التسهيل
في الفقه
على مذهب الإمام الرباني أحمد بن حنبل الشيباني
رضي الله عنه
تصنيف
الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن علي أسباسلار البعلي الحنبلي
رحمه الله تعالى
اعتنى به
عبد الله بن صالح الفوزان
*
ظ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:
أما بعد :
فإن كتاب $التسهيل# الذي ألفه العلامة الفقيه محمد بن علي ابن محمد البعلي : (م778') من الكتب المهمة التي ألِّفت في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل : ، وقد تميز هذا الكتاب عن غيره من كتب المذهب بصغر حجمه، وسهولة عباراته، ووضوح معانيه، وهو مع اختصاره قد حوى من الفوائد ما لا يوجد في المطولات، جرَّده عن الأدلة والتعليلات والخلافات، تيسيراً لحفظه، وتقريباً لمسائله، وقد أثنى عليه العلماء، واستفادوا منه(1).
وقد مَنَّ الله تعالى عليَّ بتدريس هذا المختصر للطلاب، ثم بكتابة شرحه المسمى $فقه الدليل شرح التسهيل# وكانت مدة تدريسه ثم كتابة شرحه عشر سنينَ.
وكان جُلُّ اعتمادي - بتوفيق الله - على مخطوطة الكتاب "الأصل" مع الاستفادة من المطبوع، فبذلت جهداً ووقتاً في دراسة الأصل ، وحصل خير كثير - ولله الحمد- وما كان عندي نية إخراج متن هذا الكتاب، لولا أن بعض من علموا بالشرح المذكور أشاروا عليَّ بإظهار ما بُذِل من جهد؛ ليستفاد منه، وذلك بطباعة متن $التسهيل# المثبت في أعلى الشرح في كتاب مستقل، وقد حصلت مقابلته على الأصل أثناء إعداد الشرح.
فتمَّ بجهود أحد الإخوة - جزاه الله خيراً - إفراده من الشرح في مؤلَّف مستقل، ثم قوبل مرة ثانية على الأصل، واستُدرك ما فات في المقابلة الأولى.
__________
(1) انظر : "فقه الدليل شرح التسهيل" (1/10).(1/1)
وقد طبع $التسهيل# بدار العاصمة، سنة (1414هـ)، ثم (1418هـ)، بتحقيق د: عبد الله الطيار، ود: عبدالعزيز الحجيلان، إلا أن الكتاب -بطبعتيه(1)- لم يخلُ من الملاحظات، كَسَقْطِ كلمةٍ أو أكثر، أو وَهْمٍ في رسم بعض الألفاظ، أو أخطاءٍ طباعية، وغير ذلك مما لا يَغُضُّ من قدر الجهد المبذول في تحقيق الكتاب، أسأل الله تعالى أن يثيبهما على ذلك.
ولا أريد -هنا- استيعاب جميع الملحوظات، خشية الإطالة، فاكتفي ببعض الأمثلة، تاركاً ما يتعلق بالأخطاء النحوية أو الضبط بالشكل:
1- في آخر باب $الآنية#، قوله: (وللنساءِ منهما ما جرتْ عادتُهُنَّ به) سقطت كلمة (به) من المطبوع(2)، ص(42).
2- في باب $النجاسات#، قوله: (وما أُبينَ من حيٍّ كَمَيِّتِهِ) في المطبوع ص(43): (فهو كَمَيِّتِهِ).
3- في $فصل: غسل النجاسة#، قوله: (وَأَثَرُ الاستِجمَارِ) في المطبوع ص(43): (وأثر الاستحاضة)! .
4- في باب $السواك#، قوله: (..بعودِ أراكٍ، وَنَحوِهِ، عَرْضَاً) سقطت لفظة: (عرضاً) من المطبوع ص(44).
5- في $الغسل#، قوله: (وغَسْلُ رجليهِ ناحيةً ، لا في حَمامٍ ونَحْوِهِ) في المطبوع ص (49) (... ناحيةً في حمام ومجمعٍ)!.
6- في $صفة الصلاة#، قوله: (ويستغفرُ ثلاثاً) في المطبوع ص(61): (ثم يستغفر ثلاثاً).
7- في $أركان الصلاة#، قوله: (والركوعُ، والسجودُ) سقطت لفظة: (والسجود) من المطبوع ص(62).
8- في $موقف المأموم من الإمام#، قوله: (وعن جانبيهِ جائزٌ، وأَمَامَهُ، وعن يَسْرَتِهِ..) سقطت لفظة: (وأمامه) من المطبوع ص(69).
__________
(1) رأيت طبعة ثالثة صدرت عن دار ابن حزم في لبنان، سنة (1424هـ)، وهي مأخوذة من الطبعة الثانية على ما فيها، مع حذف مقدمتها وحواشيها، وإغفال اسم من قام بتحقيق الكتاب.
(2) المراد الطبعة الثانية التي حققها الشيخان الفاضلان، والتي جاء في مقدمتها ص(ج) أنها صُححت وروجعت على الأصل المخطوط مرة أخرى!.(1/2)
9- في $صلاة الجمعة#، قوله: (ويُوجِزُ الدَّاخلُ حالَ الخطبةِ بركعتينِ) في المطبوع ص(73): (ويجبر الداخلُ ...) فما معناها؟ ثم لا يُدرى هل هي من جَبَرَ الثلاثي، أو أجبر الرباعي، لكونها غير مضبوطة بالشكل! ، والمعنى يختلف .
10- في $الصيام#، قوله: (وَلَوْ عَبَرَ رَمَضَانٌ آخَرُ قَبْلَ صَوْمِهِ لِغَيْرِ عُذرٍ قَضَى وَأَطْعَمَ) سقط هذا من المطبوع ص(89).
11 - في $الصيام# - أيضاً - ، قوله : (كَُرِهَ إفْرَادُ رَجَبٍ ، والجُمُعَةِ، والسَّبْتِ) سقطت لفظة: (السبت) من المطبوع ص(90).
12- في $الحج# باب $الإحرام#، قوله: (أَو يُحْرِمَ بِالعُمرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيهَا الحَجَّ) سقطت من المطبوع ص(96).
13- في $الحج#- أيضاً- ، قوله: (فَمن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثةِ أيامٍ..) في المطبوع ص(98): (فمن لم يستطع)!.
14- في $الحج# -أيضاً-، قوله عن عرفة: (فَمَنْ حَصَلَ بهَا وهُوَ عَاقِلٌ تَمَّ حَجُّهُ) في المطبوع ص(103): (صَحَّ حَجُّهُ).
15- في $الحج# -أيضاً-، قوله: (لَزِمَهُ المَبِيتُ، والرَّميُ مِن غَدٍ) في المطبوع ص(105): (والذي من غدٍ).
16 - في $الرهن#، قوله: (وَلَو جَنَى فَالمَجْنِيُّ عَلَيهِ أحَقُّ بِرَقَبَتِهِ) في المطبوع ص(116): (ولو جنى عليه فالمجني عليه...)!.
17 - في $الضمان#، قوله: (وَتَصِحُّ كَفَالَةُ بَدَنِ مَنْ عَلَيهِ دَينٌ، لا حَدٌّ) في المطبوع ص(116): (... دينٌ لأحدٍ)!.
18 - في $الغصب#، قوله: (وَلَو رَقَعَ بهِ سَفِينَةً...) في المطبوع ص (128): (ولو دفع به سفينة)!.
19 - في $الوصايا#، قوله: (..وَبِغَيرِ مُعَيَّنٍ كعَبْدٍ، وَيُعطيهِ الوَرَثَةُ مَا شاءوا، فَإن هَلَكُوا إلا وَاحِدَاً تَعَيَّنَ) من قوله: (كعَبْدٍ ... إلخ) سقط من المطبوع ص(131).
20 - في $الفرائض#، قوله : (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَرِثُ..) لفظة: (حر) موجودة في حاشية الأصل، وفي المطبوع ص(143) أنها إضافة لا بد منها.(1/3)
21 - في باب $الولاء#، قوله: (...وولاءُ أولادِهِ مِنْ زَوجَةٍ مُعْتَقَةٍ، أو أَمَتِهِ، وعَلَى مُعْتَقِيه ومُعْتَقِي أولادِهِ) من قوله: (من زوجة ... إلخ) سقط من المطبوع ص(144).
22- في $النكاح#، قوله: (وجُذامٍ، وبَرَصٍ..) لفظة: (وبرص) سقطت من المطبوع ص (154).
23- في $النكاح#، قوله: (ثُمَّ أقرَبُ عَصَبَتِهَا) في المطبوع ص(152): (ثم الأقرب).
24 - في $النفقات# ، قوله : (لا طَبِيبٍ، ودَوَاءٍ، وطِيْبٍ، وَحِنَّاءٍ) في المطبوع ص(171): ( لا طبيبٍ ودواءِ طبيبٍ وحنّاءٍ)!.
25- في $القود#، قوله: (وإنَّمَا يُقْتَصُّ بَعدَ بُرْءِ الجُرحِ وَيَأْمَنَ النِّزَّ) في المطبوع ص(174): (وأمنِ النَّقْد)!.
26 - في $القود#-أيضاً-، قوله: (وللباقينَ دِيةُ قَتِيلِهِم) في المطبوع ص(174): (ديةُ قتلِهِم)!.
27 - في $الديات#، قوله: (...أو نَارٍ، أو ماءٍ لا يُمكنهُ التَّخَلُّصُ مِنهما) في المطبوع ص(176): (أو نارٍ أو ما لا يمكنه التخلص منه)!.
28- في $موجب القصاص#، قوله: (وَالصَّعَرِ، وَتَسوِيدِ الوجهِ) في المطبوع ص(179): (والصّمّ وتسويدِ الوجهِ)!.
29 - في $الأطعمة#، قوله: (يَحِلُّ كُلُّ طَاهِرٍ) في المطبوع ص(187): (هي كل طاهر)!.
30- في $الصيد والذبائح#، قوله: (حِلُّهُمَا مِنْ عَاقلٍ مسلمٍ) في المطبوع ص(187): (يَصحُّ مِنْ عاقلٍ ..) فما مرجع ضمير (يصح)؟ وهل يحكم على الصيد والذبح بالصحة أو بالحِلِّ؟!.
31 - في $القضاء# ، قوله: (وَيَختَصُّ مَا ثَبَتَ لِيُحكمَ بِهِ، بِمَسافَة قَصْرٍ فَأَكْثَرَ، وَيَقدَحُ فِيهِ فِسْقُ كَاتِبِهِ، بِخِلافِ مَا حَكَم بِهِ) من قوله: (بمسافة قصر ... إلخ) ساقط من المطبوع ص(199).
مخطوطة الكتاب:(1/4)
لهذا الكتاب نسخة خطية وحيدة من محفوظات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى في مكة المكرمة، رقم (117 فقه حنبلي) (1)، وقد حصل لي منها - بحمد الله- مصوَّرتان، كما ذكرت في مقدمة الشرح.
وهذه معلومات عنها وشيء مما قمت به:
1- دُوِّن على الورقة الأولى اسم الكتاب، مع أن البعلي لم يسمِّ كتابه، كما سيأتي في مقدمته، وهذا منهج كثير من أصحاب المختصرات، وقد ذكر هذا الكتاب كل من ترجم للبعلي أو نقل عنه.
2 - المخطوطة كاملة ليس فيها نقص ولا خلل، وعدد أوراقها (41) ورقة، في كل ورقة وجهان، وعدد الأسطر في كل ورقة (34) سطراً.
3 - نوع الخط معتاد ومقروء، وعناوين الكتب والأبواب والفصول بخط أكبر، وقد حصل غموض في بعض الألفاظ أمكن حَلُّهُ -ولله الحمد- بتكرار التأمل، ثم بالرجوع إلى كتب المذهب الأخرى، وقد أشرت إلى شيء من ذلك.
4 - عُني الناسخ بضبط الألفاظ بالشكل، وقد لا يتضح أحياناً، ثم إنه لم يخلُ من الأخطاء النحوية والإملائية التي لا يسلم منها بشر، وقد قمت بضبط النص ضبطاً شِبْهَ تام، بما يوضح المعنى، ويزيل اللبس.
5- سَرَدَ الناسخ -كغيره- مسائل كل باب، فكانت الحاجة داعية إلى تقسيم فِقَراتِ الباب، مع العناية بعلامات الترقيم.
__________
(1) يعود الفضل -بعد الله تعالى- لاكتشاف مخطوطة هذا الكتاب في بلاد السوفيت للدكتور: عبدالرحمن بن سليمان العثيمين -أثابه الله- على ما ذكره في تعليقه على $السحب الوابلة# (3/1017) لابن حميد، وقد ذكر أن الشيخ الدكتور: سليمان بن وائل التويجري يعمل على تحقيقه.(1/5)
6 - جاء في بعض الصفحات تعليقات في الحاشية يظهر أنها شرح لبعض الجمل، وغالبها غير واضح، ويبدو أنها من الناسخ، وقد أهملتها ، كما يوجد فيها إلحاقات للسقط الذي في أصل الكتاب، وهذه ألحقتها بموضعها من الأصل، وأشرت إليها، وهي تدل على أن الكتاب قد تمت مقابلته على الأصل المنسوخ منه، فقد جاء في آخره: بلغ مقابلة على أصله المنقول منه.
7 - علَّقت في بعض المواضع عند الحاجة إلى ذلك من اختلاف أو سقط ونحوهما، مستفيداً من كتب المذهب.
8 - جاء في آخر الأصل: تم الكتاب على يد فقير عفو ربه: خليل بن علي المقدسي الحنفي لطف الله به، بتاريخ خامس شهر جمادى الأول سنة سبع وتسعين وثمانمائة.
9 - لم اشتغل بالتحشية على الكتاب -سوى ما تقدم- اكتفاءً بالشرح المشار إليه، ولأن المقصود إثبات نصِّ الكتاب، ومن ثمَّ فلا داعي لإثقاله بالحواشي.
وأسأل الله تعالى أن يعفو عن التقصير والزلل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه
عبد الله بن صالح الفوزان
القصيم - بريدة
في 25/12/1426هـ
صندوق البريد/ 12370
الرمز البريدي/ 81999
alfuzan1@hotmail.com
/http://www.islamlight.net/alfuzan
ترجمة المؤلف (1)
اسمه ونسبه ومولده:
__________
(1) ينظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر (4/203)، "إنباء الغمر" له أيضاً (1/145)، "تاريخ ابن قاضي شُهبة" (1/242)، "الدرّ المنضَّد" للعليمي (2/558)، و"المنهج الأحمد" له - أيضاً- رقم (464)، "الجوهر المنضَّد " لابن المبرد ، ص(144-145)، "ذيل ابن عبدالهادي على الطبقات" ، ص (94)، "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" لابن حميد (3/1016-1017)، "شذرات الذهب" لابن العماد (6/254-255)، "الأعلام" للزركلي (7/178)، "معجم المؤلفين" لعمر رضا كحالة (3/534-544)، مقدمة كتاب "مختصر الصارم المسلول" لمحقق الكتاب، علي بن محمد العمران، ص(15).(1/6)
هو محمد بن علي بن محمد بن عمر بن يعلى اليونيني البعلي الحنبلي، بدر الدين، أبو عبد الله، المعروف بـ"ابن أسْبَاسلار"(1)، ولد في الشام، في مدينة "بعلبك" سنة (714هـ) على ما ذكره الحافظ ابن حجر في "الإنباء".
نشأته:
نشأ في بعلبك، وعاصر كثيراً من العلماء الذين لهم باع طويل في العلم، وأخذ عنهم، فأخذ عن الشيخ المحدث المؤرخ قطب الدين أبي الفتح اليونيني، (المتوفى سنة 726هـ) (2)، بل أكثر عنه، وله بعض المرويات عنه. فإن صح ما قاله الحافظ ابن حجر في ولادته -كما تقدم- فإنه يكون قد لازم اليونيني، وهو دون العاشرة.
كما سمع - أيضاً - من الحجَّار "المسنِد" (3) (المتوفى سنة 730هـ) ، وأخذ الفقه عن ابن عبد الهادي (المتوفى سنة 744هـ)، وابن القيم (المتوفى سنة751هـ).
وقد أدرك البعلي من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية بضع عشرة سنة على أقل تقدير، وتتلمذ لمن توفي قبله مثل اليونيني -كما تقدم- إلا أنه لا يمكن الجزم بأنه أخذ عنه أو لقيه، ومع ذلك فله عناية خاصة بكتب شيخ الإسلام واختصارها، كما سيأتي في مؤلفاته.
مكانته ، وصفاته ، وثناء العلماء عليه:
__________
(1) طرأ على هذا اللقب تحريفات كثيرة تجدها في مصادر ترجمته، قال ابن المبرد: "أسباسلار: اسم أعجمي، ذكره الشيخ تقي الدين الجُراعي في "شرح التسهيل" - في النحو- مثل: بهاء الدين ونحوه). ... ... ...
وقال الدكتور: حسن الباشا في كتابه "الألقاب الإسلامية" ص(156): "أسفهلار: من ألقاب الوظائف التي استعملت كألقاب فخرية في عصر المماليك، وهو مركب من لفظين: فارسي وتركي، إذ أن "أسفه" بالفارسية بمعنى: "المقدم" و"سلار" بالتركية، بمعنى: العسكر، فيكون معنى اللقب: "مقدم العسكر" أي: قائد الجيش" أقول: ولعل هذا هو الأقرب في صحة هذا اللقب، والله أعلم.
(2) انظر ترجمته: في "البداية والنهاية" (18/273).
(3) انظر ترجمته: في "البداية والنهاية" (18/327).(1/7)
يتضح من خلال ما كتب عنه أنه ذو منْزلة رفيعة في العلم إفتاءً وتدريساً، فقد وصف بالإمامة في الفقه والفتوى، وصار عالم الحنابلة في بلده، بل وصفه ابن العماد بأنه أحد مشايخ المذهب، وسمع منه الكثير من الفضلاء.
وقد وصفه الحافظ ابن حجر في "إنباء الغُمْر" بأنه طويلُ الروح، حسنُ الشكل، طُوَالٌ(1)، يخضب بالحنَّاء، فاضل، كثير الاستحضار، حسن العبادة. وقال في "الدرر الكامنة": "الإمام العلامة، البدر، شيخ الحنابلة ببعلبك".
وقال ابن عبد الهادي المعروف بـ (ابن المَبْرِد) في "الجوهر المنضد": "الشيخ الإمام، العالم العلامة، الفقيه، الزَّكي، المحصِّل".
وقال العُليمي في "المنهج الأحمد": "الشيخ الإمام العالم العلامة البارع الناقد المحقق..... أحد مشايخ المذهب".
مؤلفاته:
لا يظهر أن البعلي من المكثرين في التأليف، لكن هذا لا يعني قلة بضاعته في العلم، ولا قِصَرَ باعه في الفقه، فقد تقدم من كلام العلماء وثنائهم عليه ما يدل على مكانته، وكتابه"التسهيل" يدل على سعة اطلاعه، واستحضاره مسائل الفقه.
ثم إن من العلماء من قد ينشغل عن التأليف بما يرى أنه أهمُّ منه وأكثرُ مصلحة، كالتدريس والإفتاء، ونحو ذلك.
ومؤلفاته:
1- "التسهيل".
2- "مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - " لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مطبوع بتحقيق: علي بن محمد العمران.
3- "المنهج القويم في اختصار "اقتضاء"(2) الصراط المستقيم" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مطبوع بتحقيق: علي بن محمد العمران- أيضاً- وله طبعة أخرى بتحقيق الدكتور: يوسف ابن محمد السعيد.
__________
(1) الطُّوَال: الطويل، كما في "المعجم الوسيط" ص(572).
(2) انظر: "المنهج القويم" ص(9).(1/8)
4- "مختصر الفتاوى المصرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية، له عدة طبعات، منها طبعة بعناية: أحمد حمدي إمام. والكتاب بحاجة إلى عناية ليكون أقرب إلى النسخة التي بخط مؤلفه، والتي تحمل عنواناً غير العنوان المطبوع.
5- "شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل" لشيخ الإسلام ابن تيمية، والكتاب مطبوع بتحقيق: علي بن محمد العمران.
وفاته:
أجمع كل من ترجم للبعلي أنه توفي : في ربيع الأول، سنة سبع مائة وثمانية وسبعين، إلا ابن العماد في "شذرات الذهب"، فإنه ذكره في وفيات سنة سبع وسبعين وسبع مائة، وخالف بهذا ما ذكره غيره، والله أعلم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبِهِ نَستَعِينُ
قَالَ الشَّيخُ الإِمَامُ العَالِمُ العَلاَّمَةُ، البَارِعُ النَّاقِدُ المُحَقِّقُ أبُوعَبدِاللَّهِ بَدرُ الدِّينِ مُحمَّدُ ابنُ الشَّيخِ الصَّالحِ عَلاءِ الدِّينِ عَلِيِّ ابنِ شَمسِ الدِّينِ محمَّدِ بنِ أسْبَا سَلارَ البَعلِيِّ الحنبَليِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَضِيَ عَنهُ وَأَرضَاهُ:
الحمدُ للَّهِ المُهَيمِنِ السَّلامِ، الذي شَرَعَ الحَلالَ والحرامَ، وخَصَّ نَوعَ الإنسان بمزيدِ الطَّولِ والإنعام، وهَدَى أهلَ السعادةِ مِنْهُمْ للإسلام، وَوفَّقَ مَنْ لَطَفَ به واختاره لِتعلُّمِ الأحكامِ، وجَعَلَ قائدَهُمْ إليه سيدَنا محمداً المصطفى خيرَ الأنامِ ، عليهِ أفضلُ الصلاةِ والسلامِ، وعلى آلهِ وأصحابِهِ الغُرِّ الكرامِ، صلاةً دائمةً مَدَى الدَّهرِ والأيامِ .
أما بعدُ:(1/9)
فهذا مختصرٌ في الفقهِ على مذهبِ الإمامِ المبجَّلِ، والحَبْرِ المفضَّل أبي عبدِ الله أحمدَ بنِ محمدِ بنِ حنبلٍ، رضي الله عنه وأرضاه، وجعلَ الجنة مأواه، جعلته على القولِ الصحيحِ مما اختارهُ مُعْظَمُ الأصحابِ، تسهيلاً على الطلابِ، وتذكرةً لأولي الألبابِ، مَعَ كثرةِ عِلْمِهِ، وقِلَّةِ حَجْمِهِ ، نسألُ الله النَّفْعَ بِهِ، وأن يَجْعَلَهُ خالصاً لِوجهِهِِ الكريمِ بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ؛ إنه مَنَّانٌ كريم.
كِتَابُ الطَّهارةِ
لا تصحُّ إِلا بماءٍ مطلقٍ ، باقٍ على أصلِ خِلقَتِه، لا بِمُسْتَعْمَلٍ قلِيلاً في طُهْرٍ ولو مَسنُونٍ، ولا بِمتغيّرٍ بِمُخالطٍ يمكنُ صونُهُ عنه كزعفرانٍ، لا مِلحَ ماءٍ وتُرابٍ.
وينجُسُ بِملاقاةِ نَجِسٍ إن تغيّر، أو لم يُقارِبْ خَمسَمِائَةِ رطلٍ بَغداديٍّ، ويَطْهُرُ الكثيرُ إما بزوالِه بِنَفْسِهِ أو بإضافةِ طَهُورٍ كثيرٍ، أو نَزْحٍ يبقى بعدَه كثيرٌ، والقليلُ بالإضافةِ فقط.
ولا تجوزُ طهارةُ رجلٍ بفضلِ طَهُورِ امرأةٍ قليلٍ خَلَتْ به، ويبني الشَّاكُّ على اليقين، ولا يتحرَّى لاشتباهِ طَهُورٍ بنجسٍ، بل يتيمَّمُ، ولاشتباهِ طَهُورٍ بطاهرٍ يتوضأُ بكلٍّ، وثوبٍ نجسٍ بطاهرٍ يصلِّي بكلٍّ بعدَدِ النَّجِسِ، ويزيدُ صلاةً، ولو نَسِيَ صلاةً من يومٍ لا بعينِهَا أعادَ الكلَّ.
بابُ الآنيةِ
كُلُّ إنَاءٍ طَاهِرٍ يُباحُ اتخاذُه واستعمالُه إلا المغصُوبَ ونَحْوَهُ، والنَّقدَينِ وما ضُبِّبَ، أو كُفِتَ، أو مُوِّهَ بهما، إلا ضبَّةً يسيرةً بفضةٍ.
ويُباحُ للرجلِ مِنَ الفِضَّةِ الخاتَمُ وحِليةُ السَّيفِ، والحمائلُ، والرَّانُ، والخفُّ، ومِنَ الذَّهبِ القَبيعةُ، وما اضْطُرَّ إليه كأَنْفٍ ورَبْطَةِ سِنٍّ، وللنساءِ منهما ما جرتْ عادتُهُنَّ به.
بابٌ(1/10)
النّجاساتُ: الدّمُ، وقَيئُ غَيْرِ المأكولِ، والمسكِرُ، والخَارِجُ من سَبيلٍ سِوَى رِيحٍ ومنيٍّ طاهرٍ وفَضْلَةِ مأكولٍ، والميتةُ سوى آدميٍّ ومَأكُولَةٍ، وَشَعْرٍ طَاهِرٍ، وَمَا لا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً، والكلبُ، والخِنْزيرُ ، وما تولَّد من نجسٍ ، وما أُبينَ من حيٍّ كَمَيِّتِهِ ، سوى شَعْرٍ، ومِسْكٍ ، وفأرَتِهِ ، ولا يَطْهُرُ نَجِسٌ بِدَبْغٍ واستحالةٍ ، إلاَّ الخَمْرَةَ إذا تخلّلت بنفسِهَا.
فَصْلٌ
وَتُغْسَلُ كلُّ نجاسةٍ سبعاً، إحداهنَّ بترابٍ، فإن كانت على الأرض أو نحوِهَا فمرةً، وغُسَالَةُ كلِّ مرةٍ إن لم تتغيّرْ كمغسولِها، ويُرشُّ بولُ غلامٍ لم يَطْعَمْ.
ويُعفى في الصلاةِ عن يسيرِ دمِ طاهرٍ، وما تَولًَّدَ منه، وهو ما لا يَفْحُشُ في النفسِ، وكذا المَذْيُ، وَأَثَرُ الاستِجمَارِ، والخُفِّ، والذَّيلِ بَعدَ دَلكِهِ أو مُرُورِهِ بأرضٍ طاهرةٍ.
بابٌ
السّواكُ سنَّةٌ، لا بعدَ الزّوالِ لصائمٍ، ويتأكّدُ عندَ الصلاةِ، والانتباهِ، وتغيُّرِ فَمٍ، وقراءةٍ، ووضوءٍ، ودخولِ المنْزل، بعودِ أراكٍ، وَنَحوِهِ، عَرْضَاً، وسُنَّ الادِّهانُ غِبَّاً، والاكتِحالُ وِتْرَاً، والاستحدادُ، وقَصُّ الشّاربِ، وقَلْمُ الظُّفُرِ، ونَتْفُ الإبطِ، والتَّيَامُنُ في كلِّ شأنِه، ونَظَرُهُ في المرآةِ، وتسريحُ شَعْرِه.
ويجبُ الختانُ إن لم يَخَفْهُ.
ويكرهُ القَزَعُ، ونتفُ الشَّيبِ، وسُنَّ تغييرهُ بغيرِ سوادٍ .
بابُ الاستنجاءِ(1/11)
يُنحِّي داخلُ الخلاءِ ما فيه اسمُ الله تعالى إن أمكن، ثُمَّ يقول: بسم الله ، أعوذُ باللهِ مِنَ الخُبْثِ والخَبَائِثِ ، الرِّجْسِ ، النَّجَِسِ ، الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، ويُقَدِّمُ رجلَهُ اليُسرى دخولاً، واليُمنى خُروجاً، عَكْسَ المسجدِ، ويعتمدُ على اليسرى في جلوسه، ويَصْمُتُ، ولا يَلْبَثُ فَوقَ حاجَتِهِ، ثُمَّ يمسحُ ذكرَهُ، ويَنْتُرُهُ ثلاثاً، ويُبْعِدُ في الفضاءِ، ويَسْتَتِرُ، ويدنُو(1) مِنَ الأرضِ، ويرتادُ لبولهِ، وإذا خرجَ قالَ: غفْرانَكَ، الحمدُ للهِ الذي أذهبَ عنّي الأذَى وعَافانِي.
ويَحرُمُ استقبالُ القبلةِ واستدبَارُها في الفضاء، ولا يبولُ في ماءٍ راكدٍ، ولا تَحتَ مُثْمِرٍ، وظِلٍّ نَافعٍ، ومَشْمَسٍ، وطريقٍ، وشَقٍّ، وَمُغْتَسَلٍ، ومَهبِّ ريحٍ، ومطرٍ، ولا يَستَقبِل شَمسَاً، ولا قَمَرَاً.
ومُوْجِبُهُ: خارجٌ من سبيلٍ سِوى ريحٍ، ويُسنُّ بِحجارةٍ، ثُمَّ ماءٍ، وباليسرى، والقطعُ على وِتْرٍ، والتَّحَوّلُ، ويُجزئُ بِماءٍ، أو ثلاثِ مَسَحَاتٍ ، يُنْقِي بها ، إن لم يَعْدُ مَوْضِعَ الحَاجَةِ ، بكلِّ جامدٍ، طاهرٍ، مُنَقٍّ، لا رَوْثٍ وعظمٍ، ومحترمٍ، ومتّصلٍ بحيوانٍ، ويجزئُ الوضوءُ قبلهُ.
بابُ الوضوءِ
مُوجِبُهُ: خارجٌ مِنْ سبيلٍ، ورِدَّةٌ، وزوالُ عقلٍ، إلاَّ بنومٍ يسيرٍ جالساً أو قائماً، ومَسُّ فرجِ آدَميٍّ بِيَدِهِ، وملاقاةٌ لبشرَتَي رجلٍ وامرأةٍ لشهوةٍ، وأكلُ لحمِ جَزورٍ، وخروجُ غائطٍ، أو بولٍ، أو نجاسةٍ فاحشةٍ مِنْ سائرِ البدنِ.
__________
(1) وقع في المخطوطة (يدنوا) بإثبات الألف، وهكذا في كل موضع ورد فيه ما يشبه هذا الفعل مما لامه واو، وهذه طريقة لبعض المتقدمين من الكُتَّاب، والمختار عند المتأخرين حذفها. انظر: "أدب الكتَّاب" للصولي، ص(258)، "باب الهجاء" لابن الدهان النحوي، ص(4)، "المطالع النصرية" للهوريني، ص(151).(1/12)
وفَرضُهُ: النّيةُ، وغسلُ الوجه بِفَمِهِ وَأَنْفِهِ، ويديهِ بِمِرْفَقَيْهِ، ومَسْحُ كلِّ رأسِهِ بأُذُنَيهِ، وغَسْلُ رجليه بكعبيهِ، وترتيبُهُ كما ذكر الله تعالى، والموالاةُ.
وسُننهُ: التّسْميةُ، وغَسْلُ كفّيهِ قبلَهُ ثلاثاً، والبُداءةُ بالمضمضةِ والاستنشاقِ، والمبالغةُ فيهما لغيرِ الصَّائِمِ، وتَخليلُ أصَابعِهِ، وشَعْرٍ كَثِيفٍ بِوَجهِهِ، وتقديمُ ميامِنِهِ، وتثنيتُهُ وتثليثُهُ، ورفعُ بصَرِهِ إذا فَرَغَ نحوَ السماءِ (مُشيراً، قائلاً ما وَرَدَ) (1) .
بابُ المسحِ على الخفين
يُجزئُ في الوضوءِ مَسْحُ أكثرِ أعلى الخُفَّينِ، وما في معناهُمَا من ثابتٍ بنفسِهِ ساترٍ محلَّ الفرضِ، يُمكنُ مُتابعةُ المشْيِ عليه إنْ لُبِسَ بعدَ طُهْرٍ تامٍّ، للمقيمِ يوماً وليلةً، ولِمُسافرٍ قَصَرَ ثلاثةً(2) بلياليها، مِنَ الحدَثِ إلى مثلِهِ، وكذا(3) على العمامةِ المُحنَّكةِ، وذاتِ الذُّؤابةِ، إذا سترتِ الرأسَ، لا ما جَرَتِ العادةُ بكشفهِ.
ولو مَسَحَ مقيمٌ ثُمَّ سافرَ، أو عَكَسَ فكالحاضرِ(4).
ويَبْطُلُ بِخَلْعٍ، وتمامِ مدَّةٍ، فَيتوضأ، فأما الجبيرةُ فتُمسَحُ في الطَّهارتينِ، إلى حَلِّها إن لم يَعْدُ بها مَوْضِعَ الحاجةِ، والله أعلم .
بابُ الغُسلِ
وموجِبُهُ: خُروجُ مَنِيٍّ بلذةٍ وتَدَفُّقٍ، ودُخولُ حَشَفَةٍ، أو قَدْرِهَا فرجاً أصلياً، وموتٌ، وحيضٌ، ونفاسٌ، وإسلامٌ.
