مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم النبيين :
سيدنا محمد رسول الله , الصادق الأمين , وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين .
وبعد.. فإن من أنسب كتب الفقه , وأقربها بالنسبة للمبتدئين من الطلاب في دراسة مذهب إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه : كتاب ((عمدة الطالب لنيل المآرب)) للإمام الفقيه : منصور بن يونس البُهوتي الحنبلي رحمه الله ونظرًا لقلة من خدم هذه الرسالة فقد قام الشيخ الفقيه : خالد بن علي المشيقح حفظه الله بشرحه لطلابه , فقد جمع هذا الشرح بين الإختصار , وسهولة العبارة , الشرح اللطيف , والتقسيم الشريف نفعنا الله به إنه ولي ذلك وهو حسبي ونعم الوكيل .
* استعمال الألوان :
اللون الأحمر للسؤال0…
اللون الأصفر الداكن للمثال0
اللون الأزرق للشرح0
اللون البني للرأي المرجوح0…
اللون القرنفلي للتقسيم0
اللون الأزرق الداكن للقول الراجح0
إعداد : محمد بن عبدالله الشنو.
عمدة الطالب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
هذا الكتاب كتاب عمدة الطالب لمؤلفه الشيخ منصور بن يونس البهوتي ، والشيخ منصور رحمه الله يعتبر من علماء الحنابلة المحققين المتأخرين .
ولادته :
ولد رحمه الله سنة ألف للهجرة في بلاد مصر في قرية بُهوت ، ولهذا ينسب إليها، فيقال : منصور بن يونس البهوتي .
طلبه للعلم :
تعلم العلم منذ صغره وخصوصاً ما يتعلق بفقه الحنابلة ، فإن الشيخ منصور رحمه الله كان مرجعاً في فقه الحنابلة ، ومن شيوخه المحققين ، ولهذا رحل إليه طلاب العلم في أخذ فقه الحنابلة عنه ، وعلى صغر عمره فإن الله عز وجل بارك في عمره ، فإنه لم يعمر إلا إحدى وخمسين سنة ، ولد سنة ألف للهجرة ، وتوفي سنة ألف وإحدى وخمسين للهجرة ، وهذا ما هو عليه أكثر المترجمين له ، وذكر بعض المترجمين أنه توفي سنة اثنتين وخمسين وألف للهجرة .
مؤلفاته :(1/1)
ألف مؤلفات ، أصبحت مرجعاً لكثير من فقهاء الحنابلة ، ومن أراد أن يتتلمذ على مذهب الحنبلي ، ومن أشهر مؤلفاته (الروض المربع في شرح مختصر المقنع) شرح مختصر زاد المستقنع ، ومن مؤلفاته أيضاً من أشهرها وأهمها وهو كتاب كبير لابد لطالب العلم أن يقتنيه (كشاف القناع في شرح الإقناع) الإقناع : للشيخ موسى الحجاوي ، جاء الشيخ منصور رحمه الله وشرحه في كتاب اسمه
(كشاف القناع في شرح الإقناع) ، وقد طبع قديماً هذا الكتاب ، أيضاً من مؤلفاته (الملح الشافيات في شرح المفردات) ، يعني شرح مفردات الإمام أحمد رحمه الله ، نظم المفردات ما انفرد به الإمام أحمد رحمه الله عن بقية الأئمة الثلاثة ، نظمت هذه المفردات فجاء الشيخ منصور رحمه الله ، فشرح هذه المفردات في كتاب اسمه (الملح الشافيات في شرح المفردات) ، وكذلك أيضاً من مؤلفاته (حاشية الإقناع ) له شرح اسمه (كشاف القناع ) وله حاشية على الإقناع
ومن مؤلفاته أيضاً (شرح منتهى الإرادات) ومنتهى الإرادات للنجار ، وهو يعتبر العمدة عند المتأخرين ، فشرحه الشيخ منصور رحمه الله في ثلاث مجلدات ، وله أيضاً (حاشية على المنتهى الإرادات) ، ومن مؤلفاته أيضاً (منسك في الحج) ، ومن مؤلفاته : (إعلام الأعلام لحرمة القتال في البلد الحرام ) ومن مؤلفاته : هذا المتن وهو (عمدة الطالب لنيل المآرب) .
يقول المؤلف رحمه الله (بسم الله الرحمن الرحيم) ابتدأ المؤلف رحمه الله كتابه بالبسملة واقتداءً بكتاب الله عز وجل ، فإنه مبدوء بالبسملة ، واقتداءً بسنة النبي ( فإن النبي ( كان يبدأ كتبه بالبسملة .
(البا) حرف جر (اسم) اسم مجرور ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف ، هذا المحذوف يقدره العلماء فعلاً مؤخراً مناسباً للمقام ، وإنما قدر فعلاً لأن الأصل في العمل هو الأفعال .(1/2)
وقدر مؤخراً تبركاً بالبداءة باسم الله عز وجل وقدر مناسباً للمقام لأنه أدل على المراد ، فإذا أراد الإنسان أن يقرأ يقول باسم الله أي اقرأ ، هذا أدل على المراد ، من قوله (ابتدئ) وإذا أراد أن يذبح يقول باسم الله أي أذبح ، وإذا أراد أن يكتب يقول باسم الله ، أي أكتب ، وقوله (الله) أصلها الإله حذفت الهمزة وأدغمت اللام باللام فقيل (الله) .
و (الله) معناه ذو الألوهية والربوبية على خلقه أجمعين ، و (الرحمن) أي ذو الرحمة الواسعة ، وهو اسم خاص بالله عز وجل ، وكذلك أيضاً (الله) اسم خاص بالله عز وجل ، و(الرحيم) ذو الرحمة الواصلة .
(الحمد لله رب العالمين) " الحمد" : اختلف في تفسيره ، وأحسن التفاسير ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن " الحمد" هو وصف المحمود بصفات الكمال محبة وتعظيماً .
وقوله (الله) سبق تفسيره "الله " أنه ذو الألوهية والربوبية على خلقه أجمعين ، وهذا إذا أفرد ، لكن إذا قيل : الله ورب : تفسير لفظ الجلالة بتوحيد الألوهية ، ولفظ الربوبية بتوحيد الربوبية ، "فالله" هنا معناه الذي تألهه القلوب ، تحبه وتعظمه ، وتعبده و"رب" الرب هو الخالق المالك المتصرف المدبر الرازق ، وغير ذلك من أسماء الربوبية "والعالمين" جمع عالم ، وهو كل من سوى الله عز وجل فيدخل في ذلك الإنس والجن .
"والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم أجمعين " .
الصلاة : اختلف في تفسيرها وأحسن التفاسير ما ذكره أبو العالي : أنها الثناء على النبي ( في الملأ الأعلى"والسلام" الدعاء بالسلامة ، إذا قلت "السلام" يطلق على معاني منها : التحية ، ومنها : الأمان ، ومنها أنه اسم من أسماء الله عز وجل ، لكن إذا قلت السلام عليك أيها النبي يعني تدعو له بالسلامة .(1/3)
و "السلام" قد تكون حسية وقد تكون معنوية ، حسية : بأن يسلم الله عز وجل نبيه في حياته ، يسلم بدنه ، وبعد مماته يسلمه يوم القيامة ، فإن الرسل يجثون على ركبهم ، ويقولون : اللهم سلم سلم .
فأما السلام المعنوية : فهو يسلم سنته من تأويل الغالين وتحريف المبطلين .
وقوله " على سيدنا " السيد : هو ذو السؤدد ، أي الشرف والرفعة ، ولاشك أن النبي ( سيد ولد آدم ، فإن النبي ( قال " أنا سيد ولد آدم ولا فخر" ،
والسيادة تنقسم إلى قسمين :
1 - سيادة مطلقة : وهذه خاصة بالله عز وجل .
2 - سيادة مقيدة : وهذه تكون للمخلوق ، ومن ذلك النبي ( ،
وقوله "محمد" محمد اسم من أسماء النبي ( ، ومعناه : من يحمد أي : المحمود ، والنبي ( يحمد ويكرر حمده بكثرة خصاله الحميدة ،
"وعلى آله" آل النبي ( اختلف في تفسيره ، فقيل : بأن آله أتباعه على دينه ، وقيل : بأن آله أقاربه المؤمنون به ، وقيل بأن آله هم أهل بيته ، والصحيح في ذلك أنه يختلف باختلاف المقام ، إذا ذكر الصحب وذكر التابع ، فالمراد بالآل هم : أقاربه المؤمنون به .
أما إذا قيل : اللهم صلي على محمد وعلى آله ، ولم يقل ومن تبعه ، فالمراد بالآل هم : أتباعه على دينه .
" وصحبه " الصحب : جمع صاحب : وهو من اجتمع مع النبي ( مؤمناً به ومات على ذلك ، وقال بعض العلماء : من رأى النبي ( مؤمناً به ومات على ذلك ،
وقوله " وتابعيهم " جمع تابع والتابع هو : من اجتمع بالصحابي مؤمناً بالنبي ( ومات على ذلك ،
قال " وبعد " هذه الكلمة : ظرف على الزمان مبني على الضم، واختلف العلماء رحمهم الله في أول من تكلم بها ، وأقرب الأشياء عن ذلك أنه داود كما ذكر ابن حجر رحمه الله ، واختلف العلماء رحمهم الله في الفائدة منها ، فقيل الفائدة : أنه يؤتى بها للانتقال من المقدمة إلى صلب الموضوع ، وقال بعض العلماء : الفائدة أنه يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر ، والصواب في ذلك هو الرأي الأول .(1/4)
"فهذا مختصر في الفقه" المختصر هو ما قل لفظه وكثر معناه ، وقوله " في الفقه" الفقه في اللغة : الفهم ، وأما في الاصطلاح : فهو معرفة الأحكام الشرعية العملية الفرعية بأدلتها التفصيلية .
"على مذهب الإمام الأمثل أحمد بن محمد بن حنبل" في هذا بيان بطريقة تأليف هذا الكتاب وأن هذا المتن إنما ألف على مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، وعلى هذا ما فيه من المسائل هذه كلها هي المذهب .
"نشد إليه حاجة المبتدئين" هذا الكتاب الذي ألفه المؤلف يتميز بميز :
1 - أن عبارته سهلة وظاهرة للمبتدئين .
2 - أنه شامل لأبواب الفقه كلها .
3 - أنه كتاب نافع للمبتدئين .
وذكر المؤلف رحمه الله سبب تأليف الكتاب وأنه سبب تأليف الكتاب أن بعض الناس سأله أن يؤلف هذا الكتاب ، وهكذا يذكر العلماء رحمهم الله في مقدمات كتبهم .
"جعله الله خالصاً لوجهه الكريم .. "
كتاب الطهارة
المياه ثلاثة : طهور يرفع الحدث ويزيل النجس الطارئ وهو الباقي على خلقته................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطهارة في اللغة : النظافة والنزاهة .
وأما في الاصطلاح : فهي رفع الحدث وزوال الخبث .
ما هو الحدث ؟ الحدث : وصف يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها ، مما يشترط له الطهارة .
فمثلاً : إنسان إذا أحدث خرج منه مثلاً بول ، الآن إلتحق هذا الوصف الذي يمنعه من الصلاة وغيرها مما يشترط له الطهارة ، فكونه يتوضأ هذه طهارة رفع الحدث وزوال الخبث : الخبث هي النجاسة ، كونه يزيل الخبث يطهر بدنه أو ثوبه أو بقعته التي يصلي عليها ، وهذا نقول حكمه : طهارة ، فالطهارة اشتملت من أمرين :
1 - رفع الحدث . …2 - زوال الخبث .(1/5)
"المياه ثلاثة :طهور يرفع الحدث ويزيل النجس الطارئ وهو الباقي على خلقته" . يقول المؤلف رحمه الله المياه تنقسم إلى ثلاثة أقسام ، هذا مشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، والعلماء رحمهم الله يختلفون في تقسيمات المياه ، لكن المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه ثلاثة أقسام ،
والرأي الثاني :وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، أنه قسمان وهذا القول هو الصواب .
............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الذين قالوا أنه ثلاثة أقسام استدلوا بأدلة من أدلتهم ، حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( سئل : إنا نركب البحر ونأخذ معنا القليل من الماء أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال النبي ( " هو الطهور ماءه الحل ميتته1" ، كون الصحابة رضي الله عنهم يسألون النبي ( : أنتوضأ بماء البحر ، هذا يدل على أن هناك ماء لا يتوضأ به - انقدح في أذهانهم أن هناك ماء لا يتوضأ به - وأن هناك ماء يتوضأ به ، فكونه ينقدح في أذهانهم أن هناك ماء لا يتوضأ به ، هذا يدل على أن هناك قسماً اسمه الطاهر .
والذين قالوا بأنه ينقسم إلى قسمين ، كما اختار شيخ الإسلام :
1 - طهور . ……2 - نجس .
استدلوا بحديث أبي سعيد رضي الله عنه : " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " ، والله عز وجل يقول :( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } فدل على أن الماء مطهر ، خرج عن كونه مطهر بأي شيء ؟ بالإجماع والحديث.(1/6)
والعلماء مجمعون على أن الماء إذا تغير بنجاسة تغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة فإنه يكون نجساً ، وأيضاً حديث أبي سعيد " إن الماء طهور لا ينجسه شيء 2" فحكم على أن الماء طهور ، ولا يخرج عن الطهورية إلا بالنجاسة ، وقوله "لا ينجسه شيء" ، دل على أن الماء طهور ، والإجماع دل على أن هناك قسماً نجساً،فتلخص من هذا أن الماء ينقسم إلىقسمين:طهور ونجس
وهو الباقي على خلقته ولو حكماً كمتغير بمكثه أو طحلب.................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : "طهور يرفع الحدث ويزيل النجس الطارئ" قوله "الطارئ" يعني عندنا النجاسة تنقسم إلى قسمين :
1 - نجاسة عينية : وهي التي تكون عين الشيء وذاته نجسة ، مثل : العذرة ، مثل البول ، العذرة ذاتها نجسة ، عينها نجسة ، البول : ذاته نجس ، روث الحمار ذاته نجسة ، الكلب : عينه نجس ، ذاته نجسة ،
2 - نجاسة الطارئ : هي التي وردت على محل طارئ ، مثلاً : عندك ثوب طاهر ثم وقعت عليه نجاسة ، فهذه النجاسة تسمى الطارئة ، ويسميها العلماء أيضاً حكمياً .
فيقول المؤلف : إن الماء لا يرفع إلا النجاسة الطارئة ، أما النجاسة العينية : هذه ما يطهرها الماء ، ولو جئت بالكلب وغسلته بماء البحر ما طهر ، لكن النجاسة العينية تطهر في الاستحالة : إذا انقلبت من عين إلى عين أخرى طهرت ،
قال: " وهو الباقي على خلقته " يعني الماء الطهور الباقي على خلقته من حرارة أو برودة أو ملوحة أو عذوبة
قوله :"ولو حكماً كمتغير بمكثه" ، يعني : إذا كان عندنا ماء تغير بطول مكثه ويسمى : الماء الآجن ، فهذا حكمه أنه طهور ، لأن الأصل في المياه الطهارة,
قوله: " أو طحلب" الطحلب : هي عبارة عن خضرة تعلو الماء الآجن أو الذي طالت إقامته,(1/7)
أو ورق شجر أو ممره ، ونحوه ، أو بمجاور نجس وكره منه شديد حرٍ أو بردٍ ومسخنٍ بنجسٍ لم يحتج إليه.........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو ورق شجر أو ممره ، ونحوه ، أو بمجاور نجس " ، هذه كلها أنواع من أنواع الطهور ، تغير بمكثه تغير بالطحلب ، تغير بأوراق الشجر : سقطت عليه أوراق أشجار ، تغير بممره على شيء وهو يجري ، مر على شيء ثم تغير ، تغير بمجاورة نجسة ، هذه كلها من أنواع الماء الطهور ، هكذا عرف المؤلف الماء الطهور ، والصحيح أن يقال في تعريف الماء الطهور: الماء الطهور هو الماء الذي لم يتغير بنجاسة أو بطاهر ينقله عن اسم الماء المطلق .
فإذا تغير بنجاسة يسمى نجساً ، فإذا تغير بشيء طاهر لكن نقله عن اسمه المطلق هذا لا يسمى ماءً ، فنقول : الذي لم يتغير بنجاسة : طهور ، الذي لم يتغير بطاهر ينقله عن اسم الماء المطلق هذا أيضاً : طهور ، فالطهور ما توفر فيه هذان الأمران.
القسم الثاني : النجس وهو الذي تغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة .
قوله: " وكره منه شديد حر أو برد " يكره من الماء الطهور إذا كان شديد الحرارة ، كون الإنسان يتوضأ شديد الحرارة أو شديد البرودة ، يقول : يكره ، وإذا كان يضر الإنسان ، فإنه يحرم .
قوله:"ومسخن بنجس لم يحتج إليه " مثلاً : سخنت الماء بروث حمار ، فإنه يكره ، والصواب أنه لا يكره لأن النجاسة العينية تطهر بالاستحالة .
أو بغير ممازج كدهن وقطع كافور أو بملح مائي لا مسخن بشمس أو طاهر..........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/8)
" أو بغير ممازج كدهن" هذا يكره ، لو أتيت بدهن وصبيت في الماء فالدهن ما يمازج الماء بل يطفو على الماء ، والصحيح أنه لا يكره ،
"وقطع كافور" الكافور : نوع من أنواع الطيب يستخدم منه قطع ويستخدم منه مسحوق فإذا أتيت بقطعة كافور ووضعته في الماء تغير طعمه ، يقول المؤلف بأنه يكره لأنه تغير بممازجة أو بمجاورة ؟ أنه جاوره ولم يمازجه وإذا كان مسحوقاً ووضعته بالماء فإنه مازجه لكن تغير الماء بالدهن تغير الماء بقطع الكافور هذا عن مجاورة ، ولهذا يقولون بأنه طهور مكروه ، لكن لو كان يتغير عن ممازجة يعتبرونه طاهر .
"أو بملح مائي " الملح : إما أن يكون مائياً ، وإما أن يكون معدنيا ، الملح المائي: هو الذي أصله الماء يصب الماء في بعض البقاع ، تجد يحفر الحفرة في بعض البقاع ويصب الماء تأتي بعد فترة تجد هذا الماء قد تجمد ملحاً ، فلو أتيت بملح مائي ووضعته في الماء يعتبرونه طهور مكروه ،لماذا ما حكم بأنه طاهر ؟ لأن الملح هذا أصله الماء ، والصحيح أنه طهور غير مكروه ، مثله أيضا ًالتراب ، مثلاً : أتيت بالماء ووضعت التراب فيه ، أصبح لونه أصفر ، أو فتح صنبور وخرج عليه ماء أصفر ، نقول : هذا الماء طهور ، لأن التراب أحد الطهورين ، فالإنسان يتطهر بالماء إذا لم يجد الماء يتطهر بالتراب
قوله: "لا مسخن بشمس أو طاهر" لو سخنت الماء بشمس ما يكره ، أو سخنت بطاهر مثل خشب أو غاز أو بنزين ، لا يكره طهور غير مكروه .
وإن خلت مكلفة بيسير لطهارة كاملة عن حدث لم يرفع حدث الرجل....................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وإن خلت مكلفة" يعني امرأة مكلفة ، المكلفة : هي البالغة العاقلة .(1/9)
"بيسير" أي قليل ، وهو ما كان دون القلتين ، والكثير : ما كان القلتين فأكثر، مثلاً عندنا الآن امرأة خلت الماء ، ومعنى الخلوة هنا : لما يشاهدها مميز فما فوقها ، أي : ليس عندها مميز فما فوقها ، لو كان عندها غير مميز مثلاً ، عندها طفل لكنه سنة أو سنتان غير مميز نقول خلت ، لكن لو كان عندها مميز طفل له سبع سنوات لم تخل ، عندها بالغ لم تخل ، فالخلوة : لم يكن عندها مميز فما فوقها ، لو كان عندها أقل من مميز يعتبر خلوة
"لطهارة كاملة" أي توضأت وضوء كاملاً ، لو غسلت الوجه فقط ، أو تمضمضت أو استنشقت هذه ليست طهارة كاملة ،
"عن حدث" لو كان عن زوال خبث يجوز للرجل أن يتوضأ به ، فالشروط أربعة :
1 - الخلوة . …2 - أن يكون الماء يسيراً . 3 - أن تكون طهارة كاملة .
4 - أن يكون عن حدث .
إذا توافرت الشروط الأربعة لم يرفع حدث الرجل ، وعلى هذا لو أن مجنونة خلت بالماء وتوضأت به ، يرفع حدث الرجل .
لو أن صغيرة ليست بالغة خلت بالماء وتوضأت به يرفع حدث الرجل ، لو أن مكلفة خلت بماء طهور كثير ، يرفع حدث الرجل ، لو أنها خلت به لكن ليس عن طهارة كاملة يرفع حدث الرجل ، لو أنها خلت به لإزالة الخبث "النجاسة" يرفع حدث الرجل .
الثاني : طاهر : وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بطاهر غير ما مر,.................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو المشهور من المذهب .(1/10)
والرأي الثاني : رأي جمهور أهل العلم ، وأنه يرفع حدث الرجل حتى لو خلت امرأة مكلفة لطهارة كاملة بيسير عن حدث ، والدليل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما : " أن النبي ( اغتسل بفضل بعض أزواجه 3" ، اغتسل النبي ( بفضل ميمونة 4، وقالت : إني كنت جنباً ، فقال : الماء لا يجنب " ، والصحيح في ذلك أنه حتى ولو خلت المرأة بماء يسير عن حدث وهي مكلفة لطهارة كاملة أنه يرفع حدث الرجل .
وقوله : " لم يرفع حدث الرجل " يؤخذ منه أنه يرفع حدث المرأة ، ويؤخذ منه أيضاً أنه
يزيل خبث الرجل .
قوله"الثاني : طاهر : وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بطاهر غير ما مر" .
الطاهر : هذا على إثبات على القول بثبوت قسم وهو يسمى الطاهر ، فالطاهر هذا : إذا تغير كثير من لونه أو ريحه بطاهرٍ ، والصحيح لا نسميه ماءً ، فإذا كان عندك ماء وصبيت عليه زعفران تغير طعمه ولونه ، هذا ما يسمى ماءً ، أو صبيت عليه حبر ، فهذا نقول : لا يسمى ماءً ، أو وضعت عليه شاي ، تغير طعمه أو لونه لا نسميه ماءً ، المهم الصواب في ذلك : أنه إذا انتقل عن اسم الماء المطلق لا نسميه ماءً ، فالماء طهور ما لم يتغير بنجاسة أو ينتقل عن اسم الماء المطلق بحيث لا يسمى ماءً.
أو رفع بقليله حدث أو غمس فيه كل يد مسلم مكلف قائم من نوم ليل............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/11)
قال : " أو رفع بقليله حدث " .. مثلاً توضأت غسلت الوجه الماء المتساقط ، فهذا مستعمل في رفع الحدث ، غسلت اليدين المتساقط هذا مستعمل في رفع الحدث ، تمضمضت أو استنشقت ، غسلت الرجلين ، إذا تجمع هذا الماء ، هذا يسمونه : طاهر ، لأنه قليل استعمل في رفع الحدث ، ومن الأمثلة على ذلك : لو أن انسان عنده ماء قليل وهو جنب ثم انغمس فيه بقصد الاغتسال رفع الحدث ، فهذا طاهر على المذهب ، فهو قليل استعمل في رفع الحدث .
وقوله " أو رفع بقليله الحدث " لو أن القليل استعمل لكن ليس رفع الحدث : مثلاً الغسلة الأولى هذه في رفع الحدث ، الغسلة الثانية ليست في رفع الحدث ، جمعنا الماء المتساقط
من الغسلة الأولى ، وجمعنا الماء المتساقط من الغسلة الثانية فالماء المتساقط من الغسلة الأولى يسمى : طاهر ، والماء المتساقط من الغسلة الثانية يسمى : طهور ، لأن المتساقط من الغسلة الثانية لم يستعمل في رفع الحدث ، وإنما استعمل في طهارة مستحبة ، والصحيح أنه لا فرق بين الغسلتين ، وأن كُلاً منهما : طهور .
قوله : " أو غمس فيه كل يد مسلم مكلف قائم من نوم ليل " .
هذا أيضاً من أنواع الطاهر ، وانظر الشروط ، الشرط الأول : لكي يكون الماء طاهراً :
1 - أن يكون الماء قليلاً : أي دون القلتين .
2 - أن تغمس كل اليد .
أو كان آخر غسلة زالت به النجاسة وانفصل غير متغير....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- أن تكون اليد لمسلم .
4 - أن يكون بالغاً عاقلاً .
5 - أن يكون قائماً من نوم الليل .(1/12)
لو جاء كافر وغمس يده ، فالماء يكون طهوراً ، لو جاء المجنون وغمس يده فهو طهور ، لو غمس بعض يده ، غمس الأصابع فقط فهو طهور ، لو أنه قائم من نوم النهار وليس من نوم الليل فهو طهور ، فلابد توفر الشروط هذه ، وهذا المشهور من المذهب ، والجمهور على خلاف ذلك فهم يقولون بأنه طهور ، حتى ولو غمست فيه يد مسلم مكلف قليل الماء قائم من نوم ليل الناقض للوضوء ،
ودليل الحنابلة في ذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه " أن النبي ( قال : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده 5" ،
والجمهور يستدلون بأن الأصل في ذلك الطهورية ، وهذا القول هو الصواب .
النبي ( لم يتعرض لحكم الماء ، وإنما تعرض في الغمس ، قال : لا تغمس ، وما قال بأن الماء أصبح طاهراً وانتقل من الطهورية ، فالصواب في ذلك: أن الماء طهور.
قال : " أو كان آخر غسلت زالت بها النجاسة وانفصل غير متغير " .
الثالث:نجس : وهو ما تغير بنجس ، ويسير لاقى نجاسة لا بمحل تطهير..............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النجس على المذهب لابد من غسله سبع مرات ، الغسلة السابعة : يقولون بأن حكمها
حكم الطاهر ، إذا انفصلت غير متغيرة بالنجاسة ، إذا انفصلت وهي متغيرة بالنجاسة فهو نجس ، والصحيح أنها إذا انفصلت غير متغيرة فهي : طهور ، وإن انفصلت وهي متغيرة فهي نجس ، ويأتينا إن شاء الله أنه لا يشترط أن تغسل الأشياء النجسة سبع مرات ، هذا ليس شرطاً .
قوله:" الثالث:نجس : وهو ما تغير بنجس ، ويسير لاقى نجاسة لا بمحل تطهير".
يقول المؤلف الثالث من أقسام المياه : هو النجس، والنجس يشتمل على أمرين ،ذكر المؤلف :
1 - ما تغير بنجاسة ، وهذا ظاهر ، وهذا بالإجماع .(1/13)
2 - يسير لاقى نجاسة لا بمحل تطهير . اليسير : أقل من القلتين .
مثلاً : عندنا الآن إناء ، وقعت فيه نقطة بول ، على المذهب أنه نجس ، ما دام أنه وقعت فيه نقطة بول ، قالوا : أنه نجس ، لأنه إذا كان أقل من القلتين بمجرد ملاقات النجاسة ينجس
على المذهب حتى وإن لم يتغير ، والصحيح في ذلك كما تقدم أننا ذكرنا أنه إن تغير بالنجاسة فهو نجس ، وإن لم يتغير بالنجاسة فهو طهور
"لا بمحل تطهير" قول المؤلف : " لا بمحل تطهير " يخرج ما إذا كان التغير بمحل التطهير ، مثلاً : على الثوب نجاسة ، وأتيت بالماء وصبيت عليه ، الآن الماء هذا لاقى النجاسة ، هل نقول بأنه ينجس أو لا ينجس ؟ ، إذا قلنا بأنه ينجس فما استطعنا نطهر الماء هذا أصبح كل الثوب
ويطهر بإضافة كثير والكثير بزوال تغيره بنفسه وبنزح يبقى بعده كثيراً............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نجس . فهذا لا نحكم بأنه نجس .
قوله : " ويطهر بإضافة كثير والكثير بزوال تغيره بنفسه وبنزح يبقى بعده كثيراً " .
ذكر المؤلف رحمه الله بما يطهر الماء ، لما ذكر النجس ، ذكر كيف نطهر الماء النجس : فقال المؤلف رحمه الله : يطهر إن كان قليلاً أو دون قلتين ، بإضافة كثير ، وإن كان كثيراً يطهر بأمرين :
1 - يزوال تغيره بنفسه ، مثلاً عندنا ماء قلتين فأكثر ونجس ، تركناه لما مضى أسبوع أو أسبوعان ، إذا هو قد تغير فإذا زالت عنه الرائحة الكريهة من النجاسة ، فإنه يطهر .
2 - وبنزح يبقى بعده كثير : يعني نأخذ منه حتى تزول النجاسة ويبقى بعد ذلك كثير ، يعني : قلتين فأكثر .(1/14)
والصواب في ذلك أن : نقول بأن الماء يطهر بأي مطهر (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً) سواءً بالنزح ، أو بالإضافة ، بتغيره بنفسه ، بالطبخ ، بالمعالجات ، كما يوجد الآن معالجة مياه المجاري ، حيث أنه يعود إلى طبيعته ، المهم إذا عولج بأي طريق فإنه يطهر ، والدليل على ذلك : أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً ، فإذا زالت بأي مزيل طهر المحل ،
" فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً " .
فإن بلغ الماء قلتين ، وهما أربعمائة رطل وستة وأربعون وثلاثة أسباع رطل مصري لم ينجس إلا بالتغير.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : " فإن بلغ الماء قلتين ، وهما أربعمائة رطل وستة وأربعون وثلاثة أسباع رطل مصري " .
يترتب على قول المؤلف رحمه الله أن الماء ينقسم من حيث الكثرة والقلة إلى قسمين :
1 - كثير . 2 - يسير .
فالكثير عنده ما بلغ قلتين ، والقلتان تثنية قلة : وهي : الجره العظيمة .
والقلتان هما : أربعمائة رطل وستة وأربعون وثلاثة أسباع رطل مصري .
الأرطال الآن غير موجودة ، لكن العلماء ذكروا وزن رطل بالمثاقيل ووزن بالجرامات ، فالرطل الواحد يساوي تسعين (90) مثقالاً .(1/15)
المثقال الواحد حده العلماء وزنه في الزمن السابق ، بحب الشعير ، ولكن الآن ضبط وزنه بالجرامات ، فاختلف المتأخرون وحد المثقال بالجرامات ، فقال بعض العلماء : بأن وزن المثقال بالجرامات يساوي 3.5 ، وقال بعضهم يساوي 4.5 وقال بعضهم يساوي 3036 إلى آخره، وأقرب الأقوال في ذلك أن المثقال الواحد يساوي بالجرامات 4,5 وهذا هو مقتضى اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وعلى هذا هذه الأرطال تحولها إلى مثاقيل ثم بعد ذلك تحول المثاقيل إلى جرامات ثم بعد ذلك تحول الجرامات إلى كيلوات ، وهذه الطريقة أنت إذا فهمت وزن الأرطال بالمثاقيل والمثقال كم يساوي بالجرامات أيضاً نستطيع أن نخرج كم .
لم ينجس إلا بالتغير..........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدر الصاع النبوي ،وكم قدر المد ، إلى آخره،وتعرف نصاب الذهب وتعرف نصاب الفضة .
قال : لم ينجس إلا بالتغير ، مثال إذا كان عندك ماء يسير وقعت فيه : نقطة من البول "دون القلتين" أو نقطة من الدم المسفوح ، يقولون : ينجس بمجرد الملاقاة وإن لم يتغير ، إذا كان كثيراً (قلتين فأكثر ) ووقعت فيه نقطة من البول يقولون : بأنه طهور إلا إذا تغير ، والصواب في ذلك : أنه لا حاجة في تقسيم الماء إلى قليل وكثير إلى آخره ، وأن الماء طهور ، مالم يتغير بنجاسة أو بطاهر ينقله عن اسم الماء المطلق ، فالماء طهور ، وعلى هذا إذا كان عندك ماء ووقعت فيه النجاسة ننظر هل تغير أو لم يتغير ؟ ، فإن تغير فهو نجس ، وإن لم يتغير فهو طهور .(1/16)
ما هو دليلهم على هذا التقسيم : استدلوا بحديث ابن عمر : " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث 6" ، فيفهم منه أن دون القلتين يحمل الخبث وأنه ينجس بمجرد الملاقات ، وهذا الجواب عنه من وجوه ، وقد أطال ابن قيم رحمه الله في الجواب عن هذا الحديث في كتابه " تهذيب السنن سنن أبي داود" ، فالجواب عن هذا الحديث :
1- أن هذا الحديث ضعيف لا يثبت ، وأنه مضطرب وضعفه كثير من أهل العلم منهم : عبد البر والمجد وغيرهما من أهل العلم ضعفوا هذا الحديث .
2- أنه دل بمفهومه على أن ما دون القلتين يحمل الخبث ، ونقول : عندنا أحاديث أخرى
وإن شك في تنجس ماء أو غيره بنى على اليقين وإن اشتبه طهور بنجس لم يتحر ويتمم لعدم غيرهما..............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دلت بمنطوقها على أن الماء طهور لا ينجسه شيء،وإذا تعارض المنطوق والمفهوم يقدم المنطوق
3 - نقول:صحيح يحمل الخبث- على فرض ثبوت الحديث- لكن متى يحمل الخبث؟
إذا تغير ، فإذا تغير طعمه أو لونه ، أو ريحه بالنجاسة ، فنقول يحمل الخبث .
قال : " وإن شك في تنجس ماء أو غيره بنى على اليقين " .
إذا شك في نجاسة ماء أو غيره ، مثلاً : إذا كان عندك ماء ، ثم وجدت في هذا الماء روث ، لا تدري هل هو روث حمار ـ نجس ـ أو روث بعير، فالأصل في هذا : الطهارة ، وهذا ينبني على قاعدة (اليقين لا يزول بالشك) ، وهذه القاعدة : في حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه " أن النبي ( شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، فقال ( : لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً 7" .(1/17)
"تنجس ماء أو غيره " تنجس ماء تنجس ثياب تنجس بقعة يصلي عليها تنجس تراب إلى آخره .
نقول : إنه يبنى على اليقين وأن الأصل في ذلك : الطهارة .
"وإن اشتبه طهور بنجس لم يتحر ويتمم لعدم غيرهما " إذا كان الإنسان عنده إناءان ، إناء وقع فيه روث حمار وغيره ، وإناء وقع فيه روث بعير وتغير ، ولا يزال يسمى ماء ، فهذا
وإن اشتبه بطاهر توضأ وضوءاً واحداً من كل غرفة..............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طهور وهذا نجس ، اشتبه عليه ، لا يدري أيهما الطهور من النجس يقول المؤلف " لم يتحر " يعني ما ينظر،ما يستعمل القرائن ، ما يستعمل غلبة الظن،بل يتيمم إذا لم يكن غير هذان الماءان
الرأي الثاني : في هذه المسألة : قال به الشافعي رحمه الله ، أنه يتحر إذا أمكن التحر ، وكان عنده غلبة الظن "قرائن" تؤيد أن هذا النجس أو أن هذا الطهور ، فإنه يعمل القرائن والدليل على ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه " أن النبي ( قال : " فليتحر الصواب ، ثم ليبن عليه 8" ، فالصواب في هذه المسألة أنه يعمل القرائن إذا أمكن ، وإن أمكن أن يطهر أحدهما بالآخر ، بحيث أنه يضيف أحدهما إلى الآخر ويزول التغير منهما عمل ، لكن إذا لم يمكن يعمل بالقرائن ، إذا لم يمكن القرائن ، فإنه يتمم كما ذكر المؤلف .(1/18)
" وإن اشتبه بطاهر توضأ وضوءاً واحداً من كل غرفة .. " يعني : عندنا طهور، وطاهر هذا الإناء طهور ، وعندنا إناء آخر غمس فيه يد مكلف مسلم قائم من نوم الليل الذي ينقض الوضوء ، وعلى كلام العلماء رحمهم الله هذا الماء الذي غمس فيه يد مسلم مكلف ، يكون طهور ، فاشتبه طهور بطاهر ، يقول المؤلف : يتوضأ وضوءاً واحداً لا نقول : يتوضأ من الطهور وضوء ومن الطاهر وضوء لا ، بل يتوضأ من كل منهما غرفة من الطهور غرفة ومن الطاهر غرفة أي : يأخذ من الأول غرفة ويتمضمض ، ومن الثاني غرفة ويتمضمض ، غرفة ويغسل وجهه وغرفة ويغسل وجهه غرفة ويغسل يده اليمنى غرفة ، ويغسل يده اليسرى وهكذا ...
وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب بعدد النجس وزاد صلاة.....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا نقول له توضأ من هذا وضوءاً ، ومن هذا وضوءاً ، وتوضأ من هذا وضوءاً ومن
هذا وضوءاً لأنه يقيناً توضأ بماء طهور ، لماذا لا نقول له ذلك ؟ لأنه في أثناء توضئه من هذا يتردد هل الطهور أو الطاهر ، فلا يكون هناك جزم بالنية والنية لابد من الجزم بها . أما لو توضأ أخذ من هذه غرفة وتمضمض واستنشق ثم أخذ غرفة وتمضمض واستنشق ، فهو يجزم جزم أنه تمضمض واستنشق ، وهذا التفريق كله كما تقدم بناءً على إثبات الطاهر ، وإذا قلنا أن الطاهر أصلا لا وجود له لا ترد عندنا هذه المسألة .
" وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب بعدد النجس وزاد صلاة" .(1/19)
مثال : يعني عندنا عشرة ثياب طاهرة ، وعشرة ثياب أصابها بول (نجسة) ، يقول المؤلف رحمه الله يصلي بعدد النجسة ، فإذا كان عنده عشرة نجسة وعشرة طاهرة ، يصلي إحدى عشرة صلاة ، لأنه إذا صلى بعدد النجسة وزاد صلاة يكون يقيناً صلى بثوب طاهر ، لأنه يحتمل أن الصلاة الأولى تكون بثوب نجس والثانية بثوب نجس والثالثة والرابعة .. إلى العاشرة كل العشرة يحتمل تكون في ثوب نجس ، لكن إذا زاد الحادي عشرة ، فنقول : قطعاً يقيناً أن الصلاة الحادي عشرة تكون بالثوب الطاهر ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى .
