بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](1).
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً](2).
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ](3)، أمابعد:
فلقد جاء ديننا الحنيف بالحث على العلم والترغيب فيه، قال الله جل وعلا:[شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ](4). وقال تعالى:[قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ](5).
وقال ":=مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ+(6).
وقال ":=وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى
__________
(1) آل عمران: 102.
(2) النساء: 1.
(3) الأحزاب: 70، 71.
(4) آل عمران: 18.
(5) الزمر: 9.
(6) رواه البخاري ـ كتاب العلم ـ باب من يرد الله به خيرا يفقه في الدين (1/126) رقم(69)، ومسلم ـ كتاب العلم ـ باب النهي عن المسألة (5/241) رقم(1721).(1/1)
الْجَنَّةِ+ (1).
والعلماء في الأمة هم العارفون بشرع الله، العاملون بعلمهم على هدىً وبصيرة، وهم الذين يعتمد عليهم الناس بعد الله في أمور دينهم ودنياهم، وهم منارات الهدى، ومصابيح الدجى، وهم ورثة الأنبياء.
وهم كما قال علي بن أبي طالب ÷:=العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة+.
وهم كما قال معاذ بن جبل ÷:=يرفع الله بالعلم أقواماً فيجعلهم في الخير قادة سادة هداة، يقتدى بهم، أدلة في الخير، تقتضى آثارهم وترمق أفعالهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وكل رطب ويابس يستغفر لهم، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها...+.
وقال الحسن ×:=لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم+.
وقال يحيى بن معاذ ×:=العلماء أرحم بأمة محمد " من آبائهم وأمهاتهم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آبائهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا، والعلماء يحفظونهم من نار الآخرة+.
والعلم دليل الإيمان والعمل ثمرته، وهو أفضل من سائر العبادات، بل الاشتغال به أفضل ما يتطوع به المرء، ونفعه لايقتصر على الدنيا بل يشمل الدنيا والآخرة، فيجمع لحامليه بين الحسنيين، ويرفع درجاتهم عند الله وعند الناس، فثمراته معجلة، وقطوفه دانية.
ولذلك اجتهد الكثيرون للظفر بهذا الفضل،وتلك الخيرية التي وعد بها رسولنا " في قوله:=مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ+(2)، فعكف العلماء من السلف والخلف على تعلم العلم وتعليمه، والجلوس له، والتأليف فيه.
__________
(1) رواه البخاري ـ كتاب العلم ـ باب العلم قبل القول والعمل (1/119)، ومسلم ـ كتاب العلم ـ باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر (13/212) رقم(4867).
(2) سبق تخريجه ص 3.(1/2)
وكانوا فيه أصنافاً عديدة، منهم السابقون، ومنهم الجادون، ومنهم المشمرون الحريصون على بلوغ أعلى الدرجات ومراتب الكمال، والله ـ جل وعلا ـ يؤتي فضله وحكمته من يشاء.
وقد أوضح ربنا ـ جل وعلا ـ مراتب الكمال وغايته في سورة العصر، وهي أربع مراتب:
الأولى: معرفة الحق، والثانية: العمل به، والثالثة: تعليمه من لا يحسنه، والرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه.
وقد بذل العلماء في كل زمان ومكان جهدهم في استنباط الأحكام الشرعية، وألفوا المؤلفات الكثيرة المطولة والمختصرة، ومنها ما هو على شكل متون دقيقة العبارة تحتاج إلى شرح وإيضاح، والمعول عليه عند أهل العلم في بيان الأحكام وتقريرها هو الدليل من الكتاب والسنة.
ولذا اجتهد العلماء في تقرير الأحكام الشرعية، وعولوا على الدليل، بل إن الأئمة الكبار كالأئمة الأربعة أمروا بترك أقوالهم، والإعراض عنها إذا خالفت الدليل، وهذا أمر متقرر معلوم، فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم ".
ورغم ذلك نبتت نابتة بعدت عن العلماء، وسلكت غير سبيلهم، فزهدت بكتب أهل العلم وطرحها، وهؤلاء لهم سلف من الخوارج الذين سلكوا غير سبيل المؤمنين، وطعنوا في العلماء، فضلوا وأضلوا ـ عياذاً بالله ـ.
لكن أهل العلم وقفوا لهم بالمرصاد، وبينوا خطأهم، وجاهدوهم بألسنتهم وأقلامهم، وهم في كل زمن يأخذون أشكالاً مختلفة، لكن يجمعهم هدف واحد، وطريق واحد، وهو الطعن في أهل العلم، والتنقص منهم، وتزهيد الناس بهم، وصد الناس عن الاستفادة من كتبهم، والتشويش على العامة.
وقد دفعني حب العلماء والدفاع عنهم على التطفل على موائدهم، والحرص على سلوك دربهم رجاء اللحاق بهم، وأن يحشرني الله في زمرتهم، فعقدت العزم على تدريس كتاب (عمدة الفقه لابن قدامة) وشرحه للطلاب بأسلوب واضح، وعبارة سهلة في مناطق متعددة وبلدان كثيرة، وكنت أنا المستفيد أكثر من الطلاب في مراجعة العلم وتثبيت مسائله.(1/3)
وقد اخترت هذا الكتاب لأنه من أفضل متون الحنابلة وأوضحها عبارة, وأقواها وأكثرها أدلة، ولندرة من شرحه، ثم إن مؤلفه هو شيخ المذهب كما هو المصطلح عليه عند الحنابلة.
وقد يسر الله لي شرحه في دروس كثيرة، ودروات عديدة في أماكن مختلفة ـ من مملكتنا الغالية ـ ومن هذه البلدان الزلفي، الخبراء، بريدة، المجمعة، الأفلاج، حوطة بني تميم، مكة، المدينة، الأحساء، الدمام، الجبيل، تبوك، تيماء، حقل، ضباء، البدع، الغاط، الطائف، السر، الباحة، المذنب، الدلم، حفر الباطن، حائل، الرياض.
وأكملت شرح هذا الكتاب المبارك في كل من الزلفي، ومكة، والأفلاج، وكان أول درس ألقيته في هذا الكتاب المبارك في: 10/10/1401هـ، ولا زلت إلى اليوم أشرحه في أماكن متفرقة.
وطريقتي في تدريسه للطلاب أنني أوضح عبارة ابن قدامة في العمدة، وأوضح المذهب، وأشير أحياناً للرواية الثانية، وأحرص على ذكر راي شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن سعدي، وشيخينا الشيخ عبد العزيز ابن باز، والشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمهم الله ـ قدر الاستطاعة، كما حرصت على بيان الراجح عندي في معظم المسائل التي تعرضت لها، كما حرصت على ذكر الدليل حسب ما يتيسر لي.
وقد تم هذا الشرح كما قلت في أوقات متفاوتة، وأماكن متفرقة في دروس أسبوعية، وشهرية، وخلال دورات علمية مكثفة، وكنت أقيد على كتابي ما يظهر لي خلال مطالعتي أثناء شرحه.
وقد تم تسجيله في أماكن متفرقة، وتم تفريغه من الأشرطة، وأعدت النظر فيه، فحذفت منه ما يستغنى عنه خشية الإطالة والتكرار، وأضفت ما لاغنى لطالب العلم عنه، فأضفت إليه أقوال المذاهب الأربعة اكتفاءًا بذكر قولهم دون التعرض لأدلتهم، ثم بينت الراجح من أقوال هذه المذاهب مع ذكر دليل الترجيح، ومن رجح هذا القول كشيح الإسلام، وتلميذه ابن القيم، والعلامة ابن سعدي، وسماحة شيخنا ابن باز، وشيخنا محمد الصالح العثيمين ـ رحمهم الله ـ وكذا اللجنة الدائمة.(1/4)
ومتى قلت: قال شيخنا، فأعني به شيخنا العلامة التقي الثبت الضابط المدقق في سائر علوم الشريعة شيخنا الوالد الشيخ محمد بن صالح العثيمين × رحمة واسعة.
وإذا قلت: قال به شيخنا الشيخ عبد العزيز، فأعني به إمام العلماء في عصره العالم الرباني الشيخ عبد العزيز بن باز × رحمة واسعة.
وإذا قلت: قال به الشيخان، فأعني به الشيخ عبد العزيز بن باز،والشيخ محمد بن صالح العثيمين.
وإذا قلت: قال به شيخ الإسلام، فأعني به الحبر الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية ×.
وإذا قلت: قال به الإمام المجدد، فأعني به الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ×.
ترجمة المؤلف
اسمه: هو الشيخ العلامة المجتهد شيخ الإسلام موفق الدين ابو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي، الجماعيلي، ثم الدمشقي الصالحي، الحنبلي.
المولد والنشأة: ولد × بجماعيل بلدة من أعمال نابلس بفلسطين في شعبان سنة (541هـ)، وحينما استولى الصليبيون على أرض فلسطين هاجر والد الموفق بأسرته إلى دمشق سنة (551هـ) تقريباً، ونزلوا في مسجد أبي صالح ظاهر الباب الشرقي، ثم انتقلوا إلى سفح قاسبون من صالحية دمشق.
تلقيه العلم: كان والده × الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن قدامة من أهل العلم والصلاح، فقد كان قبل هجرته إلى دمشق خطيب جماعيل، وعالمها، ومفتيها، ولذا كان من الطبيعي أن يدرس الابن على أبيه، فتلقى الموفق × عن أبيه العلم.(1/5)
وقد تتلمذ أيضاً على شيوخ دمشق منهم أبو المكارم عبد الواحد الأزدي الدمشقي المتوفى في جمادى الآخرة سنة (565هـ)، وأبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن الدمشقي المتوفى سنة (576هـ)، ثم رحل في طلب العلم خارج دمشق، فخرج هو وابن خاله الحافظ عبد الغني المقدسي إلى بغداد فقرأ على علماءها منهم الشيخ عبد القادر الجيلاني، قرأ عليه (متن الخرقي) ثم توفى بعد أربعين يوماً من لقائه به، ثم لازم أبا الفتح بن المني، وقرأ عليه المذهب، والخلاف، والأصول حتى برع في ذلك.
وقرأ أيضاً على بعض شيوخ بغداد منهم هبة الله بن الحسن الدقاق، وأبي زرعة بن طاهر، وشهدة الكاتبة، وغيرهم.
وفي حجة (574هـ) لقي بمكة إمام الحنابلة بالحرم المكي المحدث ابا محمد المبارك بن علي البغدادي نزيل مكة المتوفى بها في عيد الفطر سنة (575هـ)، ثم استقر الإمام الموفق رحمه الله في دمشق، فاشتغل بالتأليف.
ثناء العلماء عليه: قال الضياء: كان × إماماً في التفسير، وفي الحديث ومشكلاته، إماماً في الفقه، بل أوحد زمانه فيه، إماماً في علم الخلاف، إماماً في أصول الفقه، إماماً في النحو والحساب والأنجم السيارة والمنازل.
وقال عنه الذهبي ×: سمعت داود بن صالح المقرىء سمعت ابن المنى يقول: ـ وعنده الإمام الموفق ـ إذا خرج هذا الفتى من بغداد احتاجت إليه.
وسمعت البهاء بن عبد الرحمن × يقول: كان شيخنا ابن المنى يقول للموفق: إن خرجت من بغداد لا يخلف بها مثلك.
وسمعت المفتي أبا بكر محمد بن معالي بن غنيمة × يقول: ما أعرف أحداً في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ×: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشيخ الموفق.
مؤلفاته: له × مؤلفات عديدة أهمها:
(1) العمدة في الفقه (للمبتدئين) وهو كتابنا الذي سنقوم بشرحه ـ إن شاء الله ـ جعله المؤلف على القول المعتمد في المذهب.
((1/6)
2) المقنع في الفقه (للمتوسطين) أطلق في كثير من مسائله روايتين ليتدرب طالب العلم على الترجيح، فيربى فيه الميل إلى الدليل.
(3) الكافي؛ وهو أوسع من المقنع، ذكر فيه من الأدلة ما يؤهل الطلبة للعمل بالدليل.
(4) المغني (شرح مختصر الخرقي) ذكر فيه المذاهب وأدلتها.
وفاته: توفي × يوم السبت يوم عيد الفطر سنة (620هـ) بمنزله بدمشق، وصلي عليه من الغد، وحمل إلى سفح قاسبون فدفن به، وكان له جمع عظيم امتد الناس في طرق الجبل فملؤوه فرحمه الله رحمة واسعة.
شرح مقدمة المؤلف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(1)
.........................................................................................................
(1) قوله = بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ+ استفتح كتابه بالبسملة، وفي بعض النسخ الاقتصار على تركها والبداءة بالحمد لله، وعلى كلٍ هذه عادة أهل التأليف أنهم ينوعون في البداءة في مؤلفاتهم، فأحياناً يجمعون بين البسملة والحمد له، وأحياناً يقتصرون على ذكر الحمد.
وعلى اعتبار أنه استفتح كتابه بالبسملة نقول: ابتدأ بها المؤلف لآمرين:
الأول: اقتداءًا بكتاب الله وسنة رسوله "، فكتاب الله يبتدأ في ببسم الله الرحمن الرحيم، والنبي " في مراسلاته كان يبدأ فيها ببسم الله الرحمن الرحيم، ومن هنا ابتدأ بها المؤلف.
الثاني: أنه ابتدأ بها تبركاً، فإن من طلب البركة أن يبدأ الإنسان في عمله بذكر الله تعالى رجاء حصول البركة، ولذا حث " عليها عند الأكل، والشرب، والملبس، والجماع، ودخول الخلاء، وركوب الدابة، وغير ذلك مما جاءت به السنة. وللكلام على البسملة نقول:
قوله = بِسْمِ اللَّهِ+ الجار والمجرور كلاهما متعلق بمحذوف فعل مؤخر مناسب للمقام.
فتقديره فعلاً لأن الأصل في الأعمال الأفعال، وكونه مؤخراً لفائدتين:
الأولى: التبرك بالبداءة باسم الله تعالى.
الثانية: إفادة الحصر، لأن تقديم المتعلق يفيد الحصر.(1/7)
وكونه مناسباً للمقام لأنه أدل على المراد، فلو أن إنساناً أراد أن يبدأ في =
الحمدُ للهِ أهلِ الحمدِ ومستحِقِّهِ(1)،..............................................
= قراءة كتاب مثلاً فقال: بسم الله أبدأ فإنه لا يدري بماذا يبتدى، لكنه لو قال: بسم الله اقرأ فإنه يكون أدل على المراد.
قوله =اللَّهِ+ علم على الباري ـ سبحانه وتعالى ـ وهو الاسم الذي ترجع إليه جميع الأسماء.
قوله =الرَّحْمَنِ+ اسم من أسمائه ـ سبحانه وتعالى ـ وهو من الأسماء المختصة به لا يطلق على غيره، ومعنى =الرحمن+ ذو الرحمة الواسعة.
قوله =الرَّحِيمِ+ هو أيضاً اسم من أسمائه ـ سبحانه وتعالى ـ الغير مختصة به كما قال تعالى لنبيه ":[بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ](1)، ومعنى =الرحيم+ ذو الرحمة الواصلة، أي الموصل رحمته من يشاء.
(1) وقوله =الحمدُ للهِ+ جملة اسمية مكونة من مبتدأ وخبر، والحمد في اللغة: ثناء، يقال: حمد فلان فلاناً، إذا أثنى عليه.
أما في الشرع: فمعنى الحمد، الوصف بالجميل الاختياري على المنعم بسبب كونه منعماً على الحامد، فقولنا =فلان عالم+، =فلان جواد+،=فلان كريم+ وهكذا كل هذا يعد حمداً.
والألف واللام في الحمد للاستغراق، أي استغراق جميع المحامد وجميع الحمد، واللام (لله) للاختصاص، أي لا تكون هذه المحامد إلا لله وحده لاشريك له.
(2) قوله =أهلِ الحمدِ ومستحِقِّهِ+ هو أهل أن يحمد، بل هو المستحق للحمد، فهو المحمود على كل حال في السراء والضراء، والنعماء والبأساء.
حمداً يفضُلُ على كلِّ حمدٍ(1)، كَفَضلِ اللهِ على خلقِهِ(2). وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لاشَريكَ لَهُ(3)، شَهادةَ قائمٍ للهِ بحقِّهِ(4)، وأشهدُ أنَّ محمّداً عَبدُه ورسُوله(5)، ..................................................................................
__________
(1) التوبة: 128.(1/8)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قوله =حمداً يفضُلُ على كلِّ حمدٍ+ أي حمداً يزيد على كل حمد.
(2) قوله =كَفَضلِ اللهِ على خلقِهِ+ أي كفضل الخالق ـ جل وعلا ـ على المخلوق، ففضل الخالق ـ سبحانه ـ على المخلوق لا يحصى ولا يعد، ولذا كان حمد المخلوق له ينبغي أن يفضل على كل حمد.
(3) قوله =وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلا اللهُ+ أي أعلم علماً يقيناً لاشك فيه أنه (لا إله إلا الله)، أي لا معبود بحق إلا الله.
قوله =وحدَهُ لاشَريكَ لَهُ+ جملة تأكيدية لما قبلها.
(4) قوله =شَهادةَ قائمٍ للهِ بحقِّهِ+ أي هذه الشهادة المذكورة شهادة من قائم لله بحقها من إفرادالعبادة لله تعالى وحده لا شريك له لأنه المستحق أن يعبد، فلا تصرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره، لأن هذا من لوازم شهادة أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له.
(5) قوله =وأشهدُ أنَّ محمّداً عَبدُه ورسُوله+ أي أعلم علماً يقيناً أن محمداً " عبد من عباد الله لا يملك من الربوبية شيء، ومع ذلك هو رسول من عند الله تعالى أرسله الله للثقلين بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله؛ طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله بما شرع.
غيرَ مُرتابٍ في صدقهِ، صلَّى اللهُ عليهِ(1)، وعلى آلهِ وصحبِه(2)، ما جَادَ سَحابٌ بوَدقِهِ، وما رَعدَ بعد بَرقِهِ(3).
(1) قوله =غيرَ مُرتابٍ في صدقهِ+ أ ي ليس عندي شك ولا ريب في كونه رسول من عند الله، وأن ما يبلغه عن ربه صدق لأن الله تعالى زكاه في النقل عنه فقال[? ? ? ? * ? ? ? ? ? ](1)
قوله =صلَّى اللهُ عليهِ+ هذه جملة خبرية دعائية، فهي من جهة الإخبار، فهي خبر عن أن الله تعالى صلى عليه، كما قال تعالى [? ? ? ? ? ?? ](2).
__________
(1) النجم: 3، 4.
(2) الأحزاب: 56.(1/9)
وهي أيضاً دعائية، فهي في طلب من الله تعالى أن يصلي على نبيه، وهذا زيادة في تشريفه وتكريمه "، ومعنى ="+ أي أثني عليه في الملأ الأعلى.
(2) قوله =وعلى آلهِ وصحبِه+ الآل هنا هم المؤمنون من قرابته، مثل بناته ـ رضي الله عنهن ـ وعميه العباس وحمزة، وأبناء عمه علي وابن عباس ـ رضي الله عنهماـ.
والمراد بالصحب: كل من اجتمع به مؤمناً، ومات على ذلك ولو لم يره، ولو لم تطل الصحبة بخلاف غيره.
(3) قوله =ما جَادَ سَحابٌ بوَدقِهِ، وما رَعدَ بعد بَرقِهِ+ الودق: هوالمطر، والمعنى أي أسألك يا إلهي أن تصلي عليه بعدد قطرات الماء التي تنزل من السحاب، وبعدد الرعد الذي يجيء بعد البرق.
هذا كتابُ أحكام ٍ في الفِقه(1)، اختَصرتُه حَسَبَ الإمْكَان(2)، واقتصَرتُ فيه على قولٍ واحدٍ(3)؛..........................................................................
(1) قوله =هذا كتابُ أحكام ٍ في الفِقه+ أي هذا كتاب في علم الفقه الذي يختص بالأحكام العملية التي تنقسم إلى قسمين:
الأول: العبادات: وهي تشمل الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وما يتبعها من الأيمان، والنذور، وغيرها.
الثاني: المعاملات؛ سواء كانت مالية كالبيع، والإجارة، والرهن، والشركة، والقرض، والوكالة، والكفالة.
أو كانت معاملات شخصية كالنكاح، والطلاق، والرجعة، والخلع، وغير ذلك.
أو معاملات جنائية قضائية، فهذا هو الذي يشمله الفقه.
(2) قوله =اختَصرتُه حَسَبَ الإمْكَان+ أي جعلته مختصراً، والمختصر كما قال أهل العلم: هو ما قل لفظه وكثر معناه، ولما كان اختصار الكلام أمر صعب وعزيز قال × =حسب الإمكان+ أي على حسب قدرتي وطاقتي، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
((1/10)
3) قوله =واقتصَرتُ فيه على قولٍ واحدٍ+ بين المؤلف هنا منهجه في هذا المختصر، وأنه جعله على قول واحد في مذهب الحنابلة، وذلك لأن العلماء في المذاهب لهم أقوال، فتارة ما يكون الجائز عند بعضهم لا يكون جائزاً عند الآخر، وتارة ما يكون مكروهاً عند البعض لا يكون مكروهاً عند الآخر، ومن هنا تعددت الأقوال في المذهب، لكن المؤلف لما كان شيخ المذهب ذكر هنا قوله.
ليكونَ عُمدةً لقارئِه(1)،ولا يَلتبِسَ عليه الصَّوابُ باختلاف الوُجوهِ والرِّواياتِ(2).
سأَلني بعضُ أصحابنا تلخيصَهُ؛ ليقرُبَ على المتعلِّمِين(1)،.....................
(1) قوله =ليكونَ عُمدةً لقارئِه+ ذكر المؤلف هنا السبب الذي من أجله اختصرهذا الكتاب، وجعله على قول واحد فقال =ليكون عمدة لقارئه+ وعمدة الشيء ما يقوم عليه، فإذا كان عند طالب العلم قول واحد جعل الحكم عنده أمراً واضحاً، ولا يحصل عنده نوع تذبذب ولا تشتت، وهذا أمر مهم جداً لطالب العلم أن يبدأ بصغار العلم قبل كباره فيبدأ بالمختصرات لينضبط عنده العلم، وهذا هو دأب العلماء الكبار، فإنهم كانوا يبدأون بالمختصرات حفظاً ودراية، ثم بعد ذلك يبدأون بالأوسط ثم المطولات.
((1/11)
2) قوله =ولا يَلتبِسَ عليه الصَّوابُ باختلاف الوُجوهِ والرِّواياتِ+ وذلك لأن طالب العلم إذا أهمل جانب المختصرات وسلك طريق الخلافات والروايات حصل عنده نوع التباس، لأن المذهب الواحد قد يكون فيه أكثر من قول كما ذكرت آنفاً، ولذا نجد القاضي أبو يعلى له كتاب في ذلك باسم =الروايتان والوجهان+ هذا في مذهب واحد، فكيف إذا انضم إلى ذلك الروايات والوجوه في المذاهب الأخرى.، ثم انشغل بذلك طالب العلم، فهل يستطيع أن يحصل علماً من واقع الخبرة؟ لا يستطيع أبداً أن يحصِّل شيء، ولذا نجد الكثير ممن يبدأون في الطلب إذا انشغل بذلك يحصل عنده نوع فتور ثم يترك طلب العلم أو تجده ما حصَّل شيء من العلم. ولذا أنصح طالب العلم أن يهتم بمختصرات المذاهب ويحفظها ويقرأ شروحها، ويجعل له مختصراً واحداً يعلق عليه، ويفهم ألفاظه، وهذا ولله الحمد يكفيه في تحصيل العلم.
(1) قوله =سأَلني بعضُ أصحابنا تلخيصَهُ؛ ليقرُبَ على المتعلِّمِين+ وذلك =
ويسهُلَ حِفظُه على الطَّالبين(1)؛ فأَجبتُهُ إلى ذلك، مُعْتمِداً عَلَى اللهِ سُبحَانَهُ في إِخلاصِ القَصدِ لِوجههِ الكَريم(1)، والمعُونةِ على الوصول إلى رِضوانِهِ العظيم(1)، وهو حَسبُنَا ونعم الوكيلُ(1)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= لكي يسهل عليهم ضبط العلم، ويحصل لهم بذلك العلم الذي به ينتفعون وينفعون.
(2) قوله =ويسهُلَ حِفظُه على الطَّالبين+ هذا أيضاً من مميزات المختصرات أنه يسهل حفظها عند طالب العلم، ومن هنا كانت قيمة المختصرات عند طالب العلم فإنها بإذن الله تكون عمدة لقارئها، وأنها تكون سهلة عليه، وأنها تكون مانعاً له بعد الله تعالى من الشتات.
((1/12)
3) قوله =فأَجبتُهُ إلى ذلك، مُعْتمِداً عَلَى اللهِ سُبحَانَهُ في إِخلاصِ القَصدِ لِوجههِ الكَريم+ أي أجبته إلى ما سألني من اختصار الفقه على مذهب الإمام أحمد × معتمداً على الله تعالى في اختصاري قاصداً بهذا الاختصار وجه الرب ـ سبحانه وتعالىـ.
(4) قوله =والمعُونةِ على الوصول إلى رِضوانِهِ العظيم+ أي طالباً من الرب ـ سبحانه وتعالى ـ العون وذلك للوصول إلى رضوانه، وهذا من أعظم ما يسأل العبد به ربه، أي أن يرضى عنه، فإذا رضي الله تعالى عن العبد أرضاه في الدنيا والآخرة.
قوله =وهو حَسبُنَا ونعم الوكيلُ+ أي هو ـ سبحانه وتعالى ـ حسبي،أي كافيني، ونعم الوكيل، أي وربي نعم الوكيل الذي هو قائم على كل خلقه مدبر شؤونهم وأمورهم.
وأودعتُهُ أحاديثَ صحيحةً(1)؛ تَبرُّكاً بها، واعتِمادًا عليها، وجعلتها من الصِّحَاح لأَستغني عن نسبتها إليها(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قوله =وأودعتُهُ أحاديثَ صحيحةً+ أي جعلت فيه أحاديث صحيحة، وهذا لأمور ذكرها بقوله:
(2) قوله =تَبرُّكاً بها، واعتِمادًا عليها، وجعلتها من الصِّحَاح لأَستغني عن نسبتها إليها+ هذه هي الأمور التي جعلته يودع في مختصره الأحاديث الصحيحة: أولاً: تبركاً بها، فكما أن القرآن مبارك كما قال تعالى [وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ](1)، فكذلك السنة النبوية فيها البركة، فهي كالقرآن في التماس البركة منها، قال ":=أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ+(2).
__________
(1) الأنعام: 92.
(2) رواه أحمد بسند صحيح (35/37)، وخرجه الألباني في الثمر المستطاب (2/541).(1/13)
ثانياً: واعتماداً عليها، أي ذكرتها أيضاً للاعتماد عليها، فالحديث الصحيح الذي سلم من القدح في الحقيقة لكون الاحتجاج به أقوى، والاعتماد عليه أولى، ولذا إن كان الدليل صحيحاً استراح طالب العلم ومن هنا جعل المؤلف في هذا الكتاب الأحاديث الواردة فيه صحيحة.
ثالثاً: وجعلها ايضاً من الصحاح: لكي يستغنى عن نسبتها إليها، والأحاديث التي أوردها المؤلف في كتابه أغلبها من الصحيحين، وهناك أيضاً من غير الصحيحين لكنها أحاديث صحاح.
انتهى شرح مقدمة المؤلف.(1/14)
بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ (1).
خُلِقَ الْمَاءُ طَهُوْرًا (2)، ................................................................
الشرح:
(1) قوله «بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ» لما كانت المياه منها ما هو طهور، ومنها ما هو طاهر، ومنها ما هو نجس، ولكل قسم منها أحكام متعلقة به، أراد المؤلف أن يبين أحكامها؛ وذلك لاختلاف أحكامها وأنواعها وأجناسها.
وقد بدأ المؤلف بالمياه لأن الطهارة مفتاح الصلاة، ولأن الصلاة أهم أركان الإسلام العملية بعد الشهادتين، ولأن الفقه إما عبادات أو معاملات، والعبادات مقدمة على المعاملات، والإنسان بحاجة إلى تصحيح عبادته.
وبدأ بالمياه أيضًا لأنه لابد من الطهارة، والطهارة تكون بالماء أو ما يقوم مقامه وهو التراب، وأيضًا لأن الطهارة تخلية،والتخلية قبل التحلية.
(2) قوله « خُلِقَ الْمَاءُ طَهُوْرًا » أي أن الأصل في خلق الله تعالى للماء أنه طهور، دليل ذلك قوله تعالى:[ک ک ک گ گ ](1)، وقوله تعالى: [? ? ? چ چ چ چ ](2)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في ماء البحر: «هُوَ الطَّهُوْرُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ »(3).
وقوله « طَهُوْرًا » بالفتح على وزن فعول وهو اسم لما يتطهر به كالسحور =
يُطَهِّرُ مِنَ الأَحْدَاثِ وَالنَّجَاسَاتِ (1)، فَلاَ تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِمَائِعٍ غَيْرِهِ(2)................
=اسم لما يتسحر به، أما بالضم «طُهُوْرًا» فالمراد به الفعل، والماء الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره وهو الباقي على أصل خلقته حقيقة أو حكمًا.
__________
(1) سورة الفرقان :48.
(2) سورة الأنفال:11.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصيد والذبائح _ باب ميتة البحر _ رقم (4862)، والترمذي في أبواب الطهارة _ باب ما جاء في ماء البحر وأنه طهور _ رقم (69)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/19) رقم (76) .(2/1)
فقولنا «حقيقة» نعني أن الأصل في خلقته على هذه الصفة الموجودة كماء البحر الأصل في خلقته أنه مالح، وكذا الماء الخارج من البئر، الأصل في خلقته أنه ساخن، أو يكون مالحًا أحيانًا.
وقولنا «حكمًا» أي أنه طهور لا باعتبار أصل خلقته بل تغير بفعل فاعل، ولكن مع هذا التغير لم ينقله عن الطهورية كالماء المتغير بغير ممازج، أو بما يشق صون الماء عنه، أو الماء الذي نقوم بتسخينه من أجل التطهر به.
(1) قوله « يُطَهِّرُ مِنَ الأَحْدَاثِ وَالنَّجَاسَاتِ »: الأحداث: جمع حدث، والحدث معنى يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها. والحدث نوعان: أكبر، وهو ما يلزم الغسل له، كالجنابة والحيض والنفاس، وأصغروهو ما يلزم له الوضوء فقط. والنجاسات: هي أعيان مستخبثة في الشرع، والمراد بها هنا العين المستخبثة التي يمنع المصلي من استصحابها.
والنجاسة نوعان: معنوية وحسية، فالنجاسة المعنوية نجاسة الشرك كما قال تعالى: [? ? ? ](1). أما النجاسة الحسية فهي التي تقع على شيء طاهر فيتنجس بها.
(2) قوله « فَلاَ تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِمَائِعٍ غَيْرِهِ » أي لا تحصل الطهارة من الأحداث
والنجاسات بغير الماء. أما الأحداث فنعم يشترط لها الماء لأن الله تعالى أمر =
فَإِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ(1)، ........................................................
=بالتيمم عند عدمه،فقال تعالى:[? ? ? ? ? ?](2) ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ الصَّعِيْدَ الطَّيِّبَ طَهُوْرُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِيْنَ»(3).
أما النجاسات فهل يشترط لإزالتها الماء؟
__________
(1) سورة التوبة:25.
(2) سورة النساء:42.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة _ باب الجنب يتيمم _ رقم (333)، الترمذي في أبواب الطهارة باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء _ رقم (124)، واللفظ للترمذي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/39) رقم (107).(2/2)
المذهب(1): يشترط الماء لإزالة النجاسة، وفي رواية أخرى(2) عن الإمام أحمد أنه لا يشترط بل تزال بكل مائع طاهر يزيل، وهذا هو الراجح؛ لأن المقصود هو زوال النجاسة، فمتى زالت زال حكمها، وهذا قول أبي حنيفة(3)، واختاره شيخ الإسلام(4) وشيخنا(5) _ رحمهم الله _.
(1) قوله«فَإِذاَ بَلَغَ الْماَءُ قُلَّتَيْنِ»فإنه لا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه الثلاثة؛ لونه أو طعمه أو ريحه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ » (6).
أَوْ كَانَ جَارِيًا، لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ، إِلاَّ مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ رِيْحَهُ(1)، وَمَا سِوَى ذالِكَ يَنْجُسُ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ(2).
(1) قوله «أَوْ كَانَ جَارِيًا،لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ،إِلاَّ مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ،أَوْ طَعْمَهُ،أَوْ رِيْحَهُ»
أي أن الماء الجاري وإن كان قليلاً فإنه لا ينجس إلا بالتغير،وهذا هو الراجح وهو اختيار شيخ الإسلام(7) ×، بخلاف من قاس الجاري على الدائم.
__________
(1) كشاف القناع (1/25).
(2) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/276).
(3) فتح القدير (1/133).
(4) مجموع الفتاوى (21/475) .
(5) الشرح الممتع (1/23).
(6) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/12) رقم (4605)، أبو داود في كتاب الطهارة _ باب ما ينجس الماء _ رقم (63)، والترمذي في كتاب الطهارة _ باب أن الماء لا ينجسه شيء _ رقم (67) وصححه الألباني في الإرواء (1/60) رقم (23).
(7) الاختيارات الفقهية (ص 13).(2/3)
دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَبُوْلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِيْ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيْهِ »(1). ومفهوم الحديث جواز ذلك في الماء الجاري، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ »(2)، ومفهومه جواز ذلك في الماء الجاري، ولأن الماء الجاري له قوة يدفع بها التغير عن نفسه، فلا يقاس بالماء الواقف. ومن قال ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة إذا كان قليلاً فغير صحيح؛ لأنه أخذ بمفهوم حديث القلتين ويعارضه حديث بئر بضاعة بمنطوقه والمنطوق مقدم على المفهوم.
(2) قوله « وَمَا سِوَى ذالِكَ يَنْجُسُ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ » أي متى كان الماء أقل من القلتين،فإنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير، هذا هو المشهور من المذهب(3)، واختاره المؤلف ×. وفي رواية أخرى للإمام أحمد: أن الكثير والقليل لا ينجس إلا بالتغير وهذا هو الراجح واختار هذه الرواية شيخ =
وَالْقُلَّتَانِ: مَا قَارَبَ مِائَةً وَثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالدِّمَشْقِيِّ(1).
وَإِنْ طُبِخَ فِي الْمَاءِ مَا لَيْسَ بِطَهُوْرٍ(2)،..........................................
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب البول في الماء الدائم _ رقم(236)،ومسلم في كتاب الطهارة=
(2) = _ باب النهي عن البول في الماء الدائم _ رقم (282) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
( ) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد _ رقم (283) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(3) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (1/118).(2/4)
= الإسلام(1) ×، وبه قال الشيخان(2)(3) _ رحمهما الله _. دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ الْمَاءَ طَهُوْرٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»(4).
(1) قوله «وَالْقُلَّتَانِ: مَا قَارَبَ مِائَةً وَثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالدِّمَشْقِيِّ» القلة سميت بذلك لأنها تقل بالأيدي، والقلتان بالذراع تعادل ذراع وربع طولاً وعرضًا وعمقًا، وبالقرب خمس قرب، والقربة مائة رطل والرطل تسعون مثقالاً والمثقال يساوي ( !؛2 3) جرام إذن يكون حسابها على النحو التالي:
(5×100×90) = (4500مثقالاً)
(4500 × !؛2 3) = (4500 × &؛2 ) = ( ؛؛؛( ؛2( % ! #؛ ) = (15750) جرام أي تعادل ( !؛2 157) كيلو جرام.
أما باللتر فهي تعادل قريبًا من ذلك (158) لترًا.
وبالصاع تساوي (93 صاعًا و #؛4 الصاع).
(2) قوله «وَإِنْ طُبِخَ فِي الْمَاءِ مَا لَيْسَ بِطَهُوْرٍ» أي طبخ فيه شيء طاهر كالباقلاء أو
اللحم مثلا فتغير به فإنه يسلبه الطهورية نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك(5)
ولأنه لا يسمّى ماء حينئذ بل يسمى مرقًا أو شايًا ونحو ذلك مما صبغ فيه.
أَوْ خَالَطَهُ فَغَلَبَ عَلى اسْمِهِ(1)،أَوْ اسْتُعْمِلَ فِيْ رَفْعِ حَدَثٍ سَلَبَ طَهُوْرِيَّتَهُ(2).
(1) قوله « أَوْ خَالَطَهُ فَغَلَبَ عَلى اسْمِهِ » أي خالطه شيء طاهر كالحبر أو الصبغ أو الخل ونحو ذلك فغلب على أجزائه حتى صار صبغًا أو خلاً أو حبرًا فإنه يسلبه الطهورية أي يكون طاهرًا غير مطهر.
__________
(1) مجموع الفتاوى (21/32).
(2) مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز × (10/15).
(3) الشرح الممتع (1/41) .
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة _ باب ما جاء في بئر بضاعة _ رقم (66)، والترمذي في أبواب الطهارة _ باب أن الماء لا ينجسه شيء _ رقم (66) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/16) رقم (60) .
(5) الإجماع لابن المنذر ص 32.(2/5)
لكني أنبه إلى ما قاله شيخي × في ذلك حيث قال:«إنه لا يكفي انتقاله من الطهورية إلى الطهارة إلا إذا انتقل اسمه انتقالا كاملا فيقال هذا صبغ أو هذا حبر أو هذا خل أو هذه قهوة أو هذا مرق وهكذا فحينئذ لا يسمى ماء» (1).
(2) قوله « أَوْ اسْتُعْمِلَ فِيْ رَفْعِ حَدَثٍ سَلَبَ طَهُوْرِيَّتَهُ » هذا مبني على القول
بأن المياه تنقسم إلى ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس، و في رواية في المذهب(2) أنه ينقسم إلى قسمين: طهور ونجس، والذي اختاره شيخ الإسلام(3) ، وابن سعدي(4)، والشيخان:ابن باز(5)، والعثيمين(6) _ رحمهم الله_: أن الماء قسمان طهور ونجس،أما الطاهر فلا وجود له في الشرع،وهذا هو الصحيح.
وقوله «أَوْ اسْتُعْمِلَ» الضمير يعود على الماء الطهور ويعبر عنه الفقهاء هنا بالماء المستعمل «فِيْ رَفْعِ حَدَثٍ» أي في طهارة واجبة كوضوء وغسل لا طهارة مستحبة كتجديد وضوء أو غسل جمعة على قول من يقول باستحبابه أو =
....................................................................................................
__________
(1) الشرح الممتع (1/47)، وانظر أيضًا فتاوى شيخ الإسلام (21/25).
(2) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (1/33).
(3) مجموع الفتاوى (19/236).
(4) المختارات الجلية (ص 7).
(5) مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز × (10/14).
(6) الشرح الممتع (1/54).(2/6)
=الغسل الثانية أو الثالثة فإنه لا يسلبه الطهورية بل يكره استعماله على المذهب بخلاف ما إذا كان مستعملاً في طهارة واجبة فإنه « سَلَبَ طَهُوْرِيَّتَهُ » أي يصير طاهرًا غير مطهر، هذه هي إحدى الروايتين(1) في المذهب، والرواية الأخرى(2) أن الماء المستعمل طاهر مطهر، وهذا هو الراجح، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام(3) وشيخنا(4) رحمهما الله. دليل ذلك ما رواه البخاري «وَإِذَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَادُوْا يَقْتَتِلُوْنَ عَلَى وَضُوْئِهِ»(5)، ولما رواه أيضاً مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنه - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ»(6). وفي السنن عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال«اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَفْنَةٍ(7) فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَتَوَضَّأَ مِنْهَا أَوْ يَغْتَسِلَ فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ:«إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُجْنِبُ»(8).
? تنبيهان:
__________
(1) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (1/60).
(2) المرجع السابق.
(3) مجموع الفتاوى (20/519)، والاختيارات (ص 11).
(4) الشرح الممتع (1/37).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب استعمال فضل وضوء الناس _ رقم (186) .
(6) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة _ رقم (323).
(7) الجفنة: بفتح الجيم وسكون الفاء هي القصعة الكبيرة وهي إناء كبير يوضع فيه الطعام.
(8) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة _ باب الماء لا يجنب _ رقم (68)، وأخرجه الترمذي في أبواب الطهارة _ باب ما جاء في الرخصة في ذلك _ رقم (65)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/16) رقم (61).(2/7)
أولاً: الماء المستعمل المراد به المتساقط حال الوضوء أو الغسل وليس المراد به الماء الذي يغترف منه.
وَإِذَا شَكَّ فِيْ طَهَارَةِ الْمَاءِ(1)، أَوْ غَيْرِهِ(2)، أَوْ نَجَاسَتِهِ،بَنَى عَلى الْيَقِيْنِ(3).
ثانيًا: الماء المستعمل في طهارة غير واجبة، المذهب(1) أنه يكره استعماله خروجًا من الخلاف.
والصحيح أنه لا يكره استعماله لأن الكراهة حكم شرعي لا بد فيها من الدليل ولا دليل على الكراهة وهو اختيار شيخنا(2) ×.
(1) قوله « وَإِذَا شَكَّ فِيْ طَهَارَةِ الْمَاءِ » أي شك هل هو طاهر أو نجس، كأن يرى فيه مثلاً روثًا لا يدري هل هو روث بعير أو روث حمار؟ والماء متغير من هذا الروث، فحصل عنده الشك في طهارة الماء فنقول: ابن على اليقين وهو الطهارة، لأنها الأصل، ولأن اليقين لا يزول بالشك.
(2) قوله « أَوْ غَيْرِهِ » أي غير الماء، كثوب أو أرض ونحوه، فحصل عنده الشك في طهارة ذلك، فإنه يبني على اليقين وهو الطهارة.
(3) قوله « أَوْ نَجَاسَتِهِ،بَنَى عَلى اْليَقِيْنِ » اليقين هو ما لا شك فيه،دليل ما ذكرنا حديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: شكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل يجد الشيء في بطنه فيشكل عليه، هل خرج منه شيء أم لا؟ فقال: «لاَ يَنْصَرِفُ حَتىَّ يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيْحًا »(3). فهذا الحديث أصل في هذه القاعدة المعروفة: (اليقين لا يزول بالشك).
ومن الأدلة أيضًا ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول=
وَإِنْ خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنَ الثَّوْبِ أَوْ غَيْرِهِ، غَسَلَ مَا يَتَيَقَّنُ بِهِ غَسْلَهَا (1).
__________
(1) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (1/66).
(2) الشرح الممتع (1/37).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك _ رقم (361).(2/8)
وَإِنِ اشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا تَيَمَّمَ وَتَرَكَهُمَا(2)،........
= الله - صلى الله عليه وسلم - « إِذاَ شَكَّ أَحَدُكُمْ فِيْ صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ =
فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى ماَ اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ»(1).
(1) قوله «وَإِنْ خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنَ الثَّوْبِ أَوْ غَيْرِهِ، غَسَلَ مَا يَتَيَقَّنُ بِهِ غَسْلَهَا» أي يغسل حتى يتيقن أن الماء قد أتى على النجاسة، وذلك لاشتباه الطاهر بالنجس، فوجب اجتناب الجميع حتى يتيقن الطهارة ،إما بالغسل أو اليقين.
مثال ذلك: إنسان في أحد كميه نجاسة ولا يدري في أيهما النجاسة؟ فعلى كلام المؤلف أنه يعمل ما يتيقن به زوالها فيغسل الكمين لأن هذا هو اليقين، لكن هل هذا هو الراجح؟ نقول: الراجح أنه يتحرى، فإذا تحرى وغسل أحد الكمين أجزأه.
(1) قوله «وَإِنِ اشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ» كأن يكون عنده إناءان فيهما ماء أحدهما طهور والآخر نجس وشكّ أيهما الطهور قال «وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا تَيَمَّمَ وَتَرَكَهُمَا» لاشتباه الطهور بالنجس، ولأن اجتناب النجس واجب، ولا يتم إلا باجتناب الإناءين، هذا هو المذهب.
والصحيح أنه يتحرى؛ لأنه إذا تعذر اليقين يرجع إلى غلبة الظن،وهنا تعذر اليقين فنرجع إلى غلبة الظن وهو التحري.
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن الشكِ في الصلاةِ فقال: « فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ =
وَإِنِ اشْتَبَهَ طَهُوْرٌ بِطَاهِرٍ تَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا(1).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد _ باب السهو في الصلاة والسجود له _ رقم (571) .(2/9)
= عَلَيْهِ»(1)، وهذا هو قول الشافعي(2)، وإحدى الروايتين في المذهب(3)، واختاره شيخنا(4) ×.
(1) قوله «وَإِنِ اشْتَبَهَ طَهُوْرٌ بِطَاهِرٍ تَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا» هذا على اعتبار القول بأن الماء ثلاثة أقسام، وبيّنا القول الصحيح في ذلك، وهو أن الماء قسمان فقط: طهور ونجس.
وعلى هذا فالمسألة التي ذكرها المؤلف لا ترد على القول الصحيح.
? تنبيه: ذكرنا أنه إن اشتبه طهور بنجس فإنه يتحرى وذلك إذا كانت هناك قرائن تدل على أن هذا هو الطهور أو هذا هو النجس لكن إذا لم يمكنه التحري لعدم وجود القرائن؟
قال بعض العلماء(5): إنه يعمل بما تطمئن به نفسه فإذا اطمأنت مفسه إلى أحدهما أخذ به.
قال شيخنا ×: « ولا شك أن استعماله لأحد الماءين في هذه الحالة فيه شيء من الضعف لكنه خير من العدول إلى التيمم»(6).
وَإِنِ اشْتَبَهَتْ ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ بِنَجِسَةٍ ، صَلَّى فِيْ كُلِّ ثَوْبٍ صَلاَةً بِعَدَدِ النَّجِسِ، وَزَادَ صَلاَةً(1)، وتُغْسَلُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيْرِ سَبْعًا ،إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ(2)،
(1) قوله «وَإِنِ اشْتَبَهَتْ ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ بِنَجِسَةٍ » كأن تقع على بعض ثيابه نجاسة
وأيقن حصول ذلك ولكن لا يدري أيّها أصابته النجاسة،قال × «صَلَّى فِيْ كُلِّ ثَوْبٍ صَلاَةً بِعَدَدِ النَّجِسِ، وَزَادَ صَلاَةً».
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة _ باب التوجه نحو القبلة حيث كان _ رقم (386)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب السهو في الصلاة والسجود له _ رقم (889).
(2) المجموع (1/248).
(3) الإنصاف (1/ 130_ 131).
(4) الشرح الممتع (1/62).
(5) المغني (1/82)، والمجموع شرح المهذب (1/184).
(6) الشرح الممتع (1/62).(2/10)
مثاله: إنسان عنده عشرون ثوبًا، خمسة منهن نجسة ، يقول المؤلف بأنه يصلي بعدد النجس: أي كم يصلي؟ يصلي خمس صلوات ويزيد صلاة فيصبح عدد الصلوات ست واحدة منهن مائة بالمائة ستكون بثوب طاهر، وذلك لأنه إذا صلى زيادة على عدد ما أصابته النجاسة تيقن أنه صلى في ثوب طاهر هذا هو المذهب. والصحيح أنه يتحرى، فإذا غلب على ظنه طهارة أحد الثياب صلى فيه ولا يعيد، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(1)، وبه قال شيخنا(2) ×، وهو أحد القولين في المذهب(3).
(2) قوله « وتُغْسَلُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيْرِ سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ »، أما الكلب فلقوله - صلى الله عليه وسلم - «إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِيْ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا»(4)، ولمسلم« طَهُوْرُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُوْلاَهُنَّ
... بِالتُّرَابِ »(5). أما الخنزير فألحقوا نجاسته بالكلب، لأنه أخبث منه، ولأنه لا يباح الانتفاع به أصلاً، وقد نص القرآن عليه، فيكون أولى بالحكم من =
........................................................................................................
= الكلب، ومن هنا كان المذهب قياس الخنزير على الكلب في وجوب غسل الإناء منه سبعًا.
__________
(1) الاختيارات الفقهية (ص 15).
(2) الشرح الممتع (1/67).
(3) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (1/130_ 131).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب الماء الذي يغسل فيه شعر الإنسان _ رقم ( 170).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب حكم ولوغ الكلب _ رقم (279).(2/11)
... وذهب أكثر العلماء منهم ابن سعدي(1)، و شيخنا (2) إلى أن نجاسة الخنزير كنجاسة غيره، لا يغسل سبع مرات بالتراب، لأن القياس ضعيف، فإن الخنزير ذكر في القرآن وهو موجود في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرد قياسه بالكلب، وهذه هي رواية عن أحمد(3)، وقول للشافعية(4)، وهو الراجح.
? تنبيهات:
أولاً: اختلفت الرواية عن أحمد(5) في عدد الغسلات فتارة قال بغسل الإناء سبعا، وقال في رواية أخرى بغسله ثمان مرات، واحتج لهذه الرواية بما جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوْهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ»(6).
أما رواية السبع فللأدلة المذكورة سابقًا. والمختار في المذهب الرواية الأولى، وهي وجوب الغسل سبعًا، لكن كيف يجاب على الرواية الثانية مع صحة الحديث الوارد فيها؟ قيل: بأن الرواية الأولى الأحاديث الواردة فيها أصح، لكن الصحيح أن يقال: بأن الجمع بينهما يكون بأنه عد التراب ثامنة،وإن =
........................................................................................................
= لم تكن غسله، لأنه من غير جنس المغسول به.
__________
(1) المختارات الجلية (ص 28).
(2) الشرح الممتع (1/418).
(3) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/278).
(4) المجموع شرح المهذب (2/604).
(5) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/278).
(6) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب حكم ولوغ الكلب _ رقم (280).(2/12)
ثانيًا: هل يجزئ غير التراب كالأشنان والصابون ونحوه؟ قيل: لا يجزئ مطلقا لتعينه في الحديث مع وجود غيره فلا يجزئ العدول عنه. وقيل: يجزئ لأن هذه الأشياء أبلغ في التنظيف من التراب وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على التراب لأنه هو الأرفق والأيسر، وهذا هو أقوى الوجوه في المذهب، وقيل:بأنه لا يجزئ إلا عند عدم التراب.
واختار شيخنا عدم الإجزاء، إلا عند عدم وجوده، فإن استعمال الأشنان أو الصابون أولى من عدمه.
ثالثًا: المختار في المذهب(1)؛ أن كلب الصيد إذا أمسك الصيد بفمه، فلا بد من غسل اللحم سبع مرات، إحداها بالتراب، أو ما يقوم مقامه من الأشنان أو الصابون ونحوه.
والصحيح أنه لا يجب غسله سبع مرات؛ لأن هذا مما عفا عنه الشارع، والقاعدة في ذلك «ما كان معفوًا عنه شرعًا زال ضرره قدرًا» وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(2) وشيخنا (3)×.
رابعًا: إذا تنجس الإناء بالبول أو الروث أو الريق، هل يقاس على الولوغ في وجوب غسل الإناء سبعًا؟ جمهور العلماء(4) على أن الروث والبول كالولوغ في وجوب الغسل سبعًا، وعللوا ذلك بتعليلات منها:
وَيُجْزِئُ فِيْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ثَلاَثٌ مُنْقِيَةٌ(1)،.................................
(1) أن الروث والبول أخبث من الولوغ فقيس عليه. كون النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على الولوغ؛ لأن هذا هو الغالب، فإن الكلب لا يجعل بوله وروثه في الأواني، بل يلغ فيها فقط، وما كان من باب الغالب لا مفهوم له ولا يخص به الحكم. أما الظاهرية(5) فقصروا الحكم على الولوغ، أما البول والروث فكسائر النجاسات.
والأحوط ما ذهب إليه الفقهاء، وبه قال شيخنا(6) ×.
__________
(1) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/279).
(2) مجموع الفتاوى (21/620).
(3) الشرح الممتع (2/420).
(4) المغني (1/78)، المجموع شرح المهذب (2/586).
(5) المحلى لابن حزم (1/109 _ 111).
(6) الشرح الممتع (2/417).(2/13)
خامسًا: المذهب(1) الأولى في التراب أن تكون في الأولى، لأنها هي الرواية الأرجح من حيث الأحفظية والأكثرية ، ومن حيث المعنى إذا جعلها في الأولى خفت النجاسة وهذا ما رجحه شيخنا ×(2). لكن الأظهر عندي
أن تكون الأخيرة لورود النص في ذلك وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - «وَعَفِّرُوْهُ الثَّامِنَةَ فِيْ التُّرَابِ»(3) فالأولى إعمال النص دون إهماله.
(1) وقوله « وَيُجْزِئُ فِيْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ثَلاَثٌ مُنقيةٌ » وقيل سبع، وقيل واحدة
تكفي، وهذا هو الصحيح، وهو ابن سعدي(4) وشيخنا (5) _ رحمها الله _.
دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في دم الحيض الذي يصيب الثوب « تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيْهِ»(6). وجه الدلالة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر هنا عددًا =
فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ فَصَبَّةٌ وَاحِدَةٌ تَذْهَبُ بِعَيْنِهَا(1) ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «صُبُّوْا عَلىَ بَوْلِ الأَعْرَابِيِّ ذَنُوْبًا مِنْ مَاءٍ »(7)، وَيُجْزِئُ فِيْ بَوْلِ الْغُلاَمِ الَّذِيْ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ النَّضْحُ(2)،...................................................................
__________
(1) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/285).
(2) الشرح الممتع (2/416).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب حكم ولوغ الكلب _ رقم (280).
(4) منهج السالكين ص 38 _ 39.
(5) الشرح الممتع (2/422).
(6) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب غسل الدم _ رقم (220)، مسلم في كتاب الطهارة _ باب =
(7) = نجاسة الدم وكيفية غسله _ رقم (291).
(() أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب صب الماء على البول في المسجد (217) من حديث أبي هريرة.(2/14)
= والمقام مقام بيان، فلو كان هناك عدد لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولما كانت النجاسة عينًا خبيثة فمتى زالت زال حكمها.
فالحاصل أنه لا عبرة بالعدد هنا،فإن زالت بواحدة كفت، وإن احتيج لغسلة ثانية، أو ثالثة، أو رابعة، وهكذا غسلت، لأن العبرة بزوال النجاسة.
(1) قوله « فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ فَصَبَّةٌ وَاحِدَةٌ تَذْهَبُ بِعَيْنِهَا » أي تذهب بعين النجاسة أيًّا كانت هذه النجاسة، من آدمي، أو كلب، أو غيره.
فإن كانت النجاسة ذات جرم؛ كعذرة آدمي، أو عذرة كلب، ويخاف على تلويث المكان، فإنه لابد من إزالة الجرم، ثم صب الماء على محل النجاسة.
(2) قوله « وَيُجْزِئُ فِيْ بَوْلِ الْغُلاَمِ الَّذِيْ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ النَّضْحُ »: النضح هو أن تتبع بول الغلام الماء، دون فرك، أو عصر، دليله ما ذكره المؤلف في حديث أم قيس بنت محصن « أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيْرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ »(1) ، وفي رواية « فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ »(2).
وقوله « لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ»: أي يشتهيه لكي يتغذى به بخلاف ما يحنك به =
وَكَذالِكَ الْمَذْيُ(2)،................................................................................
= ويلعقه من الأشربة ونحوها. ويلاحظ هنا أن عندنا قيدين ذكرهما المؤلف:
القيد الأول: أن يكون غلامًا، والغلام خاص بالذكر.
القيد الثاني: لم يأكل الطعام، فيكفي فيه النضح.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب بول الصبيان _ رقم (221).
(2) المرجع السابق، حديث رقم (220).(2/15)
فإن قيل: ما السبب في التفريق بين الذكر والأنثى؟ قيل: إن العلة تعبدية، الرسول - صلى الله عليه وسلم - فرق فنقف، هذا أسلم وأحسن وأكثر طمأنينة، وقيل: إن العلة هي أن بول الغلام أخف من بول الجارية،فبول الجارية ينتشر، وقيل: بأن الغلام يبتلى به الناس أكثر لكثرة محبتهم له فجاء التخفيف في بوله، لكن الصواب أن العلة تعبدية كما ذكرنا.
(1) وقوله « وَكَذالِكَ الْمَذْيُ »: المذي ماء رقيق يخرج لابتداء الشهوة إذا تحركت بتفكر أو نظر أو مس وبعد فتورها من غير إحساسه به.
واختلف في حكمه هل هو طاهر أم نجس؟ فظاهر المذهب(1) القول بنجاسته، هذا هو المشهور في المذهب وهو الصحيح لكن نجاسته مخففة وفي رواية أخرى في المذهب القول بطهارته (2).
فقوله «وَكَذالِكَ الْمَذْيُ»أي أن المذي يأخذ حكم بول الغلام في تطهيره، وذلك بنضح ما أصابه. وقيل لا يطهر بالنضح بل لا بد فيه من الغسل، وهذا هو المذهب(3). والصحيح أنه يكفي فيه النضح كما ذكر المؤلف ×، دليل ذلك حديث سهل بن حنيف قال:«كُنْتُ أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً وَكُنْتُ أُكْثِرُ =
وَيُعْفَى عَنْ يَسِيْرِهِ وَيَسِيْرِ الدَّمِ،وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنَ الْقَيْحِ وَنَحْوِهِ(1)،.............
__________
(1) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/328) .
(2) المرجع السابق .
(3) المرجع السابق.(2/16)
= مِنَ الاِغْتِسَالِ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا يُجْزِيْكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَا يُصِيْبُ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قَالَ: يَكْفِيْكَ بِأَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهَا مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ»(1) .
(1) قوله « وَيُعْفَى عَنْ يَسِيْرِهِ وَيَسِيْرِ الدَّمِ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنَ الْقَيْحِ وَنَحْوِهِ » الضمير في « يَسِيْرِهِ » يعود على المذي، أي يعفى عن يسير المذي، والمذهب(2) لا يعفى عن يسيره، والصحيح ما ذكره المؤلف من العفو عن يسير المذي لعموم البلوى به، ولمشقة التحرز منه، ولأن شريعتنا مبناها على السماحة والتيسير على الخلق، وهذا من باب الرحمة بالخلق.
قوله « وَيَسِيْرِ الدَّمِ » أي يعفى عن يسير الدم أيضًا، وهذا رواية في المذهب(3)، وكذلك ما تولد منه؛ من قيح، وصديد، ونحوه، وهذا هو قول أكثر الصحابة،كأبي هريرة وابن عباس وجابر وغيرهم - رضي الله عنهم - ،وبه قال شيخ الإسلام(4) × ، وفي رواية في المذهب(5) أنه لا يعفى عن قليله ولا كثيره، لكن الصواب ما ذهب إليه الأولون.
? تنبيه: قول المؤلف «وَيُعْفَى عَنْ يَسِيْرِ الدَّمِ » ذكر ذلك بناء على القول بنجاسة الدم وهو قول جمهور أهل العلم، والمقصود بالدم هنا دم الآدمي.
وَهُوَ مَا لاَ يَفْحُشُ فِيْ النَّفْسِ(1).
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة _ باب في المذي _ رقم(210)،والترمذي في كتاب الطهارة _ باب ما جاء في المذي يصيب الثوب _ رقم (115)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/42) رقم (195).
(2) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/317) .
(3) المرجع السابق .
(4) الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية ص 43.
(5) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/317) .(2/17)
= والصحيح القول بطهارته وهو اختيار شيخنا (1) ×، دليل ذلك:
الأول : أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يأتي دليل على النجاسة، ولا دليل فيما نعلمه على نجاسة الدم.
الثاني: ما جاء عن الحسن البصري ×حيث قال: « ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم»(2)، ومع القول بطهارته نرى أن الأحوط الطهارة منه إذا نزل وغسل الثوب منه.
لكن عندنا دم باتفاق أهل العلم أنه نجس، وأنه ينقض الوضوء وهو دم الحيض والنفاس والدم المسفوح والذي يخرج من السبيلين قل أو كثر فإنه نجس كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله في نواقض الوضوء.
(1) قوله « وَهُوَ مَا لاَ يَفْحُشُ فِي النَّفْسِ » هذا حد اليسير، فالمرجع فيه إلى النفس، فكل من رأى أنه قليل صار قليلاً، والعكس بالعكس.
وقيل في حده ثلاث قطرات فقط فأكثر(3)، وقال بعضهم ما زاد عن مكانه، قال شيخنا ×تعليقًا على ما ذهب إليه المؤلف: « وهذا القول فيه نظر؛ لأن من الناس من عنده وسوسة، فالنقطة الواحدة عنده كثيرة، ومنهم من عنده تهاون فإذا خرج منه دم كثير قال قليل»(4).
وقيل بل المعتبر في حد اليسير هو ما اعتبره أوساط الناس،فما اعتبروه يسيرًا =
وَمَنِيُّ الآدَمِيِّ(1)، وَبوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ (2)..............................................
= فهو يسير، وما اعتبروه كثيرًا فهو كثير، وهو اختيار شيخنا(5) ×.
(
__________
(1) الشرح الممتع (1/443).
(2) أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا به في كتاب الوضوء _ باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من قبل والدبر.
(3) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/336 _ 337).
(4) الشرح الممتع (1/272).
(5) المرجع السابق .(2/18)
1) قوله « وَمَنِيُّ الآدَمِيِّ » اختلفت الرواية في المذهب عن حكم المني: فالمشهور من المذهب(1)، وعليه جماهير الأصحاب، وبه قال الشافعي(2)، وشيخ الإسلام(3)، وابن القيم(4)، وشيخنا(5) _ رحمهم الله_، وبه أفتت اللجنة الدائمة(6): القول بطهارته وهو الراجح. دليل ذلك حديث عائشة _ رضي الله عنها_ حيث قالت:«كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَيُصَلِّيْ فِيْهِ»(7) فلو كان نجسًا لم يجزئ فركه كسائر النجاسات، ولأن الأصل في الأشياء الطهارة ولا دليل يدل على نجاسته.
والرواية الأخرى في المذهب(8) القول بنجاسته، وبه قال الحنفية(9)، والمالكية(10). والصحيح القول الأول كما ذكرنا.
(1) قوله « وَبوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ»: وما يؤكل لحمه؛ كالإبل، والبقر، =
....................................................................................................
__________
(1) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/350 _ 352).
(2) المجموع شرح المهذب (2/572).
(3) مجموع الفتاوى (21/604).
(4) بدائع الفوائد (3/119).
(5) الشرح الممتع (1/453 _ 455).
(6) فتاوى اللجنة الدائمة (5/380).
(7) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة _ باب المني يصيب الثوب _ رقم (327) وصححه الألباني (1/75) رقم (358).
(8) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/350 _ 352).
(9) حاشية ابن عابدين (1/207 _ 208)، وفتح القدير (1/136 _ 137).
(10) الخرشي على الخليل مع حاشية العدوي (1/62 _ 92).(2/19)
= والغنم، ونحو ذلك، بولها بل وروثها طاهر في ظاهر المذهب(1)، بل لم يذهب أحد من الصحابة إلى القول بنجاسته. قال شيخ الإسلام(2): « القول بنجاسته قول محدث لا سلف له من الصحابة »، وإلى هذا القول ذهب مالك(3) وشيخنا (4) × وهو الصحيح، دليل ذلك:
_ حديث أنس ابن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: « قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوْا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا »(5).
فالشاهد منه أمره بأن يشربوا من أبوال الإبل فقد ساقه مع اللبن وسياقه معه دليل على طهارته.
_ إذنه - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة في مرابض الغنم وهي لا تخلو من البول والروث. ...
_ استصحاب البراءة الأصلية، إذ لا دليل على نجاسة بول وروث ما يؤكل لحمه، وقد ذكر شيخ الإسلام × أكثر من خمسة وعشرين دليلاً يدل على طهارتها(6). وبنجاستها قال الحنفية(7) والشافعية(8).
قلت: والصحيح القول بالطهارة لما ذكرناه من الأدلة.
..................................................................................................................
? تنبيهات:
__________
(1) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/345).
(2) الاختيارات الفقهية ص 53.
(3) حاشية الدسوقي (1/51)، والشرح الصغير (1/47).
(4) الشرح الممتع (1/450).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء ـ باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها _ رقم (231)، ومسلم في كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات _ باب في حكم المحاربين والمرتدين _ رقم (1671).
(6) مجموع الفتاوى (21/534 _ 604).
(7) بدائع الصنائع (1/80 _ 81).
(8) المجموع شرح المهذب (2/550).(2/20)
أولاً: الرطوبة التي في فرج المرأة اختلفت الرواية فيها في المذهب(1)، لكن الأقوى من هذه الروايات القول بطهارتها، وهذا اختيار شيخنا(2) ×، وهو الصحيح.
لكن لشيخنا تفصيل في هذه الرطوبة فقد ذكر أن الفرج له مجريان:
الأول: مجرى مسلك الذكر وهو الذي يتصل بالرحم ولا علاقة له بمجرى البول ولا بالمثانة، فإن كانت الرطوبة خارجة منه فهي طاهرة لأنها ليست من فضلات الطعام ولا الشراب ولأن الأصل عدم النجاسة حتى يأتي دليل.
الثاني: مجرى البول وهو الذي يتصل بالمثانة ويخرج من أعلى الفرج فإن كانت الرطوبة خارجة منه فهي نجاسة وحكمها حكم سلس البول.
ثانيًا: لكن هل ينتقض الوضوء بهذه الرطوبة؟ الجواب: هذا مبني على ما ذكره شيخنا؛ فإن كانت الرطوبة من مجرى البول فإنه ينتقض وضوؤها، أما إن كانت خارجة من مجرى الذكر فالجمهور على أنه ينقض الوضوء، وقيل لا ينقض. والأحوط عندي أنها تتوضأ لأن نقض الوضوء أسهل من القول
بنجاستها وبه قال شيخنا(3) ×.
ثالثًا: إن كانت الرطوبة مستمرة فما العمل؟ نقول: بأن حكمها حكم سلس البول أي أنها تتطهر للصلاة المفروضة بعد دخول وقتها وتتحفظ ما استطاعت وتصلي ولا يضرها ما خرج. لكن إن كانت هذه الرطوبة تنقطع=
..................................................................................................................
= في وقت معين قبل خروج وقت الصلاة فالواجب على المرأة أن تنتظر حتى يأتي وقت الانقطاع ثم تتوضأ فتصلي.
رابعًا: لم يشر المؤلف × إلى ما يشق صون الماء عنه مثل غدير نبت فيه عشب أو طحلب أو ساقط فيه ورق شجر فيتغير بها فهذا الماء طهور لا يكره استعماله.
__________
(1) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (2/352).
(2) الشرح الممتع (1/457).
(3) المرجع السابق.(2/21)
خامسًا: لم يشر المؤلف أيضًا إلى غمس يد القائم من النوم في الماء، والصواب في هذه المسألة بقاء طهورية الماء، فيجوز أن يتطهر به المسلم لكن يأثم الغامس يده في الإناء لمخالفته النهي الوارد في ذلك وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِيْ وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ »(1).
بَابُ الآنِيَةِ.
لاَ يَجُوْزُ اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ(1)، ........................................
الشرح:
? تنبيهان:
أولاً: يذكر الفقهاء باب الآنية عقب باب الطهارة لأن الماء جوهر سيال لا يمكن حفظه إلا بإناء ولذلك يتبعون باب أحكام الآنية بباب المياه.
ثانيًا: الأصل في الآنية الحل لدخولها في عموم قوله تعالى :[? ? ? ? ? ? ? ? ](2) والآنية من الأرض،ولقوله - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوْهَا،وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوْهَا،وَحَدَّ حُدُوْدًا فَلا تَعْتَدُوْهَا،وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوْا عَنْهَا»(3).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب الاستجمار وترًا _ رقم (157)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها رقم (417) واللفظ للبخاري.
(2) سورة البقرة : 29 .
(3) أخرجه الطبراني في المعجم رقم (18030)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/12) رقم (19509)، والدارقطني رقم (4445).(2/22)
1) قوله «لاَ يَجُوْزُ اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» لورود النهي بتحريم ذلك كما ذكر المؤلف من حديث حذيفة - رضي الله عنه - ، وأيضاً لما جاء في حديث أم سلمة _ رضي الله عنها _ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الَّذِيْ يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ »(1) . والاستعمال هو أن ينتفع بها فيما استعملت له، والنهي هنا يقتضي التحريم، لكن هل هذا التحريم خاص باستعمالها في الأكل والشرب فقط، أم التحريم في الاستعمال مطلقًا؟ =
..................................................................................................................
= المذهب(2) على التحريم مطلقًا؛ عللوا لذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الأكل والشرب فيهما، لأن هذا هو الغالب في الأفعال، وفي استعمالها في غير الأكل والشرب فيه مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له والله لا يحب المسرفين، ولمظنة الخيلاء والكبر والفخر وكسر قلوب الفقراء.
وقيل(3): إن الاستعمال في غير الأكل والشرب يجوز، وبه قال شيخنا(4) ×، وهذا اختيار الشوكاني في نيل الأوطار(5)، والصنعاني في سبل السلام(6). دليلهم على ذلك:
1_ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشرب، ولو كان المحرم غيرهما لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل إن تخصيصه في الأكل والشرب منهما دليل على أن ما عداهما جائز.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأشربة _ باب آنية الفضة _ رقم (5311)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة _ باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره على الرجال والنساء _ رقم (2065)
(2) المغني (1/101).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/146).
(4) الشرح الممتع (1/75).
(5) نيل الأوطار (1/299).
(6) سبل السلام (1/173).(2/23)
2_ وبما جاء في صحيح البخاري من «أن أم سلمة كان لها جلجل من فضة جعلت فيه شعرات للنبي - صلى الله عليه وسلم - كان الناس يستشفون بها»(1) وهذا استعمال في غير الأكل والشرب.
والأحوط عندي عدم الاستعمال مطلقًا للذهب والفضة، ولو قيل بأن الذهب لا يتسامح فيه مطلقاً لورود التحريم فيه ولكون التحريم فيه أشد،=
..................................................................................................................
= أما الفضة فيتسامح فيها لكان متجهًا، ولذا جاء في مسند أحمد «.. وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ الْعَبُوْا بِهَا لَعِبًا»(2).
وكذلك لما جاء في البخاري من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد اتخذ خاتمًا من ذهب ثم رمى به وقال: « لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًا » ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ (3).
وقد نقل أيضًا ابن حجر في فتح البارى(4) عن جماعة من العلماء استعمال الإناء الصغير من الفضة في غير الأكل والشرب، فلعل هذا هو الصواب والله أعلم.
? تنبيهان:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس _ باب ما يذكر في الشيب (5446).
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/414) رقم (19733)، وأبو داود في كتاب الخاتم _ باب ما جاء في الذهب للنساء _ رقم (3698)، واللفظ لأحمد، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/797) رقم (3565).
(3) أخرجه البخاري في كتاب اللباس _ باب خاتم الفضة _ رقم ( 5417) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4) فتح الباري (10/353).(2/24)
أولاً: في اتخاذ آنية الذهب والفضة بغرض الاقتناء فقط إما للزينة أو للبيع والشراء دون الاستعمال هل يجوز اتخاذها على هذه الصفة؟ قولان في المذهب(1): المشهور في المذهب حرمة الاتخاذ، وبه قال شيخ الإسلام(2) وسماحة الشيخ بن باز(3) ×. وقول آخر في المذهب القول بعدم التحريم، وبه قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين(4) × وهو الراجح عندي.
فِيْ طَهَارَةٍ وَلاَ غَيْرِهَا (1) ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «لاَ تَشْرَبُوْا فِيْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوْا فِيْ صِحَافِهَا؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ» (5).............
ثانيًا: هل الاستعمال هو الاتخاذ أم هناك فرق بينهما؟
الجواب: هناك فرق بينهما، فالاتخاذ هو أن يقتنيه فقط إما للزينة أو للبيع والشراء فيه ونحوه.
أما الاستعمال فهو التلبس بالانتفاع به أي يستعمله فيما صنع له.
(1) قوله «فِيْ طَهَارَةٍ وَلاَ غَيْرِهَا» أي يحرم استعمال آنية الذهب والفضة بغرض الوضوء أو الاغتسال منها وفيها وبها كل ذلك لا يجوز. لكن إن استعملها في الطهارة هل تصح طهارته؟
وجهان في المذهب(6): الأول: أنها لا تصح الطهارة منها لأنه أتى بالعبادة على الوجه المحرم فأشبه الصلاة في الأرض المغصوبة، واختار هذه الرواية شيخ الإسلام(7) ×.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/144).
(2) الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية ص 12.
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/22).
(4) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ × (11/91)؟
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة _ باب الأكل في إناء مفضض _ رقم (5110) ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة _ باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء ... _ رقم (2067).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/148).
(7) شرح العمدة (1/115).(2/25)
الثاني: وهو الصحيح عندي أن الطهارة تصح ويأثم باستعماله، وذلك لأن الإناء ليس شرطًا في الوضوء، ولأن التحريم لا يرجع إلى نفس العبادة ولا إلى شرط من شروط وجوبها، وهذا هو المذهب قطع به الخرقي(1) وبه قال
شيخنا(2)×.
وَحُكْمُ الْمُضَبَّبِ بِهِمَا حُكْمُهُمَا، إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ الْضَبَّةُ يَسِيْرَةً مِنَ اْلفِضَّةٍ (1)......
(1) قوله « وَحُكْمُ الْمُضَبَّبِ بِهِمَا حُكْمُهُمَا » أي أن حكم الآنية المضببة بالذهب أو الفضة تأخذ حكم آنية الذهب والفضة في التحريم، وصورة هذا الإناء المضبب تكون بانكسار هذا الإناء فيلصق ويجبر بذهب أو فضة، والعلة في تحريم المضبب بهما (يعني الذهب أو الفضة) أنه إذا استعمل هذا الإناء فقد استعملهما.
(2) قوله « إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ الْضَبَّةُ يَسِيْرَةً مِنَ اْلفِضَّةٍ » بشرط أن تكون هناك حاجة، فهذه أربعة شروط لجواز استعمال الفضة في الإناء:
1ـ أن تكون ضبة.
2ـ أن تكون هذه الضبة يسيرة.
3ـ أن تكون الضبة من فضة.
4ـ أن تكون لحاجة. دليل ذلك حديث أنس - رضي الله عنه - قال: « أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ »(3) .
? تنبيهات:
أولاً: معنى الحاجة هنا أن يتعلق بها غرض غير الزينة وإن كان غيره يقوم مقامه.
ثانيًا: الحاجة أدنى من الضرورة، فالحاجة كما قال في الإنصاف(4) ما يتعلق بها غرض غير الزينة أي لا يتخذها زينة. أما كونه لا يجد ما يجبر به المكسور غيرها فهنا تسمى ضرورة وليس بحاجة بل يجوز له أن يجبرها بالذهب إن =
.........................................................................................................
__________
(1) المغني (1/76)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/148).
(2) الشرح الممتع (1/77).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الخمس _ باب ما ذكر من درع النبي - صلى الله عليه وسلم - ... _ رقم (2942).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/154).(2/26)
= كانت هناك ضرورة ففرق بين الضرورة والحاجة.
ثالثًا: إن كان هناك يسير لغير حاجة كحلقة الإناء مثلاً فالمنصوص عليه من المذهب أنها لا تباح على الصحيح، وقيل بإباحتها مطلقًا، وقيل تباح بشرط عدم المباشرة لها بالاستعمال(1)، والأحوط عندي العمل بالمذهب.
رابعًا: حكم مباشرة الضبة لغير حاجة.
الذي ذهب إليه المؤلف × القول بكراهية مباشرة موضع الضبة بالاستعمال لكيلا يكون مستعملاً لها. قالوا: لو أن إنسانًا عنده إناء به ضبة وأراد أن يشرب من هذا الإناء فإنه لا يباشر هذه الضبة حال شربه بشفتيه وهذا هو المذهب(2)، إلا إذا كانت هناك حاجة لاستعمالها فلا يكره.
والصحيح عدم الكراهة مطلقًا، وبه قال شيخنا(3) ×؛ لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل، ولا دليل على كراهية مباشرة الضبة حال الاستعمال ما دمنا قد قلنا بإباحتها، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حال استعماله لقدحه المضبب بالفضة لم يثبت عنه أنه كان يتوقى هذه الجهة المضببة.
خامسًا: الأواني والصنابير المنزلية المطلية بماء الذهب هل يجوز اتخاذها واستعمالها؟
الجواب: أما الاتخاذ فقد بيَّنا أن الصواب جواز اتخاذ آنية الذهب والفضة دون الاستعمال في الأكل والشرب ومن باب أولى جواز اتخاذ المموه والمطلى بهما دون استعمالها.
وَيَجُوْزُ اسْتِعْمَالُ سَائِرِ الآنِيَةِ الطَّاهِرَةِ وَاتِّخَاذُهَا (1)، وَاسْتِعْمَالُ أَوَانِي أَهْلِ الْكِتَابِ(2) ،...................................................................................
= سادسًا: هل اليسير كالكثير في الذهب والفضة؟ يعني لو أن إنسانًا استعمل شيئًا يسيرًا من الذهب والفضة هل يجوز له ذلك؟
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/152).
(2) المرجع السابق (1/154).
(3) الشرح الممتع (1/82).(2/27)
نقول: رخص بعض أهل العلم في اليسير التابع من الذهب والفضة كالذي يكون في النظارة مثلاً، أو ما يكون في الأقلام ونحو ذلك فقد رخص فيه بعض العلماء، ، لكن لا بد أن يكون يسيرًا تابعًا.
وقال بعض الفقهاء بالتفريق بين الذهب والفضة، فقالوا بأن اليسير من الذهب لا يجوز، أما الفضة فيجوز استعمال اليسير التابع منها وهو قول شيخنا(1) ×. وقال بعض أهل العلم: لا يجوز استعمالها مطلقًا(2).
(1) قوله « وَيَجُوْزُ اسْتِعْمَالُ سَائِرِ الآنِيَةِ الطَّاهِرَةِ وَاتِّخَاذُهَا » لأن النص إنما ورد في الذهب والفضة، فكل إناء سوى آنية الذهب والفضة يجوز استعماله، سواء كان ثمينًا أو غير ثمين، بخلاف من قال بحرمة أو بكراهة استعمال الثمين؛ لما فيه من الخيلاء والإسراف والفخر.
دليل ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - « تَوَضَّأَ فِيْ تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ »(3)، والصفر هو النحاس الجيد تصنع منه الأواني.
(2) قوله « وَاسْتِعْمَالُ أَوَانِي أَهْلِ الْكِتَابِ » أي يجوز استعمال أواني أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى وكذا ثيابهم بشرط عدم نجاستها.
....................................................................................................
= وقد اختلفت الروايات في المذهب(4) في حكم استعمال أواني أهل الكتاب:
__________
(1) المرجع السابق (1/79).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/153 _ 154).
(3) أخرجه البخاري في كتاب باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة _ رقم (196)
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/155).(2/28)
الرواية الأولى: إباحة استعمالها مطلقًا وهو المذهب وبه قال جمهور أهل العلم، دليل ذلك حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: « كُنَّا نَغْزُوْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنُصِيْبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِيْنَ وَأَسْقِيَتِهِمْ فَنَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلاَ يَعِيْبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ »(1).
ومن الأدلة أيضًا ما جاء في الصحيحين من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ من مزادة امرأة مشركة»(2).
وروى أحمد في مسنده عن أنس - رضي الله عنه - « أَنَّ يَهُوْدِيًّا دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خُبْزِ شَعِيْرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ فَأَجَابَهُ»(3). فكل هذه الأدلة تدل على إباحة استعمالها ما لم يعلم أنهم يستخدمونها في النجاسات كطبخ لحم الخنزير فيها ونحوه.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (3/379) رقم (15095)، وأبو داود في كتاب الأطعمة _ باب الأكل في آنية أهل الكتاب _ رقم (3838)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/727) رقم (3251).
(2) أخرجه البخاري في كتاب التيمم_ باب الصعيد الطيب وضوء المسلم _ رقم(344)،ومسلم في كتاب=
(3) =المساجد _ باب قضاء الصلاة الفائتة _ رقم (682)، والمزادة : قربة كبيرة يزاد فيها جلد من غيرها.
( ) أخرجه أحمد في المسند (3/210) رقم (13224) ، وصححه الألباني في الإرواء (1/71)، الإهالة : الشحم والزيت. والسنخة: المتغيرة الريح.(2/29)
الرواية الثانية في المذهب: كراهية استعمالها؛ لحديث أبي ثعلبة الخشني قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، قَالَ:«إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلاَ تَأْكُلُوْا فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوْهَا وَكُلُوْا فِيْهَا »(1) .
وَثِيَابِهِمْ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا (1)، وَصُوْفُ الْمَيْتَةِ وَشَعَرُهَا طَاهِرٌ(2) ،..........
=الرواية الثالثة في المذهب: أن النصارى الذين يكثرون استعمال النجاسات من الخمر والخنزير لا تباح أوانيهم وتباح آنية من سواهم.
والصحيح عندي هو المذهب أي لا يكره استعمال أواني أهل الكتاب إلا إذا علم أنهم يستحلون الميتات ويستعملونها في النجاسات كما جاء في رواية أبي داود من حديث أبي ثعلبة الخشني السابق وفيه قال: إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ؟ قال: « إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوْا فِيْهَا وَاشْرَبُوْا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوْا غَيْرَهَا فَارْحَضُوْهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوْا وَاشْرَبُوْا »(2)، أما إذا لم يستعملوها فهي طاهرة وإن شك فيها لأن الأصل الطهارة.
(1) قوله « وَثِيَابِهِمْ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا » أي يباح استعمال ثياب أهل الكتاب ما لم تعلم نجاستها، وهذا قول واحد في المذهب(3)، أما إذا استعملوا هذه الثياب ففي كراهيتها روايتان، والصحيح جواز استعمالها إلا إذا علمنا نجاستها.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد _ باب صيد القوس _ رقم (5161) ، مسلم في كتاب الصيد _ باب الصيد بالكلاب المعلمة _ رقم (1930) .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأطعمة _ باب الأكل في آنية أهل الكتاب _ رقم (3839) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/727) رقم (3252) .
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/155).(2/30)
2) وقوله « وَصُوْفُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا طَاهِرٌ » هذا هو المذهب(1)، وبه قال الحنفية(2) والمالكية(3).
وَكُلُّ جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ فَهُوَ نَجِسٌ............................................
= لكن اشترط الفقهاء لطهارته شرطا وهو أن يجز الصوف ونحوه جزا لا أن يقلع قلعًا لأنه إذا قلع فإن أصوله تحتقن شيئًا من الميتة وهذا ظاهر في الريش أو تكون أصوله مباشرة للنجاسة وهذا يظهر في الشعر ولذا اشترط أهل العلم ذلك، لكن إن قلعه وفيه شيء من الميتة أو يظهر في أسفله شيء مترطب من النجاسة هل يطهر بالغسل؟ على وجهين: أصحهما عندي طهارته بالغسل.
? تنبيه: هل هذا الحكم خاص بميتة دون ميتة أم هو عام لجميع الميتات؟ الجواب: نقول هذا خاص بالميتة الطاهرة حال الحياة أي التى تؤكل.
(
__________
(1) المرجع السابق (1/181).
(2) حاشية ابن عابدين (1/137 _ 138)، الاختيار شرح المختار (1/15).
(3) أسهل المدارك شرح إرشاد السالك (1/51 _ 52)، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك (1/49 _ 51)، حاشية الدسوقي (1/49 _ 54).(2/31)
3) وقوله « وَكُلُّ جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ فَهُوَ نَجِسٌ» هذه هي أشهر الروايات في المذهب(1)، وهي إحدى الروايتين عن مالك(2)، دليل هذه الرواية حديث عبد الله بن عُكيم قال:« كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لاَ تَنْتَفِعُوْا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ »(3).
الرواية الثانية في المذهب(4) طهارة جلد الميتة بالدبغ، وهو قول مالك في الرواية الثانية عنه(5)، والشافعي(6)، وأبي حنيفة(7)، وهو اختيار شيخ =
..................................................................................................................
=الإسلام(8)، وشيخنا ×(9). وهذه الرواية قيل بأن الإمام أحمد × رجع إليها وذلك للاضطراب الحاصل في حديث عبد الله بن عكيم.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/161).
(2) الخرشي على الخليل مع حاشية العدوي (1/89)، الشرح الصغير (1/21).
(3) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/310) _ رقم (18804)، أبو داود في كتاب اللباس _ باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتبة _ رقم (3599)، والترمذي في اللباس عن رسول الله _ باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت _ رقم (1651).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/161)، المغني (1/58).
(5) الشرح الصغير على أقرب المسالك (1/21).
(6) الأم للشافعي (1/827).
(7) الهداية للمرغيناني(1/20)ط _ الحلبي، رد المحتار على الدر المختار(1/136)بدائع الصنائع (1/85)
(8) مجموع الفتاوى (21/90).
(9) الشرح الممتع (1/92).(2/32)
دليل هذه الرواية حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ»(1)، ولحديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلاَةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلاَّ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوْهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟ فَقَالُوْا إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا»(2).
لكن كيف يجاب عن حديث عبد الله بن عكيم السابق؟
نقول بأنه يجاب عنه بعدة إجابات:
أولاً: أن الحديث ضعفه جمع من أهل العلم، فلا يقابل ما ذكرناه من أدلة جواز الانتفاع بجلود الميتة، فإنها صحيحة بلا شك.
ثانيًا: أنه على افتراض صحته، فإن الإهاب كما ذكره أهل العلم هو اسم للجلد قبل الدبغ، أما بعد الدبغ فلا يسمى إهابًا إنما يسمى شنًا أو قربة.
? تنبيهان:
أولاً: جلد الميتة الذي يطهر بالدباغ يشترط في الميتة أن تكون مما تحله الذكاة كالإبل والبقر والغنم والضبع ونحو ذلك، أما ما كان طاهرًا حال الحياة كالهرة والفأرة مثلا ففيه قولان:
وَكَذالِكَ عِظَامُهَا(1).
= الأول: أن جلده يطهر بالدباغ وهذا قول في المذهب(3)، وقول لشيخ الإسلام ابن تيمية(4) ×.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب طهارة جلود الميتة بالدباغ _ رقم (366).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الذبائح _ باب جلود الميتة قبل أن تدبغ _ رقم (2108)، ومسلم في كتاب الحيض _ باب طهارة جلود الميتة بالدباغ _ رقم (363) واللفظ لمسلم.
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/163).
(4) مجموع الفتاوى (21/103).(2/33)
الثاني: وهو الصحيح أنه لا يطهر بالدباغ، وهو قول ابن سعدي(1) واختيارشيخنا(2) ×؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - «دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا»(3)،فعبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكاة، ومعلوم أن الذكاة لا تكون إلا لما يباح أكله.
ثانيًا: هل يلزم غسل الجلد بعد الدبغ ؟ على وجهين: اختار صاحب الإنصاف اشتراط غسل المدبوغ وقال على الصحيح(4)، والراجح أنه لا يشترط.
(1) وقوله «وَكَذالِكَ عِظَامُهَا» عظم الميتة كذلك نجس وذلك لكونه من أجزائها، وقد قال تعالى:[? ? ?](5)،
هذا هو المشهور من المذهب(6)، وهو مذهب مالك(7)، والشافعي(8).
وفي رواية في المذهب(9) طهارة عظم الميتة، وقال به أبو حنيفة(10)، =
وَكُلُّ مَيْتَةٍ نَجِسَةٌ إِلاَّ الآدَمِيَّ (1)،.............................................................
= وهو اختيار شيخ الإسلام(11) × حيث قال في الاختيارات: وقرن الميتة وعظمها وظفرها وما هو من جنسه كالحافر ونحوه طاهر قاله غير واحد من العلماء وهو الصحيح.
(
__________
(1) المختارات الجلية ص 11.
(2) الشرح الممتع (1/91).
(3) أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/6) رقم (20073)، والنسائي في كتاب الفرع والعتيرة _ باب جلود الميتة _ رقم (4243)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (3/890) رقم (3959) .
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/171).
(5) سورة المائدة : 3.
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/177).
(7) الشرح الصغير على أقرب المسالك (1/20 _ 21).
(8) الأم للشافعي (1/8)، المجموع شرح المهذب (1/291).
(9) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/177).
(10) الهداية شرح بداية المبتدئ للمرغيناني (1/20)، فتح القدير للكمال بن الهمام (1/96).
(11) مجموع الفتاوى (21/96)، الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية ص 43.(2/34)
1) قوله « وَكُلُّ مَيْتَةٍ نَجِسَةٌ إِلاَّ الآدَمِيَّ » وهو ظاهر المذهب(1)، وظاهر مذهب الشافعي(2)، وأصح القولين في مذهب مالك(3)، وهو اختيار شيخ الإسلام(4) ×. دليل ذلك قوله تعالى: [ک ک ک گ ](5)، ومن جملة تكريمه جعله طاهرًا حيًّا وميتًا، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ»(6)، وقال البخاري في صحيحه:قال ابن عباس:«الْمُسْلِمُ لاَ يَنْجُسُ حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا »(7).
وهذا هو الصحيح وهو اختيار شيخنا (8)×. وفي رواية لأحمد(9): ينجس؛ لعموم الآية وهي قوله تعالى:[ ? ? ? ?? ں ں ? =
وَحَيَوَانَ الْمَاءِ(1) ، ...........................................................................
= ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے] (10)يعني نجس. والرواية الأولى هي الأصح لما ذكرناه من الأدلة.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/338).
(2) الإقناع للشربيني الخطيب (1/30).
(3) أسهل المدارك شرح إرشاد السالك (1/64 _ 65)، الشرح الكبير (1/53 _ 54).
(4) الاختيارات الفقهية ص 49.
(5) سورة الإسراء : 70.
(6) أخرجه البخاري في كتاب الغسل _ باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره _ رقم (281)، ومسلم في كتاب الحيض _ باب الدليل على أن المسلم لا ينجس _ رقم (371) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(7) أخرجه البخاري معلقًا موقوفًا عن ابن عباس في كتاب الجنائز _ باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر ، وأخرجه الدارقطني موصولاً عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - =لا ينجس موتاكم فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا» كتاب الجنائز _ باب المسلم ليس بنجس (2/70).
(8) الشرح الممتع (1/447).
(9) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/338).
(10) سورة الأنعام :145.(2/35)
وقال بعض أهل العلم أن الكافر ينجس بالموت دون المسلم؛ لقوله تعالى: [? ? ?](1) ، ولعموم حديث أبي هريرة المتقدم «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ »، فمفهوم المخالفة له أن غير المسلم ينجس.
والصحيح أنه سواء كان مؤمنًا أو كافرًا لا ينجس بالموت.
أما الآية فالمراد بالنجاسة فيها هي النجاسة المعنوية، بدليل أن الله أباح لنا التزوج بالكتابيات، وأن نأكل طعام أهل الكتاب، ولا شك أن أيديهم وأبدانهم لا بد من ملامستها، وبخاصة إذا كانت زوجة، ولم يرد ما يدل على الأمر بالتطهر منهن، وهذا هو الصحيح وهو اختيار شيخنا(2) ×.
(1) قوله « وَحَيَوَانَ الْمَاءِ » أي طاهر لكن هل يتناول هذا الحكم جميع ما يكون في الماء من السمك وغيره؟ المشهور من مذهب أحمد(3): إباحة حيوان البحر مطلقًا عدا الثلاثة وهي الضفدع والحية والتمساح، فالضفدع والحية لخبثهما، أما التمساح فذو ناب مفترس.
ومذهب أبي حنيفة(4) لا يحل من حيوان البحر إلا السمك. ومذهب مالك(5) =
الَّذِيْ لاَ يَعِيْشُ إِلاَّ فِيْهِ (1)؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْبَحْرِ « هُوَ الطَّهُوْرُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ »(*)........................................................................................
= والشافعي(6) إباحة جميع حيوان البحر بلا استثناء؛ لعموم الآية، وهي قوله تعالى:[? ? ? ? ] (7).
__________
(1) سورة التوبة : 28.
(2) الشرح الممتع (1/447 _ 448).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (27/226 _ 227).
(4) بدائع الصنائع (5/35 _ 36)، حاشية ابن عابدين (5/195).
(5) حاشية الدسوقي (2/115)، بداية المجتهد (1/380).
(6) نهاية المحتاج (8/150)، أسنى المطالب (1/554).
(7) سورة المائدة :96.(2/36)
وهذا هو الراجح وهو اختيار شيخنا(1) ×.
(1) قوله « الَّذِيْ لاَ يَعِيْشُ إِلاَّ فِيْهِ » أي الذي لا يعيش إلا في البحر، لكن هل يباح غير ميتة السمك؟ فيه ثلاث روايات في المذهب(2):
الأولى: إباحة الجميع بلا ذكاة؛ لعموم الأدلة السابقة.
الثانية: أنه لا يباح غير ميتة السمك؛ لأنه هو المقصود بالميتة في قوله - صلى الله عليه وسلم - « أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ...»(3) وذكر منها السمك.
الثالثة: أن ما كان مأواه البحر ويعيش في البر، ككلب البحر والسلحفاة ونحو ذلك مثلاً، فهذا لا يباح المقدور عليه إلا بالتذكية، وهذا هو المذهب وعليه الأكثرية.
والصحيح القول الأول.
وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً (1) إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّدًا مِنَ النَّجَاسَاتِ(2).
(1) قوله « وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً » أي لا دم له يسيل منه إذا خرج منه بجرح أو قتل.
(2) قوله =إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّدًا مِنَ النَّجَاسَاتِ+.
فاشترط المؤلف في ميتة ما لا نفس له سائلة شرطين:
الأول: أن لا يكون له نفس سائلة.
الثاني: أن لا يكون متولدا من النجاسات كصراصير الكنيف والبالوعات مثلاً، فهذه نجسة حياةً وموتًا لأن الأصل فيها النجاسة.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصيد والذبائح _ باب ميتة البحر _ رقم (4862)، والترمذي في أبواب الطهارة _ باب ما جاء في ماء البحر وأنه طهور _ رقم (69) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
( ) الشرح الممتع (1/94).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (27/279_ 280) .
(3) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/97) رقم (5723)، وابن ماجه في كتاب الصيد _ باب صيد الحيتان والجراد _ رقم (3218)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/216) رقم (2607) .(2/37)
أما إذا كان متولدًا من طاهر كالخنفساء، والعقرب، والبق، والبراغيث، والذباب، والقمل، والديدان، فكل هذه طاهرة حياةً وموتًا، فإذا سقطت في مائع فماتت فيه فإنها لا تنجسه.
دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :«إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الآخَرِ دَاءً»(1).
فلو كان الذباب ينجس بموته لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغمسه في الشراب لأن الظاهر أنه يموت بذلك، وبذلك يتنجس الطعام، فلما كان لا ينجس بالموت أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغمسه فيه.
بَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (1).
يُسْتَحَبُّ (2) لِمَنْ أَرَادَ دُخُوْلَ الْخَلاَءِ (3) أَنْ يَقُوْلَ: بِسْمِ اللهِ (4)، .................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ » ومن العلماء من يسميه: باب دخول الخلاء، أو باب الاستطابة، أو باب الاستنجاء والاستجمار.
(2) قوله « يُسْتَحَبُّ » المستحب هو الأمر المرغب فيه الذي يمدح فاعله ولا يذم تاركه،لكن هل هو مرادف للمسنون بمعنى أنني أقول للمستحب أنه مسنون أم هناك فرق بينهما؟ نقول بأن الأكثرية على أن المستحب يقال عنه المسنون لا فرق بينهما،ولذا نجد بعض الفقهاء يعبّر بـ«يسن»،وبعضهم يعبّر بـ «يستحب»
وقال بعض العلماء ومنهم شيخنا محمد الصالح العثيمين × بأن المستحب ما ثبت بدليل التعليل والنظر والاجتهاد،أما المسنون فما ثبت بدليل من السنة فلا يعبر عن الشيء الذي لم يثبت بالسنة يسن، ولكن يقال: يستحب(2).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب _ باب إذا وقع الذباب في الإناء _ رقم (5445) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) الشرح الممتع (1/103).(2/38)
3) قوله « لِمَنْ أَرَادَ دُخُوْلَ الْخَلاَءِ » وبعض الفقهاء يقول: « يستحب عند دخول الخلاء » والعندية في قولهم قبلية: أي قبل دخول الخلاء، فإن كان الإنسان في البر مثلاً ،فهنا يشرع له الذكر عند جلوسه لقضاء حاجته، وذلك عند خلعه ملابسه أو رفعها.
(4) قوله « أَنْ يَقُوْلَ: بِسْمِ اللهِ » دليل ذلك ما رواه الترمذي و ابن ماجه عن علي
ابن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«سَتْرُ مَابَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ =
أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ(1)،وَمِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ(2).
وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: غُفْرَانَكَ(3)، .....................................................
= بَنِيْ آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلاَءَ أَنْ يَقُوْلَ: بِسْمِ اللَّهِ »(1) .
(1) قوله « أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ » دليل ذلك ما جاء في المتفق عليه من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء قال: « اللّهُمَّ إِنِّيْ أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالَخَبَائِثِ » (2). والمعنى أي أعتصم وألتجئ إلى الله تعالى من الخبث والخبائث، والخبُث بالضم: جمع خبيث، والمراد به ذكران الشياطين، والخبائث جمع خبيثة وهي إناث الشياطين.
__________
(1) أخرجه الترمذي في أبواب السفر _ باب ما ذكر من التسمية عند دخول الخلاء _ رقم (606)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها _ باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء رقم (297) واللفظ للترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/188) رقم (496)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب ما يقول عند الخلاء _ رقم (142)، ومسلم في كتاب باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء _ رقم (375).(2/39)
والخبْث بالتسكين هو الشر، والخبائث النفوس الشريرة، لكن أي الروايات تقال، نقول: بأن أكثر الروايات هي رواية التسكين، ولأنها أعم من رواية الضم (الخُبث)، فهي تشمل كل نفس شريرة: من جن وشيطان وغيره، بخلاف رواية الضم، فهي مقصورة على ذكران الشياطين وإناثهم.
(2) قوله « وَمِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ » الدليل الذي ورد في ذلك ضعيف، لكن إن قاله من باب الدعاء فقط وليس على أنه سنة يتعبد بها جاز له ذلك .
(3) قوله « وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: غُفْرَانَكَ » لما جاء عن عائشة _ رضي الله عنها _ =
....................................................................................................
= حيث قالت: « كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ »(1).
أما الحكمة من قوله - صلى الله عليه وسلم - « غُفْرَانَكَ» إذا خرج من الخلاء فقد قال شيخ الإسلام × في ذلك: لأن الخلاء مظنة الغفلة والوسواس، فاستحب الاستغفار عقيبه(2).
وقيل: بأن مناسبة قوله « غُفْرَانَكَ» هنا أن الإنسان لما تخفف من أذية الجسم تذكر أذية الإثم، فدعا الله أن يخفف عنه أذية الإثم كما منَّ عليه بتخفيف أذية الجسم، وهذا هو اختيار ابن القيم(3) ×، واختاره أيضًا شيخنا(4) ×.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (6/155)،وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب ما يقول الرجل إذا خرج من=
(2) الخلاء _ رقم (30)، والترمذي في كتاب الطهارة _ باب ما يقول إذا خرج من الخلاء برقم (7) وقال حديث حسن غريب، و صححه الألباني في الإرواء برقم (52).
( ) شرح العمدة (1/139).
(3) إغاثة اللهفان (1/71).
(4) الشرح الممتع (1/107).(2/40)
أما قول بعض العلماء مناسبة ذلك؛ لأنه انحبس عن ذكر الله في هذا الوقت، فيسأل الله المغفرة له لعدم ذكره إياه حال قضاء حاجته، فهذا فيه نظر؛ لأنه انحبس عن ذكر الله بأمر الله، وإذا كان كذلك فلم يعرض نفسه للعقوبة؛ ولهذا الحائض لا تصلي ولا تصوم، ولا يسن لها أن تستغفر الله؛ لأنها تركت الصلاة والصوم أيام الحيض ولم يقله أحد ولم يأت فيه سنة، هذا ما أفاده شيخنا(1) ×.
وقيل: لأنه قد يحدث فيه ما لا ينبغي أثناء قضاء الحاجة. والصحيح أن قول=
الْحَمْدُ للهِ الَّذِيْ أَذْهَبَ عَنِّيْ الأَذَى وَعَافَانِيْ(1) . وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ اْليُسْرَى فِيْ الدُّخُوْلِ وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوْجِ(2)، وَلاَ يَدْخُلُهُ بِشَيْءٍ فِيْهِ اسْمُ اللهِ تَعَالَى إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ (3)،...
= «غُفْرَانَكَ » مشروع بغض النظر عن السبب.
(1) قوله « الْحَمْدُ للهِ الَّذِيْ أَذْهَبَ عَنِّيْ الأَذَى وَعَافَانِيْ » الحديث الوارد في بيان هذا الذكر ضعيف(2)، لكن كما ذكرنا سابقًا إن قاله من باب الدعاء لا من جهة السنية والتعبد به فلا بأس، أما جعل ذلك سنة تقال عند الخروج فلا يشرع لضعف الدليل الوارد فيها.
(
__________
(1) المرجع السابق .
(2) الحديث الذي ورد في ذلك أخرجه ابن ماجه (1/110) لكن ضعفه كثير من أهل العلم: قال البوصيري في الزوائد رقم (23) حديث ضعيف ولا يصح بهذا اللفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء وإسماعيل بن مسلم الكي متفق على تضعيفه، وقال النووي في المجموع (1/79) إسناده ضعيف، وضعفه الألباني في الإرواء _ رقم (53).(2/41)
2) قوله « وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ اْليُسْرَى فِيْ الدُّخُوْلِ وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوْجِ » وذلك لأن الرجل اليمنى أحق بأن تقدم في الأماكن الطيبة وأحق بالتأخير عن الأذى ومحله، ولذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالانتعال باليمنى قبل اليسرى، وعند الخلع يبدأ باليسرى قبل اليمنى وذلك تكريمًا لليمنى،لكن هل يقال عند الأكل: لي البداءة باليمنى ثم يجوز لي أن آكل باليسرى؟
نقول: لا، هذا خطأ لأن ما يشترك فيه العضوان كدخول الخلاء مثلاً فتقدم فيه اليمنى أولاً ثم تتبعها اليسرى، أما ما يختص به أحدهما كالأكل والشرب فلا ينبغي أن تبدأ باليمنى ثم اليسرى بل تقتصر فيه على اليمنى.
(3) قوله « وَلاَ يَدْخُلُهُ بِشَيْءٍ فِيْهِ اسْمُ اللهِ تَعَالَى إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ » دليل ذلك حديث
أنس - رضي الله عنه - قال: «أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَبِسَ خَاتَمًا، نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ، =
....................................................................................................
= فَكَانَ إِذَا دَخَلَ اْلخَلاَءَ وَضَعَهُ» (1). هذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم وبعضهم صححه، لكن على اعتبار ضعف الحديث نقول: بأنه إذا دخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله، كره له ذلك؛ لأن ذكر الله تعالى يصان باللسان حال دخوله الخلاء، فمن باب أولى ما كتب عليه، بدليل أن المحدث يمنع من مس المصحف دون تلاوته،لكن يستثنى من ذلك إذا كانت هناك حاجة،كأن يخاف على هذا الشيء من سرقة ونحوها، فهنا يجوز له أن يدخل به نظرا للحاجة.
? تنبيهان:
__________
(1) أخرجه البيهقي في كتاب الطهارة _ باب وضع الخاتم عند خول الخلاء _ رقم (456) وقال: هذا شاهد ضعيف والله أعلم، والحاكم في المستدرك _ كتاب الطهارة _ رقم (671) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الصحيحين.(2/42)
أولاً: هل الشريط يأخذ هذا الحكم؟ الصحيح أنه لا يأخذ هذا الحكم بل يجوز له الدخول به.
ثانيًا: هل القول بالكراهة أيضًا يشمل المصحف؟
استثنى بعض العلماء المصحف، فقال: بأنه يحرم دخول الخلاء به، سواء كان ظاهرًا أو خفيًّا، وذلك لأن المصحف أشرف الكلام ودخول الخلاء به، فيه نوع من الإهانة له.
لكن نقول: بأن الإنسان إذا أراد دخول الخلاء، ينبغي إذا كان معه مصحف أن لا يدخل به، فيضعه في مجتمع الناس، أو يعطيه أحدًا يمسكه حتى يخرج، لكن إن خاف أن يسرقه، فلا بأس أن يدخل به.
وَيَعْتَمِدُ فِيْ جُلُوْسِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى(1).
وَإِنْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ، أَبْعَدَ وَاسْتَتَرَ (2)،.........................................
(1) قوله « وَيَعْتَمِدُ فِيْ جُلُوْسِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى » الحديث الذي ورد في ذلك وهو حديث سراقة بن مالك قال:« عَلَّمَنَا رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذاَ أَتَيْنَا الْخَلاَءَ أَنْ نَتَوَكَّأَ عَلَى الْيُسْرَى وَأَنْ نَنْصِبَ الْيُمْنَى»(1) هذا الحديث ضعيف لا يحتج به. لكن قيل: بأن الاعتماد على اليسرى أسهل لخروج الخارج، فإذا ثبت هذا طبّيًّا فيكون الاعتماد على اليسرى من باب مراعاة الصحة، لكن كون الاعتماد عليها سنة هذا فيه نظر؛ لأن الحديث الوارد فيها ضعيف.
(
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6605)، وابن المنذر في الأوسط (1/339)، والهيثمي في المجمع (1/206).(2/43)
1) قوله « وَإِنْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ، أَبْعَدَ وَاسْتَتَرَ » دليل ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: « كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَقَالَ، يَا مُغِيرَةُ خُذْ اْلإِدَاوَةَ فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَوَارَى عَنِّيْ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَعَلَيْهِ »(1)، وبما رواه أبو داود عن جابر - رضي الله عنه - أنه قال: « كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لاَ يَرَاهُ أَحَدٌ »(2).
لكن إن كان في الفضاء وهناك شيء يمكنه الاستتار منه دون الحاجة إلى الإبعاد جاز له ذلك، كأن يكون هناك حائط أو كثيب رمل أو نخل ونحوه.
وَارْتَادَ مَوْضِعًا رَخْوًا (1)، وَلاَ يَبُوْلُ فِيْ ثُقْبٍ وَلاَ شَقٍّ(2)، وَلاَ طَرِيْقٍ وَلاَ ظِلٍّ نَافِعٍ، وَلاَ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ(3)،...........................................................................
(2) قوله «وَارْتَادَ مَوْضِعًا رَخْوًا» الارتياد أي الطلب،أي أن يطلب موضعًا رخوًا، وهو المكان اللين الذي لا يخشى منه رشاش البول ، فإن كان في مكان لا يوجد فيه شيء رخو، فهنا يدنى ذكره من الأرض حتى لا يحصل الرشاش.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في أبواب الصلاة في الثياب _ باب الصلاة في الجبة الشامية _ رقم (356)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب المسح على الخفين _ رقم (276).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة _ باب التخلي عند قضاء الحاجة _ رقم (2) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/4) رقم (2).(2/44)
3) قوله « وَلاَ يَبُوْلُ فِيْ ثُقْبٍ وَلاَ شَقٍّ » ونحو ذلك مثل البلوعة التي هي مجمع الماء الوسخ، دليل ذلك حديث عبد الله بن سرجس « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ، قَالُوْا لِقَتَادَةَ: مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ »(1). وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم، وبعضهم صححه، لكن على الإنسان حال بوله أن يتقي هذه الأماكن، فإنه يخشى عليه أن يخرج شيء يؤذيه.
(1) قوله « وَلاَ طَرِيْقٍ وَلاَ ظِلٍّ ناَفِعٍ، وَلاَ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ » أي لا يقضي حاجته عند هذه الأشياء، والنهي هنا للتحريم ، أما الشق والثقب فالنهي فيها للكراهة؛ دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : « اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوْا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيْقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»(2).
وقول المؤلف « وَلاَ ظِلٍّ ناَفِعٍ » يؤخذ منه أن النهي إنما خصص في الظل الذي ينتفع به الناس، فلو قضى حاجته في مكان لا يجلس فيه الناس فلا يقال =
وَلاَ يَسْتَقْبِلُ شَمْسًا وَلاَ قَمَرًا(1)،....................................................................
= بالتحريم، وهذا مفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أو ظلهم» يعني الظل الذي هو محل جلوسهم.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (5/82) رقم (20794)،وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب النهي عن البول=
(2) = في الجحر _ رقم (29)، والنسائي في كتاب الطهارة _ باب كراهية البول في الجحر _ رقم (32)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود حديث رقم (8).
( ) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب النهي عن التخلي في الطريق أو الظلال _ رقم (397) .(2/45)
وقول المؤلف « وَلاَ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ » أي ثمرة مقصودة أو محترمة، فقولنا مقصودة أي يقصدها الناس ولو كان ثمرها غير مطعوم، فما دام الناس يقصدون هذه الشجرة فلا يجوز البول أو التغوط عندها، وقولنا: أو ثمرة محترمة كثمرة النخل أو البرتقال ونحو ذلك مما يؤكل ثمره، فهذه لا يجوز التغوط عندها ولو كانت غير مقصودة لأن الثمر طعام محترم.
(1) قوله « وَلاَ يَسْتَقْبِلُ شَمْسًا وَلاَ قَمَرًا » الصحيح من المذهب كراهية ذلك(1)، لكن ليس هناك دليل على كراهية ذلك وإنما عللوا ذلك لما فيه من نور الله = أو لأن معهما ملائكة.
والصحيح عندي عدم الكراهة لعدم الدليل بل ولثبوت الدليل الدال على جواز ذلك وهو قوله " «وَلَكِنْ شَرِّقُوْا أَوْ غَرِّبُوْا »(2).
ومعلوم أن من شرق أوغرب والشمس طالعة فإنه يستقبلها، وهذا ما ذهب إليه أكثر الحنابلة(3)، وابن سعدي(4)، وشيخنا (5) ×.
... وَلاَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرُهَا (1)؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلاَ بَوْلٍ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوْهَا »(*) . وَيَجُوْزُ ذالِكَ فِي الْبُنْيَانِ (2)........................
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/212)، المغني (1/222).
(2) أخرجه البخاري في أبواب القبلة _ باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام _ رقم (386)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب الاستطابة _ رقم (264) من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - .
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/212)، المغني (1/222).
(4) المختارات الجلية ص 15.
(5) الشرح الممتع (1/123).(2/46)
1) قوله «وَلاَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرُهَا» دليل ذلك ما ذكره المؤلف من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ، واتفق الأئمة الأربعة(1) على ذلك إذا كان في غير البنيان.
(2) قوله « وَيَجُوْزُ ذالِكَ فِي الْبُنْيَانِ » وهو قول جمهور أهل العلم(2)، وبه قال سماحة الشيخ ابن باز(3) ×، دليل ذلك حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما _ حيث قال: « رَقِيْتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِيْ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ رَسُوْلَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ » (4).
وذهب شيخ الإسلام(5) وابن القيم(6) وهو قول أبي حنيفة(7) ورواية عن أحمد(8) إلى القول بالتحريم في البنيان، وحجتهم في ذلك حديث أبي أيوب الأنصاري المتقدم، أما حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما_ فأجابوا عنه =
....................................................................................................
__________
(1) أخرجه البخاري في أبواب القبلة _ باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام _ رقم (386)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب الاستطابة _ رقم (264) من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - .
( ) حاشية ابن عابدين (1/288)، حاشية الدسوقي (1/108)، حاشية الجمل (1/83 _ 85)، المجموع شرح المهذب (2/105)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/203 _ 204)، المغني (1/220 _ 221).
(2) المرجع السابق.
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/35_ 36).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب التبرز في البيوت _ رقم (147)، مسلم في كتاب الطهارة _ باب الاستطابة _ رقم (266) واللفظ لمسلم .
(5) الاختيارات الفقهية ص 21.
(6) مفتاح دار السعادة (2/205).
(7) حاشية ابن عابدين (1/228)، االاختيارات لتعليل المختار (1/37).
(8) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/203 _ 204).(2/47)
= بعدة إجابات منها: 1ـ أنه محمول على ما قبل النهي .
2ـ أن حديث أبي أيوب قول وحديث ابن عمر فعل والقول مقدم على الفعل، والفعل لا يعارض القول لأن فعله - صلى الله عليه وسلم - يحتمل الخصوصية أو نسيانًا أو عذرًا آخر.
وهناك قول ثالث في هذه المسألة وهو إحدى الروايات في المذهب(1)، وهو قول شيخنا محمد بن صالح العثيمين(2) ×: وهو القول بجواز استدبار القبلة دون استقبالها في البنيان، وذلك لأن النهي عن الاستقبال محفوظ ليس فيه التفصيل، والنهي عن الاستدبار مخصوص بالفعل، وأيضًا فإن الاستدبار أهون من الاستقبال، لكن الأفضل عنده × أن لا يستدبرها إن أمكن.
? تنبيهات:
أولاً: هل يكفي الانحراف عن جهة القبلة؟ المذهب(3) على أنه يكفي انحرافه عن الجهة، وشيخ الإسلام(4) يرى أنه لا يكفي انحرافه عن الجهة، فالانحراف اليسير لا يكفي عنده، بل ينحرف كثيرًا.
ثانيًا: ما الحكم إذا استقبل القبلة حال الاستنجاء دون قضاء حاجته؟ الصحيح من المذهب الكراهة، وقال البعض: بأن لا يكره، وقال بعضهم: يتوجه التحريم(5).
فَإِذَا انْقَطَعَ الْبَوْلُ مَسَحَ مِنْ أَصْلِ ذَكَرِهِ إِلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَنْتُرُهُ ثَلاَثًا (1)، وَلاَ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بِيَمِيْنِهِ(2)،.......................................................................
ثالثًا: النهي عن استقبال القبلة جاء لأنها أشرف الجهات وأعظمها وذلك لأن فيها بيته - سبحانه وتعالى - فلا بد من تعظيمه قال تعالى: [ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ?](6).
__________
(1) المرجع السابق .
(2) الشرح الممتع (1/125 _ 126).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/206).
(4) الاختيارات الفقهية ص 21.
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/207).
(6) سورة الحج : 32 .(2/48)
رابعًا: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتشريق أو التغريب خطاب لأهل المدينة ومن جرى مجراهم، أما من كان في جهة الشرق أو الغرب فإنه يتحول إلى الجنوب أو الشمال بحيث لا يكون مستقبلاً القبلة.
(1) قوله « فَإِذَا انْقَطَعَ الْبَوْلُ مَسَحَ مِنْ أَصْلِ ذَكَرِهِ إِلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَنْتُرُهُ ثَلاَثًا » ما ذكره المؤلف × هنا الأدلة الواردة فيه ضعيفة، ولذا نقول: لا يسن مسح أصل الذكر، وهو ما عند حلقة الدبر؛ لأنه لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذا لضرره بالإنسان من جهتين:
الأولى: إضراره بالذكر حيث يؤذي المجاري البولية.
الثانية: إضراره بالشخص نفسه حيث يصيبه بالوساوس التي تفسد عليه حياته، ولذا نقول بأنه لا يستحب فعل ذلك، أما النتر فهو أقرب إلى البدعة من السنة، ولذا قال شيخ الإسلام(1): «النتر بدعة وليس بسنة فلا ينبغي فعله».
(2) قوله «وَلاَ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بِيَمِيْنِهِ» أي يكره فعل هذا ؛ لأن من إكرام اليمين أن=
وَلاَ يَتَمَسَّحُ بِهَا (1)، ثُمَّ يَسْتَجْمِرُ وِتْرًا (2)،.....................................................
لا يمسكه بيده اليمنى حال قضاء حاجته لورود النهي الوارد في حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - حيث قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لاَ يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِيْنِهِ وَهُوَ يَبُوْلُ...» (2).
لكن هل هذا مقيد بحال البول أم هو مطلق؟ قولان(3): الأحوط عندي ما قاله شيخنا × حيث قال: «الأحوط أن يتجنب مسه مطلقًا»(4) .
(
__________
(1) مجموع الفتاوى (21/106).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب النهي عن الاستنجاء باليمين _ رقم (149)، و مسلم في كتاب الطهارة _ باب النهي عن الاستنجاء باليمين _ رقم (267) واللفظ لمسلم.
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/209).
(4) الشرح الممتع (1/122).(2/49)
1) قوله « وَلاَ يَتَمَسَّحُ بِهَا » أي يكره فعل ذلك لنفس الدليل وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيه «... وَلاَ يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلاَءِ بِيَمِيْنِهِ » (1) فإن مسح صح مع الكراهة.
? تنبيه: لم يذكر المؤلف الاستنجاء باليمين، ولكن حكمه أيضًا الكراهة؛ لحديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه - حيث قيل له: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟ قَالَ فَقَالَ: أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِيْنِ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيْعٍ أَوْ بِعَظْمٍ» (2) .
(2) قوله « ثُمَّ يَسْتَجْمِرُ وِتْرًا » لأمره - صلى الله عليه وسلم - بذلك ففي المتفق عليه من حديث أبي
هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ » (3)، والأمر هنا =
ثُمَّ يَسْتَنْجِيْ بِالْمَاءِ(1)، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الاِسْتِجْمَارِ أَجْزَأَهُ (2)،.....................
= للاستحباب والسنية لا للوجوب بدليل ما ورد في الرواية الأخرى « مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوْتِرْ مَنْ فَعَلَ ذالِكَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ»(4)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب النهي عن الاستنجاء باليمين _ رقم (149)، و مسلم في كتاب الطهارة _ باب النهي عن الاستنجاء باليمين _ رقم (267) واللفظ لمسلم.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب الاستطابة _ رقم (385).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب الاستجمار وتراً _ رقم(160)،ومسلم في كتاب باب الإيتار=
(4) = في الاستنثار والاستجمار _ رقم (237)
(
) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة _ باب الاستتار في الخلاء _ رقم (35) ،وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها _ باب الارتياد للغائط والبول _ رقم (332) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود حديث رقم (9).(2/50)
وإن كان الحديث ضعفه بعض أهل العلم، لكن جمهور أهل العلم حملوا الأمر على الاستحباب لا الوجوب.
وقولنا بالاستحباب هنا ليس معناه أنه يجوز له أن يستجمر بأقل من ثلاث مسحات كما سيأتي بيانه وإنما المراد به أن يقطع الاستجمار على وتر فإن مسح ثلاثاً ثم احتاج إلى أكثر فإنه يجوز له أن يزيد رابعة لكن الأفضل أن يجعلهن خمسا أو سبعا لقطع الاستجمار على وتر.
(1) قوله « ثُمَّ يَسْتَنْجِيْ بِالْمَاءِ » أي إذا استجمر بالحجارة فإنه يستحب أن يستنجي بالماء وذلك لأنه أكمل في التطهر، فالأحجار تزيل عين النجاسة فلا تباشرها اليد والماء يزيل ما بقي من النجاسة.
(2) قوله « فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الاِسْتِجْمَارِ أَجْزَأَهُ » حتى مع وجود الماء وأجمع المسلمون على جوازه وإجزائه بالحجارة، دليل ذلك حديث سلمان السابق وحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وفيه:« أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْغَائِطَ فَأَمَرَنِيْ أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ »(1) .
وَإِنَّمَا يُجْزِئُ الاِسْتِجْمَارُ إِذَا لَمْ تَتَعَدَّ النَّجَاسَةُ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ(1).
... ... وَلاَ يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثِ مَسَحَاتٍ مُنَقِّيَةٍ (2)،...............................
? تنبيه: الأفضل الاستنجاء بالماء لأنه أبلغ في النظافة ولأنه كان من فعله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ما ذكر عن بعض السلف القول بكراهية الاستنجاء به معللا لذلك بأن يده ستلوث بالنجاسة، والصحيح أن الأفضل الاستنجاء بالماء.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب الاستنجاء بالحجارة _ رقم (155).(2/51)
1) قوله « وَإِنَّمَا يُجْزِئُ الاِسْتِجْمَارُ إِذَا لَمْ تَتَعَدَّ النَّجَاسَةُ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ » مثل أن ينتشر الخارج على شيء من الصفحة، أو يمتد على الحشفة امتدادًا غير معتاد فلا يجزئ فيه إلا الماء، وتعليل ذلك أن الخارج هنا خرج عن حده المعتاد، فخرج عن حد الرخصة، ولأن الأصل وجوب إزالة النجاسة بالماء.
وذهب شيخ الإسلام(1) إلى أنه يجزئ الاستجمار ولو تعدى خارج الصفحتين؛ لعموم الأدلة ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك تقدير.
(2) قوله « وَلاَ يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثِ مَسْحَاتٍ مُنْقِيَةٍ » هذا هو المذهب(2)، وبه قال الشافعي(3) وأكثر أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية(4) × .
وذهب مالك(5) وأبو حنيفة(6) إلى عدم اشتراط المسح ثلاثًا، وإنما المشترط الإنقاء فمتى حصل الإنقاء أجزأ لأن الحكم يدور مع العلة.
والصحيح القول بعدم الإجزاء؛ لحديث سلمان الفارسي وفيه قوله « نَهَانَا =
وَيَجُوْزُ الاِسْتِجْمَارُ بِكُلَّ طَاهِرٍ يُنْقِي الْمَحَلَّ، إِلاَّ الرَّوْثَ وَالْعِظَامَ (1)،.....
= رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ »(7)والنهي يقتضي عدم الوقوع في المنهي عنه، ولأن الغالب أن الإنقاء لا يحصل إلا بثلاث مسحات.
? تنبيه: هل يجزئ المسح بحجر واحد ثلاث مسحات، أم لا بد من ثلاثة أحجار؟
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص 33.
(2) المغني (1/207)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/227 _ 229).
(3) المجموع شرح المهذب (2/120).
(4) الأخبار العلمية في الاختيارات الفقهية ص 17.
(5) حاشية الدسوقي (1/105).
(6) الدر المختار (1/311_ 315).
(7) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب الاستطابة _ رقم (262).(2/52)
هذا محل خلاف بين أهل العلم، والراجح في ذلك أنه إذا كان الحجر ذا شعب، وله ثلاث اتجاهات، أو أكثر، فإنه يجزئ المسح به ثلاثًا؛ لأن العلة معلومة، وبه قال شيخنا(1)×.
وذهب سماحة شيخنا ابن باز(2) × إلى القول بأنه لا يجزئ بأقل من ثلاثة أحجار أخذًا بظاهر حديث سلمان السابق.
(1) قوله « وَيَجُوْزُ الاِسْتِجْمَارُ بِكُلَّ طَاهِرٍ يُنْقِي الْمَحَلَّ، إِلاَّ الرَّوْثَ وَالْعِظَامَ » أما الروث والعظم فلحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستنجى بعظم أو روث وقال:« فَإِنَّهُمَا زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ »(3)، ولحديث ابن مسعود أيضًا أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجرين وروثة، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: « هَذَا رِكْسٌ»(4)، أي نجس لكن إن استخدمهما هل يجزئه الاستنجاء بهما؟
وَمَا لَهُ حُرْمَةٌ(2)، وَاللهُ أَعْلَمُ.
روايتان لأحمد(5): إحداهما لا يجزئ، والأخرى يجزئ، واختارها شيخ الإسلام(6)×، وعللوا ذلك لأن النهي عن استعمالهما لا لكونهما لا ينقيان بل لكونهما زاد إخواننا من الجن ولذا أدى إلى إفسادهما.
__________
(1) الشرح الممتع (1/138).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/37).
(3) أخرجه أحمد (8/470) رقم (3935)، و الترمذي في أبواب الطهارة _ باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به _ رقم (18)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/8) رقم (17).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب لا يستنجي بروث _ رقم (152).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/224).
(6) الاختيارات الفقهية ص 33.(2/53)
ولعل الرواية الأولى هي الأرجح؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - « إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ بِعَظْمٍ وَقَالَ : إِنَّهُمَا لاَ يُطَهِّرَانِ » (1).
(2) قوله « وَمَا لَهُ حُرْمَةٌ » أي كل ما كان محترمًا، فإنه لا يجوز الاستنجاء به، وذلك كطعام بني آدم وطعام دوابهم، وكذا كتب العلم الشرعية، وبالجملة كل ما فيه نفع وله حرمة في الحياة لا يجوز الاستجمار به.
بَابُ الْوُضُوْءِ (1).
... ... لاَ يَصِحُّ الْوُضُوْءُ، وَلاَ غَيْرُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ، إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَهُ(2) ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنََّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(2)، ............
الشرح:
(1) قوله « بَابُ الْوُضُوْءِ » الوضوء في اللغة مشتق من الوضاءة وهي الحسن، أما في الاصطلاح فمعناه: «الغسل والمسح لأعضاء مخصوصة على صفة مخصوصة»، وأضاف شيخنا × لفظة « التعبد لله عز وجل»(3) في تعريفه، ولعل هذا أوجه وأولى. والوُضوء بضم الواو هو اسم للفعل وهو المصدر، أما بالفتح الوَضوء فيكون اسماً للماء الذي يتوضأ به.
__________
(1) أخرجه الدارقطني في كتاب الطهارة _ باب الاستنجاء _ رقم (156) وقال : إسناد صحيح .
(2) أخرجه البخاري في باب بدء الوحي _ رقم (1)، ومسلم في كتاب الإمارة - باب قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال _ رقم (1907) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
(3) الشرح الممتع (1/183).(2/54)
واختلف فيه؛ هل هو خاص بهذه الأمة أم كان مشروعاً من قبل؟ فالذي اختاره شيخ الإسلام خصوصيته لهذه الأمة(1)، والصحيح أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، بل الذي اختصت به هو الغرة والتحجيل وهو قول شيخنا(2) × .
(2) قوله « لاَ يَصِحُّ الْوُضُوْءُ، وَلاَ غَيْرُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ، إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَهُ » وذلك لأن العبادات مأمور بها، فلا بد من النية، فهي شرط في جميع العبادات، فعليها يترتب صحة العمل وإجزاؤه وقبوله.
....................................................................................................
? تنبيهات:
أولاً: هل يشرع النطق بالنية؟ اختلف الفقهاء في حكم التلفظ بالنية: فالحنفية(3) في المختار عندهم، والشافعية(4)، والحنابلة(5) على أن التلفظ بها سنة ليوافق اللسان القلب. لكن هل النطق بها يكون سرًّا أم جهرًا؟
فالحنابلة(6) على أن النطق بها يكون سرًّا، والشافعية(7)على أن النطق بها يكون جهرًا، وقال المالكية(8) بأن التلفظ بها يجوز والأولى تركه إلا الموسوس فيستحب له التلفظ بها.
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص 28.
(2) فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/239).
(3) الأشباه لابن نجيم ص 48.
(4) مغني المحتاج (1/57).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/307)، كشاف القناع (1/87).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/307).
(7) مغني المحتاج (1/57).
(8) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/233_ 234).(2/55)
والصواب من هذه الأقوال أنه لا يشرع التلفظ بها لا سرًّا ولا جهرًا بل يكره، وهذا قول لبعض الحنفية(1) والحنابلة(2) ؛ لأنه لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل يدل على النطق بها، ولم يحفظ عنه ذلك، ولم يكن صحابته - رضي الله عنهم - ينطقون بها لا سرًّا ولا جهرًا، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(3) وسماحة شيخنا ابن باز(4) وشيخنا محمد بن صالح العثيمين(5) _ رحمهم الله _ .
ثُمَّ يَقُوْلُ: بِسْمِ اللهِ (1).
ثانيًا: يستحب تقديم النية على غسل اليدين؛ لأنه أول المسنونات، ويجب تقديمها على الوجه والمضمضة والاستنشاق؛ لأنه أول الواجبات، ويجب استصحاب حكمها إلى آخر الوضوء.
ثالثًا: معنى قول المؤلف « لا يصح الوضوء إلا بنية » أي يقصد بغسل الأعضاء رفع الحدث الذي يمنعه من الصلاة ونحوها، فإن كان قصده غسل الأعضاء من أجل التنظيف، أو من أجل التبريد لهذه الأعضاء فقط، لا بقصد رفع الحدث لم يرتفع حدثه بذلك.
(1) قوله « ثُمَّ يَقُوْلُ: بِسْمِ اللهِ » اختلفت الرواية في المذهب(6) في حكم التسمية في الوضوء، فالمذهب القول بالوجوب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ » (7).
__________
(1) حاشية ابن عابدين (1/108).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/307).
(3) الاختيارات الفقهية ص 28.
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/423).
(5) الشرح الممتع (1/195).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/274).
(7) أخرجه أحمد في المسند (2/418) رقم (9408)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب التسمية على الوضوء _ رقم (101)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها _ باب ما جاء في التسمية على الوضوء _ رقم (392)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/21) رقم (92).(2/56)
والرواية الأخرى أنها سنة، وليست بواجبة،وهي الذي اختارها ابن قدامة(1) × وقال: « ظاهر مذهب أحمد أن التسمية مسنونة في طهارة الأحداث كلها»،وبهذا قال مالك(2)،والشافعي(3)،وأبوحنيفة(4). قال الإمام أحمد ×
: «لا يثبت فيها حديث، ولا أعلم فيها حديثًا له إسناد جيد»(5). =
وَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا (1)،.....................................................................
=قلت: فمن صحح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فإنها تكون عنده واجبة ولا يصح الوضوء إلا بها ومن لم يصححه فإنها لا تكون واجبة عنده، لكن الأفضل عندي أن يقولها احتياطًا فإن تركها ولو عمدًا صح وضوؤه.
? ذكر بعض التنبيهات في التسمية:
أولاً: من توضأ داخل الحمام هل يشرع له التسمية؟
ذكرنا فيما سبق أن العلماء لهم قولان في التسمية؛ منهم من قال: بالوجوب، ومنهم من قال: بالاستحباب، فعلى قول من قال بالوجوب، فإنه يأتي بها، وتزول الكراهة لذكرها في الحمام؛ لأن الكراهة تزول عند الحاجة إلى التسمية، وهي مأمور بها عند أول الوضوء، فيسمي ويكمل وضوءه. وعند من قال بالاستحباب، فإنه لا يأتي بها داخل الحمام لكراهة ذكر الله فيه، بل يسمي في قلبه وليس بلسانه.
ثانيًا: من نسي أول الوضوء ثم ذكرها في أثنائه؟ المذهب(6) أنها تسقط سهوًا، وقيل بأنها لا تسقط سهوًا وهي إحدى الروايتين في المذهب(7)، وعلى ذلك فإنه يبدأ وضوءه من جديد.
والصحيح أنه متى ذكرها أتى بها ولا إعادة لما توضأه ولو تركها جاهلا أو ناسيًا لا إعادة عليه ولو قلنا بالوجوب لأنه معذور بالجهل والنسيان.
(
__________
(1) المغني (1/145).
(2) الشرح الصغير (1/122)، حاشية الدسوقي (1/103).
(3) مغني المحتاج (1/57).
(4) رد المحتار على الدر المختار (1/86).
(5) المغني (1/145).
(6) المرجع السابق (1/146).
(7) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/276).(2/57)
1) قوله « وَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا» هذا من سنن الوضوء، يعنى غسل الكفين ثلاثًا؛ دليل ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عثمان - رضي الله عنه - في وصفه لوضوء =
....................................................................................................
= رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه « فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ »(1). وإن تحقق طهارتهما هل يأتي بالسنة فيغسل يديه؟ نعم، يأتي بها تحقيقًا للسنة.
? تنبيهات:
أولاً: إن كان المتوضئ قائمًا من نوم ليل فالمذهب(2) على أنه يجب غسلهما لقوله - صلى الله عليه وسلم - « إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِيْ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ »(3)، فالأمر مقتضاه الوجوب ولا قرينة هنا تصرفه عنه إلى الإباحة وهذا هو الصحيح، لكن هل النوم هنا مطلق النوم أم نوم مخصوص؟ الصحيح أنه مختص بنوم الليل دون النهار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِيْ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» والبيتوتة لا تكون إلا في الليل.
ثانيًا: إن بات ويده في جراب مثلا هل يلزمه غسلها؟ الصحيح وهو المذهب(4) وجوب ذلك؛ لأن الأمر هنا تعبدي.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب المضمضة في الوضوء _ رقم (162)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب صفة الوضوء وكماله _ رقم (226) واللفظ للبخاري.
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/277 _ 278).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب الاستجمار وتراً _ رقم (160)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثاً _ رقم (276) واللفظ لمسلم.
(4) المغني (1/142).(2/58)
ثالثًا: هل يشترط حين غسلها نية؟ الصحيح أنه يشترط لها نية، لكن هل يشترط لها تسمية؟ نقول: يستحب الإتيان بها (1).
ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ ثَلاَثًا (1)........................................................
رابعًا: هل غسل اليدين لمن قام من نوم ليل يكفي عن غسل الكفين ثلاثًا لمن أراد الوضوء؟
قولان لأهل العلم، ولكن الذي يظهر أن غسل اليدين لمن قام من نوم ليل يجزئه عن غسلهما قبل الوضوء، لكنه لا يجزئه عن غسل الكفين مع اليدين أثناء غسل اليدين.
(1) قوله « ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ ثَلاَثًا » المضمضة معناها إدارة الماء في الفم ثم مجه، والاستنشاق هو إدخال الماء في الأنف وجذبه بالنفس إزالة لما فيه.
واختلفت الرواية عن الإمام أحمد(2) في حكم المضمضة والاستنشاق: فقال مرة أنهما واجبان في الطهارة الصغرى والكبرى؛ لأنهما من الوجه، والوجه مأمور بغسله بغير خلاف، ولأن الذين وصفوا وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكروا غسلهما فيه، بل لم يثبت عن أحد ممن وصفوا وضوء - صلى الله عليه وسلم - أنه تركهما.
والرواية الثانية عنه: أن الاستنشاق وحده واجب؛ لورود الأمر به كما قال - صلى الله عليه وسلم - «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ » (3).
والرواية الثالثة: أن المضمضة والاستتنشاق واجبان في الطهارة الكبرى دون الصغرى لأن الكبرى واجب فيها غسل كل ما أمكن غسله من الجسد، وهذا مذهب أبي حنيفة(4).
__________
(1) المرجع السابق (1/143).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/281، 324، 326)، المغني (1/145).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار _ رقم (237) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(4) حاشية ابن عابدين (1/102).(2/59)
يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِغَرْفَةٍ أَوْ ثَلاَثٍ (1)،.......................................................
= وذهب جمهور أهل العلم(1) إلى أنهما سنة وليسا بواجب، والصحيح وجوبهما في الطهارتين الصغرى والكبرى.
أما قوله « ثَلاَثًا » وهذا سنة في غسل جميع الأعضاء، عدا الرأس؛ فإنها تمسح مرة واحدة ، وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه مرتين، ورجليه مرة ،كما جاء ذلك في صحيحي البخاري ومسلم(2)، ولذا كان الأفضل أن ينوع الإنسان في وضوئه، فيغسل أعضاء وضوئه مرة، أو مرتين، أو ثلاثًا، وكل ذلك سنة.
(1) قوله « يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِغَرْفَةٍ أَوْ ثَلاَثٍ » هذا هو بيان كيفية المضمضة والاستنشاق، وقد وردت فيه ثلاث كيفيات:
الأولى: ما ذكرها المؤلف أن يجمع بينهما بغرفة واحدة أي ثلاث غرفات.
الثانية: ثلاث مرات من غرفة واحدة لكل من المضمضة والاستنشاق، وهذه الكيفية ضعيفة.
الثالثة: أن يجعل للمضمضة ثلاث غرفات وللاستنشاق ثلاث غرفات، فيكون المجموع ستًّا، وهذه مع القول بجوازها، إلا أنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح ،وقولنا بجوازها لأن الكيفية ليست بواجبة.
ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلاَثًا (1)، مِنْ مَنَابِتِ شَعَرِ الرَّأْسِ إِلَى مَا انْحَدَرَ مِنَ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ(2)،..................................................................................................
(
__________
(1) حاشية الدسوقي (1/97، 136)، الهداية (1/13، 16)، حاشية ابن عابدين (1/102).
(2) وهذا من حديث عبد الله بن زيد في وصفه لوضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (البخاري في كتاب الوضوء _ باب غسل الرجلين إلى الكعبين) (1/81)، وأخرجه مسلم أيضاً في كتاب الطهارة _ باب في وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1/210).(2/60)
1) قوله « ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلاَثًا » وهذا من فروض الوضوء لقوله تعالى: [? ? ? ? ? پ پ پ پ ](1) والواجب في غسل الوجه مرة واحدة تعم جميع الوجه، والزيادة عليها مستحب، لكن لا يزيد عن الثلاث، وكما ذكرنا أن الإنسان الأفضل له أن ينوع في وضوئه، فيغسل تارة مرة، وتارة مرتين، وتارة ثلاثًا، وإن خالف بين الأعضاء فجعل أحد الأعضاء مرة، والآخر مرتين، والآخر ثلاثًا، جاز له ذلك، وكله سنة، والوجه هو ما تحصل به المواجهة، أما حده فقد حدده المؤلف بقوله:
(2) قوله « مِنْ مَنَابِتِ شَعَرِ الرَّأْسِ إِلَى مَا انْحَدَرَ مِنَ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ » هذا هو حد الوجه المأمور بغسله، فهو من منابت الشعر، وقد حده بعض العلماء بأنه منحنى الجبهة من الرأس، وهذا هو مكان إنبات الشعر المعتاد، أما الأقرع (2) فيغسل الشعر النابت على الوجه ويجب غسل ما تحته إن كان يصف البشرة. أما الأجلح(3)، فيغسل من منحنى الجبهة من الرأس.
أما اللحيان فهما العظمان اللذان في أسفل الوجه النابت عليهما الأسنان، والذقن مجمع اللحيين، فإن كان في الذقن شعر طويل هل يغسل؟
قولان في المذهب(4)؛أصحهما القول بوجوب غسل ما استرسل من اللحيين=
وَإِلَى أُصُوْلِ الأُذُنَيْنِ(1).
وَيُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ إِنْ كَانَتْ كَثِيْفَةً، وَإِنْ كَانَتْ تَصِفُ الْبَشَرَةَ لَزِمَهُ غَسْلُهَا (2)، ......
= والذقن، وهذا هو الأحوط والأولى، وهو اختيار شيخنا(5) ×.
(1) قوله « وَإِلَى أُصُوْلِ الأُذُنَيْنِ » يعني به وتد الأذن، وحدده البعض بأنه البياض بين العارض والأذن وهذا من الوجه.
(
__________
(1) سورة المائدة : 6.
(2) الأقرع هو الذي له شعر نازل على الجبهة.
(3) يقال: الجلح هو ذهاب الشعر من مقدم الرأس، أو يقال: انحسار الشعر عن جانبي الرأس.
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/333).
(5) الشرح الممتع (1/172).(2/61)
2) قوله « وَيُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ إِنْ كَانَتْ كَثِيْفَةً، وَإِنْ كَانَتْ تَصِفُ الْبَشَرَةَ لَزِمَهُ غَسْلُهَا » لما كانت اللحية تشارك الوجه في معنى المواجهة جعل لها المؤلف حكماً خاصا بها.
واللحية إما كثيفة وإما خفيفة، فالكثيفة هي التي تستر البشرة أي لا ترى البشرة من كثافتها، فتخليلها سنة، وبه قال الأئمة الثلاثة(1)، لكن اختلفت الرواية في حكم غسل المسترسل من اللحية؛ فالمشهور من المذهب وجوب غسله، وقيل: لا يجب غسله.
والصحيح وجوب غسل المسترسل من اللحية؛ لأن اللحية وإن طالت تحصل بها المواجهة، فهي داخلة في حد الوجه، وهذا هو قول شيخنا(2) ×.
أما اللحية التي تصف البشرة قال المؤلف × « لَزِمَهُ غَسْلُهَا » بل وغسل ما تحتها؛ لأنه تبع لها، وهذا قول واحد في المذهب. فالحاصل أن البشرة تأخذ حكم الظاهر إذا بدت في اللحية مع وجوب غسل اللحية كما ذكرنا.
أما في الطهارة الكبرى فيجب وصول الماء إلى ما تحت اللحية كثيفة كانت =
ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثًا (1)،وَيُدْخِلُهُمَا فِي الْغَسْلِ (2)، ..................
=أو خفيفة لقول عائشة _ رضي الله عنها_ في صفة غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - «... حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ »(3) .
__________
(1) الدر المختار ورد المحتار (1/66، 69، 79)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/86)، مغني المحتاج (1/51، 60).
(2) الشرح الممتع (1/172).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الغسل _ باب تخليل الشعر _ رقم (269).(2/62)
أما أدلة تخليل اللحية فمنها ما رواه أبو داود وغيره عن أنس - رضي الله عنه - : « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِيْ رَبِّيْ عَزَّ وَجَلَّ »(1).
? تنبيه: في صفة تخليل اللحية: لتخليلها صفتان هما:
الأولى: أن يأخذ كفًا من ماء ويجعله تحتها حتى تتخلل به.
الثانية: أن يأخذ كفًا من ماء ويخللها بأصابعه كالمشط أفاد ذلك شيخنا(2) ×. ومعنى التخليل تفريق شعر اللحية وإسالة الماء بينه.
(1) قوله « ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثًا » هذا من فروض الوضوء، قال تعالى :[? ? ?] (3)، وقوله: « ثَلاَثًا » هذا سنة ولكن كما ذكرنا الواجب مرة واحدة والزيادة عليها سنة.
(2) وقوله «وَيُدْخِلُهُمَا فِي الْغَسْلِ» أي يدخل المرفقين في الغسل؛ لأنهما من جملة محل الفرض المأمور بغسله.
? تنبيهان:
أولاً: في حالات مقطوع اليد:
....................................................................................................
=الحالة الأولى: إن كان القطع دون المرفقين غسل ما بقي منه إلى الحد المأمور بغسله وهو المرفقين لأن العجز عن بعض الواجب لا يسقط فعل ما يقدر عليه قال تعالى: [ہ ہ ہ ھ ] (4).
الحالة الثانية: إن كان القطع فوق المرفقين فهنا يسقط عنه الغسل لسقوط المحل المأمور بغسله.
الحالة الثالثة: أن كان القطع من مفصل المرفق غسل رأس العضد على الصحيح من المذهب(5).
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة _ باب تخليل اللحية _ رقم(145)، و صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/30) رقم (132).
(2) الشرح الممتع ( 1/173).
(3) سورة المائدة : 6.
(4) سورة التغابن: 16.
(5) المغني (1/173 _ 174).(2/63)
ثانيًا: هل يستحب الزيادة على الفرض في غسل المرفقين كأن يغسل العضدين مثلاً؟ قولان لأهل العلم؛ الأول: استحباب مجاوزة محل الفرض في الوضوء، وهذا ما عليه الشافعية(1) والحنابلة(2)؛ لحديث أبي هريرة وفيه « فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ » (3) .
القول الثاني: أنه لا يشرع ولا يستحب مجاوزة محل الفرض، وهذا هو مذهب مالك(4) وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد(5) واختارها شيخ =
ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَعَ الأُذُنَيْنِ، يَبْدَأُ بِيَدَيِّهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ يُمِرُّهُمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إِلَى مُقَدَّمِهِ(1).
=الإسلام(6)، وبه قال الشيخ عبد الرحمن السعدي(7)، وشيخنا(8)، وهو الصحيح؛ وذلك لأن الذين وصفوا وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكروا إلا أنه يغسل اليدين إلى المرفقين وكذا الرجلين إلى الكعبين.
أما دليلهم فهو موقوف على أبي هريرة، وفعل أبي هريرة مبني على اجتهاده فقد يصيب وقد يخطئ، فالمرء غير معصوم إلا الأنبياء والمرسلين فيما يبلغونه عن الله تعالى.
(1) قوله « ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَعَ الأُذُنَيْنِ، يَبْدَأُ بِيَدِهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ يُمِرُّهُمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إِلَى مُقَدَّمِهِ » هذه هي صفة مسح الرأس التي هي فرض من فرائض الوضوء، قال تعالى:[? ?].
__________
(1) مغني المحتاج (1/61).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/374).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء _ رقم (136)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب استحباب الغرة والتحجيل في الوضوء _ رقم (246).
(4) الشرح الصغير (1/194).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير (1/374).
(6) الاختيارات الفقهية ص 30.
(7) المختارات الجلية ص 18 _ 19.
(8) فتح ذي الجلال والإكرام لشرح بلوغ المرام (1/303 _ 304).(2/64)
وليست هذه الصفة واجبة فعلى أي صفة مسح أجزأ، دليل هذه الصفة ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن زيد في وصفه لوضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه «...ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ... »(1).
? تنبيهات:
أولاً: في قوله «ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَعَ الأُذُنَيْنِ» فالأذنان من الرأس لقوله - صلى الله عليه وسلم - =
..................................................................................................................
= «الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ»(2) وهو منصوص على مسحهما؛ لقوله تعالى: [? ? ] .
ثانيًا: هل يؤخذ ماء جديد للأذنين؟ لا خلاف في المذهب(3) بأنه يجزئ مسحهما بماء الرأس للأدلة التي ذكرناها من كون الأذنين من الرأس، لكن اختلفت الرواية في المذهب(4) هل الأفضل أن يأخذ ماءً جديدًا للأذنين أم الأفضل مسحهما بماء الرأس؟
والصحيح عندي أن الأفضل عدم أخذ ماء جديد للأذنين لأن الذين وصفوا وضوءه - صلى الله عليه وسلم - ذكروا أنه مسح رأسه وأذنيه بماء واحد، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام(5) ×.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب مسح الرأس كله (183)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (235).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة _ باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم(134)، والترمذي في أبواب الطهارة _ باب ما جاء أن الأذنين من الرأس _ رقم (37)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/28) رقم (122).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/288 _ 289).