وفرضُهُ: النِّيةُ، وغَسْلُ كلِّ بشرتِهِ، وباطنُ فَمِه وأَنفِهِ، وإن نَوَى طَهَارَتينِ أَجزَأَ، كما لو تيمَّمَ للحدَثَينِ والنجاسةِ.
__________
(1) من حاشية الأصل.
(2) في الأصل (ثلاثاً) وله وجه، لكن المثبت أوضح، وهو المعبَّر به في كتب المذهب وغيرها.
(3) تكررت في الأصل.
(4) في الأصل ( فكالحضر) والمثبت أصح، انظر: "اللسان" مادة "حضر".(1/13)
وسُنَنُهُ: الوضوءُ قبلَهُ، وإزالةُ ما به من أذىً، وغَسْلُ كفيهِ، والتسميةُ، وَحثْيُ الماءِ على رأسهِ ثلاثاً قبلَ الإفاضةِ، وغَسْلُ رِجْلَيْهِ ناحيةً ، لا في حَمامٍ ونَحْوِهِ، والدَّلكُ، والموالاةُ.
ويُسَنُّ لِجُمُعَةٍ، وعيدٍ، وخسوفٍ، واستسقاءٍ، وإفاقةٍ، وإحرامٍ، وغَسْلِ مَيتٍ، ودخولِ مكةَ، وعرفةَ، ورميِ الجمارِ، والطوافِ.
ويَحرُمُ بالحدثِ مسُّ المصحفِ، والصّلاةُ، والطوافُ، وبالجنابةِ: الثلاثةُ، والقراءةُ، واللبثُ في المسجدِ بِلا وضوءٍ، وبالحيضِ والنفاسِ: الخمسةُ، والصيامُ، والوطءُ في الفرجِ، إلى الغُسلِ، والطلاقُ إلى الانقطاعِ .
بابُ التيممِ
شَرطهُ: فَقْدُ ماءٍ (أو إعْوَازُه إلا بثمنٍ مُجْحِفٍ)(1) ، فلو بُذِلَ هِبةً، أو بثمنٍ غيرِ مُجْحِفٍ لَزِمَهُ قَبولُهُ، أو خوفُ ضررٍ باستعمالِهِ، لمرضٍ، أو عطشِ مُحترمٍ، ودخولُ الوقتِ، وطَلَبُ فاقِدهِ، لا إن خافَ على نفسِهِ أو مالِهِ، وترابٌ، طاهرٌ، له غبارٌ.
وفرضُهُ: تعيينُ نيّتِهِ، فلو تيمَّمَ لنفلٍ لم يُصلِّ به فرضاً، أو لفرضٍ صلّى ما شاءَ، ومسحُ جميعِ وجههِ ويديهِ إلى الكوعينِ، والترتيبُ.
وسُنَنُهُ: التّسميةُ، وتقديمُ يُمناهُ، وتأخيرُهُ إن ظنَّ وُجْدَانَ الماءِ، ومبطلُهُ: مبطلُ طهارةِ الماءِ، وخروجُ الوقتِ، وقدْرتُهُ على استعمالِ الماءِ، وإن بُذلِ للأحقِّ قُدِّمَ الميتُ، ثُمَّ مَنْ عليه نجاسةٌ، ثُمَّ الحَائِضُ، ثُمَّ الجنبُ.
ويجزئُ ضربةٌ واحدةٌ لوجهِهِ وكفّيهِ، فإن تيمم لنجاسةِ بدنهِ لم يُعِدْ .
بابُ الحيضِ
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/14)
أَقَلُّ إمكانِهِ تِسعُ سِنِينَ، وأكثَرُهُ ستونَ سَنةً، وَأَقَلُّ الحَيضِ يَومٌ وليلةٌ، وأكثرُهُ خَمسةَ عَشَرَ يوماً، وغَالبُهُ ستٌّ أو سَبعٌ، ولا حيضَ لحاملٍ، فَإن رأته قبلَ الوَضعِ بيومينِ أو ثلاثةٍ فَنِفَاسٌ، وَأَقَلُّ طُهْرٍ بينَ الحيضتين ثَلاثَةَ عَشَرَ، فَتَجلِسُ المُبتدأةُ أَقَلَّهُ، ثُمَّ تغتسلُ وتصلي، فإن لم يَعْبُرْ أكثرَه اغتسلت عند انقطاعِهِ، وإن تكرَّرَ ثلاثاً فعادةٌ، وتَقْضِي ما صامته فيه فرضاً، ثُمَّ إن تَغَيَّرَتْ لم تلتفتْ حتى يتكرَّرَ ثلاثاً أيضاً.
وإن عَبَرَ أَكْثرَهُ فاستحاضةٌ ، تَجلسُ المُمَيِّزَةُ أيَّامَ التمييزِ ، وهو الأسودُ الثَّخِيْنُ، إن لم يَعْبُرْ أكثرَهُ، والمعتادةُ أيام العادةِ، والمتحيِّرةُ غَالِبَهُ، وباقي الأيام تغسلُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ، وتتوضأُ لوقتِ كلِّ صلاةٍ، وكذا دائمُ الحدثِ الذي لا ينقطعُ قَدْرَ الوضوءِ والصلاةِ، وأكثرُ النفاسِ أربعونَ يوماً، وَلا حَدَّ لأقَلِّهِ، وتَعُدُّ مِنَ اليومِ الأولِ .
كتابُ الصلاةِ
إنّما فُرِضَ الخمسُ على مُكَلّفٍ، وهو المسلمُ، العاقلُ، البالغُ، لا حائضٌ ونفساءُ، ويؤمر بها ابنُ سبْعٍ، ويُضربُ على تركِها ابنُ عشْرٍ، فإن بلغَ فيها أو بعدَها في وقتها أعادها، وما قبلهَا إن جُمِعتْ إليها، كالحائضِ تطهُرُ، والكافرِ يُسلمُ، والمجنون يُفيقُ، ولو صلَّى كافرٌ أسلمَ.(1/15)
ووقتُ الظهرِ مِنَ الزوالِ إلى مصيرِ ظلِّ الشيءِ مثلَهُ بعد الذي زالتْ عليهِ الشمسُ، ثُمَّ يَعْقُبُهُ العصرُ، وهي الوسطى، والمُختارُ إلَى مصيْرِ ظلِّ الشيءِ مثْلَيهِ، ويبقى وقتُ الضّرورةِ إلَى الغُروبِ، ثُمَّ يَعْقُبُهُ المغربُ، وهي الوترُ، ويمتدُّ إلى غروبِ الشَّفقِ الأحمرِ، ثُمَّ يعقُبه العِشاءُ، ويُختارُ إلى ثُلثِ الليلِ، ووقتُ الضَّرورةِ إلى طلوع الفجر الثانِي، وهو البياضُ المعترضُ في المشرقِ، ثُمَّ يعقُبه الفجرُ، ويبقى إلى طلوعِ الشمسِ، ويُدرك الوقتُ بتكبيرةٍ، كالجماعة، والجُمعةُ بركعةٍ، وأولهُ أفضلُ، إلا العِشاءَ الآخِرةَ ما لم يَشقّ، والظُّهرَ في حَرٍّ أو غَيمٍ لمنْ يَقصِدُ الجَمَاعَةَ، وحَرُمَ تأخيرها أو بَعضِها عن وقتِهَا بغير عُذْرِ جمعٍ، وشُغْلٍ بشرطِهَا، فإنْ أخَّرَهَا جُحوداً كَفَرَ، أو تَهَاوُناً دُعيَ إليها، فإن أبَى وجَبَ قتلُهُ، إذا ضاقَ وقتُ التي بَعدَها ، ولا يُقتلُ حتى يُستتابَ ثَلاثاً، فإن تابَ وإلا قُتِلَ، ويجبُ القضاءُ على الفورِ، مرتَّباً، إلا إن خَشِيَ فوتَ حاضرةٍ، وإلا أتَمَّهَا نفلاً، ثُمَّ رَتَّبَ .
بابُ الأَذانِ والإقامةِ
وهما فرضُ كفايةٍ، على الرِّجالِ، للصّلواتِ الخمسِ، وَيُقَاتَلُ أهلُ المِصْرِ بتركِهِمَا، وهو خَمسَ عَشْرَةَ، وهي إحدى عَشْرَةَ.
ويسنُّ مؤذّنٌ صَيِّتٌ، عالِمٌ بالوقتِ، يُثوِّبُ بعدَ الحيعلةِ في الصّبحِ، ولا يُؤذَّنُ قبلَ الوقتِ إلاَّ لها، وإنَّمَا يَجُوزُ مُرَتَّباً، لا بِفَصلٍ كثيرٍ، ومُحَرَّمٍ، ويقولُ مُستمعُهُ مثلَهُ، إلاَّ في حيعلةٍ فيُحَوْقِل، وَيَسْأَلُ بَعْدَهُ الوسيلةَ.
وتُسنُّ له الطّهارةُ، وقيامُه مستقبلاً، على علوٍّ، يَجعلُ إصْبَعَيهِ في أُذنيه، مُلتَفتاً في حَيعَلَتِه يميناً وشمالاً، ولا يُزِيلُ قدميهِ، وتَرَسُّلُهُ، وحَدْرُهَا .
بابُ شروط الصّلاة(1/16)
هي ستةٌ(1): دخولُ الوقتِ، والطّهارةُ مِنَ الحدثِ، ومِنَ الخَبَثِ، بدناً، وثوباً، وموضعاً، لا إنْ عَجَزَ، وسترُ مَنْكِبَيهِ وعورَتِه، بِمَا لا يَصفُ البشرةَ، من سُرَّتِه إلى ركبَتَيهِ، والأَمَةُ ونَحْوُهَا مثلُهُ، والحرَّةُ سِوى وجْهِهَا وكفَّيهَا، وَالدُّبُرُ أولى، والعورةُ أولى مِنَ المنكِبِ، فلو عَدِمَ فقاعداً إيماءً، وإن صلى قائماً جاز.
ويَحْرُمُ على الرّجلِ الذّهبُ، ومَا هُوَ أو غَالِبُهُ حريرٌ، فلا تصحُّ الصلاةُ فيه، كالمغصوبِ، والحُشِّ، والحمَّامِ، والمَقْبَرَةِ، وَعَطَنِ الإبلِ، وإنَّمَا تصحُّ في الكعبةِ وعلى ظهرِهَا نفلاً.
الخامسُ: استقبالُ عينِ الكعبةِ للقريبِ، وجِهتِها للبعيدِ، وإن اشتَبَهَتْ سفراً اجتَهَدَ بشمسٍ، وقمرٍ، ونجومٍ، وريحٍ، ومياهٍ، وحضراً بخبرِ ثقةٍ، عَن عِلمٍ، ومَحَاريبِ مسلمٍ ، والعاجزُ يُقلّدُ عارفاً ، فلو اختلفا قلَّدَ أوثقَهُما عندهُ ، ويجدِّدُهُ ، ولا يعيدُ ولو أخطأ، إلاَّ الحاضرَ، ويسقط لعجزٍ ، ويُصَلِّي كيفَ أمكنَ وتوجَّه، كنفلِ السّفرِ للسَّائِرِ، والهارِبِ من سيلٍ أو سَبُعٍ.
السَّادسُ: النيّةُ، فيُعَيِّنُ المُعَيَّنةَ، وَيُقَارِنُ بها التّكبيرَ، فإن تقدمتْ يسيراً جازَ ما لم يَفْسَخْها، ويَجِبُ استصحابُ حُكمِهَا، ويُسنُّ ذِكْرُهَا .
بابُ صفةِ الصَّلاةِ
__________
(1) في الأصل (ستٌّ) وله وجه، والمثبت أصح.(1/17)
يَمشي إليها بسكينةٍ ووقارٍ، بتقريبِ خُطاهُ، قائلاً ما وردَ، غَيرَ مُشَبِّكٍ، ويقومُ عندَ كلمةِ الإقامةِ إن رأى الإمامَ، وإِذَا أُقيمَتْ فَلا صلاةَ إلاَّ المكْتُوبَةُ، ثُمَّ يُسوِّي الإمامُ صفَّهُ، ويكبِّرُ جَهراً، وغَيرُهُ سِرَّاً، كالقِرَاءة، ويَرْفَعُ يديهِ عندَ ابتداءِ التكبيرِ حَذْوَ منكبيهِ، ثُمَّ يَضَعُ اليُمنَى على كُوعِ اليُسرى تحتَ سُرَّتِه، ناظراً موضعَ سجودِه، ثُمَّ يقولُ: سبحانَكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ، وتبارَكَ اسمُكَ، وتعالَى جدُّكَ، ولا إله غيرُكَ، ثُمَّ يتعوَّذُ، ثُمَّ يُسَمِّي سِرَّاً، ثُمَّ يقرأُ الحمدَ، بإحدَى عَشْرَة شَدَّةً، مُرَتَّبَةً متواليةً، فإن لم يُحْسِنْهَا تَعَلَّمَهَا، فإنْ ضاقَ الوقتُ قرأ قَدْرَهَا، ولو عَلِمَ آيةً كرَّرَها، فإنْ لم يُحسِنْ قُرآناً ذكرَ اللهَ، وإنْ لم يعرِفْ وَقَفَ قَدْرَهَا، ثُمَّ يُؤَمِّنُ جهراً فِي الجَهْرِيَّةِ، ثُمَّ يَقرأ سورةً، في الصُّبحِ من طِوَالِ المُفَصَّلِ، والمغربِ من قِصَارِه، والباقي من أوساطِه، ويَجهرُ الإمامُ بالصّبحِ، وَأُولَيَي المغربِ والعشاءِ، ثُمَّ يرفَعُ يَدَيهِ ويركع مكبراً، مَادَّاً ظَهْرَهُ، مستوياً رَأْسُهُ حِيَالَهُ ، واضعاً يديه على ركبتيهِ مفرَّجَتَي الأصابع، فيقول: سُبحانَ رَبِّيَ العَظيمِ ثلاثاً، ثُمَّ يَرفعُ قائلاً: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، ويرفعُ يَدَيهِ، فيقولُ: رَبَّنَا ولكَ الحمدُ، مِلْءَ السَّماءِ وَمِلْءَ الأَرضِ، وَمِلْءَ ما شئتَ من شيءٍ بَعدُ، ثُمَّ يسجدُ مُكَبِّراً، بركْبَتَيهِ، ثُمَّ يَديهِ، ثُمَّ جبهتِهِ وأنْفِهِ، ويكونُ على أطرافِ أصابعِه، مُجافياً، واضعاً يديهِ حَذْوَ مَنكِبيهِ، ويجبُ سجودُه على هذه الأعضَاءِ السّبعةِ، ثُمَّ يقولُ: سبحانَ ربِّيَ الأَعلى ثلاثاً، ثُمَّ يَرْفَعُ مكبراً، ويجلسُ مفترشاً، يَفْرِشُ يُسراهُ فيجلسُ عليهَا، ويَنْصِبُ يُمناهُ، فيقول: ربِّ اغفر لي ثلاثاً،(1/18)
ثُمَّ يسجدُ الثانِيةَ كذلك، ثُمَّ يرفعُ مكبراً فيقومُ على صدورِ قدميهِ معتمداً على ركبتيهِ، ما لم يَشُقَّ فبالأرضِ، ثُمَّ يُصلي الثانِيةَ كالأولى، سوى الاستفتاحِ والتحريمِ، ثُمَّ يَجلسُ مفترشاً، يضعُ يَديهِ على فَخِذَيهِ، يَقْبِضُ الخِنْصِرَ والبِنْصِرَ من يُمناهُ مُحلِّقاً إبْهَامَهُ مَعَ الوسطى، مشيراً بِسَبَّاحَتِهَا في تشهُّدِه، فيقولُ: التَّحيَّاتُ للهِ، والصّلواتُ والطّيباتُ، السلامُ عليكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، ورحمةُ اللَّهِ، وبركاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللَّهِ الصّالحين، أشهدُ أن لا إِلهَ إلا اللَّهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه .
فَصْلٌ
ثُمَّ يُصلّي الثالثةَ والرابعةَ كالثانِيةِ، بالحمدِ فقط، ثُمَّ يَجْلِسُ مُتَورِّكاً، يَفْرِشُ اليسرى، ويَنْصِبُ اليمنى، وأليتَاهُ على الأرضِ، ثُمَّ يتشهّدُ، ويزيدُ: اللهم صلِّ(1) على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على مُحمدٍ، وعلى آلِ مُحمدٍ، كمَا بارَكتَ على آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم إني أعوذُ بِكَ من عَذَابِ جَهنَّمَ، ومن عذابِ القبرِ، ومن فِتْنَةِ المحيَا والمَمَاتِ، ومن فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ، ويدعو بما ورد، ثُمَّ يُسلِّمُ عن يَمِينهِ ثُمَّ عن يسارِه، ويستغفرُ ثلاثاً، ويقول: اللهمَّ أنتَ السلامُ، وَمنكَ السَّلامُ، تَباركتَ يا ذا الجلالِ والإكرام.
والمرأةُ كالرَّجُلِ، لكن تَجْمَعُ نَفْسَهَا ركوعاً وسجوداً، وَتَجلِسُ مُتَرَبِّعَةً، أو سَادِلةً.
وله ردُّ المَارِّ، وإن نَابَهُ شَيءٌ سَبَّحَ، وَصَفَّقَتْ، وَإن لَم تَكُنْ سِتْرَةٌ قَطَعَهَا مُرورُ كَلبٍ أسوَدَ بَهيمٍ.
بابٌ
__________
(1) في الأصل (صَلِّي) بالياء، والصواب حذفها.(1/19)
أركانُها اثنا عشر: القيامُ، والتحريمُ، والفاتِحةُ لغير مأمومٍ، بل تُسَنُّ في سَكَتَاتِ إِمَامِهِ وإِسرَارِهِ، والركوعُ، والسجودُ، واعتدالُهُ عنهما، وطُمَأنينتُهُ في الكلِّ، والتشهد الأخير، وجَلسَتُهُ، والتسليمةُ الأولى، والترتيبُ.
وواجباتُها تسعةٌ : باقي التَّكبيرِ ، والتَّسميعُ ، والتَّحميدُ ، والتَّسبيحُ، والاستغفارُ مرةً، والتَّشهدُ الأولُ، وجَلسَتُهُ، والصلاةُ على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والتسليمةُ الثانِيةُ.
فَتَبطُلُ بِفَواتِ رُكنٍ أو شرطٍ، لا إن نَسِيَ نَجاسةً، أو فَوتِ وَاجبٍ عمداً.
وكُرِهَ رَفْعُ بَصَرِهِ إلى السَّماءِ، والإقعاءُ، وافتراشُ ذراعيهِ في السجودِ، وصَلاتُهُ حَاقِنَاً، أو حَاقِبَاً، أو بحضرة طعامٍ لتائقٍ، والعَبَثُ، والتَّخَصُّرُ، وفَرْقَعةُ الأصابِعِ، وتَشْبِيكُهَا.
وله عَدُّ الآي، وَقَتْلُ الحشراتِ، ولُبْسُ الثوبِ، ما لم يَطُلْ .
بابُ سجودِ السَّهْوِ
لا يُشْرَعُ لِعَمْدٍ، بل لِسَهْوٍ من زيادةٍ وَنقصٍ وشَكٍّ، فَيجِبُ لما يُبْطِلُ عَمْدُهُ، ولو شَكَّ في عددٍ بنى على اليقينِ، إلا الإمامَ فَعَلى غَلَبَةِ ظَنِّهِ، ولَو تَرَكَ رُكناً أتى به ما لم يَشْرَعْ فِي قراءَةِ الثانِيةِ، فتبطل الركعةُ فقط.
ومحلُّهُ قبلَ السَّلامِ، إلا مَنْ سَلَّمَ عن نقص، أو إمَامٌ عَمِلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ فَبَعْدَهُ .
بابُ صلاةِ التطوعِ
آكَدُهَا: الاستسقَاءُ، والكسوفُ، ثُمَّ الوترُ، بينَ صلاةِ العشاءِ والفجرِ، وأقلُّهُ ركعةٌ، وأَكْثَرُهُ إحدَى عَشْرَةَ، مثنى مثنى، وأدنَى الكمالِ ثلاثٌ بِفَصْلٍ، ويقنُتُ بعدَ الركوعِ، بالمأثورِ، وفِي الفجرِ للنازلة.
ثُمَّ السُّنَنُ الرَّاتِبةُ عَشْرٌ، قَبْلَ الظهرِ، وَبَعْدَهَا، وَبَعْدَ المَغرِبِ والعشاءِ، وقَبْلَ الصبحِ، وهما أَفْضَلُ.(1/20)
ثُمَّ التراويحُ، عشرونَ في رمضانَ، ثُمَّ صلاةُ الليلِ، وَسَطُهُ، ثُمَّ الشَّطْرُ الأخيرُ، ثُمَّ النهارُ في بيتِهِ، ثُمَّ مَسْجِدِهِ، قائماً، ثُمَّ قاعداً.
وأدنَى الضُّحَى ثنتان، وأكثرها ثمانٍ، إذَا عَلَتِ الشَّمسُ، إلى الزوالِ.
وَسُنَّ أربعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، لقارئٍ ومُسْتَمِع، كالصلاةِ، بلا تَشَهُّدٍ.
ولا يَتَطَوَّعُ بَعْدَ الفجرِ إلى الارتفاعِ، وَبَعْدَ العصرِ إلى الغروبِ، وَعِنْدَ الاستواءِ إلى الزوالِ، إلا بِمَا لَهُ سَبَبٌ .
بابٌ
الجماعةُ واجبةٌ على الرِّجَالِ، لِلخَمْسِ، وفي مسجدٍ لا تُقَامُ إلا بحضورِهِ أَفْضَلُ، ثُمَّ الأكثرُ جَماعةً، ثُمَّ العتيقُ، ثُمَّ الأَبْعَدُ، ثُمَّ البيتُ، ولا يَؤُمَنَّ قَبْلَ راتبٍ بِغَيرِ إذنِهِ، إلا إن تأخرَ لِعُذرٍ، فإن لم يُعْلَمْ انْتُظِرَ وَرُوسِلَ، ما لم يُخْشَ خروجُ الوقتِ.
فإن صلَّى، ثُمَّ حَضَرَ جَماعةً أعادها معهم، وَشَفَعَ المغربَ برابعةٍ، وتُعادُ في غيرِ الثلاثةِ مَسَاجِدَ.
وَلَو سَبَقَ إِمَامَهُ بِرُكنٍ، فَلَحِقَهُ فيه، أو رَفَع فأتى به مَعَهُ فَلا بأس، وَسْبقُهُ بركنينِ مُبْطِلٌ، وَنِيَّتُهُمَا عندَ التحريمِ شَرْطٌ، لكنْ إن أَحْرَمَ مُنفرداً، ثُمَّ نَوى الإمامةَ أو الائتمامَ، أو فَارَقَ إمَامَهُ بلا عُذْرٍ، أو استُخْلِفَ، أو أمَّ مسبوقاً فيما فاتهما لعذرٍ فَخِلافٌ.
وسُنَّ أن يُخَفِّفَ في تمامٍ، ويطيلَ الأولى، وانتظارُ داخلٍ في الركوع.
ويُكرهُ مَنْعُ المرأةِ مِنَ المسجدِ، وبَيتُها أفضلُ .
فَصْلٌ
يُعذر في تَرْكِ(1) الجمعةِ والجماعةِ: المريضُ، والخائفُ ضَياعَ مالِهِ، أو فَوتَهُ، أو موتَ قريبٍ، أو ضرراً يَلْحَقُهُ، كمطرٍ، وَوَحْلٍ، ونحوه .
بابُ الإمامةِ
__________
(1) في الأصل (تركه) مع جرِّ ما بعده، وهذا خطأ، لأنه مفعول المصدر، لذا فالأولى حذف الهاء، لأن هذا الضمير مفسَّر بالاسم الظاهر بَعْدُ.(1/21)
أَحَقُّ الناسِ بها السلطانُ، ثُمَّ رَبُّ البيتِ، ثُمَّ الراتبُ، ثُمَّ الأقرأُ، ثُمَّ الأفقهُ، ثُمَّ الأقدمُ سِنَّاً، ثُمَّ سِلماً، ثُمَّ الأقدمُ هجرةً، ثُمَّ الأَشرَفُ، ثُمَّ الأتقى، ثُمَّ الحُرُّ، ثُمَّ البصيرُ، ثُمَّ الحاضرُ، ثُمَّ القارعُ.
ولا تصحُّ من كافرٍ، ونَجِسٍ، ومُحْدِثٍ، يعلمان ذلك، ولا من أُمِّيٍّ، وَأَرَتَّ، وأَخْرَسَ، ومَنْ به عُذْرٌ مستمرٌ، ولا عاجزٍ عن ركنٍ أو شرطٍ، إلا بِمِثْلِهِم، ولا خُنثى وأُنثى إلا بأُنثى.
فَلو صَلَّى راتبٌ جالساً لعذرٍ يزولُ تابعوه، ولو طَرَأَ بها لم يجلسوا.
وإن أمَّ صَبِيٌّ ببالغٍ، أو متَنَفِّلٌ بِمفتَرِضٍ، أو مَن يُؤَدِّي بمن يَقْضِي، أو من يصلي فرضاً بآخرَ، أو أقلفُ، أو فاسقٌ فروايتان.
ويُكرهُ مِنْ فَأْفَاءٍ، أو تَمْتَامٍ، ولَحَّانٍ لا يحيل معنى، وبنساءٍ أجانبَ لا مَحْرَمَ أو رجلَ معهنَّ، وَقَومٍ يَكرهُونَهُ .
فَصْلٌ
يُسَنُّ وُقُوفُ الجماعةِ والمرأةِ خَلفَهُ، والواحدِ عن يمينهِ، وعن جانبيهِ جائزٌ، وأَمَامَهُ، وعن يَسْرَتِهِ، أو فذاً مُبْطِلٌ، ومن لم يقف معه إلا كافرٌ، أو مُحْدِثٌ يَعْلَمُهُ، أو أُنثَى، أو صَبِيٌّ فَهُوَ فَذٌّ، ويقومُ إمَامُ العُرَاةِ، والمرأةُ بالنِّساءِ وَسْطَاً.
ويُقَدَّمُ الرَّجلُ، ثُمَّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ الخنثى، ثُمَّ المرأةُ، كتقديمهم إلى الإمامِ في الجَنَازَةِ، وإلى القِبلةِ في القبرِ .
بابُ صلاةِ أهلِ الأعذارِ
مَنْ عَجَزَ عَنِ القيامِ، أو طَالَ مَرَضُهُ، أو لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، صلى قاعداً، ثُمَّ على جَنْبٍ، ثُمَّ مستلقياً، إيْمَاءً، ثُمَّ بِطَرْفِهِ، ولو عَجَزَ عَنِ القراءةِ فَبِقَلبهِ .
فَصْلٌ(1/22)
وَمَنْ سَافَرَ لا لمعصِيَةٍ، سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخَاً، سُنَّ له قصرُ رُبَاعِيَّةٍ مُؤداةٍ إلى ركعتينِ، إذا جاوزَ السُّورَ، أو العمرانَ، أو الخيامَ، ونَواهُ عندَ التَّحريمِ، ولو أَحْرَمَ مُقيمَاً ثُمَّ سَافَرَ، أو عَكَسَ، أو ائتمَّ بِمُقيمٍ، أو مشكوكٍ، أو نوى إقامةً أَكْثَرَ من إحدى وعشرينَ صلاةً، أو ذَكَرَ صلاةَ سفرٍ في حضرٍ، أو بِالعَكْسِ، أو مَلاَّحَاً معه أهلُهُ ولا ينوي إقامةً في مَوضِعٍ، أو ذَكَرَ صلاةَ سفرٍ في آخَرَ أتَمَّ، لا إن سَلَكَ البُعْدَى .
فَصْلٌ
يَجوزُ الجَمْعُ بَينَ: الظهرِ والعصرِ، والعشاءين، في وقتِ إحداهما، لسفرِ قَصْرٍ، وَمَرَضٍ يَشُقُّ، ومَطَرٍ يَبُلُّ، وَوَحْلٍ، وَعُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ الجُمُعَةِ، فلو قَدَّمَ اشْتُرِطَ نِيَّتُهُ، والموالاةُ، لا قَدْرَ إقامةٍ ووُضِوءٍ، وَوجودُ العذرِ عندَ افتتاحِهما، وإن أَخَّرَ فَنِيَّتُهُ، ما لَم يَضِقْ وَقتُ الأولى عَنْ فِعْلِهَا، واستمرارُ العذرِ إلى وَقتِ الثانيةِ .
بابُ صلاةِ الخوفِ
تَجُوزُ بكلِّ صِفَةٍ صَحَّتْ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فمنها: إذا كان عَدُوُّهُ في غير قبلةٍ، فَلتَحْرِسْ فِرْقَةٌ، وَيُصَلِّي بِأُخرى بركعةٍ(1)، ثُمَّ تُتِمُّ، وتَذْهَبُ فَتَحْرِسُ ، وتأتي تلك فيصلي بها الثانيةَ، ثُمَّ تُتِمُّ فَيُسَلِّمُ بها.
وإن كان قِبْلَةً، أَحْرَمَ بهم صَفَّين فسجدَ مَعَهُ المُقَدَّمُ، فإذا رَفَعَ، سَجَدَ الحَارِسُ، وَلَحِقَهُ، ثُمَّ تَعْكِسُ في الثانية، وسَلَّمَ بهم.
ولو صَلَّى بكلٍّ صلاةً صَحَّ، كما لو أَتَمَّ وَقَصَرَتْ كلُّ فِرْقَةٍ خَلفَهُ، فإن اشتدَّ الخَوفُ، صَلَّوا رِجَالاً ورُكباناً، إلى القبلة وغيرها، يُومِئونَ إِيماءً على قَدْرِ الطاقةِ .
بابُ صَلاةِ الجُمُعَةِ
__________
(1) هكذا في الأصل، والأولى حذف الباء، انظر: "الكافي" (1/470) وغيره.(1/23)
وهي ركعتانِ على ذَكَرٍ، مُكَلَّفٍ، حُرٍّ، صحيحٍ، مقيمٍ، ليسَ أبعدَ من فَرْسَخٍ.
وشَرْطُهَا: الأبنيةُ، أو قريبُها، وحضورُ أربعينَ ممن تلزَمُهُ، وإذَا حَضَرَهَا مَنْ لا تَلزَمُهُ أَجزَأَتهُ، والمعذورُ تلزَمُهُ وتنعقدُ به، والوَقتُ، من أولِ السادسةِ، إلى آخِرِ وَقْتِ الظهرِ، فإن فَاتَ، أو أَدرَكَ أقلَّ من ركعةٍ، أو نَقَصَ العددُ قَبْلَ ركعةٍ أتَمُّوا ظهراً.
وَيُقَدِّمُ خُطبتين، يَجِبُ في كلٍّ حَمدُ اللهِ ، والصلاةُ على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والوصيةُ بالتقوى، وقراءةُ آيةٍ، وحضورُ الأربعينَ.
فَصْلٌ
وسُنَّ لها التنظفُ، والتطيبُ، ولبسُ بياضٍ، ماشياً بسكينةٍ، مبكراً، وخُطْبَتُهُ قائماً، على عُلُوٍّ، متوكئاً على شيءٍ، وَجُلُوسُهُ بَينَ الخطبتين، وقَصدُهُ تلقاءَ وَجْهِهِ، وقِصَرُ خُطبتِهِ، وَطُوْلُ صَلاتِهِ، وَيُسَلِّمُ عليهم إذا صَعَدَ وَقَبْلَهُ ، وجُلُوسُه للأذانِ، والدُّنوُّ مِنَ الإمام، وقراءةُ الكهفِ يومَها، والجُمُعَةِ في أوَّلَتِهَا، والمنافِقِينَ في الثانيةِ، والسجدةِ، و { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ } في صُبْحِهَا، ويُوجِزُ(1) الدَّاخلُ حالَ الخطبةِ بركعتينِ، ويحرُمُ الكلامُ، إلا للإمامِ، ومَنْ كلَّمَهُ، ويجوزُ أكثرُ من جُمعةٍ إن احتيجَ، وإلا فالأولى الصحيحةُ، ثُمَّ جُمُعَةُ الإمامِ، فإن جُهِلَتْ أو تساوتا بَطَلَتَا.
بابٌ
صلاةُ العيدِ، فَرْضُ كِفَايَةٍ، تَسْقُطُ بِفِعْلِ أَرْبَعِينَ، وتُسَنُّ في الصَّحْرَاءِ، إلا من عُذرٍ، وتعجيلُ الأَضْحَى، والإمساكُ حتى يُصَلِّيَ، عَكْسَ الفطرِ، وأولُ وَقْتِهَا إذا ارتفعت الشمس إلى الزوال.