والرأي الثاني في هذه المسألة : أن هذا فيه مشقة ، قد تكون ثياب نجسة مائة ، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها ، فالصواب في هذه المسألة أنه يتحر ويصلي صلاة واحدة ، ودليل على ذلك كما تقدم حديث ابن مسعود رضي الله عنه " أن النبي ( قال : فليتحر
وكذا أمكنة ضيقة ويصلي في واسعة بلا تحر....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصواب ثم ليبن عليه 9" .
" وكذا أمكنة ضيقة ويصلي في واسعة بلا تحر " .
الأمكنة لا تخلوا من أمرين : 1 - أن تكون ضيقة . 2 - أن تكون واسعة .
فإن كانت واسعة مثل الصحراء ، مثال : إنسان في صحراء ، وجاء شخص وبال في هذه الصحراء ، نقول : في أي مكان يصلي بلا تحر ، لكن الأقرب في ذلك : أنه إذا كانت النجاسة ربما أنه يصلي فيها لكونها قريبة منه فإنه يتحر .(1/20)
وإذا كانت ضيقة ، يعني هناك مكان طاهر ، ومكان نجس ، مثلاً : حجرة ضيقة جانبها نجس أو ثلاثة من جوانبها نجسة ، والجانب الرابع طاهر ، فإنه يصلي بعدد النجسة ويصلي ثلاث صلوات بعدد النجسة ، ويزيد صلاة رابعة ، فيصلي في جانب الأول والثاني والثالث والرابع ، فإذا صلى هذه الصلوات فإنه يقيناً صلى في مكان طاهر ،
والصواب في هذه المسألة كلها سواء كانت الأمكنة أو الثياب أو الماء إلى آخره أنه يتحر ، والدليل على ذلك : كما أسلفنا حديث ابن مسعود ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
ويباح كل إناء ولو ثميناً.....................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
قوله " ويباح كل إناء ولو ثميناً " .
لما تكلم المؤلف رحمه الله عن أحكام المياه شرع في أحكام الآنية ، لأن الماء جوهر سيال ، يحتاج إلى إناء يحفظ فيه ، والآنية لها مناسبتان :
1 - مناسبة في باب الأطعمة . 2 - مناسبة في باب المياه .
والشيء إذا كان له مناسبتان فإن العلماء رحمهم الله يذكرونه في أول المناسبتين ، لأن لا تفوت فائدة ذكره في المناسبة الأولى .
قال : " ويباح كل إناء " أفاد المؤلف رحمه الله في هذه الجملة أن الأصل في الآنية الإباحة ، فالأصل في الأواني الإباحة فلا يحرم من الأواني إلا ما حرمه الشارع ، سواء كانت الأواني من الخشب أو من الحديد أو من الصفر ، أو من النحاس إلى آخره ، والأصل في الأواني الإباحة فلا يحرم منها إلا ما حرمه الشارع ، ويدل على ذلك قوله تعالى ( وهو الذي خلق لكم مافي الأرض جميعاً } وأيضاً قول الله عز وجل ( والأرض خلقها للأنام } والنبي ( توضأ من تور من صفر10 ، وأيضاً من مزادة امرأة مشركة11 وغير ذلك .(1/21)
" ولو ثميناً " حتى ولو كان ثميناً ، مثل : الآن بعض الأواني تكون من الألماس ، أو تكون آنية من أحجار كريمة ، ونحو ذلك ،
غير إناء ذهب أو فضة ونحو مطلي بها..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول : الأصل في ذلك الحل حتى ولو كان ثميناً .
قوله: " غير إناء ذهب أو فضة ونحو مطلي بها .. " .
يقول المؤلف رحمه الله إلا إناء الذهب والفضة ، فإن هذين الإناءين غير جائزين، وكلام المؤلف رحمه الله في قوله " غير إناء ذهب أو فضة " يشمل استعمال إناء الذهب والفضة في الأكل والشرب ويشمل استعمال إناء الذهب والفضة في غير الأكل والشرب ويشمل الاتخاذ دون الاستعمال ، فالمسألة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : استعمال إناء الذهب والفضة في الأكل والشرب ، فهذا محرم ولا يجوز ، وما ورد من خلاف في ذلك فهو ضعيف مردود ، ولا حاجة لذكر الخلاف في ذلك ، ويدل لهذا قول النبي ( " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة12 " ، وأيضاً قول النبي ( " الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم يوم القيامة13 " فهذان الحديثان وغيرهما دالان على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة .
" ونحو مطلي بهما " الطلاء يؤتى بقطع "بصحيفة" من الذهب والفضة وتوضع على الإناء ، يقول المؤلف لا يجوز الأكل والشرب في إناء الذهب والفضة سواء كان مسمتاً ، أي خالص من الذهب والفضة ، أو كان غير خالص ، يعني : مموه ، مطلي ، مطعم ، والتطعيم يحفر في
......................................................................................................................(1/22)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإناء حفرة يوضع فيها قطعة من الذهب وقطعة من الفضة ، مكفت - التكفيت : يوضع في الإناء على شكل الجدول الماء ، ثم يؤتى بخيوط من ذهب أو فضة وتوضع فيه ، هذه كلها محرم أيضاً ، وورد في الحديث " أو في شيء منهما14 " ، وهذه اللفظة بعض أهل العلم يثبتها وبعضهم ينفيها لكن ولو كانت هذه اللفظة منفية
عندنا قاعدة " أن النهي يتعلق بجميع أفراد المنهي عنه " ، إذا نهاك الشارع عن شيء ، فإنه يشمل كل أفراد المنهي عنه يتعلق بأفراده ، ودليل على ذلك قول النبي ( " وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه15 " ، ولا يتحقق الإجتناب حتى يجتنب كله ، مثال : قال الله عز وجل بالنسبة للمحرم " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " هنا نهى الله عز وجل عن حلق الرأس ، فنقول : يحرم على الإنسان أن يحلق رأسه كله ، ويحرم عليه أن يحلق شعرة واحدة ، لأن النهي هنا يتعلق بجميع أفراد المنهي عنه ، فأيضاً هنا الشارع نهاك عن أن تأكل في آنية الذهب أو الفضة ، فنقول بأن هذا يحرم على الإنسان أن يأكل في المسمت أو يأكل فيه شيء من آنية الذهب والفضة حتى ولو كان فيه شيء يسير .
القسم الثاني : استعمالها في غير الأكل والشرب مثل استعمالها في الوضوء أو استعمالها في الغسل أو استعمالها في حفظ الأشياء ، استعمالها كأن تكون مكحلة ، أو كأن تكون دلاة توضع فيه الحبر ، وغير ذلك من الاستعمالات ، فهذا موضع خلاف : فالرأي الأول : رأي
..............................................................................................................................................(1/23)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمهور أهل العلم : أن هذا غير جائز ، ويستدلون بالحديث الذي سبق " أن النبي ( قال : "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة16 "
وقالوا : بأن سائر الاستعمالات تقاس على الأكل والشرب .
والرأي الثاني : ذهب إليه بعض أهل العلم ومنهم : الشوكاني ، والصنعاني ،وغيرهما قالوا : بأن استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب أن هذا جائز ، اقتصاراً على ما ورد النص ، فإن النبي ( لم ينه إلا عن الأكل والشرب ، وأيضاً استدلوا : " أن أم سلمة رضي الله عنها كان عندها جلجل من فضة أي : إناء صغير من فضة ، تحتفظ فيه بشعرات من شعر النبي ( 17" وهذا القول قوي ، ومع ذلك الأحوط للمسلم أن يجتنب الاستعمال حتى ولو كان في غير الأكل والشرب .
القسم الثالث : اتخاذ آنية الذهب والفضة .
والاتخاذ هو : عدم مباشرة الانتفاع . فيتخذ مثلاً : إبريقاً من الذهب أو إبريقاً من الفضة ، أو ملاعق من الذهب أو من الفضة ، ونحو ذلك قد يتخذ من هذه الأغراض التجمل ، أو حفظ الثمن أو نحو ذلك .
الرأي الأول : جمهور أهل العلم قالوا محرم ولا يجوز ، وقالوا بأن ما حرم استعماله حرم
إلا مضبباً بيسير من فضة لحاجة وتصح طهارة من إناء محرم................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتخاذه .(1/24)
والرأي الثاني : قالوا بأن الاتخاذ جائز وهذا قال به أبو حنيفة رحمه الله ، والأصل في ذلك الحل والجواز ، والنهي إنما ورد عن الأكل والشرب وهذا ليس أكلاً ولا شرباً .
" إلا مضبباً بيسير من فضة لحاجة ..18 " لما قال المؤلف رحمه الله يحرم استعمال إناء الذهب والفضة في الأكل والشرب سواء كان خالصاً أو فيه شيء من الذهب والفضة ، استثنى الضبة اليسيرة : فلا بأس أن تستخدم إناءً من حديد فيه ضبة من فضة في الأكل والشرب ، ما هي الضبة : الضبة هي عبارة عن خيط من الفضة أو غيرها يربط به طرفي الإناء المنكسر ، فإذا كانت الضبة في إناء من حديد أو صفر ونحو ذلك يجوز للإنسان أن يأكل ويشرب فيه بشروط .
1 - أن تكون ضبة . 2 - أن يكون ذلك لحاجة .
3 - أن تكون من فضة . ……4 - أن تكون يسيراً .
" وتصح طهارة من إناء محرم " ، يقول المؤلف رحمه الله : تصح طهارة من إناء محرم ، فعندنا حكم تكليفي وحكم وضعي ، لا تلازم بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي ، فهذا الإناء على رأي جمهور أهل العلم يحرم استعماله في الوضوء لأنه من فضة أو من ذهب ، لكن إذا جاء شخص وتوضأ منه ، فإن حدثه يرتفع مع كونه آثماً ، لأن النهي هنا لا يتعلق بذات.
وتباح آنية كفار وثيابهم إن جهل حالها ولا يطهر جلد ميتة بدبغٍ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمنهي عنه ، وإنما يتعلق بالشرط على وجه لا تعلق له
" وتباح آنية كفار وثيابهم إن جهل حالها " ، الأصل في آنية الكفار الإباحة ، فلك أن تأكل فيها وأن تتوضأ فيها إلى آخره ، وأيضاً الأصل في ثياب الكفار الإباحة والطهارة فلك أن تصلي فيها وأن تلبسها إلى آخره ، والدليل على ذلك عموم قول الله عز وجل ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً }.(1/25)
وذلك إذا كنا لا ندري حالها أهي طاهرة أم نجسة ، فإن الأصل في ذلك الطهارة ، كما تقدمت القاعدة : " اليقين لا يزول بالشك " ، لكن إن علمنا حالها وأنها نجسة فإنه يجب أن تغسل ، وحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه سأل النبي ( : أنهم يأتون أرض أهل كتاب ، وأنهم لا يجدون إلا آنيتهم أفيأكلون في آنيتهم ، فقال النبي ( : " لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها19 " ،فالجواب عن هذا جوابان :
1 - أن هذا محمول على آنية عرفت نجاستها .
2 - أن المراد بذلك التنزه .
" ولا يطهر جلد ميتة بدبغٍ.. " الميتة : هي كل ما مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة غير شرعية .
جلد الميتة هل يطهر بالدبغ أو لا يطهر ؟
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا فيه خلاف
الرأي الأول : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله : أن جلد الميتة لا يطهر بالدبغ ولا فرق عنده بين الميتة التي تؤكل إذا ذكيت وبين التي لا تؤكل
فيقول المؤلف : لا تطهر جلود الميتة بالدبغ ،
والدبغ هو : إزالة النتن والرطوبة من الجلد بمواد خاصة .(1/26)
وهذه المادة تختلف باختلاف الزمان ، أمور الدبغ في الزمن السابق ، النبي ( قال :" يطهرها الماء والقرَظ20 " أما الآن بسبب تقدم الصناعات فهناك أشياء خاصة والآن تستطيع أنها تدبغ الجلد وتزيل عنه رطوبته ونتنه إلى آخره ، المهم لو كان عندنا ميتة - شاة ماتت - أو بقرة ماتت أو عنز أو بعير مات ، فأخذنا جلدها فدبغناه ، يقول المؤلف رحمه الله : لا يطهر جلد ميتة بدبغ حتى ولو كانت مأكولة ، وهذا هو المشهور من المذهب ، واستدلوا بحديث عبدالله بن عكيم " لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب21 " قوله بإهاب ، يشمل كل الميتات وهذا الحديث ضعيف لا يثبت ، والجواب عنه جوابان :
الأول : أنه ضعيف .
الثاني : أن المراد بالإهاب الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإنتفاع به هو الجلد قبل دبغه ، وهذا ليس فيه محل خلاف .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثاني : أن جلد الحيوان إذا كان الحيوان مأكولاً يطهر جلده بالدبغ ، وإن كان غير مأكول لا يطهر بالدبغ ، وهذا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واستدلوا بحديث : شاة ميمونة رضي الله عنها " أن النبي ( مر بشاة يجرونها ، فقال النبي (: هل انتفعتم بإهابها ، فقالوا : إنها ميتة ، فقال:يطهرها الماء والقرظ22 " ، وأيضاً استدلوا بقول النبي ( : " دباغ الأديم ذكاته23 " جعل النبي ( الدبغ بمنزلة الذكاة ، فإذا كانت الذكاة تطهر الحيوان وتحله ، فكذلك أيضاً دبغ الجلد يطهره ويحله .(1/27)
الرأي الثالث : أن جلد الحيوان الطاهر في حال حياته ، هذا هو الذي يطهر ، يعني : لا يقيد بالمأكول هذا أعم ، وإنما يقولون : جلد الحيوان إذا كان الحيوان طاهراً في حال الحياة .وهذا رجحه شيخ الإسلام في الفتاوى المصرية
الرأي الرابع : أنه يطهره كل جلد الميتة إلا جلد الإنسان والخنزير ، وهذا قال به أبو حنيفة رحمه الله .
الرأي الخامس : أنه يطهر كل جلد الميتة إلا الكلب والخنزير وهذا قال به مالك رحمه الله
ودليلهم حديث ابن عباس رضي الله عنهما " أيهما إهاب دبغ فقد طهر24 " ، وهذا يشمل كل جلد .
ويباح استعماله بعده في يابس إن كان من طاهر في حياة................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأقرب الأقوال في هذه المسألة قولان :
1 - إما أن نقول الذي يطهر هو جلد الحيوان المأكول .
2 - أو تقول كل جلد وهذا القول يظهر أنه أقرب .
لكن عندنا فرق بين طهارة الجلد وبين استعماله فجلود السباع التي تفترس هذا نهى النبي ( عن استعماله ، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن افتراش جلود السباع25 ، ونهى عن ركوب النمار26 ، إلى آخره ، فجلد النمر والأسد والذئب والكلب وغير ذلك مع القول بأنها تطهر لكن استعمالها شيء ثاني ، هذا نهى عنه النبي ( .
" ويباح استعماله بعده في يابس إن كان من طاهر في حياة " لما ذكر المؤلف رحمه الله أن جلد الميتة لا يطهر بالدبغ ، قال : ويباح استعماله بعد الدبغ لكن بشرطين :
1 - أن يكون في اليابس . 2 - أن يكون من حيوان طاهر(1/28)
فقولنا يستعمل في يابس ويخرج استعماله في المائعات ، فمثلاً : دبغنا جلد شاة ميتة على كلام المؤلف لا يطهر ، لكن يباح أن يستعمل في اليابسات ، نستعمل لحفظ البر ، لحفظ الأرز ، لحفظ الأواني ، لحفظ الملابس ، ولا يجوز استعمالها في المائعات ، في حفظ الماء نجعله قربة ، أو لحفظ السمن أو العسل ، فلا يجوز ذلك على قول المؤلف ، والصحيح أنه يطهر ما دام أنه جلد حيوان مأكول أو نقول ما دام أنه جلد حيوان دبغ أنه يطهر ، لكن إذا كان من جلود
من حيوان طاهر في حال الحياة..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السباع لا يجوز استعماله .
من حيوان طاهر في حال الحياة : وعلى هذا إذا كان الجلد الذي دبغ من حيوان غير طاهر في حال الحياة ، فإنه لا يجوز استعماله حتى في اليابسات ، ما هو الحيوان الطاهر في حال الحياة ؟ هذا يشمل أموراً : الأمر الأول : الآدمي ، هذا طاهر سواءً كان مسلماً أو كافراً صغيراً أو كبيراً ذكر أو أنثى ويدل لذلك حديث أبي هريرة في الصحيحين ، أن النبي ( قال
" إن المؤمن لا ينجس27 " وأيضاً قال الله عز وجل " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " فأباح الله عز وجل المحصنة من أهل الكتاب فهذا يدل على طهارتها ، لأن المسلم إذا تزوج يهودية أو نصرانية ، سيخالط هذه اليهودية أو النصرانية ، وإذا أجيز له أن يخالطها دل على طهارتها .
والجواب عن قول الله عز وجل ( إنما المشركون نجس} أن المراد نجاسة معنوية وليست حسية ، نجاسة الشرك والكفر بالله عز وجل .(1/29)
الأمر الثاني : الحيوان المأكول كل حيوان مأكول فهو طاهر في حال الحياة لكن إذا مات فهو نجس ، مثل : الشاة ، البقرة ، الإبل ، الطيور المأكولة إلى آخره .
الأمر الثالث : حيوان البحر فهذا طاهر في حال الحياة وفي حال الممات .
الأمر الرابع : ما يشق التحرز عنه ، مثل الفارة ، عرقها طاهر ، شعرها طاهر ، ريقها
وكل أجزاء الميتة ولبنها نجس غير شعر وصوف...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طاهر ، سؤرها - بقية الطعام - طاهر ، مخاطها طاهر ، لكن بولها وروثها ودمها نجس ، ومنيتها نجس ، وكذلك مثل : الهرة ، الحمار , البغل ، الذي يشق التحرز عنه لكثرة طوافه يطوف على الناس نقول أنه طاهر
الأمر الخامس : ما لا نفس له سائلة من الحشرات ، والهوام ، مثل الذباب والبعوض ، والخنفسة ، والعقرب ، والجعل ، والصراصير ، والنمل ، فهذه طاهرة في حال الحياة وفي حال الممات ، كل شيء إذا قتل لا يخرج منه دم يسيل فهو طاهر في حال الحياة وحال الممات .
" وكل أجزاء الميتة ولبنها نجس غير شعر وصوف .. " ، كل أجزاء الميتة نجسة لقول الله عز وجل ( حرمت عليكم الميتة} ، وحديث جابر " إن الله حرم بيع الميتة28 " وأيضاً في قصة شاة ميمونة رضي الله عنها : أن النبي ( قال : هلا انتفعتم بإهابها29 " فدل ذلك على أن ما عدا الإهاب أنه لا ينتفع به ، وأيضاً قول النبي ( "يطهرها الماء القرظ30 " ، يدل على أن الإهاب تنجس لكن يطهره الماء والقرظ ، من باب أولى أيضاً الحيوان حصل له النجاسة
لكن قول النبي ( " يطهره الماء والقرظ " بالنسبة للجلد دل على أن ما عداه نجس . نقول أن الميتة نجسة ،
لكن يستثنى من ذلك أشياء :(1/30)
1 - ما لا تحله الحياة ، الذي ليس له دم يسيل ، مثل : الشعر ، والصوف ، والوبر ،
وما أبين من حي كميتته......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والريش ، والقرون ، والأظلاف ، وألحق شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله بهذه الأشياء ، العظام ، فهذه الأشياء لا تنجس ، لأنه ليس فيها دم يسيل ولأن التذكية لإخراج الدم السائل ، هذه الأشياء لا تحتاج إلى التذكية فهو طاهر ، وقال الله عز وجل (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين } فامتن الله عز وجل علينا بهذه الأصواف والأوبار والأشعار ، ومقضتى المنة أن تكون مباحة .
2 - الجلد إذا دبغ : إذا دبغ فإنه يطهر ، تقدم الكلام في ذلك .
3 - لبن الميتة : شيخ الإسلام يرى أن لبن الميتة إذا لم يتغير أنه طاهر ، لأن القاعدة عند شيخ الإسلام " أن المائعة لا تنجس إلا بالتغير " فلو كان عندنا شاة وماتت فسارعنا وحلبناها ، أو بقرة وحلبناها ، ننظر إن كان تغير فهو نجس ، وإن لم يتغير فهو طاهر .
4 - الإنفحة : وهذا سيأتي الكلام عليه في النجاسات إن شاء الله .
" وما أبين من حي كميتته " ويدل لهذا ما أخرجه الترمذي بإسناد حسن من حديث أبي وقاد الليثي أن النبي ( قال : " ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة31 " .
مثلاً : إذا قطعنا رجل شاة ، فهي نجسة ، لأن ميتة الشاة نجسة ، عندنا غزال قطعنا رجلها أو يدها فهي نجسة لأن ميتة الغزال نجسة ، عندنا حوت قطعنا رجله ، فهي طاهرة ، لأن ميتته حلال ، فالقاعدة في ذلك : أنه ينظر إلى ميتته ، هل هو طاهر أو نجس ، فإن كان طاهراً فما(1/31)
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبين منه فهو طاهر ، وإن كان نجساً فما أبين منه فهو نجس .
يستثني العلماء رحمهم الله في ذلك :
1 - المسك وفأرته : المسك هذا مبان من حيوان طاهر في حال الحياة - مأكول- العلماء يقولون فيه غزلان تسمى بغزلان المسك ، وهذه الغزلان تجرى ، أي تجعل تجري بسرعة ، ثم بعد ذلك ينزل من عند السرة دم ، هذا الدم الذي تجمع عن السرة يربط بخيط بقوة ، ثم بعد فترة من شدة ربطه بالخيط ينفصل هذا الدم الذي انفصل يكون رائحته مسك ، هذا يسميه العلماء رحمهم الله : المسك وفأرته : وفأرته : وعائه . فهذا طاهر مع أنه منفصل من حيوان ميتة نجسة .
2 - الطريدة : أي المطرودة ، وذلك بأن يهرب الحيوان فيلحقه القوم ، هذا يقطع يده ، وهذا رجله إلى آخره ، فهذه اليد أو الرجل فهي طاهرة حلال .
3 - الولد والبيضة : فالولد والبيضة المنفصل من الحيوان فهو طاهر مع أن ميتته نجسة .
4 - ما لا تحله الحياة : الصوف والوبر والشعر أيضاً فهو طاهر .
باب الاستنجاء : يستحب عند دخول خلاء قول : بسم الله.................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب الاستنجاء
" باب " الباب في اللغة : ما يدخل منه إلى المقصود .
وأما في الاصطلاح : فهو اسم لجملة من العلم يشتمل على فصول ومسائل غالباً .(1/32)
" الاستنجاء " مأخوذ من قولهم : نجوت الشجرة ، إذا قطعتها ، فكأن المتخلي يقطع الأذى بالاستنجاء .
وأما في الاصطلاح : فهو إزالة الخارج من السبيل بماء أو حجر ونحو ذلك : مثل المناديل والخرق والتراب وغير ذلك .
" يستحب عند دخول خلاء قول : بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث.."
قدم المؤلف رحمه الله الاستنجاء على الوضوء وسننه ، لأن هذا هو هدي النبي ( ولأن التخلية قبل التحلية ، الإنسان يتخلى من الأذى قبل أن يتحلى بالطهارة ، ولأن من العلماء من يرى أن مس الفرج ينقض الوضوء ، قد يحتاج المتخلي إلى مس فرجه .
الاستنجاء له آداب قولية وفعلية ، جاءت بها السنة ، وهذا يدل على كمال الشريعة وحسنها ، فإنها أتت بما يصلح العباد ، حتى في أمور قضاء الحاجة .
" يستحب عند دخول خلاء قول : بسم الله " هذا الأدب الأول ، أنه يستحب عند دخول الخلاء أن يقال " بسم الله " ، والخلاء : هو المكان المعد لقضاء الحاجة ، فإن كان يقضي حاجته في الصحراء فمتى يقول البسملة ؟ قال العلماء يقول البسملة عند رفع ثوبه ، ودليل هذا الأدب حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً " ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا
أعوذ بالله من الخبث والخبائث , وعند خروجه : الحمد الله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وتقديم يسرى رجليه دخولاً ....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل الكنيف أن يقول : باسم الله32 "،(1/33)
" أعوذ بالله من الخبث والخبائث " الخبْث بإسكان الباء : أي الشر : والخبائث : أي الشياطين ، وهذا أقرب ، فكأنه استعاذ من الشر وأهله ، ويدل لهذا حديث أنس رضي الله عنه أن النبي ( كان إذا دخل الخلاء قال : أعوذ بالله من الخبث والخبائث33 " وهو الأدب الثاني .
" وعند خروجه : الحمد الله الذي أذهب عني الأذى وعافاني " ، هذا الأدب الثالث لكنه ضعيف ، ويدل لذلك حديث أنس رضي الله عنه " كان النبي ( إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني 34".
وقد ضعفه أكثر أهل العلم ، وعلى هذا لا يشرع أن يقول هذا الذكر ، لأن العبادات توقيفية ، لكن يقول كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها " غفرانك 4"، وعلى هذا نقول بدل من هذا الذكر ، نستبدله بما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها وهو صحيح .
ومناسبة هذا القول " غفرانك " كما ذكر ابن القيم رحمه الله ، أن المتخلي لما تخفف من أذية الجسم فإنه تذكر أذية الإثم ، فسأل الله عز وجل أن يغفر له أذية الإثم وأن يخفف له . " وتقديم يسرى رجليه دخولاً " دخولاً : منصوب على الحال أي : داخلاً ، هذا الأدب
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/34)
الرابع ، إذا أراد أن يدخل بيت الخلاء فإنه يستحب أن يقدم رجله اليسرى دخولاً ، لأن اليسرى تقدم للخبائث واليمنى تقدم للطيبات ، ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي ( كان يعجبه التيمن في تنعله ، وترجله ، وطهوره وفي شأنه كله " هذا في الصحيحين ، وأيضاً ما ثبت في الصحيحين " أن الإنسان إذا انتعل فليبدأ برجله اليمنى ، وإذا خلع فليبدأ باليسرى 4" وعلى هذا نقول ما يتعلق بتقديم اليمين واليسار هذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما كان من قبيل الطيبات ، فهذا يقدم فيه اليمنى رجلاً أو يداً ، كالأكل والشرب ، واللبس ، لبس السروال ، أو ثوب أو فانيلا ، يقدم اليمين ، الوضوء الغسل تقدم اليمين .
القسم الثاني : ما كان من قبيل الخبائث : تقدم فيه اليسرى ، كالاستنجاء والاستجمار خلع النعل ، خلع الثوب ، أو خلع السروال ، يبدأ بجانبه الأيسر ، ولهذا يدل حديث أبي قتادة رضي الله عنه في الصحيحين " أن النبي ( قال : و لا يتمسح من الخلاء بيمينه 35" ، وقال " لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول 36" وإنما يمسك بيساره .
القسم الثالث : ما كان متردداً بين الأمرين : أي لم يظهر فيه التكريم ولم يظهر فيه الإهانة . فالأصل تقديم اليمنى ، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي ( كان يعجبه التيمن " وقالت " وفي شأنه كله 37" هذا مما يدل على أن ما كان متردداً فإن الأصل أن يقدم
واعتماده عليها جالساً, و اليمنى خروجاً عكس مسجد ونحوه عكس مسجد ونحوه وبعده في فضاء واستتاره..........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه اليمنى .(1/35)
" واعتماده عليها جالساً " ، الأدب الخامس : يعني أثناء قضاء الحاجة يعتمد على رجله اليسرى ، ودليل ذلك حديث سراقة قال " أمرنا رسول الله ( أن نتكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى 38" وأيضاً قالوا : بأن هذا أسهل لخروج الخارج ، وعلى كل حال الإنسان يفعل ما هو أسهل له ، أما الاعتماد على هذا الحديث ، فهذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي ( ، ولكن إذا ثبت أن هذا أسهل لخروج الخارج ، فنقول : الإنسان يفعل ما هو أسهل له
" واليمنى خروجاً عكس مسجد ونحوه " الأدب السادس : إذا أراد الإنسان أن يخرج من الخلاء فإنه يقدم اليمنى كما تقدم أنه يقدم اليسرى عند الدخول .
" عكس مسجد ونحوه " المسجد إذا أراد أن يخرج منه فإنه يقدم اليسرى ، وإذا أراد أن يدخل يقدم اليمنى " ونحوه " مثل المنزل ، إذا أردت أن تخرج من منزلك تقدم اليسرى ، وإذا أردت أن تدخل منزلك تقدم اليمنى ومثل ذلك أيضاً : لبس الثوب والنعل وإذا أردت أن تلبس الثوب تقدم اليمنى وإذا أردت أن تخلع تقدم اليسرى وعلى هذا فقس .
" وبعده في فضاء " الأدب السابع يستحب للإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته أن يبتعد في الفضاء بحيث لا يراه أحد ليس المقصود هنا ستر العورة ، المقصود : أن لا يرى أحداً شيئاً من جسمه ، هذا هو السنة ، ويدل لذلك حديث المغيرة بن شعبة ، وفيه بعد النبي ( ،
وطلب مكان رخوٍ لبوله ومسح ذكره بيسرى يديه إذا فرغ من دبره إلى رأسه ثلاثاً..........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحديث جابر " أن النبي ( كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد 39" ،
" واستتاره " الأدب الثامن . ستر العورة ينقسم إلى قسمين :
1 - استتار واجب : وهو حفظ العورة ، وهذا واجب ويدل لذلك قول الله عز وجل(1/36)
(والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين}وأيضاً قول النبي ( ، حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك 40" .
2 - استتار مستحب : وهو أن لا يرى شيئاً من جسمه كما تقدم من حديث المغيرة ، وحديث جابر رضي الله عنهما .
" وطلب مكان رخوٍ لبوله " الأدب التاسع : إذا أراد أن يبول يطلب مكاناً رخواً لبوله أي : هشاً لينا ليس صلباً ، لأن الحجارة الصلبة هذه تؤدي إلى أن يرتد إليه شيء من البول ، والدليل على ذلك : سائر الأدلة في التنزه من البول مثل :
حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين : " أن النبي ( مر بقبرين ، فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما : فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله 41" وأيضاً قول البني ( "
ونتره كذلك وتحوله ليستنجى إن خشي تلوثاً..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه 42" ، وأيضاً في سنن أبي داود " إذا بال أحدكم
فليرد لبوله 43" .
" ومسح ذكره بيسرى يديه إذا فرغ من دبره إلى رأسه ثلاثاً " .
الأدب العاشر: إذا انتهى الإنسان من بوله يقوم بالمسح من الدبر إلى رأس الذكر .
وما هلي العلة في ذلك ؟ قالوا : العلة في ذلك لكي يخرج ما قد تبقى من البول ، وهذا المسح(1/37)
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يرى أنه بدعة ، ولم يثبت فيه شيء عن النبي ( ، وهذا يؤدي إلى السلل ، والذكر كالضرع إن حلبته در وإن تركته قر إذا كان الإنسان يمسح هذا يؤدي إلى أن يدر البول يخرج منه ، وإن تركه الإنسان فإنه يقر البول فالصواب في ذلك أن هذا المسح ليس من الآداب ، بل هو كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنه بدعة .
" ونتره كذلك " الأدب الحادي عشر : قال بعض العلماء نتره بالنفس ، يعني بنفسه حتى يخرج بقية البول ، وهذا كما تقدم لنا ، أن شيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه بدعة ، وما ثبت فيه شيء صحيح عن النبي ( .
" وتحوله ليستنجى إن خشي تلوثاً " الأدب الثاني عشر : أنه يتحول ، يعني إذا قضى حاجته فأراد أن يستنجي بالماء يتحول ، لأنه ربما يسكب الماء على شيء من النجاسة ، فتعود هذه النجاسة إلى نفس المستنجي ، وهذا دليلها كما أسلفنا ، سائر الأدلة التنزه من البول لكن الآن
ويكره دخوله بمافيه ذكر الله بلا حاجة.............................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أماكن قضاء الحاجة في الحمامات ، فهذه الأشياء تذهب ، لكن إذا كان في غير
الحمامات مثل دورة المياه وغيرها فهذا صحيح ممكن .
" ويكره دخوله بما فيه ذكر الله بلا حاجة " ، الأدب الثالث عشر : دخوله بما فيه ذكر أنه ينقسم إلى قسمين :
1 - دخوله بالمصحف ، وهذا ينص العلماء رحمهم الله على أنه محرم ولا يجوز ، ولو كان محفوظاً في الجيب ونحو ذلك ، اللهم إلا إذا خشي عليه من السرقة ونحو ذلك(1/38)
2 - دخوله بما فيه ذكر الله غير المصحف ، والمراد : مطلق الذكر ليس خصوص لفظ الجلالة ، يعني بما فيه شيء من أسماء الله أو صفاته ، يقول المؤلف رحمه الله بأنه مكروه .
" بلا حاجة " يعني إن كان هناك حاجة لا بأس مثلاً : كأوراق يصعب عليه أن يتركها خارج بيت الخلاء أو مثلاً نقود يخشى عليها من السرقة ونحو ذلك فهو يحتاج إلى أن يجعلها في جيبه فيقول المؤلف رحمه الله بأنه يكره إلا إذا كان هناك حاجة فإن الحاجة تبيح المكروه .
والرأي الثاني : عدم الكراهة ،
ولكل منهما دليل : أما من قال بالكراهة فاستدلوا بأن النبي ( إذا أراد دخول الخلاء نزع خاتمه ، وخاتم النبي ( كان مكتوباً فيه " محمد رسول الله " وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد من حديث أنس رضي الله عنه وهو ضعيف لا يثبت عن النبي ( ، وإذا كان ضعيفاً لا يثبت فنقول الأصل في ذلك الحل ،
ورفع ثوبه قبل دنوه من أرض.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهذا الرأي الثاني : قالوا عدم الكراهة ، قالوا بأن الأصل في ذلك الحل ، وهذا هو الأقرب
ولأنه قد يشق على الناس ، كون الإنسان معه نقود ومعه أوراق ربما إذا دخل بيت الخلاء تضيع منه هذه الأوراق أو ينساها أو تؤخذ إذا كان في مكان عام ونحو ذلك ، وعلى
هذا نقول الصحيح أنه لا يكره لكن هذا أولى ، يعني إن أخرجها الإنسان فهذا هو الأولى ، لكن نحكم عليه بالكراهة هذا فيه نظر مع أن ثبوت الحديث فيه نظر .
" ورفع ثوبه قبل دنوه من أرض " هذا الأدب الرابع عشر : يقول المؤلف رحمه الله :(1/39)
يكره أن يرفع ثوبه قبل دنوه من الأرض ، يعني : إذا أراد أن يقضي حاجته : فإنه لا يستعجل في رفع الثوب حتى يدنو من الأرض ، فإذا دنى من الأرض يرفع ثوبه ، وهذا دليله : الأمر بحفظ العورة ، كما في قول الله عز وجل ( والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم
أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } ، وأيضاً حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي ( قال : " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك 44" ، وهذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله يدل على دقة العلماء رحمهم الله وامتثالهم بالأمر في حفظ العورة ، حتى ولو كان الإنسان في بيت الخلاء فإن الإنسان لا يتعمد رفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ، وهذا كله من العلماء رحمهم الله في المحافظة على حفظ العورات ، وهذا بخلاف ما عليه اليوم كثير من الناس ، فإن كثير من الناس اليوم يتساهل في ستر العوره " كشف العورة" ، تجد عند اللعب ،
وكلامٍ فيه.............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى في غير اللعب تجد أنهم يتساهلون في حفظ العورات ، وهذا كله من الخطأ ، يعني إذا كان الإنسان سيقضي حاجته وهو في بيت الخلاء ، العلماء يقولون لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ، وهذا كله من تمام حفظ العورة الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم وأن ما عليه كثير
من الناس اليوم من الذكور والإناث تساهل في حفظ العورات هذا خلاف ما دعت إليه الشريعة .
" وكلام فيه " الأدب الخامس عشر : من أراد أن يتخلى يكره أن يتكلم ، كلامه ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - الكلام حال قضاء الحاجة ، فهذا ظاهر كلام المؤلف رحمه الله بأنه مكروه ، ودليلهم(1/40)
على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن رجلاً مر بالنبي ( فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه السلام 45" ، وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ، وذهب بعض العلماء رحمهم الله إلى أن الكلام حال قضاء الحاجة أنه لا يجوز ، وقالوا بأن ظاهر الحديث كون النبي ( ترك
رد السلام وهو واجب ظاهره أنه لا يجوز الكلام ، لأن رد السلام واجب ولا يترك الواجب إلا لأمر محرم .
2 - الكلام حال الاستنجاء : كون الإنسان يتكلم وهو يستنجي لا يقضي حاجته وإنما يستنجي ، فهذا الأصل فيه الإباحة ، لأن الذي ورد "وهو يبول" وهو يقضي حاجته .
وبوله في نحو شق ومس فرجه بيمينه...............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 - الكلام حال الوضوء ، حال الغسل : فإن هذا أيضا ًجائز ولا بأس به والنبي ( تكلم وهو يغتسل ، كما في حديث أم هانئ ، لما جاءت النبي ( وهو يغتسل ، وذكرت له أنها أجارت رجلاً من أقاربها ، فقال النبي ( " أجرنا من أجرت يا أم هانئ 46" فالنبي ( تكلم فنقول : الذي ينهى عنه هو الكلام حال قضاء الحاجة .
4 - الكلام للضرورة ، كما لو احتاج إلى أن ينبه شخصاً يريد أن يقع في هلكه أو أن يحذره من شر وكأن يحذر شخصاً من عقرب أو حية ونحو ذلك ، فإن هذا جائز بل هو واجب . إن عطس أو سمع مؤذناً أثناء قضاء الحاجة أو وجد سبب من أسباب الذكر كما لو سمع نباح كلب أو نهيق حمار ، أو صياح ديك ونحو ذلك ، فهل يأتي بالذكر المشروع وهو يقضي حاجته أو لا ؟ العلماء قالوا بأنه يفعله بقلبه ما دام أنه في حال قضاء الحاجة .(1/41)
" وبوله في نحو شق " الأدب السادس عشر : الشق واحد الشقوق ، وهو ما يتخذه الدبيب والهوام بيتاً له في الأرض أو في الجدار ونحو ذلك ، فيقول المؤلف رحمه الله يكره أن يبول فيه ، ودليل ذلك هو سائر الأدلة الدالة على التنزه من البول كحديث ابن عباس وغيره ، لأن الإنسان إذا بال في هذا الشق فإنه لا يأمن أن يخرج عليه شيء من هذه الهوام ونحوها فيؤذيه ويؤدي إلى أن ينتقل من مكان إلى مكان آخر فيحصل له التلوث بالبول ، وكذلك أيضاً يفسد على هذا الساكن مسكنه .
