور المهمة الَّتِي حثّ عليها الإسلام التماسك بَيْنَ المسلمين، فجعل لعيادة المريض الأجر الكبير، فَقَدْ قَالَ عَلِيّ بن أبي طَالِب - رضي الله عنه -: سَمِعْتُ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْل: ((ما من مُسْلِم يعود مسلماً غدوة إلاَّ صلَّى عَلَيْهِ سبعون ألف ملك حَتَّى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملك حَتَّى يصبح، وَكَانَ له خريف في الجنة. والحديث أخرجه هناد في الزهد (372)، وأحمد 1/ 81 و 120، وأبو داود (3099)، وابن ماجه (1442) والترمذي (969)، والبزار (620)، وأبو يعلى (262)، والحاكم 1/ 341 و 349، والبيهقي 3/ 380.
(4) لحديث معاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كَانَ آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة)). والحديث أخرجه أحمد 5/ 247، وأبو داود (3116)، والحاكم 1/ 351.
(5) لما رواه معقل بن يسار عَنْ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ: ((اقرؤوها عَلَى موتاكم))، يعني: يس.
والحديث أخرجه أحمد 5/ 26 و 27، وأبو داود (3121)، وابن حبان (3002) ط الرسالة، والطبراني 20/ (510)، والحاكم 1/ 565، والبيهقي 3/ 383.
ونقل ابن حجر في التلخيص 2/ 110: ((عَن أبي بكر بن العربي، عن الدارقطني أنه قَالَ: هَذَا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب شيء)).
وَقَالَ ابن حبان عقب تخريجه الحديث 7/ 271: ((قوله: ((اقرؤوا عَلَى موتاكم يس))، أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه)).(1/118)
فَإِنْ مَاتَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، وشَدَّ لِحْيَيْهِ، ولَيَّنَ مَفَاصِلَهُ؛ بِأَنْ يَرُدَّ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يلْصِقَهُمَا بِعَضُدَيْهِ، ثُمَّ يَرَدَّهُمَا، ويَرُدَّ سَاقَيْهِ إلى فَخِذَيْهِ، وفَخِذَيْهِ إلى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَرُدَّهُمَا، ويَخْلَعَ ثِيَابَهُ، ويُسَجِّيْهِ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيْعَهُ، ويَجْعَلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةً أَو سَيْفاً (1)، ويُوضَعُ عَلَى سَرِيْرِ غَسْلِهِ مُتَوَجِّهاً مُنْحَدِراً نَحْوَ رِجْلَيْهِ، ويُسارِعُ إلى قَضَاءِ دَيْنِهِ وإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ مِنْهُ، وتَفْرِيْقِ وَصِيَّتِهِ.
ويُسَارِعُ في تَجْهِيْزِهِ؛ إلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ فَجْأَةً، فَيُتْرَكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ بانْخِسَافِ صَدْغَيْهِ (2)، وَمَيْلِ أَنْفِهِ، وانْفِصَالِ كَفِّيْهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ.
بَابُ غَسْلِ الْمَيِّتِ
غَسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِيْنُهُ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِفِعْلِهِ أَبُوْهُ، ثُمَّ جَدُّهُ وإِنْ عَلاَ، ثُمَّ ابْنُهُ وإِنْ نَزَلَ، ثُمَّ الأَقْرَبُ فالأقرب مِنَ العصَابَاتِ، ثُمَّ الرِّجَالُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ ثُمَّ الأَجَانِبُ، ثُمَّ أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ في أَصَحِّ القَوْلَيْنِ (3).
فأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلاَ مَدْخَلَ لأَقَارِبِهَا مِنَ الرِّجَالِ في غَسْلِهَا كَالرَّجُلِ لا مَدْخَلَ لأَقَارِبِهِ مِنَ النِّسَاءِ في (4) / 52 ظ / غَسْلِهِ وَأَوْلَى النَّاسِ بِغَسْلِهَا أُمُّهُا ثُمَّ جَدَّتُهَا ثُمَّ بِنْتُهَا ثُمَّ أُخْتُهَا ثُمَّ عَمَّتُهَا أَوْ خَالَتُهَا ثُمَّ بَنَاتُ أَخِيْهَا ثُمَّ بنات أُخْتِهَا ثُمَّ بَنَاتُ عَمِّهَا ثُمَّ بَنَاتُهُنَّ عَلَى تَرْتِيْبِ الأَقْرَبِ، ثُمَّ الأَجْنَبِيَّاتُ ثُمَّ الزَّوْجُ في الصَّحِيْحِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ، أَو السَّيِّدُ.
فَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ، أو امْرَأَةٍ بَيْن رِجَالٍ أو مَاتَ خُنْثِيٌّ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى يُغْسَلُ في قَمِيْصِهِ، وَيُصَبُّ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِ القَمِيْصِ وَلاَ يُمَسُّ.
وَلاَ يَغْسِلُ الْمُسْلِمُ قَرِيْبَهُ الكَافِرَ ولا يَتَوَلَّى دَفْنَهُ. وَقَالَ أَبُو حَفْص العُكْبُرِيُّ: يَجُوْزُ ذَلِكَ وَحَكَاهُ قَوْلاً لأَحْمَدَ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.
وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ والْمَرْأَةِ غَسْلُ مَنْ لَهُ دُوْنَ السَّبْعِ سِنِيْنَ ذَكَراً كَانَ أو أُنْثَى.
ويُسْتَرُ الْمَيِّتُ عَنِ العُيُوْنِ في حالِ غَسْلِهِ، ولا يَنْظُرُ الغَاسِلُ إلاّ إلى مَا لابُدَّ لَهُ مِنْهُ،
__________
(1) ويجوز وضع أي شيء: حديدة أو طين؛ كيلا تنتفخ بطنه.
(2) الصدغ: مَا بَيْن العين والأذن وَيُسَمَّى أيضاً الشعر المتدلي عَلَيْهَا صدغاً. انظر: الصحاح4/ 1323 (صدغ).
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/أ.
(4) تكررت في الأصل.(1/119)
والأَفْضَلُ أَنْ يَغْسِلَ في قَمِيْصٍ خَفِيْفٍ وَاسِعِ الكُمَّيْنِ وإلاّ فَتَقَ رَأْسَ الدَّخَارِيْص (1) فَإِنْ يُعْذَرْ، جُرِّدَ وَيَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَعِنْدِي: يُجَرَّدُ ويَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ، ويُكْرَهُ أنْ يغسلَ بِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ إلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ إِليهِ الغَاسِلُ لأَجْلِ تأذِّيه بِالبَرْدِ أو لإزَالَةِ أَذًى لا يَزُوْلُ إلاَّ بِهِ ويُسْتَحَبُّ أَنْ يخضب رَأْسَ الْمَرْأَةِ ولِحْيَةَ الرَّجُلِ بَالْحِنَّاءِ، ويَبْدَأُ في غَسْلِهِ وَيَرْفعُ رَأْسهُ بِرِفْقٍ إلى أَنْ يَبْلُغَ بِهِ قَرِيْباً مِنَ الْجُلُوْسِ، وَيمر يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ ثُمَّ يَلفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً ويُنَجِّيْهِ وَلا يَحِلُّ لَهُ مَسُّ عَوْرَتِهِ.
ويُسْتَحَبُّ أَنْ لا يَمَسَّ بَقِيَّةَ بَدَنِهِ إلاّ بِخِرْقَةٍ، ثُمَّ يَنْوِي غَسْلَهُ وَيُسَمِّي ويُدْخِلُ أُصْبُعَهُ مَبْلُولَةً بِالْمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ وَفِي مِنْخَرَيْهِ فَيُنَظِّفهُمَا وَيُوَضِّئُهُ وُضُوْءَ هُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، ثُمَّ لِحْيَتَهُ ولا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ.
وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْمَنَ ثُمَّ الأَيْسَرَ ثُمَّ يُفِيْضُ الْمَاءَ عَلَى جَمِيْعِ بَدَنِهِ ثَلاثاً، ثُمَّ يُمِرُّ يَدَهُ في كُلِّ مَرَّةٍ عَلَى بَطْنِهِ فإِنْ لَمْ يَنْقَ بِالثَّلاثِ زَادَ إلى السَّبْعِ، ولا يَقْطَعُ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ، وَقَالَ الْخِرْقِي: ويَكُونُ في كُلِّ الْمِيَاهِ شَيْءٌ مِنَ السِّدْرِ وَكَانَ ابن حَامِدٍ يَطْرَحُ في الإِنَاءِ الذي فِيهِ مَاءُ الغَسْلِ نُبَذاً مِنَ السِّدْرِ مَا لا (2) يُغَيِّرُهُ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يغسل فِي الْمَرَّةِ الأُوْلَى بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ثُمَّ يَغْسِلُ بِالْمَاءِ القَرَاحِ؛ لأَنَّ أَحْمَدَ - رضي الله عنه - شَبَّهَ غَسْلَهُ بِغَسْلِ الْجَنَابَةِ وَيَجْعَلُ في الغَسْلَةِ الأَخِيْرَةِ كَافُوْراً / 53 و / ويُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ ويَحُفُّ شَارِبُهُ، ويُزَالُ شَعْرُ عَانَتِهِ بِالنُّوْرَةِ أو الْحَلْقِ ولا يُخْتَنُ إِنْ مَاتَ غَيْرَ مَخْتُونٍ.
والفرْضُ مِنْ ذَلِكَ النِّيَّةُ والتَّسْمِيَةُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ويُغَسِّلُهُ بِسِدْرِ القَرَاحِ ثُمَّ يُنَشَّفُ بثوبٍ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ أُعِيْدَ عَلَيْهِ الغَسْلُ إلى سَبْعِ مَرّاتٍ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدِي أَنّهُ يُغْسَلُ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ ويُوَضَّأُ وُضُوءَ هُ لِلصَّلاةِ، ولا تَجِبُ إِعَادَةُ غَسْلِهِ فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ أُلْحِمَ بالقُطْنِ والطِّيْنِ الْحُرِّ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْخُرُوْجُ حُشِيَ بِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ الْمَحَلَّ ويُوضَّأُ، فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْهُ بَعْدَ وَضْعِهِ في أَكْفَانِهِ لَمْ يَعُدْ إلى الغَسْلِ وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ فإِنَّهُ يُيَمَّمُ، وعلى الغَاسِلِ سَتْر مَا يَرَاهُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ حَسَناً.
بَابُ الكَفَنِ
وَيَجِبُ كَفَنُ الْمَيِّتِ في مَالِهِ، ويُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ والوَصِيَّةِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ.
__________
(1) في الأصل: ((دخاريس)) بالسين، والتصويب من مصادر اللغة، ومعناها: ((القميص))، انظر: مختار الصحاح: 200.
(2) اسْتِعْمَال ((لا)) هنا بمعنى ((لَمْ))، وَهُوَ اسْتِعْمَال عَلَى خِلاَف الأفصح.(1/120)
ولا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ كَفَنُ زَوْجَتِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ في ثَلاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ يُبْسَطُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ بَعْدَ أَنْ يُجَمَّرَ بِالعُوْدِ والنَّدِّ (1) والكَافُوْرِ، ويدر الْحَنُوطُ والكَافُوْرُ فِيْمَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُحْمَلُ وَيُوْضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِياً، ثُمَّ يُجْعَلُ الْحَنُوطُ والكَافُوْرُ في قُطْنٍ، ويُجْعَلُ مِنْهُ بَيْنَ إلْيَتَيْهِ بِرِفْقٍ ويُشَدُّ فَوقه خِرْقَةً مَشْقُوقَةَ الطَّرَفِ كالتُّبَّانِ تَأْخُذُ إلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتَهُ، ويُجْعَلُ البَاقِي عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ ومواضِعِ سُجُودِهِ، وإِنْ طُيِّبَ بِالكَافُورِ والصَّنْدَلِ جَمِيْعُ بَدَنِهِ فَحَسَنٌ، ثُمَّ يُبْنَى طَرَفُ اللِّفَافَةِ العُلْيَا عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ يُرَدُّ طَرَفُهَا الآخَرُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ فَيَدْرُجُهُ فِيْهَا إدْرَاجاً ثُمَّ يُفْعَلُ بِالثَّانِيَةِ والثَّالِثَةِ كَذلِكَ ويُجْعَلُ مَا عِنْدَ رأْسِهِ أَكْثَرُ مِمَّا عِنْدَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يُجْمَعُ ذَلِكَ جَمْعَ طَرَفِ العِمَامَةِ فَيُعِيْدُهُ عَلَى وَجْهِهِ ورِجْلَيْهِ إلاَّ أنْ يَخَافَ انْتِشَارُهَا فتعقدها فَإِذَا وُضِعَ في القَبْرِ حَلَّهَا وَلَمْ يَخْرقِ الكَفَن فإِنْ تَعَذَّرَتْ اللفَائِفُ كُفِّنَ في مِئْزَرٍ وَقَمِيْصٍ وَلِفَافَةٍ وَتُكفَنُ الْمَرْأَةِ في خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: إِزَارٍ ودِرْعٍ وَخِمَارٍ ولِفَافَتَيْنِ فإِنْ لَمْ يَجِدْ اجْتُزِئَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ في حَقِّ كُلِّ مَيِّتٍ وَإِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ لَمْ يُلْبَسْ الْمَخِيْط ولا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ وَلَمْ يُقَرَبْ طيْباً / 54 ظ /.
بَابُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ
وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ وأوْلَى النَّاسِ بِهَا وَصِيُّهُ ثُمَّ السُّلْطَانُ ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ من عَصَبَاتِهِ عَلَى مَا بَيَّنا في غَسْلِهِ وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى العَصَبَاتِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا اسْتَوَى اثْنَانُ فِي الدَّرَجَةِ قُدِّمَ أسَنُّهُمَا فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ وَفِي الآخَرِ يُقَدَّمُ أَحَقُّهُمَا بِالإِمَامَةِ فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَإِذَا اجْتَمَعَ جَنَائِز قُدِّمَ إِلَى الإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ فَإِن اخْتلفَ أَنْوَاعُهُمْ فَالرَّجُل مِمَّا يَلِي الإِمَام ثُمَّ العَبْد ثُمَّ الصَّبِيّ ثُمَّ الْخُنْثِيّ ثُمَّ الْمَرْأَة وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الصَّبِيُّ عَلَى العَبْدِ وَقَالَ الْخِرَقِي: يُقَدَّمُ النِّسَاءُ عَلَى الصِّبْيَانِ ويُسَوَّى بَيْنَ رُؤُوسِهِم إن كانوا رجالاً أو نساءً فإن كانوا رجالاً ونساءً جعل وسط المرأة حُذى صدر الرَّجُل لإن السُّنَّة أن يقف الإمام حذى صدر الرَّجُل ووسط المرأة، وَقَالَ شَيْخُنَا: يسوى بَيْنَ رؤوسهم ثُمَّ يَنْوِي ويُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيْرَاتٍ يَقْرَأُ بِالأُوْلَة بالفَاتِحَةِ ويُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الثَّانِيَةِ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ في الثَّالِثَةِ فيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدَنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيْرِنَا وَكَبِيْرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مُتَقَلَّبَنَا وَمَثْوَانَا وأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ. اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَاحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ والسُّنَّةِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهَا. اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وابْنُ عَبْدِيكَ نَزَلَ بِكَ وأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُول بِهِ. اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِناً فَجَازِهِ بإِحْسَانِهِ وإِنْ كَانَ مُسِيْئاً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ. اللَّهُمَّ إِنَّا جِئْنَاكَ شُفَعَاء لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ وَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ واعْفُ عَنْهُ وأَكْرِمْ مَثْوَاهُ
__________
(1) النَّدُّ: ضربُ من الطيب يُدَخَّنُ بِهِ. اللسان (3/ 421، ندد).(1/121)
وأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً لَهُ مِنْ دَارِهِ وَجِوَاراً خَيْراً لَهُ مِنْ جِوَارِهِ وافْعَلْ ذَلِكَ بِنَا وبِجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ. اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ ولا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ. وَيَقُولُ في الرَّابِعَةِ: رَبَّنا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، ويُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِيْنِهِ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ.
وَالوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ النِّيَّةُ والتَّكْبِيْرَاتُ والقِرَاءةُ والصَّلاَةُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ والتَّسْلِيْمَةُ، ولا يُتَابَعُ الإِمَامُ فِيْمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيْرَاتٍ، وَعَنْهُ لا يُتَابَعُ زِيَادَةً عَلَى خَمْسٍ، وَعَنْهُ لا يُتَابَعُ زِيَادَةً عَلَى سَبْعٍ وَمَنْ سَبَقَهُ الإِمَامُ بِبَعْضِ التَّكْبِيْرِ / 55 و / دَخَلَ في الصَّلاَةِ وأَتَى بِمَا أَدْرَكَ فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ كَبَّرَ مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ إِلاَّ أن تُرْفَعُ الْجَنَازَةُ فَيَقْضِيْهِ مُتَوَالِياً فَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقْضيه فَهَلْ تَصِحُّ صَلاَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَى الْجَنَازَةِ صَلَّى عَلَى القَبْرِ إِلَى شَهْرٍ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ غَائِباً عَن البَلَدِ صَلَّى عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ كَمَا صَلَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، عَلَى النَّجَاشِي، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَي البَلَدِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ مِن الْجَانِبِ الآخَر بِالنِّيَّةِ فِي أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، وَلاَ يُصَلِّ الإِمَامُ عَلَى الغَالِ (1) مِنَ الغَنِيْمَةِ، ولا عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ وَإِذَا وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ غُسِلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لا يُصَلَّى عَلَى الْجَوَارِحِ، وَمَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ في مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِيْنَ لَمْ يَغْسِلْ إلاَّ أَنْ يَكُونَ جُنُباً بَلْ يُنْزَعُ عَنْهُ لامَةُ الْحَرْبِ، ويُدْفَنُ في بَقِيَّةِ ثِيَابهِ وَفِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ سَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ أو عَادَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ أو وُجِدَ مَيِّتاً ولا أَثَرَ بِهِ أو جُرِحَ فَتَكَلَّمَ أو أكَلَ أو شَرِبَ ثُمَّ مَاتَ غُسِّلَ وصُلِّيَ عَلَيْهِ.
ولا يُغْسَّلُ مَنْ قُتِلَ ظُلْماً، وَعَنْهُ أنَّهُ يُغْسَّلُ ويُصَلَّى عَلَيْهِ. وَإِذَا بَانَ في السَّقطِ خَلْقُ الإِنْسَانِ غُسِّلَ وصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِذَا اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بمن لا يُصَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى عَلَى الْجَمِيْعِ يَنْوِي بِهِ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ النِّسَاءِ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ جَمَاعَةً.
بَابُ حَمْلِ الْجَنَازَةِ والدَّفْنِ
حَمْلُ الْجَنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، والتَّرْبِيْعُ في حَمْلِهَا أَفْضَلُ مِنْ حَمْلِهَا بَيْنَ العَمُودَيْنِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَبْدَأَ فَيَضَعَ قَائِمةَ السَّرِيْرِ اليُسْرَى عَلَى كَتِفِهِ اليَمِيْنِ مِنْ عِنْدِ رأْسِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ منْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ كَذلِكَ في الْجَانِبِ الآخَرِ يَضَعُ قَائِمَةَ اليَمِيْنِ عَلَى كَتِفِهِ اليُسرى يَبْدأُ بِالرَّأْسِ ويَخْتِمُ بالرِّجْلَيْنِ ويُسْتَحَبُّ الإسْراعُ بِهَا وأَنْ يَكُونَ الْمُشَاةُ أمَامَهَا والرُّكْبَانُ خَلْفَهَا، ولا يَجْلِسُ مَنْ يَتْبَعُهَا حَتَّى تُوضَعَ، وَإِذَا سَبَقَهَا فَجَلَسَ لَمْ يَقُمْ عِنْدَ مَجيِئِهَا. والأَوْلَى أَنْ
__________
(1) الغال: الخائن. انظر: مختار الصحاح: 479.(1/122)
يَتَوَلَّى دَفْنَهَا مَنْ يَتَوَلَّى غَسْلَهُ ويُعَمِّقُ القَبْرَ قَدْرَ قَامَةٍ وَبسْطَةٍ ويَسُلُّ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، ولا يُسْجَى قَبْرُهُ إلاَّ أنْ تَكُونَ امْرَأَةً. وَيَقُولُ الذي يُدْخِلُهُ القَبْرَ: بِسْمِ اللهِ وعلى مِلَّةِ رَسُوْلِ الله. ويَضَعُهُ في اللَّحْدِ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ ويَجْعَلُ تَحْتَ رأْسِهِ لِبِنَةً ثُمَّ يُشَرِّجُ (1) اللَّحْدَ باللَّبِنِ ولا يُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ في تَابُوْتٍ، ولا يُجْعَلُ مَعَهُ في القَبْرِ شَيءٌ مَسَّتْهُ النَّارُ ثُمَّ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ / 56 ظ / بِاليَدِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ يُهَالُ عَلَيْهِ التُّرَابُ، ويُرْفَعُ القَبْرُ عن الأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وتُوضَعُ عَلَيْهِ الْحَصَا، ولا بأْسَ بِتَطْيينِهِ، ويُكْرَهُ تَجْصِيْصُهُ وتَسَنُّمُ القَبْرِ أفضلُ مِنْ تَسْطِيحِهِ، ويُسَنُّ تَلْقِيْنُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ دَفْنِهِ كَمَا رَوَى أبو أُمَامَةَ؛ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَسَوَّيْتُمْ عَلَيْهِ التُّرِابَ فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلاَنَ بنَ فُلاَنَةَ فإنهُ يسمع وَلاَ يجيب ثُمَّ ليقل يَا فُلاَن بن فلانة ثانية فيستوي قاعداً ثُمَّ ليقل يَا فُلاَن بن فلانة فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنَا يَرْحَمُكَ اللهُ، ولَكِنْ لاَ تَسْمَعُوْنَ فَيَقُوْلُ: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ وإنَّكَ رَضِيْتَ باللهِ رَبّاً وبِالإسْلاَمِ دِيْناً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً وبالقُرانِ إِمَاماً، فَإِنَّ مُنْكَراً وَنَكِيْراً يَقُولانِ: مَا يُقْعِدَنا عِنْدَ هَذَا وَقَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُوْلَ اللهِ فإنْ لَمْ يَعْرِف اسْمَ أُمِّهِ قَالَ: فَلْيَنْسِبْهُ إِلَى حَوَّاءَ)) (2)، ولا يُبنَى عَلَى القَبْرِ ولا يُدْفَنُ فِيهِ اثْنَان إلاَّ لِضَرُوْرَةٍ ويُقَدَّمُ الأَفْضَلُ إلى القِبْلَةِ وَإِذَا دُفِنَ مِنْ غَيْر غَسْلٍ أو إلى غَيْرِ القِبْلَةِ نُبِشَ وغُسِّلَ وَوُجِّهَ، وَإِذَا وَقَعَ في القَبْرِ مالَهُ قِيْمَةٌ نُبِشَ وأُخِذَ، فَإِنْ كُفِّنَ الْمَيِّتُ بِثَوبِ غَصْبٍ أو بَلَغَ مَالاً لِغَيْرِهِ، نُبِشَ وأُخِذَ الكَفَنُ وشُقَّ جَوْفُهُ وأُخْرِجَ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ وَفِي الآخَرِ يغرم مِنْ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ ولا يعرض لَهُ وَإِذَا مَاتَت امْرَأَةٌ حَامِلاً لَمْ يُشَقَّ جَوْفُهَا ويَسْطُو عَلَيْهِ القَوَابِلُ وَيُحْتَمَلُ أنْ يُشَقَّ جَوْفُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أنَّ الْجَنِيْنَ يَحْيَا، وَإِذَا مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حامِلاً مِنْ مُسْلِمٍ دُفِنَتْ بَيْنَ مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِيْنَ وأَهْلِ الذِّمَّةِ، ويُجْعَلُ ظَهْرُهَا إلى القِبْلَةِ؛ لأنَّ وَجْهَ الْجَنِيْنِ إلى ظَهْرِهَا، ويُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ القُبُورِ، وَهَلْ يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَقُولُ إذَا مَرَّ بِالقُبُوْرِ أو زَارَهَا: السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِيْنَ وإنَّا بِكُمْ عَنْ قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللهُ لاحِقُونَ، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أجْرَهُمْ ولا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ واغْفِرْ لنَا وَلَهُمْ.
ويُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى القَبْرِ والاتِّكَاءُ عَلَيْهِ، ولا تُكْرَهُ القِراءةُ عَلَى القَبْرِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وأي قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ المُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ.
__________
(1) شَرَّجَ اللَّبِنَ: نضد بعضه إلى بَعْض. اللسان 2/ 110 (شرج).
(2) أَخْرَجَهُ الطبراني فِي " الكبير " (7979)، وزاد السيوطي نسبته فِي " الدر " 5/ 39 إِلَى ابْن منده، وَقَالَ الهيثمي فِي " المجمع " 2/ 324: ((وفي إسناده جَمَاعَة لَمْ أعرفهم))، وَقَالَ ابْن القيم فِي ((الزاد)) 1/ 523: ((لاَ يصح رفعه)).(1/123)
بَابَ البُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ والتَّعْزِيَةِ
/ 57 و/ ويَجُوْزُ البُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ، ويُكْرَهُ النَّدْبُ والنِّيَاحَةُ وَخَمْشُ الوُجُوهِ، وَشَقِّ الْجُيُوْبِ والتَّحَفِّي، ولا بَأْسَ أنْ يَطْرَحَ الْمُصَابُ عَلَى رَأْسِهِ ثَوْباً يُعْرَفُ بِهِ.
ويُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ ويُكْرَهُ الْجُلُوْسُ لَهَا، وَيَقُوْلُ في تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ وأَحْسَنَ عَزَاءَ كَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وَفِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بالكَافِرِ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ وأَحْسَنَ عَزَاءَ كَ.
وَأَمَّا تَعْزِيَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ - رضي الله عنه - عَنْهَا، وَهِيَ تَخْرُجُ عَلَى جَوَازِ عِبَادَتِهِمْ وَفِيْهَا رِوَايَتَانِ. فإذا قُلْنَا: نُعَزِّيْهِمْ فَإِن تَعْزِيَتَهُمْ عَنْ مُسْلِمٍ: أحْسَنَ اللهُ عَزَاءكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وعَنْ كَافِرٍ: أَخْلَفَ اللهُ عَلَيْكَ ولا نَقَصَ عَدَدَكَ ويُسَنُّ لأقْرِبَاءِ الْمَيِّتِ وَجِيْرَانِهِ إِصْلاَحُ طَعَامٍ لأَهْلِهِ ويُكْرَهُ لأَهْلِهِ أنْ يَصْنعُوا طَعَاماً يَجْمَعُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ.
كِتَابُ الزَّكَاةِ (1)
وَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ تَامِّ الْمُلْكِ (2) فأمَّا العَبْدُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ وإِنْ قُلْنَا انَّهُ يَمْلِكُ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتِب، وأمَّا الكَافِرُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ أصْلِيّاً كَانَ أو مُرْتَدّاً وما لَمْ يتم مُلْكُهُ عَلَيْهِ كالدَّيْنِ الذي عَلَى الْمكَاتبِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ.
وَتَجِبُ الزَّكَاةُ في الصِّدَاقِ، وَعِوَضِ الْخلعِ، والأُجْرَةِ قَبْلَ القَبْضِ، وَكَذَلِكَ تَجِبُ في الْمَالِ الضَّالِّ، والْمَغْصُوبِ، والدَّيْنِ عَلَى الْمُمَاطل في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (3) ولا يُلْزِمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَقْبِضَ الْمَالَ. وَفِي الأُخْرَى لا تَجِبُ الزَّكَاةُ في ذَلِكَ ولا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلاَّ في السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيْمَةِ الأنْعَامِ وَهِيَ الإِبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ، وَفِي النَّاضِّ وَهِيَ الذَّهَب والفِضَّة، وفيما يُكَالُ ويُدَّخَرُ مِنَ الزُّرُوعِ والثِّمَارِ، وَفِي قِيَمِ عروض التِّجَارَةِ، وَفِي الْخَارِجِ مِنَ الْمَعْدِنْ. وتَجِبُ الزَّكَاةُ في غَيْرِ الْمَالِ لا في الذِّمَّةِ؛ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الفَقَرَاءِ مِنَ النِّصَابِ بِقَدرِ الغَرَضِ فإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ الآخَرُ لَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَتَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ قُلْنَا الزَّكَاة تتَعَلَّقُ بالغَيْرِ أو بِالذِّمَّةِ.
__________
(1) الزكاة في اللغة: النماء والريع. انظر: لسان العرب 14/ 358 (زكا).
(2) لقوله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} البقرة: 43.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 43/ب - 44/أ، وفيه أن الرِّوَايَة قد اختلفت في الدين المغصوب.(1/124)
وَيَمْنَعُ الدَّينُ وُجُوْبَ الزَّكَاةِ في الأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كَالْمَوَاشِي، والْحُبُوْبِ، والبَاطِنَةِ كالأثْمَانِ. وَعَنْهُ: أنَّهُ يَمْنَعُ في البَاطِنَةِ دُوْنَ الظَّاهِرَةِ (1).
والكَفَّارَةُ: هَلْ تَمْنَعُ الزَّكَاةَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مَأْخُوْذٌ مِنَ الدَّيْنِ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الكَفَّارَةِ؟
عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: الدَّيْنُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الكَفَّارَةِ؛ فَلاَ تَمْنَعُ الكَفَّارَةُ الزَّكَاةَ لِضَعْفِهَا عَنِ الدَّيْنِ. والأُخْرَى لا / 58 ظ / يَمْنَعُ وُجُوبَهَا فَتَمْنَعُ الكَفَّارَةُ الزَّكَاةَ؛ لأنَّهَا أَقْوَى مِنَ الدَّيْنِ (2). ولا يُعْتَبَرُ في وُجُوبِ الزَّكَاةِ إمْكَانُ الأدَاءِ، ولا تَسْقُطُ بِهَلاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ، ولا بِمَوْتِ الْمَالِكِ وما نَتَجَ مِنَ النِّصَابِ في أثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَحَوْلُهُ حَوْلُ النِّصَابِ، والْمُسْتَفَادُ في أَثْنَاءِ الْحَولِ بإرْثٍ أو عَقْدٍ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ. ولا يَبْنِي الوَارِثُ حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ الْمَوْرُوثِ، وَإِذَا نَقَصَ النِّصَابُ في أثْنَاءِ الْحَوْلِ فَلا زَكَاةَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا بِاعَهُ إلاَّ أنْ يَقْصِدَ بِبَيْعِهِ الفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ. فإِنْ بَادَلَ نِصَاباً تَجِبُ الزَّكَاةُ في عَيْنِهَ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ بَنَى حَوْلَ الثَّانِي عَلَى حَوْلِ الأَوَّلِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَقْطَعَ الْحَوْل وَتَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بالنِّصَابِ دُوْنَ العَفْوِ.
بَابُ صَدَقَةِ الإِبِلِ
وَلا شَيءَ في الإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْساً فَتَجِبُ فِيْهَا شَاةٌ. فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْها بَعِيْراً لَمْ يُجْزِهِ. وَفِي العَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي الْخَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاثُ شِيَاهٍ، وَفِي العِشْرِيْن أرْبَعُ شِيَاهٍ.
ولا يُجْزِيء في الغَنَمِ الْمُخْرَجَةِ في الزَّكَاةِ دُوْنَ الْجَذْعِ مِنَ الضَّأْنِ، وَهُوَ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، والثَنيّ مِنَ الْمَعْزِ وَهُوَ مَا لَهُ سَنَةٌ، وَفِي خَمسٍ وَعِشْرِينَ بِنْت مَخَاض وَهِيَ التِي كَمَلَ لَهَا سَنَةٌ، فَإنْ عُدِمَهَا قُبِلَ مِنْهُ ابنٌ لَبُونٌ وَهُوَ مَا لَهُ سَنَتَانِ وَقَدْ حَلَّ في الثَّالِثَةِ، فَإنْ عُدِمَهُ وأَرَادَ الشِّرَاءَ اشْتَرَى بِنْتَ مَخَاض، وَفِي سِتٍ وثَلاَثِيْنَ بِنْتٌ لَبُونٌ وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ، وَفِي سِتَّةٍ وأرْبَعِيْنَ حُقَّةٌ وَهِيَ مَا كَمَلَ لَهَا ثَلاَثَةُ سِنِيْنَ، وَفِي إحْدَى وسِتِّيْنَ جَذَعَةٌ وَهِيَ مَا كَمَلَ لَهَا أرْبَعُ سِنِيْنَ، وَفِي سِتَّةٍ وسَبْعِيْنَ بِنْتٌ لَبُونٌ، وَفِي إحْدَى وتِسْعِيْنَ حُقَّتَانِ.
ولا شَيْءَ في زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِيْنَ وَمِئَةً، فإِذَا زَادَتْ اسْتَوْفَت الفَرِيْضَةَ، فَوَجَبَ في كُلِّ أرْبَعِيْنَ بِنْتٌ لَبُونٌ، وَفِي كُلِّ خَمْسِيْنَ حُقَّةٌ. وَفِي قدرِ الزِّيَادَةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا وَاحِدَةٌ فَتَجِبُ ثَلاَثُ بَناتٍ لَبُون. والثَّانِيَةُ عَشْرَةَ، فَتَجِبُ حُقَّةٌ وبِنْتا لَبُون، ثُمَّ يَحْسِبُ عَلَى ذَلِكَ كُلّمَا زَادَتْ عَشَرَةٌ جُعِلَ مَكانَ ابنةِ لبون حُقَّةٌ (3). وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سنٌّ وَلَيسَ عِنْدَهُ، أَخَذَ
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 43/ب، وفيه أن الرِّوَايَة الأولى هِيَ الأصح.
(2) انظر: المقنع: 50، وَفِيه أنَّ الكفارة كالدّين.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 40/أ.(1/125)
مِنْهُ السَّاعِي سنّاً أَعْلَى (1) مِنْهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ شَاتَيْنِ أو عِشْرِيْنَ دِرْهَماً، أو يَأْخُذَ سنّاً أَسْفَلَ مِنْهُ، وَمَعَهُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِيْنَ دِرْهَماً. ولا يَنْتَقِلُ إلاَّ إلى سنٍّ يلي الوَاجِبَ فإمَّا أنْ يَنْتَقِلَ منْ /59 و/ بِنْتِ لبون إلى الْجَذَعَةِ أو مِنْ حُقَّةٍ إلى بِنْتِ مَخَاض لَمْ يجزْه. والاخْتِيارُ في الصُّعُودِ والنُّزُوْلِ أو الشَّاتَيْنِ والعِشْرِيْنَ دِرْهَماً إلى رَبِّ الْمَالِ، ولا مَدْخَلَ لِلْجِيْرَانِ في غَيْرِ الإِبِلِ؛ لأنَّ النَّصَّ فِيْهَا وَرَدَ. وَإِذَا اتَّفَقَ في الْمَالِ فَرْضَانِ كالْمِئَتَيْنِ، فِيْهَا خَمْسُ بَنَاتِ لبون أو خَمْسُ حُقَّاتٍ فَيَنُصُّ أَحْمَدُ - رضي الله عنه -: أنَّهُ يَجِبُ الْحِقَاقُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وابْنُ حَامِد: يُخْرِجُ رَبُّ الْمَالِ أيَّ الفَرْضيْنِ أَرَادَ، وإنْ كَانَ الآخَرُ أفْضَلَ مِنْهُ.
بَابُ صَدَقَةِ البَقَرِ
ولا شَيْءَ في البَقَرِ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاثِيْنَ، فَتَجِبُ فِيْهَا تَبِيْعٌ أو تَبِيْعَةٌ، وَهُوَ مَا كَمَل لَهُ سَنَةٌ، وَفِي أَرْبَعِيْنَ مسنَّةٌ، وَهِيَ مَا كَمَلَ لَهَا سَنَتَانِ، إلى سِتِّيْنَ فَفَيْهَا تَبِيْعَانِ. وعلى هَذَا أبداً في كُلِّ ثَلاثِيْنَ تَبِيْعٌ، وَفِي كُلِّ أرْبَعِيْنَ مسنَّةٌ.
وَتَجِبُ الزَّكَاةُ في بَقَرِ الوَحْشِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ولا تَجِبُ في الأُخْرَى (2). ولا تَجِبُ الزَّكَاةُ في الظِّباءِ رِوَايَة وَاحِدَة، وتَجِبُ الزَّكَاةُ في الْمُتَولدِ بَيْنَ الوَحْشِيِّ
والأهْلِيِّ، والْجَوامِيْسُ جِنْسٌ مِنَ البَقَرِ.
بابُ صَدَقَةِ الغَنَمِ وغير ذَلِكَ
ولا شَيْءَ في الغَنَمِ حَتَّى تَبْلُغَ أرْبَعِيْنَ، فَتَجِبُ فِيْهَا شَاةٌ، وَفِي الْمِئَةِ وإِحْدَى وعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِئَتَيْنِ وَوَاحِدَة ثَلاثَةُ شِيَاهٍ إلى أرْبِعِ مِئَةٍ، فَتَكُونُ في كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ. وَعَنْهُ أنَّهَا إذَا بَلَغَتْ ثلاثُمِئَةٍ وَوَاحِدَة فَفِيْهَا أرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ في كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ.
والفُصْلانُ (3) والعَجَاجِيْلُ (4) والسِّخَالُ (5) تَتبعُ الأُمَّهَاتِ في الْحَولِ، إذَا كَانَتْ الأُمَّهَاتُ نِصاباً فإن لَمْ تَكُنْ نصاباً لَكِنْ كَمَلَتْ بأَوْلادِهَا في أثْنَاءِ الْحَوْلِ احْتُسِبَ حَولُ الْجَمِيْعِ مِنْ حِيْنِ الكَمَالِ. وَعَنْهُ أنَّهُ يُحْتَسَبُ حَولُ الْجَمِيْعِ مِنْ حِيْنِ مُلْكِ الأُمَّهَات، فإنْ
__________
(1) وَقَدْ ورد في المخطوطة هكذا: ((علا)).
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 39/ب، وفيه أن الرِّوَايَة الأولى هِيَ الأصح، فِيْمَا يذهب جُمْهُور العُلَمَاء إلى القول بعدم وجوب الزكاة. انظر: المغني 2/ 470.
(3) الفصلان: ولد الناقة إذا فصل عن أمهِ. تاج العروس 18/ 59 (فصل).
(4) العجاجيل: جمع عجول والعجول جمع عجل ولد البقر. تاج العروس 8/ 7 (عجل).
(5) السَّخلة: وَلَدُ الشاة من المعز والضأن، ذكراً كَانَ أو أنثى، والجمع سخل وسخال. انظر: لسان العرب 11/ 332 (سخل)، وانظر: المغني 2/ 477(1/126)
مَلَكَ نِصَاباً مِنْ صغار بَهِيْمَةِ الأَنْعَامِ انْعَقَدَ عَلَيْهِ حَولُ الزَّكَاةِ مِنْ حِيْنِ مُلْكِهِ. وَعَنْهُ (1) لا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ سنّاً يُجْزِئُ مِثْلَهُ في الزَّكَاةِ. وَتُؤْخَذُ مِنَ الصِّغَارِ صَغِيْرَةٌ، ومِنَ الكِبَارِ كَبِيْرَةٌ، ومِنَ الْمِرَاضِ مَريْضَةٌ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لا يُؤْخَذُ إلاَّ صَحِيْحَةٌ كَبِيْرَةٌ تُجْزِي في الأُضْحِيَةِ؛ لأنَّ أَحْمَدَ - رضي الله عنه - قَالَ فِي رِوَايَة ابنِ القاسمِ: لاَ يُؤْخَذُ إلاَّ مَا يَجُوْزُ فِي الأَضَاحِي. وإنَّمَا يتَصَوَّرُ أخْذ الصَّغِيْرَةِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنَ الكِبَارِ أكْثَر الْحَولِ، فَتَوَالَدَتْ نِصَاباً، ثُمَّ مَاتَتْ الأُمَّهَاتُ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى الصِّغَارِ. فإِنْ اجْتَمَعَ / 60 ظ / صِغَارٌ، وكِبَارٌ، وصِحَاحٌ ومِرَاضٌ لَمْ يُؤْخَذْ إلاَّ صَحِيْحَةٌ كَبَيْرَةٌ، قِيْمَتُهَا عَلَى قَدْرِ قِيْمَةِ الْمَالَيْنِ. مِثْل أنْ كَانَ قِيْمَةُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ إذَا كَانَ جَمِيْعُ الْمُزَكَّى كِباراً صِحَاحاً عِشْرُوْنَ، وقيْمَتُهُ إذَا كَانَ جَمِيْعُهُ صِغَاراً مِرَاضاً عَشَرَةً، فتخرجُ كَبِيْرَةٌ صَحِيْحَةٌ تُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ في مَاشِيَتِهِ كِراماً ولِئاماً وسِماناً ومَهَازِيْلَ أُخِذَتْ الفَرِيْضَةُ مِن الوَسَطِ عَلَى قَدْرِ قِيْمَةِ الْمَالَيْنِ، فَإنْ كَانَتْ بَخَاتِي (2) وعِرَاباً (3) وَبَقَراً وَجَوَامِيسَ (4) ومَعْزاً وَضَأْناً أُخِذَ الفَرْضُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. وَقَالَ أبو بَكْرٍ: يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ أيِّهِمَا شَاءَ لأنَّهُ جِنْسٌ وَاحدٌ. فَإِنْ كَانَتْ ماشيته ذُكُوراً وإنَاثاً لَمْ يُؤْخَذْ في فَرضِهَا إلاَّ الإنَاثُ إلا في الثَّلاَثِيْنَ مِنَ البَقَرِ، فإنَّهُ يُجْزِئُ الذكر، فإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُوراً جَازَ أنْ يَخْرُجَ مِنْها ذَكَراً في الغَنَمِ وَجْهاً وَاحِداً، وَفِي الإبِلِ والبَقَرِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ. والآخَرُ لا يُجْزِئُ إلاّ الأُنْثَى، كَمَا وَرَدَ النَصُّ.
ولا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ الرُّبَّى وَهِيَ الَّتِي تَرَى وَلَدَهَا، ولا الْمَاخِضُ وَهِيَ الْحَامِلُ، ولا مَا طَرَقَهَا الفَحْلُ لأنَّ الغَالِبَ أنَّ مَا طَرقَهَا الفَحْلُ تَحْبَلُ، ولا الأَكُولةُ وَهِيَ السَّمِيْنَةُ، ولا فَحْلُ الغَنَمِ وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِلضِّرَاب، ولا حَزَرَاتِ الْمَالِ وَهِيَ خِيَارُهُ تَحْزُرُهَا العَيْنُ لِحُسْنِهَا (5)، ولا الْهَرِمَةُ وَهِيَ الكَبِيْرَة، ولا ذَاتِ عَوَرٍ وَهِيَ الْمَعِيْبَةُ (6).
__________
(1) أي عن أحمد بن حَنْبَل - رضي الله عنه -، انظر: المغني 2/ 478.
(2) البخاتي: وَهِيَ الإبل الخراسانية التي تنتج من بَيْن عربية وفالح. انظر: لسان العرب 2/ 10 (بخت).
(3) العِراب: هِيَ الإبل العربية الأصل لَيْسَ فيها عرقٌ هَجِيْنٌ. انظر: المصدر نَفْسه 1/ 379 (عرب).
(4) وَقَدْ وردت في المخطوطة هكذا: ((جواميساً)).
(5) وهذه الأصناف الَّتِي ذكرها المصنف لا تؤخذ لأنها من كرائم الأموال، وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: ((إياك وكرائم أموالهم)).
رَواهُ البُخَارِيّ 2/ 130 (1395) و158 (1496) و3/ 169 (2448)، وَمُسْلِم 1/ 37 (19) (29)، وأبو دَاوُد (1584)، والترمذي (625) (2014)، وابن ماجه (1783)، وَالنَّسَائِيّ 1/ 348. عن ابن عَبَّاس قَالَ: ... فذكر حَدِيث وصيته - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ.
(6) وهذه الأصناف لا تؤخذ لدناءتها؛ وَفِي الحَدِيْث: ((إن الله طيب لاَ يقبل إلا طيباً)).
رَواهُ عَبْد الرزاق (8839)، وأحمد 2/ 328، والدارمي (2720)، وَمُسْلِم 3/ 85 (1015) (65)، والترمذي (2989)، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.(1/127)
ولا يَجُوْزُ أَخْذُ القيمِ في شَيءٍ مِنَ الزَّكَاة، فَإِنْ أخرجَ شَيئاً أعْلَى (1) مِنَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ، مِثل أَنْ يُخْرِجَ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ بِنْتَ لَبُون جازَ ذَلِكَ. وَعَنْهُ: أنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ القِيْمَةِ في الزَّكَاةِ (2).
بَابُ حُكْمِ الْخِلْطَةِ (3)
وَإِذَا اخْتَلَطَ نَفْسَان، أو أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ في نِصَابٍ مِنَ الْمَاشِيَةِ حَوْلاً. فَحُكْمُ زَكَاتِهُمْ كَحُكْمِ زَكَاةِ الوَاحِدِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْخِلْطَةُ خِلْطَةَ عيان. مِثْل: أنْ يَسْتَفِيدُوا مالاً مُشَاعاً بِشِرَاءٍ، أو هِبَةٍ، أو إرْثٍ، أو كَانَتْ خِلْطَةُ أوْصَافٍ مِثْل: أَنْ يَكُونَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَمَيِّزاً فَخَلَطُوهُ واشْتَرَكُوا في: الْمُرَاحِ (4)، والْمَسْرَحِ (5)، والْمَشْربِ، والْمحْلَبِ (6)، والرَّاعِي، والفَحْلُ فإنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْنَا في خِلْطَةِ الأَوْصَافِ بطل حُكْمُهَا (7). ونِيَّةُ الْخِلْطَةِ لَيْسَتْ شَرْطاً (8).
وَقَالَ شَيْخُنا: هِيَ شرط ومَتَى اخْتَلَطَ نَفَسَان فَلَمْ يَثْبُتْ لأحَدِهِما حُكْمُ الانْفِرَادِ بِحَالِ، مِثْلَ أنْ يَشْتَرِكَا، أو يُوْهَبُ لَهُمَا، أو يَرِثَا نِصَاباً مَعاً فَزَكَاتُهُمَا زَكَاةُ الْخِلْطَةِ في كُلِّ حَوْلٍ / 61 و / فَإِنْ ثَبَتْ لَهُمَا حُكْمُ الانْفِرَادِ بِالْحَوْلِ مِثْلُ أنْ يَكُونَ لكل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ وَمَضَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَوْلِ ثُمَّ خَلَطَاهُ لَمْ يحلْ. أمَّا أنْ يَتَّفِقَ حَوْلاَهُمَا، فإِنْ يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أرْبَعِيْنَ مِنَ الغَنَمِ في الْمُحَرَّمِ واخْتَلَطَا في صَفَرٍ، وَحَالَ الْحَوْلُ فإِنَّهُما يزكيان فِي الحول الأول زكاة الإنفراد فيخرج كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا شاة وفيما بَعْدَ ذَلِكَ من السنين
__________
(1) وَقَدْ وردت في المخطوطة هكذا: ((علا)).
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (41/ب).
(3) لما رَواهُ سويد بن غفلة قَالَ: ((جاءنا مصدق النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأخذت بيده، وقرأت في عهده: لا يجمع بَيْن متفرق، ولا يفرق بَيْن مجتمع، خشية الصدقة)).
والحديث أخرجه أحمد 4/ 315، وأبو دَاوُد (1580)، وابن ماجه (1801)، والنَّسائي 5/ 29، والخلطة في المواشي بَيْن الشركاء: هِيَ أن تجعل أموالهم كمالٍ واحدٍ في حق الزكاة.
(4) المراح: بالضم: أي المأوى الذي تأوي إِليهِ الإبل والغنم بالليل. انظر: تاج العروس 6/ 419 (روح).
(5) المسرح: هُوَ المرعى الذي ترعى فيه الماشية. انظر: الشرح الكبير 2/ 534، وتاج العروس6/ 461 (سرح).
(6) هُوَ المكان الذي تحلب فِيهِ الماشية. انظر: الشرح الكبير 2/ 535.
(7) وصار وجود الخلطة كعدمه وَفِي كُلّ واحد عَلَى حدة إذَا بَلَغَ النصاب. وانظر: الشرح الكبير 2/ 536، المقنع: 53.
(8) قَالَ صاحب المحرر 1/ 216: ((عَلَى وَجْهَيْنِ)). وَقَالَ ابن قدامة في الشرح الكبير 2/ 536: ((وحكي عن الْقَاضِي أنه اشترطها)).(1/128)
زكاة الخلطة أَوْ يختلف حولاهما بإن يملك أحدهما فِي أول المحرم والآخر فِي أول صفر ويختلطان فِي أول ربيع فإنه يجب عَلَى كُلّ واحدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ الأَوَّلِ شَاة، وما بَعْدَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْخِلْطَةِ كُلَّمَا تَمَّ عَلَيْهِ حَوْلة نِصْفُ شَاةٍ.
فإِنْ ثَبَتَ لِمَالِ أحَدِهِمَا حُكْمُ الانْفِرَادِ دُوْنَ الآخَر بأَنْ يَمْلِكَ أَحَدُهُمَا أرْبَعِيْنَ شَاةً في الْمُحَرَّمِ، ويَمْلِكُ الآخَرُ أرْبَعِيْنَ في صَفَرٍ، ويَخْلُطُهُا بِغَنِمِ الأوَّلِ، ثُمَّ يَبِيْعُهَا مِنْ آخَرَ في أوَّلِ رَبِيْعٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي مَلَكَ أرْبَعِيْنَ مُخْتَلِطَةً لَمْ يثبت لَهَا حُكْمُ الانْفِرِادِ.
فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الأوَّلِ زَكَّى زَكَاةَ الانْفِرَادِ شَاةً، وإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي زَكَّى زَكَاةَ الْخِلْطَةِ نِصْفَ شَاةٍ، ثُمَّ يُزَكِّيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ زَكَاةَ خِلْطَةٍ كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا وَجَبَ نِصْفُ شَاةٍ.
فَإِنْ مَلَكَ إنْسَانٌ أرْبَعِيْنَ شَاةً وَمَضَى عَلَيْهِ نِصْفُ حَوْلٍ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعاً؛ فَقَالَ أبو بَكْرٍ (1): يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ الأَوَّلُ وَيَسْتَأْنِفَانِ حَوْلاً مِنْ حِيْنِ الْبَيْعِ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا يَنْقَطِعُ، فإذَا تَمَّ حَوْلُ البَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ (2).
وَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُشْتَرِي، فإِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ، وإِنْ قُلْنَا: تَتَعَلَّقُ بِالعين - وَهُوَ الصَّحِيحُ - فإنْ كَانَ البَائِعُ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لأنَّ نِصَابَ الْخِلْطَةِ نَقَصَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، وإِنْ كَانَ أخْرَجَهَا مِنْ غَيْرهِ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ شَاةٍ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا عَلِم عَلَى نِصْفِهَا وَبَاعَهُ في بَعْضِ الْحَوْلِ. فأمَّا إنْ أَفْرَدَ عِشْرِيْنَ وَبَاعَهَا ثُمَّ خَلَطَ هُوَ والْمُشْتَرِي، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يسْتَأنفَانِ الْحَوْلَ.
وَقَالَ شَيْخُنا: يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا مُخْتَلِطَةً؛ لأنَّ هَذَا زَمَانٌ يَسِيْرٌ (3).
وَإِذَا مَلَكَ إنْسَانٌ أرْبَعِيْنَ شَاةً في الْمُحَرَّمِ وأَرْبَعِينَ في صَفَرٍ، فإِذَا حَالَ حَوْلُ الأَوَّلِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ. وَإِذَا حَالَ حَوْلُ الثَّانِي فَعَلَى وَجْهَيْنِ (4): أَحَدُهُمَا: لا زَكَاةَ فِيهِ، والآخر: فِيهِ زَكَاةٌ.
وَما مِقْدَارُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: شَاةٌ / 62 ظ / والثَّانِي: نِصْفُ شَاةٍ (5).
فإِنْ مَلَكَ في صَفَرٍ مَا يُغَيِّرُ الفَرْضَ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ أَحَدَ وَثَمَانِيْنَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ في الثَّانِي إذَا تَمَّ حَولُهُ وَجْهاً وَاحِداً. وَإِذَا كَانَ لإِنْسَانٍ أرْبَعُونَ شَاةٍ في بَلَدٍ، وأَرْبَعُونَ في بَلَدٍ آخَرَ وبَيْنَهُمَا مَسَافَة تقْصرُ فِيْهَا الصَّلاَةَ فَنَصَّ أَحْمَدُ - رضي الله عنه -: أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاتَانِ (6).
__________
(1) قَالَهُ في كِتَاب الخلاف كَمَا في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 41/أ.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: 40/ب، والمقنع: 53، والشرح الكبير 2/ 540، والمحرر 1/ 216.
(3) انظر: المقنع: 53، والمحرر: 1/ 216.
(4) انظر: المقنع: 53، والشرح الكبير 2/ 543، والمحرر 1/ 216 - 217.
(5) انظر: المقنع: 53، والشرح الكبير 2/ 543، والمحرر 1/ 216 - 217.
(6) قَالَ المجد ابن تيمية: ((وَهُوَ المذهب المفتى بِهِ)). المحرر 1/ 216.(1/129)
وإنِ كَانَ في كُلّ بَلَدٍ عِشْرُوْنَ فَلاَ زَكَاةَ، فَجَعَلَ التَّفْرِقَةَ في البَلَدَيْنِ كالتَّفْرِقَةِ في الْمُلْكَيْنِ، وهذا في الْمَاشِيَةِ خَاصَّةً دُوْنَ بَقِيَّةِ الأَمْوَالِ، فأَمَّا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لا تقْصُرُ فِيْهَا الصَّلاَةَ ضَمَّ أَحَدَ الْمُلْكَيْنِ إلى الآخَرِ، وعِنْدِي (1): أنَّهُ يَضُمُّ مُلْكَ الإنْسَانِ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ سَوَاءٌ قَرُبَتِ البُلْدَانُ أو تَبَاعَدَتْ. فَعَلَى هَذَا: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً في كُلِّ بَلَدٍ، مِنْها عِشْرُونَ خِلْطَةً مَعَ عِشْرينَ لِرَجُلٍ آخَرَ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْجَمِيْعِ، فإنَّهُ يَجِبُ في الْجَمِيْعِ شَاةٌ، نِصْفُهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّيْنَ ونِصْفُهَا عَلَى الْخُلَطَاءِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سُدسُ شَاةٍ، وعلى مَنْصُوصِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - إنْ كَانَ بَيْنَ البُلْدَانِ مَسَافَةٌ لا تقْصُرُ فِيْهَا الصَّلاَةَ فالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، تَجِبُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وإنْ كَانَ بَيْنَهُمْ مسَافَةٌ تُبِيْحُ القَصْرَ وَجَبَ ثَلاثُ شِيَاهٍ؛ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّيْنَ شَاةٌ ونِصْفٌ، وعلى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخُلَطَاءِ نِصْفُ شَاةٍ.
ولا تُؤثِّرُ الْخِلْطَةُ في غَيْرِ الْمَواشِي مِنَ الأَمْوَالِ والأَثْمَانِ والْحُبُوبِ والثِّمَارِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، وَفِي الأُخْرَى: تُؤَثِّرُ كَمَا تُؤَثِّرُ في الْمَاشِيَةِ.
ويَجُوزُ لِلسَّاعِي أنْ يَأْخُذَ الفَرْضَ مِنْ أي مَالِ الْخَلِيْطَيْنِ شَاءَ، سَواءٌ دَعَتِ الْحَاجَةُ إلى ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ مَالُ أَحَدِهِمَا صِغَاراً وَمَالُ الآخَرِ كِبَاراً، فإنَّهُ يَجِبُ كَبِيْرَةٌ، أو يَكُونُ مُلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أرْبَعِيْنَ أو سِتِّيْنَ فإِنَّهُ يَأْخُذُ شَاةً، ولا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ إلاَّ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا. أو لَمْ تَدَعْ الْحَاجَةُ بأَنْ يَكُونَ مَالُ كُلِّ واحِدٍ مِئَتي شَاةٍ فَتَجِبُ عَلَيْهِ شَاتَانِ.
فَإِذَا أَخَذَ الفَرْضَ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى خَلِيْطِهِ بِالْقِيْمَةِ، فإِنْ اخْتَلَفَا في قِيْمَةِ الفَرْضِ، فَالْقَولُ قَولُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ إذَا عُدِمَتِ البَيِّنَةُ، فإِنْ أَخَذَ المصدقُ أَكْثَرَ مِنَ الفَرْضِ بِغَيْرِ تأْوِيْلٍ لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادةِ عَلَى خَلِيْطِهِ، وإِنْ كَانَ بِتَأْوِيْلٍ مِثْلُ أَخْذِ الكَبِيْرَةِ مِنَ السِّخَالِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ (3)، وَالصَّحِيْحَةِ عَنِ الْمِرَاضِ عَلَى قَوْلِ عَبْدِ العَزِيْزِ (4) أو أخذ
__________
(1) هَذَا هُوَ اختيار أبي الخطاب، وذكر صاحب الشرح الكبير 2/ 545، لأحمد رِوَايَتَيْنِ، صحح هَذَا الاختيار واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((في أربعين شاة شاة))، والحديث أخرجه أحمد 2/ 14 و 15، والدارمي (1627) و (1633) و (1634)، وأبو دَاوُد (1568) و (1569)، وابن ماجه (1798) و (1805) و (1807)، والترمذي (621)، وابن خزيمة (2267).
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (40/ب)، والشرح الكبير 2/ 546.
(3) انظر: المغني 2/ 479.
(4) هو عَبْد العزيز بن أَبِي حازم بن دينار، الإمام الفقيه، أَبُو تمام المدني، وَكَانَ من أَئِمَّة العِلْم بالمدينة، قَالَ أحمد بن حنبل: لَمْ يَكُنْ بالمدينة بَعْدَ مَالِك أفقه من عَبْد العزيز بن أَبِي حازم. ولد سنة (107) وتوفي سنة (184). انظر: سير الأعلام 8/ 363، ميزان الإعتدال 2/ 626 (5093).(1/130)
قِيمَة الفَرْضِ عَلَى قَوْلِ النُّعْمَانِ (1) رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ.
بابُ زَكَاةِ الزُّرُوْعِ والثِّمَارِ
/63 و/ وَتَجِبُ (2) الزَّكَاةُ في كُلِّ زَرْعٍ يُكَالُ ويُدَّخَرُ سَواءٌ أَكَانَ مُقتاتاً كَالْحِنْطَةِ والشَّعِيْرِ والذُّرَةِ والدُّخْنِ والأَرُزِّ (3) والقِطْنِيَّاتِ كُلِّهَا وَهِيَ: البَاقِلاَّءُ، والعَدَسُ، والْمَاشُ، والْهُرْطُمَانُ (4)، واللُّوْبِيا، والْحِمَّصُ، والتُّرْمُسُ، والسِّمْسِمُ، والشَّهْدَانَجُ (5)، وما أشْبَهَهُ أو غَيْرَ مُقْتَاتٍ كَبَزْرِ الكتَّانِ وَبَزْرِ الفُجْلِ والرَّشَادِ وحَبِّ القُثَّاءِ والْخِيَارِ والبِطِّيْخِ والْخَرْدَلِ والقُرْطُمِ (6) ونَحْوِهِ، والأَبَازِيْرِ (7) مِنَ الكسفرة (8) والكَمُّونِ والكَرَاوْيَا (9) ومَا أشْبَهه. وسَوَاءٌ كَان مِمَّا يُنْبِتُهُ الآدَمِيُّونَ كَالَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، أَو كَانَ مِمَّا يُنْبِتُ بِنَفْسِهِ كبَزْرِ فَطُوْنَاءَ (10)، وحَبَّةِ الخَضْرَاءِ والصَّعْتَرِ (11) والأُشْنَانِ وغَيْرها، وكَذَلِكَ في الثِّمَارِ الَّتِي تُكَالُ وتُدَّخَرُ كَالتَّمْرِ والزَّبِيْبِ واللَّوْزِ والفُسْتُقِ والبُنْدُقِ ونَحْوِ ذَلِكَ. ولاَ تَجِبُ في بَقِيَّةِ الفَوَاكِهِ كَالخَوْخِ والمِشْمِشِ والإِجَّاصِ والكُمَّثْرَى والتِّيْنِ، ولاَ شَيءَ في الخَضْرَاوَاتِ كَالبِطِّيْخِ والقُثَّاءِ والخِيَارِ والبَاذِنْجَانِ والجَزَرِ والسَّلْجَمِ (12) والبَقُوْلِ كُلِّهَا.
__________
(1) انظر: بدائع الصنائع 2/ 41.
(2) الأصل في وجوب الزكاة في ذَلِكَ قوله تَعَالَى: {وآتوا حقه يوم حصاده} (الأنعام: 141)، وقوله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} (البقرة: 267).
(3) في ضبطها ست لغات، انظر: الصحاح 3/ 863 (أرز).
(4) الهرطمان: هُوَ نبات علف، وَيُسَمَّى الشوفان أو الخرخال، انظر: المعجم الوسيط: 982.
(5) لفظة معربة من شاه دانه، ومعناه سلطان الحب، وَهُوَ بذور القنب، وَيُسَمَّى في مصر بالشرانق، أو الشنارق. انظر: معجم متن اللغة 3/ 386، والمعجم الوسيط: 497.
(6) هُوَ حب العصفر. انظر: الصحاح 5/ 201، ولسان العرب 12/ 476 (قرطم).
(7) وَلَمْ يوجب ابن حامد الزكاة فيها. انظر: شرح الزركشي 1/ 634.
(8) كَذا في الأصل، وفي المعاجم: ((كزبرة))، وقد تقال: بالسين: ((كسبرة))، وهو الموافق لما في شرح الزركشي 1/ 634، وفي المغني والشرح الكبير 2/ 549: ((الكسفرة)) وَقِيْلَ هُوَ نبات (الجُلْجَلان) وَهُوَ السمسم، انظر:: تاج العروس 14/ 44 (كسبر).
(9) كَذَا في الأصل، وفي المعاجم: ((الكرويا)) وَهُوَ من الأبزار والاخاويه معروف. انظر: معجم مَتْن اللغة 5/ 59.
(10) عَلَى وزن جَلُوْلاَء، وقد لا تهمز: حبة تستعمل كعلاج، وهكذا يسميها أهل العراق، قَالَ الأزهري: وسألت عَنْهَا البحرانيين فقالوا: نحن نسميها حبة الذرقة، وهي الأسفيوس معرّب. انظر: اللسان 3/ 124، ومعجم مَتْن اللغة 4/ 603 (قطن).
(11) نوع من البقول، وفي بَعْض كتب الطب يكتب بالسين. انظر: اللسان 4/ 457 (صعتر).
(12) هُوَ نبت، وَقِيْلَ: إنه نوع من البقوليات. انظر: اللسان 12/ 301 (سلجم). ولعله: ((اللفت)) المعروف عندنا في العراق، والعامة تقول بالشين والغين: ((شلغم)).(1/131)
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في القُطْنِ (1) والزَّيْتُونِ (2) والعُصْفًرِ والزَّعْفَرَانِ (3)، فَرُوِيَ عَنْهُ: فِيْهَا الزَّكَاةُ، وَرُوِيَ عَنْهُ: لا زَكَاةَ فِيْهَا، ويَتَخَرَّجُ الوَرْسُ والعُصْفُرُ عَلَى وَجْهَيْنِ قِيَاساً عَلَى الزَّعْفَرَانِ، ولاَ زَكَاةَ في جَمِيْعِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَاباً قَدَرُهُ - بَعْدَ التَّصْفِيَةِ في الحُبُوبِ، والجَفَافِ في الثِّمَارِ - خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، والوَسقُ (4): سِتُّوْنَ صَاعاً، والصَّاعُ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثُلُثٌ بالعِرَاقِيِّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَلْفاً وسِتَّمِئَةِ رَطْلٍ (5)، إلاَّ أَنَّ الأرُزَّ والعَلَسَ - هُوَ نَوعٌ مِنَ الحِنْطَةِ يُدَّخَرُ في قِشْرِهِ (6) - فَإِنَّ نِصَابَهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ مَعَ قِشْرِهِ، وَرَوَى عَنْهُ الأَثْرَمُ: أنَّهُ يُعْتَبَرُ نِصَابُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ والكَرْمِ رُطَباً وعِنَباً (7)، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنا، والأَوَّلُ أَصَحُّ.
__________
(1) نقل أبو داود عدم وجوب الزكاة فيها، وهو اختيار أبي بكر؛ لأنَّهُ غَيْر مكيل فَلاَ زكاة فِيْهِ كسائر الخضروات، ونقل يعقوب بن بختان فِيْهِ الزكاة لعموم قوله: ((فِيْمَا سقت السماء العشر)). انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 42/ ب، ومسائل أبي داود: 79.
والحديث أخرجه البخاري 2/ 155 (1483)، وأبو داود (1596)، وابن ماجه (1817)، والترمذي (640)، والنسائي 5/ 41، وابن خزيمة (2307) و (2308)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 36، والطبراني في الكبير (13109)، والدارقطني 2/ 130، والبيهقي 1/ 130، والبغوي (1580) من حديث ابن عمر.
(2) نقل يعقوب بن بختان أن ليس فيه صدقة؛ لأنه لا يدخر في العادة فأشبه التين، ونقل صالح أن عليها العشر إذا بلغ ستين صاعاً. انظر: الروايتين والوجهين 42/ أ.
(3) نقل يعقوب بن بختان روايتين، أحدهما: لا زكاة وهو اختيار أبي بكر؛ لأنَّهُ غَيْر مكيل أشبه الفواكه، والثانية فيه الزكاة. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 42/ ب.
وَقَالَ أبو يعلى بَعْدَ نقل الروايات: ((والصحيح المذهب في هذه الأشياء وافق الأصل الَّذِي اعتبرناه من الكيل والإدّخار)).
(4) بفتح الواو وكسرها. انظر: شرح الزركشي 1/ 637، وتهذيب الأسماء واللغات 3/ 191.
(5) الرطل العراقي يساوي بالتقريب 130 درهماً شرعياً، والدرهم يساوي 2. 405522 غم، فيكون النصاب 208000 درهماً شرعياً، ويساوي 500. 348 كغم تقريباً. انظر: الشرح الكبير 2/ 556، ومعجم متن اللغة 1/ 86 - 87 و 3/ 516، والمعجم الوسيط: 528.
(6) انظر: المعجم الوسيط: 621.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 42/ أ. واستدل بحديث رواه سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد، قال:
لما بعثني رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة، قَالَ: ((اخرص عليهم العنب وخذ منهم زبيباً كَمَا تخرص عليهم الرطب وتأخذ منهم تمراً)). والحديث أخرجه أبو داود (1603) و (1604)، وابن ماجه (1819)، والترمذي (644)، وابن الجارود (2316) و (2318)، وابِن خزيمة (2316)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 39، وابن حبان (3278) و (3279)، والطبراني في الكبير 17/ (424)، وفي الأوسط (8832)، والدارقطني 2/ 132، والحاكم 3/ 595، والبيهقي 4/ 121 و 122. والحديث فيه
انقطاع؛ لأن سعيد بن المسيب لَمْ يلقَ عتاب بن أسيد.(1/132)
ويَجِبُ في العَسَلِ العُشْرُ سَوَاءٌ كَانَ في أَرْضٍ خِرَاجِيَّةٍ أو غَيْرِهَا، وسَوَاءٌ أَخَذَهُ
مِنْ مَوْضِعٍ يَمْلِكُهُ أو لاَ يَمْلِكُهُ كَرُؤُوسِ الجِبَالِ والمَواتِ كُلِّهَا، ويُعْتَبَرُ قَدْرُ النِّصَابِ ومِقْدَارُهُ عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: الفَرْقُ (1): سِتُّونَ رَطْلاً، وَقَالَ شَيْخُنَا: سِتَّةٌ وَثَلاَثُوْنَ رَطْلاً (2)، وأمَّا نِصَابُ الزَّعْفَرَانِ والقُطْنِ والزَّيْتُونِ فَلاَ نَصَّ فِيْهِ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - (3)، وَقَالَ شَيْخُنَا (4): يَتَوَجَّه أَنْ يَجْعَلَ نِصَابَهُ مَا يَبْلُغُ قِيْمَتُهُ قِيْمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أدْنَى مَا تُخْرِجُهُ الأَرْضُ مِمَّا تَجِبُ فِيْهِ الزَّكَاةُ (5)، وكَذَلِكَ عِنْدِي: الوَرْسُ والعُصْفُرُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: العُصْفُرُ تَبَع القُرْطُمِ (6) فَإِنْ بَلَغَ القُرْطُمُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فَفِيْهِ الزَّكَاةُ / 64 ظ /. والعُصْفُرُ تَبَعٌ لَهُ، وإِلاَّ فَلاَ زَكَاةَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وتُضَمُّ الحُبُوبُ بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ في إِكْمَالِ النِّصَابِ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ (7)، وفي الثَّانِيَةِ: تُضَمُّ الحِنْطَةُ إلى الشَّعِيْرِ، والقُطْنِيَّاتُ كُلُّهَا بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ. وفي الثَّالِثَةِ: يُعْتَبَرُ النِّصَابُ في كُلِّ نَوْعٍ عَلَى انْفِرَادِهِ.
وتُضَمُّ ثَمَرَةُ العَامِ الوَاحِدِ بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ وَقْتُ إِطْلاَعِهَا وَإِدْرَاكِهَا أو اخْتَلَفَ، فَيُقَدِّمُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ في ذَلِكَ، وسَوَاءٌ كَانَتْ في بَلَدٍ وَاحِدٍ أو في بَلَدَيْنِ، وكَذَلِكَ زَرْعُ العَامِ الوَاحِدِ فَإِنْ كَانَ نَخْلٌ يَحْمِلُ في السَّنَةِ حِمْلَيْنِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يُضَمُّ أحَدُ الحِمْلَيْنِ إلى الآخَرِ في إِكْمَالِ النِّصَابِ، وعِنْدِي أنَّهَا تُضَمُّ (8)؛ لأَنَّهَا ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ كَمَا يُضَمُّ زَرْعُ العَامِ الوَاحِدِ، ولاَ يُعْتَبَرُ في الحُبُوبِ والثِّمَارِ حَوْلَ الحَوْلِ.
وإذَا اخْتَلَفَ ثِمَارُهُ فكَانَ مِنْهَا الجَيِّدُ والرَّدِيءُ والوَسَطُ، أَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوعٍ مَا يَخُصُّهُ إِلاَّ أَنْ يَشُقَّ [عَلَيْهِ] (9) ذَلِكَ؛ لِكَثرَةِ الأَنْوَاعِ واخْتِلاَفِهَا فَيُؤْخَذُ مِنَ الوَسَطِ.
ويَجِبُ العُشْرُ فِي مَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ كَالسُّيُوْحِ والغُيُوثِ ومَا يُشْرَبُ بِعُرُوْقِهِ
__________
(1) بسكون الراء وفتحه. انظر: اللسان 10/ 305.
(2) انظر: المغني 2/ 578.
(3) نقل صالح عنه: أن في الزيتون العشر إذا بلغ ستين صاعاً. ونقل يعقوب بن بختان عنه: أن في الزعفران والقطن العشر. انظر: الروايتين والوجهين 42/ ب، والمغني 2/ 557.
(4) انظر: المغني 2/ 557.
(5) انظر: المغني 2/ 557.
(6) القرطم: نبات زراعي صبغي من الفصيلة المركبة، يستعمل زهره تابلاً وملوِّناً للطعام ويستخرج منه صباغ أحمر. المعجم الوسيط: 727.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 42/ ب.
(8) انظر: الشرح الكبير 2/ 558.
(9) زيادة غَيْر موجودة فِي المخطوط اثبتناها ليستقيم الكلام.(1/133)
كالبَعْلِ (1)، ونِصْفُ العُشْرِ فِيْ مَا سُقِيَ بالمُؤَنِ كالدَّوَالِي والنَّوَاضِحِ، فَإِنْ سُقِيَ نِصْفُهُ بِهَذَا ونِصْفُهُ بِهَذَا وَجَبَ فِيْهِ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ العُشْرِ، فَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي رِوَايَةِ المَرْوَذِيِّ (2): يُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهِمَا، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ (3): يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ بالقِسْطِ. فَإِنْ جَهِلَ المِقْدَارَ غلّبنَا إِيْجَابُ العُشْرِ احْتِيَاطاً نَصَّ عَلَيْهِ (4)، ويَجِبُ فِيْمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ، ويَجِبُ إِخْرَاجُ الوَاجِبِ مِنَ الحُبُوبِ مُصَفّى (5) ومِنَ الثِّمَارِ [يَابِساً] (6)، سَوَاءٌ قُلْنَا: يُعْتَبَرُ نِصَابُهُ تَمْراً وزَبِيْباً ورَطْباً وعِنَباً.
وَإِذَا بَدَا الصَّلاَحُ في الثِّمَارِ واشْتَدَّ الحَبُّ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ (7)، فَإِنِ احْتِيْجَ إلى قَطْعِ ذَلِكَ قبلَ كَمَالِهِ للخَوْفِ مِنَ العَطَشِ، ولِضَعْفِ الجِمَارِ، أو كَانَ رَطْباً لاَ يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ [كَالحَسْنَوِيِّ] (8) والبرنبا (9)، أو عِنَباً لاَ يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيْبٌ كالخمريِّ، فَفِيْهِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَ نِصَاباً، ولاَ يُؤْخَذُ مِنْهُ إلاَّ يَابِساً، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ (10) - رَحِمَهُ اللهُ - واخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ في الخِلاَفِ (11).
وقَالَ شَيْخُنَا (12): يُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ قِسْمَتِهَا مَعَ رَبِّ المَالِ / 65 و / قَبْلَ الجَذاذ
وبَعْدَهُ، وبَيْنَ بَيْعِهَا مِنْهُ أو مِنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ قَطَعَ رَبُّ المَالِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا لِغَرَضٍ
__________
(1) هُوَ النخل الذي يشرب بعروقه فيستغنى عَن السقي والغيث. انظر: الصحاح 4/ 1635، واللسان 11/ 58 (بعل).
(2) هو أبو بكر أحمد بن مُحَمَّد بن الحجاج المروذي، رَوَى عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، وأسند عنه أحاديث صالحة، توفي سنة (275 هـ). انظر: تاريخ بغداد 4/ 423، وطبقات الحنابلة 1/ 247، وسير أعلام النبلاء 13/ 173.
(3) انظر: المغني 2/ 561.
(4) في رواية عَبْد الله. الشرح الكبير 2/ 563.
(5) بعد هَذَا في الأصل عبارة: ((ومن الثمار مصفى))، وأغلب الظن أنها مقحمة من الناسخ، فإن الثمر لا يصفى، بَل الواجب إخراج زكاته يابساً. انظر: المقنع: 55، والشرح الكبير 2/ 566.
(6) فِي الأصل تكررت العبارة كالأتي: ومن الثمار مصفىً، ومن الثمار يابساً.
(7) قَالَ ابن أبي يونس: تجب زكاة الحب يوم حصاده، لقوله - عز وجل -: {آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه} (الأنعام: 141).
(8) هَذِهِ اللفظة غير مقروءة في الأصل، وما أثبتناه من المبدع 2/ 349 وهو نوع من التمر. وهناك توع آخر يدعى (الجناسري) ذكره ابن سيده، وقال صاحب اللسان: أشد نخلة بالبصرة تأخراً. انظر: المخصص 3/ 134، واللسان 4/ 149 (جنسر).
(9) هَكَذَا فِي الأصل ((والبرنبا)) ولعل المصنف - رَحِمَهُ اللهُ - أراد: البرني: وَهُوَ ضربٌ من التمر أصفر مُدَوَّر، وَهُوَ أجود التمر، واحدته: برنية. اللسان 13/ 49 (برن).
(10) انظر: المغني 2/ 567.
(11) انظر: الشرح الكبير 2/ 567.
(12) انظر: الشرح الكبير 2/ 567.(1/134)
صَحِيْحٍ، مِثْلُ: أَنْ يَأْكُلَهَا أَوْ يَبِيْعَهَا خِلاَلاً أو يُخَفِّفَ عَنِ النَّخْلِ لِيَحْسُنَ بَقِيَّةُ الثَّمَرَةِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيْمَا قَطَعَهُ (1)، وإِنْ قَطَعَهَا لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيْحٍ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ.
وَإِذَا أَرَادَ رَبُّ المَالِ أَنْ يَتَصَرَّفَ في الثَّمَرَةِ قَبْلَ الجَذاذِ خَرَصَ (2) عَلَيْهِ، وضَمِنَ نَصِيْبَ الفُقَرَاءِ ثُمَّ يَتَصَرَّفُ، فَإِنِ ادَّعَى هَلاَكَهَا لِحَاجَةٍ أو نَهْبٍ أو سَرِقَةٍ، فَالقَوْلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِيْنٍ (3)، فَإِنْ جَذَّهَا وَجَعَلَهَا في الجَرِيْنِ (4)، وضَمِنَ للسَّاعِي نَصِيْبَ الفُقَرَاءِ، ثُمَّ ادَّعَى تَلَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ. ويَنْظُرُ الخَارِصُ في النَّخْلِ، فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعاً خَرَصَ عَلَيْهِ كُلَّ نَخْلَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وإِنْ كَانَ نَوْعاً واحِداً جَازَ أَنْ يَخْرُصَ الجَمِيْعَ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وأَنْ يَخْرُصَ كُلَّ نَخْلَةٍ مُنْفَرِدَةٍ.
ويَجِبُ عَلَى الخَارِصِ أنْ يَتْرُكَ لِرَبِّ المَالِ الثُّلُثَ أو الرُّبُعَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ جَازَ لِرَبِّ المَالِ أَنْ يَأْكُلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ ولاَ يُحتَسبُّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا الثُّلُثَ أو الرُّبُعَ، فَإِنَّ في المَالِ العُرْيَةَ والأَكلَةَ والوَصِيَّةَ)) (5).
ويَجُوزُ لأَهْلِ الذِّمَّةِ شِرِيُّ الأَرَاضِي العُشْرِيَّةِ ولاَ عُشْرَ عَلَيْهِمْ في الخَارِجِ مِنْهَا في
__________
(1) وهذا نص صريح في بقاء الزكاة فيما لَمْ يقطعه.
(2) الخرص لغة: الحزر والتخمين، والقول بغير علم، ومنه قوله تَعَالَى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} (الذريات: 10).
وشرعاً: حزر ما يجيء عَلَى النخل من الرطب تمراً أو العنب. انظر: الصحاح 3/ 1035، وتاج العروس 17/ 544 (خرص).
(3) قَالَ أحمد: ((لا يستحلف الناس عَلَى صدقاتهم))؛ وذلك لأنه حق لله تَعَالَى فَلاَ يستحلف فيه كالصلاة والحد. المغني والشرح الكبير 2/ 565.
(4) الجرين: الموضع الَّذِي يداس فيه البُرّ ونحوه، وتجفف فيه الثمار. انظر: اللسان13/ 87، والمعجم الوسيط 119 (جرن).
(5) أخرجه الطيالسي (1234)، وأبو عبيد في الأموال (1448)، وابن أبي شيبة (36198)، وابن زنجويه في الأموال (1992) و (1993)، وأحمد 3/ 448 و 4/ 2 و 3، والدارمي (2622)، وأبو داود (1605)، والترمذي (643)، والنسائي 5/ 42، وابن الجارود (352)، وابن خزيمة (2319) و (2320)، وابن حبان (3280)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 39، والطبراني (5626)، والحاكم 1/ 402، والبيهقي 4/ 123، والمزي في تهذيب الكمال 4/ 469 من حديث سهل بن أبي حثمة.
والحديث: ضعيف لضعف عبد الرَّحْمَان بن مسعود.
والجزء الثاني من الحديث لَمْ يرد في التخريج.
وأخرج البيهقي 4/ 123 من حديث نظير الأنصاري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يخرص العرايا، ولا أبا بكر، ولا عمرَ - رضي الله عنهما -.
وأخرج أيضاً من حديث أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُوْل =(1/135)
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1). وفي الأُخْرَى (2): لاَ يَجُوزُ لَهُمْ شِرَاؤهَا، فَإِنْ خَالَفُوا واشْتَرَوا صَحَّ الشِّرَاءُ، وضُرِبَ عَلَيْهِمْ عَلَى زُرُوْعِهِمْ وثِمَارِهِمْ عُشْرَيْنِ، وإِذَا ضَرَبَ الإِمَامُ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلُبَ مَكَانَ الجِزْيَةِ عُشْرَيْنِ في زُرُوعِهِمْ وثِمَارِهِمْ، ثُمَّ أسْلَمُوا أو بَاعُوا الأَرْضَ مِنْ مُسْلِمٍ سَقَطَ أَحَدُ العُشْرَيْنِ، ويُؤْخَذُ الأَجْرُ عَلَى سَبِيْلِ الزَّكَاةِ، ويَجْتَمِعُ العُشْرُ والخَرَاجُ في كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً، فَيَكُونُ الخَرَاجُ في رُقْبَتِهَا، والعُشْرُ في غَلَّتِهَا.
وإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضاً فَزَرَعَهَا فَالعُشْرُ عَلَى المُسْتَأْجِرِ دُوْنَ مَالِكِ الأَرْضِ، وإِذَا أَعْطَى عُشْرَ زَرْعِهِ وَثَمَرَتِهِ مَرَّةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عُشْرٌ آخَرُ، وإنْ حَالَ عِنْدَهُ أَحْوَالاً.
بَابُ زَكَاةِ النَّاضِّ (3)
لاَ زَكَاةَ في الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِيْنَ مِثْقَالاً، فَيَجِبُ فِيْهِ رُبْعُ العُشْرِ - نِصْفُ مِثْقَالٍ -، ولا في الفِضَّةِ حَتَّى يَبْلُغَ مِئَتَي دِرْهَمٍ / 66 ظ / فَيَجِبُ فِيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، ومَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ فِيْهِمَا فَبِحِسَابِهِ. فَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ عَنْ ذَلِكَ نُقْصَاناً يَسِيْراً كَالحَبَّةِ والحَبَّتَيْنِ وجَبَتِ الزَّكَاةُ؛ لأنَّهُ لاَ يُضْبَطُ في الغَالِبِ، فَهُوَ كَنُقْصَانِ الحَوْلِ سَاعَةً وسَاعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ نُقْصَاناً بَيِّناً كَالدَّانَقِ (4) والدَّانَقَيْنِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (5):
إحَداهُمَا: تَسْقُطُ، والأُخْرَى: لاَ تَسْقُطُ، ويُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّصَابِ في جَمِيْعِ الحَوْلِ في النَّاضِّ والمَوَاشِي وعُرُوْضِ التِّجَارَةِ، فَإِنْ نَقَصَ في بَعْضِهِ لَمْ تَجِبْ فِيْهِ الزَّكَاةُ، ولاَ يُضَمُّ الذَّهَبُ إلى الفِضَّةِ في إِكْمَالِ النِّصَابِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، وفي الأُخْرَى: يُضَمُّ، ويَكُونُ ضَمُّهُ بِالأَجْزَاءِ لاَ بالقِيْمَةِ، وقِيْلَ: يَكُوْنُ ضَمُّهُ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ مِنَ الأَجْزَاءِ أو
__________
= للخرص: لا تخرصوا العرايا)).
والحديثان كلاهما مرسل.
وَقَالَ ابن حجر في التلخيص 2/ 182: ((ومن شواهده ما رواه ابن عبد البر في (التمهيد 6/ 472) من طريق ابن لهيعة، عَنْ أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً: ((خففوا في الخرص، فإن في المال العرية والواطئة والأكلة)).
(1) انظر: المقنع: 56.
(2) في الأصل: ((الأخرين))، وما أثبتناه هُوَ الأصوب.
وروي عَن الإمام أحمد: أنهم يمنعون من شرائها، وهو اختيار الخلال. انظر: الشرح الكبير 2/ 576.
(3) هذه تسمية أهل الحجاز للدنانير والدراهم. الصحاح 3/ 1107 (نضض)، وانظر: تاج العروس 19/ 75.
(4) الدانق: سدس الدرهم. ويقال له أيضاً: داناق. الصحاح 4/ 1477 (دنق).
(5) نقل الروايتين: عبد الله بن أحمد. انظر: مسائل عبد الله 2/ 543، والروايتين والوجهين 43/ أ.
(6) نقل المروذي وابن إبراهيم أنه يضم؛ لأن زكاتها ربع العشر في عموم الأحوال، ونقل حنبل وسندي: أنّه لا يضم؛ لأنهما جنسان أشبه التمر والزبيب. انظر: الروايتين والوجهين 43/ أ.(1/136)
القِيْمَةِ. فَإِنْ مَلَكَ ذَهَباً مَغْشُوشاً، أو فِضَّةً مَغْشُوشَةً فَلاَ زَكَاةَ فِيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ مِقْدَارُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ نِصَاباً، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدَرَ مَا فِيْهِ مِنْهُمَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْبِكَهُمَا لِيَعْرِفً قَدَرَ الوَاجِبِ فَيُخْرِجَهُ، وبَيْنَ أنْ يَسْتَظْهِرَ ويُخْرِجَ؛ لِيَسْقُطَ الغَرضُ بِيَقِيْنٍ. ويُخْرِجُ عَنِ الصِّحَاحِ الجِيَادِ جِيَاداً صِحَاحاً مِنْ جِنْسِهَا، فَإِنْ أَخْرَجَ مُكَسَّرَةً أو بَهْرَجَةً زَادَ في المُخَرَّجِ مِقْدَارَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الفَضْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ (1)، ولاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ عَنِ الآخَرِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، والأُخْرَى: يَجُوزُ ذَلِكَ (3).
بَابُ زَكَاةِ الحِلِيِّ
ولاَ زَكَاةَ في الحِلِيِّ المُبَاحِ في حَقِّ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ إِذَا كَانَ مُعَدّاً للاسْتِعْمَالِ (4)، فَالمُبَاحُ للرَّجُلِ مِنَ الفِضَّةِ الخَاتَمُ وقَبِيْعَةُ السَّيْفِ، فَأَمَّا حلية المِنْطَقَةِ (5) فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (6)، وعَلَى قِيَاسِها الجَوْشَنُ (7) والخُوْذَةُ والخُفُّ والرَّانُ (8) والحَمَائِلُ (9)، ومِنَ الذَّهَبِ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُوْرَةُ كَالأَنْفِ (10)، ومَا رَبَطَ بِهِ أَسْنَانُهُ (11).
__________
(1) انظر: المقنع: 57.
(2) واختار عدم الجواز أبو بكر وعللها؛ بكونهما جنسان فلم يجز إخراج أحدهما عن الآخر كسائر الأجناس. انظر: المغني 2/ 604.
(3) وهي الّتي صححها أبو محمّد بن قدامة. انظر: المغني 2/ 604.
(4) ونقل ابن أبي موسى رواية أخرى عن الإمام أحمد بوجوب الزكاة فيها؛ لعموم قوله تعالى: {والّذين يكنِزون الذّهب والفضّة} (التوبة: 34). وانظر: شرح الزركشي 1/ 649، وسيذكرها المصنف قريباً.
(5) هو حزام يجعل على الوسط، ومنه: ((الناطق))، وبه سميت أسماء بنت أبي بكر: ذات النطاقين. المعجم الوسيط: 931.
(6) انظر: المغني 2/ 609، والمقنع: 57.
(7) هو الدرع. المعجم الوسيط: 147.
(8) هو خرقة تلف على الساق وتحشى قطناً، تلبس تحت الخف اتقاءً للبرد. تاج العروس 9/ 233 (رين)، وانظر: المبدع 2/ 373.
(9) جمع حمالة: وهي علاقة السيف ونحوه. المعجم الوسيط: 199.
(10) لحديث عرفجة بن أسعد - رضي الله عنه - قال: أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية، فأتخذت أنفاً من ورق فأنتن عليّ، فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتخذ أنفاً من ذهب.
رواه أحمد 5/ 23، وأبو داود (4233)، والترمذي (1770) و (1770 م) وفي علله الكبير (533)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند 5/ 23، والنسائي 8/ 163 و 164، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 257 و 258، وابن حبان (5462)، والطبراني في الكبير 17/ (369) و (370)، والبيهقي 2/ 425، من طرق عن عرفجة بن أسعد، به.
(11) قال الإمام الترمذي في جامعه 3/ 372 عقب (1770): ((وقد روى غير واحد من أهل العلم أنهم شدوا أسنانهم بالذهب)).(1/137)
والمُبَاحُ لِلنِّسَاءِ مِنْ الذَّهَبِ والفِضَّةِ كُلُّ مَا جَرَتْ بِهِ العَادَةُ لَهُنَّ بِلِبْسِهِ كَالخَلْخَالِ والسِّوَارِ والدُّمْلُوجِ (1) والطَّوْقِ والتَّاجِ والقُرْطِ (2)، والخَاتَمِ، ومَا أَشْبَهَهُ، وسَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أو كَثُرَ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَلْفَ مِثْقَالٍ، فَإِنْ بَلَغَهَا فَهُوَ مُحَرَّمٌ وفِيْهِ الزَّكَاةُ (3).
فَإِنْ لَمْ تُعَدَّ للاسْتِعْمَالِ لَكِنْ لِلْكَرْي والنَّفَقَةِ إِذَا احتاج إِلَيْهِ/ 67 و / فَفِيْهِ زَكَاةٌ. وفي الأَوَانِي المُتَّخَذَةِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ الزَّكَاةُ (4).
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى (5): تَجِبُ الزَّكَاةُ في الحِلِيِّ سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحاً أو مُحَرَّماً، ذَكَرَهَا ابنُ أبي مُوْسَى في " الإِرْشَادِ " (6)، وهَلْ يُخَرَّجُ مِنْهُمَا زَكَاةُ قِيْمَتِهِمَا أو وَزْنِهِمَا، فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ - رضي الله عنه -: اعْتِبَارُ وَزْنِهِمَا، وَقَالَ شَيْخُنَا: الاعْتِبَارُ بِقِيْمَتِهِمَا، فَإِذَا كَانَ الوَرِقُ مِئَتَينِ والقِيْمَةُ لأَجْلِ الصِّنَاعَةِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وجبت زكاة ثلاث مئة سَبْعَةً ونِصْفاً.
بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ
تَجِبُ الزَّكَاةُ في قِيَمِ عُرُوْضِ (7) التِّجَارَةِ، ويُؤْخَذُ مِنْهَا لاَ مِنْ العُرُوضِ (8)، ولاَ تَصِيْرُ العُرُوضُ للتِّجَارَةِ إلاَّ بِشَرْطَيْنِ:
أحَدهُمَا: أَنْ يَمْلِكَهُ بِفِعْلِهِ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أنْ يُقَابِلَ ذَلِكَ عِوَضاً كَالبَيْعِ ونَحْوِهِ، أو لاَ يُقَابِلَهُ عِوَضاً (9) كَالاحْتِشَاشِ والهِبَةِ والغَنِيْمَةِ.
والثَّانِي: أنْ يَنْوِيَ عِنْدَ تَمَلُكِهِ أنَّهُ للتِّجَارَةِ، فَأمَّا إِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ، أو كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ
__________
(1) الدّملوج - على وزن زنبور -: هو المعضد. انظر: الصحاح 1/ 316، وتاج العروس 5/ 579 (دملج).
(2) هو الذي يعلق في شحمة الأذن. انظر: الصحاح 3/ 1151 (قرط).
(3) انظر: المغني 2/ 607. وقال الزركشي في شرحه 1/ 650 بعد نقله كلام ابن حامد: ((وحكاه في
" التلخيص " رواية، وتوسط ابن عقيل فقال: إن بلغ الحلي الواحد ألف مثقال حرّم، وإن زاد المجموع على ألف فلا)).
(4) قال الخرقي في مختصره: 47: ((والمتّخذ آنية الذهب والفضة عاصٍ، وفيها زكاة)).
(5) انظر: المغني 2/ 605، وشرح الزركشي 1/ 649.
(6) ذكره صاحب طبقات الحنابلة 2/ 156، وله نسخة خطية في المكتبة الوطنية - باريس برقم
[1105]- (164). وانظر: الفهرس الشامل (الفقه وأصوله) 1/ 336.
(7) العروض: جمع عرض - بسكون الراء - وسمي بذلك؛ لأنّه يعرض ليباع. انظر: شرح الزركشي 1/ 657.
(8) يعني: من قيمة العروض لا من العروض نفسها.
(9) وهذا اختيار أبي بكر أيضاً، ونقل صالح: أنها لا تصير كذلك، وهو اختيار الخرقي. انظر: الروايتين والوجهين 43/ أ - ب.(1/138)
لِلْقُِنْيَةِ وَنَوَاهُ للتِّجَارَةِ، أو تَمَلَّكَهُ بالشِّرَاءِ، وَلَمْ يَنْوِهِ للتِّجَارَةِ، لم يَصِرْ للتِّجَارَةِ، وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ ابنُ مَنْصُوْرٍ (1): أنَّ العُرُوضَ تَصِيْرُ للتِّجَارَةِ لِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ.
ويُعْتَبَرُ النِّصَابُ في قِيْمَةِ العُرُوضِ في جَمِيْعِ الحَوْلِ، كَمَا يُعْتَبَرُ في جَمِيْعِ نُصبِ الزَّكَاةِ.
وَإِذَا اشْتَرَى عَرْضاً للتِّجَارَةِ بِنِصَابٍ مِنَ الأَثْمَانِ أو بِمَا قِيْمَتُهُ نِصَابٍ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ بَنَى حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ الثَّمَنِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بنصاب من السائمة لَمْ يبنِ حولهُ عَلَى حولها لإنهما مختلفان فإن إشتراه بِعُرُوضٍ للنَّفَقَةِ، أو بِمَا دُوْنَ النِّصَابِ مِنَ الأَثْمَانِ انْعَقَدَ الحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ يَومِ تَصِيْرُ قِيْمَتُهُ نِصَاباً، ويُقَوَّمُ مَالُ التِّجَارَةِ بِمَا هُوَ أحَظُّ لِلْمَسَاكِيْنِ مِنْ عَيْنٍ أَو وَرَقٍ، ولاَ يُعْتَبَرُ ما اشْتَرَاهُ بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيْمَتُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبْلُغُ نِصَاباً قومهُ يما شَاءَ مِنْهُمَا، وإذا ملك للتجارة نصاباً مِنَ السَّائِمَةِ وحَالَ الحَوْلُ، والسَّوْمُ ونِيَّةُ التِّجَارَةِ مَوْجُوْدَانِ وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ دُوْنَ السَّوْمِ (2)، فَإِنْ وُجِدَ نِصَابُ أَحَدِهِمَا دُوْنَ الآخَرِ، مِثْلُ: إِنْ كَانَتْ ثَلاَثِيْنَ مِنَ الغَنَمِ قِيْمَتُهَا مِئَتَا دِرْهَمٍ، أو أَرْبَعِيْنَ قِيْمَتُهَا دُوْنَ المِئَتَيْنِ قَدَّمْنَا مَا وُجِدَ نِصَابُهُ / 68 ظ / وسَقَطَ اعْتِبَارُ الآخَرِ.
وإِذَا اشْتَرَى أَرْضاً أو نَخْلاً للتِّجَارَةِ فَزُرِعَتِ الأَرْضُ وأَثْمَرَتِ النَّخْلُ زَكَّى الْجَمِيْعَ زَكَاةَ القِيْمَةِ (3)، وَقِيْلَ (4): يُزَكَّى الأَصْلُ زَكَاةَ القِيْمَةِ، والثَّمَرُ والزَّرْعُ زَكَاةَ العُشْرِ (5).
وإِذَا اشْتَرَى عَرْضاً بِنِصَابٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَقْوِيْمُهُ إِذَا تَمَّ الحَوْلُ، فَإِنْ زَادَ بَعْدَ الحَوْلِ أو نَقَصَ أو تَلَفَ المَالُ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ في الواجِبِ.
وإِذَا دَفَعَ إلى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَحَالَ الحَوْلُ وقَدْ صَارَتْ أَلْفَيْنِ، وَجَبَ عَلَى رَبِّ المَالِ زَكَاةُ أَلْفَيْنِ وخَمْسِ مِئَةٍ؛ لأنَّ رِبْحَ التِّجَارَةِ حَوْلُهُ حَوْلُ أَصْلِهِ، وعَلَى العَامِلِ زَكَاةُ خَمْسِ مِئَةٍ (6) يُحْسَبُ حَوْلُهَا مِنْ حِيْنِ ظُهُورِ الرِّبْحِ؛ لأنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ - رضي الله عنه -: إنَّ العَامِلَ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بالظُّهُورِ، فَإِذَا مَلَكَهُ جَرَى فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ. وَقَالَ أبو بَكْرِ بنِ جَعْفَرٍ، وشَيْخُنَا أبو يَعْلَى: يُحْسَبُ حَوْلُهُمَا (7)
__________
(1) وذكر القاضي: أنه لا يصير للتجارة إلا أن يملكه بعوض. انظر: الشرح الكبير 2/ 625.
(2) قال في المغني 2/ 619: ((ولنا أن زكاة التجارة أحظ للمساكين؛ لأنها تجب فيما زاد بالحساب)).
(3) وهو قول القاضي أبي يعلى وأصحابه. انظر: المغني 2/ 630.
(4) وهو قول أبي حنيفة، وأبي ثور. انظر: بدائع الصنائع 2/ 21، والمغني 2/ 630.
(5) لأنه أحظ للفقراء، فإن العشر أحظ من ربع العشر فيجب تقديم ما فيه الحظ. المغني 2/ 630.
(6) قال ابن قدامة في المغني 2/ 633: ((فعلى رب المال زكاة ألفين))، وذهب الشافعية إلى أن المالك يدفع زكاة جميع أموال المضاربة. انظر: الحاوي 4/ 295، والوسيط 2/ 1091، والتهذيب 3/ 112، والمغني 2/ 633، وحلية الأولياء 3/ 109، وفتح العزيز 6/ 84.
(7) مكررة فِي المخطوط.(1/139)
مِنْ حِيْنِ القِسْمَةِ والقَبْضِ (1)؛ لأنَّ بِذَلِكَ يَسْتَقِرُّ مُلْكُهُ، وهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَةٍ ضَعِيْفَةٍ، وَهُوَ أنَّ المَالَ الضَّالَّ والمَغْصُوبَ والصِّدَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لاَ تَجِبُ فِيْهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَقْبِضَهُ ويَسْتَقِرَّ مُلْكُهُ عَلَيْهِ (2)، والصَّحِيْحُ مِنَ المَذْهَبِ: أنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ إلى مدة مَظْنُوناً، كَذَلِكَ هَذَا الرِّبْح، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالدَّيْنِ، وإِنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ، وإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ مِنْ مَالِ المُضَارَبَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ المَالِ ويُحْتَمَلُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لأنَّهُمَا دَخَلاَ عَلَى حُكْمِ الإِسْلاَمِ، ومِنْ حُكْمِهِ وُجُوْبُ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجُهَا مِنَ المَالِ.
وإِذَا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ شَرِيْكَي العِنَانِ (3) لِصَاحِبِهِ في إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ، فَأَخْرَجَاهَا مَعَاً، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيْبَ صَاحِبِهِ (4)، فَإِنْ أَخْرَجَهَا أحدهما قَبْلَ الآخَرِ (5) /69 و/ ضَمِنَ الثَّانِي نَصِيْبَ الأَوَّلِ، عَلِمَ بِإِخْرَاجِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (6).
بَابُ زَّكَاةِ المَعْدِنِ (7)
مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ في أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، أو مَمْلُوْكَةٍ نِصَاباً مِنَ الذَّهَبِ أو الفِضَّةِ، أو مِمَّا يبْلُغُ قِيْمَتُهُ نِصَاباً مِنْ سَائِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ المَعْدِنِ (8) كَاليَاقُوْتِ والزَّبَرْجَدِ والعَقِيْقِ والفَيْرُزَجِ والزُّجَاجِ والصُّفْرِ والزِّئْبَقِ والمُومِيا (9) والكُحْلِ
__________
(1) انظر: المغني 2/ 634.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 43/ ب.
(3) وهي الشركة الّتي يتساوى فيها الشريكين في المال والتصرف. انظر: المبدع 5/ 3، ودليل الطالب 1/ 136، وسيأتي في: 1/ 351.
(4) قال في المغني 2/ 635: ((ويحتمل أن لا يضمن إذا لم يعلم بإخراج صاحبه)).
(5) تكررت في الأصل.
(6) انظر: المغني 2/ 635.
(7) المعدن - بكسر الدال -: موضع الإقامة واللزوم، وسمي كذلك؛ لأن أهله يقيمون فيه ولا يتحولون عنه شتاءً ولا صيفاً. انظر: الصحاح 6/ 2162، واللسان 13/ 279 (عدن).
(8) قال في الشرح الكبير 2/ 580: ((وقال مالك والشافعي: لا تتعلق الزكاة إلا بالذهب والفضة؛ لقول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ زكاة فِي حجر)). - أخرجه ابْن عدي فِي الكامل 6/ 42، والبيهقي 4/ 146 من حَدِيْث عَبْد الله بن عَمْرو بن العاص. والحديث ضعيف؛ لضعف عُمَر بن أبي عُمَر الكلاعي -، وَقَالَ أبو حَنِيْفَةَ فِي إحدى الرّوايتين: تتعلق الزكاة بكل مَا ينطبع كالرصاص والحديد والنحاس دُوْنَ غيره، وللحنابلة عموم قوله تَعَالَى: {وممّا أخرجنا لَكُمْ من الأرض} (البقرة: 267))).
انظر: الأم: 2/ 62، والتهذيب: 3/ 114 - 115، وبدائع الصنائع: 2/ 65، والحجة عَلَى أهل المدينة: 1/ 430.
(9) دواء معروف يحفظ به الأجسام أو طين وماء يتخذ لحفظ أجسام الموتى من الفساد. انظر: معجم متن اللغة 5/ 372.(1/140)
والقَارِ والنِّفْطِ والنّوْرَةِ والزِّرْنِيْخِ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَفِيْهِ الزَّكَاةُ في الحَالِ رُبْعُ العُشْرِ سَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ في دُفْعَةٍ أو في دُفُعَاتٍ بَعْدَ أنْ لاَ يَتْرُكَ فِيْهَا العَمَلَ تَرْكَ إِهْمَالٍ، ولاَ يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ إلاَّ بَعْدَ السَّبْكِ والتَّصْفِيَةِ، ومَصْرَفُهُ مَصْرَفُ الزَّكَوَاتِ.
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيْمَا يُصِيْبُهُ مِنْ البَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ والمَرْجَانِ والعَنْبَرِ والسَّمَكِ وغَيْرِ ذَلِكَ، فَعَنْهُ: قِيْمَتُهُ قِيْمَةُ المَعْدِنِ، وَعَنْهُ: لَيْسَ فِيْهِ شَيءٌ بِحَالٍ (1).
بَابُ حُكْمِ الرِّكَازِ (2)
الرِّكَازُ: مَا وُجِدَ مِنْ دَفْنِ الجَاهِلِيَّةِ في مَوَاتٍ أَو مَمْلُوْكٍ لاَ يُعْرَفُ مَالِكُهُ، ويَجِبُ فِيْهِ الخُمْسُ في الحَالِ، أَيَّ نَوْعٍ كَانَ مِنَ المَالِ، قَلَّ أوْ كَثُرَ. فَإِنْ وَجَدَهُ في مَكَانٍ يَعْرِفُ مَالِكَهُ، وكَانَ المَالِكُ مُسْلِماً أو ذِمِّيّاً، فَهُوَ لِمَالِكِ المَكَانِ، وإِنْ كَانَ المَكَانُ لِحَرْبِيٍّ وَقَدِرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَهُوَ رِكَازٌ، وإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إلاَّ بِجَمَاعَةٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ فَهُوَ غَنِيْمَةٌ. فَإِنْ وَجَدَهُ في مُلْكٍ انْتَقَلَ إِلَيْهِ فَهُوَ لَهُ بالظُّهُورِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى هُوَ لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ إِنِ اعْتَرَفَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ فَهُوَ لأَوَّلِ مَالِكٍ (3).
والرِّكَازُ مَا كَانَ عَلَيْهِ عَلاَمَاتُ الجَاهِلِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عَلاَمَاتُ الإِسْلاَمِ، أو فِيْهِ مَا عَلَيْهِ عَلاَمَاتُ الإِسْلاَمِ، أو لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَلاَمَةٌ لأَحَدٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ (4).
ومَصْرَفُ خُمْسِ الزَّكَاةِ مَصْرَفُ خُمْسِ الفَيءِ، وَعَنْهُ: أنَّ مَصْرَفَهُ مَصْرَفُ الزَّكَوَاتِ (5).
بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ
/70 ظ/ زَكَاةُ الفِطْرِ وَاجِبَةٌ (6) عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَضَلَ عَنْ قُوْتِهِ وقُوْتِ عِيَالِهِ يَوْمَ العِيْدِ
__________
(1) نقل صالح وأبو الحارث: أنه لا زكاة فيها، ونقل الميموني: فيه الزكاة إذا بلغت قيمته نصاباً. وقال:
لا يلزم على هذا السمك إذا بلغ مئتين ففيه الزكاة كأنه صياد صار في يديه منه ثمن مئتي درهم يزكيه. انظر: الروايتين والوجهين 43/ أ، والشرح الكبير 2/ 584 - 585.
(2) الركاز: دفين أهل الجاهلية، كأنه ركّز في الأرض ركزاً، تقول: أركز الرجل: إذا وجده. انظر: الصحاح 3/ 880، وتاج العروس 15/ 160 (ركز).
(3) انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد 1/ 314، والشرح الكبير 2/ 589.
(4) وستأتي أحكامها.
(5) نقل بكر بن محمّد عنه: أن مصرفه مصرف الفيء والغنيمة، وفي رواية حنبل: أن مصرفها مصرف الصدقات، فقال: أرى إن تصدق به رجل على المساكين أجزأه ... ؛ لأنه حق على المسلم المستفاد من الأرض فيجب أن يصرف مصرف الزكوات. انظر: الروايتين والوجهين 44/ أ، والشرح الكبير 2/ 586.
(6) قال الزركشي في شرحه 1/ 666: ((واختلف عن أحمد -رحمه الله- في زكاة الفطر هل تسمى فرضاً؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، مبناها عَلَى أنّه لاَ يسمى فرضاً إلاّ مَا ثبت بالكتاب، وما ثبت بالسنة يسمى واجباً، أو أن كلّ ثابت وإن كَانَ بالسنة يسمى فرضاً)).
وعرف أبو الخطاب في التمهيد 1/ 63 و 64 الفرض والواجب، فقال: ((وأما الفرض: فهو ما ثبت بأعلى منازل الثبوت، وأما الواجب: فهو ما أثيب على فعله وعوقب على تركه)).
وعلى كلّ حال، فإن في تعريف الواجب روايتان عن أحمد، الأولى: توافق ما ذهب إليه الشافعية من ترادفهما. والثانية: توافق ما ذهب إليه الحنفية من كون الفرض آكد من الواجب. انظر: روضة الناظر 1/ 26.
ونقل صاحب المغني 2/ 645 الإجماع على أنها فرض، ووافقهم على القول بوجوبها الحنفية. بدائع الصنائع 2/ 69.
وذهب الشافعية إلى: أن زكاة الفطر فرض على كل مسلم أفطر. التهذيب 3/ 120، وحلية العلماء 3/ 119.
وكذلك قال المالكية. انظر: شرح الزرقاني 2/ 634، والفواكه الدواني 1/ 348.(1/141)
وَلَيْلَتَهُ صَاعٌ، وإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ فهَلْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
وَمَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ مَنْ يُمَوِّنُهُ مِنَ المُسْلِمِيْنَ إذَا وَجَدَ مَا يُؤَدَّى عَنْهُمْ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُؤَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ بَدَأَ بِمَنْ يَلْزَمُهُ البِدَايَةُ بِنَفَقَتِهِ، فَيَبْدَأُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِزَوْجَتِهِ، ثُمَّ بِرَقيْقِهِ، ثُمَّ بِوَلَدِهِ، ثُمَّ بِأُمِّهِ، ثُمَّ بِأَبِيْهِ، ثُمَّ بِإِخْوَتِهِ، ثُمَّ بِبَنِي إِخْوَتِهِ، ثُمَّ بِأَعْمَامِهِ، ثُمَّ بِبَنِي أَعْمَامِهِ عَلَى تَرْتِيْبِ الأَقْرَبِ في المِيرَاثِ، فَإِنْ تَكَفَّلَ بِنَفَقَتِهِ شَخْصٌ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا - وَهُوَ المَنْصُوصُ -: تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ (2)؛ لأنَّهُ مِمَّنْ يُمَوَّنُ، وعِنْدِي لاَ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ (3)؛ لأنَّهُ لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وتلزم المكاتب فِطرة نفسه وفِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.
وَإِذَا تَزَوَّجَتِ المُوسِرَةُ بِحُرٍّ مُعْسِرٍ، أو زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ بِعَبْدٍ أو بِحُرٍّ مُعْسِرٍ لَزِمَ الحُرَّةَ فِطْرَةُ نَفْسِهَا، والسَّيِّدَ فِطْرَةُ أَمَتِهِ، ولاَ تَلْزَمُ الزَّوْجَ والعَبْدَ فِطْرَتُهُمَا؛ لأنَّهُ لاَ تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ، وَهِيَ آكَدُ مِنْ فِطْرَتِهِمَا عَلَيْهِ.
ويُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الفِطْرَةِ عَنِ الجَنِيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ أصْحَابِنَا: في وُجُوبِ الفِطْرَةِ عَلَى الجَنِيْنِ رِوَايَتَانِ (4).
وَإِذَا كَانَ العَبْدُ بَيْنَ شُرَكَاءَ لَزِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الفِطْرَةِ بِقَدرِ حِصَّتِهِ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يَلْزَمُ (5)
__________
(1) إحداهما: لا يلزمه، وهو اختيار ابن عقيل؛ لأنها طهرة فلا تجب على من يعجز عن بعضها.
والثانية: يلزمه؛ لأنها طهرة فوجب منها ما قدر عليه. انظر: الشرح الكبير 2/ 650.
(2) نقله عن الإمام أحمد أبو داود في مسائله: 87. وصحح ابن قدامة كلام أبي الخطاب في الشرح الكبير 2/ 653، وحمل كلام الإمام أحمد على الاستحباب.
(3) انظر: شرح الزركشي 1/ 675.
(4) نقل أبو الحارث عدم وجوبها، وصححه أبو يعلى، ونقل الفضل الوجوب وحملها أبو يعلى على الاستحباب، وذكر أن أبا بكر جعل المسألة على روايتين. انظر: الروايتين والوجهين 44/ أ.
(5) في الأصل: ((لا يلزم)) وليس بشيء، وما أثبتناه هو الصواب - إن شاء الله - لأنه الموافق لما في كتب المذهب.(1/142)
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاعٌ (1). وكَذَلِكَ الحُكْمُ فِيْمَنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرّاً وبَعْضُهُ رَقِيْقاً، ومَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ إِخْرَاجُ فِطْرَتِهِ كَالزَّوْجَةِ والنَّسِيْبِ المُعْسِرِ إِذَا أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ المُخْرَجِ عَنْهُ، فَهَلْ يُجْزِيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2).
ومَنْ كَانَ لَهُ نَسِيْبٌ غَائِبٌ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ فَشَكَّ في حَيَاتِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِخْرَاجُ فِطْرَتِهِ، فَإِنْ مَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ ثُمَّ عَلِمَ بِحَيَاتِهِ لَزِمَهُ الإِخْرَاجُ لِمَا مَضَى (3).
وتَجِبُ صَدَقَةُ الفِطْرَةِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ أَسْلَمَ أوْ تَزَوَّجَ أو مَلَكَ عَبْداً، أو وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلاَ فِطْرَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ حِيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ نَاشِزاً، أو المَمْلُوكُ آبِقاً لَزِمَ الزَّوْجَ والسَّيِّدَ فِطْرَتُهُمَا (4)، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ النَّاشِزَةِ، ويَلْزَمُ السَّيِّدَ فِطْرَةُ الآبِقِ. والأَفْضَلُ إِخْرَاجُ الفِطْرَةِ قَبْلَ صَلاَةِ العِيْدِ، ويَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ العِيْدِ بِيَوْمَيْنِ، وإِذَا أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ العِيْدِ أَثِمَ ولَزِمَهُ القَضَاءُ (5). /71 و/
بَابُ مَا يَلْزَمُ في الفِطْرَةِ
الوَاجِبُ في صَدَقَةِ الفِطْرِ صَاعٌ قَدَرُهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثُلُثٍ بالعِرَاقِيِّ (6) يُخْرَجُ مِنَ التَّمْرِ
__________
(1) نقل الأثرم وأحمد بن سعيد عن الإمام أحمد أنّه يلزمه كلّ واحد منهم، ونقل أبو طالب وعبد الله وصالح والكوسج أنه يتقسط على قدر الملك. انظر: مسائل عبد الله 2/ 577، والروايتين والوجهين 44/ ب، والإنصاف 3/ 169.
وقال قوران: رجع أحمد عن هذه المسألة، وقال: يعطي كلّ واحد منهم نصف صاع، يعني: رجع عن إيجاب صاع كامل على كلّ واحد. انظر: الروايتين والوجهين 44/ ب، والشرح الكبير 2/ 655.
(2) انظر: المحرر 1/ 227، والشرح الكبير 2/ 657.
(3) انظر: الكافي 1/ 321.
(4) هذا ما ذهب إليه المصنف، وعلل ابن قدامة هذا الاختيار بكون الزوجية ثابتة عليها، حتّى أنه لا يصح العقد عليها - فتلزمه فطرتها كالمريضة الّتي لا تحتاج إلى نفقة. قال المجد بن تيمية: هذا ظاهر المذهب.
والصحيح من المذهب وعليه أكثر فقهاء الحنابلة: عدم وجوب فطرتها عليه؛ لأنّه لا تلزمه مؤنتها فَلاَ تلزمه فطرتها. وَهُوَ الّذي صحّحه ابن قدامة وغيره. انظر: المغني 2/ 672، والمحرر 1/ 226، والإنصاف 3/ 174.
(5) حكى ابن المنذر عن الإمام أحمد جواز تأخيرها عن يوم العيد. انظر: الشرح الكبير 2/ 661.
(6) الرطل= 130 درهماً = 312. 718 غم، فيكون مجموع الصدقة الواجب إخراجها 1. 657. 405 غم. وانظر: معجم متن اللغة1/ 86، ومسائل الإمام أحمد رواية ابن هانئ: 137، وانظر: 198 من كتابنا هذا.(1/143)
والزَّبِيْبِ والبُرِّ والشَّعِيْرِ ودَقِيْقِهِمَا وسُوَيْقِهِمَا، فأَمَّا الأَقِطُ (1) فَعَنْهُ: أنَّهُ لاَ يُخْرَجُ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الأَصْنَافِ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يُخْرَجُ عَلَى الإِطْلاَقِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ (2)، وما عَدَا هَذِهِ الأَصْنَافِ فَلاَ يُجْزِيء إِخْرَاجُهُ مَعَ وُجُوْدِهَا سَواءٌ كَانَتْ قُوْتَهُ وقُوتَ بَلَدِهِ، أو لَمْ تَكُنْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الأَصْنَافَ المَنْصُوصَ عَلَيْهَا، فَقَالَ ابن حَامِدٍ: يُخْرِجُونَ مِمَّا يَقْتَاتُونَ (3). وَقَالَ أبو بَكْرٍ عَبْد العزيز (4): يُحْتَمَلُ أنْ يُجْزِيَهُ كُلُّ مَكِيْلٍ مَطْعُومٍ، وَيُحْتَمَلُ أنْ لاَ يُجْزِيَهُ غَيْرُ المَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَدَمَهُ أَعْطَى مَا قَامَ مَقَامَ ذَلِكَ، وَقَالَ: وَهُوَ الأَقْيَسُ عِنْدَهُ ويُجْزِي إِخْرَاجُ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ عَنِ المَنْصُوصِ، ولاَ يُخْرِجُ في الفِطْرَةِ حَبّاً مَعِيْباً ولاَ خُبْزاً، وأَفْضَلُ المُخْرَجِ التَّمْرُ، ثُمَّ الزَّبِيْبُ، ثُمَّ البُرُّ، ثُمَّ الشَّعِيْرُ.
بَابُ أَحْكَامِ الصَّدَقَةِ وإِخْرَاجِهَا
لاَ يَجُوزُ تَأْخِيْرُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا مَعَ القُدْرَةِ عَلَى الإِخْرَاجِ، فَإِنْ تَلَفَ المَالُ قَبْلَ إمْكَانِ الإِخْرَاجِ وبَعْدَ حُلُولِ الحَوْلِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ. فَإِنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ جَاحِداً لِوُجُوبِهَا كُفِّرَ وأُخِذَتْ مِنْهُ وقُتِلَ (5)، وإِنْ مَنَعَهَا بُخْلاً بِهَا وقَدَرَ الإِمَامُ عَلَى أَخْذِهَا أَخَذَهَا مِنْهُ وعَزَّرَهُ، وإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهَا إِمَّا بِأَنْ يُقَاتِلَهُ أَوْ يُغَيِّبَ المَالَ أَمَرَهُ بِإِخْرَاجِهَا، وَاسْتُتِيْبَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابَ وأَخْرَجَ وإِلاَّ قُتِلَ وأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، وكَذَلِكَ يُسْتَتَابُ مَنْ تَرَكَ الصِّيَامَ (6) والحَجَّ تَهَاوُناً ثَلاَثاً، فَإِنْ تَابَ وإلاَّ قُتِلَ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا (7): إنَّهُ إذا امْتَنَعَ وَقَاتَلَ الإِمَامَ عَلَى الزَّكَاةِ كُفِّرَ، وإِذَا غَلَّ مَالَهُ
__________
(1) الأقِط والإقْط والأَقْط والأُقْط: شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ، ثمّ يترك حتّى يمصل، ثمّ يؤكل جافاً. انظر: اللسان 7/ 257 (أقط)، وشرح الزركشي 1/ 669.
(2) نقل حنبل: أنه إذا أخرج الأقط أجزأه؛ لأنّه منصوص عليه، ونقل ابن مشيش: إذا لم يجد التمر فأقط، فظاهر هذا أنّه لا يجوز إخراجه مع وجود غيره، وهو اختيار الخرقي. الرّوايتين والوجهين 44/ ب، وانظر: الشرح الكبير 2/ 664، وشرح الزركشي 1/ 668.
(3) انظر: الشرح الكبير 2/ 665.
(4) انظر: الشرح الكبير 2/ 665.
(5) اختلفت الرواية عن أحمد فيمن اعتقد وجوب الزكاة وامتنع من إخراجها وقاتل عليها، فإنه لا يورث ولا يصلى عليه، وإن منعها بخلاً أو تهاوناً لم يقاتل ولم يحارب على المنع، ورث ويصلى عليه. انظر: الروايتين والوجهين 38/ أ.
(6) نقل الأثرم فيمن ترك صوم رمضان هو مثل تارك الصلاة، فقال: الصّلاة آكد ليس هي كغيرها، فقيل له: تارك الزكاة، فقال: قد جاء عن عبد الله بن مسعود: ((ما تارك الزكاة بمسلم)). الروايتين والوجهين 38/ ب.
(7) وهو ما تدل عليه رواية الميموني عن الإمام أحمد. انظر: المغني 2/ 437.(1/144)
وَهُوَ أنْ يَكْتُمَهُ (1) حَتَّى لاَ يَأْخُذَ الإِمَامُ زَكَاتَهُ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِتَحْرِيْمِ ذَلِكَ؛ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بالإِسْلاَمِ عُرِّفَ ذَلِكَ، وإِنْ كَانَ عَالِماً بالتَّحْرِيْمِ عَزَّرَهُ الإِمَامُ وأَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ (2)، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَأْخُذُهَا وشطْرَ مَالَهُ (3).
وإِذَا طَالَبَهُ السَّاعِي بالزَّكَاةِ، فَقَالَ: مَا حَالَ عَلَى المَالِ الحَوْلُ، أَوْ لَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ إلاَّ مُنْذُ شَهْرٍ، أو هَذَا المَالُ في يَدِي وَدِيْعَةً إلى أَمْسِنَا اشْتَرَيْتُهُ، أو قَالَ /72 ظ/: قَدْ بِعْتُهُ في بَعْضِ الحَوْلِ وعُدْتُ اشْتَرَيْتُهُ، وما أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِيْنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ صَالِحٍ، وابنِ مَنْصُوْرٍ.
والنِّيَّةُ شَرْطٌ في أَدَاءِ الزَّكَاةِ (4) فَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ أنَّهَا زَكَاةُ مَالِهِ، أو زَكَاةُ مَنْ تُخْرَجُ عَنْهُ كالصَّبِيِّ والمَجْنُوْنِ، والأَوْلَى أنْ يُقَارِنَ النِّيَّةَ حَالَ الدَّفْعِ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى حَالَ الدَّفْعِ بالزَّمَانِ اليَسِيْرِ جَازَ، وَإِذَا دَفَعَ المَالَ إلى وَكِيْلِهِ، فَإِنْ نَوَيَا مَعاً أنَّهَا زَكَاةٌ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا لَمْ يَجُزْ، وإن نوى رب المال وَلَمْ ينوِ الوكيل جاز وإن نوى الوكيل وَلَمْ ينو رب المال لَمْ يَجُزْ وإِذَا دَفَعَهَا إلى الإِمَامِ ونَوَاهَا، وَلَمْ يَنْوِ الإِمَامُ جَازَ، وإِنْ نَوَى الإِمَامُ وَلَمْ يَنْوِ رَبُ المَالِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يُجْزِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الخِرَقِيِّ (5)، وعِنْدِي أنَّهُ لاَ يُجْزِي (6)؛ لأنَّهُ لاَ يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُوْنَ الإِمَامُ وكِيْلَهُ، أو وَكِيْلَ الفُقَرَاءِ، ووَكِيْلُ أَيُّهُمَا كَانَ لاَ تَجْزِي نِيَّتُهُ عَنْ نِيَّةِ رَبِّ المَالِ (7).
وَإِذَا دَفَعَ زَكَاتَهُ اسْتُحِبَّ لَهُ أنْ يَقُوْلَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَماً ولاَ تَجْعَلْهَا مَغْرَماً (8).
__________
(1) في الأصل: ((كتمه))، وما أثبتناه أوفق للسياق.
(2) نقل محمّد بن الحكم عن الإمام أحمد: أنه لا يؤخذ منه زيادة على الصدقة الواجبة؛ لأنّه منع أداء حق وجب عليه فلم يلزمه زيادة عليه كما لو امتنع من الصّلاة ثمّ فعلها أو من الصيام أو من حقوق الآدميين. انظر: الروايتين والوجهين 38/ ب.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 38/ ب.
(4) لأن الزكاة عبادة تفتقر إلى النية كالصلاة والصيام. انظر: شرح الزركشي 1/ 608.
(5) وقد جعل الزركشي اختيار الخرقي على وجه آخر، وهو أن نية الإمام تجزي إن أخذها قهراً، ولا تجزي إن أخذها طوعاً؛ فتكون المسألة على ثلاثة وجوه. انظر: شرح الزركشي 1/ 609.
(6) وهو اختيار ابن عقيل، وأبي عبّاسٍ. انظر: شرح الزركشي 1/ 609.
(7) من قوله: ((لأنه لا يخلو ... رب المال)) مكرر في الأصل.
(8) ورد في هذا اللفظ حديث للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها، أن تقولوا: اللهمّ اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً)). الحديث أخرجه ابن ماجه (1797) من حديث أبي هريرة، والحديث ضعيف جداً؛ لضعف البختري بن عبيد، لكن ثبت عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: ((اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى))، عندما جاءه عبد الله بن أبي أوفى بصدقة.
والحديث أخرجه أحمد 4/ 353 و 354 و 355 و 381 و383، والبخاري 2/ 159 (1497)
و8/ 90 (6332) و95 (6359)، ومسلم 3/ 121 (1078) (176)، وأبو داود (1590)، والنسائي 5/ 31، وابن خزيمة (2345) من حديث عبد الله بن أبي أوفى. فيكون المأثور الدعاء من الإمام أو نائبه أو من تدفع إليه. والله أعلم.(1/145)
ويَقُولُ الآخِذُ: آجَرَكَ اللهُ فِيْمَا أَعْطَيْتَ، وبَارَكَ لَكَ فِيْمَا أَبْقَيْتَ، وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُوْراً (1).
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دَيْنُ آدَمِيٍّ وَلَمْ تَفِ التَّرِكَةُ اقْتَسَمُوا بالحِصَصِ نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ ابنِ القَاسِمِ. ويَجُوزُ تَقْدِيْمُ الزَّكَاةِ عَلَى الحَوْلِ إِذَا كَمَّلَ النِّصَابَ، ولاَ يَجُوزُ تَقْدِيْمِهَا لأَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، والأُخْرَى يَجُوزُ.
وإِذَا عَجَّلَهَا فَتَمَّ الحَوْلُ والنِّصَابُ نَاقِصٌ مِقْدَارَ مَا عَجَّلَ أَجْزَأَتْهُ زَكَاتُهُ (3)، وإِذَا مَلَكَ مِئَتَيْنِ مِنَ الغَنَمِ، فَجَعَلَ زَكَاتَهَا شَاتَيْنِ، ثُمَّ تَمَّ الحَوْلُ وَقَدْ نَتَجَتْ سَخْلَةً، لَزِمَهُ إِخْرَاجُ شَاةٍ ثَالِثَةٍ (4).
وَإِذَا عَجَّلَ زَكَاةَ مَالِهِ، ثُمَّ هَلَكَ المَالُ قَبْلَ الحَوْلِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى المَسَاكِيْنِ في قَوْلِ أبي بَكْرٍ وشَيْخِنَا أَبُو (5) يَعْلَى (6)، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهَا زَكَاتُهُ أَوْ يُطْلِقَ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: لَهُ أَنْ يُرَجِّعَ (7)، فَإِنْ / 73 و / عَجَّلَهَا إلى فَقِيْرٍ فَاسْتَغْنَى أَوْ مَاتَ أَو ارْتَدَّ قَبْلَ تَمَامِ الحَوْلِ، وتَمَّ الحَوْلُ أَجْزَأَتْ عَنِ المُزَكِّي، وإِذَا تَسَلَّفَ الإِمَامُ الزَّكَاةَ فَهَلَكَتْ في يَدِهِ
__________
(1) لم يثبت هذا الدعاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن أحد من أصحابه، وقد أثبت المصنف له الاستحباب، والاستحباب حكم فلا يثبت إلا بدليل، فيكون هذا من باب الدعاء المطلق ولا تقييد به أو بغيره.
(2) انظر: المغني 2/ 501، وقيدها أبو البركات، وابن الزاغواني بعامين. انظر: شرح الزركشي 1/ 607.
(3) فإن ما عجّله له حكم الوجود في ملكه فيتم النصاب به. المغني 2/ 502.
(4) وبهذا قال الشافعي؛ لأن المعجل في حكم الموجود في إجزائه عن زكاة ماله، فكان له حكم الموجود في تعلق الزكاة به.
وقال الحنفية: لا يلزمه شيء؛ لأن من أركان وجوب الزكاة استقرار الملك، وما عجله خارج عن ملكه فلم يعتبر في إكمال النصاب الّذي نقص بتعجيله. ... =
= انظر: مختصر المزني: 45، والحاوي الكبير 4/ 146 - 147، والاختيار: 103، وبدائع الصنائع 2/ 51، والمغني 2/ 503.
(5) كذا في الأصل، والجادة: ((أبي)) إلاّ أن يكون على مذهب من يرى الحكاية.
(6) انظر: المغني 2/ 504.
(7) قال في المغني 2/ 504: ((قال أبو عبد الله بن حامد: إن كان الدافع لها الساعي استرجعها بكل
حال، وإن كان الدافع رب المال وأعلمه أنها زكاة معجلة رجع بها، وإن أطلق لم يرجع)). وانظر: المحرر 1/ 225.
فالذي يفهم من نقل المصنف عن ابن حامد: الإطلاق.
في حين أن ابن حامد يستثني إذا دفعها رب المال ولم يعلمه أنها زكاة، فلا رجعة له.
وعلى هذا فإن وجهاً ثالثاً يوجد في المذهب حكاه المجد في المحرر 1/ 225 وهو الاسترداد مطلقاً.(1/146)
لَمْ يَضْمَنْهَا، وكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الفُقَرَاءِ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ سَأَلَهُ الفُقَرَاءُ ذَلِكَ، أو سَأَلَهُ رَبُّ المَالِ، أو لَمْ يَسْأَلْهُ الجَمِيْعَ؛ لأنَّ يَدَهُ كَيَدِ الفُقَرَاءِ.
وإِذَا كَانَ مَعَهُ نِصَابٌ فَعَجَّلَ زَكَاتَهُ وَزَكَاةَ ما يَسْتَفِيْدُهُ في الحَوْلِ، أَجْزَأَهُ عَنِ النِّصَابِ، وَلَمْ يُجْزِهِ عَنِ الزِّيَادَةِ (1).
وإِذَا عَجَّلَ عُشْرَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الطَّلْعِ والحِصْرَمِ (2)، أو عُشْرَ الزَّرْعِ قَبْلَ نبات الزرع لَمْ يُجْزِهِ (3).
وإِذَا عَجَّلَ زَكَاتَهُ فَدَفَعَهَا إلى غَنِيٍّ فَافْتَقَرَ عِنْدَ الوُجُوبِ لَمْ يُجْزِهِ (4)، فَإِنْ دَفَعَهَا إليهِ ثُمَّ بَانَ أنَّهُ كَافِرٌ أو عَبْدٌ أو مِنْ ذَوِي القُرْبَى لَمْ يُجْزِهِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ (5). فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ وَهُوَ يَظُنُّهُ فَقِيْراً ثُمَّ عَلِمَ أنَّهُ غَنِيٌّ أَجْزَأَهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ يُجْزِيْهِ (6).
__________
(1) لأن ما يدفعه زائداً عن الواجب في نصابه، إنما هو عن المال الزائد على النصاب، وهو لم يملكه بعد، فأشبه إخراج الزكاة قبل ملك النّصاب. انظر: المغني 2/ 500.
(2) الحصرم: هو أول العنب، ولا يزال العنب ما دام أخضر حصرماً. اللسان 12/ 137 (حصرم).
(3) لأنه تقديم للزكاة قبل وجود سببها. ونقل صاحب المغني عن المصنف: جواز إخراجها بعد وجود الطلع والحصرم ونبات الزرع، وإن كان قبل الإدراك؛ لأن وجود هذه الأشياء بمنزلة ملك النصاب، والإدراك بمنزلة الحلول، فجاز إخراج الزكاة عند تحقق أحد السببين. ... =
= وهذا القول من أبي الخطاب مخرج على أصل شيخه أبي يعلى، فإنه يرى: أن الزكاة تتعلق بسببين: النصاب والحول، فإذا وجد أحد السببين جاز التعجيل، ومفهوم كلامه أنه لا يجوز تعجيل الزكاة الّتي تتعلق بسبب واحد كزكاة الزروع والثمار؛ لأن تعلقها يكون بسبب واحد وهو الإدراك، لكنه قال: إن أخرجها بعد الإدراك وقبل جفاف الثمرة وتصفية الحب جاز. وانظر: المغني 2/ 503.
وبهذا يكون في المذهب وجهان، أشار إليها المجد بن تيمية في المحرر 1/ 225.
(4) وإن كان العكس، بأن دفعها إلى فقير ثمّ اغتنى الفقير عند تمام الحول، أجزأه، فإن الأول لم يكن من أصحابها ابتداءً، وأما الثاني فإنه من أصحابها عند الإخراج، فتملكها بحقها، فإذا تغير حاله لم يكن للمزكي ارتجاعها. المغني 2/ 503.
(5) لأنهم ليسوا بمستحقين مع أن حالهم لا تخفى عليه، وفارقت هذه المسألة المسألة التي يذكرها المصنف عقيب هذه المسألة، وهي: أن من دفع زكاته إلى شخص يظنه فقيراً فبان أنه غني، فهي على روايتين؛ لأنّ الغنى والفقر ممّا يعسر الاطلاع عليه. وانظر: المغني 2/ 528.
(6) قال أبو يعلى: ((إذا دفع الزكاة إلى من ظاهره الفقر، فبان غنياً، فنقل أبو طالب ومهنّا: لا ضمان عليه، ونقل المروزي: يضمنها. ولا تختلف الرّواية أنه إذا بان عبداً أو كافراً أو من ذوي القربى أنه يضمنها ولا تجزيه)). وجه الأدلة - وهي الصحيحة - أن الغنى طريقه الظن والاجتهاد؛ لأن من الناس من يكون غنياً في الظاهر فقيراً في الباطن، ومنهم من يكون غنياً في الباطن فقيراً في الظاهر، فإذا تبين له خلاف ما ظنه حال الدفع، فقد انتقل من اجتهاد إلى اجتهاد، فلا يفسخ الاجتهاد الأول، كالحاكم إذا لاح له اجتهاد بعدما قضى بالاجتهاد. ويفارق هذا إذا دفع إلى عبد أو كافر أو مناسب أو هاشمي أنّه لا يجزيه؛ لأنّه انتقل من اجتهاده إلى قطع ويقين)). الروايتين والوجهين 103/ أ.(1/147)
ويَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أنْ يَتَوَلَّى تَفْرِقَةَ الزَّكَاةِ بِنَفْسِهِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كالمَوَاشِي والزُّرُوعِ وبَيْنَ البَاطِنَةِ كَالنَّاضِّ والتِّجَارَةِ والمَعْدَنِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا إلى الإِمَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ (1) في رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ، وعِنْدِي: أنَّ دَفْعَهَا إلى الإِمَامِ العَادِلِ أَفْضَلُ (2)؛ لأنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الخِلاَفِ وتَزُوْلُ عَنْهُ التُّهْمَةُ.
ولاَ يَجُوزُ (3) نَقْلُ الصَّدَقَةِ عَنْ بَلَدٍ إلى بَلَدٍ تُقْصَرُ فِيْمَا بَيْنَهُمَا الصَّلاَةُ (4)، فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لاَ يُجْزِيْهِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ ابنِ حَامِدٍ وشَيْخِنَا (5).
والأُخْرَى: تُجْزِيْهِ، وَهِيَ الصَّحِيْحَةُ عِنْدِي (6).
وإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ المَالِ في بَلَدِهِ، ومَالُهُ في بَلَدٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يُفَرِّقُهَا في بَلَدِ المَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ (7). وإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الفِطْرِ، ومَالُهُ في بَلَدٍ آخَرَ، فَرَّقَهَا في بَلَدِ بَدَنِهِ. وإِنْ حَالَ عَلَيْهِ الحَوْلُ ومَالُهُ بِبَادِيَةٍ فَرَّقَهَا عَلَى أَقْرَبِ البِلاَدِ إِلَيْهِ.
وإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الإِمَامِ مَاشِيَةٌ، فَالمُسْتَحَبُّ أنْ يَسِمَ الإِبِلَ والبَقَرَ في أُصُولِ أَفْخَاذِهَا، والغَنَمَ في آذَانِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الزَّكَاةِ كَتَبَ ((زَكَاةً)) أو ((للهِ))، وإِنْ كَانَتْ مِنَ الجِزْيَةِ كَتَبَ ((صَغَاراً)) أو ((جِزْيَةً)).
بَابُ ذِكْرِ الأَصْنَافِ
ومَنْ تَجُوْزُ / 74 ظ / دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ ومَنْ لاَ يَجُوْزُ
الأَصْنَافُ الَّذِيْنَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ ثَمَانِيَةٌ (8):
__________
(1) انظر: المغني 2/ 507.
(2) وبه قال ابن أبي موسى. المغني 2/ 580.
(3) فيما نص القاضي أبو يعلى على الكراهة. انظر: الروايتين والوجهين 41/ أ، وشرح الزركشي 1/ 623.
(4) هكذا اقتصر المصنف على قول واحد متابعة لنص الخرقي في مختصره 1/ 45، بينما نقل شيخه أبو يعلى روايتين: عن عدم الجواز مطلقاً، والجواز إذا نقلت إلى الثغور، وأضاف الزركشي في شرحه 1/ 624 روايةً ثالثة تنص على الجواز المطلق. وانظر: الروايتين والوجهين 41/ أ - ب.
(5) وهي الّتي نص عليها الإمام أحمد في رواية أبي داود 83، وانظر: مسائل عبد الله 2/ 510 - 512، ومسائل ابن هانئ 1/ 114. وهي ظاهر كلام الخرقي في مختصره 1/ 45.
(6) لأنه دفع الحق إلى أهله فبرئت ذمته منه، كما في الدين. انظر: المغني 2/ 531، وشرح الزركشي 1/ 624.
(7) في رواية بكر بن محمّد عنه. انظر: طبقات الحنابلة 1/ 112، وشرح الزركشي 1/ 625.
(8) لقوله تعالى: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السّبيل فريضةً من الله والله عليمٌ حكيم ٌ} (التوبة: 60).(1/148)
أَحَدُهَا: الفُقَرَاءُ، وهُم: الَّذِيْنَ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى ما يَقَعُ مَوْقِعاً مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وهُمْ أَشَدُّ حَاجَةً مِنَ المَسَاكِيْنِ (1)، فَيَدْفَعُ إِلَيْهِمْ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُمْ، وَلاَ تُدْفَعُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يحَصَلَ بِهِ الغِنَى، فَإِنِ ادَّعَى الفَقْرَ مَنْ عُرِفَ بالغِنَى لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ إلاَّ بِبَيِّنَةٍ.
والثَّانِي: المَسَاكِيْنُ، وهم: الَّذِيْنَ يَقْدِرُونَ عَلَى مُعْظَمِ كِفَايَتِهِمْ، فَيُدْفَعُ إِليْهِمْ مَا تَتِمُّ بِهِ الكِفَايَةُ، فَإِنَّ رِآهُ جَلِداً، وذَكَرَ أنَّهُ لاَ كَسْبَ لَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ (2)؟ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ يَمِيْنٍ، بَعْدَ أنْ يُخْبِرَهُ: أنَّهُ لاَ حَظَّ فِيْهَا لِغَنِيٍّ ولاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ. فَإِنِ ادَّعَى أنَّ لَهُ عِيَالاً قُلِّدَ في ذَلِكَ وأُعْطِيَ.
والثَّالِثُ: العَامِلُ عَلَيْهَا، ومِنْ شَرْطِهِ: أنْ يَكُونَ بَالِغاً عَاقِلاً أَمِيْناً، وإِنْ كَانَ غَنِيّاً أَوْ كَافِراً أَو عَبْداً أو مِنْ ذَوِي القُرْبَى؛ لأنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً يُقَاطِعُهُ الإِمَامُ عَلَيْهَا. فَإِنْ تَلِفَتِ الزَّكَاةُ في يَدِهِ أَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ المَالِ، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ كَافِراً، اخْتَارَهَا شَيْخُنَا (3).
والرَّابِعَةُ: المُؤَلَّفَةُ، وهُمْ: /السَّادَةُ المُطَاعُونَ [فِي] (4) عَشَائِرهِمْ، وهُمْ ضَرْبَانِ: كُفَّارٌ ومُسْلِمُونَ، فَأَمَّا الكُفَّارُ فَضَرْبَانِ: مَنْ يُرْجَى إِسْلاَمُهُمْ، ومَنْ يُخَافُ شَرُّهُ، فَيَجُوزُ أَنْ تَتَأَلَّفَهُمْ بِمَالِ الزَّكَاةِ، إِنْ كَانَ في ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الإِسْلاَمِ في أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ (5). ونَقَلَ حَنْبَلٌ (6): أنَّ حُكْمَهُمْ قَدِ انْقَطَعَ (7).
__________
(1) وبمثله قال الشافعية. انظر: غاية الاختصار 1/ 377 - 378.
بينما يرى الحنفية والمالكية أن المسكين أسوء حالاً من الفقير، فالمسكين: هو الذي لا يملك شيئاً، والفقير: الذي يملك شيئاً يسيراً. انظر: الاختيار 1/ 118 - 119، وشرح منح الجليل 1/ 370.
(2) جوّد الناسخ ضبط (كاذب) و (صادق) بالرفع والنصب، وهو دليل على جواز قراءتهما بالوجهين، وهو الموافق لما عليه قواعد النحو والإعراب.
(3) هكذا نقل المصنف عن شيخه أبي يعلى: (الاشتراط). فيما نقل عنه المرداوي في الإنصاف 3/ 224 اختيار عدم اشتراط كونه مسلماً. ونقل صاحب الشرح الكبير 2/ 695 عن المصنف اختيار الاشتراط، وأنت ترى إن لم يختر شيئاً هنا إلا أن يكون في أحد مصنفاته الأخر.
وهذان القولان اختياران من الرّوايتين عن الإمام أحمد في اشتراط الإسلام وعدمه.
انظر: الفروع: 2/ 457، والإنصاف 3/ 223 - 224.
(4) فِي الأصل ((وعشائرهم)) والصواب مَا أثبتناه. انظر: الهادي: 51.
(5) انظر: الرّوايتين والوجهين: 101/ب، 102/أ.
وقد نقلها أبو طالب وإبراهيم بن الحارث، واختارها الخرقي وأبو بكر.
(6) في الأصل: ((ابن حنبل))، وابن مقحمة من الناسخ.
(7) انظر: المبدع 2/ 421، والفروع 2/ 463، والإنصاف 3/ 228. قال المرداوي: ((الصحيح من المذهب أن حكم المؤلفة باقٍ وعليه الأصحاب)).(1/149)
وَأَمَّا مُؤَلَّفَةُ المُسْلِمِيْنَ فَعَلَى ضُرُوبٍ: مِنْهُمْ مَنْ لَهُ شَرَفٌ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ إِسْلاَمُ نَظِيْرِهِ، ومِنْهُمْ: مَنْ يُشَكُّ في حُسْنِ إِسْلاَمِهِ ويُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ الإِيْمَانِ مِنْهُ والمُنَاصَحَةُ في الجِهَادِ، ومِنْهُمْ: قَوْمٌ في طَرَفِ بِلاَدِ الإِسْلاَمِ إِنْ أُعْطُوا دَفَعُوا عَنِ المُسْلِميْنَ، ومِنْهُمْ: قَوْمٌ إِنْ أُعْطُوا مِنْهَا جَبَوا الزَّكَاةَ مِمَّنْ لاَ يُعْطِيْهَا إلاَّ أَنْ يَخَافَ. فَكُلُّ هَؤُلاَءِ يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ.
والخَامِسُ: الرِّقَابُ، وهُمُ المُكَاتِبُونَ فَقَطْ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، وإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مَا يُؤَدُّوْنَ دُفِعَ إِلَيْهِمْ / 75 و / بِقَدْرِ مَا يُؤَدُّونَ، ولاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أنَّهُ مُكَاتِبٌ إلاَّ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ المَوْلَى، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (2). ويَجُوزُ للسَّيِّدِ أنْ يَدْفَعَ مِنْ زَكَاتِهِ إلى مُكَاتِبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ المَرْوَذِيِّ.
وأَمَّا الرِّوَايَةُ الأُخْرَى: فَالرِّقَابُ جَمِيْعُ الرَّقِيْقِ مِنَ المُكَاتِبِيْنَ وغَيْرِهِمْ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ زَكَاتِهِ رَقَبَةً فَيَعْتِقَهَا إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ لاَ تُعْتَقُ عَلَيْهِ بالرَّحِمِ، ويَجُوزُ أَنْ يَفُكَّ (3) بِزَكَاتهِ أَسِيْراً مُسْلِماً في يَدِ المُشْرِكِيْنَ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (4).
والسَّادِسُ: الغَارِمُونَ، وهُمْ ضَرْبَانِ:
ضَرْبٌ غَرِمَ؛ لإِصْلاَحِ ذَاتِ البَيْنِ، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِ وإِنْ كَانَ غَنِيّاً.
وضَرْبٌ غَرِمَ؛ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ في مُبَاحٍ، فَيُعْطَى مَعَ العَجْزِ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ، ولاَ يُعْطَى مَعَ الغِنَى.
ولاَ يُقْبَلُ أنَّهُ غَارِمٌ إلاَّ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الغَرِيْمُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (5)، فَإِنْ غَرِمَ في
مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ حَتَّى يَتُوبَ (6).
__________
(1) قال المرداوي: ((لا يختلف المذهب في ذلك، وعنه: الرقاب: عبيد يشترون، ويعتقون من الزكاة لا غَيْر)). الإنصاف 3/ 228.
(2) وجعلهما ابن قدامة في المغني 7/ 321 وجهين لا روايتين، وكذا في الكافي 1/ 334.
(3) فِي الأصل: يفتك.
(4) مسائله 1/ 116 (575).
(5) وهي مخرجة على مسألة المكاتب إذا صدقه سيده. انظر: المغني 7/ 325، والشرح الكبير 2/ 700.
(6) وهذا هو المذهب، وهو اختيار شيخ المصنف أبي يعلى وابن عقيل وأبي البركات وغيرهم؛ لأن أثر الذنب يزول بالتوبة، فالتوبة تجبّ ما قبلها. وعلى هذا اقتصر المصنف، والظاهر: أنّه اختياره.
وفي المذهب وجه آخر، هو عدم الجواز، حسماً للباب؛ لأن احتمال العود قائم لثقته بوجود الوفاء.
انظر: المغني 7/ 324، والمحرر 1/ 223، وشرح الزركشي 1/ 104.(1/150)
ولاَ يُزَادُ الغَارِمُ والمُكَاتِبُ عَلَى مَا يَقْضِي دَيْنَهُمَا.
والسَّابِعُ: في سَبِيْلِ اللهِ، وهُمْ الغُزَاةُ الَّذِيْنَ لاَ حَقَّ لَهُمْ في الدِّيْوَانِ، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمْ
مَا يَكْفِيْهِمْ لِغَزْوِهِمْ وإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَغْزُوا اسْتُرْجِعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في الحَجِّ، فَنَقَلَ عَبْدُ اللهِ (1) وغَيْرُهُ: أنَّهُ مِنَ المُسْلِمِيْنَ فَيُدْفَعُ إِلَيْهِ مَا يَحُجُّ بِهِ (2) أو يُعِيْنُهُ في حِجَّتِهِ وهَذَا مَعَ الفُقَرَاءِ، ونَقَلَ عَنْهُ صَالِحٌ وغَيْرُهُ: أنَّهُ لاَ يُصْرَفُ مِنَ الزَّكَاةِ في الحَجِّ (3).
والثَّامِنُ: ابنُ السَّبِيْلِ، وَهُوَ: المُسَافِرُ المُنْقَطِعُ بِهِ دُوْنَ المُنْشِئ للسَّفَرِ مِنْ بَلَدِهِ، فَيُعْطَى بِقَدَرِ مَا يُوصِلُهُ إلى بَلَدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. ولاَ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ في مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ شَيءٌ، ولاَ يُعْطَى حَتَّى تَثْبُتَ حَاجَتُهُ، وإِذَا فَضَلَ مَعَهُ بَعْدَ وُصُوْلِهِ إلى
بَلَدِهِ شَيءٌ مِمَّا أَخَذَ اسْتُرْجِعَ مِنْهُ.
والمُسْتَحَبُّ أنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلى جَمِيْعِ الأَصْنَافِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، وَهِيَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا، قَالَ: لأَنَّ اللهَ تَعَالَى بَيَّنَ بالآيَةِ الجِهَاتِ الَّتِي تُصْرَفُ إِلَيْهَا الزَّكَاةُ (5)، والأُخْرَى: لاَ تُجْزِيْهِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ.
وإِذَا قُلْنَا لَهُ: أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِسْكِيْناً وَاحِداً، فَإِنْ
قُلْنَا (6): لاَ يَقْتَصِرُ، فَلاَ يُجْزِيْهِ / 76 ظ / مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إلاَّ العَامِلَ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً فَيَجُوْزُ أنْ يَكُوْنَ وَاحِداً.
والمُسْتَحَبُّ أنْ تُصْرَفَ صَدَقَتُهُ إلى أَقَارِبِهِ الَّذِيْنَ لاَ تَلْزِمُهُ نَفَقَتُهُمْ، وإنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدَرِ حَاجَتِهِمْ، فَأَمَّا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَهُوَ: مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أو تَعْصِيْبٍ فَلاَ يَجُوزُ أنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ زَكَاتَهُ وَلاَ كَفَّارَتَهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (7)، وفي الأُخْرَى: يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلى جَمِيْعِ أَقَارِبِهِ إلاَّ الوَالِدَيْنِ وإنْ عَلَوْا، والوَلَدَ وَإِنْ سَفَلَ (8).
__________
(1) مسائله 2/ 514 (710).
(2) فِي الأصل: عن، ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 152/ ب.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 101/ أ - ب.
(5) وزاد أبو يعلى تعليل اختياره إيضاحاً في الروايتين والوجهين 101/ ب.
(6) على حاشية الأصل كلمة غير مقروءة، والنص قويم بدونها.
(7) انظر: مسائل ابن هانئ 1/ 112 (556)، وأبي داود: 83، وعبد الله 2/ 508 (700) و (701).
(8) قيد المصنف المنع هنا بالوالدين وإن علوا، وبالولد وإن سفل، والذي نص عليه القاضي أبو يعلى نقلاً عن رواية ابن القاسم: ((لا يدفع الزكاة إلى الوالدين ولا إلى الولد ولا إلى الجد ويعطي من سوى ذلك)). انظر: الروايتين والوجهين 44/ أ.
والجدّ داخل ضمناً في قول المصنف: ((وإن علوا))، فهو شامل للجد وجد الجد. انظر المغني 2/ 512.(1/151)
ولاَ يَجُوزُ للرَّجُلِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلى زَوْجَتِهِ، وهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ دَفْعُ زَكَاتِهَا إلى زَوْجِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
ولاَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلى فَقِيْرَةٍ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ. ولاَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلى بَنِي هَاشِمٍ ولاَ إلى مَوَالِيْهِمْ، وهَلْ يَجُوْزُ دَفْعُهَا إلى بَنِي المُطَّلِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2). ويَجُوزُ أنْ يَأْخُذُوا مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، ومِنَ الوَصَايَا لِلْفُقَرَاءِ، ومِنَ النُّذُورِ ويُخَرَّجُ لأَحَدِهِمْ في الكَفَّارَةِ وَجْهَانِ (3).
وأمَّا الغِنَى المَانِعُ مِنَ أَخْذِ الزَّكَاةِ فَهُوَ: أنْ يَكُوْنَ لَهُ كِفَايَةٌ عَلَى الدَّوَامِ، إمَّا
مِنْ تِجَارَةٍ، أو صِنَاعَةٍ، أو أُجْرَةِ عَقَارٍ، أو غيرِ ذَلِكَ. فَإِنْ مَلَكَ خَمْسِيْنَ دِرْهَماً
أو قِيْمَتَهَا مِنَ الذَّهَبِ، وَهِيَ لاَ تَقُومُ بِكِفَايَتِهِ جَازَ لَهُ الأَخْذُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، نَقَلَهَا
مُهَنَّأٌ (4) - وَهِيَ الصَّحِيْحَةُ عِنْدِي (5) - ونَقَلَ عَنْهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ: لاَ يَجُوزُ لَهُ
الأَخْذُ (6)، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (7) وشَيْخِنَا. وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ أنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ عُرُوضٌ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ أو أَكْثَرَ لاَ تَقُومُ بِكِفَايَتِهِ أنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وكُلُّ مَنْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِ الزَّكَاةَ مِنْ ذَوِي القُرْبَى وغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا؛ لِكَوْنِهِ غَازِياً أو عَامِلاً أو مُؤَلَّفاً أو لإِصْلاَحِ ذَاتِ البَيْنِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ.
بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ
تُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ في جَمِيْعِ الأَوْقَاتِ، ويُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْهَا في شَهْرِ رَمَضَانَ، وأَمَامَ الحَاجَاتِ، ويُتُصَدَّقُ بالفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ وكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ عَلَى الدَّوَامِ، فَإِنْ خَالَفَ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 44/ أ. واختار رواية المنع الخرقي وأبو بكر، واختار القاضي أبو يعلى رواية الجواز. انظر: شرح الزركشي 1/ 611 - 612.
(2) انظر: المغني 2/ 519، والفروع 2/ 483، والمبدع 2/ 438، والشرح الكبير 2/ 714، وشرح الزركشي 1/ 614 - 615.
(3) انظر: المغني 2/ 521، وشرح الزركشي 1/ 615 - 616.
(4) انظر: شرح الزركشي 1/ 617.
(5) لما روي عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة)) ... إلى قوله: ((ورجل أصابته فاقة حتّى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة ... )).
الحديث أخرجه الطيالسي (1327)، وعبد الرزاق (20008)، وأبو عبيد في الأموال (820)، ومسلم 3/ 97 (1044) (109)، وأبو داود (1640)، والنسائي: 5/ 88 و89 و96، وابن أَبِي عاصم (1443)، وابن خزيمة (2360) و (2361)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 18، وابن حبان (3291)، والطبراني في الكبير 18/ (946) و (947) و (949) و (950) و (952) و (953) و (954) و (955)، والبيهقي 7/ 23، والبغوي (1625) من حديث قبيصة بن المخارق، وانظر: شرح الزركشي 1/ 618.
(6) المسائل لعبد الله 2/ 518، ومسائل ابن هانئ 1/ 112 و 114، مسائل أبي داود: 81.
(7) انظر: مختصره 1/ 91 - 92.(1/152)
فَتَصَدَّقَ وأَضَرَّ بِنَفْسِهِ أو بأَهْلِهِ أَثِمَ، وإِذَا أَرَادَ أنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيْعِ مَالِهِ نَظَرَ في حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ /77 و/ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وقُوَّةَ النَّفْسِ والصَّبْرَ عَلَى المَسْأَلَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وإن لَمْ يثق من نفسهِ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، ويُكْرَهُ لِمَنْ لا صَبْرَ لَهُ عَلَى الإِضَاقَةِ أَنْ يُنْقِصَ نَفْسَهُ عَنِ الكِفَايَةِ التَّامَةِ.
كِتَابُ الصِّيَامِ (1)
يَجِبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ (2) بِرُؤْيَةِ الهِلاَلِ (3)، فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ الصَّحْوِ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً (4)، ثُمَّ صَامُوا، فَإِنْ حَالَ دُوْنَ مَطْلَعِهِ غَيْمٌ أو
__________
(1) صَامَ يَصُومُ صَوْماً وصِيَاماً - بالكسر - واصْطَامَ: إذا أمسك، هَذَا أصل اللغة في الصوم.
وفي الشرع: إمساك عَن الطعام والشراب. ومن المجاز: صام عَن الكلام إذا أمسك عَنْهُ، قَالَ تَعَالَى:
{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} (مريم: 26)، أي: الإمساك عَن الكلام، ومنه قول سفيان بن عيينه: ((الصوم هُوَ الصبر، يصبر الإنسان عَن الطعام والشراب والنكاح: تركه، وَهُوَ أيضاً داخل في حد الصوم الشرعي)). انظر: تاج العروس 8/ 372، ولسان العرب 5/ 71.
(2) لقوله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (البقرة: 183)، ولحديث ابن عمر قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بني الإسلام عَلَى خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن مُحَمَّداً رسول الله، وإقام الصَّلاَة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)).
أخرجه الحميدي (703) و (704)، وأحمد 2/ 26 و 92 و 120، وعبد بن حميد (823)، ومسلم 1/ 34 (16) (19)، والترمذي (2609)، وأبو يعلى (5788)، وابن خزيمة (309) و (1881) و (2505)، والآجري في الشريعة: 106، والطبراني في الأوسط (6260)، وابن عدي في الكامل 2/ 660، والبيهقي 4/ 81 و 199.
(3) لما صح عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوب الصوم عند رؤية الهلال ومنه حديث ابن عمر قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فأقدروا لَهُ)).
والحديث أخرجه الشافعي في المسند (607) بتحقيقنا، والطيالسي (1810)، وأحمد 2/ 145، والبخاري 3/ 33 (1900)، ومسلم 3/ 122 (1080) (8)، وابن ماجه (1654)، والنسائي 4/ 134، وابن خزيمة (1905)، وابن حبان (3441)، والبيهقي 4/ 204 - 205 كلهم من طريق سالم بن عبد الله، عن ابن عمر، به.
(4) لأن هَذَا اليوم الَّذِي احتسب مكملاً لعدة شعبان ثلاثين يوماً، لا يخلو من حالين:
1. أن يكون يوم شك، وقد نهى الشارع عَن صيامه، فثبت عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه قَالَ: ((من صام اليوم الَّذِي يشك فيه الناس، فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -)).
أخرجه الدارمي (1689)، وأبو داود (2334)، وابن ماجه (1645)، والترمذي (686)، والنسائي 4/ 153، وأبو يعلى (1644)، وابن خزيمة (1914)، وابن حبان (3585)
و (3595)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 111، والدارقطني 2/ 157، والحاكم 1/ 423، والبيهقي 4/ 208.
2. أن لا يكون يوم شك، إلا أنه يسبق رمضان، وقد نهى عنه أيضاً لما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين، إلاّ أن يوافق ذلك صوماً كَانَ يصومه أحدكم)). أَخْرَجَهُ الشافعي (609) بتحقيقنا، والطيالسي (2361)، وعبد الرزاق (7315)، وابن أبي شيبة (9035)، وأحمد 2/ 234 و 281 و 347 و 408 و 438 و 477 و 497 و 513 و 521، والدارمي (1696)، والبخاري 3/ 35 (1914)، ومسلم 3/ 125 (1082) (21)، وأبو داود (2335)، والترمذي (684)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 84، وابن حبان (3586)
و (3592)، والبيهقي 4/ 207.(1/153)
قَتَرٌ (1) لَيْلَةَ الثَّلاَثِيْنَ وَجَبَ صَوْمُهُ نِيَّةَ رَمَضَانَ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ (2) وَهِيَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا (3)، والثَّانِيَةِ: لا يَجِبُ صَوْمُهُ (4)، والثَّالِثَةِ: النَّاسُ تَبَعُ الإِمَامِ، فَإِنْ صَامَ صَامُوا (5)، فَإِنْ رَأَى الهِلاَلَ
بالنَّهَارِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ المُقْبِلَةِ عَلَى قَوْلِ الخِرَقِيِّ (6)، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ: قَبْلَ الزَّوَالِ وبَعْدَهُ، وقَالَ شَيْخُنَا: إِنْ رَأَى قَبْلَ الزَّوَالِ في أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَهُوَ للمَاضِيَةِ.