__________
(1) هذه اللفظة غير واضحة في الأصل، والظاهر بعد التأمل أن المثبت هو المراد. انظر: "مختصر الخرقي" ص (35)، "الوجيز" للدُّجَيلي ص (92).(1/24)
فيخرج على أحسنِ هيئةٍ، إلا المُعْتَكفَ ففي ثيابِ اعتكافِهِ، (فيصلي ركعتينِ، يُكبِّرُ)(1) في الأولى بَعْدَ استِفتاحِهِ ستاً، وفي الثانيةِ بَعْدَ الرَّفعِ خَمساً، يَرفَعُ يَدَيهِ مَعَ كُلٍّ، ويذكرُ اللَّهَ تعالى ، ويُصلِّي على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَتُدْرَكُ بتكبيرةٍ، وإن فاتتهُ سُنَّ له قضاؤها على صِفَتِهَا، ثُمَّ يَخْطُبُ ثنتينِ، يستفتحُ الأولى بتسعِ تكبيراتٍ والثانيةَ بسبعٍ، يَحُثُّهُمْ في الفطرِ على الصدقةِ، وفي الأضْحَى على الأُضْحِيَة، مبيناً أَمْرَهُما.
وَيُسَنُّ التكبيرُ ليلتَي العيدينِ، وفي الأَضْحَى خَلفَ الفريضةِ جَماعةً، من فَجْرِ عَرَفَةَ إلى عصرِ آخرِ أيَّامِ التشريقِ ، إلا المُحْرِمَ فمن ظُهْرِ النَّحرِ ، وهو شَفْعٌ ، والتكبيراتُ الزوائدُ والخطبتانِ سنةٌ، ولا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا ولا بَعْدَهَا في مَوضِعِهَا .
بابٌ
صَلاةُ الاستسقاءِ سُنَّةٌ، وَصِفَتُهَا وأحكامُها كالعيدِ، وَيأمرُ بالتوبةِ وتَرْكِ الظلمِ، والصيامِ، والصدقةِ، ثُمَّ يَخرجُ بهم ليومٍ يَعِدُهُم، ببِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ وَتَذَلُّلٍ وَتَضَرُّعٍ بلا طِيبٍ، فيصلي ركعتينِ، ثُمَّ يَخْطُبُ واحدةً، يُكْثِرُ فِيهَا الاستغفارَ، والدعاءَ، والمأثورُ أحسنُ، ثُمَّ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ، وَيُفْرَدُ أهلُ الذِّمَّةِ ناحيةً إن خرجوا، لا بيومٍ، وإن خِيفَ كثرةُ المياهِ قال: اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَينَا، رَبَّنَا ولا تُحَمِّلنَا ما لا طاقة لنا به .
بابُ صلاةِ الكسوفِ
إذا كَسَفَتِ الشَّمسُ أو القمرُ، فَزِعُوا جَماعةً وَفُرَادَى، إلى صلاةِ ركعتينِ يَجْهَرُ فيهما، كُلُّ ركعةٍ بركوعين، يُطِيلُ الأُولى نَحوَ البقرةِ، وَيُقَصِّرُ الثانيةَ يسيراً، وَيُنَادَى لها وللعيد: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ.
وسُنَّ: الدعاءُ، والصدقةُ، والتوبةُ.
وَيُصَلَّى لِزَلزَلةٍ دائِمَةٍ فَقَطْ.
كِتابُ الجَنَائزِ
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/25)
تُسَنُّ عِيَادةُ المريضِ، وتذكيرُه التوبةَ، والوصيةَ، وإذا نُزِلَ به بَلَّ حَلقَهُ، ولقِّنْهُ: لا إلهَ إلا اللهُ، مرةً، فإن تَكَلَّمَ أعادَهُ بِلُطْفٍ، وَيَقْرَأُ { يس } ، وَيُوَجِّهُهُ القبلةَ، فَإِذَا قُبِضَ غَمَّضَهُ، وَشَدَّ لَحْيَيهِ، وَثَقَّلَ بَطْنَهُ.
فَصْلٌ
غَسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلاةُ(1) عَليهِ وَدَفْنُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وأولَى النَّاسِ به وَصِيُّهُ، ثُمَّ أبوهُ، ثُمَّ جَدُّهُ، ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ، والأُنثَى الأَقربُ من نِسَائِهَا، إلا الصلاةَ فإن الإمامَ أحقُّ بها بعد وَصِيِّهِ، ولكلِّ زَوجٍ غَسْلُ الآخَرِ، ولا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مَعرَكَةِ كُفَّارٍ، إلا أن يكونَ جُنُبَاً، وَيُنَحَّى عَنهُ الجُلودُ، والحَديدُ، ويُزَمَّلُ في ثِيابهِ نَدْبَاً، ولا يُصَلَّى عليهِ، وَيُغَسَّلُ سِقْطُ الأربعةِ أَشهُرٍ، وَتُسْتَرُ عَورَتُهُ، ثُمَّ يَعْصِرُ بَطْنَهُ بِرِفْقٍ، وَيُنَجِّيهِ بِوَضْعِ خِرْقَةٍ على يدهِ، ولا يُسَرِّحُهُ، وَيَأخُذُ من شَارِبهِ وَظُفْرِهِ إنْ طَالَ، وَيُظْفَرُ شَعْرُهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ وَيُسدَلُ مِن ورائِهَا.
وَيُسَنُّ إِيتَارُ الغُسْلِ، بِسِدرٍ في الأُولَى، وكَافورٍ في الآخِرَةِ، وَمَنْ تَعذَّرَ غُسْلُهُ يُمِّمْ، وَتُجَمَّرُ أَكفَانُهُ، وَيُذَرُّ الحَنُوطُ فيها، وَفِي مَغَابِنِهِ وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ، وإنْ خَرَجَ منه شَيءٌ غَسَلهُ وسَدَّهُ بِقُطْنٍ، ثُمَّ بِطِيْنٍ حُرٍّ، وإن لم يُنْقِ زادَ إلى سَبْعٍ، وَيُطَيَّبُ، إلا المُحْرِمَ فعَلَى حَالَتِهِ، وَيُكَفَّنُ الذَّكَرُ فِي ثَلاثِ لفائفَ بيضٍ، والأنثى بإزارٍ وخِمَارٍ وَقَمِيصٍ ولِفَافتينِ، والواجبُ سَتْرُهُ .
فَصْلٌ
__________
(1) تكررت في الأصل.(1/26)
في الصلاة يَقِفُ الإِمَامُ عِنْدَ صَدْرِ الذَّكَرِ، ووسَْطَ الأُنثَى، وَفَرْضُهَا: أن يُكَبِّرَ نَاوِيَاً، ثُمَّ يَقْرَأَ الحَمْدَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيُصَليَ على مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - كالتَّشَهُّد، ثُمَّ يُكبِّرَ فَيَدعُوَ لِلمَيِّتِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيُسَلِّمَ واحدةً عن يَمينِهِ، ويُصَلَّى علَى القَبرِ، وعَلَى الغَائِبِ بِالنيَّةِ إلى شَهْرٍ، ويَقْضِي ما فَاتَهُ، ولا يُصَلِّي الإمامُ عَلى غَالٍّ، وَلا قَاتِلٍ نَفْسَهُ.
فَصْلٌ
يُسَنُّ الإِسْرَاعُ بها، وَالتَّرْبِيعُ بِوَضعِ المُقَدَّمَةِ اليُسرَى عَلى كَتِفِهِ اليُمنَى إلى الرِّجْلِ، ثُمَّ اليُمنَى عَلى كَتِفِهِ اليُسرَى إلى الرِّجْلِ، وَالمُشَاةُ أَمَامَهَا، ولا يَجلِسُ حَتَّى تُوضَعَ، ولا يُقامُ لَهَا، ويُسَجَّى قَبْرُ الأُنثَى، وَيَجِبُ دَفْنُهُ مُسْتَقْبِلاً، وسُنَّ في لَحْدٍ، وَيُرفَعُ قِيدَ شِبْرٍ، مُسَنَّماً، ويُكرَهُ تَجْصِيصُهُ، والبِنَاءُ والوَطءُ عَلَيهِ، والاتِّكاءُ عَلَيهِ، وَلا يُدْخِلُهُ خَشَبَاً، ولا مَا مَسَّتهُ نارٌ، وَيُنْصَبُ عَلَيهِ اللَّبِنُ، وَيَحثُو عَلَيهِ التُّرَابَ ثَلاثاً، ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ.
وسُنَّ تَعزِيَةُ أَهلِهِ، وَجَعْلُ عَلامةٍ عَلى المُصَابِ(1)، وإِصْلاحُ طَعَامٍ لَهُم، لا هُمْ للناسِ، وللرجالِ زيارةُ القبورِ، فيسَلِّمُ وَيدعُو لَهُم، ويجوزُ بُكَاءٌ بِلا نَدْبٍ وَنَوْحٍ وَشَقٍّ، وأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلهَا وَجَعَلَ ثَوَابَهَا للمَيِّتِ المُسلِمِ نَفَعَتْهُ بِكَرَمِ اللهِ ورَحْمَتِهِ.
كِتَابُ الزَّكَاةِ
إنَّمَا تَجِبُ علَى حُرٍّ، مُسْلِمٍ، تَامِّ المُلكِ، في النَّعَمِ بشرطِ: الحَولِ، والنِّصَابِ، وَالسَّوْمِ أَكْثَرَ السَّنَةِ.
__________
(1) هذا قول بعض المتأخرين -رحمهم الله- وهو منكر عند السلف، ولا أصل له، بل هو من الاستحسانات التي لا دليل عليها.(1/27)
وَفِي عَرْضِ(1) التجَارَةِ، والنَّقدينِ، لا حُليٍّ مُباحٍ مُعَدٍّ للاستعمالِ أو العَارِيَةِ، بِشَرطِ النِّصَابِ والحَولِ، ولِربحِ تِجارَةٍ ونِتَاجٍ حَولُ الأَصلِ.
وفي الحُبُوبِ كُلِّهَا، وكُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ ويُدَّخَرُ، بِشَرطِ النِّصَاب، فلو نَقَصَ أو أبْدَلَهُ بغير جِنْسِهِ انقطعَ الحَولُ، لا إن فَرَّ مِنَ الزَّكَاةِ.
ويُزَكَّى الدَّينُ على مَليءٍ وَقتَ قَبْضِهِ، ويَمنَعُهَا الدَّينُ بِقَدْرِهِ، وَمَحَلُّهَا العَينُ، وعنه: الذِّمَّةُ، وَلَو مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَتَجِبُ عَلى الفَورِ، إن أَمكَنَ الأداءُ، ولا تَسْقُطُ بِتَلَفِهِ .
بابُ زكاةِ الإبلِ
نِصَابُهَا خَمْسٌ، فَفِي كُلِّ خَمْسٍ إلى أربعٍ وعشرينَ: شاةٌ، (جَذَعَةُ ضَأنٍ لها)(2) سِتَّةُ أشهر، أو ثَنِيَّةُ مَعْزٍ لها سَنَةٌ، ولا يُجزئُ بَعِيرٌ، ثُمَّ فِي كلِّ خَمسٍ وعشرِينَ بِنتُ مَخَاضٍ لها سَنَةٌ، فَإن عُدِمَتْ فابْنُ لَبونٍ، ثُمَّ فِي سِتٍّ وثلاثينَ بِنْتُ لَبونٍ، ولها سَنَتَانِ، ثُمَّ فِي سِتٍّ وَأربعينَ حِقَّةٌ، ولها ثَلاثُ سِنينَ، ثُمَّ في إحدَى وَسِتينَ جَذَعَةٌ ولها أربعُ سِنينَ، ثُمَّ في سِتٍّ وسبعينَ بنتا لبونٍ، ثُمَّ في إحدى وتسعينَ حِقَّتَانِ إلى مائةٍ وعشرينَ، فَإذَا زَادَتْ واحِدَةً فَفِيهَا ثَلاثُ بَناتِ لبونٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ أربعينَ بِنْتُ لبونٍ، وفِي كُلِّ خَمسينَ حِقَّةٌ، فَلو فَقَدَ واجبَ إبلٍ، رَقَى سِناً وَأَخَذَ جُبراناً، أو نَزَلَ وأَعْطَى هو شاتَينِ أو عشرينَ دِرهَماً .
بابُ زكاةِ البقرِ
يَجِبُ في كُلِّ ثلاثينَ تَبيعٌ أو تَبيعةٌ ولَهُ سَنَةٌ، وَفي كُلِّ أربعينَ مُسِنَّةٌ لها سنتانِ، ثُمَّ يتغيرُ الفرضُ من ستينَ بكلِّ عَشْرٍ، والجواميسُ نوعٌ مِنهُ .
بابُ زكاةِ الغنمِ
__________
(1) هكذا في الأصل بالإفراد، وغيره يعبر بالجمع، كما عبر به هو فيما سيأتي.
(2) من حاشية الأصل.(1/28)
وَنِصَابُهَا أربعونَ، وفِيهَا شَاةٌ، ثُمَّ في مائةٍ وإحدى وعشرينَ شاتانِ، ثُمَّ في مائتينِ وواحدةٍ ثَلاثُ شِيَاهٍ، ثُمَّ في كلِّ مائةٍ شاةٌ، وَلا تُؤْخَذُ كَرِيمَةٌ وَلا لَئِيمَةٌ، وَإِن كَانَ النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورَاً أجزَأ ذَكَرٌ ، أو صِغاراً فَصَغِيرةٌ ، وَلا يُجزِئُ إلا جَذَعُ ضَأنٍ ، له سِتَّةُ أشهرٍ، أو ثَنِيَّةُ مَعْزٍ.
والخُلْطَةُ تَجعلُ المالَينِ واحداً، إن اتَّحَدَ المُراحُ، والمَشْرَبُ، والمَحْلَبُ، والمَسْرَحُ، والرَّاعِي، والفَحْلُ، ولم يَنفَرِدَا في بعض الحَولِ، وَيَرجِعُ مَنْ أُخِذَ منه على خَليطِهِ بِقيمةِ حِصَّتِهِ، بقولِ المرْجُوعِ عليهِ، ولا يَرْجِعُ بِظُلْمٍ بلا تأويلٍ .
بابُ زَكَاةِ النَّقدَينِ
نِصَابُ الذهبِ عِشْرُونَ مِثْقَالاً، وَالفِضَّةِ مائتا دِرْهَمٍ، وفيهما رُبْعُ العُشُرِ، وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ، وَلَو شَكَّ فِي مَغْشُوشٍ سَبَكَهُ، أو اسْتَظْهَرَ بِزيادَةٍ.
وفي الرِّكَازِ الخُمُسُ عِندَ حُصُولِهِ، وهو دِفْنُ الجاهليةِ، وفي المَعْدِنِ رُبْعُ عُشْرِ قِيْمَتِهِ، إن بَلَغَتْ نِصَابَاً في الحالِ، سَواءٌ كان بِدَفْعَةٍ أو دَفَعَاتٍ، بِلا إِهْمَالٍ، واللَّهُ سُبحَانَهُ أَعلَمُ .
بابُ زَكاةِ الحُبُوبِ والثَّمَرِ
نِصَابُهُ: ألفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ عِرَاقِياً، جَافَّاً مُصَفَّى، وفيهِ العُشُرُ إن سُقِيَ بلا مُؤْنَةٍ وإلا نِصْفُهُ، وما سُقِيَ بهما بِحِسَابِهِ، بِشَرطِ مُلكِهِ وقتَ الوجوبِ، وهو حِينَ اشتدادِ الحَبِّ وبُدُوِّ صَلاحِ الثَّمَرِ، وَيُقْبَلُ قَولُهُ فِي جَائِحَةٍ، وَيَسْتَقِرُّ بِجَعْلِهِ فِي البَيْدَرِ.
وسُنَّ الخَرْصُ، وَتَرْكُ الثُّلُثِ أو الرُّبُعِ لهُ، فإن أَبَى أَكَلَ بِقَدْرِهِ، وفي العَسَلِ العُشُرُ، وَنِصَابُهُ سِتُّمِائَةِ رِطْلٍ .
بابُ زكاةِ العُرُوضِ(1/29)
تُقَوَّمُ آخِرَ الحَولِ بِالأَحَظِّ لِلمَسَاكِينِ، مِنْ عَينٍ أو وَرِقٍ، فإن بَلَغَتْ نِصَابَاً أُخِذَ رُبْعُ عُشْرِهَا، بشَرطِ مُلكِهَا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ، ثُمَّ إن نَوَى القُنْيَة فلا، ثُمَّ لَو نَوَى التِّجَارَةَ استَأنفَ، وَيُضَمُّ أحَدُ النَّقدَينِ إلى الآخَرِ، كَقِيمَةِ العُرُوضِ، وَثَمَرةِ العَامِ، ولا يُضَمُّ جِنْسٌ إلى غَيرِهِ .
بابُ زكاةِ الفطرِ
إنَّمَا تَجِبُ علَى مُسلِمٍ، تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَفْسِهِ، فَضَلَ عندهُ عن قُوْتِهِ وَقُوْتِ عِيَالِهِ يَومَ العِيدِ وَلَيلَتَهُ صَاعٌ، وتَلزَمُهُ فِطرَةُ مَنْ يَمُونُهُ بِقَدْرِهَا كَالمُبَعَّضِ، وَيُقَدِّمُ نَفْسَهُ، ثُمَّ امرَأتَهُ، ثُمَّ رَقِيقَهُ، ثُمَّ وَلَدَهُ، ثُمَّ أُمَّهُ، ثُمَّ أَبَاهُ، ثُمَّ الأَقرَبَ، وَتُسَنُّ عَنِ الجَنِينِ.
وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمسِ لَيلَةَ الفِطرِ، وَإخرَاجُها يومَ العيدِ جَائِزٌ، ومِنْ يَومينِ قَبْلَهُ، وَمِنْ قَبلِ صَلاتِهِ أَفضَلُ.
وَقَدرُهَا: صَاعٌ، خَمسَةُ أرطَالٍ وثُلثٌ بِالعِرَاقِيِّ، مِنْ بُرٍّ، وشَعيرٍ وَدَقِيقِهِمَا، وَتَمرٍ، وَزَبِيبٍ، فَإن عَدِمَهُ فَمِمَّا يُقتَاتُ، وَأَفْضَلُهَا التَّمْرُ، ثُمَّ الأَنْفَعُ .
بابُ إخرَاجِ الزَّكَاةِ
لا تَجُوزُ إلا بِنِيَّةٍ، لا إن قَهرَهُ الإمامُ، ولا تُنْقَلُ مَسَافَةَ القَصْرِ، إلا أن يُعْدَمَ مَنْ يَأخُذُهَا، وَيُعَجِّلُ إن كَمَلَ النِّصابُ عَن سَنَةٍ، وسُنَّ تَعْمِيمُ الأصنافِ الثَّمَانِيَةِ بِهَا، ويُجزئُ واحدٌ مِنهُم، وَهُم الفقراءُ، والمَسَاكِينُ، وَالعَامِلُونَ، والمُؤَلَّفَةُ قُلوبُهُمْ، وَالمُكَاتَبُونَ، وَالغَارِمُونَ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وابنُ السَّبِيلِ.(1/30)
ولا يُجزئُ، وَلا يَحِلُّ لأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَزَوجِهِ، وَبَنِي هَاشِمٍ، والمُطَّلِبِ، وغَنِيٍّ بِمالٍ أو كَسْبٍ، أو زَوْجٍ، أو سَيِّدٍ، ولا مَن تَلزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِخِلافِ التَّطَوُّعِ، وَالفَقيرُ مَنْ لا يَجِدُ بَعضَ كِفَايَتِهِ، والمِسكِينُ مَنْ يَجِدُ مُعْظَمَهَا، وَيُعْطَى العَامِلُ أُجرَتَهُ، وغَيرُه حَاجَتَهُ .
كِتَابُ الصِّيامِ
يَجِبُ برؤيةِ الهلالِ، أو كَمَالِ شَعبَانَ، أو إِحَالَةِ غَيْمٍ أو قَتَرٍ دُونَهُ لَيلَةَ الثَّلاثِينَ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ عَدْلٌ في رَمَضَانَ، وَرُؤْيَتُهُ نَهَاراً للمُقْبِلَةِ، وَرُؤيَةُ بَلَدٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَمَنْ رَآهُ وَحْدَهُ صَامَ، عَكْسُ الفِطْرِ، وَيُؤْمَرُ بهِ الصَّبِيُّ إنْ أَطَاقَهُ، وَلَو صَامُوا بِشَهَادَةِ اثنَينِ ثَلاثِينَ فَلَمْ يَرَوهُ أَفْطَرُوا.
فَصْلٌ
إنَّمَا يَجِبُ على مُسْلِمٍ، مُكَلَّفٍ، قَادِرٍ، وإنَّمَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ، لِكُلِّ يَومٍ، وَانْتِفَاءِ مُفَطِّرٍ، وهو: حَيضٌ ونِفَاسٌ، وَرِدَّةٌ، وتَعَمُّدُ ذَاكِرٍ قَيئَاً، أو جِمَاعَاً، أو اسْتِمْنَاءً، أو إنزَالاً بِتِكْرَارِ نَظَرٍ، أو وُصُولَ شَيءٍ مِنْ مَنْفَذِ جَوفِهِ، لا غُبَارٌ وَنَحْوُهُ، وريقٌ مُعْتَادٌ، وحَجْمَاً واحْتِجَامَاً.
وَلَو أَكَلَ شَاكَّاً فِي الغُرُوبِ، لا الفَجْرِ، أو اعْتَقَدَهُ ليلاً فَخَالَفَ قَضَى، ويَتَحَرَّى الأسِيرُ، ويُجْزِئُه إن وافَقَهُ أو بَعْدَهُ.
فَصْلٌ(1/31)
يُسَنُّ تَأخِيرُ سَحُورٍ، وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ، عَلَى رُطَبٍ، ثُمَّ تَمرٍ، ثُمَّ ماءٍ، وَالذِّكْرُ عِنْدَهُ، وَعَلى مُفْطِرٍ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ ولو مِرَارَاً قَبلَ التَّكْفِيرِ القَضَاءُ، وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَغَيرُهُ يَقضِي فَقَطْ، وَعَلى مَنْ مَاتَ وَلم يَصُمْ مُدُّ طَعَامٍ لِكُلِّ يَومٍ إنْ فَرَّطَ، وَلَوْ عَبَرَ رَمَضَانٌ آخَرُ قَبْلَ صَوْمِهِ لِغَيْرِ عُذرٍ قَضَى وَأَطْعَمَ، وَمَنْ مَاتَ وقَد نَذَرَ صَومَاً، أو حَجَّاً، أو اعْتِكَافَاً فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ .
بابُ صومِ التطوعِ
أَفْضَلُهُ صِيَامُ دَاوُدَ ×، صَومُ يَومٍٍ وَفِطْرُ يَومٍ ، وَأَفْضَلُ (شَهْرٍ)(1) بَعدَ رَمَضَانَ المُحَرَّمُ، وسُنَّ صَومُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، والبِيضِ، وَعَرَفَةَ لِغَيرِ مَنْ بهَا، وَعَاشُورَاءَ، والاثنَينِ والخَمِيسِ، وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَلَيلَةُ القَدْرِ فِي العَشرِ الأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، والوِتْرُ آكَدُ، وَأرْجَاهُ لَيلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَيَدعُو بِالعَفوِ.
فَصْلٌ
كَُرِهَ إفْرَادُ رَجَبٍ، والجُمُعَةِ، والسَّبْتِ، والشَّكِّ، وَالدَّهْرِ، وَكُلِّ يَومٍ يُعَظِّمُهُ الكُفَّارُ مَا لم يُوافِقْ عَادَةً، وَيَحْرُمُ صَومُ العِيدَينِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لا لِمَنْ تَمَتَّعَ وَلم يَجِدْ هَدْيَاً.
وسُنَّ لِمَن تَطَوَّعَ بِعِبَادَةٍ إتْمَامُهَا، إلا الحَجَّ والعُمْرَةَ، فَيَجِبُ إتْمَامُهُمَا، وَقَضَاءُ فَاسِدِهِمَا، والفِطْرُ فِي الفَرْضِ لمَرَضٍ يَشُقُّ، وَسَفَرِ قَصْرٍ، وَخَوفِ حَامِلٍ أو مُرْضِعٍ على نَفْسِهِمَا فَتَقْضِي، وَعَلى وَلَدِهِمَا فَتَقْضِي وَتُطْعِمُ مِسْكِينَاً لِكُلِّ يَومٍ، والهَرِمُ، وَمَنْ لا يُرْجَى بُرْؤُهُ يُطْعِمُ فَقَطْ، وَيَقضِي المُغْمَى عَليهِ، إلا المجنُونُ .
كِتَابُ الاعتِكَافِ
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/32)
هوَ سُنَّةٌ، ولُزومُ المَسجِدِ للطاعةِ، وَيَجِبُ بِالنَّذرِ، وإنَّمَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ، وَمَسْجِدِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ تَلزَمُهُ في مُدَّةِ اعتِكَافِهِ، وَمِنَ المَرأةِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، سِوَى مَسْجِدِ بَيتِهَا، وَلَو نَذَرَ شَهْرَاً مُطْلقَاً لَزِمَه مُتَتَابِعَاً، وَالشُّرُوعُ قَبْلَ ليْلَتِهِ.
وَيَبْطُل: بِرِدَّةٍ، وَسُكْرٍ، وَجِمَاعٍ، وإنْزَالٍ بِمُبَاشَرَةٍ، لا بِخُرُوجٍ لا بُدَّ مِنْهُ كَحَاجَتِهِ، وَوَاجِبٍ وَمَسنونٍ شَرَطَهُ، وَلَهُ السُّؤالُ عَنِ المَرِيضِ مَا لَمْ يَخْرُجْ ، وَيَشْتَغِلُ بِالقُرَبِ ، وَيَجْتَنِبُ مَا لا يَعْنِيَهُ ، وَلَو نَذَرَهُ أو الصَّلاةَ في مَسْجِدٍ فَلَهُ فِعلُهُ في أَفْضَلَ مِنهُ، وأَفْضَلُهَا: الحَرَامُ، ثُمَّ المَديِنةُ، ثُمَّ الأَقْصَى .
كِتَابُ الحجِّ والعمرةِ
يَجِبَانِ على الفَورِ، مَرَّةً فِي العُمْرِ، على مُسْلمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ، مَلكَ زَادَاً وَرَاحِلةً، تَصلُحُ لمِثْلِهِ، فَاضِلَةً عَنْ حَاجَتِهِ مِنْ مَسْكَنٍ وخَادِمٍ، ووَفَاءِ دَينٍ وكَفَّارَةٍ، دَائِمَةٍ لَهُ ولأَهلِهِ، فَلو عَجَزَ لكِبَرٍ، أو مَرَضٍ مَأيُوسٍ أقَامَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ، مِن مَكَانِهِ، وَإنْ مَاتَ قَبلهُ أُخْرِجَا عَنْهُ مِنْ رَأسِ مَالهِ، فَإنْ لم يَفِ، أو زَاحَمَهُ دَينٌ فَبِحِصَّتِهِ مِنْ حَيثُ يَبْلُغُ.
وَيَصِحُّ مِنَ العَبْدِ وَلا يُجْزِئُ، إلاَّ أنْ يُعْتَقَ بِعَرَفَةَ، وَفِي العُمْرَةِ قَبْل طَوَافِهَا، وَكَذَا الصَّبِيُّ، وَيُفْعَلُ عَنْهُ ما يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ إحرامٍ ونحوِهِ، أو لا يُنَافِيهِ مِنْ مُبَاحٍ، وَنَفَقَةُ حَجِّهِ وَكَفَّارَاتُهُ في مَالهِ، لا في مَال وَلِيِّهِ عَلى الأصَحِّ.(1/33)
وَتَزِيدُ المَرأةُ بِمَحْرَمٍ، وَهُو: زَوجُهَا، أو مَنْ تَحْرُمُ عَليهِ عَلى الأبَدِ بِنَسَبٍ، أو سَبَبٍ مُبَاحٍ، ويُجْزِئُ بِدُونِهِ، وَمِنْ غَيرِ مُسْتَطِيعٍ.
وَمَنْ لم يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ لا يَحُجُّ عن غَيرِه، فَلو فَعَلَ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الأصَحِّ.
بابٌ
المواقيتُ، لأَهَلِ المَدِينةِ: ذو الحُلَيفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ، ومِصْرَ، والمغرِبِ : الجُحْفَةُ، ولليمنِ : يَلَمْلَمُ، وَلِنَجْدٍ : قَرْنٌ، وللمَشْرِقِ : ذَاتُ عِرْقِ، وَهَذِهِ المواقِيتُ لِمَنْ مَرَّ بهَا، أو حَاذَاهَا مِنْ غَيرِهِم، مُرِيدَاً للنُّسِكِ، أو مَكَّةَ لحَاجَةٍ لا تَتَكَرَّرُ، غَيْرَ قتالٍ مُبَاحٍ، وَمَنْ كَانَ دُونَ الميِقَاتِ فَمِنْ مَوضِعِهِ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنهَا لِلحَجِّ، وَمِنَ الحِلِّ للعُمرةِ، فَإن تَجَاوَزَهُ رَجَعَ إليهِ، فَإن أَحْرَمَ مِنْ مَوضعِه فَعَليهِ دَمٌ، وَلَو رَجَعَ مُحْرِماً إلَيهِ، والاخْتِيَارُ ألاَّ يُحْرِمَ قَبَلَ مِيقَاتِهِ، ولا قَبْلَ أَشْهُرِه، وَأَشْهُرُ الحجِّ: شَوَّالٌ، وذو القَعْدةِ، وعشرُ ذي الحِجَّةِ، فَإن فَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ .
بابُ الإِحرامِ(1/34)
مَنْ أرادَهُ اغتَسَل ، وتَنَظَّفَ ، وَتَطَيَّبَ ، وتَجَرَّدَ عَنِ المَخِيطِ ، وَلَبِسَ إِزاراً وَرِدَاءً، وأَحْرَمَ عَقِيبَ مَكتُوبَةٍ أَو نَفْلٍ، وهُو أنْ يَنْوِيَهُ بِقَلبهِ، قَائلاً بِلسَانِهِ: اللهُمَّ إنّي أُريدُ النّسُكَ الفُلانِيَّ، فَيَسِّرْهُ لِي، وتَقَبَّلهُ منّي، فَإن حَبَسَني حَابسٌ فَمَحِلِّي حَيثُ حَبَستَنِي، ويَنْوي نُسُكاً بعَيِنهِ، وأفضَلُهَا التَمتُّعُ، وهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بالعُمرةِ في أشهرِ الحَجِّ، ثُمَّ يَحِلُّ، ثُمَّ يُحرمُ بالحَجِّ في عَامِهِ، ثُمَّ الإِفْرادُ، وهُو أنْ يُحْرِمَ بالحجِّ مفرِداً، ثُمَّ القِرَانُ، وهُو أنْ يُحْرِمَ بهِمَا، (أَو يُحْرِمَ بِالعُمرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيهَا الحَجَّ)(1)، وسُنَّ لهُمَا جَعْلُهُ عُمْرَةً إنْ لم يَكُنْ مَعَهُمَا هَدْيٌ، والمُتَمتِّعَةُ إذا حَاضَتْ فَخَافتْ فَوْتَ الحَجِّ قَرَنَتْ.
فَإذَا استَوى على راحِلتهِ لبَّى، لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيكَ، لبيكَ لا شَريكَ لكَ لبيكَ، ويُسنُّ رَفْعُ صَوتِه بهَا، والمَرأةُ بِقدرِ ما تُسمِعُ رَفِيقتَهَا، يُلبّي إذا عَلا نَشَزاً، أو هَبَطَ وادياً، أو لَقِيَ رِفقَةً، وَدُبُرَ الصَّلاةِ، وإِقبَالَ الليلِ والنَّهارِ، أو تَغَيَّرَ حالٌ إلى حالٍ .
بابُ محظوراتِ الإِحرامِ
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/35)
يَحْرُمُ بالإِحرامِ، لبسُ المَخِيطِ، والخُفّينِ، وَسَتْرُ الرَّأسِ، وَحَلْقُ الشَّعْرِ، ودَهْنُهُ، وقَلْمُ الظُّفْرِ، والطِّيبُ، لا اسْتدَامَتُهُ في بَدَنِهِ، وَقَتْلُ صَيدِ بَرٍّ مَأكُولٍ ، أو مُتَوَلِّدٍ مِنهُ ، واصْطِيَادُهُ ، أو مُعَاوَنَةٌ عَليهِ بِإشَارةٍ أو غَيرِهَا، والجِمَاعُ، ومُبَاشَرَةٌ بِشَهوةٍ، وَعَقْدُ النِّكاحِ، ولا فِديةَ فيهِ، وكَالرَّجُلِ المَرأَةُ، إلاَّ فِي اللِّبَاسِ، وإحْرَامُهَا في وجْهِهَا، فإنْ احْتَاجَتْ سَدَلَتْ، وتَجْتَنِبُ القُفَّازَينِ، وَالخَلخَالَ، ونَحْوَهُ، والإِثْمِدَ ، ومَنِ اضْطُرَّ إلى مَحْظُورٍ فَعَلهُ وفَدَى ، إلاَّ السَّراوِيلَ والخُفّينِ، ولا فِدْيةَ فيهِ، كالصَّائِلِ ونَحوِهِ، والنِّكاحُ لا خُلْعَاً(1) .