" ومس فرجه بيمينه " الأدب السابع عشر : يكره للإنسان أن يمس فرجه بيمينه وهو
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبول ويدل لذلك حديث أبي قتادة أن النبي ( قال : لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه 47" ، وقالوا بأن هذا مكروه ،
والرأي الثاني : ما عليه الظاهرية أن مس الفرج أثناء البول أنه محرم ولا يجوز ، والأقرب في هذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وأنه يكره لأن هذا من قبيل الأدب ، والذكر إنما هو بضعة من الإنسان ، فيكره أن يمس فرجه بيمينه أما التحريم فهذا غير ظاهر .(1/42)
وهل يلحق بذلك إذا كان لا يبول النبي ( قال : " وهو يبول" لكن إذا كان لا يبول هل نقول يكره أن يمس فرجه بيمينه أو غير مكروه؟ المشهور من المذهب أن هذا مكروه ، يكره أن يمس فرجه بيمينه حتى وهو لا يبول و العلة في ذلك : قالوا : بأن النبي ( نهى الإنسان أن يمس فرجه بيمينه وهو يبول مع أنه يحتاج إلى ذلك ، ففي عدم الحاجة من باب أولى، لأنه إذا كان يبول يحتاج إلى أن يمسك ذكره فمع عدم الحاجة من باب أولى فيكره .
والرأي الثاني : أنه لا يكره ، وإنما المكروه أو مورد النهي وهو يبول قول النبي ( " وهو يبول " لأن كونه يمسك ذكره بيمينه وهو يبول مظنة تلوث بالنجاسة ، فقالوا بأنه لا يكره ، وإنما النهي وارد فيما إذا كان يبول ، والأقرب والله أعلم : إنما هو بضعة من الإنسان ، وأن الإنسان لا يكره أن يمس ذكره وهو لا يبول ، لكن الأولى أن يترك ذلك إلا عند الحاجة .
واستنجاؤه بها بلا عذر, واستقبال شمس أو قمر وحرم لبثه فوق حاجته.................................................................................................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" واستنجاؤه بها بلا عذر " الأدب الثامن عشر : كما تقدم في حديث أبي قتادة أن النبي ( قال " ولا يتمسح من الخلاء بيمينه 48" ، وهذا الحديث في الصحيحين ، فيكره ،
تقدم الخلاف أن أكثر أهل العلم أنهم يرون أن هذا مكروه ، وعند الظاهرية أنه محرم ولا يجوز
" بلا عذر " فإذا كان معذوراً فلا بأس كما لو كانت يده اليسرى مقطوعة أو مشلولة أو مجروحة ، ونحو ذلك فإنه يتمسح من الخلاء بيمينه.(1/43)
" واستقبال شمس أو قمر " الأدب التاسع عشر : يكره حال قضاء الحاجة أن يستقبل الشمس أو القمر ، قالوا العلة في ذلك لما فيهما من نور الله عز وجل ، وهذا التعليل ضعيف ، والصواب أن استقبال الشمس أو القمر حال قضاء الحاجة لا بأس به ، ويدل لذلك حديث أبي أيوب أن النبي ( قال : لا تستقبلوا القبلة ببول أو غائط ولكن شرقوا أو غربوا 49" ، فإذا شرق الإنسان أو غرب فإنه سيستقبل الشمس أو القمر ، وأيضاً يلزم من ذلك ألا يستقبل
النجوم ، وهذا متعذر ، وقد يكون متعذراً كونه لا يستقبل النجوم ، لأن النجوم فيها من نور الله عز وجل فهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله نقول بأنه ضعيف .
" وحرم لبثه فوق حاجته " الأدب العشرون : يحرم أن يلبث فوق حاجته بمعنى أن الإنسان إذا انتهى من قضاءالحاجه فإنه يبادر في الاستنجاء والاستجمار وستر العورة ونحو
وبوله وتغوطه بطريق أو ظلٍ نافع أو مورد ماء...................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك ، ولا يلبث فوق حاجته ، وعللوا لعلتين : العلة الأولى : لما في ذلك من كشف العورة بلا حاجة ،والعلة الثانية : قالوا بأن هذا مضر عند الأطباء ، وإن ثبت أنه مضر عند الأطباء فيقال بالتحريم ، وإلا فالذي يظهر والله أعلم أنه لا يحرم ، لكن يكره .
" وبوله وتغوطه بطريق أو ظلٍ نافع أو مورد ماء وتحت شجر عليه ثمر " ، الأدب الحادي والعشرون : يحرم أن يبول أو يتغوط في الأماكن التي يحتاجها الناس وينتفعون بها ، وهذا(1/44)
يشمل الطريق ، ويشمل الظل النافع ، ويشمل المكان الذي يتخذه الناس مشمساً في زمن الشتاء ، ويشمل مثل الحدائق وأماكن جلوس الناس والأسواق ، وغير ذلك ، المهم كل الأماكن التي يحتاج إليها الناس للانتفاع بها فإنه لا يجوز للإنسان أن يقذرها عليهم ، ويدخل في ذلك ما ذكره المؤلف رحمه الله من الطريق والظل النافع ومورد الماء ويدل لهذا مما في صحيح مسلم أن النبي ( قال : اتقوا اللاعنين ، قالوا : وما اللاعنان ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم 50".
وفي حديث معاذ أن النبي ( قال : اتقوا الملاعن الثلاث ، البراز في الموارد ، وقارعة الطريق والظل 51" وهذا أخرجه الترمذي وابن ماجه ، وما ذكره النبي ( ليس على سبيل الحصر وإنما هو على سبيل المثال .
وتحت شجر عليه ثمر ويستجمر ثم يستنجي ويجزئ أحدهما.................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتحت شجر عليه ثمر " اشترطوا في هذا الثمر أن يكون مقصوداً وينتفع به ولو كان غير مأكول ، مثل القطن ، ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنه إن كان الشجر ليس عليه الثمر فإنه يجوز إلا إن كان ينتفع به للاستظلال كما تقدم ، المهم القاعدة في ذلك أن كل مكان يحتاجه الناس أو الأشجار إذا كان عليها ثمار ، فإنه لا يجوز أن يقذره عليهم ، فإن لم يكن عليها ثمر ، والناس لا يحتاجون إليها للجلوس فظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هذا جائز ولا بأس به .
" ويستجمر ثم يستنجي ويجزئ أحدهما " الأدب الثاني والعشرون : إذا انتهى من قضاء حاجته فالمستحب أن يبدأ أولاً بالاستجمار ثم بعد ذلك بالاستنجاء ، السنة أن يجمع بين هذين(1/45)
الأمرين : الاستجمار والاستنجاء ، يبدأ بالاستجمار فيستجمر ، يمسح الخارج من السبيل بالحجارة أو بالمناديل ونحو ذلك ثم بعد ذلك يستنجي بالماء ، وهذا هو السنة لقول عائشة رضي الله عنها " مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء فإني أستحييهم ، وإن رسول الله ( كان يفعله 52" ، وهذا الحديث أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وصححه الترمذي ، لكن فيه ضعف ، وأيضاً ثبت أن أهل قباء كانوا يفعلون ذلك يجمعون بين الاستنجاء والاستجمار ، وأيضاً أن هذا أبلغ في التنظيف والتطهر ، والله عز وجل يحب التوابين ويحب المتطهرين ، هذه
هي المرتبة الأولى ،
إلا إذا جاوز الخارج المعتاد فيجب الماء.................................................................................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرتبة الثانية : أن يقتصر على الاستنجاء،وهل يقدم الاستنجاء ، أو الاستجمار ؟ هذا موضع خلاف بين السلف ، والذي يظهر والله أعلم أنه يقدم الاستنجاء على الاستجمار ، لأن الإستنجاء أبلغ في التنظيف من الإستجمار .
ثم بعد ذلك في المرتبة الثالثة : يقتصر على الإستجمار ، وهذا ثابت عن النبي ( كما في حديث سلمان ، وحديث ابن مسعود ، وحديث أبي هريرة ، وغير ذلك من الأحاديث .
" إلا إذا جاوز الخارج المعتاد فيجب الماء " ، أن الخارج من البول والغائط إذا تجاوز ما ينتشر إليه عادة ، فإنه يجب الماء ، مثلاً البول في العادة إذا بال الإنسان أن ينتشر حول الفتحة "فتحة الذكر" ، لو أنه تجاوز إلى الحشفة تعدى ، يقول : ما تجزئ الاستجمار لابد أن يستنجي بالماء ، أيضاً بالنسبة عند قضاء الحاجة إذا تجاوز الغائط المحل الذي انتشر إليه في العادة تجاوز(1/46)
إلى شيء من الصفحتين (صفحتي الدبر) ، فيقول المؤلف رحمه الله بأنه لا يجزئ إلا الماء في هذه الحالة ، وقال : شيخ الإسلام رحمه الله : إذا تجاوز إلى النصف يجزئ الاستجمار (أي إذا تجاوز إلى نصف الحشفة ، وأيضاً نصف الصفحة) هذا الرأي ذكره شيخ الإسلام في شرح العمدة ،
والرأي الثالث : وهو كذلك رأي شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجزئ الاستجمار ، ولو تجاوز النصف أو تجاوز محل العادة ، وهذا القول هو الصواب لعمومات أدلة الاستجمار.
" ولا يصح استجمار إلا بطاهر " لما تكلم المؤلف رحمه الله عن آداب قضاء الحاجة شرع ما يفعله الإنسان بعد قضاء الحاجة ، تقدم منه بعد قضاء الحاجة له ثلاثة مراتب ، إما أن يجمع بين الاستنجاء والاستجمار ، إما أن يقتصر على أحدهما كما تقدم ، الآن شرع المؤلف رحمه
ولا يصح استجمار إلا بطاهر مباح منقٍ غير عظم وروث...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله في بيان شروط الاستجمار ، فالشرط الأول : أن يكون ما يستجمر به طاهراً ، وعلى هذا لا يصح الاستجمار بالنجس ، لأن " النبي ( لما أتاه ابن مسعود بحجرين وروثة ، أخذ النبي ( الحجرين ورد الروثة ، وقال هذا رجس 53" .
" مباح " هذا الشرط الثاني : أن يكون مباحاً ، وعلى هذا لا يصح الاستجمار بالمغصوب أو المسروق أو المنتهب أو المختلس ، ولو استجمر ما صح ، والصواب في ذلك أن الاستجمار بهذه الأشياء أنه يصح لكنه محرم ، ومحرم لكونه استعمل المغصوب ، والمنتهب والمختلس ، الواجب أن يردها على صاحبها .(1/47)
" منق " هذا الشرط الثالث : أن يكون منقياً ، وعلى هذا لو استجمر بشيء لا ينقي فإنه لا يجوز كالأملس ، كالزجاج ونحو ذلك ، من الأحجار الملساء ، هذه لا تنقي ، فلو مسح ثلاث مسحات أو خمس أو سبع فإنها لا تنقي ، وإذا كان كذلك فإنه لا يجزئ الاستجمار بها .
" غير عظم وروث " هذا الشرط الرابع : أن يكون غير عظم وروث فلا يجزئ الاستجمار بالعظام ولا يجزئ بالروث ، لأن النبي ( نهى عن ذلك ، وقال : " لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنها زاد إخوانكم الجن 54" ، فهذه العظام والروث لما اجتمع النبي ( بالجن وسألوه عن زادهم وزاد دوابهم
وطعام ويشترط ثلاث مسحات منقية ..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال ( : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عز وجل عليه تجدونه أوفر ما يكون لحماً ، وكل روثة علف لبهائمكم 55" فلا يصح الاستجمار بهذه الأشياء وعلى هذا لو استجمر بهذه الأشياء لا يجزئ على المذهب لابد من الماء ، وقال شيخ الإسلام رحمه الله يصح الاستجمار بها نهي عنه كالعظام والروث ، وإن كان يأثم ، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، والعلة هي النجاسة . وقد زالت النجاسة بهذا الاستجمار ،
والأقرب والله أعلم ما ذهب إليه المؤلف، أنه لا يجوز ولا يجزئ ، لأن النبي ( نهى عن ذلك ، والنهي يتوجه إلى ذات المنهي عنه ، فالأقرب أنه لا يجزئ .(1/48)
"وطعام " هذا الشرط الخامس : أن يكون غير طعام ولو لبهيمة ، فلا يجزئ طعام الآدميين ، ولا يجزئ أيضاً الاستجمار بطعام البهائم ، والعلة في ذلك : أنه نهي عن الاستجمار بطعام البهائم ، لأنه نهي عن الاستجمار بطعام الجن وبهائم الجن ، فطعام الإنس وطعام بهائم الإنس من باب أولى ، وأيضاً لما في ذلك من الكفر بالنعم .
" ويشترط ثلاث مسحات منقية " هذا الشرط السادس : أن يكون الاستجمار بثلاث مسحات منقية ، ويدل لهذا حديث سلمان قال : "نهانا رسول الله ( أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار " ، وأيضاً حديث ابن مسعود ، وغير ذلك .
" منقية " أي مزيلة لعين الخارج حتى لا يبقى أثر لا يزيله إلا الماء وهذا كما سيأتي ضابط
تعم كل مسحة المحل, فإن لم تنق زاد ، ويستحب قطعه على وتر ويجب لكل خارج غير ريح وطاهر.............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطهير بالإستنجاء وضابط التطهير بالإستجمار .
" تعم كل مسحة المحل " لابد أن تعم كل مسحة المحل - ثلاث مسحات ، وكل مسحة لابد أن تعم المحل - يعني المحل الذي يكون انتشار الخارج إليه .
" فإن لم تنق زاد ، ويستحب قطعه على وتر " هذه الثلاث مسحات واجبة لما تقدم من حديث سلمان قال : " نهانا رسول الله ( أن نستنجي بأقل من ثلاث أحجار 56" إذا لم تنق فإنه يزيد رابعة وجوباً ، إذا أنقى بأربع فإنه يزيد خامسة استحباباً ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي ( قال : " من استجمر فليوتر 57" فإذا لم ينق بخمس زاد سادسة وجوباً ثم بعد ذلك سابعة استحباباً .(1/49)
" ويجب لكل خارج غير ريح " يجب الاستنجاء والاستجمار لكل خارج سواء كان معتاداً كالبول أو غير معتاد كالمذي ، فيجب الاستنجاء أو الاستجمار ، والصحيح في ذلك أن غير المعتاد إن كان طاهراً فإنه لا يجب له الاستنجاء أو الاستجمار كما سيأتي .
" غير ريح " الأمر الأول : الريح لا يجب لها الاستنجاء أو الاستجمار لأن الريح طاهرة .
" وطاهر " الأمر الثاني : الطاهر مثل : المني فإنه لا يجب له الاستنجاء والاستجمار ، الولد - إذا ولدت المرأة بلا دم لا يجب الاستنجاء أو الاستجمار ، وأيضاً : رطوبة فرج المرأة
وما لا يلوث ولا يصح وضوء ولا تيمم قبله................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذا طاهر لا يجب لها الاستنجاء ولا الاستجمار .
" وما لا يلوث " الأمر الثالث : الخارج الذي لا يلوث ، كما لو خرج من الإنسان بعر ناشف ، أو خارج منه حصاة غير ملوثة فهنا لا يجب الاستنجاء ولا الاستجمار .
" ولا يصح وضوء ولا تيمم قبله " أي قبل الاستنجاء والاستجمار ما يصح الوضوء ولا التيمم ، لابد أن يستنجي أو يستجمر أولاً ثم بعد ذلك يتوضأ أو يتيمم واستدلوا على ذلك بحديث المقداد أن النبي ( قال " يغسل ذكره ثم يتوضأ 58" ، فأتى بـ"ثم" وهذا يقتضي الترتيب(1/50)
والرأي الثاني : أنه يصح أن يتوضأ قبل أن يستنجي أو يستجمر ، وهذا اختيار الشيخ السعدي رحمه الله ، والعلة أو الدليل على ذلك " أن الاستنجاء والاستجمار ليس من فروض الوضوء ليس من أركان الوضوء الاستنجاء والاستجمار لإزالة النجاسة - تطهير النجاسة - ، لا علاقة بين الاستنجاء والاستجمار وبين الوضوء ، وعلى هذا لو أن الإنسان استنجى الصباح وتوضأ الظهر صح ذلك ، وهذا القول هو الصواب ، وأما الحديث فإنه ورد " بثم" وورد أيضاً " الواو" ، وأما بالنسبة لرواية الترتيب "بثم" فنقول هذا محمول على غالب الغالب أن الإنسان يستنجي ثم يتوضأ فالصواب في ذلك أن هذا جائز ولا بأس به ، لأنه كما ذكرنا أ ن الاستنجاء والاستجمار إنما هو لإزالة النجاسة -الخبث- ، وهنا شيء مستقل عن الوضوء ليس من أركان الوضوء ولا من فرائض الوضوء ، هذه طهارة مستقلة لإزالة الخبث ، كما لو
باب السواك وغيره...............................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب السواك وغيره
تقدم أن المؤلف رحمه الله تكلم على باب الاستنجاء ، وذكر ما يتعلق في الاستنجاء من تعريفه وحكمه وشرط صحته ..الخ(1/51)
بعد ذلك بوب المؤلف رحمه الله " باب السواك وغيره " أي غير السواك من التطيب والاكتحال والاستحداد وغير ذلك من سنن الفطرة وغير ذلك مما يأتي مفصلاً ، وإنما أتى المؤلف رحمه الله بباب السواك بعد الاستنجاء ، لأن هذا هو الترتيب الصحيح ، فالتخلية قبل التحلية ، فالإنسان إذا أراد العبادة يتخلى عن الأذى ثم بعد ذلك يشرع بالعبادة - العبادة الوضوء - وأتى المؤلف رحمه الله بالسواك لأن السواك من سنن الوضوء ، كما سيأتي إن شاء الله ، وهو من أول مسنونات الوضوء ، كما ذهب بعض العلماء رحمهم الله إلى أن السواك يكون مع المضمضة كما سيأتي بيانه ، فتبويب المؤلف رحمه الله في باب السواك قبل باب الوضوء هذا مناسب جداً ، وبعد باب الاستنجاء ، لأن الاستنجاء تخلية للبدن من الأذى ، والسواك أيضاً فيه نوع من التخلية للأسنان ، ونحوها من الأذى ، ثم بعد ذلك الوضوء ، لأن السواك من سنن الوضوء ، وكما أشرنا أن بعض العلماء رحمهم الله ذكر أن السواك يكون عند المضمضة كما سيأتي إن شاءالله .
وقوله " باب السواك " السواك يطلق على أمرين :
الأمر الأول : 1 - الفعل ، فتنظيف الأسنان بالعود ونحو ه يسمى سواكاً ،
يسن التسوك........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأمر الثاني : 2 - الآلة التي يتسوك بها : أيضاً تسمى سواكاً .
والسواك : لغة : التمايل يقال:جاءت الإبل تتساوك ، أي : تتمايل من الهزال والضعف .
وفي الاصطلاح : فهو استعمال شيء في الفم ينظفه وهذا يشمل كل ما ينظف من العود المعروف عود الأراك ، أو غيره ، والصحيح في ذلك أن كل ما ينظف الفم فإنه داخل في السواك .(1/52)
وقوله " وغيره " غير السواك والاستحداد والتطيب وغيره ...
" يسن التسوك عرضاً بيسراه " السواك سنة في كل وقت كما سيأتي إن شاء الله كالطيب ، فالطيب سنة في كل وقت ، ذكر ابن مفلح رحمه الله أن العلماء رحمهم الله اتفقوا على أن السواك سنة مؤكدة ، والأدلة عليها كثيرة من فعل النبي ( ، وقوله وتقريره ، ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ( قال " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب 59" ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة 60"، وأيضاً قول النبي ( " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل وضوء61" .. الخ ، فالأدلة عليه كثيرة من قول النبي ( وفعله ، وأيضاً النبي ( يفعل السواك بل فعله عند الاحتضار - في سياق الموت- لم يتركه ( ، وهو في سياق الموت ، وهذا مما يدل من
عرضاً......................................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تؤكده ، وأيضاً أقر الصحابة عليه .
" يسن التسوك عرضاً " أفاد المؤلف رحمه الله أن السواك سنة وكونه عرضاً أيضاً سنة ، فعندنا مسألتان :
المسألة الأولى : ما هو الدليل على أنه يستحب أن يكون عرضاً ؟(1/53)
والمسألة الثانية : ما كيفية كونه عرضاً ؟ أما بالنسبة للدليل على أنه يستحب أن يكون عرضاً ، فورد في مراسيل أبي داود " إذا استكتم فاستاكوا عرضاً62" ، وقالوا أيضاً : أن الاستياك طولاً يدمي الأسنان - كون الإنسان يستاك طولاً هذا يؤدي إلى أن يدمي اللثة ، ويفسد الأسنان - فهم استدلوا بأثر ونظر ، أما الأثر فكما ذكرنا أن الحديث مرسل ، وأما النظر قالوا : بأن الاستياك طولاً يدمي اللثة ويفسد الأسنان ، إذا كانت هذه هي العلة فنقول الصواب في هذه المسألة أن الإنسان يستاك بكل طريق يؤدي إلى الطهارة ، لأن المقصود هي طهارة الفم ، وأن النبي ( قال : " السواك مرضاة للرب مطهرة للفم 63" ، فالصواب أنه يستاك بكل ما يؤدي إلى طهارة الفم سواء كان ذلك طولاً أو عرضاً ، لكن إذا استاك طولاً فإنه لا يبالغ بحيث لا يدمي اللثة أو يفسد الأسنان ، يجتنب ما يكون سبباً لذلك ، وأما كونه عرضاً سنة أو مستحب وكونه طولاً ليس مستحباً هذا فيه نظر .
المسألة الثانية : ما كيفية الاستياك عرضاً ؟ ذكر العلماء رحمهم الله قولين :
بيسراه.................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أنه يبدأ بالثنايا إلى الأضراس ، يعني يمر السواك من ثناياه إلى أضراسه عرضاً .
2 - أنه يبدأ من الأضراس إلى الثنايا ، الأمر في هذا كما أشرنا واسع ، وأن المطلوب طهارة الفم ، هذه هي العلة والحكمة رضا الرب وطهارة الفم .
" بيسراه " أي يتسوك بيده اليسرى وهذا هو المشهور من المذهب ،
والرأي الثاني: أيضاً قول في المذهب : أنه يتسوك بيده اليمنى ،(1/54)
والرأي الثالث : التفصيل : أنه إن أراد فعل العبادة فبيده اليمنى ، وإن أراد التطهير فبيده اليسرى ،
وقول المؤلف رحمه الله "بيسراه" قالوا بأن هذا من باب إزالة الأذى ، وإزالة الأذى كما تقدم لنا يكون باليسرى،وأيضاً قياساً على الانتثار .
كما أنه يتثر بيده اليسرى ، فكذلك أيضاً يستاك بيده اليسرى ، والذين قالوا أنه يستاك بيده اليمنى استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي ( كا يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله 64" . وهذا يشمل كل شيء ، والذين فصلوا الأمر في ذلك ظاهر ، إن كان من باب الأذى باليسرى ، لأن اليسرى تقدم للأذى ، وإن كان من قبيل العبادة باليمنى لحديث عائشة رضي الله عنها ، استدلوا بأدلة الرأيين السابقين ، وأيضاً يقال في هذه المسألة كما قيل في المسألة السابقة ، أن الأصل في ذلك هو طهارة الفم ، وعلى هذا
بعود لين من نحو أراك.........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإنسان سواء استاك بيده اليسرى أو بيده اليمنى الأمر في هذا واسع .
المهم أن الإنسان يفعل ما يحصل به طهارة الفم ، فإذا كانت تحصل طهارة الفم باليمنى أو باليسرى ، الأمر في هذا واسع ، ولكل من هذه الأقوال وجهة .
"بعود " اشترط المؤلف رحمه الله للسواك شروطاً :
1 - أن يكون بعود ، ويؤخذ من كلامه أنه لو استاك بغير العود لا تحصل السنية ، وعلى هذا لو كان له أصابع خشنة واستاك بها أو استاك بخرقة أو فرشة مثل اليوم ، على كلام المؤلف أن السنية لا تحصل بذلك، لأن هذا هو الذي ورد عن النبي ( " إنما السياك بالعود 65"(1/55)
والرأي الثاني : ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله والنووي وغيرهم ، أنه لو استاك بالإصبع أو بالخرقة ،ونحو ذلك أنه يجزئ ، وأنه يحصل له من الأجر والسنية بقدر ما حصل من الإنقاء .
ومن أدلتهم ما يروى عن النبي ( يجزئ من السواك الأصابع66" لكن عندنا حديث الذي يعتبره قاعدة حديث عائشة رضي الله عنها:" السواك مطهرة للفم مرضاة للرب 67" ، وهذا علقه البخاري ، فالحكمة هي رضى الرب وطهارة الفم ، فبأي طريق حصل به رضى الرب وطهارة الفم بالعود أو بغيره أجزأ ، فالصواب في ذلك أنه لا يشترط أن يكون السواك بعود ، فلو أنه أنقى بأصبعه الخشنة أو بخرقة أو بالفرشة أو نحو ذلك فنقول بأن هذا مجزئ ، قد تكون
لين من نحو أراك. , ويكره لصائم بعد الزوال......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك أشياء أبلغ من العود في التنظيف لأن العود ليس مراداً لذاته ،
وإنما هومراداً لغيره وهو : الطهارة ورضى الرب فهو وسيلة وليس مراداً لذاته .
2 - " لين" أن يكون رطباً أو أن يكون يابساً مندى وعلى هذا إذا كان غير لين فإنه لا تحصل له السنية ، والكلام في هذه المسألة كالكلام في المسألة السابقة الصواب أن كل شيء تحصل به الطهارة للفم أنه تحصل به السنية ، أي يحصل من السنية بقدر ما يحصل من طهارة الفم والإنقاء ، وعلى هذا نقول هذا العود اليابس إذا كان ينظف ويطهر فإنه يحصل من السنة والأجر بقدر ما يحصل من الإنقاء والطهارة .
3 - "من نحو أراك" أن يكون العود من أراك أو عرجون أو زيتون ...الخ وهذا الكلام أيضاً كما تقدم الصواب أنه سواء كان من أراك أو من غير أراك ، المهم القاعدة في ذلك : كل ما تحصل به طهارة الفم ، وهل يشترط أن يتفتت أو لا يتفتت ؟(1/56)
4 - يشترط ألا يتفتت ، فإذا كان يتفتت لا تحصل به السنية ، وهذا أيضاً فيه نظر ، والصحيح سواء كان يتفتت أو لا يتفتت ، المهم بقدر ما يحصل من الإنقاء والطهارة يحصل من الأجر والسنية .
5 - أن يكون غير ضار .
6 - أن يكون منقياً وهذه ظاهرة .
" ويكره لصائم بعد الزوال " يكره لصائم التسوك بعد الزوال سواء كان بعود يابس أو
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعود رطب فإنه مكروه للصائم بعد زوال الشمس ، وهذا مذهب الشافعية ، والدليل على
الكراهة ما يروى عن النبي ( من حديث علي رضي الله عنه " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي 68" وهذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي ( .
والرأي الثاني : أنه لا يكره ، ويشرع ، وهذا مذهب أبو حنيفة رحمه الله ، واختاره شيخ الإسلام رحمه الله ، وابن القيم والنووي وغيرهم ، لعموم الأدلة ، كحديث عائشة رضي الله عنها " السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب " ، وطهارة الفم ورضى الرب مطلوب للصائم حتى بعد الزوال وأيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة 69" وهذا يشمل الصائم ، ويشمل الصلوات التي بعد الزوال ، مثل صلاة الظهر والعصر ... الخ(1/57)
فالصحيح في هذه المسألة أنه لا يكره بل هو مشروع للصائم مطلقاً قبل الزوال وبعد الزوال ، هم يقولون قبل الزوال سنة في يابس والصحيح أنه قبل الزوال سنة برطب ويابس ، وبعد الزوال سنة برطب ويابس ، لأن القاعدة عندنا " رضى الرب وطهارة الفم 70" . وهذه مطلوبة قبل الزوال ، وبعد الزوال للصائم وغير الصائم ، ولم يثبت شيء يحدد ، وعائشة رضي الله عنها سألت عن السواك للصائم ، فقالت : هذا سواكي في يدي " وأيضاً في حديث عامر بن الربيعة رضي الله عنه قال :" لا أحصي ما رأيت رسول الله ( يتسوك وهو صائم " ، وهذا
ويتأكد عند صلاة وانتباه...................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الترمذي ، وهذا مما يدل على ما ذهب إليه
أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام رحمه الله أنه مشروع مطلقاً .
"ويتأكد عند صلاة .."السواك وقتان :
الوقت الأول :وقت سنية : وهذا في كل وقت كما تقدم ، والوقت الثاني : وقت تأكد السنية ، وقوله " ويتأكد" أي : يزداد طلبه وتكثر فضيلته في هذه الأوقات " عند صلاة" هذا الموضع الأول من المواضع التي يتأكد فيه السواك - يزداد طلبه وتكثر فضيلته- ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة 71" وهذا في الصحيحين ، وقوله " عند كل صلاة " هذا يشمل كل صلاة سواء كانت صلاة الفريضة أو نافلة في الليل أو في النهار ومحله عند الصلاة عند تكبيرة الإحرام أو قبل تكبيرة الإحرام بيسير .(1/58)
"وانتباه" هذا الموضع الثاني : عند الانتباه من النوم ، فإذا انتبه الإنسان من نومه فإنه يستحب له أن يستاك ، ودليل ذلك حديث حذيفة رضي الله عنه " أن النبي ( كان إذا استيقظ من نومه يشوص فاه بالسواك 72" ، أي : يدلك فاه بالسواك ، وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها : أنهم كانوا يعدون للنبي ( سواكه من الليل ، حيث أنه إذا استيقظ لصلاة الليل فإنه يستاك عليه الصلاة والسلام ، وقول المؤلف " انتباه " يشمل ما إذا كان الانتباه من
وتغير فم..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نوم ليل او من نوم نهار
" وتغير فم" هذا الموضع الثالث : إذا تغير الفم ، إما بطول سكوت أو بصفرة أسنان أو بأكل ما له رائحة ، المهم الفم تغير ، فإنه يستحب السواك ودليل ذلك حديث حذيفة رضي الله عنه الذي تقدم " أن النبي ( كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك 73" لأن النوم مظنة تغير الفم ، فدل ذلك على أنه كل ما تغير الفم يستحب للإنسان أن يتسوك .
ذكر المؤلف ما يتأكد فيه السواك موضعين فقط ، وهذا فيه قصور،هناك مواضع أخرى مما يتأكد فيها السواك .
الموضع الرابع : عند الوضوء ، ودليله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء74" ، وهذا اختلف العلماء رحمهم الله في محله ، أي : عند الوضوء ، وأحسن الأقوال في ذلك أنه عند المضمضة ، لأنه أبلغ في طهارة الفم .(1/59)
الموضع الخامس : عند الاحتضار ، إذا كان الإنسان في سياق الموت ، وهذا يدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها في قصة دخول عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما على النبي ( ومعه سواك ، فالنبي ( نظر إليه فعرفت أنه يريد السواك فأخذته وقضمته وطيبته وأعطيته النبي ( وهو في سياق الموت75 .
ويبتدأ بجانب فمه الأيمن...................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضع السادس : عند دخول المنزل ، لحديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت ما يصنع
النبي ( إذا دخل منزله ؟ فقالت : يسلم علينا ويبدأ بالسواك76 ، وهذا في حسن الخلق مع الأهل قولي وفعلي جميعاً ،القولي : السلام ، والفعلي : السواك .
الموضع السابع : عند قراءة القرآن ، فيستحب للإنسان إذا أراد أن يقرأ القرآن أن يستاك ، وفيه حديث علي رضي الله عنه أن النبي ( قال : " وإن أفواهكم طرق القرآن ، فطيبوها بالسواك 77" ما عدا ذلك غير مستحب ، تجد العلماء في المطولات يقولون يستحب عند الطواف ، وبعضهم يقولون يستحب عند الخطبة ، إذا أراد أن يرقى المنبر أنه يستاك ، وبعض العلماء يقولون عند دخول المسجد قياساً على دخول البيت ، والصحيح أنه لا يتأكد في هذه المواضع ، بل يقتصر على ما دلت عليه السنة فقط ، والذي دلت عليه السنة هو ما ذكرناه ما عدا ذلك فإنه لم يرد فيه شيء .
"ويبتدأ بجانب فمه الأيمن " أي : إذا أراد أن يستاك يبدأ بجانبه الأيمن ، ودليله ما تقدم حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ( كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله 78" ، وتقدم أن ذكرنا رأيين ، كيف يبدأ بجانبه الأيمن ؟
الرأي الأول أنه يبدأ من الثنايا إلى الأضراس ،(1/60)
والرأي الثاني : أنه يبدأ من الأضراس إلى الثنايا يمره عرضاً وليس طولاً ، كما تقدم .
ويدَّهنُ غباً.............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ويدَّهنُ غباً" (الغب : عدم التتابع أي يدهن يوماً ويترك يوماً)غباً : أي ليس كل يوم ، فإنما يفعله يوماً ويتركه يوماً ، لكي لا يغفل عن اصلاح الباطن وهذا فيه الاستحباب .
قوله "يدهن غباً" أي : يستحب للإنسان أن يدهن ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يدهن في بدنه وفي شعره ، أي إذا احتاج من الدهن في بدنه لإزالة وسخ أو في شعره لتنظيفه وتجميله ، فهذا جائز ولا بأس به ، لكن قال المؤلف رحمه الله " غباً" وهذا دليله " أن النبي ( نهى عن الترجل إلا غباً79" .
والترجل : هو تسريح شعر الرأس ، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وصححه ، ورواه النسائي أيضاً ، وأيضاً ما في سنن أبي داود " أن النبي ( كان ينهى عن كثير من الإرفاع 80" ، ويدل لذلك أيضاً ما ثبت في الصحيح " أن النبي ( ذكر : قال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يأتي أقوام يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، ويظهر فيهم السمن81" قال العلماء رحمهم الله في قوله " ويظهر فيهم السمن" قالوا : ليس المراد هو ظهور السمن لأن السمن هذا قد يكون الإنسان خلقة ، وإذا كان خلقة ، لا يلام عليه الإنسان ، لكن المراد : أنهم يعتنون بأسباب السمن - من المآكل والمشارب ونحو ذلك - ويلحق بذلك الملابس ...الخ فيكون الإنسان همه الأمور الحسية التي فيها إصلاح البدن الظاهر وينسى إصلاح الباطن ، والأصل هو الباطن ، ما جاءت الرسل وما أنزلت(1/61)
ويكتحل وتراً................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتب إلا لإصلاح الباطن ، وأيضاً إصلاح الظاهر ، لكن الظاهر ليس أصلاً ، لأن مدار الأعمال على القلوب ، قد يصلي الإنسان صلاته وصلاته غير صحيحة ، لأنه يصلي رياء ، وقد يصلي الإنسان ويخطئ صلاته ، لكن صلاته خالصة لله عز وجل ، تكون مقبولة ، ويؤجر عليها ، وإن نقص .
فالأصل هو الباطن ، فكون الإنسان يعني دائماً وأبداً يكون همه الملبس والمركب ..الخ
فهذا يغفله عن الأصل صحيح أن الله جميل يحب الجمال ، ما نقول أن الإنسان لابد أن يكون ثوبه وسخ ، النبي ( قال : " إن الله جميل يحب الجمال " لما قال أن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً ، فهذه أمور فطرية يحبها الإنسان ، فأقره النبي ( عليها ، قال : "إن الله جميل يحب الجمال" ، فدل على أن الله عز وجل يحب الجمال ، فليكن ثوبك حسن ونعلك حسن ومظهرك حسن ...الخ
فكون الإنسان مهتم لذلك ويبالغ في ذلك هذا الذي ينهى عنه ، المهم أن الإنسان إذا كان له شعر واحتاج إلى أن يدهن شعره وأن يدهن بدنه فهذا لا بأس بذلك ، لكن لا يكثر منه - يعني كل يوم - لكن فيه بعض الأحيان يترك ، وفي بعض الأحيان يدهن ، لكي لا يغفل عن إصلاح الباطن .
" ويكتحل وتراً" المذهب : السنة أن يكتحل كل ليلة ويكون اكتحاله وتراً - في عين ثلاثة أميال - ، " ويكتحل أيضاً بالإثمد المطيب كل ليلة فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام ، وكان يكتحل في(1/62)
ويجب ختان ذكر وأنثى.........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل عين ثلاثة أميال " .وهذا الحديث في مسند الإمام أحمد رحمه الله لكنه ضعيف .
وورد في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الشيخ " أن النبي ( كان يكتحل في العين اليمنى ثلاثاً،وفي العين اليسرى ثنتين82 " ، لكن أيضاً هذا وإن جود بعض العلماء هذا ، لكنه أيضاً فيه ضعف ، وعلى ذلك نقول الاكتحال ينقسم إلى قسمين :
1 - أن يكون من قبيل المداواة والإصلاح ، كأن يكتحل بالإثمد لتقوية العين أو لتقوية البصر وإزالة الغشاوة ونحو ذلك ، فهذا لا بأس به .
2 - أن يكتحل لطلب الجمال والزينة ، فنقول : أما بالنسبة للمرأة فهذا مطلوب ، لأن المرأة فطرت على مثل ذلك ، قال تعالى ( أو من ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين } أما بالنسبة للرجل فهذا لا بأس به أيضاً إلا إذا كان يخشى الفتنة،لأن هذا ليس من خصائص المرأة .
" ويجب ختان ذكر وأنثى " الختان في اللغة : القطع ، وبالنسبة للذكر : هو قطع الجلدة التي تكون على الحشفة - رأس الذكر- وأما بالنسبة للأنثى فهي قطع جزئ من الجلدة التي تكون فوق الفرج .
حكمه : ذكر المؤلف رحمه الله أنه واجب على الذكور والإناث ، وهذا هو مذهب الشافعي ،
والرأي الثاني : أنه سنة في حق الذكور والإناث ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ،
عند بلوغه ما لم يخف على نفسه وزمن صغرٍ أفضل...............................................................(1/63)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوالرأي الثالث : أنه سنة في حق الإناث وواجب في حق الذكور، قال به ابن قدامه رحمه الله .