(4) المرجع السابق .
(5) الاختيارات الفقهية ص 29.(2/65)
ثالثًا: السنة عدم تكرار مسح الرأس أكثر من مرة، هذا هو الصحيح من المذهب(1) ؛ لأنه لم يثبت عن النبي فعله وذلك من خلال الذين وصفوا وضوءه بل جاء في بعض ألفاظ الحديث «كَانَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً »(2) فلا يستحب الزيادة على المرة، وهذا اختيار شيخ الإسلام(3) ×.
ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلاَثًا (1)، وَيُدْخِلُهُمَا فِيْ الْغَسْلِ (2)، وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُمَا(3)،.................................................................................
=رابعًا: الصحيح في المذهب(4) عدم استحباب مسح العنق؛ لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه حديث صحيح، وهذا اختيار شيخ الإسلام(5) ×.
(1) قوله«ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلاَثًا» هذا أيضًا فرض من فرائض الوضوء، دليله قوله تعالى:[? ? ?](6)، ولم يخالف أحد في هذا الفرض إلا الروافض؛ فهم يخالفون أهل السنة في غسل الرجلين في أمور ثلاثة:
1ـ أنهم يرون المسح على الرجلين دون الغسل.
2ـ أنهم يرون أن المسح على العظم الناتىء في ظهر القدم، وهذا هو تعريف الكعب عندهم.
3ـ أنهم لا يرون المسح على الخفين بل يرون تحريمه.
(2) قوله « وَيُدْخِلُهُمَا فِيْ الْغَسْلِ » الضمير يعود على الكعبين؛ وهما العظمان الناتئان اللذان بأسفل الساق من جانب القدم.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/358).
(2) أخرجه الإمام أحمد (5/268) رقم (22364)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم(132) .
(3) الاختيارات الفقهية ص 209.
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/357).
(5) الاختيارات الفقهية ص 29.
(6) سورة المائدة : 6.(2/66)
3) قوله « وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُمَا » يعني أصابع الرجلين وهذا ليس بواجب بل هو سنة دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - للقيط بن صبرة « أَسْبِغِ الْوُضُوْءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ »(1) وإن كانت الأدلة التي جاءت بتخليل الأصابع لا تخلو من مقال، لكن ما دام =
ثُمَّ يَرْفَعُ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ(1)، فَيَقُوْلُ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ(2). وَالْوَاجِبُ مِنْ ذالِكَ النِّيَّةُ (3)،......
=أن هناك من صحح هذه الأدلة فالقول بسنيتها أقرب، وهو أحد القولين في المذهب(2).
(1) قوله «ثُمَّ يَرْفَعُ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ» أي يسن فعل ذلك هذا إذا صح الحديث فيها وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوْءَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ» (3)، وهذه الزيادة يعنى « ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ » زيادة حكم عليها كثير من أهل العلم بالنكارة، فالذي أراه أنه لا يشرع فعلها.
(
__________
(1) أخرجه وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب في الاستنثار _ رقم (142)، والترمذي في كتاب الصوم _ باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم _ رقم (788) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/29) رقم (129).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/286).
(3) أخرجه أحمد (4/150) قال الألباني في الإرواء (1/125): هذه الزيادة منكرة لأنه تفرد بها ابن عم عقيل وهو مجهول.(2/67)
2) قوله « فَيَقُوْلُ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ » هذا أيضًا من سنن الوضوء، وقد ورد في ذلك حديث عند مسلم: أن من قال هذه الكلمات « فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ »(1).
وهناك زيادة أخرى لم يذكرها المؤلف وهي صحيحة وهي قول « اللَّهُمَّ اجْعَلْنِيْ مِنَ التَّوَّابِيْنَ وَاجْعَلْنِيْ مِنَ الْمُتَطَهِّرِيْنَ » (2).
(3) قوله « وَالْوَاجِبُ مِنْ ذالِكَ النِّيَّةُ » وقد سبق الكلام عليها.
وَالْغَسْلُ مَرَّةً مَرَّةً(1)، مَا خَلاَ الْكَفَّيْنِ(2)، وَمَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ(3).
(1) قوله « وَالْغَسْلُ مَرَّةً مَرَّةً » وقد تكلمنا أيضًا عن ذلك فيما سبق، وقلنا: بأنه جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه غسل أعضاءه مرة ومرتين وثلاثًا، وأيضًا عنه: أنه خالف بين أعضاء الوضوء فغسل بعضها مرة والأخرى مرتين وثلاثًا، وقلنا: بأن هذا كله سنة، لكن الواجب هو غسل جميع الأعضاء مرة مرة، والزيادة على ذلك سنة.
(2) قوله « مَا خَلاَ الْكَفَّيْنِ » لأن غسلهما سنة، إلا إذا كان قائمًا من نوم ليل، فهنا يكون غسلهما واجبًا كما ذكرناه سابقًا.
(3) قوله « وَمَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ » هذا هو الصحيح والمشهور من المذهب(3)، وفي رواية في المذهب(4) أنه يجزئ مسح أكثره.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب الذكر المستحب عقب الوضوء _ رقم (234).
(2) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة _ باب فيما يقال بعد الوضوء _ رقم (55) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/18) رقم (48).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/348).
(4) المرجع السابق.(2/68)
والصحيح أنه لا يجزئ مسح بعض الرأس، وهو اختيار شيخ الإسلام(1)، وبه قال شيخنا(2) ×،ولذا من مسح بناصيته دون بقية رأسه فإنه لا يجزئه؛ لقوله تعالى:[? ?](3) والباء ليست للتبعيض كما زعم البعض.
? تنبيه: إن غسل الرأس دون أن يمسحه هل يجزئه؟ قولان: والذي عليه المذهب(4) أنه يجزئه بشرط أن يمر يده على رأسه وإلا فلا.
والذي قاله شيخنا(5) في هذه المسألة أن المسح أفضل من الغسل؛ لوروده في=
وَتَرْتِيْبُ الْوُضُوْءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (1)،...................................................
=القرآن، لكن إجزاء الغسل مطلقًا عن المسح فيه نظر، أما مع إمرار اليد على الرأس فالأمر في هذا أقرب.
(1) قوله « وَتَرْتِيْبُ الْوُضُوْءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا » هذا أيضًا من الواجبات التي يجب مراعاتها في الوضوء، وهذا ظاهر المذهب(6)، وهو الصحيح، وبه قال الشافعي(7) وشيخ الإسلام(8) وشيخنا محمد(9) ×.
وذهب الحنفية(10) والمالكية(11) وهو رواية عن أحمد(12) إلى القول بسنية الترتيب.
دليل من قال بالوجوب أن الله تعالى ذكر الوضوء في قرآنه مرتبًا وأدخل ممسوحًا (وهو الرأس) بين مغسولات (وهي الوجه والمرافق والرجلان)، والعرب لا تفعل ذلك إلا لفائدة، والفائدة هنا هي للترتيب.
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص 29.
(2) الشرح الممتع (1/187).
(3) سورة المائدة : 6.
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/345).
(5) الشرح الممتع (1/186).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/298 _ 299).
(7) المجموع شرح المهذب (1/441).
(8) شرح العمدة (1/203 _ 204).
(9) الشرح الممتع (1/189 _ 190).
(10) رد المحتار على الدر المختار (1/83).
(11) الشرح الصغير (1/120).
(12) المغني (1/136 _ 137).(2/69)
ومن الأدلة أيضًا أن الذين ذكروا صفة وضوئه - صلى الله عليه وسلم - ذكروه مرتبًا وفق ما جاءت به نصوص القرآن بل لم يأت عن بعضهم أنه خالف في مرة فغسل الوجه بعد
المرفقين أو قدم الرجلين قبل غسل الوجه ونحوه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - « أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ
اللهُ بِهِ»(1).
وَأَنْ لاَ يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الَّذِيْ قَبْلَهُ(1).
? تنبيه: هل يسقط الترتيب بالجهل والنسيان؟ في رواية في المذهب(2) القول بسقوطه؛ لأنهما عذر. وقال آخرون: بأنه يسقط جهلاً ولا يسقط نسيانًا. والصواب أن الوضوء لا يسقط جهلاً ولا نسيانًا؛ لأنه عبادة واحدة، فكما أن الصلاة إذا اختلف الترتيب فيها فسجد قبل أن يركع نسياناً، فإنها لا تجزئه، فكذلك الوضوء، وهو قول شيخنا ×.
(1) قوله « وَأَنْ لاَ يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الَّذِيْ قَبْلَهُ »: هذا الحكم يعبر عنه الفقهاء بالموالاة وهي واجبة في ظاهر المذهب(3)، وبها قال المالكية(4)، وهو اختيار شيخ الإسلام(5)، وبه قال شيخنا(6) ×.
وذهب الحنفية(7) والشافعية(8) وبعض الحنابلة(9) إلى القول بسنية الموالاة، وعللوا ذلك؛ بأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء وهو حاصل بالموالاة وعدمها.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج _ باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (1218) ، والبيهقي في السنن الكبرى (5/93) رقم (9120)، وصححه الألباني في الإرواء (1120).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/303).
(3) المرجع السابق (1/302).
(4) حاشية الدسوقي (1/91 _ 92).
(5) شرح العمدة (1/207 _ 208).
(6) الشرح الممتع (1/191).
(7) بدائع الصنائع (1/23).
(8) المجموع شرح المهذب (1/452).
(9) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/302).(2/70)
والصحيح القول الأول لأنها عبادة واحدة لا يمكن تجزئتها بل جاءت نصوص السنة تدل على ذلك فلم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين أعضائه في الوضوء بل لما « رَأَى رَجُلاً يُصَلِّيْ وَفِيْ ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا
الْمَاءُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعِيْدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ »(1).
وَالْمَسْنُوْنُ التَّسْمِيَةُ (1)، وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ(2)، وَالْمُبَالَغَةُ فيِ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ صَائِمًا (3)،................................................
? تنبيهات:
أولاً: قول المؤلف × « وَأَنْ لاَ يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الَّذِيْ قَبْلَهُ » هذا بشرط أن يكون في زمن معتدل خال من الريح أو شدة الحر والبرد.
ثانيًا: في رواية لأحمد(2) أن الموالاة حدها يكون بطول الفصل عرفًا لا بنشاف الأعضاء أي لا بد أن يكون الوضوء متقاربًا وهذا المرجع فيه إلى العرف، لكن العرف قد لا ينضبط في هذه الحالة ولذا كان الأقرب القول بنشاف الأعضاء وهو قول شيخنا(3) ×.
ثالثًا: إذا فاتت الموالاة لأمر يتعلق بالطهارة مثل أن يكون على يديه حائل يمنع من وصول الماء كبوية مثلاً فينشغل بإزالتها في أثناء وضوئه فتنشف الأعضاء فهنا لا يضره.
هذه جملة من سنن الوضوء:
(1) قوله « وَالْمَسْنُوْنُ التَّسْمِيَةُ » وقد سبق ذكر الخلاف فيها.
(2) قوله «وَغَسْلُ اْلكَفَّيْنِ» هذا من السنن، وقد ذكرنا أيضًا أن هذا خاص بمن لم يقم من نوم ليل.
(
__________
(1) أخرجه أحمد (2/424) رقم (14948)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب تفريق الوضوء _ رقم =
(2) =(175)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/36) رقم (161).
( ) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/304).
(3) الشرح الممتع (1/193).(2/71)
3) قوله « وَالْمُبَالَغَةُ فيِ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ صَائِمًا » وهي سنة على الصحيح من المذهب(1).
وَتَخْلِيْلُ اللِّحْيَةِ وَالأَصَابِعِ(1)، وَمَسْحُ الأُذُنَيْنِ(2). وَغَسْلُ الْمَيَامِنِ قَبْلَ الْمَيَاسِرِ(3)، وَالْغَسْلُ ثَلاَثًا ثَلاَثًا (4). وَتُكْرَهُ الزِّياَدَةُ عَلَيْهَا (5)،.........................................
=وفيه قول آخر أنها واجبة _ أي المبالغة فيها _.
والصحيح سنيتها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - للقيط بن صبرة «.. . وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ صَائِمًا »(2).
(1) قوله « وَتَخْلِيْلُ اللِّحْيَةِ وَالأَصَابِعِ » سبق بيان ذلك.
(2) قوله « وَمَسْحُ الأُذُنَيْنِ » أي أنه سنة، والصحيح وجوب مسحهما؛ لأنهما من الرأس كما ذكرنا ذلك.
(3) قوله « وَغَسْلُ الْمَيَامِنِ قَبْلَ الْمَيَاسِرِ » يعنى: يبدأ باليمنى قبل اليسرى في غسله لأعضاء وضوئه، وهما اليدان والرجلان، وهذا لقول عائشة _ رضي الله عنها_ « كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُوْرِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ »(3) وهذا من باب إكرام اليمنى، فإن قدم اليسرى على اليمنى في غسل الأعضاء فإنه يجزئه، لكنه خالف السنة.
(4) قوله « وَالْغَسْلُ ثَلاَثًا ثَلاَثًا » سبق بيان ذلك.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/283).
(2) أخرجه وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب في الاستنثار _ رقم (142)، والترمذي في كتاب الصوم _ باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم _ رقم (788) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/29) رقم (129).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب التيمن في الوضوء والغسل _ رقم (166)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب التيمن في الطهور وغيره _ رقم (268) واللفظ للبخاري.(2/72)
5) قوله « وَتُكْرَهُ الزِّياَدَةُ عَلَيْهَا » أي يكره الزيادة على الثلاث ؛لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: « هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ =
وَالإِسْرَافُ فِي الْمَاءِ(1). وَيُسَنُّ السِّوَاكُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ(2)،.......................
=فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ » (1)، فالزيادة عن الثلاث غير مشروعة بل مكروهة.
(1) قوله «وَالإِسْرَافُ فِي الْمَاءِ» أي يكره الإسراف في الماء،وإن كان الحديث الذي يحتج به فيه ضعف أعني حديث سعد - رضي الله عنه - وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له: « مَا هَذَا السَّرَفُ؟ فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوْءِ إِسْرَافٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ»(2)، ولكن القواعد العامة في شريعتنا تدل على عدم الإسراف، لاسيما أن الله تعالى نهى عنه وبيَّن أنه لا يحب أهله، قال تعالى:[ پ ? ? ?? ? ? ? ? ](3)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّهُ سَيَكُونُ فِيْ هَذِهِ اْلأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُوْنَ فِي الطَّهُوْرِ وَالدُّعَاءِ» (4) .
(
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/180) رقم (6684)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً (135)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/28) رقم (123).
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/221) رقم (7065)، وابن ماجه في كتاب الطهارة _ باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه _ رقم (425) ، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه حديث رقم (96).
(3) سورة الأعراف : 31 .
(4) أخرجه أحمد في المسند (4/87) رقم (16847)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب الإسراف في الماء _ رقم (96)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/21) رقم (87).(2/73)
2) قوله « وَيُسَنُّ السِّوَاكُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ » أي تتأكد سنية السواك عند تغير الفم، دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :«السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ »(1)، وفي هذا الحديث فائدتان عظيمتان:
الأولى: دنيوية وهي كونه مطهرة للفم.
وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ(2)، وَعِنْدَ الصَّلاَةِ(3) ؛ لِقَوْلِ رَسُوِلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْ لاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِيْ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ »(2) ، وَيُسْتَحَبُّ فِيْ سَائِرِ الأَوْقَاتِ إِلاَّ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ(4).
=الثانية: فائدة أخروية أنه مرضاة للرب، فبهذا الفعل البسيط يحصل الإنسان على أجر عظيم.
(1) قوله « وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ » هذا مما يتأكد له السواك حديث حذيفة قال: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوْصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ »(3).
(2) قوله « وَعِنْدَ الصَّلاَةِ » ذكر المؤلف دليل ذلك وهو حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - « لَوْ لاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِيْ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ».
(
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (1/3) رقم (7)، والنسائي في كتاب الطهارة باب الترغيب في السواك _ رقم (5) عن أم المؤمنين عائشة _ رضي الله عنها_، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/4) رقم (5).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة _ باب السواك يوم الجمعة _ رقم (838)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب السواك _ رقم (252).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب السواك _ رقم (242)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب السواك _ رقم(255).(2/74)
3) قوله « وَيُسْتَحَبُّ فِيْ سَائِرِ الأَوْقَاتِ إِلاَّ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ » هذا هو المذهب(1)، أي لا يستحب للصائم بعد الزوال؛ وذلك بدليلين:
الأول: بدليل النهي عن التسوك بعد الزوال للصائم، فعن عليّ مرفوعًا « إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوْا بِالْغَدَاةِ وَلا تَسْتَاكُوْا بِالْعَشِيِّ » (2) .
الثاني: بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - «.. لَخُلُوْفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ... »(3).
..................................................................................................................
=وفي رواية أخرى في المذهب(4) أنه مسنون قبل الزوال وبعده، واختار هذه الرواية شيخ الإسلام(5)، وهو قول الحنفية(6)، والمالكية(7)، واختارها شيخنا(8)، وهو الصحيح.
دليل ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وحديث عائشة _ رضي الله عنهما_ السابقين، فلم يستثن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتًا دون وقت.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/240 _ 241).
(2) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/274) رقم (8120) ، والدارقطني (2/204) رقم (7)، والطبراني (4/99) رقم (3608) وضعفه الألباني في الإرواء حديث رقم (67).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصوم _ باب فضل الصيام _ رقم(1795) ومسلم في كتاب الصيام _ باب=
(4) = فضل الصيام _ رقم (1151) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
( ) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/240 _ 241).
(5) الاختيارات القهية ص 25.
(6) حاشية ابن عابدين (2/175).
(7) التفريع لابن الجلاب البصري (1/308).
(8) الشرح الممتع (1/151).(2/75)
وأيضًا حديث عامر بن ربيعة - صلى الله عليه وسلم - حيث قال « رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَا لاَ أُحْصِيْ يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ»(1) والحديث حسنه الترمذي وضعفه بعض أهل العلم.
أما الإجابة على أدلة من قال بكراهية التسوك بعد الزوال، فنقول: بأن الحديث الأول ضعيف لا تقوم به الحجة، وحديث «.. لَخُلُوْفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ... » لا يدل على كراهية التسوك بعد الزوال وإنما هو من باب الإخبار بمحبة الله تعالى لخلوف فم الصائم، ولذا جاء عند الطبراني عن عبد الرحمن بن غنم قال: سَأَلْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ: أَتَسَوَّكُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَيَّ النَّهَارِأَتَسَوَّكُ؟ قَالَ: أَيَّ النَّهَارِشِئْتَ،إِنْ شِئْتَ غُدْوَةً،وَإِنْ شِئْتَ عَشِيَّةً،قُلْتُ: فَإِنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُ=
.........................................................................................................
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/445) رقم (15716)، والترمذي في أبواب الصوم _ باب ما جاء في السواك للصائم (725) وحسّنه، وضعّفه الألباني في الإرواء رقم (68).(2/76)
=عَشِيَّةً، قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « لَخُلُوْفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيْحِ الْمِسْكِ » ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، لَقَدْ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالسِّوَاكِ حِينَ أَمَرَهُمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَكُوْنَ بِفَمِ الصَّائِمِ خُلُوْفٌ وَإِنِ اسْتَاكَ وَمَا كَانَ بِالَّذِيْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يُنْتِنُوْا أَفْوَاهَهُمْ عَمْدًا، مَا فِيْ ذَلِكَ مَنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، بَلْ فِيْهِ شَرٌّ... » (1).
? تنبيهان:
أولاً : الصحيح أنه يحصل من السنية بقدر ما حصل من الإنقاء فتحصل السنية إذا تسوك الإنسان بخرقة أو إصبع ونحوه بخلاف من قال باشتراط العود للسواك.
ثانيًا : هل يستاك باليد اليمنى أم اليد اليسرى؟ على أقوال عند أهل العلم، والذي أراه أن الأمر واسع لعدم ثبوت نص واضح في المسألة.
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم (20/70) رقم (133)، قال الحافظ في التلخيص ص113: إسناده جيد، وانظره في إرواء الغليل تحت حديث رقم (67).(2/77)
بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (1).
... يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِنَ الْجَوَارِبِ الصَّفِيْقَةِ الَّتِيْ تَثْبُتُ فِي الْقَدَمَيْنِ(2)،.......................................................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ » مناسبة ذكر باب المسح على الخفين بعد باب الوضوء؛ أنه لما كان المسح بدل عن الغسل الذي هو الأصل ناسب أن يأتي به هنا.
والمسح على الخفين دلت على مشروعيته أحاديث كثيرة، قال الحسن البصري(1) ×: «حدثني سبعون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على خفيه»، وقال الإمام أحمد(2): «ليس في نفسي من المسح شيء فيه سبعون حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ».
(2) قوله «يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَماَ أَشْبَهَهُمَا مِنَ الْجَوَارِبِ الصَّفِيْقَةِ الَّتِيْ تَثْبُتُ فِي الْقَدَمَيْنِ» دل على جوازه الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى:[ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ?](3)، فقوله: [?] جاءت فيه قراءتان صحيحتان: إحداهما: [?] بالنصب عطفًا على [پ]فتكون الرجلان مغسولتين؛ لأن حكمهما هنا حكم الوجه.
..................................................................................................................
=الثانية: [وَأَرْجُلِكُمْ] بالجرّ عطفًا على [رُؤُوْسِكُمْ] فتكون الرجلان ممسوحتين؛ لأن حكم الرأس المسح، والذي بيّن ذلك السنة، فقد جاءت بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت رجلاه مكشوفتين غسلهما، وإن كانتا مستورتين مسح عليهما.
__________
(1) المغني (1/359).
(2) المرجع السابق .
(3) سورة المائدة : 6.(3/1)
وأما دلالة السنة على ذلك فكثيرة، منها حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قوله توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهويت لأنزع خفيه، فقال: « دَعْهُمَا فَإِنِّيْ أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»(1).
وأما الإجماع فقد نقل ابن المنذر الإجماع على جوازه واتفق أهل السنة على مشروعيته(2).
? تنبيه: في شروط المسح على الخفين على المذهب(3) مع بيان الراجح في ذلك:
1ـ أن يكون الخف طاهرًا، فإن كان نجسًا فلا يجوز المسح عليه، دليل ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلان فخلعهما في أثناء صلاته، فجاء إليه جبريل فأخبره أن به أذى أو قذرًا فخلعهما - صلى الله عليه وسلم - . وجه الدلالة أنه لا يجوز الصلاة فيما فيه النجاسة، ولأن النجس إذا مسح عليه بالماء تلوث الماسح بالنجاسة، فلا يصح المسح عليه إذًا.
2ـ أن يكون مباحًا،فإن كان محرمًا لكسبه كأن يكون مغصوبًا أو مسروقًا، =
.........................................................................................................
=ومحرمًا لعينه كأن يكون الخف من جلد محرم مثلاً، أو تكون الجوارب من حرير هذا بالنسبة للرجل، أو يكون في الجوارب صور، فهنا لا يصح المسح عليها، وذلك لأن المسح على الخفين رخصة لا تستباح بالمعصية، هذا هو الصحيح في المذهب، وفي رواية أخرى يصح مع التحريم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان _ رقم (203)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب المسح على الخفين _ رقم (274).
(2) الإجماع لابن المنذر ص 34.
(3) يرجع في هذه الشروط في المغني (1/361 _ 365)، والمقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/379 _ 381).(3/2)
3ـ كون الممسوح عليه ساترًا للمفروض: أي للمفروض غسله من الرجل، أي لا يتبين شيء من الرجل، فإن كان في الخف أو الجورب ونحوه خرق فإنه لا يجوز المسح عليه، وهذا هو المشهور من المذهب، وذلك لأن القدم إذا بدا بعضها كان الظاهر منها حكمه الغسل، والجمع بين الغسل والمسح لا يجوز، فتعين الغسل للجميع.
وفي رواية في المذهب بجواز المسح على المخرق الذي يمكن متابعة المشي به، ولا دليل على اشتراط عدم الخرق للجورب ونحوه، ولأنه مادام اسم الخف أو الجورب باقيًا، فإنه يجوز المسح عليه، وهذا هو الصحيح، وهو قول شيخ الإسلام(1)، وشيخنا(2) _ رحمهما الله _.
4ـ إمكان المشي بهما عرفًا، أي يكون الخف مما يمكن الانتفاع به عرفًا كأن يكون من جلد أو قماش ونحوه مما جرت العادة المشي به، أما إن كان مما لا يمكن المشي به كالزجاج والخشب ونحوه مما لا يصح أن يكون خفًّا أو جوربًا فلا يصح المسح عليه.
..................................................................................................................
5ـ أن لا يصف البشرة، هذا هو المذهب وبه قال سماحة شيخنا عبد العزيز ابن باز(3) ×.
والصححيح أنه لا يشترط أن يكون الجورب صفيقًا لا تبدو من ورائه البشرة فليس في السنة ما يدل على اشتراط ستر الرجل في الخف أو الجورب وما شابهه وهو اختيار شيخ الإسلام(4) وشيخنا(5) _ رحمهما الله _.
6ـ ثبوتها بنفسها أو بنعلين إلى خلعهما، فلو ثبت بشده فلا يجوز المسح عليه هذا هو المذهب.
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص 33.
(2) الشرح الممتع (1/232 _ 233).
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/110).
(4) الاختيارات الفقهية ص 33.
(5) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين (11/167).(3/3)
والصحيح أنه لا يشترط هذا الشرط لعدم ورود الدليل، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(1) وهو قول شيخنا(2) ×.
7ـ أن يكون لبس الخفين أو الجوربين بعد كمال الطهارة، فلو غسل أحد القدمين ثم أدخلها في الخف أو الجورب ثم غسل الأخرى ثم أدخلها في الخف أو الجورب فلا يصح بل لا بد من كمال الطهارة ثم اللبس، هذا هو المذهب، وهو الصحيح، لأنه الأولى والأحوط؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - « فَإِنِّيْ أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ » وهذا قول الشيخين(3)، وقال شيخ الإسلام(4) بعدم اشتراط هذا الشرط.
وَالْجَرَامِيْقِ الَّتِيْ تُجَاوِزُ الْكَعْبَيْنِ (1) فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى (2)، يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيْمِ وَثَلاَثًا لِلْمُسَافِرِ(3)،...........................................................................
(1) قوله « وَالْجَرَامِيْقِ الَّتِيْ تُجَاوِزُ الْكَعْبَيْنِ » الجرموق بضم الجيم هو نوع من الخفاف يلبس فوق الخفين في البلاد الباردة.
(2) قوله « فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى » أما في الكبرى فلا يجوز المسح بدليل حديث صفوان بن عسال - رضي الله عنه - قال: « كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَوْ مُسَافِرِينَ أَنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيْهِنَّ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ » (5).
(
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص 33.
(2) الشرح الممتع (1/234).
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/117)، الشرح الممتع (1/249).
(4) الاختيارات الفقهية ص 35.
(5) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/240) رقم (18120)، والترمذي في أبواب الطهارة _ باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم _ رقم (96)، والنسائي في كتاب الطهارة _ باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر _ رقم (127) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1/30) رقم (84).(3/4)
3) قوله «يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيْمِ وَثَلاَثًا لِلْمُسَافِرِ» هذه هي المدة التي يجوز فيها المسح، وباشتراط المدة للمسح قال أبو حنيفة(1)، والشافعي(2)، وأكثر أهل العلم، وذهب مالك(3) إلى عدم الاشتراط، أما شيخ الإسلام(4) فيرى عدم توقيت مدة للمسح في حق المسافر الذي يشق اشتغاله بالخلع واللبس كالبريد المجهز في مصلحة المسلمين
والصحيح اشتراط المدة، وهو قول جمهور أهل العلم وبه قال الشيخان(5)، دليل ذلك حديث عليٍّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيْمِ»(6)، وكذا حديث صفوان =
مِنَ الْحَدَثِ إِلَى مِثْلِهِ(1)؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيْهِنَّ، وَالْمُقِيْمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً »(7). وَمَتَى مَسَحَ ثُمَّ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ، أَوْ خَلَعَ قَبْلَهَا، بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ (2).
=ابن عسال السابق.
(
__________
(1) فتح القدير (1/147).
(2) مغني المحتاج (1/64).
(3) المدونة (1/45).
(4) الاختيارات الفقهية ص35 _ 36
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/109)، الشرح الممتع (1/225).
(6) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب التوقيت في المسح على الخفين _ رقم (276).
(7) أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/96) رقم (748)، والنسائي في كتاب الطهارة _ باب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم (128)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها _ باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم و المسافر (555).(3/5)
1) قوله « مِنَ الْحَدَثِ إِلَى مِثْلِهِ » هذا هو المشهور من الروايتين وهو المذهب(1)، وفي الرواية الأخرى(2) من حين المسح بعد الحدث، وهذا هو الصحيح، وبه قال الشيخان(3)، دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - « يمسح المقيم » « ويمسح المسافر» ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح.
(2) قوله « وَمَتَى مَسَحَ ثُمَّ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ، أَوْ خَلَعَ قَبْلَهَا، بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ » هذه هي بعض مبطلات المسح على المذهب وهي:
أولاً: انقضاء المدة، فالصحيح من المذهب(4) أنه بانقضاء المدة المعتبرة في المسح تبطل الطهارة، دليل ذلك مفهوم أحاديث التوقيت، وهذا هو الراجح.
وقيل بأن الطهارة لا تبطل بانقضاء المدة، وهو قول شيخ الإسلام(5)، وبه قال شيخنا محمد االعثيمين(6) ×؛ وذلك لأن الطهارة وجدت بمقتضى دليل شرعي ولا دليل على بطلانها.
وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ(1)، أَوْ مُقِيْمًا ثُمَّ سَافَرَ، أَتمََََّ مَسْحَ مُقِيْمٍ(2).
ثانيًا: خلع الممسوح عليه قبل انقضاء المدة، هذا هو المذهب(7) وهو الصحيح، وقيل: أنه إذا خلعه وهو على طهارة ثم لبسه لا تبطل الطهارة بذلك، وهو اختيار شيخ الإسلام(8)، وبه قال شيخنا(9) ×.
(1) قوله « وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ » أتم مسح مقيم إن بقي من المدة شيء، وإن انتهت المدة خلع، وذلك لانقطاع السفر، ولأن المسح ثلاثة أيام لمن كان مسافرًا.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/400 _ 401).
(2) المرجع السابق.
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/108 _ 109)، الشرح الممتع (1/226).
(4) الفروع (1/167)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/428).
(5) الاختيارات الفقهية ص 36.
(6) الشرح الممتع (1/266).
(7) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/428).
(8) الاختيارات ص 36.
(9) الشرح الممتع (1/264).(3/6)
2) قوله « أَوْ مُقِيْمًا ثُمَّ سَافَرَ، أَتمََََّ مَسْحَ مُقِيْمٍ » هذا هو المذهب(1)؛ وذلك تغليبًا لجانب الحظر احتياطًا.
وفي رواية للإمام أحمد(2)، وهي التي رجع إليها الإمام، واختارها الخلال أنه يتم مسح مسافر؛ لأنه وجد السبب الذي يستبيح هذه المدة قبل أن تنتهي مدة الإقامة، وهذا مذهب أبي حنيفة(3)، وهو قول شيخنا (4) ×.
والصحيح المذهب، أي أنه يتم مسح مقيم عملاً بالأحوط، والعمل بالأحوط في العبادات أولى.
وَيَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ (1) إِذَا كَانَتْ ذاَتَ ذُؤَابَةٍ(2)، سَاتِرَةً لِجَمِيْعِ الرَّأْسِ إِلاَّ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ (3)،..........................................................
(1) قوله « وَيَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ » بخلاف من قال بعدم الجواز كالحنفية(5) فإنهم يقولون: لا يجوز المسح على العمامة لأنه لا يلحقه المشقة بنزعها، وكذا قال المالكية(6) إلا إذا كان في نزعها ضرر عليه. وأما الشافعية(7) فقالوا: لا يجوز المسلح على العمامة لأداء فرض مسح الرأس في الوضوء بل لابد من مسح شيء من الشعر، فإن كان عليه عمامة فلابد من مسح ناصية الرأس، واستحب أن يتم المسح على العمامة. والصواب في ذلك هو المذهب.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/403 _ 404).
(2) المرجع السابق.
(3) فتح القدير (1/188 _ 189).
(4) الشرح الممتع (1/252).
(5) المبسوط للسرخسي (1/101 _ 102)، حاشية ابن عابدين (1/181).
(6) حاشية الدسوقي (1/164)، بداية المجتهد (1/28 _ 29).
(7) حاشية الجمل (1/128 _ 129)، المجموع شرح المهذب (1/438).(3/7)
دليل الجواز حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: « تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ»(1)، وعن عمرو بن أمية الضمري قال: « رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ »(2).
(2) قوله « إِذَا كَانَتْ ذاَتَ ذُؤَابَةٍ » أو محنكة وهي التي يدار منها مرة أو مرتين تحت الحنك، هذا هو المذهب(3). والصحيح أنه لا يشترط كون العمامة ذات ذؤابة أو محنكة، والنصوص الواردة في ذلك جاءت « ومسح على عمامته»، ولم =
............................................................................................................
= يذكر فيها قيود أخرى، وليس هناك أدلة على كونها محنكة أو ذات ذؤابة
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(4) × .
(1) قوله « سَاتِرَةً لِجَمِيْعِ الرَّأْسِ إِلاَّ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ » وذلك كالأذنين، وكمقدم الرأس وجوانب الرأس، فهذه يعفى عنها لمشقة التحرز منها، لكن هل يجب مسح مقدم الرأس إذا كان لابسًا للعمامة؟ الصحيح أنه لا يجب مسح مقدم الرأس وجوانبه، وهو اختيار شيخ الإسلام(5)×.
? تنبيهات:
أولاً: اشترط بعض الفقهاء للعمامة شروطًا منها:
__________
(1) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة _ باب ما جاء في المسح على العمامة _ رقم (100) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/31) رقم (87).
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/179) رقم (17693)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها _ باب ما جاء في المسح على العمامة (562)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/91) رقم (455).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/420).
(4) مجموع الفتاوى (21/186 _ 187).
(5) الاختيارات الفقهية ص 306.(3/8)
1ـ أن تكون العمامة لرجل، فالعمامة لبسها من خصائص الرجال، والمرأة منهية عن التشبه بالرجال،فلا تمسح عليها،أما إذا احتاجت إليها ليرد ونحوه، فقيل بجواز المسح عليها.
2ـ كون العمامة مباحة لا محرمة كمغصوب أو حرير، أو أن تكون مشتملة على محرم، كأن يكون عليها صور ونحوه وفي جواز المسح روايتان(1).
3ـ أن تكون ذات ذؤابة أو محنكة وقد تكلمنا على هذا الشرط سابقًا، وقلنا: إنه لا يشترط كونها ذات ذؤابة أو محنكة.
4ـ أن تكون ساترة لما لم تجز العادة بكشفه.
5ـ أن تكون طاهرة العين.
وَمِنْ شَرْطِ الْمَسْحِ عَلَى جَمِيْعِ ذالِكَ، أَنْ يَلْبَسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ(1).
ثانيًا: يكون المسح لأكثر العمامة وإن مسح الكل فلا حرج ويستحب إذا كانت الناصية بادية أن يمسحها مع العمامة.
ثالثًا: هل يشترط للعمامة توقيت كالخف؟ قولان : الأول أنه يشترط لها قياسًا على الخف.
الثاني أنه لا يشترط، وبه قال ابن حزم(2)، وذهب إليه الشوكاني(3)، وهو قول شيخنا(4) ×، لكنه قال: لو سلكنا سبيل الاحتياط فلم تلبسها إلا على طهارة وفي المدة المحددة للخفين لكان حسنًا.
قلت: وهذا عندي أحوط.
رابعًا: هل يشترط لبسها على طهارة؟ قولان:
والصحيح أنه لا يشترط لبسها على طهارة وهو قول شيخنا ×.
(1) قوله « وَمِنْ شَرْطِ الْمَسْحِ عَلَى جَمِيْعِ ذالِكَ، أَنْ يَلْبَسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ » أما اشتراط الطهارة لجواز المسح على الخفين فهذا لابد منه.
لكن اشتراط طهارة كاملة بمعنى أنه يفرغ من الوضوء كاملاً ثم يلبس الخف أو الجورب، فهنا يجوز المسح.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/424).
(2) المحلى (2/65).
(3) نيل الأوطار (205، 206).
(4) الشرح الممتع (1/240).(3/9)
أما إذا فرغ من الرجل اليمنى ثم لبس الخف أو الجورب ثم لما انتهى من اليسرى لبسها فالمشهور من المذهب(1) عدم الجواز؛ لأنه لا يصدق عليه كونه
أدخلهما طاهرتين كما في حديث المغيرة بن شعبة وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - :«دَعْهُمَا =
وَيَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيْرَةِ(1)،..................................................
=فَإِنِّيْ أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»(2) ،وذهب شيخ الإسلام(3) إلى أنه يجوز إذا غسل اليمنى أن يلبس الخف ثم يغسل اليسرى ويلبس الخف.
والذي يظهر أن الأولى والأحوط ألا يلبس المتوضئ الخف والجورب إلا بعد كما الطهارة لمفهوم حديث المغيرة بن شعبة المتقدم،وهذا هو اختيار الشيخين(4).
أما العمامة فقد سبق بيان عدم اشتراط لبسها على طهارة .
(1) قوله « وَيَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيْرَةِ » الجبيرة في الأصل هي ما يجبر به الكسر، أما في عرف الفقهاء فهي: ما يوضع على موضع الطهارة لحاجة، مثل الجبس الذي يكون على الكسر، أو اللزقة التي تكون على الجرح، أو ما يسمى بلزقة الظهر التي توضع على الألم الموجود فيه، فهذه يجوز المسح عليها، وتكون الطهارة بالمسح عليها كاملة، فمتى نزع الجبيرة أو اللزقة وما شابه ذلك، فإن طهارته تبقى ولا تنتقض.
لكن لما كانت الأحاديث الواردة فيها ضعيفة، اختلف أهل العلم في المسح عليها، فالمؤلف قال: يجوز، ومن أهل العلم من قال: بأنه يسقط تطهير محل الجبيرة؛ لأنه عاجز عن تطهيره، ومنهم من قال بل يتيمم لها ولا يمسح.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/387 _ 388).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان _ رقم (203)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب المسح على الخفين _ رقم (274).
(3) مجموع الفتاوى (21/179)، الاختيارات ص 35.
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/117)، الشرح الممتع (1/249).(3/10)
وأقرب الأقوال في ذلك أنه يمسح عليها، لكن هل يتيمم مع المسح؟ قولان(1)؛
الصواب أنه يغنيه المسح عن التيمم فلا حاجة إلى التيمم.
? تنبيه: الجرح الموجود في أعضاء الطهارة لا يخلو من أربعة أمور:
إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ بِشَدِّهَا مَوْضِعَ الْحَاجَةِ (1) إِلىَ أَنْ يَحُلَّهَا(2) ،..............................
الأول: أن يكون الجرح مكشوفًا ولا يضره الغسل فهنا يجب غسله إذا كان في محل الغسل.
الثاني: أن يكون الجرح مكشوفًا ويضره الغسل دون المسح فهنا يجب مسحه.
الثالث: أن يكون مكشوفًا ويضره الأمران الغسل والمسح فهنا يتيمم له بخلاف من قال أنه لا يتيمم.
الرابع: أن يكون مستورًا وهو محتاج إلى ما يستره به فهنا يمسح على الساتر ويغنيه عن الغسل ولا يتيمم.
(1) قوله « إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ بِشَدِّهَا مَوْضِعَ الْحَاجَةِ » وذلك لأن الجبيرة جاءت لحاجة، فتقدر بقدرها، والحاجة هي الكسر، وكل ما قرب منه مما يحتاج إليه في شدها، فإن كان هناك زائد فيها ولا حاجة له وجب نزعه لكي يتمكن من غسل ما تحته.
(2) قوله « إِلىَ أَنْ يَحُلَّهَا » فمتى برئ الكسر أو الجرح فهنا يجب إزالة الجبيرة ونحوها؛ لأن السبب الذي كان من أجله يمسح عليها زال.
? تنبيه: الفروق التي تخالف فيها الجبيرة الخف:
هناك فروق بين المسح على الجبيرة والمسح على الخفين، ومن هذه الفروق:
أولاً: يشترط في الخف لبسه على طهارة بخلاف الجبيرة فعلى الصحيح أنه لا يشترط لبسها على طهارة، والمذهب في هذا الشرط على قولين، الصحيح عدم الاشتراط.
ثانيًا: أن المدة في المسح على الخف معينة، بخلاف الجبيرة فإنه يمسح عليها ما دامت هناك حاجة لوجودها.
وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيْ ذالِكَ سَوَاءٌ(1)، إِلاَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ(2).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/424).(3/11)
ثالثًا: أن الجبيرة يمسح عليها في الحدثين الأكبر والأصغر، بخلاف الخف فإنه يمسح عليه في الحدث الأصغر فقط.
رابعًا: أن الجبيرة لا تختص بعضو معين بخلاف الخف فإنه يختص بالرجل.
خامسًا: أنه يجب المسح على الجبيرة كلها بخلاف الخف.
سادسًا: المسح على الجبيرة عزيمة والمسح على الخف رخصة.
(1) قوله « وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيْ ذالِكَ سَوَاءٌ » فهم سواء في المسح على الخف والجورب وغيره وكذا الجبيرة ونحوها.
(2) قوله « إِلاَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ » لما ذكرناه، لكن هل يجوز لها أن تمسح على خمارها؟ قولان: الصحيح أنه يجوز لها أن تمسح على خمارها، إذا كان هناك داع لذلك، كبرودة الجو، ومشقة نزعه، فالتسامح في هذا لا بأس به، وإلا فالأولى أن لا تمسح، ولم ترد نصوص صريحة في هذا الباب.
? ذكر بعض التنبيهات الخاصة بهذا الباب:
أولاً: إذا كان الرأس ملبدًا بحناء أو غيره فيجوز المسح عليها لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا يدل على أن في طهارة المسح شيئًا من التسهيل.
ثانيًا: الصحيح جواز المسح على اللفافة إذا كانت على القدم لأن صاحبها يعذر أكثر من الخف، وهذا رأي شيخ الإسلام(1) وهو ترجيح شيخنا(2)، والمذهب(3) يرى عدم المسح.
..................................................................................................................
ثالثًا: من كان يلبس شرابًا (جوربًا) وعليه نعال وأراد أن يمسح على النعال، فلا حرج في ذلك بشرط أن تبقى النعال حتى تتم المدة ،فإن خلعها بعد المسح فقد انتهى المسح في حقه، إلا أن يتوضأ أولاً ويغسل رجليه.
__________
(1) مجموع الفتاوى (21/170).
(2) الشرح الممتع (1/255).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/411).(3/12)
رابعًا: لا يجوز المسح على الخفين إذا كانت الطهارة طهارة تيمم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - «فَإِنِّيْ أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ »(1). وبناء على ذلك لو أن رجلاً ليس عنده ماء أو كان مريضًا لا يستطيع استعمال الماء في الوضوء فإنه يلبس الخفين ولو على غير طهارة وتبقيان عليه بلا مدة محدودة حتى يجد الماء أو يشفى من مرضه وذلك لأن الرِّجل لا علاقة لها بطهارة التيمم.
خامسًا: لا بأس أن يدخل الإنسان يده من تحت الجورب ولا يبطل المسح بذلك.
سادسًا: من خلع جوربه وهو على وضوء وأراد أن يعيد لبسه فإن كان هذا الوضوء هو الأول أي لم ينتقض وضوؤه بعد لبسه فلا حرج عليه أن يعيد لبسه ويمسح عليه. أما إن كان الوضوء وضوءًا مسح فيه على جوربه فإنه لا يجوز له إذا خلعه أن يلبسه ويمسح عليه لأنه لا بد أن يكون قد لبسها على طهارة بالماء وهذه طهارة بالمسح.
سابعًا: من شك في ابتداء المسح فإنه يبني على اليقين فمثلاً لو شك هل مسح لصلاة الظهر أم صلاة العصر فإنه يجعل المدة لصلاة العصر لأن الأصل عدم
المسح.
..................................................................................................................
ثامنًا: لا تشترط النية عند الوضوء لجواز المسح على الخفين وغيرهما لأن هذا العمل علق الحكم فيه على مجرد وجوده فلا يحتاج إلى النية.
تاسعًا: في كيفية المسح على الخفين وهي أن يضع الماسح يديه على مقدم الخف أو الجورب ثم يجرها إلى الأعلى حتى يجاوز بها الكعبين وله أن يبدأ بالرجل اليمنى فإذا انتهى رجع إلى اليسرى وله أن يمسح كلتيهما معًا والأمر في ذلك واسع ولله الحمد.
عاشرًا: من لبس جوربًا فوق جورب أو لبس خفًّا على خف فهنا حالتان:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان _ رقم (203)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب المسح على الخفين _ رقم (274).(3/13)
الحالة الأولى: أن يلبسهما على طهارة من وضوء فهنا لا إشكال في جواز المسح على الأعلى، فإن خلع الأعلى بعد المسح عليه فإنه لا يتوضأ حتى يخلع الثاني ويغسل الرجلين ؛ لأنه خلع الممسوح عليه فإذا خلعه بطل المسح.
الحالة الثانية: أن يلبس الجورب الآخر بعد المسح على الجورب الأول فلا بأس بذلك لكن لا يمسح على الأعلى : لأن الحكم يتعلق بالممسوح عليه وتكون المدة تكون من بداية المسح على الأول، وهذا هو المذهب(1) خلافًا لرأي الشيخين(2).
الحادي عشر: إذا كانت إحدى الرجلين مكشوفة والأخرى عليها خف فإن الواجب أن يخلع الخف أو الجورب الآخر عند الوضوء ثم يغسل رجليه لأن المسح يكون على الخفين أو الجوربين جميعًا، اللهم إلا إذا كانت الرجل المستورة بها وجع فهنا يمسح لعلة المرض.
..................................................................................................................
الثاني عشر: الأفضل لمن كان لابسًا للخف أو الجورب ونحوه أن يمسح عليها أما خلع الملبوس وغسل الرجلين فهذا خلاف السنة، اللهم إلا إذا كان الخلع لغرض صحيح كالحاجة إلى تنظيف الرجل.
بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوْءِ (1)
وَهِيَ سَبْعَةٌ (2): الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ (3)،.....................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوْءِ » نواقض الوضوء أي مبطلاته ومفسداته، وهي قسمان:
أحدهما: أحداث تنقض الوضوء بنفسها وذلك كالغائط والبول والمذي والفساء والضراط ودم الاستحاضة.
الثاني: أسباب وهي ما كان مظنة لخروج الحدث وذلك كالنوم واللمس.
وأما من حيث الحكم فهي نوعان: مجمع عليها ومختلف فيها كما سيذكره المؤلف.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/414).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/118)، مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (11/192 _ 193).(3/14)
2) قوله « وَهِيَ سَبْعَةٌ » هذا على سبيل الاستقراء والتتبع على المذهب و إلا قد تكون أقل أو أكثر كما سنوضح ذلك إن شاء الله.
(3) قوله « الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ » سواء كان معتاداً أو غير معتاد، فالمعتاد كالغائط والبول فهذا ينتقض بغير خلاف، قال الله تعالى: [? ? ? ? ? ? ](1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ (2). أما غير المعتاد كالدود والحصاة ودم المستحاضة وسلس البول، فهذه أيضًا ينقض الوضوء بها.
وَالْخَارِجُ النَّجِسُ مِنْ غَيْرِهِمَا(1) ،إِذَا فَحُشَ(2). وَزَوَالُ الْعَقْلِ إِلاَّ النَّوْمَ الْيَسِيْرَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا (3)...........................................................................
(1) قوله « وَالْخَارِجُ النَّجِسُ مِنْ غَيْرِهِمَا» أي من غير السبيلين، وهذا الخارج إما أن يكون بولاً،أو غائطًا، فهذا ناقض للوضوء، سواء قل أو كثر ، أو خرج من بقية البدن غير السبيلين، وذلك كمن تجرى له عملية جراحية يوضع له أسترة مثلاً ليخرج من خلالها البول أو الغائط، وقد قال بعض العلماء: إن المخرج إن كان من فوق المعدة فالخارج كالقيء إن كان كثيرًا نقض و إلا فلا، وإن كان المخرج تحت المعدة فالخارج ينقض بكل حال.
وإذا كان الخارج غير البول والغائط، كالدم والقيء وماء الجروح، فهذه على المذهب(3) نجاسة، فإن كانت كثيرة فإنها ناقضة للوضوء.
والصحيح أنها غير ناقضة، وهي إحدى الروايتين في المذهب(4).
(
__________
(1) سورة المائدة : 6.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب ما جاء في الوضوء _ رقم (135).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/11 _ 12).
(4) المرجع السابق.(3/15)
2) قوله «إِذاَ فَحُشَ» أي كثر، واختلفت الروايات في المذهب(1) في قدر الفاحش: فقيل قدر الفاحش شبرًا في شبر، وقيل قدر الكف، وقيل قدر ما يرفعه الإنسان بأصابعه الخمس،وقيل قدر الدرهم،وقيل بل يرجع ذلك إلى العرف
والصحيح أن المعتبر ما اعتبره أوساط الناس قلة وكثرة، وهذا رواية في المذهب، وهو اختيار شيخنا(2) ×.
(3) قوله « وَزَوَالُ الْعَقْلِ إِلاَّ النَّوْمَ الْيَسِيْرَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا » زوال العقل نوعان: زوال بالكلية كالجنون،وزوال تغطية لمدة معينة،وذلك كالنوم والإغماء=
.........................................................................................................
=والسكر وما شابهه، فإن زال عقله بجنون أو إغماء أو سكر، فيسيره وكثيره ناقض، وقد نقل ابن قدامة الإجماع(3) على ذلك، وعليه استئناف الطهارة.
أما النوم فقد اتفق الفقهاء على أنه ناقض في الجملة لا بالجملة، ولذا اختلفوا في الأمور التي يكون فيها النوم ناقضًا: فالمذهب(4) على أن النائم له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يكون نومه مضطجعًا، فينتقض وضوؤه سواء كان النوم كثيرا أو قليلا، وهو قول الحنفية(5) والمالكية(6) والشافعية(7).
الحالة الثانية: أن يكون نومه قعودًا، فإن كان كثيرًا ينقض، رواية واحدة في المذهب(8)، وقال المالكية(9)،والشافعية(10) لا ينقض وإن كثر إن كان متمكنًا من الأرض.
أما إن كان النوم يسيرًا فقد اختلفت الرواية في المذهب: فقيل لا ينقض، وقيل ينقض بكل حال، وهذه الرواية ظاهر المذهب.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/16).
(2) الشرح الممتع (1/272).
(3) المغني (1/234).
(4) المرجع السابق.
(5) المبسوط (1/78)، رد المحتار على حاشية ابن عابدين (1/95 _ 96).
(6) الشرح الصغير (1/211).
(7) المجموع (2/14 _ 16).
(8) المغني (1/235).
(9) الشرح الصغير (1/211).
(10) المجموع (2/14 _ 16).(3/16)
الحالة الثالثة: أن يكون نومه عن قيام أو ركوع أو سجود، وهنا أيضا اختلفت الرواية في المذهب(1): فقيل ينقض لانفتاح محل الحدث، والرواية=
وَلَمْسُ الذَّكَرِ بِيَدِهِ (1)،.............................................................
=الأخرى لا ينقض إلا إذا كثر، والرواية الثالثة التفريق بين كونه راكعًا أو ساجدًا أو قائمًا، فإن كان نومه عن قيام أو ركوع فلا ينقض؛ لأنه لا يستثقل معه النوم بخلاف إن كان ساجدًا.
وهذه حاصل الاختلاف في هذه المسألة، وهناك أقوال أخرى وتفريعات لها في المذاهب.
والراجح في هذه المسألة أن من نام نومًا مستغرقًا فيه بحيث أنه لو انتقض وضوؤه لم يحس ولا يشعر بنفسه، فقد انتقض وضوؤه وإن كان نام نومًا غير مستغرق فيه كنعاس ونحوه بحيث يشعر لو انتقض وضوؤه أحس بنفسه لكون نومه يسيرًا ويغلب على ظنه أنه لم يحدث فلا وضوء عليه سواء كان مضطجعًا أو قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(2)والشيخين(3) _ رحمهم الله_.
(1) قوله « وَلَمْسُ الذَّكَرِ بِيَدِهِ » هذا هو الصحيح في المذهب(4)، وبه قال مالك(5) والشافعي(6)، وهو قول سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(7) × .
وذهب أبو حنيفة(8) إلى القول بعدم نقض الوضوء من مس الذكر، وهو إحدى الروايتين عن أحمد(9)؛ لحديث قيس بن طلق عن أبيه طلق بن حبيب قال:=
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/24 _ 25).
(2) مجموع الفتاوى (21/230)، الاختيارات الفقهية ص 37.
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/142)، الشرح الممتع (1/276).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/26 _ 27).
(5) الشرح الصغير (1/216 _ 217).
(6) الروضة (1/75).
(7) مجموع فتاوى مقالات متنوعة (1/141).
(8) الاختيار لتعليل المختار (1/14).
(9) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/26 _ 27).(3/17)
وَلَمْسُ امْرَأَةٍ لِشَهْوَةٍ (1)،................................................................................
= قال رجل: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَرَى فِيْ مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: «هَلْ هُوَ إِلاَّ بَضْعَةٌ مِنْهُ »(1). أما دليل المذهب فهو حديث بسرة بنت صفوان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»(2)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ دُونَهُ سِتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ»(3).
وذهب شيخ الإسلام(4) إلى القول بأن الوضوء من مس الذكر مستحب مطلقًا سواء كان بشهوة أو بغيرها وهو اختيار شيخنا.
والذي يظهر لي _ والله أعلم _ أن مس الذكر إن كان بشهوة فالقول بالوضوء أولى جمعًا بين الأدلة واستعمالاً لكلا الدليلين، فحديث طلق يحمل على مسه بلا شهوة، وحديث بسرة يحمل على مسه بشهوة.
(
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (4/23) رقم (16338)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب الرخصة من مس الذكر(182)، والترمذي في كتاب الطهارة _ باب الرخصة من مس الذكر (85)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/37) رقم (167) .
(2) أخرجه الإمام أحمد (2/223) رقم (7076)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب الوضوء من مس الذكر (81)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/37) رقم (166) .
(3) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/333) رقم (8385) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(4) مجموع الفتاوى (21/241)، الاختيارات ص 38.(3/18)
1) قوله « وَلَمْسُ امْرَأَةٍ لِشَهْوَةٍ » هذا هو المشهور من المذهب(1)، وهو قول مالك(2). وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد(3)أنه ينقض مطلقًا؛ لعموم قوله تعالى:[? ? ?](4).
وَالرِّدَّةُ عَنِ الإِسْلاَمِ(1)، وَأَكْلُ لَحْمِ الْجَزُوْرِ(2)؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قِيْلَ لَهُ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُوْمِ الإِبِلِ؟ قاَلَ: «نَعَمْ، تَوَضَّؤُوْا مِنْهَا»، قِيْلَ: أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُوْمِ الْغَنَمِ؟ قاَلَ: « إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلاَ تَتَوَضَّأْ» (5) . ....................
= وذهب شيخ الإسلام(6) إلى القول بأنه لا ينقض مطلقًا، وهو قول الشيخين(7) حيث قالا:« إن مس المرأة لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه شيء »، وهو الصحيح عندي؛ لأنه هو الذي يقوم عليه الدليل، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل بعض نسائه ولم يتوضأ، ولأن الأصل سلامة الطهارة وبراءة الذمة، فلا يجب الوضوء إلا بدليل سليم لا معارض له، ولأن النساء موجودات في البيوت وتعم البلوى بهن، ولو كان مسهن ناقضًا للوضوء لبينه الله تعالى.
أما قوله تعالى:[? ? ?] فالمراد به الجماع، كما قال بذلك حبر الأمة ابن عباس - رضي الله عنه - ، لكن إن توضأ استحبابًا لا وجوبًا فهذا أحسن.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/42).
(2) الشرح الصغير (1/213).
(3) المغني (1/256 _ 257).
(4) سورة المائدة :6
(5) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب الوضوء من لحوم الإبل _ رقم (360) من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - .
(6) الاختيارات الفقهية ص 38
(7) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/125 _ 126)، الشرح الممتع (1/291).(3/19)
1) قوله « وَالرِّدَّةُ عَنِ الإِسْلاَمِ » وهذا هو المذهب(1)؛ لقوله تعالى: [ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?](2) وبهذا قال شيخ الإسلام(3) × ، وهو الراجح.
(2) قوله « وَأَكْلُ لَحْمِ الْجَزُوْرِ » وهذا من مفردات الإمام أحمد(4)، وبه قال=
....................................................................................................
=شيخ الإسلام(5) والنووي(6) والشوكاني(7) وكذا الشيخان(8)، دليل ذلك ما استدل به المؤلف من حديث جابر - رضي الله عنه - (9) ، وكذا حديث البراء وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - « تَوَضَّؤُوْا مِنْ لُحُوْمِ الإِبِلِ »(10) والأمر هنا للوجوب.
وذهب جمهور أهل العلم(11) إلى القول بعدم وجوب الوضوء من أكل لحوم الإبل والأدلة على خلاف ما ذهبوا إليه.
__________
(1) المغني (1/238 _ 239).
(2) سورة الزمر: 65.
(3) الاختيارات الفقهية ص 38 _ 39.
(4) المغني (1/250 _ 254).
(5) مجموع فتاوى (21/260 _ 262)، الاختيارات الفقهية ص 38.
(6) المجموع شرح المهذب (2/68 _ 89).
(7) نيل الأوطار (2/248 _ 249).
(8) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/156)، الشرح الممتع (1/306).
(9) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب الوضوء من لحوم الإبل _ رقم (360) من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ» قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال:« نعم فتوضأ من لحوم الإبل » .
(10) أخرجه أحمد (4/352) رقم (19119)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب الوضوء من لحوم الإبل _ رقم (184)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/37) رقم (169).
(11) بدائع الصنائع (1/24)، الاستذكار (2/142)، الأم (1/91، 322).(3/20)
? تنبيه: هل يدخل الكرش والكبد والشحم والكلية وما هو دون اللحم المعروف في وجوب الوضوء منه؟ قولان لأهل العلم:
الأول: أنه لا فرق بين هذه الأجزاء وبين اللحم، وهو قول في المذهب(1)، وبه قال الشيخ محمد العثيمين(2)وابن سعدي(3) _ رحمهما الله _.
وهناك قول آخر في المذهب:أنه لا ينقض بغير اللحم الذي هو الهبر فالكرش
والكبد ونحوه لا ينتقض به، وهذا هو المشهور من المذهب(4)، وبه قال =
وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، فَهُوَ عَلَى مَا تَيَقَّنَ مِنْهُمَا(1).
=سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز(5) ×.
والصحيح عندي القول بأن أكل هذه الأعضاء (وألحق بالكرش والكبد اللسان والأذنين) ناقض للوضوء؛ لأنها تدخل في مسمى اللحم، ولأنه ليس في شريعتنا حيوان تتبعض أجزاؤه حلاً وحرمة، وطهارة ونجاسة، ونحو ذلك، لكون أجزاء الإبل كلها واحدة.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/59 _ 60).
(2) الشرح الممتع (1/299).
(3) المختارات الجلية ص 23.
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/59 _ 60).
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/157).(3/21)
1) قوله « وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، فَهُوَ عَلَى ماَ تَيَقَّنَ مِنْهُمَا» هذه قاعدة مهمة جدًّا وهي أن اليقين لا يزول بالشك، فالأصل عدم النقض، ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة فالأصل أنه محدث لأنه هو المتيقن، دليل هذه القاعدة الهامة حديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: شكي إلى النبي الرجل يجد شيئًا في بطنه ويشكل عليه هل خرج منه شيء أم لا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيْحًا » (1).
بَابُ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ (1).
وَالْمُوْجِبُ لَهُ: خُرُوْجُ الْمَنِيِّ (2) ، وَهُوَ: الْمَاءُ الدَّافِقُ (3) ،...................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ » اقتصر المؤلف × هنا على ذكر بعض موجبات الغسل، وهي: الجنابة، وإلا فموجباته أيضًا :الحيض، والنفاس، والإسلام على الصحيح من أقوال أهل العلم، وكذلك الموت.
? تنبيه: جميع موجبات الغسل لا توجب إلا الغسل دون الوضوء لعدم الدليل على إيجاب الوضوء.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن _ رقم (137)، ومسلم في كتاب الحيض _ باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك _ رقم (361).(3/22)
2) قوله « وَالْمُوْجِبُ لَهُ: خُرُوْجُ الْمَنِيِّ » لقوله تعالى: [? ? ?ٹ] (1) ولحديث أم سليم _ رضي الله عنها_ قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِيْ مِنَ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُوْلُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» (2).
(3) قوله « وَهُوَ: الْمَاءُ الدَّافِقُ » هذا شرط في المني الخارج الذي يوجب الغسل وهو كونه دفقاً أي بشدة، دليل ذلك قوله تعالى: [? ? ? ٹ ٹ ٹ ? ? ] (3). لكن هل يشترط حصول اللذة في خروجه؟ قولان لأهل العلم: المشهور من المذهب(4) أنه لا بد من حصول الشهوة بخروجه،=
....................................................................................................
= بخروجه، فلو خرج لمرض أو برد فلا غسل فيه، وبه قال مالك(5) وأكثر أهل العلم، وهذا هو الصحيح، وبه قال شيخنا(6) ×. وفي قول آخر في المذهب(7) وجوب الغسل سواء خرج بشهوة أو بغير شهوة، وهو قول الشافعي(8).
فلو خرج المني بدون دفق ولا لذة سواء كان لمرض أو برد ونحوه فيجب فيه الغسل، والصحيح القول الأول.
? تنبيهات:
أولاً: يعرف المني بثلاث علامات:
الأول: خروجه دفقًا يعنى بقوة وشدة وعجلة.
الثاني: تميزه برائحة معروفة فمني الرجل يشبه رائحة طلع النخل ورائحة العجين ومني المرأة أصفر رقيق.
الثالث: فتور البدن بعد خروجه.
__________
(1) سورة المائدة :6
(2) أخرجه البخاري في كتاب الغسل _ باب إذا احتلمت المرأة _ رقم (278)، ومسلم في كتاب الحيض _ باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني _ رقم (313).
(3) سورة الطارق : 5 _ 6 .
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/79).
(5) حاشية الدسوقي (1/127 _ 128).
(6) الشرح الممتع (1/334).
(7) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/80).
(8) المجموع (2/139).(3/23)
ثانيًا: لا يشترط الدفق واللذة إذا خرج المني من نائم فمتى وجد المني إذا استيقظ وجب عليه الغسل لحديث أم سليم السابق لأن النبي لم يشترط أكثر من رؤية المني فدل ذلك على وجوب الغسل إذا رأى المني سواء أحس به أم لم يحس.
ثالثًا: إذا استيقظ فوجد بللاً فما الحكم؟
وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ (1)، .........................................................................
=نقول هنا إن كان متيقنًا أن هذا البلل مني فهنا يجب الغسل، وإن كان متيقنًا أنه ليس بمني فهنا لا يجب عليه الغسل بل الواجب عليه أن يغسل ما أصابه لأن حكمه هنا حكم البول.
رابعًا: إن كان يجهل هل هو مني أم لا؟
نقول إن كان يجد ما يحال الحكم عليه بكونه منيًا أو مذيًا أحيل الحكم عليه وتكون الإحالة هنا بأن يتذكر مثلاً هل احتلم؟ فإن تذكر أنه احتلم جعله منيًا وإن تذكر أنه فكر في الجماع جعله مذيًا، فإن لم يتذكر لا هذا ولا هذا ولا يوجد ما يحيل عليه الحكم فالأصل الطهارة هنا.
خامسًا: إذا أحس بانتقال المني فحبسه هل يجب الغسل؟ المذهب(1) يرى وجوبه؛ لأنه انتقل من محله.
وفي رواية في المذهب(2) أنه لا غسل عليه؛ لأن النبي " علق الاغتسال على رؤية الماء فلا يثبت بدونه.
... وهذه الرواية اختارها ابن قدامة(3)، وهي ظاهر كلام الخرقي(4)، وهي اختيار شيخنا(5) × وهي الراجح.
(1) قوله « وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ » معناه تغييب الحشفة في الفرج، سواء كانا مختونين
أو لا، ويحصل ذلك بتحاذي الختانين، فإذا غابت الحشفة من وراء حائل =
وَالْوَاجِبُ فِيْهِ: النِّيَّةُ (2)،..................................................................
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/86).
(2) المرجع السابق .
(3) المغني (1/267).
(4) المرجع السابق.
(5) الشرح الممتع (1/337).(3/24)
=وجب الغسل أيضًا، وهذا أحد الوجهين في المذهب(1).
قلت: هذا إذا كان الحائل رقيقًا لا يمنع اللذة يجب الغسل و إلا فلا وهذا أقرب والأحوط أن يغتسل وهو قول شيخنا(2) ×. لكن هل يشترط للغسل نزول المني عند التقاء الختانين؟ لا يشترط نزول المني عند التقاء الخنتانين بل يجب الغسل وإن لم ينزل لقوله - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ »(3) وفي لفظ « وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ »(4).
أما القول بأنه لا يجب إلا بالإنزال فهو قول ضعيف؛ لأنه نسخ كما قال أبي ابن كعب - رضي الله عنه - «أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِيْ كَانُوْا يَفْتُوْنَ أَنَّ الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ فِيْ بَدْءِ الإِسْلاَمِ ثُمَّ أَمَرَ بِالاِغْتِسَالِ بَعْدُ »(5).
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/92 _ 93).
(2) الشرح الممتع (1/340).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين (349) من حديث أبي موسى الأشعري.
(4) المرجع السابق حديث رقم (348) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(5) أخرجه أحمد (43/131) رقم (20185)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب في الإكسال _ رقم (215)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/43) رقم (199).(3/25)
1) قوله «وَالْوَاجِبُ فِيْهِ:النِّيَّةُ» وبوجوبها قال مالك(1)، والشافعي(2)، وقال الحنفية(3) بل سنة،والصحيح أنه واجبة ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»(4).
وَتَعْمِيْمُ بَدَنِهِ بِالْغَسْلِ، مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالْاِسْتِنْشَاقِ(1) ..................................
=والنية نيتان: ...
الأولى: نية العمل ويراد بها إرادة الإنسان الغسل.
الثانية: نية المعمول له والمراد بها التقرب إلى الله تعالى بهذا الغسل وطاعته في ذلك وهذه يغفل عنها الكثير.
(1) قوله « وَتَعْمِيْمُ بَدَنِهِ بِالْغَسْلِ، مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ » هذا هو الغسل الواجب وهو المجزئ، أما الغسل الكامل فهو المشتمل على السنن الواردة فيه وصفته أن ينوي ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثًا، ثم يغسل فرجه وما لوثه ويتوضأ ويحثي على رأسه ثلاثًا ترويه ويعمم بدنه ويدلكه ويتيامن ويغسل قدميه في مكان آخر هذه هي صفة الغسل الكامل.
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/133).
(2) مغني المحتاج (1/72).
(3) حاشية ابن عابدين (1/105).
(4) أخرجه البخاري في باب بدء الوحي _ رقم (1)، ومسلم في كتاب الإمارة _ باب قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال _ رقم (1907) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .(3/26)
وسيذكر المؤلف صفة الغسل الكامل مع ذكر الدليل، ومن أدلة ذلك أيضًا: حديث عائشة رضي الله عنها:« كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِيْنِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِيْ أُصُوْلِ الشَّعْرِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ»(1).
وقوله « تَعْمِيْمُ الْبَدَنِ » المراد به غسل الظاهر منه، وما كان في حكمه من الباطن، وهو ما يمكن وصول الماء إليه، لكن هل يجب غسل باطن الفرج من حيض أو جنابة؟ الصحيح أنه لا يجب،وهذا أصح القولين في المذهب(2)،=
وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ(1)، وَأَنْ يَدْلُكَ بَدَنَهُ بِيَدِهِ(2)، وَيَفْعَلَ كَمَا رَوَتْ مَيْمُوْنَةُ، قَالَتْ: « سَتَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَاغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَبَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِيْنِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ،ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ أَوِالأَرْضِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوْءَهُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى بَدَنِهِ، ثَمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ »(3) (3).
= وبه قال شيخ الإسلام(4) ×.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب صفة غسل الجنابة _ رقم (316).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/136).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الغسل _ باب التستر في الغسل عند الناس _ رقم (277).
(4) الاختيارات الفقهية ص 42.(3/27)
وقوله « مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ » القول بوجوبهما في الغسل محل خلاف، فالجمهور على سنيتها وهو قول في المذهب(1)، والصواب أنه لا يصح الغسل إلا بهما يعني المضمضة والاستنشاق كما ذكر المؤلف، وهو المذهب، وبه قال شيخنا(2) ×، وقد ذكرنا دليل ذلك في الوضوء.
(1) قوله « وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ » محل خلاف كما ذكرنا: فالمذهب(3) على وجوبها، وابن قدامة(4) هنا يقول بسنيتها، وهذا ما يرجحه شيخنا (5) ×، أي أنها ليست بواجبة في الوضوء ولا في الغسل.
(2) قوله « وَأَنْ يَدْلُكَ بَدَنَهُ بِيَدِهِ » وذلك ليصل الماء إلى جميع البدن واختلف في وجوب الدلك، والصحيح أن يقال: إذا علم أنه لا يصل الماء إلا به فهنا يجب وإن وصل بدونه فمستحب. =
وَلاَ يَجِبُ نَقْضُ الشَّعَرِ فِيْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ إِذاَ رَوَّى أُصُوْلَهُ(1). ........................
=قوله « وَيَفْعَلَ كَمَا رَوَتْ مَيْمُوْنَةُ، قَالَتْ: « سَتَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَاغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ...» هذا الحديث فيه صفة الغسل من الجنابة والمراد به الغسل الكامل، أما الغسل المجزئ فقد سبق بيانه وهم أن ينوي ثم يسمي ويعمم بدنه بالغسل مرة واحدة مع المضمضة والاستنشاق.
وقول ميمونة _ رضي الله عنها_ « ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى بَدَنِهِ » فيه دليل على أنه لا يشرع غسل البدن ثلاثًا وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد(6)، وبه قال شيخ الإسلام(7) ×.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/325 _ 326).
(2) الشرح الممتع (1/362).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/274).
(4) المغني (1/145).
(5) الشرح الممتع (1/358).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/128).
(7) مجموع الفتاوى (20/369)، الاختيارات ص 41 .(3/28)
وقولها « ثَمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ » أي غسلهما في مكان آخر غير الذي كان يغتسل فيه، وهذا ليس سنة مطلقة، بل عند الحاجة يشرع ذلك، أما لو كانت الحمامات نظيفة مثلاً أو كان المحل الذي يغتسل فيه نظيفًا فلا بأس بأن يغسلهما فيه.
(1) قوله « وَلاَ يَجِبُ نَقْضُ الشَّعْرِ فِيْ غَسْلِ الْجَنَابَةِ إِذَا رَوَّى أُصُوْلَهُ » لكن هل يجب نقضه في غسل الحيض والنفاس؟ المذهب(1) يرى وجوب ذلك لحديث عائشة _ رضي الله عنها_ لما أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها حائض فقال: « انْقُضِيْ رَأْسَكِ وَامْتَشِطِيْ »(2) وفي لفظ « انْقُضِيْ شَعْرَكِ وَاغْتَسِلِيْ»(3). =
وَإِذَا نَوَى بِغَسْلِهِ الطَّهَارَتَيْنِ، أَجْزَأَ عَنْهُمَا(1).
=وفي رواية في المذهب(4) أنه لا يجب نقض الحائض لشعرها في الحيض، دليل ذلك حديث أم سلمة _ رضي الله عنها_ قالت: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ : «لاَ إِنَّمَا يَكْفِيْكِ أَنْ تَحْثِيْ عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيْضِيْنَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِيْنَ»(5). وحملوا حديث عائشة السابق على الاستحباب لا على الوجوب، وهذا هو الصحيح، و هو اختيار الشيخين(6).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/138).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحيض _ باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض _ رقم (310)، ومسلم في كتاب الحج _ باب بيان وجوه الإحرام _ رقم (1211).
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها _ باب في الحائض كيف يغتسل (641)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/105) رقم (524).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/138).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب حكم ضفائر المغتسلة _ رقم (330).
(6) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/168)، فتح ذي الجلال والإكرام (1/613).(3/29)
? تنبيه: هل يجب غسل المسترسل من الشعر؟ المشهور من المذهب(1) وجوب غسل المسترسل سواء كان مظفورًا أم لا، وقيل: لا يجب غسل المسترسل من الشعر بل الواجب غسل ما لم يتم غسل البشرة إلا به،أما المسترسل فلا يجب.
قلت: ولكن الاحتياط أن يغسل جميع الشعر ما لم يشق عليه.
... هذه مسائل في النية:
(1) قوله « وَإِذاَ نَوَى بِغَسْلِهِ الطَّهَارَتَيْنِ،أَجْزَأَ عَنْهُمَا» أي إذا نوى الطهارتين الصغرى والكبرى بغسله أجزأه، وهذا هو المشهور في المذهب(2)، وهو الصحيح، وبه قال شيخ الإسلام(3) والشيخان(4).
دليل ذلك قوله تعالى:[ ? ? ? ٹ](5)والتطهير هنا الاغتسال=
وَكَذالِكَ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْحَدَثَيْنِ وَالنَّجَاسَةِ عَلَى بَدَنِهِ أَجْزَأَ عَنْ جَمِيْعِهَا (1)،.............
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/141).
(2) المرجع السابق (2/149).
(3) الاختيارات الفقهية ص 41.
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/173)، الشرح الممتع (1/367).
(5) سورة المائدة : 6.(3/30)
=بدليل الآية الأخرى:[ ے ? ? ? ? ? ?](1)، وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - « وَفِي الْمَنِيِّ الْغُسْلُ»(2)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - « فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِيْ الصَّلاَةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِيْ عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّيْ»(3)، فلم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى الغسل، ولم يذكر الوضوء، ولأنهما عبادتان من جنس واحد فتدخل الصغرى في الكبرى كالعمرة مع الحج، فمتى فعل ذلك أجزأه مع تركه للأفضل وهو الإتيان بصفة الكمال.
وفي رواية أخرى في المذهب(4) أنه لا يرتفع الأصغر إلا بوضوء مع الغسل بفعله قبله أو بعده. والصحيح الأول لما ذكرناه من الأدلة، لكن الأفضل والأولى أن يأتي الإنسان بالسنة في غسله فيتوضأ وضوء الصلاة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي بالغسل.
(
__________
(1) سورة النساء : 43.
(2) أخرجه أحمد (2/333) رقم (827)، وابن ماجه في كتاب الطهارة _ باب الوضوء من المذي _ رقم (504)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/82) رقم (407) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الحيض _ باب إذا رأت المستحاضة الطهر _ رقم (324)، ومسلم في كتاب الحيض _ باب المستحاضة غسلها وصلاتها _ رقم (501)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/146).(3/31)
1) قوله « وَكَذالِكَ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْحَدَثَيْنِ وَالنَّجاَسَةِ عَلى بَدَنِهِ أَجْزَأَ عَنْ جَمِيْعِهَا » أي إذا نوى بتيممه الحدث الأصغر والأكبر والنجاسة الموجودة على البدن أجزأه ذلك؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ »(1)، لكن إن نوى أحدها كأن ينوي بتيممه الحدث الأكبر دون الأصغر أو العكس أو نوى عن نجاسة =
وَإِنْ نَوَى بَعْضَهَا فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَا نَوَى (1)..............................................
= بدنه فقط، فإنه لا يجزئ،ه وهذا كله مبني على القول إن التيمم مبيح وليس برافع، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
والصحيح أنه رافع للحدث، وإذا قلنا بذلك فلو نوى بتيممه رفعه الحدث الأكبر فقط، وسكت عن الأصغر فإنه يرفعهما جميعًا على الصحيح من أقوال أهل العلم.
(1) قوله « وَإِنْ نَوَى بَعْضَهَا فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَا نَوَى » النية مع الغسل لها أربع حالات كما ذكر ذلك بعض أهل العلم:
الحالة الأولى: أن ينوي رفع الحدثين جميعًا وبينا الحكم آنفًا.
الحالة الثانية: أن ينوي الأكبر ويسكت عن الأصغر، فالمذهب كما ذكر المؤلف أنه ليس له إلا ما نوى، فيرتفع الأكبر ولا يرتفع الأصغر.
والصحيح أنه يرتفع الحدثان جميعًا لدخول الطهارة الصغرى في الكبرى، وللأدلة التي ذكرناها في الحالة الأولى، وبهذا قال شيخ الإسلام(2)، وشيخنا(3) ×.
__________
(1) أخرجه البخاري في باب بدء الوحي _ رقم (1)، ومسلم في كتاب الإمارة _ باب قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال _ رقم (1907) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
(2) الاختيارات الفقهية ص 41، مجموع الفتاوى (21/396).
(3) الشرح الممتع (1/367).(3/32)
الحالة الثالثة: أن ينوي مالا يباح إلا بغسل ووضوء، فينوي الغسل للصلاة ولم ينوي رفع الحدث، فالصحيح أنه يرتفع عنه الحدثان لأن الصلاة لا تصح إلا بارتفاع الحدثين.
الحالة الرابعة: أن ينوي بغسله فعل ما يباح به فقط، دون الوضوء، كقراءة القرآن، أو المكث في المسجد، ولم ينو رفع الحدثين، فهنا يرتفع حدثه الأكبر، فإذا أراد الصلاة أو مس المصحف فلا بد من الوضوء.
بَابُ التَّيَمُّمِ (1).
وَصِفَتُهُ: أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ (2) عَلَى الصَّعِيْدِ الطَّيِّبِ(3) ................................
الشرح:
((3/33)
1) قوله « بَابُ التَّيَمُّمِ » التيمم في اللغة القصد، وفي الشرع : « هو التعبد لله تعالى بقصد الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين بنية »، والأصل في مشروعية التيمم قوله تعالى : [چ چ چ ] (1) في موضعين من كتاب الله، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ الصَّعِيْدَ الطَّيِّبَ طَهُوْرُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِيْنَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذالِكَ خَيْرٌ»(2) ، وقوله أيضًا: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيْدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيْكَ »(3)، وقوله أيضًا: « جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُوْرًا»(4)، وأما الإجماع فقد انعقد على مشروعيته.
(2) قوله « وَصِفَتُهُ : أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ » المراد باليدين هنا الكفان، وحد اليدين كما هو معروف من أطراف الأصابع إلى الكوعين.
(3) قوله « عَلَى الصَّعِيْدِ الطَّيِّبِ » الصعيد يطلق في اللغة على عدة معان، فيطلق على وجه الأرض وما يتصاعد عليها من تراب ورمل وحجر وجبس وغير ذلك، وقيل: يطلق على التراب وحده، ولكن الأول هو الأصوب.
ضَرْبَةً وَاحِدَةً (1)، ..........................................................................
__________
(1) سورتا النساء : 43، و المائدة : 6.
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/155) رقم (21408)، والترمذي في أبواب الطهارة _ باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء _ رقم (124) واللفظ للترمذي من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/39) رقم (107).
(3) أخرجه البخاري في كتاب التيمم _ باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء _ رقم (337) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة _ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً _ رقم (419)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب منه _ رقم (812).(3/34)
=ومن هنا اختلفت الرواية في المذهب(1) هل يجوز التيمم بغير التراب أي بكل ما على وجه الأرض من تراب ورمل وحجر وجبس وغير ذلك أم لا يجوز غير التراب ؟ نقول: بأن المذهب على اشتراط التراب وأنه لا يجزئ غيره.
والصحيح أنه يجوز التيمم بكل ما تصاعد على الأرض من تراب ورمل وجبس ونحو ذلك، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(2) وقول شيخنا(3) ×، وهو المذهب عند الحنفية(4) والمالكية(5).
وقوله « الطيب » المراد الطاهر، فيشترط فيما يتيمم به الطهارة، وهذا فيه إشارة إلى أن التراب ينقسم إلى ثلاثة أقسام كالماء : طهور، وطاهر، ونجس، فالتراب الطاهر يعني المستعمل أو المتساقط من الوجه أو الكفين بعد التيمم، على المذهب لا يجزئ لكونه ترابًا مستعملاً.
والصواب: كما ذكرنا في الماء، فكما أن الماء إما طهور أو نجس فكذلك التراب إما طهور أو نجس، فلا وجود للطاهر في الماء ولا التراب على الصحيح من أقوال أهل العلم كما ذكرنا.
(1) قوله « ضَرْبَةً وَاحِدَةً » هذا هو السنة، أي أن التيمم يجزئ بضربة واحدة، يمسح بها وجهه وكفيه، وذلك لأن الله تعالى قال: [چ ? ? ?](6) والمسح يحصل بضربة واحدة وتراب واحد فلا يجب أكثر من ذلك.
فَيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ (1) ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَمَّارِ: « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيْكَ هَكَذَا » وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، فَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.
=وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال إن التيمم ضربة واحدة، وهذا هو مذهب الحنابلة(7)، والمالكية(8).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/214 _ 215).
(2) الاختيارات الفقهية ص 45.
(3) الشرح الممتع (1/392).
(4) بدائع الصنائع (1/53).
(5) حاشية الدسوقي (1/156).
(6) سورة المائدة : 6.
(7) المغني (1/320 _ 322).
(8) الشرح الصغير (1/289).(3/35)
وقال الشافعية(1) أن التيمم يكون بضربتين ضربة للوجه وضربة للكفين. وقال بعض السلف بأنه يكون بثلاث ضربات.
والصحيح هو المذهب، دليل ذلك ما جاء في المتفق عليه من حديث عمار ابن ياسر - رضي الله عنه - وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيْكَ أَنْ تَقُوْلَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِيْنِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ»(2). وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(3)، و الشيخين(4) _ رحمهم الله _.
(1) قوله « فَيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ » أي يمسح بيديه وجهه ثم كفيه، وذلك لأن الوجه مقدم على اليدين كما في قوله تعالى:[چ ? ? ?] وكما في حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنه - : « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيْكَ أَنْ تَقُوْلَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا » وضرب بيده الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه .
وَإِنْ تَيَمَّمَ بِأَكْثَرَ مِنْ ضَرْبَةٍ، أَوْ مَسَحَ أَكْثَرَ، جَازَ(1).
وَلَهُ شُرُوْطٌ أَرْبَعَةٌ (2): أَحَدُهَا: الْعَجْزُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، لِعَدَمِهِ (3)،.....
(1) قوله « وَإِنْ تَيَمَّمَ بِأَكْثَرَ مِنْ ضَرْبَةٍ، أَوْ مَسَحَ أَكْثَرَ، جَازَ » هنا مسألتان:
الأولى في التيمم بأكثر من ضربة قال المؤلف يجوز ذلك، لكن هذا فيه تفصيل، فإن كان المراد بالزيادة هنا ضربة أخرى بحيث تصير ضربتين فهذا قد وقع فيه خلاف كما مرَّ بنا.
والصواب أنها ضربة واحدة، وإن كان المراد بالزيادة أكثر من ضربتين فهذا غير مشروع.
__________
(1) المجموع (1/242).
(2) أخرجه البخاري في كتاب التيمم _ باب التيمم ضربة _ رقم (340)، ومسلم في كتاب الحيض _ باب التيمم _ رقم (368) واللفظ لمسلم .
(3) الاختيارات الفقهية ص 47.
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/189)، فتح ذي الجلال والإكرام (1/650).(3/36)
المسألة الثانية في الزيادة عن مسح اليدين إلى الكوعين، قال المؤلف « أَوْ مَسَحَ أَكْثَرَ، جَازَ » أي مسح زيادة عن الكوعين فمسحهما إلى المرفقين قال المؤلف يجوز ذلك.
والصواب أن المسح يكون إلى الكوعين ، لكن إن مسح إلى المرفقين جاز كما قال المؤلف؛ لأن نصوص السنة الصحيحة جاءت إلى الكوعين، والأحاديث التي وردت في المسح إلى المرفقين ضعيفة.
(2) قوله « وَلَهُ شُرُوْطٌ أَرْبَعَةٌ » الضمير في قوله « له » يعود على التيمم.
(3) قوله « أَحَدُهاَ: الْعَجْزُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، لِعَدَمِهِ » أي لعدم وجود الماء نهائيًا، فهنا يشرع التيمم لقوله تعالى:[? ? ? چ چ چ](1).
أَوْ خَوْفِ الضَّرَرِ بِاسْتِعْمَالِهِ؛ لِمَرَضٍ(1)، أَوْ بَرْدٍ شَدِيْدٍ(2)........................
(1) قوله « أَوْ خَوْفِ الضَّرَرِ بِاسْتِعْمَالِهِ؛ لِمَرَضٍ» هذا هو العجز الحكمي أي أنه واجد للماء لكن عجز عن استعماله لخوف مرض، فهنا يشرع له التيمم لقوله تعالى:[ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ](2).
مثاله رجل مريض به حمى شديدة، أو به قروح في بدنه، أو أجري له عملية جراحية، فقال له الطبيب: إن اغتسلت ستموت أو سيزداد مرضك، فهنا يخاف على نفسه فينتقل من استخدام الماء إلى التيمم؛ لقوله تعالى:[ ? چ چچ چ ? ? ? ?] (3) .
(
__________
(1) سورة النساء : 43.
(2) سورة النساء : 43.
(3) سورة النساء : 29.(3/37)
2) قوله « أَوْ بَرْدٍ شَدِيْدٍ » أي يخاف من شدة البرد فإنه يتيمم، لكن إن أمكنه أن يسخن الماء لزمه تسخينه، فإن لم يجد ما يسخن به يتيمم لأنه يخاف على بدنه من الضرر. دليل هذا الحكم حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - حين عدل إلى التيمم مع وجود الماء لما كان جنبًا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : «يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ» فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِيْ مَنَعَنِيْ مِنَ الاِغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّيْ سَمِعْتُ اللهَ يَقُولُ: [? چ چچ چ ? ? ? ?]، فَضَحِكَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا » (1).
أَوْ خَوْفِ الْعَطَشِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ أَوْ رَفِيْقِهِ (1)، أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ فِيْ طَلَبِهِ(2)، أَوْ إِعْوَازٍ إِلاَّ بِثَمَنٍ كَثِيْرٍ (3)،............................................
(1) قوله « أَوْ خَوْفِ الْعَطَشِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ أَوْ رَفِيْقِهِ » هذه أمور ثلاثة ذكرها المؤلف على سبيل التمثيل لا الحصر، فمتى خاف العطش «عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ» كأن يكون معه حيوان، إن استعمل الماء تضرر أو هلك، أو «رَفِيْقِهِ» كأن يكون معه رفقة والماء الذي معه قليل فإن استعمل الماء عطشوا وتضرروا فهنا نقول: يعدل إلى التيمم ويدع الماء له ولرفقته.
وهنا مسألة: إن أمكن المسافر حمل ماء معه لوضوئه، هل يلزمه حمله؟ قولان:
الأول: أنه يلزمه حمل الماء لوضوئه إن أمكنه.
والثاني: أنه لا يلزمه حمله؛ لأن الاستعداد للوضوء قبل وجوبه لا يجب.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند(4/203) رقم(17845)،وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟_ رقم(334)واللفظ لأبي داود،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/68)رقم (323).(3/38)
والصواب الأول، فكما يستعد لسفره وترحاله لأمور معاشه فهنا يلزمه الاستعداد للعبادة حتى يؤديها على الوجه المطلوب منه.
(2) قوله « أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ فِيْ طَلَبِهِ » أي أنه مع وجود الماء يخاف إن ذهب للوضوء أو الغسل أن يهلك لما في الطريق إليه من السباع والهوام ونحو ذلك، أو يخاف إن ذهب إليه أن يسرق ماله أو سيارته أو خيمته، فهنا يشرع له التيمم.
(3) قوله « أَوْ إِعْوَازٍ إِلاَّ بِثَمَنٍ كَثِيْرٍ » أي متى تعذر حصول الماء إلا بثمن كثير وهذا قد يحصل للإنسان أحيانًا كحال سفره مثلاً فلا يكون معه ماء فيذهب إلى المحلات لشرائه، فهل يلزمه شراؤه لوضوئه وغسله؟ نقول في ذلك تفصيل:
أولاً: إن كان الماء لا زيادة في قيمته بل ثمنه عادي ويستطيع فاقده أن يشتريه =
فَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِيْ بَعْضِ بَدَنِهِ(1)، أَوْ وَجَدَ مَاءً لاَ يَكْفِيْهِ لِطَهَارَتِهِ، اسْتَعْمَلَهُ، وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِيْ(2).
= فهنا يجب عليه شراؤه؛ لأنه يدخل في حكم الواجد له.
ثانيًا: أن يكون الماء فيه زيادة في السعر فينظر هنا إلى هذه الزيادة، إن كانت الزيادة يسيرة ولا يتضرر شراؤها لزمه الشراء، وإن كانت الزيادة كثيرة فينظر في هذه الزيادة هل تجحف بماله أم لا؟ فإن كانت لا تجحف بماله ففيها قولان في المذهب(1):
الأول: لزمه الشراء وهذا يميل إليه شيخنا(2) ×، والقول الثاني: لا يلزمه الشراء لأن فيه ضرر. والذي يظهر لي أنه إن كانت الزيادة باهظة خارجة عن العادة فلا يلزمه الشراء وإلا لزمه الشراء.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/183 _ 184).
(2) الشرح الممتع (1/378).(3/39)
1) قوله « فَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِيْ بَعْضِ بَدَنِهِ، أَوْ وَجَدَ مَاءً لاَ يَكْفِيْهِ لِطَهَارَتِهِ، اسْتَعْمَلَهُ، وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِيْ » أي إن أمكنه استعمال الماء ببعض بدنه مثل أن يكون بعضه صحيحًا وبعضه جريحًا، أو يخاف البرد على نفسه .
(2) قوله « أَوْ وَجَدَ مَاءً لاَ يَكْفِيْهِ لِطَهَارَتِهِ، اسْتَعْمَلَهُ، وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِيْ » وكذلك من كان عنده بعض ماء يكفي غسل بعض الأعضاء فإنه يستعمله ويتيمم للباقي، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أربعة أقوال:
الأول: أنه يلزمه استعمال الماء؛ لأمرين : ليصدق عليه أنه عادم الماء، ولعموم قوله تعالى:[ہ ہ ہ ھ ](1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :« وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ=
الثَّانِيْ: الْوَقْتُ، فَلاَ يَتَيَمَّمُ لِفَرِيْضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا (1)،.........................
= بِأَمْرٍ فَأْتُوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ »(2).
الثاني: أنه لا يجمع بين الطهارتين، بل يكفيه التيمم ولا يلزمه استعمال الماء، إلا إذا كان الماء يكفي لاستخدام نصف الأعضاء فأكثر، فهنا يستعمل الماء ولا يتيمم.
الثالث: أنه يستعمل الماء مطلقًا فيما يقدر عليه ولا يتيمم.
الرابع: إن كان أكثر بدنه صحيحًا غسله ولا يتيمم، وإن كان أكثره جريحًا يتيمم ولا غسل عليه.
والصواب: ما ذهب إليه المؤلف، وهذا هو قول شيخنا(3) ×.
(
__________
(1) سورة التغابن : 16.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة _ باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقم (6858)، ومسلم في كتاب الحج _ باب فرض الحج مرة في العمر _ رقم (2380).
(3) الشرح الممتع (1/383).(3/40)
1) قوله « الثَّانِيْ: الْوَقْتُ، فَلاَ يَتَيَمَّمُ لِفَرِيْضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا » هذا هو الشرط الثاني من شروط التيمم وهو الوقت، والمقصود به دخول وقت الفريضة، فيشترط للتيمم دخول الوقت، وهذا مبني على القول بأن التيمم مبيح لا رافع، وعلى هذا فيقتصر فيه على الضرورة.
وقد اختلف الفقهاء هل التيمم مبيح لما تجب له الطهارة أم رافع للحدث؟ وقبل ذلك نوضح الفرق بين كونه مبيحًا وكونه رافعًا، فنقول:
أ _ أننا إذا قلنا بأن التيمم مبيح، فإذا نوى بتيممه عبادة لم يجز له أن يؤدي ما فوقها،مثاله:تيمم لنافلة فلا يصلي بتيممه فريضة؛لأن الفريضة أعلى،أو تيمم لمس مصحف لم يصل به نافلة؛لأن الوضوء للنافلة أعلى من مسح المصحف=
.................................................................................................................
= أما إن قلنا بأنه رافع للحدث جاز له أن يصلي به فريضة أو يصلي نافلة، فحكمه حكم الماء حينئذ.
ب _ أننا إذا قلنا بأنه مبيح فإنه يبطل بخروج وقت الصلاة؛ لأن المبيح يقتصر فيه على وقت الضرورة. أما إن قلنا بأنه رافع جاز له أن يصلي بتيممه أكثر من فرض مادام لم ينقض تيممه بأي ناقض.
ج _ أننا إذا قلنا بأنه مبيح اشترط أن ينوي ما يتيمم له، فإن نوى رفع الحدث فقط لم يرتفع. أما إن قلنا بأنه رافع للحدث فإنه لا يشترط ذلك .
هذه هي بعض الفروق بين كونه مبيحًا أو رافعًا.(3/41)
والراجح من القولين أنه رافع للحدث، وهذا هو مذهب الحنفية(1) ورواية في مذهب أحمد(2)، وهي اختيار شيخ الإسلام(3) والشيخين(4)؛ لأنه بدل عن طهارة الماء، والبدل له حكم المبدل، فكما أن طهارة الماء ترفع الحدث فكذلك طهارة التيمم، ولذلك سماه الله تعالى طهورًا في قوله:[? ? ? ? ? ? ژ ژ] (5) .
وأيضًا سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - طهورًا في قوله:«جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُوْرًا»(6)
والطهور هو ما يتطهر به، وعلى هذا فقول المؤلف « فَلاَ يَتَيَمَّمُ لِفَرِيْضَةٍ قَبْلَ =
وَلاَ لِنَافِلَةٍ فِيْ وَقْتِ النَّهْيِ عَنْهَا(1).
= وَقْتِهَا » مبني على القول بأنه مبيح وليس برافع، والصواب أنه يجوز له أن يتيمم قبل وقت الفريضة. لكن هل يشرع له أن يؤخر الصلاة إلى نهاية وقتها لعله يجد الماء؟ اتفق الفقهاء على أن تأخير الصلاة بالتيمم آخر الوقت أفضل من تقديمه لمن كان يرجو الماء آخر الوقت، أما إذا يئس من وجوده فيستحب له تقديمه أول الوقت.
والصواب أنه يصلي في أول الوقت إلا إذا علم أن الماء سيأتي بعد نصف ساعة مثلاً كأن يذهب أحد الرفقة لإحضار الماء،فهنا نقول:أخِّر الصلاة في هذه الحالة.
? تنبيه: يترجح تقديم الصلاة في أول وقتها في ثلاث حالات:
الأولى: إذا علم عدم وجود الماء. ... الثانية: إذا ترجح عنده عدم وجود الماء.
الثالثة: إذا لم يترجح عنده شيء.
(
__________
(1) بدائع الصنائع (1/74).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/167، 238 _ 239).
(3) الاختيارات الفقهية ص 48.
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/203)، الشرح الممتع (1/375).
(5) سورة المائدة : 6.
(6) أخرجه البخاري في أبواب المساجد _ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً _ رقم (427)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب منه _ رقم (813) واللفظ للبخاري.(3/42)
1) قوله «وَلاَ لِنَافِلَةٍ فِيْ وَقْتِ النَّهْيِ عَنْهَا » أي لا يتيمم لنافلة في وقت النهي، ولكن هذا خاص بالنوافل المطلقة، أما ما كان له سبب فهل يتيمم له؟ على كلام المؤلف لا يتيمم لأي نافلة وقت النهي. والصواب أن له أن يتيمم لذوات الأسباب في أي وقت على الصحيح من أقوال أهل العلم، وخلاصة الكلام في هاتين المسألتين نقول كما قلنا في المسألة التي قبلها، يجوز له أن يتيمم في أي وقت شاء، ويجوز له أن يصلي بتيممه ما شاء من الصلوات، سواء كانت نافلة أو فريضة ما دام أنه باق على تيممه، وهذا هو قول الحنفية(1) _ كما ذكرنا _ والشيخين(2)، إلا إن وجد الماء فهنا يبطل تيممه ويجب عليه أن يستعمل الماء.
الثَّالِثُ: النِّيَّةُ، فَإِنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ، لَمْ يُصَلِّ بِهِ فَرِيْضَةً، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيْضَةٍ، فَلَهُ فِعْلُهَا، وَفِعْلُ مَا شَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا(1).
الرَّابِعُ: التُّرَابُ، فَلاَ يَتَيَمَّمَ إِلاَّ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ، لَهُ غُبَار(2).
(1) قوله « الثَّالِثُ: النِّيَّةُ، فَإِنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ، لَمْ يُصَلِّ بِهِ فَرِيْضَةً، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيْضَةٍ، فَلَهُ فِعْلُهَا، وَفِعْلُ مَا شَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا» هذا هو الشرط الثالث من شروط التيمم، وهذا أيضاً يقال فيه كما قيل في المسألتين السابقتين، أن هذا محمول على أنه مبيح، والصواب أنه رافع، فمتى تيمم لفريضة أو نافلة أو غيرهما مما يتيمم له صحَّ له أن يصلي ما شاء من الفرائض والنوافل، فلا وجود لهذا الشرط على القول الراجح، أما نية التيمم فلا شك أنها شرط لصحته؛ لأن الأعمال بالنيات.
(
__________
(1) بدائع الصنائع (1/74).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/203)، الشرح الممتع (1/375).(3/43)
2) قوله « الرَّابِعُ: التُّرَابُ، فَلاَ يَتَيَمَّمَ إِلاَّ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ، لَهُ غُبَار » هذا هو الشرط الرابع من شروط التيمم، واشترط فيه ثلاثة أوصاف: الأول كونه ترابًا، والثاني كون التراب طاهرًا، والثالث كون التراب له غبار. أما اشتراط التراب فقد سبق بيان الراجح أنه لا يشترط كون المتيمم به ترابًا، بل يجوز أن يتيمم بكل ما على وجه الأرض من رمل وأحجار وجبس وغيرها.
أما اشتراط الطهارة له أيضًا فهذا مبني على القول بأن التراب ينقسم إلى طهور وطاهر ونجس كالماء، وهذا أيضًا لا اعتبار له في الشريعة كما ذكرنا ذلك وقلنا بأنه يجوز له أن يتيمم بتراب مستعمل ونحوه إلا إذا كان نجسًا فلا يجوز. أما اشتراط الغبار في التراب فهو المذهب عند الحنابلة(1)، وقال بعض =
ويُبْطِلُ التَّيَمُّمَ مَا يُبْطِلُ طَهَارَةَ الْمَاءِ(1)، وَخُرُوْجُ اْلوَقْتِ(2)، وَالْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ(3)، ..........................................................................................
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (1/214).(3/44)
=العلماء منهم ابن سعدي(1) بأنه لا يشترط الغبار، وهذا قول شيخنا(2)×، دليل ذلك حديث عمار - رضي الله عنه - وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «ضَرَبَ بِكَفَّيْهِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَخَ فِيْهِمَا»(3)، والنفخ يزيل الغبار وأثر التراب، وعلى ذلك يجوز التيمم على جدار الإسمنت وعلى البلاط ولو لم يكن عليه غبار، وذلك لأنهما الأصل في تكوينهما أنهما من الأحجار والتراب وغيره مما يكون على وجه الأرض، أما الجدران التي عليها بوية فلا يصح عليها التيمم، ولا على الفرش الموجودة في المنازل؛ لأنها ليست مما على وجه الأرض، إلا إذا كان عليها شيء يعلق باليد من تراب وجبس وإسمنت أو غبار ونحوها فيجوز له ذلك.
(1) وقوله « ويُبْطِلُ التَّيَمُّمَ مَا يُبْطِلُ طَهَارَةَ الْمَاءِ » هذا لا إشكال فيه يعني أن نواقض الوضوء السابقة هي ناقضة أيضًا للتيمم.
(2) قوله « وَخُرُوْجُ الْوَقْتِ » والصحيح أنه مع خروج وقت الصلاة يبقى التيمم كما ذكرنا ذلك سابقًا.
(3) قوله«وَالْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ» ويكون ذلك إما بأن يكون مريضًا=
وَإِنْ كَانَ فِيْ الصَّلاَةِ(1).
__________
(1) المختارات الجلية ص 26.
(2) الشرح الممتع (1/394).
(3) أخرجه أحمد في المسند (4/319) رقم (18902)، و النسائي في كتاب الطهارة _ باب نوع آخر من التيمم والنفخ في اليدين _ رقم (316) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/67) رقم (308).(3/45)
=فبرئ،أو يكون عادمًا للماء فوجده،يقول المؤلف هذا أيضًا يعد من نواقض التيمم؛ لأنه واجد للماء في هذه الحالة، وهذا هو الصحيح؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«إِنَّ الصَّعِيْدَ الطَّيِّبَ طَهُوْرُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِيْنَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اللهَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذالِكَ خَيْرٌ»(1)، وهذا بإجماع أهل العلم، فمتى وجد الماء بطل التيمم.
(1) قوله « وَإِنْ كَانَ فِيْ الصَّلاَةِ » هذا إشعار بأن المسألة فيها خلاف، وصورتها: أن يتيمم إنسان لعدم الماء وعندما شرع في الصلاة وجد الماء، هل نقول يلزمه الخروج من الصلاة لكي يتوضأ أم نقول له أكمل الصلاة؟ هذا محل خلاف بين الفقهاء:
فالحنفية(2) والمذهب عند الحنابلة(3) على بطلان صلاة المتيمم إذا وجد الماء في الصلاة لأن الأصل إيقاع الصلاة الوضوء، ولبطلان الصلاة بزوال سببها وهذا القول هو ما يميل إليه شيخنا(4)×؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:« فَلْيَتَّقِ اللهَ وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذالِكَ خَيْرٌ».
..................................................................................................................
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/155) رقم (21408)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب الجنب يتيمم (332)، والترمذي في أبواب الطهارة _ باب التيمم للجنب إذا لم يجد الماء (124)، وأخرجه البزار بهذا اللفظ في مسنده (9/387) رقم (3973) من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - ، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (3861).
(2) بضائع الصنائع (1/57 _ 58).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/246 _ 247).
(4) الشرح الممتع (1/406).(3/46)
=وذهب المالكية(1) وهو قول للشافعية(2) ورواية في مذهب الحنابلة(3) بأنها لا تبطل لوجود الإذن بالدخول في الصلاة بالتيمم والأصل بقاؤه.
قلت: والذي أميل إليه أنه يحولها نافلة أي يكملها نافلة ثم يصلي الفريضة بطهارة الماء، وبهذا يجمع بين الأدلة؛ لأن تحويل الفريضة إلى نافلة جائز، فلو كان الإنسان يصلي منفردًا ثم حضرته جماعة يجوز له أن يحول هذا الفرض إلى نافلة ثم يصلي مع الجماعة الفريضة، وما ذكرناه هو الأحوط من قولنا إن صلاته تبطل؛ لأن الله تعالى قال:[? ](4).
خلاصة ما نقول في التيمم:
أ _ التيمم الصحيح هو المذكور في قوله تعالى:[ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ?](5).
ب _ صفته أن يضرب التراب بيديه ضربة واحدة، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه كما جاء في الصحيحين من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنه - :«إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيْكَ أَنْ تَقُوْلَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى
الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» (6).
جـ _ المشروع هو ضربة واحدة للوجه والكفين.
د _ يشترط أن يكون التراب طاهرًا أي غير نجس.
__________
(1) حاشية الدسوقي (1/ 156).
(2) المجموع (2/358).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/246 _ 247).
(4) سورة محمد : 33.
(5) سورة المائدة : 6.
(6) أخرجه البخاري في كتاب التيمم _ باب التيمم ضربة _ رقم (340)، ومسلم في كتاب الحيض _ باب التيمم _ رقم (368) واللفظ لمسلم.(3/47)
بَابُ الْحَيْضِ(1).
..................................................................................................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ الْحَيْضِ » الحيض في اللغة: السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال، واصطلاحًا: دم طبيعة وجبلة يخرج من قعر الرحم في أوقات محددة معلومة، وهذا يخرج النفاس والاستحاضة.
والحيض أمر كتبه الله تعالى على النساء فينبغي عليهن أن لا تضيق صدورهن بسببه خصوصًا في رمضان وعند الحج والعمرة.
ومما ينبغي أيضًا أن ننبه عليه أنه لا ينبغي للمرأة أن تأخذ ما يمنع نزول الدم إلا لأمر ضروري كالحج والعمرة مثلاً، أما ما تفعله بعض النساء من منع الدم من أجل أن تصلي رمضان أو من أجل أن تصوم رمضان فالأولى عدمه فتترك الأمور على طبيعتها.
وقبل الشروع في شرح باب الحيض أبيّن بعض القواعد في هذا الباب بحيث يسهل على الطالب فهمه لا سيما وأن بعض أهل العلم قال: إن من أصعب أبواب الفقه ثلاثة أبواب: الحيض والربا والطلاق.
فنقول: لا تخرج النساء حال الحيض عن خمسة أحوال:
الأولى: أن تكون مبتدأة. ... ... الثانية: أن تكون معتادة.
الثالثة: أن تكون مميزة. ... ... الرابعة: أن تكون مستحاضة.
الخامسة: أن تكون متحيرة.
ولا تكاد أحكام الدماء تخرج عن هذه الأحوال الخمسة.
..................................................................................................................
= الحالة الأولى: المبتدأة:
تعريفها: هي المرأة التي يأتيها الحيض لأول مرة،أي لم يتقدم لها حيض قبل ذلك وهذه فعلاً لا تدري كم يستمر معها الحيض، هل سيبقى معها يومًا أو يومين أو ثلاثة.(4/1)
الحكم في هذه الحالة: المذهب(1) بأنها تجلس يومًا وليلة ثم تغتسل وتكون من الطاهرات حكمًا، فتصوم وتصلي ولا تعيد الصلاة وتؤدي جميع العبادات حتى وإن جازو الدم أقل الحيض لأنه مشكوك فيه، ولا يجوز للزوج أن يطأها في الزمن المجاوز لأقل الحيض قبل تكراره لأن الظاهر أنه حيض وإنما أمرت بالعبادة لبراءة الذمة فتعين ترك وطئها احتياطا ويجب عليها متى طهرت أن تغتسل مرة أخرى.
وذهب جمهور أهل العلم من الحنفية(2)، والمالكية(3)، والشافعية(4) إلى أن المبتدأة يجب عليها ما يجب على الحائض، فتجلس مادامت ترى الدم إلى خمسة عشر يوما ثم تغتسل وتؤدي جميع العبادات، وهذا هو الصواب، وهو رواية في المذهب(5).
وذهب شيخنا(6) إلى أن المبتدأة ترجع إلى عادة نسائها كأختها وأمها، وهو رواية في المذهب أيضًا(7)،لكن قول الجمهور هو الأصوب والأضبط للمرأة.
..................................................................................................................
الحالة الثانية: المعتادة:
تعريفها: هي التي لها عادة منضبطة (خمسة أيام، أو ستة أيام، أو سبعة أيام) فنقول لهذه المرأة المعتادة: اجلسي عادتك إلا إذا فعلت ما يؤثر على الدم كتناول حبوب أو وضع اللولب فتنتقلين إلى حكم المتحيرة وسيأتي.
أما إذا لم تفعلي ما يؤثر على الدم فنقول: إذا زاد الدم عن هذه الأيام المنضبطة، اغتسلي وتحفظي وصلي وتوضئي لكل صلاة.
الحالة الثالثة: المميزة:
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/498).
(2) حاشية ابن عابدين (1/189).
(3) حاشية الدسوقي (1/168).
(4) المجموع (2/426).
(5) المغني (1/409)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/498 _ 499).
(6) الشرح الممتع (1/489).
(7) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/499).(4/2)
تعريفها: هي امرأة أطبق عليها الدم لكن دمها متميز عشرة أيام دم أحمر يميل إلى السواد ثخين له رائحة وهذه هي صفة دم الحيض التي ينبغي أن تعرفها النساء معرفة جيدة:
أ _ يميل إلى السواد. ... ... ب _ ثخين غليظ. ... جـ _ له رائحة نتنة.
فما دام دمها متميزًا نقول: اجلسي الدم المتميز وما عداه اغتسلي وتحفظي وصلي.
الحالة الرابعة: المستحاضة:
تعريفها: هي امرأة أطبق عليها الدم شهرًا أو شهرين أو ثلاثة، نقول: هذه امرأة مستحاضة، فإن كانت متميزة فإنها تجلس تميزها، وإن كانت معتادة تجلس عادتها، وإن كانت متحيرة نقول: تجلس خمسة عشر يومًا، وما زاد يعتبر دم فساد أي استحاضة، فتتوضأ لكل صلاة وتتحفظ وتصلي وتأتي بجميع العبادات.
وَيَمْنَعُ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ: فِعْلَ الصَّلاَةِ، وَوُجُوْبَهَا(1)،...........................
الحالة الخامسة: المتحيرة:
تعريفها: هي الآن أكثر الأحوال حدوثًا في وقتنا بسبب استعمال ما يمنع الدم، أو ما يمنع الحمل، أو استعمال بعض الأمور التي تمنع الدورة.
والمتحيرة هي التي تكون عادتها في شهر سبعة أيام، وفي شهر آخر ثمانية أيام، وفي شهر عشرة أيام، فهذه نقول: إنها متحيرة، ونقول لها: إذا كان الدم غير مميز وليس لكِ عادة تعرفينها، فاجلسي إلى خمسة عشر يومًا إذا كان متصلاً.
أما إذا كان يجيء في شهر خمسة أيام ثم ينقطع والشهر الآخر سبعة أيام ثم ينقطع والذي يليه ثمانية أيام أو عشرة أيام وهكذا فنقول: متى انقطع الدم عنكِ فيلزمكِ الاغتسال وتؤدين ما عليكِ من العبادات، وهذا هو الذي نرجحه.
ويرى شيخنا(1) × أنه لا أقل للحيض ولا لأكثره، بل ما دام على وتيرة واحدة فإنه يعتبر دم حيض.
__________
(1) الشرح الممتع (1/472).(4/3)
لكن الصواب أنه إن زاد على خمسة عشر يومًا تأخذ حكم الطاهرات وهذا هو الأحوط، ولا يعقل في واقع النساء أن يزيد الدم على خمسة عشر يومًا، ولهذا الذين يقولون لا حدّ لأكثره قولهم غير منضبط، فنقول لهم: لو جلس الدم سبعة وعشرين يومًا هل تقولون إنه دم دورة، ولهذا كان قول الجمهور هو الأحوط إن شاء الله.
(1) قوله « وَيَمْنَعُ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ: فِعْلَ الصَّلاَةِ، وَوُجُوْبَهَا » أي يمنع الحيض عشرة أشياء،أولها فعل الصلاة ووجوبها،والمراد بفعل الصلاة أي أداؤها في زمن=
وَفِعْلَ الصِّيَامِ(2)،............................................................................
=الحيض،ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :«..أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ...»(1) وقوله أيضًا:«...فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ ... »(2)، وهذا بإجماع أهل العلم، فمتى صلت المرأة وهي حائض فهي آثمة، وهنا ننبه على خطأ يقع فيه كثير من النساء، فتراها مثلاً إذا ذهبت إلى حج أو عمرة أو كانت في جمع من النساء ثم جاءها الحيض لم تخبر أهلها حياءًا منهن فتصلي معهم أو تؤدي مناسك الحج والعمرة معهم، وهي بهذا تكون آثمة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحيض _ باب ترك الحائض الصوم _ رقم (298) ، ومسلم في كتاب الإيمان _ باب بيان نقصان الإيمان بنقصان الطاعات _ رقم (114) واللفظ للبخاري .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحيض _ باب إقبال المحيض وإدباره _ رقم (309)، ومسلم في كتاب الحيض _ باب المستحاضة وغسلها وصلاتها _ رقم (501).(4/4)
والمراد بقوله « وَوُجُوْبَهَا » أي لا تجب عليها الصلاة لأنه سبحانه أسقط عنها الوجوب بحيضها، فلا يجب عليها قضاؤها لقول عائشة رضي الله عنها:«كَانَ يُصِيْبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ »(1)، وهذا بإجماع أهل العلم.
(1) قوله « وَفِعْلَ الصِّيَامِ » هذا هو الأمر الثالث الذي تمنع منه المرأة حال حيضها وهو الصيام وذلك للحديث المتقدم «..أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ..» لكن هل يمنع الحيض وجوب الصوم؟ لا، بل يجب على المرأة الحائض الصوم، ولكنه لا يصح منها حال حيضها، بل متى طهرت يجب عليها قضاؤه لقول عائشة _ رضي الله عنها _ المتقدم « فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ ».
وَالطَّوَافَ (1)،...............................................................................
=أما عن الحكمة في أمرها بقضاء الصوم دون الصلاة فقيل: الحكمة أن قضاء الصلاة فيه مشقة لتكرارها، أما الصيام فلا يتكرر إلا مرة واحدة في السنة، وهذا من كمال رحمته سبحانه وتعالى وشفقته بالمرأة.
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة _ رقم (508).(4/5)
1) قوله « وَالطَّوَافَ » هذا هو الممنوع الرابع للمرأة حال حيضها، وهو قول الجمهور من المالكية(1)، والشافعية(2)، والحنابلة(3)، فلا يجوز لها أن تطوف بالبيت حال حيضها لا لحج ولا لعمرة ولا لطواف نفل، دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :«افْعَلِيْ كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوْفِيْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِيْ »(4).
فالمرأة الحائض لا يجوز لها أن تطوف؛ لأن من شروط الطواف الطهارة، ولأن المرأة الحائض لا يجوز لها أن تدخل المسجد الحرام.
وذهب الحنفية(5) إلى صحته مع الكراهة التحريمية لأن الطهارة له واجب وهي غير طاهرة وعليها بدنة، وذهب شيخ الإسلام(6) إلى عدم اشتراط الطهارة للطواف بل يستحب له.
لكن الصواب ما ذهب إليه الجمهور من اشتراط الطهارة له، وهي إحدى الروايتين في المذهب(7)، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة (8).
وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ(1)، وَمَسَّ الْمُصْحَفِ(2)، .........................................................
(
__________
(1) الشرح الصغير (1/311).
(2) المجموع (2/386) ، (8/15، 17).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/368 _ 389).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الحج _ باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة _ رقم(1567) ومسلم في كتاب الحج _ باب بيان وجوه الإحرام _ رقم(1211).
(5) الهداية (1/165)، المبسوط (4/38).
(6) مجموع الفتاوى (26/199)، الاختيارات الفقهية ص 211.
(7) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/389).
(8) فتاوى اللجنة الدائمة (11/237).(4/6)
1) قوله «وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ» هذا هو الممنوع الخامس للمرأة حال حيضها، فلا يجوز لها أن تقرأ القرآن، وهذا محل خلاف بين الفقهاء: فالجمهور على أن الحائض لا تجوز لها قراءة القرآن. وذهب المالكية(1) إلى جواز قراءة الحائض للقرآن.
والراجح من القولين هو جواز قراءة الحائص وكذا النفساء للقرآن، وهو اختيار شيخ الإسلام(2)، وسماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز(3)، وشيخنا الشيخ محمد العثيمين(4) _ رحمهم الله _ وذلك لعدم ثبوت ما يدل على النهي، وقياس ذلك على الجنب قياس مع الفارق.
(2) قوله « وَمَسَّ الْمُصْحَفِ » هذا هو الممنوع السادس للحائض، فلا يجوز لها أن تمس المصحف إلا من وراء حائل أو تمسك بشيء تتصفح به، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ»(5)، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، واستثنى المالكية(6) من ذلك المعلمة والمتعلمة فإنه يجوز لها مس المصحف.
والصواب أنه لا يجوز لهن مس المصحف مطلقًا.
وهل المحدث حدثًا أصغر يجوز له مس المصحف؟محل خلاف بين أهل العلم؛=
وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ(1)،............................................................
=أصح الأقوال فيه أنه لا يجوز له أن يمس المصحف، وهو رأي الشيخين(7).
(
__________
(1) حاشية الدسوقي (1/174).
(2) مجموع الفتاوى (26/179 _ 180).
(3) مجموع فتاوى مقالات متنوعة (10/208 _ 209).
(4) مجموع فتاوى ورسائل شيخنا (11/273).
(5) أخرجه البيهقي في كتاب الحيض _ باب الحائض لا تمس المصحف ولا تقرأ القرآن _ رقم (1374)، =
(6) =والدارقطني في كتاب الطهارة _ باب في نهي المحدث عن مس القرآن _ رقم (447)، وصححه الألباني في الإرواء حديث رقم (122).
( ) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/126).
(7) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/149)، مجموع فتاوى ورسائل شيخنا (11/213).(4/7)
1) قوله « وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ » هذا هو الممنوع السابع، وهو قول جمهور الفقهاء؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ لِيْ رَسُوْلُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «نَاوِلِيْنِي الْخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ» قَالَتْ فَقُلْتُ إِنِّي حَائِضٌ فَقَالَ «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ»(1)، واحتجوا أيضاً بما رواه البخاري ومسلم من أمر النساء الحيض أن يعتزلن المصلى في العيد(2).
وفي رواية في المذهب(3) جواز لبث الحائض وكذا النفساء في المسجد إذا توضأت وأمنت تلويثه،وذلك لعدم ورود الحديث الصحيح الصريح في المنع.
والذي نراه أنه لا يجوز لها أن تجلس في المسجد، ولكن لها أن تعبر المسجد لحاجة، وهذا هو قول الشيخين(4).
? تنبيه:
أولاً: اختلف الفقهاء في دخول الحائض مصلى العيد: فالحنفية(5) والشافعية(6) علىجواز دخولها، والحنابلة(7) على عدم جواز الدخول.
وَالْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ(1)،....................................................................
=فالذين قالوا بجواز الدخول لأنه ليس له حكم المسجد فلا يأخذ حكمه، والذين قالوا بعدم الجواز احتجوا بقوله "في حق الحائض وليعتزلن المصلى.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد _ رقم (298).
(2) أخرجه البخاري في أبواب الصلاة في الثياب _ باب وجوب الصلاة في الثياب _ رقم (344)، ومسلم في كتاب صلاة العيدين _ باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال _ رقم (890) .
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/369).
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/218)، مجموع فتاوى ورسائل شيخنا (11/273).
(5) حاشية ابن عابدين (1/192 _ 193).
(6) مغني المحتاج (1/109).
(7) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/116).(4/8)
والذي يظهر لي أن المصلى ليس مسجدًا فيجوز لها الدخول لكن تبتعد عن محل صلاة الناس.
ثانيًا: مصليات المدارس، هل تدخل في حكم المساجد في منع الطالبات والمدرسات الحيض من دخولها؟ الظاهر أنها لا تأخذ حكم المساجد فيجوز للحائض دخولها والجلوس فيها.
(1) قوله « وَالْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ» هذا هو الممنوع الثامن، وهذا بإجماع أهل العلم، لا يجوز للرجل أن يجامع زوجته وهي حائض؛ لقوله تعالى: [ہ ہ ہ ھ](1). أما المباشرة فيما دون الفرج فلا بأس بها؛ لقول عائشة رضي الله عنها:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنِيْ أَنْ أَتَّزِرَ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يُبَاشِرُنِيْ»(2).
ومن وطئ زوجته في فرجها حال حيضها فعليه التوبة والاستغفار ويتصدق وجوبًا في المذهب(3) بدينار أو نصف دينار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهي حائض:«يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ»(4)، وهذا هو قول الشيخين(5). =
وَسُنَّةَ الطَّلاَقِ(1)، وَالاِعْتِدَادَ بِالأَشْهُرِ(2).............................................................
__________
(1) سورة البقرة : 222.
(2) أخرجه أحمد في المسند (6/209) رقم (25791)، والترمذي في أبواب الطهارة _ باب ما جاء في مباشرة الحائض _ رقم (132) واللفظ لأحمد.
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/377).
(4) أخرجه أحمد (5/47) رقم (2015)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب إتيان الحائض _ رقم (264)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 51) رقم (237).
(5) انظر تعليق سماحة شيخنا على كتابنا (الأحكام الشرعية للدماء الطبيعية) ص 165، والشرح الممتع (1/479).(4/9)
=وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وجوب الكفارة بل يستغفر ويتوب، وهو قول الحنفية(1) والشافعية(2) وقول في المذهب(3).
والذي يترجح عندي أنه لا تجب كفارة على من وطئ امرأته وهي حائض ولكن تستحب في حقه ويجب عليه التوبة والاستغفار، وتحمل الأحاديث على الاستحباب في إخراج الكفارة، والذي يدل على ذلك التخيير بين الدينار ونصفه، إذ لا تخيير في جنس واحد بين الأقل والأكثر.
أما مقدار الدينار فهو على قول شيخنا أربعة جرامات وربع،والذي قررته في كتاب الزكاة وهو الراجح: ثلاثة جرامات ونصف، وإذا أردنا أن نعرف قيمته نسأل أهل الذهب في وقت إخراجه، كم قيمة جرام الذهب ونضرب القيمة في ثلاثة ونصف.
(1) قوله «وَسُنَّةَ الطَّلاَقِ» هذا هو الممنوع التاسع، ومعنى قوله « سُنَّةَ الطَّلاَقِ» أنه إذا طلق زوجته في الحيض فليس طلاقًا سنِّيًّا بل هو طلاق بدعيّ، وطلاق السنة أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه.
(2) قوله « وَالاِعْتِدَادَ بِالأَشْهُرِ » أي أن المرأة التي تحيض يمنعها الحيض من الاعتداد بالأشهر، وإنما تعتد بالحيض ثلاث حيض، أما إن كانت لا تحيض فتعتد بالأشهر، ودليل ما ذكره المؤلف قوله تعالى:[ ? چ چ چ](4).
وَيُوْجِبُ الْغُسْلَ، وَالْبُلُوْغَ، وَالاِعْتِدَادَ بِهِ(1)، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ، أُبِيْحَ فِعْلُ الصَّوْمِ(2)،.....................................................................................
(1) قوله « وَيُوْجِبُ الْغُسْلَ، وَالْبُلُوْغَ، وَالاِعْتِدَادَ بِهِ » هذه هي موجبات الحيض:
__________
(1) مجموع رسائل ابن عابدين (1/114).
(2) مغني المحتاج (1/110).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/377).
(4) سورة البقرة : 228.(4/10)
أولاً: أنه يوجب الغسل، وذلك عند طهرها، دليل ذلك قوله تعالى : [ھ ھ ے ے? ? ? ? ? ? ? ? ](1)،[? ?] أي اغتسلن، وهذا بالإجماع عند أهل العلم، أي يجب على المرأة إذا طهرت من حيضها الاغتسال،والغسل هنا كالغسل من الجنابة،وهل يلزم المرأة أن تنقض ضفائرها؟ نقول:لا، ولا يلزم أن تغسل كل شعرها،وقد سبق بيان ذلك
ثانيًا: البلوغ، أي يوجب الحيض البلوغ، فمتى حاضت المرأة حكم ببلوغها، وعلامات البلوغ للرجل والمرأة ثلاثة: إنزال المني بالاحتلام وغيره، وإنبات شعر العانة، وتمام خمس عشرة سنة. أما المرأة فتزيد على ذلك أمرًا رابعًا وهو الحيض.
ثالثًا: الاعتداد به، هذا من موجبات الحيض أيضًا، فالمرأة التي تحيض تعتد بالحيض، أما إذا كانت لا تحيض لصغر أو لكبر أو لأمر طارئ فتعتد بالأشهر. ومعنى قولنا تعتد بالحيض: أن تحيض ثم تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فهنا تمت عدتها بعد طلاق زوجها.
(2) قوله « فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ، أُبِيْحَ فِعْلُ الصَّوْمِ» أي إذا انقطع دم المرأة الحائض ولم تغتسل أبيح فعل الصوم، بل كان واجبًا عليها إن كان صوم فريضة كرمضان، مثال ذلك: امرأة انقطع الدم عنها بالليل ولم تتمكن من الاغتسال قبل الفجر، فيلزمها الصوم حتى وإن لم تغتسل لأن الصوم لا يشترط له =
وَالطَّلاَقُ(1)، وَلَمْ يُبَحْ سَائِرُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ(2)، وَيَجُوْزُ الاِسْتِمْتَاعُ مِنَ الْحَائِضِ، بِمَا دُوْنَ الْفَرْجِ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «اصْنَعُوْا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّكَاحَ»(3).
=الطهارة وإنما الطهارة تشترط لفعل الصلاة.
(1) قوله « وَالطَّلاَقُ » أي إذا انقطع الدم أبيح الصوم والطلاق ولو لم تغتسل، فلا يلزم أن تغتسل المرأة إذا طهرت من الحيض لوقوع الطلاق، ولا يأثم الزوج بذلك، لكن يأثم إذا طلقها أثناء الحيض.
__________
(1) سورة البقرة : 222.(4/11)
وهل يقع الطلاق إذا طلقها أثناء الحيض أم لا يقع؟ قولان لأهل العلم كما سيأتي بيانه إن شاء الله في كتاب الطلاق.
(2) قوله «وَلَمْ يُبَحْ سَائِرُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ» أي لم يبح غير فعل الصوم والطلاق بلا اغتسال وما سواهما من العشرة المذكورة فلابد لها من الاغتسال وهي: الصلاة ووجوبها، والطواف، وقراءة القرآن، ومس المصحف، واللبث في المسجد، والوطء في الفرج.
(3) قوله «وَيَجُوْزُ الاِسْتِمْتَاعُ مِنَ الْحَائِضِ،بِمَا دُوْنَ الْفَرْجِ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «اصْنَعُوْا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّكَاحَ»أي يستمتع الرجل من الحائض بما دون الفرج.
وهل تجوز المباشرة فيما عدا ما بين السرة والركبة؟ قولان: أصحهما تجوز المباشرة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:«اصْنَعُوْا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ»(1).
وهل تجوز المباشرة فيما بين السرة والركبة عدا الفرج؟ جمهور الفقهاء على المنع، وهو قول في المذهب(2)، وعللوا بأن المرأة تتزر، وما دامت تتزر فلا تباشر فيما يغطيه الإزار، واحتجوا لذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن ما يحل للرجل=
....................................................................................................
= من امرأته وهي حائض؟ قال: «لَكَ مَا فَوْقَ الإِزَارِ »(3)، لكن الصواب جواز المباشرة دون الفرج خاصة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - «اصْنَعُوْا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ» وهو المذهب عند الحنابلة(4).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد (302) من حديث أنس - رضي الله عنه -
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/374 _ 375).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة _ باب في المذي (212)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/42) رقم (197).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/374 _ 375).(4/12)
لكن إن استمتع بها فيما دون الفرج هل يلزمه غسل؟ الجواب: لا يجب عليه الغسل إلا أن ينزل، أما المرأة إذا أنزلت وهي حائض استحب لها الغسل للجنابة لئلا يبقى عليها أثر الجنابة، ولأنها قد تحتاج إلى قراءة القرآن للتعلم والتعليم.
لكن هنا مسألة قد تحتاج إليها المرأة وهي إذا طهرت المرأة في أي ساعة من نهار في شهر رمضان، هل يلزمها الإمساك بقية اليوم؟
الصحيح: أنه لا يلزمها الإمساك؛ لأننا نُعَرِّف الصيام بأنه الإمساك بنية التعبد لله بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فكون المرأة التي طهرت ظهرًا أو عصرًا أو ضحى تمسك بقية اليوم لا معنى لإمساكها، وسيأتي بيان ذلك _ إن شاء الله _ في كتاب الصيام.
وقول المؤلف × « وَيَجُوْزُ الاِسْتِمْتَاعُ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُوْنَ الْفَرْجِ » محمول على عدم الخشية من الوقوع في الجماع المحرم، وإلا فلو علم الرجل أنه لا يستطيع أن يملك إربه من الوقوع في الجماع المحرم وقت الحيض فإنه يحرم عليه المباشرة فيما دون الفرج؛ لأن كل ما يؤدي إلى محرم فهو محرم.
وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ(1)، وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا(2)،......................
((4/13)
1) قوله « وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ » هذا هو المذهب(1)، وهو قول الشافعي(2)، وعند الحنفية(3) أقله ثلاثة أيام، وعند مالك(4) الدفعة الواحدة حيضة إلا أنه لا يعتد بها في الأفراد في الطلاق. وذهب شيخ الإسلام(5)إلى أنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره بل مرد الأمر عنده إلى ما استقرت عليه عادة المرأة،وهذا هو رأي ابن سعدي(6)،وشيخنا(7)×، والذي نرجحه هو قول الشافعية والحنابلة لأنه هو القول المنضبط الذي تستطيع المرأة أن تضبط به الدم وأن تعرف أقله وأكثره. أما تحديده بهذا الحد فإن الشيء إذا لم يكن له حد فإنه يحد في الشرع بأقل شيء عادة، وأقل الشيء من الأيام هو يوم وليلة، وأما حده بخمسة عشر يومًا هو نصف شهر حيث لا يعقل أن تحيض المرأة أكثر الشهر ولا يمكن أن يكون زمن الطهر أقل من زمن الحيض.
(2) قوله « وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا » هذا هو المذهب(8) وهو قول المالكية(9)، والشافعية(10). أما الحنفية(11) فيرون أن أكثره عشرة أيام،وقد سبق اختيار شيخ الإسلام وشيخنا ×،والذي نرجحه هو القول الأول لما ذكرناه في المسألة السابقة
وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا(1)، وَلاَ حَدَّ لأَكْثَرِهِ(2). وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيْضُ لَهُ الْمَرْأَةُ تِسْعُ سِنِيْنَ(3) وَأَكْثَرُهُ سِتُّوْنَ(4).
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/392).
(2) الأم (1/58)، المجموع (2/402).
(3) فتح القدير (1/160).
(4) المدونة (1/55)، الشرح الصغير (1/303).
(5) مجموع الفتاوى (19/237)، الاختيارات الفقهية ص 57.
(6) المختارات الجلية ص 32.
(7) الشرح الممتع (1/471).
(8) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/392)، المغني (1/388).
(9) المدونة (1/54).
(10) الأم (1/58).
(11) بدائع الصنائع (1/40)، فتح القدير (1/160).(4/14)
1) قوله « وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا » وذلك لأننا قلنا أن أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا، فإذا تصورنا أن أقله يوم وليلة، فكم تحيض المرأة في الشهر؟ ثلاث مرات، وإذا تصورنا أن أكثره خمسة عشر يومًا فإنها لا تحيض إلا مرة واحدة. وذهب شيخ الإسلام(1) وهو قول شيخنا(2) × إلى أنه لا حد لأقل الطهر، والراجح ما ذهب إليه المؤلف.
(2) قوله « وَلاَ حَدَّ لأَكْثَرِهِ » أي لا حد لأكثر الطهر؛ لأنه مبني على الحيض، فالحيض قد يزيد وقد ينقص.
(3) قوله « وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيْضُ لَهُ الْمَرْأَةُ تِسْعُ سِنِيْنَ » هذا هو المذهب(3)، وعللوا لذلك بأن هذا هو المعتاد، والصواب أنه لا حد للسن الذي تحيض له المرأة، وبما أنه وجد من النساء من تحيض لثمان سنوات، فيكون الاعتماد على أوصاف الدم أولى، لكن ما ذكره المؤلف بناء على الغالب عند النساء.
(4) قوله « وَأَكْثَرُهُ سِتُّوْنَ » هذا ما رجحه المؤلف، والمشهور في المذهب(4) أن أكثره خمسون سنة، ومن فرّق بين النساء العربيات والأعجميات قال: إن العربيات إلى سن الستين والأعجميات إلى سن الخمسين.
والصواب أنه لا حد لأكثره لاسيما أنه قد وجد من تحيض لأكثر من ستين سنة، فما دام وجد من تحيض لأكثر من خمسين أو أكثر من ستين فلا يحد،وهذا هو=
وَالْمُبْتَدَأَةُ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ لِوَقْتٍ تَحِيْضُ فِيْ مِثْلِهِ، جَلَسَتْ(1)، فَإِنِ انْقَطَعَ لأَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَلَيْسَ بَحَيْضٍ(1)،......................................................
__________
(1) مجموع الفتاوى (19/237، 240).
(2) الشرح الممتع (1/475).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/384).
(4) المرجع السابق (2/386).(4/15)
=مذهب الشافعية(1)، ورواية في مذهب الحنفية(2)، وهو اختيار شيخ الإسلام(3) وشيخنا(4) ×.
(1) قوله « وَالْمُبْتَدَأَةُ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ لِوَقْتٍ تَحِيْضُ فِيْ مِثْلِهِ، جَلَسَتْ » المبتدأة هي التي رأت الدم لأول مرة في وقت تحيض لمثله، حدَّه المؤلف لسنّ التاسعة، والصواب أنه لا حد لأوله كما سبق.
(2) وقوله « جَلَسَتْ » أي اعتبرته حيضًا تترك الصلاة والصيام وسائر العبادات بل كذلك لا يقربها زوجها لأجل ذلك الدم.
(3) قوله « فَإِنِ انْقَطَعَ لأَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَلَيْسَ بَحَيْضٍ » وذلك لأنهم يحدّون أقل الحيض بيوم وليلة، فإن جاوز الدم ذلك أي جاوز يومًا وليلة ولم يتجاوز أكثر الحيض وهو خمسة عشر يومًا فهو حيض ما دام أكثر من يوم وليلة وأقل من خمسة عشر يومًا، فهذه هي المبتدأة، فإذا تكرر ثلاثة أشهر بمعنى واحد صار عادة.
لكن هل يلزم أن يتكرر الدم على المبتدأة لتصبح عادتها؟ المذهب(5) يرى تكراره ثلاثًا ليصبح حيضًا كما سيذكره المؤلف، والصواب أنه لا يلزم تكراره، بل متى رأت الدم ولم يتجاوز أكثر الحيض فهي عادتها.
وَإِنْ جَاوَزَ ذالِكَ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ(1)، ... فَإِذَا تَكَرَّرَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، صَارَ عَادَةً(2)، وَإِنْ عَبَرَ فَالزَّائِدُ اسْتَحَاضَةٌ(3)، وَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ آخِرِ الْحَيْضِ(4)،............................................................
=وخلاصة القول في قول المؤلف أنه إذا انقطع في أقل من يوم وليلة فهو دم فساد، لا يمنع الصلاة ولا الصوم ولا سائر العبادات.
(
__________
(1) المجموع (2/402).
(2) الدر المختار مع حشاية ابن عابدين (1/284).
(3) مجموع الفتاوى (19/240).
(4) الشرح الممتع (1/468).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/400).(4/16)
1) قوله « وَإِنْ جَاوَزَ ذالِكَ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ » أي إذا جاوز الدم أقل الحيض وهو يوم وليلة، ولم يجاوز أكثره وهو خمسة عشر يوما فهو حيض.
(2) قوله « فَإِذَا تَكَرَّرَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، صَارَ عَادَةً » ذكرنا هذه المسألة سابقًا، وقلنا بأنه لا يلزم تكرار الدم ثلاثة أشهر ليصبح عادة للمرأة، بل متى جاءها الدم وتجاوز اليوم والليلة ولم يتجاوز خمسة عشر يومًا صار عادتها ولا يلزم من ذلك تكراره.
(3) قوله « وَإِنْ عَبَرَ فَالزَّائِدُ اسْتَحَاضَةٌ » أي إن عبر أكثر الحيض وهو خمسة عشر يومًا فالزائد استحاضة؛ لأنه تجاوز أكثر الحيض، فخرج عن كونه دم حيض، بل هو دم فساد لا يمنع الصلاة والصوم، لكن نأمرها أن تتوضأ لكل صلاة، وأن تتلجم لئلا يصيب الدم ثوبها.
(4) قوله « وَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ آخِرِ الْحَيْضِ » أي عند تمام خمسة عشر يومًا، وهذا وجوبًا ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِيْ كُنْتِ تَحِيْضِيْنَ فِيْهَا ثُمَّ اغْتَسِلِيْ وَصَلِّيْ »(1) .
وَتَغْسِلَ فَرْجَهَا وَتَعْصِبَهُ(1)، ثُمَّ تَتَوَضَّأَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلاَةٍ، وَتُصَلِّيْ(2)، وَكَذَا حُكْمُ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ(3)، وَمَنْ فِيْ مَعْنَاهُ(4)،.................................................
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحيض _ باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض..._ رقم(319) من حديث عائشة رضي الله عنها.(4/17)
1) قوله « وَتَغْسِلَ فَرْجَهَا وَتَعْصِبَهُ » أي يجب على المستحاضة عند غسلها أن تغسل فرجها وتعصبه عند آخر الحيض؛ لأنها أتمت الحيض وإن كان ينزل معها الدم، أما دليل غسل فرجها فهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في المستحاضة:« فَاغْسِلِيْ عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّيْ»(1)، وأما دليل عصب الفرج ما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها في شأن المستحاضة وفيه «فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيْهِ»(2) ومعنى الاستثفار هو شد الفرج بخرقة عريضة أو قطنة تحتشي بها المرأة، أما الآن فيمكن أن تستخدم الحفائظ الحديثة ويكفيها ذلك.
(2) قوله « ثُمَّ تَتَوَضَّأَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلاَةٍ، وَتُصَلِّيْ » أي المستحاضة يجب عليها الوضوء لا الغسل، وذلك عند وقت كل صلاة، فمتى أرادت الصلاة يجب عليها الوضوء، ويجزئها وضوؤها، لفعل السنن القبلية والبعدية، ولا يلزمها إعادة الوضوء.
(3) قوله « وَكَذَا حُكْمُ مَنْ بِهِ سَلَسُ اْلبَوْلِ » قياسًا على المستحاضة، فيجب عليه الوضوء لكل صلاة، ثم يصلي هذه الصلاة، ولا يجوز له تأخيرها حتى يخرج وقتها.
(4) قوله « وَمَنْ فِيْ مَعْنَاهُ »كمن يخرج منه الريح باستمرار، فإنه يأخذ حكم =
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحيض _ باب الاستحاضة (300)، ومسلم في كتاب الحيض _ باب المستحاضة وغسلها وصلاتها (333).
(2) أخرجه أحمد في المسند (6/320) رقم (26759)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب في المرأة تستحاض ومن قال تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض (274)، والنسائي في كتاب الطهارة _ باب ذكر الاغتسال من الحيض (208)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/52) رقم (244) .(4/18)
فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِيْ الشَّهْرِ الآخَرِ(1)، فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً، فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا(2). وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً وَكَانَ لَهَا تَمْيِيْزٌ_ وَهُوَ أَنْ يَكُوْنَ بَعْضُ دَمِهَا أَسْوَدَ ثَخِيْنًا، وَبَعْضُهُ أَحْمَرَ رَقِيْقًا_ فَحَيْضُهَا زَمَنُ الأَسْوَدِ الثَّخِيْنِ(3)............................
=المستحاضة قياسًا عليها؛ لكونه من أهل الأعذار، فيجب عليه الوضوء، ولا يلزمه إن خرج منه شيء أثناء الصلاة، بل عليه أن يستمرّ في صلاته ولا يلتفت للخارج.
(1) قوله «فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِيْ الشَّهْرِ الآخَرِ» شرع المؤلف × في بيان الحالات التي تمر بها المرأة المستحاضة، ومعنى قوله «فإذا استمرَّ بها الدم في الشهر الآخر» أي لم ينقطع عنها الدم حتى دخل بها في الشهر الذي يلي عادتها.
(2) قوله « فَإِنْ كَانَتْ مُعْتاَدَةً، فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا » هذا هو القسم الثاني وهي المرأة المعتادة، وقد مرّ بنا القسم الأول وهو المبتدأة وسبق بيان حكمها.
أما المرأة المعتادة فقد قال المؤلف « فحيضها أيام عادتها » ما دامت لها عادة محدودة فنقول لها: اجلسي أيام عادتك خمسة أو ستة أو سبعة أو ثمانية فما زاد عن هذه الأيام فليس بحيض إلا إذا أخذ نفس مواصفات الحيض أو تسببت المرأة في تغير دورتها كأن تكون استعملت مانعًا أو وضعت لولبًا ، فالحاصل أن المعتادة حيضها أيام عادتها، وما عدا أيام العادة فليس بحيض، بل استحاضة.
(3) قوله « وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً وَكَانَ لَهَا تَمْيِيْزٌ_ وَهُوَ أَنْ يَكُوْنَ بَعْضُ دَمِهَا أَسْوَدَ ثَخِيْنًا، وَبَعْضُهُ أَحْمَرَ رَقِيْقًا_ فَحَيْضُهَا زَمَنُ الأَسْوَدِ الثَّخِيْنِ » هذا هو القسم الثالث من أقسام النساء المستحيضات وهي المرأة التي لها تمييز، أي التي =(4/19)
وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً، أَوْ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا، وَلاَ تَمْيِيْزَ لَهَا، فَحَيْضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةُ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةٌ؛ لأَنَّهُ غَالِبُ عَادَاتِ النِّسَاءِ(1). ...
=يتميز بعض دمها عن بعض. وعلامات دم الحيض كما أسلفنا هي:
العلامة الأولى: أن يكون أسود. ... العلامة الثانية: أن يكون ثخينًا.
العلامة الثالثة: أن يكون له رائحة كريهة.
فإن وجدت هذه العلامات الثلاث حكمنا بأنه دم حيض، فإذا تغيرت هذه الصفات وأصبح الدم خفيفًا أحمر غير ثخين، وليس له رائحة تحول إلى دم استحاضة أي إلى دم فساد، فحكم هذه المرأة _أي التي لها تمييز أن أيام حيضها هي التي تكون صفة الدم فيها على الصفات المذكورة _ فإنها تجلس هذه الأيام ولا تصوم ولا تصلي عملاً بتمييزها.
لكن إن كانت المرأة لها عادة وتمييز فأيهما تقدم، العادة أم التمييز؟ اختلف الفقهاء في ذلك، والذي يظهر أن التمييز يقدم على العادة؛ لأن دلالته في الحس أقوى من دلالة العادة.
(1) قوله « وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً، أَوْ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا، وَلاَ تَمْيِيْزَ لَهَا، فَحَيْضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةُ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةٌ؛ لأَنَّهُ غَالِبُ عَادَاتِ النِّسَاءِ » هذا هو القسم الرابع وهي المتحيرة،وهي كما ذكر المؤلف المبتدأة أو الناسية لعادتها، أو التي لا تمييز لها، فهذه _ قال المؤلف _ يكون حيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة، وما عداها من الأيام يكون استحاضة ما دام الدم متواصلاً، وعلل لذلك بأنه غالب عادة النساء،ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لحمنة بنت جحش:«إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِيْ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللهِ ثُمَّ اغْتَسِلِيْ حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّيْ ثَلاَثًا وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً أَوْ أَرْبَعًا =
......................................................................................................(4/20)
=وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِيْ فَإِنَّ ذالِكَ يَجْزِيْكِ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِيْ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيْضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ مِيقَاتُ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ وَإِنْ قَوِيَتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِيْنَ وَتَجْمَعِيْنَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَتُؤَخِّرِيْنَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِيْنَ الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِيْنَ وَتَجْمَعِيْنَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فَافْعَلِيْ وَتَغْتَسِلِيْنَ مَعَ الْفَجْرِ فَافْعَلِيْ وَصُومِيْ إِنْ قَدِرْتِ عَلَى ذالِكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَهَذَا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ »(1).
وقال شيخنا(2) × في حكم هذه المرأة المتحيرة تجلس غالب عادات نسائها كأمها وأختها وخالتها وعمتها ثم تغتسل وتصلي وتصوم.
وقد اختلفت الروايات في المذهب(3) في هذه المسألة: فقيل إنها تعتبر بأقل الحيض وهو يوم وليلة، وما زاد على ذلك يحتمل الحيض والاستحاضة، والصلاة ثابتة في ذمتها بيقين، فلا تتركها بالشك.
ورواية أخرى في المذهب(4) أن المتحيرة تعتبر بأكثر الحيض وهو خمسة عشر يومًا؛ لأن الأصل في الخارج أن يكون دم حيض، فتعمل بذلك ما لم تتيقن أن الخارج دم استحاضة، ولا يتم التيقن إلا إذا جاوز الدم خمسة عشر يومًا.
والذي نرجحه أنها ترجع إلى غالب عادات نسائها كأمها وأختها وخالتها وعمتها، وهي إحدى الروايات في المذهب(5) واختارها شيخنا(6) ×؛ =
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (6/439) رقم (27514)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة (287)، وحسنه الألباني في الإرواء حديث رقم (205).
(2) الشرح الممتع (1/493).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/425).
(4) المرجع السابق .
(5) المرجع السابق.
(6) الشرح الممتع (1/493).(4/21)
وَالْحَامِلُ لاَ تَحِيْضُ(1).
=لأن اشتراك الأقارب في هذه الأمور أقرب ما لم يكن الدم على وتيرة واحدة بنفس الصفات فهنا تجلس أكثر الحيض.
(1) قوله « وَالْحَامِلُ لاَ تَحِيْضُ» أي إن جاءها دم فهو دم فساد، وهذا هو قول الحنفية(1) والحنابلة(2)، وعللوا لذلك بتعليلات منها:
أ ــ أن الشرع جعل الحيض علامة على براءة الرحم من الحمل، فلو جاز اجتماع الحمل مع الحيض لما كان علامة على عدمه.