بابُ الفديةِ
مَنْ حَلقَ رأسَهُ خُيِّرَ بَيْنَ صِيَامِ ثلاثَةِ أيَّامٍ، أو إطعامِ سِتَّةِ مَسَاكينَ، كُلُّ مِسكينٍ مُدٌّ بُرَّاً أو نصفُ صاعٍ تَمرَاً، أو شَعِيرَاً، أَو ذَبْحُ شاةٍ، وَكَذا تَغْطِيتُهُ، وتقليمُ أظفارِهِ، واللُّبْسُ، والطّيبُ، وَفِي كُلِّ شَعْرةٍ أو ظُفْرٍ مُدٌّ، والثَّلاثُ كَالكُلِّ.
وإِنْ قَتَلَ صَيداً فَدَاهُ بِمِثْلِه نَعَمَاً، بِقَولِ الصَّحَابةِ، وإلاَّ عَدْلينِ، أو قَوَّمَهُ بِنَقدٍ واشترى به طَعَاماً، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ، أو يَصومُ عَنْ كلِّ مُدٍّ يَومَاً.
فَصْلٌ
__________
(1) قوله: (والنِّكاحُ لا خُلْعَاً) هذه الجملة لم يتضحَّ لي معناها، ولا أدري ما وجه ذكرها هنا؟ لأنها - على ظاهرها- مشكلة، فقد تقدم ذكر النكاح، وأنه لا فدية فيه، ولا معنى لذكر الخلع - على ظاهر العبارة - في محظورات الإحرام، فقد يكون في العبارة سقط أو تحريف، وعسى الله أن يفتح في معناها، وهو خير الفاتحين.(1/36)
وَيَجبُ على المُتمتّعِ والقَارنِ دمٌ، إنْ لم يَكُونَا من حَاضِرِي مَكَّةَ، فَمن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثةِ أيامٍ فِي الحَجِّ، وسَبعةٍ إذَا رَجَعَ، وكَذا مَنْ وَطِئَ فَتَجِبُ بهِ بَدَنَةٌ فِي الحَجِّ، وَشَاةٌ فِي العُمْرَةِ، وفِعْلُهُ قَبْلَ التّحَلُّلِ الأولِ مُفْسِدٌ، ويَمضِي فيهِ ويَقْضِي مِنْ قَابلٍ، وبَعْدَ التَحلُّلِ الأَولِ يُحْرِمُ مِنَ الحِلِّ، وعَليهِ شَاةٌ، ومَنْ بَاشَرَ فَأنَزَلَ فَعَلَيهِ بَدَنةٌ، وإلاَّ شَاةٌ، كَمَنْ كرَّرَ نَظَراً فأنزَل، أو اسْتَمْنَى.
وَمَنْ كَرَّرَ مَحظُوراً مِنْ جِنسٍ غَيرِ قَتْلِ الصَّيدِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَكَفَّارُةٌ، وإلاَّ كَفَّارَتَينِ كالجِنْسَينِ.
وكُلُّ هَدْيٍ أو إطعامٍ لمسَاكينِ الحَرَمِ، إلاَّ فِدْيَةُ الأََذى والإِحْصَارِ فَحيثُ وُجِدَا .
بابُ جَزَاءِ الصَّيدِ
يَجِبُ المِثْلُ فِي المِثْلِيِّ، فَقَضَتِ الصَّحابَةُ فِي النَّعامَة بِبَدَنَةٍ، وحِمارِ الوَحْشِ، وبَقَرِهِ، والإيَّلِ، والثَّيْتَلِ، والوَعِلِ بِبَقَرَةٍ، والضَّبُعِ بِكَبْشٍ ، والغَزَالِ ، والثَّعْلبِ بِعَنْزٍ ، وَالوَبْرِ ، والضَّبِّ بِجَدْيٍ ، والأرْنَبِ بِعَنَاقٍ، والحَمَامِ بِشَاةٍ، وَفِيمَا لا مِثْلَ لهُ قيمَتُهُ، وَفِي الجُزْءِ بقِسْطِهِ، والإعَانَةُ شَرِكَةٌ، وعَلى الشُّرَكَاءِ جَزَاءٌ، وصَيدُ الحرمِ كالإحْرامِ.
ويَحْرُمُ قَلْعُ شَجَرَةٍ، لا يَابِسٍ، وإِذْخِرٍ، ومَا زَرَعَهُ آدميٌّ، وتُضْمَنُ الكَبِيرةُ بِبَقَرةٍ، والصَّغِيرةُ بِشَاةٍ، والغُصْنُ بِما نَقَصَ، والحَشِيشُ الرَّطبُ بِقِيمتِه.
ويَحْرُمُ صَيدُ المَدينةِ، بِلا فِدْيةٍ، وَحَشِيشُهَا وشَجَرُهَا بِلا حَاجةٍ .
بابُ دُخُولِ مَكَّة(1/37)
سُنَّ مِنْ أَعَلاهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَا، ثُمَّ يَدخُلُ المَسجدَ مِنْ بابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَإذَا رَأى البَيتَ رَفَعَ يَدَيهِ وكَبَّرَ ودَعَا، ثُمَّ يَبْتَدِئُ مِنَ الحَجرِ الأسودِ بِطَوافِ العُمْرةِ المُعْتَمِرُ، وبالقُدُومِ غَيرُهُ، مُضْطَبِعاً بِرِدَائِهِ، وَسَطَهُ تَحْتَ عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى الأَيسَرِ، فَيُحَاذِي الحَجَرَ بِبَدنِهِ، وَيَسْتَلِمُهُ، ويُقَبِّلُهُ، فَإن شَقَّ قبَّلَ يَدَهُ، أَو أَشَارَ إليهِ، ثُمَّ يأخذُ عَلَى يَمِينِهِ، ويَجْعَلُ البيتَ عَلَى يَسارِهِ، فَإذَا أَتَى اليَمَانِيَّ استَلَمَهُ، وقبَّلَ يَدَهُ، فَيَطوفُ سَبْعَاً، يَرْمُلُ في الثَّلاثةِ الأُوَلِ، وهو إسراعُ المَشْي، ويَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الأسودَ والرُّكْنَ: اللَّهُ أكبرُ، لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، وبينَ الركنَينِ: ربنَا آتنا في الدُّنيَا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النارِ، ويَدعُو بِمَا أحَبَّ، وَلاَ رَمَلَ عَلى امرأةٍ، وأَهلِ مَكَّةَ، ولا اضطِبَاعَ، ولاَ عَلَى الرَّجُلِ فِي غَيرِ هذَا، ويَكُونُ طَاهِراً مُستَتِراً .
فَصْلٌ
ثُمَّ يُصَلّي رَكْعَتَينِ، خَلْفَ المَقَامِ، ثُمَّ يَعُودُ إلى الحَجَرِ فَيَستَلِمُهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلى الصَّفَا مِنْ بابهِ، فَيَرْقَى عَليهِ، ويُكَبِّرُ ويَحْمَدُ، ثُمَّ يَنْزِلُ ويَمشِي حَتَى يَأتِيَ العَلَمَ، فَيَسْعى إلى العَلَمِ الآخَرِ، ثُمَّ يَمشِي إلى المَرْوَةِ، فَيَفْعَلُ عَليهَا كالصَّفا، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الصَّفا، يَفعلُ ذلك سَبعاً، يَفْتتحُ بالصّفا ويَختِمُ بالمروةِ، ذَهَابُهُ سَعيَةٌ، وَرُجُوعُهُ سَعيَةٌ، ثُمَّ إِنْ كَان في الحجِّ بَقِيَ على إحِرامِهِ، وإنْ كَانَ مُعتَمراً قَصَّرَ وحَلَّ، إلاَّ مُتَمَتِّعَاً مَعَهُ هَدْيٌ فَلا يَحِلُّ حَتَى يَحُجَّ، ويَقْطعُ المُتَمَتِّعُ التلبيَةَ إذا وَصَلَ البَيتَ .(1/38)
بابُ صِفَةِ الحَجِّ
مَنْ كَانَ مُحِلاًّ بِمَكَّةَ مِنْ مُعْتَمرٍ وَغَيرِهِ، فَليُحْرِمْ بالحجِّ يَومَ التَّرْوِيَةِ ثامِنَ الحِجَّةِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلىَ مِنَىً، فَيُصلّي بها الظّهرَ والعَصْرَ ويَبِيتُ بهَا، فَإذا طَلعَتِ الشَّمْسُ سَارَ إلى عَرَفَةَ، فَأَقَامَ بِنَمِرةَ، فَإذا زَالتِ الشَّمْسُ خَطَبَ الإِمَامُ، وصَلَّى بهم الظُّهرَ والعَصرَ جَمْعَاً، ثُمَّ رَاحَ إلَى المَوقِفِ، وهُوَ عَرَفَةُ كلُّهَا إلاَّ بَطْنَ عُرَنَةَ، وَوَقْتُ الوقوفِ مِنْ طُلوعِ فَجْرِ عَرفةَ إلى فَجْرِ النَّحْرِ، فَمَنْ حَصَلَ بهَا وهُوَ عَاقِلٌ (تَمَّ)(1) حَجُّهُ، وعِندَ الصَّخَراتِ، وجَبَلِ الرَّحْمَةِ، ورَاكِباً أفضلُ، ويُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ، وذِكرِ اللَّهِ عزَّ وَجلَّ.
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/39)
فَإذَا غَربتِ الشَّمْسُ دَفَعَ إلى مُزْدَلِفَةَ، بِسكينةٍ، مُلبِّياً، ذَاكِراً، فَيجمَعُ بهَا العِشَاءين، قَبلَ حَطِّ الرِّحَالِ، ويَبِيتُ بهَا، فَيُصَلّي الصُبحَ، ثُمَّ يَأتِي المَشْعرَ الحَرَامَ، فَيَدعُو إلى أَنْ يُسْفِرَ، ثُمَّ يَدفَعُ، فَإذَا بَلَغَ مُحَسِّراً أَسْرعَ، رَميَةَ حَجَرٍ، وأَخَذَ حَصَى الجِمَارِ، فَوقَ الحمُّصِ ودُونَ البُنْدُقِ، سَبْعُونَ، فَإذَا وَصَلَ مِنَىً بَدَأ بِجَمرةِ العَقَبةِ، فَرَمَاهَا بِسبِعِ حَصَيَاتٍ مُكَبِّراً رَافِعاً يَدَيهِ مُسْتَقْبِلاً، ولا يُجْزِئُ غَيرُ الحَصَى، وَيَقْطَعُ التَّلبِيَةَ مَعَ ابْتِدائِهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ، وحَلَقَ الرَّجلُ أَو قَصَّر، مِنْ جَمِيعِ شَعْرهِ، كالمَرأةِ، ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيءٍ، غَيرَ النِّسَاءِ، ثُمَّ يُفِيضُ إلى مَكَّةَ، فَيَطُوفُ للزّيَارةِ، وَبهِ تمَامُ الحَجِّ، وأَوّلُ وَقتِهِ بَعْدَ نِصْفِ لَيلَةِ النّحرِ، ثُمَّ يَسْعَى المُتَمَتِّعُ مُطْلَقاً، وَغَيرُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى عِنْدَ طَوَافِ قُدُومِه، ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كلُّ شَيءٍ، ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ زَمْزَمَ، مُتَضَلِّعاً، وَيَدعُو بالمأثورِ .
فَصْلٌ(1/40)
ثُمَّ يَرْجِعُ إلى مِنَىً، فَيَبِيتُ بهَا، فَيَرْمِي الجَمَراتِ ثَلاثةَ أَيامِ التَّشريقِ بَعْدَ الزَّوالِ، كلُّ جَمرةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يَبْدَأُ بالأُولَى وَتَلِي مَسجِدَ الخَيفِ، ثُمَّ بِالوُسْطَى، ويَقفُ عِنْدَهُمَا، ويَدْعُو طَوِيلاً، لا عِنْدَ الثَّالِثَةِ، وَلَيسَ عَلَى الرُّعَاةِ وَالسُّقاةِ مَبِيتٌ، إلا مَنْ غَرَبَتِ الشَّمْس وَهُوَ بهَا، فَيَلزَمُ الرُّعَاةَ فَقَطْ، فَمَنْ أَحَبَّ تَعَجَّلَ فِي يَومَين، فَإنْ غَرَبَتْ شَمْسُ الثَّانِي وَهوَ بهَا لَزِمَهُ المَبِيتُ، والرَّميُ مِن غَدٍ، فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يُوَدِّعَ البَيتَ بِطَوَافٍ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كُلِّ أُمُورِهِ، فَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ مِنْ خَيرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ ، وَلا وَدَاعَ عَلَى حَائِضٍ ولا نُفَسَاءَ، فَإنْ خَرَجَ قَبْلَهُ رَجَعَ إنْ قَرُبَ، وَإلا بَعَثَ بِدَمٍ .
بابُ صِفَةِ العُمرَةِ
وَصِفَتُهَا: أنْ يُحْرِمَ مِنَ الحِلِّ، ثُمَّ يَطُوفَ بِالبَيْتِ وَيَسْعَى، ثُمَّ يَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ، ثُمَّ قَدْ حَلّ، وَيُسَنُّ لِمِنْ لا شَعرَ لهُ إمْرَارُ المُوسَى عَلَى رَأسِهِ.
وَأَرْكَانُ الحَجِّ: الوُقُوفُ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، والإِحْرَامُ، وَالسَّعْيُ.
وَوَاجِبُهُ: الإحْرَامُ مِنَ المِيقَاتِ، والوُقُوفُ إلَى الليلِ، وَالمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ، إلَى بَعْدِ نِصفِ الليلِ، وَالمَبِيتُ بِمِنَىً، والرَّمْيُ، والحَلقُ، وطوافُ الوداعِ، وغيرُ ذلك سُنَّةٌ.
وأركانُ العُمْرَةِ: الطّوافُ، والإِحرامُ، والسّعيُ في روايةٍ، وواجبُهَا: الحلقُ في روايةٍ.
فَمَنْ تَرَكَ رُكنَاً لم يَتِمَّ نُسُكُهُ إلاَّ بهِ ، أو واجباً جَبَرَهُ بِدَمٍ ، ولا شيءَ في السُّنةِ .
بابُ الفَوَاتِ(1/41)
مَنْ طَلَعَ عليهِ فَجْرُ النّحرِ ولم يَقِفْ بِعرَفَةَ فاتَهُ الحجُّ، وتَحلَّلَ بطوافٍ وسَعْيٍ، وإنْ أخطأَ الناسُ يومَ عرفةَ أجْزَأَ، إنْ قَرُبَ ، وإنْ أَخْطَأَ بعضُهم فَاتَهُ الحجُّ .
والمُحْصَرُ بَعَدُوٍّ أو مَرَضٍ ونحوِهِ يَنْحَرُ هدْياً ويَحِلُّ، فإنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَشرَةَ أيّامٍ ثُمَّ حَلَّ، ومَنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ فَقَطْ تَحَلَّلَ بِعُمْرةٍ، وَلا شَيءَ عَلَيهِ، وَمَنِ اشتَرطَ أن مَحِلَّهُ حيثُ أُحْصِرَ تحلَّلَ بلا شيءٍ .
كتابُ البَيعِ
وَهُوَ مُعَاوَضَةُ المَالِ بِالمَالِ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ، ويصِحُّ بإِيْجَابٍ وقبولٍ: بِعْتُكَ، واشْتَرَيْتُ، وَنَحْوِهِ، وبالمُعَاطَاةِ، نَحْو: أعْطِنِي بهَذَا، فيُعْطِيهِ مَا يُرضيهِ.
وَلَهُ شُرُوطٌ، أن يَتَرَاضَيَا بهِ، فَلَو أُكْرِهَ بِغَيرِ حَقٍّ لَمْ يَصِحَّ، وَأنْ يَكُونَ العَاقِدُ مُكَلَّفَاً رَشِيدَاً، لَكِنْ يَصِحُّ مِنَ السّفِيهِ بِإذْنِ وَليّهِ، وَبِغَيرِ إذنِهِ في اليَسِيرِ، وأَنْ يَكُونَ مَالاً مَنْفعتُهُ مُبَاحَةٌ لِغَيرِ حَاجَةٍ، مَمْلُوكَاً لِلعَاقِدِ أو مَأذُونَاً فِيهِ، مَقْدُورَاً عَلَيهِ، مَعْلُومَاً بِرُؤيَةٍ، أَو صِفَةٍ، بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ.(1/42)
وَيَصِحُّ بَيعُ الجَوزِ واللَّوزِ فِي قِشْرَيهِ، وما مَأكُولُهُ في جَوفِهِ، لا بَيعُ عَصِيرٍ لِمَنْ يُخمِّرهُ، أو سِلاحٍ فِي فتْنةٍ، أو لِحَرْبِيٍّ، أو مَنْ تَلزَمُهُ الجُمُعَةُ بَعْدَ نِدَائِهَا، ولا يَصحُّ بَيعُهُ عَلى بَيعِ أخِيهِ، وَلا شِرَاؤُهُ عَلى شِرَائِهِ، ولا الصُّبْرَةُ إلاَّ قَفِيزَاً، والحَيَوَانُ إلاَّ حَمْلَهُ أو شَحْمَهُ، وَلا بَيعُ حَصَاةٍ، وَمُنَابَذَةٍ، وَمَا فِيه غَرَرٌ(1)، وَلا عَبْدٌ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ، ولا مَكِيلٌ أو مَوزُونٌ قَبْلَ قَبْضِهِ، ولا شِرَاءُ سِلعَةٍ بَاعَهَا نَسِيئَةً وَلَم تَتَغَيَّرْ بِأقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدَاً، وَإنْ بَاعَ مَا يَجْرِي فيهِ الرِّبَا نَسِيئَةً لم يَجُزْ أنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ما لا يَجُوزُ بَيعُهُ بهِ نَسِيئَةً .
بابُ الخيارِ
يَثْبُتُ لَهُمَا فِي المجْلِسِ، وَمُدَّةً مَعْلُومَةً شَرَطَاهَا، وَخِيَارُ الغَبْنِ، والتَّدْلِيسِ، وَيُرَدُّ مَعَ المُصَرَّاةِ عِوَضَ اللبَنِ صَاعُ تَمْرٍ، ويُخَيَّرُ فِي المَعِيبِ، إنْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَقْتَ العَقْدِ، بَينَ الرَّدِّ والإمْسَاكِ مَعَ الأَرْشِ، وَلَو تَعَذَّرَ الرّدُّ فَلَهُ الأَرْشُ .
__________
(1) جاء بعدها في الأصل (ولا السلاح في الفتنة أو لأهل الحرب) وكأن الناسخ ضرب عليها، وقد تكرر معناها قبل ثلاثة أسطر.(1/43)
وَكُلُّ شَرْطٍ مِنْ مُقْتَضَى العَقْدِ أَو مِنْ مَصْلَحَتِهِ، كَصِفَةٍ فِي الثّمَنِ، أو المُثْمَنِ، صَحِيحٌ، وَيَفْسَخُ بِفواتِهِ، وَإنْ عَلَّقَ البَيعَ، أو شَرَطَ عَقْدَاً آخَرَ، أو رَهْنَاً مُحَرَّمَاً أو مَجْهُولاً أو مَا يُنَافِي العَقدَ، فَبَاطِلٌ، وفِي العَقْدِ رِوَايَةٌ، وَيَصِحُّ شَرْطُ نَفعِ البَائِع فِي المَبِيعِ، كَحَمْلِ الحَطَبِ، وجَزِّ الرَّطْبَةِ، كَشَرطِ البَائِعِ نَفْعَ المَبِيعِ مُدَّةً تُعْلَمُ، وَلا يَصِحُّ جَمْعُ شَرْطَينِ مِنْ ذَلِكَ، وَيَصِحُّ بَيعُ العَرَبُونِ.
وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا، وتَفَاسَخَا، وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ البَائِعِ، وَإنْ أَخْبَرَ بِثَمَن المبيعِ فَزَادَ رَجَعَ عَلَيهِ بالزِّيَادَةِ، وحَطِّهَا(1) مِنَ الرِّبحِ، أو النَّقْصِ فِي الموَاضَعةِ، وَإنْ غَلِطَ عَلَى نَفْسِهِ خُيِّرَ المشْتَرِي بَينَ الرّدِّ وإعْطَائِهِ مَا غَلِطَهُ، وَمَتَى اشْتَرَاهُ مُؤَجَّلاً، أو مِمَّنْ تُردُّ شَهَادَتُهُ لَهُ، أو بَاعَهُ بَعْضَ صَفْقَةٍ لا يَنْقَسِمُ ثَمَنُهَا عَلَيهَا بِالأجْزَاءِ، ولَمْ يُبَيِّنْه وَقْتَ تَخْبِيرِه بِالثَّمَنِ، فَلِلمُشتَري الخِيارُ .
بابُ الرِّبَا
__________
(1) هكذا في الأصل بالطاء المهملة المكسورة، ومثله في "الإقناع" (2/226) وغيره، وفي "مختصر الخرقي" مع "المغني" (6/226): (وحَطَّها من الربح) بالفتح، وفي بعض نسخ "الإقناع" : (وحظِّها) بالظاء المشالة.(1/44)
يُشْتَرَطُ فِي بَيعِ مَكِيلٍ بِمَكِيلٍ وَمَوزُونٍ بِمَوزُونٍ الحُلُولُ، والقَبْضُ فِي المَجْلِسِ، لا التَّمَاثُلُ إلاَّ أنْ يَتَّحِدَ جِنْسُهُمَا، وَالجِنْسُ مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أنْوَاعَاً، وَفُرُوعُ الأجْنَاسِ أجْنَاسٌ، وإنْ اتّفَقَتِ الأسْمَاءُ، وَلا تَصِحُّ مُحَاقَلَةٌ، وَمُزَابَنَةٌ، إلاَّ فِي العَرَايَا، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوسُقٍ، لِمَنْ بهِ حَاجَةٌ، وَلا ثَمَنَ مَعَهُ، وَلا لَحْمٌ بِحَيَوَانٍ، وَمَرْجِعُ الكَيلِ والوَزْنِ عُرْفُ الحِجَازِ، وإلاَّ مَوضِعُهُ .
بابُ بَيعِ الأصولِ والثمارِ
مَنْ بَاعَ أرْضَاً، دَخَلَ غِرَاسُهَا وَبِنَاؤهَا، لا زَرْعٌ لا يُحْصَدُ إلاَّ مَرّةً، وَلَهُ تَبْقِيَتُهُ إلى حَصَادِهِ، وَمَا يُحْصَدُ مَرَّةً بَعدَ أُخرَى، فَأُصُولُهُ لِلمُشتَري، وَجَزَّتُهُ الظَّاهِرَةُ لِلبَائِعِ، وَيَدْخُلُ فِي الدَّارِ الأرْضُ والبِنَاءُ، وَمَا يَتَّصِلُ بهَا لِمَصْلَحَتِهَا.
وَمَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَ فَثَمَرَتُهُ لِلبَائِعِ، مُبَقَّىً، مَا لَمْ يَشْترطْهُ المُشْتَرِي، وَكَذَا سَائِرُ الشَّجَرِ إذا بَدَا ثَمَرُهُ.
ولا تُبَاعُ ثَمَرةٌ قَبْلَ بُدُوِّ الصّلاحِ، ولا الزَّرْعُ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ، إلاًّ أَنْ يَشْتَرِطَ القَطْعَ، وَلا الرَّطْبةُ والبُقُولُ إلاَّ كُلَّ جَزَّةٍ، ولا القِثَّاءُ ونَحْوُهُ إلاَّ كُلَّ لَقْطَةٍ، إلاَّ أن يَبِيعَ أصْلَهُ، ويَرْجِعُ على البَائِعِ بالجَائحةِ.
وَبُدُوُّ الصَّلاح (فِي)(1) النّخْلِ أنْ يَحْمَرَّ أو يَصْفَرَّ، وَالعِنَبُ أنْ يَتَمَوَّهَ، وَباقِي الثَّمرِ أنْ يَبْدُوَ نُضْجُهُ .
بابٌ
__________
(1) غير واضحة في الأصل.(1/45)
السَّلَمُ نوعٌ مِنَ البَيعِ، وشَرطُهُ إمكَانُ ضَبطِ صِفَاتِهِ، كَالمَكِيلِ وَالمَوزُونِ، وأن يَصِفَهُ بِمَا يَختَلِفُ بهِ الثَّمَنُ ظَاهِرَاً، وأن يقبِضَ ثَمَنَهُ فِي المَجْلِسِ، وَكَونُهُ فِي الذِّمَّةِ، بِأَجَلٍ مَعلُومٍ، يَعُمُّ وُجُودُهُ عِندَ مَحِلِّهِ، مَعلُومُ القَدْرِ بِمِعيَارِهِ، ويُعيِّنُ مَوضِعَ الوَفاءِ إن لَم يَصْلُحْ مَوضِعُ العَقْدِ لهُ، وَلا يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبلَ قَبضِهِ، إلاَّ بالإِقَالَةِ.
ولَو أسْلَمَ ثَمَنَاً في جنْسَينِ لَم يَصِحَّ حَتَّى يُبَيِّنَ ثَمَنَ كلِّ جِنسٍ.
وَيَصِحُّ قَرضُ كُلِّ مَا يُسْلَمُ فِيهِ، وَيَمْلِكُهُ بِقَبضِهِ، ولا يُؤجَّلُ كَالحَالِّ، ويُرَدُّ المِثْلُ فِي المِثْلِيِّ، والقيمةُ في غيرِهِ، وَلا يَجُوزُ شَرطُ مَا يَنْتَفِعُ بهِ المُقرِضُ، لا وَثِيقَةً، ولا يَقْبَلُ هَدِيَّةً لَم تَجْرِ بها عَادَةٌ .
بابُ الرَّهنِ
يَصِحُّ فِي كُلِّ مَا يَجُوزُ بَيعُهُ، مَعَ الحَقِّ وَبَعدَهُ، لا قَبْلَهُ فِي وَجْهٍ، بِدَينٍ ثَابِتٍ لازمٍ، وَهُوَ أَمَانَةٌ، وإنَّمَا يَلزَمُ بِالقَبْضِ واسْتِدَامَتِهِ، فَلا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الرّاهِنِ بِغَيرِ عِتْقٍ، وَتُؤخَذُ قِيمَتُهُ فتُجْعَلَ رَهْنَاً، وَلا يَنْفَكُّ شَيءٌ مِنْهُ إلاَّ بَأَدَاءِ الكُلِّ.
وَلِلمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَحْلِبَ بِقَدَرِ عَلَفِهِ، وَلَو جَنَى(1) فَالمَجْنِيُّ عَلَيهِ أحَقُّ بِرَقَبَتِهِ، فَلَو فَدَاهُ سَيِّدُهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَإنْ جُنِيَ عَلَيهِ فَالخَصْمُ مَالِكُهُ، وَمَا قَبَضَهُ بِسَبَبهِ رَهْنٌ، كَنَمَائِهِ، وَكَسْبهِ، فَإذَا حَلَّ الدَّينُ فَامْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ الوَفَاءِ أجْبَرَهُ الحَاكِمُ، وَإلاَّ بَاعَهُ وَقَضَى دَينَهُ .
__________
(1) جاء في الأصل بعد هذا الفعل لفظة لم استطع قراءتها، أو أن الناسخ ضرب عليها، والسياق مستقيم بدونها، كبقية كتب المذهب.(1/46)
بابُ الضَّمَانِ
إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، بِرِضَاهُ، وَلا يُعْتَبَرُ كَونُ الحَقِّ مَعْلُومَاً، وَلا وَاجِبَاً إن آلَ (إلى)(1) الوُجُوبِ، وَلا يَصِحُّ ضَمَانُ أمَانَةٍ إلا أنْ يَضْمَنَ تَعَدِّيَهُ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ، وَلَو أبْرَأََ الأصِيْلَ بَرِئَا لا عَكْسُهُ، وَيَرْجِعُ بِمَا أدَّى نَاوِيَاً لِلرُّجُوعِ .
وَتَصِحُّ كَفَالَةُ بَدَنِ مَنْ عَلَيهِ دَينٌ، لا حَدٌّ، فَإنْ لَمْ يُحْضِرْهُ لَزِمَهُ مَا عَلَيهِ، لا إِنْ مَاتَ .
بابُ الحَوَالَةِ
يَبْرَأُ بهَا المُحِيلُ، وَشَرْطُهَا: اتِّفَاقُ الدَّينَينِ جِنْسَاً، وَصِفَةً، وَحُلُولاً، وَتَأجِيلاً، وَكَونُهَا عَلَى دَينٍ مُسْتَقِرٍّ، بِرِضَا المُحِيل، لا المُحْتَالِ إن أحَالَهُ عَلَى مَلِيءٍ.
بابُ الصُّلحِ
يَصِحُّ مَعَ الإقْرَارِ، بأنْ يَهَبَهُ بعضَ دَينِهِ، إنْ لَمْ يكنْ بشرطٍ، مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ، وَمِنْ غَيرهِ إنْ عَجَزَ، وَهُوَ عَلَى بَعْضِِه هِبَةٌ أو إبْرَاءٌ، وَعَلَى غَيرهِ بَيعٌ أو إجارَةٌ، وَلا يَصِحُّ عَمَّا لا يُؤخَذُ العِوضُ عَنْهُ.
وَيَصِحُّ مَعَ الإنْكَارِ، إنْ لَمْ يَعْلَمْ أحَدُهُمَا كَذِبَ نَفْسِهِ، فَمَنْ عَلِمَ بَطَلَ في حقّهِ، وَهُوَ بَيعٌ فِي حَقِّ المُدَّعِي، إبْرَاءٌ فِي حَقِّ الآخَرِ، وإنَّمَا يَضَعُ خَشَبهُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ وَشَرِيكِهِ مَعَ الحَاجَةِ إن لَمْ يَضُرَّ بهِ، وَصَاحِبُ العُلُوِّ يَسْتُرُ نَفْسَهُ عَنِ الأسْفَلِ .
باب الحَجْر
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/47)
مَنْ لَزِمَهُ دَينٌ فَلِغَريمِهِ مَنْعُهُ مِنْ سَفَرٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ، إنْ حَلَّ فِي غَيبَتِهِ، لا إنْ وثَّقَهُ، ويأمُرُهُ الحَاكِمُ بِوَفَاءِ الحَالِّ، فإِنْ أبَى حُبِسَ، فَإنْ أصَرَّ فَلَهُ عُقُوبتُهُ، أو يَبِيعَ مَالَهُ ويقْضِيَ دَيْنَهُ، فَلَو ادَّعى العُسْرَةَ ولَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ، ولا عُرِفَ لَهُ مَالٌ، أو صَدَّقَهُ غرِيمُهُ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، وإلاَّ حُبِسَ، إلَى أن يُقِيمَ بَيِّنَةً.
ومَنْ قَلَّ مَالُهُ عَنِ الدِّيُونِ وسَألَ غُرَمَاؤهُ الحَجرَ عَليهِ أجَابَهُم الحَاكِمُ إلَى ذلكَ، وَتَعلَّقَ حَقُّهُم بِعَينِ مَالِهِ، دُونََ ذِمَّتِهِ، لَكِن إنْ جَنَى شَاركَ المَجْنِيُّ عَلَيهِ الغُرَمَاءَ، ثُمَّ يَبِيعُ مَالَهُ ويَتْرُكُ لَهُ مَا تَدْعُو إلَيهِ الحَاجَةُ، وَيُبْدَأُ بَأرْشِ جِنَايَةِ العَبْدِ الأقلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أو قَدْرِهَا، ثُمَّ بِمَنْ لَهُ رَهْنٌ، ثُمَّ مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ، بِعَينِهِ، وَلَمْ يَأخُذْ مِنْ ثَمَنِهِ شَيئَاً، وَلَمْ يَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بهِ حَقٌّ ثَانٍ، أخَذَهُ، إنْ كَانَ المُفلِسُ حَيَّاً، ويُقْسَمُ البَاقِي بَينَ بَاقِي الغُرَمَاءِ عَلَى قَدرِ دِيُونِهِمْ، ويُنْفَقُ عَلَيهِ وَعَلَى مَنْ تَلزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَى أن يُقْسَمَ، وَلَو وَجَبَ لَهُ حَقٌّ بِشَاهِدٍ فَأبَى أن يَحْلِفَ لَمْ يَكُنْ لِلغُرَمَاءِ أن يَحْلِفُوا.
فَصْلٌ(1/48)
وَلا يَحِلُّ المُؤجَّلُ بِفَلَسٍ، وَلا بِمَوتٍ إنْ أَوْثَقَ(1) الوَرَثَةُ، وَمَنْ دَفَعَ مَالَهُ إلَى صَبِيٍّ أو مَجْنُونٍ أو سَفِيهٍ فَهُوَ المُتْلِفُ لهُ، وَمَتَى عَقَلَ أو بَلَغَ رَشِيدَاً دُفِعَ إلَيهِ مَالُهُ بِغَيرِ حَاكِمٍ، وإلاَّ فَهُو تَحْتَ حَجْرِ الأبِ، ثُمَّ وَصِيِّهِ، ثُمَّ الحَاكِمِ، ولا يَتَصَرَّفُ إلاَّ بِمَا فِيهِ حَظٌّ، وَلا يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ مالِهِ وَلا يَبِيعُهُ إلاَّ الأبُ، ويأْذَنُ لِمَنْ مَيَّزَ لِيَخْتَبِرَهُ، وَلا يَأكُلُ إلاَّ عِنْدَ الحَاجَةِ، والرُّشْدُ: الصَّلاحُ فِي المَالِ.