وإِنْ كَانَ في آخِرِهِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: هُوَ للمَاضِيَةِ (7) أَيْضاً، والثَّانِيَةُ: هُوَ للمُقْبِلَةِ (8).
وإِذَا رَأَى الهِلاَلَ أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ جَمِيْعَ البِلاَدِ الصَّوْمُ. ويُقْبَلُ في هِلاَلِ رَمَضَانَ عَدْلٌ وَاحِدٌ (9)، ولاَ يُقْبَلُ في سَائِرِ الشُّهُورِ إلاَّ عَدْلاَنِ. وَإِذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الوَاحِدِ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً
__________
(1) القَتَر: الغبار أو الغبرة، ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ - تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} (عبس: 40 - 41)، وانظر: تاج العروس 13/ 361 (قتر).
(2) انظر: الروايتين والوجهين 45/ ب.
(3) قَالَ الزركشي: ((هَذَا هُوَ المشهور المختار لعامة الأصحاب)). شرحه 2/ 8. قَالَ ابن تيمية: ((وأما إيجاب صومه فَلاَ أصل له في كلام أحمد، ولا كلام أحد من أصحابه، لكن الكثير من أصحابه اعتقدوا أن مذهبه إيجاب صومه، ونصروا ذَلِكَ القول)). مجموعة الفتاوي 25/ 59.
(4) وإن صامه بنية رمضان لَمْ يجزئه عَنْ رمضان. انظر: المغني 3/ 9.
وَقَدْ نسبها ابن تيمية إلى اختيار المصنف وابن عقيل وأبي القاسم بن منده وغيرهم. انظر: مجموعة الفتاوى 25/ 59.
(5) انظر: المغني 3/ 8 - 9، والمحرر 1/ 227، وشرح الزركشي 2/ 8 - 12. وقيل: إن في المذهب رِوَايَة رابعة: وَهِيَ استحباب صومه.
ونسبها الزركشي إلى اختيار أبي العباس بن تيمية. انظر: شرح الزركشي 2/ 12 - 13.
والذي وقفنا عَلَيْهِ في مجموعة الفتاوى لأبي العباس أن اختياره من فهمه للروايات عن الإمام أحمد، لا أنها رواية رابعة. فانظر: مجموعة الفتاوى 22/ 174.
(6) انظر: مختصره 1/ 52.
(7) من قوله: ((وإن كَانَ في آخره ... للماضية)) مكرر في الأصل.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 45/ ب.
(9) وروي عن الإمام أحمد أنه قَالَ: ((اثنين أعجب إلي)). المغني 3/ 93.
قَالَ القاضي أبو يعلى: ((والمذهب أنه تقبل شهادة الواحد إذا كَانَ عدلاً في هلال رمضان سواء كَانَ بالسماء علة أو لَمْ يكن)). الروايتين والوجهين 46/ ب.(1/154)
فَلَمْ يَرَوا الهِلاَلَ لَمْ يَفْطُرُوا (1) وَقِيْلَ يفطروا فإن صاموا بشهادة إثنين فطروا وجهاً واحداً وإن صاموا لإجل الغيم لَمْ يفطروا. ولاَ يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ إلاَّ عَلَى المُسْلِمِ البَالِغِ العَاقِلِ القَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ، فَأَمَّا الكَافِرُ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أصْلِيّاً أو مُرْتَدّاً، وأَمَّا الصَّبِيُّ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إِذَا أطَاقَهُ، ويُضْرَبُ عَلَيْهِ؛ لِيعْتَادَهُ. ومَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَإِنْ أَسْلَمَ الكَافِرُ وبَلَغَ الصَّبِيُّ وأَفَاقَ المَجْنُونُ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ، لَزِمَهُمْ إِمْسَاكُ ذَلِكَ اليَوْمِ وقَضَاؤُهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، والأُخْرَى: لاَ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ (3). فَإِنْ طَهُرَتِ الحَائِضُ والنُّفَسَاءُ / 78 ظ / وأَفَاقَ المَجْنُوْنُ وقَدِمَ المُسَافِرُ أو قَامَتِ البَيِّنَةُ بالرُّؤْيَةِ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَزِمَهُمْ القَضَاءُ رِوَايَةً واحِدَةً (4)، وفي وُجُوبِ الإِمْسَاكِ رِوَايَتَانِ (5).
فَإِنْ نَوَى المُرَاهِقُ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ بَلَغَ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ بالاحْتِلاَمِ أو السِّنِّ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يُتِمُّ ولاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وعِنْدِي: عَلَيْهِ القَضَاءُ (6)، كَمَا لَوْ بَلَغَ في أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ (7).
وأَمَّا مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ويَعْجِزُ عَنِ الصِّيَامِ لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لاَ يُرْجَى بَرْؤُهُ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، و (8) يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْناً مُدّاً (9) مِنْ بُرٍّ (10)، أو نِصْفَ صَاعٍ مِنْ
__________
(1) انظر: المغني 3/ 94.
(2) نقل صالح وابن منصور عن أحمد في اليهودي والنصراني يسلمان، يكفان عن الطعام ويقضيان ذَلِكَ اليوم، فظاهر هَذَا أنه وجوب القضاء، وعلل القاضي أبو يعلى هَذَا الحكم قائلاً: ((لأنه أسلم مَعَ بقاء وقت الصيام فلزمه صيام ذَلِكَ القدر إلاّ أنه لا يمكنه ذَلِكَ إلاّ بقضاء اليوم كله، فلزمه صومه كله)). الروايتين والوجهين 48/ أ.
(3) نقل حنبل في الصبي يحتلم في بَعْض الشهر، لا يقضي، ويصوم فِيْمَا يستقبل، واليهودي والنصراني إذا أسلما يصومان ما بقي ولا يقضيان، فظاهر هَذَا: أنه لَمْ يوجب القضاء. الروايتين والوجهين 48/ أ.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 48/ أ.
(5) انظر: المغني 3/ 72.
(6) انظر: الشرح الكبير 3/ 15.
(7) لأنها عبادة بدنية بلغ المكلف في أثنائها بَعْدَ فوات بَعْض أركانها فلزمته الإعادة؛ لأن صيامه قَبْلَ البلوغ من باب التنفل، وَقَدْ وجب بَعْدَ التلبس بالعبادة، فَلَمْ يجزء النفل عَن الفرض. انظر: المغني 3/ 91.
(8) زيادة الواو منا ليستقيم بِهَا المعنى.
(9) المُدُّ - بالضم -: ضرب من المكاييل، وهو ربع صاع، ويعادل في مقاييس وقتنا عند الحنفية (824. 2) غراماً، وعند الشافعية ومن وافقهم (543. 75) غراماً.
(10) بالضم: حب القمح. المعجم الوسيط: 48.(1/155)
تَمْرٍ أو شَعِيْرٍ (1).
وَإِذَا أَشْتَبَهَتِ الشُّهُورُ عَلَى الأَسِيْرِ تَحَرَّى وَصَامَ، فَإِنْ وَافَقَ الشَهْرَ أو مَا بَعْدَهُ
أَجْزَأَهُ، وإِنْ وَافَقَ مَا قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ (2).
ومَنْ رَأَى هِلاَلَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ فَرَدَّ الحَاكِمُ شَهَادَتَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ، ورَوَى عَنْهُ
حَنْبَلٌ: لاَ يَلْزِمُهُ الصَّوْمُ (3)، فَإِنْ رأَى هِلاَلَ شَوَّالَ وَحْدَهُ لَمْ يَفْطُرْ.
والمَرِيْضُ إذا خَافَ الضَّرَرَ والمُسَافِرُ اسْتُحِبَّ لَهُمَا الفِطْرُ. فَإِنْ صَامَا كُرِهَ لَهُمَا
ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُمَا. وَلاَ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَصُومَا في رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ. ومَنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ جَازَ لَهُ أنْ يَفْطُرَ، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ لَهُ إِفْطَارُ ذَلِكَ اليَوْمِ (4). والحَامِلُ والمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا (5)، وإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وعَلَيْهِمَا القَضَاءُ وإِطْعَامُ مِسْكِيْنٍ (6).
وإِذَا نَوَى قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أو جُنَّ جَمِيْعُ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ (7) وإِنْ أَفَاقَ جُزْءً مِنَ النَّهَارِ فَصَوْمُهُ صَحِيْحٌ (8)، وإِنْ نَامَ جَمِيْعَ النَّهَارِ فَصَوْمُهُ صَحِيْحٌ (9)، ويَلْزَمُ المُغْمَى عَلَيْهِ القَضَاءُ (10)، ولاَ يَلْزَمُ المَجْنُونَ القَضَاءُ، وَنقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ: أنَّ المَجْنُونَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ، وإنْ أَفَاقَ بَعْدَ خُرُوجِهِ (11).
__________
(1) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 80، وشرح الزركشي 2/ 39.
(2) انظر: المغني 3/ 59، والمحرر 1/ 228، وشرح الزركشي 2/ 52 - 53.
(3) انظر: المحرر 1/ 228 ,
(4) انظر: الروايتين والوجهين 48/ أ.
(5) أما إفطارهما فمطلوب لقوله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 184)؛ ولأن حكمها حكم المريض في الإفطار والقضاء. انظر: المغني 3/ 77، وشرح الزركشي 2/ 37.
(6) فإن خوفهما عَلَى ولديهما خوف عَلَى الآدمي فأشبه خوفهما عَلَى نفسيهما، وإنما أوجبنا الفدية: لأنهما في حقيقة الأمر قادرتان عَلَى الصوم فدخلتا تَحْتَ قوله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ
مِسْكِينٍ} (البقرة: 184)، وانظر: المغني 3/ 78.
(7) لأن حقيقة الصوم الإمساك مَعَ وجود النية، والمغمى عليه والمجنون لا نية لهما، كَمَا أن الإمساك يقع مَعَ الأول عَلَى سبيل الاضطرار فأشبه الميت. وانظر: المغني 3/ 32، وشرح الزركشي 2/ 16 - 17.
(8) لوجود حقيقة الإمساك منه في الجملة. انظر: شرح الزركشي 2/ 17.
(9) قَالَ ابن قدامة: ((النوم لا يؤثر في الصوم سواء وجد في بَعْض النهار أو جميعه)). المغني 3/ 33.
ولأن حقيقة النوم تختلف عن حقيقة الإغماء والجنون، فافترقا في الحكم.
(10) نقل ابن قدامة والزركشي الإجماع عَلَى هَذَا. انظر: المغني 3/ 32، وشرح الزركشي 2/ 17.
(11) هَذِهِ الرواية الثانية لَمْ نجدها في كتب المذهب سوى الإنصاف 3/ 293، وَقَدْ ذكر معها رواية ثالثة، ولعل هذه الرواية مخرجة عَلَى نقل حنبل عن الإمام أحمد في الصبي يحتلم في بعض الشهر لا يقضي ويصوم فِيْمَا يستقبل. انظر: الروايتين والوجهين 48/ أ.(1/156)
وَإِذَا أكل مُعْتَقِداً أنَّهُ لَيْلٌ ثُمَّ بَانَ أنَّهُ نَهَارٌ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وإِنْ أَكَلَ شَاكّاً في طُلُوعِ الفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ القَضَاءُ، وإِنْ أَكَلَ شَاكّاً في غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَهُ القَضَاءُ (1) / 79 و /.
بَابُ نِيَّةِ الصِّيَامِ
ولاَ يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ ولاَ غَيْرُهُ مِنَ الصِّيَامِ الوَاجِبِ إلاَّ بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ لِكُلِّ
يَوْمٍ (2)، وَعَنْهُ في صَوْمِ رَمَضَانَ: أَنَّهُ تُجْزِىء نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيْعِ الشَّهْرِ (3). ويَجِبُ تَعْيِيْنُ النِّيَّةِ في كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ: وَهُوَ أنْ يَعْتَقِدَ أنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ، أو مِنْ كَفَّارَاتِهِ، أو مِنْ نَذْرِهِ. وَلاَ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ فَرِيْضَةً، وقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (4)، وَعَنْهُ: لاَ يَجِبُ تَعْيِيْنُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ (5).
ويَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وبَعْدَهُ، واخْتَارَ شَيْخُنَا في " المجردِ ": أنَّهُ لاَ تُجْزِئُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ، ويُحْكَمُ لَهُ بالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ المُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لاَ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ، وإِذَا نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ إِنْ كَانَ غَداً مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي، وإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ نَفْلٌ، لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَقْطَعَ بِأَنَّهُ غَداً صَائِمٌ مِنْ رَمَضَانَ (6)، وَعَنْهُ: أنَّهُ يُجْزِيْهِ ذَلِكَ
مِنْ رَمَضَانَ (7). ومَنْ نَوَى الخُرُوجَ مِنَ الصِّيَامِ بَطَلَ صَوْمُهُ (8).
__________
(1) وإنما اختلف الحكم في المسألتين تبعاً لاعتبار الأصل في كل منهما، فإن الأصل في المسألة الأولى بقاء الليل وهو وقت أبيح فِيْهِ الإفطار فَلَمْ يجب عليه شيء بمباشرة فعل مباح.
والأصل في الثانية بقاء النهار، وهو وقت أوجب الشارع فيه الصيام فلزمه بالفطر فيه القضاء دون
الكفارة؛ لعدم وجود معنى التعمد مِنْهُ، والله أعلم.
(2) لأنها عبادة تتجدد بتجدد وقتها فوجبت النية لكل وقت كَمَا في الصَّلاَة.
(3) لأنه نوى في وقت يصلح جنسه لتعيين نية الصوم، فجازت كَمَا لَوْ نوى كل يوم في ليلته. انظر: المغني 3/ 25.
(4) انظر: المقنع: 63، والمغني والشرح والكبير 3/ 28.
(5) انظر: المغني 3/ 28، والمبدع 3/ 20.
(6) نقل الأثرم عنه في يوم الشك: ((لا يجزيه إلاّ بعزيمة عَلَى أنه من رَمَضَان)).
واختارها القاضي أبو يعلى وأبو بكر وأبو حفص وابن عقيل والأكثرون. انظر: الروايتين والوجهين
45/ ب، وشرح الزركشي 2/ 15.
(7) نقل المروذي عنه: إذا حال دون مطلع الهلال غيم صام ذَلِكَ اليوم، فقيل لَهُ: يصومه عَلَى أنه رَمَضَان؟ فَقَالَ: نحن أجمعنا عَلَى أن نصبح صياماً وَلَمْ يعتقد أنَّهُ من رَمَضَان فَهُوَ يجزينا. واختار هَذِهِ الرِّوَايَة الخرقي في شرح المختصر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 45/ ب، وشرح الزركشي 2/ 15.
(8) وذهب ابن حامد من أئمة المذهب إلى أنه لا يفطر؛ لأن الصوم عبادة يلزم المضي في الفاسد مِنْهَا، فَلاَ تفسد بنية الخروج مِنْهَا كَمَا في الحج. المغني 3/ 53، وشرح الزركشي 2/ 28.(1/157)
بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ ومَا يُوْجِبُ الكَفَّارَةَ
ومَنْ أَكَلَ أو شَرِبَ أو اسْتَعَطَّ (1) أو اكْتَحَلَ بِمَا يَصِلُ إلى جَوْفِهِ، أَو قَطَرَ في أُذُنِهِ فَوَصَلَ إلى دِمَاغِهِ، أو دَاوَى المَأْمُومَةَ (2)، أو الجَائِفَةَ (3) بِمَا يَصِلُ إلى جَوْفِهِ، أو احْتَقَنَ، أو احتَجَمَ، أو حَجَمَ (4)، أو اسْتَقَاءَ (5)، أو اسْتَمْنَى ذَاكِراً للصَّوْمِ عَالِماً بالتَّحْرِيْمِ بَطَلَ صَوْمُهُ، وعَلَيْهِ أنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ويَقْضِي، وإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِياً أو جَاهِلاً بالتَّحْرِيْمِ أو مُكْرَهاً لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ (6).
وإِذَا قَطَرَ في إِحْلِيْلِهِ أو طَارَ إلى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أو غُبَارٌ، أو أَصْبَحَ وفي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ. وإنْ تَمَضْمَضَ أو اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ المَاءُ إلى جَوْفِهِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ (7) فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ فِيْهِمَا أو بَالَغَ / 80 ظ / في الاسْتِنْشَاقِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (8).
وإِذَا طَلَعَ عَلَيْهِ الفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ، وإِنْ نَزَعَ فَكَذَلِكَ أَيْضاً عَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ وشَيْخِنَا (9)، وَقَالَ أبو حَفْصٍ: لاَ قَضَاءَ ولاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (10).
__________
(1) السَّعُوط والصَّعُوط: اسم الدواء يصب في الأنف. لسان العرب 7/ 314 (سعط). والمراد هنا: أن يدخل شيئاً في أنفه دواءً كان أو غيره.
(2) هِيَ جرح يصل إلى أم الرأس، فَلاَ يبقى بينها وبين الدماغ إلا جلدة رقيقة تحيط بالدماغ تدعى: ((أم الرأس)). انظر: الفائق في غريب الحديث 1/ 57، والنهاية 1/ 68، ولسان العرب 2/ 303.
(3) هِيَ الطعنة الَّتِي تصل إلى الجوف. انظر: غريب الحديث للخطابي 2/ 328، والفائق 1/ 246، ولسان العرب 9/ 34، والمطلع: 367.
(4) لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفطر الحاجم والمحجوم)).
رَوَاهُ عَبْد الرزاق (7523)، وأحمد 3/ 465، والترمذي (774)، وفي العلل الكبير (208)، وابن خزيمة (1964) و (1965)، وابن حبان (3535)، والحاكم 1/ 428، والبيهقي 4/ 465، من حديث رافع بن خديج.
(5) أي: حاول إخراج القيء من جوفه متعمداً. انظر: الشرح الكبير 3/ 38.
(6) انظر: المغني 3/ 48، وشرح الزركشي 2/ 27 - 28.
(7) لأن المفطر وصل إلى جوفه من غير إسراف ولا قصد فأشبه ما لَوْ طارت ذبابة إلى حلقه، ففارق حالة المتعمد. وانظر: المغني 3/ 44.
(8) أحدها: يفطر؛ لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ المبالغة حفظاً للصوم، فدلّ ذَلِكَ عَلَى أنَّهُ يفطر بِهِ، ولأنه وصل بفعل منهي عَنْهُ فأشبه التعمد.
والثاني: لا يفطر بِهِ؛ لأنه وصل من غَيْر قصد فأشبه غبار الدقيق إذا نخله. المغني 3/ 44.
(9) انظر: المغني 3/ 63.
(10) قَالَ ابن قدامة: ((وهذه المسألة تقرب من الاستحالة، إذ لا يكاد يعلم أول طلوع الفجر عَلَى وجه يتعقبه النزع - من غَيْر أن يَكُوْن قبله شيء من الجماع، فَلاَ حاجة إِلَى فرضها، والكلام فِيْهَا)).
المغني 3/ 63.(1/158)
وإِذَا جَامَعَ في الفَرْجِ بَطَلَ صَوْمُهُمَا سَوَاءٌ كَانَا ذَاكِرَيْنِ مُخْتَارَيْنِ أو نَاسِيَيْنِ مُكْرَهَيْنِ، فَأَمَّا الكَفَّارَةُ [فَإِنمَا] (1) تَلْزَمُ الرَّجُلَ مَعَ زَوَالِ العُذْرِ، وهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَ الإِكْرَاهِ والنِّسْيَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2). وأمَّا المَرْأَةُ فَلاَ تَلْزَمُهَا الكَفَّارَةُ مَعَ العُذْرِ، وهَلْ تَلْزَمُهَا مَعَ المُطَاوَعَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3). ونَقَلَ عَنْهُ ابنُ القَاسِمِ: كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ولاَ غَيْرُهُ (4)، وهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ القَضَاءِ والكَفَّارَةِ مَعَ الإِكْرَاهِ والنِّسْيَانِ. وإِذَا بَاشَرَ دُوْنَ الفَرْجِ أو قَبَّلَ أو لَمَسَ أو كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمنى، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وفي الكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ (5).
وإِذَا أَوْلَجَ في بَهِيْمَةٍ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وفي الكَفَّارَةِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الحَدِّ (6). وإِذَا لمَسَّ فَأمْذَى فَعَلَيْهِ القَضَاءُ (7).
وَإِذَا فَكَّرَ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمُهُ، وَقَالَ أبو حَفْصٍ البَرْمَكِيُّ: يُفْسِدُ (8). وإِذَا جَامَعَ في يَوْمٍ رَأَى الهِلالَ في لَيْلَتِهِ ورُدَّتْ شَهَادَتُهُ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ، وإِذَا نَوَى الصِّيَامَ في سَفَرِهِ ثُمَّ جَامَعَ، فَفِي الكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ (9). فَإِنْ جَامَعَ وَهُوَ صَحِيْحٌ ثُمَّ مَرِضَ أو جُنَّ في أَثْنَاءِ اليومِ لَمْ تَسْقُطِ الكَفَّارَةُ عَنْهُ، وإِذَا وَطِئَ ثُمَّ كَفَرَ ثُمَّ عَادَ فَوَطِئَ في يَوْمِهِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - وكَذَلِكَ إِذَا أَصْبَحَ لاَ يَنْوِي الصِّيَامَ أو أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ
__________
(1) في الأصل ((فإنهما)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 47/ أ.
(3) انظر: الهادي: 64، والمغني 3/ 57.
(4) انظر: المغني 3/ 58.
(5) انظر: الروايتين والوجهين47/ أ، والمغني3/ 56، والمقنع: 64، والمحرر1/ 230، والشرح الكبير3/ 60.
(6) انظر: الروايتين والوجهين47/ أ، والمغني3/ 56، والمقنع: 64، والمحرر1/ 230، والشرح الكبير3/ 60.
(7) لأنه خارج تخللته الشهوة خرج بالمباشرة فأفسد الصوم كالمني، وفارق البول بهذا. انظر: المغني 3/ 48.
(8) واختارها ابن عقيل؛ لأنَّهُ استحضر التفكير بإرادته، فيكون داخلاً تَحْتَ اختياره. انظر: المغني 3/ 49.
(9) الأولى: تجب عَلَيْهِ الكفارة. فنقل مهنّا عَنْهُ في المسافر أنَّهُ قَالَ: إذا نوى الصيام فواقع وجب عَلَيْهِ القضاء والكفارة.
فظاهر هَذَا المنع؛ لأن الرخصة حصلت لما تدعو الحاجة إليه من الطعام والشراب.
الثانية: لا تجب عَلَيْهِ كفارة. فَقَالَ ابن مَنْصُوْر: قُلْتُ لأحمد: قَالَ الزهري: يكره للمسافر أن يجامع امرأته في سفر نهاراً في رَمَضَان، فَلَمْ يرَ بِهِ بأساً في السفر.
فظاهر هَذَا الجواز؛ لأن من جاز لَهُ الفطر بالأكل جاز لَهُ بالجماع كالمتطوع والمريض. وصحح ابن قدامة الرِّوَايَة الثانية. انظر: الروايتين والوجهين 47/ ب، والمغني 3/ 53.(1/159)
تَلْزَمُهُ الكَفَّارَةُ. وإِذَا جَامَعَ في يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَتْ كَفَّارَتَانِ في اخْتِيَارِ شَيْخِنَا وابنِ حَامِدٍ (1)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (2).
وكَفَّارَةُ الجِمَاعِ عَلَى التَّرْتِيْبِ (3)، فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيْمَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّيْنَ مِسْكِيْناً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ عَنْهُ (4)، وَعَنْهُ: أنَّهَا عَلَى التَّخْيِيْرِ بَيْنَ العِتْقِ والصِّيَامِ والإِطْعَامِ، فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ / 81 و / أَجْزَأَهُ (5).
بَابُ مَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وحُكْمُ القَضَاءِ
يُكْرَهُ لِمَنْ تُحَرِّكُ القُبْلَةُ شَهْوَتَهُ أَنْ يُقَبِّلَ وَهُوَ صَائِمٌ، ومَنْ لاَ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6). ويُكْرَهُ لِلصَّائِمِ مَضْغُ العِلْكِ: وَهُوَ المُومياءُ (7) واللُّبَانُ (8) الَّذِي كُلَّمَا مَضَغَهُ قَوِيَ فَأَمَّا مَا يُتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ مَضْغُهُ، ومَتَى مَضَغَهُ وَوَجَدَ طَعْمَهُ في حَلْقِهِ أَفْطَرَ (9). ويُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ (10)، وَعَنْهُ: لاَ يُكْرَهُ (11). وهَلْ يُكْرَهُ السِّوَاكُ بِالعُوْدِ الرَّطْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (12).
__________
(1) قَالَ أبو يعلى: ((وَقَالَ شيخنا أبو عَبْد الله -[هو ابن حامد]-: عَلَيْهِ كفارة ثانية، وهو أصح)). الروايتين والوجهين 47/ ب.
(2) هَذَا اختياره في كتابه " التنبيه ". انظر: الروايتين والوجهين 47/ ب، والمغني 3/ 70، وشرح الزركشي 2/ 34.
(3) انظر: مسائل عَبْد الله 2/ 653 (883).
(4) في إحدى الروايتين، وعنه: أنها لا تسقط؛ لأنها وجبت في ذمته فَلاَ تسقط بالعجز كسائر الكفارات. انظر المغني: 3/ 69.
(5) هكذا نقل عنه ابنه صالح. فانظر: مسائله: 107، ومسائل عَبْد الله 2/ 651 (882)، والروايتين والوجهين 47/ أ.
(6) انظر: الهادي: 55، والشرح الكبير 3/ 74 - 75.
(7) المُوم - بالضم -: الشمع، واحده: مُومة، أصله فارسي معرب. انظر: لسان العرب 12/ 566، وتاج العروس 9/ 70 (موم).
(8) هُوَ في الأصل نبات يدعى (الكُنْدُر) يفرز صمغاً يستعمل ك: علك، قَالَ صاحب "معجم مَتْن اللغة" في (كند): ((ضرب من العلك أو هُوَ اللبان)). انظر: معجم مَتْن اللغة 5/ 108 (كند)، والمعجم الوسيط: 814 (لبن).
(9) وفي المذهب وجه آخر: أنه لا يفطر؛ لأنَّهُ لَمْ ينزل مِنْهُ شيء ومجرد الطعم لا يفطر. انظر: المغني 3/ 46.
(10) نقلها الأثرم وابن مَنْصُوْر وعبد الله، وصححها الْقَاضِي أبو يعلى. انظر: مسائل عَبْد الله 2/ 631، والروايتين والوجهين 48/ أ.
(11) نقلها ابن هانئ. انظر: مسائله 1/ 130، والروايتين والوجهين 48/ أ.
(12) انظر: مسائل ابن هانئ 1/ 130، والروايتين والوجهين 49/ أ.(1/160)
ولاَ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الاغْتِسَالُ (1)، ويُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ رِيْقَهُ فَيَبْلَعَهُ، وهَلْ يَفْطُرُ؟
فَعَلَى وَجْهَيْنِ (2). ويُكْرَهُ أَنْ يَذُوقَ الطَّعَامَ، فَإِنْ فَعَلَ فَوَجَدَ طَعْمَهُ في حَلْقِهِ أَفْطَرَ (3). ويَنْبَغِي أنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنِ الكَذِبِ والغِيْبَةِ والشَّتْمِ، فَإِنْ شُتِمَ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ (4). ويُسْتَحَبُّ لَهُ تَعْجِيْلُ الإِفْطَارِ إِذَا لَحِقَ غُرُوبَ الشَّمْسِ، وتَأْخِيْرُ السّحُوْرِ مَا لَمْ يَخْشَ طُلُوْعَ الفَجْرِ (5). ويُسْتَحَبُّ أنْ يُفْطِرَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى المَاءِ (6). ويُسْتَحَبُّ أنْ يَدْعُوَ عِنْدَ إِفْطَارِهِ بِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِذَا صَامَ أَحَدُكُمْ فَقَدَّمَ عَشَاءهُ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ لَكَ صِمْتُ، وعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، سُبْحَانَكَ وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا
__________
(1) لحديث عَائِشَة وأم سلمة - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يدركه الفجر وَهُوَ جنب من أهله ثُمَّ يغتسل فيصوم.
أخرجه مالك (794)، وابن أبي شيبة (9577)، وأحمد 1/ 211 و 6/ 14 و 203 و 289 و 290 و 308 و 313، والبخاري 3/ 38 (1925) و 40 (1931) و (1932)، ومسلم 3/ 137 (1109) و 138 (1109) (78)، وأبو داود (2388)، والنسائي في الكبرى (2929) و (2930)، وابن خزيمة (2011)، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 105 وفي مشكل الآثار (543)، وابن حبان (3487) و (3488) و (3489)، والطبراني في الكبير 23/ (5881)، والبيهقي 4/ 214.
(2) قَالَ ابن قدامة: ((فإن جمعه ثُمَّ ابتلعه قصداً لَمْ يفطره؛ لأنَّهُ يصل إِلَى جوفه من معدته أشبه إذا لَمْ
يجمعه، وفيه وجه آخر أنَّهُ يفطره؛ لأنَّهُ أمكنه التحرز مِنْهُ)). المغني 3/ 40 - 41.
(3) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 64.
(4) لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يبلغ بِهِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أصبح أحدكم صائماً، فَلاَ يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم)). أخرجه الشافعي في السنن المأثورة (295)، والحميدي (1014)، وأحمد 2/ 245 و 257 و 465، ومسلم 3/ 157 (1151) (160)، والنسائي في الكبرى (3269)، وأبو يعلى (6266).
(5) لما روي عن أبي عطية، قَالَ: دخلت أنا ومسروق عَلَى عَائِشَة، فَقَالَ مسروق: رجلان من أصحاب رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أحدهما يعجل الإفطار ويعجل المغرب، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر المغرب؟ قَالَتْ: من الَّذِي يعجل الإفطار ويعجل المغرب؟ قَالَ: عَبْد الله، قَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل. أخرجه أحمد 6/ 48، ومسلم 3/ 131 (1099) (49)، وأبو داود (2354)، والترمذي (702)، والنسائي 1/ 144.
(6) لحديث سلمان بن عامر، يبلغ بِهِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر عَلَى تمر، فإنه بركة، فإن لَمْ يجد تمراً فالماء، فإنه طهور)).
أخرجه الطيالسي (1181)، وعبد الرزاق (7587)، والحميدي (823)، وعلي بن الجعد (2244)، وأحمد 4/ 17 و 18، والدارمي (1708)، وأبو داود (2355)، وابن ماجه (1699) و (1844)، والترمذي (658) و (695)، والنسائي في الكبرى (3320)، وابن خزيمة (2067)، وابن حبان (3515)، والطبراني في الكبير (6193) و (6194) و (6195) و (6196)، والحاكم 1/ 431، والبيهقي 4/ 238 و 239، والبغوي (1684) و (1743).(1/161)
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ)) (1).
ويُسْتَحَبُّ التَّتَابِعُ في قَضَاءِ رَمَضَانَ، ولاَ يَجُوزُ تَأْخِيْرُ القَضَاءِ إلى رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَخَّرَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ ويُطْعِمَ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْنَا (2)، فَإِنْ أَخَّرَ القَضَاءَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ كَانَ التَّأْخِيْرُ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أو سَفَرٍ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ التَّأْخِيْرُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْناً ولاَ يُصَامُ عَنْهُ (3). وإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، وَجَبَ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيْرَيْنِ (4).
فَإِنْ مَاتَ وعَلَيْهِ صَومٌ مَنْذُوْرٌ أو حَجٌّ مَنْذُوْرٌ أو اعْتِكَافٌ مَنْذُوْرٌ، فَعَلَ ذَلِكَ
عَنْهُ المَوْلَى (5). فَإِنْ مَاتَ وعَلَيْهِ صَلاَةٌ مَنْذُوْرَةٌ، فَهَلْ يَفْعَلُهَا عَنْهُ الوَلِيُّ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
__________
(1) الحديث رواه الطبراني في الأوسط (7549)، وفي الصغير (894)، وفي الدعاء (918) ومن طريقه أبو نُعَيْم في أخبار أصبهان، ولفظه في كتاب الدعاء: ((بسم اللهِ، اللَّهُمَّ لَكَ صمت، وعلى رزقِك أَفطرت، تَقَبَّلْ منّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ العليمُ))، وسنده ضعيف جداً، داود بن الزبرقان متروك،
وإسماعيل بن عَمْرو ضعيف. وضعّف إسناده الهيثمي في المجمع 3/ 156، وابن حجر في التلخيص 2/ 215 ط شعبان، 2/ 445 ط العلمية. وانظر: إرواء الغليل 4/ 37.
(2) قَالَ إسحاق بن إبراهيم: سألته عن قضاء رَمَضَان، وَقَدْ توالى عليه رَمَضَان آخر؟ قَالَ: ((أما في التفريط يصوم هَذَا، ويطعم عَن الآخر، مكان كُلّ يوم نصف صاع)). مسائل الإمام أحمد رِوَايَة إسحاق 1/ 129، وانظر: المغني 3/ 83.
(3) قَالَ أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل، قَالَ: لا يصام عن الميت إلاّ في النذر، قَالَ أبو داود: قُلْتُ
لأحمد: إذا كَانَ الرجل؟ قَالَ يطعم. مسائل الإمام أحمد رِوَايَة أبي داود: 96، وانظر: المغني والشرح الكبير 3/ 82، وشرح الزركشي 2/ 41.
(4) هَذَا ما اختاره المصنف، وأشار إليه ابن قدامة، وتابعه عَلَى اختياره هَذَا صاحب التلخيص وأبو البركات ابن تيمية؛ لأن موت المفرط في القضاء - مَعَ عدم التأخير - يوجب كفارة، والتأخير بدون الموت يوجب الكفارة، فإذا اجتمعا وجبت كفارتان. انظر: المحرر 1/ 231، والمغني 3/ 84، وشرح الزركشي 2/ 42.
وهناك وجه آخر في المذهب (وَقِيْلَ: بَلْ رِوَايَة): أنه يجب عليه إطعام فقير واحد، قَالَ الزركشي:
((وهو ظاهر إطلاق أحمد في رِوَايَة المروذي، والخرقي والقاضي والشيرازي وغيرهم)). وصححه المرداوي وغيره. انظر: شرح الزركشي 2/ 41، والإنصاف 3/ 334.
(5) ودليله ما روت عَائِشَة - رضي الله عنها - أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات وعليه صيام)) قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يصوم عنه وليه)). أخرجه أحمد 6/ 69، والبخاري 3/ 45 (1952)، ومسلم ... 3/ 155 (1147) (153)، وأبو داود (2400) و (3311)، والنسائي في الكبرى (2919)، وأبو يعلى (4417) و (4761) و (2052)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2397)، وابن حبان (3569)، والدارقطني في السنن 2/ 195، والبيهقي في السنن 4/ 255 و 6/ 279، وفي مَعْرِفَة السنن والآثار (8827)، والبغوي في شرح السنة (1773).
(6) انظر: الهادي: 56، والمقنع: 66، والمبدع 3/ 49، والفروع 3/ 77، والإنصاف 3/ 340، وكشاف القناع 2/ 336.(1/162)
بَابُ صَوْمِ النُّذُوْرِ والتَّطَوُّعِ / 82 ظ /
ومَنْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَصُمْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ وَكَفَّارَةُ يَمِيْنٍ، وإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ كَالْمَرَضِ ونَحْوِهِ، فَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وفي الكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ (1) (2). فَإِنْ صَامَ قَبْلَ الشَّهْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَمْ يُجْزِهِ (3). فَإِنْ جُنَّ جَمِيْعَ الشَّهْرِ المُعْين لَمْ يَلْزَمْهُ القَضَاءُ (4).
وَإِذَا نَذَرَ أنْ يَصُوْمَ يَومَ يَقْدُمُ فُلاَنٌ، فَإِنَّهُ نَذْرٌ صَحِيْحٌ، فَإِنْ قَدِمَ فُلاَنٌ في ذَلِكَ اليَوْمِ والنَّاذِرُ مُمْسِكٌ، لَزِمَهُ صِيَامُ ذَلِكَ اليَومِ ويَقْضِي ويُكَفِّرُ، وَعَنْهُ: أنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إلاَّ صِيَامُ ذَلِكَ اليَوْمِ (5). فَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ قَدْ أَكَلَ في ذَلِكَ اليَوْمِ، لَزِمَهُ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، والأُخْرَى: لاَ يَلْزَمُهُ شَيءٌ (7). فَإِنْ وَافَقَ قُدُوْمُهُ يَوْماً مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَهُ القَضَاءُ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: لاَ يَلْزَمُهُ شَيءٌ (8).
ومَنْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمِ العِيْدِ لَمْ يَصُمْهُ، ويَقْضِي ويُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِيْنٍ، نَقَلَهَا أبو
طَالِبٍ (9)، ونَقَلَ حَنْبَلٌ: أنَّهُ يُكَفِّرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ (10)، وَهُوَ الصَّحِيْحُ عِنْدِي (11). ونَقَلَ مُهَنَّا كَلاماً يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ [إِنْ] (12) صَامَهُ صَحَّ صَوْمُهُ (13) ولاَ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَةُ أنَّهُ لاَ يَصِحُّ صِيَامُ يَوْمَي العِيْدَيْنِ (14)، وأَيَّامِ
__________
(1) في الأصل: ((روايتين)).
(2) انظر: المغني 3/ 369، والهادي: 56.
(3) انظر: المقنع: 324، والمغني 11/ 369، وشرح الزركشي 4/ 428.
(4) لأنه خرج عَنْ أهلية التكليف قبل وقت النذر أشبه ما لَوْ فاته)). الشرح الكبير 11/ 348، وانظر: المقنع: 323.
(5) انظر: المغني 3/ 360، والهادي: 56.
(6) وهذه رِوَايَة كل من أبي طَالِب والأثرم وصالح والمروذي، وَهِيَ اختيار الخرقي. انظر: الروايتين والوجهين 209/ ب.
(7) نص في رواية مُحَمَّد بن يَحْيَى المتطبب عَلَى أنه ليس عليه شيء؛ لأن اليوم معدوم. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 209/ أ.
(8) مختصر الخرقي: 143، وانظر: شرح الزركشي 4/ 424.
(9) نقل أبو طَالِب: ((فيمن نذر أن يصوم شوال فصام إلا يوم الفطر يصوم يوماً مكان يوم الفطر، ويكفر كفارة يمين)). الروايتين والوجهين 210/ أ.
(10) نقل حنبل: ((لا يصوم ويكفر عَنْ يمينه)). الروايتين والوجهين 210/ أ.
(11) ومن قبله صححها شيخه أبو يعلى. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 210/ أ.
(12) زيادة يقتضيها السياق.
(13) لَمْ نقف عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة، وذكرها المرداوي من غير عزو لمهنّا. انظر: الإنصاف 11/ 134.
(14) لما صح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: ((أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر)). أخرجه الطيالسي (2242)، وأحمد 3/ 96، والبخاري 3/ 55 (1991)، ومسلم 3/ 153 (827) (141)، وأبو داود (2417)، والترمذي (772)، والبيهقي 4/ 297، وانظر في ذَلِكَ: المقنع: 323، والمغني 3/ 97، وشرح الزركشي 2/ 55.(1/163)
التَّشْرِيْقِ نَفْلاً (1)، وأَمَّا صَوْمُهُمَا عَنِ الفَرْضِ فَقَدْ بَيَّنَا أنَّ في العِيْدَيْنِ وأَيَامِ التَّشْرِيْقِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، والأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ (2).
ويُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وإِنْ فَرَّقَهَا، ويُسْتَحَبُّ لَهُ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وآكَدُهَا يَومُ التَّرْوِيَةِ وعَرَفَةٍ؛ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ حَاجّاً، فَيَكُونُ الأَفْضَلُ لَهُ الفِطْرُ؛ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ. ويُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ المُحَرَّمِ، وآكَدُهَا تَاسُوعَاءُ وعَاشُورَاءُ. ويُسْتَحَبُّ صِيَامُ الأَيَّامِ البِيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وصَوْمُ الاثْنَيْنِ والخَمِيْسِ. وصِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْماً ويُفْطِرُ يَوْماً.
ويُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ، قَالَ أَحْمَدُ-رَحِمَهُ اللهُ -: وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ فِيْهِ يَوْمَي العِيْدَيْنِ وأَيَّامَ التَّشْرِيْقِ (3). ويُكْرَهُ لَهُ الوِصَالُ في الصومِ، واسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ باليَوْمِ واليَوْمَيْنِ. ويُكْرَهُ إفْرَادُ رَجَبٍ بالصَّوْمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وفي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: ويُكْرَهُ إفْرَادُ يَومِ الْجُمُعَةِ (4) ويَومِ السَّبْتِ (5)
__________
(1) والعمل عَلَى هَذَا عِنْدَ أهل العِلْم لما ورد من آثار في كراهية صيام أيام التشريق، منها: حَدِيْث عقبة بن عامر قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وَهِيَ أيام أكل وشرب)). أخرجه ابْن أَبِي شيبة (9770)، وأحمد 4/ 152، والدارمي (1771)، وأبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي 5/ 252، وابن خزيمة (2100)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2964)، وفي شرح المعاني 2/ 71، وابن حبان (3603)، والطبراني في الكبير 17/ 803، وفي الأوسط (3209)، والحاكم 1/ 434، والبيهقي 4/ 298، والبغوي (1796)، وانظر في ذَلِكَ: المغني 3/ 97، والمقنع: 323، وشرح الزركشي 2/ 55.
(2) نقل المروذي: ((إذا لَمْ يصم المتمتع قبل يوم التروية لَمْ يصم أيام التشريق، أرجو أن لا يكون بِهِ بأس وَلَوْ أفطر وكفّر رجوت))، قَالَ أبو يعلى: ((فظاهر هَذَا جواز صومهما عَنِ النذر)).
ونقل الفضل بن زياد عنه أنه قال: كنت أذهب إلى هَذَا، يعني صوم أيام التشريق إلاّ أني رأيت الأحاديث عَنْ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أنها أيام أكل وشرب)).
قَالَ أبو يعلى: ((فظاهر هَذَا أنَّهُ رجع عَنْ قوله بالجواز)). الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 48/ أ-ب، والمقنع: 66.
(3) انظر: مسائل الإمام أحمد (رِوَايَة عَبْد الله) 2/ 620، و (رواية إسحاق بن هانئ) 1/ 134.
(4) قَالَ أبو داود: قُلْتُ لأحمد إِذَا كَانَ الرجل يصوم يوماً ويفطر يوماً فيوافق الجمعة؟ قَالَ: لاَ بأس إِنَّمَا كره صوم يَوْم الجمعة أن يتعمده الرَّجُل)) مسائل الإمام أَحْمَد برواية أبي داود: 96، وانظر: رِوَايَة إسحاق: 133.
(5) استدلالاً بحديث الصماء أخت عَبْد الله بن بسر أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فِيْمَا افترض الله عليكم، فإن لَمْ يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه)).
أخرجه أَحْمَد 6/ 368، والدارمي (1756)، وأبو داود (2421)، وابن ماجه (1726م)، والترمذي (744)، وابن خزيمة (2163)، والنسائي في الكبرى (2762)، والطبراني الكبير 24/ (818)، والمزي في تهذيب الكمال 35/ 219، وأخرجه عَبْد بن حميد (508)، والنسائي في الكبرى (2761)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 80، والحاكم 1/ 435، والبيهقي 4/ 302، والبغوي (1806) = =من طريق خالد بن معدان عن عَبْد الله بن بسر مرفوعاً. وأخرجه أَحْمَد 4/ 189، والنسائي في الكبرى (2759)، والدولابي في الكنى 2/ 118 من طريق حسان بن نوح عن عَبْد الله بن بسر، بِهِ.
والحديث متكلم فِيْهِ لمعارضته بِمَا هُوَ أقوى مِنْهُ وحملوا النهي فِيْهِ عَلَى تحري إفراده بالصوم. ينظر تفصيل ذَلِكَ في كتابنا أثر علل الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء: 152 - 158.(1/164)
ويَوْمِ النَّيْرُوزِ (1) وَيَومِ المِهْرَجَانِ (2) ويومِ الشَّكِّ (3) بالصَّوْمِ إلاَّ أنْ يُوافِقَ عَادَةً / 83 و / لَهُ. ولا يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَومٌ فَرْضٌ أنْ يَتَطَوَّعَ بالصَّوْمِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. والأُخْرَى يَجُوزُ (4)، ومَنْ دَخَلَ في صَوْمِ تَطَوُّعٍ أو صَلاةِ تَطَوُّعٍ اسْتَحَبَّ لَهُ إتْمَامُهَا، فإنْ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ القَضَاءُ (5). ومَنْ دَخَلَ في حِجِّ تَطَوُّعٍ أو عُمْرَةِ تَطَوُّعٍ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا، فإنْ أفْسَدَهَا أو فَاتَ وَقْتُ الحَجِّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ القَضَاءُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
وتُطْلَبُ لَيْلَةُ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأخيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وفي لَيَالِي الوِتْرِ أَكْثَرُ وَأَرْجَاهَا وآكَدُهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ (7) وعِشْرِيْنَ مِنْهُ؛ ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِيْهَا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
__________
(1) النوروز أو النيروز: أكبر الأعياد القومية للفرس.
(2) المهرجان: احتفال الاعتدال الخريفي وَهِيَ كلمة فارسية مركبة من كلمتين - مهر - وأحد معانيها الشمس، وجان - وأحد معانيها الحياة أو الروح. انظر: المعجم الوسيط: 89.
(3) ينظر: مسائل الإمام أَحْمَد برِوَايَة عَبْد الله 2/ 620، ورواية أبي داود: 96.
(4) نقل حنبل الرِّوَايَة عن أَحْمَد في عدم جوَازِ التَّطَوُّعِ بالصوم لِمَنْ عَلَيْهِ صوم فرض. وانظر رِوَايَة الجواز. المغني والشرح الكبير 3/ 84.
(5) وإليه ذهب الخِرَقِيّ والقاضي أبو يعلى والأكثرون، ونقل حنبل عن أَحْمَد: إِذَا أجمع عَلَى الصيام من الليل فأوجبه عَلَى نفسه فافطر من غَيْر عذر أعاد يوماً مكانه. وهذه الرِّوَايَة نقلهَا الْقَاضِي أبو يعلى وغيره وحملوها عَلَى النذر توفيقاً بَيْنَ نصوصه. انظر: شرح الزركشي 2/ 46.
(6) الرِّوَايَة الأولى: يجب القضاء سواء كَانَ الفائت واجباً أو تطوعاً وَهُوَ اختيار الخِرَقِيّ.
والرِّوَايَة الثانية: لا قضاء عَلَيْهِ، بَلْ إن كانت فرضاً فعلها بالوجوب السابق وتسقط إن كانت نفلاً. الشرح الكبير 3/ 509، وشرح الزركشي 2/ 165.
(7) الْحَدِيْث أخرجه إسحاق (1361) و (1362)، وأحمد 6/ 171 و 182 و 183 و 208، وابن ماجه (3850)، والترمذي (3513)، والنسائي في الكبرى (10708) و (10709) و (10710) و (10711) و (10712) و (10713)، وفي عمل اليوم والليلة (872) و (873) و (874) و (875) و (876) و (877)، والطبراني في الدعاء (915) و (916)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (767)، والحاكم 1/ 530، والقضاعي في مسند الشهاب (1474) و (1475)
و (1476) و (1477) و (1478)، والبيهقي في الدعوات الكبير (203)، والأسماء والصفات (92)، وفي الشعب (3700) و (3701)، وفضائل الأوقات (113) و (114) من طريق عائشة مرفوعاً.
وأخرجه ابن أبي شيبة (29178) و (29180)، والنسائي في الكبرى (10714)، وفي عمل اليوم والليلة (878)، والبيهقي في الشعب (3702) عن عائشة موقوفاً.(1/165)
قَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنْ وَافَقْتُهَا بِمَ (1) أَدْعُو؟ قَالَ: ((قُوْلِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)) (2).
كِتَابُ الاعْتِكَافِ
والاعْتِكَافُ (3) مُسْتَحَبٌّ، ولاَ يَجِبُ إِلاَّ بالنَّذْرِ (4)، ولاَ يَصِحُّ في حَقِّ الرِّجَالِ إِلاَّ في مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيْهِ الجَمَاعَةُ (5)، ويَصِحُّ مِنَ النِّسَاءِ في سَائِرِ المَسَاجِدِ غَيْرِ مَسْجِدِ بُيُوتِهِنَّ (6)، فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ في المَسْجِدِ الحَرَامِ، أو مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو المَسْجِدِ الأَقْصَى؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ. وإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهَا مِنَ المَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ الاعْتِكَافُ فِيْهَا. فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ في المَسْجِدِ الأَقْصَى جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ في المَسْجِدِ الحَرَامِ ومَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ومَنْ نَذَرَ الاعْتِكَافَ في المَسْجِدِ الحَرَامِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيْهِمَا؛ لأنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا (7).
ويَفْتَقِرُ الاعْتِكَافُ إلى النِّيَّةِ والأَفْضَلُ أَنْ يَكُوْنَ في الجَامِعِ إِذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ يَتَخَلَّلُهُ
__________
(1) في المخطوطة: ((بما)).
(2) الْحَدِيْث أخرجه إسحاق (1361) و (1362)، وأحمد 6/ 171 و 182 و 183 و 208، وابن ماجه (3850)، والترمذي (3513)، والنسائي في الكبرى (10708) و (10709) و (10710) و (10711) و (10712) و (10713)، وفي عمل اليوم والليلة (872) و (873) و (874) و (875) و (876) و (877)، والطبراني في الدعاء (915) و (916)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (767)، والحاكم 1/ 530، والقضاعي في مسند الشهاب (1474) و (1475) و (1476) و (1477) و (1478)، والبيهقي في الدعوات الكبير (203)، والأسماء والصفات (92)، وفي الشعب (3700) و (3701)، وفضائل الأوقات (113) و (114) من طريق عائشة مرفوعاً.
وأخرجه ابن أبي شيبة (29178) و (29180)، والنسائي في الكبرى (10714)، وفي عمل اليوم والليلة (878)، والبيهقي في الشعب (3702) عن عائشة موقوفاً.
(3) الاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء والإقبال عليه.
وفي الشرع: لزوم المسجد للطاعة، قَالَ تَعَالَى: {وأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} البقرة: 187.
انظر: لسان العرب 9/ 255، وتاج العروس 24/ 180 (عكف).
(4) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 118، وشرح الزركشي 2/ 165.
(5) كل مسجد تقام فيه الصلاة يجوز فيه الاعتكاف، كَذَا نقل عنه أصحابه منهم: أبو داود في مسائله: 96، وابن هانئ في مسائله 1/ 38.
(6) (والمرأة) لها الاعتكاف في كل مسجد إلا مسجد بيتها ... وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب. الإنصاف: 3/ 364.
(7) انظر: الهادي: 57، والمغني 3/ 157، والشرح الكبير 3/ 128.(1/166)
جُمُعَةٌ، ويَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَعَنْهُ: لا يَصِحُّ إِلاَّ بِصَوْمٍ (1)، فَعلَى هَذَا لاَ يَصِحُّ لَيْلَةً مُنْفَرِدَةً ولاَ يَصِحُّ بَعْضُ يَوْمٍ (2)، وإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ اللَّيْلَةِ الَّتِي مِنْهُمَا، وكَذَلِكَ إِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ لَزِمَهُ اليَوْمُ الَّذِي بَيْنَهُمَا، وإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعْكِفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الشَّهْرِ ويَخْرُجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهِ (3). فَإِنْ نَذَرَهُ مُطْلَقاً لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ أَيْضاً (4)، فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ (5) قِيَاساً عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ / 84 ظ / - رضي الله عنه -: إِذَا نَذَرَ صَوْمَ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً جَازَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَهُا، وإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ في الاعْتِكَافِ ولاَ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ في الصَّوْمِ. وإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فَخَرَجَ لِمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنَ الأَكْلِ والشُّرْبِ، وَقَضَاءِ حَاجَةِ الإِنْسَانِ (6)، والحَيْضِ والنِّفَاسِ (7)، والاغْتِسَالِ مِنَ الجَنَابَةِ، وأَدَاءِ شَهَادَةٍ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، ومَرَضٍ شَدِيْدٍ، وخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ فِتْنَةٍ (8) وقَعَتْ، وجِهَادٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وصَلاَةٍ الجُمُعَةِ (9)، وسُلْطَانٍ أَحْضَرَهُ، وعِدَّةِ الوَفَاةِ (10)؛ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ وإن خَرَجَ لما لَهُ مِنْهُ بدٌ من عبادةٍ وزيارةٍ وصلاة جنازة بطل اعتكافه إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ في بَلَدِهِ، وإِنْ خَرَجَ إِلَى مَنَارَةٍ خَارِجِ المَسْجِدِ للأَذَانِ
__________
(1) نقل علي بن سعيد وحنبل وأبو طالب أنه مستحب وليس واجباً وإِليه مال القاضي أبو يعلى الفراء، ونقل الأثرم إذا اعتكف وجب عليه الصوم. الروايتين والوجهين 49/ أ.
(2) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 122، وشرح الزركشي 2/ 63، والإنصاف 1/ 232.
(3) وهذا هُوَ المشهور من الروايتين، والرواية الثانية عن أحمد أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر أول يوم من أوله. انظر: المغني 3/ 154، والشرح الكبير 3/ 129، وشرح الزركشي 2/ 72.
(4) وهو اختيار القاضي أبي يعلى بناءً عَلَى الروايتين في نذر الصوم. انظر: الروايتين والوجهين 211/ ب، والمغني 3/ 155، والمحرر 1/ 232، والشرح الكبير 3/ 130.
(5) وهو المذهب المقدم فيه إلا أن القاضي أبا يعلى ذهب إلى وجوب التتابع. انظر: المغني 3/ 156، والشرح الكبير 3/ 130، والهادي: 57، والإنصاف 3/ 347.
(6) انظر: مختصر الخرقي: 52، والمغني 3/ 132، والكافي 1/ 374، والفروع 3/ 113.
(7) قَالَ الخرقي: والمعتكفة إذا حاضت خرجت من المسجد وضربت خباء في الرحبة. انظر: مختصر
الخرقي: 1/ 53، والمغني 3/ 153، وشرح الزركشي 2/ 71.
(8) المغني 3/ 146، وشرح الزركشي 2/ 68.
(9) قَالَ أبو داود: قلت لأحمد يركع - أعني: المعتكف - بَعْدَ الجمعة في المسجد؟ قَالَ: نعم، بقدر ما كَانَ يركع، قُلْتُ: يتعجل إلى الجمعة؟ قَالَ: أرجو. مسائل الإمام أَحْمَد (رِوَايَة أبي داود: 96، وانظر: المغني 3/ 132.
(10) قَالَ ابن قدامة: وظاهر كلام الخِرَقِيّ أنها كالذي خرج لفتنة وأنها تبنى وتقضى وتكفّر، وَقَالَ الْقَاضِي: لا كفارة عَلَيْهَا؛ لأن خروجها واجب. انظر: المغني 3/ 152.(1/167)
بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَقِيْلَ: لا يَبْطُلُ؛ لأَنَّ مَنَارَةَ المَسْجِدِ كَالمُتَّصِلَةِ بِهِ (1)، فَإِنْ خَرَجَ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ فَسَأَلَ عَنِ المَرِيْضِ في طَرِيْقِهِ وَلَمْ يُعَرِّجْ جَازَ لَهُ، وكَذَلِكَ إِنْ دَخَلَ مَسْجِداً في طَرِيْقِهِ فَأَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيْهِ، وإِذَا خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ في الاعْتِكَافِ المُتَتَابِعِ بَطَلَ مَا مَضَى مِنِ اعْتِكَافِهِ واسْتَأْنَفَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (2)، ويَتَخَرَّجُ أَنْ يَقْضِيَ مَا خَرَجَ فِيْهِ ويُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِيْنٍ (3)، وأَصْلُ الوَجْهَيْنِ إِذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ يَسْتَأْنِفُ أو يَقْضِي ما تَرَكَ ويُكَفِّرُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا (4)، وإِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمَ يَقْدُمُ فُلاَنٌ فَقَدِمَ لَيْلاً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيءٌ، فَإِنْ قَدِمَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ البَاقِي وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ مَا قَدْ مَضَى مِنَ اليَومِ (5)، وَإِذَا وَطِئَ المُعْتَكِفُ فِي الفَرْجِ بَطلَ اعْتِكَافُهُ وإنْ كَانَ نَاسِياً (6) ويَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إِذَا كَانَ نَذْراً، واخْتَلَفَ أصْحَابُنَا فِي الكَفَّارَةِ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي " الخِلافِ ": تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ (7)، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ (8)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ فِي " التَّنْبِيْهِ ": يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ويَمِيْنٌ (9)، وعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بالوَطْءِ (10)، وإنْ وَطِئَ دُوْنَ الفَرْجِ فأنْزَلَ بَطُلَ اعْتِكَافُهُ وإنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ (11). ولا يَعْتَكِفُ العَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، ولا المَرْأَةُ بِغَيْرِ إذِنِ زَوْجِهَا، فإنْ أذِنَا ثُمَّ أرَادَا تَحْلِيْلَهُمَا (12)
__________
(1) نقل ابن قدامة في المغني 3/ 142، هَذَا القول احتمال عن ابن الخطاب، وأنت ترى أن أبا الخطاب ناقلٌ لهذا القول لذا صدره بلفظ: " قِيْلَ ".
(2) قَالَ صاحب الإنصاف: وَهُوَ قياس قَوْل الخِرَقِيّ. الإنصاف 3/ 380. وانظر: المغني 3/ 146.
(3) انظر: المغني 3/ 145.
(4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 210/أ.
(5) انظر: المغني 3/ 158، والفروع 3/ 118.
(6) قَالَ ابن قدامة: ((إن ما حرم في الاعتكاف استوى عمده وسهوه في إفساده)). المغني 3/ 143.
(7) نقل قَوْل أبي يعلى كُلّ من: الزركشي والمرداوي. انظر: المغني 3/ 144 وشرح الزركشي 2/ 67، والإنصاف 3/ 381.
(8) نقل حنبل رِوَايَتَيْنِ، إحداهما: إِذَا وطئ نهاراً وجب عَلَيْهِ كفارة.
ونقل عَنْهُ في موضع آخر: بطل اعتكافه وعليه أياماً مكان ما أفسده ويستقبل ذَلِكَ ولا كفارة عَلَيْهِ.
انظر: الروايتين والوجهين 49/أ.
(9) انظر: شرح الزركشي 2/ 67، والإنصاف 3/ 381.
(10) سبق تخريج هَذِهِ الرِّوَايَة وقدمها ابن قدامة وزعم في المغني أنَّهُ ظاهر المذهب وفي الكافي أنَّهُ المذهب.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 49/أ، والمغني 3/ 143، والكافي 1/ 373، وشرح الزركشي 2/ 66.
(11) قَالَ ابن قدامة: ((ولنا أنها مباشرة لا تفسد صوماً ولا حجاً فَلَمْ تفسد الاعتكاف كالمباشر لغير شهوة، وفارق الَّتِي أنزل بِهَا لأنها تفسد الصوم ولا كفارة عَلَيْهِ إلا عَلَى رِوَايَة حنبل)). المغني 3/ 145.
(12) أي منعهما. انظر: المغني 3/ 153، الشرح الكبير 3/ 122.(1/168)
فَلَهُمَا ذَلِكَ إنْ كَانَ تَطَوُّعاً وإنْ كَانَ نَذْراً / 85 و / لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَحْلِيلَهُمَا (1)، ويَجُوزُ لِلْمُكَاتِبِ أن يَعْتَكِفَ ويَحُجَّ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلاهُ نَصَّ عَلَيْهِ، ومَنْ نِصْفَهُ حُرٌّ، إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ مُهَايَأَةٌ (2)، جَازَ أنْ يَعْتَكِفَ في يَوْمِهِ وإنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةٌ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ. ويُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ أنْ يَتَشَاغَلَ بِفِعْلِ القُرَبِ، ويَتَجَنَّبَ ما لا يَعْنِيهِ مِنَ الأقْوَالِ والأفْعَالِ وذَكَرَ أصْحَابُنَا أنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ لَهُ إقْرَاءُ القُرْآنِ وتَدْرِيسُ العِلْمِ ومُنَاظَرَةُ الفُقَهَاءِ (3)، وعندِي أنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ إِذَا قَصَدَ بِهِ طَاعَةَ اللهِ تَعَالَى لا الْمُبَاهَاةِ.
كِتَابُ الْحَجِّ
الحَجُّ (4) والعُمْرَةُ (5) فَرِيْضَتَانِ تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرِّ عاقِلٍ بَالِغٍ مُسَتَطِيعٍ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فأمَّا الكَافِرُ والمَجْنُونُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِمَا ولا تَصِحُّ مِنْهُمَا وأمَّا العَبْدُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ وتَصِحُّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إلا أنَّهُ إنْ كَانَ مُمَيِّزاً أحْرَمَ بإذْنِ الوَلِي وإنْ كَانَ غَيْر مُمَيِّزٍ أحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وفَعَلَ عَنْهُ ما لا يَتَأَتَّى فِعْلُهُ مِنْهُ (6) وَنَفَقَةُ الحَجِّ وما يَلزَمُهُ مِنَ الكَفَّارَةِ في مَالِهِ، وَعَنْهُ أنَّهُ في مالِ الوَلِيِّ (7) وَهُوَ الصَّحِيْحُ عندي. فإنْ عُتِقَ العَبْدُ وبَلَغَ الصَّبِيُّ قَبْلَ الوُقُوفِ في الحَجِّ، وقَبْلَ الطَّوَافِ في العُمْرَةِ أجْزَأَهُمَا عَنْ حَجَّةِ الإسْلامِ وعُمْرَتِهِ (8)،
__________
(1) نفس المصدر السابق.
(2) المهايأة: الأمرُ المتهيء لَهُ، المتوافق عَلَيْهِ. المعجم الوسيط: 1002، وانظر: الهادي: 58.
(3) انظر: المغني 3/ 149.
(4) الحج: بفتح الحاء وكسرها: القصد، وفي الشرع عبارة عن القصد إِلَى محل مخصوص مَعَ عمل
مخصوص. انظر: تاج العروس 5/ 461 (حجج).
(5) العمرة: بالضم هِيَ الزيادة الَّتِي فِيْهَا عمارة الود وجعل في الشريعة القصد المخصوص، قَالَ الزجاج
معنى العمل في العمرة: الطواف بالبيت والسعي بَيْنَ الصفا والمروة والحج لا يَكُوْن إلا مَعَ الوقوف بعرفة. تاج العروس 13/ 130 (عمر).
(6) إن كُلّ ما أمكنه فعله بنفسه لزمه فعله ولا ينوب غيره عَنْهُ فِيْهِ كالوقوف والمبيت بمزدلفة ونحوها وما عجز عَنْهُ عمله الولي عَنْهُ. المغني 3/ 204، وشرح الزركشي 2/ 92.
(7) حكي عن الْقَاضِي أنَّهُ ذَكَرَ في الخلاف: أن النفقة كلها عَلَى الصبي لأن الحج لَهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كالبالِغِ. المغني 3/ 205، والمحرر 1/ 234، والشرح الكبير 3/ 165.
(8) قَالَ عَبْد الله: سألتُ أبي عن الصبي يحتلم بعرفة؟ قَالَ: يجزئ، وسألتُ أبي عن العَبْدِ يعتق؟ قَالَ: يجزئ حجه. مسائل عَبْد الله 2/ 728.
قَالَ الزركشي: وَهُوَ اختيار الْقَاضِي - أظنه في التعليق - وأبي الخطاب، وظاهر كلام أبي مُحَمَّد
- يجزئه، نظراً لحصول الركن الأعظم وَهُوَ الوقوف. شرح الزركشي 2/ 91، وانظر: المغني 3/ 200.(1/169)
وأمَّا المُسْتَطِيعُ فَعَلَى حَالَتَيْنِ، حَالَةٌ يستطيع بِنَفْسِهِ، وحَالَةٌ بِغَيْرِهِ؛ فَالمُسْتَطِيعُ بِنَفْسِهِ أنْ يَكُوْنَ صَحِيْحاً يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، واجِداً لِلزَّادِ ثَمَنَ المِثْلِ أو بِزِيَادَةٍ لاَ تُجْحِفُ بِمَالِهِ قَادِراً عَلَى المَالِ وعَلَفِ البَهَائِمِ فِي المَنَازِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا فِي ذَهَابِهِ ورُجُوعِهِ، وأنْ يَجِدَ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ إِذَا كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيْهَا الصَّلاةِ (1) ويَجِدُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ من رَحْلِهَا وآلةٍ تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنْ مَحْمَلٍ أو رَاحِلَةٍ أو قَتَبٍ (2)، لأنَّهُ قَدْ يَكُوْنُ شَيْخاً أو ضَعِيفاً لاَ يُمْكِنُهُ الرُّكُوبَ عَلَى القَتَبِ ويُمْكِنُهُ الرُّكُوبَ فِي المَحْمَلِ، وأنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ فَاضِلاً عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وخَادِمٍ إن احْتَاجَ إِلَيْهِ (3)، ونَفَقَةِ عَيالِهِ إِلَى أن يَعُودَ، وقَضَاءِ دَيْنٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ، وأنْ يَكُوْنَ لَهُ إِذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ مِنْ عَقَارٍ أو
بِضَاعَةٍ أو صِنَاعَةٍ (4)، وأنْ يَجِدَ طَرِيْقاً آمِناً من غَيْرِ خَفَارَةٍ (5) تَلْزَمُهُ (6)، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: إِذَا كَانَت الخَفَارَةُ في / 86 ظ / مِمَّا لا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ الحَجُّ (7)، وأنْ يَكُوْنَ في الوَقْتِ سَعَةً يَتَمَكَّنُ فِيْهِ مِنَ السَّيْرِ لأدائِهِ، وإنْ كَانَت امْرأةٌ فإنْ يَكُونْ مَعَهَا ذو رَحِمٍ محرم كالأَبِ والأَخِ والعَمِّ والزَّوْجِ، فأمَّا العَبْدُ فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ (8). وأمَّا المُسْتَطِيعُ لِغَيْرِهِ فإنْ يَجِدْ مَنْ لا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِزَمَانَةٍ (9) أو كِبَرٍ مالاً يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ (10)،
__________
(1) ويختص اشتراط الراحلة بالبعيد الَّذِي بينه وبين البيت مسافة القصر، فأمَّا القريب الَّذِي يمكنه المشي فَلاَ يعتبر وجود الراحلة في حقه. الشرح الكبير 3/ 170.
(2) القتب: بالتحريك، رحل صغير عَلَى قدر السنام، وأقتبت البعير إقتاباً، إِذَا شددت عَلَيْهِ القتب. انظر: الصحاح 1/ 198 (قتب)، وتاج العروس 3/ 516 (قتب).
(3) وإن كَانَ مِمَّنْ لا يقدر عَلَى خدمة نفسه والقيام بأمره اعتبرت القدرة عَلَى من يخدمه لأنَّهُ من سبيله. المغني والشرح الكبير 3/ 171.
(4) نقل أبو داود وصالح وحنبل: يجب الحج عَلَى من وجد زاداً وراحلة.
ونقل أبو طَالِب: يجب الحج إِذَا كَانَ عنده ما يبلغه إِلَى مكة ويرجع، ويخلف لأهله نفقة ما يكفيهم حَتَّى يرجع. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 49/ب.
وانظر: المغني 3/ 172، وشرح الزركشي 2/ 76.
(5) خفره خفراً، إِذَا أخذ مِنْهُ خفارة، أي جعلاً يجيره ويكفله. تاج العروس 11/ 206 (خفر).
(6) وَهُوَ اختيار الْقَاضِي أبي يعلى الفراء.
انظر: المغني 3/ 168، وشرح الزركشي 2/ 78.
(7) انظر: المقنع: 68، والمغني 3/ 168، والهادي: 59، وشرح الزركشي 2/ 78.
(8) انظر: المغني 3/ 192 - 193، وشرح الزركشي 2/ 84.
(9) رجل زمن أي: مبتلى بَيِّنُ الزمانة. والزمانة العاهة. لسان العرب 13/ 199 (زمن).
(10) قَالَ إسحاق: سألت أبا عَبْد الله عن رجل زمن فَقَالَ: إني لا أستطيع الحج، عَلَيْهِ حج؟ قَالَ: نعم إن كنت تثبت عَلَى الراحلة. قَالَ: لا أثبت. قَالَ: تجهز رجلاً فيحج عنك. مسائل إسحاق بن هانئ 1/ 144.(1/170)
فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَبَذَلَ لَهُ نَسِيْبُهُ أو صَديْقُهُ الطَّاعَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ فرْضُ الحَجِّ (1)، ولا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الحَجُّ والعُمْرَةُ أنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ فإنْ أخَّرَهُ أثِمَ فإنْ لَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى مَاتَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ مِنْ جَمِيْعِ تَرِكَتِهِ كالزَّكَاةِ والدَّيْنِ (2)، ولا يَجُوْزُ لمَنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الحَجِّ أنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ (3)، وَكَذَلِكَ لا يَنْتَفِلُ بالحَجِّ ولا يُؤَدِّي الحَجَّ المَنْذُورَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الإسْلاَمِ، فإنْ خَالَفَ وَفَعَلَ انْصَرَفَ إِلَى حَجَّةِ الإسْلامِ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأُخْرَى ينْعَقِدُ الحَجُّ عَنْ غَيْرِهِ وعَنْ نَذْرِهِ ونَافِلَتِهِ (5)، ويَجُوزُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الحَجِّ بِنَفْسِهِ أنْ يَسْتَنِيْبَ في حَجِّ التَّطَوِّعِ وَعَنْهُ لا يَجُوزُ (6)، ويَجُوزُ الإحْرَامُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ في جَمِيْعِ السَّنَةِ إلاّ أنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ أن يُحْرِمَ بالحَجِّ في غَيْرِ أشْهُرِ الحَجِّ وَهِيَ: شَوَّالٌ وذُو القِعْدَةِ وعَشَرَةُ أيَّامٍ من ذِيْ الحِجَّةِ، والإنْسَانُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أنْ يَتَمَتَّعَ (7) بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ وبينَ أنْ يُفْرِدَ العُمْرَةَ عَن الحَجِّ وبينَ أن يُقرن بَيْنَهُمَا وأفْضَلُهُمَا التَّمَتُّعُ ثُمَّ الإفْرَادُ ثُمَّ القِرَانُ، ونَقَلَ عَنْهُ الْمَرْوَذِيُّ: إنَّ سَاقَ الهَدْيَ فَالْقِرانُ أفْضَلُ من التَّمَتُّعِ والإفْرَادِ، وإنْ لَمْ يَسُقْ فالتَّمَتُّعُ أفْضَلُ (8). وصِفَةُ التَّمَتُّعِ أن يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشْهُرِ الحَجِّ ويَفْرُغُ مِنْهَا ثُمَّ يُحْرِمُ بالحِجِّ مِنْ مَكَّةَ في عَامِهِ (9).
والإفْرَادُ أنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَخْرُجَ إِلَى أدنَى الحِلِّ ويُحْرِمَ بالعُمْرَةِ.
والقِرَانُ أنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا في الإحْرَامِ مِنَ المِيْقَاتِ أو يُهِلَّ بالعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الحَجُّ قَبْلَ الطواف ثُمَّ يقتصر عَلَى أفعال الحج في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (10) وَهِيَ اخْتِيَارُ
__________
(1) انظر: المغني 3/ 170، والشرح الكبير 3/ 173.
(2) ويحج عَنْهُ من جَمِيْع ماله لأنَّهُ دين مستقر، أشبه دين الآدمي. المغني 3/ 196، وشرح الزركشي 2/ 86.
(3) قَالَ أبو بكر في كتاب الخلاف: لا تنعقد عَنْهُ ولا عن غيره، وحكى في ذَلِكَ، رواية إِسْمَاعِيْل بن سعيد عن أَحْمَد أنَّهُ قَالَ: إِذَا أحرم الضرورة من غيره لَمْ يَجُزْ عن نفسه ولا عن الَّذِي حج عَنْهُ. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 49/ب، وشرح الزركشي 2/ 88.
(4) نقل ابن مَنْصُوْر فيمن نذر أن يحج وَلَمْ يحج حجة الفرض: يبدأ بفرض الله، ثُمَّ يقضي ما أوجب عَلَى نفسه.
ونقل أبو طَالِب إِذَا نذر أن يحج وَلَمْ يَكُنْ حج حجة الإسلام فيحج ويجزيه عنهما. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 210/أ. وانظر: المغني والشرح والكبير 3/ 199، والمحرر 1/ 236، والقواعد، لابن رجب: 24.
(5) انظر: المغني والشرح والكبير 3/ 199، والمحرر 1/ 236، والقواعد، لابن رجب: 24.
(6) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 180.
(7) وَهُوَ من المجاز ومعناه: ((أن تضم عمرة إلى حجك)). تاج العروس 22/ 183 (متع).
(8) انظر المغني والشرح الكبير 3/ 233، وشرح الزركشي 2/ 110.
(9) انظر الشرح الكبير 3/ 239، وشرح الزركشي 2/ 116.
(10) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 52/أ.(1/171)
الخِرَقِي (1) وشَيْخِنَا والأُخْرَى لا يُسْقِطُ عَنْهُ القِرَانُ فِعْلَ العُمْرَةِ بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ أن يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ وَهِيَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ وأبي حَفْصٍ وَمَنْ أَهَلَّ بالحَجِّ ثُمَّ أدْخَلَ عَلَيْهِ العُمْرَةَ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِرْ قَارِناً (2)، ويَجُوزُ لِلْمُفْرِدِ والقَارِنِ / 87 و / أنْ يَفْسَخَا نُسُكَهُمَا إِلَى العُمْرَةِ (3) بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أنْ لا يَكُوْنَا قَدْ وَقَفا بِعَرَفَةَ، والثَّانِي: أنْ لا يَكُوْنا قَدْ سَاقا مَعَهُمَا هَدْياً، وصِفَةُ ذَلِكَ أنْ يَفْسَخَا بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ، وَيَنْوِيا إحْرَامَهُمَا ذَلِكَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فإذَا فَرَغَا مِنْهَا إحْرَاماً بالحَجِّ لَيَصِيْرَا مُتَمَتِّعَينِ، والأفْضَلُ أنْ يُحْرِمَ يومَ التَّرْوِيَةِ (4) بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ اليَومُ الثَّامِنُ من ذِي الحِجَّةِ، ويَجِبُ عَلَى القَارِنِ والْمُتَمَتِّعِ دَمُ نُسُكٍ (5) ولا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ إلاّ بِسِتَّةِ شَرَائِطَ (6):
- أنْ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشْهُرِ الحَجِّ (7).
- ويَحُجَّ مِنْ سَنَتِهِ (8).
- ويَنْوِي في ابْتِدَاءِ العُمْرَةِ أو أثْنَائِهَا أنَّهُ مُتَمَتِّعٌ (9).
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 3/ 239.
(2) قَالَ ابن قدامة: ((وَلَوْ أحرم بالحج ثُمَّ أدخل عَلَيْهِ العمرة لَمْ يصح إحرامه بِهَا)) المقنع: 70، والمغني 3/ 512، وَقَالَ المرداوي: ((هَذَا الصَّحِيْح من المذهب)). الإنصاف 3/ 178. وانظر: المحرر 1/ 235.
(3) نَصَّ عَلَى إباحَةِ فسخ الحج الإمام أَحْمَد. انظر: مسائل عَبْد الله 2/ 691، ومسائل ابن هاني 1/ 147، ومسائل أبي داود: 124.
(4) سمي بِذَلِكَ لأن الحجاج يروون إبلهم فِيْهِ تروية. انظر: طلبة الطلبة: 70.
(5) نقل ابن قدامة المقدسي الإجماع عَلَى وجوب الدم عَلَى المتمتع. الشرح الكبير: 240.
(6) ذَكَرَ أبو الخطاب أنها ستة شرائط فذكر مِنْهَا خمسة وجعلها المرداوي سبعة فأضاف اثنين هما:
1. أن يحل من العمرة قَبْلَ إحرامه بالحج.
2. أن يحرم بالعمرة من الميقات.
وَقَالَ عقبه المرداوي: ذكره أبو الفرج والحلواني، وجزم بِهِ ابن عقيل. الإنصاف 3/ 441 - 442،
وانظر: الشرح الكبير 3/ 243.
(7) فلو اعتمر في غَيْر أشهره لَمْ يَكُنْ متمتعاً لقوله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ} أي أوصل ذَلِكَ. شرح الزركشي 2/ 238.
(8) قَالَ ابن قدامة: فإن اعتمر في أشهر الحج وَلَمْ يحج ذَلِكَ العام بَلْ حج من العام القابل، فليس بمتمتع. المغني 3/ 500.
(9) وفي اشتراط النية في ابتداء العمرة أو أثنائها وجهان:
الأول: الاشتراط وَهُوَ اختيار المصنف والقاضي أبي يعلى.
الثاني: عدم الاشتراط وَهُوَ اختيار ابن قدامة. شرح الزركشي 2/ 241.(1/172)
- ولا يَخْرُجُ إِلَى الميْقَاتِ أو مَوْضِعٍ بَيْنَهُ وبينَ مَكَّةَ ما يقْصرُ فِيْهِ الصَّلاَةُ فيُحْرِمُ مِنْهُ بالحَجِّ (1).
- ولا يَكُوْنُ من حاضِرِي الْمَسْجِدِ الحَرَامِ، وحاضِرُوا المَسْجِدِ الحَرَامِ: أهْلُ الحَرَمِ ومَنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةٍ لا يقْصرُ فِيْهَا الصَّلاةُ (2).
ولا يَجِبُ عَلَى القَارِنِ الدَّمُ إلاَّ أنْ يَكُوْنَ مِنْ غَيْرِ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، ويَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ والقِرَانِ والصَّوْمِ عَنْهُمَا بِطُلُوعِ الفَجْرِ مِنْ يَومِ النَّحْرِ (3)، وَرَوَى ابن القَاسِمِ عَنْهُ: إنَّ ذَلِكَ يَجِبُ إِذَا أحْرَمَ بالحَجِّ (4).
ولا يَجُوزُ نَحْرَ هَدْيِهِمَا قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ، فإنْ لَمْ يَجِدْ الهَدْيَ في مَوْضِعِهِ جَازَ لَهُ الانْتِقَالُ إِلَى صِيَامِ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ إِذَا أحْرَمَ بالعُمْرَةِ وسَبْعَةٍ إِذَا فَرَغَ مِنَ الحَجِّ وإنْ كَانَ وَاجِداً لِلْهَدْيِ في بَلَدِهِ. ولا يَجِبُ التَّتابُعُ في الصِّيَامِ عَنِ الهَدْيِ (5) وَإِذَا شَرَعَ في الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الهَدْيَ لَمْ يَلْزَمْهُ الانْتِقَالُ إِلَيْهِ، فإنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّومُ فَلَمْ يَشْرَعْ فِيْهِ حَتَّى وَجَدَ الهَدْيَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الانْتِقَالُ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أصَحُّهُمَا أنَّهُ لا يَلْزَمُهُ الانْتِقَالُ أَيْضاً والثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ (6). فإنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الهَدِيُ فأخَّرَهُ لِعُذْرٍ مِثْل إنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ أو وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ فَلَمْ يَصُم الثَّلاَثَةَ الأيَّامِ في الحجِّ لِعُذْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ فِعْلِ ذَلِكَ، وإنْ أخَّرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُما: لا يَلْزَمُهُ غَيْرُ فِعْلِ ذَلِكَ، والثَّانِية: يَلْزَمُهُ مَعَ الفِعْلِ دَمٌ (7).
__________
(1) رَوَى عَبْد الله عن أبيه، قَالَ: إِذَا سافر سفراً يقصر فِيْهِ الصَّلاَة فليس بمتمتع. مسائل عَبْد الله
2/ 742، وانظر: الروايات بهذا المعنى. مسائل أبي داود: 129 - 130، ومسائل ابن هانئ 1/ 151 - 152.
وَقَالَ الخِرَقِيّ: ومن اعتمر في أشهر الحج فطاف وسعى ثُمَّ أحرم بالحج من عامه وَلَمْ يَكُنْ خرج من مكة إلى ما تقصر فِيْهِ الصَّلاَة فَهُوَ متمتع وعليه دم.
انظر في ذلكَ: المغني 3/ 501 وشرح الزركشي 2/ 238، والإنصاف 3/ 441.
(2) انظر: المغني 3/ 502 وشرح الزركشي 2/ 239.
(3) وعلى هَذَا القول الْقَاضِي في تعليقه ومن تابعه.
واستند الْقَاضِي عَلَى قَوْل أَحْمَد في رِوَايَة المروذي وَقِيْلَ لَهُ: متى يجب عَلَى المتمتع الدم؟ قَالَ: إِذَا وقف بعرفة قَالَ الْقَاضِي: معنى إِذَا مضى وقت الوجوب، وأجرى ابن قدامة الرِّوَايَة عَلَى ظاهرها، فحكى الرِّوَايَة أنَّهُ يجب الوقوف، وَقَالَ: إنها اختيار الْقَاضِي، ولعله في المجرد. انظر: المغني 3/ 504، وشرح الزركشي 2/ 242.
(4) انظر: شرح الزركشي 2/ 242.
(5) قال ابن قدامة: ولا يجب التتابع وذلك لا يقتضي حجاً ولا تفريقاً، ولا نعلم فِيْهِ مخالفاً. المغني 3/ 506، والمحرر 1/ 235.
(6) قدم ابن قدامة رِوَايَة عدم لزوم الانتقال إِلَى الصوم. انظر: المغني 3/ 509.
(7) في المسألة ثلاثة أوجه:
الأول: لزمه مَعَ القضاء دم لأنَّهُ أخر الواجب من مناسك الحج ولا فرق بَيْنَ المؤخر لعذر أو لغير عذر، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة أبي طَالِب والمروذي ويعقوب بن بختان واختارها الخِرَقِيّ.
الثاني: لا دم عَلَيْهِ للتأخير نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة ابن مَنْصُوْر واختارها الْقَاضِي في تعليقه.
الثالث: التفرقة إن كَانَ التأخير من عذر كتعذر ما يشتريه أو ضيق نفقة فَلاَ دم عَلَيْهِ، وإن كَانَ لغير عذر فعليه دم نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة حرب في متمتع رجع إِلَى بلاده وَلَمْ يهد نحر عَنْهُ دم واحد إِذَا كَانَ لَهُ عذر.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 57/ب، والمغني 3/ 506، والمحرر 1/ 235، وشرح الزركشي 2/ 247.(1/173)
وَقَالَ شَيْخُنَا: يخرجُ في الصَّوْمِ كَذَلِكَ (1)، وعِنْدِي لا يَلْزَمُهُ مَعَ الصَّومِ دَمٌ بِحَالٍ (2) واللهُ أعْلَمُ / 88 ظ /.
بَابُ الْمَوَاقِيْتِ
والمَوَاقِيْتُ (3) خَمْسَةٌ:
- ذُو الْحُلَيْفَةِ (4): مِيْقَاتُ أهْلِ المَدِيْنَةِ.
- والْجُحْفَةُ (5): مِيْقَاتُ أهْلِ الشَّامِ ومِصْرَ والمَغْرِبِ.
- ويَلَمْلَمُ (6): مِيْقَاتُ أهْلِ اليَمَنِ.
- وقَرَنُ (7): مِيْقَاتُ أهْلِ نَجْدٍ.
- وذَاتُ عِرْقٍ (8): مِيْقَاتُ أهْلِ العِرَاقِ وخُرَاسَانَ والمَشْرِقِ.
فَهَذِهِ المَوَاقِيتُ لأهْلِهَا ولِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أهْلِهَا مِمَّنْ أرَادَ النُّسُكَ أو أرَادَ دخول مَكَّة لحاجة لاَ تتكرر فإن اراد دُخُولَهَا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ أو مِنْ خَوفٍ أو مِنْ حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ
__________
(1) قَالَ أَبُو يعلى: إِذَا ثبت هَذَا في الصوم قسنا تأخير الهدي عَلَيْهِ بعلة أنَّهُ أحد موجبي المتعة فجاز أن يجب بتأخيره الهدي كالصوم. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 57/أ.
(2) قَالَ ابن قدامة: ((لأنَّه صوم واجب يجب القضاء بفواته كصوم رَمَضَان)) المغني 3/ 508.
(3) المواقيت: جمع ميقات: وَهُوَ الزمان والمكان المضروب للفعل. شرح الزركشي 2/ 94.
(4) الحليفة: بالتصغير، ذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، وَهِيَ من مياه بني جشم. مراصد الاطلاع 1/ 420.
(5) الجحفة: بالضم ثُمَّ السكون، والفاء: كَانَت قرية كبيرة، ذات منبر، عَلَى طريق مكة، عَلَى أربع مراحل، وسميت جحفة لأن السيل جحفها. مراصد الاطلاع 1/ 315.
(6) يلملم: موضع عَلَى ليلتين من مكة، وفيه مسجد لمعاذ بن جبل. مراصد الاطلاع 3/ 1482.
(7) قرن: بالتحريك وآخره نون، ومنه أويس القرني وَقِيْلَ سكون الراء. مراصد الاطلاع 3/ 1082.
(8) ذات عرق: مهل أهل العراق، وَهُوَ الحد بَيْنَ تهامة ونجد، وَقِيْلَ عرق: جبل بطريق مكة. مراصد الاطلاع 2/ 932.(1/174)
كَالْمُحْتَطِبِ والْمُحْتَشِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الإحْرَامُ (1)، ومَنْ كَانَ أهلُهُ دُوْنَ المِيْقَاتِ فَمِيْقَاتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ (2)، ومَنْ سَلَكَ طَرِيْقاً لا مِيْقَاتَ فِيْهِ أحْرَمَ إِذَا حَاذَى أقْرَبَ المَوَاقِيْتِ إِلَيْهِ (3).
ومَنْ كَانَ دَارُهُ فَوْقَ المِيْقَاتِ فأحْرَمَ مِنْهَا جَازَ، والمُسْتَحَبُّ أنْ لا يُحْرِمَ إلاّ مِنَ المِيْقَاتِ (4)، ومَنْ جَاوَزَ المِيْقَاتَ لا يُرِيْدُ النُسُكَ ثُمَّ أَرَادَهُ أحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ، ومَنْ جَاوَزَهُ مِمَّنْ يُرِيْدُ النُّسُكَ وأحْرَمَ دُونَهُ فَعَلِيْهِ دَمٌ سَوَاء عَادَ إِلَى المِيْقَاتِ أَوْ لَمْ يعد فإن عاد إِلَى الميقات غَيْرُ مُحْرِمٍ فأحْرَمَ مِنْهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ (5).
بَابُ الإِحْرَامِ والتَّلْبِيَةِ
ويُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الإحْرَامَ أنْ يَغْتَسِلَ ويَتَنَظَّفَ فإنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ يَتَيَمَّمُ (6) ويَتَجَرَّدُ عَنِ المَخِيْطِ في إزَارٍ ورِدَاءٍ أبْيَضَين نَظِيْفين ويَتَطَيَّبُ ويُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ويُحْرِمُ عَقِبَيْهِمَا، وَعَنْهُ أنَّ إحْرَامَهُ عَقِيْبَ الصَّلاَةِ (7) وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ بَدَأَ بالسَّيْرِ سَوَاء، ويَنْوِي الإحْرَامَ بِقَلْبِهِ (8) ويُلَبِّي فإنْ لَبَّى أو سَاقَ الهَدْيَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، ويُسْتَحَبُّ أن يُعَيِّنَ ما أحْرَمَ بِهِ ويَشْتَرِطَ، فَيَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيْدُ النُّسُكَ الفُلانِي فَيَسِّرْهُ لي، وتَقَبَّلْ مِنِّي وَمَحلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي)) (9). فإنْ أحْرَمَ مُطْلَقاً ثُمَّ صَرَفَهُ إِلَى حَجٍّ أو عُمْرَةٍ جَازَ (10)،
__________
(1) نقل أَحْمَد بن القاسم وسندي الخواتيمي عَنْهُ إن لَمْ يرد حجاً ولا عمرة فهل يدخلها بلا إحرام؛ فَقَالَ: قَدْ رخص للحاطبين وللرعاة. ونقل عَبْد الله: لا يدخلها أحد بغير إحرام. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 56/أ.
(2) نقل ابن قدامة: لأن موضعه ميقاته فَهُوَ في حقه كالمواقيت الخمسة في حق الافاقي. المغني 3/ 220.
(3) انظر: المغني 3/ 214، والمحرر 1/ 234، وشرح الزركشي 2/ 98.
(4) قَالَ ابن قدامة: أجمع أهل العِلْم عَلَى أن من أحرم قَبْلَ الميقات أنَّهُ محرم وَلَكِنْ الأفضل الإحرام من الميقات ويكره قبله. المغني 3/ 215.
(5) انظر: المغني 3/ 216، والمحرر 1/ 234، والشرح الكبير 3/ 221، وشرح الزركشي 2/ 101.
(6) إنْ لَمْ يجد ماء سن لَهُ التيمم عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَمْ يسن لَهُ التيمم عِنْدَ ابن قدامة. انظر: المغني 3/ 225، والزركشي 2/ 104.
(7) قَالَ ابن قدامة: المستحب أن يحرم عقيب الصَّلاَة فإنْ حضرت صلاة مكتوبة أحرم عقيبها وإلا صلى رَكْعَتَيْنِ تطوعاً وأحرم عقيبهما. انظر: المغني 3/ 229.
(8) لأنَّهُ عبادة محضة فافتقرت إِلَى النية كالصلاة. انظر: الشرح الكبير 3/ 230.
(9) هَذَا الاشتراط مستحب ويفيد هَذَا الشرط شيئين:
أحدهما: انه إِذَا عاقه عدو أو مرض أو ذهاب نفقة ونحوه ان لَهُ التحلل.
الثاني: أنَّهُ متى حل بِذَلِكَ فَلاَ شيء عَلَيْهِ. المغني 3/ 243، والشرح الكبير 3/ 231.
(10) لأن الإحرام يصح مَعَ الإبهام فصح مَعَ الإطلاق. انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 250.(1/175)
وإنْ أحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أو عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بإحْدَيْهِمَا (1)، فإنْ أحْرَمَ بِنُسُكٍ ثُمَّ نَسِيَه، فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ يَجْعَلُهُ عُمْرَةً (2)، وَقَالَ شَيْخُنَا: هُوَ مُخَيَرٌ بَيْنَ أنْ يَجْعَلَهُ حَجّاً أو عُمْرَةً (3).
فإنِ اسْتَنَابَهُ رَجُلانِ في الحَجِّ فأحْرَمَ عَنْ إحْدَيْهِمَا لا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إِلَى إحْدَيهِمَا وَوَقَعَ عَن نَفْسِهِ وَعِنْدِي أنَّ لَهُ صَرْفُهُ إِلَى أيِّهِمَا شَاءَ (4). والمُسْتَحَبُّ / 89 و / أن يَنْطِقَ بِمَا أحْرَمَ بِهِ ولا يُسْتَحبُّ أنْ يَذْكُرَهُ في تَلْبِيَتِهِ، والتَّلْبِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ (5) وصِفَتُهَا:
((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لا شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ والنِّعْمَةَ، لَكَ والْمُلْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ))، ويرْفَعُ صَوْتَهُ بالتَّلْبِيَةِ ولا يُسْتَحَبُّ تَكْرِيْرُهَا، ويُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ عَقِيْبَ الصَّلَواتِ وفي إقْبَالِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ وَإِذَا الْتَقَتَ الرِّفَاقُ وَإِذَا عَلاَ نَشْزاً (6) أو هَبَطَ وَادِياً أو سَمِعَ مُلَبِياً وفي جَمِيْعِ مَسَاجِدِ الحَرَمِ وبِقَاعِهِ ولا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُ التَّلْبِيَةِ في الأمْصَارِ ومَسَاجِدِ الأمْصَارِ (7) وطَوَافِ القُدُومِ ولا يكْرَهُ الزِّيَادَةُ في التَّلْبِيَةِ (8) وَإِذَا فَرَغَ مِنَ التَّلْبِيَةِ صلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَعَا بِمَا أحَبَّ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ والمَرْأةُ كالرَّجُلِ فِيْمَا ذَكَرْنَا إلاّ أنَّهَا لا تُجَرَّدُ مِنَ المَخِيْطِ ولا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بالتَّلْبِيَةِ إلاّ بِقَدْرِ ما تَسْمَعُ رفقتها.
بَابُ ما يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ ومَا أُبِيْحَ لَهُ
وَإِذَا أحْرَمَ الرَّجُلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَغْطِيَةُ رأْسِهِ وفي تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ رِوَايَتَانِ ولا يَلْبَسُ المَخِيطَ والخُفَّيْنِ (9)، فإنْ فَعَلَ شَيْئاً (10) منْ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الفِدْيَةُ فإنْ لَمْ يَجِدْ إزَاراً ولا نَعْلَيْنِ لبسَ
__________
(1) لأنَّهُمَا عبادتان لا يلزمه المضي فيهما فَلَمْ يصح الإحرام بهما كالصلاتين. الشرح الكبير 3/ 352.
(2) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 252.
(3) المصدر السابق.
(4) انظر: الشرح الكبير 3/ 254.
(5) قَالَ ابن قدامة في المغني 3/ 254: إنها مسنونة؛ لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فعلها وأمر برفع الصوت بِهَا، وأقل أحوال ذَلِكَ الاستحباب.
وَهِيَ ليست واجبة وبهذا قَالَ الحسن بن حي والشافعي وعن أصحاب مالك إنها واجبة يجب بتركها دم وعن الثوري وأبي حَنِيْفَةَ انها من شروط الإحرام لا يصح إلا بِهَا كالتكبير للصلاة.
(6) النشز والنشز: المكان المرتفع. الصحاح 3/ 899.
(7) لأن المساجد إنما بنيت للصلاة وجاءت الكراهة لِرَفْعِ الصوتِ عَامَّة إلا الإمام خاصة فوجب إبقاؤها عَلَى عمومها، فأما مكة فتستحب التلبية فِيْهَا؛ لأنها محل النسك.
(8) وَهُوَ ما ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِيّ وابن المنذر. انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 256.
(9) قَالَ ابن المنذر: أجمع أهل العِلْم عَلَى أن المحرم ممنوع من لبس القميص والعمائم والسراويلات والبرانس والخفاف.
(10) في الأصل: ((شيء)).(1/176)
السَّرَاوِيلَ والنَّعْلَيْنِ (1) ولا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فإنْ لَبِسَ خُفّاً مَقْطُوعاً (2) مِنْ تَحْتِ الكَعْبَيْنِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ (3)، فإنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بالحنَّاءِ أو طَيَّبَهُ أو عَصَبَهُ لِوَجَعٍ أو كَانَ بِرَأسِهِ جُرْحٌ فَجَعَلَ عَلَيْهِ خِرْقَةً أو قِرْطَاساً فِيْهِ دَوَاءٌ، أو ظَلَّلَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الفِدْيَةُ وَعَنْهُ لا يَلْزَمُهُ في التَّظْلِيْلِ فِدْيَةٌ، وَعَنْهُ أنَّهُ يفرقُ بَيْنَ الزَّمَانِ اليَسِيْرِ والكّبِيْرِ فإنْ حَمَلَ عَلَى رأْسِهِ شَيْئاً أو نَصَبَ حِيَالَهُ ثَوْباً يَقِيهِ الشَّمْسَ أو البَرْدَ أو جَلَسَ في خَيْمَةٍ في ظِلِّ شَجَرَةٍ أو تَحْتَ سَقْفٍ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ ويَجُوزُ لَهُ أنْ يَتَّشِحَ بالرِّدَاءِ والقَمِيْصِ ولا يَعْقِدَهُ (4) ويَتَّزِرَ بالإزَارِ ويَعْقِدَهُ، فإنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفِهِ القَبَاءَ فَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ وأنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ في كُمَّيْهِ لإن ذَلِكَ العادة فِي لبسهِ، وَقَالَ الخِرَقِيّ: لاَ فدية إلا أن يدخل يديه كميه ويَلْبَسَ الْهِمْيَانَ ويُدْخِلَ السّيُورَ بَعْضَهَا في بَعْضٍ، ولا يَعْقِدَهَا (5) فإنْ لَمْ تَثْبُتْ عَقَدَهَا، ولا يَلْبَسُ المِنْطَقَةَ فإنْ لَبِسَهَا افتدى نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ الأثْرَمِ ويَحْرُمُ عَلَيْهِ الطيبِ في بَدَنِهِ (6) /90 ظ/ وثِيَابِهِ فإنْ لَبِسَ ثَوْباً كَانَ مُطَيَّباً وانْقَطَعَ رِيْحُ الطِّيْبِ مِنْهُ نَظَرَ فإنْ كَانَ إِذَا رش فِيْهِ ما فَاحَ مِنْهُ رِيْحُ الطِّيبِ مِنْهُ لَزِمَهُ الفِدْيَةُ بِلُبْسِهِ ويُحَرَّمُ عَلَيْهِ شَمُّ الأدْهَانِ المُطَيِّبَةِ وأَكْلُ ما فِيْهِ طِيْبٌ يَظْهَرُ رِيْحُهُ أو طَعْمُهُ، وشَمُّ المِسْكِ والكَافُورِ والعَنْبَرِ والزَّعْفَرَانِ والوَرْسِ، فأمَّا شَمُّ الوَرْدِ أَوْ البنفسج أو النَّيْلُوفَرِ (7) واليَاسَمِيْنَ والخَيْرِيِّ والرَّيْحَان الفَارِسِيِّ والنَّرْجِسَ والمَرْزَنْجُوشَ (8) والبَرَمِ (9)
__________
(1) هكذا في الأصل والجادة: ((الخفين)).
(2) في الأصل: ((مقطوع)).
(3) انظر: المغني 3/ 275.
(4) رَوَى الأثرم عن مُسْلِم بن جندي عن ابن عمر قَالَ: جاء رجل يسأله وأنا مَعَهُ أخالف بَيْنَ طرفي ثوبي من ورائي ثُمَّ أعقده وَهُوَ محرم. فَقَالَ ابن عمر: لا تعقد عَلَيْهِ شَيْئاً. انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 276.
(5) ذهب أكثر أهل العِلْم إِلَى أن لبس الهميان مباح للمحرم، روي ذَلِكَ عن ابن عَبَّاسٍ وابن عمر وسعيد ابن المسيب وعطاء ومجاهد وطاوس والقاسم والنخعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي.
قَالَ ابن عَبْد البر أجاز ذَلِكَ جَمَاعَة فقهاء الأمصار متقدموهم ومتأخروهم ومتى أمكنه أن يدخل السيور بعضها في بَعْض ويثبت بِذَلِكَ لَمْ يعقده لأنَّهُ لا حاجة إِلَى عقده.
انظر: المغني 3/ 277، والكافي 1/ 404، والمبدع 2/ 144، وشرح الزركشي 2/ 131.
(6) دل عَلَيْهِ قَوْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الَّذِي وقصته راحلته ((لا تمسوه بطيب ... )). وَقَدْ سبق تخريجه.
(7) في الأصل: ((اللينوفر))، وما في معجم مَتْن اللغة 5/ 548: النيلوفر، ويقال: النينوفر: وَهُوَ ضرب من الرياحين ينبت فِي المياه الراكدة.
(8) وَهُوَ نوع من أنواع الطيب. وَهُوَ فارسي معرب. وَهُوَ المردقوش والسَّمْسَق. مَتْن اللغة 5/ 274 (مرد).
(9) البَرَم: هُوَ ثمر الطلح والسَّلَم وسائر العضاهِ قَبْلَ إدراكه، واحده: بَرَمَة. مَتْن اللغة 1/ 282 (برم).(1/177)
وما أشْبَهَهُ فَفِيْهِ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا (1): يَجُوزُ شَمُّهُ، والأُخْرَى: لا يَجُوزُ (2). وأمَّا الفَواكِهُ كالسَّفَرْجَلِ والتُّفَّاحِ والخَوْخِ والبِطِّيْخِ والأُتْرُجِّ فَمُبَاحٌ لَهُ شَمُّهُ، وَكَذَلِكَ الشِّيْحُ والقَيْصُومُ (3) والإذْخِرُ.
واخْتَلَفَت الرِّوَايَةُ فِيْمَا لَيْسَ بمُطَيِّبٍ مِنَ الأدْهَانِ كالشَّيْرَقِ والزَّيْتِ ودُهْنِ البَانِ والسَّمْنِ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ: لا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ، وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ جُوَازُ اسْتِعْمَالِهِ ولا فِدْيَةَ عَلَيْهِ (4)، وَإِذَا مَسَّ مِنَ الطِّيْبِ ما يعلقُ بِيَدِهِ كالغَالِيَةِ ومَاءِ الوَرْدِ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ وإنْ مَسَّ ما لا يعلقُ بِيَدِهِ كالمِسْكِ غَيْرِ المَسْحُوقِ وأقْطَاعِ الكَافُورِ والعَنْبَرِ فَلاَ فِدْيَةَ فإنْ شَمَّهُ فَعَلِيْهِ الفِدْيَةُ لأنَّهُ يستعملُ هكذا، وإنْ شَمَّ العُوْدَ فَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وإنْ جَلَسَ عِنْدَ العَطَّارِ قَصْداً لِشَمِّ الطِّيْبِ أو دَخَلَ الكَعْبَةَ في وَقْتِ تَطْيِيْبِهَا لِيَشُمَّ طِيْبَهَا فَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ (5).
ويُحَرَّمُ عَلَيْهِ تَقْلِيْمُ الأظَافِرِ (6)، وحَلْقُ الشَّعْرِ إلاَّ لِعُذْرٍ فإذَا حَلَقَ ثَلاَثَ شَعَرَاتٍ أو قَلَّمَ ثَلاَثَةَ أظْفَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعَنْهُ لا يَجِبُ الدَّمُ إلاّ في أرْبَعٍ مِنَ الشَّعْرِ والأظْفَارِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (7)، فإنْ حَلَقَ دُوْنَ الثلاث أَوْ دون الأرْبَعِ عَلَى الرِّوَايَةِ الأُخْرَى فَفَي كُلِّ شَعْرَةٍ أو ظُفْرٍ مُدٍّ مِنْ طَعَامٍ، وَعَنْهُ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَعَنْهُ دِرْهَمٌ أو نِصْفُ دِرْهَمٍ، فإنْ حَلَقَ مِنْ شَعْرِ رأْسِهِ وبَدَنِهِ ما يَجِبُ الدَّمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا انْفَرَدَ فَعِنْدِي يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ لَبسَ في رَأْسِهِ وبَدَنِهِ لأنَّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - قَالَ في رِوَايَةِ سِنْدِي: شَعْرُ الرأْسِ واللِّحْيَةُ والإِبِطُ
__________
(1) فِي الأصل: أحدهما.
(2) انظر: الشرح الكبير 3/ 282.
(3) القيصوم: نوع من نبات الأرطماسيا من الفصيلة المركبة، قريب من نوع الشيح كَثِيْر فِي البادية. انظر: المعجم الوسيط: 471 مادة (قصم).
(4) نقل الأثْرَمُ قَالَ: سَمِعْتُ أبا عَبْد الله يَسْأل عن المحرم يدهن بالزيت والشيرج فَقَالَ: نعم يدهن بِهِ إِذَا احْتَاج إِلَيْهِ ويَتَدَاوى المحرم بِمَا يأكل.
قَالَ ابن المنذر: ((أجمع عوام أهل العِلْم عَلَى أن للمحرم أن يدهن بدنه بالشحم والزيت والسمن ونقل جواز ذَلِكَ عن ابن عَبَّاسٍ وأبي ذر والأسود بن يزيد وعطاء والضحاك نقله الأثرم ونقل أبو داود عن أَحْمَد أنَّهُ قَالَ: الزيت الَّذِي يؤكل لا يدهن رأسه بشيء من الأدهان وَهُوَ قَوْل عطاء ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي لأنَّهُ لا يزيل الشعث ويسكن الشعر. ينظر: المصدر السابق 4/ 283.
(5) قَالَ أَحْمَد: سُبْحَانَ الله كيف يجوز هَذَا؟ وأباحَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ إلاّ العقدة تَكُوْن مَعَهُ يشمها فإن أصحَابَهُ اختلفوا فِيْهَا، قَالَ: لأنَّهُ شم الطِّيبَ من غيره أشبه ما لَوْ لَمْ يقصده. الشرح الكبير 3/ 283 - 284. وانظر: المحرر في الفقه 1/ 239.
(6) أجمع أهل العِلْم عَلَى أن المحرم ممنوع من قلم أظفاره إلا مِنْ عذرٍ لأن قطع الأظفار إزالة جزء يقرضه بِهِ فحرم كإزالة الشعر. المغني 3/ 298.
(7) انظر:: شرح الزركشي 2/ 259.(1/178)
سَواءٌ (1) لا أعْلَمُ أحَداً فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْهُ أنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ، ولا تَدْخُلُ فِدْيَةُ أحَدِهِمَا في الآخَرِ وَهِيَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا أبي يَعْلَى، فإنْ خَرَجَ في عَيْنهِ شَعْرٌ يُؤْلِمُهُ فأزَالَهُ /91 و/ أو تَرَكَ شَعْرَهُ فَغَطَّى عَيْنَيه فَقَصَّ مِنْهُ ما نزل عَلَى عَيْنَيْهِ، أو انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَصَّ ما انْكَسَرَ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ (2)، وإنْ قَلَعَ جِلْدَةً مِنْ رَأْسِهِ أو بَدَنِهِ وعَلَيْهَا شَعْرٌ فَلاَ فِدْيَةَ، وإنْ كَرَّرَ المَحْظُورَ مِثْلَ أنْ حَلَقَ ثُمَّ حَلَقَ أو وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ أو لَبسَ ثُمَّ لَبِسَ أو تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ما لَمْ يُكَفِّرْ عَن الأوَّلِ قَبْلَ فِعْلِ الثَّانِي وَعَنْهُ أنَّهُ إنْ كَرَّرَهُ لأسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ مِثْل أنْ لَبِسَ في أوَّلِ النَّهَار لِلْبَرْدِ والظُّهْرِ لِلْحَرِّ وآخِرَهُ لِمَرَضٍ فَكَفَّارَتُهُ (3) وِاحدةٌ، فإنْ قَتَلَ صَيْداً بَعْدَ صَيْدٍ فَكَفَّارَتَانِ، ورُوِيَ عَنْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وإنْ فَعَلَ مَحْظُوْراً مِنْ أجْنَاسٍ فَحَلَقَ ولِبِسَ وتَطَيَّبَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ وَعَنْهُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أبِي بَكْرٍ. ولا يَصِحُّ أنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ ولا لِغَيْرِهِ وَعَنْهُ في ارتِجَاعِ زَوْجَتِهِ وعَقْدِ النِّكَاحِ لِغَيْرَهِ رِوَايَتَانِ (4) أصَحُّهُمَا الجَوَازِ وتُكْرَهُ لَهُ الخِطْبَةُ والشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ وتَحْرُمُ عَلَيْهِ المُبَاشَرَةُ في الفَرْجِ ودُونَ الفَرْجِ بِشَهْوَةٍ (5)، والإسْتِمْنَاءُ فإنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الكَفَّاَرَةُ ويَحْرُمُ عَلَيْهِ تِكْرَارُ النَّظَرِ فإنْ كَرَّرَ فأمْنَى فَعَلَيْهِ الكَفَّاَرَةُ ويَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّيْدُ المْأْكُولُ وما تولدَ مِنْ مَأْكُولٍ وغَيْرِ مأْكُولٍ، فإنْ مَاتَ في يَدِهِ أو أتْلَفَهُ أو أتْلَفَ جُزْءاً مِنْهُ لَزِمَهُ الجَزَاءُ وتَحَرَّمَ عَلَيْهِ أكْلُ ما صِيْدَ لأجْلِهِ أو أشَارَ عَلَيْهِ أو دَلَّ عَلَيْهِ أو أعانَ عَلَى ذَبْحِهِ أو كَانَ لَهُ أثَرٌ في ذَبْحِهِ مِثْلُ أنْ
__________
(1) وَهُوَ قَوْل الأكثرين خلافاً لداود لأنَّهُ شَعْر يحصل بِهِ الترفه بالتنظيف أشبه الرأس، فإن حلق شعر رأسه وبدنه ففي الْجَمِيْع فدية واحدة، وإن حلق مِنْ رأسِهِ شعرتين ومن بَدَنِهِ كَذَلِكَ فعليه دم هَذَا اختيار أبي الخطاب وَهُوَ ظاهر كلام الخِرَقِيّ ومذهب أكثر الفقهاء، وفيه رِوَايَة أخرى أنه إِذَا قلع من رأسه وبدنه ما يجب الدم بكل واحد مِنْهُمَا منفرداً فعليه دمان، وهذا الَّذِي ذكره الْقَاضِي وابن عقيل وعلى هَذِهِ الرِّوَايَة لَوْ قطع من رأسه شعرتين ومن بدنه كَذَلِكَ لَمْ يجب عَلَيْهِ دم؛ لأن الرأس يخالف البدن بحصول التحلل بحلقه دُوْنَ شعر البدن. فالشعر كله جنس واحد في البدن فَلَمْ تتعدد الفدية بتعدده فِيْهِ بخلاف مواضعه كسائر البدن وكما لَوْ لبس قميصاً وسراويل. انظر: الشرح الكبير 3/ 267.
(2) قَالَ الزركشي فإن انكسر ظفره فله قطع ما انكسر بالإجْمَاعِ أَيْضاً لأنّه يؤذيه ويؤلمه. فإنْ قص أكثر مِمَّا انكسر فعليه الفدية لِذَلِكَ الزائد. انظر: شرح الزركشي 2/ 140، والمغني والشرح الكبير 3/ 298.
(3) فِي الأصل عبارة غَيْر مقروءة وما اثبتناه من كَتَبَ الفقه الحتبلي. انظر: الهادي: 62، والمقنع: 75.
(4) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 51/ب. وانظر: شرح الزركشي 2/ 148.
(5) مجرد النكاح لا يفسد الإحرام بلا ريب، بَلْ إذا وطئ فِيْهِ أو وطئ مطلقاً في الفرج فَقَدْ فسد حجه
اتفاقاً، قَالَه ابن المنذر فَقَالَ: أجمع أهل العِلْم عَلَى أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع. شرح الزركشي 2/ 148.(1/179)
يُعِيْرَهُ سِكِّيْناً، وَإِذَا ذَبَحَ الصَّيْدَ حَرُمَ عَلَيْهِ وعلى غَيْرِهِ أكْلُهُ وَإِذَا أحْرَمَ وفي مِلْكِهِ صَيْداً لَمْ يَزُلْ مِلْكَهُ عَنْهُ ويَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَةُ يَدِهِ المشاهدة (1) عَنِ الصَّيْدِ دُوْنَ يَدِهِ الحكميَّةِ، فإنْ لَمْ يَفْعَلْ فأرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ قَهْراً فَلاَ ضَمَانَ عَلَى المُرسِلِ، فإن اصْطَادَ المُحْرِمُ صَيْداً لَمْ يَمْلِكْهُ فإنْ تَرَكَهُ في يَدِهِ حَتَّى تَحَلَّلَ فَتَلِفَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وإنْ ذِبَحَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَقَالَ شَيْخُنَا (2): يَكُوْنُ مَيْتَةً، وعندي: أنَّهُ يُبَاحُ أكْلُهُ وَعَلَيْهِ ضَمَانُه ولا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بالبَيْعِ والهِبَةِ ويَمْلِكُهُ بالإرْثِ وَقِيْلَ لا يَمْلِكُهُ بِهِ أَيْضاً وَإِذَا صَالَ الصَّيْدُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ دَفْعاً عَنْ نَفْسِهِ فَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ (3) / 92 ظ / قَالَهُ ابن حامد وَقَالَ أبو بكر عَلَيْهِ الجزاء، فإنْ خَلَّصَ صَيْداً مِنْ سَبْعٍ أو مِنْ شَبَكَةٍ قَاصِداً لإتْلافِهِ فَتَلِفَ قَبْلَ أنْ يُرْسِلَهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ (4)، وَقِيْلَ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ (5) فإنْ نَقَلَ بَيْضَ صَيْدٍ فَجَعَلَهُ تَحْتَ صَيْدٍ آخَرَ فَفَسدَ فَعَلَيْهُ ضَمَانُهُ ولا تَأْثِيْرَ للإحْرَامِ ولا لِلْحَرَمِ في تَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنَ الحَيَوَانِ الإنْسِيِّ، وأمَّا الوَحْشِيُّ فيُبَاحُ قَتْلُ ما فِيْهِ مَضَرَّةٍ مِثْل الحَيَّةِ والعَقْرَبِ والكَلْبِ العَقُورِ (6) والسَّبُعِ والنَّمِرِ والذِّئْبِ والفَهْدِ والفَأْرَةِ والغُرَابِ والحَدَأةِ والبازِي والصَّقْرِ والشَّاهِيْن والبَاشِقِ والزُّنْبُوْرِ والبُرْغُوْثِ والبَقِّ والبَعُوض والقُرَاد والوَزَغ وسَائِرِ الحَشَرَاتِ والذُّبَابِ، ويَقْتُلُ القَمْلَ إِذَا آذَاهُ فأمَّا القَمْلُ والصِّئْبَانُ (7) فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ قَتْلِهِ ورُوِيَ عَنْهُ لا يَقْتُلُهُ (8)، فإنْ فَعَلَ فأي شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ خَيْراً مِنْهُ، فإن احْتَاجَ إِلَى لِبْسِ المَخِيْطِ لِبَردٍ أو تَغْطِيَةِ رأْسِهِ لِحَرٍّ أو إِلَى الطيبِ والحَلْقِ وذَبْحِ الصَّيْدِ ولِلْمَجَاعَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ، وَإِذَا اصْطَادَ الجَرَادَ فَفِيْهِ
__________
(1) ومعناه: إِذَا كَانَ في قبضته أو خيمته أو رحله أو قفص مَعَهُ أو مربوط بحبل مَعَهُ لزمه إرساله، وبه قَالَ مالك وأصحاب الرأي، وَقَالَ الثوري هُوَ ضامن لما في بيته أَيْضاً، وحكي نحو ذَلِكَ عن الشَّافِعِيّ، وَقَالَ أبو ثور لَيْسَ عَلَيْهِ إرسال ما في يده وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِيّ لأنَّهُ في يده وَلَمْ يجب إرساله كَمَا لَوْ كَانَ في يده الحكمية؛ ولأنه لا يلزم من منع ابتداء الصيد المنع من استدامته بدليل الصيد في الحرم. انظر: الشرح الكبير 3/ 298.
(2) انظر: الشرح الكبير 3/ 298 - 299.
(3) وبهذا قَالَ الشَّافِعِيّ. وَقَالَ أبو بكر عَلَيْهِ الجزاء وَهُوَ قَوْل أبي حَنِيْفَةَ لأنَّهُ قتله لحاجة نفسه أشبه قتله
لحاجته إِلَى أكله. وقتل هَذَا الحيوان إنما هُوَ لدفع شره فَلَمْ يضمنه كالآدمي الصائل؛ ولأنه التحق بالمؤذيات طبعاً فصار كالكلب العقور ولا فرق بَيْنَ أن يخشى مِنْهُ التلف أو مضرة لجرحه أو إتلاف ماله أو بَعْض حيواناته. الشرح الكبير 3/ 300.
(4) وبه قَالَ عطاء. المصدر السابق 3/ 300.
(5) وَهُوَ قَوْل قتادة. المصدر نفسه.
(6) العقور: العضوض وَهُوَ تنبيه عَلَى كُلّ عاد كالنمر ونحوه. شرح الزركشي 2/ 155.
(7) الصئبان: بيض القمل. تاج العروس 3/ 175.
(8) انظر: الشرح الكبير 3/ 304.(1/180)
رِوَايَتَانِ (1)، إحْدَاهُمَا: أنّه مِنْ صَيْدِ البَحْرِ فَلاَ جَزَاءَ فِيْهِ، والثَّانِيَةُ: هُوَ مِنْ صَيْدِ البَرِّ فَفَيْهِ الجَزَاءُ (2) فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إن افْتَرَشَ في طَرِيْقِهِ فَقَتَلَهُ بالْمَشي عَلَيْهِ فَفِي الجَزَاءِ وَجْهَانِ، وَإِذَا تَطَيَّبَ أو لَبِسَ المَخِيْطَ أو قَلمَ أظْفَارَهُ أو حَلَقَ شَعْرَهُ أو قَتَلَ الصَّيْدَ نَاسِياً فَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ وَعَنْهُ في الطِّيْبِ واللِّبْسِ، والصَّيْدِ لا كَفَّاَرةَ إلاَّ في العَمْدِ، ويخرجُ في الحَلْقِ والتَّقْلِيمِ مثل ذَلِكَ قِياساً عَلَى الصَّيْدِ. وإنْ حُلِقَ رَأْسُهُ مُكْرَهاً أو نَائِماً وجَبَتْ الفِدْيَةُ عَلَى الحَالِقِ وَإِذَا حَلَقَ المُحْرِمُ شَعْرَ حلالٍ أو مُحْرِمٍ بإذْنِهِ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا غَسَلَ المُحْرِمُ رَأْسَهُ بالسِّدْرِ والخِطْمِيِّ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ (3)، وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ الفِدْيَةُ (4)، ويَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لِبْسُ المُعَصْفَرِ والكُحْلِيِّ، وأنْ يَخْتَضِبَ بالحِنَّاءِ ويَنْظُرَ في المِرْآةِ ولا يُصْلِحَ شَعْثاً، ويَجُوزُ لِلْمَرْأةِ لِبْسُ القَمِيْصِ والسَّرَاوِيلِ والخِمَارِ والخُفِّ ولا يَجُوزُ لها لِبْسُ القُفَّازيْنِ (5) والبُرْقُعِ والنِّقَابِ، فإنْ أَرَادَتْ سِتْرَ وَجْهِهَا سَدَلَتْ عَلَيْهِ ما يَسْتُرُهُ ولا يَقَعُ عَلَى البَشَرَةِ، وَإِذَا رَفَضَ الإحْرَامَ فَتَطَيَّبَ ولَبِسَ وحَلَقَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ / 93 و / وعَنْهُ تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وقَلِيْلُ اللِّبْسِ وكَثِيْرُهُ سَوَاءٌ ولا فَرْقَ بَيْنَ تَطْيِيْبِ عُضْوٍ أو بَعْضِ عُضْوٍ.
بَابُ ما يُفْسِدُ الإحْرَامَ وحُكْمُ كَفَّارَاتِهِ
وَإِذَا جَامَعَ في العُمْرَةِ أو الحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهُ عَامِداً كَانَ أو نَاسِياً (6)،
__________
(1) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 56/ب، وانظر: الشرح الكبير 3/ 307.
(2) الشرح الكبير 3/ 308.
(3) وبه قَالَ الشَّافِعِيّ وأبو ثور وابن المنذر. الشرح الكبير 3/ 306
(4) وبه قَالَ مالك وأبو حَنِيْفَةَ وَقَالَ صاحباه عَلَيْهِ صدقة لأن الخطمي يستلذ برائحته ويزيل الشعث ويقتل الهوام فوجبت بِهِ الفدية كالورس. الشرح الكبير 3/ 307.
(5) القفازان: شيء يعمل لليدين تدخلهما فيهما من خرق تسترهما من الحر. وهذا قَوْل ابن عمر وبه قَالَ عطاء وطاوس ومجاهد والنخعي ومالك. وَكَانَ سعد بن أبي وقاص يلبس بناته القفازين وهن محرمات، ورخص فِيْهِ عَلِيّ وعائشة وعطاء، وبه قَالَ الثوري وأبو حَنِيْفَةَ. المغني 3/ 308 - 309.
(6) قَالَ ابن المنذر: أجمع أهل العِلْم عَلَى أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا بالجماع والأصل فِيْهِ ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رجلاً سأله فَقَالَ: إني وقعت بامرأتي ونحن محرمان، فَقَالَ: أفسدت حجك انطلق أنت وأهلك مَعَ الناس فاقضوا ما يقضون، وحل إِذَا حلوا، فإذا كَانَ العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هدياً، فإنْ لَمْ تجدا فصوما ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعة إِذَا رجعتم، وَكَذَلِكَ قَالَ ابن عَبَّاسٍ وابن عمر وَلَمْ نعرف لَهُمْ مخالفاً في عصرهم فكان إجماعاً رَوَاهُ الأثرم في سننه وفي حَدِيْث ابن عَبَّاسٍ ((ويتفرقان من حَيْثُ يحرمان حَتَّى يقضيا حجهما)) قَالَ ابن المنذر: قَوْل ابن عَبَّاسٍ أعلى شيء روي فيمن وطئ في حجه، وروي ذَلِكَ عن عمر - رضي الله عنه - وبه قَالَ سعيد بن المسيب وعطاء والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. الشرح الكبير 3/ 315.(1/181)
وَكَذَلِكَ إنْ بَاشَرَ دُوْنَ الفَرْجِ أو قَبَّلَ فأنْزَلَ أنَّهُ لا يَفْسُدُ النُّسُكَ إلاّ بالوَطْءِ في الفَرْجِ، وسَوَاءٌ كَانَ الفَرْجُ قُبُلاً أو دُبُراً مِنْ آدَمِيٍّ أو مِنْ بَهِيْمَةٍ (1) ويَتَخَرَّجُ في وَطْءِ البَهِيْمَةِ أنَّهُ لا يَفْسُدُ الحَجُّ بِهِ، وَإِذَا فَسَدَ نُسُكُهُمَا لَزِمَهُمَا المضِيُّ في فَاسِدِهِ ويَجِبُ عَلَيْهِمَا القَضَاءُ عَلَى الفَوْرِ مِنْ حَيْثُ أحْرَمَا، ولا تَجِبُ نَفَقَةُ المَرْأةِ في القَضَاءِ عَلَيْهَا إِذَا كَانَتْ مُطَاوِعَةً وإنْ كانَتْ مُكْرَهَةً فَعَلَى الزَّوْجِ، فأمَّا الكفَّارَةُ فَهَلْ تُلْزِمُ المرأةَ؟ فَخَرَجَ عَلَى الوَجْهَيْنِ قِياساً عَلَى وَطْئِهَا في الصَّوْمِ، فإذا قلنا تُلْزمُها الكَفّارَةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ نَفَقَةِ القَضَاءِ إنْ طَاوَعَتْ فَفِي مَالِهَا، وإنْ أُكْرِهَتْ فَفِي مَالِ الزَّوْجِ، فإذا قَضَيَا مَعاً تَفَرَّقَا في المَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَها فِيْهِ وهَلْ يَجِبُ التَّفَرُّقُ أو يُسْتَحَبُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ويَجِبُ عَلَيْهِ بالجْمَاعِ فِي الفَرْجِ وبالإنْزَالِ بِمُبَاشَرَةٍ فِيْمَا دُوْنَ الفَرْجِ بَدَنَةٌ (2) إِذَا كَانَ فِي الحَجِّ، وإنْ كَانَ فِي العُمْرَةِ لَزِمَهُ شَاةٌ، فإن اسْتَمْتَعَ بِغَيْرِ الفَرْجِ فِي الحَجِّ فَلَمْ يُنْزِلْ فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (3)، وَعَنْهُ أنَّهُ يلزمه بَدَنَةٌ اخْتَارَهَا شَيْخُنَا، فإنْ أنْزَلَ بِتَكْرَارِ النَّظَرِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ ولَزِمَهُ دَمٌ، وهَل الدَمُ هُوَ بَدَنَةٌ أو شَاةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).
وَإِذَا أفْسَدَ القَارِنُ نُسُكَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ ويَتَخَرَّجُ أنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَان: بَدَنَةٌ وشَاةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَإِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الجِمَاعُ فَلَمْ يُكَفِّرْ أجْزَأهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وإنْ كَفَّرَ عَن الأوَّلِ لَزِمَهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ ويَكُونُ بَدَنَة كالأُوْلَة، وَإِذَا جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ (5) وهل يُلْزِمُهُ بَدَنَة أو شَاة؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَلَمْ يَجِدْ أخْرَجَ بَقَرَةً فإنْ لَمْ يَجِدْ فَسَبْعاً مِنَ الغَنَمِ فإنْ لَمْ يَجِدْ قَومَ البَدَنَةَ دَرَاهِمَ / 94 ظ / والدَّرَاهِمُ (7) طَعَاماً (8) ويَتَصَدَّقُ بِهِ فإنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدِّ حِنْطَةٍ يَوماً وعَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعِ تَمْرٍ أو شَعِيْرٍ يَوْماً وظَاهِرُ كَلاَمِ الخِرَقِيِّ (9)، أنَّهُ مُخَيَّرٌ
__________
(1) وبه قَالَ الشَّافِعِيّ وأبو ثور. المصدر السابق 3/ 316.
(2) روي ذَلِكَ عن ابن عَبَّاسٍ وعطاء وطاووس ومجاهد ومالك والشافعي. الشرح الكبير 3/ 317.
(3) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 54/أ.
(4) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 54/أ.
(5) وَهُوَ قَوْل ابن عَبَّاسٍ وعكرمة وعطاء والشعبي وربيعة ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وَقَالَ النخعي والزهري وحماد عَلَيْهِ حج من قابل لأن الوطء صادف إحراماً تاماً بالحج فأفسده كالوطء قَبْلَ الرمي. الشرح الكبير 3/ 320.
(6) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 54/أ.
(7) في الأصل ((والدراهم)) مكررة.
(8) فِي الأصل: فطعاماً.
(9) انظر: الشرح الكبير 3/ 349 - 350.(1/182)
فأيُّ الخَمْسَةِ فَعَلَ أجْزَأَهُ وَإِذَا قَتَلَ صَيْداً لَهُ مِثْلٌ مِنَ النعمِ فَدَاهُ بِمِثْلِهِ فَيَجِبُ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وفي حِمَارِ الوَحْشِ وبَقَرَةِ الوَحْشِ والأَيَّلِ والثيتلِ والوَعِلِ بَقَرَةٌ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أبو الحَارِثِ: فِي حِمَارِ الوَحْشِ بَدَنَةٌ (1) وفي الضَّبُعِ والظَّبْيِ كَبْشٌ (2)، وفي الغَزَالِ والثَّعْلَبِ عَنْزٌ، وفي الأرْنَبِ عِنَاقٌ - وَهِيَ قَبْلَ أنْ تَصِيْرَ جَذَعَةً - وفي اليَرْبُوعِ جَفْرَةٌ (3) - وَهِيَ الجَدْيُ حِيْنَ يُفْطَمُ -، وفي الضَّبِّ جَدْيٌ وَقِيْلَ شَاةٌ، وفي الوَبْرِ جَدْيٌ وفي الصَّغِيْرَةِ صَغِيْرَةٌ، وفي الكَبِيْرِ كَبَيْرٌ وفي الذَكَرِ ذَكَرٌ وفي الأنْثَى أُنْثَى وفي الصَّحِيْحِ صَحِيْحٌ وفي المَعِيبِ مَعِيبٌ.
فإنْ فَدَا الذَّكَرَ بالأُنْثَى فَهُوَ أفْضَلُ، وإنْ فَدَا الأنْثَى بالذَّكَرِ احْتَمَلَ وَجْهَينِ، أحَدُهُمَا: يَجُوْزُ، والآخَرُ: لا يَجُوزُ، وإنْ فَدَا الأعْوَرَ مِنَ اليَمِيْنِ بالأعْوَرِ مِنَ اليَسَارِ جَازَ، فإنْ أتْلَفَ صَيْداً مَاخِضاً ضَمِنَهُ بِقِيْمَتِهِ ماخِضاً، وإنْ قَتَلَ صَيْداً لا مثلَ لَهُ كَالقَنَابِرِ والعَصَافِيْرِ وما أشْبَه ذَلِكَ ضَمِنَهُ بِقِيْمَتِهِ إلا الحَمَام وكلّ ما عَبَّ وهدرَ مِثلُ الشَّفانين (4) والوَرَاشِين (5) والقَمَارِي (6) والدَّباسِيّ (7) والفَوَاخِت (8) والقَطَا (9) والقَبْجِ (10). وَقَالَ الكِسَاِئيُّ (11): كُلّ مُطَوَّقٍ حَمَامٌ وفي الوَاحِدَةِ مِنْهُ شَاةٌ، فأمَّا الحُبَارَى والكُرْكِيُّ والكَرَوَانُ والحَجَلُ واليَعْقُوْبُ - وَهُوَ ذَكَرُ القَبْجِ - فيُحْتَمَلُ أنْ يُضْمَنَ بِشَاةٍ أَيْضاً لأنَّهُ أكْبَرُ مِنَ الحَمَامِ فَكَانَ
__________
(1) روي ذَلِكَ عن عُمَر وبه قَالَ عروة ومجاهد والشافعي. انظر: الشرح الكبير 3/ 351.
(2) قَالَ أَحْمَد: حكم سول الله - صلى الله عليه وسلم - في الضبع بكبش وقضى بِهِ عمر وابن عَبَّاسٍ وبه قَالَ عطاء والشافعي وأبو ثور وابن المنذر. المصدر السابق.
(3) أخرجه البَيْهَقِيّ 5/ 183 - 184. قَالَ أبو زيد: الجفر من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه.
(4) الشفنين: طائر دُوْنَ الحمام فِي القدر، تسمية العامة بمصر اليمام، لونه الحمرة مَعَ كمودة، فِي صوته ترجيع وتحزين. انظر: معجم مَتْن اللغة 3/ 345 (شفن). .
(5) الورشان: طائر من الفصيلة الحمامية، أكبر قليلاً من الحمامة المعروفة يستوطن أوربة ويهاجر فِي جماعات إِلَى العراق والشام. انظر: المعجم الوسيط: 1025 (ورش).
(6) القماري: ضرب من الحمام مطوق حسن الصوت. المعجم الوسيط: 758.
(7) وَهُوَ ضرب من الحمام. انظر: المعجم الوسيط: 270.
(8) ضرب من الحمام المطوق إِذَا مشى توسع في مشيه وباعد بَيْنَ جناحيه وإبطيه وتمايل. انظر: المعجم الوسيط: 676.
(9) وَهُوَ نوع من الحمام يؤثر الحياة في الصحراء، ويطير مسافات شاسعة، وبيضه مرقط المعجم الوسيط 748.
(10) الحجل: وَهُوَ جنس طيور تصاد. المعجم الوسيط: 710.
(11) انظر: الشرح الكبير 3/ 352.(1/183)
أوْلَى بِضَمَانِهِ بِشَاةٍ (1)، ويُحْتَمَلُ أنْ تَجِبَ فِيْهِ القِيْمَةُ لأنَّ القِيَاسَ يَقْتَضِي وُجُوبَهَا في جَمِيْعِ الطَّيْرِ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ في الحَمَامِ لإجْمَاعِ الصَّحَابَةِ.
وأمَّا طَيْرُ المَاءِ والبَطِّ فَفَيْهِ الجَزَاءُ وما جَزَاؤُهُ؟ يحتملُ أن يَكُون قيمته ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُوْنَ شَاةً، وَقَدْ رُوِيَ عن أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي البَطِّ والدَّجَاجِ يَذْبَحُهُ المُحْرِمُ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَيْداً فَيَخْرُجُ أنَّهُ إِذَا كَانَ وَحْشِيّاً فَفِيهِ الجَزَاءُ وإنْ كَانَ إنسِيَاً فَلاَ جَزَاءَ فِيْهِ، فأمَّا الهُدْهُدُ والصُّرَدُ فإنْ قُلْنَا يُبَاحُ أكْلُهُ فَفَيْهِ الجَزَاءُ وإنْ قُلْنَا لاَ يباح أكله فَلاَ جَزَاءَ فِيْهِ ويرجعُ فِي مَعْرِفَةِ المِثْلِ والقِيْمَةِ إِلَى مَا قَضَت الصَّحَابَةُ فإنْ كَانَ الصَّيْدُ مَا لَمْ يَقْضِ فِيْهِ الصَّحَابَةُ رجعَ إِلَى قَوْلِ عَدلَيْنِ مِنْ أهْلِ الخِبْرَةِ ويَجُوزُ أنْ يَكُوْنَ القَاتِلُ أحَدَ العَدلَيْنِ وَإِذَا جَرَحَ صَيْداً فَتَحَامَلَ فَوَقَعَ فِي ماءٍ أو نَارٍ أو رَمَى بِنَفْسِهِ من شَاهِقٍ / 95 و / فَمَاتَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ (2)، فإنْ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدْنَاهُ مَيتاً وَلاَ نَعْلَمُ مات مِنَ الجِنَايَةِ أو مِنْ غَيْرِهَا، فالاحْتِيَاطُ أن يَضْمنَهُ (3) والوَاجِبُ عَلَيْهِ مَا تَقْتَضِيهِ الجِنَايَةُ، وَكَذَلِكَ الحُكْمُ إِذَا غابَ فَلَمْ يُعْلَمْ خَبرُهُ، وَإِذَا ضَمِنَ النُّقْصَانَ مِثْلَ إنْ نَقَصَ سُدُسُ قِيْمَتِهِ وَكَانَ مِمَّا لَهُ مِثْل فَهَلْ يَجِبُ سُدُسُ مِثْلِهِ أو قِيْمَةُ سُدُسِ مِثْلِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَإِذَا زَالَ ما يَمْتَنِعُ بِهِ الصَّيْدُ مِثْل إنْ كَسَرَ سَاقَ الظَّبْيِ أو جَنَاحَ الحَمَامَةِ فاندمل غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيْعِهِ وإنْ غَابَ غَيْر مندمل وَلَمْ يَعْلَمْ خَبرَهُ فعَلَيْهِ ما نَقَصَ، وإنْ نَتَفَ رِيْشَ الطَّائِرِ ثُمَّ حَفِظَهُ وأطْعَمَهُ وسَقَاهُ حَتَّى عَادَ رِيْشُهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ (4). وَقِيْلَ: عَلَيْهِ قِيْمَةُ الرِّيْشِ (5)، فإنْ جَرَحَهُ وَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَعَلَى الجارحِ ما نَقَصَ
__________
(1) الشرح الكبير 3/ 354.
(2) وفيه وجه آخر انه يضمنه إِذَا تلف في المكان الَّذِي انتقل إِلَيْهِ لما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنَّهُ دخل دار الندوة فألقى رداءه عَلَى واقف في البيت فوقع عَلَيْهِ طير من هَذَا الحمام فأطاره فوقع عَلَى واقف آخر فانتهزته حية فقتلته فَقَالَ لعثمان ونافع بن عَبْد الحارث إني وجدت في نفسي أني أطرته من منزل كَانَ فِيْهِ آمناً إِلَى موقع كَانَ فِيْهِ حية فَقَالَ نافع لعثمان كيف ترى في عنز ثنية عفراء يحكم بِهَا عَلَى أمير المؤمنين؟ فَقَالَ عثمان: أرى ذَلِكَ فأمر بِهَا عمر - رضي الله عنه -. انظر: الشرح الكبير 3/ 355.
أخرجه الشَّافِعِيّ (899)، ومن طريقه البَيْهَقِيّ 5/ 205. وأخرجه عَبْد الرزاق (8268) (عن الحكم بن عمرة) بمعناه، وابن أبي شيبة (13219) بسنده عن الحكم عن شيخ من أهل مكة عن عمر.
(3) لأنَّهُ وجد سبب إتلافه مِنْهُ وَلَمْ يعلم لَهُ سبباً آخر فوجب إحالته عَلَى السبب المعلوم.
(4) لأن النقص زال.
(5) لأن الْثاني غَيْر الأول فإن صَارَ غَيْر ممتنع بنتف ريشه فَهُوَ كالجرح وَقَدْ ذكرناه وإنْ غَابَ ففيه ما نقص. وبهذا قَالَ الشَّافِعِيّ وأبو ثور وأوجب مالك وأبو حَنِيْفَةَ فِيْهِ الجزاء جميعه وَهُوَ نقص يمكن زواله فَلاَ يضمنه بكماله كَمَا لَوْ جرحه وَلَمْ يعلم حاله. انظر: الشرح الكبير 3/ 356.(1/184)
وعلى القَاتِلِ كَمَالُ الجَزَاءِ، وَإِذَا كَسَرَ بَيْضَ صَيْدٍ لَزِمَهُ قِيْمَتُهُ، وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاَعَةٌ في قَتْلِ صَيْدٍ لَزِمَهُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وإنْ أمْسَكَهُ مُحْرِمٌ فَقَتَلَهُ حلالٌ وَجَبَ الجَزَاءُ عَلَى المُحْرِمِ فإنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَر وَجَبَ الجَزَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَينِ وَإِذَا أَدَلَّ المُحْرِمُ حلالاً عَلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ لَزِمَ المُحْرِمَ الجَزَاءُ، ويُخَيَّرُ في كَفَّارَةِ الصَّيْدِ بَيْنَ أنْ يُخْرِجَ المِثْلَ أو يقومَ المِثْلَ دَرَاهِمَ فَيِشْتَرِيَ بِهَا طَعَاماً ويَتَصَدَّقَ بِهِ وبين أنْ يَصُومَ عن كُلِّ مُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ يَوْماً، وَفِيْمَا لا مِثْلَ لَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أنْ يَشْتَريَ بالقِيْمَةِ طَعَاماً ويَتَصَدقَ بِهِ وَبَيْنَ أنْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ أو نِصْفِ صَاعٍ مِنْ شَعِيْرٍ أو تَمْرٍ يَوماً وَعَنْهُ: أنَّ كَفَّارَةَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ إنْ لَمْ يَجِدِ المِثلَ اشْتَرَى طَعَاماً، فإنْ كَانَ مُعْسِراً صَامَ.
بَابُ صَيْدِ الحَرَمِ وشَجَرِهِ وما يَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ
صَيْدُ الحَرَمِ حَرَامٌ عَلَى المُحْرِمِ والحَلالِ فَمَنْ أتْلَفَهُ مِنْهُمَا لَزِمَهُ ما يَلْزَمُ المُحْرِمَ في صَيْدِ الإحْرَامِ ومَنْ مَلَكَ صَيْداً في الحِلِّ فأدْخَلَهُ الحَرَمَ لَزِمَهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ وإرْسَالُهُ (1) وَإِذَا اجْتَمَعَ في قَتْلِ صَيْدٍ مُوجِبٍ ومُسْقِطٍ مِثْل أنْ يَرْمِيَ الحَلالُ مِنَ الحِلِّ صَيْداً في الحَرَمِ أو يَرْميَ مِنَ الحَرَمِ صَيْداً في الحِلِّ أو أرْسَلَ كَلْبَهُ وَهُوَ في الحِلِّ عَلَى صَيْدٍ في الحَرَمِ أو وَهُوَ في الحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ في الحِلِّ أو كَانَتْ شَجَرَةٌ في الحَرَمِ وغُصْنُهَا في الحِلِّ فَقَعَدَ عَلَيْهَا صَيْدٌ فَرَمَاهُ حَلالٌ مِنَ الحِلِّ فَقَتَلَهُ أو كَانَتْ الشَّجَرَةُ في / 96 ظ / الحِلِّ وفُرُوعُهَا في الحَرَمِ فَقَتَلَ صَيْداً عَلَيْهِ لَزِمَهُ الجَزَاءُ في جَمِيعِ ذَلِكَ في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، والأُخْرَى: لا جَزَاءَ في جَمِيعِ ذَلِكَ (3) فإنْ أمْسَكَ المحلُّ حَمَامَةً في الحِلِّ ولَهَا فِرَاخٌ في الحَرَمِ فَتَلِفَت الفِرَاخُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَكَذَلِكَ إنْ أمْسَكَهَا وَهُوَ في الحَرَمِ فَهَلَكَ فِرَاخُهَا في الحِلِّ ضَمِنَ ويَتَخَرَّجُ أنَّهُ لا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِناءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ (4) قَبْلَهَا. فإنْ أرْسَلَ المحلُّ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ في الحِلِّ فَتَحَامَل الصَّيْدُ فَدَخَلَ الحَرَمَ ودَخَلَ الكَلْبُ خَلْفَهُ فقتله فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وبِمِثْلِهِ لَوْ رَمَى سَهْماً لِصَيْدٍ في الحِلِّ فَدَخَلَ السَّهْمُ الحَرَمَ فَقَتَلَ صَيْداً لَزِمَهُ ضَمَانُهُ (5)، لأنَّ
__________
(1) انظر: المغني 3/ 359 - 360.
(2) المغني 3/ 360 - 361.
(3) قَالَ ابن قدامة: وحكى أبو الخطاب عن أَحْمَد رِوَايَة أخرى لا جزاء عَلَيْهِ في جَمِيْع ذَلِكَ لأن القاتل حلال في الحل وهذا لا يصح فان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا ينفر صيدها)) وَلَمْ يفرق بَيْنَ من هُوَ في الحل والحرم وَقَدْ أجمع المسلمون عَلَى تحريم صيد الحرم وهذا من صيده ولأن صيد الحرم معصوم بمحله بحرمة الحرم فَلاَ يختص تحريمه بمن في الحرم. المصدر السابق 3/ 361.
(4) انظر: المغني 3/ 361.
(5) وبهذا قَالَ أصحاب الرأي وأبو ثور وابن المنذر وحكى أبو ثور عن الشَّافِعِيّ أن عَلَيْهِ الجزاء. الشرح الكبير 3/ 362.(1/185)
الكَلْبَ لَهُ قَصْدٌ واخْتِيَارٌ والسَّهْمُ لا قَصْدَ لَهُ، وَقَالَ أبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الضَّمَانُ في المَسْأَلَتَيْنِ جَمِيْعاً.
وشَجَرُ الحَرَمِ الَّذِي يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ يَحْرُمُ قَلْعُهُ عَلَى المُحْرِمِ والحلالِ، ومَنْ قَلَعَهُ ضَمِنَ الشَّجَرَةَ الكَبِيْرَةَ بِبَقَرةٍ والصَّغِيْرَةَ بِشَاةٍ، فإنْ أتْلَفَ غُصْناً مِنْهَا ضَمِنَ ما نَقَصَ فإنْ عَادَ الغُصْنُ سَقَطَ الضَّمَانُ ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَسْقُطَ فإنْ قَطَعَ غُصْناً في الحِلِّ وأصْلُهُ في الحَرَمِ ضَمِنْ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الأصْلُ في الحِلِّ والغُصْنُ في الحَرَمِ. وَقَالَ شَيْخُنَا ما كَانَ أصْلُهُ في الحِلِّ لا يضْمَنُ فَرْعُهُ الَّذِي في الحَرَمِ. ويَجُوزُ قَلْعُ ما أنْبَتَهُ الآدَمِيّونَ مِنَ الأشْجَارِوالبقُولِ وغَيْرِ ذَلِكَ، ويَجُوزُ قَطْعُ الشَّجَرِ اليَابِسِ والعَوْسَجِ والشَّوْكِ والإذْخَرِ ولا ضَمَانَ (1) ويُحَرَّمُ قَطْعُ حَشِيْشِ الحَرَمِ. وفي جَوَازِ رَعْيِهِ وَجْهَانِ (2) وَإِذَا قَطَعَهُ ضَمِنَهُ بِقِيْمَتِهِ فإن اسْتَخْلَفَ فَهَلْ يَسْقُطُ الضَّمَانُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3) ويُحْرَّمُ صَيْدُ المَدِيْنَةِ وشَجَرُها وحَشِيْشُهَا (4)، كَمَا يُحَرَّمُ صَيْدُ الحَرَمِ وشَجَرُهُ وحَشِيْشُهُ إلاَّ أنَّهَا تُفَارِقُ الحَرَمَ فِي أنَّ مَنْ أدْخَلَ إِلَيْهَا صَيْداً لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ ويَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ وأكْلُهُ ويَجُوزُ أنْ يأْخُذَ مِنْ شَجَرِهَا مَا تَدْعُو الحَاجَةُ إِلَيْهِ لِلْوسَائِدِ والمَسَانِدِ والرَّحْلِ وَكَذَلِكَ مِنْ حَشِيْشِهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعَلَفِ بِخَلافِ الحَرَمِ وَإِذَا ثَبَتَ تحْرِيْمُهُ فَهَلْ يَجِبُ فِيْهِ الجَزَاءُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحداهما: لاَ جزاء فِيْهِ، والثانية: فِيْهِ الجزاء وَهُوَ سَلْبُ المُقَاتِلِ يَكُوْنُ لِمَنْ أخَذَهُ.
وصَيْدُ السَّمَكِ وما أشْبَهَهُ لا يَجُوزُ مِنْ آبَارِ الحَرَمِ وعُيُونِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ والأُخْرَى يَجُوزُ لَهُ صَيْدُهُ مِنَ الحَرَمِ وأكْلُهُ ومَا وَجَبَ / 97 و / فِيْهِ مِنَ الدِّمَاءِ لِتَرْكِ نُسُكٍ كَدَمِ التَّمَتُّعِ والقِرَانِ ومُجَاوَزَةِ المِيْقَاتِ وترك الوقوف بعرفة إِلَى غروب الشمس وتَرْكِ المَبِيْتِ بِمُزْدَلِفَةَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وتَرْكِ البَيْتُوتَةِ بِمِنًى لَيَالِي مِنَى مِنْ غَيْرِ أهْلِ السِّقَايَةِ والرِّعَاءِ وَطَوَافِ الفَوَاتِ والوَدَاعِ والهَدْي المَنْذُورِ فإنَّهُ يَخْتَصُّ نَحْرَهُ وتَفْرِقَةَ لَحْمِهِ
__________
(1) وحكى ابن قدامة التحريم ونقل تجويز أبي الخطاب وأفاد بأن ذَلِكَ مروي عن عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي لأنَّهُ يؤذي بطبعه فأشبه السباع من الحيوان. انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 365.
(2) أحدهما: لا يجوز وَهُوَ مذهب أبي حَنِيْفَةَ لأن ما حرم إتلافه لَمْ يَجُزْ ان يرسل عَلَيْهِ ما يتلفه كالصيد. والثاني: يَجوز وَهُوَ مذهب عطاء والشافعي لأن الهدي كَانَتْ تدخل الحرم فتكثر فِيْهِ فَلَمْ ينقل أنَّهُ كَانَتْ تسر أفواهها ولأن بهم حاجة إِلَى ذَلِكَ أشبه قطع الإذخر. المغني 3/ 367.
(3) انظر: المصدر السابق 3/ 367.
(4) وبهذا قَالَ مالك والشافعي وَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: لا يحرم لأنَّهُ لَوْ كَانَ محرماً لبينه النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كصيد الحرم.
انظر: المغني 3/ 369.(1/186)
بالحَرَمِ، وَكَذَلِكَ الإطْعَامُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ جَزَاءُ الصَّيْدِ وما وجب من الدماء من فدية الاداء وما فِي معناها من شم الطيب ولِبْسِ المَخِيْطِ فَيَجُوزُ نَحْرُهُ والإطْعَامُ عَنْهُ حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهُ مِنْ حِلٍّ أو حَرَمٍ، وَكَذَلِكَ الهَدْيُ الوَاجِبُ بالإحْصَارِ، وَعَنْهُ بالإحْصَارِ أنَّ هَدْيَهُ يَخْتَصُّ بالحَرَمِ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ (1): كُلُّ هَدْيٍ وإطْعَامٍ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الحَرَمِ إنْ قَدِرَ عَلَى إيْصَالِهِ إلَيْهِمْ إلاّ مَنْ أصَابَهُ أذَى مِنْ رَأْسِهِ فَيُفَرِّقُ في المَوْضِعِ الَّذِي حَلَقَ، وَإِذَا ذَبَحَ الهَدْيَ فسُرِقَ أجْزَأَهُ.
وَحَدُّ الحَرَمِ مِنْ طَرِيْقِ المَدِيْنَةِ ثَلاثَةُ أمْيَالٍ عِنْدَ بُيُوْتِ السُّقْيَا، ومِنْ طَرِيْقِ اليَمَنِ سَبْعَةُ أمْيَالٍ عِنْدَ إضَاحةِ لبنٍ (2) ومِنْ طَرِيْقِ العِرَاقِ سَبْعَةُ أمْيَالٍ عَلَى ثنيةِ رِجل (3) بالمنقَطِعِ، ومِنْ طَرِيْقِ الجُعْرَانَةِ عَلَى تِسْعَةِ أمْيَالٍ في شِعْبٍ يُنْسَبُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ أُسَيْدٍ، ومِنْ طَرَيْقِ جَدَّة عَلَى عَشْرَةِ أمْيَالٍ عِنْدَ مُنْقطعِ الأعْشَاشِ، ومِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ سَبْعَةُ أمْيَالٍ عِنْدَ طَرَفِ عَرَفَة ومِنْ بَطْنِ عَرَفَة عَلَى أحَدَ عَشَرَ مِيْلاً فَهَذَا حَدُّهُ عَلَى ما ذَكَرَهُ أَبُو العَبَّاسِ ابنُ العَاصِ في كِتَابِ " دَلائِلِ القِبْلَةِ " وذَكَرَ شَيْخُنَا حَدَّهُ مِنْ طَرِيْقِ المَدِيْنَةِ دُوْنَ التَّنْعِيْمِ عِنْدَ بُيُوتِ نِفَار على ثَلاثَةِ أمْيَالٍ ومِنْ طَرِيْقِ العِرَاقِ عَلَى ثنية جبل بالمنقطعِ عَلَى سَبْعَةِ أمْيَالٍ، ومن طريق الجعرانة فِي شعب ابْن خَالِد عَلَى تسعة أميال، ومِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى عَرَفَةَ مِنْ بَطْنِ نَمِرَةَ تسعَةُ أمْيَالٍ، ومِنْ طَرِيْقِ جُدَّةَ منقطعُ الأعْشَاشِ عَلَى عَشْرَةِ أمْيَالٍ.
فأمَّا حَدُّ حَرَمِ مَدِيْنَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي حَرَمُهُ فَمَا بَيْنَ جَبَلِ ثَوْرٍ إِلَى جبَلِ عَيْرٍ، وجَعَلَ حَوْلَ المَدِيْنَةِ اثْنَا عَشَرَ مِيْلاً حِمًى.
بَابُ صِفَةِ الحَجِّ
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ أَنْ يَغْتَسِلَ (4)، ويَدْخُلَهَا مِنْ أَعْلاَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ (5)، فَإِذَا خَرَجَ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى (6)، فَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ دَخَلَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ
__________
(1) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 370.
(2) ويقال لها أضاءة لبن.
(3) بكسر الراء المهملة، وعبارة الإنصاف كالأصل. الإنصاف 3/ 558، وفي المبدع 3/ 206 والفروع 3/ 357: ((ثنية زحل)) بالزاي المعجمة.
(4) انظر: الاستذكار لابن عَبْد البر 3/ 303 - 304.
(5) وَهِيَ بالفتح والمد: ثنية مكة العلياء، وكُدى - بالضم والقصر -: ثنية مكة السفلى. انظر: معجم البلدان 4/ 439.
(6) لما رَوَى ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة من الثنية العليا الَّتِي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى. أَخْرَجَهُ أحمد 2/ 48، 157، والدارمي (1933)، والبخاري 2/ 177 (1575)، ومسلم 4/ 62 (1257) (223)، وأبو داود (1865)، وابن خزيمة (2614) و (2695).(1/187)
/ 98 ظ /، فَإِذَا رَأَى البَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ إنَّكَ أَنْتَ السَّلاَمُ، ومِنْكَ السَّلاَمُ، حَيِّنَا رَبَّنَا بالسَّلاَمِ، اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا البَيْتَ تَعْظِيْماً وتَشْرِيْفاً وتَكْرِيْماً ومَهَابَةً وبَرّاً، وزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ وشَرَّفَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ واعْتَمَرَهُ تَعْظِيْماً وتَشْرِيْفاً وتَكْرِيْماً ومَهَابَةً وبَرّاً،
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ كَثِيْراً كَمَا هُوَ أَهْلُهُ، وكَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وعِزِّ جَلاَلِهِ، والحَمْدُ للهِ الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، ورَآنِي لِذَلِكَ أَهْلاً، والحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ دَعَوْتَ إلى حَجِّ بَيْتِكَ الحَرَامِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ لِذَلِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا، وَاعْفُ عَنِّي، وأًصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ)) (1). يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ.
ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِطَوَافِ القُدُومِ (2)، ويَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ، فَيَجْعَلُ وسَطَهُ تَحْتَ عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ ويَجْعَلُ طَرَفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ، ويَبْتَدِئُ مِنَ الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَيَسْتَلِمُهُ (3) بِيَدِهِ ويُقَبِّلُهُ ويُحَاذِيْهِ بِجَمِيْعِ بَدَنِهِ - إِنْ أَمْكَنَهُ - وإِلاَّ اسْتَلَمَهُ وقَبَّلَ يَدَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ،
ثُمَّ يَجْعَلُ البَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ ويَطُوفُ، فَإِذَا بَلَغَ إلى الرُّكْنِ اليَمَانِيِّ (4) اسْتَلَمَهُ وقَبَّلَ يَدَهُ
__________
(1) لَمْ نقف عليه بهذا السياق في شيء من كتب الحديث، وقد رَوَى الشافعي في مسنده (948) بتحقيقنا، ومن طريقه البيهقي 5/ 73، منه قوله: ((كَانَ إذا رأى البيت رفع يديه، وَقَالَ: اللهم زدْ هَذَا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة، وزد من شرّفه وكرّمه وعظّمه ممن حجّه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً)). من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريح مرفوعاً، وهو إسناد معضل.
وأخرج ابن أبي شيبة (15751) و (29615) البيهقي 5/ 73 تعليقاً من طريق أبي سعيد الشامي عَنْ مكحول مرفوعاً قوله: كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبّر، وَقَالَ: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيّنا ربنا بالسلام، اللهم زد هَذَا البيت تشريفاً وتعظيماً ومهابة، وزد من حجّه أو اعتمره تكريماً وتشريفاً وتعظيماً وبراً)). إلا أنه مرسل.
ورواه الطبراني في الكبير (3053) وفي الأوسط (6128) موصولاً من حديث حذيفة بن أسيد بلفظ: ((اللهم زد بيتك هَذَا تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبراً ومهابة، وزد من شرّفه وعظّمه ممن حجّه أو اعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً وبراً ومهابة)).
وفي إسناده: عاصم بن سليمان الكوزي متهم بالوضع. انظر: ميزان الاعتدال 2/ 350، ولسان الميزان 3/ 218.
(2) قَالَ ابن قدامة في المغني 3/ 383: ((والمستحب لِمَنْ دخل المسجد أن لا يعرج عَلَى شيء قبل الطواف بالبيت؛ اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كَانَ يفعل ذَلِكَ)).
(3) معنى: ((استلمه)) أي: تناوله بلمسه إما بالقبلة أو باليد أو بالعصا. انظر: الفائق 2/ 192، والنهاية 2/ 395، ولسان العرب 12/ 397.
(4) هُوَ قبلة أهل اليمن، وَهُوَ آخر ما يمر عليه من الأركان في طوافه؛ لأنه يبدأ بالركن الَّذِي فيه الحجر الأسود، ثُمَّ ينتهي إلى الركن الثاني وَهُوَ الركن العراقي، ثُمَّ الركن الثالث وَهُوَ الركن الشامي، وهذان الركنان يقابلان الحِجْر، ثُمَّ يأتي الرابع وَهُوَ الركن اليماني، أي: أنه الركن الَّذِي يكون قَبْلَ الركن الَّذِي فِيْهِ الحجر الأسود. وانظر: الشرح الكبير 3/ 385.(1/188)
ولاَ يُقَبِّلُهُ، وظَاهِرُ كَلاَمِ الخِرَقِيِّ: أنَّهُ يُقَبِّلُهُ (1).
ويَقُولُ عِنْدَ اسْتِلاَمِ الحَجَرِ في الطَّوَافِ: بِسْمِ اللهِ، واللهُ أَكْبَرُ إيْمَاناً بك وتَصْدِيْقاً بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، واتِّبَاعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - (2)، ويَطُوفُ سَبْعاً يَرْمُلُ في الثَّلاَثَةِ الأُوَلة مِنْهَا (3)، وَهُوَ إِسْرَاعُ (4) المَشْي مَعَ تَقَارُبِ الخُطَا (5)، ولاَ يَثِبُ وَثْباً. ويَمْشِي في الأَرْبَعَةِ، وكُلَّمَا حَاذَى الحَجَرَ الأَسْوَدَ والرُّكْنَ اليَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُمَا ويَقُولُ في
رَمَلِهِ - كُلَّمَا حَاذَى الحَجَرَ الأَسْوَدَ: ((اللهُ أَكْبَرُ، ولاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ))، ويَقُولُ في بَقِيَّةِ الرَّمَلِ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجّاً مَبْرُوراً وسَعْياً مَشْكُوراً وذَنْباً مَغْفُوراً)). ويَقُولُ في الأَرْبَعَةِ: ((رَبِّ اغْفِرْ وارْحَمْ، واعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ، وأَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) (6)، ويَدْعُو فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ، ولاَ تَرْمُلُ المَرْأَةُ ولاَ تَضْطَبِعُ (7)، ولاَ يَرْمُلُ أَهْلُ مَكَّةَ (8)، والأَفْضَلُ أَنْ يَطُوفَ رَاجِلاً، فَإِن طَافَ رَاكِباً أَجْزَأَهُ، وَعَنْهُ: لاَ يُجْزِيهِ إلاَّ العُذْرُ، فَإِنْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ يَنْوِيَا جَمِيْعاً فَإِنْ كَانَ بالمَحْمُولِ عُذْرٌ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ / 99 و / أَجْزَأَهُ وعَنْهُ لاَ يُجْزِيْهِ إلاَّ لِعُذْرٍ (9)، فَإِنْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ ونَوَيَا جَمِيْعاً فَإِنْ كَانَ بالمَحْمُوْلِ عُذْرٌ أَجْزَأَهُ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَأَمَّا الحَامِلُ
__________
(1) قَالَ ابن قدامة: ((والصحيح عَنْ أحمد أنه لا يقبله، وهو قَوْل أكثر أهل العِلْم)). المغني 3/ 394.