والذين قالوا بالوجوب استدلوا بأن هذا من ملة إبراهيم عليه السلام ، فإن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن بالقدوم ، واستدلوا أيضاً "أن النبي ( قال " ألق عنك شعر الكفر واختتن 83" وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف لكن استدل به العلماء رحمهم الله ، وأيضاً قالوا بأن الختان فيه قطع لشيء من الجلد - والأصل أن هذا محرم- ولا يستباح المحرم إلا لأمر واجب ، وأيضاً الختان وسيلة للطهارة ، والتخلي من الأذى - النجاسة- والتخلي من النجاسة واجب ، فما كان وسيلة لواجب فإنه واجب ، لأن الحشفة يحتقن فيها البول والنجاسة .
وأما الذين قالوا بالاستحباب استدلوا بقول النبي ( خمس من الفطرة ، فجعلها النبي ( من الفطرة ، والجواب عن هذا : أن الفطرة منها ما يكون واجباً .
والذين فرقوا بين الذكر والأنثى قالوا : بأن ختان الذكر لتحصيل واجب فيكون واجباً وختان الأنثى لتحصيل الكمال فيكون مستحباً ، وما هو الواجب في ختان الذكر ؟
الواجب في ختان الذكر التخلي عن النجاسة ، وما هو الكمال في ختان الأنثى ؟ هو تخفيف الغلمة - الشهوة- فيكون مستحباً .
"عند بلوغه ما لم يخف على نفسه وزمن صغرٍ أفضل " ذكر المؤلف رحمه الله وقت الختان ، فالختان له أوقات :
ويكره القزع, وثقب أذن صبي.............................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/64)
الوقت الأول : وقت الوجوب ، فيجب بعد البلوغ مباشرة لأنه إذا بلغ الإنسان كلفت عليه الصلاة ، ويجب عليه الوضوء ، فلابد أن يتخلى عن النجاسة ، وكما تقدم أن التخلي عن النجاسة واجب وأيضاً لقول ابن عباس " وكانوا لا يختتنون الرجل حتى يدرك 84"، أي حتى يبلغ ، ولأن قبل ذلك ليس مكلفاً .
الوقت الثاني : وقت الاستحباب وهو زمن الصغر ، قبل أن يميز ، لأنه في زمن الصغر أسرع للبرء ، ولأنه لا يتألم ألماً قلبياً ، وإن كان يتألم ألماً بدنياً ، لكن ألم القلب لا يتألم .
الوقت الثالث : وقت الكراهة ، وهو من الولادة إلى نهاية يوم السابع ، العلماء قالوا : بأن هذا يكره ، لأنه يخشى على الطفل .
"ويكره القزع " القزع في اللغة : يطلق على معانٍ منها : القطع .
أما في الاصطلاح : فهو حلق بعض الرأس وترك بعضه ، ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنها ، أن النبي ( نهى عن القزع ، وقال : أحلقه كله ، أو اتركه كله 85" ما لم يكن في هذا الحق تشبه بالكفار ، فإذا كان فيه تشبه بالكفار فإنه يكون محرماً ، لقول النبي ( " من تشبه بقوم فإنه منهم 3" .
" وثقب أذن صبي " يكره ثقب أذن الصبي لأنه لا حاجة لهذا الفعل ، والصحيح أنه لا يقتصر على الكراهة ، لأن ثقب أذن الصبي فيه إيلام له ، وتشبه بالنساء ، والنبي "( لعن
ونتف شيب, وتغييره بسواد....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتشبهين من الرجال بالنساء 86"، اللهم إلا إن كان هناك حاجة كمداواة ونحو ذلك ، فهذا لا بأس ، فالإقتصار على الكراهة هذا فيه نظر.(1/65)
"ونتف شيب " إذا كان الإنسان فيه شيب يكره نتفه ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله ، أنه يكره نتفه سواء كان في الرأس أو في الوجه ، ويستدلون على ذلك بحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه عنهما أن النبي ( نهى عن نتف الشيب ، وقال "إنه نور الإسلام 87 " ، والصواب في ذلك التفصيل ، وأن نتف الشيب ينقسم إلى قسمين :
1 - القسم الأول: أن يكون في الوجه ، فهذا لا يقتصر عل الكراهة ، لأنه سيأتينا أن النمص محرم ، والنمص نتف الشعر من الوجه ، وبعض العلماء يخصه بنتف شعر الحاجبين ، لكن سيأتينا أن المؤلف رحمه الله يرى أن النمص شامل لكل شعر الوجه ، فإذا كان الشيب في الوجه ، فإنه لا يقتصر على الكراهة لأن النمص محرم ، ومن كبائر الذنوب .
2 - القسم الثاني : أن يكون الشيب في غير الوجه كالرأس أو غيره ، فهذا كما ذكر المؤلف رحمه الله أنه يكره لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما .
"وتغييره بسواد " يكره تغيير الشيب بالسواد ، وتغيير الشيب بغير السواد سنة، ودليل ذلك " أن النبي ( قال : إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم 88" ، وأيضاً حديث أبي
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذر رضي الله عنه ، أن النبي ( قال : أن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم 89".(1/66)
فنقول تغيير الشيب بالأدهم والأحمر والأصفر فهذا حكمه سنة ، لكن حكم تغييره بالسواد ، يقول المؤلف رحمه الله بأن تغييره بالسواد مكروه ، واستدلوا لقول النبي ( لأبي بكر لما جاء بأبيه إلى النبي ( ورأسه ولحيته كالثغامة (الثغامة هذا نبت أبيض ، بياضه يشبه بياض الشيب )، فقال النبي ( : غيروهما وجنبوهما السواد 90" فقوله "جنبوه السواد" هل هذا من كلام النبي ( أو هو مدرج ؟ فالذين قالوا بالتحريم ، قالوا : بأن قوله " جنبوه السواد " من قول النبي ( ، والذين قالوا بالكراهة ، قالوا : بأن هذا ليس من كلام النبي ( وإنما هو في الحديث ، وعلى هذا لا يحرم وإنما يكره ، وأيضاً ورد الأحاديث في تحريم الصبغ بالسواد لكنها لا تثبت ، ومن ذلك ما يروى عن النبي ( أنه قال : " سيكون أقوام يصبغون بالسواد كحواصل الحمام ، لا يجدون رائحة الجنة 91" والأقرب من هذين القولين هل التغير بالسواد محرم أم مكروه ؟
فالأقرب في هذا والله أعلم الكراهة ، كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، وأنه لا يحرم وأن قوله " جنبوه بالسواد" لا يثبت مرفوعاً إلى النبي ( ، فالأحسن للإنسان أن يغير بالأدهم ونحو ذلك وأن يتجنب السواد .
ويسن الاستحداد وحف شارب,..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويسن الاستحداد " الاستحداد : هو حلق العانة بالحديد ، والعانة : هي الشعر الذي
يخرج حول القبل ، واختلف العلماء رحمهم الله في الشعر الذي يخرج حول الدبر ، هل هو من العانة فيستحب حلقه ، أو ليس من العانة ؟(1/67)
هذا فيه خلاف بين العلماء رحمهم الله ، وعلى كل حال إذا قلنا بأنه ليس من الاستحداد ، فإن التنظيف هذا من الفطرة ، والدليل على أنه يسن الإستحداد ، كما ذكر المؤلف ، قول النبي ( في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " الفطرة خمس ، الختان ، والإستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط 92".
"وحف شارب " حف الشارب : هو المبالغة في قصه ، بحيث يشمل القص جميع الشارب ، واختلف العلماء رحمهم الله ،هل الأفضل حف الشارب أو قصه ؟على رأيين :
1 - والرأي الأول :الإمام مالك رحمه الله يرى أن القص أفضل ، والقص : هو أن تقص من أطرافه حتى تبدوا الشفة العليا .
2 - والرأي الثاني : ما عليه أكثر أهل العلم أن الحف أفضل ، وهو المبالغة في قص الشارب ، وليس المراد حلقه ، وإنما المبالغة في قصه حيث تأخذ من جميعه ، ولا تقتصر على قص أطرافه ،
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا : بأن الأفضل القص ، كما قال مالك رحمه الله
وتقليم ظفر,........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فدليلهم على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله أن النبي ( قال : " الفطرة خمس .." وذكر منها " وقص الشارب" ،
وأما الذين قالوا : بأنه يستحب الحف ، والحف أفضل ، واستدلوا بأن النبي ( قال : أوفوا اللحى وحفوا الشوارب " ، وهذا في الصحيح ، وأيضاً(1/68)
قالوا : بأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم ابن عمر وجابر وأبو هريرة ، وأبو سعيد ورافع وسهل ، يعني وارد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا الذي يذهب إليه ابن القيم رحمه الله أن الحف أفضل من القص ، أولا لما تقدم النبي ( أمر بالحف ، وأنه وارد عن الصحابة ، وأيضاً ، الحف يشمل القص .
"تقليم ظفر" أي : يستحب تقليم الأظفار ، لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " الفطرة خمس .. " وذكر منها " وتقليم الأظفار" وهذا يشمل تقليم أظفار اليد وأظفار الرجل ،
وهل يشرع أن يقلم أظافره مخالفاً أو لا يشرع ؟ الحنابلة يرون أنه يقلم أظافره مخالفاً ، فيبدأ بخنصر اليمنى ثم الوسطى ثم الإبهام ، ثم البنصر ثم السبابة ، ثم يذهب إلى اليسرى ، فيبدأ بالإبهام ثم الوسطى ثم الخنصر ثم السبابة ، ثم البنصر ، وروي عن النبي ( أنه قال : "من قص أظافره مخالفاً ، لم يرى في عينه رمد 93" ، فالصحيح في ذلك أنه يقص كيف شاء ما دام أن النبي ( قال " قصوا الأظفار " ولم يذكر هذه الطريقة المخالفة ، فإنه يقص كيف شاء .
ونتف إبط...........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ونتف إبط" نتف الشعر الذي يكون في باطن المنكب .
وهذه خمسة أشياء :
1 - الختان . …………2 - الاستحداد .
3 - قص الشارب. ………4 - تقليم الأظافر.
بالنسبة للختان تقدم أن ذكرنا وقته ، أيضاً قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار وحلق العانة ، هذا له ثلاثة أوقات :(1/69)
1 - وقت الاستحباب : وهو إذا طالت هذه الأشياء - إذا طالت الأظافر: إذا طال شعر الإبط ...الخ يستحب للإنسان أن يأخذ هذه الأشياء ، بعض العلماء قيده في كل أسبوع ، وهذا لم يثبت فيه شيء عن النبي ( ، ولكنه ورد عن بعض السلف.
2 - وقت الكراهة : وهو أن تركها فوق أربعين يوماً ، لحديث أنس رضي الله عنه قال : " وقت لنا في قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وتقليم الأظفار ، أن لا ندع ذلك فوق أربعين يوماً 94" في سنن النسائي ، قال : " وقت لنا رسول الله ( " ..الحديث .
3 - وقت التحريم : وهو أن يترك هذه الأشياء حتى تتفاحش وتكثر ، يترك شاربه حتى يكثر الشارب ، ويترك أظافره حتى تتفاحش ، فهذا محرم لأن النبي ( أمر بإحفاء الشوارب ، وقال : خالفوا المشركين ، خالفوا اليهود ، خالفوا المجوس ، ففي هذا تركه حتى تتفاحش فيه
وحرم نمص ,..........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشبه بالمشركين ، وفيه تشبه بالسباع ، ترك الأظفار حتى تتفاحش ، فيه تشبه بالسباع ونحو ذلك فنقول بأن هذا محرم إذا كثر ، وتفاحش مع الإنسان ، ولم يأخذها ، فإنها تصل إلى درجة التحريم ، وورد أيضاً في الحديث " من لم يأخذ من شاربه فليس منا 95" .
وقول المؤلف رحمه الله " ويسن استحداد " وقال " ونتف الإبط " ولم يقل حلق الإبط ، كما قال هناك ، وهذا كله موافق للحديث الشريف ، فالنبي ( قال " نتف الإبط " وعبر بالعانة "الحلق" ، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله في العانة،(1/70)
هل تنتف أو تحلق حلقاً ؟ نقول : السنة في ذلك الحلق ، كما ورد عن النبي ( مثل أيضاً الإبط ، السنة فيه النتف لكن لو حلقه لا بأس ، العلماء يقولون : إذا زاله بأي مزيل فإن هذا جائز ولا بأس به ، لكن الأفضل بالنسبة للإبط النتف ، وبالنسبة للعانة الحلق ، وأيضاً طبياً : الأطباء يقولون بأن نتف العانة يرخي المحل ، فكان الأولى فيه الحلق ، بخلاف الإبط فإن الحلق قد يحصل منه أذية ، فيكون الأولى فيه النتف كما عبر النبي ( .
" وحرم نمص " النمص : الحنابلة يفسرونه نتف الشعر من الوجه هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، ودليل ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أن النبي ( لعن النامصة والمتنمصة 96" واللعن هذا يدل على التحريم بل يدل على أنه من كبائر الذنوب ، وقال بعض العلماء بأن النمص : هو نتف شعر الحواجب ،
ووشر ، ووشم.....................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأقرب ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، وأن النمص شامل لكل شعر الوجه ، وهذا يشمل شعر الحواجب وغيره ، فيشمل اللحى والشارب وغير ذلك .
"ووشر" الوشر : هو برد الأسنان لتحدد وتفلج وتحسن ، وأيضاً هذا دليله ما تقدم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أن النبي ( " لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة ، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله 97" ، فالتي تقوم ببرد الأسنان طلباً للحسن ونحو ذلك فهذا محرم ولا يجوز .
التغيير بالوشر ينقسم إلى قسمين :(1/71)
1 - تغير لإزالة العيب ، فهذا جائز ولا بأس به ، مثلاً : له سن مرتفعة مخالفة لبقية الأسنان ، بحيث تكون عيباً ، فهذا كونه يقطع منها ، أو يبرد منها بحيث تكون مساوياً للأسنان ، فهذا جائز ، ولا بأس به .
2 - أن لا يكون عيباً ، وإنما يكون طلباً للحسن ، والكمال ، فهذا محرم ، ولا يجوز ، دليله ما ذكرنا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
"ووشم " الوشم : هو غرز الجلد بإبرة وحشوه كحلاً ، أو مادة أخرى ، فهذا محرم ولا يجوز ، وهل يلزم إزالة الوشم أو لا يلزم ؟. الوشم محرم كما تقدم ، وإذا تاب الإنسان فإنه يلزمه أن يتخلص منه إن تمكن ولم يلحقه ضرر ، فإن كان يلحقه ضرر فإنه يعفى منه
باب الوضوء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب الوضوء
لما تكلم المؤلف رحمه الله عن السواك وشيء من سنن الفطرة ونحو ذلك شرع في الوضوء ، وهذا مناسب ، إذ أن السواك من سنن الوضوء ، ويكون في أول الوضوء .
الوضوء : مأخوذ من الوضاءة ، وهي النظافة .
وأما في الاصطلاح : فهو التعبد لله عز وجل لبغسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.والوضوء - رفع الحدث - هذا واجب وهو شرط من شروط صحة الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ 98"
وهل الوضوء من خصائص هذه الأمة أو ليس من خصائص هذه الأمة ؟(1/72)
هذا موضع خلاف ، والأقرب في ذلك : أنه ليس من خصائص هذه الأمة ، وقد ورد في ذلك بعض الأحاديث وإن كان فيها ضعف ، مثل : قول النبي صلى الله عليه وسلم :" هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي 2" وأيضاً في قصة جريج أنه دعا بوضوء ، وأيضاً مما يدل لذلك ما ثبت في صحيح مسلم قول النبي عليه الصلاة والسلام :" سيما ليست لأحد غيركم 3" ويقصد بذلك النبي عليه الصلاة والسلام الغر والتحجيل ،فقوله:"سيما ليست لأحد غيركم" يدل على أن الذي تختص به هذه الأمة الغر والتحجيل ، وأن الوضوء لم تتميز به هذه الأمة
ويدل لذلك أيضاً الغسل ، الغسل كما ثبت في صحيح البخاري وغيره أنه ليس من خصائص.
فروضه غسل الوجه ومنه فم وأنف.......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الأمة ، فورد اغتسال الأنبياء عليهم السلام .
" فروضه " الفروض جمع فريضة ، والفرض في اللغة : الحز والقطع .
وأما في الاصطلاح : فهو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بطلب الفعل على وجه اللزوم .
"غسل الوجه " هذا الفرض أول ، وهذا بالإجماع لقول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } ، وهذا أمر ، وأيضاً السنة ثابتة في ذلك كما في حديث عثمان ، وحديث عبدالله بن زيد ومن وصف وضوء النبي ( .
"ومنه فم وأنف" أي : من الغسل الواجب غسل الفم والأنف ، فيؤخذ من هذا أن المضمضة والاستنشاق حكمها واجبة ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، وهو من مفردات المذهب .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة ، وأن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل سنة في الوضوء
والرأي الثالث : رأي مالك والشافعي أنهما سنتان في الوضوء وفي الغسل.(1/73)
الحنابلة يستدلون على ذلك : قول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} فأمر الله عز وجل بغسل الوجه ، والفم من الوجه ، والأنف من الوجه
كما أن الخد من الوجه ، وهما في الحكم الظاهر ، ولهذا لو أن الإنسان إذا تمضمض واستنشق لم يبطل صومه ، وأيضاً من الأدلة على ذلك أمر النبي ( بالاستنشاق ، والأمر يقتضي
وغسل اليدين مع المرفقين................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الاستنشاق ثبت في الصحيح " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر 99" .(1/74)
وأما من قال بأنهما واجبا الوجوب ، وأيضاً في أبي داود " إذا توضأت تمضمض 100" وإن كان الحديث فيه ضعف ، لكن ن في الغسل سنة في الوضوء فاستدلوا: أنه ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما " أنه سئل عن من ترك المضمضة والاستنشاق في الغسل فقال : يعيد3" ، لكن قول ابن عباس : يعيد ، هذا يدل على الوجوب في الغسل ، لكن لا يلزم من ذلك أنه ليس واجباً في الوضوء ،وأيضاً استدلوا بحديث علي رضي الله عنه وإن كان فيه ضعف " من ترك موضع شعرة من الجنابة 4" لم يصبه الماء عذبه الله بالنار كذا وكذا " . قالوا : والأنف فيه شعر وإذا لم يغسله في الجنابة ترك موضع شعرة من الجنابة .وأما من قال : سنتان كالمالكية والشافعية ، فاستدلوا بقول النبي ( " عشر من الفطرة ... ، وذكر منها " المضمضة والاستنشاق5 " ، وهذا الحديث على فرض ثبوته ، وإلا ثبوته فيه نظر ، لكن إن ثبت فيكون من الفكرة الواجبة ، لأن الفطرة منها ما هو واجب ، ومنها ما هو سنة ، وعلى هذا يكون الراجح ما ذهب عليه الإمام أحمد رحمه الله ، إن المضمضة والاستنشاق كل منهما واجب في الوضوء وفي الغسل .
" وغسل اليدين مع المرفقين " هذا الركن الثاني من أركان الوضوء : غسل اليدين مع المرفقين ، ودليله قول الله تعالى ( وأيديكم إلى المرافق} ، وقال المؤلف رحمه الله " مع المرفقين " هل يدخل المرفقان في الغسل ، أو لا يدخلان ؟ الظاهرية قالوا : بأنهما لا يدخلان لأن الله عز
ومسح الرأس كله.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجل قال :" وأيديكم إلى المرافق "(1/75)
.وجمهور أهل العلم على أنهما يدخلان ، واستدلوا على ذلك بالسنة ، فإن أبا هريرة رضي الله عنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضد 101" ، فكونه أشرع في العضد يدل على أنه غسل المرفق " وغسل رجليه حتى أشرع في الساق " فكونه أشرع في الساق أيضاً يدل على أنه غسل كعبيه " وقال : هكذا رأيت رسول الله ( يتوضأ " ، وأما قوله عز وجل ( وأيديكم إلى المرافق} فأجيب عن ذلك بأجوبة ، قالوا : بأن "إلى" بمعنى مع ، أي أيديكم مع المرافق ، كما قال عز وجل ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} ، أي : مع أموالكم ،وقوله ( ويزيدكم قوة إلى قوتكم} ، أي مع قوتكم ،
والجواب الثاني : أننا لو قلنا بأن " إلى " على ظاهرها فالسنة بينت أن المرفق يغسل والفرض : غسل اليد يكون من أطراف الأصابع إلى آخر المرفق هذا كله يجب غسله .
"ومسح الرأس كله " الرأس يجب مسحه بالاتفاق ، لأن الله عز وجل قال ( وامسحوا برؤوسكم } لكن هل يجب مسحه كله أو يكتفي ببعضه؟ ، هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله ،الرأي الأول : أنه لا يجب مسحه كله ، وهذا رأي الحنفية ، والشافعية ، ويكفي البعض . والرأي الثاني : أنه لابد من مسحه كله ، وهذا مذهب المالكية والحنابلة .
أما الذين قالوا بأنه يمسح جميع الرأس فاستدلوا بقول الله عز وجل ( وامسحوا برؤوسكم} ،
ومنه الأذنان........................................................................................................................(1/76)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبن زيد ، وحديث عثمان وحديث علي ، ولم يرد عن النبي ( أنه اقتصر على مسح بعض الرأس و"الباء" هنا للعموم ، وأيضاً النبي ( في صفة وضوءه مسح كل الرأس كما في حديث عبدالله بن زيد. وأما الذين قالوا : يكتفى ببعضه استدلوا بحديث المغيرة رضي الله عنه " أن النبي ( مسح على الناصية والعمامة 102" فقالوا هذا دليل على أنه يكتفى ببعضه ، لأن النبي ( مسح على الناصية ، نقلو : صحيح أنه مسح على الناصية فقط ، لأن الرأس مستور بالعمامة ، وإذا كان مستوراً بالعمامة فإنه يمسح عليها ، ومورد الخلاف إذا كان الرأس مكشوفاً ، وعلى هذا يكون الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمامان مالك وأحمد على أنه يعمم الرأس بالمسح ، وليس المطلوب كل شعرة تمسح المهم إنه إذا عمم رأسه بالمسح كفى ذلك . "ومنه الأذنان " الأذنان يجب مسحهما هذا المشهور من المذهب ، ودليلهم على ذلك ، قول الله عز وجل ( وامسحوا برؤوسكم } ، والأذنان من الرأس ، فيكون مسح الأذنين داخلاً في الأمر بمسح الرأس ، وأيضاً يدل لهذا حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه " الأذنان من الرأس 103" ، وأيضاً يدل له فعل النبي ( ، فإن النبي ( لم يحفظ عنه أنه ترك مسح الأذنين . والرأي الثاني : أن مسح الأذنين سنة وليس واجباً واستدلوا على ذلك : بعدم وروده في آية المائدة قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكموأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ? .
وغسل الرجلين مع الكعبين وترتيب................................................................................(1/77)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والجواب عن هذا سهل : نقول بأنه لا يسلم بل الأذنان داخلتان في مسح الرأس فالآية دلت عليهما كما سلف .
"وغسل الرجلين مع الكعبين" هذا الفرض الرابع من فروض الوضوء وأركانه ، غسل الرجلين مع الكعبين ، وهذا دل عليه القرآن والسنة والإجماع ،
أما القرآن فقول الله عز وجل ( وأرجلكم إلى الكعبين ? ، والسنة : مداومة النبي ( على ذلك كما في حديث عثمان رضي الله عنه ، وحديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه ، وغير ذلك فالأحاديث في ذلك كثيرة . فالذين وصفوا وضوء النبي ( لم يذكر أحد منهم أن النبي ( ترك غسل الرجلين ، ويدل لهذا أيضاً قول النبي ( كما في الصحيحين " ويل للأعقاب من النار104" ،
والعقب : هو مؤخر القدم ، فإذا كان هذا المكان الذي ربما لا يصيبه شيء من الماء يجب غسله ، وتوعد على ذلك فغيره من باب أولى .
وقوله " مع الكعبين " الكلام في هذه المسألة كالكلام فيما تقدم من قول الله عز وجل ( وأيديكم إلى المرافق? .
"وترتيب" هذا الركن الخامس من أركان الوضوء وفروضه ، الترتيب ، فلابد من الترتيب وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، أن الترتيب واجب وهو قول أكثر العلماء
............................................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/78)
واستدلوا على ذلك بالآية ، فإن الله عز وجل قال ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين? ، فأدخل الله عز وجل الممسوح بين المغسولات ، ومعنى ذلك أن تكون صفة الوضوء على هذا الوجه ، وإلا كان المقتضى أن يفرد المغسولات ثم يذكر الممسوح ، فكونه أدخل الممسوح بين المغسولات دل ذلك على اشتراط الترتيب ، وأيضاً يدل لهذا فعل النبي ( ، فالذين وصفوا وضوء النبي ( كعثمان رضي الله عنه وغيره ما ذكروا أن النبي ( أخل بالترتيب .
والرأي الثاني : رأي الحنفية أن الترتيب ليس واجباً ، واستدلوا على ذلك بحديث المقداد رضي الله عنه في سنن أبي داود " فإن النبي ( غسل وجهه ثم غسل ذراعيه ثم تمضمض واستنشق 105" ، فكونه غسل ذراعيه ثم تمضمض واستنشق يدل على أن الترتيب ليس واجباً ، وهذا الحديث شاذ ، فالصواب في ذلك ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى ،
وما المقصود بالترتيب ؟ المقصود بالترتيب : هو الترتيب بين الأعضاء الأربعة فقط ، يعني : نبدأ بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين ، وعلى هذا لو أن الإنسان بدأ بالوجه قبل المضمضة والاستنشاق لا بأس أو بدأ بالإستنشاق قبل المضمضة لا بأس ، أو بدأ باليسرى قبل اليمنى لا بأس فالمقصود بالترتيب هو الأعضاء الأربعة ، ولهذا ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال : " لا أبالي بأي أعضاء وضوئي بدأت " ، وكذلك أيضاً ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه فيما يتعلق بالترتيب في الإخلال به ، فإن المراد هو التيامن والتياسر ، فالتيامن والتياسر لا
وموالاة..................................................................................................................................(1/79)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجب مراعاته وإنما يستحب ذلك ، ويدل للترتيب أن الله عز وجل بدأ هكذا والنبي ( لما أتى
الصفا قال : "أبدأ بما بدأ الله به 106" في صحيح مسلم ، في سنن النسائي بلفظ الخبر " أبدأ بما بدأ الله به " فهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.
"وموالاة " هذا الركن السادس من أركان الوضوء الموالاة ، والموالاة فيها ثلاثة آراء للعلماء رحمهم الله : الرأي الأول : أنها فرض كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله : وأيضاً قال به الشافعي رحمه الله . والرأي الثاني : أنها ليست فرضاً ، كما هو قول الحنفية . والرأي الثالث : التفصيل في هذه المسألة كما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله ، أنه إن ترك الموالاة لعذر فلا بأس ، وإن كان لغير عذر فإنه لا يصح ،
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بالوجوب ، فاستدلوا على ذلك بحديث عمر رضي الله عنه في صحيح مسلم " أن النبي ( رأى رجلاً ،وعلى قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء ، فقال النبي ( : " ارجع فأحسن وضوءك107" ، فرجع وتوضأ فهذا يدل على اعتبار الموالاة وأيضاً يؤيد ذلك ، فعل النبي ( ، فإن النبي ( توضأ متوالياً ، فلم يحفظ عن النبي ( أنه أخل بالموالاة .
أما الذين قالوا: أن الموالاة سنة وليست واجبة ، كالحنفية استدلوا على ذلك بأثر وورد عن ابن عمر رضي الله عنهما " أنه توضأ ودخل المسجد فحضرت جنازة فمسح على خفيه ثم صلى 3" فكونه مسح على خفيه بعد دخول المسجد هذا يظهر أن هناك فاصلة ، وأن ابن عمر .............................................................................................................................................(1/80)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضي الله عنهما لم يعتبر الموالاة .
أما الذين قالوا بالتفصيل وهو مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام رحمه الله إن كان لعذر فلا بأس ، وإن كان لغير عذر فإنه لا يصح ، فإذا فصل بين أعضاء الوضوء لعذر مثلاً : انقطع الماء أو في يده شيء يمنع وصول الماء ، فاحتاج إلى وقت حتى يزيله ، وغير ذلك من الأعذار ، فإنه لا يقطع الموالاة ، وشيخ الإسلام رحمه الله استدل على ذلك بأدلة ، من الأدلة على ذلك صيام رمضان يجب فيه التوالي ، ما يجوز أن يقطعه الإنسان ، ومع ذلك قال الله عز وجل ( فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر? ، لو قطعه بعذر لا بأس ويقضي كفارة الجماع في نهار رمضان وكفارة الظهار وكفارة القتل ،يجب فيها صيام شهرين متتابعين ، يجب التوالي ومع ذلك لو قطعه بمرض أو سفر ، فإنه لا ينقطع ، أيضاً قراءة الفاتحة يجب فيها التوالي ، لكن لو أنه قطع قراءة الفاتحة بالإستماع إلى الإمام أو يأتي بعذر من الأعذار فإنه ينبني فدل ذلك على أنه إذا حصل عذر فإنه لا بأس به وأنه لا يقطع التوالي وهذا هو الأقرب ، شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن العذر لا يقطع الموالاة ، وأيضاً لا يقطع الترتيب ، يرى أن هذه الأعذار ما تخل ، والقاعدة عندنا مما يؤيد الموالاة والترتيب ، أنهما ركنان في الجملة ،
القاعدة : " أن كل عبادة مركبة من أجزاء فلابد فيها من أمرين : الترتيب والموالاة " ، وإلا لم تكن على وفق سنة النبي ( مثلاً : لو أن إنسان جاء وتمضمض واستنشق في الساعة السابعة ثم غسل وجهه في الساعة الثامنة ثم يديه التاسعة ثم مسح رأسه في العاشرة وهكذا
هل هذا هو الوضوء الذي توضأه النبي ( ؟ لا ليس هذا ، بل نقول : في الساعة السابعة(1/81)
بأن لا يؤخر غسل عضو حتى يجف ما قبله...............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمضمضت فقط ما أتيت بالوضوء الكامل وفي التاسعة غسلت وجهك ، إلى آخره لم تأتِ بما فعله النبي (
مثل أيضاً الترتيب ، لو أنه غسل رجليه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه ثم غسل وجهه .
نقول : لم تأت بالوضوء الذي جاء في القرآن وفي السنة ،
فالصواب أن الترتيب والتوالي أنهما ركنان لكن مثل ما قال شيخ الإسلام رحمه الله إلا لعذر ، وإن لم يحصل ذلك حقيقة ، فإنه حاصل حكماً للعذر .
ما هو ضابط الموالاة ؟ المشهور من المذهب الإمام أحمد رحمه الله كما قال المؤلف رحمه الله " بأن لا يؤخر غسل عضو حتى يجف ما قبله " ، فلا يؤخر غسل اليدين حتى يجف الوجه ولا يؤخر مسح الرأس حتى تجف اليدان ولا يؤخر غسل الرجلين حتى يجف الرأس ، وأيضاً قيدوا هذا الضابط قالوا : في زمن معتدل ، فلا عبرة بشدة الحر أو شدة البرد أو الرياح لأنه في الرياح قد يجف في زمن قليل ، فمثلاً : إذا قدرنا أنه في الزمن المعتدل إذا غسل وجهه وتأخر ثلاثة دقائق حتى غسل يديه يجف الوجه فلو تأخر في الزمن المعتدل دقيقة أو دقيقتان لا يجف ، فالعبرة في زمن المعتدل ، لو كان عندنا شدة ريح وخلال دقيقة نشف وجهه فهذا لا يعتبر بل لابد أن يمضي ثلاثة دقائق الزمن المعتدل .
والرأي الثاني : أوضح من هذا وهو رأي الشافعية ، قالوا : ضابط الموالاة : أن لا يفصل بين العضوين بفاصل كثير عرفاً ، ويعفى عن الفاصل اليسير عرفاً ، وهذا أقرب وأحسن .
ويشترط له ولغسلٍ نيه....................................................................................................(1/82)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شروط صحة الوضوء
"ويشترط له ولغسلٍ نيه " الوضوء يشترط له شروط ، وأيضاً هذه الشروط كما تكون في الطهارة الصغرى تكون في الطهارة الكبرى : 1 - الشرط الأول : النية ، والنية في اللغة القصد .
وفي الاصطلاح : فهي عزم القلب على فعل العبادة تقرباً لله عز وجل .
ويدل لذلك حديث عمر رضي الله عنه المشهور " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى 108" الحديث .. ولأن الإنسان قد يغسل أعضاءه يقصد بذلك التنظف ، وقد يقصد بذلك التبرد ونحو ذلك ، فلابد من النية التي تميز ، ومثل ذلك أيضاً الغسل ، لابد له من نية لأن الإنسان يعمم بدنه بالماء قد يقصد بذلك رفع الحدث الأكبر ، وقد يقصد التبرد أو التنظف فلابد من النية التي تميز . أيضاً عندنا ثلاثة شروط شرط في كل عبادة ، وهي : الإسلام ، والعقل ، والتميز ، وحتى النية شرط في كل عبادة ، فعندك الإسلام شرط ، والعقل شرط ، والتميز شرط ، فالإسلام شرط في كل عبادة ما يصح الوضوء ولا التيمم ولا الصلاة ولا الصيام من الكافر لأنه فاقد الأصل ، التوحيد ، العقل : أيضاً شرط في كل عبادة ، فإذا توضأ المجنون فوضوءه لا عبرة به ، لو صام صيامه وجوده كعدمه لو صلى إلى آخره ، التمييز أيضا شرط في كل عبادة ، الصبي إذا كان مميز يصح وضوءه وغسله وتيممه ، وتصح عباداته ويؤجر على ذلك والأجر له .
وطهورية ماء.......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/83)
لكن إذا كان غير مميز ما يفهم الخطاب ولا يرد الجواب - هذا ضابط المميز ، لا يصح
وضوءه ولا تصح صلاته ... إلى آخره .
لكن نستثني الحج والعمرة فالحج والعمرة يصحان من غير المميز ، فيصح أن يحج ويعتمر الصبي الذي لم يميز ، حتى قال العلماء : ولو كان من ساعة - الآن ولد - فيصح أن يعتمر ويحج ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن امرأة رفعت إلى النبي ( صبياً ، فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر109" .
بقينا في المعتوه ، والمعتوه : ليس المجنون وإنما ناقص العقل ، عندنا إنسان عاقل ، ومجنون فاقد العقل ، وإنسان بينهما وهو ناقص العقل فهذا العلماء قالوا : أنه المعتوه .
هل تصح منه العبادات أو لا تصح منه ؟ قال العلماء المعتوه ينقسم إلى قسمين :
1 - معتوه ليس عنده إدراك ، فهذا حكمه حكم المجنون ما تصح منه العبادات .
2 - معتوه معه إدراكه ، وهذا حكمه حكم الصبي المميز ، تصح منه العبادات ويؤجر عليها ولا تجب عليه . "وطهورية ماء " هذا الشرط الخامس : أن يكون الماء طهوراً ، وعلى هذا إذا كان نجساً فإنه لا يصح الوضوء به ، وهذا بالإجماع ويدل لذلك قول الله عز وجل (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ? فلابد أن يكون طاهراً أو طهوراً لكي يكون مطهراً ، فإن كان غير طهور فإنه لا يطهر " فاقد الشيء لا يعطيه " .
وإباحته وإزالة ما يمنع وصوله............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وإباحته " هذا الشرط السادس : أن يكون مباحاً ، وعلى هذا لو توضأ بماء مغصوب أو اغتسل بماء مغصوب أو مسروق أو منتهب إلى آخره فإنه لا يصح هذا المشهور من المذهب .(1/84)
والرأي الثاني : أنه يصح مع الإثم وهذا القول هو الصواب ، لأن النهي هنا يعود إلى شرط العبادة على وجه لا يختص ، وعلى هذا تصح العبادة بالماء المغصوب ، والمنتهب ، والمختلس ، إلى آخره ، لكن مع الإثم ، مثل أيضاً كما سيأتينا في شروط الصلاة ، الصلاة في الثوب المغصوب والمنتهب إلى آخره تصح ذلك لكن مع الإثم ، لأن العلة في ذلك : أن النهي هنا يعود إلى شرط العبادة على وجه لا يختص ، والأصل صحة العبادة .
"وإزالة ما يمنع وصوله " هذا الشرط السابع : إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة ، فإذا كان هناك عجين أو أصباغ ونحو ذلك ، فلابد من إزالتها ، والدليل على ذلك قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم? الآية ، فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم ، وهذا يشمل كل الوجه ، ويشمل كل اليدين ، ويشمل كل الرجل ، فإذا كان هناك شيء يمنع صدق عليه أنه لم يغسل كل وجهه ولم يغسل كل يده إلى آخره ، وأيضاً من السنة قول النبي ( " ويل للأعقاب من النار 110" لما رأى النبي ( أنهم لا يبلغون الوضوء ، ولا يغسلون مؤخر القدم ، مع أنه يبقى شيء يسير ، وأيضاً ما تقدم لنا من حديث عمر رضي الله عنه " أن النبي ( لما رأى رجلاً وعلى قدمه قدر الظفر لم يصبه الماء قال : ارجع فأحسن وضوءك 2" فدل ذلك على أنه لابد من التعميم ، لكن قال شيخ الإسلام ابن
وانقطاع موجب وتجب فيهما التسمية.................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيمية رحمه الله يستثنى الشيء اليسير ، خصوصاً الذين يلامسون مثل هذه الأشياء(1/85)
مثلاً : إذا كان هناك يسير من الدم أو يسير من العجين إلى آخره ، فمثل هذه الأشياء اليسيرة معفو عنها ، لكن يظهر والله أعلم أنها إذا بلغت قدر الظفر ، أنه لا يعفى عنها ، لأن النبي ( قال للذي ترك من رجله قدر الظفر لم يصبه الماء " اذهب فأحسن وضوءك 111" فإذا كانت أشياء صغيرة فهذه يعفى عنها إن شاء الله ،
وقاعدة الشريعة " العفو عن اليسير " .
" وانقطاع موجب " هذا الشرط الثامن : لابد من انقطاع ما يوجب الوضوء ، أو يوجب الغسل . فلو أن الإنسان بدأ يتوضأ والحدث لا يزال يخرج منه تمضمض وهو لا يزال يخرج منه الحدث ، فحكم مضمضته هذه غير صحيحة ، أو استنشق والحدث لا يزال يخرج منه فاستنشاقه هذا غير صحيح ، لأنه محدث ، والنبي ( قال : " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ 112" ، ولو أن المرأة اغتسلت من دم الحيض ودم الحيض لا يزال يخرج منها ، فإنه لا يصح .