وَيَحْصُلُ البُلُوغُ بِالاحْتِلامِ، أو نَبَاتِ شَعْرٍ خَشِنٍ حَولَ قُبُلِهِ، أو تَمَامِ خَمْسَ عَشْرةَ سَنَةً، وَتَزِيدُ الجَارِيَةُ بِالحَيضِ والحَمْلِ .
بابُ الوكالةِ
تَجُوزُ فِي كُلِّ مَا يُنَابُ فِيهِ، إذَا كَانَا مِمَّنْ يَصِحُّ ذَلك مِنْهُمَا، وَهِي عَقْدٌ جَائِزٌ، وتَبْطُلُ بِمَوتٍ، وَفَسْخٍ، وَجُنُونٍ، وحَجْرٍ لِسَفَهٍ، وَكَذَا كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ كَالشَّرِكَةِ، والمُزَارَعَةِ، والمُسَاقَاةِ، والجَعَالَةِ، والمُسَابَقَةِ، والوَكِيلُ أمِينٌ، لَكِنْ لَو قَضَى بِغَيرِ بَيِّنَةٍ ضَمِنَ، لا بِحَضْرَةِ المُوَكِّلِ.
وَتَصِحُّ بُكُلِّ قَولٍ (يَدُلُّ عَلَى الإِذنِ، وَكُلِّ قَولٍ)(2) أو فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى القَبُولِ، مُتَرَاخِيَاً وَفَورَاً، بِجُعلٍ وَغَيرِهِ، فيَفْعَلُ مَا تَنَاوَلَهُ لَفظَاً أو عُرْفاً، وَلا يُوَكِّلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ، وَلا يَشْتَرِي مِنْ نَفسِهِ وَلا يَبِيعُهَا، إلاَّ بإذْنٍ، وَإن اشْتَرَى مَا لَمْ يَأذَنْ لَهُ فِِيهِ وُقِفَ عَلَى الإِجَازَةِ، وإلاَّ لَزِمَهُ .
بابُ الشَّرِكَةِ
__________
(1) هكذا في الأصل، والمشهور في كتب المذهب (وَثَّقَ) والمعنى واحد. انظر: "اللسان" مادة "وثق".
(2) من حاشية الأصل.(1/49)
هِيَ أرْبَعَةُ أنواعٍ: شَرِكةُ عِنَانٍ بِمَالَيهِِمَا وبَدَنَيهِمَا، وشَرِكَةُ وُجُوهٍ يَشْتَريَانِ بِجَاهَيهِِمَا، وَشَرِكَةُ مُضَارَبَةٍ، مَالُ وَاحِدٍ وَبَدَنُ الآخَرِ، وَشَرِكَةُ الأبْدَانِ، وَالرِّبْحُ فِي الكُلِّ عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَالوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ المَالِ، ولا يَتَعَيَّنُ لِوَاحِدٍ دَرَاهِمُ وَلا رِبْحُ شَيءٍ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا المُسَاقَاةُ وَالمُزَارَعَةُ، وَإنَّمَا يَتَصَرَّفَانِ عَلَى وَجْهِ الحَظِّ، وَلا يَبِيعُ نَسَاءً إلاَّ بإذنٍ، وَلَو دَفَعَ دَابَّتَهُ لِيَعْمَلَ عَلَيهَا وَمَا حَصَلَ بَينَهُمَا جَازَ .
بابُ المُسَاقَاةِ
تَجُوزُ فِي كُلِّ شَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ يُؤْكَلُ، بِجُزْءٍ مِنْهُ مَعْلُومٍ، وَكَذَا المُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مِنَ الزَّرْعِ، سَوَاءٌ كَانَ البَذْرُ مِنْهُمَا أو مِنْ أحَدِهِمَا، وَعَلَى العَامِلِ مَا جَرَتِ العَادَةُ بهِ، وَعَلَى رَبِّ المَالِ مَا فِيهِ حِفْظُهُ.
بابُ إحياءِ المواتِ
مَنْ أحْيَا أرْضَاً دَاثِرَةً، لَمْ يُعْلَمْ لَهَا صَاحِبٌ معْصومٌ، فَهِيَ لَهُ، بِأنْ يُعَمِّرهَا بِمَا تَتَهَيَأُ بهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهَا كَالتَّحْوِيطِ، وَسَوقِ المَاءِ، وَقَلعِ أحْجَارِهَا وَأشْجَارِهَا المَانِعَةِ مِنْ زَرْعِهَا وَغَرْسِهَا.
وإن حَفَرَ بِئْرَاً فِيهَا فَوَصَلَ إلَى المَاءِ مَلَكَ حَرِيمَهَا مِنْ كلِّ جَانِبٍ خَمْسِينَ ذِرَاعَاً فِي العَادِيَّةِ، ونِصْفَهُ في البَدِيَّةِ، وَلا يُمْلَكُ مَا قَرُبَ مِنْ عَامِرٍ وتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ، وَلا مَعْدِناً ظَاهِرَاً .
وَمَنْ جَعَلَ عَلَى (عَمَلِ)(1) شَيءٍ جُعْلاً مَعْلُومَاً، فَمَنْ عَمِلَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ الجُعْلُ استَحَقَّهُ.
بابُ اللقطةِ
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/50)
هِيَ عَلَى ثَلاثَةِ أضْرُبٍ، أحَدُهَا: مَا تَقِلُّ قِيمَتُهُ، وَلا تَتْبعُهُ الهِمَّةُ، فَيُمْلَكُ بِغَيرِ تَعْرِيفٍ، الثانِي: الحَيَوَانُ المُمْتَنِعُ بنفسِهِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، فلا يُملكُ، ولا يَبْرأُ مَنْ أخَذَهُ إلاَّ أنْ يَدْفَعَهُ إلَى الإِمَامِ، الثالِثُ: مَا عَدَا ذَلكَ، فَيجُوزُ أَخْذُهُ لِمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ، وَيَجِبُ تَعرِيفُهُ حَولاً، فِي مَجْمَعِ النَّاسِ، فَإنْ عُرِفَ وإلاَّ فَهُوَ كَسَائِرِ مَالِهِ، بَعدَ أنْ يَعْرِفَ صِفَتَهُ، فَمَتَى جَاءَ طَالِبُهُ فَوَصَفَهُ دَفَعَهُ إلَيهِ، أو مِثْلَهُ إنْ هَلَكَ، بِلا بَيِّنةٍ، وَلَو تَلِفَ فِي حَولِ التَّعْرِيفِ بِلا تَعَدٍّ فَلا ضَمَانَ عَلَيهِ، وَإنْ كَانَ مِمَّا يَتْلفُ أو يَحْتَاجُ إلى مُؤْنَةٍ فَلَهُ أكْلُهُ وَبَيْعُهُ قبلَ الحولِ، ثُمَّ يُعَرِّفُهُ .
بابُ اللقيطِ
وهُوَ الطِّفلُ المَنْبُوذُ، مُسْلِمٌ إنْ وُجِدَ فِي بَلَدٍ فِيهِ مُسْلِمٌ يُولَدُ لِمِثْلِِهِ ، وَمَا وُجِدَ عِنْدَهُ أو قَرِيبَاً مِنْهُ فلَهُ، نَفَقَتُهُ مِنْهُ وإلاَّ مِنْ بَيتِ المَالِ، وحَضَانَتُهُ لِوَاجِدِهِ إنْ كَانَ عَدْلاً، ولو وَجَدَهُ مُتَنَقِّلٌ أَو مَنْ يُريدُ نَقْلَهُ إلى البادِيَةِ لَمْ يُقَرَّ معهُ، وَمَنْ ادَّعَاهُ لَحِقَ بهِ نَسَبَاً، لا دِينَاً، ولو ادَّعَاهُ جَمَاعةٌ وتَسَاوَوا أُرِيَ القَافَةَ فلَحِقَ بِمَنْ ألحقُوهُ بهِ ولو بالكُلِّ، ومِيْراثُهُ ودِيَتُهُ فَيءٌ(1)،واللَّه تَعَالَى أَعلَم .
بابُ السَّبْقِ(2)
__________
(1) وقع في الأصل: (وإلا ميراثه وديته فيء) ولعل الصواب إسقاط (إلا)، لأن ما بعدها جملة مستقلة.
(2) ضبطها ناسخ الأصل بفتح الباء، والصواب إسكانها، لأن الفتح معناه: العوض، والسكون معناه: السباق، وهو المراد.(1/51)
لا يَجُوزُ بِجُعْلٍ إلاَّ في خُفٍّ وحَافرٍ ونَصْلٍ، فإنْ كَانَ مِنْ غَيرِهِمَا فَهُو لِمَنْ سَبَقَ، وإنْ كَانَ مِنْ أحَدِهِمَا فَسَبَقَ أو جاءَا معاً أحْرَزَهُ المُخْرِجُ، وإن سَبَقَ الآخَرُ أخذَهُ، فإنْ أخْرجَا معاً جَازَ مُحَلِّلٌ يُكافِيهِما، فإنْ سَبَقَهُمَا أحْرزَ سَبَقَيْهِمَا ، وإن سَبَقَ أحَدُهما أحْرَزَ سَبَقَهُ، وأخَذَ سَبَقَ صَاحِبِهِ، ولا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِ المسَافَةِ والغَايةِ، والإِصَابَةِ، وصِفَتَيهِمَا، وعَدَدِ الرَّشْقِ، وإنَّمَا تَكُونُ المُسَابَقَةُ على الإصَابَةِ.
بابُ الوديعةِ
وهي أَمَانةٌ لا تُضْمَنُ بِغَيرِ تَعَدٍّ، مِثْلِ أنْ يَحْفظَهَا بِدُونِ حِرْزِهَا، أو يَجْحَدَهَا، ونَحْوِ ذلك، فإنْ قَالَ: ما لَكَ شيءٌ، ثُمَّ ادَّعى ردَّهَا أَو تَلَفَهَا قُبِلَ، بِخِلافِ مَا أودَعْتَنِي شيئاً .
والعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ وإنْ لَم يَتَعَدَّ، وتَجُوزُ فِي كُلِّ مَنْفَعَةٍ، لا بُضْعٍ، وَمُسْلِمٍ لِكَافِرٍ، ويَرْجِعُ ما لَم يأذنْ بشَغْلِهِ بشيءٍ يَضُرُّ بهِ إن رَجَعَ .
بابُ الإِجَارَةِ
إنَّمَا تَصِحُّ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ، مَعْلُومَةٍ عُرفاً، أو وصْفاً، أو رُؤْيَةً، بِمُدَّةٍ معْلومةٍ، مَعَ بَقَاءِ العَينِ، مِنْ مَالكٍ مُتَصَرِّفٍ أو مَأذُونٍ لَه، مُتَمَكِّنٍ مِنَ التَّسْلِيمِ، ويَسْتَوفِي المنفَعَةَ ودُونَهَا بِنَفسِهِ، وبِمِثلِهِ، بأُجْرةٍ وَغَيرِهَا ، لا بِمُخَالِفٍ ، وتُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ والدَّابةِ وتَوَابِعِهِمَا، بِرُؤيَةٍ أو صِفَةٍ، وقَدْرُ الحِمْلِ بِكَيلٍ أو وَزْنٍ، ومَعْرِفَةُ الأَجْرِ، والعُرْفُ كالتَقْدِيرِ في أُجْرةِ طيرٍ وحَمَّامٍ، وسَفينَةٍ، وخيَّاطٍ، وطَعَامِ أجيرٍ ونحوِهِ.
فَصْلٌ
ويُسْتَحَقُّ الأجْرُ والمَنْفَعَةُ بالعَقْدِ، مَا لَمْ تُؤَجَّلِ الأُجْرةُ المعينة في الذمّة فحتى يُسَلِّمَهُ.(1/52)
ويضمنُ الأَجِيرُ المشْتَرَكُ ما تَلِفَ بِعَمَلِهِ، لا مِنْ حِرْزِهِ، والخَاصُّ ما تَعدَّى فيهِ، ولا ضَمانَ على حَاذِقٍ بغيرِ جِنَايَةٍ.
وهي لازمَةٌ، تَنْفَسِخُ بالتَّلَفِ، والإِتْلاَفِ، وغَرَقِ الأرضِ، وانقطاعِ مَاءٍ، لا بِجِنُونٍ، أو مَوتِ مَنْ لهُ وارِثٌ، ولهمَا الفَسْخُ باتِّفَاقِهِمَا، وبِخَوفٍ عامٍّ مَانِعٍ مِنَ النَّفْعِ، ولو تَجَاوَزَ المَسَافَةَ أو زادَ لَزِمَهُ مَا سمَّى وأُجرَةُ مِثْلٍ للزائدِ، وضَمَانُ العينِ إنْ تَلِفَتْ، وهيَ أَمَانَةٌ ، فيُقَدَّمُ قولُهُ في نَفْيٍ للتَّفْرِيطِ ، وقَولُ المُؤْجِرِ في الرَّدِّ، وفي قَدْرِ الأُجرةِ والمُدَّةِ، وإبَاقِ العبدِ والدَّابَّةِ ومَوتِهمَا تَردُّد .
كتابُ الغصبِ
وهُوَ الاسْتيلاءُ على مالِ غَيرِهِ، ظُلماً، فيَلزَمُهُ رَدُّهُ بِزِيادَتِهِ، وأُجْرَةُ مِثْلِهِ، وأَرْشُ نَقْصِهِ ، وعَليهِ أَرْشُ مَا جَنَى ، فلَو خَاطَ بهِ جُرْحَ مُحْتَرَمٍ أو مُحَرَّمٍ فَالقِيمَةُ، وَلَو رَقَعَ بهِ سَفِينَةً فحتَّى تُرْسَى، ولَو تَعَذَّرَ أو تَلِفَ فَمِثْلُهُ فِي المِثْليِّ، وإلاَّ قيمَتُهُ، ثُمَّ إنْ قَدِرَ عليهِ بَعْدُ رَدَّهُ، وأَخَذَ القيمَةَ، ولَو زَادَ بِسِمَنٍ أو صَنْعَةٍ ثُمَّ نَقَصَ لا بِسِعْرٍ ضَمِنَهَا، ولو طحَنَهُ أو نَسَجَهُ، أو زَرَعَهُ، أو صَارَ فَرْخاً، أو اتَّجرَ فِيهِ فَهُوَ ونَمَاؤُهُ لِرَبِّهِ، ولو خَلَطَهُ بِمَا لا يَتَمَيَّزُ مِنْ جِنْسِه فَعَلَيهِ مِثْلُهُ مِنُهُ، وبِمُتَمَيِّزٍ لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ، وبغيرِ جِنْسِهِ فَمِثْلُهُ مِنْ حَيثُ شَاءَ.(1/53)
ولو غَرَسَ الأرضَ أو بَنَاهَا قُلِعَ وطُمَّ الحَفْرُ، وإنْ زَرَعَ خُيِّرَ مالِكُهَا بينَ أخذِهِ بعوضِه أو تَرْكِهِ بِالأَجْرِ، وإنْ وَطِئَ حُدَّ، وَلَزِمَهُ المَهْرُ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ، وكَذَا مشْتَرٍ عَلِمَ، وَغَيرُ العَالِمِ عَلَيهِ المَهْرُ وقِيمَةُ وَلَدِهِ والأَجْرُ، وَيَرْجِعُ بذَلكَ على الغَاصِبِ .
بابُ الشُفْعَةِ
وَهِيَ أنْ يستَحِقَّ انتزَاعَ حِصَّةِ شَريِكِهِ، مِمَّنِ اشْتَرَاهَا، بِشَرْطِ كَونِهَا شِقْصاً مُشَاعَاً، مِنْ عَقَارٍ، أو ما يتَّصِلُ بهِ، تُمْكِنُ قسْمَتُهُ، انتَقَلَ بِعِوَضٍ، يأْخُذُهُ كُلَّهُ، بمثْلِ ثَمَنِهِ إنْ كَانَ ذَا مِثْلٍ، وإلاَّ بقيمتِهِ، وإِنِ اختَلَفَا في قَدْرِهِ ولا بيِّنةَ فَقَولُ المُشْترِي.
ومَتى أخَذَهُ وفيهِ غَرْسٌ أَو بناءٌ للمُشْتَرِي أعْطَاهُ قِيمَتَهُ، إلاَّ أنْ يَشاءَ المُشْتَري قَلعَهُ مِنْ غَيرِ ضَرَرٍ، وإنْ كَانَ فِيهِ زَرْعٌ أو ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ فَهِيَ للمُشْتَرِي، مُبَقَّاةً إلى حَصَادِهِ، وَلَو تَعَدَّدُوا فَعَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ، فإنْ تَركَهَا أحَدُهُمْ لم يَكُنْ لِلآخَرِينَ إلاَّ أَخْذُ الكلِّ أو التَّركُ، وإنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ بَطَلَتْ، كَمَا لو تَأخَّرَ عَنِ الطَّلَبِ لغيرِ عَجْزٍ، كَغَيبَةٍ، أَو حَبْسٍ، أَو مَرَضٍ، وَأَشْهدَ بهِ، أو صِغَرٍ فَحَتَّى يَكْبُرَ، ولا تَجِبُ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، فَإنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى تَبَايَعَهُ ثلاثةٌ أو أكْثَرُ فَلَهُ مُطالَبَةُ مَنْ شَاءَ، وَلَو بَاعَ شِقْصاً وسَيفاً أخَذَهُ بِحِصَّتِهِ .
بابُ الوقفِ
إنَّما يَجُوزُ فِي عَينٍ يَجُوزُ بَيعُهَا، ويُنتَفَعُ بهَا دَائِمَاً مَعَ بَقَائِهَا، وعَلَى بِرٍّ أَو مَعْرُوفٍ، بالقولِ أو الفِعْلِ الدَّالِّ.
ولا يُبَاعُ إلاَّ أن يَتَعَطَّلَ نَفْعُهُ، فَيُشْتَرى بِثَمَنِهِ ما يَقُومُ مَقَامَهُ،(1/54)
كالفَرَسِ الحَبِيسِ ، وَيُرْجَعُ فِيهِ ، ومَصْرِفِهِ ، وشُرُوطِهِ ، إلى لَفْظِ
وَاقِفِه، فَلو وَقَفَ على وَلَدِهِ، ثُمَّ عَلى المسَاكِينِ : الذَّكَرِ والأُنثى بالسَّوِيَّة، وعَلَى جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ يَعُمُّ بالسَّوِيَّةِ ، مَا لَم يُفَضِّل بَعْضَهُمْ ، وإلاَّ جَازَ تَخْصيصُ وَاحِدٍ بهِ والتفضِيلُ .
بابُ الهبةِ
وهي تَمْليكٌ في الحياةِ بِلاَ عِوَضٍ، تَصِحُّ بإيِجَابٍ وقبولٍ، ومُعَاطَاةٍ، وتَلزَمُ بالقَبْضِ بإذنِه.
ولا يَرجِعُ غَيرُ أبٍ، ويَقْسِمُ بَينَ أولاَدِهِ عَلى قَدْرِ إرْثِهِمْ، وَلا يَجُوزُ التَّفْضِيلُ بِغَيرِ سَبَبٍ، ويَلزَمُ أخذُهُ أَو جَبْرُهُ، ولَهُ تَمَلُّكُ مَا شَاءَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، إنْ حَازَهُ، ولَم تَتَعَلَّقْ حَاجَةُ الابنِ بهِ، وَلَمْ يَخُصَّ بهِ وَلَدَهُ الآخَرَ، ولا يُطَالِبُ أبَاهُ بِحقٍّ أبداً.
وأَعْمَرْتُكَ دَارِي، وَهِيَ لكَ: تَملِيكٌ، وَسُكْنَاهَا لَكَ: عَارِيَةٌ.
كتابُ الوَصَايَا
سُنَّ لِمَنْ تَرَكَ خَيراً الوَصِيَّةُ بِالخُمُسِ، فَتَصِحُّ مِمَّنْ يَملِكُ التَّبَرُّعَ ، ولَو أخْرَسَ ، ومُمَيِّزاً ، وسَفِيهاً ، وبِخَطِّهِ تَحتَ رأسِهِ، وَلِكُلِّ مَنْ تَصحُّ هِبتُه، وللحمْلِ إنْ عُلِمَ وجودُه حَالَها، وَبكلِّ مَا فِيهِ نَفعٌ مُبَاحٌ، وبالمعْدُومِ، وبِمَا لا يُقْدَرُ عَليهِ، وَبِما لا يَمْلكُهُ، وَبِغَيرِ مُعَيَّنٍ كعَبْدٍ، وَيُعطيهِ الوَرَثَةُ مَا شاءوا، فَإن هَلَكُوا إلا وَاحِدَاً تَعَيَّنَ، وبِمِثْلِ أحدِ وَرَثَتِهِ، ولهُ مِثْلُ أقلِّهم، فَإن سَمَّاهُ فَلهُ نَصِيْبُهُ مَضْمُومَاً إلَى المَسألَةِ، فَلَهُ مَعَ ابنينِ وَبِنتٍ السُّدُسُ، وبِجُزْءٍ، أو حَظٍّ، أو نَصِيْبٍ، أو شَيءٍ، ويُعطونَهُ(1) ما شاءوا، وَبِسَهمٍ، ولَهُ سُدُسٌ.
فَصْلٌ
__________
(1) في الأصل (ويعطوه)، والصواب إثبات النون، لأنه مرفوع.(1/55)
وتُخْرَجُ الواجِبَاتُ مِنْ رَأسِ المَالِ، فإنْ وصَّى بهَا مِنَ الثلثِ زُوْحِمَ أصحَابُ الوَصَايَا، وقيلَ: يُبدَأُ بهِ.
وَتَصِحُّ إلَى كُلِّ عَدلٍ، بِكلِّ مَا يَجُوزُ للمُوصَى فِعْلُهُ، وَلَو وَصَّى بأكثرَ مِنَ الثُّلثِ أو لِوَارِثٍ وُقِفَ على إِجَازَةِ الوَرَثةِ، ويُعتَبَرُ الثّلثُ، وكَونُهُ وارثاً عندَ المَوتِ، وَتُجْمَعُ الحُريَّةُ في بعضِ العبيدِ بالقرعةِ إن عَجَزَ ثُلثُهُ، كَمَا يُخْرَجُ بها مَنْ أَشكَلَ، وتَصِحُّ بِكلِّ مالِهِ حيثُ لا وَارثَ.
والمُنْجَزةُ في مرضِ موتِهِ المخُوفِ، أَو كَالمَخُوفِ، كحَالةِ التِحَامِ الحَربِ، وَهَيَجَانِ البَحرِ، والطَّاعُونِ، والطَّلْقِ، وتَقْدِيمِهِ لِقِصَاصٍ، إِنِ اتَّصلَ بِهِمُ الموتُ وَصِيَّةٌ، لا فِي أربَعةِ أحكَامٍ: كَونُها لازمةً، ويُبدأُ بالأولِ عندَ ضِيْقِ ثُلُثِهِ، والوصيةُ بِخِلافِهِ، ويُسوَّى بَينَ الأولِ والآخِرِ، ومِنها : كونُها تنفيذاً(1)، ويُعتبَرُ ردُّهَا وَقَبُولُهَا مِنْ حينِهَا، والوَصِيَّةُ حينَ الموتِ .
فَصْلٌ
__________
(1) في الأصل (تنفيذٌ)، والصواب: النصب، لأنه خبر الكون.(1/56)
ولو وصَّى لقرابَتِهِ فللذَكرِ والأُنثى مِنْ ولَدِهِ وقرابةِ أبيهِ وإن علا، ولأقْرَبِ قرابَتِهِ: الابنُ والأبُ سواء، والجَدُّ والأخُ سَوَاءٌ، وَلِلأبَوَين أولَى مِنْ أخٍ لأبٍ، وأهلُ بَيتِه وقَومُهُ ونُسَبَاؤُهُ كقرابتِه، والأَيِّمُ والعَزَبُ: من لا زوجَ لهُ، والأَرَامِلُ: مَنْ فَارقهنَّ الزّوجُ، ولا يَدْخُلُ كافِرٌ فِي قَرَابَتِهِ وأهلِ قَريَتِهِ، وبَنُو فُلانٍ إن كَانوا قبيلةً شَمِلَ الإنَاثَ وإلا فَلا، والدَّابةُ والشَّاةُ: للذَّكَرِ والأُنثى، وَالطَّبلُ، والقَوسُ: للمباحِ، وَقَوسِ النُشَّابِ إن لم يَكُنْ قَرِينةٌ إلى غيرِه ، فَلو تعدَّدَ فالقرعةُ ، وَجِيرانُهُ : أربعونَ داراً مِنْ كلِّ جانبٍ، ولِعَقِبِي، ونَسْلِي، وولدِ ولدِي، يَشْملُ ولدَ الإناثِ، والوَقفُ كالوَصِيَّةِ فِي هَذَا.
فَصْلٌ
ولا تَصِحُّ بِمُحَرَّمٍ، ولا لِمَنْ لا يَمِلكُ، كبهيمةٍ ومَلَكٍ وميِّتٍ، فَلو وصَّى لَهُمَا فالكلُّ للحيِّ إن عَلِمَ مَوتَهُ، كَمَا لَو وصَّى لزيدٍ وَبَهيمةٍ، وَتبطلُ بِرُجُوعِهِ، وبيعهِ ونَحوِهِ، ورَهْنِهِ، وَإِحْبَالِهِ، وخَلطٍ بغيرِ متميّزٍ، وضِعْفُ الشيءِ: مِثْلُهُ مَرتينِ، وضِعْفَاهُ: ثَلاثةُ أمثالِهِ، وبِمثلِ نصيبِ ثَالثٍ لو كانَ: لَهُ الرُّبُعُ، وَبِمثلِ نصيبِ خامسٍ لَو كانَ، إلا مِِثلَ نَصِيبِ سَادِسٍ لَو كَانَ، فَقَد أَوصَى بِالخُمُسِ إلاَّ السُّدُسَ: فَتَصِحُّ مِنِ اثنَينِ وَسِتِّينَ، وعَلى هَذا، وإن وصَّى لهُ بثلثِ معيّنٍ أو بهِ، فاستُحِقَّ (ثُلثاه فله الباقي، أو بثلثِ ثلاثةٍ فاستُحِقَّ اثنانِ أو مَاتا) (1)، فلهُ ثُلثُ البَاقِي .
كتابُ الفَرَائِضِ
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/57)
يُقَدَّمُ الكَفَنُ عَلى الدَّينِ وغَيرهِ ، وَالوَارِثُ ثَلاثةٌ: ذُو فَرْضٍ، وعَصَبَةٌ، وذُو رَحِمٍ، فَذو الفَرْضِ عَشَرَةٌ: الزَّوجَانِ، والأَبَوانِ، والجدُّ، والجدَّةُ ، والبَنَاتُ ، وبناتُ الابنِ ، والأخَواتُ ، والإخوَةُ مِنَ الأُمِّ، فَلِلزَّوجِ الرُّبعُ مَعَ ولدِ الميتِ أو ولدِ ابنِه، والنّصفُ مَعَ عَدَمِهِ، وللزَّوجةِ أو الزَّوجاتِ الثُّمُنُ مَعَهُ، وَالرُّبعُ مَعَ عَدَمِه، وللأبِ السُّدسُ مَعَ ذكورِ الولدِ، وَهُوَ عَصَبَةٌ إن عُدِمُوا، والأمْرانِ مَعَ إناثِ الولدِ .
فَصْلٌ
وللجدِّ أحوالُ الأبِ، ويزيدُ بِرابعة مَعَ الإخوةِ والأخواتِ لأبوينِ أو لأبٍ، فلهُ الأحَظُّ مِنَ المقاسَمةِ كأخٍ، أو ثُلُثُ الكُلِّ، فإن كان ثَمَّ فَرْضٌ فلهُ الأحظُّ مِنَ المقاسمةِ، كأخ، أو ثلثُ الباقي، أو سُدُسُ الكُلِّ، وولدُ الأبِ كذا إِنِ انفردوا، وَإلاَّ عَادَّ بِهِم وَلَدُ الأبوينِ الجدَّ(1)، ثُمَّ أخَذُوا حَاصِلَهُمْ، مَا لَمْ يكنْ ولدُ الأبوينِ أُختاً واحدةً، فتأخذُ تمامَ النِّصفِ فَقَطْ، فَإن لَمْ يَفْضُلْ عَنِ الفَرْضِ سِوَى السُّدسِ أخَذَهُ الجدُّ وسقطوا،إلاَّ فِي الأكدَرِية وهي: زوجٌ، وأمٌّ، وأُخْتٌ، وجَدٌّ، أصلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إلى تِسعَةٍ، ثُمَّ يُقْسَمُ ما للجدِّ والأختِ بينهما على ثلاثةٍ، فتصحُّ من سبعةٍ وعِشرين، وَلا يَعُولُ فِي مَسائلِ الجدِّ غيرُهَا، ولا يُفرضُ لأُختٍ مَعَ جَدٍّ فِي غيرِها، ولو لَمْ يكنْ فيها زوجٌ لَصَحَّتْ مِنْ تِسْعَةٍ، وَتُسَمَّى الخَرْقَاءَ، وَلَو كان معهم أخٌ وأختٌ لأبٍ صَحَّتْ من أربع(2) وخَمسِينَ ، وَتُسَمَّى مُخْتَصَرَةَ زَيدٍ، وإنْ كَانَ مَعَهم أخٌ آخَرُ صَحَّتْ مِنْ تسعينَ، وسُمِّيت تِسعِينِيَّةَ زَيدٍ .
فَصْلٌ
__________
(1) في الأصل: (والجدَّ) والصواب حذف الواو.
(2) هكذا في الأصل (أربع) وله وجه، و (أربعة) أولى.(1/58)
وللأمِ السُّدسُ مَعَ الوَلدِ أو وَلدِ الابنِ، أو اثنَينِ فَصَاعِدَاً مِنَ الإخوَةِ والأخَوَاتِ، وثُلثُ الباقِي بَعدَ أحَدِ الزَّوجين فِي أبٍ، وأحدِ الزَّوجين، وَثُلُثُ المَالِ فِي غَيرِ ذلك، وَتَكونُ عَصَبةً إذا نُفِيَ ولدُهَا بِلِعانٍ أو كانَ مِنْ زناً، فَإن لَم تَكُن فَعَصَبتُها عَصَبةٌ، وللجدَّاتِ السُّدسُ، إذا تَحاذينَ، وإلاَّ فهو للقُربَى، وَترثُ مَعَ ابْنِهَا ، ولا يَرِثُ أكثرُ مِنْ ثَلاثَةٍ(1): أمُّ الأمِّ، وأمُّ الأبِ، وأمُّ الجدِّ، وأُمّهاتُهُنَّ كذلك.
فَصْلٌ
للبِنتِ النِّصفُ، وللبنتينِ فَأَكْثَرَ الثُّلثانِ، وبناتُ الابنِ مِثْلُهُنَّ، إذا عُدِمْنَ، ولَهنَّ مَعَ بنتٍ السُّدسُ، فَإن اجتَمَعنَ سقَطَ بناتُ الابنِ، مَا لَم يَكنْ مَعَهُنَّ، أو أنزلَ منهنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبُهُنَّ، لا عليا ذاتِ فرضٍ.
والأخَواتُ للأبوينِ مِثْلُ البناتِ، والأخَواتُ مِنَ الأبِ مَعَهُنَّ كَبناتِ الابنِ مَعَ البناتِ، لَكن لا يُعَصِّبُهنَّ إلاَّ أخوهنَّ، والأخواتُ مَعَ البناتِ عَصَبَةٌ، وللواحدِ مِنْ ولدِ الأمِّ السُّدُسُ، فَإنْ كَثُروا فَهُم شُرَكاءُ في الثُلُثِ، ذَكَرُهُمْ وأُنثَاهُمْ سَوَاءٌ.
بابُ الحجبِ
كلُّ مَنْ أدلَى بِشَخصٍ سَقطَ به، إلاَّ وَلدُ الأمِّ فيسقطُ بالولدِ وولدِ الابنِ والأبِ والجدِّ، وَيسقطُ ولدُ الأبوينِ بالأبِ والابنِ وابنهِ، وَيَسْقُطُ وَلَدُ الأبِ بالثّلاثةِ، وبالأخِ مِنَ الأبوينِ، وَتَسْقُطُ الجَدَّةُ بالأمِّ، والجدُّ بالأبِ .
بابُ العَصَبَةِ
__________
(1) هكذا في الأصل (ثلاثة) وله وجه، و (ثلاث) أولى.(1/59)
وَهو كلُّ ذَكَرٍ ليسَ بَينَهُ وبينَ الميِّتِ أُنثى، وأحقُّهمْ أقربُهمْ، الابنُ، ثُمَّ ابنُه، ثُمَّ الأبُ، ثُمَّ أبُوه، (ثُمَّ بَنُو الأبَوَينِ)(1)، ثُمَّ بَنُو الأَبِ، ثُمَّ بَنُوهُم، ثُمَّ بَنو الجَدِّ، ثُمَّ بَنُوهم، وَعلَى هَذا لا يرثُ بنو أبٍ أعلَى مَعَ بَنِي أبٍ أقرَبَ منهُ، فَإنِ استووا قُدِّمَ وَلدُ الأبوينِ، وَأَربَعةٌ يُعَصِّبُونَ أخواتِهِم فيما بَقِيَ، للذَّكرِ مِثْلُ حظِّ الأُنثيينِ، وهم: الابنُ، وابنهُ، والأخُ لأبوينِ أو لأبٍ، ومَنْ عَدَاهُمْ يَنْفَرِدُ الذُّكورُ بالإِرثِ.