(2) رواه مسنداً ابن عساكر من حَدِيْث عَبْد الله بن السائب بسند ضعيف كَمَا ذَكَرَ ابن حجر، وَقَدْ أورده الشافعي في الأم من غَيْر إسناد. وانظر: البدر المنير 2/ 8 (1281)، والتلخيص الحبير 2/ 265 ط شعبان و 2/ 537 ط العلمية.
(3) قَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 8: ((هَذَا المذهب وعليه الأصحاب)). فإن قِيْلَ: إنما رمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لإظهار الجلد للمشركين وَلَمْ يبق ذَلِكَ المعنى إذ قَدْ نفى الله المشركين فَلِمَ قُلْتم: إن الحكم يبقى بَعْدَ زوال علته.
قلنا: قَدْ رمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واضطبع في حجة الوداع بَعْدَ الفتح فثبت أنها سنة ثابتة. المغني 3/ 387.
(4) في الأصل: ((أسرع)).
(5) وهذا نفس المعنى اللغوي. انظر: لسان العرب 11/ 295 (رمل).
(6) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 291 - 292.
(7) قَالَ ابن المنذر: أجمع أهل العِلْم عَلَى أنه لا رمل عَلَى النساء حول البيت ولا بَيْنَ الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع؛ وذلك لأن الأصل فِيْهَا إظهار الجلد، وَلاَ يُقصد ذَلِكَ من النساء، وإنما يُقصَد فيهن الستر، وفي الرمل والاضطباع تعرض للانكشاف. الشرح الكبير 3/ 392.
(8) وهذا قَوْل ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهما -، وَكَانَ ابن عمر إذا أحرم من مكة لَمْ يرمل؛ لأن الرمل إنما شرع في الأصل لإظهار الجلد والقوة لأهل البلد، وهذا المعنى معدوم في أهل البلد.
المصدر السابق.
(9) انظر: المقنع: 78.(1/189)
فَلاَ يُجْزِيْهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وإِذَا طَافَ مُحْدِثاً أو نَجِساً أو مَكْشُوفَ العَوْرَةِ لَمْ يُجْزِهِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، وفي الأُخْرَى: يُجْزِيْهِ ويَجْبُرُهُ بِدَمٍ (2)، فَإِنْ نَكَسَ الطَّوَافَ وَهُوَ أنْ يَجْعَلَ البَيْتَ عَلَى يَمِيْنِهِ أو طَافَ عَلَى جِدَارِ الحِجْرِ أو شَاذرْوَانِ الكَعْبَةِ (3) أو تَرَكَ مِنَ الطَّوَافِ شَيْئاً وإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ (4)، وكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْوِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، والأَفْضَلُ أنْ يَكُوْنَ خَلْفَ المَقَامِ (5) يَقْرَأُ في الأُوْلَى بَعْدَ الفَاتِحَةِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثَّانِيَةِ بالإِخْلاَصِ، وهَذِهِ الصَّلاَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ (6)، ثُمَّ يَعُودُ إلى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا (7)، ويَسْعَى سَعْياً ويَبْدَأُ بالصَّفَا، والأَفْضَلُ أَنْ يَرْقَى عَلَيْهِ (8)، حَتَّى يَرَى البَيْتَ، والمَرْأَةُ لاَ تَرْقَى (9)، ويكَبِّرُ ثَلاَثاً، ويقُولُ: الحَمْدُ للهِ عَلَى مَا هَدَانَا، لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُحْيِي ويُمِيْتُ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوْتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيْرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، لاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، مُخْلِصِيْنَ لَهُ الدِّيْنَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ (10)، ثُمَّ يُلَبِّي ويَدْعُو بِمَا أَحَبَّ، ثُمَّ يَدْعُو ثَانِياً وثَالِثاً، ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ الصَّفَا ويَمْشِي حَتَّى يَكُوْنَ بَيْنَهُ وبَيْنَ المِيْلِ الأَخْضَرِ المُعَلَّقِ بِفَنَاءِ المَسْجِدِ نَحْوُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ، ثُمَّ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 51/ ب.
(2) الطهارة من الحدث والنجاسة شرائط لصحة الطواف في ظاهر المذهب، وَهُوَ قَوْل مالك والشافعي، وعن أحمد أن الطهارة ليست شرطاً، فمتى طاف للزيارة غَيْر متطهر أعاد ما كان بمكة فإن خرج إلى بلده جبره بدم. انظر: الشرح الكبير 3/ 398.
(3) هُوَ ما فضل من حائطها. المغني والشرح الكبير 3/ 398.
(4) وبه قَالَ مالك والشافعي، وَقَالَ أبو حَنِيْفَةَ: يعيد ما كَانَ بمكة فإن رجع جبره بدم؛ لأنه تَرَكَ هيأة فَلَمْ تمنع الأجزاء كترك الرمل والاضطباع. الشرح الكبير 3/ 396.
(5) قَالَ ابن قدامة 3/ 400: فإن جابراً رَوَى في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: حَتَّى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ثُمَّ تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} (البقرة: 125)، فجعل المقام بينه وبين البيت. وحديث جابر هَذَا قد تقدم تخريجه.
(6) انظر: المغني 3/ 401.
(7) حديث جابر سبق تخريجه.
(8) فإن لَمْ يرقَ عَلَى الصفا فَلاَ شيء عليه، قَالَ القاضي: لَكِنْ يجب عليه أن يستوعب ما بين الصفا والمروة فيلصق عقبيه بأسفل الصفا ثُمَّ يسعى إلى المروة، فإن لَمْ يصعد عليها ألصق أصابع رجليه بأسفل المروة، والصعود عليها هُوَ الأولى اقتداءً بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن تَرَكَ مِمَّا بينهما شيئاً ولو ذراعاً لَمْ يجزئه حَتَّى يأتي بِهِ. المغني 3/ 404 - 405.
(9) والمرأة لا يسن لها أن ترقى لئلا تزاحم الرجال، وترك ذَلِكَ أستر لها، ولا ترمل في طواف ولا سعي، والحكم في وجوب استيعابها ما بينهما بالمشي كحكم الرجل. المصدر السابق.
(10) انظر: المغني والشرح الكبير 3/ 403.(1/190)
يَسْعَى سَعْياً شَدِيْداً حَتَّى يُحَاذِي المِيْلَيْنِ الأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفَنَاءِ المَسْجِدِ، وحَذَا دَارِ العَبَّاسِ (1)، ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَصْعَدَ المَرْوَةَ، ويَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، ثُمَّ يَنْزِلَ ويَمْشِي في مَوْضِعِ مشيه الأول ويسعى فِي موضع سَعْيِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّفَا يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعاً، فَإِنْ بَدَأَ بالمَرْوَةِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَبْدَأَ بالصَّفَا (2)، والمَرْأَةُ تَمْشِي ولاَ تَسْعَى (3)، ويُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَسْعَى إلاَّ مُتَطَهِّراً مُسْتَتِراً (4)، وَقَدْ نَقَلَ الأَثْرَمُ أَنْ الطَّهَارَةَ في السَّعْي كَالطَّهَارَةِ في الطَّوَافِ والمُوَالاَةِ شَرْطٌ (5) في الطَّوَافِ والسَّعْي، فَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ وتَطَاوَلَ الفَصْلُ ابْتِدَاءً وإِنْ كَانَ يَسِيْراً بَنَى، ويَتَخَرَّجُ: أنَّ المُوَالاَةَ سُنَّةٌ فَإِذَا فَرَغَ مَنَ السَّعْي فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِراً أو مُتَمَتِّعاً حَلَقَ أو قَصَّرَ وتَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ المُفْرَدَةِ وعُمْرَةِ التَّمَتُّعِ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَاقَ هَدْياً /100 ظ/ وإن كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ لَمْ يُحِلَّ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الحَجِّ (6)، وإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّروِيَةِ (7) وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ خَرَجَ إلى مِنَى فيُصَلَّي بِهَا الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ والعِشَاءَ ويَبِيْتَ بِهَا ويُصَلِّي بِهَا الصُّبْحَ (8)، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيْرٍ سَارَ إلى المَوْقِفِ واغْتَسَلَ للوقُوفِ وأَقَامَ بِنَمِرَةٍ، وَقِيْلَ: بِعَرَفَةَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِذَا زَالَتِ خَطَبَ الإِمَامُ خُطْبَةً يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيْهَا مَنَاسِكَهُمْ مِنْ مَوْضِعِ الوُقُوفِ ووَقْتِهِ ودَفْعِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ، ومَوْضِعِ صَلاَةِ المَغْرِبِ والعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ والمَبِيْتِ بِهَا والغُدُوِّ
__________
(1) انظر: المصدر السابق: 3/ 405، والمقنع 78 - 79، والانصاف 4/ 20 - 21.
(2) انظر: المغني: 3/ 406.
(3) انظر: شرح الزركشي 2/ 188، وانظر الشرح الكبير 3/ 408.
(4) انظر: الانصاف 4/ 21، والمغني 3/ 413، والزركشي 2/ 188.
(5) انظر: المغني 3/ 409.
(6) فَقَدْ رَوَى ابْن عُمَر أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مَكَّة قَالَ للناس: ((من كَانَ مِنْكُمْ أهدى فإنه لاَ يحل من شيء حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يقضي حجه، ومن لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أهدى، فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصِّر، وليَحْلِل، ثُمَّ ليصل بالحج، وليهدِ. ومن لَمْ يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام فِي الحج وسبعة إِذَا رجع إِلَى أهله)).
أَخْرَجَهُ أَحْمَد 2/ 139، والبخاري 2/ 25 (1691)، ومسلم 4/ 49 (1227) (174)، وأبو داود (1805)، والنسائي 5/ 151.
(7) سمي بِذَلِكَ لأنهم كانوا يتروون من الماء فِيْهِ يعدونه ليوم عرفة وَقِيْلَ سمي بِذَلِكَ لأن إِبْرَاهِيْم - عليه السلام - رأى ليلته فِي المنام ذبح ابنه فأصبح يروي فِي نفسه أهو حلم أم من الله تَعَالَى؛ فسمي يَوْم التروية فَلَمَّا ليلة عرفة رأى ذَلِكَ أيضاً فعرف أنَّهُ من الله تَعَالَى فسمي يَوْم عرفة. والله أعلم. المغني والشرح الكبير 3/ 421.
(8) لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فعل ذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيْث جابر وَقَدْ تقدم تخريجه. وهذا قَوْل سُفْيَان ومالك وَالشَّافِعِيّ وإسحاق وأصحاب الرأي وَلاَ يعلم فِيْهِ مخالفاً. المغني: 3/ 423.(1/191)
إلى مِنى للرَّمِي والطَّوَافِ والنَّحْرِ والمَبِيْتِ بِمِنى لِرَمِي الجِمَارِ (1)، ثُمَّ يَأْمُرُ بالأَذَانِ ويَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ والعَصْرَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ، ولاَ يَجُوزُ الجَمْعُ (2) والقَصْرُ (3) إلاَّ لِمَنْ بَيْنَهُ وبَيْنَ وَطَنِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخاً (4) فَصَاعِداً، ثُمَّ يَرُوحُ إلى المَوْقِفِ وَهُوَ مِنَ الجَبَلِ المُشْرِفِ عَنْ بَطْنِ عَرَفَةَ إلى الجِبَالِ المُقَابِلَةِ لَهُ إلى مَا يَلِي حَوَائِطَ بَنِي عَامِرٍ وَلَيْسَ وَادِي عَرَفَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ، والمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخْرَاتِ وجَبَلِ الرَّحْمَةِ بِقُرْبِ الإِمَامِ ويَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ (5) ويَكُونَ رَاكِباً، وَقِيْلَ: الرَّاجِلُ أَفْضَلُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً (6)، ويُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ، ويَكُوْنُ أَكْثَرَ قَوْلِهِ: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُحْيِي ويُمِيْتُ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوْتُ، بِيَدِهِ [الخَيْرُ] (7) وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيْرٌ (8)، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي في قَلْبِي نُوراً، وفي بَصَرِي نُوْراً، وفي سَمْعِي نُوْراً، ويَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَوَقْتُ الوُقُوفِ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلى صَلاَةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ حَصَلَ بِعَرَفَةَ في شَيءٍ مِنْ هَذَا الوَقْتِ وَهُوَ عَاقِلٌ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، ومَنْ
__________
(1) قَالَ ابْن قدامة فِي المغني 3/ 425، لما تقدم فِي حَدِيْث جابر أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فعل ذَلِكَ.
(2) وَلَيْسَ بصحيح لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - جمع فجمع مَعَهُ من حضره من المكيين وغيرهم وَلَمْ يأمرهم بترك الجمع كَمَا أمرهم بترك القصر حِيْنَ قَالَ: ((أتموا فإنا سفر)) وَلَوْ حرم الجمع لبينه لَهُمْ إِذْ لاَ يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وَلاَ يقر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الخطأ. وَقَدْ كَانَ عُثْمَان يتم الصَّلاَة لأنَّهُ اتخذ أهلاً وَلَمْ يترك الجمع وروى نحو ذَلِكَ عن ابْن الزُّبَيْرِ. انظر: المغني 3/ 426.
(3) قَالَ ابْن قدامة 3/ 427: فأما قصر الصَّلاَة فَلاَ يجوز لأهل مَكَّة وبهذا قَالَ عطاء ومجاهد والزهري وابن جُرَيْجٍ والثوري ويحيى القطان وَالشَّافِعِيّ واصحاب الرأي وابن المنذر. وَقَالَ القاسم بن مُحَمَّد وسالم ومالك والاوزاعي لَهُمْ القصر؛ لأن لَهُمْ الجمع فكان لَهُمْ القصر كغيرهم. ولنا أنهم فِي غَيْر سفر بعيد فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ القصر كغير من فِي عرفة ومزدلفة. قِيْلَ لأبي عَبْد الله: فرجل أقام بمكة ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الحج قَالَ: إن كَانَ لاَ يريد أن يقيم بمكة إِذَا رجع صلى ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، وذكر فعل ابْن عُمَر قَالَ: لان خروجه إِلَى منى وعرفة ابتداء سفر فإن عزم عَلَى أن يرجع فيقيم بمكة أتم بمنى وعرفة.
(4) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كُلّ عرفة موقف، وارتفعوا عن بطن عُرنة، وكل المزدلفة موقف، وارتفعوا عن بطن محسِّر، وكل مِنى منحرٌ، إلا مَا وراء العقبة)).
أَخْرَجَهُ ابْن ماجه (3012).
(5) قَالَ ابْن قدامة 3/ 428: لما جَاءَ فِي حَدِيْث جابر أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - جعل بطن ناقته القصواء إِلَى الصخرات وجعل حبل المشاة بَيْنَ يديه واستقبل القبلة، سبق تخريجه.
(6) قَالَ أَحْمَد حِيْنَ سئل عن الوقوف راكباً فَقَالَ: النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وقف عَلَى راحلته، وَقِيْلَ الراجل أفضل لأنَّهُ أخف عَلَى الراحلة ويحتمل التسوية بَيْنَهُمَا. المغني 3/ 428.
(7) فِي الأصل بيده (المَوْتِ) وما أثبتناه من كُتُبِ المذهب.
(8) أَخْرَجَهُ أَحْمَد 2/ 210، والترمذي (3585).(1/192)
فَاتَهُ ذَلِكَ فَقَدْ فَاتَهُ الحَجُّ، وَمَنْ أَدْرَكَ الوُقُوْفَ بالنَّهَارِ وَقَفَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ الغُرُوبِ لَزِمَهُ دَمٌ (1)، وإِنْ وَافَى عَرَفَةَ لَيْلاً فَوَقَفَ بِهَا فَلاَ دَمَ عَلَيْهِ (2)، ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الغُرُوبِ إلى المُزْدَلِفَةِ عَلَى طَرِيْقِ المَأْزِمَيْنِ (3)، ويَسِيْرُ وعَلَيْهِ السَّكِيْنَةُ والوَقَارُ (4) فَإذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ، فَإِذَا وَصَلَ إلى مُزْدَلِفَةَ صَلَّى بِهَا المَغْرِبَ والعِشَاءَ قَبْلَ حَطِّ الرِّحالِ (5)، وإِنْ صَلَّى المَغْرِبَ في طَرِيْقِ المُزْدَلِفَةِ أَجْزَأَهُ (6)، ثُمَّ يَبِيْتُ بِهَا إلى أَنْ يَطْلُعَ الفَجْرُ الثَّانِي ويَأْخُذَ مِنْهَا حَصَى الجِمَارِ (7)، ومِنْ حَيْثُ أَخَذَ جَازَ / 101 و / ويَكُوْنُ أَكْبَرَ مِنَ الحِمَّصِ ودُوْنَ البُنْدُقِ (8)، وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً، وهَلْ يُسَنُّ غَسْلُهُ؟ عَلَى
__________
(1) ذهب أكثر أهل العِلْم ومنهم عطاء والثوري وَالشَّافِعِيّ وأبو ثور وأصحاب الرأي ومن تبعهم عَلَى أنَّهُ عَلَى من دفع قَبْلَ الغروب دم. وَقَالَ ابْن جُرَيْجٍ عَلَيْهِ بدنة، وَقَالَ الحسن البصري عَلَيْهِ هدي من الابل. قَالَ ابْن قدامة: ولنا انه واجب لاَ يفسد الحج بفواته فَلَمْ يوجب البدنة كالاحرام من الميقات.
انظر: المغني 3/ 433.
(2) لقوله عَلَيْهِ الصَّلاَة والسلام: ((من أدرك عرفة قَبْلَ أن يطلع الفجر فَقَدْ أدرك الحج)).
أَخْرَجَهُ الطيالسي (1309) و (1310)، والحميدي (899)، وأحمد 4/ 309 و310 و335، وعبد بن حُمَيْدٍ (310)، والدارمي (1894)، وأبو داود (1949)، وابن ماجه (3015)، والترمذي (889) و (2975)، والنسائي 5/ 264، وابن خزيمة (2822)، والطحاوي فِي " شرح المعاني " 2/ 209 - 210، وفي " شرح المشكل " (3369)، وابن حبان (3892)، والدارقطني 2/ 240، والحاكم 1/ 464 و2/ 278، والبيهقي 5/ 116 و152 و173، والبغوي (2001)، والمزي فِي تهذيب الكمال 18/ 22.
(3) لأنَّهُ يروى أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - سلكها وَإِنْ سلك الطريق الاخرى جاز. المغني 3/ 427.
(4) لقول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيْث جابر: أيها النَّاس السكينة السكينة. وَقَدْ تقدم تخريجه.
(5) قَالَ ابْن قدامة فِي المغني 3/ 438: لاَ خلاف فِي هَذَا قَالَ ابْن المنذر: ((أجمع أهل العِلْم لاَ اخْتِلاَف بَيْنَهُمْ إن السُّنَّة أن يجمع الحاج بَيْنَ المغرب والعشاء والأصل فِي ذَلِكَ أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - جمع بَيْنَهُمَا رَوَاهُ جابر وابن عُمَر وأسامة وأبو أيوب وغيرهم وأحاديثهم صحاح)).
(6) قَالَ ابْن قدامة 3/ 440: فإن صلى المغرب قَبْلَ أن يأتي مزدلفة وَلَمْ يجمع خالف السُّنَّة وصحت صلاته وبه قَالَ عطاء وعروة والقاسم بن مُحَمَّد وسعيد بن جبير ومالك وَالشَّافِعِيّ وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف وابن المنذر وَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ والثوري لاَ يجزئه لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - جمع بَيْنَ الصلاتين فكان نسكاً وَقَدْ قَالَ: ((خذوا عَنِّي مناسككم)).
(7) انظر: المصدر السابق.
(8) وهذا القول للأثرم، وَكَانَ ابْن عُمَر يرمي بمثل بعر الغنم، فَإِنْ رمى بحجر كبير فَقَدْ روي عن أَحْمَد أنه قَالَ: لاَ يجزئه حَتَّى يأتي بالحصى عَلَى مَا فعل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أمر بهذا القدر ونهى عن تجاوزه والأمر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي فساد المنهي عَنْهُ، ولأن الرمي بالكبير رُبَّمَا آذى من يصيبه وَقَالَ البعض يجزئه مَعَ تركه للسنة لأنَّهُ قَدْ رمى بالحجر وَكَذَلِكَ الحكم فِي الصغير.
المصدر السابق: 446.(1/193)
رِوَايَتَيْنِ (1)، وإِنْ دَفَعَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ جَازَ، وإِنْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ لَزِمَهُ دَمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيْلَ: فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ (2)، فَإِنْ وَافَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلاَ دَمَ عَلَيْهِ، وإِنْ وَافَاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَحَدُّ المُزْدَلِفَةِ مَا بَيْنَ المَأْزِمَيْنِ وَوَادِي مُحَسِّرٍ، فَإِذَا أَصْبَحَ بِهَا صَلَّى الفَجْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، ثُمَّ يَأْتِي قَزْحَ جَبَلٍ، وَهُوَ المَشْعَرُ الحَرَامُ فَيَرْقَا عَلَيْهِ، وإِنْ أَمْكَنَهُ وَإِلاَّ وَقَفَ عِنْدَهُ، ويَحْمَدُ اللهَ، ويُهَلِّلُهُ، ويُكَبِّرُهُ، ويَدْعُو، ويَكُوْنُ مِنْ دُعَائِهِ: ((اللَّهُمَّ كَمَا وَفَقتَنا فِيْهِ، وأَرَيْتَنَا إِيَّاهُ، فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا، وارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِكَ وَقَوْلِكَ الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} إلى قَوْلِهِ: {غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ} إلى أَنْ يُسْفِرَ، ثُمَّ يَدْفَعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِذَا بَلَغَ وَادِي مُحَسِّرٍ سَعَى إِنْ كَانَ مَاشِياً، وحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ رَاكِباً قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ.
فَإِذَا وَصَلَ إلى مِنَى- وَحَدُّ منى مِنْ جَمْرَةِ العَقَبَةِ إلى وَادِي مُحَسِّرٍ (3) - فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِجَمْرَةِ العَقَبَةِ فَيَرْميهَا بِسَبْعِ حَصَيَّاتٍ، وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ (4)، ويَعْلَمُ حُصُولَهَا في المَرْمَى، فَإِنْ رمى بِغَيْرِ الحَصَى مِثْلِ: الكُحْلِ والرُّخَامِ والبِرَامِ (5) والذَّهَبِ والفِضَّةِ ومَا أَشْبَهَهُ، أو رَمَى بِحَجَرٍ قَدْ رُمِيَ بِهِ أَخَذَهُ مِنَ المَرْمَى لَمْ يُجْزِهِ (6). والأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَاشِياً، ويَرْفَعَ يَدَيْهِ في الرْمي حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبطَيْهِ، ويَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ، ويَرْمِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنْ رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ. وإِذَا رَمَى نَحَرَ
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (52/ب).
وَقَالَ ابْن قدامة 3/ 446 - 447: واختلف عن أَحْمَد فِي ذَلِكَ فروي عَنْهُ أنه مستحب لأنَّهُ روي عن ابْن عُمَر أنَّهُ غسله وَكَانَ طاوس يفعله، وَكَانَ ابْن عُمَر يتحرى سنة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وعن أَحْمَد أنه لاَ يستحب وَقَالَ: لَمْ يبلغنا أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فعله وهذا الصَحِيْح وَهُوَ قَوْل عطاء ومالك وكثير من أهل العِلْم فإن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لما لقطت لَهُ الحصيات وَهُوَ راكب عَلَى بعيره يقبضهن فِي يده لَمْ يغسلهن وَلاَ أمر بغسلهن وَلاَ فِيْهِ معنى يقتضيه، فَإِنْ رمي بحجر نجس أجزأه لأنَّهُ حصاة، ويحتمل أن لاَ يجزئه لأنَّهُ يؤدي بِهِ العبادة فاعتبرت طهارته كحجر الاستجمار وتراب التيمم، وإن غسله ورمى بِهِ أجزأه وجهاً واحداً. وعدد الحصا سبعون حصاة يرمي مِنْهَا بسبع يَوْم النحر وسائرها فِي أيام منى والله أعلم.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين (52/ب).
(3) وقد قامت حكومة المملكة العربية السعودية بوضع علامات كبيرة ترشد الحجّاج إلى حدود مِنى وغيرها من مواطن الشعائر المقدسة.
(4) فإن قَالَ مَعَ رمية كُلّ حصاة: ((اللهم اجعله حجّاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً مشكوراً)) فحسن؛ لأن ابن مسعود وابن عمر كانا يقولان ذَلِكَ. انظر: المغني 3/ 448.
(5) هُوَ نوع من المعادن. انظر: الفروع 2/ 365، والإنصاف 3/ 120 و 4/ 36.
(6) هَذَا اختيار المصنف تبعاً لشيخه القاضي أبي يعلى، وفي المذهب أقوال أخرى: منها الإجزاء مَعَ الكراهة. انظر: المغني 3/ 446، وشرح الزركشي 2/ 212.(1/194)
هَدْياً إِنْ كَانَ مَعَهُ، وحَلَقَ أو قَصَّرَ جَمِيْعَ رَأْسِهِ لاَ يُجْزِيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يُجْزِيْهِ بَعْضُهُ كَالمَسْحِ (1). فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ اسْتُحِبَّ أَنْ يُمِرَّ المُوْسَ عَلَى رَأْسِهِ، والمَرْأَةُ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا قَدْرَ الأَنْمَلَةِ ولاَ تَحْلِقُ (2). والحِلاَقُ والتَّقْصِيْرُ نُسُكٌ، وَعَنْهُ: أنَّهُ إِطْلاَقٌ مِنْ مَحْظُوْرٍ (3)، فَإِنْ قَدَّمَ الحِلاَقَ عَلَى الرَّمْي أو عَلَى النَّحْرِ جَاهِلاً لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ لِذَلِكَ فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ عَالِماً بِذَلِكَ، فَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4). وإِذَا أَخَّرَ الحِلاَقَ عَنْ أَيَّامِ مِنى، فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5)، ثُمَّ يَخْطُبُ بِمِنى يَوْمَ النَّحْرِ خطبة يُعَلِّمُهُمْ فِيْهَا النَّحْرَ والإِفَاضَةَ والرَّمْيَ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ صَالِحٍ، وسَأَلَهُ ابنُ القَاسِمِ: هَلْ يُخْطَبُ يَوْمُ النَّحْرِ؟ قَالَ: يُخْطَبُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ؟ فَعَلَى هَذَا لا / 102 ظ / خُطْبَةَ في يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا.
ثُمَّ يُفِيْضُ إلى مَكَّةَ، فَيَغْتَسِلُ وَيَطُوْفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ ويُعَيْنُهُ بالنِّيَّةِ. وأَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، والمُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ وعَنْ أَيَّامِ مِنى جَازَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى مَعَ طَوَافِ القُدُومِ لَمْ يَسْعَ، وإِنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ أَتَى بالسَّعْي.
ولِلْحَجِّ تَحَلُّلاَنِ:
الأَوَّلُ: يَحْصُلُ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ ثَلاَثَةٍ، وهِيَ الرَّمْيُ والحَلْقُ والطَّوَافُ.
والثَّانِي: يَحْصُلُ بالثَّالِثِ.
إذَا قُلْنَا: الحِلاَقُ نُسُكٌ - وَهُوَ الصَّحِيْحُ -، وإنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِنُسُكٍ، حَصَلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنِ اثْنَتَيْنِ: الرَّمْي والطَّوَافِ، وحَصَلَ الثَّانِي بالآخَرِ. ويُبَاحُ لَهُ بالتَّحَلُّلِ
__________
(1) انظر: شرح الزركشي 2/ 216 - 217.
(2) نقل ابن المنذر الإجماع عَلَى هَذَا، وعلى ما قبله. انظر: الإجماع 55/ (198) و (199).
(3) انظر: الروايتين والوجهين 53/ أ، وعلى الرواية الثانية إن تركه فَلاَ شيء عليه ويحصل الحل بدونه، وعلى الأولى إن تركه عَلَيْهِ الفدية. انظر: المغني 3/ 458، وشرح الزركشي 2/ 218.
وَقَالَ الزركشي: ((ليس عند أحمد -فِيْمَا علمت- قَوْل يدل عَلَى إباحته حَتَّى يَقُوْل: إنه إطلاق محظور، بل نصوصه متوافرة عَلَى مطلوبيته، وذم تاركه، نعم ... عنه ما يدل عَلَى أنه غير واجب، قَالَ في الَّذِي يصيب أهله في العمرة: الدم كَثِيْر، وَقَالَ فيمن اعتمر وطاف وسعى وَلَمْ يقصر حَتَّى أحرم بالحج: بئس ما صنع، وليس عليه شيء. ومن هَذَا أو شبهه أخذ أنَّهُ إطلاق محظور. ومن هنا يعلم إن جزم القاضي بأنه نسك يثاب عَلَى فعله، ويذم عَلَى تركه، وإن حكاية أبي البركات الخلاف في وجوبه أجود من عبارة غيرهما أنَّهُ نسك أو إطلاق محظور)). شرح الزركشي 2/ 220.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 52/ ب.
(5) انظر: الإنصاف 4/ 40.(1/195)
الأَوَّلِ كُلُّ شَيءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ إلاَّ النِّسَاءِ، اخْتَارَهُ الخِرَقِيُّ (1) وعَامَّةُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ يُبَاحُ لَهُ كُلُّ شَيءٍ إلاَّ الوَطْأَ في الفَرْجِ (2).
ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ويَقُوْلُ: ((بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْماً نَافِعاً، ورِزْقاً وَاسِعاً، ورِيّاً وشِبْعاً، وشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، واغْسِلْ بِهِ قَلْبِي وامْلأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ (3))). ثُمَّ يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إلى مِنى ويَبِيْتُ بِهَا ثَلاَثَ لَيَالٍ إلاَّ أنْ يَخْتَارَ أنْ يتَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ، ويَرْمِي الجَمَرَاتِ الثَّلاَثَ في أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ بَعْدَ الزَّوَالِ (4)، كُلُّ جَمرَةٍ في كُلِّ يَوْمٍ بِسَبْعِ حَصَيَّاتٍ - كَمَا وَصَفْنَا في جَمْرَةِ العَقَبَةِ -، فَيَبْدَأُ بالجَمرَةِ الأُوْلَى، وَهِيَ أَبْعَدِ الجَمرَاتِ مِنْ مَكَّةَ وتَلِي مَسْجِدَ الخَيْفِ، فَيَجْعَلُهَا عَلَى يَسَارِهِ ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ ويَرْمِيْهَا، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ عَنْهَا إلى مَوْضِعٍ لاَ يُصِيْبُهُ الحَصَى، ويَقِفُ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ سُوْرَةِ البَقَرَةِ (5)، يَدْعُو اللهَ تَعَالَى. ثُمَّ يَرْمِي الجَمرَةَ الوُسْطَى ويَجْعَلُهَا عَنْ يَمِيْنِهِ، ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ ويَفْعَلُ بَعْدَ الدُّعَاءِ والوُقُوفِ كَمَا فَعَلَ في الأُوْلَى. ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبَةِ ويَجْعَلُهَا عَنْ يَمِيْنِهِ، ويَسْتَبْطِنُ الوَادِي ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ، ولاَ يَقِفُ عِنْدَهَا، والتَّرْتِيْبُ شَرْطٌ في الرَّمْي، وكَذَلِكَ عَدَدُ الحَصَى، فَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ مِنَ الأُوْلَى، لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ حَتَّى يُكْمِلَ الأُوْلَى، فَإِنْ أَخَلَّ بحصاة لاَ يَدْرِي مِنْ أَيِّ الجِمَارِ تَرَكَهَا بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ.
ومَنْ تَرَكَ الوُقُوفَ عِنْدَهَا والدُّعَاءَ، أَو أَخَّرَ الرَّمْيَ اليَوْمَ الأَوَّلَ فَرَمَاهُ في الثَّانِي، أَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ إلى آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ تَرَكَ السُّنَّةَ ولاَ شَيءَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ بالنِّيَّةِ رَمْيَ اليَوْمِ الأَوَّلِ، ثُمَّ الثَّانِي / 103 و / ثُمَّ الثَّالِثِ. وإِنْ تَرَكَ الرَّمْيَ حَتَّى مضت أَيَّامُ التَّشْرِيْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وإِنْ تَرَكَ حَصَاةً فَفِيْهَا أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ (6):
أَحَدُهَا: يَلْزَمُهُ دَمٌ.
والثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ مُدٌّ، وفي حَصَاتَيْنِ مُدَّانِ، وفي ثَلاَثَةٍ دَمٌ كَالشَّعْرِ.
والثَّالِثَةُ: يَلْزَمُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ.
والرَّابِعَةُ: لاَ شَيءَ عَلَيْهِ.
__________
(1) مختصره.
(2) انظر: المغني 3/ 462، وشرح الزركشي 2/ 217.
(3) في المغني 3/ 471: ((وحكمتك))، وفي الهادي: 69: ((وخشيتك))، وفي المقنع: 81: ((خشيتك وحكمتك)).
(4) فإن رمى قَبْلَ الزوال لَمْ يجزءه نصَّ عَلَيْهِ الإمام أَحْمَد. انظر: المغني 3/ 476.
(5) المنقول عن الإمام أَحْمَد التطويل فِي الدعاء من غَيْر تقدير وَلَمْ نقف عَلَى مَا يشابه تمثيل أَبِي الخَطَّاب فِي شيء من كَتَبَ المذهب وانظر المغني 3/ 475.
(6) انظر: الروايتين والوجهين 51/ أ - ب، والهادي: 69.(1/196)
وإِنْ تَرَكَ المَبِيْتَ لَيَالِيَ مِنى لَزِمَهُ دَمٌ، وفي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ الرِّوَايَاتُ الأَرْبَعُ.
ويَجُوْزُ لأَهْلِ سِقَايَةِ [الحَاجِّ] (1) ورُعَاةِ الإِبِلِ أَنْ يَدْعُوا المَبِيْتَ لَيَالِيَ مِنى، ويَرْمُوا في اليَوْمِ [الأَوَّلِ] (2) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ، فَإِنْ أَقَامُوا إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَ الرَّعَاةَ البيتوتة وَلَمْ يَلْزَمْ أَهْلَ السِّقَايَةِ.
ويَخْطُبُ الإِمَامُ في اليَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، ويُعَرِّفُ النَّاسَ حُكْمَ التَّعْجِيْلِ والتَّأْخِيْرِ ويُوَدِّعَهُمْ، فَمَنْ نَفَرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ دَفَنَ مَا بَقِيَ مَعَهُ مِنَ السَّبْعِيْنَ حَصَاةً المَسْنُوْنَةِ لِرَمْي الجِمَارِ، ومَنْ أَقَامَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ لَزِمَتْهُ البَيْتُوْتَةُ والرَّمْيُ مِنَ الغَدِ.
وَإِذَا نَفَرَ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الأَبْطَحَ - وَهُوَ: المُحَصَّبُ -، وَحَدُّهُ: مَا بَيْنَ الجَبَلَيْنِ إلى المَقْبَرَةِ، فَيُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ والعَصْرَ، والمَغْرِبَ والعِشَاءَ، ثُمَّ يَهْجَعُ يَسِيْراً، ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ.
ويُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَجَّ أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ حَافِياً ويُصَلِّي فِيْهِ نَفْلاً، ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ (3) فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا [إِذَا] (4) أَحَبَّ ويَتَضَلَّعُ مِنْهُ، وأَنْ يُكْثِرَ الاعْتِمَارَ والنَّظَرَ إلى البَيْتِ. وإِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ طَافَ للوَدَاعِ وَلَمْ يقم بعده، فإن أقام أعاد طواف الوداع ومن تَرَكَ طواف القدوم أَوْ طواف الزيارة فطافه عِنْدَ الخروج اجزئه عن طواف الوداع، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ ابنِ القَاسِمِ.
وَطَوَافُ الوَدَاعِ وَاجِبٌ، فَمَنْ تَرَكَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ إلاَّ الحَائِضَ، فَإنَّهَا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيءٌ (5). والقَارِنُ كَالمُفْرِدِ فِيْمَا ذَكَرْنَا، وإِذَا فَرَغَ مِنَ الوَدَاعِ وَقَفَ في المُلْتَزَمِ بَيْنَ الرُّكْنِ والبَابِ (6)، ويَقُوْل: ((اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ وابْنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ، وسَيَّرْتَنِي في بِلاَدِكَ حَتَّى بَلَغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ إلى بَيْتِكَ، وأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيْتَ عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا، وإِلاَّ فَمِنَ الآنَ
__________
(1) في الأصل: ((العباس)) وليست بشيء، وما أثبتناه من كتب المذهب.
(2) في الأصل: ((بياض موضعها))، والمثبت من كتب المذهب.
(3) في الأصل: ((زمزماً)).
(4) في الأصل: ((لما))، وما أثبتنا أوفق بالسياق.
(5) بلا نزاع، وهو مقيد بِمَا إذا لَمْ تطهر قبل مفارقة البنيان. فإن طهرت قَبْلَ مفارقة البنيان لزمها العود للوداع. وإن طهرت بعد مفارقة البنيان لَمْ يلزمها العود، وَلَوْ كَانَ قبل مسافة القصر. الإنصاف 4/ 52.
(6) قَالَ صاحب الإنصاف 4/ 52: وهذا بلا نزاع بين الأصحاب. وذكر أحمد: أنه يأتي الحطيم أيضاً - وهو تحت الميزاب - فيدعو.(1/197)
قَبْلَ أنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، هَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إِنْ أَذِنْتَ إِلَيِّ غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ ولاَ بِبَيْتِكَ وَلاَ رَاغِبٍ عَنْكَ وَلاَ عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فَاصْحِبْنِي العَافِيَةَ /104 ظ/ في بَدَنِي، والصِّحَّةَ في جِسْمِي، والعِصْمَةَ في دِيْنِي، وأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وارْزُقْنِي طَاعَتَكَ مَا أَبْقَيْتَنِي، واجمَعْ لِي خَيْرَ (1) الدُّنْيَا والآخِرَةِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيْرٌ)). ومَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الدُّعَاءِ فَحَسَنٌ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِلاَّ أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ حَائِضاً لَمْ تَدْخُلِ المَسْجِدَ، وَوَقَفَتْ عَلَى بَابِهِ فَدَعَتْ بِذَلِكَ، وتُسْتَحَبُّ المُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ.
وإِذَا فَرَغَ مِنَ الحَجِّ اسْتُحِبَّ لَهُ زَيَارَةُ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (2) وقَبْرِ صَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.
بَابُ صِفَةِ العُمْرَةِ
ومَنْ أَرَادَ العُمْرَةَ أَحْرَمَ مِنَ المِيْقَاتِ بَعْدَ أَنْ يَغْتَسِلَ ويَتَطَيَّبَ ويُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ خَرَجَ إلى أَدْنَى الحِلِّ فَأَحْرَمَ، والأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ التَّنْعِيْمِ، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ ويَنْعَقِدُ، وإِذَا أَحْرَمَ طَافَ بالبَيْتِ وسَعَى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ وحَلَقَ أو قَصَّرَ، وحُلَّ لَهُ مَا كَانَ مَحْظُوراً عَلَيْهِ. فَإِنْ فَعَلَ مِنْ مَحْظُوْرَاتِ الإِحْرَامِ شَيْئاً، قبلَ: الحِلاَقُ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحَداهُمَا: لاَ شَيءَ عَلَيْهِ.
والثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ فِدْيَةٌ (3).
وإِذَا تَرَكَ الحِلاَقَ والتَّقْصِيْرَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4). وتُجْزِئُ العُمْرَةُ الَّتِي قَرَنَهَا مَعَ حِجَّتِهِ عَنْ عُمْرَةِ الإِسْلاَمِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ تُجْزِيْهِ إلاَّ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ (5)، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وأَبِي حَفْصٍ (6).
بَابُ أَرْكَانِ الحَجِّ والعُمْرَةِ وَوَاجِبَاتِهِمَا وَسُنَنِهِمَا
أَرْكَانُ الحَجِّ أَرْبَعَةٌ: الإِحْرَامُ، والوُقُوْفُ، وطَوَافُ الزِّيَارَةِ، والسَّعْيُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: السَّعْيُ سُنَّةٌ إِذَا تَرَكَهُ لاَ شَيءَ عَلَيْهِ قَالهَ شَيْخُنَا (7).
وَقَالَ أبو الحَسَنِ التَّمِيْمِيُّ: للحَجِّ فَرْضَانِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا، رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ:
__________
(1) كَذَا في الأصل، وفي الهادي والمقنع: ((خيري)).
(2) قَالَ المرداوي: هَذَا المذهب، وعليه الأصحاب قاطبة متقدمهم ومتأخرهم. الإنصاف 4/ 53.
(3) انظر: المبدع 3/ 261.
(4) انظر: الهادي: 70.
(5) انظر: الكافي 1/ 400، والمبدع 3/ 261.
(6) انظر: الإنصاف 4/ 56، وصحّح ابن قدامة وابن مفلح الرِّوَايَة الأولى. انظر: ما سبق.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 52/ أ.(1/198)
المروذيُّ وإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ والبَغَوِيُّ وغَيْرُهُمْ، ونَقَلَ عَنْهُ ابْنَاهُ وأَبُو الحَارِثِ والفَضْلُ بنُ زِيَادٍ أنَّهُ قَالَ - فِيْمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَزَارَ البَيْتَ يَوْمَ النَّحْرِ وانْصَرَفَ وَلَمْ يَفْعَلْ غَيْرَ ذَلِكَ -: إنَّ عَلَيْهِ دَماً وحَجَّتُهُ صَحِيْحَةٌ، قَالَ: وبِهَذَا أَقُولُ.
وَوَاجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ: الإِحْرَامُ مِنَ المِيْقَاتِ، والوُقُوْفُ بِعَرَفَةَ إلى اللَّيْلِ، والمَبِيْتُ بِمُزْدَلِفَةِ إلى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ، والمَبِيْتُ بِمِنى مِنْ غَيْرِ أَهْلِ السِّقَايَةِ والرِّعَايَةِ / 105 و / والرَّمْيُ، والحِلاَقُ، وطَوَافُ الوَدَاعِ.
وسُنَنُهُ خَمْسَةُ عَشَرَ: الاغْتِسَالُ، وطَوَافُ القُدُومِ، والرَّمَلُ، والاضْطِبَاعُ في الطَّوَافِ، والسَّعْيُ، واسْتِلاَمُ الرُّكْنَيْنِ، والتَّقْبِيْلُ، والارْتِفَاعُ عَلَى الصَّفَا والمَرْوَةِ، والمَبِيْتُ بِمِنى لَيْلَةَ عَرَفَةَ، والوُقُوْفُ عَلَى المَشْعَرِ الحَرَامِ، والوُقُوفُ عَلَى الجَمَرَاتِ، والخُطَبُ والأَذْكَارُ، والإِسْرَاعُ في مَوْضِعِ الإِسْرَاعِ، والمَشْيُ في مَوْضِعِ المَشْي، ورَكْعَتَا (1) الطَّوَافِ.
وَأَرْكَانُ العُمْرَةِ: الإحْرَامُ، والطَّوَافُ، والسَّعْيُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2).
وَوَاجِبَاتُهَا: الحِلاَقُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3).
وَسُنَنُهَا: الغُسْلُ للإِحْرَامِ، والأَذْكَارُ المَشْرُوْعَةُ في الطَّوَافِ، والسَّعْيُ. ومَنْ تَرَكَ رُكْناً لَمْ يُتِمَّ نُسْكُهُ إلاَّ بِهِ، ومَنْ تَرَكَ وَاجِباً فَعَلَيْهِ دَمٌ، ومَنْ تَرَكَ سُنَّةً فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِ. ولاَ يُفْسَدُ النُّسْكُ إِلاَّ بِالوَطْيءِ في الفَرْجِ، فَأَمَّا الإِنْزَالُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ، فَهَلْ يَفْسُدُ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).
بَابُ الفَوَاتِ والإِحْصَارِ (5)
ومَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الفَجْرُ يَوْم النحر وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ فَاتَهُ الحَجُّ، ويَنْقَلِبُ إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ، فَيَطُوفُ ويَسْعَى وَيَحْلِقُ وَقَدْ تَحَلَّلَ، نَصَّ عَلَيْهِ واخْتَارَهُ الخِرَقِيُّ وأَبُو بَكْرٍ وشَيْخُنَا، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: لاَ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً (6) ولَكِنْ يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وسَعْيٍ، ويَجِبُ عَلَيْهِ
__________
(1) في الأصل: ((وركعتي)).
(2) انظر: الهادي: 70.
(3) واستظهرها ابن قدامة في الهادي: 71، وانظر: المحرر 1/ 244 - 245.
(4) الأولى: لا يفسد حجه وعليه بدنة.
الثانية: يفسد حجه. وصححها القاضي أبو يعلى. انظر: الروايتين 54/ أ.
(5) الإحصار: المنع والحبس، يقال: أَحْصَرَ الرجل حبسه، ومنه قوله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. ويحصل الإحصار إما بقوة كَانَ يمنع من قبل عدو أو جيش أو صعاليك. ويحصل بالمرض المقعد وغيرها. المعجم الوسيط: 178.
(6) انظر: الإنصاف 4/ 63.(1/199)
القَضَاءُ إنْ كَانَ حَجُّهُ فَرْضاً، وإِنْ كَانَ نَفْلاً، فَهَلْ عَلَيْهِ القَضَاءُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1)، إحَداهُمَا: يَجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ عَلَى الفَوْرِ؟ والأُخْرَى: لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، ويَلْزَمُهُ الهَدْيُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (3)، يُخْرِجُهُ - إِنْ قُلْنَا: لاَ يَجِبُ القَضَاءُ - في سَنَتِهِ، - وإِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ القَضَاءُ - أَخْرَجَهُ في سَنَةِ القَضَاءِ، والرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لاَ هَدْيَ.
وإِذَا أَخْطَأَ النَّاسُ في العَدَدِ فَوَقَفُوا في غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ، وإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لِنَفَرٍ لَمْ يُجْزِهِمْ، وحُكْمُهُمْ في القَضَاءِ حُكْمُ مَنْ فَاتَهُ الحَجُّ. ومَنْ أَحْرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيْقٌ إلى الحَجِّ، ذَبَحَ هَدْياً في مَوْضِعِ إِحْصَارِهِ وتَحَلَّلَ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ نَحْرِهِ في يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهُ، وَعَنْهُ: أنَّهُ لاَ يُجْزِيْهِ إِنْ نَحَرَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ (4)، وعَلَيْهِ إِذَا نَحَرَ أَنْ يَحْلِقَ، وَعَنْهُ: لاَ حِلاَقَ عَلَيْهِ (5)، وَهِيَ اخْتِيَارُ / 106 ظ / الخِرَقِيِّ (6). فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً صَامَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَحلَّلَ. فَإِنْ نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ الهَدْيِ والصَّوْمِ ورَفَضَ إِحْرَامَهُ لَزِمَهُ دَمٌ، وَهُوَ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَنْحَرَ الهَدْيَ أو يَصُوْمَ، فَأَمَّا مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنَ البَيْتِ وَيَصُدُّ عَنْ عَرَفَةَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لأنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ صَدَّ عَنِ البَيْتِ في جَوَازِ التَّحَلُّلِ (7)، وعَلَى مَنْ يُحَلِّلُ بالإِحْصَارِ القَضَاءُ، وَعَنْهُ: لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ (8). فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِجَّةُ الإِسْلاَمِ أونَذْرٌ فَعَلَهَا بالوُجُوْبِ السَّابِقِ، وإِنْ كَانَتْ نَفْلاً سَقَطَتْ.
وإِذَا أُحْصِرَ بِمَرَضٍ، أو ذَهَابِ نفَقَتِهِ لَمْ يَتَحَلَّلْ، بَلْ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ، فَإِنْ فَاتَهُ الحَجُّ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ (9)، وكَذَلِكَ إِذَا ضَلَّ الطَّرِيْقَ (10)، أَو أَخْطَأَ العَدَدَ. فَإِنْ شَرَطَ في ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 55/ ب.
(2) انظر: ما سبق.
(3) انظر: المغني 3/ 433 - 434.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 55/ ب.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 55/ ب.
(6) انظر: المغني 3/ 375.
(7) قَالَ صاحب الإنصاف 4/ 71: ((ولا شيء عليه، وهذا المذهب وعليه الأصحاب)). وانظر: المقنع: 83، والهادي: 71.
(8) انظر: الروايتين والوجهين 55/ أ.
(9) قَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 71: وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، ونقله الجماعة. ويحتمل أن يجوز له التحلل لِمَنْ حصره عدو. وهو رِوَايَة عَنْ أحمد. قَالَ الزركشي: ولعلها أظهر. واختاره الشَّيْخ تقي الدين.
(10) قَالَ المرداوي: وكذا من ضل الطريق. ذكره في المستوعب. وَقَالَ القاضي في التعليق: لا يتحلل. الإنصاف 4/ 71.(1/200)
أَنْ يُحَلَّ حَتَّى مَرِضَ، أَوْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ، أَوْ أَخْطَأَ الطَّرِيْقَ أَو العَدَدَ، أو أَحْصَرَهُ عَدُوٌّ أَوْ فَاتَهُ الحَجُّ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ، ولاَ شَيءَ عَلَيْهِ.
والمَحْرَمُ شَرْطٌ في حَجِّ المَرْأَةِ، وَهَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الوُجُوبِ أَو الأَدَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1). والمَحْرَمُ زَوْجُهَا، ومَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيْدِ. وأَمَّا العَبْدُ فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ، ولاَ فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ المَحْرَمِ بَيْنَ السَّفَرِ القَصِيْرِ والطويل وَعَنْهُ انه لاَ يعتبر المحرم فِي القصير (2). فَإِنْ خَرَجَتْ مَعَ المَحْرَمِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيْقِ لَمْ تَصِرْ مُحْصرَةً بِذَلِكَ ولَزِمَهَا المُضِيُّ فِي حجهَا (3). وَلَيْسَ للزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ حِجَّةِ الفَرْضِ، فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وكَذَلِكَ إذَا أَحْرَمَتْ بها بِإِذْنِهِ في حِجَّةِ التَّطَوُّعِ، أَوْ أَحْرَمَ العَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. فَإِنْ أَحْرَمَ الرَّقِيْقُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، وأَحْرَمَتِ الحُرَّةُ في النَّفْلِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، فَلَهُمَا تَحْلِيْلُهُمَا في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ (4).
ومَنْ قُلْنَا لَهُ: إنْ يَتَحَلَّلَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ. وإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَو أُعْتِقَ العَبْدُ وهُمَا بِعَرَفَةَ مُحْرِمَانِ أَجْزَأَهُمَا ذَلِكَ عنْ حِجَّةِ الإسْلاَمِ، وإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ وَقْتِ الوُقُوْفِ بِعَرَفَةَ، لَمْ يُجْزِهِمَا عَنْ حِجَّةِ الإِسْلاَمِ.
بَابُ الهَدْيِ
أَفْضَلُ الهَدَايَا الإِبِلُ، ثُمَّ البَقَرُ، ثُمَّ الغَنَمُ، والذَّكَرُ والأُنْثَى في الهَدْيِ سَوَاءٌ، ولاَ يُجْزِئُ فِيْهِ إلاَّ الجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ - وَهُوَ ما كَمُلَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ والثَّنُّي مِمَّا عدا ذَلِكَ-
__________
(1) الأولى: أن الحج لا يجب عَلَى المرأة الَّتِي لا محرم لها؛ لأنَّهُ جعلها بالمحرم كالرجل في وجوب الحج، نص عَلَيْهِ الإمام أحمد، فَقَالَ أبو داود: قُلْتُ لأحمد: امرأة موسرة لَمْ يَكُنْ لها مَحْرَمٌ، هل يجب عَلَيْهَا الحج؟ قَالَ: لا.
الثانية: أن المحرم شرط للزوم السعي دُوْنَ الوجوب، فمتى فاتها الحج بَعْدَ كمال الشرائط الخمسة بموت أو مَرض لا يرجى برؤه أخرج عَنْهَا حجة.
وعنه رِوَايَة ثالثة: أن المَحْرَم ليس بشرط في الحج الواجب.
انظر: الروايتين والوجهين 57/ أ، والمغني والشرح الكبير 3/ 190.
(2) انظر: شرح الزركشي 2/ 83.
(3) إذا مات مَحْرَم المرأة في الطريق، قَالَ أحمد: إذا تباعدت مضت فقضت الحج. قيل لَهُ: قدمت من خراسان فمات وليها ببغداد؟ فَقَالَ: تمضي إِلَى الحج. وإذا كَانَ الفرض خاصة فَهُوَ آكد. ثُمَّ قَالَ: لاَ بد لَهَا من أن ترجع؛ وهذا لأنها لاَ بد لَهَا من السفر بغير محرم، فمضيّها إِلَى قضاء حجها أولى، لَكِنْ إن كَانَ حجها تطوعاً أمكنها الإقامة فِي بلد فَهُوَ أولى من سفرها بغير محرم. المغني والشرح الكبير 3/ 194، وشرح الزركشي 2/ 85.
(4) انظر: المغني 3/ 201.(1/201)
والثَّنِيُّ مِنَ المَعْزِ /107 و/ مَا كَمَّلَ سَنَةً، ومِنَ البَقَرِ مَا كَمُلَ لَهُ سَنَتَانِ، ومِنَ الإِبِلِ مَا كَمَّلَ خَمْسَ سِنِيْنَ. ويُسَنُّ إِشْعَارُ البُدْنِ، وَهُوَ: أَنْ يَشُقَّ صَفْحَةَ سَنَامِ البَدَنَةِ الأَيْمَنِ (1) حَتَّى يَسِيْلَ الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ الهَدْيُ غَنَماً قَلَّدَهَا (2) بِنَعْلٍ، أَو آذَانِ القِرَبِ والعِرَى، وتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ (3) وَاحِدٍ، والبَدَنَةُ مِنَ الإِبِلِ والبَقَرِ عَنْ سَبْعَةٍ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أنْ يُرِيْدَ جَمِيْعُهُمْ القُرْبَةَ أو بَعْضُهُمْ، ويُرِيْدُ البَاقُوْنَ اللَّحْمَ. وأَفْضَلُ الهَدَايَا والأَضَاحِيِّ الشُّهْبُ، ثُمَّ الصُّفْرُ، ثُمَّ السُّوْدُ، والأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ فَالأَفْضَلُ أَنْ يَشْهَدَ ذَبْحَهَا. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الهَدْيِ أَنْ يَجْمَعَ فِيْهِ بَيْنَ الحِلِّ والحَرَمِ (4)، ولاَ أَنْ يُوَقفَهُ بِعَرَفَةَ، ولَكِنْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. وتَخْتَصُّ تَفْرِقَةُ لَحْمِ الهَدْيِ بالحَرَمِ، إلاَّ فِدْيَةَ الأَذَى ومَا في مَعْنَاهَا (5). ولاَ يَأْكُلُ مِنَ الدِّمَاءِ الوَاجِبَةِ إلاَّ مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ والقِرَانِ، وَعَنْهُ: يَأْكُلُ مِنَ الْجَمِيْعِ إِلاَّ مِنَ النَّذْرِ وجَزَاءِ الصَّيْدِ (6). وإِذَا نَذَرَ هَدْياً فَأَقَلُّ مَا يُجْزِيْهِ شَاةٌ، فَإِنْ نَذَرَ بَدَنَةً مُطْلَقَةً أَجْزَأَهُ بَقَرَةٌ (7)، فَإِنْ ذَبَحَ بَدَنَةً احْتَمَلَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ مِنْهَا كَمَا لا يأْكُلُ مِنَ الشَّاةِ، واحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سُبْعُهَا واجِباً، والبَاقِي يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وهَدِيَّتُهُ، فَإِنْ أَكَلَ مِمَّا مُنِعَ مِنْ أَكْلِهِ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْماً (8). فَإِنْ عَيَّنَ الهَدْيَ بِنَذْرِهِ أَجْزَأَهُ مَا عَيَّنَهُ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيْراً أَوْ كَبِيْراً، جَلِيْلاً أَو حَقِيْراً، ويَجِبُ إِيْصَالُهُ إلى فُقَرَاءِ الحَرَمِ، إلاَّ أَنْ يُعَينَهُ بِمَوْضِعٍ غَيْرِ الحَرَمِ. وإِذَا نَذَرَ هَدْياً بِعَيْنِهِ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ وإِبْدَالُهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ واخْتَارَهُ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا، وعِنْدِي: أنَّهُ يَزُوْلُ مُلْكُهُ عَنْهُ، ولاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ ولاَ إِبْدَالُهُ (9)؛ لأَنَّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - قَدْ نَصَّ في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ في الهَدْيِ إِذَا عَطِبَ في الحَرَمِ فَقَدْ أَجْزَأَهُ عَنْهُ، ونَقَلَ عَنْهُ عَلِيُّ بنُ سَعِيْدٍ في رَجُلٍ اشْتَرَى أُضْحِيَةً فَهَلَكَتْ لَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلُهَا، وكَذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا: إِذَا عَيَّنَ الهَدْيَ أَو
__________
(1) وعنه: الأيسر، وعنه: أن الهادي مخير بين الأيمن والأيسر، وما ذكره المصنف هُوَ الصحيح من المذهب. انظر: الإنصاف 4/ 101.
(2) تقليد البدنة: أن يعلّق في عنقها شيء؛ ليعلم أنها هدي. انظر: المطلع: 206.
(3) كررت في الأصل.
(4) يعني: أن يدخل الهدي من الحل إلى الحرم، بل لو اشتراه في الحرم وذبحه في الحرم أجزأه. انظر: الإنصاف 4/ 100.
(5) فإنه يفرقها في الموضع الَّذِي حلق فيه. انظر: مختصر الخرقي 1/ 63.
(6) انظر التفصيل في: المحرر 1/ 251، والإنصاف 4/ 104.
(7) ومقتضى هَذَا الكلام: أنه إن نواها بعينها لَمْ يجزه غيرها ما دام ذبحها ممكناً، وبه قَالَ القاضي أبو يعلى وأصحابه. انظر: الإنصاف 4/ 102.
(8) قَالَ المرداوي: وهذا عَلَى الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. وقطعوا بِهِ، كبيعه وإتلافه. وَقَالَ في النصيحة: يَضمنه بقيمته، كالأجنبي بلا نزاع فيه. الإنصاف 4/ 104.
(9) انظر: المقنع: 85، والمغني 3/ 562.(1/202)
الأُضْحِيَةَ فَاعْوَرَّتْ أَو عَجَفَتْ (1) يَذْبَحُهَا وتُجْزِيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ في رِوَايَةِ صَالِحٍ، وكَذَلِكَ إِذَا ذَبَحَهَا إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَجْزَأَتْ ولاَ يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ إذَا ذَبَحَهَا فَسُرِقَتْ، وَلَوْ كَانَ مُلْكُهُ مَا زَالَ وَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلُهَا في جَمِيْعِ / 108 ظ / هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَلَهُ أنْ يَرْكَبَها وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا (2)، فإن وَلَدَتْ ذُبِحَ وَلدُها مَعَهَا، وإنْ كَانَ صُوفُهَا يَضُرُّ بِهَا إِلَى وَقْتِ الذَّبْحِ جَازَ لَهُ أنْ يَجُزَّهُ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ.
ولا يُجْزِئُ في الْهَدْيِ والأُضْحِيَةِ ما فِيْهِ عَيْبٌ يَنْقُصُ بِهِ اللَّحْمُ، وَهِيَ خَمْسَةٌ:
- العَضْبَاءُ القَرْنِ والأُذُنِ: وَهِيَ ما ذَهَبَ أكْثَرُ أُذُنِهَا وَقَرْنِها، وَرُوِيَ: ما ذَهَبَ ثُلُثُ أذُنِهَا وَقَرْنِهَا (3)، وَهُوَ اخْتِيارُ أبي بَكْرٍ (4).
- فأمَّا الْجَمَّاءُ (5) فهي كَالعَضْبَاءِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابنِ حَامِدٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا: تَجُوزُ الضَحِيَةُ بِهَا بِخِلاَفِ العَضْبَاءِ (6).
- والعَوْرَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا، وَهِيَ مَا انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا وَذَهَبَتْ (7).
- والعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي (8)، وَهِيَ الهَزِيْلَةُ الَّتِي لا مُخَّ فِيْهَا.
- والعَرْجَاءُ البَيِّنُ عَرَجُهَا، فَلاَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ الغَنَمِ، والْمُشَارَكَةِ في العَلَفِ.
- والْمَرِيَضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا: وَهِيَ الْجَرْبَاءُ؛ لأنَّ الْجَرَبَ يُفْسِدُ اللَّحْمَ، وفي حَدِيْثِ عَلِيٍّ (9)
__________
(1) أي: هزلت. ودابة عجفاء، أي: هزيلة، ومنه قوله تَعَالَى عَلَى لسان العزيز: {إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ}. يوسف: 43. انظر: المعجم الوسيط: 585.
(2) بشرط أن لا يَكُوْن لها ولد، فإن كَانَ لها ولد لَمْ يشرب إلا ما فضل عَنْ حاجة الولد. انظر: المغني 3/ 563.
(3) انظر: المغني 3/ 584.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 197/ ب - 198/ أ.
(5) هِيَ الَّتِي لا قرن لها بأصل الخلقة. انظر: معجم مَتْن اللغة 1/ 574 (جمم).
(6) انظر: المغني 3/ 585، والمحرر 1/ 249.
(7) إي: ذهبت شحمة العين، وهو نقص في اللحم، فإن كانت عينها ابيضت وَلَمْ تذهب أجزأت. انظر: المغني 3/ 582 - 583.
(8) أي: لا يتكون في نقي، والنَّقْيُّ: هو مخ العظم، وهو إمارة عَلَى هزالة الحيوان وعدم تكون اللحم فيه. انظر: المعجم الوسيط: 950 (نقي).
(9) أخرجه أحمد 1/ 80 و 108 و 128 و 149، الدارمي (1958)، وأبو داود (2804)، وابن ماجه (3142)، والترمذي (1498)، والنسائي 7/ 216 و 217، وابن الجارود (906)، والطحاوي 4/ 169، والحاكم 4/ 224، والبيهقي 9/ 275، والبغوي (1121) والمزي في تهذيب الكمال 12/ 451 - 452. كلهم من حَدِيْث عَلِيّ. قال الترمذي: " حسن صحيح " لكن أعله البخاري بالوقف كما في التاريخ الكبير 4/ (2614).(1/203)
-رضي الله عنه-: ((لا يُضَحَّى بِمُقَابَلَةٍ، ولا مُدَابَرَةٍ، ولا خَرْقَاءَ، ولا شَرْقَاءَ)) (1)، وهذا نَهْيُ تَنْزيْهٍ ويُحْتَمَلُ الإِجْزَاءُ بِها؛ لأنَّ الْمُقَابَلَةَ: ما قُطِعَ شَيءٌ مِنْ مَقْدَمِ أُذُنِهَا وَبَقِيَ مُعَلَّقاً، والْمُدَابَرةَ: ما قُطِعَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ خَلْفِ أُذُنِهَا، والْخَرْقَاءَ: ما نَقَبَ الْكَيُّ أُذُنَهَا. والشَّرْقَاءَ: ما شُقَّ طَرَفُ أُذُنِهَا، ويُجْزِئُ الْخَصِيُّ.
فإنْ نَذَرَ أُضْحِيةً أو هَدْياً في ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ أو هَلَكَ في الطَّرِيقِ، فعَلَيه إِخْرَاجُ بَدَلِهِ؛ لأنَّ ذِمَّتَهُ لا تَبْرَأُ إلاَّ بإيْصَالِهِ إِلَى مستَحِقِّيْهِ وَفَارِقُ هَذَا ما عيَّنَهُ بِنَذْرِهِ؛ لأنَّهُ تَعَلُّقٌ بِالْعَيْنِ فَسَقَطَ بِتَلَفِ الْعَيْنِ ولا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ أَمَانَةٌ في يَدِهِ لِلْفُقَرَاءِ، والأَمَانَةُ إِذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيْطٍ فَلاَ ضَمَانَ كَالْوَدِيْعَةِ. وأيَّامُ النَّحْرِ ثَلاَثَةٌ: يَوْمُ العِيْدِ بَعْدَ صَلاَةِ العِيْدِ. أَو قَدَرَ الصَّلاَةِ (2)، وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، فإِنْ خَرَجَ وَقْتُ النَّحْرِ ذبحَ الوَاجِبُ قَضَاءً، وَهُوَ بِالْخيارِ في التَّطَوّعِ، فإن ذبحَ فَهُوَ صَدَقَةٌ بِلَحْمٍ لا أُضْحِية.
والسُّنَّةُ نَحْرُ الإِبِلِ قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدهَا اليُسْرَى (3)، وَهُوَ أنْ يَضْرِبَهَا بِالْحَرْبَةِ في الوَهْدَةِ الَّتِي بَيْنَ أصْلِ العُنُقِ والصَّدْرِ، ويَذْبَح البَقَرَ والغَنَمَ وإذا عَطِبَ الْهَدْيُ في الطَّريقِ نَحَرَهُ حَيْثُ عَطِبَ وَجَعَلَ (4) / 109 و / عَلَيْهِ عَلاَمَةً، وَهُوَ أنْ يَصْبُغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ وَيَضْرِبَ بِهِ صفحتهُ؛ لِيَعْرِفَهُ الفُقَرَاءُ فَيَأْخُذُوهُ، واللهُ أعلمُ بِالصَّوابِ.
بَابُ الأُضْحِيَةِ
قَالَ أَصْحَابُنَا: الأُضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وأبي داود (5)، [و] (6) عَنْهُ: أنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الغِنَى (7)؛ لأنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ؛ أنَّ لَلْوَصِيِّ أن يُضَحِّيَ عَنِ اليَتِيْمِ مِنْ مَالِهِ، فَأَجْرَاهَا مَجْرَى الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الفِطْرِ، وَلَوْ كَانَتْ تَطَوُّعاً لَمْ يجز لَلْوَصِيِّ إِخْرَاجها كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ (8). وإذا ثَبَتَ وُجُوْبُهَا؛ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرِ
__________
(1) سيفسر المصنف هَذِهِ الألفاظ ويذكر معانيها اللغوية.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 197/ب.
(3) قَالَ المرداوي في إنصافه 4/ 82: ((هَذَا المذهب، وعليه الأصحاب. ونقل حنبل: يفعل كيف شاء باركة أو قائمة)).
(4) مكررة في الأصل.
(5) انظر: مسائل أبي داود: 255.
(6) زيادة ضرورية لاستقامة النص.
(7) انظر: شرح الزركشي 4/ 292 - 293.
(8) وهذا التخريج لَمْ يوافقه عَلَيْهِ أبو مُحَمَّد ابن قدامة، فرأى أن هَذَا النص من الإمام أحمد يخرج عَلَى سبيل التوسعة في يوم العيد، لا عَلَى سبيل الإيجاب.
انظر: المغني 11/ 95، وشرح الزركشي 4/ 292 - 293.(1/204)
والْمُسَافِرِ والصَّغِيرِ والكَبِيْرِ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ، ويجزي فِيْهَا مِنْ بَهِيْمَةِ الأَنْعَامِ ما يجزي في الهَدْيِ، ويمنعُ مِنَ العُيُوْبِ ما يمنعُ مِنَ الهَدْيِ. وَوَقْتُهَا والأفْضَلُ فِيْهَا وَجَمِيْعُ أَحْكَامِهَا كَالْهَدْيِ سَواء، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ.
والْمَشْرُوعُ فِيْهَا: أنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا الثُلُثَ، وَيَهْدِيَ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ - إنْ قُلْنَا: هِيَ سُنَّةٌ - (1)، وإن [قُلْنَا (2): أَنَّهَا] وَاجِبَةٌ احْتَمَلَ أنْ يَأْكُلَ مِنْهَا كَمَا قُلْنَا في دَمِ التَّمَتُّعِ والقُرْآن (3)، واحْتَمَلَ أنْ لا يَأْكُلَ كَمَا لَوْ نَذَرَ هَدْياً (4)، فإنْ أكَلَهَا كُلَّهَا ضَمِنَهَا بِقدرِ الْمَشْرُوعِ لِلصَّدَقَةِ، وَقِيْلَ: يَضْمنُ أَقَلَّ ما يَجْزِي في الصَّدَقَةِ مِنْهَا. فإنْ نَذَرَ أُضْحِيَةً مُعَيَّنَةً فَتَلِفَتْ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وإنْ أتْلَفَهَا ضَمِنَهَا بأكْثَرِ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيْمَتِهَا أو أُضْحِيَةٍ مِثْلِهَا، فإنْ زَادَتْ القِيْمَةُ عَلَى مِثْلِهَا اشْتَرَى بِالفَضْلِ شَاةً، فإنْ لَمْ تَبْلُغْ قَيْمَة شَاةٍ اشْتَرَى سَهْماً في بَدَنَةٍ، فإنْ لَمْ يتَّسِعْ اشْتَرى لَحْماً وَتَصَدَّقَ بِهِ، وَقِيْلَ: يحتملُ أنْ يَتَصَدَّقَ بِالفَضْلِ، وَكَذَلِكَ في الْهَدْيِ.
ولا يَتَعَيَّنُ إلاَّ أنْ يَقُولَ هَذِهِ أُضْحِيةٌ، فإنْ نَوَى في حالِ الشِّرِاءِ أنَّهَا أُضْحِيَة مِنْ غَيْرِ قَوْل لَمْ تكُنْ أُضْحِيَةً بِذَلِكَ، وكَذَلِكَ الْهَدْيُ، ويحْتملُ أنْ يَتَعَيَّنَ بِالنِّيَّةِ. وإذا ذُبِحَتْ أُضْحِيَتُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، ولا ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ. وَيَجُوْزُ أنْ يَذْبَحَ الْهَدْيَ والأُضْحِيَةَ كِتَابِيٌّ، وَعَنْهُ: أنَّهُ لا يَجُوْزُ ذَلِكَ (5).
ويَجُوزُ النَّحْرُ في لَيْلَتَي يَوْمَي (6) التَّشْرِيقِ الأَوَّلَيْنِ (7). ولا يَجُوْزُ بَيْعُ جُلُودِ الْهَدَايَا
__________
(1) انظر: المحرر في الفقه 1/ 251. وَقَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 105: ((هَذَا المذهب نص عَلَيْهِ جماهير الأصحاب. وقطع بِهِ كَثِيْر مِنْهُمْ. وَقَالَ أبو بكر يجب إخراج الثلث هدية. والثلث الآخر صدقة. نقله عَنْهُ ابن الزاغوني في الواضح، وغيره وأطلقهما فِيْهِ)).
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) عَلَى الصَّحِيْح من المذهب، صححه في المستوعب، والفروع والفائق وغيرهم. ونصره ابن قدامة وشارح المقنع وغيرهما. انظر: الإنصاف 4/ 106.
(4) قدمه في الرعايتين، وأطلقهما في الهداية، والمذهب ومسبوك الذهب، والتلخيص، والحاويين، والزركشي وغيرهم.
قَالَ المرداوي: ((فعلى المذهب: لَهُ أكل الثلث صرح بِهِ في الرعاية، وَهُوَ ظاهر كلام جَمَاعَة. وقطع في الهداية والمذهب، ومسبوك الذهب، والمستوعب، والتلخيص وغيرهم أنَّهُ يأكل كَمَا يأكل من دم التمتع والقرآن)). الإنصاف 4/ 106.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 198/ب.
(6) في الأصل: ((يوم))، وما أثبت لاستقامة النص.
(7) هَذَا اختيار أبي بكر والقاضي أبي يعلى وأصحابه وغيرهم؛ جواز التضحية في الليل، واختار الخرقي عدم الجواز. انظر: شرح الزركشي 4/ 310 - 311.(1/205)
والأضَاحِيِّ ولا جُلاَلِهَا، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ. ويُكْرَهُ /110 ظ/ لِمَنْ أَرَادَ أنْ يُضَحِّيَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أنْ يُقَلِّمَ ظُفْرَهُ أو يَحْلِقَ شَعْرَهُ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يحرمُ عَلَيْهِ جَمِيْع ذَلِكَ (1).
بَابُ العَقِيْقَةِ
وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابنَا، ويحتملُ كلام أَحْمَدَ - رضي الله عنه - وُجُوبهَا؛ لأنَّهُ قَالَ في رِوَايَةِ إِسْمَاعِيْلَ بْنِ سَعِيْدٍ فَيْمَنْ يُخْبِرُهُ وَالِدُهُ أنَّهُ لَمْ يَعِقَّ عَنْهُ، هَلْ يَعِقُّ عَنْ نَفْسِهِ؟ قَالَ: ذَلِكَ عَلَى الْوَالِدِ. وَلَفْظُهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي الوُجُوب. وَقَالَ في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: أَرْجُو أنْ تُجْزِيَ الأُضْحِيَةُ عَنِ العَقِيْقَةِ إنْ لَمْ يَعُقَّ، وَظَاهِرُ الأَجْزَاءِ تُسْتَعْمَلُ في الوُجُوبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ ذَكَرَهُ في " التَّنْبِيْهِ " (2).
إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فالْمَشْرُوعُ أنْ يَنْحَرَ عَنِ الغُلاَمِ شَاتَيْنِ، وعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةً، يومَ سَابِعِهِ، وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ وَيُسَمَّى، فإِنْ فَاتَ فَفِي أرْبَعَةَ عَشَرَ، فإِنْ فَاتَ فَفِي إحْدَى وَعِشْرِيْنَ. ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِعَهَا أَعْضَاءً وَيَتَصَدَّقَ بِهَا، ولا يَكْسِر لَها عَظْماً. وحُكْمُهَا حُكْمُ الأُضْحِيَةِ، إلاَّ أنَّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - قَالَ: يَجُوْزُ بَيْعُ جُلُوْدِهَا وَسَوَاقِطِهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ، بِخِلافِ ما قَالَ في الأُضْحِيَةِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ ينقلَ حُكْمَ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَى الأُخْرَى فَيَكُونَ في الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَانِ (3).
وأما العَتِيْرَةُ: وَهِيَ شَاةٌ كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَذْبَحُهَا في العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ لِلأَصْنَامِ والفَرَعَةُ: وَهِيَ نَحْرُ أَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ النَّاقَةُ، فَغَيْرُ مَسْنُونٍ لأنَّ أبا هُرَيْرَةَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: ((لا فَرَعَةَ ولا عَتِيْرَةَ)) (4).
__________
(1) انظر: الإنصاف 4/ 109.
(2) انظر: شرح الزركشي 4/ 315 - 316.
(3) انظر: الإنصاف 4/ 117.
(4) أخرجه الطيالسي (2298) و (2307)، وعبد الرزاق (7998)، والحميدي (1095)، وابن أبي شيية (24287)، وأحمد 2/ 229 و239 و279 و409 و490، والدارمي (1970)، والبخاري 7/ 110 (5473) و (5474)، ومسلم 6/ 83 (1976) (38)، وأبو داود (2831)، وابن ماجه (3168)، والترمذي (1512)، والنسائي 7/ 167، وابن الجارود (913)، وأبو يعلى (5879) و (1061) و (1062)، وابن حبان (5890)، والدارقطني 4/ 304، والبيهقي 9/ 313، والبغوي (1129).(1/206)
كِتَابُ الْجِهَادِ
الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ قَوْمٌ سَقَطَ عَنِ البَاقِيْنَ، ولا يَجِبُ إلاَّ عَلَى ذَكَرٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُسْتَطِيْعٍ (1)، فأمَّا الْمَرْأةُ والعَبْدُ والصَّبِيُّ والفَقِيْرُ وَمَنْ لا يَجِدُ ما يَحْمِلُهُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِهَادِ مَسَافَةٌ تُقْصَرُ فِيْهَا الصَّلاَةُ، والأعْرَجُ والْمَرِيْضُ؛ فَلاَ جِهَادَ عَلَيْهِمْ. وأَفْضَلُ مَا تطوع بِهِ الْجِهَادُ (2).
ويُسْتَحَبُّ الإكْثَارُ مِنْهُ مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وأقلُّ ما يُفَعَلُ مَرَّةً في كُلِّ عَامٍ، إِلاَّ أنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَى تَأْخِيْرِهِ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِيْنَ. وَغَزْوُ البَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَزْوِ البَرِّ. وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ منْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أن يَنْصَرِفَ عَنْ كَافِرَيْنِ، ولا لِلْمِئَةِ أنْ يَنْصَرِفُوا عَنِ الْمِئَتَيْنِ /111 و/ إلاَّ أنْ يَنْحَرِفُوا عَنْ ضِيقٍ إِلَى سَعَةٍ، أو عَنْ عَطَشٍ إِلَى مَاءٍ، أو عَنِ اسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ والرِّيْحِ إِلَى اسْتِدْبَارِ ذَلِكَ، أو يَتَحَيَّزُوا إِلَى فِئَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ لِيَلْتَفُّوا مَعَهُمْ. فإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أكبَرَ مِنْ ضِعْفَي الْمُسْلِمِيْنَ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسْلِمِيْنَ الظَّفَرُ فَالأَوْلَى أنْ يَثْبُتُوا، وإنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِم الْهَلاكُ فَالأَوْلَى أنْ يَنْصَرِفُوا، فإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِم الأَسْرُ مَتَى انْهَزَمُوا فالأَوْلَى أنْ يَثْبُتُوا، وَظَاهِرُ قَوْلِ الخِرَقِيِّ: يلزمهم أنْ يَثْبُتُوا وإِنْ قُتِلُوا. فإِنْ طَرَحَ الْمُشْرِكُونَ نَاراً في سَفِيْنَةٍ فِيْهَا مُسْلِمُونَ، فما غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ السَّلامَةُ فِيْهِ لَزِمَهُمْ فِعْلُهُ، فَإنْ شَكُّوا هَل السَّلاَمَة في مُقَامِهِمْ في السَّفِيْنَةِ أو في الوُقُوْعِ في الْمَاءِ؟ فَهُمْ بِالْخِيارِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: يلزمهم الْمُقَامُ (3).
وإذا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِماً لَمْ يَتَطَوَّعْ بِالْجِهَادِ إلاَّ بإذنِهِ، فإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ جَازَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ، وكَذَلِكَ كُلُّ فَرِيْضَةٍ. وَلاَ يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلاَّ يإذْنِ غَرِيْمِهِ إلاَّ أنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ
__________
(1) هَذَا شرط في الوجوب عَلَى الصَّحِيْح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وَعَنْهُ يلزم العاجز ببدنه في ماله اختاره الآجري، والشيخ تقي الدين وجزم بِهِ الْقَاضِي في أحكام القرآن في سورة براءة. فعلى المذهب لاَ يلزم ضعيفاً، ولا مريضاً مرضاً شديداً. أما المرض اليسير الَّذِي لا يمنع الْجِهَاد كوجع الضرس، والصداع الخفيف فَلاَ يمنع الوجوب. ولا يلزم الأعمى ويلزم الأعور بلا نزاع، وكذا الأعشى. وَهُوَ الَّذِي يبصر بالنهار ولا يلزم أشل، ولا أقطع اليد أو الرجل، ولا من أكثر أصابعه ذاهبة أو إبهامه، أو ما يذهب بذهابه نفع اليد أو الرجل. ولا يلزم الأعرج. وَقَالَ المصنف والشارح: والعرج اليسير الَّذِي يتمكن مَعَهُ من الركوب والمشي، وإنما يتعذر عَلَيْهِ شدة العدو: لا يمنع. انظر: الإنصاف 4/ 115.
(2) هَذَا المذهب أطلقه الإمام أحمد والأصحاب. الإنصاف 4/ 118.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 189/ب، والإنصاف 4/ 125.(1/207)
الْجِهَادُ. وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ لاَ يَقْدِرْ عَلَى إظْهَارِ دِيْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدِرَ عَلَى إظْهَارِ دِيْنِهِ. وَيُسْتَحَبُّ الرِّبَاطُ وَهُوَ أنْ يُقِيْمَ بالثَّغْرِ تَقَوياً لِلْمُسْلِمِيْنَ عَلَى الكُفَّارِ، وأقَلُّهُ سَاعَةٌ وتَمَامُهُ أَرْبَعونَ يَوماً، وأفْضَلُهُ الْمُقَامُ بِأشَدِّ الثُغُورِ خَوفاً، ولا يُسْتَحَبُّ نَقْلُ أَهْلِهِ إِلَى الثَّغْرِ، والْمُرَابَطَةُ أفْضَلُ مِنَ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ، والصَّلاَةُ بِمَكَّةَ أفْضَلُ مِنَ الصَّلاةِ بالثَّغْرِ. ويُسْتَحَبُّ تَشْييعُ الغَازِي، ولا يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُهُ.
بَابُ ما يلزم الإمَامَ وما يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ
يلزمُ الإمامَ عِنْدَ تَسْيِيْرِ الْجَيْشِ لِلْغَزْوِ أنْ يَتَعَاهَدَ الرِّجَالَ والْخَيْلَ (1)، فَمَنْ
لا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ، ولا يَأْذَنُ لِمَخْذُولٍ (2) أو مُرْجِفٍ (3) بالْمُسْلِمِيْنَ أنْ يدْخلَ مَعَهُ، ولا يدْخِلُ مَعَهُ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ الطَّاعِنَةِ في السِّنِّ لِسَقِي الْمَاءِ ومُعَالَجَةِ الْجَرْحَى، ولا يَسْتَعِيْنُ بِمُشْرِكٍ إلاَّ أنْ تَدْعُوَ الْحَاَجَةُ إِلَيْهِ، ويُكَلِّفُهُمْ مِنَ السَّيْرِ ما يَقْدرُ عَلَيْهِ ضَعِيْفُهُمْ ولا يَسْبِقُ عَلَى قَوِيِّهِمْ، ويُرَاعِي مَنْ مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ وَهُمْ أهْلُ دِيْوَانِهِ ومُتَطَوِّعِيْهِ، فَيَرْزُقُهُمْ مِنْ مَالِ الفَيْءِ والصَّدَقَاتِ كُلُّ واحِدٍ بِحَسْبِ حَاجَتِهِ /112 ظ/ ويُعَرِّفُ عَلَيْهِمُ العُرَفَاءَ، ويَجْعَلُ لِكِلِّ طَائِفَةٍ شِعَاراً يَتَدَاعُونَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ، ولا يَمِيلُ مَعَ أقْرِبَائِهِ وَمُوَافِقِيْهِ عَلَى مَذْهَبِهِ عَلَى مُخَالِفِيهِ في الْمَذْهَبِ ومُبَايِنِيْهِ في النَّسَبِ، وَيَتَخَيَّرُ لَهُم من الْمَنَازِلَ أوْطَأَهَا وأَكْثَرَهَا مَاءً وَمَرْعًى، ويتبع مَكَامِنَهَا فَيَحْفَظَهَا عَلَيْهِمْ لِيَأْمَنُوا ويعدُّ لَهُمُ الزَّادَ، ويُقَوِّي نُفُوسَهُمْ بِمَا يخيل إليهِمْ مِنْ أسْبَابِ النَّصْرِ والظَّفَرِ، وَيَعِدُ ذا الصَّبْرِ مِنْهُمْ بِالأجْرِ والنَّفْلِ، ويُشَاوِرُ ذَا الرَّأيِ مِنْهُمْ، ويَأخُذُ جَيْشَهُ بِمَا أوْجَبَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ، ويَمْنَعُهُم مِنَ التَّشَاغُلِ بِالتِّجَارَةِ، ويُدْلِي العُيُونَ عَلَى العَدُوِّ حَتَّى لا يَخْفَى عَلَيْهِ أمْرُهُمْ، ويَصُفُّ جَيْشَهُ، ويَجْعَلُ في كُلِّ جَنْبَةٍ مَنْ يَكُوْنُ كُفْأً، ولا يُقَاتِلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَيْهِ الدِّيْنَ. ويُقَاتِلُ أهْلَ الكِتَابِ والْمَجُوسَ حَتَّى يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ. ويُقَاتِلُ بَقِيَّةَ الكُفَّارِ حَتَّى يُسْلِمُوا في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. ويُرَتِّبَ في كُلِّ ثَغْرٍ أمِيْراً مَعَهُ مَنْ فِيْهِ كِفَايَةٌ لِلْعَدوِّ، ويَبْدَأُ بالأَهَمِّ فَالأَهَمِّ.
__________
(1) هَذَا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع بِهِ أكثرهم. وَقِيْلَ: يستحب. الإنصاف 4/ 142.
(2) كَذَا في الأصل وعبارة غيره من الكتب ((المخذل)). والمخذل: هُوَ الَّذِي يُقَعِّد غيره عن الغزو.
(3) المرجف: هُوَ الَّذِي يحدث بقوة الكفار وكثرتهم وضعف غيرهم.
ويمنع أَيْضاً من يكاتب باخبار المسلمين، ومن يرمي بَيْنَهُمْ بالفتن، ومن هُوَ معروف بنفاق وزندقة. ويمنع أَيْضاً الصبي، عَلَى الصَّحِيْح من المذهب. ذكره جَمَاعَة. وقدمه في الفروع.
وَقَالَ في المغني، والكافي، والبلغة، والشرح والرعاية الكبرى، وغيرهم يمنع الطفل. زاد صاحب المقنع وشارحه: ويجوز أن يأذن لِمَنْ اشتد من الصبيان. الإنصاف 4/ 142.(1/208)
ويُسْتَحَبُّ لَهُ عَقْدُ الأَلْوِيَةِ والرَّايَاتِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ في ألْوَانِهَا (1)، ويُقَاتِلُ كُلُّ قَوْمٍ مَنْ يَلِيْهِمْ مِنَ الكُفَّارِ، ولا يَقْتُلُ امرَأةً ولا راهِباً ولا شَيْخاً ولا زَمِناً ولا أعْمى لا رَأْيَ لَهُمْ إلاَّ أنْ يُحَارِبُوا. ويَجُوزُ لَهُ تَبْيِيْتُ الكُفَّارِ، ورَمْيُهُمْ بِالْمِنْجَنِيقِ، وقَطْعُ الْمِياهِ عَنْهُمْ، فأَمَّا رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ وفَتْحُ البُثُوقِ (2) عَلَيْهِمْ لِيُغْرِقَهُمْ، وَهَدْمُ حُصُونِهِمْ وبُيُوتِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَقَطْعُ نَخِيْلِهِمْ وأشْجَارِهِمْ فَيَجُوزُ بأَحَدِ شَرْطَيْن: إمَّا أنْ لا يَقْدِرَ عَلَيْهِمْ إلاَّ بِذَلِكَ، أو أن يَكُوْنُوا يَفْعَلُوا بِنَا مِثلَ ذَلِكَ إذَا قَدرُوا علينا.
وإذا تَتَرَّسُوا بِنِسَائِهِمْ وصِبْيَانِهِمْ جَازَ رَمْيُهُمْ ويُقْصَدُ الْمُقَاتِلةُ، وإنْ تَتَرَّسُوا بأُسَارَى الْمُسْلِمِيْنَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ، إلاَّ أنْ يُخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِيْنَ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ ولا يُقْصَدُ الْمُسْلِمِيْنَ. فإنْ أَصَابَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ، وفي الدِيَّةِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّامِي رِوَايَتَانِ (3). فإذَا حَاصَرَ الإمَامُ حِصْناً فامْتَنَعَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ مُصَابَرَتَهُ ما أمْكَنَ، ولا يَنْصَرِفُ إلاَّ بِخِصْلَةٍ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: إمَّا أنْ يُسْلِمُوا فَيُحَرِّزُوا بالإِسْلامِ دِمَاءَ هُمْ وأَمْوَالَهُمْ، وإمَّا أنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ (4) ذَكَراً حُرّاً مُسْلِماً مِنْ أهْلِ الاجْتِهَادِ، ولا يَحْكُمُ إلا بِمَا فِيْهِ حَظٌّ لِلْمُسْلِمِيْنَ مِنَ الأسْرِ والقَتْلِ والاسْتِرْقَاقِ والفِدَاءِ، فإنْ حَكَمَ بالْمَنِّ فأبَى الإمَامُ / 113 و / فَقَالَ شَيْخُنَا: يَلْزَمُ حُكْمُهُ، وعِنْدِي لا يَلْزَمُ حُكْمُهُ (5). وإنْ حَكَمَ بِالقَتْلِ والسَّبْيِ فأسْلَمُوا، عَصَمُوا دِمَاءهُمْ وَلَمْ يَعْصِمُوا أَمْوَالَهُمْ، وهَلْ يُسْتَرَقُونَ؟ قَالَ شَيْخُنَا: لا يُسْتَرَقُونَ، ويُحْتَمَلُ أَنْه يَجُوْزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ كَمَا لَوْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الأَسْرِ (6). وإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا فَرَأَى الإِمَامُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ جَازَ.
وإِمَّا أَنْ يَبْذِلُوا مَالاً عَلَى المُوَادَعَةِ فَيَجُوزُ قَبُوْلُهُ مِنْهُم، سَوَاءٌ أَعْطَوهُ جُمْلَةً أو جَعَلُوهُ جِزْيَةً وخَرَاجاً مُسْتَمِرّاً يُؤْخَذُ كُلَّ سَنَةٍ، أو أَنْ يَسْأَلُوا (7) المُهَادَنَةَ مِنْ غَيْرِ مَالٍ إلى أَجَلٍ، فَقِيْلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَقِيْلَ: لا يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يَعْجُزَ عَنْهُمْ ويَسْتَضِرَّ بالمقَامِ (8)، ويَجُوزُ للإِمَامِ أَنْ يَبْذُلَ جُعْلاً لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى قَلْعَةٍ أو مَالٍ أو طَرِيْقٍ سَهْلٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ بَيْتِ المَالِ
__________
(1) يستحب في الألوية أن تَكُوْن بيضاء؛ لأن الملائكة إِذَا نزلت بالنصر مسومة بِهَا. وَقِيْلَ: يعقد لهم الألوية والرايات بأي لون شاء. انظر: الإنصاف 4/ 144.
(2) بثق السيل موضع كَذَا يبثق بثقاً وبثقاً، أي خرقه وشقه، فانبثق أي: انفجر. الصحاح 4/ 1448 (بثق).
(3) الروايتين والوجهين 184/ب.
(4) أي: الحَاكِم الَّذِي يحكم فيهم.
(5) انظر: الإنصاف 4/ 140.
(6) انظر: الإنصاف 4/ 141.
(7) في الأصل: ((يسألون)).
(8) انظر: كشاف القناع 3/ 58.(1/209)
لَمْ يَكُنْ إلاَّ مَعْلُوماً، وإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ المُشْرِكِيْنَ جَازَ مَجْهُولاً، ويَسْتَحِقُّهُ إِذَا فُتِحَتِ القَلْعَةُ، فَإِنْ كَانَ الجُعْلُ جَارِيَةً وَجَبَ تَسْلِيْمُهَا إِلَيْهِ إِنْ فُتِحَتِ القَلْعَةُ عَنْواً، إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ الجَارِيَةُ قَدْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الفَتْحِ فَلَهُ قِيْمَتُهَا، فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الفَتْحِ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسْلِماً، وإِنْ كَانَ مُشْرِكاً فَلَهُ قِيْمَتُهَا. فَإِنْ كَانَ الفَتْحُ صُلْحاً وامْتَنَعَ صَاحِبُ القَلْعَةِ مِنْ تَسْلِيْمِ الجَارِيَةِ وامْتَنَعَ مُسْتَحِقُّ الجُعْلِ مِنْ أَخْذِ قِيْمَتِهَا فَسَخَ الصُّلْحَ. فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ الفَتْحِ فَلاَ شَيءَ لَهُ.
والإِمَامُ مُخَيَّرٌ في الأَسْرَى مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ والمَجُوْسِ بَيْنَ القَتْلِ والاسْتِرْقَاقِ والفِدَاءِ والمَنِّ. وأمَّا بَقِيَّةُ الكُفَّارِ فَيُخَيِّرُهُ بَيْنَ القَتْلِ والمَنِّ والفِدَاءِ، وفي الاسْتِرْقَاقِ رِوَايَتَانِ (1). ولاَ يَخْتَارُ إِلاَّ الأَصْلَحَ للإِسْلاَمِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الأَسَارَى رُقُّوا في الحَالِ ويَسْقُطُ التَّخْيِيْرُ، فَإِنْ فَادُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَالٍ فَهُوَ غَنِيْمَةٌ، وأَمَّا النِّسَاءُ والصِّبْيَانُ فَيُصَيَّرُوْنَ رَقِيْقاً بِنَفْسِ السَّبْيِ، ويَتْبَعُ الطِّفْلُ لِسَابِيْهِ في الإٍسْلاَمِ، فَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ تَبَعَهُ، وَعَنْهُ: يَكُوْنُ تَبَعاً لِسَابِيْهِ أَيْضاً.
ولاَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا واسْتُرِقَّ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يَنفسِخُ النِّكَاحُ، وعِنْدِي: لاَ يَنْفَسِخُ (2). ومَنْ صَارَ رَقِيْقاً لِلْمُسْلِمِيْنَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ، ويُحْتَمَلُ جَوَازُ بَيْعِهِ (3). ولاَ يَجُوْزُ أَنْ يُفَادِى بِالسَّبْيِ عَلَى مَالٍ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (4)، والآخَرِ: يَجُوزُ. وَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ.
وإِذَا اسْتَرَقَّ الإِمَامُ قَوْماً ثُمَّ أَعْتَقَهُمْ، فَأَقَرَّ بَعْضَهُمْ بِنَسَبِ بَعْضٍ لَمْ يُقْبَلْ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ /114 ظ/ فَإِنْ هَادَنَ أَهْلَ بَلَدٍ فَسَبَاهُمْ الكُفَّارُ لَمْ يَكُنْ للمُسْلِمِيْنَ شِرَاؤُهُمْ. وإِذَا قَالَ الإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئاً فَهُوَ لَهُ، أو فَضَّلَ بَعْضَ الغَانِمِيْنَ عَلَى بَعْضٍ لَمْ يَجُزْ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (5)، والأُخْرَى: يَجُوزُ.
وَسَلَبُ (6) المَقْتُولِ لِقَاتِلِهِ غَيْرُ مَخْمُوسٍ إِذَا شَرَطَهُ الإِمَامُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ لَمْ يَسْتَحِقُّهُ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 184/ أ.
(2) فرقت المصادر التي بين يدينا بين حالتين هما:
- ما لَوْ سبي الرجل وحده، فالصحيح من المذهب أن عقد النكاح لا ينفسخ، وحكي الفسخ عن أبي الخطاب وشيخهِ أَبُو يعلى، قَالَ المرداوي ولعل أبا الخَطَّاب، اختاره في غير الهداية)).
- ما لَوْ سبيت المرأة وحدها، فالصحيح من المذهب أن العقد ينفسخ، وَقَالَ أبو الخطاب: لا ينفسخ. انظر: الإنصاف 4/ 136.
(3) انظر: الإنصاف 4/ 136 - 137.
(4) انظر: الكافي 4/ 272.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 189/ أ.
(6) السَّلَبُ: هُوَ ما يكون عَلَى المقاتل من ثياب وسلاح ودابة وغيرها. انظر: تاج العروس 3/ 70، وسيُعَرِّف بِهِ المصنف بعد قليل.(1/210)
في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، والأُخْرَى: يَسْتَحِقُّهُ بِأَرْبَعَةِ شَرَائِطَ:
1 - أَنْ يَكُوْنَ الكَافِرُ مُنْهَمِكاً عَلَى القِتَالِ.
2 - غَيْرَ مُثَخَّنٍ بالجِرَاحِ.
3 - ويُغَرِّرُ المُسْلِمُ بِنَفْسِهِ في قَتْلِهِ.
4 - والحَرْبُ قَائِمَةٌ.
وَهُوَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ.
فَإِنِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ في قَتْلِهِ فَقَدْ نَصَّ في رِوَايَةِ حَرْبٍ (2): أنَّ سَلَبَهُ في الغَنِيْمَةِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَشْتَرِكَانِ في سَلَبِهِ. فَإِنْ قَطَعَ أَحُدُهُمَا أَرْبَعَتَهُ، وقَتَلَهُ الآخَرُ، فالسَّلَبُ لِلْقَاطِعِ. فَإِنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ ورِجْلَهُ، وقَتَلَهُ الآخَرُ، فَسَلَبُهُ في الغَنِيْمَةِ (3)، وَقِيْلَ: سَلَبُهُ للقَاتِلِ. فَإِنْ سَلَبَهُ مُسْلِمٌ وقَتَلَهُ الإِمَامُ صَبْراً (4) فَسَلَبُهُ غَنِيْمَةٌ، وَقِيْلَ: لِمَنْ أَسَرَهُ. والسَّلَبُ: مَا كَانَ عَلَيْهِ في حَالِ القِتَالِ مِنْ ثِيَابٍ وسِلاَحٍ وحِلْيَةٍ، فَأَمَّا فَرَسُهُ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (5).
وأمَّا نَفَقَتُهُ ورَحْلُهُ وخَيْمَتُهُ فَغَنِيْمَةٌ، وَلِلإِمَامِ وخَلِيْفَتِهِ أَنْ يَنْفُلَ في بَدْأَتِهِ الرُّبْعَ بَعْدَ الخُمْسِ، وفي رَجْعَتِهِ الثُّلُثَ بَعْدَ الخُمْسِ، ومَعْنَى ذَلِكَ: أَنْ يُقَدِّمَ الإِمَامُ بَيْنَ يَدَي الجَيْشِ سَرِيَّةً تُغَارُ عَلَى العَدُوِّ، ويَجْعَلَ لَهُمُ الرُّبُعَ، وكَذَلِكَ إِذَا رَجَعَ ينْفُذُ سَرِيَّةً تَغَارُ عَلَى العَدُوِّ وتَلْحَقُهُ ويَجْعَلَ لهَا الثُّلُثَ مِمَّا أَتَتْ بِهِ السَّرِيَّةُ، أَخْرَجَ خُمْسَهُ ثُمَّ دَفَعَ إلى السَّرِيَّةِ مَا جَعَلَ لَهُمْ، وقَسَمَ البَاقِيَ في الجَيْشِ كُلِّهِ والسَّرِيَّةِ مَعَهُ. ومَا فَعَلَهُ المُسْلِمُونَ في دَارِ الحَرْبِ مِمَّا يُوْجِبُ الحُدُوْدَ، فَحُكْمُهُ لاَزِمٌ لَهُمْ، إلاَّ أَنَّ الإِمَامَ لاَ يَسْتَوْفِيْهِ حَتَّى يَرْجِعُوا إلى دَارِ الإسْلاَمِ.
بَابُ مَا يَلْزَمُ الجَيْشَ مِنْ طَاعَةِ الإِمَامِ
يَلْزَمُ الجَيْشَ طَاعَةُ الأَمِيْرِ عَلَيْهِمْ، وامْتِثَالُ أَمْرِهِ، واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ، وتَفْوِيْضُ الأَمْرِ إلى رَأْيِهِ وتَدْبِيْرِهِ، والمُنَاصَحَةُ لَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ صَوَابٌ خَفِيَ عَنْهُ بَيَّنُوهُ لَهُ وأَشَارُوا
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 99/ ب.
(2) الروايتين والوجهين 100/ أ.
(3) هَذَا المذهب نص عليه، وعليه جمهور الأصحاب وجزم بِهِ في الوجيز وغيره، وقدمه في الفروع، والمحرر والرعايتين، والحاويين، وغيرهم.
قَالَ الزركشي: المنصوص أنه غنيمة. وقيل: هُوَ للقاتل، وقيل: هُوَ للقاطع، وأطلقهن الزركشي. المصدر السابق.
(4) القتل صبراً: أن يُحبس الإنسان حياً ويُرْمَى بشيء حَتَّى يموت. انظر: تاج العروس 12/ 271 (صبر).
(5) انظر: شرح الزركشي 4/ 156.(1/211)
عَلَيْهِ بِهِ، والرِّضَا بِقِسْمَتِهِ لِلْغَنَائِمِ وتَعْدِيْلِهِ، والصَّبْرُ مَعَهُ عِنْدَ اللِّقَاءِ.
وإِذَا دَخَلُوا أَرْضَ العَدُوِّ لَمْ يَجُزْ لأَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّفَ، ولاَ يَحْتَطِبَ، ولاَ يُبَارِزَ عِلْجاً، ولاَ يَخْرُجُ مِنَ المُعَسْكَرِ ولاَ يُحْدِثُ حَدَثاً، إِلاَّ (1) / 115 و / بِإِذْنِهِ. وإِذَا دعا المُشْرِكُونَ إلى المُبَارَزَةِ اسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الشِّدَّةَ والشَّجَاعَةَ المُبَارَزَةَ، ولاَ يَجُوزُ إلاَّ بِإِذْنِ الأَمِيْرِ (2) فَإِنْ شَرَطَ المُشْرِكُ أَنْ لاَ يُقَاتِلَهُ إلاَّ الخَارِجُ إلَيْهِ فَلَهُ شَرْطُهُ، وإِنِ انْهَزَمَ المُسْلِمُ أو أُثْخِنَ بالجِرَاحِ جَازَ أَنْ يُرَدَّ عَنْهُ بالقِتَالِ. وإِذَا أَسَرَ المُسْلِمُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِيْنَ لَمْ يَكُنْ [لَهُ] (3) قَتْلُهُ حَتَّى يَأْتِي بِهِ الأَمِيْرُ فَيَرَى فِيْهِ رَأْيَهُ، وإِنِ امْتَنَعَ الأَسِيْرُ أَنْ يَنْقَادَ مَعَهُ كَانَ لَهُ إِكْرَاهُهُ بالضَّرْبِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِكْرَاهِهِ فَلَهُ قَتْلُهُ، فَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُ الأَسِيْرِ
لِمَرَضٍ أَو عَجْزٍ عَنِ السَّيْرِ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ الله عن الجواب وَقَالَ أصحابنا يحتمل وَجْهينِ أحدهما لَهُ قَتْلِهِ والآخر يتركهُ ولاَ يَقْتُلُهُ، ومَنْ قُتِلَ مِنَ الكُفَّارِ كُرِهَ نَقْلُ رَأْسِهِ مِنْ بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، وكَذَلِكَ يُكْرَهُ رَمْيُ رُؤُسِهِمْ في المَنْجَنِيْقِ، ولاَ يَجُوزُ الغَزْوُ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِمَامِ إِلاَّ أَنْ يُفَاجِئَهُمُ (4) العَدُوُّ، فَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ - لاَ مَنَعَةَ لَهُمْ - دَارَ الحَرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلِلإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مَا غَنِمُوْهُ فَيَجْعَلَهُ في بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِيْنَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (5)، وفي الثَّانِيَةِ: يَأْخُذُ خُمْسَهُ ويُقَسِّمُ البَاقِيَ بَيْنَهُمْ (6)، والثَّالِثَةِ: مَا غَنِمُوْهُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْمُسَ (7)، وإِذَا نَدَّ بَعِيْرٌ مِنْ دَارِ الحَرْبِ، أو شَرَدَ فَرَسٌ، أو أَبَقَ عَبْدٌ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَعَنْهُ: يَكُوْنُ فَيْئاً (8).
بَابُ الأَمَانِ
يَجُوْزُ لِلإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَ الأَمَانَ لِجَمِيْعِ المُشْرِكِيْنَ ولآحَادِهِمْ، ويَجُوزُ لِلأَمِيْرِ أَنْ يَعْقِدَ [لأَهْلِ] (9) البَلَدِ الَّذِي بِأَزَائِهِمْ، فَأَمَّا آحَادُ الرَّعِيَّةِ فَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَعْقِدُوا للوَاحِدِ والعَشْرَةِ
__________
(1) تكررت في الأصل.
(2) قَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 147: هَذَا المذهب - أعني: تحريم المبارزة بغير إذنه -، وهو ظاهر كلامه في المغني والشرح، بل هُوَ كالصريح، ونص عليه. وقدمه في الفروع وجزم به في الهداية والمذهب، والنظم، قَالَ نَّاظِم المفردات:
بغير إذن تحرم المبارزة، فالسلب المشهور ليست جائزة، وعنه: يكره بغير إذنه حكاها الخطابي، وهو ظاهر كلام المصنف في المغني، فإنه قَالَ: ينبغي أن يستأذن الأمير في المبارزة إذا أمكن.
(3) ليست في الأصل، وَهِيَ زيادة يقتضيها السياق. وانظر: المغني 10/ 407.
(4) فِي الأصل: يفجئهم.
(5) نقلها: مُحَمَّد بن يَحْيَى الكحال. انظر: الروايتين والوجهين 183/ أ.
(6) نقلها: يعقوب بن بختيان. انظر: الروايتين والوجهين 183/ أ.
(7) نقلها: مهنّا. انظر: الروايتين والوجهين 183/ أ.
(8) انظر: المحرر 2/ 181.
(9) زيادة لاستقامة النص.(1/212)
والقَافِلَةِ. ويَصِحُّ أَمَانُ المُسْلِمِ العَاقِلِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَراً أو أُنْثَى أو حُرّاً أَو مَمْلُوكاً، واخْتَلَفَ أًصْحَابُنَا في الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ أَمَانُهُ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ في ذَلِكَ رِوَايَتَانِ (1)، ويَصِحُّ أَمَانُ الأَسِيْرِ في دَارِ الحَرْبِ إِذَا عَقَدَهُ غَيْر مُكْرَهٍ، ومَنْ قَالَ لِمُشْرِكٍ: قِفْ وَأَلْقِ سِلاَحَكَ، أو لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ، أو مَتَرْس - بالفَارِسِيَّةِ (2) - كَانَ أَمَاناً كَقَوْلِهِ: أَجَرْتُكَ وأَمَّنْتُكَ. وإِذَا أَعْطَى الإِمَامُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الحِصْنِ أَمَاناً فَلَمَّا فُتِحَ الحِصْنُ ادَّعَى كُلُّ رَجُلٍ منهم أَنَّ الأَمَانَ لَهُ، وأَشْكَلَ عَلَى الإِمَامِ حَرُمَ عَلَيْهِ قَتْلُهُمْ واسْتِرْقَاقُهُمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ (3) / 116 ظ/: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَيُسْتَرَقُّ البَاقُونَ، ومَنْ جَاءَ بِأَسِيْرٍ فَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَّنَهُ، فَأَنْكَرَ المُسْلِمُ، فَالقَوْلُ قَوْلُ المُنْكِرِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والثَّانِيَةِ: قَوْلُ الأَسِيْرِ، والثَّالِثَةِ: يَرْجِعُ إلى قَوْلِ مَنْ ظَاهِرِ الحَالِ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ. وإِذَا أَسَرُوا مُسْلِماً فَأَطْلَقُوُهُ بِشَرْطِ أَنْ يقيم عندهم مدة معلومة كانوا فِي أمان مِنْهُمْ ووجب عَلَيْهِ أن يفي لَهُمْ فإن أطلقوه بشرط أن يَكُوْنَ رَقِيْقاً لَهُمْ، كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ ويَسْرِقَ ويَهْرُبَ، وكَذَلِكَ إِنْ أَطْلَقُوهُ وَلَمْ يَشْرطُوا عَلَيْهِ شَيْئاً، فَإِنْ خَلُّوا سَبِيْلَهُ عَلَى فِدًى يَبْعَثُهُ إِليْهِمْ مِنْ دَارِ الإِسْلاَمِ، ويَشْرِطُوا إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ عَادَ إِلَيْهِمْ لَزِمَهُ الوَفَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - (5)، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الوَفَاءِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ (6)، فَإِنْ كَانَ للَّذِي أَطْلَقُوهُ عَلَى ذَلِكَ امْرَأَةٌ لَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِمْ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ.
ومَنْ دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَوْدَعَنَا مَالَهُ، أَو أَقْرَضَنَا قَرْضاً، ثُمَّ عَادَ إلى وَطَنِهِ مِنْ دَارِ الحَرْبِ، بَطَلَ الأَمَانُ في نَفْسِهِ وبَقِيَ في مَالِهِ، فَإِنْ طَلَبَهُ بُعِثَ بِهِ إِلَيْهِ، وإِنْ مَاتَ بُعِثَ بِهِ إلى وَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ في إِحْدَى (7) الرِّوَايَتَيْنِ. وظَاهِرِكَلاَمِ الخِرَقِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ يَنْتَقِضُ في نَفْسِهِ ومَالِهِ ويَصِيْرُ فَيْئاً.
وإِذَا أسْلَمَ الحَرْبِيُّ قَبْلَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ حَقَنَ دَمَهُ ومَالَهُ وأَوْلاَدَهُ الصِّغَارَ عَنِ السَّبْيِ، فَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الحَرْبِيِّ وأَسَرَ سَيِّدَهُ وأَخَذَ أَمْوَالَهُ وأَوْلاَدَهُ ونِسَاءهُ وخَرَجَ إِلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ، والمَالُ له والسَّبْيُ رَقِيْقُهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ وأَقَامَ بِدَارِ الحَرْبِ فَهُوَ عَلَى رِقِّهِ.
__________
(1) انظر: الإنصاف 4/ 203 - 204.
(2) انظر: تاج العروس 15/ 478 (ترس).
(3) الروايتين والوجهين 184/ ب.
(4) انظر: الإنصاف 4/ 210.
(5) انظر: شرح الزركشي 4/ 161 - 162.
(6) انظر: مختصر الخرقي: 103.
(7) في الأصل: ((أحد)).(1/213)
بَابُ قِسْمَةِ الغَنِيْمَةِ وأَحْكَامِهَا
الغَنِيْمَةُ: كُلُّ مَالٍ أُخِذَ مِنَ المُشْرِكِيْنَ قَهْراً بالقِتَالِ، وتُمُلِّكَ بالأَخْذِ، وإِنْ لَمْ يُحَزْ إلى دَارِ الإِسْلاَمِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَنْقُولٌ، وأَرَضُونَ.
فَأمَّا المَنْقُولُ فَالإِمَامُ يُخَيَّرُ بَيْنَ قِسْمَتِهِ في دَارِ الحَرْبِ بَعْدَ تَقَضِّي الحَرْبِ، وبَيْنَ تَأْخِيْرِ القِسْمَةِ إلى دَارِ الإِسْلاَمِ، فَإِذَا أَرَادَ القِسْمَةَ بَدَأَ بالأَسْلاَبِ فَدَفَعَهَا إلى مُسْتَحِقِّيْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يُخْرِجُ مُؤْنَةَ الغَنِيْمَةِ: وَهِيَ أُجْرَةُ الَّذِيْنَ حَمَلُوهَا وجَمَعُوهَا
وحَفِظُوهَا، ثُمَّ يَخْمُسُ بَاقِيْهَا / 117 و / فَيَعْزِلُ خُمْسَهُ فَيَقْسِمُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ:
سَهْمٌ للهِ تَعَالَى ولِرَسُولِهِ - عليه السلام -، يُصْرَفُ في المَصَالِحِ، وأَهَمُّهَا: سَدُّ الثُّغُورِ، وتَعَاهُدُ أَهْلِهَا مِنْ أَجْنَادِ المُسْلِمِيْنَ بِكِفَايَتِهِمْ، ثُمَّ الأَهَمُّ فَالأَهَمُّ مِنْ سَدِّ البُثُوقِ، وكَرْيِ الأَنْهَارِ، وعَمَلِ القَنَاطِيْرِ، وأَرْزَاقِ القُضَاةِ، وغَيْرِ ذَلِكَ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (1)، وَقَالَ في رِوَايَةِ صَالِحٍ: يَخْتَصُّ سَهْمِ الرَّسُولِ - عليه السلام - بِأَهْلِ الدِّيْوَانِ، وَقَالَ في رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: يُصْرَفُ في الكُرَاعِ والسِّلاَحِ (2).
وسَهْمٌ لِذَوِي القُرْبَى، وهُمْ: بَنُو هاشمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ، أَيْنَ كَانُوا مِنَ الأَرْضِ؟ للذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ (3)، غَنِيُّهُمْ وفَقِيْرُهُمْ في ذَلِكَ سَوَاءٌ.
وسَهْمٌ لِلْيَتَامَى الفُقَرَاءِ.
وسَهْمٌ لِلْمَسَاكِيْنِ.
وسَهْمٌ لأَبْنَاءِ السَّبِيْلِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ.
ثُمَّ يُعْطِي النَّفْلَ بَعْدَ ذَلِكَ ويَرْضَخُ لِمَنْ لاَ سَهْمَ لَهُ مِنَ العَبِيْدِ والنِّسَاءِ والصِّبْيَانِ (4)،
__________
(1) انظر: المغني والشرح الكبير 10/ 458 - 459.
(2) قَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 166: الصحيح في المذهب: أن هَذَا السهم يصرف مصرف الفيء، وعليه أكثر الأصحاب، وجزم بِهِ في الوجيز وغيره، وقدمه في المغني والمحرر والشرح، والفروع وغيرهم.
قَالَ الزركشي: هَذَا المشهور. وعنه: يصرف في المقاتلة. وعنه: يصرف في الكراع والسلاح. وعنه: يصرف في المقاتلة والكراع والسلاح.
(3) قَالَ المرداوي: هَذَا المذهب جزم به الخرقي وصاحب الهداية، والمذهب، ومسبوك الذهب، والعمدة، والوجيز، وغيرهم. وقدمه في الرعايتين والحاويين وغيرهم.
وعنه: الذكر والأنثى فيه سواء. قدمه ابن رزين في شرحه، وأطلقهما في المغني، والشرح، والمحرر، والفروع. الإنصاف 4/ 167.
(4) يرضخ للعبيد والنساء بلا نزاع، والمدبر والمكاتب كالقن بلا نزاع، والخنثى كالمرأة عَلَى الصحيح من المذهب.
وقيل: يعطى نصف الرضخ، فإن انكشف حاله فبان رجلاً تمم لَهُ وهو احتمال للمصنف، وأطلقهما في النظم.
ويرضخ للصبي إذا كَانَ مميزاً إلى البلوغ، عَلَى الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل: لا يرضخ إذا كان مراهقاً، وهو ظاهر ما جزم بِهِ في البلغة.
وقيل: يرضخ أيضاً لمن دون التمييز، ذكره في الرعاية. انظر: الإنصاف 4/ 171.(1/214)
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ (1) في الذِّمِّيِّ إِذَا اسْتَعَانَ بِهِ الإِمَامُ للحَاجَةِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أنَّهُ يَرْضَخُ لَهُ، ورُوِيَ: أنَّهُ يُسْهَمْ لَهُ كَالمُسْلِمِ. وَلاَ يَبْلُغُ بالرَّضْخِ للرَّاجِلِ سَهْمَ رَاجِلٍ، وللفَارِسِ سَهْمَ فَارِسٍ، فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُ أَهْلِ الرَّضْخِ فَأَسْلَمَ الكَافِرُ وبَلَغَ الصَّبِيُّ وعُتِقَ العَبْدُ قَبْلَ تقَضِّي الحَرْبِ أَسْهَمَ لَهُمْ، وكَذَلِكَ إِذَا لَحِقَ المَدَد أو هَرَبَ الأَسِيْرُ قَبْلَ تَقَضِّي الحَرْبِ وشَهِدَ الوَقْعَةَ أَسْهَمَ لَهُمْ، ثُمَّ تُقْسَمُ الغَنِيْمَةُ بَعْدَ إِخْرَاجِ الخُمْسِ والنَّفْلِ والرَّضْخِ بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ، مَنْ قَاتَلَ ومَنْ لَمْ يُقَاتِلْ مِنْ تُجَّارِ العَسْكَرِ وأُجَرَائِهِمْ، للرَّاجِلِ سَهْمٌ، وللفَارِسِ - إِنْ كَانَ عَلَى فَرَسٍ عَرَبِيٍّ - ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وسَهْمٌ لَهُ، - وإِنْ كَانَ عَلَى هَجِيْنٍ أَو بِرْذَوْنٍ (2) - فَكَذَلِكَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3)، وفي الأُخْرَى: يُعْطَى سَهْمَيْنِ، سَهْمٌ لَهُ، وسَهْمٌ لِهَجِيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَرَسَانِ أَسْهَمَ لَهُمَا، ولاَ يُسْهِمُ لأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ عَلَى بَعِيْرٍ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ سَهْمَانِ سَهْمٌ لَهُ وسَهْمٌ لِبَعِيْرِهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِي: " الأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ": يُعْطِي رَاكِبَ البَعِيْرِ والفِيْلِ سَهْمَ رَاكِبِ الهَجِيْنِ، وعِنْدِي: أنَّهُ لاَ يُسْهَمُ لبَعِيْرٍ ولاَ فِيْلٍ ولاَ بَغْلٍ ولاَ حِمَارٍ؛ لأنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، ولاَ عَنْ أَحَدِ من الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - أنَّهُمْ أَسْهَمُوا لِغَيْرِ الخَيْلِ (4).
ومَنْ دَخَلَ دَارَ الحَرْبِ رَاجِلاً ثُمَّ مَلَكَ فَرساً، أو / 118 ظ / اسْتَأْجَرَهُ، أو اسْتَعَارَهُ لِلْقِتَالِ فَشَهِدَ بِهِ الوَقْعَةَ فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، فَإِنْ دَخَلَ فَارِساً فَنَفَقَ فَرَسَهُ أو شَرَدَ فَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى قُضِيَتِ الحَرْبُ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ (5)، ولاَ يُسْهَمُ للفَرَسِ العَجِيفِ الضَّعِيْفِ في أَحَدِ
__________
(1) انظر: الروايتين والوجهين 100/ أ، والإنصاف 4/ 171.
(2) هو غَيْر العربي من الخيل والبغال. المعجم الوسيط: 48.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 100/ ب.
(4) انظر: الإنصاف 4/ 174.
(5) قَالَ ابن قدامة 1/ 441: ((وجملة ذلك: أن الاعتبار في استحقاق السهم بحالة الإحراز، فإن أحرزت الغنيمة وهو راجل فله سهم راجل. وإن أحرزت وهو فارس فله سهم الفارس سواء دخل فارساً أو راجلاً. قَالَ أحمد: أنا أرى أن كل من شهد الوقعة عَلَى أي حالة كَانَ يعطى إن كان فارساً ففارس، وإن كَانَ راجلاً فراجل؛ لأن عمر قَالَ: الغنيمة لِمَنْ شهد الوقعة، وبهذا قَالَ الأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور ونحوه، قَالَ ابن عمر، وَقَالَ أبو حَنِيْفَةَ: الاعتبار بدخول دار الحرب فإن دخل فارساً فله سهم فارس، وإن نفق فرسه قَبْلَ القتال، وإن دخل راجلاً فله سهم الراجل وإن استفاد فرساً فقاتل عَلَيْهِ)).(1/215)
الوَجْهَيْنِ (1)، ويُسْهَمُ لَهُ في الآخَرِ. ومَنْ غَصَبَ فَرَساً فَقَاتَلَ عَلَيْهِ فَسَهْمُ الفَرَسِ لِمَالِكِهِ.
ومَنْ دَخَلَ دَارَ الحَرْبِ فَمَرِضَ مَرَضاً لاَ يَسْتَطِيْعُ مَعَهُ القِتَالَ حَتَّى قُضِيَتِ الحَرْبُ فَلاَ سَهْمَ لَهُ. وكَذَلِكَ مَنِ اسْتُؤْجِرَ للجِهَادِ مِمَّنْ لا يَلْزَمُهُ الجِهَادُ كَالكَافِرِ والعَبْدِ لاَ يَسْتَحِقُّ غَيْرَ الأُجْرَةِ. ومَنْ مَاتَ بَعْدَ قَضْاء (2) الحَرْبِ فَسَهْمُهُ لِوَرَثَتِهِ ويَرُدُّ الجَيْشَ على سَرَايَاهُ إِذَا غَنِمَ وَلَمْ تَغْنَمِ السَّرَايَا، وكَذَلِكَ يَرُدُّ السَّرَايَا عَلَى الجَيْشِ ولاَ يَرُدُّ أَحَدَ الجَيْشَيْنِ مِمَّا غَنِمَ عَلَى الآخَرِ، وإِذَا قُسِّمَتِ الغَنَائِمُ في دَارِ الحَرْبِ جَازَ للمُسْلِمِيْنَ بَيْعُهَا بَعْضُهمْ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهَا الكُفَّارُ بَعْدَ لُزُومِ البَيْعِ فَأَخَذُوْهَا فَهُوَ مِنْ مَالِ المُشْتَرِي في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3)، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخلاَلِ وصَاحِبِهُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وفي الأُخْرَى: هِيَ مِنْ ضَمَانِ البَائِعِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (4)، وهَلْ يَمْلِكُونَ (5) المُشْرِكُونَ أَمْوَالَ المُسْلِمِيْنَ بالقَهْرِ؟ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ -: أنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُوهَا؛ لأنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ كَلاَمُهُ: أنَّهُ إِذَا عَادَ المُسْلِمُونَ فَقَهَرُوهُمْ وأَخَذُوهَا فَوَجَدَهَا صَاحِبُهَا قَبْلَ القِسْمَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وكَذَلِكَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُمْ آحَادَ المُسْلِمِيْنَ بِسَرِقَةٍ أَو هِبَةٍ، كَانَ صَاحِبُهُ أَحَقَّ بِهِ بِغَيْرِ شَيءٍ وَلَوْ كَانَ الكُفَّارُ قَدْ مَلَكُوهَا لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِ المُشْرِكِيْنَ وأُصُوْلِهِ يَقْتَضِي هَذَا؛ لأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ لاَ يُفِيْدُ مَقْصُودَهُ عِنْدَهُ. وَقَالَ شَيْخُنا: يَمْلِكُونَهَا، وذَكَرَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ (6)، وأَشَارَ إِلَى قَوْلِ أَحْمَدَ فِيْمَا أدْرَكَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ القِسْمَةِ لاَ حَقَّ لَهُ فِيْهِ، وهَذَا يَحْتَمِلَ أَنَّ الإِمَامَ إذَا قَسَّمَ لاَ يُنْقَضُّ حُكْمُهُ وقِسْمَتُهُ؛ لأنَّهَا مَسْأَلَةٌ يُسَوَّغُ فِيْهَا الاجْتِهَادُ، ويُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ مِنَ المَلَكِ؛ فَتُخَرَّجُ المَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ، وكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ مُبَاحَاتِ دَارِ الحَرْبِ مِمَّا لَهُ قِيْمَةٌ كَالخَشَبِ والدَّارَصِيْنِي والصَّمْغِ والصّيُودِ فَهُوَ غَنِيْمَةٌ لاَ يَنْفَرِدُ بِهِ آخِذُهُ. ومَا أُخِذَ [مِنَ الطَّعَامِ] (7)
/119 و/ والعَلَفِ فَلآخِذِهِ أَكْلُهُ، وأَنْ يَعْلِف دَوَابَّهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ الإِمَامِ. ومَا أُخِذَ مِنَ السِّلاَحِ فَلآخِذِهِ أَنْ يُقَاتِلَ بِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ، فَإِذَا انْقَضَت (8) الحَرْبُ رَدَّهُ إِلَى المَغْنَمِ، فَأمَّا الفَرسُ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ رُكُوبُهُ
__________
(1) الروايتين والوجهين 185/ ب.
(2) فِي المخطوط: ((تقضي)) وإنما أثبتناه ((قضاء)) حَتَّى يستقيم النص.
(3) الروايتين والوجهين 185/ ب.
(4) انظر: المغني 10/ 460.
(5) هكذا في الأصل، ولعلها عَلَى لغة: ((أكلوني البراغيث)) وهذا قَوْل لبَعْض العرب. انظر: سر صناعة الإعراب 2/ 629، وشرح شذور الذهب 1/ 228، وشرح ابن عقيل 1/ 199.
(6) انظر: شرح الزركشي 4/ 169.
(7) ما بين المعكوفتين كررت في الأصل.
(8) فِي الأصل: انقضى.(1/216)
في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، والأُخْرَى: لَهُ رُكُوبُهُ حَتَّى تَنْقَضِي الحَرْبُ.
ومَنْ أَحْبَلَ جَارِيَةً في المَغْنَمِ، فَالوَلَدُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ، وعَلَيْهِ قِيْمَةُ الجَارِيَةِ ومَهْرُهَا يُرَدُّ في المَغْنَمِ وتَصِيْرُ أُمَّ وَلَدِهِ (2). وإِذَا كَانَ في السَّبَايَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَتَقَ عَلَيْهِ قَدْرَ نَصِيْبَهُ وقَوَّمَ البَاقِيَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُوْسِراً، وكَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْداً مِنَ الغَنِيْمَةِ وَقَعَ فِي حَقِّهِ وَقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِيَهُ وعَتَقَ ووَلاَؤُهُ لَهُ. والغَالُّ (3) مِنَ الغَنِيْمَةِ تُحْرَقُ رَحْلِهِ إِلاَّ الحَيَوَانَ والسِّلاَحَ والمُصْحَفَ (4)، ومَا أَخَذَهُ مِنَ الفِدْيَةِ أو أَهْدَاهُ المُشْرِكُونَ لأَمِيْرِ الجَيْشِ أَو لِبَعْضِ قُوَّادِهِ فَهُوَ غَنِيْمَةٌ.
بَابُ حُكْمِ الأَرَضِيْنَ المَغْنُومَةِ
مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ مِنْ أَرَاضِي المُشْرِكِيْنَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ مِنْهَا:
- مَا فُتِحَ عَنْوَةً: وَهِيَ مَا أُجْلِيَ أَهْلُهَا عَنْهَا بالسَّيْفِ، فَفِيْهَا ثَلاَثُ رِوَايَاتٍ (5):
أَحَدُهَا: يَكُوْنَ غَنِيْمَةً تُقَسَّمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الأَمْوَالِ المَنْقُولَةِ.
والثَّانِي: يُخَيَّرُ الإِمَامُ بَيْنَ قِسْمَتِهَا بَيْنَ الغَانِمِيْنَ، وبَيْنَ وَقْفِهَا عَلَى المُسْلِمِيْنَ.
والثَّالِثَةُ: تَصِيْرُ وَقْفاً عَلَى المُسْلِمِيْنَ بِنَفْسِ الظُّهُورِ عَلَيْهَا، فَإِنْ قَسَّمَهَا بَيْنَ الغَانِمِيْنَ فَلاَ خَرَاجَ عَلَيْهَا، وإِنْ صَارَتْ وَقْفاً بالاسْتِيْلاَءِ أو بِالإيقَاف فَلاَ يَجُوْزُ بَيْعُهَا ولاَ رَهْنُهَا ولاَ هِبَتُهَا، ويَضْرِبُ الإِمَامُ عَلَيْهَا خَرَاجاً يُؤْخَذُ مِمَّنْ جُعِلَتْ في يَدِهِ مِنْ مُسْلِمٍ أو مُعَاهِدٍ ومَا كَانَ فِيْهَا مِنْ نَخِيْلٍ أو أَشْجَارٍ فَهُوَ مَوْقُوفٌ مَعَهَا ولاَ عُشْرَ في ثَمَرِهِ ومَا اسْتُوْقِفَ فِيْهَا مِنْ غِرَاسٍ أو زَرْعٍ ففي ثَمَرِهِ وحُبُوْبِهِ العُشْرُ مَعَ الخَرَاجِ.
- ومِنْهَا مَا انْجَلَى أَهْلُهَا عَنْهَا خَوْفاً فَيَكُونُ وَقْفاً بِنَفْسِ الاسْتِيْلاَءِ، وَقِيْلَ: لاَ تَصِيْرُ وَقْفاً
__________
(1) الروايتين والوجهين 187/ أ.
(2) قَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 183: هَذَا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقدمه في المغني والشرح، والزركشي وغيرهم.
وَقَالَ القاضي: يسقط عنه من المهر بقدر حصته كالجارية المشتركة، ورده المصنف والشارح.
(3) الغال: هو الذي يكتم ما يأخذه من الغنيمة ولا يطلع عليه الإمام، وهو محرّم بلا ريب. انظر: شرح الزركشي 4/ 191، وحكمه: أنه يحرق رحله.
(4) سواء كَانَ ذكراً أو أنثى، مسلماً أو ذمياً، وكذا نفقته، يعني: يجب حرق ذلك، وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وهو من مفردات المذهب وَلَمْ يستثنِ الخرقي والآجري من التحريق إلا المصحف والدابة، وَقَالَ: هو قول أحمد. واختاره الشيخ تقي الدين، وبعض الأصحاب المتأخرين: أن تحريق رحل الغال من باب التعزير لا الحد، فيجتهد الإمام بحسب المصلحة. قَالَ في الفروع: وهذا أظهر. قَالَ المرداوي: قلت: وهو الصواب. انظر: الإنصاف 4/ 185.
(5) انظر: الإنصاف 4/ 190 - 191.(1/217)
حَتَّى يَقِفَهَا الإِمَامُ، وحُكْمُهَا حُكْمُ العَنْوَةِ إِذَا وُقِفَتْ (1).
- ومِنْهَا مَا صَالَحُوْنَا عَلَيْهَا؛ وذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ مُلْكَ الأَرْضِ لَنَا ونُقِرَّهَا في أَيْدِيْهِمْ بالخَرَاجِ، فَهَذِهِ تَصِيْرُ وَقْفاً لِلمُسْلِمِيْنَ (2)، حُكْمُهَا حُكْمُ مَا بَيَّنَّا، وإِذَا بَدَّلُوا جِزْيَةَ رِقَابِهِمْ جَازَ إِقْرَارُهُمْ فِيْهَا عَلَى التأْبِيْدِ، وإِنْ مَنَعُوا الجِزْيَةَ لَمْ يَجُزْ لَنَا إِقْرَارُهُمْ / 120 ظ / فِيْهَا سَنَةً بِغَيْرِ جِزْيَةٍ.
والضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ مُلْكَهَا لَهُمْ وَلَنَا الخَرَاجُ عَنْهَا، فَهَذَا الخَرَاجُ في حُكْمِ الجِزْيَةِ مَتَى أَسْلَمُوا سَقَطَ عَنْهُمْ ولَهُمْ بَيْعُهَا ورَهْنُهَا وهِبَتُهَا ويُقِرُّوْنَ فِيْهَا مَا أَقَامُوا عَلَى الصُّلْحِ مِنْ غَيْرِ جِزْيَةٍ؛ لأَنَّهُمْ فِي غَيْرِ دَارِ الإِسْلاَمِ، وإِذَا انْتَقَلَتْ هَذِهِ الأَرْضُ إِلَى مُسْلِمٍ لَمْ يُؤْخَذْ خَرَاجُهَا (3)، ونَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٍ (4): أنَّهُ قَالَ مَا فُتِحَ عَنْوَةً فَهُوَ فَيءٌ للمُسْلِمِيْنَ، ومَا صُولِحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ (5) يُؤَدُّوْنَ عَنْهُ مَا صُوْلِحُوا عَلَيْهِ، ومَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ تَسْقُطُ عَنْهُ الجِزْيَةُ والأَرْضُ للمُسْلِمِيْنَ، يَعْنِي: خَرَاجَهَا. وَرَوَى عَنْهُ حَنْبَلٌ (6): مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيءٍ فَهُوَ لَهُ ويُؤْخَذُ مِنْهُ خَرَاجُ الأَرْضِ، وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَرَاجَ هَذِهِ الأَرْضَ لاَ يَسْقُطُ سَوَاءٌ أَسْلَمَ رَبُّهَا أو انْتَقَلَتْ إلى مُسْلِمٍ، وَقَدْ تَأَوَّلَ شَيْخُنَا الرِّوَايَةَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَتْ الأَرْضُ خَرَاجِيَّةً، ولَفْظُ الرِّوَايَةِ الأُوْلَة يَسْقُطُ تَأْوِيْلُهُ فَمَا قَدْرُ الخَرَاجِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا تَحْتَمِلُهُ الأَرْضُ، والمَرْجع فِيْهِ إلى اجْتِهَادِ الإِمَامِ في الزِّيَادَةِ والنُّقْصَانِ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخَلاَّلِ وعَامَّةِ شُيُوْخِنَا (7). والثَّانِيَةُ: أنَّهُ يُرْجَعُ فِيْهِ إلى مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رضي الله عنه -، ولاَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ ولاَ النُّقْصَانُ. والثَّالِثَةُ: يَجُوْزُ لِلإِمَامِ الزَّيَادَةُ ولاَ يَجُوزُ النُّقْصَانُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - في قَدَرِ الخَرَاجِ، فَرَوَى عَنْهُ أبو عُبَيْدٍ (8) بِإِسْنَادِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ ابنَ حَنِيفٍ إلى السَّوَادِ فَضَرَبَ الخَرَاجَ عَلَى جَرِيْبِ الشَّعِيْرِ (9) دِرْهَمَيْنِ، وعَلَى جَرِيْبِ الحِنْطَةِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وعَلَى جَرِيْبِ القَصَبِ - وَهُوَ
__________
(1) وقيل: حكمها حكم الفيء المنقول. الإنصاف 4/ 190.
(2) قَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 191: وهذا المذهب وعليه الأصحاب. وعنه تصير وقفاً بوقف الإمام كالتي قبلها، وتكون قبل وقفها كفيء منقول.
(3) انظر: كشاف القناع 3/ 95.
(4) انظر: الإنصاف 4/ 192.
(5) فِي المخطوط ((لَمْ)) والصواب مَا أثبتناه.
(6) انظر: الإنصاف 4/ 192.
(7) انظر: الإنصاف 4/ 193.
(8) الأموال: 82، وانظر: الاستخراج لأحكام الخراج لابن رجب الحنبلي: 64.
(9) الجريب من الأرض: مقدار معلوم الذراع والمساحة، وهو عشرة أقفزة، كل قفيز منها: عشرة أَعْشراً، فالعشير: جزء من مئة جزء من الجريب. لسان العَرَبِ: 1/ 61 (جرب).(1/218)
الرّطْبَةُ - سِتَّةَ دراهم، وعَلَى جَرِيْبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وعَلَى جَرِيْبِ الكَرْمِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وعَلَى جَرِيْبِ الزَّيْتُونِ اثني عشر دِرْهَماً، ورَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ (1) أنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - وأَتَاهُ ابنُ حَنِيْفٍ فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ فَسَمِعْنَاهُ يَقُوْلُ لَهُ: واللهِ لَئِنْ وَضَعْتَ عَلَى كُلِّ جَرِيْبٍ قَفَيْزاً ودِرْهَماً لاَ يَسُوءُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ولاَ يُجْهِدُهُمْ، ورُوِيَ: أنَّهُ وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيْبِ عَامِرٍ أو غَامِرٍ دِرْهَماً وقَفِيْزاً، وعَلَى جَرِيْبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ (2) / 121 و / أَحْمَدُ - رضي الله عنه -: أَعْلَى وَأصح حَدِيْثٍ في أَرْضِ السواد حَدِيْثُ عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ في الدِّرْهَمِ والقَفِيْزِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ أَخَذَ بِهِ وَقَالَ في رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بنِ الحَكَمِ: وَزْنُ القَفِيْزِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ (3)، وَقَالَ شَيْخُنَا: المُرَادُ بِهِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بالمَكِّيِّ فَيَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلاً بالعِرَاقِيِّ (4)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ (5) وعَبْدُ العَزِيْزِ: قَدَرُ القَفِيْزِ ثَلاَثُونَ رَطْلاً، فَأمَّا قَدْرُ الجَرِيْبِ: فَهُوَ عَشْرُ قَصَبَاتٍ في عَشْرِ قَصَبَاتٍ، والقَصَبَةُ: سِتَّةُ أَذْرُعٍ، والذِّرَاعُ: مُخْتَلَفٌ فِيْهِ إلاَّ أَنَّ الَّذِي يُمْسحُ بِهِ أَرْضُ الخَرَاجِ العُمَرِيَّةِ وَهُوَ ذِرَاعُ عُمَرَ - رضي الله عنه -، وَهُوَ ذِرَاعُ وَسَطٍ لاَ أَطْوَلُ ذِرَاعٍ ولاَ أَقْصَرُهَا وقَبْضَتُهُ وإِبْهَامُهُ قَائِمَةٌ، وَقِيْلَ: الذِّرَاعُ الهَاشِمِيُّ (6)، وَهُوَ أَطْوَلُ مِنَ الذِّرَاعِ السَّوَادِيِّ، وَهُوَ ذِرَاعُ اليَدِ بِإِصْبِعَيْنِ وثُلُثَي إِصْبِعٍ، والقَفِيْزُ: عُشْرُ الجَرِيْبِ وَهُوَ عَشْرُ قَصَبَاتٍ في قَصَبَةٍ، والعَشْرُ عُشْرُ القَفِيْزِ وَهُوَ قَصَبَةٌ في قَصَبَةٍ وما بَيْنَ النَّخْلِ والشَّجَرِ مِنْ بَيَاضِ الأَرْضِ تبعاً لها. ويَجِبُ الخراج في الغَامِر، وَهُوَ كُلُّ مَا يَنَالُهُ المَاءُ سَوَاءٌ زَرَعَ أو لَمْ يَزْرَعْ، وهَلْ يَجِبُ في الغَامِرِ وَهُوَ ما لاَ يَنَالُهُ المَاءُ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ، والأُخْرَى: لاَ يَجِبُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنَالُهُ
__________
(1) الأموال: 85 (181). قَالَ أبو عبيد: فلم يأتنا في هَذَا حَدِيْث أصح من حَدِيْث عَمْرو بن ميمون وَلَمْ يذكر فِيْهِ مِمَّا وضع عَلَى الأرض أكثر من الدرهم والقفيز، ومع هَذَا فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حَدِيْث فيه تقوية له وحجة لعمر فِيْمَا فرض عليهم من الدرهم والقفيز.
(2) تكررت في الأصل.
(3) انظر: الهادي: 76.
(4) انظر: المقنع: 91.
قَالَ المرداوي في الإنصاف 4/ 194: هَذَا الصحيح. قدمه في الشرح، وقال: نص عليه، واختاره القاضي. وَقَالَ أبو بكر، قيل: إن قدره ثلاثون رطلاً.
وقدمه في المحرر: أن قدره ثمانية أرطال بالعراقي. وقدمه في الرعايتين، والحاويين، وقالوا: نص عليه.
قَالَ ابن منجا في شرحه: المنقول عن أحمد -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أنه ثمانية أرطال، ففسره القاضي بالمكي.
(5) انظر: المصدر السابق.
(6) انظر: الإنصاف 4/ 195.(1/219)
المَاءُ ولاَ يُمْكِنُهُ زَرْعُهُ حَتَّى يُرَاحَ عَاماً ويُزْرَعَ عَاماً أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ خَرَاجِهَا في كُلِّ عَامٍ، وإِذَا أَوْجرَتِ الأَرْضُ الخَرَاجَ، فَخَرَاجُهَا عَلَى المَالِكِ والعُشْرُ عَلَى المُسْتَأْجِرِ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يَجِبُ الخَرَاجُ والعُشْرُ عَلَى المُسْتَأْجِرِ أَوْمَأَ إِلَيْهِ في رِوَايَةِ أبي الصَّقْرِ ومُحَمَّدِ بنِ أبي حَرْبٍ، واخْتَارَهُ أبو حَفْصٍ العُكْبُرِيُّ. والخَرَاجُ كَالدَّيْنِ يُحْبَسُ بِهِ إِنْ كَانَ مُوْسِراً، ويُنْظَرُ بِهِ إِذَا كَانَ مُعْسِراً. وإِذَا عَجَزَ رَبُّ الأَرْضِ عَنْ عِمَارَةِ أَرْضِ الخَرَاجِ أُجْبِرَ عَلَى إِجَارَتِهَا أو رَفَعَ يَدَهُ عَنْهَا وَدَفَعَهَا إلى مَنْ يَعْمُرُهَا، ومَنْ ظُلِمَ في خَرَاجِهَا لَمْ يَحْتَسِبْهُ مِنَ العُشْرِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يُحْتَسَبُ مِنَ العُشْرِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. ومَصْرَفُ الخَرَاجِ مَصْرَفُ الفَيءِ، فَإِنْ رَأَى الإِمَامُ المَصْلَحَةَ في تَرْكِ خُرَاجِ إِنْسَانٍ لَهُ جَازَ، ويَجُوزُ للإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ الأَرَاضِيَ والمَعَادِنَ والدُّوْرَ، نَصَّ عَلَيْهِ. ويَجُوزُ للرَّجُلِ أَنْ يَرْشُوَ العَامِلَ ويَهْدِيَ لَهُ؛ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الظُّلْمَ فِي الخَرَاجِ / 122 ظ / ولاَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِيَدَعَ له مِنْ خَرَاجِهِ شَيْئاً، ويَجُوزُ العَمَلُ مَعَ السُّلْطَانِ وَقَبُولُ جَوَائِزِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ المِرْوَذيِّ فَقَالَ: جَوَائِزُ السُّلْطَانِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصَّدَقَةِ.
بَابُ قِسْمَةِ الفَيءِ
الفَيءُ (1): كُلُّ مَالٍ أُخِذَ مِنَ المُشْرِكِيْنَ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالجِزْيَةِ والخَرَاجِ والعشُوْرِ، إِذَا دَخَلُوا إِلَيْنَا تُجَّاراً، والأَمْوَالُ الَّتِي صُوْلِحُوا عَلَيْهَا تَرَكُوْهَا فَزَعاً مِنَ المُسْلِمِيْنَ وَهَرَبُوا أَو مَاتُوا عَنْهَا، ولاَ وَارِثَ لَهُمْ، وما أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وحًكْمُهُ: أَنْ يُصْرَفَ في مَصَالِحِ المُسْلِمِيْنَ ولاَ يُخَمَّسُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ (2) - وَقَالَ الخِرَقِيُّ (3): يُخَمَّسُ، ويُصْرَفُ خُمْسُهُ إلى أَهْلِ الخُمْسِ (4)، وأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ في المَصَالِحِ، وعَلَى كِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ يُبْدَأُ بالأَهَمِ فالأَهَمِ عَلَى مَا بَيَّنَا في خُمْسِ الخُمْسِ، وللإِمَامِ أَنْ يُفَضِّلَ في قِسْمَةِ الفَيءِ قَوْماً عَلَى قَوْمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ (5) في رِوَايَةِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ وإِسمَاعِيْلَ بنِ سَعِيْدٍ، وَقَالَ أَبو بَكْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ: اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنْ لاَ يُفَضِّلُوا بَلْ
__________
(1) انظر: الصحاح 1/ 63، ولسان العرب 1/ 150 (فيأ).
(2) نقله عنه أبو طالب. الروايتين والوجهين 99/ أ، وانظر: المغني 7/ 299.
(3) انظر: شرح الزركشي 3/ 88، والروايتين والوجهين 99/ أ.
(4) هم خمسة أصناف ومنهم من جعلهم ستة استناداً إلى ظاهر الآية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الأنفال: 41.
فعددهم - كَمَا في الآية - ستة وجعل الله تَعَالَى لنفسه سهماً سادساً، وهو مردود عَلَى عباد الله أهل الحاجة. انظر: المغني 7/ 300.
(5) انظر: الروايتين والوجهين 101/ أ، وشرح الزركشي 3/ 91 - 93.(1/220)
يُسَاوُوا بَيْنَ الكُلِّ، وَقَدِ اسْتَعْظَمَ ذَلِكَ في رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بنِ سَعِيْدٍ لَمَّا قِيْلَ لَهُ: يُعْطَى بالسَّوِيَّةِ؟ قَالَ: كيف نُعْطِهِمْ دَانِقٌ وقِيرَاطٌ، ويُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْدَأَ بالمُهَاجِرِيْنَ، ويُقَدِّمُ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنِ اسْتَوَوا في القُرْبِ قُدِّمَ مَنْ يُنْسَبُ إلى أَصْهَارِ (1) رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ بالأَنْصَارِ، ثُمَّ بِسَائِرِ النَّاسِ، ويُعْطَوْنَ في السَّنَةِ مَرَّةً، فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ طُوْلِ وَقْتِ العَطَاءِ دُفِعَ حَقُّهُ إلى ورَثَتِهِ، ومَنْ مَاتَ مِنْ أَجْنَادِ المُسْلِمِيْنَ دُفِعَ إلى زَوْجَتِهِ وأَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ قَدَرَ كِفَايَتِهِمْ، فَإِذَا بَلَغُوا ذُكُوْرَ أَوْلاَدِهِ واخْتَارُوا أَنْ يَكُوْنُوا مِنَ المُقَاتَلَةِ فُرِضَ لَهُمْ، وإنْ لَمْ يَخْتَارُوا تُرِكُوا. ومَنْ خَرَجَ عَن المُقَاتَلَةِ سَقَطَ حَقُّهُ.
بَابُ عَقْدِ الهُدْنَةِ
إِذَا رَأَى الإِمَامُ أو نَائِبُهُ المَصْلَحَةَ في عَقْدِ الهُدْنَةِ جَازَ لَهُ عَقْدُهَا؛ وذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُوْنَ بِهِ ضَعْفٌ أو يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ في غَزْوِهِمْ لِبُعْدِهِمْ أو خَشِيَّةً مِنْ ضَيَاعِ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَةِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ، وَقَدْ سُئِلَ: هَلْ يَجُوْزُ المُوَادَعَةُ اليَوْمَ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ عِنْدَ الحَاجَةِ: فَاشْتَرَطَ (في الجَوَازِ) (2) / 123 و / الحَاجَةَ، وَقَالَ شَيْخُنَا: تَجُوزُ المُهَادَنَةُ، وإِنْ كَانَ قَوِيّاً مُسْتَظْهَراً، وتَجُوزُ مُهَادَنَةُ أَهْلِ الحَرْبِ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِيْنَ في ظَاهِرِ كَلاَمِهِ في رِوَايَةِ حَرْبٍ، ورُوِيَ عَنْهُ: أنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِيْنَ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ (3)، فَعَلَى هَذِهِ: إِنْ عَقَدَ الهُدْنَةَ عَلَى مَا زَادَ عَلَى عَشْرِ سِنِيْنَ بَطَلَ في الزِّيَادَةِ، وهَلْ تَبْطُلُ في العَشْرَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيْقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ هَادَنَهُمْ مُطْلَقاً بَطَلَتِ الهُدْنَةُ، وإِنْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الهُدْنَةِ شُرُوطاً فَاسِدَةً مِثْلُ: أَنْ يَشْتَرِطَ نَقْضهَا مَتَى شَاءَ، أَو أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءهُ مِنَ النِّسَاءِ مُسْلِمَةً، أو يَرُدَّ مَهْرَهَا، أو يَرُدَّ سِلاَحَهُمْ، أَو يُدْخِلَهُمُ الحَرَمَ، فالشَّرْطُ باطِلٌ. وهَلْ يَبْطُلُ عَقْدَ الهُدْنَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الفَاسِدَةِ في البَيْعِ، وكَذَلِكَ الحُكْمُ إِذَا شَرطَ في عَقْدِ الذِّمَّةِ شَرْطاً فَاسِداً نَحْوُ: أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُمْ أَنْ لاَ تَجْرِيَ أَحْكَامُنَا عَلَيْهِمْ ومَا أَشْبَهَهُ، فَإِنْ شَرَطَ أن يَرُدَّ مَنْ جَاءهُ مِنَ الرِّجَالِ مُسْلِماً لَزِمَهُ الوَفَاءُ بِذَلِكَ، بِمَعْنَى أنَّهُ لاَ يَمْنَعَهُمْ مِنْ أَخْذِهِ، ولاَ يُجْبِرُهُمْ عَلَى المُضِيِّ، ولَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ سِرّاً بَأَنْ يفَرَ مِنْهُمْ أو يُقَاتِلَهُمْ، ولاَ يَرْجِعُ مَعَهُمْ، فَإِنْ جَاءَنَا صَبِيٌّ يَعْقِلُ الإِسْلاَمَ لَمْ نَرُدَّهُ إِلَيْهِمْ، ويَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الإِمَامُ للرَّسُولِ والمُسْتَأْمِنِ وَكَمْ يَجُوزُ أنْ يُقِيْمَ في دَارِنَا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ؟ قَالَ أَصْحَابُنَا: يُقِيْمُ مُدَّةَ الهُدْنَةِ، وعِنْدِي: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقِيْمَ سَنَةً فَصَاعِداً إلاَّ
__________
(1) جمع صهر: وهم أهل بيت المرأة، يقال: صاهرت إليهم، إذا تزوجت فيهم. انظر: الصحاح 2/ 717 ولسان العرب 4/ 471 (صهر).
(2) ما بين القوسين تكررت في الأصل.
(3) انظر: المغني 10/ 518، والمحرر 2/ 182.(1/221)
بِجِزْيَةٍ. وإِذَا عَقَدَ الهُدْنَةَ فَعَلَيْهِ حِمَايَتُهُمْ مِنَ المُسْلِمِيْنَ دُوْنَ أَهْلِ الحَرْبِ، فَإِنْ خَافَ نَقْضَ العَهْدِ مِنْهُمْ جَازَ أَنْ يَنْبُذَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ (1)، وإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَ الإِسْلاَمِ بِغَيْرِ أَمَانٍ، فَإِنْ كَانَ تَاجِراً مَعْرُوْفاً بِذَلِكَ ومَعَهُ مَتَاعُهُ يَبِيْعُهُ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ، وقَدْ جَرَتِ العَادَةُ بِدُخُولِ تُجَّارِهِمْ إِلَيْنَا وتُجَّارِنَا إِلَيْهِمْ عَنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ لَمْ يَجُزِ التَّعَرُّضُ لَهُ وإِنْ كَانَ جَاسُوْساً فَالإِمَامُ فِيْهِ بالخِيَارِ كالأَسِيْرِ (2)، وإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَرِيْقَ أو حَمَلَتْهُ الرِّيْحُ فِي المَرْكَبِ إِلَيْنَا فَأَخَذَهُ المُسْلِمُونَ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يَكُوْنُ فَيْئاً لِلْمُسْلِمِيْنَ.
بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَخْذِ الجِزْيَةِ
لاَ يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ إِلاَّ لأَهْلِ الكِتَابِ / 124 ظ / مِنَ اليَهُوْدِ والنَّصَارَى ومَنْ وَافَقَهُمْ في أَصْلِ دِيْنِهِمْ كَالسَّامِرَةِ تُوَافِقُ اليَهُودَ والصَّابِئِيْنَ (3) الَّذِيْنَ يُوافِقُونَ النَّصَارَى، ومَنْ دَخَلَ في دِيْنِهِمْ قَبْلَ تَبْدِيْلِ كِتَابِهِمْ أو أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَلَمْ يَعْلَمْ مَتى دَخَلَ، ومَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ وهُمُ المَجُوسُ، فَأَمَّا مَنْ تَهَوَّدَ أو تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثِ نَبِيْنَا - صلى الله عليه وسلم -، أو قَبْلَ بَعْثِهِ وبَعْدَ التَّبْدِيْلِ فَلاَ تُعْقَدْ لَهُ ذِمَّةٌ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يُعْقَدُ لَهُمْ، وأمَّا أَهْلُ صُحُفِ إِبْرَاهِيْمَ وزَبُورُ دَاوُدَ ومَنْ تَمَسَّكَ بِدِيْنِ شِيْت، فَلاَ تُقْبَلُ مِنْهُمْ الجِزْيَةُ (4)، ومَنْ وُلِدَ بَيْنَ أبوين أَحَدهمَا مِمَّنْ يُقْبَلُ مِنْهُ الجِزْيَةُ والآخَرُ مِمَّنْ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ الجِزْيَةُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (5)، أَحَدُهُمَا: تُعْقَدُ لَهُ الذِّمَّةُ، والآخَرُ: لاَ تُعْقَدُ لَهُ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الحَسَنُ بنُ ثَوَّابٍ (6): أَنَّ الجِزْيَةَ تُقْبَلُ مِنْ جَمِيْعِ الكُفَّارِ إلاَّ عَبَدَةَ الأَوْثَانِ مِنَ العَرَبِ (7)، فأَمَّا نَصَارَى بَنِي تَغْلُبَ (8) فَيُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ومَوَاشيِهِمْ وثِمَارِهِمْ
__________
(1) لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} الأنفال: 58.
(2) نقل أبو داود عن الإمام أحمد: أن الجاسوس إذا كَانَ في بلاد المسلمين يقتل إن كان كافراً، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ يهودي أو نصراني كَانَ قَدْ نقض العهد. انظر: مسائل أبي داود 2/ 117.
(3) اختلف فيهم هل هم يدينون بدين النصارى أو باليهودية، فروي عن الإمام أَحْمَد: أنهم جنس من النصارى، وَقَالَ في موضع آخر: بلغني أنهم يسبتون فهؤلاء إذا أسبتوا فهم من اليهود. انظر: المغني 10/ 568.
(4) لأنهم من غَيْر الطائفتين - اليهودية والنصرانية -. انظر: الشرح الكبير 10/ 585.
(5) انظر: الشرح الكبير 10/ 590، وصحح قبول الجزية منه وعللها بقوله: ((لعموم النص فيهم، ولأنهم من أهل دين تقبل منه الجزية)).
(6) هو الشيخ الجليل الحسن بن ثواب أبو علي الثعلبي المخرمي، توفي سنة (268 هـ). انظر: طبقات الحنابلة 1/ 124.
(7) انظر: الروايتين والوجهين 190/ أ.
(8) قبيلة عربية، وتغلب: هو ابن وائل من ربيعة بن نزار. وقد انتقلوا من الجاهلية إلى النصرانية. انظر: لسان العرب 1/ 145 (غلب)، والمغني 10/ 590، وشرح الزركشي 4/ 216.(1/222)
ضِعْفَي مَا يُؤْخَذُ مِنَ المُسْلِمِيْنَ مِنَ الزَّكَاةِ ويَكُوْنُ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ الزَّكَاةِ لاَ حُكْمَ الجِزْيَةِ ذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ (1)، ونَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ -، فَعَلَى هَذَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ نِسَائِهِمْ وصِبْيَانِهِمْ ومَجَانِيْنِهِمْ ورُهْبَانِهِمْ وزمنَاهِمْ (2)، وسَوَاءٌ إِنْ كَانَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِقْدَارَ جِزْيَةٍ أَو أَقَلَّ، ومَنْ لاَ مَالَ لَهُ ولاَ شَيءَ عَلَيْهِ، ويَكُوْنُ مَصْرَفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إلى أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: مَصْرَفُهُ مَصْرَفُ الفَيءِ.
وكَذَلِكَ الحُكْمُ فِيْمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخَ وبَهَرَا، أَوْ مَنْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وحِمْيَرَ، أو تَمَجَّسَ مِنْ تَمِيْمٍ، وهَلْ يُؤْكَلُ مِنْ ذَبَائِحِ مَنْ تَهَوَّدَ أو تَنَصَّرَ، وتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وتُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ أمْ لاَ (3)؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).
ومَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلاَدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا بالعَقْدِ الأَوَّلِ ولاَ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ لَهُ وتُعْتَبَرُ جِزْيَتُهُ بحَالِهِ لاَ يُجْزِيْهِ أبِيْهِ، ولاَ يَصِحُّ عَقْدُ الذِمَةِ، إِلاَّ مِنَ الإِمَامِ، أو نَائِبِهِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ، ومِنْ شَرْطِ صِحَّةِ عَقْدِهَا بَذلُ الجِزْيَةِ والتِزَامُ أَحْكَامِ المِلَّةِ، ويَجِبُ أَنْ يُقَسِّمَهَا الإِمَامُ عَلَى الطَّبَقَاتِ فَيَجْعَلُ عَلَى الفَقِيْرِ المُعْتَملِ اثْنَي عَشَرَ دِرْهَماً قِيْمَتُهَا دِيْنَارٌ، وعَلَى المُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ دِرْهَماً، وعَلَى الغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وأَرْبَعُونَ دِرْهَماً (5)، وحَدُّ الغَنِيِّ في حَقِّهِمْ مَا عَدُّوهُ النَّاسُ غِنًى في العَادَةِ. وَقِيْلَ: مَنْ مَلَكَ مِئَةَ أَلْفِ درهمٍ فَهُوَ غني، ومن ملك دون مئة ألف إلى العَشْرَةِ آلاَفِ فَهُوَ مُتَوَسِّطٌ، ومَنْ مَلَكَ عَشْرَةَ آلاَفٍ /125 و/ فَمَا دُوْنَ فَهُوَ فَقِيْرٌ، وَقِيْلَ: مَنْ مَلَكَ نِصَاباً مِنَ الذَّهَبِ أَو الفِضَّةِ فَهُوَ غَنِيٌّ، والأَوَّلُ أَصَحُّ. وهَلْ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ ويُنْقَصُ؟ فِيْهِ رِوَايَاتٌ (6):
إحْدَاها: للإِمَامِ الزِّيَادَةُ والنُّقْصَانُ عَلَى مَا يَرَاهُ مِنَ المَصْلَحَةِ (7).
والثَّانِية (8): لاَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيْهَا ولاَ النُّقْصَانُ.
__________
(1) شرح الزركشي 4/ 216 - 217، وانظر: الروايتين والوجهين 190/ أ.
(2) أي: مرضاهم. انظر: المعجم الوسيط: 401 (زمن).
(3) كَذَا العبارة في الأصل، وفيها تكرار.
(4) نقل جواز نكاح نسائهم أبو بكر المروزي وإسحاق بن منصور. انظر: أحكام أهل الملل: 163، وصححه ابن قدامة وَقَالَ: ((قَالَ إبراهيم بن الحارث فكان آخر قوله عَلَى أنه لا يرى بذبائحهم بأساً)). المغني 10/ 596. وانظر: شرح الزركشي 4/ 219.
(5) انظر: مختصر الخرقي 1/ 132، وأحكام أهل الملل: 90 و 91، والروايتين والوجهين 190/ أ، وطبقات الحنابلة 2/ 97.
(6) انظر: أحكام أهل الملل: 92، والروايتين والوجهين 190/ أ، وطبقات الحنابلة 2/ 97.
(7) نقلها عن الإمام أحمد يعقوب بن بختان. انظر: أحكام أهل الملل: 92، والروايتين والوجهين
190/ أ.
(8) فِي الأصل: ((والثاني)).(1/223)
والثَّالِثَةُ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ ولاَ يَجُوزُ النُّقْصَانُ، فَإِذَا قُلْنَا: لاَ يُزِيْدُ الإِمَامُ ولاَ يُنْقِصُ، فَمَتَى بَدَّلُوا المِقْدَارَ المَذْكُورَ لَزِمَهُ قَبُولُهُ وحَرَّمَ قِتَالَهُمْ، وإِذَا قُلْنَا لَهُ: الزِّيَادَةُ فَلاَ يحَرُمُ قِتالُهُمْ، ويَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ مَعَ الجِزْيَةِ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، ويُبَيِّنُ أَيَّامَ الضِّيَافَةِ ومِقْدَارَ الطَّعَامِ والإِدَامِ والعَلَفِ للدَّوَابِّ، وعَدَدَ مَنْ يُضَافُ مِنَ الرِّجَالَةِ والفُرْسَانِ، ويُقَسِّمُ ذَلِكَ عَلَى مِقْدَارِ خَزْنِهِمْ، وأَقَلُّ الضِّيَافَةِ يَوْماً ولَيْلَةً، ولاَ تَجِبُ ذَلِكَ إلاَّ بالشَّرْطِ، ومِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يجب ذَلِكَ لِغَيْرِ شَرْطٍ كَمَا يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ (1).