ب _ الطلاق في الحيض محرم، أما بعد تبين الحمل فهو جائز، فلو كان الدم الذي تراه الحامل حيضًا لما جاز الطلاق فيه.
ج _ أيضًا قالوا بأن دم الحيض يتحول إلى غذاء يتغذى به الجنين، فلو خرج شيء لخرج على غير الوجه المعتاد.
ومن هنا قال الفقهاء بأن الدم الخارج من الحامل لا يعتبر حيضًا، بل هو دم فساد لا يمنع الصلاة والصوم وسائر العبادات، وهذا هو قول سماحة شيخنا ابن باز(3) ×. وذهب المالكية(4) والشافعية(5) وقول في مذهب أحمد(6) واختارها شيخ الإسلام(7)، وشيخنا(8) إلى أنه يمكن للحامل أن تحيض، لاسيما إن كان حيضها منضبطًا، وجاءها في نفس أيام عادتها ونفس =
إِلاَّ أَنْ تَرَى الدَّمَ قَبْلَ وِلاَدَتِهَا بِيَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلاَثَةٍ، فَيَكُوْنُ دَمَ نِفَاسٍ(1).
=مواصفات دم الحيض، وكان يتكرر معها في كل حمل، فهذا يعتبر حيضًا، وهذا هو الصواب.
(
__________
(1) المبسوط للسرخسي (3/149).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/389).
(3) انظر تعليقات سماحة شيخنا على كتابنا (الأحكام الشرعية للدماء الطبيعية) ص 49.
(4) المدونة (1/59).
(5) المجموع (2/411).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/425).
(7) مجموع الفتاوى (19/238)، الاختيارات الفقهية ص 59.
(8) الشرح الممتع (1/470).(4/22)
1) قوله « إِلاَّ أَنْ تَرَى الدَّمَ قَبْلَ وِلاَدَتِهَا بِيَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلاَثَةٍ، فَيَكُوْنُ دَمَ نِفَاسٍ » أي يأخذ الدم الخارج قبل الولادة بيوم أو يومين حكم دم النفاس، ولا تصلي ولا تصوم، وهذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء: فالمذهب(1) وأكثر الفقهاء على أنه نفاس، ومنهم من يرى أنه لا يعتبر نفاسًا، بل هو دم فساد، لا تترك العبادات بخروجه، وهو قول الحنفية(2)، ورأي عند الشافعية(3).
والذي نرجحه أنه إن كان هذا الدم الذي خرج قبل الولادة بيوم أو يومين مصاحبًا له الطلق وعلامات الولادة فيعتبر نفاسًا وإلا فلا، وسيأتي بيان ذلك في باب النفاس.
وإن رأت المرأة الدم قبل الولادة بيوم أو يومين أو ثلاثة ثم بعد الولادة انقطع عنها الدم، فنقول هذه المرأة نفست قبل ولادتها، وبعد الولادة لا تعتبر نفساء.
? تنبيهات:
أولاً: استعمال ما يمنع الحيض جائز بشرطين :
أ _ أن لا يكون فيه ضرر على المرأة.
ب _ أن يكون ذلك بإذن الزوج إذا كان له تعلق به، مثل أن تكون معتدة به=
..................................................................................................................
=على وجه تجب فيه نفقتها فتستعمل ما يمنع الحيض لكي تطول المدة، ومن ثم تزداد على زوجها نفقتها فلا يجوز لها أن تستعمل ما يمنع الحيض حينئذ إلا بإذنه. وأيضًا إذا ثبت من خلال أطباء مسلمين عدول موثوق فيهم أن منع الحيض يمنع الحمل فلا بد من إذن الزوج.
وإذا قلنا بجواز استعمال ما يمنع الحمل فنقول بأن الأولى للمرأة عدم استعماله إلا لحاجة؛ لأن ترك الطبيعة على ما هي عليه أقرب لاعتدال الصحة والسلامة.
ثانيًا: استعمال ما يجلب الحيض جائز بشرطين :
__________
(1) المغني (1/443).
(2) فتح القدير (1/164).
(3) المجموع (2/528).(4/23)
أ _ أن لا تتحيل به على إسقاط واجب، مثل أن تستعمله قرب شهر رمضان من أجل أن تفطر، أو تستعمله من أجل أن تسقط به الصلاة أو عبادة من العبادات.
ب _ أن يكون ذلك بإذن الزوج لأن حصول الحيض يمنعه من كمال الاستمتاع بزوجته فلا يجوز استعمال ما يمنع حقه إلا برضاه، وإن كانت مطلقة فإن فيه تعجيل إسقاط حق الزوج من الرجعة إن كان له رجعة.
بَابُ النِّفَاسِ(1).
وَهُوَ: الدَّمُ الْخَارِجُ بِسَبَبِ الْوِلاَدَةِ(2)، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيْضِ فِيْمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيَجِبُ وَيَسْقُطُ بِهِ(3).
الشرح:
(1) قوله « بَابُ النِّفَاسِ» النفاس في اللغة بكسر النون من نفَّس الله كربته كما جاء في الحديث: « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ »(1)، فالمرأة بالنفاس يتنفس عنها كربة من أعظم الكرب الدنيوية وهي وضع الحمل، قال تعالى: [? چ چ چ چ](2)، وقال: [پ پ پ پ ?] (3) .
وفي الاصطلاح هو « دم يخرج من المرأة بعد الولادة، أو معها، أو قبلها بيوم أو يومين أو ثلاثة مع الطلق» أما بدون الطلق فالذي يخرج قبل الولادة دم فساد، وقد سبق أقوال الفقهاء مع بيان الراجح في هذه المسألة.
(2) قوله « وَهُوَ: الدَّمُ الْخَارِجُ بِسَبَبِ الْوِلاَدَةِ » ولو قبلها بثلاثة أيام فأقلّ كما ذكرنا سابقًا، ودم النفاس في الأصل دم الحيض المحتقن في الرحم الفاضل عن رزق الولد، فلما خرج الولد تنفس الرحم فخرج بخروجه.
(3) قوله « وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيْضِ فِيْمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيَجِبُ وَيَسْقُطُ بِهِ » هذا بيان حكم دم النفاس، فحكمه كالحيض.
.....................................................................................................
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار _ باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر _ رقم (2699) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) سورة لقمان : 14 .
(3) سورة الأحقاف : 15 .(4/24)
=وقوله « فِيْمَا يَحِلُّ» من الاستمتاع بها فيما دون الفرج والمرور من المسجد بدون تلويث.
وقوله « وَيَحْرُمُ » من الوطء في الفرج وسائر العبادات.
وقوله « وَيَجِبُ » أي فيما يوجبه من الغسل إذا طهرت.
وقوله « وَيَسْقُطُ بِهِ » ما يسقط عنها كالصلاة والصوم، لكن الصوم لابد من قضائه إذا طهرت، والصلاة لا تقضى، هذا معنى كلام المؤلف.
لكن هناك فروق بين الحيض والنفاس، منها:
* الحيض يحسب من العدة، والنفاس لا يحسب من العدة، فلو طلقها قبل النفاس فهنا بمجرد الوضع تنتهي عدتها، وإن طلقها بعد الوضع فلا بد من ثلاث حيضات بعد النفاس ولا أثر للنفاس في العدة.
* البلوغ، فالحيض تبلغ به المرأة، أما النفاس فليس علامة على بلوغ المرأة؛ لأنها بلغت بما هو قبله وهو الإنزال؛ لأنها لا تحمل إلا إذا أنزلت.
* مدة الإيلاء تحسب فيها مدة الحيض وأما النفاس فلا تجب، فإذا حلف ألا يطأ زوجته سنة ثم ولدت فلا تحسب مدة النفاس من الأربعة أشهر التي تحدد له، إما أن يطأ أو يطلق.
* الطلاق في الحيض محرم، أما في النفاس فجائز. وذهب سماحة شيخنا(1) إلى أنه لا يجوز التطليق حال النفاس بل يحرم ولا يقع على الصحيح.
* يكره وطء النفساء عند بعض الفقهاء إذا طهرت قبل الأربعين،ولا يكره=
وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُوْنَ يَوْمًا(1)، وَلاَ حَدَّ لأَقَلِّهِ(2)، وَمَتَى رَأَتِ الطُّهْرَ، اغْتَسَلَتْ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ(3)،......................................................................................................
= وطء الحائض إذا طهرت قبل نهاية عادتها.
(
__________
(1) بهامش الأحكام الشرعية للدماء الطبيعية ص 148 .(4/25)
1) قوله«وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُوْنَ يَوْمًا» هذا على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو قول الجمهور،وقيل:أكثره ستون يومًا وهذا هو قول المالكية(1)والشافعية(2) ورواية في مذهب أحمد(3)، وقيل: لا حد لأكثره، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(4).
والصحيح أنها إذا رأت الدم لأكثر من أربعين يومًا لم تكن نفساء، فلا تلتفت المرأة لما زاد عن الأربعين، إلا إذا وافق عادتها، وإن لم يوافق عادتها فلا تلتفت إلى هذا الزائد عن الأربعين، بل تغتسل وتصلي وتصوم وتؤدي سائر العبادات، وهذا هو اختيار سماحة شيخنا(5) ×.
(2) قوله « وَلاَ حَدَّ لأَقَلِّهِ » بإجماع أهل العلم، كما نقل الإجماع على ذلك الترمذي حيث قال: «أجمع أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك»(6)، فمتى انقطع دمها قبل الأربعين اغتسلت وصلت وصامت باتفاق أهل العلم.
(3) قوله « وَمَتَى رَأَتِ الطُّهْرَ، اغْتَسَلَتْ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ » أي متى رأت النفساء الطهر أثناء الأربعين فيجب عليها الاغتسال وتأخذ حكم المرأة الطاهرة بذلك؛ لأن النفاس كما ذكرنا لا حد لأقله.
فَإِنْ عَادَ فِيْ مُدَّةِ الأَرْبَعِيْنَ، فَهُوَ نِفَاسٌ أَيْضًا (1).
(
__________
(1) الخرسي على شرح العدوي (1/210).
(2) روضة الطالبين (1/174).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/472).
(4) الاختيارات الفقهية ص 58.
(5) مجموع فتاوى مقالات متنوعة (10/212).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/473).(4/26)
1) قوله « فَإِنْ عَادَ فِيْ مُدَّةِ الأَرْبَعِيْنَ، فَهُوَ نِفَاسٌ أَيْضًا » أي إذا عاودها الدم أثناء الأربعين بعد أن طهرت فيأخذ حكم النفاس؛ لأنه لم يجاوز الأربعين، فتتوقف عن الصلاة والصوم، ولا يجوز للزوج وطؤها بعد أن عاودها الدم وغير ذلك مما تمنع منه النفساء، وما ذكره المؤلف هو المذهب(1).
وفي رواية في المذهب(2) إن عاودها الدم بعد انقطاعه فهو مشكوك فيه، فتصوم وتصلي وتقضي الواجب، لكنها تتجنب ما يحرم على النفساء كالجماع مثلاً وهذا على سبيل الاحتياط.
والصحيح: إن عاودها الدم وكان العائد دم نفاس بلونه ورائحته وكل أحواله فهو نفاس أيضًا، وهذا هو اختيار سماحة شيخنا ابن باز(3) ×.
? ذكر بعض التنبيهات التابعة لباب النفاس:
أولاً: المرأة التي تلد ولادة خالية عن الدم لا تجلس مدة النفاس، ولا يجب عليها غسل، بل تتوضأ وتصلي.
ثانيًا: إذا ولدت المرأة توأمين فأول النفاس وآخره من أولهما إلا إذا تجدد دم للثاني فإنها تبقى في نفاسها.
ثالثًا: إذا أسقطت المرأة جنينها فلا يخلو السقط من أحوال:
الحالة الأولى: أن يكون السقط نطفة، فالدم الخارج دم فساد وليس بنفاس.
الحالة الثانية: أن يكون السقط علقة، فالدم الخارج محل خلاف، والصواب أنه ليس بحيض ولا نفاس.
..................................................................................................................
=الحالة الثالثة: أن يكون السقط مضغة غير مخلقة، فالمشهور في المذهب(4) أنه ليس بنفاس، وقال بعضهم إنه نفاس، والصحيح أنه ليس بنفاس.
الحالة الرابعة: أن يكون السقط مضغة مخلقة، بحيث يتبين فيه الرأس والرجلان واليدان، فالمذهب(5) وعليه أكثر أهل العلم أنه نفاس.
__________
(1) المرجع السابق (2/476).
(2) المرجع السابق.
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/225 _ 226).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/481).
(5) المرجع السابق .(4/27)
ولا يتم التخليق إلا بعد واحد وثمانين يومًا، فإذا سقط لأقل من ثمانين فلا نفاس والدم الخارج حكمه حكم دم الاستحاضة، أما إذا بلغ السقط واحدًا وثمانين يومًا فلابد من التثبت، هل هو مخلق أم غير مخلق؟ فإن كان مخلقًا كان نفاسًا وإلا فلا. إما بعد مائة وعشرين يومًا فهو نفاس قطعاً.
الحالة الخامسة: أن تضع ما تم له أربعة أشهر فهذا نفاس باتفاق الفقهاء،ويغسل السقط ويصلى عليه لأنه مخلوق قد نفخت فيه الروح.
رابعًا: إذا طهرت المرأة قبل الأربعين فالمذهب(1) علىأنه يكره وطؤها، والذي رجحه الشيخان(2) جواز وطئها قبل الأربعين إذا طهرت، وهذا هو الراجح.
خامسًا: كل دم أو صفرة أو كدرة في مدة الأربعين فهو نفاس.
سادسًا: إذا ولدت المرأة بعد دخول وقت الظهر مثلا ونزل منها دم النفاس قبل أن تصلي الظهر واستمر فهل يلزم قضاء الظهر بعد أن تطهر؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
..................................................................................................................
=القول الأول: يلزمها قضاء الظهر والعصر معًا؛ لأن العصر مما يجمع مع الظهر، وهذا قول بعض الشافعية(3) ورواية عند الحنابلة(4) .
القول الثاني: يلزمها قضاء الظهر فقط، هذا هو المذهب عند الشافعية(5) والحنابلة(6) بشرط أن تدرك ما يسع فرض الصلاة.
__________
(1) المرجع السابق (2/475).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/212)، الشرح الممتع (1/513).
(3) المجموع (3/71_ 72).
(4) الكافي ص 67، والمقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/178).
(5) المجموع (3/71_ 72).
(6) الكافي ص 67، والمقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/178).(4/28)
القول الثالث: لا يلزمها، لا الظهر ولا العصر، وهذا هو المذهب عند الحنفية(1)،والمالكية(2)،ورجحه شيخ الإسلام(3)، وسماحة شيخنا ابن باز(4) _ رحمهم الله _، لكن اشترط هؤلاء لعدم وجوب القضاء أن يكون العذر طرأ وقد بقي من الوقت ما يسع الفرض، أما إن تضايق الوقت ثم وجد المانع فعليها القضاء. والذي يظهر أن القضاء هنا مستحب وليس بواجب.
سابعًا: إذا طهرت المرأة من النفاس في وقت صلاة العصر مثلا، هل تصلي معها الظهر؟ قولان لأهل العلم:
الأول: يلزمها العصر فقط، وهذا قول الحنفية(5)، وهو رأي شيخ الإسلام(6) وشيخنا(7) ×.
..................................................................................................................
=الثاني: يلزمها الظهر والعصر، وهو قول المالكية(8)، والشافعية(9)، والحنابلة(10)، ورجحه سماحة شيخنا ابن باز(11) ×، وهو الراجح.
لكن اختلفوا في القدر الذي تجب به الصلاة، والذي يظهر _ والله أعلم _ أن الإدراك يكون بإدراك ركعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ »(12) .
__________
(1) بدائع الصنائع (1/95).
(2) الاستذكار (1/225).
(3) مجموع الفتاوى (23/71).
(4) الفتاوى المتعلقة بالطب (1/62) إصدار رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء.
(5) المبسوط للسرخسي (3/15).
(6) مجموع الفتاوى (23/334).
(7) مجموع فتاوى ورسائل شيخنا (11/310).
(8) قوانين الأحكام الشرعية ص 60.
(9) نهاية المحتاج (1/337).
(10) المغني (1/407).
(11) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/217).
(12) أخرجه البخاري في كتاب المواقيت _ باب من أدرك من الصلاة ركعة _ رقم (546)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة _ رقم (607).(4/29)
وعلى هذا نقول لهذه المرأة أنها يلزمها الظهر مع العصر إبراء للذمة وعملاً بالأحوط.(4/30)
كِتَابُ الصَّلاَةِ (1)
..........................................................................................................
الشرح:
(1) قوله « كِتَابُ الصَّلاَةِ » الصلاة في اللغة الدعاء، قال تعالى:[ ? ?? ? ? ہ ہ](1) أي ادع لهم.
أما في الاصطلاح: فهي « عبادة ذات أقوال وأفعال مخصصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم»، وقولنا: عبادة ذات أقوال وأفعال؛ لأن الصلاة تشتمل على أقوال وأفعال منها الأركان والواجبات والسنن، ومفتتحة بالتكبير أي تكبيرة الإحرام وهي ركن، ومختتمة بالتسليم أي قول السلام عليكم، وما بين التكبير والتسليم حركات وأقوال، منها الركن، ومنها الواجب، ومنها المسنون.
والصلاة: هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي مشروعة في جميع الملل السابقة، والأصل في مشروعيتها الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
أما الكتاب: فقوله تعالى:[ ? ?? ہ ہ ہ ہ](2) وقوله تعالى:[ ? ? ? ? ? ? ں ں ?](3) والآيات التي جاءت في الأمر بها كثيرة، ذكر أهل العلم أنها أكثر من ثمانين موضوعًا في كتاب الله تعالى.
رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: « خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ(1) فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ(2) ، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ(3) ،.....................................................................
__________
(1) سورة التوبة : 103.
(2) سورة النساء: 103.
(3) سورة التوبة : 11.(5/1)
=أما نصوص السنة: فهي أيضًا كثيرة، منها: حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما_ قال - صلى الله عليه وسلم - : « بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ... ذَكَرَ مِنْهَا الصَّلاَةُ»(1)، وحديث معاذ ابن جبل - رضي الله عنه - وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - له: «إِنَّكَ سَتَأْتِيْ قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوْا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوْا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ..»(2). والأحاديث التي جاءت في فرضيتها كثيرة.
أما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على فرضيتها.
(1) قوله - صلى الله عليه وسلم - « خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ » أي فرضهن وأوجبهن على العباد، وفي هذا الحديث دليل على أن الوتر ليس بواجب، وهو قول الجمهور، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
(2) قوله - صلى الله عليه وسلم - « فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ » فصلاة الفجر ركعتان، وصلاة الظهر والعصر أربع ركعات، وصلاة المغرب ثلاث ركعات، والعشاء أربع ركعات، فهذه هي الصلوات المفروضة في الليل والنهار.
(3) قوله - صلى الله عليه وسلم - « فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ » هذا
أجر من حافظ على الصلوات الخمس، فله عهد عند الله أن يدخله الجنة، =
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان_ باب الإيمان_ رقم (8)، ومسلم في كتاب الإيمان _ باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام _ رقم (16).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا _ رقم (1401)، ومسلم في كتاب الإيمان _ باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام_ رقم(19)واللفظ للبخاري.(5/2)
وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ»(1).
فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ(2)،.......................................
= والمحافظة عليها تكون بأن تؤدى في وقتها وشروطها وأركانها وخشوعها وجميع مالها من واجبات وسنن، وبالمحافظة عليها تسهل سائر العبادات بل تعينه على ترك المنكرات، قال تعالى: [? ? ? ? ? ?] (1) .
(4) قوله - صلى الله عليه وسلم - « وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» هذا جزاء من لم يحافظ على الصلوات الخمس ولا يؤديها على الوجه المطلوب شرعًا فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، ولا يصلح هذا الحديث للاستدلال به على أن ترك الصلاة ليس بكفر كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
(5) قوله « فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ » قد بينّا ذكر أدلة الصلاة سابقًا، أما قوله «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» المسلم هو الذي جاء بالشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج البيت، هذا هو المسلم الكامل.
لكن المراد به في قول المؤلف من أتى بالشهادتين، أما الكافر فلا تجب عليه أي لا تلزمه حال كفره بل ولا يلزمه القضاء بعد دخول الإسلام، وإن أداها وهو كافر لم تصح ولم تقبل منه.
لكن هل يحاسب عليها في الآخرة؟ نعم، يحاسب على تركها لقوله تعالى:=
عَاقِلٍ(1)، .........................................................................................
=[? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ](2) .
(
__________
(1) سورة العنكبوت : 45.
(2) سورة المدثر: 42_ 45.(5/3)
1) قوله « عَاقِلٍ » العقل مناط التكليف، فغير العاقل لا تلزمه الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ »(1) . فالمجنون لا تصح منه الصلاة لعدم القصد، ومن لا قصد له لا نية له، ومن لا نية له لا عمل له؛ لقوله « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ »(2)، لكن نذكر هنا تنبيهات:
أولاً: إذا جاء الصبي الذي لا تلزمه الصلاة إلى المسجد هل يمنع؟ لا نمنعه بل يمنع عبثه ولعبه وأذيته للناس، ولذا يجب على وليه أن يجعله بجواره ليحفظه ويحافظ عليه،ولا يجعله يمر بين يدي المصلين ولا يشوش عليهم بكلام ونحوه
ثانيًا: إذا دخل الصبي في الصف فإنه لا يقطع الصف كما يظن البعض بل يكتمل الصف به.
ثالثًا: إذا سبق الصبي بمكان في المسجد فهو أحق به ولا يجوز لأحد أن يقيمه ويجلس في مكانه أو يأخذ مكانه في الصف إلا والده أو شيخه أو أستاذه لأنه بمنزلة والده، لكن غيره لا يجوز.
رابعًا: المجنون إذا قدم المسجد لا يجوز إخراجه منه إلا إذا كان فيه نوع أذية
بَالِغٍ(1)،..................................................................................
= للمسلمين أو للمسجد ويكون ذلك بإشغال المصلين في صلاتهم أو بتلويث المسجد، ولا يجوز إخراجه من الصف إلا لما ذكرناه.
__________
(1) أخرجه أحمد (6/100) رقم (24738)، وأبو داود في كتاب الحدود _ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً _ رقم(4403)والنسائي في كتاب الطلاق _ باب من لا يقع طلاقه من الأزواج _ رقم(3432)
(2) أخرجه البخاري في باب بدء الوحي _ رقم (1)، ومسلم في كتاب الإمارة _ باب قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال _ رقم (1907) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .(5/4)
خامسًا: من زال عقله بإغماء ففاته صلاة يوم أو يومين إلى ثلاثة أيام لزمه القضاء، فإن طال عن ثلاثة أيام سقط عنه القضاء، وهذا هو ما رجحه سماحة شيخنا ابن باز(1) ×، ويرى شيخنا ابن عثيمين(2) أنه لا يلزمه القضاء، وسيأتي بيان ذلك في باب صلاة أهل الأعذار إن شاء الله.
سادسًا: من زال عقله بمحرم كسكر أو استعمل دواء يزيل العقل بلا حاجة فيجب عليه قضاء الصلاة التي فاتته؛ لأنه غير معذور. »
(1) قوله « بَالِغٍ » البلوغ شرط في وجوب الصلاة ويحصل البلوغ بأمور ذكرناها سابقًا، فالذكر يحصل بلوغه بإنزال المني، وإنبات شعر العانة، وبلوغه خمس عشرة سنة. أما الأنثى فيحصل بلوغها بإحدى هذه الثلاث، ويضاف إليها أمر رابع وهو الحيض، فمتى نزل عليها دم الحيض فقد بلغت، ولا يشترط في البلوغ حصول هذه الأربعة بل واحد منها يكفي في حصول البلوغ.
فالبلوغ _كما ذكرنا_ شرط لوجوب الصلاة، لكن مع شرطيته في الوجوب فالمستحب أمر الصغير بها إذا بلغ سبع سنوات، ويجب على وليه إجباره عليها إذا بلغ عشرًا لكي يعتادها، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « مُرُوْا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِيْنَ وَاضْرِبُوْهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِيْنَ »(3).
إِلاَّ الْحَائِضَ، وَالنُّفَسَاءَ(1).
(1) قوله « إِلاَّ الْحَائِضَ، وَالنُّفَسَاءَ » أي لا تجب عليهما الصلاة، ولا تصح منهما بل يحرم عليهما فعلها، ولا يلزمهما قضاؤها كما ذكرنا ذلك سابقًا، أما المستحاضة فتجب عليها الصلاة ويجب عليها قضاء ما تركته كما سبق بيان ذلك، لكن هنا تنبيهات لا بد من بيانها:
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/252).
(2) الشرح الممتع (2/17).
(3) أخرجه أحمد (2/187) رقم (6756)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب متى يؤمر الغلام بالصلاة _ رقم (495) واللفظ لأحمد، ووحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (5868).(5/5)
أولاً: إذا أدركت الحائض أول وقت الصلاة وهي طاهرة ثم طرأ عليها الحيض، فهل تقضي هذه الصلاة إذا طهرت؟ مثال ذلك امرأة دخل عليها وقت صلاة الظهر وهي طاهرة فانشغلت عن الصلاة وبعد ساعة من دخول وقتها أتاها الحيض، فهل تقضي هذه الصلاة أعني الظهر إذا طهرت من الحيض؟
الجواب: اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فالمذهب عند الحنابلة(1) إنها إذا طهرت يجب عليها أن تقضيها؛ لأن الصلاة تجب بدخول أول الوقت على مكلف ما لم يقم به مانع من الوجوب.
والذي يظهر أنها إذا أخّرت الصلاة إلى آخر وقتها ثم نزل بها الحيض، فإنها تقضيها بعد الطهر؛ لكونها قد فرطت بتأخيرها.
أما إذا لم تكن قد فرطت وجاءها الدم بعد دخول الوقت بنصف ساعة مثلاً فلا يجب عليها القضاء.
والراجح استحباب قضائها كما ذكرناه سابقًا في النفساء.
ثانيًا: إذا طهرت المرأة في وقت العصر، هل يلزمها قضاء الظهر مع العصر؛ لكونهما مما يجمعان، وكذلك إذا طهرت وقت العشاء؟
فَمَنْ جَحَدَ وُجُوْبَهَا لِجَهْلِهِ، عُرِّفَ ذالِكَ(2)، وَإِنْ جَحَدَهَا عِنَادًا، كَفَرَ(3).
الجواب: اختلف الفقهاء في هذه المسألة، والذي اختاره سماحة شيخنا ابن باز(2) × أنها تقضيها لأن وقتهما واحد في حق المعذور، وهذا هو الراجح وهو أبرأ للذمة.
ثالثًا: إذا طهرت المرأة قبل خروج الوقت بقليل، هل تلزمها هذه الصلاة؟
الجواب: اختلف الفقهاء في هذه المسألة، والصواب أنها إذا طهرت قبل خروج الوقت بوقت يمكنها من خلالها أن تغتسل وتدرك ركعة من الصلاة فيلزمها ذلك.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/176 _ 177).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/216).(5/6)
1) قوله « فَمَنْ جَحَدَ وُجُوْبَهَا لِجَهْلِهِ، عُرِّفَ ذالِكَ » أي لم يكفر ابتداءً كمن نشأ في بادية بعيدة عن العلم أو أسلم وهو في بلاد الكفر أو غير ذلك ممن يهمل وجوبها فإننا نعرفه ذلك أي بأن الصلاة من أركان الإسلام وأنها واجبة، فإن جحد الوجوب بعد تعريفه فإنه يكفر.
(2) قوله « وَإِنْ جَحَدَهَا عِنَادًا، كَفَرَ » وهذا بإجماع أهل العلم؛ لأنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وكذا من أنكر وجوب الصيام ووجوب الزكاة ووجوب الحج، لكن إن تركها تكاسلاً وتهاونًا بها مع إقراره بوجوبها وفرضيتها، هل يكفر؟ نقول قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة :
فذهب الجمهور إلى أنه لا يكفر إن أقر بوجوبها وفرضيتها، واحتجوا لقولهم بالأدلة التي وردت في الشهادتين كقوله - صلى الله عليه وسلم - : « مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذالِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ »(1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ =
..........................................................................................................
=إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ »(2) . واحتجوا أيضًا بقوله - سبحانه وتعالى - :[? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے](3)، ولهم أدلة أخرى احتجوا بها.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان _ باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار رقم (94).
(2) أخرجه البخاري في كتاب العلم _ باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا رقم (128)،ومسلم في كتاب الإيمان _ باب الدليل على من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً رقم (32).
(3) سورة النساء : 48.(5/7)
وذهب الإمام أحمد(1) إلى تكفير تارك الصلاة كسلاً إذا تركها دائمًا، وهذا هو القول الصحيح الراجح التي تقتضيه نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف رضوان الله عليهم، وهذا هو الذي رجحه سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(2) ×، وكذا شيخنا محمد العثيمين(3) ×، وعليه الفتوى في بلادنا(4).
أما نصوص الكتاب التي تدل على ذلك فمنها قوله تعالى:[? ? ? ? ? ? ں ں ?](5) فاشترط سبحانه وتعالى لثبوت الأخوة إقامة الصلاة، وكذا قوله تعالى:[? ? ? ? ? ? ? ? ? ](6) .
أما نصوص السنة فمنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاَةُ فَمَنْ =
وَلاَ يَحِلُّ تَأْخِيْرُهَا عَنْ وَقْتِ وُجُوْبِهَا إِلاَّ لِنَاوٍ جَمْعَهَا(1)،........................
= تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ »(7)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ »(8).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/35).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/241).
(3) الشرح الممتع (2/ 26 _ 39).
(4) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/36) رقم الفتوى (2255).
(5) سورة التوبة : 11.
(6) سورة المدثر: 42_ 43.
(7) أخرجه أحمد (5/346) رقم (22987)، والترمذي في أبواب الإيمان _ باب ما جاء في ترك الصلاة رقم (2769)، والنسائي في كتاب الصلاة _ باب الحكم في تارك الصلاة رقم (463)، وابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها _ باب ما جاء فيمن ترك الصلاة رقم (1079)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/329) رقم (2113).
(8) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان _ باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم (82) من حديث جابر بن عبد الله.(5/8)
أما سلف الأمة من الصحابة رضوان الله عليهم فقد انعقد الإجماع عندهم على ذلك، قال شقيق بن عبد الله × وهو من التابعين: « كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلاَةِ »(1)، ولذا قال إسحاق بن راهويه ×: « مازال الناس من عهد الصحابة يقولون أن تارك الصلاة كافر»، وهذا هو الصحيح الذي نرجحه، لكن لا بد أن ننبه على أمر وهو أن التكفير هنا يكون لمن تركها كلية أي لا يصلي أبدًا، أما من ترك فرضًا أو فرضين فإنه لا يكفر لكونه لا يصدق عليه ترك لصلاة.
(1) قوله « وَلاَ يَحِلُّ تَأْخِيْرُهَا عَنْ وَقْتِ وُجُوْبِهَا إِلاَّ لِنَاوٍ جَمْعَهَا » لقوله تعالى: [? ? ? ہ ہ ہ ہ](2) فلا يحل تأخير الصلاة عن وقتها، لكن يستثنى من ذلك ما ذكره المؤلف وهو من نوى الجمع فيؤخر
صلاة الظهر إلى العصر وكذا المغرب إلى العشاء، لكن لابد من ذكر قيد هنا =
أَوْ مُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا(1)، فَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا، اسْتُتِيْبَ ثَلاَثًا، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ قُتِلَ(2).
=وهو ممن يحل له الجمع كالمسافر والخائف والمريض وغيرهم ممن يحل له الجمع، أما من لم ينو الجمع أو كان ممن لا يحل له الجمع فلا يجوز له تأخيرها عن وقتها إطلاقًا، بل يصلي حسب حاله ما دام عقله معه ويستطيع أداءها في وقتها.
(
__________
(1) أخرجه الترمذي في أبواب الإيمان _ باب ما جاء في ترك الصلاة _ رقم (2770) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/329) رقم (2114).
(2) سورة النساء: 103.(5/9)
1) قوله « أَوْ مُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا » هذا هو القيد الثاني لمن يحق له الجمع، فقوله « أَوْ مُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا » ومن شروطها الطهارة وسترة العورة وغير ذلك مما سيأتي، لكن هل يصح ما ذكره المؤلف؟ الجواب: لا، بل الصواب خلاف كلام المؤلف، فلا يؤخرها للاشتغال بشرطها، بل يصلي حسب حاله قبل خروج الوقت، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية(1) وشيخنا محمد العثيمين(2) ×، بل حكى شيخ الإسلام الإجماع على أنه لا يؤخر الصلاة حتى يخرج الوقت وأن الوقت مقدم على شروطها، ولأن أي شرط من شروطها أو أي ركن من أركانها يسقط مع عدم القدرة عليه.
(1) قوله « فَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا، اسْتُتِيْبَ ثَلاَثًا، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ قُتِلَ » تقدم بيان هذه المسألة، وقلنا بأن القول الصحيح التي تدل عليه أدلة الكتاب والسنة أن من ترك الصلاة تهاونًا بها وتكاسلاً أنه يكفر بذلك، لكن هل يكفر بتركها كلية أم بترك فرض من فرائضها وإن صلى أحيانًا وترك أحيانًا هل يحكم بكفره؟
ذكرنا سابقًا أن أهل العلم اختلفوا في ذلك، فسماحة شيخنا ابن باز ×يرى أنه يكفر بترك فرض واحد فقط من غير عذر، وهذا أشد آراء شيخنا فيما =
..................................................................................................................
=فيما أعلم، وهي رواية في مذهب الإمام أحمد(3).
ويرى شيخنا محمد العثيمين × أنه لا يكفر إلا إذا لم يصل أي فرض من الفرائض، فإن كان يصلي بعض الفرائض ويترك بعضها فلا يكفر، وهذا هو الراجح.
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص 63 _ 64.
(2) الشرح الممتع (2/23).
(3) المغني (3/354)، والمقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/28).(5/10)
وقول المؤلف « اسْتُتِيْبَ ثَلاَثًا » أي يقال له: تب إلى الله وصلِّ وإلا قتلناك، يكرر هذا عليه ثلاث مرات، لكن في قوله «ثَلاَثًا» هل المراد ثلاثة أوقات أم ثلاثة أيام؟ الصواب: أنه ثلاثة أوقات، لكن من الذي يقتله؟ لا شك أنه ولي الأمر أو نائبه.
وهل قتله هنا ردة أم حدًّا؟ الجمهور على أن قتله حدًّا؛ لأنهم لا يرون كفر تارك الصلاة، والذي يظهر أن قتله هنا يكون ردة؛ لأنه لا يعقل أن أحدًا يرى السيف على رأسه ثم يؤمر بأداء الصلاة ولا يؤديها، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(1)، وهو رواية في مذهب الإمام أحمد(2).
بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ(1)
وَهُمَا مَشْرُوْعَانِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ دُوْنَ غَيْرِهَا(2)،.................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ » الأذان في اللغة: الإعلام، ومنه قوله تعالى: [? ? ? ? ? ? ? ? ?] (3).
وفي الشرع: التعبد لله تعالى بالإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص.
أما الإقامة في اللغة: من أقام الشيء أي جعله مستقيمًا، وفي الشرع التعبد لله تعالى بالقيام للصلاة بذكر مخصوص.
والفرق بينهما ظاهر وهو أن الأذان إعلام بالصلاة بالتهيؤ لها، أما الإقامة فهي إعلام للصلاة بالدخول فيها والإحرام بها.
(2) قوله « وَهُمَا مَشْرُوْعَانِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ دُوْنَ غَيْرِهَا » أي الأذان والإقامة يشرعان للصلوات الخمس في الحضر والسفر للجماعة والفرد، ولم يبين المؤلف حكم مشروعيتهما، وقد اختلف الفقهاء في حكمهما: والصحيح أنهما فرض كفاية على كل جماعة اثنين فصاعدًا.
__________
(1) مجموع الفتاوى (22/48، 49).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/35).
(3) سورة التوبة: 3.(5/11)
وهل هما واجبان في السفر والحضر؟ قولان للفقهاء: فالمذهب(1) أنهما خاصان بالحضر دون السفر، وفي رواية في المذهب(2) أنهما عامان في السفر والحضر، وهذه الرواية هي التي اختارها ابن سعدي(3) ×أنهما عامان في الحضر و السفر، واحتج لذلك بحديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - =
...................................................................................................
=: « أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِيْنَ لَيْلَةً وَكَانَ رَحِيْمًا رَفِيقًا فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِيْنَا قَالَ ارْجِعُوْا فَكُوْنُوْا فِيْهِمْ وَعَلِّمُوْهُمْ وَصَلُّوْا فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ » (4).
والراجح أن الأذان واجب في الحضر متأكد في السفر، وأما الإقامة واجبة في الحضر والسفر، لكن إذا نسي الأذان والإقامة فإنهما يسقطان.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/50).
(2) المرجع السابق.
(3) المختارات الجلية ص 37.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان_ باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد _ رقم (602)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أحق بالإمامة _ رقم (674).(5/12)
? تنبيه: إذا كان المصلي في مكان وحده كأن يكون في برية أو في موضع لم يؤذن فيه فالمشروع له الأذان استحبابًا؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال لعبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري: «إِنِّيْ أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِيْ غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
وقوله « لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ دُوْنَ غَيْرِهَا » أي لا يشرع الأذان إلا للصلوات الخمس المفروضة وصلاة الجمعة وما عداها فلا يشرع لها كالعيدين والخسوف والاستسقاء والجنازة وغير ذلك، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يثبت عنه أنه أمر بالأذان لغير الصلوات الخمس والجمعة، لكن يشرع في صلاة الكسوف أن ينادى لها الصلاة جامعة.
لِلرِّجَالِ دُوْنَ النِّسَاءِ(1).......................................................................
=وهل يشرع للصلوات الفائتة؟ اختلف الفقهاء في ذلك: فالمالكية(2) يرون كراهية الأذان للصلوات الفائتة، والجمهور على جواز الأذان للفوائت وهو الصواب. لكن إن كان عليه أكثر من فائتة فهل يؤذن لكل صلاة ؟ نقول: اختلف الفقهاء في ذلك، والصواب أنه يؤذن للأولى ويقيم لكل صلاة، وهذا هو المذهب(3) وهو المعتمد عند الشافعية(4).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب رفع الصوت بالنداء رقم (584)
(2) منح الجليل (1/122).
(3) المغني (2/75).
(4) مغني المحتاج (1/135).(5/13)
1) قوله « لِلرِّجَالِ دُوْنَ النِّسَاءِ » أي إنما يجب الأذان على الرجال دون النساء، فلا يجب عليهن أذان ولا إقامة، لكن هل يسن لهن الأذان؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة: فالمذهب عند الحنابلة(1) أنه يكره لهن الأذان مطلقًا؛ لأنهن لسن من أهل الإعلام فلا يشرع لهن ذلك، وفي رواية أخرى في المذهب(2) أنهما يباحان، وفي رواية أخرى(3) أنهما يستحبان.
والصحيح من الأقوال أنه يباح لهن الأذان والإقامة لكن بشرط أن يخفضن أصواتهن بذلك بقدر أن يسمعن أنفسهن، أما إذا رفعن أصواتهن بحيث يسمعهن الرجال فيحرم ؛ لأن المرأة يفتتن بسماع صوتها كما يفتتن بالنظر إلى محاسنها.
وَالأَذَانُ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، لاَ تَرْجِيْعَ فِيْهِ(1)،.................................................
(1) قوله « وَالأَذَانُ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، لاَ تَرْجِيْعَ فِيْهِ » وهي: الله أكبر أربع، وشهادة أن لا إله إلا الله اثنتان، وشهادة أن محمدًا رسول الله اثنتان، وحي على الصلاة اثنتان، حي على الفلاح اثنتان، والله أكبر اثنتان، ولا إله إلا الله واحدة، وهذه خمس عشرة كلمة، وهذا هو المشهور في المذهب(4).
وذهب المالكية(5) إلى أن الأذان سبع عشرة جملة بالتكبير في أوله مرتين مع الترجيع، وذهب الشافعية(6) إلى أن الأذان تسع عشرة جملة وذلك بإضافة التكبير في أوله مع الترجيع، وكل هذه الأقوال جاءت بها نصوص السنة.
وقوله « لاَ تَرْجِيْعَ فِيْهِ » الترجيع هو أن يخفض المؤذن صوته بالشهادتين مع سماع الحاضرين ثم يعود فيرفع صوته بهما.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/48، 49).
(2) المرجع السابق.
(3) المرجع السابق.
(4) المغني (2/56).
(5) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/193).
(6) المجموع (3/91، 93).(5/14)
وقد اختلف الفقهاء في الترجيع: فالمذهب(1) أنه لا ترجيع في الأذان، والمنصوص عن الإمام أحمد(2) أن كلاهما سنة وتركه أحب إليه لعدم وروده في حديث عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - ، وكذا حديث بلال - رضي الله عنه - . وعند المالكية(3) والشافعية(4) أنه سنة.
والذي يظهر لي أنه مباح ولا يكره الإتيان به كما في حديث أبي محذورة.
وَالإِقَامَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً(1).
وَيَنْبَغِيْ أَنْ يَكُوْنَ الْمُؤَذِّنُ أَمِيْنًا(2)، صَيِّتًا(3)،..............................................
(1) قوله « وَالإِقَامَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً » كما في حديث أبي عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - وفيه قوله «إِذَا أَقَمْتَ الصَّلاَةَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ»(5). فهذه إحدى عشرة جملة في الإقامة.
(2) قوله « وَيَنْبَغِيْ أَنْ يَكُوْنَ الْمُؤَذِّنُ أَمِيْنًا » وهي سنة في ظاهر المذهب(6)، وقال بعض أهل العلم أنه واجب، وهو رأي شيخنا(7) ×. وقوله « أَمِيْنًا » أي على الوقت وعلى عورات الناس حيث كان في الماضي يصعد على المنارة وقد يطلع على عورات الناس أثناء صعوده المنارة.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/64)، المغني (2/56، 57).
(2) المرجع السابق .
(3) منح الجليل (1/119).
(4) مغني المحتاج (1/136).
(5) أخرجه أحمد (4/42) رقم (16524)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب كيف الأذان _ رقم (499) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/99) رقم (469).
(6) المقنع ومعه الشرك الكبير والإنصاف (3/59، 60).
(7) الشرح الممتع (2/51).(5/15)
3) قوله « صَيِّتًا » أي قويًّا، وذلك ليبلغ أذانه حيزًا أكبر وأوسع، ومن معاني كونه صيتًّا أيضًا أن يكون حسن الصوت وحسن الأداء، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن زيد « فَقُمْ مَعَ بِلاَلٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ » (1) أي أعلى وأرفع وأحسن منك صوتًا.
عَالِمًا بِالأَوْقَاتِ(1)،وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا(2)،وَمُتَطَهِّرًا(3)،.............................
(1) قوله « عَالِمًا بِالأَوْقَاتِ » هذا ليس بشرط بل الأفضل أن يكون عالماً بالوقت بنفسه، فهذا ابن أم مكتوم كان رجلاً أعمى وكان الصحابة يخبرونه بالوقت فيقولون له: «أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ»(2) فلا يؤذن إلا إذا قيل له ذلك، لكن الأفضل كما ذكرنا أن يكون عالماً بالوقت؛ لأنه قد لا يكون هناك من يخبره بالوقت، ولأن غير العالم بالوقت قد يؤذن قبل الوقت وبالتالي يصلي الناس قبل الوقت وخصوصًا هنا النساء وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «الإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ»(3) أي على الوقت.
(
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب كيف الأذان _ رقم (499) ، وابن ماجه في كتاب الأذان والسنة فيها _ باب بدء الأذان _ رقم (706) واللفظ لأبي داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/99) رقم (469).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره _ رقم (592).
(3) أخرجه أحمد (14/413) رقم (6872)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت _ رقم (517)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء أن الإمام ضامن والمئذن مؤتمن _ رقم (191) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/105) رقم (486) .(5/16)
2) قوله «وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا» لأن هذا هو فعل مؤذني النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولأنه أبلغ لصوت المؤذن، قال ابن المنذر:«أجمعوا على أن من السنة أن يؤذن قائمًا»(1).
(3) قوله « وَمُتَطَهِّرًا » أي يستحب أن يكون المؤذن متطهرًا حال أذانه، وعللوا لذلك لأنهما ذكر ويستحب للذكر الطهارة لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«إِنِّيْ كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ»(2).
وقوله «مُتَطَهِّرًا » أي من الحدثين: الأصغر والأكبر، لكن هل يجوز لمن حدثه أكبر ان يؤذن؟ نقول: نعم، يجوز مع الكراهة، لكن لا يكون في المسجد،=
عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ(1)، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ(2)، فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ، الْتَفَتَ يَمِيْنًا وَشِمَالاً(3)...................................................................................................
=أما داخل المسجد فلا يسوغ له أن يلبث في المسجد، فإن اضطر لدخوله فيتوضأ ويدخل.
(1) قوله « عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ » أي ينبغي أن يكون الأذان من مكان عال؛ لأنه أبعد للصوت، وهذا كان قبل وجود مكبرات الصوت، أما الآن فلا حاجة لهذا.
(2) قوله « مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ » أي يسن استقبال المؤذن القبلة حال أذانه؛ لأن الأذان عبادة والأولى أن يستقبل فيها القبلة ، والقاعدة في ذلك أن كل عبادة الأولى أن يستقبل فيها القبلة ما لم يرو خلافه .
(
__________
(1) المغني (2/82).
(2) أخرجه أحمد (4/345) رقم (19056)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب أيرد السلام وهو يبول؟ _ رقم (17) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/6) رقم (13).(5/17)
3) قوله « فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ، الْتَفَتَ يَمِيْنًا وَشِمَالاً » الحيعلة هي أن يقول المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح وهذا سنة، وصفة ذلك أنه إذا بلغ «حي على الصلاة» التفت برأسه دون قدمه يمينًا وإذا بلغ «حي على الفلاح» التفت برأسه دون قدمه شمالاً، ودليل ذلك ما جاء عن عون ابن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: « وَأَذَّنَ بِلاَلٌ قَالَ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا يَقُوْلُ يَمِيْنًا وَشِمَالاً يَقُوْلُ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ»(1).
لكن مع وجود مكبرات الصوت الآن هل يبقى الحكم؟ اختلف الفقهاء المعاصرون في هذه المسألة، فقال بعضهم: الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا والعلة بالالتفات هو انتشار الصوت وهي منتفية مع وجود المكبرات.
وَلاَ يُزِيْلُ قَدَمَيْهِ(1)، وَيَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِيْ أُذُنَيْهِ(2)، وَيَتَرَسَّلَ فِي الأَذَانِ(3)، وَيَحْدُرُ الإِقَامَةَ(4).
=وقال بعضهم: بل المؤذن يستحب له الالتفات حال أذانه عبر مكبرات الصوت حفاظًا على السنة، لكن يكون التفاته قليلاً لئلا يبتعد عن اللاقط وهذا هو الصواب.
(1) قوله « وَلاَ يُزِيْلُ قَدَمَيْهِ » أي لا يزيلها عند التفاته في الحيعلتين؛ لأنه لو أزال قدميه أصبح غير مستقبل القبلة.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب هل يتتبع المؤذن فاه ههنا وههنا _ رقم (598)، مسلم في كتاب الصلاة _ باب سترة المصلي _ رقم (777) واللفظ لمسلم .(5/18)
2) قوله « وَيَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِيْ أُذُنَيْهِ » أي يستحب للمؤذن أن يجعل إصبعيه في أذنيه لحديث أبي جحيفة السابق وفيه « رَأَيْتُ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ وَيَدُوْرُ وَيُتْبِعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا وَإِصْبَعَاهُ فِيْ أُذُنَيْهِ»(1)، والحكمة في جعل الأصبعين في الأذنين للمؤذن: أولاً: لأنه أقوى للصوت.
ثانيًا: ليراه من كان بعيدًا أو من لا يسمع فيعرف أنه يؤذن.
(3) قوله « وَيَتَرَسَّلَ فِي الأَذَانِ » الترسل هو عدم العجلة بل يؤذن أذانًا متآنيًا مترتلاً وهذا بخلاف بعض المؤذنين اليوم تراه إذا جاء متأخرًا عن الأذان لا تدري هل هو يؤذن أم يقيم؟.
(4) قوله « وَيَحْدُرُ الإِقَامَةَ » الحدر هو الإسراع، وليس الإسراع هنا أن يأتي بالإقامة خلال نفس واحد أي بإسراع مخل بالعبادة وإنما إسراع فيه وصل كلمات الإقامة بعضها ببعض بحيث أن تكون جمل الإقامة واضحة.
وَيَقُوْلُ فِيْ أَذَانِ الصُّبْحِ: « الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ »، مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ(1)، وَلاَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ إِلاَّ لَهَا(2)؛...........................................................................
(1) قوله « وَيَقُوْلُ فِيْ أَذَانِ الصُّبْحِ:« الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ » مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ » هذا ما يسمى بالتثويب، وهذا أيضًا من السنة في أذان الصبح بعد قول المؤذن: حي على الفلاح كما جاء في حديث أنس - رضي الله عنه - ، لكن في أي الأذانين يقول ذلك، هل هو في الأذان الأول أم الثاني؟
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (4/308) رقم (18781)، والترمذي في أبواب الصلاة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باب ما جاء في إدخال الإصبع في الأذن عند الأذان _ رقم (197) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/63) رقم (164).(5/19)
فيه خلاف بين أهل العلم: فالقول الأول أن التثويب يكون في الأذان الأول الذي يكون قبل طلوع الفجر، وهذا رأي الصنعاني(1) في سبل السلام، واختاره أيضًا الألباني(2).
القول الثاني: أنه يكون في الأذان الثاني للفجر، وهذا هو المذهب عند الحنابلة(3)، وهو اختيار شيخنا(4) ×، وبه أفتت اللجنة الدائمة(5) وهو الصحيح.
(1) قوله « وَلاَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ إِلاَّ لَهَا » أي إلا لصلاة الفجر فإنه يؤذن الأذان الأول قبل دخول وقتها، لكن هل الأذان الأول الذي قبل وقت صلاة الفجر هو لصلاة الفجر؟
الصواب أنه ليس لصلاة الفجر ولكنه لإيقاظ النائمين من أجل أن يتأهبوا للصلاة، ولأجل أن يقوم من لم يكن أوتر في أول الليل فيوتر، ولإيقاظ =
لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ،فَكُلُوْا وَاشْرَبُوْا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ»(1). وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ، أَنْ يَقُوْلَ كَمَا يَقُوْلُ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُوْلُوْا مِثْلَ مَا يَقُوْلُ»(2).
=النائمين الذين يريدون الصيام.
(1) قوله « لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوْا وَاشْرَبُوْا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ» هذا دليل مشروعية الأذان الأول لصلاة الفجر، لكن كما ذكرنا أنه لم يشرع لصلاة الفجر وإنما للمذكور آنفًا، لكن كم بين الأذانين؟
__________
(1) سبل السلام (1/107ـ168).
(2) تمام المنة (ص146ـ147).
(3) المغني (2/161ـ162).
(4) الشرح الممتع (2/62ـ63).
(5) فتاوى اللجنة الدائمة (6/61) برقم (2678).(5/20)
جاء في صحيح مسلم « وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا »(1)، وهذا دليل على أن المدة بين الأذانين لم تكن طويلة بل كانت مدة وجيزة بمقدار ما يتسحر الصائم.
(2) قوله « وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ، أَنْ يَقُوْلَ كَمَا يَقُوْلُ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُوْلُوْا مِثْلَ مَا يَقُوْلُ » هذا هو قول جمهور أهل العلم، وقال بعض أهل العلم بل يجب ذلك، و هو قول ابن حزم في المحلى(2).
والصواب أنه مستحب وليس بواجب، وهو قول الجمهور، واختيار شيخنا(3) ×، فيستحب أن يقول السامع مثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
أما حال التثويب أي قول المؤذن «الصلاة خير من النوم» فبعض الفقهاء قال:=
..........................................................................................................
= يقول «صدقت وبررت»(4)، لكن الصواب أنه يقول مثل ما يقول المؤذن « الصلاة خير من النوم » لضعف حديث «صدقت وبررت »، لكن استثنى أهل العلم إجابة السامع في حالتين:
الأولى: حال قضاء الحاجة فإنه لا يشرع إجابة المؤذن.
الثانية: إذا كان في الصلاة؛ لكونه مشغولاً بإتيان أذكار فتسقط عنه المتابعة، وهذا خلاف ما ذهب إليه شيخ الإسلام(5) حيث يرى أنه المصلى ينابع الأذان لعموم الأمر بالمتابعة .
? تنبيه: هناك خمس سنن عند كل أذان ينبغي أن يحافظ عليها وهي:
( أ ) يقول مثل ما يقول المؤذن.
(ب) الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الفراغ من الأذان.
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصيام _ باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر ... _ رقم (1092).
(2) المحلى (3/148).
(3) الشرح الممتع (2/82).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/107).
(5) الاختيارات الفقهية ص 75.(5/21)
ج) أن يدعو بالدعاء المأثور: « اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيْلَةَ وَالْفَضِيْلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُوْدًا الَّذِيْ وَعَدْتَهُ »(1).
(د ) الدعاء بعد الأذان أي بين الأذان والإقامة؛ لأنه موضع إجابة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ »(2) .
(هـ) أن يقول بعد الشهادتين: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
بَابُ شَرَائِطِ الصَّلاَةِ (1)
....................................................................................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ شَرَائِطِ الصَّلاَةِ » الشرط في اللغة العلامة، قال تعالى:[? ? ? ? ? ? ?? ? ? ?](3) أي علاماتها.
أما في اصطلاح الأصوليين فهو: « ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود »، فالوضوء مثلاً للصلاة يلزم من عدمه عدم صحة الصلاة؛ لأنه شرط لصحتها، ولا يلزم من وجوده وجود الصلاة.
الفرق بين الشروط والأركان:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب الدعاء عند النداء _ رقم (589) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - .
(2) أخرجه أحمد في المسند (3/119) رقم (12221)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة _ رقم (521)، والترمذي في أبواب الصلاة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة _ رقم (212) من حديث أنس - رضي الله عنه - .
(3) سورة محمد : 18.(5/22)
أن الشروط أمور تجب للصلاة قبل الشروع فيها، ولا بد من استمرارها، ولا تصح الصلاة حتى يأتي بها المصلي، فهي أمور خارجة عن ماهية الصلاة،أما الأركان فهي أجزاء من ماهية الصلاة مثل الركوع والسجود مثلاً، فهي تفعل أثناء الصلاة ويجب الإتيان بها، إن تركها عمدًا أو سهوًا مع القدرة بطلت الصلاة.
أما الفرق بين الواجبات والأركان: فالواجب إن تركه سهوًا لا يلزمه الإتيان به لكن يلزمه أن يجبره بسجود السهو، أما الركن _ كما ذكرنا_ فلا يسقط مع العمد ولا السهو بل لابد من الإتيان به إلا عند العجز عنه.
قوله « بَابُ شَرَائِطِ الصَّلاَةِ » أي الأمور التي يجب الإتيان بها قبل الدخول في الصلاة.
وَهِيَ سِتَّةٌ: أَحَدُهَا: الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ؛ لِقَوْلِ رَسُوِلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ »، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهَا(1).
(1) قوله « وَهِيَ سِتَّةٌ: أَحَدُهَا: الطَّهَارَةُ مِنَ ا لْحَدَثِ؛ لِقَوْلِ رَسُوِلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ »، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهَا » هذا هو الشرط الأول من شروط الصلاة، فيشترط لها الطهارة أي طهارة البدن والثوب والمكان كما مرَّ بنا في كتاب الطهارة، وهذا الشرط مجمع عليه.(5/23)
فطهارة البدن المراد بها الطهارة من الحدثين: الأكبر والأصغر كما قال تعالى:[ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ?](1)،هذه هي الطهارة الصغرى . أما الكبرى فقال فيها:[ ? ? ? ٹ] (2) ، وكذلك الحديث النبوي الذي استدل به المؤلف « لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ »(3) .
أما طهارة الثوب فدليلها قوله تعالى:[ ? ? ](4)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنه - ،أن امرأة سألت عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة، فقال - صلى الله عليه وسلم - :« حُتِّيْهِ ثُمَّ اقْرُصِيْهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ رُشِّيْهِ وَصَلِّيْ فِيْهِ »(5) .
الثَّانِيْ: الْوَقْتُ(1)، وَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَصِيْرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ(2)،..........................................................................
=أما طهارة المكان فهي في قوله تعالى : [?? ? ?? ? ?? ? ? ?] (6) .
(1) قوله « الثَّانِيْ: الْوَقْتُ » هذا هو الشرط الثاني، دليله قوله تعالى:[ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ](7) ، وقوله تعالى:[ ? ? ? ہ ہ ہ ہ](8).
__________
(1) سورة المائدة : 6.
(2) سورة المائدة : 6.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الحيل باب في الصلاة _ رقم (6554) ومسلم في كتاب الطهارة _ باب وجوب الطهارة للصلاة _ رقم (225) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(4) سورة المدثر :4.
(5) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة _ باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب _ رقم (138)، والنسائي في كتاب الطهارة _ باب دم الحيض يصيب الثوب _ رقم (291) واللفظ للترمذي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/45) رقم (119).
(6) سورة البقرة : 125.
(7) سورة الإسراء : 78.
(8) سورة النساء: 103.(5/24)
كذا حديث إمامة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - :« يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ »(1) .
فلا يجوز تقديم أي فرض من الفرائض الخمس قبل وقتها، فمتى أداها قبل وقتها لم تصح، ولا يجوز له تأخيرها عن وقتها كما ذكرنا ذلك إلا لعذر.
(2) قوله « وَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَصِيْرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ » هذا هو أول وقت الظهر وآخره، فأوله من زوال الشمس ومعنى الزوال أن تميل الشمس إلى جهة الغروب بعد انتصاف النهار، ويعرف الزوال بأن تغرز خشبة مستوية في الأرض والشمس مازالت في الشرق، فمادام ظل الخشبة ينتقص فالشمس قبل الزوال، فإذا لم يكن للخشبة ظل أو تم نقص الظل =
وَوَقْتُ الْعَصْرِ _ وَهِيَ الْوُسْطَى ـ (1) مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ(2).................
=بأن كان الظل أقل ما يكون فالشمس في وسط النهار، وهذا هو الوقت الذي تمنع فيه الصلاة، فإذا انتقل الظل من المغرب إلى المشرق وبدأ في الزيادة فقد دخل وقت الظهر، وهذا هو أول وقت صلاة الظهر.
أما آخر وقت صلاة الظهر فذهب جمهور الفقهاء إلى أن آخر وقته حين يصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال، وذهب أبو حنيفة(2) إلى أن آخر وقت الظهر حين يبلغ ظل الشيء مثليه سوى فيء الزوال، والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
(
__________
(1) أخرجه أحمد (6/453) رقم (2920)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب في المواقيت _ رقم (393)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (149) واللفظ للترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/50) رقم (127).
(2) حاشية ابن عابدين (1/240).(5/25)
1) قوله « وَوَقْتُ الْعَصْرِ وَهِيَ الْوُسْطَى » وهي أفضل الصلوات الخمس لتخصيص الله تعالى بذكرها في الأمر بالمحافظة عليها في قوله تعالى:[ ? ? ? ? ? پ پ پ] (1) .
(2) قوله « مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ » هذا هو وقت العصر، فيبدأ من آخر وقت الظهر وهو _كما سبق_ حينما يصير ظل كل شيء مثله، فإذا أصبح كذلك فقد انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر، وعند أبي حنيفة(2) من حين الزيادة على المثلين. وذهب بعض أهل العلم إلى أن هناك فاصلاً بين وقت الظهر ووقت العصر لكنه يسير، وحدده بعضهم بقدر أربع ركعات.
لكن الصواب أنه لا اشتراك بين وقت العصر والظهر ولا فاصل بينهما، وهو
المذهب(3) واختيار شيخنا(4) ×،فإذا خرج وقت الظهر دخل وقت العصر.
إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ(1)، ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الاِخْتِيَارِ(2)، وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُوْرَةِ إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ(3).
وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ: مِنَ الْغُرُوْبِ إِلَى أَنْ يَغِيْبَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ(4).
(1) قوله « إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ » هذا هو الوقت الاختياري، دليله حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:« وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ»(5) أي مالم تكن صفراء، وفي رواية أخرى في المذهب(6) أن وقت الاختيار حتى يصير ظل كل شيء مثليه بعد فيء الزوال. والراجح القول الأول، وهو ما رجحه شيخنا(7) ×.
(
__________
(1) سورة البقرة : 238.
(2) بدائع الصنائع (1/122، 123).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/146)، المغني (2/14).
(4) الشرح الممتع (2/106).
(5) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب أوقات الصلوات الخمس _ رقم (612).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/148).
(7) الشرح الممتع (2/108).(5/26)
2) قوله « ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الاِخْتِيَارِ » وهو _ كما ذكرنا_ من أن يصير ظل كل شيء مثليه إلى اصفرار الشمس هذا هو وقت الاختيار.
(3) قوله « وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُوْرَةِ إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ » وقت الضرورة يبدأ من اصفرار الشمس إلى غروبها، فهذا هو وقت أهل الأعذار الذين لا يمكنهم الصلاة قبل تغير الشمس، مثل الحائض تطهر، والمجنون والمغمى عليه يفيقان، والنائم ينتبه، والصبي يبلغ، والكافر يسلم بعد اصفرار الشمس، فهم يصلونها أداء في هذا الوقت ولا إثم عليهم.
أما تأخيرها بغير عذر إلى وقت الضرورة فهي وإن كانت أداءً لكن حصول الإثم في حق من أخرها باق حتى يستغفر الله.
(4) قوله « وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ: مِنَ الْغُرُوْبِ إِلَى أَنْ يَغِيْبَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ » هذا هو أول وقت المغرب ونهايته، فأوله من الغروب أي غياب طرف الشمس،وآخر =
وَوَقْتُ الْعِشَاءِ: مِنْ ذالِكَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ(1)،.......................................
=وقتها إلى غياب الشفق الأحمر. فالشفق شفقان: أحمر وأبيض، فبغياب الأحمر يدخل وقت العشاء وينتهي وقت المغرب.
دليل ذلك ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: « وَوَقْتُ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ »(1).
والقول المشهور عند المالكية(2) أنه لا امتداد لوقت المغرب بل يقدر بعدد ثلاث ركعات بعد تحصيل شروطها من مكاره وحدث وخبث وشر وعور.
وعند الشافعية(3) في الجديد عندهم كما يقوله المالكية غير أن الامتداد يكون بقدر خمس ركعات، ثلاث ركعات للمغرب وركعتا سنة بعدها. والصحيح هو القول الأول.
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب أوقات الصلوات الخمس _ رقم (612).
(2) بداية المجتهد (1/51 _ 52).
(3) نهاية المحتاج (1/353، 354)، حاشية القليوبي على المنهاج (1/114).(5/27)
1) قوله « وَوَقْتُ الْعِشَاءِ: مِنْ ذالِكَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ » أي من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، وفي رواية أخرى في المذهب(1) إلى ثلث الليل، وفي رواية أخرى(2) يمتد إلى طلوع الفجر.
والراجح من هذه الروايات أن وقت العشاء إلى نصف الليل، دليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وفيه: « وَوَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ » (3)، وأيضًا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه « وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ =
وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُوْرَةِ إِلَى طُلُوْعِ الْفَجْرِ الثَّانِيْ(1).
= يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ »(4)، هذا هو وقت الاختيار، فلا يجوز لمن لا عذر له أن يؤخر العشاء إلى ما بعد نصف الليل، أما أهل الأعذار الذين تقدم ذكرهم في صلاة العصر فهؤلاء يصلونها إلى طلوع الفجر الثاني.
(1) قوله « وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُوْرَةِ إِلَى طُلُوْعِ الْفَجْرِ الثَّانِيْ » وقد سبق ذكر ذلك وقلنا إن للعشاء وقتين: وقت اختيار، وهو الوقت الذي لا يجوز تأخير العشاء عنه لغير أهل الأعذار، وهو من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل على الصحيح.
والوقت الثاني وقت الإضطرار، ويبدأ من منتصف الليل إلى طلوع الفجر الثاني، فهذا يصلي فيه أهل الأعذار، كمريض شفي من مرضه، أو حائض أو نفساء طهرتا، وهذا هو قول سماحة شيخنا ابن باز(5) ×.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/158).
(2) المرجع السابق .
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب أوقات الصلوات الخمس _ رقم (612).
(4) أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة _ باب مواقيت الصلاة، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/71) _ رقم (151).
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/216).(5/28)
ويرى شيخنا(1) × أنه ليس للعشاء إلا وقت واحد وهو إلى نصف الليل وليس لها وقت ضرورة، فلو طهرت الحائض بعد منتصف الليل فلا يلزمها العشاء ولا المغرب لأنها طهرت بعد الوقت، لكن ما ذكرناه هو الراجح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية(2): « ولم ينقل عن صحابي خلافه بل وافقهم التابعون على أن العشاء تجب بالطهر قبل الفجر... ». وقال أيضًا ×(3): =
وَوَقْتُ الْفَجْرِ: مِنْ ذالِكَ إِلَى طُلُوْعِ الشَّمْسِ(1).
==وينبني عليه أيضًا أن المرأة الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس بقدر ركعة لزمها العصر وإذا طهرت قبل الفجر بقدر ركعة لزمها العشاء».
(1) قوله « وَوَقْتُ الْفَجْرِ: مِنْ ذالِكَ إِلَى طُلُوْعِ الشَّمْسِ » أي ويبدأ وقت الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، وهذا بإجماع أهل العلم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ »(4) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ»(5).
__________
(1) مجموع فتاوى ورسائل شيخنا × (12/230).
(2) شرح العمدة (2/179).
(3) مجموع الفتاوى (23/334).
(4) أخرجه مسلم في كتاب المساجد مواضع الصلاة _ باب أوقات الصلوات الخمس رقم (612).
(5) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة _ باب من أدرك من الفجر ركعة _ رقم (554)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة _ رقم (608).(5/29)
واختلف الفقهاء هل الأفضل للفجر تعجيلها أم الإسفار بها؟ فالجمهور على أن الأفضل تعجيلها؛ لقول عائشة رضي الله عنها : « كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوْطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِيْنَ الصَّلاَةَ لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ » (1) .
وخالف الأحناف(2) فقالوا: بأن الإسفار أفضل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «أَسْفِرُوْا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ»(3).
والذي يظهر أن الأولى للإمام أن يدخل في الصلاة بالتغليس وينصرف في =
وَمَنْ كَبَّرَ لِلصَّلاَةِ قَبْلَ خُرُوْجِ وَقْتِهَا، فَقَدْ أَدْرَكَهَا(1)،..............................
=الإسفار، وهذا هو اختيار سماحة شيخنا ابن باز(4) ×، لكن استثنى أهل العلم صلاة الفجر للحاج يوم مزدلفة، فإن الأفضل التبكير بها من حين طلوع الفجر.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة _ باب وقت الفجر _ رقم (553)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب استحباب التبكير بالصبح _ رقم (1021).
(2) حاشية ابن عابدين (2/178)، بدائع الصنائع (1/125).
(3) أخرجه أحمد (35/150) رقم (16641)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في الإسفار بالفجر، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/52) رقم (154).
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/392).(5/30)
1) قوله « وَمَنْ كَبَّرَ لِلصَّلاَةِ قَبْلَ خُرُوْجِ وَقْتِهَا، فَقَدْ أَدْرَكَهَا » هذا هو المشهور في المذهب(1)، وعللوا لذلك بأن إدراك الجزء كإدراك الكل فالصلاة لا تتبعض، وفي رواية أخرى في المذهب(2) أن الصلاة لا تدرك إلا بإدراك الركعة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ »(3)، وهذه الرواية هي اختيار شيخ الإسلام(4) وشيخنا(5) ×، وهذا هو الراجح أي أن الصلاة لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة. وينبني على القولين أمور منها:
أولاً: أن المرأة الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس بقدر تكبيرة الإحرام فإن صلاة العصر تلزمها(6)، وعلى القول الصحيح أنها تلزمها إذا كان هناك وقت يتسع لغسلها وتأدية ركعة كاملة من الصلاة.
ثانيًا: إن المرأة إذا حاضت قبل غروب الشمس ولو بقدر تكبيرة الإحرام فإنها
تلزمها الصلاة إذا طهرت؛لأنها أدركت مقدار تكبيرة الإحرام في الوقت(7)،=
وَالصَّلاَةُ فِيْ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ(1) إِلاَّ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، وَفِيْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي الظُّهْرِ(2).
=وعلى القول الصحيح أنها لا تلزمها.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/170).
(2) المرجع السابق.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المواقيت _ باب من أدرك من الصلاة ركعة _ رقم (546)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة _ رقم (607) .
(4) الاختيارات الفقهية ص 66.
(5) الشرح الممتع (2/121).
(6) انظر في ذلك المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/179).
(7) انظر المرجع السابق (3/177).(5/31)
1) قوله « وَالصَّلاَةُ فِيْ أَوَّلِ اْلوَقْتِ أَفْضَلُ » وذلك لعموم الأدلة التي جاءت في المبادرة بفعل الخير كما في قوله تعالى:[ ??](1)، وقوله تعالى: [???? پ](2)،وقوله:[? ? ?](3)، ولأن في تأديتها في أول وقتها إبراء لذمة العبد؛ لأن الذمة مشغولة بها حتى تؤدى، لكن إن أخَّرها عن أول وقتها ثم عرض له أمر فمات هل يحاسب على تركه لها؟
نقول: المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والذي يظهر أنه إن أخّرها عن وقتها حتى خرج الوقت بلا عذر ثم مات أنه يحاسب على ذلك، أما إن ترك أول الوقت وهو الفاضل ولم يخرج وقتها ثم مات فالصواب أنه لا يحاسب على تركه لأنه فعل ما يجوز له فعله، إلا إذا كان تأخيره للصلاة عن غير عذر ويترتب عليه ترك الجماعة فهنا لاشك أنه يحاسب على تركه الواجب وهو الصلاة في جماعة، لا لأنه أخّر الصلاة عن أول وقتها.
(2) قوله « إِلاَّ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، وَفِيْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي الظُّهْرِ » أي الصلاة في أول الوقت أفضل إلا صلاة العشاء وعند شدة الحر في الظهر فالمستحب تأخيرها، فالعشاء الأفضل تأخيرها إلى آخر وقتها الاختياري وهو نصف الليل، وذلك لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : « كَانَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَحِبُّ أَنْ يَؤَخِّرَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ=
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: سِتْرُ الْعَوْرَةِ(1).....................................................
=اللَّيْلِ أَوْ شَطْرِ اللَّيْلِ » (4).
__________
(1) سورة البقرة : 148.
(2) سورة آل عمران : 133.
(3) سورة المؤمنون : 61.
(4) أخرجه البخاري في كتاب المواقيت_ باب وقت العصر _ رقم (522) ومسلم في كتاب المساجد_ باب استحباب التكبير بالصبح إلى أول وقتها _ رقم (643).(5/32)
أما الظهر فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوْا عَنْ الصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ » (1)، ومعنى الإبراد تأخير صلاة الظهر إلى أن يبرد الوقت، لكن هل الإبراد عام أم هو خاص لمن يصلي جماعة؟
الجواب: المذهب(2) يرى أن الإبراد عام حتى ولو صلى وحده يجوز له الإبراد، وقال بعض أهل العلم(3): أن الإبراد لا يكون إلا لمن يصلي جماعة.
والصواب: المذهب أنه يسن الإبراد ولو صلى وحده، وكذلك النساء يسن لهن الإبراد في صلاة الظهر في شدة الحر، لكن مع وجود المكيفات في المساجد والبيوت نرى أن الأفضل هو الصلاة في أول الوقت؛ لأن الإبراد حاصل وليس هناك مشقة حاصلة بالصلاة في هذا الوقت.
(1) قوله « الشَّرْطُ الثَّالِثُ: سِتْرُ الْعَوْرَةِ » هذا هو الشرط الثالث من شروط الصلاة وهو ستر العورة، والعورة هو ما يسوء المرء إخراجه والنظر إليه لأنها من العور وهو العيب، وقد أجمع أهل العلم على أن من صلى عريانًا مع قدرته على اللباس فصلاته باطلة.
بِمَا لاَ يَصِفُ الْبَشَرَةَ(1). وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ وَالأَمَةِ، مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ(2)،.......
قلت: وقد جرى الفقهاء على اتخاذ هذا التعبير أعني «ستر العورة» وجعلوه من شروط صحة الصلاة، لكن لو عبروا عنه بقولهم «اتخاذ الزينة للصلاة» لكان أولى لأمور:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة _ باب الإبراد بالظهر في شدة الحر _ رقم (510)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه _ رقم (615) .
(2) المغني (2/36 _ 37)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/136 _ 137).
(3) المرجع السابق .(5/33)
الأول: لأن القرآن عبَّر به في قوله تعالى:[ ? ? ? ? پ پ پ ](1)، فأمر الله باتخاذ الزينة عند كل صلاة.
الثاني: أن قولهم ستر العورة لم يجئ في نصوص القرآن والسنة التعبير به فيما يتعلق بالصلاة.
الثالث: أن قولهم ستر العورة يحصل فيه إشكال وهو أنه اشتبه على بعض الناس عورة الصلاة وعورة النظر واختلط عليهم الأمر ولم يفرقوا بين هذا وهذا.
(1) قوله « بِمَا لاَ يَصِفُ الْبَشَرَةِ » أي يجب أن يكون ما تستر به العورة لا يصف البشرة، وهذا شرط لصحة الصلاة به، ووصف الشيء ذكر صفاته، فإن وصفها فلا يجزئ لأن الستر لا يحصل بدون ذلك.
(2) قوله « وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ وَالأَمَةِ، مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ » أما الرجل فالمراد به من بلغ سن العشر فما فوقها، سواء كان حرًّا أو عبدًا، فعورته من السرة إلى الركبة، وكذا الأمة.
والعورة على أقسام ثلاثة: مخففة، ومغلظة، ومتوسطة.
أولاً:العورة المخففة وهي عورة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنوات وهي=
....................................................................................................
=الفرجان فقط أي إذا ستر قبله و دبره فقد أجزأه الستر.
ثانيًا: العورة المغلظة وهي عورة المرأة الحرة البالغة فكلها عورة إلا وجهها فإنه ليس بعورة في باب الصلاة وإن كان عورة في باب النظر، فلو صلت في بيتها لزمها أن تستر جميع بدنها حتى وإن لم يرها أحد.
ثالثًا: العورة المتوسطة وحدها ما بين السرة والركبة ويدخل فيها الذكر من عشر سنين فصاعدًا، والحرة دون البلوغ والأمة ولو بالغة.
__________
(1) سورة الأعراف : 31.(5/34)
وقوله « مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ » هل السرة والركبة تدخلان في العورة فيجب سترها؟ على ثلاثة أقوال: المشهور من المذهب(1) أن السرة والركبة لا تدخلان فلا يجب سترهما، وهو اختيار شيخنا(2) ×. والراجح أنهما داخلتان في العورة ، وهي إحدى الروايتين في المذهب(3).
لكن هل يلزم المرأة أن تستر قدميها وكفيها في الصلاة؟ نقول: أما القدمان فالواجب على المرأة الحرة أن تسترهما في صلاتها، ويرى شيخ الإسلام(4) أنه لا يلزم سترهما. وأما الكفان ففيها روايتان في المذهب(5):
الأولى:أنهما ليسا من العورة التي يجب سترها في الصلاة، والثانية:أنهما عورة.
والأحوط أن لا ينكشف منها شيء من ذلك، وهذا هو الأظهر.
وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ، إِلاَّ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا(1).
(1) قوله « وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ، إِلاَّ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا » أي في الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ » (6)، لكن هذا مقيد بشرط عدم وجود الرجال الأجانب عندها.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/203 _ 205).
(2) الشرح الممتع (2/160).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/203 _ 205).
(4) مجموع الفتاوى (22/109ـ120).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/206 _ 208).
(6) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب المرأة تصلي بغير خمار _ رقم (641)، والترمذي في كتاب الصلاة _ باب نجاسة البول والأمر بالتنزه منه والحكم في بول ما يؤكل لحمه _ رقم (377) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/126) رقم (596).(5/35)
أما عند وجودهم فالواجب عليها ستر جميع بدنها، وليعلم أن كثيرًا من الناس لا يفرق بين العورة في الصلاة والعورة في باب النظر فيجعلهما شيئًا واحدًا وهذا غلط، فوجه المرأة ليس بعورة في الصلاة بل يكره للمرأة ستره إذا كانت تصلي وليس عندها رجال أجانب، أما في باب النظر فهو عورة؛ لأنه لا يجوز النظر إليه.
ثم إنني أحب أن أنبه على أمر يدندن حوله بعض الناس وهو جواز كشف المرأة لوجهها، وجواز خروجها من بيتها واختلاطها بالرجال الأجانب كاشفة لوجهها، وهذه دعوة باطلة مخالفة لنصوص الشريعة التي جاءت بأمر المرأة بأن تستر بدنها مع حضرة الرجال الأجانب، وأنه لا يجوز لها أن تخرج من بيتها إلا وهي ساترة لجميع بدنها.
ثم إنني أقول لهؤلاء القوم الذين يدعون إلى تهتك المرأة وكشف وجهها ومخالطة الرجال في العمل وغيره أنكم تتجاهلون ما يترتب على ذلك من الشر والفساد وتحويل بلاد المسلمين إلى أن تكون بلاد سفور، وتتجاهلون أيضًا النتائج السيئة التي حصلت للشعوب التي لم تأخذ بوجوب ستر وجه المرأة كيف كشف النساء الوجه والرقبة والنحر والرأس؟ وكيف كانت المرأة=
....................................................................................................
=تخرج كاشفة وجهها مملوءًا بالتزين بالمكياج وغيره من المساحيق الموجبة للفتنة؟.
ومن هنا نقول لهؤلاء الذين ينادون بتحرير المرأة ويريدون بذلك خروجها على الصفة المذكورة آنفًا، نقول لهم: أن ما تدعون إليه هو ليس في الحقيقة تحرير بل هو تضليل، متى كان خروج المرأة متبرجة كاشفة لرأسها وشعرها وساقيها وذراعيها متى كان هذا تحريرًا؟ نعم هذا تحرر من الدين والخلق وما أوجبه الله على المرأة.
ثم ليعلم هؤلاء أيضًا أن أضر فتنة على الرجال هن النساء ولذا يراد خراب مجتمعنا ويجاهد ليل نهار لإفساد هذا المجتمع، نسأل الله أن يحفظنا ويحفظ مجتمعنا من كيد الكافرين.(5/36)
? تنبيه: في حكم صلاة المرأة مع عدم الحجاب:
نقول: إن كان عدم الحجاب أو التستر لأمور اختيارية، مثل: اتباع التقاليد والعادات فهو لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون عدم الحجاب مقصورًا على الوجه والكفين فالصلاة صحيحة لكن مع الإثم إذا كان ذلك بحضرة الرجال الأجانب.
الثانية : إذا كان الكشف وعدم التستر للساق والذراع أو شعر الرأس ونحو ذلك فلا يجوز لها أن تصلي على تلك الحال، وإن صلت فالصلاة باطلة وعليها الإثم ويجب عليها الإعادة.
وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالأَمَةِ(1).
وَمَنْ صَلَّى فِيْ ثَوْبٍ مَغْصُوْبٍ، أَوْ دَارٍ مَغْصُوْبَةٍ، لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ(2).
(1) قوله « وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالأَمَةِ » المقصود بأم الولد هي الأمة المملوكة التي جامعها سيدها فحملت منه فولدت وهي رقيقة حتى يموت سيدها، فإذا مات سيدها فإنها تعتق.
وقوله « وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالأَمَةِ » أي صار بعضها حرًّا وبعضها رقيقًا، قال المؤلف « كَالأَمَةِ » أي عورتها من السرة إلى الركبة؛ لأنها لا تزال في حكم المملوك.
وقد اختلفت الروايات في المذهب(1) في هذه المسألة، فقد ذكر عن الإمام أحمد × أنه قال في أم الولد تصلي كالحرة؛ لأنه انعقد لها سبب الحرية فلا يجوز لها أن تكشف إلا وجهها وكفيها في الصلاة. والرواية الثانية(2) وهي المذهب كما ذكرنا أنها كالأمة عورتها في الصلاة من السرة إلى الركبة.
والمعتق بعضها أيضًا هي على الخلاف المذكور آنفًا في أم الولد .
والراجح أن أم الولد والمعتق بعضها كالأمة؛ لأن شرط الحرية الكاملة لم يتحقق، فلا بد من إتمام الشرط، وهذا هو اختيار شيخنا(3) × .
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/209).
(2) المرجع السابق.
(3) الشرح الممتع (2/160).(5/37)
2) قوله « وَمَنْ صَلَّى فِيْ ثَوْبٍ مَغْصُوْبٍ، أَوْ دَارٍ مَغْصُوْبَةٍ، لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ » قال أهل العلم لأنها قربة وهي منهي عنها على هذا الوجه، ثم إنه استعمل في شرط العبادة ما يحرم استعماله،وهذه هي إحدى الروايتين في المذهب(1)=
وَلُبْسُ الْحَرِيْرِ وَالذَّهَبِ، مُبَاحٌ لِلنِّسَاءِ دُوْنَ الرِّجَالِ، إِلاَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَرِيْرِ وَالذَّهَبِ:«هذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُوْرِ أُمَّتِيْ،حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ»(1).
=وهي أحد قولي الشافعي(2)، وهي اختيار ابن قدامة في المغني(3).
والرواية الثانية في المذهب(4) أنها تصح مع الإثم، وهذا هو الصحيح، وهو قول أبي حنيفة(5)، ومالك(6)، والقول الثاني للشافعي(7)، وهواختيار شيخ الإسلام(8) و شيخنا(9) ×، وذلك لأن النهي لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها.
(1) قوله «وَلُبْسُ الْحَرِيْرِ وَالذَّهَبِ مُبَاحٌ » للنساء لكن لا يصل إلى حد الإسراف، فإن صار إلى حد الإسراف حرم
(2) قوله « لِلنِّسَاءِ دُوْنَ الرِّجَالِ، إِلاَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ » الحاجة كالحكة والقمل والمرض « لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَرِيْرِ وَالذَّهَبِ: « هذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُوْرِ أُمَّتِيْ، حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ»، وهذا بإجماع أهل العلم، ولا بأس بلبس النساء للذهب المحلق خلافًا لمن قال بمنع ذلك.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/302).
(2) المجموع (3/169).
(3) المغني (2/476).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبي والإنصاف (3/302).
(5) حاشية ابن عابدين (1/380)، تبيين الحقائق (5/227).
(6) مواهب الجليل بحاشية التاج والإكليل (1/506)، حاشية الدسوقي (1/188).
(7) المجموع (3/169).
(8) مجموع الفتاوى (29/286).
(9) الشرح الممتع (2/24).(5/38)
أما الساعة التي يلبسها الرجال وبها شيء من الذهب فإن كان الذهب قليلاً
تابعًا فلا بأس بذلك عند بعض أهل العلم، وعندي الأولى بكل حال =
وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ فِيْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، أَجْزَأَهُ ذالِكَ(1)،..........
=الابتعاد عن ذلك.
والمقصود بالحرير هنا هو الحرير الطبيعي دون الصناعي، فالطبيعي هو الذي يخرج من دودة القز وهوغال وناعم، ومن هنا حرم على الرجال؛ لأنه يشبه من بعض الوجوه الذهب لكونه مما يتحلى به،أما الحرير المخلوط بغيره فإن كان مما تساوى فيه الحرير بغيره فمحل خلاف،والصواب أن الأولى تركه،أما إذا كان أكثره غير حرير،فالصواب أنه حلال،وهذا هو اختيار شيخنا(1) ×.
(1) قوله « وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ فِيْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، أَجْزَأَهُ ذالِكَ » لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ»(2)، فدل ذلك على وجوب تغطية العاتق، وهذا هو المذهب(3) واختاره سماحة شيخنا ابن باز(4)×.
__________
(1) المرجع السابق (2/211).
(2) أخرجه البخاري في أبواب الصلاة في الثياب _ باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه _ رقم (352)، ومسلم كتاب الصلاة _ في باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه _ رقم (516) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/216 _ 217).
(4) مجموع فتاوى مقالات متنوعة (10/415).(5/39)
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن تغطية العاتق في الصلاة سنة ليس بواجب لحديث جابر - رضي الله عنه - لما صلى في ثوب قد اشتمل به قال - صلى الله عليه وسلم - :«مَا هَذَا الاِشْتِمَالُ الَّذِيْ رَأَيْتُ؟ قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ يَعْنِيْ ضَاقَ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ»(1)، وهذا هو الصواب وهو الذي اختاره ابن سعدي(2) =
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، سَتَرَهَا(1)، فَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَمِيْعَهَا، سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ(2)،...................................................................................
=و رجحه شيخنا(3) ×.
فلو صلى الإنسان بشيء يستر ما بين سرته إلى ركبتيه صحت صلاته، لكن بشرط أن يتمكن حال صلاته من الإتيان به على الوجه المشروع، من اعتداله وسجوده وركوعه، ولا يبدو شيء من عورته حال ركوعه وسجوده، ولم يكن الملبوس ضيّقًا يصف حجم البدن، ولا خفيفًا يظهر معه لون البدن.
? تنبيه: جاء في المذهب التفريق بين الفرض والنفل ووجوب وضع شيء على العاتق أثناء الصلاة، فقالوا بوجوبه في الفريضة وعدم وجوبه في النفل، وعلى الذي رجحناه من عدم الوجوب فليس لهذا التفريق وجود.
(1) قوله « فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، سَتَرَهَا » أي إذا لم يجد من الثياب ونحوها إلا ما يستر العورة سترها وترك العاتق؛ لأن ستر العورة شرط من شروط الصلاة كما سبق.
(2) قوله « فَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَمِيْعَهَا، سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ » أي إذا لم يجد ما يستر جميع العورة وهي كما ذكرنا ما بين السرة والركبة، فإن الواجب عليه هنا أن يستر الفرجين وهما القبل والدبر، وذلك لأمرين:
الأول: أنهما أغلظ العورة.
__________
(1) أخرجه البخاري في أبواب الصلاة في الثياب _ باب إذا كان الثوب ضيقاً _ رقم (354).
(2) المختارات الجلية ص 40.
(3) الشرح الممتع (2/167).(5/40)
والثاني: لأن الإجماع انعقد على أنهما عورة.
فلو قدر أن شخصًا تعرض له قطاع الطرق فسلبوا منه ملابسه ولم يبق معه
إلا منديل فقط، وهذا المنديل لا يكفي أن يستر جميع العورة، فالواجب=
فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا، سَتَرَ أَحَدَهُمَا(1). فَإِنْ عَدِمَ السِّتْرَ بِكُلِّ حَالِ، صَلَّى جَالِسًا يُوْمِئُ بِالرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا، جَازَ(2).
=عليه في هذه الحالة أن يستر الفرجين لما سبق.
(1) قوله « فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا، سَتَرَ أَحَدَهُمَا » اختلفت الرواية في المذهب(1) على أيهما يقدم في الستر في هذه الحالة؟ فقيل: يستر أحدهما كما ذكر المؤلف، وفي رواية أنه يستر القبل وهو أولى؛ لأنه أفحش من الدبر، وقيل العكس.
(2) قوله « فَإِنْ عَدِمَ السِّتْرَ بِكُلِّ حَالِ، صَلَّى جَالِسًا يُوْمِئُ بِالرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا، جَازَ» أي إن عدم المصلي ما يستر به عورته فإنه يصلي جالسًا ولو كان قادرًا على القيام، وذلك لأنه يمكن أن ينضم فيكون ما ينكشف من عورته أقل، وهذا هو المذهب(2).
والقول الثاني: أنه يجب عليه القيام مطلقًا ويركع ويسجد؛ لأن هذا ما يمكنه، وقد قال تعالى:[ ? ? ? ? ? ?](3)، وقال أيضًا: [پ پ پ](4)، فأوجب الله القيام،أما ستر العورة فهنا يسقط لكونه معذورًا، وهذه هي إحدى الروايتين في المذهب(5)، وهو قول مالك(6) والشافعي(7).
والصواب أن يقال إن كان حوله أحد صلى قاعدًا، وإن لم يكن حوله أحد=
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ ثَوْبًا نَجِسًا،أَوْ مَكَانًا نَجِسًا، صَلَّى فِيْهِمَا، وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ(1).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/234).
(2) المرجع السابق (3/234).
(3) سورة البقرة : 286.
(4) سورة البقرة : 238.
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/234).
(6) حاشية الدسوقي (1/221).
(7) المجموع (3/187).(5/41)
=أو كان في ظلمة أو هناك شخص لا يستحي من انكشاف عورته عنده كأن يكون أعمى أو مجنونًا فإنه يركع ويسجد؛ لأنه لا عذر له، وهذا هو أقرب الأقوال، وهو اختيار شيخنا(1) ×.
(1) قوله « وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ ثَوْبًا نَجِسًا،أَوْ مَكَانًا نَجِسًا، صَلَّى فِيْهِمَا، وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ » اختلفت الرواية في هذه المسألة، فالمذهب(2) أنه تجب الإعادة إذا صلى في ثوب نجس، وفي رواية أخرى في المذهب(3) وهي اختيار ابن قدامة(4) كما ذكر أنه لا يعيد، ورواية أخرى يصلي عريانًا ولا يعيد وهو قول الشافعي(5).
والصحيح ما ذهب إليه المؤلف،وهو قول مالك(6)، واختاره شيخنا(7) ×.
والمذهب يفرق بين الصلاة في الثوب النجس والصلاة في المكان النجس، فالصلاة في المكان النجس لا إعادة لها بخلاف الصلاة في الثوب النجس، وذلك لأن الصلاة في المكان النجس قد يكون مكرهًا عليها بخلاف الثوب فليس مكرهًا على الصلاة فيه.
والراجح أنه إن صلى في ثوب نجس لا يجد غيره أو صلى في مكان نجس وكان مكرهًا على الصلاة فيه فلا إعادة عليه.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الطَّهَارَةُ مِنَ النَّجَاسَةِ فِِيْ بَدَنِهِ، وَثَوْبِهِ، وَمَوْضِعِ صَلاَتِهِ(1)،....
(1) قوله «الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الطَّهَارَةُ مِنَ النَّجَاسَةِ فِِيْ بَدَنِهِ، وَثَوْبِهِ، وَمَوْضِعِ صَلاَتِهِ » هذه ثلاثة أمور وهي شرط لصحة الصلاة وهي: طهارة البدن، وطهارة الثوب، وطهارة المكان، وقد سبق بيان ذلك.
__________
(1) الشرح الممتع (2/187).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/228 _ 229).
(3) المرجع السابق .
(4) المغني (2/316).
(5) المجموع (3/188).
(6) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/21).
(7) الشرح الممتع (2/181 _ 182).(5/42)
فطهارة البدن دليلها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين يعذبان فقال « إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِيْ كَبِيْرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِيْ بِالنَّمِيْمَةِ »(1)، وهذا دليل على وجوب التنزه من البول، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»(2)، وغير ذلك من الأدلة التي جاءت في وجوب الاستنجاء والاستجمار.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز _ باب الجريد على القبر رقم (1295)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه _ رقم (292) واللفظ للبخاري.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحيل باب في الصلاة _ رقم (6554) ومسلم في كتاب الطهارة _ باب وجوب الطهارة للصلاة _ رقم (225) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .(5/43)
وأما طهارة الثوب فدليلها قوله تعالى:[? ?](1)، وأيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم - «اقْرُصِيْهِ وَاغْسِلِيْهِ وَصَلِّي فِيْهِ »(2)، وأيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم - :«إِنَّ جِبْرِيْلَ أَتَانِيْ فَأَخْبَرَنِيْ أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ قَالَ أَذًى فَأَلْقَيْتُهُمَا فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فِي نَعْلَيْهِ فَإِنْ رَأَى فِيْهِِمَا قَذَرًا أَوْ قَالَ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا»(3)، وهذه الأدلة تدل على أنه لا يجوز استصحاب النجاسة في حال الصلاة.
إِلاَّ النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا، كَيَسِيْرِ الدَّمِ وَنَحْوِهِ (1). وَإِنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا، أَوْ عَلِمَ بِهَا، ثُمَّ نَسِيَهَا، فَصَلاَتُهُ صَحِيْحَةٌ(2).
__________
(1) سورة المدثر: 4.
(2) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة _ باب ما جاء في غسل دم الحيض _ رقم (138)، وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها _ باب ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب _ رقم (629) واللفظ لابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/103) رقم (512).
(3) أخرجه أحمد (23/488) رقم (11443)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب الصلاة في النعل _ رقم (650) وصحح الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/128) رقم (605).(5/44)
=وأما دليل المكان فقوله تعالى:[? ???? ?](1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ»(2)، وأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يصب على بول الأعرابي ذنوبًا من ماء يطهره، فيجب على المصلي أن يتطهر من هذه الأمور الثلاثة حال صلاته إلا ما استثني كما سيذكره المؤلف .
(1) قوله « إِلاَّ النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا، كَيَسِيْرِ الدَّمِ وَنَحْوِهِ » هذا هو المستثنى من النجاسات، وأفادنا المؤلف بقوله « الْمَعْفُوَّ عَنْهَا » أن هناك نجاسات غير معفو عنها كالبول والغائط، وهناك نجاسات معفو عنها، فمن النجاسات المعفو عنها يسير الدم ونحوه مثل المذي فيعفى عن يسيره فلا يجب تطهير ما أصابه مذي يسير مع أن المذي نجس، وكذلك المتولد من القيح والصديد على المذهب(3)، وقد ذكرنا ذلك سابقًا في كتاب الطهارة.
? تنبيه: يرى شيخ الإسلام(4) أن جميع النجاسات معفو عنها إذا شق التحرز منها، وهذا هو الأقرب، وهو الموافق للقواعد الشرعية.
(1) قوله « وَإِنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا، أَوْ عَلِمَ بِهَا، ثُمَّ نَسِيَهَا، فَصَلاَتُهُ صَحِيْحَةٌ» هذه إحدى الروايتين في المذهب(5)، وهو اختيار شيخ=
وَإِنْ عَلِمَ بِهَا فِي الصَّلاَةِ، أَزَالَهَا، وَبَنَى عَلَى صَلاَتِهِ(1)،........................
__________
(1) سورة الحج : 26.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة _ باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها _ رقم (285).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/331 _ 332).
(4) مجموع الفتاوى (21/578، 579).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/289).(5/45)
=الإسلام ابن تيمية(1) واختاره شيخنا(2) ×. لكن إن علم بها أثناء الصلاة هل يلزمه إزالة النجاسة؟ نقول: نعم، يجب عليه أن يزيل النجاسة، فلو تذكر أن ثوبه به نجاسة فالواجب عليه أن يغير الثوب النجس بثوب طاهر أو يغسل النجاسة، المهم أنه إذا تذكر يجب عليه إزالة النجاسة.
والرواية الثانية(3): من لم يعلم بالنجاسة أو علم بها ثم نسيها فعليه الإعادة، وهو قول الشافعي(4)، وذهب مالك(5) أنه يعيد ما دام الوقت باقيًا.
لكن الراجح أنه لا إعادة عليه؛ لقوله تعالى: [? ? ? ? ? ?] (6)، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما صلى بنعلين فيهما قذر أخبره جبريل بذلك ولم يستأنف الصلاة، بل بقي في صلاته(7)، وإذا لم يبطل هذا أول الصلاة فإنه لا يبطل بقية الصلاة.
(1) قوله « وَإِنْ عَلِمَ بِهَا فِي الصَّلاَةِ، أَزَالَهَا، وَبَنَى عَلَى صَلاَتِهِ » هذا على روايتين في المذهب(8)، فعلى الرواية التي توجب الإعادة يجب عليه أن يقطع الصلاة ويزيل النجاسة ثم يبدأ الصلاة من جديد؛ لأن ما مضى من صلاته كان باطلاً، والرواية الثانية وهي الصحيحة وهي التي اختارها المؤلف أنه =
وَالأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ تَصِحُّ الصَّلاَةُ فِيْهَا(1)،........................................
=يبقى على صلاته إن أزالها، لكن بشرط أن لا تكون النجاسة حين إزالتها تحتاج إلى عمل كثير في الصلاة أو زمن طويل، فإن احتاجت لذلك بطلت.
? تنبيهان:
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص 83.
(2) الشرح الممتع (2/232).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/290 _ 291).
(4) المجموع (3/162 _ 163).
(5) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/217).
(6) سورة البقرة : 286.
(7) أخرجه أحمد (23/488) رقم (11443)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب الصلاة في النعل _ رقم (555).
(8) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/292).(5/46)
أولاً: إن حمل المصلي النجاسة كأن تكون معه قارورة فيها بول أو براز للتحليل مثلاً فإن صلاته لا تصح لأنه حامل للنجاسة.
ثانيًا: من صلى وقد استخدم العطور والطهارة كالكلونيا ونحوها، هل تفسد صلاته بذلك؟ الصواب أنها لا تبطل صلاته بذلك، لكن الذي ينبغي أن لا يستخدم هذه العطور خروجًا من الخلاف وعملاً بالأحوط.
(1) قوله « وَالأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ تَصِحُّ الصَّلاَةُ فِيْهَا » إلا ما استثناه الدليل كما سيذكره المؤلف. ودليل كون الأرض كلها مسجدًا ما جاء في الصحيحين من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يَا رَسُوْلَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: « أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ » (1).
وأيضًا حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُعْطِيْتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِيْ » وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : «وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُوْرًا »(2).
إِلاَّ الْمَقْبَرَةَ، وَالْحَمَّامَ، والْحُشَّ، وَأَعْطَانَ الإِبِلِ(1).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء _ باب قوله تعالى [واتخذ الله إبراهيم خليلا] _ رقم (3115)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب منه _ رقم (808).
(2) أخرجه البخاري في كتاب التيمم _ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً _ رقم (427) ، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب المساجد ومواضع الصلاة _ رقم (521).(5/47)
1) قوله « إِلاَّ الْمَقْبَرَةَ، وَالْحَمَّامَ، والْحُشَّ، وَأَعْطَانَ الإِبِلِ » هذه الأربع المستثناة فلا تصح الصلاة فيها، وقد عد أصحاب المذهب عشرة مواضع وزادوا على الأربعة المذكورة هنا المزبلة والمجزرة وفارعة الطريق وظهر الكعبة والموضع المغصوب والموضع النجس.
وقوله « إِلاَّ الْمَقْبَرَةَ » فلا تصح الصلاة فيها ونفي الصحة يقتضي الفساد، فالصلاة في المقبرة فاسدة، يجب على من صلى فيها الإعادة للصلاة ويحصل له الإثم إذا كان عالمًا بالنهي، ودليل النهي عن الصلاة فيها قوله - صلى الله عليه وسلم - :«الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ»(1)، ومنها أيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم - :«لاَ تُصَلُّوْا إِلَى الْقُبُوْرِ وَلاَ تَجْلِسُوْا عَلَيْهَا»(2)، ومنها أيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم - :«اجْعَلُوْا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوْتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوْهَا قُبُوْرًا »(3) ،
__________
(1) أخرجه أحمد (24/28) رقم (11483)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة _ رقم (492)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام _ رقم (317)، وابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات _ باب المواضع التي تكره فيها الصلاة _ رقم (745) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/97) رقم (463) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز _ باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليها _ رقم (972) من حديث أبي مرثد الغنوي - رضي الله عنه - .
(3) أخرجه البخاري في أبواب المساجد _ باب كراهية الصلاة في المقابر _ رقم (422)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد _ رقم (777) ..(5/48)
ومن ذلك أيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوْا قُبُوْرَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، وزاد مسلم «أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوْا الْقُبُوْرَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذالِكَ»(1).
..........................................................................................................
= والأدلة في ذلك مستفيضة، وعلى ذلك فلا تصح الصلاة في المساجد التي فيها قبور ولا تصح الصلاة عند القبور ولا أمام القبور ولا خلفها، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(2) وسماحة شيخنا ابن باز(3)، وهو اختيار شيخنا محمد العثيمين(4) _ رحم الله الجميع_، وهذا هو الصحيح.
وخالف الحنفية(5)، والمالكية(6) في ذلك فقالوا بصحة الصلاة في هذه الأماكن إن كانت طاهرة، لكن الصواب الأول لما رجحنا لقوة الأدلة واستفاضتها بالنهي عن الصلاة في المقبرة.
وقوله « وَالْحَمَّامَ » للنهي الذي ورد فيه كما في حديث أبي سعيد الخدري السابق وهو قوله: «الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ »، ولأن الحمام أيضًا مكان تنكشف فيه العورات، وليس المقصود بالحمام هنا المرحاض بل الحمام المغتسل الذي يقدم إليه الناس فيغتسلون فيه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز _ باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور _ رقم (1263)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد _ رقم (532).
(2) الاختيارات الفقهية ص 83، 84.
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/296).
(4) الشرح الممتع (2/240).
(5) حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح ص 196، 197.
(6) حاشية الدسوقي (1/188)، الشرح الصغير (1/371).(5/49)
وذهب الحنفية(1) والمالكية(2) إلى صحة الصلاة في الحمام، وقالوا بأن النهي محمول على الكراهة، والصواب بأنها لا تصح، وهو اختيار شيخ الإسلام(3) وقول شيخنا(4) ×.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ(1)،........................................................
=وقوله « والْحُشَّ » هو المكان الذي يتخلى فيه الإنسان من البول أو الغائط وهو الكنيف، فلا تصح الصلاة فيه؛ لأنه نجس، ولأنه مأوى الشياطين فلا ينبغي أن تكون هذه الأماكن الخبيثة أماكن لعبادة الله تعالى.
وقوله « وَأَعْطَانَ الإِبِلِ » لورود النهي عن الصلاة فيها، فعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - : أن رجلاً سأل رسول الله قال: «أُصَلِّيْ فِيْ مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أُصَلِّيْ فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ؟ قَالَ: لاَ » (5)، والأعطان جمع عطن، وقيل في تفسيرها: أنها مبارك الإبل مطلقًا، وقيل: ما تقيم فيه وتأوى إليه، وقيل: ما تبرك فيه عند صدورها من الماء أو انتظار الماء، والصواب أن أعطان الإبل شاملة لكل المذكور.
واختلف الفقهاء في علة النهي عن الصلاة في أعطان الإبل، فقيل: لأنها خلقت من الشياطين كما جاء ذلك في مسند أحمد(6)، وهو اختيار شيخ الإسلام(7)، وقيل: لأن الإبل شديدة النفور وربما تنفر وهو يصلي فتؤذيه، وقيل: العلة هنا تعبدية.
(
__________
(1) حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح ص 197.
(2) حاشية الدسوقي (1/188، 189)، الشرح الصغير (1/371).
(3) الاختيارات الفقهية ص 83، 84.
(4) الشرح الممتع (2/242).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الحيض _ باب الوضوء من لحوم الإبل _ رقم (360).
(6) أخرجه أحمد في المسند (34/143) رقم (16186).
(7) مجموع الفتاوى (19/41)، (21/320).(5/50)
1) قوله « الشَّرْطُ الْخَامِسُ: اسْتِقْبَالُ اْلقِبْلَةِ » القبلة المراد بها الكعبة وسميت قبلة؛ لأن الناس يستقبلونها ويقصدونها حال صلاتهم، وهذا الشرط أجمع عليه أهل العلم لقوله تعالى: [ہ ہ ہ ھ ھھ ھ ے ے ? ? ?](1)، لكن استثني من ذلك الشرط ما ذكره المؤلف وهو =
إِلاَّ فِي النَّافِلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيْ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ(1)،.........
=وهو صلاة النفل في السفر والعاجز عن استقبال القبلة.
(1) قوله « إِلاَّ فِي النَّافِلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيْ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ » هذا هو المستثنى الأول من شرط الاستقبال للقبلة، واشترط فيه المؤلف ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون الصلاة نافلة، فالفريضة يلزم لها استقبال القبلة كما سبق بيانه إلا في حالتين:
الأولى: إذا كان عاجزًا عن الاستقبال لا يستطيع الحركة، كأن يكون مريضًا وليس هناك أحد يوجهه إلى القبلة، فهنا يصلي حيث كان وجهه، لقوله تعالى:[ہ ہ ہ ھ ](2)،وقوله:[? ? ? ? ? ?](3).
الحالة الثانية: الخائف، كأن يكون في الحرب، والحرب شديدة فيها كرّ وفرّ، فهنا يسقط عنه الاستقبال، أو يكون قد هرب من عدو ويخاف أن يأتيه فيغير جهة القبلة، فهنا يصلي حيث كان وجهه.
لكن إذا كانت هذه الصلاة مما تجمع مع ما بعدها أو مع ما قبلها ويمكنه حال الجمع أن يستقبل القبلة فهنا الأولى له أن يجمعها مع الصلاة الأخرى جمع تقديم أو جمع تأخير، ما دام جمعها يمكنه من الإتيان بشرط استقبال القبلة.
الشرط الثاني : أن يكون على راحلة، فلو كان مسافرًا كأن يكون راجلاً أحيانًا وراكبًا أحيانًا فيلزمه الاستقبال حال كونه راجلاً ولا يلزمه حال كونه
__________
(1) سورة البقرة : 144.
(2) سورة التغابن : 16.
(3) سورة البقرة : 286.(5/51)
على راحلته وهذا قول في المذهب(1)،والصواب أنه لا يلزمه أيضًا استقبال=
..........................................................................................................
=القبلة حال كونه ماشيًا إذا كانت نافلة وكان مسافرًا، وهذا هو المذهب(2).
الشرط الثالث: أن يكون مسافرًا، فغير المسافر يلزمه استقبال القبلة في النفل والفرض.
وهنا نذكر بعض التنبيهات:
أولاً: النازل في السفر يلزمه استقبال القبلة والسائر في الحضر يلزمه كذلك استقبال القبلة.
ثانيًا: لا تجوز الفريضة للراكب السائر في السفر بدون استقبال القبلة إلا في الحال التي يتعذر فيها الاستقبال.
ثالثًا: اختلف الفقهاء في السفر الذي يجوز أن يتنفل فيه على راحلته، فقيل يجوز أن يتنفل على راحلته إلى غير القبلة ولو كان السفر قصيرًا، وقيل لا يجوز التنفل على الراحلة إلا في سفر تقصر فيه الصلاة، وهذا هو الصواب .
رابعًا: هل يلزم المتنفل المسافر السائر أن يفتتح الصلاة متجهًا إلى القبلة؟ اختلفت الرواية في المذهب(3) في هذه المسألة: فقيل بأنه يلزمه افتتاح الصلاة إلى الكعبة ثم يكون بعد ذلك حيث كان وجهه، وقيل بأنه لا يلزمه افتتاح الصلاة إلى الكعبة، وهذا هو الصواب، لكن الأفضل له افتتاح الصلاة متجهًا إلى القبلة، وهذا هو اختيار شيخنا(4) ×.
خامسًا: المسافر الذي يقود السيارة لا ينبغي له أن ينشغل بالنافلة عن القيادة؛ لأن انشغاله بالنافلة تشغله عن القيادة ويحصل بذلك هلاكه.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/324).
(2) المرجع السابق.
(3) المرجع السابق.
(4) الشرح الممتع (2/268).(5/52)
وَالْعَاجِزُ عَنِ الاِسْتِقْبَالِ؛ لِخَوْفٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَيُصَلِّيْ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ(1)، وَمَا عَدَاهُمَا(2)، لاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ إِلاَّ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ(3). فَإِنْ كَانَ قَرِيْبًا مِنْهَا، لَزِمَتْهُ الصَّلاَةُ إِلَى عَيْنِهَا(4)،.......................................................................
(1) قوله « وَالْعَاجِزُ عَنِ الاِسْتِقْبَالِ؛ لِخَوْفٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَيُصَلِّيْ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ » قد ذكرنا ذلك آنفًا وقلنا أن العاجز عن الاستقبال لمرض يصلى حيث كان وجهه، وكذلك الخائف من عدو أو فوات رفقة أو ضياع مال أو حراسة ونحو ذلك فإنه يجوز له أن يصلي الفريضة إلى غير القبلة، دليل ذلك ما رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه ذكر صفة صلاة الخوف ثم قال: «فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالاً قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ مَالِكٌ قَالَ نَافِعٌ: لا أُرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلاَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(1) .
(2) قوله « وَمَا عَدَاهُمَا » أي ما عدا المسافر والعاجز عن الإتيان بشرط الاستقبال.
(3) قوله « لاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ إِلاَّ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ » وهذا بإجماع أهل العلم، وقد ذكرنا الأدلة على فرضية الاستقبال للقبلة.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التفسير _ باب [فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ...] _ رقم (4261).(5/53)
4) قوله « فَإِنْ كَانَ قَرِيْبًا مِنْهَا، لَزِمَتْهُ الصَّلاَةُ إِلَى عَيْنِهَا » أي فإن كان قريبًا من الكعبة فيلزمه الصلاة إلى عينها لا إلى جهتها، ومن هنا ننبه على أمر يخطئ فيه الكثير ممن يصلون داخل المسجد الحرام فإنهم يميلون عن الكعبة يمينًا وشمالاً ولا يصيبون عينها وهذا خطأ، بل من صلى إلى غير عينها مع إمكانية الإصابة لعينها فيلزمه الإعادة.
وَإِنْ كَانَ بَعِيْدًا، فَإِلَى جِهَتِهَا(1).
=لكن إذا كان الإنسان قريبًا من الكعبة ولم يشاهدها لوجود أعمدة كثيرة أو صفوف ويشق عليه النظر إلى الكعبة، هل يأخذ حكم البعيد عنها فيصلي إلى جهتها مثلاً؟
اختلفت الرواية في المذهب(1)، فالصحيح من المذهب أنه يجتهد إلى عينها، وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد(2) أنه يجتهد إلى عينها أو إلى جهتها، وذكر جماعة من الأصحاب أنه إن تعذر إصابة العين للقريب فحكمه حكم البعيد.
والذي نرجحه أن إصابة عين الكعبة هو شرط للصلاة لمن قدر عليه.
أما من كان قريبًا منها ولا يقدر على إصابة عين الكعبة كأن يحول بينه وبينها جدران، أو يكون خلف جبل فحكمه كالبعيد عنها.
(1) قوله « وَإِنْ كَانَ بَعِيْدًا، فَإِلَى جِهَتِهَا » وهذا بإجماع أهل العلم، وعلى ذلك لو مال عن جهتها يمينًا وشمالاً فصلاته صحيحة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة « مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ»(3).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/330، 332).
(2) كشاف القناع (1/304، 305).
(3) أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة _ رقم (342)، والنسائي في كتاب الصيام _ باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم _ رقم (2243)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها _ باب القبلة _ رقم (1011) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/109) رقم (282).(5/54)
أما إن كان قريبًا منها فيلزمه إصابة عين الكعبة كما سبق، فلو انحرف يمينًا أو شمالاً ولو شيئًا يسيرًا فلا تصح صلاته.
وَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي الْحَضَرِ، سَأَلَ وَاسْتَدَلَّ بِمَحَارِيْبِ الْمُسْلِمِيْنَ(1)،...
(1) قوله « وَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ القِبْلَةُ فِي الْحَضَرِ، سَأَلَ وَاسْتَدَلَّ بِمَحَارِيْبِ الْمُسْلِمِيْنَ » أي من خفيت عليه القبلة عند إرادة الصلاة فالمشروع في حقه أمران:
الأول: أن يسأل عن جهة القبلة، فإن أخبر بجهتها من قبل رجل أو امرأة عمل بما أخبر به، وذلك لأن أهل الأمصار يعلمون الجهات.
الثاني: أن يستدل عليها بما في المساجد من محاريب المسلمين، وهذا باتفاق أهل العلم.
لكن إن أخطأ المخبر أو كذبه أو علم فساد بناء المحراب هل يلزمه الإعادة؟ المشهور من المذهب(1) أنه يعيد، ورواية في المذهب(2) أنه لا يعيد، وهذا هو الصواب؛ لأنه عمل ما يجب عليه العمل من سؤاله أو استدلاله بالمحاريب، والمذهب يرى أنه يعيد.
لكن إن اجتهد في الحضر فصلى إلى غير القبلة دون سؤاله عن جهتها أو استدلاله بالمحاريب على الجهة، فهنا عليه الإعادة ، والذي رجحه شيخنا(3) أنه إن كان أهلاً للاجتهاد فأخطأ فليس عليه الإعادة؛ لأن الحضر والسفر كلاهما محل الاجتهاد.
والراجح عندي هو المذهب؛ لأنه مفرط، ولأن الحضر ليس محلاً للاجتهاد،
لكن إن لم يجد من يخبره بجهة القبلة وعدم المحاريب فهنا يعمل باجتهاده،=
فَإِنْ أَخْطَأَ، فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ(2).
=فإن أخطأ فلا تجب عليه الإعادة؛ لأنه معذور.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/351)، المغني (2/114).
(2) المرجع السابق.
(3) الشرح الممتع (2/286).(5/55)
1) قوله « فَإِنْ أَخْطَأَ، فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ » أي إن أخطأ في الحضر فصلى إلى غير القبلة فعليه الإعادة؛ لأنه لم يسأل ولم يستدل على جهة القبلة والحضر ليس محلاً للاجتهاد كما ذكرنا، وهذا هو المذهب، والراجح كما ذكرنا، ويرى شيخنا(1) أن الحضر والسفر محل للاجتهاد، فإن اجتهد في الحضر فلا إعادة عليه مطلقًا سواء أصاب أم لم يصب؛ لأنه فعل ما يجب عليه، ومن فعل ما يجب عليه فقد اتقى الله تعالى ما استطاع وليس عليه الإعادة؛ لأن الله لم يوجب عليه العبادة مرتين إذا أتى بها على الوجه المأمور به، لكن الذي نرجحه هو المذهب.
والخلاصة في هذه المسألة أنه:
أولاً: إن صلى باجتهاده في السفر فصلاته صحيحة سواء أخطأ أم أصاب.
ثانيًا: إن صلى في الحضر باجتهاده فصلاته صحيحة إن أصاب وعليه الإعادة إن أخطأ.
ثالثًا: إن صلى بغير اجتهاد ولا تقليد فإن أخطأ أعاد وإن أصاب فالمذهب(2) أنه يعيد.
والصواب أنه إن أصاب فلا يعيد، وهو اختيار شيخنا (3)×.
وَإِنْ خَفِيَتْ فِي السَّفَرِ، اجْتَهَدَ، وَصَلَّى، وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ(1). وَإِنِ اخْتَلَفَ مُجْتَهِدَانِ، لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ(2).
(1) قوله « وَإِنْ خَفِيَتْ فِي السَّفَرِ، اجْتَهَدَ، وَصَلَّى، وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ » أي إن خفيت القبلة على المسافر فالمشروع في حقه أن يجتهد، ويكون ذلك من خلال النظر إلى علامات القبلة كالنجوم في الليل والشمس بالنهار وغير ذلك، فإن تبين أنه أخطأ القبلة فلا إعادة عليه؛ لأنه بذل ما يجب عليه. وفي رواية(4) في المذهب أنه يعيد، لكن الصواب أنه لا إعادة عليه كما ذكر المؤلف.
(
__________
(1) المرجع السابق.
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/353).
(3) الشرح الممتع (3/352).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/325).(5/56)
2) قوله « وَإِنِ اخْتَلَفَ مُجْتَهِدَانِ، لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ » المجتهد في جهة القبلة هو الذي يستطيع معرفة أدلتها، واختلاف المجتهدين كأن يقول أحدهما: القبلة هنا ويشير إلى الشمال، ويقول الآخر: بل القبلة هنا ويشير إلى الجنوب، قال المؤلف « لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ »، وعللوا لذلك أن كل واحد منهما يعتقد خطأ الآخر، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجب عليه أن يتبعه ويأتم به إذا كانت الصلاة جماعة ولا يضر الاختلاف هنا؛ لأن كلاً منهما يعتقد خطأ الآخر لاجتهاده ويعتقد صوابه بالنسبة لاجتهاد نفسه. وإن صلى كل منهما منفردًا لقناعته باجتهاده فلا حرج، لكن إن كان أحدهما أكثر علمًا فالواجب اتباعه.
والأقرب للصواب أنه يجوز اتباع أحدهما الآخر في الائتمام مع اختلافهما في جهة القبلة، والتضاد هنا لا يمنع من الائتمام، كما لو كان أحدهما يعتقد أن لحم الإبل غير ناقض للوضوء، والآخر يعتقد أنه ناقض للوضوء فيجوز لأحدهما أن يأتم بالآخر.
وَيَتْبَعُ الأَعْمَى وَالْعَامِيُّ أَوْثَقَهُمَا فِيْ نَفْسِهِ(1).
الشَّرْطُ السَّادِسُ: النِّيَّةُ لِلصَّلاَةِ بِعَيْنِهَا(2)،......................................
(1) قوله « وَيَتْبَعُ الأَعْمَى وَالْعَامِيُّ أَوْثَقَهُمَا فِيْ نَفْسِهِ » يعني إن اجتهد مجتهدان فقال أحدهما: القبلة هاهنا وأشار إلى جهة الشمال، وقال الآخر: بل هنا وأشار إلى جهة الجنوب فالمشروع في حق الأعمى والعامي أن يقلد أوثقهما في نفسه، فإن تبع غير الأوثق مع وجود الأوثق فصلاته باطلة كالمتلاعب.
(2) قوله « الشَّرْطُ السَّادِسُ: النِّيَّةُ لِلصَّلاَةِ بِعَيْنِهَا » هذا هو الشرط السادس من شروط الصلاة وهو النية، النية هي عزم القلب على فعل العبادة.(5/57)
وهذه النية غير النية التي يذكرها العلماء في باب العقائد التي هي الإخلاص، قال تعالى:[? ? ? ? ? ? ں ں](1)، فنية الإخلاص لا يقبل العمل إلا بها، أما النية التي هنا فهي التي فيها الفرق بين العبادة والعادة، وهي التي يترتب عليها الفعل، وهي التي قال عنها - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».
فقوله « النِّيَّةُ لِلصَّلاَةِ بِعَيْنِهَا » أي فالواجب على من أراد الصلاة أن ينويها بقلبه، وأن ينويها بعينها إذا كانت معينة، مثل: الفجر أو الظهر أو العصر، فالواجب عليه أن ينوي الفجر والظهر والعصر وهكذا.
وفي رواية في المذهب(2) أنه لا يشترط تعيين النية بل يكفي أن ينوي فرض الوقت، كأن يكون قد توضأ للظهر ثم صلى وغاب عن ذهنه أنها الظهر فالصلاة صحيحة، وهذا هو الصواب؛ لأنه هو الذي يسع عمل الناس به=
..........................................................................................................
=فالكثير من الناس يتوضأ ويأتي للصلاة ويغيب عن ذهنه الفرض، وهذا هو اختيار شيخنا(3) ×.
? ذكر بعض التنبيهات:
أولاً: حالات تحول النية في الصلاة:
أ _ الانتقال من معين إلى معين لا يجوز، مثاله: من دخل في صلاة العصر، ثم تذكر أنه لم يصل الظهر، هل يجوز له أن يحول نيته إلى صلاة الظهر؟ الجواب: لا، لأنه انتقل من صلاة معينة إلى أخرى معينة، لكن استثنى العلماء حالة واحدة وهي: إن دخل لصلاة الجمعة وظن أن الإمام يصلي الركعة الأولى من الصلاة فتبين أن الإمام صلى ركعتين، فهنا يحولها المأموم ظهرًا، وهذه هي الحالة الوحيدة التي استثناها أهل العلم، فالمهم أنه لا يجوز الانتقال من معين إلى معين، ومن ذلك أيضًا سنة الوضوء إلى الراتبة أو من الضحى إلى سنة الفجر وهكذا.
__________
(1) سورة البينة : 5.
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/360، 361).
(3) الشرح الممتع (2/293).(5/58)
ب _ الانتقال من معين إلى مطلق يجوز، مثاله: إنسان يصلي صلاة المغرب وحده منفردًا ورأى جماعة دخلوا لم يصلوا فحولها إلى نافلة فهنا يجوز، وكذلك من دخل ظنًّا أن الفريضة قد حان وقتها ثم تبين له أنه لم يؤذن لها فهنا يجعلها نافلة، وعلل الفقهاء لذلك أنه انتقل من الأعلى إلى الأدنى.
ج _ الانتقال من المطلق إلى المعين لا يجوز؛ لأنه انتقل من الأدنى إلى الأعلى، مثاله: إنسان يصلي نفلاً مطلقًا ثم تذكر أنه لم يصل فريضة، فهنا لا يجوز له أن ينتقل إلى هذه الفريضة؛ لأن الفريضة مرتبتها أعلى من النفل المطلق.
...........................................................................................................
ثانيًا: نية الإمامة والائتمام:
أ _ المذهب(1) يشترط للجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالهما، وفي رواية في المذهب(2) أن المأموم يشترط أن ينوي حاله، أما الإمام فلا يشترط نية الإمامة إلا في الجمعة، وفي رواية بل يشترط في الفرض دون النفل.
وذهب المالكية(3)، والشافعية(4) إلى عدم اشتراط نية الإمام الإمامة لكنه يستحب، لكن اشترطوا نية الإمام في الجمعة والصلاة المعادة والمنذورة عند الشافعية.
ب _ إذا دخل إنسان المسجد فوجد رجلاً يصلي فريضة منفردا فوقف بجانبيه ليصلي معه جماعة فالمذهب(5) أن صلاته المؤتم لا تصح لأنه نوى الائتمام بمن لم يكن إمامًا له وتصح صلاة الأول.
وفي رواية(6) في المذهب أنه يصل أن يأتم الإنسان بشخص لم ينو الإمامة، وهذا هو قول مالك (7) واختاره شيخنا (8)× وهو الصحيح.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/374، 375) .
(2) المرجع السابق .
(3) بلغة السالك (1/451).
(4) نهاية المحتاج (2/204، 205).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/376).
(6) المرجع السابق.
(7) مواهب الجليل (1/376_ 377).
(8) الشرح الممتع (2/306).(5/59)
ج _ من دخل في الصلاة منفردا ثم وجد جماعة أقيمت، هل يجوز له الانتقال من انفراده بالائتمام بالإمام؟ نقول: المذهب(1) أنها لا تصح، =
وَيَجُوْزُ تَقْدِيْمُهَا عَلَى التَّكْبِيْرِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيْرِ، إِذَا لَمْ يَفْسَخْهَا(1).
=والقول الثاني في المذهب أنه يصح أن ينوي المنفرد الائتمام، وهذا هو اختيار شيخنا(2) وهو الصحيح.
د _ إذا انفرد مؤتم بلا عذر، المذهب(3) أنها لا تصح، وفي رواية(4) أنها تصح، والصواب أنها لا تصح، إلا إذا كان له عذر.
(1) قوله « وَيَجُوْزُ تَقْدِيْمُهَا عَلَى التَّكْبِيْرِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيْرِ، إِذَا لَمْ يَفْسَخْهَا » أي يجوز أن يقدم النية قبل تكبيرة الإحرام بزمن يسير، لكن بشرط أن يكون ذلك في الوقت، فلو نوى الصلاة قبل دخول وقتها ولو بزمن يسير فصلاته غير صحيحة، لكن الأولى أن تكون النية مصاحبة لتكبيرة الإحرام.
وظاهر كلامه × أن الفصل لابد أن يكون يسيرًا، فلو طال الفصل لا تصح، وقال بعض أهل العلم بل تصح ما لم ينو فسخها كما ذكره المؤلف.
والصواب أنه إن طال الزمن بحيث لم يطل عن الحد المألوف فصلاته صحيحة ما لم يفسخ النية، مثاله: رجل سمع الأذان فقام فتوضأ ليصلي ثم غابت عن خاطره لما أقيمت الصلاة فقام بدون نية جديدة فصلاته صحيحة؛ لأنه لم يفسخ النية الأولى وحكمها مستصحب إلى الفعل.
? تنبيهان:
أولاً: هل التردد في النية يبطل العبادة؟ قولان في المذهب(5):
الأول: وهو المذهب أنها تبطل بالتردد، مثال ذلك: إذا سمع إنسان قارعًا=
..........................................................................................................
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/377).
(2) الشرح الممتع (2/307).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (2/382).
(4) المرجع السابق.
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/ 368، 370).(5/60)
=يقرع الباب فتردد هل أقطع الصلاة أو استمر؟ فالمذهب أنها تبطل بتردده.
القول الثاني في المذهب أنها لا تبطل؛ لأن الأصل بقاء النية.
والصحيح: أنها لا تبطل إلا إذا عزم على القطع؛ لأن الأصل بقاء النية، وهذا اختيار شيخنا(1) ×.
ثانيًا: إن عزم على أن يأتي بما هو مبطل للصلاة كأن يتكلم فيها مثلاً، أو عزم على أن يحدث فيها، هل تبطل؟ قولان:
الأول: أنها تبطل؛ لأنه عزم على المفسد بقطع الصلاة، والعزم على قطع الصلاة يبطلها،
والمذهب أنها لا تبطل على العزم على فعل يبطلها إلا إذا فعله؛ لأن البطلان متعلق بفعل المبطل ولم يوجد، وهذا هو الصحيح وهو اختيار شيخنا(2) ×.
بَابُ آدَابِ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاَةِ (1)
يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إِلَى الصَّلاَةِ(2) ....................................................
الشرح:
(1) قوله «بَابُ آدَابِ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاَةِ» أي ما جاء من سنن يسن الإتيان بها لمن مشى إلى الصلاة، وكذلك ما جاء من مكروهات يكره فعلها لمن أتى إلى الصلاة.
وهذه الآداب التي سيذكرها المؤلف ينبغي للمسلم أن يأتي بها، ففيها فضل عظيم، وهي عنوان على اهتمام المسلم بصلاته التي هي أحد أركان الإسلام الخمسة ومبانيه العظام.
وهذا الباب قلّ أن يذكره الفقهاء في مؤلفاتهم مفردًا بهذا العنوان، لكنهم يدخلونه عادة في صفة الصلاة، وإن كان الإمام المجدد × أخذ هذا العنوان وأفرد به مسألة مستقلة في باب سماه: آداب المشي إلى الصلاة، وهو مما ينبغي للمبتدئين أن يهتموا بقراءته والاعتناء به، فهو من أفضل الكتب التي يبتدئ بها طالب العلم.
(1) قوله «يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إِلَى الصَّلاَةِ » أي دون الركوب؛ لورود نصوص السنة في فضل المشي إلى الصلاة.
__________
(1) الشرح الممتع (3/397).
(2) المرجع السابق.(5/61)
ومن ذلك ما رواه مسلم عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَجُلٌ لاَ أَعْلَمُ رَجُلاً أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاَةٌ قَالَ: فَقِيلَ لَهُ أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ؟ قَالَ: مَا يَسُرُّنِيْ أَنَّ مَنْزِلِيْ إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ إِنِّيْ أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِيْ مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِيْ =
.......................................................................................................(5/62)
=إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ =كُلَّهُ»(1)، وأيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم - لبني سلمة « دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ »(2)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :«إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ وَالَّذِيْ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنَامُ»(3)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة : « مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ فَدَنَا مِنَ الإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا»(4)، فجعل المشي شرطًا لحصول الأجر، فالمشي إلى الصلاة هو السنة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب فضل كثرة الخطا إلى المسجد _ رقم (663).
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب فضل كثرة الخطا إلى المسجد _ رقم (665) من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجماعة والإمامة _ باب فضل صلاة الفجر في جماعة _ رقم (623)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب فضل كثرة الخطا إلى المسجد برقم (662) واللفظ لمسلم من حديث أبي موس - رضي الله عنه - .
(4) أخرجه أحمد في المسند (4/9) رقم (16218)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب في الغسل يوم الجمعة _ رقم (345) من حديث أوس بن أوس الثقفي - رضي الله عنه - .(5/63)
? تنبيه: من سمع الإقامة للصلاة هل الأولى في حقه أن يركب لحصول فضل تكبيرة الإحرام أم الأفضل أن يمشي ليحصل على فضل المشي إلى الصلاة المذكور في قوله - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوْتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً »(1) .
بِسَكِيْنَةٍ وَوَقَارٍ(1)،...............................................................................
=نقول: الأفضل له أن يمشي إليها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَأْتُوْهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَلَكِنْ ائْتُوْهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوْا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوْا»(2)،هذا هو الأفضل،لكن إن أراد أن يركب لإدراك
السنن القبلية للصلاة ولا يحصل ذلك إلا بالركوب فهنا الأولى له أن يركب؛ لأن الأجر الحاصل بإدراك السنن القبلية أفضل من إدراك المشي إلى الصلاة.
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات _ رقم (666).
(2) أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة _ باب جاء في المشي إلى المسجد _ رقم (327)، وابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات _ باب المشي إلى الصلاة _ رقم 775).(5/64)
1) قوله « بِسَكِيْنَةٍ وَوَقَارٍ » السكينة والوقار قيل بأن معناهما واحد وهما بمعنى التأني في الحركة والسير، وقيل بأن بينهما فرقًا وهو أن السكينة التأني في الحركة واجتناب العبث، والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات، وقيل في معنى الوقار أيضًا الحلم والرزانة، فالمطلوب من الإنسان إذا أتى إلى الصلاة أن يأتيها بهاتين الصفتين، وقد جاءت نصوص السنة بالحث على ذلك، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوْا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِيْنَةِ وَالْوَقَارِ وَلاَ تُسْرِعُوْا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوْا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوْا » (1).
? تنبيهات:
أولاً: إذا طمع المصلي أن يدرك تكبيرة الإحرام فلا بأس أن يسرع شيئًا يسيرًا ما لم تكن عجلة تقبح وقد جاء عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يعجلون شيئًا إذا تخوفوا فوات التكبيرة الأولى وطمعوا في إدراكها،أما الإسراع =
وَيُقَارِبُ بَيْنَ خُطَاهُ(1)، وَلاَ يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ(2)،...........................................
=الشديد مطلقًا فيكره وإن فاته بعض الصلاة لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه.
ثانيًا: هل يشرع الإسراع اليسير لمن فاته شيء من الصلاة؟ الصواب أنه يكره لأن الإسراع اليسير إنما شُرع لإدراك التكبيرة الأولى لما جاء في فضل إدراكها، ولهذا كان الصحابة يسرعون أحيانًا لإدراكها، أما إذا فاتت فلا يشرع الإسراع مطلقًا، هذا ما ذكره شيخ الإسلام(2) × .
ثالثًا: من خشي فوات الجماعة أو الجمعة بالكلية لا يكره له الإسراع؛ لأن ذلك لا ينجبر إذا فات، ذكر ذلك أيضًا شيخ الإسلام(3) × .
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار _ رقم (610) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -
(2) شرح العمدة (2/598).
(3) المرجع السابق.(5/65)
1) قوله « وَيُقَارِبُ بَيْنَ خُطَاهُ » أي يقارب الماشي إلى الصلاة بين خطاه لكي تكثر الخطا ويكون له زيادة أجر، قال - صلى الله عليه وسلم - :«إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيْئَةٌ»(1) .
(2) قوله « وَلاَ يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ » التشبيك المنهي عنه، له ثلاث حالات:
الأولى: التشبيك إذا خرج من البيت.
الثانية: التشبيك إذا بقي في المسجد.
الثالثة:التشبيك في الصلاة.
فكل هذه لا تنبغي، بل هي مكروهة من حين الخروج من البيت إلى =
وَيَقُوْلُ: بِسْمِ اللهِ [? ? ? ? ]، الآيَاتُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:[ ? ? ? ? ? ?](1)،.......................................................................
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجماعة والإمامة _ باب فضل صلاة الجماعة _ رقم (620)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة _ رقم (649) واللفظ للبخاري .(5/66)
=خروجه من المسجد بعد فراغه من صلاته، لكن بعضها آكد في النهي من بعض، فأشدها كراهة في الصلاة ثم يليها داخل المسجد وأخفها حين خروجه من بيته متوجهًا إلى المسجد، ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِيْ صَلاَةٍ»(1) والعلة في النهي عن التشبيك هو التشبه بالشيطان كما جاء ذلك فيما رواه أحمد وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَلاَ يُشَبِّكَنَّ فَإِنَّ التَّشْبِيْكَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَزَالُ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ»(2).
(
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب ما جاء في الهدى في المشي إلى الصلاة _ رقم (562)، والترمذي في أبواب الصلاة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باب ما جاء في كراهية التشبيك بين الأصابع في الصلاة _ رقم (386) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده (3/42) رقم (11403) ، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة حديث رقم (2628).(5/67)
1) قوله « وَيَقُوْلُ: بِسْمِ اللهِ [? ? ? ?] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:[ ? ? ? ? ? ?]» الحديث الوارد في ذلك ضعيف فلا يشرع الإتيان بهذا الذكر، لكن هناك ما هو صحيح في هذا الأمر، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :«إِذَا خَرَجَ =الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ قَالَ يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيْتَ وَكُفِيْتَ وَوُقِيْتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِيْنُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ »(1).
وَيَقُوْلُ: « اللّهُمَّ إِنِّيْ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِيْنَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا،فَإِنِّيْ لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا، وَلاَ بَطَرًا، وَلاَ رِيَاءً، وَلاَ سُمْعَةً، خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سَخَطِكَ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُنْقِذَنِيْ مِنَ النَّارِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِيْ ذُنُوْبِيْ، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوْبَ إِلاَّ أَنْتَ»(1).
=وفي حديث أم سلمة أيضًا « أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا »(2).
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب _ باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول _ رقم (5095)، والترمذي في كتاب الدعوات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باب ما يقول إذا خرج من بيته _ رقم (3426) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/959) رقم (4249).
(2) أخرجه أحمد (6/306) رقم (26658)، والترمذي في أبواب الدعوات _ باب ما يقول إذا خرج من بيته _ رقم (3667) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/152) رقم (2725).(5/68)
ومن ذلك أيضًا «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِيْ قَلْبِيْ نُوْرًا وَفِيْ لِسَانِيْ نُوْرًا وَاجْعَلْ فِيْ سَمْعِيْ نُوْرًا وَاجْعَلْ فِي بَصَرِيْ نُوْرًا وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِيْ نُوْرًا وَمِنْ أَمَامِيْ نُوْرًا وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِيْ نُوْرًا وَمِنْ تَحْتِيْ نُوْرًا اللَّهُمَّ أَعْطِنِيْ نُوْرًا »(1). ففي هذه الأحاديث كفاية عما ذكره المؤلف لضعفه.
(1) قوله «وَيَقُوْلُ:«اللّهُمَّ إِنِّيْ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِيْنَ عَلَيْكَ،..إلى آخره »(1) الحديث الوارد في ذلك أيضًا ضعيف، وقال البوصيري في سند هذا الحديث: هذا حديث مسلسل بالضعفاء، وضعفه النووي أيضًا في الأذكار(2)، وكذلك شيخ الإسلام × في كتابه قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، وذكرأنه إن كان من كلام النبي " فهو محمول على التوسل إلى الله بشفاعة من أذن الله=
فَإِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ، لَمْ يَسْعَ إِلَيْهَا(1)؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«إِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ تَأْتُوْهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَائْتُوْهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِيْنَةَ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوْا، وَمَا فَاتَكُمْ، فَأَتِمُّوْا». وَإِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوْبَةُ(2)
=له بالشفاعة(3)،وما ذكرناه من الأحاديث السابقة فيه غنية عن هذا الحديث.
ثمّ هذا يشعر بالتوسل بالمخلوقين وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بالنهي عن ذلك.
(1) قوله « فَإِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ، لَمْ يَسْعَ إِلَيْهَا » تقدم بيان هذه المسألة.
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه _ رقم (763) .
(2) الأذكار للنووي (1/30).
(3) التوسل والوسيلة (ص142ـ143).(5/69)
2) قوله « وَإِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوْبَةُ » لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ»(1)، وهذا إذا أقام المؤذن فلا يبتدئ المصلي بنافلة حال إقامة المؤذن للصلاة، لكن إذا أقيمت الصلاة والمصلي يصلي نافلة هل يقطعها ويدخل مع الإمام أم يتمها؟
محل خلاف بين أهل العلم:منهم من قال: يتمها؛ لأن الله تعالى قال:[? ](2) وحملوا النهي في قوله - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ » يعني لا صلاة جديدة، فالصلاة التي هو فيها يتمها.
والقول الثاني: أنه يقطعها مباشرة أخذًا بعموم لفظ الحديث، وذهب الحنابلة(3) إلى أنه يتمها إلا أن يخشى فوات الجماعة.
وَإِذَا أَتَى الْمَسْجِدَ، قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُوْلِ(1)، ...........................
=وتوسط بعض أهل العلم منهم الشيخان _ رحمهما الله _، فقال سماحة شيخنا ابن باز(4) ×: إن كان لم يركع الركوع الثاني من النافلة قطعها وإن كان ركع الركوع الثاني أتمها؛ لأنه لم يبق من الصلاة إلا الشيء اليسير.
وقال شيخنا(5) ×: إن لم يبدأ بالركعة الثانية فليقطعها، وإن كان قد دخل في الركعة الثانية فليتمها خفيفة. ولاحظ الفرق بين رأي الشيخين _ رحمهما الله _ والذي تطمئن إليه النفس هو رأي سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز ×
? تنبيه: إن علم أن الصلاة تقام قريبًا فهل يشرع في النافلة؟
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن _ رقم (710)
(2) سورة محمد : 33.
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/289 _ 290).
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/393).
(5) الشرح الممتع (4/166).(5/70)
ينبغي أن نعلم أن مراعاة الصلاة المكتوبة بحدودها أولى من سنة يمكن قضاؤها أو لا يمكن، فالذي يظهر أنه إن غلب على ظنه أن الصلاة ستقام فلا يشرع في النافلة بل لا يستحب له ذلك؛ لأن إدراك أول الصلاة مع الإمام وإجابة المؤذن للإقامة هو المشروع، وهذا هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية(1) × .
(1) قوله « وَإِذاَ أَتَى الْمَسْجِدَ، قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُوْلِ » وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وشأنه كله،وجاء في صحيح البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنه - «أَنَّهُ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى » (2).
... فالرجل اليمنى تقدم في الأشياء الطيبة واليسرى لما سوى ذلك،فكل ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل ودخول المسجد =
وَقَالَ: « بِسْمِ اللهِ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ(1)، اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ ذُنُوْبِيْ، وَافْتَحْ لِيْ أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ »(2)،................................................
=وتقليم الأظفار وقص الشارب وغير ذلك فيستحب فيه تقديم اليمنى.
? تنبيه: إذا جاء إلى المسجد وأراد أن يخلع نعله على باب المسجد فالمشروع في حقه أن يخلع اليسرى أولاً ويضعها على النعل، ثم يخلع اليمنى على النعل كذلك، ثم يدخل اليمنى ثم اليسرى ليكون مؤخرًا لليمنى في الخلع ومقدمًا لها في الدخول؛ لما ورد من البداية في لبس اليمنى للنعل وخلع اليسرى منه.
(
__________
(1) شرح العمدة (2/609).
(2) معلقاً مجزوماً به في =باب التيمن في دخول المسجد وغيره وكان بن عمر يبدأ برجله اليمنى فإذا خرج بدأ برجله اليسرى+(1/164).(5/71)
1) قوله « وَقَالَ: « بِسْمِ اللهِ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ » لورود ذلك في الحديث الذي رواه أحمد وغيره أنه كان إذا دخل المسجد قال : « بِسْمِ اللهِ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ»(1)، وإن زاد على ذلك قوله « أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيْمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيْمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ » (2)، فهذا حسن لوروده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(2) قوله «اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ ذُنُوْبِيْ، وَافْتَحْ لِيْ أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ » وهذا أيضًا ثابت من قوله - صلى الله عليه وسلم - ،حيث كان يقول إذا دخل المسجد «اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ ذُنُوْبِيْ وَافْتَحْ لِيْ أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ »(3).
وإذا خرج يقول مثل ذلك إلا أنه يقول: « أَبْوَابَ فَضْلِكَ ».
والفرق بين كونه إذا دخل طلب من الله فتح أبواب الرحمة،وإذا خرج طلب =
وَإِذَا خَرَجَ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى(1)، وَقَالَ مِثْلَ ذالِكَ، إِلاَّ أَنَّهُ يَقُوْلُ: « وَافْتَحْ لِيْ أَبْوَابَ فَضْلِكَ»(2).
= فتح أبواب الفضل؛ لأن المسجد هو محل رحمة الله تعالى ومغفرته فناسب أن يطلب من الله ذلك، لكنه لما انتهى من صلاته وأراد أن يخرج ولا غنى له عن ربه في فتح أبواب الرزق له ناسب أن يدعو بطلب فتح أبواب الفضل والرزق من الله تعالى.
(
__________
(1) أخرجه أحمد (25213) وابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات _ باب الدعاء عند دخول المسجد _ رقم (763)، وابن أبي شيبة في مصنفه (1/374) واللفظ له .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد _ رقم (394).
(3) أخرجه أحمد (25213) ، وابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات _ باب الدعاء عند دخول المسجد _ رقم (763).(5/72)
1) قوله « وَإِذَا خَرَجَ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى » لما ذكرناه من قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر السابق الذي رواه البخاري معلقًا مجزومًا به، ولأن الرجل اليسرى عكس اليمنى فتقدم اليسرى عند دخول الحمام وعند التنزه من البول، فهي تستخدم للأشياء المستقذرة، بعكس اليمنى فتقدم للأشياء المستطابة تكريمًا وتشريفًا لها.
(2) قوله « وَقَالَ مِثْلَ ذالِكَ، إِلاَّ أَنَّهُ يَقُوْلُ: «وَافْتَحْ لِيْ أَبْوَابَ فَضْلِكَ »، أي «بِسْمِ اللهِ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ ذُنُوْبِيْ وَافْتَحْ لِيْ أَبْوَابَ فَضْلِكَ» للحديث الوارد في ذلك ، وقد بيّنا الفرق بين قوله أبواب رحمتك وقوله أبواب فضلك.
لم يذكر المؤلف في باب المشي إلى الصلاة تحية المسجد فنقول: لا يجوز للمسلم إذا دخل المسجد أن يجلس قبل أن يصلي ركعتين ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « ... فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ » (1).
واختلف الفقهاء في حكم تحية المسجد،والصحيح أنها سنة وليست بواجبة.
وإذا دخل المصلي يوم الجمعة والمؤذن يؤذن للصلاة هل يصلي تحية المسجد=
.....................................................................................................
=أم ينتظر حتى يفرغ المؤذن من الأذان ليحصل على أجر المتابعة له ثم يصلي؟ يرى شيخنا(2) × أنه يصلي تحية المسجد لأن سماع الخطبة واجب وإجابة النداء سنة، والواجب مقدم على السنة، ويرى سماحة شيخنا ابن باز(3) ×أنه يتابع المؤذن ثم يصلي.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب استحباب تحية المسجد بركعتين وكراهية الجلوس قبل صلاتهما _ رقم (1167).
(2) مجموع فتاوى ورسائل شيخنا × (16/150).(5/73)
والذي يظهر أنه يختلف باختلاف الحال، فإن كان يستطيع أداء السنة قبل بدابة الخطبة فيصلي بكل حال، وإن كان لا يستطيع إتمام النافلة حتى بداية الخطبة فهنا يتأكد في حقه أن يصلي مراعاة لاستماع الخطبة.
بَابُ صِفَةِ الصَّلاَةِ (1).
وَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ(2)،...................................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ صِفَةِ الصَّلاَةِ » أي الكيفية التي تكون عليها الصلاة، وهذا الباب هو لب كتاب الصلاة، وكم يحتاجه المسلم وتحتاجه المسلمة.
(2) قوله « وَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ » اجتمع في كلام المؤلف ركنان من أركان الصلاة: الركن الأول القيام فيها، والركن الثاني التكبير لها، فالقيام فيها ركن من أركان الصلاة، قال تعالى:[پ پ پ](1)، وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين «صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»(2)، فمتى استطاع المصلي أن يصلي قائمًا وجب عليه ذلك، فإن صلى جالسًا مع القدرة على القيام فلا تصح صلاته، هذا بالنسبة للفريضة، أما النافلة فيجوز للمصلي أن يصليها قاعدًا مع القدرة على القيام، لكن يكون الأجر فيها على النصف من أجر القائم.
أما الركن الثاني فهو تكبيرة الإحرام وهي قول المصلي « اللهُ أَكْبَرُ » لا يجزئ غيرها، وهذا هو قول جمهور أهل العلم من المالكية(3) والشافعية(4)، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية (5). فلا يجزئ المصلي أن يقول غيرها، وقال أبو حنيفة(6) تنعقد الصلاة بكل لفظ يقتضي التعظيم.
__________
(1) سورة البقرة : 238.
(2) أخرجه البخاري في أبواب تقصير الصلاة _ باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب رقم (1066)
(3) الشرح الصغير (1/425).
(4) المجموع (3/260).
(5) الاختيارات الفقهية ص 192.
(6) بدائع الصنائع (1/130).(5/74)
يَجْهَرُ بِهَا الإِمَامُ(1)...........................................................................
=والصواب ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطَّهُوْرُ وَتَحْرِيْمُهَا التَّكْبِيْرُ وَتَحْلِيْلُهَا التَّسْلِيْمُ » (1)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته «ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ»(2) .