والعَصَبَةُ تأخذُ الكلَّ إِنِ انفردوا، والبَاقِيَ مَعَ ذَوِي الفَرْضِ، فإن عُدِمَ فَالمُعْتِقُ، ثُمَّ عَصَبَاتُهُ الأقربُ فالأقربُ .
بابُ ذوي الأَرحَامِ
وهُمْ كلُّ قَرابةٍ لَيسَ بذِي فَرْضٍ وَلا عَصَبَةٍ، ويُقدَّمُ عَلَيْهُمُ الرَّدُّ، وذو الفَرْضِ والعَصَبةِ، ثُمَّ يُورَّثونَ بالتنْزيلِ، فَيُجْعَلُ كلُّ وارثٍ كَمَنْ أدلَى به، ويُسَوَّى بَينهم، والجِهَاتُ أَرْبَعَةٌ(2): الأُبوّةُ ، والأُمومةُ ، والبنوّةُ ، والأُخوّةُ ، وَيَسْقُطُ البعيدُ بالقريبِ .
بابُ أصولِ المسائلِ
__________
(1) سقطت من الأصل، واستدركتها من كتب المذهب.
(2) هكذا في الأصل (أربعة) ومثلها بذكر التاء في "الإقناع"(3/217)، و (أربع) أولى.(1/60)
الفرُوضُ ستَّةٌ ، نِصْفٌ ، ورُبُعٌ ، وَثُمُنٌ ، وثُلثانِ ، وثُلثٌ ، وسُدسٌ، وأُصُولُها سَبعةٌ، فَالثُّمنُ وحْدَهُ، أو مَعَ النِّصفِ مِنْ ثَمانيةٍ، والرُّبعُ وَحدَهُ، أو مَعَ النِّصفِ مِنْ أربعةٍ، والثُّلُثُ والثُلُثَانِ مِنْ ثلاثةٍ، والنِّصفُ مِنِ اثنينِ، فَهذِه الأربَعةُ لا تَعولُ، وَإذَا كَانَ مَعَ النِّصفِ سُدُسٌ، أو ثُلثانِ، أو ثُلثٌ فَهي مِنْ ستَّةٍ، وَتعولُ إلَى عَشَرةٍ، وإنْ كَانَ مَعَ الرُّبُعِ أحدُ الثَّلاثةِ فهي مِنِ اثني عَشَرَ، وتَعولُ علَى الفردِ إلَى سَبعَةَ عَشَرَ، وَإن كَانَ مَعَ الثُّمنِ أحدُ الثَّلاثةِ فَهي مِنْ أربعةٍ وعشرينَ، وتَعولُ إلَى سَبعةٍ وعشرينَ، فَإذَا لَمْ يَنقَسمْ سَهْمُ فريقٍ عليهم قسمةً صحيحةً، ضَرَبْتَ عدَدَهُمْ أو وِفْقَهُ فِي أصلِ المسألةِ وعولِها فما بلغَ فَمنهُ تَصِحُّ.
فإذا قُسِّمتْ فكلُّ مَنْ له شيءٌ مِنْ أصلِ المسألةِ فاضربه في العددِ المضروبِ فيها، وهو له إن كان واحداً، وإلاَّ قُسِّم عليهم، وَلَو انكسرَ على فريقينِ فأكثرَ فإن تَماثلا أجزأكَ واحدٌ، وإنْ تَنَاسَبَا أجزَأكَ أكثرُهُمَا، وإنْ تَبَايَنَا ضَرَبتَ ذَا فِي ذَا، ثُمَّ فِي أصلِ المسألةِ، وإنْ تَوَافَقا ضَرَبتَ وِفْقَ أحدِهما في الآخَرِ، ثُمَّ في الأصلِ، فما بَلَغَ فمنه تَصِحُّ.
بابُ الرَّدِّ
إذَا لَم يكنْ عَصَبَةٌ رُدَّ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوي الفُرُوضِ عَلَيهم، عَلَى قَدرِ فُرُوضهِم، إلاَّ الزَّوجَين، فإن انكَسَرَ عَلَى أحَدِهم فَخُذْ عددَ سهامِهم مِنْ أصلِ ستّةٍ، واجعله أصلَ المسألةِ .(1/61)
ومَتَى مَاتَ بَعضُ الوَرَثةِ قبلَ قَسْمِ التَّرِكةِ فهي مُنَاسَخَةٌ، فإن (كانَ)(1) وَرَثةُ الثانِي كَالأَوَّلِ قُسِّمَت التَّرِكةُ عَلى مَنْ بَقِيَ مِنهُم عَلى مَسأَلَةِ الأَوَّل،وإلاَّ قُسِّمَتْ تَرِكَةُ الأولِ ، فَمَا حَصَل للثانِي مِنهَا إن انقَسَمَ عَلَى مَسأَلتِهِ صَحَّتِ المسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الأُولَى، وإلا وَافَقْتَ بَيْنَ سِهَامِهِ ومَسْأَلَتِهِ وَضَرَبْتَهَا أو وِفْقَهَا في الأُولَى، فَمَا بَلَغَتْ صَحَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ مَنْ له شيٌ مِنَ الأولى مضروبٌ في الثانِيةِ أو وِفْقِهَا ، ومَنْ له شيءٌ مِنَ الثانِيةِ مضروبٌ فيما ماتَ عنهُ أو وِفْقِهِ، وَكذا تَصنَعُ فِي الثَّالثِ ومَنْ بَعدَهُ .
بابُ ميراث الخُنثَى
الخُنْثَى المُشْكِلُ مَنْ لَهُ ذَكَرٌ وَفَرْجٌ، فَيُعتبَرُ فِيهَا أحوَالُهُ، فإن رُجِيَ انكشافُ حَالِهِ، أُعطِيَ ومَنْ معه اليَقِينَ، وإلاَّ أُعطِيَ نِصفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ ونصفَ ميراثِ أُنثى، وَكَذَا دِيَتُهُ، وجِراحُه، ولا يُزَوَّجُ بِحَالٍ .
وَمَوانعُ الإرثِ والحَجبِ ثَلاثةٌ : الرِّقُّ ، وَاختِلافُ الدِّينِ، وَالقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْ بَعْضُهُ (حُرٌّ)(2) يَرِثُ ويَحْجِبُ بِقدرِهِ .
وإذا جُهِلَ أوَّلُ المُتَوارِثَينِ، وَرِثَ كلٌّ صاحبَهُ مِنْ تِلادِ مالِهِ، دونَ ما ورثَه مِنَ الميتِ مَعَهُ، ولَو ادَّعى كلُّ ورثةٍ سبْقَ الآخَرِ ولا بيِّنَةَ، أو تَعَارَضَتَا حَلَفَ كلٌّ، وَلا تَوَارثَ، كَمَا لَو مَاتَا مَعَاً .
بابُ ميراثِ المفقودِ
يُقسمُ مالُهُ فِي الزَّمَنِ الذي لزوجتِه أَنْ تَتَزوَّجَ فيه، فَإن مَاتَ مُورِّثهُ فِي مدَّةِ التربُّصِ دُفِعَ إلى كلِّ وارثٍ اليقينُ، ووُقِفَ الباقي.
__________
(1) لفظة (كان) غير موجودة في الأصل، لكن يقتضيها السياق.
(2) من حاشية الأصل.(1/62)
كَمَا لَو مَاتَ عَنْ حَملٍ يَرِثهُ، وُقِفَ لَه نصيبُ ابنينِ إن كَان أكثَرَ، وإلاَّ ابنَتينِ، ودُفِعَ إلَى مَنْ يَحجُبهُ الحملُ أقلُّ ميراثهِ، وإلَى مَنْ لا يَحجبهُ كلُّ ميراثهِ، فإذا وُلدَ، أَخَذَ نصيبَهُ، ورُدَّ الباقي إلَى مستحقِّه، وإذا اسْتَهَلَّ وَرِثَ، وَوُرِثَ، كَأَن بَكَى، أَو عَطَسَ، لا إنْ تَحَرَّكَ.
وَبَينُونَةُ المريضِ لا تقطعُ الإِرثَ في العِدّةِ حَيثُ يُتَّهَمُ .
وإن أقرَّ الوَرَثةُ بِمُشَارِكٍ فَصَدَّقَهُمْ ، أَو كَانَ صَغِيرَاً مَجهُولَ النَّسَبِ ، ثَبَتَ نَسَبُهُ وإرْثُهُ، وإن أقرَّ بعضُهم لَم يَثْبُتْ، ولهُ فَضْلُ ما بِيَدِ المُقِرِّ عَنْ ميراثِهِ .
بابُ الوَلاَءِ
كُلُّ مَنْ أَعتَقَ عَبداً أو عَتَقَ عَلَيه بِرَحِمٍ، أو كِتَابَةٍ، أو تَدبِيرٍ، أو استِيلادٍ، فَلَهُ وَلاؤهُ، وولاءُ أولادِهِ مِنْ زَوجَةٍ مُعْتَقَةٍ، أو أَمَتِهِ، وعَلَى مُعْتَقِيه ومُعْتَقِي أولادِهِ وأولادِهِم، ومُعْتَقِيهِمْ أبداً ما تناسَلُوا، ثُمَّ لِعَصَبَةِ السَّيِّدِ، ولا يُباعُ، ولا يُورثُ، وَهو للكُبْرِ، ولا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الوَلاءِ إلاَّ ما أعتَقْنَ، أو أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، ولا يرثُ به ذو فَرْضٍ إلاَّ الأبُ والجدُّ ، يرثان السُّدسَ مَعَ الابنِ، والجدُّ الثلثَ مَعَ الإخوةِ، إذا كان أحظَّ له، وَإذا أَعْتَقَتِ المَرأةُ عبداً، ثُمَّ ماتت فولاؤه لابنِها، وعَقْلُهُ على عَصَبَتِهَا .
فَصْلٌ فِي جرِّ الولاءِ(1/63)
مَنْ كَانَ أحدُ أبويهِ حُرَّ الأصلِ، ولَم يَمَسَّهُ رقٌّ، فلا ولاءَ عليهِ، وإن كانَ أحَدُهُما رقيقاً تَبِعَ الولدُ الأمَّ، فإن كَانت رَقيقةً فأعتقهُم السيِّدُ فولاؤهم له لا ينجرُّ عنه بِحَالٍ، وإن كانَ الأبُ رقيقاً والأمُّ معتقةً فأولادُهُما أحرارٌ، ولاؤُهم لِمَوالِي أُمِّهِم، فَلَو أُعتِقَ الأبُ جرَّ مُعتِقُهُ ولاءَ أولادِهِ، ولو اشترى أحدُ الأولادِ أباهُ عتَقَ عليهِ، ولَهُ ولاؤهُ وولاءُ إخوَتِهِ، وَيبقَى وَلاؤه لِمَوالِي أُمِّهِ، ولَو اشتَرى ابنٌ وبنتٌ منهم الأبَ عَتَقَ عليهما، وصارَ ولاؤهُ لَهُمَا نِصفينِ، وَجَرَّ كُلُّ واحدٍ نصفَ ولاءِ صَاحِبِه، وبَقِيَ نصفُهُ لِمَوالِي أُمِّهِ، فإن ماتَ الأبُ وَرِثَاه أثلاثاً، ثُمَّ إذا مَاتت البِنتُ وَرثَها أَخُوهَا، ثُمَّ إذا ماتَ الأخُ فَماله لِمَوالِيه، وهم أختُه وَمَوالِي أمِّه، فَلِمَوالِي أُمّهِ النِّصفُ، والنِّصفُ الآخرُ لِمَوالِي الأُختِ، وهُم أَخُوهَا ومَوَالِي أُمِّهَا، فَقَد رَجَعَ إليهِ رُبعٌ ، فَهُوَ لِبَيتِ المَالِ ، وقِيل: لِمَوَالِي الأُمِّ .
كتابُ العِتقِ
يَصِحُّ مِنْ مَالكٍ مُطلقٍ، بِصَريحِ العِتقِ والتَّحريرِ وَفَكِّ الرَّقَبَةِ، وَبِالكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ، وَلَو أعتَقَ جُزءاً مِنْ عَبدِهِ سَرَى، وَمِنْ مُشتركٍ عَتَقَ الباقِي عليه بقيمتِهِ، إن أَيسَرَ بها، ومَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ (مَحْرَمٍ)(1) عَتَقَ عليه.
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/64)
ويَصِحُّ تَعلِيقُ العِتقِ بالصِّفَةِ ، ولا يَبطلُ بِقَولِهِ ، وَلَهُ بَيعهُ والتصَرُّفُ فيهِ، فَمَتَى عادَ عادتِ الصِّفةُ ، وَلَو كانت حاملاً حِينَ التّعليقِ ووجودِ الشَّرطِ عَتَقَ حَملُهَا،فإن حَمَلتْ وَوَضَعتْ فيما بَينهما لَمْ يَعْتِقْ ، ومَنْ قَال : أعتق عبدَك عنِّي، وَعَليَّ ثَمنُهُ فَفَعَلَ فَعَلَى الآمرِ ثَمنُهُ ، وَلَه وَلاؤه ، وَإن لَمْ يَقُل: عنِّي، فالثّمنُ عليهِ، والولاءُ للمُعتِقِ، وَمَنْ أعتَقَ عَبدَاً عَنْ حَيٍّ بِلا أَمرِهِ، أو عَنْ مَيِّتٍ فالوَلاءُ للمُعْتِقِ، وإن أعتَقَهُ عَنه بأمرِهِ، فالولاءُ للمعْتَقِ عنه .
بابٌ
التَّدبِيرُ وصيةٌ، فَلو قالَ: أنتَ مُدَبَّرٌ، أو حُرٌّ بَعدَ مَوتِي صَارَ مُدَبَّرَاً، وَيَبْطُلُ بِإزالَةِ مُلكِهِ، فلو عَادَ رَجَعَ تَدبيرُه، وَيَجُوزُ تَدبيرُ المُكاتَبِ وَعَكْسُهُ،فإن أَدَّى عَتَقَ، وإن ماتَ سيدُهُ قبلَ الأداءِ عَتَقَ إن حَمَلَ الثُّلُثُ ما بَقِيَ مِنْ كتابتهِ، وإلاَّ عَتَقَ بقدرِهِ، وسَقَطَ بينهما بقدرِ ما عَتَقَ، وهو على الكتابةِ فيما بَقِيَ، ومَنِ استولدَ مدبَّرتَهُ بَطَلَ تدبيرُهَا، ولَو أسلَمَ مُدَبَّرُ الكافرِ أو أمُّ ولدِه، جُعِلا بِيَدِ ثقةٍ، وأُجبِرَ السيدُ على نفقتِهِما إن لم يكنْ لهما كَسْبٌ، فَإن أسلَمَ رُدَّا إليه، وإن مَات عَتَقَا، ولو دبَّرَ شِرْكَاً له في عبدٍ لَمْ يَسْرِ، وإن أَعتَقهُ فِي مَرضِهِ، وثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ باقيهِ عَتَقَ جَميعُهُ .
بابُ الكتابةِ(1/65)
تَصِحُّ مِنْ جَائِزِ التَّصرُّفِ، وفِي مَرَضِهِ مِنْ ثُلثهِ، ونُدِبَ إن طَلبَهَا كَسُوبٌ، وَإنَّمَا تَصِحُّ بِمَالٍ مَعلومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعلومٍ، أقلُّهُ نَجْمَانِ، وإنْ حَلَّ نَجمٌ فلم يُؤدِّه فله تَعْجِيزُهُ، ويُبدأُ بِجنايَتِهِ، وَهو عَبدٌ ما بَقِيَ دِرهمٌ، لكِنْ يَمْلِكُ أكْسَابَهُ وهو البيعُ والشِّراءُ، وما فيه مصلحةُ مالِهِ، ولا يتبَرَّعُ ولا يتزوّجُ إلاَّ بإذنٍ.
ويُسَنُّ حَطُّ الرُّبُعِ، وَيَجُوزُ بَيعُهُ، فَيُؤدِّي إلَى مُشتَرِيهِ، وَليسَ لَه وطءُ مُكَاتَبتهِ بغيرِ شرطٍ، فَإن فَعَلَ لَزِمَهُ مَهْرُ المِثْلِ، فإن أولدَهَا صارتْ أمَّ ولدٍ، ولَو اشتَرى كلُّ واحدٍ مِنَ المُكَاتَبَينِ الآخَرَ صَحَّ الأولُ، ولَو اختَلفَ هو وَسيدُهُ في المكاتبةِ أو عِوَضِهَا، أو التَّدبِيرِ، أو الاستيلادِ قُدِّمَ قولُ السيدِ، ويَجرِي الرِّبَا بَينَهُمَا .
بابُ أمهاتِ الأولادِ
إذا وَطِئَ أَمَتَهُ، أو أَمَةَ ابْنِهِ، أو مُشْتَرَكَةٍ، فأتَتْ بِبَدْءِ خَلْقِ آدَمِيٍّ(1)، صارتْ أُمَّ ولدٍ، تَعْتِقُ بِموتِهِ مِنْ رأسِ مالِهِ، ولهُ استِخدامُهَا، لا ما يَنْقُلُ المُلكَ، أو يُرادُ لهُ، كَرَهْنٍ، ولو وَطئَ أمةَ غيرهِ بنكاحٍ أو غيرِهِ، ثُمَّ مَلَكَهَا حامِلاً منهُ، عَتَقَ الجنينُ، وله بيعُها، وإذَا وَلَدتْ أمُّ الولدِ مِنْ غيرِ سيدِهَا فلولدِهَا حُكْمُهَا ، كَوَلَدِ المدبَّرةِ والمكاتبةِ بَعْدَهُ .
كتابُ النكاحِ
__________
(1) في الأصل: (...بِبَدْءِ خلقِ آدمي) وموضع النقط لفظة غير واضحة، ولعل المثبت هو الأقرب، وهو الموجود في بعض كتب المذهب.(1/66)
وهو سُنَّةٌ، وأَفْضَلُ مِنْ نَفْلِ العِبَادَةِ، وَحَتْمٌ عَلَى تَائِقٍ، يَخَافُ العَنَتَ، وَيَحْرُمُ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى المَرأةِ، لا أَمَتِهِ المُبَاحَةِ لَهُ وَزَوجَتِهِ، وَمَنْ يُريدُ نِكَاحَهَا، فَيَنظُرُ مِنْ هَذِهِ مَا يَظهَرُ غَالِبَاً، أو الشهَادَةَ عليها، أو مُعَاملتَهَا فَيَنظُرُ الوجهَ، أو مُدَاوَاتَهَا فَمَوضعُ الحَاجَةِ، أو مُسْتَامةٍ، أو ذَاتِ مَحْرمٍ، فَينظرُ ما يَظْهَرُ مَعَ الرّأسِ والسَّاقينِ.
وَيَحْرُمُ التَّصريحُ بِخِطْبَةِ المُعتدَّةِ، وَلا يُعَرِّض لِغير بائِنٍ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أخِيهِ إنْ أُجِيبَ .
بابٌ(1/67)
أركانُهُ: إيجابٌ، وَقَبُولٌ: زوَّجتُ، وقَبِلتُ، أو أَنكَحْتُ، ونَكَحْتُ، وَلو قالَ لأَمَتِهِ: أَعْتَقْتُكِ وجَعَلتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ بِحضَرةِ شَاهِدَينِ صَحَّ، وأيُّمَا عَبْدٍ نَكَحَ بغيرِ إذنِ مَوَاليهِ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ، فإن دَخَلَ بهَا فَفِي رقبتهِ المَهرُ، ومَنْ غُرَّ بأمَةٍ فَلهُ الفَسْخُ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَيَفْدِيهِمْ بِمثلهِمْ، ويرجعُ بهِ على مَنْ غَرَّهُ، ويُفَرَّقُ بينهما إن لَمْ يكنْ مِمَّن يَحِلُّ لهُ الإِمَاءُ، وإلاَّ فما وَلَدَتْ بعدَ علمِهِ رقيقٌ، وتَعْيِينُ الزّوجينِ، برؤيةٍ أو صفةٍ، وشَهادةُ عَدْلَينِ شَرْطٌ، وَالكَفَاءةُ فِي دِينِهِ وَنَسَبِهِ، فلو رَضِيَتْ بِغَيرِه جَازَ فِي الأصحِّ، والولِيُّ، إنْ كَانَ حُرَّاً، ذَكَرَاً، مُكَلَّفاً، يُوافِقُ دِينَهَا، إلاَّ المُسلِمَ إذَا كَانَ سُلطاناً أو سَيِّدَ أمَةٍ، والأبُ أولَى وإن عَلا، ثُمَّ الابنُ وإن نَزَلَ، ثُمَّ أقرَبُ عَصَبَتِهَا، ثُمَّ المُعْتِقُ، ثُمَّ عَصَبَاتُهُ، الأقرَبُ فَالأقرَبُ، ثُمَّ السُّلطانُ، ووكيلُ كلِّ واحدٍ من هؤلاءِ يقومُ مَقَامَهُ، ولا يُزَوِّجُ الأبعدُ مَعَ وجُودِ الأقربِ إلاَّ لِعُذْرٍ كَعَضْلٍ، وجُنُونٍ، وغَيبةٍ، وَصِغَرٍ، وَيَتَوَلَّى طَرَفَي العقدِ إذا زوَّجَ عَبْدَهُ الصّغيرَ مِنْ أمتِهِ، ويُجْبِرُ الأبُ أولادَهُ الصّغارَ والمجانينَ والبُكَّرَ، وَالسيدُ إماءَهُ الأبكارَ والثُّيَّبَ(1)، وَعبيدَهُ الصِّغَارَ، ولا يزوِّجُ غَيرُهُما إلاَّ بإذنٍ، إلاَّ المَجنُونةَ إذَا ظَهَرَ منها المَيلُ إلَى الرِّجالِ.
وإذنُ بنتِ تِسْعِ سِنِينَ معتبرٌ في الأظهرِ، وإذنُ الثيِّبِ الكلامُ، وإذنُ البكرِ الصُّمَاتُ.
ويُقَدَّمُ في الأولياءِ الأَعْلَمُ، ثُمَّ الأَسَنُّ، ثُمَّ القُرعَةُ .
__________
(1) انظر: "الإقناع" (3/320)، وفي "الدّر النقي" (3/618): (وجمعها: ثَيْبٌ على وزن : عَيْبٌ).(1/68)
بابُ المحرَّماتِ في النّكاحِ
يَحْرُمُ مِنَ النّسبِ والرَّضَاعِ غيرُ ولدِ العُمُومَةِ والخُؤُولَةِ، وَمِنَ المُصَاهَرةِ بالعقدِ زَوجَةُ أَصْلِهِ، وَفَرْعِهِ، وَأَصْلُ زَوجَتِهِ، وبالدُّخولِ فَرعُها، ومثلُها الوطءُ بشبهةٍ، أو زِناً، أو مُلكٍ، وتَحْرُمُ بِنْتُهُ مِنَ الزِّنا.
ولا يُجْمَعُ بينَ امرأةٍ وأختِهَا، أو عمَّتِهَا، أو خالَتِهَا، ولَو بِتَسَرٍّ، وَلا يَنْكِحُ كافرٌ مُسْلِمَةً، ولا مُسلِمٌ كافرةً، إلاَّ حُرَّةً كتابيةً، وإنَّما يَنْكِحُ حُرٌّ مسلمٌ أمَةً مُسلِمةً لِخوفِ عَنَتٍ، وفَقْدِ طَوْلِ حُرَّةٍ، ولو بَقِيَ الشّرطانِ أُبِيحَ لهُ أربعٌ.
وَيَحْرُمُ إلى أَمَدٍ زوجةُ الغيرِ، ومعتَدَّتُهُ، ومستْبرأتُهُ، والزّانيةُ حتى تتوبَ وتعتدَّ، والمُستَوفَى طلاقُها حتى تَنْكِحَ زوجاً غَيرَهُ بلا حِيلةٍ، والمُحْرِمَةُ حتى تَحِلَّ، وَمُلاعِنةٌ، والخامسةُ للحرِّ، والثالثةُ للعبدِ، وَلا يَنْكِحُ سَيِّدَتَهُ، ولا أمَتَهُ، ولا حُرٌّ أمَةَ ولدِهِ، ولا حُرَّةٌ عبدَ ولدِهَا .
بابُ الخيارِ
يَثبتُ لَهُمَا مُتراخِياً ما لَمْ يَحْصُلْ رِضاً، بِحاكمٍ، بِجنونٍ، وجُذامٍ، وبَرَصٍ، ورِقٍّ، وله بِقَرَنِهَا، ورَتَقِهَا (وفَتْقِهَا)(1)، ولَها بِعُنَّتِهِ وجَبِّهِ .
ولا يَجوزُ تعليقُ النِّكاحِ، وَلا يَصِحُّ شِغَارٌ، ومُحَلِّلٌ، وَمُتعَةٌ، وإن شَرَطَ أنْ لا مَهْرَ ولا نَفَقَةَ ونَحْوَهُ بطلَ الشَّرطُ، وإن شَرَطَ ألاَّ يُخْرِجَهَا مِنْ بلدِهَا، أو دارِهَا، أو لا يتزوجَ عليهَا صحَّ، وَلَهَا الفَسْخُ بِخُلْفِهِ .
بابُ نِكَاحِ الكُفَّارِ
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/69)
نِكاحُهُمْ مُعتَبَرٌ ما اعتقدُوا حِلَّهُ، ولَم يَتَرافَعُوا إلينا، وإن تَرافَعوا صَارَ كَأنكِحَتِنَا، وإنْ أسلَمَ أحَدُ الزَّوجَينِ غَيرَ الكِتَابِيَينِ، أو زَوجَةُ كِتَابِيٍّ فلا نِكَاحَ قبلَ الدُّخولِ، ولا مَهْرَ، وبَعْدَهُ تَقِفُ الفُرْقَةُ على إسلامِ الآخَرِ في العِدَّةِ، فَإِنْ أسلَمَا مَعَاً، أو زَوجُ الكتابيةِ فَهُمَا على النِّكاحِ، فَلَو أَسْلَمَ عَنْ أَكْثَرَ مَنْ أربعٍ أُجبِرَ على اختيارِ أربعٍ، وَطَلاقُهُ ووطؤهُ اختيارٌ .
كتابُ الصَّدَاقِ
يُسَنُّ فِي العقدِ، ولو قليلاً، ومنفعةً معلومةً، وألاَّ يزيدَ على خَمْسِمَائَةِ درهمٍ، وكلُّ ما جَازَ ثَمناً جَازَ صداقاً، وإنَّما يُنَقِّصُهَا مِنْ مَهْرِ المِثْلِ أبُوهَا، ولو لَمْ يُسَمِّ شيئاً وَجَبَ بِفَرْضِهَا، أو الحاكِمِ، وإلاَّ وَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ بِالدخُولِ، والمُتْعةُ قَبْلَهُ، وأعلاها خَادِمٌ، وأدنَاهَا كِسْوَةٌ تُجْزِئهَا الصَّلاةُ فيهَا، ولو أصْدَقَهَا مُعَيَّناً فوجدَتْهُ معيباً خُيِّرتْ بينَ أَرْشهِ وَرَدِّهِ وأخذِ قيمتهِ، وإنْ كانَ خَمراً أو مغصوباً وعَلِمَتْهُ وقتَ العقدِ فلها مَهْرُ المِثْلِ، وإلا فَالقِيمَةُ، كما لو تزوَّجَهَا على عبدٍ فتعذَّرَ، فالقيمةُ، ولو اختلفَا قُدِّمَ قولُ مُدَّعِي مَهْرِ المِثْلِ.
وكُلُّ فُرْقَةٍ قبلَ الدخولِ مِنْ جِهَتِهَا تُسْقِطُ المهرَ، ومِنْ جهتهِ، أو أجنبيٍّ تُنَصِّفُهُ، وَيَرْجِعُ على الأجنبيِّ، وإنْ دخَلَ استقرَّ، كالموتِ، والخَلوَةِ .(1/70)
وتُسَنُّ وَلِيمَةُ العُرْسِ، ويُكرهُ النِّثَارُ والتقاطُهُ، والأولى قَسْمُهُ، وَتَجبُ إجابةُ مُسْلِمٍ عُيِّنَ(1) فِي الأولِ، ويُسَنُّ إِعْلانُهُ، وَضَرْبُ دُفٍّ للنساءِ، كَمَا في العيدِ، وقدومِ الغائِبِ .
بابُ عِشرةِ النساءِ
يَجِبُ عَلى كُلِّ واحدٍ مِنَ الزَّوجينِ مُعَاشَرَةُ الآخَرِ بالمَعرُوفِ، وأداءُ حَقِّهِ بلا مَطْلٍ وكُرْهٍ، ويَجِبُ تسليمُ نفسِهَا، وطاعتُهُ استِمتَاعاً، ما لَمْ يكنْ عُذرٌ، ولا يطأُ فِي حيضٍ، وَدُبُرٍ، ولا يَعْزِلُ عَنْ حُرَّةٍ بغيرِ إذنِهَا، ولا عَنْ أمَةٍ بِغيرِ إذنِ سيِّدهَا، ويُلزِمُهَا بالغُسلِ الواجبِ، وأَخْذِ ما يُعَافُ، ويَجمعُ بينهنَّ بغُسْلٍ، لا مَسْكَنٍ كُرْهاً.
وحَقُّهَا المَبيتُ عندَهَا ليلةً مِنْ أربعٍ، وَمِنْ ثَمانٍ لِلأمَةِ، وإصَابتُهَا كلَّ أربعةِ أشهرٍ مرَّةً، إن لَمْ (يكنُ) (2) عذرٌ، وإلاَّ فلها الفسخُ بِحاكمٍ، كما لو سافَرَ أكثرَ مِنْ ستّةِ أشهرٍ فطلبتْ قدومَهُ فأبَى مِنْ غيرِ عذرٍ، ومتى مَنَعَتْهُ حَقَّهُ ، أو تَكَرَّهَتْ به وَعَظَهَا وَزَجَرهَا قولاً ، فإنْ أبتْ هَجَرَهَا مَضْجَعاً ما شاء، وكلاماً دونَ
__________
(1) هذا الذي يظهر من الأصل (عُيِّنَ) بالبناء للمجهول، ولم يتضح لي وجهه، لأن هذه الجملة صفة، والإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله، والتقدير: ويجب أن= =يجيب أخاه المسلمَ إذا عينه، ويمكن تخريج ما ذكر على إضافة المصدر إلى فاعله، أي: ويجب أن يجيب المسلمُ إذا عُيِّنَ، لكن فيه ركاكة من جهة اللفظ، ومن جهة أخرى أن الفقهاء لا يذكرون - هنا- الإسلام صفة للمدعو، وإنما هو صفة للداعي، والأظهر عندي (عَيَّنَ)، والله أعلم.
(2) من حاشية الأصل.(1/71)
ثلاثٍ، فإنْ أصرَّتْ فَلَهُ ضربُهَا يَسيراً، وإنْ مَنَعَهَا الحقَّ مُنِعَ مِنْهَا حتى يُحْسِنَ عِشْرتَهَا ، فإن ادَّعى كلُّ واحدٍ ظُلمَ الآخَرِ أُسْكِنَا بقُربِ ثقةٍ يُلزِمُهُمَا الإنصافَ ، فإنْ صَارَا إلَى الشِّقاقِ بَعَثَ الحاكمُ عَدلينِ مُسْلِمَينِ، يَفْعَلانِ بِتوكيلِ الزَّوجَينِ الأَصْلَحَ مِنْ جَمْعٍ أو فُرْقَةٍ، فإنْ امْتَنَعَا لَم يُجْبَرَا في روايةٍ، لَكِنْ يَمْنَعُ الحاكمُ ظُلمَهُ.
بابُ القَسْمِ
تَجِبُ التَّسْوِيَةُ في القَسْمِ، لا الوَطءِ، وعِمَادُهُ الليلُ، لا لِحارسٍ وَنَحوِهِ، لِلحُرَّةِ ضِِعْفُ الأمَةِ، ولِلجَدِيدَة فَضْلٌ بالزِّفَافِ، للبكرِ سَبْعَاً، ولِلثيِّبِ ثلاثاً، فإنْ اسْتَوَيَا فالقُرْعَةُ، فلو بدَأَ، أو سَافَرَتْ مَعَهُ بلا قُرْعَةٍ، أَتَمَّ(1) وَيقضِي، ولَهَا أن تَهَبَ حَقَّهَا لبعضِ ضَرَّاتِهَا، بِإذْنِهِ، وَلهُ فيجعَلُهُ لِمَنْ شَاءَ، ويُسمِّي عِندَ الوطءِ، ويقولُ ما وَرَدَ .