وتُؤْخَذُ الجِزْيَةُ في آخِرِ الحَوْلِ، فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وأَفَاقَ المَجْنُونُ في أَثْنَاءِ الحَوْلِ أُخِذَ مِنْهُ في آخِرِ الحَوْلِ بِقَدَرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُتْرَكْ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلَهُ، ومَنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْماً ويَفِيْقُ يَوْماً فَإِنَّهُ يُلْفِقُ (2) أَيَّامَ فَاقَتِهِ، فَإِذَا بَلَغَتْ حَوْلاً أُخِذَتْ مِنْهُ الجِزْيَةُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ في آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ نِصْفَ جِزْيَتِهِ كَالمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، ولاَ تُؤْخَذُ الجِزْيَةُ مِنِ امْرَأَةٍ ولاَ صَبِيٍّ ولاَ زَمِنٍ (3)، فَأَمَّا العَبْدُ فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ مسلماً فَلاَ جزية عَلَيْهِ وإن كَانَ سيدهُ ذِمِّيّاً فَعَلَى وَجْهَيْنِ (4). وَقَالَ: أبُو بَكْرٍ، وشَيْخُنَا: لاَ جِزْيَةَ عَلَيْهِ أيْضَاً، وَظاهِرُ كَلامِ الخِرَقيِّ: عَلَيْهِ الجِزْيَةُ (5). وأَمَّا الفَقِيْرُ الَّذِي لاَ حِرْفَةَ لَهُ فَلاَ جِزْيَةَ عَلَيْهِ في المَنْصُوصِ عَنْهُ (6)، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُلْزِمَهُ الجِزْيَةَ يُطَالَبُ بِهَا إِذَا أَيسَرَ؛ لأنَّهُ مِنْ أَهْلِ القِتَالَ، وإِذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ حُلُوْلِ الحَوْلِ سَقَطَتِ الجِزْيَةُ عَنْهُ (7)، وإِنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُوْلِ الحَوْلِ أُخِذَتْ الجِزْيَةُ مِنْ مَالِهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلاَمِ أَحْمَدَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ والخِرَقِيِّ وابْنِ حَامِدٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا: تَسْقُطُ عَنْهُ الجِزْيَةُ. وإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِيْنَ اسْتُوْفِيَتْ مِنْهُ، وَلَمْ تَتَدَاخَلْ ويُمْتَهَنُوا عِنْدَ أَخْذِ الجِزْيَةِ ويُطَالُ عَلَيْهِمْ قِيَامُهُمْ وتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ عِنْدَ أَخْذِهَا (8)، وإِذَا مَاتَ الإِمَامُ أَو عُزِلَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ فَإِنْ عَرَفَ مَبْلَغَ مَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ مِنَ الجِزْيَةِ والضِّيَافَةِ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ (9)، وإنْ لَمْ يَثْبُتْ
__________
(1) قَالَ في المغني 10/ 579: ((والأول: أصح؛ لأنَّهُ أداء مال فَلَمْ يجب بغير رضاهم)).
(2) التلفيق: هُوَ ضم شق الثوب إلى الآخر، وهنا بمعنى: ضم الأيام الَّتِي يفيق فِيْهَا وجمعها. انظر: اللسان 10/ 330، وتاج العروس 26/ 360 (لفق).
(3) رجل زَمِن: أي مبتلى بيِّن الزمانة، وَهِيَ آفة في الحيوان. انظر: الصحاح 5/ 2131، ولسان العرب 13/ 199 (زمن).
(4) انظر: الروايتين والوجهين 190/ ب، وأحكام أهل الملل: 104.
(5) انظر: مختصر الخرقي 1/ 133، وشرح الزركشي 4/ 214.
(6) انظر: أحكام أهل الملل: 90.
(7) انظر: أحكام أهل الملل: 96.
(8) قَالَ في الشرح الكبير 10/ 606: ((هكذا ذكر أبو الخطاب ... لقوله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة: 29.
(9) فِي الأصل: ((عَلَيْهِمْ)).(1/224)
عِنْدَهُ ذَلِكَ رَجَعَ إلى قَوْلِهِمْ فِيْمَا يُسَوَّغُ أَنْ /126 ظ/ يَكُوْنَ جِزْيَةً، فَإِنْ بَانَ لَهُ أنَّهُمْ يَقْضُون مِنَ المَشْرُوطِ عَلَيْهِمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وعِنْدِي أنَّهُ يَسْتَأْنِفُ عَقْدَ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ عَلَى مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وإِذَا عَقَدَ الإِمَامُ الذِّمَّةَ كَتَبَ أَسْمَاءهُمْ وأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وحِلاَهُمْ وكَتَبَ دِيْنَهُمْ (1) وجَعَلَ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عَرِيفاً يَعْلَمُ مَنْ بَلَغَ فِيْهِمْ ومَنْ إِذَا اسْتَغْنَى، أَو قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، أو أسلَمَ، أَو سَافَرَ، أَو نَقَضَ العَهْدَ، أَو خَرَقَ شَيْئاً مِنْ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ (2).
بَابُ المَأْخُوذِ مِنْ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ
يَلْزَمُ الإِمَامَ أَنْ يَأْخُذَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِأَحْكَامِ الإِسْلاَمِ في ضَمَانِ الأَنْفُسِ والأَمْوَالِ والأَعْرَاضِ، وإِقَامَةِ الحُدُوْدِ فِيْمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيْمَهُ كَالزِّنَا (3) والسَّرِقَةِ، فَأَمَّا مَا لاَ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيْمَهُ مِنْ شُرْبِ الخَمْرِ، ونِكَاحِ ذَوَاتِ المَحَارِمِ فَلاَ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيْهِ ويُلْزِمَهُمْ أَنْ يَتَمَيَّزُوا في لِبَاسِهِمْ ورَكُوبِهِمْ وشُعُوْرِهِمْ وكُنَاهُمْ عَنِ المُسْلِمِيْنَ، فَالتَّمْيِيْزِ فِي المَلْبُوسِ بالغيَارِ: وَهُوَ ثَوْبٌ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ بَقِيَّةِ ثِيَابِهِمْ كَالعَسَلِيِّ والأَدْكَنِ، وإِنْ لَبِسُوا القَلاَنِسَ مَيَّزُوْهَا عَنْ قَلاَنِسِ المُسْلِمِيْنَ بِشَدِّ خِرْقَةٍ في أَطْرَافِهَا، ويَجْعَلُ غِيَارَ المَرْأَةِ في خُفَّيْهَا فَتَلْبَسُ أَحَدَ الخُفَّيْنِ أَسْوَدَ والآخَرَ أَبْيَضَ أَوْ أَحْمَرَ، ويُؤْمَرُونَ بِشَدِّ الزُّنَّارِ (4) فَوْقَ ثِيَابِهِمْ، ويجْعَلُ في رِقَابِهِمْ خَوَاتِيْمَ الرَّصَاصِ، أو جُلْجُلَ (5) يَدْخُلُ مَعَهُمْ الحَمَّامَ ويُمْنَعُونَ مِنْ لُبْسِ الطَّيَالِسَةِ، وَقَالَ شَيْخُنَا في " المجرد " (6): لاَ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ، ويُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوْبِ الخَيْلِ ورُكُوبِ البِغَالِ والحَمِيْرِ بالسُّرُوجِ، ويُبَاحُ لَهُمْ رُكُوبُهَا عرضاً عَلَى الأَكُفِّ. ولاَ يَجُوزُ تَصْدِيْرُهُمْ في المَجَالِسِ، وبِدَايَتُهُمْ بالسَّلاَمِ، وإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمْ قِيْلَ لَهُ: وَعَلَيْكُمْ. ولاَ يَجُوزُ تَهْنِئَتُهُمْ ولاَ تَعْزِيَتُهُمْ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الرِّوَايَة الأُخْرَى: تَجُوزُ (7). ويَحذفونَ
__________
(1) في المخطوط: ((ودينهم))، وَهِيَ مقحمة.
(2) قَالَ في الشرح الكبير10/ 611: ((ومن أخذت منه الجزية كتب لَهُ براءة لتكون له حجة إذا احتاج إليها)).
(3) قَالَ الإمام مجد الدين في المحرر 2/ 185: ((وعنه - يعني: الإمام أَحْمَد -: لا يلزمه إقامة حد زنا بعضهم ببعض إلا أن يشاء، واختاره ابن حامد)). وانظر: الفروع 6/ 245، والإنصاف 4/ 232.
(4) حزام يلبسه الذمي ويشده عَلَى بطنه. انظر: لسان العرب 4/ 330، وتاج العروس 11/ 452 (زنر).
(5) الجلجل: هُوَ الجرس الصغير. انظر: لسان العرب 11/ 122 (جلل).
(6) ذكره حاجي خليفة باسم (المجرد في الأصول) انظر: كشف الظنون 2/ 491
(7) توقف الإمام أَحْمَد - رَحِمَهُ اللهُ - عن تعزية أهل الذمة فَقَدْ نقل الأثرم وحمدان الوراق: أن الإمام
أَحْمَد - رَحِمَهُ اللهُ -، سئل يعزى أهل الذمة. فقال: مَا أدري أخبرك. ونقل الفضل بن زياد عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: لاَ أدري ولِمَ يعزيه. أحكام أهل الملل: 223 - 224، وانظر الشرح الكبير 10/ 617، والإنصاف 4/ 234.(1/225)
مَقَادِمَ رُؤُوسِهِمْ ولاَ يُفَرِّقُونَ شُعُوْرَهُمْ، ولاَ يَتَكَنُّوا بِكُنَى المُسْلِمِيْنَ: كأَبِي القَاسِمِ وأَبِي مُحَمَّدٍ وأَبِي عَبْدِ اللهِ وأَبِي بَكْرٍ ومَا أَشْبَهَهُ، ويُمْنَعُوْنَ مِنْ تَعْلِيَةِ البُنْيَانِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ. فَأَمَّا مُسَاوَاتُهُمْ فَعَلَى وَجْهَيْنِ (1). فَإِنْ ملكوا داراً عالية البنيان من مُسْلِم لَمْ يؤمروا بنقضها ويمنعون من إحداث البيع والكنائس فِي دار الإسلام وَلاَ يمنعون من بناء /127و/ مَا استهدم مِنْهَا فِي إحدى الرِّوَايَتَيْنِ والأخرى يمنعون أَيْضاً فأما رم مَا شعث فَلاَ يمنعون رِوَايَة واحدة ويمنعون من إظهار المنكر من الخمر والخنزير وضرب الناقوس والجهر بتلاوة التوراة والإنجيل فإن صولحوا فِي بلدانهم عَلَى أخذ الجزية لَمْ يمنعوا من جَمِيْع مَا ذكرنا ويمنعون من المقام بالحجاز وَهُوَ مَكَّة والمدينة واليمامة وما والاها من قراها فإن أذن لَهُمْ بالدخول فِي التجارة لَمْ يقيموا أَكْثَر من ثلاثة أيام عَلَى مَا شرط عُمَر - رضي الله عنه - وَقَالَ شَيْخُنَا يقيموا أربعة أيام حد مَا يتم المسافر الصَّلاَة فإن كَانَ لَهُ بالحجاز ديون وَكَّلَ من يقضها وينفذها إِلَيْهِ فَإِنْ مرض لَمْ يخرج حَتَّى يبرأ وإن مات دفن بِهَا وأما الحرم فَلاَ يجوز لَهُمْ دخوله بحال وسواء فِي ذَلِكَ المكلف وغير المكلف فَإِنْ كَانَ مَعَهُ رسالةً خَرَجَ من قَبْلَ الإمام من يسمعها مِنْهُ فإن كَانَ لاَ بد لَهُ من لقاء الإِمَام خَرَجَ إِلَيْهِ وَلَمْ يأذن لَهُ فَإِنْ دَخَلَ مَعَ علمه يمنعه من ذَلِكَ عُزّر وإن دَخَلَ جاهلاً نهي وهُدّد فَإِنْ مرض فِي الحرم أَوْ مات أخرج وَلَمْ يقِّر فِيْهِ فَإِنْ دفن فِيْهِ نبش وأخرج إلاّ أن يَكُون قَدْ بلى وَلاَ يجوز لَهُمْ دخول بقية المساجد فِي إحدى الرِّوَايَتَيْنِ والأخرى يجوز لَهُمْ (2) دخولها وَلَيْسَ لأهل الحرب دخول دار الإِسْلاَمِ إلاّ بإذن الإمام ذكره شَيْخُنَا وَقَالَ أَبُو بَكْر: لَهُمْ دخولها رسلاً وتجاراً وَقَدْ أومأ إِلَيْهِ أَحْمَد - رَحِمَهُ اللهُ - وإن دخلوا أخذنا مِنْهُمْ عُشر مَا معهم من الأموال وإن قُلْتُ ذكره ابْن حامد وَقَالَ شَيْخُنَا: إن كَانَ المال دُوْنَ عشرة دنانير لَمْ يؤخذ مِنْهُمْ شيء.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحمد - رضي الله عنه - وَهِيَ (3) رِوَايَةُ أَبِي الحَارِثِ، فَإِنِ اتَّجَرَ بَعْضُ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلى غَيْرِ بَلْدَةٍ ثُمَّ عَادَ أُخِذَ مِنْهُ نِصْفُ العُشْرِ وإِنْ قَلَّ، عَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ، وعَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا إِذَا كَانَ عَشرَةُ دَنَانِيْرَ فَصَاعِداً (4)، ويُؤْخَذُ ذَلِكَ في السَّنَةِ مَرَّةً، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ مِنَ الحَرْبِيِّ كُلَّمَا دَخَلَ إِلَيْنَا (5)، وعَلَى الإِمَامِ حِفْظُ أَهْلِ الذِّمَّةِ في دَارِنَا، والمَنْعُ مِنْ أَذَاهُمْ، واسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ، والمُفَادَاةُ عَنْهُمْ بَعْدَ أَنْ يُفَادِي عَنِ المُسْلِمِيْنَ، وإِذَا
__________
(1) انظر:: الإنصاف: 4/ 235.
(2) فِي الأصل ((لَكُمْ)).
(3) فِي الأصل ((فِي)) وأثبتناها ((وَهِيَ)) ليستقيم الكلام.
(4) انظر: الإنصاف: 4/ 246.
(5) انظر: المقنع: 96.(1/226)
تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا مَعَ مُسْلِمٍ وَجَبَ الحُكْمُ بَيْنَهُمْ، وإِنْ تَحَاكَمُوا بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، أَو /128 ظ/ اسْتَعدوا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَالحَاكِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِحْضَارِهِمْ والحُكْمُ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ تَرْكِهِمْ، فَإِنْ تَبَايَعُوا بُيُوْعاً فَاسِدَةً أَوْ عَقَدُوا النِّكَاحَ عَلَى خَمْرٍ أو خِنْزِيْرٍ وتَقَابَضُوا ثُمَّ ارتَفَعُوا إِلَيْنَا لَمْ يُنْقَضْ مَا فَعَلُوهُ، وإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوهُ لَمْ يُنْقَضْ عَلَيْهِمْ البَيْعُ، وفُرِضَ في النِّكَاحِ مَهْرُ المِثْلِ، وإِنْ تَحَاكَمُوا إلى حَاكِمٍ لَهُمْ فَأَلْزَمَهُمُ القَبْضَ ثُمَّ تَرَافَعُوا إِلَيْنَا أَنْ يَمْضِيَ حُكْمُ حَاكِمِهِمْ واحْتَمَلَ أَنْ لاَ نَمْضِيْهِ، وإِذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيَّةً بِغَيْرِ شُهُوْدٍ، أَو تَزَوَّجَ في امْرَأَةٍ في عِدَّتِهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا سَوَاءٌ أَسْلَمَا أَوْ أَقَامَا عَلَى دِيْنِهِمَا، وَعِنْدِي: أنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَ في العِدَّةِ وأَسْلَمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وإِذَا مَاتَ أَحَدُ أَبَوَي الطِّفْلِ أَوْ أَسْلَمَ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ، وإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ صَحَّ إِسْلاَمُهُ ورِدَّتُهُ وَعَنْهُ أنَّهُ يصح إسلامه وَلاَ تصح ردّته وَعَنْهُ أنَّهُ لاَ يصح إسلامه وَلاَ ردته.
وإِذَا تَهَوَّدَ النَّصْرَانِيُّ وتَنَصَّرَ اليَهُودِيُّ لَمْ يُقِرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمَا غَيْرُ الإِسْلاَمِ، أَو الدِّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ (1)، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُتَوَجَّهُ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمَا غَيْرُ الإِسْلاَمِ (2)، فَإِنْ أَبى إلاَّ المَقَام عَلَى مَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ هُدِّدَ وحُبِسَ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: يُتَوَجَّهُ أَنْ يُقْبَلَ، فَإِنِ انْتَقَلَ مِنْ لاَ كِتَابَ لَهُ إلى دِيْنٍ لَهُ كِتَابٌ فَإِنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهِ عَلَى مَنْصُوصِ أَحْمَدَ (3)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يُقَرَّ ولاَ يُقْبَلَ مِنْهُ غَيْرُ الإِسْلاَمِ (4)، وإِنِ انْتَقَلَ إلى مِثْلِ دِيْنِهِ في عَدَمِ الكِتَابِ لَمْ يُقَرَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وأُمِرَ أَنْ يُسْلِمَ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ.
بَابُ مَا يَحْصُلُ بِهِ نَقْضُ العَهْدِ
لاَ يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُمْ إِذَا امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ الجِزْيَةِ والْتِزَامِ أَحْكَامِ المِلَّةِ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، فَأَمَّا إِنْ زَنَا أَحَدُهُمْ بِمُسْلِمَةٍ أَو أَصَابَهَا باسْمِ نِكَاحٍ، أَو آوَى جَاسُوْساً للمُشْرِكِيْنَ، أَو عَاوَنَ عَلَى المُسْلِمِيْنَ بِقِتَالٍ أَو دِلاَلَةٍ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ، أَو فَتَنَ مُسْلِماً عَنْ دِيْنِهِ، أَو قَتَلَهُ (5)، أَو قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيْقَ، أَو قَذَفَهُ أَو ذَكَرَ اللهَ تَعَالَى أَو رَسُوْلَهُ أو كِتَابَهُ بالسُّوْءِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (6):
__________
(1) نقلها عنه حنبل ومهنّا. انظر: الروايتين والوجهين 192/ أ.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 192/ أ؛ لأنَّهُ كَانَ مقراً ببطلان الدين الَّذِي انتقل إليه، والدين الَّذِي عليه قد أقر ببطلانه حالياً فأصبح كلا الدينين باطلاً، فَلاَ يقبل إلا الدين الحق أو القتل.
(3) في رواية مهنّا. انظر: الروايتين والوجهين 192/ ب.
(4) انظر: الروايتين والوجهين 192/ ب.
(5) قَالَ الزركشي في شرحه 4/ 226: ((ثُمَّ إن أبا الخطاب في خلافة الصغير قيد القتل بأن يكون
عمداً)).
(6) انظر: الروايتين والوجهين 191/ ب.(1/227)
إحْدَاهُمَا: يُنْقَضُ العَهْدُ بِذَلِكَ (1)، والأُخْرَى: لاَ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ (2)، ويُقَامُ فِيْهِ حُدُوْدُ ذَلِكَ، وإِنْ أَظْهَرَ مُنْكَراً أو رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ، أَو ضَرَبَ نَاقُوساً بَيْنَهُمْ، أَو عَلاَ عَلَى بُنْيَانِهِمْ، أَو رَكِبَ / 129 و/ الخَيْلَ ونَحْوَ ذَلِكَ، فَظَاهِرُ كَلاَمِ الخِرَقِيِّ (3) إِنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ في عَقْدِ الذِّمَّةِ تَرْكَ ذَلِكَ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يُنْتَقَضُ العَهْدُ بِذَلِكَ (4) وإِنْ شَرَطَ، وإِذَا حَكَمْنَا بِنَقْضِ عَهْدِهِ، فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ يُقْتَلُ في الحَالِ (5)، وَقَالَ شَيْخُنَا: حُكْمُهُ حُكْمُ الأَسِيْرِ الحَرْبِيِّ يُخَيَّرُ الإِمَامُ فِيْهِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ (6)، ولاَ يُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وأَوْلاَدِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ، وإِذَا قُتِلَ فَمَا لَهُ فَيءٌ عَلَى ظَاهِرِ كَلاَمِ الخِرَقِيِّ (7)، وعَلَى قَوْلِ أبي بَكْرٍ هُوَ لِوَرَثَتِهِ (8).
كِتَابُ البُيُوْعِ
بَابُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ومَا لاَ يَجُوزُ
كُلُّ عَيْنٍ طَاهِرَةٍ يُنْتَفَعُ بِهَا فَإِنَّهُ يَجُوْزُ بَيْعُهَا كَالعَقَارِ والمَتَاعِ والحَيَوَانِ، فَأَمَّا الخَمْرُ والمَيْتَةُ والدَمُ والسِّرْجِيْنُ النَّجِسُ وحَشَرَاتُ الأَرْضِ والخِنْزِيْرُ والكَلْبُ وسِبَاعُ البَهَائِمِ الَّتِي لا تَصْلُحُ للاصْطِيَادِ فَلاَ يَجُوْزُ بَيْعُهَا، واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في بَيْعِ الفِيْلِ والفَهْدِ والسِّنَّوْرِ والبَازِ والصَّقْرِ، فَعَنْهُ أنَّهُ: يَجُوزُ بَيْعُهَا وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (9)، وَعَنْهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ (10)، ويَجُوزُ بَيْعُ البَغْلِ والحِمَارِ سَوَاءٌ قُلْنَا: هُمَا طَاهِرَانِ أو نَجِسَانِ،
__________
(1) نقل أبو بكر الخلال عن الإمام أحمد: أنه سئل عمن شتم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: يقتل، قَدْ نقض العهد. أحكام أهل الملل: 256.
(2) وهو اختيار أبي يعلى الفراء. انظر: الروايتين والوجهين 191/ ب.
(3) مختصر الخرقي 1/ 133، وانظر: شرح الزركشي 4/ 223.
(4) قَالَ: وعندي أن ما لا ضرر عَلَى المسلمين بتركه لا ينقض العهد بِهِ. انظر: الروايتين والوجهين
191/ ب.
(5) نقلها عنه حنبل. انظر: أحكام أهل الملل: 256.
(6) وَهِيَ: القتل، والاسترقاق، والمن، والفداء. انظر: الشرح الكبير 10/ 635.
(7) انظر: مختصر الخرقي 1/ 133، وشرح الزركشي 4/ 228.
(8) قَالَ أبو بكر: يكون لورثته، فَلاَ ينتقض عهده في حاله، فإن لَمْ يكن له ورثة، فهو فَيءٌ. انظر: شرح الزركشي 4/ 228، والمقنع: 96، والإنصاف 4/ 258.
(9) انظر: شرح الزركشي 2/ 242.
(10) انظر: شرح الزركشي 2/ 243.(1/228)
ويَجُوْزُ بَيْعُ دُوْدِ القَزِّ وبَزْرِهِ وبَيْعِ النَّحْلِ مَعَ الكُوَّارَاتِ (1) ومُنْفَرِدَةً عَنْهَا، فَأَمَّا الأَدْهَانِ النَّجِسَةِ (2) فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وفي جَوَازِ الاسْتِصْبَاحِ بِهَا رِوَايَتَانِ، ويُتَخَرَّجُ عَلَى جَوَازِ الاسْتِصْبَاحِ بِهَا جَوَازُ بَيْعِهَا، ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الآدَمِيَّاتِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (3)، والآخَرِ: يَجُوْزُ. ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الوَلَدِ ويَجُوزُ بَيْعُ المُدَبَّرِ (4)، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ إلاَّ لأَجْلِ الدَّيْنِ (5)، وحُكْمُ المُدَبَّرَةِ حُكْمُهُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا (6) بِحَالٍ، ويَجُوزُ بَيْعُ المُكَاتِبِ (7) وَيَكُوْنُ عَلَى كِتَابَتِهِ عِنْدَ المُشْتَرِي، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوْزُ بَيْعُهُ، ويَجُوزُ بَيْعُ المُرْتَدِّ والقَاتِلِ في المُحَارَبَةِ والجَاني سَوَاءٌ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَمْداً أو خَطأً عَلَى النَّفْسِ ومَا دُوْنَهَا، ولاَ يَجُوْزُ بَيْعُ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كالطَّيْرِ في الهَوَاءِ والسَّمَكِ في المَاءِ (8) والعَبْدِ الآبِقِ (9) والجَمَلِ الشَّارِدِ. ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا تُجْهَلُ صِفَتُهُ كَالحَمْلِ في البَطْنِ واللَّبَنِ في الضَّرْعِ (10) والبَيْضِ في الدَّجَاجِ والمِسْكِ في الفَأْرَةِ (11) والنَّوَى في التَّمْرِ، ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ الصُّوْفِ عَلَى الظَّهْرِ (12)، وَعَنْهُ يَجُوزُ (13) بِشَرْطِ / 130 ظ / جَزِّهِ في الحَالِ، ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ الوَقْفِ إِلاَّ أنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: إِذَا خَرِبَ، أو كَانَ فَرَساً فَعَطِبَ جَازَ بَيْعُهُ وصُرِفَ ثَمَنُهُ في مِثْلِهِ، ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ ولاَ إِجَارَةِ بُيُوْتِهَا عَلَى الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ: إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً (14) وعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: فُتِحَتْ
__________
(1) أي: خلايا النحل الأهلية. انظر: متن اللغة 5/ 123، والمعجم الوسيط: 804.
(2) انظر: الشرح الكبير 4/ 14.
(3) انظر: الشرح الكبير 4/ 304.
(4) انظر: مسائل عبد الله 3/ 906.
(5) انظر: مسائل عبد الله 3/ 907، ومسائل أبي داود: 216.
(6) انظر: مسائل عبد الله 3/ 907.
(7) انظر: مسائل عبد الله 3/ 928، ومسائل أبي داود: 208.
(8) انظر: مسائل عبد الله 3/ 909.
(9) انظر: مسائل ابْن هانئ 2/ 10.
(10) انظر: مسائل ابن هانئ 2/ 9.
(11) الفأرة مجازاً: الوعاة الذي يحوي الشيء. انظر: المعجم الوسيط 2/ 671.
(12) الروايتين والوجهين 71/ أ، ونقل أبو طالب عدم الجواز.
(13) الروايتين والوجهين 71/ أ، ونقل حنبل جواز ذَلِكَ.
(14) الْحَدِيْث الَّذِي يرويه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ: ((إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وأنها لَمْ تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من النهار ... )). أخرجه أَحْمَد 2/ 238، والدارمي (2603)، والبخاري 1/ 38 (112) و 3/ 164 (2434) و 9/ 6 (6880)، ومسلم 4/ 110 (1355) (447) و 4/ 111 (1355) (448)، وأبو داود (2017)، والنسائي في الكبرى (5855)، وأبو عوانة 4/ 42، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 261 و 3/ 328، والدارقطني 3/ 97 - 98، والبيهقي 8/ 52.(1/229)
صُلْحاً (1) يَجُوزُ ذَلِكَ. فَأَمَّا أَرْضُ السَّوَادِ، وَهِيَ مِنْ حَدِيْثَةِ المَوْصِلِ إلى عَبَّادَانَ طُوْلاً ومِنْ عُذَيْبِ القَادِسِيَّةِ إلى حُلْوَانَ عُرْضاً، فَيَكُوْنُ طُوْلُهُ مِئَةً وسِتِّيْنَ فَرْسَخاً وعرضه ثمانين رسخاً، [وسُمِّيَ سَوَاداً؛ لأَنَّ العَرَبَ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ أَرْضِهَا ولاَ تَزْرَعُ بِهَا ولاَ شَجَرَ فَيَظْهَرُ لَهُمْ خُضْرَةُ الأَشْجَارِ والزَّرْعِ بالعِرَاقِ] (2)، وهُمْ يَجْمَعُونَ في الاسْمِ بَيْنَ الخُضْرَةِ والسَّوَادِ فَيُسَمُّونَهُ سَوَاداً، وسَمُّوا العِرَاقَ عِرَاقاً لاسْتِواءِ أَرْضِهِ وخُلُوِّهَا مِنْ جِبَالٍ مُرْتَفِعَةٍ وأَوْدِيَةٍ مُنْخَفِضَةٍ. ومَذْهَبُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَمْ يُقَسِّمْهَا عُمَرُ - رضي الله عنه - بَيْنَ الغَانِمِيْنَ بَلْ وَقَفَهَا عَلَى كَافَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وأَقَرَّهَا في يَدِ أَرْبَابِهَا بالخَرَاجِ الَّذِي ضَرْبهُ يَكُوْنُ أُجْرَةً لَهَا في كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ يُقَدِّرْ مُدَّتَهَا؛ لِعُمُومِ المَصْلَحَةِ فِيْهَا فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا (3) ولاَ شِرَاؤُهَا، وَعَنْهُ: أنَّهُ كَرَّهَ بَيْعَهَا وأَجَازَ شِرَاءَهَا، فَأمَّا إِجَازَتُهَا (4) فَجَائِزٌ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لأنَّهَا فِي يَدِ أَرْبَابِهَا مُسْتَأْجَرَةً بالخَرَاجِ فَأَجَارة المُسْتَأْجِر جَائِزَةً، ويَجُوزُ بَيْعُ المُصْحَفِ مَعَ الكَرَاهِيَةِ (5)، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ (6)، وهَلْ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ وإِبْدَالُهُ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7). ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ حَبَلِ الحبلة - وَهُوَ نِتَاجُ الجَنِيْنِ -، ولاَ بَيْعَ المَلاَقِيْحِ - وَهُوَ بَيْعُ مَا فِي بُطُوْنِ الأَنْعَامِ -، ولاَ بَيْعَ المَضَامِيْن - وَهُوَ بَيْعُ مَا فِي ظُهُوْرِهَا -، ولاَ بَيْعَ كُلِّ مَعْدُومٍ إلاَّ فِي السَّلَمِ والإِجَارَةِ رُخْصَةٌ، ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَا عُدَّ كَمِيَاهِ (8) ونَقْعِ البِئْرِ،
__________
(1) الحديث الذي يرويه أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له: أين تنزل غداً قَالَ: ((وهل تَرَكَ لَنَا عقيل من رباع)). أخرجه عَبْد الرزاق (19304)، وأحمد 5/ 202، والبخاري 2/ 181 (1588) و 4/ 86 (3058) و 5/ 187 (4282)، ومسلم 4/ 108 (1351) (439) و (440)، وأبو داود (2010)
و (2910)، وابن ماجه (2730) و (2942)، والمروزي في السنة: 108، والنسائي في الكبرى (4255) و (4256)، وابن خزيمة (2985)، وأبو عوانة (5596) و (5597)، والطبراني في الكبير (412) و (3413)، والدارقطني 3/ 62، والخطيب في الفصل والوصل 2/ 689، والبغوي (2747)، والمزي في تهذيب الكمال 5/ 444، والعلائي في البغية: 187.
(2) الكلام مَا بَيْنَ القوسين هَكَذَا وجد فِي المخطوطة.
(3) انظر: مسائل ابن هانئ 2/ 10.
(4) نقل ابن هانئ: ((وسئل عن الرجل: يستأجر أرضاً من السواد؟ قَالَ: يزارع رجلاً، أحب إليّ من أن يستأجر أرضاً)). مسائل ابن هانئ 2/ 30.
(5) انظر: مسائل عبد الله 3/ 923 - 924، والإنصاف 4/ 278، والمبدع 4/ 12.
(6) انظر: مسائل أبي داود 1/ 191. قَالَ المرداوي في مسألة البيع: لا يجوز ولا يصح، وهو المذهب عَلَى ما اصطلحناه. الإنصاف 4/ 278، وَقَالَ ابن مفلح عن عدم الجواز: إنه أشهر الروايتين. المبدع 4/ 12.
(7) انظر: مسائل عبد الله 3/ 924 - 925، والإنصاف 4/ 279.
(8) في المبدع 4/ 22، والإنصاف 4/ 290، وكشاف القناع 3/ 160: ((كمياه العيون ونقع البئر)). وانظر: مسائل أبي داود: 194، والمغني 4/ 309.(1/230)
وغَيْرِ ذَلِكَ، ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِي المَعَادِنِ الجَارِيَةِ مِنَ القِيْرِ والنِّفْطِ والمِلْحِ (1)، ومَنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئاً مَلَكَهُ إلاَّ أنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مِلْكِ غَيْرِهِ إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يَجُوزُ لِمَالِكِ الأَرْضِ بَيْعُ ذَلِكَ؛ لأنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ الأَرْضِ الَّتِي هُوَ فِيْهَا، وكَذَلِكَ الحُكْمُ في النَّابِتِ في أَرْضِهِ مِنَ الكَلأ (2) والشَّوْكِ، فَأَمَّا المَعَادِنُ الجَامِدَةُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وسَائِرِ الجَوَاهِرِ فَإِنَّها تُمَلَّكُ بمِلْكَ الأَرْضِ الَّتِي هُوَ فِيْهَا (3).
بَابُ مَا يَصِحُّ مِنَ البُيُوْعِ ومَا لاَ يَصِحُّ
لاَ تَصِحُّ بُيُوعُ الأَعْيَانِ / 131 و / إلاَّ بِرُؤْيَةٍ أو صِفَةٍ تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَةُ المَبِيْعِ، فأَمَّا إِنْ رَآها وَلَمْ يَعْلَمْ ما هِيَ، أو ذَكَرَ لَهُ بَعْضَ صِفَاتِهَا الَّتِي لاَ تَكْفِي في صِحَّةِ السلم لَمْ تَصِحَّ (4)، وإِذَا وَجَدَهَا عَلَى الصِّفَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الفَسْخُ، فَإِنْ رَآهَا ثُمَّ عَقَدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ لاَ يَتَغَيَّرُ العين فِيْهِ جَازَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: لاَ يجُوزُ حَتَّى يَرَاهَا حَالَ العَقْدِ، فَإِنْ رَآهَا ثُمَّ عَقَدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ ثُمَّ وَجَدَهَا قَدْ تَغَيَّرتْ فَلَهُ الفَسْخُ، كَمَا لَوْ وُصِفَتْ لَهُ فَرَآهَا بِخَلاَفِ الصِّفَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في التَّعْيِيْنِ أَو الصِّفَةِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ المُشْتَرِي، ونَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ: أَنَّ بَيْعَ الأَعْيَانِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ ولاَ صِفَةٍ يَصِحُّ، ويَكُوْنُ لَهُ اخْتِيَارُ الرُّؤْيَةِ (5)، وإِذَا بَاعَ سِلْعَةً بِرَقْمِهَا أو بِأَلْفِ دِرْهَمِ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ لَمْ يَصِحَّ، وإِذَا بَاعَهُ الصُّبْرَةَ إلاَّ قَفِيْزاً (6) لَمْ
__________
(1) هَذَا مبني عَلَى أصل. وهو أن الماء العد، والمعادن الجارية، والكلأ النابت في أرضه، هل تملك بملك الأرض قبل حيازتها أم لا يملك؟ فِيْهِ روايتان:
إحداهما: لا تملك قَبْلَ حيازتها بِمَا تراد لَهُ وَهُوَ المذهب.
والثانية: تملك ذلك بمجرد ملك الأرض. اختاره أبو بكر. الإنصاف 4/ 290.
(2) قَالَ أبو بكر: حَدَّثَنَا أبو داود قَالَ: سمعت أحمد سئل عن بيع الحشيش قَالَ: لا يباع يريد في نيته، ثُمَّ قَالَ: ما لَمْ يتكلف فَلاَ يباع. مسائل أبي داود: 194، وانظر: مسائل ابن هانئ 2/ 82، والإنصاف 4/ 291.
(3) انظر: الإنصاف 4/ 293.
(4) اختلفت الرواية عن أَحْمَد - رَحِمَهُ اللهُ - في بيع الأعيان الغائبة إذا لَمْ يسبق من المشتري رؤية ولا صفة، فنقل الجماعة أنه لا يصح، قال في رواية الميمون: البيع بيعان: بيع صفة وبيع نفي حاضر والصفة هِيَ السلم، وبيع حاضر فَلاَ يبيعه حَتَّى يراه ويعرفه، فهذا يقتضي إبطال البيع. الروايتين والوجهين 58/ب.
(5) نقل حنبل عنه قَالَ: كُلّ ما بيع في ظروف مغيبة لَمْ يره الَّذِي اشتراه فالمشتري بالخيار إذا قبض إن شاء ردّ وإن شاء أخذ. الروايتين والوجهين 58/ب.
(6) قفيز: مكيال وَهُوَ ثمانية مكايك عند أهل العراق تزن تسعين رطلاً بغدادياً أو ثمانية آلاف ومئة مثقال أو أحد عشر ألفاً وخمسمئة وسبعة وخمسون درهماً وثلاثة أسباع الدرهم، ويوزن هَذَا العصر سبعة وعشرون كيلاً وثمانمئة وسبعة عشر غراماً. ((تنقص بضعة سنتيمات)). أو هُوَ مكيال يتواضع الناس عليه بتعدد أقطارهم. متن اللغة 4/ 618، وتاج العروس 15/ 385.(1/231)
يَصِحَّ، وإِنْ بَاعَ قَفِيْزاً مِنَ الصْبرَةِ صَحَّ، وإِذَا بَاعَهُ ضَيْعَةً مُعَيَّنَةً إلاَّ جَرِيْباً (1)، أو بَاعَهُ جَرِيْباً مِنْهَا وكَانَا يَعْلَمَانِ جُرْبَانَ الضَّيْعَةِ صَحَّ البَيْعُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا (2) جُرْبَانَهَا لَمْ يصِحَّ، فَإِنْ بَاعَهُ قطِيْعاً كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ، أو صُبْرَةً كُلَّ قَفِيْزٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ البَيْعُ (3) وإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مِقْدَارَ ذَلِكَ حَالَ العَقْدِ. وإِذَا جَمَعَ في البَيْعِ بَيْنَ عَبْدٍ وحُرٍّ، أو خَلٍّ وخَمْرٍ، أَو عَبْدِهِ وعَبْدِ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ البَيْعُ فِيْهِمَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأُخْرَى: يَصِحُّ في عَبْدِهِ و [فِي] (5) الخَلِّ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ (6). وإِذَا جَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَي الحُكْمِ كَالبَيْعِ والصَّرْفِ، أَو الإجَارة والبَيْعِ، أو الكِتَابَةِ والبَيْعِ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ العَقْدُ فِيْهِمَا في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (7)، والآخَرِ: يَصِحُّ العَقْدُ فِيْهِمَا ويَسْقُطُ العِوَضُ عَلَى قَدْرِ قِيْمَتِهَما (8)، وإِذَا جَمَعَ بَيْنَ بَيْعَيْنِ في بَيْعٍ مِثْلُ: أنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ نَقْداً وبِعِشْرِيْنَ نَسِيْئَةً، أَو بِمِئَةٍ غِلَّةً وبِخَمْسِيْنَ صِحَاحاً لَمْ يَصِحَّ البَيْعُ (9)، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ قِيَاساً عَلَى مَا قَالَهُ في الإجَارَةِ إِذَا قَالَ لَهُ: إِنْ خِطْتَهُ اليَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وإِنْ خِطْتَهُ غَداً فَلَكَ نصْفُ دِرْهَمٍ، أنَّ الإِجَارَةَ تَصِحُّ (10).
ولاَ يَصِحُّ بَيْعُ المُنَابَذَةِ - وَهُوَ أنْ يقُولَ: أَيُّ ثَوْبٍ نَبَذْتَهُ إِلَيَّ فَقَدْ اشْتَرَيْتُهُ بعشرة، ولاَ يَصِحُّ بَيْعُ المُلاَمَسَةِ - وَهُوَ أنْ يقُولَ: بِعْتُكَ ثَوْبِي عَلَى / 132 ظ / أَنْ لاَ يَنْشُرَهُ ولاَ يَقْلِبَهُ، وَلَكِنْ إِذَا لَمَسَهُ فَقَدْ وَقَعَ البَيْعُ، ولاَ بَيْعُ الحَصَاةِ - وَهُوَ أنْ يَقُولَ: ارْمِ هَذِهِ الحَصَاةَ فَعَلى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَهُوَ لَكَ بِعَشْرَةِ، وَقِيْلَ: هُوَ أنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الضَّيْعَةِ بِقَدْرِ مَا تَبْلُغُ هَذِهِ الحَصَاةُ إِذَا رُميْتَهَا بِكَذَا، ولاَ بَيْعُ الكالئ بالكالئ - وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بالدَّيْنِ، ولاَ بَيْعُ المُحَاقَلَةِ - وَهُوَ بَيْعُ الحِنْطَةِ في سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ -، فَأمَّا إنْ بَاعَ
__________
(1) الجريب من الأرض والطعام: مقدار معلوم الذراع والمساحة، وهو عشرة أقفزة، ويقال: الجريب: مكيال قدر أربعة أقفزة، قاله ابن سيده. انظر: لسان العرب 1/ 429، وتاج العروس 2/ 147، ومتن اللغة 1/ 499 (جرب).
(2) في الأصل: ((يعلمان)).
(3) نقل المرداوي: وهذا المذهب وعليه الجمهور. الإنصاف 4/ 312.
(4) انظر: المقنع: 100، والمحرر 1/ 305، والشرح الكبير 4/ 38، والإنصاف 4/ 319.
(5) غَيْر موجودة فِي المخطوط وأثبتناها لكي يستقيم الكلام.
(6) انظر: المقنع: 100، والشرح الكبير 4/ 39.
(7) انظر: المقنع: 100، والمحرر 1/ 307، والشرح الكبير 4/ 39.
(8) انظر: المقنع: 100، والمحرر 1/ 307، والشرح الكبير 4/ 39.
(9) مسائل عبد الله 3/ 904 - 905، والنكت والفوائد السنية عَلَى مشكل المحرر 1/ 304.
(10) قال الشَّيْخ تقي الدين: قياس مسألة الإجارة: أن يكون في هَذِهِ روايتان، لكن الرِّوَايَة المذكورة في الإجارة فيها نظر وهذه تشبه شاة من قطيع وعبداً من أعبد ونظيرها من كُلّ وجه أحد العبدين أو الثوبين. النكت والفوائد السنية عَلَى مشكل المحرر 1/ 304 - 305.(1/232)
سُنْبُلَ الحِنْطَةِ بالشَّعِيْرِ فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (1)، ولاَ بَيْعُ المُزَابَنَةِ - وَهُوَ: بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُؤُوْسِ النَّخْلِ إلاَّ في العَرَايَا (2)، ولاَ بَيْعٌ بِشَرْطِ السَّلَفِ أو القَرْضِ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يَصِحُّ البَيْعُ ويَبْطُلُ الشَّرْطُ (3)، فَأَمَّا بَيْعُ النَّجَشِ - وَهُوَ أنْ يَزِيْدَ في السِّلْعَةِ مِنْ يُعْرَفُ بالحِذْقِ والمَعْرِفَةِ وَهُوَ لاَ يُرِيْدُ شِرَاءهَا فَيَغْتَرَّ المُشْتَرِي بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ، فَالبَيْعُ صَحِيْحٌ وللمُشْتَرِي الخِيَارُ، إِنْ كَانَ في البَيْعِ زِيَادَةٌ لا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا، وكَذَلِكَ الحُكْمُ إِذَا تلْقى الرُّكْبَانُ، فَاشْتَرَى مِنْهُمْ فَلَهُمْ الخِيَارُ إِذَا دَخَلُوا السُّوْقَ وعَلمُوا بالغَبْنِ، وكَذَلِكَ كُلُّ مُستَرْسِلٍ عَلِمَ بالغَبْنِ أَو غُبِنَ في البَيْعِ الغَبْنَ المَذْكُورَ، ونُقِلَ عَنْهُ: أَنَّ بَيْعَ النَّجَشِ وتَلَقِّي الرُّكْبَانِ باطلان، فَأَمَّا بَيْعُ الحَاضِرِ للبَادِي فَيَصِحُّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ [إِلاَّ] (5) بِخَمْسَةِ شَرَائِطَ: أَنْ يَحْضُرَ بَيْعَ سِلْعَتِهِ بِسِعْرِ يَوْمِهَا، وبالنَّاسِ حَاجَةٌ إِلَيْهَا، والبَادِي جَاهِلٌ بِسِعْرِهَا (6)، ويَقْصُدُهُ الحَاضِرُ، فَإِنْ عُدِمَ شَرْطٌ مِنْهَا فالبَيْعُ صَحِيْحٌ. فَأَمَّا شِرَى الحَاضِرِ للِبَادِي فَيَصِحُّ رِوَايَةً واحِدَةً، وإِذَا اشْتَرَى الكَافِرُ رَقِيْقاً مُسْلِماً فالشِّرَاءُ بَاطِلٌ، وإِنْ كَانَ الرَّقِيْقُ مِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بالشِّراءِ. ولاَ يَصِحُّ بَيْعُ العَصِيْرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْراً. ولا بَيْعُ السِّلاَحِ في الفِتْنَةِ أو لأَهْلِ الحَرْبِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ مَعَ التَّحْرِيْمِ (7)، وكَذَلِكَ الحُكْمُ إِذَا بَاعَ مَنْ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ وَقْتَ النِّدَاءِ (8)، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يَصِحُّ
__________
(1) الأول يصح والثاني لا يصح. انظر: المبدع 4/ 140، والفروع 4/ 116، والإنصاف 5/ 28 - 29.
(2) اختلف في تفسيرها وقد رَوَى الأثرم قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَد سئل عن تفسير العرايا فَقَالَ: العرايا أن يعري الرجل الجار والقرابة للحاجة أو المسكنة، فللمعري أن يبيعها من شاء. انظر: الشرح الكبير 4/ 183.
(3) انظر: الروايتين والوجهين 70/ أ.
(4) نقل أبو إسحاق ابن شاقلا أن الحسن بن علي المصري سأله أَحْمَد عن بيع حاضر لباد، فَقَالَ: لا بأس بِهِ. الشرح الكبير 4/ 43. انظر: الروايتين والوجهين 71/ أ.
(5) زيادة يقتضيها السياق.
(6) نقل أبو طَالِب عن الإمام أحمد إِذَا كَانَ البادي عارفاً بالسعر لَمْ يحرم؛ لأن التوسعة لا تحصل بتركه بيعها؛ لأنَّهُ لا يبيعها إلا بسعرها ظاهراً. انظر: الشرح الكبير 4/ 44.
(7) قَالَ منصور بن يونس: يصح بيع السلاح لأهل العدل لقتال البغاة وقتال قطاع الطريق؛ ذَلِكَ
معونة عَلَى البر والتقوى. انظر: كشاف القناع 3/ 170 - 171، وشرح الزركشي
2/ 432 - 433.
(8) حكي عن القاضي رواية عن أحمد: أن البيع يحرم بزوال الشمس وإن لَمْ يجلس الإمام عَلَى المنبر،
ولا يصح هَذَا؛ لأن الله تَعَالَى علقه عَلَى النداء لا عَلَى الوقت.
انظر: الشرح الكبير 4/ 39 - 40.(1/233)
البَيْعُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وفي الإجَارَةِ والهِبَةِ والنِّكَاحِ وَجَهَانِ (1). ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيْهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشْرَةٍ أَنَا أَبِيْعُكَ مِثْلَهَا بِتِسْعَةٍ فَيَفْسَخُ المُشْتَرِي البَيْعَ ويعقد عَلَى سلعته وَكَذَلِكَ شراؤه عَلَى شِرَى أَخِيْهِ مِثْلُ: أنْ يَقُولَ لِمَنْ بَاعَ سِلْعَتَهُ / 133 و / بِمِئَةٍ أَنَا أُعْطِيْكَ مِئَةً وعَشْرَةً فَيَفْسَخَ البَائِعُ البَيْعَ ويَعْقِدَ مَعَهُ، فَإِنْ فَعَلا ذَلِكَ فَقَالَ أبو بَكْرٍ: لا يَصِحُّ البَيْعُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ. ولاَ يَصِحُّ بَيْعُ مَا لا يَمْلِكُهُ؛ لِيَمْضِيَ فَيَشْتَرِيَهُ ويُسَلِّمَهُ (2). ويَصِحُ أَنْ يَشْتَرِيَ عُلُوَّ بَيْتٍ؛ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ بُنْيَاناً مَوْصُوفاً، فَإِنْ كَانَ البَيْتُ غَيْرَ مَبْنِيٍّ جَازَ أَيْضاً إِذَا وُصِفَ السُّفْلُ مِنْهُ والعُلُوُّ ويَجُوزُ أنْ يَشْتَرِيَ مَمَرّاً في دَارٍ أو مَوضِعاً في حَائِطِ يَفْتَحُهُ باباً ويتبعُهُ بِحَفْرِهَا بِئْراً لِلْمَصْلَحَةِ، ولا يَجُوزُ أنْ يُفَرِّقَ في البَيعِ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، فإنْ فَعَلَ قَبْلَ البُلُوغِ فَالبَيْعُ بَاطِلٌ وإنْ كَانَ بَعْدَ البُلُوغِ فَعَلى رِوَايَتَيْنِ (3).
بَابُ ما يَتِمُّ بِهِ البَيْعُ
مِنْ شَرْطِ البَيْعِ الْمُجْمَعِ عَلَى صِحَّتِهِ خَمْسَةُ شَرَائِطَ:
أَحَدُهَا: أنْ يَكُوْنَ مِنْ مالِكٍ، فأمَّا إنْ بَاعَ مُلْكَ غَيْرِهِ أو اشْتَرَى بِغَيْرِ مَالِ الغَيْرِ شَيْئاً بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ البَيْعُ والشِّرَاءُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأُخْرَى تَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فإن اشْتَرَى لِلْغَيْرِ شَيْئاً بِثَمَنِ الذِّمَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ الشِّرَى رِوَايَةً واحِدَةً (5) وَلَكِنْ إنْ أجازَهُ مَن اشْتَرَى لَهُ مُلْكَهُ وإنْ لَمْ يُجِزْهُ لَزِمَ مَن اشْتَرَاهُ.
والثَّانِي: أنْ يَكُوْنَ الْمَالِكُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ، فإنْ كَانَ صَبيّاً أو مَجْنُوناً أو مَحْجُوراً عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أو فَلَسٍ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ.
والثَّالِثُ: أنْ يُؤْخَذَ الإيْجَابُ مِن البَائِعِ فَيَقُولَ: بِعْتُكَ أو مَلَّكْتُكَ.
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 4/ 40.
(2) المبدع 4/ 118، والإنصاف 4/ 299.
(3) المبدع 3/ 330، والإنصاف 4/ 137.
(4) الأولى لا تصح والثانية تصح: الأولى هُوَ المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم بِهِ في الوجيز، وغيره وقدمه في الفروع، والرعايتين، والحاويين والنظم وغيرهما. والثانية عَنْهُ تصح ويقف عَلَى إجازة المالك اختاره في الفائق، وَقَالَ لا قبض ولا إقباض قَبْلَ الإصارة. انظر: الإنصاف 4/ 283، والروايتين والوجهين 70/ب.
(5) إما أن يسميه في العقد أو لا فإن لَمْ يسمه في العقد صَحَّ العقد عَلَى الصَّحِيْح من المذهب جزم بِهِ في الوجيز، والفائق، والرعاية الصغرى، والحاويين وغيره وإن سماه في العقد فالصحيح من المذهب أن لا يصح. انظر: الإنصاف 4/ 283 - 284، والروايتين والوجهين 71/أ، والمحرر 1/ 310، وكشاف القناع 3/ 147.(1/234)
والرابِعُ: وُجُودُ القَبُولِ مِن الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ: قَبِلْتُ أو ابْتَعْتُ، فإنْ تَقَدَّمَ القَبُولُ عَلَى الإيْجَابِ لَمْ يَصِحَّ البَيْعُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1) وفي الأٌخْرَى يَصِحُّ (2) سواء كَانَ بِلَفْظِ الْمَاضِي بأنْ يقُولَ ابْتَعْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ فَيَقُولُ البَائِعُ بِعْتُكَ أو بِلَفْظِ الطَّلَبِ بأنْ يقُولَ بِعْنِي ثَوْبَكَ بِدِرْهَمٍ فَيَقُولُ بِعْتُكَ، فإنْ تَبَايَعَا بالْمُعَاطَاةِ نَحْو أنْ يَقُوْلَ اعْطِنِي بِهذا الدِّينَارِ خُبْزاً فَيُعْطِيهِ ما يَرْضَى أو يَقُوْلَ خُذْ هَذَا الثَّوبَ بِدِيْنَارٍ فيأْخُذَهُ فَظَاهِرُ كلامِهِ أنَّهُ يَصِحُّ البَيْعُ لأنَّهُ قَالَ في رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيْمَنْ قَالَ لِخَبّازٍ كيف تَبِيْعُ الْخُبْزَ فَقَالَ كَذَا بِدِرْهَمٍ فَقَالَ، زِنْهُ وتَصَدَّقَ بِهِ فإذا وَزَنَهُ فَهُوَ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ ذَلِكَ في الأشْيَاءِ اليَسِيْرَةِ دُوْنَ الكَثِيْرَةِ (3). والْخَامِسُ: أنْ يَكُوْنَ العِوَضَانِ مَعْلُومَيْنِ؛ إمّا بالرُّؤْيَةِ، فَيَقُولُ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهذا الدِّينَارِ، أو بالصِّفَةِ مِثْل أنْ يَقُوْلَ بِعْتُكَ عَبْدِي التُّرْكِي وَصِفَتُهُ (4) /134 ظ/ كَذَا وكَذا بِدِيْنَارٍ وَصِفَتُهُ كَذَا وكذا أو يُطْلِقُ الدِّينَارَ - ولِلْبَلَدِ نَقْدٌ مَعْلُومٌ - فأمَّا إنْ قَالَ بِعْتُكَ ثَوْباً مُطْلَقاً، أو قَالَ: هَذَا الثَّوْبُ بِدِرْهَمٍ وهُنَاكَ نُقُودٌ فَلاَ يَصِحُّ البَيْعُ، ولابُدَّ أنْ يَكُوْنَ الثَّمَنُ والْمَبِيْعُ مِمَّا يَجُوزُ العَقْدُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُقَدِّمُ ذِكْرَ ما يَجُوزُ بَيْعُهُ وما لا يَجُوزُ وَيَتَجَنَّبُ الشُّرُوطَ الفاسِدَةَ وسَيأتِي ذِكْرُهَا.
بَابُ الْخِيَارِ في العُقُودِ
خِيارُ الْمَجْلِسِ ثَاِبِتٌ في عَقْدِ البَيْعِ والإجَارَةِ والصُّلْحِ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وهل يثبتُ فِي الصرف والسلم عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحداهما يَثْبَت والأخرى لاَ يَثبُت وهلْ يَثْبُتُ في الْمُسَاقَاةِ والْحَوَالَةِ والسَّبْقِ والرَّمْي يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (5) وما عَدَا ذَلِكَ فَلاَ يَثْبُتُ فِيْهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَالنِّكَاحِ والْخُلْعِ والكِتَابَةِ والرَّهْنِ والضَّمَانِ والكَفَالَةِ والشِّرْكَةِ والْمُضَارَبَةِ والْجُعَالَةِ والوَكَالةِ والوَدِيْعَةِ والعَارِيَةِ والوَصِيَّةِ، فأمَّا الْهِبَةُ، فإنْ شَرَطَ فِيْهَا عِوَضاً فَهِيَ
__________
(1) نقل مهنّا عَنْهُ في الرجل يَقُوْل: بعني هَذَا الثوب بدينار فَقَالَ: قَدْ فعلت لا يَكُوْن بيعاً حَتَّى يَقُوْل الآخر: قَدْ قبلت فظاهر هَذَا أنه لا يصح العقد. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 59/ب، ذَكَرَ ابن هبير أنها أشهرها محن الإِمَام أَحْمَد. انظر: النكت بالفوائد السنية عَلَى مشكل المحرر 1/ 253.
(2) المغني 4/ 3 - 4، النكت والفوائد السنية عَلَى مشكل المحرر 1/ 254، وشرح الزركشي 2/ 294، والإنصاف 4/ 260 - 262.
(3) وَعَنْهُ رِوَايَة أخرى، وَهِيَ عدم الصحة مطلقاً والمذهب الرِّوَايَة الأولى الَّتِي ذكرها المصنف. انظر: الإنصاف 4/ 263، والمغني 4/ 4، والمحرر، والنكت والفوائد السنية عَلَى مشكل المحرر 1/ 260 - 261، والشرح الكبير 4/ 4، وشرح الزركشي 2/ 294.
(4) انظر: كشاف القناع 3/ 152.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 59/أ، والمحرر 1/ 274 - 275، والشرح الكبير 4/ 62 - 63، وشرح الزركشي 2/ 297، والإنصاف 4/ 365 - 366.(1/235)
كَالْبَيْعِ وإنْ لَمْ يَشْرُطْ فَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ ولا يَبْطُلُ الْخِيَارُ إلاَّ أنْ يَتَفَرَّقَا عنْ مَجْلِسِ العَقْدِ بأبْدَانِهِمَا فأمَّا إنْ عَقَدَا عَلَى أنْ لا خِيَارَ بَيْنَهُمَا أو قَالا بَعْدَ العَقْدِ اخْتَرْنَا إمْضَاءَ العَقْدِ وإسْقَاطِ الْخِيَارِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمُا يَبْطُلُ الْخِيَارُ (1) والثّانِيَةُ هما عَلَى خِيَارِهِمَا (2)، فأمّا خِيَارُ الشَّرْطِ فَلاَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ إلاّ في البَيْعِ والإجَارَةِ والصُّلْحِ بِمَعْنَى البَيْعِ ويَرْجِعُ في تَقْدِيْرِهِ إِلَى ما تَرَاضَيَا عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ مِنَ الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ فإنْ تَعَاقَدَا بِشَرْطِ خِيَارٍ مَجْهُولٍ لَمْ يَصِحَّ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3) والأُخْرَى يصِحُّ وهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا أبَداً (4) أو يَقْطَعَاهُ فإنْ عَقَدَا إِلَى الْجُذَاذِ والْحَصَادِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (5)، فإنْ عقدَ إِلَى الغَدِ لَمْ يَدْخُلْ الغد في مُدَّةِ الْخِيَارِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6) والأُخْرَى يَدْخُلُ الغَدُ جَميْعُهُ (7) في الْمُدَّةِ ويُعْتَبَرُ ابْتَدَاءُ مُدَّةِ الْخيَارِ مِنْ حِينِ العَقْدِ في أحْدِ (8) الوَجْهَيْنِ (9)، وفي الآخَرِ مِنْ حِيْنِ
__________
(1) قَالَ الميموني رَحِمَهُ اللهُ وَقَدْ سأله عنْ قوله البيعان بالخيار ما لَمْ يتفرقا أو يَكُوْن بيعهما بيع خيار فَقَالَ كَذَا يرويه ابن عمر وهما معنيان إن وقع أحدهما وجب البيع لأنهما قَدْ تراضيا عَلَيْهِ وبذلك نقل حرب. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 58/ب. وانظر: المقنع: 103، والشرح الكبير 4/ 65، والإنصاف 4/ 372، وكشاف القناع 3/ 188.
والحديث الَّذِي يرويه ابن عمر بلفظ: ((إِذَا تبايع الرجلان فكل واحد مِنْهُمَا بالخيار ما لَمْ يتفرقا فكانا جميعاً ويخبر أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وجب البيع وإن تفرقا بَعْدَ أن تبايعا وَلَمْ يترك واحد مِنْهُمَا البيع فَقَدْ وجب البيع)).
أخرجه أَحْمَد 2/ 119، والبخاري 3/ 84 (2112)، ومسلم 5/ 10 (1531)، وابن ماجه (2181)، والنسائي 7/ 249، وفي الكبرى، لَهُ (6063) و (6064)، وابن الجارود (618)، وابن حبان (4917)، والدارقطني 3/ 5، والبيهقي 5/ 269، والبغوي (2049).
(2) نقل ذَلِكَ إِبْرَاهِيْم والمروذي وَقَدْ سئل إِذَا خير أحدهما صاحبه فَقَالَ هكذا في حَدِيْث ابن عمر أو يَقُوْل لصاحبه اختر وأنا لا أذهب إِلَيْهِ إنما أذهب إِلَى الأحاديث الباقية ان الخيار لهما ما لَمْ يتفرقا. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 58/ب، وَقَالَ المرداوي: وَعَنْهُ رِوَايَة ثالثة لا يسقط في الأولى، ويسقط في الثانية. وأطلقهن في تجريد العناية. الإنصاف 4/ 372. وانظر: المقنع: 103، والشرح الكبير 4/ 64.
(3) قَالَ المرداوي: وَهُوَ المذهب وعليه الأصحاب. الإنصاف 4/ 373. وانظر: المقنع: 103، والشرح الكبير 4/ 66، وكشاف القناع 3/ 190.
(4) انظر: المقنع: 103، والشرح الكبير 4/ 66، والإنصاف 4/ 373.
(5) انظر: الإنصاف 4/ 373.
(6) قَالَ المرداوي: وَهُوَ المذهب وعليه الأصحاب. الإنصاف 4/ 375، وانظر: المقنع: 103، وكشاف القناع 3/ 191.
(7) انظر: المقنع: 103، والإنصاف 4/ 375.
(8) في الأصل: ((إحدى)).
(9) قَالَ المرداوي: وَهُوَ المذهب وعليه الأصحاب. الإنصاف 4/ 375، وانظر: المقنع: 103، وكشاف القناع 3/ 192.(1/236)
التَفَرُّقِ (1) وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إِلَى الْمُشْتَرِي في بيع الْخِيَارِ بِنَفْسِ العَقْدِ في أظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ (2) وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِي والأُخْرَى لا يَنْتَقِلُ إلاَّ بِالعَقْدِ وانْقِضَاءِ الْخِيَارِ (3) وعلى (4) / 135 و / كِلْتا الرِّوَايَتَيْنِ لا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِن الْمُتَبَايِعَيْنِ التَّصَرُّفَ فِيْمَا صَارَ إِلَيْهِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ، فإنْ خَالَفَا وتَصَرَّفَا بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو وَصِيَّةٍ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُمَا وهلْ يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخاً في حَقِّ البَائِعِ ورِضاءً في حَقِّ الْمُشْتَرِي؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إنْ وُجِدَ من البَائِعِ دَلَّ عَلَى فَسْخِ البَيْعِ وإنْ وُجِدَ مِن الْمُشْتَرِي دَلَّ عَلَى الرِّضَا بِتَمامِ البَيْعِ وفَسْخِ خِيَارِهِ (5)، والثَّانِي أنَّ البَيْعَ والْخِيَارَ بِحَالِهِ (6) وإنْ تَصَرَفَّا بالعِتْقِ فَقَدْ عَتِقَ مَنْ حَكَمْنَا بالْمِلْكِ لَهُ وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُ صاحِبِهِ فَعَلَى هَذَا إِذَا لَمْ يحكمْ بانْتِقَالِ الْمِلْكِ نفذ عِتْقُ الْمُشْتَرِي ونظرنا فإنْ تَمَّ البَائِعُ العَقْدَ فَلَهُ الثَّمَنُ وإنْ فَسَخْنَا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ؟ إحْدَاهُمَا (7): يَنْفَسِخُ البَيْعُ ويَرْجِعُ بالقِيْمَةِ (8)، والثَّانِية (9): لا يَنْفَسِخُ ويكونُ لَهُ الثَّمَنُ (10) وكذلكَ إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ في مُدَّةِ الخِيَارِ في يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، لا يَبْطُلُ الْخِيارُ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أنْ يَفْسَخَ ويُطَالِبَ بِالْقِيْمَةِ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ في الْمَبِيْعِ (11) والثَّانِيةُ قَدْ بَطَلَ الْخِيَارُ فَلاَ يَرْجِعُ البَائِعُ إلاّ بالْمُسَمَّى (12) فإنْ تَصَرَّفَا بِالْوَقْفِ في مُدَّةِ الْخِيارِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ؟ أحَدِهِمَا حُكْمُهُ حُكْمُ العتْقِ (13)، والثَّانِي حُكْمُهُ حُكْمُ البَيْعِ (14)، فإنْ تَصَرَّفَا بالوَطْءِ فَمَنْ حَكمْنَا لَهُ بالْمِلْكِ فَلاَ
__________
(1) انظر: المقنع: 103، والإنصاف 4/ 375 - 376.
(2) وَهُوَ المذهب الَّذِي عَلَيْهِ الأصحاب. الإنصاف 4/ 378، وانظر: المقنع: 103، والشرح الكبير4/ 70.
(3) انظر: الإنصاف 4/ 379.
(4) تكررت في الأصل.
(5) انظر: المقنع: 103، والشرح الكبير 4/ 73.
(6) إِذَا تصرف البائع فِيْهِ لَمْ يَكُنْ فسخاً عَلَى الصَّحِيْح من المذهب ونص عَلَيْهِ. الإنصاف 4/ 386. وانظر: الشرح الكبير 4/ 73.
(7) فِي الأصل ((أحدهما)).
(8) انظر: الشرح الكبير 4/ 75.
(9) فِي الأصل: ((والثاني)).
(10) انظر: الشرح الكبير 4/ 75.
(11) انظر: الشرح الكبير 4/ 76.
(12) قَالَ الخِرَقِيّ: فإن تلفت السلعة أو كَانَ عبداً فأعتقه المشتري أو مات بطل الخيار. فصرح ببطلان الخيار وَقَدْ أومأ إِلَيْهِ أَحْمَد إِلَى هَذَا في رِوَايَة الميموني وحرب. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 59/أ، وانظر: الشرح الكبير 4/ 75 - 76، وشرح الزركشي 2/ 300.
(13) انظر: المقنع: 104، والشرح الكبير 4/ 76، والإنصاف 4/ 391.
(14) قَالَ ابن قدامة: ((والصحيح حكمه حكم البيع)). الشرح الكبير 4/ 76، وانظر: المقنع: 104، والإنصاف 4/ 391.(1/237)
حَدَّ عَلَيْهِ وَلاَ مَهْرَ، وإنْ عَلِقَ مِنْهُ لَحِقَهُ النَّسَبُ، وَكَانَ أوْلاَدُهُ أحْراراً (1) ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بالْمِلْكِ، فإنْ كَانَ جاهِلاً فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وقِيْمَةُ الأوْلادِ، وإنْ كَانَ عالِماً بأنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ وأنَّ الوطءَ لا يَحْصُلُ بِهِ الفَسْخُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ والْمَهْرُ وَوَلَدُهُ رَقِيْقٌ فإنِ اسْتَخْدمَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَطُلَ خِيَارُهُ (2) وَعَنْهُ لا يبْطُلُ خِيارُهُ (3) فإنْ قَبَّلَتِ الْجَارِيَةُ الْمَبِيْعةُ الْمُشْتَرِي لِشَهْوَةٍ لَمْ يبْطُلْ خِيَارُهُ، ويحتملُ أنْ يَبْطُلَ إِذَا لَمْ يَمْنَعْهَا وإذا كَانَ الْخِيَارُ لأحدِهِما، كَانَ لَهُ الفَسْخُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ ويَتَخَرّجُ أن لا يَنْفَسِخَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهِ كالْمُوَكِّلِ في حَقِّ الوَكِيْلِ وخِيارِ الشَّرْطِ لا يورثُ، وكذلكَ خِيارُ الشَّفِيعٍ ويَتَخَرَّجُ أنْ يورثا قِياساً عَلَى الأجَلِ في الثَّمَنِ وإذا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَلَمْ يَتَفَاسَخَا بَطُلَ خِيارُهُمَا وإذا اشْتَرَى رَجُلانِ عَيناً وشَرَطاَ الْخِيارَ فَرَضِيَ أحدُهُمَا كَانَ للآخر الفَسْخَ فإنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وشَرَطَ الْخِيارَ لِغَيْرِهِ جَازَ وإنْ كَانَ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِهِ اشْتِراطاً كَالْمُوَكِّلِ لِنَفْسِهِ وَتَوْكيلاً لِغَيْرِهِ فِيْهِ، وإذا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيارِ والْمَبِيْعُ مُتَمَيِّزٌ كالْعَبْدِ والثَّوْبِ والدَّارِ اسْتَقَرَّ مِلْكُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وجاز لَهُ التَّصَرُّفُ فِيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وإنْ تَلِفَ كَانَ مِنْ مَالِهِ في أظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ (4) والأُخْرَى لا / 136 ظ / يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (5)، وإنْ تَلِفَ كَانَ مِنْ مَالِ البَائِعِ لا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ في أنَّهُ إِذَا كَانَ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّناً كالقَفِيزِ مِنْ صُبْرَةٍ والرَّطْلِ مِن الزُّبْرَةِ أنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ حَتَّى يَقْبِضَ فإنْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيّةٍ بَطُلَ العَقْدُ وَكَانَ مِنْ مَالِ البَائِعِ فإنْ أتْلَفَهُ آدَمِيٌّ لَمْ يَبْطُل البَيْعُ وَكَانَ الْمُشْتَرِي بالْخِيَارِ بَيْنَ أنْ يَنْفُذَ الثَّمَن ويُطَالِبَ مُتْلِفَهُ بِقِيْمَتِهِ وبينَ أنْ يَفْسَخَ ويَكُونُ البَائِعُ هُوَ الْمُطَالِبُ بالقِيْمَةِ ويَحْصُلُ القَبْضُ فِيْمَا يُنْقَلُ بالنَّقْلِ وفيما يُتَنَاوَلُ بِاليَدِ بالتَّنَاوُلِ وفيما عَدَا ذَلِكَ بالتَّخْلِيَةِ وَعَنْهُ إنَّ قَبَضَ جَمِيْعِ الأشْيَاءِ بالتَّخْلِيَةِ مَعَ التَّمْيِيْزِ.
__________
(1) في الأصل: ((أحرار)).
(2) نقلها حرب عن أَحْمَد. انظر: المغني 4/ 21، والشرح الكبير 4/ 74.
(3) قَالَ في المقنع: وَهِيَ أصح الرِّوَايَتَيْنِ. المقنع: 103، ونقلها أبو الصقر عن أَحْمَد في الشرح الكبير 4/ 74، وانظر: المغني 4/ 19.
(4) نقل مهنّا: كُلّ شيء يباع قَبْلَ قبضه إلا ما كَانَ يكال أو يوزن فِيْمَا يؤكل أو يشرب. ونقل حرب عَنْهُ: إِذَا اشترى مَا لا يكال ولا يوزن كالدار ونحوها جاز. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 62/ب.
وَقَالَ الزركشي: وَهِيَ الأشهر عِنْدَ الإِمَام. شرح الزركشي 2/ 372، وَقَالَ المرداوي: وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب. الإنصاف 4/ 466، انظر مسائل أَبِي داود: 202، والشرح الكبير 4/ 117.
(5) نقل الأثرم: انه لا يجوز بيعها وَهُوَ اختيار الخِرَقِيّ. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 62/ب، انظر: الشرح الكبير 4/ 117، الإنصاف 4/ 466.(1/238)
بَابُ الشُّرُوطِ الصَّحِيْحَةِ والفَاسِدَةِ في البَيْعِ
الشُّرُوطُ في البَيْعِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: صَحِيْحٌ، وفَاسِدٌ. فالصَّحِيحُ عَلَى ثَلاثَةِ أضْرُبٍ:
أحَدِهَا: ما هُوَ مِنْ مُقْتَضَى البَيْعِ، كَالبَيْعِ بِشَرْطِ التَّقَابُضِ في الْحَالِ أو شَرْطِ التَصَرُّفِ في الْمَبِيْعِ أو بشَرْطِ سَقْي الثَّمَرَةِ وسُقْيَتَهَا إِلَى الْجَذَاذِ (1).
والثَّانِي: ما هُوَ مَصْلَحَةٌ لِلْعَاقِدِ كَالبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ والرَّهْنِ والَضْمِينِ والتَّأْجِيلِ في الثَّمَنِ.
والثَّالِثِ: ما لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَاهُ ولا مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَلَكِنْ لا يُنافِيْهِمَا مِثْل أنْ يَشْرُطَ البَائِعُ مَنْفَعَةَ الْمَبِيْعِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَيَبِيْعَ دَاراً ويَسْتَثْنِيَ سُكْنَاهَا شَهْراً، أو يَبيعَ عَبْداً ويَسْتَثْنِيَ خِدْمَتَهُ سَنَةً، أو يَشْتَرِطَ الْمُشْتَري مَنْفَعَةَ البَائِعِ مَعَ الْمَبِيْعِ مثل أنْ يَشْتَرِيَ ثَوباً ويَشْتَرِطَ عَلَى البَائِعِ خِيَاطَتَهُ قَمِيصاً، أو فِلْعَةً، ويَشْتَرِطَ عَلَيْهِ حَذْوَها نَعْلاً أو جُرْزَةَ حَطَبٍ ويَشْتَرِطَ عَلَى البَائِعِ حَمْلهَا. وكلُّ هَذِهِ الشُّرُوطِ يلزمُ الوَفاء بِهَا في ظاهِرِ الْمَذْهَبِ، وذَكَرَ الْخِرَقِي (2): في بَابِ الأُصُوْلِ والثِّمَارِ في جَزِّ الرَّطْبَةِ إن اشْتَرَطَهُ عَلَى البَائِعِ يَبْطُلُ البَيْعُ، وهذا يُعْطِي أنَّهُ لا يَصِحُّ شَرْطُ مَنْفَعَةِ البَائِعِ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وأمَّا الشُّرُوطُ الفَاسِدَةُ فهي مِمَّا لَيْسَتْ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وتُنَافِي مُقْتَضَاهُ مثل أنْ يَبِيْعَه بِشَرْطِ أن لا يَهَبَ ولا يَبِيْعَ ولا يَعْتِقَ وإنْ أعْتَقَ فَالوَلاءُ لَهُ، أو يَشْتَري مِنْهُ بِشَرْطِ أنْ لا خَسَارَةَ عَلَيْهِ، أو متى نَفَقَ الْمَبِيْعُ عَلَيْهِ رَدَّهُ، أو متَى غَصَبَهُ إيَّاهُ غَاصِبٌ رَجَعَ بالثَّمَنِ وما أشْبَهَ ذَلِكَ فهذه شُرُوطٌ فاسدة بَاطِلَةٌ في نَفْسِهَا وهل يَبْطُلُ بِهَا عَقْدُ البَيْعِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3) إحْدَاهُمَا: /137 و/ أنها تُبْطِلُهُ وَهِيَ اخْتِيارُ الْخِرَقِي (4)، والأُخْرَى لا تُبْطِلُهُ (5)، وكذلك إنْ شَرَطَ في البَيْعِ رَهْناً فَاسِداً كأُمِّ الوَلَدِ والْخَمْرِ فَهَلْ يَبْطُلُ البَيْعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وأمّا إِذَا باعَهُ رَقِيْقاً بِشَرْطِ العِتْقِ فَهُوَ شَرْطٌ صَحِيْحٌ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، والأُخْرَى إنَّهُ فَاسِدٌ، فإنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ البَراءَ ةِ مِن العُيُوبِ، فالشَّرْطُ فَاسِدٌ نصَّ عَلَيْهِ (7) في رِوَايَةِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- وعلَّلَ بأنَّهُ مَجْهُولٌ،
__________
(1) هَذَا الشرط وجوده كعدمه؛ لأنَّهُ بَيَان وتأكيد لمقتضى العقد. انظر:: الشرح الكبير 4/ 48.
(2) انظر: شرح الزركشي 2/ 361 - 363.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 70/ب.
(4) انظر: شرح الزركشي 2/ 362.
(5) نقل عَبْد الله عن الإمام أَحْمَد - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ سئل عن رجل باع جارية من رجل عَلَى ألا يبيع ولا يهب؟ قَالَ: البيع جائز ولا يقربها ... قِيْلَ لأبي: فالبيع جائز؟ قَالَ: البيع جائز. مسائل عَبْد الله 3/ 907 - 908، وانظر: الإنصاف 4/ 350 - 354.
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 70/أ، والمقنع: 102، والإنصاف 4/ 354.
(7) انظر: مسائل الإِمَام أَحْمَد رِوَايَة أبي داود: 202، ومسائل الإِمَام أَحْمَد رِوَايَة عَبْد الله 3/ 903.(1/239)
ونَقَلَ عَنْهُ الأثْرَمُ وابنُ مَنْصُور وَغَيْرُهُما صِحَّةَ الإبْرَاءِ مِن الْمَجْهُولِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ صِحَّةُ البَرَاءَ ةِ مِن العُيُوبِ الْمَجْهُولَةِ (1)، وَعَنْهُ إنَّهُ شَرْطٌ صَحِيْحٌ إلا أنْ يَكُوْنَ البَائِعُ عَالِماً بالبَيْعِ فَدَلَّسَهُ واشْتَرَطَ البَرَاءَ ةَ فإنْ بَاعَهُ حَيَوَاناً مَأْكُولاً واسْتَثْنَى رأْسَهُ وأطْرَافَهُ وجِلْدَهُ فَلَهُ ما اسْتَثْنَاهُ، فإنْ اشْتَرَى دَابَّةً عَلَى أنَّهَا هِمْلاَجَةً (2)، أو فَهْداً عَلَى أنَّهُ صَيُوْدٌ فالشَّرْطُ صَحِيْحٌ، فإنْ اشْتَرى قُمْرِيّاً عَلَى أنَّهُ مُصَوِّتٌ أو دِيْكاً عَلَى أنَّهُ يوقِظُهُ لِلصَّلاةِ فالشَّرْطُ بَاطِلٌ فإن اشْتَرَى طَائِراً عَلَى أنَّهُ يَجِئُ مِن البَصْرَةِ أو مَسَافَةٍ ذَكَرَهَا فَقَالَ شَيْخُنَا: لا يَصِحُّ الشَّرْطُ، وعِنْدِي أنَّهُ يَصِحُّ كاشْتَراطِ الصَّيْدِ في البَازِي والصَّقْرِ والفَهْدِ، فإن اشْتَرَى سِلْعَةً وَدَفَعَ إِلَى البائِعِ دِرْهَماً أو دِيْناراً عَلَى أنَّهُ أخَذَ السِّلْعَةَ احْتَسَبَ بذَلِكَ مِنَ الثَّمَنِ وإنْ لَمْ يَأْخُذْها فذلك لِلْبَائِعِ فَعِنْدِي أنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، والْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ - رضي الله عنه - لا بأْسَ بِهِ (3). وَهُوَ يُسَمَّى بَيْعُ العُرْبُونِ والأُرْبُون (4).
بَابُ الرِّبَا والصَّرْفِ
الرِّبَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: رِبَا الفَضْلِ ورِبَا النَّسِيئَةِ، فأمَّا رِبَا الفَضْلِ فَيُحَرَّمُ بَعلةِ كَونِهِ مَكيلُ جِنْسٍ أَوْ مكتل جنس فَمَتَى بَاعَ مَكيلاً بِجِنْسِهِ حَرُمَ فِيْهِ التَّفَاضُلُ سَوَاء كَانَ مَأْكُولاً كالتَّمْرِ والحِنْطَةِ، أو غَيْرِ مَأْكُولٍ كالأُشْنَانِ والنُّورَةِ، وكذلكَ إنْ بَاعَ مَوْزُوناً بِجِنْسِهِ كَالْحَدِيْدِ بالْحَدِيْدِ والفِضَّةِ بالفِضَّةِ يُحَرَّمُ فِيْهِ التَّفَاضُلُ في إحْدَى الرِّوَايَاتِ (5)، والثَّانِيةُ: يُحَرَّمُ التَّفَاضُلُ بِعِلَّةٍ كَونُهِ مَطْعُومَ جِنْسٍ، وفي غَيْرِ الْمَطْعُومِ بِكَوْنِهِ لَهُ الثَّمَنِيَّةُ غَالِباً مُخْتَصٌّ بِالذَّهَبِ والفِضَّةِ وَسَواءٌ في ذَلِكَ تِبْرِهِ وَمَضْرُوبِهِ، والثَّالِثَةُ: يُحَرَّمُ التَّفَاضُلُ في غَيْرِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ بِعِلَّةِ كَونِهِ مَطْعُوماً مَكيلاً أو مَطْعُوماً مَوْزُوناً في جِنْسٍ فَلاَ يُحَرَّمُ التَّفَاضُلُ في مَطْعُومٍ ولا يُكَالُ ولا يُوزَنُ كَالرُّمَّانِ والبِطِّيخِ / 138 ظ / وما أشْبَهَهُ ولا في مَكِيلٍ أو مَوزُونٍ لا يُؤْكَلُ كالأُشْنَانِ والْحَدِيدِ ومَا أشْبَهَ ذَلِكَ وإذا اخْتَلَفَ الْجِنْسانِ جَازَ التَّفَاضُلُ عَلَى جَمِيْعِ الرِّوَايَاتِ كالذَّهَبِ بِالفِضَّةِ والتَّمْرِ بالزَّبِيبِ، وأمَّا رِبَا النَّسِيْئَةِ: فَكُلُّ شَيْئَيْنِ [لَيْسَ أَحَدُهُمَا نَقْداً] (6) علةُ رِبَا الفَضْلِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ لا يَجُوزُ بيعُ أَحَدِهِمَا بالآخَرِ نَسأً، ومَتى جُعِلَ التَّفَرُّقُ في بَيْعِهِمَا قَبْلَ القَبْضِ بَطَلَ العَقْدُ كَالْحِنْطَةِ بالشَّعِيرِ والذَّهَبِ بالفَضَّةِ، فأمَّا
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 66/ب.
(2) الهملاج: الحسن السير في سرعة وبخترة. انظر: تاج العروس 6/ 285 (هملج).
(3) نقلها الميموني عَنْهُ. انظر: معالم السنن 5/ 143، وبدائع الفوائد 4/ 84.
(4) انظر: النهاية 3/ 202، والصحاح 6/ 2164، ولسان العرب 13/ 284 (عربن).
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 59/ب و 60/أ.
(6) ما بَيْنَ المعكوفتين زيادة يقتضيها السياق.(1/240)
إنِ اخْتَلَفَتْ عِلَّتهُمَا كَالْمَكِيلِ بالْمَوْزُونِ فإنَّهُ يَجُوزُ التَّفَرُّقُ فِيْهِمَا قَبْلَ القَبْضِ، وهَلْ يَجُوْزُ النسأ في بَيْعِهِمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1). إحَدَاهُمَا: يَجُوْزُ (2)، والأُخْرَى لا يَجُوزُ (3). فأمَّا ما لا يَدْخُلُهُ رِبَا الفَضْلِ كالثِّيَابِ والْحَيَوَانِ فَيَجُوزُ (4) بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسْأً في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (5)، والثَّانِيَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وإنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسَيْنِ كَنَبَاتٍ بِحَيَوَانٍ جَازَ النَسْأُ، والثَّالِثَةُ: لا يَجُوزُ النَّسَأ فِيْهَا بِحَالٍ سواء اتَّفَقَ الْجِنْسُ أو اخْتَلَفَ؟ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ (6)، وكلُّ نَوعَيْنِ اجْتَمَعَا في الاسْمِ الْخَاصِّ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ كأنْوَاعِ التَّمْرِ وأنْوَاعِ الْحِنْطَةِ وما أشْبَهَ ذَلِكَ، واخْتَلَفَت الرِّوَايَة في اللُّحُومِ والألْبَانِ فَرُوِيَ عَنْهُ أنَّهَا جِنْسٌ واحِدٌ لا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيْهَا (7)، ورُوِيَ عَنْهُ: أنَّهَا أجْنَاسٌ باخْتِلافِ أصُولِهَا فَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ غَنَمٍ بِلَحْمِ بَقَرٍ مُتَفَاضِلاً (8)، وكذلكَ لَبَنُ الإبِلِ بِلَبَنِ الغَنَمِ مُتَفَاضِلاً (9)، وَعَنْهُ أنَّهَا أرْبَعَةُ أجْنَاسٍ: لَحْمُ الأنْعَامِ جِنْسٌ، ولَحْمُ الوَحْشِ جِنْسٌ، ولَحْمُ الطَّيْرِ جِنْسٌ، ولَحْمُ دَوَابِ الْمَاءِ جِنْسٌ (10).
ولا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ وأمَّا بَيْعُهُ بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ (11).
واللَّحْمُ والشَّحْمُ جِنْسَان، وَكَذلكَ اللَّحْمُ والألْيَةُ واللحم والكَبِدُ وخَلُّ العِنَبِ وخَلُّ التَّمْرِ جِنْسَانِ، وَعَنْهُ: أنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ (12). ولا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْبٍ ويَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 60/ب.
(2) نقله حنبل. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 60/ب.
(3) نقله المروذي وابن مَنْصُوْر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 60/ب.
(4) نقلها حنبل. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 60/ب.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 60/ب.
(6) انظر: شرح الزركشي 2/ 317.
(7) نقلها عَنْهُ مهنّا، وأبو الحارث، وابن مشيش، وحرب، ويعقوب بن بختان. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 62/أ. وهذه الرِّوَايَة اختيار الخِرَقِيّ. انظر: شرح الزركشي 2/ 324.
(8) نقلها عَنْهُ حنبل، هِيَ اختيار أبي بكر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 60/أ.
(9) قَالَ أبو بكر: وكذلك الألبان تخرج عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحداهما: أنها جنس واحد، قَالَ في رِوَايَة ابن مَنْصُوْر أكره سمن البقر بسمن الغنم اثنين بواحد، والثانية: أنها أجناس كاللحوم. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 62/أ.
(10) انظر: شرح الزركشي 2/ 325، وطبقات الحنابلة 2/ 79، والمقنع: 109، وروي عن الإمام أَحْمَد: أنها أجناس باختلاف أصولها. انظر: طبقات الحنابلة 2/ 79، والشرح الكبير 4/ 142.
(11) قَالَ الزركشي في شرحه 2/ 328: ((فظاهر كلام أَحْمَد، والخرقي، وأبي بكر، وابن أبي موسى، والقاضي في تعليقه وجامعه الصغير، وأبي الخطاب في خلافه الصغير وغيرهم: أنَّهُ لا يجوز)). وَقَالَ في الوجه الثاني: ((واختاره الْقَاضِي كَمَا حكاه أبو مُحَمَّد)).
(12) انظر: الشرح الكبير 4/ 151.(1/241)
كَالعِنَبِ بالزَّبِيبِ والرُّطَبِ بالتَّمْرِ والْمِشْمِشِ الرَّطْبِ بالْمُقَدَّدِ (1) والْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِاليَابِسَةِ، واللَّبَنِ بالْجُبْنِ إلاَّ ما اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ مِن العَرَايا وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ في رُؤُوْسِ النَّخْلِ خَرْصاً بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ كَيْلاً فَمَا دُونَ خَمْسةِ أَوْسُقٍ لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ ولا ثَمَنَ مَعَهُ (2)، وهلْ يَجُوزُ ذَلِكَ في بَقِيَّةِ الثِّمَارِ؟ قَالَ شَيْخُنَا: يَجُوْزُ، وَقَالَ ابن حَامِدٍ: لا يَجُوزُ (3). ويُعْتَبَرُ في الْخَرْصِ / 139 و / مِقْدَارُ ما يَؤُولُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْجَفَافِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ والأُخْرَى يعْتَبَرُ في الْخَرْصِ مِقْدَارُهَا في حَالِ رُطُوبَتِهَا ويُعْطَى مِثْلُهُ مِنَ التَّمْرِ وكذلكَ لا يَجُوزُ بَيْعُ حَبِّهِ بِدَقِيْقِهِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (4).
ولا يَبِيعُ نِيَّهُ بِمَطْبُوخِهِ ولا أَصْلَهُ بِعَصِيْرِهِ ولا خَالِصَهُ بِمَشُوبِهِ، ويَجُوزُ بَيْعُ دَقِيْقِهِ بِدَقِيْقِهِ إِذَا اسْتَوَيَا في النُّعُومَةِ وبَيْعُ مَطْبُوخِهِ بِمَطْبُوخِهِ وخُبْزِهِ بِخُبْزِهِ وعَصِيْرِهِ بَعَصِيْرِهِ ورَطْبِهِ بِرَطْبِهِ، ولا يَجُوزُ بَيْعُ جِنْسٍ فِيْهِ الرِّبَا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ومعَ أَحَدِهِمَا أو مَعَهُما مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا كَمُدِّ عَجْوَةٍ (5) وِدِرْهَمٍ بِمُدَّي عَجْوَةٍ أو بِمُدِّ عَجْوَةٍ ودِرْهَمَيْنِ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. والأُخْرَى: يَجُوزُ بِشَرْطِ أنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أكْثَرَ مِنَ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ، أو يَكُوْنَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَهُ ويَكُونا سَواءً (6) وكذلكَ الْحُكْمُ إِذَا بَاعَ نَوعَيْنِ مُخْتَلِفَي القِيْمَةِ مِنْ جِنْسٍ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِن الْجِنْسِ كَدِيْنَارٍ مَغْرِبِبيٍّ ودِيَنَارٍ سَابُورِيٍّ بِدِيْنَارَيْنِ مَغْرِبِيَّيْنِ أَوْ دينارين قُرَاضَةٍ ودِيْنَارٍ صَحِيْحٍ بِدِيْنَارَيْنِ صَحِيْحَيْنِ (7).
واخْتَلَفَت الرِّوَايَةُ هلْ يَجُوزُ بَيْعُ النَّوَى بِتَمْرٍ فِيْهِ نَوَى فَعَنْهُ: أنَّهُ لا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يَجُوزُ (8)، وكذلكَ يُخَرَّجُ في بَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ بِشَاةٍ فِيْهَا لَبَنٌ وبَيْعُ صُوفٍ بِنَعْجَةٍ عَلَيْهَا
__________
(1) هُوَ المشمش المجفف في الشمس، واللحم القديد: هُوَ اللحم المملوح المجفف. انظر: لسان العرب 3/ 344، وتاج العروس 9/ 16 (قدد).
(2) ولصحة هَذَا البيع خمسة شروط. انظر: الشرح الكبير 4/ 152 - 154، وشرح الزركشي
2/ 344 - 345.
(3) انظر: الشرح الكبير 4/ 155، وَهُوَ اختيار ابن عقيل. الإنصاف 5/ 32.
(4) وَهِيَ الَّتِي نقلها يعقوب بن بختيان وأبو الحارث، وابن مَنْصُوْر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 60/ب، ونقل ابن هانئ في مسائله 2/ 17 قَالَ: وسئل - يعني الإِمَام أَحْمَد - عن البر بالدقيق وزناً بوزن؟ قَالَ: أكرهه.
(5) هَذِهِ المسألة تسمى مسألة ((مد العجوة)). انظر: الشرح الكبير 4/ 156.
(6) انظر: الشرح الكبير 4/ 156.
(7) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 61/ب. واختار الْقَاضِي المساواة في المسألة.
(8) نقل ابن مَنْصُوْر عن الإِمَام أَحْمَد: أنَّهُ إِذَا باع النوى بالتمر صاعاً بصاع، وصاعاً بصاعين فَلاَ بأس. ونقل ابن القاسم ومهنّا إِذَا التمر بالنوى اثنين بواحد أو أربعة بواحد كرّهه، فإن قلنا انه لا يجوز، وَهُوَ اختيار أبي بكر فوجهه أن النوى مكيل والربا في المكيل فإذا اشترى مأكول تمر بمأكول نوى أو بأكثر فالتفاضل فِيْهَا حاصل فَلاَ يصح، وإذا قلنا: يجوز وَهُوَ أصح فوجهه؛ لأن النوى الَّذِي في التمر غَيْر مقصود بدليل أنَّهُ يجوز بيع التمر بالتمر، وإن كنا نعلم أن في كُلّ واحد مِنْهُمَا نوى؛ لأنَّهُ غَيْر مقصود فجاز كَذَلِكَ ههنا. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 62/أ.(1/242)
صُوفٌ (1)، وكلُّ جِنْسٍ أصْلُهُ الكَيْلُ [لا] (2) يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلاَّ كَيلاً، وكذَلِكَ ما أَصْلُهُ الوَزْنُ فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلاَّ وَزْناً وإن اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بالآخَرِ وَزْناً وكَيْلاً وجُزافاً حِنْطَةً بِتَمْرٍ، وزَبِيبٍ بِشَعِيْرٍ. وَقَالَ شيخُنَا: لا يَجُوزُ ذَلِكَ إلاَّ عَلَى ما ذَكَرْنَا في الْجِنْسِ الوَاحِدِ. والْمَرْجِعُ في الكَيْلِ والوَزْنِ إِلَى عُرْفِ العَادَةِ بالْحِجَازِ في زمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فإنْ كَانَ الْمَبِيْعُ مِمّا لا عُرْفَ لَهُ بالْحِجَازِ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَينِ أحَدهِمَا: اعْتِبَارُ عُرْفِهِ في موْضِعِهِ، والآخَرُ: أنْ يُرَدَّ إِلَى أقْرَبِ الأشْيَاءِ بِهِ شِبْهاً بالْحِجَازِ والدَّراهِمِ والدَّنَانَيرِ يَتَعَيَّنَانِ بِالعَقْدِ فَلاَ يَجُوزُ إبْدَالُهُمَا، فإنْ خَرَجَتْ مَغْصُوبَةً بَطُلَ العَقْدُ، وإنْ وَجَدَ بِهَا عَيباً لَمْ يُطَالِبْ بالبَدَلِ وَلَكِنْ يُمْسِكْ أو يَفْسَخْ، ويَتَخَرَّجُ أنْ يُمْسِكَ ويُطَالِبَ بأَرْشِ العَيْبِ، وإذَا تَلِفَتْ كَانَتْ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وإنْ لَمْ يَقْبِضْهَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُوْلُ الْمُتَعَيِّنُ لا يَفْتَقِرُ الاسْتِقْرَارُ فِيْهِ إِلَى القَبْضِ وَعَنْهُ / 140 ظ /: أنَّهَا لا تَتَعَيَّنُ (3). فَيَجُوزُ إبْدَالُهَا وإذا تَلِفَتْ كَانَتْ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي ما لَمْ يَقْبِض البَائِعُ وإذا افْتَرَقَ الْمُتَصَارِفَانِ عن مَجْلِسِ العَقْدِ قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطُلَ الصَّرْفُ فإنْ تَقَابَضَا وافْتَرَقَا فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَهُ زُيُوفاً أو بَهْرَجَةً (4)، فَرَدَّهَا بَطُلَ العَقْدُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ والأُخْرَى إنْ رَدَّها وأخَذَ بَدَلَهَا في مَجْلِسِ الرد لَمْ يَبْطُل العَقْدُ (5)، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِذَا رَدَّ بَعْضَهَا بِالْعَيْبِ وأَخَذَ بَدَلَهُ وعلى الرِّوَايَةِ الأُوْلَة رَدُّ البَعْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْرِيْقِ الصَّفْقَةِ، فإِنْ قُلْنَا: يَجُوزُ تَفْرِيْقُ الصَّفْقَةِ. بَطُلَ هَاهُنَا في الْمَرْدُودِ وصَحَّ في الباقِي، وإنْ قُلْنَا: لا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، بَطُلَ العَقْدُ في الْجَمِيْعِ، وإذا اشْتَرَى ما بَاعَ بأقَلِّ مِمَّا بَاعَ قبلَ نَقْدِ الثَّمَنِ الأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَاناً، ويَجُوزُ قِياساً فإِنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ أو اشْتَراهُ أبُوهُ أو ابْنَهُ جَازَ فإِن اشْتَرَاهُ وَكِيْلُهُ لَمْ يَجُزْ وكُلُّ رِباً حُرِّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِيْنَ في دَارِ الإسْلامِ حرم بَيْنَ المسلم والحربي فِي دار الإسلام وَدَارِ الْحَرْبِ.
__________
(1) نقل أبو طَالِب عدم جواز بيع الصوف عَلَى ظهر الحيوان، وصححه الْقَاضِي أبو يعلى، ونقل حنبل جواز ذَلِكَ واختاره ابن حامد. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 71/أ، ,الشرح الكبير 4/ 159.
(2) ما بَيْنَ المعكوفتين زيادة يقتضيها النص.
(3) انظر: الشرح الكبير 4/ 175.
(4) هُوَ الدرهم الَّذِي تَكُوْن فضته رديئةٌ. انظر: الصحاح 1/ 300، وتاج العروس 5/ 432 (بهرج).
(5) واختار الأولى الْقَاضِي أبو يعلى الفراء. انظر: الشرح الكبير 4/ 167.(1/243)
بَابُ بَيْعِ الأُصُولِ والثِّمَارِ
مَنْ بَاعَ أرْضَاً بِحُقُوقِهَا دَخَلَ مَا فِيْهَا مِنْ غِرَاسٍ وبِناءٍ في البَيعِ، فإنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِها احْتَملَ وَجْهَينِ (1) أحدِهِما: يَدْخُلُ أَيْضَاً، والثاني: لا يَدْخُلُ، فَإنْ كَانَ فِيْهَا زَرْعٌ لا يُحْصَدُ إلا مَرَةً فِي السَّنَةِ كالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيْرِ لَمْ يَدْخُلْ فِي البَيْعِ، وكَانَ لِلْبَائِعِ تَبْقِيَتُهُ إلى حِيْنِ الْحَصَادِ وإنْ كَانَ يَجُزُّه مَرَّةً بَعْدَ أُخْرى كالرَّطْبَةِ والبَقُولِ كَانَتْ الأُصُولُ لِلْمُشْتَرِي والْجَزَّةُ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ البَيْعِ لِلْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ اللَّقْطَة الأُوْلَة مِنَ القِثَّاءِ وَالبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِمَا، فَإن بَاعَهُ قَرْيَةً بِحُقُوقِهَا لَمْ تَدخُلْ مَزَارِعُها في البَيْعِ إلا بِذكْرِهَا، فَأَمَّا الغِرَاسُ مَا بَيْنَ بُنيَانِهَا فَيَدْخُلُ فِي البَيْعِ (2)، فَإنْ بَاعَهُ داراً تَنَاوَلَ البَيَعُ أَرْضَهَا وَبُنْيَانَها وَمَا فِيهَا سِوَى ذَلِكَ فَعَلى ضَربَيْنِ: مُتَّصِلٍ بِهَا، وَمُنْفَصِلٍ عَنْهَا. [فَالْمُتَّصِلُ] (3) مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهَا كَالدَرَجِ والسَّلالِمِ الْمُسَمَّرَةِ وَالأَبْوَابِ والرُّفُوفِ الْمُسمَّرَةِ والْخَوَابِي (4) الْمَدْفُونَةِ والْحَجَرِ السُّفْلانِي الْمَنْصُوبِ، فَذَلِكَ كُلُّهُ يَدْخُلُ في البَيْعِ، ومِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ مصَالِحِها كَالغِرَاسِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الغِرَاسِ في الأرْضِ وما هو مُوْدَعٌ كالكَنْزِ والأحْجَارِ الْمَدْفُونَةِ فَلا يَدخُلُ في البيعِ. فأمَّا الْمُنفَصِلُ /141 و/ فَمِنْهُ مَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهَا كَالْمَفَاتِيْحِ والْحَجَرِ الفَوْقَانِي مِنَ الأَرْحاءِ (5) فَهَلْ يَدْخُلُ في مُطْلَقِ البَيْعِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (6) وَمِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهَا كَالْحَبْلِ والدَّلْوِ والبَكْرَةِ والقُفْلِ، فَلا يَدْخُلُ في البَيْعِ، فإنْ بَاعَ أُصُولَ نَبَات فِيْهَا حمل مِنْ ثَمَرٍ أو وَرْدٍ فَذَلِكَ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدِها: مَا تَتشَقَّقُ عَنْهُ الكِمَامُ فَتَظْهَرُ كَالْبَلَحِ، أو يَتفَتَّحُ نَوْرَة فَتَظْهَرُ كَالوَرْدِ واليَاسَمِينِ والنَّرْجِسِ والبَنَفْسَجِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ العقد بَعْدَ ظهوره وللمشتري إن كَانَ البَيْعُ قَبْلَ ظُهُورِهِ وإنْ كَانَ قد ظَهَرَ بَعْضُهُ دُوْنَ بَعْضٍ فَالْمَنْقُولُ عَنْهُ في النَّخْلِ أنَّ مَا أُبِّرَ (7) لِلْبَائِعِ وما لَمْ يُؤْبَرْ لِلْمُشْتَرِي (8)، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ في الوَرْدِ وَهُوَ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 4/ 188، والهادي: 91.
(2) قَالَ ابن قدامة في الشرح الكبير 4/ 188: " وأما الغراس بَيْن بنيانها فحكمه حكم الغراس في الأرض إن قَالَ بحقوقها دخل وإن لَمْ يقله فعلى وَجْهَيْنِ ".
(3) في الأصل " فالمنفصل ".
(4) الخوابي: واحدها خابية: وَهِيَ وعاء الماء الذي يحفظ فِيهِ. انظر: المعجم الوسيط: 213.
(5) جمع رحى. انظر الصحاح 6/ 2353 (رحى)
(6) أحدهما: يدخل في البيع؛ لأنَّهُ لمصلحتها فأشبه المنصوب فِيْهَا.
والثاني: لاَ يدخل؛ لأنه منفصل عَنْهَا فأشبه القفل والدلو ونحو ذَلِكَ. انظر الشرح الكبير 4/ 187.
(7) أبر فُلاَن النخل: أي لقحه وأصلحه. انظر: الصحاح 2/ 574، وتاج العروس 10/ 5 (أبر)، والمغني 4/ 186، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 351.
(8) انظر: المغني 4/ 190، والهادي: 91، والإنصاف 5/ 63، والكافي 2/ 69.(1/244)
اخْتِيَارُ أبِي بَكْرٍ (1)، وَقَالَ ابن حامِدٍ: الكُلُّ لِلْبَائِعِ (2). ولا فَرْقَ بَيْنَ طَلْعِ الفَحْلِ وطَلْعِ النَّخْلِ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ طَلْعُ الفَحْلِ لِلْبَائِعِ، وإنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ؛ لأنَّ الْمَقْصُودَ أَخْذُهُ لِلأكْلِ قَبْلَ أنْ يتشَقَّق بِخِلاَفِ النَّخْلِ، والثَّانِي: مَا ثَمَرَتُهُ بَارِزَةٌ كَالتِّيْنِ والعِنَبِ، وما يَبْقَى في كِمَامِهِ إلى وَقْتِ الأَكْلِ كَالرُّمَّانِ والْمَوزِ وما أشْبَهَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، والثَّالِثِ: مَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ في نَوْرَةٍ وَيَتَنَاثَرُ عَنْهُ فَيَظْهَرُ كَالْمِشْمِشِ والتُّفَاحِ والسَّفَرْجَلِ والْخَوخِ والإجَّاصِ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أحَدِهِمَا: أنَّ مَا تَنَاثَرَ نوره فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وإنْ لَمْ يَتَنَاثَرْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي.
والثَّانِي: أنَّهُ لِلْبَائِعِ بِظُهُوْرِ نَوره (3). والرَّابِع: مَا كَانَ ثَمَرُهُ في قِشْرَيْنِ كَالْجَوْزِ واللَّوْزِ فَهُوَ كَالطَّلْعِ إنْ تَشَقَّقَ قِشْرُهُ الأعْلَى فَهُوَ لِلْبَائِعِ وإنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي (4)، وَقِيلَ: يَكُونُ لِلْبَائِعِ بِنَفْسِ الظُّهُورِ كَالعِنَبِ والتِّيْنِ (5). [و] (6) الْخَامِسِ: مَا يُقْصَدُ ثَمَرُهُ وَوَرَقُهُ كَالتوْتِ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ وَرَقُهُ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ وَثَمَرُهُ إنْ ظَهَرَ لِلْبَائِعِ وإنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الوَرَقُ إنْ تَفَتَّحَ لِلْبَائِعِ وإنْ كَانَ حَبّاً لِلْمُشْتَرِي (7).
ولا يَجُوزُ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا إلاَّ بِشَرْطِ القَطْعِ في الْحَالِ إلاَّ أنْ يَبِيْعَهَا مَعَ الأصل فيجوز فإن بدا صلاحها جاز بيعها مُطْلَقاً وبِشَرْطِ التَّنْقِيَةِ وبُدُوِّ الصَّلاَحِ أنْ يَبْدُوَ مِنْهُ النُّصْحَ ويَطِيبَ أكْلُهُ وإذا بَدَا الصَّلاحُ في بَعْضِ الْجِنْسِ جَازَ بَيْعُ ما في البُسْتَانِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ في إحْدَى /142 ظ/ الرِّوَايَتَيْنِ (8)، والأُخْرَى: لا يَجُوزُ إلاَّ بَيْعُ ما بَدَا صلاحُهُ. ولا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أنَّ بُدُوَّ الصَّلاحِ في بَعْضِ ثَمَرَةِ النَّخْلَةِ أو الشَّجَرَةِ صَلاحاً بِجَمِيْعِها (9)، ولا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ الأَخْضَرِ إلاَّ بِشَرْطِ القَطْعِ إلاَّ أنْ يَبِيَعَهُ مِنْ صَاحِبِ الأرْضِ أو يَبِيْعَهُ مَعَ الأَرْضِ، ويَجُوزُ بَيْعُ البَاقِلاءِ والْجَوزِ واللَّوْزِ في قِشْرَتِهِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَبِّ
__________
(1) الكافي 2/ 69.
(2) انظر: الهادي: 91، والإنصاف 5/ 64، والكافي 2/ 69.
(3) قَالَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ اختيار الخرقي. انظر: المغني 4/ 195، مختصر الخرقي: 65.
(4) نقله في المغني عن الْقَاضِي. انظر: المغني 4/ 194.
(5) وهذا مَا قدمه ابن قدامة في المغني 4/ 194.
(6) زيادة منا ليستقيم المعنى.
(7) انظر: المغني 4/ 195.
(8) وهذا ما استظهره ابن قدامة في المقنع 4/ 205، ونقل صاحب المحرر 1/ 317 رِوَايَة واحدة عن الإمام أَحْمَد قَالَ: ((وإذا غلب صلاح نوع في بستان جاز بيع جميعه))
(9) نقل ابن هانئ عن الإمام أَحْمَد أنَّهُ سئل عن بيع النخل؟ فَقَالَ: ((إِذَا بدا صلاحه، وبدو صلاحه إِذَا اشتد نواه وصلب فأرجو أن يَكُوْن بيعه جائزاً)). مسائله 2/ 6.(1/245)
الْمُشْتَدِّ في سُنْبُلِهِ وإذا باعَ الأَصْلَ وعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ لَمْ يُكَلَّفْ قَطْعُهَا إِلَى أَوَانِ كَمَالِهَا، فإن احْتَاجَتْ إِلَى سَقْيٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ مِنْ سَقْيِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ ثَمَرَةً أو زَرَعَهَا لَمْ يُكَلَّف الْمُشْتَرِي إلاّ في أَوَانِ الْجِذَاذِ والْحَصَادِ وإن احْتَاجَ إِلَى سَقْيٍ لَزِمَ البَائِع ذَلِكَ فإن امْتَنَعَ البَائِعُ مِنَ السَّقْي لِضَرَرٍ يَلْحَقُ الأَصْلَ أُجْبِرَ عَلَيْهِ؛ لأنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ، فإن اشْتَرَى ثَمَرَةً فَلَمْ يأْخُذْهَا حَتَّى حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أو اشْتَرَى حرة مِنَ الرَّطْبَةِ أو البَقْلِ فَلَمْ يَجُزَّها حَتَّى طَالَتْ أو اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا بِشَرْطِ القَطْعِ فَتَرَكَهَا حَتَّى بَدَا صَلاَحُهَا، فإنَّهُ ينْفَسِخُ البَيْعُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، والأُخْرَى لاَ يَنْفَسِخُ، فَعَلَى هَذَا مَا يَفْعَلُ فِي الزِّيَادَةِ، وعن أحمد أيضاً أنهما يتصدقان بالزيادة فَعَنْ أَحْمَدَ: أنَّهُمَا يَكونَانِ شَرِيْكَينِ بِالزِّيَادَةِ، وإذَا باعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ واسْتَثْنَى مِنْهُ آصُعاً مَعْلُومَةً لَمْ تَصِحَّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2) والأُخْرَى تَصِحُّ (3). وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا باع نَخْلاً واسْتَثْنَى مِنْهُ أرْطَالاً عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4)، وإذا بَاعَهُ ثَمَرَةً بَعْدَ بُدُوِّ صَلاحِهَا فَتَلِفَتْ
بِجَائِحَةٍ (5) فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ البَائِعِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6) والأخْرَى إنْ أتْلَفَت الْجَائِحَةُ
__________
(1) في المسألة أربع روايات نقلها الْقَاضِي أبو يعلى في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 64/أ-ب و 65/أ:
الأولى: بطلان العقد والثمار للبائع، نقلها عن الإِمَام أحمد حنبل، وأبو طَالِب، وابن القاسم، وَهُوَ اختيار الخِرَقِيّ وصححها الْقَاضِي.
والثانية: البيع باطل، والزيادة لا يملكانها بَلْ يتصرفان بِهَا، نقلها حنبل في موضع آخر، وَقَالَ الْقَاضِي: وعندي أن قوله يتصرفان بالزيادة عَلَى طريق الاستحباب؛ لأجل الاختلاف لأن جَمَاعَة من الفقهاء حكموا بصحة هَذَا البيع، وإن الزيادة للمشتري ومنهم من حكم ببطلانه والزيادة تابعة للأصل للبائع فاستحب الصدقة بهذه الزيادة.
والثالثة: البيع صَحِيْح ويشتركان في الزيادة، ونقل ذَلِكَ أَحْمَد بن سعيد.
والرابعة: إن تعمد الترك فالعقد باطل، وأن لَمْ يتعمده فالعقد صَحِيْح. نقل ذَلِكَ أبو طَالِب. وانظر: المغني 4/ 204 - 205، وشرح الزركشي 2/ 354 - 356.
(2) وهذه الرِّوَايَة اختارها أبو بكر، وابن أَبِي موسى. انظر: المغني 4/ 213، وشرح الزركشي 2/ 364.
(3) انظر: المغني 4/ 213، وشرح التبصرة 2/ 364.
(4) قَالَ الزركشي 2/ 365: ((وقطع الْقَاضِي في شرحه، وجامعه الصغير بالصحة، معللاً بأن الجهالة هنا يسيرة فتغتفر وكذا وقع نص أَحْمَد في رِوَايَة حنبل بالصحة)).
(5) الجائحة: هِيَ النازلة العظيمة الَّتِي تجتاح المال فتهلكه، وتستأصله. انظر: الصحاح 1/ 360، وتاج العروس 6/ 354 (جوح)، وسيبين المؤلف معناها لاحقاً.
(6) نقلها عن الإمام أَحْمَد الأثرم، وأبو طَالِب أنَّهُ يوضع الجوائح في القليل والكثير وصححها الْقَاضِي. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 65/أ.(1/246)
الثُّلُثَ (1) فَمَا زَادَ فَهِيَ من ضَمَانِ البَائِعِ، وإنْ أَتْلَفَتْ دُونَهُ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ويعتبرُ ثُلُث الْمَبْلَغِ وَقِيْلَ ثُلُث القِيْمَةِ.
والْجَائِحَةُ: كُلُّ آفَةٍ لا صُنْعَ للآدَمِيِّ فِيْهَا فأمّا ما كَانَ مِنْ إِحْرَاقِ اللُّصُوصِ، ونَهْبِ الْجَيْشِ فَيَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ.
بَابُ التَّصْرِيَةِ والتَّدْلِيسِ (2) والْحِلْفِ في الصِّفَةِ
وَمَن اشْتَرَى مُصَرَّاةً (3) مِنْ بَهِيْمَةِ الأنْعَامِ فَهُوَ بالْخِيَارِ بَيْنَ أنْ يُمْسِكَهَا أو يَرُدَّهَا، ومعها صَاعاً /143 و/ مِنْ تَمْرٍ عِوَضَ اللَّبَنِ الَّذِي كَانَ مَوْجُوداً حَالَ العقْدِ، وإنْ كَانَ قِيْمَةُ اللَّبَنِ مثلُ قِيْمَةِ الشَّاةِ أو أَكْثَرَ نَصَّ عَلَيْهِ (4). فإنْ عَدِمَ التَّمْرَ وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ في الْمَوضِعِ الَّذِي وَقَعَ فِيْهِ العَقْدُ، فإنْ كَانَ لَبَنُ التَّصْرِيَةِ بِحَالِهِ فأَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ عَلَى البَائِعِ لَمْ يَلْزَمِ البَائِعُ قَبُولُهُ وَقَالَ شَيْخُنَا: الأشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا أنَّهُ يُلْزِمُهُ قَبُولُهُ.
فإنِ اشترى أَمَةً مُصَرَّاةً أو أتَاناً مُصَرَّاةً احْتمَلَ أنْ لا يَكُوْنَ لَهُ الفَسْخُ بِذَلِكَ؛ لأنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ في بَهِيْمَةِ الأنْعَامِ (5)، ويحتملُ أنْ يكونَ لَهُ الفَسْخُ؛ لأنَّ الثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ إلاَّ أنَّهُ إِذَا فسخَ لَمْ يلْزمهُ بَدَل اللَّبَنِ. وخِيارُ التَّصْرِيَةِ مُقَدَّرٌ بِثَلاثَةِ أيَّامٍ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الرَّدُّ قَبْلَ ذَلِكَ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا (6)، وعندي: أنَّهُ إِذَا تَبَيَّنَ التَّصْريَةَ كَانَ لَهُ الرَّدُّ سواء كَانَ قَبْلَ الثَّلاَثِ أو بَعْدَهَا (7) ما لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ ما يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، فإن اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَصَارَ لَبَنُهَا لَبَنَ عَادَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - فَمَن اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً، وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَطَلَّقَهَا
__________
(1) نقلها حنبل وأبو داود. انظر: مسائل الامام أَحْمَد لأبي داود 2/ 25، والرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 65/ب.
(2) التدليس في البيع: كتمان عيب السلعة عن المشتري. انظر: الصحاح3/ 930، وتاج العروس16/ 84 (دلس).
(3) يقال: صريت الشاة تصرية، إِذَا لَمْ تحلبها أياماً حَتَّى يجتمع اللبن في ضرعها، والشاة مصراة. الصحاح 6/ 2400، ولسان العرب 14/ 458 (صري)، وانظر: المغني 4/ 233، وشرح الزركشي 2/ 385.
(4) انظر: المغني 4/ 235.
(5) هُوَ ما ورد عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلقوا البيع، ولا تصروا الغنم والإبل للبيع، فمن ابتاعها بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ بخير النظرين: إن شَاءَ أمسكها، وإن شاء ردّها بصاع تمر، لا سمراء)).
الْحَدِيْث أخرجه الشَّافِعِيّ (1381)، والحميدي (1028)، وأحمد 2/ 242، والبخاري 3/ 93 (2151)، وأبو داود (3445)، والنسائي 7/ 253، وأبو يعلى (6267)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 18، والبيهقي 5/ 168. من حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -.
(6) وَهُوَ ظاهر كلام أَحْمَد. انظر: المغني 4/ 236.
(7) لأنَّهُ تدليس يثبت بالخيار. المغني 4/ 236.(1/247)
الزَّوْجُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ، وكلُّ تَدْلِيسٍ أو شَرْطٍ يَزِيْدُ الثَّمَنُ لأَجْلِهِ ثَبَتَ خِيَارُ الرَّدِّ مِنْ أنْ يُحَمِّرَ وَجْهَ الْجَارِيَةِ، أو يُسَوِّدَ شَعْرَهَا (1)، أو يُجَعِّدَهُ، أو يَضُمَّ الْمَاءَ عَلَى الرَّحَا ويُرْسِلَه وَقْتَ أنْ يَعْرِضَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، أو يَشْتَرِطَ كَوْنَ العَبْدِ الْمُبْتَاعِ كَاتِباً، أو ذَا صَنْعَةٍ فَتَبَيَّنَ بِخِلافِ ذَلِكَ، أو يَشْرُطَ كَونَ الأَمَةِ بِكْراً فَتُوجَدُ ثَيِّباً، فإنْ شَرَطَهَا ثَيِّباً فَبَانَتْ بِكْراً فَعَلَى وَجْهَيْنِ أصَحُّهُمَا لا خِيَارَ لَهُ؛ لأنَّهَا زِيَادَةٌ، والآخَرُ لَهُ الرَّدُّ نَحْوَ أنْ يَكُونَ شَرَطَ الثَّيُوبَةَ لِعَجْزِهِ عَن البِكْرِ فَقَدْ فَاتَ قَصْدُهُ، فإنْ شَرَطَهَا مُسْلِمَةً فَبَانَتْ كَافِرَةً فَلَهُ الرَّدُّ، فإنْ شَرَطَهَا كَافِرَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً فَعَلى وَجْهَيْنِ، أحَدُهُمَا: لا يَمْلِكُّ الرَّدَّ. والثَّانِي: يَمْلِكُ. فإن اشْتَرَى عَبْداً عَلَى أنَّهُ خَصِي فَبَانَ فَحْلاً، أو عَلَى أنَّهُ فَحْلٌ فَبَانَ خَصِيّاً فَلَهُ الرَّدُّ فإن اشْتَرَاهُ مُطْلَقاً فَبَانَ خَصِيّاً فَلَهُ الرَّدُّ فإنْ بَانَ فَحْلاً لَمْ يَمْلِك الرَّدَّ.
بَابُ الرَّدِّ بِالعَيْبِ
مَنْ عَلِمَ بِسِلْعَتِهِ عَيباً كُرِهَ لَهُ بَيعُهَا حَتَّى يُبَيِّنَ لِلْمُشْتَري عَيْبَهَا فإنْ بَاعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صَحَّ البَيْعُ /144 ظ/ والْمُشْتَرِي بالْخِيارِ بَيْنَ الإمْسَاكِ والْمُطَالَبَةِ بأرْشِ العَيْبِ وَبَيْنَ فَسْخِ العَقْدِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَحْرُمُ بَيْعُهَا، فإنْ بَاعَ فَالبَيْعُ بَاطِلٌ (2)، فإنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُشْتَرِي بالعَيْبِ حَتَّى حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ آخَرُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أنْ يُمْسِكَ ويُطَالِبَ بالأرْشِ وبينَ أنْ يَرُدَّ السِّلْعَةَ وأرْشِ العَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ ويأخُذَ الثَّمَنَ (3) وَعَنْهُ أنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِن الرِّدَّةِ ولهُ الأرْشُ (4) وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيْمَن اشْتَرَى ثَوْباً فَقَطَعَهُ أو أَمَةً فَوَطِئَهَا فإنْ وَقَفَ الْمَبَيْعَ أو قَتَلَهُ أو أعْتَقَهُ أو أَكَلَهُ فَلَهُ الأرْشُ رِوَايَةٌ واحِدَةٌ فإنْ بَاعَهُ أو وَهَبَهُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بالأرْشِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (5) والأُخْرَى لا يُطَالِبُ بالأرْشِ إلاَّ أنْ يَظْهَرَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى العَيْبِ فَيرَدَّهُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ حيْنَئِذٍ الرَّدُّ أو الْمُطَالَبَةُ بالأرْشِ (6) فإن كَانَ الْمَبِيْعُ ثَوْباً فَصَنَعَهُ أو ثَوباً فَنَسَجَهُ فَلَهُ الأرْشُ (7)
__________
(1) وإذا احمر وجه الجارية لخجل، أو تعب، أو تسود شعرها بشيء وقع عَلَيْهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الرد أَيْضاً لدفع الضرر اللاحق بالمشتري. المغني 4/ 237.
(2) انظر: الزركشي 2/ 384.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 67/ب، انظر: الإنصاف 4/ 416.
(4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 67/ب، المغني 4/ 241، الإنصاف 4/ 416.
(5) المغني 4/ 247.
أي غَيْر عالم بالعيب يتعين لَهُ الأرش. وَهُوَ المذهب، جزم به الْقَاضِي وغيره وقدمه في المحرر والفروع. وعن الإمام أَحْمَد: الهبة كالبيع. الإنصاف 4/ 420.
(6) المغني 4/ 247، والإنصاف 4/ 420.
(7) الإنصاف 4/ 420.(1/248)
وَعَنْهُ لَهُ الرَّدُّ ويَكُونُ شَرِيْكاً لِلْبائِعِ بِقِيْمَةِ الصِّبْغِ والنَّسْجِ (1) فإن اشْتَرَى مَا لا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلاّ بِكَسْرِهِ كالْجَوْزِ واللَّوْزِ والبِطِّيخِ والرُّمّانِ وما أشْبَهَهُ فَكَسَرَهُ بِمِقْدَارِ ما يَعْلَمُ بِهِ العَيْبَ، فإنْ كسَرَهُ فَوَجَدَهُ مَعِيْباً فَلَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ ما نَقَصَ والْمطَالَبَةُ بالثَّمَنِ ويَتَخَرَّجُ أنْ يُمْسِكَهُ ويُطَالِبُ بالأرْشِ (2) وَعَنْهُ يسقط حَقُّهُ ولا يكونُ لَهُ الرَّدُّ ولا الأرْشُ (3). وإذا عَلِمَ بالعَيْبِ فأخَّرَ الرَّدَّ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ ما يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِن الْمُتَصَرِّفِ بالاسْتِمْتَاعِ أو بَيْع فَلاَ يَفْتَقِرُ الرَّدُّ بِالعَيْبِ إِلَى رِضَاءٍ ولا إلى قَضَاءٍ فإن اشْتَرَى مَعِيباً فَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى حَدَثَ مِنْهُ نَمَاءٌ فَلَهُ رَدُّ الأصْلِ وإمْسَاكِ النَّمَاءِ، فإنْ قَالَ البَائِعُ أنَا أُعْطِيكَ الأرْشُ عَن العَيْبِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأُخْرَى لَيْسَ لَهُ إلاَّ رَدُّ الأصْلِ مَعَ النَّمَاءِ أو إمْسَاكُهُمَا والْمُطَالَبَةُ بالأرْشِ (5) والعُيُوبِ الْمُثَبَّتَةِ لِلرَّدِّ في التَّقَابُضِ كَالْمَرَضِ، والعَمَى، والعَوَرِ، والعرج، والْجُنُونِ، والْخُرُوقِ في الثَّوْبِ وما أشْبَهَ ذَلِكَ وعُيُوبُ الرَّقِيْقِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِفِعْلِهِ كَالزِّنَا والسَّرِقَةِ والإبَاقِ والبَوْلِ في الفِرَاشِ، لا يُرَدُّ بِذَلِكَ إلاَّ (6) /145 و/ إِذَا وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مُمَيَّزٌ. فأمَّا عُيُويُهُ الَّتِي لا صُنْعَ لَهُ فِيْهَا كالبَخَرِ والغَفَلِ والفَزَعِ والْجُذَامِ والْمَرضِ فَيُرَدُّ بِهَا مَعَ التَمْيِيزِ وعَدَمِهِ وإذا اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئاً فَوَجَدَا بِهِ عَيباً فأَرَادَ أَحَدُهُمَا رَدَّ حَقِّهِ جَازَ، وقَالَ أبو بَكْرٍ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7). فإن اشْتَرَى وَاحِدٌ شَيْئَيْنِ فَوَجَدَ بأحَدِهِمَا عَيْباً فَلَيْسَ لَهُ إلاَّ رَدُّهُمَا أو إمْسَاكُهُمَا والْمُطالَبَةُ بأرْشِ العَيْبِ ولهُ رَدُّ الْمَعَيْبِ إلاَّ أنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْقُصُ بالتَّفْرِيقِ كَمِصْرَاعَي البَابِ أو زَوْج خُفٍّ، أو يَكُونَ مِمَّا لا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا
__________
(1) الشرح الكبير 4/ 94، الإنصاف 4/ 420.
(2) نقل ابن مَنْصُوْر أنه مخير بَيْنَ الرد وأخذ الثمن وبين إمساكه الأرش فإنَّمَا يَكُوْن هَذَا فِيْمَا لَهُ قيمة بَعْدَ الكسر كالجوز واللوز والبطيخ والرمان ونحوه وَهُوَ اختيار الخِرَقِيّ. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 65/ب، المغني 4/ 252، الزركشي 4/ 402.
يتعين لَهُ الأرش. وَهُوَ إحدى الروايات وقدمه في الرعايتين والحاويين. وعن الإِمَام يخير بَيْنَ أرشه وبين رده ورد ما نقص وأخذ الثمن. وهذا المذهب. قَالَ الزركشي: هَذَا أعدل الأقوال واختاره الخِرَقِيّ والمصنف، وصاحب التلخيص وغيره. الإنصاف 4/ 424.
(3) نقل بكر بن مُحَمَّد: أنه لا يملك الرد ولا أخذ الأرش لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ من البائع تفريط فِيْهِ لأنَّهُ لا يمكنه استعلام العيب فِيْهِ إلا بافساحه. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 65/ب. المغني 4/ 252، شرح الزركشي 2/ 401، الإنصاف 4/ 425.
(4) الشرح الكبير 4/ 87.
(5) المقنع: 105، كتاب الهادي: 94، الشرح الكبير 4/ 87.
(6) تكررت في الأصل.
(7) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 68/أ.(1/249)
كالوَلَدِ مَعَ أبَوَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ إلاَّ رَدُّهُمَا أو إمْسَاكُهُمَا وأخْذُ الأرْشِ فأن تَلِفَ أحَدُ الشَّيْئَيْنِ وَوَجَدَ بالآخرِ عَيْباً فلهُ رَدُّهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، والأخرى لا يَرُدُّ ويُطَالِبُ بالأَرْشِ (2) فإن اخْتَلَفَا في قِيْمَةِ التَّالِفِ فَالْقَوْلُ قَولُ الْمُشْتَرِي، فإن اخْتَلَفَا في العَيْبِ فَقَالَ البَائِعُ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَل اشْتَرَيْتُهُ وبهِ العَيْبُ نَظَرْنَا، فإنْ كَانَ العَيْبُ يَحْتَمِلُ قَوْلَهُمَا كَالْخَرْقِ في الثَّوْبِ والبَرَصِ في العَبْدِ وما أشْبَهَهُمَا فَالْقَولُ قَولُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِيْنِهِ وَهِيَ اخْتِيَارُ
الْخِرَقِيِّ (3) وَعَنْهُ القَوْلُ قَوْلُ البَائِعِ وَهِيَ الأَقْوَى عِنْدِي (4)، وإنْ كَانَ لا يَحْتَمِلُ إلا قَولَ أَحَدِهِمَا فالقَولُ قَولُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ.
بَابُ بَيْعِ التَّوْلِيَةِ والْمُرَابَحَةِ والْمُوَاصَفَةِ وحُكْمِ الإقَالَةِ
يَجُوزُ بَيْعُ التَّوْلِيَةِ وَهُوَ أنْ يَبِيعَهُ بِرَأْسِ المَالِ ثُمَّ يَقُوْل بعتك برأس ماله أو بِمَا اشْتَرَيْتُهُ أو بِرَقْمِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ويَجُوزُ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ إِذَا بَيَّنَ رأسَ الْمَالِ ومِقْدَارَ الرِّبْحِ فيَقُولُ: رَأْسُ مَالِهِ مِئَةٌ ورِبْحُهُ عَشرَةٌ، فإنْ قَالَ بِعْتُكَ بِرَأْسِ مَالِهِ عَلَى أنْ أرْبَحَ في كُلِّ عَشرَةٍ دِرْهَماً صَحَّ البَيْعُ وَلَمْ يُكْرَهْ (5) وَنَقَلَ الأثْرَمُ عَنْهُ أنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ ده يازده (6) وَهُوَ هَذَا وما يُزَادُ في الثَّمَنِ ويُحَطُّ
__________
(1) المحرر 1/ 326، الإنصاف 4/ 429.
(2) المحرر 1/ 326، الإنصاف 4/ 429.
(3) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 65/ب، المحرر 1/ 427، الزركشي 2/ 400.
قَالَ فِي إدراك الغاية: ((يقبل قَوْل الْمُشْتَرِي في الأظهر وقطع بِهِ الخِرَقِيّ وصاحب الوجيز، وناظم المفردات، والمستوعب، والخلاصة، وشرح ابن رزين، والرعاية الصغرى والحاويين)). الإنصاف 4/ 431.
(4) نقل حنبل وأبو الحارث القول قَوْل البائع مَعَ يمينه انه باعه وَهُوَ صَحِيْح لا خرق فِيْهِ ولا عيب. قَالَ أبو يعلى القول قَوْل البائع وَهُوَ أصح. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 65/ب، المحرر 1/ 327، الزركشي 2/ 400.
يقبل قَوْل البائع، وَهِيَ أنصهما. واختارها الْقَاضِي في الرِّوَايَتَيْنِ وابن عبدوس في تذكرته وجزم بِهَا في المنور ومنتخب الآدمي وقدمها في المحرر.
فائدة: إِذَا قُلْنَا: القول قَوْل الْمُشْتَرِي: فمع يمينه، ويكون عَلَى البت. قَالَهُ الأصحاب، وإن قلنا القول قَوْل البائع فمع يمينه، وَهِيَ عَلَى حسب جوابه، وتكون عَلَى البت، عَلَى الصَّحِيْح من المذهب.
الإنصاف 4/ 431 - 432.
(5) المغني 4/ 259.
(6) جاء في مسائل أبي داود أن الإمام أَحْمَد سئل عن بيع ده يازده وده دوازده، فَقَالَ مكروه. مسائل أبي داود: 195. المغني 4/ 259. نقل الأثرم: انه كره بيع ده يازده وَهُوَ هَذَا. وَقَالَ أَبُو الصقر: هُوَ الربا. واقتصر عَلَيْهِ أبو بكر في زاد المسافر. ونقل أَحْمَد بن هاشم كَأنه دراهم بدراهم. لا يصح. وَقِيْلَ: لا يكره. وذكره رِوَايَة في الحاوي، والفائق، وجزم بِهِ في الرعاية الصغرى وقدمه في الرعاية الكبرى، والحاوي الصغير. الإنصاف 4/ 438.(1/250)
مِنْهُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ ما يرْجعُ بِهِ مِنْ أرْشِ العَيْبِ يُحَطُّ مِن الثَّمَنِ فإنْ خَفِيَ عَلَى الْمَبِيْعِ جِنَايَةً فَأَخَذَ أرْشَ الْجِنَايَةِ حَطَّهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ كَأرْشِ العَيْبِ (1) والثَّانِي لا يَحُطُّ كَسَائِرِ النَّمَاءِ الْحَادِثِ بَعْدَ العَقْدِ (2) فإنْ جَنَى العَبْدُ الْمَبِيعُ فَفَدَاهُ الْمُشْتَرِي /146 ظ/ لَمْ يَلْحَقْ ذَلِكَ بالثَّمَنِ وَجْهاً وَاحِداً فإن اشْتَرَى ثَوْباً بِمِئَةٍ فَقَصَرَهُ بِعَشرَةٍ وَرَفَاهُ بِعَشْرَةٍ فإنَّهُ يُخْبرُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ، فإنْ قَالَ يَحْصُلُ عَلَيَّ بِكَذَا فَقَالَ شَيْخُنَا لا يَجُوزُ ويَحْتَمِلُ الْجَوازَ فإنْ عَمِلَ فِيْهِ عَمَلاً يُسَاوِي عَشرَةً لَمْ يَجُزْ أنْ َقُوْلَ يَحْصُلُ عَلَيَّ بِكَذَا بَلْ يَقُوْلُ اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا وعَمِلْتُ فِيْهِ بِكَذَا وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ خِرْقَةً في الثَّوْبِ وأرَادَ بَيْعَ البَاقِي مُرَابَحَةً أو اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فأرَادَ بَيْعَ أَحَدِهِمَا مُرَابَحَةً بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ لَمْ يَجْزِهِ حَتَّى يُخْبِرَهُ بالْحَالِ حَتَّى يَسْتَوِيَ فِيْهِ عِلْمُهُ وعِلْمُ الْمُشْتَرِي، فإن اشْتَرَى عَبْداً بِعَشْرَةٍ وبَاعَهُ بِخَمْسَة عَشَرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشْرَةٍ لَمْ يَجُزْ أنْ يَبِيْعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُخْبِرَهُ بالْحَالِ إلاَّ أنْ يَحُطَّ الرِّبْحَ مِنَ الثَّمَنِ الثَّانِي ويُخْبِرَ أنَّ رَأْسَ مَالِهِ عَلَيْهِ خَمْسَةً فإنْ بَاعَهُ بعشرة ثُمَّ عاد فاشتراه بخمسة أخبر أنَّهُ اشتراه بخمسة فإن باعه لِغُلامِ دُكَّانِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ واشْتَرَاهُ مِنْهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ الأوَّلِ عَلَى وَجْهِ الْحِيْلَةِ أو اشْتَراهُ من أبِيْهِ أو ابْنِهِ أو مِمَّنْ لا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يبَيْنَ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إن اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ فإنْ بَاعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ، فإنْ أُخْبِرَ أنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِئَةٍ ثُمَّ بَانَ أنَّهُ اشْتَرَاهُ بأقَلّ حَطَّ الزِّيَادَةَ في التَّوْلِيَةِ وفي الْمُرَابَحَةِ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وقِسْطَهَا مِنَ الرِّبْحِ ويُلْزِمُهُ الْمَبِيْعَ بِبقِيَةِ الثَّمَنِ (3) وَعَنْهُ أنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الفَسْخِ والإمْسَاكِ مَعَ الْحَطِّ (4)، فإنْ قَالَ بِعْتُكَ بِرأْسِ مَالِهِ - وَهُوَ مُتَحيِّرٌ - مِئَة ورَبِحَ عَشَرَة ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: غَلِطْتُ رأْسُ مَالِهِ مِئَة وَعَشَرَة لَزِمَ الْمُشْتَرِي الرَّدُّ أو إعْطَاءُ الزِّيَادَةِ بَعْدَ أنْ يُحَلِّفَهُ - إنْ شَاءَ - أنَّهُ غَلِطَ (5)، وأنَّ رَأْسَ مالِهِ مِئَةٌ وعَشَرَةٌ، ونَقَلَ عَنْهُ أبو طَالِبٍ إنْ كَانَ مَعْرُوفاً بالصِّدْقِ مِثْلَ قَوْلِهِ (6) ونَقَلَ عَنْهُ لا يَقْبَلُ دَعْوَاهُ وَلَوْ أقَامَ بِهَا بَيِّنَةً إلاَّ أنْ يُصَدِّقَهُ
__________
(1) المغني 4/ 261. يحط من رأس المال، ويخير بالباقي. وهذا أحد الوجهين. والوجه الثاني: يجب عَلَيْهِ أن يخبر بِهِ عَلَى وجهه اختاره الْقَاضِي وَقَالَ المرداوي وهذا المذهب. الإنصاف 4/ 442 - 443.
(2) المغني 4/ 261، الإنصاف 4/ 443.
(3) المغني 4/ 263.
(4) المغني 4/ 263.
(5) الزركشي 2/ 410.
(6) المغني 4/ 294، الزركشي 2/ 410.(1/251)
الْمُشْتَرِي (1) فإنْ قَالَ: رَأْسُ مَالِي فِيْهِ مِئَةُ دِرْهَمٍ بِعْتُكَ بِهِ، وَوضِيْعَتُهُ دِرْهَمٌ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ويَلْزَمُ الْمُشْتَرِي تِسْعُونَ، ويُحْتَمَلُ أن يُلْزِمَهُ تِسْعُوْنَ وتِسْعَةُ أعْشَارِ دِرْهَمٍ. والإقَالَةُ: فَسْخٌ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2) ولا يَجُوزُ إلاَّ بِمِثِلِ الثَّمَنِ ولا تُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّفْعَةُ ويَجُوزُ في الْمَبِيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ ومَنْ حَلَفَ لا يَبِيْعُ فأقَالَ لَمْ يَحْنَثْ
/147 و/ وفي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى هِيَ بَيْعٌ (3) فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الأحْكَامُ إلاَّ في الثَّمَنِ فإنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (4).
بَابُ اخْتِلافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ
وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ في قَدْرِ الثَّمَنِ والسِّلْعَةُ باقية تَحَالَفَا وبُدِئَ بِيَمِيْنِ البَائِعِ فَيَحْلِفُ أنَّهُ ما بَاعَهُ بِكَذَا أو إنَّمَا بَاعَهُ بِكَذَا، ويَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أنَّهُ ما اشْتَرَاهُ بِكَذَا وإنَّمَا اشْتَرَاهُ بِكذَا فإذَا حَلَفَا فإنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ صَاحِبُهُ أُقِرَّ العَقْدُ وإنْ لَمْ يَرْضَيَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الفَسْخُ ويُحْتَمَلُ أنْ يَقِفَ الفَسْخُ عَلَى الْحَاكِمِ فإذَا انْفَسَخَ العَقْدُ فَقَالَ شَيْخُنَا: يَنْفَسِخُ ظَاهِراً وبَاطِناً فَيُبَاحُ لِلْبَائِعِ جَمِيْعُ التَّصَرُّفِ في الْمَبِيْعِ (5) وعِنْدِي أنَّهُ إنْ كانَ البَائِعُ ظَالِماً بالفَسْخِ انْفَسَخَ في الظَّاهِرِ دُوْنَ البَاطِنِ لأنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ إمْضَاءَ العَقْدِ واسْتِيفَاءَ حَقِّهِ فإذَا فَسَخَ فَقَدْ تَعَدَّى ولا يَنْفَسِخُ العَقْدُ في البَاطِنِ ولا يُبَاحُ لَهُ التَّصَرُّفُ؛ لأنَّهُ غَاصِبٌ، وإنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الظَّالِمُ انْفَسَخَ العَقْدُ ظَاهِراً وبَاطِناً، لأنَّ البَائِعَ مَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بإِمْضَاءِ العَقْدِ لامْتِنَاعِ الْمُشْتَرِي مِنْ إعْطَاءِ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ العَقْدُ عَلَيْهِ، وَكَانَ لَهُ الفَسْخُ كَمَا لَوْ أفْلَسَ الْمُشْتَرِي، فإن اخْتَلَفَا بَعْدَ تَلَفِ السِّلْعَةِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحداهُمَا: يَتَحَالَفَانِ (6) ثُمَّ الْمُشْتَرِي بالْخِيَارِ بَيْنَ دَفْعِ الثَمَنِ الَّذِي ادّعَاهُ البَائِعُ وبينَ دَفْعِ القِيْمَةِ إنْ عُرِفَتْ صِفَةُ السِّلْعَةِ فإنْ لَمْ تُعْرَفْ صِفَتُهَا واخْتَلَفَا أخَذَ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِيْنِهِ، والثَّانِيَةِ: لا يَتَحَالَفَانِ والقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، فإن اخْتَلَفَا في أصْلٍ أو شَرْطٍ أو رَهْنٍ أو في
__________
(1) المغني 4/ 294، الزركشي 2/ 410.
(2) نقل يعقوب بن بختان: الإقالة فسخ. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 72/ب، وجاء في المغني 4/ 225: إنها فسخ وَهُوَ الصَّحِيْح.
(3) نقل أبو طَالِب وأبو الحارث: الإقالة بيع. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 72/ب.
(4) المغني 4/ 226.
(5) الإنصاف 4/ 450.
(6) قَالَ في رِوَايَة الأثرم وإبراهيم بن الحارث، إِذَا اختلف الْمُتَبَايِعَانِ تحالفا وَلَمْ يفرّق بَيْنَ أن تَكُوْن السلعة قائمة أو تالفة. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 69/ب، وَقَالَ أبو بكر: المسألة عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: يتحالفان كَمَا لَوْ كانت باقية وَهِيَ اختيار الخِرَقِيّ. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 69/ب. المغني 4/ 268، والزركشي 2/ 415، الإنصاف 4/ 447.(1/252)
ضَمِيْنٍ أو في مِقْدَارِ ذَلِكَ تَحَالَفَا (1) وَعَنْهُ القَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِي ذَلِكَ مَعَ يَمِيْنِهِ (2)، فإن اخْتَلَفَا في صِفَةِ الثَّمَنِ فَظَاهِرُ قَولِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أن يَرْجِعَ إِلَى نَقْدِ البَلَدِ (3) فإنْ كَانَ فِيْهِ نُقُودٌ رَجَعَ إِلَى أوْسَطِهَا وَقَالَ شَيْخُنَا يَتَحَالَفَانِ (4)، فإنْ حَلَفَ أحَدُهُمَا وَنَكَلَ الآخَرُ لَزِمَهُ ما قَالَ صَاحِبُهُ، فإنْ مَاتَ الْمُتَبَايِعَانِ فَوَرَثَتُهُمَا بِمَنْزِلَتِهِمَا فِيْمَا ذَكَرْنَا مِنَ الأحْكَامِ فإن اخْتَلَفَا في شَرْطٍ يُفْسِدُ البَيْعَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا بِعْتَنِي بِخَمْرٍ أو جَعَلْتَ لِيَ الْخِيَارِ مَتَى شِئْتَ وَقَالَ الآخَرُ بَلْ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وخِيارُ ثَلاث فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِي الفَسَادَ /148 ظ/ مَعَ يَمِينِهِ فإن اخْتَلَفَا في عين الْمَبِيْعِ فَقَالَ البَائِعُ بِعْتُكَ هَذَا العَبْدَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ بِعْتَنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ تَحَالَفَا فإنْ قَالَ البَائِعُ بِعْتُكَ هَذَا العَبْدَ بألْفٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ هُوَ والعَبْدُ الآخَرُ بألْفٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ البَائِعِ مَعَ يَمِيْنِهِ وإن اخْتَلَفَا في التَّسْلِيِمِ، فَقَالَ البَائِعُ لا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى تُقْبِضَنِي الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لا أُقْبِضُ الثَّمَنَ حَتَّى أَقْبَضَ الْمَبِيْعَ، فإنْ كَانَ الثَّمَنُ عَيْناً جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقبَضُ مِنْهُمَا ويُسَلِّمُ الْمَبِيْعَ إِلَى الْمُشْتَرِي والثَّمَنَ إِلَى البَائِعِ وإنْ كَانَ الثَّمَنُ دَيْناً في الذِّمَّةِ أُجْبِرَ البَائِعُ عَلَى تَسْلِيْمِ الْمَبِيْعِ ثُمَّ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ حَاضِراً مَعَهُ وإنْ كَانَ غَائِباً عن الْمَجْلِسِ في البَلَدِ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي في الْمَبِيْعِ وفي جَمِيْعِ مَالِهِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ، فإنْ كَانَ الثَّمَنُ غَائِباً عَلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيْهَا الصَّلاَةُ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ الفَسْخِ أو الصَّبْرِ، فإنْ كَانَتْ مَسَافَةً لا تُقْصَرُ فِيْهَا الصَّلاَةُ احْتَمَلَ أنْ يَثْبُتَ لَهُ الْخِيَارُ واحْتَمَلَ أنْ يَحْجُرَ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ، فإنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُعْسِراً فَلِلْبَائِعِ الفَسْخُ في الْحَالِ والرُّجُوعُ في الْمَبِيْعِ.
بَابُ السَّلَمِ
والسَّلَمُ نَوعٌ مِنَ البَيْعِ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَنْعَقِدُ بِهِ البَيْعُ ويَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ والسَّلَفِ ويَصِحُّ في كُلِّ مالٍ يُضْبَطُ بالصِّفَةِ كَالثِّمَارِ والْحُبُوبِ والأدِقَّةِ (5) والأخْبَارِ (6) والثِّيَابِ والقُطْنِ والإبِرِيْسَمِ (7) والكَتَّانِ والقُنَّبِ (8) والكاغد (9) والصُّوفِ والشَّعْرِ والْحَيَوانِ والرقيقِ
__________
(1) المغني 4/ 769، الإنصاف 4/ 452.
(2) المغني 4/ 769، الإنصاف 4/ 454.
(3) ونصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة الأثرم. المغني 4/ 769. الإنصاف 4/ 452.
(4) الإنصاف 4/ 452.
(5) الأدقة: جمع دقيق، وَهُوَ الطحين. المعجم الوسيط: 291.
(6) الأخبار: الناقة الغزيرة اللبن. لسان العرب 4/ 227 (خبر).
(7) الإبريسم: الحرير. معجم مَتْن اللغة 1/ 272.
(8) القنب: نبات حولي زراعي ليفي من الفصيلة القنبية، تفتل لحاؤه حبالاً. المعجم الوسيط: 761.
(9) الكاغد: القرطاس (فارسي أو صيني معرب). يتخذ من الخرق والقنب ونحو ذَلِكَ. معجم مَتْن اللغة 5/ 79.(1/253)
واللُّحُومِ والرُّؤُوْسِ والْجُلُودِ والأطْرَافِ والْحَدِيْدِ والرَّصَاصِ والنُّحَاسِ والصُّفْرِ والأحْجَارِ والأخْشَابِ والأَدْوِيَةِ والطِّيْبِ والْمَائِعَاتِ مِنَ الخلُولِ والأدْهَانِ والألبَانِ وغَيْرِ ذَلِكَ ولا يَصِحُّ إلا بِخَمْسةِ شَرَائِطٍ، أَحَدِهَا: أنْ يَذْكُرَ كُلَّ وَصْفٍ يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لأجْلِهِ عِنْدَ أهْلِ الْخِبْرَةِ فإذَا أسلَمَ في طَعَامٍ ذَكَرَ الْجِنْسَ فَقَالَ: حِنْطَةٌ، والنَّوعُ: بَغْدَادِيَّةٌ واسِطِيَّةٌ، واللَّوْنُ: بَيْضَاءٌ حَمْرَاءٌ صَفْرَاءٌ، والقَدَرُ: كِبَارُ الْحَبِّ صِغَارُ /149 و/ الحَبِّ وحَدِيْثٌ أو عَتِيْقٌ وجَيِّدٌ أو رَدِيْءٌ، وخَالِيَةٌ من الغِشِّ. فإنْ شَرَطَ أَجْوَدَ الْحِنْطَةِ لَمْ يَصِحَّ وإنْ شَرَطَ أرْدَأَهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ (1) والشَّرْطِ الثَّانِي أنْ يَذْكُرَ الْمِقْدَارَ فَيَشْرُطَ في الْمَكِيْلِ كَيْلاً مَعْلُوماً وفي الْمَوْزُونِ وَزْناً مَعْلُوماً، وَكَذَلِكَ في الْمَزْرُوْعِ والْمَعْدُودِ فإنْ أسْلَمَ فِيْمَا يُكَالُ بالْوَزْنِ لَمْ يَصِحَّ نَصَّ عَلَيْهِ (2) وَكَذَلِكَ تخرجُ إِذَا أسْلَمَ فِيْمَا يُوزَنُ كَيْلاً وَفِيْمَا يُزْرَعُ وَزْناً فأمَّا الْمَعْدُودُ والْمُخْتلفُ كالبَيْضِ والْجَوزِ والرُّمَّانِ والسَّفَرْجَلِ والبِطِّيْخِ والقِثَّاءِ والبَاذِنْجَانِ وما أشْبَهَهُ فَفَيْهِ رِوَايِتَانِ إحداهما (3): لا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيْهِ (4) وَقَالَ في رِوَايَةِ إسْحَاقِ بن إبْرَاهَيْمَ وَقَدْ سَأَلَهُ عَن السَّلَمِ في البَيْضِ إنَّما سَمِعْنَا السَّلَمَ فِيْمَا يُكَالُ أو يُوزَنُ. قُلْتُ: فالرُّمَّانُ، قَالَ: لا أدْرِي ولا البَيْضُ السَّلَم فِيْمَا يكال أَوْ يوزن وَلاَ أرى السلم إلا فِيْمَا يُكَالُ أو يُوزَنُ أو شَيْءٌ يُوْقَفُ عَلَيْهِ ومعْنَاهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - يُوقَفُ عَلَيْهِ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ لا يَخْتَلِفُ كالزَّرْعِ، وظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ السَّلَمِ في كُلِّ مَعْدُودٍ مُخْتَلِفٍ مِنَ الفَوَاكِهِ والبُقُولِ والبَيْضِ والْحَيَوَانِ والرُّؤُوسِ وما أشْبهَ ذَلِكَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ السَّلَمُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ (5) وَهَلْ يُسْلِمُ فِيْهِ عَدَداً أو وَزْناً عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحدَاهمَا: وَزْناً (6) والأُخْرَى: عَدَداً (7) وَقِيْلَ يُسْلِمُ في البيْضِ والْجَوْزِ عَدَداً وفي الفَوَاكِهِ والبُقُولِ وَزْناً والشَّرْطِ الثَّالِثِ: أنْ يَشْرُطَا أجَلاً مَعْلُوماً لَهُ وَقْعٌ في الثَّمَنِ كَالشَّهْرِ والشَّهْرَيْنِ فَصَاعِداً، فإنْ أسْلَمَ حالاً أو شَرَطَ سَاعَةً أو يَوْماً لَمْ يَصِحَّ إلاَّ أنْ يُسْلِمَ في لَحْمٍ أو خُبْزٍ يَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُ
__________
(1) المغني 4/ 318، الشرح الكبير 4/ 324، الزركشي 2/ 447.
(2) نص عَلَيْهِ الإمام. انظر: الزركشي 2/ 448.
(3) فِي الأصل: ((أحدهما)).
(4) وَقَالَ الإِمَام أَحْمَد في رِوَايَة المروذي ويوسف ابن موسى، وَقَدْ سئل عن السلم في البيض والرمان فَقَالَ السلم فِيْمَا يكال ويوزن ولا أرى السلم إلا فِيْمَا يكال ويوزن أو شيء وقف عَلَيْهِ. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 73/أ، كتاب الهادي: 96، الزركشي 2/ 446 - 447.
(5) نقل إسماعيل بن سعيد وابن مَنْصُوْر لا بأس بالسلم في الفواكه والبطيخ والبيض والجوز والرمان. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 73/أ. انظر: كتاب الهادي: 96.
(6) كتاب الهادي: 96، المغني 4/ 327.
(7) كتاب الهادي: 96، المغني 4/ 327.(1/254)
كُلَّ يَومٍ أرْطَالاً مَعْلُومَةً فإنَّهُ يَصِحُّ، نَصَّ عَلَيْهِ (1)، فَإِنْ أَسْلَمَ في جِنْسٍ إلى أَجَلَيْنِ، أو في جِنْسَيْنِ إلى أَجَلٍ صَحَّ، وإِنْ أَسْلَمَ إلى الحَصَادِ والجُذَاذِ، فَهَلْ يَصِحُّ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2).
والشَّرطِ الرَّابِعِ: أَنْ يَشْرِطَا مَحلاً يَكُوْنُ المُسَلَّمُ فِيْهِ عَامُّ الوُجُودِ، فَإِنْ جَعَلاَ المَحلَ وَقْتاً لا يُوجَدُ فِيْهِ أو يُوجَدُ نَادِراً مِثْلُ: أَنْ يُسْلِمَ في الرَّطبِ والعِنَبِ ويَجعَلَ مَحَلَّهُ شُبَاطاً أَو آذَارَ لَمْ يَصِحَّ، وكَذَلِكَ إِذَا أَسْلَمَ في ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ أو بسْتَانٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لأنَّهُ لا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ عِنْدَ المَحَلِّ، فَإِنْ أَسْلَمَ فِيْمَا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ فَانْقَطَعَ في مَحَلِّهِ فالمُشْتَرِي /150 ظ/ بالخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ إلى أَنْ يُوجدَ وبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ العَقْدَ ويَرْجِعَ بالثَّمَنِ إِنْ كَانَ مَوْجُوداً أو بِمِثْلَهِ إِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الأَمْثَالِ أو بِقِيْمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيْلاً أو مَوْزُوناً في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (3)، والآخَرُ: أنَّ العَقْدَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ العَقْدِ (4)، فَإِنْ تَعَذَّرَ البَعْضُ فَالحُكْمُ فِيْهِ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ الجَمِيْعُ.
والشَّرْطِ الخَامِسِ: أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ مَالِ السَّلِمْ في مَجْلِسِ العَقْدِ ويَكُوْن مَعْلُومَ الصِّفَةِ والمِقْدَارِ كَالثَّمَنِ سَوَاءٌ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ القَبْضِ بَطَلَ السَّلَمُ، وإِنْ أَقْبَضَهُ بَعْضَهُ في المَجْلِسِ ثُمَّ تَفَرَّقَا بَطَلَ العَقْدُ في الْجَمِيْعِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (5)، والأُخْرَى: يَبْطُلُ فِيْمَا لَمْ يُقْبَضْ (6)، فَإِنْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَوَجَدَهُ رَدِيْئاً فَرَدَّهُ فَلَهُ البَدَلُ في مَجْلِسِ الرَّدِّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (7)، والأُخْرَى: يَبْطُلُ العَقْدُ بِرَدِّهِ (8)، فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَهُ رَدِيْئاً فَرَدَّهُ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الأُوْلَة لَهُ الاسْتِبْدَالُ في المَجْلِسِ (9)، وعَلَى الأُخْرَى يَبْطُلُ في المَرْدُودِ (10)، وهَلْ يَصِحُّ فِيْمَا لَمْ يُرَدَّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (11)، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيْقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ تَقَابَلا في بَعْضِ المسَّلَمِ فِيْهِ
__________
(1) المغني 4/ 345، والزركشي 2/ 454.
(2) نقل أبو الصقر: لا يجوز حَتَّى يسمي شهراً معلوماً وليس هنا معلوم، ونقل ابن منصور: تجوز. قَالَ أبو بكر: الأول اختياري. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 72/ أ، والمقنع: 114، والمغني 4/ 329، والزركشي 2/ 449.
(3) المغني 4/ 333، والمحرر 1/ 334، والشرح الكبير 4/ 333.
(4) المغني والشرح الكبير 4/ 333، والمحرر 1/ 334.
(5) المغني 4/ 335، والزركشي 2/ 451.
(6) المغني 4/ 335، والزركشي 2/ 451.
(7) المغني والشرح الكبير 4/ 335.
(8) المغني والشرح الكبير 4/ 335.
(9) المغني والشرح الكبير 4/ 336.
(10) المغني والشرح الكبير 4/ 336.
(11) المغني والشرح الكبير 4/ 336.(1/255)
لَمْ يَصِحَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، والأُخْرَى: تَصِحُّ (2) ويَقْبِضُ قِسْطَهُ مِنَ الثَّمَنِ أو عِوَضَهُ في مَجْلِسِ الإِقَالَةِ، وإِذَا قَبَضَ المسَّلَمَ فِيْهِ ثُمَّ ادَّعَى أنَّهُ غَلِطَ عَلَيْهِ في الوَزْنِ أَو الكَيْلِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: القَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ (3).
والثَّانِي: لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ (4)، فَإِنْ قَبَضَهُ جُزَافاً فَتَلِفَ واخْتَلَفَا في قَدْرِهِ فَالقَوْلُ قَوْلُ القَابِضِ مَعَ يَمِيْنِهِ وَجْهاً وَاحِداً، ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ المسَّلَمِ فِيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ولاَ الشِّرْكَةِ ولاَ التَّوْلِيَةِ فِيْهِ، ولاَ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهَنِ والكَفيْلِ بِمَالِ السْلِمِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (5)، والأُخْرَى: يَجُوزُ (6)، ولاَ يُشْتَرَطُ في السَّلَمِ ذِكْرُ مَكَانِ الإِيْفَاءِ، ويَكُونُ الإِيْفَاءُ في مَوْضِعِ العَقْدِ، فإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ صَحَّ الشَّرْطُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (7)، والأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ الشَّرْطُ (8). وإِذَا أَحْضَرَ المُسلِم فِيْهِ عَلَى الصِّفَةِ المَشْرُوطَةِ أو أَجْوَدُ لَزِمَ قَبُوْلَهُ، فإِنْ كَانَ أَنْقَصَ مِنَ الصِّفَةِ لَمْ يَلْزَمْ قَبُولَهُ، وإِنْ جَاءهُ بِأَجْوَد منَ الصِّفَةِ فَقَالَ: خُذْهُ وَزِدْنِي دِرْهَماً فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ، وإِنْ جَاءهُ بِزِيَادَةٍ في المِقْدَارِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ صَحَّ، فَإِنْ جَاءهُ بالمسَّلَمِ فِيْهِ قَبْلَ المَحَلِّ ولا ضَرَرَ في قَبْضِهِ لَزِمَهُ قَبْضُهُ، وإِنْ كَانَ في قَبْضِهِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ.
ولاَ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيْمَا لا يُضْبَطُ بالصِّفَةِ كَالجَّوَاهِرِ كُلِّهَا مِنَ الدُّرِّ /151 و/ واللُّؤْلُؤِ واليَاقُوتِ، وكَذَلِكَ الحَوَامِلُ مِنَ الحَيَوَانِ، فَأَمَّا السَّلَمُ في الأَوَانِي المُخْتَلِفَةِ الرُّؤُوسِ والأَوْسَاطِ كَالمَرَاجِلِ والأَبَارِيْقِ والأَسْطَالِ الضَّيِّقَةِ الرُّؤُوسِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (9)، ومَا يَجْمَعُ أَنْوَاعاً مُخْتَلِفَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:
__________
(1) في رواية صالح وابن القاسم يأخذ سلمه كله أو رأس ماله فظاهر هَذَا المنع. الروايتين والوجهين 73/ أ، وكتاب الهادي: 97، والمغني والشرح الكبير 4/ 343.
(2) نقل حنبل وقد ذُكِرَ لَهُ قول ابن عباس يأخذ بعض سلفه وبعض رأس ماله. فَقَالَ أَحْمَد: لا بأس بِهِ ولا يأخذ فضلاً فظاهر هَذَا الجواز. الروايتين والوجهين 73/ أ، والمغني والشرح الكبير 4/ 343.
(3) الشرح الكبير 4/ 347.
(4) الشرح الكبير 4/ 347.
(5) رَوَى المروذي وابن القاسم وأبو طَالِب منع ذَلِكَ، وهو اختيار الخرقي وأبي بكر. المغني والشرح الكبير 4/ 348. اختارها أبو بكر في التنبيه وابن عبدوس. انظر: الزركشي 2/ 455.
(6) رَوَى حنبل جوازه. المغني والشرح الكبير 4/ 348.