وهذا أيضًا ثابت من فعله - صلى الله عليه وسلم - ومن فعل الصحابة - رضي الله عنهم - من بعده، ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك، فدل على أنه لا يجزئ غيرها، فلو قال المصلي:(الله الأجلّ)، أو (الله أجلّ)، أو (الله أعظم) ونحو ذلك فلا تنعقد صلاته.
? تنبيه: هل يلزم حين تكبيره أن يسمع نفسه؟
المذهب(3) أنه يشترط أن يسمع نفسه، فلو نطق بدون أن يسمع نفسه فلا عبرة بهذا النطق. وذهب شيخنا(4) × أنه لا يشترط أن يسمع نفسه، بل متى تأكد المصلي من خروج الحروف من مخارجها ولم يسمع نفسه فإنه يجزئه ذلك، هذا إذا كان مأمومًا أو منفردًا، أما الإمام فالجهر بالتكبير والتسميع ونحو ذلك واجب كما سيذكره المؤلف .
(
__________
(1) أخرجه أحمد (1/123) رقم (1006)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب فرض الوضوء رقم (61) ، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في أن مفتاح الصلاة الطهور رقم (3) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/15) رقم (55).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان _ باب من رد فقال عليك السلام رقم (5897)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها رقم (397)
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/414).
(4) الشرح الممتع (3/21).(5/75)
1) قوله « يَجْهَرُ بِهَا الإِمَامُ » أي بتكبيرة الإحرام، وهذا واجب _ أي الجهر بالتكبير _ لأنه لا تتم متابعة الإمام إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو=
وَبِسَائِرِ التَّكْبِيْرِ(1)، لِيُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ(2)، وَيُخْفِيْهِ غَيْرُهُ(3)، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيْرِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ(4)،................................................
=واجب.
(1) قوله « وَبِسَائِرِ التَّكْبِيْرِ » أي يجهر الإمام بتكبيرة الإحرام وبتكبيرات الانتقال من الركوع والسجود والرفع منه وغير ذلك مما جاء فيه التكبير، لكن هل يجهر الإمام بالتكبير عند قراءة آية فيها سجدة ؟ الصواب أنه يكبر لسجود التلاوة، ويسجد وكذلك عند الرفع منه، وهو قول الشيخين(1)، دليل ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في الصلاة لكل رفع وخفض وهذا منه .
(2) قوله « لِيُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ » لأن هذا هو الغاية من الجهر بالتكبير ولأن هذا كان من فعله - صلى الله عليه وسلم - .
(3) قوله « وَيُخْفِيْهِ غَيْرُهُ » لأنه لا حاجة في جهر المأموم بالتكبير، ولأن في الجهر بالتكبير وغيره في حق المأموم والمنفرد تشويشًا على غيرهم، أما في حق المبلغ عن الإمام كما فعل أبو بكر - رضي الله عنه - في مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس وكان أبو بكر يسمع الناس التكبير فهذا جائز للحاجة، أما عند عدم الحاجة فلا يشرع ذلك بل لم يستحبه أحد من العلماء.
(
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/410)، مجموع فتاوى ورسائل شيخنا (14/313).(5/76)
4) قوله « وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيْرِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ » رفع اليدين في الصلاة سنة، لكن إلى أين يرفعهما؟ قال المؤلف إلى حذو منكبيه، وورد أيضًا إلى فروع أذنيه كما سيذكره المؤلف وهذا وارد من فعله - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في ذلك حديث ابن عمر - رضي الله عنه - ، ولذلك من رفع يديه إلى أقل من المنكبين كما يفعله =
أَوْ إِلَى فُرُوْعِ أُذُنَيْهِ (1)،................................................................
=بعض الناس يرفعون أيديهم إلى سرتهم أو إلى أقل منها أو إلى أدنى من المنكبين فهؤلاء لم يطبقوا السنة، وهذا يحصل من الناس الذين لم يفهموا هديه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، دليل ذلك حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما _ قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُوْنَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِيْنَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوْعِِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوْعِ وَيَقُوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ » (1).
? تنبيه: يخطئ كثير من الناس ممن يأتون إلى صلاة الجماعة فيجد الإمام راكعًا فتراه يركض ليلحق الركوع مع الإمام ثم يكبر تكبيرة الإحرام في أثناء ركوعه أو لا يكبر أصلاً تكبيرة الإحرام بل يكبر للركوع، فهذا صلاته غير صحيحة لأمرين:
الأول: أنه لم يكبر تكبيرة الإحرام بل كبر للركوع فقط وتكبيرة الإحرام ركن.
الثاني: لأنه لم يكبر للإحرام واقفًا.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة _ باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع _ رقم (694).(5/77)
فالمشروع في حقه أنه يكبر للإحرام واقفًا ثم إن استطاع أن يكبر التكبيرة الثانية أي التكبير للركوع فهذا حسن وإن لم يستطع فالقاعدة الشرعية أن التكبيرة الصغرى تدخل في الكبرى، فتكبيرة الركوع تدخل في تكبيرة الإحرام.
(1) قوله « أَوْ إِلَى فُرُوْعِ أُذُنَيْهِ » أي أعلى الأذن، وهذا ثابت من حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: « كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوْعِ فَقَالَ =
وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ(1)، وَيَجْعَلُ نَظَرَهُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ(2)،...............
=سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَ ذالِكَ »(1)، وتكون اليدين حال الرفع مضمومة وممدودة الأصابع لثبوت ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - .
(1) قوله « وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ » أي لا يجعلهما على صدره، وهذا محل خلاف بين الفقهاء، والأفضل أنه يجعلهما على صدره؛ لورود ذلك في حديث وائل بن حجر - رضي الله عنه - . وقال مالك(2) في رواية رواها عنه أصحابه: يكره وضع اليمنى على اليسرى في الفريضة دون النافلة.
والصحيح أنه يسن فعل ذلك، وهو قول أبي حنيفة(3) والشافعي(4)، وهي الرواية الصحيحة عن الإمام مالك(5).
وكيفية وضع اليمنى على اليسرى لها ثلاث صور:
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام _ رقم (589).
(2) حاشية الدسوقي (1/250).
(3) بدائع الصنائع (2/533).
(4) مغني المحتاج (1/152).
(5) مواهب الجليل (1/537)، بداية المجتهد (1/137)، المنتقى شرح الموطأ (1/281).(5/78)
الأولى: أن يقبض اليمنى باليسرى، والثانية: أن يبسط اليمنى على اليسرى، والثالثة: أن يكون ساعد اليمنى على ساعد اليسرى، وكل هذا ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(2) قوله « وَيَجْعَلُ نَظَرَهُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ » أي يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده أثناء صلاته؛ لأنه أقرب للخشوع،ولأن هذا فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال محمد بن سيرين:« كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أبصارهم إلى =
ثُمَّ يَقُوْلُ:« سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلهَ غَيْرُكَ»(1)،......................................................................................
=السماء في الصلاة،فلما نزلت[? ? ?? پ پ پ پ](1) خفضوا أبصارهم إلى مواضع سجودهم.
وقال بعض أهل العلم: بل ينظر المصلي تلقاء وجهه إلا إذا كان جالسًا فإنه ينظر إلى يده حيث يشير عند الدعاء.
وقال بعضهم(2): بل ينظر المأموم إلى إمامه ليتحقق من متابعته.
وقال شيخنا(3) ×: الأمر واسع ينظر الإنسان إلى ما هو أخشع له إلا في الجلوس فإنه يرمي ببصره إلى إصبعه حيث تكون الإشارة.
والصواب: ما ذهب إليه أكثر أهل العلم وهو أنه ينظر إلى موضع سجوده في الصلاة إلا في الجلوس فإنه ينظر إلى يده .
(
__________
(1) سورة المؤمنون : 2 .
(2) انظر في ذلك المجموع (3/270)، والمقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/424).
(3) الشرح الممتع (3/39).(5/79)
1) قوله « ثُمَّ يَقُوْلُ:سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ » هذا هو دعاء الاستفتاح وهو ثابت في السنن وغيرها، والحديث فيه مقال، لكن بمجموع طرقه يرتقي إلى الصحة، لكن هناك استفتاحات أخرى وردت في صحيحي البخاري ومسلم، فمن ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلاَةِ سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ فَقُلْتُ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ بِأَبِيْ أَنْتَ وَأُمِّيْ أَرَأَيْتَ سُكُوْتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيْرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ:«أَقُوْلُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِيْ وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ =
ثُمَّ يَقُوْلُ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ(1)،.......................................
=بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِيْ مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِيْ مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ»(1) ، وكان عمر - رضي الله عنه - يدعو بالدعاء الأول، لكن على الإنسان أن يستفتح بهذا تارة وبهذا تارة ليأتي بالسنن كلها، وليكون ذلك إحياء للسنة، ولأن ذلك فيه حضور للقلب، فإن الإنسان إذا التزم شيئًا معينًا صار عادة له، فإذا نوَّع استحضر القلب وخشع.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب ما يقول بعد التكبير رقم (702) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب ما يقال ما بين تكبيرة الإحرام والقراءة رقم (940) .(5/80)
وقوله « سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ » فيه تنزيه الله تعالى وثناء عليه، وقوله « وَتَبَارَكَ اسْمُكَ » أي أن في اسمك البركة، وقوله « وَتَعَالَى جَدُّكَ » أي ارتفع، وجدك بمعنى سلطانك، والمعنى عظَّمتك عظمة عظيمة مرتفعة لا تشابهها أي عظمة.
وقوله « وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ » أي لا معبود بحق سواك، والمعني الإجمالي لهذا الدعاء أنه لكمال صفاتك يا إلهي لا معبود بحق إلا أنت ولا إله غيرك.
(1) قوله « ثُمَّ يَقُوْلُ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ »
وإن شاء قال: «أَعُوْذُ بِاللَّهِ السَّمِيْعِ الْعَلِيْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ»
أو يقول: « أَعُوْذُ بِاللهِ السَّمِيْعِ الْعَلِيْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ ».
فكل هذا جائز المهم أن يأتي بالاستعاذة.
..........................................................................................................
=واختلف الفقهاء فيها، فالجمهور على أنه يتعوذ في الصلاة مطلقًا، وقال مالك(1): لا يتعوذ في المكتوبة. والصواب ما ذهب إليه جمهور الفقهاء في الاستعاذة مطلقًا في الفريضة والنافلة.
وهل الاستعاذة واجبة أم مستحبة؟ ذهب بعض العلماء إلى أنها واجبة؛ لقوله تعالى:[? ں ں ? ? ? ? ?](2)، فأمر الله تعالى بالاستعاذة من الشيطان عند قراءة القرآن، وذهب أكثر الفقهاء إلى أنها مستحبة، وهذا هو الصواب .
لكن هل الاستعاذة للصلاة أم لقراءة القرآن؟
الاستعاذة للقراءة، إذ لو كانت للصلاة لكان مقامها بعد تكبيرة الإحرام أو قبلها، ولذا كان من هدي - صلى الله عليه وسلم - أنه يستعيذ قبل القراءة، وفائدة الاستعاذة ليكون الشيطان بعيدًا عن قلب المرء وهو يتلوا كتاب الله تعالى، وبهذا يحصل التدبر.
__________
(1) حاشية الدسوقي (1/251).
(2) سورة النحل: 98(5/81)
ومعنى الاستعاذة: الالتجاء والاعتصام بالله تعالى لأنه - سبحانه وتعالى - هو الملاذ.
? تنبيه: هل الاستعاذة في كل ركعة في الصلاة، أم في الركعة الأولى فقط؟
نقول: المذهب(1) أن الاستعاذة تكون في الركعة الأولى فقط؛ لأن القراءة في الصلاة قراءة واحدة ليس لكل ركعة قراءة منفردة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تكون في كل ركعة لكل قراءة، وهي رواية في المذهب(2).
ثُمَّ يَقْرَأُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ(1)، وَلاَ يَجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذالِكَ؛ لِقَوْلِ أَنَسٍ - رضي الله عنه - :« صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِيْ بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ »(3) (2)،............................................
=والذي يظهر أن قراءة الصلاة قراءة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة إلا إذا حدث ما يوجب الاستعاذة كوساوس ونحوه، فهنا يشرع للمصلي أن يستعيذ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما شكى إليه عثمان بن أبي العاص أن الشيطان حال بينه وبين صلاته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :«ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا»(4) .
(
__________
(1) المغني (3/216).
(2) المرجع السابق .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب حجة من قال لا يجهر ببسملة _ رقم (605)، والنسائي في كتاب الافتتاح _ باب ترك الجهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم _ رقم (897) واللفظ له.
(4) أخرجه مسلم في كتاب السلام _ باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة رقم (4083).(5/82)
1) قوله « ثُمَّ يَقْرَأُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ » أي يستحب له الإتيان بالبسملة بعد الاستعاذة، وهذا هو قول الحنيفة(1)، وقال المالكية(2): لا يقرأ بالبسملة في الفريضة، وعند الشافعية(3): الأظهر وجوب قراءتها لأنها آية من الفاتحة، والصواب استحباب الإتيان بها.
لكن هل يجهر بها في الصلاة أم لا يجهر بها ؟ سيذكر ذلك المؤلف.
(2) قوله « وَلاَ يَجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذالِكَ؛ لِقَوْلِ أَنَسٍ - رضي الله عنه - : صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِيْ بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ» وكذا التعوذ والاستفتاح أي لا يجهرون بالبسملة في الصلاة،وهذا =
ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ (1)، ........................................................................
=قول الحنفية(4) أيضًا، وذهب الشافعية(5) إلى الجهر في الصلاة، والصحيح المذهب أي أنه لا يجهر بها؛ لحديث أنس المتقدم، وهو متفق عليه وهو حجة في محل النزاع، لكن إن جهر بها تأليفًا لقلوب قوم مذهبهم الجهر بها، فقال شيخنا(6) ×: أرجو أن لا يكون به بأس .
? تنبيه: اختلف أهل العلم هل البسملة آية من الفاتحة أم لا؟
فالجمهور على أنها ليست بآية من الفاتحة، وهي جزء من آية من سورة النمل إجماعًا، وآية فاصلة بين كل سورتين.
وذهب الشافعية(7) إلى أن البسملة آية من الفاتحة.
__________
(1) حاشية ابن عابدين (1/320، 329، 330).
(2) نهاية المحتاج (1/457).
(3) الشرح الصغير (1/462)، حاشية الدسوقي على الشرح الصغير (1/251).
(4) حاشية ابن عابدين (1/320، 329، 330).
(5) نهاية المحتاج (1/457).
(6) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (13/109).
(7) المجموع شرح المهذب (3/289) .(5/83)
والصواب أن البسملة ليست آية من الفاتحة؛ لما رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله يقول: قال : « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِيْ وَبَيْنَ عَبْدِيْ نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِيْ مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ[ پ پ پ پ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي... »(1).
الشاهد أنه لم يذكر البسملة في هذا الحديث فدل على أنها ليست منها.
(1) قوله « ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ » هذا هو الركن الثالث من أركان الصلاة، فالركن الأول والثاني كما قلنا: القيام وتكبيرة الإحرام، ودليل ركنية الفاتحة قوله - صلى الله عليه وسلم -
....................................................................................................
=: « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ »(2)، وقوله: « مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيْهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ _ثَلاًثًا_ غَيْرُ تَمَامٍ»(3)، وقوله: «فَلاَ تَفْعَلُوْا إِلاَّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا »(4) . فلابد من قراءة الفاتحة في الصلاة فمتى تركها المصلي إمامًا أو منفردًا بطلت صلاته.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة _ رقم (598) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة _ باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت _ رقم (723)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة _ رقم (394).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة _ رقم (598).
(4) أخرجه أحمد في المسند (46/182) رقم (21636)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب جاء في القراءة خلف الإمام رقم (286) من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - .(5/84)
وقال الحنفية(1): تصح الصلاة بغير الفاتحة لقوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته : « ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»(2) فلم يشترط الفاتحة له في صلاته.
والصحيح أن الفاتحة ركن في الصلاة، لا تصح الصلاة بدونها وذلك في حق الإمام والمنفرد، أما المأموم فقد اختلف الفقهاء في وجوب الفاتحة عليه، فذهب الحنفية(3) إلى أن المأموم لا يقرأ مطلقاً خلف الإمام سواء كانت الصلاة جهرية أو سرية. وذهب المالكية(4) والحنابلة(5) إلى أنه لا تجب قراءتها على المأموم في الصلاة مطلقاً سرية كانت أو جهرية، بل يستحب ذلك، =
وَلاَ صَلاَة َلِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا (1)،...........................................................
=وفي رواية عن الإمام أحمد(6) أنها تجب في الصلاة السرية دون الجهرية، واحتجوا لذلك بقوله ":=مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ+(7).
__________
(1) بدائع الصنائع (1/160).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان _ باب من رد فقال عليك السلام رقم (5782) من حديث أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - .
(3) تبيين الحقائق (1/131)، حاشية ابن عابدين (1/366)..
(4) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/236، 237)، الخرشي على خليل (1/269).
(5) كشف القناع (1/386)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/303، 304).
(6) المرجع السابق.
(7) أخرجه ابن ماجة، وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة (1/277رقم 850).(5/85)
وذهب الشافعية(1) إلى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة مطلقاً سرية كانت أو جهرية لقوله ":=لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب+(2)، وأيضاً قوله ":=لا تجزىء صلاة لا يقرأ فيها الرجل بفاتحة الكتاب+(3).
فهذا حاصل ما ذهب إليه فقهاء المذاهب في قراءة الفاتحة على المأموم.
أما الشيخين(4) فقالوا بوجوبها مطلقاً في حق المأموم، واحتجوا لذلك بقوله ":=فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ+(5) وهم بذلك موافقون لمذهب الشافعية.
والذي أميل إليه: أن قراءة الفاتحة تجب على الإمام والمأموم فيما يسر فيه الإمام،أما ما يجهر به فلا تجب عليه،وهذا هو اختيار العلامة بن سعدي(6) ×.
(1) قوله « وَلاَ صَلاَة َلِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا » الضمير هنا عائد على الفاتحة أي لا صلاة لمن يقرأ بها، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك.
إِلاَّ الْمَأْمُوْمُ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ(1)، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيْ سَكَتَاتِ الإِمَامِ، وَمَا لاَ يَجْهَرُ فِيْهِ(2)، ثُمَّ يَقْرَأُ سُوْرَةً تَكُوْنُ فِيْ الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ(3)،......
(
__________
(1) مغني المحتاج (1/156)، المجموع شرح المهذب (3/317).
(2) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة _ باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت _ رقم (723)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة _ رقم (394).
(3) أخرجه أحمد في المسند (46/182) رقم (21636)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في القراءة خلف الإمام رقم (286) من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - .
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/103)، الشرح الممتع (3/303)..
(5) أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن، وصححه الألباني في جامع الترمذي (2/116 رقم311).
(6) المختارات الجلية ص53.(5/86)
1) قوله « إِلاَّ الْمَأْمُوْمُ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» سبق بيان قول الفقهاء مع بيان الراجح.
(2) قوله « وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيْ سَكَتَاتِ الإِمَامِ، وَمَا لاَ يَجْهَرُ فِيْهِ » استثنى المؤلف حالتين يستحب للمأموم فيها أن يقرأ بفاتحة الكتاب :
الحالة الأولى: في سكتات الإمام، وليس للإمام إلا سكتتان: السكتة الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، والسكتة الثانية عند الانتهاء من القراءة في الصلاة، فهذه هي السكتات التي جاءت بها السنة، أما بعد الفراغ من الفاتحة فليست هناك سكتة، وقال بعض الفقهاء: إن سكت ليتمكن المأموم من قراءة الفاتحة فلا حرج.
الحالة الثانية: في ما لا يجهر فيه المأموم، أي في الصلاة السرية وهي الظهر والعصر، وكذا في الركعة الأخيرة من المغرب والركعتين الأخيرتين من العشاء، وهذا هو المذهب، أي يستحب للمأموم أن يقرأ بالفاتحة فيما لا يجهر فيه إمامه، والصواب كما ذكرنا أنه تجب فيما يسر فيه الإمام، وتسقط عن المأموم فيما يجهر فيه الإمام.
(3) قوله «ثُمَّ يَقْرَأُ سُوْرَةً تَكُوْنُ فِيْ الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ» المفصل يبدأ من سورة «ق» إلى سورة «الناس»، والمفصل منه ما هو طوال وأواسط وقصار، فطوال المفصل تبدأ من سورة «ق» إلى سورة «النبأ»، وأواسط المفصل تبدأ من سورة «النبأ» إلى سورة «الضحى»، وقصار المفصل من سورة «الضحى» إلى سورة «الناس».
وَفِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ(1)،..............................................................
=فالسنة أن يقرأ المصلي في الصبح من طوال المفصل أي من « ق » أو « الذاريات » أو « الطور » أو « النجم » ونحو ذلك.(5/87)
لكن ما الحكمة من أن صلاة الصبح تكون من طوال المفصل؟ نقول: قال الله تعالى:[? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? چ چ](1)، فعبر الله - سبحانه وتعالى - عن صلاة الفجر بالقرآن إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون القرآن مستوعبًا لأكثرها، وهذا كان فعله - صلى الله عليه وسلم - فكانت صلاة الصبح يطيل فيها القراءة ما لا يطيل في غيرها، فكان يقرأ بها ما بين الستين إلى المائة.
(1) قوله « وَفِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ » أي من قصار المفصل يعني من « الضحى» إلى «الناس»، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - :«مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فُلاَنٍ كَانَ يُطِيْلُ الرَّكْعَتَيْنِ الأُوْلَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الأُخْرَيَيْنِ وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ»(2)، لكن لا بأس أن يطيل أحيانًا في المغرب كما فعل - صلى الله عليه وسلم - ، فقرأ فيها بـ «الأعراف» وبـ «المرسلات»(3)،ولا بأس أن يقصر أحيانًا في الفجر كما قرأ - صلى الله عليه وسلم - بـ « الزلزلة »(4).
__________
(1) سورة الإسراء : 78.
(2) أخرجه أحمد (16/191) رقم (7650)، والنسائي في كتاب الافتتاح _ باب تخفيف القيام والقراءة رقم (972) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/212) رقم (939).
(3) أخرجه أحمد (48/37) رقم (22442)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب القراءة في المغرب _ رقم (283) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/98) رقم (253).
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب الرجل يعيد صورة واحدة في الركعتين _ رقم (693)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/154) رقم (730).(5/88)
وَفِيْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ أَوْسَاطِهِ(1).
وَيَجْهَرُ الإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِيْ الصُّبْحِ وَالأُوْلَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ(2)، وَيُسِرُّ فِيْمَا عَدَا ذالِكَ(3).
(1) قوله « وَفِيْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ أَوْسَاطِهِ » أي في الظهر والعصر والعشاء يستحب أن يقرأ فيها من أوسط المفصل، وهو كما قلنا من «النبأ» إلى «الضحى»، دليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ بن جبل «يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ ؟ _ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ _ فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِـ [سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ]،[وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى] فَإِنَّهُ يُصَلِّيْ وَرَاءَكَ الْكَبِيْرُ وَالضَّعِيْفُ وَذُو الْحَاجَةِ»(1) ، لكن إن قرأ في كل ما ذكرنا بما يعادل طوال المفصل أو أوسطه أو قصاره فلا حرج.
(2) قوله « وَيَجْهَرُ الإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِيْ الصُّبْحِ وَالأُوْلَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ » هذا هو الثابت من فعله - صلى الله عليه وسلم - ، وفعل خلفائه من بعده، وأجمعت الأمة على ذلك.
(3) قوله «وَيُسِرُّ فِيْمَا عَدَا ذالِكَ» أي يسر فيما عدا ما ذكره المؤلف،لكن لو رفع صوته بالقراءة أحيانًا فلا بأس بل هذا سنة؛لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع صوته بالقراءة أحيانًا يسمع أصحابه إياها.
وخلاصة الأمر هنا: أن الجهر بالقراءة في مواضع الجهر والإسرار فيها في مواضع الإسرار أمر مجمع على استحبابه، فإن جهر في مواضع الإسرار وأسرّ في مواضع الجهر فقد ترك السنة وصحت صلاته،لكن إن نسي الإمام فجهر=
ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ(1)،..........................................................................
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجماعة والإمامة _ باب من شكا إمامه إذا طول رقم (664)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب القراءة في العشاء رقم (709).(5/89)
=في مواضع الإسرار ثم ذكر في أثناء قراءته بنى على قراءته، أما إن نسي فأسرّ في موضع الجهر روايتان في المذهب(1): إحداهما أنه يمضي في قراءته، والثانية: يستأنف القراءة جهرًا على طريق الاختيار لا على طريق الوجوب، وهذا هو الصواب، أما المأموم فلا يشرع له الجهر بالقراءة، وما نراه من بعض الناس أنه يجهر بالقراءة أحيانًا وهو مأموم فهذا خلاف السنة.
? تنبيه: من فاته بعض الصلاة فقام ليقضيها، هل يجهر بالقراءة فيما يشرع فيه الجهر؟ الصواب أنه مخير في ذلك، إن شاء جهر وإن شاء أسرّ، لكن يجهر بقدر أن يسمع نفسه حتى لا يشوش على غيره.
(1) قوله « ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ » التكبير هنا واجب للركوع وهو ثابت من فعله - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِيْنَ يَقُوْمُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِيْنَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُوْلُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ » (2).
أما الركوع فهو ركن في الصلاة لا تتم صلاة العبد إلا به فلا يسقط سهوًا ولا جهلاً، والركوع هو الانحناء، والانحناء في الظَّهر، والمقصود به تعظيم الله، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : « فَأَمَّا الرُّكُوْعُ فَعَظِّمُوْا فِيْهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ »(3)، لكن متى =
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/466، 467).
(2) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة _ باب التكبير إذا قام من السجود _ رقم (747) واللفظ له، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع _ رقم (591).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود_ رقم (738) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - .(5/90)
وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَرَفْعِهِ الأَوَّلِ(1)،..............................................................
=يكون محل التكبير للركوع؟
الجواب: يكون التكبير بين القيام وبين الركوع، ولهذا من كبر قبل الركوع أو بعد الركوع فقد أخطأ، ولهذا قال بعض الفقهاء(1) _ رحمهم الله _: لو بدأ بالتكبير قبل أن يهوي أو أتمه بعد أن يصل إلى الركوع فإنه لا يجزئه، وعللوا لذلك بأن التكبير محله بين الركنين، فإن أدخله في الركن الأول لم يصح، وإن أدخله في الركن الثاني لم يصح، والصواب أنه يجزئه لكنه خلاف الأولى.
(1) قوله «وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَرَفْعِهِ الأَوَّلِ» أي عند تكبيره للركوع يرفع يديه حذو منكبيه أو فروع أذنيه كما سبق، ودليل ذلك حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما_ « أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوْعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ »(2) ويكون محل الرفع عند ابتداء تكبيره وانتهاؤه عند انتهائه.
ورفع اليدين عند التكبير للركوع قال به الشافعي(3) ومالك(4) في إحدى الروايتين عنه، وخالف أبوحنيفة(5) والمالكية(6) فقالوا: لا يرفع إلا في تكبيرة الافتتاح .
والراجح أنه يرفع لصريح الأدلة التي جاءت في صحيح البخاري ومسلم،أنه =
ثُمَّ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ(1)، وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ(2)،..................
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/473، 474).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رقم (694)،ومسلم في كتاب الصلاة _ باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود رقم (587).
(3) مغني المحتاج (1/164).
(4) حاشية الدسوقي (1/247).
(5) بدائع الصنائع (1/207).
(6) تبيين الحقائق (1/120).(5/91)
= كان - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع منه كما في حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما_ السابق.
(2) قوله « ثُمَّ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ » هذه هي صفة الركوع، فأول هذه الصفة:
(أ) أن يضع يديه على ركبتيه، وهذا ثابت من فعله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو قول الأئمة الأربعة، وذهب بعض السلف إلى التطبيق أي أن يجعل المصلي إحدى كفيه على الأخرى ثم يجعلها بين ركبتيه إذا ركع، والصحيح ما ذهب إليه الأئمة وهو أن يضع المصلي يديه على ركبتيه، أما ما ذهب إليه بعض السلف فهذا كان أول الإسلام ثم نسخ، دليل ذلك ما جاء في الصحيح من حديث مصعب بن سعد قال: « صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِيْ فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ فَنَهَانِيْ أَبِيْ وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِيْنَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيْنَا عَلَى الرُّكَبِ»(1) .
(ب)أن يفرج أصابعه، فلا يجعلها مضمومة كما يفعله البعض بل يجعلها مفرجة كأنه قابض على ركبتيه، وهذا ثابت من فعله - صلى الله عليه وسلم - .
(2) قوله « وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ » هذا هو الأمر الثالث في صفة الركوع، وهي أن يمد ظهره فيجعله حال ركوعه مستويًا، فلا يقوس ظهره ولا يهصره حتى ينزل وسطه ولا ينزل مقدم ظهره، وإنا لنعجب حين نرى بعض الناس من الأئمة وغيرهم لا يطبقون هذه السنة، بل تراهم إما أن ينزل مقدم ظهره أو يرفعه بحيث لا =
وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَهُ(1)، ثُمَّ يَقُوْلُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيْمِ، ثَلاَثًا (2)،..............
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب وضع الأكف على الركب في الركوع رقم (748).(5/92)
=يكون مستويًا، وهذا خلاف السنة، قالت عائشة _ رضي الله عنها _:«.. وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذالِكَ..»(1). وقال وابصة ابن معبد - رضي الله عنه - :«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيْ فَكَانَ إِذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لاَسْتَقَرَّ »(2).
(1) قوله « وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَهُ » أي يجعل رأسه حيال ظهره حال ركوعه، وهذا هو الأمر الرابع في صفة الركوع، ودليله حديث عائشة السابق، فمتى جاء المصلي بهذه الأمور الأربعة فقد قام بأداء السنة في ركوعه. وهناك أمر لم يذكره المؤلف وهو أن يجافي بين يديه حال ركوعه أي يفرج يديه عن جنبه، لكن هذه السنة مشروطة بعدم أذية من يصلي بجانبه، فإن كان في أداء هذه السنة أذية للغير فلا يشرع فعلها؛ لأنه لا ينبغي للإنسان أن يفعل سنة يؤذي بها غيره. وما ذكره المؤلف × هو صفة الركوع المستحبة، لكن الواجب من الركوع هو أن ينحني بحيث يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى الوقوف التام. والمشهور من المذهب(3) أن الركوع الواجب هو أن ينحني بحيث يمكن أن يمس ركبتيه بيديه إذا كان وسطًا.
(2) قوله «ثُمَّ يَقُوْلُ:سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيْمِ،ثَلاَثًا»اختلف الفقهاء في تسبيح الركوع
والسجود،هل هو واجب أم مستحب؟ فالمذهب(4)على أنه واجب،وهو قول=
...................................................................................................
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به رقم (768) .
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب الصلاة _ باب الركوع في الصلاة رقم (862) وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (4732).
(3) المغني (2/176).
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/28).(5/93)
=سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(1) وشيخنا محمد العثيمين(2) _ رحمهما الله _ وهو الذي نرجحه، وذهب الأئمة الثلاثة(3) إلى استحباب ذلك في الركوع والسجود.
وقوله «ثَلاَثًا» هذا على سبيل الاستحباب، وإلا فالواجب في التسبيح للركوع مرة واحدة، وما زاد على ذلك فمستحب، لكن إن جاء المصلي بأي صفة أخرى من التسبيح كقوله: «سُبُّوْحٌ قُدُّوْسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوْحِ »(4)، أو «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ»(5)، أو قال «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوْتِ وَالْمَلَكُوْتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ»(6)، ونحو ذلك مما جاءت به السنة، هل يجزئه عن قول «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيْمِ»؟ المذهب: لا يجزئه ذلك، بل لابد أن يأتي بقول «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيْمِ» لأن هذا هو الذكر المنصوص عليه فالواجب الإتيان به، وإن زاد فحسن، والصواب أنه إن جاء بأي ذكر مما جاءت به السنة أجزأه ذلك؛ لأن المهم حصول ذكر حال الركوع سواء جاء بقول « سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيْمِ» أو جاء بغيره من أنواع التسبيح الأخرى.
__________
(1) الشرح الممتع (3/320).
(2) انظر: بدائع الصنائع (1/208)، الشرح الصغير (1/450)، المجموع شرح المهذب (3/383).
(3) المغني (2/180)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/481).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب ما يقال في الركوع والسجود _ رقم (752).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب الدعاء في الركوع _ رقم (752)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب ما يقال في الركوع والسجود _ رقم (746).
(6) أخرجه أحمد (49/10) رقم (22855)، أبو داود في كتاب الصلاة _ باب ما يقال في ركوعه وسجوده رقم (873)، والنسائي في كتاب التطبيق _ باب نوع آخر من الذكر في الركوع _ رقم (1039) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/166) رقم (776).(5/94)
ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلاً: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ(1)،........................................
(1) قوله « ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلاً: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » وهذا للإمام والمنفرد، وهذا الذكر واجب في المذهب(1)، وذهب الأئمة الثلاثة(2) إلى مشروعيته لا وجوبه، والصحيح أنه واجب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ» (3).
__________
(1) المغني (2/180)، كشاف القناع (1/348، 390).
(2) انظر: حاشية ابن عابدين (1/334)، تبيين الحقائق (1/115)، حاشية الدسوقي (1/243)، مغني المحتاج (1/165).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة _ رقم (595).(5/95)
وجاء في صفة صلاته أنه كان يقول « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - حيث قال:« كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِيْنَ يَقُوْمُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِيْنَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِيْنَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُوْلُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ»(1)، وجاء عنه أنه قال: «وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوْا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ »(2) . لكن هل يقول المأموم كما يقول الإمام والمنفرد « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » أم يكفيه أن يقول: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ »؟ محل خلاف بين الفقهاء، فقد ذهب الصنعاني(3) وغيره إلى أنه لابد من قوله « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » لأنه هو ذكر القيام من الركوع. والصواب:أنه لا يلزم المأموم الإتيان بقول «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»لقوله - صلى الله عليه وسلم - =
وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَرَفْعِهِ الأَوَّلِ(1)،..............................................................
=«وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوْا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» وهذا هو اختيار شيخنا(4) ×. ومعنى «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» أي استجاب الله تعالى لمن أثنى عليه.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب ألأذان _ باب التكبير إذا قام من السجود _ رقم 747)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع _ رقم (591).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به _ رقم (648)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب التسميع والتحميد والتأمين _ رقم (617).
(3) سبل السلام (1/344، 345).
(4) الشرح الممتع (3/102).(5/96)
1) قوله « وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَرَفْعِهِ الأَوَّلِ » أي يرفعها كرفعه لتكبيرة الإحرام، وكذا تكبيره للركوع؛ لما جاء ذلك في حديث ابن عمر السابق، ولم يذكر المؤلف أين يضع المصلي يديه بعد الرفع من الركوع، والصواب أن يضعها على صدره لا يرسلها، وهذا هو الذي يقتضيه حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: « كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُوْنَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ»(1)، هذا هو الصحيح، وهو اختيار سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(2) وشيخنا محمد العثيمين(3) _ رحمهما الله _، وذهب الإمام أحمد(4) إلى التخيير بين وضع اليمنى على اليسرى وبين إرسالها، لكن الصواب ما ذكرناه للحديث المتقدم.
تنبيه: لا تجعل مسألة إرسال اليد أو قبضها بعد الركوع قضية يتخاصم فيها المسلم مع أخيه المسلم، فإنه للأسف نرى بعض المسلمين يهجر بعضهم بعضًا بسببها، وهذا ناتج عن الجهل وقلة العلم، بل الذي ينبغي أن يعلم أن هذه المسألة من قبيل السنن لا من قبيل الواجبات، فكون الرجل يصلى =
فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِمًا، قَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ(1)، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ(*) (2).......................................................
=مرسلاً ولم يقبض يديه قبل الركوع أو بعده فصلاته صحيحة وإن ترك الأفضل في الصلاة فلا ينبغي لأحد أن يهجر أخاه ويحصل بينهم فرقة ونزاع في هذه المسألة وغيرها، وقد رأينا في بعض البلاد الإسلامية أموراً عجيبة حول هذه المسألة.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة _ رقم (698).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/131ـ143).
(3) الشرح الممتع (3/103، 104).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/492).(5/97)
1) قوله « فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِمًا، قَالَ:=رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» أي متى اعتدل المصلي قائمًا من الركوع قال:«رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» وهذه هي إحدى الصفات التي جاءت بها السنة. وقد ورد في ذلك أربع صفات:الأولى:=رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ+، والثانية:=رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ+، والثالثة:=اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ+، والرابعة:=اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ+. وكل هذه الصفات جاءت في أحاديث صحيحة، وكل واحدة منها مجزئة، لكن الأفضل أن يقول هذه أحيانًا وهذه أحيانًا، والقاعدة في ذلك «أن العبادات التي جاءت على وجوه متنوعة فالأفضل فعلها على هذه الوجوه».
(2) قوله « مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ » أي يستحب الزيادة على قوله « رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ » أن يقول هذا الذكر وهذا ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومعنى قوله « مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ اْلأَرْضِ » أي أنه سبحانه محمود على كل مخلوق يخلقه وعلى كل فعل يفعله، فمن المعلوم أن السماوات والأرض بما فيها كلها من خلق الله فيكون الحمد مالئًا للسماوات والأرض؛ لأن =
وَيَقْتَصِرُ الْمَأْمُوْمُ عَلَى قَوْلِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ(1). ثُمَّ يَخِرُّ سَاجِدًا مُكَبِّرًا (2)............
=المخلوقات تملئ السماوات والأرض.
وقوله « وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ » أي ما سوى السماء والأرض مما لا نعلمه، وقيل في تفسيرها ما يشاؤه سبحانه بعد فناء السماء والأرض. وإن زاد على الذكر « أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَ لاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَ لاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ»(1)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع_ رقم (733) .
(
) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع_ رقم (736) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .(5/98)
فهذا حسن لوروده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(1) قوله « وَيَقْتَصِرُ الْمَأْمُوْمُ عَلَى قَوْلِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ » إن كان مراده أن لا يقول «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » بل يقتصر على قول « رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ » فهذا صحيح، وقد ذكرنا ذلك سابقًا وقلنا بأن المأموم المشروع في حقه أن يقول:«رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ولا يلزمه الإتيان بـ « سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» وله أن يأتي بأي صفة من الصفات الأربع المذكورة آنفًا. وإن كان مراده أن لا يقول:«مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ..» و«أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ..» وغير ذلك من الأذكار المشروعة بعد قول «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فالصواب أنه يستحب الإتيان بها للإمام والمأموم والمنفرد.
(2) قوله « ثُمَّ يَخِرُّ سَاجِدًا مُكَبِّرًا » ثم أداة عطف تفيد الترتيب والتراخي، إذًا فما هو مقدار الاعتدال بعد الركوع ؟ الجواب: يكون بمقدار الركوع تقريبًا كما جاء في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - حيث قال: « رَمَقْتُ الصَّلاَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - =
وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ(1)، وَيَكُوْنُ أَوَّلَ مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الأَرْضِ رُكْبَتَاهُ، ثَمَّ كَفَّاهُ(2)،..........(5/99)
=فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوْعِهِ فَسَجْدَتَهَُ فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَسَجْدَتَهُ فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيْمِ وَالاِنْصِرَافِ قَرِيْبًا مِنَ السَّوَاءِ»(1) ، إذًا فالسنة الواردة في القيام بعد الركوع الإطالة في هذا الركن، بخلاف ما يفعله البعض من تخفيف هذا الركن، بل وصل الحد عند البعض أنه لا يطمئن في هذا الركن وهذا غلط عظيم. وقوله « مُكَبِّرًا » أي يكبر حين هويه للسجود.
(1) قوله « وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ » أ ي لا يرفع يديه عند سجوده، وذلك لحديث ابن عمر _ رضي الله عنهما _ المتقدم وفيه « وَلاَ يَفْعَلُ ذالِكَ فِي السُّجُوْدِ » (2)، وهذا هو الصحيح، بخلاف ما ذهب إليه بعض العلماء أنه يشرع للمصلي أن يرفع يديه في كل خفض و رفع واستدل لذلك بحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - «كاَنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيْ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ »(3)، وقد أجاب ابن القيم(4) على هذا الحديث بأنه وهم من الراوي والصواب أنه - صلى الله عليه وسلم - «كَانَ يُكَبِّرُ فِيْ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ»(5)،وأيضًا حديث ابن عمر المتقدم صريح بعدم الرفع عند السجود وهو مقدم على الحديث الضعيف.
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام _ رقم (724).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع_ رقم (694).
(3) أخرجه الدارقطني في العلل (9/243)، والطحاوي في مشكل الآثار (13/41) رقم (5100).
(4) زاد المعاد لابن القيم(1/215).
(5) أخرجه أحمد (8/13) رقم (3478)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود _ رقم (235)، والنسائي في كتاب التطبيق _ باب التكبير للسجود _ رقم (1073).(5/100)
2) قوله «وَيَكُوْنُ أَوَّلَ مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الأَرْضِ رُكْبَتَاهُ، ثَمَّ كَفَّاهُ» اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: ما ذهب إليه المؤلف أن السنة عند=
....................................................................................................
=السجود وضع الركبتين قبل اليدين حين الهوى إلى السجود، وهذا هو قول جمهور الفقهاء من الحنفية(1)، والحنابلة(2)، والشافعية(3)، وهو قول سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(4)، و شيخنا محمد العثيمين(5) _ رحمهما الله _، ودليل ذلك حديث وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: « رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ»(6).
__________
(1) حاشية ابن عابدين (1/335).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/500).
(3) مغني المحتاج (1/170).
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/159).
(5) الشرح الممتع (3/111ـ113).
(6) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه _ رقم (713)،والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود _ رقم (248)،والنسائي في كتاب التطبيق _ باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده _ برقم (1077)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود حديث رقم (181).(5/101)
القول الثاني: وهو قول المالكية(1)، وإحدى الروايتين عند أحمد(2)، وهو قول أصحاب الحديث: أن المصلي الأفضل له عند سجوده وضع اليدين قبل الركبتين، واحتجوا لذلك بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيْرُ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» (3)، وأيضًا احتجوا بتبويب البخاري لذلك حيث قال:«باب يهوي بالتكبير حين سجد=
ثُمَّ جَبْهَتُهُ وَأَنْفُهُ(1)،..........................................................................
=وقال نافع : وكان ابن عمر _ رضي الله عنهما_ يضع يديه قبل ركبتيه»، وفي رواية « كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه ويقول كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك»، وقال الأوزاعي:«أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم». والذي يظهر أن الأمر في ذلك واسع فمن رأى أن السنة تقديم الركبتين فعل، ومن رأى أن السنة تقديم اليدين فعل، لكن القول الأول أصرح دليلاً، وقد نصره العلامة ابن القيم في زاد المعاد(4) وغيره، وبيَّن أنَّ في الحديث انقلاب.
(
__________
(1) حاشية الدسوقي (1/250)، الشرح الصغير (1/451).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/500).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه _ رقم (714)، والنسائي في كتاب التطبيق _ باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده _ برقم (1079)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/158) رقم (746).
(4) زاد المعاد لابن القيم(1/215).(5/102)
1) قوله « ثُمَّ جَبْهَتُهُ وَأَنْفُهُ » وذلك لأنهما من أعضاء السجود السبعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ،وَلاَ نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعْرَ»(1).
لكن هل يجب السجود على الجبهة والأنف؟ الصحيح أنه يجب السجود عليهما، وهو المذهب(2)، وقول مالك(3) في رواية عنه وذلك للحديث المذكور،وذهب أبو حنيفة(4)، وهو قول عن مالك(5) إلى أن السجود على الأنف لا يجب.
وَيُجَافِيْ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ(1)، وَبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ(2)، وَيَجْعَلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ(3).
(1) قوله « وَيُجَافِيْ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ » وهذا سنة؛ لحديث عبد الله بن مالك بن بحينة : « أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ» (6)، لكن يستثنى من ذلك إذا كان في صلاة جماعة وخشي أن يؤذي غيره بهذه المجافاة، فهنا لا يستحب له فعلها؛ لأن أقل أحوالها الكراهة لما يحصل فيها من تشويش على من بجانبه .
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب السجود على الأنف _ رقم (770)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس _ رقم (758) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - .
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/503). .
(3) حاشية الدسوقي (1/240).
(4) بدائع الصنائع (1/105).
(5) حاشية الدسوقي (1/240).
(6) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة _ باب يبدي ضفعيه ويجافي في السجود _ رقم (377)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به وصفة الركوع... _ رقم (764).(5/103)
2) قوله « وَبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ » أ ي يستحب أن يجافي بين بطنه وفخذيه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « اعْتَدِلُوْا فِي السُّجُوْدِ وَلاَ يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» (1)، ولا يحصل الاعتدال إلا إذا جافى بالعضدين عن الجنبين،وبالبطن عن الفخذين،وبالفخذين عن الساقين. لكن ليس معنى ذلك أن يمد ظهره حتى يقرب من الانبطاح كما يفعله البعض، بل هذا بدعة لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة ولا غيرهم من سلف الأمة، لكن الذي ورد أنه يمد ظهره في الركوع فقط، أما في السجود فالسنة أن يرتفع ببطنه ولا يمده.
(3) قوله « وَيَجْعَلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ » هذا هو المذهب(2)، وهو قول الشافعي(3)،وقيل:بل يجعلها حذو أذنيه؛ لحديث وائل بن حجر عند مسلم=
وَيَكُوْنُ عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ(1)، ثُمَّ يَقُوْلُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى، ثَلاَثًا(2)،............
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب لا يفترش ذراعيه في السجود _ رقم (779)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض ورفع المرفقين _ رقم (762) من حديث أنس - رضي الله عنه - .
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/513). .
(3) المجموع (3/406).(5/104)
=أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - « سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ» (1)، وفي رواية عند أحمد «... ثُمَّ سَجَدَ فَجَعَلَ كَفَّيْهِ بِحِذَاءِ أُذُنَيْهِ»(2). وقال شيخنا(3): يكون موضع اليدين على حذاء المنكبين،وإن شاء قدمهما وجعلهما على حذاء الجبهة أو فروع الأذنين؛لأن هذا جاءت به السنة. ويستحب أن يضع المصلي راحتيه على الأرض مبسوطتين مضمومتي الأصابع بعضها إلى بعض مستقبلاً بهما القبلة.
(1) قوله « وَيَكُوْنُ عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ » مستقبلاً بهما القبلة، لكن هل يفرق بين القدمين أثناء سجوده أم يضم بعضهما إلى بعض؟ المذهب(4) أنه يفرق بينهما، وقال بعض أهل العلم: بل يجمعها مضمومتين يعني يرص القدمين بعضهما ببعض، وهذا هو قول شيخنا، واحتجوا لذلك بحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان « رَاصًّا عَقِبَيْهِ » (5).
(2) قوله «ثُمَّ يَقُوْلُ:سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى،ثَلاَثًا» والكلام هنا كالكلام عند قوله × « سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيْمِ»،فقول المصلي«سُبْحَانَ رَبِّيَ اْلأَعْلَى» واجب في الصلاة والمجزئ منه مرة واحدة،وذهب الأئمة الثلاثة(6) إلى أن هذا التسبيح=
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب وضع اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام _ رقم (608)
(2) أخرجه أحمد (38/331) رقم (18115)، والنسائي في كتاب الافتتاح _ باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة _ رقم (879)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/193) رقم (856).
(3) الشرح الممتع (3/122).
(4) المغني (2/202).
(5) أخرجه ابن خزيمة في كتاب الصلاة _ باب ضم العقبين في السجود _ رقم (634)، والحاكم (2/349) رقم (796) وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي .
(6) بداع الصنائع (1/208)، الشرح الصغير (1/453)، المجموع (3/410).(5/105)
ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا (1)، ...........................................................
= في الصلاة سنة ليس بواجب، والصحيح أن التسبيح واجب في الصلاة.
? تنبيهان:
أولاً: إذا جاء بتسبيح غير المذكور كأن يقول: « سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ»(1) أو قال: « سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوْتِ وَالْمَلَكُوْتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ»(2) ونحو ذلك، هل يجزئه؟ المذهب أن الواجب من التسبيح أن يقول: « سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى» وإن زاد على هذا الذكر فحسن، والصواب كما ذكرنا أنه يأتي بأي نوع من أنواع التسبيحات المذكورة.
ثانيًا: المذهب(3): لا تستحب الزيادة على قول «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى» في الفرض، وفي التطوع روايتان، والصحيح أن الزيادة على قول: «سُبْحَانَ رَبِّيَ االأَعْلَى» مشروعة بل مستحبة؛ لورود ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب الدعاء في الركوع _ رقم (752)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب ما يقال في الركوع والسجود _ رقم (746).
(2) أخرجه أحمد (49/10) رقم (22855)، أبو داود في كتاب الصلاة _ باب ما يقال في ركوعه وسجوده رقم (873)، والنسائي في كتاب التطبيق _ باب نوع آخر من الذكر في الركوع _ رقم (1039)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/166) رقم (776).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/517). .(5/106)
1) قوله « ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا » ودليله حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق وفيه « إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ»(1)، وهذا التكبير واجب في الصلاة كما ذكرنا ذلك سابقًا، وذهب جمهور أهل العلم على أن جميع التكبيرات سنة =
وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، فَيَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَينْصِبُ الْيُمْنَى(1)
= تكبيرة الإحرام فهي فرض.
(1) قوله «وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا،فَيَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا،وَينْصِبُ الْيُمْنَى» هذه هي صفة الجلوس بين السجدتين،فالسنة أن يجلس بين السجدتين مفترشًا،وصفة الافتراش كما ذكره المؤلف هي أن يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى، ودليل ذلك حديث عائشة _ رضي الله عنها_ قالت:«وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى»(2)،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب إتمام التكبير في السجود _ رقم (744)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب إثبات تكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع _ رقم (594) من حديث مطرف بن عبد الله - رضي الله عنه - .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به وصفة الركوع _ رقم (768) .(5/107)
وأيضًا جاء في حديث أبي حميد الساعديّ - رضي الله عنه - في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:«ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِيْ مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلاً ثُمَّ أَهْوَى سَاجِدًا »(1)، لكن إن فرش قدميه وجلس على عقبيه، المذهب(2) أنه يكره ذلك، وبالكراهة قال الحنفية(3) والمالكية(4)، وقال الشافعية(5) وهو رواية المذهب(6) أنه لا يكره بل من السنة فعل ذلك، واحتجوا لذلك بما ثبت عن ابن عباس أنه قال:«من السنة أن يمس عقبك=
وَيَثْنِيْ أَصَابِعَهَا نَحْوَ اْلقِبْلَةِ(1)،..............................................................
=إليتيك»(7)، وقال طاووس:«قُلْنَا لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي الإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ،فَقَالَ:هِيَ السُّنَّةُ، فَقُلْنَا لَهُ:إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ،فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ - صلى الله عليه وسلم - »(8)
وهناك صفة أخرى جاءت عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أيضًا وهي : أن ينصب المصلي قدميه ويجلس على عقبيه. فالمذهب(9) أن هذه الصفة والتي قبلها ليست من السنة.
__________
(1) أخرجه أحمد (48/89) رقم (22493)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في وصف الصلاة _ رقم (280) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/96) رقم (249).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/592).
(3) حاشية ابن عابدين (1/432).
(4) جواهر الإكليل (1/54).
(5) المجموع شرح المهذب (3/416).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/592).
(7) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (2/191) رقم (3033)، وابن أبي شيبة (1/319).
(8) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب جواز الإقعاء على العقبين _ رقم (835).
(9) المرجع السابق.(5/108)
والصواب أن يقال: كل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحاديث صحيحة يعد سنة، لكن لا يواظب الإنسان على فعله، بل يفعله أحيانًا لبيان الجواز وإحياء للسنة، فيشرع للمصلي أن يفرش كلتا رجليه أحيانًا أو ينصبها ويجلس عليها أحيانًا، لكن يكون ذلك بين السجدتين كما ذكر ذلك بعض أهل العلم،أما في الجلوس للتشهد فالسنة أن يفرش اليسرى وينصب اليمنى.
(1) قوله « وَيَثْنِيْ أَصَابِعَهَا نَحْوَ اْلقِبْلَةِ » أي يثني أصابع اليمنى ويجعلها نحو القبلة؛ لورود ذلك في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
? تنبيه: أين يجعل المصلي يديه حال الجلوس بين السجدتين وكيف تكونان؟ نقول: هناك صفتان في وضع اليدين حال الجلوس بين السجدتين:
الصفة الأولى: أن يضع يديه على فخذيه وأطراف أصابعه عند ركبتيه.
والصفة الثانية: أن يضع يديه على ركبتيه، فيضع اليد اليمنى على الركبة=
وَيَقُوْلُ: رَبِّ اغْفِرْ لِيْ، ثَلاَثًا(1)، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالأُوْلَى(2)، ..................
=واليد اليسرى على الركبة يلقمها الركبة كأنه قابض لها.
أما عن كيفية اليدين في حال وضعهما على الركبة في الصلاة فقد اختلف الفقهاء في ذلك: فجمهور الفقهاء أن اليدين اليمنى واليسرى تكونان مبسوطتي الأصابع موجهة إلى القبلة ، وذهب ابن القيم(1) واختاره شيخنا(2) × أن السنة في ذلك أن تكون اليد اليسرى مبسوطة مضمومة الأصابع موجهة إلى القبلة، أما اليمنى فالسنة أن يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام على البنصر الوسطى ويرفع السبابة ويحركها عند الدعاء.
(
__________
(1) زاد المعاد (1/238).
(2) الشرح الممتع (3/128).(5/109)
1) قوله « وَيَقُوْلُ: رَبِّ اغْفِرْ لِيْ، ثَلاَثًا » وهذا الذكر واجب في الصلاة والمجزئ مرة واحدة، والمستحب الإتيان به ثلاثًا، وبوجوبه قال الحنابلة(1)، وذهب الجمهور إلى أن ذلك سنة وليس بواجب، وإن زاد المصلي على ذلك فقال : « رَبِّ اغْفِرْ لِيْ وَارْحَمْنِيْ وَاجْبُرْنِيْ وَارْفَعْنِيْ وَارْزُقْنِيْ وَاهْدِنِيْ »(2) ؛ لوروده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فحسن.
(2) قوله « ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالأُوْلَى » أي كالسجدة الأولى في الأقوال والأفعال، فيقول فيها كما قال في السجدة الأولى « سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى»، « سُبُّوْحٌ قُدُّوْسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوْحِ »، «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ =
ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا (1)، وَيَنْهَضُ قَائِمًا (2) ،.........................................
=اغْفِرْ لِيْ »، « سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوْتِ وَالْمَلَكُوْتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ » ونحو ذلك.
(1) قوله « ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا » والتكبير هنا واجب كما ذكرنا لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق بخلاف قول الجمهور بسنيتها.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/521).
(2) أخرجه أحمد في مسنده (7/367) رقم (3334)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب الدعاء بين السجدتين _ رقم (724)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما يقول بين السجدتين _ رقم (262)، وابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها _ باب ما يقول بين السجدتين _ رقم (888).(5/110)
2) قوله « وَيَنْهَضُ قَائِمًا » أي بلا جلوس للاستراحة وهذا هو المذهب(1)، وذهب الشافعية(2) إلى أن الجلوس للاستراحة سنة مطلقًا، سواء احتاج الإنسان إليه أم لم يحتج، وهذا هو قول سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(3) ×، وهو قول أكثر أهل الحديث، واستدلوا لذلك بحديث مالك بن الحويرث الليثي - رضي الله عنه - « أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِيْ وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا » (4)، وفي رواية « جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ قَامَ » (5). وذهب شيخنا محمد العثيمين(6) ×إلى قول وسط في هذه المسألة فقال: إن كان المصلي يحتاج إلى الجلوس أي لا يستطيع أن ينهض بدون جلوس فيجلس تعبدًا، وإن كان يستطيع أن ينهض فلا يجلس، و هو قول صاحب المغني، واختاره ابن القيم، وهذا هو الراجح.
? تنبيه: إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة، فهل يشرع للمأموم أن يجلس =
فَيُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالأُوْلى(1).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/526).
(2) المجموع شرح المهذب (3/419ـ 421).
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/99).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب من استوى قاعدًا في وتر من صلاته ثم نهض _ رقم (780).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة _ رقم (781).
(6) الشرح الممتع (3/137، 138).(5/111)
=لها إذا كان يرى أنها سنة؟ الجواب: متابعة الإمام أفضل؛لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوْا عَلَيْهِ»(1)،ولقوله - صلى الله عليه وسلم - :« وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوْا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوْا »(2)، فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب بدون مهلة، فدل ذلك على أن الأفضل في حق المأموم ألا يتأخر عن الإمام ولو يسيرًا.
(1) قوله « فَيُصَلِّيْ الثَّانِيَةَ كَالأُوْلَى » أي يصنع في الركعة الثانية مثل ما صنع في الركعة الأولى، قال - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته:«ثُمَّ افْعَلْ ذالِكَ فِيْ صَلاَتِكَ كُلِّهَا»(3)، لكن الركعة الثانية تخلو من النية وتكبيرة الإحرام والاستفتاح؛ لأن هذه من خصائص الركعة الأولى.
? تنبيه: هل يستعيذ عند القراءة في الركعة الثانية؟ قلنا: إن ذلك محل خلاف، فإحدى الروايتين عن أحمد(4) وهي المذهب: أنه لا يستعيذ إلا في الأولى، والرواية الثانية عن أحمد(5) وهو قول الشافعي(6) × أنه يستعيذ؛ لعموم قوله تعالى:[? ں ں ? ? ? ? ? ](7) فيقتضي ذلك تكرار الاستعاذة عند تكرار القراءة، لكن الصواب الأول كما رجحنا=
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإمامة والجماعة _ باب إقامة الصف من تمام الصلاة _ رقم (680) ، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب ائتمام المأموم بالإمام _ رقم (625).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة _ باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب _ رقم (365) من حديث أنس - رضي الله عنه - .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتم ركوعه بالإعادة _ رقم (751)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة _ رقم (602) .
(4) المغني (2/216).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/529).
(6) المجموع (3/281، 282).
(7) سورة النحل: 98.(5/112)
فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُمَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ مُفْتَرِشًا(1)، فَيَبْسُطُ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَيَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى، يَقْبِضُ مِنْهَا الْخِنْصِرَ وَالْبِنْصِرَ (2)، وَيُحَلِّقُ الإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى(3) وَيُشِيْرُ بِالسَّبَابَةِ(4)،..................................
=ذلك سابقًا.
(1) قوله «فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُمَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ مُفْتَرِشًا» أي إذا فرغ من الركعة الأولى والثانية جلس للتشهد مفترشًا أي يفرش رجله اليسرى فيجلس عليها وينصب اليمنى، فيكون جلوسه هنا مثل جلوسه بين السجدتين المتقدم ذكره.
(2) قوله « فَيَبْسُطُ يَدَهُ الْيُسْرى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى، وَيَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى يَقْبِضُ مِنْهَا الْخِنْصِرَ وَالْبِنْصِرَ » أي يقبض من يده اليمنى الخنصر والبنصر، والخنصر هو الأصبع الأصغر والبنصر هو الذي يليه.
(3) قوله « وَيُحَلِّقُ الإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى » الإبهام هو الأصبع الأكبر، فيحلق مع الوسطى أي يحلق مقدم الإبهام مع مقدم الوسطى فيأخذ شكل حلقة، وهذه هي إحدى الصفات الواردة وهناك صفة أخرى وهي أن يضم الخنصر والبنصر والوسطى ويضم إليها الإبهام وتبقى السبابة مفتوحة.
(4) قوله « وَيُشِيْرُ بِالسَّبَابَةِ » السبابة هي ما بين الإبهام والوسطى، وسميت بذلك لأن الإنسان يشير بها عند السبِّ، وتسمى أيضًا السباحة لأنه يشير بها عند التسبيح.
لكن متى يشير بالسبابة؟
قال الفقهاء يشير بها عند ذكر الله في الصلاة، ويكون ذلك من بداية التشهد إلى آخره، وقال بعضهم: بل يشير بها عند قول:«أشهد أن لا إله إلا الله»، والصواب أنه يشير بها عند الذكر والدعاء فقط؛ لقوله في الحديث «يُحَرِّكُهَا =
وَيَقُوْلُ: التَّحِيَّاتُ للهِ(1)، .............................................................(5/113)
=يَدْعُوْ بِهَا»(1).
وقد اختلف الفقهاء في الإشارة بالسبابة في التشهد؛ فذهب بعض الحنفية(2) إلى عدم مشروعيته، وإجماع السلف على خلافه، لكن ورد الخلاف في تحريكها حال الإشارة بها، فالمذهب(3) لا يرى التحريك أي يشير بالسبابة من غير تحريك، والصواب أن تحريك السبابة مستحب، ويكون تحريكها كما ذكرنا عند الذكر والدعاء، ولا يكون التحريك كما نراه من البعض عبارة عن اهتزاز الأصبع كهيئة المرتعش، بل يكفي التحريك الذي هو عبارة عن إشارة فقط، وليس معنى التحريك أيضًا تحريك السبابة يمينًا وشمالاً كما يحدث من البعض؛ لأنه لم يرد دليل على ذلك، بل يكون التحريك بالإشارة فقط عند الدعاء.
(1) قوله « وَيَقُوْلُ: التَّحِيَّاتُ للهِ » هذا هو التشهد، وقد اختلف فيه الفقهاء؛ فقال الحنفية(4) والمالكية(5) بأنه سنة، وقال الشافعية(6) والحنابلة(7) بوجوبه وهذا هو الحق؛ لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نَقُوْلُ فِي الصَّلاَةِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ فَقَالَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم - =
وَالصَّلَوَاتُ(1)، وَالطَّيِّبَاتُ(2)، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ (3) ...........................
__________
(1) أخرجه أحمد (38/331) رقم (18115)، والنسائي في كتاب الافتتاح _ باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة _ رقم (879) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/193) رقم (856).
(2) بدائع الصنائع (1/214).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/535).
(4) بدائع الصنائع (1/213).
(5) الشرح الصغير (1/441).
(6) المجموع (3/430).
(7) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/670).(5/114)
= « لاَ تَقُوْلُوْا هَكَذَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ السَّلاَمُ وَلَكِنْ قُوْلُوْا التَّحِيَّاتُ للهِ...»(1). وقوله « التَّحِيَّاتُ للهِ » أي حال جلوسه للتشهد يأتي بهذه الصفة التي سيذكرها المؤلف، ومعنى « التَّحِيَّاتُ للهِ » أي جميع أنواع التعظيمات من دعاء وصلوات وكل طيب من الأقوال والأفعال لله تعالى، واللام في قوله «التَّحِيَّاتُ » للاستحقاق والاختصاص، فلا يستحق أي نوع من التحيات إلا لله عز وجل.
(1) قوله « وَالصَّلَوَاتُ » أي الصلوات كلها؛ فرضها ونفلها وكل الأدعية لله استحقاقًا لا أحد يستحقها غيره، فلازم أن تكون هذه الصلوات المؤداة لله إخلاصًا وعبودية، وقيل في معناها أيضاً العبادات، وقيل الرحمة.
(2) قوله « وَالطَّيِّبَاتُ » كل طيب من الأقوال والأفعال والصفات لله تعالى، فما يتعلق به سبحانه وتعالى له من الأوصاف أطيبها، ومن الأفعال أطيبها، ومن الأقوال أطيبها، فهو سبحانه وتعالى لا يقول إلا الطيب، ولا يفعل إلا الطيب، ولا يتصف إلا بالطيب، فهو سبحانه وتعالى طيب في كل شيء، في ذاته وصفاته وأفعاله، فالطيبات إذاً هي الكلام الذي هو ثناء على الله تعالى وذكر له.
(1) قوله «السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ» السلام هو السلامة من كل شر في الدنيا والآخرة، وهذه الجملة خبر بمعنى الدعاء، بمعنى أنك تدعو بأن الله يسلم =
وَرَحْمَةُ اللهِ(1)، وَبَرَكاَتُهُ(2) ................................................................
=نبيه من شرور الدنيا والآخرة، وخبر بمعنى قوة رجاء كأن الإجابة أمرٌ واقع.
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب السهو _ إيجاب التشهد _ رقم (1260) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/273) رقم (1211).(5/115)
لكن هل يقال في التشهد «السَّلاَمُ عَلَى النَّبِيِّ » بحذف الكاف لورود ذلك عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ؟ نقول: لا، بل يأتي بالكاف فيقول: « السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ » لأن هذه هي الصفة التي علمها النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته في حياته،ولم يقل لهم إذا متُّ فقولوا : «السَّلاَمُ عَلَى النَّبِيِّ »، بل علمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن على لفظها، وما جاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - هو اجتهاد منه خالفه فيه من هو أعلم منه كعمر - رضي الله عنه - ، فإنه خطب الناس على منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: « السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ »، فلم يخالفه أحد من الصحابة وقال له : «السَّلاَمُ عَلَى النَّبِيِّ ». ثم إن الكاف هنا ليست كاف خطاب حاضر يتكلم، بل هي هنا بمنزلة تنزيل الغائب منزلة الحاضر؛ لقوة استحضار القلب له، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية(1) ×.
(1) قوله « وَرَحْمَةُ اللهِ » جملة معطوفة على ما قبلها وهي قوله « السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ » أي السلام عليك ورحمة الله عليك أيها النبي.
(2) قوله «وَبَرَكاَتُهُ» جمع بركة،والبركة هي دوام الخير وثبوته، وأصل البركة من البِرْكَةِ بكسر الباء وهي مجمع الماء الكثير الثابت، والبركة أيضًا معناها النماء والزيادة في كل خير.
والدعاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالبركة يكون حال حياته وبعد مماته،فأما في حال حياته فقد
حصل من الصحابة_ رضوان الله عليهم _ حيث كانوا يدعون له في صلاتهم=
السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ(1)، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ(2)، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ(3) ،.............................................
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (2/308).(5/116)
=بالبركة كما هو معروف في أثناء تشهدهم، والمراد به هنا أن يبارك الله تعالى له في أهله وعمله وطعامه وكسوته ونحو ذلك، ويكون ذلك بثبوت الخير له ودوامه عليه. أما بعد مماته فيكون الدعاء بالبركة له بأن يبارك الله في أتباعه وما يتبع فيه، فكثرة الأتباع تكون بزيادتهم وما يتبع فيه يكون بكثرة أعمال الخير ودوامها، فيحصل له بذلك الأجر العظيم بكثرة الأتباع وكثرة العمل من الأتباع.
(1) قوله «السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ» بعد أن فرغ المصلي من الدعاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلامة والرحمة والبركة، هنا يدعو لنفسه ولإخوانه المسلمين. والضمير في قوله « عَلَيْنَا » قيل يعود على المصلين، وقيل على الملائكة، وقيل على جميع الأمة المحمدية وهذا هو الأظهر، فالمصلي يدعو لنفسه ولإخوانه من هذه الأمة. أما قوله « وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ » هذا تعميم بعد تخصيص، وذلك لأن عباد الله الصالحين هم في الحقيقة من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
(2) قوله « أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ » أ ي أشهد أنه لا معبود بحق إلا الله، قال الله تعالى:[ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ](1) .
(3) قوله « وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ » أي أشهد أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عبد الله أي عابد له لا يملك من الربوبية شيء بل هو بشر مثلنا، لكن ميزه الله تعالى بالوحي وبما جبله عليه من العبادة والأخلاق العظيمة،وقوله « وَرَسُوْلُهُ » =
فَهَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيْ التَّشَهُّدِ(1)،........................................
=أي أرسله الله وجعله واسطة بينه وبين عباده في تبليغ شرعه.
(
__________
(1) سورة الحج : 62.(5/117)
1) قوله « فَهَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيْ التَّشَهُّدِ » وهو ثابت عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، فعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِيْنَ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذالِكَ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْكَلاَمِ مَا شَاءَ »(1)، هذا هو التشهد الأول، لكن هل يأتي المصلي بالصلاة الإبراهيمية في التشهد الأول؟
قولان لأهل العلم: فأكثر أهل العلم على أنه لا تشرع إلا في التشهد الأخير، وهذا اختيار شيخنا محمد العثيمين(2) ×، وذهب النووي كما في المجموع(3) وبعض أهل العلم واختاره سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(4) × إلى أن الصلاة على النبي تشرع في التشهد الأول وقال هذا على الصحيح.
والذي نرجحه من القولين ما ذهب إليه سماحة شيخنا ابن باز × لعموم الأدلة فلم تخصص هذه الأدلة التشهد الأخير، بل هي عامة تشمل التشهدين، لكنها في التشهد الأول مستحبة وليست بواجبة.
ثُمَّ يَقُوْلُ: اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ(1)،......................
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان _ باب السلام اسم من أسماء الله تعالى _ رقم (5762)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب التشهد في الصلاة _ رقم (609) واللفظ للبخاري .
(2) الشرح الممتع (3/161، 162).
(3) المجموع شرح المهذب (3/441).
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/202).(5/118)
1) قوله « ثُمَّ يَقُوْلُ: اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ » هذه إحدى صفات الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، فالمشهور من المذهب(1) أنها ركن لا تصح الصلاة بدونها، وفي رواية في المذهب(2) أنها واجبة تصح بدونها مع جبر الصلاة بسجود سهو، وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد(3) وهي المذهب عند الحنفية(4) والمالكية(5) أن الصلاة الإبراهيمية في الصلاة سنة وليست بركن ولا واجبة، واختار هذا القول شيخنا محمد العثيمين(6) ×، وذهب الشافعية(7) إلى أنها فرض في التشهد الثاني. والصحيح أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ركن لا تتم الصلاة إلا بها وهذا في التشهد الأخير ، أما في التشهد الأول فمستحبة.
وقوله «اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ» الصلاة من الله على أنبيائه ورسله هي ثناؤه عليهم عند الملائكة المقربين، فقولنا اللهم صل على محمد؛ أي أثن عليه وأعل ذكره، وزده تعظيمًا وتشريفًا.
وقوله « وَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ » أي أقاربه الذين تحرم عليهم الصدقة وهم بنوا هاشم وبنوا المطلب وأزواجه.
كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَآلِ إِبْرَاهِيْمَ(1)، إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ(2)، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ(3)، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ (4)، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ(5)، إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ(6). وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ(7) ،.............................................
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/672).
(2) المرجع السابق.
(3) المرجع السابق.
(4) حاشية ابن عابدين (1/344).
(5) حاشية الدسوقي (1/251).
(6) الشرح الممتع (3/311، 312).
(7) المجموع شرح المهذب (3/447).(5/119)
1) قوله « كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وآلِ إِبْرَاهِيْمَ » أي كما مننت بهذه الصلاة على إبراهيم امنن بها على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
(2) قوله « إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ » إنك أنت المستحق للمحامد والتمجيد.
(3) قوله « وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ » أي أنزل عليهم البركة.
(4) قوله « وَ عَلَىآلِ مُحَمَّدٍ » «الآل» إن أفردت تشمل جميع الأتباع، ويكون المراد بها أتباعه - صلى الله عليه وسلم - من قراباته ومن آمن به واتبعه من أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وهذا هو المراد في التشهد فأنت حينما تقول : « وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَىآلِ مُحَمَّدٍ » فقد دعوت لأقارب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ودعوت لنفسك أنت كذلك بالبركة.
(5) قوله « كَمَا بَارَكْتَ عَلَىآلِ إِبْرَاهِيْمَ » أي كما خصصت نبيك وخليلك إبراهيم وآله بالبركة، فكذلك أنزل بركتك على نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله، فما أعظمه من دعاء. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أتباع نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لننال هذه البركة أعني البركة في العمل والبركة في العمر والبركة في نعم الدنيا.
(6) قوله « إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ » قد سبق ذكره.
(7) قوله « وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ » اختلف العلماء في هذا الدعاء المذكور، فالجمهور على أنه سنة في الصلاة، وقيل بأنه واجب وهذا رواية عن الإمام أحمد(1)، والراجح أنه واجب، لكن فينبغي للمصلي أن لا يترك =
وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ(1)،.......................................................................
=هذا الدعاء لخطورة هذه الأربع التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستعاذة منها.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/553).(5/120)
قوله « عَذَابِ جَهَنَّمَ » علم على النار وهي مخلوقة وموجودة الآن كما قال تعالى في آل فرعون: [ں ں ? ? ?? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ](1)، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - حينما صلى الكسوف عرضت عليه النار ووجد فيها عمرو بن لحي الخزاعي، وأيضًا عرضت عليه في المعراج ورأى فيها أناساً يعذبون. ومعنى «أعوذ بالله من عذاب جهنم » أي ألجأ وأعتصم بالله من عذاب في جهنم أو من العذاب الحاصل في جهنم.
(1) قوله « وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ » معطوف على ما قبلها أي أستعيذ بالله من عذاب القبر أي ما يحصل فيه من العقوبة، وعذاب القبر ثابت بظاهر القرآن وصريح السنة وإجماع المسلمين. فمن ظاهر القرآن قوله تعالى في آل فرعون:[ں ں ? ? ?? ? ? ہہ ہ ہ ھ ھ] (2)، فقوله [? ?] أي صباحًا ومساء يعذبون في قبورهم. ومن نصوص السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - : «اسْتَعِيْذُوْا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاًثًا..»(3)، وحديث عائشة قالت : « دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوْزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُوْدِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتَا لِيْ: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُوْرِ يُعَذَّبُوْنَ فِيْ قُبُوْرِهِمْ فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا فَخَرَجَتَا، وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ وَذَكَرْتُ لَهُ، =
__________
(1) سورة غافر : 46.
(2) سورة غافر : 46.
(3) أخرجه أحمد في المسند (37/490) رقم (17803) ، وأبو داود في كتاب السنة _ باب في المسألة في القبر وعذاب القبر _ رقم (4127) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/901) رقم (3979).(5/121)
وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ(1)، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيْحِ الدَّجَّالِ(2)، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِيْنِهِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ(3)،...........................................................................
=فَقَالَ: صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُوْنَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِيْ صَلاَةٍ إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» (1).
وهناك أدلة كثيرة تدل على ذلك. وقد أجمع المسلمون على أن عذاب القبر حاصل للكافرين وكذا عصاة الموحدين قد يحصل لهم شيء من عذاب القبر.
(1) قوله « وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ » فتنة الدنيا تشمل الافتتان بها بشهواتها وما خلق فيها، وكذا الافتتان بشبهاتها كالتباس الحق بالباطل فيرى الإنسان الباطل حقًا والحق باطلاً. أما فتنة الممات فقيل هي سؤال الملكين في قبره عن ربه ودينه ونبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل أيضًا ما يكون عند الموت في آخر الحياة.
(2) قوله « وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيْحِ الدَّجَّالِ » أي وأستعيذ بالله من فتنة المسيح الدجال، والمراد بفتنته ما يحصل به من الإضلال والإغواء بما معه من الشبهات، ولما كانت فتنته عظيمة أمر المسلم أن يستعيذ من فتنته في أحب الأعمال إلى الله تعالى وهي الصلاة.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات _ باب التعوذ من عذاب القبر _ رقم (5889)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب استحباب التعوذ من عذاب القبر _ (922) .(5/122)
1) قوله «ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِيْنِهِ:السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ» وهذه التسليمة ركن من أركان الصلاة، وذهب الحنفية(1) إلى عدم ركنية التسليم في الصلاة. والصحيح أن التسليم ركن لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَتَحْلِيْلُهَا التَّسْلِيْمُ »(2) ولأنه - صلى الله عليه وسلم - =
..........................................................................................................
__________
(1) بدائع الصنائع (1/194).
(2) أخرجه أحمد (2/463) رقم (957)، وأبوداود في كتاب الصلاة _ باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة _ رقم (523)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها _ رقم (221)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها _ باب مفتاح الصلاة الطهور _ رقم (272) .(5/123)
= واظب عليه ولم يتركه أصحابه من بعده، وهو القائل: «صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ»(1). لكن اختلف الفقهاء في التسليمة الثانية؛ فالمالكية(2)، والشافعية(3) وإحدى الروايتين في المذهب(4) يرون أنها سنة، والمذهب(5) أنها ركن وهذا اختيار ابن القيم(6) والعلامة ابن سعدي(7) _ رحمهما الله _ وهو الراجح. وعلى ذلك لا يجزئ الإتيان بتسليمة واحدة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وهذا هو اختيار سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(8) _ رحمه الله _. لكن على من يسلم المصلي عند خروجه من الصلاة؟ قيل: يسلم على من معه إن كان إمامًا في جماعة،وإن كان منفردًا فإنه يسلم على الملائكة.
? تنبيه: هل يزيد على ذلك فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟
الجواب: محل خلاف بين أهل العلم، فالمذهب(9) يرى أن الأفضل أن لا يزيد، وذهب بعض أهل العلم إلى مشروعية هذه الزيادة في التسليمة الأولى دون الثانية، واحتج لذلك بأنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك، فعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال:=
وَعَنْ يَسَارِهِ كَذالِكَ(1).
وَإِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ(2)، نَهَضَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ(3) ،.....
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة رقم (595).
(2) حاشية الدسوقي (1/244)، الشرح الصغير (1/435).
(3) المجموع (3/455).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/670، 671).
(5) المرجع السابق.
(6) زاد المعاد (1/259ـ 261).
(7) نور البصائر (ص17).
(8) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/166).
(9) المغني (2/245)، المقنع (3/566، 567)، منتهى الإرادات (1/221).(5/124)
=«صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَعَنْ شِمَالِهِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ » (1). والصواب أنه إن فعل ذلك أحيانًا فله ذلك؛ لصحة الخبر الوارد في ذلك لكن لا يواظب عليه، أما إن كان إمامًا ويحصل من هذه الزيادة تشويش على الناس ويستنكرون عليه فلا يفعل ذلك.
(1) قوله « وَعَنْ يَسَارِهِ كَذالِكَ » أي يسلم عن يساره كما سلم عن يمينه « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» وهذه التسليمة على الصحيح واجبة لا يشرع لأحد تركها كما ذكرنا، بل الواجب الإتيان بها.
(2) قوله « وَإِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ » كأن تكون الصلاة ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء.
(3) قوله « نَهَضَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ » أي نهض مكبرًا بعد التشهد الأول، لكن هل يرفع يديه عند
نهوضه من التشهد الأول كرفعه عند ركوع وعند قيامه منه، المشهور من المذهب(2) أنه لا يرفع يديه عند القيام للركعة الثالثة بعد تشهده الأول. والصحيح أنه إذا قام من الركعتين يسن له أن يرفع يديه لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما ـ وفيه «... وَإِذَا قَامَ=
كَنُهُوْضِهِ مِنَ السُّجُوْدِ(1)، ثُمَّ يُصَلِّيْ رَكْعَتَيْنِ لاَ يَقْرَأُ فِيْهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا(2)،...
=مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ... »(3) .
(
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب في السلام _ رقم (997) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود _ رقم (878).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/578).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب رفع اليديه إذا قام من الركعتين _ رقم (697).(5/125)
1) قوله « كَنُهُوْضِهِ مِنَ السُّجُوْدِ » وصفة نهوضه هنا أن ينهض على صدور قدميه معتمدًا يديه على فخذيه أو ركبتيه، وإن احتاج المصلي إلى الاعتماد على يديه عند قيامه لكبر أو مرض أو لكون ذلك أسهل عليه فلا بأس.
وقال الشافعية (1) بل السنة الاعتماد على اليدين عند النهوض، وهو قول الألباني (2) ×.
(2) قوله « ثُمَّ يُصَلِّيْ رَكْعَتَيْنِ لاَ يَقْرَأُ فِيْهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا » هذا هو المذهب(3) وهو قول الجمهور، أي يقتصر المصلي في الركعة الثالثة والرابعة على الفاتحة فقط أي لا يزيد عليها ودليل ذلك حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - : « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوْلَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الأُوْلَى مِنَ الظُّهْرِ وَيُقَصِّرُ الثَّانِيَةَ وَكَذالِكَ فِي الصُّبْحِ » (4) .
قلت : لكن إن زاد عن الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة من الظهر أحيانًا فحسن لورود ذلك في حديث أبي حميد - رضي الله عنه - ، وبهذا قال سماحة شيخنا =
فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ، تَوَرَّكَ؛ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَفَرَشَ الْيُسْرَى، وَأَخْرَجَهَا عَنْ يَمِيْنِهِ(1).
=عبد العزيز بن باز(5)_ رحمه الله تعالى _.
(
__________
(1) المجموع شرح المهذب (3/419).
(2) تمام المنة من التعليق على فقه السنة ص198، 199.
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/579).
(4) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة _ باب يقرأ في الأخريين بأم الكتاب _ رقم (734)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب القراءة في الظهر والعصر _ رقم (785).
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/14)(5/126)
1) قوله «فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ،تَوَرَّكَ؛ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَفَرَشَ الْيُسْرَى، وَأَخْرَجَهَا عَنْ يَمِيْنِهِ » أي إذا أتى المصلي بما بقي من صلاته إن كانت ثلاثية أو رباعية يستحب له أن يجلس متوركًا، وصفة التورك كما ذكره المؤلف أن ينصب رجله اليمنى ويفرش اليسرى فيخرجها من الجانب الأيمن ثم يجلس على مقعدته على الأرض، وهذه هي إحدى صفات التورك. وهناك صفتان غير التي ذكرها المؤلف جاءت في بيان التورك؟
إحداهما: أن يفرش القدمين جميعًا ويخرجهما من الجانب الأيمن.
والثانية:أن يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين فخذ وساق اليمنى،والذي ينبغي على الإنسان متى سهل عليه أن يفعل هذا مرة وهذا مرة ليحافظ على السنة.
? تنبيهان:
أولاً: ذهب بعض الفقهاء إلى التفريق بين الرجل والمرأة في هيئة الجلوس في الصلاة، فقالوا: يسن للرجل في الصلاة الافتراش وللمرأة التورك، لا فرق في ذلك بين التشهد الأول والأخير أو الجلسة بين السجدتين، والصحيح أن المرأة كالرجل تمامًا لعدم الدليل الذي يدل على التفريق بينهما، فالأصل في النساء أنهن كالرجال في الأحكام.
ثانيًا: المذهب(1) على أن المرأة تضم نفسها في الحال التي يشرع للرجل فيها =
وَلاَ يَتَوَرَّكُ إِلاَّ فِيْ صَلاَةٍ فِيْهَا تَشَهُّدَانِ(1)، فِي الأَخِيْرِ مِنْهُمَا(2)،..........
=التجافي كما في الركوع والسجود، والصحيح أن المرأة كالرجل كما ذكرنا في الأحكام وليس هناك دليل على التفريق.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/586).(5/127)
1) قوله « وَلاَ يَتَوَرَّكُ إِلاَّ فِيْ صَلاَةٍ فِيْهَا تَشَهُّدَانِ » كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، أما الصبح فليس فيه تورك، وهذا هو المذهب(1) وهو قول الشافعية(2)،وذهب الحنفية(3) إلى أن جميع الجلسات في الصلاة هي الافتراش وقال المالكية(4) بأن هيئة الجلوس المسنونة في جميع جلسات الصلاة هي التورك سواء في التشهد الأول أو الثاني أو الجلوس بين السجدتين.
والصحيح ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية؛ لحديث أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - وفيه:«.. فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنىَ وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ »(5)، وفي رواية « فَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إِلَى الأَرْضِ وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ »(6).
(1) قوله « فِي الأَخِيْرِ مِنْهُمَا » لحديث أبي حميد - رضي الله عنه - السابق، والمراد بالتشهد الأخير ما يعقبه السلام فإذا سبق المأموم بركعة وجلس مع إمامه في التشهد =
فَإِذَا سَلَّمَ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا(1)، وَقَالَ :اللّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ(2).
=الأخير فإنه لا يتورك لأن تشهده هنا لا يعقبه السلام .
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/581).
(2) مغني المحتاج (1/172).
(3) حاشية ابن عابدين (1/321، 341، 342).
(4) حاشية الدسوقي (1/249).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب سنة الجلوس في التشهد _ رقم (785).
(6) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب افتتاح الصلاة _ رقم (731) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/141) رقم (671).(5/128)
1) قوله « فَإِذَا سَلَّمَ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا » والحكمة في استغفاره بعد صلاته هي جبر التقصير والخلل الذي حصل للإنسان في صلاته وذلك بسبب الوساوس والغفلة فيها وغير ذلك مما يشغله عن خشوع القلب فيها، فيأتي الإنسان بسؤال الله المغفرة بسبب هذا التقصير .
(2) قوله «وَقَالَ:اللّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ،تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ» أي يقول بعد استغفاره ثلاثًا هذا الدعاء، والمناسبة هنا ظاهرة، فكما سألت الله تعالى المغفرة تسأله أن لا يرد عليك صلاتك ولا ينقص لك الأجر فيها ، والمعنى: سلم لي صلاتي من الرد والنقص.
ودليل ذلك ما رواه مسلم عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ»(1).
ثم من السنن أيضًا أن يقول: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر ثلاثًا وثلاثين، ويختم بـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، يتم بها المائة.
وإن سبح ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبّر الله أربعًا وثلاثين، فيكون الجميع مائة، فهذا أيضًا مشروع،أو سبح الله عشرًا وحمده عشرًا =
....................................................................................................
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب استحباب الذكر بعد صلاة وبيان صفته _ رقم (931).(5/129)
=وكبره عشرًا فهذا أيضًا مشروع، أو قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمسًا وعشرين فيكون الجميع مائة، فكل هذا مشروع لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد جاءت السنة بكل ما ذكرناه، فينبغي للمسلم أن يحافظ على هذه السنن بفعل هذا تارة وهذا تارة . ومما يشرع أيضًا للمصلي إذا انتهى مما ذكرناه أن يقرأ آية الكرسي، وكذا سورة الإخلاص والمعوذتين، وإن كان في صلاة الصبح والمغرب قرأ الإخلاص والمعوذتين ثلاثًا؛ لورود ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .(5/130)
بَابُ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ وَوَاجِبَاتِهَا(1)
أَرْكَانُهَا اثْنَا عَشَرَ(2): الْقِيَامُ(3)،................................................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ وَوَاجِبَاتِهَا » الأركان: جمع ركن، وهو في اللغة: جانب الشيء الأقوى، أما في الاصطلاح: فهو « ما لا تصح الصلاة إلا به سواء تركه عمدًا أو سهوًا »، فإذا ترك المصلى ركنًا من أركان الصلاة سهوًا، ووصل إلى محله من الركعة الثانية، فإنه يلغى هذه الركعة وتعتبر هذه الركعة التي هو فيها محل الركعة السابقة.
أما الواجبات فسيأتي تعريفها والفرق بينها وبين الأركان قريبًا إن شاء الله.
(2) قوله « أَرْكَانُهَا اثْنَا عَشَرَ » هذا ما رجحه ابن قدامة ×، والراجح أن أركان الصلاة أربعة عشر، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى .
(3) قوله « الْقِيَامُ » بدأ المؤلف في بيان أركان الصلاة، فالركن الأول فيها القيام، وقد سبق بيان هذا الركن في صفة الصلاة، دليل ذلك قوله تعالى:[پ پ پ](1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين « صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ »(2)، وهذا الحديث فيه بيان ركنية القيام في الصلاة، لكن ننبه هنا على أن العلماء احتجوا بهذا الحديث وبصريح القرآن على أن الأركان والواجبات تسقط عند العجز وعدم الاستطاعة، فالذي لا يستطيع أن يصلي قائمًا يسقط عنه القيام ويصلي قاعدًا، فإن لم يستطع الصلاة قاعدًا صلى على جنب، فإن لم يستطع صلى مستلقيًا، وهذا يدل على سماحة الشريعة الإسلامية.
وَتَكْبِيْرَةُ الإِحْرَامِ(1) ،............................................................................
=وهنا نذكر بعض التنبيهات المتعلقة بالقيام:
__________
(1) سورة البقرة : 238.
(2) أخرجه البخاري في أبواب تقصير الصلاة _ باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب رقم (1066)(6/1)
أولاً: يجب على المصلي القيام ولو معتمدًا، فمن كان لا يستطيع القيام إلا بالاعتماد على عصى أو عمود أو جدار فيجب عليه القيام لعموم الأدلة.
ثانيًا : من كان قادرًا على القيام، لكن يخاف على نفسه من السقوط إذا قام، فإنه يسقط عنه القيام؛ لقوله تعالى:[? ? ? ? ?](1)، فأسقط عنه الرب سبحانه وتعالى الركوع والسجود وهما ركنان بسبب الخوف فسقوط القيام عن المعذور من باب أولى.
ثالثًا: من أمكنه أن يأتي بجزء من الركن وجب عليه الإتيان به، فإن لم يستطع الإتيان به سقط عنه كما ذكرنا، مثاله: شخص يستطيع أن يأتي بجزء من القيام كأن يكون حاني الظهر لزمه الإتيان به؛ لقوله تعالى:[ہ ہ ہ ھ](2)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ »(3).
(1) قوله « وَتَكْبِيْرَةُ الإِحْرَامِ » هذا هو الركن الثاني من أركان الصلاة، وبركنيته قال المالكية(4)، والشافعية(5)، وقال أبو حنيفة(6): بل يجزئ بكل ما يقتضي التعظيم،وقد بيَّنا في صفة الصلاة أن الراجح هو تعيين لفظ التكبير، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(7)، وجمهور أهل العلم.
وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ(1)،.......................................................................................
__________
(1) سورة البقرة : 239.
(2) سورة التغابن : 16.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة _ باب الاقتداء بسنن رسو ل الله - صلى الله عليه وسلم - رقم (6744).
(4) الشرح الصغير (1/425).
(5) المجموع (3/260).
(6) بدائع الصنائع (1/130).
(7) الاختيارات الفقهية ص192.(6/2)
=أما تكبيرات الانتقال فهي واجبة كما ذكرنا ذلك،وسيأتي كلام المؤلف عليها في الواجبات. ودليل ركنية تكبيرة الإحرام قوله - صلى الله عليه وسلم - :«وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيْرُ»(1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :«ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ »(2).
(
__________
(1) أخرجه أحمد (1/123) رقم (1006)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب فرض الوضوء رقم (61) ، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في أن مفتاح الصلاة الطهور رقم (3) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتم ركوعه بالإعادة _ رقم (751)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة _ رقم (602) .(6/3)
1) قوله « وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ » هذا هو الركن الثالث، دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ »(1)، وقوله : « مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيْهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ _ثَلاَثًا_ غَيْرُ تَمَامٍ»(2). وقد اختلف الفقهاء في ركنية قراءة الفاتحة في الصلاة كما سبق في صفة الصلاة وقلنا بأن: المالكية(3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5) على أنها ركن فيها، وقال الحنفية(6) بأن ركنية القراءة تتحقق بأي آية من القرآن، أما الفاتحة فهي واجبة ليست بركن، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من ركنيتها في الصلاة للأدلة المتقدمة.
لكن اختلف الفقهاء في حكم قراءتها على المأموم على ثلاثة أقوال: وقد =
والرُّكُوْعُ(1)، وَالرَّفْعُ مِنْهُ(2)،...........................................................................
=سبق تفصيل كلام الفقهاء في ذلك مع بيان الراجح في باب صفة الصلاة.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة _ باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت _ رقم (723) ومسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة _ رقم (394).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة _ رقم (598).
(3) حاشية الدسوقي (1/236).
(4) مغني المحتاج (1/156).
(5) كشاف القناع (1/389).
(6) تبيين الحقائق (1/131).(6/4)
1) قوله « وَالرُّكُوْعُ » هذا هو الركن الرابع،دليل ذلك قوله تعالى:[گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں](1) ، وأيضًا جاء في حديث المسيء صلاته: « ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا »(2) .
وقد أجمع العلماء على ركنية الركوع في الصلاة.
(2) قوله « وَالرَّفْعُ مِنْهُ » أي من الركوع، وهذا هو الركن الخامس، دليله الحديث السابق أي حديث المسيء صلاته وفيه : « ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا » ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - :« لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ لاَ يُقِيْمُ فِيهَا الرَّجُلُ يَعْنِي صُلْبَهُ فِي الرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ »(3).
والاعتدال في الرفع من الركوع واجب، أما مجرد الرفع فقط ثم الهوي إلى السجود كما نراه من بعض إخواننا القادمين من بعض البلاد الإسلامية، نراهم يرفعون ولا يقيمون صلبهم ولا يعتدلون عند قيامهم، بل يسجدون مباشرة، فهذا خطأ، بل لابد من الاعتدال؛ لحديث المسيء صلاته: « ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا » ، وحديث أبي مسعود الأنصاري المتقدم.
وَالسُّجُوْدُ(1)، وَالسُّجُوْدُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ(2)،......................................
__________
(1) سورة الحج : 77.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتم ركوعه بالإعادة _ رقم (751)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة _ رقم (602) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود _ رقم (729) ، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود _ رقم (245)، وابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها _ باب الركوع في الصلاة _ رقم (860) واللفظ للترمذي من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - .(6/5)
? تنبيه: إذا جاء المأموم والإمام راكع، إن كان أدركه في جزء من الركوع فقد أدرك الركعة وإلا فلا، لكن إن كان الإمام يخالف صوته حركته فالمعول عليه الصوت؛ لأنه قد لا يرى الإمام، ومن هنا ننبه على الأئمة بأن تكون تكبيرات الانتقال وكذا التسميع تتزامن فيها الحركة مع الصوت، فلا يكبر قبل أن يهوي، ولا يكبر بعد أن يهوي، وكذا لا يقول : سمع الله لمن حمده بعد أن يرفع، بل يكون الرفع متزامنًا مع قول: سمع الله لمن حمده، وعلل ذلك بأنه إذا رأى المسبوق الإمام وهو يعتدل من ركوعه ثم يقول: سمع الله لمن حمده، فهنا نقول: لا يعتد بهذه الركعة؛ لأنه لم يدرك الإمام في الركوع، لأن المعول عليه الصوت عند عدم إمكانية رؤية الإمام، أما مع إمكانية رؤيته فالمعول عليه الرؤية.
(1) قوله « وَالسُّجُوْدُ » هذا هو الركن السادس، وكيفية السجود مذكورة في صفة الصلاة. والسجود كما ذكرنا يكون على الأعضاء السبعة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ _ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ _، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ»(1).
(2) قوله « وَالسُّجُوْدُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ » هذا هو الركن السابع وهو محل خلاف بين الفقهاء كما سبق، والراجح أنه ركن، فلا يكفي مجرد السجود بل لابد من السجود على هذه الأعضاء السبعة المذكورة في الحديث المتقدم.
وَالْجُلُوْسُ عَنْهُ(1)، وَالطُّمَأْنِيْنَةُ فِيْ هَذِهِ الأَرْكَانِ(2)،.................................
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب السجود على الأنف _ رقم (770)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس _ رقم (758) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - .(6/6)
=لكن إن عجز عن السجود بجبهته هل يسقط عنه باقي الأعضاء؟ قال بعض الفقهاء(1) أنه يسقط عنه باقي الأعضاء؛ لأن الجبهة هي الأصل وغيرها تابع لها.
والراجح أنه متى عجز عن السجود بالجبهة لزمه أن يأتي بما يستطيع، كأن تمس يده الأرض أو يمس أنفه الأرض إذا كان يمكنه ذلك ، المهم أنه متى عجز عن الإتيان ببعض أعضاء السجود لزمه الإتيان بالباقي.
(1) قوله «وَالْجُلُوْسُ عَنْهُ » نلاحظ هنا أن المؤلف × دقق العبارة فلم يقل:الجلوس له، ولا قال: الجلوس منه، بل قال: الجلوس عنه ليجمع بين الركنين في ركن واحد وهما الجلوس والرفع من السجود، لكن الصواب أنه لا يجمع بينهما كما فعل ذلك صاحب « دليل الطالب» وغيره حيث قالوا في أركان الصلاة: الثامن الرفع من السجود، التاسع الجلوس بين السجدتين. وقد مر بنا بيان صفة الجلوس المشروعة بين السجدتين في صفة الصلاة فلا حاجة لبيانها مرة أخرى.
(2) قوله « وَالطُّمَأْنِيْنَةُ فِيْ هَذِهِ الأَرْكَانِ » هذا هو الركن التاسع على كلام المؤلف، والطمأنينة ركن عند الحنابلة(2) والشافعية(3)، وذهب الحنفية(4) إلى أن الطمأنينة سنة، وهو المشهور في مذهب المالكية(5)، والصحيح أنها ركن في=
وَالتَّشَهُّدُ الأَخِيْرُ(1)،.........................................................................
__________
(1) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (2/54).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/663).
(3) مغني المحتاج (1/164).
(4) الفتاوى الهندية (1/72).
(5) حاشية الدسوقي (1/241).(6/7)
=جميع الأركان : في الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين وفي الرفع من الركوع وفي كل أفعال الصلاة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته في كل ركن من الأركان « حتى تطمئن ». لكن اختلف الفقهاء في حد الطمأنينة، فقال بعضهم: السكون وإن قلَّ حتى وإن لم يتمكن من ذكر الواجب، وقال بعضهم: حدها السكون بقدر الذكر الواجب، وهذا هو الصواب.
(1) قوله « وَالتَّشَهُّدُ الأَخِيْرُ » هذا هو الركن العاشر، وقد ذكرنا سابقًا أن الفقهاء اختلفوا في التشهد الأخير، فقال بركنية التشهد الأخير الحنابلة(1)، والشافعية(2)، وذهب المالكية(3) إلى أن الركن هو الجلوس للسلام فقط أما التشهد فيه فليس بواجب، فلو رفع المصلي رأسه من السجود واعتدل جالسًا وسلم كان ذلك الجلوس هو الواجب،أما التشهد عندهم سنة، وعند الحنفية(4) كما سبق روايتان إحداهما وهي المذهب أنه واجب، والأخرى أنه سنة.
والصحيح أن التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة، دليل ذلك حديث ابن مسعود الذي ذكرناه سابقًا وهو قوله : كُنَّا نَقُوْلُ فِي الصَّلاَةِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ فَقَالَ رَسُوْلُ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَقُوْلُوْا هَكَذَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ السَّلاَمُ وَلَكِنْ قُولُوْا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ...» (5)،=
وَالْجُلُوْسُ لَهُ(1)، وَالتَّسْلِيْمَةُ الأُوْلَى(2)، وَتَرْتِيْبُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ(3).
فَهَذِهِ الأَرْكَانُ لاَ تَتِمُّ الصَّلاَةُ إِلاَّ بِهَا(4).
__________
(1) مغني المحتاج (1/172).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/663).
(3) حاشية الدسوقي (1/243).
(4) بدائع الصنائع (1/213)، الفتاوى الهندية (1/71، 72).
(5) أخرجه النسائي في كتاب السهو _ إيجاب التشهد _ رقم (1260) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/273) رقم (1211).(6/8)
=الشاهد قوله : « قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ » .
(1) قوله « وَالْجُلُوْسُ لَهُ » أي الجلوس للتشهد الأخير، وهذا هو الركن الثاني عشر من أركان الصلاة، فلو فرض أن المصلي قام ثم قرأ التشهد فإنه لا يجزئه؛ لأن الجلوس للتشهد ركن من أركان الصلاة.
(2) قوله « وَالتَّسْلِيْمَةُ الأُوْلى » هذا هو الركن الحادي عشر، وقد سبق بيان ركنية التسليم في كتاب صفة الصلاة.
(3) قوله « وَتَرْتِيْبُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ » هذا هو الركن الثاني عشر ، فلو قدم المصلي السجود قبل الركوع فلا تصح صلاته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها مرتبة مع قوله - صلى الله عليه وسلم - :«صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ»(1)، وكذا علّمها - صلى الله عليه وسلم - المسيء صلاته مرتبة. فهذه هي أركان الصلاة الاثنا عشر عند المؤلف،والصواب أن يقال بأن أركان الصلاة أربعة عشر، وهي الاثنا عشر التي ذكرها المؤلف ويضاف إليها الرفع من السجود والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد الأخير، كما مر بنا.
(4) قوله « فَهَذِهِ الأَرْكَانُ لاَ تَتِمُّ الصَّلاَةُ إِلاَّ بِهَا » لأنها أركان، والركن لا تصح الصلاة بتركه عمدًا ولا سهوًا بل لابد منه، لكن كما سبق يسقط هذا الركن عند عدم القدرة على الإتيان به.
وَوَاجِبَاتُهَا سَبْعَةٌ(1): التَّكْبِيْرُ غَيْرَ تَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ(2)، وَالتَّسْبِيْحُ فِي الرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ مَرَّةً مَرَّةً(3)،.......................................................................
(1) قوله « وَوَاجِبَاتُهَا سَبْعَةٌ » الفرق بين الأركان والواجبات: أن الأركان لا تسقط بالسهو، والواجبات تسقط به ويجبرها سجود السهو، فمن نسي واجبًا أجزأ عنه سجود السهو، بخلاف الأركان فلا تصح الصلاة إلا بها.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة رقم (595).(6/9)
وقوله « سَبْعَةٌ » هذا عند المؤلف ×، فهناك واجبات مختلف فيها، فبعض ما عدَّه واجبات هو على القول الراجح أركان كما سيأتي إن شاء الله.
(2) قوله «التَّكْبِيْرُ غَيْرَ تَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ » أي تكبيرات الانتقال كلها واجبة إلا تكبيرة الإحرام، فتسقط هذه التكبيرات بالسهو، لكن استثنى أهل العلم من ذلك: التكبيرات الزوائد في صلاة العيد والاستسقاء فإنها سنة، وكذلك التكبيرات في صلاة الجنازة فإنها ركن، وتكبيرة الركوع لمن أدرك الإمام راكعًا فإنها سنة.
وقد دلت السنة على وجوب هذا التكبير كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوْا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوْا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوْا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوْا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ » (1)، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - واظب عليه إلى أن مات ولم ينقل عنه تركه لهذا التكبير وهو القائل : «صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ » ، وقد خالف في ذلك الأئمة الثلاثة فقالوا بعدم الوجوب، لكن الصواب وجوبه كما ذكرنا.
(3) قوله « وَالتَّسْبِيْحُ فِي الرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ مَرَّةً مَرَّةً » وقد مرّ بنا اختلاف الفقهاء في حكم التسبيح في الركوع والسجود في صفة الصلاة، وذكرنا أنه واجب، وهو قول الشيخين _ رحمهما الله _.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة _ رقم (691)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب إئتمام المأموم بالإمام _ رقم (625).(6/10)
وَالتَّسْمِيْعُ وَالتَّحْمِيْدُ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوْعِ(1)، وَقَوْلُ: رَبِّ اغْفِرْ لِيْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ(2) وَالتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ(3)، وَالْجُلُوْسُ لَهُ(4)، وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ(5) فَهَذِهِ إِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا، سَجَدَ لَهَا(6)،..........
(1) قوله « وَالتَّسْمِيْعُ وَالتَّحْمِيْدُ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوْعِ » مرت بنا الأدلة على وجوب ذلك في صفة الصلاة، واختلاف الفقهاء فيه، وبيان الراجح من أقوالهم.
(2) قوله « وَقَوْلُ: رَبِّ اغْفِرْ لِيْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ » وهو واجب على الصحيح وهو المذهب(1)، وبه قال الشيخان: سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(2)، وشيخنا محمد العثيمين(3) _ رحمهما الله تعالى _ وخالف في ذلك الجمهور فقالوا بسنيته.
(3) قوله « وَالتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ » والقول بوجوبه هو الراجح كما ذكرنا ذلك في صفة الصلاة.
(4) قوله « وَاْلجُلُوْسُ لَهُ » أي يجب الجلوس للتشهد الأول، فلو تشهد وهو قائم أو وهو ساجد لم تصح صلاته، بل لابد من الجلوس للتشهد الأول.
(5) قوله « وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ » والصحيح أن هذا ركن وليس بواجب، بخلاف ما ذهب إليه المؤلف، وقد بينا ذلك في صفة الصلاة.
(6) قوله « فَهَذِهِ إِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا، سَجَدَ لَهَا » أي هذه الواجبات حكمها أن من تركها عمدًا بطلت صلاته، ومن تركها سهوًا فيجبر ذلك بسجود السهو.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/670).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (11/38).
(3) الشرح الممتع (3/321، 322).(6/11)
وَمَا عَدَا هَذَا، فَسُنَنٌ، لاَ تَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِتَرْكِهَا(1)، وَلاَ يَجِبُ السُّجُوْدُ لِسَهْوِهَا(2)....
(1) قوله « وَمَا عَدَا هَذَا، فَسُنَنٌ » أي ما عدا هذه الأركان والواجبات فسنن، لا تبطل الصلاة بتركها لا عمدًا ولا سهوًا؛ لأنها من مكملات الصلاة، فمتى وجدت هذه السنن صارت الصلاة أكمل وأفضل، ومتى نقصت نقص الكمال المستحب لا الكمال الواجب.
ولم يذكر المؤلف هذه السنن لأنها كثيرة، فمنها سنن الأقوال التي هي سبع عشرة سنة، ومنها سنن الأفعال التي عدها بعض أهل العلم فأوصلها إلى القريب من الثلاثين سنة، وقد مر بنا بيان بعض هذه السنن في صفة الصلاة، لكن هل يشرع لها سجود السهو؟ قال المؤلف :
(2) قوله « وَلاَ يَجِبُ السُّجُوْدُ لِسَهْوِهَا » أي لا يجب السجود لمن تركها سهوًا، والمذهب(1) أنه لا بأس بالسجود لترك السنة لكن لا يشرع، وهناك قول آخر في المذهب(2) أنه يشرع سجود السهو لترك المسنون سواء كان من سنن الأقوال أو الأفعال؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :« فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ»(3) وهذا عام.
والذي رجحه شيخنا محمد العثيمين(4) × أن الإنسان إن ترك شيئًا من سنن الأقوال أو الأفعال كان من عادته أنه يفعله فإنه يشرع له أن يسجد جبرًا لهذا النقص الذي هو نقص كمال، أما إن ترك سنة ليس من عادته أنه يفعلها فهذا لا يسن له السجود، لأنه لم يطرأ على باله أن يفعلها،وهذا هو الراجح.
بَابُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ (1)
.............................................................................................
الشرح:
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (3/680، 682).
(2) المرجع السابق.
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب السهو في الصلاة والسجود له _ رقم (891) .
(4) الشرح الممتع (3/333، 334)..(6/12)
1) قوله « بَابُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ » أكثر العلماء يسمونه باب سجود السهو أو باب سجدتي السهو. وسجود السهو هو من باب إضافة الشيء إلى سببه، والسهو منه ما هو مذموم ومنه ما هو معفو عنه، فإن عُدِّي بـ « عَنْ » صار مذمومًا؛ لأنه بمعنى الغفلة والترك، كقولنا: سها فلان عن صلاته أي غفل عنها وتركها، كما قال تعالى:[? ? ? چ چ چ چ](1) أي غافلون لا يهتمون بها، وإن عُدِّي السهو بـ « فِيْ » صار معفوًا عنه؛ لأنه بمعنى الذهول الناتج عن غير قصد، كقولنا: سها فلان في صلاته، وهذا هو المراد في كلام الفقهاء، والسهو يقع من كل البشر، بل لم يسلم منه نبينا - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه مقتضى الطبيعة البشرية .
وقد اختلف الفقهاء في حكم سجود السهو: فالحنفية(2)، والحنابلة(3) في المعتمد عندهم أنه واجب، وذهب المالكية(4)، والشافعية(5)، والحنابلة(6) في إحدى الروايتين إلى أنه سنة. والصحيح أنه واجب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيْتُ فَذَكِّرُوْنِيْ، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِيْ صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ»(7)،ولأنه أيضًا ثابت من =
وَالسَّهْوُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ (1): أَحَدُهَا: زِيَادَةُ فِعْلٍ مِنْ جِنْسِهَا(2)،
__________
(1) سورة الماعون : 4 _ 5 .
(2) الفتاوى الهندية (1/125).
(3) المغني (2/433)، كشاف القناع (1/408).
(4) حاشية الدسوقي (1/273).
(5) المجموع شرح المهذب (4/68).
(6) المغني (2/433).
(7) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة _ باب التوجه نحو القبلة حيث كان _ رقم (386)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب السهو في الصلاة والسجود له _ رقم (889) .(6/13)
= فعله - صلى الله عليه وسلم - حيث أنه لما سهى في صلاته أتى بسجود السهو جبرًا للنقص أو الزيادة الحاصلة في الصلاة.
(1) قوله « وَالسَّهْوُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ » أي على ثلاثة أنواع، سيأتي بيانها على التفصيل.
(2) قوله « أَحَدُهَا: زِيَادَةُ فِعْلٍ مِنْ جِنْسِهَا » هذا هو النوع الأول الذي يوجب سجود السهو، وهو الزيادة في الصلاة، لكن اشترط المؤلف له شرطين:
الأول: أن تكون الزيادة في الفعل لا في القول.
الثاني: أن يكون هذا الفعل من جنس الصلاة، كقيام أو قعود أو ركوع أو سجود كما سيذكره المؤلف. أما إن كان من غير جنس الصلاة كالمشي، والمراوحة بين القدمين،والحك، والتروح بمروحة اليد،وفرقعة الأصابع، ولبس الإزار أو خلعه،ونحو ذلك، فهذه تبطل الصلاة بها بشروط هي:
الأول: أن تكون الحركة الحاصلة فيها كثيرة، وضابط الحركة هنا العادة والعرف.
الثاني: أن تكون لغير ضرورة؛ لأنه مع الضرورة لا تبطل الصلاة ولو كثرت الحركة كصلاة الخوف، قال تعالى:[? ? ? ? ?](1)، فمن يمشي لا شك أنه سيحصل منه عمل كثير في الصلاة .
الثالث: أن يكون هذا العمل متواليًا، فإن تفرق الفعل كأن يتحرك في كل ركعة ثلاث حركات مثلاً، لكنها لو اجتمعت متوالية صارت كثيرة، فإن الصلاة لا تبطل بذلك لتفرق العمل وعدم موالاته.
فهذه هي شروط الحركة التي تبطل بها الصلاة .
كَرَكْعَةٍ، أَوْ رُكْنٍ(1)، فَتَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِعَمْدِهِ، وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ(2). وَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ، جَلَسَ فِي الْحَالِ(3)،.....................................................
(1) قوله « كَرَكْعَةٍ، أَوْ رُكْنٍ » أي بفعل ركعة زائدة عن المأمور به، أو زيادة ركن كأن يزيد ركوعًا أو سجودًا أو قيامًا أو قعودًا في الصلاة، فما الحكم إذًا؟ سيذكره المؤلف .
(
__________
(1) سورة البقرة : 239.(6/14)
2) قوله « فَتَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِعَمْدِهِ، وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ » أي متى زاد المصلي في صلاته عمداً، فزاد فيها ركعة، أو زاد فيها ركوعًا أو سجودًا في غير محله، أو قعودًا في محل القيام، أو قيامًا في محل السجود، بطلت الصلاة بهذه الزيادة مع حصول الإثم عليه ويجب عليه التوبة؛ لأنه يكون بذلك متلاعبًا، أما إن فعل ذلك سهوًا فإنه يسجد للسهو.
(3) قوله « وَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ، جَلَسَ فِي الْحَالِ » وهذا بخلاف ما يقع فيه بعض الأئمة أو المنفردين، فنرى بعضهم إذا قام إلى ركعة زائدة كخامسة في صلاة رباعية، أو رابعة في ثلاثية، أو ثالثة في ثنائية، نراه لا يجلس في الحال ويقول: ما دمت أني استويت قائمًا فلابد من إكمالها، وهذا خطأ، بل الواجب عليه أنه متى علم أنها زائدة فليجلس في الحال، فإن كان
قد تشهد فليسلم ثم ليسجد للسهو بعد السلام .
وقوله « فِي الْحَالِ» أي حال علمه بأن هذه ركعة زائدة حتى وإن كان في الركوع؛ لأن الزيادة لا يمكن الاستمرار فيها أبدًا، فإن زاد فيها شيئًا مع علمه بأنه زيادة وتوهم أنه إذا قام إلى زائدة وشرع في القراءة حرم عليه الرجوع فصلاته باطلة ويجب عليه إعادة الصلاة.
..........................................................................................................
? تنبيهات:
أولاً: أين يكون محل السجود للسهو هنا، هل يكون قبل السلام أو بعده؟ المذهب(1) أنه يسجد قبل السلام؛ لأنهم يرون أن السجود بعد السلام لا يكون إلا إذا سلم قبل إتمامها فقط. والصحيح أن السجود هنا _ أي في الزيادة _ يكون بعد السلام كما ذكرت، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(2) وشيخنا محمد العثيمين(3) _ رحمهما الله _.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/10).
(2) الاختيارات الفقهية ص114.
(3) الشرح الممتع (3/343).(6/15)
ثانيًا: من كان مسافرًا فقام إلى ثالثة في صلاة مقصورة، هل يلزمه الرجوع أم له الإكمال ؟ على قولين للفقهاء: فأهل الظاهر(1) يرون أنه يلزمه الرجوع؛ لأن القصر في حق المسافر واجب.
أما الجمهور فيرون أن القصر ليس بواجب وعلى ذلك فهو مخير بين الإتمام وبين الرجوع.
والصحيح أنه إن دخل في الصلاة بنية القصر فلا يجوز له أن يزيد عليه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ »(2)، وهذا قد دخل في الصلاة يريدها ركعتين.
ثالثًا: من قام من الليل ليصلي فقام إلى ثالثة ناسيًا، هل يلزمه الرجوع؟ نقول: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن صلاة الليل مثنى؛ مثنى لحديث ابن عمر =
وَإِنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ فِيْ صَلاَتِهِ، أَتَى بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا، ثُمَّ سَجَدَ(1).
= رضي الله عنهما: « صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى »(3)،أما الحنفية(4) فذهبوا إلى أن قيام الليل أربعًا، أربعًا. والصحيح هو القول الأول أي أن قيام الليل مثنى مثنى، وعلى ذلك إن زاد المصلي في صلاته ثالثة لزمه الرجوع.
(1) قوله « وَإِنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ فِيْ صَلاَتِهِ، أَتَى بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا، ثُمَّ سَجَدَ » أي إذا سلم قبل إتمام صلاته ظنًّا أن الصلاة قد تمت ثم تذكر أنها ناقصة أتى بما بقي من صلاته، لكن يشترط هنا شرطان:
__________
(1) المحلى (4/264).
(2) أخرجه البخاري في باب بدء الوحي _ رقم (1)، ومسلم في كتاب الإمارة _ باب قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال _ رقم (1907) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة _ باب ما جاء في الوتر _ رقم (936)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة _ رقم (1239).
(4) حاشية ابن عابدين (1/460).(6/16)
الأول: أن لا يطول الفصل، فإن طال الفصل بأن تذكر بعد ساعة مثلاً أنه ما أتم صلاته فإنه لابد من أن يستأنف الصلاة أي يعيدها من جديد، أما إن تذكر بعد ثلاث أو أربع أو خمس دقائق أي تذكر أنه لم يتم صلاته فإنه يبني على ما مضى من صلاته فيتمها.
الثاني: أن لا يفعل ما ينافي الصلاة كأكل أو شرب أو كلام ليس من مصلحتها أو أن يحدث وما أشبه ذلك.
وقوله « ثُمَّ سَجَدَ » على كلامه يكون محل السجود هنا قبل السلام، والصحيح أن محل السجود هنا بعد السلام.
مثال ذلك: رجل نسي الركوع من الركعة الثالثة ولم يعلم إلا بعد ما سلم، فإنه يقوم دون تكبير، ويأتي بركعة كاملة، ثم يتشهد التشهد الأخير ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
وَلَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلاَةِ، لاَسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ(1)، فَإِنْ كَانَ كَثِيْرًا، أَبْطَلَهَا(2)، وَإِنْ كَانَ يَسِيْرًا، كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيْ حَمْلِهِ أُمَامَةَ، وَفَتْحِ الْبَابِ لِعَائِشَةَ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ(3).
(1) قوله « وَلَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلاَةِ، لاَسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ » أي إن فعل شيئًا ليس من جنس الصلاة: كالأكل والشرب أو المشي والمراوحة بين القدمين والحك والتروح بمروحة اليد وفرقعة الأصابع ولبس الثوب أو خلعه، وكذا ربط الإزار أو حلها ونحو هذه المذكورات، فهذه العمد والسهو فيها سواء، وحكمها قال المؤلف:
(2) قوله « فَإِنْ كَانَ كَثِيْرًا، أَبْطَلَهَا » وقد ذكرنا ذلك سابقًا، وقلنا أن العمل الكثير الذي ليس من جنس الصلاة يبطل الصلاة، عمده وسهوه سواء، وحد الكثير هنا مرجعه إلى العرف، مثال ذلك: الحركة المتوالية الكثيرة لغير ضرورة تبطل الصلاة، وقدرها بعض أهل العلم بثلاث حركات متواليات، أما الحركة القليلة أو الحركة غير متوالية فلا تبطل الصلاة بها، كما ذكرنا ذلك في شروط بطلان الصلاة بالحركة.
((6/17)
3) قوله « وَإِنْ كَانَ يَسِيْرًا، كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيْ حَمْلِهِ أُمَامَةَ، وَفَتْحِ الْبَابِ لِعَائِشَةَ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ » أي إن كان العمل الذي ليس من جنس الصلاة يسيرًا فإنه لابأس به ولا تبطل الصلاة به، واحتج المؤلف لذلك بدليلين:
الدليل الأول: حمله - صلى الله عليه وسلم - أمامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحملها في أثناء الصلاة(1).
الضَّرْبُ الثَّانِيْ(1) : النَّقْصُ(2)،.....................................................
= والدليل الثاني:فتحه الباب لعائشة(2)_ رضي الله عنها_،فهذه حركة يسيرة لا تؤثر في الصلاة.
(1) قوله « الضَّرْبُ الثَّانِيْ » أي النوع الثاني مما يشرع له سجود السهو.
(2) قوله « النَّقْصُ » أي ينقص شيء من أركان الصلاة أو واجباتها أو سننها، يكون حكمه كالآتي:
أولاً: الأركان:
1ـ إن كان المتروك تكبيرة الإحرام فلا صلاة له، سواء تركها عمدًا أو سهوًا؛ لأن صلاته لم تنعقد.
2ـ وإن كان المتروك ركنًا غير تكبيرة الإحرام، فإن تركه عمدًا بطلت صلاته، وإن تركه سهوًا فلا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يصل إلى موضعه من الركعة التي تليها، فالحكم هنا أن تلغى الركعة التي تركه منها وتقوم التي تليها مقامها ويسجد للسهو بعد السلام .
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب السهو _ حمل الصبايا في الصلاة ووضعهن في الصلاة _ رقم (1190)،وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (2/95) رقم (827).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ـ باب العمل في الصلاة ـ رقم (787)، والنسائي في كتاب السهو ـ باب المشي أمام القبلة خطى يسيرة ـ رقم (1191)، حسنه الألباني في إرواء الغليل (ج2 رقم 386).(6/18)
الحالة الثانية: أن لا يصل إلى موضع الركن الذي تركه من الركعة الثانية، فالواجب عليه أن يعود إلى الركن المتروك فيأتي به وبما بعده ويسجد للسهو بعد السلام، مثاله: شخص نسي السجدة الثانية والجلوس قبلها من الركعة الأولى، فتذكر ذلك بعد أن قام من الركوع من الركعة الثانية، فإنه يعود ويجلس ويسجد ثم يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
...................................................................................................
ثانيًا: الواجبات:
إن كان المتروك واجبًا، فإن كان تركه للواجب متعمدًا بطلت صلاته، كأن يترك التشهد الأول مثلاً متعمدًا فصلاته هنا باطلة ويلزمه إعادتها، أما إن تركه ناسيًا فلا يخلو من ثلاثة أحوال :
الحالة الأولى: أن يترك المصلي الواجب ثم يذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة فإنه يأتي به ولا شيء عليه، مثاله: شخص رفع من السجود الثاني من الركعة الثانية ليقوم إلى الثالثة ناسيًا التشهد الأول ثم ذكر قبل أن ينهض فإنه يستقر جالسًا ثم يأتي بالتشهد ثم يكمل صلاته ويسلم ولا شيء عليه.
الحالة الثانية: أن يتذكر الواجب بعد مفارقة محله قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه فيلزمه الرجوع ليأتي به ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم ، مثاله: شخص نسي التشهد الأول وقام إلى الثالثة ثم تذكر التشهد بعد أن نهض قبل أن يستتم قائمًا فعليه أن يرجع ويجلس ويتشهد ثم يكمل الصلاة ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
الحالة الثالثة: أن يتذكر الواجب بعد وصوله إلى الركن الذي يليه فهنا يسقط عنه الواجب أي لا يرجع إليه ويستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم مثاله: شخص نسي التشهد الأول فلم يذكره حتى استتم قائمًا فإنه يسقط عنه فلا يرجع إليه بل عليه أن يكمل صلاته ويسجد للسهو قبل السلام.
ثالثًا : السنن:
إن كان المتروك سنة فقد بيَّنا حكم ذلك سابقًا في آخر باب الأركان والواجبات(6/19)
عند قول المؤلف «وَمَا عَدَا هَذَا،فَسُنَنٌ،لاَ تَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِتَرْكِهَا،وَلاَ يَجِبُ=
كَنِسْيَانِ وَاجِبٍ(1)، فَإِنْ قَامَ عَنِ التَّشّهُّدِ الأَوَّلِ، فَذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، رَجَعَ، فَأَتَى بِهِ(1)،....................................................................................
=السُّجُوْدُ لِسَهْوِهَا » فأغنى عن إعادته.
(1) قوله « كَنِسْيَانِ وَاجِبٍ » أي واجب من واجبات الصلاة، والواجب ما أمر به الشارع على وجه الإلزام، وحكم نسيان واجبات الصلاة أنها تجبر بسجود السهو، وقد ذكرنا كيف يتعامل معها المصلي، وواجبات الصلاة كما ذكرنا ثمانية وهي: 1_ التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، 2_ التسميع أي قول « سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » للإمام والمنفرد، 3_ التحميد أي قول « رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ » للإمام والمأموم والمنفرد، 4_ قول: « سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيْمِ » في الركوع مرة واحدة، 5_ قول « سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى » في السجود مرة واحدة، 6_ سؤال المغفرة أي قول: « رَبِّ اغْفِرْ لِيْ » في الجلوس بين السجدتين، 7_ التشهد الأول، 8_ الجلوس للتشهد الأول.
فهذه هي واجبات الصلاة التي لا تسقط عمدًا بل تبطل الصلاة، أما في حال السهو فيجبرها سجود السهو على ما ذكرنا سابقًا.
((6/20)
1) قوله « فَإِنْ قَامَ عَنِ التَّشّهُّدِ الأَوَّلِ، فَذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، رَجَعَ، فَأَتَى بِهِ» دليل ذلك حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ فَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلاَ يَجْلِسْ وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» (1).
وَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا، لَمْ يَرْجِعْ(1)، وَإِنْ نَسِيَ رُكْنًا، فَذَكَرَهُ قَبْلَ شُرُوْعِهِ فِيْ قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى، رَجَعَ، فَأَتَى بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ(2)، وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذالِكَ، بَطَلَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِيْ تَرَكَهُ مِنْهَا(3)
(1) قوله « وَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا، لَمْ يَرْجِعْ » للحديث المذكور آنفًا.
(2) قوله « وَإِنْ نَسِيَ رُكْنًا، فَذَكَرَهُ قَبْلَ شُرُوْعِهِ فِيْ قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى، رَجَعَ، فَأَتَى بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ » هذه إحدى الروايتين في المذهب(2)، والرواية الأخرى(3) أنه يرجع ما لم يصل إلى محله من الركعة التي تليها، وهذا قول ابن سعدي(4)، وشيخنا محمد العثيمين(5) _ رحمهما الله _ وهو الراجح إن شاء الله.
__________
(1) أخرجه أحمد (37/169) رقم (17513)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها _ باب ما جاء فيمن قام من اثنتين ساهيًا _ رقم (1208) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/199) رقم (996).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/49).
(3) المرجع السابق.
(4) المختارات الجلية ص47.
(5) الشرح الممتع (3/372).(6/21)
ونمثل للروايتين بما يلي: رجل نسي السجدة الثانية ثم قام للركعة التي تليها، فعلى الرواية الأولى في المذهب وهي المختارة عند الحنابلة أنه إن قام فشرع في قراءة الفاتحة فإنه لا يرجع وتلغى هذه الركعة وتقوم مقامها التي تليها،وعلى الرواية الثانية وهي الراجحة أنه مادام لم يصل إلى السجود _ أي محله من الركعة الثانية _ فإنه يرجع ويأتي بالسجود المتروك ثم يكمل صلاته.
(3) قوله « وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذالِكَ، بَطَلَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِيْ تَرَكَهُ مِنْهَا » أي إن ذكر الركن المتروك بعد أن شرع في القراءة من الركعة الثانية فتبطل الركعة التي تركه منها=
وَإِنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، فَذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ، سَجَدَ فِي الْحَالِ، فَصَحَّتْ لَهُ رَّكْعَةُ، ثُمَّ يَأْتِيْ بِثَلاَثِ رَكَعَاتٍ(1).
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: الشَّكُّ(2)،....................................................................
=في إحدى الروايتين(1) في المذهب، والصحيح أنه إن لم يصل إلى محله من الركعة التي تليها فيجب أن يرجع ويأتي به ولا تبطل هذه الركعة، أما إذا وصل إلى الركن المتروك من الركعة التي تليها فهنا تبطل الركعة التي تركه منها.
(1) قوله « وَإِنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، فَذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ، سَجَدَ فِي الْحَالِ، فَصَحَّتْ لَهُ رَّكْعَةُ، ثُمَّ يَأْتِيْ بِثَلاَثِ رَكَعَاتٍ » صورة هذه المسألة: أن يصلي أربع ركعات وينسى السجدة الثانية في كل ركعة، فلما جاء للركعة الرابعة وسجد السجدة الأولى وبدأ يقرأ التشهد، تذكر أنه ترك هذه السجدات، فنقول له: اسجد مباشرة السجدة الثانية من الركعة الأخيرة ثم اجعل هذه هي الركعة الأولى لك ثم أتمم صلاتك فأضف لذلك ثلاث ركعات أخرى واسجد للسهو بعد السلام.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/49).(6/22)
وهناك قول آخر في هذه المسألة وهو أنه يصح له ركعتان ويبقى عليه ثنتان، وذلك لأن له في كل ركعة سجدة فتحسب هذه السجدات له، فيكون مجموع الركعات له اثنتين كاملتين ويبقى عليه اثنتان،والذي نرجحه هو القول الأول.
(1) قوله « الضَّرْبُ الثَّالِثُ: الشَّكُّ » أي النوع الثالث مما يجب له سجود السهو الشك، والشك معناه: التردد بين أمرين لم يترجح أحدهما على الآخر. والشك منه ما يكون أثناء الصلاة، ومنه ما يكون بعد انتهائها، فإن كان=
...................................................................................................
=الشك بعد الانتهاء من الصلاة وخروجه منها بالتسليم فلا يلتفت إليه؛ لأنه لا عبرة بالشك بعد الفراغ من العبادة، أما إن شك في أثناء صلاته فلا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى:أن يشك ويمكنه التحري ويترجح عنده أحد الأمرين،إما الزيادة وإما النقص فهنا يعمل بمقتضى ما ترجح لديه.
مثاله: شخص يصلي الظهر وفي إحدى الركعات بعد أن رفع من السجود شك هل قال: سبحان ربي الأعلى أم لم يقله؟ فهنا يتحرى، فإن ترجح لديه أنه لم يقله سجد للسهو قبل السلام لأنه عن نقص، وإن ترجح عنده أنه قاله فلا سجود عليه؛ لأنه لم ينقص من الصلاة.
مثال آخر: رجل يصلي الظهر فلما وصل إلى الركعة الرابعة شك في أثنائها هل هذه الرابعة أم الخامسة ثم ترجح عنده أنها الرابعة فهنا يجب عليه سجود السهو؛ لأنه أدى جزءًا من صلاته مترددًا.
أما إن شك في الركعة الرابعة وهو في التشهد الأخير فلا يجب عليه سجود السهو؛ لأن الشك طرأ عليه بعد مفارقة الركعة محل الشك وقد انتهت على أنها الرابعة بلا تردد.(6/23)
الحالة الثانية: أن يشك ولا يمكنه التحرى فيستوي عنده الأمران، وفي هذه الحالة يأخذ بالأصل؛ لأنه اليقين في المعدودات، ولأن هذا أقرب وأبرأ للذمة، ودليل ذلك حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: « إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِيْ صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ =
فَمَتَى شَكَّ فِيْ تَرْكِ رُكْنٍ، فَهُوَ كَتَرْكِهِ(1)، وَإِنْ شَكَّ فِيْ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، بَنَى عَلَى الْيَقِيْنِ(2)، إِلاَّ الإِمَامَ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ يَبْنِيْ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ(3)،.......................
=صَلاَتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيْمًا لِلشَّيْطَانِ »(1) .
ونضرب مثالاً على هذه الحالة : شخص يصلي الظهر وأثناء الركعة الرابعة شك أهذه الثالثة أم الرابعة ولم يترجح لديه شيء فيبني على الأقل ويجعلهن ثلاثًا ويتم صلاته ويسجد للسهو قبل السلام.
وهذه جملة ما ينبغي على المصلي أن يعرفه حال شكه في صلاته.
(1) قوله « فَمَتَى شَكَّ فِيْ تَرْكِ رُكْنٍ، فَهُوَ كَتَرْكِهِ » أي إن شك في ترك الركن أو فعله فيكون حكمه حكم من تركه، مثاله: قام إلى الركعة الثانية فشكّ هل سجد مرتين أم مرة واحدة ولم يترجح عنده أحد الأمرين؟ فعلى المذهب إن شرع في القراءة لا يرجع وقبل الشروع يرجع، وعلى القول الراجح أنه يرجع مطلقًا ما لم يصل إلى محله من الركعة التالية، فيرجع ويجلس ثم يسجد ثم يقوم؛ لأن الشك في ترك الركن كتركه.
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب السهو في الصلاة والسجود له _ رقم (888).(6/24)
2) قوله « وَإِنْ شَكَّ فِيْ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، بَنَى عَلَى الْيَقِيْنِ » وهو الأقل كما ذكرنا، فمتى شك أثلاثًا صلى أم أربعًا فيبني على اليقين ويجعلهن ثلاثًا كما ذكرنا.
(3) قوله « إِلاَّ الإِمَامَ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ يَبْنِيْ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ » وذلك لأن الإمام إذا سها في صلاته فإن المأموم سيذكره بالتسبيح له، ويكون سجود السهو هنا محله بعد السلام.
وَلِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ قَبْلَ السَّلاَمِ(1) إِلاَّ مَنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ فِيْ صَلاَتِهِ وَالإِمَامُ إِذَا بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ(2)،وَالنَّاسِيْ لِلسُّجُوْدِ قَبْلَ السَّلاَمِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ سَلاَمِهِ(3)، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ(4)...........................................................
(1) قوله « وَلِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ قَبْلَ السَّلاَمِ » ليس مراده تعدد السجود إذا تعدد السهو، وإنما مراده أن كل السجود يكون قبل السلام إلا فيما استثني، وقد مر بنا محل سجود السهو.
(2) قوله « إِلاَّ مَنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ فِيْ صَلاَتِهِ وَالإِمَامُ إِذَا بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ » فيكون السجود للسهو بعد السلام.
(3) قوله « وَالنَّاسِيْ لِلسُّجُوْدِ قَبْلَ السَّلاَمِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ سَلاَمِهِ » وجوبًا ولكن بشرط أن يبقى في المسجد محل الصلاة وألا يطول الفصل، فإن خرج من المسجد سقط عنه، وكذا إن طال الفصل عرفًا سقط عنه؛ لأنه تكميل للصلاة فلا يأتي به بعد طول وصلاته صحيحة. لكن إن نسي سجود السهو ثم شرع في صلاة أخرى، كأن يصلي الظهر والعصر جميعًا فسها في صلاة الظهر سهوًا يوجب السجود قبل السلام فسها ولم يسجد للسهو بعد السلام ثم شرع في صلاة العصر فإنه يسجد له بعد تسليمه من العصر ما لم يطل الفصل عرفًا لبقاء محله.
((6/25)
4) قوله « ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ » هذا هو المذهب وهو محل خلاف بين الفقهاء، والراجح أنه لا يتشهد بل يسجد للسهو ويسلم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(1).
وَلَيْسَ عَلَى الْمَأْمُوْمِ سُجُوْدُ سَهْوٍ، إِلاَّ أَنْ يَسْهُوَ إِمَامُهُ، فَيَسْجُدُ مَعَهُ(1). وَمَنْ سَهَا إِمَامُهُ، أَوْ نَابَهُ أَمْرٌ فِيْ صَلاَتِهِ، فَالتَّسْبِيْحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيْقُ لِلنِّسَاءِ(2).
? تنبيه: إذا كان سجود الإمام للسهو قبل السلام فالواجب متابعة المسبوق لإمامه، أما إن كان سجود السهو بعد السلام فالمذهب(2) يجب متابعته، والصحيح في هذه المسألة أن الإمام إذا سجد بعد السلام لا يلزم المسبوق متابعته؛ لأن المتابعة متعذرة فإن الإمام يسلم ولو تابعه في السلام لبطلت صلاته، لكن هل يلزمه سجود السهو إذا أتم صلاته بعد السلام؟ الصحيح أنه إذا كان سهو الإمام فيما أدركه من الصلاة وجب عليه أن يسجد بعد السلام، وإن كان السهو فيما لم يدركه مع الإمام لم يجب عليه سجود السهو.
(1) قوله « وَلَيْسَ عَلَى الْمَأْمُوْمِ سُجُوْدُ سَهْوٍ، إِلاَّ أَنْ يَسْهُوَ إِمَامُهُ، فَيَسْجُدُ مَعَهُ » لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوْا عَلَيْهِ» (3)، ولأن سجود السهو واجب وليس بركن، والواجب يسقط عن المأموم من أجل متابعة الإمام.
(
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص115.
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/74).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب إقامة الصف من تمام الصلاة _ رقم (680)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب ائتمام المأموم بالإمام _ رقم (625).(6/26)
2) قوله « وَمَنْ سَهَا إِمَامُهُ، أَوْ نَابَهُ أَمْرٌ فِيْ صَلاَتِهِ، فَالتَّسْبِيْحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيْقُ لِلنِّسَاءِ » وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سها في صلاته جعل الصحابة بعضهم يصفق، فلما انتهى - صلى الله عليه وسلم - قال : « إِذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلاَةِ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّقِ النِّسَاءُ »(1) .
بَابُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ(1)
..................................................................................................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ » التطوع في اللغة: التبرع، يقال: تطوع بالشيء أي تبرع به، أما في الاصطلاح: فهي « صلاة مخصوصة بطاعة غير واجبة »، ويقال أيضًا هي « اسم لما شرع زيادة على الفرائض والواجبات ».
وقوله « صَلاَةُ التَّطَوُّعِ» هو من باب إضافة الشيء إلى نوعه، فالصلاة جنس وأنواع، وصلاة التطوع نوع من أنواعها، لكن هل هناك فرق بين أحكام صلاة التطوع وأحكام الصلاة المفروضة؟ نقول: نعم، هناك فرق بينهما، فمن ذلك:
( أ ) أن صلاة التطوع يجوز فعلها قاعدًا مع القدرة على القيام، ولا يجوز ذلك في الفريضة.
(ب) أن الجماعة في صلاة التطوع ليست بواجبة، بخلاف الجماعة للفريضة فهي واجبة على الصحيح.
(ج) صلاة التطوع غير الرواتب غير مقدرة بمقدار خاص ولا مؤقتة بوقت خاص، فيجوز للإنسان أن يتطوع في أي وقت من النهار أو الليل إلا في الأوقات التي ورد النهي عن الصلاة فيها فلا يشرع التطوع المطلق فيها، أما الفرائض فهي مقدرة بمقدار خاص ومؤقتة بأوقات مخصوصة فلا يجوز الزيادة على ذلك.
(
__________
(1) أخرجه أحمد (46/299) رقم (21751)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب التصفيق في الصلاة _ رقم (941)، والنسائي في كتاب الإمامة _ باب استخلاف الإمام إذا غاب _ رقم (785)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/177) رقم (830).(6/27)
د ) الفريضة لابد فيها من تعيين النية بخلاف التطوع المطلق فلا يشترط له تعيين النية.
وَهِيَ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ (1): ................................................................
( هـ) صلاة التطوع تجوز على الراحلة وما كان في معناها مع القدرة على النزول، أما الفريضة فلا يجوز إلا مع عدم القدرة على النزول، كالصلاة في السفينة والطائرة.
( و) أن الفريضة لا تصح في الكعبة ولا على ظهرها، وهو المذهب(1) عند الحنابلة، بخلاف التطوع.
( ز) الفريضة لا تسقط بحال ما دام عقله ثابتاً، بخلاف النافلة فتسقط عند العجز عنها ويكتب أجرها لمن اعتادها ولمن عجز عنها إذا كان من عادته فعلها.
(ح) النافلة لا يكفر تاركها بالإجماع، بخلاف الفريضة فتاركها بالكلية يكفر على القول الصحيح.
وهناك فروق أخرى ذكرها بعض أهل العلم.
? تنبيه: آكد ما يتطوع به من العبادات البدنية: قيل الجهاد، وقيل العلم، والصحيح الذي اختاره شيخنا(2) × أنه يختلف باختلاف الفاعل وباختلاف الزمن، فقد يكون الجهاد في حق بعض الأشخاص أفضل، وفي بعضهم يكون طلب العلم في حقهم أفضل، فإذا كان الإنسان شجاعًا قويًا ونشيطًا وليس بذكي مثلاً فالأفضل في حقه الجهاد، وإن كان ذكيًّا حافظًا قوي الحجة فيكون العلم في حقه أفضل.
(1) قوله « وَهِيَ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ » أي صلاة التطوع على خمسة أنواع.
أَحَدُهَا: السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ(1)، وَهِيَ الَّتِيْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: عَشْرُ رَكَعَاتٍ، حَفِظْتُهُنَّ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا(2)،................................
(1) قوله « أَحَدهَا: السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ » سميت بذلك لأنها دائمة مستمرة وهي تابعة للفرائض مرتبة قبلها أو بعدها.
(
__________
(1) المغني (2/475، 476).
(2) الشرح الممتع (4/6).(6/28)
2) قوله « وَهِيَ الَّتِيْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: عَشْرُ رَكَعَاتٍ حَفِظْتُهُنَّ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - » حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما_ متفق عليه، وهذه هي السنن الرواتب أي الدائمة المستمرة التابعة للفرائض، وهي كما ذكر ابن عمر: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان بعد الفجر، هذه عشر ركعات، وهذا على أحد القولين .
وقيل بأن الرواتب اثنتا عشرة ركعة، وذلك بإضافة ركعتين أخريين قبل الظهر؛ لحديث عائشة عند البخاري « أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ»(1)،وكذا حديث أم حبيبة _ رضي الله عنها_ عند مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّيْ للهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ »(2). وهذا هو الصواب أي أن الرواتب اثنتا عشرة ركعة. وخرج من هذه المذكورات صلاة العصر، فليس لها سنة راتبة لكن لها سنة مطلقة وهي الداخلة في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :«بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ»(3). وقولنا «أربع ركعات قبل الظهر» أي بتسليمتين لا بتسليمة واحدة كما يظن البعض =
__________
(1) أخرجه البخاري في أبواب التطوع _ باب الركعتين قبل الظهر _ رقم (1110).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها_ باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن _ رقم (1199).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان_ باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء _ رقم (591)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها_ باب بين كل أذانين صلاة _ رقم (1384) من حديث عبد الله بن مغفل المزني - رضي الله عنه - .(6/29)
وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِيْ بَيْتِهِ(1)، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِيْ بَيْتِهِ(2)، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، حَدَّثَتْنِيْ حَفْصَةُ(3) أَنْ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذاَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ(4)، وَهُمَا آكَدُهَا(5).
= بل يصلي ركعتين ثم يسلم منها، ثم يصلي ركعتين ويسلم منها هكذا.
(1) قوله « وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِيْ بَيْتِهِ » أي أن السنة لراتبة المغرب أن تصلى في البيت، وهذا عام في حق الإمام والمأموم، لكن من خاف أن ينسي هاتين الركعتين فالأولى أن يصليهما في المسجد، أما من اعتاد أن يصليهما في البيت فالأفضل له ذلك.
(2) قوله «وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِيْ بَيْتِهِ» يقال فيها كما قيل في الركعتين بعد المغرب.
(3) قوله « حَدَّثَتْنِيْ حَفْصَةُ » القائل هو ابن عمر _ رضي الله عنهما_ وهو أخو حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - جميعًا.
(4) قوله « أَنْ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ » المراد بطلوع الفجر هنا هو الفجر الصادق الذي سبق بيانه في باب المواقيت، وقلنا بأنه يتميز عن الفجر الكاذب بثلاثة أمور:
الأول: أن الفجر الصادق يعقبه نور.
الثاني: أن الفجر الصادق يكون معترضًا من الشمال إلى الجنوب.
الثالث: أن الفجر الصادق يترتب عليه الأحكام الشرعية .
(5) قوله « وَهُمَا آكَدُهَا » أي آكد السنن الرواتب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا»(1)، وأيضًا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قالت عائشة عن هاتين الركعتين=
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب استحباب ركعتي الفجر والحث عليهما وتخفيفهما _ رقم (1193).(6/30)
وَيَسْتَحَبُّ تَخْفِيْفُهُمَا(1)، وَفِعْلُهُمَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ(2)،.........................................
=« وَلَمْ يَكُنْ يَدَعْهُمَا أَبَدًا»(1).
(1) قوله « وَيَسْتَحَبُّ تَخْفِيْفُهُمَا » وذلك لحديث عائشة _ رضي الله عنها_ قالت: « كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي لأَقُوْلُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ»(2)، فالسنة التخفيف في هاتين الركعتين.
(2) قوله « وَفِعْلُهُمَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ » وذلك لحديث ابن عمر _ رضي الله عنهما_ السابق، لكن هل هذا عام في حق الإمام والمأموم أم الأفضل في حق المأموم أن يبادر إلى الصلاة قبل الأذان وفي أثنائه فيصليها في المسجد؟ نقول:الصواب أن الأفضل في حق المأموم أن يبادر إلى الصلاة؛ لأن الأجر الحاصل في المبادرة إلى الصلاة أفضل من أداء هذه السنة في البيت،ولذا فالأولى في حقه المبادرة ثم يصليها في المسجد،أما النوافل التي بعد الصلاة فالأفضل أن يصليها في البيت. ومن خلال ما ذكره المؤلف يتبين لنا أن ركعتي الفجر تختص عن غيرها بأمور هي:
( أ ) أنهما تشرعان سفرًا وحضرًا بخلاف غيرهما من الرواتب.
(ب) أن ثوابهما خير من الدنيا وما فيها
(ج) أنه يسن تخفيفهما كما في حديث عائشة سابق الذكر.
(د ) أنه يقرأ فيهما بسور معينة وهي سورة الكافرون في الركعة الأولى، وسورة الإخلاص في الركعة الثانية، وإن شاء قرأ في الأولى:[? ? ?](3)، وفي الركعة الثانية يقرأ فيها[? ? ? ? ? ? ? ?=
وَكَذالِكَ رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ(1). الثَّانِيْ: الْوِتْرُ(2)،......................................................
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التهجد _ باب المداومة على ركعتي الفجر _ رقم (1089)
(2) أخرجه البخاري في كتاب التهجد _ باب ما يقرأ في ركعتي الفجر _ رقم (1095).
(3) سورة البقرة : 136.(6/31)
= ?](1).
(هـ) أنه يسن الاضطجاع بعدهما لمن صلاهما في البيت، وهذه السنة الصواب أنها تكون في حق من يحتاج إليها، كمن يقوم من الليل ويحتاج إلى أن يستريح، لكن بشرط أن لا يستغرق في النوم فتفوته صلاة الجماعة، وبالتالي قد ترك أمرًا واجبًا لتحصيل سنة.
(1) قوله « وَكَذالِكَ رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ » أي يسن أن يصليها في البيت كما جاء في حديث ابن عمر السابق.
? تنبيه: من فاته شيء من الرواتب هل يسن قضاؤها؟ الجواب: نقول إن تركها لعذر كنوم ونسيان وانشغال بما هو أهم جاز قضاؤها،أما إن تركها عمدًا حتى فات وقتها فإنه لا يقضيها، بل إن قضاها فلا تصح منه راتبته؛ لأن الرواتب عبادات مؤقتة، والعبادات المؤقتة إذا تعمد الإنسان تركها حتى خرج وقتها لم تقبل منه؛لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(2)
(2) قوله « الثَّانِيْ: الْوِتْرُ » أي النوع الثاني من أنواع التطوع هو الوتر، واختلف
الفقهاء في حكم الوتر، فالجمهور(3) على أنه سنة مؤكدة وليس بواجب،=
وَوَقْتُهُ: مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ(1)،...................................................................
=وذهب أبو حنيفة(4) خلافًا لصاحبيه وأبوبكر(5) من الحنابلة إلى أنه واجب.
__________
(1) سورة آل عمران : 64.
(2) أخرجه البخاري _ معلقاً مجزومًا به_ في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة _ باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود،ومسلم في كتاب الأقضية _ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور _ رقم (3242).
(3) انظر في ذلك: المغني (2/591ـ594)، المجموع شرح المهذب (3/514، 515)، حاشية الدسوقي (1/312).