" وتجب فيهما التسمية " هذا من مفردات الحنابلة رحمهم الله ، أن التسمية واجبة في الطهارة ، الطهارة في الحدث الأصغر والأكبر ، وطهارة التيمم ، يرون أن الإنسان يجب عليه أن يبسمل في الوضوء وفي الغسل وكذلك أيضاً في التيمم ،
مع الذكر..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/86)
"مع الذكر" أي يجب عليه أن يسمي إذا كان ذاكراً ، فإن كان ناسياً تسقط التسمية إلا إذا ذكرها في ابتدائه ، فإذا ذكرها في ابتدائه فإنه يجب عليه أن يعيد ، مثلاً نسي التسمية ولم يذكر إلا بعد فراغ الوضوء يقولون : تصح وتسقط التسمية ، ذكر في أثناء الوضوء ، تمضمضت واستنشقت وما ذكرت التسمية ثم بعد ذلك عند غسل اليدين تذكرت أنك لم تسم ، فيقولون : " يجب عليك أن تعيد وتبدأ من جديد هذا ما ذهب إليه صاحب المنتهى .
وصاحب الإقناع قال : تبني ولا يجب عليك أن تعيد ، مثلاً : إذا ذكرت عند غسل اليدين فإنك تبني وتكمل وضوءك ، وهم يقولون : إذا تعارض المنتهى والإقناع فالمرجح على متن المنتهى وعلى هذا فإنك تبدأ من جديد ، تستأنف ولا تبني هذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : رأي جمهور أهل العلم ، أن التسمية مستحبة وليست واجبة ، وذهب بعض العلماء إلى أنها أيضاً ليست مستحبة ، فالآراء في ذلك ثلاثة :
1 - الوجوب : وهو أشدها وهو المذهب .
2 - الاستحباب : وهو قول أكثر أهل العلم .3 - عدم شرعيتها مطلقاً .
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بالوجوب : استدلوا بحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي ( قال : " لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه 113" ، وهذا الحديث له شواهد ، ولهذا بعض العلماء يحسن هذا الحديث ، وبعض العلماء لا يثبتوه
فينوي عندها أو قبلها بيسير رفع الحدث..........................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/87)
كما قال الإمام أحمد رحمه الله لا يثبت في هذا الباب شيء ، الحنابلة يستدلون بهذا الحديث والجمهور أيضاً يستدلون به فيقولون : أنه حسن ، فإن من وصف وضوء النبي ( كعثمان رضي الله عنه وعبد الله بن زيد رضي الله عنه وغير ذلك لم يذكروا أن النبي ( سمى أو أتى بالبسملة فهذا صارف على أن المراد من هنا الكمال ، فهم يجمعون بين هذه الأحاديث هذا حديث أبي سعيد إلى آخره .وقالوا : أن المراد في قوله " ولا ضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه 114" ، الكمال : أي وضوء الكامل ،
والصواب في ذلك : أن التسمية غير واجبة ، وإن قلنا فنقول بأنها مستحبة ، يستحب للإنسان أن يأتي بها " .
"فينوي عندها " عند التسمية لأن التسمية واجبة ، أي : يجب أن يأتي بالنية عند أول واجب في الوضوء أو الغسل ، وأول واجب في الوضوء أو الغسل أو التيمم هو التسمية .
"أو قبلها بيسير رفع الحدث " يعني النية لها وقتان :
1 - وقت الاستحباب : وهو عند أول واجبات الطهارة ، وهي التسمية ، ولذلك قال المؤلف رحمه الله " فينوي عندها " أي : عند التسمية .
2 - وقت الإجزاء : وهو أن ينوي قبل الطهارة بزمن يسير -قبل الوضوء قبل الغسل بزمن يسير - فإن كان الزمن كثيراً فإنه لا تصح معه النية ، واعلم أن النية سهلة ، لكنها
أو الطهارة للصلاة مثلاً وإن نوى ما يسن له..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صعبة على من عنده وسواس فإذا نوى الإنسان الصلاة هذه هي النية ، إذا نوى رفع الحدث ، إذا قام للوضوء ، فهذه هي النية ، لأن الإنسان لا يتحرك إلا بإرادة وقصد ، فإذا قام يريد الصلاة ، ثم ذهب وتوضأ هذه هي النية ، إلى آخره .
النية لها صور :(1/88)
الصورة الأولى : أن ينوي رفع الحدث فهذا يرتفع حدثه فقال المؤلف " رفع الحدث " .
الصورة الثانية : قوله
" أو الطهارة للصلاة مثلاً " أن ينوي ما تجب له الطهارة فإذا نوى ما تجب أو تشترط
له الطهارة ، وإن لم ينوي رفع الحدث فإنه يرتفع حدثه ،
مثال ذلك : هذا شخص لم ينوي رفع الحدث وإنما نوى الصلاة ، الصلاة يشترط لصحتها الطهارة ، فيرتفع حدثه ،
ومثلاً : مس المصحف تجب له الطهارة ، فإذا نوى بطهارته أن يمس المصحف فإنه يرتفع حدثه ، ومثلاً : الطواف عند كثير من أهل العلم يشترط لصحته الطهارة ، فإذا نوى أن يطوف وتوضأ فإن حدثه يرتفع وعلى هذا فقس .
الصورة الثالثة ، قوله
" وإن نوى ما يسن له ... " أي : أن ينوي ما تسن له الطهارة .
كقراءة وأذان ورفع شك......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد مثل المؤلف رحمه الله لذلك وقال : "كقراءة وأذان " إلى آخره ، فإن حدثه يرتفع ،
مثال : هذا شخص نوى أن يؤذن ثم ذهب وتوضأ ، توضأ لأجل أن يؤذن ، فإن حدثه يرتفع ، أو نوى أن يقرأ القرآن ثم توضأ فإن حدثه يرتفع .
"كقراءة" فالقراءة تسن لها الطهارة ، أي يستحب للإنسان إذا أراد أن يقرأ القرآن أن يكون على طهر ولا يجب ذلك ، والدليل على هذا الاستحباب قول النبي ( " إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر 115" ، فدل ذلك على أنه يستحب للإنسان إذا أراد أن يقرأ أو أراد أن يذكر الله عموماً ، فإنه يستحب له أن يتطهر ، والقراءة أفضل الذكر ، وكذلك أيضاً إذا أراد أن يدعو يستحب أن يكون على طهارة ، ولهذا في حديث أبي موسى رضي الله عنه " أن النبي ( لما أراد أن يدعو توضأ " .(1/89)
"وأذان " أيضاً : الآذان يستحب أن يكون على طهارة لما تقدم من قول النبي ( " إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر " فيستحب له .
" ورفع شك " يستحب لرفع شك الطهارة، مثال ذلك رجل شك هل توضأ أو ما توضأ ؟ يقول المؤلف رحمه الله يستحب له أن يتوضأ لكي يرفع عنه هذا الشك ، وهذا الصحيح أن فيه التفصيل وليس على الإطلاق ، فنقول : إن كان محدثاً وشك هل رفع حدثه أو لم يرفع حدثه ؟ نقول : الأصل : الحدث ويجب عليه أن يتوضأ ، وحينئذ إذا كان هذا مراد المؤلف ،
............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يكون هذا من الأشياء التي تسن لها الطهارة ،
عكس المسألة هذه لو شك في الحدث وهو متطهر ، وشك هل أحدث أو لم يحدث ؟
فنقول : الأصل : الطهارة ، ولا يستحب له أن يتوضأ .
مثال آخر : إنسان بعد الانتهاء من الوضوء شك هل تمضمض أم لم يتمضمض ، استنشق أو لم يستنشق ؟ هل يستحب هنا أن يتوضأ لرفع الشك أو لا يستحب ؟
الصواب : أنه لا يستحب ، فقول المؤلف "رفع شك" هذا فيه نظر ،
"الخلاصة" قوله "ورفع شك" هذا فيه ثلاث صور ،
الصورة الأولى : أن يشك في الطهارة هو محدث ثم شك في الطهارة ، هنا يجب عليه أن يتطهر ،
الصورة الثانية : عكس هذه وهو أنه متطهر ثم شك في الحدث ، فلا يستحب له أن
يتوضأ ، فهذا يجلب له الوساوس ، والأصل الطهارة .
الصورة الثالثة : بعد أن انتهى من وضوءه شك هل تمضمض أو لم يتمضمض إلى آخره ، نقول لا يستحب له أن يتوضأ رفعاً لهذا الشك ، لأنه يجلب له الوسواس ،(1/90)
ويترتب على هذا لو أن إنساناً شك هل تمضمض أو لم يتمضمض ثم توضأ رفعاً لهذا الشك ، هل ينفعه هذا الوضوء أو لا ينفعه ؟
وغضب أو نوى التجديد ناسياً حدثه.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذهب أنه ينفعه ، والصحيح أنه لا ينفعه هذا الوضوء ، لو تبين له أنه محدث على المذهب يرتفع حدثه ،
وعلى الرأي الثاني ، أنه لا يرتفع حدثه لأن هذا الوضوء غير مشروع .
"وغضب" أي : إذا غصب الإنسان فإنه يستحب له الطهارة ، وقد ورد في هذا حديث لكنه ضعيف ، وإذا كان ضعيفاً ، فإنه لا يشرع الوضوء للغضب ، وإذا كان غير مشروع فحينئذ لا ينفع .
"أو نوى التجديد ناسياً حدثه " متى يكون التجديد ؟ العلماء رحمهم الله يقولون : إذا صلى بالوضوء الأول صلاة شرع أن يجدد الوضوء الثاني للصلاة الثانية أما إذا لم يصلي فإنه لا يشرع التجديد .
فعندنا صورتان :
الصورة الأولى : هذا رجل صلى بالوضوء ثم بعد ذلك أراد أن يجدده ، فجدد الوضوء ، فهذا الذي فعله تجديداً ، فهو مستحب بعد أن انتهى من تجديد الوضوء ، تذكر أنه محدث -
قد أحدث ، على كلام المؤلف أنه ينفعه هذا الوضوء ، هو ناسٍ أنه محدث ونوى أن يجدد الوضوء ، فهو يظن أنه متطهر صلى بالوضوء الأول صلاة ثم بعد ذلك أحدث ، ثم جاءت الصلاة الثانية ، فقال : أجدد الوضوء ، فتوضأ مجدداً للوضوء ، ثم بعد ذلك تذكر أنه محدث ، نقول : ارتفع حدثك الآن ، لأن هذا التجديد مشروع .
أو الغسل نحو جمعة أو عيد ارتفع حدثه وإن تنوعت أحداث فنوى أحدها ارتفع كلها.......(1/91)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة الثانية : توضأ ولم يصلي ، ثم بعد ذلك جدد الوضوء ، ثم تذكر أنه محدث فعلى كلام الفقهاء لا ينفعه هذا التجديد، لأنه لا يكون التجديد مشروعاً إلا إذا صلى صلاة .
"أو الغسل نحو جمعة أو عيد ارتفع حدثه "
هذه الصورة الرابعة : أن ينوي رفع الحدث الأكبر ، فنقول : إذا نوى رفع الحدث الأكبر ارتفع الحدث الأصغر على الصحيح .
الصورة الخامسة : أشار إليها بقوله " أو الغسل نحو جمعة أو عيد ارتفع حدثه " أن ينوي ما يستحب له الغسل ، وهو مثل : العيد ، تغسيل الميت ، الإحرام ، دخول مكة ... الخ ، فإذا نوى ما يستحب له الغسل فإنه يرتفع الحدث الأصغر أيضاً على الصحيح ،
وصورة ذلك شخص محدث حدث أصغر ثم بعد ذلك اغتسل لصلاة العيد - نوى بغسله صلاة العيد- أو نوى بغسله الإحرام ، فإنه يرتفع الحدث الأصغر .
الصورة السادسة : أن ينوي رفع الحدثين جميعاً - الأصغر والأكبر- فنقول : بأنهما يرتفعان
" وإن تنوعت أحداث فنوى أحدها ارتفع كلها " ،
مثال ذلك : رجل حصل منه البول : وحصل منه أكل لحم الجزور وحصل منه ريح هذه أحداث ، ثم توضأ وهو ينوي رفع الحدث عن البول أو ينوي رفع الحدث عن أكل لحم الجزور ، نقول هذه الأحداث كلها ترتفع ،
ويسن أن ينوي عند أول مسنون وجد قبل واجب فينوي ثم يسمي ثم يغسل كفيه ثلاثاً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/92)
أيضاً مثاله في الحدث الأكبر كرجل حصل منه جماع ، وحصل منه أيضاً احتلام في المنام ، فهنا اجتمع منه حدثان : فنوى أحدهما - أحد هذين الحدثين - نوى الاحتلام أو نوى الجماع ، نقول : بأنها ترتفع جميع هذه الأحداث ،
مثل أيضاً : امرأة خرج منها دم الحيض ، وأيضاً حصل لها قبل الحيض جماع ، فعندها الآن حدثان ، فإذا نوت أحدهما ، فإنه يرتفع كلا الحدثين .
" ويسن أن ينوي عند أول مسنون وجد قبل واجب " ما هو المسنون الذي يوجد قبل الواجب ، هو غسل الكفين ، فيستحب أن ينوي عند غسل الكفين كما تقدم لنا أن غسل الكفين هذا سنة مطلقاً في الوضوء ، ويجب أن ينوي عند التسمية لأن التسمية هي الواجبة .
"فينوي" هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان صفة الوضوء ،قال
"فينوي ثم يسمي" ، تقدمت النية والكلام عليها ، وأيضاً تقدمت التسمية والكلام عليها .
"ثم يغسل كفيه ثلاثاً " تقدم الإشارة إلى ذلك ، وأنه يستحب أن يغسل كفيه ثلاثاً ، لما تقدم من الأحاديث كحديث عثمان رضي الله عنه ، وذكرنا أيضاً : إذا كان قائماً من نوم
الليل - الناقض للوضوء- هل يكرر غسل اليدين أو لا يكررها؟
نقول يكتفي بثلاث مرات ، وأن هذا من باب تداخل العبادة .
ثم يتمضمض ثم يستنشق بيمينه ويستنثر بيساره ثلاثاً ثلاثاً ثم يغسل وجهه من منبت شعر الرأس المعتاد مع ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً وما بين الأذنين عرضاً....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ثم يتمضمض ثم يستنشق بيمينه ويستنثر بيساره ثلاثاً ثلاثاً " ، تكلمنا عن المضمضة ، وقلنا بأن المضمضة لها حالتان : 1 - واجبة . 2 - ومجزئة ،
والواجبة : هي تحريكه في الفم أدنى تحريك ، والمجزئة : المستحبة : تحريكه في جميع الفم ،(1/93)
أيضاً الاستنشاق تقدم ، وهل يفصل بين المضمضة والاستنشاق أو لا يفصل بينهما ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم ، وذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يصح عن النبي ( أنه فصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث البتة ، وعلى هذا يأخذ غرفة يتمضمض بنصفها ويستنشق بالنصف الباقي ، فيستنشق بيمينه ويستنثر بيساره .
وقوله "ثلاثاً ثلاثاً " هذه إحدى صفات الوضوء ، تقدم أن الوضوء له أربع صفات .
" ثم يغسل وجهه من منبت شعر الرأس المعتاد مع ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً وما بين الأذنين عرضاً " ، وقال بعض العلماء : يغسل وجهه من منحنى الجبهة ، وهذا أقرب بالضابط ، إذا بدأ الانحناء هذا غير داخل في الغسل ، وإنما الذي يدخل في الغسل ما تحصل به المواجهة - ما كان خارجاً عن حد الانحناء-
وطولاً : ما انحدر من اللحية والذقن طولاً ، كما ذكر المؤلف رحمه الله ،
وعرضاً : من الأذن إلى الأذن ، لأن هذا هو الذي تحصل به المواجهة .
وما فيه من شعر خفيف وظاهر الكثيف ويخلل باطنه..........................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله " من منبت شعر الرأس المعتاد " يخرج غير المعتاد ، فبعض الناس يحصل له نبات من الشعر في جزئ من الجبهة ، فهذا يجب غسله ، لأنه هذا غير معتاد ، المعتاد هو الذي في الرأس ، أما في الجبهة فهذا غير معتاد فيجب عليه أن يغسله ، وأيضاً عكس هذا بعض الناس ينحصر الشعر عند أول رأسه ،(1/94)
فهل يجب عليه أن يغسل الظاهر من الرأس أو لا يجب أن يغسله ؟ نقول : لا يجب أن يغسله وإنما يمسحه ، فالعبرة هي من منابت الشعر المعتاد ، لكن إذا قلنا بالضابط الذي ذكرنا استرحنا ، أنه من منحنى الجبهة ، فما كان من قبل المنحنى هذا يجب عليك أن تغسله وما عدا ذلك فإنه لا يجب .
"وما فيه من شعر خفيف وظاهر الكثيف ويخلل باطنه " الشعور تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : الشعور في الطهارة الكبرى بالماء هذا يجب غسل ظاهرها وباطنها ، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها لما ذكرت غسل النبي ( قالت : " حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء على سائر بدنه 116" ،
قد أروى البشرة ، والبشرة : الباطن ، فيجب غسل الظاهر والباطن .
القسم الثاني : في الطهارة الصغرى بالماء ، فهذا فيه تفصيل ،إن كان خفيفاً يجب غسل ظاهره وباطنه وإن كان كثيفاً يجب غسل الظاهر فقط وأما الباطن يخلل وسيأتي الكلام على التخليل .
ثم يديه مع مرفقيه ثلاثاً....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثالث : طهارة التيمم في الحدث الأكبر والأصغر ، لأن الصفة واحدة في التيمم ، فهذا لا يجب تطيهر الشعر ، لأن التيمم طهارة معنوية ، وليست طهارة حسية ، وعلى هذا ما نقول إذا تيمم الإنسان أنه يجب أن يمسح شعر اللحية ، فهذا غير واجب .(1/95)
"ويخلل باطنه" ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يخلل باطن شعره الكثيف - أي : إذا كان عليه اللحية كثيفة أنه يخلل باطن اللحية الكثيفة ، وأنه مستحب دائماً ، وورد في ذلك حديث عثمان رضي الله عنه في الترمذي " أن النبي ( كان يخلل لحيته 117" ، وهذا الحديث صححه الترمذي وحسنه البخاري ، وورد أيضاً عن الصحابة رضي الله عنهم .
والرأي الثاني : أنه يخلل أحياناً ويترك أحياناً ، وهذا رأي ابن قيم رحمه الله ، لأن كثير ما وصفوا وضوء النبي ( لم يذكروا التخليل ، وعلى هذا نقول : يستحب في بعض الأحيان ويتركه في بعض الأحيان جمعاً بين الأدلة .
كيفية التخليل : أنه يأخذ غرفة من الماء ويضعها تحت ذقنه ، ثم يفرك بها أسفل اللحية ، ثم يأخذ غرفة أخرى ويضعها على الجانب ويفرك بها جانب أخرى،وهذا بالنسبة للجانب الآخر .
"ثم يديه مع مرفقيه ثلاثاً " أي : يغسل يديه مع المرفقين ثلاثاً ، تقدم الكلام عليه ، وأيضاً قوله " ثلاثاً " هذه إحدى صفات الوضوء ، وذكرنا أن الوضوء له صفات .
ويعفى عن يسير وسخ تحت ظفر ثم يمسح رأسه ثم أذنيه مرة ثم يغسل رجليه مع كعبيه ثلاثاً ثم يقول رافعاً بصره للسماء أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله............................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ويعفى عن يسير وسخ تحت ظفر " يسير وسخ تحت ظفر ، هذا جرت به العادة ، يعفى عنه ، تقدم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر أنه يعفى عن يسير المانع حتى إن كان غير وسخ .(1/96)
"ثم يمسح رأسه ثم أذنيه مرة " تقدم لنا مسح الرأس وما الواجب منه إلى آخره، والسنة ، أن يبدأ بمقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه
" ثم أذنيه " ظاهر كلام المؤلف رحمه الله ،أنه يفصل بين مسح الرأس والأذنين وعلى هذا يأخذ ماء جديد للأذنين ،
والصواب في ذلك : أنه لا يثبت أخذ ماء جديد للأذنين ، وأن الوارد في ذلك شاذ ، وعلى هذا الصحيح : أنه لا يفصل بين مسح الرأس والأذنين ، وإنما يمسح أذنيه بما فضل من مسح رأسه .
"ثم يغسل رجليه مع كعبيه ثلاثاً " هذا الكلام فيه كما تقدم .
"ثم يقول رافعاً بصره للسماء " رفع البصر للسماء الحديث في ذلك ضعيف لا يثبت عن النبي ( ، وأيضاً رفع السبابة ، لا يثبت استقبال القبلة أيضاً لا يثبت ، فهذه الأشياء غير ثابتة ، الذي ثبت كما ذكر المؤلف رحمه الله
" أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " هذه
ويغسل أقطع باقي فرضه.....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثابتة كما في صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله عنه " أنه من توضأ وأسبغ الوضوء ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء 118" ، وأيضاً ورد في الترمذي " اللهم اجعلني من
التوابين واجعلني من المتطهرين 119" ، وهذه اللفظة أعلت بالاضطراب ،
هذه اللفظة هل هي مضطربة أو ليست مضطربة ؟
هذا موضع خلاف بين المحدثين ، فمنهم من يثبتها ومنهم من يعلها بالاضطراب ،(1/97)
والأقرب أنها ثابتة إن شاء الله ، وأيضاً ورد موقوفاً على أبي سعيد رضي الله عنه - صحيح أنه موقوف وليس مرفوعاً إلى النبي ( - " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك 3" هذا رواه النسائي في عمل اليوم والليلة ، ورجحه كذلك أيضاً الدارقطني أنه موقوف على أبي سعيد،وليس مرفوعاً إلى النبي ( . "ويغسل أقطع باقي فرضه " الأقطع : الذي قطع بشيء من محل الفرض في العضو وبقي جزء آخر من العضو فهذا الأقطع يقول المؤلف رحمه الله بأنه يغسل باقي الفرض ، فإذا فرض أنه قطع من نصف الذراع ، فيغسل النصف الآخر مع المرفقين ، وإذا فرض أنه قطع من المرفق وبقي المرفق أو شيء من المرفق فإنه يغسل الباقيلو قطع جميع الذراع مع المرفق نقول سقط عن
ويباح تنشيف ومعين..........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غسل هذا اليد .
" ويباح تنشيف ومعين " ، هل تنشيف الأعضاء مباح أو مكروه ؟
هذا فيه رأيان للعلماء رحمهم الله :
فذهب بعض أهل العلم إلى أنه مباح كما ذكر المؤلف رحمه الله ، وهذا عليه كثير من أهل العلم ، وورد ذلك عن عثمان رضي الله عنه .
والرأي الثاني : أنه مكروه - يكره أن ينشف ، واستدلوا بأن النبي ( في حديث ميمونة رضي الله عنها ، في الغسل " لما أتته بالخرقة ردها ، وجعل ينفض الماء بيده 120" ، وأيضاً قالوا :
بأنه ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ،
والصواب في ذلك أنه يباح كما ذكر المؤلف رحمه الله ، وأن هذا ليس مكروهاً ،
وكون النبي ( لم يورد الخرقة ، إما لأمر في الخرقة أو غير ذلك من الأسباب ، قد يكون لسبب . فالصواب في ذلك عدم الكراهة .(1/98)
وأيضاً المعين يباح ، والإعانة في الوضوء تنقسم إلى قسمين :
1 - الإعانة بتقريب الماء وصبه عليه ، فهذا جائز ، والنبي ( استعملها ، كما في حديث المغيرة رضي الله عنه ، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه ، حديث أنس رضي الله عنه ، فإنهم كانوا يعينون النبي ( في وضوءه ، والمغيرة رضي الله عنه صب على النبي ( ،
ومن وضئ بإذنه ونواه صح ويسن في وضوء السواك ، وغسل كفيه إن لم يكن قائماً من نوم ليل ناقض لوضوء فيجب والبداءة قبل غسل وجه بمضمضة فاستنشاق ومبالغة فيهما لغير صائم..................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحديث أنس رضي الله عنه قال : " كنت أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة 121" إلى آخره . 2 - القسم الثاني : ما يتعلق بغسل الأعضاء ، يعني : يقوم شخص ويغسل أعضاءه ، يغسل يديه ويغسل رجليه.إلى آخره ، فهذا مكروه والسنة الإنسان أن يباشر العبادة بنفسه .
" ومن وضئ بإذنه ونواه صح " أي : نوى أن يتوضأ وجاء شخص ووضأه ، غسل يديه ووجهه مع المضمضة والاستنشاق ومسح رأسه وغسل رجليه ، صح ، لأن المطلوب غسل هذه الأعضاء مع النية ، وقد حصل ذلك إما بفعل المتعبد مباشرة أو نائبه .
" ويسن في وضوء السواك ، وغسل كفيه إن لم يكن قائماً من نوم ليل ناقض لوضوء فيجب " هذا تقدم الكلام عليه . " والبداءة قبل غسل وجه بمضمضة فاستنشاق " أيضاً تقدم ، السنة إنه يبدأ بالمضمضة ، والاستنشاق وأنه لا يفصل بينهما ثم يغسل الوجه ، ولو بدأ بالوجه قبل المضمضة والاستنشاق أو خالط هذا لا بأس .(1/99)
"ومبالغة فيهما لغير صائم " لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه ، أن النبي( قال : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً 122" حتى لا يدخل الماء إلى أقصى الأنف .
والمبالغة في المضمضة:أن يدير الماء في جميع الفم .وفي الاستنشاق:أن يجذب الماء إلى أقصىالأنف
وتخليل لحية كثيفة وأصابع وتيامن ودلك.......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتخليل لحية كثيفة " تقدم الكلام عن ذلك .
"وأصابع " ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن تخليل الأصابع سنة مطلقاً ، فيخلل أصابع يديه بأن يدخل بعضهما في بعض ، وأما أصابع رجليه فإنه يدعكهما بخنصره ، ودليل ذلك قول النبي( في حديث لقيط رضي الله عنه " وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً " ، وأيضاً حديث المستورد بن شداد رضي الله عنه : " أن النبي ( كان يخلل بين أصابعه 123" . والرأي الثاني : رأي الشوكاني و الصنعاني ، أنه واجب ،
والرأي الثالث : أنه يستحب تخليل الأصابع في بعض الأحيان، وهذا رأي ابن القيم رحمه الله
وهذا القول هو الأقرب ، لأن كثير من الذين وصفوا وضوء النبي ( لم يذكروا ذلك ، ولأن الواجب هو إيصال الماء إلى جميع العضو لكن التخليل زيادة في التنظيف .(1/100)
"وتيامن ودلك " أيضاً يستحب أن يتيامن يبدأ باليمين فاليسار ، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله 124" . "ودلك" أي:يدلك يديه ورجليه ، يستحب أن يدلك لكي يتيقن وصول الماء إلى العضو . وذهب بعض أهل العلم كالإمام مالك رحمه الله إلى وجوبه ، والصحيح : أنه غير واجب ، المهم أن الإنسان إذا علم ذلك أو ظن ذلك - يكفي حتى الظن - إذا ظن أن وصل الماء على العضو كفى ذلك .
وأخذ ماء جديد للأذنين وغسله ثانية وثالثة وكره فوقها................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وأخذ ماء جديد للأذنين " تقدم الكلام عليه ،
وذكرنا أن الصواب : لم يثبت ذلك ، وأن ما ورد أو ما يروى أن النبي ( أخذ ماء جديد للأذنين فهذا شاذ ولا يثبت .
" وغسله ثانية وثالثة وكره فوقها " ، أي : أن غسله الثانية والثالثة مستحبة ، تقدم الإشارة على هذا ،
وأن الصواب : أن هذا ليس على إطلاقه ، فالمستحب للإنسان أن يتوضأ تارة مرة مرة ، وتارة مرتين مرتين ، وتارة ثلاثة ثلاثة ، وتارة يخالف.
" وكره فوقها " أي : ما فوق الثالثة ، هذا مكروه لأن هذا من الاعتداء في الطهور ، والنبي ( يقول : "سيكون أقوام من أمتي يعتدون في الدعاء والطهور 125" وأيضاً في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال النبي ( : " فمن زاد فقد تعدى وأساء وظلم 126" ، ولأن هذا خلاف ما جاء في السنة عن النبي ( .
يصح المسح على خف...................................................................(1/101)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
لما تكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن الوضوء شرع في الكلام على أحكام المسح على الخفين ، لأن مسح الخفين يتعلق بعضو من أعضاء الوضوء ، وهو القدمان أو الرأس ، أو جزء آخر من أعضاء الوضوء ، أو البدن فيما يتعلق بالمسح على الجبيرة كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
" يصح المسح على خف " أفاد بهذه الجملة أن المسح على الخفين جائز بقوله
"يصح" وهذا خلافاً لما عليه أهل البدع من الرافضة والخوارج ، فإنهم لا يرون المسح على الخفين ، وإن كانوا يقولون بالمسح على الرجلين ، وأهل السنة والجماعة يرون المسح على الخفين ، وقد حكي الإجماع على ذلك ، حكى طائفة من أهل العلم الإجماع على جواز المسح على الخفين كابن المنذر ، وأيضاً صاحب الشرح الكبير ، وشيخ الإسلام ابن عبد البر وغيرهم ، وقد ورد فيه اختلاف قديم عن بعض السلف ، فقد روى عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم عدم القول به ، وهذا من روى عنه الخلاف ، إما أنه لا يثبت عنه أصلاً أو أنه رجع عنه وقال بالمسح على الخفين ، وحسن البصري رحمه الله يقول : سمعت أحاديث المسح على الخفين عن سبعين صحابياً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن منذه جمع أحاديث المسح على الخفين عن ثمانين صحابياً ، وأيضاً الإمام أحمد رحمه الله
.............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/102)
يقول : ليس في قلبي من المسح على الخفين شيء فيه أربعون حديثاً عن رسول الله ( .
وقال ابن المبارك : ليس فيه اختلاف ، فهذا مما يدل على أن المسح على الخفين جائز ،وأهل السنة والجماعة يذكرون في ذلك عقائدهم ، لأنه كما ذكرنا أن طوائف من أهل البدع كالرافضة وغيرهم يرون عدم جواز المسح على الخفين ، ولهذا تجد في كتب العقائد يذكرونه
" ونرى كذا وكذا وكذا ، والمسح على الخفين "، رداً لأهل البدعة ،
وهل الأفضل للإنسان أن يغسل رجليه أو الأفضل أن يمسح على خفيه ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم ، والإمام أحمد رحمه الله من حبه للسنة يقول : الأفضل المسح ، كل ذلك رد لأهل البدعة ، وإظهار لسنة النبي (.
والرأي الثاني : ماذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن الأفضل للإنسان أن يراعي حال قدمه ، فإذا كان لابساً للخفين فالأفضل أن يمسح ، ولا نقول اخلع لكي تغسل ، وإن كان خالعاً ، فالأفضل أن يغسل ، ولا نقول : إلبس لكي تمسح ، فالأفضل للإنسان أن يراعي حال قدمه ، وهذا هو ظاهر السنة عن النبي ( ، أن النبي ( لم يكن يراعي خلاف قدمه .
" يصح المسح على خف " المسح في اللغة : الإمرار ،
وفي الاصطلاح : هو إمرار اليد مبلولة بالماء على الخفين من أطراف أصابع الرجلين إلى الساق . والخف : هو ظاهر ما يلبس على الرجل من جلد .
ونحوه مباح.........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ونحوه" : أي نحو المسح على الخفين ، كالمسح على الجوارب ،
والمسح على الجوارب هذا موضع خلاف ، كما سيأتينا إن شاء الله ،(1/103)
والمقصود بالجوارب : هو ما يلبس على الرجل من الصوف أو القطن ، ونحو ذلك بما يسمى عندنا بالشراب .
"مباح" المسح على الخفين يصح بشروط :
الشرط الأول : أن يكون مباحاً ، وعلى هذا إذا كان مسروقاً أو مغصوباً أو منتهباً ونحو ذلك فإنه لا يصح المسح عليه، لأن المذهب القاعدة عندهم : " أن النهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو شرطه فإنه يقتضي الفساد " ، فهنا النهي يتعلق بشرط من شروط العبادة وهو رفع الحدث "الوضوء" فيقولون بأنه يقتضي الفساد .
الرأي الثاني : أن المسح عليهما صحيح ، ويرتفع الحدث وهو آثم ، كما لو صلى في أرض مغصوبة ،
والصحيح في ذلك : أن صلاته صحيحة ، ودليل ذلك عمومات أدلة المسح علىالخفين ، كحديث علي وحديث أنس وحديث خزيمة ، وحديث صفوان بن عسال وغيرهم ، الأدلة على هذا كثيرة ، كما ذكرنا أن ابن منذه جمعهما عن ثمانين صحابي من صحابة رسول الله (
وأما قولهم بأن النهي إذا عاد إلى شرط العبادة والمعاملة يقتضي الفساد ، هذا غير مُسَلم ، الصحيح : أن النهي إذا عاد إلى شرط العبادة والمعاملة ينقسم إلى قسمين:
ساتر لفرض............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أن يعود إلى شرط العبادة والمعاملة على وجه يختص ، فهنا نقول : يقتضي الفساد .
2 - أن يعود إلى شرطها على وجه لا يختص ، فنقول بأنه لا يقتضي الفساد .
وهنا على وجه لا يختص فلا تقتضي الفساد ، لأن السرقة والغصب ليست خاصة بالمسح على الخفين ، بل تكون في كل شيء ، تتعلق بالمسح على الخفين وغيرها ، يعني ليس على
وجه يختص ، فنقول :(1/104)
الصحيح في ذلك : أنه إذا مسح على خف أو جورب محرم فإن حدثه يرتفع لكنه يأثم ، وسواء كان التحريم لحق الله عز وجل مثل الحرير كما لو لبس الجورب من حرير أو التحريم لحق آدمي كما لو لبس جورباً مسروقاً أو مغصوباً أو منتهباً ونحو ذلك .
"ساتر لفرض" هذا الشرط الثاني : أن يكون ساتراً للمفروض - الذي يجب غسله -
ما يجب غسله يجب أن يكون ساتراً له ، والذي يجب غسله من أطراف القدمين إلى آخر الكعبين ، ودليلهم على ذلك قالوا : أن ما ظهر فرضه الغسل ، ولا يجتمع الغسل مع المسح ، فلابد أن يكون ساتراً لمحل الفرض .
والرأي الثاني : أن هذا ليس شرطاً ، وعلى هذا إذا كان فيه تخريق فإنه يصح المسح عليه ، وقال بذلك المالكية والحنفية ، لكنهم يحددون التخريق ، الحنفية يقولون : إذا كان بقدر ثلاثة أصابع فإنه يصح المسح عليه ، والمالكية يقولون : إذا كان بقدر الثلث - ثلث القدم - يصح المسح عليه .
..............................................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الحنابلة والشافعية لابد أن يكون ساتراً ، لا يكون فيه شيء من الخروق .
والرأي الثالث : أنه يصح أن يمسح عليه ولو كان فيه شيء من الخروق ما دام أن اسم الخف باقٍ عليه وينتفع به ، فإنه يصح المسح عليه ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ودليل ذلك إطلاق الأدلة ، الأدلة جاءت مطلقاً النبي ( جعل في المسح على الخفين للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها ، وأيضاً حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه(1/105)
إلى آخره ، وأيضاً قالوا : بأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان غالبهم فقراء ، وخفاف الفقراء لا تخلو من التخريق والتقطع ..الخ
فالصواب في ذلك : أنه لا يشترط أن يكون ساتراً للمفروض ، وعلى هذا إذا كان فيه شيء من الخروق فإنه يصح المسح عليه ،
إذا كان خفيفاً ليس فيه شيء من الخروق لكنه خفيف ، ترى البشرة من وراءه
هل يصح المسح عليه أو لا يصح؟ المذهب أنه لا يصح المسح عليه ، وأيضاً هو رأي جمهور أهل العلم : أنه لا يصح المسح عليه إذا كان خفيفاً ،
الشافعية : يقولون : إذا كانت ترى البشرة من وراءه يصح المسح عليه ، لكنه يشترط أن يكون سميك ، مثل : لو لبس البلاستيك ، ترى البشرة من وراءه ، لكن يقولون : يصح المسح عليه ، وإذا أخذنا بإطلاق الأدلة أن الأدلة مطلقة ، نقول : يصح المسح عليه حتى ولو كان خفيفاً ، وإن كان الأحوط الإنسان أنه يحتاط لكن يظهر والله أعلم أنه يصح المسح عليه
يثبت بنفسه......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه كما ذكرنا فيما تقدم قاعدة ، وهي : أن المسح رخص فيه ، أي : ما يتعلق بالأمور المسموحة الشارع رخص فيها أصل المسح - كونه جعل مسحاً - أصله رخصة ، بدل من الغسل صير إلى المسح للتخفيف والترخيص فيظهر والله أعلم أن هذا جائز ولا بأس به ، لكن لو احتاط الإنسان ولبس الخفين أو جوربين هذا أحسن .(1/106)
"يثبت بنفسه" هذا الشرط الثالث : أن يكون الخف مما يثبت بنفسه ، وعلى هذا لو كان لا يثبت إلا بشدة - يحتاج إلى أن نشده بخيط أو حبل ونحو ذلك - كما لو كان واسعاً ، إذا مشى به يسقط منه ، فإنه لا يصح المسح عليه على كلام المؤلف رحمه الله ، وهذا لا دليل عليه
ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يختار أنه سواء كان ثبت بنفسه أو ثبت بغيره - ولو كان لا يثبت إلا بخف آخر ، أو لا يثبت إلا بشده ونحو ذلك ، وقد لا يحتاج أن يمشي عليه لما لو كان مريضاً ولبسه لكي يستدفئ ونحو ذلك ، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به .
الشرط الرابع : التوقيت ، ومعنى التوقيت : أي : أن يمسح المقيم يوماً وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام بلياليها ، وسيأتي إن شاء الله ما يتعلق ببحث التوقيت .
الشرط الخامس : أن يكون ذلك بعد كمال الطهارة بالماء ، وهذا أيضاً إن شاء الله سيأتي بحثه .
الشرط السادس : أن يكون الخف طاهراً ، وعلى هذا إذا كان نجساً فإنه ينقسم إلى قسمين :
وعلى عمامة محنكة أو ذات ذؤابة.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أن يكون نجساً نجاسة عينية - عينه نجسة - كما لو كان من جلد ميتة لم يدبغ هذا الجلد أو الجورب ، لو كان الجورب من شعر سبع - على القول بأن شعر السبع نجس- فإنه لا يصح المسح عليه .