وَهِيَ الصواب واختيار أبي مُحَمَّد وحكاها القاضي في روايته عن أبي بكر نحو ذَلِكَ. الزركشي 2/ 456.
(7) المغني والشرح الكبير 4/ 340، والزركشي 2/ 452.
(8) المغني والشرح الكبير 4/ 340، والزركشي 2/ 452.
(9) المغني 4/ 313، الشرح الكبير 4/ 316، الزركشي 2/ 446، كشاف القناع 3/ 277.(1/256)
ما يُطْرَحُ في الشَّيءِ لِمَنْفَعَةِ الشَّيءِ، وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ في نَفْسِهِ كالأَنْفَحةِ في الجُبْنِ (1)، والخَلِّ في السَّكَنْجَبِيْنِ (2)، والمِلْحِ في العَجِيْنِ، ومَا أَشْبَهَهُ. فالسَّلَمُ فِيْهِ جَائِزٌ.
والثَّانِي: مَا يُطرَحُ في الشَّيءِ لاَ لِمَنْفَعَةٍ كَالمَاءِ في اللَّبَنِ، والمِسِّ في الذَّهَبِ (3) فَلاَ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيْهِ.
والثَّالِثِ: أَخْلاَطُ أَشْيَاءَ مَقْصُودَةٍ عَلَى وَجْهِ لا تَتَمَيَّزُ كَالغَالِيَةِ (4) والنَّدِّ (5)، والمَعَاجِيْنِ، وما أَشْبَهَهُ فَلاَ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيْهَا.
الرَّابِعِ: مُجْتَمِعٌ مَقْصُودٌ مُتَمَيِّزٌ كَالثَّوْبِ الْمَنْسُوجِ مِنْ قُطْنٍ وإِبْرِيْسَمٍ أو كَتَّانٍ وقُطْنٍ والقَسِيِّ (6) والنَّبْلِ المَرِيْشِ (7) والرِّمَاحِ والخفَافِ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيْهَا في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (8) والآخَرُ لا يَصِحُّ (9)، ولا يَصِحُّ السلم في العَقَارِ والنَّخْلِ والأشْجَارِ الثَّابِتَةِ، وكلُّ عَيْنٍ لا يَجُوزُ أنْ تسلمَ ثَمَناً وَاحِداً في جنْسٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِقْدَارُ ما لِكِلِّ جِنْسٍ مِنَ الثَّمَنِ.
بَابُ القَرْضِ
القَرْضُ مِنْ مَنَافِعِ النَّاسِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ ويَحْصُلُ المِلْكُ فِيْهِ بالقَبْضِ، فَلَو أَرَادَ المُقْرِضُ الرُّجُوعَ في غَيْر مَالِهِ قَبْلَ تَصَرُّفِ المُسْتَقْرِضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ أرَادَ المُسْتَقْرِضُ ذَلِكَ لَزِمَ المُقْرِضُ قَبُولَهُ إِذَا كَانَ عَلَى حالِهِ حِيْنَ القَرْضِ فإنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ مِثل أنْ حَدَثَ بِهِ عَيْباً أو أقْرَضَهُ فُلُوساً أو مُكَسَّرَةً فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ لَمْ يَلْزَم المُقْرِضُ قَبُولَهُ وكَانَ لَهُ القِيْمَةُ وَقْتَ القَرْضِ، ويَجُوزُ قَرْضُ ما يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ إلاَّ بَنِي آدَمَ فإنَّ أَحْمَدَ
-رَحِمَهُ اللهُ- كَرَّهَهُ (10) ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَصِحَّ قَرْضُهُمْ (11) وَهُوَ يُحْتَمَلُ أنْ يَصِحَّ مَعَ
__________
(1) الأنفحة: شيء أصفر يستخرج من بطن الجدي الرضيع قَبْلَ أن يأكل يعصر في جوفه مبتلاً باللبن فيغلظ كالجبن. معجم مَتْن اللغة 5/ 508.
(2) السكنجبين: شراب يتخذ من خل وعسل. معجم مَتْن اللغة 3/ 183.
(3) المِس: النحاس. معجم مَتْن اللغة 5/ 295.
(4) الغالية: طيب معروف. وَهُوَ أخلاط من مسك وعنبر وبان تغلى عَلَى النار. معجم مَتْن اللغة 4/ 321.
(5) الندَّ: عود يتبخر بِهِ، وَهُوَ العود المطرى بالمسك والعنبر والبان أو هُوَ العنبر. معجم مَتْن اللغة 5/ 427.
(6) القسي: الدرهم الرديء. معجم مَتْن اللغة 4/ 566.
(7) النبل المريش: السهم الَّذِي ركب لَهُ ريش. رشت السهم: ألزقت عَلَيْهِ الريش فَهُوَ مريش. لسان العرب 1/ 1226.
(8) المغني 4/ 314، الشرح الكبير 4/ 318.
(9) قَالَ الْقَاضِي: لا يَصِح. المغني 4/ 314، الشرح الكبير 4/ 318.
(10) كتاب الهادي: 97، المغني والشرح الكبير 4/ 355.
(11) المغني 4/ 355.(1/257)
الكَرَاهِيَةِ (1)، فأمَّا ما لا يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ سَلَماً كالْجَوَاهِرِ، فَذَكَرَ شَيْخُنَا في " الْمُجَرَّدِ " جَوازَ قَرْضِهَا ويَرُدُّ المُسْتَقْرِضُ القِيْمَةَ (2)، والأقْوَى عِنْدَي أنَّهُ لا يَجُوزُ قَرضُهَا لأنَّهَا لا تَثْبُتُ في الذِّمَّةِ ولا نُقِلَ جَوَازُ قَرْضِهَا ولا هِيَ مِنَ المَرَافِقِ ويَجِبُ رَدُّ المِثْلِ في المَكِيْلِ والمَوْزُونِ وفي غيْرِهِمَا عَلَى وَجْهَيْنِ، أحَدِهِمَا يَرُدُّ القِيْمَةَ (3)، والآخرِ: يَرُدُّ مِنْ جِنْسِهِ (4) وَإِذَا أقْرَضَهُ أثْمَاناً فَلَقِيَهُ /152 ظ/ بِبَلَدٍ آخَرَ فَطَالَبَهُ بِهَا لَزِمَهُ أن يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِثْلَها، فإنْ أقْرَضَهُ مَكِيْلاً فَطَالَبَهُ بالْمِثْلِ في بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ، وإنْ طَالَبَهُ بالقِيْمَةِ لَزِمَهُ ويَجُوزُ شَرْطُ الرَّهْنِ والضَّمِينِ في القَرْضِ ولا يَجُوزُ شَرْطُ الأَجَلِ ولا يَجُوزُ كلُّ شَرْطٍ يَجُرُّ مَنْفَعَةً مِثْلَ أن يُقْرِضَهُ عَلَى أنْ يُسْكِنَهُ دَارَهُ أو يُعْطِيهِ أجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ أو يَكْتُبَ لَهُ بِهِ سَفْتَجَةً (5) إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فإنْ بَداهُ المُقْرِضُ فَفَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيرِ شَرْطٍ جَازَ ويُحْتَمَلُ جَوازُ شَرْطِ السَّفْتَجَةِ لأنَّهَا مَصْلَحةٌ لَهُمَا، فإنْ أبَدَى لَهُ هَدِيةً بَعْدَ الوَفَاءِ أو زَادَهُ زِيَادَةً مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ إحداهُمَا: جَوازُ ذَلِكَ (6) والأُخْرَى تَحْرِيْمُهُ (7).
كِتَابُ الرَّهْنِ
الرَّهْنُ: عَقْدٌ لاَزِمٌ في حَقِّ الرَّاهِنِ جَائِزٌ في حَقِّ المُرْتَهِنِ يَصِحُّ في السَّفَرِ والحَضَرِ ولاَ يَصِحُّ إلاَّ مِنْ جَائِزِ التَّصْرُّفِ، ويَصِحُّ انْعِقَادُهُ مَعَ الحَقِّ وبَعْدَ الحَقِّ، فَأَمَّا قَبْلَهُ فَقَدْ نَقَلَ ابنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - كَلاَماً يَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَنْعَقِدَ (8)، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وشَيْخِنَا (9)، ويُحْتَمَلُ أنْ يَنْعَقِدَ، فَإِذَا وَجَبَ الحَقُّ صَارَ رَهناً مَحْبُوساً بِهِ، وَهُوَ الأَقْوَى عِنْدَي قِيَاساً عَلَى قَوْلِهِ في الضَّمَانِ. ويَلْزَمُ الرَّهْنُ في المُعَيَّنِ بِنَفْسِ العَقْدِ، ويَلْزَمُ الرَّاهِنُ إِقْبَاضَهُ، فَإِنِ
__________
(1) يصح القرض وَهُوَ قَوْل ابن جريج والمزني. المغني والشرح الكبير 4/ 355.
(2) قَالَ الْقَاضِي يجوز قرضها. كتاب الهادي: 97، المغني 4/ 355.
(3) كتاب الهادي: 97، المغني 4/ 357، الشرح الكبير 4/ 358.
(4) كتاب الهادي: 97، المغني والشرح الكبير 4/ 358.
(5) السفتجة: هِيَ أن يعطي آخر مالاً، وللآخر مال، فِي بلد المعطي، فيوفيه إياه هناك، فيستفيد أمن الطريق. انظر: المعجم الوسيط: 432.
(6) كشاف القناع 3/ 304.
(7) المغني والشرح الكبير 4/ 362.
(8) لا يصح في ظاهر المذهب، وهو اختيار أبي بكر والقاضي. وذكر القاضي: أن أحمد نص عليه في رواية ابن منصور. المغني والشرح الكبير 4/ 368.
(9) المغني والشرح الكبير 4/ 368.(1/258)
امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الحَاكِمُ، وَعَنْهُ: لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بالقَبْضِ (1) سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّناً كَالعَبْدِ، أو غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالقَفَيْزِ مِنْ صُبْرَةٍ إِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِ المُرْتَهِنِ، أَو يَدِ عَدْلٍ جَازَ، وإِنِ اخْتَلَفَا أسَلَّمَهُ الحَاكِمُ إلى أَمِيْنٍ. فَإِنِ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ التَّقْبِيْضِ فَلَهُ ذَلِكَ ويَبْطُلُ الرَّهْنُ، وعلى هذِهِ الرِّوَايَةِ اسْتِدَامَةُ القَبْضِ شَرْطٌ، فَلا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ انْتِزَاعَهُ بِحَالٍ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ المُرْتَهِنُ مِنْ يَدِهِ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى يَدِ الرَّاهِنِ زَالَ لُزُوْمُ الرَّهْنِ وبَقِيَ العَقْدُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوْجَدْ فِيهِ قَبْضٌ، فَإِنْ رَدَّهُ إلى يَدِ المُرْتَهِنِ عَادَ اللُّزُومُ بِحُكْمِ العَقْدِ السَّابِقِ فَكَذلِكَ الحُكْمُ فِيهِ إِذَا رَهَنَهُ عَصِيْراً فَصَارَ خَمْراً يَزُولُ لُزُومُ الرَّهْنِ، فَلَوْ عَادَ فَأسْتَحَالَ خَلاً عَادَ الرَّهْنُ بِحُكْمِ العَقْدِ السَّابِقِ وتَصَرَّفَ الرَّاهِنُ في الرَّهْنِ بالبَيْعِ والهِبَةِ والوَقْفِ والإِجَارَةِ والعَارِيَةِ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ المُرْتَهِنُ في ذَلِكَ فَيَصِحُّ ويَبْطُلُ الرَّهْنُ، فَأَمَّا تَزْوِيْجُ المَرْهُونَةِ فَقَالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ (2)، ويَكُونُ للمُرْتَهِنِ مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا، ويَكُونُ مَهْرُهَا /153 و/ رَهْناً مَعَهَا، وعِنْدِي: لاَ يَصِحُّ تَزْوِيْجُهَا؛ لأَنَّهُ يَنْقُصُ ثَمَنُهَا، ولَيْسَ للرَّاهِنِ عِتْقُ الرَّهْنِ، فَإِنْ أَعْتَقَ نَفَذَ عِتْقُهُ إِنْ كَانَ مُوسِراً ويُؤْخَذُ مِنْهُ قِيْمَتُهُ تُجْعَلُ رَهْناً مَكَانَهُ، وإِنْ كَانَ مُعْسِراً فَنَصَّ أَحْمَدُ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ يَنْفُذُ (3)، ويُحْتَمَلُ: أَنْ لاَ يَنْفُذَ بِنَاءً عَلَى عِتْقِ المُفْلِسِ. وكُلُّ عَيْنٍ جَازَ بَيْعُهَا جَازَ رَهْنُهَا حَتَّى المُرْتَدُّ والجَانِي والمُعَلَّقُ عُنُقُهُ بِصِفَةٍ. وحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ لا يَصِحُّ رَهْنُ الجَانِي (4). فَأَمَّا المُكَاتِبُ فَإِنْ قُلْنَا: يَجُوْزُ بَيْعُهُ، ولَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ اسْتِدَامَةُ القَبْضِ صَحَّ رَهْنُهُ ويَكُونُ اكْتِسَابُهُ ومَا يُؤَدِّيْهِ مِنْ نُجُوْمِهِ رَهْناً مَعَهُ، وإِنْ قُلْنَا: لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ فلاَ يَصِحُّ رَهْنُهُ. ويَجُوزُ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الفَسَادُ كَالطَّبْخِ والبِطِّيْخِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، ويَبِيْعُهُ الحَاكِمُ ويَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْناً مَكَانَهُ. ويَصِحُّ رَهْنُ المُشَاعِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ القِسمَةَ أَو لاَ يَحْتَمِلُ. ثُمَّ إِنْ رَضِيَ الشَّرِيْكُ بِكَوْنِ حَقِّهِ في يَدِ المُرْتَهِنِ ودِيْعَةً أَو بِأُجْرَةٍ جَازَ، وكَذَلِكَ إِنْ رَضِيَ المُرْتَهِنُ أَنْ يَكُونَ في يَدِ الشَّرِيْكِ ودِيْعَةً للمَالِكِ مَحْبُوساً لَهُ جَازَ، وإِنِ اخْتَلَفَا جَعَلَهُ الحَاكِمُ في يَدِ عَدْلٍ ودِيْعَةً للشَّرِيْكَيْنِ، أَو يُؤَجِّرُهُ لَهُمَا مَحْبُوْساً قَدَرَ الرَّهْنِ للمُرْتَهِنِ.
ويَصِحُّ رَهْنُ المَالِكِ العَيْنَ المَغْصُوبَةِ مِنَ الغَاصِبِ، ويَزُولُ ضَمَانُ الغَصْبِ ولاَ يَصِحُّ رَهْنُهَا مِنْ غَيْرِ الغَاصِبِ ويَصِحُّ رَهْنُ الثَّمَرَةِ قبلَ بُدُوُّ صَلاَحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ القَطْعِ في
__________
(1) المغني 4/ 368.
(2) كتاب الهادي: 99.
(3) المغني والشرح الكبير 4/ 399.
(4) المغني 4/ 412.(1/259)
أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1)، والآخَرُ: لاَ يَصِحُّ (2). ويَجُوزُ رَهْنُ المَبِيْعِ المُتَعَيِّنِ قَبْلَ القَبْضِ مِنَ البَائِعِ عَلَى عَيْنِ ثَمَنِهِ، فَأَمَّا رَهْنُهُ عَلَى ثَمَنِهِ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (3). ولاَ يَجُوزُ رَهْنُ العَبْدِ المُسْلِمِ لكَافِرِ (4) ذَكَرَهُ شَيْخُنَا (5)، وعِنْدِي يَجُوزُ إِذَا شَرَطَا كَوْنِهِ عَلَى يَدِ مُسْلِمٍ، ويَتَوَلَّى بَيْعَهُ الحَاكِمُ إِنِ امْتَنَعَ مَالِكُهُ، ومَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ يَجُوزُ رَهْنُهُ كَأُمِّ الوَلَدِ والمَبِيْعِ في مُدَّةِ الخِيَارِ والمَجْهُولِ والمَرْهُونِ ومَا يَحْدُثُ مِنْ نَمَاءِ الرَّهْنِ، واكْتِسَابُهُ يَكُونُ رَهْناً مَعَهُ. وكَذلِكَ مَا يُؤخدُ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ والرُّهُونُ أَمَانَةٌ في يَدِ المُرْتَهِنِ، لاَ يَسْقُطُ بِهَلاَكِهِ شَيءٌ مِنْ دَيْنِهِ ولاَ يَنْفَكُّ مِنَ الرَّهْنِ شَيءٌ حَتَّى يَقْبِضَ جَمِيْعَ الدَّيْنِ، فَإِنْ رَهَنَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى دَيْنٍ لَهُمَا فَوَفَّى /154 ظ/ أَحَدَهُمَا فَجَمِيْعُهُ رَهْنٌ عِنْدَ الآخَرِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ. وكَذلِكَ إِنْ رَهَنَ شَيْئَيْنِ بِحَقٍّ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا كَانَ الآخَرُ رَهْناً بِجَمِيْعِ الحَقِّ، ويَجُوزُ الزِّيَادَةُ في الرَّهْنِ، ولاَ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ في دَيْنِ المُرْتَهِنِ.
بَابُ الشُّرُوطِ في الرَّهْنِ
إِذَا شَرَطَ في الرَّهْنِ شَرْطاً فَاسِداً، نَحْوُ: أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لاَ يَبِيْعَهُ عِنْدَ حُلُولِ الحَقِّ، أَو يَشْتَرِطَ إِنْ لَمْ يَأْتِهِ بِحَقِّهِ في وَقْتِ كَذَا فالرَّهْنُ لَهُ ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وهَلْ يَصِحُّ الرَّهْنُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6). وإِذَا شَرَطَا أَنْ يَبِيْعَهُ المُرْتَهِنُ أَو العَدْلُ عِنْدَ حُلُولِ الحَقِّ فالشَّرْطُ صَحِيْحٌ، [فَإِنْ عَزَلَهُمَا الرَّاهِنُ صَحَّ عَزْلُهُ ويَبِيْعُ الحَاكِمُ] (7) عِنْدَ حُلُولِ الحَقِّ فالشَّرْطُ صَحِيْحٌ، فَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الرَهنُ في يَدِ اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ لأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِحِفْظِهِ، وكَذلِكَ إِنْ شَرَطَا أَنْ يَبِيْعَهُ اثْنَانِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا عَلَى الانْفِرَادِ، والعَدْلُ أَمِيْنٌ في حَقِّ الرَّاهِنِ. فَإِذَا بَاعَ الرَّهْنَ وقَبَضَ الثَّمَنَ وتَلِفَ في يَدِهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ، وكَذلِكَ إِنْ تَلِفَ الثَّمَنُ أو اسْتَحَقَّ المَبِيْعَ رَجَعَ المُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِنِ ادَّعَى العَدْلُ تَسْلِيْمَ الثَّمَنِ إلى المُرْتَهِنِ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ: لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِمَا إلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وإِذَا لَمْ يَقُمْ بِبَيِّنَةٍ وحَلَفَ المُرْتَهِنُ رَجَعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ ورَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى العَدْلُ (8). وقَالَ شَيْخُنَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ
__________
(1) المقنع: 99. وهو اختيار القاضي. المغني والشرح الكبير 4/ 380.
(2) المغني والشرح الكبير 4/ 380.
(3) المقنع: 116.
(4) وردت في المخطوط ((من كافر)) والصواب ما أثبتناه، انظر: المغني 4/ 386.
(5) المغني 4/ 386. واختاره القاضي. الشرح الكبير 4/ 381.
(6) المقنع: 117، المغني 4/ 429، والشرح الكبير 4/ 422.
(7) مَا بَيْنَ المعكوفتين تكرر فِي المخطوط.
(8) المغني 4/ 396 - 397.(1/260)
مَعَ يَمِيْنِهِ عَلَى المُرْتَهِنِ (1)، وعِنْدِي: أَنْ القَوْلَ قَوْلُهُ في حَقِّ الرَّاهِنِ، ولاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى المُرْتَهِنِ، فَإِذَا حَلَفَ المُرْتَهِنُ رَجَعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَةِ المَيْمُونِيِّ، فَمَنْ أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يَدْفَعَ أَلْفاً إلى فُلاَنٍ فَدَفَعَهَا وأَنْكَرَ المَدْفُوعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بالإِشْهَادِ فلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ، وإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بالإِشْهَادِ فالقَوْلُ قَوْلُهُ ومَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أنَّ القَوْلَ قَوْلُهُ عَلَى المَدْفُوعِ إِلَيْهِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ في حَقِّ الامرِ، وإِذَا أَذِنَ المُرْتَهِنُ للرَّاهِنِ في بَيْعِ الرَّهْنِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ رَهْناً، أَو يَجْعَلَ لَهُ دينه من ثَمَنِه صَحَّ البَيْعُ والشَّرْطُ. وإِذَا أَذِنَ لَهُ في البَيْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرُطَ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ رَهْناً، فَقَالَ شَيْخُنا: يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ رَهْناً، وعِنْدِي لاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ويَبْطُلُ الرَّهْنُ. وإِذَا اتَّفَقَ المُتَرَاهِنَانِ عَلَى نَقْلِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ /155 و/ يَكُنْ لَهُمَا ولا للحَاكِمِ نَقْلُهُ، وإِذَا أَرَادَ العَدْلُ رَدَّهُ عَلَيْهِمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّهُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلى يَدِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ حَقِّ الآخَرِ. وإِذَا أَذِنَا لَهُ في البَيْعِ لَزِمَهُ أَنْ يَبِيْعَ بِنَقْدِ البَلَدِ، فَإِنْ كَانَ في البَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ في النُّقُودِ جِنْسُ الدَّيْنِ بَاعَ بِمَا يُؤَدِّيْهِ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ الأَصلَحُّ، وإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَعَلَى الرَّاهِنِ الإِيْفَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدرْ فَعَلَيْهِ بَيْعُ الرَّهْنِ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الحَاكِمُ وحَبَسَهُ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ بَاعَ الحَاكِمُ عَلَيْهِ. وإِذَا شُرِطَ الرَّهْنُ في عَقْدِ بَيْعٍ فَامْتَنَعَ مِنْ إِقْبَاضِهِ، أَو قَبَضَهُ فَوَجَدَ بِهِ البَائِعُ عَيْباً ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ فَسْخِ البَيْعِ، فَإِنِ اشْتَرَطَا في البَيْعِ رَهْنَ عَصِيْرٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ البَائِعُ: أَقْبَضْتَنِي خَمْراً، فَلِيَ الخِيَارُ في الفَسْخِ، وَقَالَ المُشْتَرِي: بَلْ أَقْبَضْتُكَ عَصِيْراً، فَلا خِيَارَ لَكَ في فَسْخِ البَيْعِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ المُشْتَرِي، وكَذلِكَ إِذَا اخْتَلَفَا في قَدْرِ الحَقِّ أَو الرَّهْنِ، فَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ عَبْدِي بِخَمْسِيْنَ، وَقَالَ المُرْتَهِنُ: بَلْ بِمِئَةٍ أَوْ قَالَ الراهن رهنتك هَذَا الثوب بالدين فَقَالَ المرتهن بَلْ هَذِيْنِ الثَّوْبَيْنِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِيْنِهِ، وكَذلِكَ إِنِ اخْتَلَفَا في رَدِّ الرَّهْنِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ: أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ، ومُؤْنَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وكَذلِكَ أُجْرَةُ مَسْكَنِهِ وحَافِظِهِ، فَإِنِ اتَّفَقَ المُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِئْذَانِ الرَّاهِنِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فَهُوَ مَتطوعٌ، فَإِنِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ القُدْرَةِ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الحَاكِمِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحداهما: أَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ، والأُخْرَى: عَلَى الرَّاهِنِ ضَمَانُ ذَلِكَ.
وكَذلِكَ الحُكْمُ إِذَا مَاتَ العَبْدُ المَرْهُونِ فَكَفَّنَهُ، وإِنْ كَانَ الرَّهْنُ دَاراً فَاسْتُهْدِمَتْ فَعَمَرَهَا المُرْتَهِنُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرَّاهِنِ، وللمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْلِبَ ويَرْكَبَ ويَسْتَخْدِمَ بِمِقْدَارِ نَفَقَتِهِ مُتَحَرِّياً بالعَدْلِ في ذَلِكَ.
__________
(1) المغني 4/ 396.(1/261)
بَابُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ والجِنَايَةِ عَلَيْهِ
وإِذَا جَنَى العَبْدُ المَرْهُونُ عَمْداً فَلِوَلِيِّ الجِنَايَةِ أَنْ يَقْتَصَّ، وهَلْ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1)، فَإِنْ قُلْنَا لَهُ ذَلِكَ: ثَبَتَ المَالُ في رَقَبَةِ الجَانِي كَمَا يثَبتُ في جِنَايَة الخَطَأ / 156 ظ/ وعَمْدِ الخَطَأِ، والعَمْدِ المَحْضِ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ القِصَاصُ لَهُ، وَفِي جَمِيْعِ ذَلِكَ يَكُونُ السَّيِّدُ بالخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَبِيْعَهُ في الجِنَايَةِ أو يَدْفَعَهُ إلى وَلِيِّ الجِنَايَةِ فَيَمْلِكَهُ أَو يَفْدِيَهِ بالأَقَلِّ مِنْ قِيْمَتِهِ أَو أَرْشِ الجِنَايَةِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَفْدِيْهِ بِأَرْشِ الجِنَايَةِ أَو يُسَلِّمُهُ للبَيْعِ لا غَيْرُ. فَإِنْ سَلَّمَهُ في الجِنَايَةِ بَطُلَ الرَّهْنُ، وإِنْ فَدَاهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ هَذَا إِذَا كَانَ الأَرْشُ يَسْتَغْرِقُ قِيْمَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ قِيْمَتَهُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُبَاعُ مِنْهُ بِمِقْدَارِ الجِنَايَةِ، وبَقِيَّةُ الثَّمَنِ رَهْناً.
والثَّانِي: أَنَّهُ يُبَاعُ جَمِيْعُهُ فَيُعْطَى مِنْ ثَمَنِهِ أَرْشُ الجِنَايَةِ، وبَقِيَّةُ الثَّمَنِ رَهْناً.
فَإِنِ اخْتَارَ الرَّاهِنُ دَفْعَهُ في الجِنَايَةِ واخْتَارَ المُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَهُ فَلَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بالأَقَلِّ مِنْ قِيْمَتِهِ أو أَرْشِ الجِنَايَةِ، فَإِذَا فْدَاهُ المُرْتَهِنُ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ رَجَعَ علَيْهِ، وإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ واعْتَقَدَ الرُّجُوعَ، فَهَلْ يَرْجِعْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2) بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وإِذَا جَنَى عَلَى المَرْهُونِ فَالخَصْمُ فِي ذَلِكَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَمَداً، فَاخْتَارَ السَّيِّدُ القِصَاصَ بِغَيْرِ رِضَا المُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ اقْتَصَّ أَخَذَ مِنْهُ قِيْمَةَ الرَّهْنِ فَجُعِلَتْ مَكَانَهُ رَهْناً. وكَذلِكَ الحُكْمُ إِنْ قَتلَ سَيِّدُهُ فَاخْتَارَ الوَرَثَةُ القِصَاصَ، فَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنِ القِصَاصِ وقُلْنَا: الوَاجِبُ أَخْذُ شَيْئَيْنِ أُخِذَتِ القِيْمَةُ فَجُعِلَتْ مَكَانَهُ رَهْناً، وإِنْ قُلْنَا: الوَاجِبُ القِصَاصُ لَمْ تَلْزَمْ السَّيِّدَ غَرَامَةٌ تُجْعَلُ مَكَانَهُ، [وعِنْدِي: أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيْمَةٌ تُجْعَلُ مَكَانَهُ رَهْناً (3)] (4). فَإِنْ عَفَا عَنْ جِنَايَةِ الخَطَأ لَزِمَهُ القِيْمَةُ تُجْعَلُ مَكَانَهُ رَهْناً، فَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ عَنِ المَرْهُونِ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الرَّهْنِ، أَو أَنَّهُ كَانَ جَنَى قَبْلَ الرَّهْنِ وصَدَّقَهُ وَلِيُّ الجِنَايَةِ وكَذَّبَهُ المُرْتَهِنُ قَبْلَ إِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْبَلْ عَلَى المُرْتَهِنِ، وكَذلِكَ إن أَقْرَ أَنهُ غَصَبَهُ أَو بَاعَهُ ويُحْتَمَلُ أَنْ يَقْبَلَ إِقْرَارَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُوْسِراً فَيُؤْخَذُ مِنْهُ قِيْمَةُ الرَّهَنِ فَيُجْعَلُ مَكَانَهُ رَهْناً، وإِذَا وطِئَ المُرْتَهِنُ الجَارِيَةَ المَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وادَّعَى الجَهَالَةَ لَهُ سَقَطَ الحَدُّ والمَهْرُ إِذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ، فَإِنْ عَلقَتْ [مِنْهُ فَالْوَلَدُ حُرٌّ ولاَ يَلْزَمُهُ قِيْمَتُهُ،
__________
(1) المغني 4/ 411.
(2) المغني 4/ 412.
(3) المغني 4/ 422.
(4) مَا بَيْنَ المعكوفتين مكرر.(1/262)
فَإِنْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَدَعْ شُبْهَةً /157 و/ فعَلَيْهِ الحَدُّ والمَهْرُ] (1) وإِنْ عَلقَتْ فَالَوَلَدُ مِلْكٌ للرَّاهِنِ.
كِتَابُ الحَوَالَةِ
الحَوَالَةُ: تنْقُلُ الحَقَّ مِنْ ذِمَّةِ المُحِيْلِ إلى ذِمَّةِ المُحَالِ عَلَيْهِ، وتَفْتَقِرُ صِحَّتُهَا إلى أَشْيَاءَ مِنْها:
- أَنْ يَكُونَ بِدَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ، فَإِنْ كَانَتْ بِمَالِ الكِتَابَةِ أَوْ دَيْنِ السْلِمِ ونَحْوِهِمَا لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ حَالَ لِمَنْ لاَ دَيْنَ لَهُ فَهُوَ وَكَالَةٌ، وإِنْ أَحَالَ عَلَى مَنْ لاَ دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ اقْتِرَاضٌ.
- ومِنْها أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُتَّفِقَيْنِ في الجِنْسِ والصِّفَةِ والحُلُولِ والتَّأْجِيْلِ.
- ومِنْها أَنْ يَكُونَ بِمَالٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ. فَإِنْ أَحَالَ بِإِبِلِ الدِّيَّةِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (2)، والآخَرِ: أَنَّهُ يَصِحُّ (3).
- ومِنْها أَنْ يُحِيْلَ بِرِضَاهُ، فَإِنْ أَحَالَ بِغَيْرِ رِضَاهُ أَو مُكْرَهاً لَمْ يَصِحَّ ولاَ يُعْتَبَرُ في الحَوَالَةِ رِضَا المُحَالِ عَلَيْهِ ولاَ رِضَا المُحْتَالِ إِذَا كَانَ المُحَالُ عَلَيْهِ مَلِيّاً، فَإِنْ ظَنَّهُ مَلِيّاً فَبَانَ مُفْلِساً نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ المُحْتَالُ رَضِيَ بِالحَوَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى المُحِيْلِ، وإِنْ لَمْ يَرْضَ رَجَعَ عَلَيْهِ. وإِذَا صَحَّتِ الحَوَالَةُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ المُحِيْلِ وَلَمْ يَكُنْ للمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِحَالٍ، فَإِنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فَأَحَالَ البَائِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ رَجُلاً ثُمَّ خَرَجَتِ السِّلْعَةُ مُسْتَحقَّةً بَطَلَتِ الحَوَالَةُ، فَإِنْ وَجَدَ المُشْتَرِي بالسِّلْعَةِ عَيْباً فَرَدَّهَا لَمْ تَبْطُلِ الحَوَالَةُ بَلْ يُطَالِبْ المُحْتَالُ للمُشْتَرِي بالثَّمَنِ ويَرْجِعْ المُشْتَرِي عَلَى البَائِعِ بِهِ، فإِنْ أَحَالَ المُشْتَرِي للبَائِعِ بالثَّمَنِ عَلَى رجل ثُمَّ وَجَدَ بالسِّلْعَةِ عَيْباً فَرَدَّهَا وَكَانَ البَائِعُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ لَمْ تَبْطُلْ الحَوَالَةُ ويطالب الْمُشْتَرِي للبائع بِهِ فإن لَمْ يَكُنْ قبض الثمن فعلى وَجْهَيْنِ أحدهما تبطل الحوالة، والآخَرُ: لاَ تَبْطُلُ. وإِنِ اخْتَلَفَا فَقَالَ المُحِيْلُ: وَكَّلْتُكَ في القَبْضِ، وَقَالَ المُحْتَالُ: بَلْ أَحَلْتَنِي بِدَيْنِي. فالقَوْلُ قَوْلُ المُحِيْلِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: القَوْلُ قَوْلُ المُحتالِ (4)، فَإِنْ قَالَ المُحتالُ وكَّلْتَنِي وحَقِّي بَاقٍ في ذِمَّتِكَ، وَقَالَ المُحِيْلُ: بَلِ أَحَلْتُكَ
__________
(1) مَا بين المعكوفتين مكرر.
(2) المغني 5/ 58.
(3) المصدر السابق.
(4) كِتَاب الهادي: 102.(1/263)
بِدَيْنِكَ، فَالقَوْلُ قَوْلُ المُحتالِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: القَوْلُ قَوْلُ المُحِيْلِ، وعَلَى الوَجْهَيْنِ تَبرَأ ذِمَّةُ المُحَالِ عَلَيْهِ بِقْبَضُ المُحْتَالُ.
كِتَابُ الضَّمَانِ
/158 ظ/ الضَّمَانُ: ضَمُّ ذِمَّةِ الضَّامِنِ إلى ذِمَّةِ المَضْمُونِ عَنْهُ (1). ولِصَاحِبِ الدَّيْنِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا في الحَيَاةِ وبَعْدَ المَوْتِ ويُعْتَبَرُ في صِحَّةِ الضَّمَانِ رِضَا الضَّامِنِ (2)، فَأَمَّا رِضَا المَضْمُونِ لَهُ والمَضْمُونِ عَنْهُ، فَلا يُعْتَبَرُ. ولاَ يُعْتَبَرُ أنْ يُعَرِّفَهُمَا الضَّامِنَ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ أَنْ يُعَرِّفَ المَضْمُونَ لَهُ دُوْنَ المَضْمُونِ عَنْهُ (3)، ولاَ يَفْتَقِرُ أن يَكُون للمَضْمُونِ عَنْهُ في ذِمَّةِ الضَّامِنِ شَيءٌ، ويَصِحُّ ضَمَانُ المَالِ المَعْلُومِ والمَجْهُولِ، نَحْوُ قَوْلِهِ: ضَمِنْتُ لَكَ مَا عَلَى فُلاَنٍ، وَهُوَ مَجْهُولُ القدْر والصِّفَةِ، ويَصِحُّ ضَمَانُ الإِبِلِ في الذِّمَّةِ، وكَذَلِكَ يَصِحُّ ضَمَانُ مَا وَجَبَ، ومَا لَمْ يَجِبْ نَحْو قَوْلِهِ: كُلَّمَا تَدَايَنَ بِهِ فُلاَنٌ فَهُوَ عَلَيَّ، أَوْ في ضَمَانِي. ويَصِحُّ ضمان الدَّيْنِ الحَالِ مُؤَجَّلاً فَإنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلاً، فَهَلْ يَصِحُّ ضَمَانُهُ حَالاً؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. فَأَمَّا دَيْنُ السَّلَمِ ومَالُ الكِتَابَةِ، فَهَلْ يَصِحُّ ضَمَانُهُ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4)، وأمَّا ضَمَانُ الأَعْيَانِ المَضْمُونَةِ كَالعَارِيَةِ، والمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ فَيَصِحُّ، وَقَالَ في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ: فيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: ادْفَعْ ثِيَابَكَ إلى هَذَا الرَّفَّاءِ (5) وأَنَا ضَامِنٌ، فَقَالَ: هُوَ ضَامِنٌ لِمَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ (6)، يَعْنِي: إِذَا تَعَدَّا الرَّفَّاءَ، فَأَمَّا ضَمَانُ الأَمَانَاتِ كَالوَدِيْعَةِ والوَصِيَّةِ والمُضَارَبَةِ فَلا يَصِحُّ ضَمَانُهَا عَمَّنْ هِيَ في يَدِهِ؛ لأنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ بالتَّلَفِ فَكَذَلِكَ عَلَى ضَامِنِهِ، ويَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ المَبِيْعِ عَنِ البَائِعِ للمُشْتَرِي، وعَنِ المُشْتَرِي للبَائِعِ إِنْ خَرَجَ العِوْضُ مُسْتَحقاً، وإِذَا ضَمِنَ عَنْ إِنْسَانٍ أَلْفاً بِإِذْنِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَضَاهُ بِإِذْنِهِ، أَو بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وقَضَاهُ بِإِذْنِهِ فلَهُ الرُّجُوعُ، وإِنْ قَضَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ نَظَرْنَا فَإِنْ تَطَوَّعَ بِذَلِكَ لَمْ نرْجِعْ عَلَيْهِ، وإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ عَلَيْهِ فلَهُ
__________
(1) انظر: المحرر 1/ 339، والمغني 5/ 70، وشرح الزركشي 2/ 508.
(2) فإن أكره عَلَى ضمان لَمْ يصح. المغني 5/ 71.
(3) وقال القاضي أبو يعلى: يعتبر معرفتهما ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه، أو لا؟ وليعرف المضمون له فيؤدي إليه. المغني 5/ 71.
(4) انظر: المبدع 4/ 262.
(5) الرَّفَّاء: يقال: رَجُل رفّاء: صفته الرفء، أي: الذي يضم الثوب بعضه إِلَى بَعْض ليصلحه. لسان العرب 14/ 330 (رفأ).
(6) وَقَالَ ابن قدامة: لا يصح في أصح الروايتين. المقنع: 119.(1/264)
الرُّجُوعُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، والأُخْرَى: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَضَا المَضْمُونُ عَنْهُ الدَّيْنَ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الضامن وَكَذَلِكَ إن ابرأ صاحب الدين المدين من الحق فأما إن أبرأ الضامن لَمْ تبرأ ذمةُ المَضْمُونِ عَنْهُ، وإِذَا ادَّعَى الضَّامِنُ قَضَاءَ الحَقِّ ولاَ بَيِّنَةَ لَهُ، فَأَنْكَرَ المَضْمُونُ لَهُ حَلَفَ وطَالَبَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ طَالَبَ المَضْمُونَ عَنْهُ، وأَخَذَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ للضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ أنَّهُ قَضَا الدَّيْنَ، أو كَذَّبَهُ؛ لأنَّهُ أَذِنَ لَهُ في قَضَاءٍ يُبْرِئُ وَلَمْ يُوْجَدْ، وإِنْ أَخَذَ مِنَ الضَّامِنِ / 159 و/ فَلَهُ الرُّجُوعُ بَأَلْفٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنِ اعْتَرَفَ المَضْمُونُ لَهُ بِالقَضَاءِ وأَنْكَرَ المَضْمُونَ عَنْهُ فَالقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ ولَهُ الرُّجُوعُ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ القَوْلُ قَوْلَ المَضْمُونِ عَنْهُ فَلا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، ويَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ المَيِّتِ سَوَاءٌ خَلَفَ وَفَاءً أَو لَمْ يَخْلِفْ، وهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ قَبْلَ قَضَاءِ الضَّامِنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2)، أَصَحُّهُمَا: أَنَّها لاَ تَبْرَأُ إِلاَّ بالقَضَاءِ (3)، والثَّانِيَةُ: تَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ (4). وإِذَا ضَمِنَ دَيْناً مُؤَجّلاً فَقَضَاهُ يُخَيَّرُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ، وإِنْ قَضَاهُ بِدُونِهِ رَجَعَ بِمِثْلِ مَا قَضَا، فَإِنْ دَفَعَ إليهِ عَنِ الدَّيْنِ عُرُوضاً رَجَعَ بأقَلِّ الأمْرَيْنِ مِنْ قِيْمَتِهَا، أو قدرَ الدَّيْنِ فإِنْ أحالَهُ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ رَجَعَ عَلَى مَنْ ضَمِنَ عَنْهُ، وإنْ أَحَالَهُ عَلَى مَنْ لاَ دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ فإنْ ضَمِنَ دَيْناً مُؤَجَّلاً فَقَضَاهُ قَبْلَ الأَجَلِ لَمْ تَرْجِعْ بِهِ قَبْلَ الأَجَلِ، فإِنْ مَاتَ أحَدُهُمَا لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ (5). وإن مَاتَا مَعَاً فَهَلْ يحل الدَّيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: يَحِلُّ والأخرى لاَ يحل وَمَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ بِنَفْسِهِ صَحَّ ضَمَانُهُ كَالْحُرِّ الْمُكَلَّفِ، وَمَنْ لاَ يَصِحُّ تَصَرَّفُهُ فِي الْمَالِ كَالصَّبِيِّ الصَّغِيْرِ، والْمَجْنُونِ، والْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، فَلا يَصِحُّ ضَمَانُهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَصِحَّ ضَمَانُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، ويُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، فأمَّا الصَّبِيُّ العَاقِلُ فَهَلْ يَصِحُّ ضَمَانُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وأما الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ للإفْلاسِ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ، ويُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، والعَبْدُ لا يَصِحُّ ضَمَانُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَصِحَّ ضَمَانُهُ، ويُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ العِتْقِ وأمَّا ضَمَانُهُ بإذْنِ سَيِّدِهِ. فَيَصِحُّ، وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أو بِذِمَّةِ السَّيِّدِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (6).
__________
(1) انظر: المغني 4/ 88، والمقنع: 119.
(2) انظر: المغني 5/ 83. وَقَالَ الزركشي في شرحه 2/ 511: ((وخصها أبو البركات بالميت المفلس))، وانظر: المقنع: 119.
(3) وَهِيَ مَا نص عَلَيْهِ الخرقي. انظر: المختصر: 72، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 510.
(4) هذِهِ الرِّوَايَة نقلها يوسف بن موسى. المغني 5/ 83.
(5) وذكر صاحب المقنع: 119 أنها رِوَايَتَانِ.
(6) قَالَ في المغني 5/ 79: ((قَالَ أبو الخطاب: هَلْ يتعلق برقبته أو بذمة سيده؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)).(1/265)
بَابَ الكَفَالَةِ
تَصِحُّ الكَفَالَةُ بِالأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ كَالغُصُوبِ والعَوَارِي، فإِنْ أحْضَرَها وسَلَّمَها بَرِئَ، وإلاَّ ضَمِنَ عِوَضَها، فإِنْ تَلِفَتْ بِفِعْلِ اللهِ تَعَالَى لَمْ يَضْمَنْ، وتَصِحُّ الكْفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ سَوَاءٌ كَانَ حالاً أو مُؤَجَّلاً، وإذا طُولِبَ بِهِ وأحْضَرَهُ بَرِئَ، وإنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ لِهَرَبٍ أو اخْتَفَى ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ، فإِنْ تَعذَّر إحْضَارُهُ لِمَوتِ الْمَكْفُولِ بِهِ سَقَطَت الكَفَالَةُ نَصَّ عَلَيْهِ (1)، ويُحْتَمَلُ أن لا يَسْقُطَ ويُطَالَبُ بِما عَلَيْهِ، ولا تَصِحُّ الكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ سَوَاءٌ كَانَ للهِ كَحَدِّ الزِّنَا وشُرْبِ / 160 ظ/ الْخَمْرِ، أو لآدَمِيٍّ كَالقِصَاصِ وَحَدِّ القَذْفِ فإن يكفل بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ إنْسَانٍ، أو بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَانَ كَفِيلاً بِهِ، وَقالَ شَيْخُنا: لا تَصِحُّ الكَفَالَةُ (2). وهَلْ تفْتَقِرُ صِحَّةُ الكَفَالَةِ إلى رِضَا الْمَكْفُولِ عَنْهُ عَلَى وَجْهَيْنِ (3). وإذا طُولِبَ الكَفِيلُ بإحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ لَزِمَ الْمَكْفُول أنْ يَحْضُرَ مَعَهُ، فإنْ أرَادَ الكَفِيْلُ إحْضَارَهُ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ لَزِمَهُ الْحُضُورُ مَعَهُ، وإنْ قُلْنَا إنَّها كَفَالَةٌ صَحِيْحَةٌ. وَإِذَا تَكَفَّلَ بِرَجُلٍ إلى أجَلٍ فَسَلَّمَهُ إلى الْمَكْفُولِ لَهُ قَبْلَ الأجَلِ، ولا ضَرَرَ عَلَى الْمَكْفُولِ لَهُ في ذَلِكَ بريء الكفيل، وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّمَ الْمَكْفُولَ بِهِ نَفْسَهُ بريء كفيلهُ، وإنْ غَابَ لَمْ يُطَالَبْ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَانٌ يُمْكِنُ الْمُضِيُّ إِليهِ وإعَادَتُهُ، وإنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ ضَمانُ مَا عَلَيْهِ، فإِنْ تَكَفَّلَ اثْنَانِ بِرَجُلٍ ثُمَّ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأ الآخَرُ مِنَ الكَفَالَةِ، وإنْ كَفَلَ وَاحِدٌ لاثْنَينِ فأبْرَأهُ أحَدُهُمَا لَمْ يَبِرَّأ مِنَ الآخِرِ، فإنْ قَالَ تَكَفَّلْتُ بأحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ لَمْ تَصِحِّ الكَفَالَةُ، وإنْ تَكَفَّلَ بِرَجُلٍ وتَكَفَلَ آخَرُ بالكَفِيلِ صَحَّ ذَلِكَ، فإنْ أبْرأَ الأوّلُ مِنَ الكَفَالَةِ بريء الثَّانِي، وإنْ أبْرَأَ الثَّانِي لَمْ يَبَرَأ الأوّلُ، وَإِذَا تَكَفَّلَ بِبَدَنِ إنْسَانٍ عَلَى أنْ جَاءَ بِهِ، وإلاَّ فَهُوَ كَفِيلٌ بِبَدَنٍ آخَرَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّت الكَفَالَةُ فِيْهِمَا، وَكَذَلِكَ إنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِ إنْسَانٍ عَلَى إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ مَالَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَر فإنَّهُ يَصِحُّ، وَقَالَ شَيْخُنا في " الْجَامِعِ " (4): لا يَصِحُّ فِيْهِمَا (5)، وَإِذَا كَانَ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ خَمْرٌ فَكَفَلَ لَهُ عَنْهُ ذِمِّيٌّ ثُمَّ أسْلَمَ الْمَكْفُولُ لَهُ بَرِئَ الكَفِيلُ والْمَكْفُولُ عَنْهُ، فإنْ أسْلَمَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ لَمْ يَبرَأُ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ (6)، والآخَرُ يَبْرَأُ، فإنْ قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ قد بَرِئْتَ مِنَ الدَّيْنِ الذي
__________
(1) نقلها عَنْهُ أبو دَاوُد في مسائله 2/ 60، واختارها الخرقي. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 513.
(2) نقل صاحب الشرح الكبير 5/ 100 عن الْقَاضِي: أنها تصح.
(3) انظر: المغني 5/ 103 - 104، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 512.
(4) ذكره صاحب طبقات الحنابلة 2/ 176 باسم " الجامع الصغير ".
(5) انظر: الشرح الكبير 5/ 101.
(6) انظر: الهادي: 104، والمغني 5/ 107.(1/266)
كَفَلْتَ بِهِ لَمْ يَكُنْ إقْرَاراً بَقَبْضِ الدَّيْنِ (1)، وَقَالَ شَيْخُنا: يَكُونُ إقْراراً (2). وَإِذَا ماتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَأَبْرَأَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ وأبى الوَرَثَةُ أنْ يَقْبَلُوا البَرَاءَ ةَ فَقَدْ بَرِئَ الكَفِيلُ والْمَكْفُولُ عَنْهُ.
كِتَابُ الصُّلْحِ في الأَمْوَالِ
الصُّلْحُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ يَصِحُّ مَعَهُ الإقْرَارُ والإنْكَارُ (3) والسُّكُوتُ عَنْهُمَا، وَهُوَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ:
إذَا كَانَ عَلَى الإقْرَارِ مُعَاوَضَةٌ وإبْرَاءٌ وَهِبَةٌ، فَالْمُعَاوَضَةُ: أنْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِدَنَانِيْر فَيُصَالِحُهُ مِنْها عَلَى دَرَاهِم فَهَذَا صُلْحٌ بِمَعْنَى الصَّرْفِ فيُعْتَبَرُ فِيهِ مِنَ /161 و/ الأحْكَامِ مَا يُعْتَبَرُ في الصَّرْفِ، أو يعترفَ بالأثْمَانِ فيُصَالِحُهُ مِنْها عَلَى عروضٍ، أو يَعْتَرِفَ لَهُ بِعُرُوضٍ فيُصَالِحُهُ مِنْها عَلَى أَثْمَانٍ أو عرُوضٍ. فَهَذَا صُلْحٌ بِمَعْنَى البَيْعِ فَيَثبُتَ فِيهِ أحْكَامُ البَيْعِ، فإنْ اعْتَرَفَ لَهُ بِدَيْنٍ فَصَالَحَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ، فَهُوَ كَالْبَيْعِ يَجُوزُ بأكْثَرِ مِنَ الدَّيْنِ وأَقَلِّ، وإنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ بأكثَرِ مِنَ الدَّيْنِ فإنْ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ في الذِّمَّةِ لَمْ يَجُز التَّفَرُّقُ قَبْلَ القَبْضِ، فإنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فأمَّا الإبْرَاءُ، فإنَّهُ يَجُوزُ
أنْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِمِئَةِ حَالَّةٍ فَيَقُولُ: أبْرَأْتُكَ مِن خَمْسِيْنَ فَأعْطِنِي خَمْسِيْنَ فإنَّهُ يَصِحُّ، فإن قَالَ: أبرأتك من خمسين عَلَى أن تعطيني خمسين لَمْ يصح فإنْ صَالَحَهُ مِنَ الْمِئَةِ عَلَى خَمْسِيْنَ مُؤَجَّلَةٍ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ أصَحُّهُمَا: أنَّهُ لا يَصِحُّ (4). فإنْ صَالَحَهُ عن مِئَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بِخَمْسِيْنَ حَالَّةٍ لَمْ يَصِحَّ وَجْهاً واحِداً، وأمَّا الْهِبَةُ يَجُوزُ أنْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِعَيْن، فَيَقُولُ: وَهَبْتُ لَكَ نِصْفَهَا فأعْطِنِي نِصْفَهَا أو ثَمَنَهُ، فَهَذَا يَفْتَقِرُ إلى شُرُوطِ الْهِبَةِ. ويَصِحُّ الصُّلْحُ عَن الْمَجْهُولِ بِمَعْلُومٍ، ولا يَصِحُّ بِمَجْهُولٍ، وَرَوَى عَنْهُ حَنْبَل (5): لا يَبْرَأُ مِنَ العَيْبِ إذَا لَمْ يَرَهُ؛ لأنَّهُ مَجْهُولٌ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أنَّ البُرْأَةَ مِنَ الْمَجْهُولِ لاَ تَصِحُّ، وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ فِي الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُولِ وعلى الإِنْكَارِ؛ لأنَّ أكْثَرَ مَا فِيهِ أنْه يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الإبْرَاءِ، وأمَّا الصُّلْحُ عَلَى الإبْرَاءِ
__________
(1) قَالَ في المغني 5/ 106: ((الأول أصح؛ لأنه يمكن براءته بدون قبض الحق)).
(2) نقله ابن قدامة في المغني 5/ 106، وَلَمْ ينسبه للقاضِي.
(3) قَالَ في الشرح الكبير 5/ 3: ((وَلَمْ يسم الخرقي الصلح إلا في حال الإنكار)). انظر: المختصر: 71، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 502.
(4) وهذا مقتضى كلام الخرقي، اختارها الْقَاضِي وابن عقيل. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 503.
(5) والرواية الثانية نقلها الحَسَن بن ثواب وأبو الحارث إن كَانَ عالماً بالعَيْبِ بريء مِنْهُ.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 66/ب.(1/267)
والسُّكُوتِ، فَهُوَ أن يدَّعِيَ عَلَيْهِ مَالاً عيناً، أو دَيْناً فَيُنْكِرهُ، ويَسْكُتُ فَلا يُقِرُّ وَلاَ يُنْكِرُ فَيُصَالْحُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ، فَيَكُونُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَنْزِلَةِ البَيْعِ؛ لأنَّهُ يَزْعُمُ أنَّهُ مُحِقٌّ في دَعْوَاهُ، وأنَّ الذي أخَذَهُ بِعَقْدِ صُلْحٍ عِوَضاً عَنْ مَالِهِ فَيُلْزِمُهُ حُكْمُ إقْرَارِهِ حَتَّى إنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ شِقْصاً (1) في دَارٍ وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، ويَكُونُ في حَقِّ الْمُنْكِرِ بِمَنْزِلَةِ الإبْرَاءِ؛ لأنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ لافْتِدَاءِ اليَمِيْنِ وإسْقَاطِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ فإنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ شِقْصٍ في دَارٍ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لأنَّ الْمُنْكِرَ يَزْعُمُ أنَّهُ عَلَى مُلْكِهِ لَمْ يَزَلْ، وما مَلَكَهُ بالصُّلْحِ، وَلِهَذَا إذَا وَجَدَ في الشِّقْصِ عَيْباً لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعِي، وهذا إذا كَانَا صَادِقَيْنِ، فإنْ كَانَ أحَدُهُمَا كَاذِباً فَالصُّلْحُ صَحِيْحٌ في الظَّاهِرِ بَاطِلٌ في البَاطِنِ، فإنْ صَالَحَ عَن الْمُنْكِرِ أَجْنِبِيٌّ صَحَّ الصُّلْحُ سَوَاءٌ كَانَ /162ظ/ بإذْنِ الْمُنْكِرِ، أو بِغَيْرِ إذْنِهِ إلاَّ أنَّهُ إنْ كَانَ بإذْنِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وإنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلا يَرْجِعُ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، ويَرْجِعُ في الآخَرِ إذَا نَوَى الاحْتِسابَ عَلَيْهِ فإنْ صَالَحهُ الأَجْنَبِيُّ عَنْ نَفْسِهِ لِتَكُونَ الْمُطَالبَةُ لَهُ، فَلا يَخْلُو أنْ يَعْتَرِفَ الأجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ ويَقُولُ: أنْتَ مُحِقٌّ في دَعْوَاكَ فَصَالِحْنِي عَلَى مَالٍ أدْفَعُهُ إلِيكَ عَنْهُ فإنِّي قادِرٌ عَلَى اسْتِنْقاذِهِ مِنْهُ. فإنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ لَكِنَّهُ إنْ عَجَزَ عَن الاسْتِنْقَاذِ كَانَ بِالْخِيارِ بَيْن فَسْخِ الصُّلْحِ وإمْضَائِهِ، أو لا يَعْتَرِفُ لَهُ بِصِحَّةِ دَعْواهُ ويَقُولُ: صَالِحْنِي. فَلا يَصِحُّ الصُّلْحُ مَعَ إنْكَارِهِ؛ لأنَّهُ لاَ حَاجَةَ بِهِ إِلَى الصُّلْحِ بِخِلافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فانَّه مُحْتَاجٌ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ.
بَابُ الصُّلْحِ فِيْمَا لَيْسَ بِمَالٍ مِنَ الْحُقُوْقِ
يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ العَمْدِ بِمالٍ يَزِيْدُ عَلَى قَدَرِ الدِّيَّةِ أو يَنْقُصُ عَنْهُ، ولا يَصِحُّ عَنْ قَتْلِ الْخَطَأِ بأَكْثَرِ مِن الدِّيَّةِ مِنْ جِنْسِ الدِّيَّةِ، ويَجُوزُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، فإنْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ عَبْداً قَيْمَتُهُ مِئَة فَصَالَحَهُ عَلَى مِئَةٍ وَعَشَرَة لَمْ يَصِحَّ، وإنْ صَالَحَهُ عَلَى عَرَضٍ قيْمَتُهُ أكْثَرُ مِنْ مِئَةٍ جَازَ ويَكُونُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ حَالاً في مَالِ القَاتِلِ، ويَصِحُّ الصُّلْحُ عَن القِصَاصِ بِكُلِّ مَا يَثْبِتُ مَهْراً، فإذا صَالَحَ عَلَى عبْدٍ غَيْر مَوْصُوفٍ أو حَيَوَانٍ ثَبَتَ وَوجَبَ الوَسَطُ، ويَتَخَرَّجُ عَلَى قَولِ أبي بَكْرٍ [أنهُ] (2) لا يَصِحُّ. فإنْ صَالَحَ عَلَى دَارٍ غَيْر مُعَيَّنَةٍ، ولا مَوْصُوفَةٍ فَصَالَحَ الْمُشْتَري لِشَفِيعٍ عَلَى مَالٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، فإن ادْعَى عَلَى رَجُلٍ أنَّه قَذَفَهُ، فَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ عَلَى أن يَعْفِيَهُ عن الْمُطَالَبَةِ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وهَلْ تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ بِحَدِّ القَذْفِ؟ إنْ قُلْنا: إنه حَقٌّ للهِ تَعَالَى لَمْ يَسْقُطْ
__________
(1) الشِّقْص: هُوَ القطعة من الأرض. الصحاح 3/ 1043، والمعجم الوسيط: 488 (شقص).
(2) زيادة من عندنا ليستقيم النص.(1/268)
وله الْمُطَالَبَةُ، وإنْ قُلْنا: هُوَ حَقٌّ لآدَمِيٍّ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ، فإنْ أخَذَ سَارِقاً أو شَارِباً أو زانياً وَأَرَادَ رَفْعَهُ إِلَى السُّلْطَانِ فَصَالَحَهُ بِمالٍ عَلَى أن لا يَرْفَعَهُ فالصُّلْحُ بَاطِلٌ ويَرُدَّ مَا أَخَذَ مِنْهُ فإن صالح شاهداً على أن لا يشهد عليه بحق يعرفه فالصلح باطل ويرد ما أخذه عَلَى ذَلِكَ، فإن ادْعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أنَّهَا زَوْجَتُهُ فَجَحَدَتْ فَصَالَحَهَا عَلَى مِئَةِ دِرْهَم عَلَىأن تُقِرَّ لَهُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، ولا يُقْبَلَ إقْرَارُهَا، فإنِ ادْعَى عَلَى رَجُلٍ مَجْهُولٍ أنَّهُ عَبْدُهُ فأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ / 163 و / ذَلِكَ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أنْ يَدْفَعَ إِليهِ مِئَة ويُقِرَّ لَهُ بالعُبُودِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ (1)، فإنْ دَفَعَ إِليهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بأنَّهُ صُلْحٌ عَنْ دَعْوَاهُ صَحَّ الصُّلْحُ، وَإِذَا ادْعَى عَلَى رَجُلٍ ألْفَ دِرْهَمٍ فأنْكَرَهُ فَقَالَ لَهُ: أقِرَّ لي بِهَا عَلَى أنْ أعطِيَكَ مِئَةَ دِرْهَمٍ. كَانَ ذَلِكَ باطِلاً (2)، وَإِذَا ادْعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْناً أو عَيْناً فأنْكَرَهُ ثُمَّ صَالَحَ من ذَلِكَ عَلَى خِدْمَةٍ أو سُكْنَى مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّ الصُّلْحُ، ولَزِمَ في ذَلِكَ حُكْمُ الإجَارَةِ فإنْ تَلِفَت العَيْنُ الَّتِي تُسْتَوْفى الْمَنْفَعَةُ مِنْها بَطَلَ الصُّلْحُ كَمَا تَبْطُلُ الإِجَارَةُ، ويَجِبُ الرُّجُوعُ بِما في مُقَابَلَتِهِ إنْ كَانَ التَلَفُ قَبْلَ الانْتِفَاعِ، فإنْ كَانَ عن إنْكَارٍ رَجَعَ بِالدَّعْوَى، وإنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بِمَا أقَرَّ بِهِ لَهُ، وَكَذَلِكَ إن اسْتَوفَى بَعْضَ الْمَنَافِعِ ثُمَّ انْتَقَضَ العَقْدُ رَجَعَ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ، وَإِذَا تَبَايَعَا عَيْناً فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي في الْمَبِيْعِ عَيْباً فَخَاصَمَ البائِعَ فاصْطَلَحَا مِنَ العَيْبِ عَلَى شَيْءٍ دَفَعَهُ إِليهِ، وَحَطَّ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ جَازَ ذَلِكَ، فإنْ زَالَ العَيْبُ مَثْلَ إنْ كَانَ بَياضاً في عيْنِ العَبْدِ أو حَبَلاً بالأَمَةِ فكان ريحاً ففشا رَجَعَ البَائِعُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ (3)، فإنْ كَانَ البَائِعُ امْرَأَةً فَصَالَحَتْهُ مِنَ العَيْبِ عَلَى أنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا فَعَقَدَ وَلِيُّهَا مَعَهُ العَقْدَ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ النِّكَاحُ، وإنْ زَالَ العَيْبُ رَجَعَتْ بِأرْشِهِ لا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وإذا أودَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ وَدِيْعَةً ثُمَّ جاء يَطْلُبُهَا فَقَالَ الْمُوْدِعُ: قد تَلِفَتْ، أو قد رَدَدْتُهَا عَلَيْكَ. فَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ فَرَّطْتَ فِيْهَا، أو أنْفَقْتَهَا. ثُمَّ اصْطَلَحَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ، فالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ إنْ جَحَدَ الوَدِيْعَةَ، واصْطَلَحَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ كَذلِكَ، فإِنِ ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ بَيْتاً فأقَرَّ لَهُ فَصَالَحَهُ الْمُقِرُّ لَهُ مِنْهُ عَلَى أنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ غُرْفَةً فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَهُ عَلَى أنْ يُسْكِنَهُ سَنَةً وصُلْحُ الْمُكَاتِبِ والْمَأْذُونِ لَهُ مِنَ العَبِيْدِ والصِّبْيَانِ مِنْ دَيْنٍ لَهُمْ عَلَى بَعْضِهِ لا يَصِحُّ إنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ أو أقَرَّ لَهُمْ بِهِ وإنْ كَانَ عَلَى الإنْكَارِ صَحَّ صُلْحُهُمْ، ولا يَجُوزُ أنْ يُشْرِعَ إلى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحاً (4) ولا سَابَاطاً ولا دُكَّاناً ولا يَجُوزُ أنْ يُشْرِعَ ذَلِكَ
__________
(1) لأنَّ إرقاقَ الحر نَفْسه، لا يحل بعوض ولا بغيره. المغني 5/ 31.
(2) فإن أقرَّ بِهَا لَزِمَهُ أداءه بغير عوض، لأنْ إقراره بَيّن كذبه. انظر: المغني 5/ 32.
(3) لظهور عدم استحقاق المشتري لَهُ لعدم العيب، وزواله. كشاف القناع 3/ 383.
(4) قَالَ في المغني 5/ 33: ((وَهُوَ الروشن يكون عَلَى أطراف خشبة مدفونة في الحائط وأطرافها خارجة في الطَّرِيق)). وَهِيَ مَا تُسَمَّى اليوم بالشرفة. انظر: المعجم الوسيط: 347.(1/269)
إلى دَرْبٍ غَيْر نَافِذٍ إلاَّ بإذْنِ أهْلِهِ (1)، وَكَذَلِكَ لا يُشْرِعُهُ إلى مُلْكِ إنْسَانٍ فإنْ / 164 ظ / صَالَحَهُ الْمَالِكُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ شَيْخُنَا: لا يَجُوزُ، وَعِنْدِي أنَّهُ يَجُوزُ، وإنْ صَالَحَ رَجُلاً عَلَى أنْ يُجْرِيَ عَلَى سَطْحِهِ أو أرْضِهِ، فإنْ كَانَ مَعْلُوماً جَازَ، وإنْ حَصَلَتْ أغْصَانُ شَجَرَتِهِ في هَوَاءِ غَيْرِهِ فَطَالَبَهُ بإزَالتِهَا لَزِمَهُ، فإنْ امْتَنَعَ كَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ قَطْعُهَا، فإنْ صَالَحَهُ عن ذَلِكَ بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ؛ لأنَّ هَذَا مِمَّا يَزِيْدُ ويَتَغَيَّرُ بِخِلافِ الْجَنَاحِ، فإنْ كَانَ لَهُ دَارٌ فِي دَرْبٍ غَيْر نَافِذٍ وَبَابها فِي آخِرِ الدَّرْبِ، فَأَرَادَ أنْ يُقَدِّمَهُ إِلَى أوَّلِ الدَّرْبِ أو وَسَطَهُ جَازَ، وَكَذَلِكَ إنْ (2) كَانَ في أوَّلِ الدَّرْبِ، فَأَرَادَ أن يُؤَخِّرَهُ إلى وَسَطِهِ أو آخِرِهِ لَمْ يَجُزْ إلاَّ بِرِضا الْجِوَارِ، فإنْ كَانَ ظَهْرُ دَارِهِ إلى دَرْبٍ لا يَنْفُذُ، فأرَادَ أنْ يَفْتَحَ باباً في حَائِطِهِ إلى الدَّرْبِ لِغَيْرِ الاسْتِطْرَاقِ جَازَ، وإنْ فَتَحَهُ للاسْتِطْرَاقِ لَمْ يَجُزْ، فإنْ صَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ عَلَى ذَلِكَ بِعِوَضٍ جَازَ، وإذا ألْجَأتْهُ الضَّرُورَةُ إلى وَضْعِ خَشَبَةٍ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ مِثْل أنْ يَكُونَ لِجَارِهِ ثَلاثَةُ حِيْطَانٍ وله حَائِطٌ وَاحِدٌ فَلَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ لا يَضُرُّ بِالْحَائِطِ نَصَّ عَلَيْهِ (3)، ونَقَلَ عَنْهُ أبو طَالِبٍ (4): لَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ في جِدَارِ الْمَسْجِدِ (5)، وهذا تَنْبِيْهٌ عَلَى أنَّهُ لا يَجُوزُ في مُلْكِ الْجَارِ؛ لأنَّ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَقاً؛ ولأنَّ حُقُوْقَ اللهِ تَعَالَى مَبْنِيِّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ، ولا حَقَّ لَهُ في حَقِّ الْجَارِ، وَحَقُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيْقِ فإنْ صَالَحَهُ عَلَى وَضْعِ خَشَبَةٍ بِعِوَضٍ جَازَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَفْتَحَ في الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً (6) ولا طَاقاً إلاَّ بإذْنِ شَرِيْكِهِ، وإذا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ أو سَقْفٌ فاسْتَهْدَمَ، فَدَعَا أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إلى البِنَاءِ وامْتَنَعَ الآخَرُ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (7)، والأخْرَى لا يُجْبَرُ، ولَكِنْ إذَا أَرَادَ أنْ يَبْنِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ فإنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ فَهُوَ
__________
(1) انظر: المغني 5/ 34.
(2) فِي الأصل: ((وإنْ)).
(3) قَالَ المرداوي في الإنصاف 5/ 260: ((الصَّحِيح من المذهب: أن الجار يمنع من التصرف في ملكه بما يضر بجاره، كحفر كنيف إلى جنب حائط جاره، وبناء حمام إلى جنب داره يتأذى بذلك، ونصب تنور يتأذى باستدامة دخانه، أو حفر بئر ينقطع بِهِ ماء بئر جاره، ونحو ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ جماهير الأصحاب)) مسائل عَبْد الله 3/ 1003، والأحكام السلطانية: 286.
(4) وهذا اختيار أبي بَكْر. المغني 5/ 37.
(5) انظر: المغني 5/ 37، وكشاف القناع 3/ 399.
(6) هِيَ الخرق في أعلى السقف. انظر: لسان العرب 13/ 179، وتاج العروس 9/ 215 (رزن).
(7) نقل ابن القاسم، وحرب، وسندي: أنه يجبر عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ أصح، وَقَالَ ابن عقيل: وعلى ذَلِكَ أصحابنا. والرواية الثانية: لا يجبر نقل عن أحمد مَا يدل عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أقوى دليلاً.
المغني 5/ 45.(1/270)
بَيْنَهُمَا عَلَى الشِّرْكَةِ، وإنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ من مَالِهِ فَالْحَائِطُ مُلْكُهُ خَاص، وَلَيْسَ لِشَرِيْكِهِ الانْتِفَاعُ بِهِ فإنْ كَانَ لِغَيْرِ البَانِي عَلَيْهِ رَسْمُ طرحِ أخْشَابٍ مُخَيَّر بَيْنَ أنْ يُمْكِنَهُ مِنْ وَضعِ أخْشَابِهِ ويأخُذَ مِنْهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْحَائِطِ، وَبَيْنَ أنْ يَأْخُذَ بِنَاءَ هُ لِيُعِيْدَ البِنَاءَ بَيْنَهُمَا ويَشْتَرِكَانِ في الطَّرْحِ؛ لأنَّهُ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُ حَقِّهِ من العَرَصَةِ وطَرْحِ الخَشَبِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أو قَنَاةٌ، أو بِئْرٌ، أو /165 و/ دُولابٌ، أو نَاعُورَةٌ فاحْتَاجَ إلى عِمَارَةٍ وامْتَنَعَ أحَدُهُمَا فَفِي الإجْبَارِ رِوَايَتَانِ (1)، فإنْ استهَدَمَ الْحَائِطُ فَطَلَبَ أحَدُهُمَا القِسْمَةَ، فإنْ كَانَتْ لا تَضُرُّ شَرِيْكَهُ مِثْلَ أنْ يَكُونَ عُرْضُ الْحَائِطِ وَعَرَصَتُهُ ذِرَاعَيْنِ فَيَحْصَلُ لِكِلِّ وَاحِدٍ ذِرَاعٌ يُمْكِنُهُ أنْ يَبْنِيَ فِيْهَا حَائِطاً لَزِمَ القِسْمَةَ، وإنْ كَانَتْ القِسْمَةُ تَضُرُّ مِثْلُ أنْ يَكُونَ عُرْضُ العَرَصَةِ ذِرَاعاً لَمْ يُجْبَر الْمُمْتَنِعُ عَلَى قِسْمَتِهَا عرضاً؛ لَكِنَّهُ إنْ طَالَبَ شَرِيْكَهُ قِسْمَتَهَا طُوْلاً أجْبِرَ فإنْ اصْطَلَحَا عَلَى قِسْمَتِهَا عُرضاً جَازَ.
كِتَابُ التَّفْلِيْسِ (2)
وَإِذَا لَزمَ الإنْسَانُ دُيُوناً حَالَةً لا يَفِي مَالُهُ بِها فَيَسْأَلُ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ (3) عَلَيْهِ لَزِمَ الْحَاكِمَ
__________
(1) انظر: المغني 5/ 49، والمقنع: 123، والهادي: 107.
(2) التفليس: الفلس مَعْرُوف، والجمع في القلة، أفلس، وفلوس في الكثير، وَقَدْ فلسه الحَاكِم تفليساً، نادى عَلَيْهِ أنه أفلس. انظر: لسان العرب 6/ 165، وتاج العروس 16/ 343 (فلس)، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 478، الإنصاف للمرداوي 5/ 272.
(3) الحجر: المنع والتضييق، ومنه سمي الحرام حجراً. قَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} الفرقان: 22، وَيُسَمَّى العقل حجراً؛ لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب مَا يقبح وتضر عاقبته. انظر: لسان العرب 4/ 166، وتاج العروس 10/ 530 (حجر).
وللفقهاء تعريف خاص يختلف فِيْمَا بينهم:
عرفه الأحناف بأنه: منع نفاذ تصرف قولي.
وعرفه المالكية بأنه: صِفَة حكمية توجب منع موصوفها من نفوذ تصرفه، فِيْمَا زاد عَلَى فوته، كَمَا توجب منعه من نفوذ تصرفه فِي تبرعه بزائد عَلَى ثلث ماله.
والشافعية والحنابلة عرفوه بأنه: منع الانسان من التصرف في ماله.
انظر: حاشية ابن عابدين 5/ 89، ومجمع الأنهر 2/ 437، والمهذب، للشيرازي 1/ 328، ونهاية المحتاج 4/ 353، وأسهل المدارك 3/ 3، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 493، وكشاف القناع 3/ 416 - 417.
وأسباب الحجر عَشْرَة:
1. الحجر عَلَى المفلس. 2. المريض بما زاد عَلَى الثلث. 3. العبد. 4. المكاتب. 5. المشتري إذَا كَانَ الثمن في البلد. 6. المشتري بَعْدَ طلب الشفيع. 7. المرتد يحجر عَلَيْهِ =(1/271)
إجَابَتُهُمْ، ويُسْتَحَبُّ لَهُ إظْهَارُ الْحَجْرِ (1)، والإشْهَادُ عَلَيْهِ وَإِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ تُعَلَّقُ حُقُوقُ الغُرَمَاءِ بِمَالِهِ فَلا يَنْفُذُ تَصَرُّفُه فِيهِ، فإنْ تَصَرَّفَ في ذِمَّتِهِ أو أقَرَّ بِدَيْنٍ صَحَّ، وَلَمْ يُشَارِكْ مَنْ عَامَلَهُ والْمُقِرّ لَهُ الغُرَمَاء، فإنْ جَنَى عَلَى مَالِ إنْسَانٍ أو نَفْسِهِ شَارَكَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ الغُرَمَاءَ، ويُنْفِقَ عَلَى الْمُفْلِسِ وَمَنْ يلزمُهُ نَفَقَتَهُ بالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ إلى أن يقسمَ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، فإذَا أرَادَ الْحَاكِمُ بَيْعَ مَالِهِ فإنَّهُ يُحْضِرُهُ أو وَكِيْلَهُ ويُحْضِرُ الغُرَمَاءَ ويَتْرُكُ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا تَدْعُو حَاجَتُهُ إِليهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَثِيَابٍ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ تُرِكَ لَهُ مَا يَتَّجِرُ بِهِ لِقُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، ثُمَّ يُبَاعُ بَقِيَّةُ مَالِهِ كُلُّ شَيْءٍ في سَوْقِهِ، ويَبِيْعُ مَا يُسَارِعُ إِليهِ الفَسَادُ، ثُمَّ الْحَيَوَانَ، ثُمَّ الأثَاثَ، ثُمَّ العَقَارُ ويُعْطِي أُجْرَةَ الْمُنَادِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فإنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ إلاَّ أنْ يَجِدَ مُتَطَوِّعاً بِالنِّدَاءِ، ويقسمُ مَا اجْتَمَعَ مِنَ الأثْمَانِ بَيْنَ الغُرَمَاءِ عَلَى قَدَرِ دُيُونِهِمْ فإنْ كَانَ فِيْهِمْ مَنْ لَهُ رَهْنٌ خصَّ بِثَمَنِهِ، فإنْ كَانَ في ثَمَنِهِ زِيَادَةٌ عَلَى الدَّيْنِ رُدَّتْ عَلَى الغُرَمَاءِ، وإنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ ضربَ بالنُّقْصَانِ مَعَ الغُرَمَاءِ، وإنْ كَانَ فِيْهِمْ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، أو مَاتَ الْمُفْلِسُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يحلَّ الدَّيْن بالْمَوتِ والإفْلاسِ ولا يُشَارِكُوا الغُرَمَاء في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، والأُخْرَى يحلُّ بِهِما فَيُشَارِكُونَهُمْ، وإنْ كَانَ فِيْهِمْ مَنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ بَاعَهَا مِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِها بأَربَعِ شَرَائِطٍ (3):
- أنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيّاً.
- والعَيْنُ بِحَالِهَا لَمْ تَتْلَفْ بَعْضُهَا.
- وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهَا / 166 ظ / حَقٌّ مِنْ شُفْعَةٍ أو جِنَايَةٍ أو رَهْنٍ.
- وَلَمْ يَقْبضْ بَائِعُهَا مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئاً.
فإنْ عُدِمَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ كَانَ أُسْوَة الغُرَمَاءِ، وإنْ نَقَصَتِ العَيْنُ بِهُزَالٍ أو نِسْيَانٍ صَنْعَةٍ فَهُوَ بِالْخِيارِ بَيْنَ أخْذِهَا نَاقِصَةً، وَبَيْنَ أنْ يَضْرِبَ مَعَ الغُرَمَاءِ بِكَمَالِ الثَّمَنِ، فإنْ زَادَتْ
__________
= لحق المسلمين. 8. الراهن. 9. الزوجة بما زاد عَلَى الثلث في التبرع. 10. الحجر لحظ نَفْسه، كالحجر عَلَى الصغير والمجنون والسفيه. الإنصاف 5/ 272.
(1) وَإِذَا حجر عَلَيْهِ ثبت بِذَلِكَ أربعة أحكام:
1. تعلق حقوق الغرماء بعين ماله.
2. منع تصرفه في عين ماله.
3. إن وَجَدَ عين ماله عنده فَهُوَ أحق بِهَا من سائر الغرماء إذَا وجدت الشروط.
4. إن للحاكم بيع ماله وإبقاء الغرماء.
انظر: المغني 4/ 456، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 479 - 480.
(2) جعلها الْقَاضِي رِوَايَة وَاحِدَة كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 485.
(3) وجعلها ابن قدامة خمس شرائط. انظر: المغني 4/ 460.(1/272)
العينُ بِسمنٍ أو تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ فَلَهُ أَخْذُهَا نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ الْمَيْمُوْنِيِّ (1) وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَكُونُ أُسْوَةُ الغُرَمَاءِ (2). وإنْ حَدَثَ لِلْعَيْنِ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ كَالْوَلَدِ والثَّمَرَةِ والكَسْبِ لَمْ يمنع الرُّجُوع فِيْهَا، وَيَكُوْنُ النَّمَاءُ لِلْبَائِعِ قَالَهُ في رِوَايَةِ حَنبَلٍ، واختَارَهُ أبُو بَكْرٍ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يَكُونُ لِلْمُفْلِسِ (3). فإنْ غَيَّرَ صِفَةَ العَيْنِ بأنْ كَانَ غَزْلاً فَنَسَجَهُ، أو دَقِيقاً فَخَبَزَهُ أو زَيتاً فَعَمِلَهُ صَابُوناً لَمْ يكُنْ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ، فإن كَانَتْ ثياباً فصبغها أَوْ قصرها لَمْ يمنع الرجوع وتكون الزيادة بِذَلِكَ للمفلس فإنْ كَانَت العَيْنُ أرْضاً فَغَرَسَهَا أو بَنَى فِيْهَا، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوع فِيهِ وَيَدْفَعُ قِيْمَةَ الغِرَاسِ والبِنَاءِ ويملكُهُ إنْ رَضِيَ الْمُفْلِسُ والغُرَمَاءُ، فإنْ لَمْ يَرْضَوا أو أَرَادُوا القَلْعَ فَلَهُمْ ذَلِكَ، وإنْ نَقَصَتِ الأَرْضُ ضَرَبَ البَائِعُ مَعَ الغُرَمَاءِ بالنَّقْصِ بِخِلافِ مَا إذَا وَجَدَهَا ناقِصَةً فأخَذَهَا لا يضربُ بالنَّقْصِ؛ لأنَّهُ لاَ صَنِيْعَ لِلْمُفْلِسِ هُنَاكَ وهَاهُنا النَّقْصُ مِنْ فِعْلِهِ فإن امْتَنَعَ الْمُفْلِسُ مِن القَلْعِ، والبَائِعُ مِنْ دَفْعِ قِيْمَة الغِرَاسِ والبِنَاءِ. قَالَ ابنُ حَامِدٍ: يَسْقُطُ حَقُّ الرُّجُوعِ، وَقَالَ شَيْخُنا: يَرْجِعُ البَائِعُ فِي الأَرْضِ، ويَكُونُ مَا فِيْهَا لِلْمُفْلِسِ ثُمَّ يُخَيّرُ البائِعُ بَيْنَ دَفْعِ قِيْمَةِ الغِرَاسِ والبِنَاءِ وبَيْنَ بَيْعِ الأرْضِ مَعَ بَيْعِ الْمُفْلِسِ مَا لَهُ فِيْهَا، ويأخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ مِن الثَّمَنْ، فإنْ أَبَى القِسْمَين فَعَلى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: يُجْبَرُ عَلَى البَيْعِ كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّ الثَّوْبَ وَقَدْ صَبَغَهُ الْمُشْتَرِي، وامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ قِيمَةِ الصِّبْغِ يُبَاعُ الثَّوْبُ لَهُمَا، والآخَرُ لاَ يُجْبَرُ (4). وَيَبِيْعُ الْمُفْلِسُ غِرَاسَهُ وَبِنَاءَهُ مُفْرَداً، وَإِذَا فَرَّقَ مَالَهُ وبَقَى عَلَيْهِ بَقِيَّة وله صَنْعَةٌ فَهَلْ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى إيْجَارِ نَفْسِهِ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: فإنْ فُكَّ الْحَجْرُ عَن الْمُفْلِسِ فَلَزِمَهُ دُيُونٌ وأُعِيْدَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ شَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الأوَّلِ غُرَمَاءَ الْحَجْرِ الثَّانِي، وَإِذَا ادَّعَى الْمُفْلِسُ مالاً لَهُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ واسْتَحَقَهُ، فإنْ أبَى أنْ يَحْلِفَ / 167 و/ وَبَذَلَ الغُرَمَاءُ الثَّمَنَ لَمْ يُسْتَحْلَفُوا، وَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ إعسَارَهُ أحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ وَإِذَا أظْهَرَ غَرِيْمٌ بَعْدَ قِسْمَةِ الْحَاكِمِ مالَهُ رَجَعَ عَلَى الغُرَمَاءِ بِقِسْطِهِ، ومَنْ لَهُ مَالٌ يَفِي بِما عَلَيْهِ فَلا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بَلْ يأْمُرُهُ بالقَضَاءِ، إنْ كَانَتْ ديونُهُ حَالَّةً فإن أبى حبسهُ فإن لَمْ يقضِ وإمتنع من بيع ماله باع الحَاكِم ماله وقضى دينهُ وإن كَانَتْ ديونه مؤجلة لَمْ يُطالَبْ بِهَا، فإنْ أرَادَ
__________
(1) ذكرها الزَّرْكَشِيّ في شرحه 2/ 483، ونقل أبو هانئ عن الإِمَام أحمد أنه سئل عن الرجل إذَا أفلس فوجد رَجُل متاعه بعينه؟ قَالَ: هُوَ أحقُّ بمتاعه. قِيلَ: فإن كَانَ قد زاد أو نقص يوم اشتراه؟ قَالَ: هُوَ أحق بِهِ، زاد أو نقص. مسائله 2/ 22.
(2) وَهُوَ اختيار الشيرازي. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 481 و 483.
(3) انظر: المحرر 1/ 345.
(4) انظر: المغني 4/ 466 - 467.(1/273)
سَفَراً مُدَّتُهُ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ لَمْ يُمْنَعْ من ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ الْخِرَقِيِّ (1)، ونَقَلَ عَنْهُ أبو طالِبٍ (2) لَهُ مَنْعهُ حَتَّى يُقِيْمَ كَفِيلاً، وإنْ كَانَتْ مُدَّةُ السَّفَرِ تَزِيدُ عَلَى الأجَلِ مُنِعَ مِنْهُ رِوَايَة واحِدَة، فإنْ لَزِمَهُ ديونٌ فادَّعَى الإعْسَارَ، وَكَانَ يُعْرَفُ لَهُ مالٌ قَبْلَ ذَلِكَ حُبِسَ حَتَّى يُقِيْمَ البَيِّنَةَ أنَّ مَالَهُ تَلِفَ أو نَفِدَ وأنَّهُ معسر فإن قَالَ الغريم أحلفوه أنَّهُ لا مَال لَهُ في البَاطِنِ (3) فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ لا يحلفُ ويُخْلَى مِن الْحَبْسِ، ويُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ، فإنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ حَلَفَ أنَّهُ لا مالَ لَهُ وخُلَّيَ سَبِيْلُهُ وتُسْمَعُ البَيِّنَةُ عَلَى الإعْسَارِ قَبْلَ الْحَبْسِ وَبَعْدَهُ.
كِتَابُ الْحَجْرِ
يُشرَّعُ الْحَجْرُ عَلَى الإنْسَانِ بِحَقِّ نَفْسِهِ وبِحَقِّ غَيْرِهِ، فالْحَجْرُ بِحَقِّ نَفْسِهِ يَكُونُ في حقِّ من لايقومُ بمصالحِ نفسهِ كالصبي والمجنونِ والسفيهِ والمبذرِ وهذا حجرٌ يَمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفِهِ في مَالِهِ وذِمَّتِهِ، والْحَجْرُ بِحَقِّ الْغَيْرِ يَثْبُتُ في حَقِّ الْمُفْلِسِ والْمَرِيضِ والْمَأْذُونِ والْمُكَاتِبِ والرَّاهِنِ، وهذا حَجْرٌ خَاصٌّ؛ لأنَّهُ يَمْنَعُ الْمُفْلِسَ مِن التَّصَرُّفِ في مالِهِ دُوْنَ ذِمَّتِهِ، ويَمْنَعُ الْمَرِيْضَ مِن التَّبَرُّعِ بِما زَادَ عَلَى الثَّلاثِ، ويَمْنَعُ الْمُكَاتِبَ والْمأْذُونَ مِن التَّبَرُّعَاتِ، ويَمْنَعُ الرَّاهِنَ مِن التَّصَرُّفِ في الرَّهْنِ، ويَزُولُ الْحَجْرُ في حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِن هَؤُلاءِ بِزَوَالِ سَبَبِهِ، فإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ ورَشَدَ انْفَكَّ الحجر عَنْهُمَا مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، والبُلُوغُ في حَقِّ الغُلامِ بأحَدِ ثَلاَثَةِ أشْيَاء:
- الاحْتِلامُ.
- أو إكْمَالُ خَمْسَ عَشرةَ سَنَةً.
- أو إنْبَاتُ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَولَ القُبُلِ.
وَفِي حقِّ الْجَارِيَةِ بمَا ذَكَرْنَا والْحَيْضُ والْحَبَلُ والرُّشْدُ: إصْلاح الْمَالِ (4)، ولا يُدْفَعُ إِليهِ ماله حَتَّى يُختَبَرَ اخْتِبَارُ مِثْلِهِ، فإنْ كَانَ مِنْ أوْلاَدِ التُّجَّارِ فَبِأنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ البَيْعُ والشِّرَاءُ فَلا يُغْبَنُ، وإنْ / 168 ظ/ كَانَ مِنْ أوْلاَدِ الرُّؤَسَاءِ والكُتَّابِ فَبِأنْ يَسْتَوفِيَ عَلَى وَكِيْلِهِ
__________
(1) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 491.
(2) انظر: المغني 4/ 507.
(3) وجعلها في المقنع عَلَى وَجْهَيْنِ. انظر: المقنع: 123، والمغني 4/ 503.
(4) ونقل الزَّرْكَشِيّ في شرحه 2/ 497 أن ابن عقيل ذهب إلى أن الرشد الصَّلاح في المال، وَفِي الدين، وَقَالَ ابن عقيل: ((وَهُوَ الأليق بمذهبنا)).(1/274)
فِيْمَا وَكَّلَهُ فِيهِ مِنَ التَّصَرُّفِ، وإنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَبِشِرَائِهَا القُطْنَ واسْتِجَادَتِهِ، وَدَفْعِهَا الأجْرَةَ إلى الغَزَّالاتِ والاسْتِيْفَاءِ عَلَيْهِنَّ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى (1): أنَّهُ لا يُدْفَعُ إلى الْجَارِيَةِ مَالُهَا بَعْدَ رُشْدِهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَلِدَ أو يَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا، وَوَقْتُ الاخْتِيَارِ قَبْلَ البُلُوْغِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الأُخْرَى، بَعْدَهُ (2). وما دَامَا في الْحَجْرِ فَالْوَلِيُّ في مَالِهِمَا الأبُ، ثُمَّ وَصِيُّهُ، ثُمَّ الْحَاكِمُ، ولا وِلاَيَةَ عَلَيْهِمَا في الْمَالِ لِغَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا، ولا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِمَا أنْ يَتَصَرَّفَ في مَالِهِمَا إلاَّ عَلَى وَجْهِ الْحَطِّ لَهُمَا، فإنْ تَبَرَّعَ أو بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أو أنْفَقَ عَلَيْهِمَا أو عَلَى مَنْ يلزمُهُ نَفَقَتهُ زِيَادَةً عَلَى النَّفَقَةِ بالْمَعْرُوفِ ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَ بِشَيْءٍ مِنْ مالِهِمَا لِمَنْ لا بَيِّنَةَ لَهُ بِما يَدَّعِيهِ، ولا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ ولا لِلْحَاكِمِ أنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِهِمَا شَيْئاً لِنَفْسِهِ ويَجُوزُ ذَلِكَ لِلأَبِ (3)، ويَجُوزُ لَهُ أنْ يُكَاتِبَ رَقِيقَهُمَا إذَا رَأَى في ذَلِكَ مَصْلَحَةً نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ إمَائِهَما، ويُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِما، ويُسَافِرُ بِمَا لهما، ويُضَارِبُ بِهِ، ويَبِيْعَهُ نَسْأً، وتعوضُهُ إذَا أَخَذَ بالعِوَضِ رَهْناً، ولا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ شُفْعَتِهِمَا إذَا كَانَ الْحَظُّ في أحَدِهِما، ويَشْتَرِي لَهُمَا العَقَارَ ويَبْنِيْهِ بالآجُرِّ والطِّيْنِ (4)، ولا يَبِيْعُ عَقَارَهُمَا إلاَّ لِضَرُوْرَةٍ أو غِبْطَةٍ: وَهُوَ أنْ يُدْفَعَ فِيهِ زِيَادَةً كَبِيرَةً عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ كالثُلُثِ فما زَادَ (5)، فإنْ زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُمَا فادْعَيَا أنَّ الوَلِيَّ بَاعَ عَقَارَهُمَا بِغَيْرِ ضَرُوْرَةٍ ولا غِبْطَةٍ، فَالْقَولُ قَوْلُ الوَلِيِّ، وَكَذَلِكَ القَوْلُ قَوْلُهُ فِيْمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ، وَفِي تَلَفِ مَالِهِ ودَفْعِهِ إِليهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَإِذَا أجّرَ الوَليُّ الصَّبِيَّ مُدَّةً فَبَلَغَ في أثْنَائِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ الإِجَارَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا أعْتَقَ السَّيِّدُ العَبْدَ في مُدَّةِ الإجَارَةِ، ويَجُوْزُ لِلْوَلِيِّ أنْ يأكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوْلَى عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ عِلْمِهِ إذَا كَانَ اشْتِغَالُهُ بِمَالِهِ، وحِفْظُهُ يَقْطَعُهُ عَن مَعِيْشَتِهِ بِما يَقُوْمُ بِكِفَايَتِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ عِوَضُ ذَلِكَ إذَا أيْسَرَ على رِوَايَتَيْنِ (6)، وأمَّا السَّفِيْهُ فَلا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرِ مَا دَامَ مُبَذِّراَ، ولا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فإنْ احْتَاجَ إلى النِّكَاحِ فأذِنَ لَهُ الوَلِيُّ صَحَّ، وَقَالَ شَيْخُنا: يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الوَلِيِّ (7) فإنْ أذِنَ لَهُ في البَيْعِ فَهَلْ تَصِحُّ؟
__________
(1) نقلها أبو طالب. انظر شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 496. واختار الْقَاضِي أن المال يدفع إليها إذَا عنست، وَقَالَ أبو مُحَمَّد: ويحتمل دوام الْحَجْر عَلَيْهَا مطلقاً. شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 496.
(2) انظر: المغني 4/ 523 - 524، والهادي: 109، والمقنع: 125.
(3) لأن البقية متهمون في طلب الحظ لأنفسهم بخلاف الأب. انظر: الشرح الكبير 4/ 519.
(4) قَالَ في المقنع: 126: ((وبناؤه بما جرت عادة أهل بلده بِهِ)).
(5) وكلام أحمد يَقْتَضِي إباحة البيع في كُلّ مَوْضِع يَكُون نظراً لَهُمْ، ولا يختص بما ذكروه.
الشرح الكبير 4/ 525.
(6) انظر: المقنع: 126، والهادي: 110، والشرح الكبير 4/ 531.
(7) انظر: المغني 4/ 528، والمقنع: 126، والهادي: 110.(1/275)
عَلَى وَجْهَيْنِ (1) / 169 و / ويَصِحُّ طَلاَقُهُ، وخَلْعُهُ عَلَى مَالٍ إلاَّ أنَّهُ لا يُسَلِّمُ الْمَالَ إِليهِ، ويَدْفَعُ إلى وَلِيِّهِ، ويَصِحُّ تَدْبِيْرُهُ وَوَصِيَّتُهُ فأمَّا عِتْقُهُ الْمُنْجَزُ فعلى رِوَايَتَيْنِ (2)، وَإِذَا أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَدّاً أو قِصَاصاً لَزِمَهُ ذَلِكَ في الْحَالِ، وإنْ أقرَّ بِدَينٍ لَمْ يَلْزَمْهُ في حَالِ حَجْرِهِ؛ وَإِذَا رَشدَ وَزَالَ بِتَدَبُّرِهِ زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَقَالَ شَيْخُنا: لاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ إلاَّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُفْلِسِ، وَإِذَا زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ فَعَادَ إِلَى التَّبْذِيرِ أعِيْدَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ، وَلاَ يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إلاَّ الْحَاكِمُ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يَشْهَدَ عَلَى الْحَجْرِ عَلَيْهِ لِتجَنَّب مُعَامَلَته فَمَنْ دَفَعَ إِليهِ مالاً بَعْدَ ذَلِكَ بِقَرْضٍ أو بَيْعٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ إنْ كَانَ بَاقِياً، فإنْ تَلِفَ الْمَالُ فَهُوَ مِنْ ضَمانِ مَالِكِهِ عَلِمَ بالْحَجْرِ أو لَمْ يَعْلَمْ، وكُلَّمَا جَنَى عَلَى أمْوَالِ النَّاسِ وأنْفُسِهِمْ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، ولِلزَّوْجِ أنْ يَحْجُرَ عَلَى زَوْجَتِهِ إنْ تَبَرَّعَتْ بِما زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3)، وَفِي الأخرى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (4).
بَابُ الْمَأْذُونِ له
يَجُوزُ لِوَلِيِّ اليَتِيْمِ أنْ يأْذَنَ لَهُ في التِّجَارَةِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ ذَلِكَ، ولا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إلا في قَدْرِ مَا أذِنَ لَهُ فِيهِ، ويَصِحُّ إقْرَارُهُ بِقَدَرِ المأْذُونِ، ولا يَصِحُّ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ، فإنْ أذِنَ لَهُ في تِجَارَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أنْ يَتَّجِرَ في غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ العَبْدِ إذَا أذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ في نَوعِ تِجَارَةٍ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أن يَتَّجِرَ في غَيْرِهَا، فإنْ أذِنَ لَهُ في جَمِيْعِ أنْوَاعِ
التِّجَارَةِ لَمْ يَجُزْ أنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، ولا يَتَوَكَّلَ لإنْسَانٍ وهَلْ لِلْمَأْذُونِ لَهُ أنْ يُوَكِّلَ فِيْمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (5). بِنَاءً عَلَى الوَكِيْلِ هَلْ يُوَكِّلُ، وَسَيأْتِي ذِكْرُهُ، فإنْ رَأَى السَّيِّدُ عَبْدَهُ يَتَّجِرُ وَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مَأْذُوناً، وما لَزِمَ الْمَأْذُونُ لَهُ مِنَ الدُّيُونِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ والقَرْضِ تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، وَفِي الأُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ العَبْدِ، وما
__________
(1) وجعلهما صاحب المقنع: 127 عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وانظر: الشرح الكبير 4/ 533.
(2) انظر: المغني 4/ 528.
(3) الشرح الكبير 4/ 532.
(4) الأولى: لَيْسَ لَهُ الْحَجْر عَلَيْهَا: وَهُوَ ظاهر كلام الخرقي. والثانية: لَيْسَ لَهَا أن تتصرف في مالها بزيادة عَلَى الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها، الشرح الكبير 4/ 532.
(5) أحدهما: لا يجوز؛ لأنَّهُ تصرف بالإذنِ فاختص بِمَا أذن فِيهِ، وَلَمْ يؤذن لَهُ فِي التوكيل.
والثاني: يجوز؛ لأنهم يملكون التصرف بأنفسهم فملكوه بنائبهم كالمالك الرشيد؛ ولأنه أقامه مقام نَفْسه.
الشرح الكبير 4/ 534.
(6) قَالَ عَبْد الله: سألت أبي عن العبد يأذن لَهُ سيده فيدان؟ قَالَ: الدين عَلَى السيد. انظر: مسائله 3/ 936. وَهُوَ الذي ذكره الخرقي. الشرح الكبير 4/ 535.
=(1/276)
لَزِمَ العَبْدُ غَيْر الْمأْذُونِ لَهُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ العَبْدِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يَتبْعُ بِهِ بَعْدَ العِتْقِ، وَإِذَا باع الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُون مَتَاعاً لَمْ يَصِحَّ البَيْعُ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1) وَيَصِحُّ في الآخَرِ، إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِمِثْلِ قِيْمَتِهِ، ولا يَبْطُلُ الإذْنُ بالإبَاقِ، وَإِذَا حَجَرَ السَّيِّدُ عَلَى المأْذُوْنِ، وَفِي يَدِهِ ألْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ ثَانِياً فأقَرَّ أنَّ الألْفَ لِفلانٍ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَلا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْمَأْذُونِ بِهِبَةِ الدَّرَاهِمِ وَكِسْوَةِ الثِّيَابِ، وَتجُوزُ هَدِيَّتُهُ لِلْمَأْكُوْلِ وَإعَارَةُ دابَّتِهِ، وإنْ كانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لهُ فَهَلْ يَجُوزُ أنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ قُوتِهِ / 170 ظ / وَنحْوِهِ عَلى رِوايَتَيْنِ (2)، إحداهُمَا: يَجُوْزُ مَا لَمْ يَضُرَّهُ، والثَّانِيَةُ: لا يَجُوْزُ. وهَكَذا الْحُكْمُ في تَصَدُّقِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلى رِوَايَتَيْنِ (3).
كِتَابُ الوَكَالَةِ
تَصِحُّ الوَكَالَةُ بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الإذْنِ وبِكُلِّ قَوْلٍ أو فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى القَبُوْلِ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - في رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَرَوَى عَنْهُ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَليْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقُولَ قد وَكَّلْتُكَ؛ فاعْتُبِرَ لَفْظُ التَّوْكِيْلِ، ويَصِحُّ عَلَى الفَورِ وعلى التَّرَاخِي بأنْ يُوَكِّلَهُ في بَيْعِ شَيْءٍ فَيَبِيْعَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، أو ثَبَتَ أنَّ فُلاناً وَكَّلَهُ مُنْذُ شَهْرٍ، فَيَقُوْلُ: قَبِلْتُ، وَيَجُوْزُ تَعْلِيْقُهَا عَلَى شَرْطِ مُسْتَقْبَلٍ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَبِعْ ثَوْبِي، أو خَاصِمْ غَرِيْمِي، أو قَدْ وَكَّلْتُكَ، وتَصِحُّ في حُقُوقِ الآدَمِيينَ مِنَ العُقُوْدِ والفُسُوْخِ والعِتَاقِ والطَّلاَقِ والرَّجْعَةِ وإثْبَاتِ الْحُقُوقِ واسْتِيْفَائِهَا والإقْرَارِ والإبْرَاءِ وفي تَمْلِيْكِ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الصَّيْدِ والْحَشِيْشِ والْمَاءِ، ولا يَصِحُّ في الظِّهَارِ والْلِّعَانِ والأيْمَانِ، فأمَّا الْحُقُوقُ للهِ تَعَالَى فما كَانَ مِنْها عِبَادَةٌ فَلا يَجُوزُ التوكيل فِيْهَا إلا الْحَجَّ والزكاة والتَّكْفِيْرَ بالْمَالِ، وما كَانَ حداً فَلا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ في إثْبَاتِهِ ويَجُوزُ في اسْتِيْفَائِهِ وما جَازَ التَّوْكِيْلُ فِيهِ جَازَ مَعَ حُضُورِ الْمُوَكِّلِ وغَيْبَتِهِ، فأمَّا القِصَاصُ وحَدُّ القَذْفِ فَنَصه أنه يَجُوزُ اسْتِيْفَاؤُهُمَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَقَالَ بَعْضُ أصْحَابِنا: لا يَجُوزُ الاسْتِيْفَاءُ مَعَ غَيْبَتِهِ، وَقَدْ أوْمَأَ إِليهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَةِ مُهَنَّا، والوَكِيْلُ الْخَاصُّ لا يَكُونُ وَكيْلاً
__________
= وَقَالَ المرداوي في الإنصاف 5/ 347: ((يتعلق بذمة سيده عَلَى الصَّحِيح من المذهب؛ لأنَّهُ تصرف لغيره)).
(1) انظر: الشرح الكبير 4/ 536.
(2) انظُر: المُقْنِعْ: 127، وَالشَرْحْ الكَبِيْر 4/ 537.
(3) انظر: المقنع: 127، والشرح الكبير 4/ 537.(1/277)
عَامّاً، ومَنْ وُكِّلَ في بَيْعٍ أو نِكَاحٍ لَمْ يَكُنْ وَكيلاً في قَبْضِ الثَّمَنِ والْمَهْرِ، وكل مَنْ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ في شَيءٍ جَازَ أنْ يُوَكِّلَ وَيَتَوَكَّلَ فِيهِ كَالبَالغِ، والصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ والْمَأْذُونِ لَهُ ومَنْ لا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ لا يَجُوْزُ تَوْكِيْلُهُ ولا وَكَالَتَهُ كالصَّغِيْرِ والْمَجْنُونِ والْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، فإنْ وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ فإن وكله بإذنه فِي شراء نفسهِ من سيده صَحَّ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1)، والآخَرُ لا يَصِحُّ، فأمَّا الوَكِيْلُ فَهَلْ يَجُوزُ تَوْكِيْلُهُ فِيْمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: يَجُوْزُ والأخْرَى لا يَجُوزُ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِي (2)، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في الوَصِيِّ والْحَاكِمِ، فأمَّا تَوْكِيلُهُ فِيْمَا لا يَتَولَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ أو لا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ لِكَثْرَتِهِ فَيَجُوزُ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ (3) وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَ ذَلِكَ إِليهِ وإنْ وَكَّلَ نَفْسَيْنِ / 171 و / لَمْ يَجُزْ لأَحَدِهِمَا الانْفِرَادُ بالتَّصَرُّفِ إلاَّ أنْ يَجْعَلَ الْمُوَكِّلُ لَهُ ذَلِكَ، ولا يَجُوزُ لِلْوَكِيْلِ في البَيْعِ أنْ يَبِيْعَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ في ذَلِكَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأخرى يَجُوزُ بأحَدِ شَرْطَيْنِ: إما أنْ يَزِيْدَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ في النِّدَاءِ، أو يُوَكِّلَ مَنْ يَبِيْعُهُ فَيَكُونُ أَحَد الْمُشْتَرِيْنَ (5)، فإنْ بَاعَهُ الوَكِيْلُ مِنْ وَلَدِهِ أو وَالِدِهِ أو مُكَاتِبِهِ احْتَمَلَ أنْ يَجُوزَ، واحْتَمَلَ أنْ لا يَجُوزَ (6)، فإنْ وَكَّلَهُ في بَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ نَقْدِ البَلَدِ أو بَاعَهُ نَسْأً لَمْ يَصِحَّ البَيْعُ نَصَّ عَلَيْهِ ويُحْتَمَلُّ أنْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالْمُضَارِبِ (7)، فإنْ بَاعَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أو بأنْقَص مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ صَحَّ البَيْعُ وَضَمِنَ النُّقْصَانَ نَصَّ عَلَيْهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَصِحَّ البَيْعُ كالْمَسْأَلَةِ قَبْلَها، فَإنْ وَكَّلَهُ بأن يبَيْعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَ بِأَلْفَيْنَ صَحَّ البَيْعُ، فإنْ بَاعَ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ احْتَمَلَ أنْ تَصِحَّ (8) لأَنَّهُ أَتَاهُ بِأَفْضَل مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ، واحْتَمَلَ أنْ لا يَصِحَّ؛ لأنَّهُ خَالَفَهُ فَبَاعَهُ بِغَير الْجِنْسِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَثَوبٍ، فإنْ قَالَ: بِعْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسْأً، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ صَحَّ البَيْعُ (9)، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يَصِحَّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا يُسْتَضَرُّ
__________
(1) وجعلها صاحب الشرح الكبير رِوَايَتَيْنِ. انظر: الشرح الكبير 5/ 211.
(2) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 526.
(3) قَالَ الزَّرْكَشِيّ في شرحه 2/ 527: ((فِيهِ وَجْهَانِ)).
(4) وهذا هُوَ المشهور من الروايات عَنْهُ. نقلها مهنّا، واختارها الخرقي والشرف وابن عقيل. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 529، والشرح الكبير 5/ 221.
(5) هَذَا كله إذَا لَمْ يأذن لَهُ، فإن أذن لَهُ جاز لَهُ الشراء من نَفْسه. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 529، والإنصاف 5/ 376.
(6) انظر: المقنع: 128.
(7) انظر: المقنع: 128، وكشاف القناع 3/ 463.
(8) انظر: المقنع: 128، والهادي: 112، والشرح الكبير 5/ 227.
(9) وهذا قول الْقَاضِي، انظر: الشرح الكبير 5/ 229.(1/278)
بِحِفْظِهِ فِي الْحَالِ، [فإنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي هَذَا العَبْدُ بِأَلْفِ، فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ مُؤَجَلَةٍ صَحَّ] (1) فإنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْداً بِمِئَةٍ. فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ يُسَاوِي مِئَةً بِثَمَانِيْنَ، فإنْ كَانَ يُسَاوِي الثَّمَانِيْنَ لَمْ يَجُزْ، فإنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي بِهَذَا الدِّيْنَارِ شَاةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ يُسَاوِي كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيْنَاراً كَانَ ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تُسَاوِي دِيْناراً، والأُخْرَى نِصْفَ دِيْنَارٍ فإنْ كَانَتْ كلُّ وَاحِدةٍ تُسَاوِي نِصْفَ دِيْنَارٍ لَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّلَ، فإنْ أمَرَهُ أنْ يَشْتَرِيَ شَيْئاً مَوْصُوفاً لَمْ يَجُزْ شِرَاؤه إلاَّ سَلِيْماً فإن اشْتَرَاهُ وَوَجَدَ بِهِ عَيْباً فَلَهُ الرَّدُّ، فإنْ قَالَ لَهُ البَائِعُ: مُوَكِّلُكَ قد عَلِمَ بالْعَيْبِ وَرَضِيَ فَلَيْسَ لَكَ الرَّدُّ. فَالْقَولُ قَوْلُ الوَكِيْلِ مَعَ يَمِيْنِهِ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ أنَّ مُوَكِّلَهُ رَضِيَ بِذَلِكَ، فإنْ حَلَفَ وَحَضَرَ الْمُوَكِّلُ فَصَدَّقَ البَائِعَ عَلَى الرِّضَا فإِنْ كَانَ قَبلَ فَسْخِ الوَكِيْلِ بِالرَّدِّ فَلَهُ أَخْذُ السِّلْعَةِ وإنْ كَانَ بَعْدَ فَسْخِ الوَكِيْلِ وَرَده فَعَلى وَجْهَيْنِ (2): أحَدُهُمَا: لَهُ الأَخْذُ والآخَرُ لَيْسَ لَهُ العَقْدُ إلاَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ / 172 ظ / فإنْ وَكَّلَهُ في شِرَاءِ شَيْءٍ عَيَّنَهُ فاشْتَراهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْباً فَلَيْسَ لَهُ أنْ يَرُدَّ مِنْ غَيْرِ إعْلامِ الْمُوَكِّلِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (3)، وَفِي الآخَرِ لَهُ أنْ يَرُدَّ فإنْ دَفَعَ إِليهِ ثَمَناً، وَقَالَ لَهُ: اشْتَرِ (4) بِعَيْنِهِ عَبْداً فاشْتَرَاهُ في ذِمَّتِهِ لَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّل، وهَلْ يَقِف عَلَى إجَازَتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5): إحْدَاهُمَا: إنْ أجَازَهُ لَزِمَ فِي حَقِّهِ، والثَّانِيَةُ: لاَ يَلْزَمُ بِحَالٍ ويَلْزَمُ الوَكِيْلُ، فإنْ قَالَ: اشْتَرِ (6) لِي فِي ذِمَّتِكَ وانْقُدِ الثَّمَنَ، فاشْتَرَى [بِعَيْنِ الثَّمَنِ صَحَّ الشِّرَى] (7) لِلْمُوَكِّلِ، فإنْ وَكَّلَهُ أنْ يَبِيْعَ بَيْعاً فَاسِداً فَبَاعَ بَيْعاً صَحِيْحاً لَمْ يَصِحَّ، وإنْ وَكَّلَهُ في بَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ لَمْ يَصِحَّ. وإنْ وَكَّلَهُ أن يَبِيْعَ ثَوْبَهُ في سَوْقٍ بِمِئَةٍ فَبَاعَهُ في سُوْقٍ آخَرَ بِمِئَةٍ صَحَّ البَيْعُ، وإنْ وَكَّلَهُ أنْ يَبِيْعَهُ مِنْ زَيْدٍ بِمِئَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ عَمْرو بِمِئَةٍ لَمْ يَجُزْ، وإنْ وَكَّلَهُ في كُلِّ قَلِيلٍ وكَثِيْرٍ لَمْ تَصِحَّ (8) الوَكَالَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: اشْتَرِ (9) لِي مَا شِئْتَ، أو اشْتَرِ لِي عَبْداً بِما أرَدَّتَ مِنَ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ (10) حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ ومِقْدَارَ الثَّمَنِ (11)، ويُحْتَمَلُ أنْ يَجُوزُ عَلَى مَا قَالَهُ في رَجُلَيْنِ
__________
(1) مَا بَيْنَ المعكوفتين مكرر فِي الأصل.
(2) انظر: المقنع: 129، والشرح الكبير 5/ 234.
(3) انظر: المقنع: 129، والهادي: 112 - 113، والمحرر 1/ 350، والشرح الكبير 5/ 235.
(4) في الأصْلِ بالياء: ((اشتري)).
(5) انظر: الشرح الكبير 5/ 236.
(6) في الأصل بالياء: ((اشتري)).
(7) مَا بَيْنَ المعكوفتين مكرر فِي الأصل.
(8) لأنه يدخُل فِيهِ كُلّ شيء فيعظم الغرر. الشرح الكبير 5/ 240.
(9) في الأصل بالياء: ((اشتري)).
(10) قَالَ في المقنع: 129: ((وَعَنْهُ - أي الإِمَام أحمد - مَا يدل عَلَى أنه يصح)).
(11) قَالَ الْقَاضِي: ((إذَا ذكر النَّوع لَمْ يحتج إلى ذكر الثمن)) انظر: الشرح الكبير: 5/ 241.(1/279)
قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وبَيْنَكَ. إنَّهُ جَائِزٌ وأعْجَبَهُ وَهَذَا نَوْعُ تَوْكِيْلٍ في كُلِّ شَيْءٍ (1)، فإنْ وَكَّلَهُ في الْخُصُومَةِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلاً في القَبْضِ، وإنْ وَكَّلَهُ في القَبْضِ كَانَ وَكِيلاً في الْخُصُومَةِ إن امْتَنَعَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ تَقْبِيْضِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَكُونَ لَهُ الْخُصُومَة (2)، فإنْ وَكَّلَهُ في بَيْعِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيْمَهُ وَلَمْ يَمْلِكْ قَبْضَ ثَمَنِهِ والإبْرَاءَ مِنْهُ، فإنْ تَعَذّرَ قَبْضُ الثَّمَنِ مِنَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَلْزَمِ الوَكِيْلَ شَيءٌ فإنْ قَالَ لَهُ: اقْبِضْ حَقِّي مِنْ زَيْدٍ فَمَاتَ زَيْدٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ القَبْضُ مِنْ وَارِثِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: اقْبِضْ حَقِّي الِّذي قَبِلَ زَيْدٍ فَمَاتَ زَيْدٌ كَانَ لَهُ القَبْضُ مِنْ وَارِثِهِ، والوَكَالَةُ: عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَينِ فَلِلْوَكِيْلِ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ، وَللْمُوَكِّلِ عَزْلُ الوَكِيلِ مَتَى أَرَادَ فَإِنْ عَزَلَهُ أو مَاتَ الْمُوَكِّلُ وَلَمْ يَعْلَمِ الوَكِيْلُ يُعزَلُ في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ (3)، ولا يَنْعَزِلُ في الأُخْرَى وَيَنْفُذُ تصَرْفهِ إلى أن يعلمَ بالعَزْلِ أو الْمَوتِ (4)، وتَبْطُلُ الوَكَالةُ بِالْموتِ وَالْجُنُونِ والْحَجْرِ بالسَّفَهِ، ولا تَبْطُلُ بالإغْمَاءِ والسُّكْرِ والنَّوْمِ والتَّعَدِّي فِيْمَا وَكَّلَهُ، وَهَلْ تَبْطُلُ بالرِّدَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ (5). وَإِذَا وَكَّلَ عَبْدَهُ في شَيءٍ ثُمَّ أعْتَقَهُ لَمْ يُعْزَلْ في أحد (6) الوَجْهَينْ (7)، ويَنْعَزِلُ
/173 و/ في العَقْدِ وحُقُوقِ العَقْدِ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ، والضَّمَانِ بالعَيْبِ، وضَمَانِ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ تَتَعَلَّقُ بالْمُوَكِّلِ دُوْنَ الوَكِيلِ، وَكَذَلِكَ الْمِلْكُ يَنْتَقِلُ مِنَ البَائِعِ إلى الْمُوَكِّلِ لا إلى الوَكِيلِ فعلى هَذَا لَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيّاً في شِرَاءِ خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ لَمْ يَصِحِّ الشِّرَاءُ، ولا يَصِحُّ إقْرَارُ الوَكِيْلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ إلاَّ بإذْنِهِ.
بَابُ اخْتِلافِ الوَكِيْلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ وغَيْرِهِ
الوَكِيلُ أمِيْنُ الْمُوَكِّلِ فَمَهْمَا تَلِفَ في يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُوَكَّلِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيْطٍ فَلا يَلْزَمُهُ ضَمانُهُ، والقَوْلُ في التَّفْرِيطِ، وَفِي نَفْيِ الضَّمَانِ قَولُهُ مَعَ يَمينِهِ، وَكَذَلِكَ القَوْلُ قولُهُ في رَدِّ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ مُتَطوِّعاً، وإنْ كَانَ بِجُعْلٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (8)، أَحَدِهِمَا: لا
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 5/ 241.
(2) انظر: المقنع: 129، والشرح الكبير 5/ 243.
(3) وَهِيَ ظَاهِر كَلام الخِرَقِي، وَهِيَ اختِيَارُ الشَريِفِ، وابنُ عقيل. انظر: المغني 5/ 242، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 530.
(4) نقلها عَنْهُ ابن منصور، وجعفر بن مُحَمَّد، وأبو الحارث. انظر: المغني 4/ 243، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 530.
(5) انظر: المقنع: 128، والشرح الكبير 5/ 214.
(6) فِي الأصل: ((إحدى)).
(7) انظر: الشرح الكبير 5/ 215.
(8) انظر: المغني 5/ 223، والهادي: 113.(1/280)
يُقْبَلُ قَوْلُهُ، والثَّانِي: القَوْلُ قَوْلُهُ كَالْوَصِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ في الْمُرْتَهَنِ (1) والأجِيْرِ إذَا ادْعَيَا الرَّدَّ فإنْ جَحَدَ الوَكِيْلُ الْمَالَ فَقَالَ: لَمْ يَدْفَعْ إلِيَّ شَيْئاً، ثُمَّ أقَرَّ أو مَا ثبت ببينة بالدَّفْعِ إِليهِ فادَّعَا بَعْدَ ذَلِكَ أنَّهُ تَلِفَ في يَدِهِ أو رَدَّهُ لَمْ يُقْبَلْ قَولُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ فإنْ قَامَتْ بِبَيِّنَةٍ لِلْوَكِيلِ بِما ادَّعَاهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ في أحَدِ الوَجْهَينِ، وَفِي الآخَرِ تُقْبَلُ البَيِّنَةُ ويَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ، فإنْ كَانَتْ بِحَالِهَا وَكَانَ جُحُودُ الوَكِيلِ: أنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ عليَّ شَيْئاً فَالْقَولُ قَوْلُهُ في الرَّدِّ والتَّلَفِ، فإنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الوَكِيلُ: بِعْتُ الثَّوْبَ وقَبِضْتُ الثَّمَنَ وتَلِفَ، وَقَالَ الموكْلُ (2): لَمْ تَبِعْ (3) وَلَمْ يَقْبِضْ، فالقَوْلُ قَوْلُ الوَكِيْلِ ذَكَرَهُ ابنُ حَامِدٍ، فإنْ قَالَ الوَكِيلُ: أذِنْتُ لي في الْمَبِيْعِ نَسْأً، أو أذِنْتَ لِي أنْ أشْتَرِيَ بِعَشْرَةٍ، فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: بَلْ أذِنْتُ لَكَ في البَيْعِ نَقْداً أو أذنْتُ في الشِّرَاءِ بِخَمْسَةٍ، فالقَوْلُ قَوْلُ الوَكِيلِ نَصَّ عَلَيْهِ في الْمُضَارَبَةِ، وَقَالَ شَيْخُنا: القَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ (4)، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا في أجَلِ الوَكَالَةِ، فإنْ وَكَّلَهُ في قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ في غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَمْ يَشْهَدْ وأنكَرَ الغَرِيمُ الوَكِيْلَ، فإنْ قَضَاهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ فأنْكَرَ الوَكِيْلُ لَمْ يضمنْ، فإنْ وَكَّلَهُ في الإيْدَاعِ فأوْدَعَ، وَلَمْ يَشْهَدْ لَمْ يضمنْ سَوَاء كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ أو في غَيْبَتِهِ، فإنْ وَكَّلَهُ في قَبْضِ الوَدِيْعَةِ اليَوْمَ ومَضَى اليَوْمُ وَلَمْ يَقْبِضْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهَا في الغَدِ، فإنْ قَالَ: وَكَّلْتَنِي أنْ أتَزَوَّجَ لَكَ فُلاَنَةً فَفَعَلْتُ، وادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا وَكَّلْتُكَ. فالْقَوْلُ قَولُهُ أنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ مِنْ غَيْرِ يَميْنٍ (5) نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ أبِي طَالِبٍ / 174 ظ / (6).
وَإِذَا ثَبَتَ أنَّهُ لا يقبلُ قولهُ عَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُ الوَكِيْلَ نِصْفُ الصِّدَاقِ أمْ لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7)؛ وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لإنْسَانٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فادَّعَى أنَّهُ وَكِيْلُ ذَلِكَ الإنْسَانِ، فإنْ أنْكَرَهُ لَمْ يَسْتَحْلِفْ، وإنْ صَدَّقَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ دَفْعِ الْحَقِّ إِليهِ، وبَيْنَ تَرْكِ الدَّفْعِ فإنْ دَفَعَ إِليهِ، وجاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ فأنْكَرَ الوَكَالَةَ وحَلَفَ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ إنْ كَانَ الْحَقُّ دَيْناً، وإنْ كَانَ عَيْناً وَدَفَعَها إِليهِ وتَلِفَتْ فِي يَدِ الوَكِيلِ فَلَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنَ الوَكِيلِ والدَّافِعُ إِليهِ، وأيَّهُمَا ضمن لَمْ يرْجعْ عَلَى الآخَرِ، فإنْ كَانَتْ بِحَالِهَا فَجَاء رَجُلٌ فادَّعَى أنَّ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 5/ 250.
(2) فِي الأصل: ((الوكيل)) ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(3) في الأصل: ((تبع تبع)). والصَّوَاب مَا أثبت إن شاء الله.
(4) قَالَ الْقَاضِي: ((لا يقبل قَوْل المرتهن والمستأجر والمضارب في الرد؛ لأن أحمد نص عَلَيْهِ في المضارب في رواية ابن منصور)). المغني 5/ 223.
(5) قَالَ القاضي: لأن الوكيل يدعي حقاً لغيره. الشرح الكبير 5/ 255.
(6) انظر: الشرح الكبير 5/ 255.
(7) نقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد: أن الوكيل يلزمه نصف الصداق. الشرح الكبير 5/ 255.(1/281)
صَاحِبَ الْحَقِّ مَاتَ وأَنَّ هُوَ (1) وارِثُهُ، فإنْ كَذَّبَهُ حَلَفَ أنَّهُ لاَ يَعْلَمُ فلاناً ماتَ، وأنا (2) وارِثُهُ وإنْ صَدَّقَهُ لَزِمَ تَسْلِيْم الْحَقِّ إِليهِ، فإنْ جَاءَ رَجُلٌ فادَّعَى أنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أحَالَهُ بالْحَقِّ عَلَيْهِ فَصَدَّقَهُ فَهَلْ يَلْزَمُ الدَّفْعَ إِليهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3)، وإنْ كَذَّبَهُ خَرَجَ وُجُوبُ اليَمِيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ، وإنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ مَعَ الإقْرَارِ لَزِمَهُ اليَمِيْنُ مَعَ الإنْكَارِ وإن قُلْنَا: لاَ يلزمه الدفع مَعَ الإقرار فَلاَ يمين عَلَيْهِ مَعَ الإنكار، فَإنْ قَالَ لَهُ: وَكَّلْتُكَ في أنْ تَبِيْعَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةِ فَمَا زَادَ فَهُوَ لَكَ. صَحَّت الوَكَالَةُ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ جَعَلَ لَهُ جُعْلاً مَعْلُوماً.
كِتَابُ الشِّرْكَةِ (4)
والشِّرْكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: شِرْكَةُ أمْلاكٍ، وشِرْكَةُ عُقُودٍ. فَشِرْكَةُ الأمْلاكِ تَحْصُلُ بِفِعْلِهِمَا في مِلْكٍ مُعَيَّنٍ مِثل أنْ يَشْتَرِيا أو يُوهَبُ لَهُمَا فَيَقْبَلا، أو بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا مِثل أنْ يَرِثَا فكُل واحِدٍ مِنْهُمَا في نَصِيبِ شَرِيْكِهِ كالأجْنَبِيِّ لا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلاَّ بإذْنِهِ، فإنْ تَصَرَّفَ بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو رَهَنٍ نَفَذَ في حِصَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، فأمَّا شِرْكَةُ العُقُودِ فَلا يَصِحُّ إلاَّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَهِيَ عَلَى خَمْسَةِ أضْرُبٍ:
- شِرْكَةُ عِنَانٍ.
- وشِرْكَةُ وُجُوهٍ.
- وشِرْكَةُ أبدَانٍ.
- وشِرْكَةُ مُفَاوَضَةٍ.
- وشِرْكَةُ مُضَارَبَةٍ.
فأمَّا شِرْكَةُ العِنَانِ (5) فَيَتَعَهَّدُ عَلَى الْمَالِ والوَكَالَةِ فَتَنْعَقِدُ عَلَى مَالَيْهِمَا وعَمَلِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في الْمَالَيْنِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي حِصَّتِهِ، وبِحُكْمِ الوَكَالَةِ في حِصَّةِ شَرِيْكِهِ، ولا تَصِحُّ إلا في جِنْسِ الأثمَانِ وَسَواءٌ اتَّفَقَ الْمَالانِ أو اخْتَلَفَا / 175 و/ في الْجِنْسِ والصِّفَةِ فأَخْرَجَ أحَدُهَمَا دَرَاهِمَ والآخَرُ دَنَانِيْرَ، أو أَحَدُهُمَا قُرَاضَةً والآخَرُ صِحاحاً جَازَ في إحْدَى
__________
(1) هكذا في الأصل، وَفِي دليل الطَّالِب 1/ 135: ((وأنه هُوَ)).
(2) في الأصل: ((وابل)) كَذَا.
(3) انظر: المقنع: 130، والشرح الكبير 5/ 263.
(4) في ضبطها اللغوي لغات أشهرها ثلاثة هِيَ: شركة بكسر الشين وسكون الراء، وشركة: بفتح فسكون، وشركة: بفتح فكسر. انظر: الصحاح 4/ 1593، ولسان العرب 10/ 448 (شرك).
(5) هِيَ بكسر العين وتخفيف النون، مأخوذ من عنان الدابة، وَهُوَ مَا تقاد بِهِ، فكأن كُلّ واحد من الشريكين أخذ بعنان صاحبه. الصحاح 6/ 2166، ولسان العرب 13/ 290 (عنن).(1/282)
الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأخْرَى يَصِحُّ في العرُوضِ أَيْضَاً (1)، ويَجْعَلُ رَأْسَ الْمَالِ قِيْمَتَها وَقْتَ العَقْدِ وتَصِحُّ وإنْ لَمْ يَخْلُطَا الْمَالَيْنِ، وما يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِهِ بَعْدَ عَقْدِ الشِّرْكَةِ فَهُوَ لَهُ ولِشَرِيْكِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَلِفَ أحَدُ الْمَالَيْنِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِمَا، والرِّبْحُ فِيْهِمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ، والوَضِيْعَةُ (2) عَلَى قَدْرِ الْمَالِ، فإنْ شَرَطَا التَّسَاوِيَ في الوَضِيْعَةِ مَعَ التَّفَاضُلِ في الْمَالِ، فالشَّرْطُ بَاطِلٌ والعَقْدُ صَحِيْحٌ، وَكَذَلِكَ جَمِيْعُ الشُّرُوطِ الفَاسِدَةِ لا تُبْطِلُ العَقْدَ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قِيَاسِ البَيْعِ والْمُزَارَعةِ بُطْلانُ الشِّرْكَةِ بِذَلِكَ، وما يُوجَدُ فِيْهِمَا منْ رِبْحٍ يُقَسَّمُ عَلَى قَدَرِ الْمَالَيْنِ، ويَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ بأُجْرَةِ عَمَلِهِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (3)، وَفِي الآخَرِ لاَ يَرْجِعُ، وَيَجُوزُ لِكُلِ واحِدٍ مِنَ شَرِيكَي العِنَانِ أَنْ يَبِيْعَ ويَشْتَرِيَ ويَقْبِضَ ويُطَالِبَ بِالدَّيْنِ ويُخَاصِمَ فِيْهِ ويَحِيْلَ ويَحْتَالَ ويَرُدَّ بِالعَيْبِ ويَفْعلَ كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِ تِجَارَتِهِمَا بِمُطْلَقِ الشِّرْكَةِ، ولاَ يَجُوْزُ لأَحَدِهِمَا أَنْ يُكَاتِبَ ولا يَعْتِقَ عَلَى مَالٍ ولا يَتَزوَجَ الرَّقِيْقَ ولا يَهَبَ ولا يُقْرِضَ ولا يُحَابِيَ ولا يُضَارِبَ بِمَالِ الشِّرْكَةِ ولا يَأخُذَ بِهِ سُفْتَجَةً (4)، ولاَ يُعْطِيَ سُفْتَجَةً إلاَّ بِإِذْنِ شَرِيْكِهِ، وهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُوْدِعَ أَوْ يُسَافِرَ بالمَالِ أو يَبِيْعَ نَسأً أو يُبَضِّعَ أَو يُوَكِّلَ فِيْمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ أو يَرْهَنَ أو يُوْدِعَ أو يَرْتَهِنَ أو يُقَايِلَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (5): أَحَدُهُمَا: لا يَجُوزُ، والآخَرُ: يَجُوزُ، فَإِنْ أَبْرَأَ أَحدُهُمَا لَزِمَ في حَقِّهِ، وكَذلِكَ إنْ أَقَرَّ بِمَالٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا في " الخِصَالِ " (6): يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى مَالِ الشِّرْكَةِ (7)، فَإِنْ أَقَرَّ بِعَيْبٍ في عَيْنٍ بَاعَهَا مِنْ مَالِ الشِّرْكَةِ قَبْلَ إِقْرَارِهِ عَلَى شَرِيْكِهِ، وكَذلِكَ يُقْبَلُ إِقْرَارُ الوَكِيْلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بالعَيْبِ، نَصَّ عَلَيْهِ (8)، وَلَيْسَ لَهُ أنْ يَسْتَدِيْنَ عَلَى مَالِ الشِّرْكَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ في ضَمَانِهِ، ورِبْحُهُ لَهُ إلاَّ أَنْ يَأْذَنَ الشَّرِيْكُ فَيَكْون الدَّيْنَ في ضَمَانهما، ورِبْحُهُ لَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ (9)، فَإِنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنَ الدَّيْنِ جَازَ، فَإِنْ صَارَ
__________
(1) انظر: المغني 5/ 125، والمقنع: 130، والمحرر 1/ 353، ونقل عدم الجواز أبو طالب وحرب. انظر: المغني 5/ 124.
(2) يعني الخسران في الشركة عَلَى كُلّ واحد مِنْهُمَا بقدر ماله فإن كَانَ مالهما متساوياً في القدر فالخسران بَيْنَهُمَا نصفين. المغني 5/ 147، وانظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 520.
(3) انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 520.
(4) السفتجة: هِيَ أن يعطي آخر مالاً، وللآخر مال في بلد العطى، فيوفيه إياه هناك، فيستفيد أمن الطريق. انظر: الشرح الكبير 5/ 121، والمعجم الوسيط: 432.
(5) انظر: المقنع: 131، والهادي: 115، والشرح الكبير 5/ 122.
(6) ذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 2/ 176.
(7) انظر: المقنع: 131، والهادي: 115.
(8) المغني 5/ 131.
(9) نص عَلَى ذَلِكَ في رِوَايَة صالح. وَقَالَ الْقَاضِي: إذا استقرض شيئاً لزمهما ربحه لهما؛ لأنه تمليك مال بمال فهو كالصرف. انظر: المغني 5/ 130.(1/283)
مَالُهُمَا دَيْناً فَيُقَاسِمَاهُ في الذِّمَمِ لَمْ يَصِحَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1) /176ظ/، والأُخْرَى: يصِحُّ (2). وأَيُّهُمَا عَزَلَ صَاحِبَهُ عَنِ التَّصَرُّفِ انْعَزَلَ.
والضَّرْبُ الثَّانِي: شِرْكَةُ الوُجُوهِ (3): وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا في رِبْحِ مَا يَشْتَرِيَانِ في ذِمَّتِهِمَا بِجَاهِهِمَا، وثِقَةِ التُّجَّارِ بِهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا رَأْسُ مَالٍ، فَهِيَ شِرْكَةٌ صَحِيْحَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وكَيْلاً لِصَاحِبِهِ فِيْمَا يَشْتَرِيْهِ ويَبِيْعُهُ كَفِيْلاً عَنْهُ بالثَّمَنِ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَا المُشْتَرِي، أَو يَقُوْل كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: مَا اشْتَرَيْتُ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا. وكَيْفَ شَرَطَا وُقُوعَ المُشْتَرِي بَيْنَهُمَا جَازَ، فَإِذَا بَاعَا ووَفَّيَا مَا عَلَيْهِمَا قَسَّمَا الرِّبْحَ عَلَى مَا شَرَطَاهُ مِنْ مُسَاوَاةٍ أو تَفْضِيْلٍ، والوَضِيْعَةُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا في المُشْتَرَى في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (4)، وَفِي الآخَرِ: الرِّبْحُ والوَضِيْعَةُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا في المُشْتَرَى، وهُمَا في جَمِيْعِ التَّصَرُّفَاتِ بِمَنْزِلَةِ شَرِيْكَي العِنَانِ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: شِرْكَةُ الأَبْدَانِ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيْمَا يَكْتَسِبَانِ بِأَبْدَانِهِمَا فَهِيَ شِرْكَةٌ صَحِيْحَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الأَعْمَالِ يَصِيْرُ في ضَمَانِهِ وَضَمَانِ شَرِيْكِهِ يُطَالِبُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ويَلْزَمُهُ عَمَلُهُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنَائِعِ، فَأَمَّا مَعَ اخْتِلاَفِهَا فَلاَ أَعْرِفُ نَصّاً عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - في ذَلِكَ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَهِيَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا (5)، ويُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يَصِحَّ، وَهُوَ الأَقْوَى عِنْدِي، والرِّبْحُ فِيْهِمَا عَلَى مَا شْرَطَاهُ، فَإِنْ مرض أحدهما وعمل الآخر فالكسب بَيْنَهُمَا فإن طَالَبَ الصَّحِيْحُ المَرِيْضَ أَنْ يُقِيْمَ مَقَامَهُ مِنْ يَعْمَلُ فَلَهُ ذَلِكَ، وتَصِحُّ الشِّرْكَةُ في الاحْتِشَاشِ والاحْتِطَابِ والاصْطِيَادِ والثِّمَارِ المَأْخُوذَةِ مِنَ الجِبَالِ، وَفِي التَّلْصِيْصِ عَلَى دَارِ الحَرْبِ، وَفِي سَائِرِ المُبَاحَاتِ، فَإِنْ اشْتَرَكَ رَجُلاَنِ لأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وللآخَرِ حِمَارٌ عَلَى أَنْ يَحْمِلاَ عَلَيْهِمَا، فَمَا أَخَذَا مِنَ الأُجْرَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نصفان فإن أجراهما فِي حمل شيء معلوم وأخذا الأجرة فالشركة باطلة
__________
(1) نقله عنه حنبل. انظر: الشرح الكبير 5/ 124.
(2) نقلها عنه حرب. انظر: المغني 5/ 124.
(3) اختلف في تفسيرها، فقال الخرقي: وهو أن يشترك اثنان بمال غيرهما، وقال القاضي: معناها أن يدفع واحد ماله إلى اثنين مضاربة فيكون المضاربان شريكين في الربح بمال غيرهما؛ لأنهما إذا أَخذا المال بجاههما لَمْ يكونا مشتركين بملك غيرهما. انظر: المغني 5/ 122، والشرح الكبير 5/ 183 - 184، وشرح الزركشي 2/ 518.
(4) انظر: الهادي: 115، والمقنع: 134 والشرح الكبير 5/ 185، وكشاف القناع 3/ 517. ولم يذكر أحد الوجه الثَّانِي.
(5) انظر: المغني 5/ 113، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 516.
وقال الزركشي في شرحه: ((وإطلاق الخرقي يشمل مَا لو اختلفت الصنائع، وهو أحد الوجهين)).(1/284)
وتقسم الأجرة بَيْنَهُمَا عَلَى مِثْلِ أُجْرَةِ البَغْلِ والحِمَارِ، فَإِنْ يَقْبَلاَ حَمْلَ شَيءٍ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ في الذِّمَّةِ فَحَمَلاَهُ عَلَى البَغْلِ والحِمَارِ فَالشِّرْكَةُ صَحِيْحَةٌ والأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ.
والضَّرْبُ الرَّابِعُ: شِرْكَةُ المُفَاوَضَةِ، وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفَوِّضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلى صَاحِبِهِ الشِّرَاءَ والبَيْعَ /177 و/ والمُعَاوَضَةَ والتَّوْكِيْلَ والابْتِيَاعَ في الذِّمَّةِ والمُسَافَرَةِ بالمَالِ والمُضَارَبَةِ والارْتِهَانِ وضَمَانِ مَا يُرَى مِنَ الأَعْمَالِ، فَهذِهِ شِرْكَةٌ صَحِيْحَةٌ؛ لأَنَّهَا لاَ تَخْرُجُ عَنْ شِرْكَةِ العِنَانِ والوُجُوهِ والأَبْدَانِ، وكُلُّهَا قَدْ نَصَّ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - عَلَى جَوَازِهَا، والرِّبْحُ فِيْهَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ، والوَضِيْعَةُ عَلَى قَدَرِ المَالِ.
والضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَدْخُلاَ في الشِّرْكَةِ المَذْكُوْرَةِ مَا يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَصْبٍ أَو بَيْعٍ فَاسِدٍ أَو ضَمَانِ مَالٍ أَو أَرْشِ جِنَايَةٍ، وأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَا يَجِدَانِ مِنْ لُقْطَةٍ أَو كَازٍ ومَا يَحْصُلُ لَهُمَا بالمِيْرَاثِ، فَهَذِهِ شِرْكَةٌ بَاطِلَةٌ، ولِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحُ مَالِهِ وأُجْرَةُ عَمَلِهِ ومَا يَجِدُهُ أَو يَرِثُهُ، ويَخْتَصُّ بِضَمَانِ مَا غَصَبَهُ أو جَنَاهُ أَو ضَمَنَهُ عَنِ الغَيْرِ.
والضَّرْبُ الخَامِسُ: المُضَارَبَةُ، وَهِيَ تَلِي هَذَا.
بَابُ المُضَارَبَةِ (1)
المُضَارَبَةُ: عَقْدٌ جَائِزٌ، وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الإِنْسَانُ مَالَهُ إلى آخَرَ يَتَّجِرُ فِيهِ، والرِّبْحُ بَيْنَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ المَالِ بِمَالِهِ والمُضَارِبُ بِعَمَلِهِ، ومَبْنَاهَا عَلَى الأَمَانَةِ والوَكَالَةِ؛ لأَنَّهُ يَدْفَعُ المَالَ إلى المُضَارِبِ ائْتَمَنَهُ وبَأْذَنِهِ لَهُ أَنْ يَبِيْعَ وَيَشْتَرِيَ وَكَّلَهُ، فَإِذَا ظَهَرَ الرِّبْحُ صَارَ شَرِيْكَهُ فِيهِ؛ لأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ جُزْءً، فَإِنْ فَسَدَتِ المُضَارَبَةُ صَارَتْ إِجَارَةً يَسْتَحِقُّ المُضَارِبُ فِيهَا أُجْرَةُ المِثْلِ، فَإِنْ خَالَفَ المُضَارِبَ صَارَ غَاصِباً لِتَعَدِّيْهِ، ولاَ تَصِحُّ المُضَارَبَةُ إِلاَّ بالدَّنَانِيْرِ والدَّنَانِيْرِ (2) فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا لاَ تَصِحُّ بالمَغْشُوشِ مِنْها ولاَ بالفُلُوسِ فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ: تَصِحُّ إِذَا كَانَتْ نَافِقةً (3)، وَفِي الأُخْرَى: تَصِحُّ المُضَارَبَةُ
__________
(1) ضربت في الأرض: أبتغي الخير من الرزق، وَقَالَ الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} النساء: 101، وَتُسَمَّى المضاربة بالقراض أيضاً، وَقِيلَ: هُوَ مشتق من القطع، يقال: قرض الفأر الثوب: إذا قطعه، وقيل: اشتقاقه من المساواة والموازنة، يقال: تقارض الشاعران: إذا وازن كُلّ واحد منهما الآخر بشعره. انظر: المغني 5/ 134 - 135، والصحاح 1/ 168، وتاج العروس 3/ 239.
(2) كَذَا في الأصل.
(3) انظر: الشرح الكبير 5/ 113.(1/285)
بالعُرُوضِ عَلَى أَنْ يَقُومَ حَالُ الرِّبْحِ أو يَعْقِدَ فِيْهَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ مِنْ مُسَاوَاةٍ أَو تَفَاضُلٍ، والوَضِيْعَةُ عَلَى المَالِ خَاصَّةً، ولاَ يَصِحُّ إلاَّ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنَ الرِّبْحِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا مِقْدَارَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا صَرِيْحاً بَلْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً والرِّبْحُ بَيْنَنَا جَازَ وكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى أَنَّ لَكَ ثُلُثَ الرِّبْحِ صَحَّ وَكَانَ البَاقِي لِرَبِّ المَالِ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى أَنَّ لِي ثُلُثَ الرِّبْحِ لَمْ يَصِحَّ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1)، وَفِي الآخَرِ يَصِحُّ،، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ واخْتَلَفَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثَيْنِ لِي فَهِيَ للعَامِلِ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ يُرَادُ لأَجْلِهِ /178 ظ/ ورَبُّ المَالِ يَأْخُذُ بِمَالِهِ لاَ بِالشَّرْطِ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ بالثُّلُثِ واخْتَلَفَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: المَشْرُوطُ لَكَ والبَاقِي لِي، فَالمَشْرُوطُ للمُضَارِبِ لِمَا بَيَّنَّا، وكَذلِكَ الحُكْمُ فِي المُسَاقَاةِ والمُزَارَعَةِ، فَإِنْ قَالَ: خُذِ المَالَ فَاتَّجِرْ بِهِ والرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَهُوَ إِبْضَاعٌ لاَ حَقَّ للعَامِلِ فِيهِ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ والرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ فَهُوَ قَرْضٌ لاَ حَقَّ لِرَبِّ المَالِ فِيهِ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً والرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ، أو الرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَهِيَ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ تَصَرَّفَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ ومَا يَرْبَحُهُ لِربِّ المَالِ، ولَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِفَسَادِ المُضَارَبَةِ، وتَصَرُّفُ المُضَارَبَ مِثْلُ أَنْ يُضَارِبَهُ ولاَ يَذْكُرُ الرِّبْحَ، أَوْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا جُزْءً مِنَ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ والثَّانِي بَيْنَهُمَا، أو يَشْتَرِطَ جُزْءً مِنَ الرِّبْحِ لأَجْنَبِي مِنَ العَقْدِ، أَو يَقُولَ: ضَارَبْتُكَ عَلَى أَنْ لَكَ جُزْءً مِنَ الرِّبْحِ مَجْهُولاً، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تَرْجِعُ إلى جَهَالَةِ الرِّبْحِ؛ فَإِنَّ المُضَارَبَةَ تَفْسُدُ والرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ المَالِ، وللمُضَارِبِ الأُجْرَةُ، فَإِنْ شَرَطَا مَا لاَ يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ، فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صَحِيْحٌ وفَاسِدٌ.
فالصَّحِيْحُ: أَنْ يُضَارِبَهُ عَلَى أَنْ لاَ يَتَّجِرَ إلاَّ في البَزِّ أَو البُرِّ، أو عَلَى أَنْ لا يَبِيْعَ ويَشْتَرِيَ إِلاَّ بِبَغْدَادَ، أَو لاَ يَبِيْعَ إلاَّ مِنْ فُلاَنٍ، أو لاَ يُسَافِرَ بِالمَالِ.
والفَاسِدُ: أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى المُضَارِبِ ضَمَانَ المَالِ ـ أَو سَهْمٍ مِنَ الوَضِيْعَةِ، أَو تَوْلِيَةَ مَا يَخْتَارُهُ مِنَ السِّلَعِ، أو أَنْ يُرْتَفَقَ (2) بالسِّلَعِ المُشْتَرَاةِ فَيَلْبَسَ الثَّوْبَ ويَرْكَبَ الدَّابَّةَ ويَسْتَخْدِمَ العَبْدَ، أَو يَشْتَرِطَ المُضَارِبُ عَلَى رَبِّ المَالِ أَنْ لاَ يُعَيِّنَ لَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، فَهَذِهِ شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ، وهَلْ تُبْطِلُ العَقْدَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3).
فَإِنْ شَرَطَا تَأْقِيْتَ المُضَارَبَةِ فَسَدَتْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأُخْرَى: لاَ تَفْسُدُ، فَإِنْ
__________
(1) انظر: المقنع: 132، والهادي: 116، والشرح الكبير 5/ 133.
(2) أي: الانتفاع والفائدة. انظر: اللسان 10/ 119، والمعجم الوسيط: 362 (رفق).
(3) انظر: المغني 5/ 185، والهادي: 116.
(4) انظر: المغني 5/ 185، والمقنع: 131.(1/286)
دَفَعَ إِلَيْهِ عُرُوضاً فَقَالَ: بِعْهَا وضَارِبْ بِثَمَنِهَا، أو اقْبِضْ وَدِيْعَتِي وضَارِبْ بِهَا، أو إِذَا قَدِمَ الحَاجُّ فَضَارِبْ بِهَذِهِ الأَلْفِ صَحَّ العَقْدُ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ رَبُّ المَالِ مَعَهُ لَمْ يَصِحَّ العَقْدُ، فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ غُلاَمِ رَبِّ المَالِ مَعَهُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (1)، وعَلَى العَامِلِ أَنْ يَتَوَلى بِنَفْسِهِ مَا جَرَتِ العَادَةُ بِهِ أَنْ يَتَوَلاَّهُ مِنْ نَشْرِ الثَّوْبِ وطَيِّهِ وقَبْضِ / 179 و/ الثَّمَنِ واِنْتقَادِهِ وخَتْمِ الكِيْسِ وإِحْرَازِهِ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَالأُجْرَةُ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وأَمَّا مَا جَرَتِ العَادَةُ أَنْ يَسْتَنِيْبَ فِيهِ مِنْ حَمْلِ المَتَاعِ والنِّدَاءِ عَلَيْهِ فَلَهُ أنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَفْعَلُهُ مِنْ مالِ المُضَارَبَةِ، فَإِنْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الأُجْرَةَ، فهَلْ لَهُ ذَلِكَ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2)، وكُلُّ مَا جَازَ لأَحَدِ الشَّرِيْكَيْنِ فِعْلُهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الشِّرْكَةِ جَازَ للمُضَارِبِ فِعْلُهُ بِمُطْلَقِ المُضَارَبَةِ، ومَا لَيْسَ للشَّرِيْكِ فِعْلُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيْكِهِ، فَلَيْسَ للمُضَارِبِ فِعْلُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ رَبِّ المَالِ، فَإِنْ تَعَدَّ المُضَارِبُ بِفِعْلِ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ وخَالَفَ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ المَالِ إِنْ تَلِفَ، فَإِنْ تَصَرَّفَ وظَهَرَ في المَالِ رِبْحٌ فَهُوَ لِرَبِّ المَالِ، وهَلْ يَسْتَحِقُّ المُضَارِبُ الأُجْرَةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: لاَ أُجْرَةَ لَهُ. والثَّانِيَةُ: لَهُ الأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ المِثْلِ (3)، أو مَا شَرَطَهُ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ، ونَقَلَ حَنْبَلٌ: إِذَا خَالَفَ ورَبَحَ لَمْ يَكُن الرِّبْحُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ويَتَصَدَّقَانِ بالرِّبْحِ (4)، فَإِنِ اشْتَرَى المُضَارِبُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ المَالِ صَحَّ الشِّرَاءُ وعَتَقَ، ويَلْزَمُ المُضَارِبَ الضَّمانُ، وَفِي قَدَرِهِ رِوَايَتَانِ (5):
أحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ الذي اشْتَرَاهُ بِهِ (6).
والثَّانِيةُ: القِيْمَةُ (7)، وسَوَاءٌ عَلِمَ أَو لَمْ يَعْلَمْ عَلَى ظَاهِرِ كَلاَمِهِ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. وَقَالَ أبو بَكْر: يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إِنْ كَانَ عَالِماً بِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِذَلِكَ فَلا
__________
(1) نقل الجواز عن القاضي فقال: لأن يد الغلام كيد سيده. وقال صاحب الشرح الكبير 5/ 142: ((وقال
أبو الخطاب: فيه وجهان)).
(2) انظر: المغني 5/ 167، والهادي: 117.
(3) نقل عبد الله عن الإمام أحمد أنه قال: الربح لربِّ المال إذا خالف إلاّ أن الضارب أعجب إليَّ أن يعطي بقدر مَا عمل)). مسائله 3/ 947. قال ابن مفلح: ((إذا فسدت المضاربة فالربح لربِّ المال، وقال القاضي: هَذَا هو المذهب، وللعامل أجرة مثله، نص عليه)). المبدع 5/ 21، وقال الماوردي: هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. الإنصاف 5/ 429، وانظر: المغني 5/ 165.
(4) قال أبو بكر: لم يرو عنه أنه يتصدق بالربح إلا حنبل، وقال القاضي: قول أحمد يتصدقان بالربح عَلَى سبيل الورع. انظر: المغني 5/ 165 - 166.
(5) وجعلهما ابن قدامة عَلَى وجهين. المغني 5/ 156.
(6) لأن التفريط منه حصل بالشراء وبذل الثمن فيما يتلف بالشراء. المغني 5/ 156.
(7) لأن الملك ثبت فِيهِ، ثم تلف فأشبه مَا لَوْ أتلفه بفعله. المغني 5/ 165.(1/287)
شَيءَ عَلَيْهِ (1)، وكَذلِكَ الحُكْمُ في المَأْذُونِ إِذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى السَّيِّدِ، وكَذلِكَ إِنِ اشْتَرَى زَوْجَةَ رَبِّ المَالِ صَحَّ الشِّرَاءُ وانْفَسَخَ النِّكَاحُ، فَإِنِ اشْتَرَى المُضَارِبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ صَحَّ الشِّرَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ في المالِ رِبْحٌ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ في المَالِ رِبْحٌ فهَلْ يَعْتِقُ؟ ينَبْنِي عَلَى العَامِلِ هَلْ يَمْلُكُ الرِّبْحَ بالظُّهُورِ أو بالقِسْمَةِ؟ وفِيْهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَمْلِكُ بالظُّهُورِ (2)، ويُجْزِئُ في حَقِّ الزَّكَاةِ، فَعَلَى هذِهِ الرِّوَايَةِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ.
والرِّوَايَةُ الأُخْرَى: لاَ يُمَلَّكُ إِلاَّ بِالقِسْمَةِ، فَعَلَى هذِهِ لاَ يُعْتَقُ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ يُعْتَقُ (3)، وإِنْ قُلْنَا قَدْ مَلَكَ. / 180 ظ / لأنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٌّ، وَلَيْسَ للمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ لِرَجُلٍ آخَرَ إِذَا كَانَ في ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الأَوَّلِ، فَإِنْ فَعَلَ وَرَبَحَ رَدَّهُ في شِرْكَةِ الأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ المَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ المُضَارَبَةِ شَيْئاً في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، والأُخْرَى: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وكَذلِكَ الحُكْمِ في السَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ المَأْذُونِ.
فَأَمَّا أَحَدُ الشَّرِيْكَيْنِ إِذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِ الشِّرْكَةِ بَطَلَ في مِقْدَارِ حَقِّهِ، وهَلْ يَصِحُّ في حِصَّةِ شَرِيْكِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (5) في تَفْرِيْقِ الصَّفْقَةِ. ويَتَخَرَّجُ عَلَى المُضَارَبَةِ: أَنْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ في الجَمِيْعِ، ويَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ السَّيِّدُ مِنْ مُكَاتِبِهِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، ونَفَقَةُ المُضَارِبِ في مَالِ نَفْسِهِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى صَاحِبِ المَالِ، وسَوَاءٌ كَانَ حَاضِراً أَو مُسَافِراً، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ ذَلِكَ وأَطْلَقَ وَلَمْ يُقَدِّرْ فَلَهُ جَمِيْعُ نَفَقَتِهِ مِنْ مَأْكُولٍ ومَلْبُوسٍ بالمَعْرُوفِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في ذَلِكَ رَجَعَ القُوتُ إِلى الإِطْعَامِ في الكَفَّارَةِ، وَفِي الكِسْوَةِ إلى أَقَلِّ مَلْبُوسٍ مِثْلِهِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَتَسَرَّى مِنْ مَالِ المُضَارَبَةِ فَاشْتَرَى أَمَةً خَرَّجَ الثَّمَنَ عَلَى المُضَارَبَةِ وصَارَ قَرْضاً في ذِمَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بنِ بخْتَانَ، وإِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفَيْنِ مُضَارَبَةً فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ القَبْضِ انْفَسَخَتْ فِيهِ المُضَارَبَةُ، وَكَانَ تَلَفُهُ مِنْ رَأْسِ المَالِ، فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ، مِثْلُ أنِ اشْتَرَى بِكُلِّ أَلْفٍ ثَوْباً فَتَلِفَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ كَانَ مِنَ الرِّبْحِ، وَلَمْ تَنْفَسِخِ المُضَارَبَةُ، فَإِنِ اشْتَرَى المُضَارِبُ سِلْعَةً في الذِّمَّةِ فَتَلِفَ مَالُ المُضَارَبَةِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ
__________
(1) انظر: المغني 5/ 165.
(2) قَالَ ابن قدامة في المغني 5/ 157 - 158: ((وإن قلنا: يملكه بالظهور ففيه وجهان: ... =
= أحدهما: لا يعتق، وهو قول أبي بكر؛ لأَنَّهُ لَمْ يتم ملكه عَلَيْهِ؛ لأن الربح وقاية لرأس المال فلم يعتق لِذلِكَ.
والثاني: يعتق بقدر حصته من الربح)).
(3) انظر: مَا سبق.
(4) انظر: المقنع: 132، والهادي: 117، والشرح الكبير 5/ 161.
(5) وجعلها ابن قدامة وجهين. انظر: المقنع: 133، والشرح الكبير 5/ 163.(1/288)
وبَعْدَ الشِّرَاءِ فَعَلَى رَبِّ المَالِ ثَمَنُ المُضَارَبَةِ بِحَالِهَا، وإِنْ تَلِفَ قَبْلَ الشِّرَاءِ انْفَسَخَتِ المُضَارَبَةُ ولَزِمَ العَامِلَ الثَّمَنُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: إِنْ أَجَازَ رَبُّ المَالِ الشِّرَاءَ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وإِنْ لَمْ يُجِزْه فَهُوَ عَلَى العَامِلِ.
وإِذَا اخْتَلَفَ المُتَقَارِضَانِ في المُشْتَرَى فَالقَوْلُ قَوْلُ العَامِلِ فِيْمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أو للمُضَارَبَةِ فِيْمَا يَدَّعِي مِنْ هَلاَكِ، ومَا يُدَّعَى عَلَيْهِ من جِنَايَةٍ، وكَذلِكَ القَوْلُ قَوْلُهُ /181 و/ في مِقْدَارِ رَأْسِ المَالِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في رَدِّ المَالِ فالمَنْصُوصُ أنَّ القَوْلَ قَوْلُ رَبِّ المَالِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ القَوْلُ قَوْلُ العَامِلِ عَلَى قِيَاسِ الوَصْيِ أنَّ القَوْلَ قَوْلُهُ في دَفْعِ المَالِ إلى اليَتِيْمِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في قَدَرِ الرِّبْحِ، فَالقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ المَالِ، وَعَنْهُ: أنَّ العَامِلَ إِنِ ادَّعَى قَدَرَ أُجْرَةِ المِثْلِ أَو زِيَادَةً بِمَا يَتَعَايَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا فَالقَوْلُ قَوْلُهُ، وإِنِ ادَّعَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ، فَإِنِ ادَّعَى العَامِلُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَبِيْعَ نَسِيْئاً وأَنْكَرَ رَبُّ المَالِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ العَامِلِ، وكَذلِكَ في جَمِيْعِ التَّصَرُّفَاتِ. فَإِنْ أَقَرَّ المُضَارِبُ أَنَّهُ رَبِحَ أَلْفاً، ثُمَّ قَالَ: غَلَطْتُ أَو أنسِيْتُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، ولِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ المُتَقَارِضَيْنِ فَسْخُ القِرَاضِ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أو جُنَّ انْفَسَخَ العَقْدُ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَسِخْ.
وإِذَا انْفَسَخَ القِرَاضُ والمَالُ عَرْضٌ، فَإِنْ رَضِيَ رَبُّ المَالِ أَنْ يَأْخُذَ بمَالِهِ عَرْضاً كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وإِنْ طَلَبَ البَيْعَ فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ القِرَاضُ بِحَالَهِ، والمَالُ عَرْضٌ وطَلَبَ العَامِلُ بَيْعَهُ وأَبَى رَبُّ المَالِ فَقَالَ في رِوَايَةِ مَنْصُورٍ: إِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ أُجْبِرَ صَاحِبُ المالِ عَلَى البَيْعِ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ لَمْ يُجْبَرْ، فَإِنْ كَانَ المَالُ دَيْناً لَزِمَ العَامِلُ أَنْ يَتَقَاضَاهُ سَوَاءٌ ظَهَرَ فِيهِ الرِّبْحُ أو لَمْ يَظْهَرْ، وكَذلِكَ الحُكْمُ إِذَا انْفَسَخَ القِرَاضُ والمالُ دَيْنٌ. وإِذَا قَارَضَ في المَرَضِ اعتُبِرَ الرِّبْحُ مِنْ رَأْسِ المَالِ، وإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ المِثْلِ، فَإِنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ قَدَّمَ حِصَّةَ العَامِلِ عَلَى سَائِرِ الغرماء، فَإِنْ مَاتَ المُضَارِبُ وَلَمْ تُعْرَف المُضَارَبَةُ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهَا تَصِيْرُ دَيْناً عَلَيْهِ، وكَذلِكَ الوَدِيْعَةُ، وكُلُّ مَنْ قُلْنَا القَوْلُ قَوْلُهُ فَلِخَصْمِهِ عَلَيْهِ اليَمِيْنُ.