(4) الهداية وفتح القدير (1/300ـ303).
(5) المغني (2/591ـ 594).(6/32)
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور أي أنه سنة مؤكدة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سأله الأعرابي عما فرض عليه في اليوم والليلة قال: « خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ »، فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: « لاَ إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ »(1)، وقول علي - رضي الله عنه - : « الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ وَلَكِنْ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - »(2).
ومع كونه سنة إلا أنه لا ينبغي لمسلم أن يتهاون فيها، فمن تركها فقد أساء، قال الإمام أحمد ×:« من ترك الوتر عمدًا فهو رجل سوء لا ينبغي أن يقبل له شهادة »(3).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان _ باب الزكاة من الإسلام _ رقم (44)، ومسلم في كتاب الإيمان _ باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام _ رقم (12) .
(2) أخرجه أحمد (3/203) رقم (1197)، والترمذي في كتاب الصلاة _ باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم _ رقم (416)، والنسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار _ باب الأمر بالوتر _ رقم (1658)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها _ باب ماجاء في الوتر _ رقم (1159).
(3) المغني (2/591ـ 594).(6/33)
1) قوله « وَوَقْتُهُ: مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ » أي وقت الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني، ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَدَّكُمْ بِصَلاَةٍ وَهِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الْوِتْرُ فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوْعِ الْفَجْرِ »(1)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ =
وَأَقَلُّهُ: رَكْعَةٌ(1) ،..........................................................................................
=بِوَاحِدَةٍ »(2). وذهب ابن قدامة(3) في المغني إلى أن الوتر يفعله قبل صلاة الفجر، ونقل ذلك عن كثير من الصحابة، وكذا الأئمة، واحتج لذلك بقوله ":=إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح+.
والذي أراه أنه لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح، لكن إن فاته فله أن يصليه قبل صلاة الصبح لاسيما أن هذا قد نقل عن كثير من الصحابة، قيل للإمام أحمد: أيوتر الرجل بعدما يطلع الفجر؟ قال: نعم، وهذا أيضاً نقل عن الإمام مالك.
? تنبيهان:
أولاً: إذا جمع المصلي بين المغرب والعشاء جمع تقديم فيبدأ وقت الوتر من بعد تمام صلاة العشاء.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب استحباب الوتر _ رقم (1208)، والترمذي في كتاب الصلاة _ باب ما جاء في فضل الوتر _ رقم (414)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها_ باب ما جاء في الوتر_ رقم ( 1158).
(2) أخرجه البخاري في كتاب التهجد _ باب كيف كان صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (1069)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب صلاة الليل مثنى مثنى الوتر ركعة من آخر الليل _ رقم (1241) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3) المغني (2/529).(6/34)
ثانيًا: من فاته الوتر حتى أصبح فيشرع في حقه أن يقضيه بعد طلوع الشمس شفعًا، فإن كان يوتر بواحدة قضاها ثنتين، وإن كان يوتر بثلاث قضاها أربعًا، وإن كان يوتر بخمس قضاها ستًّا، وهكذا.
(1) قوله « وَأَقَلُّهُ: رَكْعَةٌ » هذا هو المذهب(1)، وهو قول الشافعية(2)، فيجوز ذلك بلا كراهة للحديث المتقدم «إِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ »، وفي قول في المذهب أنه يكره الإيتار بركعة حتى في حق المسافر وتسمى البتيراء، ذكر =
وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً(1)،........................................................................
=ذلك صاحب الإنصاف، وذهب الحنفية إلى عدم جواز الإيتار بركعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البتيراء، والصحيح جواز الإيتار بركعة للحديث المتقدم ولما رواه مسلم «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ»(3).
(1) قوله « وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» هذا هو المذهب(4)، وهو قول الشافعية(5)؛ لحديث عائشة _ رضي الله عنها ــ قالت:« مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيْدُ فِيْ رَمَضَانَ وَلاَ فِيْ غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً »(6).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/115).
(2) المجموع شرح المهذب (3/518).
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب صلاة الليل مثنى مثنى الوتر ركعة من آخر الليل _ رقم (1247).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/115).
(5) المجموع شرح المهذب (3/518).
(6) أخرجه البخاري في كتاب التهجد _ باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل في رمضان وغيره _ رقم (1079) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (1219).(6/35)
لكن قول المؤلف « وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً » فيه نظر؛ لأن الصواب أنه يجوز الزيادة على ذلك، فيجوز أن يصليه ثلاث عشرة ركعة كما في حديث أم سلمة _ رضي الله عنها _ :« كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُوتِرُ بِثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً فَلَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ»(1)، وأيضًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوْتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى »(2)، فالأولى في كلام المؤلف أن يقول: والأفضل إحدى عشرة ركعة .
وَأَدْنَى الكَمَالِ: ثَلاَثٌ بِتَسْلِيْمَتَيْنِ(1)، وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ الرُّكُوْعِ(2).
(1) قوله « وَأَدْنَى الْكَمَالِ: ثَلاَثٌ بِتَسْلِيْمَتَيْنِ » وهذا هو المذهب(3)، وهو المذهب عند الشافعية(4)، وعللوا ذلك بأن الوتر بواحدة مختلف في كراهته فكان أدنى الكمال الثلاث، وقال بعض الفقهاء بل أدنى الكمال ركعة واحدة.
وقوله « بِتَسْلِيْمَتَيْنِ » أي يصلي ركعتين ثم يسلم منها ثم يأتي بركعة ويسلم، والعلة في ذلك لكي لا تشبه صلاة المغرب، وذهب الحنفية(5) إلى أنه يصلى الوتر بثلاث كصلاة المغرب. والصحيح القول الأول؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تشبه بصلاة المغرب، وإن صلاها بتشهد واحد وسلام واحد جاز.
(
__________
(1) أخرجه أحمد (54/175) رقم (25513)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في الوتر بسبع _ رقم (420).
(2) أخرجه البخاري في أبواب الوتر _ باب ما جاء في الوتر _ رقم (936)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل _ رقم (1239).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/120ـ123).
(4) شرح المحلى على المنهاج وحاشية القليوبي (1/212، 213).
(5) الهداية وفتح القدير والعناية (1/303، 304).(6/36)
2) قوله « وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ الرُّكُوْعِ » اختلف الفقهاء في القنوت في الوتر؛ فذهب أصحاب الإمام أحمد(1) إلى سنيته في الوتر في كل ليلة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقنت إلا في رمضان، وقال البعض بل يقنت في آخر رمضان، وقال المالكية(2) بل يكره القنوت في الوتر. والصحيح من هذه الأقوال أن القنوت في الوتر مشروع؛ لثبوته عن عمر - رضي الله عنه - ، لكن لا يداوم عليه؛ لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت في الوتر.
أما محل القنوت فالمذهب(3) على أنه بعد الركوع، وهو قول الشافعية(4)،
ودليل ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - « قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوْعِ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ »(5)، وهو في =
الثَّالِثُ: التَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ(1)، وَتَطَوُّعُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ النَّهَارِ(2)،...........
=الصحيحين من حديث أنس - رضي الله عنه - .
وذهب الحنفية(6) والمالكية(7) إلى أنه قبل الركوع، وهذا أيضًا ثابت في الصحيحين، والصحيح جواز الأمرين، والسنة في ذلك التنويع، فيقنت أحيانًا قبل الركوع وأحيانًا بعد الركوع.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/124).
(2) جواهر الإكليل (1/51).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/126).
(4) المجموع شرح المهذب (3/520).
(5) أخرجه البخاري في أبواب الوتر _ باب القنوت قبل الركوع وبعده _ رقم (947)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب استحباب القنوت في جميع الصلوات إذا نزلت بالمسلمين نازلة _ رقم (1087).
(6) فتح القدير (1/284).
(7) شرح الزرقاني (1/212).(6/37)
? تنبيه: لم يذكر المؤلف هنا ما يسن قراءته في الوتر، والمشروع فيه من القراءة أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة «الأعلى»، وفي الثانية بسورة « الكافرون »، وفي الثالثة بسورة «الإخلاص» كما جاء ذلك في السنن من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: « كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُوْنَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِيْ رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ »(1).
(1) قوله « الثَّالِثُ: التَّطَوُّعُ اْلمُطْلَقُ » أي النوع الثالث من أنواع النوافل التطوع المطلق، وسمي مطلقًا لأنه لا يختص بوقت ولا سبب بل يصليه الإنسان في أي وقت شاء إلا أوقات النهي التي سيذكرها المؤلف.
(2) قوله «وَتَطَوُّعُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ النَّهَارِ » لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « أَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيْضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ »(2)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :«... وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ=
وَالنِّصْفُ الأَخِيْرُ أَفْضَلُ مِنَ الأَوَّلِ(1)، وَصَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى(2)،..................
__________
(1) أخرجه أحمد (6/117) رقم (2585)، والترمذي في أبواب الوتر _ باب ما جاء فيما يقرأ به في الوتر _ رقم (424) واللفظ له، والنسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار _ باب نوع آخر من القراءة في الوتر _ رقم (1710)، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها _ باب ما جاء فيما يقرأ في الوتر (1162) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصيام _ باب فضل صيام محرم _ رقم (1982) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .(6/38)
=دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَم كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُوْمُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ ... »(1)، ولعل الفضل في ذلك راجع إلى أن الليل أدعى للخشوع، ولأن فيه وقت نزول الرب سبحانه وتعالى .
(1) قوله « وَالنِّصْفُ الأَخِيْرُ أَفْضَلُ مِنَ الأَوَّلِ » وذلك لحديث عائشة _ رضي الله عنها_ « مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ»(2)،وللحديث المتقدم:«..وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَم كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُوْمُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ...»،ولقوله - صلى الله عليه وسلم - :«... وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُوْمَ آخِرَهُ فَلْيُوْتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلاَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُوْدَةٌ وَذالِكَ أَفْضَلُ » (3)، لكن إن كان يخاف أن لا يقوم آخر الليل فالأولى أن يصلي أوله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«مَنْ خَافَ أَنْ لاَ يَقُوْمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوْتِرْ أَوَّلَهُ »(4).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التهجد _ باب من نام عند السحر _ رقم (1063)، ومسلم في كتاب الصيام _ باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به _ رقم (1969) واللفظ لمسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) أخرجه ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (1231).
(3) أخرجه المسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله _ رقم (1255).
(4) المرجع السابق.(6/39)
2) قوله « وَصَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» فلا ينبغي أن يصلي أربعًا بسلام واحد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»(1)،وعلى ذلك فإذا كان يصلي من الليل ثم=
وَصَلاَةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاَةِ الْقَائِمِ(1).
=نسي فقام إلى ثالثة فالمشروع في حقه أنه متى تذكر وجب عليه الرجوع، فإن جعلها أربعًا لم تصح للحديث المتقدم.
لكن هل يفهم منه أن صلاة النهار يجوز أن تكون أربعًا بسلام واحد أو أربعًا بتشهدين؟ نقول: لا يشرع ذلك؛ لأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
أما من احتج بحديث عائشة _ رضي الله عنها_ أنها قالت:«مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيْدُ فِيْ رَمَضَانَ وَلاَ فِيْ غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّيْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُوْلِهِنَّ..»(2)،فنقول: هذا محمول على أنه كان يصلي الأربع بسلامين، فيصلي ثنتين ثم يسلم ويصلي ثنتين ثم يسلم،لأنه لو صلى أربعًا بسلام واحد خالف قوله « صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى » وهو صريح في صلاة الليل هكذا.
(1) قوله « وَصَلاَةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاَةِ الْقَائِمِ » هذا في النافلة، فيجوز أن يصليها الإنسان قاعدًا لغير عذر، لكن أجرها على النصف من صلاة القائم، وقد ذكرنا ذلك في الفرق بين الفريضة والنافلة.
__________
(1) أخرجه البخاري في أبواب الوتر _ باب ما جاء في الوتر _ رقم (936) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل _ رقم (1239).
(2) أخرجه البخاري في كتاب التهجد _ باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل في روضان وغيره _ رقم (1079) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (1219).(6/40)
أما إن كان صلاها قاعدًا لعذر فالأجر له فيها كامل لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيْمًا صَحِيْحًا »(1) . وأما دليل ما ذكره المؤلف فهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ »(2) .
الرَّابِعُ: مَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ(1): أَحَدُهَا: التَّرَاوِيْحُ(2)، وَهِيَ: عِشْرُوْنَ رَكْعَةً بَعْدَ الْعِشَاءِ فِيْ رَمَضَانَ(1)..................................................
(1) قوله « الرَّابِعُ: مَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ » أي النوع الرابع من أنواع التطوع هو ما تسن له الجماعة، وهذا الضرب على ثلاثة أنواع :
(2) قوله « أَحَدُهَا:التَّرَاوِيْحُ » وهي قيام ليل رمضان، سميت بالتراويح؛ لأن الصحابة كانوا يطيلون فيها القراءة والركوع والسجود، فإذا صلوا أربعًا استراحوا ثم استأنفوا الصلاة أربعًا، ثم استراحوا ثم يوترون بثلاث. ويستحب لها الجماعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه جماعة، ثم خشي أن تفرض عليهم فتركها،فلما جاء عهد عمر - رضي الله عنه - جمعهم عليها،وعمر - رضي الله عنه - من الخلفاء الراشدين وأمرنا باتباع هديه، ثم استمر المسلمون عليها إلى وقتنا يصلونها جماعة.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير _ باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة _ رقم (2774).
(2) أخرجه البخاري في أبواب التقصير _ باب صلاة القاعد _ رقم (1048).(6/41)
3) قوله « وَهِيَ: عِشْرُوْنَ رَكْعَةً بَعْدَ الْعِشَاءِ فِيْ رَمَضَانَ » وهذا هو الثابت عن الصحابة _ رضوان الله عليهم _ أنهم كانوا يصلون عشرين ركعة، وهذا هو مذهب الحنفية(1)، والشافعية(2)، وبعض المالكية(3)، وهو المشهور من المذهب(4)، لكن الصحيح أن التراويح إحدى عشرة ركعة؛ لحديث عائشة _ رضي الله عنها _ المتقدم « مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيْدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِيْ غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً... »، وهذا رأي شيخنا(5) ×، لكن إن زاد=
..................................................................................................................
=على ذلك فلا بأس؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى؛ مَثْنَى »(6) فلم يحددها - صلى الله عليه وسلم - فإن صلاها ثلاثًا وعشرين فلا بأس، لكن الأولى أن يقتصر على إحدى عشرة ركعة؛ لأنه ثابت من فعله - صلى الله عليه وسلم - .
? تنبيه:
__________
(1) بدائع الصنائع (1/288)، رد المحتار (1/474).
(2) المجموع شرح المهذب (3/527).
(3) حاشية الدسوقي (1/315).
(4) المغني (2/604).
(5) الشرح الممتع (4/51).
(6) أخرجه البخاري في أبواب الوتر _ باب ما جاء في الوتر _ رقم (936)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل _ رقم (1239).(6/42)
أولاً: لا ينبغي للمأموم أن ينصرف عن الإمام لكونه يصلي عشرين ركعة كما يفعله البعض؛ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»(1)، ولأن هذا نوع من الاختلاف على الإمام، ولأن فيه نوع فرقة للمسلمين.
ثانيًا: لشيخ الإسلام قول لطيف في الزيادة عن إحدى عشرة ركعة، قال ×: « إن أطال القيام والركوع والسجود فيقلل الركعات أي يجعلها إحدى عشرة ركعة، وإن خفف القراءة والركوع والسجود فليكثر من الركعات»(2). وعلى العموم الذي أراه أنه ينبغي على الإمام أن يراعي حال المأموم، فإن كان المأموم يرغب في صلاة التراويح ويرى عدم الإطالة فيها فالأولى للإمام أن لا يحرم المأموم من أجرها فيصلي بلا إطالة ويجعلها إحدى عشرة ركعة، وإن كان المأموم يرغب في الإطالة صلى بهم وأطال.
..................................................................................................................
ثالثًا: لا حرج في حق الإمام أن يقرأ من المصحف في صلاة التراويح أو غيرها من النوافل إذا لم يكن حافظًا، فقد كان لعائشة غلام اسمه ذكوان كان يؤم بها في رمضان ويقرأ من المصحف، أما الفريضة فلا يفعل ذلك.
رابعًا: المأموم يكره له المتابعة من المصحف أثناء القراءة للإمام إلا إذا كانت هناك حاجة، كأن يحتاج إلى من ينبهه أثناء القراءة، وذلك لأن المتابعة من المصحف تشغله عن الخشوع في الصلاة وعن تدبر قراءة الإمام.
__________
(1) أخرجه أحمد (43/416) رقم (20450)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب في قيام شهر رمضان _ رقم (1167)، والترمذي كتاب الصوم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باب جاء في قيام شهر رمضان _ رقم (734)، والنسائي في كتاب السهو _ باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف _ رقم (1347).
(2) الاختيارات الفقهية ص119.(6/43)
خامسًا: لا حرج على المسلم أن يتتبع أصوات الأئمة، لكن الأولى أن يصلي في مسجده وخلف إمامه.
سادسًا: لا بأس بأن يحسن الإمام صوته أثناء قراءة القرآن ويأتي به على صفة توافق القلوب دون غلو وأن يراعى أحكام القراءة متى أمكن ذلك.
سابعًا: إذا قام الإمام إلى ثالثة في صلاة التراويح ناسيًا ثم تذكر أو ذُكّر أنها ثالثة، فالواجب عليه الرجوع ويجلس، فإن لم يرجع بطلت صلاته؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى »(1) .
ثامنًا: بعض الأئمة يحرصون على تخفيف صلاة التراويح فيصلونها بسرعة تمنع المصلين من فعل ما يسن، بل قد تمنعهم من فعل ما يجب، وفي المقابل هناك من الأئمة من يطيل إطالة تشق على المأموم، وهذا خطأ من كليهما بل على الإمام أن يتقي الله تعالى فلا يخفف بما يخل بواجب أو مسنون، ولا يطيل بما يشق على المأمومين.
وَالثَّانِيْ: صَلاَةُ الْكُسُوْفِ، فَإِذَا كُسِفَتِ الشَّمْسُ، أَوِ الْقَمَرُ، فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلاَةِ(1).
تاسعًا: القنوت في الوتر مشروع، لكن لابد أن يراعى فيه أولاً: عدم السجع، ثانياً: عدم الإطالة المفرطة، ثالثًا: الأولى فيه الاقتصار على ما ورد .
عاشرًا: يجوز لمن صلى مع الإمام أن يؤخر الوتر، فإذا سلم قام وضم ركعة أخرى، ولا يجوز أن يوتر مرتين في ليلة، مرة مع الإمام في التراويح ومرة بعد تهجده، فهذا لا يشرع.
(1) قوله « وَالثَّانِيْ: صَلاَةُ الْكُسُوْفِ، فَإِذَا كُسِفَتِ الشَّمْسُ، أَوِ الْقَمَرُ، فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلاَةِ » أي النوع الثاني من أنواع التطوع التي تشرع له الجماعة صلاة الكسوف، وصلاة الكسوف من باب إضافة الشيء إلى سببه، أي باب الصلاة التي سببها الكسوف.
__________
(1) أخرجه البخاري في أبواب الوتر _ باب ما جاء في الوتر _ رقم (936)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل _ رقم (1239).(6/44)
الكسوف والخسوف قيل: بأنهما بمعنى واحد، وقيل: بأن الكسوف للشمس والخسوف للقمر، وقيل: بالعكس.
والكسوف عرّفه العلماء بأنه ذهاب أحد النيرين أو بعضه، وسبب كسوف الشمس يحدث بسبب حجب القمر للشمس، فيحول بينها وبين الأرض فيحجبها عن الأرض، إما جميعها أو بعضها.
وقولنا « جميعها » ليس معناه أن الشمس تحجب عن الأرض جميعها، وإنما المراد أنه يحجبها عن موضع معين فيها؛ لأن القمر أصغر من الشمس، ولذلك لا يمكن أن يكون كسوف الشمس كليًّا في جميع أقطار الدنيا. أمّا خسوف القمر فيكون بسبب حجب الأرض للقمر فتحول بينه وبين الشمس؛ لأن القمر يستمد نوره من الشمس، ومن هنا يحصل خسوف القمر. =
..................................................................................................................
=وخسوف القمر وكسوف الشمس يحصل بسببين: الأول: حسِّي وهو الذي ذكرناه آنفًا، والثاني: سبب شرعي وهو تخويف الله تعالى لعباده كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ »(1) .
__________
(1) أخرجه البخاري في أبواب الكسوف _ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يخوف الله عباده بالكسوف _ رقم (990 )،ومسلم في كتاب الكسوف _ باب صلاة الكسوف _ رقم (1504).(6/45)
أمّا حكم صلاة الكسوف فقد ذهب جمهور الفقهاء(1) إلى أنها سنة مؤكدة، وذهب بعض الفقهاء إلى القول بالوجوب، قال شيخنا(2) ×: القول بالوجوب أقوى من القول بالاستحباب، والصواب أنها سنة مؤكدة، وهو قول سماحة شيخنا ابن باز(3) ×.
وتصلى هذه الصلاة فرادى وجماعات، فالجماعة ليست شرطًا فيها، لكن صلاتها جماعة أولى، والأفضل أيضًا أن تصلى في الجوامع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها في مسجد واحد، ولأن كثرة المصلين أدعى للخشوع وخضوع القلب وأقرب لإجابة الدعاء.
وقوله « فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلاَةِ » وذلك لفعله - صلى الله عليه وسلم - حينما كسفت الشمس في عهده، فزع - صلى الله عليه وسلم - فزعًا عظيمًا حتى أنه خرج بإزاره قاصدًا المسجد حتى تبعوه بردائه، وهذا يدل على أن الأمر عظيم.
إِنْ أَحَبُّوْا جَمَاعَةً، وَإِنْ أَحَبُّوْا فُرَادَى(1)، فَيُكَبِّرُ(2)، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُوْرَةً طَوِيْلَةً(3)، ..................................................................................................
(1) قوله « إِنْ أَحَبُّوْا جَمَاعَةً، وَإِنْ أَحَبُّوْا فُرَادَى » وذلك لأن الجماعة ليست شرطًا فيها، لكن الأفضل أن تصلى جماعة كما ذكرناه آنفًا.
(2) قوله « فَيُكَبِّرُ » أي تكبيرة الإحرام ناويًا بذلك صلاة كسوف الشمس أو القمر.
(
__________
(1) انظر في ذلك: بدائع الصنائع (1/242)، حاشية ابن عابدين (1/565، 566)، حاشية الدسوقي (1/401، 402)، الأم للشافعي (1/242)، المجموع شرح المهذب (5/50)، المغني لابن قدامة (3/330).
(2) الشرح الممتع (5/181).
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/39).(6/46)
3) قوله « وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُوْرَةً طَوِيْلَةً » وتكون القراءة في ذلك جهرًا، فالسنة فيها سواء كانت في الليل أو النهار أنها تكون جهرًا وهذ هو المذهب(1)، ورواية في مذهب مالك(2)، وذهب ابو حنيفة(3)، والمالكية(4)، والشافعية(5) إلى أن القراءة تكون سرًّا في كسوف الشمس.
والصحيح أنها تكون صلاة جهرية؛ لحديث عائشة _ رضي الله عنها _ : « جَهَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيْ صَلاَةِ الْخُسُوْفِ بِقِرَاءَتِهِ.. » (6)، وهذا اختيار شيخ الإسلام(7) ×.
وقوله « وَسُوْرَةً طَوِيْلَةً » لم يأت تعيين لهذه السورة، فالمهم أن تكون القراءة طويلة.
ثُمَّ يَرْكَعْ رُكُوْعَا طَوِيْلاً(1)،ثُمَّ يَرْفَعُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُوْرَةً طَوِيْلَةً دُوْنَ الَّتِيْ قَبْلَهَا(2)، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيْلُ دُوْنَ الَّذِيْ قَبْلَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ(3)، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيْلَتَيْنِ(4)،
(1) قوله « ثُمَّ يَرْكَعْ رُكُوْعًا طَوِيْلاً » من غير تقدير لهذا الركوع، المهم أن يكون طويلاً، فيطيل فيه بقدر الإمكان.
(2) قوله « ثُمَّ يَرْفَعُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُوْرَةً طَوِيْلَةً دُوْنَ الَّتِيْ قَبْلَهَا » وتكون هذه القراءة دون الأولى، أي أقل منها كما جاء ذلك في حديث عائشة _ رضي الله عنها _ .
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/390).
(2) حاشية الدسوقي (1/403).
(3) بدائع الصنائع (1/281).
(4) حاشية الدسوقي (1/403).
(5) المجموع شرح المهذب (5/57).
(6) أخرجه البخاري في أبواب الكسوف _ باب الجهر بالقراءة في الكسوف _ رقم (1004)، ومسلم في كتاب الكسوف _ باب صلاة الكسوف _ رقم (1502).
(7) الاختيارات الفقهية ص 153.(6/47)
3) قوله « ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيْلُ دُوْنَ الَّذِيْ قَبْلَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ » قائلاً: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثيْرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ (1)، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ »(2) .
(4) قوله «ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيْلَتَيْنِ» بقدر ركوعه، ويكون كذلك جلوسه بين السجدتين بقدر سجوده؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - : « كَانَ سُجُوْدُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرُكُوْعُهُ وَقُعُوْدُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ»(3)،ولأنه - صلى الله عليه وسلم - كان =
ثُمَّ يَقُوْمُ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذالِكَ(1)، فَيَكُوْنُ أَرْبَعَ رُكُوْعَاتٍ وَأَرْبَعَ سُجُوْدَاتٍ(2)...............
=يطيل الجلوس بين السجدتين حتى يقول الصحابة _ رضوان الله عليهم _: قد أوهم من طول جلوسه بين السجدتين .
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة _ باب اللهم ربنا لك الحمد _ رقم (757) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة _ رقم (942).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع _ رقم (736) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .
(3) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة _ باب المكث بين السجدتين _ رقم (777)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام _ رقم (724) واللفظ للبخاري .(6/48)
1) قوله « ثُمَّ يَقُوْمُ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذالِكَ » أي يأت بركعة أخرى مثل الأولى لكن دونها في كل ما فعل، فيكون القيام الأول من الركعة الثانية دون القيام الثاني من الركعة الأولى لتكون صلاته بالتدرج كل ركعة دون التي قبلها.
(2) قوله « فَيَكُوْنُ أَرْبَعَ رُكُوْعَاتٍ وَأَرْبَعَ سُجُوْدَاتٍ » وهذا هو قول الجمهور من المالكية(1)، والشافعية(2)، والحنابلة(3): أي أنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجدتان، وقال الحنفية(4) إنها ركعتان في كل ركعة قيام واحد وركوع واحد وسجدتان كسائر النوافل.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور؛ لحديث عائشة _ رضي الله عنها_ في صلاة الخسوف.
? ذكر بعض التنبيهات التي لم يذكرها المؤلف:
أولاً: قال في زاد المستقنع « وإن أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس جاز »، والصواب أن يقال بأن هذا مبني على طول زمن الكسوف، فإذا علمنا أن زمن الكسوف يطول فلا حرج من أن نصلي ثلاث ركوعات في كل ركعة ثلاث ركوعات أو أربع ركوعات أو خمس ركوعات؛لورود ذلك=
..................................................................................................................
=عن الصحابة - رضي الله عنهم - ، لكن الأولى والأفضل أن يقتصر على ركوعين وأن يطيل الصلاة ؛ لأن هذا هو الذي جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ثانيًا: ما بعد الركوع الأول هل هو ركن أم سنة؟ الصواب أنه سنة وليس بركن، ولذا لو صلاها كما تصلى صلاة النافلة أي جعلها ركوعين فقط فلا بأس.
__________
(1) حاشية الدسوقي (1/402).
(2) المجموع شرح المهذب (5/52).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/389).
(4) بدائع الصنائع (1/281).(6/49)
ثالثًا: هل تدرك صلاة الكسوف بالركوع الثاني ؟ بناء على ما ذكرناه آنفًا بأن ما بعد الركوع الأول سنة نقول: بأنها لا تدرك بالركوع الثاني، ولذلك من كان مسبوقًا بالركوع الأول لزمه أن يأتي بركعة أخرى؛ لأن الأولى تعتبر قد فاتته، وهذا هو القول الصحيح، وهو اختيار شيخنا(1) ×.
رابعًا: إذا انتهت الصلاة والكسوف باق، هل تعاد الصلاة؟ الصواب أنها لاتعاد، بل يبقى الناس يدعون الله تعالى وينشغلون بالذكر والتكبير والصدقة ونحو ذلك، وهذا هو اختيار سماحة شيخنا ابن باز(2) × أي لا تعاد صلاة الخسوف.
خامسًا: إذا انجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة، وليس معنى قولنا « أتمها خفيفة» أنه يجعلها جذماء مقطوعة بعض الأعضاء، وإنما التخفيف المراد هنا تخفيفًا لا يشعر المصلي أنه تخفيفٌ مخلٌ، فإن كان قد صلى في الركعة الأولى بمائة آية مثلاً فيجعل الثانية بقدر أربعين آية أو ثلاثين آية، بحيث لا يشعر المصلي بالتخفيف.
..................................................................................................................
سادسًا: إذا طلع الفجر وخسف القمر قبل طلوع الشمس هل يصلى؟
الجواب: لقد حصل هذا بالفعل ووقع الناس في حيرة، فبعض الناس صلى وبعضهم لم يصل، والمشهور من المذهب(3) أنها لا تصلى بعد طلوع الفجر إذا خسف القمر؛ لأنه وقت نهي، والصحيح أنها تصلى إن كان القمر بادياً ولولا الكسوف لأضاء، أما إن كان النهار قد انتشر ولم يبق إلا القليل على طلوع الشمس فهنا قد ذهب سلطانه والناس لا ينتفعون به سواء كان كاسفًا أو مبدرًا، وهذا هو اختيار شيخنا(4) × .
سابعًا: إذا شرع في صلاة الكسوف للشمس بعد العصر ثم غابت كاسفة فإنه يتمها خفيفة؛ لأنها إذا غابت ذهب الانتفاع بها.
__________
(1) الشرح الممتع (5/197).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/43).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/401).
(4) الشرح الممتع (5/193).(6/50)
ثامنًا: هل يصلى لغير الخسوف كالزلازل والبراكين والصواعق ونحو ذلك ؟ محل خلاف بين الفقهاء، فالمذهب(1) أنه يصلى فقط للزلزلة الدائمة وما عداها فلا، والمالكية(2) يرون أنه لا يصلى لغير الشمس والقمر مطلقًا، وهو اختيار سماحة شخنا ابن باز(3) ×، أما الشافعية(4) فيرون الصلاة لغير الشمس والقمر لكن لا تصلى جماعة بل منفردين.
والصحيح ما ذهب إليه الحنفية(5) من مشروعية الصلاة لكل ما فيه فزع =
الثَّالِثُ: صَلاَةُ الاِسْتِسْقَاءِ(1)، إِذَا أَجْدَبَتِ الأَرْضُ(2)، وَاحْتَبَسَ الْقَطْرُ(3)، خَرَجُوْا مَعَ الإِمَامِ مُتَخَشِّعِيْنَ(4)،.....................................................................................
= كالريح الشديدة والزلزلة والظلمة والصواعق والبراكين، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(6) و شيخنا محمد العثيمين(7) _ رحمهما الله _ .
تاسعًا: هل تسن الخطبة للكسوف؟ اختلف الفقهاء في مشروعية الخطبة لصلاة الكسوف، فالجمهور على أنه لا خطبة لصلاة الكسوف، والصحيح أنه تسن الخطبة بعد الفراغ من الصلاة لفعله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو مذهب الشافعية(8) ، وهو اختيار شيخنا(9) ×، لكن بلا صعود على المنبر وبلا إطالة، بل يكفي فيها التذكير فتكون بمثابة الموعظة.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/405).
(2) مواهب الجليل (2/200)
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/49).
(4) الأم للشافعي _1/246)، وأسنى المطالب (1/288).
(5) بدائع الصنائع (1/282).
(6) الاختيارات الفقهية ص153.
(7) الشرح الممتع (5/195).
(8) أسنى المطالب (1/286).
(9) الشرح الممتع (5/188).(6/51)
1) قوله « الثَّالِثُ: صَلاَةُ الاِسْتِسْقَاءِ » أي النوع الثالث مما تشرع له الجماعة من النوافل صلاة الاستسقاء، وهذا من باب إضافة الشيء إلى سببه كما ذكرنا ذلك سابقًا، والاستسقاء معناه طلب السقيا من الله تعالى، ويقال لها أيضًا صلاة الاستغاثة.
(2) قوله « إِذَا أَجْدَبَتِ الأَرْضُ » أي خلت الأرض من النبات، وضد الجدب الإخصاب، يقال: أخصبت الأرض أي ظهر نباتها وكثر.
(3) قوله « وَاحْتَبَسَ الْقَطْرُ » أي امتنع عن النزول.
(4) قوله « خَرَجُوْا مَعَ الإِمَامِ مُتَخَشِّعِيْنَ » أي ساكني الأطراف عليهم الوقار والهيبة.
مُتَبَذِّلِيْنَ(1)، مُتَذَلِّلِيْنَ(2)، مُتَضَرِّعِيْنَ(3)، فَيُصَلِّيْ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ(4)،........................
(1) قوله « مُتَبَذِّلِيْنَ » التبذل أي ترك الزينة وعدم التهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع.
(2) قوله « مُتَذَلِّلِيْنَ » أي متواضعين، والذل أشد من التواضع أي ذليل أمام ربه سبحانه وتعالى.
(3) قوله « مُتَضَرِّعِيْنَ » التضرع يعني الاستكانة أي مستكينين، وذلك لشدة إنابتهم إلى الله تعالى.
وهذه الأوصاف التي ذكرها المؤلف جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكر ذلك ابن عباس _ رضي الله عنهما _ حيث قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَلَّمَ مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلاً مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلاً مُتَضَرِّعًا»(1) .
(
__________
(1) أخرجه أحمد (7/193) رقم (3160)، وأبو داود في كتاب صلاة الاستسقاء _ جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها _ رقم (984)، والترمذي في أبواب السفر _ باب ما جاء في صلاة الاستسقاء _ رقم (512)، والنسائي في كتاب الاستسقاء _ باب الحال الذي يستحب للإمام أن يكون عليه إذا خرج _ رقم (1489).(6/52)
4) قوله « فَيُصَلِّيْ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ » وهذا هو قول الجمهور(1)، وقال أبو حنيفة(2): لا تسن الصلاة للاستسقاء بل يخرج الإمام ويدعو فإن صلى الناس جاز، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عباد بن تميم المازني عن عمه قال: «خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِيْ فَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُوْ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيْهِمَا =
كَصَلاَةِ اْلعَيْدِ(1)، ثُمَّ يَخْطُبُ بِهِمْ خُطْبَةً وَاحِدَةً(2)،....................................
= بِالْقِرَاءَةِ»(3). أما حكمها فهي سنة مؤكدة ثابتة بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وبفعل أصحابه - رضي الله عنهم - ، وأجمع المسلمون على مشروعيتها.
(1) قوله « كَصَلاَةِ الْعَيْدِ » أي في عدد ركعاتها، والجهر بالقراءة فيها، وفعلها في المصلى، وفي التكبيرات الزوائد في الركعتين قبل القراءة .
(2) قوله « ثُمَّ يَخْطُبُ بِهِمْ خُطْبَةً وَاحِدَةً » فتكون الخطبة بعد صلاة العيد، وهذا هو المذهب(4)، وهو مذهب المالكية(5)، والشافعية(6).
__________
(1) مواهب الجليل شرح مختصر خليل (2/205)، الشرح الصغير (2/36)، المجموع شرح المهذب (5/68)، المقنع الشرح الكبير ومعه الإنصاف (5/409).
(2) حاشية ابن عابدين (1/791).
(3) أخرجه البخاري في أبواب الاستسقاء _ باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء _ رقم (968)، ومسلم في كتاب الاستسقاء _ باب منه _ رقم (1489) واللفظ للبخاري.
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/422).
(5) الشرح الصغير (2/37).
(6) المجموع شرح المهذب (5/78).(6/53)
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الخطبة تكون قبل الصلاة وهو رواية في المذهب(1)؛ لحديث عائشة _ رضي الله عنها _ وكذا عبد الله بن زيد أنه خطب ثم صلى ركعتين، ورجح شيخنا(2) × جواز الأمرين.
لكن إن خطب قبل الصلاة لا يخطب بعدها، وإن خطب بعد الصلاة لم يخطب قبلها.
والصواب القول الأول أي أن الخطبة تكون بعد الصلاة؛ لقول ابن عباس _ رضي الله عنهما_: «... فَصَنَعَ فِيهِ كَمَا صَنَعَ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى»(3).
وَيُكْثِرُ فِيْهَا مِنَ الاِسْتِغْفَارِ(1)............................................................................
=ومن المعلوم أن الخطبة في العيد بعد الصلاة، وأيضًا لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - :«خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا يَسْتَسْقِيْ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ بِلاَ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ ثُمَّ خَطَبَنَا»(4).
__________
(1) المغني (3/338).
(2) الشرح الممتع (5/216).
(3) أخرجه الحاكم (3/240) رقم (1164) ، والطبراني في المعجم (9/209) رقم (10666)، والدارقطني (5/24) رقم (1828) ، وحسنه الألباني في الإرواء حديث رقم (671).
(4) أخرجه أحمد (17/19) رقم (7977)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها _ باب ما جاء في صلاة الاستسقاء _ رقم (1268)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه حديث رقم (261).(6/54)
وقوله « خُطْبَةً وَاحِدَةً» هذا هو المذهب(1)، واختاره أبو يوسف(2) من الحنفية، وذهب المالكية(3) والشافعية(4) إلى أنها خطبتان يفصل بينهما بجلوس لقول ابن عباس المتقدم. والصواب القول الأول لقول ابن عباس _ رضي الله عنهما_ «... فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيْرِ...»(5). وهذا يدلنا على أنه ما فصل بين الخطبة بسكوت ولا جلوس، وأيضًا لم ينقل أنه خطب خطبتين للاستسقاء.
(1) قوله « وَيُكْثِرُ فِيْهَا مِنَ الاِسْتِغْفَارِ» لأنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة واستغفار، قال تعالى:[ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ?](6)، وقوله تعالى: [? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?=
وَتِلاَوَةِ الآيَاتِ الَّتِيْ فِيْهَا الأَمْرُ بِهِ(1)، وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ(2)، ........................
= ?] (7).
فقلة المطر وحبسه إنما هو بسبب المعاصي والذنوب، ولذا شرع الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى .
(1) قوله « وَتِلاَوَةِ الآيَاتِ الَّتِيْ فِيْهَا الأَمْرُ بِهِ » وذلك مثل قوله تعالى في سورة نوح :[ ? ?? ?](8)،وكقوله تعالى:[ ھ ھ ھ ے ے ? ] (9)، وكقوله سبحانه وتعالى :[ ? ? ? ?] (10) .
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/423).
(2) حاشية ابن عابدين (1/791).
(3) الشرح الصغير (2/37).
(4) المجموع شرح المهذب (5/78).
(5) أخرجه الترمذي في أبواب السفر _ باب ما جاء في صلاة الاستسقاء _ رقم (563)، والنسائي في كتاب الاستسقاء _ باب جلوس الإمام على المنبر للاستسقاء _ رقم (1491) ، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/173) رقم (459).
(6) سورة الأعراف: 96.
(7) سورة الروم: 41.
(8) سورة نوح: 11.
(9) سورة هود: 3 .
(10) سورة هود:61.(6/55)
2) قوله « وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ » فيكون تحويل الرداء للإمام والمأموم جميعًا، وهذا هو قول المالكية(1)، والشافعية(2)، والحنابلة(3)؛ وذلك لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما ثبت من فعله - صلى الله عليه وسلم - يثبت في حق غيره ما لم يقم دليل على الاختصاص، ولأن الحكمة من قلب الرداء هو التفاؤل من أن يقلب الله الحال من الجدب إلى الخصب، لكن لايشرع للنساء فعل ذلك.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن قلب الرداء خاص بالإمام دون المأموم، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور.
وَإِنْ خَرَجَ مَعَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يُمْنَعُوْا وَأُمِرُوْا أَنْ يَنْفَرِدُوْا عَنِ الْمُسْلِمِيْنَ(1).
(1) قوله « وَإِنْ خَرَجَ مَعَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يَمْنَعُوْا وَأُمِرُوْا أَنْ يَنْفَرِدُوْا عَنِ الْمُسْلِمِيْنَ » في هذه المسألة قولان لأهل العلم:
القول الأول: أنه لا يستحب خروج الكفار وأهل الذمة بل يكره خروجهم مع المسلمين للاستسقاء، ولكن إذا خرجوا مع الناس وانفردوا في مكان بعيد عنهم لم يمنعوا، وهذا هو قول المالكية(4)، والشافعية(5)، والحنابلة(6). واستدل أصحاب هذا القول بأنه يكره خروجهم لأنهم أعداء الله الذين كفروا به وبدلوا نعمة الله كفرًا، فهم بعيدون عن الإجابة، وإن أغاث الله المسلمين فلربما قالوا هذا حصل بفضل دعائنا.
وكونهم إذا خرجوا لم يمنعوا لأنهم يطلبون أرزاقهم من الله ولا يبعد أن يجيبهم الله لذلك لأنه ضمن أرزاقهم كما ضمن للوثنيين أرزاقهم.
وكونهم منفردين عن المسلمين لأنه لا يؤمن أن يصيبهم الله بعذاب من عنده فيعم من حضرهم، ولا يجوز لهم الخروج للاستسقاء وحدهم لأنهم قد يغاثون فتكون الفتنة بهم أعظم وأشد.
__________
(1) الشرح الصغير (2/38).
(2) المجموع شرح المهذب (5/78).
(3) المغني (3/339، 340).
(4) حاشية الدسوقي (1/406).
(5) المجموع شرح المهذب (5/75).
(6) المغني (3/349).(6/56)
القول الثاني: وهو قول الحنفية(1) أنه لا يحضر الذمي الاستسقاء ولا يخرج له؛ لأنه لا يتقرب إلى الله بدعائه، ولأن الاستسقاء من أجل الرحمة وهم بعيدون عنها، وأما منعهم من الخروج لأنهم قد يستسقون فيسقيهم الله فتحصل لهم الفتنة.
الضَّرْبُ الْخَامِسُ: سُجُوْدُ التِّلاَوَةِ(1)،..............................................................
= والصواب ما ذهب إليه الأولون، فإذا خرج أهل الذمة معنا من أجل الاستسقاء لم يمنعوا، لكن يخرجون في نفس اليوم الذي نستسقي فيه، وأن يكونوا بعيدين عنا كما ذكر ذلك المؤلف، وهو اختيار شيخنا(2) ×.
(1) قوله « الضَّرْبُ الْخَامِسُ: سُجُوْدُ التِّلاَوَةِ » أي النوع الخامس من أنواع التطوع سجود التلاوة أي السجود الذي سببه التلاوة، وقد اختلف الفقهاء في حكمه، فالجمهور على أنه سنة مؤكدة عقب تلاوة آية سجدة، وذهب الحنفية(3) إلى أنه واجب. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور؛ لما رواه البخاري عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال:« قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيْهَا » (4)، وفي رواية « فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ »(5).
__________
(1) حاشية ابن عابدين (1/284).
(2) الشرح الممتع (5/215).
(3) فتح القدير (1/382).
(4) أخرجه البخاري في أبواب سجود القرآن وسنتها _ باب من قرأ السجدة ولم يسجد _ رقم (1011).
(5) أخرجه الدارقطني في كتاب الصلاة _ باب سجود القرآن _ رقم (1545).(6/57)
وروى البخاري عن عمر - رضي الله عنه - أنه « قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُوْدِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ - رضي الله عنه - »(1).
لكن هل سجود التلاوة صلاة ؟ الصحيح أنه ليس بصلاة ولا يجب له ما يجب للصلاة.
وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، فِي الْحَجِّ مِنْهَا اثْنَتَانِ(1)، وَيُسَنُّ السُّجُوْدُ لِلتَّالِيْ(2)، وَالْمُسْتَمِعِ(3) دُوْنَ السَّامِع(4)ِ. وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ(5).
(1) قوله « وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، فِيْ الْحَجِّ مِنْهَا اثْنَتَانِ » وهي كالآتي : في الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، والحج اثنتان، والفرقان، والنمل، وآلم السجدة، وفصلت، والنجم، والانشقاق،والعلق. أما سجدة ص فهي مختلف فيها، والصحيح أنه إن سجد أحيانًا وترك أحيانًا فهو حسن.
(2) قوله « وَيُسَنُّ السُّجُوْدُ لِلتَّالِيْ » أي الذي يتلو القرآن.
(3) قوله « وَالْمُسْتَمِعِ » الذي يقصد السماع للقراءة .
(4) قوله « دُوْنَ السَّامِع » أي الذي لم يقصد السماع كأن يكون قد مرّ برجل يقرأ القرآن وأثناء مروره سمع آية سجدة فهنا لايسن له السجود مع هذا القارئ.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في أبواب سجود القرآن وسنتها _ باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود _ رقم (1015).(6/58)
5) قوله « وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ » هذا بناء على قولهم أنه صلاة وهو قول أكثر الفقهاء، وعلى ذلك يشترط له ما يشترط لصحة الصلاة من الطهارة واستقبال القبلة، وغير ذلك، والصحيح كما ذكرنا أنه ليس بصلاة، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(1) ×، وعلى ذلك لا يكبر ولا يسلم له إلا إذا كان في الصلاة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع، أما في غير الصلاة فلا يسن له تكبير إذا سجد وإذا رفع منه.
ونقول أيضاً أن السجود بشروط الصلاة أفضل ولا ينبغي أن يخل بذلك إلا لعذر، لكن اشتراط ذلك لصحته غير صحيح.
قوله « ثُمَّ يُسَلِّمُ » أي إذا فرغ من سجود التلاوة سلم له، والصحيح أنه لا يسن له التسليم لعدم ثبوت ذلك.
بَابُ السَّاعَاتِ الَّتِيْ نُهِيَ عَنِ الصَّلاَةِ فِيْهَا(1)
وَهِيَ خَمْسٌ(2): بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ(3)،...................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ السَّاعَاتِ الَّتِيْ نُهِيَ عَنِ الصَّلاَةِ فِيْهَا » أي الساعات التي نُهي عن صلاة التطوع فيها، وإلا فالفريضة تؤدى فيها إن نام عنها أو نسيها.
(
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص112.(6/59)
2) قوله « وَهِيَ خَمْسٌ » أي خمسة أوقات، دليل ذلك حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:« لاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ »(1) فهذان وقتان، أما الثلاثة المتبقية فهي في حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال:«ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيْهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيْهِنَّ مَوْتَانَا: حِيْنَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِيْنَ يَقُوْمُ قَائِمُ الظَّهِيْرَةِ حَتَّى تَمِيْلَ الشَّمْسُ، وَحِيْنَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوْبِ حَتَّى تَغْرُبَ»(2)، فهذه هي الأوقات الخمسة التي نُهِي عن الصلاة فيها، وهي التي بيَّنها المؤلف.
(3) قوله « بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ » هذا هو الوقت الأول الذي لا يجوز التطوع فيه أي من طلوع الفجر الثاني حتى تطلع الشمس، لكن هل النهي متعلق بفعل الصلاة أم بالوقت؟ المذهب(3) أن النهي متعلق بالوقت أي من=
وَبَعْدَ طُلُوْعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيْدَ رُمْحٍ(1)، وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُوْلُ(2)، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَتَضَيَّفَ الشَّمْسُ لِلْغُرُوْبِ(3)،.................................................................
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة _ باب باب مسجد بيت المقدس _ رقم (1222)،ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها _ رقم (1368).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها _ رقم (1373).
(3) المغني (2/525).(6/60)
=طلوع الفجر الثاني حتى تطلع الشمس، لكن الصحيح أن النهي متعلق بفعل الصلاة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«... وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، وهذا هو اختيار ابن سعدي(1) ×.
لكن هل يشرع الصلاة فيما بين الأذان والإقامة؟ ما دام أن النهي متعلق بفعل الصلاة نقول: لايشرع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أذن الصبح صلى ركعتين ولم يثبت عنه أنه صلى غيرهما.
(1) قوله « وَبَعْدَ طُلُوْعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيْدَ رُمْحٍ » هذا هو الوقت الثاني، أي بعد طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح، وقد قدّر بالساعات بما يعادل عشر دقائق إلى اثنتي عشرة دقيقة، لكن الأحوط أن يكون خمس عشرة دقيقة .
(2) قوله « وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُوْلُ » هذا هو الوقت الثالث، أي من قيام الشمس، ومعنى قيامها أي منتهى ارتفاعها في السماء.
وقوله « حَتَّى تَزُوْلُ » أي تميل من وسط السماء نحو الغروب، وهذا الوقت قصير جدًّا، وقد قدّر بما يعادل خمس دقائق تقريبًا، ولكن الأحوط أن يكون في حدود خمس عشرة دقيقة.
(3) قوله « وَبَعْدَ اْلعَصْرِ حَتَّى تَتَضَيَّفَ الشَّمْسُ لِلْغُرُوْبِ » هذا هو الوقت الرابع أي من بعد صلاة العصر إلى أن تميل الشمس إلى الغروب، ودليل ذلك حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - المتقدم، والمراد بالغروب هنا هو شروعها في الغروب.
وَإِذَا تَضَيَّفَتْ حَتَّى تَغْرُبَ(1). فَهذِهِ السَّاعَاتُ لاَ يُصَلَّى فِيْهَا تَطَوُّعًا(2)،.................
(1) قوله « وَإِذَا تَضَيَّفَتْ حَتَّى تَغْرُبَ » هذا هو الوقت الخامس الذي لا يشرع التطوع فيه، أي من حين ميل الشمس للغروب إلى أن يتم غروبها، وهذا الوقت يقدر بربع ساعة تقريبًا بمقدارها عند طلوعها. هذه خمسة أوقات هي التي نهي عن الصلاة فيها.
(
__________
(1) المختارات الجلية ص51.(6/61)
2) قوله «فَهذِهِ السَّاعَاتُ لاَ يُصَلَّى فِيْهَا تَطَوُّعًا» أي التطوع المطلق، دليل ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ »(1)،وحديث عقبة بن عامر المتقدم:«ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيْهِنَّ»
أما التطوع المقيد بسبب فقد اختلف فيه الفقهاء: فالحنفية(2)، والمالكية(3)، والحنابلة(4) على أنه لا يصلى مطلقًا سواء بسبب أو بغير سبب، أما الشافعية(5) فيرون جواز صلاة ماله سبب عند وجود سببه، كتحية مسجد وسنة وضوء وركعتي طواف وغير ذلك مما له سبب. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(6)، وشيخنا محمد العثيمين(7) _ رحمهما الله _،و به أفتت اللجنة الدائمة(8)، وهذا هو الصحيح.
إِلاَّ إِعَادَةَ الْجَمَاعَةِ إِذَا أُقِيْمَتْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ(1)،...........................................
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة _ باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس _ رقم (547)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها _ رقم (1366).
(2) بدائع الصنائع (1/295، 296).
(3) حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير (1/187).
(4) المغني (2/525).
(5) المجموع شرح المهذب (4/170).
(6) مجموع الفتاوى (23/29).
(7) الشرح الممتع (4/126).
(8) فتاوى اللجنة الدائمة (7/273) رقم الفتوى (8/27).(6/62)
1) قوله « إِلاَّ إِعَادَةَ الْجَمَاعَةِ إِذَا أُقِيْمَتْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ » أي يجوز في أوقات النهي أن يعيد الإنسان الجماعة، كأن يأتي إلى مسجد ووجدهم يصلون وهو قد صلى فإنه يصلي معهم ولو كان وقت نهي، دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - للرجلين اللذين أتيا وهو يصلي في منى صلاة الفجر، فقال لهما:«مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالاَ: يَا رَسُوْلَ اللَّهِ قَدْ كُنَّا صَلَّيْنَا فِيْ رِحَالِنَا، قَالَ: فَلاَ تَفْعَلاَ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِيْ رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ »(1) .
ومن هنا نلاحظ أن ما يفعله بعض الإخوة حينما تكون هناك جنازة فيصلون في مساجدهم ثم يأتون إلى الجامع الذي تقام فيه صلاة الجنازة والإمام يصلي ولم ينته من الفريضة ثم تجدهم يقفون يتحدثون أو يصلون تحية المسجد دون الدخول مع الإمام ويجلسون مع أن هذا لا ينبغي، بل المشروع في حقهم أن يدخلوا مع الإمام لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المتقدم.
لكن هل ينكر عليهم إذا فعلوا ذلك؟ الجواب: قال شيخنا(2) × ينكر عليهم؛ لأنه شذوذ وخروج عن الجماعة .
قلت: حتى وإن كان وقت نهي كأن يكون صلوا العصر ثم قدموا إلى الجامع فالمشروع أن يدخلوا مع الإمام للحديث المتقدم: كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصبح في منى ثم أمرهم بذلك.
__________
(1) أخرجه أحمد (35/344) رقم (16829)، والترمذي في كتاب الصلاة _ باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة _ رقم (219)، والنسائي في كتاب الإمامة _ باب إعادة الفجر مع الجماعة لمن صلى وحده _ رقم (849) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/70) رقم (181) .
(2) الشرح الممتع (4/120).(6/63)
وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَهُ(1)، وَالصَّلاَةَ عَلَى الْجَنَازَةِ(2)، وَقَضَاءَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فِيْ وَقْتَيْنِ مِنْهَا، وَهُمَا: بَعْدَ الْفَجْرِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ(3)، وَيَجُوْزُ قَضَاءُ الْمَفْرُوْضَاتِ فِيْ جَمِيْعِ الأَوْقَاتِ(4).
(1) قوله « وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَهُ » هذا هو الاستثناء الثاني عند الحنابلة، وهما ركعتا الطواف، ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :« يَا بَنِيْ عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُوْا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ »(1) .
(2) قوله « وَالصَّلاَةَ عَلَى الْجَنَازَةِ » هذا هو الاستثناء الثالث وهي صلاة الجنازة فتفعل في أوقات النهي؛ وذلك لعموم الأدلة التي جاءت في وجوب الصلاة على الميت، ولأن الميت جاءت السنة بالإسراع بدفنه.
(1) قوله « وَقَضَاءَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فِيْ وَقْتَيْنِ مِنْهَا، وَهُمَا: بَعْدَ الْفَجْرِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ » هذا هو الاستثناء الرابع، فيجوز قضاء راتبة الظهر بعد العصر؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم - ، لكن الصواب أن هذا خاص به، وكذا راتبة الفجر بعد صلاة الفجر؛ لفعل بعض الصحابة ولم ينكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكن الأولى أن يؤخر سنة الفجر حتى ينتهي وقت النهي ثم يصليها، وإن صلاها بعد الفجر مباشرة فلا بأس.
(
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الحج _ باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح لمن يطوف _ رقم (875)، والنسائي في كتاب المواقيت _ باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة _ رقم (581)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها _ باب ما جاء في الرخصة في الصلاة بمكة في كل وقت _ رقم (1244)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/259) رقم (688).(6/64)
2) قوله « وَيَجُوْزُ قَضَاءُ الْمَفْرُوْضَاتِ فِيْ جَمِيْعِ الأَوْقَاتِ » هذا هو الاستثناء الخامس وهو الأخير أي يجوز قضاء الفرائض في أوقات النهي، وهذا هو قول الجمهور؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ =
..........................................................................................................
=ذَلِكَ »(1)، وقال أبو حنيفة(2) لا يجوز القضاء في أوقات النهي، والصحيح جواز ذلك، وهذا أمر مجمع عليه عند الصحابة فلا حجة للأحناف هنا.
بَابُ الإِمَامَةِ(1)
..................................................................................................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ الإِمَامَةِ » نلاحظ أن المؤلف لم يعقد بابًا خاصًا بصلاة الجماعة مع كونه يرى وجوبها كما ذكر ذلك في المقنع والكافي والمغني، ويرى أنها ليست بشرط لصحة الصلاة، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة _ باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة _ رقم (562)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها _ رقم (1102).
(2) حاشية ابن عابدين (1/250).(6/65)
أما إيجابها في المسجد فهو يتساهل فيه ×، وكذا يرى × أنها تدرك _ أي الجماعة_ بقدر تكبيرة الإحرام كما سيأتي ذلك في آخر باب الإمامة، ويرى أيضًا أن ما يدركه المأموم مع الإمام هو آخر الصلاة مع أن الراجح أنها لا تدرك إلا بإدراك الركوع،وأن ما يدركه المسبوق هو أولها وما يقضيه هو آخرها وهو مبني على رواية لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«..إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوْا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوْا » (1). ويرى أيضًا أن المأموم لا تجب عليه القراءة مع الإمام بل تكفيه قراءة الإمام وقد عقد له بابًا في المقنع.
المهم أن المؤلف في هذا الكتاب لم يبين فيه حكم صلاة الجماعة وبعض الأحكام المتعلقة بها، ونحن إن شاء الله سنتعرض لبعض أحكامها في أثناء شرحنا لباب الإمامة هذا.
أما عن حكم صلاة الجماعة فقد اختلف فيه الفقهاء: فقيل بأنها شرط لصحة الصلاة،وهذا قول ابن عقيل(2)من الحنابلة،واختار ه شيخ الإسلام(3)×=
..................................................................................................................
=وقيل بأنها فرض كفاية وهذا قول بعض فقهاء الحنابلة(4)، وهو الأصح عند الشافعية(5)، وقيل بأنها سنة مؤكدة للرجال وهو المذهب عند الحنفية(6)، وعليه أكثر المالكية(7)، وهو قول عند الشافعية(8) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب قول الرجل فاتتنا الصلاة _ رقم (599) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب استحباب اتيان الصلاة بوقار وسكينة _ رقم (948).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/266).
(3) الاختيارات الفقهية ص125.
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/266).
(5) مغني المحتاج (1/229).
(6) حاشية ابن عابدين (1/371).
(7) حاشية الدسوقي (1/319، 320).
(8) المجموع شرح المهذب (4/85).(6/66)
والصحيح أن صلاة الجماعة واجبة وجوب عين في حق الرجال وليست شرطًا لصحة الصلاة، وهذا هو المذهب عند الحنابلة(1)، وهو قول عند الشافعية(2)، والحنفية(3)، وهو اختيار شيخينا(4). دليل ذلك قوله تعالى:
[ پ پ پ](5)، وقوله تعالى:[? ? ? ? ? پ پ پ پ ?](6) فهذا في حالة الخوف فما بالك بحال الأمن، وقوله تعالى:[ں ? ? ](7) .
أما السنة فمنها قوله - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ أَثْقَلَ صَلاَةٍ عَلَى الْمُنَافِقِيْنَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ وَصَلاَةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُوْنَ مَا فِيْهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِيْ بِرِجَالٍ مَعَهُمْ =
رَوَى أَبُوْ مَسْعُوْدٍ الْبَدْرِيُّ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ - عز وجل - (1)،..................................................................................................
__________
(1) المغني (3/6، 7).
(2) المجموع شرح المهذب (4/85).
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/7)، الشرح الممتع (4/132ـ138).
(4) حاشية الدسوقي (1/319، 320).
(5) سورة البقرة : 238.
(6) سورة النساء : 102.
(7) سورة البقرة : 43.(6/67)
=حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»(1)، وعن ابن عباس وابن عمر _ رضي الله عنهما_ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوْبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ»(2)، وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - للأعمى: «أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ»(3)، وفي رواية: « لاَ أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً »(4)، فهذه بعض الأدلة التي تدل على وجوب صلاة الجماعة.
(1) قوله - صلى الله عليه وسلم - « يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ - عز وجل - » اختلف الفقهاء في بيان معنى الأقرأ لكتاب الله: فقال بعض الفقهاء الأجود قراءة،وقال بعضهم الأكثر قراءة،وقال آخرون أكثرهم حفظًا للقرآن.
والصحيح أن المراد به هو أتقنهم وأحفظهم، لكن هل يشترط أن يكون ممن يتغنى بالقرآن ويحسن به صوته؟ الجواب: لا يشترط فيه ذلك، بل يكفي كونه متقنًا حافظًا، لكن الأولى أن يجتمع فيه حسن الأداء وجمال الصوت.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها _ رقم (1041).
(2) أخرجه ابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات _ باب التغليظ في التخلف عن الجماعة _ رقم (786)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/132) رقم (646).
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب يجب إتيان المساجد على من سمع النداء _ رقم (1044).
(4) أخرجه أحمد (31/54) رقم (14943)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب في التشديد في ترك الجماعة _ رقم (552)، وابن ماجه في كتاب المساجد والجماعات _ باب التغليظ في التخلف عن الجماعة _ رقم (784)،وقال الألباني : حسن صحيح (صحيح سنن أبي داود 1/110 رقم 516).(6/68)
فَإِنْ كَانُوْا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ(1)، فَإِنْ كَانُوْا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً(2)،.......................................................................................................
? تنبيهات: أولاً:اختلف الفقهاء فيما إذا اجتمع أقرأ وقارئ فقيه أي في القراءة أدنى من الأقرأ،فأيهما يقدم؟ المذهب(1) يقدم الأقرأ أخذًا بظاهر الحديث، وقال بعض أهل العلم: بل يقدم القارئ الفقيه؛ لأنه هو الأعلم بفقه صلاته فيؤديها على الوجه المشروع بخلاف الأقرأ فإنه قد يسرع في الركوع أو السجود أو القيام وربما يسهو في صلاته فلا يدري ماذا يفعل، ومن هنا كان الأولى تقديم القارئ العالم بفقه صلاته على الأقرأ، وهذا هو اختيار شيخنا(2) ×.
ثانياً: إذا كان للمسجد إمام راتب فهو أولى بكل حال، أي حتى إن وجد من هو أقرأ وأعلم منه مادام أنه لا يوجد فيه مانع يمنع إمامته.
(1) قوله - صلى الله عليه وسلم - « فَإِنْ كَانُوْا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ » أي إذا اجتمع أكثر من قارئ للقرآن فينظر هنا إلى أعلمهم بالسنة، أي الأعلم بفقه صلاته من خلال أدلة السنة التي جاءت من خلال قوله - صلى الله عليه وسلم - : « صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ » (3)، ودليل ما ذكره المؤلف قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق « فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ ».
(2) قوله - صلى الله عليه وسلم - « فَإِنْ كَانُوْا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً » وهذا إنما يكون في
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/336).
(2) الشرح الممتع (4/206).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة رقم (595).(6/69)
صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وقد انقطعت الهجرة بهم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«لاَهِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوْا»(1)
فَإِنَ كَانُوْا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا(1)، وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِيْ بَيْتِهِ(2)،.......................................................................................................
(1) قوله - صلى الله عليه وسلم - « فَإِنَ كَانُوْا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا »، وفي رواية « فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا »(2)، وعلى الرواية الأولى لا يكون هذا إلا في صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى الرواية الثانية يقدم الأكبر سنًّا، وهذا هو الموافق لحديث مالك بن الحويرث وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ »(3).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير _ باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية _ رقم (2613)، ومسلم في كتاب الإمارة _ باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير _ رقم (3468).
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أحق بالإمامة _ رقم (1078).
( ) أخرجه النسائي في كتاب الإمامة _ باب من أحق بالإمامة _ رقم (772) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/169) رقم (752).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد _ رقم (592)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أحق بالإمامة _ رقم (1080).(6/70)
لكن لماذا قدّم هنا الهجرة والأقدم سلمًا عن غيرهم؟ نقول أولاً : بالنسبة للهجرة قُدِّم على غيره لأنه الأسبق للخير، ولأنه أقرب إلى معرفة شرع الله ممن تأخر عن الهجرة وبقي في بلاد الكفر. أما الأقدم سلمًا على الرواية الأولى فلأنه هو الأفضل، لأنه بادر بالاستجابة بالإسلام فآمن به، ولأنه أيضًا أقرب إلى معرفة شريعة الله ممن تأخر إسلامه.
(2) قوله - صلى الله عليه وسلم - « وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِيْ بَيْتِهِ » أي أن صاحب البيت أحق بالإمامة من غيره إن كان أهلاً لها إلا من الإمام الأعظم أو نائبه كالحاكم العام أو الخاص في البلد الذي سكن فيه إن كان أهلاً للإمامة، فإن كان غير أهل للإمامة فلا يقدم، فيقدم صاحب البيت على الأقرأ والأفقه والأقدم هجرة والأقدم إسلامًا والأسن وهكذا، وهذا باتفاق أهل العلم للحديث المتقدم، ويدخل في ذلك عدم التقدم في مزرعته أو استراحته وما أشبه ذلك.
وَلاَ يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ(1) »(*) ، وَقَالَ لِمَالِك ِبْنِ الْحُوَيْرِثِ وَصَاحِبِهِ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمَا، وَليَؤُمُّكُمَا أَكْبَرُكُمَا(2)»(*). وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُمَا مُتَقَارِبَةً(3) .
وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ خَلْفَ مَنْ صَلاَتُهُ فَاسِدَةٌ(4)،..........................................
? تنبيهان:
أولاً: إذا اجتمع صاحب البيت ومستأجره، فالمستأجر أحق؛ لأن المستأجر مالك المنفعة فهو أحق بانتفاعه بالإمامة في هذا البيت.
ثانيًا: إن كان صاحب البيت حليق اللحية أو لايحسن القراءة أي عامي فلا يتقدم إلا بمثله.
(1) قوله - صلى الله عليه وسلم - « وَلاَ يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ » أي لايجلس المضيف في محل الضائف الخاص به فلا يجوز الجلوس عليه إلا بإذنه.
((6/71)
2) قوله - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمَا، وَليَؤُمُّكُمَا أَكْبَرُكُمَا » هذا الحديث فيه دلالة على تقديم الأسن في الإمامة كما ذكرنا ذلك سابقًا، لكن على حسب الترتيب السابق الوارد في الحديث، ولذا قال المؤلف:
(3) قوله « وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُمَا مُتَقَارِبَةً » وذلك لأنه جلس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وصاحبه فترة واحدة فتعلما من النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعًا وكان علمهما متقاربًا .
(4) قوله « وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ خَلْفَ مَنْ صَلاَتُهُ فَاسِدَةٌ » بأن يكون محدثا ويعلم حدث نفسه فصلاته فاسدة وهو آثم في ذلك، بل قال بعض أهل العلم: يكفر إذا كان يعلم حدث نفسه ثم صلى؛ لأنه يعد بذلك متلاعباً بأحكام الله، فالأمر خطير جدًّا.
إِلاَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حَدَثَ نَفْسِهِ(1)، وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمَأْمُوْمُ حَتَّى سَلَّمَ(2)، فَإِنَّهُ يُعِيْدُ وَحْدَهُ(3)، وَلاَ تَصِحُّ خَلْفَ تَارِكِ رُكْنٍ(4)،.......................................................
(1) قوله « إِلاَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حَدَثَ نَفْسِهِ » أي إذا انتهى من صلاته فتذكر أنه صلى محدثا، فهنا الواجب عليه إعادة الصلاة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ »(1)، وهو معذور بنسيانه أي لا إثم عليه، لكن الواجب عليه الإعادة.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجماعة والإمامة _ باب اثنان فما فوقهما جماعة _ رقم (618)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أحق بالإمامة _ رقم (1081).
( ) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء _ باب لا تقبل صلاة بغير طهور _ رقم (132)، ومسلم في كتاب الطهارة _ باب وجوب الطهارة _ رقم (330) واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .(6/72)
2) قوله « وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمَأْمُوْمُ حَتَّى سَلَّمَ » أي لم يعلم المأموم أن إمامه محدث حتى سلم، فما الحكم؟ قال المؤلف ×:
(3) قوله « فَإِنَّهُ يُعِيْدُ وَحْدَهُ » أي يعيد الإمام صلاته وحده، أما المأموم فلا إعادة عليه، دليل ذلك فعل عمر - رضي الله عنه - ، فقد ثبت عنه وعن ابنه عبد الله أنهما صليا بالناس على غير طهارة فلما علما بذلك أعادا الصلاة ولم يعد من صلى خلفهما، وقال بعض الفقهاء: بل على المأموم الإعادة، والصواب المذهب.
(4) قوله «وَلاَ تَصِحُّ خَلْفَ تَارِكِ رُكْنٍ» أي لا تصح إمامة العاجز عن الركوع أو السجود أو القيام أو القعود ونحو ذلك من الأركان، والتعليل في ذلك لأن القادر على الإتيان بأركان أكمل حالاً من العاجز عن الإتيان بها، ولا يصح أن يكون العاجز إمامًا للقادر، وهذا هو المذهب(1). والصحيح أن الصلاة=
إِلاَّ إِمَامَ الْحَيِّ، إِذَا صَلَّى جَالِسًا؛ لِمَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ(1)، فَإِنَّهُمْ يُصَلُّوْنَ وَرَاءَهُ جُلُوْسًا(2)،..................................................................................................
=خلفه تصح، لكن الأولى أن لا يتقدم للإمامة، لكن استثنى المؤلف هنا إمام الحي فقال:
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/375).(6/73)
1) قوله « إِلاَّ إِمَامَ الْحَيِّ، إِذَا صَلَّى جَالِسًا؛ لِمَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ » مر بنا أن الشروط والأركان والواجبات تسقط مع العذر كما جاء في حديث عمران بن الحصين وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : « صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ »(1)، لكن كما تقدم المذهب أن العاجز عن الأركان لاتصح إمامته، لكن استثني هنا إمام الحي بشرط أن يكون مرضه يرجى برؤه، مثل: أن يطرأ عليه وجع يرجى زواله فهنا تصح إمامته، والصحيح أن هذا القيد _ أعني قيد كونه إمام الحي ومرضه يرجى برؤه _ قيد يحتاج إلى دليل، فما أطلقه الشارع لا يجوز تقييده إلا بدليل، وعلى ذلك تصح إمامة العاجز عن الإتيان بالأركان مطلقًا، لكن خلاف الأولى.
(2) قوله « فَإِنَّهُمْ يُصَلُّوْنَ وَرَاءَهُ جُلُوْسًا» هذا هو المذهب(2)، وذهب كثير من أهل العلم إلى أن الإمام إذا صلى جالسًا وجب على المأمومين القادرين على القيام أن يصلوا قيامًا، فإن صلوا قعودًا بطلت صلاتهم. والصحيح أنهم يصلون وراءه قعودًا؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأيْمَنُ فَصَلَّى صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُوْدًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:« إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا=
إِلاَّ أَنْ يَبْتَدِئَهَا قَائِمًا، ثُمَّ يَعْتَلُّ، فَيَجْلِسُ، فَإِنَّهُمْ يُتِمُّوْنَ مَعَهُ قِيَامًا(1).
__________
(1) أخرجه البخاري في أبواب تقصير الصلاة _ باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب رقم (1066).
(2) المرجع السابق.(6/74)
=فَصَلُّوْا قِيَامًا فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوْا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوْا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُوْلُوْا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوْا قِيَامًا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوْا جُلُوْسًا أَجْمَعُوْنَ»(1). لكن هل جلوسهم خلفه ندبًا أم وجوبًا؟ المذهب(2) يرى أن الجلوس خلفه سنة، فإن صلوا وراءه قيامًا صحت صلاتهم؛ لأن السنة لا تبطل صلاتهم بتركها.
والصواب أنه متى صلى الإمام قاعدًا وجب على المأمومين الصلاة خلفه قعودًا،فإن صلوا وراءه قيامًا بطلت صلاتهم،وهذا هو اختيار شيخنا(3) ×.
(1) قوله «إِلاَّ أَنْ يَبْتَدِئَهَا قَائِمًا، ثُمَّ يَعْتَلُّ، فَيَجْلِسُ، فَإِنَّهُمْ يُتِمُّوْنَ مَعَهُ قِيَامًا » أي إذا أصاب الإمام علة أثناء صلاته فجلس.
فالواجب على المأمومين أن يتموا صلاتهم خلفه قيامًا، ولا يجوز لهم الجلوس، وهذا خاص من العموم المذكور في قوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوْا جُلُوْسًا»، ودليل ذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه حين دخل المسجد وأبو بكر يصلي بالناس وقد ابتدأ أبوبكر الصلاة قائمًا فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يسار أبي بكر وبقي أبو بكر قائمًا، فيصلي أبو بكر بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويصلي الناس بصلاة أبي بكر - رضي الله عنه - ولم يأمرهم - صلى الله عليه وسلم - بالجلوس(4) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإمامة والجماعة _ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به _ رقم (648).
(2) المرجع السابق.
(3) الشرح الممتع (4/231).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الإمامة والجماعة _ باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم _ رقم (672)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما _ رقم (634) من حديث عائشة رضي الله عنها(6/75)
وَلاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ الْمَرْأَةِ(1)، وَلاَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ(2)،..................................
(1) قوله «وَلاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ الْمَرْأَةِ» أي لا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال مطلقًا سواء في الفرض أو النفل،وهذا هو قول جمهور العلماء من الحنفية(1)،والمالكية(2)، والشافعية(3)، دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً »(4)، فالإمامة نوع من الولاية والجماعة قد ولوا امرأة إمامتهم فلا تصح أن تكون المرأة إمامًا لهم. ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : « خَيْرُ صُفُوْفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوْفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا »(5)، وجه الدلالة أن النساء لا موضع لهن في الأمام، فلو قلنا بأنه تصح إمامتهن لصار انقلابًا في الوضع ولصارت هي المتقدمة على الرجل، وأيضًا حصول الفتنة الحاصلة بهن، ولذا جاءت الشريعة بالنهي عن إمامة المرأة. وعلى ذلك ما يحصل في بعض البلاد غير الإسلامية من إمامة النساء للرجال، بل وأداء صلاة الجمعة بالرجال كله مخالف ومصادم للشريعة، نسأل الله تعالى العافية.
(2) قوله « وَلاَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ » أي لا تصح إمامة من به سلس بول إلا بمثله وهذا المذهب(6)، وقيل تصح إمامة من به سلس البول مطلقًا، وهذا هو قول شيخنا(7) × وهو الصحيح، لكن ينصح أن لايكون إمامًا، أما صلاته =
__________
(1) حاشية رد المحتار (1/548).
(2) الشرح الصغير (1/593).
(3) المجموع شرح المهذب (4/151).
(4) أخرجه البخاري في كتاب المغازي _ باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر _ رقم (4073).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة _ باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها _ رقم (664).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/372).
(7) الشرح الممتع (4/240).(6/76)
وَالأُمِّيِّ الَّذِيْ لاَ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، أَوْ يُخِلَّ بِحَرْفٍ مِنْهَا، إِلاَّ بِمِثْلِهِمْ(1).
وَيَجُوْزُ ائْتِمَامُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ(2)، وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ(3).
=بمثله فلا إشكال فيها.
(1) قوله « وَالأُمِّيِّ الَّذِيْ لاَ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، أَوْ يُخِلَّ بِحَرْفٍ مِنْهَا، إِلاَّ بِمِثْلِهِمْ » الأمي من لا يحسن قراءة الفاتحة لا حفظًا ولا تلاوة، فالمذهب أنه لا تصح إمامته إلا بمثله، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز إمامته مطلقًا؛ لأن من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره، وهذا هو الصواب، لكن الأولى أن لا يتقدم للإمامة؛ لأن فيه شيئًا من المخالفة لقوله - صلى الله عليه وسلم - :« يَؤُمُّ اْلقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ - عز وجل - »(1).
(2) قوله « وَيَجُوْزُ ائْتِمَامُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ » وهذا صحيح، بخلاف من قال بعدم جواز إمامة المتيمم للمتوضئ، دليل ذلك حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - حيث أنه صلى بأصحابه وهو متيمم وهم متوضئون فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : « يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ» فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِيْ مَنَعَنِيْ مِنَ الاِغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّيْ سَمِعْتُ اللهَ يَقُوْلُ:[? چ چچ چ ? ? ? ?]، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا » (2).
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أحق بالإمامة _ رقم (1078).
(2) أخرجه أحمد في المسند (4/203) رقم (17845)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ _ رقم (334) واللفظ لأبي داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/68) رقم (323).(6/77)
3) قوله « وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ » أي يجوز إمامة المتنفل بالمفترض، وهذا هو قول الشافعي(1)، وإحدى الروايتين في المذهب(2)،وهي التي اختارها ابن قدامة =
وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُوْمُ وَاحِدًا، وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِ الإِمَامِ(1)،.........................................
= كما ذكر في الحمد، وهو قول شيخ الإسلام(3)، والمذهب(4) لا تصح إمامة المتنفل بالمفترض، وهو قول أبي حنيفة(5)، ومالك(6)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوْا عَلَيْهِ» (7). والصحيح ما ذهب إليه المؤلف من جواز ائتمام المفترض بالمتنفل وذلك لقصة معاذ - رضي الله عنه - حيث «كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ الآخِرَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاَةَ»(8). أما الحديث المذكور فمراده - صلى الله عليه وسلم - بعدم الاختلاف عليه في الأركان والواجبات أي في الأفعال.
(
__________
(1) مغني المحتاج (1/253، 254)، المجموع شرح المهذب (4/168).
(2) المغني (3/67، 68).
(3) الاختيارات الفقهية ص127.
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/410).
(5) فتح القدير (1/324، 325).
(6) حاشية الدسوقي (1/329).
(7) أخرجه البخاري في كتاب الإمامة والجماعة _ باب إقامة الصف من تمام الصلاة _ رقم (680) ، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب ائتمام المأموم بالإمام _ رقم (625).
(8) أخرجه البخاري في كتاب الإمامة والجماعة _ باب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى _ رقم (659)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب القراءة في العشاء _ رقم (711) واللفظ لمسلم من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - .(6/78)
1) قوله « وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُوْمُ وَاحِدًا، وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِ الإِمَامِ » وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقف ابن عباس عن يساره في قيام الليل أخذه فجعله عن يمينه.
? تنبيه: ثم اعلم أن للمأمومين مع الإمام أربعة مواقف:
الأول: خلفه، وهذا هو الأفضل إن كانوا أكثر من واحد؛ لأن هذا هو المعهود من صلاة الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الثاني: عن جانبيه، وهذا أيضًا صح عنه - صلى الله عليه وسلم - لما رواه أحمد عن الأسود بن يزيد النخعي قال: «دَخَلْتُ أَنَا وَعَمِّي عَلْقَمَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ=
..................................................................................................................
=بِالْهَاجِرَةِ قَالَ فَأَقَامَ الظُّهْرَ لِيُصَلِّيَ فَقُمْنَا خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِيَدِيْ وَيَدِ عَمِّي ثُمَّ جَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِيْنِهِ وَالآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ قَامَ بَيْنَنَا فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ صَفًّا وَاحِدًا قَالَ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ إِذَا كَانُوْا ثَلاَثَةً»(1) .
وقال بعض أهل العلم هذا منسوخ، فقد كان هذا أول الإسلام ثم نسخ، فصار أقل الجمع في باب الجماعة اثنين فأكثر، فيقف الاثنان خلف الإمام، وكذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع جابر وجبار حينما وقفا عن يمينه وشماله فجعلهما خلفه (2)، وهذا هو الصواب، لكن إن صلوا عن يمينه وشماله صحت صلاتهم لكنه خلاف الأولى.
الثالث: أن يقفوا عن يمينه، وهذا إذا كان من يصلي مع الإمام واحداً فقط كما مرَّ معنا في حديث ابن عباس _ رضي الله عنهما _، فإن كانوا أكثر من واحد فصلوا عن يمينه صحت صلاتهم لكنه خلاف الأفضل.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (9/190) رقم (4155) .
(2) انظر في ذلك: بدائع الصنائع (1/159)، المجموع شرح المهذب (4/189).(6/79)
الرابع: أن يقفوا قدَّامه، فالمذهب(1) لا يصح أن يقف المأمومون أمام الإمام، فإن وقفوا أمامه فصلاتهم باطلة، وبهذا القول قال الحنفية(2)، والشافعية(3)، وجماهير العلماء. وذهب مالك(4) إلى صحة الصلاة أمام الإمام، واختار شيخ الإسلام(5) أن صلاة الجمعة ونحوها أمام الإمام لعذر تصح،وهذا هو =
فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ قُدَّامَهُ أَوْ وَحْدَهُ، لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ(1)،..........................
= الصواب، فإن كان هناك ضرورة من زحام شديد كيوم جمعة أو في أيام الحج فالمساجد العادية تمتلئ ويصلي الناس أمام الإمام، فهذا لا شك هو الأرفق بالناس، فالضرورة تقدر بقدرها.
(1) قوله « فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ قُدَّامَهُ أَوْوَحْدَهُ، لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ » هذه ثلاث حالات للمأمومين لم تصح عند المؤلف صلاتهم مع الإمام:
الحالة الأولى: «عَنْ يَسَارِهِ» أي إن وقف المأموم عن يسار الإمام لم تصح، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدار ابن عباس إلى يمينه لما وقف عن يساره، لكن هذا مع خلو اليمين. والصحيح أنه إن صلى عن يساره صحت صلاته، وهذا هو قول أكثر أهل العلم، وهو رواية عن أحمد(6)، واختار هذا القول ابن سعدي(7)، وشيخنا محمد العثيمين(8) _ رحمهما الله _. أما كون النبي - صلى الله عليه وسلم - أدار ابن عباس إلى يمينه فهذا فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/418).
(2) حاشية ابن عابدين (1/350).
(3) مغني المحتاج (1/245).
(4) الشرح الصغير (1/604).
(5) الاختيارات الفقهية ص131.
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/423).
(7) المختارات الجلية ص62.
(8) الشرح الممتع (4/268).(6/80)
الحالة الثانية: التي لاتصح الصلاة فيها، قال المؤلف « أَوْ قُدَّامَهُ » وقد ذكرنا الخلاف في هذه المسألة، وقلنا إن الراجح أنه إن كان لضرورة فلا تبطل الصلاة بذلك، أما مع عدم الضرورة فلا شك أنه لايجوز أن يصلي المأموم أمام الإمام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤم الناس وراءه وهو القائل: « صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ»(1)،وهو القائل:«مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(2).
.................................................................................................................
الحالة الثالثة: أن يكون « وَحْدَهُ » وهذا مختلف فيه عند الفقهاء، فالجمهور يقولون بصحة صلاة الفذ خلف الصف مع الكراهة. وذهب الحنابلة(3) إلى عدم صحة صلاة المنفرد خلف الصف، واحتجوا لذلك بحديث: « لاَ صَلاَةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ »(4) ، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - « رَأَى رَجُلاً يُصَلِّيْ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيْدَ الصَّلاَةَ »(5) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة رقم (595).
(2) أخرجه البخاري _ معلقاً مجزومًا به_ في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة _ باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود،ومسلم في كتاب الأقضية _ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور _ رقم (3242)
(3) المغني (3/49).
(4) أخرجه أحمد (33/35) رقم (16297)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها _ رقم (993)،وغيرهما،وصححه ابن خزيمة (1569)، وابن حبان (22.2).
(5) أخرجه أحمد (36/437) رقم (17314)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب الرجل يصلي وحده خلف الصف _ رقم (584)، والترمذي في كتاب الصلاة _ باب ما جاء في الصلاة وحده خلف الصف _ رقم (213) .(6/81)
والصحيح من هذه الأقوال ما اختاره شيخ الإسلام وابن سعدي وشيخنا _ رحمهم الله _: أنه إن كان لعذر صحت صلاته، فإذا جاء المصلي ووجد الصف قد تم ولا مكان له في الصف فصلى خلف الصف لعذر فإن صلاته تصح بذلك، فإن الواجبات تسقط بالعجز كما قال تعالى:[فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ](1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :« وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (2).
? تنبيهات:
أولاً: ذكر بعض الفقهاء أن من دخل المسجد ووجد الصف مكتملاً فيشرع له
أن يجذب أحد الناس من الصف ليقف معه. قلت: هذا لا يشرع لأن فيه =
إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ امْرَأَةً، فَتَقِفُ وَحْدَهَا خَلْفَهُ(1)،.............................................
=محاذير، منها:
1ـ فيه تشويش على ذاك الرجل المجذوب.
2ـ أن فيه قطعاً للصف، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قطع الصفوف وتوعد من يفعل ذلك فقال:« وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ »(3) .
3ـ أن فيه نوع جناية على المجذوب بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول.
ثانيًا: هل يؤمر هذا المنفرد بأن يدخل مع الإمام ليقف بجانبه؟
نقول: قال بذلك بعض أهل العلم، والصواب أنه لا يدخل بجانب الإمام، بل يصلي خلف الصف منفردًا؛ لأن هذا ما يسعه، ولأنه فيه تخطى للرقاب ومخالفة للسنة، فالإمام موضعه التقدم على المأموم _ كما ذكرنا_ ووقوفه بجانبه فيه مخالفة لذلك.
__________
(1) سورة التغابن: 16.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة _ باب الاقتداء بسنن رسو ل الله - صلى الله عليه وسلم - رقم (6744).
(3) أخرجه أحمد (12/3) رقم (5466)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب تسوية الصفوف _ رقم (570)، والنسائي في كتاب الإمامة _ باب من وصل صفًا _ رقم (810).(6/82)
ثالثًا: ما هو الانفراد المبطل للصلاة؟ الانفراد المبطل للصلاة هو أن يرفع الإمام رأسه من الركوع ولم يدخل مع المسبوق أحد، فإن دخل أحد قبل أن يرفع رأسه من الركوع أو انفتح في الصف فرجة فدخل فيها قبل الركوع فإنه في هذه الحالة يزول عنه الانفراد، هذا إذا كان يسعه الدخول في الصف، أما مع العذر فلا تبطل الصلاة كما قلنا.
(1) قوله « إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ امْرَأَةً، فَتَقِفُ وَحْدَهَا خَلْفَهُ » مراده × أنه يستثنى هنا أن يكون خلف الصف امرأة، فهنا تصلي وحدها وصلاتها صحيحة، ودليل ذلك حديث أنس - رضي الله عنه - أنه صلى هو واليتيم خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلت العجوز=
وَإْنْ كَانُوْا جَمَاعَةً، وَقَفُوْا خَلْفَهُ، فَإِنْ وَقَفُوْا عَنْ يَمِيْنِهِ، أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ، صَحَّ، فَإِنْ وَقَفُوْا قُدَّامَهُ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، لَمْ يَصِحَّ(1).
وَإِنْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ بِالنِّسَاءِ، قَامَتْ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ وَسْطًا(2)،..............................
=خلفهم(1) .
(1) قوله « وَإْنْ كَانُوْا جَمَاعَةً، وَقَفُوْا خَلْفَهُ، فَإِنْ وَقَفُوْا عَنْ يَمِيْنِهِ، أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ، صَحَّ، فَإِنْ وَقَفُوْا قُدَّامَهُ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، لَمْ يَصِحَّ » ذكرنا هذه المسألة آنفًا، وقلنا بأن الصواب الذي اختاره شيخ الإسلام(2) أنه تجوز الصلاة أمام الإمام للضرورة، كزحام شديد مثلاً كيوم جمعة أو كما يحصل في منى في مسجد الخيف، فقد يصلي الناس أمام الإمام أي خارج المسجد، وهذا لعذر، لكن لابد أن تكون الصفوف متصلة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة _ باب الصلاة على الحصير _ رقم (367)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب _ رقم ( 1053).
(2) الاختيارات الفقهية ص131.(6/83)
أما قوله « أَوْ عَنْ يَسَارِهِ لَمْ يَصِحَّ » نقول بل تصح إن صلوا عن يساره، وهو قول جمهور أهل العلم، لكن لاينبغي أن يكون المأموم عن يسار الإمام؛ لأنه مخالف للسنة ولهديه - صلى الله عليه وسلم - في صلاته.
(1) قوله « وَإِنْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ بِالنِّسَاءِ، قَامَتْ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ وَسْطًا » أي إن صلت النساء جماعة فالمشروع في حق من تكون إمامة لهن أن تقف وسطهن؛ لثبوت ذلك عن عائشة وأم سلمة _ رضي الله عنهما _، ولأن ذلك أستر والمرأة مطلوب منها الستر.
وَكَذالِكَ إِمَامُ الرِّجَالِ الْعُرَاةِ يَقُوْمُ وَسْطَهُمْ(1). وَإِنِ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَصِبْيَانُ، وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ، تَقَدَّمَ الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخُنَاثَى، ثُمَّ النِّسَاءُ(2)
(1) قوله « وَكَذالِكَ إِمَامُ الرِّجَالِ الْعُرَاةِ يَقُوْمُ وَسْطَهُمْ » أي إذا كان هناك عراة لا يجدون ما يستر عوراتهم وقد دخل وقت الصلاة بل قرب خروج وقتها فهنا يصلون على حسب حالهم عراة، لكن يكون إمامهم وسطهم حتى لا تبدو عورته أمامهم، إلا أن تكون هناك ظلمة شديدة أو جميعهم غير مبصرين فهنا يتقدم عليهم.
(2) قوله « وَإِنِ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَصِبْيَانُ، وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ، تَقَدَّمَ الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخُنَاثَى، ثُمَّ النِّسَاءُ » أي إذا اجتمع مع الإمام هذه الأصناف المذكورة، فالمشروع أن يكون خلفه الرجال، ثم يليهم الصبيان، ثم يلي الصبيان الخناثى، ثم يلي الخناثى النساء.
لكن إن كان الصبيان سيحصل منهم نوع أذية على المصلين، وذلك بالتشويش عليهم من خلال لعبهم إن اجتمع بعضهم إلى بعض، فهنا نقول: الأفضل أن يفرق بينهم بحيث يجعل بين كل صبي وصبي بالغًا من الرجال، وذلك لكي يكفوا عن المصلين أذيتهم ولا يحصل منهم لعب ولا تشويش.
? تنبيه: إن جاء صبي مبكرًا إلى الصلاة رغبة منه في الصلاة خلف الإمام، هل يشرع تنحيته عن مكانه؟(6/84)
الصواب: أنه لا يشرع فعل ذلك؛ لأن فيه نوع أذية وجناية على حقه لما روي
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ »(1)، وهذا =
وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلاَمِ الإِمَامِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ(1)، وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوْعَ، فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَإِلاَّ فَلاَ(2).......................................................................................
=الصبي قد سبق غيره.
(1) قوله « وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلاَمِ الإِمَامِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ » هذا هو المذهب(2)، أي يحصل فضل الجماعة إذا أدرك المسبوق الإمام قبل أن يسلم ولو بلحظة، والصحيح من هذه الأقوال أن الجماعة لاتدرك إلا بإدراك ركعة كاملة، أي بركوعها مع سجدتيها مع الإمام، وهذا هو قول المالكية(3)، واختاره شيخ الإسلام(4)، وبه أفتت اللجنة الدائمة(5)، دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ » (6)، والركعة تكون بإدراك الركوع .
(
__________
(1) أخرجه البيهقي (6/142)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (5622).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (4/291).
(3) حاشية الدسوقي (1/320).
(4) الاختيارات الفقهية ص126.
(5) فتاوى اللجنة الدائمة (7/320، 321) رقم الفتوى (7371).
(6) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة _ باب من أدرك ركعة من الصلاة _ رقم (546)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة _ رقم (954).(6/85)
2) قوله « وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوْعَ، فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَإِلاَّ فَلاَ » لقوله - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوْا وَلاَ تَعُدُّوْهَا شَيْئًا وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ »(1) ، وفي رواية: « مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوْعَ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ » (2).
بَابُ صَلاَةِ الْمَرِيْضِ (1).
وَالْمَرِيْضُ إِذَا كَانَ الْقِيَامُ يَزِيْدُ فِيْ مَرَضِهِ، صَلَّى جَالِسًا(2)،.........................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ صَلاَةِ الْمَرِيْضِ » ويقال لها صلاة أهل الأعذار، ويدخل فيها صلاة المريض والمسافر والخوف، فالصلاة في هذه الأحوال الثلاثة تختلف هيئةً وعددًا بناء على قاعدة « المشقة تجلب التيسير » .
(2) قوله « وَالْمَرِيْضُ إِذَا كَانَ الْقِيَامُ يَزِيْدُ فِيْ مَرَضِهِ، صَلَّى جَالِسًا » لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين لما اشتكى البواسير قال له - صلى الله عليه وسلم - :«صَلِّ قَائِمًا،فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ،فَقَاعِدًا،فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ،فَعَلَى جَنْبٍ »(3) لكن هل العبرة هنا بزيادة المرض أم بحصول المشقة والعجز؟ الصحيح أنه متى عجز عن القيام أو كان في قيامه مشقة عليه فيشرع له الصلاة قاعدًا؛ لقوله تعالى: [? ? ? ? ? ? ? ? ](4) ، وللحديث المتقدم .
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب في الرجل يدرك الإمام كيف يصنع _ رقم (759) وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (468)..
(2) صححه الألباني في الإرواء حديث رقم (496) .
(3) أخرجه البخاري في أبواب التقصير _ باب إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب _ رقم (1117).
(4) سورة البقرة : 185.(6/86)
وما هي صفة الجلوس في هذه الحالة؟ صفة الجلوس هنا هو أن يجلس متربعًا على إليته؛ لأن هذا هو الثابت من فعله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عائشة _ رضي الله عنها_ قالت:=رأيت النبي " يصلي متربعاً+(1)،وأيضًا لكي يحصل التفريق بين الجلوس للقيام والجلوس الذي في محله، لكن هذا على سبيل السنة لا الوجوب، فإن شق عليه ذلك فله أن يجلس على الهيئة التي تسهل عليه.
فَإِنْ لَمْ يُطِقْ، فَعَلَى جَنْبِهِ(1)؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ« صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ». فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ، فَعَلَى ظَهْرِهِ(2)، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ، أَوْمَأَ بِهِمَا(3)،..................................
(1) قوله « فَإِنْ لَمْ يُطِقْ، فَعَلَى جَنْبِهِ » أي لم يطق الصلاة قاعدًا فيصلي على جنبه، وهذا فيه دليل على عدم سقوط الصلاة عن الإنسان مادام عقله معه، وفيه دليل على عظم شأن الصلاة، وأنها لا تسقط على أي حال إلا مااستثناه الدليل كالحائض والنفساء والمجنون والنائم حتى يستيقظ والصبي حتى يحتلم.
(2) قوله « فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ، فَعَلَى ظَهْرِهِ » أي إن شق عليه الصلاة على جنبه صلى على ظهره أي مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة .
(3) قوله « وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ، أَوْمَأَ بِهِمَا » أي إن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل إيماءه بالسجود أخفض من الإيماء بالركوع، هذا مع عجزه عن السجود، أما إذا قدر عليه فيومئ بالركوع ويسجد، فإن لم يستطع أومأ بكليهما.
__________
(1) حديث عائشة أخرجه النسائي ـ كتاب قيام الليل ـ باب كيف صلاة القاعد (1662).(6/87)
وإذا كان يصلي مستلقيًا على ظهره فكيف يومئ في هذه الحال؟ نقول: يجعل إيماءه برأسه جهة صدره،ويكون إيماؤه برأسه إلى صدره قليلاً في حال الركوع ويومئ أكثر منه في حال السجود فإن عجز عن الإيماء قال ابن قدامة فبطرفه أي بعينه، فيغمض قليلاً للركوع ويغمض أكثر للسجود.
? تنبيهان:
أولاً: قال بعض أهل العلم:متى عجز عن الإيماء بالرأس سقطت عنه الصلاة،
وهذا اختيار شيخ الإسلام(1) × وهذا غير صحيح،بل لا تسقط عنه =
وَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ فِيْ إِغْمَائِهِ(1)،...............................................
=الصلاة، وتسقط عنه الأفعال فقط بل متى عجز عن الأقوال والأفعال لم تسقط عنه الصلاة، وتبقى النية، فينوي أنه في صلاة، وينوي القراءة والسجود والركوع والقيام والقعود، وهذا هو الذي رجحه شيخنا(2) ×.
ثانيًا: قال بعض أهل العلم: إذا عجز عن الإيماء بالرأس أومأ بالأصبع، وهذا لا أصل له، ولم ترد به سنة صحيحة ولاضعيفة، ولذا لا يشرع فعله.
(1) قوله « وَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ فِيْ إِغْمَائِهِ » اختلف الفقهاء في هذه المسألة: فالمالكية(3)، والشافعية(4)، وقول عند الحنابلة(5)، ورأي شيخنا محمد العثيمين(6) × أنه لايلزمه القضاء إلا أن يفيق في جزء من وقتها ولم يؤدها، أما الحنفية فيرون أنه ليس على مغمى عليه قضاء ما فاته إذا زادت الفوائت عن يوم وليلة، أما الحنابلة فكما ذكر المؤلف الصحيح من المذهب عندهم أن المغمى عليه كالنائم لايسقط عنه قضاء شيء من الواجبات التي يجب قضاؤها.
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص133.
(2) الشرح الممتع (4/332).
(3) الشرح الصغير (1/496).
(4) مغني المحتاج (1/131)، المجموع شرح المهذب (2/50، 51).
(5) المغني (2/50، 51).
(6) الشرح الممتع (2/17).(6/88)
والصحيح من هذه الأقوال ما ذهب إليه سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(1) × أنه يجب عليه قضاء الفوائت إن كانت ثلاثة أيام فأقل؛ لأن هذا ليس فيه مشقة عليه. ولأن هذا فعل عمار - رضي الله عنه - ، فقد روي « أَنَّ عَمَّارًا غُشِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا لاَ يُصَلِّيْ،ثُمَّ اسْتَفَاقَ بَعْدَ ثَلاَثٍ،فَقِيْلَ: هَلْ صَلَّيْتَ؟ فَقَالَ: مَا صَلَّيْتُ=
وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ صَلاَةٍ فِيْ وَقْتِهَا، فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فِيْ وَقْتِ إِحْدَاهُمَا(1). ... فَإِنْ جَمَعَ فِيْ وَقْتِ الأُوْلَى، اشْتُرِطَ نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ فِعْلِهَا(2)،..............................................................................................
=مُنْذُ ثَلاَثٍ، فَقَالَ: أَعْطُوْنِيْ وَضُوْءًا، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى تِلْكَ اللَّيْلَةَ »(2).
(
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/273)(12/252).
(2) أخرجه ابن المنذر في الأوسط (7/207) رقم (2292)، عبد الرزاق في مصنفه (2/479)..(6/89)
1) قوله « وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ صَلاَةٍ فِيْ وَقْتِهَا، فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فِيْ وَقْتِ إِحْدَاهُمَا » أي إن شق على المريض أداء الصلاة في وقتها فيشرع له الجمع بين الظهر والعصر، وبين العشائين يعني العشاء والمغرب في وقت أحدهما، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده، فباب الجمع أوسع من باب القصر كما سيأتي بيان ذلك، فكلما لحق الإنسان مشقة بترك الجمع جاز له الجمع حضرًا وسفرًا، ودليل ما ذكره المؤلف قوله تعالى: [? ? ? ? ? ? ? ? ](1)، وقوله تعالى:[ھ ھ ھ ھ ے ے ?](2)، وقول ابن عباس _ رضي الله عنهما _ « جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَدِينَةِ فِيْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ، قِيْلَ لابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ»(3).
(2) قوله «فَإِنْ جَمَعَ فِيْ وَقْتِ الأُوْلَى اشْتُرِطَ نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ فِعْلِهَا» أي إن جمع
المريض بين الظهرين (الظهر والعصر) في وقت الأولى وهي الظهر، أو جمع بين العشائين (المغرب والعشاء) في وقت الأولى وهي المغرب قال=
وَاسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ حَتَّى يَشْرَعَ فِيْ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا(1)،وَأَنْ لاَ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، إِلاَّ بِقَدْرِ الْوُضُوْءِ(2).
=المؤلف:«اشْتُرِطَ نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ فِعْلِهَا » وعلل لذلك لأن الجمع ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى فلابد أن تكون نية الضم في جميع أجزاء الصلاة.
__________
(1) سورة البقرة : 185.
(2) سورة الحج : 78.
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب الجمع بين الصلاتين في الحضر _ رقم (1151)(6/90)
والصحيح أنه لا يشترط نية الجمع عند إحرامه للصلاة الأولى، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(1) وشيخنا(2) فله أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الصلاة الأولى،لكن يشترط عند إحرامه للثانية كما سيذكره المؤلف استمرار السبب الذي من أجله شرع له الجمع كالمرض أو الخوف أو السفر.
(1) قوله « وَاسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ حَتَّى يَشْرَعَ فِيْ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا » هذا هو الشرط الثاني للعذر المبيح للجمع، وهذا الشرط مبني على الذي قبله عند المؤلف، أعني اشتراط نية الجمع عند إحرامه بالصلاة الأولى، وذكرنا أنه لا يشترط نية الجمع، ولذا نقول هنا أيضًا لا يشترط وجود العذر عند افتتاح الأولى، بل إذا صلى الأولى ثم طرأ عليه مرض بعد فراغه منها جاز له الجمع، وهذا هو اختيار شيخنا(3) × .
(2) قوله « وَأَنْ لاَ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِقَدْرِ الْوُضُوْءِ » هذا هو الشرط الثالث لجواز الجمع حال المرض وهو شرط الموالاة، فيشترط أن لا يفرق بين المجموعتين إلا بقدر الوضوء، وذهب شيخ الإسلام(4) إلى عدم اشتراط الموالاة بل له أن يجمع وإن طال الفصل بين المجموعتين، والأحوط عندي اشتراط الموالاة =
وَإِنْ أَخَّرَ، اعْتُبِرَ اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إِلَى دُخُوْلِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا(1)، وَأَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ فِيْ وَقْتِ الأُوْلَى(2)، قَبْلَ أَنْ يَضِيْقَ عَنْ فِعْلِهَا(3)،..................................
=بين المجموعتين.
(
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص137.
(2) الشرح الممتع (4/397).
(3) الشرح الممتع (4/404).
(4) الاختيارات الفقهية ص137.(6/91)
1) قوله « وَإِنْ أَخَّرَ اعْتُبِرَ اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إِلَى دُخُوْلِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا » أي يشترط لجمع التأخير للمريض أن يستمر عذر المرض إلى دخول وقت الثانية، فإن لم يستمر العذر فلا يجوز له الجمع، بل عليه أن يبادر بأداء الصلاة الأولى قبل دخول وقت الثانية إن زال العذر، وذلك لأن الصلاة لها وقت محدد، فلا يجوز أن تؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية إلا بنية الجمع إذا وجد سببه، فمتى زال السبب رجعنا للأصل وهو عدم الجمع.
(1) قوله « وَأَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ فِيْ وَقْتِ الأُوْلَى » وذلك لأن تأخير الصلاة عن وقتها بغير عذر شرعي محرم، فلابد من وجود نية الجمع.
(1) قوله « قَبْلَ أَنْ يَضِيْقَ عَنْ فِعْلِهَا » أي قبل أن يضيق وقت الصلاة الأولى عن فعلها، فإن ضاق عن فعلها فهنا لم يصح الجمع؛ لأن تأخير الصلاة _ كما ذكرنا_ عن وقتها لايجوز بل هو محرم، والجمع رخصة،والرخص لا تستباح بالمحرم.
مثال ذلك: رجل مريض، مضى معه مرضه ودخل عليه صلاة ولم يصل، فلما بقي عليه ما يضيق عن فعل صلاة الظهر نوى جمع الظهر مع العصر، فلا تصح هذه النية؛ لأنه يحرم تأخير الصلاة حتى يضيق وقتها، وإن كان مريضًا ومرضه مستمر معه ولا يستطيع أن يؤدي الصلاة في وقتها فلابد له أن ينوي الجمع.
وَيَجُوْزُ الْجَمْعُ لِلْمُسَافِرِ الَّذِيْ لَهُ الْقَصْرُ(1)، وَيَجُوْزُ الْجَمْعُ فِي الْمَطَرِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ خَاصَّةً(2).
(1) قوله « وَيَجُوْزُ الْجَمْعُ لِلْمُسَافِرِ الَّذِيْ لَهُ الْقَصْرُ » أي يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وكذا المغرب والعشاء في وقت أحدهما للمسافر الذي له القصر، والذي له القصر عند المؤلف: من كان سفره مباحًا، و بلغ مسافة القصر، وأن لا يتجاوز أربعة أيام. فهذه هي شروط القصر في المذهب، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله في الباب الذي يليه.
? تنبيه: هل الجمع عام لكل من كان نازلاً أم سائرًا؟(6/92)
نقول: محل خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: بأنه لايشرع الجمع إلا لمن كان سائرًا ، أما النازل فلا، وقال آخرون: بل يجوز الجمع مطلقًا، سواء كان نازلاً أم سائرًا.
والصحيح من القولين: أن الجمع للمسافر إن كان سائرًا فمستحب، أما إن كان نازلاً فهو جائز غير مستحب أي إن جمع فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل، وهذا هو قول شيخنا(1) ×.
(2) قوله « وَيَجُوْزُ الْجَمْعُ فِيْ الْمَطَرِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ خَاصَّةً » أي يجوز الجمع بين المغرب والعشاء دون غيرهما من الفرائض في المطر الذي يحصل به مشقة على الناس. وعلم من قوله « خَاصَّةً » أنه لا يجوز الجمع بين الظهر والعصر في المطر، وهذا هو المذهب(2)، وهو مذهب المالكية(3)، والصحيح أنه يجوز=
..................................................................................................................
(3) الجمع بينهما؛ لعموم حديث ابن عباس _ رضي الله عنهما _، ولأن العبرة بالمشقة، فمتى وجدت جاز الجمع، وهذا مذهب الشافعية(4)، وهو اختيار شيخينا(5) ـ رحمهما الله ـ، وعليه كثير من أهل العلم.
بَابُ صَلاَةِ الْمُسَافِرِ.
وَإِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ سَفَرِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا(1)، وَهِيَ مَسِيْرَةُ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ(2)،..
الشرح:
(
__________
(1) الشرح الممتع (4/390).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/96).
(3) جواهر الإكليل (1/52)، القوانين الفقهية ص87.
(4) مغني المحتاج (1/274).
(5) الشرح الممتع (4/393)، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/290، 291).(6/93)
1) قوله « وَإِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ سَفَرِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا » الفرسخ يعادل ثلاثة أميال، والميل 1670م، فيكون الفرسخ بالكيلو ما يعادل 5 كيلو متراً تقريبًا، فتكون مسافة القصر ثمانين كيلو مترًا، وهذا هو قول المالكية(1)، والشافعية(2)، والحنابلة(3)، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار سماحة شيخنا عبد العزيز ابن باز(4) ×، وبه أفتت اللجنة الدائمة(5).
وقال شيخ الإسلام(6): أنه لا حد للسفر بالمسافة؛ لأن التحديد يحتاج إلى توقيت وليس لما صار إليه المحددون حجة، وقال: إنما يرجع ذلك إلى العرف، فما سماه العرف سفرًا صار سفرًا وإن قل عن المسافة التي حددها الجمهور،وهذا هو اختيار شيخنا(7)×.
لكن الصواب ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من تحديد المسافة؛ لأن هذا أضبط وأحوط.
(2) قوله « وَهِيَ مَسِيْرَةُ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ » أي يومين كاملين بسير الإبل المحملة، وقوله « قَاصِدَيْنِ » معتدلين بمعنى أنه لا يسير في اليومين ليلاً ونهارًا سيرًا بحتًا بدون=
وَكَانَ مُبَاحًا(1)، فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً(2).
=راحة، ولا يكون كثير النزول والإقامة، بل يكون اليومان معتدلين، لا بهذا ولا بذاك، هذا معنى قوله « قَاصِدَيْنِ »، ولكن التحديد بالمسافة أضبط من التحديد بالأيام.
(
__________
(1) الشرح الصغير (1/650، 651)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/359، 360).
(2) مغني المحتاج (1/264).
(3) كشاف القناع (1/325).
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/266، 267).
(5) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/99) رقم الفتوى (11520).
(6) الاختيارات الفقهية ص34.
(7) الشرح الممتع (4/351).(6/94)
1) قوله « وَكَانَ مُبَاحًا » هذا هو الشرط الثاني لجواز القصر، فيشترط كون السفر مباحًا، فإن كان السفر غير مباح أي محرماً أو مكروهاً فلا يترخص المسافر برخصه ومنها قصر الصلاة؛ لأن الرخصة تسهيل وتيسير على المكلف، والمسافر سفرًا محرمًا أو مكروهًا لا يستحق أن يسهل عليه ويرخص له، ولأن جواز الرخص في سفر المعصية إعانة على المعصية، وهذا لا يجوز وهو المذهب(1)، وهو قول المالكية(2)، والشافعية(3).
والصحيح أنه لا يشترط كون السفر مباحًا لكي يقصر الصلاة، لأن القصر ليس برخصة، فإن صلاة الركعتين في السفر ليس تحويلاً من الأربع إلى الركعتين بل هو الأصل؛ لقوله عائشة _ رضي الله عنها _:« فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا وَتُرِكَتْ صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الأُوْلَى»(4)،وهذا هو المذهب عند الحنفية(5)، واختيار شيخ الإسلام(6) ×.
(2) قوله « فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً » أي له قصر الظهر والعصر والعشاء خاصة، أما الصبح والمغرب فليس فيهما قصر.
إِلاَّ أَنْ يَأْتَمَّ بِمُقِيْمٍ(1)، أَوْ لاَ يَنْوِيَ الْقَصْرَ(2)،.................................
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/28).
(2) الشرح الصغير (1/655).
(3) المجموع شرح المهذب (4/223).
(4) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار _ باب التاريخ، من أين أرخوا التاريخ ؟ رقم (3642).
(5) بداية المبتدىء مع الهداية (1/82)، فتح القدير (1/74)، العناية مع فتح القدير (1/74).
(6) مجموع الفتاوى (24/110، 111)، الاختيارات الفقهية ص134.(6/95)
1) قوله « إِلاَّ أَنْ يَأْتَمَّ بِمُقِيْمٍ » فلا يشرع له القصر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ »(1)،
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - :« وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوْا » (2) وهذا عام يشمل كل ما فاته، ولحديث مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ قَالَ « كُنَّا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ: إِنَّا إِذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - »(3).
? تنبيه: إذا أدرك المسافر الإمام المقيم في ركعة من الظهر أو العصر أو العشاء فلا يشرع له أن يجعلها قصرًا بل يصليها صلاة تامة لعموم الأدلة السابقة.
(1) قوله «أَوْ لاَ يَنْوِيَ الْقَصْرَ»أي عند إحرامه بالصلاة ما نوى القصر وهذه المسألة لها ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن ينوي الإتمام عند إحرامه، فهذه محل خلاف، والصحيح أنه يلزمه الإتمام؛ لعموم قوله تعالى: « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ »(4).
الصورة الثانية: أن ينوي القصر فيلزمه القصر.
الصورة الثالثة: أن لا ينوي الإتمام والقصر، فهذه محل خلاف بين الفقهاء،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإمامة والجماعة _ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به _ رقم (648).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب قول الرجل فاتتنا الصلاة _ رقم (599) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب استحباب اتيان الصلاة بوقار وسكينة _ رقم (948).
(3) أخرجه أحمد في المسند (4/297) رقم (1765)، وصححه الألباني في الإرواء (3/21) رقم (571).
(4) أخرجه البخاري في باب بدء الوحي برقم (1)، ومسلم في كتاب الإمارة _ باب قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال برقم (1907) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .(6/96)
أَوْ يَنْسَى صَلاَةَ حَضَرٍ، فَيَذْكُرَهَا فِي السَّفَرِ(1)، أَوْ صَلاَةَ سَفَرٍ، فَيَذْكُرَهَا فِي الْحَضَرِ، فَعَلَيْهِ الإِتْمَامُ(2).
=فالمذهب(1) يلزمه الإتمام؛ لأن الأصل وجوب الإتمام، والقول الثاني(2) وهو اختيار شيخنا(3) × أنه لا يلزمه الإتمام بل يقصر؛ لأن الأصل في صلاة المسافر هو القصر، وهذا هو الأظهر.
(1) قوله « أَوْ يَنْسَى صَلاَةَ حَضَرٍ، فَيَذْكُرَهَا فِيْ السَّفَرِ » أي من نسي صلاة حضر ثم سافر فتذكر أنه لم يصل، فهنا يلزمه الإتمام؛ لأن هذه الصلاة لزمته تامة، فالواجب عليه فعلها تامة، ولأن القضاء بحسب الأداء، وهذا هو المذهب(4)، وهو قول جمهور الفقهاء، وهو الصحيح.
(2) قوله « أَوْ صَلاَةَ سَفَرٍ، فَيَذْكُرَهَا فِي الْحَضَرِ، فَعَلَيْهِ الإِتْمَامُ » وهذه عكس سابقتها أي نسي صلاة وهو مسافر ثم أقام، فهنا يلزمه إتمامها؛ لأنها صلاة وجبت عليه في الحضر فلزمه الإتمام، ولأن القصر من رخص السفر وقد زال.
وذهب الحنفية(5)، والمالكية(6)، والشافعية(7) في القديم عندهم، وهو قول شيخنا(8) × أنه يلزمه قضاؤها ركعتين؛ لأن القضاء بحسب الأداء، ولأنها صلاة وجبت عليه مقصورة فلا يلزمه إتمامها. والأحوط في هذه المسألة هو =
وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ،وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ(1)................................................................
=المذهب أي يلزمه إتمامها.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/61).
(2) المرجع السابق.
(3) الشرح الممتع (4/371).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/54).
(5) فتح القدير (1/405).
(6) حاشية الدسوقي (4/460).
(7) المجموع شرح المهذب (4/245).
(8) الشرح الممتع (4/367).(6/97)
1) قوله « وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ، وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ » اختلف الفقهاء في هذه المسألة بناء على: هل الأصل الإتمام أم القصر ؟ فالجمهور على أن الأصل هو الإتمام وأن القصر رخصة، واحتجوا لذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - : « صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوْا صَدَقَتَهُ »(1)، وعلى ذلك فيكون القصر أفضل مع جواز الإتمام، وذهب الحنفية(2) إلى أن الأصل هو القصر، وليس للمسافر أن يتم الصلاة أربعًا، واحتجوا لذلك بحديث عائشة _ رضي الله عنها _ « فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ وَزِيْدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ »(3). ولقول ابن عباس - رضي الله عنه - : « فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً »(4).
والصحيح أنه لا ينبغي لمسافر أن يتم الصلاة في سفره وهو يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أتم صلاة في سفر، وكذا أصحابه _ رضوان الله عليهم _ بل يلتزم بفعل القصر؛ لأنه هو الأفضل، لكن إن أتم جاز له لكنه خلاف الأولى، قال ابن عمر _ رضي الله عنهما _: « صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ=
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب منه رقم (1108).
(2) بدائع الصنائع (1/91).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة _ باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء _ رقم (337) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب منه رقم (1105).
(4) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب منه رقم (1109).(6/98)
وَمَنْ نَوَى الإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ صَلاَةً، أَتَمَّ (1)،................................
=اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ:[? ? ? ? ? ? ? ? ]» (1) .
(1) قوله « وَمَنْ نَوَى الإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ صَلاَةً، أَتَمَّ » أي متى نوى المسافر أكثر من إحدى وعشرين صلاة وهي بالأيام أربعة أيام فلا يرخص له القصر.
وهذه مسألة كثر فيها الخلاف عند الفقهاء، فالمذهب(2) كما بينه المؤلف: إذا نوى المسافر الإقامة أكثر من أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ولزمه الإتمام، وذهب الحنفية(3) إلى أنه إن نوى إقامة أكثر من خمسة عشر يومًا أتم وإن نوى دونها قصر، والشافعية(4) يوافقون المذهب، لكن لا يحسب عندهم يوم الدخول ولا يوم الخروج، وعلى ذلك فالأيام عندهم ستة.
وذهب شيخ الإسلام(5)، واختاره ابن سعدي(6)، وشيخنا محمد العثيمين(7) _ رحمهم الله _ إلى أنه لادليل على تحديد المدة، فللمسافر القصر سواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو دونها.
وَإِنْ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى ذالِكَ، قَصَرَ أَبَدًا (1).
__________
(1) أخرجه البخاري في أبواب التقصير _ باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها _ رقم (1038) ، و مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب منه رقم (1112)، واللفظ لمسلم.
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف ( ).
(3) بداية المبتدىء مع الهداية (1/81).
(4) المجموع شرح المهذب (4/241).
(5) مجموع الفتاوى (24/71).
(6) المختارات الجلية ص66، 67.
(7) الشرح الممتع (4/379).(6/99)
=لكن الأحوط عندي أنه متى نوى المسافر الإقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يتم صلاته، وهذا هو قول سماحة شيخنا ابن باز(1) ×، وبه أفتت اللجنة الدائمة(2) خروجًا من الخلاف في هذه المسألة.
(1) قوله « وَإِنْ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى ذالِكَ، قَصَرَ أَبَدًا » أي لم ينو الإقامة فله قصر الصلاة أبدًا أي ولو بقي طول عمره فإنه يقصر الصلاة؛ لأنه إنما نوى الإقامة بسبب الحاجة ولم ينو إقامة مطلقًا.
مثال ذلك: سافر زيد من الناس إلى خارج البلاد يريد العلاج ولا يدري متى ينتهي فإنه يشرع له القصر أبدًا حتى لو غلب على ظنه أنه سيطول؛ لأنه إنما بقاؤه في هذه البلاد من أجل الحاجة.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا أقام أربعة أيام لزمه الإتمام، وذلك لانتهاء حكم السفر وذلك بتحديد المدة وهي أربعة أيام ولذا يجب عليه الإتمام.
لكن الصحيح الأول، وعليه عامة أهل العلم، لكن ننبه على أنه يلزمه هنا الصلاة في جماعة إذا كان يسمع النداء، فلا يجوز له التخلف عنها لوجوبها في حقه، أما إن صلى منفردًا لعارض حصل له فيجوز له قصر الرباعية.
بَابُ صَلاَةِ الْخَوْفِ (1).
وَتَجُوْزُ صَلاَةُ الْخَوْفِ(2)،......................................................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ صَلاَةِ الْخَوْفِ » أي كيفية الصلاة عند حدوث الخوف من عدو، ولا يشترط أن يكون هذا العدو آدميًّا، بل أي عدو كان يخاف منه الإنسان، آدميًّا كان أو سبعًا، أو نارًا فهرب منها، أو سيلاً، أو أسيرًا لدى الكفار يخاف على نفسه إن رأوه يصلي، أو كان مختفيًا يخاف على نفسه إن ظهر، أو غيره، فإنه يشرع له صلاة الخوف على الصفة التي سيذكرها المؤلف أو أي صفة مما سنذكرها.
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/272، 273).
(2) فتاوى اللجنة الدائمة (8/109، 110) رقم الفتوى (1813).(6/100)
? تنبيه: تجوز صلاة الخوف في كل قتال مباح، ولا تجوز في قتال محرم عند أكثر أهل العلم؛ لأنها رخصة لا تستباح بمحرم.
(2) قوله « وَتَجُوْزُ صَلاَةُ الْخَوْفِ » ذهب إلى جوازها جمهور الفقهاء(1)، وقالوا بأنها مشروعة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد مماته، وأنها مشروعة لأمته بعد وفاته إلى يوم القيامة للأدلة الدالة على مشروعيتها، وذهب أبو يوسف(2) من الحنفية إلى أنها كانت مختصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، والصحيح عدم الخصوصية، فتخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب لا يقتضي تخصيصه بالحكم.
وقال المزني(3) من الشافعية بأن صلاة الخوف كانت مشروعة ثم نسخت، والصحيح عدم النسخ،إذ لو نسخت لنقل ذلك،ولأن الصحابة - رضي الله عنهم - مازالوا=
عَلَى كُلِّ صِفَةٍ صَلاَّهَا رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (1). وَالْمُخْتَارُ مِنْهَا: أَنْ يَجْعَلَهُمُ الإِمَامُ طَائِفَتَيْنِ، طَائِفَةً تَحْرُسُ، وَالأُخْرَى تُصَلِّيْ مَعَهُ رَكْعَةً، فَإِذَا قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ، نَوَتْ مُفَارَقَتَهُ وَأَتَمَّتْ صَلاَتَهَا،وَذَهَبَتْ تَحْرُسُ،وَجَاءَتِ الأُخْرَى، فَصَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ،قَامَتْ فَأَتَتْ بِرَكْعَةٍ أُخْرَى،وَيَنْتَظِرُهَا حَتَّى تَتَشَهَّدَ،ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهَا،......
=يصلونها بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - في حال خوفهم كما فعل ذلك علي بن أبي طالب في خروجه لصفين.
(1) قوله « عَلَى كُلِّ صِفَةٍ صَلاَّهَا رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - » والثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كيفيتها خمس أو ست صفات وهي:
__________
(1) انظر في ذلك:بدائع الصنائع(1/242،243)،الشرح الصغير (2/9)، المجموع شرح المهذب (4/287)، المغني (3/298).
(2) المرجع السابق.
(3) المرجع السابق.(6/101)
الصفة الأولى: أن يجعلهم الإمام طائفتين: طائفة تحرس والأخرى تصلي معه ركعة، فإذا قام للركعة الثانية نوت المفارقة وأتمت لنفسها وذهبت تحرس، وجاءت الأخرى فصلت معه الركعة الثانية ثم تتم لنفسها ويسلم بهم.
الصفة الثانية: يصلي بكل طائفة ركعة وتتم كل واحدة الركعة الثانية، فالأولى تتمها بعد مواجهة الثانية للعدو، والثانية تتمها بصلاتها مع الإمام.
الصفة الثالثة: أن يصلي بكل طائفة ركعتين فتكون له أربعًا ولكل واحدة ركعتان.
الصفة الرابعة: أن يصلي بكل واحدة ركعتين ويسلم فهو يصلي أربعًا بسلامين، الأولى له فريضة والثانية نافلة.
الصفة الخامسة: أن يصلي بكل واحدة ركعة وتسلم فله ركعتان وكل واحدة منهما تصلي ركعة فقط .
الصفة السادسة: إذا كان العدو تجاه القبلة يصلي بهم جميعًا ويركع بهم جميعًا ويرفع بهم جميعًا، ثم يسجد معه الصف الأول، فإذا قام للثانية سجد الصف المؤخر،ثم يتقدم المؤخر ويتأخر المتقدم ويصلي بهم الركعة الثانية كالأولى =
وَإِنِ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رِجَالاً وَرُكْبَانًا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَإِلَى غَيْرِهَا. يُوْمِئُوْنَ بِالرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ(1)،...............................................................................................
= ثم يسلم بهم جميعًا.
الصفة السابعة: إذا اشتد الخوف صلوا رجالاً أو ركبانًا إلى القبلة وغيرها يومؤون إيماء على قدر استطاعتهم، فلا يكلف الله العبد فوق طاقته.
فهذه هي صور صلاة الخوف،كلها جائزة، والمختار عند المؤلف الصورة الأولى، وذلك لأمرين:(6/102)
الأول: لأنها هي الموافقة للقرآن كما في سورة النساء:[وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً] (1).
الثاني: أن صفتها خرَّجها البخاري ومسلم.
? تنبيهان:
أولاً: إذا كان العدو في البلد فلا تقصر الصلاة بل يتمها.
ثانيًا: صلاة المغرب لا تقصر بالاتفاق، بل يصلي بالأولى ركعتين وتتم لنفسها ثم تسلم ويصلي بالثانية ركعة ثم تتم لنفسها وتسلم.
(1) قوله « وَإِنِ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رِجَالاً وَرُكْبَانًا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَإِلَى غَيْرِهَا يُوْمِئُوْنَ بِالرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ » كما ذكرنا ذلك في صفات صلاة الخوف، دليل ذلك قوله=
وَكَذالِكَ كُلُّ خَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ، يُصَلِّيْ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَيَفْعَلُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَى فِعْلِهِ،مِنْ هَرَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ(1).
=تعالى:[? ? ? ? ?](2). وعلى ذلك لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إذا اشتد الخوف، إلا إذا كان لا يمكنه أن يتدبر ما يقول في قراءته وركوعه وسجوده وأفعاله في الصلاة فهنا يؤخرها، هذا إذا كانت الصلاة لا تجمع مع غيرها كصلاة الصبح مثلاً، أما إذا كانت مما يجمع فهنا يباح له الجمع، فيؤخر صلاة الظهر إلى العصر وكذا المغرب إلى العشاء.
(
__________
(1) سورة النساء : 102.
(2) سورة البقرة : 239.(6/103)
1) قوله « وَكَذالِكَ كُلُّ خَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ، يُصَلِّيْ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَيَفْعَلُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَى فِعْلِهِ،مِنْ هَرَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ » دليل ذلك ما رواه البخاري عن ابن عمر _ رضي الله عنهما_ قال: « فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذالِكَ صَلَّوْا رِجَالاً قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيْهَا، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لاَ أُرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذالِكَ إِلاَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(1).
وذهب فريق من أهل العلم إلى جواز تأخير الصلاة عن وقتها، واستدلوا لذلك بتأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة في غزوة الأحزاب(2)، والحالة هذه إذا اشتد الخوف الخوف بحيث لا يمكن أن يتدبر الإنسان ما يقول أو يفعل، فإن أمكنه تدبر ما يقول أو يفعل في الصلاة فيصلي على أي حال.
بَابُ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ (1) .
كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ الْمَكْتُوْبَةُ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ(2)، إِذَا كَانَ مُسْتَوْطِنًا بِبِنَاءٍ(3)،..............
الشرح:
(1) قوله «بَابُ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ » للمسلمين اجتماعات: صغرى وكبرى ومتوسطة، منها اجتماع في الحي وهو الصلوات الخمس، واجتماع في البلد وهو الجمعة، واجتماع في البلد لكنه أوسع وهو العيد، واجتماع في البلاد وهو عرفة.
(2) قوله « كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ الْمَكْتُوْبَةُ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ » فتلزم المسلم الذكر الحر المكلف، وقال بعض أهل العلم في العبد إذا أذن له سيده وإلا فلا.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التفسير _ باب قوله تعالى [فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً فإذا أمنتم...] _ رقم (4171) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر _ رقم (994).(6/104)
وقولنا « وهو المسلم » خرج به الكافر، فالكافر لا تجب عليه الصلاة، بل
لاتصح منه مع كونه مخاطباً بها ومحاسباً على تركها على القول الصحيح من أقوال أهل العلم.
وقولنا « الذكر » يخرج به الأنثى والخنثى، فلا تلزمهم صلاة الجمعة، أما الأنثى فلكونها ليست من أهل الجماعة، وأما الخنثى فلعدم تحقق الشرط فيها وهو الذكورية، فلا يدرى أذكر أم أنثى.
أما « الحرّ » فضده العبد، وقد ذكرنا أن بعض أهل العلم ذكر أنها تلزمه إذا أذن له سيده، وهذا هو الصحيح، فهو وسط بين من أوجبها عليه مطلقًا لعموم الأدلة التي تدل على وجوب السعي لها فلم تخصص العبد ولا غيره، وبين من قال بأنها لا تلزمه مطلقًا.
وقولنا « المكلف » وهو من أجتمع فيه وصفان: البلوغ والعقل.
(3) قوله «إِذاَ كَانَ مُسْتَوْطِنًا بِبِنَاءٍ » هذا أيضًا شرط من شروط من تجب عليه الجمعة،
فيشترط أن يكون مستوطنًا ببناء، وضد المستوطن المسافر والمقيم فلا تلزمهم =
بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَرْسَخٌ فَمَا دُوْنَ(1).........................................................................
=الجمعة بأنفسهم بل تلزمهم بغيرهم.
فلو أن إنسانًا سافر ومرَّ ببلد تقام فيه الجمعة ودخل هذا المسافر تلك البلد لغرض ـ ما ـ كأن يستريح فيها أو يشتري شيئًا، فهنا تلزمه. وكذا إن كان ينوي أن يقيم في بلد أكثر من أربعة أيام فهذا ليس مستوطنًا لأنه لم يتخذ هذا البلد وطنًا وليس مسافرًا،فمتى أقيمت الجمعة في هذا البلد بالمستوطنين لزمته الجمعة. لكن هل يحسب المسافر أو المقيم من العدد عند من اشترط العدد؟ محل خلاف: فالمذهب(1) يرى أنه لا يحسب، والصحيح أنه يحسب من العدد وتنعقد به الجمعة كما سنذكره قريبًا إن شاء الله.
__________
(1) المغني (3/220).(6/105)
وقوله « بِبِنَاءٍ » أي يوطن مبنى، فإن كانوا من أهل الخيام كالبوادي فلا تلزمهم الجمعة؛ لأن البدو الذين كانوا حول المدينة لم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بإقامة الجمعة.
(1) قوله « بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَرْسَخٌ فَمَا دُوْنَ » الفرسخ كما ذكرنا ثلاثة أميال، والميل اثنا عشر ألف ذراع، أي ما يعادل (1600 متر)، فتكون المسافة (1600 × 3 = 4600 متر)، أي ما يعادل 5 كيلو متراً تقريبًا. فمتى كانت المسافة بين من تلزمه الجمعة وبين مكان إقامتها (5 كيلومتراً) تقريبًا أي ما يعادل (ساعة ونصف) بسير الإبل والقدم فإنه لا تلزمه الجمعة، وعلل الفقهاء لذلك بأن هذه المسافة هي التي في الغالب لا يسمع النداء فيها للصلاة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - للأعمى: «أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ؟» قَالَ: نَعَمْ،قَالَ:« فَأَجِبْ»(1)،فجعل الحكم منوطاً بسماع الأذان.
إِلاَّ الْمَرْأَةَ، وَالْعَبْدَ(1)، وَالْمُسَافِرَ(2)، وَالْمَعْذُوْرَ بِمَرَضٍ(3)، أَوْ مَطَرٍ(4)،...............
=وقد قال الفقهاء بأن التحديد بالمسافة أولى من التحديد بالسماع؛ لأن الأذان يختلف باختلاف صوت المؤذن والرياح وارتفاع المؤذن، ولأن التحديد بالفرسخ أضبط، وعلى ذلك مع وجود مكبرات الصوت الموجودة حاليًا التي يبلغ فيها صوت المؤذن الآفاق لا يلزم من سمع النداء من خلالها إذا كانت المسافة فرسخاً؛ لأن العبرة في إجابة المؤذن هو ما كان بدون مكبر الصوت، وهذا هو قول شيخنا(2) ×.
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب يجب إتيان المساجد على من سمع النداء _ رقم (1044).
(2) الشرح الممتع (5/15).(6/106)
1) قوله « إِلاَّ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ » أي لا تجب الجمعة على المرأة والعبد، ودليل ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن طارق بن شهاب مرفوعًا:« الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوْكٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيْضٌ»(1) ، والحديث مختلف فيه، لكن الأدلة الدالة على عدم وجوب الجمعة على هؤلاء معروفة.
(2) قوله « وَالْمُسَافِرَ » لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سافر أسفارًا كثيرة، ولم ينقل عنه أنه صلى جمعة فيها.
(3) قوله « وَالْمَعْذُوْرَ بِمَرَضٍ» للحديث المتقدم.
(4) قوله « أَوْ مَطَرٍ » أي لا تلزم المعذور بمطر؛ لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس _ رضي الله عنهما_ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيْرٍ: « إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللَّهِ فَلاَ تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ صَلُّوْا فِي بُيُوْتِكُمْ، فَكَأَنَّ=
أَوْ خَوْفٍ(1)، وَإِنْ حَضَرُوْهَا أَجْزَأَتْهُمْ(2)، وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ(3)،......................
=النَّاسَ اسْتَنْكَرُوْا، قَالَ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمْعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ، فَتَمْشُونَ فِي الطِّيْنِ وَالدَّحَضِ »(2) .
(1) قوله « أَوْ خَوْفٍ » كما ذكرنا ذلك في صلاة الخوف، فلا تلزم الجمعة من خاف من العدو أو إنسان أو سبع أو حرق ونحو ذلك.
(
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب الجمعة للمملوك والمرأة _ رقم (1067) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/199) رقم (942).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة _ باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر _ رقم (850)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب الصلاة في الرحال في المطر _ رقم (1128)، واللفظ للبخاري.(6/107)
2) قوله « وَإِنْ حَضَرُوْهَا أَجْزَأَتْهُمْ » أي إن حضر هؤلاء المذكورون _ وهم المرأة والعبد والمسافر والمعذور بمرض أو مطر أو خوف _ الجمعة وصلوها مع الإمام أجزأتهم، وذلك لأمرين:
الأول: أن إسقاطها عنهم تخفيف لهم.
الثاني: أنهم ائتموا بمن يصلي الجمعة فأجزأتهم تبعًا لإمامهم.
(3) قوله « وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ » أي لم تنعقد الجمعة بواحد من هؤلاء المذكورين آنفًا_ وهم المرأة والعبد والمسافر_، واستثنى المؤلف المعذور بمرض أو خوف فإنه إن حضرها تلزمه وتنعقد به الجمعة. وقوله « وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ » مراده أنه لا يحسب
من العدد المعتبر لصلاة الجمعة وهم أربعون رجلاً كما سيأتي.
والصحيح في هذه المسألة أن المرأة لا تنعقد بها الجمعة؛ لأنها لا تصح أن تكون خطيبًا ولا أن تكون إمامًا، ولذا لا تحسب من العدد.
أما العبد والمسافر فالصحيح أنهما تنعقد بهما الجمعة، ويصح أن يكونوا أئمة فيها، فالعبد من أهل التكليف والمسافر كذلك،ولا دليل على منعهم من=
إِلاَّ الْمَعْذُوْرَ إِذَا حَضَرَهَا، وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ(1).
وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا(2): فِعْلُهَا فِيْ وَقْتِهَا(3)،................................................
=الإمامة والخطابة فيها،وهذا في إحدى الروايتين في المذهب(1)، وهو اختيار شيخنا(2)×.
(1) قوله « إِلاَّ الْمَعْذُوْرَ إِذَا حَضَرَهَا، وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ » وذلك لأن المعذور من أهل الوجوب أي ممن تلزمه الجمعة، لكن سقط عنه الحضور للعذر، فإذا حضر وجبت عليه وانعقدت به أي فيحسب من العدد ويصح أن يكون إمامًا وخطيبًا.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/173).
(2) الشرح الممتع (5/18، 19).(6/108)
2) قوله « وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا » للجمعة شروط وجوب وشروط صحة: أما شروط الوجوب فقد مر ذكرها، وأما شروط الصحة فسيذكرها المؤلف، وشروط الصحة « ما تتوقف عليها صحة صلاة الجمعة ».
(3) قوله « فِعْلُهَا فِيْ وَقْتِهَا » هذا هو الشرط الأول من شروط الصحة، فلا بد أن تؤدى في الوقت، وهذا بإجماع أهل العلم، فلا تصح صلاة الجمعة إلا في وقتها،فلو خرج الوقت ولم يصل لعذر أو نسيان أو نوم فإنها لا تصلى كما سيذكره المؤلف إن شاء الله تعالى .
لكن لم يبين المؤلف هنا وقت الجمعة، وقد اختلف فيه الفقهاء: فعند الجمهور(1) أن وقت الجمعة هو وقت الظهر، فلا يثبت وجوبها ولا يصح أداؤها إلا بدخول وقت الظهر، ويستمر وقتها بدخول وقت العصر، فإذا =
فِيْ قَرْيَةٍ(1)،.................................................................................................
=خرج وقت الظهر سقطت.
وذهب الحنابلة(2) إلى أن أول وقت صلاة الجمعة هو أول وقت صلاة العيد أي قبل الزوال وفعلها بعد الزوال أفضل، واحتجوا لذلك بحديث جابر حين سئل: « مَتَى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؟ قَالَ: كَانَ يُصَلِّيْ ثُمَّ نَذْهَبُ إِلَى جِمَالِنَا فَنُرِيْحُهَا حِيْنَ تَزُوْلُ الشَّمْسُ »(3)، وقالوا أيضًا بأن هذا ثابت عن بعض الصحابة أنهم صلوا قبل الزوال ولم ينكر عليهم.
والصحيح أنها لا تصح في أول النهار، إنما تصح قبل الزوال بساعة، والأولى والأفضل أن لا تؤدى إلا بعد الزوال وفاقًا لقول الجمهور كما ذكرنا، واختاره سماحة شيخنا ابن باز(4) ×.
(
__________
(1) انظر في ذلك: بدائع الصنائع (1/269)، حاشية الدسوقي (1/372)، مغني المحتاج (1/379).
(2) المغني (5/239).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة _ باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس _ رقم (1421).
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/391).(6/109)
1) قوله « فِيْ قَرْيَةٍ » هذا هو الشرط الثاني من شروط صحة الجمعة، فلاتصح في البوادي ولا في الصحراء ولا في البر، فلا بد فيها من البنيان. لكن إذا خرج أهل القرية إلى مكان بعيد عن القرية لأداء صلاة الجمعة،هل تصح؟ نقول: ذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تصح ولا تجزئ؛ لأنه يشترط حصول الجمعة في البنيان، والصحيح أنها تصح وتجزئ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الفطر والأضحى في المصلى وهو خارج القرية كما هو معروف.
? تنبيهان:
أولاً: البدو الذين بضواحي القرى والمدن إن كانوا قريبين من محل إقامة =
وَأَنْ يَحْضُرَهَا مِنَ الْمُسْتَوْطِنِيْنَ بِهَا أَرْبَعُوْنَ مِنْ أَهْلِ وُجُوْبِهَا(1)،...........................
=الجمعة ويسمعون النداء عند عدم المانع تلزمهم الجمعة مع الناس.
ثانيًا: أهل البادية إن كانوا مستوطنين في مكان لا ينتقلون عنه صيفًا ولا شتاء تلزمهم إقامة الجمعة في مكانهم كأهل القرى.
(1) قوله « وَأَنْ يَحْضُرَهَا مِنَ الْمُسْتَوْطِنِيْنَ بِهَا أَرْبَعُوْنَ مِنْ أَهْلِ وُجُوْبِهَا » هذا هو الشرط الثالث، وقد اختلف الفقهاء في اشتراط العدد الذي تنعقد به الجمعة: فالحنفية(1) لهم قولان في العدد، والصحيح عندهم حضور واحد سوى إمام وقيل ثلاثة سوى إمام.
__________
(1) بدائع الصنائع (1/266).(6/110)
أما الشافعية(1)، والحنابلة(2) فيشترطون أن لا يقل العدد عن أربعين رجلاً ممن تجب في حقهم الجمعة، وقال المالكية(3) يشترط فيها حضور اثني عشر رجلاً. والصحيح من هذه الأقوال: أن الجمعة تصح بل تجب إذا حضرها ثلاثة: الإمام واثنان معه، وهذا هو إحدى الروايتين عند الحنفية(4)، واختارها شيخ الإسلام(5)، وسماحة شيخنا ابن باز(6)، وشيخنا محمد العثيمين(7) _ رحمهم الله _؛ وذلك لأن الثلاثة أقل الجمع، ولما رواه أحمد وغيره من حديث أبي الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِيْ قَرْيَةٍ لاَ يُؤَذَّنُ وَلاَ تُقَامُ فِيْهِمُ الصَّلاَةُ=
وَأَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ(1)،فِيْ كُلِّ خُطْبَةٍ حَمْدُ اللهِ تَعَالَى(2)،.....................................
=إِلاَّ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ »(8)، فقوله « تُقَامُ فِيْهِمُ الصَّلاَةُ » عامة تشمل الجمعة وغيرها.
(1) قوله « وَأَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ » هذا هو الشرط الرابع، أي يشترط لصحة الجمعة أن يتقدمها خطبتان؛ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب عليها مواظبة غير منقطعة، بل لم ينقل عنه أنه صلى جمعة بغير خطبة، وكذا أصحابه من بعده، فدل على وجوبهما.
__________
(1) المجموع شرح المهذب (4/370).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/198).
(3) حاشية الدسوقي (1/378).
(4) بدائع الصنائع (1/266).
(5) الاختيارات الفقهية ص145.
(6) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/326).
(7) الشرح الممتع (5/40، 41).
(8) أخرجه أحمد (44/188) رقم (20719)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب في التشديد في ترك الجماعة _ رقم (547) ، والنسائي في كتاب الإمامة _ باب التشديد في ترك الجماعة _ رقم (838) واللفظ لأحمد، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/109) رقم (511).(6/111)
وقوله « وَأَنْ يَتَقَدَّمَهَا » يفهم منه أنه إذا تأخرت الخطبة عن الصلاة لم تصح، وهذا هو الصحيح.
(2) قوله « فِيْ كُلِّ خُطْبَةٍ حَمْدُ اللهِ تَعَالَى » هذا أحد شروط الخطبة، فيشترط لها حمد الله تعالى، واستدل على ذلك بحديث « كُلُّ أَمْرٍ ذِيْ بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيْهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ »(1) . والحديث فيه ضعف، لكن يستعاض عنه بما رواه مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - : « كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ...» (2) .
وقال بعض أهل العلم:لا يشترط حمد الله في الخطبة؛ لأن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على الوجوب والشرطية بل يدل على الاستحباب.
وَالصَّلاَةُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (1)، وَقِرَاءَةُ آيَةٍ(2)،................................................
=والصحيح أنه لا ينبغي للخطيب أن يعدل عن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غيره، فقد كان في خطبة يقول: « إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ »، وكان يبدأ خطبته بحمد الله كما ذكر جابر، فحري بالخطيب أن يسير على ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله وفعله.
لكن إذا جاء الخطيب بما ليس فيه حمد الله، بل جاء بأي نوع من الثناء على الله، هل نقول بأن الخطبة لا تصح؟ نقول: بل تصح لكنه خلاف الأولى والأفضل، لكن إذا كان أهل البلد يرون وجوب الإتيان بحمد الله، فيلزم الخطيب الإتيان به حفاظًا على الألفة والمحبة والاجتماع.
(
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح _ باب خطبة النكاح _ رقم (1894)، والطبراني (13/419) رقم (15491)، والدارقطني (2/473) رقم (895)، وابن حبان (1/4) رقم (1)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (4216).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة _ باب تخفيف الصلاة والخطبة _ رقم (1435).(6/112)
1) قوله « وَالصَّلاَةُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - » هذا هو الشرط الثاني من شروط خطبة الجمعة أي تشترط لها الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هذا هو مذهب الشافعية(1)، والحنابلة(2)، وعللوا لذلك بأن كل عبادة افتقرت لذكر الله افتقرت لذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والصحيح أنه لا تشترط الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هي من كمال الخطبة، وهو اختيار العلامة ابن سعدي(3)×.
(2) قوله « وَقِرَاءَةُ آيَةٍ » هذا هو الشرط الثالث لصحة الخطبة،واشترطوا للآية أن تستقل بمعنى، فإن لم تستقل بمعنى لم تصح الخطبة، وهذا هو أيضًا المذهب عند الشافعية(4).
والصحيح أنه لا تشترط قراءة آية للخطبة،بل متى تضمنت الخطبة الموعظة=
وَالْمَوْعِظَةُ(1). وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ(2)، فَإِذَا صَعِدَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَجْلِسُ إِلَى فَرَاغِ الأَذَانِ(3)، ثُمَّ يَقُوْمُ الإِمَامُ، فَيَخْطُبُ(4)، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُوْمُ فَيَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَّةَ(5)،.......................................................
=المؤثرة صحت الخطبة.
قال الشيخ ابن سعدي(5) ×: أما اشتراط تلك الشروط في الخطبة يعني حمد الله والصلاة على رسوله وقراءة آية من كتاب الله فليس على اشتراط ذلك دليل.
والصواب أنه إذا خطب خطبة يحصل بها المقصود والموعظة فذلك كاف.
(1) قوله « وَالْمَوْعِظَةُ » هذا هو الشرط الرابع، فلابد في الخطبة من اشتمالها على الموعظة لأن هذا هو مقصود الخطبة الأعظم فلابد من موعظة ترقق القلوب.
(
__________
(1) المجموع شرح المهذب (4/388).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/220).
(3) المختارات الجلية ص70.
(4) المجموع شرح المهذب (4/389).
(5) المختارات الجلية ص70.(6/113)
2) قوله « وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ » لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب على منبر، ولأن ذلك أبلغ في إيصال الخطبة للناس.
(3) قوله «فَإِذَا صَعِدَ،أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَجْلِسُ إِلَى فَرَاغِ الأَذَانِ » أي يستحب للخطيب أنه إذا صعد المنبر أن يسلم على الناس قبل أن يجلس، وللإمام عند دخول المسجد سلامان: سلام عام وهذا يكون عند دخوله المسجد فيسلم على من يمر به، وسلام خاص وهذا عند صعوده المنبر، فإنه يسلم تسليمًا عامًا على جميع المصلين.
(4) قوله « ثُمَّ يَقُوْمُ الإِمَامُ، فَيَخْطُبُ » أي عند خطبته يسن أن يخطب قائمًا؛ وذلك لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولأن هذا أبلغ في إسماع الناس.
(5) قوله « ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُوْمُ فَيَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَّةَ » أي بعد فراغه من الخطبة=
ثُمَّ تُقَامُ الصَّلاَةُ، فَيَنْزِلُ، فَيُصَلِّيْ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، يَجْهَرُ فِيْهِمَا بِالْقِرَاءَةِ(1).
... فَمَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ مِنْهَا رَكْعَةً، أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِلاَّ أَتَمَّهاَ ظُهْرًا(2)،...................