2 - أن يكون الخف نجساً نجاسة حكمية ، يعني : هو طاهر لكن طرأت عليه نجاسة ، كإنسان لبس الحذاء ثم داس عليها نجاسة ، أو مثلاً : شرابه أصابها شيء من البول ونحو ذلك ، فهذا يصح المسح عليه ويرتفع الحدث ، ولو كان الخف فيه نجاسة أو شراب فيه نجاسة ثم(1/107)
مسحت عليه نقول : بأن المسح صحيح ، ويرتفع الحدث ، لكن إذا أراد أن يصلي - ما تشترط له الطهارة - نقول بأنه يغسل هذه النجاسة . الشرط السابع : أن يكون في حدث أصغر .
" وعلى عمامة محنكة أو ذات ذؤابة " أي : يصح المسح على العمامة ، ودليل ذلك حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي ( "مسح على الناصية والعمامة 127" وأيضاً ورد ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم ، وأيضاً في صحيح مسلم أن النبي ( مسح على الخفين والخمار " الخ . واشترط المؤلف رحمه الله في العمامة : أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة ، هذه شروط خاصة ، يشترط أن ي والرأي الثاني : أن هذا ليس شرطاً ، يعني : يصح المسح على العمامة الصما - التي ليس لها ذؤابة أو لا تدار تحت الحنك ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
ساتره للمعتاد لرجل. وخمر نساء مدارة تحت حلوقهن في حدث أصغر...................................(1/108)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. "ساترة للمعتاد لرجل " هذا الشرط الثاني مما يشترط للعمامة : أن تكون ساترة لما جرت العادة بستره وأما ما جرت العادة بكشفه فإن هذا لا بأس أن يظهر ، فما جرت العادة أن تستره العمامة بالنسبة للرجل ، نقول : بأنه يجب أن يستر ، وأما ما جرت العادة بكشفه مثل : جوانب الرأس ونحو ذلك ، فهذا لا يجب ستره "وخمر نساء مدارة تحت حلوقهن " يصح لإطلاق الأدلة ، أما الحنابلة يقولون بأن عمائم العرب هي هكذا : إما أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة . دار تحت حنكه ، أو الذي لها طرف مرخى ، فإذا كان كذلك فإنه يصح المسح عليها المسح على خمر النساء - خمار المرأة- واشترط المؤلف رحمه الله تعالى أن يكون هذا الخمار مداراً تحت الحلق ، ودليل ذلك ثبوته عن أم سلمة رضي الله عنها المسح على الخمار ، وكذلك أيضاً القياس على عمامة الرجل تقدم لنا صحة المسح على العمامة كما في حديث المغيرة وغيره ، فإن لم يكن الخمار مداراً تحت الحلق فلا يصح المسح ، لأنه لا يشق نزعه في هذه الحالة . "في حدث أصغر " يؤخذ منه : أنه لا يصح المسح على الخمار وعلى العمامة وعلى الخفين في الحدث الأكبر ، وهذا يضاف على شروط المسح على الخفين ، وهو الشرط السابع : أن يكون في حدث أصغر ، فلا يصح المسح في الحدث الأكبر ، ودليل ذلك حديث صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه فإنه قال : " أمرنا رسول الله ( أن نمسح على الخفاف إذ كنا سفراً أو مسافرين ، ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من بول وغائط ونوم 128" ، فهذا يدل على أنه يمسح في الحدث الأصغروأما الحدث الأكبر فإنه لا يمسح ، وهذا مجمع عليه(1/109)
يوماً وليلة لمقيم وثلاثة أيام بلياليهن بسفر قصر................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل يقاس على عمامة الرجل وخمار المرأة أو لا ؟
هذا فيه تفصيل : فإن كان يشق نزعه فإنه يقاس - إذا كان هناك شيء من ألبسة الرجال أو النساء مما يشق نزعه- فالقول : بأنه يقاس فإذا كان هناك لباس خاص في الشتاء ، مثل : بعض الألبسة تدار تحت الحلق ويشق نزعها نقول يقاس ويمسح عليه في الحدث الأصغر ، وكذلك أيضاً إذا كان لا يشق نزعه ، مثل : الشماغ والغترة ..الخ ، فإنه لا يصح المسح عليها مسألة : هل المسح على العمامة وخمر النساء يأخذ أحكام المسح على الخفين من حيث التوقيت وغير ذلك من الأحكام أو لا ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله ، فالمشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله ، أن المسح على العمامة وخمار المرأة أنه يأخذ أحكام المسح على الخفين من حيث التوقيت ، ومتى يبدأ التوقيت ؟ وغير ذلك ، وأن تكون ساترة إلى آخره ، ودليل ذلك أنه ورد عن عمر رضي الله عنه التوقيت في المسح على العمامة .
والرأي الثاني : أنه لا يأخذ وحينئذ يكون المسح على العمامة غير مؤقت ، وهذا قول الظاهرية لأنه ورد مطلقاً ، والأقرب في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله
أولاً : لأنه ورد عن عمر رضي الله عنه كما سبق وأيضاً قياساً على المسح على الخف .
"يوماً وليلة لمقيم وثلاثة أيام بلياليهن بسفر قصر " هذا ذكرناه من الشروط :
الرأي الأول: أن يكون المسح مؤقتاً ، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم ، فللمقيم يوم وليلة
..............................................................................................................................................(1/110)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ، واستدلوا على ذلك بأحاديث التوقيت ، ومن أصحها حديث علي بن أبي طالب في صحيح مسلم " أن النبي ( جعل للمقيم في المسح على الخفين يوم وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن 129" وأيضاً كما تقدم لنا في حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه ، وحديث أبي بكرة وغير ذلك من الأحاديث . والرأي الثاني : أن المسح على الخفين غير مؤقت ، وهذا المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله ، فيمسح ما شاء ، واستدلوا بحديث أبي بن عمارة رضي الله عنه أنه قال للنبي ( : " أمسح على الخفين يوماً ؟ قال : نعم ، قال : ويومين ، قال : نعم ، قال : وما شئت 130" . فقوله " وما شئت " ..الخ ، هذا يدل على أنه غير مؤقت ، وكذلك أيضاً استدلوا بأن النبي ( سئل عن مسح على الخفين يوماً أو يومين قالوا ولواستزدناه لزادنا 3"وهذاأجيب عنه بجوابين 1-أنه ضعيف .2 - أنه ظن صحابي.
والرأي الثالث في المسألة : التفصيل : أنه إذا كان في حالة الضرورة أو المصلحة مصلحة المسلمين فإنه لا يتوقت ، وما عدا ذلك فإنه يتوقت ، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، واستدل على ذلك بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ، فإنه أتى عمر رضي الله عنه فسأله عمر عن لبس الخفين ، قال : من الجمعة ، وقد أتاه يوم الجمعة ، فقال عمر : أصبت السنة 4" يعني من الجمعة إلى الجمعة ،
فهذا يدل على أنه : إذا كان في حالة الضرورة ، مثل : لو أنه خلع خفيه واشتغل بغسل .............................................................................................................................................(1/111)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رجليه لفاته رفقته في السفر ، ويخشى على نفسه إلى آخره ، فنقول في هذه الحالة : ما دام حال الضرورة أو مثلاً شدة البرد في أماكن يكون فيها ثلج - يتضرر- أو مصلحة للمسلمين مثل : صاحب البريد الذي ينقل ما يحتاج إليه المسلمين ، لو أنه اشتغل بالفسخ والغسل ..الخ ، التأخير في ذلك ، فمثل هذه الأشياء على الرأي الثالث : أنه لا يتوقت فيها المسح ،
وهذا هو الأقرب جمعاً بين الأدلة ، لكن يحتاط بحيث أنه لا يمسح بعد تمام المدة إلا في حالة الضرورة أو في حالة المصلحة العامة كما سبق .
ومتى تبدأ المدة ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله المشهور من المذهب أنها تبدأ من أول حدث بعد لبس ، واستدلوا على ذلك بأنه ورد في حديث صفوان رضي الله عنه
"من الحدث إلى الحدث" ، وهذا ضعيف لا يثبت . وكذلك أيضاً قالوا : بأنه إذا حصل الحدث وجد الترخص - إذا لبس ثم بعد ذلك حصل له الحدث وجد وقت الترخيص فله أن يمسح- وأما لو مسح قبل الحدث فإنه لم يوجد الترخص ، لأن الإنسان طاهر في هذه الحالة - حدثه مرتفع- لكن إذا أحدث فإنه يلزم أن يغسل رجليه قبل ذلك غسل رجليه ليس واجباً عليه ، لو أراد التجديد ليس واجباً غسل الرجلين ، وإنما يجب أن يغسل رجليه بعد الحدث.
والرأي الثاني : وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وغيره من أهل العلم أن
المدة تبدأ من حين المسح بعد الحدث - فإذا أحدث ثم مسح بدأت المدة- ويدل لذلك
يمسح يوماً وليلة للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن..................................(1/112)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن النبي ( جعل المدة ظرفاً للمسح ، ولا تكون ظرفاً للمسح إلا إذا قلنا بأن المدة تبدأ من حين المسح ، فقوله
" يمسح يوماً وليلة" جعل المدة كلها وقتاً للمسح ، وإذا قلنا بأنها تبدأ من أول الحدث يكون هناك وقت لم يحصل فيه مسح ،
فوجه الدلالة قالوا : بأن الحديث جاء بقوله " للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن " .
والرأي الثالث : أنه من حين اللبس ، وهذا أضعف الأقوال ، وقال به الحسن البصري رحمه الله ، وأصح الأقوال : القول الوسط ، وهو : أن المدة تبدأ من أول مسح بعد الحدث ، وتظهر ثمرة الخلاف لو أنه لبس في الساعة الخامسة فجراً ثم بعد ذلك أحدث في الساعة السابعة ، ثم مسح في الساعة الثانية عشرة ، فعلى القول الثالث تبدأ المدة في الساعة الخامسة من حين اللبس ، يحسب أربعة وعشرين ساعة ، من الخامسة إلى الخامسة من الغد
هذه أربعة وعشرون ساعة يمسح فيها إذا كان مقيماً ، واثنتان وسبعون ساعة يمسح فيها إذا كان مسافراً - من الخامسة إلى ما بعد ثلاثة أيام . وإذا قلنا من أول حدث بعد اللبس يبدأ من الساعة السابعة إلى السابعة إن كان مقيماً . وإذا قلنا من أول مسح بعد الحدث يكون الساعة الثانية عشرة وبهذا نعرف أن كلام العوام غير صواب . العوام يقولون : خمس فروض هذا خطأ ، لأن الإنسان قد يلبس أكثر من خمسة فروض قد يلبس مثلاً : الساعة الخامسة في الصباح ولا يمسح إلا في الساعة الثانية عشر في الليل ، هذا كله غير معتمد في المدة ،
بسفر قصر وعلى جبيرة..........................................................................................................(1/113)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن إذا مسح تبدأ المدة من أول المسح بعد الحدث فتحسب أربعة وعشرون ساعة إن كنت مقيماً ، وإن كنت مسافراً فتحسب اثنتين وسبعين ساعة .
" بسفر قصر" أي : إذا كان مسافراً - سفر قصر- ما تقصر فيه الصلاة ، فإن الذي يترخص له ثلاثة أيام بلياليهن ، وإن كان السفر أقل من مسافة القصر ، فإنه لا يترخص فيه وإنما يمسح يوم وليلة . "وعلى جبيرة" الجبيرة - فعلية بمعنى : فاعلة ، وهي : ما يوضع على الكسر من أخشاب وخرق ، حتى يلتئم وسميت بهذا الإسم تفاؤلاً بأن ينجبر الكسر ، ما يقال للأرض صراء البعيد يقال لها: مفازة تفاؤلاً بالفور بعد الهلاك ،
ومثل ذلك : مثل الجبيرة اليوم ما يسمى بالجبس ، ما يوضع على الكسر من الجبس أو ما يوضع اليوم من القطن ، ونحو ذلك ، هذه كلها تأخذ أحكام الجبيرة ،
فيقول المؤلف : يصح المسح على الجبيرة ، وهذا لم يثبت فيه بشيء عن النبي ( ، لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة ، حديث صاحب الشجة ضعيف ، وحديث علي رضي الله عنه أنه قال : انكسرت إحدى زندي فأمرني النبي ( أن أمسح على الجبائر 131" ، هذا
ضعيف ، لكنه ثابت عن ابن عمر رضي الله عنهما ثبت عنه بإسناد صحيح ، كما روى ابن
المنذر أنه إذا كان عليه خصابة مسح وإن لم تكن عليه غسل ما تحتها ، وكذلك أيضاً ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه انجرحت إبهام رجله فألقامها مراراً ومسح عليها " ، ما دام أنه
لم تتجاوز قدر حاجة ولو في أكبر إلى حلها..........................................................................(1/114)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورد عن ابن عمر هذا يشار إليه ، وإ نقول : إذا توضأ يتيمم .
لكن إذا قلنا بأن المسح على الجبيرة صحيح ، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم لوروده عن ابن عمر رضي الله عنهما نقول : لا حاجة له إلى التيمم .
واشترط المؤلف رحمه الله ذا لم نقل بالمسح على الجبائر يشار إلى التيمم ،
فإذا قلنا بأن المسح على الجبيرة ما يصح وقال
" لم تتجاوز قدر حاجة" قدر الحاجة : هو موضع الجرح والكسر وما يحتاج إليه في شدها هذا يمسح عليه ، فإن تجاوز قدر الحاجة يجب عليه أن يخلعها أن يزيلها ، لأن الأصل : الغسل بالماء ولا يجوز المسح ، قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ? ، فإن كان يحلقه ضرر بالإزالة ، فالفقهاء يقولون : يتيمم ،
وعلى هذا حينئذ يجمع بين المسح والتيمم ، الغسل بالماء للصحيح ، والمسح للجبيرة ، والتيمم : للزائد عن قدر الحاجة ، فيجمع بين أنواع الطهارة الثلاثة ،
والصواب في ذلك : أنه إذا كان يشق عليه أن ينزعه فإنه يمسح عليه ، ولا حاجة إلى التيمم .
"ولو في أكبر " وهذا من الفروق بين المسح على الخف والجوارب وبين المسح على
الجبيرة ، فالمسح على الجبيرة حتى في الحدث الأكبر بخلاف المسح على الخف فإنه لا يكون إلا
في الحدث الأصغر لأن الجبيرة ضرورة ، والضرورة تقدر بقدرها ، وقد ذكر العلماء ما يقارب من أحد عشر فرقاً بين المسح على الجبيرة والمسح على الخف من هذه الفروق :
إذا لبس الكل........................................................................................................................(1/115)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أن المسح على الخف رخصة وأما المسح على الجبيرة عزيمة .
2 - أن المسح على الخف مؤقت ، وأما المسح على الجبيرة غير مؤقت ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله " إلى حلها" .
3 - أن الخف يشترط أن يكون ساتراً لمحل الفرض ، وأما الجبيرة لا يشترط.
4 - أن الخف يشترط تقدم الطهارة ، وأما الجبيرة على الصحيح فإنه لا يشترط تقدم الطهارة .
5 - أن المسح على الجبيرة يكون في الحدث الأكبر ، وأما الخف فإنه يشترط أن يكون في الحدث الأصغر .
6 - أن المسح على الجبيرة يجب مسحها جميعاً - الأعلى والأسفل - وأما الخف يجب عليك أن تمسح الأعلى فقط .
7 - أن الجبيرة تكون في الحال الضرورة بخلاف الخف فإنه لا يكون في حال الضرورة .
"إذا لبس الكل بعد كمال طهارة بماء" وتقدم لنا أن هذا من شروط صحة المسح على الخفين ، أن يمسح إذا كان لبس بعد كمال الطهارة بالماء ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هذا يشمل الخف والجبيرة .
والصواب في ذلك : أنه لا يشمل الجبيرة ، بل يشمل الخفين ، وما كان في نحوهما من الجوارب ، وأيضاً كما قلنا الصحيح أن العمامة إلى آخره ، أنها تأخذ أحكام الخفين لأنه لا يلبسها إلا بعد الطهارة ، لكن الصواب : أن الجبيرة تلبس حتى وإن لم يتقدمها الطهارة ، لأن الجبيرة ضرورة ، كما تقدم المسح عليه عزيمة .
وقوله " بعد كمال طهارة بماء" على هذا لو أنه غسل رجله اليمنى ثم لبس الخف ثم غسل اليسرى ثم لبس الخف لا يصح لأنه لبس الخف الأيمن قبل كمال الطهارة ، لا بد أن تكتمل
بعد كمال طهارة بماء.........................................................................................................(1/116)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طهارته ، وهذه المسألة موضع خلاف ، فالمشهور من المذهب ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام بأن هذا جائز ولا بأس به ، يعني : لو غسل رجله اليمنى ثم لبس الخف ثم غسل رجله اليسرى ثم لبس الخف ، قالوا : أن هذا جائز ولا بأس به .
ودليل الحنابلة على أنه لا يجوز حديث المغيرة رضي الله عنه ، وفيه قول النبي ( " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين 132" .
والذين قالوا بأنه جائز ، قالوا : لأنه يصدق عليه أنه أدخلهما طاهرتين - يصدق عليه أنه أدخل الرجل اليمنى بعد أن طهرها ، والأحوط في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله ، لأنه على كلام شيخ الإسلام ، نقول مثلاً : فعلت هذا خطأ ، نقول : انزع الرجل اليمنى والبسها ، لأن الرجل اليسرى أدخلها بعد كمال الطهارة ، ما بقي إلا الرجل اليمنى ، لكن الأحوط ما ذهب إليه الحنابلة من حديث أنس رضي الله عنه " إذا توضأ فلبس خفه 133" الحديث ، قال " توضأ" ، وهذا لا يصدق عليه أنه توضأ . أيضاً حديث أبي بكره رضي الله عنه " إذا تطهر فلبس خفيه " ، فهذا لا يصدق عليه أنه تطهر ، ما دام أنه ما غسل اليسرى لا يصدق عليه أنه تطهر - توضأ- . "بعد كمال طهارة بماء" يعني : لو أنه تطهر بالتيمم - ما عنده ماء- نقول : أن حدثه رفع على الصحيح ، وإن كان إرتفاعاً مؤقتاً ،
ومن مسح في سفر ثم أقام أو عكسه فمسح مقيم, أو عكسه فمسح مقيم.........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/117)
فهل إذا لبس خفيه أو شراب على طهارة التيمم ، هل إذا جاء الماء يمسح عليهما أو لا ؟
يقول المؤلف : ما يمسح عليهما ، لابد من طهارة الماء ، وهذا قول جماهير أهل العلم ، واستدلوا على ذلك بما تقدم - حديث المغيرة- " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين 134" هذا يدل على أنه غسل رجليه ، وأيضاً حديث أنس رضي الله عنه " إذا توضأ " هذا يدل على اعتبار الوضوء ، وحديث صفوان " إذا تطهر" .
والرأي الثاني : أنه يصح ، قال به ابن حزم ، لأنه تطهر ، لكن الأقرب : ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله ، وأنه لابد من الطهارة بالماء ، ولأن التيمم لا يختص برجلين وما طهر رجلين .
" ومن مسح في سفر ثم أقام أو عكسه فمسح مقيم" هذه مسائل : المسألة الأولى : مسح في سفر ثم أقام بمعنى : رجل مسافر ثم قدم إلى بلده فنقول : تمسح مسح مقيم ، وعلى هذا إن كان مسح في السفر يوماً بقي عليه ليلة ، وإن مسح يومين ينزع " مباشرة ، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم ، لأن مدة السفر قد انتهت الآن ، ويمسح مسح مقيم ، ومسح مقيم قد استغرقه الآن . أو عكسه فمسح مقيم" مسح مقيماً ثم سافر يقول المؤلف : يمسح مسح مقيم ، مثال هذا : هذا رجل مسح في بلده يوماً ثم سافر يبقى له ليلة واحدة ، مسح في بلده يوماً وليلة ثم سافر نقول : ينزع هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، ودليلهم على هذا أنه اجتمع حاضر و.....فيغلب جانب الحضر .
فيمسح ظاهر عمامه..............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/118)
والرأي الثاني : وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وقول أبي حنيفة رحمه الله أنه يمسح مسح مسافر ، ويقال : هذه هي الرواية التي تراجع عليها الإمام أحمد رحمه الله ، فإذا كان مقيماً ثم سافر يكمل مسح مسافر .
مثال : هذا رجل مسح يوماً ثم سافر قبل أن تنتهي المدة ، نقول : بقي له يومان وليلتان
"فيمسح ظاهر عمامه" هنا بين المؤلف رحمه الله كيفية المسح بالنسبة للعمامة يمسح ظاهر العمامة وكما تقدم لنا أن طهارة المسح مبنية على التخفيف فالمراد بذلك : أكثر دواوير العمامة ، قال العلماء رحمهم الله : إلا الوسط - وسط العمامة - لا يمسحه لأنه يشبه أسفل الخف ،
وهل يمسح ما ظهر من الرأس أو لا يمسحه ؟
المشهور من المذهب أن ما ظهر من الرأس يسن مسحه ، والأحوط أن الإنسان يمسحه
لأن النبي ( في حديث المغيرة " مسح بناصيته على عمامته135" ، وأما الخف فإنه يمسح دون أسفله وعقبه ،
لما تقدم لنا من حديث علي رضي الله عنه قال " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ولقد رأيت رسول الله ( يمسح أعلاه 136"
وهذا الحديث إسناده حسن .
وظاهر قدم خف من أصابعه إلى ساقه, دون أسفله وعقبه ,...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وظاهر قدم خف من أصابعه إلى ساقه " الخف يمسح ظاهره ، ودليل ذلك حديث علي رضي الله عنه " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخفين أولى بالمسح من أعلاها ، ولقد رأيت رسول الله ( يمسح أعلاها 137" .
وهذا إسناده حسن ، فنقول بأنه يمسح أعلى الخف من أصابعه إلى ساقه ، والعمامة تقاس على الخف ، فكما أنه يمسح ظاهر الخف أيضاً يمسح ظاهر العمامة ، ومايختص بدواويرها .(1/119)
وقوله " من أصابعه إلى ساقه " هذا ورد في بعض الأحاديث الضعيفة ، لكن حديث علي رضي الله عنه يغني ، يدل على أنه يمسح أعلى الخف .
" دون أسفله وعقبه" أسفل الخف وعقبه هذا ما يمسح لحديث علي رضي الله عنه ،
وهل يمسح اليمنى على رجل اليمنى ثم اليسرى على رجل اليسرى أو أنه يمسحهما دفعة واحدة؟
هذا موضع خلاف ، وقال بعض العلماء : يبدأ باليمنى ثم اليسرى ، لأن المسح ناب مناب الغسل ، والغسل يبدأ باليمنى ثم اليسرى ، وقال بعض العلماء : بل يمسحهما دفعة واحدة ، لأن هكذا المسح ، فإلحاق المسح بالمسح أولى من إلحاقه بالغسل ، ولهذا إذا مسح رأسه يمسحه دفعة واحدة ، وأذنيه يمسحهما دفعة واحدة ، وهكذا ، ويظهر أن الأمر في هذا واسع إن شاء الله .
ومتى ظهر بعض محل فرض بعد حدث أو تمت مدته استأنف الطهارة................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ومتى ظهر بعض محل فرض بعد حدث أو تمت مدته استأنف الطهارة " هاتان مسألتان : المسألة الأولى : خلع الخف هل هو من مبطلات الطهارة أو ليس من مبطلات الطهارة ؟ المشهور من المذهب : أن خلع الخف من مبطلات الطهارة ، بل ذكر المؤلف رحمه الله ما هو أبلغ من ذلك ، قال : " ومتى ظهر بعض محل فرض" أي : وإن لم ينخلع جميع الخف ، وإنما ظهر شيء من محل الفرض- من الذي يجب غسله من القدم - فيقول المؤلف رحمه الله يجب عليه أن يستأنف الطهارة ، والصواب في ذلك : نقول : أن هذه المسألة لا تخلو من أمرين
1 - إذا ظهر بعض محل الفرض - ظهر بشيء يسير- ، الصواب : أنه لا يجب عليه أن تستأنف الطهارة ، فلو أن الإنسان بدا شيء من كعبه ، ونحو ذلك نقول : أنه يستمر على المسح ، ولا يضره ذلك إن شاء الله .(1/120)
2 - أن يخلع الخف المشهور من المذهب أن طهارته تبطل بخلع الخف فلو أنه توضأ ومسح على خفيه ثم خلعهما ، فيقولون : بأن طهارته تبطل .
ودليلهم على ذلك قالوا : بأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال ما مسح عليه - وهو الخف- فإنه تبطل الطهارة في القدمين ، وإذا بطلت الطهارة في القدمين وجب استئناف الوضوء.الرأي الثاني : مذهب الحنفية والمالكية أن الطهارة لا تبطل كلها ، وإنما تبطل طهارة القدمين يجب عليه أن يغسل القدمين فقط ، وغسل القدمين هل يشترط فيه التوالي أو لا يشترط فيه التوالي ؟ أي هل يجب عليه أن يغسل قدميه مباشرة أو لا يجب عليه ذلك؟ هذا موضع خلاف عندهم
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثالث : قال به بعض السلف منهم ابن أبي ليلى وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ، أن الطهارة لا تبطل - إذا نزع الخف فإن الطهارة لا تبطل - وهذا القول هو الصواب ،
والدليل على ذلك أنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة أن خلع الخف مبطل من مبطلات الوضوء ، والحدث ارتفع بمقتضى دليل شرعي ، فلابد من دليل شرعي على النقض ، وعلى هذا الصحيح في ذلك : أن الطهارة لا تبطل لكن إذا أراد أن يلبس خفيه لابد أن يتوضأ بالماء إلا إذا كان وضوءه الأول لا يزال باقياً لم يحدث ، لو كان أحدث ثم مسح على خفيه وارتفع حدثه ثم خلع خفيه نقول : إذا أراد أن يلبس خفيه لكي يمسح عليهما لابد أن يطهر قدميه بالماء لأنه لو قلنا بأن طهارة المسح كافية فإنه يلزم منه أن يقوم بالخلع واللبس ، وحينئذ التوقيت ما يكون له فائدة .(1/121)
المسألة الثانية : "أو تمت مدته " أيضاً الخلاف كما تقدم " إذا تمت المدة" المدة بالنسبة للمقيم يوم وليلة ، وبالنسبة للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ، يعني : للمقيم يحسب أربعة وعشرين ساعة ، من أول مسح بعد الحدث ، مثلاً : أحدثت في الساعة التاسعة ومسحت الثانية عشرة ،تحسب من الساعة الثانية عشر إلى الساعة الثانية عشر ، هذا كله مكان للمسح ، بعد الساعة الثانية عشر من الغد لا تمسح . إذا تمت المدة هل تبطل طهارته ؟
مثلاً : هذا توضأ قبل الثانية عشر من الغد بدقيقة واحدة جاءت الساعة الثانية عشر ، تمت المدة ، هل نقول : أن طهارته تبطل أو لا تبطل ؟
المشهور من المذهب أن الطهارة تبطل ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا لو توضأ قبل الثانية عشر بدقائق ثم بعد ذلك تمت الثانية عشر وانتهت مدته يقولون : تبطل طهارته ، عليه أن يخلع الخف وأن يتوضأ من جديد ،
والصواب في ذلك : أن الحدث ارتفع بمقتضى دليل شرعي ، فلابد من دليل شرعي على النقض والبطلان ،
فالصواب في ذلك أن الطهارة لا تبطل وأنها لا تزال باقية وأن تمام المدة لا أثر له .
بقي عندنا مسألتان :
1 - إذا لبس الخف على خف ، ومثل ذلك اليوم ، يلبس الشراب ثم بعد ذلك يلبس عليه الحذاء ، هنا الآن لبس خفاً على خف فهذا لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يلبس الخف الثاني على طهارة ولو كانت طهارة مسح ،
فنقول : الحكم يتعلق بالخف الثاني -الفوقاني- يمسح عليه ،(1/122)
مثال : هذا رجل لبس شراب ومسح عليها ، لما مضى نصف يوم لبس الحذاء وطهارته طهارة مسح ، فنقول : لا بأس أن تمسح على الحذاء ، وإنما قلنا حتى ولو كانت طهارة مسح لأن كما قال بعض أهل العلم ، بأن الفوقاني مع التحتاني كالخف الواحد ، كالظهاره والبطانة
الحالة الثانية : أن يلبس الفوقاني بعد الحدث فالحكم يتعلق بالتحتاني - يمسح على الشراب - فإذا لبس الحذاء وهو محدث ، نقول : لا تمسح عليها وإنما تمسح على الشراب ، وهذا هو الصواب في هذه المسألة .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنسبة إذا لبس الحذاء قلنا :
إذا لبس الحذاء على طهارة المسح يمسح عليهما: فإذا خلعهما يمسح على الشراب ، وإذا لبسهما ، نقول : إذا لبستهما على طهارة وإن كانت طهارة مسح تمسح عليهما ، وإذا ما لبستهما على طهارة ، فإنك تمسح على الشراب .
بالنسبة للمدة :
نقول : المدة تبدأ من أول مسح بعد الحدث سواء كانت هذه المسحة للفوقاني أو للتحتاني ، لأن هذين الخفين بمنزلة الخف الواحد ،
فلو أنه مثلاً : لبس التحتاني وبعد يوم لبس الفوقاني ومسح عليه ، فإن المدة تبدأ من أول مسح على التحتاني ، ولو أنه لبسهما جميعاً الفوقاني والتحتاني مرة واحدة ، ثم مسح على الفوقاني ثم خلعه فإن المدة تبدأ من المسح على الفوقاني .
..............................................................................................................................................(1/123)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب نواقض الوضوء
" نواقض الوضوء "
النواقض : جمع ناقض ، والمراد بنواقض الوضوء : أي مفسدات الوضوء ،
وهي : العلل المؤثرة في إخراج الوضوء عن ما هو المطلوب منه.
ومناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة ،
فإن المؤلف رحمه الله تعالى لما ذكر الوضوء وسننه وشروطه والمسح على الخفين لأن المسح على الخفين حكم يتعلق بأحد أعضاء الوضوء ، شرع في مبطلات الوضوء ،
وهكذا العلماء رحمهم الله يذكرون العبادة وشروطها وأركانها وسننها ثم يذكرون المبطلات هكذا العلماء يرتبون .
ينقضه خارج من السبيل..........................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ينقضه خارج من سبيل" السبيل : هو الطريق ، والمراد بذلك : القبل والدبر ، لأن القبل والدبر طريق لما يخرج منهما من البول والغائط إلى آخره ، وقول المؤلف رحمه الله "ينقضه خارج من سبيل" ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن كل ما خرج من السبيلين فإنه ناقض سواء كان قليلاً أو كثيراً مثل : البول قليل أو كثيراً ، وسواء كان طاهراً مثل الريح أو نجساً مثل البول ، وسواء كان معتاداً مثل : البول والغائط ، أو غير معتاد ، كما لو خرج منه حصاة من دبره إلى آخره ، فيقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا ناقض ،
ودليلهم على ذلك : الاستقراء ، قالوا الاستقراء يدل على أن ما خرج من السبيل فإنه ناقض(1/124)
مما يخرج من السبيل : الغائط الإجماع منعقد على أنه ناقض ، والقرآن والسنة صريح في ذلك ، قال الله تعالى( أو جاء أحد منكم من الغائط? ، أيضاً البول : الإجماع منعقد على أنه ناقض ، وكذلك أيضاً السنة في حديث صفوان بن عسال ، فإن النبي ( قال : " ولكن من بول وغائط ونوم 138" أيضاً : المذي ، السنة دلت على أنه ناقض والإجماع منعقد على ذلك ، وفي السنة قول النبي ( " يغسل ذكره ويتوضأ139 " ،
الريح:الإجماع منعقد على أنه ناقض والسنة دلت على ذلك من ذلك قول النبي(" لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً140" فقالوا هذه الأشياء معتادة ناقضة وما عداها فإنه يقاس عليها .
.............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأقرب في ذلك والله أعلم أن الخارج من السبيل ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الخارج المعتاد ، وهذا مثل البول والغائط والمذي والريح ، والمني والوذي ، هذه أمور خارجة معتادة من الإنسان ، فنقول : بأنها ناقضة ، والدليل عليها كما تقدم .(1/125)
القسم الثاني : الخارج غير المعتاد ، مثل لو خرج من الإنسان من بطنه حصاة ، ومثل ذلك أيضاً : الريح من القبل ، وهذا يكثر عند النساء ، ومثل ذلك أيضاً : رطوبة فرج المرأة - هذا أيضاً يكثر عند النساء وعند الحوامل- إذا قاربت المرأة على الولادة فإنه يخرج منها ماء بكثرة ، مثل ذلك أيضاً : ألحق جمع من أهل العلم ، دم الإستحاضة ، قالوا : خارج غير معتاد ، وأيضاً : سلس البول ، فهذه قالوا : بأنها غير ناقضة ، لأن الأصل عدم النقض وارتفاع الحدث وبقاء الطهارة ، فلابد من الدليل على النقض ، وهذا هو قول المالكية في الجملة.
والرأي الثاني : ما ذهب إليه المؤلف وهو قول أكثر أهل العلم : أن مثل هذه الأشياء ناقضة ، والذين قالوا : بعدم النقض استدلوا بأن الأصل بقاء الطهارة ، ولابد من دليل على النقض ، والذين قالوا بالنقض استدلوا بحديث جابر رضي الله عنه " أن النبي ( أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة 141" ، وهذا الحديث ضعيف رواه الطبراني في الأوسط
لكن قالوا : بأنه يتقوى بشواهده ، له شاهد عن عائشة رضي الله عنها ، عند أحمد وفي
وكذا من باقي البدن إن كان بولا أو غائطا .......................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البخاري لكن هذا لا يثبت مرفوعاً للنبي ( لكنه مدرج ، وكذلك أيضاً عن سودة عند الطبراني إلى آخره .
لكن الذي يظهر - والله أعلم- ما دام هذه الأحاديث فيها ضعف ، وعندنا أصل - وهو بقاء الطهارة- أن مثل هذه الأشياء غير ناقضة ولابد من حدث طبيعي هو الذي ينقض التي نص عليها القرآن والسنة ، هذا هو الصواب
لكن مثل خروج الحصاة ، إن كان فيه بلل فإنه ناقض لأجل البلل ، وإذا ما كان هناك بلل فإنه لا ينقض .(1/126)
"وكذا من باقي البدن إن كان بولاً أو غائطاً أو كثيراً نجساً غيرهما كقيء و دم" هذا الناقض الثاني : الخارج من بقية البدن مثل : خروج من الأنف الدم ، خرج قيء ، خرج من جوفه بول أو غائط ونحو ذلك ،
هل هذه ناقضة أو ليست ناقضة ؟
نقول : الخارج من بقية البدن ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : قال المؤلف " إن كان بولاً أو غائطاً " مطلقاً أنه ناقض الوضوء ، فإذا خرج البول أو الغائط من بقية البدن ، وهذا الآن يحصل ، بعض الناس يكون عنده مرض في مخرج البول أو مخرج الغائط ويفتح له فتحة في بطنه يخرج منها البول أو الغائط ، يقول المؤلف رحمه الله بأنه ناقض ،
أو كثيرا نجسا غيرهما كقيئ ودم................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعض العلماء فصل قال : إن كان فوق المعدة ما ينقض ، وإن كان تحت المعدة ينقض ، لكن الذي يظهر إذا كان بول أو غائط ، فإنه ناقض .
القسم الثاني : أن يكون غيرهما كما قال المؤلف " أو كثيراً نجساً غيرهما كقيء و دم " القيء : لو تقيأ الإنسان يقول المؤلف : بأنه ينقض الوضوء ، ومثله أيضاً : الدم ، فلو خرج من الإنسان من أنفه دم أو انجرح وخرج منه دم ، قال : أنه ينقض ، لكن المؤلف رحمه الله قيده بأن يكون كثيراً ، وعلى هذا لو خرج منه يسير قيء أو يسير دم على كلام المؤلف : بأنه لا ينقض ، ودليلهم على ذلك استدلوا بحديث ثوبان وأبي الدرداء " أن النبي ( قاء فتوضأ 142" ، وهذا في الترمذي ، والجواب على هذا من وجهين : 1 - أن الحديث مضطرب ، لا يثبت عن النبي (.2- أن هذا ليس صريحاً في أن النبي ( توضأ من أجل القيء ، كونه توضأ لا يلزم أن يكون وضوءه من أجل خروج القيء .(1/127)
والرأي الثاني في هذه المسألة : أن خروج مثل هذه الأشياء لا تنقض ، وهذا قال به مالك والشافعي وهو قول صحيح ، لأن الطهارة تثبت بمقتضى دليل شرعي ، فلابد من دليل شرعي على إبطالها ، وعلى هذا لو خرج من الإنسان صديداً كثيراً من بدنه ، أو قيء كثير ، فهذه الأشياء غير ناقضة ، وقول المؤلف رحمه الله " كثيراً نجساً " يفهم من كلامه أن القيء نجس وأن الدم نجس ، وهذا سيأتينا في باب إزالة النجاسة الحكمية إن شاء الله .
وزوال عقل............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وزوال عقل ولو بنوم إلا يسيراً من قاعدٍ وقائمٍ غير مستندٍ ونحوه " : هذا الناقض الثالث من نواقض الوضوء : زوال العقل ولو بنوم ،
وقوله " زوال عقل ولو بنوم " هذا التعبير فيه شيء من النظر ، لأن النائم لا يزول عقله ، وإنما يغطى على عقله ، وعلى هذا نقول : بأن زوال العقل أو تغطيته
ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - زوال العقل بالجنون فهذا ينقض الوضوء وقد حكي الإجماع على ذلك ، لأن النائم كما سيأتينا إن شاء الله ينتقض وضوءه لأن النائم قد غطي على عقله ، والمغمى عليه ينتقض وضوءه ، ومن غطي على عقله بدواء أو سكرٍ ونحو ذلك هؤلاء كلهم ينتقض وضوءهم إذا كان المغطى على عقله يحكم بانتقاض وضوءه ، فالجنون من باب أولى .
2 - تغطية العقل بالإغماء أو بالسكرِ أو بتناول الدواء كالبنج ونحو ذلك ، فهذا ينتقض به الوضوء بالإجماع ، لأن زوال العقل أو تغطيته هذا مظنة لخروج الحدث ، ولذلك النائم - كما سيأتينا إن شاء الله - ينتقض وضوءه .