بَابُ المُسَاقَاةِ والمُزَارَعَةِ
يَصِحُّ عَقْدُ المُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ والكَرْمِ وكُلِّ شَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ ببَعْضِ نَمَائِهِ، ولاَ يِصِحُّ أَنْ يَعْقِدَهَا إلاَّ مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ في المَالِ ويَنْعَقِدُ بِلَفْظِ المُسَاقَاةِ وبما يَقْتَضِي مَعْنَاهَا، ولاَ يَصِحُّ بِلَفْظِ الإِجَارَةِ ويُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ بِلَفْظِهَا (1)، ويَصِحُّ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ
__________
(1) وهو اختيار أبي بَكْر والخرقي. انظر: المغني 5/ 558، شرح الزركشي 2/ 568.(1/289)
/182 ظ/ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، والأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ (2)، واخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ هِيَ عَقْدٌ لاَزِمٌ أمْ جَائِزٌ؟ فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: هُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ (3) فَعَلَى هَذَا لا يَفْتَقِرُ إلى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، ويَنْفَسِخُ بِمَوْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ويَفْسَخُهُ لَهَا إِلاَّ أَنَّ الفَسْخَ إِنْ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وكَانَ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ المِثْلِ للعَامِلِ، وإِنْ كَانَ مِنَ العَامِلِ فَلاَ شَيءَ لَهُ، وإِنْ كَانَ الفَسْخُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ العَامِلُ حَقَّهُ مِنْها، وَقَالَ شَيْخُنا (4): هُوَ عَقْدٌ لاَزِمٌ فلاَ يَنْفَسِخُ بالمَوْتِ، وَلاَ بالفَسْخِ، ويَفْتَقِرُ إلى ضَرْبِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ تَكْمُلُ في مِثْلِهَا الثَّمَرَةُ، فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ أو نَخْلٍ أو وَدِي إلى مُدَّةٍ لا تُحْمَلُ فِيْهَا لَمْ يَصِحَّ، وهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (5)، وإِنْ كَانَ إِلَى مُدَّةٍ قَدْ تُحْمَلُ وَقَدْ لاَ تُحْمَلُ، فَهَلْ تَصِحُّ أَم لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فإن قُلْنَا لاَ يصح فهل يستحق الأجرة؟ يحتمل وَجْهَيْنِ (6). فَإِنْ مَاتَ العَامِلُ تَمَّمَ الوَارِثُ العَمَلَ، فَإِنْ أَبَى الوَارِثُ اسْتُؤْجِرَ مِنْ تَرِكَتِهِ مَنْ يَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ فَلِرَبِّ المَالِ أن يفسخ وَكَذَلِكَ الحكم إذا هرب العامل وَلَمْ يجد لَهُ مالاً وَلاَ من يستقرض عَلَيْهِ فلرب المال الفَسْخُ، فَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ العَامِلُ الثَّمَرَةَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (7)، فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ ظُهُورِهَا فهي بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَمِلَ فِيْهَا رَبُّ المَالِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ أو شَاهِدٍ رَجَعَ بِهِ، وإِنْ عَمَلَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ حَاكِمٍ أو أَشْهَادٍ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ ويَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْمِلَ، ويَكُونُ لَهُ جُزْءٌ مِنَ الثَّمَرِ مَعْلُومٌ صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، ولاَ تَصِحُّ المُسَاقَاةُ إلاَّ عَلَى قَرَاحٍ مَعْلُومٍ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ والثُّلُثِ، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ آصُعاً مَعْلُومَةً أَوْ نَخْلاَتٍ لَمْ يَصِحَّ ويُلْزِمُ العَامِلَ مَا فِيهِ صَلاَحُ الثَّمَرَةِ وزِيَادَتُهَا مِنْ إِصْلاَحِ الأَجَاجِيْنِ (8)، وتَنْقِيَةِ
__________
(1) انظر: المغني 5/ 558.
(2) وقد نص الإمام أحمد في رواية جَمَاعَة عَلَى جواز المساقاة بلفظ الإجارة. انظر: المقنع: 135، والمغني 5/ 565 والشرح الكبير 5/ 558.
(3) انظر: المغني 5/ 568 - 569.
(4) انظر: الهادي: 118.
(5) الأول: له أجرة مثله.
والثاني: لا شيء له؛ لأَنَّهُ رضي بالعمل بغير عوض فَهُوَ كالمتبرع. انظر: الشرح الكبير 5/ 567.
(6) انظر: المغني 5/ 579، والمقنع: 135، والشرح الكبير 5/ 567 - 568.
(7) الأول: له الأجر؛ لأَنَّهُ عمل بعوض لَمْ يصح لَهُ فكانت لَهُ الأجرة كَمَا لَوْ فسخ بغير عذر.
والثاني: لا شيء لَهُ؛ لأن الفسخ مستند إلى موته، ولا صنع لرب المال فيه.
انظر: المقنع: 135، والشرح الكبير 5/ 569 - 570.
(8) هي الحفر التي يُجمع فيها الماء على أصول النخلة وإدارة الدولاب. المغني 5/ 565، وانظر: المعجم الوسيط: 7، ومعجم متن اللغة 1/ 149 (أجن).(1/290)
السَّوَاقِي والسَّقْيِ والتَّلْقِيْحِ للنَّخْلِ وتَسْوِيَةِ الثَّمَرَةِ وحِفْظِهَا وإِصْلاَحِ الجَرِيْنِ (1)، ويَلْزَمُ رَبُّ المَالِ مَا فِيهِ حِفْظُ الأَصْلِ مِنْ سَدِّ الحِيْطَانِ وإِنْشَاءِ الأَنْهَارِ والدُّوْلاَبِ وشراءِ مَا يُديرُه والكِيْسِ الذي يُلَقَّحُ بِهِ النَّخْلُ، فأَمَّا الجُذَاذُ فَالمَنْصُوصُ أَنَّهُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدَرِ حَقهما، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى العَامِلِ صَحَّ ذِكْرُهُ في المُزَارَعَةِ /183 و/ أنَّ الحَصَادَ عَلَى العَامِلِ، والجُذَاذُ مِثْلُهُ (2) فإن شرط العامل أن يعمل مَعَهُ رب المال لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ غِلْمَانُ رَبِّ المَالِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (3)، والعَامِلُ أَمِيْنٌ فِيْمَا يَدَّعِي مِنْ هَلاَكٍ وفِيْمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ خِيَانَةٍ، فَإِنْ ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ ضُمَّ إِلَيْهِ مَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ حِفْظُهُ اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُ العَمَلَ وإِنِ اخْتَلَفَ العَامِلُ ورَبُّ المَالِ في الجزَاءِ المَشْرُوطِ للعَامِلِ. فَإِنْ كَانَ لوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهَ بِهَا، وإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ العَامِلِ، وعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الاخْتِلاَفِ في قدر رِبْحِ المُضَارَبَةِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ القَوْلَ قَوْلُ رَبِّ المَالِ، وذَكَرَ هُنَاكَ رِوَايَةً أُخْرَى فإِنْ عُدِمَتِ البَيِّنَةُ فَالقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ المَالِ، فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ سَقَى سَيْحاً فَلَهُ الرُّبُعُ، وإِنْ سَقَى بِدَالِيَةٍ أو ناضِحٍ فلَهُ الثُّلُثُ فَهُوَ فَاسِدٌ، ويُتَخَرَّجُ: أَنَّهُ يَصِحُّ.
بَابُ المُزَارَعَةِ
المُزَارَعَةُ الجَائِزَةُ: أَنْ يُسَلِّمَ أَرْضَهُ إلى رَجُلٍ لِيَزْرَعَهَا بِجُزْءٍ شَائِعٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ، ويَكُونُ البَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الأَرْضِ والعَمَلُ مِنَ الآخَرِ، فَإِنْ كَانَ البَذْرُ مِنَ العَامِلِ فَسَدَتْ وكَانَ الزَّرْعُ للعَامِلِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الأَرْضِ، وكَذلِكَ إِنْ كَانَ البَذْرُ مِنْهُمَا فالقَوْلُ بَيْنَهُمَا، وعَلَى العَامِلِ مِنْ أُجْرَةِ الأَرْضِ مِقْدَارُ حَقِّهِ مِنَ الزَّرْعِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: لا تَفْسُدُ، قَالَ في رِوَايَةِ مُهَنَّا (4): في الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الأَرْضُ فِيْهَا نَخْلٌ وشَجَرٌ فَيَدْفَعهَا إلى القَوْمِ يَزْرَعُونَ الأَرْضَ ويَقُومُونَ عَلَى النَّخْلِ عَلَى أَنَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفُ ولَهَمْ النِّصْفُ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ قَدْ دَفَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ (5) عَلَى هَذَا (6)، وأَجَازَ دَفْعَ الأَرْضِ
__________
(1) هُوَ البيدر. معجم متن اللغة 1/ 517.
(2) انظر: الهادي: 119، والمغني 5/ 567، وكشاف القناع 3/ 531.
(3) انظر: المغني 5/ 567.
(4) انظر: المغني 5/ 590.
وقال الزركشي في شرحه 2/ 569: ((حَتَّى أن القاضي وكثيراً من أصحابه لم يذكروا خلافاً؛ لأنه عقد يشترك العامل ورب المال في نمائه)).
(5) وقع في الأصل: ((حيدر)).
(6) لِمَا ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: ((إن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر مَا يخرج من تمر أو زرع)).
والحديث أخرجه أحمد 2/ 17 و22 و37 و157، والدارمي (3617)، والبخاري 3/ 123 =(1/291)
لِزَرْعِهَا، وظَاهِرُهُ أَنَّ البَذْرَ مِنَ الذي يَزْرَعُهَا، وكَذلِكَ نَقَلَ عَنْهُ ابنُ جَامِعٍ إِذَا دفَعَ الأَرْضَ إلى الآكَارِ بِالثُّلُثِ والرُّبُعِ، وَقَالَ: تُوَفِّيْنِي في مَوْضِعِ كَذَا، فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ الشَّرْطَ ورَأَى أَنْ يَزْدَادَ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ فَصَحَّ دَفْعُ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ البَذْرَ مِنْ رَبِّ الأَرْضِ، وهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ في رِوَايَةِ الجَمَاعَةِ: يَجُوزُ الكَرِي بِبَعْضِ الخَارِجِ مِنْها، أَرَادَ بِهِ المُزَارَعَةَ عَلَى أَنَّ البَذْرَ والعَمَلَ مِنْ الإِكَارِ، فَعَلَى هذِهِ الرِّوَايَةِ إِذَا كَانَ البَذْرُ مِنَ العَامِلِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ للأَرْضِ بِبَعْضِ الخَارِجِ مِنْها، فَإِنْ كَانَ البَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الأَرْضِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ للعَامِلِ بِمَا شَرَطَهُ لَهُ فَعَلَى هَذَا أنَّ مَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ البَذْرِ يَسْتَحِقُّهُ بِبِذْرِهِ /184 ظ/ ومَا أَخَذَهُ مِنَ الأُجْرَةِ يَأْخُذُهُ بِالشَّرْطِ، فَمَتَى فَسَدَتِ المُزَارَعَةُ فَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الأَرْضِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ المِثْلِ لِصَاحِبِهِ، وإِذَا شَرطَ صَاحِبُ البَذْرِ أَخْذَ بَذْرِهِ فَسَدَتِ المُزَارَعَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وكَذلِكَ إِنْ شَرَطَ لأَحَدِهِمَا قُفْزَاناً مِنَ الزَّرْعِ.
وحُكْمُ المُزَارَعَةِ حُكْمُ المُسَاقَاةِ فِيْمَا يَلْزَمُ العَامِلَ ورَبَّ الأرْضِ، وَفِي كَوْنِ العَقْدِ جَائِزاً أو لاَزِماً، وَفِي اخْتِلاَفِهِمْ في الجُزْءِ المَشْرُوطِ والجِنَايَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ.
والحَصَادُ في المُزَارَعَةِ عَلَى العَامِلِ، نَصَّ عَلَيْهِ (1) في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا كَالجُذَاذِ في المُسَاقَاةِ. وإِذَا كَانَتْ الأَرْضُ لِشَرِيْكَيْنِ فَنَازَعَ أَحَدُهُمَا شَرِيْكَهُ، فَهَلْ تَصِحُّ؟ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ ولآخَرِ مَاءٌ، فَقَالَ صَاحِبُ الأَرْضِ: أَنَا أَزْرَعُ الأَرْضَ بِبَذْرِي وعَوَامِلِي عَلَى أَنَّ سَقْيَهَا مِنْ مَائِكَ، والزَّرْعُ بَيْنَنَا، صَحَّ ذَلِكَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ (2)، وَفِي الأُخْرَى: لاَ يَصِحُّ، واخْتَارَهَا شَيْخُنَا (3)، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُزَارِعُكَ هذِهِ الأَرْضَ بالنِّصْفِ عَلَى أَنْ أُزَارِعَكَ الأُخْرَى بالرِّبْعِ لَمْ تَصِحَّ المُزَارَعَةُ، وكَذلِكَ
__________
= (2285) و137 (2328) و138 (2329) و184 (2499) و 249 (2720) و5/ 179 (4248)، ومسلم 5/ 26 (1551) (1)، و27 (1551) (5)، وأبو داود (3008) و (3408) و (3409)، وابن ماجه (2467)، والترمذي (1383)، والنسائي 7/ 53، وابن الجارود (1101) و (1102)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 113، وَفِي شرح مشكل الآثار (2673)، وابن حبان (5199)، والدارقطني 3/ 37 و38، والبيهقي 6/ 113 و115 - 116، والبغوي (2177).
(1) انظر: المقنع: 136.
(2) نقلها عن الإمام أحمد يعقوب بن بختان وحرب؛ لأن الماء أحد مَا يحتاج إليه في الزرع فجاز أن يَكُون من أحدهما. المغني 5/ 594.
(3) لأن موضوع المزارعة على أن يكون من أحدهما الأرض، ومن الآخر العمل، وليس من صاحب الماء أرض ولا عمل ولا بذر؛ لأن الماء لا يباع ولا يستأجر. المغني 5/ 594. وذهب ابن قدامة إلى تصحيح هذه الرواية.(1/292)
الحُكْمُ في المُسَاقَاةِ، فَإِنْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَرْضاً، فَقَالَ: مَا زَرَعْتَ مِنْها مِنْ حِنْطَةٍ فَلِي ثُلُثُهُ، ومَا زَرَعْتَهُ مِنْ شعيرٍ فَلِي نِصْفُهُ، ومَا زَرَعْتَهُ مِنْ بَاقِلاَّءَ فَلِي ثُلُثَاهُ، فَالعَقْدُ فَاسِدٌ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ عَلَى: إنْ زَرَعْتَهَا حِنْطَةً (1) فَلِي ثُلُثُهَا، وإنْ زَرَعْتَهَا شَعِيْراً فَلِي نِصْفُهُ، وإِنْ زَرَعْتَهَا بَاقِلاَّءَ فَلِي ثُلُثَاهُ، احْتُمِلَ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ في الإِجَارَةِ: إِنْ خِطْتَهُ رُوْمِيّاً فَلَكَ دِرْهَمٌ، فَإِنْ خِطْتَهُ فَارِسِيّاً فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، ولاَ فَرْقَ في جَمِيْعِ مَا ذَكَرْنَا بَيْن الأَرْضِ البَيْضَاءِ وبَيْنَ الأَرْضِ بَيْنَ النَّخِيْلِ.
كِتَابُ الإِجَارَةِ
الإجَارَةُ: عَقْدٌ عَلَى المَنَافِعِ (2) لاَزِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ لاَ يَصِحُّ إلاَّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ في المَالِ (3)، وتَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الإِجَارَةِ الكَري، وهَلْ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ البَيْعِ؟ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (4).
وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ (5):
- مُتَعَلِّقَةٌ بالذِّمَّةِ كالاسْتِئْجَارِ لِتَحْصِيْلِ خِيَاطَةٍ أو بِنَاءٍ أو حَمْلِ شَيءٍ مِنْ مَكَانٍ إلى مَكَانٍ، فَهَلْ يَلْزَمُ الوَفَاءُ بِهَا عَلَى شَرَائِطِهَا كَالسَّلَمِ.
- ومُتَعَلِّقَةٌ بالعَيْنِ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ للسُّكْنَى والدَّابَّةِ للرُّكُوبِ والإِنْسَانِ للخِدْمَةِ فَيَلْزَمُ الوَفَاءُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ العَيْنِ وإِمْكَانِ الانْتِفَاعِ /185 و/ بِهَا، فَإِنْ تَلِفَتِ العَيْنُ انْفَسَخَتِ الإِجَارَةُ فِيْمَا بَقَى مِنَ المُدَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ دَاراً فَانْهَدَمَتْ أو أَرْضاً للزَّرْعِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا انْفَسَخَتِ
__________
(1) كررت في المخطوطة.
(2) في قول أكثر العلماء منهم: أبو حَنِيْفَة ومالك وأكثر الشافعية، وذكر بعضهم: أن المعقود عليه العين؛ لأنها الموجودة والعقد يضاف إليها فيقول: أجرتك داري.
قَالَ صاحب الشرح الكبير 6/ 3 - 4: ((ولنا أن المعقود عليه هو المُسْتَوفَى بالعقد وذلك هو المنافع دون الأعيان، ولأن الأجر في مقابلة المنفعة ولهذا يضمن دون العين وما كان العوض في مقابلته فهو المعقود عليه وإنما أضيف العقد إلى العين؛ لأنها محل المنفعة، وكما يضاف عقد المساقاة إِلَى البستان والمعقود عَلَيْهِ الثمرة، وَلَوْ قَالَ: أجرتك منفعة داري جاز)).
(3) لأنه عقد تمليك يشبه البيع.
(4) أحدهما: تنعقد به؛ لأنها بيع فانعقدت بلفظه كالصرف.
الثَّانِي: لا تنعقد بِهِ؛ لأن فِيْهَا معنًى خاصاً فافتقرت إلى لفظ يدل عَلَى ذَلِكَ المَعْنَى، ولأن الإجارة تضاف إلى العين الَّتِي يضاف إليها البيع إضافة وَاحِدَة فاحتيج إلى لفظ يعرف ويفرق بَيْنَهُمَا كالعقود المتباينة، ولأنها عقد يُخَالِف البيع في الحكم والاسم أشبه النكاح. انظر: الشرح الكبير 6/ 4.
(5) انظر: شرح الزركشي 2/ 572.(1/293)
الإِجَارَةُ فِيْمَا بَقِيَ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1)، وَفِي الآخر (2): يَثْبُتُ للمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الفَسْخِ، فَإِنْ وَجَدَهَا مَعِيْبَةً أو حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ فَلَهُ الفَسْخُ، فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى، فَإِنْ غُصِبَتِ العَيْنُ حَتَّى انْقَضَتِ مُدَّةُ الإِجَارَةِ فَهُوَ بالخِيَارِ بَيْن دَفْعِ الإِجَارَةِ المُسَمَّاةِ ومُطَالَبَةِ الغَاصِبِ بِأُجْرَةِ المِثْلِ وبَيْنَ فَسْخِ الإِجَارَةِ، ويُتَخَرَّجُ انْفِسَاخُ العَقْدِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُوْلُ: إِنْ مَنَافِعَ الغَصْبِ لاَ تُضْمَنُ، فَإِنْ هَرَبَ المَعْقُودُ عَلَيْهِ والإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ مِثْلُ: خِيَاطَةِ قَمِيْصٍ أو بِنَاءِ دَارٍ ثَبَتَ لَهُ الخِيَارُ بَيْنَ الفَسْخِ وبَيْنَ البَقَاءِ إلى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ فَيُطَالِبُهُ بالعَمَلِ (3)، فَإِنْ كَانَتْ الإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ فَانْقَضَتْ في هَرَبِهِ خُرِّجَ عَلَى الوَجْهَيْنِ في الغَاصِبِ.
ولاَ يَصِحُّ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى مَنَافِعَ عَيْنٍ لا يمكن اسْتِيفَاءِ المَنْفَعَةِ مِنْها مِثْلُ: أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضاً للزِّرَاعَةِ سَبْخَةً لاَ (4) تُنْبِتُ، أَو لاَ مَاءَ لَهَا، أَو لَهَا مَاءٌ لاَ يَدُومُ لِمُدَّةِ الزَّرْعِ، أَو دَابَّةً للرُّكُوبِ وَهِيَ زَمِنَةٌ ولاَ تَصِحُّ إلاَّ عَلَى عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ بِرُؤْيَةٍ أَو صِفَةٍ في أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ (5)، ويَصِحُّ في الآخَرِ. وللمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، كَقَوْلِنَا في شِرَاءِ الأَعْيَانِ الغَائِبَةِ، ولاَ يَصِحُّ إِلاَّ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةِ القَدَرِ إِمَّا بالزَّمَانِ كَسُكْنَى شَهْرٍ وخِدْمَةِ سَنَةٍ، أو بالعَمَلِ كَالإِجَارَةِ عَلَى بِنَاءِ دَارٍ، أَو خِيَاطَةِ قَمِيْصٍ، أَو الرُّكُوبِ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ (6)، فَإِنْ شَرَطَ تَقْدِيْرَ العَمَلِ والزَّمَانِ فَقَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَبْنِيَ لي هذِهِ الدَّارَ في شَهْرٍ لَمْ تَصِحَّ، ويَجُوزُ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ يَجُوزُ بَقَاءُ العَيْنِ فِيْهَا وإِنْ طَالَتْ، ولاَ يَجُوزُ عَلَى مُدَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَقَوْلِهِ: أَجَرْتُكَ سَنَةً أو شَهْراً، فَإِنْ قَالَ: أَجَرْتُكَ هذِهِ العَيْنَ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا، لَمْ يَصِحَّ العَقْدُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ويَصِحُّ في الأُخْرَى (7)، وكُلَّمَا دَخَلاَ في شَهْرٍ لَزِمَهُمَا حُكْمُ
__________
(1) انظر: المغني 6/ 8.
(2) فِي الأصل: ((الأخرى)).
(3) الإنصاف 6/ 18.
(4) تكررت في المخطوطة.
(5) انظر: شرح الزركشي 2/ 572.
(6) فإذا كان المستأجر مِمَّا له عمل كالحيوان جاز فيه الوجهان؛ لأن لَهُ عملاً تتقدر منافعه بِهِ، وإن لَمْ يَكُنْ لَهُ عمل كالدار والأرض لَمْ يَجُزْ إلا عَلَى مدة، ومتى تقدرت المدة لَمْ يَجُزْ تقدير العَمَل، وبهذا قَالَ أبو حَنِيْفَة وَالشَّافِعِيّ؛ لأن الجمع بَيْنَهُمَا يزيدها غرراً؛ لأَنَّهُ قَدْ يفرغ من العَمَل قَبْلَ انقضاء المدة، فإن استعمل فِي بقية المدة فَقَدْ زاد عَلَى مَا وقع عَلَيْهِ العقد، وإن لَمْ يعمل كَانَ تاركاً للعمل فِي بَعْض المدة، وَقَدْ لاَ يفرغ من العَمَل فِي المدة فإن أتمه عمل فِي غَيْر المدة وإن لَمْ يعمل لَمْ يأتِ بِمَا وقع عَلَيْهِ العقد، وهذا غرر أمكن التحرز عَنْهُ، وَلَمْ يوجد مثله فِي محال الوفاق فَلَمْ يَجُزْ العقد مَعَهُ. انظر::: المغني: 6/ 8 - 9.
(7) انظر: المغني والشرح الكبير 6/ 9، وشرح الزركشي 2/ 573.(1/294)
الإِجَارَةِ فِيهِ (1)، فَإِنْ فسخ أَحَدُهُمَا عقيب الشَّهْر انْفَسَخَتْ، فَإِنْ أَجَرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ فَهُوَ في رَجَبٍ، أو سَنَةَ خَمْسٍ ويَكُونُ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ العَقْدُ، فَإِنْ أَجَرَهُ عَيْناً شَهْراً فَسَلَّمَها إِلَيْهِ لِصِفَةِ أو مَنْفَعَةٍ مِنْها بَقِيَّةُ الشَّهْرِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ مَا سَلَّمَهُ إِلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الإِجَارَةِ إلى مَعْرِفَةِ المَنْفَعَةِ إِمَّا بالعُرْفِ كَسُكْنَى دَارٍ أو لُبْسِ قَمِيْصٍ ومَا أَشْبَهَهُ، أو بالوَصِفِ كَقَوْلِهِ: لِتَحْمِلَ لي زُبْرَةَ حَدِيْدٍ وَزْنُهَا كَذَا إلى مَوْضِعِ كَذَا أو لِتَبْنِيَ لي حَائِطاً طُوْلُهُ كَذَا وعرْضُهُ كَذَا وعُلُوُّهُ كَذَا بِلَبِنٍ وطِيْنٍ أو آجُرٍ وطِيْنٍ، أو أَجَرْتُكَ هذِهِ الدَّارَ لِنَزْرَعَ فِيْهَا كَذَا وكَذَا وما أشْبَهَهُ، فَإِنْ / 186 ظ / كَانَ مِمَّا لاَ يَدْخُلُهُ الوَصْفُ كَالمِحْمَلِ والرَّاكِبِ ومَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الأَغْطِيَةِ والأَوْطِيَةِ لَمْ يَمُرَّ حَتَّى يَرَى ذَلِكَ وجَمِيْعَ مَا يحْتَاجُ إِلَيْهِ للتَّمَكُّنِ مِنَ الانْتِفَاعِ كَزِمَامِ الجَمَلِ والبَرْذَعَةِ والحِزَامِ واليَالاَنِ والتَّوْطِيَةِ وشَدِّ المِحْمَلِ والرَّفِعِ والحَطِّ ولزُومِ البَعِيْرِ لِيَنْزِلَ لِصَلاَةِ الفَرِيْضَةِ ومَا جَرَتِ العَادَةُ أَنْ يُوطَأَ بِهِ المَرْكُوب للرَّاكِب، فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى المُؤَجِّرِ، وكَذلِكَ مِفْتَاحُ الدَّارِ وعِمَارَةُ حِيْطَانِهَا وسُقُوْفِهَا وتَقْيِيْرِ الحَمَّامِ وعَمَلِ البَزْلِ وخُرُوجِ المَاءِ وعِمَارَةِ المسْتَوْقِدِ، كُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُ المُؤَجِّرَ، أَمَّا تَفْرِيْقُ البَالُوعَةِ والكَنِيْفِ فَيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً (2)، وللمُكْتَرِي اسْتِيْفَاءُ المَنْفَعَةِ بِالمَعْرُوفِ بِنَفْسِهِ ولِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يُؤَجِّرُهُ أَو يُعِيْرُهُ، وإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضاً للزِّرَاعَةِ لِشَيءٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا هُوَ دُوْنَهُ في الضَّرَرِ، ويَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا اسْتَأْجَرَ بِمِثْلِ الإِجَارَةِ، والزِّيَادَةُ في إِحْدَى الرِّوَايَاتِ (3)، ولاَ يَجُوزُ في الثَّانِيَةِ إِلاَّ بِإِذْنِ المُؤَجِّرِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: إِنْ حَدَّدَ في العَيْنِ عِمَارَةً جَازَ أَنْ يُؤَجِّرَ بِالزِّيَادَةِ، وإِنْ لَمْ يُحَدِّدْ تَصَدَّقَ بالزِّيَادَةِ، ويَجُوزُ بَيْعُ العَيْنِ المُسْتَأْجَرَةِ مِنْ غَيْرِ المُسْتَأْجِرِ ولاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ المُشْتَرِي بالإِجَارَةِ فَلَهُ الخِيَارُ إِذَا عَلِمَ في الفَسْخِ والإِمْضَاءِ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنَ المُسْتَأْجِرِ فَهَلْ تُفْسَخُ الإِجَارَةُ؟ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (4).
ولاَ تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ المُسْتَأْجِرَيْنِ، ولاَ تَنْفَسِخُ بِعُذْرٍ في حَقِّ المُسْتَأْجِرِ (5)
__________
(1) وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور. انظر: الشرح الكبير 6/ 7.
(2) قال المرداوي: بلا نزاع، ويتوجه أن يرجع ذلك إلى العرف. وكذا تفريغ الدار من القمامة والزبل ونحوهما. ويلزم المكرى تسليمها منظفة، وتسليم المفتاح، وهو أمانة مع المستأجر، وعلى المستأجر البكرة والحبل والدلو. الإنصاف 6/ 57 - 58.
(3) انظر: شرح الزركشي: 2/ 581 - 582.
(4) انظر: شرح الزركشي 2/ 586.
(5) لأن الإجارة عقد لازم فَلا ينفسخ بتلف العاقد مَعَ سلامة المعقود عليه، كَمَا لو زوج أمته ثُمَّ مات، هَذَا المنصوص عن أحمد وعليه الأصحاب، وقال أبو مُحَمَّد في المستأجر: إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ وارث أو تعذر استيفاء وارثه كأن اكترى للحج ومات في الطريق أن الإجارة تنفسخ، وزعم أن هَذَا =(1/295)
مِثلُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِيَحِجَّ فَتَضِيْعُ نَفَقَتُهُ، أَو يَكْتَرِيَ دُكَّاناً لِيَبِيْعَ فِيهِ البُرَّ فَيَحْتَرِقَ مَتَاعُهُ، وإِذَا مَاتَ الجَمَّالُ أَو هَرَبَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ وتَرَكَ الجِمَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالاً بَاعَ الفَاضِلَ عَنِ المُكْتَرَى مِنَ الجِمَالِ وأَنْفَقَهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيْهَا فَضْلٌ اسْتَدَانَ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَ للمُكْتَرِي أَنْ يُنْفِقَ بِإِذْنِ الحَاكِمِ لِيَكُونَ دَيْناً عَلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ الجَمَّالُ واخْتَلَفَا في النَّفَقَةِ فَالقَوْلُ قَوْلُ المُنْفِقِ، فَإِنْ أَنْفَقَ المُكْتَرِي مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الحَاكِمِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى النَّفَقَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وإِنْ أَشْهَدَ بالرُّجُوعِ في النَّفَقَةِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1).
وإِذَا وَصَلَ المُكْتَرِي إِلى المَكَانِ الَّذِي اكْتَرَى إِلَيْهِ رَفَعَ الأَمْرَ إلى الحَاكِمِ؛ لِيَبِيْعَ مَا يَرَى بَيْعَهُ ويَقْضِيَ دَيْنَ المُنْفِقِ ويَحْفَظَ البَاقِيَ للجِمَّالَ أَو لِوَرَثَتِهِ إِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلى مَكَانٍ فَجَاوَزَهُ فَعَلَيْهِ المُسَمَّى وأُجْرَةُ المِثْلِ للزِّيَادَةِ، وكَذلِكَ إِنِ اكْتَرَى بِحَمْلِ شَيءٍ فَحَمَلَ أَكْثَرَ مِنْهُ ذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ (2)، وذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ مَا بُذِلَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ المِثْلِ للجَمِيْعِ / 187 و / فَإِنْ تَلِفَتْ البهيِمَّةُ في حَالِ زِيَادَةِ الطَّرِيْقِ أو الحَمْلِ ولَيْسَتْ في يَدِ صَاحِبِهَا فَعَلَى المُكْتَرِي كَمَالُ قِيْمَتِهَا، وإِنْ كَانَتْ في يَدِ صَاحِبِهَا احْتَمَلَ أَنْ يُلْزِمَهُ كَمَالَ قِيْمَتِهَا أَيْضاً، واحْتَمَلَ أَنْ يُلْزِمَهُ نِصْفَ قِيْمَتِهَا.
وَإِذَا ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَو كَبَحَهَا (3) باللِّجَامِ بِمِقْدَارِ العَادَةِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وكَذلِكَ الحُكْمُ في الرَّائِضِ (4)، والمُعَلِّمِ إِذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ، والزَّوْجِ إِذَا ضَرَبَ زَوْجَتَهُ في النُّشُوزِ، ولاَ ضَمَانَ عَلَى الأَجْيرِ المُشْتَرِكِ فِيْمَا لَمْ تَجْنِ يَدُهُ كَالقَصَّارِ والحَدَّادِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ وأَبِي (5) بَكْرٍ (6)، وَعَنْهُ: أنَّ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ الهَلاَكُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كالحَرِيْقِ واللُّصُوصِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ (7)، وإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ كالضَّيَاعِ ضَمِنَ. فَأَمَّا مَا جَنَتْ يَدُهُ فَيَضْمَنُ، نَصَّ عَلَيْهِ، ويُتُخَرَّجُ أَنْ لاَ يَضْمَنَ بِنَاءً عَلَى مَا إِذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَأَقْضَاهَا أو
__________
= ظاهر كلام أحمد. وشمل كلام الخرقي - رحمه الله - إذا مات المَوْقُوْف عليه فانتقل الوقف إلى من بعده، فإن الإجارة لا تنفسخ وهو أحد الوجهين، والوجه الآخر تنفسخ، وهو قول أبي إسحاق بن شاقلا، وأومأ إليه أحمد لا للموت؛ بَلْ لأن ملكه قَدْ زال. شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 581.
(1) انظر: الإنصاف 6/ 61.
(2) شرح الزركشي 2/ 585.
(3) كبحها: أي جذبها لتقف، انظر: المعجم الوسيط: 772.
(4) وهو الذي يعلمها السير.
(5) في الأصل: ((أبو)).
(6) الإنصاف 6/ 79.
(7) انظر: شرح الزركشي 2/ 589. أما إن كَانَ بأمر خفي كالضياع ونحو ذلك فعليه الضمان إناطة بالتهمة. قَالَ صاحب التلخيص: ومحل الروايات إذا لَمْ تكن يد المالك عَلَى المال، وأما إن كانت عليه فَلا ضمان بحال.(1/296)
اقْتَصَّ مِنْ عُضْوٍ فَمَاتَ المُقْتَصُّ مِنْهُ.
وأمَّا الأَجِيْرُ الخَاصُّ (1): وَهُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إلى المُسْتَأْجِرِ للعَمَلِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيْمَا جَنَتْ يَدُهُ، إلاَّ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ تَعَمَّدَ الجِنَايَةَ.
وإِذَا أَتْلَفَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ بَعْدَ عَمَلِهِ فَمَالِكُ الثَّوْبِ بِالخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ إِيَّاهُ غَيْر مَعْمُولٍ ولاَ أُجْرَةَ عَلَيْهِ وبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ إِيَّاهُ مَعْمُولاً ويَدْفَعُ إِلَيْهِ أُجْرَتَهُ، فَإِنْ تَمَلَّكَ الثَّوْبَ مِنْ حِرْزِهِ فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ، فَإِنْ حَبَسَهُ عَلَى الأُجْرَةِ فَتَلِفَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، ولاَ ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ ولا خَتَّانٍ ولا مُتَطَبِّبٍ ولاَ بَزَّاغٍ (2) إذَا لَمْ تَجْنِ أَيْدِيْهِمْ (3)، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الإِجَارَةِ وَفِي الأَرْضِ غِرَاسٌ أو بِنَاءٌ لَمْ يَشْتَرِطْ في عَقْدِ الإِجَارَةِ قَلَعَهُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا فَالمُؤَجِرُ بالخِيَارِ بَيْنَ تَرْكِهِ بالأُجْرَةِ وبَيْنَ قَلْعِهِ ويَضْمَنُ مَا يَقُصُّ، فَإِنْ كَانَ في الأَرْضِ زَرْعٌ وَلَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيْطٍ مِنَ المُسْتَأْجِرِ لَزِمَ المُؤَجِّرُ تَرْكُهُ بالأُجْرَةِ، فَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيْطٍ مِنَ المُسْتَأْجِرِ فللمؤجر أَخْذُهُ بالقِيْمَةِ أو تَرْكُهُ بالأُجْرَةِ.
وَإِذَا دَفَعَ إِلى خَيَّاطٍ ثَوْباً لِيُفَصِّلَهُ واخْتَلَفَا فَقَالَ المَالِكُ: أَمَرْتُكَ بِتَفْصِيْلِهِ قُبَّاء (4)، وَقَالَ الخَيَّاطُ: بَلْ أَمَرْتَنِي بِقَطْعِهِ قَمِيْصاً فَالقَوْلُ قَوْلُ الخَيَّاطِ مَعَ يَمِيْنِهِ، وإِذَا اسْتَأْجَرَ دَاراً سَنَةً في أَثْنَاءِ الشَّهَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْراً بالأَهِلَّةِ وشَهْراً بالعَدَدِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: يَسْتَوْفِي الجَمِيْعَ بالعَدَدِ.
بَابُ مَا يَصِحُّ من الإِجَارَةِ ومَا لاَ يَصِحُّ
تَصِحُّ إِجَارَةُ كُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالأَرْضِ والدَّارِ والعَبْدِ والبَهِيْمَةِ
__________
(1) قال الزركشي: هُوَ من استؤجر إلى مدة، كمن استؤجر شهراً أو يوماً لخدمة أو بناء ونحو ذلك فيستحق المستأجر نفعه في جَمِيْع المدة، وسمي خاصّاً؛ لاختصاص المستأجر بنفعه فِي تِلْكَ المدة.
(2) بزغ النجم والقمر: ابتدأ طلوعهما، مأخوذ من البزغ وَهُوَ الشق. ومن هَذَا يقال: بزغ البيطار أشاعر الدابة وبضعها إِذَا شق ذَلِكَ المكان مِنْهَا بمبضعه. اللسان (8/ 418: بزغ).
(3) هَذَا المذهب وَعَلَيْهِ الأصحاب. وقطع بِهِ كَثِيْر مِنْهُمْ. وَقَالَ في الرعاية، وقلت: إن كَانَ أحدهم أجيراً خاصاً أو مشتركاً فله حكمه، وكذا قَالَ في الراعي. انظر: الإنصاف 6/ 74.
وقال المرداوي منبهاً بأن ظاهر كلام المصنف وغيره من الأصحاب: إنه لا ضمان عليه، سَوَاء كَانَ أجيراً خاصاً أو مشتركاً، وهو صحيح وقدمه في الفروع وغيره، واختار ابن عقيل في الفنون: عدم الضمان في الأجير المشترك= = لا غَيْر. وَقَالَ: لأنه الغالب من هؤلاء، وأنه لَوْ استؤجر لحلق رؤوس يوماً فجنى عليها بجراحه لا يضمن، كجنايته في قصارة وخياطة ونجارة. واختار في الرعاية: أن كلاً من هؤلاء له حكمه. إن كَانَ خالصاً فله حكمه، وإن كَانَ مشتركاً فله حكمه، وكذا قَالَ في الراعي. الإنصاف 6/ 74 - 75.
(4) قُبَّاء: ثَوب يُلبس فَوْقَ الثياب أَوْ القميص ويتمنطق عَلَيْهِ. انظر: المعجم الوسيط: 713.(1/297)
ونَحْوِهَا / 188 ظ/ ولاَ تَجُوزُ إِجَارَةُ مَا لاَ يُمْكِنُ الانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كالمَطْعُومَاتِ كُلِّهَا والشَّمَعِ (1) والمَشْرُوبِ إِلاَّ في لَبَنِ الظِّئْرِ ونَقْعِ البِئْرِ فَإِنَّهُمَا يَدْخُلاَنِ تَبَعاً (2).
ولاَ يَجُوزُ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَالغِنَاءِ والزَّمْرِ (3) ونَحْوِهِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ الخَمْرِ والخِنْزِيْرِ والمَيْتَةِ لَمْ يَصِحَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ويَصِحُّ في الأُخْرَى (4)، ويُكْرَهُ لَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ، ولاَ يَصِحُّ إِيْجَارُ دَارِهِ لِمَنْ يَتِّخِذُهَا كَنِيْسَةً أو بَيْعَةً أو يَبِيْعُ فِيْهَا الخَمْرَ، وتَصِحُّ إِجَارَتُهَا لِمَنْ يَتَّخِذُهَا مَسْجِداً (5)، وإِذَا اسْتَأْجَرَ لِحَجْمِهِ لَمْ يَصِحَّ في قَوْلِ شَيْخِنَا، وعِنْدِي: أَنَّهُ يَصِحُّ ويُكْرَهُ للأَجِيْرِ أَكْلُ الأُجْرَةِ، ويَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهَا عَبْدَهُ ونَاصِحَهُ.
ولاَ يَجوز اسْتِئْجَارُ الفَحْلِ للضَّرْابِ والكَلْبِ للصَّيْدِ في ظَاهِرِ المَذْهَبِ، ويُتَخَرَّجُ الجَوَازُ، ولاَ يَجُوزُ الاسْتِئْجَارُ عَلَى الآذَانِ والصَّلاَةِ والحَجِّ وتَعْلِيْمِ القُرْآنِ والفِقْهِ في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، ويَجُوزُ في الأُخْرَى.
ولاَ يَجُوزُ إِجَارَةُ المُصْحَفِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، ويَجُوزُ في الآخَرِ (6)، ويَجُوزُ إِجَارَةُ كُتُبِ الفِقْهِ واللُّغَةِ والشِّعْرِ (7)، ولاَ يَجُوزُ إِجَارَةُ الحُلِيِّ بأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا:
__________
(1) وتسكين الشين لغة فيها. انظر: اللسان 8/ 185 (شمع).
(2) قال المرداوي: هَذَا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا بِهِ. الإنصاف 6/ 30.
(3) وجملة ذلك أن من شروط صحة الإجارة أن تكون المنفعة مباحة، فإن كانت محرمة كالزنا والزمر والنوم والغناء لَمْ يجز الاستئجار لفعله وبه قَالَ مَالِك فلم يجز الاستئجار عليه كإجارة الأمة للزنا. قَالَ ابن المنذر: أجمع كُلّ من نحفظ عنه من أهل العلم عَلَى إبطال إجارة النائحة والمغنية. الشرح الكبير 6/ 28.
(4) وممن قَالَ بعدم الجواز أبو يوسف ومحمد والشافعي. وَقَالَ أبو حنيفة: يجوز لأن العَمَل لا يتعين عليه بدليل أنه لو حمله مثله جاز؛ لأَنَّهُ لَوْ قصد إراقته أو طرح الميتة جاز.
وَقَدْ روي عن أحمد فيمن حمل خنزيراً لذمي أو خمراً لنصراني أكره أكل كرائه، ولكن يقضى للحمال بالكراء فإذا كَانَ لمسلم فَهُوَ أشد. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُوْل عَلَى أَنَّهُ استأجره ليريقها، فأما للشرب فمحظور لا يحل أخذ الأجر عَلَيْهِ. انظر: الشرح الكبير 6/ 29.
(5) انظر: المصدر السابق 6/ 28.
(6) في إجارة المصحف وجهان:
أحدهما: لا يصح إجارته؛ لأَنَّهُ لا يصح بيعه إجلالاً لكتاب الله تَعَالَى، وكلامه عن المعاوضة بِهِ وابتذاله بالثمن في البيع والأجرة في الإجارة.
والثاني: يصح وهو مذهب الشافعي؛ لأَنَّهُ انتفاع مباح تجوز الإعارة من أجله فجازت إجارته كسائر الكُتُب، ولا يلزم من عدم جواز البيع عدم جواز الإجارة كالحر. انظر: الشرح الكبير 6/ 31.
(7) وهذا مذهب الشافعي، ومقتضى قول أبي حنيفة: أنه لا تجوز إجارتها؛ لأَنَّهُ علل منع إجارة المصحف، بأنه لَيْسَ في ذَلِكَ أكثر من النظر إليه ولا تجوز الإجارة لمثل ذَلِكَ كَمَا لا يجوز أن =(1/298)
يَصِحُّ مَعَ الكَرَاهِيَّةِ، ولاَ يَجُوزُ إِجَارَةُ المَتَاعِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أبو حَفْصٍ العكْبُرِيُّ: يَصِحُّ، وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - ولا يَجُوزُ إِجَارَةُ المُسْتَعَارِ إلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ المَالِكُ في مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، ويَصِحُّ إِجَارَةُ الوَقْفِ (1)، فَإِنْ مَاتَ مُؤَجِّرُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الإِجَارَةِ فانْتَقَلَ إلى مَنْ شَرَطَ لَهُ بَعْدَهُ لَمْ تَنْفَسِخْ الإِجَارَةُ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (2)، ويأْخُذُ المنْتَقِلُ إِلَيْهِ الوَقْفَ حِصَّتَهُ مِنَ الأُجْرَةِ من يَوْمِ مَوْتِ الأَوَّلِ. والوَجْهُ الآخَرُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بالمَوْتِ في حَقِّ الغَيْرِ لا ناسِياً أَنَّهُ أَجَّرَ حَقَّهُ وحَقَّ غَيْرِهِ فَصُحَّ في حَقِّهِ وبَطَلَ في حَقِّ غَيْرِهِ ويَجُوزُ اسْتِئْجَارُ حَائِطٍ يَضَعُ عَلَيْهِ خَشَبَةً، ويَصح اسْتِئْجَارُ زَوْجَتِهِ لِرِضَاعِ وَلَدِهِ وَحَضَانَتِهِ (3) ولاَ يَجوز للمَرْأَةِ إِيْجَارُ نَفْسِهَا للرَّضَاعِ والخِدْمَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، ويَصِحُّ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ (4)، ويَجُوزُ للوَلِيِّ إِجَارَةُ اليَتِيْمِ، فَإِنْ بَلَغَ في مُدَّةِ الإِجَارَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الفَسْخُ وكَذلِكَ إِذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ في المُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الفَسْخُ (5)، ويَجُوزُ اسْتِئْجَارُ شَرِيْكِهِ لِخِيَاطَةِ ثَوْبِهِ أو حَمْلِ مَتَاعِهِ، ويَجُوزُ إِجَارَةُ الدَّرَاهِمِ والدَّنَانِيْرِ للوَزْنِ، فَإِنْ أَطْلَقَ الإِجَارَةَ فَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يصِحُّ ويكونُ قَرْضاً، وعِنْدِي: إِنَّمَا تَصِحُّ ويُنْتَفَعُ بِهَا في الوَزْنِ وتحِلْيَةِ المَرْأَةِ. ويَجُوزُ
__________
= يستأجر سقفاً لينظر إلى عمله.
قَالَ ابن قدامة: ولنا أن فِيهِ نفعاً مباحاً يحتاج إليه تجوز الإعارة لَهُ فجازت الإجارة لَهُ كسائر المنافع. وفارق النظر إلى السقف فإنه لا حاجة إليه ولا جرت العادة بالإعارة من أجله، وتجوز إجارة كِتَاب فِيهِ خط حَسَن ينقل مِنْهُ ويكتب عَلَيْهِ عَلَى قياس ذَلِكَ. انظر: الشرح الكبير 6/ 31.
(1) انظر: الإنصاف: 6/ 36.
(2) وللثاني حصته من الأجر؛ لأَنَّهُ أجر ملكه في زمن ولايته فلم تبطل بموته كَمَا لَوْ أجر ملكه الطلق.
والثاني: تنفسخ الإجارة فِيْمَا بقي من المدة؛ لأنا بيّنا أَنَّهُ أجر ملكه وملك غيره فصح في ملكه دُوْنَ ملك غيره.
(3) قَالَ ابن قدامة في الشرح الكبير 6/ 34: فأما استئجار امرأته لرضاع ولده مِنْها فيجوز في الصَّحِيح من المذهب. قَالَ الخرقي: إن أرادت الأم أن ترضع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق بِهِ من غيرها سَوَاء كَانَتْ عِنْدَ الزوج أو مطلقة، وَقَالَ الْقَاضِي: لا يجوز تأول كلام الخرقي عَلَى أنها في حبال زوج آخر وَهُوَ قَوْل أصحاب الرأي وحكي عن الشَّافِعيّ؛ لأَنَّهُ قَدْ استحق حبسها والاستمتاع بِهَا بعوض فَلا يجوز أن يلزمه آخر لِذلِكَ.
(4) قَالَ المرداوي في الإنصاف6/ 29: وَفِي النفس منه شيء، بل الذي ينبغي: أنها لا تصح، ويجب عليه خدمته بالمعروف.
(5) هذا المذهب وعليه الأصحاب، وقطع بِهِ كثير منهم، منهم صاحب المذهب، والخلاصة وغيرهم. ويحتمل أن ينفسخ، وهو وجه في الصبي، وتخريج في العبد من الصبي. وعند الشَّيْخ تنفسخ إلا أن يستثنيها في العتق، فإن لَهُ استثناء منافعه بالشروط، والاستثناء الحكمي أقوى، بخلاف الصبي إذا بلغ ورشد، فإن الولي تنقطع ولايته عَنْهُ بالكلية.
فعلى المذهب: لا يرجع العتيق عَلَى سيده بشيء من الأجرة عَلَى الصَّحِيح من المذهب، وقيل: يرجع بحق مَا بقى كَمَا تلزمه نفقته إن لَمْ يشترطها عَلَى مستأجره. الإنصاف 6/ 38 - 39.(1/299)
الاسْتِئْجَارُ عَلَى القِصَاصِ /189 و/ في النَّفْسِ والطَّرفِ والأُجْرَةُ عَلَى المُقْتَصِّ مِنْهُ، وإِذَا قَالَ لَهُ: إِنْ خِطْتَ لي هَذَا الثَّوْبَ اليَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وإِنْ خِطْتَهُ غَداً فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ لَمْ تَصِحَّ الإِجَارَةُ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وتَصِحُّ في الأُخْرَى (1)، فَإِنْ قَالَ: إِنْ خِطْتَهُ رُوْمِيّاً فَلَكَ دِرْهَمٌ، وإِنْ خِطْتَهُ فَارِسِيّاً فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (2) بِنَاءً عَلَى المَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وكَذلِكَ إِذَا قَالَ: أجَرْتُكَ هَذَا الحَانُوتَ إِنْ قَعَدْتَ فِيهِ خَيَّاطاً بِخَمْسَةٍ، أو حَدَّاداً بِعَشرَةٍ يُخَرَّجُ عَلَى الوَجْهَيْنِ، فَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً فَقَالَ: إِنْ رَدَدْتَهَا اليَوْمَ فَكِرَاهَا خَمْسَةٌ، وإِنْ رَدَدْتَهَا غَداً فَكِرَاهَا عَشرَةٌ، فَقَالَ في رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ: لاَ بَأْسَ (3)، وكَذلِكَ نَقَلَ أَبو الحَارِثِ في رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً عَشرَةَ أَيَّامٍ بِعَشرَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ حَبَسَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ دِرْهَمٌ فَهُوَ جَائِزٌ (4)، وَقَدْ تَأَوَّل شَيْخُنَا هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ، وجَائِزٌ في الأَوَّلِ، ويَبْطُلُ في الثَّانِي (5)، والظَّاهِرُ: أَنَّ قَوْلَهُ يَرْجِعُ إلى مَا فِيهِ الإشْكَالُ (6)، وإِذَا اسْتَأْجَرَ لِحَمْلِ كِتَابٍ إِلى صَاحِبٍ لَهُ بِمَكَّةَ بِحَمْلِهِ فَوَجَدَ الصَّاحِبَ مَيِّتاً فَرَدَّهُ إِلَيْهِ اسْتَحَقَّ الأُجْرَةَ (7)، وإِذَا دَفَعَ ثَوْبَهُ إلى قَصَّارِ أو خَيَّاطٍ لِيَقْصُرَهُ ويَخِيْطَهُ ففَعَلاَ ذَلِكَ
__________
(1) انظر: الإنصاف 6/ 45، والشرح الكبير 6/ 62.
(2) أحدهما: لا يصح، وهو المذهب.
والوجه الثَّانِي: يصح. انظر: الإنصاف 6/ 19، والشرح الكبير 6/ 21.
(3) مسائل الإمام أحمد 3/ 972 (1323). قَالَ ابن قدامة: وهذه الرواية تدل عَلَى صحة الإجارة. والظاهر عن أحمد برواية الجماعة: فساد العقد عَلَى قياس بيعتين في بيعة، وَقَالَ الْقَاضِي: يصح في اليوم الأول دُوْنَ الثَّانِي. الشرح الكبير 6/ 22، وانظر: الإنصاف 6/ 19 - 20.
(4) انظر: الشرح الكبير 6/ 22. ونقل ابن منصور عنه فيمن اكترى دابة من مكة إلى جدة بكذا فإن ذهب إلى عرفات بكذا فَلا بأس.
وَقَالَ الْقَاضِي: يصح في العشرة وحدها.
(5) لأن مدته غَيْر معلومة فلم يصح العقد فيه كَمَا لَوْ قَالَ استأجرتك لتحمل لي هذِهِ الصبرة وهي عَشرَة أَقفزة بدرهم وما زاد فبحساب ذَلِكَ. قَالَ ابن قدامة: قَالَ شَيْخُنا: والظاهر عن أحمد خِلاَف هَذَا، فإن قوله فهو جائز عاد إلى جَمِيْع مَا قبله وكذلك قوله: لا بأس؛ ولأن لكل عمل عوضاً معلوماً فيصح كَمَا لَوْ استقى لَهُ كُلّ دلو بتمرة، وَقَدْ ثبت الأصل بالخبر الوارد فِيهِ ومسائل الصبرة لا نَصَّ فِيْهَا عن الإمام وقياس نصوصه صِحَّة الإجارة، وإن سلم فسادها فلأن القفزان الَّتِي شرط عملها غَيْر معلومة بتعيين ولا صِفَة، وَهِيَ مختلفة فلم يصح العقد لجهالتها بخلاف الأيام فإنها معلومة. انظر: الشرح الكبير 6/ 22 - 23.
(6) نقل الإمام المرداوي في الإنصاف 6/ 20: قول المصنف بأن الظاهر عن الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - خِلاَف ذَلِكَ، وأيضاً نقل قَوْل صاحب المستوعب: بأن حكم هذِهِ المسألة حكم مَا إذا أجره عيناً كل شهر بكذا.
(7) لأنه حمله في الذهاب بإذن صاحبه صريحاً وَفِي الرد تضمناً؛ لأن تقدير كلامه، وإن لَمْ تجد =(1/300)
فَلَهُمَا أُجْرَةُ المِثْلِ، وإِنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ عَقْدَ الإِجَارَةِ (1)، وكَذلِكَ إِذَا دَخَلَ حَمَّاماً أو قَعَدَ مَعَ مَلاَّحٍ إِلَى مَوْضِعٍ وتَجِبُ الأُجْرَةُ في الإِجَارَةِ بِنَفْسِ العَقْدِ (2) فَإِنْ شَرَطَ تَأْجِيْلَهَا جاز، وكَذلِكَ يَجِبُ مِنْ نَقْدِ بَلَدٍ العَقْد إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ نَقْدَ بَلَدٍ آخَرَ.
كِتَابُ الجُعَالَةِ (3) ورَدِّ الآبِقِ
الجُعَالَةُ: أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَلَيَّ عَبْدِي (4)، أو بَهِيْمَتِي، أو لُقْطَةً ضَاعَتْ مِنِّي، أو بَنَى لي هَذَا الحَائِطَ فلَهُ كَذَا، فَمَنْ عَمِلَهُ اسْتَحَقَّ الجُعْلَ، سَوَاءٌ كَانَ واحِداً أو جَمَاعَةً (5)، وتَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ وعَمَلٍ مَجْهُولٍ، ولا يَصِحُّ إلاَّ عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ (6)، فَإِنْ تَعَذَّرَ العِوَضُ فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ المِثْلِ، ويَجُوزُ فَسْخُ الجُعَالَةِ قَبْلَ العَمَلِ، فَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَيَجُوزُ لِلْعَامِلِ الفَسْخُ (7) ولاَ يَجُوزُ لِصَاحِبِ العَمَلِ الرُّجُوعِ إِلاَّ أن يَضْمَنَ للعَامِلِ أُجْرَةَ مَا عَمِلَ (8)، ومَنْ
__________
= صاحبه فرده إذ ليس سوى رده إلا تضييعه وقد علم أَنَّهُ لا يرضى تضييعه فتعين رده. الشرح الكبير 6/ 17.
(1) وَقَالَ أصحاب الشافعي لا أجر لَهما؛ لأنهما فعلاً ذَلِكَ من غَيْر عوض جَعَلَ لَهُمَا أشبه مَا لَوْ تبرعا بعمله، والعرف الجاري بِذَلِكَ يقوم مقام القَوْل فصار كنقد البلد. انظر: الشرح الكبير 6/ 16 - 17.
(2) ولأن شاهد الحال يقتضيه فصار كالتعريض، فأما إن لم يكونا منتصبين لِذلِكَ لَمْ يستحقا أجراً إلاّ بعقد أو شرط العوض أو تعريض بِهِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَجُر عرف يقوم مقام العقد فَهُوَ كَمَا لَوْ تبرع بِهِ أو عمله بغير إذن مَالِكه. انظر: المصدر السابق 6/ 16 - 17.
(3) بتثليث الجيم. انظر: اللسان: 11/ 111 (جعل).
(4) قوله: ((من رد عليّ عبدي)) يقتضي صِحَّة العقد في ردّ الآبق، فإنّ لرد الآبق جعلاً مقدّراً بالشرع.
فالمستفاد إذن بالعقد: مَا زاد عَلَى المقدر المشروع، فوجود الجعالة يوجب أكثر الأمرين -من المقدر والمشروط- قَالَهُ الحارثي. وظاهر كلام الأكثر: أنه لا يستحق إلا مَا شرطه لَهُ، وإن كَانَ أقل من دينار. انظر: الإنصاف 6/ 389.
(5) انظر: المغني 6/ 252.
وَقَالَ الحارثي: وَهِيَ في اصطلاح الفُقَهَاء: جَعَلَ الشيء من المال لِمَنْ يفعل أمر كَذَا. قَالَ: وهذا أعم مِمَّا قَالَ المصنف؛ ليتناوله الفاعل المُبْهَم والمعين وما قَالَ لاَ يتناول المعين: قَالَ المرداوي: لَكِنَّهُ يدخل بطريق أولى. الإنصاف 6/ 389.
(6) يشترط أن يَكُون العوض معلوماً كالأجرة عَلَى الصَّحِيح من المذهب، وَعَلَيْهِ الأصحاب، ويحتمل أن تصح الجعالة مَعَ الجهل بالعوض، إذا كَانَ الجهل لا يمنع التسليم.
وَقَالَ الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-: إذا قَالَ الأمير في الغزو: ((من جاء بعشرة رؤوس فله رأس)) جاز.
الإنصاف 6/ 390.
(7) ولا شيء للعامل لأَنَّهُ أسقط حق نفسه حيث لَمْ يأت بما شرط عليه العوض. المغني 6/ 351.
(8) لأنه إنما عمل بعوض فلم يسلم لَهُ، فعلى صاحب العَمَل للعامل أجرة مثله. المغني 6/ 350 - 351.(1/301)
عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلاً بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلاَ جُعْلَ لَهُ (1) إِلاَّ في رَدِّ الآبِقِ خَاصَّةً فَإِنَّ لَهُ الجُعْلَ بالشَّرْعِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِدِيْنَارٍ أو باثْنَي عَشَرَ (2) دِرْهَماً (3)، وسَوَاءٌ رَدَّهُ مِنَ المِصْرِ أو مِنْ خَارِجِ المِصْرِ، وَعَنْهُ: إنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ المِصْرِ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَماً (4)، ويَسْتَحِقُّ الجُعْلَ، وإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ قِيْمَةِ العَبْدِ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفاً بِرَدِّ الآبَاقِ /190 ظ/ أو لَمْ يَكُنْ، ومَا أَنْفَقَهُ عَلَى الآبِقِ في قُوْتِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى سَيِّدِهِ سَوَاءٌ رَدَّهُ إِلَيْهِ أَو هَرَبَ في بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ اسْتَحَقَّ الجُعْلَ (5) والنَّفَقَةُ في تَرِكَتِهِ، فَإِنْ رَدَّ لَهُ واخْتَلَفَا فَقَالَ العَامِلُ: جَعَلْتُ للكَذَا كَذَا في رَدِّهَا فَأَنْكَرَ المَالِكُ فالقَوْلُ مَعَ يَمِيْنِهِ، وكَذلِكَ إنِ اخْتَلَفَا في مِقْدَارِ الجُعْلِ، ويُتَخَرَّجُ أَنْ يَتَخَالَفَا في المِقْدَارِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِ يُعِيْنُ في الثَّمَنِ.
كِتَابُ السَّبْقِ والنِّضَالِ
المُسَابَقَةُ بِعِوَضٍ جُعَالة في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ يَجُوزُ فَسْخُهَا والامْتِنَاعُ منْهَا والزِّيَادَةُ فِيْهَا ولاَ يَأْخُذُ مِنْها رَهْناً عَيْناً وفي الوَجْهِ الآخَرِ: هِيَ كَالإِجَارَةِ لا يَجُوزُ فَسْخُهَا ولا الامْتِنَاعُ مِنْ تَمَامِهَا ولا الزِّيَادَةُ يَدْخُلُهَا الرَّهْنُ والضَّمَانُ (6)، ولاَ يَجُوزُ إلاَّ عَلَى الخَيْلِ والإِبِلِ
__________
(1) وَالصَّحِيح من المذهب المنصوص عن الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ -: أنه يستحق أجرة مثله في ذلك. الإنصاف 6/ 393.
(2) في الأصل: ((باثنا عشر)).
(3) هَذَا المذهب. قَالَ في الرعاية، وشرح الحارثي، وغيرهما: وسواء كَانَ يساويهما أو لا، وسواء كَانَ زوجاً أو ذا رحم في عيال المالك أو لا، قَالَه الحارثي. وجزم بِهِ في الوجيز وغيره.
وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير والفروع وغيرهم. الإنصاف 6/ 394.
(4) انظر: الإنصاف 6/ 394 - 395.
(5) روي هَذَا عن عُمَر وعلي وابن مسعود، وبه قَالَ شريح وعمر بن عبد العزيز ومالك وأصحاب الرأي، وَقَدْ روي عن أحمد أنه لَمْ يَكُنْ يوجب ذَلِكَ. قَالَ ابن منصور: سئل أحمد بن حَنْبَل عن جُعَلِ الآبق فَقَالَ: لا أدري قَدْ تكلم الناس فيه لَمْ يَكُنْ عنده فِيهِ حَدِيث صَحِيْح، فظاهر هَذَا أَنَّهُ لا جُعْلَ لَهُ فِيهِ وَهُوَ ظاهر قَوْل الخرقي فإنه قَالَ: وإذا أبق العبد فلمن جاء بِهِ إلى سيده مَا أنفق عليه وَلَمْ يذكر جعلاً، وهذا قَوْل النخعي والشافعي وابن المنذر؛ لأَنَّهُ عمل لغيره عملاً من غَيْر أن يشرط لَهُ عوضاً، فلم يستحق شيئاً كَمَا لَوْ رد جمله الشارد. المغني 6/ 355.
(6) في المخطوطة: ((الضمين))، صححت من كِتَاب الهادي: 124.(1/302)
والسِّلاَحِ ذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ. وأمَّا المُسَابَقَةُ بِالأَقْدَامِ والبِغَالِ والحَمِيْرِ والفِيَلَةِ والطُّيُورِ والرِّمَاحِ والمَزَارِيْقِ (1) والسِّمَّارِيَّاتِ والمُصَارَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ (2)، ولاَ يَجُوزُ بِعِوَضٍ، ولا تَجُوزُ المُسَابَقَةُ بَيْنَ جِنْسَيْنِ (3)، كَالإِبِلِ والخَيْلِ، ولاَ عَلَى نَوْعَيْنِ عَرَبِيٍّ وهَجِيْنٍ (4) (5)، ويُتَخَرَّجُ الجَوَازُ بِنَاءً عَلَى تَسَاوِيْهِمَا فِي السَّهْمِ (6)، ولا بُدَّ مِنْ تَعْيِيْنِ الفَرَسَيْنِ وتَحْدِيْدِ المَسَافَةِ (7) وَالسَّلَمِ بِالعِوَضِ، فَإِنْ كَانَ العِوَضُ مِنَ الإِمَامِ أو مِنْ أَحَدِ المُتَسَابِقَيْنِ أو مِنْ آحَادِ الرَّعِيَّةِ عَلَى أنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا أَخَذَهُ جَازَ (8)، فَإِنْ جَاءا مَعاً فَلاَ شَيءَ لَهُمَا (9)، فَإِنْ كَانَ مِنَ المُتَسَابِقَيْنِ عَلَى مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا أَحْرَزَ الْجَمِيْعَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُدْخِلاَ مَعَهُمَا مُحَلَّلاً يُكَافِئُ فَرَسَهُ فَرَسَيْهِمَا ورَمْيَهُ رَمْيَهُما، فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَحْرَزَ سَبْقَيْهِمَا، وإِنْ سَبَقَاهُ لَمْ يَأْخُذَا
__________
(1) المزاريق: جمع مزراق وهو الرمح القصير. انظر: الروض المربع 2/ 332، والمبدع 5/ 120.
(2) قَالَ المرداوي: وهذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب وقطع بِهِ كثير منهم. وقال الآمدي: يجوز في ذلك كله إلا بالحمام، وَقِيلَ: لا بالحمام والطير.
وَقَالَ في الرعاية الكبرى: ويصح السبق بلا عوض عَلَى أقدام وبغال وحمير. وقيل: وبقر وغنم وطيور ورماح وحراب ومزاريق وشخوت ومناجيق ورمي أحجار وسفن ومقاليع. انظر: الإنصاف 6/ 89.
(3) لأن تفاضل الجنسين معلوم. الكافي 2/ 337.
(4) فِي الأصل: ((والهجين)).
(5) وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وجزم بِهِ في المحرر والوجيز والمنور وغيرهم. وقدمه في المهذب، والمستوعب والخلاصة والفروع والنظم والزركشي وغيرهم. ويحتمل الجواز، وَهُوَ وجه اختاره القاضي. ذكره في الفائق وأطلقهما في المغني والشرح والفائق.
قَالَ في الترغيب: وتساويهما في النجابة والبطالة وتكافئهما. انظر: الإنصاف 6/ 91 - 92.
(6) يشترط في المسابقة بالحيوان تحديد المسافة، وأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيها؛ لأن الغرض معرفة أسبقهما ولا يعلم ذلك إلا بتساويهما في الغاية؛ لأن أحدهما قَدْ يَكُون مقصراً فِي أول عدوه سريعاً فِي انتهائه وبالعكس فيحتاج إِلَى غاية تجمع حالتيه ومن الخيل مَا هُوَ أصبر والقارح أصبر من غيره. الشرح الكبير 11/ 133.
(7) ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي. انظر: الشرح الكبير 11/ 132.
(8) وجملة ذلك: أن المسابقة إذا كانت بين اثنين أو حزبين لَمْ يخل إمّا أن تكون منهما أو من غيرهما فإن كَانَ من غيرهما وكان من الإمام جاز سَوَاء كَانَ من ماله أو من بيت المال؛ لأن فِي ذَلِكَ مصلحةً وحثاً عَلَى تعلم الْجِهَاد ونفعاً للمسلمين، وإن كَانَ غَيْر الإمام فله بذل العوض من ماله، وبه قَالَ أبو حَنِيْفَة والشافعي وَقَالَ مَالِك: لا يجوز؛ لأن هَذَا مِمَّا يحتاج إليه في الجهاد فاختص بِهِ الإمام كتولية الولايات وتأمير الأمراء.
الشرح الكبير 11/ 134.
(9) لأنه لَمْ يوجد الشرط الَّذِي يستحق بِهِ الجعل في واحد منهم.(1/303)
مِنْهُ شَيْئاً (1)، وأَخَذَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا سَبْقَ صَاحِبِهِ، وإِنْ سَبَقَ أحَدُهُمَا أَحْرَزَ السَّبْقَيْنِ، فَإِنْ سَبَقَ مَعَ المُحَلِّلِ أَحْرَزَ سَبْقَ نَفْسِهِ ويَكُونُ السَّبْقُ المُتَأَخِّرِ بَيْنَهُ وبَيْنَ المُحَلِّلِ نِصْفَيْنِ، فَإِنْ قَالَ الإِمَامُ: مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشرَةٌ، ومَنْ صَلاَ فَلَهُ كَذلِكَ لَمْ تَصِحَّ المُسَابَقَةُ، فَإِنْ قَالَ: مَنْ صَلاَ فَلَهُ خَمْسَةٌ صَحَّتِ المُسَابَقَةُ، وإِنْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا أَطْعَمَ السَّبْقُ أَصْحَابَهُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وهَلْ تَبْطُلُ المُسَابَقَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ، والآخَرُ: تَصِحُّ، ويُمَلَّكُ السَّبْقُ فَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَهُ، وإِنْ شَاءَ أَحْرَزَهُ.
والسَّبْقُ في الخَيْلِ أَنْ تَسْبَقَ أَحَدُهُمَا (2) بالرَّأْسِ إِذَا تَمَايلَتْ الهَوَادي - وَهِيَ الأَعْنَاقُ -، فَإِنِ اخْتَلَفَا في طُوْلِ العُنُقِ أو كَانَ ذَلِكَ في /191 و/ الإِبِلِ اعْتُبِرُ السَّبْقُ بِالكَامِلِ - وَهُوَ الكَتِفُ -.
وإِذَا هَلَكَ أَحَدُ المَرْكُوبَيْنِ قَبْلَ الغَايَةِ بَطَلَ العَقْدُ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الرَّاكِبَيْنِ قَامَ وَارِثُهُ مُقَامَهُ، فَإِنْ عُدِمَ الوَارِثُ اسْتَأْجَرَ الحَاكِمُ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَلَيْسَ لأَحَدِ المُتَسَابِقَيْنِ أَنْ يُجَنِّبَ مَعَ فَرَسِهِ فَرَساً يُحَرِّضُهُ عَلَى العَدْوِ ولاَ يَرْكُضُ، ولاَ يَصِحُّ بِهِ (3).
بَابُ المُنَاضَلَةِ (4)
يُشْتَرَطُ في المُنَاضَلَةِ إِخْرَاجُ العِوَضِ (5) عَلَى مَا ذَكَرْنَا في الخَيْلِ، ولاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِتَعْيِيْنِ الرُّمَاةِ (6) سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَو جَمَاعَةً. ولاَ يَصِحُّ إِلاَّ عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّعْيَ، فَإِنْ كَانَ في
__________
(1) وبهذا قَالَ سعيد بن المسيب والزهري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وحكى أشهب عن مَالِك أنه قَالَ في المحلل: لا أحبه. الشرح الكبير 11/ 136.
(2) الكلمة في المخطوطة غَيْر واضحة.
(3) المحرر في الفقه 1/ 359. قَالَ المرداوي في الإنصاف 6/ 96: هَذَا المذهب - أعني: فعل ذَلِكَ محرم - وعليه جماهير الأصحاب. وقطع بِهِ أكثرهم. وَقَالَ ابن رزين في مختصره: يكرهان. وفسر القاضي الجنب: بأن يجنب فرساً آخر معه، فإِذا قصر الركوب ركب المجنوب.
(4) وَهِيَ المسابقة في الرمي بالسهام، والمناضلة مَصْدَر ناضلته نضالاً ومناضلة، وسمي الرمي نضالاً؛ لأن السهم التام يُسَمَّى نضلاً، فالرمي بِهِ عمل بالنضل فسمي نضالاً ومناضلة مِثْل قاتلته قتالاً ومقاتلةً، وجادلته جدالاً ومجادلةً. المغني 11/ 139.
(5) قَالَ الزركشي في شرحه 4/ 321: لا نزاع في جعل العوض في المسابقة من الإمام لما في ذَلِكَ من الحث عَلَى تعلم الجهاد والنفع للمسلمين، وكذلك يجوز عندنا جعله من غَيْر المتسابقين نظراً لما فيه من المصلحة، فأشبه شراء السلاح والخيل لِذلِكَ، ويجوز أيضاً عندنا جعله من أحد المتسابقين، وما يجدر التنبيه عليه إن شرط العوض أن يَكُون معلوماً بالمشاهدة، أو بالقدر والصفة.
(6) فظاهره عدم بطلان العقد؛ لقوله: ((ولهم الفسخ)) وهو الصَّحِيح من المذهب، وَعَلَيْهِ أكثر الأصحاب، وصححه في النظم وغيره. الإنصاف 6/ 97.(1/304)
الحِزْبَيْنِ مَنْ لاَ يُحْسِنُ الرَّمْيَ بَطَلَ العَقْدُ فِيهِ وأُسْقِطَ مِنَ الحِزْبِ الآخَرِ بِإِزَائِهِ إِنِ اخْتَارَ البَاقُونَ، وإِنِ اخْتَارُوا الفَسْخَ فَسَخُوا (1)، ولاَ يَصِحُّ إلاَّ عَلَى عَدَدٍ مِنَ الرَّشْقِ مَعْلُوماً وإصابةً معلومةً، وإِنْ يَصِفَا الإِصَابَةَ فَيَقُولا حَوَابِي: وَهُوَ مَا وَقَعَ بَيْن يَدَي الغَرَضِ وحَبا إِلَيْهِ فَأَصَابَهُ، أَو خَوَاصِرَ: وَهُوَ مَا كَانَ في جَانِبَي الغَرَضِ (2)، أو خوَاسِقَ: وَهُوَ مَا فَتَحَ الغَرَضَ وثَبَتَ فِيهِ (3)، أو خَوارِقَ: وَهُوَ مَا خَرَقَ الغَرَضَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ، أو حَوَاصِلَ: وَهُوَ اسْمٌ للإِصَابَةِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ.
ومِنْ صِفَاتِ الإِصَابَةِ:
مَوَارِقُ: وَهِيَ الَّتِي تُنْفِذُ الغَرَضَ، وخَوَارِمُ: وَهِيَ الَّتِي تَخْرُمُ الغَرَضَ، وَلَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ المُنَاضَلَةِ، وأَنْ يَكُونَ الَّذِي بَيْنَ الغَرَضَيْنِ مَعْلُوماً مُقَدَّراً بما جَرَتْ بِهِ العَادَةُ مِنْ مِئَتَي ذِرَاعٍ (4) إِلَى ثلاثِ مئة ذراع، فَإِنْ قَالاَ السَّبْقَ لأَبْعَدِنَا رَمْياً مِنْ غَيْرِ تَقْدِيْرٍ لَمْ يَصِحَّ (5)، ولاَ بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ طُوْلِ الغَرَضِ وعَرْضِهِ وسُمْكِهِ وارْتِفَاعِهِ مِنَ الأَرْضِ ومَعْرِفَةِ الرَّمْيِ هَلْ هُوَ مُنَاضَلَةٌ أو مُحَاطَّةٌ أو مُبَادَرَةٌ.
فَالمُنَاضَلَةُ: اشْتِرَاطُ إِصَابَةِ عَدَدٍ مِنْ عدَدِ فَوْقِهِ كإِصَابَةِ عَشرَةٍ مِنْ عِشْرِيْنَ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَا (6) مِنْهُمَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا في الإِصَابَةِ أَحْرَزَا سَبْقَهُمَا، فَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا تِسْعَةً والآخَرُ عَشرَةً أو أَكْثَرَ فَقَدْ نَضَلَهُ.
والمُحَاطَّةُ: أَنْ يَشْتَرِطَا حَطَّ مَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ مِنَ الإِصَابَةِ في رَشْقٍ مَعْلُومٍ، وإِذَا فَصَلَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ صَاحِبَهُ، بَيَانُهُ أَنْ يَجْعَلَ الرِّشْقَ عِشْرِيْنَ ثُمَّ يُسْقِطَا (7) مَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ مِنَ الإِصَابَةِ، ويُفَضِّلُ لأَحَدِهِمَا خَمْسَةً أو ثَلاَثَةً أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا ينْقصَانِ عَلَيْهِ.
__________
(1) هكذا قَالَ أكثر الأصحاب. وقدمه في الرعاية الكبرى. الإنصاف 6/ 98.
(2) فَلا يصح مَعَ الإبهام؛ لأن الغرض مَعْرِفَة حذق الرامي بعينه لا مَعْرِفَة حذق رامٍ في الجملة. المغني 11/ 141.
(3) ومنه قِيلَ: الخاصرة؛ لأنها في جانب الإنسان.
(4) لأن الإصابة تَخْتَلِف بقربها وبعدها ومهما اتفقا عَلَيْهِ جاز لا أن يجعلا مسافة بعيدة تتعذر الإصابة في مثلها وَهُوَ مَا زاد عَلَى ثلاث مئة ذراع فَلا يصح؛ لأن الغرض يفوت بِذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ: إنه مَا رمى إلى أربع مئة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه -. المغني 11/ 140.
(5) لأن الغرض من الرمي الإصابة لاَ بُعد المسافة، فإن المقصود من الرمي إما قتل العدو أو جرحه أو الصيد أو نحو ذَلِكَ وكل هَذَا إنما يحصل من الإصابة لا من الأبعاد. المغني 11/ 141.
(6) في المخطوطة: ((يستوفيان)).
(7) في المخطوط: ((يسقطان)).(1/305)
فَأَمَّا المُبَادَرَةُ: فَأَنْ يَشْتَرِطَا (1) إِصَابَةً مَعْلُومَةً مِنَ الرَّشْقِ فَأَيُّهُمَا بَدَرَ إِلَيْهَا مَعَ تَسَاوِيْهِمَا في الرَّمْيِ /192 ظ/ فَقَدْ سَبَقَ ولاَ يَلْزَمُ إِتْمَامَ الرَّشْقِ بيانُه إِنْ يَشْتَرِطَا أَنَّ مَنْ سَبَقَ إلى خَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِيْنَ رَمْيَةً، فَيَرْمِي كُلُّ وَاحِدٍ عَشرَةً فَيُصِيْبُ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً، والآخَرُ أَرْبَعَةً؛ فيَكُونُ الأَوَّلُ سَابِقاً، ولاَ يَفْتَقر في النِّضَالِ إلى تَعْيِيْنِ القَوْسِ والسِّهَامِ إِذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إِنْ تَنَاضَلاَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا عَنْ قَوْسٍ عَرَبِيٍّ، والآخَرُ عَنْ قَوْسٍ فَارِسِيٍّ لَمْ يَصِحَّ العَقْدُ، ولاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِيْنِ المُبْتَدِئِ بالرَّمْيِ، فَإِنْ أَطْلَقَا ثُمَّ تَرَاضَيا بَعْدَ العَقْدِ جَازَ، وإِنْ تَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وقَالَ شَيْخُنا: يُقَدَّمُ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبْقِ.
والسُّنَّةُ في النِّضَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا غَرَضَانِ، فَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا بِغَرَضٍ بَدَأَ الآخَرُ بِالثَّانِي، وإِذَا عَرَضَ لأَحَدِهِمَا عَارِضٌ مِنْ قَطْعِ وَتَرٍ أو كَسْرِ قَوْسٍ أو هُبُوبِ رِيْحٍ شَدِيْدَةٍ تَرُدُّ السَّهْمَ عَرْضاً لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بذَلِكَ السَّهْمُ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ النِّضَالُ، وإِنْ عَرَضَ ظُلْمَةٌ أو مَطَرٌ جَازَ تَأْخَيْرُ الرَّمْيِ، وإِنْ أَطَارَتِ الرِّيْحُ الغَرَضَ فَوَقَعَ السَّهْمُ في مَوْضِعِهِ، فَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمُ الإِصَابَةُ احْتُسِبَتْ لَهُ، وإِنْ [كَانَ] (2) شَرَطُهُمْ خَوَاسِقَ أو خَوَارِقَ لَمْ يُحْتَسَبْ، ويُكْرَهُ للأَجِيْرِ والشُّهُودِ مَدْحُ أَحَدِ المُتَنَاضِلَيْنِ وَزَهْزَهَتُهُ؛ لأَنَّ فِيهِ كَسْرَ قَلْبِ صَاحِبِهِ.
كِتَابُ الوَدِيْعَةِ (3)
الوَدِيْعَةُ: مِنَ العُقُودِ الجَائِزَةِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ في يَدِ المُوْدَعِ يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا في حِرْزِ مِثْلِهَا (4) إِلاَّ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ المُوْدِعُ حِرْزاً، فَإِنْ نَقَلَهَا عَنْ ذَلِكَ إلى حِرْزٍ مِثْلِه، أو أَحْرَزَ مِنْهُ لَمْ يضْمَنْ، وإِنْ نَقَلَهَا إلى دُوْنِهِ ضَمِنَ، وَقِيلَ: إِذَا نَقَلَهَا إِلى مِثْلِ الحِرْزِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ضَمِنَ بِأَنْ نَهَاهُ عَنْ إِخْرَاجِهَا عَنْ ذَلِكَ الحِرْزِ فَأَخْرَجَهَا بِتَخَوُّفِهِ عَلَيْهَا مِنْ حَرِيْقٍ أَو نَهْبٍ لَمْ يَضْمَنْ (5)، وإِنْ تَرَكَهَا فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ فلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ (6) في الحَالَتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ: لاَ يُقعدُ عَلَيْهَا أو لاَ يُتِمُّ فَوْقَهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ، فَإِنْ قَالَ: اجْعَلْهَا في كُمِّكَ فَتَرَكَهَا في جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وإِنْ
__________
(1) في المخطوطة: ((يشترطان)).
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) الوديعة: فعيلة، بمعنى مفعولة من الودع، وَهُوَ الترك، أي: متروكة عند المودع. انظر: شرح الزركشي 3/ 77.
(4) انظر: المحرر في الفقه 1/ 364.
(5) لأنه ممتثل لأمره غير مفرط في ماله. المغني 7/ 285.
(6) انظر: المغني والشرح الكبير 7/ 285 - 286.(1/306)
تَرَكَهَا في يَدِهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (1)، فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ رَدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا، فَإِنْ كَانَ غَائِباً فَلَهُ حَمْلُهَا مَعَهُ إِذَا كَانَ أَحْرَزَ لَهَا، فَإِنْ خاف عَلَيْهَا في السَّفَرِ دَفَعَهَا إلى الحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِماً فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهَا إلى ثِقَةٍ في البَلَدِ فَقَدْ نَصَّ في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ (2) لاَ يُودِعُهَا إِذَا خَافَ عَلَيْهَا.
وَقَالَ شَيْخُنا (3): يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ دَفَعَ الوَدِيْعَةَ إِلَى مَنْ في دَارِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ /193 و/ أو أَمَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ وإِنْ دَفَعَهَا إلى أَجْنَبِي لِيَحْفَظَهَا ضَمِنَ، وَلَيْسَ لِلِمَالِكٍ مُطَالَبَةُ الأَجْنَبِي عَلَى ظَاهِرِ كَلاَمِهِ في رِوَايَةِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئ، وَقَالَ شَيْخُنَا (4): يَضْمَنُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وإِذَا تَدَاعَيَا تَعَدَّى في الوَدِيْعَةِ، مِثْلُ: إِنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا، أَو ثَوْباً فَلَبِسَهُ، أو دَرَاهِمَ فَأَخْرَجَهَا لِيُنفِقَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا، أَو جَحَدَ الوَدِيْعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، أو كَانَ كِيْساً مَخْتُوماً فَكَسَرَ خَتْمَهُ وفَتَحَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ (5)، وإِنْ أَوْدَعَهُ دَرَاهِمَ صِحَاحاً فَخَلَطَهَا في مُقَطَّعَةٍ لَمْ يَضْمَنْ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ وأَبِي بَكْرٍ (6)، وَقَالَ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ: إِذَا اسْتَوْدَعَ دَرَاهِمَ بِيْضاً فَخَلَطَهَا في سُودٍ ضَمِنَ، ومَعْلُومٌ أَنَّهَا تَثْمِيْنَ فَتُخَرَّجُ المَسْأَلَتَانِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ أَخَذَ بَعضَها فَأَنْفَقَهُ وَرَدَّ بَدَلَهُ ضَمِنَ الكُلَّ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (7)، وَفِي الأُخْرَى: يَضْمَنُ مِقْدَارَ مَا أَخَذَ، فَإِنْ أَرَادَ سَفَراً مَخْوفاً فَدَفَعَ الوَدِيْعَةَ في دَارِهِ وأَعْلَمَ بِهَا ثِقَةً يَسْكُنُ في الدَّارِ ضَمِنَ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ (8)، والآخَرُ لا يَضْمَنُ، فَإِنْ أَوْدَعَهُ بَهِيْمَةً فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ ضَمِنَ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بإِذْنِ الحَاكِمِ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ، وإِنْ أَنفقَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ مُحْتَسِباً عَلَى المَالِكِ، فَهَلْ يَرْجِعُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ نَهَاهُ المَالِكُ عَنْ عَلْفِهَا فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ أَثِمَ وَلَمْ يَضْمَنْ، فَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيّاً وَدِيْعَةً فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ (9)، وإنْ أَتْلَفَهَا الصَّبِيُّ، قَالَ شَيْخُنا: يَضْمَنُ (10)، وَقَالَ غَيْرُهُ: لا يَضْمَنُ، فَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيٌّ مَالاً عِنْدَ بَالِغٍ ضَمِنَهُ البَالِغُ، وَلَمْ يَبْرَأْ
__________
(1) أحدهما: يضمن؛ لأن سقوط الشيء من اليد مَعَ النسيان أكثر من سقوطه من الكم.
الثَّانِي: لا يضمن؛ لأن اليد لا يسلط عَلَيْهَا الطرار. انظر: المغني 7/ 287.
(2) انظر: شرح الزركشي 3/ 79.
(3) المغني 7/ 288.
(4) انظر: شرح الزركشي 3/ 80.
(5) لأنه هتك الحرز بفعل تعدى بِهِ. المغني 7/ 295.
(6) انظر: الشرح الكبير 7/ 293.
(7) انظر: الكافي 3/ 91.
(8) انظر: شرح الزركشي 3/ 79.
(9) نص عليه أحمد، وهو قول أبي حنيفة، وقال الشافعي: يضمن. انظر: المغني 7/ 283.
(10) المصدر السابق.(1/307)
إِلاَّ بالتَّسْلِيْمِ إلى وَلِيِّهِ، فَإِنْ أَوْدَعَ عَبْداً وَدِيْعَةً فَأَتْلَفَهَا ضَمِنَ ويَكُونُ في رَقَبَتِهِ، وإِذَا تَلِفَتِ الوَدِيْعَةُ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ فلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الأُخْرَى: يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ (1).
بَابٌ في تَدَاعِي المُوْدِعِ والمُوْدَعِ
إِذَا اتَّفَقَا في الإيِدَاعِ، واخْتَلَفَا في الرَّدِّ أو التَّلَفِ أو التَّفْرِيْطِ في الحِفْظِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ المُودَعِ مَعَ يَمِيْنِهِ؛ لأَنَّهُ أَمْتَنُ، وكَذلِكَ إنْ قَالَ: أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلى فُلاَنٍ فَدَفَعَهَا فَقَالَ المَالِكُ: مَا أَمَرْتُكَ، فَالقَوْلُ قَوْلُ المُوْدَعِ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ مَاتَ المُوْدِعُ فَادَّعَى وَارِثُهُ رَدَّ الوَدِيْعَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وإِنْ تَلِفَتِ الوَدِيْعَةُ عِنْدَ الوَارِثِ قَبْلَ إِمْكَانِ رَدِّهَا لَمْ يَضْمَنْ، وإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ إِمْكَانِ رَدِّهَا ضَمِنَ، فَإِنْ جَحَدَ الوَدِيْعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، أو قَامَتْ عَلَيْهِ بِهَا بَيِّنَةٌ فَقَالَ /194 ظ/ بَعْدَ ذَلِكَ تَلِفَتْ نَظَرْنَا في جُحُودِهِ، فَإِنْ قَالَ: لاَ وَدِيْعَةَ عِنْدِي، أو لاَ يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ وَدِيْعَةً فَالقَوْلُ قَوْلُهُ في التَّلَفِ، وإِنْ قَالَ: لَمْ يُوْدِعْنِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ في التَّلَفِ وإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً؛ لأَنَّهُ كَذَّبَهَا بِقَوْلِهِ: لَمْ يُوْدِعْنِي، وإِذَا كَانَ في يَدِهِ عَيْنٌ وَدِيْعَةً فَادَّعَاهَا رَجُلاَنِ فَأَقَرَّ بِهَا لأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ ويَحْلِفُ للآخَرُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنِ اليَمِيْنِ قُضِيَ عَلَيْهِ بالبَدَلِ للثَّانِي، فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا ويَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ نِصْفُ بَدَلِهَا لِكلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ قَالَ: هِيَ لأَحَدِهِمَا ولاَ أَعْرِفُ عَيْنَهُ فَقَالاَ: بَلْ يَعْلَمْ ذَلِكَ حَلَفَ (2) يَمِيْناً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ أَيَّهُمَا مَالِكُهَا إِلاَّ أَنْ يُصَدِّقَاهُ فَلاَ يَحْلِفُ ويَقْرَعُ بَيْنَ المُتَدَاعِيَيْنِ، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ القُرْعَةُ حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ وَدُفِعَتْ إِلَيْهِ وَإِذَا أَوْدَعَ اثْنَانِ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيْعَةً مِنْ مَكِيْلٍ أَو مَوْزُونٍ فَجَاءَ أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ نَصِيْبَهُ، والآخَرُ غَائِبٌ لَزِمَ المُوْدعَ دَفْعَ نَصِيْبِهِ إِلَيْهِ، وكَذلِكَ إِنْ كَانَ حَاضِراً وامْتَنَعَ مِنَ المُطَالَبَةِ بِنَصِيْبِهِ، أو الإِذْنِ في التَّسْلِيْمِ إلى صَاحِبِهِ، وإِذَا مَاتَ المُودَعُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَكَانَ الوَدِيْعَةِ ضَمِنَ وكَانَتْ دَيْناً في تَرِكَتِهِ، وإِذَا غُصِبَت الوَدِيْعَةَ فَقَالَ شَيْخُنَا: لَيْسَ للمُودَعِ المُخَاطَبَةُ فِيْهَا إِلاَّ بِتَوَكُّيلِ المَالِكِ، وعِنْدِي: لَهُ ذَلِكَ؛ لأَنَّ لَهُ حَقَّ اليَدِ والحِفْظِ، فَهُوَ كَالمُسْتَأْجِرِ لِمَا كَانَ لَهُ حَقُّ المَنْفَعَةِ خَاصَمَ في العَيْنِ والمُرْتَهَنِ لِمَا كَانَ لَهُ حَقُّ اليَدِ طَالَبَ بِالعَيْنِ.
__________
(1) الشرح الكبير 7/ 285.
(2) في المخطوط: ((حلف عَلَى يميناً)).(1/308)
كِتَابُ العَارِيَةِ (1)
العَارِيَةُ (2): هِبَةُ مَنْفَعَةٍ فَلاَ يَمْلِكُ المُسْتَعِيْرُ مِنْهَا إِلاَّ مَا قَبَضَهُ بِالانْتِفَاعِ، ومَتَى أَرَادَ المُعِيْرُ الرُّجُوعَ رَجَعَ، ويَجُوزُ إِعَارَةُ كُلِّ المَنَافِعِ إِلاَّ مَنَافِعَ البَضعِ (3)، ويُكْرَهُ إِعَارَةُ الأَمَةِ الشَّابَّةِ لِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ (4) أو امْرَأَةٍ، ويُكْرَهُ اسْتِعَارَةُ أَبَوَيْهِ للخِدْمَةِ (5) ولاَ بَأْسَ باسْتِعَارَةِ وَلَدِهِ للخِدْمَةِ. ولاَ يَجُوزُ إِعَارَةُ العبد المُسْلِمِ لِكَافِرٍ وَلاَ الصَّيْدَ لِمُحْرِمٍ، ومَنِ اسْتَعَارَ أَرْضاً للغِرَاسِ لَمْ (6) يَبنِ فِيْهَا ولَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيْهَا، فَإِن اسْتَعَارَهَا للبِنَاءِ والزَّرْعِ لَمْ يَغْرِسْ فِيْهَا، فَإِنِ اسْتَعَارَهَا لِزَرْعِ الحِنْطَةِ جَازَ لَهُ زَرْعَ الشَّعِيْرِ والبَاقِلاَّءِ ومَا ضَرَرُهُ أَقَلُّ مِنَ الحِنْطَةِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ زَرْعَ الذِّرَةِ والقُطْنِ ومَا ضَرَرُهُ أَكْبَرُ، فَإِنْ اَعَارَهُ مُطْلَقاً زَرَعَ مَا شَاءَ، فَإِنْ رَجَعَ
__________
(1) وهي مشتقة من: عار الشيء إذا ذهب وجاء، ومنه قِيلَ للبطال: عيار لتردده في بطالته، والعرب تقول: أعاره وعاره مِثْل أطاعه وطاعه، والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع. انظر: المغني والشرح الكبير 5/ 354.
(2) وَقَالَ ابن قدامة: هِيَ إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال. المغني 5/ 354.
ومما يجدر التنبيه عليه أن العارية يد آخذة، والوديعة يد معطاءة، فالعارية مِثْل القرض فجميعاً قابضها ضامن، والفرق بينهما أن العين المُستعارة لا يجوز استهلاكها، وَلاَ هبتها، وَلاَ تغيرها، وَلاَ التصرف فِيْهَا؛ بخلاف المعير. انظر: شرح الزركشي 2/ 541.
(3) وسبب التجويز من أبي الخطاب؛ لأن هذِهِ الأعيان ينتفع بِهَا منفعة مباحة مَعَ بقائها عَلَى الدوام كالدور والعبيد والجواري والدواب والثياب والحلي للبس والفحل للضراب والكلب للصيد وغير ذَلِكَ؛ لأن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - استعار أدراعاً وذكر إعارة دلوها وفحلها، وذكر ابْن مَسْعُود عارية القدر والميزان، فثبت الحكم فِي هذِهِ الأشياء وما عداها يقاس عَلَيْهَا إذا كَانَ فِي معناها لأنَّ مَا جاز للمالك استيفاؤه من المنافع ملك اباحته إِذَا لَمْ يمنع مِنْهُ مانع كالثياب، ويجوز استعارة الدراهم والدنانير للوزن، فإن استعارها لينفقها = = فَهُوَ قرض وهذا قَوْل أصحاب الرأي، وَقِيلَ: لا يجوز ذَلِكَ وَلاَ تَكُون العارية في الدنانير، وَلَيْسَ لَهُ أن يشتري بِهَا شيئاً.
قَالَ ابن قدامة: ولنا أن هَذَا مَعْنَى القرض، فانعقد القرض بِهِ كَمَا لَوْ صرح بِهِ. فأما منافع البضع فَلاَ تستباح بالبذل وَلاَ بالإباحة إجماعاً، وإنما يباح بأحد شيئين الزوجية وملك اليمين، قَالَ تَعَالَى:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (المؤمنون: 5 - 7) ولأن منافع البضع لَوْ أبيعت بالبذل والعارية لَمْ يحرم الزنا لأن الزانية تبذل نفعها لَهُ والزاني لَهَا. الشرح الكبير 5/ 355 - 356.
(4) لأنه لا يؤمن عَلَيْهَا.
(5) لأنه يكره استخدامها فكره استعارتهما لِذلِكَ.
(6) وردت فِي الأصل ((وَلَمْ)) والصواب مَا أثبتناه. انظر: الهادي 129.(1/309)
المُعِيْرُ والزَّرْعُ قَائِمٌ وكَانَ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيْلاً حَصَدَهُ وإِلاَّ لَزِمَ المُعَيَّرَ تَرْكُهُ إِلَى الحَصَادِ /195 و/ ولَهُ الرُّجُوعُ مِنْ وَقْتِ الرُّجُوعِ، فَإِنْ أَعَارَهُ للبِنَاءِ والغِرَاسِ مُطْلَقاً جَازَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَرْجِعْ (1)، فَإِنْ وَقَّتَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَرْجِعْ أو يَمْضِ (2) الوَقْتُ، فَإِنْ رَجَعَ فِيْمَا أُذِنَ وكَانَ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ القَطْعَ عِنْدَ المُطَالَبَةِ أو انْقضَاء الوَقْتِ لَزِمَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ النَّقْصَ وَلَمْ يُلْزِمِ المُسْتَعِيْرَ تَسْوِيَةُ الأَرْضِ وإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ القَلْعَ لَمْ يَلْزَمْهُ القَلْعُ إِلاَّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ قِيْمَةَ البِنَاءِ والغِرَاسِ ويَضْمَنَ لَهُ مَا نَقَصَ، فَإِنِ امْتَنَعَ المُعِيْرُ مِنَ الضَّمَانِ والمُسْتَعِيْرُ مِنَ القَلْعِ، وامْتَنَعَا مِنَ البَيْعِ لِغَيْرِهِمَا تُرِكَ الأَمْرُ وَاقِفاً (3)، وللمُعِيْرِ دُخُولُ أَرْضِهِ والتَّصَرُّفُ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَضرُ بالبِنَاءِ والغِرَاسِ، وللمُسْتَعِيْرِ دُخُولُهَا للسَّقْيِ والإِصْلاَحِ وأَخْذِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُ دُخُولُهَا للفرجَةِ ونَحْوِهَا. وإِذَا بَنَى المُسْتَعِيْر بَعْدَ المَنْعِ أو الوَقْتِ، فَعَلَيْهِ القَلْعُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ لَهُ، وتَسْوِيَةُ الأَرْضِ، وأُجْرَةُ المِثْلِ لِذلِكَ، ولاَ يَمْنَعُ مَالِك الأَرْضِ مِنْ بَيْعِ أَرْضِهِ ولاَ مَالِكُ الغِرَاسِ مِنْ بَيْعِ غَرْسِهِ لِمَنْ أَرَادَ (4).
وإِذَا حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ الرَّجُلِ إلى أَرْضِ آخَرَ فَنَبَتَ فَالزَّرْعُ لِمَالِكِ البَذْرِ يبقَى حَتَّى يُسْتَحْصَدَ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ المِثْلِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ قَلْعَهُ، وَقِيلَ: هُوَ لِصَاحِبِ الأَرْضِ، وَعَلَيْهِ قِيْمَةُ البَذْرِ. وإِذَا أَعَارَهُ حَائِطاً لِيَضَعَ عَلَيْهِ أَطْرَافَ خَشَبَةٍ لَمْ يَكُنْ للمُعِيْرِ الرُّجُوعُ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِالمُسْتَعِيْرِ مَا دَامَ الخَشَبُ عَلَى الحَائِطِ (5)، فَإِنِ انْهَدَمَ الحَائِطُ أو وَقَعَ الخَشَبُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ إِلاَّ بِإِذْنٍ مُسْتَأْنَفٍ (6)، فَإنْ أَعَارَهُ أَرْضاً للدَّفْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَبْلَ المَيِّتُ، كَذلِكَ إِنْ أَعَارَهُ سَفِيْنَةً فَحَمَلَ فِيْهَا مَتَاعَهَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِتَفْرِيْغِهَا مَا دَامَتْ في لُجَّةِ البَحْرِ، وكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ في مَالِهِ جَازَ لَهُ إِعَارَتُهُ (7).
__________
(1) انظر: المغني 5/ 366.
(2) في المخطوطة: ((يمضي)).
(3) انظر: المصدر السابق 5/ 366 - 367.
(4) انظر: الشرح الكبير 5/ 363.
(5) قَالَ المرداوي في الإنصاف 6/ 106: هَذَا المذهب وَعَلَيْهِ أكثر الأصحاب، وفيه احتمال بالرجوع، ويضمن نقصه.
(6) هَذَا المذهب، سَوَاء أعيد الحائط بآلته الأولى أو بغيرها. جزم بِهِ في الشرح، وشرح ابن منجا، والفروع، والمذهب، والمستوعب، والحاوي، والنظم، والفائق، والمحرر، وغيرهم. قَالَ الحارثي: قاله المصنف، والقاضي، وابن عقيل في آخرين من الأصحاب، قَالَ: وقال القاضي، والمصنف في باب الصلح: لَهُ إعادته إلى الحائط، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح اللائق بالمذهب؛ لأن البيت مستمر، فكان الاستحقاق مستمراً. انظر: الإنصاف 6/ 106.
(7) انظر: المغني 5/ 365.(1/310)
والعَارِيَةُ مَضْمُونَةٌ بِقِيْمَتِهَا يَومَ التَّلَفِ بِكُلِّ حَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ (1). وَقَالَ أبُو حَفْصٍ العُكْبُرِيُّ (2): إِنْ شَرَطَ نَفْيَ الضَّمَانِ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ أَجْزَاؤهَا بالاسْتِعْمَالِ كَحَمْلِ المِنْشَفَةِ والطَّنْفِسَةِ (3) والقَطِيْفَةِ (4) فَهَلْ يَضْمَنُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ (5). وَلَيْسَ للمُسْتَعِيْرِ أَنْ يُعِيْرَ، فَإِنْ خَالَفَ وأَعَارَ فَتَلِفَتْ عِنْدَ الثَّانِي فَضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الأَوَّلِ، وإِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ دَابَّةً فَرَكِبَهَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ المَالِكُ: أَجَرْتُكَهَا فَادْفَعْ إِلَيَّ أُجْرَةَ الرُّكُوبِ، وَقَالَ الرَّاكِبُ: بَلْ أَعَرْتَنِي، فَالقَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ مَعَ يَمِيْنِهِ ولَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ، فَإِنْ قَالَ المَالِكُ: أَعَرْتُكَهَا، وَقَالَ الرَّاكِبُ: بَلْ أَجَرْتَنِي /196 ظ/ فَالقَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ، وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ المَالِكُ غَصَبْتَنِي وَقَالَ الرَّاكِبُ: بَلْ أَعَرْتَنِي فَالقَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ، وَقِيلَ: بَلْ القَوْلُ قَوْل للرَّاكِبِ (6).
وإِذَا اخْتَلَفَ المُعِيْرُ والمُسْتَعِيْرُ في رَدِّ العَارِيَةِ فَالقَوْلُ قَوْلُ المُعِيْرِ، وعَلَى المُسْتَعِيْرِ مَؤُنَةُ رَدِّ العَارِيَةِ إِلى مَالِكِهَا، فَإِنْ رَدَّ العَارِيَةَ إِلى مَالِكِهَا، و (7) رَدَّ الدَّابَّةَ المُسْتَعَارَةَ إلى اسْطَبْلِ المَالِكِ أو إلى غلامِهِ لَمْ يبرأ مِنَ الضَّمَانِ (8).
كِتَابُ الغَصْبِ
الغَصْبُ: هُوَ الاسْتِيْلاَءُ عَلَى مِلْكِ الغَيْرِ قَهْراً بِغَيْرِ حَقٍّ (9)، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ
__________
(1) الشرح الكبير 5/ 366.
(2) المصدر السابق.
(3) الطَّنْفَسَة: البساط، والنمرقة فَوْقَ الرحل. المعجم الوسيط: 568.
(4) القطيفة: كساء أَوْ دثار أَوْ فراش ذو أهداب. انظر: المعجم الوسيط: 747.
(5) أحدهما: يجب ضمانه؛ لأَنَّهُ أجزاء عين مضمونة فوجب ضمانها كالمغصوب؛ ولأنها أجزاء يَجِبُ ضمانها لَوْ تلفت العين قَبْلَ استعمالها فتضمن إِذا تلفت وحدها كالأجزاء الَّتِي لا تتلف بالاستعمال.
الثَّانِي: لا يضمنها وبه قَالَ الشافعي؛ لأن الأذن فِي الاستعمال تضمنه فَلاَ يجب ضمانه كالمنافع وكما لَوْ أذن في إتلافها صريحاً وفارق مَا إذا تلفت العين قَبْلَ استعمالها؛ لأَنَّهُ لا يمكن تمييزها من العين. انظر: الشرح الكبير 5/ 367.
(6) انظر: الشرح الكبير 5/ 369.
(7) فِي الأصل: ((فإن)) ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(8) انظر: المصدر السابق.
(9) قَالَ المرداوي في الإنصاف 6/ 121: ((وَلَيْسَ بجامع - أي: التعريف - لعدم دخول غصب الحيوان، وخمر الذمي، والمنافع، والحقوق، والاختصاص)).(1/311)
المِلْكُ مَنْقُولاً أو غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالعَقَارِ، ونَقَلَ عَنْهُ أحمد بنِ مَنْصُورٍ (1) فِيْمَنْ غَصَبَ أَرْضاً وأَصَابَهَا غَرَقٌ مِنْ جِهَةِ الغَاصِبِ غُرِّمَ قيمةُ الأَرْضِ، وإِنْ كَانَ سَبَباً مِنَ السَّمَاءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيءٌ، وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لاَ تُضْمَنُ بِالغَصْبِ وإِنَّمَا تُضْمَنُ بِالإِتْلاَفِ مِنْ جِهَةٍ، ويَضْمَنُ الغَاصِبُ بِنَفْسِ الاسْتِيْلاَءِ، فَإِنْ كَانَ المَغْصُوبُ مَوْجُوداً فَعَلَيْهِ الرَّدُّ وَلَوْ (2) غُرِّمَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيْمَتِهِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُرْمَةُ حَيَوَانٍ بِخَيْطٍ غَصَبَهُ فَأَخَاطَ بِهِ جرْحَهُ، فَإِنْ كَانَ الحَيَوَانِ لِغَيْرِ الغَاصِبِ أو للغَاصِبِ لَكِنَّهُ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ ويُغَرَّمُ قِيْمَتُهُ (3)، وإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ (4):
أَحَدُهُمَا: لاَ يُرَدُّ أَيْضاً.
والثَّانِي: يَلْزَمُ رَدُّهُ.
فَإِنْ خَشِيَ تَلَفَ الحَيَوَانِ ذَكَّاهُ، فَإِنْ مَاتَ الحَيَوَانُ لَزِمَهُ انْتِزَاعُ الخَيْطِ ورَدُّهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ آدَمِيّاً فَلاَ يَلْزَمْهُ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُرْمَةُ مَالِ الغَاصِبِ غَيْرِ الحَيَوَانِ كَبِنَائِهِ عَلَى سَاحَةِ الغَصْبِ لَزِمَهُ الرَّدُّ، وإِنِ انْتَقَضَ البِنَاءُ لِغَيْرِ الغَاصِبِ كَلَوْحٍ تُرْقَعُ بِهِ سَفِيْنَتُهُ فَيَحْمِلُ فِيْهَا مَالَ الغَيْرِ وعَلاَ في لجة البحر لَمْ تُقْلَعْ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِيْهَا للغَاصِبِ أَو خشِيَ غَرَقُهَا لَمْ يُقْلَعْ حَتَّى تَرْسِيَ عَلَى جَزِيْرَةٍ، ويُحْتَمَلُ أَنْ تقْلَعَ ولاَ يَنْتَظِرُ ذَلِكَ كَمَا لاَ يَنْتَظِرُ وُقُوعَ البِنَاءِ الَّذِي أُدْخِلَ فِيهِ، فَإِنْ رَدَّهُ الغَاصِبُ وَقَدْ نَقَصَتْ قِيْمَتُهُ لِتَغَيُّرِ الأَسْعَارِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ لِنُقْصَانِ القِيْمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الكَحَّالِ (5)، فَإِنْ (6) زَادَتْ قِيْمَتُهُ في يَدِهِ لِزِيَادَةِ حَبَلٍ أَو سِمَنٍ أو تَعْلُّمِ صَنْعَةٍ مُبَاحَةٍ ثُمَّ نَقَصَتْ لِزَوَالِ ذَلِكَ حَتَّى قِيْمَتُهَا رَدَّهَا ورَدَّ قِيْمَةَ الزِّيَادَةِ الَّتِي كَانَتْ حَدَثَتْ، فَإِنْ عَادَتْ مِثْلُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فَعَادَتِ القِيْمَةُ إِلَى الحَالَةِ الأُوْلَة، فَهَلْ يَضْمَنُ الزِّيَادَةُ الأُوْلَة؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ، والآخَرُ: لاَ يَضْمَنُ (7). وإِنْ كَانَ
__________
(1) انظر: المغني 5/ 378، وشرح الزركشي 2/ 543، والإنصاف 6/ 123.
(2) ((وَلَوْ)) تكررت في المخطوطة.
(3) وَذَلِكَ إن خيف عَلَى الحيوان الموت عِنْدَ قلع الخيط. انظر: الإنصاف 6/ 139.
(4) أطلق الوَجْهَيْنِ هنا ولَمْ يفصل بَيْنَ الغاصب وغيره، فإن لَمْ يَكُنْ للغاصب لَمْ يقلع الخيط، وإن كَانَ للغاصب فعلى وَجْهَيْنِ كَمَا قَالَ، وأضاف ابن قدامة ثالثاً: وَهُوَ إن كَانَ معدّاً للأكل كبهيمة الأنعام، والدجاج ونحوه ذبح ورده، وإلاَّ فَلاَ. انظر: الشرح الكبير 5/ 393، والإنصاف 6/ 139 - 140.
(5) وَعَنْهُ: يضمن، اختارها ابن أبي موسى، وَقِيلَ: يضمن نقصه مَعَ تغير الأسعار إذا تلف، وإلا فَلاَ. انظر: المغني 5/ 400، والإنصاف 6/ 155.
(6) تكررت في المخطوطة.
(7) انظر: المغني 5/ 398، والإنصاف 6/ 157.(1/312)
/197 و/ المَغْصُوبُ قَدْ تَلِفَ وَكَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ كَالمَكِيْلِ والمَوْزُوْنِ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ أَعْوَزَ المِثْلُ ضَمِنَهُ بِقِيْمَةِ المِثْلِ يَوْمَ انْقِطَاعِهِ ويَتَخَرَّجُ أَنْ يُلْزِمَهُ قِيْمَةَ المِثْلِ أَكْثَرَ مَا كَانَ مِنْ يَوْمِ الغَصْبِ إِلَى يَوْمِ تَعَذُّرِ المِثْلِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيْمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ، نَصَّ عَلَيْهِ (1)، وَقَالَ الخِرَقِيُّ (2): عَلَيْهِ قِيْمَتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ يَوْمِ الغَصْبِ إِلَى يَوْمِ التَّلَفِ (3)، ويَتَخَرَّجُ: أَنَّ عَلَيْهِ قِيْمَتُهُ يَوْمَ الغَصْبِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي رِوَايَةِ كِبَارِ أَصْحَابِهِ فِي حَوَائِجِ البَقَّالِ يُعْطِيْهِ عَلَى سِعْرِ يَوْمِ أَخَذَ وتُعْتَبَرُ القِيْمَةُ فِي البَلَدِ الَّذِي غَصَبَ فِيهِ بِنَقْدِ ذَلِكَ البَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِي البَلَدِ نُقُودُ قَوْمٍ بِغَالِبِهَا إِذَا كَانَ المتلف من غَيْر جنسه فإن كَانَ المُتْلَفُ مِنْ جِنْسِ نَقْدِ البَلَدِ وكَانَ مَصُوغاً قِيْمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ وَزْنِهِ نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَتْ الصِّيَاغَةُ مُبَاحَةً كَحُلِيِّ النِسَاءِ ومَا يُبَاحٌ مِنْ حُلِيِّ الرِّجَالِ قُوِّمَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ (4)، وإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً كَالآنِيَةِ لَغَتِ الصَّنْعَة وَضَمِنَ بِمِثْلِهِ وَزْناً، فَإِنْ خَرَجَ المَغْصُوبُ عَنْ يَدِ الغَاصِبِ بِأَنْ كَانَ عَبْداً فَأَبَقَ، أَو دَابَّةً فَشَرَدَتْ ضَمِنَ قِيْمَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ رَدَّهُ وأَخَذَ القِيْمَةَ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ عَيْنِهِ جُزْءاً أو جَنَى عَلَيْهِ بتَحْرِيْقٍ أو كَسْرٍ ضَمِنَ مَا نَقَصَهُ سَوَاءٌ كَانَ المَغْصُوبُ رَقِيْقاً أَو غَيْرَهُ مِنَ الأَمْوَالِ، وَعَنْهُ: أَنَّ عَيْنَ الدَّابَّةِ - خَاصَّةً - تُضْمَنُ بِرُبْعِ قِيْمَتِهَا (5)، والرَّقِيْقَ يَضْمَنُ مَا أَرْشَهُ مُقَدَّرٌ مِنْ دِيَةِ الحُرِّ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ قِيْمَةِ الرَّقِيْقِ وما لَيْسَ فِيهِ مُقَدَّرٌ مِنَ الحُرِّ يَضْمَنُهُ مِنَ العَبْدِ بِمَا نَقَصَ، وإِذَا أتْلَفَ الغَاصِبُ بَعْضَ المَغْصُوبِ فَنَقَصَ قِيْمَةَ البَاقِي مِثْلُ أَنْ يَغْصِبَ زَوْجَي خُفٍّ قِيْمَتُهَا عِشْرُونَ فَتتَلفَ أَحَدُهُمَا فَتَصِيْرُ قِيْمَةُ البَاقِي خَمْسَةٌ لَزِمَهُ رَدُّ البَاقِي وقِيْمَةُ التَّالِفِ وأَرْشُ النَّقْصِ (6) وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: بَلْ يَلْزَمُهُ عَشرَةٌ قِيْمَةُ التَّالِفِ فَقَطْ، فَإِنْ فَعَلَ بالمَغْصُوبِ فِعْلاً
__________
(1) هَذَا النص نقله ابن مشيش وحنبل وصالح، ونقل ابن منصور عَنْهُ أن القيمة تَكُون يوم الغصب، وَقَالَ أبو بَكْر الخلال: قَدْ رَوَى جَمَاعَة أن عَلَيْهِ القيمة يوم الاستهلاك، ونقل إسحاق عَنْهُ يوم غصبه ثُمَّ خبّر عَنْهُ ورجع إلى قوله الأول، فعلى هَذَا تَكُون المسألة رِوَايَة وَاحِدَة: أَنَّهُ لا يعتبر قيمته يوم الغصب. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 85/ أ.
(2) انظر: الروايتين والوجهين 85/ أ، والمغني 5/ 297، وشرح الزركشي 2/ 547.
وَقَالَ القاضي: نقل هذِهِ الرواية عن الإمام أحمد حرب وإبراهيم بن هانئ، ونقل موسى بن سعيد عنه: أَنَّهُ يضمن بالمثل أيضاً العصا والقصعة إِذَا كسرت والثوب وردَّ الرِّوَايَة الثانية الْقَاضِي فَقَالَ وعندي: أن المسألة رِوَايَة وَاحِدَة، فإن مَا عدا المكيل والموزون لا مِثْل لَهُ، وما نقله موسى بن سعيد قَوْل مرجوح عَنْهُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بمكيل وَلاَ موزون فلم يضمن مِثْلَهُ. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 83/ أ.
(3) والمنصوص عن أحمد خِلاَف هَذَا. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 85/ أ، وانظر: الإنصاف 6/ 195.
(4) قَالَ الْقَاضِي: يجوز تقويمه بجنسه، وَهُوَ قَوْل ابن عقيل أيضاً. انظر: الإنصاف 6/ 197.
(5) نقلها عَنْهُ أبو دَاوُد، وأبو الحارث. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 83/ ب.
(6) وَقِيلَ: لا يلزمه أرش النقص. الإنصاف 6/ 199، والمقنع: 149.(1/313)
نَقَصَ بِهِ قِيْمَتُهُ وخِيْفَ عَلَيْهِ فَسَادُ البَّاقِي مِثْلُ إِنْ غَصَبَهُ حِنْطَةً مِثْلهَا فَصَاحِبُهَا بالخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ حِنْطَتِهِ أو بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ الفَسَادُ (1) ويَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ، فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُكْرَهَةً أو مُطَاوِعَةً وأَرْشُ بكَارَتِهَا إِنْ كَانَتْ بِكْراً وعَلَيْهِمَا الحَدُّ إِذَا طَاوَعَتْهُ وكَانا عَالِمَيْنِ بالتَّحْرِيْمِ (2)، فَإِنْ عَلَقَتِ الأَمَةُ فَالوَلَدُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهَا، وعَلَى الغَاصِبِ أَرْشُ مَا نَقصَهَا الوِلاَدَةُ، ولاَ يُجْبَرُ النَّقْصُ بالوَلَدِ، فَإِنْ بَلَغَتْ مَنْفَعَةُ المَغْصُوبِ /198 ظ/ ضَمِنَهَا الغَاصِبُ للمُدَّةِ الَّتِي أَقَامَتْ في يَدِهِ (3)، ونَقَلَ عَنْهُ بَكْرُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيْهِ لا يَضْمَنُهَا إِلاَّ أَنَّ الخَلاَّلَ قَالَ: هُوَ قَوْلٌ قَدِيْمٌ، فَإِنَّ غَيْرَ المَغْصُوبِ بما يُنْقَلُ بِهِ عَنِ اسْمِهِ مِثْلُ: إِنْ غَصَبَ بَيْرماً (4) فَعَمِلَهُ إبْراً، أو نُقْرَةً (5) فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ، أَو خَشَبَةً فَعَمِلَهَا بَاباً، أَو شَاةً فَذَبَحَهَا وشَوَاهَا، أو غَزْلاً فَنَسَجَهُ ثَوْباً، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (6)، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: يَنْقَطِعُ مِلْكُ المَغْصُوبِ عَنْهُ ويَكُونُ للغَاصِبِ، وَعَلَيْهِ قِيْمَتُهُ قَبْلَ التَّعْيِيْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِهِ في رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بنِ مُحَمَّدِ عن أَبِيْهِ.
وَالصَّحِيحُ من المَذْهَبِ: أَنَّهُ إِنْ زَادَتِ القِيْمَةُ بِذَلِكَ فَالغَاصِبُ شَرِيْكُ المَالِكِ بالزِّيَادَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ الجُوزْجَانِيِّ (7)، فَإِنْ نَقَصَتِ القِيْمَةُ لِذَلِكَ فَهُوَ لِمَالِكِهِ، وعَلَى الغَاصِبِ ضَمَانُ النَّقْصِ، ذَكَرَهُ في رِوَايَةِ المَيْمُونِيِّ (8)، فَإِنْ لَمْ تَزِدِ العَيْنُ وَلَمْ تَنْقُصْ فَالغَاصِبُ مُتَبَرِّعٌ بِعَمَلِهِ والمَغْصُوبُ لِمَالِكِهِ (9)، فَإِنْ شَغَلَهُ الغَاصِبُ بِغَيْرِ مَالِ الغَيْرِ بِأَنْ كَانَ ثَوْباً فَصَبَغَهُ نَظَرْنَا، فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيْمَةُ الثَّوْبِ بَالصِّبْغِ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيْمَتُهَا فَهُمَا شَرِيْكَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَالِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ الجَوْزجَانِيِّ (10)، وإِنْ زَادَتْ قِيْمَتُهَا فَالزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ نَقَصَتْ قِيْمَتُهَا فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الغَاصِبِ، فَإِنْ زَادَتْ قِيْمَةُ أَحَدِهِمَا فَالزِّيَادَةُ لِمَالِكِ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ الغَاصِبُ قَلْعَ صِبْغِهِ لَمْ يَمْنَعْ ويَضْمَنْ مَا نَقَصَ (11)، وَقَالَ
__________
(1) شرح الزركشي 2/ 546، والإنصاف 6/ 201.
(2) المغني 5/ 407، وشرح الزركشي 2/ 547.
(3) المغني 5/ 419، والشرح الكبير 5/ 422، وشرح الزركشي 2/ 547.
(4) البيرم: قطعة حديد يوسع بِهَا النجار شق الخشبة عِنْدَ نشرها. انظر: المعجم الوسيط: 52.
(5) النقرة: القطعة المذابة من الذهب أَوْ الفِضَّة. انظر: المعجم الوسيط: 945.
(6) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 85/ ب، والمغني 5/ 403، والشرح الكبير 5/ 394، والإنصاف 6/ 145 - 146.
(7) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 86/ أ، والمغني 5/ 417.
(8) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 85/ أ، والمقنع: 147، والمغني 5/ 417، والإنصاف 6/ 156.
(9) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 85/ أ، والمقنع: 149، والمغني 5/ 418.
(10) المغني 5/ 431، والشرح الكبير 5/ 415، والإنصاف 6/ 164.
(11) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 86/ أ، والمغني 5/ 402، والشرح الكبير 5/ 396.(1/314)
شَيْخُنَا: قِيَاسُ المَذْهَبِ أَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ قَلْعِهِ ويَكُونَ شَرِيْكاً بالصِّبْغِ، وإِنْ أَرَادَ مَالِكُ الثَّوْبِ قَلْعَ الصِّبْغِ لَمْ يَجْبُرِ الغَاصِبَ ويَكُونُ شَرِيْكَهُ بالصِّبْغِ (1)، وَقَدْ قَالَ فِيْمَنْ بَنَى في أَرْضٍ غَصْباً: يُجْبَرُ عَلَى القَلْعِ فَيُخَرَّجُ في الصِّبْغِ والبِنَاءِ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: يُجْبَرُ عَلَى القَلْعِ، والثَّانِيَةُ: لاَ يُجْبَرُ (2). فَإِنْ وَهَبَ الغَاصِبُ الصِّبْغَ لِمَالِكِ الثَّوْبِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ (3)، ويُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يَلْزَمَهُ، فَإِنْ خَلَطَ المغْصُوبُ بما لاَ يَتَمَيَّزُ كَالحِنْطَةِ بالحِنْطَةِ، والزَّيْتِ بالزَّيْتِ وكَانَ مِثْلُهُ لَزِمَهُ مِثْلُ مَكِيْلِهِ مِنْهُ، ذَكَرَهُ ابنُ حَامِدٍ (4)، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، وإِنْ خَلَطَهُ بِدُونِهِ أو بِأَجْوَدَ مِنْهُ، فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - (5) في رِوَايَةِ أبي الحَارِثِ: أنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ يُبَاعُ الكُلُّ ويُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا (6)، وَقَالَ شَيْخُنَا: قِيَاسُ المَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الغَاصِبَ مِثْلُهُ؛ لأَنَّهُ يَصِيْرُ بالخَلْطِ كَالمُسْتَهْلَكِ كَمَا قُلْنَا إِذَا ابْتَاعَ زَيْتاً فَخَلَطَهُ بِزَيْتٍ لَهُ آخَرَ ثُمَّ أَفْلَسَ يَكُونُ للبَائِعِ أُسْوَةُ /199 و/ الغُرَمَاءِ؛ لأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ بالخلطةِ، فَإِنْ خَلَطَهُ بما يَتَمَيَّزُ فَعَلَيْهِ تَخْلِيْطُهُ ودَفْعُهُ إلى مَالِكِهِ (7). فَإِنْ غَصَبَ دَاراً فَحَفَرَ فيِهَا بِئْراً ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا المَالِكُ فَأَرَادَ الغَاصِبُ طَمَّ البِئْرِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا المَالِكِ (8)، وعِنْدِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِذَا أَبْرَأَهُ المَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ فِيْهَا (9)، فَإِنْ غَصَبَ دَنَانِيْرَ (10) واشْتَرَى بِهَا سِلَعَةً فَرَبِحَ، فَالسِّلْعَةُ ورِبْحُهَا لِمَالِكِ الدَّنَانِيْرِ، وإِنْ كَانَ اشْتَرَى السِّلْعَةَ في الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَ الدَّنَانِيْرِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الحُكْمُ كَذلِكَ، واحْتَمَلَ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ الدَّنَانِيْرِ وتَكُونُ السِّلْعَةُ وَرِبْحُهَا لَهُ (11)، فَإِنْ
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 86/ أ، والمغني 5/ 401، والشرح الكبير 5/ 412، والإنصاف 6/ 167.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 86/ ب، والمغني 5/ 381، والشرح الكبير 5/ 391.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 86/ أ، والمغني 5/ 402، والشرح الكبير 5/ 413، والإنصاف 6/ 167.
(4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ الوَجْهَيْنِ 85/ ب، والمغني 5/ 429، والشرح الكبير 5/ 412، والإنصاف 6/ 161.
(5) المغني 5/ 429، والشرح الكبير 6/ 410 - 411، والإنصاف 6/ 163.
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 86/ أ، والمغني 5/ 430، والشرح الكبير 5/ 411.
(7) انظر: المغني 5/ 417، والشرح الكبير 5/ 410 عَلَى أحد الوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخر: يلزمه مثله من حَيث شاء، والإنصاف 6/ 167.
(8) المغني 5/ 383، والشرح الكبير 5/ 397، والإنصاف 6/ 148.
(9) المغني 5/ 383، والشرح الكبير 5/ 397، والإنصاف 6/ 148.
(10) في المخطوطة: ((دنانيراً)).
(11) انظر: المغني 5/ 428، والشرح الكبير 5/ 383.(1/315)
غَصَبَ عَيْناً فَوَهَبَهَا لإِنْسَانٍ فَتَلِفَتْ في يَدِهِ أَو بَعْضُهَا فَللمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهُمَا شَاءَ إِلاَّ أَنَّهُ إِنْ ضَمِنَ المُتَّهَبَ رَجَعَ عَلَى الوَاهِبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِأَنَّهَا غَصْبٌ، فَإِنْ عَلِمَ لَمْ تَرْجِعْ، فَإِنْ بَاعَ العَيْنَ المَغْصُوبَةَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ مَنْ شَاءَ مِنَ الغَاصِبِ والمُشْتَرِي (1)، فَإِنْ ضَمِنَ المُشْتَرِي، مَعَ عِلْمِهِ بِالغَصْبِ لَمْ تَرْجِعْ عَلَى الغَاصِبِ وإن لَمْ يَعْلَمْ بَالغَصْبِ فَمَا التَزَمَ ضَمَانَهُ كَقِيْمَةِ العَيْنِ والأَجزاء لا يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الغَاصِبِ وما لَمْ يَلْتَزِمْ ضَمَانَهُ وَلَمْ تَحْصُلْ بِهِ مَنْفَعَةٌ كَنُقْصَانِ الوِلاَدَةِ وقِيْمَةِ الوَلَدِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الغَاصِبِ ومَا حَصَلَ لَهُ مَنْفَعَةٌ كَالأُجْرَةِ وأَرْشِ البِكَارَةِ وقِيْمَةِ الوَلَدِ، فَهَلْ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الغَاصِبِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2): إحداهُمَا يَرْجِعُ بِهِ، والأُخْرَى: لاَ يَرْجِعُ (3)، فَإِنْ ضَمِنَ الغَاصِبُ فَكُلَّمَا وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ المُشْتَرِي عَلَى الغاصب لاَ يرجع بِهِ الغاصب عَلَى الْمُشْتَرِي وكُلُّمَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ المُشْتَرِي عَلَيْهِ رَجَعَ الغَاصِبُ بِهِ عَلَى المُشْتَرِي، فَأَمَّا الثَّمَنُ فَيَجِبُ عَلَى الغَاصِبِ رَدُّهُ عَلَى المُشْتَرِي إِنْ كَانَ قَبَضَهُ بِكُلِّ حَالٍ (4)، فَإِنْ كَانَ المَغْصُوبُ أَمَةً فَوَطِئَهَا المُشْتَرِي فَأَوْلَدَهَا، أَو زَوَّجَهَا (5) فَأَوْلَدَهَا الزَّوْجُ وَهُمَا لاَ يَعْلَمَانِ بِأَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ فَلِمَالِكِهَا أَنْ يُضَمِّنَ المُشْتَرِيَ والزَّوْجَ عِوَضَ الوَلَدِ يَوْمَ الوِلاَدَةِ والمَهْرِ يَرْجِعَانِ بِعِوَضِ الوَلَدِ عَلَى الغَاصِبِ (6). وأمَّا المَهْرِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحدَاهُمَا (7): أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ أَيْضاً عليه، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ (8).
والثَّانِيَةُ: لاَ يَرْجِعُ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ.
ومَا يَلْزَمُهُ في عِوَضِ الأَوْلاَدِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (9):
إحدَاهُمَا (10): يَلْزَمُ قِيْمَة الأَوْلاَدِ أو كَانُوا عَبِيْداً (11).
والثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ مِثْلُهُمْ مِنَ العَبِيْدِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ وشَيْخِنَا ويَقْتَضِي أَنْ يُنْظَرَ إلى
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 84/ ب، والمغني 5/ 400، والشرح الكبير 5/ 403.
(2) انظر: المقنع: 148، والمغني 5/ 408 - 409، والمحرر 1/ 362.
(3) انظر: المقنع: 148، والمغني 5/ 409.
(4) انظر: المقنع: 148، والمغني 5/ 419.
(5) كررت فِي الأصل.
(6) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 84/ ب، والمغني 5/ 407 - 409، والشرح الكبير 5/ 416، وشرح الزركشي 2/ 547، والإنصاف 6/ 170.
(7) فِي الأصل: ((أحدهما)).
(8) انظر: المغني 5/ 415، والشرح الكبير 5/ 418، وشرح الزركشي 2/ 548، والإنصاف 6/ 170.
(9) المغني 5/ 415، والشرح الكبير 5/ 418، وشرح الزركشي 2/ 548.
(10) فِي الأصل: ((أحدهما)).
(11) المغني 5/ 410، والشرح الكبير 5/ 419، وشرح الزركشي 2/ 547 - 548.(1/316)
صِفَاتِهِمْ تَقْريْباً كَمَا يُنْظَرُ في مِثْلِ الصَّيْدِ. وأمَّا حَقِيْقَةُ المِثْلِ فَلاَ يُوْجَدُ إِلاَّ في المَكِيْلِ والمَوْزُوْنِ (1)، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَنْظُرَ إِلى مِثْلِهِمْ / 200 ظ/ في القِيْمَةِ فَإِنْ بَاعَ إِنْسَانٌ عَبْداً فَأَعْتَقَهُ المُشْتَرِي فَجَاءَ مُدَّعٍ فَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وأنَّ البَائِعَ غَصَبَهُ فَصَدَّقَهُ البَائِعُ والمُشْتَرِي لَمْ يُقْبَلْ عَلَى العَبْدِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ العبد لَمْ يُقْبَلْ أَيْضاً في حَقِّ اللهِ تَعَالَى المُتَعَلِّقِ بالحُرِّيَّةِ، وللمُدَّعَي أَنْ يُطَالِبَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بالقِيْمَةِ حَالَ العَقْدِ، فَإِنْ طَالَبَ البَائِعُ رَجَعَ عَلَى المُشْتَرِي، وإِنْ طَالَبَ المُشْتَرِي لَمْ يَرْجَعْ عَلَى البَائِعِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ العِتْقُ إِذَا أتْفَقوا كلَهُمْ ويَعُودُ العَبْدُ إلى المُدَّعِي (2)، فَإِنْ كَانَ المَغْصُوبُ طَعَاماً فَأَطْعَمَهُ إِنْسَاناً، وَقَالَ لَهُ: كُلْ فَإِنَّهُ غَصْبٌ، فَإِنَّ للمَالِكِ إِنْ ضَمِنَ الغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى الأَكْلِ، وإِنْ ضَمِنَ الأَكْلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الغَاصِبِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: كُلْهُ فَإِنَّهُ طَعَامِي أَو أَمْسِكْ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً فَأَكَلَهُ فَإِنَّ المَالِكَ إِنْ ضَمِنَ الغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الأَكْلِ، وإِنْ ضَمِنَ الأَكْلَ رَجِعَ عَلَى الغَاصِبِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (3)، وَلَمْ يَرْجِعْ في الآخَرِ، فَإِنْ أَطْعَمَ المَغْصُوب لِمَالِكِهِ نَظَرْنَا، فَإِنْ عَلِمَ المَغْصُوبُ مِنْهُ أَنَّهُ طَعَامُهُ بَرِئَ الغَاصِبُ، وإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُبَرَّأْ فإنْ رَهَنَ المَالِكُ المَغْصُوبَ مِنْ غَاصِبِهِ وأَوْدَعَهُ عِنْدَهُ أو أَعَارَهُ إِيَّاهُ أو اسْتَأْجَرَهُ عَلَى قصَارَتِهِ أو خِيَاطَتِهِ بَرِئَ الغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِ الغَصبِ (4)، فَإِنْ غَصَبَ أَرْضاً فَزَرَعَهَا فَصَاحِبُ الأَرْضِ بالخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُقِرَّ الزَّرْعَ في أَرْضِهِ إلى الحَصَادِ بِأُجْرَةِ المِثْلِ وبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بِعِوَضِهِ (5)، ومَا العِوَضُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْداهُمَا: قِيْمَتُهُ، والثَّانِيَةُ: مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ (6)، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ البذرِ وَعَلَيْهِ الأُجْرَةُ لِصَاحِبِ الأَرْضِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: إِذَا احْتَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ الرَّجُلِ فَطَرَحَهُ فِي أَرْضِ آخَرَ فَنَبَتَ فَهُوَ لِصَاحِبِ البذرِ وَعَلَيْهِ الأُجْرَةُ لِصَاحِبِ
الأَرْضِ (7)، فَإِنْ غَصَبَ حُرّاً عَلَى نَفْسِهِ فَاسْتَعْمَلَهُ ضَمِنَ أُجْرَةَ المِثْلِ لِمَنْفَعَتِهِ، وإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً احْتَمَلَ أَنْ يُلْزِمَهُ أُجْرَةَ المُدَّةِ واحْتَمَلَ أَنْ لاَ يُلْزِمَهُ (8). فَإِنْ غَصَبَ عَصِيْراً فَصَارَ خَمْراً
__________
(1) انظر: المغني 5/ 410، والشرح الكبير 5/ 419، وشرح الزركشي 2/ 548.
(2) المغني 5/ 441، والشرح الكبير 5/ 426.
(3) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 86/ ب، والمقنع: 148 - 149، والهادي: 133، والمغني 5/ 436.
(4) المقنع: 149، والهادي: 133.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 86/ ب، والمغني 5/ 392، والشرح الكبير 5/ 384، وشرح الزركشي 2/ 545، والإنصاف 6/ 129 - 130.
(6) نقل عن الإمامِ أحمدَ الميمونيُّ وأبو الحارثِ وأبو طالب. الرِّوَايَتَيْنِ والروايتين 86/ ب، والمغني 5/ 393 - 394، والشرح الكبير 5/ 384، وشرح الزركشي 2/ 545 - 546، والإنصاف 6/ 132.
(7) انظر: المغني 5/ 394، والشرح الكبير 5/ 385، وشرح الزركشي 2/ 546، والإنصاف 6/ 132.
(8) انظر: الهادي: 133، وشرح الزركشي 2/ 550.(1/317)
ضَمِنَ قِيْمَتَهُ، فَإِنِ (1) انْقَلَبَتِ الخَمْرُ خَلاًّ ضَمِنَهُ ورَدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ ومَا نَقَصَ مِنْ قِيْمَةِ العَصِيْرِ (2)، فَإِنْ غَصَبَ خَمْراً مِنْ ذِمِّيٍّ لَزِمَهُ رَدُّهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَتْلَفَهَا فَنَصَّ أَحْمَدُ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ لا يَضْمَنُهَا، وَكَذَلِكَ إِنْ قَتَلَ خِنْزِيْرَهُ (3). ونَقَلَ عَنْهُ ابنُ مَنْصُورٍ في مَجُوسِيٍّ بَاعَ مَجُوسِيّاً خَمْراً ثُمَّ أَسْلَما يأَخَذه بالثَّمَنِ، فَإِنْ بَاعَهُ خِنْزِيْراً لاَ يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئاً / 201 و/ ونَحْوَهُ نَقَلَ أبو طَالَبٍ فَعَلَى هَذَا هِيَ مَالٌ لَهُمْ فَيَجِبُ ضَمَانُهَا عَلَى المُتْلِفِ (4)، فَإِنْ غَصَبَ الخَمْرَ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهَا وَوَجَبَ إِرَاقتهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا فَصَارَتْ خَلاًّ رَدَّهُ (5)، وإِذَا غَصَبَ كَلْباً فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَزِمَهُ رَدُّهُ (6)، فَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (7)، فَإِنْ كَسَرَ مِزْمَاراً أو طُنْبُوراً أو طَبْلاً أو صَلِيْباً لَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ (8)، فَإِنْ كَسَرَ أَوَانِيَ الخَمْرِ أو آنِيَةَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، فَهَلْ يَضْمَنُ أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (9)، وأُمُّ الوَلَدِ مَضْمُونَةٌ بالغَصْبِ وجِنَايَةُ المَغْصُوبِ عَلَى الغَاصِبِ وعَلَى جِنَايَتِهِ هَدْراً وجِنَايَتِهِ عَلَى سِيْده مَضْمُونَةً عَلَى الغَاصِبِ، وجَمِيْعُ تَصَرُّفَاتِ الغَاصِبِ الحَكميَةِ في العَيْنِ المَغْصُوبَةِ يَقَعُ بَاطِلاً في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والثَّانِيَةِ: تَقَعُ صَحِيْحَةً، وسَوَاءٌ في ذَلِكَ العِبَادَاتُ كَالطَّهَارَةِ والصَّلاَةِ والزَّكَاةِ والحَجِّ والعُقُودِ كَالبَيْعِ والإِجَارَةِ والنِّكَاحِ (10)، وإِذَا اخْتَلَفَا في قِيْمَةِ المَغْصُوبِ بَعْدَ التَّلَفِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ الغَاصِبِ مَعَ يَمِيْنِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في صِفَتِهِ فَقَالَ الغَاصِبُ: كَانَ أَقْطَعاً، وَقَالَ المَالِكُ: بَلْ صَحِيْحاً، فَالقَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ، وَكَذَلِكَ إِنِ
__________
(1) كررت في المخطوطة.
(2) انظر: المغني 5/ 418، والشرح الكبير 5/ 437، والإنصاف 6/ 200.
(3) انظر: المغني 5/ 444، والمحرر 1/ 363.
(4) انظر: المغني 5/ 443، والشرح الكبير 5/ 376 - 377، وشرح الزركشي 2/ 551.
(5) انظر: المغني 5/ 443 - 444، والشرح الكبير 5/ 377، وشرح الزركشي 2/ 551.
(6) انظر: المغني 5/ 445، والشرح الكبير 5/ 376، والإنصاف 6/ 124.
(7) بناءً عَلَى الروايتين في طهارته بالدبغ فمن قَالَ بطهارته أوجب رده؛ لأَنَّهُ يمكن إصلاحه فَهُوَ كالثوب النجس، ومن قَالَ: لا يطهر لَمْ يوجب رده؛ لأَنَّهُ لا سبيل إلى إصلاحه، فَإِنْ أَتلفه أو أتلف ميتة بجلدها لَمْ يضمنه؛ لأَنَّهُ لا قيمة لَهُ بدليل أَنَّهُ لا يحل بيعه، وإن دبغه الغاصب لزم رده إن قلنا بطهارته؛ لأَنَّهُ كالخمر إذا تخلل، ويحتمل أن لا يَجِبُ رده؛ لأَنَّهُ صار مالاً بفعله بخلاف الخمر، وإن قلنا: يباح الانتفاع بِهِ في اليابسات؛ لأَنَّهُ نجس يباح الانتفاع بِهِ أشبه الكلب، وَكَذَلِكَ قَبْلَ الدبغ. المغني 5/ 445.
(8) انظر: المغني 5/ 445، والشرح الكبير 5/ 457، والإنصاف 6/ 247.
(9) قَالَ ابن قدامة: إن كسر آنية من ذهب أو فضة لَمْ يضمنها؛ لأن اتخاذها محرم، وحكى أبو الخطاب رِوَايَة أخرى عن أحمد أَنَّهُ يضمن فإن مهنّا نقل عَنْهُ فيمن هشم عَلَى غيره إبريقاً فضة عَلَيْهِ قيمته بصوغه كَمَا كَانَ. المغني 5/ 446، والشرح الكبير 5/ 458.
(10) انظر: المغني 5/ 449، والشرح الكبير 5/ 440، والإنصاف 6/ 203.(1/318)
اخْتَلَفَا في رَدِّ المَغْصُوبِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ مَعَ يَمِيْنِهِ، وإِذَا بَقَى في يَدِهِ غَصُوباً لاَ يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا تَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَاللُّقَطَةِ (1).
بَابُ مَا يُضْمَنُ بِهِ المَالُ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ
كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ مَالاً مُحْتَرماً ضَمِنَهُ (2)، إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ في حَقِّهِ، ومَنْ فَتَحَ قَفَصاً عَنْ طَائِرٍ فَطَارَ، أَو حَلَّ قَيْدَ عَبْدٍ فَأَبَقَ، أو حَلَّ رِبَاطَ فَرَسِهِ فَشَرَدَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ (3)، وَكَذَلِكَ إِنْ حَلَّ زِقّاً (4) لإِنْسَانٍ فِيهِ مَائِعٌ فَانْدَفَقَ ضَمِنَ، فَإِنْ كَانَ مَا فِيهِ جَامِداً فَذَابَ بالشَّمْسِ فَزَالَ ضَمِنَهُ، فَإِنْ بَقَى بَعْدَ حلِّهِ قَاعِداً فَوَقَعَ بالرِّبْحِ فَسَالَ مَا فِيهِ ضَمِنَهُ (5)، وقَالَ شَيْخُنَا: يَضْمَنُ، فَإِنْ أَجَّجَ نَاراً في سَطْحِهِ فطَارَ إِلى مِلْكِ إِنْسَانٍ فَأَحْرَقَهُ، أو سَقَى أَرْضَهُ فَتَعَدَّى المَاءُ إلى مِلْكِ غَيْرِهِ فَهَدِمَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ إِذَا كَانَ قَدْ أَسْرَفَ عَلَى ذَلِكَ (6)، فَإِنْ حَفَرَ بِئْراً في سَابِلَةٍ لِيَنْتَفِعَ المُسْلِمُونَ بِمَائِهَا أو لِيَنْزِلَ فِيْهَا مَاءُ الأَمْطَارِ عَنِ الطَّرِيْقِ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ فِيْهَا في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يَضْمَنُ (7)، وإِنْ حَفَرَهَا لِيَنْتَفِعَ بِهَا ضَمِنَ وَلَوْ كَانَتْ في / 202 ظ/ فَنَائِهِ، فَإِنْ بَسَطَ في المَسْجِدِ بَارِيَةً أو عَلَّقَ قِنْدِيْلاً أو نَصَبَ بَاباً لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، ويَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ بِنَاءً عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا (8)، فَإِنْ جَلَسَ في المَسْجِدِ أو في طَرِيْقٍ وَاسِعٍ فَعَثَرَ بِهِ إِنْسَانٌ أَو حَيَوَانٌ فَمَاتَ فَهَلْ يَضْمَنُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (9)، فَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً في طَرِيْقِ فَقُعِرَتْ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ (10)، فَإِنِ اقْتَنَى في مَنْزِلِهِ كَلْباً عَقُوراً فَعَقَرَ إِنْسَاناً أو خَرَقَ ثَوْبَهُ نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَ المَعْقُورُ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ كَذَا ظَاهِرُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - وعِنْدِي، وخَرَّجَهَا شَيْخُنَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ في الجُمْلَةِ: إِحْدَاهُمَا: يَضْمَنُ، والأُخْرَى: لاَ يَضْمَنُ (11)، فَإِنْ مَالَ حَائِطٌ إِلَى
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 5/ 442 - 443، والإنصاف 6/ 211 - 212.
(2) انظر: الشرح الكبير 5/ 444، والإنصاف 6/ 216.
(3) انظر: المغني 5/ 449، والشرح الكبير 5/ 444، والإنصاف 6/ 218.
(4) الزِّق: وعاء من جلد يَجُزْ شعرُهُ وَلاَ ينتف، للشراب وغيره. المعجم الوسيط: 396.
(5) انظر: المغني 5/ 451، والشرح الكبير 5/ 445.
(6) المغني 5/ 451، والشرح الكبير 5/ 445.
(7) انظر: المغني 5/ 449 - 450، والشرح الكبير 5/ 447 - 448، والإنصاف 6/ 225.
(8) انظر: الشرح الكبير 5/ 449، والإنصاف 6/ 228.
(9) الأول: لاَ يضمن، والثاني: يضمن، اختاره ابْن عبدوس. انظر: الشرح الكبير 5/ 449، والإنصاف 6/ 229.
(10) انظر: الشرح الكبير 5/ 449.
(11) انظر: الشرح الكبير 5/ 445 - 446، والإنصاف 6/ 221 - 222.(1/319)
الطَّرِيْقِ فلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى سَقَطَ فَأَتْلَفَ نَفْساً أو مَالاً فَقَدْ رَوَى عَنْهُ ابنُ مَنْصُورٍ: أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ، وأَومأ إِلَيْهِ في رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بنِ بخْتَان إلى أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ في نَقْضِهِ وأُشْهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ، وإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، ويُتَخَرَّجُ أَنَّهُ يَضْمَنُ، وإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ جنَاحاً إلى الطَّرِيْقِ فَسَقَطَ عَلَى إِنْسَانٍ فَقَتَلَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ لِتَعَدِّيْهِ (1)، ومَا أَتْلَفَتِ البَهِيْمَةُ بالنَّهَارِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ عَلَيْهَا فَيَضْمَنُ مَا جَنَتْ بِيَدِهَا وفَمِهَا دُوْنَ مَا جَنَتْ بِرِجْلِهَا، ومَا أَتْلَفَتْ لَيْلاً فَعَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانُهُ وإِنْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وإِذَا صَالَ الآدَمِيُّ أو البَهِيْمَةُ عَلَى إِنْسَانٍ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَأَدَّى ذَلِكَ إلى تَلَفِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ (2)، وإِذَا اصْطَدَمَ الفَارِسَانِ فَمَاتَ فَرَسَاهُمَا فَعَلى كُلِّ وَاحِدٍ قِيْمَةُ فَرَسِ صَاحِبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (3)، وَكَذَلِكَ إِذَا اصْطَدَمَ السَّفِيْنَتَانِ بِفِعْلِ المَلاَّحَيْنِ ولاَ مَزِيَّةَ لأَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ مِثْلُ أَنْ يَكُونا في مَعْبَرَةٍ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيْمَةَ سَفِيْنَةِ صَاحِبِهِ إِذَا غَرِقَتْ (4)، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً، والأُخْرَى مصَاعدَةً فَلاَ شَيءَ عَلَى المصَاعد، ويُنْظَرُ في المُنْحَدَرَةِ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى حَبْسِ سَفِيْنَتِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِسَفِيْنَةِ صَاحِبِهِ ونَفْسِهِ إِنْ تَلِفَتْ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِراً عَلَى حَبْسِهَا فَلاَ شَيءَ عَلَيْهِمَا (5).
كِتَابُ الشُّفْعَةِ (6)
الشُّفْعَةُ: هِيَ اسْتِحْقَاقُ انْتِزَاعِ الإِنْسَانِ حِصَّةَ شَرِيْكِهِ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيْهَا، ولاَ يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ في وُجُوبِ الشُّفْعَةِ في الشِّقْصِ المُشَاعِ مِنَ العَقَارِ الَّذي (7) تَجِبُ قِسْمَتُهُ إذَا بَاعَهُ شَرِيْكُهُ المُسْلِمُ بِمَالٍ فَأَمَّا العَقَارُ الَّذِي لاَ تَجِبُ / 203 و/ قِسْمَتُهُ كَالحَمَّامِ الصَّغِيْرِ والبِئْرِ والطُّرُقِ والعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ، ومَا لَيْسَ بِعَقَارِ مِمَّا لاَ يُقَسَّمُ كَالرَّحَى والنَّخْلَةِ والشَّجَرَةِ والحَيَوَانِ فَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ (8) في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: فِيهِ الشُّفْعَةِ (9)، ولاَ يَخْتَلِفُ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 5/ 450 - 451، والإنصاف 6/ 231.
(2) انظر: الشرح الكبير 5/ 453، والإنصاف 6/ 235.
(3) انظر: الشرح الكبير 5/ 454، والإنصاف 6/ 236.
(4) انظر: الشرح الكبير 5/ 456، والإنصاف 6/ 244.
(5) انظر: الشرح الكبير 5/ 456، والإنصاف 6/ 245.
(6) وهي مأخوذة من ضم الشيء إلى الشيء، ومن ذَلِكَ الشفع اسم للزوج؛ لأَنَّهُ انضم الثَّانِي إلى الأول. انظر: شرح الزركشي 2/ 553.
(7) فِي الأصل: ((الَّتِي))، ولعل مَا أثبتناه أصوب.
(8) وهي المذهب كَمَا قَالَ الْقَاضِي. انظر: الروايتين والوجهين 92/ أ، والإنصاف 6/ 257.
(9) وهي اختيار ابن عقيل. انظر: الإنصاف 6/ 257.(1/320)
المَذْهَبُ أَنَّ البِنَاءَ والغِرَاسِ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ تَبَعاً للأرْضِ، فَأَمَّا الثِّمَارُ فَهَلْ تُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ تَبَعاً؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ إِذَا بَاعَ شِقْصاً مِنْ إِنْسَانٍ فِيهِ ثَمَرَةٌ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يُؤْخَذُ بالشُّفْعَةِ. فَأَمَّا المَقْسُومَةُ المَحْدُودَةُ فَلاَ شُفْعَةَ لِجَارِهِ فِيهِ (1)، وأَمَّا إِذَا كَانَ الشَّرِيْكُ ذِمِّيّاً فَبَاعَ شَرِيْكُهُ المُسْلِمُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ، وأَمَّا إِنِ انْتَقَلَ الشِّقْصُ بِغَيْرِ مَالٍ، مِثْلُ: أَنْ يَجْعَلَهُ مَهْراً أو عِوَضاً في الخُلْعِ أَو في الصُّلْحِ عَنْ دَمِ العَمْدِ أو في مَنْفَعَةِ دَارٍ، فَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ شُفْعَةَ في ذَلِكَ (2)، وَهُوَ قَوْلُ أبي بَكْرٍ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ (3)، ويَأْخُذُ الشَّفِيْعُ الشِّقْصَ بِعِوَضِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ العَقْدُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ أَخَذَهُ بِقِيْمَتِهِ، وإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلاً أَخَذَهُ بِذَلِكَ الأَجِلِ إِنْ كَانَ مَلِيْئاً وإِلاَّ أَقَامَ ضَامِناً مَلِيْئاً وأَخَذَ، نَصَّ عَلَيْهِ (4)، وأَمَّا مِلْكُهُ بِهِبَةٍ أو وَصِيَّةٍ فَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ، فَإِنْ بَاعَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيّاً شِقْصاً بِخَمْرٍ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ مَالٌ لَهُمْ وجَبَتِ الشُّفْعَةُ، وإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ بِمَالٍ فَلاَ شُفْعَةَ. والمُوْقَفُ عَلَيْهِ شِقْصٌ مِنْ عَقَارٍ إِذَا بَاعَ شَرِيْكُهَ حَقَّهُ، فَقَالَ شَيْخُنَا: لا شُفْعَةَ لَهُ بِشِرْكِةِ الوَقْفِ، وعِنْدِي أَنَّ المَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ الوَقْفَ يَمْلِكُهُ المُوَقَّفُ عَلَيْهِ أمْ لاَ؟ وفِيهِ رِوَايَتَانِ (5):
إحْدَاهُمَا: يَمْلِكُهُ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ.
والثَّانِيَةُ: لاَ يَمْلِكُهُ فَلاَ يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ (6).
وإِذَا كَانَتِ الدَّارُ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ فَاشْتَرَى إِنْسَانٌ حَقَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ كَانَ للشَّفِيْعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا دُوْنَ الآخَرِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَخْذُ الكُلِّ أو التَّرْكُ (7)، فَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ أَحَدٍ حَقَّهُ فَإِنَّ للشَّفِيْعِ أَخْذَ حِصَّةِ أَحَدِ المُشْتَرِيَيْنِ دُوْنَ الآخَرِ، فَإِنْ وَرِثَ رَجُلاَنِ دَاراً عَنْ أَبِيْهِمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وخَلَفَ ابْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُ الابْنَيْنِ نَصِيْبَهُ كَانَتْ الشُّفْعَةُ بَيْنَ الأَخِ
__________
(1) وَقِيلَ: قَالَ المرداوي في الإنصاف 6/ 255: ((تثبت الشفعة للجار، وحكاه القاضي يعقوب في التبصرة، وابن الزاغوني عن قوم من الأصحاب رِوَايَة.
قَالَ الزركشي صححه ابن الصيرفي، واختاره الحارثي فِيْمَا أظن، وأخذ الرِّوَايَة من نصه في رِوَايَة أبي طالب ومهنّا: لا يحلف أن الشفعة تستحق بالجوار)). وانظر: شرح الزركشي 2/ 554.
(2) وَهُوَ ظاهر كلام الخرقي أيضاً. انظر: المقنع 5/ 469، وشرح الزركشي 2/ 556.
(3) وَهُوَ اختيار أبي الخطاب في الانتصار كَمَا نقل ذَلِكَ الزركشي في شرحه 2/ 556.
(4) انظر: المغني 5/ 507، والإنصاف 6/ 301.
(5) وجعلها في المقنع: 153، والهادي: 136 عَلَى وجهين.
(6) الصَّحِيح من المذهب هنا: أنه لا شفعة لَهُ، جزم بِهِ في الوجيز وغيره، وقطع بِهِ أيضاً ابن أبي موسى، والقاضي وابنه، وابن عقيل، والشريفان - أبو جَعْفَر والزيدي -، وأبو فرج الشيرازي في آخرين. الإنصاف 6/ 283. انظر: المقنع: 153، والشرح الكبير 5/ 505.
(7) انظر: المغني 5/ 527، وشرح الزركشي 2/ 563.(1/321)
والعَمِّ، ويُؤْخَذُ بالشُّفْعَةِ عَلَى قَدْرِ الأَمْلاَكِ (1)، وَعَنْهُ: تُؤْخَذُ عَلَى قَدْرِ الرُّؤُوْسِ (2)، وإِذَا كَانَ المُشْتَرِي شَرِيْكاً فالشُّفْعَةُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الشَّرِيْكِ الآخَرِ، وإِذَا اشْتَرَى بِشَرْطِ الخِيَارِ لَمْ تَجِبِ الشُّفْعَةُ حَتَّى / 204 ظ/ يَقْضِيَ الخِيَارُ، نَصَّ عَلَيْهِ (3)، ويُحْتَمَلُ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ؛ لأَنَّ المِلْكَ فِي بَيْعِ الخِيَارِ يَنْتَقِلُ عِنْدَهُ، وإِذَا أَقَرَّ البَائِعُ بالبيع وأَنْكَرَ المُشْتَرِي فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (4)، وإِذَا بَاعَ المَرِيْضُ مِنْ وَارِثِهِ شِقْصاً بِثَمَنِ المِثْلِ وَجَبَتِ الشُّفْعَةُ، وإِذَا بَاعَ المُرْتَدُّ وقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَهَلْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ ولاَ شُفْعَةَ لِرَبِّ المَالِ عَلَى المُضَارِبِ فِيْمَا يشتريه بِمَالِ المُضَارَبَةِ فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (5)، والآخَرِ: أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ، وأَصْلُ ذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ شِرَاءُ رَبِّ المَالِ مِنْ مَالِ المُضَارَبَةِ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ هَلْ يَسْتَحِقُّ العَامِلُ الشُّفْعَةَ عَلَى رَبِّ المال؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (6)، ومِنْ شَرْطِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ المُطَالَبَةُ بِهَا عَلَى الفَوْرِ ساعة علمه نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أَبِي طَالِب الشفعة بالمواثبة سَاعَةَ يَعْلَمُ (7)، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ وشَيْخُنَا: مِنْ شَرْطِ الثُّبُوتِ المُطَالَبَةُ في مَجْلِسِ العِلْمِ وإِنْ طَالَ المَجْلِسُ (8)، وعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهَا لا تَسْقُطُ أَبَداً حَتَّى يُوْجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ عَفْوٍ أو مُطَالَبَةٍ بِقِسْمَةٍ ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (9)، والحَمْلُ عَلَى الأَوَّلِ، فَإِنْ تَرَكَ المُطَالَبَةَ بَعْدَ عِلْمِهِ، أو حَتَّى قَامَ مِنَ المَجْلِسِ عَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالبَيْعِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ وإِنْ
__________
(1) نقلها عَنْهُ إسحاق بن منصور، وَهِيَ اختيار الخرقي، وأبي بَكْر، وأبي حفص، والقاضي، وصححه الزركشي، وجزم بِهِ ابن عقيل. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 92/ أ، والمغني 5/ 523، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 562، والإنصاف 6/ 275.
(2) وَهُوَ اختيار ابن عقيل. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 92/ أ، والمغني 5/ 523، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 563، والإنصاف 6/ 276، وروى الأثرم عَنْهُ الوقف فِي ذَلِكَ حكاه الحارثي،
انظر: الروايتين والوجهين 92/أ، والإنصاف 6/ 276.
(3) نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة حَنْبَل. انظر: الإنصاف 6/ 308.
(4) الأول: تجب لَهُ الشفعة، وَهِيَ اختيار الْقَاضِي، وابن عقيل، وابن بكروس، وابن الزاغوني.
والثاني: لا تجب، وَهِيَ اختيار الشريفين - أبي جَعْفَر وأبي القاسم الزيدي -. انظر: المغني 5/ 476، والإنصاف 6/ 309.
(5) انظر: المغني 5/ 499، والإنصاف 6/ 313.
(6) انظر: المغني 5/ 499.
(7) ونقل ابن منصور: لا بد من طلبها حِيْنَ يَسْمَع حَتَّى يعلم طلبه ثُمَّ لَهُ أن يخاصم وَلَوْ بَعْدَ أيام. انظر: المغني 5/ 477، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 557، والإنصاف 6/ 260.
(8) وَهِيَ رِوَايَة عن الإمام أحمد، واختارها الشريفان أَبُو جَعْفَرَ والزيدي، وابن عقيل، والعكبري.
انظر: الإنصاف 6/ 260 - 261.
(9) انظر: المغني 5/ 477 - 478، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 557، واختارها الْقَاضِي يعقوب.(1/322)
لَمْ تَنْتَقِلُ المُطَالَبَةُ إلى وَارِثِهِ، ويُتَخَرَّجُ أَنْ لاَ تَسْقُطَ ويُطَالِبَ الوَارِثَ، فَإِنْ طَالَبَ ومَاتَ انْتَقَلَتِ الشُّفْعَةُ إِلَى وَارِثِهِ قَوْلاً وَاحِداً، فَإِنْ قَالَ: بِعْنِي مَا اشْتَرَيْتَ أو صَالَحَنِي عَلَى مَالٍ بَطَلَتِ الشُّفْعَةُ، فَإِنْ عَلِمَ بالبَيْعِ وَهُوَ مَرِيْضٌ أو مَحْبُوسٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّوْكِيْلُ والإِشْهَادُ بالمُطَالَبَةِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ غَائِباً فَعَلِمَ وأَشْهَدَ عَلَى الشُّفْعَةِ وسَارَ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ، فَإِنْ أَخَّرَ المُطَالَبَةَ بَعْدَ الإِشْهَادِ لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ تَسْقُطَ إِذَا أَخَّرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ وسَارَ في طَلَبِهَا فَعَلى وَجْهَيْنِ (1)، فَإِنْ أَخَّرَ المُطَالَبَةَ وَقَالَ لَمْ أُصَدِّقْ المُخْبِرَ نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ المُخْبِرُ مِمَّنْ لاَ يُقْبَلُ خَبَرُهُ كَالصَّبِيِّ والفَاسِقِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وإِنْ كَانَ المُخْبِرُ عَدْلاً بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، فَإِنْ دَلَّ في البَيْعِ أو تَوَكَّلَ لأَحَدَ المُتَبايِعَيْنِ أو ضَمِنَ عُهْدَةَ الثَّمَنِ أو جَعَلَ لَهُ الخِيَارَ فَاخْتَارَ إِمْضَاءَ البَيْعِ أو قَالَ: أَشْتَرِي فَقَدْ أَسْقَطْتُ شُفْعَتِي لَمْ تَسْقُطْ، فَإِنْ بَاعَ حِصَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بالشُّفْعَةِ /205 و/ ثُمَّ عَلِمَ لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ تَسْقُطَ (2)، فَإِنْ أَظْهَرَ لَهُ زِيَادَةً في الثَّمَنِ أو نُقْصَاناً (3) في المُشْتَرَى فَتَرَكَ المُطَالَبَةَ ثُمَّ بَانَ لَهُ بِخَلاَفِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، ولاَ يَحِلُّ للمُشْتَرِي أَنْ يَحْتَالَ لإِسْقَاطٍ، ولاَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهَا عِوَضاً، وإِذَا عَفَا الوَلِيُّ عَنْ مَنْفَعَةِ الصَّبِيِّ والحَظِّ في الأَخْذِ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ (4)، وإِذَا تَصَرَّفَ المُشْتَرِي في الشِّقْصِ بالبِنَاءِ والغِرَاسِ فَالشَّفِيْعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِقِيْمَتِهِ (5) وبَيْنَ أَنْ يَقَلَعَ ذَلِكَ ويَضْمَنَ أَرْشَ مَا نَقَصَ فَإِنْ تَصَرَّفَ بالإنفَاقِ والهِبَةِ والصَّدَقَةِ سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ (6)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ تَبْطُلُ، ولَهُ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ ويَأْخُذَ الشُّفْعَةَ، فَإِنْ بَاعَ المُشْتَرِي فَللشَفِيْعِ الخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ ويَأْخُذَ وبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ المُشْتَرِي الثَّانِي بما اشْتَرَاهُ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في الثَّمَنِ فَتَحَالَفَا وفَسَخَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بما حَلَفَ عَلَيْهِ البَائِعُ، فَإِنْ تَعَامَلاَ فَلَهُ الأَخْذُ أَيْضاً، فَإِنْ رَدَّ المُشْتَرِي بالعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الرَّدَّ ويَأْخُذَ المَبِيْعَ، فَإِنْ حَطَّ البَائِعُ عَنِ المُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمِ المُشْتَرِي أَنْ يَحطَّهُ عَنِ الشفيع إِذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ لُزُومِ البَيْعِ، فَإِنْ قَالَ المُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ الشِّقْصَ بَأَلْفٍ، فَأَقَامَ البَائِعُ البَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ فالشَّفِيْعُ يَأْخُذُهُ
__________
(1) الأول: سقوط الشفعة، وَهُوَ ظاهر كلام أحمد والخرقي؛ لأن السير يَكُون للطلب وغيره فَلاَ يتبين إلا بالإشهاد وعدمه والثاني: احتمل أن لا تبطل، وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي. انظر: المغني 5/ 486، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 558.