بابُ الخُلعِ
وإذَا خَافَتْ ألاَّ تُقِيمَ حُدودَ اللهِ فَلَهَا فداءُ نفسِهَا، بِما يَريانِهِ، وَتَبينُ به، فَلا يَلحَقُهَا بَعْدَهُ طَلاقٌ، وَيَجوزُ بِمَجهُولٍ، وكلِّ مَا يَصِحُّ صَداقاً، مِنْ زوجٍ يَصِحُّ طَلاقُهُ، مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، ولو أَجْنَبِيٍ، ولا يُسَنُّ بأكثرَ مِما أعْطَاهَا، فإن قالت: عَلَيَّ ما في يَدِي مِنَ الدَّرَاهِمِ فَلَهُ ما فِيهَا، وإلاَّ فَثَلاثَةُ دَرَاهِمَ، وفِي المُبْهَمِ أَقَلُّهُ.
كتابُ الطَّلاقِ
__________
(1) هكذا في الأصل (أتمَّ) بالتاء المثناة، والمثبت في كتب المذهب قبل المؤلف وبعده، (أثِمَ) بالمثلثة، وهو أقرب، انظر: "المغني" (10/253)، "تجريد العناية" ص (25)، "الوجيز" ص (357) وغيرها.(1/72)
إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ زَوجٍ عَاقِلٍ، مُختَارٍ، لا مَنْ زَالَ عَقلُهُ بِمُبَاحٍ، أو إكرَاهٍ بِضَربٍ وَنَحوِهِ بِغَيرِ حَقٍّ، وَيَملِكُ الحُرُّ ثَلاثاً، وَالعَبدُ طَلقَتَينِ، ويَحرُمُ جَمْعُ الثّلاثِ، وَطَلاقُ مَنْ دَخَلَ بهَا فِي حَيضٍ أو طُهرٍ أصَابَهَا فيهِ ويَقَعُ، وَلا سُنَّةَ وَلا بِدعَةَ لِحَامِلٍ، وآيِسَةٍ، وَصَغِيرةٍ كغير مَدخُولٍ بهَا.
وَصَريِحُهُ: الطّلاقُ ، والسَّرَاحُ ، والفِرَاقُ، وَغَيرُهُ كِنَايَةٌ، إن احتَمَلَهُ ، ونَوَاهُ ، وَقَعَ بِالظَّاهِر ثَلاثٌ ، وَهِيَ: أَنتِ خَلِيَّةٌ، وَبَرِيَّةٌ، وَبَائِنٌ ، وَبَتَّةٌ ، وَبَتْلَةٌ ، وحُرَّةٌ ، والحَرَجُ ، وبِغَيرِهَا مَا نَوَاهُ ، وإلاَّ وَاحِدَةٌ.
ويُعَلَّقُ بالشَّرطِ ، كَالعِتقِ ، بَعدَ النِّكَاحِ ، والمُلكِ ، وَأدَوَاتُ الشَّرطِ إنْ، وإذَا، وَمَتَى، وَكُلَّمَا، وَمَنْ، وأيٌّ، وكُلُّها عَلى الفورِ مَعَ "لَمْ"، خَلاَ : إنْ، وكُلَّمَا للتِّكرارِ، وَغَيرُ المَدخُولِ بهَا تُبِينُها الوَاحِدَةُ، وتُحَرِّمُهَا الثلاثُ، ولو بالوَاوِ، وَلا يَتَجَزَّأُ ولا مَحَلُّهُ، فَرُبعُ طَلْقَةٍ ، أو نِصفُكِ طَالِقٌ ، واحدةٌ ، لا إنْ أضَافَهُ إلَى ما يَزُولُ، وَيَصِحُّ استِثنَاءُ الأقَلِّ.
وَلَو شَكَّ فِيهِ، أو عَدَدِهِ، أو فِي الرَّضَاعِ، أو عَدَدِهِ، أو شَرْطٍ أَخَذَ باليقينِ، فإن أَبْهَمَ(1) أو نَسِيَ المعيَّنَةَ أَقْرَعَ، ثُمَّ إن بانَتْ غَيرَها رُدَّتْ إليه، فإنْ مَاتَ قبلَ القُرعةِ فالورثَةُ مِثْلُهُ .
كتابُ الرَّجْعَةِ
__________
(1) ظاهر الأصل: ( أتهم )، والمثبت من كتب المذهب. انظر: "مختصر الخرقي" ص (105)، "الوجيز" ص (382).(1/73)
مَنْ طَلَّقَ دُونَ مُلكِهِ، بِلاَ عِوَضٍ، فَلَهُ رَجْعَةُ المَدْخُولِ بهَا، مَا دَامَتْ فِي العِدَّةِ، بـ: رَاجَعْتُ، أو: أمسَكْتُ ونَحْوِهِ، وَبِالوَطءِ، وَفِي: نَكَحْتُ، وتَزَوَّجْتُ وَجْهٌ، بِلا وَلِيٍّ، ولا رِضَاهَا، وَهِيَ زَوجَةٌ يَلحَقُهَا الطَّلاقُ، والظِّهارُ، والإِيلاءُ، وَتَعُودُ على مَا بَقِيَ مِنَ الطَّلاقِ وَلَو بَعْدَ زَوجٍ، ولا تُعلَّقُ الرَّجْعَةُ، ولا تَصِحُّ فِي الرِّدَّةِ، وَتُسْتَحَبُّ فِي البدعيِّ، ويُقَدَّمُ قولُهَا فِي انقضاءِ عدَّتِهَا، مَا ادَّعَتْ مُمكِنَاً، واللَّهُ أعلَم .
كتابُ العِدَد
لا عِدَّةَ بِفُرقَةِ الحَيَاةِ قَبلَ مَسِيسٍ أو خَلوَةٍ، والمُعْتَدَّاتُ ستَّةٌ: أولاتُ الأحْمَالِ أجلُهُنَّ بِالوَضْعِ، وهوَ مَا تَصِيرُ بهِ أمَّ وَلَدٍ، فإن كانَا تَوأَمَينِ فبالآخِرِ.
الثانِي: المُتَوَفَّى عَنْها زَوجُهَا، عدَّتُهَا أربعةُ أشهرٍ وَعَشْراً(1)، وتَتَنصَّفُ بالرِّقِّ.
الثالثُ: المُطَلقَاتُ فِي الحياةِ مِنْ ذَوَاتِ القُرُوءِ، يَتَرَبَّصنَ بِثَلاثِ حِيَضٍ، وَالأمَةُ حَيضَتَانِ.
الرابعُ: اللائي يَئِسْنَ، واللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ، فَثلاثةُ أشهُرٍ، والأمَةُ شَهرَانِ.
والخامسُ: مَنِ ارتفعَ حَيضُهَا لا تَدْرِي سَبَبَهُ، تَعتدُّ سَنَةً، وإنْ عَلِمَتْ فحتَّى يَعُودَ.
__________
(1) هكذا في الأصل، وهو موافق للآية، لكنه مخالف للمعطوف عليه، فحقُّه الرفع.(1/74)
السَّادسُ: امرأةُ المفقُود بِمَهْلكَةٍ، أو مِنْ بينِ أهلهِ فلمْ يُعلمْ خَبَرُهُ، تَتَرَبَّصُ أربعَ سنينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ للوفَاةِ، والغَيبَةُ التِي ظَاهِرُهَا السَّلامةُ فَتَبقَى أبداً، وَعَنْهُ: تِسعِينَ سَنَةً مِنْ يَومِ وُلِدَ، وَلَو خَرَجَتْ لسفرٍ أو حَجٍّ فتوفّي زَوجُهَا رجعتْ لقضاءِ العدَّةِ بمنْزلهِ إنْ قَرُبَتْ، وَلَو أسلَمَتِ امرأةُ الكَافِرِ ، أو ارتَدَّ زَوجُ المُسلِمَةِ بعدَ الدخُولِ، فَلَها نَفَقَةُ العِدَّةِ، وعَكسُهُ بعَكسِهِ .
فَصْلٌ
تَجْتَنِبُ المتوفَّى عنهَا : الزِّينَةَ ، والطِّيبَ ، ولبسَ المَصْبُوغِ للتَّحَسُّنِ، والإثْمِدَ، وَعَليهَا المَبِيتُ بِمنْزِلِ الوَفاةِ إنْ أمْكَنَ، والمبْتُوتَةُ مِثْلُهَا، إلاَّ فِي المبيتِ فِي الأَشْهَرِ .
بابُ الاستبرَاءِ
مَنْ مَلَكَ أمَةً لَم يُصِبْهَا ولَم يُبَاشِرْهَا حتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَكَذَا المُسْتَفْرَشَةُ والمُعْتقةُ لا تُنْكَحُ حتى تُستبرَأَ، بِالوَضعِ فِي الحَامِلِ، وحَيضَةٍ في الحَائِضِ، وَشهْرٍ فِي الآيِسَةِ، وَعَشَرَةِ أشهُرٍ فِيمَنْ ارتَفَعَ حَيضُهَا لا تَدْرِي سَبَبَهُ .
كتابُ الرَّضَاعِ
يُحَرِّمُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ في الحَولَينِ، وَتَنْشُرُ الحُرْمَةَ إلِى فُرُوعِهِ، لا أُصُولِهِ، وَمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، فإنْ وَطِئَا امْرَأَةً فَوَلَدَتْ فأرضعتْ، فَهوُ ابنُ ذي النَّسَبِ، وَلَو لَهُمَا ، وإلاَّ حَرُمَ عَلَيهِمَا، وَيَثْبُتُ بقولِ امرأةٍ عدلٍ .
كتابُ الظِّهَارِ(1/75)
هُوَ تَشْبِيهُ امرأةٍ أو عُضوِهَا بِمَنْ تَحْرُمُ عليهِ أبداً، أو بِعُضوِهَا، نَحو: أنتِ عَليَّ كَظهرِ أُمّي، أو حَرَامٌ، فتَحرُمُ، حَتَّى يُكَفِّرَ، بِتَحرِيرِ رَقبةٍ مُؤمنةٍ مِنْ قَبلِ أن يَتَمَاسَّا، فَمَن لَم يَجِدْ، فَصِيَامُ شَهرَينِ مُتَتَابِعَينِ، فَمَن لَم يَستَطِعْ، فَإطعَامُ سِتِّينَ مِسكِيناً، ومَنْ كَرَّرهُ قَبلَ التَّكفِيرِ فَوَاحِدَةٌ كَاليَمِينِ، وَكَمَا لَو ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ ، وَإن ظَاهَرَ مِنْ أمَتِهِ أو حَرَّمَهَا ، أو مُبَاحاً، أو هِيَ مِنهُ، لَمْ تَحْرُمْ، وَكَفَّارَتُهُ كاليمينِ، والعَبْدُ بِالصِّيَامِ .
بابُ الإيلاءِ
وهو حَلِفُ زوجٍ مُكَلَّفٍ ولو ذِمِّيٍّ باللَّهِ أو صفتِه عَلى تركِ وطءِ زوجَتِهِ في القُبُل أَكْثَرَ مِنْ أربَعةِ أشهُرِ، فَيُمْهَلُ أربعةَ أشهُرٍ، فَإن فَاءَ وإلاَّ أُمِرَ بِالطّلاقِ، وإن أنْكَرَ الإيلاءَ، أو مُضِيَّ الأربَعَةِ، أو ادَّعى الوَطءَ وهي ثيِّبٌ قُدِّمَ قولُهُ، وفَيئَةُ العَاجِزِ قَولُهُ : إذا قَدِرْتُ جَامَعْتُ.
بابُ اللِّعَانِ(1/76)
إذا قَذَفَ مُكلّفٌ زَوجَتَهُ المُحْصَنَةَ، أي: البَالِغَةَ العَاقِلَةَ الحُرَّةَ المُسلمةَ العَفِيفَةَ، بالزِّنَا، فالحَدُّ، إن طَلَبَتْ، وإلاَّ عُزِّرَ، وَيُسْقِطُهمَا بِبَيِّنَةٍ وبِلِعَانِهِ، بِأن يَشهَدَ أربعَ { ON¨y‰"uhx© بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) èp|،دJ"sƒù:$#ur أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ ON¨y‰"pky بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) sp|،دJ"sƒù:$#ur أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) } (1) ويُخَوَّفَانِ عندَ الخامسةِ، ثُمَّ يُفرِّقُ بَينَهُما الحاكِمُ أبداً، وإن نَفَى الوَلَدَ انتَفَى، مَا لَم يَكُنْ أقَرَّ بِهِ أو وُجِدَ مِنهُ الدَّلالَةُ عَلى الإِقرارِ بِهِ ، وَمَتَى أمكَنَ كَونُ الوَلَدِ مِنَ الوَاطئِ لَحِقَهُ، لا مِنْ زِنَا ، واللَّهُ أعلَمُ .
بابُ الحضَانَةِ
أحَقُّ النَّاسِ بِكَفالَةِ الطِّفْلِ والمَعتُوهِ أُمُّهُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا، ثُمَّ الأبُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ الجدُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ الأختُ للأبوينِ، ثُمَّ الأبِ، ثُمَّ الأُمِّ، ثُمَّ عمّتُهُ، ثُمَّ خالتُهُ، ثُمَّ أقربُ النِّساءِ، ثُمَّ أقربُ عَصَبَاتِهِ، وَتُمنَعُ بِرِقٍّ، وفِسْقٍ، وَتزَوُّجٍ بأجنَبِيٍّ، وتَعودُ بِزَوالِ المَانِعِ، وابنُ سَبْعٍ يُخَيَّرُ، فَإن أبَى فَالقُرْعَةُ ، وَمَنْ سافَرَ إلَى بَلدٍ بَعيدٍ لِيَسْكُنَهَا وهو وطَرِيقُهُ آمنَانِ فالأبُ أحقُّ، كابْنَةِ السَّبعِ مُطلَقاً، وَعَلَيهِ أن يَسْتَرْضِعَ لِوَلَدِه، وأُمُّهُ أحقُّ، ولو بأُجْرَةِ مثلِهَا .
كتابُ النَّفَقَاتِ
__________
(1) سورة النور، الآيات (7-9).(1/77)
تَجِبُ لِزَوجَةٍ يُوطأُ مِثْلُهَا غَيرَ مُمْتَنِعَةٍ ، ولِرَجْعِيَّةٍ، وحَاملٍ، قَدْرَ كِفَايَةٍ، مُعْتَبَرَةٍ بِحَالِ الزَّوجَينِ في مَحِلِّهِمَا، للمُوسِرَةِ تَحتَ مُوسِرٍ مِنْ أَرْفَعِ خُبْزِ بَلَدِهَا وملبُوسِهَا وسُكْنَاهَا، وَلِلفَقِِيرَةِ أَدْوَنُهُ، وللمتوسِّطَةِ ومَنْ أَحَدُهُمَا غَنِيٌّ مَا بَينَ ذَلِكَ، كُلٌّ على حَسَبِ عَادَتِهِ، بُكْرَةَ اليَومِ، والكِسوةُ أوَّلَ السَّنَةِ، وَيَلزَمُهُ ما يعودُ بِنظَافَتِهَا مِنْ دُهنٍ وسِدْرٍ وماءٍ، لا طَبِيبٍ، ودَوَاءٍ، وطِيْبٍ، وَحِنَّاءٍ وَنَحوِه، ويُخْدِمُهَا لمَرَضِهَا أو كَونِ مِثْلِهَا لا تَخْدُمُ نَفْسَهَا، ولو بَذَلَتِ التَّسْلِيْمَ فَرَضَهَا الحاكمُ، ويُمْهَلُ الغائبُ حَتَّى يُرَاسَلَ .
فَصْلٌ
تَجِبُ نَفَقَةُ الفقراءِ الوارثينَ بِفَرْضٍ أو تَعْصِيبٍ، مِنْ أصولِهِ وفروعِهِ، إن فَضَلَ عندَه عَنْ وَاجِبِ نَفَقَتِهِ، وَيُبْدَأُ بالأقربِ، وَيُقْسَمُ عَلى كُلِّ وَاحدٍ بِقدرِ إرثِهِ، إلاَّ الأبَ فعليهِ وَحْدَهُ.
وتَجِبُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ، وبَهائمِهِ بالمَعرُوفِ، وإِعْفَافُ مَنْ تَتَحَتَّمُ نَفَقَتُهُ، فَإن أبَى أُجبِرَ، إلاَّ أن يبيعَ أو يَذبحَ المَأكولَ .
كتابُ الجناياتِ
القَتلُ إمَّا عَمْدٌ، وهُوَ قَصْدُ الجِنَايَةِ بِمَا يَقتلُ غالباً، وإمَّا شِبهُ عَمْدٍ، وَهوَ قَصْدُهَا بِمَا لا يَقتُلُ غالباً، وإمَّا خَطأٌ مِثْلُ رَمْيِهِ هَدَفاً فَيُصِيبَ بَشَراً، والقَوَدُ فِي العمدِ، فَإن عَفَا عَنهُ إلِى الدِّيَةِ، أو مَاتَ الجَانِي، وَجَبَتْ مُغلَّظَةً، حَالَّةً، وفِي الخَطَأِ وَعَمدِهِ دِيَةٌ، مؤجَّلَةٌ فِي ثَلاثِ سِنين، عَلَى العَاقِلَةِ، تُخَفَّفُ فِي الخَطَأِ، وتُغلَّظُ فِي العَمْدِ .
بابُ القَوَدِ(1/78)
يُقَادُ ولَو جَمْعٌ بواحدٍ، فِي نَفسٍ وَعُضْوٍ لَه مِفْصَلٌ، أو حَدٌّ ينتهي إليه، ويُشْتَرَطُ كَونُ الجَانِي مُكَلَّفَاً، غيرَ أصْلٍ، والمَقْتُولُ مَعْصُوماً، مُكافِئاً دِيناً وَحُرِّيَّة، وتَسَاوِي مَحَلِّ العُضْوَينِ، ولَمْ يَخْتَصَّ المَقْطُوعُ بِنَقْصٍ، واتَّفَقَ جَمِيعُ الأولياءِ عَلَيهِ، وَكَانَ مُسْتَحِقُّهُ مكلّفاً، وإلاَّ حُبِسَ الجَانِي حَتَّى يُكلَّفَ، وأن يُؤمَنَ التَّعَدِّي إلَى غَيرِ الجَانِي، فلا يُقَادُ مِنْ حَاملٍ حَتَّى تَضَعَ وتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، كالحَدِّ.
وَيَضْمَنُ سِرَايةَ الجِنَايَةِ، ما لَمْ يَستَوفِ قَبلَ البُرءِ، لا القَوَدَ، وإنَّمَا يُقْتَصُّ بَعدَ بُرْءِ الجُرحِ وَيَأْمَنَ النِّزَّ، ومَتَى وَرِثَ الجَانِي، أو ولدُهُ شيئاً مِنْ دَمِهِ سَقَطَ القِصَاصُ، ولَو قَتَلَ واحِدٌ جَماعةً وَرَضُوا بِقَتلِهِ قُتِلَ، وإنْ تَشَاحُّوا قُتِلَ بالأوَّلِ ، وللباقينَ دِيةُ قَتِيلِهِم، وإنَّمَا يُستوفَى بالسَّيفِ بالعُنُقِ، وَلَو مَثَّلَ فَلَهُم فِعْلُ مِثْلِهِ، لا مُحَرَّمَاً.
ولو فَعَلَ أحَدُهُما فِعلاً لا تبقى الحياةُ مَعَهُ كَقَطع وَدِجَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَ الآخَرُ عُنَقَهُ، فَالأَوَّلُ القَاتِلُ، وعكسُهُ بِعَكسِهِ، وإن أَمَرَ عالِماً بتحريمِ القتلِ ففعَلَ قُتِلَ القاتِلُ وأُدِّبَ الآمِرُ، ولو ألزمهُ قُتِلاَ، وإلاَّ قُتِلَ الآمِرُ، ويُحْبَسُ المُمْسِكُ حتى يَمُوتَ .
كتابُ الدياتِ
كُلُّ مَنْ أتْلَفَ إنسَاناً أو جُزءَاً مِنهُ بِمُبَاشَرَةٍ، أو تَسَبُّبٍ فَعَلَيهِ دِيَتُهُ، كَإلقَائِهِ على حَيَّةٍ، أو سَبُعٍ، أو نَارٍ، أو ماءٍ لا يُمكنهُ التَّخَلُّصُ مِنهما(1)، أو طَرَحَ بِطَرِيقٍ قِشْرَ بِطِّيخٍ، أو حَفَرَ بِئرَاً، أو وَضَعَ حَجَرَاً ونَحوَهُ، أو تعدَّى بِرَبْطِ دَابَّةٍ أو غيرِهَا.
__________
(1) انظر: "الكافي" (5/194).(1/79)
ودِيَةُ الحُرِّ المُسلِمِ مَائَةٌ مِنَ الإِبلِ، أو مَائَتَا بَقَرَةٍ، أو ألفَا شَاةٍ، أو أَلفُ مِثقَالِ ذَهَبٍ، أو اثنَا عَشَرَ أَلفَ دِرهَمٍ، المُغَلَّظَةُ ثَلاثُونَ حِقَّةً، وثلاثونَ جَذَعَةً، وَأربَعُونَ خَلِفَةً حَامِلاً،والمُخَفَّفَةُ عِشرونَ بَنِي مَخَاضٍ، وعِشرُون بَنَاتِ لَبُونٍ، وعِشرُون بَنَاتِ مَخَاضٍ، وعِشرُون حِقَّةً، وعِشرُونَ جَذعَةً، وَدِيَةُ الكِتَابِيِّ نِصفُ دِيَةِ المُسلِمِ ، وَالمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائةِ دِرهَمٍ ، وَالأنثَى فِي الكُلِّ عَلى النِّصفِ، لَكِن تُساوي جِرَاحَهُ إلَى الثلثِ، وَدِيَةُ العَبدِ قِيمَتُهُ، وَجنِينُ الحُرِّ المُسلِمِ غُرَّةٌ، قِيمَتُهَا خَمسُ إبِلٍ، وَإن كَانَ كِتَابِيَّاً فَعُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، أو عَبداً فَعُشْرُ قِيمَتِهَا، وَلَو سَقَطَ حَيَّاً، ثُمَّ مَاتَ مِنَ الضَّربَةِ فَالدِّيَةُ، إذَا كَانَ لِوَقتٍ يَعِيشُ لمِثْلِهِ .
بابُ موجبِ القِصاصِ(1/80)
مَا فِي الإِنسَانِ مِنهُ شَيءٌ فَفِيهِ الدِّيةُ، وَشَيئَانِ فَأكثَرُ فِي الكُلِّ الدِّيَةُ، وفِي البَعضِ بِحِسَابِهِ، فَفِي اليَدِ نِصفُهَا، وفِي الجِفنِ رُبعُهَا، وإِصْبَعٍ وَهَاشِمَةٍ عُشْرُهَا، وَسِنِّ مُثْغِرٍ وَمُوضِحَةٍ، وأُنْمُلةِ إبْهَامٍ نِصفُ عُشْرِهَا، ومُنَقِّلَةٍ عُشْرٌ وَنِصْفٌ، وَجَائِفَةٍ وَدَامِغَةٍ وَآمَّةٍ ثُلُثُهَا، وفِي جُرحٍ لا مُقَدَّرَ فِيهِ، وَعُضوٍ بِلا نَفعٍ حُكُومَةٌ،وَهِي أن يُقدَّرَ المَجنِيُّ عَلَيهِ كَأنَّه عَبدٌ بِلا جِنَايَةٍ ، ثُمَّ يُقَدَّرُ وَهِيَ بِهِ قَد بَرَأتْ، فَمَا نَقَصَ فَلَهُ مِثلُهُ مِنَ الدِّيةِ، ولا يُجَاوَزُ بها أرشُ المُقَدَّرِ، وفِي بَعضِ كَلامِهِ بِحِسَابِهِ مِنْ حروفِهِ، وَذِرَاعٍ، وَزَنْدٍ، وَعَضُدٍ، وفَخِذٍ، وَسَاقٍ، بَعِيرَانِ، وضِلَعٍ وَتَرقُوَةٍ بَعِيْرٌ، وَأنْمُلَةٍ ثُلُثُ عَقْلِها، وفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الحَدَبِ، وَالصَّعَرِ، وَتَسوِيدِ الوجهِ، وَاستِطلاقِِ البَولِ دِيَةٌ، كَقَرعِ رَأسهِ أو لِحيَتهِ، وَكَذَا أنفُ الأخْشَمِ، وَأذُنَا الأصَمِّ، وَجِنَايَةُ العَبدِ فِي رَقَبَتِهِ، وَيَفدِيهِ سَيِّدُهُ بَأقَلِّ الأمرَينِ مِنْ أرشِهَا أو قِيمَتِهِ، ولَو جُنِيَ عَلَيهِ وَجَبَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ.
بابٌ
العَاقِلَةُ عَصَبَاتُه، وَإنَّما يُحَمَّلُ ذَكَرٌ مكلّفٌ، حُرٌّ، غَنِيٌّ،
مُوَافقُ دِينِهِ، بِفَرضِ حَاكِمٍ بِقَدرِ حَالِهِ، وَمَا فَضَلَ عَلَى القَاتِلِ كَمَنْ لا عَاقِلَةَ لهُ، ولا تَحْمِلُ عَمدَاً، وَلا عَبدَاً، وَلا صُلحَاً، ولا اعتِرَافاً، ولا دُونَ ثُلثِ الدِّيَةِ، وَعَمدُ صَبِيٍّ وَمَجنُونٍ خَطَأٌ، فَتَحمِلُهُ العَاقِلَةُ، ولا عَاقِلَةَ لِمُرتَدٍّ، ولا مَنْ أسلَمَ بَعدَ الجِنَايَةِ، أو الجَرحِ .
وتَجِبُ بِقَتلِ مُسلِمٍ وَذِمِّيٍّ بِغَيرِ حَقٍّ، وَشِرْكَةٍ، وَإمْلاَصٍ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ .(1/81)
بابُ القَسَامَةِ
تُشْرَعُ فِي العَمدِ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَفِي الخَطأِ عَلَيهِ، أو عَلَى مُعَيَّنِينَ، بِشَرطِ اتِّفَاقِ الأولِيَاءِ، واللَّوْثِ كَعَدَاوةٍ ظَاهِرَةٍ، فَيَحلِفُ الوَلِيُّ خَمسِينَ يَمِينَاً، وَيَستَحِقُّ دَمَهُ، وفِي الخَطَأِ دِيَتَهُ، وَلَو كَانُوا جَمَاعَةً وُزِّعَتْ عَلَيهِم بِقَدرِ إرثِهِمْ وجُبِرَ الكَسْرُ، فإن أبَوا أو كَانُوا نِسَاءً حَلَفَ المُدَّعى عليهِ خَمسِينَ يَمِيناً وبَرِئَ، فإنْ نَكَلَ، أو لَمْ يَرْضَوا بها(1) أُدِيَ مِنْ بيتِ المَالِ .
بابُ البُغَاةِ
يُعْتَبَرُ كونُ الإِمامِ قُرَشِيَّاً، ذكراً، حُرَّاً، عَدْلاً، مُجتهِداً، شُجَاعاً، مُطَاعَاً، ذَا رَأيٍ، سَمِيعاً، بَصِيراً، نَاطِقاً، بِبَيعَةِ(2) أَهلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ، مِنْ العلماءِ ووجوهِ النَّاسِ، بصفةِ الشهودِ، أو بنصِّ مَنْ قَبْلَهُ، أَو استيلاءٍ، ويُشَاوِرُ ذَا العلمِ والرَأي، ولا يَقْعُدُ عن مُهِمٍّ.
فالبُغاةُ مَنْ خَرَجَ عليهِ بتأويلٍ سائغٍ ولَهُمْ شوكةٌ، فَيُزِيلُ ما يَنْقِمُونَ، ولهُ إنظَارُهُم مُدةً، لا خَدِيعَةً، فإن أصَرُّوا دَفَعَهُمْ بالأَسْهَلِ، وإلاَّ قَاتَلَهُم، وَيَجِبُ عَونُهُ، ولا يُجَازُ على جَرِيحٍ، ولا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، ولا تُسْبَى الذُّريَّةُ، ولا يُغْنَمُ مالُهُم ، بل يُرَدُّ بعدَ القِتَالِ ، كالأسيرِ ، ولا يُقَاتَلُ بِمَا يَعُمُّ إتلافُهُ ، كَنَارٍ ومَنْجَنِيقٍ.
بابُ الرِّدَّةِ
__________
(1) في الأصل: (لم يرضونها) بإثبات النون مع دخول الجازم، وصوابه: يرضوها، أو: يرضوا بها، والأخير هو المثبت في كتب الفقه.
(2) في الأصل: (يتبعه أهلُ الحل والعقد) ومعناه صحيح، لكن يشكل عليه العطف بعده بـ(أو)، والمثبت من المطبوع، وهو أوضح وأنسب للسياق، وهو المستفاد من كتب المذهب. انظر: "الكافي" (5/305)، "المنتهى" (5/164).(1/82)
هِيَ كُفرُ مُسلِمٍ مُختَارٍ عَاقِلٍ، باللَّهِ، أو صفةٍ من صِفاتِهِ، أَو جَعَلَ لَهُ شَريكاً أو نِدَّاً أو وَلداً ونحوَهُ، أَو جَحَدَ نبّياً أَو كِتاباً من كُتبهِ تَعالى، أو عبادةً مِنَ الخَمْسِ، أَو مُجْمَعَاً عَلى حِلِّهِ أَو حُرْمَتِهِ، ونَحوِهِ مِنَ الأَحكامِ ظَاهِراً، مِمَّنْ لا يَجْهَلُ مِثلُهُ، وكذا سَبُّ اللَّهِ ورَسُولِهِ، أو تَشْبِيهُهُ بِخَلقِهِ، فُيسْتَتَابُ ثَلاثاً، فإن أسَلَمَ وإلاَّ قُتِلَ، وَمَالُهُ فَيءٌ، ولا يُرَقُّ ولا وَلَدُهُ الذي وُلِدَ قَبْلَ الرِّدَّةِ .
كِتَابُ الحُدوُدِ
إنّمَا يَجِبُ عَلى مُكَلَّفٍ، عَالِمٍ بِالتَّحرِيمِ، ولا يُقيمُهُ إلاَّ الإمامُ أو نَائِبُهُ، أَو سَيِّدٌ بالجَلدِ خَاصَّةً، وَيَتَنَصَّفُ بالرِّقِّ، وَيُحتَسبُ بِبَعْضِهِ، ومَنْ رَجَعَ بعدَ إقرارِهِ بهِ خُلِّيَ، ولا تَتَدَاخَلُ حُقوقُ آدَمِيٍّ، بَلْ يُبدَأُ بِغَيرِ القَتلِ، وتُقَدَّمُ عَلَى غَيرِهَا، وأمَّا حُدودُ اللَّهِ فَتَتَدَاخَلُ إنْ كَانت مِنْ جِنسٍ ، أو فِيها قَتْلٌ دَخَلَتْ فِيهِ، وإلاَّ فَلا، لكنْ يُبدأُ بالأخَفِّ، وبعدَ بُرءِ ما قَبْلَهُ، ولا يُقامُ في مَسْجدٍ، ولا حَرَمٍ إنْ لَم يَفْعَلهُ فِيهِ، بل يُضَيَّقُ عَليه بِتركِ البيعِ والشِّراءِ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الحِلِّ، فيُقامَ حينئذٍ .
بابُ الزِّنَا(1/83)
وهو تَغيِيبُ الحَشَفَةِ أو قَدرِهَا في قُبُلٍ أصلِيٍّ، أو دُبُرٍ، من آدَمِيٍّ، حَرَامَاً، مَحْضَاً(1)، مُختاراً، بِلا شُبهةٍ، فَيُرجَمُ المُحصَنُ، ويُجلدُ غَيرُهُ مائةً، ويُغَرَّبُ عَامَاً، بِمَحرَمٍ للمرأةِ، والتَّلَوُّطُ زِناً، وَعَنْهُ فِيمَنْ زَنَا بِذَاتِ مَحْرَمٍ: الرَّجْمُ، ومَنْ وَطِئَ زوجتَهُ فِي نِكاحٍ صَحِيحٍ قُبُلاً وهُمَا مُكَلَفَّان حُرَّانِ فَهُمَا مُحصَنان، وإنَمَا يَثبتُ بإقرارٍ أربعَ مراتٍ، أَو شَهَادةِ أربَعَةِ(2) رِجَالٍ عُدُولٍ، بِزناً وَاحِدٍ، فِي مَكانٍ وَاحِدٍ، بِزَمَنٍ وَاحدٍ، مِنْ وَاحِدٍ، وإلاَّ حُدَّ الشّهُودُ للقَذفِ .
وَيَجِبُ التَّعزيرُ في كلِّ مَعصِيةٍ لا حدَّ فِيها ولا كَفارةَ، كَوطءٍ دُونَ الفَرجِ، أَو دُبُرَ امرَأتِهِ، أَو تَسَاحَقَتَا، أَو اسْتَمْنَى، لا لِخوفِ زناً .
ويَجِبُ بِقَذْفِ مكلَّفٍ ، مُسلماً مُكلَّفاً حُرَّاً عَفِيفاً، بِزناً أَو تَلَوُّطٍ، ثَمانُونَ جَلدةً، إنْ طَلَبَهُ، ويَسْقُطُ بِعَفْوِهِ، أو بَيِّنَةٍ، وَيُورَثُ عَنْهُ .