3 - تغطية العقل بالنوم : النوم هل هو ناقض أو ليس ناقضاً ، ومتى يكون ناقضاً؟
هذا موضع خلاف كثير بين أهل العلم رحمهم الله ، وقد سرد العلماء رحمهم الله أقوال(1/128)
ولو بنوم إلا يسير من قاعد وقائم وغير مستند ونحوه.......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهل العلم فيه ، وذكروا ما يقرب من ثمانية أقوال في هذه المسألة ولسنا بحاجة إلى أن نطيل الكلام حول كلام أهل العلم رحمهم الله ، لكن سنوضح كلام المؤلف رحمه الله ثم بعد ذلك
نذكر ما يترجح في هذه المسألة ، المذهب قال لك " ولو بنوم " فالنوم على المذهب في الجملة أنه ناقض للوضوء ، وإن كانوا يستثنون -كما سيأتي إن شاء الله - والدليل على أن النوم ناقض للوضوء حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه " أمر رسول الله ( إذا كنا في سفراً أو مسافرين أن لا نخلع خِِفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من بول وغائط ونوم 143" فقوله " ونوم" هذا يدل على أن النوم ناقض من نواقض الوضوء ، وأيضاً حديث علي رضي الله عنه أن النبي ( قال : " العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ 2" .
قال المؤلف رحمه الله " إلا يسيراً من قاعدٍ وقائم غير مستند ونحوه " ، لما ذكرنا المذهب : أن النوم ناقض للوضوء ، واستثنى المؤلف رحمه الله :
1 - القيد اليسير .2 - أن يكون هذا اليسير من قاعد وقائم .3 - أن يكون غير مستند
" ونحوه " نحو المستند المتكئ والمحتبئ ، فإن كان مستنداً حتى ولو كان قائماً أو كان قاعداً ، أو كان محتبئاً أو متكئاً فإنه ينقض الوضوء ، فالذي لا ينقض يقول المؤلف رحمه الله : اليسير هذا القيد ،القيد الثاني : أن يكون من قائم أو قاعد ،
القيد الثالث : أن يكون غير مستند أو محتبئ أو متكئ وعلى هذا إذا كان كثيراً فإنه ..............................................................................................................................................(1/129)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينقض الوضوء مطلقاً على المذهب ، وإذا كان من غير القائم أو القاعد كالمضطجع فإنه ينقض الوضوء ، وإذا كان مستنداً أو متكئاً أو محتبئاً فإنه ينقض الوضوء ، فلابد من هذه القيود الثلاثة لكي لا ينقض الوضوء ، ودليلهم على هذا حديث أنس رضي الله عنه : " أن أصحاب رسول الله ( كانوا ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون 144" ، وهذا أخرجه أبو داود وإسناده صحيح ، وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح مسلم " فجعلت إذا أغفيت لما قام يصلي مع النبي ( يأخذ بشحمة أذني 145".
الرأي الثاني في هذه المسألة : رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ، أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء حتى ولو كان كثيراً لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ( شغل ليلة عن العشاء الآخرة حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا رسول الله ( 3" وهذا في الصحيحين ، وورد أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد صحيح أنه قال : " من نام وهو جالس فلا وضوء عليه وإن اضطجع فعليه الوضوء 4" ، وهذا أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما .
الرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، وأنه يفرق بين النوم المستغرق وغير المستغرق ، فإذا كان النوم مستغرقاً بحيث لو خرج منه حدث لا يشعر بذلك فإنه ينقض الوضوء ، وإن غير مستغرق فإنه لا ينقض الوضوء . الأقرب في هذه المسألة نقول بأن النوم لا يخلو من ما يلي :
ومس فرج بيد أو الذكر بفرج غيره.....................................................................................(1/130)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النوم : ذات النوم باتفاق العلماء ليس ناقضاً وإنما هو مظنة خروج الحدث ، وعلى هذا نقول : إذا نام الإنسان نوماً يظن منه خروج الحدث فإنه ينقض الوضوء أما إذا نام نوماً لا يظن خروج الحدث فإنه لا ينقض الوضوء ، ولو قلنا بأن النوم ناقض ما حصل هناك فرق بين قليله وكثيره ، ولقلنا بأن الصحابة رضي الله عنهم وجب عليهم أن يتوضئوا لكن النوم ليس ناقضاً وإنما هو مظنة الحدث . وننظر إلى أحوال النائم : إن كان الإنسان قائماً - إذا نام الإنسان وهو قائم- هل يظن منه خروج الحدث ؟ لا يظن منه خروج الحدث ،
إذا نام الإنسان وهو جالس وقد مكن مقعده ، هذا أيضاً لا يظن منه خروج الحدث ، إذا نام الإنسان وهو مضطجع هذا قد يخرج منه الحدث وقد لا يخرج منه الحدث ، لكن إذا كان النوم خفيفاً غير مستغرق ، بحيث أن الإنسان يشعر بنفسه ، فنقول بأنه لا ينتقض وضوءه ، وإن كان مستغرقاً فإنه ينتقض وضوءه ، المهم نفهم أن النوم ليس ناقضاً للوضوء ، وإنما هو مظنة النقض .
" ومس فرج بيد أو الذكر بفرج غيره " مس الذكر من الذكر ومس الفرج من الأنثى أي : إذا مس الذكر ذكره أو الأنثى مست فرجها ، هل هذا ناقض للوضوء أو ليس ناقضاً ؟ المشهور من المذهب أن مس الذكر ناقض للوضوء ، وهذا قول أكثر العلماء رحمهم الله ، واستدلوا بحديث بصرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها أن النبي ( قال : " من مس ذكره فليتوضأ 146" ، وهذا الحديث له شواهد كثيرة ، له ما يقارب سبعة عشر شاهداً ، وأيضاً ..............................................................................................................................................(1/131)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورد عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال : " من مس فرجه فليتوضأ " ، فنقول المشهور من المذهب وهو قول أكثر أهل العلم أن مس الذكر ناقض للوضوء سواء مس ذكره أو ذكر غيره .
الرأي الثاني : أن مس الذكر لا ينقض الوضوء ، وهذه رواية الإمام أحمد رحمه الله ، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله واستدلوا على ذلك بحديث طلق بن حبيب رضي الله عنه أنه سأل النبي ( الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء؟ فقال : إنما هو بضعة منك - قصعة لحم منه 147" ، فهذا يدل على أنه لا ينتقض وضوءه ، الذين قالوا بأنه ينقض الوضوء قالوا : بأن حديث طلق ضعيف ، وأن حديث بصرة أصح منه ، كما ذكرنا حديث بصرة له ما يقارب سبعة عشر شاهداً ، وأن بصرة حدثت في المدينة والصحابة متوافرون ، وأن حديث بصرة ناقل عن الأصل ، الأصل عدم الطهارة ، والناقل مقدم على المثبت .. إلى آخره .
والذين قالوا بأنه لا ينقض استدلوا - كما ذكرنا - بحديث طلق وقالوا : بأن حديث طلق أقل أحواله بأنه حديث حسن وقد صححه علي بن المديني وهو من أئمة أهل الحديث شيخ البخاري وفيه قيس بن علي وقيس هذا صدوق أقل أحواله أنه حسن الحديث ،
والجمع بين حديث طلق وحديث بصرة بأن يقال : حديث بصرة هذا محمول على استحباب . وحديث طلق " أعليه الوضوء" هذا سؤال عن الواجب هل يجب عليه أن يتوضأ ، فقال : لا يجب عليه أن يتوضأ ، فنقول : لا يجب عليه أن يتوضأ و يستحب أن يتوضأ لحديث بصرة
ومس فرج بيد.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/132)
هذا الجمع بين الحديثين ، فيبقي إثبات حديث طلق ، فإن ثبت حديث طلق كما قال ابن المديني وغيره من أهل العلم فنقول : الجمع بينهما سهل .
وقوله " ومس فرجٍ " المشهور من المذهب أن مس الذكر ينقض الوضوء ، ومس حلقة الدبر ينقض الوضوء واستدلوا على ذلك بقوله ( " من مس فرجه فليتوضأ 148" وهذا يشمل حلقة الدبر ويشمل أيضاً الذكر . والصحيح في ذلك : أن من مس حلقة دبره فإنه لا ينتقض وضوءه ،وقوله " فرجه " هذا يحمل على الحقيقة العرفية .
فصحيح الحقيقة اللغوية أن الفرج يطلق على الذكر وعلى الدبر ، لكن تعارف الناس في ذلك الزمن أن المراد بالفرج هو الذكر - القبل- وعلى هذا نقول : بأن مس حلقة الدبر لا ينقض الوضوء ويحمل قوله " فرجه " على الذكر لأن الحقيقة العرفية مقدم على الحقيقة اللغوية
"بيدٍ" المقصود باليد هنا : الكف من أطراف الأصابع إلى الرسق ، فإذا مس بظهر الكف أو بطن الكف فإنه ينتقض الوضوء ،
يستثني الحنابلة رحمهم الله : الظفر - إذا مس ذكره بظفره فإنه لا ينتقض وضوءه ، لأنهم يرون أن الظفر في حكم المنفصل ،
وهذه القاعدة ذكرها ابن رجب رحمه الله في كتابه " القواعد " في القاعدة الثانية والثالثة ، أن الظفر والشعر في حكم المنفصل ، وليس في حكم المتصل ، وعلى هذا إذا مس ذكره بظفره
أو الذكر بفرج غيره.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنه لا ينتقض وضوءه ، ويشترط أن يكون المس بلا حائل وعلى هذا لو حصل المس من وراء حائل فإنه لا ينتقض الوضوء .
" أو الذكر بفرج غيره " أي ينقض مس الذكر بقبل أنثى أو بدبر مطلقاً بلا حائل ،
قال المؤلف : بأن النقض يكون باليد ، وكذلك أيضاً لو حصل مس للذكر بقبل أنثى أو بدبر يقول بأنه ينقض الوضوء ،(1/133)
والصواب في ذلك إذا قلنا بأن مس الذكر ينقض الوضوء ، فإنه يقتصر على ما ورد في الحديث - والذي ورد في الحديث : " أن من مس ذكره فإنه ينتقض وضوءه 149" وعلى هذا لو حصل مس للفرج بالفرج فإنه لا ينتقض الوضوء ، كذلك أيضاً لو أنه مس ذكر غيره ، فإنه لا ينتقض وضوءه ، ومن ذلك : المرأة إذا مست ذكر طفلها ، فنقول : بأنه لا ينتقض وضوءها ،فإن قلنا أن مس الذكر ناقض للوضوء نقتصر على ما ورد في النص وما ورد في النص أن من مس ذكره هو الذي ينتقض وضوءه ، والأنثى إذا مست فرجها فإنه ينتقض وضوءها ما عدا ذلك فإنه لا ينقض - بقية الصور لا تنقض- ما يتعلق بمس الفرج بالفرج ، نقول : لا ينقض ، كذلك أيضاً ما يتعلق بحلقة الدبر ، نقول : بأنه لا ينقض ، ما يتعلق بمس الذكر أو فرج الغير ، نقول : بأنه لا ينقض الوضوء ،
ما يبقى عندنا إلا صورة واحدة ، وهي : مس الذكر لذكره ، إذا مس الذكر ذكره أو ولمس ذكر أو أنثى الأخر........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأنثى مست فرجها ، فإنه ينقض الوضوء .
وهذه المسألة -كما ذكرنا- أنها موضع خلاف بين أهل العلم بناءً على ما ورد من حديث بصرة وحديث طلق رضي الله عنهما .
"ولمس ذكر أو أنثى الآخر لشهوة لا من دون سبع.." هذا الناقض الرابع : وهو مس الأنثى من قبل الذكر لشهوة أو مس الأنثى للذكر لشهوة ، أي : لو أنه مس زوجته لشهوة ، فإنه ينتقض الوضوء ، أو المرأة مست زوجها لشهوة ، فإنه ينتقض الوضوء ، وهذا المس يفارق المس السابق ، لأن المس السابق يكون باليد فقط - بالكف- أو بالفرج - الفرج بالفرج- كما تقدم ،(1/134)
وأما هنا ، فإن المس يشمل كل البشرة ، يعني : لو أن الرجل مس بقدمه قدم امرأته أو مس بيده قدم امرأته ، فإنه ينتقض الوضوء ، لا يشترط أن يكون باليد أو الفرج بالفرج ، بل كل البشرة ، ما دام هناك شهوة فإنه يحصل النقض ، ويشترط ثلاثة شروط ذكرها المؤلف :
الشرط الأول : أن لا يكون هناك حائل .
الشرط الثاني : أن لا يكون الممسوس ظفراً أو شعراً ، فلو مس شعر امرأته لشهوة أو ظفر امرأته لشهوة أو مست هي شعر زوجها لشهوة لا ينتقض الوضوء
الشرط الثالث : أن يكون المس لشهوة ، فلو مسها لغير شهوة فإنه لا ينتقض الوضوء ، وهذا ما ذكرنا- هو المشهور من المذهب ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واستدلوا لذلك بقول الله عز وجل ( أو لامستم النساء? ، فقالوا : بأن هذا يدخل فيه ملامسة النساء بالشهوة ، ويقيدونه بالشهوة لأن النبي ( -كانت عائشة نائمة في قبلته- وكان إذا أراد السجود غمزها فكفت رجلها ، فهذا يدل على أنه إذا كان لغير شهوة فإنه لا ينقض الوضوء . فدليلهم على أنه ينقض الوضوء قول الله عز وجل ( أو لامستم النساء?
ودليلهم على اشتراط الشهوة ما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها في مسلم ، وكذلك أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها أنها فقدت النبي ( فبحثت عنه قالت : "فوقعت يدي على رجليه وهما منصوبتان 150" فهذا يدل على أنه يشترط الشهوة .
الرأي الثاني : رأي الشافعية : يرون أن مس الأنثى مطلقاً ينقض سواء كان ذلك لشهوة أو كان ذلك لغير شهوة ، والمالكية في الجملة كالحنابلة ، ويستدلون بعموم قول الله عز وجل ( أو لا مستم النساء? .(1/135)
والرأي الثالث : رأي الحنفية وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله أن مس المرأة لشهوة أنه لا ينقض الوضوء أو المرأة تمس الرجل لشهوة أنه لا ينقض الوضوء ، لأن الأصل عدم النقض ، ولم يرد دليل يدل على النقض ، وأما قوله سبحانه وتعالى ( أو لامستم النساء? ، فهذا كما ورد عن ابن عباس بإسناد صحيح أن المراد بالملامسة هي الجماع .
أيضاً ثبت عن عمر رضي الله عنه أن قبل زوجته ثم خرج إلى الصلاة ، ولم يرد أن عمر
لا من دون سبع ولا مس شعر أو ظفر ......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضي الله عنه أعاد الوضوء ، والغالب أن هذه القبلة التي تكون بين الزوجين الغالب أنها تكون لشهوة ،
فالصواب في هذه المسألة : أن مس المرأة مطلقاً ، سواء كان لشهوة أو لغير شهوة ، وكذلك أيضاً المرأة تمس زوجها سواء كان لشهوة أو لغير شهوة ، أنه غير ناقض للوضوء ما لم يخرج منه شيء ، فإن خرج منه المذي انتقض لخروج المذي ، ذكرنا الدليل على ذلك .
ومما يؤيد أيضاً بضعف هذا القول أنهم يقولون : لو أن الرجل مس امرأته لشهوة ، فإنه ينتقض وضوءه هو ، وأما الممسوس فإنه لا ينتقض وضوءه ولو وجد منه شهوة ،
مثلاً : هذا رجل مس زوجته لشهوة ، فيقولون : بأنه ينتقض وضوءه هو أما وضوء المرأة فإنه لا ينتقض وضوءها ، ولو وجد منها شهوة أثناء هذا المس .
"لا من دون سبع" يعني لو مس أنثى لها دون سبع سنوات لشهوة قالوا : بأنه لا ينتقض وضوءه لابد أن يكون الممسوس قد بلغ سبعاً ، فلو فرض أن الرجل عقد على امرأة عقد على بنت ، وهذه البنت لها ست سنوات ، ثم مسها لشهوة ، فإنه لا ينتقض وضوءه ، هم قالوا : بأن الفرق بأن من دون سبع سنوات إما حكماً لعورته ، لكن هذا فيه نظر ،(1/136)
كذلك أيضاً " ولا مس شعر أو ظفر " ، الشعر- كما ذكرنا القاعدة عند الحنابلة أن الشعر والظفر والسن هذا في حكم المنفصل ، وعلى هذا لو مس شعر امرأته لشهوة أو ظفرها لشهوة أو سنها لشهوة ، فإنه لا ينتقض وضوءه .
أو أمرد ولا مع حائل ولا ممسوس فرجه أو بدنه ولو وجد شهوة, وغسل لحم ميت..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"أو أمرد" الأمرد : هو الذي لم يخرج له شعر في وجهه ، لو مسه لشهوة فإنه لا ينتقض وضوءه ، والعلة في ذلك : أن الأمرد ليس محلاً للشهوة شرعاً ولا فطرة ، وإن كان قد يحصل من بعض الناس شيء من الشذوذ ، لكن هذا لا عبرة به شرعاً ولا فطرة .
"ولا مع حائل " أيضاً : لو وجد حائل مس يد امرأته من وراء حائل أو رجلها من وراء حائل إلى آخره ، ولو وجد شهوة فإنه لا ينتقض وضوءه ، لأن المس يطلق على حقيقة الملامسة ، وهي التقاء البشرتين ، وهنا لم يحصل التقاء البشرتين .
"ولا ممسوس فرجه أو بدنه ولو وجد شهوة " يعني لو أنه مس امرأته لشهوة ثم حصل منها شهوة أثناء المس ينتقض وضوءه والمرأة لا ينتقض وضوءها ، والعكس ، كما تقدم
والعلة في ذلك : قالوا : بأنه لا نص على انتقاض وضوء الممسوس ، وإنما النقض إنما ورد في انتقاض الماس فقط ،
والصحيح كما تقدم أنه لا فرق ،
والخلاصة في هذا الناقض : أن هذا الناقض لا وجود له ، وأن مس المرأة لشهوة أو لغير شهوة ، وأن مس الزوج لزوجته لشهوة أو لغير شهوة ، أنه لا ينقض الوضوء ، لأن الأصل عدم النقض ، كما ذكرنا عن عمر رضي الله عنه أنه قبل زوجته ثم خرج إلى الصلاة .
"وينقض غسل ميت" المؤلف رحمه الله يرى أن تغسيل الميت ناقض من نواقض الوضوء ، وعلى هذا إذا غسل ميتاً فإنه يتوضأ ، وهذا هو المشهور من المذهب ،
وأكل لحم أبل خاصة..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/137)
واستدلوا على ذلك بأنه ورد عن جمع من الصحابة ، أبو هريرة وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ، أنهم كانوا يأمرون غاسل الميت بالوضوء . وعند جمهور أهل العلم أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء ، ودليلهم على ذلك حديث أم عطية رضي الله عنها " أن النبي ( قال للآتي غسلن ابنته - اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك 151" ، ولم يرد أن النبي ( أمرهن بالوضوء ، وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي وقصته راحلته ، فقال النبي ( " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه بثوبيه 152" ، ولم يرد أن النبي ( أمر من غسله بالوضوء ، والأصل بقاء الطهارة ، وقد ورد أيضاً في الدارقطني " ليس عليكم في تغسيل ميتكم غسل إن ميتكم ليس بنجس ، بحسبكم أن تغسلوا أيديكم 3" ، وصححه بعض أهل العلم ويستشهد به ، فالنبي ( قال : يكفيكم أن تغسلوا أيديكم ، ولأن الأصل بقاء الطهارة ، وعلى هذا الصواب في هذه المسألة : أن من غسل ميتاً فإنه لا يجب عليه أن يتوضأ ، لكن يأتينا - إن شاء الله- أنه يستحب لمن غسل الميت أن يغتسل لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وورد موقوفاً ، وأيضاً روي مرفوعاً " من غسل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ 4" ، فهذا يدل على أنه يستحب لمن غسل الميت أن يغتسل لكن أن يجب عليه الوضوء وينتقض وضوءه ، نقول : هذا لا دليل عليه .
"وأكل لحم إبل خاصة" هذا أيضاً من المفردات ، كما أن الناقض السابق من مفردات
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذهب فينقض أكل لحم الإبل وهذا الناقض تحته مسائل
1-المسألة الأولى:(1/138)
هل أكل لحم الإبل ناقض أو ليس بناقض؟
كما أشرنا أن المشهورمن المذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه ناقض
2- الرأي الثاني:
رأي جمهورأهل العلم أنه ليس ناقضاًوالذين قالوا بأنه ناقض- كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله استدلوا بدليلين:حديث جابر بن سمرةوحديث البراء بن عازب رضي الله عنهم قال الإمام أحمد رحمه الله فيه حديثان صحيحان عن النبي ( حديث جابر وحديث البراء حديث البراء رضي الله عنه"أن النبي ( قال:توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم 153"
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم ، وهو صحيح ،
وأيضاً حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه في صحيح مسلم " أن النبي ( سئل أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : نعم 154" فهذان حديثان صحيحان يدلان على أن الوضوء من لحم الإبل واجب ، وأن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء.
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجمهور أهل العلم استدلوا بما ورد أن آخر الأمرين من النبي ( ترك الوضوء مما مست النار 155" ، فقالوا : هذا يدل على أن الوضوء من لحم الإبل منسوخ ، لأن آخر الأمرين من النبي (
ترك الوضوء مما مست النار ، فإذا كان هذا هو الآخر ، والإبل لحمه الغالب أنه يطبخ ، فدل ذلك : على أن الوضوء من أكل لحم الإبل منسوخ ،
وهذا أجيب بجوابين :
أما الجواب الأول :
أن هذا الحديث عام يخصص منه أكل لحم الإبل ، لأن النبي ( أمر بالوضوء من لحم الإبل ، والخاص مقدم على العام .
الجواب الثاني :
أن هذا الحديث إنما هو في ترك النبي ( الوضوء ، "كان النبي ( يأكل أثوار أقط 156"(1/139)
والأقط هو الحليب المجفف ، فقام إلى الصلاة ولم يتوضأ ، وهذا الحليب المجفف قد يطبخ.
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، وأيضاً النبي ( كان يجتز من كتف شاة ، فقام إلى الصلاة ولم يتوضأ ، فقالوا : هذا هو المراد بهذا الحديث " كان آخر الأمرين من النبي ( ترك الوضوء مما مست النار 157" ، أنه كان يأكل شيئاً مسته النار ، ثم قام فتوضأ ، وهذا لا يدل على النسخ ، وعلى هذا يكون الراجح في هذه المسألة : هو ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله ، وأن لحم الإبل ناقض من النواقض .
2 - المسألة الثانية : قال المؤلف رحمه الله " خاصة" ، أي أن النقض مختص باللحم فقط دون بقية أجزاء الإبل ، وعلى هذا لو أكل كبداً أو أكل طحالاً أو أكل جلداً أو سناماً أو كرشاً أو غير ذلك من أجزاء الإبل غير اللحم فإنه لا ينقض الوضوء ، وهذا هو المشهور من المذهب ، لأن الأصل بقاء الطهارة ، فلا يخرج عن هذا الأصل إلا بما دل عليه الدليل ، وقد دل الدليل على لحم الإبل فيقتصر على اللحم خاصة دون بقية أجزاء الإبل .
والرأي الثاني : أن بقية أجزاء الإبل تلحق باللحم ، وهذا هو قول ابن القيم رحمه الله ، وكذلك أيضاً الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله والشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ، واستدلوا على ذلك بدليلين : أما(1/140)
الدليل الأول : أنه لم يرد في الشرع أن حيواناً تختلف أجزاءه بين الحل والحرمة والنقض وعدم النقض إلى آخره ، ولهذا الله عز وجل نص على اللحم ، قال تعالى ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير? ، ومع ذلك أجمع العلماء رحمهم الله على أن جميع أجزاء الخنزير محرمة ، لا
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرق بين اللحم وبين الشحم كله محرم . والدليل الثاني : قالوا : بأن هناك من الأجزاء ما هي لحم ، ومع ذلك قالوا : بأنها لا تنقض ، مثل الرأس فالرأس فيه لحم ، وعلى هذا نقول : الأقرب في هذه المسألة : أن لحم الإبل ينقض ، وكذلك أيضاً تلحق به بقية أجزاء الإبل من الشحم والكبد والطحال والقلب والرأس وغير ذلك من أجزاء الإبل
3 - المسألة الثالثة : حليب الإبل هل ينقض أو لا ينقض ؟ المشهور من المذهب : أنه لا ينقض ، والدليل على ذلك ، أن النبي ( أمر العرنيين بأن يخرجوا إلى إبل الصدقة ، ويشربوا من أبوالها وألبانها 158"، ومع ذلك لم يأمرهم النبي ( بالوضوء ، فدل ذلك على أن شرب حليب الإبل لا ينقض الوضوء ، وورد في مسند الإمام أحمد رحمه الله قوله ( : " توضؤا من ألبان الإبل 2" وهذا أمر ، وهذا لأمر أجيب عنه بجوابين :
1 - أن الحديث فيه ضعف ، وإن حسنه بعض أهل العلم .
2 - الجواب الثاني : على فرض ثبوته ، فإنه يحمل على الاستحباب ، لوجود الصارف ، وهو أن النبي ( لم يأمر العرنيين بالوضوء من ألبان الإبل .(1/141)
4 - المسألة الرابعة : مرق الإبل ، المرق لا يخلو من حالتين :1 - الحالة الأولى : أن يكون المرق خالصاً ، أي يأخذ من الإناء ويشرب من المرق ، فهذا المذهب أنه لا ينقض الوضوء لأنهم يخصونه باللحم ، وذهب بعض الحنابلة أنه ناقض للوضوء ، وهذا القول قوي - قريب- وهو الأحوط ، ويدل لهذا حديث جابر رضي الله عنه
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، وأمر النبي ( أن يؤخذ من كل بدنة قطعة من اللحم وأن تطبخ ، فأكل النبي ( من اللحم وشرب من المرق 159"، فكأن النبي ( أكل من الجميع ، أي : جعل شرب المرق بمنزلة أكل اللحم ، فهذا مما يقوي القول بأنه ناقض ، فنقول : الأحوط أن يتوضأ إذا شرب هذا المرق الخالص ، ولأنه جزء ظاهر من اللحم 2 - الحالة الثانية : أن يكون المرق غير خالص ، طبخ مع بر أو مع رز ، ونحو ذلك ، فهذا إن كان الطعم غير موجود إذا استهلك وأصبح الطعم غير موجود ، فهذا لا ينقض ، وإن كان الطعم موجوداً ، فهذا موضع خلاف ، ويظهر - والله أعلم- أنه غير ناقض ، لكن لو توضأ الإنسان فهذا أحوط ، ومثل ذلك يقال في الشحم ، إذا أكل قطعة من الشحم ، واضح أنه ينتقض وضوءه ، لكن لو كان هذا الدهن خلط بشيء آخر ، نقول : إن استهلك بحيث أنه ما يبقى له أثر فهذا غير ناقض ، وإن كان له أثر ، فهذا يظهر أنه غير ناقض ، وإن احتاط الإنسان فهذا أحسن .(1/142)
5 - المسألة الخامسة : الحكمة من نقض الوضوء بأكل لحم الإبل ، نقول هذه الحكمة كما ورد في سنن أبي داود أنها جن خلقت من جن ، أي : أن هذه الإبل فيها من طبيعة الجن ، وهو : الطيش والنفور ، ونحو ذلك ، فإذا أكلها الإنسان قد يحصل عنده شيء من الطيش والنفور وسرعة الغضب ، فإذا توضأ فإنها تبرد أعصابه.
6 - المسألة السادسة : أكل بقية اللحوم المحرمة : مثلاً : لو اضطر الإنسان إلى أكل لحم نمر أو أسد ونحو ذلك ، هل ينتقض وضوءه أو لا ينتقض وضوءه؟ جمهور أهل العلم أنه لا
وكلما أوجب غسلا سوى موتا وجب وضوءًا...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينتقض وضوءه ، لأن أكل مثل هذه اللحوم لم يرد في الشرع أنها ناقضة ، والأصل بقاء الطهارة ، وابن القيم رحمه الله يميل إلى النقض إلحاقاً لها بلحم الإبل ،
والأقرب في هذه المسألة : هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، لأن الأصل عدم النقض ، وبقاء الطهارة .
" وكلما أوجب غسلاً سوى موت أوجب وضوءاً " هذا ضابط ذكره المؤلف رحمه الله أن كل ما أوجب غسلاً فإنه يوجب الوضوء ، وعلى هذا سيأتينا إن شاء الله موجبات الغسل ، مثل : الحيض والنفاس والجماع ..الخ ، هذه كلها على كلام المؤلف رحمه الله توجب الوضوء ، كما أنها توجب الغسل ، وهذا فيه نظر ،
والصحيح : أن ما أوجب غسلاً لا يوجب الوضوء ، ولا فرق بين الموت وغيره ،
ويدل لهذا حديث عمران بن حصين رضي الله عنه في قصة الرجل الذي أصابته جنابة ، ولم يجد ماءاً ، فوجده النبي ( معتزلاً عن الناس فسأله فأخبره ، فقال : عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك ، ثم حضر الماء ، فأعطاه النبي ( ماءً ، فقال : "خذه فأفرغه عليك 160" ، فلم يأمره النبي ( إلا بالغسل ،فالصواب في ذلك أن ما أوجب غسلاً لا يوجب وضوءاً .(1/143)
"سوى موت" يعني : الميت لا يوجب إلا الغسل ما يجب الوضوء ، وهذا الاستثناء غريب ، لأن النبي ( قال اللاتي غسلن ابنته " أبدأن بمواضع الوضوء منها 2" ، فأمر بالوضوء ، ومع
ومن تيقن طهارة وشك في حدث أو عكسه بنى على يقين ويحرم بحدث صلاه....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك استثنى المؤلف رحمه الله الموت هنا ، الذي ورد فيه الأمر بالوضوء ، قال ( : " اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك 161" ، وأمرهن النبي ( أن يبدأن بمواضع الوضوء ، يبدأ أولاً بالوضوء عند تغسيل الميت ، فهذا غريب ، ومع ذلك هم يقولون توضئت الميت في أول الأمر مستحبة ، مع أن النبي ( أمر به ،
فالصحيح : أنه لا يستثنى شيئاً ، وأن ما أوجب غسلاً لا يلزم ذلك أنه يجب الوضوء بل يجب على الإنسان أن يعمم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق ، ويكفي ذلك .
" ومن تيقن طهارة وشك في حدث أو عكسه بنى على يقينه .. " إذا تيقن الطهارة أي إنسان متطهر ثم شك هل خرج منه شيء أو لم يخرج منه ؟ هل أحدث أو لم يحدث ؟
نقول : الأصل بقاء الطهارة ، والعكس بالعكس ، لو كان متيقناً للحدث - أكل لحم الإبل- ثم شك هل توضأ أو لم يتوضأ ؟
نقول الأصل في ذلك بقاء الحدث ، وأنه لم يتوضأ ، ويدل لذلك حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه : " أن النبي ( شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، فقال : لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً 2" ، وهذا في الصحيحين ، وأخذ منه العلماء رحمهم الله القاعدة الفقهية ، إحدى القواعد الخمس ، وهي" اليقين لا يزول بالشك".
"ويحرم بحدث صلاة .. " إذا كان الإنسان محدثاً - حدثاً أكبر أو أصغر- فإن الصلاة
..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/144)
محرمة عليه ، ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ( قال : " لا يقبل الله صلاة بغير طهور 162" ، وأيضاً قول النبي ( " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ 163" ، وهل يستثنى شيء من الصلوات أو لا يستثنى ؟
نقول الصواب : أنه لا يستثنى ، لكن ما هو ضابط الصلاة التي تشترط لها الطهارة؟ ضابط الصلاة التي تشترط لها الطهارة - كما ذكره ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن- هي كل صلاة لها تحريم وتحليل - لها تكبيرة الإحرام ولها تسليم ، ودليل ذلك ما ثبت في سنن الترمذي وغيره من حديث علي رضي الله عنه أن النبي ( قال : " مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم 164" ، وعلى هذا يدخل صلاة الجنازة ،
وصلاة الجنازة موضع خلاف ، هل تشترط لها الطهارة أو لا ؟ هذا موضع خلاف ، والصواب : أنها تشترط لها الطهارة ، لأن لها تحريماً وتحليلاً .
هل يدخل سجود التلاوة وسجود الشكر أو لا يدخل ؟
نقول : بأن هذه الأشياء لا تدخل ، لأن سجود التلاوة الصحيح أنه ليس له تكبيرة الإحرام وليس له تسليم ، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما ، السجود على غير وضوء.سجود الشكر أيضاً ليس له تحريم وليس له تحليل .
وطواف...................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وطواف" أي : يحرم الطواف وهذا الطواف هل يحرم مع الحدث أو لا ؟ وهل تشترط له الطهارة أو لا ؟ هذا موضع خلاف ، أما الحدث الأكبر فهذا يحرم ، لا يجوز له أن يدخل المسجد وهو محدث حدث الأكبر ، لكن بالنسبة للحدث الأصغر
هل يحرم الطواف مع الحدث الأصغر أو لا يحرم ؟(1/145)
جمهور أهل العلم : أن من شروط صحة الطواف : الطهارة ، واستدلوا بما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنهما قالت : أول ما بدأ به النبي ( لما قدم أن توضأ ثم طاف 165" ، وأيضاً قول النبي ( لعائشة لما حاضت "افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي حتى تطهري 2" ، وهذا يعتبر دليل على أنه لابد من الطهارة . والرأي الثاني : رأي الحنفية ، وهم يفصلون في المسألة : يقولون : إذا طاف وهو محدث فإن كان بمكة يعيد ، وإن خرج عليه دم ، ويفصلون بين الدم إذا كان محدث حدثاً أصغر أو أكبر
والرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام رحمه الله أن الطهارة مستحبة في الطواف ، وقال : لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : لا طواف إلا بوضوء كما قال في الصلاة ، أو قال : لا يقبل الله طواف أحدكم حتى يتوضأ كما قال ذلك في الصلاة هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد حج معه الخلق الكثير ولو كان واجباً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به .وعلى هذا يقال : الأحوط للإنسان أن يتوضأ ويتطهر لأن أقل شيء أن هذا هو سنة النبي عليه الصلاة والسلام .
ومس مصحف وبعضه بلا حائل.................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن لو نسي الإنسان أو سبقه الحدث أو نحو ذلك فإنشاء الله أنه يعفى عنه بإذن الله .
"ومس مصحف وبعضه ... " أي : يحرم بالحدث مس المصحف وبعض المصحف ، حتى قال العلماء رحمهم الله : حتى جلده وحواشيه ، وهي : أطرافه البيضاء التي ما فيها كتابة - يحرم عليك أن تمسها ، وهذا رأي جمهور أهل العلم رحمهم الله ،(1/146)
والمس هنا ليس مختصاً بالكف يشمل كل الجلد ، كما أنك لا تمسه بكفك أيضاً لا تمسه بذراعك لا تمسه بجبهتك ونحو ذلك ، واستدلوا لذلك بقول الله عز وجل ( لا يمسه إلا المطهرون ? ، وأيضاً حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه ، أن النبي ( كتب " وأن لا يمس القرآن إلا طاهر 166" ، وهذا أخرجه النسائي وهو ثابت موصول ، وهذا القول هو الصواب .
خلافاً للظاهرية ، لأن الظاهرية - ابن حزم - يضعف الحديث ، لكن الصحيح في ذلك أن الحديث ثابت .
وعلى هذا لا يجوز مس المصحف بجلد إلا من وراء حائل ، قال :
" بلا حائل " لأن المس إذا كان هناك حائل لا يكون للمصحف وإنما يكون للحائل ، وعلى هذا يجوز أن يمسه من وراء حائل ، لأن العلة : كما ذكرنا المس لا يكون للمصحف وإنما يكون للحائل .
وله حمله بلا مس وتصفحه بكمه وبعود................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وله حمله بلا مس وتصفحه بكمه وبعود " ، يعني : لك أن تحمله وهذا لا بأس به المهم أن الإنسان إذا ما مسه ، ولو وضعه في جراب أو في ثوب وحمله ، فهذا لا بأس ،
وأيضاً تصفحه ، بكمه ، وكان في الزمن السابق لهم أكمام كبيرة ، ويستطيع أن يتصفح به ، يقول : المؤلف رحمه الله : يجوز أن يتصفحه بكمه ، أما الآن أكمام الناس صغيرة ، لكن هذا كان في الزمن السابق .
"وبعود" يعني : لو أخذ عود أو قلم وتصفح القرآن فإن هذا جائز ولا بأس به.
***************************************************************************
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/147)
باب الغسل
الغُسل : بالضم : أي الاغتسال ، وأيضاً يكون بمعنى الماء الذي يغتسل به.
الغِسل: وأما بالكسر : هو ما يغسل به الرأس من صابون وغيره .
وأما في الاصطلاح : فهو استعمال ماء طهور في جميع البدن على وجوه مخصوصة .
"يوجبه" أي : يوجب الغسل ، فدل ذلك على أن الغسل تارة يكون واجباً ، وتارة يكون مستحباً ، فيجب في مواضع :
" خروج مني بلذة " ، هذا الموجب الأول : وهو خروج المني ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا انتقل المني - أحس بانتقاله - لكنه لم يخرج فإنه يجب الغسل
بلذة, ومن نائم مطلقا............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ودليل ذلك حديث أم سليم رضي الله عنها أنها سألت النبي ( " هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال ( : " نعم إذا هي رأت الماء 167"
" بلذة " يفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنه لابد أن يكون الخروج الموجب بلذة ، وعلى هذا إذا خرج بغير لذة ، مثلاً : من شدة البرد أو بسبب المرض ، أو غير ذلك ، فإنه لا يجب الغسل ، وإنما يتوضأ فقط ، ويدل لهذا قول النبي ( من حديث علي رضي الله عنه " إذا فضخت الماء فاغتسل 2" ، قال العلماء : الفضخ : هو خروج على وجه الغلب ، على وجه اللذة والدفق . " ومن نام مطلقاً " خروج المني ينقسم إلى قسمين :
1 - القسم الأول : خروجه من اليقظان ، وهذا يشترط أن يكون بلذة .