(2) قَالَ المرداوي في الإنصاف 6/ 268: ((قواعد المذهب تقتضي سقوطها مَعَ علمه)).
(3) في المخطوط: ((نقصان)).
(4) واختار ابن بطة عكس ذَلِكَ. انظر: الإنصاف 6/ 272.
(5) نَصَّ عَلَيْهِ أحمد. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 560، والإنصاف 6/ 285.
(6) انظر: المغني 5/ 501، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 560.(1/323)
بِأَلْفٍ، فَإِنْ قَالَ المُشْتَرِي: غَلِطْتُ (1) في قَوْلِي فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2) بِنَاءً عَلَى المُخْبِرِ فِي المُرَابَحَةِ إِذَا قَالَ: غَلِطْتُ، فَالثَّمَنُ آكَدُ، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وإِذَا أتلفَ بَعْضَ المَبِيْعِ فَللشَفِيْعِ أَنْ يَأْخُذَ البَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ اللهِ - عز وجل - لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ البَاقِيَ إِلاَّ بِجَمِيْعِ الثَّمَنِ (3) أَو يَتْرُكَ، فَإِنْ بَاعَ شِقْصاً وسَيفاً أو نَحْوَهُ فَللشَّفِيْعِ أَخْذُ الشِّقْصِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، ويُتَخَرَّجُ أَنْ لاَ يَأْخُذَ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ويَنْتَزِعُ الشَّفِيْعُ المَبِيْعَ مِنْ يَدِ المُشْتَرِي وعُهْدَتُهُ عَلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ المُشْتَرِي مِنَ القَبْضِ فَقَالَ شَيْخُنَا: يُجْبِرُهُ الحَاكِمُ عَلَى القَبْضِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ الشَّفِيْعُ، وقِيَاسُ المَذْهَبِ: أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِ البَائِعِ؛ لأَنَّ المَبِيْعَ المُعَيَّنَ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ ويَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْ يَدِ المُشْتَرِي ولاَ يَجُوزُ للشَّفِيْعِ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الشِّقْصِ، فَإِنِ اشْتَرَى شِقْصَيْنِ مِنْ أَرْضَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَللشَّفِيْعِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَهُمَا (4)، ويُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يَجُوزُ فَإِنْ /206 ظ/ كَانَتِ الشُّفْعَةُ لاثْنَيْنِ فَتَرَكَ أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ فَلَيْسَ للآخَرِ أن يأخذ إِلاَّ الكُلَّ أو يَتْرُكَ، فَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ دَاراً مِنْ رَجُلٍ صفعةً وَاحِدَةً فَلاَ شُفْعَةَ لأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَ الدَّارِ قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحالَفَا ولاَ شُفْعَةَ لأَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَشْهَدُ لَهُ بالسَّبْقِ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا بِتَارِيْخِ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الآخَرِ حُكِمَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ، وإِذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيْعُ والمُشْتَرِي في مِقْدَارِ الثَّمَنِ وأَقَامَا البَيِّنَةَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الشَّفِيْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالقَوْلُ قَولُ المُشْتَرِي مَعَ يَمِيْنِهِ.
كِتَابُ إِحْيَاءِ المَوَاتِ
المَوَاتُ: هِيَ الأَرْضُ الَّتِي لاَ يُعْلَمُ أَنَّهَا مُلِكَتْ وإحْيَاؤُهَا أَنْ يُحَيِّزَهَا بِحَائِطٍ أَو يَسْتَخْرِجَ لَهَا مَاءً. فَأَمَّا مَا جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُ مُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى دُثِرَتْ وصَارَتْ مَوَاتاً، فَإِنْ كَانَ مَالِكُهَا بَاقِياً لَمْ تُمْلَكْ بالإحياء وإن مات مالكها وَلَمْ يُعقب فهل تملك
__________
(1) في الأصل: ((عطب))، وما أثبتناه من المقنع: 153.
(2) الأول: يقبل قوله، وَقَالَ الْقَاضِي: قياس المذهب عندي: يقبل قوله.
والثاني: لا يقبل قوله؛ لأن رجوعه تعلق بِهِ حق آدمي غيره. انظر: الشرح الكبير 5/ 527، والإنصاف 6/ 305.
(3) انظر: المقنع: 152، والإنصاف 6/ 282.
(4) المغني 5/ 509.(1/324)
بالإِحْيَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1). ولاَ فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ دَارِ الإِسْلاَمِ ودَارِ الشِّرْكِ ولاَ يَفْتَقِرُ الإِحْيَاءُ إِلى إِذْنِ الإِمَامِ، ويَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بالإِحْيَاءِ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: لاَ يَمْلِكُ بالإِحْيَاءِ، وقَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى دَارِ الإسَّلاَمِ (2)، فَأَمَّا دَارُ الشِّرْكِ فَيُمْلِكُ فِيْهَا بالإِحْيَاءِ.
ولاَ يَجُوزُ لأَحَدٍ إِحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنَ العَامِرِ وتَعَلَّقَ بِمَصْلَحَتِهِ، فَأَمَّا مَا كَانَ بَيْنَ العُمْرَانِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَصْلَحَتِهِ فَهَلْ يُمْلَكُ بِالإِحْيَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3)، وإِذَا حَفَرَ بِئْراً في مَوَاتِ مَلَكَها ومَلَكَ حَرِيْمَهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ ذِرَاعاً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وإِنْ كَانَتْ بِئْراً عَادِيَّةً (4)، وَهِيَ الكَبِيْرَةُ فَحَرِيْمُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعاً، نَصَّ عَلَيْهِ (5)، وَقَدْ تَوَّقَّفَ في رِوَايَةِ حَرْبٍ عَنِ التَّقْدِيْرِ، وعِنْدِي: أَنَّ حَرِيْمَهَا بِقَدَرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ في تَرَقِّيْهِ المَاء مِنْها (6).
وإِذَا مَلَكَ المُحْيِي مَلَكَ بما فِيهِ مِنَ المَعَادِنِ والأَشْجَارِ والكَلأِ والمَاءِ، ويَجُوزُ لَهُ بَيْعُ ذَلِكَ، ولاَ يَجُوزُ لأَحَدٍ أَخْذَ شَيءٍ مِنْهُ، ومَتَى أَخَذَهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَعَنْهُ في المَاءِ والكَلأِ: أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ (7)، ولاَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، ومَتَى أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُ أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا ومَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ عَنْ حَاجَتِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمَ غَيْرِهِ وَزَرْعِهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ (8) / 207 و / بَذْلُهُ لِزَرْعِ الغَيْرِ (9).
ومَنْ شَرَعَ في إِحْيَاءِ أَرْضٍ وَلَمْ يُتْمِمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وإِنْ مَاتَ فَوَارِثُهُ أَحَقُّ بِهَا، فَإِنْ نَقَلَهَا إلى غَيْرِهِ صَارَ الغَيْرُ بِمَنْزِلَتِهِ، فَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا لَمْ يَجُزْ، ويُحْتَمَلُ الجَوَازُ. فَإِنْ تَرَكَ الإِحْيَاءَ قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تُحْيِيَ وإِلاَّ أَحْيَاهَا غَيْرُكَ، فَإِنْ طَلَبَ أَنْ يُمْهَلَ قَلِيْلاً أُمْهِلَ الشَّهْرَ
__________
(1) نقل أبو الحارث ويوسف بن موسى وأبو داود عدم تمليكها بالإحياء، واختارها الخرقي وأبو بَكْر، ونقل صالح أَنَّهُ يملك. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 92/ ب، والمغني 6/ 148، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 596.
(2) قَالَ الْقَاضِي: ((هُوَ مَذْهَب جَمَاعَة من أصحابنا)). شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 596.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 92/ ب.
(4) قَالَ ابن قدامة: عادية - بتشديد الياء - هِيَ القديمة منسوبة إلى عادٍ، وَلَمْ يرد عاداً بعينها لكن لما كَانَتْ عاد في الزمن الأول وكانت لَها آثار في الأرض نسب إليها كُلّ قديم. المغني 6/ 180، وانظر: المطلع: 281، والإنصاف 6/ 371.
(5) في رِوَايَة عَبْد الله وحرب. انظر: مسائل عَبْد الله 3/ 1000، والمغني 6/ 180، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 601، والإنصاف 6/ 370.
(6) وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي. انظر: المغني 6/ 180، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 601.
(7) انظر: المقنع: 156، والإنصاف 6/ 365.
(8) ((أنه لا يلزمه)) تكررت في المخطوطة.
(9) وَهُوَ ظاهر رِوَايَة الأثرم عَنْهُ، وصححه الْقَاضِي، وابن عقيل. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 94/ أ، والإنصاف 6/ 366.(1/325)
والشَّهْرَيْنِ، فإِنْ لَمْ يُحْيِ جَازَ لِغَيْرِهِ إِحْيَاؤُهَا، فَإِنْ بَادَرَ الغَيْرُ فَأَحْيَا في مُدَّةِ المُهْلَةِ فهَلْ يَمْلِكُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (1).
فَإِنْ أَقْطَعَ الإِمَامُ مَوَاتاً لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ؛ ولَكِنْ يَكُونُ كَالمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ في الإِحْيَاءِ، فَإِنْ أَحْيَاهُ مَلَكَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَالطُّرُقِ الوَاسِعَةِ ومَقَاعِدِ الأَسْوَاقِ وَرِحَابِ المَسَاجِدِ فَإِنَّهَا لاَ تُمْلَكُ بالإِحْيَاءِ ويَكُونُ القَطعُ أَحَقَّ بالجُلُوسِ فِيْهَا مَا لَمْ يَضِقْ عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ الإِمَامُ فَلِمَنْ سَبَقَ الجُلُوس إِلَى اللَّيْلِ، فَإِنْ نَقَلَ عَنْهُ قِمَاشَهُ فَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ، وإِنْ لَمْ يَنْقُلْ قِمَاشَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنِ اسْتَدَامَ ذَلِكَ الزَّمَانُ الطَّوَيْلُ أُزِيْلَ عَنْهُ (2) وأُجْلِسَ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: لاَ يُزَالُ (3)، فَإِنِ اسْتَبَقَ إِلَى المَكَانِ اثْنَانِ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا (4)، ولاَ يَمْلِكُ شَيْئاً مِنَ المَعَادِنِ بالإِحْيَاءِ سَوَاءٌ افْتَقَرَتْ إلى العَمَلِ عَلَيْهَا كَالمَعَادِنِ البَاطِنَةِ مِنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والحَدِيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أو لَمْ يَفْتَقِرْ كَالمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ مِنْ مَعَادِنِ القَارِ والنِّفْطِ والمُوميا والبَرَامِ (5) والمِلْحِ والكُحْلِ والبَلُّورِ والجُصِّ، ولاَ يَجُوزُ اقْتِطَاعُهَا، ومَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بما يَنَالُ مِنْها، وهَلْ يُمْنَعُ إِذَا طَالَ مُقَامُهُ عَلَيْهَا أَمْ لاَ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الوَجْهَيْنِ، ومَا سَبَقَ إِلَيْهِ الإِنْسَانُ مِنَ المُبَاحِ كَالصَّيْدِ والسَّمَكِ ومَا يُؤْخَذُ مِنَ البحر كاللؤلؤ والمرجان والصدف وما ينبُت فِي الموات من الحطب والكلأ وما ينبعُ من المياه ويسقط من الثلوج وما ينبذهُ النَّاس رغبةً عَنْهُ أَوْ يؤخذ من الثِّمَارِ فِي الجِبَالِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بالأَخْذِ، فَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا إِنْ كَانَ الأَخْذُ للتِّجَارَةِ، وإِنْ كَانَ لِحَاجَتِهِ احْتَمَلَ ذَلِكَ أَيْضاً، واحْتَمَلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، واحْتَمَلَ أَنْ يُقَدِّمَ الإمَامُ مَنْ يَرَى (6) مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِي المَوَاتِ مَوْضِعٌ يُمْكِنُ فِيهِ إِحْدَاثُ مَعْدِنٍ ظَاهِرٍ /208 ظ / يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ مَوْضِعٌ إِذَا وَضَعَ فِيهِ المَاءَ صَارَ مِلْحاً جاز أَنْ يُمْلَكَ بالإِحْيَاءِ، وكَانَ للإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهَا، ويَجُوزُ أَنْ يُحْيِيَ أَرْضاً مَوَاتاً لَتَرْعَى فِيْهَا إِبِلُ الصَّدَقَةِ وخَيْلُ المُجَاهِدِيْنَ ونِعَمُ الجِزْيَةِ وَضَوَالُّ النَّاسِ ومَالُ مَنْ يَضْعفُ عَنِ الإبْعَادِ
__________
(1) الأول: يملكه؛ لأن الإحياء يملك بِهِ والتحجر لا يملك بِهِ، فيثبت الملك بما يملك بِهِ دُوْنَ مَا لا يملك، واختاره الْقَاضِي وابن عقيل.
والثاني: لا يملكه. انظر: الشرح الكبير 6/ 168، والإنصاف 6/ 375 - 376.
(2) قَالَ المرداوي في الإنصاف 6/ 379: ((قَالَ في القواعد: وَهُوَ ظاهر كلام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَة حرب)).
(3) انظر: الإنصاف 6/ 379.
(4) وَهُوَ وجه حكاه الْقَاضِي. انظر: الإنصاف 6/ 380.
(5) ذكر صاحب اللسان: أن البرم هُوَ الكحل المذاب، 12/ 45 (برم).
(6) انظر: الشرح الكبير 6/ 173، والإنصاف 6/ 382.(1/326)
لِطَلَبِ النَّجْعَةِ (1) إِذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بالنَّاسِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنَ الرَّعِيَّةِ فِعْلُ ذَلِكَ ومَا حَمَاهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ لأَحَدٍ نَقضُهُ، ومَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الأَئِمَّةِ فَهَلْ لِمَنْ بَعْدَهُ تَغْيِيْرُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2). ومَا أَحْيَاهُ المُسْلِمُ مِنْ أَرَاضِي الكُفَّارِ الَّتِي صُولِحُوا عَلَيْهَا لَمْ يَمْلِكْهُ بالإِحْيَاءِ.
كِتَابُ اللُّقَطَةِ (3)
اللُّقَطَةُ: هِيَ المَالُ الضَّائِعُ مِنْ رَبِّهِ إِذَا كَانَ يَتَمَوَّلُ وتَتَبَّعُهُ الهِمَّةُ، فَأَمَّا التَّمَرَةُ والكِسْرَةُ وشَسْعُ النَّعْلِ (4)، ومَا أَشْبَهَهُ فَيُبَاحُ الانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيْفٍ.
ومَنْ وَجَدَ لُقْطَةً نَظَرَ في حَالِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا ضَمِنَهَا، وإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا قَوِيَ عَلَى تَعْرِيْفِهَا فَهُوَ بالخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهَا وتَرْكِهَا، والأَفْضَلُ تَرْكُهَا عَلَى ظَاهِرِ كَلاَمِهِ، وعِنْدِي: إِنْ وَجَدَهَا بِمَضْيَعَةٍ لاَ يَأْمَنْ عَلَيْهَا فالأَفْضَلُ تَرْكُهَا، وإِذَا أَخَذَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَفِظُهَا، فَإِنْ رَدَّهَا إِلى مَوْضِعِهَا ضَمِنَ ثُمَّ يُعَرِّفُ جِنْسَهَا وقَدْرَهَا وعِفَاصَهَا (5) ووكَاءهَا، ويُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا، ويَجِبُ عَلَيْهِ تَعْرِيْفُهَا شَهْراً (6) سَوَاءٌ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا أَو حِفْظَهَا عَلَى صَاحِبِهَا.
والتَّعْرِيْفُ أَنْ يُنَادِيَ عَلَيْهَا في المَوْضِعِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ، وعَلَى أَبْوَابِ المَسَاجِدِ وَفِي
__________
(1) النجعة: طلب الكلأ ومساقط الغيث. انظر: المعجم الوسيط: 904.
(2) الأول: يجوز نقضه؛ لأن حمى الأئمة اجتهاد وملك الأرض بالإحياء نَصَّ، والنص يقدم عَلَى الاجتهاد.
والثاني: لاَ يجوز نقضه لأن اجتهاد الإِمَام لاَ يجوز نقضه، كَمَا لا يجوز نقض حكمه. انظر: المغني 6/ 168، والإنصاف 6/ 388.
(3) اللُّقْطَةُ - بتسكين القاف -: الشيء المُلتقط، وبالتحريك: الرجل اللَّقَاطَةُ. انظر: العين 5/ 100، وتهذيب الأسماء واللغات 3/ 128، واللسان 7/ 393.
(4) قَالَ المرداوي في الإنصاف 6/ 399 - 400: ((نَصَّ الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ في رِوَايَة عَبْد الله وحنبل: أَنَّهُ مَا كَانَ مِثْل التمرة والكسرة والخرقة وما لا خطر لَهُ فَلاَ بأس، وَقَالَ في رِوَايَة ابن منصور: الَّذِي يعرّف من اللقطة: كُلّ شيء إلا مَا لا قيمة لَهُ، وسئل الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - في رِوَايَة حرب: الرجل يصيب الشسع في الطَّرِيق: أيأخذه؟ قَالَ: إذا كَانَ جيداً مِمَّا لا يطرح مِثْلَهُ فَلاَ يعجبني أن يأخذه، وإن كَانَ رديئاً قَدْ طرحه صاحبه: فَلاَ بأس)).
(5) العِفَاص: صمام القارورة. اللسان 7/ 55 (عفص).
(6) اختلف في تحديد مدة التعريف فذهب الخرقي إلى أن التعريف يَكُون سنة، وَلَمْ نر من قَالَ: التعريف شهراً. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 95/ب، والمغني 6/ 320، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 632، والإنصاف 6/ 411.(1/327)
الطَّرِيقِ والأَسْوَاقِ: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيءٌ؟ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ ذَهَبٌ أو فِضَّةٌ؟ ويَكُونُ التَّعْرِيْفُ في أَوْقَاتِ الصَّلوات وعِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، ويَجُوزُ مُتَفَرِّقاً في الحَوْلِ، وأُجْرَةُ المُنَادِي في مَالِ المُعَرِّفِ سَوَاءٌ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ يَعْقُوبَ، وَعِنْدِي: أَنَّ كَلاَمَهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَعْرِيْفِ مَا يَمْلِكُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يُمْلَكُ أَو أَرَادَ الحِفْظَ عَلَى صَاحِبِهَا لاَ غَيْرُ رَجَعَ بالأُجْرَةِ عَلَيْهِ (1)، وَإِذَا مَضَى الحَوْلُ مِنْ وَقْتِ التَّعْرِيْفِ وكَانَتْ عَيْناً وورِقاً مَلَكَها (2)، وإِنْ كَانَتْ عُرُوضاً لَمْ يَمْلِكْهَا، وهَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3)، ويُتَخَرَّجُ: أَنْ يَمْلِكَ العَرُوضَ أَيْضاً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: يَمْلِكُ الغَنَمَ. وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ مُحَمَّدُ وابنُ الحَكَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ في الصَّيَّادِ يَقَعُ في شَبَكَتِهِ الكِيْسُ أو النُّحَاسُ يُعَرِّفُهُ سَنَةً / 209 و / فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ وإِلاَّ فَهُوَ كَسَائِرِ مَالِهِ وشَبَّهَهُ باللُّقَطَةِ، قَالَ أَبو بَكْرٍ: مَنْ قَالَ بِمَسْكِهِ مُحَمَّدُ بنُ الحَكَمِ فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضاً نَصَّ عَلَى مَذْهَبِهِ، وهَذَا نَصٌّ في تَمْلِيْكِ النُّحَاسِ بَعْدَ الحَوْلِ وَهُوَ مِنَ العُرُوضِ، وَقَدْ نقل عَنْهُ حَنْبَلٌ والبَغَوِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَمْلِكُ لُقْطَةً بحالٍ (4)، وهَلْ تَدْخُلُ اللُّقَطَةُ في مِلْكِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بَعْدَ الحولِ، قَالَ شَيْخُنَا: ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهَا تَدْخُلُ (5)، وعِنْدِي: لا تَدْخُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ولِهَذَا يَضْمَنُهَا لِمَالِكِهَا إِذَا أَنْفَقَهَا بَعْدَ الحَوْلِ، وإِذَا تَلِفَتِ اللُّقَطَةُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ لَمْ يَضْمَنْهَا، وإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ التَّمَلُّكِ ضَمِنَهَا أو نَقَصَتْ ضَمِنَ، وإِذَا أَخَذَهَا مَالِكُهَا قَبْلَ التَّمَلُّكِ أَخَذَهَا مَعَ زِيَادَتِهَا، وإِنْ أَخَذَهَا بَعْدَ التَّمَلُّكِ أَخَذَهَا مَعَ زِيَادَتِهَا المُتَّصِلَةِ، فَأَمَّا المُنْفَصِلَةُ فَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (6) بِنَاءً عَلَى الأَبِ إِذَا اسْتَرْجَعَ العَيْنَ المَوْهُوبَةَ وَقَدْ زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً فَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا أمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
__________
(1) قَالَ المرداوي في الإنصاف 6/ 412 - 413: ((قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَاب، وَقَالَ ابن عقيل: مَا لا يملك بالتعريف يرجع عَلَيْهِ بالأجرة)).
(2) ونقل حَنْبَل: إن جاء صاحبها فعرف وعاءها وصرارها فهي لَهُ وإلا تصدق بِهَا فظاهر هَذَا أَنَّهُ يحكم لَهُ بملكها بَعْدَ الْحَوْل والتعريف. قَالَ أبو بَكْر الخلال: لَيْسَ هَذَا قَوْل أحمد ومذهبه إن لَمْ يجيء صاحبها فهي لَهُ. الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 94/ ب.
(3) انظر: الأنصاف: 6/ 415.
(4) ونَقَلَهُ أَبو الخَطَّابِ في الانْتِصَارِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ في شرحه 2/ 635.
(5) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ في شرحه 2/ 637: ((وقول الخرقي: وإلا فهي كسائر ماله ظاهره أنها تدخل في ملكه من غَيْر اختياره، وكذا نَصَّ أحمد في رِوَايَة الجماعة وَعَلَيْهِ الْجُمْهُور)).
(6) الأول: تَكُون لواجدها. والثاني: تَكُون لصاحبها، اختاره ابن أبي موسى. انظر: الشرح الكبير 6/ 356 - 357، والإنصاف 6/ 419.(1/328)
وإِذَا جَاءَ طَالِبُ اللُّقَطَةِ فَوَصَفَهَا دُفِعَتْ إِلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ فَأَقَامَ البَيِّنَةَ أَنَّهَا مُلْكَهُ انْتَزَعَهَا مِنْ يَدِ الوَاصِفِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَلِفَتْ في يَدِ الوَاصِفِ فَلَهُ تَضْمِيْنُهُ إِيَّاهَا ولَهُ تَضْمِيْنُ المُلْتَقِطِ لَكِنَّ المُلْتَقِطَ إِنْ عَدِمَ رَجَعَ عَلَى الوَاصِفِ فَإِنْ وَصَفَهَا اثْنَانِ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: تُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فمنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ قُرْعَةٌ حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ وأَخَذَهَا (1)، فَإِنْ جَعَلَ المَالِكُ في رَدِّهَا شَيْئاً، فَإِنْ رَدَّهَا لأَجْلِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وإِنِ التَقَطَهَا لأَجْلِهِ ورَدَّهَا اسْتَحَقَّهُ، وإِذَا التَقَطَ مَا لاَ يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ كَالبِطِّيْخِ والطَّبِيْخِ (2) عَرَّفَهُ بِقَدْرِ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ، ثُمَّ هُوَ بالخِيارِ بَيْنَ بَيْعِهِ وحِفْظِ ثَمَنِهِ عَلَى مالِكِهِ وبَيْنَ أَكْلِهِ، وَعَلَيْهِ قِيْمَتُهُ لِمَالِكِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لَهُ مالِكاً تَصَدق بالقِيْمَةِ، ورَوَى عَنْهُ مُهَنَّا: أَنَّهُ يَبِيْعُهُ إِنْ كَانَ يَسِيْراً، وإِنْ كَانَ كَثِيْراً رَفَعَهُ إلى السُّلْطَانِ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَبِيْعُهُ إِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِماً (3)، فَإِنْ وَجَدَ حَاكِماً رَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُمْكِنُ إِصْلاَحُهُ بالتَّجْفِيْفِ كَالرُّطَبِ والعِنَبِ، فَإِنْ كَانَ الحَظُّ في بَيْعِهِ بَاعَهُ، وإِنْ كَانَ في تَجْفِيفِهِ جَفَّفَهُ (4)، فَإِنِ احْتَاجَ في التَّجْفِيْفِ إلى غَرَامَةٍ بَاعَ بَعْضَهُ في ذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الإِمَامِ أَخْذَ الضَّوَالِّ المُمْتَنِعَةِ بِقُوَّتِهَا عَنْ صِغَارِ السِّبَاعِ كَالإِبِلِ والبَقَرِ والبِغَالِ والحَمِيْرِ (5) /210 ظ/، أو المُمْتَنِعَةِ بِطَيَرَانِهَا كَالحَمَامِ، أو بِسُرْعَتِهَا كَالظِّبَاءِ، ومَتَى أَخَذَهَا ضَمِنَهَا، فَإِنْ سَلَّمَهَا إِلَى الإِمَامِ أو نَائِبِهِ زَالَ الضَّمَانُ. فَأَمَّا غَيْرِ المُمْتَنِعَةِ كَالغَنَمِ والفُصْلاَنِ (6) والعَجَاجِيْلِ فَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُهَا أَمْ لاَ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (7).
فَإِذَا أَخَذَهَا وعَرَّفَهَا فَهَلْ يَمْلِكُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (8).
__________
(1) نَصَّ عَلَيْهِ أحمد، وجزم بِهِ الْقَاضِي وابن عقيل، وصححه ابن رزين. انظر: المقنع: 159، والشرح الكبير 6/ 362، والإنصاف 6/ 422.
(2) الطبيخ: هُوَ ضرب من الأشربة. انظر: تاج العروس 7/ 299 (طبخ).
(3) انظر: المغني 6/ 366، والإنصاف 6/ 410.
(4) قَالَ الحارثي: وظاهر كلام الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - من رِوَايَة مهنّا وإسحاق التسوية بَيْنَ هَذَا النَّوع والذي قبله، وكذا كلام ابن أبي موسى قَالَ: فيجزي فِيهِ مَا مَرَّ من الخلاف. الإنصاف 6/ 410.
(5) كررت فِي الأصل.
(6) واحده: فَصِل، وَهُوَ وَلَدُ الناقة إذا فصل عن أمه، ويجمع أيضاً عَلَى فصال. انظر: اللسان 11/ 522 (فصل).
(7) الأولى: لا يجوز أخذها. نقلها عن الإمام أحمد: مهنا وصالح وحنبل، وَهِيَ اختيار الخِرَقِيّ.
والثانية: يجوز لَهُ أن يأخذها. نقلها عَنْهُ: ابن مَنْصُوْر وأبو طَالِب وأحمد بن الْحُسَيْن التِّرْمِذِيّ.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 95/أ، والمغني 6/ 362 - 363، وشرح الزركشي 2/ 646.
(8) الأولى: إنَّهُ يملكها. نقلها عَنْهُ الجماعة مِنْهُمْ: ابن مَنْصُوْر وأبو طَالِب وأحمد بن الْحُسَيْن التِّرْمِذِيّ.
والثانية: لا يملكها. وذلك عَلَى ظاهر رِوَايَة طاهر بن مُحَمَّد.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 95/أ.(1/329)
فَإِنْ وَجَدَ مَالاً مَدْفُوناً فِي أَرْضٍ مَواتٍ فإنَّ كَانَ عَلَيْهِ عَلامَةُ الإسْلامِ فَهُوَ لُقَطَةٌ، وإن كَانَ عَلَيْهِ عَلامةُ الكُفرِ فَهُوَ رِكَازٌ (1).
ولا فَرقَ فِيْمَا ذَكَرْنا بَيْنَ لُقْطَةِ الحِلِّ والحَرَمِ (2)، وَعَنْهُ: لا يُلْتَقَطُ في الحَرَمِ إلا لِلْحِفْظِ عَلَى صَاحِبِها فأمّا للتمليك فَلاَ (3).
ولا فرق بَيْنَ أن يَكُوْنَ المُلْتَقِطُ غَنِيّاً أو فَقِيراً، عَدْلاً أو فاسِقاً يأمنُ نَفسَهُ عَلَى تعريفها، وَقِيْلَ: يضمُ إِلَى الفَاسِقِ أميناً في حِفْظِها وتَعْريفِها، وإنْ وَجَدَها صَبِيٌّ أو سَفيهٌ قامَ وَلِيُّهُ مقامهُ في تَعْريفها، فإنْ كَانَ المُلْتَقِطُ عَبداً فليس لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُها من يَدِهِ ولِلْعَبْدِ تَعْرِيفُها، فإنْ أنْفَقَهَا في السَّنَةِ فَهِيَ في رَقَبَتِهِ وإن أنفَقَها بَعْدَ السَّنَةِ فهي في ذِمّتِهِ نَصّ عَلَيْهِ (4)، ولِلسَّيِّدِ انْتِزَاعَها قَبْلَ الحَولِ وبَعْدَهُ فَيَسْقُطَ ضَمانُهَا عَنِ العَبْدِ، لَكنَّهُ إنِ انْتَزَعَها ولَمْ يُعَرِّفْهَا العَبْدُ عَرَّفَها، فإنْ كَانَ العَبْدُ قَدْ عَرَّفَها حَوْلاً مَلَكَها السَّيِّدُ، وإنْ عَلِمَ العَبْدُ أنَّ سَيِّدَهُ غَير مَأْمُونٍ عَلَيْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ سَتْرُها عَنْهُ أو تَسْلِيمُها إِلَى الحَاكِمِ حَتَّى يُعَرِّفَها عَاماً ثُمَّ تُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِ العَبْدِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ في ذِمَّتِهِ.
فإنْ كانَ المُلْتَقِطُ مكاتباً فَحُكْمُهُ حُكْمُ الحُرِّ. فإنْ كَانَ مُدبراً أو مُعلقاً عِتْقُهُ بِصِفَةٍ أو أُمّ وَلَدٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ العَبْدِ فإنْ كَانَ بَعضُهُ حُرّاً وَلَمْ يَكُنْ بينه وبين السّيِّدِ مُهَايَأةٌ كَانَتْ بينَهُما بَعْدَ التَّعْرِيفِ يَمْلِكُ مِنْهَا بِمِقْدَار حُرِّيَّتِهِ، وإنْ كَانَ بَينَهُما مُهَايَأَةٌ فَهَلْ تَدْخُلُ فِيْهَا اللُّقَطَةُ أم لا؟ عَلَى وَجْهَينِ (5)، أحدُهُما: تَدْخُلُ في المُهَايأةِ فإنْ وَجَدَها في يَومِهِ فهي لَهُ وإن وَجَدَها في يَوْمِ السَّيِّدِ فهي لِلسَّيِّدِ، والثَّانِي: لا تَدخُلُ ويكُونُ بينَهُمَا فإنْ كَانَ المُلْتَقِطُ ذِمِّيّاً في دَارِ الإسْلامِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ المُسْلِمِ في ذَلِكَ.
__________
(1) الركاز: مَا ركَّزه الله تَعَالَى فِي الأرض من المعادن فِي حالته الطبيعية. والكنَز المال المدفون قَبْلَ الإسلام. انظر: المعجم الوسيط 369.
(2) هَذِهِ رِوَايَة عن الإمام أحمد نقلها أبو طَالِب والميموني والترمذي ومحمد بن داود وابن مَنْصُوْر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 64/ب.
(3) نقلها عَنْهُ حرب. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 95/أ.
(4) انظر: شرح الزركشي 2/ 634، والإنصاف 6/ 426.
(5) انظر: المقنع: 159.(1/330)
كِتَابُ اللَّقِيْطِ
اللَّقِيطُ: هُوَ الطِّفْلُ المَنْبُوذُ، وَهُوَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ وما وُجِدَ مَعَهُ مِنْ فِراشٍ وثِيابٍ وذَهَبٍ في جَيْبِهِ أو ثِيابِهِ أو تَحْتَ فِرَاشِهِ أو حَيَوانٌ / 211 و / مَشْدُودٌ بِثيابه (1) فَهُوَ لَهُ، فإنْ كَانَ تَحْتَهُ مَدْفُوناً أو مَطْرُوحاً بِقُرْبِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ويُحْتَملُ أنْ يُحْكَمَ لَهُ بِهِ (2)، وأَوْلَى النَّاسِ بِحَضَانَتِهِ مُلْتَقِطُهُ إن كانَ أمِيناً، وإنْ كانَ سَفِيهاً أو خائِناً انْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ، ويُسْتَحَبُّ أنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ وعلى ما مَعَهُ، وَقِيْلَ: يجبُ ذَلِكَ، ويُنْفِقُ عَلَيْهِ مِمّا وُجِدَ مَعَهُ بالمَعْرُوفِ، ولا يفتقر في النَّفَقَةِ إِلَى إذنِ الحَاكمِ، ذَكَرَهُ ابن حَامِدٍ (3)، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أبو الحَارِثِ ما يَدُلُّ عَلَى أنّه لا يُنْفِقُ عَلَيْهِ إلا بإذنِ الحَاكِمِ (4) فَعَلَى هَذَا إنْ أنْفَقَ بِغَيْرِ اذنِهِ ضمِن فإنْ لَمْ يوجَدْ مَعَهُ مالٌ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ في بَيْتِ المَالِ فإنْ تَعَذّرَ ذَلِكَ فَعَلى مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ الإنْفَاق عَلَيْهِ من صَدَقَاتِهِمْ وغيرِها، فإنْ لَمْ يَفْعَلُوا اسْتَقْرَضَ الحَاكِمُ لَهُ عَلَى بيت المال، وإذا وُجِدَ اللقيط في بلد المُسْلِمِيْنَ وهم فِيْهِ أو بعضهم وبعضهم كفار فَهُوَ مُسْلِمٌ، وإن وُجِدَ في بَلَدِ الكُفّارِ ولا مُسْلِمَ فِيْهِ أو في بلَدِ الكُفّارِ وفيه مُسْلِمٌ فَتَحَهُ المُسْلِمُونَ وأقرُّوا الكُفّار فِيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وإن وُجِدَ في بَلَدٍ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ وغلب عَلَيْهِ الكُفّارُ ولا مُسْلِمَ فِيْهِ، أو في بلَدِ الكُفّارِ وفيه مُسْلِمٌ فَعَلَى وَجْهَينِ، أحَدُهُمَا: يحكمُ بإسلامِهِ والآخر يحكمُ بِكُفْرِهِ (5)، فإنْ التْقَطَهُ كَافِرٌ وَهُوَ مَحْكُومٌ بإسلامِهِ لَمْ يقر في يدِهِ، وإنْ كَانَ محكوماً بكفره أقر في يده.
وإنِ التقَطَهُ عَبْدٌ لَمْ يقر في يدِهِ إلاّ أنْ يَأْذَنَ لَهُ السَّيِّدُ فيقر في يدِهِ، فإنِ التقطهُ مِنْ حَضَرٍ مَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ إِلَى البَادِيَةِ انْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ، وإنْ كَانَ أميناً، وإنْ كانَ سَفَرُهُ إِلَى بَلَدٍ فعلى وَجْهَيْنِ (6).
__________
(1) في الأصل بماله، وفي الإنصاف 6/ 435: ((ببابه))، وفي المبدع 5/ 295 وكشاف القناع 4/ 228:
((بثيابه)).
(2) انظر: الشرح الكبير 6/ 377، والإنصاف 6/ 435.
(3) انظر: المقنع: 160، والشرح الكبير 6/ 379، والإنصاف 6/ 437، وهذا المذهب وعَلَيْهِ الأصحاب وقطع بِهِ ابن حامد.
(4) انظر: المقنع: 160، والشرح الكبير 6/ 379، والإنصاف 6/ 437، هَذَا وجه في شرح الحارثي.
(5) انظر: المقنع: 159، والمغني 6/ 375، والإنصاف 6/ 435.
(6) انظر: المقنع: 160، والمغني 6/ 386، والزركشي 2/ 652. إِذَا كَانَ السفر من بدوٍ إِلَى حضر جاز، وإن كَانَ من حضر إِلَى بدو منع حذاراً من المشقة والخوف عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ من حضر إِلَى حضر فوجهان الجواز للاستواء والمنع. وانظر: الإنصاف 6/ 441، أحدهما لا يقر في يده وَهُوَ الصَّحِيْح من المذهب. والثاني يقر.(1/331)
فإنِ التقَطَهُ من باَدِيةٍ وأرادَ أنْ يَقْدمَ بِهِ إِلَى الحَضَرِ لَمْ يُمْنَعْ فإنْ كَانَ المُلْتَقِطُ بَدَوِيّاً وَكَانَ مُقَيماً في حِلِّهِ أُقِرَّ في يده، وإنْ كَانَ مُنْتَقِلاً في المواضِعِ فهَلْ يُقَرُّ في يده أو يُنْتَزَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (1).
فإنِ التَقَطَهُ اثنانُ مِنْ أهْلِ الحَضَانَةِ أحَدُهُما مُوسِرٌ والآخَرُ مُعسِرٌ، أو أحدُهُما مُقِيمٌ والآخَرُ مُسَافِرٌ قُدِّمَ المُوسِرُ والمُقيمُ، فإن تَسَاوَيا أو تَشَاحّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فإنِ ادّعى كُلّ واحِدٍ إنّهُ المُلْتَقِطُ، فالقولُ قَوْل مَنْ هُوَ في يَدِهِ مَعَ يَمِينِهِ، فإنْ كَانَ في أيْدِيْهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فإنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ /212ظ/ مِنْهُمَا عَلَيْهِ يدٌ سَلَّمَهُ الحاكِمُ إِلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا أو مِنْ غَيْرِهِمَا فإنْ كَانَ لأحَدِهما بَيِّنَةٌ قُدِّمَ بِهَا، فإنْ كَانَ لكلِّ واحدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ أقْدَمُهُما تاريخاً فإنْ تَسَاوَيَا سَقَطَتَا بالتَّعَارُضِ وصار كَمَنْ لا بَيِّنَة لَهُمَا، فإنْ وَصَفَهُ أحَدُهُما قُدِّمَ بالوَصْفِ في اسْتِحْقَاقِ حَضَانَتِهِ، فإنِ ادّعى نَسَبَهُ مُسْلِمٌ ألحِقَ بِهِ نَسَباً ودِيْناً، فإنِ ادّعَاهُ كَافِرٌ ألحقَ بِهِ نسباً لا دِيْناً، فإنْ أقامَ البَيِّنَةَ أنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ تَبِعَهُ في الدِّينِ أيضاً.
فإنِ ادّعت (2) نَسَبَهُ امرَاَةٌ لُحِقَ بِهَا دُوْنَ زَوجِها، وَعَنْهُ (3): إنْ كَانَ لها زَوْجٌ لَمْ يُلْحَقْ بِهَا فإن ادّعاهُ اثنانِ ولأحدِهِما بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ بِهَا، فإنْ لَمْ يَكُنْ لهما بَيِّنةٌ أو تَسَاويا في البَيِّنَةِ عُرِضَ عَلَى القَافَّةِ (4)، فإنْ ألْحَقَتْهُ بهما أَوْ بأحدِهِما لُحِقَ، وإن نَفَتْهُ عنهما أو أشكلَ عَلَيْهِمَا أو لَمْ تَكُنْ قافة تُرِكَ حَتَّى يبلُغَ فَيَنْتَسِب إِلَى مَنْ شاءَ مِنْهُمَا أوْمَأَ إِلَيْهِ أحمد
-رَحِمَهُ الله-واختاره ابن حامد (5)، وَقَالَ أبو بكر: جينقطِعُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا ويُلْحَقُ بالأمِّ (6).
فإنِ ادّعتاهُ امْرَأَتَانِ فالْحُكْمُ فِيْهِ كَمَا لَو ادّعاهُ رَجُلانِ، إلا أنَّهُ لا يُلْحَقُ بهما كَمَا يلحق بالرَّجُلَينِ، فإنْ ماتَ أو استَخْلَفَهُ إنْسَانٌ لُحِقَ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ حَيّاً. فإنِ ادّعاهُ اثنانِ وألْحَقَتُهُ القَافَةُ بِهِمْ لُحِقَ نَصَّ عَلَيْهِ (7)، وَقَالَ ابن حامد: لا يُلْحَقُ بأكثر من اثنينِ (8). وإنِ ادّعاهُ
__________
(1) الأول يقر في يده لأن الظاهر أنَّهُ ابن بدويين وإقراره في يد ملتقطه أرجى لكشف نسبته، والثاني يؤخذ مِنْهُ فيدفع إِلَى صاحب قرية لأنَّهُ أرق لَهُ وأخف عَلَيْهِ.
انظر: المقنع: 160، والهادي: 140، والشرح الكبير 6/ 383.
وجاء فِي الإنصاف 6/ 440، لا يقر في يده وَهُوَ أحد الوَجْهَيْنِ وَهُوَ المذهب وقَالَ الحارثي: هَذَا أقوى، والثاني يقر قدمه ابن رزين.
(2) وردت فِي الأصل ((ادعا)) واثبتناها ((ادعت)) لكي يستقيم الكلام.
(3) انظر: المقنع: 160، والمغني: 6/ 402، والزركشي 2/ 653، والإنصاف 6/ 453 - 454.
(4) القائف: الَّذِي يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرَّجُل بأخيه وأبيه، والجمع: القافة. انظر: النهاية فِي غريب الْحَدِيْث لابن الأثير 4/ 121.
(5) انظر: المقنع: 161، والمغني: 6/ 402، والزركشي 2/ 654، والإنصاف 6/ 457.
(6) انظر: المقنع: 161، والمغني: 6/ 402، والزركشي 2/ 654، والإنصاف 6/ 457.
(7) انظر: المغني 6/ 400.
(8) انظر: المغني 6/ 402 وجاء فِيْهِ: قَالَ: أَبُو عَبْد الله بن حامد: لا يلحق بأكثر من اثنين وَهُوَ =(1/332)
أكثرُ مِنْ ثَلاثَةٍ، فَلاَ أعْلَمُ عن إمَامِنا في ذَلِكَ شَيْئاً فيحتمل وَجْهَيْنِ. فإنِ ادّعى رجُلٌ رِقَّهُ لَمْ يُقْبَلْ إلا بِبَيِّنَةٍ تشهدُ بأنَّ أمَتَهُ وَلَدَتْهُ في مُلْكِهِ، فإنْ شهدتِ البيِّنَةُ بأنّ أمتَهُ وَلدَتْهُ وَلَمْ يَقُلْ في مُلْكِهِ احتمل أنْ يحكمَ لَهُ بِرِقِّهِ (1)، واحتملَ أن لا يحكمَ لَهُ (2).
فإنْ بَلَغَ اللقيطُ فَنَكَحَ وطلَّقَ وباعَ واشْتَرى وجني عَلَيْهِ ثُمَّ اقرَّ بالرِّقِّ لَمْ يُقْبَلْ إقرارُهُ بالرِّقِّ عَلَى ما قَالَهُ في رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ (3).
فَمَنْ كَانَ لَهُ زَوجَةٌ فادَّعى رَجُلٌ أنَّها أمَتَهُ فأقرَّتْ لَهُ المَرْأةُ لَمْ يسْتَحِقَّها بإقْرَارِها، وَعَنْهُ (4): أنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِيْمَا عَلَيْهِ رِوَايَةٌ واحِدَةٌ (5)، وهلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيْمَا عَلَى غَيْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6).
فإنْ بَلَغَ الطِّفْلُ فَوَصَفَ الكُفْرَ نَظَرْنا، فإنْ حُكِمَ بإسْلامهِ بإسْلامِ أبويهِ أو أحَدِهِما أو بِمَوتِ أبَوِيهِ أو أَحَدِهِما أو بإسلامِ سابيهِ وَهُوَ بسبيه منفرداً / 213و / عن أبويه، فإن سَبَاهُ مَعَ أحدِهِما فعلى رِوَايَتَيْنِ (7)، إحدَاهُمَا: يتبَعُ السَّابِي أَيْضاً، والثانية: يتبع الَّذِي سبي مَعَهُ من أبويه، فإنا لاَ نقره عَلَى الكفر، ويستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قُتِل. وإنْ حُكِمَ بإسلامِهِ بالدار فعلى وَجْهَيْنِ، أحدُهُما (8): لا يقرُّهُ عَلَى الكُفرِ أَيْضاً، والثاني: يُقرُّهُ، ثُمَّ إن وَصَفَ كُفراً يقر أهلهُ بالجِزْيَةِ عقد لَهُ الذِّمّةُ وإلا لَحِقَ بِمَأمنِهِ.
فإن كان أسلَمَ بنفسِهِ ثُمَّ بلغَ فَوَصَفَ الكفر نظرنا فإن كَانَ أَسْلَمَ حِيْنَ يعقِلُ الإسلامَ ودلائِلَ التَّوْحِيدِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ بَعْدَ البُلُوغِ غَيْر ذَلِكَ، أوِ القَتْلُ في المَشْهورِ مِنَ المَذْهَبِ، ونَقَلَ عَنْهُ عبدُ اللهِ (9) ومُهَنّا ما يدلُّ عَلَى أنّهُ لا يَصِحُّ إسلامُ الصَّبِيِّ، فَعَلى هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ بِنَفْسِهِ قَبْلَ البُلُوغِ وَقَدْ بيَّنّا القَوْلَ فِيْهِ فإن بَلَغَ مُمْسِكاً عن ذِكْرِ الإسلامِ والكُفْرِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْداً وَجَبَ القِصاصُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ البُلُوغِ.
__________
= قَوْل أبي يوسف لأنا صرنا إِلَى ذَلِكَ للأثر فيقتصر عَلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي لا يلحق بأكثر من ثلاثة وَهُوَ قَوْل مُحَمَّد بن الحسن روي ذَلِكَ عن أبي يوسف أَيْضاً.
(1) انظر: المقنع: 160، والشرح الكبير 6/ 391 - 392، والإنصاف 6/ 449.
(2) انظر: المقنع: 160، والشرح الكبير 6/ 391 - 392، والإنصاف 6/ 450.
(3) انظر: المقنع: 160، والشرح الكبير 6/ 392، والإنصاف 6/ 451.
(4) انظر: المقنع: 160، والشرح الكبير 6/ 392، والإنصاف 6/ 451.
(5) انظر: المقنع: 160، والشرح الكبير 6/ 392، والإنصاف 6/ 451.
(6) انظر: المقنع: 160، والشرح الكبير 6/ 392.
(7) انظر: الشرح الكبير 6/ 397.
(8) انظر: الهادي: 141، والشرح الكبير 6/ 397.
(9) انظر: الشرح الكبير 6/ 396.(1/333)
ويحتملُ أنْ لا يَجِبَ (1)، ويحتملُ أنْ يَجِبَ القِصاصُ (2) إِذَا حُكِمَ بإسْلامِهِ بِنَفْسِهِ وبإسْلامِ أبوَيْهِ ومَوْتِهِما وإسلامِ سابِيهِ.
ولا يجبُ إِذَا حُكِمَ بإسلامِهِ بالدارِ فإنْ قَتَلَ عَمْداً قَبْلَ البُلُوغِ فذلك إِلَى اجْتِهادِ الإمامِ، إنْ رأى أن يَقْتَصَّ وإن رأى أخذَ الديةَ. فإنْ قَطَعَ طَرَفَهُ عَمْداً وَكَانَ موسِراً انتظَرَ بُلُوغَهُ وَكَذَلِكَ إن كَانَ فقيراً عاملاً، فإن كَانَ فقيراً مَجْنُوناً فَلِلإمامِ أن يَعفوَ عَلَى مالٍ، يأخُذُهُ ويُنْفِقُهُ عَلَيهِ فإنْ قَتَلَ خَطَأً فديَّتُهُ في بيتِ المالِ. فإن جنا اللقيط فالعقل عَلَى بيت المالِ، فإنْ بَلَغَ فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ أو جَنَا عَلَيْهِ جِنايَةً تُوجِبُ القِصاصَ وادّعى أنّهُ عَبْدًٌ وكذبهُ اللقيطُ وَقَالَ: بَلْ أنا حُرٌّ، فالقَوْلُ قَوْلُ اللقيط، وَقِيْلَ القولُ قَوْلُهُ في الجِنايَةِ وقَوْلُ القَاذِفِ في إسْقَاطِ الحَدِّ.
كِتَابُ الوَقْفِ
وَهُوَ تَحْبِيْسُ الأصْلِ وتَسْبِيلُ المَنْفَعَةِ، والوَقْفُ مُسْتَحَبٌّ، ولا يَصِحُّ إلاَّ مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، ويَصِحُّ في كُلِّ مال عَيْنٍ يَصِحُّ الانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا دَائِماً كالعَقَارِ والأثَاثِ والحَيَوَانِ والسِّلاحِ، فأمَّا الوَقْفُ في الذِّمَّةِ نَحْوَ قَوْلِهِ: وَقَفْتُ دَاراً أو عَبْداً فَلاَ يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ وَقْفُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالكَلْبِ وأُمِّ الوَلَدِ لا يَصِحُّ، وأمَّا وَقْفُ ما لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كالطَّعَامِ والأثْمَانِ مِمَّا لا يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ كالمَشْمُومِ فَلا يَجُوزُ. وأمَّا وَقْفُ الحِلِيِّ عَلَى الإعَارَةِ واللِّبْسِ فَجَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِ /214ظ/ ما نَقَلَهُ الخِرَقِيُّ (3)، ونَقَلَ عَنْهُ الأثْرَمُ وحَنْبَلُ: لا يَصِحُّ (4)، ولا يَجُوزُ الوَقْفُ إلاَّ عَلَى ما فِيْهِ مزيةٌ، ونفعٌ لِلْمُسْلِمِيْنَ كَالوَقْفِ عَلَى الفَقَرَاءِ والمَسَاكِينِ والفُقَهَاءِ والقُرَّاءِ والجَامِعِ والمَسَاجِدِ والقَنَاطِرِ والبِيْمَارَسْتانَاتِ (5) والأقَارِبِ ومَا أشْبَه ذَلِكَ.
وأمَّا إنْ وَقَفَ عَلَى الكَنَائِسِ والبِيَعِ وإبلِ الحرب والمُرْتَدِّينَ وما أشْبَه ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وإنْ كَانَ الوَاقِفُ كَافِراً وَكَذَلِكَ إن وَقَفَ عَلَى مَنْ لا يَمْلِكُ المَالَ كالعَبْدِ والحَمَلِ وَوَقَفَ عَلَى مَجْهُولٍ كالرَّجُلِ أو المَرْأَةِ لَمْ يَصِحَّ، فإنْ وَقَفَ عَلَى أقَارِبِهِ مِنْ أهْلِ الذِّمَّةِ صَحَّ،
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 6/ 389، والإنصاف 6/ 446.
(2) انظر: الشرح الكبير 6/ 389، والإنصاف 6/ 446.
(3) انظر: المقنع: 161، المغني 6/ 235، الشرح الكبير 6/ 190، شرح الزركشي 2/ 617.
(4) المقنع: 161، المغني 6/ 235، الشرح الكبير 6/ 190، شرح الزركشي 2/ 617.
(5) البيمارستان: بيت المرضى، بيمار: المريض، وأستان: المأوى. تاج العروس 16/ 500 (مرس).(1/334)
وَكَذَلِكَ إنْ وَصَّى لَهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ (1)، فإنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ بَعْدَهُ صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ أبي إِبْرَاهِيْمَ، ويُوسُفَ بن مُوسَى، والفَضْلِ بنِ زِيَادٍ (2)، ونَقَلَ حَنْبَلٌ وأبو طالِبٍ: إِذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ما سَمِعْتُ بِهذا ولا أعْرِفُ الوَقْفَ إلاَّ ما أخْرَجَهُ للهِ تَعَالَى، وظَاهِرُ هَذَا أنَّهُ لا يَصِحُّ، فإنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهِ واسْتَثْنَى أنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَلَّتِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ الأثْرَمِ (3) وغَيْرِهِ، وذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ (4) في مُخْتَصَرِهِ فإنْ وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ ونَسْلِه لَمْ يَدْخُلْ فِيْهِ وَلَدُ البَنَاتِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وأبُو بَكْرٍ: إنْ قَالَ: عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي فَكَذَلِكَ، فإنْ لَمْ يَقُلْ لِصُلْبِي دَخَلَ وَلَدُ البَنَاتِ، فإنْ وَقَفَ ثُلُثَهُ في مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ صَحَّ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وفي الأُخْرَى لا يَصِحُّ، اخْتَارَهَا أَبُو حَفْصٍ العُكْبَرِيِّ (5)، فإنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ لا يَجُوزُ صَحَّ الوَقْفُ، ويرجعُ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ جَازَ الوَقْفُ عَلَيْهِ إِلَى وَرثَةِ الوَاقِفِ في إحْدَى الرِّوَايَتِيْنِ، وفي الأخْرَى يَرْجِعُ إِلَى أقْرَبِ عَصَبَاتِهِ (6)، ويَكُونُ وَقْفاً عَلَى مَنْ رَجَعَ إِلَيْهِ، ويَسْتَوِي فِيْهِ فُقَرَاؤُهُمْ وأغْنِيَاؤُهُمْ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَرِ يَرْجِعُ إِلَى فُقَرَاءِ همْ (7).
وَكَذَلِكَ الحُكْمُ (8) إِذَا وَقَفَ عَلَى قَوْمٍ وَلَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِيْنِ، أنَّهُ
__________
(1) المغني 6/ 242، شرح الزركشي 2/ 619.
(2) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 89/أ-ب، المغني 6/ 197.
(3) الشرح الكبير 6/ 195، الزركشي 2/ 607، الإنصاف 7/ 18.
(4) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 90/أ، المغني 6/ 206، الشرح الكبير 6/ 222، شرح الزركشي 2/ 608، الإنصاف 7/ 79.
(5) انظر: الإنصاف 7/ 144.
(6) انظر: المقنع: 162.
(7) انظر: المقنع: 162.
(8) في الأصل: ((الحلم)).(1/335)
يَرْجِعُ إِلَى وَرَثَةِ الوَاقِفِ أو إِلَى أقْرَبِ عَصَبَتِهِ، ذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ (1)، وَقَالَ شَيْخُنَا: يرْجِعُ إِلَى المَسَاكِينْ بَعْدَ انْقِرَاضِ القَوْمِ (2)، وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ وَقَفْتُ وَسَكَتَ عَلَى قَوْلِ الخِرَقِيِّ يَرْجِعُ إِلَى أقَارِبِ الوَاقِفِ / 215 و / وعلى قَوْلِ الشَّيْخِ يَرْجِعُ إِلَى المَسَاكِيْنِ، فإنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لا يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ، مثل أنْ يَقِفَ عَلَى عَبِيدٍ ثُمَّ بَعْدَهُمْ عَلَى أوْلاَدِهِ، فإنْ كَانَ مَنْ لا يَجُوزُ الوَقْفُ عَلَيْهِ لا يُعْرَفُ انْقِرَاضُهُ كالمَجْهُولِ صُرِفَ الوَقْفُ إِلَى مَنْ يَجُوزُ، وإنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْرَفُ انْقِرَاضُهُ كَعِبْدٍ مُعَيَّنٍ احْتَمَلَ أنْ يصرفَ في الحالِ إِلَى مَنْ يَجُوزُ، وَقَالَ شَيْخُنا (3) يَرْجِعُ إِلَى وَرَثَةِ الوَاقِفِ أو إِلَى أقْرَبِ العَصَبَاتِ، عَلَى اخْتِلافِ الرِّوَايَتَيْنِ، إِلَى أن يَمُوتَ العَبْدُ، ثُمَّ يُصْرَفُ إِلَى مَنْ يَجُوزُ الوَقْفُ عَلَيْهِ، فإنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ ثُمَّ عَلَى المَسَاكِينِ فرَدَّ المُعَيَّنُ الوَقفِ بَطَلَ حقُهُ وَلَمْ يَبْطُلْ في حَقِّ المَسَاكِينِ، ويَصِحُّ الوَقْفُ بالْقَوْلِ، وبِالفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى الوَقْفِ مِثْل أنْ يَبْنِيَ بَيْتاً مِنْ دَارِهِ مَسْجِداً ويأْذَنَ لِلنَّاسِ في الصَّلاةِ فِيْهِ، أو يَجْعَلَ أرضَهُ مَقْبَرَةً ويَأذَنَ في الدَّفْنِ فِيْهَا في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4) وفي الأُخْرَى (5) لا يَصِحُّ إلا بالقَولِ، وألْفَاظُهُ سِتَّةٌ:
ثَلاَثَةٌ صريحةٌ وَهِيَ: وَقَفْتُ وحَبَسْتُ وسَبَّلتُ.
وثَلاثةٌ كِنَايَةٌ وَهِيَ: تَصَدَّقْتُ وَحَرَّمْتُ وأبَّدْتُ.
فإذا أتَى بِلَفْظِ من ألفاظ الكِنَايَةِ لَمْ يَصِحَّ الوَقْفُ حَتَّى يَنْوِيَهُ أو يُقْرِنَ إحْدَى ألْفَاظِ الوَقْفِ البَاقِيَةِ، فَيَقُولَ: تَصَدَّقْتُ بِصَدَقَةٍ مُحَرَّمَةٍ أو مُسَبَّلَةٍ أو مُؤَبَّدَةٍ، أو يَقُوْلَ: تَصَدَّقْتُ أو أبَّدْتُ أو حَرَّمْتُ أو أبَّدْتُ هَذِهِ الدارَ لا تُباعُ ولا تُوهَبُ ولا تُوْرَثُ، فإذا قَالَ ذَلِكَ، فإنْ كَانَ الوَقْفُ عَلَى آدَميٍّ مُعَيَّنٍ افْتَقَرَ إِلَى قَبُولِهِ، لأنَّهُ كالوَصِيَّةِ والهِبَةِ، وَقَالَ شَيْخُنَا (6): لا يَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولِهِ، وإنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أو عَلَى المَسَاجِدِ والقَنَاطِرِ، وما أشْبَهَهُ يَفْتَقِرُ القَبُول، فإنْ كَانَ في الصِّحَّةِ كَانَ مِنْ رَأسِ المَالِ، وإنْ كَانَ في المَرَضِ اعْتُبِرَ مِنَ الثُّلُثِ. وَإِذَا شَرَطَ في الوَقْفِ الخِيَارَ أو شَرَطَ أن يَبِيْعَهُ إِذَا شَاءَ لَمْ يَصِحَّ الوَقْفُ، وَكَذَلِكَ إنْ علقَ ابْتَدَاء الوَقْفِ عَلَى شَرْط مثل أنْ يَقُوْلَ: إنْ وُلِدَ لِي ذَكَرٌ فَدَارِي وَقْفٌ، وإنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَفَرَسِي حَبِيْسٌ لَمْ يَصِحَّ. وَظَاهِرُ كَلاَمِ الخِرَقِيِّ أنَّهُ يَصِحُّ (7)؛ لأنَّهُ قَالَ: إِذَا وقفَ بَعْدَ مَوْتِي فَلَمْ يَخْرُجْ مِن الثُّلُثِ وقفَ مِنْهُ بِمِقْدارِ الثُّلُثِ. ويَجُوزُ وَقْفُ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ فإنْ عَلَّقَ إنْهَاءَ الوَقْفِ بِشَرْطٍ، بأنْ يَقُولَ: قَدْ وَقَفْتُ دَارِي هَذِهِ إِلَى سَنَةِ لَمْ يَصِحَّ فِي أحَدِ (8) الوَجْهَيْنِ ويَصِحَّ فِي الآخَرِ (9) ويَنْتَقِلُ بَعْدَ السَّنَةِ إِلَى قَرَابَةِ الوَاقِفِ / 216 ظ / وَإِذَا صَحَّ الوَقْفُ زَالَ مِلْكُ الوَاقِفُ عنِ الرَّقَبَةِ، وهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الوَقْفِ إخْرَاجُهُ عَنِ يَدِ الوَاقِفِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (10)، وهَلْ تَدْخُلُ الرَّقَبَةُ فِي مِلْكِ مَنْ وقفَ عَلَيْهِ؟ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ وَقَفَ أرْضاً أو غَنَماً فِي السَّبِيلِ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَلاَ عُشْرَ هَذَا فِي السَّبِيْلِ إنَّمَا يَكُونُ
__________
(1) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 89/ب، المغني 6/ 214 - 217، شرح الزركشي 2/ 609.
(2) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 90/ب، المغني 6/ 211، الزركشي 2/ 610.
(3) المقنع: 162، المغني 6/ 218، الشرح الكبير 6/ 201، الإنصاف 7/ 29.
(4) المغني 6/ 191، الشرح الكبير 6/ 186.
(5) المغني 6/ 190، الشرح الكبير 6/ 187، الإنصاف 7/ 4، 5.
(6) انظر: المغني 6/ 239، الشرح الكبير 6/ 200، شرح الزركشي 2/ 619، الإنصاف 7/ 26.
(7) انظر: المغني 6/ 221، الشرح الكبير 6/ 198 - 199.
(8) في الأصل: ((إحدى)).
(9) انظر: المغني 6/ 221، المحرر في الفقه 1/ 369، الزركشي 2/ 612، الإنصاف 7/ 35.
(10) انظر: الزركشي 2/ 606، الإنصاف 7/ 36.(1/336)
ذَلِكَ إِذَا جَعَلَهُ فِي قَرَابَتِهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبِ: إِذَا مَاتَ الموقفُ عَلَيْهِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَمَلُّكِ المُوْقَفِ عَلَيْهِ، لأنَّهُ أوْجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ ونَقَلَهُ إِلَى وَرَثَتِهِ، ويُحْتَمَلُ أن لاَ يَمْلِكَهُ مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ، وَيَكُوْنُ المِلْكُ للهِ تَعَالَى والمَنْفَعَةُ لِلْمُوقَفِ عَلَيْهِ (1)، لأنَّهُ قَالَ يصِحُّ وَقْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ ولا يَصِحُّ أنْ يُزِيْلَ الإنْسَانُ مِلْكَ نَفْسِهِ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا قلنا يَمْلِكُهُ المُوقَفُ عَلَيْهِ ملك صُوفَهُ ولَبَنَهُ وثَمَرَتَهُ، وإنْ كَانَتْ جَارِيَةً مَلَكَ تَزويجَها وَأخذ مهرهَا فإنْ أتت بِوَلَدٍ فَهُوَ وَقْفٌ مَعَهَا ويُحْتَمَلُ أنْ يَمْلِكَهُ كالصُّوفِ واللَّبَنِ ولا يَمْلِكُ المُوقَفُ عَلَيْهِ وعَلَيْهَا، فإنْ وطِئَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الحَدُّ فإنْ أتَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيْمَتُهُ يَشْتَرِي بِهِ عَبْداً يَكُونُ وَقْفاً مَكَانَهُ وتَصَيرُ أُمُّ وَلَدٍ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ وَتَكُوْنُ قِيْمَتُهَا في تَرِكَتِهِ يُشْتَرى بِهَا أَمَةٌ تَكُونُ وَقْفاً، فإنْ وَطِئَها أجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ المَهْرُ لأهَل الوَقْفِ الوَلَدِ يَشْتَرِي بِهَا عَبْداً يَكُوْنُ وَقْفاً مَكَانَهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ لا تَلْزَمَهُ قِيْمَةُ الوَلَدِ في المَسْأَلَةِ الأوّلة (2) ويَمْلِكُ القِيْمَةَ في المَسْألَةِ الثَّانِيَةِ، فإنْ أتْلَفَ الوَقْفَ إنْسَانٌ أخِذَتْ مِنْهُ القِيْمَةُ فاشْتَرَى بِهَا ما يَقُومُ مَقَامَهُ، فإنْ جَنَى الوَاقِفُ جِنايَةَ خَطَأٍ وقُلْنَا هُوَ لَهُ فالأرْشُ عَلَيْهِ (3)، وإنْ قُلْنَا هُوَ للهِ تَعَالَى احْتَمَلَ أنْ يَكُوْنَ في بَيْتِ المَالِ، واحْتَمَلَ أنْ يَكُوْنَ في كَسبِ الوَقْفِ وينْظَرُ في الوَقْفِ مَنْ شرطهُ الوَاقِفِ، فإنْ لَمْ يَشْتَرِطَ نَظَرَ فِيْهِ المُوقَفُ عَلَيْهِ وَقِيْلَ ينظْر الحَاكِمُ، فإن احَتاجَ الوَقْفُ إِلَى نَفَقَةٍ أنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ شَرَطَ الوَاقِفُ، فإنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ أنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ غِلَّتِهِ، ويَكُونُ البَاقِي لِلْمُوقَفِ عَلَيْهِ، فإنْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَته، فَالْمُوْقَفُ عَلَيْهِ بالخَيَارِ بَيْنَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وبين بَيْعِهِ وَصَرْفِ ثَمَنِهُ في مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ المُوقَفُ عَلَى سُبُلِ الخَيْرِ فالإمَامُ مُخَيَّرٌ في النَّفَقَةِ مِنْ بَيْتِ المَالِ، وفي بَيْعِهِ وَصَرْفِ ثَمَنِهِ في مِثْلِهِ، فإنْ خُرِّبَ المَسْجِدُ ومَا حَوَالَيْهِ وَلَمْ يَبْقَ مَنْ يُصَلِّي فِيْهِ جَازَ للإمَامِ بَيْعُهُ وصَرْفُ ثَمَنِهِ في مِثْلِهِ وتَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى الإمَامِ أَوْ وَكِيلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ (4) /217 و/ وَعَنْهُ لا تُبَاعُ المَسَاجِدُ وَلَكِنْ تُنْقَلُ - يَعْنِي آلَتهَا - إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، ويَجُوزُ بَيعُ بعْضِ آلَتِهِ وصَرْفِهَا في عِمَارَتِهِ (5)، وما فَضُلَ مِنْ بَوَارِي المَسْجِدِ وبِزْرِهِ وَلَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهِ جَازَ أنْ يُجْعَلَ في مَسْجِدٍ آخَرَ، ويَجُوزُ أنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى فُقَرَاءِ جِيْرَانِهِ، فإنْ كَانَ في المَسْجِدِ نَبِقَةٌ أو نَخْلَةٌ، فإنْ ثمرتها يباح
__________
(1) انظر: المقنع: 162، الهادي: 143، الشرح الكبير 6/ 207.
(2) المقنع: 163، الهادي: 143، المحرر في الفقه 1/ 143، الشرح الكبير 6/ 208، الإنصاف 7/ 39.
(3) انظر: المقنع: 163، الهادي: 143، المحرر في الفقه 1/ 143، الشرح الكبير 6/ 210.
(4) انظر: المقنع: 164، الهادي: 144، المغني 6/ 228، المحرر في الفقه 1/ 370، الشرح الكبير 6/ 243، الإنصاف 7/ 101.
(5) انظر: المقنع: 164.(1/337)
أكَلَهَا للجِيْرَان نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة أبي طَالِبٍ (1) وعِنْدِي أنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بالمَسْجِدِ حَاجَةٌ إِلَى ثَمَنِ ذَلِكَ، لأنَّ الجِيْرَانَ يَعْمُرُوْنَهُ ويكسُونَهُ فأمَّا إِذَا احْتَاجَ المَسْجِدُ إِلَى ذَلِكَ بِيْعَتْ وصُرِفَ ثَمَنُهَا في عِمَارَتِهِ، وهذا إِذَا كَانَتْ قَدْ وُقِفَتْ مَعَ المَسْجِدِ، فأمَّا إنْ غُرِسَتْ فِيْهِ لَمْ يَجُزْ وللإمَامِ قَلَعَهَا، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أو عَلَى وَلَدِ فُلانٍ اسْتَوَى في ذَلِكَ الذُّكُورُ والإنَاثُ، فإنْ وَقَفَ عَلَى مُحَمَّدٍ وزَيْدٍ وخَالِدٍ ثُمَّ عَلَى المَسَاكِيْنِ، فَمَنْ مَاتَ مِنَ الثَّلاَثَةِ رَجَعَ حَقُّهُ إِلَى الآخَرِ، فإنْ مَاتَ اثْنَانِ رَجَعَ إِلَى الثَّالِثِ، وَإِذَا انْقَرَضُوا رَجَعَ إِلَى المَسَاكِيْنِ، فإنْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيْهِ ولهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقٍ ومَوَالٍ مِنْ تَحْتٍ قسمَ بَيْنَهُمْ. وَقَالَ ابن حَامِدٍ: يَخُصُّ بِهِ مَوَالِيْهِ مِنْ فَوْق (2).
وَإِذَا وَقَفَ عَلَى الفُقَرَاءِ صَحَّ، وجَازَ صَرْفُهُ إِلَى وَاحِدٍ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ (3)، وفي الآخَرِ يُصْرَفُ إِلَى ثَلاَثَةٍ مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا في الزَّكَاةِ، ولا يُدْفَعُ إِلَى فَقِيْرٍ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَة عَلَى خَمْسِيْنَ دِرْهَماً أو قِيْمَتَهَا مِنَ الذَّهَبِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، وفي الآخَرِ يَجُوزُ وَهُوَ الأقْوَى عِنْدِي. وَكَذَلِكَ الحُكْمُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبِيْلَةٍ كَبِيْرَةٍ كَبَنِي هَاشِمٍ وبَنِي تَمِيْمٍ، ويَرْجِعُ في قِسْمَةِ غَلَّةِ الوَقْفِ إِلَى شَرْطِ الوَاقِفِ مِنَ التَّقْدِيْمِ والتأْخِيْرِ والتَّسْوِيَةِ والتَّفْضِيْلِ وإخْرَاجِ مَنْ أرَادَ بِصِفَةٍ وإدْخَالِهِ بِصِفَةٍ، ولا يَجُوزُ تَغْيِيرُ ذَلِكَ.
كِتَابُ العَطَايَا والهِبَاتِ
الهِبَةُ والعَطِيَّةُ: عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيْكِ مَالٍ في صِحَّتِهِ لا في مُقَابِلِةِ مالٍ ويُسْتَحَبُّ مِنْهَا ما قُصِدَ بِهِ وَجْهَ اللهِ تَعَالَى، كالهِبَةِ لِلْعُلَمَاءِ والفُقَراءِ، وما قُصِدَ بِهِ صِلَةُ الرَّحِمِ كالهِبَةِ للأقْرَبِيْنَ، ويُكْرَهُ ما قُصِدَ بِهِ المُبَاهَاةُ والرِّيَاءُ ويلْزَمُ بالإيْجَابِ والقَبُولِ والقَبْضِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (5)، وفي الأخْرَى إن كَانَتْ مُعَيِّنَةً كالثَّوْبِ والعَبْدِ والسَّهْمِ المَعْلُومِ مِنَ الضَّيْعَةِ، لَزِمَتْ بِمُجَرَّدِ الإيْجَابِ والقَبُولِ، فإنَّ كان لَهُ في ذِمَّةِ إنْسَانٍ دَيْنٌ فأبْرَأَهُ / 218 ظ / مِنْهُ
__________
(1) انظر: المقنع: 164، المحرر في الفقه 1/ 371.
(2) انظر: الهادي: 144، الشرح الكبير 6/ 211، الإنصاف 7/ 93.
(3) انظر: المغني: 6/ 213.
(4) جَاءَ فِي المغني: 6/ 213: ((واختلف فِي قدر مَا يحصل بِهِ الغني، فَقَالَ أَحْمَد فِي رِوَايَة عَلِيّ بن سَعِيد فِي الرَّجُل يعطى من الوقف خمسين درهماً، فَقَالَ: إن كَانَ الواقف ذكر فِي كتابه المساكين فَهُوَ مِثْل الزكاة، وإن كَانَ متطوعاً أعطي مَا شَاءَ وكيف شَاءَ فَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى إلحاقه بالزكاة فيكون الخلاف فِيْهِ كالخلاف فِي الزكاة والله أعلم)).
(5) انظر: الشرح الكبير: 6/ 250، والإنصاف: 7/ 119.(1/338)
أو أحَالَهُ أو وَهَبَهُ لَهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وإنْ رَدَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلْهُ لأنَّهُ إسْقَاطٌ ولا يَصِحُّ القَبْضُ في المَوْهُوبِ إلا بإذْنِ الوَاهِبِ، فإنْ وَهَبَ مِنْهُ شَيْئاً في يَدِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِقَبْضِهِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ فِيْهِ، ويمْضِي زَمَانٌ يَتَأتَّى قَبْضُهُ في مِثْلِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، وفي الأُخْرَى يُحْكَمُ لَهُ بِقَبْضِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ إِذَا مَضَى زَمَانٌ يَتَأتَّى القَبْضُ فِيْهِ فإنْ لَمْ يَقْبِضْ حَتَّى مَاتَ الوَاهِبُ قَامَ وارِثُهُ مَقَامَهُ في القَبْضِ والفَسْخِ ولا يصِحُّ هِبَةُ المَجْهُولِ ولا مَا لا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، ولا ما لا يتمُّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ، كالقَفِيْزِ مِنْ صُبْرَةٍ إِذَا اشْتَرَاهُ وَوَهَبَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ولا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الهِبَةِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبلٍ (2)، ولا يَصِحُّ إلاَّ مِنْ تَامِّ المِلْكِ وحَائِزِ التَّصَرُّفِ في مالِهِ وتَصِحُّ هِبَةُ المُشَاعِ سَواء كَانَ مِمَّا يَتأتَّى قسْمَتُهُ كالعِرَاصِ (3)، أو لا يَتَأَتَّى قِسْمَتُهُ كالشِّقْصِ في يَدِ العَبْدِ والدَّابَّةِ والجَوْهَرَةِ والرحا. والهِبَةُ المُطْلَقَةُ لا تَقْتَضِي الثَّوَابَ سواء كَانَتْ مِنَ الأعْلَى (4) للأدنَى، ومِنَ الأعْلَى الأدْنَى (5)، فإنْ شَرَطَ فِيْهَا ثَوَاباً مَعْلُوماً صَحَّتْ وَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ البَيْعِ في ثُبُوتِ الخَيَارَاتِ وأحَدُهَا بالشُّفْعَةِ إنْ كَانَتْ شَقْصاً وغَيْرَ ذَلِكَ من أحْكَامِ البَيْعِ وَعَنْهُ ما يَقْتَضِي أنْ يَغْلِبَ فِيْهَا حُكْمُ الهِبَةِ فَلاَ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ وغَيْرَهَا مِنْ أحْكَامِ البَيْعِ، وإنْ شرَطَ ثَوَاباً مَجْهُولاً فَقَالَ شَيْخُنَا (6): تَبْطُلُ، وظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهَا تَصِحُّ (7)، لأنَّهُ قَالَ في رِوَايَةِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ سَعِيْدٍ، إِذَا وَهَبَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الإنَابَةِ فَلا يَجُوزُ أنْ يُنِيْبَهُ مِنْهَا ونَحْو ذَلِكَ، قَالَ في رِوَايَةِ بَكْرِ بنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبِيْهِ وَرِوَايَةِ مُهَنَّا فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ أن يُنِيْبَهُ حَتَّى يَرْضَى، ويُحْتَمَلُ (8) أنْ يُعْطِيَهُ قَدْرَ قِيْمَتِهَا فإنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيْهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وإنْ تَلِفَتْ لَزِمَ المَوْهُوبَ لَهُ قِيْمَتُهَا يَوْمَ التَّلَفِ، وَإِذَا شَرَطَ في عَقْدِ الهِبَةِ ما يُنَافِي مُقْتَضَاها نَحْوُ أنْ يَقُوْلَ وَهَبْتُ لَكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً أو عَلَى أن لا تَبِعَهَا فإنْ قَالَ أعْمَرْتُكَ أو أرْقَبْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ وجَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ أو مُدَّةَ حَيَاتِكَ فإنَّها تَكُوْنُ لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ولِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ كَانَتْ لِبَيْتِ المَالِ فَلاَ يَرْجِعُ إِلَى المُعَمِّرِ والمُرَقِّبِ نَصَّ عَلَيْهِ (9) فإنْ شَرَطَ في العُمُرِيِّ والرقبِيُّ أنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ أو إِلَى
__________
(1) انظر: المقنع: 165، والإنصاف: 7/ 122.
(2) انظر: الهادي: 144، المغني 6/ 256، الشرح الكبير 6/ 264، الإنصاف 7/ 133.
(3) المقنع: 165، الهادي: 144، المغني 6/ 253، الشرح الكبير 6/ 261، الإنصاف 7/ 131.
(4) في المخطوط: ((الأعلا)).
(5) هَكَذَا فِي الأصل، ولعل الصواب: ((ومن الأدنى للأعلى)).
(6) انظر: المقنع: 164، الهادي: 144، الشرح الكبير 6/ 247، الإنصاف 7/ 117.
(7) الهادي: 144.
(8) الهادي: 144.
(9) انظر: الشرح الكبير 6/ 264، الزركشي 2/ 629 - 630.(1/339)
وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ المُعَمِّرِ والمُرَقِّبِ صَحَّ العَقْدُ (1) والشَّرْطُ، وَعَنْهُ أنَّهُ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَكُوْنُ لِوَرَثَةِ / 219 و / المُعَمِّرِ.
والمَشْرُوعُ في عَطِيَّةِ الأوْلاَدِ وغَيْرِهِمْ مِنَ الأقَارِبِ أنْ يُعْطِهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيْرَاثِهِمْ مِنْهُ، فإنْ خَالَفَ وفَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ أو خَصَّهُ بالنُّحْلَةِ فَعَلَيْهِ أنْ يَسْتَرْجِعَ ذَلِكَ أو يَعُمَّهُمْ بالنُّحْلَةِ عَلَى ما ذَكَرْنَا، فإنْ مَاتَ وَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَكُنْ لِبَقِيَّةِ الوَرَثَةِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الخَلاَّلِ وصَاحِبِهِ والخِرَقِيِّ، وَعَنْهُ أنَّ لَهُمْ الرُّجُوعَ وَهِيَ اخْتِيَارُ ابنِ بطّةَ وصَاحِبِهِ
أَبُو حَفْصٍ العُكْبَرِيِّ، فإنْ سَوَّى بَيْنَهُمْ في الوَقفِ عَلَيْهِمْ جازَ نَصَّ عَلَيْهِ (2)، ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَجُوزَ كالعَطِيَّةِ (3)، إِذَا قُلْنَا: أنَّ المِلْكَ يَنْتَقِلُ إِلَى المُوقَفِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لأَحَدٍ أنْ يَرْجِعَ في هِبَتِهِ إلاَّ الأَبُ فِيْمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ (4). وَعَنْهُ لَيْسَ للأبِ الرُّجُوعُ أَيْضاً بِحَالٍ (5)، وَعَنْهُ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ أو وَهَبَهُ لَمْ يَكُنْ للأبِ الرُّجُوعُ نَحْوَ أنْ يُفْلِسَ الابْنُ أو يزَوْجُ البِنْتِ بَعْدَ الهِبَةِ فإنْ لَمْ يَتِعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَإِذَا قُلْنَا لَهُ الرُّجُوعُ فَزَادَ الموْهُوبُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كالسِّمَنِ والصَّنْعَةِ والكِبَرِ فَهَلْ يَمْنعُ ذَلِكَ مِنَ الرُّجُوعِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6)، وإنْ نَقَصَ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وإنْ كَانَت الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً كالوَلَدِ والثَّمَرَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيْهِ، وهل يَرْجِعُ في النَّمَاءِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (7). فإنْ رَهَنَ المَوْهُوبُ أو كَاتَبهُ لَمْ يَرْجِعْ فِيْهِ حتَّى يَنْفَكَّ الرَّهْنُ، وتَنْفَسِخَ الكِتَابَةُ، فإنْ وَهَبَهُ الْمُتَّهَبُ لابْنِهِ وأرَادَ الوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الحَالِ، فإنْ بَاعَهُ الْمُتَّهَبُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ، فإن انْفَسَخَ البَيْعُ بِعَيْبٍ أو مُقَايلة فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى وَجْهَيْنِ (8)، فإنْ أفْلَسَ الْمُتَّهَبُ وحُجِرَ عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (9). وللأبِ أنْ يَأْخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا أَرَادَ ويَمْلِكُهُ عِنْدَ الحَاجَةِ وعَدَمِهَا فِي صِغَرِ الابْنِ وكِبَرِهِ إلاَّ أنْ يَكُونَ بالابْنِ حَاجَةً إِلَيْهِ فإنْ تَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالَ أبِيْهِ قَبلَ ابْنِهِ (10) وأحْبَلَهَا انْعَقَدَ الوَلَدُ
__________
(1) انظر: المحرر في الفقه 1/ 374، الشرح الكبير 6/ 266، الإنصَاف 7/ 134.
(2) انظر: المحرر في الفقه 1/ 374، الشرح الكبير 6/ 270، الزركشي 2/ 624.
(3) انظر: المغني 6/ 270، المحرر في الفقه 1/ 374، الشرح الكبير 6/ 278، الزركشي 2/ 626.
(4) انظر: المقنع: 165، المغني: 6/ 270.
(5) انظر: المصدر السابق.
(6) انظر: المقنع: 165، المغني: 6/ 278.
(7) انظر: المقنع: 165، الهادي: 145، المحرر في الفقه 1/ 375، الإنصاف 7/ 150.
(8) انظر: المقنع: 166، المغني 6/ 288، المحرر في الفقه 1/ 375، الشرح الكبير 6/ 283، الإنصاف 7/ 152.
(9) انظر: المقنع: 166، الهادي: 145، المحرر في الفقه 1/ 375، الإنصاف 7/ 154.
(10) هنا سقط ظاهر، وجاء فِي الإنصاف: 7/ 157: ((وإن وطيء جاربةَ ابنه، فأحبلها: صارت أم ولدٍ لَهُ)).(1/340)
حُرّاً وصَارَتْ أمُّ وَلَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ للابْنِ مُطَالَبَتَهُ بِشَيْءٍ مِنْ قِيْمَتِهَا وقِيْمَةِ وَلَدِهَا ومَهْرِهَا وَلَمْ يُلْزِمْهُ الحَدُّ وهل يُعَزَّرُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (1). وَلَيْسَ للابن مُطَالَبَةَ أبِيْهِ بِمَا ثَبَتَ لَهُ في ذِمَّتِهِ مِنْ قَرْضٍ أو ثَمَنٍ يُنْتَفَعُ أو أرْشِ جِنَايَةٍ أو قِيْمَةِ مُتْلَفٍ، وله مُطَالَبَةُ غَيْرِهِ مِنَ الأقَارِبِ نَصَّ عَلَيْهِ وأحْكَامِ الهَدِيّةِ وصَدَقَةِ التَطَوُّعِ وأحْكَامِ الهِبَةِ في جَمِيْعِ ما ذَكَرْنَا.
كِتَابُ الوَصَايَا
الوَصِيَّةُ: عِبَارَةٌ عَن التَّبَرُّعِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالٍ يَقِفُ نُفُوذُهُ عَلَى خُرُوجِهِ مِنَ الثُّلُثِ /220 ظ/ بَعْدَ المَوْتِ. وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ في المَنْصُوصِ عَنْهُ (2)، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ وَاجِبَةٌ لِمَنْ لا وَارِثَ لَهُ مِنَ الأقَارِبِ (3). ثُمَّ لا يَخْلُو حالُ المُوْصِي أنْ يَكُوْنَ لَهُ وَرَثَةٌ أو لا يَكُوْنُ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ بِجَميْعِ مَالِهِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4)، وفي الأُخْرَى يَصِحُّ في الثَّلاَثِ (5) والبَاقِي لِبَيْتِ المَالِ، فإنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلاثَةِ أحْوَالٍ:
- إنْ كَانَ غَنِيّاً اسْتُحِبَّ لَهُ الإمْضَاءُ بالثَّلاثِ (6).
- وإنْ كَانَ مُتَوَسِّطاً فَبِالْخُمْسِ، مِثْلَ أنْ يَمْلِكَ ألْفاً وألْفَيْنِ وثَلاثَةِ آلافٍ نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ (7).
- وإنْ كَانَ فَقِيراً - وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ أقَلَّ مِنْ ألْفِ دِرْهَمٍ - وله وَرَثَةٌ مَحَاوِيْجٌ، كُرِهَ لَهُ الإمْضَاءُ عَلَى ما رَوَاهُ عَنْهُ ابنُ مَنْصُورٍ (8).
فأمَّا وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّلاثِ فَتُكْرَهُ وتَصِحُّ. وَكَذَلِكَ الوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ تَصِحُّ، ويَقِفُ نُفُوذُها عَلَى إجَازَةِ الوَرَثَةِ في المَشْهُورِ مِنَ المَذْهَبِ (9)، وَرَوَى عَنْهُ حَنْبَلٌ: لَيْسَ لِوَارِثٍ
__________
(1) انظر: المقنع: 166، الإنصاف: 7/ 159.
(2) انظر: المقنع: 169، المغني: 6/ 415، كشاف القناع 4/ 374.
(3) انظر: المغني 6/ 415.
(4) وهذا المذهب عَلَيْهِ جماهير الأصحاب مِنْهُمْ: أبو بكر والقاضي والشريف والشيرازي. انظر: الزركشي 2/ 672، الإنصاف 7/ 192، كشاف القناع 4/ 375.
(5) وَهُوَ قَوْل ابن مَنْصُوْر، انظر: الزركشي 2/ 672، الإنصاف 7/ 192.
(6) وفي المغني أنَّهُ يستحب عِنْدَ أبي الخطاب، وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي. انظر: المغني 6/ 417، الإنصاف 7/ 191.
(7) انظر: الإنصاف 7/ 191.
(8) انظر: المغني 6/ 416، الإنصاف 7/ 191.
(9) انظر: المغني 6/ 419، الزركشي 2/ 655 - 656، الإنصاف 7/ 193 - 194.(1/341)
وَصِيّةً عَلَى معنى حَدِيْثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (1). فَظَاهِرُهُ إبْطَالُ الوَصِيَّةِ (2).
ولهذا الاخْتِلافِ فَوَائِدٌ:
إحْدَاها: أنها إِذَا كَانَتْ صَحِيْحَةً كَانَ إجَازَةُ الوَارِثِ تَنْفِيْذاً. وَإِذَا قُلْنَا: لا يَصِحُّ، كَانَ إجَازَاتُهُمْ عَطِيّةً مُبْتَدأَةً تَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولِ المُوْصَى لَهُ، والقَبْضُ فِيْمَا لا يَتَعَيَّنُ وفي المتعين عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3)، فإنْ أجَازَ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ القَبْضِ صَحَّ رُجُوعُهُ.
والثَّانِيَةُ: إِذَا وَصَّى لِوَارِثٍ (4) بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، وَكَانَ في الوَرَثَةِ مَنْ هُوَ أبو المُوصَى إِلَيْهِ. كَوَصِيَّةٍ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ، فَتَحَيَّزَ العَمُّ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ القَبْضِ؟ إنْ قُلْنَا: هِيَ تَنْفِيذٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ. وإنْ قُلْنَا: عَطِيّةٌ مُبْتَدأةً فَلِلأَبِ الرُّجُوعُ.
والثَّالِثَةُ: إِذَا أعْتَقَ عبداً لا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فأجَازَ ذَلِكَ الوَرَثَةُ فَوَلاَءُ المُعْتَقِ لِلذُّكُورِ مِنْ عَصَبَةِ السَّيِّدِ إِذَا قُلْنَا: الإجَازَةُ تَنْفِيذٌ، وإنْ قُلْنَا: عَطِيّةٌ اخْتَصَّ الذُّكُورُ ثُلُثَ الوَلاَءِ وشَارَكَهُم بَقِيَّةُ الوَرَثَةِ في الثُّلُثَيْنِ.
[و] (5) الرَّابِعَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى وَارِثِهِ دَارَهُ ولا يَمْلِكُ غيرَهَا، لَزِمَ الوَقْفُ في ثُلُثِهَا، وما زَادَ عَلَى ذَلِكَ فله إبْطَالُهُ، فإنْ أجَازَهُ وَكَانَ إجَازَتُهُ تَنْفِيذاً صَحَّ وَقْفُ جمِيْعِهَا، وإنْ قُلْنَا: عطيةً انبَنى عَلَى وَقْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وفيه رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، والأخْرَى: لا يَصِحُّ (6). /221 و/ [و] (7) الخَامِسَةُ: وَقَفَ دَارَهُ عَلَى بِنْتِهِ وابْنِهِ نِصفَيْنِ بَيْنَهُمَا ومَاتَ، فَقَدْ صَحَّ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، ومَا زَادَ يُخَرَّجُ عَلَى المَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. فإنْ أرَادَ الابْنُ إبْطَالَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ورَدَّهَا إِلَى
__________
(1) وَهُوَ ما رَوَاهُ أبو أمامة قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْل: ((إن الله قَدْ أعطى كُلّ ذي حق حقه فَلاَ وصية لوارث)).
أخرجه الطيالسي (1127)، وعبد الرزاق (7277) (16308)، وسعيد بن مَنْصُوْر (427)، وابن أبي شيبة (30707)، وأحمد 5/ 267، وأبو داود (2870) (3565)، وابن ماجه (2713)، والترمذي (2120)، وابن الجارود (949)، والطحاوي في شرح المشكل (3633)، والطبراني في الكبير (7531) (7615)، وابن عدي في الكامل 1/ 475، والدارقطني 3/ 40 - 41، وأبو نُعَيْم في أخبار اصبهان 2/ 228، والبيهقي 6/ 212و264 من طرق شرحبيل بن مُسْلِم الخولاني عن أبي أمامة الباهلي بِهِ. والروايات مطولة ومختصرة.
(2) انظر: الزركشي 2/ 656.
(3) انظر: المقنع: 170، الإنصاف: 7/ 202.
(4) ((والثانية إِذَا أوصى)): كررت في المخطوطة.
(5) زيادة منا ليستقيم الكلام.
(6) انظر: المقنع: 169.
(7) زيادة منا ليستقيم الكلام.(1/342)
ما يَسْتَحِقُّهُ بالمِيْرَاثِ لا إبطَالَ أصْلِ الوَقْفِ فَلَهُ ذَلِكَ فيَبْطُلُ نِصْفُ ما وُقِفَ عَلَى الأُخْتِ وَهُوَ الرُّبُعُ، فَيَبْقَى الرُّبُعُ وَقْفاً عَلَيْهَا والنِّصْفُ وَقْفاً عَلَيْهِ، ويكونُ الرُّبُعُ الَّذِي بَطُل الوَقْفُ فِيْهِ لَهُمَا إرْثاً لِلذُّكرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ. فَتَصِحُّ المَسْألَةُ مِن اثْنَي (1) عَشَرَ، وتَصِيْرُ رُبُعَ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكاً، وثَلاثُ أرْبَاعِهَا وَقْفاً.
والعَطَايَا عَلَى ضَرْبَينِ: مُنْجَزَةٌ ومُعَلَّقَةٌ، فأمَّا المُنْجَزَةُ مِثلُ أنْ يَعْتِقَ أو يَهَبَ أو يَتَصَدَّقَ، فإنْ كَانَ في حالِ الصِّحَّةِ نُقِلَتْ في جَمِيعِ المَالِ (2)، وإنْ كَانَتْ في حالِ المَرَضِ نَظَرْنَا، فإنْ كَانَ المَرَضُ غَيْرَ مَخُوفٍ كَوَجَعِ الضِّرْسِ وهَيَجَانِ العَيْنِ والصُّدَاعِ وما أشْبَهَهُ فَهُوَ كالصَّحِيْحِ (3)، فإنْ كَانَ المَرَضُ مَخُوفاً كالْبِرْسَامِ (4) وذَاتِ الجَنْبِ والرُّعَافِ الدَّائِمِ، ومَا قَالَ عَدْلا مِنَ الطبِّ المُسْلِمِينَ (5) انه مَخُوفٌ فَعَطَاَيَاهُ مُعْتَبَرَةٌ مِنَ الثُّلُثِ (6). فأمَّا الأمْرَاضُ المُمْتَدَّةُ كالسِّلِّ والجُذَامِ والفَالِجِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: إِذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَعَطَايَاهُ مِنْ رأْسِ المَالِ (7) وَقَالَ أبو بَكْرٍ: فِيْهِ وَجْهٌ آخَرُ إنّ عَطَايَاهُ مِنَ الثُّلُثِ (8) وهذا إِذَا اتَّصَلَ المَوْتُ بِذَلِكَ المَرَضِ. فأمّا إنْ عُوفِيَ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحِيْحِ. وَكَذَلِكَ إِذَا التَحَمَ القِتَالُ أو هَاجَت الأمْوَاجُ وَهُوَ في لُجَّةِ البَحْرِ، أو وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدَهِ، أو قَدِمَ ليُقْتَصَّ مِنْهُ أو ضرب الحَامِلَ الطلقُ فَعَطَيَاهُمْ مِنَ الثُّلُثِ (9). قَالَ أبو بَكْرٍ: وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أن عَطَايَاهُمْ مِنْ جَمِيْعِ المَالِ عَلَى ما رَوَى صَالِحُ عَنْهُ (10)، إِذَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَوَصِيَّتُهُ مِنَ المَالِ كُلِّهِ لا مِنَ الثُّلُثِ، فإنْ عَجَزَ ثلثهُ عَن التَّبَرُّعَاتِ المُنْجَزَةِ بُدِئَ بالأَوَّلِ فالأوَّلِ، فإنْ وَقَعَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً ولا عَيْنَ فِيْهَا قُسِّمَ الثُلُثُ بَيْنَ الْجَمِيْعِ، وإنْ كَانَ فِيْهَا عَيْنٌ قُدِّمَ العِتْقُ (11)، وَعَنْهُ يُسَوِّي بَيْنَ الكُلِّ (12)، فإنْ كَانَ التَّبَرُّعُ
__________
(1) في الأصل: ((اثنا)).
(2) انظر: المغني 6/ 491، الزركشي 2/ 670.
(3) انظر: المقنع: 166، المغني 6/ 505، الزركشي 2/ 670.
(4) البرسام: هُوَ التهاب في الغشاء المحيط بالرئة. المعجم الوسيط: 49.
(5) هَكَذَا فِي الأصل، وجاء فِي المغني: 6/ 507: ((وَلاَ يقبل إلا قَوْل طبيبين مسلمين ثقتين بالغين)).
(6) انظر: المقنع: 166، المغني 6/ 491، الزركشي 2/ 669 - 670.
(7) في الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين والمغني وجميع المال. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 97/ب، المغني 6/ 505 - 506.
(8) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 97/ب، المقنع: 166.
(9) انظر: المقنع: 166 - 167، المغني 6/ 509 - 510 - 511، المحرر 1/ 378.
(10) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 97/ب، انظر المقنع: 167، المغني 6/ 509، المحرر 1/ 378.
(11) انظر: الهادي: 147، المغني 6/ 493، المحرر 1/ 381، الزركشي 2/ 691.
(12) انظر: المقنع: 167، الهادي: 147، المغني 6/ 493، المحرر 1/ 381.(1/343)
جَمِيْعُهُ بالعِتْقِ وَلَمْ تُجْزَ الوَرَثَةُ جُزِيَ الرَّقِيقُ ثَلاثَةَ أجْزَاءٍ وأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الجِزْيَةِ عَلَيْهِ عتق ورَقَّ البَاقُونَ / 222 ظ / فأمّا العَطَايَا المُعَلَّقَة بالمَوْتِ، فَهِيَ وَصَايَا مُعْتَبَرَةً مِنَ الثُّلُثِ. سَوَاءٌ وَقَعَتْ في الصِّحَّةِ أو المَرَضِ، ويَسْتَوِي فِيْهَا المُتَقَدِّمُ والمُتَأخِّرُ. نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ الجَمَاعَةِ (1)، ونَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلُ: إِذَا وَصَّى وَهُوَ صَحِيْحٌ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ في مَالِهِ بِما شَاءَ، وإنْ كَانَ مَرِيْضاً جَازَ فِيْهَا الثُّلُثُ (2). فَظَاهِرُهُ أنَّهُ جَعَلَ الوَصِيَّةَ في الصِّحَّةِ كالعَطِيَّةِ المُنْجَزَةِ ينفذُ مِنْ جَمِيْعِ المالِ والأوَّلُ أصَحُّ. فأمَّا الوَصِيَّةُ بالوَاجِبَاتِ كالحَجِّ والزَّكَاةِ والكَفَّارَةِ وقَضَاءِ الدُّيُونِ فكلُّ ذَلِكَ مِنْ رأسِ المَالِ، فإنْ قَالَ أدُّوا ذَلِكَ من ثُلُثِي، أفَادَت وَصِيَّتُهُ أنْ يُزَاحِمَ بِذَلِكَ أصْحَابَ الوَصَايَا ويَتَوَفَّرَ الثلثان عَلَى الوَرَثَةِ، فإنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عن المُوصَى بِهِ مِن الوَاجِبَاتِ تُمِّمَ ذَلِكَ مِن الثُّلُثَيْنِ، فأمَّا مُعَاوَضَةُ المَرِيْضِ بِثَمَنِ المِثْلِ فَهِيَ صَحِيْحَةٌ مِنْ رأسِ المَالِ، ولا فَرْقَ بَيْنَ الوَارِثِ والأجْنَبِيِّ. ويُحْتَمَلُ أن لا يَصِحَّ مَعَ الوَارِثِ إلا أنْ تجيزَ بَقِيَّةَ الوَرَثَةَ فأمَّا قَضَاءَ هُ لِبَعْضِ الغُرَمَاءِ فَيَصِحُّ في المَنْصُوصِ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَصِحَّ إلاَّ قَضَاءَ هَمْ بالسَّوِيَّةِ، ولا يَصِحُّ رَدُّ الوَرَثَةِ وإجَازَتِهِمْ لِلْوَصِيَّةِ في حَالِ حَيَاةِ (3) المُوصِي، وإنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، ومَنْ أجَازَ الوَصِيَّةَ ثُمَّ قَالَ أجَزْتُ الزِّيَادَةَ لأنِّي ظَنَنْتُ أنَّ المَالَ قَلِيْلٌ، فَالْقَولُ قَولُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ في الزَّائِدِ عَلَى ما ظَنَّهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَةٌ تشْهَدُ بأنَّهُ كَانَ عَالِماً بِمِقْدَارِ الزِّيَادَةِ حِيْنَ إجَازَتِهِ. ويُحْتَمَلُ أن لا يَقْبَلَ رُجُوعَهُ، لأنَّهُ يُسْقِطُ حَقَّ الغَيْرِ ولا تَنْعَقِدُ الوَصِيَّةُ إلاّ بإيْجَابٍ، كَقَوْلِهِ أوْصَيْتُ لِفُلانٍ أو أعْطُوهُ أو ادْفَعُوا لَهُ مِنْ مَالِي كَذَا. وقَبُولَ المُوْصَى بَعْدَ مَوتِ المُوصِيْ، فأمَّا قَبُولَهُ وَرَدُّهُ في حَالِ المُوصِي فَلاَ اعْتِبَارَ بِهِ، فإنْ ماتَ المُوْصَى لَهُ قَبْلَ مَوتِ المُوْصِي بَطَلَت الوَصِيَّةُ، وإنْ مَاتَ بَعْدَهُ وقَبْلَ القبول، قام وارثه مقامه فِي القَبُولِ والرَّدِّ، اخْتَارَهُ الخِرَقِيُّ (4) وَقَالَ شَيْخُنَا: تَبْطُلُ الوَصِيَّةُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ في خَيَارِ الشُّفْعَةِ وخَيَارِ الشَّرْطِ (5)، وعندِي أنَّهُ يَتَخَرَّجُ في جَمِيْعِ الخَيَارَاتِ وجهان ولا تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَن اعْتُقِلَ لِسَانُهُ بالإشَارَةِ نَصَّ عَلَيْهِ (6)، ويُحْتَمَلُ أنْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ بالإشَارَةِ، إِذَا اتَّصَلَ باعتِقَالِ لِسَانِهِ المَوتُ (7)، كَمَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ
__________
(1) انظر: الهادي: 147، المغني 6/ 592، كشاف القناع 4/ 377.
(2) انظر: الشرح الكبير 6/ 438.
(3) في الأصل: ((حيوة)).
(4) واستدل الخِرَقِيّ عَلَى قوله هَذَا بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تَرَكَ حقاً فلورثته)). انظر: المقنع: 170، المغني 6/ 439، الزركشي 2/ 660، الإنصاف 7/ 205.
(5) وَهُوَ قَوْل ابن حامد والشريف والشيرازي وغيرهم، انظر: المقنع: 170، المغني 6/ 439، الزركشي 2/ 660، الإنصاف 7/ 206.
(6) انظر: المقنع: 169، انظر: الشرح الكبير 6/ 420، انظر: الإنصاف 7/ 187.
(7) وَهُوَ قَوْل ابن عقيل، انظر: الشرح الكبير 6/ 420، الإنصاف 7/ 187.(1/344)
الأخْرَسِ / 223 و / بالإشَارَةِ (1)، وَإِذَا وُجِدَتْ وَصِيَّته عِنْدَ رَأسِهِ بِخَطِّهِ المَعْرُوفِ صَحَّتْ نَصَّ عَلَيْهِ (2)، ويُحْتَملُ أنْ لا تَصِحَّ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا (3)، وَإِذَا قَبِلَ الوَصِيَّةَ مَلَكَهَا مِنْ حِيْنِ مَوْتِ المُوْصِي في أحَدِ الوَجْهَيْنِ (4)، وفي الآخَرِ لا يَمْلِكُهَا إلاَّ مِنْ وَقْتِ القَبُولِ أوْمَأَ إِلَيْهِ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ (5)، فَقَالَ: الوصِيَّةُ والهِبَةُ وَاحِدٌ.
ولِلْوَجْهَيْنِ فَوَائِدُ:
أحَدُهَا: لَوْ حَدَثَ نَمَاءٌ بَعْدَ مَوْتِ المُوصِي وقَبْلَ قَبُوْلِ المُوْصَى لَهُ، كالثَّمَرَةِ والنِّتَاجِ والكَسْبِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى الوَجْهِ الأوَّلِ، ولِلْوَرَثَةِ عَلَى الوَجْهِ الثَّانِي.
والثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ المُوْصَى بِهِ أمَةٌ فَوَطِأَهَا الوَارِثِ قَبْلَ القَبُولِ وَوَلَدَتْ، لَمْ تَصِرْ أمُّ وَلَدِهِ، ولَزِمَهُ مَهْرُهَا وقِيْمَةُ الوَلَدِ عَلَى الوَجْهِ الأوَّلِ، وعلى الثَّانِي تَصِيرُ أمُّ وَلَدِهِ، ويَلْزَمُهُ قِيْمَتُهَا لِلْمُوصَى لَهُ.
والثَّانِي (6): أنْ يُوْصِي بأمَةٍ لِزَوْجِهَا فَلا يَعْلَمُ الزَّوْجُ بالوَصِيَّةِ حَتَّى يُوْلِدَهَا أوْلاداً، ثُمَّ يَعْلَمُ بالوَصِيَّةِ فَيَقْتُلَهَا (7)، فَيَكُونُ وَلَدُهُ حُرّاً، وتَصِيْرُ الأمَةُ أمَّ وَلَدٍ ويَبْطُلُ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَى الأوَّلِ، وعلى الثَّانِي تَصِيْرُ أمتهُ ويَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِلْوَارِثِ.
والرَّابِعُ: أنْ يُوْصَى لَهُ بأبيْهِ، فَيَمُوتَ المُوْصَى لَهُ قَبْلَ القَبُولِ فَيَقْبَلُ ابنُهُ، فَعَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا: تَبْطُلُ الوَصِيَّةُ، وعَلَى قَولِ الخِرَقِيِّ: تَصِحُّ ويعتقُ الحد عَلَيْهِ (8).
ثُمَّ هل يَرِثُ مِنْ أبِيْهِ؟ عَلَى الوَجْهِ الأوَّلِ يَرِثُ مِنْهُ السُّدُسَ، وعلى الثَّانِي: لا يَرِثُ (9). لأنَّ حُرِّيَّتَهُ تَثْبُتُ حِيْنَ القَبُولِ فِيْمَا تَعَلَّقَ إرْثُهُ بِتَرْكِةِ أبِيْهِ.
بَابُ المُوْصِي والمُوْصَى لَهُ والمُوْصَى إِلَيْهِ
لا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ في صِحَّةِ وَصِيَّةِ البَالِغِ العَاقِلِ، سواءٌ كَانَ عَدْلاً أو فَاسِقاً. فأمَّا
__________
(1) انظر: المقنع: 169، الشرح الكبير 6/ 420.
(2) وهذا مروي عن أَحْمَد بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما حق امرئ مُسْلِم لَهُ شيء يوصي فِيْهِ يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) وَلَمْ يذكر الشهادة. انظر: الشرح الكبير 6/ 421، الزركشي 2/ 668، الإنصاف 7/ 188.
(3) انظر: المقنع: 169، الشرح الكبير 6/ 421 - 422، الزركشي 2/ 668 - 669.
(4) وهذا قَوْل أَبِي بكر. انظر: الشرح الكبير 6/ 448، الزركشي 2/ 687، الإنصاف 7/ 206.
(5) وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي وعامة أصحابه، انظر: الشرح الكبير 6/ 448، الزركشي 2/ 687، الإنصاف 7/ 206.
(6) لعلها: ((الثالث)).
(7) لعلها: ((فيعتقها)).
(8) انظر: الشرح الكبير 6/ 451، الإنصاف 7/ 206 - 207، كشاف القناع 4/ 385.
(9) الشرح الكبير 6/ 451، الإنصاف 7/ 210.(1/345)
غَيْرُ العَاقِلِ كالْمَجْنُونِ والطِّفْلِ والمُبَرْسَمِ فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ.
فأمَّا غَيْرُ البَالِغِ فإذا عْقَلَ الوَصِيَّةَ صَحَّتْ مِنْهُ، وَقَالَ أبُو بَكْرٍ لا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ ان مَنْ لَهُ دُوْنَ سَبْعِ سِنِيْنَ لا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ومَنْ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ فَصَاعِداً تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (1)، ومَا فَوْقَ السَّبْعِ ودُونَ العَشْرِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2)، وَقَالَ القَاضِي أَبُو عَلِيِّ بنِ أبي مُوسَى في " الإرْشَادِ "، لا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الغُلاَمِ لِدُونِ العَشْرِ، والجَارِيَةِ لِدُونِ التِّسْعِ قَوْلاً وَاحِداً (3)، فأمَّا ما زَادَ عَلَى ذَلِكَ فيَصِحُّ في المَنْصُوصِ (4) وفيه / 224 ظ / وَجْهٌ أنَّهُ لا يَصِحُّ إلاَّ بَعْدَ البُلُوغِ (5). وأمَّا السَّكْرَانُ فَهَلْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ (6).
وأمَّا المَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ فَهَلْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (7).
فَصْلٌ
ولا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إلاّ إِلَى عَاقِلٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ، وإنْ كَانَ عَبْداً أو مُرَاهِقاً (8)، وَعَنْهُ في الفاسِقِ رِوَايَة أخْرَى أنَّهُ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إِلَيْهِ (9)، ويَضُمُّ الحَاكِمُ إِلَيْهِ أمِيناً. فإنْ كَانَ حِينَ الوَصِيَّةِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ ثُمَّ وجدت الصفات عِنْدَ المَوْتِ فَهَلْ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إِلَيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (10). وَإِذَا أوْصَى إِلَى رَجُلٍ ثُمَّ بَعْدَهُ إِلَى آخَرَ، فَهُمَا شَرِيْكَانِ فِي الوَصِيَّةِ إلاّ
__________
(1) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 98/ب، المغني 6/ 526 - 527، الزركشي 2/ 670 - 671.
(2) الرِّوَايَة الأولى: تَصِح لأنَّهُ في حكم المميز، ولأنَّهُ يخيير بَيْنَ أبويه، ويصح إسلامه.
والرواية الثانية: لا تصح، لأنَّهُ لَوْ كَانَ ابن سبع في حد التميز لأمر بتأديبه عَلَى تَرَكَ الصَّلاَة كَمَا أمر بِذَلِكَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في ابن عشر، انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 98/ب، المغني 6/ 527.
(3) وَهُوَ قَوْل الخِرَقِيّ وأبي بكر والشريف وحنبل وصالح، وَقَالَ الشريف: ومن الأصْحَابِ مَنْ قَيَّدَهُ بسبع، وَهُوَ رِوَايَة عن أَحْمَد، انظر: المغني 6/ 527، الزركشي 2/ 671، الإنصاف 7/ 186 - 187.
(4) انظر: المغني 6/ 527، والزركشي 2/ 670، والإنصاف 7/ 186.
(5) انظر: المغني 6/ 527، والزركشي 2/ 671، والإنصاف 7/ 186.
(6) الوجه الأول: لا تَصح، وَهُوَ الصَّحِيْح من المذهب.
الوجه الثاني: تصح وصيته، انظر: المغني 6/ 529، الإنصاف 7/ 187.
(7) الوجه الأول: وَهُوَ الصَّحِيْح وَعَلَيْهِ جماهير الأصحاب، انه تصح.
والوجه الثاني: لا تصح.
انظر: المغني 6/ 528، والإنصاف 7/ 185.
(8) وهذا القول اختاره الْقَاضِي وعامة أصحابه مِنْهُمْ الشريف والشيرازي وابن عقيل وابن البنا. انظر: المغني 6/ 571، والزركشي 2/ 682، والإنصاف 7/ 287.
(9) وَهُوَ قَوْل الخِرَقِيّ وابن أبي موسى. انظر: المغني 6/ 571، والزركشي 2/ 682، والإنصاف 7/ 288.
(10) انظر: المغني 6/ 572، والزركشي 2/ 683، والإنصاف 7/ 288.(1/346)
أنْ يَخْرُجَ الأوَّلُ مِنْهُمَا، وَلاَ يصِحُّ (1) لأحَدِهِمَا أنْ يَنْفَرِدَ بالتَّصَرُّفِ.
فإنْ مَاتَ أحَدُهُمَا نَصَبَ الحَاكِمُ بَدَلَهُ أمِيْناً، ويَصِحُّ قَبُولُ الوصي لِلْوَصِيَّةِ في حَالِ حَيَاةِ المُوصِي وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِذَا قَبِلَ فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ، وذَكَرَ في " الإرْشَادِ " رِوَايَةً أُخْرَى أنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ، ولِلْمُوْصِي عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ (2)، ولا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إلاَّ في شَيْءٍ يَمْلِكُ المُوْصِي فِعْلَهُ، مِثْلُ قَضَاءِ الدُّيُونِ وأداءِ الحَجِّ، والنَّظَرِ في أمْرِ الأطْفَالِ، وتَزْوِيجِ البَنَاتِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3)، وتَفْرِيْقُ الثُّلُثِ. وَإِذَا أوْصَى إِلَيْهِ في شَيْءٍ خَاصٍ، لَمْ يَصِرْ وَصِياً في غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُوْصي أنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ اليَتِيْمِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ ذَلِكَ بِشَرْطَينِ، أحَدُهُمَا: أنْ يُوَكِّلَ رَجُلاً، والثَّانِي: أنْ يَسْتَقْصِيَ الثَّمَنَ بالنِّدَاءِ في الأسْوَاقِ، وهل لِلْوَصِيِّ أنْ يُقْرِضَ مَالَ اليَتِيْمِ ويُضَارِبَ بِهِ ويُزَوِّجَ عَبِيْدَهُ وإمَاءَ هُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وهَلْ لِلْوَصِيِّ أنْ يُوْصِي بِمَا وَصَّى بِهِ إِلَيْهِ أم لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَإِذَا أوْصَى إِلَيْهِ بإخْرَاجِ ثُلثهُ فامْتَنَعَ الوَرَثَةُ مِنْ إخْرَاجِ ثُلُثِ مَا فِي أيْدِيْهِمْ، فَلِلْوَصِيِّ أنْ يُخْرِجَ الثُّلُثَ كُلَّهُ مِنَ المالِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَعَنْهُ يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، ويَحْبِسُ البَاقِي حَتَّى يُخْرِجُوا ثُلُثَ مَا فِي أيْدِيْهِمْ (4)، فإنْ وَصَّى إِلَيْهِ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ وعَيَّنَهَا لَهُ فأبَى الوَرَثَةُ أنْ يَقْضُوا فَهَلْ لَهُ أنْ يَقْضِيَ مِمّا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ عِلْمِ الوَرَثَةِ؟ قَالَ في رِوَايَةِ أبي داوُدَ يُلْزِمُ الوَصي أنْ ينفذَ ذَلِكَ ولا يَحِلُّ لَهُ إنْ لَمْ ينفذْهُ (5)، ونَقَل عَنْهُ بَكْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أنَّهُ لا يَقْضِي، ويُعْلَمُ القَاضِي بِالقَضِيَّةِ. فإنْ مَنَعَهُ فَلاَ يُعْطِيْهِ وَهِيَ اخْتِيَارُ أبِي بَكْرٍ (6)، ونَقَلَ عَنْهُ أبو طَالِبٍ فِيْمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أنْ يَقْضِيَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَمْ يَخَف المُطَالَبَةَ قَضَاهُ / 225 و / وإنْ عَلِمَ بِهِ غرمَ، فأجازَ لَهُ القَضَاءُ فِيْمَا بَيْنَهُ وبينَ اللهِ تَعَالَى وَلَمْ يَجُزْ لَهُ في الحُكْمِ (7)، ولِلْوَصِي أنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ اليَتِيْمِ عِنْدَ الفَقْرِ بَقَدَرِ عَمَلِهِ في مَالِهِ وهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ذَلِكَ عِنْدَ الإيْسَارِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (8). وَكَذَلِكَ
__________
(1) فِي الأصل: تصح.
(2) انظر: المغني 6/ 587 - 588، الإنصاف 7/ 293.
(3) الرِّوَايَة الثانية: لا تصح، وَقَالَ ابن حامد: إن كَانَ لها عصبة لَمْ تصح الوصية بنكاحها وإلا تصح.
انظر: المحرر 1/ 392، الإنصاف 7/ 295.
(4) انظر: الهادي: 147، والشرح الكبير 6/ 593، والإنصاف 7/ 296.
(5) انظر: مسائل أبي داود: 213، والمغني 6/ 578، والإنصاف 7/ 297.
(6) انظر: الهادي: 147، والإنصاف 7/ 297.
(7) انظر: الإنصاف 7/ 297.
(8) الرِّوَايَة الأولى: كَمَا نقلها حنبل لا ضمان عَلَيْهِ. والرواية الثانية: كَمَا نقلها يعقوب انه يضمن.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 98/ب.(1/347)
يُخْرَجُ لِلْنَّاظِرِ في الوَقْفِ.
ويَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أنْ يُقْعِدَ اليَتِيْمَ في المَكْتَبِ، ويُؤَدِي عَنْهُ الأُجْرَةَ مِنْ مَالِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. ونَقَلَ عَنْهُ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ أنَّهُ يَشْتَرِي لِلْيَتِيْمِ أُضْحِيَةً إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، وهذا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الأُضْحِيَةِ، وحَمَلَ ذَلِكَ شَيْخُنَا عَلَى وَجْهِ التَّوْسِعَةِ في العِيدِ، إِذَا كَانَ لَهُ مالٌ كَثِيْرٌ، ويَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ العَقَارَ عَلَى الصِّغَارِ والكِبَارِ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أنْ يَكُوْنَ بالصِّغَارِ حَاجَةٌ إِلَى البَيْعِ، وفي البَيْعِ قدر حُقُوقِهِمْ نَقْصٌ في الثَّمَنِ أَوْ يَكُون عَلَى الميت دين وفي الورثة صغار وكبار وفي بيع بعضه نقص فِي الثمن، وَإِذَا ادَّعَى الوَصِيُّ دفْعَ المَالِ إِلَى اليَتِيمِ بَعْدَ البُلُوغِ، فالقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ، وَكَذَلِكَ الأبُ والشَّرِيْكُ والحاكِمُ، وَوَصِيُّ الأبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الجد وغيره من العَصَبَاتِ.
فَصْلٌ
وَإِذَا وصَى لِجَمَاعَةٍ مَعْينين يُمْكِنُ حُضُورُهُمْ، وَجَبَ اسْتِيعَابُهُمْ والتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، ويُشْتَرَطُ قَبُولُ جَمِيْعِهِمْ في الاسْتِحْقَاقِ. فإنْ قَبِلَ بَعْضُهُمْ سَلَّمَ إِلَيْهِ حِصَّتَهُ ورُدَّتْ حِصَّةُ البَاقِي إِلَى وَرَثَةِ المُوصِي، فإنْ لَمْ يَمكُنْ حُضُورُهُمْ كالهَاشِمِيينَ وبنَي تَمِيمٍ والفُقَرَاءِ والمَسَاكِيْنِ صَحَّت الوَصِيَّةُ. ويَجْزِي الدَّفْعُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ وفي الآخَرِ لا يَجْزِي أقَلَّ مِنْ ثلاثةٍ مِنْهُمْ (1).
ويَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فإنْ وَصَّى لأقَارِبِهِ أو لِذَوِي قَرَابَةِ فُلانٍ، اخْتَصَّ بالوَصِيَّةِ قَرَابَتَهُ مِنْ جِهَةِ أبِيْهِ إِلَى أرْبَعَةِ آبَاءٍ، ويُسَوِّي فِيْهَا بَيْنَ غَنِيِّهِمْ وفَقِيْرِهِمْ، وذَكَرِهِمْ وأُنْثَاهُمْ، وَعَنْهُ أنَّهُ يُجَاوزُ بِهَا أرْبَعَةَ آباءٍ ذَكَرَ ذَلِكَ في " الإرْشَادِ " (2)، فَعَلَى هَذَا يُعطي من يُعطي بِقَرَابَتِهِ مثلَ أنْ يَكُوْنَ مِنْ وِلْدِ المَهْدِيِّ فَيُعْطِي كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى المَهْدِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ وابن القاسِمِ، إنْ كَانَ يَصِلُ قَرَابتَهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ في حَيَاتِهِ دَخَلُوا في وَصِيَّتِهِ وإلاَّ فَلا (3)، فإنْ وَصَّى لأقْرَبِ قَرَابَةِ فُلانٍ أو أقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ لَمْ يدْفَعْ إِلَى الأبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الأقْرَبِ فإن اجْتَمَعَ أبُوهُ وابنُهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَر تَقَدَّمَ الابْنُ (4)،
__________
(1) انظر: المغني 6/ 473 - 474.
(2) وروي عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: لا يجاوز ثلاثة وَهُوَ المذهب كَمَا ذكرها صاحب المحرر. انظر: المغني 6/ 550، والمحرر 1/ 382، والزركشي 2/ 677.
(3) وذهب الخِرَقِيّ إِلَى أنهم يدخلون وَلَمْ يعتبر صلتهم في حياته. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/ب، والمغني 6/ 549، والمحرر 1/ 382، والزركشي 2/ 678.
(4) انظر: المغني 6/ 551، الإنصاف 7/ 244.(1/348)
وكَذَا إن اجْتَمَعَ الأخُ والجَدُّ تَسَاوَيَا، وَقِيْلَ يقَدَّمُ الأخُ (1)، فإن اجْتَمَعَ أخٌ لأبَوِيْنِ وأخٌ / 226 ظ / لأبٍ قُدِّمَ الأخُ للأَبَوَيْنِ. فإن اجْتَمَعَ أخٌ لأبٍ وأخٌ لأُمٍّ فإنَّهُمَا سَواءٌ، فإنْ وَصَّى لأهْلِ بَيْتِهِ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ لِقَرَابَتِي نَصَّ عَلَيْهِ (2).
وَقَالَ الخِرَقِيُّ: يُسَوَّى فِيْهِ قَرَابَةُ الأبِ والأُمِّ (3).
وَكَذَلِكَ إنْ وَصَّى لِقَوْمِهِ أو لِنِسَائِهِ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ أهْلِ بَيْتهِ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ (4). فإنْ وَصَّى لِعِتْرَتِهِ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - (5)، فَيُحْتَمَلُ أن يدخل فِي ذَلِكَ عشيرته وأولاده ويحتمل أن يَخْتَصَّ مِنْ كان منْ وَلَدهِ، فإنْ وَصَّى لَوَلَدِ وَلَدِهِ فَقَالَ أصْحَابُنَا: لا يَدْخُلُ فِيْهِ وَلَدُ البَنَاتِ؛ لأنَّهُ قَالَ في الوَقْفِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ لا يَدْخُلُ فِيْهِ وَلَدُ البَنَاتِ، وعندي يَدْخُلُ فِيْهِ وَلَدُ البَنَاتِ، فإنَّهُ قَدْ قَالَ إِذَا وَصَّى لِذُرِّيَّتِهِ ونَسْلِهِ دَخَلَ فِيْهِ وَلَدُ البَنَاتِ، وَكَذَلِكَ إِذَا وَصَّى لوَلَدِ فُلانٍ دَخَلَ فِيْهِ وَلَدُ فُلانٍ فَكَذَلِكَ وَلَدُ وَلَدِهِ.
فإنْ وَصَّى لِذِي رَحِمِهِ فَهُوَ لكلِّ مَنْ بَيْنَهُ وبينَهُ رَحِمٌ مِنْ جِهَةِ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ بالسَّوِيَّةِ، فإنْ وَصَّى للأيَامَى مِنْ أهْلِهِ، فَهُوَ لِمَنْ لا زَوْجَ لَهُ مِنَ الرِجَالِ والنِّسَاءِ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ لِلْعزَابِ، فإنْ وَصَّى لِمَوَالِيْهِ فَهُوَ لِلْمَوْلَى مِنْ فَوْقِ ومِنْ أسْفَلِ (6)، فإنْ وَصَّى لجِيْرَانِهِ، دَخَلَ فِيْهِ في الوَصِيَّةِ أرْبَعُونَ دَاراً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ نَصَّ عَلَيْهِ (7)، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ قِيْلَ مُسْتَدَارُ أرْبَعِيْنَ دَاراً (8). فإنْ وَصَّى لأهْلِ سِكَّتِهِ فَهُوَ لأهْلِ دَرْبِهِ، فإنْ وَصَّى لِبَنِي فُلانٍ، فإنْ كَانَ قَدْ صَارُوا قَبِيْلَةً كَبَنِي تَمِيْمٍ وبَنِي بَكْرٍ، دَخَلَ في الوَصِيَّةِ الإنَاثُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ اخْتَصَّ بِهَا الذُّكُورُ. فإنْ وَصَّى مُسْلِمٌ لأهْلِ قَرْيَتِهِ أو لِقَرَابَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ فيهم الكُفَّارُ إلاَّ أنْ يُسَمِّي فَيَقُولُ: مُسْلِمُهُمْ وكَافِرُهُمْ، فإنْ وَصَّى كَافِرٌ لأهْلِ قَرْيَتِهِ أو لِقَرَابَتِهِ فَهَلْ يَدْخُلُ في ذَلِكَ المُسْلِمُونَ مِنْهُمْ؟ عَلَى وَجْهَينِ (9) فإنْ أوْصَى لِحَرْبِيٍّ أو مُرْتَدٍّ صَحَّتْ
__________
(1) وهناك رِوَايَة أخرى تقول: يقدم الجد عَلَى الأخ، كَمَا نقلها صاحب الإنصاف. انظر: الشرح الكبير 6/ 492، والإنصاف 7/ 244.
(2) رَوَاهُ عَنْهُ عَبْد الله وابن المنذر. انظر: مسائل عَبْد الله 3/ 1170 - 1171، والمغني 6/ 553، والزركشي 2/ 679، 680.
(3) انظر: المغني 6/ 554، والزركشي 2/ 677 - 678.
(4) انظر: المغني 6/ 554.
(5) المصدر السابق 6/ 554.
(6) وَقَالَ ابن حامد: يقدم المولى من فَوْقَ. انظر: المحرر 1/ 382.
(7) وَقَالَ بِهِ أبو حفص والقاضي وأصحابه. انظر: المغني 6/ 556، والإنصاف 7/ 243.
(8) وهذه رِوَايَة عن الإمام أَحْمَد، وهناك رِوَايَة أخرى عن أَحْمَد قَالَ فِيْهَا: جيرانه مستدار ثلاثين داراً، انظر: الإنصاف 7/ 243، المحرر 1/ 382.
(9) في هَذِهِ الحالة ينظر فإن وجدت قرينة دالة عَلَى دخولهم مثل أن لا يَكُوْن في القرية إلا مسلمون =(1/349)
وَصِيَّتُهُ. وذَكَرَ فِي " الإرْشَادِ " أنَّهُ لاَ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ لِلْمُرْتَدِّ (1)، فإنْ وَصَّى لِقَاتِلِهِ صَحَّت الوَصِيَّةُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، والأُخْرَى لاَ تَصِحُّ (3)، وعِنْدي أنَّ ظَاهِرَ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ -، إنَّ وَصِيَّتَهُ لَهُ بَعْدَ الجُرْحِ صَحَّتْ، وإنْ وَصَّى لَهُ ثُمَّ جَرَحَهُ بَطَلَتْ (4)، فإنْ وَصَّى بِحَمْلِ امرأتِهِ بعَيْنِهَا، دَفَعَ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ أنَّهُ كَانَ مَوْجُوداً حالَ الوَصِيَّةِ، وَهُوَ أنْ تَضَعَهُ لأقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أشْهُرٍ، وَهِيَ ذاتُ زَوْجٍ يطأُهَهَا لَمْ تَصِحَّ الوَصِيَّةُ، فإنْ كَانَتْ ثَيِّباً (5) صَحَّت الوَصِيَّةُ إِذَا لَمْ تُجَاوِزْ أربَعَ سِنِينَ مِنْ حيْن الفرقةِ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَرِ لا تَصِحُّ / 227 و / الوَصِيَّةُ (6). فإنْ وَصَّى لِعَبْدِهِ بثُلُثِ مالِهِ عُتِقَ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ عتقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، فإنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ بَعْدَ عِتْقِهِ دُفِعَ إِلَيْهِ.
فإنْ وَصَّى بِمَئَةٍ مِنْ مَالِهِ أو بِمعينِ لَمْ تَصِحَّ الوَصِيَّةُ (7) لأنَّهُ ينتقلُ إِلَى الوَرَثَةِ وحَكَى في " الإرْشَادِ " رِوَايَةً أخْرَى أنَّهُ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ (8)، فإنْ [كَانَتْ] (9) لِمُكَاتِبِهِ ومُدَبِّرِهِ وأمِّ وَلَدِهِ صَحَّت الوَصِيَّةُ. وإنْ وَصَّى لِعَبْدِ غَيْرِهِ (10) فَقَبِلَ، يُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِهِ (11)، فإنْ وَصَّى لِلرِّقَابِ، دُفِعَ إِلَى المُكاتبينَ. وإن اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ رِقَاباً يَعْتِقُهُمْ جَازَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأخْرَى لا يَجُوزُ. فإنْ وَصَّى لِلْغَارِمِينَ، دُفِعَ إِلَى الغَارِمِ، ولإصْلاحِ ذَاتِ البَيْنَ. وإنْ كَانَ غَنِياً، وإلى المَدِينِ لإصْلاحِ شَأْنِهِ إنْ كَانَ فَقِيْراً وصَارَ في سَبِيلِ الله
__________
= دخلوا في الوصية وَكَذَلِكَ إن لَمْ يَكُنْ فِيْهَا إلا كافر واحد وسائر أهلها مسلمون، وإنْ انتفت القرائن ففي دخولهم وجهان:
أحدهما: لا يدخلون كَمَا لَمْ يدخل الكفار في وصية لمسلم، والثاني: يدخلون لأن عموم اللفظ يتناولهم وهم أحق بوصيته من غيرهم. انظر: المغني 6/ 534.
(1) وإلى هَذَا ذهب أبو بكر وجماعة. انظر: المغني 6/ 531.
(2) وهذه الرِّوَايَة اختارها ابن حامد. انظر: الشرح الكبير 6/ 478، والإنصاف 7/ 733.
(3) واختار هَذِهِ الرِّوَايَة أبو بَكْر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين97/ب، والشرح الكبير6/ 478، والإنصاف 7/ 233.
(4) وهذه هِيَ رِوَايَة ثالثة وَهِيَ الصَّحِيْح من المذهب، انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 97/أ، والشرح الكبير 6/ 479، والإنصاف 7/ 233.
(5) وردت فِي المخطوط ((ثياباً)).
(6) انظر: المغني 6/ 475، والزركشي 2/ 667، والإنصاف 7/ 227.
(7) وهذا القول هُوَ اختيار الخِرَقِيّ وابن رجب. انظر: المغني 6/ 538، والزركشي2/ 673، والإنصاف 7/ 225.
(8) وإليه ذهب الحارثي قَالَ: وَهُوَ المنصوص. انظر: المغني 6/ 538، والإنصاف 7/ 226.
(9) زيادة من عندنا يقتضيها السياق.
(10) وَقَالَ ابن عقيل: لا تصح الوصية لِقُنٍّ زَمَنَهَا. انظر: الإنصاف 7/ 223.
(11) انظر: المغني 6/ 539، والإنصاف 7/ 223 - 224.(1/350)
صرفَ إِلَى الغُزَاةِ مِنْ أهْلِ الصَّدَقَاتِ. فإنْ وَصَّى في أبْوَابِ البِرِّ جُعِلَ أربَعَةُ أجْزَاءٍ:
- فَيَصْرِفُ جُزْءاً إِلَى أقارِبِهِ غَيْر الوارِثينَ.
- وجُزْءاً في الجِهَادِ.
- وجُزْءاً في الفُقَرَاءِ والمَسَاكِيْنِ.
- وجُزْءاً في الحَجِّ.
وَعَنْهُ أنَّ الجُزْءَ الرَّابِعَ يُدْفَعُ إِلَى فِدَى الأَسَارَى (1).
فإنْ وصَّى لِلْمَسْجِدِ صَحَّتِ الوَصِيَّةُ، وصُرِفَ في مَصَالِحِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ وَصَّى لكُتُبِ القُرآنِ والفِقْهِ صَحَّ، فإنْ وَصَّى بِهِ لِبِنَاءِ كَنِيْسَةٍ أو بَيْعَةٍ، أو كُتُبِ القُرْآنِ (2) والإنْجِيلِ لَمْ تَصِحَّ الوَصِيَّةُ (3).
ونَقَلَ عَبْدُ اللهُ عَنْهُ ما يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الوَصِيَّةِ (4). فإنْ وَقَفَ فَرْساً وَوَصَّى بألْفٍ تُنْفَقُ عَلَيْهِ فَمَاتَ الفَرَسُ، رُدَّت الأَلْفُ، أو ما بَقِيَ مِنْهَا إِلَى الوَرَثَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُنْفِقَ عَلَى فَرَسٍ مُحْبَسٍ في سَبِيلِ اللهِ، ولا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ لِمَيِّتٍ.
فَإِنْ وصَّى بثلثهِ لرجلينِ فإذا أحدُهُما ميتٌ كَانَ للحيِّ نصفُ الثلثِ، فإنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِفُلانٍ ولِلْحَائِطِ أو لِجِبْرِيلَ - عليه السلام -، فالثُّلُثُ كُلُّهُ لِفُلانٍ ثُمَّ عَلَيْهِ (5)، وَقَالَ شَيْخُنَا (6): يُحْتَمَلُ أنْ يَكُوْنَ لِفُلانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ، كَمَا قُلْنَا في المَيِّتِ، وعندِي أنَّهُ إِذَا عَلِمَهُ (7) مَيتاً كَانَ جَمِيْعُ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ وظَاهِرُ تَعلِيلِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ -، فإنَّهُ لَمَّا ألْزَمَ الحَائِطَ عَلَى المَيِّتِ قَالَ: الحَائِطُ لا يَمْلِكُ، وهذا مَوْجُودٌ في المَيِّتِ، وَإِذَا وَصَّى لوَارِث كالأخِ، فَصَارَ عِنْدَ المَوْتِ غَيْرُ وَارِثٍ بأنْ يُولَدَ لِلْمُوْصِي ابنٌ نَفَذَت الوَصِيَّةُ في الثُّلُثِ ومَا زَادَ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الابْنِ وبعْكسِهِ لَوْ وَصَّى لِغَيْرِ الوَارِثِ فَصَارَ عِنْدَ المَوْتِ وَارِثاً لَمْ تَنْفُذ الوَصِيَّةُ لأنَّ الاعْتِبَارَ في الوَصِيَّةِ بِحَالِ المَوْتِ وَإِذَا وَصَّى بِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ جَحَدَ الوَصِيُّ الوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُجُوعاً، واللهُ المُوَفِّقُ.
__________
(1) انظر: المغني 6/ 559، والإنصاف 7/ 236.
(2) وردت في الإنصاف: ((التوراة)).
(3) وذكر الْقَاضِي انه لَوْ وصى بحصر البيع وقناديلها وما شاكلها ذَلِكَ، وَلَمْ يقصد اعظامها: إن الوَصِيَّة تصح، لأن الوصية لأهل الذمة صحيحة، انظر: الشرح الكبير 6/ 495، والإنصاف 7/ 245.
(4) انظر: الشرح الكبير 6/ 495، والإنصاف 7/ 245 - 246.
(5) انظر: المغني 6/ 436 - 437، الإنصاف 7/ 247.
(6) انظر: الإنصاف 7/ 247.
(7) فِي الأصل: ((عمله)) ولعل الصواب مَا أثبتناه.(1/351)
بَابُ المُوْصَى بِهِ
/ 228 ظ / تنْفُذُ وَصِيَّةُ الإنْسَانِ لِغيْرِ وَارِثِهِ فِيْمَا يَحْتَمِلُهُ ثُلُثُ مَالِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. ولا يَنْفُذُ فِيْمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلاَّ أنْ يَجيْزَهَا الوَرَثَةُ، وتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بالمَجْهُولِ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيْدِهِ وشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ، ويُعْطَى مِنْ ذَلِكَ ما يَخْتَارُهُ الوَرَثَةُ عَلَى ظَاهِرِ كَلامِهِ يَعْنِي ابنَ مَنْصُورٍ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: يُعْطى أحَدُهُمْ بالقُرْعَةِ (1). فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيْدٌ ولا غَنَمٌ لَمْ تَصِحِّ الوَصِيَّةُ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَرِ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ ويَشْتَرِي مِنْ مَالِهِ ما يَقَعُ عَلَيْهِ اسمُ عَبْدٍ وشَاةٍ (2) فإنْ مَاتَ العَبِيْدُ والغَنَمُ إلاَّ وَاحِداً تَعَيَّنَت فِيْهِ الوَصِيَّةُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ فإنْ قَتَل العَبِيدَ كُلَّهُمْ دَفَعَ إِلَيْهِ قَيْمَةَ أحَدِهِمْ فإنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ، ولآخَر بِمَنفَعَتِهِ صَحَّتْ الوَصِيَّةُ وكانَ لِمَنْ أوْصَى لَهُ بالمَنْفَعَةِ اسْتِخْدَامُهُ حَضَراً وسَفَراً وإجَارَتَهُ وإعَارَتَهُ ولِصَاحِبِ العَيْنِ قِيْمَةُ بَيْعِهِ وعِتْقِهِ وتَسْتَوْفِي المَنْفَعَةُ مِنْهُ، وَقِيْلَ لا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلاَّ لِمَالِكِ المَنْفَعَةِ (3)، فأمَّا نَفَقَتُهُ، فيُحْتَمَلُ أنْ تَكُوْنَ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تكُوْنَ عَلَى مَالِكِ المَنفَعَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَجِبَ في كَسْبِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ كَانَتْ عَلَى بَيْتِ المَالِ، فإنْ قَبِلَ اشْتَرَى بِقِيْمَتِهِ رَقَبَةً تَقُومُ مَقَامَهُ، وَقِيْلَ: تُدفَعُ القِيْمَةُ إِلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، فإنْ كَانَتْ بَدَلُ العَبْدِ في الوَصِيَّةِ أمَةٌ فإنَّهَا إِذَا أتَتْ بولدٍ مِنْ زَوْجٍ أو زِناً كَانَ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ رَقبَتُهُ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ ومَنْفَعَتُهُ لِمَالِكِ المَنْفَعَةِ فإنْ وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فأتَتْ بِوَلَدٍ فالمَهْرُ لِمَالِكِ المَنْفَعَةِ والوَلَدُ حُرٌّ وتَجِبُ قِيْمَتُهُ يومَ وَضْعتهُ عَلَى أبِيْهِ (4)، ويكونُ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ عَلَى أحَدِ الوَجْهَيْنِ (5) وعلى الآخَرِ يَشْتَرِي بِهِ عَبْداً تكُوْنُ رَقَبَتُهُ لِمالِكِ الرَّقَبَةِ ومَنْفَعَتَهُ لِمَالِكِ المَنْفَعَةِ فإنْ وَصَّى بِمَنْفَعَةِ عَبِيْدِهِ لِرَجُلٍ فَقَالَ شَيْخُنَا: تُعْتَبَرُ قِيْمَةُ المَنْفَعَةِ مِنَ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مِثْلَ أنْ يَقُوْلَ وَصَّيْتُ لَكَ بِخِدْمَتِهِ سَنَةً، أو مَجْهُولَةً فَيَقُولُ وَصَّيْتُ لَكَ بِمَنْفَعَتِهِ ما بَقَيَ، ويعرفُ ذَلِكَ بأنْ يُقَالَ كم قِيْمَتُهُ مَعَ مَنْفَعَتِهِ؟ فَيُقَالُ: ألْفُ مِثْقَالٍ، فيُقَالُ: وكَمْ قِيْمَتُهُ مَسْلُوبُ المَنْفَعَةِ؟ فيُقَالُ: مِئَةٌ، فتُعْتَبَرُ التِّسْعُمِئَةٍ مِنَ الثُّلُثِ فإنْ خَرجَتْ وإلاَّ سَلَّمَ إِلَيْهِ بَقَدْرِ ما يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ، وَقِيْلَ: إنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيْمَةَ الرَّقَبَةِ بِمَنَافِعِها مِنَ الثُّلُثِ (6)، / 229 و /
__________
(1) المقنع: 173، الشرح الكبير 6/ 506 - 507، وشرح الزركشي 2/ 674، الإنصاف 7/ 257.
(2) انظر: المقنع: 173، الشرح الكبير: 6/ 507.
(3) المقنع: 174، الإنصاف 7/ 263.
(4) المقنع: 174، الشرح الكبير 6/ 514، الإنصاف 7/ 270.
(5) المقنع: 174، الشرح الكبير 6/ 520، الإنصاف 7/ 270.
(6) انظر: مسائل الإمام أَحْمَد 2/ 60، الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/أ، المقنع: 174، المغني 6/ 444، الشرح الكبير 6/ 452، شرح الزركشي 2/ 658.(1/352)
لأنَّ المَنْفَعَةَ مَجْهُولَةٌ لا يُمْكِنُ تَقْوِيْمُهَا، وَقِيْلَ: إنْ وَصَّى بالمَنْفَعَةِ عَلَى التَّأْبِيْدِ قُوِّمَت الرَّقَبَةُ والمَنْفَعَةُ مِنَ الثُّلُثِ لأنَّ عَبْداً لا مَنْفَعَةَ فِيْهِ لا قِيْمَةَ لَهُ غَالِباً، وإنْ كَانَت الوَصِيَّةُ بِمُدَّةٍ مَعْلُوْمَةٍ اعْتُبِرَتْ المَنْفَعَةُ مِنْ جَميعِ الثُّلُثِ، وعلى ما ذَكَرْنا يُخَرَّجُ إِذَا وَصَّى بِثَمَرَةِ شَجَرَةٍ فإنَّهُ يَصِحُّ، فإنْ عَيّنَ عَاماً (1) اعْتَبَرَ ثَمَرَةَ ذَلِكَ العَامِ مِنَ الثُّلُثِ فإنْ لَمْ يُثْمِرْ في العَامِ المُعَيَّنِ بَطَلَت الوَصِيَّةِ، وإنْ لَمْ يَعْتَبِر العَام لَكِنْ قَالَ: أوَّلُ عَامٍ يُثْمِرُ شَجَرِي فإنَّهُ يَعْتَبِرُ ذَلِكَ العَامَ مِنَ الثُّلُثِ، فإنْ وَصَّى بِمَا يُثَمِّنُ شَجَرَهُ أبداً (2)، فَعَلَى ما ذَكَرْنَا مِنَ الأوْجُهِ الثُّلُثِ، وَكَذَلِكَ الحُكْمُ إِذَا وَصَّى لَهُ بِحَمْلِ جَارِيَتِهِ، وتَجُوزُ الوَصِيَّةُ بِمَا لا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ كالجَمَلِ الشَّارِدِ والعَبْدِ الآبِقِ والطَّيْرِ في الهَوَاءِ، فإنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أخَذَهُ إنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وإنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بَطَلَت الوَصِيَّةُ، وتَجُوزُ الوَصِيَّةُ بِمَا لا يَمْلِكُهُ كالوصية بِمِئَةِ دِيْنَارٍ لا يَمْلِكُهَا، ومَتَى خَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أو مَا خَرَجَ مِنْهَا أخَذَهُ المُوْصَى لَهُ، وتَصِحُّ الوَصِيَّةُ بِمَا فِيْهِ مَنْفَعَةٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ كالسِّرْجِينِ النَّجِسِ والزَّيْتِ النَّجِسِ والكِلابِ.
وَإِذَا وَصَّى بِكَلْبِ وله كلبُ مَاشِيَةٍ أو صَيْدٍ فَلَهُ أخْذُهَا بالقُرْعَةِ عَلَى قَوْلِ الخِرَقِيِّ (3)، وعلى رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ يُعْطُوهُ الوَرَثَةُ ما يَخْتَارُونَ مِنْهَما فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ كَلْبٍ فَلَهُ ثُلُثُهُ، فإنْ كَانَ لَهُ مَعَ الكَلْبِ مَالٌ فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيْعُ الكَلْبِ.
ولا يُعْتَبَرُ خُرُوْجُهُ مِنَ الثُّلُثِ؛ لأنَّهُ لاَ قِيْمَةَ لَهُ، وَقِيْلَ: لِلْمُوْصَى لَهُ ثُلُثُ الكَلْبِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ كَلْبٌ بَطَلَت الوَصِيَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ كَلْبُ الهِرَاشِ (4) فإنْ وَصَّى لَهُ بِنَجَاسَةٍ لاَ مَنْفَعَةَ لَهُ فِيْهَا كالمَيْتَةِ والخَمْرِ لَمْ تَصِحَّ الوَصِيّةُ، فإنْ وَصَّى بِطَبْلٍ وله طَبْلٌ للحَرْبِ (5) وطَبْلٌ للَّهْوِ انْصَرَفَت الوَصِيَّةُ إِلَى طَبْلِ الحَرْبِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ طبُولُ لَهْوٍ لَمْ تَصِحَّ. فإنْ وَصَّى لَهُ بِقَوْسٍ وله قَوْسَانِ: نَشَّابٌ وقَوْسٌ عَرَبِيٌّ وَهُوَ قَوسُ النَّبْلِ، وقَوْسُ جُلامِقَ وَهِيَ قَوْسُ البُنْدُقِ (6) وَقَوْسِ نَدْفِ القُطْنِ انْصَرَفَت الوَصِيَّةُ إِلَى قَوْسِ النَّشَابِ والنَّبْلِ عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا، ثُمَّ يُعْطَى أحَدُهَا بالقُرْعَةِ أو باخْتِيَارِ الوَرَثَةِ عَلَى مَا بَيَّنّا مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ (7)
__________
(1) فِي الأصل هَكَذَا: ((عامناً)).
(2) انظر: المقنع: 174، المغني 6/ 429، الشرح الكبير 6/ 430.
(3) انظر الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 95/أ، المقنع: 173، الهادي: 149، شرح الزركشي 2/ 674.
(4) الهراش والاهتراش: تقاتل الكلاب. وَقَالَ الجوهري: الهراش: المهارشة بالكلاب، وَهُوَ تحريش بعضها عَلَى بَعْض. انظر: اللسان 6/ 363 (هرش).
(5) فِي الأصل: ((الحرب)).
(6) وَهِيَ القوس الَّتِي تستخدم فِي القتال والصيد فيرمى بِهَا البندق. والبندقة هِيَ كرة صغيرة فِي حجم البندقة (النبات المعروف) يرمى بِهَا فِي القتال والصيد. انظر: المعجم الوسيط: 71.
(7) انظر: المقنع: 173، الهادي: 149، الإنصاف 7/ 259.(1/353)
وعِنْدِي أنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الوَصِيَّةِ دَلالَةُ حَالٍ فإنَّ الوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إِلَى الجَمِيْعِ وتَدْفَعُ وصيةُ الورثةِ (1) /230 ظ/ ما تساوا، أو وَاحِدٌ بالقُرْعَةِ عَلَى رِوَايَةِ الخِرَقِيِّ.
فإنْ وَصَّى لَهُ بِجَمَلٍ لَمْ يُعْطَ إلاَّ الذَّكَرَ، وإنْ وَصَّى بِبَعِيْرٍ (2) انْصَرَفَ إِلَى الذَّكَرِ والأنْثَى، فإنْ وَصَّى بِبَقَرَةٍ أو نَاقَةٍ لَمْ يُعْطَ إلاَّ أُنْثَى، فإنْ وَصَّى بِثَوْرٍ انْصَرَفَ إِلَى الذَّكَرِ والأنْثَى، ويُحْتَمَلُ في الثَّوْرِ والبَعِيرِ لا يَنْصَرِفُ إلاَّ إِلَى الذَّكَرِ. فإنْ وَصَّى بِدَابَّةٍ انْصَرَفَ إِلَى الذَّكَرِ والأنْثَى مِنَ الخَيْلِ والبِغَالِ والحَمِيْرِ.
وفي الجُمْلَةِ أنَّ لَفْظَ المُوصِي إِذَا كَانَ مِنْهُمَا رَجَعَ في التَّفْسِيْرِ إِلَى الوَرَثَةِ، وإن احْتَمَلَ واحِدٌ مِنْ جِنْسٍ، فَهَلْ يَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنَ الجِنْسِ بالقُرْعَةِ. أو يَرْجِعُ إِلَى اخْتِيَارِ الوَرَثَةِ (3)؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وإن احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ، وَقِيْلَ يرجع: عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقِيْلَ: يحملُ عَلَى أظْهَرِهِمَا وإن احْتَمَلَ نَوْعَي عَدَدٍ حُمِلَ عَلَى الأقَلِّ؛ لأنَّهُ هُوَ اليَقِينُ. فإنْ أوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيءٍ ثُمَّ بَاعَهُ أو وَهَبَهُ بَطَلَت الوَصِيَّةُ. فإنْ عَرَّضَهُ لِزَوَالِ المِلْكِ بأنْ دَبَرَهُ أو كَاتَبَهُ كَانَ رُجُوعاً في الوَصِيَّةِ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ (4)، والآخَرُ لا يَكُونُ رُجُوعاً، فإنْ أخَذَ المُوصَى بِهِ أو كَانَتْ أمَةً فَزَوَجَها لَم تَبْطُلِ الوَصِيَّةُ، فإنْ وَصَّى بِشَيْءٍ ثُمَّ أزَالَ اسْمَهُ بأنْ كَانَ حبّاً فَطَحَنَهُ دَقِيقاً أو دَقِيقاً فَخَبَزَهُ أو غَزْلاً فَنَسَجَهُ أو سَاجاً فَجَعَلَهُ بَاباً أو نُقْرَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ رُجُوعاً في الوَصِيَّةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُوْنَ رُجُوعاً بأنْ وَصَّى بِدَارٍ يَتْبَعُهَا ما يَتْبَعُ في البَيْعِ، فإن انْهَدَمَ بَعْضُ الدَّارِ قَبْلَ مَوتِ المُوصِي فَهَلْ يَدْخُلُ في الوَصِيَّةِ بَعْدَ الَمَوتِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (5)، أحَدُهُمَا: يسْتَحقُّهُ المُوصَى (6) لَهُ، والآخَرُ: لا يسْتَحِقُّهُ، وَكَذَلِكَ إنْ زَادَ في الدَّارِ بِعِمَارَةٍ فَهَلْ يَسْتَحِقُّهَا؟ عَلَى الوَجْهَيْنِ (7)، فإنْ وَصَّى بِطَعَامٍ فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعاً، ويَجُوزُ تَعْلِيقُ الوَصِيَّةِ بِشَرْطٍ في حَالِ الحَيَاةِ وبَعْدَ المَوتِ نَحْوَ قَوْلِهِ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَصَّيْتُ كَذَا، فإنْ مَاتَ في مَرَضِهِ وإلاَّ بَطَلَتْ. ونَحْوَ قَوْلِهِ: إنْ مِتُّ بَعْدَ خَمْسِ سِنِيْنَ فَتَصَدَّقُّوا بِكَذا، فإنْ ماتَ قَبْلَ الخَمْسِ سِنِيْنَ بَطَلَت الوَصِيةُ نَصَّ عَلَيْهِ (8).
فإنْ قَالَ: وَصَّيْتُ لَكَ بِثُلُثِ مَالِي فإنْ قَدمَ زَيْدٌ فَهُوَ لَهُ، فإنْ قدمَ زَيْدٌ في حالِ حياةِ
__________
(1) المقنع: 169، الهادي: 149، المغني 6/ 426، الشرح الكبير 6/ 446.
(2) قَالَ في الشرح الكبير فِيْهِ وجهان 6/ 506.
(3) المقنع: 173، الشرح الكبير 6/ 506، شرح الزركشي 2/ 685.
(4) انظر: المغني 6/ 486، الهادي: 149.
(5) المقنع: 171، الهادي: 149 - 150، المحرر 1/ 376، الإنصاف 7/ 213.
(6) فِي الأصل تكررت كلمة: ((الموصى)).
(7) المقنع: 171، الهادي: 150، الإنصاف 7/ 217.
(8) الهادي: 150، شرح الزركشي 2/ 659، الإنصاف 7/ 218.(1/354)
المُوصِي فَهُوَ لَهُ، وإنْ قدمَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ شَيْخُنَا (1): الوَصِيَّةُ للأوَّلِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُوْنَ لِلْقَادِمِ فإن وصى بألْفٍ يُحَجُّ بِهَا عَنْهُ، وصُرِفَ /231 و/ في كُلِّ حَجَّةٍ مِقْدَارَ نَفَقَةِ الحَاجِّ أو أُجْرَتَهُ عَلَى اخْتِلافِ الرِّوَايَتَيْنِ (2) حَتَّى يَنْفَدَ الألْفُ، فإنْ وَصَّى أن يَحُجَّ عَنْهُ زَيْدٌ حَجَّةً بألْفٍ أو مِقْدَارِ الألْفِ، نَفَقَةُ الحَجَّةِ أو أجْرتُهَا مِئةُ، فالتِّسْعُمِئَةٍ وَصِيَّةٌ لِزَيْدٍ يَسْتَحِقُّهَا أو ما يخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الثُّلُثِ إِذَا حَجَّ مَعَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بالحَجَّةِ، فإنْ أبَى أنْ يَحُجَّ وطَالَبَ بالتِّسْعِمِئة لَمْ يَسْتَحِقُّهَا ويَطْلُبُ الوَصِيَّةِ، فإنْ قَالَ يَحُجُّ عَنِّي حَجَّةً بألْفٍ، فَمَا فَضَلَ عن نَفَقَةِ الحَجَّةِ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ ذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ (3)، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُوْنَ لِمَنْ حَجَّ عَنْهُ الحَجَّةَ.
وَإِذَا وَصَّى بَوَصَايَا يَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْهَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى كُلّ وَصِيَّةٍ بِمِقْدَارِهَا وَلَمْ يَبْطُلْ بَعْضُهَا (4)، وسيأتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللهُ.
وَإِذَا وَصَّى بالثُّلُثِ ولهُ مَالٌ حَاضرٌ وغائِبٌ وعَيْنٌ ودَيْنٌ أعْطَى المُوصَى لَهُ ثُلُثَ الحَاضِرِ وثُلُثَ العَيْنِ وكُلَّمَا حَضَرَ مِنَ الغَائِبِ شَيءٌ أو قُبِضَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْء، دُفِعَ إِلَى المُوصَى لَهُ ثُلُثُهُ والبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِذَا قَالَ ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْتَ أو أعْطِهِ لِمَنْ شِئْتَ أو افْعَلْ بِهِ مَا شِئْتَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أخْذُهُ ولا دَفْعُهُ إِلَى وَلَدِهِ إلاَّ أنْ يُصَرِّحَ لَهُ بِذَلِكَ ويُنَفِّذَ الوَصِيَّةَ فِيْمَا عَلِمَ بِهِ مِنْ مَالِهِ وما لَمْ يَعْلَمْ.
بَابُ الوَصِيَّةِ بالأنْصِبَاءِ والأجْزَاءِ وَطَرِيْقِ العَمَلِ في ذَلِكَ
إِذَا وَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَلَدِهِ فإنْ كَانَ لَهُ ابنٌ أو بِنْتٌ فَلَهُ النِّصْفُ إنْ أجَازَ الوَارِثُ وإلاَّ فَلَهُ الثُّلُثَ، وَكَذَلِكَ الحُكْمُ إنْ وَصَّى لَهُ بِنَصِيْبِ وَلَدِهِ (5).
ويُحْتَمَلُ إِذَا قَالَ: وَصَّيتُ لَكَ بِنَصِيبِ وَلَدِي، أنْ لا تَصِحَ الوَصِيَّةُ، فإنْ كَانَ لَهُ أوْلاَدٌ فأوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيْبِ أحَدِهِمْ فإنْ كانُوا ذُكُوراً أو إنَاثاً جَعَلَ لِلْمُوصَى لَهُ كأحَدِهِمْ فيَكُونُ لَهُ مَعَ الاثنَيْنِ الثُّلُثُ ومع الثَّلاثَةِ الرُّبُعُ، وعلى ذَلِكَ أبَداً، وإنْ كانُوا ذُكُوراً وإنَاثاً جَعَلَ لَهُ الأقلِّ وَهُوَ مِثْلُ نَصِيبِ بِنْتٍ، فإنْ وَصَّى بِضِعْفِ نَصِيبِ أحَدِ أوْلاَدِهِ أعْطَى مِثْلَ حَقِّ أحَدِهِمْ مرتين فإن قَالَ بضعفي نصيب أحدهم أعطى مِثْل حق أحدهم ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فإنْ قَالَ بِثَلاثَةِ أضعَافِ نَصِيبِ أحَدِهِمْ أعْطَى مِثلَ حَقِّهِ أرْبَعاً وكُلَّمَا زَادَ ضِعْفاً زادَتِ الوَصِيَّةُ عَلَى مِقْدَارِ النِّصْفِ مَرَّةً، [فإنْ وَصَّى لَهُ بِنَصِيبٍ أو حَظٍّ أو جُزءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ
__________
(1) المقنع: 171، الهادي: 150، الإنصاف 7/ 218.
(2) المقنع: 172، المحرر: 387، شرح الزركشي 2/ 680 - 681، الإنصاف 7/ 237 - 240.
(3) الإنصاف 7/ 240، المقنع: 172.
(4) المقنع: 172، المحرر 1/ 387، الإنصاف 7/ 239 - 240.
(5) مسائل الإمام أحمد 2/ 40، الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 97/أ، المقنع: 175، شرح الزركشي 2/ 665.(1/355)
لِلْوَرَثةِ أنْ يُعْطُوهُ / 232 ظ / مَا شَاؤُوا] (1)، فإنْ وَصَّى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَقَالَ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ يُعْطَى السُّدُسُ (2)، إلاَّ أنْ تَعُولَ المَسْألَةُ فيُعْطَى سُدُساً عائِلاً، وَعَنْهُ أنَّهُ يُعْطَى مِثلُ أقَلِّ سِهَامِ الوَرَثَةِ ما لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ (3)، وإنْ زَادَ عَلَى السُّدُسِ أعْطِيَ السُّدُسَ وَهُوَ قَوْلُ الخَلاَّلِ وصَاحِبُهُ (4)، وَعَنْهُ يُعْطَى سَهْماً مِمّا تَصِحُّ مِنْهَا الفَريْضَةُ ذَكَرَهَا الخِرَقِيُّ (5)، فَعَلَى هَذَا الاخْتِلافِ إِذَا خَلَفَ زَوْجَتَهُ وثَمانِ بَنَاتٍ وأبَوَيْنِ وأوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ أصْلُهَا من أرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ. ويَقُولُ إِلَى سَبْعَةٍ وعِشْرِيْنَ:
- لِلزَّوْجَةِ ثَلاثةُ أسْهُمٍ.