بابُ حَدِّ السَّرقةِ
يَجِبُ بِسرقَةِ مُكلّفٍ، لِغيرِ أصلٍ أَو فَرعٍ، أَو سَيِّدٍ، أَو عَبْدٍ، أَو شَريكٍ، ونَحوِهِ، نَصاباً رُبْعَ دِينَارٍ، أَو قَدرَهُ، مُحْتَرَماً، مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، ما لا يُعَدُّ بِهِ مُضَيِّعاً، بِلا شُبْهَةٍ، بِطَلَبِ رَبِّهِ، قَطْعُ يُمْنَاهُ مِنَ الكُوعِ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ، أَو عَادَ، فَقَدَمُهُ اليُسْرَى، فَإِن عَادَ حُبِسَ، ويَغْرَمُ العَينَ، وإِنَّما يَثبتُ بِإقرارٍ مَرَّتَينِ، أَو شَهادةِ عَدلَينِ، وتُحْسَمُ بِزيتٍ مِنْ مَالِهِ .
بابُ المُحَارَبَةِ
__________
(1) ظاهر الأصل (مُحْصَناً) ، والمثبت هو الصواب ، انظر : "المحرر" (2/153) ، "الوجيز" ص(469).
(2) في الأصل (أربع رجال)، والصواب: أربعة؛ لأن المعدود مذكور، فيؤنث العدد.(1/84)
مَنْ أَخَافَ السّبيلَ فَقَطْ شُرِّدَ، فإنْ أَخَذَ نِصَاباً قُطِعَتْ كَفُّهُ اليُمنَى وقَدَمُهُ اليُسْرَى، بِمَقَامٍ واحِدٍ، وَمَنْ قَتَلَ انْحَتَمَ القَوَدُ، وَمَنْ أَخَذَ وَقَتَلَ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ، فَإن تَابَ قَبلَ الظَّفَرِ، سَقَطَ الحَدُّ، لا حَقُّ آدَمِيٍ.
وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ على نفسٍ أو مَالٍ أو حَرِيْمٍ بالأَسْهَلِ، ثُمَّ إِنْ قُتِلَ فَهَدَرٌ.
وَمَا أَتْلَفَتْهُ البَهَائِمُ لَيلاً ضُمِنَ، لا نَهاراً إنْ لَمْ يَكنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا، وإِنْ كانَ مَعَها فَيَضْمَنُ ما أتْلَفَتْهُ بفَمِهَا أو يَدِهَا أو رِجْلِهَا، دُونَ نَفْحِهَا ابْتِدَاءً .
بابُ حَدِّ المُسْكِرِ
يَجِبُ عَلى كُلِّ مُختَارٍ عَالِمٍ إنْ كَانَ كَثِيرُهُ يُسْكِرُ، إنْ ثَبتَ أَنه شَرِبَ، أو اسْتَعَطَ، أَو أَكَلَهُ بِطعامٍ، أَربَعونَ جَلدَةً، وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، وَلَو تَمَّ لِعَصِيرٍ ثلاثةُ أَيامٍ حَرُمَ، إلاَّ أَنْ يَغْلِيَ قَبلَ ذَلكَ فيَحْرُمُ، ويُكرهُ الخَلِيطَانِ، ولاَ بَأَسَ بالفُقَّاعِ، وَتَرْكِ تَمْرٍ ونَحوِهِ في الماءِ ليَأخُذَ مُلوحَتَهُ، مَا لَمْ يَشْتَدَّ أَو تَأتِ(1) عَليهِ ثلاثٌ.
وَمَنْ وَجَبَ للَّهِ عَليهِ حَدٌّ فَتابَ قَبْلَهُ سَقط في رِوايةٍ، ولو مَاتَ مِنَ الحدِّ فَهَدَرٌ، وإنْ زَادَ فالدِّيَةُ ، وعَنْهُ : نِصْفُهَا .
كِتَابُ الأَطْعِمَةِ
__________
(1) في الأصل (تأتي) بإثبات الياء مع وجود الجازم، والصواب حذفها.(1/85)
يَحِلُّ(1) كُلُّ طَاهِرٍ غَيرِ مُضرٍّ وَلا مُسْكِرٍ، وكُلُّ حَيوانٍ سِوَى حَشَراتٍ وضِفْدِعٍ، وَتِمْسِاحٍ، وَمَا يَعْدُو بِنَابٍ، أَو مِخْلَبٍ، وبَغْلٍ وحِمَارٍ، وَمَا يَأكُلُ جِيفاً، وَمَا نُصَّ عَلى تَحْرِيْمِهِ، أَو تَوَلَّدَ مِنْ مُباحٍ وغَيرِهِ، فَمنِ اضْطُرَّ سَدَّ رَمَقَهُ، كشُرْبِ خَمرٍ لِدَفْعِ غُصَّةٍ، لا عَطََشٍ وَتَدَاوٍ، ويُقَدَّمُ المُخْتَلَفُ فيهِ على غَيْرِهِ، ويأكلُ مِنْ ثَمَرٍ بلا حائطٍ ونَاظِرٍ.
وَلِلمُضْطَرِّ أَخْذُ طَعَامِ غَيرِهِ وَلَو بِقِتَالٍ، إنْ لَمْ يَكنْ بِهِ مِثْلُ ضَرَرِهِ.
بابُ الصَّيدِ والذَّبَائِح
حِلُّهُمَا مِنْ عَاقلٍ مسلمٍ أَو كِتابِيٍّ، وَيُشتَرَطُ في المقدُورِ عَليهِ لا جَرَادٍ وبَحْرِيٍّ قَطْعُ كُلِّ الحلقُومِ والمريءِ، بِجَارِحٍ غَيرِ سِنٍّ وَظُفُرٍ، بِشَرْطِ حَيَاةٍ مُستَقِرَّةٍ، وتَسْمِيَةُ اللَّهِ للِذَّاكِرِ، والأَخرَسُ يُشِيرُ إِلى السَّمَاءِ، وفي غَيْرِ المقدُورِ عَليهِ ، كَصَيدٍ وَبَعِيرٍ نَدَّ أو تَرَدَّى بِهُوَّةٍ جَرْحٌ بآلةِ ذكاةٍ أَينَ أَمكنَ، وبإرْسَالِ جارحةٍ مُعلَّمَةٍ قَصْداً يُسَمِّي بِهِ عِنْدَ إرْسَالِهَا، لا ضَارٍ أسْوَدَ، أَو شَرِيكِ مَنْ لا يُبَاحُ صيدُهُ، والمُعَلَّمُ سَبُعٌ مُسْتَرْسِلٌ مُنْزَجِرٌ لاَ يَأكُلُ، أو ذُو مِخْلَبٍ مُسْتَرْسِلٍ، يُجِيبُ إذَا دُعِيَ، فَيَحِلُّ إِنْ أدْرَكَهُ مَيِّتَاً أو بِحَركةِ مذبوحٍ وإلاَّ كَالمَقْدُورِ، ويُسَنُّ الاستقبَالُ، وقَطْعُ الوَدِجَينِ، ونَحْرُ البَعِيرِ فِي اللَّبَّةِ، قَائِمَاً مَعقُولَةً يُمنَاهُ .
بابُ الهَديِ والأضَاحِي
__________
(1) الكلمة غير واضحة في الأصل، والمثبت هو الأقرب، وهو المستفاد من كتب المذهب.(1/86)
تُسَنُّ التَّضْحِيَةُ، مِنْ صلاةِ عيدِ النَّحرِ إلَى آخِرِ يَومَي التَّشرِيقِ، بِبَدَنَةٍ لَهَا خَمْسُ سِنِينَ، ثُمَّ بِبَقرةٍ لَهَا سَنَتَانِ، ثُمَّ(1) بِمَعزٍ لَهُ سَنةٌ، أو ضَأنٍ لهُ ستّةُ أشهرٍ، لا مُبِيِّنَةِ عَوَرٍ وَمَرَضٍ وعَرَجٍ وعَجَفٍ، وعَضَبٍ بأنْ ذَهبَ أكثرُ أُذُنِهِ أَو قَرْنِهِ، البَدَنَةُ والبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، يَأكلُ ثُلثَهَا، ويُهْدِي ثُلُثَهَا، ويَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهَا.
ويُسنُّ سَوقُ الهَديِ، وتَقْلِيدُهُ، ووقوفُهُ بِعَرَفَةَ، وإشعَارُ البُدْنِ، وَيَأكُلُ مِنْ هَديِ التَّطَوُّعِ والمُتْعَةِ والقِرانِ .
والعقيقةُ سُنَّةٌ، عَنِ الغُلامِ شَاتانِ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ، يُذبحُ
يَومَ السَّابعِ، فَإن فَاتَ فَفِي الرَّابِعَ عَشَرَ، فَإن فَاتَ ففي إحْدَى وَعِشرينَ، ولا يُكسَرُ عَظْمُهَا، وحُكْمُهَا كَالأُضْحِيَةِ .
بابُ النَّذر
__________
(1) تكررت في الأصل.(1/87)
مَنْ نَذَرَ طَاعَةً لَزِمَتْهُ، فإنْ عَجَزَ كفَّرَ، كاليَمينِ، وَلا نَذرَ فِي مَعصِيةٍ، ولا مُبَاحٍ، وَلا مَا لا يَملِكهُ، وإِنَّمَا يَنعَقِدُ بِاللفظِ، وَمُطْلَقُ القُربةِ أقلُّ وَاجبٍ، كَالعِتقِ والصّدَقَةِ، وَما يُجزئُ كَفارةً، وَأَقلُّ مُتَمَوَّلٍ، ومَنْ نَذَرَ المَشْيَ إلَى بَيتِ اللهِ الحرَامِ أو مَوضِعٍ من الحَرَمِ لَزِمَهُ المشيُ فِي حَجٍّ أو عُمرَةٍ، ومَنْ نَذَرَ صومَ شَهرٍ بِعَيْنِهِ فَجُنَّ لَمْ يَقْضِ، وإنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ أَو غَيرِهِ قَضَاهُ، (أَو فِي أثنَائِهِ لِغَيرِ عُذرٍ قَضَاهُ)(1)، وَكَفَّرَ مِنْهُمَا، وَلِعُذْرٍ يَبْنِي، وَمَنْ قَطَعَ تَتَابُعَهُ لِغَيرِ عُذْرٍ استَأنَفَ، وَلِعُذْرٍ اسْتَأنَفَ، أَو بَنَى وَكَفَّرَ ، وَمَا قُصِدَ بِهِ المنْعُ أو الحَظُّ، خُيِّرَ بينَهُ وبَينَ كَفارةِ يَمينٍ، وَمَنْ نَذَرَ الصّدقةَ بِمَالِهِ أجْزَأهُ ثُلثُهُ، أَو الطوَافَ عَلَى أربعٍ فَطَوَافَينِ، أَو قَالَ: للهِ عَليَّ نَذرٌ، وَلَم يَنْوِ شيئاً كَفَّرَ، كَاليَمِينِ .
بابُ الأَيمَانِ
إنَّمَا تَنْعَقِدُ مِنْ مُكَلَّفٍ مُختَارٍ، بِاللَّهِ، أو صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَهِيَ عَلَى فعلٍ أَو تَرْكِ مُمْكِنٍ مُسْتَقْبَلٍ يَمِيْنٌ، وغَيرُهُ غَمُوسٌ فَلَغْوٌ، فإنْ تَأوَّلَ مُحِقٌّ، أو قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى مُتَّصِلاً، أَو أُكْرِهَ، أَو نَسِيَ، لَم يَحْنَثْ، ويُرْجَعُ إلَى النِّيّةِ، ثُمَّ إلَى السَّبَبِ، ثُمَّ الإِشَارةِ، ثُمَّ وَضْعِ اللَّفظِ شَرعَاً أو عُرفاً، ثُمَّ لُغَةً.
وكَفَّارتُهَا إذَا حَنِثَ عِتقُ رقبةٍ مُؤمِنَةٍ، أَو إِطعامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مُدّاً مُدَّاً، أَو كِسوَتُهُم مَا تُجزِئُ فِيهِ الصَّلاةُ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ صَامَ ثَلاَثةَ أَيامٍ مُتَتَابِعَةً، قَبلَ الحِنْثِ أَو بَعْدَهُ.
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/88)
وَلَو حَلَفَ: لاَ بِعْتُ، فَباعَ فاسداً، لَم يَحْنَثْ، إِلاَّ أَنْ يُضِيفَهُ إلَى مَا لاَ يَصِحُّ، نَحوَ: لاَ بِعْتُ الخَمْرَ، وَيُجزِئُ إطعَامُ خَمْسَةٍ، وَكِسوَةُ خَمْسَةٍ، وَلَو أطعَمَهُمْ، أَو كَسَاهُمْ، وأَعَتقَ نِصفَ عبدٍ، أو أعتَقَ نِصفَي عَبدَينِ فَلاَ، ويُكَفِّرُ العَبدُ بِالصِّيامِ،كَمَنْ لَمْ يَفْضُل عِندَهُ عَنْ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيالِهِ، وَوَفَاءِ دَيْنِهِ كَفَّارةٌ، وَلاَ يَلزَمُهُ بيعُ ما يَحتَاجُ إليهِ، كَمَسكَنٍ، وخَادِمٍ، وَكُتُبِ عِلمٍ، وَبِضَاعَةٍ يَخْتَلُّ رِبْحُهَا المُحتَاجُ إلَيهِ، وَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّومِ ثُمَّ أيسَرَ لَمْ يَلزَمْهُ الانتقالُ، وَلَو لَمْ يَجِدْ إلاَّ مِسْكِيناً رَدَّدَهُ عَلَيهِ عَشَرَة أيامٍ .
كتابُ الجهادِ
وَهوَ فَرضُ كِفَايَةٍ، يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ حَضَرَ الصَّفَّ، أَو حُصِرَ، أَو استُنفِرَ، وإِنّما يَجبُ عَلَى مُسلِمٍ مُكَلّفٍ، حُرٍّ، ذَكَرٍ، مَستَطِيعٍ، وغَزْوُ البَحرِ أفضَلُ، وَلا يَجُوزُ إلاَّ بِإذنِ الإمَامِ، لا إنْ فَجَأَهُمْ عَدُوٌّ، أو عَرَضَ فُرْصَةٌ، وَيَلزَمُهُمْ طَاعَةُ أميرِهِمْ.(1/89)
وَلَهُمْ تَبْيِيتُ الكُفَّارِ، ولا يُقتَلُ صَبِيٌّ، وامرأةٌ، وَمَجنُونٌ، وراهبٌ، وشيخٌ فانٍ، وَزَمِنٌ، وأَعْمَى، بِلا رَأيٍ أو قِتَالٍ، وَلا أسِيْرٌ، حتى يَأْتِيَ بِهِ الإمامَ إنْ أَمكنَ، ويُرَقُّ صَبِيٌّ وامرأةٌ، ومَنْ فيهِ نفعٌ مِمَّنْ لا يُقتلُ، كَالأعمَى ونَحوِهِ، وَفِي غَيرِهم مِنَ الأُسَارَى المُقاتِلََةِ يَفعَلُ الإمَامُ الأَصْلَحَ مِنَ القَتلِ والإِرْقَاقِ وَالَمَنِّ وَالفِدَاءِ بِمَالٍ أو مُسلِمٍ، إلاَّ العَبْدَ فَبينَ القَتْلِ أو الرِّقِّ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، إلاَّ بعدَ البُلُوغِ، ومَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الأسْرِ عَصَمَ مَالَهُ ودَمَهُ، وبَعْدَهُ يَتَعَيَّنُ رِقُّهُ، ويُحْكَمُ بإسْلاَمِ صَغِيرٍ أَسلَمَ أحدُ أبويهِ أَو مَاتَ، أَو سُبِيَ مُنْفَرِداً عَنْهُمَا، أو عَنْ أحدِهِما، واللَّهُ أَعلَمُ .
بَابٌ
الغَنِيمَةُ إن كَانَت أَرضَاً خُيِّرَ الإمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا أو وقْفِهَا، وإن كانت مَالاً بَدَأ بإخراجِ مُؤْنَةِ حِفظِهَا، وَيَخُصُّ القاتِلَ بِالسَّلَبِ، إذا قَتَلَهُ حَالَةَ الحَربِ، مُنهَمِكَاً عَلَيهِ غَيرَ مُثْخَنٍ بِالجِراحِ، ثُمَّ البَاقِي خُمُسُهُ للَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمصْرِفُهُ المَصَالِحُ، ولِبَنِي هَاشِمٍ والمُطَّلِبِ، ويُضَعَّفُ للذَّكَرِ، وَلِليَتَامَى الفُقَرَاءِ، والمسَاكِينِ، وابنِ السَّبِيلِ، ثُمَّ يُخرَجُ بَاقِي الأنفَالِ، ويُرضَخُ لِمَن لا سَهْمَ لَهُ، كَصَبِيٍّ، وعَبْدٍ، وامرأةٍ، وَكَافِرٍ سَهمَاً نَاقِصَاً، ثُمَّ البَاقِي لِمَنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ، مِمَّنْ يُمكِنُهُ القِتَالُ وَمُستَعِدٌّ لَهُ، لِلرَّاجِل سَهْمٌ، ولِلفارِسِ ثَلاَثَةٌ، وَالاعتِبَارُ فِي كَونِهِ عَبْداً، أَو فَارِسَاً، أو رَاجِلاً، أَو كَافِراً، أَو مُسلِمَاً حالَ الحَربِ.(1/90)
وَمَا أُخِذَ مِنْ كَافِرٍ بِلا قِتَالٍ فَهُوَ فَيءٌ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ المُسلِمِينَ، يُبْدَأُ بالأَهمِّ فالأَهَمِّ .
بابٌ
الأمَانُ يَصِحُّ مِنَ المُسلِمِ العَاقِلِ المُخْتَارِ، بِأَجَرْتُكَ، وَلا بَأسَ عَلَيكَ، وَنَحوِهِ، مِنَ الإِمَامِ لِلكُلِّ، وَمِنَ الأَميرِ لِمَنْ بإزَائِهِ، ومِنَ الوَاحِدِ لِقَافِلةٍ، كَعشَرَةٍ، وَتَجُوزُ مُهَادَنَتُهُم، لِمَصلَحَةٍ، مِنَ الإِمَامِ أو نائِبِه، ويَحْمِيهِم مِنَ المُسْلِمِين، وَيَنْبِذُ إليهم عَهْدَهُمْ إن خافَ نَقضَهُمْ.
بابُ الجِزيَةِ
لا جِزيَةَ عَلَى مَنْ لَم يَجُزْ قَتْلُهُ، وَلا فَقِيرٍ يَعْجَزُ عَنهَا، وإِنَّما تُؤْخَذُ مِنْ كِتابِيٍّ أو مَجُوسِيٍّ، فِي رَأسِ كُلِّ حَولٍ، مِنَ المُوسِرِ ثَمَانِيَةٌ وَأربَعونَ دِرهَماً، وَمِنَ المُتَوسِّطِ نِصْفُهُ، وَمَنْ دُونَهُ رُبْعُهُ، وَتَسقُطُ بِالإِسلامِ، وَمَنِ اتَّجَرَ(1) مِنهُم إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ أُخِذَ مِنْهُ نِصفُ العُشُرِ، وَمِنَ الحَربِيِّ عُشُرٌ، وَيَجُوزُ شَرطُ ضِيافَةِ المارِّ بِهِم مِنَ المُسلِمِينَ .
بابُ أحكامِ الذمةِ
__________
(1) في الأصل (تَجَرَ) وهي بمعنى (اتَّجر) لكن هذه أوضح.(1/91)
يَلزَمُهُمْ التَّميُّزُ عَنِ المُسلِمِينَ بِحَذْفِ مَقادِمِ رؤوسِهِم، وَتَرْكِ الفَرْقِ، وَكُنَى المُسلِمِينَ، وَيركَبُونَ عَرْضَاً لا بِسَرْجٍ، ويَلبَسُونَ غِيَارَاً، ويُشَدُّ فَوقَ ثِيَابِهِم الزُّنَّارُ، ويُجْعَلُ فِي العَمائِمِ خِرْقَةٌ، وَفِي رِقَابِهم خَواتِيمُ الرَّصَاصِ، وجُلجُلٌ فِي الحَمَّامِ، وَلا يُسَاوُوا(1) بِنَاءَ مُسْلِمٍ، وَيَنتَقِضُ عَهدُهُ بِمَنعِ الجِزْيَةِ، وَعَدَمِ التِزَامِ أحكَامِ المِلَّةِ ، أو قِتَالِ المُسلِمِينَ ، أو استِيطَانِ دَارِ الحَرْبِ، أو تَجَسُّسٍ، أَو زِنَاً بِمُسْلِمَةٍ، أو ذِكْرِ اللَّهِ، أو كتَابِهِ، أَو رَسُولِهِ بسوءٍ، وَبِاللُّحُوقِ بِدَارِ الحَرْبِ يُخَيَّرُ فِيهِ، كَالأَسِيرِ، وَبِغَيْرِهِ يُقتَلُ، وَمَالُهُ فَيءٌ، ويَبْقَى عَهْدُ نِسائِهِ وذُرِّيتِهِ ، لاَ مَنْ وُلِدَ فِي دَارِ الحَرْبِ ، أَو أَخَذَهُ مَعَهُ .
كتابُ القضاءِ
وَهوَ فرضُ كِفَايةٍ، وَعَلَى الإِمامِ نَصْبُ مَنْ يُكتفَى بِهِ، وعَلَى المُتَعَيِّنِ إن طُلِبَ الإِجابَةُ، كالإِمَامَةِ، وإنَّمَا يَلِيهِ مُسلِمٌ، مُكَلَّفٌ، ذَكَرٌ، حُرٌّ، عَدْلٌ، سَمِيعٌ، بَصِيْرٌ، مُتكَلِّمٌ، عاَرِفٌ أحكَامَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، والإِجْمَاعِ، والخِلاَفِ، وطُرُقِ الاجتهادِ، ولِسَانِ العَرَبِ، ويُسَنُّ كَونُهُ كَاتِبَاً، ونُزولُهُ وَسَطَ البَلَدِ ، وحُكمُهُ بِمَكانٍ وَاسِعٍ، بِلاَ حَاجِبٍ وبَوَّابٍ فِي المَجْلِسِ ، ولاَ يَحكُمُ مَعَ مُخِلٍّ بفكرٍ كغَضَبٍ، وجُوعٍ، وعَطَشٍ، وشِدَّةِ حَرٍّ أو بَرْدٍ، ومَرَضٍ، وَخَوفٍ، وهَمٍّ، ونُعاسٍ، وَيَجِبُ أن يُسَوِّيَ بينَ الخَصْمَيْنِ، لكن يَرفَعُ مَجلِسَ المُسلِمِ.
__________
(1) هكذا في الأصل بحذف النون، وهذا على أن (لا) ناهية، فإن كانت نافية وجب إثبات النون.(1/92)
ولا يَقبَلُ هَدِيَّةَ خَصْمٍ، ومَنْ لَمْ تُعْهَدْ مِنْهُ قبلَ الوِلاَيَةِ، وإنّما يُقبَلُ كتابُ القَاضِي إليهِ بِعَدْلَيْنِ، فِي حَقِّ آدَمِيٍّ، وَيَختَصُّ مَا ثَبَتَ لِيُحكمَ بِهِ، بِمَسافَة قَصْرٍ فَأَكْثَرَ، وَيَقدَحُ فِيهِ فِسْقُ كَاتِبِهِ، بِخِلافِ مَا حَكَم بِهِ، ولا يَضرُّ عَزْلُهُمَا وموتُهُمَا، فَمَنْ وَصَلَهُ لَزِمَهُ العَمَلُ بِهِ، والإِشهَادُ بِمَا حَكَمَ بِهِ إنْ طُلِبَ مِنْهُ .
بابُ الدعَاوى
إنَّما تَصِحُّ مُحرَّرَةً، مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فَإذا تَمَّت فَلَهُ سُؤالُ المُدَّعَى عَلَيهِ، فإن أقَرَّ حَكَمَ للمدَّعِي، وَإنْ أنكرَ وَلِلمُدَّعِي بَيّنَةٌ حَكَمَ بها، وإلاَّ حَلَفَ المُدَّعَى عَلَيهِ بِطَلبِ المُدَّعي، فَإن نَكَلَ وَرَدَّهَا عَلى المُدَّعِي حَلَفَ وَاستَحَقَّ، فإن نَكَلَ أيضاً صَرفَهُمَا ، وإن ادَّعَى مَا بِيَدِ أحدِهِمَا ولاَ بَيِّنَةَ فقولُهُ، أَو بيدِهِمَا، أو تَعَارَضتَا حَلَفَا، وجُعِلَ اليمينُ(1) بَينَهُمَا، وَيَحلِفُ على البَتِّ، إلاَّ فِي نَفي فِعْلِ غَيْرِهِ ، فَعَلَى نَفيِ العِلْمِ ، ولا تُشْرَعُ اليَمِينُ فِي حُقوقِ اللَّهِ -تعالى-.
وإذا كانَ لِمَيِّتٍ حقٌّ، أو لِلمُفْلِسِ فَحَلَفَ الورثةُ أو المفلسُ ثَبَتَ، وَإن لَم يَحلِفُوا فَبَذَلَ الغُرَمَاءُ اليَمِينَ لَم يُقْبَلْ، وإن ادَّعَى جَمَاعةٌ حَلفَ لكلِّ واحدٍ يَمِيناً، إلاَّ أَنْ يَرضُوا بِوَاحِدةٍ ، وإن كَانَت حُقُوقٌ لوَاحدٍ فلكُلِّ حقٍّ يَمينٌ .
بابُ القِسمَةِ
__________
(1) هكذا في الأصل، والمثبت في كتب المذهب (وجُعِلَ العين بينهما) وهو الأقرب، لأن اليمين تقدم لها ذكر. انظر: "مختصر الخرقي" ص (148)، "الكافي" (6/157).(1/93)
إذا كانَ فِيهَا رَدُّ عِوَضٍ ، أو ضَرَرٌ يُنْقِصُ القِيمةَ فهيَ بيْعٌ، يَجِبُ التَّراضِي، وإلاَّ فَهي إجبَارٌ، يُجبَرُ المُمتَنِعُ، وهي إفرازُ حَقٍّ، ولَهُمَا القَسْمُ بأنفسِهِمَا، وَبِمَنْ يَنْصِبَانِهِ، أو يَطْلُبانِهِ مِنَ الحَاكِمِ، ويكُونُ عَدلاً عَارفاً بهَا، وَيُعَدِّلُ السِّهامَ، ثُمَّ يُقْرِعُ، فَمَنْ خَرَجَ سَهمُهُ أَخَذَهُ، وتَلزَمُ مِنَ الحَاكِمِ مُطلقاً، والإِجبَارُ بالقُرعَةِ، وَيَكفِي قَاسِمٌ، حَيثُ لا تَقْوِيْمَ، وإلاَّ قاسِمان .
كتابُ الشهاداتِ
تَحَمُّلُ الشَّهَادةِ وَأداؤُهَا فَرضُ كِفَايةٍ، وَفرضُ عَينٍ إن تَعَيَّنَ، وإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنْ مُسْلمٍ، مُتكلِّمٍ، مُكلّفٍ، مُختارٍ، عَدْلٍ لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً، ولاَ لاَزَمَ صَغِيرَةً، ذِي مُرُوءَةٍ، غَيرَ جَارٍّ لِنَفْسِهِ نَفعَاً، أو دَافِعٍ عَنهَا ضَرَراً، لا عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَلاَ أَصْلٍ وَفرعٍ، وَسَيِّدٍ وَعَبدٍ لِلمَشهُودِ لَه، وغَيرِ مَعرُوفٍ بِكثرَةِ غَلَطٍ وَنِسيَانٍ، ويُردُّ العبدُ فِي حَدٍّ وقَصَاصٍ، ولاَ يُسْمَعُ جَرْحٌ وتَعدِيلٌ وتَرجَمةٌ إلاَّ مِنْ عَدْلينِ، ويُقَدَّمُ الجَرحُ،ويُقبلُ عَلَى فِعلِ نَفْسِهِ، وَمِنَ الأَصَمِّ عَلى مَرْئِيٍّ ومَسمُوعٍ قبلَ صَمَمِهِ، ومِنَ الأعْمَى فِي مَسمُوعٍ إن تَيَقَّنَ الصَّوتَ ، ومُسْتَفِيضٍ وَمَرْئِيٍّ قَبلَ العَمَى إِن عَرَفَه بِمَا مَيَّزَهُ، ومِنَ المُستَخفِِي، الزِّنا: بأَرْبَعَةٍ، والمَالُ وما يُقصَدُ بِهِ برجلينِ، ورَجُلٍ وامرأتين، ورجلٍ وَيَمينٍ، وما يُطَّلعُ عليهِ برجلين، وَمَا لاَ يراهُ الرِّجالُ غَالِباً بامْرَأةٍ، وإِنَّما يَشْهَدُ بعلمِهِ برؤيةٍ في الأَفعالِ أو سماعٍ مِنَ المَشْهُودِ عليهِ، أو باسْتِفَاضَةٍ، فِيمَا يَتَعَذَّرُ عِلمُهُ غَالِبَاً إلاَّ بهَا، كالنَّسَبِ ونحوِهِ، إلاَّ فِي حَدٍّ وَقِصَاصٍ، وَمَنْ تابَ قُبِلَتْ منهُ حينئذٍ.(1/94)
وتُقبلُ الشَّهادَةُ على الشّهادةِ، فِي حَقِّ آدميٍّ، إن تَعَذَّرَ السَّمَاعُ مِنَ الأصلِ، وَأَقَلُّهُ فَرْعَانِ، ذَكَرَانِ، استَرعَاهُمَا الأصلُ، أو سَمِعَاهُ يشهدُ بِهِ عِندَ حَاكِمٍ، أو يَعْزِيهِ إلَى سَبَبٍ، ومَنْ رَجَعَ بَعدَ الحُكمِ غَرِمَ بقسْطِهِ، وقَبْلَ الحدِّ والقِصَاصِ يُسْقِطُهُمَا .
كتابُ الإِقرارِ
يَصِحُّ مِنْ مُكلّفٍ رَشيدٍ مُخْتَارٍ، لأَهْلٍ غَيرِ مُكذِّبٍ، وَيَصِحُّ مِنَ العبدِ والصّبيِّ المَأذُونِ لَهُمَا في قَدْرِ ما أُذِنَ لَهُمَا فِيهِ، ومِنَ المُكْرهِ بِغَيرِ ما أُكْرِهَ عليهِ، ومِنَ السَّفِيهِ بِحدٍّ أَو قِصَاصٍ أَو طلاقٍ، وبالمالِ وَيُتْبَعَانِ بِهِ بَعْدَ الرِّقِّ وَالحَجْرِ، ومِنَ المرِيضِ المخُوفِ بِغَيرِ مَالٍ، وَبِه لِغَيرِ وَارِثٍ، وَامْرَأَتِهِ بِمَهْرِ مثلِهَا.(1/95)
ومن أقَرَّ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ سَكَتَ بحيثُ يُمكِنُهُ الكلامُ، ثُمَّ قَال: زُيُوفاً، أو صِغَاراً، أو مؤجلةً لَزِمَتْهُ جِيَاداً وَافِيَةً حَالَّةً، ولو قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ، ثُمَّ قَالَ: وَدِيعَةٌ، لَمْ يُقْبَلْ، وَلَو قَالَ: عِندي، قُبِلَ، وَلاَ يَلزَمُ الوَرَثَةَ وَفَاءُ دَينٍ، إلاَّ أن يُخَلِّفَ تَرِكَةً فَيَتَعَلَّقُ بهَا، وبِإقرَارِهِمْ يَثبُتُ، وبإِقْرَارِ بَعْضٍ يَثْبُتُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، فإِنْ شَهِدَ وهوَ عَدْلٌ ثَبَتَ،وَلَو خَلَّفَ ابناً ومَائةً، فادَّعى رَجُلٌ مائةً فَصَدَّقَهُ، ثُمَّ ادَّعى آخَرُ مائةً وَصَدَّقَهُ، فإن كانَ في مَجْلِسٍ فالمائةُ بَينَهُمَا، أَو فِي مَجْلِسَينِ فَلِلأَوَّلِ، وإن ادَّعَيَاهَا وَدِيعةً فِي مَجْلِسَينِ فَصَدَّقَهُمَا فَلِلأَوَّلِ، وَيَغْرَمُهَا لِلثَّانِي، وإِنّما يُسْتَثْنَى دُونَ النِّصفِ، إن اتَّصَلَ عُرْفاً، وَلا يَصِحُّ مِنْ غَيرِ الجِنْسِ، والدَّرَاهِمُ: ثَلاثَةٌ، والمُجْمَلُ: يُفَسِّرُهُ (بالمُحْتَمِلِ)(1)، واللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيهِ المَرْجِعُ والمَآبُ.
وَصَلَّى اللَّهُ على مَولانَا وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ .
__________
(1) من حاشية الأصل.(1/96)