=الأولى،وهذه سنة فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك،روى البخاري ومسلم عن ابن عمر _ رضي الله عنهما_ قال: « كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُوْمُ كَمَا تَفْعَلُوْنَ الآنَ »(1).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة _ باب الخطبة قائمًا _ رقم (869)، ومسلم في كتاب الجمعة _ باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة _ رقم (1425) واللفظ للبخاري .(6/114)
1) قوله « ثُمَّ تُقَامُ الصَّلاَةُ، فَيَنْزِلُ، فَيُصَلِّيْ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، يَجْهَرُ فِيْهِمَا بِالْقِرَاءَةِ » لم يبين المؤلف قراءة الإمام في صلاة الجمعة، ولكن جاءت السنة ببيان ذلك، فقد جاء في صحيح مسلم عنه - صلى الله عليه وسلم - : « أنه كان يقرأ بالجمعة والمنافقون(1)، و يقرأ بالأعلى والغاشية » (2).
(2) قوله « فَمَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ مِنْهَا رَكْعَةً، أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِلاَّ أَتَمَّهاَ ظُهْرًا » أي من أدرك مع الإمام ركعة كاملة بركوعها وسجدتيها أتمها جمعة، وهذا هو قول الجمهور. وقال أبو حنيفة(3): بل متى أدرك جزءًا منها مع الإمام ولو التشهد الأخير، بل لو أدرك سجدتي السهو أتمها جمعة.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، أي لاتدرك الجمعة إلا بإدراك الركعة كاملة، فإن لم يدرك الركوع الثاني مع الإمام أتمها ظهرًا، دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ مَعَ الإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ » (4).
وَكَذالِكَ إِذَا نَقَصَ الْعَدَدُ(1)، أَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، أَتَمُّوْهَا جُمُعَةً، وَإِلاَّ أَتَمُّوْهَا ظُهْرًا(2). وَلاَ يَجُوْزُ أَنْ يَصَلَّى فِي الْمِصْرِ أَكْثَرُ مِنْ جُمُعَةٍ، إِلاَّ أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا(3).
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة _ باب ما يقرأ في صلاة الجمعة _ رقم (1451).
(2) المرجع السابق رقم (1452).
(3) المبسوط للسرخسي (2/35).
(4) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة _ باب من أدرك من الصلاة ركعة _ رقم (546)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة _ رقم (955) واللفظ لمسلم.(6/115)
1) قوله « وَكَذالِكَ إِذَا نَقَصَ الْعَدَدُ » أي إذا قل العدد عن الأربعين أثناء الصلاة، فإن الإمام يتمها ظهرًا، والصحيح كما ذكرنا أن تحديد العدد بالأربعين أو الاثني عشر أو غيره لا دليل عليه، بل تقام الجمعة باثنين مع الإمام، وقد مر بنا ذلك. لكن لو فرض أن واحدًا من الاثنين ذهب لشيء ما وترك الآخر مع الإمام أتموها ظهرًا.
(2) قوله « أَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، أَتَمُّوْهَا جُمُعَةً، وَإِلاَّ أَتَمُّوْهَا ظُهْرًا » أي متى خرج وقت صلاة الجمعة _ وهو كما ذكرنا آخر وقت الظهر _ فإن أدركوا من هذا الوقت ركعة فيتموها جمعة، فإن لم يدركوا منها شيئًا وقد خرج الوقت فالواجب أن يتموها ظهرًا ؛ وذلك لخروج وقتها، وهذا هو الصحيح. أما المذهب(1) فتدرك الجمعة بإدراك التحريمة في الوقت أي تكبيرة الإحرام، والصحيح الأول؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاةِ مَعَ الإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ» والركعة تكون بجميع ما يدخل فيها من تكبيرة الإحرام والركوع والسجدتين.
(1) قوله « وَلاَ يَجُوْزُ أَنْ يَصَلَّى فِي الْمِصْرِ أَكْثَرُ مِنْ جُمُعَةٍ، إِلاَّ أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا » أي يحرم أن تقام في البلد أكثر من جمعة إلا لحاجة، كأن يضيق المسجد بأهله ولم يمكن توسعته، أو تباعد أقطار البلد ولم يمكن=
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ أَنْ يَغْتَسِلَ(1)،.......................................................
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/192).(6/116)
=المجيء إليه إلا بمشقة، وغير ذلك من الحاجات، فهنا يجوز أن تتعدد الجمعة في المصر. أما الدليل على عدم تعدد الجمعة أنه لم يصل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، بل كان الصحابة وأهل العوالي يأتون للصلاة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو القائل : « صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ » (1).
وأيضًا أن الصحابة من بعده وبخاصة في عهد عثمان - رضي الله عنه - اتسعت البلاد حتى جعل للجمعة أذانين غير الإقامة ولم يجعل للناس جامعًا آخر ليصلوا فيه، بل جميعهم كانوا يصلون وراءه، ولأن كثرة تعدد الجمعة يفوت المقصود الأعظم وهو اجتماع المسلمين وائتلافهم الذي من أجله شرعت الجمع والجماعات.
لكن عند الحاجة لتعدد الجوامع لابد من إذن الإمام والرجوع إلى نظام الدولة، فإن ولي الأمر هو الذي له الكلمة في تعدد الجوامع أو نائبه، ونائبه بلا شك هم وزارة الأوقاف، فمتى أذَّنت فيجوز هنا تعدد الجمعة، فإن صلى الناس قبل الفسح فهل تصح الصلاة؟
محل نظر عند أهل العلم؛ لأن تعدد الجمعة يشترط له إذن الإمام. ومنع تعدد الجمعة في البلدة الواحدة هو قول جمهور الفقهاء.
(1) قوله « وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ أَنْ يَغْتَسِلَ » اختلف الفقهاء في غسل الجمعة،هل هو واجب أم مستحب؟ فالجمهور(2) على أنه مستحب، وهذا=
..................................................................................................................
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة _ رقم (595).
(2) بدائع الصنائع (1/269)، الشرح الصغير (1/693)، المجموع شرح المهذب (4/405)، المغني (5/224)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف(5/268).(6/117)
=هو قول سماحة شيخنا ابن باز(1) ×، واحتجوا لذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيْبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّيْ مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى» (2) ، واحتجوا أيضًا بما رواه أحمد وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ »(3) . وذهب الظاهرية(4) وهي رواية عن الإمام أحمد(5)، وبه قال شيخنا محمد العثيمين(6)
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/404).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة _ باب الدهن للجمعة _ رقم (834) من حديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه -
(3) أخرجه أحمد (41/147) رقم (19317)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة _ رقم (300)، والترمذي في أبواب الجمعة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة _ رقم (457)، والنسائي في كتاب الجمعة _ باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة _ رقم (1363) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/154) رقم (411).
(4) المحلى لابن حزم (2/12).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/268).
(6) الشرح الممتع (5/81، 82)..(6/118)
× إلى أن غسل الجمعة واجب، واحتجوا لذلك بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ »(1)،والشاهد من الحديث تصريحه - صلى الله عليه وسلم - هنا بالوجوب. وذهب شيخ الإسلام(2) إلى التفصيل فقال:بوجوبه على من له عرق أو ريح يتأذى به الناس،والراجح هو قول الجمهور.
? تنبيه: متى يبدأ وقت الغسل؟ اشترط الفقهاء لغسل الجمعة أن يكون متصلاً=
وَيَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ نَظِيْفَيْنِ(1)، وَيَتَطَيَّبَ(2)، وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا(3)،.........................................
=بوقت الذهاب، لكن الصواب أن وقته يمتد من طلوع الفجر إلى صلاة الجمعة، وأن المستحب أن يتصل بالذهاب.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة _ باب فضل الغسل يوم الجمعة _ رقم (830)، ومسلم في كتاب الجمعة _ باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال _ رقم _( 1397) واللفظ للبخاري .
(2) الاختيارات الفقهية ص40.(6/119)
1) قوله « وَيَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ نَظِيْفَيْنِ » أي يسن أن يلبس ثوبين نظيفين من أحسن ثيابه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعد أحسن ثيابه للوفود والجمعة، فقد روى البخاري ومسلم: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ»(1)، فلم يلبسها - صلى الله عليه وسلم - لكونها من الحرير ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : « مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ أَوْ مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ»(2).
(2) قوله « وَيَتَطَيَّبَ » أي يسن أن يتطيب، وهذا كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - المتقدم، وفيه قوله « أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيْبِ بَيْتِهِ » .
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة _ باب يلبس أحسن ما يجد _ رقم (837)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة _ باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء _ رقم (3857)
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب اللبس للجمعة _ رقم (910)، وابن ماجه في كتاب إقامة الجمعة والسنة فيها _ باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة _ رقم (1085)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/201) رقم (953).(6/120)
3) قوله « وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا » أي يسن التبكير لصلاة الجمعة؛ وذلك له فضل عظيم كما في حديث أوس بن أوس الثقفي مرفوعًا : « مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا » (1) .
فَإِنْ جَاءَ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، لَمْ يَجْلِسْ، حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يُوْجِزُ فِيْهِمَا(1)،......
=وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» (2).
(
__________
(1) أخرجه أحمد (32/399) رقم (15585)، وأبو داود في كتاب الطهارة _ باب في الغسل يوم الجمعة _ رقم (292)، والترمذي في أبواب الجمعة _ باب فضل الغسل يوم الجمعة _ رقم (456)، والنسائي في كتاب=
(2) =الجمعة _ باب فضل غسل يوم الجمعة _ رقم (1364)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/70) رقم (333).
( ) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة _ باب فضل الجمعة _ رقم (832)، ومسلم في كتاب الجمعة _ باب الطيب والسواك يوم الجمعة _ رقم (1403).(6/121)
1) قوله « فَإِنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يُوْجِزُ فِيْهِمَا » وهاتان الركعتان هما تحية المسجد، فلا يجوز للإنسان إذا دخل المسجد أن يجلس دون أن يصلي ركعتين، دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - حينما دخل رجل المسجد فجلس والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال:« أَصَلَّيْتَ » قَالَ: لاَ، قَالَ:« قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ»(1)، وفي رواية « وَتَجَوَّزْ فِيْهِمَا »(2)، وأيضًا عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ»(3) .
وَلاَ يَجُوْزُ الكَلاَمُ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، إِلاَّ لِلإِمَامِ أَوْ مَنْ كَلَّمَهُ(1)...............................
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة _ باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين _ رقم (879)، ومسلم في كتاب الجمعة _ باب التحية والإمام يخطب _ رقم (1445) من حديث جابر - رضي الله عنه - .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة _ باب التحية والإمام يخطب _ رقم (1449).
(3) أخرجه البخاري في كتاب التهجد _ باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى _ رقم (1097)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ باب استحباب تحية المسجد بركعتين _ رقم (1167)، واللفظ للبخاري من حديث أبي قتادة بن ربعي الأنصاري - رضي الله عنه -(6/122)
1) قوله « وَلاَ يَجُوْزُ الكَلاَمُ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، إِلاَّ لِلإِمَامِ أَوْ مَنْ كَلَّمَهُ » أي يحرم الكلام إذا كان الإمام يخطب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ»(1)، لكن يستثنى من ذلك الإمام؛ لحديث سليك الغطفاني المتقدم، وقوله « أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ »(2)، وكذلك الرجل الذي جاء والرسول - صلى الله عليه وسلم - يخطب فطلب منه أن يستسقي للمسلمين.
لكن من كان لا يسمع الخطبة لبعده، هل يجوز له الكلام؟ اختلف الفقهاء في ذلك؛ فالحنفية(3) والمالكية(4) قالوا: لا يجوز، وقال الشافعية(5)، والحنابلة(6) بجواز الكلام حال الخطبة لمن لم يسمعها.
والصواب منع الكلام مطلقًا؛لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :«إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ» فلم يشترط السماع وعدمه، ثم لو تكلم هذا وهذا لأصبح فيه نوع تشويش على الناس ممن يستمعون.
? ذكر بعض التنبيهات المتعلقة بصلاة الجمعة:
أولاً: من دخل المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن، هل ينتظر إلى انتهاء الأذان أم يشرع في صلاة تحية المسجد ؟ الجواب: بل يشرع في تحية المسجد؛ لأن الإنصات إلى الخطبة واجب وإجابة المؤذن سنة على الصحيح، وهذا رأي=
..................................................................................................................
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة _ باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب _ رقم (882)، ومسلم في كتاب الجمعة _ باب الإنصاف يوم الجمعة في الخطبة _ رقم (1404) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة _ باب التحية والإمام يخطب _ رقم (1448).
(3) بدائع الصنائع (1/264).
(4) الشرح الصغير (1/701).
(5) المجموع (4/429، 430).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/305).(6/123)
=شيخنا(1)، ويرى شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز أنه يتابع المؤذن ثم يصلي تحية المسجد. قلت: والأمر يختلف حسب المؤذن والإمام، فإن كان الداخل يتمكن من الصلاة بعد الأذان وقبل الخطبة فالأولى متابعة المؤذن، ثم صلاة تحية المسجد، وإلا صلى حال دخوله ولو لم يتابع المؤذن.
ثانيًا: من عطس يوم الجمعة فإنه يحمد الله خفية، فإن جهر بذلك فسمعه أحد فلا يجوز له أن يشمته.
ثالثًا: ليس للجمعة لها سنة قبلية، بل يكفي ركعتان، وأما البعدية فقيل ست، وقيل أربع، وقيل اثنتان، والصواب أنه إن صلاها في البيت فركعتان، وإن صلاها في المسجد فأربع أو ست.
رابعًا: لا حرج أن يشرب الخطيب الماء عند الحاجة.
خامسًا: ليس من السنة الالتفات في الخطبة ولا تحريك اليد عند الانفعال.
سادسًا: هل يجوز أن يتولى الخطبتين اثنان، وهل يجوز أن يتولى الخطبة الواحدة اثنان؟ نقول: أما إن كان بغير عذر فلا يجوز، وإن كان لعذر فلا حرج، لكن إن طرأ للخطيب عذر ناب عنه غيره، والأولى أن يبدأ الخطبة التي بدأها الأول من جديد، أما التي أكملها الأول فلا يعيدها.
بَابُ صَلاَةِ الْعِيْدَيْنِ (1).
وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ(2)،..................................................................
الشرح:
(1) قوله « بَابُ صَلاَةُ الْعِيْدَيْنِ » هذا من باب إضافة الشيء إلى سببه ووقته.
(2) قوله « وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى اْلكِفَايَةِ » هذا هو المذهب(2)، والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: [ ژ ژ ڑ ](3) ، ولمداومة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها، وكذا أصحابه _ رضوان الله عليهم _، ولأنها أيضًا من أعلام الدين الظاهرة.
__________
(1) مجموع فتاوى ورسائل شيخنا محمد الصالح العثيمين (16/161).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/316).
(3) سورة الكوثر: 2 .(6/124)
وذهب المالكية(1)، و الشافعية(2) إلى أنها سنة مؤكدة، واحتجوا لذلك بحديث الأعرابيّ حين سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام فذكر له الصلوات الخمس، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ:«لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ»(3)، وقال الحنفية(4): بل هي فرض عين؛ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب عليها دون تركها مرة واحدة، ولأنه أيضًا أمر النساء بحضورها حتى لم يستثن الحيَّض، بل أمرهن أن يشهدنها ويعتزلن المصلى، واختار هذا القول شيخ الإسلام(5)،وشيخنا محمد العثيمين(6)_ رحمهما الله _.
والصحيح أنها فرض كفاية كما هو المذهب، وهذا هو اختيار اللجنة =
إِذَا قَامَ بِهَا أَرْبَعُوْنَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ(1)، سَقَطَتْ عَنْ سَائِرِهِمْ(2)، وَوَقْتُهَا: مِنِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ(3). وَالسُّنَّةُ فِعْلُهَا فِي الْمُصَلَّى، وَتَعْجِيْلُ الأَضْحَى، وَتَأْخِيْرُ الْفِطْرِ(4)، .................................................................
=الدائمة(7)، وسماحة شيخنا ابن باز(8) ×.
(1) قوله « إِذَا قَامَ بِهَا أَرْبَعُوْنَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ » هذا هو المذهب(9)، فاشترط لها العدد كصلاة الجمعة.
__________
(1) جواهر الإكليل شرح مختصر خليل (1/101).
(2) المجموع شرح المهذب (5/5).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان _ باب الزكاة من الإسلام _ رقم (44)، ومسلم في كتاب الإيمان _ باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام _ رقم (12) .
(4) بدائع الصنائع (1/274، 275).
(5) الاختيارات الفقهية ص150.
(6) الشرح الممتع (5/16).
(7) فتاوى اللجنة الدائمة (8/284) رقم الفتوى (9555).
(8) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/7).
(9) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/335).(6/125)
والراجح أن العدد المعتبر للجمعة والعيدين ثلاثة، فإن لم يوجد إلا رجل أو رجلان فإنهما لا يقيمان العيد، أما الثلاثة فيقيمونها.
(2) قوله « سَقَطَتْ عَنْ سَائِرِهِمْ » هذا هو فرض الكفاية: إذا قام به البعض سقط عن الباقين،فلو أقام العيدين ثلاثة من الرجال دون بقية البلد سقط الإثم عن الباقين .
(3) قوله « وَوَقْتُهَا:مِنِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ » أي وقت صلاة العيدين من ارتفاع الشمس قيد رمح بعد طلوعها إلى الزوال، وقد حدد بالتوقيت بما يعادل ربع ساعة تقريبًا _ أي بعد طلوع الشمس بربع ساعة _، دليل ذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من بعده وهو القائل:«صَلُّوْا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ»(1).
(4) قوله « وَالسُّنَّةُ فِعْلُهَا فِي الْمُصَلَّى، وَتَعْجِيْلُ الأَضْحَى، وَتَأْخِيْرُ الْفِطْرِ » هذه جملة من السنن ذكرها المؤلف لصلاة العيد: =
وَالإِفْطَارُ فِي الْفِطْرِ خَاصَّةً، قَبْلَ الصَّلاَةِ(1).
=أولاً: فعلها في المصلى، أي يسن فعلها في الصحراء خارج البلد في مكان بحيث لا يشق على الناس الخروج إليه، ودليل ذلك فعله - صلى الله عليه وسلم - حيث صلاها في المصلى مع كون مسجده - صلى الله عليه وسلم - موجودًا ومعلوم فضل الصلاة فيه، ومع ذلك صلاها في المصلى.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان _ باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة رقم (595).(6/126)
ثانيًا: تعجيل الأضحى وتأخير الفطر، أي تعجيل صلاة الأضحى يعني تقديمها، وعكسه الفطر فالسنة تأخيرها، وعلل الفقهاء لذلك بأن الناس في الفطر يحتاجون إلى امتداد الوقت ليتسع لهم إخراج صدقة الفطر، وذلك لأن أفضل وقت لإخراج صدقة الفطر يوم العيد قبل الصلاة كما في صحيح البخاري من حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما _ « وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوْجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ »(1).
أمَّا عيد الأضحى فالمشروع المبادرة بالأضحية، ولا يكون ذلك إلا بتعجيل الصلاة أي بعد طلوع الشمس قيد رمح، فتصلى مباشرة لكي يتسنى لهم تعجيل الذبح.
(1) قوله « وَالإِفْطَارُ فِي الْفِطْرِ خَاصَّةً، قَبْلَ الصَّلاَةِ » أي يسن أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى للعيد، دليل ذلك فعله - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري من حديث أنس حيث قال: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَغْدُوْ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ »(2).
وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ(1)، فَإِذَا حَلَّتِ الصَّلاَةُ، تَقَدَّمَ الإِمَامُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ بِلاَ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ(2)،..................................................................
(1) قوله « وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ » أي يسن أن يغتسل لصلاة العيد ويتنظف لها، ويكون تنظفه في لباسه وهيئته، فيلبس أحسن الثياب، ويقلم أظفاره، ويخفف شاربه ونحو ذلك مما يكون فيه نظيفًا، ويضاف إلى ذلك التطيب، وكل ذلك عنوان للسرور والفرح.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب فرض صدقة الفطر _ رقم (1407)، ومسلم في كتاب الزكاة _ باب الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة _ رقم (1645).
(2) أخرجه البخاري في كتاب العيدين _ باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج _ رقم (900).(6/127)
2) قوله « فَإِذَا حَلَّتِ الصَّلاَةُ، تَقَدَّمَ الإِمَامُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ بِلاَ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ » أي إذا كان وقت الصلاة _ وهو كما ذكرنا بعد ارتفاع الشمس قيد رمح _ تقدم الإمام فصلى بالمأمومين ركعتين بلا أذان ولا إقامة، دليل ذلك ما رواه مسلم عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - :«صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ »(1) . أما عن حكم الصلاة قبلها وبعدها فالمذهب(2) أنه لا يشرع لها شيء من ذلك، فعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ « أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا »(3).
لكن هل يصلى للمصلى تحيته كالمسجد؟ يرى شيخنا(4) × أن المصلى تشرع له تحيته كالمسجد، ويرى سماحة شيخنا ابن باز(5) × أن المصلى المعد لصلاة العيدين ليست له تحية؛ لأنه ليس له حكم المساجد من كل =
يُكَبِّرُ فِي الأُوْلَى سَبْعًا بِتَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيْرَةِ الْقِيَامِ(1)، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ(2)،.............................................................
=الوجوه، وسيأتي شيء من التفصيل في هذه المسألة قريبًا إن شاء الله _ وبيان الراجح فيها .
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب العيدين _ باب منه _ رقم (1470).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/358).
(3) أخرجه البخاري في كتاب العيدين _ باب الخطبة بعد العيد _ رقم (911) ، ومسلم في كتاب صلاة العيدين _ باب ترك الصلاة قبل العيد وبعدها في المصلى _ رقم (1476).
(4) مجموع فتاوى ورسائل شيخنا محمد الصالح العثيمين (16/252).
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/15، 16).(6/128)
1) قوله « يُكَبِّرُ فِي الأُوْلَى سَبْعًا بِتَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيْرَةِ الْقِيَامِ » أ ي يكبر بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة سبعًا، وفي الثانية قبل القراءة خمسًا سوى تكبيرة القيام، وهذا قول المالكية(1)، والشافعية(2)، وقال أبوحنيفة(3) يكبر ثلاثًا في الأولى وثلاثًا في الثانية بعد تكبيرة الإحرام وتكبيرة الانتقال.
والذي نراه أن الصحابة _ رضوان الله عليهم _ جاءت عنهم آثار تدل على تنوعهم في التكبيرات، فمنهم من كبر سبعًا وستًّا، وجاء عن بعضهم أنه كبر أربعًا أربعًا، وبعضهم كبّر تسعًا، وجاء عن بعضهم أنه قال: « من شاء كبر سبعًا ومن شاء كبر تسعًا »، وكل ما جاء عنهم يجوز الإتيان به.
لكن الأفضل عندنا القول الأول وهو أن يكبر سبعًا في الأولى وخمسًا في الثانية: لحديث عائشة مرفوعًا « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى فِي الأُوْلَى سَبْعَ تَكْبِيْرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا » (4).
(1) قوله « وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ » أما تكبيرة الإحرام فلا خلاف بين الفقهاء في سنية رفع اليدين عندها، أما التكبيرات الزوائد ففيه خلاف بين أهل العلم.
وَيَحْمَدُ اللهِ تَعَالَى، وَيُصَلِّيْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيْرَتَيْنِ(1)، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُوْرَةً(2)،..................................................................................................
__________
(1) الشرح الصغير (2/19).
(2) المجموع شرح المهذب (5/20).
(3) بدائع الصنائع (1/277).
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب التكبير في العيدين _ رقم (970) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/213) رقم (1018).(6/129)
=والصواب أنه يشرع رفع اليدين فيها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - « كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيْرِ »(1)، ولثبوته عن بعض الصحابة كعمر، وكذا جاء عن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ أنه كان يرفعهما في صلاة الجنازة، ولما كان الأصل رفع اليدين ولم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه كان العمل برفع اليدين هو السنة.
(1) قوله « وَيَحْمَدُ اللهِ تَعَالَى، وَيُصَلِّيْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيْرَتَيْنِ » هذا هو المذهب(2)، وبه قال الشافعي(3)، واختاره شيخ الإسلام(4)، وقال الحنفية(5)، والمالكية(6) يوالي بين التكبير بدون ذكر، واختار هذا القول شيخنا محمد العثيمين(7) ×.
والصحيح مشروعية هذا الذكر بين التكبيرات الزوائد، وهذا هو اختيار اللجنة الدائمة(8).
(2) قوله « ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُوْرَةً » أما الفاتحة فلأنها لا تصح الصلاة بدونها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ »(9). أما السورة التي بعدها فيسن الإتياب بها وهما سورتا الأعلى والغاشية لما جاء في صحيح مسلم =
يَجْهَرُ فِيْهِمَا بِالْقِرَاءَةِ(1)،فَإِذَا سَلَّمَ خَطَبَ بِهِمْ خُطْبَتَيْنِ(2).
__________
(1) أخرجه أحمد (38/309) رقم (18093) وحسنه الألباني في الإرواء (641).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (5/345).
(3) المجموع شرح المهذب (5/26).
(4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (24/215).
(5) بدائع الصنائع (1/277).
(6) الشرح الصغير (2/19).
(7) الشرح الممتع (5/140).
(8) فتاوى اللجنة الدائمة (8/302) رقم الفتوى (10557).
(9) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة _ باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها _ رقم (714)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة _ رقم (595).(6/130)
فَإِنَ كَانَ فِطْرًا، حَضَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَبَيّّنَ لَهُمْ حُكْمَهَا، وَإِنْ كَانَ أَضْحَى، بَيَّنَ لَهُمْ حُكْمَ الأُضْحِيَّةِ(3).
=عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْعِيْدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيْثُ الْغَاشِيَةِ »(1)،أو يقرأ سورة« ق » و« القمر » كما جاء في حديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - قال « كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيْدِ وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ»(2) .
(1) قوله « يَجْهَرُ فِيْهِمَا بِالْقِرَاءَةِ » وهذا لثبوته عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يجهر في العيدين بالقراءة كما في حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - المتقدم .
(2) قوله « فَإِذَا سَلَّمَ خَطَبَ بِهِمْ خُطْبَتَيْنِ » هذا هو السنة كما ذكرنا ذلك سابقًا، فيسن للإمام إذا انتهى من صلاته أن يخطب بالحضور خطبتين، والمستحب في الخطبة أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه، وقال بعضهم بل يبدأها بالتكبير لكنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أما التكبير في ثنايا الخطبة فهذا مشروع، والأمر في ذلك واسع.
(3) قوله « فَإِنَ كَانَ فِطْرًا، حَضَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَبَيّّنَ لَهُمْ حُكْمَهَا، وَإِنْ كَانَ أَضْحَى، بَيَّنَ لَهُمْ حُكْمَ الأُضْحِيَّةِ » وذلك لأن لكل مقام مقالاً، فلما كان لهذين العيدين أحكام متعلقة بهما كان الأنسب أن يبين الخطيب ما يلائم ذلك، فيبين صدقة الفطر في عيد الفطر وأنها واجبة قبل الصلاة، ومن لم يؤدها قبل الصلاة فتلزمه أيضًا بعد الصلاة ولا تسقط عنه لكنها صدقة من =
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة _ باب ما يقرأ في الجمعة رقم (1452).
(2) أخرجه مسلم في كتاب العيدين _ باب يقرأ به في صلاة العيدين _ رقم (1477).(6/131)
وَالتَّكْبِيْرَاتُ الزَّوَائِدُ، وَالْخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ(1)، وَلاَ يَتَنَفَّلُ قَبْلَ صَلاَةِ الْعَيْدِ، وَلاَ بَعْدَهَا فِيْ مَوْضِعِهَا(2)،...........................................................................................
=الصدقات، ويبين أيضًا الصفات التي يخرج منها صدقة الفطر، وهكذا يبين للناس كل ما يختص بها من أحكام. وأما الأضحى فيبين للناس حكم الأضحية، وأجرها، وثوابها، وفضلها، وكذا الأحكام المتعلقة بالأضحية .
(1) قوله « وَالتَّكْبِيْرَاتُ الزَّوَائِدُ، وَالْخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ » أي إن تركها صحت صلاته لكنه خلاف الأولى. أما دليل سنية الخطبتين فهو حديث عبد الله بن السائب - رضي الله عنه - قال: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِيدَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ:« إِنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ »(1).
(
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة _ باب الجلوس للخطبة _ رقم (1155)،وابن ماجه _ في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها _ باب ماجاء في انتظار الخطبة بعد الصلاة _ رقم (1280)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/214) رقم (1024).(6/132)
2) قوله « وَلاَ يَتَنَفَّلُ قَبْلَ صَلاَةِ الْعَيْدِ، وَلاَ بَعْدَهَا فِيْ مَوْضِعِهَا » وقد ذكرنا طرفًا من ذلك أعني تحية المسجد في المصلى وأنها لا تشرع وبه قال سماحة شيخنا ابن باز؛ لحديث ابن عباس _ رضي الله عنهما_: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا»(1). وقال بعض أهل العلم: هذا الحديث ليس دليلاً على كراهة الصلاة في حق المأموم لأن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا اللائق في حق الإمام لاشتغاله بالصلاة والخطبة. وأيضًا احتج لذلك بما جاء عن الصحابة أنهم كانوا يصلون قبل صلاة العيد وبعدها كما ذكر ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد عن أنس بن مالك والحسن أنهما =
وَمَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ قَبْلَ سَلاَمِهِ، أَتَمَّهَا عَلَى صِفَتِهَا(1)، وَمَنْ فَاتَتْهُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ(2)،........................................................................................................
= كانا يصليان قبل العيد قبل أن يخرج الإمام، وابن مسعود كان يصلي بعدها أربع ركعات وكان لا يصلي قبلها، وذكر أيضًا البيهقي جملة من الآثار عن الصحابة في الصلاة قبل العيد وبعدها.
قلت: فإن صحت هذه الآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - قلنا بمشروعية الصلاة قبل العيد وبعدها كما هو المذهب عند الشافعي(2)، وإن لم تصح كان العمل بالمذهب أولى. لكن إن قلنا بجواز التنفل قبلها لصحة الآثار فلا يجوز أن يتنفل في وقت النهي كما مر بنا فيتنبه لذلك.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب العيدين _ باب الصلاة قبل العيد وبعدها _ رقم (935) ، ومسلم في كتاب صلاة العيدين _ باب ترك الصلاة قبل العيد وبعدها في المصلى _ رقم (1476).
(2) المجموع شرح المهذب (5/16).(6/133)
1) قوله « وَمَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ قَبْلَ سَلاَمِهِ، أَتَمَّهَا عَلَى صِفَتِهَا » أي الصفة المذكورة سابقًا، لكن إن أدرك مع الإمام ركعة هذا نقول محل خلاف بين الفقهاء: فمن كان يرى أن ما يقضيه المأموم هو آخر صلاته كبر خمسًا، وإن كان ما يقضيه المأموم أول صلاته كبر في الذي يقضيه سبعًا، والراجح أن أول ما يدركه المسبوق مع إمامه يكون أول صلاته.
(2) قوله « وَمَنْ فَاتَتْهُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ » اختلف الفقهاء في قضاء صلاة العيدين لمن فاتته: فالحنفية(1)، والمالكية(2) على أن من فاتته صلاة العيد لا يقضيها، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(3)، وشيخنا محمد العثيمين(4) _ رحمهما الله _. لكن إن أحب أن يقضيها هل يسن له ذلك؟ نقول: الجمهور على أنه من أحب أن=
فَإِنْ أَحَبَّ، صَلاَّهَا تَطَوُّعًا، إِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا، وَإِنْ شَاءَ صَلاَّهَا عَلَى صِفَتِهَا(1).
وَيُسْتَحَبُّ التَّكْبِيْرُ فِيْ لَيْلَتَيِ الْعِيْدَيْنِ(2)،....................................................
= يقضيها قضاها. وقال شيخ الإسلام(5)، وهو قول شيخنا(6) × : بل لايسن أن يقضيها أي لا يستحب له ذلك؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولأنها صلاة ذات اجتماع معين فلا يشرع إلا على هذا الوجه. والذي يظهر أنه إن أحب أن يقضيها فلا مانع من ذلك، وهذا هو قول اللجنة الدائمة(7)، لكن عدم القضاء أفضل.
(
__________
(1) بدائع الصنائع (1/276).
(2) حاشية الدسوقي (1/396).
(3) الاختيارت الفقهية ص150.
(4) الشرح الممتع (5/155).
(5) المرجع السابق.
(6) المرجع السابق.
(7) فتاوى اللجنة الدائمة (8/306) رقم الفتوى (2328).(6/134)
1) قوله « فَإِنْ أَحَبَّ، صَلاَّهَا تَطَوُّعًا، إِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا، وَإِنْ شَاءَ صَلاَّهَا عَلَى صِفَتِهَا » أي هو مخير في ذلك، فله أن يصليها ركعتين أو أربعاً بدون التكبيرات الزوائد، وإن شاء صلاها على صفتها المشروعة، وقال بعض أهل العلم لا يشرع قضاء صلاة العيد على صفتها لعدم ورود ذلك. والذي يظهر أن الأمر في ذلك واسع.
(2) قوله « وَيُسْتَحَبُّ التَّكْبِيْرُ فِيْ لَيْلَتَيِ الْعِيْدَيْنِ » أي ليلتي عيد الفطر وعيد الأضحى، دليل ذلك قوله تعالى:[? ? ? ? ? ? ?](1). ففي الفطر يسن التكبير من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى أن يكبر الإمام للصلاة، أما عيد الأضحى فيسن التكبير لغير الحاج من صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، أما الحاج فيكبر من صلاة=
وَيُكَبِّرُ فِيْ الأَضْحَى عَقِيْبَ الْفَرَائِضِ فِيْ الْجَمَاعَةِ(1)، مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ(2)، إِلاَّ الْمُحْرِمَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ(3)،.........................................................
=ظهر يوم النحر إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهذا هو التكبير المقيد، أما التكبير المطلق فيبدأ من دخول شهر ذي الحجة إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر.
(1) قوله « وَيُكَبِّرُ فِي الأَضْحَى عَقِيْبَ الْفَرَائِضِ فِي الْجَمَاعَةِ » وهذا هو التكبير المقيد، فالمقيد هو المختص بالفرائض أي الصلوات الخمس وكذا الجمعة، لكن اشترط المؤلف هنا أن التكبير لا يشرع إلا إذا كانت الصلاة المؤداة جماعة، وكذا لا يسن التكبير عقيب النوافل.
__________
(1) سورة البقرة : 185.(6/135)
لكن الصواب أن الأمر في ذلك واسع، فإن أتى بالتكبير عقيب الفريضة أو النافلة فلا بأس به، وكذا المرأة إذا صلَّت في بيتها فيشرع لها التكبير.
(2) قوله « مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ » هذا هو وقت التكبير المقيد، فيبدأ من صلاة فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق وهذا لغير المحرم كما ذكرنا.
(3) قوله « إِلاَّ الْمُحْرِمَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ » وذلك لأن المحرم مشغول بالتلبية، فالفقهاء يقولون بأن المحرم إذا سلم من الصلاة ولم يتحلل التحلل الأول فإنه يسن له التلبية عقيب الصلاة، ولما كان الحاج يتحلل التحلل الأول ضحى يوم النحر، شرع له التكبير من ظهر يوم النحر، وأما انتهاؤه فهو ينتهي بصلاة عصر آخر أيام التشريق.
وَصِفَةُ التَّكْبِيْرِ شَفْعًا: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ(4).
(1) قوله « وَصِفَةُ التَّكْبِيْرِ شَفْعًا: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ » وإن جعله وترًا فقال:(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لاإله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد).
أو جعله وترًا في الأولى وشفعًا في الثانية فقال:(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد)، فلا بأس فالأمر في ذلك واسع.
? ذكر بعض التنبيهات:
أولاً: لا بأس بالتهنئة بالعيد كأن يقول المسلم لأخيه المسلم: تقبل الله منا ومنك، أو عيد مبارك، فقد ورد عن الصحابة مثل ذلك، وقد سألت شيخينا عن ذلك فقالا: لا حرج في ذلك فله اصل في السنة.(6/136)
ثانياً: التعريف عشية عرفة وهو أن يجتمع الناس آخر النهار في المساجد للذكر والدعاء تشبهًا بأهل عرفة هذا لا يشرع بل هو بدعة لم يثبت عن أحد من الصحابة فعله.
ثالثاً: لا يشرع التكبير للعيدين في جماعة لا عقب الصلوات ولا في الطرقات بل هو بدعة.
رابعاً: إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد سقطت الجمعة عمن صلى العيد، لكن ينبغي للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد، لكن تجب صلاة الظهر عمن تخلف عن الجمعة لحضوره العيد. والأولى بكل حال أن يصلى العيد والجمعة طلبًا للفضيلة وتحصيلاً لأجرهما.
خامساً: يستحب لمن خرج لصلاة العيد أن يخرج ماشيًا، وعليه السكينة =
..................................................................................................................
=والوقار، وأن يخالف الطريق فيذهب من طريق ويرجع من طريق، وعللوا لذلك بعلل منها ليتعرض لسلام الملائكة ويشهد له الطريق، وقيل: ليقضى حاجة من في الطريقين، وقيل: ليغيظ المنافقين، وقيل: ليظهر عزة المسلمين وقوتهم وكثرتهم.
سادساً: هل يحسن إحضار التمر عند أبواب المساجد كما يفعل بعض الشباب؟ نقول: الأولى عدم إحضار ذلك، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أفطر في بيته، لكن من جلس في المسجد يريد حصول الأجر المترتب على الجلوس فيه حتى تشرق الشمس ثم يصلي ركعتين ويذهب بعدها إلى المصلى لصلاة العيد فمثل هذا لو أحضر بعض التمر معه ليفطر قبل الذهاب إلى المصلى لكان حسنًا، وكذا من كان في المسجد النبوي والمسجد الحرام وغيرهما، ولن يخرج إلا بعد صلاة العيد فله أن يأخذ التمرات معه ويتناولها في المسجد، وبهذا تتحقق السنة.(6/137)
كِتَابُ الْجَنَائِزِ(1).
وإذا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ(2)، غُمِّضَتْ عَيْنَاهُ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ(3)،...................................
الشرح:
(1) قوله « كِتَابُ الْجَنَائِزِ » الجنائز جمع جنازة، وتأتي بفتح الجيم وكسرها، فيقال: جَنازة بالفتح وجِنازة بالكسر، لكن هل هناك فرق بينهما؟ قيل: إنهما بمعنى واحد، وقيل: بالفتح اسم للميت وبالكسر اسم للنعش الذي يحمل عليه الميت.
ولقد أكرم الله الإنسان حيًّا وميِّتًا، ففي الحياة بأن أحسن خلقه، وسخر له ما حوله في الكون، وفضله على سائر المخلوقات، وأسجد له الملائكة، وأكرمه بعد موته فأمر بتغسيله وتنظيفه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.
(2) قوله « وَإِذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ » يتيقن موته بعلامات منها: انخساف صدغه، وغياب سواد عينيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه، وامتداد جلده، وتغير رائحته. فهذه جملة مما يعرف أو يتيقن بها الموت.
فإذا تيقن موته فيسن أو يجب هنا أمور منها:
(3) قوله « غُمِّضَتْ عَيْنَاهُ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ » :
أولاً: تغميض العينين، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوْحَ، وَقُوْلُوْا خَيْرًا فَإِنَّهُ يُؤَمَّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْمَيِّتِ »(1) . ثانيًا: شد لحييه، واللحيان هما العظمان اللذان هما محل الأسنان، فيشدان=
وَجُعِلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةٌ أَوْ غَيْرُهَا، كَحَدِيْدَةٍ(1) فَإِذَا أَخَذَ فِيْ غَسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ(2)، ثُمَّ يَعْصُرُ بَطْنَهُ عَصْرًا رَفِيْقًا(3)،ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يُنَجِّيْهِ(4)،ثُمَّ يُوَضِّئُهُ(5)..
__________
(1) أخرجه أحمد (34/500) رقم (16513)، وابن ماجه في كتاب الجنائز _ باب ما جاء في تغميض الميت _ رقم (1445) وحسنه الألباني في السلسلة رقم (1092).(7/1)
=بحبل أو خيط ونحو ذلك، وعلل الفقهاء لذلك حتى لا يدخل في الفم شيء، ولدرء تشويه وجه الميت.
(1) قوله « وَجُعِلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةٌ أَوْ غَيْرُهَا، كَحَدِيْدَةٍ » هذا هو الأمر الثالث مما يسن فعله للميت، وذلك لئلا ينتفخ الميت. لكن إن احتيج لذلك وتأخر تجهيز الميت لأمر ما فالأولى أن يوضع في الثلاجات المعدة لذلك، وإن كان الأولى والأفضل أن يسرع في تجهيز الميت إكرامًا له.
(2) قوله « فَإِذَا أَخَذَ فِيْ غَسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ » هذا هو الأمر الرابع، أي يجب عند غسل الميت أن تستر عورته، فلا يجوز للغاسل ولا لغيره النظر إليها، وحد العورة _ كما ذكرنا في كتاب الصلاة _ من الركبة إلى السرة للرجال، والمرأة جميع بدنها عورة.
(3) قوله « ثُمَّ يَعْصُرُ بَطْنَهُ عَصْرًا رَفِيْقًا » وذلك لكي يخرج ما كان مهيئًا من الأذى حتى لا يخرج بعد غسله وتكفينه.
(4) قوله « ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يُنَجِّيْهِ » أ ي ينجى الميت فيلف على يده خرقة أو يلبس قفازين فيغسل فرج الميت مما خرج منه ثم ينجيه.
(5) قوله « ثُمَّ يُوَضِّئُهُ » استحبابًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - للنساء اللواتي كن يغسلن ابنته زينب _ رضي الله عنها _ « ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوْءِ مِنْهَا »(1).
ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ(1)، ثُمَّ شِقَّهُ الأَيْمَنَ، ثُمَّ الأَيْسَرَ (2)، ثُمَّ يَغْسِلُهُ كَذالِكَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَثَالِثَةً(3)، يُمِرُّ فِيْ كُلِّ مَرَّةٍ يَدَهُ(4)، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، غَسَلَهُ(5)،
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز _ باب يبدأ بميامن الميت _ رقم (1177)، ومسلم في كتاب الجنائز _ باب في غسل الميت _ رقم (1560) من حديث أم عطية رضي الله عنها.(7/2)
1) قوله « ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ » أي يستحب وضع السدر في تغسيل الميت، دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الذي وقصته ناقته : « اغْسِلُوْهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ »(1).
(2) قوله « ثُمَّ شِقَّهُ الأَيْمَنَ، ثُمَّ الأَيْسَرَ » أي يبدأ المغسل بميامن الميت، فيبدأ بالشق الأيمن، ثم إذا فرغ منه ذهب للأيسر، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم عطية السابق : « ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا»، ولذا بوّب البخاري له بابًا سماه باب يبدأ بميامن الميت.
(3) قوله « ثُمَّ يَغْسِلُهُ كَذالِكَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَثَالِثَةً » أي يقوم الغاسل بتغسيله ثلاث مرات وذلك لحديث أم عطية وفيه : « اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذالِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذالِكَ »(2). فبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالثلاث فدل على استحباب تغسيله ثلاثًا، ولأن ذلك أبلغ في تنظيف الميت.
(4) قوله « يُمِرُّ فِيْ كُلِّ مَرَّةٍ يَدَهُ » وذلك لأن في إمرار اليد زيادة في تنظيفه، فمع إمرار اليد يخرج ما بقي في البطن مما يكون مهيّئًا للخروج.
(5) قوله « فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، غَسَلَهُ » أي إذا خرج من الميت شيء فيقوم الغاسل بإزالته فيغسل مكان الأذى وما لوَّثه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز _ باب الكفن في ثوبين _ رقم (1186)، ومسلم في كتاب الحج _ باب ما يفعل بالمحرم إذا مات _ رقم (2092) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز _ باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر _ رقم (1175)، ومسلم في كتاب الجنائز _ باب في غسل الميت _ رقم (1557).(7/3)
وَسَدَّهُ بِقُطْنٍ(1)، فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ، فَبِطِيْنٍ حُرٍّ(2)، وَيُعِيْدُ وُضُوْءَهُ(3)، فَإِنْ لَمْ يَنْقَ بِثَلاَثٍ، زَادَ إِلَى خَمْسٍ أَوْ إِلَى سَبْعٍ(4)، ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ(5)، وَيَجْعَلُ الطِّيْبَ فِيْ مَغَابِنِهِ وَمَوَاضِعِ سُجُوْدِهِ(6).
(1) قوله « وَسَدَّهُ بِقُطْنٍ » وذلك من أجل أن يتوقف الخارج من بول أو غائط أو دم أو نحوه.
(2) قوله « فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ، فَبِطِيْنٍ حُرٍّ » أي إن لم يتوقف الخارج من الميت بعد شده بالقطن فإنه يجعل محله الطين الحر (الخالص) أي الذي ليس مخلوطًا بالرمل وهو طين قوي.
(3) قوله « وَيُعِيْدُ وُضُوْءَهُ » لأنه قد خرج منه ما ينقض به الوضوء، فهنا يستحب له إعادته.
(4) قوله « فَإِنْ لَمْ يَنْقَ بِثَلاَثٍ، زَادَ إِلَى خَمْسٍ أَوْ إِلَى سَبْعٍ » أي إن لم ينق الميت بثلاث غسلات فإنه يزيد حتى ينقى؛ لحديث أم عطية وفيه « اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذالِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذالِكَ » وينبغي أن يقطع الغسل على وتر.
(5) قوله « ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ » أي بعد تغسيله فإنه ينشف بثوب حتى لا يبلل الكفن.
(6) قوله « وَيَجْعَلُ الطِّيْبَ فِيْ مَغَابِنِهِ وَمَوَاضِعِ سُجُوْدِهِ » أي يستحب أن يجعل الطيب في هذين الموضعين: الأول: مغابنه وهي مجمع الوسخ والروائح الكريهة وهي تحت الإبطين وعند سرته، والثاني: مواضع سجوده وذلك تشريفًا لها، ومواضع السجود كما في الحديث: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ _ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ _، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، =(7/4)
وَإِنْ طَيَّبَهُ كُلَّهُ، كَانَ حَسَنًا(1)، وَيُجَمِّرُ أَكْفَانَهُ(2)، وَإِنْ كَانَ شَارِبُهُ أَوْ أَظْفَارُهُ طَوِيْلَةً أَخَذَ مِنْهُ(3)، وَلاَ يُسَرِّحُ شَعْرَهُ(4)،...................................................................
= وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ »(1) .
(1) قوله « وَإِنْ طَيَّبَهُ كُلَّهُ، كَانَ حَسَنًا » لكونه أكمل في التطيب وأحسن.
(2) قوله « وَيُجَمِّرُ أَكْفَانَهُ » التجمير هو التبخير أي يستحب تجمير أكفان الميت؛ وذلك لحديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إِذَا أَجْمَرْتُمُ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوْهُ ثَلاَثًا »(2).
(3) قوله « وَإِنْ كَانَ شَارِبُهُ أَوْ أَظْفَارُهُ طَوِيْلَةً أَخَذَ مِنْهُ » وهذا أيضًا قول الشافعي(3)، وخالف الحنفية(4)، والمالكية(5) فقالا: لا يجوز ذلك. والصواب أنه إن كثر ذلك فإنه يؤخذ منها، فإن كان الشارب طويلاً وكذا أظفاره وشعر إبطيه طويلاً أخذ منه، أما إن كان شاربه عاديًا وكذا أظفاره فإنه لا يؤخذ منه.
أمَّا حلق العانة ونتف الإبط فالأولى تركهما لأنهما شيء خفي وليس بارزًا كالظفر والشارب، وهذا ما رجحه سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز ×.
(4) قوله « وَلاَ يُسَرِّحُ شَعْرَهُ » لئلا يقطع الشعر بالتسريح.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة _ باب السجود على الأنف _ رقم (770)، ومسلم في كتاب الصلاة _ باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس _ رقم (758).
(2) أخرجه أحمد (29/62) رقم (14013)، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (278).
(3) روضة الطالبين (2/107)، المجموع شرح المهذب (5/139).
(4) بدئاع الصنائع (1/301).
(5) مواهب الجليل (2/238).(7/5)
وَالْمَرْأَةُ يُضْفَرُ شَعْرُهَا ثَلاَثَةَ قُرُوْنٍ، وَيُسْدَلُ مِنْ وَرَائِهَا(1)، ثُمَّ يُكَفَّنُ فِيْ ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ(2)،...............................................
(1) قوله « وَالْمَرْأَةُ يُضْفَرُ شَعْرُهَا ثَلاَثَةَ قُرُوْنٍ، وَيُسْدَلُ مِنْ وَرَائِهَا » هذا هو قول جمهور الفقهاء(1)، أي أن المرأة يستحب تضفير شعرها، وقال الحنفية(2) بل يرسل غير مضفور بين يديها من الجانبين.
والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء(3) من استحباب تضفير شعر المرأة، وذلك لحديث أم عطية المتقدم، وفيه : « فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلاَثَةَ قُرُوْنٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا »(4).
(2) قوله « ثُمَّ يُكَفَّنُ فِيْ ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ » هذه هي صفة تكفين الميت، فيكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، وهذا هو قول الجمهور، دليل ذلك حديث عائشة _ رضي الله عنها _ قالت:« أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِيْ ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيْضٍ سَحُوْلِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيْهِنَّ قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، أُدْرِجَ فِيْهَا إِدْرَاجًا »(5).
وهذا على سبيل الأفضلية، وإلا فلو كفن بشيء يستر جميع بدنه لجاز ذلك كما سيذكره المؤلف.
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/114).
(2) حاشية الدسوقي (1/410، 411)، المجموع شرح المهذب (5/143).
(3) الفتاوى الهندية (1/158).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز _ باب يلقى شعر المرأة خلفها _ رقم (1184).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز _ باب الثياب البيض للكفن _ رقم (1185)، ومسلم في كتاب الجنائز _ باب كفن الميت _ رقم (1563) واللفظ الأخير عند أحمد (6/118) رقم (23724).(7/6)
يُدْرَجُ فِيْهَا إِدْرَاجًا(1)، وَإِنْ كُفِّنَ فِيْ قَمِيْصٍ وَإِزَارٍ وَلِفَافَةٍ، فَلاَ بَأْسَ(2). وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِيْ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: فِيْ دِرْعٍ وَإِزَارٍ وَمِقْنَعَةٍ وَلِفَافَتَيْنِ(3).
(1) قوله « يُدْرَجُ فِيْهَا إِدْرَاجًا » لحديث عائشة المتقدم، وصفة الإدراج هو أن
توضع اللفائف الثلاث على الأرض بعضهن على بعض، ثم يوضع الميت
مستلقيًا عليها، ثم يرد الطرف الأيمن للفافة العليا التي تلي جسد الميت على شقه الأيمن واليسرى على شقه الأيسر، وهكذا الثانية والثالثة.
(2) قوله « وَإِنْ كُفِّنَ فِيْ قَمِيْصٍ وَإِزَارٍ وَلِفَافَةٍ، فَلاَ بَأْسَ » الإزار ما يكون في أسفل البدن، والقميص هو ما يكون في أعلى البدن وله أكمام، فإذا كفن الميت بإزار وقميص ولفافة فلا بأس.
((7/7)
3) قوله « وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِيْ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: فِيْ دِرْعٍ وَإِزَاٍر وَمِقْنَعَةٍ وَلِفَافَتَيْنِ » الدرع هو القميص، والمقنعة هي الخمار، أي تكفن المرأة في إزار ثم تلبس قميصًا ثم تخمر بخمار على رأسها ثم تلف بلفافتين، وهذا هو قول الحنفية(1)، والشافعية(2)، واحتجوا لذلك بأثر فيه ضعف (3)، فإذا ثبت الحديث الوارد في ذلك فلا إشكال في العمل به، لكن إن لم يصح رجعنا =
وَأَحَقُّ النَّاسِ بِغَسْلِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ، وَصِيُّهُ فِيْ ذالِكَ(1)، ثُمَّ الأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ، مِنَ الْعَصَبَاتِ(2)...................................................
=إلى الأصل وهو أن المرأة والرجل يتساويان في الأحكام الشرعية إلا ما دل الدليل عليه، فتكفن المرأة كالرجل أي في ثلاثة أثواب يلف بعضها على بعض.
(
__________
(1) بدائع الصنائع (1/307، 308).
(2) المجموع شرح المهذب (5/161).
(3) وهو ما روته ليلى بنت قانف الثقفية قالت: « كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ وَفَاتِهَا فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الآخَرِ، قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا» أخرجه أحمد (55/108) رقم (25884)، وأبو داود في كتاب الجنائز _ باب في كفن المرأة _ رقم (2745)، والبيهقي (4/6)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود حديث رقم (691)، وفي سنده نوح بن حكيم وهو مجهول، وانظر (نصب الراية : 2/258).(7/8)
1) قوله « وَأَحَقُّ النَّاسِ بِغَسْلِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ، وَصِيُّهُ فِيْ ذالِكَ » أي أولى الناس بهذه الأمور الثلاثة _ تغسيله والصلاة عليه ودفنه _ من أوصى به، وهذا عند التنازع فيمن يغسل هذا الميت أو يصلي عليه أو يدفنه، والدليل على ذلك أن أبا بكر - رضي الله عنه - أوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس(1)، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين(2)، ولأن ذلك حق للميت فيقدم وصيه.
(2) قوله « ثُمَّ الأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ، مِنَ الْعَصَبَاتِ » أي إن لم يكن هناك وصي فأولى الناس بتجهيز الميت أبوه، ثم جده من قبل الأب، ثم الأقرب فالأقرب من عصابته وهم الأبناء وإن نزلوا، ثم الإخوة وإن نزلوا، ثم الأعمام وإن نزلوا.
وهذا الترتيب إنما نحتاج إليه عند المشاحة، فأما عند عدم المشاحة فإنه يتولى غسله من يتولى غسل عامة الناس.
وَأَوْلَى النَّاسِ بِغَسْلِ الْمَرْأَةِ: الأُمُّ، ثُمَّ الْجَدَّةُ، ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ مِنْ نِسَائِهَا(1)، إِلاَّ أَنَّ الأَمِيْرَ يُقَدَّمُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الأَبِ وَمَنْ بَعْدَهُ(2). وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ: يُكَبِّرُ(3)،...
(1) قوله « وَأَوْلَى النَّاسِ بِغَسْلِ الْمَرْأَةِ: الأُمُّ، ثُمَّ الْجَدَّةُ، ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ مِنْ نِسَائِهَا» أي الأولى بتغسيل المرأة أمها بعد وصيتها، ثم جدتها، ثم الأقرب فالأقرب أي ابنتها وإن نزلت، ثم أختها من أب أو أم أو الشقيقة، ثم عمتها، ثم خالتها إلى آخره. ويقال هنا كما قيل في حق الرجل أي هذا كله عند المشاحة، أما عند عدمها فيتولى تغسيل المرأة من يتولى غسل عامة المسلمات.
(
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (6117، 6124)، وابن أبي شيبة (3/249)، والبيهقي (3/397)، وضعفه الألباني في الإرواء حديث رقم (696).
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/25).(7/9)
2) قوله « إِلاَّ أَنَّ الأَمِيْرَ يُقَدَّمُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الأَبِ وَمَنْ بَعْدَهُ » لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ »(1)، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الجنائز بحضرة أهل الميت فلم يستأذن منهم، وكذا الخلفاء من بعده كانوا يصلون على الجنائز ولم ينقل عن أحد منهم أنه كان يستأذن أهل الميت.
(3) قوله « وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ: يُكَبِّرُ » شرع المؤلف هنا في بيان صفة الصلاة على الميت، فقال: «يُكَبِّرُ» وقبل ذلك النية، فيشترط لصحتها النية ثم تكبيرة الافتتاح وهما ركن في الصلاة على الجنازة.
? تنبيه: أما كيفية الصلاة على الميت فيقوم الإمام والمنفرد عند رأس الرجل كما
جاءت به السنة(2)،ويقوم عند وسط المرأة؛ لحديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال:«صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا»(3).
ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ(1)،ثُمَّ يُكَبِّرُ(2)وَيُصَلِّيْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (3)،ثُمَّ يُكَبِّرُ (4) وَيَقُوْلُ: اللّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَميِّتِنَا(5)،وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا(6)،وَصَغِيْرِنَا وَكَبِيْرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا(7)........
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة _ باب من أحق بالإمامة _ رقم(1078)من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه -
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز _ باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه _ رقم (2779)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/615) رقم (2735).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز _ باب أين يقوم من المرأة والرجل _ رقم (1246)، ومسلم في كتاب الجنائز _ باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه _ رقم (1603).(7/10)
1) قوله « ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ » وهي ركن فيها كما مر بنا في كتاب الصلاة، لكن هل يشرع فيها الاستفتاح؟ الصواب أنه لا استفتاح في صلاة الجنازة، وهذا هو المذهب(1)، وهو قول شيخنا(2) ×، فبعد تكبيرة الإحرام يبدأ المصلي بقراءة الفاتحة مباشرة. وقال الحنفية(3): بل يسن ذلك، لكن الأصح أنه لا يستفتح.
(2) قوله « ثُمَّ يُكَبِّرُ » أي التكبيرة الثانية وهي ركن فيها أيضًا.
(3) قوله « وَيُصَلِّيْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - » أي بعد التكبيرة الثانية يقول: اللهم صل على محمد، ويأتي بالصلاة الإبراهيمية.
(4) قوله « ثُمَّ يُكَبِّرُ » أي التكبيرة الثالثة.
(5) قوله « وَيَقُوْلُ: اللّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَميِّتِنَا » كما ورد في صفة الدعاء للميت، وإن دعا للميت بأي دعاء غيره جاز، وقوله في الدعاء « اللّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَميِّتِنَا » أي يا الله اغفر لحينا وميتنا نحن المسلمين، والمغفرة هي ستر الذنب مع التجاوز عنه.
(6) قوله « وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا » أي من شهد الجنازة منا نحن الذكور، وغائبنا ممن لم يشهدها، فيشمل هنا الذكر والأثنى والصغير والكبير.
(7) قوله « وَصَغِيْرِنَا وَكَبِيْرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا » هذا كسابقه.
إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا(1)، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ(2). اللّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا، فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا، فَتَوَفَّهُ عَلَيِهِمَا(3). اللّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ(4)، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ(5)،.....
(1) قوله « إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا » هذا تعليل لما سبق، والمعنى أي دعوناك بهذا الدعاء لأنك تعلم ما ننقلب إليه وما نصير إليه.
(
__________
(1) المغني (3/410).
(2) الشرح الممتع (5/317).
(3) حاشية ابن عابدين (1/313).(7/11)
2) قوله « وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ » هذه الزيادة ليست في الحديث، وإنما هي مما ذكره بعض الفقهاء.
(3) قوله « اللّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا، فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا، فَتَوَفَّهُ عَلَيِهِمَا » هذه الصفة التي ذكرها المؤلف لم ترد أيضًا في الحديث الوارد في ذلك، لكن الثابت : « اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلاَمِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ»(1) .
(4) قوله « اللّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ » هذا دعاء خاص للميت، فبعد أن عمم
خصص، وقد جمع بين المغفرة والرحمة، لأن بالمغفرة النجاة من المرهوب وبالرحمة حصول المطلوب.
(5) قوله « وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ » أي عافه مما قد يحصل له في القبر، واعف عنه عما فرط فيه من الواجب.
وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ(1)، وَأَوْسِعْ مَدْخَلَهُ(2)، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ(3)، وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوْبِ وَالْخَطَايَا(4)، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ(5)، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ(6)، وَجِوَارًا خَيْرًا مِنْ جِوَارِهِ(7)،..................................................................
(1) قوله « وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ » أي أكرم ضيافته عندك في القبر والدار الآخرة.
(
__________
(1) أخرجه أحمد (17/495) رقم (8453)، وأبو داو د في كتاب الجنائز _ باب الدعاء للميت رقم (3201)، والترمذي في أبواب الجنائز _ باب ما يقول في الصلاة على الميت _ رقم (1035)، وابن ماجه في كتاب الجنائز _ باب جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة _ رقم (1487) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/ 299) رقم (817).(7/12)
2) قوله « وَأَوْسِعْ مَدْخَلَهُ » يقال: مُدخله بالضم ومَدخله بالفتح، والفتح أولى وأحسن، فيكون المعنى أوسع مكان دخوله،والمراد به قبره.
(3) قوله « وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ » المراد هنا غسل آثار الذنوب، واختار هذه الثلاث؛ لأن آثار الذنوب محرقة، فناسب أن يسأل الله تعالى بهذه الثلاث.
(4) قوله « وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوْبِ وَالْخَطَايَا » الذي ورد في الحديث ذكر الخطايا ولم يرد فيه ذكر الذنوب، لكن على اعتبار ذكر الذنوب هنا فيكون المراد بها الصغائر، والخطايا المراد بها الكبائر. أما عند عدم ذكر الذنوب كما ورد في الحديث فالمراد بالخطايا الصغائر والكبائر.
(5) قوله « كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ » أي نقه نقاءًا تامًا كاملاً كما ينقى الثوب الأبيض مما يدنسه ويشينه.
(6) قوله « وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ » أي أبدله دارًا خيرًا من دار دنياه، وهذه الدار هي دار البرزخ ودار الآخرة.
(7) قوله «وَجِوَارًا خَيْرًا مِنْ جِوَارِهِ » هذه الزيادة لم ترد في الحديث، والمعنى: اجعل له جوارًا عندك خيرًا من جواره في الدنيا كما قالت امرأة فرعون :[? ? ? ? ? ? ?](1)،فأعظم الجوار جوار الرب الكريم سبحانه وتعالى.
وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ(1)، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ(2)، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ(3)، وَافْسَحْ لَهُ فِيْ قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيْهِ(4)، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيْمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِيْنِهِ(5)،.....................................................................................
(1) قوله « وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ » هذا عام فيدخل فيه الرجل والمرأة.
(2) قوله « وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ » أي أسألك لهذا المتوفى أن تدخله الجنة.
(
__________
(1) سورة التحريم : 11.(7/13)
3) قوله « وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ » فيطلب المصلي من ربه سبحانه أن ينجي المتوفى من عذاب القبر وعذاب النار، فسؤال الجنة له لا يكفي بل يدعو ربه له إن كان ممن استوجب له عذاب النار أن يخلص منها ولا يعذبه فيها.
(4) قوله « وَافْسَحْ لَهُ فِيْ قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيْهِ» أي وسع له في قبره واجعل فيه نورًا له،والفسح هنا ليس فسحًا محسوسًا بل هو غير محسوس؛ لأن أحوال الدنيا لاتقاس بأحوال الآخرة، وهذا من أحوال الآخرة.
(5) قوله « ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيْمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِيْنِهِ » قوله « تَسْلِيْمَةً وَاحِدَةً » هذا قول المالكية(1)، والشافعية(2)، وقال الحنفية(3): بل التسليمتان ركن. والصواب أن التسلمية الثانية ليست بركن، لكن هل تسن؟ الشافعية على أنها سنة، والمذهب أنها لا تسن، وإن جاء بها جاز، وهو الصواب.
? تنبيه: من كان مسبوقًا في صلاة الجنازة في تكبيرة أو اثنتين أو ثلاث تكبيرات فإن كانت الجنازة لم ترفع عن الأرض فإنه يأتي بما فاته على الصفة =
وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ(1).
وَالْوَاجِبُ مِنْ ذالِكَ: التَّكْبِيْرَاتُ(2)، وَالْقِرَاءَةُ(3)،........................................
=المذكورة في صلاة الجنازة، أما إذا رفعت الجنازة فإنه يكبر التكبيرات الفائتة متوالية، وإن سلم مع الإمام دون أن يأتي بما فاته من التكبيرات فلا حرج في ذلك.
(
__________
(1) الشرح الصغير (2/60).
(2) المجموع شرح المهذب (5/200).
(3) الفتاوى الهندية (1/164).(7/14)
1) قوله « وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ » أي يسن أن يرفع المصلي يديه في التكبيرات الأربع، وهذا هو قول الشافعية(1)، ورواية عند الحنفية(2)، والمشهور عند المالكية(3) أنه لا يرفع اليدين إلا في تكبيرة الإحرام.
(2) قوله « وَالْوَاجِبُ مِنْ ذالِكَ: التَّكْبِيْرَاتُ » أي التكبيرات حكمها واجبة، والواجب هنا بمعنى الركن، فما ذكره المؤلف هنا هي أركانها، فالتكبيرات الأربع في الجنازة ركن.
لكن الزيادة على الأربع لا بأس به، بل يسن فعل ذلك أحيانًا، فللإمام أن يجعل التكبيرات خمسًا أو ستًا أو سبعًا إلى تسع؛ لأن هذا كله ثابت، ولذا قال شيخنا(4) ×: ينبغي للإمام التنويع في ذلك، فيكبر خمسًا أو ستًا أو سبعًا عملاً بالسنة وإحياء لها.
(3) قوله « وَالْقِرَاءَةُ » أي قراءة الفاتحة فهي ركن فيها، لكن هل تشرع الزيادة على
الفاتحة؟ الصواب أنه يستحب فعل ذلك أحيانًا لوروده عن الصحابة - رضي الله عنهم - ، وهذا
هو اختيار سماحة شيخنا ابن باز(5) ×.
وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (1)، وَأَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ(2)، وَالسَّلاَمُ(3).
=قلت: إن جاء بالزيادة على الفاتحة فلا بأس، وإن اقتصر عليها فلا بأس، فالأمر واسع ولله الحمد، وهذا هو قول شيخنا(6) ×.
(
__________
(1) المجموع شرح المهذب (5/190).
(2) بدائع الصنائع (1/314).
(3) الشرح الصغير (2/61).
(4) الشرح الممتع (5/339).
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/144).
(6) الشرح الممتع (5/340).(7/15)
1) قوله « وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - » أي هي ركن في الصلاة على الميت، وهذا هو المشهور في المذهب(1)، وهو قول الشافعية(2)، وقال بعض الفقهاء(3) بأنها ليست ركنًا بل هي سنة قياسًا على الصلاة المفروضة، وهذا هو اختيار شيخنا(4) ×، والصحيح أنها ركن.
(2) قوله « وَأَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ » أي الدعاء للميت ركن فيها، ويكفي فيه أدنى دعاء له، وذلك لأنه هو المقصود من الصلاة عليه قال: « إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوْا لَهُ الدُّعَاءَ »(5).
(3) قوله «وَالسَّلاَمُ»أي من أركانها أيضًا السلام؛لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :«وَتَحْرِيْمُهَا التَّكْبِيْرُ وَتَحْلِيْلُهَا التَّسْلِيْمُ »(6)، وهذا عام في الصلوات المفروضة وكذا صلاة الجنازة.
لكن هل يسلم تسليمة واحدة أم تسليمتين ؟ ذكرنا ذلك سابقًا، وقلنا بأن الأولى الاقتصار على تسليمة واحدة، وهذا عمل الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين حيث كانوا يقتصرون في الصلاة على الجنازة بتسليمة واحدة، وهو قول جمهور =
وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ، صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى شَهْرٍ(1).
=أهل العلم، لكن إن سلم تسليمتين جاز.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/162).
(2) المجموع شرح المهذب (5/194).
(3) انظر في ذلك: بدائع الصنائع (1/313)، الشرح الصغير (2/61).
(4) الشرح الممتع (5/341).
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز _ باب الدعاء للميت _ رقم (2784)، وابن ماجه كتاب ما جاء في الجنائز _ باب جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة _ رقم(1487)وحسنه الألباني في الإرواء حديث رقم (732)
(6) أخرجه أحمد (2/463) رقم (957)، وأبو داود في كتاب الصلاة _ باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة _ رقم (523)، وصححه الألباني في الإرواء حديث رقم (301).(7/16)
1) قوله « وَمَنْ فاَتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ، صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى شَهْرٍ » أما الصلاة على القبر بعد دفنه فقد اختلف الفقهاء فيها: فالمالكية(1) يمنعونها، والحنابلة(2) كما بينه المؤلف يجيزونها، وهو قول عند الشافعية(3) وهو الصحيح، وهو اختيار مشايخنا(4). دليل ذلك قصة المرأة التي تقم المسجد، سأل عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه أنها ماتت، فقال: « أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُوْنِي بِهِ دُلُّوْنِيْ عَلَى قَبْرِهَا، فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا »(5).
لكن اختلف من قال بالجواز في المدة التي يجوز فيها الصلاة على الميت في القبر، فقيل: إلى الشهر وهذا هو المذهب(6)، وقول عند الشافعية(7)، وقيل: يصلى عليه ما لم يبل جسده، وقيل: يصلى عليه أبدًا، وهذا هو اختيار شيخنا(8) ×، لكن اشترط لذلك أن يكون هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلي أهلاً للصلاة، وهذا هو الراجح.
ورجح بعضهم قول الحنابلة وبعض الشافعية: أن الصلاة على القبر تكون إلى
شهر من دفنه، أما بعده فالأحوط تركه والاكتفاء بالدعاء للميت، وهو قول=
وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ، صُلِّيَ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ(1).
=سماحة شيخنا ابن باز(9) ×.
(
__________
(1) مقدمات ابن رشد (1/170)، المدونة (1/164).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/177).
(3) المجموع شرح المهذب (5/208).
(4) انظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة شيخنا عبد العزيز بن باز (13/154).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة _ باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان _ رقم (438)، ومسلم في كتاب الجنائز _ باب الصلاة على القبر _ رقم (1588).
(6) المرجع السابق.
(7) المرجع السابق.
(8) الشرح الممتع (5/339).
(9) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/154).(7/17)
1) قوله « وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ، صُلِّيَ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ » هذه يسميها الفقهاء بالصلاة على الغائب، وقد اختلفوا فيها على أقوال:
الأول: أنه يصلى على كل غائب ولو صلى عليه الناس، وهذا هو قول الشافعية(1)، والحنابلة(2)، واحتجوا لذلك بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي.
الثاني: عدم جواز الصلاة على الغائب، وهو قول الحنفية(3)، والمالكية(4).
الثالث: إن كان لم يصل عليه صليت عليه صلاة الغائب، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(5) وشيخنا محمد العثيمين(6) _ رحمهما الله _.
الرابع:أنه إن كان فيه نفع للمسلمين كعالم ينتفع بعلمه، أو حاكم عادل انتفع الناس بحكمه، أو تاجر نفع الناس بماله،أو مجاهد نفع الناس بجهاده، فيصلى عليه شكرًا له وردًّا لجميله وتشجيعًا لغيره حتى وإن صلي عليه في وطنه، وهذا هو قول سماحة شيخنا ابن باز(7)×.
والذي يترجح عندي الجمع بين قول الشيخين فيصلى على من لم يصل عليه وعلى من كان به نفع للمسلمين.
وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنَ التَّقَطُّعِ، كَالْمَجْدُوْرِ وَالْمُحْتَرِقِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ بَيْنَ رِجَالٍ، أَوِ الرَّجُلِ بَيْنَ نِسَاءٍ، فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ(1)، إِلاَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ غَسْلَ صَاحِبِهِ(2)،.........................................................................
(
__________
(1) المجموع شرح المهذب (5/211).
(2) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/184).
(3) بدائع الصنائع (1/312).
(4) الشرح الصغير (2/80).
(5) الاختيارات الفقهية ص157، 158.
(6) الشرح الممتع (5/349).
(7) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/158، 159).(7/18)
1) قوله « وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنَ التَّقَطُّعِ، كَالْمَجْدُوْرِ وَالْمُحْتَرِقِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ بَيْنَ رِجَالٍ، أَوِ الرَّجُلِ بَيْنَ نِسَاءٍ،فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ » هذه جملة في أهل الأعذار الذين لا يمكن تغسيلهم ويكفي التيمم لهم:
الأول: من تعذر غسله لعدم الماء.
الثاني: الخوف عليه من التقطع (كالمجدور) وهو الذي أصيب بداء الجدرى، وكذا (المحترق).
الثالث: كون المرأة بين الرجال أو الرجل بين النساء فهنا أيضًا ييمم ولا يغسل.
فهذه حالات ثلاث عند تعذر الغسل ينوب عنه التيمم، وقال بعض أهل العلم: بل عند تعذر الغسل لا يشرع التيمم؛ لأن الغسل إنما شرع لتنظيف الميت لا من أجل رفع الحدث، وهو اختيار شيخنا محمد العثيمين(1) ×. والصحيح أنه متى لم يمكن تغسيل الميت لعذر فإن التيمم يقوم مقام الغسل بالماء عند العجز عن ذلك، وهذا هو قول سماحة شيخنا ابن باز(2) ×.
وصفة تيممه هنا هي: أن يضرب من يريد أن ييمم الميت بيديه بالأرض، ثم يمسح بهما وجه الميت ويديه.
(2) قوله « إِلاَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ غَسْلَ صَاحِبِهِ » فلا بأس بأن يغسل الرجل زوجته والعكس،كما جاءت به السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعائشة =
وَكَذالِكَ أُمُّ الْوَلَدِ مَعَ سَيِّدِهَا(1).
وَالشَّهِيْدُ إِذَا مَاتَ فِي الْمَعْرَكَةِ، لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يَصَلَّ عَلَيْهِ(2)،....................
__________
(1) الشرح الممتع (5/297).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/123).(7/19)
=« لَوْ مِتِّ قَبْلِيْ فَغَسَّلْتُكِ »(1)، وقالت عائشة _ رضي الله عنها _ « لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنَ الأَمْرِ مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ نِسَاؤُهُ»(2)، ولحديث أبي بكر السابق (3). أمَّا غير الزوجة كالأم والبنت وغيرهن ممن لهم به قرابة فلا يجوز للرجل تغسيلهن.
(1) قوله « وَكَذالِكَ أُمُّ الْوَلَدِ مَعَ سَيِّدِهَا » وهي المملوكة التي يباح له وطؤها إذا ماتت جاز لسيدها أن يغسلها كالزوجة.
? تنبيه: البنت الصغيرة التي دون السبع لا حرج على الرجل في تغسيلها وإن
لم يكن من محارمها، وكذا الصبي الصغير الذي دون السبع يجوز للمرأة الأجنبية أن تغسله؛ لأنه ليست لهؤلاء عورة محرمة.
(2) قوله « وَالشَّهِيْدُ إِذَا مَاتَ فِي الْمَعْرَكَةِ، لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يَصَلَّ عَلَيْهِ » أما الغسل فقد اتفق الأئمة الأربعة على عدم تغسيل الشهيد في المعركة، واحتجوا لذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدفن شهداء أحد بلا غسل.
وَيُنَحَّى عَنْهُ الْحَدِيْدُ وَالْجُلُوْدُ(1)، ثُمَّ يُزَمَّلُ فِيْ ثِيَابِهِ، وَإِنْ كُفِّنَ فِيْ غَيْرِهَا، فَلاَ بَأْسَ(2). وَالْمُحْرِمُ يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ(3)،.........................................................
__________
(1) أخرجه أحمد (52/377) رقم (24720) واللفظ له، وابن ماجه في الجنائز _ باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها _ رقم (1454) وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/247) رقم (1465).
(2) أخرجه أحمد (53/260) رقم (25102) واللفظ له، وأبو داود في كتاب الجنائز _ باب في ستر الميت عند غسله _ رقم (2733)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/607) رقم (2693) .
(3) أخرجه عبد الرزاق (6117، 6124)، وابن أبي شيبة (3/249)، والبيهقي (3/397)، وضعفه الألباني في الإرواء حديث رقم (696).(7/20)
=وأما الصلاة عليه فالأئمة الثلاثة وهم المالكية(1)،والشافعية(2)،والحنابلة(3) على أنه لا يصلى على الشهيد، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام(4)، وقال أبو حنيفة(5): بل يصلى عليه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على الصحابي الذي استشهد في غزوة خيبر. والراجح أنه لا يصلى عليه.
? تنبيه: لا يغسل الشهيد وإن كان جنبًا بخلاف من قال بتغسيله إن كان جنبًا.
(1) قوله « وَيُنَحَّى عَنْهُ الْحَدِيْدُ وَالْجُلُوْدُ » أي ينحى عن الشهيد الحديد والجلود التي كان يلبسها.
(2) قوله « ثُمَّ يُزَمَّلُ فِيْ ثِيَابِهِ، وَإِنْ كُفِّنَ فِيْ غَيْرِهَا، فَلاَ بَأْسَ » أي ثم يكفن الشهيد في ثيابه التي كانت عليه عند قتله، فإن سلب ثيابه التي كان يلبسها فهنا فلا بأس بتكفينه في غيرها، لكن لابد من التكفين.
(3) قوله « وَالْمُحْرِمُ يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ » اختلف الفقهاء في المحرم، هل يبطل إحرامه بالموت فيصنع به كما يصنع بغير المحرم أم لا يبطل إحرامه بالموت؟ المذهب(6)، وهو قول الشافعية(7) أنه لا يبطل بالموت بل يغسل بماء وسدر =
وَلاَ يُلْبَسُ مَخِيْطًا، وَلاَ يُقَرَّبُ طِيْبًا، وَلاَ يُغَطَّى رَأْسُهُ وَلاَ رِجْلاَهُ، وَلاَ يُقْطَعُ شَعْرُهُ وَلاَ ظُفُرُهُ(1). وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ الْمَيِّتِ فِيْ لَحْدٍ(2)، وَيُنْصَبُ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا، كَمَا فُعِلَ بِرَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (3)، وَلاَ يُدْخِلُ الْقَبْرَ آجُرًّا وَلاَ خَشَبًا، وَلاَ شَيْئًا مَسَّتْهُ النَّارُ(4).
__________
(1) الشرح الصغير على اقرب المسالك (2/86).
(2) المجموع شرح المهذب (5/225).
(3) المغني (3/467).
(4) الاختيارات الفقهية ص159، 160.
(5) بدائع الصنائع (1/324، 325).
(6) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/87).
(7) المجموع شرح المهذب (5/166).(7/21)
=ولا يقرب في غسله طيبًا، وهو الصحيح. لحديث ابن عباس _ رضي الله عنهما_ وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل الذي وقصته ناقته بعرفة :« اغْسِلُوْهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوْهُ فِيْ ثَوْبَيْنِ وَلاَ تُحَنِّطُوْهُ وَلاَ تُخَمِّرُوْا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا »(1).
(1) قوله « وَلاَ يُلْبَسُ مَخِيْطًا، وَلاَ يُقَرَّبُ طِيْبًا، وَلاَ يُغَطَّى رَأْسُهُ وَلاَ رِجْلاَهُ، وَلاَ يُقْطَعُ شَعْرُهُ وَلاَ ظُفُرُهُ » وهذا هو الراجح كما ذكرنا لحديث ابن عباس المتقدم، فكما أنه يحرم عليه فعل ذلك حال إحرامه فهنا يحرم على الغاسل فعل ذلك في الميت بعد موته.
(2) قوله « وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ الْمَيِّتِ فِيْ لَحْدٍ » أي الأفضل دفن الميت في لحد، فإن دفن في شق فلا بأس لكنه خلاف الأولى.
(3) قوله « وَيُنْصَبُ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا، كَمَا فُعِلَ بِرَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - » أي يستحب فعل ذلك؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - حينما وضعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - نصبوا اللبن نصبًا على المنفتح من اللحد حتى يسد جميع اللحد.
(4) قوله « وَلاَ يُدْخِلُ الْقَبْرَ آجُرًّا وَلاَ خَشَبًا، وَلاَ شَيْئًا مَسَّتْهُ النَّارُ » أي لا يدخل في
قبر الميت هذه المذكورات. وقوله « آجُرًّا » هو الطين المطبوخ فلا يدخله مع =
وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ(1). وَالْبُكَاءُ غَيْرُ مَكْرُوْهٍ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَدْبٌ وَلاَ نِيَاحَةٌ(2). وَلاَ بَأْسَ بِزِيَارَةِ الْقُبُوْرِ لِلرِّجَالِ(3)،......................................................
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز _ باب الكفن في ثوبين _ رقم (1186)، ومسلم في كتاب الحج _ باب ما يفعل بالمحرم إذا مات _ رقم (2092) .(7/22)
=الميت لكونه مسته النار، وكذا الخشب؛ لأنه مما توقد به النار، وكذلك ما مسته النار كالإسمنت والحديد ونحوه، وعلل أهل العلم الكراهية بأمرين: الأول: أن الصحابة لم يكونوا يدخلون هذه الأشياء في القبر، والثاني: تفاؤلاً أن لا تمس هذا الميت النار.
(1) قوله « وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ » وكذا تسن تعزية كل مصاب بالميت فلا تقتصر التعزية على أهله وأقاربه.
(2) قوله « وَالْبُكَاءُ غَيْرُ مَكْرُوْهٍ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَدْبٌ وَلاَ نِيَاحَةٌ » أي يباح البكاء على الميت إذا كان خاليًا من النياحة والندب، فإن قرن بالبكاء نياحة وندب ولطم بالخدود وشق للجيوب فالتحريم فيه ظاهر؛ لورود الأدلة في تحريم ذلك، أما مجرد البكاء وكون العينين تزرفان فهذا مباح؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا _ وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ _ »(1) .
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب باب الجنائز _ باب البكاء عند المريض _ رقم (1221)، ومسلم في كتاب الجنائز _ باب البكاء على الميت _ رقم (1532).(7/23)
3) قوله « وَلاَ بَأْسَ بِزِيَارَةِ الْقُبُوْرِ لِلرِّجَالِ » بل يسن زيارتها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إِنِّيْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُوْرِ فَزُوْرُوْهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الآخِرَةَ » (1) .
وقوله « لِلرِّجَالِ» علم منه أن النساء لا تسن لهنَّ زيارة القبور، وهل يكره أم=
وَيَقُوْلُ إِذَا مَرَّ بِهَا أَوْ زَارَهَا(1): سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِيْنَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُوْنَ، اللّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ(2).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز _ باب استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه - عز وجل - في زيارة قبر أمه _ رقم (1623)، وأحمد (3/179) رقم (1173)، وأبو داود في كتاب الجنائز _ باب في زيارة القبور _ رقم (2816)، والترمذي في أبواب الجنائز _ باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور _ رقم (974)، والنسائي في كتاب الجنائز _ باب زيارة القبور _ رقم (2006)، وابن ماجه في الجنائز _ باب ما جاء في زيارة القبور _ رقم (1560) واللفظ لأحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (4379).(7/24)
=يحرم عليهن ذلك؟ روايتان في المذهب(1)، والصحيح أنه يحرم عليهن ذلك، وهذا ظاهر كلام شيخ الإسلام(2)؛ لقول ابن عباس _ رضي الله عنهما_: « لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَائِرَاتِ الْقُبُوْرِ وَالْمُتَّخِذِيْنَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ » (3).
(1) قوله « وَيَقُوْلُ إِذَا مَرَّ بِهَا أَوْ زَارَهَا » أما زيارتها فلا إشكال في ذلك، لكن المرور له حالتان:
الأولى: أن تكون المقبرة غير مسوَّرة، فهنا قال بعض أهل العلم أنه يسلم على المؤمنين ليحصل له الأجر، ولأن فيه إحسانًا للموتى بالدعاء لهم.
الثانية:كون المقبرة مسورة،فذهب شيخنا(4) إلى أن المار بها لا يسلم، ويرى سماحة شيخنا ابن باز(5) ×أن الأفضل له أن يسلم وهذا هو الصواب، لكن قصد الزيارة لا شك أفضل وأكمل.
(2) قوله « سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِيْنَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُوْنَ، اللّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ،وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ » لورود ذلك في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإن دعا بغيره فلا بأس.
وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا، وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، نَفَعَهُ ذالِكَ (1).
(
__________
(1) المغني (3/523).
(2) مجموع الفتاوى (4/360، 361).
(3) أخرجه أحمد (4/458) رقم (1926)، وأبو داود في كتاب الجنائز _ باب في زيارة النساء القبور _ رقم (2817)، والترمذي في أبواب الصلاة _ باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدًا _ رقم (294)، والنسائي في كتاب الجنائز _ باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور _ رقم (2016)، وحسنه الألباني في المشكاة رقم (740).
(4) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين (17/333).
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/333).(7/25)
1) قوله « وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا، وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، نَفَعَهُ ذالِكَ » هذا محل خلاف بين الفقهاء، والصواب أن يقال الأعمال ثلاثة أقسام: مالية، وبدنية مالية، وبدنية.
أما الأعمال المالية فبالاتفاق يصل ثوابها إلى الميت، وكذلك الأعمال البدنية المالية مثل الحج عنه، لكن اختلف الفقهاء في العبادات البدنية المحضة مثل الصلاة والصيام وقراءة القرآن، هل يصل ثوابها إليه؟ فالمذهب(1) أن ثوابها يصل إليه، وقال بعض الفقهاء ثوابها لفاعلها.
والصواب أن يقال: ما ورد به الشرع فيجوز إهداء الثواب للميت، مثل: الصدقة، والدعاء، وقضاء الدين، والحج، والعمرة إذا كان من يحج عنه ميتًا أو عاجزًا لكبر سنه أو لمرضه الذي لا يرجى برؤه، أما غير ذلك كالصلاة له وكذا قراءة القرآن وإهداء ثوابها له فهذا محل نظر؛ لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة فعله، فلزم الاقتصار على ما جاءت به النصوص، وهذا هو اختيار سماحة شيخنا ابن باز(2) ×.
قلت: لكن لا ينكر على من فعله فالأمر في ذلك واسع، وقد بسطت هذه المسألة في كتابي (مباحث في العقيدة).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/257).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/251).(7/26)
فهرس الكتاب
م ... الموضوع ... الصفحة
1 ... المقدمة:............................................................................................. ... 3
2 ... ترجمة المؤلف:................................................................................... ... 9
3 ... شرح مقدمة المؤلف:........................................................................... ... 12
4 ... بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ: ... 20
5 ... قوله «بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ»: ... 20
* لماذا بدأ المؤلف كتابه بأحكام المياه؟.....................................................
6 ... قوله « خُلِقَ الْمَاءُ طَهُوْرًا»: ... 20
* تعريف الماء الطهور:........................................................................
7 ... قوله « يُطَهِّرُ مِنَ الأَحْدَاثِ وَالنَّجَاسَاتِ»: ... 21
* تعريف الحدث:..............................................................................
* تعريف النجاسة:............................................................................
* أنواع النجاسات:............................................................................
8 ... قوله « فَلاَ تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِمَائِعٍ غَيْرِهِ»: ... 21
* هل يشترط لإزالة النجاسة الماء؟........................................................
9 ... قوله«فَإِذاَ بَلَغَ الْماَءُ قُلَّتَيْنِ»: ... 22
* حكم الماء الجاري إن كان قليلاً:........................................................
10 ... قوله «أَوْ كَانَ جَارِيًا،لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ،إِلاَّ مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ،أَوْ طَعْمَهُ،أَوْ رِيْحَهُ»: ... 23
11 ... قوله « وَمَا سِوَى ذالِكَ يَنْجُسُ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ»: ... 23
* إذا كان الماء أقل من القلتين هل ينجس؟: ..........................................(8/1)
12 ... قوله «وَالْقُلَّتَانِ: مَا قَارَبَ مِائَةً وَثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالدِّمَشْقِيِّ»: ... 24
* حد القلتين بالكيلو جرام، والصاع:..................................................
13 ... قوله «وَإِنْ طُبِخَ فِي الْمَاءِ مَا لَيْسَ بِطَهُوْرٍ»: ... 24
* ما قاله شيخنا في حقيقة الانتقال من الطهورية إلى الطهارة:....................
14 ... قوله « أَوْ خَالَطَهُ فَغَلَبَ عَلى اسْمِهِ»: ... 25
15 ... قوله « أَوْ اسْتُعْمِلَ فِيْ رَفْعِ حَدَثٍ سَلَبَ طَهُوْرِيَّتَهُ» ... 25
* أقسام المياه:....................................................................................
* القول الراجح في أقسام المياه:............................................................
* حكم الماء المستعمل؟:.....................................................................
* تنبيهات:.......................................................................................
أولاً: المراد بالماء المستعمل.....................................................................
ثانياً: حكم الماء المستعمل في طهارة غير واجبة.........................................
16 ... قوله «وَإِذَا شَكَّ فِيْ طَهَارَةِ الْمَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ نَجَاسَتِهِ،بَنَى عَلى اْليَقِيْنِ »: ... 27
17 ... قوله «وَإِنْ خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنَ الثَّوْبِ أَوْ غَيْرِهِ، غَسَلَ مَا يَتَيَقَّنُ بِهِ غَسْلَهَا»: ... 28
* ذكر الأمثلة على ذلك:....................................................................
* القول الراجح:...............................................................................
18 ... قوله «وَإِنِ اشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ»: ... 28
* القول الصحيح:.............................................................................(8/2)
19 ... قوله «وَإِنِ اشْتَبَهَ طَهُوْرٌ بِطَاهِرٍ تَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا»: ... 29
* القول الصحيح:.............................................................................
* تنبيه: إذا لم يمكنه التحري لعدم وجود القرائن:..................................
20 ... قوله «وَإِنِ اشْتَبَهَتْ ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ بِنَجِسَةٍ»: ... 30
* ذكر الأمثلة مع بيان الراجح في هذه المسألة...........................................
21 ... قوله «وتُغْسَلُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيْرِ سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»: ... 30
* هل يقاس الخنزير على الكلب؟........................................................
* ذكر الخلاف، وبيان الراجح:............................................................
* تنبيهات:
أولاً: اختلاف الروايات في المذهب في عدد الغسلات:..............................
الراجح من الأقوال:............................................................................
ثانياً: هل يجزيء غير التراب في الغسل؟..................................................
ثالثاً:هل يغسل ما أمسكه كلب الصيد سبعاً؟..........................................
الراجح من الأقوال:............................................................................
رابعاً: إذا تنجس الإناء بالبول وغيره، هل يقاس على الولوغ؟..................
خامساً: هل استعمال التراب يكون في الغسلة الأولى أم الأخيرة؟...............
22 ... قوله « وَيُجْزِئُ فِيْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ثَلاَثٌ مُنقيةٌ»: ... 33
* القول الراجح في هذه المسألة:...........................................................
23 ... قوله «فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ فَصَبَّةٌ وَاحِدَةٌ تَذْهَبُ بِعَيْنِهَا»: ... 34(8/3)
24 ... قوله «وَيُجْزِئُ فِيْ بَوْلِ الْغُلاَمِ الَّذِيْ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ النَّضْحُ»: ... 34
* معنى لم يأكل الطعام:.....................................................................
* السبب في التفريق بين بول الذكر والأنثى:...........................................
25 ... قوله « وَكَذالِكَ الْمَذْيُ»: ... 35
* تعريف المذي:................................................................................
* ذكر الخلاف في حكم المذي:.............................................................
* القول الراجح:...............................................................................
26 ... قوله «وَيُعْفَى عَنْ يَسِيْرِهِ وَيَسِيْرِ الدَّمِ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنَ الْقَيْحِ وَنَحْوِهِ»: ... 36
* ذكر الخلاف وبيان الراجح:..............................................................
* هل الدم نجس؟:............................................................................
ذكر الخلاف مع بيان الراجح:...............................................................
* الدم الذي بالاتفاق يعد نجساً:...........................................................
27 ... قوله «وَهُوَ مَا لاَ يَفْحُشُ فِي النَّفْسِ»: ... 37
* حد اليسير على المذهب:..................................................................
* القول الصحيح:.............................................................................
28 ... قوله « وَمَنِيُّ الآدَمِيِّ»: ... 38
* ذكر الخلاف في مني الآدمي:.............................................................
* الراجح من الأقوال:........................................................................
29 ... قوله « وَبوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ»: ... 38(8/4)
* ذكر الأدلة على ذلك:......................................................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: حكم الرطوبة التي في فرج المرأة....................................................
ثانياً: هل ينتقض الوضوء بهذه الرطوبة؟................................................
ثالثاً: إن كانت الرطوبة مستمرة فما العمل؟............................................
رابعاً: لم يشر المؤلف إلى ما شق صون الماء عنه........................................
خامساً: لم يشر المؤلف إلى غمس يد القائم من النوم...............................
30 ... بَابُ الآنِيَةِ: ... 42
* تنبيهات:
أولاً: لماذا يذكر الفقهاء باب الآنية عقيب باب المياه؟.................................
ثانياً: الأصل في الآنية...........................................................................
31 ... قوله «لاَ يَجُوْزُ اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ»: ... 42
* معنى الاستعمال:...........................................................................
* حكم النهي عن استعمالها................................................................
* هل يجوز استعمالها في غير الأكل والشرب؟.......................................
* ذكر الخلاف والقول الراجح..............................................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: حكم اقتناء آنية الذهب والفضة للزينة أو للبيع؟.............................
ذكر الخلاف مع بيان الراجح.................................................................(8/5)
ثانياً: هل الاستعمال هو الاتخاذ أم هناك فرق؟........................................
32 ... قوله «فِيْ طَهَارَةٍ وَلاَ غَيْرِهَا»: ... 45
* هل تصح الطهارة منها؟...................................................................
ذكر الخلاف مع بيان الراجح.................................................................
33 ... قوله « وَحُكْمُ الْمُضَبَّبِ بِهِمَا حُكْمُهُمَا»: ... 46
* صورة هذا القول:...........................................................................
34 ... قوله « إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ الْضَبَّةُ يَسِيْرَةً مِنَ اْلفِضَّةٍ»: ... 46
* شروط جواز استعمال الفضة في الإناء؟..............................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: معنى لحاجة:.............................................................................
ثانياً: الحاجة أدنى من الضرورة.............................................................
ثالثاً: إذا كان هناك يسير لغير حاجة........................................................
رابعاً: حكم مباشرة الضبة لغير حاجة....................................................
ذكر القوال مع بيان الراجح...................................................................
خامساً: الأواني والصنابير المطلية بماء الذهب..........................................
سادساً: هل اليسير كالكثير في الذهب والفضة؟.......................................
ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح..........................................................
35 ... قوله « وَيَجُوْزُ اسْتِعْمَالُ سَائِرِ الآنِيَةِ الطَّاهِرَةِ وَاتِّخَاذُهَا»: ... 48
36 ... قوله « وَاسْتِعْمَالُ أَوَانِي أَهْلِ الْكِتَابِ»: ... 48(8/6)
* ذكر اختلاف الرواية في المذهب في هذه المسألة......................................
* الصحيح عندي من الروايات............................................................
37 ... قوله « وَثِيَابِهِمْ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا»: ... 50
* إذا استعمل أهل الكتاب الثياب فما الحكم؟........................................
38 ... « وَصُوْفُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا طَاهِرٌ»: ... 50
* يشترط جز الصوف فلا يقلع قلعاًً......................................................
* إذا قلعه وفيه شيء من الميتة...............................................................
* تنبيه: هل هذا الحكم خاص بميتة دون ميتة؟.......................................
39 ... قوله « وَكُلُّ جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ فَهُوَ نَجِسٌ»: ... 51
* اختلاف الفقهاء في هذه المسألة..........................................................
* القول الراجح.................................................................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: ما يشترط في جلد الميتة الذي يطهر بالدباغ.......................................
ثانياً: هل يلزم غسل الجلد بعد الدبغ؟....................................................
40 ... قوله «وَكَذالِكَ عِظَامُهَا»: ... 53
* القول الراجح في عظم الميتة..............................................................
41 ... قوله « وَكُلُّ مَيْتَةٍ نَجِسَةٌ إِلاَّ الآدَمِيَّ»: ... 54
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
* هل ينجس الكافر بالموت؟...............................................................
42 ... قوله « وَحَيَوَانَ الْمَاءِ »: ... 55(8/7)
* هل يتناول هذا الحكم جميع ما يكون في الماء؟.....................................
43 ... قوله « الَّذِيْ لاَ يَعِيْشُ إِلاَّ فِيْهِ »: ... 56
* هل يباح غير ميتة السمك؟..............................................................
* ذكر روايات المذهب مع بيان الراجح فيها............................................
44 ... قوله « وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً »: ... 57
* ما اشترطه المؤلف فيما لا نفس له سائلة..............................................
* إذا كان متولداً من طاهر كالخنفساء فما الحكم؟...................................
45 ... بَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ: ... 58
46 ... قوله « بَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ »: ... 58
47 ... قوله « يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ دُخُوْلَ الْخَلاَءِ أَنْ يَقُوْلَ: بِسْمِ اللهِ »: ... 58
* تعريف المستحب:...........................................................................
* هل المستحب مرادف للمسنون؟........................................................
48 ... قوله « أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ»: ... 59
* معنى الخبث والخبائث:...................................................................
* أي الروايات تقال: (الْخُبُثِ)، أم (الْخُبْثِ)؟.....................................
49 ... قوله « وَمِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ»: ... 59
* الدليل الذي ورد في ذلك..................................................................
50 ... قوله « وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: غُفْرَانَكَ »: ... 59
* الحكمة من قول (غفرانك) مع بيان القول الصواب..............................
51 ... قوله « الْحَمْدُ للهِ الَّذِيْ أَذْهَبَ عَنِّيْ الأَذَى وَعَافَانِيْ»: ... 61
* ذكر الدليل الوارد مع بيان ضعفه.......................................................(8/8)
52 ... قوله « وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ اْليُسْرَى فِيْ الدُّخُوْلِ وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ»: ... 61
* الحكمة من ذلك؟...........................................................................
53 ... قوله « وَلاَ يَدْخُلُهُ بِشَيْءٍ فِيْهِ اسْمُ اللهِ تَعَالَى إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ »: ... 61
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: هل الشريط يأخذ هذا الحكم؟......................................................
ثانياً: هل القول بالكراهة يشمل المصحف؟............................................
54 ... قوله « وَيَعْتَمِدُ فِيْ جُلُوْسِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى»: ... 63
* ذكر الحديث الوارد في ذلك مع بيان الحكم عليه...................................
55 ... قوله « وَإِنْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ، أَبْعَدَ وَاسْتَتَرَ»: ... 63
* إذا كان في الفضاء وهناك ما يستره .....................................................
56 ... قوله «وَارْتَادَ مَوْضِعًا رَخْوًا»: ... 64
* إذا كان في مكان لا يوجد فيه شيء رخو.............................................
57 ... قوله « وَلاَ يَبُوْلُ فِيْ ثُقْبٍ وَلاَ شَقٍّ»: ... 64
58 ... قوله « وَلاَ طَرِيْقٍ وَلاَ ظِلٍّ ناَفِعٍ، وَلاَ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ»: ... 64
* هل النهي للتحريم أم للكراهة؟........................................................
* هل النهي عام أم هو خاص بنوع من الظل؟ .......................................
59 ... قوله « وَلاَ يَسْتَقْبِلُ شَمْسًا وَلاَ قَمَرًا »: ... 65
* القول الصحيح في هذه المسألة...........................................................
60 ... قوله «وَلاَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرُهَا»: ... 66
61 ... قوله « وَيَجُوْزُ ذالِكَ فِي الْبُنْيَانِ»: ... 66(8/9)
* ذكر أقوال العلماء في هذه المسألة. ......................................................
* بيان الراجح من أقوالهم...................................................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: هل يكفي مجرد الانحراف عن القبلة؟ ............................................
ثانياً: حكم استقبال القبلة حال الاستنجاء..............................................
ثالثاً: الحكمة في النهي عن استقبال القبلة................................................
رابعاً: أمر النبي " بالتشريق والتغريب هو لأهل المدينة..........................
62 ... قوله « فَإِذَا انْقَطَعَ الْبَوْلُ مَسَحَ مِنْ أَصْلِ ذَكَرِهِ إِلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَنْتُرُهُ ثَلاَثًا »: ... 68
* بيان ضعف ما قاله المؤلف.................................................................
* ما قاله شيخ الإسلام في نتر الذكر.......................................................
63 ... قوله «وَلاَ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بِيَمِيْنِهِ»: ... 68
* هل مس الذكر باليمين مقيد بالبول أم هو مطلق؟.................................
64 ... قوله « وَلاَ يَتَمَسَّحُ بِهَا »: ... 69
* تنبيه: حكم الاستنجاء باليمين؟ .......................................................
65 ... قوله « ثُمَّ يَسْتَجْمِرُ وِتْرًا »: ... 69
* الأمر هنا هل هو للوجوب أم للاستحباب؟ .......................................
66 ... قوله « ثُمَّ يَسْتَنْجِيْ بِالْمَاءِ»: ... 70
67 ... قوله « فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الاِسْتِجْمَارِ أَجْزَأَهُ»: ... 70
* تنبيه: أيهما أفضل الاستنجاء بالماء أم الاستجمار؟ .............................
68 ... قوله «وَإِنَّمَا يُجْزِئُ الاِسْتِجْمَارُ إِذَا لَمْ تَتَعَدَّ النَّجَاسَةُ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ»: ... 71(8/10)
* قول شيخ الإسلام في هذه المسألة. .....................................................
69 ... قوله « وَلاَ يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثِ مَسْحَاتٍ مُنْقِيَةٍ»: ... 71
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح عندي............................................
* تنبيه: هل يجزيء المسح بحجر واحد ثلاث مسحات؟...........................
ذكر الخلاف مع بيان الراجح.................................................................
70 ... قوله « وَيَجُوْزُ الاِسْتِجْمَارُ بِكُلَّ طَاهِرٍ يُنْقِي الْمَحَلَّ، إِلاَّ الرَّوْثَ وَالْعِظَامَ »: ... 72
* ذكر روايات المذهب مع بيان الراجح منها...........................................
71 ... قوله « وَمَا لَهُ حُرْمَةٌ»: ... 73
72 ... بَابُ الْوُضُوْءِ: ... 74
73 ... قوله « بَابُ الْوُضُوْءِ»: ... 74
* تعريف الوضوء لغة واصطلاحاً........................................................
* هل الوضوء خاص لهذه الأمة...........................................................
74 ... قوله «لاَ يَصِحُّ الْوُضُوْءُ، وَلاَ غَيْرُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ، إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَهُ»: ... 74
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: هل يشرع النطق بالنية؟...............................................................
ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح..........................................................
ثانياً: يستحب تقديم النية على غسل اليدين...........................................
ثالثاً: معنى قوله لا يصح الوضوء إلا بنية................................................
75 ... قوله « ثُمَّ يَقُوْلُ: بِسْمِ اللهِ»: ... 76
* اختلاف الروايات في المذهب في حكم التسمية.....................................(8/11)
* الذي اختاره ابن قدامة في حكم التسمية..............................................
* ذكر أقوال الفقهاء الأخرى في حكمها.................................................
* بيان الراجح من الأقوال...................................................................
* ذكر بعض التنبيهات في التسمية:.......................................................
أولاً: من توضأ داخل الحمام................................................................
ثانياً: من نسي التسمية أول الوضوء.......................................................
76 ... قوله « وَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا»: ... 77
* بيان أن ذلك سنة. ...........................................................................
* إذا تحقق طهارة اليدين هل يغسلها قبل الوضوء؟................................
* تنبيهات:.......................................................................................
أولاً: هل النوم هنا مطلق النوم أم هو نوم مخصوص؟...............................
77 ... قوله « ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ ثَلاَثًا»: ... 79
* معنى المضمضة: ............................................................................
* اختلاف الروايات في حكم المضمضة والاستنشاق...............................
* الراجح في حكمها...........................................................................
78 ... قوله « يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِغَرْفَةٍ أَوْ ثَلاَثٍ»: ... 80
* كيفيات المضمضة والاستنشاق.
79 ... قوله « ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلاَثًا»: ... 81
80 ... قوله «مِنْ مَنَابِتِ شَعَرِ الرَّأْسِ إِلَى مَا انْحَدَرَ مِنَ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ»: ... 81
* إذا كان في الوجه شعر طويل يغسل....................................................(8/12)
81 ... قوله « وَإِلَى أُصُوْلِ الأُذُنَيْنِ »: ... 82
82 ... قوله «وَيُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ إِنْ كَانَتْ كَثِيْفَةً،وَإِنْ كَانَتْ تَصِفُ الْبَشَرَةَ لَزِمَهُ غَسْلُهَا»: ... 82
* اللحية إما كثيفة وإما خفيفة..............................................................
* حكم غسل المسترسل من اللحية.......................................................
* صفات تخليل اللحية........................................................................
83 ... قوله « ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثًا»: ... 83
84 ... وقوله «وَيُدْخِلُهُمَا فِي الْغَسْلِ»: ... 83
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: حالات مقطوع اليد.....................................................................
ثانياً: هل يستحب الزيادة على الفرض في غسل الوجه............................
ثالثاً: اختلاف الفقهاء مع بيان القول الصحيح.........................................
85 ... قوله « ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَعَ الأُذُنَيْنِ، يَبْدَأُ بِيَدِهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ يُمِرُّهُمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إِلَى مُقَدَّمِهِ»: ... 85
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: هل الأذنان من الرأس؟...............................................................
ثانياً: هل يؤخذ ماء جديد للأذنين.........................................................
ثالثاً: السنة عدم تكرار مسح الرأس أكثر من مرة.....................................
رابعاً: عدم استحباب مسح العنق..........................................................
86 ... قوله«ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلاَثًا»: ... 87(8/13)
* الروافض يخالفون أهل السنة في أمور ثلاثة:.......................................
87 ... قوله « وَيُدْخِلُهُمَا فِيْ الْغَسْلِ»: ... 87
88 ... قوله « وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُمَا»: ... 87
* الأدلة التي جاءت في تخليل الأصابع لا تخلو من مقال...........................
89 ... قوله «ثُمَّ يَرْفَعُ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ»: ... 88
* حكم رفع البصر إلى السماء بعد الوضوء............................................
90 ... قوله « فَيَقُوْلُ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ...»: ... 88
91 ... قوله « وَالْوَاجِبُ مِنْ ذالِكَ النِّيَّةُ»: ... 88
92 ... قوله « وَالْغَسْلُ مَرَّةً مَرَّةً»: ... 89
93 ... قوله « مَا خَلاَ الْكَفَّيْنِ»: ... 89
94 ... قوله « وَمَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ»: ... 89
* هل يجزيء مسح بعض الرأس؟ .......................................................
* تنبيه: إذا غسل الرأس دون أن يمسحه هل يجزئه؟................................
95 ... قوله « وَتَرْتِيْبُ الْوُضُوْءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا»: ... 90
* اختلاف أقوال الفقهاء في حكم الترتيب..............................................
* بيان الراجح من الأقوال...................................................................
* تنبيه: هل يسقط الترتيب بالجهل والنسيان..........................................
96 ... قوله « وَأَنْ لاَ يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الَّذِيْ قَبْلَهُ»: ... 91
* حكم الموالاة في الوضوء...................................................................
* اختلاف أقوال الفقهاء في حكمها مع بيان الراجح................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: حول قول المؤلف =وأن لا يؤخر...+ .............................................(8/14)
ثانياً: حد الموالاة.................................................................................
ثالثاً: إذا فاتت الموالاة لأمر يتعلق بالصلاة..............................................
97 ... قوله « وَالْمَسْنُوْنُ التَّسْمِيَةُ»: ... 92
98 ... قوله «وَغَسْلُ اْلكَفَّيْنِ»: ... 92
99 ... قوله « وَالْمُبَالَغَةُ فيِ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ صَائِمًا»: ... 92
* حكم المبالغة في المضمضمة والاستنشاق.............................................
* القول الصحيح في حكمها................................................................
100 ... قوله « وَتَخْلِيْلُ اللِّحْيَةِ وَالأَصَابِعِ»: ... 93
101 ... قوله « وَمَسْحُ الأُذُنَيْنِ»: ... 93
* الصحيح وجوب غسل الأذنين..........................................................
102 ... قوله « وَغَسْلُ الْمَيَامِنِ قَبْلَ الْمَيَاسِرِ»: ... 93
* الحكمة في تقديم الميامن قبل المياسر....................................................
* إذا قدم اليسرى على اليمنى فما الحكم؟ ............................................
103 ... قوله « وَالْغَسْلُ ثَلاَثًا ثَلاَثًا»: ... 93
104 ... قوله « وَتُكْرَهُ الزِّياَدَةُ عَلَيْهَا» ... 93
* ذكر دليل الكراهة............................................................................
105 ... قوله «وَالإِسْرَافُ فِي الْمَاءِ»: ... 94
* ذكر الأدلة على ذلك........................................................................
106 ... قوله « وَيُسَنُّ السِّوَاكُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ»: ... 94
107 ... قوله « وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ، وَعِنْدَ الصَّلاَةِ»: ... 95
108 ... قوله « وَيُسْتَحَبُّ فِيْ سَائِرِ الأَوْقَاتِ إِلاَّ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ»: ... 95
* ذكر اختلاف الفقهاء في هذه المسألة....................................................(8/15)
* بيان الراجح من أقوالهم...................................................................
* تنبيهان: ........................................................................................
أولاً: الصحيح أنه يحصل من السنية بقدر ما يحصل من الإنقاء..................
ثانياً: بأي اليدين يستاك........................................................................
109 ... بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: ... 98
110 ... قوله « بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ»: ... 98
* مناسبة ذكر هذا الباب بعد الوضوء.....................................................
111 ... قوله «يَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَماَ أَشْبَهَهُمَا مِنَ الْجَوَارِبِ الصَّفِيْقَةِ الَّتِيْ تَثْبُتُ فِي الْقَدَمَيْنِ»: ... 98
* ذكر الأدلة على جواز المسح على الخفين.............................................
*تنبيه:في شروط المسح على الخفين على المذهب مع بيان الراجح.............
112 ... قوله « وَالْجَرَامِيْقِ الَّتِيْ تُجَاوِزُ الْكَعْبَيْنِ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى »: ... 102
* تعريف الجرموق: ..........................................................................
113 ... قوله «يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيْمِ وَثَلاَثًا لِلْمُسَافِرِ»: ... 102
* اختلاف الفقهاء في اشتراط المدة للمسح على الخفين.............................
* الصحيح من الأقوال........................................................................
114 ... قوله « مِنَ الْحَدَثِ إِلَى مِثْلِهِ»: ... 103
* اختلاف الرواية في هذه المسألة...........................................................
* الراجح من الروايتين........................................................................(8/16)
115 ... قوله « وَمَتَى مَسَحَ ثُمَّ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ، أَوْ خَلَعَ قَبْلَهَا، بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ»: ... 103
* ذكر الخلاف في بطلان الطهارة بانقضاء المدة مع بيان الراجح..................
* ذكر الخلاف في خلع الممسوح عليه قبل انقضاء المدة.............................
116 ... قوله « وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ»: ... 104
117 ... قوله « أَوْ مُقِيْمًا ثُمَّ سَافَرَ، أَتمََََّ مَسْحَ مُقِيْمٍ»: ... 104
* اختلاف الرواية في المذهب في هذه المسألة............................................
* الراجح من الأقوال..........................................................................
118 ... قوله « وَيَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ»: ... 105
* ذكر الأدلة على جواز المسح عليها....................................................
119 ... قوله « إِذَا كَانَتْ ذاَتَ ذُؤَابَةٍ»: ... 105
* القول الصحيح في هذا الشرط...........................................................
120 ... قوله « سَاتِرَةً لِجَمِيْعِ الرَّأْسِ إِلاَّ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ»: ... 106
* هل يجب مسح مقدم الرأس إذا كان لابساًً للعمامة؟.............................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: فيما اشترطه بعض العلماء للعمامة................................................
ثانياً: الحد المطلوب مسحه من العمامة....................................................
ثالثاً: هل يشترط التوقيت للمسح عليها؟ ..............................................
رابعاً: هل يشترط لبسها على طهارة؟ ....................................................
121 ... قوله «وَمِنْ شَرْطِ الْمَسْحِ عَلَى جَمِيْعِ ذالِكَ، أَنْ يَلْبَسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ »: ... 107(8/17)
* ما ذهب إليه شيخ الإسلام في هذا الشرط...........................................
* القول الراجح.................................................................................
122 ... قوله « وَيَجُوْزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيْرَةِ»: ... 108
* تعريف الجبيرة: ..............................................................................
* اختلاف الفقهاء في المسح عليها.........................................................
* هل يتيمم مع المسح؟ ......................................................................
* تنبيه: أحوال الجرح الموجود في أعضاء الطهارة...................................
123 ... قوله « إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ بِشَدِّهَا مَوْضِعَ الْحَاجَةِ إِلىَ أَنْ يَحُلَّهَا »: ... 109
* تنبيه: في الفروق التي تخالف فيها الجبيرة الخف....................................
124 ... قوله « وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيْ ذالِكَ سَوَاءٌ»: ... 110
125 ... قوله « إِلاَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ»: ... 110
* ذكر بعض التنبيهات الخاصة بهذا الباب:.............................................
أولاً: إذا كان الرأس ملبداً.....................................................................
ثانياً: حكم المسح على اللفائف............................................................
ثالثاً: من كان يلبس جورباً وعليه نعال...................................................
رابعاً: إذا كانت طهارة تيمم هل يمسح على الخفين..................................
خامساً: إدخال الإنسان يده من تحت الجورب..........................................
سادساً: من خلع جوربه وهو على وضوء وأراد أن يعيد لبسه....................
سابعاً: من شك في ابتداء المسح.............................................................(8/18)
ثامناً: هل تشترط النية عند الوضوء لجواز المسح على الخفين؟...................
تاسعاً: كيفية المسح على الخفين؟ ..........................................................
عاشراً: من لبس جورباً فوق جورب......................................................
الحادي عشر: إذا كانت إحدى الرجلين مكشوفة......................................
الثاني عشر: الأفضل لمن كان لابساً للخف أو الجورب.............................
126 ... بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوْءِ: ... 114
127 ... قوله « بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوْءِ وَهِيَ سَبْعَةٌ»: ... 114
* تعريف نواقض الوضوء: ................................................................
* أقسام النواقض: ............................................................................
128 ... قوله « الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»: ... 114
129 ... قوله « وَالْخَارِجُ النَّجِسُ مِنْ غَيْرِهِمَا»: ... 115
* أحوال الخارج من السبيلين...............................................................
* إذا كان الخارج غير البول والغائط......................................................
130 ... قوله «إِذاَ فَحُشَ»: ... 115
* اختلاف الروايات في المذهب في قدر الفاحش......................................
* القول الصحيح في حد الفاحش.........................................................
131 ... قوله « وَزَوَالُ الْعَقْلِ إِلاَّ النَّوْمَ الْيَسِيْرَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا »: ... 115
* زوال العقل نوعان...........................................................................
* النائم له ثلاث حالات.....................................................................
* ذكر الحالات الثلاث مع بيان اختلاف الفقهاء فيها والقول الراجح..........
132 ... قوله « وَلَمْسُ الذَّكَرِ بِيَدِهِ»: ... 117(8/19)
* ذكر الخلاف في هذه المسألة................................................................
* بيان القول الراجح...........................................................................
133 ... قوله « وَلَمْسُ امْرَأَةٍ لِشَهْوَةٍ»: ... 118
* ذكر أقوال الفقهاء فيها......................................................................
* القول الراجح.................................................................................
134 ... قوله « وَالرِّدَّةُ عَنِ الإِسْلاَمِ»: ... 119
135 ... قوله « وَأَكْلُ لَحْمِ الْجَزُوْرِ»: ... 119
* ذكر اختلاف الفقهاء في هذا الناقض...................................................
* الراجح من الأقوال..........................................................................
* تنبيه: هل يدخل الكرش والكبد وغيرهما في وجوب الوضوء...............
136 ... قوله « وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، فَهُوَ عَلَى ماَ تَيَقَّنَ مِنْهُمَا»: ... 121
* بيان هذه القاعدة مع ذكر الدليل........................................................
137 ... بَابُ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ: ... 122
138 ... قوله « بَابُ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ»: ... 122
* اقتصار المؤلف على ذكر موجبات الغسل............................................
* تنبيه: جميع موجبات الغسل لا توجب إلا الغسل..............................
139 ... قوله « وَالْمُوْجِبُ لَهُ: خُرُوْجُ الْمَنِيِّ »: ... 122
140 ... قوله « وَهُوَ: الْمَاءُ الدَّافِقُ»: ... 122
* معنى قوله الماء الدافق: ....................................................................
* هل يشترط حصول اللذة عند خروجه؟..............................................(8/20)
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: يعرف المذي بثلاث علامات.........................................................
ثانياً: هل يشترط لوجوب الغسل خروجه بلذة........................................
ثالثاً: إذا استيقظ فوجد بللاً فما الحكم؟ ................................................
رابعاً: إن كان يجهل هل هو مني أم لا.....................................................
خامساً: إذا أحس بانتقال المني فحبسه....................................................
141 ... قوله « وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ»: ... 124
* معنى التقاء الختانين: .......................................................................
* إذا غابت الحشفة من وراء حائل فما الحكم؟.......................................
142 ... قوله «وَالْوَاجِبُ فِيْهِ:النِّيَّةُ»: ... 125
* ذكر اختلاف الفقهاء في وجوبها.........................................................
* القول الراجح.................................................................................
* النية نيتان.......................................................................................
143 ... قوله « وَتَعْمِيْمُ بَدَنِهِ بِالْغَسْلِ، مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ»: ... 126
* تعريف الغسل الواجب والغسل الكامل:...........................................
* معنى تعميم البدن...........................................................................
* هل يجب غسل باطن الفرج من حيض أو جنابة؟...............................
* حكم المضمضة والاستنشاق في الغسل؟.............................................
144 ... قوله « وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ»: ... 127(8/21)
* ذكر الخلاف في وجوبها في الغسل......................................................
* القول الصحيح...............................................................................
145 ... قوله « وَأَنْ يَدْلُكَ بَدَنَهُ بِيَدِهِ»: ... 127
* هل يجب الدلك في الغسل؟ .............................................................
146 ... قوله « وَيَفْعَلَ كَمَا رَوَتْ مَيْمُوْنَةُ، قَالَتْ: « سَتَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَاغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ...» ... 128
* هل يشرع غسل اليدين ثلاثاً؟ ..........................................................
* إذا كانت الحمامات نظيفة فلا بأس أن يغسل قدميه..............................
147 ... قوله «وَلاَ يَجِبُ نَقْضُ الشَّعْرِ فِيْ غَسْلِ الْجَنَابَةِ إِذَا رَوَّى أُصُوْلَهُ»: ... 128
* هل يجب نقضه في غسل الحيض والنفاس؟.........................................
* ذكر الروايات في المذهب مع بيان الراجح............................................
* تنبيه: هل يجب غسل المسترسل من الشعر؟........................................
148 ... قوله « وَإِذاَ نَوَى بِغَسْلِهِ الطَّهَارَتَيْنِ،أَجْزَأَ عَنْهُمَا»: ... 129
* ذكر الخلاف في ذلك مع بيان القول الراجح.........................................
149 ... قوله « وَكَذالِكَ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْحَدَثَيْنِ وَالنَّجاَسَةِ عَلى بَدَنِهِ أَجْزَأَ عَنْ جَمِيْعِهَا »: ... 130
* لكن إن نوى أحد الحدثين هل يجزئه؟................................................
150 ... قوله « وَإِنْ نَوَى بَعْضَهَا فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَا نَوَى»: ... 131
* أحوال النية مع الغسل......................................................................
* ذكر الأحوال الأربع مع بيان الراجح..................................................
151 ... بَابُ التَّيَمُّمِ: ... 132(8/22)
152 ... قوله « بَابُ التَّيَمُّمِ»: ... 132
* تعريف التيمم في اللغة والشرع: .......................................................
* أدلة مشروعيته................................................................................
153 ... قوله « وَصِفَتُهُ : أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ»: ... 132
* تعريف اليدين هنا...........................................................................
154 ... قوله « عَلَى الصَّعِيْدِ الطَّيِّبِ»: ... 132
* تعريف الصعيد: ............................................................................
* هل يجوز التيمم بغير التراب؟ ...........................................................
* بيان الخلاف مع ذكر الصحيح من أقوال أهل العلم............................
* المراد بالطيب..................................................................................
* هل يقسم التراب كالماء في كونه طهور وطاهر ونجس؟.........................
155 ... قوله « ضَرْبَةً وَاحِدَةً»: ... 133
* اختلاف الفقهاء في عدد الضربات للتيمم............................................
* بيان الراجح من الأقوال.
156 ... قوله « فَيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ»: ... 134
157 ... قوله « وَإِنْ تَيَمَّمَ بِأَكْثَرَ مِنْ ضَرْبَةٍ، أَوْ مَسَحَ أَكْثَرَ، جَازَ »: ... 135
* مسألتان في كلام المؤلف....................................................................
الأولى: في التيمم بأكثر من ضربة...........................................................
الثانية: الزيادة عن مسح اليدين إلى الكوعين...........................................
158 ... قوله « وَلَهُ شُرُوْطٌ أَرْبَعَةٌ»: ... 135
159 ... قوله « أَحَدُهاَ: الْعَجْزُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، لِعَدَمِهِ»: ... 135
160 ... قوله « أَوْ خَوْفِ الضَّرَرِ بِاسْتِعْمَالِهِ؛ لِمَرَضٍ»: ... 136(8/23)
161 ... قوله « أَوْ بَرْدٍ شَدِيْدٍ»: ... 136
* إن أمكنه تسخين الماء لزمه................................................................
162 ... قوله « أَوْ خَوْفِ الْعَطَشِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ أَوْ رَفِيْقِهِ»: ... 137
* مسألة: إن أمكن المسافر حمل ماء معه لوضوءه هل يلزمه حمله؟.........
* ذكر الخلاف في المسألة مع بيان القول الصحيح.....................................
163 ... قوله « أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ فِيْ طَلَبِهِ »: ... 137
164 ... قوله « أَوْ إِعْوَازٍ إِلاَّ بِثَمَنٍ كَثِيْرٍ»: ... 137
* هل يلزم شراء الماء للوضوء؟ ...........................................................
* بيان التفصيل في هذه المسألة مع ذكر الراجح.......................................
165 ... قوله « فَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِيْ بَعْضِ بَدَنِهِ، أَوْ وَجَدَ مَاءً لاَ يَكْفِيْهِ لِطَهَارَتِهِ، اسْتَعْمَلَهُ، وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِيْ»: ... 138
166 ... قوله « أَوْ وَجَدَ مَاءً لاَ يَكْفِيْهِ لِطَهَارَتِهِ، اسْتَعْمَلَهُ،وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِيْ»: ... 138
* ذكر اختلاف الفقهاء في هذه المسألة مع بيان الراجح.............................
167 ... قوله « الثَّانِيْ: الْوَقْتُ، فَلاَ يَتَيَمَّمُ لِفَرِيْضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا»: ... 139
* هل التيمم مبيح لما تجب له الطهارة أم رافع للحدث؟...........................
* الفرق بين كونه مبيحاً وكونه رافعاً......................................................
* الراجح من أقوال أهل العلم.............................................................
* هل يشرع له تأخير الصلاة إلى نهاية وقتها؟.........................................
* تنبيه: يترجح تقديم الصلاة في أول وقتها في ثلاث حالات...................
168 ... قوله « وَلاَ لِنَافِلَةٍ فِيْ وَقْتِ النَّهْيِ عَنْهَا»: ... 141(8/24)
* بيان الصواب في هذه المسألة..............................................................
169 ... قوله « الثَّالِثُ: النِّيَّةُ،....»: ... 142
* بيان الراجح في هذه المسألة................................................................
170 ... قوله « الرَّابِعُ: التُّرَابُ، فَلاَ يَتَيَمَّمَ إِلاَّ بِتُرَابٍ طَاهِرٍ، لَهُ غُبَار»: ... 142
* الشروط الثلاثة التي وضعها المؤلف للتراب.........................................
* الراجح من هذه الشروط..................................................................
171 ... وقوله « ويُبْطِلُ التَّيَمُّمَ مَا يُبْطِلُ طَهَارَةَ الْمَاءِ»: ... 143
172 ... قوله « وَخُرُوْجُ الْوَقْتِ»: ... 143
* بيان القول الصحيح في ذلك.............................................................
173 ... قوله«وَالْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ»: ... 143
174 ... قوله « وَإِنْ كَانَ فِيْ الصَّلاَةِ»: ... 144
* بيان الخلاف في هذه المسألة...............................................................
* القول الراجح من أقوال الفقهاء.........................................................
* خلاصة ما نقول في التيمم.................................................................
175 ... بَابُ الْحَيْضِ: ... 146
176 ... قوله « بَابُ الْحَيْضِ»: ... 146
* تعريف الحيض لغة وشرعاً: ............................................................
* أمور ينبغي للمرأة أن تعلمها.............................................................
* قواعد في باب الحيض......................................................................
* أحوال المرأة الحائض: .....................................................................
الحالة الأولى: المبتدأة؛ تعريفها وبيان الحكم في هذه المسألة........................(8/25)
الحالة الثانية: المعتادة؛ تعريفها وبيان حكمها............................................
الحالة الثالثة: المميزة؛ تعريفها وبيان حكمها............................................
الحالة الرابعة: المستحاضة؛ تعريفها وبيان حكمها.....................................
الحالة الخامسة: المتحيرة؛ تعريفها وبيان حكمها........................................
* قول شيخنا في أقل الحيض وأكثره، وبيان الراجح عندي......................
177 ... قوله « وَيَمْنَعُ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ: فِعْلَ الصَّلاَةِ، وَوُجُوْبَهَا»: ... 149
* المراد بفعل الصلاة ووجوبها.............................................................
178 ... قوله « وَفِعْلَ الصِّيَامِ»: ... 150
* هل يمنع الحيض وجوب الصوم؟ ......................................................
* الحكمة من قضاء الصوم دون الصلاة.................................................
179 ... قوله « وَالطَّوَافَ»: ... 151
* ذكر الخلاف في هذه المسألة مع بيان الراجح.........................................
180 ... قوله «وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ»: ... 152
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح.............................................................
181 ... قوله « وَمَسَّ الْمُصْحَفِ»: ... 152
* هل تستثنى المعلمة والمتعلمة من المس؟...............................................
* هل صاحب الحدث الأصغر يجوز له مس المصحف؟...........................
182 ... قوله « وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ»: ... 153
* هل يجوز لها أن تجلس إذا توضأت؟...................................................
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح.............................................................
* تنبيهات: ......................................................................................(8/26)
أولاً: اختلاف الفقهاء في دخول الحائض مصلى العيد..............................
ثانياً: حكم دخول الحائض مصليات المدارس.........................................
183 ... قوله « وَالْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ»: ... 154
* حكم من وطء زوجته في أثناء الحيض................................................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح عندي............................................
184 ... قوله «وَسُنَّةَ الطَّلاَقِ»: ... 155
* معنى قوله: سنة الطلاق...................................................................
185 ... قوله « وَالاِعْتِدَادَ بِالأَشْهُرِ»: ... 155
* معنى قوله: والاعتداد بالأشهر..........................................................
* إذا كانت المرأة لا تحيض فبم تعتد؟ ....................................................
186 ... قوله « وَيُوْجِبُ الْغُسْلَ، وَالْبُلُوْغَ، وَالاِعْتِدَادَ بِهِ»: ... 156
* يجب على المرأة أن تغتسل إذا طهرت من الحيض.................................
* علامات البلوغ للرجل والمرأة...........................................................
187 ... قوله « فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ، أُبِيْحَ فِعْلُ الصَّوْمِ وَالطَّلاَقُ»: ... 156
188 ... قوله «وَلَمْ يُبَحْ سَائِرُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ»: ... 157
189 ... قوله «وَيَجُوْزُ الاِسْتِمْتَاعُ مِنَ الْحَائِضِ،بِمَا دُوْنَ الْفَرْجِ...+: ... 157
* هل تجوز المباشرة فيما بين السرة والركبة؟...........................................
* إذا استمتع بها فيما دون الفرج هل يجب الغسل؟................................
* إذا طهرت المرأة في أي ساعة من نهار رمضان هل يلزمها الإمساك؟.......
* حرمة المباشرة فيما دون الفرج إذا خشي على نفسه الوقوع في المحرم......
190 ... قوله « وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ»: ... 159(8/27)
* ذكر الخلاف في هذه المسألة مع بيان الراجح.........................................
191 ... قوله « وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا»: ... 159
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح.............................................................
192 ... قوله « وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا»: ... 160
* رأي شيخ الإسلام وشيخنا في هذه المسألة...........................................
193 ... قوله « وَلاَ حَدَّ لأَكْثَرِهِ»: ... 160
194 ... قوله « وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيْضُ لَهُ الْمَرْأَةُ تِسْعُ سِنِيْنَ»: ... 160
* الصواب أنه لا حد للسن..................................................................
195 ... قوله « وَأَكْثَرُهُ سِتُّوْنَ»: ... 160
* بيان الراجح في هذه المسألة................................................................
196 ... قوله «وَالْمُبْتَدَأَةُ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ لِوَقْتٍ تَحِيْضُ فِيْ مِثْلِهِ،جَلَسَتْ»: ... 161
* تعريف المبتدأة.................................................................................
197 ... قوله « فَإِنِ انْقَطَعَ لأَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَلَيْسَ بَحَيْضٍ»: ... 161
* هل يلزم تكرار الدم لتصبح مبتدأة؟ ..................................................
* خلاصة القول في هذه المسألة.............................................................
198 ... قوله « وَإِنْ جَاوَزَ ذالِكَ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ»: ... 162
199 ... قوله « فَإِذَا تَكَرَّرَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، صَارَ عَادَةً»: ... 162
* الصواب أنه لا يلزم تكرار الدم لتصبح عادة........................................
200 ... قوله « وَإِنْ عَبَرَ فَالزَّائِدُ اسْتَحَاضَةٌ»: ... 162(8/28)
* بيان ما قاله المؤلف...........................................................................
* ما يلزم المرأة المستحاضة...................................................................
201 ... قوله « وَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ آخِرِ الْحَيْضِ»: ... 162
* حكم هذه المسألة.............................................................................
202 ... قوله « وَتَغْسِلَ فَرْجَهَا وَتَعْصِبَهُ»: ... 163
* بيان ما ذكره المؤلف مع ذكر الدليل.....................................................
203 ... قوله « ثُمَّ تَتَوَضَّأَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلاَةٍ، وَتُصَلِّيْ»: ... 163
* هل تتوضأ للنوافل؟ .......................................................................
204 ... قوله « وَكَذَا حُكْمُ مَنْ بِهِ سَلَسُ اْلبَوْلِ وَمَنْ فِيْ مَعْنَاهُ»: ... 163
* بيان ما ذكره المؤلف.........................................................................
205 ... قوله «فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِيْ الشَّهْرِ الآخَرِ»: ... 164
206 ... قوله « فَإِنْ كَانَتْ مُعْتاَدَةً، فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا»: ... 164
* ما يلزم المرأة المعتادة.........................................................................
207 ... قوله « وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً وَكَانَ لَهَا تَمْيِيْزٌ....»: ... 164
* بيان ما ذكره المؤلف مع ذكر الدليل والتمثيل........................................
* إن كانت المرأة لها عادة وتمييز، أيهما تقدم؟........................................
208 ... قوله « وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً، أَوْ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا، وَلاَ تَمْيِيْزَ لَهَا،....»: ... 165
* قول شيخنا في المرأة المتحيرة...............................................................(8/29)
* اختلاف روايات المذهب في هذه المسألة..............................................
* الراجح في المسألة.............................................................................
209 ... قوله « وَالْحَامِلُ لاَ تَحِيْضُ»: ... 167
ذكر الخلاف في المسألة مع بيان الراجح....................................................
210 ... قوله « إِلاَّ أَنْ تَرَى الدَّمَ قَبْلَ وِلاَدَتِهَا بِيَوْمَيْنِ،.....»: ... 168
* ذكر الخلاف في المسألة مع بيان الراجح................................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: حكم استعمال ما يمنع الحمل........................................................
ثانياً: حكم استعمال ما يجلب الحيض....................................................
211 ... بَابُ النِّفَاسِ: ... 170
212 ... قوله « بَابُ النِّفَاسِ»: ... 170
* تعريف النفاس لغة واصطلاحاً: .......................................................
213 ... قوله « وَهُوَ: الدَّمُ الْخَارِجُ بِسَبَبِ الْوِلاَدَةِ»: ... 170
214 ... قوله «وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيْضِ .....»: ... 170
* ذكر الفروق بين الحيض والنفاس.......................................................
215 ... قوله«وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُوْنَ يَوْمًا»: ... 172
* ذكر الخلاف مع بيان القول الراجح....................................................
216 ... قوله « وَلاَ حَدَّ لأَقَلِّهِ»: ... 172
217 ... قوله « وَمَتَى رَأَتِ الطُّهْرَ، اغْتَسَلَتْ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ»: ... 172
218 ... قوله « فَإِنْ عَادَ فِيْ مُدَّةِ الأَرْبَعِيْنَ، فَهُوَ نِفَاسٌ أَيْضًا »: ... 173
* القول الراجح في هذه المسألة.............................................................(8/30)
* ذكر بعض التنبيهات في كتاب النفاس.................................................
أولاً: المرأة التي تلد ولادة خالية عن الدم...............................................
ثانياً: إذا ولدت المرأة توأمين..................................................................
ثالثاً: إذا أسقطت المرأة جنينها، فلها خمس حالات:..............................
رابعاً: إذا طهرت المرأة قبل الأربعين، ما رجحه الشيخان..........................
خامساً: الصفرة أو الكدرة في مدة الأربعين..............................................
سادساً: إذا ولدت المرأة بعد دخول وقت الظهر مثلاً ونزل منها دم نفاس....
سابعاً: إذا طهرت المرأة من النفاس في وقت صلاة العصر مثلاً...................
219 ... كِتَابُ الصَّلاَةِ: ... 177
220 ... قوله « كِتَابُ الصَّلاَةِ»: ... 177
* تعريف الصلاة لغة واصطلاحاً: .......................................................
* مكانة الصلاة في الإسلام..................................................................
* أدلة ركنيتها: .................................................................................
221 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ»: ... 178
* هل الوتر واجب؟ ..........................................................................
222 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ»: ... 178
* الصلوات المفروضة في اليوم والليلة:..................................................
223 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ »: ... 178
* بم تكون المحافظة على الصلوات؟ .....................................................(8/31)
224 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ»: ... 179
* هل يدل هذا الحديث على أن تارك الصلاة ليس بكافر؟.......................
225 ... قوله « فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»: ... 179
* من هو المسلم؟ ..............................................................................
* هل يحاسب الكافر على ترك الصلاة؟................................................
226 ... قوله « عَاقِلٍ»: ... 180
* العقل مناط التكليف........................................................................
* المجنون لا تصح منه الصلاة لعدم القصد.............................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: إذا جاء الصبي الذي لا تلزمه الصلاة إلى المسجد هل يمنع؟.............
ثانياً: إذا دخل الصبي في الصف هل يقطعه؟ ..........................................
ثالثاً: إذا سبق الصبي بمكان في المسجد....................................................
رابعاً: المجنون إذا قدم المسجد................................................................
خامساً: من زال عقله بإغماء ففاتته صلاة يومين إلى ثلاثة.........................
سادساً: من زال عقله بمحرم كسكر ونحوه...............................................
227 ... قوله « بَالِغٍ»: ... 181
* الأمور التي يحصل بها البلوغ للذكر والأنثى:......................................
* يستحب أمر الصبي الصغير بالصلاة..................................................
228 ... قوله « إِلاَّ الْحَائِضَ، وَالنُّفَسَاءَ»: ... 182(8/32)
* وجوب الصلاة على المستحاضة........................................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: إذا أدركت الحائض أول وقت الصلاة وهي طاهرة فهل تقضي الصلاة؟ اختلاف الفقهاء في هذه المسألة مع بيان القول الراجح.................
ثانياً: إذا طهرت المرأة وقت العصر أو العشاء فهل تجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء؟ أقوال الفقهاء مع بيان الراجح..................................
ثالثاً: إذا طهرت المرأة قبل خروج الوقت بقليل هل تلزمها الصلاة؟ اختلاف الفقهاء مع بيان القول الراجح...................................................
229 ... قوله « فَمَنْ جَحَدَ وُجُوْبَهَا لِجَهْلِهِ، عُرِّفَ ذالِكَ»: ... 183
230 ... قوله « وَإِنْ جَحَدَهَا عِنَادًا، كَفَرَ»: ... 183
* حكم من ترك الصلاة تهاوناً وتكاسلاً. ..............................................
* أقوال الفقهاء في هذه المسألة مع بيان الراجح.......................................
231 ... قوله « وَلاَ يَحِلُّ تَأْخِيْرُهَا عَنْ وَقْتِ وُجُوْبِهَا إِلاَّ لِنَاوٍ جَمْعَهَا»: ... 185
* ذكر قيد مهم على كلام المؤلف..........................................................
232 ... قوله « أَوْ مُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا»: ... 186
* الصواب خلاف ما ذكره المؤلف.........................................................
233 ... قوله « فَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا، اسْتُتِيْبَ ثَلاَثًا، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ قُتِلَ»: ... 186
* ذكر قول الشيخين في هذه المسألة وبيان الراجح....................................
* في قوله: استتيب ثلاثاً ـ هل يقتل ردة أم حداً؟....................................
234 ... بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ: ... 188
235 ... قوله « بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ»: ... 188(8/33)
* تعريف الأذان والإقامة لغة واصطلاحاً:. ...........................................
* الفرق بين الأذان والإقامة: ..............................................................
236 ... قوله « وَهُمَا مَشْرُوْعَانِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ دُوْنَ غَيْرِهَا»: ... 188
* حكم الأذان والإقامة والفرق بينهما: ................................................
* حكمهما في السفر والحضر...............................................................
* الراجح في حكم الأذان والإقامة........................................................
* تنبيه: إذا كان المصلي في مكان وحده استحب له الأذان.......................
* هل يشرع الأذان للصلوات الفائتة؟ ..................................................
237 ... قوله « لِلرِّجَالِ دُوْنَ النِّسَاءِ»: ... 190
* هل يسن الأذان للنساء؟ ..................................................................
* ذكر الخلاف مع بيان القول الراجح....................................................
238 ... قوله « وَالأَذَانُ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، لاَ تَرْجِيْعَ فِيْهِ»: ... 191
* اختلاف الفقهاء في عدد كلمات الإقامة...............................................
* بيان الراجح من الأقوال...................................................................
* معنى الترجيع وحكمه.....................................................................
239 ... قوله « وَالإِقَامَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً»: ... 192
240 ... قوله « وَيَنْبَغِيْ أَنْ يَكُوْنَ الْمُؤَذِّنُ أَمِيْنًا، صَيِّتًا»: ... 192
* معنى قوله أميناً، وبيان حكم هذه المسألة:..........................................
* معنى قوله صيتاً: ............................................................................(8/34)
241 ... قوله « عَالِمًا بِالأَوْقَاتِ»: ... 193
* هل يشترط كونه عالماً بالوقت؟ .........................................................
242 ... قوله «وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا»: ... 193
* نقل الإجماع على ذلك...................................................................
243 ... قوله « وَمُتَطَهِّرًا»: ... 193
* هل يجوز لمن حدثه أكبر أن يؤذن؟ .....................................................
244 ... قوله « عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ»: ... 194
* الحكمة في ذلك...............................................................................
* وهل يشرع مع وجود مكبرات الصوت؟ ...........................................
245 ... قوله « مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ»: ... 194
* كل عبادة الأولى أن يستقبل فيها القبلة ما لم يروا خلافه........................
* الحكمة من استقبال القبلة حال الأذان................................................
246 ... قوله « فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ، الْتَفَتَ يَمِيْنًا وَشِمَالاً»: ... 194
* مع وجود المكبرات للصوت هل يلتفت؟............................................
* ذكر الخلاف مع بيان القول الراجح....................................................
247 ... قوله « وَلاَ يُزِيْلُ قَدَمَيْهِ»: ... 195
248 ... قوله « وَيَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِيْ أُذُنَيْهِ»: ... 195
* الحكمة في جعل الإصبعين في الأذنين حال الأذان.................................
249 ... قوله « وَيَتَرَسَّلَ فِي الأَذَانِ»: ... 195
* معنى الترسل..................................................................................
* ما يفعله بعض المؤذنين إذا تأخر عن الأذان.........................................
250 ... قوله « وَيَحْدُرُ الإِقَامَةَ»: ... 195
* معنى حدر الإقامة...........................................................................(8/35)
251 ... قوله «وَيَقُوْلُ فِيْ أَذَانِ الصُّبْحِ:« الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ » مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ »: ... 196
* هل التثويب في الأذان الأول أم الثاني؟ ..............................................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
252 ... قوله « وَلاَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ إِلاَّ لَهَا»: ... 196
* هل الأذان الأول يكون لصلاة الفجر؟ ..............................................
253 ... قوله « لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوْا وَاشْرَبُوْا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ»: ... 197
* كم بين الأذان الأول والثاني؟ ...........................................................
254 ... قوله « وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ، أَنْ يَقُوْلَ كَمَا يَقُوْلُ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُوْلُوْا مِثْلَ مَا يَقُوْلُ»: ... 197
* قول بعض أهل العلم بوجوب ذلك...................................................
* القول الصحيح في المسألة..................................................................
* ما يقوله إذا ثوَّب المؤذن....................................................................
* من استثناه أهل العلم من إجابة المؤذن؟..............................................
* تنبيه: ذكر السنن التي تنبغي عند الأذان..............................................
255 ... بَابُ شَرَائِطِ الصَّلاَةِ: ... 199
256 ... قوله « بَابُ شَرَائِطِ الصَّلاَةِ »: ... 199
* تعريف الشرط: .............................................................................
* الفرق بين الشروط والأركان: ..........................................................(8/36)
* الفرق بين الواجبات والأركان: ........................................................
257 ... قوله « وَهِيَ سِتَّةٌ: أَحَدُهَا: الطَّهَارَةُ مِنَ ا لْحَدَثِ؛.... »: ... 200
* يشترط طهارة البدن، والثوب، والمكان..............................................
258 ... قوله « الثَّانِيْ: الْوَقْتُ»: ... 201
259 ... قوله « وَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَصِيْرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ »: ... 201
* ما ذهب إليه الجمهور من أخر وقت الظهر، وقول الحنفية في ذلك........
* الصحيح من القولين. ......................................................................
260 ... قوله « وَوَقْتُ الْعَصْرِ وَهِيَ الْوُسْطَى»: ... 202
261 ... قوله « مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ»: ... 202
* ما ذهب إليه الحنفية في آخر وقت العصر............................................
* هل هناك فاصل بين وقت الظهر ووقت العصر؟..................................
262 ... قوله « إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ»: ... 203
* ذكر الخلاف في الوقت الاختياري للعصر مع بيان الراجح....................
263 ... قوله«ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الاِخْتِيَارِ،وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُوْرَةِ إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ»: ... 203
* لا يصلى في وقت الضرورة إلا أهل الأعذار.......................................
264 ... قوله « وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ: مِنَ الْغُرُوْبِ إِلَى أَنْ يَغِيْبَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ»: ... 203
* اختلاف الفقهاء في امتداد وقت المغرب...............................................
265 ... قوله « وَوَقْتُ الْعِشَاءِ: مِنْ ذالِكَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ»: ... 204
* ذكر الروايات في نهاية وقت العشاء....................................................
* بيان الراجح من الروايات................................................................(8/37)
266 ... قوله « وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُوْرَةِ إِلَى طُلُوْعِ الْفَجْرِ الثَّانِيْ»: ... 205
* ما ذهب إليه شيخنا في وقت العشاء....................................................
267 ... قوله « وَوَقْتُ الْفَجْرِ: مِنْ ذالِكَ إِلَى طُلُوْعِ الشَّمْسِ»: ... 206
* هل الأفضل للفجر تعجيلها أم الإسفار بها؟.......................................
268 ... قوله « وَمَنْ كَبَّرَ لِلصَّلاَةِ قَبْلَ خُرُوْجِ وَقْتِهَا، فَقَدْ أَدْرَكَهَا»: ... 207
* ذكر الخلاف في قول المؤلف مع بيان الراجح من الأقوال.......................
* ما ينبني على القولين من أمور...........................................................
269 ... قوله « وَالصَّلاَةُ فِيْ أَوَّلِ اْلوَقْتِ أَفْضَلُ»: ... 208
* الأدلة على ما ذكره المؤلف: .............................................................
* إن أخر الصلاة عن أول الوقت، ثم عرض له أمر فمات.......................
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح.............................................................
270 ... قوله « إِلاَّ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، وَفِيْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي الظُّهْرِ»: ... 208
* معنى الإبراد للظهر: .......................................................................
* هل الإبراد عام أم هو خاص لمن يصلي جماعة؟................................
* ذكر الخلاف مع بيان القول الصحيح..................................................
* مع وجود المكيفات وأدوات التبريد هل يبقى الحكم.............................
271 ... قوله « الشَّرْطُ الثَّالِثُ: سِتْرُ الْعَوْرَةِ»: ... 209
* معنى العورة: ................................................................................
* إجماع أهل العلم على بطلان من صلى عرياناً...................................(8/38)
* الأولى التعبير بقول:=اتخاذ الزينة للصلاة+..........................................
* ذكر الأمور التي تدل على ذلك.........................................................
272 ... قوله « بِمَا لاَ يَصِفُ الْبَشَرَةِ»: ... 210
273 ... قوله « وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ وَالأَمَةِ، مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ»: ... 210
* المراد بالرجل..................................................................................
* أقسام العورة: ................................................................................
* أولاً: العورة المخففة........................................................................
* ثانياً: العورة المغلظة.........................................................................
* ثالثاً: العورة المتوسطة......................................................................
* هل السُّرة والركبة يدخلان في العورة؟ ذكر الخلاف في ذلك مع بيان الراجح..............................................................................................
* هل يلزم المرأة أن تستر قدمها في الصلاة؟ ما قاله شيخ الإسلام............
* حكم ستر الكعبين في الصلاة............................................................
274 ... قوله « وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ، إِلاَّ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا»: ... 212
* هل هذا عام أم مقيد بوجود الرجال؟ ................................................
* الفرق بين العورة في الصلاة والعورة في باب النظر................................
* فائدة: حول الدعوة لكشف المرأة وجهها............................................