- ولِكُلٍّ واحد مِنَ الأبَوَيْنِ السُّدُسُ أرْبَعُةُ أسْهُمٍ.
- ولِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمَانِ.
- ويَكُونُ لِلْمُوْصَى لَهُ السُّدُسُ أرْبَعَةٌ.
وتَصِيرُ المَسألَةُ مِنْ أحَد وثَلاثِيْنَ عَلَى الرِّوَايَةِ الأوْلَة (6)، وعلى الثَّانِيَةِ يَكُوْنُ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ مِثلُ نَصِيبِ بِنْتٍ فَتَكُونُ المَسْألَةُ مِنْ تِسْعَةٍ وعِشْرِينَ (7)، وعلى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ يَكُوْنُ لَهُمْ سَهْمٌ مِمّا صَحَّتْ مِنْهُ الفَرِيْضَةُ تُضَافُ إِلَى الفَرِيْضَةِ، فتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وعِشْرِيْنَ، فإنْ خَلَفَ امْرَأَةً وأُمّاً وابْناً وأوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ لإنْسَانٍ (8) فالمَسألَةُ عَلَى الرِّوَايَة الأوْلَة مِنْ أرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ:
- لِلْمَرْأةِ الثُّمُنُ ثَلاثَةٌ.
- ولِلأُمِّ السُّدُسُ أرْبَعَةٌ.
- وللموصى لَهُ السدس أربعة.
- ولِلابْنِ ما بَقِيَ وَهُوَ ثَلاَثةُ عَشَرٍ (9).
وعلى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أصْلُهَا كَذَلِكَ لِلْمُوْصَى لَهُ الثُّمُنُ ثُلُثُهُ، ويَرْجِعُ السَّهْمُ عَلَى الابْنِ
__________
(1) ما بَيْنَ المعكوفتين مكررة في الأصل.
(2) وكذا قَالَهُ حرب. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 95/ب.
(3) نقله عَنْهُ الأثرم وأبو طَالِب. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 95/ب-96/أ.
(4) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/أ.
(5) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/أ -96/ب، شرح الزركشي 2/ 661.
(6) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/أ، المقنع: 176، المحرر 1/ 388، شرح الزركشي 2/ 662، الإنصاف 7/ 282.
(7) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/أ، المحرر 1/ 388، شرح الزركشي 2/ 662، الإنصاف 7/ 282.
(8) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/أ، المحرر 1/ 388، شرح الزركشي 2/ 662، الإنصاف 7/ 282.
(9) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/أ - 96/ب، المقنع: 176، المحرر 1/ 388، الإنصاف 7/ 282.(1/356)
ويَكُونُ لَهُ أرْبَعَةَ عَشَرَ (1).
وعلى الثَّالِثَةِ: يُعْطَى سَهْماً ويُضَافُ إِلَى أَرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ فَتَكُونُ المَسْألَةُ مِنْ خَمْسٍ وعِشْرِيْنَ:
- لِلْمَرْأَةِ ثَلاثَةٌ.
- ولِلأُمِّ أرْبَعَةٌ.
- ولِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ.
- ولِلابْنِ سَبْعَةَ عَشَرَ.
فإنْ خَلَفَ ابْنَيْنِ وأوْصَى بِسَهْمٍ فَرَضَ لِلْمُوصَى لَهُ السُّدُسَ. وصَحَّتِ المَسْألَةُ مِن اثْنَي (2) عَشَرَ عَلَى (3) الرِّوَايَاتِ الثَّلاثِ لِلْمُوْصَى لَهُ سَهْمانِ ولِكُلِّ ابنٍ خَمْسَةٌ، فإنْ وَصَّى بِسَهْمٍ مَعْلُومٍ مِنْ مَالِهِ كالثُّلُثِ والرُّبُعِ والخُمُسِ ونَحوِهِ.
وطرِيقُ القِسْمَ بَيْنَ المُوْصَى لَهُ والوَرَثَةِ أنْ يَنْظُرَ أوَّلَ عَدَدٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الجُزْء المُوْصَى بِهِ فيَأْخُذَه ويَدْفَعَ مِنْهُ الجُزْءَ المُوْصَى بِهِ إِلَى المُوْصَى لَهُ ثُمَّ يُقْسِمَ البَاقِيَ مِنَ العَدَدِ عَلَى فَرِيْضَةِ الوَرَثَةِ بَعْدَ أنْ يُصَحِّحَهَا، فإنِ انْقَسَمَ فَقَدْ صَحَّتِ المَسْألَةُ (4) مِنَ العَدَدِ الَّذِي أخَذْتَهُ وإنْ لَمْ ينقْسِمْ فاطْلُبِ المُوَافَقَةَ بَيْنَ ما بَقِيَ مِنَ العَدَدِ / 233 و / وبينَ ما صَحَّتِ المَسْألَةُ وبينَ ما صَحَّتِ فَرِيْضَةُ الوَرَثةِ. فإنْ أتفَقَا فاردُدْ ما صَحَّتْ مِنْهُ الفَريْضةُ إِلَى وِفْقِهِ واضْرِبْهُ في العَدَدِ الَّذِي أخَذْتَ مِنْهُ الوَصِيَّةَ فَمَا خَرَجَ مِنْهُ صَحَّتْ مِنْهُ المَسْأَلَتَانِ (5). وإنْ لَمْ يَتَّفِقَا فَاضْرِبْ مَا صَحَّتْ مِنْهُ الفَرِيضَةُ في العَدَدِ الَّذِي أخذَ مِنْهُ الوَصِيَّةِ فما بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ المسأَلَتَانِ فإذَا أرَدَّتَ القِسْمَةَ ضَرَبْتَ سِهَامَ الوَصِيَّةِ في فَرِيْضَةِ الوَرَثَةِ أو في وَفقهَا إنْ كَانَتْ وَافَقَتْ فما بلَغَ دَفَعْتَهُ إِلَى المُوْصَى لَهُ ثُمَّ تَضْرِبُ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِيْمَا فَضَلَ مِنَ العَدَدِ بَعْدَ إخْرَاجِ الوَصِيَّةِ أو في وِفقِهِ إنْ كَانَ وَافَقَ، فما بلغ فَهُوَ لَهُ (6).
مِثَالُ ذَلِكَ: إِذَا خَلَفَتْ زَوْجاً وابْناً وَأوْصَتْ لِرَجُلٍ بِخُمُسِ مَالِهَا، أخِذَتْ فَخُرِّجَ الخُمُسُ مِنْ خَمْسَةٍ فأَعْطَيْتَ المُوْصَى لَهُ بالخُمُسِ سَهْماً، تَبْقَى أرْبَعَةٌ: لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ سَهْمٌ وما بَقِيَ ثَلاَثةٌ لِلابْنِ، فإنْ وَصَّى بثُلُثِ مَالِهِ ولهُ أبَوَانِ وبِنْتَانِ، أخذت فَخُرِّجَ الثُّلُثُ مِنْ ثلاثة فأعْطَيْت المُوْصَى لَهُ سَهْماً، بَقِيَ سَهْمَانِ، وفرِيْضَةُ المِيْرَاثِ تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، وما
__________
(1) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/ب، المحرر 1/ 388، الإنصاف 7/ 280 - 281.
(2) فِي الأصل: ((اثنا)).
(3) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/ب، المقنع: 176 - 177، المحرر 1/ 388.
(4) المقنع: 175، المحرر 1/ 380، شرح الزركشي 2/ 675، الإنصاف 7/ 271.
(5) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/ب، الهادي: 150.
(6) المقنع: 176، المغني 6/ 454.(1/357)
بَقيَ مِنْ فَرِيْضَةِ الوَصِيَّةِ سَهْمَانِ لا تَنْقَسِمُ عَلَى سِتَّةٍ ويُوافِقُهَا بالأنْصَابِ فَتَرْجِعُ إِلَى ثلاثةُ فَيَضْرِبُهَا في فَريْضَةِ الوَصِيَّةِ [يَكُنْ تِسْعَةٌ: لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ في وَفق فَريْضَةِ الوَرَثَةِ] (1) وَهُوَ ثُلُثُهُ يَكُنْ ثَلاثَةٌ فَهِيَ لَهُ (2)، ولِلأبوَيْنِ سَهْمَانِ في وَفق العَدَدِ وَهُوَ واحِدٌ يَكُنْ سَهْمَيْنِ لكلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ، ولِلْبِنْتَيْنِ أرْبَعَةٌ في سَهْمٍ لِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمَانِ، فإنْ خَلَفَ امْرَأةً وابْنَيْنِ وأوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبُعِ مَالِهِ فَخُذِ الرُّبُعَ مِنْ أرْبَعَةٍ وادْفَعْهُ إِلَى المُوْصَى، يَبْقَى ثَلاثةَ عَشَرَ عَلَى مَسْألَةِ (3) الوَرَثَةِ، وَهِيَ صَحِيْحَةٌ مِنْ سِتَّةِ عَشَرَ لا يَنْقَسِمُ ولا يُوَافِقُ فاضْرِبْ سِتَّةَ عَشَرَ في فَرِيْضَةِ الوَصِيَّةِ يَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ فهيَ لَهُ، واضْرِبْ حَقَّ المَرْأةِ وَهِيَ سَهْمَانِ في بَقِيَّةِ العَدَدِ بَعْدَ الوَصِيَّةِ وَهُوَ ثَلاثَةَ عَشَرَ تَكُنْ ستة (4) فَهِيَ لَهَا، وحَقُّ كُلِّ ابْنٍ سَبْعة في ثَلاثَةٍ تَكُنْ أحَدَ وعِشْرِينَ فهيَ لَهُ (5)، وعلى هَذَا تعملُ إِذَا وَصَّى بأجْزَاءٍ مَعْلُومَةٍ، مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ بِسُدُسِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وبِعُشْرِهِ لآخَرَ وخَلَفَ أُمّاً وأُخْتاً للأَبَوَيْنِ وثَلاَثَةَ إِخْوَةٍ لأَبٍ فَأَقَلُّ مَالٍ لَهُ سُدُسٌ وعشر ثَلاَثُونَ لصَاحِبِ السُّدُسِ خَمْسَةٌ / 234 ظ / ولصَاحِبِ العُشْرِ ثَلاَثَةٌ ويَبْقَى اثْنَانِ وعِشْرُونَ تُقَسَّمُ عَلَى مَسْأَلَةِ الوَرَثَةِ، وَهِيَ تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لاَ تَنْقَسِمُ، وتوَافِقُ بالأَنْصَابِ وتَرْجِعُ المَسْأَلَةُ إِلَى تِسْعَةٍ والعَدَدُ إلَى أَحَدَ وعِشْرِيْنَ فَتَضْرِبُ تِسْعَةً في ثَلاَثِيْنِ تَكُنْ مِئَتَيْنِ وسَبْعِيْنَ، ومِنْهَا تَصِحُ للمُوصَى لَهُ بالسُّدُسِ خَمْسَةٌ في وَفق المَسْأَلَةِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ تَكُنْ خَمْسَةً وأَرْبَعِيْنَ فَهِيَ لَهُ ولِلآخَرِ ثَلاَثَةٌ في تِسْعَةٍ تَكُنْ سَبْعَةً وعِشْرِيْنَ فَهِيَ لَهُ ولِلأُمِّ ثَلاَثَةٌ في وَفق العَدَدِ البَاقِي مِنْ فَرِيْضَةِ الوَصِيَّةِ، وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ تَكُنْ ثَلاَثَةً وثَلاَثِيْنَ، ولِلأُخْتِ تِسْعَةٌ في أَحَدَ عَشَرَ تَكُنْ تِسْعَةً وتِسْعِيْنَ، ولِكُلِّ أَخٍ اثْنَانِ في أَحَدَ عَشَرَ تَكُنْ اثْنَيْنِ وعِشْرِيْنَ وكَذَلِكَ تَعولُ إِذَا وَصَّى بِأَجْزَاءٍ مَعْلُومَةٍ تَزِيْدُ عَلَى الثُّلُثِ وأَجَازَ الوَرَثَةُ، فَإِنْ لَمْ تُجِزِ الوَرَثَةُ ذَلِكَ فَإِنَّكَ تردْ الوَصَايَا إلى الثُّلُثِ وتُقَسِّمُهُ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ ويَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا يَفْعَلُ في مَسَائِلِ العوْلِ، وطَرِيْقِ العَمَلِ أَنْ تَنْظُرَ مَخْرَجَ الوَصَايَا فَيَأْخُذَ مِنْهُ الوَصَايَا فَيَجْعَلَهَا ثُلُثاً، ويَجْعَلَ ثُلُثَي المَالِ مِثْلَي ذَلِكَ ويُقَسِّمَهُ عَلَى الورَثَةِ، فَإِنِ انْقَسَمَ اسْتَغْنَيْتَ عَنِ الضَّرْبِ، وإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ عَمِلْتَ عَلَى نَحْوِ ما تَقَدَّمَ فَضَرَبْتَ فَرِيْضَةَ الوَرَثَةِ فِيْمَا أَخَذْتَ مِنْهُ سِهَامَ الوَصَايَا فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ المَسْأَلَتَانِ، تَصِحُّ المَسْأَلَةُ فَإِنْ انفق بَقِيَّةُ مَسْأَلَةِ الوَصَايَا وَهِيَ الثُّلُثَانِ مَعَ فَرِيْضَةِ الوَرَثَةِ عَمِلْتَ في الوفق
__________
(1) ما بَيْنَ المعكوفتين مكرر في المخطوط.
(2) المقنع: 178، المغني 6/ 453، الإنصاف 7/ 282.
(3) في الأصل: ((المسألة)).
(4) هَكَذَا فِي الأصل، ولعل الصواب: سنة وعشرين.
(5) المقنع: 178، والهادي: 150.(1/358)
عَمَلَكَ في الأَصْلِ؛ فَضَرَبْتَ الوَصَايَا في فَرِيْضَةِ الوَرَثَةِ أَو وَفْقِهَا وضَرَبْتَ أنْصِبَاءَ الوَرَثَةِ في الثلثِيْنِ أو وَفْقِهَا، مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يُوصِيَ بِرُبُعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وبِخَمْسَةٍ لآخَرَ فَلاَ يُخَيَّرُ الوَرَثَةُ وَهُمَا اثْنَانِ، فَأَقَلُّ ماَلٍ يَخْرُجُ مِنْهُ أَجْزَاءُ الوَصَايَا عِشْرُونَ رُبُعُهُ خَمْسَةٌ وخُمْسُهُ أَرْبَعَةٌ (1) وعُشْرُهُ سَهْمَانِ فَيَكُوْنُ أَحْدَ عَشَرَ فَهَذَا ثُلُثُ المَالِ فَثُلُثَانِ اثْنَانِ وعِشْرُونَ مَقْسُومَةً بَيْنَ الاثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ فَتَصِحُّ المَسْأَلَةُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ، فإِنْ خَلَفَ مِنَ الوَرَثَةِ بِنينِ والوَصِيَّةُ بِحَالِهَا فَالثُّلُثَانِ لا تَنْقَسِمُ عَلَى الوَرَثَةِ ولاَ تُوَافِقُ ومَسْأَلَتُهُمْ خَمْسَةٌ فَتَصِيْرُ بِهَا في ثَلاَثَةٍ وثَلاَثِيْنَ تَكُنْ مِئَةٌ، خَمْسَةٌ وسِتُّونَ (2) للمُوصَى لَهُ بالرُّبُعِ /235 و/ خَمْسَةٌ في خَمْسَةٍ خمسة وعِشْرِيْنَ، وللمُوصَى لَهُ بالخُمْسِ أَرْبَعَةٌ في خَمْسَةٍ تَكُنْ عِشْرِيْنَ، وللمُوصَى لَهُ بالعُشْرِ اثْنَانِ في خَمْسَةٍ تَكُنْ عَشرَةٌ، ولِكُلِّ ابنٍ سَهْمٌ في الثُّلُثَيْنِ، وَهِيَ اثْنَانِ وعِشْرُونَ فَكَذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ بِحَالِهَا وخَلَفَتْ ثَلاثةَ بَنِيْنَ وأَرْبَعَ بَنَاتٍ فمَسْأَلَتُهُمْ مِنْ عَشْرَةٍ. والثُّلُثَانِ لاَ تَنْقَسِمُ عَلَى مَسْألَتِهِمْ وتُوَافقُهَا بالأَنْصَافِ فَتَرْجِعُ الفَرِيْضَةُ إِلَى خَمْسَةٍ، والثُّلُثَانِ إِلى أَحَدَ عَشَرَ فَتَضْرِبُ خَمْسَةً في مَسْأَلَةِ الوَصِيَّةِ وَهِيَ ثَلاَثةٌ وثَلاَثُونَ فَتَكُنْ مِئَةً خَمْسَةً وسِتِّيْنَ ومِنْهَا تَصِحُّ، فَمَنْ لَهُ شَيءٌ مِنَ الوصية مضروب فِي خمسة ومن لَهُ شيء من التَّرِكَةِ فَمَضْرُوبٌ في أَحَدَ عَشَرَ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوْصِيَ لأَحَدِهِمْ بالثُّلُثِ أو بِمَا زَادَ عَلَيْهِ أنَّهُ يُضْرَبُ بذَلِكَ في أصْلِ المَالِ مَعَ إِجَازَةِ الوَرَثَةِ، وفي ثُلُثِ المَالِ رُبُعُ رَدِّ الوَرَثَةِ، فَإِذَا وَصَّى لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ ولآخَرَ بِثُلُثِهِ ولآخَرَ بِرُبُعِهِ، فَإِنْ أَجَازَ الوَرَثَةُ فَاقْسِمِ المَالَ عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْماً للمُوصَى لَهُ بالنِّصْفِ سِتَّةٌ وللمُوصَى لَهُ بالثُّلُثَيْنِ ثَمَانِيَةٌ (3) وللمُوصَى لَهُ بالرُّبُعِ ثَلاَثَةٌ؛ لأَنَّ أَقَلَّ مَالٍ تَخْرُجُ مِنْهُ هَذِهِ الأَجْزَاءُ اثْنَا عَشَرَ، فَإِذَا جمعت مِنهُ هذِهِ الأَجْزَاءَ مِنِ اثْنَي (4) عَشَرَ عَالَتْ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وجعلت الثُّلُثَيْنِ للوَرَثَةِ وعُمِلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، فَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ولآخَرَ بِجَمِيْعِهِ ومَاتَ وخَلَفَ خَمْسَةَ (5) بَنِيْنَ، فَإِنْ أَجَازُوا الوَصِيَّةَ قَسَّمَ جَمِيْعَ المَالِ بَيْنَهُمَا مِنْ أَرْبَعَةٍ للمُوصَى لَهُ بالكُلِّ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِهِ وللمُوصَى لَهُ بالثُّلُثِ رُبُعُهُ، فَإِنْ لَمْ يُجِيْزُوا لَهُمَا الوَرَثَةُ قَسَّمَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ والثُّلُثَانِ للوَرَثَةِ، وصُحِّحَتْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَإِنْ أَجَازُوا للمُوصَى لَهُ بالكُلِّ دُوْنَ المُوصَى لَهُ بالثُّلُثِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ (6):
__________
(1) في الأصل: ((وخمسة ربعه)).
(2) فِي الأصل: ((ستين)).
(3) في الأصل: ((ثمنه)).
(4) في الأصل: ((اثنا)).
(5) في الأصل: ((خمس)).
(6) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 96/ ب، والمقنع: 177، والإنصاف 7/ 282.(1/359)
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْطَى صَاحِبُ الثُّلُثِ رُبُعَ الثُّلُثِ ويُعْطَى البَاقِي للمُوصَى لَهُ بِالكُلِّ وتَصِحُّ مِنْ اثنَي (1) عَشَرَ؛ لأَنَّا نُعْطِيْهِ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ المَالِ لأَجْلِ مُزَاحَمَةِ صَاحِبِ الثُّلُثِ، فَإِذَا لَمْ يُجِزْ لَهُ حَصَلَتِ المُزَاحَمَةُ بِسَهْمِهِ مِنَ الثُّلُثِ وَهُوَ رُبُعُ الثُّلُثِ والبَاقِي لِصَاحِبِ الكُلِّ.
والوَجْهُ الآخَرُ: أَنْ تُصَحَّحَ المَسْأَلَةُ عَلَى عَدَمِ الإِجَازَةِ لَهُمَا، ثُمَّ يَرْجِعَ المُجَازُ لَهُ فَيَأْخُذَ مِنْ يد كُلِّ وَاحِدٍ بِقِسْطِ مِيْرَاثِهِ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُ حَقُّهُ مِنَ الوَصِيَّةِ، فتَعول مَسْأَلَةُ الوَصَايَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَهِيَ ثُلُثُ المَالِ وثُلُثَاهُ ثَمَانِيَةٌ (2) لاَ تَنْقَسِمُ / 236 ظ / عَلَى خَمْسَةٍ ولاَ تُوافقُ فَتَضْرِب خَمْسَةً في اثْنَي عَشَرَ تَكُنْ سِتِّيْنَ للمُوصَى لَهُ بالثُّلُثِ سَهْمٌ في خَمْسَةٍ، وللمُوْصَى لَهُ بالكُلِّ ثُلُثُهُ في خَمْسَةَ عَشَرَ، ولِكُلِّ ابنٍ ثَمَانِيَةٌ (3)، ثُمَّ يَعُودُ الَّذِي أُجيْزَ لَهُ فَيَقُولُ لِوَاحِدٍ ثُمَّ للآخَرِ مَعي كَانَ للآخَرِ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ المَالِ؛ وذَلِكَ خَمْسَةٌ وأَرْبَعُونَ مَعي مِنْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَبْقَى لي ثَلاَثُونَ تُقَسَّطُ عَلَيْكُمْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةٌ فَيَأْخَذُ ذَلِكَ ويَبْقَى لِكُلِّ ابنٍ سَهْمَانِ، فَإِنْ أَجَازُوا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَحْدَهُ فَعَلَى الوَجْهَيْنِ (4):
أَحَدُهُمَا: يُكْمِلُ لَهُ ثُلُثَ جَمِيْعِ المَالِ وذَلِكَ عِشْرُونَ، وللمُوصَى لَهُ بالكُلِّ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ خَمْسَةَ عَشَرَ ويَبْقَى لِكُلِّ ابنٍ خَمْسَةٌ ويَرْجِعُ بالاخْتِصَارِ إلى اثْنَي عَشَرَ للمُوصَى لَهُ بالثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وللمُوصَى لَهُ بالكُلِّ ثَلاَثَةٌ، ولِكُلِّ ابنٍ سَهْمٌ.
والثَّانِي: يُكْمِلُ لَهُ رُبُعَ جَمِيْعِ المَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ وللمُوصَى لَهُ بالكُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ ولِكُلِّ ابنٍ سِتَّةٌ ويَرْجِعُ بالاخْتِصَارِ إِلَى عِشْرِيْنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ المُوصَى لَهُمَا خَمْسَةٌ ولِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ، فَإِنْ كانَتْ الوَصِيَّةُ بِحَالِهَا وخَلَفَ ابْنَيْنِ فَأَجَازَ أَحدُ الابْنَيْنِ لَهُمَا وأَجَازَ الآخَرُ لأَحَدِهِمَا فَيَقُولُ: لَوْ لَمْ يُجَيزْا لَهُمَا لَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْباعاً وَهُوَ أرْبَعَةٌ مِنِ اثْنَي (5) عَشَرَ ويَبْقَى الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ للابْنَيْنِ لِكُلِّ ابنٍ أَرْبَعَةٌ، فَالَّذِي أَجَازَ لَهُمَا يُؤْخَذُ جَمِيْعُ مَا في يَدِهِ ويُدْفَعُ إِلَيْهِمَا لِصَاحِبِ الكُلِّ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ ولِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ فَتَصِيْرُ للمُوصَى لَهُ بِالكُلِّ سِتَّةُ أَسْهُمٍ وللمُوصَى لَهُ بالثُّلُثِ سَهْمَانِ. وأَمَّا الَّذِي أَجَازَ لأَحَدِهِمَا فَيَنْظُر فَإِنْ أَجَازَ
__________
(1) في الأصل: ((اثنا)).
(2) في الأصل: ((ثمنه)).
(3) في الأصل: ((ثمنه)).
(4) انظر: المقنع: 178، والمغني 6/ 454، والمحرر 1/ 389، والإنصاف 7/ 281 - 282.
الوجه الأول: يعطى الجزء لصاحبه ويقسم الباقي بَيْنَ الورثة والمُوصى لَهُ كَانَ ذلكَ الوارث إن جاز وإن ردوا قسمت الثلث بَيْنَ الوَجْهَيْنِ عَلَى حسب ما كَانَ لهما في الإجازة وثلثان بَيْنَ الورثة.
الوجه الثاني: أن يعطى صاحب النصيب مِثْل نصيب الوارث، كأن لا وصية سواها، وهذا قَوْل يَحْيَى ابن آدم. انظر: المغني 6/ 454.
(5) فِي الأصل: ((اثنا)).(1/360)
للمُوصَى لَهُ بالثُّلُثِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُكْمِلُ لَهُ ثُلُثَ جَمِيْعِ المَالِ بأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَقِّهِ سَهْمَانِ فَيَدْفَعَانِ إِلَيْهِ فَيَحْصُل في يَدِهِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، ويَبْقَى للابْنِ المُجِيْزِ لَهُ سَهْمَانِ (1).
والثَّانِي: يُكْمِلُ لَهُ رُبُعَ المَالِ فَيُعْطَى بِمَا في يَدِ الابْنِ سَهْمٌ فَتَصِيْر مَعَهُ ثَلاَثَةٌ، ويَبْقَى في يَدِ الابْنِ ثَلاَثَةٌ، وإِنْ كَانَتْ إِجَازَتُهُ للمُوصَى لَهُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ (2) مِنَ الوَجْهَيْنِ أَيْضاً:
أَحَدُهُمَا: يَأْخَذُ جَمِيْعَ مَا في يَدِهِ فَتَصِيْرُ مَعَهُ عَشْرَةٌ (3).
والثَّانِي: يَأْخُذُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ مَا في يَدِهِ، وَهُوَ ثَلاَثَةٌ فَتَصِيْرُ لَهُ تَسْعَةٌ ويَبْقَى للابْنِ سَهْمٌ أو سَهْمَانِ للمُوْصَى لَهُ الثُّلُثُ، فَإِنْ أَجَازَ أَحَدُ الابْنَيْنِ لأَحَدِهِمَا وأَجَازَ الابْنُ الآخر للآخَرِ، فَالَّذِي أَجَازَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ كَمْ يُؤْخَذُ مِمَّا في يَدِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الوَجْهَيْنِ (4)، والَّذِي أَجَازَ لِصَاحِبِ الكُلِّ يَأْخُذُ جَمِيْعَ مَا في يَدِهِ وَجْهاً وَاحِداً؛ لأنَّهُ لا يَبْلُغُ كُلَّ مَا في يَدِهِ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ المَالِ، فَإِنْ أَجَازَ الابْنَانِ الوَصِيَّةَ لَهُمَا فَلَمْ يَقْبَلْ أَحَد المُوْصَى لَهُمَا الوَصِيَّةَ نَظَرْنَا فَإِنْ /237 و/ رَدَّ المُوْصَى لَهُ بِالكُلِّ فَهَلْ يُكْمِلُ للمُوْصَى لَهُ بالثُّلُثِ ثُلُثَ جَمِيْعِ المَالِ أو رُبُعَ جَمِيْعِهِ عَلَى مَا تَقَدَّم مِنَ الوَجْهَيْنِ (5)، فَإِنْ رَدَّ المُوْصَى لَهُ بالثُّلُثِ كَانَ للمُوْصَى لَهُ بالكُلِّ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ المَالِ ومَا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبُعُ للوَرَثَةِ؛ لأَنَّ مَا رَدَّهُ المُوصَى لَهُ بالثُّلُثِ يَكُوْنُ مِلْكَ الوَرَثَةِ لا مِلْكَ المُوْصَى لَهُ الآخَرِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (6)، والوَجْهُ الآخَرُ: يَكُوْنُ المَالُ كُلُّهُ للمُوصَى لَهُ بالكُلِّ كَمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ وأَجَازُوا لَهُ، فَإِنْ أَجَازَ أَحَدُ الابْنَيْنِ لأَحَدِهِمَا ورَدَّ الآخَرُ وَصِيَّتَهُمَا قُلْنَا: لَوْ لَمْ يُخَيَّرَا لَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعاً، ولِكُلِّ ابْنٍ ثُلُثُ المَالِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، فَمَنْ لَمْ يُجِزْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لاَ يُؤْخَذُ مِنْ حَقِّهِ شَيْئاً، والَّذِي أَجَازَ نَنْظُرُ فَإِنْ أَجَازَ للمُوصَى لَهُ بالكُلِّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ جَمِيْعَ مَا في يَدِهِ إِلَيْهِ وَجْهاً وَاحِداً؛ لأنَّهُ لا يُكْمِلُ بِمَا في يَدِهِ ثَلاَثَة أَرْبَاعِ المَالِ. وإِنْ أَجَازَ للمُوصَى لَهُ بالثُّلُثِ فَعَلَى الوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَدْفَعُ مِمَّا في يَدِهِ ثَلاَثَةُ أسَهْمٍ (7)، يُكْمِلُ المُوصَى لَهُ ثُلُثَ جَمِيْعِ المَالِ (8).
والثَّانِي: يَدْفَعُ سَهْماً لِيُكْمِلَ لَهُ رُبُعَ المَالِ، فَإِنْ وَصَّى بِحَقٍّ مُقَدَّرٍ مِنَ المَالِ لإِنْسَانٍ ولآخَرَ
__________
(1) المقنع: 178، والمغني 6/ 455، والمحرر 1/ 389، وشرح الزركشي 2/ 661.
(2) المقنع: 178، والمحرر 1/ 390، وشرح الزركشي 2/ 663 - 664.
(3) المقنع: 178، والمحرر 1/ 391.
(4) المقنع: 178 - 179، والمغني 6/ 452، والمحرر 1/ 391.
(5) المقنع: 178، والإنصاف 7/ 283.
(6) الهادي: 150، والمغني 6/ 426، والمحرر 1/ 388، وشرح الزركشي 2/ 665.
(7) فِي الأصل: ((سهم))، ولعل الصواب مَا أثبتناه.
(8) المقنع: 178، والمغني 6/ 425، والمحرر 1/ 391.(1/361)
بِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الوَصِيَّتَيْنِ مِنْ جَمِيْعِ المَالِ إِنْ أَجَازُوا الوَرَثَةُ، ومِنَ الثُّلُثِ إِنْ لَمْ يُجِيْزُوا ثُمَّ يُقْسِمُ مَا بَقِيَ بَيْنَ الوَرَثَةِ، هَذَا قِيَاسُ المَذْهَبِ عِنْدِي؛ لأَنَّا لاَ نُرَتِّبُ الوَصَايَا بَلْ نَجْمَعُهَا، ويَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِمِقْدَارِهَا (1)، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَخْرُجَ إِنْ وَصَّى لَهُ بالجُزْءِ المُقَدَّرِ ذَلِكَ الجُزْءُ من رأس المَالِ ثُمَّ يُقْسَمُ البَاقِيَ بَيْنَ الوَرَثَةِ والمُوْصَى لَهُ وتَجْعَلُهُ كَأَحَدِ الوَرَثَةِ؛ لِكَيْلاَ يَأْخُذَ المُوْصَى لَهُ أَكْثَرَ مِنَ الوَارِثِ، والمُوْصِي قَصَدَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَ الوَارِثِ، وبَيَانُ العَمَلِ عَلَى الوَجْهَيْنِ (2).
لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِسُّدُسِ مَالِهِ ولآخَرَ بِمِثْلِ الوَصِيَّتَيْنِ مِنِ اثْنَي (3) عَشَرَ؛ لأنَّهُ أَقَلُّ مَالٍ لَهُ سُدُسٌ، ورُبُعُ ذَلِكَ خَمْسَةٌ تَبْقَى سَبْعَةٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ لاَ تَصِحُّ فَيَضْرِبُ ثَلاَثَةً فِي اثْنَي (4) عَشَرَ تَكُنْ سِتَّةً وثَلاَثِيْنَ، للمُوصَى لَهُ بالسُّدُسِ سَهْمَانِ في ثَلاَثَةٍ تَكُنْ سِتَّةً، وللمُوْصَى لَهُ بالرُّبُعِ ثَلاَثَةٌ في ثَلاَثَةٍ تَكُنْ تِسْعَةً، وتَبْقَى أَحَدٌ وعِشْرُونَ (5) لِكُلِّ ابنٍ سَبْعَةٌ.
وعَلَى الوَجْهِ الثَّانِي (6): للمُوْصَى لَهُ بالسُّدُسِ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ وتَبْقَى خَمْسَةٌ تُقْسَمُ بَيْنَ البَنِيْنَ (7)، والمُوْصَى لَهُ الآخَرُ عَلَى أَرْبَعَةٍ لاَ تَصِحُّ فَتَضْرِبُ أَرْبَعَةً في سِتَّةٍ تَكُنْ أَرْبَعَةً وعِشْرِيْنَ للمُوْصَى لَهُ بالسُّدُسِ أَرْبَعَةٌ تَبْقَى عِشْرُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ، فَإِنْ لَمْ يُجِزِ الوَرَثَةُ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الوَصِيَّيْنِ عَلَى خَمْسَةٍ ويُقَسِمُ الثُّلُثَيْنِ - وَهِيَ عَشْرَةٌ - عَلَى البَنِيْنَ الثَّلاَثَةِ لاَ تَصِحُّ فَيَضْرِبُ عَدَدَهُمْ في أَصْلِ المَسْأَلَةِ /238 ظ/ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَكُنْ خَمْسَةً وأَرْبَعِيْنَ للمُوْصَى لَهُ بالسُّدُسِ سِتَّةٌ، وللمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيْبِ ابنِ تِسْعَةٌ، ولِكُلِّ ابنٍ عَشْرَةٌ عَلَى الوَجْهِ الأَوَّلِ (8)، وعَلَى الثَّانِي: يُقْسِمُ الثُّلُثُ سَهْمٌ بَيْنَ المُوْصَى لَهُمَا عَلَى تِسْعَةٍ، والثُّلُثَانِ بَيْنَ البَنِيْنَ عَلَى ثَلاَثَةٍ، والثَّلاَثَةُ دَاخِلَةٌ في التِّسْعَةِ فَيَضْرِبُهَا في أَصْلِ المَسْأَلَةِ - وَهِيَ ثَلاَثَةٌ - تَكُنْ سَبْعَةً وعِشْرِيْنَ، للمُوْصَى لَهُ بالسُّدُسِ أَرْبَعَةٌ وللمُوْصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيْبِ خَمْسَةٌ، ولِكُلِّ ابنٍ سِتَّةٌ.
فَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِ أَوْلاَدِهِ، والآخَرِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَبْقَى مِنَ المَالِ بَعْدَ إِخْرَاجِ النَّصِيْبِ، ومِثَالُهُ: أَنْ يَكُوْنَ لَهُ ثَلاَثَةُ بَنِيْنَ فَيُوصِيَ لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِهِمْ،
__________
(1) المقنع: 178، وشرح الزركشي 2/ 665.
(2) المقنع: 178، والمحرر 1/ 390.
(3) فِي الأصل: ((اثنا)).
(4) فِي الأصل: ((اثنا)).
(5) في الأصل: ((وعشرين)).
(6) المقنع: 176، والمغني 6/ 446، والمحرر 1/ 390.
(7) المقنع: 176، والمغني 6/ 446 - 447، والمحرر 1/ 390.
(8) المقنع: 176 - 177، والهادي: 150، والمحرر 1/ 391، وشرح الزركشي 2/ 664.(1/362)
ويُوْصِي لآخَرَ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ إِخْرَاجِ النَّصِيْبِ، فَالوَجْهُ في ذَلِكَ: أَنْ يَجْعَلَ مَسْأَلَةَ النَّصِيْبِ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَيُعْطِيَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِهِمْ ربعه سَهْمٌ يَبْقَى ثَلاَثَةٌ فَيَدْفَعُ إِلَى المُوصَى لَهُ بالثُّلُثِ ثُلُثَهَا يَبْقَى سَهْمَانِ بَيْنَ البَنِيْنَ وهُمْ ثَلاَثَةٌ لاَ تَنْقَسِمُ فَيَضْرِبُ ثَلاَثَةً في أَرْبَعَةٍ تَكُنْ اثْنَي (1) عَشَرَ، للمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِهِمْ الرُّبُعُ ثَلاَثَةٌ، وللمُوْصَى لَهُ بالثُّلُثِ البَاقِي ثَلاَثَةٌ، ولِكُلِّ ابنٍ سَهْمَانِ، هَذَا عَلَى الوَجْهِ الأَوَّلِ إِذَا أَجَازَ الوَرَثَةُ (2)، وعَلَى الثَّانِي: مَنْ وَصَّى لَهُ بالنَّصِيْبِ لاَ يُعْطِي أَكْثَرَ مِنْ نَصِيْبِ ابنٍ، فَعَلَى هَذَا يُعْمَلُ بِطَرِيْقَةِ الدَّوْرِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ المَالَ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ وشَيْئاً فَيُعْطِيَ مَنْ وَصَّى لَهُ بالنَّصِيْبِ ذَلِكَ الشَّيءَ تَبْقَى ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ فَيُعْطِيَ مَنْ وَصَّى لَهُ بالثُّلُثِ ثُلُثَهَا سَهْماً يَبْقَى سَهْمَانِ عَلَى البَنِيْنَ لِكُلِّ ابْنٍ ثُلُثَا سَهْمٍ (3)، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الشَّيءَ ثُلُثَا سَهْمٍ؛ لأنَّهُ مِثْلُ نَصِيْبِ أَحَدِهِمْ فَتُقَسَّط التَّرِكَةُ مِنْ جِنْسِ الكَبِيْرِ أَثَلاَثا فَيَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ، فَهَذَا جُمْلَةُ التَّرِكَةِ، فَيُعْطِي المُوْصَى لَهُ بالنَّصِيْبِ بحق النَّصِيْبِ سَهْمَيْنِ يَبْقَى تِسْعَةٌ للمُوْصَى لَهُ بِثُلُثِ البَاقِي ثُلُثَا ثُلُثِهِ تَبْقَى سِتَّةٌ لِكُلِّ ابنٍ سَهْمَانِ، فَإِنْ لَمْ يُجِزِ الوَرَثَةُ فَعَلَى الوَجْهِ الأَوَّلِ (4)، قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الوَصِيَّتَيْنِ سَوَاءٌ فَتَأْخُذُ المَسْأَلَةَ مِنْ مَخْرَجِ وَجْهِ الثُّلُثِ وَهُوَ ثَلاَثَةٌ للوَصِيَّيْنِ سَهْمٌ مِنْهَا بَيْنَهُمَا لاَ يَصِحُّ ولَكَ سَهْمَانِ لاَ تَصِحَّ فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَلاَثَةٍ تَكُنْ سِتَّةٌ، ثُمَّ فِي المَسْأَلَةِ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِكُلِّ مُوصى لَهُ ثَلاَثَةٌ ولِكُلِّ ابنٍ أَرْبَعَةٌ (5)، وعَلَى الوَجْهِ الثَّانِي (6) قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ حَقَّ الوَصِيَّتَيْنِ خَمْسَةٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ، وَهِيَ ثُلُثُ المَالِ، فَالمَالُ جَمِيْعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ للمُوْصَى لَهُمَا خَمْسَةٌ تَبْقَى عَشْرَةٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ لاَ تَصِحُّ فَتَضْرِبُ ثَلاَثَةً في خَمْسَةَ عَشَرَ تَكُنْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِيْنَ، للمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيْبِ /239 و/ سِتَّةٌ، وللمُوْصَى لَهُ بِثُلُثِ البَاقِي تِسْعَةٌ، ولِكُلِّ ابْنٍ عَشْرَةٌ، فَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِ بَنِيْهِ ولآخَرَ بِثُلُثِ مَا تَبَقَّى مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنَّ العَمَلَ في ثَّلاَثٍ ما تَبَقَّى مِنَ الثَّلاَثِ عَمَلُكَ فِيْمَا تَبَقَّى مِنْ جَمِيْعِ المَالِ، فَتَجْعَلُ ثُلُثَ المَالِ ثَلاَثَةٌ وشَيْئاً، ثُمَّ تُعْطِي المُوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا تَبَقَّى سَهْماً مِنَ الثَّلاَثَةِ يَبْقَى سَهْمَانِ مِنْ ثُلُثِ المَالِ فَتَضُمُّهَا إِلَى ثُلُثَي المَالِ وَهُوَ ستَّةٌ، وسَهْمَانِ فَتَصِير ثَمَانِيَةً وسِتِّيْنَ فَتُعْطِي كُلَّ ابنٍ سِتّاً ويَبْقَى ثَمَانِيَةٌ للابنِ الثَّالِثِ، فَيَظْهَرُ أَنَّ الشَّيءَ ثَمَانِيَةٌ فَتَرْجِعُ إِلَى الأَوَّلِ فَيَقُولُ: إِذَا كَانَ الثُّلُثُ ثَلاَثَةٌ وشَيءٌ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ فَثُلُثُ المَالِ أَحَدَ عَشَرَ سَهْماً، فَهَذَا ثُلُثُ
__________
(1) فِي الأصل: ((اثنا)).
(2) المقنع: 178، والمغني 6/ 440 - 461.
(3) المقنع: 178 - 179.
(4) المقنع: 178، والهادي: 151، والمحرر 1/ 390.
(5) فِي الأصل مكررة.
(6) المقنع: 179، والمحرر 1/ 391.(1/363)
المَالِ فَتُعْطِي النَّصِيْبَ مِنْهُ ثَمَانِيَةً يَبْقَى ثَلاَثَةٌ مِنَ الثُّلُثِ للمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا تَبَقَّى مِنَ الثُّلُثِ سَهْمٌ يَبْقَى سَهْمَانِ تَضُمُّهَا إِلَى ثُلُثَي جَمِيْعِ المَالِ وَهُوَ اثْنَانِ وعِشْرِوْنَ فَتَصِيْر أَرْبَعَةً وعِشْرِيْنَ فَيُقْسِمُهَا عَلَى ثَلاَثَةٍ لِكُلِّ ابنٍ ثَمَانِيَةٌ مِثْلُ مَا أَخَذَ المُوْصَى لَهُ بالنَّصِيْبِ، هَذَا عَلَى الوَجْهِ الثَّانِي (1) وفِيْهِ عَوِيْصُ العَمَلِ، فَإِنْ كَانَ للمُوْصِي ابنَانِ والوَصِيَّةُ بِحَالِهَا فَلاَ شَيءَ للمُوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ؛ لأنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الثُّلُثِ شَيءٌ وإِنَّمَا تُتَصَوَّرُ صِحَّةُ الوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى؛ لأنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِن (2) الثُّلُثِ شَيءٌ، وإِنَّمَا تُتَصَوَّرُ صِحَّةُ الوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنَ الثُّلُثِ إِذَا كَانَ البَنُونَ (3) ثَلاَثَةً فَصَاعِداً، فَلَو وَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِ بَنِيْهِ واسْتَثْنَى جَزءاً مَعْلُوماً مِنْ جَمِيْعِ مَالِهِ، مِثْل أَنْ يَكُوْنَ لَهُ ثَلاَثَةُ بَنِيْنَ فَيوَصَّي لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِ بَنِيْهِ الأَرْبَعةِ جَمِيْعَ مَالِهِ، فَإِنَّا نَجْعَلُ المَالَ كُلَّهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ؛ لأنَّهُ اسْتَثْنَى رُبُعَ المَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ نَصِيْباً مَحْمُولاً يَبْقَى هُنَاكَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ إِلاَّ نَصِيْبٌ فَيَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ النَّصِيْبِ سَهْماً وَهُوَ الاسْتِثْنَاءُ فَيَصِيْرُ مَعَنَا خَمْسَةُ أَسْهُمٍ إِلاَّ نَصِيْبٌ يَعْدِلُ ثَلاَثَةَ أَنْصِبَاءٍ وَهِيَ حَقُّ البَنِيْنَ (4)، فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِحَقِّهِ نَصِيْباً (5) فَيُصْرَفُ النَّصِيْبُ المُسْتَثْنَى عَنِ الخَمْسَةِ إِلَى الأنْصِبَاءِ تَصِيْرُ أَرْبَعَةَ أَنْصِبَاءٍ تَعْدِلُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، فَالنَّصِيْبُ يَعْدِلُ سَهْماً ورُبْعاً، فَلَمَّا دَفَعْنَا مِنَ الأَرْبَعَةِ نَصِيْباً إِلَى المُوْصَى لَهُ يَبْقَى سَهْمَانِ وثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ سَهْمٍ فَيَبْسُطُ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الكَسْرِ؛ لِيَخْرُجَ السِّهَامُ بِغَيْرِ كَسْرٍ فَيَصِيْرُ ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ فَهِيَ للبَنِيْنَ وللمُوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ ورُبُعُ خَمْسَةٍ (6)؛ فَتَكُونُ جُمْلَةُ التَّرِكَةِ سِتَّةَ عَشَرَ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّ البَنُونَ مِنَ المُوْصَى لَهُ رُبُعَ جَمِيْعِ المَالِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ يَبْقَى مَعَهُ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ وللبَنِيْنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ.
وأَسْهَلُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيْقَةِ أنْ يُقَالَ: إِذَا وَصَّى لَهُ بِمِثْلِ / 240 ظ / نَصِيْبِ أَحَدِهِمْ إِلاَّ رُبُعَ جَمِيْعِ المَالِ فَقَدْ فُضِّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى المُوْصَى لَهُ برُّبُعِ المَالِ، فَتُجْعَلُ المَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِكُلِّ ابنٍ رُبُعٌ يَبْقَى رُبُعٌ بَيْنَ الأَرْبَعَةِ بالسَّوِيَّةِ لاَ تَصِحُّ فَيَضْرِبُ أَرْبَعَةً في أَصْلِ المَسْأَلَةِ - وَهِيَ أَرْبَعَةٌ - تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ لِكُلِّ ابْنٍ رُبُعُ المَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ بَيْنَ الجَمِيْعِ، للمُوْصَى لَهُ سَهْمٌ ولِكُلِّ ابنٍ سَهْمٌ يُضَافُ إِلَى حَقِّهِ فَيَصِيْرُ لَهُ خَمْسَةٌ كَمَا خَرَجَ بِالطَّرِيْقَةِ الأَوْلَة.
وعَلَى هَذَا العَمَلِ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ مِنْ تَطَايُرِ هَذِهِ المَسَائِلِ، فَإِنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيْبِ وَارِثٍ
__________
(1) المقنع: 179، والهادي: 151، والمغني 6/ 457 - 458.
(2) ((من)) تكررت في المخطوطة.
(3) في الأصل: ((البنين)).
(4) المقنع: 179، والمغني 6/ 464.
(5) في الأصل: ((نصيب)).
(6) الشرح الكبير 6/ 561.(1/364)
أو كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ فَإنَّكَ تَنْظُرُ مِنْ كَمْ تَصِحُّ مَسْأَلَتُهُمْ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ الوَارِثِ، ثُمَّ مِنْ كَمْ تَصِحُّ مَعَ وُجُوْدِهِ، ثُمَّ تَضْرِبُ إِحْدَى المَسْأَلَتَيْنِ في الأُخْرَى، ثُمَّ تُقْسِمُ مَا ارْتَفَعَ عَلَى مَسْأَلَةِ وُجُودِ الوَارِثِ فَمَا خَرَجَ بالقِسْمَةِ أَضَفْتَهُ إِلَى مَا ارْتَفَعَ مِنَ الضَّرْبِ، ثُمَّ دَفَعْتَهُ إِلَى المُوْصَى لَهُ وقَسَمْتَ الثَّانِي بَيْنَ الوَرَثَةِ.
ومِثَالُهُ: أنْ يَخْلُفَ أَرْبَعَة بَنِيْنَ ويُوْصِيَ لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيْبِ ابنٍ خَامِسٍ لَوْ كَانَ فَيَعْلَمُ أَنَّ المَسْأَلَةَ مَعَ عَدَمِ الخَامِسِ مِنْ أَرْبَعَةٍ ومع وجوده من خمسة فيضرب خمسة فِي أربعة تَكُنْ عِشْرِيْنَ فَيَقْسِمُهَا عَلَى خَمْسَةٍ فَيَخْرُجُ لِكُلِّ سَهْمٍ أَرْبَعَةٌ فَتَضِيْفُ ذَلِكَ إِلَى المَسْأَلَةِ تَكُنْ أَرْبَعَةً وعِشْرِيْنَ للمُوْصَى لَهُ أَرْبَعَةٌ، ولِكُلِّ ابنٍ خَمْسَةٌ، وَكَذَلِكَ طَرِيْقُ العَمَلِ لَوْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ إِلاَّ نَصِيْبَ وَارِثٍ آخَرَ لَوْ كَانَ، مِثْلُ أَنْ يَخْلُفَ خَمْسَة بَنِيْنَ ويُوْصِي لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِهِمْ إِلاَّ بِمِثْلِ نَصِيْبِ ابنٍ سَادِسٍ لَوْ كَانَ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الوَارِثِ مِنْ خَمْسَةٍ، ومَسْأَلَةِ وُجُودِهِ مِنْ سِتَّةٍ، فَإِذَا ضَرَبْنَا أَحَدَهُمَا في الأخرى ارْتَفَعَ مِنْ ذَلِكَ ثَلاَثُونَ، فَإِذَا قَسَمْتَ ذَلِكَ عَلَى مَسْأَلَةِ الوُجُودِ خَرَجَ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَة وعَلَى مَسْأَلَةِ العَدِّ ثُمَّ يُخْرِجُ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةً، فَيَقُولُ للمُوْصَى لَهُ: قَدْ وَصَّى لَكَ بسِتَّةٍ واسْتَثْنَى خَمْسَةً مِنْهَا يَبْقَى لَكَ سَهْمٌ يُضَافُ إِلَى المَسْأَلَةِ تَكُنْ أَحَداً وثَلاَثِيْنَ، ومِنْهَا تَصِحُّ لِكُلِّ ابنٍ سِتَّةٌ وللمُوْصَى لَهُ سَهْمٌ.
وإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ وقِيْمَتُهُ ثُلُثُ مَالِهِ، وأَوْصَى لآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ مُطْلَقاً، ومَالُهُ غَيْرُ المُعَيَّنِ ثَلاَثُ مِئَةٍ، فَإِنْ أَجَازَ الوَرَثَةُ فَللمُوصَى لَهُ بالنِّصْفِ مِئَةٌ وخَمْسُونَ دِرْهَماً وثُلُثُ المُعَيَّنِ، وللمُوْصَى لَهُ بالمُعَيَّنِ ثُلُثُ المُعَيَّنِ، وإِنْ لَمْ تُجْزِ الوَرَثَةُ فَلِلْمُوْصَى لَهُ بالمُعَيَّنِ خُمُسَاهُ وللمُوصَى لَهُ بنِصْفِ المَالِ خُمْسُ الثَّلاَثِ مِئَةٍ وخُمْسُ المُعَيَّنِ؛ لأَنَّ مَنْ وَصَّى لَمْ يُجِزْ مِنْ جَمِيْعِ المَالِ (1) / 241 و / يُزَاحِمُ مَنْ وَصَّى لَهُ بالمُعَيَّنِ، ومَنْ وَصَّى لَهُ بالمُعَيَّنِ لا يُزَاحِمُ مَنْ وَصَّى لَهُ بالجُزْءِ مِنَ الجَمِيْعِ، فَإِنْ وَصَّى بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ أو ثُلُثَ مَالِهِ لإِنْسَانٍ ثُمَّ وَصَّى لَهُ لآخَرَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَنْ يَقُوْلَ: وَصَّيْتُ بِهِ لِفُلاَنٍ فَقَدْ جَعَلْتَهُ لِفُلاَنٍ ونَحْو ذَلِكَ مِنَ الأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ الثَّانِي، فَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ عَبْدِهِ فاسْتَحَقَّ ثُلُثَاهُ فَلَهُ الثُلُثُ الثَّانِي إِذَا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ، فَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ ثَلاَثَةِ أَعْبدٍ فَاسْتَحَقَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ فَلَهُ ثُلُثُ البَاقِي، فَإِنْ وَصَّى بِثُلُثَي مَالِهِ لِوَارِثٍ وأَجْنَبِيٍّ فَلَمْ يُجِزِ الوَرَثَةُ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَ الأَجْنَبِيِّ والوَارِثِ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا (2)، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَكُوْنَ الثُّلُثُ جَمِيْعُهُ للأجْنَبيِّ لأنَّ رَدَّهُمُ الثُّلُثَ في حَقِّ الأجْنَبِيِّ لا يَصِحُّ.
__________
(1) المغني 6/ 589.
(2) المغني 6/ 424، وشرح الزركشي 2/ 658، والإنصاف 7/ 248.(1/365)
فإنْ وَصَّى لأجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهِ ولِكُلِّ واحِدٍ مِن ابْنَيْهِ بِثُلُثِ مَالِهِ فأجَازَ أحَدُ الابْنَيْنِ للآخَرِ ولمْ يُجِزْ للأجْنَبِيِّ، كَانَ للأجْنَبِيِّ ثُلُثُ المَالِ عَلَى قِياسِ قَوْلِ شَيْخِنَا (1). والأقْوَى عِنْدِي: أنَّ جَمِيْعَ الثُّلُثِ للأجْنَبِيِّ ولا يُلْتَفَتُ إِلَى رَدِّ الابْنَيْنِ.
فإنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وبِنْتٌ ولهُ فَرَسٌ تُسَاوِي مِئَة فأوْصَى بِهِ لِلابْنِ، ولهُ أمَةٌ تُسَاوِي خَمْسِيْنَ فأوْصَى بِها لِلْبِنْتِ، احْتَمَلَ أنْ تَصِحَّ الوَصِيَّةُ؛ لأنَّ حَقَّ الوَارِثِ في مِقْدَارِ المَالِ لا في عَيْنِهِ. واحْتَمَلَ أنْ لا يَلْزَمَ؛ لأنَّ فِي العَيْنِ عَرْضاً صَحِيْحاً للنَّاسِ فَيَصِحُّ رَدُّهَا كَذَلِكَ ويَكُوْنُ الفَرَسُ والأَمَةُ بَيْنَهُمَا مِيْرَاثاً للذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ (2)، فَإِنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِفُلاَنٍ والفُقَرَاءِ والمَسَاكِيْنِ فَقَالَ شَيْخُنَا: يُجْعَلُ لِفُلاَنٍ ثُلُثَ الثُّلُثِ، وللفُقَرَاءِ والمساكين ثُلُثَاهُ (3)، وإِذَا كَانَ مَالُهُ عَبِيْداً فَأَعْتَقَهُمْ في مَرَضِهِ وَلَمْ يُجِزِ الوَرَثَةُ جَوَّزُوا ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ وَقُرِعَ بَيْنَهُمْ بِأَنْ يُكْتَبَ ثَلاَثُ رِقَاعٍ في كُلِّ رُقْعَةٍ اسْمُ جُزْءٍ وتُجْعَلُ الرِّقَاعُ في بَنَادِقَ مِنْ طِيْنٍ أَو شَمْعٍ مُتَسَاوِيَةٍ وتُجْعَلُ في حِجْرِ إِنْسَانٍ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ، ويُقَالُ لَهُ: أَخْرِجْ عَلَى الحُرِّيَّةِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فَهُوَ حُرٌّ والبَاقُونَ رَقِيْقٌ (4)، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ قِيْمَةُ أَحَدِهِمَا أَرْبَعُ مِئَةٍ والآخَرُ خَمْسُ مِئَةٍ فَعَتَقَهُمَا في مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَمْ تُجِزِ الوَرَثَةُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَقَعَتِ الحُرِّيَّةُ عَلَى مَنْ قِيْمَتُهُ أَرْبَعُ مِئَةٍ عَتَقَ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِهِ، وإِنْ وقَعَتْ عَلَى مَنْ قِيْمَتُهُ خَمْسُ مِئَةٍ عِتْقُهُ ثَلاَثَةُ أَخْمَاسِهِ وذَلِكَ ثُلُثُ المَالِ؛ لأَنَّ جَمِيْعَ المَالِ /242 ظ/ تِسْعُ مِئَةٍ، فَثُلُثُهُ ثَلاَثُ مِئَةٍ، وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ قِيْمَةُ أَحَدِهِمَا مِئَةً وَخَمْسِيْنَ (5) وقِيْمَةُ الآخَرِ مِئَةٌ فَطَرِيْقُ العَمَلِ أَنْ تَجْمَعَ قِيْمَتَهَا وذَلِكَ مِئَتَانِ وخَمْسُونَ فَتضْرِبُهَا في ثَلاَثَةٍ تَكُنْ سَبْعَ مِئَةٍ وَخَمْسِيْنَ ثُلُثُهَا مِئَتَانِ وَخَمْسُونَ ثُمَّ يُقْرَعُ فَإِنْ وَقَعَتِ القُرْعَةُ عَلَى مَنْ قِيْمَتُهُ مِئَةٌ ضَرَبْتَ قِيْمَتَهُ في ثَلاَثَةٍ تَكُنْ ثَلاَثَ مِئَةٍ فيعتق مِنْهُ خمسة أسداسه وإن وقعت عَلَى من قيمته مئة وخمسين ضربتها فِي ثلاثة تَكُنْ أربع مئة وخَمْسِيْنَ فَالمُتَعَيِّنِ مِنْهُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِهِ؛ لأَنَّكَ إِذَا قَسَّطْتَ قِيْمَتَهُ مِنْ جِنْسِ الكَسْرِ كَانَ تِسْعَةً، وعَلَى هَذَا يُعْمَلُ مَا وَرَدَ عَلَيْكَ مِنْ هَذِهِ المَسَائِلِ.
__________
(1) المغني 6/ 425، والشرح الكبير 6/ 499، والإنصاف 7/ 249.
(2) الشرح الكبير 6/ 500 - 501.
(3) الشرح الكبير 6/ 501، والإنصاف 7/ 250.
(4) الإنصاف 7/ 256.
(5) في الأصل: ((مئةٌ وخمسون)) بالرفع.(1/366)
كِتَابُ العِتْقِ
العِتْقُ مِنْ أَحَبِّ القُرُبَاتِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، والمُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ وكَسْبٌ، فَأَمَّا مَنْ لاَ كَسْبَ لَهُ، كَالشَّيْخِ الهَرِمِ والصَّغِيْرِ والمَرِيْضِ، فَنُقِلَ عَنْهُ: أنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ عِتْقُهُ (1).
ولاَ يَصِحُّ العِتْقُ إِلاَّ مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ في مَالِهِ، ولَهُ صَرِيْحٌ وكِنَايَةٌ، فَصَرِيْحُهُ: لَفْظُ العِتْقِ والحُرِّيَّةِ كَيْفَ تَصَرَّفَا. وكِنَايَتُهُ: قَدْ خَلَّيْتُكَ، واذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ، والحَقْ بِأَهْلِكَ، ونَحْوِ ذَلِكَ. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في قَوْلِهِ: لاَ سَبِيْلَ لِي عَلَيْكَ، ولا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكَ، ولا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، ولاَ رِقَّ لِي عَلَيْكَ، ومَلَكْتَ رَقَبَتَكَ، وأَنْتَ مَوْلاَيَ، وأَنْتَ للهِ، وأَنْتِ سَائِبَةٌ، فَعَنهُ: أنَّهُ صَرِيْحٌ (2)، وَعَنْهُ: أنَّهُ كِنَايَةٌ (3) وَهُوَ الصَّحِيْحُ.
واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وأَنْتِ حَرَامٌ هَلْ هُوَ كِنَايَةٌ؟ فَعَنْهُ: أنَّهُ كِنَايَةٌ فِي العِتْقِ (4)، وَعَنْهُ: أنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ، ولاَ يَقَعُ بِهِ عِتْقٌ وإِنْ نَوَاهُ (5)، وإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ -: أَنْتَ ابْنِي، فَلاَ رِوَايَةَ فِيْهَا؛ إِلاَّ أَنَّ شَيْخَنَا قَالَ: لاَ يُعْتَقُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ (6).
ويَصِحُّ تَعْلِيْقُ العِتْقِ عَلَى الصِّفَاتِ، والأَخْطَارِ كَمَجِيءِ الأَمْطَارِ، وهُبُوبِ الرِّيَاحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ، وإِذَا عُلِّقَ العِتْقُ بِصَفَةٍ لَمْ يَكُنِ الرُّجُوعُ فِيْهِ بالقَوْلِ، ويَمْلِكُ إِبْطَالَهَا بالبَيْعِ والهِبَةِ، وغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ بَاعَ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَادَتِ الصِّفَةُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ الصِّفَةَ حَالَ البَيْعِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ فَهَلْ تَعُودُ الصِّفَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7)، فَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ عُتِقَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ،
__________
(1) ونقل عَنْهُ عدم كراهية عتقه.
انظر: المغني 12/ 234، والمحرر 2/ 3، وكشاف القناع 4/ 565، والإنصاف 7/ 393.
(2) نقل عَنْهُ أنَّهُ صريح أبو طَالِب.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 222/ أ، والمغني 12/ 235 - 236، والمحرر 2/ 3.
(3) نقل عَنْهُ أنَّهُ كناية: مهنّا. انظر: المصادر السابقة.
(4) انظر: المغني 12/ 236 - 237، والمحرر 2/ 3، والإنصاف 7/ 398.
(5) انظر: المصادر السابقة.
(6) انظر: الإنصاف: 7/ 399.
(7) الرِّوَايَة الأولى: أنها تعود بعوده، والثانية: لا تعود.
وروي عَنْهُ أنها لا تعود سواء وجدت حال زوال ملكه أم لا؟ حكى هَذِهِ الأخيرة تقي الدين. انظر: المقنع: 198، والشرح الكبير 12/ 271، والإنصاف 7/ 414 - 415.(1/367)
والأُخْرَى: لاَ يَنْعَتِقُ (1) /243 و/ فَإِنْ قَالَ: إِذَا دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ في حَالِ حَيَاةِ السَّيِّدِ عُتِقَ، وإِنْ دَخَلَها بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يُعْتَقْ بِحَالٍ. وإِذَا قَالَ: أَحَدُ عَبِيْدِي حُرٌّ وَلَمْ يَنْوِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ القُرْعَةُ فَهُوَ حُرٌّ، وكَذَلِكَ إِنْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمْ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَنْسَأَهُ، فَإِنْ عَتَقَ مَنْ عَلَيْهِ القُرْعَةُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الَّذِي أَعْتَقَهُ الآخَرُ عُتِقَ الآخَرُ، وهَلْ يَبْطُلُ عِتْقُ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ القُرْعَةُ أَمْ لاَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2). فَإِنْ مَاتَ المُعْتِقُ قَبْلَ أَنْ يُقْرَعَ قَامَ وَارِثُهُ مُقَامَهُ.
ومَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عُتِقَ عَلَيْهِ جَمِيْعُهُ، فَإِنْ أَعْتَقَ شِقْصاً لَهُ في عَبْدٍ عُتِقَ عَلَيْهِ جَمِيْعُهُ إِنْ كَانَ مُوسِراً، ويَضْمَنُ نَصِيْبَ شَرِيْكِهِ بِقِيْمَتِهِ وَقْتَ العِتْقِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيْهَا، فَالقَوْلُ قَوْلُ المُعْتِقِ، وإِنْ كَانَ مُعْسِراً عَتَقَ نَصِيْبَهُ خَاصَّةً ويَبْقَى نَصِيْبُ الشَّرِيْكِ لَهُ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يَسْتَسْعِي العَبْدَ في باقِيْهِ (3)، فَإِنِ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيْكَيْنِ أَنَّ شَرِيْكَهُ أَعْتَقَ نَصِيْبَهُ وكَانَ المُدَّعَى عَلَيْهِ مُوْسِراً فَأَنْكَرَ عِتْقَ نَصِيْبِ المُدَّعِي مَجَّاناً، وإِنْ كَانَ مُعْسِراً لَمْ يُعْتَقْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فإِنِ اشْتَرَى المُدَّعِي نَصِيْبَ شَرِيْكِهِ عُتِقَ عَلَيْهِ جَمِيْعُهُ (4)، فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أنَّهُ أَعْتَقَ نَصِيْبَهُ فَأَنْكَرَ عُتِقَ عَلَيْهِمَا إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَلَمْ يُعْتَقْ إِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيْكِهِ: إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيْبَكَ فَنَصِيْبِي حُرٌّ فَأَعْتَقَ نَصِيْبَهُ نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ المُعْتِقُ مُوْسِراً عُتِقَ عَلَيْهِ جَمِيْعُهُ وضَمِنَ نَصِيْبَ شَرِيْكِهِ، وإِنْ كَانَ مُعْسِراً عُتِقَ نَصِيْبُهُ بالعِتْقِ ونَصِيْبُ شَرِيْكِهِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، فَإِنْ قَالَ: إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيْبَكَ فَنَصِيْبِي مَعَ نَصِيْبِكَ حُرٌّ، فَعَتَقَ نَصِيْبَهُ عُتِقَ نَصِيبُ الآخَرِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ المُعْتِقُ مُعْسِراً أو مُوْسِراً، فَإِنْ كَانَ الشَّرِيْكُ كَافِراً فَعَتَقَ نَصِيْبَهُ - وَهُوَ مُوْسِرٌ - عُتِقَ عَلَيْهِ نَصِيْبُ شَرِيْكِهِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، والآخَرِ: لا يُعْتَقُ عَلَيْهِ (5)، وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ الكَافِرُ لمُسْلِمٍ: اعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي وعَلَيَّ قِيْمَتُهُ هَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (6). وأَصْلُ ذَلِكَ إِذَا اشْتَرَى الكَافِرُ أَبَاهُ المُسْلِمَ هَلْ تَصِحُّ؟ ويُعْتَقُ عَلَيْهِ /244 ظ/ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (7)، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَمَةٌ فَأَوْلَدَهَا كُلُّ
__________
(1) العبارة الَّتِي تتداولها كتب الحنابلة هِيَ: ((إن دخلت الدار بَعْدَ موتي فأنت حر)) فيقيدونها بـ ((بَعْدَ موتي))، وَلَمْ نجدها بهذا الإطلاق. انظر: الهادي: 152، والإنصاف 7/ 415 وغيرها.
(2) الوجه الأول: بطلان العتق، والثاني: عدم البطلان. انظر: المحرر 2/ 4، والإنصاف 7/ 428.
(3) انظر: المحرر 2/ 5، وشرح الزركشي 4/ 555، والإنصاف 7/ 409.
(4) تكررت في الأصل.
(5) انظر: المقنع: 198، والمغني 12/ 243، والمحرر 2/ 5، والشرح الكبير 12/ 259.
(6) الوجه الأول: لا يصح لئلا يتملك الكافر، والثاني: يصح ويعتق؛ لأنَّهُ يتملكه زمناً يسيراً.
انظر: المقنع: 195، والمحرر 1/ 417، والشرح الكبير 7/ 253، والإنصاف 7/ 383.
(7) الرِّوَايَة الأولى: يصح. والثانية: لا يصح. انظر: الهادي: 85، والإنصاف 4/ 328.(1/368)
وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَداً منْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِإِيْلاَدِ شَرِيْكِهِ، فإن كَانَ المستولد الأول موسراً فهي أم وُّلدِه، وَعَلَيْهِ ضمانُ حقِّ شريكه وعَلَى الشَّرِيْكِ جَمِيْعُ مَهْرِهَا يَكُوْنُ للمُسْتَوْلِدِ الأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لهما، فَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيْبَهُ بَعْدَمَا أَيْسَرَ فَهَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيْبُ شَرِيْكِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (1)، فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ لأَحَدِهِمْ سُدُسُهُ، وللآخَرِ ثُلُثَهَ، وللآخَرِ نِصْفَهُ فَأَعْتَقَ صَاحِبُ السُّدُسِ والثُّلُثِ نَصِيْبَهُمَا مَعاً ضَمِنَا لِصَاحِبِ النِّصْفِ نَصِيْبَهُ بَيْنَهُمَا بالسَّوِيَّةِ، ذَكَرَهُ الخِرَقِيُّ (2)، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَا نَصِيْبَهُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا. فَإِنْ أَعْتَقَ في مَرَضِ مَوْتِهِ شِرْكاً لَهُ في عَبْدٍ وكَانَ ثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ الجَمِيْعَ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيْبُ شَرِيْكِهِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: لا يَقُومُ عَلَيْهِ (3)، وهَلْ يُسْتَسْعَى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4). فَإِنْ دَبَّرَ في مَرَضِهِ نِصْفَهُ أَو وَصَّى بِعِتْقِ نَفْسِهِ، وثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ جَمِيْعَهُ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ عِتْقَهُ، وَعَنْهُ (5): لا يُكْمِلُ.
فَإِنْ أَعْتَقَ عَبِيْدَهُ في مَرَضِهِ ولا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ جُزِّئُوا ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ بِأَنْ يُكْتَبَ رِقَاعٌ في كُلِّ رُقْعَةٍ اسْمُ أَحَدِهِمْ، ويُجْعَلُ في بَنَادِقَ مِنْ طِيْنٍ، أَو شَمْعٍ مُتَسَاوِيَةٍ، ثُمَّ تُوضَعُ في حِجْرِ رَجُلٍ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَخْرِجْ وَاحِدَةً مِنْهَا عَلَى الحُرِّيَّةِ، فَيُخْرِجَ فَيَعْتِقَ مَنْ يَخْرُجُ اسْمَهُ ويُرَقُّ البَاقُونَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَجْزِئَتُهُمْ أَثْلاَثاً نَحْوُ أَنْ يَعْتِقَ ثَمَانِيَةَ أَعْبدٍ، قِيْمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ ولاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَالوَجْهُ أَنْ يُجَزِّئَهُمْ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ كُلَّ اثْنَيْنِ جُزْءاً ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ عِتْقٍ ويَلِيْهِ أَسْهُمُ رِقٍّ، فَأَيُّ عَبْدَيْنِ أَصَابَهُمَا سَهْمُ العِتْقِ عُتِقَا، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ السِّتَّةِ بِسَهْمٍ وسَهْمَي رِقٍّ، فَأَيُّ عَبْدَيْنِ خَرَجُ لَهُمَا سَهْمُ العِتْقِ أُعِيْدَتِ القُرْعَةُ بَيْنَهُمَا بِسَهْمِ رِقٍّ وسَهْمِ عِتْقٍ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ العِتْقِ، عُتِقَ ثُلُثَاهُ مَعَ العَبْدَيْنِ الأَوَّلَيْنِ، وفِيْهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنْ يُجَزِّئَهُمْ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ ثَلاَثَةً وثَلاَثَةً واثْنَيْنِ، ثُمَّ يُقْرَعُ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وسَهْمَي وخَمْسَةِ أَسْهُمِ رِقٍّ، فَمَنْ وقَعَ عَلَيْهِ سَهْمُ الحرية عتق ثلثاه وإن وقع سهم الحرية عَلَى ثلثه لَمْ يعتقوا بَلْ يقرع بَيْنَهُمْ رق سهم حرية فمن وقع عَلَيْهِ سهم الرِّقِّ
__________
(1) أحدهما: لا يقوم عَلَيْهِ بَلْ يعتق مجاناً.
ثانيهما: يقوم عَلَيْهِ، وَقِيْلَ: لا يعتق إلا ما أعتقه ولا يسري إِلَى نصيب شريكه.
انظر: المحرر 2/ 12، والشرح الكبير 12/ 517، والإنصاف 7/ 504.
(2) انظر: المغني 12/ 263، والزركشي 4/ 560، والإنصاف 7/ 410.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 221/ أ، والمقنع: 199، والشرح الكبير 12/ 290، والإنصاف 7/ 429.
(4) الرِّوَايَة الأولى: يعتق كله ويستسعى في قيمة باقيه.
والثانية: عتق المعسر لا يسري عليه غيره، وإنما يعتق ما أعتقه فَقَطْ.
انظر: شرح الزركشي 4/ 554 - 555.
(5) انظر: المقنع: 199، والمغني 12/ 284، وشرح الزركشي 4/ 569.(1/369)
رُقَّ ثُلُثَهُ وعُتِقَ ثُلُثَاهُ مَعَ الآخَرَيْنِ، فَإِنْ أَعْتَقَ في مَرَضِهِ ثَلاَثَةَ أَعْبدٍ لا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ [فَمَاتَ أَحَدُ العَبِيْدِ قَبْلَ مَوْتِ] (1) /245 و/ السَّيِّدِ أَقْرَعْنَا بَيْنَ المَيِّتِ والحَيَّيْنِ، فَإِنْ خَرَجَتِ القُرْعَةُ عَلَى المَيْتِ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَاتَ حُرّاً، ورُقَّ الاثْنَانِ، وإِنْ وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِ الحَيَّيْنِ حَكَمْنَا بِأَنَّ المَيِّتَ هَلَكَ مِنَ التَّرِكَةِ وأَعْتَقْنَا مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ القُرْعَةُ إِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وإِلاَّ عُتِقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ (2)، وإِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ في مَرَضِهِ، وعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ لَمْ يَنْفَدْ ثَمَنُهُ وبِيْعَ في الدَّيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، واخْتَارَهُ الخِرَقِيُّ (3)، وَعَنْهُ (4): يُعْتَقُ مِنْهُ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ. وإِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ - وَهِيَ حَامِلٌ - دَخَلَ جَنِيْنُهَا في العِتْقِ، فَإِنِ اسْتَثْنَى جَنِيْنَهَا مِنَ العِتْقِ لَمْ يَدْخُلْ في الحُرِّيَّةِ، فَإِنْ أَعْتَقَ جَنِيْنَهَا لَمْ تُعْتَقِ الأَمَةُ، فَإِنْ قَالَ لَهَا: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِيْنَهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ وَلَداً مَيْتاً، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهُ وَلَداً حَيّاً ومَاتَتْ عُتِقَ الثَّانِي، فَإِنْ قَالَ لَهَا: آخِرُ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَاشْتَرَى عَبِيْداً في عُقُودٍ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ عُتِقَ الأَخِيْرُ مِنْهُمْ مِنْ حِيْنِ الشِّرَاءِ لاَ مِنْ حِيْنِ المَوْتِ، ويَفِيْدُ هَذَا أَنَّ مَا تَكْسِبُهُ يَكُوْنُ لَهُ لاَ للسَّيِّدِ، فَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وعَلَيْكَ أَلْفٌ أو عَلَيَّ أَلْفٌ صَارَ حُرّاً وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيءٌ، وَعَنْهُ (5): إِنْ لَمْ يَقْبَلِ العَبْدُ لَمْ يُعْتَقْ، وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً، وَقِيْلَ في الخِدْمَةِ: أنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْبَلْ لاَ يُعْتَقُ رِوَايَةً وَاحِدةً. وإِذَا قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ دَخَلَ في قَوْلهِ مُكَاتِبُهُ ومُدَبِّرُهُ وأُمُّ وَلدِهِ وشِقْصٌ لَهُ في عَبْدٍ وعَبِيْدُ عَبْدِهِ التَّاجِر. وإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُمْ، وإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي فَأَعْتَقَهُ دَخَلَ في مِلْكِ السَّائِلِ وعُتِقَ عَلَيْهِ. ومَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عُتِقَ عَلَيْهِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى: لا يُعْتَقُ (6) إِلاَّ عَمُودَي النَّسَبِ. فَإِنْ وَرِثَ اثْنَانِ ابنَ أَحَدِهِمَا عُتِقَ نَصِيْبُ الأَبِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْتَقْ نَصِيْبُ الشَّرِيْكِ إِنْ كَانَ مُوسِراً، فَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا عُتِقَ نَصِيْبُ الأَبِ عَلَيْهِ وسَرَى إِلَى نَصِيْبِ الشَّرِيْكِ إِنْ كَانَ الأَبُ مُوسِراً، وإِنْ كَانَ مُعْسِراً فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ (7)، وإِذَا مَلَكَ وَلَدَهُ مِنَ الزِّنَا لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلاَمِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ -
__________
(1) كررت في الأصل.
(2) انظر: المقنع: 200، والشرح الكبير 12/ 304، والإنصاف 7/ 431.
(3) انظر: شرح الزركشي 4/ 570.
(4) انظر: شرح الزركشي 4/ 569.
(5) المغني 12/ 299، والمحرر 2/ 5، وكشاف القناع 4/ 584، والإنصاف 7/ 431.
(6) انظر: المقنع: 197، والمحرر 2/ 4، والشرح الكبير 12/ 241.
(7) الأولى: لَمْ يعتق إلا نصيبه ويبقى حق شريكه فِيْهِ.
والثانية: يعتق كله ويستسعي العبد في قيمة باقيه.
انظر: المحرر 2/ 5، وشرح الزركشي 4/ 555، والإنصاف 7/ 431.(1/370)
ويَحْتَمِلُ قِيَاسَ قَوْلِهِ في تَحْرِيْمِ نِكَاحِهَا أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِ (1).
وإِذَا قَالَ الحُرُّ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ في المُسْتَقْبَلِ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّ (2) مَنْ يَمْلِكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ في / 246 ظ / إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى لا تَنْعَقِدُ هَذِهِ الصِّفَةُ (3)، فَإِنْ قَالَ العَبْدُ ذَلِكَ، ثُمَّ عُتِقَ ومَلَكَ مَمَالِيكَ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الَّتِي تَقُولُ: تَنْعَقِدُ الصِّفَةُ للحُرِّ هَلْ تَنْعَقِدُ لَهُ هَذِهِ الصِّفَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (4)، فَإِنْ وَصَّى لِصَغِيْرِ أَو مَجْنُونٍ بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ المُوْلَى عَلَيْهِ مُعْسِراً، أَو كَانَ المُوْصَى بِهِ مِمَّنْ لاَ يَلْزَمُ نَفَقَةَ المُوْلَى عَلَيْهِ، وجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ قَبُولُ الوَصِيَّةِ [وإِنْ كَانَ المُوْلَى عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ قَبُولُ الوَصِيَّةِ] (5)، وإِنْ كَانَ المُوْلَى عَلَيْهِ مُوْسِراً والمُوْصَى بِهِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْبَلَ الوَصِيَّةَ. والأَفْضَلُ أَنْ يَعْتِقَ الرَّجُلُ عَنْهُ عَبْداً، والمَرْأَةُ أَمَةً، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ (6)، وَقَالَ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ: الأَفْضَلُ عِتْقُ الرَّجُلِ (7).
بَابُ التَّدْبِيْرِ
التَّدْبِيْرُ مُعْتَبَرٌ مِنَ الثُّلُثِ، ونَقَلَ حَنْبَلٌ: أنَّهُ مِنْ جَمِيْعِ المَالِ (8)، وصَرِيْحُهُ سِتَّةُ أَلْفَاظٍ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ (9)، أَو دَبَّرْتُكَ، أو أَنْتَ حُرٌّ، أو مُحَرَّرٌ، أو عَتِيْقٌ، أو مُعْتَقٌ بَعْدَ مَوْتِي أو إِذَا مِتُّ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَهَلْ يُعْتَقُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحداهُمَا: يُعْتَقُ (10)، والأُخْرَى: يُعْتَقُ بالصِّفَةِ (11)، فَإِنْ قَالَ: فَإِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، فَإِنَّهُ إِنْ شَاءَ مَا دَامَ في المَجْلِسِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ وإِلاَّ فَلاَ. فَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْتَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، فَمَتَى شَاءَ في
__________
(1) انظر: المقنع: 197، والمحرر 2/ 4، والشرح الكبير 12/ 243.
(2) بَعْدَ كلمة ((كُلّ)) شطبت كلمة مملوك عِنْدَ الناسخ في المخطوطة.
(3) المقنع: 199، والهادي: 153، والشرح الكبير 12/ 275، والإنصاف 7/ 417 - 418.
(4) الوجه الأول: عتق قياساً عَلَى الحر، والثاني: لا يعتق.
انظر: المقنع: 199، والشرح الكبير 12/ 276.
(5) زيادة في الأصل.
(6) انظر: الإنصاف 7/ 392.
(7) المصدر السابق.
(8) قَالَ أبو بكر: هَذَا قَوْل قديم رجع عَنْهُ أحمد إِلَى ما نقله الجماعة.
انظر: المغني والشرح الكبير 12/ 308، والإنصاف 7/ 432.
(9) في الأصل: ((أنت مدبر أو أنت مدبر)).
(10) وَهِيَ رِوَايَة ابن مَنْصُوْر واختيار أبي بكر.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 224/ ب، والمغني 12/ 311، والمحرر 2/ 6.
(11) وَهِيَ رِوَايَة مهنّا. انظر: المصادر السابقة.(1/371)
حَيَاةِ السيِّدِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ وإِلاَّ فَلاَ. فإِنْ دَبَّرَ شِرْكاً لَهُ في عَبْدٍ فَهَلْ يَضْمَنُ نَصِيْبَ شَرِيْكِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (1). فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَاهُ، ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدهُمَا نَصِيْبَهُ ضَمِنَ نَصِيْبَ شَرِيْكِهِ، ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَضْمَنَ. ويَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي التَّدْبِيْرِ بالبَيْعِ ونَحْوهِ، وهَلْ يَجُوزُ بِقَوْلِهِ: رَجَعْتُ فِي التَّدْبِيْرِ وأَبْطَلْتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2). وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ في التَّدْبِيْرِ بِحَالٍ إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ بِهِ حَاجَةٌ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ (3)، وَعَنْهُ: لاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ في تَدْبِيْرِ الأَمَةِ خَاصَّةً (4). فَإِنْ وَهَبَ المُدَبَّرَ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ بَطَلَ التَّدْبِيْرُ، ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَبْطُلَ، فَإنْ كاتب عبده ثُمَّ دَبَّرَهَ صَحَّ التَّدْبِيْرُ، فَإِنْ أَدَّى المَالَ إِلَى السَّيِّدِ قَبْلَ مَوْتِهِ عُتِقَ وبَطَلَ التَّدْبِيْرُ، وإِنْ لَمْ يُؤَدِّ عُتِقَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ عِتْقَهُ الثُّلُثُ عُتِقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وبَقِيَ بَاقِيْهِ عَلَى الكِتَابَةِ. فَإِنْ دَبَّرَ عَبْداً ثُمَّ كَاتَبَهُ لَمْ يَبْطُلِ التَّدْبِيْرُ، وكَانَ حُكْمُهُ كَالمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وإِنْ دَبَّرَ الكَافِرُ عَبْدَهُ فَأَسْلَمَ العَبْدُ، فَإِنْ رَجَعَ في التَّدْبِيْرِ أُلْزِمَ بَيْعَهُ، وإِنْ لَمْ يَرْجِعْ لَمْ يُقَرَّ في يَدِهِ وسُلِّمَ إِلَى عَدْلٍ، ويَنْفِقُ عَلَيْهِ / 247 و / الكَافِرُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ، وإِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ أَنْفَقَ مِنْهُ، وَكَانَ بَاقِيْهِ للكَافِرِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ فَيُعْتَقُ، فَإِنْ دَبَّرَ أَمَتَهُ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا بَطَلَ التَّدْبِيْرُ، ووَلَدُ المُدَبَّرَةِ يُعْتَقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ إِذَا حَدَثَ بَعْدَ التَّدْبِيْرِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ قَبْلَ التَّدْبِيْرِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: أًصَحُّهَا لاَ يُعْتَقُ (5)، وَوَلَدُ المُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (6)، ولاَ يُعْتَقُ في الآخَرِ (7). ويُخَرَّجُ في وَلَدِ المُدَبَّرَةِ إِذَا قُلْنَا: التَّدْبِيْرُ يَتَعَلَّقُ بِصِفَةٍ مِثْل ذَلِكَ.
ولاَ فَرْقَ -فِيْمَا ذَكَرْنَا- بَيْنَ التَّدْبِيْرِ المُطْلَقِ وبَيْنَ المُقَيَّدِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا، أَو في سَنَتِي هَذِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ أو مُدَبَّرٌ، ويَصِحُّ التَّدْبِيْرُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ، ويَصِحُّ تَدْبِيْرُ الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ كَمَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ، وكَذَلِكَ المُبَذِّرُ
__________
(1) الوجه الأول: لا يسري إِلَى حق شريكه، والثاني: يسري ويضمن قيمته ويصير مدبراً كله.
انظر: المحرر 2/ 7، والشرح الكبير 12/ 326، والإنصاف 7/ 443.
(2) الرِّوَايَة الأولى: لا يبطل التدبير، والثانية: يبطل التدبير.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 224/ أ، والمقنع: 200، والمغني 12/ 319، والزركشي 4/ 578.
(3) انظر: الإنصاف 7/ 434 - 435.
(4) انظر: المصدر السابق.
(5) والرواية الثانية: أنَّهُ يتبعها في العتق، ونقل الرِّوَايَة الأولى حنبل، والثانية: حرب والميموني. وَلَمْ يرَ صاحب المغني إلا رِوَايَة واحدة هِيَ: أنَّهُ لا يتبعها. وَقَالَ: ((لا نعلم خلافاً في ذَلِكَ)). وتأول الرِّوَايَة الثانية. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 224/ ب، والمغني 12/ 324، والإنصاف 7/ 440.
(6) إذا كَانَتْ حاملاً حال عتقها أو حال تعليق عتقها فيتبعها بلا خلاف، وإن وجد حمل بَعْدَ التعليق وولدت قَبْلَ وجود الصفة فالوجهان. انظر: المغني 12/ 325، والمحرر 2/ 7، والإنصاف 7/ 421.
(7) انظر: الهامش السابق.(1/372)
والسَّكْرَانُ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (1)، وإِذَا ادَّعَى العَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ أنَّهُ دَبَّرَهُ فَأَنْكَرَهُ وَلَمْ يَكُنْ للعَبْدِ عَدْلاَنِ يَشْهَدَانِ لَهُ، فَالقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ العَبْدِ شَاهِدٌ (2) وامْرَأَتَانِ، أَو شَاهِدٌ ويَمِيْنُهُ فَهَلْ يَكُوْنُ بَيِّنَةً؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3)، وهَلْ يَكُوْنُ جُحُودُ السِّيِّدِ رُجُوعاً في التَّدْبِيْرِ؟ إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ عِتْقٌ بِصَفَةٍ لَمْ يَكُنْ رُجُوعاً، وإِنْ قُلْنَا: وصِيَّةٌ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ (4).
بَابُ الكِتَابَةِ (5)
الكِتَابَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَعَنْهُ: أنَّهَا وَاجِبَةٌ إِذَا دَعَا العَبْدُ الصَّدُوقُ المُكْتَسِبُ إِلَيْهَا سَيِّدَهُ أَجْبَرَهُ الحَاكِمُ عَلَيْهَا، ولاَ تَصِحُّ إِلاَّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَاتَبَ المُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ صَحَّ ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ تَصِحَّ، وهَلْ يُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لاَ كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6)، وإِذَا كَاتَبَ الإِنْسَانُ عَبْدَهُ الصَّبِيَّ المُمَيِّزَ المُكْتَسِبَ صَحَّ (7)، ولاَ تَجُوزُ الكِتَابَةُ إِلاَّ عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ في الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ (8)، ويَصِحُّ عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا ونَدْفَعُ إِلَيْهِ عَبْداً وَسَطاً، ولاَ يَجُوزُ إِلاَّ عَلَى عِوَضٍ مُنَجَّمٍ نَجْمَيْنِ فَصَاعِداً يَعْلَمُ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي كُلُّ نَجْمٍ، وَقِيْلَ: يَصِحُّ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ، ويَصِحُّ أَنْ نُكَاتِبَهُ عَلَى مَالٍ وخِدْمَةٍ،
__________
(1) الوجه الأول: تصح، والثانية: لا تصح. انظر: المغني 6/ 528 - 529، والإنصاف 7/ 185، 187.
(2) في الأصل: ((شاهداً)).
(3) الرِّوَايَة الأولى: يحكم عَلَيْهِ بِذَلِكَ، والثانية: لا يحكم عَلَيْهِ إلا بشاهدين ذكرين.
انظر: المغني 12/ 330، والإنصاف 7/ 444.
(4) الوجه الأول: أنَّهُ رجوع عَنْهُ، والثاني: لا يكون رجوعاً عَنْهُ. انظر: المغني والشرح الكبير 12/ 329، وشرح الزركشي 4/ 580، والإنصاف 7/ 213، 435، 538.
(5) الْكِتَابَة: وَهِيَ بيع العبد نفسه بمال في ذمته، وسميت بِهِ؛ لأن السيد يكتب بينه وبينه كتاباً عَلَيْهِ، وَقِيْلَ سميت بِهِ: من الكتب وَهُوَ الضم؛ لأنَّهُ المكاتب يضم بَعْض النجوم. المبدع 6/ 337.
(6) قَالَ الْقَاضِي: ظاهر كلام أحمد كراهته، وَكَانَ ابن عمر يكرهه، وَهُوَ قَوْل مسروق والأوزاعي، وعن أحمد: أنَّهُ لا يكره، وَلَمْ يكرهه الشَّافِعِيّ وإسحاق وابن المنذر وطائفة من أهل العِلْم؛ لأن جويرية بنت الحارث كاتبها ثابت بن قيس بن شماس فأتت النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - تستعينه في كتابتها فأدى عَنْهَا كتابتها وتزوجها. قَالَ أبو يعلى: وينبغي أن ينظر في المكاتب فإن كَانَ مِمَّنْ يتضرر بالكتابة ويضيع لعجزه عن الإنفاق عَلَى نفسه ولا يجد من ينفق عَلَيْهِ كرهت كتابته، وإن كَانَ يجد من يكفيه مؤنته لَمْ تكره كتابته؛ لحصول النفع بالحرية من غَيْر ضرر. انظر: الشرح الكبير 12/ 340.
(7) وبهذا قَالَ أبو حَنِيْفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيّ: لا يصح فِيْهَا جميعها بحال؛ لأنَّهُ لَيْسَ بمكلف أشبه المجنون، قَالَ ابن قدامة: ولنا أنَّهُ يصح تصرفه وبيعه بإذن وليه فصحت مِنْهُ الْكِتَابَة بِذَلِكَ. الشرح الكبير 12/ 341.
(8) انظر: المغني 12/ 340.(1/373)
ولاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ تَقْدِيْمَ الخِدْمَةِ عَلَى المَالِ أو تَأْخِيْرَهَا، وتُعْتَبَرُ الكِتَابَةُ في الصِّحَّةِ مِنْ رَأْسِ المَالِ، وفي المَرَضِ مِنَ الثُّلُثِ، وتَنْعَقِدُ الكِتَابَةُ بِقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا، وإِنْ لَمْ يَقُلْ فَإِذَا أَتَيْتَ إِلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ (1) عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ في التَّدْبِيْرِ، ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَصِحَّ حَتَّى يَقَوْلِ ذَلِكَ أو يَنْوِيَهُ والمكاتبة تجمع (2) مُعَاوَضَةً وصِفَةً عَلَى ضَرْبَيْنِ:
صَحِيْحَةٌ وفَاسِدَةٌ، فَالصَّحِيْحَةُ يَغْلُبُ فِيْهَا حُكْمُ المُعَاوضَةِ في أَحْكَامٍ تُحَالُ /248 ظ/ فِيْهَا الفَاسِدَةُ ويَغْلِبِ فِيْهَا حُكْمُ الصِّفَةِ مِنْ ذَلِكَ أنَّهُ في الصَّحِيْحَةِ يُعْتَقُ بالإِبْرَاءِ مِنْ مَالِ الكِتَابَةِ، وإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَنْفَسِخِ الكِتَابَةُ بَلْ إِذَا أَدَّى إِلَى وَارِثِهِ عُتِقَ ومَا يَكْسِبُهُ قَبْلَ الأَدَاءِ لاَ يُمَلِّكُهُ السَّيِّدُ التَّصَرُّفَ فِيْهِ ومَا يَفْضُلُ في يَدِهِ بَعْدَ الأَدَاءِ يَكُوْنُ لَهُ دُوْنَ سَيِّدِهِ. وإِذَا جُنَّ السَّيِّدُ أَو حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ لَمْ تَبْطُلِ الكِتَابَةُ ويَقَعُ العَقْدُ لاَزِماً (3)، لاَ يَلْزَمُ السَّيِّدُ فَسْخَهُ مَا لَمْ يَعْجِزِ السَّيِّدُ، وعَجْزُهُ يَحْصُلُ بِأَنْ نَجَمَ فَلاَ يُؤَدِّيهِ، وَعَنْهُ: لاَ يَعْجِزُ إِلاَّ أَنْ يَحِلَّ نَجْمَانِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الخِرَقِيِّ وأَبِي بَكْرٍ (4)، وَعَنْهُ: لاَ يَعْجِزُ حَتَّى يَقُوْلَ: قَدْ عَجَزْتُ (5)، فَأَمَّا العَبْدُ فَلاَ يَمْلِكُ تَعْجِيْزَ نَفْسِهِ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي، وَعَنْهُ: أنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَعَنْهُ: أَنْ يُعْتَقَ بِمِلْكِ الوَفَاءِ، ذَكَرَهَا الخِرَقِيُّ (6) فَأَمَّا الفَاسِدَةُ فَلاَ يَقَعُ العِتْقُ فِيْهَا بالإِبْرَاءِ أو بِالأَدَاءِ إِلَى الوَارِثِ إِلاَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ (7) فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بالأَدَاءِ إِلَى الوَارِثِ ومَا في يَدِهِ قَبْلَ الأَدَاءِ يَمْلِكُ السَّيْدُ أَخْذَهُ والتَّصَرُّفَ فِيْهِ ومَا يَفْضُلُ في يَدِهِ بَعْدَ القَضَاءِ يَكُوْنُ للسَّيِّدِ، وإِذَا جُنَّ أَو حُجِرَ عَلَيْهِ انْفَسَخَتِ الكِتَابَةُ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لاَ تَنْفَسِخُ ولاَ يَلْزَمُ العَقْدُ فِيْهَا وكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ فَسَخَهُ (8)، فأَمَّا الأَوْلاَدُ فَيَتْبَعُونَ في الصَّحِيْحَةِ، وهَلْ يَتْبَعُونَ في الفَاسِدَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (9).
ويَجُوزُ للأَبِ والوَلِيِّ أَنْ يُكَاتِبَا عَبْدَ الصَّغِيْرِ ويَعْتِقَاهُ عَلَى مَالٍ إِذَا رَأَيَا المَصْلَحَةَ في
__________
(1) قَالَ صاحب الإنصاف 7/ 448 - 449: هَذَا المذهب، وَعَلَيْهِ الأصحاب.
قَالَ الزركشي: وَهُوَ المذهب المجزوم بِهِ لعامة الأصحاب، وجزم بِهِ في الوجيز وغيره، وقدمه المذهب، ومسبوك الذهب، والمستوعب، والخلاصة، والهادي، والكافي، والمحرر، والرعايتين، والنظم، والحاوي الصغير، والفروع، والفائق، وغيرهم.
(2) انظر: المصدر السابق 7/ 449.
(3) انظر: المغني 12/ 341 - 342.
(4) انظر: الشرح الكبير 12/ 357.
(5) انظر: المقنع: 204.
(6) انظر: المصدر السابق.
(7) الإنصاف 7/ 346.
(8) انظر: الشرح الكبير 12/ 357.
(9) الإنصاف 7/ 346.(1/374)
ذَلِكَ، ولاَ تَنْعَقِدُ الكِتَابَةُ إِلاَّ بالقَوْلِ، ولاَ يَجُوزُ عَقْدُ الكِتَابَةِ عَلَى صِفَةٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، ولاَ عَلَى شَرْطِ خِيَارٍ، ويَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدِهِ، فَإِذَا أَدَّى إِلَيْهِ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ عُتِقَ جَمِيْعُهُ، فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُكَاتِبَ أَحَدَهُمَا حِصَّتَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيْكِهِ، ويَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى التَّسَاوِي والتَّفَاضُلِ، وإِذَا أَدَّى إِلَى أَحَدِهِمَا مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ عُتِقَ نَصِيْبُهُ. وَكَذَلِكَ إِنْ أَبْرَأَهُ عَنْ حصته إن كَانَ معسراً وإن كَانَ موسراً عتق جميعه ويضمن حصة شَرِيْكِهِ، فَإِنْ كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً وأَدَّى إِلَى أَحَدِهِمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيْكِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيءٌ، فَإِنْ أَدَّى بِإِذْنِ شَرِيْكِهِ فَهَلْ يَعْتِقُ نَصِيْبَ المُؤَدَّى إِلَيْهِ؟ يحتمل وَجْهَيْنِ (1)، وإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَمَةٌ فَكَاتَبَاهَا ثُمَّ وَطِئَاهَا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا، فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئ الأَوَّلِ، وأَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئ الثَّانِي أُلْحِقَ الوَلَدُ بالأَوَّلِ وعَلَيْهِ نِصْفُ قِيْمَتِهَا، وهَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِهَا؟ عَلَى /249 و/ وَجْهَيْنِ (2)، وهَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيْمَةِ الوَلَدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3) وإن وطِئَهَا أَحَدُهُمَا عَقِيْبَ وَطْئ الآخَرِ أُرِي القَافَةَ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِأَحَدِهِمَا فَالحُكْمُ عَلَى مَا مَضَى، وإِنْ أَلْحَقُوهُ بِهِمَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهَما، ولاَ يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا إِلاَّ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدُهُمَا نَصِيْبَهُ فَيَتَزَوَّجَهَا الآخَرُ، وإِذَا كَاتَبَ جَمَاعَةٌ عَبِيْدَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً صَحَّ، ويَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَاتِباً بِقَدْرِ قِسْطِهِ مِنَ المَالِ، فَإِذَا أَدَّاهُ عُتِقَ، وإِنْ عَجَزَ فُسِخَتِ الكِتَابَةُ في حَقِّهِ خَاصَّةً، ويُعْرَفُ القِسْطُ بِقِسْمَةِ مَالِ الكِتَابَةِ عَلَى قِيْمَتِهِمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ (4): بَلْ يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِهِمْ ولا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يُؤَدُّوا جَمِيْعَ مَالِ الكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدُّوا مَالَ الكِتَابَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ: مَنْ كَثُرَتْ قِيْمَتُهُ أَدَّيْنَا عَلَى قَدْرِ قِيَمِنَا، وَقَالَ: مَنْ قَلَّتْ قِيْمَتُهُ أَدَّيْنَا عَلَى قَدْرِ رُؤُوْسِنَا، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: القَوْلُ قَوْلُ مَنْ قَلَّتْ قِيْمَتُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، والآخَرُ يَدَّعِي أنَّهُ وَزْنُ زِيَادَةٍ يَلْزَمُ السَّيِّدَ أو المُكَاتِبَيْنِ مَعَهُ، والأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ، وعَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ (5): القَوْلُ قَوْلُ مَنْ كَثُرَتْ قِيْمَتُهُ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، والآخَرُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ، ولاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الحُرِّ مَالَ الكِتَابَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، وتَصِحُّ فِي الأُخْرَى، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِنْ ضَمِنَ المال بَعْضُ المُكَاتِبَيْنِ عَنْ بَعْضٍ صَحَّ عَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ (7)، وَقَالَ شَيْخُنَا: لا يَصِحُّ.
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 12/ 342.
(2) انظر: المغني: 12/ 398.
(3) انظر: المغني: 12/ 398، والإنصاف: 7/ 470.
(4) انظر: المقنع: 204.
(5) انظر: الإنصاف: 7/ 481.
(6) انظر: الإنصاف 7/ 480.
(7) انظر: المصدر السابق.(1/375)
وإِذَا حَكَمْنَا بِفَسَادِ الضَّمَانِ وَكَانَ مشروطاً في عَقْدٍ الكِتَابَةِ لَمْ تفسد الْكِتَابَة في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، ويَفْسُدُ في الآخَرِ (1)، وَكَذَلِكَ الحُكْمُ في سَائِرِ الشُّرُوطِ الفَاسِدَةِ في عَقْدِ الكِتَابَةِ. وإِذَا مَاتَ المُكَاتِبُ انْفَسَخَتِ الكِتَابَةُ، وإِنْ خَلَفَ وَفَاءً في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، ويَكُونُ مَا خَلَفَهُ لِسَيِّدِهِ، وعَلَى الأُخْرَى لاَ تَنْفَسِخُ الكِتَابَةُ إِذَا خَلَفَ وَفَاءً بَلْ يُعْتِقُ عِنْدَ مِلْكَ الوَفَاءِ ويَعْطِي سَيِّدَهَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، ومَا فَضَلَ كَانَ لِوَارِثِهِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وخَلَفَ وأَرَشَ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيْبَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ حَقِّهِ عَتَقَ نَصِيْبَهُ ويَقُومُ عَلَيْهِ نَصِيْبُ شَرِيْكِهِ إِنْ كَانَ مُوسِراً. فَإِنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتِبِهِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَنْفَسِخَ مَا لم يَعْجَزْ، ويَجُوزُ للسَّيِّدِ بَيْعُ المُكَاتَبِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3) وَيَكُونُ عِنْدَ المُشْتَرِي عَلَى كِتَابَتِهِ، فَإِنْ أَدَّى عُتِقَ ووَلاَؤُهُ للمُشْتَرِي، وإِنْ عَجَزَ عَادَ قُنّاً للمُشْتَرِي.
ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا في ذِمَّتِهِ مِنْ نَجُومِ الكِتَابَةِ، ويَجُوزُ أَنْ يُوصَى بالمُكَاتَبِ وبالمَالِ الَّذِي في ذِمَّتِهِ، فَإِنْ / 250 ظ / أَوْصَى بالرُّقْبةِ لإِنْسَانٍ أَدَّى إِلَى المُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وعُتِقَ وكَانَ الوَلاَءُ للمُوْصَى لَهُ، وإِنْ عَجَزَ عَادَ رَقِيْقاً للمُوْصَى لَهُ، فَإِنْ أَوْصَى بِمَالِ الكِتَابَةِ لإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيْهِ إِلَيْهِ ويُعْتَقُ ويَكُونُ الوَلاَءُ للسَّيِّدِ يَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ، وإِنْ عَجَزَ فَلِلْوَرَثَةِ الفَسْخُ ويَعُودُ رَقِيْقاً لَهُمْ، فَإِنْ أَوْصَى بِمَالِ الكِتَابَةِ لِرَجُلٍ وبالرُّقبة لآخَرِ فَمَتَى عَجَزَ صَحَّتِ الوَصِيَّتَانِ، فَإِنْ أَدَّى إِلَى المُوْصَى لَهُ بالمَالِ عُتِقَ وبَطَلَتِ الوَصِيَّةُ بالرُّقْبة، وإِنْ عَجَزَ فَسَخَ المُوصَى لَهُ بالرُّقْبةِ وبَطَلَتِ الوَصِيَّةُ بالمَالِ ويُمَلَّكُ المُكَاتَبُ بِعَقْدِ الكِتَابَةِ مَنَافِعَهُ وأَكْسَابَهُ، فَلَهُ أَنْ يَبِيْعَ ويَشْتَرِيَ ويُؤَجِّرَ ويَسْتَأْجِرَ ويُسَافِرَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُسَافِرَ ولاَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ صَحَّ الشَّرْطُ، وعَنْهُ يَبْطُلُ الشَّرْطُ ولاَ يَتَزَوَّجُ ولاَ يَتَسَرَّى ولاَ يُقْرِضُ ولاَ يَهَبُ ولاَ يُحَابِي ولاَ يُعْتِقُ ولاَ يُكَاتِبُ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، ويَكُونُ وَلاَءُ مَنْ يَعْتِقُهُ ويُكَاتِبُهُ إِذَا أَدَّى للسَّيِّدِ الأَوَّلِ، ولاَ يُكَفَّرُ بالمَالِ (4) في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى:
__________
(1) انظر: المغني: 12/ 366.
(2) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 226/ أ - ب.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 227/ أ.
(4) قَالَ المرداوي: هَذَا إحدى الروايات مطلقاً، جزم به في الخلاصة والوجيز والنظم، وقدمه في الشرح، وهو ظاهر كلام الخرقى. وعنه: له ذلك بإذن سيده وهو المذهب، جزم به في الكافي والمغنى والمحرر وغيرهم، وقدمه في الفروع وغيره، وأطلقهما في المذهب والمستوعب والرعايتين، وعنه: يكفر بالمال مطلقا. وَقَالَ الزركشي: حَيْثُ جوزنا لَهُ التكفير بالمال: فإنه لا يلزمه. انظر: الإنصاف 7/ 460.(1/376)
يُكَفَّرُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ (1)، وهَلْ يَرْهَنُ ويُضَارِبُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (2)، ولاَ يَشْتَرِي مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيَّدِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَجُوزُ لَهُ الشِّرَاءُ، وذَكَرَ أنَّهُ نَصُّ أَحْمَدَ والخِرَقِيِّ (3) وكلاَمُهُمَا: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ دَخَلَ مَعَهُ في الكِتَابَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِلْكَهُ بِغَيْرِ الشِّرَاءِ مِنَ الهِبَةِ والوَصِيَّةِ، أَو الشِّرَاءِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وفي الجُمْلَةِ إِذَا مَلَكَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ ويَأْخُذُ كَسْبَهُ، وحُكْمُهُ حكم في عتق بالأَذَى، وإِنْ عَجَزَ عَادَ قِنّاً، وإِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ أُجْبِرَ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابَتُهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا (4): يَكُونُ (5) لَهُ ذَلِكَ ويُنْفِقُ مِنْ مَالِ الكِتَابَةِ عَلَى نَفْسِهِ ووَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ ويُخْرِجُ فِطْرَتَهُمْ، وإِذَا اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ فَالوَلَدُ مَمْلُوكٌ يُعْتَقُ بِعِتْقِهِ وتَصِيْرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَقِيْلَ: لاَ تَصِيْرُ، فَإِنْ أَتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ مِنْ نِكَاحٍ أو زناً فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا، وإِذَا اشْتَرَى المُكَاتِبُ زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، وإِذَا كَاتَبَ أَمَتَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ في العَقْدِ، فَإِنْ وَطِئَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَزِمَهُ المَهْرُ لَهَا، فَإِنْ أَجَّلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، فَإِنْ أَدَّتْ الكِتَابَةُ عُتِقَتْ ولَهَا كَسْبُهَا، وإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عُتِقَتِ بالاسْتِيْلاَدِ (6)، وكَانَ الكَسْبُ لِوَرَثَةِ السَّيِّدِ، فَإِنْ دَبَّرَ المُكَاتِبُ فَأَدَّى صَارَ حُرّاً، وإِنْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ عُتِقَ إِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ، وكَانَ بَاقِيْهِ عَلَى الكِتَابَةِ / 251 و / وَكَذَلِكَ الحُكْمُ إِذَا كَاتَبَ المُدَبَّرُ، وإِذَا عَجَّلَ المُكَاتِبُ مَالَ الكِتَابَةِ قَبْلَ مَحَلِّهَا لَزِمَ السَّيِّدُ أَخْذَهُ ويُعْتِقُ عَلَيْهِ في الحَالِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: لاَ يُعْتَقُ بِمِلْكِ الوَفَاءِ عَلَى ظَاهِرِ كَلاَمِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَلْزَمَهُ قَبُولُهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ في قَبْضِهِ ضَرَرٌ كَمَا قُلْنَا في تَعْجِيْلِ المسَّلَم فِيْهِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: أُعَجِّلُ لَكَ وتَضَع عَنِّي بَعْضَ مَالِ الكِتَابَةِ فَفَعَلَ السَّيِّدُ فَلاَ بَأْسَ، ويَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَ المُكَاتِبَ رُبُعَ مَالِ الكِتَابَةِ (7) إِنْ شَاءَ قَبْلَ الإستيفاء وإن شَاءَ بَعْدَهُ، فَإِنْ دَفَعَ المُكَاتِبُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ المَالِ (8) وبَقَى عَلَيْهِ الرُّبُعُ فَعَجَزَ عَنْ تَأْدِيَةٍ لَمْ يَجُزْ للسَّيِّدِ الفَسْخُ، ذَكَرَهُ أبو بَكْرٍ، وإِذَا اخْتَلَفَ السَّيِّدُ والمُكَاتِبُ
__________
(1) انظر: المقنع: 202، الإنصاف: 7/ 460.
(2) أحدهما: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيْح. والثاني: لَهُ ذَلِكَ، اختاره ابن عبدوس في تذكرته.
انظر: الإنصاف 7/ 461، والشرح الكبير 12/ 379.
(3) الشرح الكبير 12/ 379 - 380.
(4) انظر: الشرح الكبير 12/ 387.
(5) في الأصل: ((يَكُنْ)).
(6) انظر: المغني 12/ 394.
(7) قَالَ المرداوي: الصَّحِيْح من المذهب وجوب إِيتاء ربع مال الْكِتَابَة، وَعَلَيْهِ الأصحاب، وَهُوَ من مفردات المذهب. انظر: الإنصاف 7/ 478.
(8) انظر: المصدر السابق 7/ 479.(1/377)
في مِقْدَارِ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِيْنِهِ، وَعَنْهُ: أَنَّ القَوْلَ قَوْلُ المُكَاتِبِ (1)، فَإِنِ ادَّعَى العَبْدُ وفَاءَ مَالِ الْكِتَابَةِ وجَحَدَ السَّيِّدُ فَأَقَامَ شَاهِداً حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وعَتَقَ، وإِذَا حَبَسَ السَّيِّدُ المُكَاتِبَ مُدَّةً لَزِمَهُ أَرْفَقُ الأَمْرَيْنِ بالمُكَاتِبِ مِنْ أُجْرَةِ المِثْلِ أو تَأْخِيْرٍ مِثْلِ المُدَّةِ، فَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، فَإِنْ جَنَى المُكَاتِبُ عَلَى السَّيِّدِ جِنَايَةً خَطَأً فَدَى نَفْسَهُ بِأَقَلِّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيْمَتِهِ أَوْ أَرْشِ الجِنَايَةِ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ أَرْشُ الجِنَايَةِ بَالِغاً مَا بَلَغَ (2)، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ للمَوْلَى فَسْخُ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ جِنَايَةَ خَطَأً أَو عَمْداً واخْتَارَ الأَجْنَبِيُّ المَالَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3) فَدَى نَفْسَهُ بِأَقَلِّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيْمَتِهِ وأَرْشِ الجِنَايَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وأَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَهُ بذلك فَعَلَ وإِلاَّ اْنَفسَخَتِ الْكِتَابَةُ وبِيْعَ في الجِنَايَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ بِقَدْرِ أَرْشِ الجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ مِنْهَا ويَقْدمُ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْر: فِيْهِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُمَا يَتَحاصّان فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بالمُكَاتِبِ دُيُونٌ فَإِنَّهَا تُعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ العِتْقِ بِخِلاَفِ المَأْذُونِ (4)، فَإِنْ جَنَى جِنَايَاتٍ فَعَتَقَهُ السَّيِّدُ لَزِمَهُ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيْمَتِهِ أَوْ أَرِشِ جَمِيْعِ الجِنَايَاتِ، وَكَذَلِكَ إِنِ اخْتَارَ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَهُ ولاَ يَعْتِقَهُ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يَلْزَمُهُ إِذَا اخْتَارَ فداءه أَرْشَ جَمِيْعِ الجِنَايَاتِ (5)، وَكَذَلِكَ إِن أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ فَعَتَقَ هَلْ يَلْزَمُهُ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ أَو أَرْشُ جَمِيْعِ الجِنَايَاتِ؟ يَخْرُجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ (6)، فَإِنَّ كَانَ للمُكَاتِبِ عَبيْدٌ فَجَنَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عَمْداً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَيْنِ فَاشْتَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السَّيِّدُ صَحَّ / 252 ظ / شِرَاءُ (7) الأَوَّلِ وبَطَلَ شِرَاءُ (8) الثَّانِي، فَإِنْ جَهِلَ السَّابِقَ مِنْهُمَا بَطَلَ البَيْعَانِ وبَقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى كِتَابَتِهِ وَإِذَا كاتبه عَلَى عِوَضٍ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ وعَتَقَ فوَجَدَ السَّيِّدُ بِالعِوَضِ عَيْباً، واخْتَارَ الرَّدَّ لَمْ يَرْتَفِعْ العِتْقُ وَكَانَ لَهُ قِيْمَةُ العِوَضِ وأَرْشُ العَيْبِ مَعَ إِمْسَاكِهِ.
بَابُ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ
مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، أو أَمَةً يَمْلِكُ بَعْضَهَا، أَو أَمَةَ ابْنِهِ فَأَوْلَدَهَا فَالوَلَدُ حُرٌّ والأَمَةُ أُمُّ وَلَدِهِ
__________
(1) انظر: المقنع: 204، الإنصاف: 7/ 486.
(2) انظر: الإنصاف: 7/ 473.
(3) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 227/ ب.
(4) انظر: الهادي: 154، شرح الزركشي: 4/ 598.
(5) انظر: الزركشي: 4/ 599.
(6) انظر: الهادي: 155.
(7) وردت فِي المخطوط ((شرى)).
(8) وردت فِي المخطوط ((شرى)).(1/378)
تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِنْ جَمِيْعِ تَرِكَتِهِ (1)، فَإِنْ أَوْلَدَ أَمَةَ أَجْنَبِيٍّ بِنِكَاحٍ أَو زِناً فَالوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ الأمَةِ ولاَ تَصِيْرُ الأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ مِمَّنْ يُعْتَقُ بِمَوْتِهِ إِذَا مَلَكَهَا، ونَقَلَ القَاضِي الشَّرِيْفُ (2) عَنْهُ: أَنَّهَا تَصِيْرُ أُمُّ وَلَدٍ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ وَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا أَمَتَهُ، فَالوَلَدُ حُرٌّ، وَعَلَيْهِ قِيْمَتُهُ لِسَيِّدِ الأَمَةِ، فَإِنْ مَلَكَهَا فَهَلْ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3)، فَإِنِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الأَمَةَ فَوَلَدَتْ لأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حَقُّ العِتْقِ (4)، وَكَذَلِكَ إنْ أَتَتْ بِهِ لأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ (5)، فَإِنْ وَطِئَ الغَانِمُ جَارِيَةً مِنَ المَغْنَمِ فَأَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمُّ وَلَدِهِ، والوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيْمَتُهَا تُرَدُّ فِي المَغْنَمِ، وهَلْ يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا وقِيْمَةُ الوَلَدِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (6)، ومَا أَتَتْ بِهِ مِنَ الأَوْلاَدِ بَعْدَ اسْتِيْلاَدِ السَّيِّدِ لَهَا فإنهم يُعْتَقُونَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ سَوَاءٌ عُتِقَتِ الأُمُّ أَو مَاتَتْ قَبْلَ سَيِّدِهَا، وإِنَّمَا تَصِيْرُ أُمَّ وَلَدٍ إِذَا وَضَعَتْ مَا تَبَيَّنَ فِيْهِ خَلْقُ الإِنْسَانِ مِنْ رَأْسٍ أَو يَدٍ أَو تَخْطِيْطِ خَلْقِ الإِنْسَانِ، فَأَمَّا إِنْ وَضَعَتْ جِسْماً لاَ تَخْطِيْطَ فِيْهِ فَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحَارِثِ فِي الأَمَةِ إِذَا أَلْقَتْ دَماً تَمُسُّهُ القَوَابِلُ فَيَعْلَمْنَ أنَّهُ لَحْمٌ فَاحتاطَ بالعِتْقِ للأَمَةِ واحتاط للعِدَّةِ بأُخْرَى مَعْنَاهُ بَعْدَ أُخْرَى، وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ (7): إحداهمَا: تَصِيْرُ أُمَّ وَلَدٍ، والأُخْرَى: لا تَصِيْرُ.
ولاَ يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الوَلَدِ ولاَ هِبَتُهُا ولاَ رَهْنُهَا ولاَ الوَصِيَّةُ بِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ عَامَّةِ
__________
(1) روي هَذَا عن عمر وعثمان وعائشة وعامة الفقهاء. انظر: المغني 12/ 492.
(2) وَهُوَ قَوْل الحسن وأبي حَنِيْفَةَ. انظر: المغني 12/ 496.
(3) الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 227/ ب.
(4) انظر: الشرح الكبير 12/ 495.
(5) وكلام الخرقي يقتضي أنها لا تَكُوْن أم ولد إلا أن تحبل مِنْهُ في ملكه وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أحمد - رضي الله عنه - في رِوَايَة إسحاق بن منصور. انظر: المغني 12/ 498.
(6) انظر: الشرح الكبير 12/ 499.
(7) وإذا وضعت مضغة لَمْ يظهر فِيْهَا شيء من خلق الآدمي فشهد ثقات من القوابل أن فِيْهَا صورة خفية تعلقت بِهَا الأحكام لأنهن اطلعن عَلَى الصورة الَّتِي خفيت عَلَى غيرهن، وإِن لَمْ يشهدن بِذَلِكَ لَكِنْ علم أنَّهُ مبتدأ خلق آدمي بشهادتين أو غَيْر ذَلِكَ ففيه رِوَايَتَانِ:
إحداهما: لا تصير بِهِ الأمة أم ولد ولا تنقضي بِهِ عدة الحرة، ولا يجب عَلَى الضارب المتلف لَهُ غيره ولا كفارة، وهذا ظاهر كلام الخِرَقِيّ والشافعي وظاهر ما نقله الأثرم عن أحمد من ظاهر قَوْل الحسن والشعبي وسائر من اشترط أن يتبين فِيْهِ شيء من خلق الآدمي.
والثانية: تتعلق بِهِ الأحكام الأربعة؛ لأنَّهُ مبتدأ خلق آدمي أشبه إذا تبين.
وخرج أبو عَبْد الله بن حامد رِوَايَة ثالثة: وَهِيَ أن الأمة تصير أم ولد لا تنقضي بِهِ عدة الحرة.
انظر: الشرح الكبير 12/ 493.(1/379)
أَصْحَابِهِ، ورَوَى عَنْهُ صَالِحٌ: أَكْرَهُ بَيْعَهُنَّ، وَقَدْ بَاعَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ (1)، وظَاهِرُهُ أنَّهُ يَصِحُّ البَيْعُ مَعَ الكَرَاهِيَةِ (2)، والصَّحِيْحُ الأَوَّلُ، ويَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا واسْتِخْدَامُهَا وتَزْوِيْجُهَا وإِجَارَتُهَا، وإِذَا جُنَّتْ فَدَاهَا بِأَقَلِّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيْمَتِهَا أَو أَرْشِ الجِنَايَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَحْمَدَ / 253 و / رِوَايَةً أُخْرَى: أنَّهُ يَفْدِيْهَا بِأَرْشِ الجِنَايَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، فَإِنْ جُنَّتْ بعدَ الفِدَاءِ فَدَاهَا كَما جُنَّتْ عَلَى ما ذَكَرْنَا (3). وعنهُ أنَّهُ يَتَعلَّقُ ذلكَ بِذِمَّتِهَا يتبع به العِتْقِ (4). فإنْ قَتَلَتْ سَيِّدَها عَمْداً كانَ للأوْلِيَاءِ القِصَاصُ وكانَ لَهُم العَفْوُ عَلَى مالٍ، ويكونُ ذلِكَ أقلَّ الأمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أو دِيَّتهِ، وكَذلِكَ إنْ قَتَلَتْهُ خَطَأً وَكَذَلِكَ حُكْمُ المدبرة إذا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا وحَكَمْنَا بِعِتْقِهَا.
وإذا أسْلَمَتْ أمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ أحِيلَ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا وأنْفقَ عَلَيْهَا مِنْ كَسْبِهَا إنْ كانَ لَهَا كَسْبٌ، وإنْ لمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ أنْفَقَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا إِلَى أنْ يَمُوتَ وتُعْتَقُ. وعِنْدِي أنَّها يُسْتَسْعَى في قِيْمَتِهَا ثمَّ تُعْتَقُ. وإذا أعْتَقَ السَّيِّدُ أُمَّ وَلَدِهِ اعْتَدَّتْ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، وكَذَلكَ إنْ مَاتَ عَنْهَا في إحْدَى الرِّوَايتينِ (5)، والأُخْرَى: تَعْتَدُّ بِأرْبَعَةِ أشْهُرٍ وعَشْر. فإنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الأَقْرَاءِ كانَ عِدَّتُهَا عن العِتْقِ بِثَلاَثَةِ أشْهُرٍ، وَكَذَلِكَ عن الوفاةِ (6) في رِوَايَةٍ، وفي الأُخْرَى: أرْبَعَةَ أشْهَرٍ وعَشْراً (7)، وعِندي: أنَّهَا تَعْتَدُّ عن العِتْقِ والوَفَاةِ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ مَقَامَ حَيضَةٍ. فإنْ مَاتَ سَيِّدهَا وهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لأجْلِ الحَمْلِ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ (8).
وتَصِحُّ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ لأُمِّ وَلَدِهِ، وقَاذِفُ أُمِّ الوَلَدِ كَقَاذِفِ الأمَةِ عَلَيهِ التَعزِيرُ، ونَقَلَ أبو طَالِبٍ: عَلَيْهِ الحَدُّ (9). وهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا تَغْطِيَةُ رَأسِها في الصَّلاةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (10).
__________
(1) وَهُوَ الْمَرْوِيّ عن ابن عَبَّاسٍ وابن الزبير وإليه ذهب داود. انظر: المغني 12/ 492.
(2) جعل أبو الخطاب هَذَا رِوَايَة ثانية عن أحمد - رضي الله عنه - والصحيح أن هَذَا لَيْسَ رِوَايَة مخالفة لقوله: إنهن لا يبعن لأن السلف رحمة الله عَلَيْهِمْ كانوا يطلقون الكراهة عَلَى التحريم كثيراً ومتى كَانَ التحريم والمنعُ مصرحاً بِهِ في سائر الروايات عَنْهُ وجب حمل هَذَا اللفظ المحتمل عَلَى المصرح بِهِ ولا يجعل ذَلِكَ اختلافاً.
انظر: المغني 12/ 493.
(3) انظر: الشرح الكبير 12/ 513.
(4) انظر: الإنصاف: 7/ 498.
(5) انظر: الشرح الكبير 12/ 499.
(6) في الأصل: ((الوفا)).
(7) انظر: المقنع: 263، والهادي: 206.
(8) انظر: الشرح الكبير 12/ 507 - 508.
(9) انظر: الشرح الكبير: 12/ 515، شرح الزركشي: 4/ 630.
(10) انظر: المغني: 12/ 515، شرح الزركشي: 4/ 631.(1/380)
كِتَابُ النِّكَاحِ
بَابٌ في مُقَدِّمَاتِ النِّكَاحِ
النِّكَاحُ وَاجِبٌ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الزِّنَا، فإنْ لَمْ يَخَفْ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحداهمَا: يَجِبُ أيضاً وَهِيَ اخْتِيارُ أبي بَكْرٍ (1)، والأُخْرَى: يُسْتَحَبُّ (2) فَعَلى هذهِ الرِّوَايَةِ التَّشَاغُلُ بهِ أفْضَلُ مِنَ التَّشَاغُلِ بِنَفْلِ العِبَادَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَّشَاغُلُ بِنَفْلِ العِبَادَةِ أفْضَلُ مِنْهُ (3)، ويُسْتَحَبُّ لهُ تَخَيُّرُ الحَسِيْبَةِ الأجْنَبِيَّةِ البِكْرِ، وأنْ تَكُونَ مِنْ نِسَاءٍ يُعْرَفْنَ بِكَثْرَةِ الوِلادَةِ، والأَوْلَى: أنْ لا يَزِيْدَ عَلَى امْرَأَةٍ واحِدَةٍ (4)، ويَجُوزُ لِمَنْ أرَادَ أنْ يَتَزَوَّجَ بامْرَأةٍ أنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجهِهَا، وعنهُ (5): أنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى ما يَظْهَرُ مِنْهَا غَالِباً: كالوَجْهِ والرَّقَبَةِ واليَدَيْنِ والقَدَمَينِ إِذَا أمِنَ مِنْ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، ويَجُوزُ لهُ النَّظَرُ إِلَى مِثْلِ ذلكَ مِنَ الأمَةِ المُسْتَامَةِ (6)، ويَزِيدُ عَلَيْهِ النَّظَرُ / 254 ظ / إلَى رَأْسِهَا وسَاقَيْهَا وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى ذَوَاتِ المَحَارِمِ (7) وعنهُ (8) لا يَجُوزُ أنْ يَنْظُرَ مِنْ ذَوَاتِ المَحَارِمِ إلاَّ إِلَى الوَجهِ، وفي الكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ (9).
__________
(1) وحَكَاهُ عن الإمام أحمد.
انظر: المغني 7/ 334، وشرح الزركشي 3/ 111.
(2) اختارها الْقَاضِي.
انظر: شرح الزركشي 3/ 111.
(3) قَالَ المرداوي في الإنصاف 8/ 15: ((قَالَ أبو يعلى الصغير: لا يَكُوْن التشاغل أفضل من التخلي إلا إِذَا قصد بِهِ المصالح المعلومة أما إِذَا لَمْ يقصدها فَلاَ يَكُوْن أفضل. وَعَنْهُ: التخلي لنوافل العبادة أفضل، كَمَا لَوْ كَانَ معدوم الشهوة. حكاها أبو الْحُسَيْن في التمام، وابن الزاغوني واختارها ابن عقيل في المفردات. وَهِيَ احتمال في الهداية ومن تابعه)).
(4) قَالَ المرداوي في الإنصاف 8/ 16: ((قال ابن خطيب السلامية: جمهور الأصحاب استحبوا أن لا يزيد عَلَى واحدة، قَالَ ابن الجوزي: إلا أن لا تعفه واحدة، وَقِيْلَ المستحب اثنان كَمَا لَوْ لَمْ تعفه وَهُوَ ظاهر كلام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ -)).
(5) انظر: المغني 7/ 454، الإنصاف 8/ 18.
(6) انظر: المغني 7/ 461، الإنصاف 8/ 19.
(7) انظر: الإنصاف 8/ 20.
(8) انظر: الإنصاف 8/ 20.
(9) نقل صالح: أن ينظر إِلَى الوجه ولا يَكُوْن عَلَى طريق التلذذ؛ لأن القصد من النظر ليتأمل المحاسن والوجه مجمع المحاسن فيجب أن يكتفي بِذَلِكَ، وصححه الْقَاضِي.
ونقل حنبل أنَّهُ يجوز النظر إِلَى الوجه واليد والقدمين والجسم وظاهر هَذَا أن ينظر إِلَيْهَا والى ما يدعوه إِلَى نكاحهما وَهُوَ اختيار الخِرَقِيّ، وظاهر رِوَايَة حرب ومحمد بن أبي حرب الجرجاني أن الكفين ليستا بعورة. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 110/أ-ب، والمغني 7/ 453 - 454، الإنصاف 8/ 17 - 19.(1/381)
ولا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ النَّظَرُ إلاَّ أنْ يَكُوْنَ شَاهِداً فَيَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ المَشْهُودِ عَلَيْهَا، أو مُبْتاعاً فَيَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ البائِعَةِ، أو طَبِيباً فيَنْظُرَ إِلَى ما تَدْعُو الحَاجَةُ إِلَى نَظَرِهِ مِنْ بَدَنِهَا أو صَبِيّاً مُمَيِّزاً لا شَهْوَةَ لهُ فَيَنْظُرَ [إِلَى ما عَدا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ] (1)، فإنْ كانَ لهُ شَهْوَةٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ذِي المحرمِ في النَّظَرِ، وعنهُ: إنَّهُ كالأجْنَبِيِّ (2)، أو يَكُوْنُ عَبْداً فَيَنْظُر من مَولاتِهِ إِلَى الوجْهِ والكَفَيْنِ لِلْحَاجَةِ، وسَوَاءٌ في ذلكَ الفَحْلُ والمَجْبُوبُ (3) والشَّيْخُ والعِنِّينُ (4) والمُخَنَّثُ، فأمَّا المَمْسُوخُ الخَصِيُّ فَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ كَذَلِكَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُبَاحَ لهُ مِنَ النَّظَرِ ما يُبَاحُ لِذَوِي مَحَارِمِهَا (5).
فأمَّا المَرأةُ الكَافِرَةُ فهِيَ في حَقِّ المُسْلِمَةِ كالأجْنَبِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ (6)، وعنهُ (7) أنَّها كالمُسْلِمَةِ وحُكْمُ المُسْلِمَةِ معَ المُسْلِمَةِ والرَّجُلَ معَ الرَّجُلِ جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى ما عَدَا ما بينَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ، ويحرمُ النَّظَرُ إِلَى الأمْرَدِ معَ الشَّهْوَةِ (8) ويُبَاحُ مَعَ عَدَمِهَا (9). فإنْ خَافَ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ احْتَمَلَ وَجْهَينِ (10).
ويحرمُ عَلَى المَرْأةِ أنْ تَنْظُرَ من الرَّجُلِ ما يحرمُ عَلَيْهِ أنْ يَنْظُرَ مِنها، وعنهُ أنَّهُ يَجُوزُ لَها أنْ تَنْظُرَ منهُ ما لَيسَ بِعَوْرَةٍ (11)، ويَجُوزُ لِكُلِّ وَاحدٍ مِنَ الزَّوْجَينِ أنْ يَنْظُرَ إِلَى جَمِيعِ جَسَدِ الآخَرِ ويلمسه، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ سُرِّيَّتِهِ (12).
ولا يَجُوزُ لأحَدٍ أنْ يعرضَ بخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ، ويَجُوزُ ذلكَ في عِدَّةِ الوَفَاةِ، وهلْ يَجُوزُ
__________
(1) في الأصل: ((إِلَى ما بَيْنَ السرة والركبة)) وما أثبتناه من الهادي: 156، وانظر: المغني: 7/ 458، والمقنع: 206، والإنصاف 8/ 23.
(2) انظر: الهادي: 156، الإنصاف 8/ 23.
(3) المجبوب: المقطوع الخصية والمذاكير. انظر: معجم مَتْن اللغة 1/ 465 (جبب).
(4) العنّة: عجز يصيب الرَّجُل فَلاَ يقدر عَلَى الجماع. جمع عنن وعنان. انظر: المعجم الوسيط 633.
(5) انظر: الهادي: 156.
(6) انظر: الهادي: 156.
(7) انظر: الإنصاف 8/ 24.
(8) انظر: المغني 7/ 463، الإنصاف 8/ 25.
(9) قَالَ ابن قدامة: ((فإنْ نظرت المرأة إِلَى فرج رَجُل لشهوة فحكمه في التحريم حكم نظره إِلَيْهَا نَصَّ عَلَيْهِ أحمد؛ لأنَّهُ معنى يوجب التحريم فاستوى فِيْهِ الرجل والمرأة كالجماع وَكَذَلِكَ ينبغي أن يَكُوْن حكم لمسها لَهُ وقبلتها إياه لشهوة)). المغني 7/ 488.
(10) انظر: الإنصاف: 8/ 29.
(11) انظر: المغني 7/ 465، الإنصاف 8/ 25.
(12) وَهِيَ الجارية المملوكة. انظر: المعجم الوسيط: 427.(1/382)
في عِدَّةِ البَائِنِ؟ عَلَى وَجهَينِ (1). والتَّعْرِيضُ أنْ يَقُولَ: إنِّي في مِثْلِكِ لَرَاغِبٌ وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ فأعْلِمِينِي، وتُجِيبَهُ: ما يرغبُ عنكَ وإنْ قُضِيَ شَيءٌ كانَ. وما أشْبَهَ ذلكَ، وَإِذَا جَرَتِ الإجَابَةُ مِنهَا حُرِّمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتَهَا، وإنْ حَصَلَ الرَّدُّ أُبيحَ لِغَيْرِهِ خِطْبَتهَا، وإنْ لمْ يعلمْ هلْ أجَابَتْ أمْ لا فَهَلْ تُبَاحُ الخِطْبَةُ عَلَى وَجْهَينِ (2).
والتَّعْوِيلُ في الإجَابَةِ والرَّدِّ عَلَى المَرأةِ إنْ لمْ تَكُنْ مُجْبَرةً، وعلى الوَلِيِّ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً. ويُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ في يَومِ الجُمعَةِ، والمَسَاءُ بِهِ أوْلَى، ويُسَنُّ أن يَخْطِبَ ثُمَّ يَقَعَ التَّوَاجبُ عقيبَ الخِطْبَةِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بينَ أنْ يَعْقِدَ لِنَفْسِهِ أو يوكلَ مَنْ يَعقدُ لهُ. ولا يوكلُ إلاَّ مَنْ يَصِحُّ أنْ يقبلَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ، فإنْ وَكَّلَ عَبْداً جَازَ وإنْ وَكَّلَ صَبِيّاً مُمَيِّزاً فَهَلْ يَصِحُّ أم لا؟ عَلَى وجهينِ (3).
وَإِذَا وقع العَقْدُ اسْتُحِبَّ أنْ يُقَالَ لهُ: ((بارَكَ اللهُ لَكَ / 255 و / وبَارَكَ عليكَ، وجَمَعَ بَيْنَكُمَا في خَيْرٍ وعَافِيَةٍ)) (4).
وإذا زُفَّتْ إِلَيْهِ قَالَ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ خَيْرَهَا، وخَيْرَ ما جَبِلْتَهَا عَلَيْهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ ما جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ)) (5).
__________
(1) انظر: المقنع: 207، الهادي: 157، الإنصاف: 8/ 35.
(2) الأول: يجوز وَهُوَ ظاهر ما نقله الميموني، والثاني: لا يجوز.
انظر: الإنصاف 8/ 37.
(3) قَالَ ابن مَنْصُوْر: لا ولاية لصغير ولا لمعتوه لأنَّهُ غَيْر بالغ فأشبه الطفل الَّذِي لَيْسَ بمميز، ونقل صالح إِذَا بلغ عشر سنين يزوج ويتزوج ويطلق ويوكل في الطلاق وذكر هَذَا أبو بكر في زاد المسافر لأنَّهُ في هَذِهِ الحالة تصح وصيته وإسلامه.
انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 114/أ-ب.
(4) أخرجه: سعيد بن مَنْصُوْر (522)، وأحمد 2/ 381، والدارمي (2180)، وأبو داود (2130)، وابن ماجه (1905)، والترمذي (1091)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (259)، وابن حبان (4055) وط الرسالة (4052)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (604)، والخطابي في غريب الْحَدِيْث 1/ 259، والحاكم في المستدرك 2/ 183، والبيهقي 7/ 148. من طرق عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ. بِهِ بلفظ ((بارك الله لَكَ، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير)).
وأخرجه النسائي في الكبرى (10089) بلفظ: ((بارك الله فيك، وبارك عليك وجمع بينكما في خير))
وَلَمْ نجد لفظة (عافية) في الروايات.
(5) أخرجَهُ: البُخَارِيّ في خلق أفعال العباد: 59، وأبو داود (2160)، وابن ماجه (1918)
و (2252)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (240) و (263)، والحاكم في المستدرك 2/ 185 - 186، والبيهقي 7/ 148. من طرق عن مُحَمَّد بن عجلان عن عَمْرو بن شعيب عن أبيه عن جده بِهِ.(1/383)
بَابُ شَرَائِطِ النِّكَاحِ وأرْكَانِهِ
ومِنْ شَرْائطِ عَقْدِ النِّكَاحِ: الوَلِيُّ والشُّهُودُ والكَفَاءةُ والخُلُوُّ مِنَ المَوَانِعِ.
وأَرْكَانُهُ: الإِيْجَابُ والقَبُولُ.
فَأَمَّا الوِلاَيَةُ فَتُسْتَفَادُ بالأُبُوَّةِ والتَّعَصّيبِ والمِلْكِ والوَلاَءِ والسَّلْطَنَةِ والوَصِيَّةِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1)، وفي الأُخْرَى: لاَ تُسْتَفَادُ وِلاَيَةُ النِّكَاحِ بالوَصِيَّةِ (2). وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ لَهَا عُصْبَةٌ لَمْ تَصِحَّ الوَصِيَّةُ بِنِكاحِهَا، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَها عَصَبَةٌ صَحّتِ الوَصيّةُ بِهِ (3).
فأمّا الأبُ فَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ أوْلادِهِ الصِّغَارِ والمَجَانِينَ وبَنَاتِهِ الأبْكَارِ البُلَّغِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. ونَقَلَ عَنْهُ ابنُهُ عَبْدُ اللهِ: إنَّ بِنْتَ تِسْعِ سِنينَ لا يُزَوِّجُها الأبُ ولا غَيرُهُ إلا بإذنها، ولا يَجُوزُ لَهُ تَزْويج الثَّيِّبِ المُكَلَّفَةِ إلاّ بإذنِهَا (4). فأمّا الصَّغِيرَةُ الثَّيِّبُ فَعَلى وَجهَينِ (5).
ولا فَرْقَ بينَ حُصُولِ الثُّيُوْبَةِ بِوَطءٍ مُبَاحٍ أو مُحَرّمٍ (6)، فأمّا زَوَالُ البِكَارِةِ بِوَثْبَةٍ أو إصبعٍ فَلاَ تَتَغَيَّرُ صِفَةُ الإذْنِ. وإذْنُ البِكْرِ الصٌّماتُ، وإذْنُ الثَّيِّبِ النُّطْقُ.
وأمّا العَصَباتُ - كالجَدِّ والأُخْوَةِ والأعْمَامِ وبَنُوهمْ - فَلاَ يَملِكُونَ تَزْوِيجَ البُلَّغِ إلاَّ بإذنِهِنَّ، ولا يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ بِحَالٍ. ونَقَلَ عَنْهُ عبدُ اللهُ: إِذَا زُوِّجَتِ اليَتِيْمَةُ فَلَها الخَيارُ إِذَا بَلَغَتْ (7). وهذه الرِّوَايَةُ تدُلُّ عَلَى صِحَّةِ تَزْوِيجِ العَصَبَاتِ لَها.
وأمّا الابنُ فَلَهُ تَزْوِيجُ أُمِّهِ بإذْنِهَا، فإنْ كَانَتْ مجْنُونَةً فلهُ تَزْوِيجُهَا إِذَا ظَهَرَ مِنْهَا شَهْوَةُ الرِّجَالِ. وَكَذَلِكَ بَقِيّةُ العَصَباتِ في حَقِّ المَجْنُونَةِ.
فأمّا المالِكُ فلهُ تَزْويجُ إمَائِهِ الأبْكَارِ والثُّيَّبِ بِغَيْرِ إذْنِهِنَّ، إلاّ المُكاتبةِ والمُعْتَقُ
بَعْضُهَا (8). ولهُ تَزْوِيجُ عَبِيدِهِ الصِّغَارِ نَصَّ عَلَيْهِ (9)، وليسَ لَهُ إجْبَارُ عَبِيدِهِ الكِبَارِ عَلَى النِّكَاحِ. ويُحْتَمَلُ أنْ لا يَمْلِكَ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ أَيْضاً. فأمّا الأولى: فَحُكْمُهَا حُكْمُ العَصَباتِ.
__________
(1) نقلها عَنْهُ إسماعيل بن إبراهيم والمروذي. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 110/ب.
(2) نقلها عَنْهُ ابن مَنْصُوْر وأبو الحارث واختارها أبو بكر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 110/ب.
(3) انظر: الهادي: 157.
(4) انظر: مسائل عَبْد الله 3/ 1023.
(5) قَالَ أبو بكر في كتاب الخلاف: إنَّهُ يملك إجبارها وَقَالَ شَيْخُنَا أبو عَبْد الله وأبو عَبْد الله بن بطة
وأبو حفص بن المسلم لا يملك إجبارها. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 111/أ.
(6) أما الوطء المباح فَلاَ خلاف في أنها ثيب بِهِ، وأما الوطء بالزنا وذهاب البكارة بِهِ فالصحيح من المذهب أنَّهُ كالوطء المباح في اعتبار الكلام في إذنها. انظر: الإنصاف 8/ 64.
(7) مسائل عَبْد الله 3/ 1013.
(8) انظر: الإنصاف 8/ 59.
(9) انظر: الهادي: 208.(1/384)
وأمّا السُّلْطَانُ فلهُ ولايةُ النِّكَاحِ عِنْدَ عَدَمِ الأوْلِياءِ مِمَّنْ ذَكَرْنا (1) وعندَ عَضْلِهِمْ وغَيْبَتِهِمْ المُنْقَطِعَةِ.
وأمَّا الوَصِيُّ فَيَقُومُ مَقامَ مَنْ وَصَّى إِلَيْهِ، إِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الوَصِيَّةِ، وكلُّ وَاحِدِ مِمّنْ ذَكَرْنَا يَصِحُّ أنْ يوكلَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ في عَقْدِ النِّكَاحِ.
ولا عِبَارَةَ لِلْمَرْأةِ في تَزْوِيجِ نَفْسِهَا ولا تَزْوِيجِ غَيْرِهَا في المَشْهُورِ مِنَ المَذْهَبِ (2) /256 ظ / فَعَلى هَذَا يُزَوِّجُ أمَتَهَا ومَوْلاتَهَا مَنْ يَتولّى تَزْوِيجَها. وَعَنْهُ: إنَّهُ يَصِحُّ أنْ تُزَوِّجَ أمَتَهَا ومُعْتَقَها (3)، وهذا يدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِبَارَتِهَا في النِّكَاحِ، فَيَتخَرَجُ مِنْهُ تَزْوِيجَها لِنَفْسِهَا بإذْنِ وَلِيِّهَا وتَزْوِيجَ غَيْرِهَا بالوكالةِ، فأمَّا إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا بالنِّكَاحِ فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4).
وأمّا إقرارُ الوَلِيِّ عَلَيها فإنْ كانَ مِمَّنْ يَمْلِكُ إجْبَارَها صَحَّ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا وإلاَّ فَلاَ يُشْتَرَطُ في الوَلِيِّ أنْ يَكُونَ عَاقِلاً حُرّاً، وهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ (5) وعَدَالَتُهُ أم لا عَلَى رِوَايَتَيْنِ (6). والأبُ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمِيعِ الأوْلِياءِ ثُمَّ الابْنُ ثُمَّ الجَدُّ ثُمَّ الأخُ وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الجَدُّ عَلَى الابْنِ (7) وَعَنْهُ الجَدُّ والأخُ سَواءٌ (8)، وَكَذَلِكَ الأخُ مِنَ الأبَوَينِ والأخُ مِنَ الأبِ سَوَاءٌ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: الأخُ مِنَ الأبَوَينِ أوْلَى ثُمَّ ابنُ الأخِ ثُمَّ العَمُّ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ المَوْلَى المُعْتَقُ وعَصَبَاتُهُ الأقْرَبُ فالأقْرَبُ (9) ثُمَّ السُّلْطانُ (10).
فإنْ زَوَّجَ الأبْعَدُ معَ حُضُورِ الأقْرَبِ لَمْ يَصِحَّ، وعنهُ أنَّهُ يَصِحُّ ويَقِفُ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ الأقرَبِ (11). وَكَذَلِكَ إِذَا زَوَّجَ الأجْنَبِيُّ فَهَلْ يَنْعَقِدُ ويَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الوَلِيِّ أم لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (12). فإنْ عَضَلَ الأجْنَبِيَّ قُرْبٌ أو جُنَّ انتَقَلَتِ الوِلايَةُ إِلَى الأبْعَدِ، وعنهُ فِي
__________
(1) انظر: المغني 7/ 380.
(2) انظر: الشرح الكبير 7/ 436.
(3) انظر: الإنصاف 8/ 66.
(4) انظر: الهادي: 158.
(5) قَالَ أحمد: لا يزوج الغلام حَتَّى يحتلم وَهُوَ اختيار أبي بكر وعن أحمد رِوَايَة أخرى أنَّهُ إِذَا بلغ عشراً زوج وتزوج وطلق وأجيزت وكالته في الطلاق وهذا يحتمله كلام الخِرَقِيّ. المغني 7/ 356.
(6) الأولى: لا يشترط فِيْهِ العدالة وَهِيَ ظاهر كلام الخِرَقِيّ، والثانية يشترط العدالة وَهِيَ اختيار ابن أبي موسى وابن حامد والقاضي. الزركشي 3/ 125.
(7) اختارها الخِرَقِيّ وأبو بكر والقاضي. انظر: الزركشي 3/ 120.
(8) انظر: المقنع: 208، والإنصاف 8/ 69.
(9) انظر: الزركشي 3/ 122، الإنصاف 8/ 70.
(10) انظر: المغني 7/ 350.
(11) انظر: المغني 7/ 365.
(12) أحدهما: لا يصح، والثاني: يصح، ويقف عَلَى إجازة الولي. الشرح الكبير: 7/ 435.(1/385)
العَضْلِ: أنَّ الولايَةَ تَنْتَقِلُ إِلَى الحَاكِمِ فَيَتَخَرَّجُ فِي الغَيْبَةِ مِثْلُ ذَلِكَ (1) وَكَذَلِكَ إنْ غابَ الأقْرَبُ غَيْبةً مُنْقَطِعةً وَقَدْ زَوَّجَ الأبْعَد. وَقَدْ حدَّ الخِرَقِيُّ فِي الغَيْبَةِ بِمَوضِعٍ لاَ يَصِلُ إِلَيْهِ الكِتَابُ أو يصِلُ إِلَيْهِ فَلاَ يُجِيبُ (2). وحَدَّهَا أبو بَكْرٍ بِما لاَ يَبْلُغُ إلا بِكُلْفَةٍ ومَشَقّةٍ (3). وحَدَّها شَيخُنا بِمَسَافَةٍ لاَ تَقْطَعُهَا القَافِلَةُ فِي السنَّةِ إلاّ كَرّةً (4). ونَقَلَ عَنْهُ أبو الحَارِثِ: إِذَا كَانَ الأبُ بعيدَ السَّفَرِ يُزَوِّجُ الأخُ فَظَاهِرُ هَذَا أنَّ حَدَّهَا بِما جَعلَهُ الشَّرْعُ بَعِيداً وعَلّقَ عَلَيْهِ رخص السَّفَرِ (5).
وَإِذَا اسْتَوَى الأولياءُ في الدَّرَجَةِ فالأولى أن يُقَدِّمَ أعْلَمَهُمْ، فإن استَوَوْا فأسَنُّهُمْ فإن تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ بالقُرْعَةِ فهُوَ أوْلَى. فإنْ سَبَقَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَ صَحَّ النِّكَاحُ في أقْوَى الوجْهَينِ (6). فإنْ زَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ولمْ يَعْلَمِ السَّابِقُ أو عَلِمَ ونَسِيَ فُسِخَ نِكاحُ الجَمِيعِ وزُوِّجَتْ مِمَّنْ تَخْتَارُهُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (7)، والأُخْرى: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ فَهُوَ الزَّوْجُ ويأمُرُ الحَاكِمُ البَاقِينَ بالطَّلاقِ، فإن امْتَنَعُوا طَلّقَ عَلَيْهِمْ، فإنْ تَصَوّرَ وُقُوعَ الأنْكِحَةِ حَالةً وَاحِدَةً فَجَمِيْعُهَا لا تَصِحُّ.
ويَلِي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ ابْنَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ ذِمِّيٍّ ومُسْلِمٍ وَقَالَ شَيْخُنَا: لا يلي نِكَاحَهَا مِنْ مُسْلِمٍ. وهلْ يلي سيدُ أمِّ الوَلَدِ الذِّمِّي نِكَاحَهَا إِذَا اسْلَمَتْ؟ عَلَى وَجْهَينِ (8).
/257 و/ ولا يَلِي المُسْلِمُ نِكَاحَ ذِمِّيَّةٍ إلاّ أنْ يَكُوْنَ حَاكِماً أو سيِّدَ أمَةٍ أو يَكُوْنَ لِوَلِيَّتِهِ ذِمية فَيُزَوِّجَها بإذنِها.
ولا يَجُوزُ لأحدٍ أنْ يَتَوَلّى طَرَفَي النِّكَاحِ إلاّ السَّيِّدُ يُزَوِّجُ أمَتَهُ من ابْنِهِ الصَّغِيرِ. فأمَّا ابنُ العَمِّ والسُّلْطَانُ والوَكِيلُ والمَوْلَى إِذَا أرادَ واحِدُهُمْ أن يَتَزَوَّجَها وَهُوَ وَلِيُّهَا فأذِنَتْ لَهُ أنْ يَعْقِدَ لِنَفْسِهِ عَلَيْهَا فَهلْ يَصِحُّ أن يَتَوَلّى طَرَفَي العَقْدِ أم لا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. إحداهُما: تَصِحُّ (9)، والثَّانِيَةُ: لا تَصِحُّ (10) حتّى يوكلَ مَنْ يُوجِب لَهُ ويَقْبَلَ هُوَ، وَكَذَلِكَ السيدُ إِذَا
__________
(1) انظر: المغني 7/ 368.
(2) انظر: المغني 7/ 370.
(3) انظر: المغني 7/ 370.
(4) انظر: المحرر 2/ 17.
(5) انظر: شرح الزركشي: 3/ 121.
(6) انظر: المقنع: 209، الإنصاف: 8/ 87.
(7) نقل أبو الحارث يُفْسَخُ النكاحان جميعاً وَهُوَ اختيار الخِرَقِيّ ونقل ابن مَنْصُوْر يقرع بَيْنَهُمَا وَهُوَ اختيار
أبي بكر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 115/ب-أ.
(8) أحدهما يليه لأنَّها مملوكة، والثاني لا يليه. انظر: المغني 7/ 363.
(9) وَهُوَ اختيار الْقَاضِي. انظر: الإنصاف 8/ 96.
(10) وَهُوَ اختيار الخِرَقِيّ. انظر: الإنصاف 8/ 96.(1/386)
قَالَ لأمَتِهِ: أعْتَقْتُكِ وجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ يَحْضُرُهُ شَاهِدَينِ فإنّهُ يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ النِّكَاح، وَعَنْهُ: لا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ ويُسْتأْنَفُ العَقْدُ بإذْنِها وَهُوَ الصَّحِيحُ (1).
فَصْلٌ
ولا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إلا بِحُضُورِ شَاهِدَينِ (2) ذَكَرَينِ عَدْلَينِ، وَعَنْهُ أنَّهُ يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَينِ وبِرَجُلٍ وامرأتَينِ (3) وإنْ تَوَاصَوا بِكِتْمَانِهِ، وسَواء في ذَلِكَ الأحْرارُ والعَبيدُ، وَعَنْهُ: أنّ التَّوَاصي بِكِتْمَانِهِ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ اختارها أبو بَكرٍ (4)، ولا ينعَقِدُ بِحُضُورِ الصِّبْيَانِ وَعَنْهُ أنَّهُ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ مُرَاهِقَينِ عَاقِلَينِ (5)، ولا يَنْعَقِدُ نِكاحُ المُسْلمِيْنَ بِشَهَادَةِ أهلِ الذِّمَّةِ ويَتَخَرَّجُ أنْ يَنْعَقِدَ بِنِكَاحِ ذِمِّيّةٍ بِمُسْلِمٍ بِحُضُورُ ذِمِّيَّيْنِ ويَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِ ضَرِيْرَيْنِ ولا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ أصَمَّيْنِ ولا أخْرَسَينِ، وهلْ يَنْعَقِدُ بِشَهَادَة عدوينِ وابنَي الزَّوْجَينِ أو أحَدِهِمَا؟ عَلَى وَجْهَينِ (6)، ونقلَ عَنْهُ: أن الشَّهَادَةَ ليسَتْ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ (7).
فَصْلٌ
فأمَّا كَونُ الرَّجُلِ كَفُوءاً فَهُوَ شَرْطٌ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (8) حَتَّى لَو رَضوا الأوْلِياءُ والزَّوْجَةُ بِغَيرِ الكَفُوءِ لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ. وفي الأُخْرَى ليسَتْ بِشَرْطٍ (9)، فإذا رَضِيَ الزَّوْجَةُ والوَلِيُّ بِغَيرِ الكَفوءِ صَحَّ النِّكَاحُ فإنْ رَضِيَ أحَدُهُمْ دُوْنَ بَعْضٍ كَانَ لِمَنْ يَرْضَى الفَسْخَ فإنْ زَوّجَ الأبُ بِغَيرِ الكَفُوءِ فَرَضِيَتِ البِنْتُ كَانَ للإِخوةِ الفَسْخُ نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَةِ مُهَنّا (10) والكَفَاءةُ في الدِّينِ والمَنْصِبِ والحُرِّيَّةِ والصِّنَاعَةِ واليَسارِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (11). وفي الأُخْرَى هِيَ في الدينِ والمَنْصِبِ وَهِيَ اختيارُ الخِرَقِيِّ (12).
__________
(1) انظر: الإنصاف 8/ 98.
(2) ذَكَرَ أبو بَكْرٍ عن الإمام أحمد أن الشهادة ليست من شروط النكاح. انظر: الإنصاف 8/ 102.
(3) انظر: الإنصاف 8/ 102، الهادي: 158.
(4) انظر: الإنصاف 8/ 102، المحرر 2/ 18.
(5) انظر: المغني 7/ 342، الإنصاف 8/ 102.
(6) أحدهما ينعقد اختاره أَبُو عَبْد الله بن بطة، والثاني لا ينعقد بشهادتهما؛ لأن العدو لا تقبل شهادته عَلَى عدوه والابن لا تقبل شهادته لوالده. المغني 7/ 342.
(7) انظر: المقنع: 210، الهادي: 158.
(8) انظر: المغني 7/ 373، الإنصاف 8/ 105.
(9) انظر: المغني 7/ 373، الإنصاف 8/ 106.
(10) انظر: الزركشي 3/ 145.
(11) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 114/ب.
(12) انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 114/ب.(1/387)
ولا يُزَوِّجُ عَفِيفَةً بِفَاجِرٍ، ولا عَرَبِيَّةً بِعَجَمِيٍّ، ولا قُرَشِيَّةً بِغَيرِ قُرَشِيٍّ، ولا هَاشِمِيَّةً بغَيرِ هَاشِمِيٍّ، وَعَنْهُ: أنَّ العَرَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ (1)، وَكَذَلِكَ العَجَمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ، ولاَ يُزَوِّجُ حُرَّةً بِعَبْدٍ، ولاَ بِنْتَ بَزَّازٍ بِحَجَّامٍ، ولاَ بِنْتَ تَانِئ (2) بِحَائِكٍ، ولاَ مُوسِرَةً بِمُعْسِرٍ عَلَى الرِوَايَةِ الأُوْلَة خَاصَّةً.
وأمَّا الخُلُوُّ مِنَ المَوَانِعِ فَإِنْ لاَ يَكُوْنَ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ ولا نَسَبٌ ولا اخْتِلاَفُ دِيْنٍ يحرُمَ، وسَنَذْكُرُ / 258 ظ / المُحَرَّمَاتِ بالأَنْسَابِ والأَسْبَابِ والدِّيْنِ، وأَنْ لاَ يَكُوْنَا في جِنْسِ عِدَّةٍ أَو لِحَرَامٍ، وأَنْ يَكُوْنَ الزَّوْجَانِ مُعَيَّنَيْنِ في حَالِ العَقْدِ، فَأَمَّا إِنْ قَالَ: زَوْجَتُكَ إِحْدَى بَنَاتِي أَو أَنْكَحْتُكَ ابْنَتِي، ولَهُ بَنَاتٌ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُشِيْرَ إِلَيْهَا أَوْ يُسَمِّيَهَا أو يَصِفَهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ، وإِنْ كَانَتْ لَهُ بِنْتُ وَاحِدَةٌ صَحَّ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي أَو أَمَتِي بِنْتاً فَقَدْ زَوَّجْتُكَ، فَقَبِلَ: فَوَضَعَتْ بِنْتاً لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ.
فَصْلٌ
فَأَمَّا الإِيْجَابُ فَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِلَفْظِ التَّزْوِيْجِ والإِنْكَاحِ لِمَنْ يُحْسِنُهَما أَو بِمَعْنَاهُمَا الخَاصِّ بِكُلِّ لِسَانٍ لِمَنْ لاَ يُحْسِنُهُمَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِهِمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يَلْزَمُهُ (3).
وأَمَّا القَبُولُ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ يَقُوْلُ: قَبِلْتُ هَذَا النِّكَاحَ أَو التَّزْوِيْجَ أو مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ في حَقِّ مَنْ لاَ يُحْسِنُ فَإن اقْتَصَرَ عَلَى قَبِلْتُ أَو قَالَ الخَاطِبُ للوَلِيِّ: أَزَوَّجْتَ، وللمُتَزَوِّجِ: أَقَبِلْتَ، فَقَالاَ: نَعَمْ، فَقَالَ الخِرَقِيُّ (4): يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ ويَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَنْعَقِدَ، فَإِنْ تَقَدَّمَ القْبُولُ عَلَى الإِيْجَابِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وإِنْ تَرَاخَى القَبُولُ عَن الإِيْجَابِ صَحَّ مَا دَامَا في المَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلاَ بِمَا يَقْطَعُهُ، فَإِنْ تَرَاخَى القَبُولُ إِلَى بَعْدِ التَّصَرُّفِ عَنِ المَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ، ونَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ (5): أنَّهُ يَصِحُّ، وإِذَا تَمَّ العَقْدُ وَجَبَ تَسْلِيْمُ المَرْأَةِ في بَيْتِ الزَّوْجِ إِذَا كَانَتْ حُرَّةً مِمَّنْ يُمْكِنُ الاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَلَمْ يَشْرُطْ دَارَهَا، فَإِنْ سألَتِ الإِنْظَارَ أُنْظِرَتْ مُدَّةً جَرَتِ العَادَةُ (6) أَنْ تَصْلُحَ أمرها في مِثْلَهَا، وإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَجِبْ تَسْلِيْمُهَا إِلاَّ باللَّيْلِ، ولَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا في غَيْرِ أَوْقَاتِ الفَرَائِضِ منْ غَيْرِ إِصْرَارٍ، ولَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا
__________
(1) انظر: المغني 7/ 375، الإنصاف 8/ 109.
(2) التأني: المقيم الأصلي نقيض الطاريء وَهُمْ تناء البلد ومن تأنته أي مقيمون فِيْهِ لاَ يغزون مَعَ الغزاة والغني الكثير المال جمع ثناء والجماعة تانئة. انظر: معجم مَتْن اللغة 1/ 410.
(3) انظر: الهادي: 159.
(4) انظر: الإنصاف 8/ 49.
(5) انظر: الإنصاف 8/ 51.
(6) كررت في الأصل.(1/388)