* تنبيه: في حكم صلاة المرأة مع عدم الحجاب.......................................
275 ... قوله « وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالأَمَةِ »: ... 214(8/39)
* اختلاف الرواية في المذهب حول هذه المسألة........................................
* بيان الراجح من الروايات.................................................................
276 ... قوله « وَمَنْ صَلَّى فِيْ ثَوْبٍ مَغْصُوْبٍ، أَوْ دَارٍ مَغْصُوْبَةٍ، لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ »: ... 214
* بيان العلة في عدم صحة الصلاة.........................................................
* اختلاف الفقهاء في هذه المسألة مع بيان الراجح....................................
277 ... قوله «وَلُبْسُ الْحَرِيْرِ وَالذَّهَبِ مُبَاحٌ »: ... 215
278 ... قوله « لِلنِّسَاءِ دُوْنَ الرِّجَالِ، إِلاَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ»:
* جواز لبس المرأة للذهب المحلق..........................................................
* حكم لبس الساعة التي بها شيء من الذهب.......................................
* المقصود بالحرير هنا..........................................................................
279 ... قوله«وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ فِيْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ،بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَجْزَأَهُ ذالِكَ»: ... 216
* حكم تغطية العاتق في الصلاة مع بيان الراجح.....................................
* من صلى بشيء يستر ما بين سرته إلى ركبتيه........................................
التفريق بين الفرض والنفل في هذه المسألة................................................
280 ... قوله « فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، سَتَرَهَا»: ... 217
281 ... قوله « فَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَمِيْعَهَا، سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ»: ... 217
* ذكر الأمور التي تدل على ذلك.........................................................
282 ... قوله « فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا، سَتَرَ أَحَدَهُمَا»: ... 218
* ذكر الخلاف في المذهب مع بيان الراجح..............................................(8/40)
283 ... قوله « فَإِنْ عَدِمَ السِّتْرَ بِكُلِّ حَالِ، صَلَّى جَالِسًا يُوْمِئُ بِالرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا، جَازَ»: ... 218
* ذكر الخلاف في هذه المسألة مع بيان الراجح.........................................
284 ... قوله « وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ ثَوْبًا نَجِسًا،أَوْ مَكَانًا نَجِسًا، صَلَّى فِيْهِمَا، وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ»: ... 219
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح.............................................................
285 ... قوله «الشَّرْطُ الرَّابِعُ:الطَّهَارَةُ مِنَ النَّجَاسَةِ فِِيْ بَدَنِهِ،وَثَوْبِهِ،وَمَوْضِعِ صَلاَتِهِ»: ... 220
* ذكر الأدلة على ذلك........................................................................
286 ... قوله « إِلاَّ النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا، كَيَسِيْرِ الدَّمِ وَنَحْوِهِ»: ... 221
* هل هناك نجاسة غير معفو عنها..........................................................
* تنبيه: ما يراه شيخ الإسلام حول النجاسات......................................
287 ... قوله « وَإِنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا، أَوْ عَلِمَ بِهَا، ثُمَّ نَسِيَهَا، فَصَلاَتُهُ صَحِيْحَةٌ»: ... 221
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح.............................................................
288 ... قوله « وَإِنْ عَلِمَ بِهَا فِي الصَّلاَةِ، أَزَالَهَا، وَبَنَى عَلَى صَلاَتِهِ»: ... 222
* ذكر الروايات في المذهب مع بيان القول الراجح...................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: إذا حمل المصلي النجاسة.............................................................
ثانياً: حكم استخدام العطور الطيارة......................................................(8/41)
289 ... قوله « وَالأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ تَصِحُّ الصَّلاَةُ فِيْهَا»: ... 223
* ذكر الأدلة على ذلك........................................................................
290 ... قوله « إِلاَّ الْمَقْبَرَةَ، وَالْحَمَّامَ، والْحُشَّ، وَأَعْطَانَ الإِبِلِ»: ... 224
* حكم الصلاة في المساجد التي بها قبور................................................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
* هل الحمام هو المرحاض...................................................................
* الخلاف في الصلاة في الحمام..............................................................
* الحكمة من عدم الصلاة في أعطان الإبل.............................................
291 ... قوله « الشَّرْطُ الْخَامِسُ: اسْتِقْبَالُ اْلقِبْلَةِ»: ... 226
* لماذا سميت بذلك؟ .........................................................................
* صلاة النفل والعاجز عن استقبال القبلة..............................................
292 ... قوله « إِلاَّ فِي النَّافِلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيْ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ »: ... 227
* ذكر الشروط التي اشترطها المؤلف.....................................................
* يلزم استقبال القبلة في الفريضة إلا في حالين:.....................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: النازل في السفر يلزمه الاستقبال ...................................................
ثانياً: الراكب السائر هل يلزمه استقبال القبلة..........................................
ثالثاً: اختلاف الفقهاء في السفر الذي يتنفل فيه على الراحلة.....................(8/42)
رابعاً: هل يلزم أن يفتتح الصلاة متجهاً إلى القبلة؟..................................
خامساً: لا ينبغي للمسافر الذي يقود السيارة أن يتنفل حال قيادته.............
293 ... قوله«وَالْعَاجِزُ عَنِ الاِسْتِقْبَالِ؛لِخَوْفٍ،أَوْ غَيْرِهِ،فَيُصَلِّيْ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ وَمَا عَدَاهُمَا»: ... 229
294 ... قوله « لاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ إِلاَّ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ»: ... 229
295 ... قوله « فَإِنْ كَانَ قَرِيْبًا مِنْهَا، لَزِمَتْهُ الصَّلاَةُ إِلَى عَيْنِهَا»: ... 229
* التنبيه على أمر خاطىء يخطىء فيه الكثير من الناس.............................
* إذا كان قريباً من الكعبة ولم يشاهدها لوجود أعمدة............................
* بيان الخلاف في هذه المسألة، والقول الراجح عندي.............................
296 ... قوله « وَإِنْ كَانَ بَعِيْدًا، فَإِلَى جِهَتِهَا»: ... 230
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
297 ... قوله «وَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ القِبْلَةُ فِي الْحَضَرِ،سَأَلَ وَاسْتَدَلَّ بِمَحَارِيْبِ الْمُسْلِمِيْنَ»: ... 231
* من خفيت عليه القبلة فالمشروع في حقه أمران:...................................
* إذا أخطأ المخبر عن القبلة هل يلزم المصلي الإعادة؟............................
* من اجتهد في الحضر وصلى إلى غير القبلة...........................................
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح عندي....................................................
298 ... قوله « فَإِنْ أَخْطَأَ، فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ»: ... 232
* بيان حكم ذلك وذكر الراجح............................................................
* ذكر الخلاصة في هذه المسألة...............................................................(8/43)
299 ... قوله « وَإِنْ خَفِيَتْ فِي السَّفَرِ، اجْتَهَدَ، وَصَلَّى، وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ»: ... 233
* بما يحصل الاجتهاد هنا؟ ..................................................................
300 ... قوله « وَإِنِ اخْتَلَفَ مُجْتَهِدَانِ، لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ»: ... 233
* من المجتهد في القبلة؟ .......................................................................
* صفة اختلاف المجتهدين: .................................................................
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح عندي....................................................
301 ... قوله « وَيَتْبَعُ الأَعْمَى وَالْعَامِيُّ أَوْثَقَهُمَا فِيْ نَفْسِهِ»: ... 234
302 ... قوله « الشَّرْطُ السَّادِسُ: النِّيَّةُ لِلصَّلاَةِ بِعَيْنِهَا»: ... 234
* المراد بالنية هنا.................................................................................
* ذكر الخلاف فيما ذكره المؤلف مع بيان الراجح....................................
* تنبيهات:أولاً: حالات تحول النية في الصلاة:.....................................
(أ) الانتقال من معين إلى معين...............................................................
(ب) الانتقال من معين إلى مطلق...........................................................
(ج) الانتقال من مطلق إلى معين...........................................................
ثانياً: نية الإمامة والائتمام: .................................................................
(أ) المذهب يشترط للجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالها، مع ذكر الخلاف بين الفقهاء والقول الراجح. ......................................................
(ب) إذا دخل الإنسان فوجد رجلاً يصلي الفريضة منفرداً.......................
((8/44)
ج) من دخل في الصلاة منفرداً ثم وجد جماعة أقيمت، مع ذكر الخلاف بين الفقهاء، وبيان الراجح....................................................................
(د) إذا انفرد مؤتم بلا عذر....................................................................
303 ... قوله «وَيَجُوْزُ تَقْدِيْمُهَا عَلَى التَّكْبِيْرِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيْرِ، إِذَا لَمْ يَفْسَخْهَا»: ... 237
* ذكر بيان الأولى في هذه المسألة...........................................................
* هل يلزم أن يكون الفصل يسيراً؟ .....................................................
* ذكر الخلاف مع بيان القول الصحيح..................................................
* تنبيهان: ........................................................................................
أولاً: هل التردد في النية يبطل الصلاة؟ ذكر الخلاف مع بيان الراجح...........
ثانياً: إذا عزم على أن يأتي بما هو مبطل للصلاة......................................
ذكر الخلاف مع بيان الراجح.................................................................
304 ... بَابُ آدَابِ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاَةِ: ... 239
305 ... قوله «بَابُ آدَابِ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاَةِ»: ... 239
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
306 ... قوله «يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إِلَى الصَّلاَةِ»: ... 239
* ذكر أدلة ذلك..................................................................................
* تنبيه: من سمع الإقامة هل الأولى أن يركب أم يمشي..........................
* إن أراد أن يركب لإدراك السنن القبلية للصلاة...................................
307 ... قوله « بِسَكِيْنَةٍ وَوَقَارٍ»: ... 241(8/45)
* معنى السكينة والوقار......................................................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: إذا أراد المصلي أن يدرك تكبيرة الإحرام فلا بأس أن يسرع شيئاَ قليلاً.
ثانياً: هل يشرع الإسراع اليسير لمن فاته شيء من الصلاة؟........................
ثالثاً: من خشي فوات الجماعة أو الجمعة بالكلية.....................................
308 ... قوله « وَيُقَارِبُ بَيْنَ خُطَاهُ»: ... 242
* الحكمة في مقاربة الخطى...................................................................
309 ... قوله « وَلاَ يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ»: ... 243
* حالات التشبيك المنهي عنه: ............................................................
* الدليل على ذلك.............................................................................
* العلة في النهي عن التشبيك...............................................................
310 ... قوله « وَيَقُوْلُ: بِسْمِ اللهِ [? ? ? ?] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:[ ? ? ? ? ? ?]»: ... 243
* الحكم على الحديث الوارد في ذلك....................................................
* ذكر الأحاديث الصحيحة الواردة في الخروج إلى المسجد......................
311 ... قوله «وَيَقُوْلُ:«اللّهُمَّ إِنِّيْ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِيْنَ عَلَيْكَ..إلى آخره»: ... 244
* بيان ضعف هذه الرواية....................................................................
* ما يشعر به هذا القول.......................................................................
312 ... قوله « فَإِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ، لَمْ يَسْعَ إِلَيْهَا »: ... 245
* شرح كلام المؤلف...........................................................................(8/46)
313 ... قوله « وَإِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوْبَةُ»: ... 245
* معنى هذا الحديث...........................................................................
* إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي فهل يقطعها أم يتمها؟...........................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
* إذا علم أن الصلاة ستقام قريباً هل يشرع في النافلة؟............................
314 ... قوله « وَإِذاَ أَتَى الْمَسْجِدَ، قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُوْلِ»: ... 246
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
* الحكمة في تقديم اليمنى...................................................................
* إذا جاء إلى المسجد وأراد أن يخلع نعله على الباب...............................
315 ... قوله « وَقَالَ: « بِسْمِ اللهِ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ»: ... 247
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
316 ... قوله «اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ ذُنُوْبِيْ، وَافْتَحْ لِيْ أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ »: ... 247
* ذكر الدليل.....................................................................................
*الفرق بين قوله أبواب رحمتك في الدخول، وأبواب فضلك في الخروج؟
317 ... قوله « وَإِذَا خَرَجَ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى»: ... 248
* ذكر الدليل.....................................................................................
* الحكمة من تقديم اليسرى في الخروج................................................
318 ... قوله « وَقَالَ مِثْلَ ذالِكَ، إِلاَّ أَنَّهُ يَقُوْلُ: «وَافْتَحْ لِيْ أَبْوَابَ فَضْلِكَ»: ... 248(8/47)
* لم يذكر المؤلف في باب المشي للصلاة تحية المسجد...............................
* حكم تحية المسجد...........................................................................
* من دخل المسجد والمؤذن يؤذن الأذان الثاني يوم الجمعة.......................
319 ... بَابُ صِفَةِ الصَّلاَةِ: ... 249
320 ... قوله « بَابُ صِفَةِ الصَّلاَةِ»: ... 249
* معنى صفة الصلاة...........................................................................
321 ... قوله « وَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ»: ... 250
* حكم القيام وتكبيرة الإحرام في الصلاة..............................................
* هل يجوز أن يصلي النافلة وهو قاعد؟ ...............................................
* هل يجزيء غير قوله:=الله أكبر+، ذكر الخلاف مع بيان القول الراجح.....
* هل يلزم أن يسمع نفسه التكبير، ذكر الخلاف مع بيان الراجح..............
322 ... قوله « يَجْهَرُ بِهَا الإِمَامُ»: ... 251
* حكم الجهر بالتكبير.........................................................................
323 ... قوله « وَبِسَائِرِ التَّكْبِيْرِ»: ... 252
* هل يجهر الإمام بالتكبير عند قراءة آية بها سجدة.................................
* ذكر القول الصواب في ذلك..............................................................
324 ... قوله « لِيُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ، وَيُخْفِيْهِ غَيْرُهُ»: ... 252
* حكم الجهر بالتكبير في حق المأموم.....................................................
* حكم الجهر بالتكبير في حال المبلغ......................................................
325 ... قوله « وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيْرِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ»: ... 252
* حكم رفع اليدين عند التكبير............................................................(8/48)
* إلى أين يرفع يديه؟ .........................................................................
* تنبيه: مما يخطىء فيه بعض الناس إذا أتوا إلى الصلاة...........................
326 ... قوله « أَوْ إِلَى فُرُوْعِ أُذُنَيْهِ»: ... 253
* ذكر الدليل.....................................................................................
* حال اليدين عند الرفع......................................................................
327 ... قوله « وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ»: ... 254
* ذكر الخلاف في ذلك مع بيان القول الصحيح......................................
* كيفية وضع اليد اليمنى على اليسرى.................................................
328 ... قوله « وَيَجْعَلُ نَظَرَهُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ»: ... 254
* الحكمة في ذلك...............................................................................
* ما قاله بعض أهل العلم في موضع النظر في الصلاة..............................
* القول الصواب................................................................................
329 ... قوله « ثُمَّ يَقُوْلُ:سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ»: ... 255
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
* الذي ينبغي على المصلي في أدعية الاستفتاح......................................
* معنى قوله:=ولا إله غيرك+..............................................................
330 ... قوله « ثُمَّ يَقُوْلُ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ»: ... 256
* اختلاف الفقهاء في حكم الاستعاذة في الصلاة.....................................(8/49)
* بيان القول الراجح...........................................................................
* هل الاستعاذة للصلاة أم لقراءة القرآن؟.............................................
* فائدة: الاستعاذة ومعناها..................................................................
* تنبيه: هل الاستعاذة في كل ركعة؟ ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....
331 ... قوله « ثُمَّ يَقْرَأُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ»: ... 258
* حكم البسملة في الصلاة مع بيان الراجح............................................
332 ... قوله « وَلاَ يَجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذالِكَ؛ لِقَوْلِ أَنَسٍ - رضي الله عنه - : صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِيْ بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ»: ... 258
* ذكر اختلاف الفقهاء مع بيان القول الراجح.........................................
* تنبيه: هل البسملة آية من الفاتحة؟ ذكر الخلاف مع بيان الصواب..........
333 ... قوله « ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ»: ... 259
* بيان الركن الثالث مع ذكر الدليل.......................................................
* حكم قراءة الفاتحة في الصلاة............................................................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
334 ... قوله « وَلاَ صَلاَة َلِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا إِلاَّ الْمَأْمُوْمُ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ »: ... 261
335 ... قوله « وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيْ سَكَتَاتِ الإِمَامِ، وَمَا لاَ يَجْهَرُ فِيْهِ»: ... 262
* ذكر الحالات التي يستحب قراءة الفاتحة فيها........................................(8/50)
* بيان عدد سكتات الإمام في الصلاة....................................................
* ذكر الصواب في ذلك.......................................................................
336 ... قوله «ثُمَّ يَقْرَأُ سُوْرَةً تَكُوْنُ فِيْ الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ»: ... 262
* من أين يبدأ طوال المفصل؟ .............................................................
* ما الحكمة من أن الصبح تكون من طوال المفصل................................
337 ... قوله « وَفِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ»: ... 263
* من أين يبدأ قصار المفصل؟ .............................................................
338 ... قوله « وَفِيْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ أَوْسَاطِهِ»: ... 264
* بيان أواسط المفصل.........................................................................
* إن قرأ بما يعادل طوال المفصل أو أواسطه أو قصاره..............................
339 ... قوله « وَيَجْهَرُ الإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِيْ الصُّبْحِ وَالأُوْلَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ » : ... 264
340 ... قوله «وَيُسِرُّ فِيْمَا عَدَا ذالِكَ»: ... 264
* لو رفع صوته أحياناً فيما يسر في السرية؟............................................
* خلاصة الأمر فيما يجهر فيه الإمام وفيما يسر.......................................
* تنبيه: من فاته شيء من الصلاة فقام ليقضيه، هل يجهر بالقراءة.............
341 ... قوله « ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ»: ... 265
* حكم هذا التكبير.............................................................................
* ذكر دليل التكبير..............................................................................
* حكم الركوع للصلاة مع ذكر معناه....................................................(8/51)
* متى يكون محل التكبير للركوع؟ ........................................................
* ذكر الخلاف مع بيان الصواب...........................................................
342 ... قوله «وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَرَفْعِهِ الأَوَّلِ»: ... 266
* حكم رفع اليدين عند التكبير للركوع.................................................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
343 ... قوله « ثُمَّ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ»: ... 267
* صفة وضع اليدين حال الركوع:.......................................................
(أ) أن يضع يديه على ركبتيه، ذكر الخلاف مع بيان الراجح.....................
(ب) أن يفرج بين أصابعه ...................................................................
344 ... قوله « وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ»: ... 267
* صفة مد الظهر أثناء الركوع...............................................................
* ما يخطىء فيه بعض المصلين في هذه الصفة..........................................
345 ... قوله « وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَهُ»: ... 268
* ذكر الأمر الرابع في صفة الركوع........................................................
* المجافاة في الركوع وحكمها................................................................
* صفة الركوع الواجب.......................................................................
* المشهور من المذهب في صفة الركوع الواجب مع بيان الراجح................
346 ... قوله «ثُمَّ يَقُوْلُ:سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيْمِ،ثَلاَثًا»: ... 268
* اختلاف الفقهاء في تسبيح الركوع......................................................
* بيان القول الراجح...........................................................................(8/52)
* ما يستفاد من قوله ثلاثاً ...................................................................
* هل إذا جاء بأي نوع من التسبيح أجزأه؟ ............................................
* ذكر الخلاف مع بيان القول الراجح....................................................
347 ... قوله « ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلاً: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»: ... 270
* اختلاف الفقهاء في حكم قول =سمع الله لمن حمده+...........................
* بيان الراجح من الأقوال...................................................................
* هل يقول المأموم كما يقول الإمام؟ ذكر الخلاف مع بيان الراجح............
* معنى قوله:=سمع الله لمن حمده+.....................................................
348 ... قوله « وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَرَفْعِهِ الأَوَّلِ»: ... 271
* ذكر الدليل.....................................................................................
* أين يضع المصلي يديه بعد الرفع من الركوع؟....................................
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح.............................................................
* تنبيه: حول وضع اليدين بعد الرفع من الركوع على الصدر..................
349 ... قوله « فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِمًا، قَالَ:=رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ»: ... 272
* معنى اعتدل قائماً............................................................................
* ذكر الصفات الأربع التي وردت في ذلك.............................................
* بيان الأفضل منها ...........................................................................
350 ... قوله «مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ»: ... 272(8/53)
* استحباب الإتيان بهذه الزيادة............................................................
* معنى قوله:=ملء السماوات وملء الأرض+..................................
351 ... قوله « وَيَقْتَصِرُ الْمَأْمُوْمُ عَلَى قَوْلِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ»: ... 273
* بيان مراد المؤلف هنا.........................................................................
352 ... قوله « ثُمَّ يَخِرُّ سَاجِدًا مُكَبِّرًا»: ... 273
* مقدار الاعتدال بعد الرفع من الركوع.................................................
* السنة الواردة في ذلك.......................................................................
* ذكر القولين في المذهب مع ما رجحه شيخنا........................................
353 ... قوله « وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ»: ... 274
* بيان ما ذكره بعض الفقهاء من رفع اليدين هنا......................................
* ما أجاب به ابن القيم × على قولهم..............................................
354 ... قوله «وَيَكُوْنُ أَوَّلَ مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الأَرْضِ رُكْبَتَاهُ، ثَمَّ كَفَّاهُ»: ... 274
* اختلاف الفقهاء في هذه المسألة..........................................................
* بيان الراجح من القولين...................................................................
355 ... قوله « ثُمَّ جَبْهَتُهُ وَأَنْفُهُ»: ... 276
* هل يجب السجود على الجبهة والأنف؟..............................................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
356 ... قوله « وَيُجَافِيْ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ»: ... 277
* إذا كان في صلاة جماعة هل يجافي عضديه؟........................................
357 ... قوله « وَبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ»: ... 277(8/54)
* بيان هذه الصفة...............................................................................
* ما يفعله بعض المصلين من مد الظهر..................................................
358 ... قوله « وَيَجْعَلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ»: ... 277
* ذكر القولين في المذهب مع ما رجحه شيخنا ×................................
359 ... قوله « وَيَكُوْنُ عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ»: ... 278
* هل يفرق بين القدمين أثناء سجوده؟..................................................
* ذكر أقوال أهل العلم وما رجحه شيخنا..............................................
360 ... قوله «ثُمَّ يَقُوْلُ:سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى،ثَلاَثًا»: ... 278
* حكم قول:=سبحان ربي الأعلى+ في السجود،مع بيان الراجح...........
* تنبيهان: ........................................................................................
أولاً: إذا جاء بتسبيح غير المذكور هل يجزئه؟ ذكر القول في المذهب مع بيان الصواب.............................................................................................
ثانياً: هل يستحب الزيادة على قول:=سبحان ربي الأعلى+، ذكر القول في المذهب مع بيان الراجح........................................................................
361 ... قوله « ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا»: ... 279
* حكم هذا التكبير.............................................................................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
362 ... قوله «وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا،فَيَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا،وَينْصِبُ الْيُمْنَى»: ... 280
* بيان صفة الجلوس بين السجدتين......................................................(8/55)
* إن فرش قدميه وجلس على العقبين...................................................
* ذكر اختلاف الفقهاء في هذه المسألة مع بيان الراجح.............................
* هل ينصب قدميه ويجلس على عقبيه؟ القول في المذهب مع بيان الصواب.............................................................................................
363 ... قوله « وَيَثْنِيْ أَصَابِعَهَا نَحْوَ اْلقِبْلَةِ»: ... 281
* تنبيه: أين يجعل المصلي يديه حال الجلوس بين السجدتين؟..................
* كيفية وضع اليدين حال وضعها على الركبة في الصلاة؟.......................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
364 ... قوله « وَيَقُوْلُ: رَبِّ اغْفِرْ لِيْ، ثَلاَثًا»: ... 282
* حكم هذا الذكر في الصلاة................................................................
* بيان الخلاف مع ذكر الراجح.............................................................
365 ... قوله « ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالأُوْلَى»: ... 282
* ما يقوله في هذا السجود...................................................................
366 ... قوله « ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا»: ... 283
* حكم هذا التكبير.............................................................................
367 ... قوله « وَيَنْهَضُ قَائِمًا »: ... 283
* حكم جلسة الاستراحة....................................................................
* بيان أقوال الفقهاء مع ذكر الراجح.....................................................
* تنبيه: إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة هل يجلس المأموم؟.................
368 ... قوله « فَيُصَلِّيْ الثَّانِيَةَ كَالأُوْلَى»: ... 284
* ما تخلوا منه الركعة الثانية..................................................................(8/56)
* تنبيه: هل يستعيذ عند القراءة في الركعة الثانية؟ ذكر الخلاف مع بيان الصواب.............................................................................................
369 ... قوله «فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُمَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ مُفْتَرِشًا»: ... 285
370 ... قوله « فَيَبْسُطُ يَدَهُ الْيُسْرى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى، وَيَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى يَقْبِضُ مِنْهَا الْخِنْصِرَ وَالْبِنْصِرَ»: ... 285
* تعريف الخنصر والبنصر: ................................................................
371 ... قوله « وَيُحَلِّقُ الإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى»: ... 285
* تعريف الإبهام: .............................................................................
372 ... قوله « وَيُشِيْرُ بِالسَّبَابَةِ»: ... 285
* معنى السبابة، ولماذا سميت بذلك؟ .................................................
* متى يشير بالسبابة؟ ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الصواب.......................
* ذكر الخلاف في الإشارة بالسبابة في التشهد مع بيان الراجح..................
373 ... قوله « وَيَقُوْلُ: التَّحِيَّاتُ للهِ»: ... 286
* اختلاف الفقهاء في حكم التشهد.......................................................
* القول الراجح من أقوالهم، مع ذكر دليل الترجيح..............................
* معنى قوله:=التحيات لله+................................................................
374 ... قوله « وَالصَّلَوَاتُ»: ... 287
* المراد بالصلوات هنا.........................................................................
375 ... قوله « وَالطَّيِّبَاتُ»: ... 287
*معنى الطيبات..................................................................................
376 ... قوله «السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ»: ... 287(8/57)
* معنى السلام هنا.............................................................................
* هل يقال في التشهد السلام على النبي بحذف الكاف.............................
* ذكر الخلاف مع بيان الصواب...........................................................
377 ... قوله « وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاَتُهُ»: ... 288
* معنى الرحمة والبركة: ....................................................................
* الدعاء للنبي بذلك هل يكون بعد مماته؟ ............................................
378 ... قوله «السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ»: ... 289
* الضمير في قوله:=علينا+ على من يعود؟ ...........................................
379 ... قوله « أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ»: ... 289
* معنى هذه الكلمة العظيمة................................................................
380 ... قوله « وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ»: ... 289
* معنى شهادة:=أن محمداً رسول الله+..................................................
381 ... قوله « فَهَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيْ التَّشَهُّدِ»: ... 290
* هل يأتي المصلي بالصلاة الإبراهيمية في التشهد الأول؟........................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
382 ... قوله « ثُمَّ يَقُوْلُ: اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»: ... 291
* حكم الصلاة على النبي " في الصلاة..............................................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
* معنى =اللهم صلي على محمد وآل محمد+..........................................(8/58)
383 ... قوله « كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وآلِ إِبْرَاهِيْمَ»: ... 292
* معنى ذلك......................................................................................
384 ... قوله « إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَ عَلَىآلِ مُحَمَّدٍ»: ... 292
* تعريف الآل...................................................................................
385 ... قوله « كَمَا بَارَكْتَ عَلَىآلِ إِبْرَاهِيْمَ»: ... 292
* شرح هذه الجملة.
386 ... قوله « إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ»: ... 292
387 ... قوله « وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ»: ... 292
* اختلاف الفقهاء في هذه المسألة..........................................................
* بيان الراجح من الأقوال...................................................................
* هل النار موجودة الآن؟ ..................................................................
388 ... قوله « وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»: ... 293
* أدلة عذاب القبر..............................................................................
389 ... قوله « وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»: ... 294
* المراد بفتنة المحيا والممات....................................................................
390 ... قوله « وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيْحِ الدَّجَّالِ»: ... 294
* المراد بفتنة المسيح الدجال.................................................................
391 ... قوله «ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى يَمِيْنِهِ:السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ،وَعَنْ يَسَارِهِ كَذالِكَ »: ... 294
* حكم التسليم في الصلاة...................................................................
* ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................(8/59)
* حكم التسليمة الثانية مع بيان الراجح................................................
* تنبيه: هل يزيد المسلِّم كلمة:=وبركاته+؟ ذكر الخلاف مع بيان الراجح...
392 ... قوله « وَإِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ»: ... 296
393 ... قوله « نَهَضَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ»: ... 296
* هل يرفع يديه هنا؟ .........................................................................
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح.............................................................
394 ... قوله « كَنُهُوْضِهِ مِنَ السُّجُوْدِ»: ... 297
* صفة النهوض هنا مع ذكر الراجح.....................................................
395 ... قوله « ثُمَّ يُصَلِّيْ رَكْعَتَيْنِ لاَ يَقْرَأُ فِيْهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا»: ... 297
* الزيادة على الفاتحة في الركعة الثانية...................................................
* ما أراه في هذه المسألة........................................................................
396 ... قوله «فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ،تَوَرَّكَ؛ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَفَرَشَ الْيُسْرَى، وَأَخْرَجَهَا عَنْ يَمِيْنِهِ»: ... 298
* ذكر بعض الصفات الأخرى في التورك...............................................
* تنبيهان: ........................................................................................
أولاً: ما ذكره بعض الفقهاء في التفريق بين الرجل والمرأة في الافتراش..........
ثانياً: المذهب أن المرأة تضم نفسها.........................................................
397 ... قوله « وَلاَ يَتَوَرَّكُ إِلاَّ فِيْ صَلاَةٍ فِيْهَا تَشَهُّدَانِ»: ... 299
* اختلاف الفقهاء في التورك مع بيان الراجح من الأقوال.........................
398 ... قوله « فِي الأَخِيْرِ مِنْهُمَا»: ... 299(8/60)
* المراد بالتشهد الأخير........................................................................
399 ... قوله « فَإِذَا سَلَّمَ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا»: ... 300
* الحكمة في الاستغفار بعد الانتهاء من الصلاة.......................................
400 ... قوله «وَقَالَ:اللّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ،تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ»: ... 300
* ذكر المناسبة هنا، مع ذكر الدليل........................................................
* ذكر بعض السنن بعد الانتهاء من الصلاة............................................
401 ... بَابُ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ وَوَاجِبَاتِهَا: ... 302
402 ... قوله « بَابُ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ وَوَاجِبَاتِهَا»: ... 302
* معنى الركن لغة واصطلاحاً..............................................................
403 ... قوله « أَرْكَانُهَا اثْنَا عَشَرَ»: ... 302
404 ... قوله « الْقِيَامُ»: ... 302
* دليل هذا الركن...............................................................................
* سقوط هذا الركن مع العجز وعدم الاستطاعة.....................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: يجب على المصلي القيام ولو معتمداً..............................................
ثانياًَ: من خاف على نفسه من السقوط إذا قام.........................................
ثالثاً: من أمكنه أن يأتي بجزء من الركن..................................................
405 ... قوله « وَتَكْبِيْرَةُ الإِحْرَامِ»: ... 303
* دليل هذا الركن...............................................................................
* هل يتعين الإتيان بقول =الله أكبر+؟ ..................................................(8/61)
* اختلاف الفقهاء مع بيان الراجح........................................................
* حكم تكبيرات الانتقال....................................................................
406 ... قوله « وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ»: ... 304
* دليل ركنية الفاتحة............................................................................
* اختلاف الفقهاء في هذا الركن...........................................................
* القول الصحيح في هذه المسألة...........................................................
407 ... قوله « وَالرُّكُوْعُ»: ... 305
* دليل هذا الركن...............................................................................
408 ... قوله « وَالرَّفْعُ مِنْهُ»: ... 305
* دليل هذا الركن...............................................................................
* حكم الاعتدال عند الرفع من الركوع.................................................
* تنبيه: إذا جاء المأموم والإمام راكع.....................................................
409 ... قوله « وَالسُّجُوْدُ»: ... 306
* كيفية السجود؟ ..............................................................................
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
410 ... قوله « وَالسُّجُوْدُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ»: ... 306
* اختلاف الفقهاء..............................................................................
* القول الراجح.................................................................................
* إن عجز عن السجود بالجبهة هل يسقط عنه باقي الأعضاء؟ ................
411 ... قوله «وَالْجُلُوْسُ عَنْهُ»: ... 307
* لماذا لم يقل =والجلوس له+، أو =والجلوس منه+.................................(8/62)
412 ... قوله « وَالطُّمَأْنِيْنَةُ فِيْ هَذِهِ الأَرْكَانِ»: ... 307
* حكم الطمأنينة في الصلاة.................................................................
* اختلاف الفقهاء في حكمها مع بيان الراجح.........................................
* حد الطمأنينة في الصلاة....................................................................
413 ... قوله « وَالتَّشَهُّدُ الأَخِيْرُ»: ... 308
* اختلاف الفقهاء في ركنية التشهد الأخير..............................................
* بيان الراجح من الأقوال مع ذكر الدليل..............................................
414 ... قوله « وَالْجُلُوْسُ لَهُ»: ... 309
* إذا قام ثم قرأ التشهد هل يجزئه؟ .......................................................
415 ... قوله « وَالتَّسْلِيْمَةُ الأُوْلى»: ... 309
* سبق بيان حكمها في صفة الصلاة......................................................
416 ... قوله « وَتَرْتِيْبُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ»: ... 309
* ذكر الدليل على هذا الركن...............................................................
417 ... قوله « فَهَذِهِ الأَرْكَانُ لاَ تَتِمُّ الصَّلاَةُ إِلاَّ بِهَا»: ... 309
418 ... قوله « وَوَاجِبَاتُهَا سَبْعَةٌ»: ... 310
* الفرق بين الواجبات والأركان...........................................................
419 ... قوله «التَّكْبِيْرُ غَيْرَ تَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ»: ... 310
* حكم تكبيرات الانتقال مع بيان الراجح من أقوال أهل العلم.................
* حكم التكبيرات الزوائد في العيدين والاستسقاء...................................
* حكم التكبيرات في صلاة الجنازة........................................................
* الدليل على وجوب تكبيرات الانتقال.................................................(8/63)
420 ... قوله « وَالتَّسْبِيْحُ فِي الرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ مَرَّةً مَرَّةً»: ... 310
* بيان الراجح من أقوال الفقهاء...........................................................
421 ... قوله « وَالتَّسْمِيْعُ وَالتَّحْمِيْدُ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوْعِ»: ... 311
422 ... قوله « وَقَوْلُ: رَبِّ اغْفِرْ لِيْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ»: ... 311
* بيان اختلاف الفقهاء في حكم ذلك....................................................
* القول الراجح من أقوالهم................................................................
423 ... قوله « وَالتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ»: ... 311
* بيان الراجح وحكمه.......................................................................
424 ... قوله « وَاْلجُلُوْسُ لَهُ»: ... 311
* حكم الجلوس للتشهد الأول........................................................... .
425 ... قوله « وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ»: ... 311
* حكم الصلاة على النبي " في التشهد الأخير.....................................
426 ... قوله « فَهَذِهِ إِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا، سَجَدَ لَهَا »: ... 311
427 ... قوله « وَمَا عَدَا هَذَا، فَسُنَنٌ»: ... 312
* حكم ترك السنن في الصلاة..............................................................
428 ... قوله « وَلاَ يَجِبُ السُّجُوْدُ لِسَهْوِهَا»: ... 312
* هل يشرع سجود السهو للسنن؟ .......................................................
* بيان المذهب مع القول الراجح...........................................................
429 ... بَابُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ: ... 313
430 ... قوله « بَابُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ»: ... 313
* السهو سهوان؛ مذموم ومعفو عنه......................................................(8/64)
* اختلاف الفقهاء في حكم سجود السهو..............................................
* بيان القول الصحيح مع ذكر الدليل....................................................
431 ... قوله « وَالسَّهْوُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ»: ... 314
432 ... قوله « أَحَدُهَا: زِيَادَةُ فِعْلٍ مِنْ جِنْسِهَا»: ... 314
* ما اشترطه المؤلف في هذا النوع..........................................................
* إن كان الفعل من غير جنس الصلاة...................................................
* بيان شروط بطلان الصلاة بذلك.......................................................
433 ... قوله « كَرَكْعَةٍ، أَوْ رُكْنٍ»: ... 315
* بيان قول المؤلف..............................................................................
434 ... قوله « فَتَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِعَمْدِهِ، وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ»: ... 315
* حكم من فعل ذلك عمداً أو سهواً.....................................................
435 ... قوله « وَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ، جَلَسَ فِي الْحَالِ»: ... 315
* ما يقع فيه بعض الأئمة والمنفردين في هذه المسألة..................................
* الواجب على من وقع في هذا............................................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: أين محل سجود السهو في هذه المسألة.............................................
ثانياً: من كان مسافراً فقام إلى ثالثة في صلاة مقصورة، بيان اختلاف الفقهاء مع بيان الراجح...................................................................................
ثالثاً: من قام من الليل ليصلي فقام إلى ثالثة ناسياً....................................(8/65)
436 ... قوله «وَإِنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ فِيْ صَلاَتِهِ، أَتَى بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا، ثُمَّ سَجَدَ»: ... 317
* شروط هذه الحالة............................................................................
* بيان قوله:=ثم سجد+.....................................................................
437 ... قوله«وَلَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلاَةِ، لاَسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ»: ... 318
* بيان ما ذكره المؤلف.........................................................................
438 ... قوله « فَإِنْ كَانَ كَثِيْرًا، أَبْطَلَهَا»: ... 318
* حكم العمل الكثير الذي ليس من جنس الصلاة..................................
* حد الكثير في هذه المسألة...................................................................
439 ... قوله « وَإِنْ كَانَ يَسِيْرًا، كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيْ حَمْلِهِ أُمَامَةَ، وَفَتْحِ الْبَابِ لِعَائِشَةَ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ»: ... 318
* ما احتج به المؤلف في هذه المسألة......................................................
440 ... قوله « الضَّرْبُ الثَّانِيْ: النَّقْصُ»: ... 319
* أولاً: حكم نقص الأركان: .............................................................
1ـ إن كان المتروك تكبيرة الإحرام فما الحكم؟ .........................................
2ـ إن كان المتروك ركناً غير تكبيرة الإحرام، ذكر الحالات في هذه المسألة......
* ثانياًً: نقص الواجبات:....................................................................
1ـ من ترك واجباً متعمداً فما الحكم.......................................................
2ـ إن ترك واجباً ناسياً لا يخلو من ثلاثة أحوال: .....................................(8/66)
الحالة الأولى: أن يتركه ثم يذكره...........................................................
الحالة الثانية: أن يتذكر الواجب بعد مفارقة محله.......................................
الحالة الثالثة: أن يتذكر الواجب بعد الوصول إلى الركن............................
* ثالثاًً: نقص السنن: سبق بيان ذلك....................................................
441 ... قوله « كَنِسْيَانِ وَاجِبٍ»: ... 321
* تعريف الواجب، وحكم نسيانه في الصلاة.........................................
* ذكر واجبات الصلاة........................................................................
442 ... قوله «فَإِنْ قَامَ عَنِ التَّشّهُّدِ الأَوَّلِ، فَذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا،رَجَعَ،فَأَتَى بِهِ»: ... 321
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
443 ... قوله « وَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا، لَمْ يَرْجِعْ»: ... 322
444 ... قوله « وَإِنْ نَسِيَ رُكْنًا، فَذَكَرَهُ قَبْلَ شُرُوْعِهِ فِيْ قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى، رَجَعَ، فَأَتَى بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ»: ... 322
* ذكر الروايتين في المذهب مع بيان القول الراجح...................................
* مثال للروايتين ................................................................................
445 ... قوله « وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذالِكَ، بَطَلَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِيْ تَرَكَهُ مِنْهَا»: ... 322
* ذكر أقوال المذهب مع بيان الصحيح...................................................
446 ... قوله « وَإِنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، فَذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ، سَجَدَ فِي الْحَالِ، فَصَحَّتْ لَهُ الرَّكْعَةُ، ثُمَّ يَأْتِيْ بِثَلاَثِ رَكَعَاتٍ»: ... 323(8/67)
* صورة هذه المسألة............................................................................
* ذكر القول الآخر في المسألة...............................................................
* بيان الراجح من القولين....................... ...........................................
447 ... قوله « الضَّرْبُ الثَّالِثُ: الشَّكُّ»: ... 323
* معنى الشك. ..................................................................................
* حكم الشك بعد الانتهاء من الصلاة...................................................
* الشك في أثناء الصلاة، وذكر الحالات مع التمثيل................................
448 ... قوله « فَمَتَى شَكَّ فِيْ تَرْكِ رُكْنٍ، فَهُوَ كَتَرْكِهِ»: ... 325
* ذكر المثال.......................................................................................
* ذكر قول المذهب مع بيان الراجح.......................................................
449 ... قوله « وَإِنْ شَكَّ فِيْ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، بَنَى عَلَى الْيَقِيْنِ»: ... 325
* معنى اليقين....................................................................................
450 ... قوله « إِلاَّ الإِمَامَ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ يَبْنِيْ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ»: ... 325
* العلة في ذلك..................................................................................
* محل السجود في هذه الحالة................................................................
451 ... قوله « وَلِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ قَبْلَ السَّلاَمِ»: ... 326
* معنى كلام المؤلف...........................................................................
452 ... قوله « إِلاَّ مَنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ فِيْ صَلاَتِهِ وَالإِمَامُ إِذَا بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ»: ... 326(8/68)
* محل السجود هنا في هذه الحالة...........................................................
453 ... قوله « وَالنَّاسِيْ لِلسُّجُوْدِ قَبْلَ السَّلاَمِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ سَلاَمِهِ »: ... 326
* ذكر الشروط في هذه المسألة...............................................................
* إذا نسي سجود السهو ثم شرع في صلاة أخرى....................................
454 ... قوله «ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ»: ... 326
* ذكر المذهب مع بيان القول الراجح في المسألة.......................................
* تنبيهان: ........................................................................................
أولاً: إذا كان سجود السهو قبل السلام،فماذا على المأموم أن يفعل؟ ........
ثانياًً: إذا كان سجود السهو بعد السلام فماذا على المأموم أن يفعل؟ المذهب مع بيان الراجح...................................................................................
* هل يلزم المسبوق سجود السهو بعد إتمام صلاته؟ ...............................
455 ... قوله « وَلَيْسَ عَلَى الْمَأْمُوْمِ سُجُوْدُ سَهْوٍ، إِلاَّ أَنْ يَسْهُوَ إِمَامُهُ، فَيَسْجُدُ مَعَهُ »: ... 327
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
456 ... قوله « وَمَنْ سَهَا إِمَامُهُ، أَوْ نَابَهُ أَمْرٌ فِيْ صَلاَتِهِ، فَالتَّسْبِيْحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيْقُ لِلنِّسَاءِ»: ... 327
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
457 ... بَابُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ: ... 328
458 ... قوله « بَابُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ»: ... 328
* تعريف التطوع لغة وشرعا................................................................
* الفرق بين أحكام صلاة التطوع وأحكام الصلاة المفروضة.....................(8/69)
* تنبيه: آكد ما يتطوع به من العبادات البدنية.........................................
459 ... قوله « وَهِيَ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ»: ... 329
460 ... قوله « أَحَدهَا: السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ»: ... 330
* سبب تسميتها بذلك........................................................................
461 ... قوله « وَهِيَ الَّتِيْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: عَشْرُ رَكَعَاتٍ حَفِظْتُهُنَّ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - »: ... 330
* ذكر الخلاف في عدد السنن الرواتب...................................................
* القول الصواب مع ذكر الدليل...........................................................
462 ... قوله « وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِيْ بَيْتِهِ»: ... 331
* من خاف أن ينسى هاتين الركعتين في البيت.........................................
463 ... قوله «وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِيْ بَيْتِهِ»: ... 331
464 ... قوله « حَدَّثَتْنِيْ حَفْصَةُ أَنْ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ»: ... 331
* المراد بطلوع الفجر هنا......................................................................
* الأمور التي يتميز بها الفجر الصادق عن الكاذب.................................
465 ... قوله « وَهُمَا آكَدُهَا»:
* ذكر الدليل على ذلك......................................................................
466 ... قوله « وَيَسْتَحَبُّ تَخْفِيْفُهُمَا»: ... 332
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
467 ... قوله « وَفِعْلُهُمَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ»: ... 332
* ذكر الدليل....................................................................................(8/70)
* هل هذا عام في حق الإمام والمأموم؟ .................................................
* ما تختص به ركعتا الفجر عن غيرها...................................................
468 ... قوله « وَكَذالِكَ رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ»: ... 333
* تنبيه: من فاته شيء من الرواتب هل يسن قضاؤها؟ ...........................
469 ... قوله « الثَّانِيْ: الْوِتْرُ»: ... 333
* اختلاف الفقهاء في حكم الوتر.........................................................
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح ودليل الراجح........................................
470 ... قوله « وَوَقْتُهُ: مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ»: ... 334
* ذكر الدليل على ذلك.....................................................................
* ما ذهب إليه ابن قدامة في وقت الوتر.................................................
* تنبيهان: ........................................................................................
أولاً: إذا جمع المصلي بين المغرب والعشاء جمع تقديم فهل يصلي الوتر؟..
ثانياًً: من فاته الوتر حتى أصبح.............................................................
471 ... قوله « وَأَقَلُّهُ: رَكْعَةٌ»: ... 335
* ذكر القول الثاني في المذهب: يكره الإيتار بركعة...................................
* القول الصحيح في هذه المسألة...........................................................
472 ... قوله « وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً»: ... 336
* ذكر الدليل على ذلك.....................................................................
473 ... قوله « وَأَدْنَى الْكَمَالِ: ثَلاَثٌ بِتَسْلِيْمَتَيْنِ»: ... 337
* ذكر أقوال الفقهاء في أدنى الكمال للوتر..............................................
* معنى قول =تسليمتين+ مع ذكر الخلاف في ذلك...................................(8/71)
* بيان القول الصحيح في المسألة...........................................................
474 ... قوله « وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ الرُّكُوْعِ»: ... 337
* اختلاف الفقهاء في القنوت...............................................................
* الصحيح من أقوالهم.....................................................................
* ذكر اختلاف الفقهاء في محل القنوت، والراجح من أقوالهم...................
* ما يسن قراءته في الوتر....................................................................
475 ... قوله « الثَّالِثُ: التَّطَوُّعُ اْلمُطْلَقُ»: ... 338
* سبب تسميته مطلقاً.......................................................................
476 ... قوله «وَتَطَوُّعُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ النَّهَارِ»: ... 338
* ذكر الدليل على ذلك......................................................................
477 ... قوله « وَالنِّصْفُ الأَخِيْرُ أَفْضَلُ مِنَ الأَوَّلِ»: ... 339
* ذكر الدليل على قول المؤلف.............................................................
478 ... قوله « وَصَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»: ... 339
* معنى ما ذكره المؤلف......................................................................
* إذا صلى أربعاً بسلام واحد أو أربعاً بتشهدين.....................................
479 ... قوله « وَصَلاَةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاَةِ الْقَائِمِ»: ... 340
* إن صلاها قاعداً بعذر....................................................................
* ذكر الدليل على قول المؤلف.............................................................
480 ... قوله « الرَّابِعُ: مَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ»: ... 341(8/72)
* معنى كلام المؤلف...........................................................................
481 ... قوله « أَحَدُهَا:التَّرَاوِيْحُ»: ... 341
* سبب تسميتها بذلك......................................................................
* حكم الجماعة لها..........................................................................
482 ... قوله « وَهِيَ: عِشْرُوْنَ رَكْعَةً بَعْدَ الْعِشَاءِ فِيْ رَمَضَانَ»: ... 341
* ذكر دليل المؤلف............................................................................
* ذكر الخلاف في ذلك مع بيان الراجح من الأقوال..................................
* تنبيهات: ....................................................................................
أولاًً: المأموم لا ينصرف عن الإمام في التراويح إن زاد عن إحدى عشرة ركعة. ................................................................................................
ثانياً: كلام لطيف لشيخ الإسلام × في صلاة التراويح..........................
ثالثاً: هل يقرأ الإمام من المصحف في التراويح........................................
رابعاً: حكم متابعة المأموم من المصحف أثناء قراءة الإمام..........................
خامساً: حكم متابعة الأصوات الحسنة في صلاة التراويح..........................
سادساً: حكم تحسين الصوت بالقراءة....................................................
سابعاً: إذا قام الإمام لثالثة في صلاة التراويح...........................................
ثامناً: حكم تخفيف صلاة التراويح........................................................
تاسعاً: حكم القنوت في صلاة التراويح..................................................
عاشراً: حكم تأخير الوتر لمن صلى مع الإمام..........................................(8/73)
483 ... قوله « وَالثَّانِيْ: صَلاَةُ الْكُسُوْفِ، فَإِذَا كُسِفَتِ الشَّمْسُ، أَوِ الْقَمَرُ، فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلاَةِ»: ... 344
* معنى الكسوف والخسوف................................................................
* سبب حصولهما.............................................................................
* حكم صلاة الكسوف، والقول الراجح فيها.......................................
* هل يشترط لها الجماعة؟..................................................................
* الأفضل أن تصلى في الجوامع............................................................
484 ... قوله « إِنْ أَحَبُّوْا جَمَاعَةً، وَإِنْ أَحَبُّوْا فُرَادَى فَيُكَبِّرُ »: ... 346
485 ... قوله « وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُوْرَةً طَوِيْلَةً»: ... 346
* هل القراءة فيها جهرية أم سرية؟ ......................................................
* بيان أقوال الفقهاء مع بيان الراجح.....................................................
486 ... قوله « ثُمَّ يَرْكَعْ رُكُوْعًا طَوِيْلاً»: ... 347
* ما مقدار الركوع هنا؟ ......................................................................
487 ... قوله « ثُمَّ يَرْفَعُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُوْرَةً طَوِيْلَةً دُوْنَ الَّتِيْ قَبْلَهَا»: ... 347
488 ... قوله « ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيْلُ دُوْنَ الَّذِيْ قَبْلَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ»: ... 347
489 ... قوله «ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيْلَتَيْنِ»: ... 347
490 ... قوله « ثُمَّ يَقُوْمُ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذالِكَ»: ... 348
* حد القيام في الركعتين.
491 ... قوله « فَيَكُوْنُ أَرْبَعَ رُكُوْعَاتٍ وَأَرْبَعَ سُجُوْدَاتٍ»: ... 348
* بيان اختلاف الفقهاء في عدد الركعات، والقول الراجح........................
* ذكر بعض التنبيهات التي لم يذكرها المؤلف: ......................................(8/74)
أولاً: ما جاء في زاد المستقنع =وإن أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات+.........
ثانياً: ما بعد الركوع الأول هل هو ركن أم سنة؟......................................
ثالثاً: هل تدرك صلاة الكسوف بالركوع الثاني؟......................................
رابعاً: إذا انتهت الصلاة والكسوف باق..................................................
خامساً: إذا انجلى الكسوف وهو في الصلاة.............................................
سادساً: إذا طلع الفجر وخسف القمر قبل طلوع الشمس هل يصلى؟.......
سابعاً: إذا شرع في صلاة الكسوف للشمس ثم غابت كاسفة....................
ثامناً: هل يصلى لغير الكسوف؟ ..........................................................
تاسعاً: هل تسن الخطبة للكسوف؟ .......................................................
492 ... قوله « الثَّالِثُ: صَلاَةُ الاِسْتِسْقَاءِ»: ... 351
* معنى الاستسقاء..............................................................................
493 ... قوله « وَإِذَا أَجْدَبَتِ الأَرْضُ وَاحْتَبَسَ الْقَطْرُ خَرَجُوْا مَعَ الإِمَامِ مُتَخَشِّعِيْنَ»: ... 351
* شرح ما ذكره المؤلف.......................................................................
494 ... قوله « مُتَبَذِّلِيْنَ، مُتَذَلِّلِيْنَ، مُتَضَرِّعِيْنَ»: ... 352
* معنى ما ذكره المؤلف مع ذكر الدليل على ذلك....................................
495 ... قوله « فَيُصَلِّيْ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ»: ... 352
* ذكر الخلاف في هذه المسألة................................................................
* بيان الراجح من الأقوال مع ذكر دليل الترجيح.....................................
496 ... قوله « كَصَلاَةِ الْعَيْدِ»: ... 353
497 ... قوله « ثُمَّ يَخْطُبُ بِهِمْ خُطْبَةً وَاحِدَةً»: ... 353(8/75)
* محل الخطبة في الاستسقاء..................................................................
* ذكر الخلاف مع بيان القول الراجح ودليل الترجيح..............................
* هل المشروع خطبة واحدة أم خطبتان؟ ..............................................
* ذكر الخلاف مع بيان القول الراجح....................................................
498 ... قوله « وَيُكْثِرُ فِيْهَا مِنَ الاِسْتِغْفَارِ»: ... 354
* سبب الاستكثار من الاستغفار..........................................................
499 ... قوله « وَتِلاَوَةِ الآيَاتِ الَّتِيْ فِيْهَا الأَمْرُ بِهِ»: ... 355
500 ... قوله « وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ»: ... 355
* ذكر الخلاف في ذلك، مع بيان القول الراجح.......................................
501 ... قوله « وَإِنْ خَرَجَ مَعَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يَمْنَعُوْا وَأُمِرُوْا أَنْ يَنْفَرِدُوْا عَنِ الْمُسْلِمِيْنَ»: ... 356
* أقوال أهل العلم في هذه المسألة، مع بيان القول الراجح........................
502 ... قوله « الضَّرْبُ الْخَامِسُ: سُجُوْدُ التِّلاَوَةِ»: ... 357
* اختلاف الفقهاء في حكم سجود التلاوة، والقول الصحيح مع الدليل....
* هل سجود التلاوة صلاة..................................................................
503 ... قوه « وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، فِيْ الْحَجِّ مِنْهَا اثْنَتَانِ»: ... 358
* ذكر أماكن سجود التلاوة..................................................................
504 ... قوله « وَيُسَنُّ السُّجُوْدُ لِلتَّالِيْ، وَالْمُسْتَمِعِ دُوْنَ السَّامِع»: ... 358
* معنى السامع والمستمع.....................................................................
505 ... قوله « وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ»: ... 358
* ذكر الخلاف في ذلك، مع بيان القول الراجح.......................................(8/76)
506 ... قوله « ثُمَّ يُسَلِّمُ»: ... 358
* القول الصحيح في هذه المسألة...........................................................
507 ... بَابُ السَّاعَاتِ الَّتِيْ نُهِيَ عَنِ الصَّلاَةِ فِيْهَا: ... 359
508 ... قوله « بَابُ السَّاعَاتِ الَّتِيْ نُهِيَ عَنِ الصَّلاَةِ فِيْهَا»: ... 359
* هل تصلى الفريضة في أوقات النهي؟ ................................................
509 ... قوله « وَهِيَ خَمْسٌ»: ... 359
* دليل هذه الأوقات الخمس................................................................
510 ... قوله « بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»: ... 359
* هل النهي متعلق بفعل الصلاة أم بالوقت؟..........................................
* هل تشرع الصلاة فيما بين الأذان والإقامة؟ .......................................
511 ... قوله « وَبَعْدَ طُلُوْعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيْدَ رُمْحٍ»: ... 360
* تقدير ذلك بالساعات......................................................................
* الأحوط في هذه المسألة.....................................................................
512 ... قوله « وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُوْلُ»: ... 360
* معنى قيام الشمس...........................................................................
* معنى قوله:=حتى تزول+ مع تقدير ذلك بالساعات.............................
513 ... قوله « وَبَعْدَ اْلعَصْرِ حَتَّى تَتَضَيَّفَ الشَّمْسُ لِلْغُرُوْبِ»: ... 360
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
514 ... قوله « وَإِذَا تَضَيَّفَتْ حَتَّى تَغْرُبَ»: ... 361
* تقدير ذلك بالساعات......................................................................
* معنى قوله:=تضيفت+.....................................................................(8/77)
515 ... قوله «فَهذِهِ السَّاعَاتُ لاَ يُصَلَّى فِيْهَا تَطَوُّعًا»: ... 361
* نوع التطوع الذي لا يصلى في هذه الأوقات.........................................
* هل يصلى التطوع المقيد في أوقات النهي؟ ..........................................
* ذكر الخلاف مع بيان القول الراجح....................................................
516 ... قوله « إِلاَّ إِعَادَةَ الْجَمَاعَةِ إِذَا أُقِيْمَتْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ»: ... 362
* ذكر الدليل على كلام المؤلف............................................................
* ما يفعله البعض عند دخولهم المسجد والجماعة مقامة..........................
* هل ينكر على من فعل ذلك؟ ..........................................................
516 ... قوله « وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَهُ، وَالصَّلاَةَ عَلَى الْجَنَازَةِ»: ... 363
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
517 ... قوله « وَقَضَاءَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فِيْ وَقْتَيْنِ مِنْهَا، وَهُمَا: بَعْدَ الْفَجْرِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ»: ... 363
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
* القول الصواب في صلاته بعد العصر..................................................
* إذا فاتته راتبة الفجر هل يصليها بعد الفريضة؟ ...................................
518 ... قوله « وَيَجُوْزُ قَضَاءُ الْمَفْرُوْضَاتِ فِيْ جَمِيْعِ الأَوْقَاتِ»: ... 363
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
519 ... بَابُ الإِمَامَةِ: ... 365
520 ... قوله « بَابُ الإِمَامَةِ»: ... 365
* لم يعقد المؤلف باباً خاصاً بصلاة الجماعة...........................................(8/78)
* حكم الصلاة في جماعة...................................................................
* بيان أقوال الفقهاء............................................................................
* ذكر الراجح من أقوالهم ودليل الترجيح..............................................
521 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ - عز وجل - »: ... 365
* معنى الأقرأ لكتاب الله.....................................................................
* الصحيح من أقوال الفقهاء في معنى الأقرأ..........................................
* هل يشترط أن يكون ممن يتغنى بالقرآن؟ ...........................................
* تنبيهات: ......................................................................................
أولاً: إذا اجتمع قارىء فقيه وأقرأ..........................................................
ثانياً: ذكر اختلاف الفقهاء مع بيان الراجح..............................................
ثالثاً: إذا كان للمسجد إمام راتب..........................................................
522 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « فَإِنْ كَانُوْا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ»: ... 368
* ذكر دليل ذلك................................................................................
523 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « فَإِنْ كَانُوْا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً»: ... 368
* بيان أن ذلك خاص بصحابة النبي "...............................................
524 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « فَإِنَ كَانُوْا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا»: ... 369
* ذكر الرواية الأخرى والفرق بين الروايتين............................................(8/79)
* لماذا قدمت الهجرة على الأقدم سلماً..................................................
525 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِيْ بَيْتِهِ»: ... 369
* بيان أن ذلك إن كان أهلاً لها.............................................................
* تنبيهان: ........................................................................................
أولاً: إذا اجتمع صاحب البيت ومستأجره..............................................
ثانياً: إذا كان صاحب البيت حليق اللحية...............................................
526 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « وَلاَ يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ»: ... 370
527 ... قوله - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمَا، وَليَؤُمُّكُمَا أَكْبَرُكُمَا، وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُمَا مُتَقَارِبَةً »: ... 370
* ما يدل عليه الحديث........................................................................
528 ... قوله « وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ خَلْفَ مَنْ صَلاَتُهُ فَاسِدَةٌ»: ... 370
* ذكر ما قاله بعض أهل العلم في هذه المسألة..........................................
529 ... قوله « إِلاَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حَدَثَ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمَأْمُوْمُ حَتَّى سَلَّمَ»: ... 371
* الواجب على من لم يعلم حدث نفسه...............................................
530 ... قوله « فَإِنَّهُ يُعِيْدُ وَحْدَهُ»: ... 371
* ما قاله بعض الفقهاء من إعادة الصلاة على المأموم..............................
* القول الصواب...............................................................................
531 ... قوله «وَلاَ تَصِحُّ خَلْفَ تَارِكِ رُكْنٍ»: ... 371
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................(8/80)
* القول الصحيح في هذه المسألة...........................................................
532 ... قوله « إِلاَّ إِمَامَ الْحَيِّ، إِذَا صَلَّى جَالِسًا؛ لِمَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ»: ... 372
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
* القول الصحيح في هذا القيد..............................................................
533 ... قوله « فَإِنَّهُمْ يُصَلُّوْنَ وَرَاءَهُ جُلُوْسًا»: ... 372
* بيان الخلاف في هذه المسألة، مع بيان القول الراجح فيها......................
* هل جلوسهم خلفه ندباً أم وجوباً؟ ...................................................
534 ... قوله «إِلاَّ أَنْ يَبْتَدِئَهَا قَائِمًا، ثُمَّ يَعْتَلُّ، فَيَجْلِسُ، فَإِنَّهُمْ يُتِمُّوْنَ مَعَهُ قِيَامًا »: ... 373
* دليل ما ذكره المؤلف........................................................................
535 ... قوله «وَلاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ الْمَرْأَةِ»: ... 374
* ذكر قول الجمهور في هذه المسألة........................................................
536 ... قوله « وَلاَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ»: ... 374
* بيان المذهب في المسألة، مع بيان القول الصحيح فيها............................
537 ... قوله « وَالأُمِّيِّ الَّذِيْ لاَ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، أَوْ يُخِلَّ بِحَرْفٍ مِنْهَا، إِلاَّ بِمِثْلِهِمْ »: ... 375
* بيان المذهب في المسألة......................................................................
* ما ذهب إليه بعض أهل العلم...........................................................
* الصواب في هذه المسألة.....................................................................
538 ... قوله « وَيَجُوْزُ ائْتِمَامُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ»: ... 375(8/81)
* بيان أن ذلك هو الصحيح مع ذكر الدليل............................................
539 ... قوله « وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ»: ... 375
* بيان الخلاف في المسألة، مع بيان القول الراجح فيها..............................
540 ... قوله « وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُوْمُ وَاحِدًا، وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِ الإِمَامِ»: ... 376
* تنبيه: للمأمومين مع الإمام أربعة مواقف............................................
الموقف الأول:الوقوف خلفه.................................................................
الموقف الثاني: الوقوف عن جانبيه، ودليل ذلك مع ذكر الصواب..............
الموقوف الثالث: الوقوف عن يمينه، بيان المذهب في المسألة........................
الموقوف الرابع: الوقوف قدَّامه، ذكر المذهب مع القول الصحيح...............
541 ... قوله « فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ قُدَّامَهُ أَوْوَحْدَهُ، لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ»: ... 378
* ذكر الثلاث حالات التي ذكرها المؤلف: ............................................
الحالة الأولى: إن وقف عن يساره، ذكر المذهب مع القول الصحيح...........
الحالة الثانية:إن وقف قدامه، بيان الراجح في هذه المسألة..........................
الحالة الثالثة: إذا صلى وحده خلف الإمام، ذكر أقوال الفقهاء مع بيان الراجح..............................................................................................
تنبيهات: ...........................................................................................
أولاً: من دخل المسجد فوجد الصف مكتملاً..........................................
ثانياً: هل يقف المأموم بجانب الإمام إذا كان الصف مكتملاً......................
ثالثاً: ما هو الانفراد المبطل للصلاة؟ ......................................................(8/82)
542 ... قوله « إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ امْرَأَةً، فَتَقِفُ وَحْدَهَا خَلْفَهُ»: ... 380
* مراد المؤلف....................................................................................
543 ... قوله « وَإْنْ كَانُوْا جَمَاعَةً، وَقَفُوْا خَلْفَهُ، فَإِنْ وَقَفُوْا عَنْ يَمِيْنِهِ، أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ، صَحَّ، فَإِنْ وَقَفُوْا قُدَّامَهُ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، لَمْ يَصِحَّ»: ... 381
* ما اختاره شيخ الإسلام في هذه المسألة................................................
544 ... قوله « وَإِنْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ بِالنِّسَاءِ، قَامَتْ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ وَسْطًا»: ... 381
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
545 ... قوله « وَكَذالِكَ إِمَامُ الرِّجَالِ الْعُرَاةِ يَقُوْمُ وَسْطَهُمْ»: ... 382
* معنى كلام المؤلف...........................................................................
546 ... قوله « وَإِنِ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَصِبْيَانُ، وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ، تَقَدَّمَ الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخُنَاثَى، ثُمَّ النِّسَاءُ»: ... 382
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
* إذا كان سيحصل من الصبيان أذية.....................................................
* تنبيه: إذا جاء الصبي مبكراً هل يشرع تنحيته عن مكانه؟.....................
547 ... قوله « وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلاَمِ الإِمَامِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ»: ... 383
* ذكر المذهب في هذه المسألة................................................................
* بيان أقوال الفقهاء فيها، مع بيان القول الراجح...................................
548 ... قوله « وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوْعَ، فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَإِلاَّ فَلاَ»: ... 383(8/83)
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
549 ... بَابُ صَلاَةِ الْمَرِيْضِ: ... 384
قوله « بَابُ صَلاَةِ الْمَرِيْضِ»: ... 384
* المراد بصلاة المريض.........................................................................
* ما يدخل في صلاة المريض................................................................
550 ... قوله « وَالْمَرِيْضُ إِذَا كَانَ الْقِيَامُ يَزِيْدُ فِيْ مَرَضِهِ، صَلَّى جَالِسًا»: ... 384
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
* هل العبرة بزيادة المرض أم بحصول المشقة والعجز؟..............................
* صفة الجلوس في صلاة المريض..........................................................
551 ... قوله « فَإِنْ لَمْ يُطِقْ، فَعَلَى جَنْبِهِ»: ... 385
* لا تسقط الصلاة عن المريض ما دام عقله معه......................................
552 ... قوله « فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ، فَعَلَى ظَهْرِهِ»: ... 385
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
553 ... قوله « وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ، أَوْمَأَ بِهِمَا»: ... 385
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
* إذا عجز عن الركوع واستطاع السجود..............................................
* إن كان يصلي مستلقياً على ظهره فكيف يوميء؟ ...............................
* تنبيهان: ........................................................................................
أولاً: ما ذكره بعض أهل العلم عند العجز عن الإيماء بالرأس تسقط الصلاة عنه....................................................................................................(8/84)
ثانياً: ما ذكره بعض أهل العلم إن عجز عن الإيماء بالرأس أومأ بالإصبع....
554 ... قوله « وَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ فِيْ إِغْمَائِهِ»: ... 386
* اختلاف الفقهاء في هذه المسألة، والصحيح من أقوالهم........................
555 ... قوله « وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ صَلاَةٍ فِيْ وَقْتِهَا، فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فِيْ وَقْتِ إِحْدَاهُمَا»: ... 387
* معنى كلام المؤلف...........................................................................
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
556 ... قوله «فَإِنْ جَمَعَ فِيْ وَقْتِ الأُوْلَى اشْتُرِطَ نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ فِعْلِهَا»: ... 387
* معنى كلام المؤلف...........................................................................
* هل تشترط نية الجمع عند فعل الصلاة؟ ...........................................
* ذكر المذهب وبيان القول الراجح.......................................................
557 ... قوله « وَاسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ حَتَّى يَشْرَعَ فِيْ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا»: ... 388
* معنى ما ذكره المؤلف وبيان الراجح في المسألة.......................................
* هل يصح ما ذكره المؤلف؟ ...............................................................
* بيان القول الصحيح في هذه المسألة.....................................................
558 ... قوله « وَأَنْ لاَ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِقَدْرِ الْوُضُوْءِ»: ... 388
* ذكر شرط الموالاة.............................................................................
* ما ذهب إليه شيخ الإسلام في هذا الشرط...........................................(8/85)
* الأحوط عندي في هذه المسألة............................................................
559 ... قوله «وَإِنْ أَخَّرَ اعْتُبِرَ اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إِلَى دُخُوْلِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا»: ... 389
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
560 ... قوله « وَأَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ فِيْ وَقْتِ الأُوْلَى قَبْلَ أَنْ يَضِيْقَ عَنْ فِعْلِهَا »: ... 389
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
* ذكر الأمثلة على ذلك......................................................................
561 ... قوله « وَيَجُوْزُ الْجَمْعُ لِلْمُسَافِرِ الَّذِيْ لَهُ الْقَصْرُ»: ... 390
* بيان ما قاله المؤلف...........................................................................
* تنبيه: هل الجمع عام لكل من كان نازلاً أو سائراً؟ ..............................
* ذكر الخلاف في المسألة مع بيان الراجح...............................................
562 ... قوله « وَيَجُوْزُ الْجَمْعُ فِيْ الْمَطَرِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ خَاصَّةً»: ... 390
* بيان ما ذكره المؤلف.........................................................................
* ذكر الخلاف فيما ذكره المؤلف...........................................................
* القول الراجح في ذلك......................................................................
563 ... بَابُ صَلاَةِ الْمُسَافِرِ: ... 392
564 ... قوله « وَإِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ سَفَرِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا»: ... 392
* ذكر الخلاف في هذه المسألة................................................................
* بيان القول الراجح فيها....................................................................(8/86)
565 ... قوله « وَهِيَ مَسِيْرَةُ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ»: ... 392
* معنى قوله =يومين قاصدين+............................................................
* هل التحديد بالمسافة أضبط أم التحديد بالأيام؟ ..................................
566 ... قوله « وَكَانَ مُبَاحًا»: ... 393
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
* ذكر الخلاف فيما ذكره......................................................................
* بيان الراجح من الأقوال...................................................................
567 ... قوله « فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً»: ... 393
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
568 ... قوله « إِلاَّ أَنْ يَأْتَمَّ بِمُقِيْمٍ»: ... 394
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
* تنبيه: إذا أدرك المسافر الإمام المقيم في ركعة........................................
569 ... قوله «أَوْ لاَ يَنْوِيَ الْقَصْرَ»: ... 394
* ثلاث صور لهذه المسألة....................................................................
* بيان هذه الصور، والقول الصحيح فيها.............................................
570 ... قوله « أَوْ يَنْسَى صَلاَةَ حَضَرٍ، فَيَذْكُرَهَا فِيْ السَّفَرِ»: ... 395
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
* بيان أن ما ذكره المؤلف هو الصحيح...................................................
571 ... قوله « أَوْ صَلاَةَ سَفَرٍ، فَيَذْكُرَهَا فِي الْحَضَرِ، فَعَلَيْهِ الإِتْمَامُ»: ... 395
* ذكر الخلاف في المسألة، والقول الراجح فيها.......................................(8/87)
572 ... قوله « وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ، وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ»: ... 396
* اختلاف الفقهاء هل الأصل في صلاة السفر الإتمام أم القصر؟...............
* بيان القول الصحيح مع ذكر الدليل....................................................
573 ... قوله « وَمَنْ نَوَى الإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ صَلاَةً، أَتَمَّ»: ... 397
* بيان أن هذه المسألة قد كثر فيها الخلاف..............................................
* ذكر أقوال الفقهاء فيها......................................................................
* الأحوط عندي فيها.........................................................................
574 ... قوله « وَإِنْ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى ذالِكَ، قَصَرَ أَبَدًا»: ... 398
* معنى ما ذكره المؤلف.......................................................................
* ذكر الأمثلة على ذلك......................................................................
* بيان القول الصحيح فيها..................................................................
575 ... بَابُ صَلاَةِ الْخَوْفِ: ... 399
576 ... قوله « بَابُ صَلاَةِ الْخَوْفِ»: ... 399
* معنى صلاة الخوف..........................................................................
* هل يشترط كون العدو آدمياً؟ ..........................................................
577 ... قوله « وَتَجُوْزُ صَلاَةُ الْخَوْفِ»: ... 399
* ما ذهب إليه جمهور أهل العلم في صلاة الخوف..................................
* ما ذكره المزني من الشافعية في صلاة الخوف.........................................
* القول الصحيح في ذلك....................................................................
578 ... قوله « عَلَى كُلِّ صِفَةٍ صَلاَّهَا رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - »: ... 400(8/88)
* صفات صلاة الخوف.......................................................................
* بيان الصفات السبع لصلاة الخوف.....................................................
* سبب اختيار المؤلف للصفة الأولى.....................................................
* تنبيهان: ........................................................................................
أولاً: إذا كان العدو في البلد..................................................................
ثانياً: صلاة المغرب لا تقصر..................................................................
579 ... قوله « وَإِنِ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رِجَالاً وَرُكْبَانًا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَإِلَى غَيْرِهَا يُوْمِئُوْنَ بِالرُّكُوْعِ وَالسُّجُوْدِ»: ... 401
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
* إذا كانت الصلاة تجمع مع غيرها........................................................
580 ... قوله « وَكَذالِكَ كُلُّ خَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ، يُصَلِّيْ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَيَفْعَلُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَى فِعْلِهِ،مِنْ هَرَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ»: ... 402
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
* ما ذهب إليه بعض أهل العلم من جواز تأخير الصلاة..........................
581 ... بَابُ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ: ... 403
582 ... قوله «بَابُ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ»: ... 403
* اجتماعات المسلمين.........................................................................
583 ... قوله « كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ الْمَكْتُوْبَةُ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ»: ... 403
* من تلزمه صلاة الجمعة؟ .................................................................(8/89)
* ما ذكره بعض العلماء في العيد...........................................................
584 ... قوله «إِذاَ كَانَ مُسْتَوْطِنًا بِبِنَاءٍ»: ... 403
* معنى قوله =مستوطناً+.....................................................................
* من كان مسافراً ودخل بلداً تصلى فيه الجمعة......................................
* هل يحسب من العدد........................................................................
* معنى قوله =ببناء+...........................................................................
585 ... قوله « بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَرْسَخٌ فَمَا دُوْنَ»: ... 404
* ما يعادل الفرسخ بالكيلو متر.............................................................
* تعليل الفقهاء لهذه المسافة................................................................
* هل التحديد بالسماع أولى أم التحديد بالمسافة؟ ..................................
586 ... قوله « إِلاَّ الْمَرْأَةَ، وَالْعَبْدَ، وَالْمُسَافِرَ، وَالْمَعْذُوْرَ بِمَرَضٍ»: ... 405
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
587 ... قوله « أَوْ مَطَرٍ، أَوْ خَوْفٍ»: ... 405
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
588 ... قوله « وَإِنْ حَضَرُوْهَا أَجْزَأَتْهُمْ»: ... 406
* معنى ما ذكره المؤلف........................................................................
* سبب إفراد الصلاة عنهم..................................................................
589 ... قوله « وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ»: ... 406(8/90)
* بيان ما قاله المؤلف...........................................................................
* هل تحسب المرأة من العدد؟ .............................................................
* العبد والمسافر هل يحسبان من العدد؟ ................................................
* القول الراجح في المسألة....................................................................
590 ... قوله « إِلاَّ الْمَعْذُوْرَ إِذَا حَضَرَهَا، وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ»: ... 407
* بيان ما ذكره المؤلف.........................................................................
591 ... قوله « وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا»: ... 407
* للجمعة شروط صحة وشروط وجوب...............................................
592 ... قوله « فِعْلُهَا فِيْ وَقْتِهَا»: ... 407
* بيان قول المؤلف..............................................................................
* لم يبين المؤلف وقت الجمعة..............................................................
* اختلاف الفقهاء في تحديد وقتها.........................................................
* القول الصحيح في ذلك....................................................................
593 ... قوله « فِيْ قَرْيَةٍ»: ... 408
* شرح قول المؤلف............................................................................
* إذا خرج أهل القرية إلى مكان بعيد عن القرية هل تصح؟...................
* تنبيهان: ........................................................................................
أولاً: أولاً: البدو إذا كانوا قريبين من محل إقامة الجمعة............................
ثانياً: إذا كانوا مستوطنين في مكان لا ينتقلون عنه.....................................(8/91)
594 ... قوله «وَأَنْ يَحْضُرَهَا مِنَ الْمُسْتَوْطِنِيْنَ بِهَا أَرْبَعُوْنَ مِنْ أَهْلِ وُجُوْبِهَا»: ... 409
* اختلاف الفقهاء في هذا الشرط..........................................................
* القول الراجح في هذا الشرط.............................................................
595 ... قوله « وَأَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ»: ... 410
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
* إذا تأخرت الخطبة عن الصلاة فما الحكم؟ .........................................
596 ... قوله « فِيْ كُلِّ خُطْبَةٍ حَمْدُ اللهِ تَعَالَى»: ... 410
* بيان شروط الخطبة...........................................................................
* اختلاف العلماء في شرط =حمد الله+ في الخطبة...................................
* القول الصحيح في هذا الشرط...........................................................
* إذا جاء الخطيب بما ليس فيه حمد لله..................................................
597 ... قوله « وَالصَّلاَةُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - »: ... 411
* اختلاف الفقهاء في هذا الشرط..........................................................
* الصحيح من أقوالهم.......................................................................
598 ... قوله « وَقِرَاءَةُ آيَةٍ»: ... 411
* ذكر الخلاف في هذا الشرط................................................................
* ذكر كلام ابن سعدي × في هذا الشرط...........................................
* القول الصحيح في هذا الشرط...........................................................
599 ... قوله « وَالْمَوْعِظَةُ»: ... 412(8/92)
* بيان هذا الشرط..............................................................................
600 ... قوله « وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ»: ... 412
* بيان الحكم في ذلك..........................................................................
601 ... قوله «فَإِذَا صَعِدَ،أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَجْلِسُ إِلَى فَرَاغِ الأَذَان »: ... 412
* للخطيب عند دخول المسجد سلامان.................................................
602 ... قوله « ثُمَّ يَقُوْمُ الإِمَامُ، فَيَخْطُبُ»: ... 412
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
603 ... قوله « ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُوْمُ فَيَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَّةَ»: ... 412
* بيان سنة ذلك مع ذكر الدليل............................................................
604 ... قوله «ثُمَّ تُقَامُ الصَّلاَةُ،فَيَنْزِلُ، فَيُصَلِّيْ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، يَجْهَرُ فِيْهِمَا بِالْقِرَاءَةِ»: ... 413
* لم يبين المؤلف ما يقرأ في صلاة الجمعة...............................................
605 ... قوله « فَمَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ مِنْهَا رَكْعَةً، أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِلاَّ أَتَمَّهاَ ظُهْرًا»: ... 413
* ذكر الخلاف في هذه المسألة................................................................
* بيان القول الصحيح فيها..................................................................
606 ... قوله « وَكَذالِكَ إِذَا نَقَصَ الْعَدَدُ»: ... 414
* بيان ما قاله المؤلف...........................................................................
* القول الصحيح في هذه المسألة...........................................................(8/93)
607 ... قوله «أَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، أَتَمُّوْهَا جُمُعَةً،وَإِلاَّ أَتَمُّوْهَا ظُهْرًا»: ... 414
* بيان المذهب في هذه المسألة................................................................
* القول الصحيح مع ذكر الدليل..........................................................
608 ... قوله « وَلاَ يَجُوْزُ أَنْ يَصَلَّى فِي الْمِصْرِ أَكْثَرُ مِنْ جُمُعَةٍ، إِلاَّ أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا»: ... 414
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
* بيان الحاجة التي تدعو إلى تعدد الجمعة..............................................
* لابد من إذن الإمام والرجوع إلى نظام الدولة في ذلك...........................
* ما ذهب إليه الجمهور في هذه المسألة...................................................
609 ... قوله « وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ أَنْ يَغْتَسِلَ»: ... 415
* اختلاف الفقهاء في غسل الجمعة........................................................
* ذكر أقوال الفقهاء في ذلك.................................................................
* بيان القول الراجح في هذه المسألة.......................................................
* تنبيه: متى يبدأ وقت الغسل.............................................................
610 ... قوله « وَيَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ نَظِيْفَيْنِ»: ... 417
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
* الدليل على ما ذكره.........................................................................
611 ... قوله « وَيَتَطَيَّبَ»: ... 417
* الدليل على ذلك.............................................................................(8/94)
612 ... قوله « وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا»: ... 417
* دليل فضل التبكير إلى الجمعة............................................................
613 ... قوله «فَإِنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يُوْجِزُ فِيْهِمَا»: ... 418
* هاتان الركعتان هما تحية المسجد........................................................
* دليل سنيتها....................................................................................
614 ... قوله « وَلاَ يَجُوْزُ الكَلاَمُ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، إِلاَّ لِلإِمَامِ أَوْ مَنْ كَلَّمَهُ»: ... 419
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
* من كان لايسمع الخطبة لبعده، هل يجوز له الكلام؟............................
* ذكر الخلاف في المسألة مع بيان القول الراجح.......................................
* ذكر بعض التنبيهات لصلاة الجمعة: ..................................................
أولاً: من دخل المسجد والمؤذن يؤذن......................................................
ثانياً: من عطس يوم الجمعة والإمام يخطب.............................................
ثالثاً: هل للجمعة سنة قبلية؟ ...............................................................
رابعاً: لا حرج بشرب الخطيب الماء عند الحاجة.......................................
خامساً: ليس من السنة الالتفات............................................................
سادساً: هل يجوز أن يتولى الخطبتين اثنان؟ .............................................
615 ... بَابُ صَلاَةِ الْعِيْدَيْنِ: ... 421
616 ... قوله « بَابُ صَلاَةُ الْعِيْدَيْنِ»: ... 421
617 ... قوله « وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى اْلكِفَايَةِ»: ... 421(8/95)
* اختلاف الفقهاء في حكم صلاة العيدين..............................................
* القول الصحيح في حكمها................................................................
618 ... قوله « إِذَا قَامَ بِهَا أَرْبَعُوْنَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ»: ... 422
* بيان المذهب في اشتراط العدد............................................................
* القول الصحيح في اشتراط العدد........................................................
619 ... قوله « سَقَطَتْ عَنْ سَائِرِهِمْ»: ... 422
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
620 ... قوله « وَوَقْتُهَا:مِنِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ»: ... 422
* بيان وقت صلاة العيدين بالساعة.......................................................
* دليل هذا التوقيت............................................................................
621 ... قوله « وَالسُّنَّةُ فِعْلُهَا فِي الْمُصَلَّى، وَتَعْجِيْلُ الأَضْحَى، وَتَأْخِيْرُ الْفِطْرِ»: ... 422
* دليل فعلها في المصلى.......................................................................
* تعليل الفقهاء بتعجيل الأضحى وتأخير الفطر.....................................
622 ... قوله « وَالإِفْطَارُ فِي الْفِطْرِ خَاصَّةً، قَبْلَ الصَّلاَةِ»: ... 422
* شرح كلام المؤلف ..........................................................................
* ذكر دليل المؤلف.............................................................................
623 ... قوله « وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ»: ... 424
* شرح كلام المؤلف...........................................................................(8/96)
624 ... قوله « فَإِذَا حَلَّتِ الصَّلاَةُ، تَقَدَّمَ الإِمَامُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ بِلاَ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ »: ... 424
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
* حكم الصلاة قبلها أو بعدها..............................................................
* هل يصلى للمصلى تحية المسجد؟ ....................................................
625 ... قوله « يُكَبِّرُ فِي الأُوْلَى سَبْعًا بِتَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيْرَةِ الْقِيَامِ»: ... 425
* اختلاف الفقهاء في عدد التكبيرات.....................................................
* الأفضل في عدد التكبيرات................................................................
626 ... قوله « وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ»: ... 425
* حكم رفع اليدين في التكبيرات الزوائد...............................................
* اختلاف الفقهاء في ذلك...................................................................
* الصواب في هذه المسألة.....................................................................
627 ... قوله «وَيَحْمَدُ اللهِ تَعَالَى،وَيُصَلِّيْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيْرَتَيْنِ»: ... 426
* اختلاف الفقهاء في هذه المسألة..........................................................
* القول الصحيح في هذه المسألة...........................................................
628 ... قوله « ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُوْرَةً»: ... 426
* بيان ما يسن أن يقرأ بعد الفاتحة في صلاة العيدين.................................(8/97)
629 ... قوله « يَجْهَرُ فِيْهِمَا بِالْقِرَاءَةِ»: ... 427
* بيان الدليل على ذلك......................................................................
630 ... قوله « فَإِذَا سَلَّمَ خَطَبَ بِهِمْ خُطْبَتَيْنِ»: ... 427
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
* المستحب في الخطبة، ومشروعية التكبير فيها.......................................
631 ... قوله « فَإِنَ كَانَ فِطْرًا، حَضَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَبَيّّنَ لَهُمْ حُكْمَهَا، وَإِنْ كَانَ أَضْحَى، بَيَّنَ لَهُمْ حُكْمَ الأُضْحِيَّةِ»: ... 427
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
632 ... قوله « وَالتَّكْبِيْرَاتُ الزَّوَائِدُ، وَالْخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ»: ... 428
* ذكر دليل ذلك................................................................................
633 ... قوله « وَلاَ يَتَنَفَّلُ قَبْلَ صَلاَةِ الْعَيْدِ، وَلاَ بَعْدَهَا فِيْ مَوْضِعِهَا»: ... 428
* ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة....................................................
* القول الصحيح عندي في هذه المسألة..................................................
634 ... قوله « وَمَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ قَبْلَ سَلاَمِهِ، أَتَمَّهَا عَلَى صِفَتِهَا»: ... 429
* إذا أدرك المأموم مع الإمام ركناً كيف يقضي ما فاته؟...........................
* اختلاف الفقهاء في ذلك مع بيان القول الصحيح.................................
635 ... قوله « وَمَنْ فَاتَتْهُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ»: ... 429
* ذكر الخلاف في هذه المسألة................................................................
* القول الصحيح في قضاء صلاة العيدين..............................................(8/98)
636 ... قوله « فَإِنْ أَحَبَّ، صَلاَّهَا تَطَوُّعًا، إِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا، وَإِنْ شَاءَ صَلاَّهَا عَلَى صِفَتِهَا»: ... 430
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
* بيان محل التكبير في العيدين...............................................................
* التكبير المطلق..................................................................................
* التكبير المقيد...................................................................................
637 ... قوله « وَيُكَبِّرُ فِي الأَضْحَى عَقِيْبَ الْفَرَائِضِ فِي الْجَمَاعَةِ»: ... 431
* بيان أن هذا هو التكبير المقيد..............................................................
* هل يشترط في التكبير أن تكون الصلاة المؤداة جماعة؟.........................
* بيان المذهب مع القول الصواب فيها...................................................
638 ... قوله «مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ»: ... 431
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
639 ... قوله « إِلاَّ الْمُحْرِمَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ»: ... 431
* تعليل الفقهاء للمحرم في هذه المسألة..................................................
640 ... قوله « وَصِفَةُ التَّكْبِيْرِ شَفْعًا: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ»: ... 432
* شرح كلام المؤلف...........................................................................(8/99)
* ذكر بعض التنبيهات: ......................................................................
أولاً: حكم التهنئة بالعيد......................................................................
ثانياً: حكم التعريف عشية عرفة...........................................................
ثالثاً: حكم التكبير للعيدين جماعة.......................................................
رابعاً: إذا اجتمع العيد مع الجمعة في يوم واحد........................................
خامساً: من خرج للعيد يستحب له أمور منها.........................................
سادساً: هل يحسن إحضار التمر عند أبواب المساجد؟.............................
641 ... كِتَابُ الْجَنَائِزِ: ... 434
642 ... قوله « كِتَابُ الْجَنَائِزِ»: ... 434
* تعريف الجنائز................................................................................
* إكرام الله تعالى للإنسان حياً وميتاً.....................................................
643 ... قوله « وَإِذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ»: ... 434
* بم يتيقن الموت؟ ..............................................................................
644 ... قوله « غُمِّضَتْ عَيْنَاهُ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ»: ... 434
* دليل تغميض العين......................................................................
* ما هما اللحيان؟ .............................................................................
* تعليل الفقهاء لشدهما...................................................................
645 ... قوله « فَإِذَا أَخَذَ فِيْ غَسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ»: ... 435
* حكم ستر العورة حال تغسيل الميت...................................................
* حد العورة التي يجب سترها............................................................(8/100)
646 ... قوله « ثُمَّ يَعْصُرُ بَطْنَهُ عَصْرًا رَفِيْقًا»: ... 435
* بيان الحكمة من ذلك.....................................................................
647 ... قوله « ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يُنَجِّيْهِ، ثُمَّ يُوَضِّئُهُ »: ... 435
* دليل ما ذكره المؤلف........................................................................
648 ... قوله « ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»: ... 436
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
649 ... قوله « ثُمَّ شِقَّهُ الأَيْمَنَ، ثُمَّ الأَيْسَرَ»: ... 436
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
650 ... قوله « ثُمَّ يَغْسِلُهُ كَذالِكَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَثَالِثَةً»: ... 436
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
651 ... قوله « يُمِرُّ فِيْ كُلِّ مَرَّةٍ يَدَهُ»: ... 436
* الحكمة من إمرار اليد.......................................................................
652 ... قوله « فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، غَسَلَهُ»: ... 436
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
653 ... قوله « وَسَدَّهُ بِقُطْنٍ»: ... 437
* الحكمة من ذلك..............................................................................
654 ... قوله « فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ، فَبِطِيْنٍ حُرٍّ»: ... 437
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
* معنى الطين الحر..............................................................................
655 ... قوله « وَيُعِيْدُ وُضُوْءَهُ»: ... 437(8/101)
* سبب إعادة الوضوء هنا...................................................................
656 ... قوله « فَإِنْ لَمْ يَنْقَ بِثَلاَثٍ، زَادَ إِلَى خَمْسٍ أَوْ إِلَى سَبْعٍ»: ... 437
* معنى كلام المؤلف...........................................................................
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
657 ... قوله « ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ، وَيَجْعَلُ الطِّيْبَ فِيْ مَغَابِنِهِ وَمَوَاضِعِ سُجُوْدِهِ، وَإِنْ طَيَّبَهُ كُلَّهُ، كَانَ حَسَنًا، وَيُجَمِّرُ أَكْفَانَهُ »: ... 437
* مواضع وضع الطيب للميت.............................................................
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
* معنى التجمير مع ذكر دليله...............................................................
658 ... قوله « وَإِنْ كَانَ شَارِبُهُ أَوْ أَظْفَارُهُ طَوِيْلَةً أَخَذَ مِنْهُ»: ... 438
* ذكر الخلاف في هذه المسألة................................................................
* القول الراجح فيها...........................................................................
659 ... قوله « وَلاَ يُسَرِّحُ شَعْرَهُ»: ... 438
* العلة في عدم تسريح الشعر...............................................................
660 ... قوله « وَالْمَرْأَةُ يُضْفَرُ شَعْرُهَا ثَلاَثَةَ قُرُوْنٍ، وَيُسْدَلُ مِنْ وَرَائِهَا»: ... 439
* ذكر أقوال الفقهاء في هذه المسألة مع بيان القول الراجح........................
661 ... قوله « ثُمَّ يُكَفَّنُ فِيْ ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ»: ... 439
* بيان أن ذلك هو قول الجمهور...........................................................(8/102)
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
662 ... قوله « يُدْرَجُ فِيْهَا إِدْرَاجًا»: ... 440
* صفة الإدراج..................................................................................
663 ... قوله « وَإِنْ كُفِّنَ فِيْ قَمِيْصٍ وَإِزَارٍ وَلِفَافَةٍ، فَلاَ بَأْسَ»: ... 440
* تعريف القميص والإزار..................................................................
664 ... قوله « وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِيْ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: فِيْ دِرْعٍ وَإِزَاٍر وَمِقْنَعَةٍ وَلِفَافَتَيْنِ»: ... 440
* تعريف الدرع والمقنعة......................................................................
* دليل ما احتج به الجمهور..................................................................
* القول الصواب في هذه المسألة............................................................
665 ... قوله « وَأَحَقُّ النَّاسِ بِغَسْلِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ، وَصِيُّهُ فِيْ ذالِكَ»: ... 441
* أولى الناس بتغسيل الميت..................................................................
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
666 ... قوله « ثُمَّ الأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ، مِنَ الْعَصَبَاتِ»: ... 441
* متى يحتاج إلى هذا الترتيب؟ ............................................................
667 ... قوله «وَأَوْلَى النَّاسِ بِغَسْلِ الْمَرْأَةِ:الأُمُّ، ثُمَّ الْجَدَّةُ، ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ مِنْ نِسَائِهَا»: ... 442
* بيان أولى الناس بغسل المرأة..............................................................
* متى يحتاج إلى ذلك؟ ......................................................................(8/103)
668 ... قوله « إِلاَّ أَنَّ الأَمِيْرَ يُقَدَّمُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الأَبِ وَمَنْ بَعْدَهُ»: ... 442
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
669 ... قوله « وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ: يُكَبِّرُ»: ... 442
* شروع المؤلف في بيان صفة الصلاة على الجنائز...................................
* تنبيه: أين يقف الإمام من الجنازة؟....................................................
670 ... قوله « ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ»: ... 443
* ركنية الفاتحة في صلاة الجنازة............................................................
* هل يشرع لصلاة الجنازة الاستفتاح؟ .................................................
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح.............................................................
671 ... قوله « ثُمَّ يُكَبِّرُ»: ... 443
* حكم التكبيرة الثانية.........................................................................
672 ... قوله « وَيُصَلِّيْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - »: ... 443
673 ... قوله « ثُمَّ يُكَبِّرُ»: ... 443
674 ... قوله « وَيَقُوْلُ: اللّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَميِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا »: ... 443
* معنى هذا الدعاء.............................................................................
675 ... قوله « وَصَغِيْرِنَا وَكَبِيْرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا»: ... 443
676 ... قوله « إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ »: ... 444
* هل هذه الزيادة في الحديث................................................................
677 ... قوله « اللّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا، فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا، فَتَوَفَّهُ عَلَيِهِمَا»: ... 444(8/104)
* هل هذه الزيادة وردت في السنة؟ ......................................................
678 ... قوله « اللّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ»: ... 444
* الجمع بين المغفرة والرحمة................................................................
* معنى هذا الدعاء.............................................................................
679 ... قوله « وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مَدْخَلَهُ،وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ»: ... 445
680 ... قوله « وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوْبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ »: ... 445
* هل ورد ذكر الذنوب في الحديث؟ .....................................................
* إذا جمع بين ذكر الذنوب والخطايا.....................................................
681 ... قوله « وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ»: ... 445
* معنى هذا الدعاء.............................................................................
682 ... قوله «وَجِوَارًا خَيْرًا مِنْ جِوَارِهِ»: ... 445
* لم يرد ذكر الجوار في الحديث............................................................
* معنى هذا الدعاء.............................................................................
683 ... قوله « وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ»: ... 446
684 ... قوله « وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ»: ... 446
685 ... قوله « وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ»: ... 446
* شرح هذا الدعاء.............................................................................
686 ... قوله « وَافْسَحْ لَهُ فِيْ قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيْهِ»: ... 446
* ما نوع هذا الفسح؟ ........................................................................(8/105)
687 ... قوله « ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيْمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِيْنِهِ»: ... 446
* هل يقتصر على تسليمة واحدة أم يتعين الإتيان بتسليمتين؟..................
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح من الأقوال.............................................
* تنبيه: حكم صلاة المسبوق بصلاة الجنازة............................................
688 ... قوله « وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ»: ... 447
* ذكر الخلاف في هذه المسألة................................................................
689 ... قوله « وَالْوَاجِبُ مِنْ ذالِكَ: التَّكْبِيْرَاتُ»: ... 447
* حكم الزيادة عن أربع تكبيرات.........................................................
690 ... قوله « وَالْقِرَاءَةُ»: ... 447
* المراد بالقراءة هنا.............................................................................
* هل يشرع الزيادة على الفاتحة في صلاة الجنازة؟..................................
691 ... قوله « وَأَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ»: ... 448
* معنى كلام المؤلف...........................................................................
692 ... قوله «وَالسَّلاَمُ»: ... 448
* ذكر الخلاف مع بيان الراجح.............................................................
693 ... قوله « وَمَنْ فاَتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ، صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى شَهْرٍ»: ... 449
* حكم الصلاة على القبر بعد دفن الميت...............................................
* بيان الخلاف فيها مع بيان القول الراجح..............................................
* اختلاف الفقهاء في المدة التي يشرع فيها الصلاة على القبر مع بيان القول الراجح .............................................................................................(8/106)
694 ... قوله « وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ، صُلِّيَ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ»: ... 450
* ذكر الخلاف في الصلاة على الغائب...................................................
* القول الراجح في هذه المسألة.............................................................
695 ... قوله «وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنَ التَّقَطُّعِ، كَالْمَجْدُوْرِ وَالْمُحْتَرِقِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ بَيْنَ رِجَالٍ، أَوِ الرَّجُلِ بَيْنَ نِسَاءٍ،فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ »: ... 451
* بيان جملة من أهل الأعذار الذين لا يمكن تغسيلهم ............................
* اختلاف بعض أهل العلم في مشروعية التيمم إذا تعذر الغسل...............
696 ... قوله « إِلاَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ غَسْلَ صَاحِبِهِ»: ... 451
* ذكر الدليل على ذلك.......................................................................
697 ... قوله « وَكَذالِكَ أُمُّ الْوَلَدِ مَعَ سَيِّدِهَا»: ... 452
* تنبيه: في حكم تغسيل البنت الصغيرة التي دون السبع..........................
698 ... قوله « وَالشَّهِيْدُ إِذَا مَاتَ فِي الْمَعْرَكَةِ، لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يَصَلَّ عَلَيْهِ»: ... 452
* اتفاق الفقهاء على ذلك...................................................................
* اختلاف الفقهاء في حكم الصلاة على الشهيد مع بيان القول الراجح.....
* تنبيه: هل يغسل الشهيد إن كان جنباً؟ ..............................................
699 ... قوله « وَيُنَحَّى عَنْهُ الْحَدِيْدُ وَالْجُلُوْدُ، ثُمَّ يُزَمَّلُ فِيْ ثِيَابِهِ، وَإِنْ كُفِّنَ فِيْ غَيْرِهَا، فَلاَ بَأْسَ »: ... 453
* شرح كلام المؤلف...........................................................................
700 ... قوله « وَالْمُحْرِمُ يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»: ... 453(8/107)
* هل يبطل إحرام المحرم بالموت؟ .........................................................
* ذكر الخلاف في المسألة مع بيان القول الراجح.......................................
701 ... قوله « وَلاَ يُلْبَسُ مَخِيْطًا، وَلاَ يُقَرَّبُ طِيْبًا، وَلاَ يُغَطَّى رَأْسُهُ وَلاَ رِجْلاَهُ، وَلاَ يُقْطَعُ شَعْرُهُ وَلاَ ظُفُرُهُ»: ... 454
* بيان أن ذلك هو الراجح...................................................................
702 ... قوله « وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ الْمَيِّتِ فِيْ لَحْدٍ»: ... 454
* معنى كلام المؤلف...........................................................................
703 ... قوله « وَيُنْصَبُ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا، كَمَا فُعِلَ بِرَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - »: ... 454
704 ... قوله « وَلاَ يُدْخِلُ الْقَبْرَ آجُرًّا وَلاَ خَشَبًا، وَلاَ شَيْئًا مَسَّتْهُ النَّارُ»: ... 454
* تعليل الفقهاء لذلك.........................................................................
705 ... قوله « وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ»: ... 455
706 ... قوله « وَالْبُكَاءُ غَيْرُ مَكْرُوْهٍ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَدْبٌ وَلاَ نِيَاحَةٌ»: ... 455
* متى يحرم البكاء على الميت؟ ............................................................
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
707 ... قوله « وَلاَ بَأْسَ بِزِيَارَةِ الْقُبُوْرِ لِلرِّجَالِ»: ... 455
* دليل ما ذكره المؤلف.........................................................................
* حكم زيارة النساء للقبور..................................................................
708 ... قوله « وَيَقُوْلُ إِذَا مَرَّ بِهَا أَوْ زَارَهَا»: ... 456
* المرور بالمقبرة له حالتان:(8/108)
الحالة الأولى: إذا كانت غير مسورة........................................................
الحالة الثانية: إذا كانت مسورة...............................................................
709 ... قوله «سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِيْنَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُوْنَ، اللّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ،وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ،وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ،نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ»: ... 456
710 ... قوله « وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا، وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، نَفَعَهُ ذالِكَ»: ... 457
* ذكر الخلاف فيما ذكره المؤلف...........................................................
* الصواب في هذه المسألة.....................................................................
711 ... الفهرس ... 434
712(8/109)
كِتَابُ الزَّكَاةِ (1).
..................................................................................................................
الشرح:
(1) قوله =كِتَابُ الزَّكَاةِ+ الزكاة في اللغة لفظة مشتركة بين الطهارة والمدح والنماء والبركة، قال الله تعالى:[قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا](1) أي طهرها من الآثام، وقال تعالى:[فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ](2) أي تمدحوها، و يقال: زكا الزرع يزكو إذا نمى وزاد، ويقال: زكت النبتة إذا بورك فيها.
... وفي الاصطلاح هي=التعبد لله - عز وجل - بإخراج حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص لتحقيق رضا الله تعالى وتزكية النفس +، قال الله تعالى:[خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا](3).
... وقد تولى الله أمرين لم يجعل لأحد من خلقه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا عالم، ولا حاكم، ولا غيرهم أن يجتهد فيهما بتفصيل أو زيادة أو نقص أو غير ذلك:
... الأمر الأول: مصارف الزكاة:
... حيث حددها الله تعالى بقوله:[إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ](4).
... الأمر الثاني: المواريث:
... وَهِيَ وَاجِبَةٌ(1).......................................................................................
... وقد تدرج الشارع في أحكام الزكاة، فأمر بالصدقة عمومًا في مكة ثم بينت أنصبتها في المدينة.
... وللزكاة فوائد عظيمة، منها:
أ _ سل السخيمة من قلوب الفقراء.
بـ _ تطهير أصحاب الأموال من الشح والبخل.
جـ _ تطهير المال من أن تصيبه المصائب والآفات.
د _ تقوية روابط المجتمع.
__________
(1) سورة الشمس : 9.
(2) سورة النجم : 32.
(3) سورة التوبة : 103.
(4) سورة التوبة: 60.(9/1)
هـ _ تكفير السيئات ورفع الدرجات.
و _ إشاعة الأمن والطمأنينة بين أفراد المجتمع.
... ز _ أنها تجلب المحبة وتزيد المودة بين أفراد المجتمع.
... حـ _ في الزكاة امتحان للنفس؛ لأن المال حبيب للنفس، والنفس تضن به، لذلك قدمه الله في مواضع على الجهاد بالنفس.
(1) قوله =وَهِيَ وَاجِبَةٌ+ الواجب درجات، منه الركن ومنه ما هو أدنى منه، والزكاة من أعلى درجات الوجوب، فهي ركن من أركان الإسلام وفريضة من فرائضه العظام كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة والإجماع(*).
... أما أدلة الكتاب فمنها قوله تعالى:[وَآتُوا الزَّكَاةَ](1)، وقوله تعالى:[فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ](2)، وقوله تعالى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا](3).
... ..........................................................................................................
__________
(1) فصلت أهدافها وأحكامها وما تجب فيه من الأموال في كتابي =الزكاة+ فليراجع.
( ) سورة البقرة : 43،83، 110، وسورة النساء: 77، والنور:56، والمزمل:20.
(2) سورة التوبة : 11.
(3) سورة التوبة: 103.(9/2)
... = وأما دلالة السنة فمنها حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما _ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال=بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ+(1)، وكما جاء في حديث معاذ - رضي الله عنه - حينما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ومما قاله له:=... فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ+(2).
... وقد انعقد الإجماع(3) على فرضية الزكاة لهذه النصوص الواردة.
? حكم مانع الزكاة، لا يخلو مانع الزكاة من أمرين:
... الأول: أن يمنعها إنكارًا لها ولفرضيتها، فهذا إن كان ممن يعيش بين المسلمين ناشئًا ببلاد الإسلام فيحكم بكفره وردته وتجري عليه أحكام المرتدين، أما إن كان جاهلاً ومثله يجهله لكونه حديث عهد بالإسلام أو لأنه نشأ بمكان بعيد عن الإسلام والمسلمين فإنه لا يكفر لأنه معذور بل يعرَّف وجوبها وأنها من شعائر الإسلام الواجبة.
... الثاني: أن يمنع الزكاة بخلاً أو تأوّلاً مع إقراره بوجوبها فجمهور أهل العلم(4) على أنه لا يكفر، فإن مات في قتاله عليها ورثه المسلمون من أقاربه وصلي عليه.
... عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرٍّ(1)،..........................................................................
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان _ باب بني الإسلام على خمس (7)، ومسلم في كتاب الإيمان _ باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام (21) من حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما_.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب وجوب الزكاة (1308)، ومسلم في كتاب الإيمان _ باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (27).
(3) المغني (4/5).
(4) المغني (4/8)، المجموع (5/334).(9/3)
... = وفي رواية للإمام أحمد(1) أنه يحكم بكفره ولا يورث ولا يصلى عليه، لكن القول الأول هو الراجح أنه لا يكفر بل يكون فاسقًا.
... دليل ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : =مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ قَالَ وَلا صَاحِبُ إِبِلٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلا وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَالَ وَلا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلا جَلْحَاءُ وَلا عَضْبَاءُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى
__________
(1) المغني (4/8).(9/4)
يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ..+(1)
(1) قوله =عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرٍّ+ خرج به الكافر الأصلي والمرتد فإنه لا تصح منهم ولا تطلب منهم ويحاسبون عليها في الآخرة على الصحيح.
مَلَكَ نِصَابًا، مِلْكًا تَامًّا (1)، وَلاَ زَكَاةَ فِيْ مَالٍ حَتَّى يَحُوْلَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ(2)،............
... =وقوله =حُرٍّ+ خرج به المملوك؛ لأنه لا ملك له وهو وماله لسيده؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :=... وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِيْ بَاعَهُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ+(2)، فقوله =فَمَالُهُ لِلَّذِيْ بَاعَهُ+ أي ليس للمملوك فيه نصيب، فيكون المملوك
... كالفقير الذي ليس عنده مال.
(1) قوله =مَلَكَ نِصَابًا، مِلْكًا تَامًّا+ أي يشترط في الزكاة ملك النصاب، وهو يختلف باختلاف الأموال كما سيأتي إن شاء الله.
ودليل ملك النصاب ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: =لَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ+(3) .
... وقوله =مِلْكًا تَامًّا+ أي مستقرًّا، فخرج ما كان ملكه ناقصًا، وهو الذي لا يستطيع أن يحصل عليه مثل أن يكون عند مماطلٍ، فإذا تحصل عليه زكَّاه عن سنة واحدة في أصح قولي العلماء.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة _ باب إثم مانع الزكاة (1648).
(2) أخرجه البخاري في كتاب المساقات _ باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل (2205)، ومسلم في كتاب البيوع _ باب من باع نخلاً عليها ثمر (2854).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب ليس فيما دون خمسة ذود صدقة (1366)، ومسلم في كتاب الزكاة _ باب منه (1625) واللفظ للبخاري.(9/5)
... ومما لا يكون ملكه تامًّا أيضًا المال الموقوف فلا تجب فيه الزكاة وإن بلغ نصابًا.
(2) قوله =وَلاَ زَكَاةَ فِيْ مَالٍ حَتَّى يَحُوْلَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ+ لقوله - صلى الله عليه وسلم - := لَيْسَ فِيْ مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُوْلَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ+(1).
إِلاَّ الْخَارِجَ مِنَ الأَرْضِ(1)، وَنَمَاءَ النِّصَابِ مِنَ النِّتَاجِ وَالرِّبْحِ، فَإِنَّ حَوْلَهُمَا حَوْلُ أَصْلِهِمَا(2).
... = والمراد بالحول أن يتم على المال بيد صاحبه سنة كاملة، فإن لم تتم فلا زكاة فيه، والمعتبر في الحول هو السنة القمرية؛ لقوله تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ](2)، لكن يستثنى من ذلك ما سيذكره المؤلف.
(1) قوله =إِلاَّ الْخَارِجَ مِنَ الأَرْضِ+ من الغلال الزراعية كالحبوب والثمار، وكذا المعادن والركاز، فلا يشترط لوجوب الزكاة فيها حلول الحول، بل يجب إخراج زكاتها عند حصادها أو استخراجها من الأرض؛ لقوله تعالى : [وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ](3)، وسيأتي شيء من التفصيل في بيان ذلك إن شاء الله.
(
__________
(1) أخرجه أحمد (3/206) رقم (1200)، وأبو داود في كتاب الزكاة _ باب في زكاة السائمة (1342)، والترمذي في أبواب الزكاة _ باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول (573)، وابن ماجه في كتاب الزكاة _ باب من استفاد مالاً (1782)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/296) رقم (1391).
(2) سورة البقرة : 189.
(3) سورة الأنعام: 141.(9/6)
2) قوله =وَنَمَاءَ النِّصَابِ مِنَ النِّتَاجِ وَالرِّبْحِ، فَإِنَّ حَوْلَهُمَا حَوْلُ أَصْلِهِمَا + هذا أيضًا مستثنى مما يشترط له الحول، فنماء النصاب كنتاج السائمة وربح التجارة حولهما حول أصلهما مادام قد دار الحول على الأصل فلا يلزم أن يدور على النتاج والربح، مثال ذلك: لو أن إنسانًا عنده أربعون ألف ريال وزكاها، ثم قبل أن يحول عليها الحول بيوم ربح منها أربعين أخرى، فالواجب عليه أن يزكي عن ثمانين ألفًا مع أن الربح لم يحل عليه الحول، فهذا في الربح.
... أما النتاج فالمراد به نتاج السائمة من بهيمة الأنعام فلا يشترط في النتاج =
... ..........................................................................................................
= حلول الحول، مثال ذلك: لو أن إنسانًا عنده أربعون شاة تجب فيها الزكاة، فأنتجت هذه الأربعون حتى أصبحت مائة وإحدى وعشرين شاة، فهنا يجب إخراج زكاتها وهي شاتان، مع أن النماء لم يحل عليه الحول، وذلك لأن النماء يتبع الأصل.
? تنبيهان: أولاً: اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون، فالمالكية(1)، والشافعية(2)، والحنابلة(3) يوجبون الزكاة في مالهما؛ لعموم قوله تعالى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً](4) . فهي عامة في الأغنياء، لا فرق بين عاقل ولا مجنون، ولا بين صغير ولا كبير، وكل هؤلاء محتاجون إلى طهارة الله لهم وتزكيته إياهم.
... وذهب الحنفية(5)إلى عدم وجوب الزكاة في حقهم،والصحيح قول الجمهور، وهو اختيار سماحة شيخنا ابن باز(6) وشيخنا محمد العثيمين(7) رحمهما الله.
__________
(1) حاشية الدسوقي (1/455).
(2) المجموع (5/329ـ 331).
(3) المغني (4/69ـ 71).
(4) سورة التوبة: 103.
(5) فتح القدير والعناية مع الهداية (1/483)، بدائع الصنائع (3/504).
(6) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/235).
(7) الشرح الممتع (6/23).(9/7)
... ثانيًا: يشترط في الزكاة النماء، والمقصود به أن يكون المال من شأنه أن يدر على صاحبه ربحًا وفائدة، والنماء يتحقق في السوائم بالدر والنسل وفي الأموال المعدة للتجارة والأرض الزراعية العشرية وسائر الأموال التي تجب
... فيها الزكاة، ولا يشترط تحقق النماء بل يكفي قابلية المال للزيادة فيما لو =
... وَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ إِلاَّ فِيْ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيْمَةِ الأَنْعَامِ(1)، وَالْخَارِجِ مِنَ الأَرْضِ(2)، وَالأَثْمَانِ(3)، وَعُرُوْضِ التِّجَارَةِ(4).
... وَلاَ زَكَاةَ فِيْ شَيْءٍ مِنْ ذالِكَ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا (5)،......................................
... = وضع في مشاريع تجارية.
... وبهذا الشرط خرجت أشياء، منها: أثاث المنزل والعقارات، وكذا الأموال التي ادخرت للحاجات الأصلية كالطعام المدخر، وأدوات الحرفة، وما استعمله الصانع في صنعته التي تدر عليه بما يكفيه وما ينفق منه ودواب الركوب ودور السكنى.
(1) قوله =وَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ إِلاَّ فِيْ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيْمَةِ الأَنْعَامِ + هذا أول الأنواع التي تجب فيها الزكاة، وهي السائمة من بهيمة الأنعام، وسيأتي بيانها بالتفصيل قريبًا إن شاء الله.
(2) قوله =وَالْخَارِجِ مِنَ الأَرْضِ+ هذا هو النوع الثاني مما تجب فيه الزكاة، والخارج من الأرض يشمل الزروع والثمار والثروة المعدنية والبحرية والعسل عند بعض أهل العلم، وتكون الزكاة في الثروة المعدنية إذا كان يسمح بالتولي عليها، أما إذا كان يتولاها بيت المال فلا زكاة فيها، وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل إن شاء الله.
(3) قوله =وَالأَثْمَانِ + ويشمل الذهب والفضة والأوراق النقدية التي تنوب عنهما، وتشمل أيضاً الأسهم والسندات.
(4) قوله =وَعُرُوْضِ التِّجَارَةِ + هذا هو النوع الرابع والأخير مما تجب فيه الزكاة، وبيان ذلك كله سيذكره المؤلف إن شاء الله.
((9/8)
5) قوله =وَلاَ زَكَاةَ فِيْ شَيْءٍ مِنْ ذالِكَ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا+ هذا بإجماع المسلمين،=
..........................................................................................................
= والنصاب يختلف حسب أجناس الأموال الزكوية، فنصاب الإبل خمس، ونصاب البقر ثلاثون، ونصاب الغنم أربعون، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، ونصاب الفضة مائتا درهم، ونصاب الزروع والثمار خمسة أوسق.(9/9)
... ودليل ذلك كله حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ،وسنذكره بطوله هنا للحاجة إليه فيما بعد: روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، هَذِهِ فَرِيْضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِيْ فَرَضَ رَسُوْلُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمُسْلِمِيْنَ، وَالَّتِيْ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُوْلَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ: =فِيْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ، مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِيْنَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ فَفِيْهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِيْنَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ فَفِيْهَا بِنْتُ لَبُوْنٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِيْنَ إِلَى سِتِّيْنَ فَفِيْهَا حِقَّةٌ طَرُوْقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّيْنَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ فَفِيْهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِيْنَ إِلَى تِسْعِيْنَ فَفِيْهَا بِنْتَا لَبُوْنٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ إِلَى عِشْرِيْنَ وَمِائَةٍ فَفِيْهَا حِقَّتَانِ طَرُوْقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِيْنَ وَمِائَةٍ فَفِيْ كُلِّ أَرْبَعِيْنَ بِنْتُ لَبُوْنٍ، وَفِيْ كُلِّ خَمْسِيْنَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيْهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ فَفِيْهَا شَاةٌ، وَفِيْ صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِيْ سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِيْنَ إِلَى عِشْرِيْنَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ(9/10)
عَلَى عِشْرِيْنَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاَثِ مِائَةٍ فَفِيْهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ،فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِيْ كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ،=
وَتَجِبُ فِيْمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ(1)،.......................................................
... =فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِيْنَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيْهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ تِسْعِيْنَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيْهَا شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا+(1).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب زكاة الغنم (1362).(9/11)
... وفي رواية=مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِيْنَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيْهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِيْنَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلاَّ بِنْتُ لَبُوْنٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُوْنٍ وَيُعْطِيْ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِيْنَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُوْنٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيْهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِيْنَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُوْنٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِيْ مَعَهَا عِشْرِيْنَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ+(1).
... وفي رواية:=وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ+(2). وفي رواية:=وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيْطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ + (3).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب من بلغت عند صدقة بنت مخاض وليست عنده (1361)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع (1358).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب ما كان بين خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية (1359).(9/12)
1) قوله=وَتَجِبُ فِيْمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ + أي تجب فيما زاد عن النصاب ولو كانت هذه الزيادة قليلة، مثال ذلك: إذا قلنا إن نصاب الفضة مائتا درهم وشخص عنده خمسون درهمًا أخرى منها، فهذه الخمسون الزائدة على=
إِلاَّ السَّائِمَةَ، فَلاَ شَيْءَ فِيْ أَوْقَاصِهَا(1)......................................................
=النصاب تجب فيها الزكاة أيضًا.
... وكذلك لو كان عند إنسان خمسة أوسق من الحبوب، فما زاد عليها تجب فيه الزكاة ولو كان قليلاً كصاع أو صاعين كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
(2) قوله=إِلاَّ السَّائِمَةَ، فَلاَ شَيْءَ فِيْ أَوْقَاصِهَا + الأوقاص جمع وقص وهو ما بين النصابين فلا زكاة فيها، مثال ذلك: لو كان إنسان عنده ثلاثون بقرة فيجب فيها تبيع أو تبيعة _ كما سيأتي _ فإن زادت إلى الأربعين ففيها مسنة، فإن زادت عن الثلاثين أي كانت خمسة وثلاثين أو تسعة وثلاثين ولم تبلغ أربعين فليس فيها إلا تبيع أو تبيعة؛ لأنها لم تبلغ أربعين، وهذا معنى قوله =فَلاَ شَيْءَ فِيْ أَوْقَاصِهَا+.
بَابُ زَكَاةِ السَّائِمَةِ (1).
وَهِيَ الرَّاعِيَةُ (2)، وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ(3)......................................................
الشرح:
(1) قوله =بَابُ زَكَاةِ السَّائِمَةِ+ السائمة هي التي ترعى العشب ونحوه مما لم يزرعه الآدمي الحول كاملاً أوأكثر الحول.
... وقد اختلف الفقهاء في اشتراط السوم في وجوب الزكاة: فالجمهور(1) على أنه شرط، وذهب المالكية(2) إلى أن السوم ليس شرطًا بل تجب الزكاة في العوامل والمعلوفة أيضًا.
__________
(1) انظر في ذلك: الهداية وفتح القدير (1/509)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/389)، المجموع للنووي (5/324).
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/432).(9/13)
... والراجح ما ذهب إليه الجمهور، دليل ذلك حديث أنس المتقدم في الكتاب الذي كتبه أبو بكر - رضي الله عنه - في الصدقات،وفيه=.. وَفِيْ صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا..+ وأيضًا حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:=فِيْ كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٍ فِيْ كُلِّ أَرْبَعِيْنَ ابْنَةُ لَبُوْنٍ لاَ تُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا+(1).
(2) قوله=وَهِيَ الرَّاعِيَةُ+ هذا تفسير لمعنى قوله=السَّائِمَة+ .
(3) قوله=وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ+ أي ما تجب فيه الزكاة من بهيمة الأنعام هي هذه
الثلاث فقط: الإبل والبقر والغنم، وما عداها لا تجب فيه الزكاة إلا إذا =
أَحَدُهَا: الإِبِلُ، وَلاَ شَيْءَ فِيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا، فَيَجِبُ فِيْهَا شَاةٌ(1)، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِيْنَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ(2)،..................
=كانت عروض تجارة.
... وعلى ذلك نقول بأن بهيمة الأنعام على ثلاثة أقسام:
... أ _ أن تكون للدر والنسل وليست للتجارة فهذه لا شيء فيها.
... بـ _ أن تكون عروض تجارة _ أي للبيع والشراء _ فهذه تزكى زكاة عروض التجارة، فتقوَّم ويخرج ربع العشر.
... جـ _ أن تكون سائمة ترعى أكثر الحول، فهذه تزكى زكاة السائمة وهي المقصودة هنا.
(1) قوله =أَحَدُهَا:الإِبِلُ،وَلاَ شَيْءَ فِيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا، فَيَجِبُ فِيْهَا شَاةٌ + بدأ المؤلف في بيان القدر الذي تجب فيه الزكاة في بهيمة الأنعام،فبدأ بالإبل وهي أنفسها وأعلاها وأحبها عند أهلها.
__________
(1) أخرجه أحمد (40/487) رقم (19165) واللفظ له، وأبو داود في كتاب الزكاة _ باب في زكاة السائمة (1344)، والنسائي في كتاب الزكاة _ باب عقوبة مانع الزكاة (2401)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/296) رقم (1392).(9/14)
وقوله =وَلاَ شَيْءَ فِيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا+ أي لا تجب الزكاة في أقل من الخمس وإن كانت سائمة ؛ دليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :=... وَلَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ+(1)، فإذا بلغت النصاب وهو خمس من الإبل فهنا تجب فيها الزكاة وهي شاة لحديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - المتقدم.
(2) قوله=وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِيْنَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ+أي إذا بلغت النصاب في الإبل إلى عشر ففيها شاتان،فإن كانت أقل من ذلك،تسعًا مثلاً فليس فيها إلا شاة واحدة, وكذا إذا كانت أربع عشرة=
إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ،فَفِيْهَا بِنْتُ مَخَاضٍ،وَهِيَ: بِنْتُ سَنَةٍ(1)،فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ، فَابْنُ لَبُوْنٍ، وَهُوَ: ابْنُ سَنَتَيْنِ(2)، إِلَى سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ، فَيَجِبُ فِيْهَا ابْنَةُ لَبُوْنٍ(3)، إِلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ، فَيَجِبُ فِيْهَا حِقَّةٌ لَهَا ثَلاَثُ سِنِيْنَ(4)،...................................
=فليس فيها إلا شاتان، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه،وهكذا.
(1) قوله=إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ، فَفِيْهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَهِيَ: بِنْتُ سَنَةٍ + أي متى بلغت النصاب في الإبل إلى خمس وعشرين فهنا يخرج عنها بنت مخاض وهي ما تم لها سنة من الإبل من ولادتها، وسميت بذلك لأن الغالب على أمها أنها ماخض أي ذات حمل.
... وعلى ذلك لو أخرج المزكي عن خمس وعشرين من الإبل خمس شياه لم تجزئ، لكن إن أخرج عن ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين بنت مخاض بدلاً من أربع شياه فإنها تجزئه على القول الراجح عند أهل العلم.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب ليس فيما دون خمسة ذود صدقة (1366)، ومسلم في كتاب الزكاة _ باب منه (1625) واللفظ للبخاري.(9/15)
2) قوله=فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ، فَابْنُ لَبُوْنٍ، وَهُوَ: ابْنُ سَنَتَيْنِ + أي إن عدم المزكي عند حلول الحول بنت مخاض التي هي زكاة خمس وعشرين من الإبل، فإنه يخرج عنها ابن لبون ذكراً وهو ما تم له سنتان من الإبل، وسمي بذلك لأن أمه ذات لبن.
(3) قوله=إِلَى سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ، فَيَجِبُ فِيْهَا ابْنَةُ لَبُوْنٍ + أي إذا بلغت الإبل السائمة ستاً وثلاثين تكون زكاتها ابنة لبون وهي كما ذكرنا ما تم لها سنتان منذ ولدت.
(4) قوله=إِلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ، فَيَجِبُ فِيْهَا حِقَّةٌ لَهَا ثَلاَثُ سِنِيْنَ + والحقة كما ذكرها المؤلف ما تم لها ثلاث سنين، وسميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل.
إِلَى إِحْدَى وَسِتِّيْنَ، فَيَجِبُ فِيْهَا جَذَعَةٌ، وَلَهَا أَرْبَعُ سِنِيْنَ(1)، إِلَى سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، فَفِيْهَا ابْنَتَا لَبُوْنٍ(2)، إِلَى إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، فَفِيْهَا حِقَّتَانِ، إِلَى عِشْرِيْنَ وَمِائَةٍ(3)، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيْهاَ ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُوْنٍ(4)، ثُمَّ فِيْ كُلِّ خَمْسِيْنَ حِقَّةٌ، وَفِيْ كُلِّ أَرْبَعِيْنَ بِنْتُ لَبُوْنٍ(5)،....................................................................................
(1) قوله =إِلَى إِحْدَى وَسِتِّيْنَ، فَيَجِبُ فِيْهَا جَذَعَةٌ، وَلَهَا أَرْبَعُ سِنِيْنَ + وسميت جذعة لسقوط بعض أسنانها، وهي ما تم لها أربع سنين.
(2) قوله =إِلَى سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، فَفِيْهَا ابْنَتَا لَبُوْنٍ + فإن أخرج بنت لبون وابن لبون لم يجزئ ذلك.
(3) قوله =إِلَى إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، فَفِيْهَا حِقَّتَانِ، إِلَى عِشْرِيْنَ وَمِائَةٍ+ أي إذا كانت الإبل عددها من إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين فالواجب فيها حقتان طروقتا الفحل.
((9/16)
4) قوله =فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيْهاَ ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُوْنٍ+ أي إذا زادت الإبل عن مائة وعشرين واحدة فصارت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون، وهنا تستقر الفريضة، وبعد ذلك إن زادت تتغير الفريضة.
(5) قوله =ثُمَّ فِيْ كُلِّ خَمْسِيْنَ حِقَّةٌ، وَفِيْ كُلِّ أَرْبَعِيْنَ بِنْتُ لَبُوْنٍ + أي إذا بلغت النصاب مائة وثلاثين فيخرج عن كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون إلى مائتين، فيكون التوزيع كالآتي:=في مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي مائة وستين أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون، وهكذا إلى مائة وتسعة وتسعين.
فإذا بلغت مائتين فهنا قال المؤلف:=إِلَى مِئَتَيْنِ،فَيَجْتَمِعُ الْفَرْضَانِ،فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ، وَإِنْ شَاءَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُوْنٍ+.
إِلَى مِئَتَيْنِ، فَيَجْتَمِعُ الْفَرْضَانِ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ، وَإِنْ شَاءَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُوْنٍ(1). وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يَجِدْهَا، أَخْرَجَ أَدْنَى مِنْهَا وَمَعَهَا شَاتَانِ، أَوْ عِشْرُوْنَ دِرْهَمًا(2)،.......................................................................................
(1) قوله =إِلَى مِئَتَيْنِ، فَيَجْتَمِعُ الْفَرْضَانِ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ، وَإِنْ شَاءَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُوْنٍ+ أي متى زادت الإبل فبلغت المائتين فيجتمع الفرضان يعني بنت لبون وحقة لكنه مخير هنا بين أن يخرج أربع حقاق أو خمساً من بنات لبون عوضًا عن أربع حقاق، وهكذا كلما تساوى الفرضان فإنه يخير بين الحقة وبنت لبون، فمثلاً إذا بلغ النصاب أربعمائة فإنه إن شاء أخرج ثماني حقاق أو عشر بنات لبون، وهكذا عن الستمائة.
((9/17)
2) قوله =وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يَجِدْهَا، أَخْرَجَ أَدْنَى مِنْهَا وَمَعَهَا شَاتَانِ، أَوْ عِشْرُوْنَ دِرْهَمًا+ أي من وجب عليه نوع من الأنواع التي هي بنت مخاض أو بنت لبون أو حقة أو جذعة ولم يجدها عنده، فماذا يفعل؟
... قال المؤلف ×:=أَخْرَجَ أَدْنَى مِنْهَا وَمَعَهَا شَاتَانِ، أَوْعِشْرُوْنَ دِرْهَمًا + فمثلاً إنسان وجبت عليه زكاة الإبل، والواجب عليه أن يخرجها بنت لبون ولم تكن عنده، فهنا يخرج أدنى منها وهي بنت مخاض _ إذا كانت عنده _ ويخرج معها شاتين جبرًا للنقص، أو أخرج بدل الشاتين قيمتهما.
... وقوله=أَوْ عِشْرُوْنَ دِرْهَمًا+ تقديرًا في جبران الزيادة والنقصان دليل ذلك حديث أنس بن مالك المتقدم، لكن هل العشرون درهمًا تقويم للشاتين أم هو تعيين بدلاً من الشاتين؟ اختلف في ذلك الفقهاء: والراجح أنها تقويم للشاتين، فلا يكفي أن يعطيه عشرين درهمًا بدلاً من الشاتين بل عليه أن يحسب قيمة الشاتين ثم يعطيه هذه القيمة حسب الزمان والمكان والأسعار.
وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَعْلَى مِنْهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِيْنَ دِرْهَمًا(1).
(1) قوله =وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَعْلَى مِنْهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِيْنَ دِرْهَمًا + أي المزكي الذي لم يجد الواجب عليه في الزكاة إن شاء أخرج أعلى من الواجب وأخذ شاتين أو قيمتهما على الصحيح، مثال ذلك :
... إنسان وجبت عليه حقة، فلم يجدها، وعنده جذعة، فهنا يجوز له أن يخرج الجذعة ويأخذ من عامل الزكاة شاتين أو قيمتهما؛ لأن الجذعة قيمتها أعلى من الحقة.
? ذكر بعض التنبيهات في زكاة الإبل:
... أولاً: الذي يؤخذ في زكاة الإبل الإناث دون الذكور إلا ابن لبون إن عدم بنت مخاض _ كما ذكرنا ذلك سابقًا _ بخلاف البقر فتؤخذ منها الذكور مكان الإناث، فيخرج تبيعة أو تبيعاً.
... ثانيًا: إذا كانت الإبل كلها ذكورًا أجزأ الذكر في إخراج الزكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم.(9/18)
... ثالثًا: إن تطوع المزكي فأخرج عما وجب عليه سنًّا أعلى من السن الواجب جاز.
... مثال ذلك: أخرج بنت لبون عن بنت مخاض، أو أخرج عن بنت لبون حقة أو جذعة جاز له ذلك.
... ..........................................................................................................
وهذا جدول تفصيلي لبيان زكاة الإبل:
العدد ... الواجب
من ... إلى
5 ... شاة
10 ... شاتان
15 ... ثلاث شياه
20 ... أربع شياه
25 ... بنت مخاض ( ما لها سنة ودخلت في الثانية )
36 ... بنت لبون ( ما لها سنتان ودخلت في الثالثة )
46 ... حقة ( ما تم له ثلاث سنين ودخل في الرابعة )
61 ... جذعة ( ما تم له أربع سنين ودخل في الخامسة )
76 ... بنتا لبون
91 ... حقتان
النَّوْعُ الثَّانِيْ: الْبَقَرُ(1)، وَلاَ شَيْءَ فِيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاَثِيْنَ(2)، فَيَجِبُ فِيْهَا تَبِيْعٌ، أَوْ تَبِيْعَةٌ، لَهَا سَنَةٌ(3)، إِلَى أَرْبَعِيْنَ، فَفِيْهَا مُسِنَّةٌ، لَهَا سَنَتَانِ(4)،................. ...
(1) قوله =النَّوْعُ الثَّانِيْ: الْبَقَرُ+ هذا هو النوع الثاني مما تجب فيه الزكاة من بهيمة الأنعام، والبقر سميت بذلك لأنها تبقر الأرض بالحراثة أي تشقها، ونصابها يشاركها فيه الجواميس؛ لأنهما من جنس واحد، وهذا بإجماع أهل العلم.
((9/19)
2) قوله =وَلاَ شَيْءَ فِيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاَثِيْنَ+ هذا باتفاق الفقهاء، فلا زكاة في البقر حتى تبلغ الثلاثين. وذهب سعيد بن المسيب والزهري(1) إلى أن في البقر من خمس إلى أربع وعشرين في كل خمس شاة قياسًا على زكاة الإبل، لكن الصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، دليل ذلك حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - =أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلاَثِيْنَ تَبِيْعًا أَوْ تَبِيْعَةً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِيْنَ مُسِنَّةً وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ _ يَعْنِيْ مُحْتَلِمًا_ دِيْنَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ _ ثِيَابٌ تَكُوْنُ بِالْيَمَنِ _ +(2) .
(3) قوله =فَيَجِبُ فِيْهَا تَبِيْعٌ، أَوْ تَبِيْعَةٌ، لَهَا سَنَةٌ + مما تنفرد به زكاة البقر أنها يستوي فيها الذكر والأنثى، فيخرج تبيعًا أو تبيعة، وهي ما لها سنة ودخلت في الثانية، وسميت بذلك لأنها تتبع أمها.
(4) قوله =إِلَى أَرْبَعِيْنَ، فَفِيْهَا مُسِنَّةٌ، لَهَا سَنَتَانِ + فما بين الثلاثين والأربعين ليس فيها شيء لأنه وقص، لكن إذا بلغت أربعين ففيها مسنة وهي ما تم لها =
إِلَى سِتِّيْنَ، فَفِيْهَا تَبِيْعَانِ، إِلَى سَبْعِيْنَ فَفِيْهَا تَبِيْعٌ وَمُسِنَّةٌ(1)، ثُمَّ فِيْ كُلِّ ثَلاَثِيْنَ تَبِيْعٌ، وَفِيْ كُلِّ أَرْبَعِيْنَ مُسِنَّةٌ(2).
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/424).
(2) أخرجه أحمد (44/498) رقم (21005)، وأبو داود في كتاب الزكاة _ باب في زكاة السائمة (1345)، والترمذي في أبواب الزكاة _ باب ما جاء في زكاة البقر (566)، والنسائي في كتاب الزكاة _ باب زكاة البقر (2407)، وابن ماجه في كتاب الزكاة _ باب صدقة البقر _ رقم(1793)واللفظ لأبي داود،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود(1/296)رقم (1576).(9/20)
... =سنتان، وسميت بذلك لأنها خرجت أسنانها، لكن هل يجوز أخذ الذكر المسن؟
... الجمهور(1) على أنه لا يؤخذ إلا المسنة الأنثى، والحنفية(2) يرون جواز أخذ الذكر المسن، والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لأن النص إنما ورد فيه.
(1) قوله =إِلَى سِتِّيْنَ، فَفِيْهَا تَبِيْعَانِ، إِلَى سَبْعِيْنَ فَفِيْهَا تَبِيْعٌ وَمُسِنَّةٌ + يلاحظ أن أوقاص البقر تسعة تسعة، والوقص _ كما ذكرنا _ هو ما بين النصابين، وحكمه: لا شيء فيه.
(2) قوله =ثُمَّ فِيْ كُلِّ ثَلاَثِيْنَ تَبِيْعٌ، وَفِيْ كُلِّ أَرْبَعِيْنَ مُسِنَّةٌ + ففي الثمانين مسنتان، وفي التسعين ثلاثة أتبعة، وفي مائة تبيعان ومسنة، وفي مائة وعشرين يتساوى الفرضان فله الخيار في إخراج أربعة أتبعة أو ثلاث مسنات.
... ..........................................................................................................
وهذا جدول تفصيلي لبيان زكاة البقر:
العدد ... الواجب
من ... إلى
1 ... لا شيء فيها
30 ... عجل تبيع ( ما كان له سنة كاملة )
40 ... مسنة ( ما تم له سنتان كاملتان )
60 ... تبيعان
70 ... مسنة وتبيع
80 ... مسنتان
90 ... ثلاثة أتبعة
100 ... تبيعان ومسنة
110 ... تبيع ومسنتان
120 ... أربعة أتبعة أو ثلاث مسنات
... وهكذا في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة.
... ...
النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْغَنَمُ(1)، وَلاَ شَيْءَ فِيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِيْنَ، فَفِيْهَا شَاةٌ، إِلَى عِشْرِيْنَ وَمِائَةٍ(2)، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيْهَا شَاتَانِ، إِلَى مِئَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيْهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ(3)، ثُمَّ فِيْ كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ(4)،.......................................
(1) قوله =النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْغَنَمُ+ أي النوع الثالث مما تجب فيه الزكاة الغنم.
(
__________
(1) الشرح الكبير (1/434)، شرح المنهاج (3/9)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/426).
(2) حاشية ابن عابدين (2/18).(9/21)
2) قوله =وَلاَ شَيْءَ فِيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِيْنَ، فَفِيْهَا شَاةٌ، إِلَى عِشْرِيْنَ وَمِائَةٍ + شرع المؤلف في بيان نصاب زكاة الغنم وما يجب إخراجه فيها، فبين أنها من الواحدة إلى تسع وثلاثين لا شيء فيها أي لا تجب فيها الزكاة، فإذا بلغت أربعين وجبت فيها الزكاة وهي شاة واحدة إلى أن تبلغ مائة وعشرين.
(3) قوله =فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيْهَا شَاتَانِ، إِلَى مِئَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيْهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ + وهذا واضح لا إشكال فيه.
(4) قوله =ثُمَّ فِيْ كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ + أي إذا بلغت أربعمائة فهنا يخرج أربع شياه، وفي خمسمائة خمس شياه وهكذا، وهذا مجمع عليه عند أهل العلم كما في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - المتقدم.
العدد ... الواجب
من ... إلى
1 ... لا شيء فيها
40 ... شاة
121 ... شاتان
201 ... ثلاث شياه
400 ... أربع شياه
500 ... خمس شياه
وهذا جدول تفصيلي لبيان زكاة الغنم:
وَلاَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ تَيْسٌ، وَلاَ ذَاتَ عَوَارٍ، وَلاَ هَرِمَةٌ(1)، وَلاَ الرُّبَّى، وَلاَ الْمَاخِضُ، وَلاَ الأَكُوْلَةُ(2)،............................................................................
(1) قوله =وَلاَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ تَيْسٌ، وَلاَ ذَاتَ عَوَارٍ، وَلاَ هَرِمَةٌ + دليل ذلك ما رواه البخاري في كتاب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في الصدقة=وَلاَ يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا ذَاتُ عَوَارٍ وَلاَ تَيْسٌ إِلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ +(1).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق (1363).(9/22)
والتيس هو فحل الغنم، والعلة في عدم أخذه أنه تيس الضِّراب ويحتاجه المزكي، ويكون النهي عن أخذه في الحديث لما فيه من ظلم لصاحب الغنم وقد قال - صلى الله عليه وسلم - :=لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيْبِ نَفْسٍ مِنْهُ +(1) ، لكن إن شاء ربه جاز أخذه.
والمراد بذات العوار هي المعيبة التي لا يضحى بها، وأما الهرمة فهي الكبيرة التي سقطت أسنانها.
(2) قوله=وَلاَ الرُّبَّى، وَلاَ الْمَاخِضُ، وَلاَ الأَكُوْلَةُ + الربى هي التي تربى في البيت لأجل لبنها. والماخض الحامل التي حان وقت ولادتها. والأكولة السمينة المعدة للأكل.
... فهذه الثلاث لا يجوز أخذها؛ لأن في أخذها نوع ضرر على المزكي وقد قال - صلى الله عليه وسلم - :=... فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ... +(2) .
وَلاَ يُؤْخَذُ شِرَارُ الْمَالِ(1)، وَلاَ كَرَائِمُهُ، إِلاَّ أَنْ يَتَبَرَّعُوْا بِهِ(2)، وَلاَ يُخْرِجُ إِلاَّ أُنْثَى صََحِيْحَةً(3)،.........................................................................................
(1) قوله =وَلاَ يُؤْخَذُ شِرَارُ الْمَالِ + لقوله تعالى: [وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ](3)، ولحديث أبي بكر - رضي الله عنه - المتقدم، و أيضًا في إخراجها جناية على حق الفقراء إذ كيف ينتفع الفقير بشرار المال.
(2) قوله =وَلاَ كَرَائِمُهُ، إِلاَّ أَنْ يَتَبَرَّعُوْا بِهِ + أما النهي عن أخذ الكرائم فلحديث معاذ - رضي الله عنه - المتقدم.
__________
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/100)، والدارقطني (7/171) رقم (2924)، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (7662) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا (1401)، ومسلم في كتاب الإيمان _ باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام _ (27).
(3) سورة البقرة : 267.(9/23)
... أما جواز قبولها عند تبرع المزكي بذلك فلقوله تعالى:[حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ](1)،ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي بكر المتقدم في التيس=إِلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ + .
(3) قوله =وَلاَ يُخْرِجُ إِلاَّ أُنْثَى صََحِيْحَةً + اختلف الفقهاء في جواز إخراج الذكر في زكاة الغنم: فالحنفية(2)، والمالكية(3) على جواز إخراجه؛ وعللوا لذلك بأن اسم الشاة يصدق على الذكر والأنثى، ولأن الشاة إذا أمر بها مطلقًا أجزأ فيها الذكر كالأضحية والهدي.
... وقال الشافعية(4)، والحنابلة(5): أن المتعين في إخراج الزكاة في الغنم هو الأنثى ليس الذكر، وهو الصحيح.
إِلاَّ فِيْ ثَلاَثِيْنَ مِنَ الْبَقَرِ(1)، وَابْنَ لَبُوْنٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ إِذَا عَدِمَهَا(2)، إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا ذُكُوْرًا(3) أَوْ مِرَاضًا، فَيُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْهَا (4)، وَلاَ يُخْرِجُ إِلاَّ جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ، أَوْ ثَنِيَّةً مِنَ الْمَعْزِ(5)،..........................................................
(1) قوله =إِلاَّ فِيْ ثَلاَثِيْنَ مِنَ الْبَقَرِ + هذا مستثنى مما سبق، ففي البقر يجوز إخراج الذكر إذا كان النصاب ثلاثين فقط، فيخرج تبيعًا مكان التبيعة، وقد سبق بيان ذلك.
(2) قوله =وَابْنَ لَبُوْنٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ إِذَا عَدِمَهَا + وهذا في الإبل كما سبق، فيخرج ابن لبون مكان بنت مخاض عند عدم وجود بنت مخاض.
(3) قوله =إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا ذُكُوْرًا + أي إذا كان النصاب كله ذكورًا فإنه يجزئ أن يخرج منها ذكرًا؛ لأن هذا غاية ما يملكه.
(
__________
(1) سورة آل عمران : 92.
(2) حاشية ابن عابدين (2/18ـ 19).
(3) الشرح الكبير (1/425).
(4) المجموع للنووي (5/422).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/444ـ 446).(9/24)
4) قوله =أَوْ مِرَاضًا، فَيُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْهَا + أي إذا كانت ماشيته كلها مراضًا فيجزئ أن يخرج واحدةً منها، وقيل بل يكلف بشراء صحيحة ليخرجها(1) محل المريضة أخذًا بظاهر النص، وقال بعض الفقهاء يخرج صحيحة مع مراعاة القيمة، والقول الأول هو الصحيح لأن هذا غاية ما يملكه، وقد قال تعالى [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] (2).
(5) قوله =وَلاَ يُخْرِجُ إِلاَّ جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ، أَوْ ثَنِيَّةً مِنَ الْمَعْزِ + ذكرنا سابقًا أن الضأن والمعز يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب بإجماع أهل العلم، فإن بلغ النصاب عنده بعد ضم أحدهما للآخر فإنه يخرج جذعة من الضأن وهي ما تم لها ستة أشهر، أو يخرج مكانها ثنية من المعز وهي ما تم لها سنة.
أَوِ السِّنَّ الْمَنْصُوْصَ عَلَيْهَا(1)، إِلاَّ أَنْ يَخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ إِخْرَاجَ سِنٍّ أَعْلَى مِنَ الْوَاجِبِ(2)، أَوْ تَكُوْنَ كُلُّهَا صِغَارًا، فَيُجْزِئُ صَغِيْرَةً(3).
(1) قوله =أَوِ السِّنَّ الْمَنْصُوْصَ عَلَيْهَا+ أي لا يخرج إلا السن المنصوص عليها كما في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - المتقدم، هذا إذا كان سيخرج سنًّا أصغر من المنصوص عليه، لكن إذا كان سيخرج سنًّا أعلى منه فقد قال المؤلف:
(2) قوله =إِلاَّ أَنْ يَخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ إِخْرَاجَ سِنٍّ أَعْلَى مِنَ الْوَاجِبِ+ مثل أن يخرج بدل بنت مخاض بنت لبون أو حقة أو جذعة، أو عن بنت لبون حقة أو جذعة، جاز له ذلك.
__________
(1) انظر في ذلك: المغني (4/28).
(2) الحج: 78.(9/25)
... وهذا مستثنى مما سبق، فلربِّ المال إعطاء السّاعي على الزّكاة سنًّا أكبر من السنّ المنصوص عليه مع وجود المنصوص عليه، وهذا أفضل، فعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل من رجل ناقة فتية عظيمة سمينة مكان ابنة مخاض لما تبرّع بها ودعا له بالبركة (1).
... أما عند عدم وجود المنصوص عليه فيكون الحال كما ذكرنا سابقًا عند قول المؤلف=وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يَجِدْهَا، أَخْرَجَ أَدْنَى مِنْهَا وَمَعَهَا شَاتَانِ، أَوْ عِشْرُوْنَ دِرْهَمًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَعْلَى مِنْهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِيْنَ دِرْهَمًا + وهذا الجبران في الإبل فقط وما عداها لا يكون فيه جبران.
(3) قوله =أَوْ تَكُوْنَ كُلُّهَا صِغَارًا،فَيُجْزِئُ صَغِيْرَةً+ هذا هو المستثنى الثاني مما يجزئ إخراجه في غير السن المنصوص عليه وهو ما إذا كانت السائمة كلها صغارًا فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة: فقال بعضهم لا تجب الزكاة إذا كان =
وَإِنْ كَانَ فِيْهَا صِحَاحٌ وَمِرَاضٌ، وَذُكُوْرٌ وَإِنَاثٌ، وَصِغَارٌ وَكِبَارٌ، أَخْرَجَ صَحِيْحَةً كَبِيْرَةً، قِيْمَتُهَا عَلَى قَدْرِ قِيْمَةِ الْمَالَيْنِ(1)، وَإِنْ كَانَ فِيْهَا بَخَاتِيُّ وَعِرَابٌ(2)، وَبَقَرٌ وَجَوَامِيْسُ(3)،....................................................................
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (43/284) رقم (20319)، وأبو داود في كتاب الزكاة _ باب في زكاة السائمة (1350)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/298) رقم (1401).(9/26)
... = جنسها صغارًا. والصواب إذا كان المال كله صغارًا فإنه يخرج صغارًا ؛ لقول أبي بكر - رضي الله عنه - :=... وَاللهِ لَوْ مَنَعُوْنِيْ عَنَاقًا كَانُوْا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُوْلِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا+(1)، والعناق لا يؤدى إلا عن الصغار.
(1) قوله =وَإِنْ كَانَ فِيْهَا صِحَاحٌ وَمِرَاضٌ، وَذُكُوْرٌ وَإِنَاثٌ، وَصِغَارٌ وَكِبَارٌ، أَخْرَجَ صَحِيْحَةً كَبِيْرَةً، قِيْمَتُهَا عَلَى قَدْرِ قِيْمَةِ الْمَالَيْنِ+ فيأخذ كبيرة صحيحة أقل من قيمة الصحاح وأعلى من المراض وكذا في الكبار والصغار يأخذ كبيرة أقل من قيمة الكبار وأعلى من قيمة الصغار.
... وطريقة ذلك أن يقوِّم الصغار والكبار في الصحاح والمراض ثم يجمع قيمة المالين ويقسمها على اثنين، مثال ذلك: إذا كانت الصحيحة قيمتها مائتان، والمريضة قيمتها مائة، فيكون المجموع ثلاثمائة يقسمها على اثنين فتكون النتيجة مائة وخمسين، فيخرج صحيحة قيمتها مائة وخمسون بين قيمة الصحاح والمراض، وهكذا الكبار والصغار.
(2) قوله =وَإِنْ كَانَ فِيْهَا بَخَاتِيُّ وَعِرَابٌ + البخاتي جمع بختية وهي إبل العجم والترك ذات سنامين، وعراب هي الإبل العربية ذات السنام الواحد.
(3) قوله =وَبَقَرٌ وَجَوَامِيْسُ + ذكرنا فيما سبق أن الجاموس يضم إلى البقر عند حساب النصاب، وقد نقل ابن المنذر(2) الإجماع على ذلك.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب وجوب الزكاة (1312).
(2) الإجماع لابن المنذر، ص47.(9/27)
وَمَعْزٌ وَضَأْنٌ(1)، وَكِرَامٌ وَلِئَامٌ(2)، وَسِمَانٌ وَمَهَازِيْلُ(3)، أُخِذَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِقَدْرِ قِيْمَةِ الْمَالَيْنِ(4). وَإِنِ اخْتَلَطَ جَمَاعَةٌ فِيْ نِصَابٍ مِنَ السَّائِمَةِ حَوْلاً كَامِلاً، وَكَانَ مَرْعَاهُمْ وَفَحْلُهُمْ، وَمَبِيْتُهُمْ وَمِحْلَبُهُمْ،وَمَشْرَبُهُمْ وَاحِدًا،فَحُكْمُ زَكَاتِهِمْ حُكْمُ زَكَاةِ الْوَاحِدِ(5).
(1) قوله =وَمَعْزٌ وَضَأْنٌ+ وهذا بالإجماع أيضًا فيضم كلاً منهما إلى الآخر في نصاب الزكاة.
(2) قوله =وَكِرَامٌ وَلِئَامٌ + الكرام هي النفيسة المحبوبة عند أهلها، واللئام ضد الكريمة وهي الرديئة من البهائم.
(3) قوله =وَسِمَانٌ وَمَهَازِيْلُ+ السمان هي ذات اللحم، وضدها المهازيل وهي الهزيلة الضعيفة التي لا لحم لها. فما الحكم في هذه المذكورات كلها؟ قال المؤلف:
(4) قوله =أُخِذَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِقَدْرِ قِيْمَةِ الْمَالَيْنِ+ كما سبق في المسألة الماضية أي التي قبل هذه.
(5) قوله =وَإِنِ اخْتَلَطَ جَمَاعَةٌ فِيْ نِصَابٍ مِنَ السَّائِمَةِ حَوْلاً كَامِلاً، وَكَانَ مَرْعَاهُمْ وَفَحْلُهُمْ، وَمَبِيْتُهُمْ وَمِحْلَبُهُمْ، وَمَشْرَبُهُمْ وَاحِدًا، فَحُكْمُ زَكَاتِهِمْ حُكْمُ زَكَاةِ الْوَاحِدِ+ بين المؤلف حكم المختلطة في بهيمة الأنعام، وما ذكره المؤلف هنا خلطة أوصاف، إذ الخلطة منها ما هي خلطة أعيان، ومنها ما هي خلطة أوصاف. فخلطة الأعيان هي أن يكون المال مشتركًا بين رجلين في الملك، مثل أن يكون رجل توفي وترك ثمانين شاة مشتركة بين الاثنين شركة أعيان،فيكون لكل واحد منهما النصف وهي أربعون شاة لأحدهما وللآخر مثلها، وكذلك تكون بالشراء.
وَإِذَا أُخْرِجَ الْفَرْضُ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمْ، رَجَعَ عَلَى خُلَطَائِهِ بِحِصَصِهِمْ مِنْهُ(1)،.
... = وخلطة الأوصاف هي التي ذكرها المؤلف هنا، ولها ضوابط:
... الأول: أن يكون الخليطان من أهل الزكاة.(9/28)
الثاني: أن يختلطا في نصاب أو أكثر.
الثالث: أن تكون الخلطة في السائمة، أما غيرها فلا تؤثر لأن النص اختص بها.
الرابع: أن تكون الخلطة في أشياء وهي:
أ _ أن يكون الفحل واحدًا
بـ _ أن يكون المرعى لها جميعًا
جـ _ أن يكون المبيت لها جميعًا
د _ أن يكون مشربهم واحدًا
هـ _ أن يكون محلبهم واحدًا.
الخامس: أن يختلطا في جميع الحول لا بعضه.
السادس: أن يختلطا للمصلحة ويتفرقا لأجلها.
فمتى كانت الخلطة بهذه الضوابط فهي خلطة أوصاف تجعل المالين كالمال الواحد، ودليل ما ذكرناه حديث أنس - رضي الله عنه - المتقدم في كتاب أبي بكر - رضي الله عنه - في الصدقات وفيه:=وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيْطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ + .
(1) قوله=وَإِذَا أُخْرِجَ الْفَرْضُ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمْ، رَجَعَ عَلَى خُلَطَائِهِ بِحِصَصِهِمْ مِنْهُ+ وذلك كأن يكون لأحد الخليطين عشر شياه وللآخر ثلاثون وأخذ المصدق الواجب وهو شاة واحدة، فهنا على صاحب العشر الربع وعلى=
وَلاَ تُؤَثِّرُ الْخِلْطَةُ فِيْ غَيْرِ السَّائِمَةِ(1).................................................................
=صاحب الثلاثين ثلاثة أرباع.
(1) قوله =وَلاَ تُؤَثِّرُ الْخِلْطَةُ فِيْ غَيْرِ السَّائِمَةِ + فلا تؤثر في عروض التجارة، ولا في الخارج من الأرض، ولا في النقدين، فلا تأثير في الخلطة إلا في بهيمة الأنعام؛ لأن النص إنما ورد فيها فلا يحمل على غير الماشية .
بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنَ الأَرْضِ(1).
وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: النَّبَاتُ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ مِنْهُ فِيْ كُلِّ حَبٍّ وَثَمَرٍ، يُكَالُ وَيُدَّخَرُ(2)،..................................................................................................
الشرح:
((9/29)
1) قوله =بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنَ الأَرْضِ+ ويسميه أيضًا بعض الفقهاء: باب زكاة الحبوب والثمار، ولكن ما ذكره المؤلف هنا أشمل؛ لأن ما يخرج من الأرض قد يكون حبوبًا وثمارًا، وقد يكون معدنًا وغيره.
(2) قوله =وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: النَّبَاتُ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ مِنْهُ فِيْ كُلِّ حَبٍّ وَثَمَرٍ، يُكَالُ وَيُدَّخَرُ + أي تجب الزكاة في الحبوب والثمار لكن بشرط أن تكون مما يكال ويدخر، فإذا كانت هذه الحبوب مما لا يكال ولا يدخر فلا زكاة فيها ولو كان مما يؤكل كالفواكه والخضروات.
... وقد اختلف الفقهاء في الضوابط التي يضبط فيها الخارج من الأرض لكي تجب الزكاة فيه، فالمشهور من المذهب(1) ما ذكره المؤلف، وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد(2) أن الزكاة لا تجب إلا في المنصوص عليه وهي أربعة: الحنطة والتمر والشعير والزبيب.
... وذهب الحنفية(3) إلى أن الزكاة تجب في كل ما يقصد بزراعته استنماء الأرض من الثمار والحبوب والخضروات وغيرها مما يقصد به استغلال الأرض، فالعبرة عندهم هي استغلال الأرض، والمدار عندهم على القصد.
... ..........................................................................................................
... = وقال المالكية(4)، والشافعية(5): لا تجب الزكاة في الحبوب إلا إذا كانت قوتًا وتدخر عادة، فلا يشترط كونها تكال أو لا تكال، وهذا هو قول شيخ الإسلام(6) ×.
... والراجح من هذه الأقوال هو المذهب، وهو قول سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(7)، وشيخنا محمد بن صالح العثيمين(8) _ رحمهما الله _.
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/494).
(2) المغني (4/156).
(3) حاشية ابن عابدين (2/49، 50).
(4) حاشية الدسوقي (1/447).
(5) حاشية القليوبي (2/16).
(6) الاختيارات الفقهية، ص180.
(7) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/67).
(8) الشرح الممتع (6/70).(9/30)
... لكن هل يشترط كون المكيل والمدخر قوتًا؟
... المذهب(1) على أنه لا يشترط كونه قوتًا وهو اختيار شيخنا(2) ×، والمالكية(3)، والشافعية(4) يشترطون كونه قوتًا وهو الصحيح، وعلى ذلك نقول: ما تجب فيه الزكاة من الزروع والثمار أن يكون قوتًا مكيلاً مدخرًا.
·?تنبيهات:
... أولاً: العبرة فيما يكال ويدخر ما كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن استبدلنا الوزن مكان الكيل كما هو معروف عندنا الآن في التمر والزبيب وغيره فلا عبرة بالاختلاف فيه.
... ثانيًا:العنب الذي لا يصير زبيبًا اختلف فيه الفقهاء:فقال بعضهم لا تجب=
... ..........................................................................................................
... = فيه الزكاة؛ لأنه لا يصير زبيبًا مهما يبسته.
... والصواب أن فيه الزكاة وإن لم يزبب كما لو كان تمرًا لا يؤكل إلا رطبًا.
... ثالثًا: التين لا تجب فيه الزكاة على المذهب(5)؛ لأنه لا يدخر غالبًا.
... رابعًا: لا عبرة بوسائل الادخار الصناعي الحالية مما يضاف إلى بعض الثمار، أو بواسطة آلات التبريد الحديثة، فهذه لا يتحقق بها شرط الادخار، بل لابد أن يكون الادخار مما جرت به العادة عند الناس مما يدخرون به.
__________
(1) المغني (4/156).
(2) الشرح الممتع (6/70).
(3) حاشية الدسوقي (1/447).
(4) انظر في ذلك: المجموع (5/431).
(5) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (6/496).(9/31)
... خامسًا: هل في الزيتون زكاة؟ اختلف الفقهاء في ذلك: فالجمهور(1) على أن فيه الزكاة لقوله تعالى:[وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ](2)، قالوا فقد قال تعالى: [وَآتُوا حَقَّهُ] بعد أن ذكر الزيتون، ولأنه يمكن ادخار غلته كالتمر والزبيب.
... وفي رواية عند الشافعي(3) ورواية أخرى عند أحمد(4) أنه لا تجب فيه الزكاة، والاستدلال بالآية فيه نظر؛ لأن الآية ذكرت أيضًا الرمان، فتجب تسويته أيضًا بالزيتون، وهذا لا يقول به من قال بوجوبها في الزيتون.
... والصحيح أنه ليس فيه زكاة في أصح قولي الفقهاء؛ لأنه من الخضروات والفواكه، وليس مدخرًا، وليس قوتًا، وهذا ما رجحه سماحة شيخنا ابن باز(5) ×.
إِذَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ(1)، وَبَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - =لَيْسَ فِيْ حَبٍّ وَلاَ ثَمَرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ+. وَاْلوَسْقُ: سِتُّوْنَ صَاعًا، وَالصَّاعُ: رِطْلٌ بِالدِّمَشْقِيِّ وَأُوْقِيَّةُ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ أُوْقِيَّةٍ. فَجَمِيْعُ النِّصَابِ: مَا قَارَبَ ثَلاَثَمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ رِطْلاً وَسِتَّةَ أَسْبَاعِ رِطْلٍ(2).
(1) قوله =إِذَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ+ لقوله تعالى:[وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ]، وضمير الهاء في=أَرْضِهِ+ عائد إلى المالك والمستأجر لها قبل بدو الصلاح أو اشتداد الحب، فإن ملكها بعد اشتداد الحب وبدو الصلاح فلا زكاة عليه، بل الزكاة على المالك الأول أي من كان مالكًا لها قبل بدو الصلاح واشتداد الحبّ.
(
__________
(1) حاشية ابن عابدين (2/49، 50)، الشرح الكبير (1/447)، المجموع (5/434).
(2) سورة الأنعام : 141.
(3) المجموع (5/434).
(4) المغني (4/160).
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/70).(9/32)
2) قوله =وَبَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - =لَيْسَ فِيْ حَبٍّ وَلاَ ثَمَرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ+(1). وَاْلوَسْقُ: سِتُّوْنَ صَاعًا، وَالصَّاعُ: رِطْلٌ بِالدِّمَشْقِيِّ وَأُوْقِيَّةُ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ أُوْقِيَّةٍ. فَجَمِيْعُ النِّصَابِ: مَا قَارَبَ ثَلاَثَمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ رِطْلاً وَسِتَّةَ أَسْبَاعِ رِطْلٍ+ الوسق ستون صاعًا بالإجماع، والصاع أربعة أمداد وهو يساوي بالكيلو جرام كيلوين وربع (25و 2) على الصحيح عندي، ومنهم من يرى أن الصاع ثلاثة كيلو جرامات، وقد قمت بضبط ذلك بنفسي بالبر الجيد فتبين لي أنه كيلوان وربع.
... فإذا أردنا أن نعرف النصاب نضرب خمسة أوسق في ستين صاعًا يساوي ثلاثمائة صاع (5 × 60 = 300)، ثم نضرب ثلاثمائة صاع بكيلوين وربع يساوى ستمائة وخمسة وسبعين كيلو جرام ( 300 × 25و 2= 675 كيلو جرام) وهذا هو نصاب الحبوب والثمار على الراجح عندي.
وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِيْمَا سُقِيَ مِنَ السَّمَاءِ وَالسُّيُوْحِ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيْمَا سُقِيَ بِكُلْفَةٍ، كَالدَّوَالِيْ وَالنَّوَاضِحِ(1)، وَإِذَا بَدَا الصَّلاَحُ فِيْ الثَّمَرِ، وَاشْتَدَّ الْحَبُّ، وَجَبَتِ الزَّكَاةُ(2)،....................................................................................................
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة _ باب منه (1628) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .(9/33)
1) قوله =وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِيْمَا سُقِيَ مِنَ السَّمَاءِ وَالسُّيُوْحِ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيْمَا سُقِيَ بِكُلْفَةٍ، كَالدَّوَالِيْ وَالنَّوَاضِحِ+. دليل ذلك ما جاء عن ابن عباس مرفوعًا:=فِيْمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُوْنُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ+ (1) .
... والسيوح هو الماء الخارج على وجه الأرض، والدوالي هي الدولاب الذي يديره البقر ويسمى بالساقية، والنواضح جمع ناضح وهي البعير والناقة التي يسقى عليها، ومثلها ما يسقى به الآن من المكائن ونحوها من الآلات الحديثة.
(2) قوله =وَإِذَا بَدَا الصَّلاَحُ فِيْ الثَّمَرِ،وَاشْتَدَّ الْحَبُّ، وَجَبَتِ الزَّكَاةُ + هذا هو وقت وجوب الزكاة، ففي التمر إذا بدا صلاحه، وفي الحب إذا اشتد، ولكن كيف نعرف بدو الصلاح واشتداد الحبّ؟ المذهب(2): يكون بدو الصلاح في الثمار بأن يحمر أو يصفر في النخيل، وفي العنب بأن يكون ليِّنًا حُلوًا، أما في الحب فيكون اشتداده بأن يقوى ويصبح شديدًا لا ينضغط بضغطه.
... وقال المالكية(3)، والشافعية(4) بأنها تجب بإفراك الحب وطيب الثمر والأمن عليه من الفساد. والمراد بإفراك الحب عندهم يبوسته واستغناؤه عن السقي وإن بقي في الأرض لتمام طيبه.
وَلاَ يُخْرَجُ الْحَبُّ إِلاَّ مُصَفًّى، وَلاَ الثَّمَرُ إِلاَّ يَابِسًا(1). وَلاَ زَكَاةَ فِيْمَا يَكْسِبُهُ مِنْ مُبَاحِ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ، وَلاَ فِيْ اللَّقَاطِ، وَلاَ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً لِحَصَادِهِ(2)،............
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري (1388) من حديث جابر - رضي الله عنه - .
(2) المغني (4/169).
(3) الشرح الكبير (1/451، 452).
(4) شرح المنهاج (2/20).(9/34)
... =والأصح عندي هو المذهب؛ لأن بدو الصلاح واشتداد الحب بهما يحصل الاقتيات ويقصد الأكل فأشبه اليابس، وقد جاء من حديث عائشة _ رضي الله عنها _ أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر:=كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى يَهُوْدَ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمُ النَّخْلَ حِيْنَ يَطِيْبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ +(1).
(1) قوله =وَلاَ يُخْرَجُ الْحَبُّ إِلاَّ مُصَفًّى،وَلاَ الثَّمَرُ إِلاَّ يَابِسًا+ دليل ذلك ما رواه أبو داود والنسائي من طريق سعيد بن المسيب:=أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيْدٍ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ فَتُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيْبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا+(2)، قال ابن حجر:=قال النووي: هذا الحديث وإن كان مرسلاً لكنه اعتضد بقول الفقهاء والأئمة+(3).
(2) قوله =وَلاَ زَكَاةَ فِيْمَا يَكْسِبُهُ مِنْ مُبَاحِ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ، وَلاَ فِيْ اللَّقَاطِ، وَلاَ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً لِحَصَادِهِ+ نص على ذلك الإمام أحمد وقال: هو بمنزلة المباحات ليس فيه صدقة.
... قلت: وعدم وجوب الزكاة راجع لأنه حين وجوب الزكاة لم يكن في ملكه.
وقوله =وَلاَ فِيْ اللَّقَاطِ+ هو الذي يتتبع المزارع فيلتقط المتساقط من الزرع بعد الحصاد.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (51/299) رقم (24142)، وأبو داود في كتاب الزكاة _ باب متى يخرص التمر (1368)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود حديث رقم (350).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة _ باب في خرص العنب (1366)، والنسائي في كتاب الزكاة _ باب شراء الصدقة (2571) واللفظ للنسائي، وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي (2/555) رقم (2455).
(3) التلخيص الحبير (2/479).(9/35)
وَلاَ يُضَمُّ صِنْفٌ مِنَ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ إِلَى غَيْرِهِ فِيْ تَكْمِيْلِ النِّصَابِ(1)، فَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا، مُخْتَلِفَ الأَنْوَاعِ، كَالتُّمُوْرِ، فَفِيْهِ الزَّكَاةُ(2)، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ زَكَاتَهُ(3)، وَإِنْ أَخْرَجَ جَيِّدًا عَنِ الرَّدِيْءِ، جَازَ، وَلَهُ أَجْرُهُ(4).
النَّوْعُ الثَّانِيْ(5):.....................................................................................
(1) قوله =وَلاَ يُضَمُّ صِنْفٌ مِنَ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ إِلَى غَيْرِهِ فِيْ تَكْمِيْلِ النِّصَابِ + فإن كان عنده مزرعة نصفها بر والنصف الآخر شعير، وكل واحد منهما لا يكمل النصاب لكن إن اجتمعا كمل النصاب فهنا لا يضم هذا إلى هذا؛ لأن الجنس يختلف، فكما لا يضم البقر إلى الإبل أو الغنم لاختلاف الأجناس فكذلك هنا لا يضم هذا إلى هذا.
(2) قوله =فَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا، مُخْتَلِفَ الأَنْوَاعِ، كَالتُّمُوْرِ، فَفِيْهِ الزَّكَاةُ + مثل أن يكون عنده تمر برحي وسكري وغيرها فإنه يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، فالأنواع يضم بعضها إلى بعض دون الأجناس، ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراج الزكاة في التمر مطلقًا، ومعلوم أن التمر يشمل أنواعًا كثيرة، ولم يأمر - صلى الله عليه وسلم - بتمييز نوع عن آخر، لكن كيف نزكيه هنا؟
(3) قال المؤلف =وَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ زَكَاتَهُ+فيخرج عن التمر السكري سكريًا، والبرحي برحيًا،وهكذا في جميع الأجناس سواء كان في التمر أو البر وغيره.
(4) قوله =وَإِنْ أَخْرَجَ جَيِّدًا عَنِ الرَّدِيْءِ، جَازَ، وَلَهُ أَجْرُهُ + لقوله تعالى: [لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ] (1).
(5) قوله =النَّوْعُ الثَّانِيْ+ أي النوع الثاني مما تجب فيه الزكاة من الخارج من
__________
(1) سورة آل عمران: 92.(9/36)
الأرض،دليله قوله تعالى:[أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ=
الْمَعْدِنُ(1)، فَمَنِ اسْتَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ(2)، أَوْ مَا قِيْمَتُهُ ذالِكَ مِنَ الْجَوَاهِرِ، أَوِ الْكُحْلِ أَوِ الصُّفْرِ، أَوِ الْحَدِيْدِ، أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ(3)، وَلاَ يُخْرَجُ إِلاَّ بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ(4)،............................................................
... ... =مِنْ الأَرْضِ](1).
(1) قوله =الْمَعْدِنُ + ذكرنا فيما سبق أن الخارج من الأرض منه ما يكون نباتًا، ومنه ما يكون معدنًا،والمعدن كالذهب والفضة والحديد والنحاس،وكذا النفط والقار والفحم وغيرها، هذا كله قد يكون مخلوقًا في الأرض بفعل الله تعالى كالنفط والقار والفحم وغير ذلك مما ذكرنا، وقد يكون مما وضعه فيها الآدميون كالكنوز التي يضعها أهلها في الأرض ثم يبيدون وتبقى فيها.
(2) قوله =فَمَنِ اسْتَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ + نصاب الذهب كما سيأتي سبعون جرامًا من الذهب الخالص، ونصاب الفضة مائتا درهم وهي تعادل بالجرامات أربعمائة وستين جرامًا، فإن بلغ الخارج من الأرض من المعدن الذي تجب فيه الزكاة قيمة نصاب الذهب أو الفضة ففيه الزكاة وهي ربع العشر.
(3) قوله =أَوْ مَا قِيْمَتُهُ ذالِكَ مِنَ الْجَوَاهِرِ،أَوِ الْكُحْلِ أَوِ الصُّفْرِ، أَوِ الْحَدِيْدِ، أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ+=أو+ للتنويع، أي إن كان الخارج من الأرض غير الذهب والفضة بل كانت قيمته فيه نصاب الذهب أو الفضة كأن يكون جوهرًا أو كحلاً أو نحاسًا وهي كما ذكرنا ربع العشر.
(4) قوله =وَلاَ يُخْرَجُ إِلاَّ بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ + لا يخرج زكاة الخارج من باطن
__________
(1) سورة البقرة: 267.(9/37)
الأرض إلا بعد سبكه أي إذابته وتصفيته من الشوائب التي علقت به، وذلك =
وَلاَ شَيْءَ فِيْ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ، وَالْعَنْبَرِ وَالسَّمَكِ(1)، وَلاَ فِيْ شَيْءٍ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ(2). وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ(3)،...........................................................
= قياسًا على الحب والثمرة لأنه أوان الكمال.
(1) قوله =وَلاَ شَيْءَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ، وَالْعَنْبَرِ وَالسَّمَكِ(*)+ هذه المذكورات لا شيء فيها لأنها كانت موجودة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يثبت أنه أمر أهلها بإخراج زكاتها، وقد جاء عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أنه قال:=ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء دسره (وفي رواية: ألقاه) البحر+(1). ويقاس على العنبر اللؤلؤ والمرجان، لكن إن كانت هذه الأشياء عروض تجارة يتاجر فيها مالكها فإنها تُقوَّم ويخرج عنها زكاتها كما سيأتي إن شاء الله.
(2) قوله =وَلاَ فِيْ شَيْءٍ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ+ لأنه لم ينقل لا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من الصحابة وجوب الزكاة فيه.
(3) قوله =وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ + الركاز هو دفن الجاهلية من الذهب والفضة سواء كان مضروبًا أو غيره باتفاق الفقهاء، لكن اختلفوا في غير النقدين _ الذهب والفضة _ هل يدخل في الركاز؟ الجمهور(2) يرون أن الركاز يشمل كل ما كان مالاً مدفونًا على اختلاف أنواعه كالحديد والنحاس والرصاص وغير ذلك من المعادن.
... وذهب الشافعية(3) إلى أن الركاز يطلق على ما وجد من الذهب والفضة فقط
__________
(1) في بعض النسخ: المسك.
( ) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/146)، والشافعي في مسنده (1/417) رقم (408) .
(2) حاشية ابن عابدين (2/42ـ45)، حاشية الدسوقي (1/486ـ492)، المغني (4/231).
(3) حاشية القليوبي على المنهاج (2/35).(9/38)
... دون غيرهما من المعادن، وعللوا لذلك بقولهم: إن الركاز مال مستفاد من=
... أَيَّ نَوْعٍ كَانَ مِنَ الْمَالِ(1)، قَلَّ أَوْ كَثُرَ(2)،.................................................
=الأرض فاختص بما تجب فيه الزكاة قدرًا ونوعًا.
... والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أن اسم الركاز يتناول كل ما دفن في الجاهلية سواء كان ذهبًا أو فضة أو غيرهما. وقوله =وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ+ أي يجب فيه الخمس لقوله - صلى الله عليه وسلم - : =.. وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ+(1).
·?تنبيهان:
... أولاً: كل ما تقوم الدولة بإخراجه من الأرض من نفط ومشتقاته أو حديد أو نحاس أو ذهب أو فضة وغيرها ليس فيها زكاة: لأنها تدخل في مال المسلمين.
... ثانيًا: إذا كان ما وجد فيه علامة تدل على صيرورته للمسلم كأن تكون عليه علامة المسلمين بأسماء ملوكهم أو أنبيائهم، أو آية من القرآن ونحو ذلك فهذا ليس بركاز بل هو لقطة تجري عليها أحكامها كما سيأتي _ إن شاء الله _ في باب اللقطة.
(1) قوله =أَيَّ نَوْعٍ كَانَ مِنَ الْمَالِ+ سواء كان من الحديد أو الرصاص أو الذهب أو الفضة وغيرها _ كما مر بنا آنفًا _ ففيها الخمس.
(2) قوله =قَلَّ أَوْ كَثُرَ+ أي ليس له نصاب، بل قليله وكثيره فيه الخمس، وهذا هو قول جمهور الفقهاء(2)، وذهب الشافعية(3) في الجديد عندهم أنه يشترط له النصاب بناء على أن الخمس المأخوذ منه الركاز زكاة.
والصواب ما ذهب إليه الجمهور.
لأَهْلِ الْفَيْءِ(1)، وَبَاقِيْهِ لِوَاجِدِهِ(2)............................................................
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب في الركاز الخمس (1403)، ومسلم في كتاب الحدود _ باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار (3226).
(2) انظر في ذلك: المراجع السابقة.
(3) المراجع السابقة.(9/39)
1) قوله =لأَهْلِ الْفَيْءِ+ الفيء ما أخذ من أموال الكفار بغير قتال، وقد اختلف الفقهاء في الخمس الواجب في الركاز: هل هو زكاة أم فيء؟
... ذهب جمهور الفقهاء(1) إلى أن خمس الركاز يصرف مصارف الغنيمة وليس مصارف الزكاة، وهذا هو ما رجحه شيخنا(2) ×.
... وفي رواية عن الإمام أحمد(3) وهو المذهب عند الشافعية(4) أن مصرف خمس الزكاة مصرف الزكاة.
... والصحيح هو قول الجمهور أي أنه يصرف مصرف الفيء، والدليل على ذلك أنه مال كفار فحكمه حكم أموالهم الأخرى المشابهة له وهو الفيء، ولأنه أيضًا إن جعلناه زكاة فقد خالف المعهود في باب الزكاة.
... ومصرف الفيء هو المذكور في قوله تعالى: [مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ] (5).
(2) قوله =وَبَاقِيْهِ لِوَاجِدِهِ+ أي ما بقي من الركاز بعد الخمس وهو أربعة أخماس تكون لواجده.
بَابُ زَكَاةِ الأَثْمَانِ(1).
وَهِيَ نَوْعَانِ:ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ(2)،وَلاَ زَكَاةَ فِي الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ(3)،....
الشرح:
(
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) الشرح الممتع (6/89).
(3) المغني (4/236).
(4) المجموع (6/59)
(5) سورة الحشر: 7.(9/40)
1) قوله =بَابُ زَكَاةِ الأَثْمَانِ+ ويسميه بعض الفقهاء زكاة النقدين، والأثمان هي ما يجعل ثمناً للأشياء وهي الذهب والفضة وما ناب عنهما من الريالات والدولارات، والدليل على ذلك قوله تعالى:[وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ](1)، وقوله "=مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّيْ مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِيْ نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيْدَتْ لَهُ فِيْ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِيْنَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيْلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ + (2).
(2) قوله =وَهِيَ نَوْعَانِ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ + وهكذا ما يقوم مقامهما من الأثمان الأخرى _ كما ذكرنا ذلك آنفًا _ كالأوراق النقدية من الريالات والدولارات و الجنيهات و الدنانير وغيرها.
(3) قوله =وَلاَ زَكَاةَ فِي الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ + هذا بإجماع أهل العلم، دليل ذلك ما رواه البخاري عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي " قال:=وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ+ (3)، والرقة هي الفضة أو الدراهم المضروبة منها، وقال أيضًا:
=وَلَيْسَ فِيْمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ + (4) .
فَيَجِبُ فِيْهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ(1)، وَلاَ فِيْ الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِيْنَ مِثْقَالاً(2)،...
__________
(1) سورة التوبة: 34.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة _ باب إثم مانع الزكاة (1647).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب زكاة الغنم (1362).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب زكاة الورق(1355)ومسلم في كتاب الزكاة _ باب منه(1626).(9/41)
=والدراهم هذه في السابق، أما معرفة كم تساوي من الجرامات في العصر الحاضر فقد بحثت هذه المسألة وتبين لي أن مائتي درهم تساوي أربعمائة وستين جرامًا من الفضة.
... أما كيفية إخراجه فهو كالتالي:
... زنة الدرهم (إحدى وخمسون حبة شعير مقطوعة الطرفين) =2.3 جرام، وعلى ذلك يكون نصاب الفضة بالجرامات:
... (3و2 × 200 درهم) = 460 جرامًا.
... والواجب فيها خمسة دراهم من مائتي درهم أي ربع العشر وهي تساوي أحد عشر جرامًا ونصف الجرام (11.5جرامًا).
(1) قوله =فَيَجِبُ فِيْهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ+ أي ربع العشر وهي تساوي أحد عشر جرامًا ونصف الجرام كما ذكرنا.
(2) قوله =وَلاَ فِيْ الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِيْنَ مِثْقَالاً+ أي لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً، وهل المثقال والدينار واحد؟ نقول: نقل النووي(1) الاتفاق على ذلك.
... إذًا كيف نحسب نصاب الذهب؟ نقول: وزن الدينار (اثنتان وسبعون حبة شعير مقطوعة الطرفين) وهي تساوي (ثلاثة جرامات ونصف الجرام)، فنضرب زنة الدينار من الجرامات في عشرين (3.5 × 20 = 70 جرامًا) .
... فيكون هذا هو نصاب الذهب يعني سبعين جرامًا، والواجب فيه ربع العشر وهو (1.75) جرام، هذا في الذهب الخالص.
... فَيَجِبُ فِيْهِ نِصْفُ مِثْقَالٍ(1)، ...................................................................
= وذهب شيخنا محمد بن صالح العثيمين(2) × إلى أن نصاب الذهب خمسة وثمانون جرامًا (85 جرامًا)، ونصاب الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون جرامًا (595 جرامًا) .
... ويرى سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز(3) × أن نصاب الذهب اثنان وتسعون جرامًا (92 جرامًا).
... وبهذا يظهر أنني رجحت الأقل وذلك لأمور منها:
__________
(1) المجموع (5/490).
(2) الشرح الممتع (6/97).
(3) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/79).(9/42)
... أولاً: أنني قمت بنفسي _ ولله الحمد _ بوزن حبات الشعير المحددة مفردة ومجموعة في أكثر من مناسبة وفي أكثر من ميزان من موازين الصاغة وظهرت لي هذه التقديرات المذكورة في كل مرة قمت بها.
... ثانيًا: أنني رجحت الأقل احتياطًا وأبرأ لذمة المسلم وأحفظ لحقوق الفقراء.
(1) قوله =فَيَجِبُ فِيْهِ نِصْفُ مِثْقَالٍ+ أي إذا بلغ نصاب الذهب سبعين جرامًا فيجب فيها نصف المثقال وهو بالجرامات (1.75) جرام، هذا في الذهب الخالص.
... أما العملات المتداولة الآن فكيف يخرج المسلم نصابها؟
... نقول: النصاب بالعملات المتداولة الآن مثل الريالات والدولارات وغيرها: من كان عنده من هذه العملات ما يساوي سبعين جرامًا (70 جرامًا) من الذهب أو أربعمائة وستين جرامًا (460 جرامًا) من الفضة فقد وجبت عليه الزكاة، فيزكي ما عنده بنسبة ربع العشر (2.5%).
فَإِنْ كَانَ فِيْهِمَا غِشٌّ(1)، فَلاَ زَكَاةَ فِيْهِمَا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ نِصَابًا(2).
... =وطريقة ذلك: إذا حال الحول على ما عند الإنسان من المال ما عليه إلا أن يأتي بائع الذهب ويسأله عن قيمة (سبعين جرامًا من الذهب) أو (أربعمائة وستين جرامًا من الفضة)، فإن أعلمه بها فهل هذا المبلغ الذي ذكر له عنده أولاً، فإن وجد عنده علم أن الزكاة وجبت عليه زكى ما عنده، وإن كان ما عنده أقل مما أخبره به بائع الذهب علم أن ماله لم يبلغ نصابًا وأنه لا زكاة عليه.
... وطريقة إخراج ما بلغ النصاب تقوم بقسمة ما عندك على أربعين ويكون الناتج هو الواجب عليك إخراجه.
(1) قوله =فَإِنْ كَانَ فِيْهِمَا غِشٌّ+ أي الذهب والفضة، ويحصل الغش بإضافة بعض المعادن الأخرى إليهما، إما لتقويتها حتى لا تنكسر أو لأمر آخر قد تحتاج إليه.(9/43)
والذهب الخالص هو ما يسمى في عرف الصاغة اليوم بعيار (24) ، أما ما دونه من عيار (21) أو (18) أو (14) فهذه كلها قد خلط بها غيرها من نحاس أو غيره، فهذه كيف تخرج زكاتها؟ أجاب عن ذلك المؤلف:
(2) قوله =فَلاَ زَكَاةَ فِيْهِمَا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ نِصَابًا + وهذا هو قول الشافعية(1) أيضًا، أي لا زكاة فيهما حتى يبلغ خالصه نصابًا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :=وَلَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ+(2) .
..........................................................................................................
= وله أيضًا أن يخرج من المغشوش ما يعلم اشتماله على خالص بقدر الواجب مع مراعاة درجة الجودة.
... أما الحنفية(3) فعملوا بالغالب، فقالوا: إن كانت الفضة المضروبة الغالب فيها الفضة فتجب فيها الزكاة كأنه كله فضة، والغلبة عندهم بزيادة الفضة عن النصف ولم يلتفتوا إلى المغشوش فيها، وقالوا بأن الدراهم لا تخلو من قليل الغش لأنها لا تنطبع إلا به، أما إذا كان الغالب فيها المغشوش فلا تجب فيها الزكاة عندهم إلا أن ينويها للتجارة فتخرج كعروض التجارة.
... أما المالكية(4) فوافقوا الشافعية(5)، والحنابلة(6) لكن بشرط أن لا يكون المغشوش رائجًا،فإن كانت الدراهم أو الدنانير المغشوشة رائجة كرواج غير المغشوشة فإنها تعامل مثل الكاملة سواء.
... والصحيح من هذه الأقوال هو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة.
__________
(1) المجموع (5/505).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب ليس فيما دون خمسة ذود صدقة (1366)، ومسلم في كتاب الزكاة _ باب منه (1625) واللفظ للبخاري.
(3) فتح القدير (1/523).
(4) حاشية الدسوقي (1/456).
(5) المجموع (5/505).
(6) المغني (4/213).(9/44)
... وعلى ذلك إذا كان الذهب أو الفضة مغشوشة أو مختلطة بغيرها فلا زكاة فيها حتى يبلغ الخالص نصابًا، ويكون إخراج الخالص إما بسبكه فيستبعد المغشوش ويزكى الخالص إن بلغ نصابًا أو يكون بالاستظهار أي بالاحتياط فيخرج زيادة عن الفرض ليبرأ بيقين.
فَإِنْ شَكَّ فِيْ ذالِكَ(1)، خُيِّرَ بَيْنَ الإِخْرَاجِ وَبَيْنَ سَبْكِهِمَا؛ لِيَعْلَمَ قَدْرَ ذالِكَ(2).
وَلاَ زَكَاةَ فِي الْحُلِّيِّ الْمُبَاحِ، الْمُعَدِّ لِلاِسْتِعْمَالِ، وَالْعَارِيَةِ(3). ...
(1) قوله =فَإِنْ شَكَّ فِيْ ذالِكَ+ أي إن شك في الذهب المغشوش والفضة المغشوشة.
(2) قوله =خُيِّرَ بَيْنَ الإِخْرَاجِ وَبَيْنَ سَبْكِهِمَا؛ لِيَعْلَمَ قَدْرَ ذالِكَ + وقد مر ذلك آنفًا.
(3) قوله =وَلاَ زَكَاةَ فِي الْحُلِّيِّ الْمُبَاحِ، الْمُعَدِّ لِلاِسْتِعْمَالِ، وَالْعَارِيَةِ + هذه من المسائل التي اختلف فيها السلف قديمًا وحديثًا، وما رجّحه المؤلف من عدم وجوب الزكاة فيه هو قول مالك(1)، والشافعي(2) بل قول أكثر أهل العلم من السلف والخلف، وهو اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم(3)، والشيخ الشنقيطي(4)، والشيخ ابن حميد(5)، وهو الراجح عندي.
... وذهب أبو حنيفة(6)، وأيضًا كثير من السلف والخلف إلى القول بوجوب الزكاة، وهذا اختيار سماحة شيخنا ابن باز(7)، وشيخنا محمد بن صالح العثيمين(8)، والعلامة الألباني(9) _ رحمهم الله _ (10) .
__________
(1) الشرح الكبير للدردير (1/459).
(2) المجموع (5/519).
(3) مجموع فتاوى محمد بن إبراهيم (4/94).
(4) أضواء البيان (2/445).
(5) انظر في ذلك: زكاة الحلي في الفقه الإسلامي للمؤلف، ص14.
(6) فتح القدير (1/524).
(7) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/82).
(8) الشرح الممتع (6/131).
(9) الإرواء (3/297).
(10) وقد أفردت كتابًا خاصًا بهذه المسألة طبع عام 1407هـ،بعنوان (زكاة الحلي في الفقه الإسلامي) فليراجع.(9/45)
وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ(1). وَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْفِضَّةِ: الْخَاتَمُ، وَحِلْيَةُ السَّيْفِ، وَالْمِنْطَقَةُ، وَنَحْوُهَا(2).
·?تنبيهان:
... أولاً: إذا خرج الذهب عن المألوف كتفصيل ثوب ذهب ونحوه ففيه الزكاة، ومن اشتراه لا لأجل الاستعمال وإنما ينتظر غلاء القيمة ففيه الزكاة.
... ... ثانيًا: إذا لم تستعمل المرأة ذهب الحلي خلال العام فتجب فيه الزكاة؛ لأنه يصير بهذه الحالة مكنوزًا، أما إذا استعملته خلال العام ولو مرة واحدة فلا تجب فيه الزكاة.
(1) قوله =وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ+ ولو كثر ما دام أنه عادة، ويباح لهن أيضًا الذهب المحلق بخلاف من ذهب إلى حرمة لبسه للنساء لعموم قوله تعالى: [أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ](1) حيث ذكر الله سبحانه وتعالى أن الحلية من صفات النساء وهي عامة في الذهب وغيره، وأيضًا عموم قوله "في الذهب والحرير =إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُوْرِ أُمَّتِيْ+(2)، وفي رواية:=حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ + (3) .
(2) قوله =وَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْفِضَّةِ: الْخَاتَمُ، وَحِلْيَةُ السَّيْفِ، وَالْمِنْطَقَةُ، وَنَحْوُهَا+ حلية السيف أي المقبض. والمنطقة هي ما يشد به الرجل الوسط=
فَأَمَّا الْمُعَدُّ لِلْكِرَاءِ وَالاِدِّخَارِ، أَوِ الْمُحَرَّمُ، فَفِيْهِ الزَّكَاةُ(1).
__________
(1) سورة الزخرف : 18 .
(2) أخرجه أحمد (2/397) رقم (891)، وأبو داود في كتاب اللباس _ باب في الحرير للنساء (3535)، والنسائي في كتاب الزينة _ باب تحريم الذهب على الرجال (5053)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/65) رقم (3422).
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب اللباس _ باب لبس الحرير والذهب للنساء (3585)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/282) رقم (2896).(9/46)
= ليقوي على العمل. دليل ذلك حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - :=أَنَّ النَّبِيَّ " اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ ...+(1)، فيجوز لبس الرجال للفضة إذا لم يكن في ذلك تشبه بالنساء ولا الكفار.
(1) قوله =فَأَمَّا الْمُعَدُّ لِلْكِرَاءِ وَالاِدِّخَارِ، أَوِ الْمُحَرَّمُ، فَفِيْهِ الزَّكَاةُ + أما الحلي والفضة التي أعدها صاحبها لتأجيرها والاتجار بها أو لكنزها فتجب فيها الزكاة.
... وكذا المحرم الذي صنع على هيئة محرمة كأن يكون صنع على هيئة إنسان أو حيوان أو طائر ونحوه، أو استعمل في حرام كأن يلبس الرجل ما صنع من ذهب كخاتم مثلا، وكذا الفضة الكثيرة وما فيه نوع تشبه بالكفار، فكل هذا تجب فيه الزكاة، والقاعدة في ذلك: كل ما حرم استعماله من الذهب أو الفضة وجب إخراج زكاته ؛ لأنه صار مكنوزًا والأصل وجوب الزكاة في المكنوز.
بَابُ حُكْمِ الدَّيْنِ
..................................................................................................................
الشرح:
(1) قوله =بَابُ حُكْمِ الدَّيْنِ+ الدَّين هو ما ثبت في الذمة كقرض أو مبيع أو أجرة ونحو ذلك لكنه مملوك للدائن. اختلف الفقهاء في حكم زكاته، وذلك نظرًا لأنه مع كونه ملك للدائن إلا أنه ليس تحت يد صاحبه، فجمهور الفقهاء على أن الدين لا يسقط وجوب الزكاة.
... مثال ذلك: رجل عنده مائة ألف ريال وعليه مائة ألف، فالصواب أنه يجب عليه إخراج الزكاة وأن الدين لا يؤثر على الزكاة، فإن كان الدين حالاً نقول: سدده ولا يكون عندك نصاب، وإن كان مؤجلاً فزكِّ ولا أثر له في الزكاة.
أما الدائن فلا يخلو دينه من أمرين:
الأول: دين حال مرجو الأداء.
الثاني: دين حال غير مرجو الأداء.
ولبيان حكمهما نقول:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس _ باب قول النبي " لا ينقش على نقش خاتمه (5428)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة _ باب لبس النبي " خاتمًا من ورق نقشه (3901).(9/47)
... أما الدين الحال المرجو أداؤه فهو ما كان مرجو الأداء: كمن كان على مقرٍ به باذلٍ له، كما سيأتي قريبًا إن شاء الله.
... وقد اختلف الفقهاء في زكاة هذا النوع من الدين: فالحنفية(1)، والحنابلة(2)على أنه لا تجب عليه الزكاة ما لم يقبضه فإذا قبضه زكاه لكل =
..........................................................................................................
= ما مضى من السنين.
... وعللوا لعدم وجوب الزكاة قبل قبضه بأنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه، ولأنه لا ينتفع به في الحال وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به. أما وجوبها فيما مضى من السنوات فعللوا لذلك بأن صاحبه قادر على أخذه والانتفاع به فوجبت فيه الزكاة لما مضى.
... والقول الثاني في هذا النوع من الدين قول الشافعية(3) أن الزكاة تجب فيه نهاية كل حول؛ لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه، فهو مال في حكم الموجود عند مالكه. وهذا هو الراجح.
... والقول الأول هو رأي شيخنا(4) ×،أي أنها تجب زكاته عن كل سنة إذا قبضه قالوا وإن شاء أدى زكاته مع زكاة ماله، وهذا أفضل وأسرع في إبراء الذمة.
... النوع الثاني من الدين هو ما كان غير مرجو الأداء، كأن يكون على معسر أو جاحد أو مماطل، وقد اختلف الفقهاء في حكم زكاته: فالحنفية(5)، ورواية عن أحمد(6)، واختارها ابن سعدي(7) × أنه لا تجب فيه الزكاة لعدم تمام الملك، ولأنه غير مقدور على الانتفاع به بل يستقبل به حولاً جديدًا .
__________
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (2/35، 36)، بدائع الصنائع (2/6).
(2) المغني (4/264ـ 266).
(3) المجموع (5/504ـ 508).
(4) الشرح الممتع (6/27).
(5) المرجع السابق.
(6) المرجع السابق.
(7) المختارات الجلية، ص75.(9/48)
... وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيْءٍ(1)، أَوْ مَالٌ يُمْكِنُ خَلاَصُهُ، كَالْمَجْحُوْدِ الَّذِيْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَالْمَغْصُوْبِ الَّذِيْ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ، فَعَلَيْهِ زَكَاتُه إِذَا قَبَضَهُ، لِمَا مَضَى(2). وَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا كَالدَّيْنِ عَلَى الْمُفْلِسِ، أَوْ عَلَى جَاحِدٍ، وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ، وَالْمَغْصُوْبِ، وَالضَّالِّ الَّذِيْ لاَ يُرْجَى وُجُوْدُهُ، فَلاَ زَكَاةَ فِيْهِ(3).
=القول الثاني: أنه تجب فيه الزكاة إذا قبض لما مضى من السنين كالدين المرجو أداؤه، وهذا رواية عن الإمام أحمد(1).
... القول الثالث: أنه يزكيه لعام واحد إذا قبضه إن كان مما تجب فيه الزكاة، وهو قول المالكية(2)، واختاره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب(3)، وشيخنا محمد بن صالح العثيمين(4) _ رحمهما الله _، وهذا هو الراجح.
(1) قوله =وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيْءٍ + أي غنى.
(2) قوله =أَوْ مَالٌ يُمْكِنُ خَلاَصُهُ، كَالْمَجْحُوْدِ الَّذِيْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَالْمَغْصُوْبِ الَّذِيْ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ، فَعَلَيْهِ زَكَاتُه إِذَا قَبَضَهُ، لِمَا مَضَى+ هذا قول جمهور الفقهاء. لكن اختلفوا _ كما ذكرنا _ هل يؤديه عند قبضه أم في نهاية كل حول له؟ والصواب إن أدى زكاته مع زكاة ماله فهذا أفضل؛ لأنه أسرع في إبراء الذمة، وإن أخّره لحين قبضة زكّاه لما مضى، وهذه رخصة لا بأس بها عند بعض أهل العلم.
(3) قوله =وَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا كَالدَّيْنِ عَلَى الْمُفْلِسِ،أَوْ عَلَى جَاحِدٍ، وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ، وَالْمَغْصُوْبِ، وَالضَّالِّ الَّذِيْ لاَ يُرْجَى وُجُوْدُهُ، فَلاَ زَكَاةَ فِيْهِ+ وهذه =
__________
(1) المغني (4/264ـ 266).
(2) حاشية الدسوقي (1/466).
(3) حاشية العنقري على الروض المربع (1/361).
(4) الشرح الممتع (6/27).(9/49)
وَحُكْمُ الصَّدَاقِ حُكْمُ الدَّيْنِ(1)، وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ الَّذِيْ مَعَهُ، أَوْ يَنْقُصُهُ، فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيْهِ(2).
= رواية في المذهب(1)، وهو قول الحنفية(2) _ كما ذكرنا _ واختار هذا القول ابن سعدي(3) ×.
والصواب: أنه متى قبضه زكَّاه مرة واحدة كما ذكرنا ذلك آنفاً، وهذه رواية في المذهب، ومذهب مالك، واختاره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وشيخنا محمد بن صالح العثيمين _ رحمهما الله _ .
(1) قوله =وَحُكْمُ الصَّدَاقِ حُكْمُ الدَّيْنِ+ أي إذا كانت المرأة لها صداق عند زوجها و زوجها مليء أي قادر على إعطائها صداقها وغير مماطل فهنا تزكيه عن كل سنة إذا قبضته، أما إذا كان زوجها معسرًا أو مماطلاً ففيه الخلاف المذكور آنفًا، وأصح الأقوال وجوب الزكاة فيه عن عام واحد إذا قبضته.
(2) قوله =وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ الَّذِيْ مَعَهُ، أَوْ يَنْقُصُهُ، فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيْهِ + ذكرنا طرفًا من هذه المسألة في أول أحكام الدين وقلنا هذا محل خلاف بين الفقهاء:
... القول الأول: أن الدَّين الذي يستغرق النصاب أو ينقصه يمنع وجوب الزكاة؛ لأن الزكاة إنما شرعت للمواساة، ومن عليه دين ينقص النصاب أو يستغرقه لا يوصف بالغني بل هو أهل لدفع الزكاة إليه، وهذا قول مالك(4)، وهي=
... .................................................................................................
... =إحدى الروايتين عن الإمام أحمد(5)، واختارها ابن سعدي ×، هذا في الأموال الباطنة.
__________
(1) المغني (4/252).
(2) المرجع السابق.
(3) المرجع السابق.
(4) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/481ـ 483).
(5) المغني (4/265ـ 269).(9/50)
... أما الأموال الظاهرة كالمواشي والثمار وغيرها فتجب فيها الزكاة؛ لأن المنقول عن النبي " وخلفائه _ رضي الله عنهم _ أنهم حينما كانوا يرسلون السعاة لأخذ الزكاة منها لا يؤثر عنهم أنهم كانوا يستفسرون عن أهلها، هل عليهم ديون أم لا؟ والحكم هنا يختلف عن الأموال الباطنة كالنقدين وعروض التجارة.
... القول الثاني: أن الأموال الظاهرة والباطنة لا تجب فيها الزكاة إذا كان على صاحبها ديون تستغرقها أو تنقص نصابها.
... القول الثالث: أن الزكاة تجب في الجميع _ أي الأموال الظاهرة والباطنة _ إذا كان على صاحبها دين؛ لأن الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة والباطنة ليس فيها دليل على مراعاة الدين فوجب التعميم.
... وهذا ما رجحه الشيخان(1) _ رحمهما الله _ وهو الراجح.
بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوْضِ(1).
..................................................................................................................
الشرح:
(1) قوله =بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوْضِ+ وهي كل ما أُعِدَّ للتجارة من أي نوع ومن أي صنف كان، وهي أشمل الأموال التي تجب فيها الزكاة، إذ أنه يدخل فيها العقارات والأقمشة والأواني وجميع أنواع الحيوانات كالإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وغير ذلك مما أعد للاتجار به.
... أما عن حكم الزكاة في عروض التجارة فالجمهور(2) على وجوب الزكاة فيها، وهو قول شيخ الإسلام(3)، وتلميذه ابن القيم(4)، والشيخين(5) _ رحمهم الله _، وبه أفتت اللجنة الدائمة(6).
__________
(1) الشرح الممتع (6/35).
(2) انظر في ذلك:مغني المحتاج (1/297)، بدائع الصنائع (2/20،21)، المغني لابن قدامة (4/249ـ 251).
(3) مجموع الفتاوى (25/15، 16).
(4) زاد المعاد (2/5).
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/159)، الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/138)
(6) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (9/308) رقم الفتوى (2324).(9/51)
... قلت: وقال داود الظاهري(1)، وهو قول الألباني(2) أن عروض التجارة لا تجب فيها الزكاة وإنما الزكاة تجب من قيمته إذا بيع، وهذا أيضًا قول لبعض السلف(3).
... لكن القول الأول هو الراجح لعموم قوله تعالى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ =
وَلاَ زَكَاةَ فِيْهاَ حَتَّى يَنْوِيَ بِهَا التِّجَارَةَ(1)،...................................................
... = صَدَقَةً](4) وقوله تعالى:[وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ](5).
·?تنبيه: شروط الزكاة في عروض التجارة:
أ _ أن تكون هذه العروض مملوكة للشخص ملكًا تامًا.
بـ _ أن ينوي بها التجارة كما سيذكره المؤلف.
... جـ _ أن تبلغ قيمتها أقل النصابين من الذهب والفضة؛ لأنه أحظ للفقراء والمساكين.
... د _ حولان الحول على هذه العروض.
(1) قوله =وَلاَ زَكَاةَ فِيْهاَ حَتَّى يَنْوِيَ بِهَا التِّجَارَةَ + هذا هو الشرط الأول لوجوب الزكاة في عروض التجارة، أي يشترط عند شرائه أو تملكه لشيء أن ينوي به التجارة، فإن اشتراه لقنية ولم يكن للتجارة ثم بدا له أن يتاجر فيه فهل تجب فيه الزكاة ؟
... المذهب أنه لا تجب فيه الزكاة ؛ لأن النية المعتبرة لوجوب الزكاة فيه أن تكون مقارنة لدخوله في ملكه، ولأن التجارة عمل فيحتاج إلى النية مع العمل.
__________
(1) المحلى (6/233ـ 240).
(2) تمام المنة للألباني، ص363ـ 368.
(3) انظر في ذلك: مصنف ابن أبي شيبة (3/144)، مصنف عبد الرزاق (4/84/7061).
(4) سورة التوبة: 103 .
(5) سورة الذاريات : 19.(9/52)
... والصحيح أنه متى اشتراه للقنية أو لغيرها أو ملكها بغير فعله ثم بدا له أن يتاجر به فهنا تجب فيها الزكاة لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - =إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ+ (1)، وهذا الرجل نوى التجارة فلزمته الزكاة، أما إذا كان لا ينوي التجارة بها أو تردد في بيعها فلم يجزم بشيء فلا زكاة فيها.
وَهِيَ نِصَابٌ (1) حَوْلاً كَامِلاً (2)، ثُمَّ يُقَوِّمُهَا(3)،..........................................
(1) قوله =وَهِيَ نِصَابٌ+ أي يشترط في العروض بلوغ النصاب، ونصابها يقَوَّم بقيمة الذهب أو الفضة، فلا زكاة في العروض إذا كانت قيمتها أقل من نصاب الذهب والفضة ما لم يكن عنده ذهب أو فضة يكمل به النصاب، لكن الأفضل أن تقوَّم بأقل النصابين من الذهب والفضة؛ لأنه أحظ للفقراء والمساكين، فإن كان التاجر إذا قوَّمها بأحدهما لا يبلغ نصابًا وبالآخر يبلغ نصابًا تعين عليه التقويم بما يبلغ نصابًا.
(2) قوله =حَوْلاً كَامِلاً+ أي يشترط لعروض التجارة أن يحول عليها حول كامل، لكن هل المعتبر كل الحول كما في النقدين بمعنى أنها لو نقصت القيمة في أثناء الحول لم تجب الزكاة ؟
المذهب يشترط كل الحول فمتى نقصت قيمة العروض في أثناء الحول لم تجب الزكاة.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي _ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1)، ومسلم في كتاب الإمارة _ باب قول - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنية (3530) واللفظ للبخاري .(9/53)
3) قوله =ثُمَّ يُقَوِّمُهَا+ الذي يقوَّم من العروض ما يراد بيعه دون ما لا يعد للبيع، وكذا المعد للاستعمال فإنه ليس فيه زكاة كالرفوف التي توضع عليها السلع لا زكاة فيها، ومواد التنظيف كالصابون ونحوه التي أعدها الصانع ليستهلكها في صناعته لا لبيعها فلا زكاة فيها، وكذا الأدوات التي يستخدمها الحداد والنجار مثل القدوم والمنشار وجميع الأدوات لا زكاة فيها، إنما الزكاة فيما أعد للبيع .
·?تنبيهات:
... أولاً:المواد الخام التي اشتراها صاحب المصنع ليقوم بتصنيعها نص المالكية(1)=
فَإِذَا بَلَغَتْ أَقَلَّ نِصَابٍ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ(1)،.........................................
... =على أنها تقوم على الحال التي اشتراها عليها صاحبها أي قبل تصنيعها.
... ثانيًا: إذا قوّم سلعة لأجل الزكاة وأخرجها على أساس ذلك فلما باعها زاد ثمنها عن القيمة فلا زكاة في هذه الزيادة لاحتمال ارتفاع الأسعار في السوق.
... ثالثًا: السعر الذي تقوم به السلعة هو سعر البلد الذي فيها المال وليس الذي فيه المالك أو غيره ممن له بالمال علاقة.
... رابعًا: هل المعتبر في التقويم بقيمة السلعة يوم الوجوب أم المعتبر القيمة يوم الأداء؟ على خلاف بين الفقهاء: والصحيح أنها تُقوّم بقيمة السلعة عند تمام الحول ولا يحق له أن يؤخرها بزمن يتغير فيه السعر.
... خامسًا: إذا كانت هناك سلع لم يدفع التاجر ثمنها هل يقوّمها ؟ نقول إذا كانت السلعة حال عليها الحول وأصبحت في ملكه زكاها وإن لم يدفع ثمنها ؛ لأن الدَّين _ كما قلنا _ لا يسقط وجوب الزكاة .
... سادسًا: لا يعتبر في تقويم السلعة عند تمام الحول ما اشتريت به وذلك لأن القيمة تختلف ارتفاعًا ونزولاً، بل المعتبر في تقويمها عند حلول الحول.
(
__________
(1) حاشية الدسوقي (1/474) .(9/54)
1) قوله =فَإِذَا بَلَغَتْ أَقَلَّ نِصَابٍ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ + اختلف الفقهاء فيما تُقوّم به زكاة عروض التجارة، هل تُقوّم بالذهب أم بالفضة ؟
... فالمذهب(1)، ورواية عند الأحناف(2) أنها تقوّم بالأحظ للفقراء، فإن كان إذا قوَّمها بأحدهما لا يبلغ نصابًا وبالآخر يبلغ نصابًا تعين عليه أن يخرجها بما يبلغ نصابًا، وهذا هو الصحيح.
أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ قِيْمَتِهَا(1).
(1) قوله =أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ قِيْمَتِهَا+ أي يكون إخراج زكاة عروض التجارة من قيمة السلع لا من عينها، وهذا هو قول أحمد(3)، والشافعي(4) في الجديد، وعليه الفتوى، وهو ظاهر كلام المالكية(5).
... وقال أبو حنيفة(6) أن التاجر مخير بين إخراج الزكاة من قيمة السلعة وبين الإخراج من عينها، فإن كان تاجر ملابس مثلاً أو أحذية أو ما شابه ذلك فله أن يخرج زكاته من الملابس أو الأحذية وغيرها مما يتاجر فيه، وعللوا لذلك بأن السلعة وجبت فيها الزكاة فجاز إخراجها من عينها كسائر الأموال.
... والراجح ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة وهو أنه لا يخرج من عروض التجارة إلا قيمتها؛ لأن ذلك هو الأنفع للفقير فإنه يستطيع أن يشتري بالقيمة ما يسد حاجته، أما عين السلعة فقد لا تنفعه، اللهم إلا إذا كان يعلم جيّدًا أن هذا الفقير يحتاج إلى هذه السلعة بعينها فهنا يجوز للحاجة أو المصلحة الراجحة.
__________
(1) شرح منتهى الإرادات (1/8)، المغني (4/253ـ 256).
(2) الهداية وفتح القدير (1/527).
(3) المغني (4/250).
(4) المجموع (6/68).
(5) بداية المجتهد (1/269)، الحطاب (2/358).
(6) فتح القدير (1/537).(9/55)
... وأيضًا إذا حال الحول والتاجر ليس عنده مال، أي ليس عنده إلا سلع فهنا يخرج من عين السلعة لعموم قوله تعالى:[لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا](1)، وقوله:[فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ] (2)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - =وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ +(3) .
وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ، ضَمَّهُمَا إِلَى قِيْمَةِ الْعُرُوْضِ فِيْ تَكْمِيْلِ النِّصَابِ(1). وَإِذَا نَوَى بِعَرْضِ التِّجَارَةِ الْقُنْيَةَ، فَلاَ زَكَاةَ فِيْهِ(2)، ثُمَّ إِنْ نَوَى بِهِ بَعْدَ ذالِكَ التِّجَارَةَ، اسْتَأْنَفَ لَهُ حَوْلاً(3).
(1) قوله =وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ، ضَمَّهُمَا إِلَى قِيْمَةِ الْعُرُوْضِ فِيْ تَكْمِيْلِ النِّصَابِ + بغير خلاف عند الفقهاء،فلو كان عنده مائة درهم وعنده عروض قيمتها مائة درهم ضم هذا إلى هذا لتكميل النصاب ؛ لأن الزكاة إنما تجب في قيمة العروض وهي تُقوّم بكل من الذهب أو الفضة فتكون مع الضم جنسًا واحدًا.
(2) قوله =وَإِذَا نَوَى بِعَرْضِ التِّجَارَةِ الْقُنْيَةَ، فَلاَ زَكَاةَ فِيْهِ+ القنية هي ما اتخذه الإنسان لنفسه للانتفاع به لا للتجارة، من طعام أو شراب أو سيارة أو سكن أو حيوان ونحو ذلك، فإذا اشتراها للتجارة ثم بان له أن يجعلها لنفسه فلا زكاة فيها؛ لأن القنية هي الأصل ويكفي في الرد إلى الأصل حصول النية.
(
__________
(1) سورة البقرة : 286.
(2) سورة التغابن :16.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة _ باب الاقتداء بسنن رسول الله "_ رقم (6744)،ومسلم في كتاب الحج _ باب فرض الحج مرة في العمر (2380).(9/56)
3) قوله =ثُمَّ إِنْ نَوَى بِهِ بَعْدَ ذالِكَ التِّجَارَةَ، اسْتَأْنَفَ لَهُ حَوْلاً+ أي إذا نوى التجارة بما صار للقنية فإنه يستأنف به حولاً جديدًا يبدأ من تاريخ نية التجارة؛ لأن حول التجارة انقطع بنية الاقتناء فلابد من حول جديد لنية التجارة. وهناك قول آخر: أنه لم يصر للتجارة بمجرد النية.
... والصحيح الأول؛ لأن المعتبر هو كون هذا الشيء عرضًا أم لا هو نية مالكه لعموم قوله ":=إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ+ (1) .
بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ(1).
وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ(2)،...............................................................
الشرح:
(1) قوله =بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ+ يقال لها زكاة الفطر أو صدقة الفطر، ويقال للمخرَج فِطرة _ بكسر الفاء _ مأخوذ من الفطرة التي هي الخلقة أي زكاة الخلقة، وهي المقصودة في قوله تعالى: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى](2)، وأضيفت الزكاة هنا إلى الفطر؛ لأنها تجب بالفطر من رمضان، وهي صدقة عن البدن لذلك يسميها بعض الفقهاء زكاة الرؤوس أو الرقاب أو الأبدان.
... أما التعريف الاصطلاحي لها فهي: صدقة تجب بالفطر من رمضان قبل صلاة عيد الفطر شكرًا لله تعالى على نعمة التوفيق للصيام والقيام.
... والحكمة في مشروعيتها مركبة من أمرين:
... الأول: يتعلق بالصائمين في شهر رمضان وما عسى أن يكون قد شاب صيامهم من لغو القول ورفث الكلام وطعمة للمساكين.
... الثاني: يتعلق بالمجتمع فيه عنوان على إشاعة المحبة في المجتمع والمسرة في جميع أنحائه وخاصة المساكين وأهل الحاجة فيه.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي _ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1)، ومسلم في كتاب الإمارة _ باب قول - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنية (3530) واللفظ للبخاري .
(2) سورة الأعلى : 14.(9/57)
2) قوله =وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ+ ذكرًا كان أو أنثى، كبيرًا كان أو صغيرًا، حرًّا كان أو عبدًا. ودليل فرضيتها حديث ابن عمر _ رضي الله عنهما _ قال:=فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ " زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيْرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيْرِ وَالْكَبِيْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوْجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ+(1) .
مَلَكَ فَضْلاً عَنْ قُوْتِهِ وَقُوْتِ عِيَالِهِ(1)،......................................................
... =لكن هل يخرجها عن الجنين؟
... الصواب أنه يستحب إخراجها عنه إذا نفخ فيه الروح أي إذا كان الحمل مدته أربعة أشهر فأكثر، وهذه هي المدة التي ينفخ فيها الروح،ودليل إخراجها عنه ما جاء عن عثمان ÷أنه أخرج عن الجنين (2) .
... وقوله=عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ+ هذا هو الشرط الأول لوجوبها، فخرج به غير المسلم.
... وجاء عند الشافعية(3) وهو الأصح عندهم أنه يجب على الكافر أن يؤدي عن أقاربه المسلمين.
... والصحيح ما ذهب إليه الجمهور؛ أي أنه لا يجب عليه إخراجها لأنها قربة من القرب، وطهرة للصائم من الرفث، واللغو، والكافر ليس من أهلها، إنما يعاقب على تركها في الآخرة.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب فرض صدقة الفطر (1407)، ومسلم في كتاب الزكاة _ باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (1636) وللفظ للبخاري .
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3/219).
(3) مغني المحتاج (1/402).(9/58)
1) قوله =مَلَكَ فَضْلاً عَنْ قُوْتِهِ وَقُوْتِ عِيَالِهِ+ هذا هو الشرط الثاني، وهو قول الشافعية(1)، أي لا يشترط له ملك النصاب، وذهب الحنفية(2) إلى اشتراط ملك النصاب الذي تجب فيه الزكاة من أي مال كان من الذهب أو الفضة أو السوائم من الإبل والبقر والغنم.
... والصحيح: القول الأول وهو قول جمهور أهل العلم.
لَيْلَةَ الْعِيْدِ وَيَوْمَهُ، صَاعًا(1). وَقَدْرُ الْفِطْرَةِ: صَاعٌ مِنَ الْبُرِّ أَوِ الشَّعِيْرِ، أَوْ دَقِيْقِهِمَا أَوْ سَوِيْقِهِمَِا(2)،...............................................................................................
... =وقوله =عَنْ قُوْتِهِ+ أي مأكله ومشربه،وقوله=وَقُوْتِ عِيَالِهِ+أي أولاده الذين تجب عليه نفقتهم.
(1) قوله =لَيْلَةَ الْعِيْدِ وَيَوْمَهُ، صَاعًا+ أي إذا كان عنده ما يقتات به وأولاده ليلة العيد ويومه فتجب عليه زكاة الفطر، أما إذا كان الذي عنده لا يكفيه لهذه المدة فلا تجب عليه، فإن كان الذي عنده يكفيه لهذه المدة وبقي عنده شيء قليل فالواجب عليه إخراج هذا القليل؛ لعموم قوله تعالى:[ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا](3)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - =وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ+(4).
(2) قوله =وَقَدْرُ الْفِطْرَةِ: صَاعٌ مِنَ الْبُرِّ أَوِ الشَّعِيْرِ، أَوْ دَقِيْقِهِمَا أَوْ سَوِيْقِهِمَِا+ هذا هو القدر الواجب في زكاة الفطر ونوع ما تخرج منه.
__________
(1) مغني المحتاج (1/403).
(2) تبيين الحقائق للزيلعي (1/307).
(3) سورة البقرة : 286.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة _ باب الاقتداء بسنن رسول الله "_ رقم (6744)،ومسلم في كتاب الحج _ باب فرض الحج مرة في العمر (2380).(9/59)
... فالقدر فيها صاع،وقد سبق تحقيق قدر الصاع بالكيلو جرام،وقررنا أنه يعادل كيلوين وربع كيلو وذكر شيخنا(1) أن الصاع يعادل كيلوين وأربعين جرامًا.
... وما رجحنا أن الصاع يعادل كيلوين وربع الكيلو هو الذي توصلت إليه بعد بحث طويل ومناقشة لأهل العلم. وقد بسطت ذلك في كتابي الزكاة فليراجع.
... أما النوع الذي تخرج منه زكاة الفطر فقد ذكره المؤلف وهو صاع من البر أو الشعير أو دقيقهما أو سويقهما.
أَوْ مِنَ التَّمْرِ أَوِ الزَّبِيْبِ(1)،......................................................................
(1) قوله =أَوْ مِنَ التَّمْرِ أَوِ الزَّبِيْبِ+ فهو مخير في إخراج زكاة الفطر في هذه المذكورات، لكن هنا تنبيهان:
... أولاً: إذا لم تكن هذه المذكورات =البر والشعير والتمر والأقط والزبيب+ قوتًا في بلد ما فهل تجزئ؟ الجواب: لا تجزئ لأن ما ذكره النبي " في الحديث إنما هو على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر، فينبغي على الإنسان حين إخراجه زكاة الفطر أن يراعي قوت البلد الذي هو فيها، ولذا ورد عن الإمام أحمد(2) أن الأقط لا يجزئ إلا إذا كان قوتًا.
... ثانيًا: اختلف الفقهاء في إخراج القيمة عن زكاة الفطر:
... فالمالكية(3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5) يرون أنه لا يجوز إخراج القيمة لعدم ورود النص في ذلك مع أن النقود كانت في عهده " ولم يثبت أنه جوَّز لأحد من أصحابه إخراجها قيمة، وأيضًا النبي " نص على أن إخراجها يكون قوتًا كما في حديث ابن عمر ÷ المتقدم، وهذه كلها مطعومات فدل ذلك على أن غير المطعومات لا يجوز.
__________
(1) الشرح الممتع (6/176).
(2) المغني (4/290).
(3) بلغة السالك (1/301 وما بعدها).
(4) مغني المحتاج (1/406)، أسنى المطالب (1/391، 392).
(5) المغني (4/295ـ 297).(9/60)
... وذهب الحنفية(1) إلى أنه يجوز إخراج القيمة في صدقة الفطر، بل هو أولى ليتيسر للفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد؛ لأنه قد لا يكون محتاجًا للحبوب بل هو محتاج إلى ملابس أو لحم أو غير ذلك.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ، أَخْرَجَ مِنْ قُوْتِهِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ، صَاعًا(1).
... = والراجح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من أنه لا يجوز إخراج القيمة، وهذا هو قول الشيخين(2) _ رحمهما الله _.
(1) قوله =فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ، أَخْرَجَ مِنْ قُوْتِهِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ، صَاعًا + أي إن لم يجد هذه المذكورات _ البر أو الشعير أو دقيقهما أو سويقهما أو التمر أو الزبيب _ أخرج من قوته، أي كل ما يقتات ويطعم من الحب والتمر كالأرز والذرة بدلاً عن البر أو الشعير، أو أخرج أي أنواع الثمار الأخرى بدلاً عن الزبيب.
... والصحيح كما قلنا أن كل ما كان قوتًا من حب وثمر ونحوها فهو مجزئ سواء عدم الخمسة أو لم يعدمها لحديث أبي سعيد وفيه:=وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيْرُ وَالزَّبِيْبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ+(3) .
·?تنبيه: هل يجزئ إخراج الخبز في صدقة الفطر؟
... الجواب: لا يجزئ إخراجه في المذهب(4)؛ لأنه لا يكال ولا يقتات، ومن العلل أيضًا في عدم إجزائه أن النار أثرت عليه وغيرته.
... ويرى شيخنا(5) × أن الصحيح في الخبز أنه إذا كان قوتًا بأن ييبس وينتفع الناس به فلا بأس بإخراجه، وكذا يرى شيخنا جواز إخراج المكرونة ما دامت قوتًا للناس وتعتبر بالكيل إذا كانت صغيرة مثل الأرز وبالوزن إذا كانت
... كبيرة .
__________
(1) تحفة الفقهاء (ج1) في صدقة الفطر.
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/210)، مجموع وفتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (18/278).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب الصدقة قبل العيد (1414).
(4) المغني (4/294، 295).
(5) الشرح الممتع (6/183).(9/61)
وَمَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ، لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ لَيْلَةَ الْعِيْدِ(1)، إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّيْ عَنْهُ(2)................................................................................................
=ثانياً: يجوز إعطاء زكاة الفطر لفقير واحد سواء كان المعطي واحداً أو جماعة، مثاله: إنسان عنده عشر فطرات فإنه يجوز أن يعطي هذه العشر إلى فقير واحد، وكذلك يجوز أن يعطى إنسان فطرة واحدة لعشرة فقراء.
(1) قوله =وَمَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ، لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ لَيْلَةَ الْعِيْدِ+
أي أن زكاة الفطر يخرجها الإنسان عن نفسه وكل من تجب عليه نفقته من المسلمين، وهذا هو المذهب(1)، وهو قول المالكية(2)، والشافعية(3).
وذهب الحنفية(4) إلى أنه لا يجب عليه أن يخرجها عن غيره، وهو قول شيخنا(5) × فتجب على الزوجة بنفسها وعلى الأب بنفسه، وعلى البنت بنفسها، وهكذا.
والصواب: أنه يجب إخراجها عن نفسه وعن من تلزمه مؤونته من زوجة أو أبناء أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم لأنهم المخاطبون بها أصلاً.
(2) قوله =إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّيْ عَنْهُ+ أي إذا ملك مالاً يؤدي به الزكاة عمن تلزمه مؤونته فالواجب عليه أن يؤديها عنه وهذا محل خلاف كما ذكرنا وبيَّنا الراجح.
فَإِنْ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ تَلْزَمُ جَمَاعَةً، كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ(1)، وَالْمُعْسِرِ الْقَرِيْبِ لِجَمَاعَةٍ(2)، فَفِطْرُتُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ مُؤْنَتِهِ(3).
(
__________
(1) المغني (4/301، 302).
(2) بلغة السالك (1/201، 202).
(3) مغني المحتاج (1/403).
(4) الدر المختار ورد المحتار (2/75)، حاشية ابن عابدين (2/72، 73).
(5) الشرح الممتع (6/154).(9/62)
1) قوله =فَإِنْ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ تَلْزَمُ جَمَاعَةً، كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ+ وهو المملوك بين اثنين وأكثر، فيلزمهم إخراج فطرته حسب نفقته عليهم.
(2) قوله =وَالْمُعْسِرِ الْقَرِيْبِ لِجَمَاعَةٍ+ كالعم أو أبناء العم أو إخوانه عموماً، فهؤلاء قال فيهم المؤلف =فَفِطْرُتُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ مُؤْنَتِهِ+ فيلزمهم إخراجها عنه لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:=أمر رسول الله " بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون+(1).
والصحيح أنه لا يلزم المسلم إخراج صدقة الفطر عن القريب المسلم،لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:=فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ " صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ+(2).
والأصل في الفرض أنه يجب على كل إنسان بعينه دون غيره، أما الحديث الذي احتج به فهو ضعيف ومنقطع فلا يصح الاحتجاج به.
والفرض الأصل فيه أنه يجب على كل واحد بعينه دون غيره لقوله سبحانه [وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى] (3).
(3) قوله =فَفِطْرُتُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ مُؤْنَتِهِ+ أي توزع عليهم على حسب نفقتهم عليه لأن زكاة الفطر تابعة للنفقة، فيبدأ أولاً بنفسه لأنه هو المخاطب بذلك عيناً، ثم زوجته وهي مقدمة على أمه وأبيه، ثم رقيقه، ثم أمه ثم أبيه،=
فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا، فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَيِّدِهِ(1). وَيُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الْفِطْرَةِ يَوْمَ الْعِيْدِ قَبْلَ صَلاَةِ الْعِيْدِ(2)، وَلاَ يَجُوْزُ تَأْخِيْرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيْدِ(3)، ...................
=وهكذا.
(
__________
(1) أخرجه الدار قطني (4/161) رقم (7935)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل ج3 رقم 835 .
(2) أخرجه النسائي ـ باب حث الإمام على الصدقة(1562)،وصححه الألباني في سنن النسائي (5/49).
(3) سورة الأنعام: 164.(9/63)
1) وقوله =فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا، فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَيِّدِهِ+ فتكون فطرة العبد على قدر ما فيه من الحرية، وغير الحر يكون على سيده فطرته، وقد ذكر هنا أن العبد إن كان قد جمع بين الحرية والرق فإن السيد يلزمه إخراج نصيبه.
(2) قوله =وَيُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الْفِطْرَةِ يَوْمَ الْعِيْدِ قَبْلَ صَلاَةِ الْعِيْدِ+ أي من بعد صلاة الفجر إلى قبيل صلاة العيد وهو الوقت المستحب لإخراجها، ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم وفيه:=وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة+.
(3) قوله =وَلاَ يَجُوْزُ تَأْخِيْرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيْدِ+ لقوله ":=أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم+، ويفهم من كلامه × أنه يجوز تأخير صدقة الفطر إلى غروب شمس يوم العيد، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: إخراجها يوم العيد جائز من غير كراهة لقوله ":=أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم+، واليوم يكون بطلوع الفجر إلى غروب الشمس ـ فيجوز إخراجها يوم العيد ـ.
القول الثاني: أنه جائز مع الكراهة على الصحيح، وهذا قول للشافعية(1)، ورواية في مذهب أحمد(2) وذلك لأن إخراجها في بقية يوم العيد يفوت المقصود من إغناء الفقراء في هذا اليوم.
وَيَجُوْزُ تَقْدِيْمُهَا عَلَيْهِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ(1).
=القول الثالث: أنه يجوز تأخيرها عن يوم العيد، فمن أداها بعد يوم العيد بدون عذر كان آثماً، وهذا هو قول المالكية(3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5).
__________
(1) شرح المنهاج (1/528 وما بعدها).
(2) كشاف القناع (1/471)، المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/128، 129).
(3) بلغة السالك (1/201).
(4) المجموع (6/109).
(5) كشفا القناع (1/471).(9/64)
القول الرابع: لا يجوز تأخيرها بعد صلاة العيد واختار هذا القول ابن القيم(1) ×، وهذا هو الصواب لحديث ابن عباس رضي الله عنهما:=مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ+(2)، وكذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:=أَنَّ النَّبِيَّ " أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ+(3).
·?تنبيه:
اتفق الفقهاء على أن زكاة الفطر لا تسقط بخروج وقتها لأنها وجبت في ذمته لمستحقيها، فهي دين لهم لا يسقط إلا بالأداء، أما حق الله في التأخير عن وقتها فلا يجبر إلا بالاستغفار والندم.
(1) قوله =وَيَجُوْزُ تَقْدِيْمُهَا عَلَيْهِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ+ فقط. وهذا هو قول المالكية(4) أيضاً، ودليل ذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:=كانوا يعطون صدقة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين، فإن أخرجها أول الشهر أو قبل العيد بأكثر من ثلاثة أيام لا يصح،لكن هل تجزئه؟قولان لأهل العلم:=
وَيَجُوْزُ أَنْ يُعْطَى الْوَاحِدُ مَا يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ، وَالْجَمَاعَةُ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ(1).
=والذي اختاره شيخنا(5) × أنه لا يجزيء، فهو كمن صلى قبل الوقت ظاناً أن الوقت قد دخل.
(1) قوله =وَيَجُوْزُ أَنْ يُعْطَى الْوَاحِدُ مَا يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ، وَالْجَمَاعَةُ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ+ فلو كان عند إنسان خمس فطر، فيجوز أن يعطيها لفقير واحد، وكذلك إذا كان عنده فطرة واحدة فيجوز أن يعطيها خمسة فقراء لأن النبي " قدر المعطى ولم يقدر الأخذ.
__________
(1) زاد المعاد (2/21).
(2) أخرجه أبو داود ـ باب زكاة الفطر(1371)،وحسنه الألباني في سنن أبي داود(2/111)رقم(1609).
(3) أخرجه البخاري ـ كتاب الزكاة ـ باب الصدقة قبل العيد (1413).
(4) بلغة السالك (1/201).
(5) الشرح الممتع (6/170).(9/65)
وقال بعض أهل العلم: بل لو فرق فطرة رجل واحد على جماعة لم يجزئه، والصحيح الأول، لكن إذا أعطى الفطرة لجماعة فيسن ألا ينقص عن مد.
بَابُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ (1)
لاَ يَجُوْزُ تَأْخِيْرُ الزَّكَاةِ عَنْ وَقْتِ* وُجُوْبِهَا (2)، ..........................................
(1) قوله =بَابُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ+ أي دفعها إلى مستحقيها، والمراد بها زكاة السائمة من بهيمة الأنعام، وزكاة الأثمان، وكذا عروض التجارة، والخارج من الأرض، أما زكاة الفطر فقد سبق بيان كيفية إخراجها.
(2) قوله =لاَ يَجُوْزُ تَأْخِيْرُ الزَّكَاةِ عَنْ وَقْتِ(*) وُجُوْبِهَا+ فمتى حال الحول وجب المبادرة بإخراجها وذلك لأن الله تعالى أمر بإيتاء الزكاة، والأمر يقتضي الفور، وأيضاً فإن حاجة الفقراء ناجزة، وحقهم في الزكاة ثابت فيكون تأخيرها عنهم منعاً لحقهم في وقته.
وقال الحنفية(1) في أحد القولين عندهم، وعليه عامة مشايخهم: إن افتراض الزكاة عمري أي على التراخي، ففي أي وقت أدى يكون مؤدياً للواجب، ويتعين ذلك الوقت للوجوب.
والصحيح: هو قول جمهور الفقهاء، أي متى حال الحول وجب إخراجها على الفور مع القدرة على ذلك،وعدم الخشية من الضرر.
·?تنبيه:
هناك حالات يجوز فيها تأخير الزكاة عن وقت وجوبها، وهذه الحالات هي:
الحالة الأولى: إذا كان في تأخير إخراجها مصلحة للفقير، مثال ذلك:
أكثر الناس يخرجون زكاتهم في شهر رمضان رغبة في حصول الأجر، لكن في بعض الأيام الأخرى كأيام الشتاء التي لا توافق رمضان قد يكون الفقراء=
إِذَا أَمْكَنَ إِخْرَاجُهَا(1)، فَإِنْ فَعَلَ فَتَلِفَ الْمَالُ، لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكاَةُ(2)،
=أشد حاجة، فلو أخرها المزكي إلى هذا الوقت جاز ذلك لأن في ذلك مصلحة لمستحقيها.
الحالة الثانية: أن لا يتمكن من إخراجها عند حلول الحول، مثال ذلك:
__________
(1) حاشية ابن عابدين (2/13).
(*) في نسخة =عن قرب وجوبها+.(9/66)
أن يكون له مال غائب لا يمكن تحصيله، كأن يكون هذا المال في ذمة موسر، أو ذمة معسر ولا يتمكن من الحصول عليه إلا بعد وقت الوجوب بفترة، فهنا يجوز تأخيرها لعدم تمكنه من الإخراج.
الحالة الثالثة: إذا كان يتضرر بإخراجها في وقتها، كأن يخشى أن يرجع عليه الساعي مرة أخرى، أو يكون المزكي بين قوم لصوص ويخشى على نفسه وماله وعياله إن أخرجها نظروا إليه فيعلمون أن معه مالاً فيسطون عليه، فهنا يجوز له تأخيرها إلى حين زوال الضرر،ومن صور الضرر أيضاً أن يحول الحول على عروض التجارة وليس عند التاجر سيولة مالية، فهنا ينتظر لحين بيع العروض أو بعضها للحصول على المال.
(1) قوله =إِذَا أَمْكَنَ إِخْرَاجُهَا+ كما ذكرنا ذلك آنفاً، أما الجمعيات الخيرية وكذا المراكز الإسلامية التي يجتمع عندها أموال زكوية فيجوز لها أن تجزىء الزكاة على الفقراء، وتوزعها عليهم على فترات بشرط أن لا تزيد هذه المدة عن سنة وهذه هي أقصى مدة يجوز فيها تأخير الزكاة.
(2) قوله =فَإِنْ فَعَلَ فَتَلِفَ الْمَالُ، لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكاَةُ+ أي إن أخر الزكاة عن وقت الوجوب ثم تلف المال لم تسقط عنه الزكاة في المال التالف لأنها وجبت في ذمته.
والصواب أن يقال في ذلك تفصيل:
وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَهُ، سَقَطَتْ(1). وَيَجُوْزُ تَعْجِيْلُهَا إِذَا كَمُلَ النِّصَابُ(2)، ..........
=إن أخرها ثم تلف المال بسبب تفريطه أو بتعدٍ منه على المال فهنا لا تسقط.
وإن أخرها ثم تلف المال من غير تعد ولا تفريط منه فإنها تسقط عنه، وهذا هو قول المالكية(1)، والشافعية(2).
(1) قوله =وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَهُ، سَقَطَتْ+ أي إن تلف المال قبل وقت الوجوب، وهو حلول الحول سقطت عنه الزكاة.
(
__________
(1) الشرح الكبير (1503).
(2) شرح المنهاج (2/46).(9/67)
2) قوله =وَيَجُوْزُ تَعْجِيْلُهَا إِذَا كَمُلَ النِّصَابُ+ وهذا هو قول الجمهور(1)، أي يجوز تعجيل الزكاة إذا كمل النصاب، وقال المالكية(2): لا يجوز تعجيل الزكاة لأنها عبادة موقوتة بالحول.
والصحيح هو قول الجمهور، ودليل ذلك ما جاء عن علي ÷ =أن النبي " تعجل من العباس صدقته سنتين+(3).
وقال الفقهاء أيضاً: الحول شرطها، وبلوغ النصاب سبب لوجوبها، والقاعدة في ذلك أنه لا يقدم الواجب قبل سببه، ويجوز تقديمه قبل شرطه، فبلوغ النصاب سبب لوجوب الزكاة، فإن قال: أزكي عن مال لم يبلغ النصاب فلا يصح، وإن ملك النصاب وقدم الزكاة قبل حلول الحول جاز لأنه قدمها بعد السبب وقبل الشرط.
وأيضاً: تعجيل الزكاة فيه مصلحة لأهلها، وتأخيرها إلى حلول الحول من=
وَلاَ يَجُوْزُ قَبْلَ ذالِكَ(1). وَإِنْ عَجَّلَهَا إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا، لَمْ تُجْزِئْهُ(2)،...........
=باب الرفق بالمالك، فإن أداها قبل تمام الحول عن رضا منه فلا مانع، ومع قولنا بالجواز إلا أنه لا ينبغي تعجيل الزكاة قبل وقتها إلا لحاجة كجهاد، وحصول مجاعة، ونحو ذلك لأن الإنسان قد يعتري ماله تلف أو خسارة وغيره.
لكن هل يكون التعجيل لحول أو حولين أو أكثر، أم هو مقيد؟
هذا محل خلاف بين الفقهاء؛ فالشافعية(4) قالوا: يجوز تعجيل الزكاة لعام واحد، ولا يجوز لعامين في الصحيح لأن زكاة العام الثاني لم ينعقد حولها.
والمذهب(5) قالوا: تقديمها يكون لحولين فأقل. والذي نراه أن تعجيل الزكاة لأكثر من سنة الصحيح جوازه لمدة سنتين فقط ولا يجوز لأكثر من ذلك.
__________
(1) انظر في ذلك: فتح القدير (1/517، 518)، شرح المنهاج (2/44، 45)، المغني (4/79).
(2) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/501، 502).
(3) أخرجه أبو عبيد في الأموال، وحسنه الألباني في إرواء الغليل ج3 رقم857 .
(4) المرجع السابق.
(5) المرجع السابق.(9/68)
·?تنبيه: لو عجل الإنسان زكاته ثم لما جاء الحول زاد عما هو عليه حال التعجيل، فهذه الزيادة التي نمى فيها ماله يجب عليه دفع زكاتها.
(1) قوله =وَلاَ يَجُوْزُ قَبْلَ ذالِكَ+ أي لا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك نصابها لأن ملك النصاب سبب لوجوبها، فإذا عدم السبب سقط الواجب، والقاعدة هنا:=ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب+ فبلوغ النصاب سبب لوجوب الزكاة، فإذا عدم هذا السبب سقط الوجوب.
(2) قوله =وَإِنْ عَجَّلَهَا إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا، لَمْ تُجْزِئْهُ+ أي إن عجل إخراج زكاته فأعطاها لغير مستحقيها لم يجزئه تعجيله، بل عليه أن يعيد إخراجها عند تمام الحول.
وَإِنْ صَارَ عِنْدَ الْوُجُوْبِ مِنْ أَهْلِهَا (1). وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا، فَمَاتَ أَوِ اسْتَغْنَى أَوِ ارْتَدَّ، أَجْزَأَتْ(2)،....................................................................................
(1) قوله =وَإِنْ صَارَ عِنْدَ الْوُجُوْبِ مِنْ أَهْلِهَا+ في هذه المسألة تفصيل:
أولاً: أن يعجل زكاته فيعطيها لغير مستحقيها وهو يعلم، كأن يعطيها لغني ثم افتقر عند الوجوب لم يجزئه بلا نزاع.
ثانياً: أن يعجل زكاته إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم، فهنا فيه تفصيل: فتارة يكون عدم استحقاقه لغناه، وتارة يكون لغيره كأن يكون كافراً، أو عبداً، أو هاشمياً، أو يكون قريباً للمعطي ممن لا يجوز دفع الزكاة إليه، فإن كان غنياً ففيه روايتان في المذهب(1): قيل يجزئه، وقيل لا يجزئه.
والصحيح: أنها تجزئه لأن الغنى يتعذر الإطلاع عليه والمعرفة بحقيقته، أما إن كان غير غني فرواية واحدة في المذهب أنها لا تجزئه لأن غير الغني لا يخفى حاله غالباً فلم يجزئه الدفع إليه.
(
__________
(1) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/196).(9/69)
2) قوله =وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا، فَمَاتَ أَوِ اسْتَغْنَى أَوِ ارْتَدَّ، أَجْزَأَتْ+ لأن العبرة كما أسلفنا تكون بحال الإعطاء، أي إن تعجل بإخراج الزكاة فأعطاها إلى مستحقيها ممن يجزيء إخراج الزكاة إليهم فمات أو استغنى، أي صار غنياً، أو ارتد عن الإسلام قبل وجوبها أجزأت، لأن العبرة كما أسلفنا تكون بحال الإعطاء.
... وما ذكره المؤلف هنا: أي إذا أخرج الزكاة معجلة لا يخلوا من أربعة أحوال:
... الأول: أن لا يتغير حال من أخرجها إليه، فهذا القسم يجزيء المزكي ولا يلزمه بدله، وليس له استرجاعه كما لو قبلها بعد وجوبها.
وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الآخِذِ(1).
... =الثاني: أن يتغير حال الأخذ كما ذكره المؤلف هنا، فهذا كما ذكر المؤلف يأخذ حكم القسم الأول، أي يجزيء عنه، وهذا قول أبي حنيفة(1).
... وقال الشافعي(2)، وهو أيضاً قول في المذهب(3) لا يجزيء، لأن ما كان شرطاً للزكاة إذا عدم قبل الحول لم يجزيء كما لو تلف المال، أو مات صاحبه.
... والصحيح: ما ذهب إليه المؤلف، لأن العبرة تكون بحال الإعطاء، فمتى أداها إلى مستحقيها لم يمنع الإجزاء تغير حال المعطى.
... الثالث: أن يتغير حال رب المال بموت أو ردة، أو بيع النصاب، فهل إذا عجل زكاته يرجع بها على من أداها إليه، بمعنى هل يجوز له استرجاعها على قولين:
... الأول: وهو المذهب(4) أنه لا يرجع بها على الفقير لأنها زكاة دفعت إلى مستحقيها فلم يجز ارتجاعها.
... والقول الثاني: أنه إذا أعلم المستحق أنها زكاة معجلة أو كان الدافع لها الساعي فله أن يرجع بها، والصحيح القول الأول.
... القسم الرابع: أن يتغير حالهما، أي رب المال والمستحق للزكاة، فهذا كالقسم الذي قبله.
(
__________
(1) الهداية وفتح القدير (2/26).
(2) روضة الطالبين (2/338).
(3) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/196).
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/196).(9/70)
1) قوله =وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الآخِذِ+ سبق بيان ذلك آنفاً، وقلنا أنه إذا تعجل دفع الزكاة ثم تغير حال رب المال فتلف ماله أو ارتد فإنه لا =
وَلاَ تُنْقَلُ الصَّدَقَةُ إِلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلاَةُ إِلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ مَنْ يَأْخُذُهَا فِيْ بَلَدِهَا(1).
... = يرجع على الفقير لأنها زكاة دفعت إلى مستحقيها، فلم يجز له الرجوع فيها، وهذا هو الراجح كما ذكرنا ذلك سابقاً.
(1) قوله =وَلاَ تُنْقَلُ الصَّدَقَةُ إِلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلاَةُ إِلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ مَنْ يَأْخُذُهَا فِيْ بَلَدِهَا+ اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
فذهب الجمهور(1) إلى أنه لا يجوز نقل الزكاة إلى ما يزيد عن مسافة القصر لحديث معاذ - رضي الله عنه - وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - :=تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ+ (2).
... واحتجوا أيضاً بما ورد عن عمر - رضي الله عنه - أنه أنكر على معاذ، وقال: لم أبعثك جابياً، ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك شيئاً وأنا أجد من يأخذ مني+.
... وقال أيضاً الجمهور: أن المعتبر أيضاً بلد المال.
وذهب أبو حنيفة (3) إلى أنه يكره تنزيهاً نقل الزكاة من بلد إلى آخر، واستثنوا من الكراهة أن ينقلها المزكي إلى قرابته لما في الإيصال إليهم من صلة الرحم، وله أن ينقلها إلى قوم هم أحوج إليها من أهل بلده وكذا ينقلها لأصلح أو أورع أو أنفع للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الإسلام، أو إلى طالب علم.
والذي نرجحه من هذه الأقوال:أنه يجوز أن ينقلها إلى البلد البعيد والقريب=
..........................................................................................................
__________
(1) انظر في ذلك: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/501، 502)، شرح المنهاج (3/202، 203)، الإنصاف (3/303)، المغني (4/131ـ 133).
(2) سبق تخريجه ص7.
(3) حاشية ابن عابدين (2/68، 69)، فتح القدير (2/28).(9/71)
للحاجة والمصلحة، فالحاجة مثل أن يكون البلد البعيد الفقراء فيه أشد فقراً من بلده، والمصلحة مثل أن يكون لصاحب الزكاة أقارب في بلد بعيد يساوون فقراء بلده في الحاجة فهنا تكون الزكاة صدقة وصلة. وهذا ما رجحه شيخنا (1) ×
بَابُ مَنْ يَجُوْزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ(1)
وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ(2): الْفُقَرَاءُ، وَهُمُ: الَّذِيْنَ لاَ يَجِدُوْنَ مَا يَقَعَ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ بِكَسْبٍ وَلاَ غَيْرِهِ(3).
وَالثَّانِيْ: الْمَسَاكِيْنُ، وَهُمُ: الَّذِيْنَ يَجِدُوْنَ ذالِكَ، وَلاَ يَجِدُوْنَ تَمَامَ الْكِفَايَةِ(4).
(1) قوله =بَابُ مَنْ يَجُوْزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ+ بدأ المؤلف هنا ببيان مصارف الزكاة التي جاءت نصوص الكتاب والسنة ببيانها، وهم الأصناف الثمانية الوارد ذكرهم في قوله تعالى:[إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] (2).
... وقوله =من يجوز+ دليل على أن هناك أصنافاً لا يجوز دفع الزكاة إليهم كما سيأتي بيانه إن شاء الله بعد هذا الباب.
(2) قوله =وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ+ لا يجوز إخراج الزكاة لغيرهم، وهم:
(3) قوله =الْفُقَرَاءُ، وَهُمُ: الَّذِيْنَ لاَ يَجِدُوْنَ مَا يَقَعَ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ بِكَسْبٍ وَلاَ غَيْرِهِ+ بدأ المؤلف × بأصحاب السهم الأول وهم الفقراء، وعرفهم المؤلف بأنهم من ليس عندهم مال قليل ولا كثير، وليس عندهم مهنة تعوض النقص الحاصل في كفايتهم.
(
__________
(1) الشرح الممتع (6/211).
(2) سورة التوبة: 60.(9/72)
4) قوله =وَالثَّانِيْ: الْمَسَاكِيْنُ، وَهُمُ: الَّذِيْنَ يَجِدُوْنَ ذالِكَ، وَلاَ يَجِدُوْنَ تَمَامَ الْكِفَايَةِ+ هذا هو الصنف الثاني وهم المساكين، ووصفوا بذلك لأن الفقر أسكنهم، أي أذلهم، وعرفهم المؤلف بأنهم يجدون مالاً أو كسباً لكن لا =
الثَّالِثُ الْعَامِلُوْنَ عَلَيْهَا، وَهُمُ: السُّعَاةُ عَلَيْهَا، وَمَنْ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيْهَا(1).
=يكفيهم هذا المال، ولا هذا الكسب إلى قيام الكفاية، فالمسكين أحسن حالاً من الفقير، فالفقير هو الذي لا يجد شيئاً أصلاً، أو يجد البعض، والمسكين هو الذي يجد بعض كفايته، وإذا أطلق أحدهما دخل فيه الآخر، فإذا قيل الفقراء دخل فيهم المساكين، وإذا قيل المساكين دخل فيهم الفقراء.
... لكن ما هو حد الكفاية للفقير والمسكين؟
... نقول: سيأتي بيان ذلك في كلام المؤلف قريباً إن شاء الله.
(1) قوله =الثَّالِثُ الْعَامِلُوْنَ عَلَيْهَا، وَهُمُ: السُّعَاةُ عَلَيْهَا، وَمَنْ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيْهَا+
هذا هو الصنف الثالث ممن تدفع إليه الزكاة، وهؤلاء هم الذين ترسلهم الحكومة لجمع الزكاة والقيام بتوزيعها، فهم ولاة وليسوا أجراء، وبهذا نعلم بأن الذي يعطى الزكاة ليوزعها ليس من العاملين عليها، بل هو وكيل عليها أو بأجرة.
·?فائدة: هل يشترط أن يكون العاملون عليها فقراء؟
... الجواب: لا يشترط ذلك، بل يعطون ولو كانوا أغنياء، لأن عملهم إنما هو لمصلحة الزكاة، وللحاجة إليهم لا لحاجتهم، فإذا انضم إلى ذلك بأن كانوا فقراء ونصيبهم من العمل لا يكفي لمؤونتهم ومؤنة عيالهم فإنهم يأخذون بالسببين، أي سبب العمالة، وسبب الفقر.
... لكن ما القدر الذي يعطاه العاملون عليها؟
... اختلف الفقهاء في ذلك: فذهب الحنفية(1) إلى أنه يدفع إلى العامل بقدر عمله، فيعطيه ما يسعه ويسع أعوانه غير مقدر بثمن، ولا يزاد على نصف=
__________
(1) فتح القدير (2/16).(9/73)
وَالرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوْبُهُمْ(1)،.........................................................
... =الزكاة التي يحملها وإن كان عمله أكثر.
... وقال الشافعية(1): لا يعطى العامل من الزكاة أكثر من ثمن الزكاة.
... والصحيح من الأقوال: أنه يعطى قدر الأجرة مطلقاً كما سيذكر ذلك المؤلف × قريباً.
... الشروط المعتبرة في العاملين عليها:
(1) أن يكون مسلماً، فلا يستعمل عليها كافرٌ لأنها ولاية وفيها تعظيم للوالي.
(2) أن يكون عدلاً، أي ثقة، مأموناً لا يجور ولا يحابي في الجمع، ولا يحابي في القسمة.
(3) أن يكون فقيها في أمور الزكاة.
(4) أن يكون قادراً على العمل وضبطه على الوجه المعتبر.
(1) قوله =وَالرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوْبُهُمْ+ هذا هو الصنف الرابع ممن يجب دفع الزكاة إليه وهم المؤلفة قلوبهم، وقد اختلف الفقهاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة حال كونهم كفاراً.
فقال المالكية (2)، والحنابلة (3) يعطون ترغيباً في الإسلام لأن النبي " أعطى المؤلفة من المسلمين والكفار.
وقال الحنفية (4)، والشافعية (5) لا يعطى الكافر من الزكاة لا لتأليف قلبه =
..........................................................................................................
__________
(1) المجموع (6/168).
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/495).
(3) المغني (9/316).
(4) فتح القدير (2/14).
(5) القليوبي على شرح المنهاج (3/196، 198).(9/74)
= ولا لغيره، وقد كان إعطاؤهم في صدر الإسلام في حال قلة المسلمين وكثرة عددهم، وقد أعز الله الإسلام وأهله، واستغنى بهم عن تأليف قلوب الكفار على الإسلام ولم يعطهم الخلفاء الراشدون بعد رسول "، فعن عبيدة قال: جاء عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقالا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عندنا أرضاً سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت أن تقطعناها لعلنا نزرعها ونحرثها، فذكر الحديث في الإقطاع وإشهاد عمر رضي الله عنه عليه ومحوه إياه، قال: فقال عمر ÷:=أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل وأن الله قد أعز الإسلام فاذهبا فاجهدا جهدكما لا أرعى الله عليكما إن رعيتما..+(1).
والراجح من القولين: ما ذهب إليه المالكية والحنابلة من جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم، وأن حكمهم باق، وقد رجح هذا القول صاحب المغني(2)، وأجاب على ما قاله الحنفية والشافعية بقوله: =ولنا على جواز الدفع إليهم قول الله تعالى:[وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ]، وهذه الآية في سورة براءة، وهي من آخر ما نزل من القرآن على رسول الله "، وقد ثبت أن النبي " أعطى المؤلفة قلوبهم من المشركين والمسلمين، وأعطى أبو بكر عدي بن حاتم، وقد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة، ثلاثين بعيراً، ومخالفة كتاب الله=
وَهُمُ: السَّادَةُ الْمُطَاعُوْنَ فِيْ عَشَائِرِهِمْ، الَّذِيْنَ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِمْ إِسْلاَمُهُمْ، أَوْ دَفْعُ شَرِّهِمْ، أَوْ قُوَّةُ إِيْمَانِهِمْ، أَوْ دَفْعُهُمْ عَنِ الْمُسْلِمِيْنَ، أَوْ مَعُوْنَتُهُمْ عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِهَا(1).
__________
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ـ كتاب قسم الصدقات ـ باب سقوط سهم المؤلفة قلوبهم وترك إعطاؤهم عند ظهور الإسلام والاستغناء عن التألف عليه (7/20).
(2) المغني (9/316)(9/75)
=تعالى وسنة رسوله " واطراحهما بلا حجة لا يجوز+(1).
قلت: وفي وقتنا الحاضر ظهرت الحاجة له في الذين يسلمون حديثاً وتنقطع عنهم المعونات التي كانت تصرف لهم من أهليهم.
(1) قوله =وَهُمُ: السَّادَةُ الْمُطَاعُوْنَ فِيْ عَشَائِرِهِمْ، الَّذِيْنَ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِمْ إِسْلاَمُهُمْ، أَوْ دَفْعُ شَرِّهِمْ، أَوْ قُوَّةُ إِيْمَانِهِمْ، أَوْ دَفْعُهُمْ عَنِ الْمُسْلِمِيْنَ، أَوْ مَعُوْنَتُهُمْ عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِهَا+ المؤلفة قلوبهم ضربان: كفار ومسلمون، وهم جميعاً سادة مطاعون في قومهم وعشائرهم.
والكفار ضربان:
الأول: من يرجى إسلامه، فيعطى لتميل نفسه إليه فيسلم، وقد أعطى النبي " صفوان بن أمية وادياً فيه إبل محملة، فقال صفوان هذا عطاء من لا يخشى الفقر.
قلت: ويعرف من يرجى إسلامه ببعض القرائن منها: أن نعرف أنه يميل للمسلمين، أو أنه يطلب كتاباً أو ما شابه ذلك، فيعطى من الزكاة ما يتحقق تأليفه به.
الثاني: من يخشى شره،ويرجى بعطيته كف شره،وكف غيره معه،فهذا يعطى.
أما المسلمون: فهم على أربعة أضرب:
الضرب الأول: قوم من المسلمين لهم أصدقاء من الكفار، فإن أعطوا رجي=
..........................................................................................................
= إسلام أصدقائهم، أو إخوانهم من الكفار، وحسن نياتهم، فيجوز إعطاؤهم كما أعطى أبو بكر عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن نياتهما وإسلامهما.
الضرب الثاني: قوم من المسلمين سادات مطاعون في قومهم يرجى بإعطائهم قوة إيمانهم ومناصحتهم في الجهاد، فيعطون كما أعطى النبي " الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، والطلقاء من أهل مكة.
__________
(1) المغني (9/316).(9/76)
وقد قال ":=إِنِّي أُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الَّذِي أُعْطِي أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْغِنَى وَالْخَيْرِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ..+(1).
... الضرب الثالث: قوم في طرف بلاد المسلمين، إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين.
... الضرب الرابع: وهم من ذكرهم المؤلف ممن يعطى من أجل معونتهم على أخذ الزكاة ممن يمتنع.
... فكل هؤلاء يجوز دفع الزكاة إليهم لأنهم من المؤلفة قلوبهم. وقول المؤلف =هُمُ السَّادَةُ الْمُطَاعُوْنَ+ يفهم منه أنه إذا كان غير سيد مطاع فلا يجوز دفع الزكاة إليه، والصحيح أنه يعطى إذا كان ممن يرجى إسلامه، وذلك لأن حفظ الدين وإحياء القلب أولى من حفظ الصحة وإحياء البدن.
·?فائدة: هذا الصنف أعني المؤلفة قلوبهم منهم من يعطى للحاجة إليه، كمن
يعطى لكف شره، ومنهم من يعطى لحاجة نفسه، كمن يعطى لقوة إيمانه=
... الْخَامِسُ: الرِّقَابُ، وَهُمُ : الْمُكَاتَبُوْنَ، وَإِعْتَاقُ الرَّقِيْقِ(1).
... =ورجاء إسلامه.
(1) قوله =الْخَامِسُ: الرِّقَابُ، وَهُمُ : الْمُكَاتَبُوْنَ، وَإِعْتَاقُ الرَّقِيْقِ+ هذا هو الصنف الخامس ممن تجب له الزكاة، وهم ثلاثة أنواع:
الأول: المكاتبون: وهم الذين اشتروا أنفسهم من أسيادهم، فهؤلاء يعطون من الزكاة ليكونوا أحراراً، لكن كم يعطى المكاتب من الزكاة؟
نقول: يعطى بقدر ما يحصل به الوفاء، فمثلاً إذا كان عبدٌ اشترى نفسه من سيده بعشرين ألفاً نصفها بعد ستة أشهر، والباقي بعد الستة الأخرى فهنا يعطى ما يحصل به الوفاء الأول وهو عشرة آلاف، ثم بعد الستة الأخرى يعطى الباقي.
__________
(1) أخرجه البخاري ـ كتاب التوحيد ـ باب قول الله تعالى [إن الإنسان خلق هلوعا](6981).(9/77)
فالمهم أنه يدفع إليه جميع ما يحتاج إليه لوفاء كتابته، فإن لم يكن معه شيء جاز أن يدفع إليه جميعها، وإن كان معه شيء تمم له ما يتخلص به.
الثاني: إعتاق الرقيق: وقد اختلفت الرواية عند الإمام أحمد(1) في جواز الإعتاق من الزكاة، فالرواية الأولى أنه يجوز صرف الزكاة في اعتاق الرقيق المسلم، وهذا هو قول المالكية(2) أيضاً.
والرواية الثانية(3) أنه لا يجوز، وهو قول الحنفية(4)، والشافعية(5)، وعللوا لذلك بأن هذا كدفع الزكاة إلى القن، والقن لا تدفع إليه الزكاة، ولأنه دفع إلى السيد في الحقيقة.
السَّادِسُ: الْغَارِمُوْنَ، وَهُمُ: الْمَدِيْنُوْنَ لإِصْلاَحِ نُفُوْسِهِمْ فِيْ مُبَاحٍ، أَوْ لإِصْلاَحٍ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ(1).
... =والصحيح: أن صرف الزكاة في إعتاق الرقيق المسلم جائز لعموم قوله تعالى [وَفِي الرِّقَابِ]، فيشمل المكاتب وغيره، وهذا هو اختيار الشيخين(6) ـ رحمهما الله ـ.
... الثالث: فكاك الأسير المسلم: فيجوز إعطاء الأسير من الزكاة لفكاكه من الأسر لأن في ذلك فك رقبة من الأسر، فهو كفك رقبة من الرق، ولأن في فكه إعزازاً للدين.
(1) قوله =السَّادِسُ: الْغَارِمُوْنَ، وَهُمُ: الْمَدِيْنُوْنَ لإِصْلاَحِ نُفُوْسِهِمْ فِيْ مُبَاحٍ، أَوْ لإِصْلاَحٍ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ+ هذا هو الصنف السادس ممن يجب دفع الزكاة إليه،وهم الغارمون، والغارم هو المدين الذي تحمل ديناً في غير معصية الله ورسوله وتعذر عليه تسديده، فيعطى من الزكاة ما يسد به دينه، وهم نوعان:
الأول: غارم لإصلاح نفسه.
الثاني: غارم لإصلاح ذات البين.
__________
(1) المغني (9/320)..
(2) حاشية الدسوقي (1/496).
(3) المغني (9/320)، كشاف القناع (2/280).
(4) فتح القدير (2/17).
(5) المجموع (6/200).
(6) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/15)، الشرح الممتع (6/231).(9/78)
أما الأول: فقد عرفه المؤلف بقوله =وهم المدينون لإصلاح نفوسهم في مباح، فهذا يعطى من الزكاة لعجزه عن سداد ديونه، وإن كان عنده ما يكفيه ويكفي عياله لمدة سنة أو أكثر.
مثال ذلك: شخص عليه خمسون ألف ريال وراتبه ثلاثة آلاف ريال في الشهر، ومؤونته ومؤنة أولاده ثلاثة آلاف ريال، فهذا يعطى من الزكاة لأنه=
.........................................................................................................
=فقير بالنسبة للدين، فلا نعطيه لفقره لأن راتبه يكفيه، وإنما نعطيه لسداد دينه لعجزه عن الوفاء.
واشترط المؤلف لذلك بأن يكون الدين بسبب أمر مباح، فلا يجوز إعطاؤه إذا كان بسبب محرم.
والصواب في ذلك إن كان غرمه بسبب محرم ثم تاب إلى الله وصلح حاله فإننا نعطيه، وإن لم يتب فإنه لا يعطى لأن في إعطاءه إعانة على المحرم.
الثاني: الغارم في إصلاح ذات البين.
مثاله: كانت هناك عداوة وفتنة بين جماعتين فدخل زيد للإصلاح بينهم، لكن لا يتمكن من الصلح بينهم إلا ببذل مال فيقول أنا ألتزم لكل واحد منكما بمبلغ وقدره كذا من أجل الصلح، فيوافقون على ذلك.
فهذا الرجل يعطى من الزكاة ما يدفعه في هذا الإصلاح، فيعطى هذا المبلغ الذي اشترطه على نفسه.
·?فائدة: إذا وفى الرجل من ماله هل يعطى من الزكاة؟
نقول: إذا وفى الرجل من ماله بنية الرجوع على أهل الزكاة فإنه يعطى ما دفعه للإصلاح، أما إذا كان خرج منه على سبيل القربة لله تعالى، أو لم يكن بباله الرجوع على أهل الزكاة فإنه لا يعطى لأنه أخرجه لله، فلا يجوز الرجوع فيه.
·?فائدة: الغارم للإصلاح يعطى من الزكاة ولو كان غنياً لأننا إنما نعطيه من أجل الحاجة إليه، ومن أعطي للحاجة إليه فإنه لا يشترط أن يكون فقيراً.
السَّابِعُ: فِيْ سَبِيْلِ اللهِ، وَهُمُ: الْغُزَاةُ الَّذِيْنَ لاَ دِيْوَانَ لَهُمْ(1).
((9/79)
1) قوله =السَّابِعُ: فِيْ سَبِيْلِ اللهِ، وَهُمُ: الْغُزَاةُ الَّذِيْنَ لاَ دِيْوَانَ لَهُمْ+ هذا هو الصنف السابع ، وهم الغزاة في سبيل الله الذين لا ديوان لهم، أي ليس لهم نصيب من بيت المال على غزوهم، بل هم متطوعون، فهؤلاء يعطون لدفع حاجتهم، وللحاجة إليهم، ما يكفيهم لجهادهم.
أما العساكر الذين لهم رواتب من الدولة فهؤلاء لا يعطون من الزكاة، اللهم إلا إذا كان الراتب لا يكفيهم، فإنهم يعطون لفقرهم وحاجتهم.
·?فائدة: حدد المؤلف هنا =في سبيل الله+ بقوله: وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم، ولكن هذا التحديد فيه نظر، والصواب أن الجهاد في سبيل الله يشمل كل ما يعين الغزاة، من أسلحة، وبناء أسوار لحماية البلاد من العدو، وآلات الحرب، وبناء المراكب الحربية، وبالجملة كل ما يعم الغزاة وما يحتاجون إليه من سلاح فهو داخل في سبيل الله.
·?فائدة: هل يعطى من يريد الحج من الزكاة؟
الجواب: ذهب الجمهور (1) إلى عدم جواز إعطاء من يريد الحج أو العمرة من الزكاة، وذهب الإمام أحمد (2) في رواية عنه وهي المذهب، واختارها شيخ الإسلام (3) إلى أن الحج من سبيل الله، فيجوز صرف الزكاة فيه.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، وهو قول ابن قدامة (4) في المغني.
لكن لو أعطي لفقره وحج منه فلا بأس بذلك.
الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيْلِ، وَهُوَ: الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَا يَسَارٍ فِيْ بَلَدِهِ(1).
(
__________
(1) انظر في ذلك: حاشية الدسوقي (1/497)، حاشية ابن عابدين (2/67)، المجموع (6/212).
(2) المغني (9/328).
(3) الاختيارات الفقهية، ص188.
(4) المغني (9/228).(9/80)
1) قوله =الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيْلِ، وَهُوَ: الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَا يَسَارٍ فِيْ بَلَدِهِ+ هذا هو الصنف الثامن وهو الأخير ممن تجب له الزكاة، وهو ابن السبيل الذين ينتقلون من بلادهم إلى بلاد فينقطعون في الطريق، إما لذهاب نفقتهم في الطريق إذا طال السفر عليهم، أو لأن عدوًا من قطاع الطريق أخذهم وأخذ أموالهم، أو لأسباب أخرى، فهؤلاء يعطون من الزكاة ما يوصلهم إلى بلادهم ولو كانوا فيها أغنياء لأنهم ليس عندهم ما يقوم بحالهم.
... وهناك شروط وضعها الفقهاء لإعطاء ابن السبيل من الزكاة وهي:
(1) كونه مسلماً؛ فلا يعطى الكافر منها، وقد سبق بيان ذلك.
(2) أن لا يكون من آل البيت، ولكن يعطى من صدقة التطوع.
(3) أن لا يكون بيده في الحال ما يتمكن به من الوصول إلى بلده وإن كان غنياً فيها.
(4) أن لا يكون سفره لمعصية لأنه إعانة عليها.
·?فائدة: هل يشترط عدم وجود من يقرضه؟
نقول: اشترط ذلك المالكية (1)، والصواب أنه لا يشترط ذلك لأن الآية عامة، وتخصيص ذلك بإيجاد المقرض يحتاج إلى دليل، وهذا هو قول سماحة شيخنا بن باز (2) ×.
فَهَؤُلاَءِ أَهْلُ الزَّكَاةِِ(1)، لاَ يَجُوْزُ دَفْعُهَا إِلَى غَيْرِهِمْ(2)، وَيَجُوْزُ دَفْعُهَا إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ(3).
(1) قوله =فَهَؤُلاَءِ أَهْلُ الزَّكَاةِِ+ الضمير يعود على الأصناف الثمانية التي ذكرها.
(
__________
(1) حاشية الدسوقي (1/497، 498).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/16).(9/81)
2) قوله =لاَ يَجُوْزُ دَفْعُهَا إِلَى غَيْرِهِمْ+ لقوله تعالى:[إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] (1)، فهؤلاء ثمانية أصناف على سبيل الحصر لا يجوز أن تصرف إلى غيرهم لأن الحصر يقتضي إثبات الحكم في المذكور ونفيه عمن سواه.
... وعلى ذلك لا تصرف الزكاة في بناء المساجد، ولا في بناء المدارس، ولا في إصلاح الطرق ولا غيرها، وما ذهب إليه بعض المتأخرين من جواز صرفها في المشاريع الخيرية هو قول مرجوح لأنه يخالف ما دلت عليه الآية، ويخالف ما عليه أكثر أهل العلم.
(3) قوله =وَيَجُوْزُ دَفْعُهَا إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ+ أي يجوز أن تصرف الزكاة إلى واحد من الأصناف الثمانية، وهذا هو قول الجمهور(2)، أي لا يجب أن تعمم الزكاة على الأصناف الثمانية سواء كان المال كثيراً أم قليلاً. ودليل ذلك ما سيذكره المؤلف.
... وذهب الشافعية(3)، وهو رواية في مذهب أحمد(4) إلى أنه يجب التعميم، وإعطاء كل صنف من الأصناف الثمانية الثمن من الزكاة المجتمعة.
لأَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بَنِيْ زُرَيْقٍ بِدَفْعِ صَدَقَتِهِمْ إِلَى سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ(1).......
... =واستدلوا لذلك بالآية نفسها [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ].
__________
(1) سورة التوبة:60.
(2) فتح القدير (2/18)، حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير (1/498)، المغني (4/127).
(3) المجموع (6/185، 186).
(4) المغني (4/127).(9/82)
... قالوا بأن الله أضاف الزكاة إليهم بلام التمليك، وأشرك بينهم بواو التشريك، فدل على أنها مملوكة لهم، مشتركة بينهم.
... وذهب المالكية(1) إلى أنه يندب أي التعميم خروجاً من الخلاف، وفي إحدى الروايات عن الإمام أحمد(2) أنه يستحب التعميم.
... والصحيح من الأقوال هو ما ذهب إليه الجمهور من عدم إيجاب التعميم للأدلة المذكورة عند المؤلف وغيرها.
... أما قول من أوجب التعميم بأن =الواو+ تدل على وجوب التعميم فهذا غير صواب،بل الواو هنا لبيان المستحقين لا لوجوب التعميم.
... فائدة:إذا كانت الزكاة قليلة فصرفها في أسرة واحدة محتاجة فهذا أولى وأفضل من توزيعها على أسر كثيرة،لأن توزيعها على الأسر الكثيرة يقلل نفعها.
(1) قوله =لأَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بَنِيْ زُرَيْقٍ بِدَفْعِ صَدَقَتِهِمْ إِلَى سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ+ هذا الحديث له قصة، وهي أن سلمة بن صخر، ويقال له أيضاً: سلمان بن صخر، وهو صحابي أنصاري قد ظاهر من امرأته ظهاراً مؤقتاً في شهر رمضان، أي قال لها أنتِ عليّ كظهر أمي حتى ينسلخ رمضان، فلم يلبث حتى جامعها فيه،قبل أن يمضي فلما أصبح غدا على قومه فأخبرهم بأمره،=
وَقَالَ لِقَبِيْصَةَ:أَقِمْ يَا قَبِيْصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا (1)،...............
__________
(1) حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير (1/498).
(2) المغني (4/127).(9/83)
=وطلب منهم أن يذهبوا معه إلى النبي " ليخبره بأمره، فقالوا: لا والله لا نفعل، نتخوف أن ينزل فينا قرآن، أو يقول فينا رسول الله " مقالة يبقى علينا عارها، وقالوا له: اذهب أنت فأخبره، فجاء إلى النبي " فأخبره بأمره، فأمره رسول الله " أن يعتق رقبة، فقال: سلمان بن صخر: لا أجدها، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكيناً، فقال: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشى ما لنا عشاء، قال النبي ":=اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها وسقاً ستين مسكيناً، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك، قال سلمة ÷: فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله " السعة والبركة، أمر لي بصدقتكم فادفعوها إليّ، فدفعوها إليّ+(1).
(1) وقوله =وَقَالَ لِقَبِيْصَةَ:أَقِمْ يَا قَبِيْصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا+ هذا أيضاً حديث احتج به المؤلف في جواز إعطاء الزكاة لفرد واحد، وقصة هذا الحديث أن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ " أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا قَالَ ثُمَّ قَالَ يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إِلا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ=
__________
(1) أخرجه ابن خزيمة (4/73) رقم(2377)، وصححه الألباني في صحيح ابن خزيمة رقم (2378).(9/84)
وَيُدْفَعُ إِلَى الْفَقِيْرِ، وَالْمِسْكِيْنِ مَا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُ، وَإِلَى الْعَامِلِ قَدْرُ عُمَالَتِهِ، وَإِلَى الْمُؤَلَّفِ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَأْلِيْفُهُ، وَإِلَى الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ مَا يَقْضِيْ بِهِ دَيْنَهُ، وَإِلَى الْغَازِيْ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِغَزْوِهِ، وَإِلَى ابْنِ سَبِيْلٍ مَا يُوْصِلُهُ إِلَى بَلَدِهِ، وَلاَ يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى ذالِكَ(1).
=لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا+(1).
(1) قوله =وَيُدْفَعُ إِلَى الْفَقِيْرِ، وَالْمِسْكِيْنِ مَا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُ...+ سيذكر المؤلف هنا القدر الذي يعطى للأصناف الثمانية الذين تجب لهم الزكاة، فذكر أولاً ما يدفع للفقير والمسكين، وقد اختلف الفقهاء في القدر الذي يدفع إلى الفقير والمسكين. فالجمهور(2) على أن الواحد من الفقراء والمساكين يعطى من الزكاة الكفاية أو إتمامها له ولمن يعوله عاماً كاملاً ولا يزاد عليه، وحددوها بالعام لأن الزكاة تتكرر كل عام، ولأن النبي " ادخر لأهله قوت سنة، وإن كان يملك أو يحصل له بعض الكفاية أعطي تمام الكفاية لعام.
... وفي رواية للإمام أحمد(3)، وهي أيضاً قول منصوص عليه عند الشافعية(4) إلى أن الفقير والمسكين يعطيان ما يخرجهما من الفاقة إلى الغنى، وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام.
... وذهب الحنفية(5) إلى أن من لا يملك نصاباً زكوياً كاملاً يجوز أن يدفع إليه أقل من مائتي درهم أو تمامها، ويكره أكثر من ذلك.
__________
(1) أخرجه مسلم ـ كتاب الزكاة ـ باب من تحل له المسألة (1730).
(2) حاشية الدسوقي(1/494)،المجموع(6/194)،الإنصاف(3/238)،المغني(9/308،309)
(3) المغني (9/308، 309).
(4) المجموع (6/194).
(5) فتح القدير (2/28).(9/85)
وَإِلَى الْعَامِلِ قَدْرُ عُمَالَتِهِ(1)، وَإِلَى الْمُؤَلَّفِ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَأْلِيْفُهُ(2)،..............
... = والصحيح ما ذهب إليه الجمهور فيعطى الفقير والمسكين قدر كفايته سنة كاملة، وهذا هو قول سماحة شيخنا ابن باز (1)×.
(1) قوله =وَإِلَى الْعَامِلِ قَدْرُ عُمَالَتِهِ+ سبق بيان القدر الذي يعطاه العامل على الزكاة وقلنا: اختلف الفقهاء في القدر الذي يعطاه العامل على الزكاة، فالحنفية(2) على أنه يعطى بقدر عمله، فيعطى ما يسعه ويسع أعوانه غير مقدر بالثمن، ولا يزاد على نصف الزكاة التي يجمعها وإن كان عمله أكثر.
وقال الشافعية(3)، والحنابلة(4) الإمام مخير بين أن يستأجر العامل إجارة صحيحة، إما مدة معلومة أو على معلوم، وبين أن يجعل له جعلاً معلوماً على عمله.
... والصواب: أنه يعطى على قدر عمله وتعبه على ما يراه ولي الأمر، وهذا ما ذكره سماحة شيخنا ابن باز(5) ×.
(2) قوله =وَإِلَى الْمُؤَلَّفِ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَأْلِيْفُهُ+ أي ويعطى المؤلفة قلوبهم من الزكاة ما يحصل به تأليفهم.
... وقد ذكرنا أقوال الفقهاء في المؤلفة قلوبهم، وبينا أن الراجح من أقوالهم أن حكمهم باق، وأنهم يعطون من الزكاة.
وَإِلَى الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ مَا يَقْضِيْ بِهِ دَيْنَهُ(1)، وَإِلَى الْغَازِيْ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِغَزْوِهِ(2)، وَإِلَى ابْنِ سَبِيْلٍ مَا يُوْصِلُهُ إِلَى بَلَدِهِ، وَلاَ يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى ذالِكَ(3)، وَخَمْسَةٌ مِنْهُمْ لاَ يَأْخُذُوْنَ إِلاَّ مَعَ الْحَاجَةِ، وَهُمُ: الْفَقِيْرُ، وَالْمِسْكِيْنُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَالْغَارِمِ لِنَفْسِهِ، وَاْبنُ سَبِيْلٍ(4).
(
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/268).
(2) المرجع السابق.
(3) المجموع (6/168 ـ 187).
(4) المغني (9/314).
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/16).(9/86)
1) قوله =وَإِلَى الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ مَا يَقْضِيْ بِهِ دَيْنَهُ+ أي ويعطى المكاتب والغارم من الزكاة ما يقضي به دينه، فيعطى المكاتب الذي اشترى نفسه من سيده ليكون حراً ما تحصل به الحرية، وقد ذكرنا ذلك سابقاً، وقلنا بأنه يعطى ما يحصل به الوفاء ليعتق، وكذلك الغارم وهو الذي تحمل ديناً تعذر عليه سداده فيعطى من الزكاة ما يسد به دينه، وقد سبق بيان ذلك أيضاً.
(2) قوله =وَإِلَى الْغَازِيْ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِغَزْوِهِ+ أي ويعطى الغزاة في سبيل الله ما يحتاج إليه من متاع أو نقود أو سلاح وغير ذلك مما يعينه على غزوه، ويحصل به إعداد القوة المأمور بها في قوله تعالى:[وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ...](1). وقد سبق بيان ذلك مفصلاً عند ذكر الأصناف الثمانية التي تدفع لهم الزكاة.
(3) قوله =وَإِلَى ابْنِ سَبِيْلٍ مَا يُوْصِلُهُ إِلَى بَلَدِهِ، وَلاَ يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى ذالِكَ+ أي ويعطى ابن السبيل من الزكاة ما يحصل به اندفاع حاجته فيعطى منها القدر الذي يوصله إلى بلده لا يزاد على ذلك، وقد سبق بيان ذلك مع ذكر الشروط المعتبرة في ابن السبيل.
(4) قوله =وَخَمْسَةٌ مِنْهُمْ لاَ يَأْخُذُوْنَ إِلاَّ مَعَ الْحَاجَةِ، وَهُمُ: الْفَقِيْرُ، وَالْمِسْكِيْنُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَالْغَارِمِ لِنَفْسِهِ، وَاْبنُ سَبِيْلٍ+ إنما أعطي هؤلاء الخمسة من=
وَأَرْبَعَةٌ يَجُوْزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ مَعَ الْغِنَى، وَهُمُ: الْعَامِلُ، وَالْمُؤَلَّفُ، وَالْغَازِيْ، وَالْغَارِمُ لإِصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ(1).
... =أجل الحاجة، أي من أجل حاجتهم هم لا من أجل الحاجة إليهم، فمع عدم الحاجة لا يعطون من الزكاة لأنهم حينئذٍ يكونون ليسوا من أهل الزكاة.
(
__________
(1) سورة الأنفال: 60.(9/87)
1) قوله =وَأَرْبَعَةٌ يَجُوْزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ مَعَ الْغِنَى، وَهُمُ: الْعَامِلُ، وَالْمُؤَلَّفُ، وَالْغَازِيْ، وَالْغَارِمُ لإِصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ+ نقول من تدفع لهم الزكاة على قسمين:
... القسم الأول: من تدفع إليهم لحاجتهم، وهم المذكورون أولاً، وهم الفقير والمسكين والمكاتب والغارم لنفسه وابن السبيل، فهؤلاء كما ذكرنا يعطون على قدر كفايتهم وإن أخذوها ملكوها.
... القسم الثاني: ما ذكره المؤلف هنا، وهم العامل على الزكاة، والمؤلف، والغازي، والغارم لإصلاح ذات البين، فهؤلاء يعطون من الزكاة وإن كانوا أغنياء تشجيعاً لهم، ويعطون منها ما يحصل به المقصود.
بَابُ مَنْ لاَ يَجُوْزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ(1).
لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ(2)، وَلاَ تَحِلُّ لآلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُمْ: بَنُوْ هَاشِمٍ وَمَوَالِيْهِمْ(3).
(1) قوله =بَابُ مَنْ لاَ يَجُوْزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ+ هذا الباب في بيان الموانع التي تمنع من استحقاق الزكاة.
(2) قوله =لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ+ دليل ذلك ما رواه أحمد وغيره عن عبيد بن عدي =أَنَّ رَجُلَيْنِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ " يَسْأَلانِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَلَّبَ فِيهِمَا الْبَصَرَ وَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ+(1). وهنا بعض الفوائد:
... الأولى: في قوله " =إن شئتما أعطيتكما+ هذا ما ينبغي قوله لمن كان غنياً، أو قوياً مكتسباً عند طلبهما من الأخذ من الزكاة، أما نهرهما وإغلاظ القول لهما فهذا لا ينبغي بل أعظم زجر لهما هو ما جاء من قوله " لهما.
__________
(1) أخرجه أحمد (17291)، وأبو داود (1391)، والنسائي (2551)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1419).(9/88)
... الثانية: من كان قوياً مكتسباً ويريد أن يتفرغ لطلب العلم، فإنه يعطى منها لأنه نوع من الجهاد في سبيل الله.
... الثالثة: الرجل قد يكون قوياً ولكنه أخرق لا كسب له فتحل له الزكاة.
(3) قوله =وَلاَ تَحِلُّ لآلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهُمْ: بَنُوْ هَاشِمٍ وَمَوَالِيْهِمْ+ المراد ببني هاشم =آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، وآل الحارث+، فلا تحل لبني هاشم، قال ابن قدامة(1) لا نعلم خلافاً من أن بني هاشم لا تحل لهم=
..........................................................................................................
=الصدقة المفروضة.
... دليل ذلك ما رواه مسلم وغيره أن النبي " قال:=إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي من أوساخ الناس+(2).
... وقوله "للحسين بن علي رضي الله عنهما:=كِخْ كِخْ لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ+(3).
... لكن ينبغي أن يكون ذلك إذا كان بنو هاشم يأخذون الخمس من بيت مال المسلمين، أما عند عدمه وكونهم فقراء فإنهم يأخذون منها، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية(4)،واختاره شيخنا(5)×.
·?فائدة (1): اختلف الفقهاء في جواز دفع زكاة الهاشمي إلى هاشمي، والصحيح في ذلك التفصيل في هذه المسألة:
... أولاً: إذا كان هناك بيت مال للمسلمين ويعطون من الخمس فلا يجوز دفع الزكاة إليهم لقوله " =..إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ..+(6)، والهاشميون من الناس فلا تحل لهم.
__________
(1) المغني (4/109، 110).
(2) أخرجه مسلم ـ كتاب الزكاة ـ باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة (1784).
(3) أخرجه البخاري ـ كتاب الزكاة ـ باب ما يذكر في الصدقة (1396).
(4) الاختيارات الفقهية، ص185.
(5) الشرح الممتع (9/254).
(6) أخرجه مسلم ـ كتاب الزكاة ـ باب ترك استعمال آل النبي " على الصدقة (1784).(9/89)
... ثانياً: أن يكون الهاشمي فقيراً محتاجاً وليس له نصيب من بيت مال المسلمين كما هو الشأن في وقتنا هذا في كثير من بلاد المسلمين، فلا يوجد من ينقذ هؤلاء من الجوع، فهنا تكون زكاة الهاشمي لهاشمي مثله أولى من زكاة غير الهاشمي.
..........................................................................................................
·?فائدة (2): هل يعطى الهاشمي من صدقة التطوع؟
... اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
... قال ابن قدامة(1) ×: =فأما النبي " فالظاهر أن الصدقة جميعها كانت محرمة عليه فرضها ونفلها+.
... أما آل النبي " فقد ذهب جمهور الفقهاء، وهو اختيار الشيخين(2) رحمهما الله إلى جواز إعطائهم من صدقة التطوع، وهذا هو الصحيح.
·?فائدة (3): هل بنو المطلب يأخذون حكم بني هاشم في منعهم من أخذ الزكاة؟
... اختلف الفقهاء في إلحاق بني المطلب ببني هاشم في منعهم من الزكاة، فالشافعية(3)، وهو المذهب عند الحنابلة(4) أنه ليس لهم الأخذ من الزكاة مثل بني هاشم لقوله ":=وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد+(5).
... وذهب الحنفية(6) وهو رواية في مذهب أحمد(7)، واختاره شيخنا(8) × أنه يجوز دفع الزكاة لبني المطلب، وقالوا قوله " =أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد+ يجب أن يختص المنع بهم، ولا يصح قياس بني المطلب على بني هاشم لأن بني هاشم أقرب إلى النبي " وأشرف، وهم آل النبي ".
وَلاَ يَجُوْزُ دَفْعُهَا إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَإِنْ عَلَوْا(1)،............................................ ...
__________
(1) المغني (4/115).
(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/314)، الشرح الممتع (6/256) .
(3) المجموع (6/244، وما بعدها).
(4) المغني (4/111، 112).
(5) أخرجه البخاري ـ كتاب المناقب ـ باب مناقب قريش (3241).
(6) البدائع (2/49).
(7) المغني (4/111ـ 114).
(8) الشرح الممتع (6/256).(9/90)
... =والذي يظهر والله أعلم أنه لا يجوز دفع الزكاة لبني المطلب وذلك لصحة الخبر الوارد في ذلك، فهو حجة في محل النزاع.
قوله =وَمَوَالِيْهِمْ+ وهم الأرقاء الذين أعتقهم بنو هاشم، أي كذلك لا يعطون من الزكاة، ودليل ذلك قوله " لمولاه رافع =إن الصدقة لا تحل لنا وإن موالي القوم من أنفسهم+(1).
(1) قوله =وَلاَ يَجُوْزُ دَفْعُهَا إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَإِنْ عَلَوْا+ المراد بالوالدين الأب والأم.
قال ابن المنذر(2): أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين، وعلل الفقهاء بمنع الزكاة لهم بأن الولد وماله ملك لأبيه، فالواجب عليه النفقة عليهما، فإذا دفع الزكاة إليهم فكأنه دفعها إلى نفسه.
وقالوا أيضاً لأن دفع زكاته إليهم يغنيهم عن نفقته ويسقطها عنه فيعود نفعها إليه.
وقوله =وإن علوا+ يعني آبائهما وأمهاتهما من يرث منهم ومن لا يرث، فالأصل والفرع تجب النفقة عليهم بكل حال وارثين أم غير وارثين.
قلت: وقد أجاز شيخ الإسلام (3) دفع الزكاة إلى الأبوين وإن علو، وإلى الولد وإن سَفَلَ إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم، وهذا إحدى الروايتين في مذهب الإمام أحمد (4)، وهو قول شيخنا (5) ×.
وَلاَ إِلَى الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ(1)، وَلاَ إِلَى الزَّوْجَةِ(2)،....................................... ...
=والذي أرجحه عدم جواز إعطاء الأبوين من الزكاة مطلقاً، وإنما يعطيهم من ماله إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
(1) قوله =وَلاَ إِلَى الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ+ أي لا يجوز دفع الزكاة إلى الفرع وإن سفل، أي وإن نزلت درجته من أولاد البنين أو أولاد البنات لوارث وغيره.
(
__________
(1) أخرجه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وصححه الألباني في الصحيحة (4/149)برقم (1613).
(2) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (7/287).
(3) الاختيارات الفقهية، ص186.
(4) المقنع ومعه الشرح الكبير والإنصاف (7/287).
(5) الشرح الممتع (6/259).(9/91)
2) قوله =وَلاَ إِلَى الزَّوْجَةِ+ أما الزوج فلا يجوز له أن يعطي الزوجة من زكاة ماله بالإجماع، لأن النفقة عليها واجبة عليه، ونقل الإجماع على ذلك صاحب المغني(1).
أما إعطاء الزوجة الزوج من زكاة مالها فقد اختلفت الرواية في المذهب(2) في ذلك؛ ففي الرواية الأولى: لا يجوز دفعها إليه، وهذا مذهب أبي حنيفة(3) وقول مالك(4) لأنه أحد الزوجين فلم يجز دفع الزكاة إليه كالآخر، ولأنها تنتفع بدفعها إليه لأنه إن كان عاجزاً عن الإنفاق عليها تمكن بأخذ الزكاة من الإنفاق، فإذا انفق عليها من هذا المال فكأنما عاد مالها إليها.
والرواية الثانية في المذهب(5) يجوز دفع المرأة من زكاتها إلى زوجها، وهو مذهب الشافعي(6)، وهذا هو الصواب، ودليل ذلك حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إنك أمرت بالصدقة،=
وَلاَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، وَلاَ إِلَى رَقِيْقٍ(1)،....................................................
=وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت عليهم،فقال النبي "=صدق ابن مسعود،زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم+(7).
ولأنه تجب نفقته فلم يمنع من دفع الزكاة إليه كالأجنبي، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار شيخنا ×(8).
(
__________
(1) المغني (4/100).
(2) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (7/304، 305).
(3) فتح القدير (2/22).
(4) حاشية الدسوقي (1/499).
(5) المرجع السابق.
(6) المجموع (6/192، 230).
(7) أخرجه البخاري ـ كتاب الزكاة ـ باب الزكاة على الأقارب (1396).
(8) الشرح الممتع (6/261).(9/92)
1) قوله =وَلاَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وَلاَ إِلَى رَقِيْقٍ+ أي لا يجوز دفع الزكاة إلى من تلزمه مؤنته كأخيه وأخته، وابن أخيه، وخالته، وسائر أقاربه ممن لا يكون هناك من يرعاهم وينظر إلى حوائجهم، فهؤلاء تجب نفقته عليهم، وعلى ذلك لا يجوز صرف الزكاة إليهم.
واختلفت الرواية في المذهب(1) في هذه المسألة: أعني صرف الزكاة إلى من تلزمه مؤنته غير الأبوين والولد:
فالرواية الأولى عن الأمام أحمد، وهي ما عليها قول أكثر أهل العلم جواز دفع الزكاة إليهم لقوله " =الصدقة على المسكين صدقة، وهي لذي الرحم اثنتان صدقة وصلة+(2). فلم يشترط نافلة ولا فريضة.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد أنه لا يجوز دفعها إلى الموروث منهم، لأن على الوارث مئونة الموروث، فإذا دفع إليه الزكاة أغناه عن مؤنته، فيعود =
وَلاَ إِلَى كَافِرٍ(1).
فَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، فَيَجُوْزُ دَفْعُهَا إِلَى هَؤُلاِءِ، وَإِلَى غَيْرِهِمْ(2)،...................
= نفع الزكاة إليه، فلم يجز كدفعها إلى والده، أو قضاء دينه بها.
أما الحديث فيحتمل أن يكون في صدقة التطوع.
قوله =وَلاَ إِلَى رَقِيْقٍ+ أي لا يجوز دفع الزكاة إلى الرقيق لأنه لا يملك مالاً، فإذا دفع الزكاة إليه انتقلت إلى سيده، ونفقة الرقيق تجب على السيد.
·?فائدة: هل يجوز صرف الزكاة للعاملين في المؤسسات إذا كانوا من أهل الحاجات وجنسياتهم من خارج المملكة؟.
__________
(1) انظر: المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (4/299ـ 300).
(2) أخرجه أحمد (15644)، والترمذي (594)، والنسائي (2535)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3858).(9/93)
الجواب: نعم يجوز دفع الزكاة للفقراء المسلمين منهم وإن كانوا غير سعوديين، ولا تعتبر من مكافأتهم وجوائزهم التي جرى العرف بإعطائهم، ولا يقصد منها تنشيطهم في العمل في المؤسسة لتستفيد من ورائهم زيادة في العمل والربح(1).
(1) قوله =وَلاَ إِلَى كَافِرٍ+ الكفار على قسمين: مؤلف وغير مؤلف.
أما المؤلفة قلوبهم فقد سبق ذكرهم، وبيّنا جواز دفع الزكاة إليهم، أما غير المؤلفة قلوبهم فلا يجوز دفع الزكاة إليهم لقوله " لمعاذ =فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ+(2).
(2) قوله =فَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، فَيَجُوْزُ دَفْعُهَا إِلَى هَؤُلاِءِ، وَإِلَى غَيْرِهِمْ+ الصدقة منها ما هو فريضة، ومنها ما هو تطوع، فالفريضة لا يجوز صرفها إلا لمن عينه الله تعالى في كتابه، وهم الأصناف الثمانية الذين سبق بيانهم، أما =
وَلاَ يَجُوْزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلاَّ بِنِيَّةٍ(1)، إِلاَّ أَنْ يَأْخُذَهَا الإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا(2).
=صدقة التطوع فالأمر فيها واسع، فيجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع الزكاة إليه وإلى غيرهم، لكن الأقربين أولى بالمعروف، فالصدقة على ذوي الرحم ثنتان كما ذكرنا صدقة وصلة.
(1) قوله =وَلاَ يَجُوْزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلاَّ بِنِيَّةٍ+ أي ويشترط عند دفع الزكاة النية، فيقصد المزكي أن ما يخرجه هو الزكاة الواجبة عليه، دليل ذلك قوله "=إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى..+(3).
(2) قوله =إِلاَّ أَنْ يَأْخُذَهَا الإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا+ أي متى أخذ الإمام أو نوابه الزكاة ممن امتنع عن أدائها قهراً فإنه في هذه الحالة لا يشترط النية من المزكي، لكن هل تجزيء عنه؟
__________
(1) انظر في ذلك: فتاوى اللجنة الدائمة (10/16) فتوى رقم (3888).
(2) سبق تخريجه ص7.
(3) سبق تخريجه ص60.(9/94)
اختلف الفقهاء في ذلك: فذهب الشافعية(1)، وهو قول عند الحنابلة(2) إلى أن أخذ الإمام أو نوابه الزكاة من الممتنع قهراً يكفي فيه نية الإمام عند التفريق أو الأخذ لأنه الإمام وله ولايه على المالك، أما المالكية فقالوا بإجزائها ظاهراً وباطناً.
وذهب بعض الحنابلة(3) إلى أن الإمام إن أخذها قهراً فقد أجزأت ظاهراً فلا يطالب بها ولا تجزيء باطناً لأنها عبادة لا تجزيء عمن وجبت عليه بغير نية كالصلاة، وأخذا الإمام لها يسقط المطالبة بها لا غير. ولعل هذا هو الصواب والله أعلم.
وَإِذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا، لَمْ تَجْزِهِ(1)، إِلاَّ الْغَنِيَّ إِذَا ظَنَّهُ فَقِيْرًا(2).
·?فائدة (1): لا تغني الضريبة عن الزكاة ولو كانت تؤخذ منه قهراً.
·?فائدة (2): إذا كان العمال الذين يرسلهم الحاكم لا يأخذون الزكاة كاملة مثلاً يأخذ خمسة آلاف، والواجب إخراجه عشرة آلاف، فلا يكفي ما أخذ العامل في إخراج الزكاة بل عليه أن يخرج الباقي عليه.
(1) قوله =وَإِذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا، لَمْ تَجْزِهِ+ أي إذا دفع الزكاة إلى غير المستحقين الثمانية الذين ذكر الله تعالى فإنها لا تجزئه لأنه يعد بذلك متلاعباً بأحكام الشرع، اللهم إلا إذا دفعها إلى من يظن أنه أهل للزكاة بعد التحري، فبان أنه من غير أهلها فهذا الأقرب أنها تجزئه بخلاف ما ذكر المؤلف من عدم الإجزاء.
دليل ذلك قوله تعالى:[لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا] (4)، فهذا المزكي اتقى الله ما استطاع ولأن العبرة في العبادات بما في ظن المكلف بخلاف المعاملات فالعبرة بما في نفس الآمر.
__________
(1) شرح المنهاج وحاشية القليوبي (2/43). .
(2) المغني (4/90).
(3) المرجع السابق.
(4) سورة البقرة: 286.(9/95)
فالصواب هنا أنه إذا دفع الزكاة إلى غير مستحقيها بعد إفراغ الوسع والاجتهاد والتحري، وبنى على غلبة ظنه فإنها تجزئه بخلاف ما إذا دفعها من غير تحرٍّ ولا اجتهاد، ولا غلبة ظن فإنها لا تجزئه.
وهذا عام في الأصناف كلها، وهذا هو اختيار شيخنا ×(1).
(2) قوله =إِلاَّ الْغَنِيَّ إِذَا ظَنَّهُ فَقِيْرًا+ هذا مستثنى من الكلام السابق، أي إذا دفع الزكاة إلى من يظنه فقيراً ثم بان غنياً فهنا تجزئه،وعلل لذلك الفقهاء بقولهم=
..........................................................................................................
=بأن الفقر والغنى يعسر الاطلاع عليهما، والمعرفة بحقيقتهما، قال الله تعالى [يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ] (2). فاكتفى بظهور الفقر ودعواه، بخلاف غيره.
__________
(1) الشرح الممتع (6/265).
(2) سورة البقرة: 273.(9/96)