2 - القسم الثاني : خروجه من النائم ، وهذا لا يشترط أن يكون بلذة ، فإذا رأى النائم المني بعد استيقاظه ، فإنه يجب عليه أن يغتسل ، وإذا استيقظ فوجد بللاً في ثيابه فإنه لا يخلو من ثلاثة حالات :
1 - الحالة الأولى : أن يتيقن أنه مني ، فهذا يجب عليه الغسل مطلقاً ، سواء ذكر احتلاماً أو لم يذكر .(1/148)
2 - الحالة الثانية : أن يتيقن أنه غير مني - لكونه يعرف الماء - ، فهذا لا يجب عليه الغسل ، لكن يغسل فرجه وينضح الماء على ثيابه ، ويتوضأ وضوءه للصلاة ، حكمه حكم
وإن انتقل ولم يخرج اغتسل له , ولا يعاد بخروجه بعد بلا لذة............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المذي ، أما غسل الانثيين فهذا موضع خلاف .3 - الحالة الثالثة : أن يشك فيه ، فهذا فيه تفصيل ، إن ذكر احتلاماً فإنه يجعله منياً ويغتسل ، وإن لم يذكر احتلاماً ، فإنه لا يجب عليه الغسل ، لكن -كما تقدم - يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره ، وينضح الماء على ثيابه .
" وإن انتقل ولم يخرج اغتسل له " هذا الموجب الثاني : وهو أن ينتقل المني لكنه لم يخرج ، فيقول المؤلف رحمه الله يغتسل له ، وهذا هو المذهب ، وعلتهم في ذلك : قالوا : بأن الماء قد باعد محله ، وأصل الجنابة "البعد" فيجب الغسل .
والرأي الثاني : أنه لا يجب الغسل إلا برؤية الماء حتى ولو انتقل ، ودليل ذلك حديث أم سليم رضي الله عنها أنها سألت النبي ( " هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال ( : " نعم إذا هي رأت الماء 168" ، فعلق النبي ( الوجوب برؤية الماء ،
وعلى هذا الصحيح في ذلك : أنه لا يجب عليه الغسل حتى يخرج منه .
" و لا يعاد بخروجه بعد بلا لذة " يعني : إذا انتقل المني ثم اغتسل له ثم خرج بعد ذلك ، فيقول المؤلف رحمه الله لا يعاد الغسل مرة أخرى ، وهذا كما تقدم أن الصواب أنه لا يجب الغسل إلا بخروجه ، وعلى هذا إذا خرج يغتسل وإذا لم يخرج فإنه لا يغتسل ،
" بلا لذة " يعني إذا انتقل يقول المؤلف رحمه الله يجب أن يغتسل اغتسل له ثم خرج مرة أخرى ، قال المؤلف : لا يعيد الغسل إذا كان خروجه بلا لذة ، فإذا كان خروجه بلذة ،
وتغيب حشفة أصلية في فرج أصلي....................................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/149)
فإنه يجب عليه مرة أخرى أن يعيد الغسل ، قالوا : لأنه مني جديد ، فيغتسل له ،
والصواب : كما تقدم ، أنه لا يجب الغسل إلا بخروجه بلذة ، فإذا خرج بلذة من اليقظان فإنه يجب عليه ، أما النائم فإنه يجب عليه مطلقاً .
" وتغييب حشفة أصلية في فرج أصلي .. " هذا الموجب الثالث : وهو تغييب حشفة ، والحشفة ليست هي جميع الذكر ، وإنما هي رأس الذكر التي تكون عليها القلفة - الجلدة التي تقطع عند الختان - ، فتغييب الحشفة هذا يوجب الغسل ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا غيب بعض الحشفة فإنه لا يجب الغسل ، وإنما يجب الغسل بتغييب الحشفة ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي ( قال : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل 169" وهذا في الصحيحين وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها ، أن النبي ( قال : إذا قعد بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل " ، وليس المراد بقوله " مس الختان الختان " هو مس الفرج بالفرج ، وإنما المراد تغييب الحشفة ، لأنه إذا غيب الحشفة التي بقدر الأنملة من الإصبع ، حصل مس الختان بالختان ، فإذا حصل ذلك وجب الغسل ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنه يجب الغسل وإن لم ينزل ، أي : بمجرد أن يغيب الحشفة وإن لم يحصل منه إنزال ،
وهذه المسألة فيها خلاف قديم من عهد الصحابة رضي الله عنهم ، فقد روى البخاري
ولو دبرا ................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/150)
عن جمع من الصحابة منهم عثمان ، وأبي بن كعب وعلي ، وطلحة ، والزبير رضي الله عنهم ، أنه لا يجب الغسل إلا بالإنزال ، ورواه مسلم في صحيحه عن جماعة من الأنصار ، لكن ثبت عن أكثرهم الرجوع ، فجمهور أهل العلم أنه يجب الغسل وإن لم يحصل الإنزال ، وقد ورد في صحيح مسلم لفظ " وإن لم ينزل " في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل 170" .
وأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه " إن الماء من الماء 171" من استدل به أنه لا يجب الغسل إلا بخروج المني ، فهذا له جوابان :
1 - الجواب الأول : أن هذا كان في أول الأمر ، وأنه لا يجب الغسل إلا بالإنزال - ثم بعد ذلك نسخ ، ولهذا جاء في حديث أبي هريرة " وإن لم ينزل " وحديث عائشة " ومس الختان الختان" .
2 - الجواب الثاني : أن قوله " إن الماء من الماء " هذا محمول على الغالب ، الغالب إذا غيب الحشفة فإنه يحصل الإنزال ." ولو دبراً أو من بهيمة أو ميت " أي حتى لو غيب هذه الحشفة في الدبر ، وليس المراد بين الصفحتين أو الفخذين ، وإنما المراد أن يغيب هذه الحشفة في الدبر ، فيقول المؤلف رحمه الله : يجب الغسل لأنه فرج .
أو من بهيمة أو ميت وإسلام كافر........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو من بهيمة " من بهيمة أو طير ونحو ذلك ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة ، أنه إذا غيب الحشفة في بهيمة أنه لا يجب الغسل وهذا القول هو الصواب ، لأن الحديث إنما ورد بقوله " مس الختان الختان172" والمقصود به : الختان ، المعروف تغييب في فرج الأصلي ، فالصواب في ذلك : أنه لا يجب الغسل .
"أو ميت" أيضاً لو غيبه في ميت ، يقول المؤلف : أنه يجب الغسل ، وذلك لعموم حديث عائشة ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما الذين تقدما ،(1/151)
وهذا القول هو الصواب لأنه يشمله الحديث خلافاً لمن قال : بأنه لا يجب الغسل بجماع الميت كما قال به أبو حنيفة رحمه الله .
" وإسلام كافر " هذا الموجب الرابع من موجبات الغسل : وهو إسلام الكافر ، فإذا أسلم الكافر ولو كان مرتداً ، فإنه يجب عليه الغسل ، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين " أن ثمامة بن أثال رضي الله عنه لما أسلم ذهب إلى حائط من حيطان المدينة فاغتسل 1" فكونه يغتسل هذا يدل على أنه أمر معروف عند الصحابة رضي الله عنهم ، وجاء في مسند الإمام أحمد ومصنف عبدالرزاق الأمر " اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل 2"
وأيضاً مما يدل لذلك ما ثبت في سنن أبي داود والترمذي ، أن النبي ( أمر قيس بن
وموت.....................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاصم رضي الله عنه بالاغتسال173"وهذا حسنه الترمذي
فالمشهور من المذهب أنه يجب عليه أن يغتسل .
وعند الشافعية : يقولون يجب عليه أن يغتسل إذا حصل منه ما يوجب الغسل في كفره مثلاً : لو حصل منه إنزال في كفره ثم أسلم فإنه يجب عليه أن يغتسل ولو اغتسل في كفره لأن اغتساله في كفره غير معتبر لأنه فاقد للنية . وعند الحنفية : أنه لا يجب عليه الغسل ،
واستدلوا بقول الله عز وجل ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ? ، وأيضاً حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه " إن الإسلام يجب ما قبله " .
والأقرب في ذلك وهو الأحوط رأي الحنابلة رحمهم الله أنه يجب الغسل .(1/152)
" وموت" الميت يجب تغسيله ، ودليل ذلك حديث أم عطية رضي الله عنها ، وفيه أمر النبي ( بتغسيل الميت " غسلها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك ، إن رأيتن ذلك 174" ، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الذي وقصته راحلته " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه " ، فالموت هذا موجب للغسل ، وهذا بالإجماع ، ويستثنى من ذلك شهيد المعركة كما سيأتينا إن شاء الله ، في أحكام الجنائز ، وأن شهيد المعركة لا يغسل ، بل إن تغسيله محرم ولا يجوز ،
ويستثنى من ذلك أيضاً على المذهب المقتول ظلماً ، المذهب يرون أنه لا يغسل ، وهذا فيه نظر
وحيض ونفاس لا ولادة عارية عن دم.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصحيح : أنه يغسل لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على تغسيل عمر رضي الله عنه ، وقد قتل ظلماً ، وأيضاً عثمان ، وعلي رضي الله عنهم ،
فالصحيح : المقتول ظلماً وإن كان شهيداً في أحكام الآخرة ، لكنه في أحكام الدنيا ليس شهيد ، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويقبر في مقابر المسلمين .
" وحيض " وهذا بالإجماع أن المرأة إذا حاضت يجب عليها الغسل إذا طهرت ،
ويدل لذلك أن النبي ( قال لفاطمة بنت أبي حبيش : إذا ذهبت الحيضة فاغتسلي وصلي 175" . " ونفاس " النفاس أيضاً يجب الغسل على النفساء قياساً على الحائض ، ولأن النبي ( لما حاضت أم سلمة قال لها " لعلك نفست 2" فسمى النبي ( الحيض نفاساً ،
فدل على أنه يأخذ أحكامه ، فالنفساء إذا طهرت يجب عليها أن تغتسل .(1/153)
" لا ولادة عارية عن دم " وهذا نادر ، أي : أن تلد امرأة ولادة خالية عن الدم ، لكن لو حصل امرأة ولدت ولداً ولم يخرج منها دم أثناء الولادة فإنه لا يجب عليها الغسل ، لأن الغسل لخروج الدم ، وهنا لم يخرج منها الدم ، ولا يحرم وطئها ، لزوجها أن يجامعها ، ولو ولدت وهي صائمة ولادة ليس فيها الدم فيقولون : بأن الصيام صحيح ويجب عليها الصلاة ولا يحرم جماعها ، ولا يجب عليها الغسل ، ولكن يجب عليها الوضوء فقط ، ولا يجب عليها غسل الفرج ، لأن الولد طاهر ، وغسل الفرج إنما يكون للنجاسة ، فيجب عليها الوضوء
ومن لزمه غسل.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على المذهب لأنه كما تقدم لنا من نواقض الوضوء ،
يقولون : كل ما خرج من سبيل موجب للوضوء ، وإذا قلنا بأنه لا ينقض الوضوء إلا الخارج المعتاد ، فهذا ليس خارجاً معتاداً ، فنقول أيضاً لا يجب حتى الوضوء .
متى تكون المرأة نفساء ؟
المرأة لا تخلو من أحوال :
1 - الحالة الأولى : أن تلقي نطفة ، فهذه لا تأخذ أحكام النفساء تصلي وتصوم إلى آخره .
2 - الحالة الثانية : أن تلقي قطعة الدم ، كذلك لا تأخذ أحكام النفساء .
3 - الحالة الثالثة : أن تلقي مضغة - قطعة لحم - ، فهذا فيه تفصيل : إن تبين فيه خلق إنسان تخطيط يد ، تخطيط رجل ، تخطيط رأس ، قال العلماء : ولو كان التخطيط خفياً ،
فهنا تأخذ أحكام النفساء ، وإن لم يتبين فيه خلق الإنسان فهذه لا تأخذ أحكام النفساء ، تصوم وتصلي ولا يجب عليها الغسل .
وإذا ألقت ولداً نفخت فيه الروح ، فمن باب أولى أن تأخذ أحكام النفساء .
" ومن لزمه غسل حرم عليه قراءة آية فأكثر "
لما ذكر المؤلف رحمه الله موجبات الغسل ، ذكر ما يمتنع على الغسل :(1/154)
حرم عليه قراءة آية فأكثر..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - فالأمر الأول الذي يمتنع على الغسل : قراءة القرآن ، فيقول المؤلف رحمه الله
" حرم عليه قراءة آية " وظاهر الكلام المؤلف رحمه الله يحرم عليه قراءة آية كاملة ، وعلى هذا لو قرأ بعض آية ، فإنه جائز ولا بأس به ،
والدليل على تحريم قراءة القرآن للجنب ، حديث علي رضي الله عنه " كان النبي ( لا يحجبه - وربما قال- لا يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة 176" وهذا الحديث رواه الترمذي والحاكم والدارقطني وابن خزيمة ، وغيرهم ، رواه جمع من أهل العلم ، وهو موضع خلاف ، لكن له طرق يشد بعضها بعضاً ، ولهذا حسنه ابن حجر وصححه الترمذي ، وصححه الحاكم والدارقطني أيضاً ، فهو لطرقه صححه جمع من أهل العلم .
وأيضاً ثبت عن عمر رضي الله عنه " أنه كره قراءة القرآن للجنب " ،
وعلى هذا نقول : الجنب يحرم عليه أن يقرأ القرآن ، وقدر الذي يحرم عليه ، ، قال المؤلف رحمه الله ، قدر آية ، وعلى هذا لو قرأ بعض آية فإنه لا يحرم ،
والذي يظهر - والله أعلم - أن التحريم مطلق ، لأن النهي يتعلق بجميع أفراد المنهي عنه ، فالصواب نقول : أنه يحرم آية كاملة أو بعض آية ، لكن لو قال ذكراً يوافق آية من القرآن أو بعض آية فإنه لا يحرم عليه ذلك ، ما لم يقصد القراءة ، مثلاً : لو قال : " الحمد لله " بعد الطعام ، نقول : ما دام أنه قصد القراءة ، فإن هذا جائز ولا بأس به ،
ولبث بمسجد بلا وضوء وله المرور به....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو فتح المصحف وقرأ بقلبه ولم يقرأ بلسانه ، فهذا جائز ولا بأس به(1/155)
"ولبث بمسجد " يحرم على الجنب أن يلبث في المسجد ،
ويدل لذلك قول الله عز وجل ( ولا جنباً إلا عابري سبيل ? .
وأيضاً حديث جابر رضي الله عنه قال : " كان أحدنا يجتاز بالمسجد ما لم يكن جنباً " وهذا ثابت وأيضاً قول عطاء بن يسار " رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله ( يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة " فيدل لذلك إذا لم يتوضئوا أنه يحرم عليهم أن يجلسوا في المسجد ، فاللبث في المسجد للجنب هذا محرم ولا يجوز .
" بلا وضوء " استثنى المؤلف رحمه الله إذا توضأ فلا بأس أن يجلس في المسجد لما تقدم من قول عطاء بن يسار ، وهذا الأثر أخرجه سعيد بن منصور وإسناده صحيح ، فإذا توضأ الجنب جاز له أن يجلس في المسجد .
" وله المرور به " أي : يجوز أن يمر به يدخل لا لقصد اللبث مثلاً : يدخل المسجد يأخذ حاجة ويخرج وهو جنب ، يدخل للمسجد يريد فلاناً من الناس وهو جنب ، فهذا جائز ولا بأس به ،
ودليل ذلك ما تقدم من حديث جابر رضي الله عنه قال : " كان أحدنا يمر في المسجد جنباً مجتازاً " فدل ذلك على أن المرور به جائز ، كون الإنسان يدخل ويخرج فهذا جائز ولا بأس به ، إذا كان جنباً وإن لم يتوضأ ،
وقول ما وافق قرآنا ولم يقصده كالبسملة والحمد له,..ويسن غسل لجمعة.........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ودل ذلك على أن ما عدا المرور من اللبث أنه غير جائز .
" وقول ما وافق قرآناً ولم يقصده كالبسملة والحمد له " يجوز أن يقول قرآناً إذا لم يقصد القرآن . يقول : " الحمد لله ، بسم الله ، إنا لله وإنا إليه راجعون " ، ونحو ذلك ، فهذا إن قصد القرآن فإنه لا يجوز وإن لم يقصد القرآن ، فإنه جائز ولا بأس به .
" ويسن غسل لجمعة " لما ذكر المؤلف رحمه الله الغسل الواجب ، شرع في بيان الغسل المستحب ، فيقول المؤلف رحمه الله : يسن غسل لصلاة الجمعة ، وهذا قول جمهور أهل العلم أن الغسل لصلاة الجمعة مستحب .(1/156)
والرأي الثاني : قول الظاهرية : الوجوب مطلقاً .
والرأي الثالث : الوجوب إذا كان الإنسان فيه رائحة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . ولكل منهم دليل ، فمن أدلة الجمهور : استدلوا بما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " من توضأ يوم الجمعة ثم جاء إلى الصلاة واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام 177" ، فهنا قال " من توضأ " ، أيضاً استدلوا بحديث سمرة من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" ، وأيضاً أن عثمان تأخر ولم يأتي إلا وعمر رضي الله عنه يخطب ومع ذلك أخبر أنه اقتصر على الوضوء ، وهذا استدل به الجمهور
..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوأما الظاهرية استدلوا بحديث أبي سعيد رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي ( قال " غسل الجمعة واجب على كل محتلم 178" ، وهذا ظاهر في الوجوب ، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي ( قال : " من جاء منكم الجمعة فليغتسل 179" . وحديث أبي هريرة : " حق على كل مسلم في كل سبعة أيام أن يغسل رأسه وجسده 3" ، قال " حق " ، وقال "واجب" ، وقال " فليغتسل" ، وهذه ظاهرة في الوجوب . وشيخ الإسلام استدل بحديث عائشة رضي الله عنها : " أن الناس كانوا مهنتهم ، فإذا راحوا إلى الجمعة راحوا بهيئتهم ، يعني : كانوا الناس يعملون في مهنهم - حرفهم - فإذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم لا يتنظفون ولا يغتسلون ، لأنهم يكونون مشغولين بأعمالهم بحرفهم بزراعتهم ، ثم تأتيهم الصلاة فما يكون عندهم وقت ، فيذهبون إلى الصلاة فقيل لهم " لو اغتسلتم"وهذا في البخاري ،فهذا يدل على أنه إنما كان للرائحة - للحاجة - ،
والأحوط في ذلك : هو ما ذهب إليه الظاهرية ، وأن غسل الجمعة واجب لأن الأدلة صريحة .(1/157)
أما حديث مسلم " من توضأ 4" وورد في لفظ " من اغتسل " ، وحديث سمرة " من توضأ فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل " ، هذا لا يثبت عن النبي ( ، وفعل عثمان رضي الله عنه أنكر عليه عمر رضي الله عنه . فالأقرب : ما ذهب إليه الظاهرية ، وإذا كان الإنسان له رائحة ونحو ذلك هذا يتأكد في حقه الوجوب .
..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متى يبدأ وقت الغسل ؟ هذا موضع خلاف ، والأقرب في هذا : أن وقت غسل الجمعة يبدأ من بعد طلوع الفجر من يوم الجمعة ، لأن هذا الغسل مضاف إلى اليوم ، واليوم يبدأ من بعد طلوع الفجر ، فغسل الجمعة له وقتان :
1 - الوقت الأول : وقت الإجزاء ، وهذا الوقت المجزئ ، يبدأ من طلوع الفجر ، لما سبق أن ذكرنا أن غسل الجمعة مضاف إلى اليوم ، واليوم يبدأ من طلوع الفجر ، ويمتد إلى حضور الصلاة ، وسيأتينا في باب صلاة الجمعة ، أنه يجب على من كان أهلاً لصلاة الجمعة أن يحضر قبل الخطبة ، بحيث يستمع الخطبة ، لأن الله عز وجل قال ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ? ، فيجب أن يحضر الخطبة ، وعلى هذا يكون يمتد وقت الغسل إلى ما قبل دخول الإمام ، بحيث يتمكن من الاغتسال ، والذهاب إلى صلاة الجمعة ، هذا وقت الإجزاء ، فأصبح عندنا وقت الإجزاء يبدأ من طلوع الفجر الثاني ، ويستمر إلى قبيل الخطبة ، بحيث يغتسل في وقت يتمكن فيه من الذهاب واستماع الخطبة .(1/158)
2 - وأما الوقت الثاني : فهو وقت الاستحباب ، ويكون عند الذهاب لصلاة الجمعة ، يؤخر الاغتسال إلى وقت الذهاب لأنه أبلغ في التنظف ، ولاشك أن غسل الجمعة يراد به التنظف لهذه الصلاة ، وهل الغسل للصلاة أو لليوم؟ هذا فيه خلاف ، الجمهور : أنه للصلاة ، وهذا هو الصواب ، خلافاً للظاهرية ، فإن الظاهرية (ابن حزم) يرى أن غسل يوم الجمعة لليوم وليس للصلاة
وعيد ومن غسل ميت.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا لو اغتسل بعد الصلاة أجزأ وهذا فيه نظر .
"وعيد" أيضاً يستحب أن يغتسل للعيد ، وهذا لم يثبت فيه شيء مرفوع للنبي ( ، وورد فيه حديثان عن النبي ( ، وهما ضعيفان ، لكن ثبت ذلك عن الصحابة كابن عمر رضي الله عنهما ، فنقول : يستحب الاغتسال لصلاة العيد لثبوته عن الصحابة كإبن عمر رضي الله عنهما .
ووقت الاغتسال لصلاة العيد كما تقدم نقول : من طلوع فجر يوم العيد ، لأن الغسل مضاف إلى يوم العيد ، ويوم العيد يبدأ من طلوع الفجر ، إلى وقت الذهاب إلى صلاة العيد .
"ومن غسل ميت" أي : من غسل ميتاً فإنه يستحب له أن يغتسل ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " من غسل ميتاً فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ 180" ، وهذا الحديث روي مرفوعاً ، وموقوفاً ، والصواب : أنه موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه ، كما ذكر البخاري ، رجح أنه موقوف على أبي هريرة ، وكذلك أيضاً أبو حاتم ، رجح أنه موقوف وغيرهما . فالصواب : أنه موقوف على أبي هريرة ، وعلى هذا نقول : لو رووه عن الصحابة رضي الله عنهم ، فيستحب لمن غسل الميت أن يغتسل ولمن حمله أن يتوضأ ، ولا يجب لأن النبي ( لم يأمر اللاتي غسلن ابنته كأم عطية رضي(1/159)
وإفاقة من جنون وإغماء بلا إنزال ولكسوف....................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله عنها بالاغتسال ، ولو كان واجباً لأمرهن النبي ( بذلك ، وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ( لم يأمر الذين غسلوا من وقصته راحلته بالاغتسال .
" وإفاقة من جنون وإغماء بلا إنزال " أي : يستحب لمن أفاق من جنون وإغماء أن يغتسل لما ثبت في الصحيحين ، أن النبي ( اغتسل من الإغماء 181" ، حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي ( لما أغمي عليه اغتسل ، وقيس الجنون ، لأن الجنون آكد من الإغماء ، لأنه إذا شرع ذلك من المغمى عليه ، والإغماء تغطية للعقل ، فالجنون الذي هو زوال للعقل من باب أولى .
وكذلك أيضاً لو أن الإنسان تناول دواءً يغطي على العقل كالبنج ونحو ذلك مثلاً : أجري له عملية وأعطي هذا الدواء الذي يغطي على عقله ، نقول : يستحب له أن يغتسل ، وقال المؤلف " بلا إنزال " لأنه إذا أنزل فإن الاغتسال في حقه واجب - كما تقدم
" ولكسوف " أي : يستحب أن يغتسل للكسوف ، والدليل على ذلك قالوا : القياس على مشروعية الاغتسال لصلاة الجمعة وصلاة العيدين ، بجامع أن كلاً منهما عبادة يجتمع الناس لها ، وهذا القياس فيه نظر ، لأن الظاهر أنه قياس في مقابلة النص ، فالظاهر أن النبي ( لم يغتسل بل النبي ( لما كسفت الشمس خرج مسرعاً يجر رداءه حتى لحق النبي ( بردائه2 ، وهذا يدل على : أن النبي ( لم يتوانى بالاغتسال وإنما بادر إلى الصلاة ، فظاهر حال النبي ( أنه لم يغتسل لصلاة الكسوف .
واستسقاء وإحرام ودخول مكة.............................................................................................(1/160)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه لا يشرع الاغتسال لصلاة الكسوف وهذا هو الصواب ، لأن هذا هو ظاهر فعل النبي ( . " واستسقاء " يقول المؤلف رحمه الله : يشرع الاغتسال لصلاة الاستسقاء ، والصواب في ذلك : كما ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه لا يشرع ، لأنه لم يحفظ عن النبي ( ذلك بل - كما سيأتينا - النبي ( خرج متخشعاً متبذلاً متضرعاً ..إلى آخره 182"، وقوله " متبذلاً " أي : في ثياب بذلة (الثياب التي تبتذل) ، ولا تكون للزينة والجمال ونحو ذلك . " وإحرام " أي : إذا أراد أن يحرم لحج أو عمرة فإنه يشرع له الاغتسال لما روي زيد بن ثبات رضي الله عنه " أن النبي ( تجرد لإهلاله واغتسل 183" وهذا الحديث أخرجه الترمذي وغيره وحسنه الترمذي ، وبعض أهل العلم ضعفه ، ولم يصح رفعه للنبي ( ، وعندنا غير ذلك أن النبي ( أمر أسماء بنت عميس رضي الله عنها لما ولدت في ميقات ذي الحليفة " أن تستثتبر وأن تغتسل" وهذا في صحيح مسلم ، وكذلك أيضاً عائشة رضي الله عنها لما حاضت أمرها النبي( " أن تغتسل وأن تحرم بالحج " الخ ، فيشرع الاغتسال للإحرام .
" ودخول مكة " أيضاً : يشرع الاغتسال لدخول مكة ، وهذا دليله حديث ابن عمر رضي الله عنهما : " أنه كان إذا قدم مكة بات بذي طوى حتى يصبح ثم يغتسل ، ويذكر أن النبي ( كان يفعل ذلك " ،
وطواف إفاضة ووداع ، ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ورمي جمار......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الاغتسال لدخول مكة لا يشرع إذا اغتسل للإحرام ، فإذا اغتسل للإحرام فإنه يكتفى بذلك ، إلا إذا طالت المدة بين الاغتسال للإحرام ودخول مكة ، فإنه يشرع الاغتسال لدخول مكة ، أما إذا لم تطل المدة ، مثل وضعنا(1/161)
الآن تجد أن الإنسان يغتسل للإحرام ثم بعد ذلك ، الساعة أو ساعتين أو ثلاث ونحو ذلك تجده قد دخل مكة ، فنقول : هنا لا فائدة من الاغتسال عند دخول مكة ، لأن المراد التنظف ، والتنظف هذا حصل عند الإحرام ، لكن لو طال الفاصل فإنه يشرع للإنسان أن يغتسل عند دخول مكة ، كما في حال النبي ( فإن النبي ( يحرم في ذي الحليفة ، ويمكث مدة في الطريق ، يعني في حجة الوداع النبي ( جلس يمشي في الطريق تسعة أيام ، ولاشك بعد هذه الفترة سيلحقه شيء من تشعث الرأس وضناء الجسم ، ونحو ذلك ،
فنقول : في هذه الحالة يشرع أن يغتسل .
" وطواف إفاضة ووداع ، ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ورمي جمار " .
أيضاً : طواف الإفاضة ، يقول المؤلف : يشرع ، وهذا لم يحفظ عن النبي ( ، وأما تعليلهم أن هذه أنساك يجتمع لها الناس ، ويزدحمون فيعرقون ويؤذي بعضهم بعضها ، فيستحب الاغتسال ، نقول : هذا التعليل غير مسلم ،
النبي ( في صلاة الكسوف مع أنه فيه اجتماع ومع ذلك لم يغتسل عليه الصلاة والسلام ، وأيضاً المبيت بمنى فيه اجتماع ومع ذلك ما ذكروا المبيت بمنى أنه يشرع له أن يغتسل
..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلتهم في هذه الأشياء التي ذكروها طواف إفاضة ووداع ، ووقوف بعرفة ، ومبيت بمزدلفة ورمي جمار ، أنها أنساك يجتمع لها الناس ويزدحمون ويعرقون ، فيؤذي بعضهم بعضاً ، فاستحب الغسل كصلاة الجمعة ،
فنقول : ظاهر فعل النبي ( أنه لم يفعل ذلك ، وجابر رضي الله عنه لما ذكر صفة حجة النبي ( لم يذكر أنه عند الإفاضة اغتسل عند المبيت بمزدلفة اغتسل عند رمي الجمار اغتسل عند وقوف بعرفة اغتسل هذا كله لم يرد عن النبي ( .(1/162)
" الوقوف بعرفة " هذا ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه ، فإن ثبت عن عمر رضي الله عنه فيقال بالاستحباب ، لوروده عن عمر رضي الله عنه ، وإن لم يثبت فنقول : بأنه لا يشرع الاغتسال .
والغسل الكامل أن ينوي ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثاً...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
" والغسل الكامل أن ينوي ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثاً " قوله " الكامل " يفهم من عبارة المؤلف رحمه الله أن هناك غسلاً مجزئ ، فالغسل ينقسم إلى قسمين :
1 - غسل كامل . …2 - غسل مجزئ .
1 - الغسل الكامل : هو الذي اشتمل على الشرائط والواجبات والمستحبات.
2 - الغسل المجزئ : هو الذي اشتمل على الشرائط والواجبات دون المستحبات.
بدأ المؤلف رحمه الله في كيفية الغسل الكامل ، قال
" أن ينوي" وهذا سيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بالنية وصور النية ، ودليل ذلك حديث عمر رضي الله تعالى عنه ، أن النبي ( قال :" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى 184" فسيأتي ما يتعلق بصور النية .
" ثم يسمى " تقدم لنا التسمية والكلام عليها إلى آخره ، وأن المشهور من المذهب يرون أنها واجبة في الوضوء وفي الغسل وفي التيمم إلى آخره ، وعند أكثر أهل العلم : أنها ليست واجبة ، وإنما هي مستحبة فقط . " ويغسل يديه ثلاثاً " : يغسل يديه ثلاثاً ، أولاً : لأن السنة وردت بذلك وثانياً :كالوضوء ، لأن في الغسل الكامل يشرع له أن يتوضأ ، والمتوضئ يشرع له
وما لوثه ويتوضأ ويحثي على رأسه ثلاثاً تروِّيه ويعم بدنه غسلاً ثلاثاً متيامنا...............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يغسل يديه ثلاث مرات في بداية الوضوء .
" وما لوثه " أي : يغسل فرجه ، وما أصابه من الأذى ، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها " لما بينت كيفية غسل النبي ( قالت : فيفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه 185" .(1/163)
" ويتوضأ " يتوضأ وضوءه للصلاة كاملاً ، وهذا دليله حديث عائشة رضي الله عنها لما ذكرت كيفية غسل النبي ( ذكرت أنه توضأ وضوءه للصلاة ، وأيضاً حديث ميمونة رضي الله عنها ، وعلى هذا يتوضأ وضوءه للصلاة ، يتمضمض ويستنشق ، ويغسل وجهه إلى آخره ، يتوضأ وضوءاً كاملاً كما ذكر المؤلف رحمه الله .
" ويحثي على رأسه ثلاثاً تروِّية " وهذا دليله حديث ميمونة رضي الله عنها أنها قالت : " ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات 186" . " ويعم بدنه غسلاً ثلاثاً " أيضاً يعم بدنه غسلاً ، وهذا دليله حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " ثم أفاض على سائر جسده 3" وقالت ميمونة : " ثم غسل سائر جسده 4" .
" ثلاثاً " يعني : الرأس يغسله ثلاث مرات ، والبدن كذلك يغسله ثلاث مرات ، هذا المذهب ، وقالوا بأنه يثلث غسل البدن قياساً على الوضوء ، فإن الوضوء يستحب فيه التثليث ، وكذلك أيضاً غسل البدن يستحب فيه التثليث ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
ويدلكه.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه لا يستحب التثليث في غسل البدن ، وإنما يغسل بدنه مرة واحدة ، لقول عائشة رضي الله عنها : " ثم أفاض على سائر جسده 187" ولم تذكر التثليث ، وقول ميمونة رضي الله عنها " ثم غسل سائر جسده 2" ولم تذكر التثليث . وعلى هذا نقول : الصواب أنه لا يثلث غسل بدنه ، وإنما يغسله مرة واحدة ، ويبدأ بالشق الأيمن ثم الشق الأيسر ، لأن النبي ( كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره ، وفي شأنه كله .
" ويدلكه " أي : يدلك بدنه أثناء الغسل ،(1/164)
والعلة في ذلك : أنه أنقى ، وأيضاً : لكي يتيقن من وصول الماء إلى المغابن ، يعني : بعض الأماكن التي قد لا يصلها الماء أثناء إفاضة الماء ، فكونه يمر يده على بدنه هذا مستحب ولا يجب ، ودليله كما ذكرنا أنه أنقى ولكي يتمكن من وصول الماء إلى مغابنه .
وقال العلماء رحمهم الله : يتفقد الأماكن التي قد لا يصلها الماء ، المطلوب من الإنسان الظن ، إذا ظن أنه عمم بدنه بالماء يكفي ، لكن يستحب له أن يتفقد الأماكن التي قد لا يصلها الماء ، مثل غظاريف الأذن ، طي الركبتين ، وما تحت الحلق وعمق السرة إلى آخره ، قالوا : هذه يستحب أن يتفقدها ولا يجب ذلك ، الواجب أن يظن أن الماء وصل إلى جميع البدن .
ويغسل قدميه بموضع آخر....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويغسل قدميه بموضع آخر " وعلى هذا يغسل قدميه مرتين :
1 - المرة الأولى في الوضوء لأنه سيتوضأ ، وبعد أن يتوضأ يغسل رأسه ثلاث مرات وجسده مرة واحدة .
2 - المرة الثانية : إذا انتهى من غسل الجسد يذهب ويغسل قدميه ، فيكون غسل قدميه مرتين .
واستدلوا على ذلك بقول ميمونة رضي الله عنها " ثم تنحى فغسل رجليه 188" فالنبي ( غسل رجليه مرتين ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أنه ما يغسل رجليه مرتين ، وإنما يكتفي بالغسل الأول ، يعني : يتوضأ وضوءه للصلاة ، لأنه إذا توضأ وضوءه للصلاة غسل قدميه ، ما فيه حاجه إلى أن يغسله مرة ثانية ، وهذا قال به أبو حنيفة رحمه الله .
والرأي الثالث : أنه يكفي غسلهما مرة واحدة في الغسل ، وهذا قول المالكية والشافعية ، يعني : عند الحنفية يغسل قدميه مع الوضوء ،
وعند الشافعية والمالكية : ما يغسلهما مع الوضوء ، وإنما يغسلهما مع الغسل .(1/165)
وقال بعض العلماء : إنما غسل النبي ( قدميه - كما في حديث ميمونة - لأن المكان كان فيه شيء من الطين والدحط فغسل ، فعلى هذا نقول : إن احتاج إلى ذلك يغسل ،
والمجزئ أن ينوي ويسمي ويعم بدنه غسلاً مرة ويسن وضوء بمد واغتسال بصاع.............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصواب : أنه يغسل قدميه مرة واحدة مع الوضوء ، لكن إن احتاج غسل وإن لم يحتج فإنه لا يغسل ، أو يقال : بأن هذا من السنن المتنوعة ، تارة يتوضأ ويغسل قدميه كاملة ، ولا يغسلها مع الغسل وتارة يتوضأ ويترك غسل قدميه ويغسلهما مع الغسل كيف نجمع بين الحدثين ؟
لأن عائشة ذكرت " أنه توضأ وضوءه للصلاة 189" ، وهذا يشمل غسل القدمين ، وميمونة : ذكرت " أنه تنحى عن مقامه فغسل قدميه 190" ، فقال بعض العلماء في الجمع : أن المكان كان فيه شيء من الطين ، فاحتاج النبي ( أن يغسل قدميه مرة أخرى .
أو نقول في الجمع : أنه في بعض الأحيان يتوضأ وضوءه للصلاة كاملاً ولا يغسل قدميه ، وفي بعض الأحيان يترك غسل القدمين مع الوضوء ، ويغسلهما مع الغسل ، وبعد غسل القدمين يذكر الأذكار التي تقدمت في الوضوء." والمجزئ أن ينوي ويسمي ويعم بدنه غسلاً مرة " تقدم لنا : أن المجزئ هو الذي يشتمل على الشرائط والواجبات دون المستحبات ، فيكفي أن ينوي ويسمي ، لأنهم يرون التسمية واجبة ، ويعم بدنه بالماء مع المضمضة ، والاستنشاق ، لأن الأنف والفم - كما تقدم لنا - من الوجه ، فالغسل المجزئ تنوي وتعمم بدنك بالماء ويكفي هذا . " ويسن وضوء بمد واغتسال بصاع " ، يسن أن يتوضأ بالمد ، وأن يغتسل بالصاع ،
لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي ( كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع3" وهذا في
وكره اسراف وإن أسبغ بدونه أو نوى بغسله الحدثين أو استباحة الصلاة كفى..............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيحين ، فيستحب للإنسان أن يقتصر في وضوءه على المد وفي غسله على الصاع .(1/166)
الوضوء أيضاً ورد في السنة بثلثي مد ، وأما ثلث مد فهذا لا أصل له .
" وكره اسراف " أي يكره للإنسان أن يسرف بالماء لقول النبي عليه الصلاة والسلام (سيكون أقوام من أمتي يعتدون في الطهور والدعاء 191) فالإسراف هذا مكروه
وأيضاً يدل لذلك عمومات النهي عن الإسراف كقوله تعالى {ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } الآية
وكيف يكون عدم الإسراف ؟
يعني كان الناس في الزمن السابق يتوضئون بالإناء يتوضئون بالجفنه ونحو ذلك لكن في وقتنا الآن قد لا يوجد الإناء أو جفنه يجمع فيهما الماء ويتوضأ منه .
فنقول : ضابط العدل وعدم الإسراف أن يقتصر الإنسان على السنة ولا يزيد على السنة لا يزيد على الثلاثة في بعض الأحيان كما قلنا , بعض الأحيان يتوضأ مرتين وأيضاً يكون صب الماء معتدلاً فإذا كان كذلك يكون هذا عدم الإسراف
" وإن أسبغ بدونه " أي أسبغ بدون المد الوضوء وبدون الصاع في الغسل يجزئ لو أن الإنسان توضأ بأقل من مد أو إغتسل بأقل من صاع فنقول بأن هذا حكمه مجزئ,
" أو نوى بغسله الحدثين أو استباحة الصلاة كفى " هنا ذكر المؤلف رحمه الله صور النية:
أو نوى بغسله الحدثين أو استباحة الصلاة كفى ويسن لجنب غسل فرجه ووضوءه لنوم....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 -قوله " أو نوى بغسله الحدثين " أن ينوي رفع الحدثين فنقول : هذا يجزئ ويرتفع عنه الحدثان,
1- أن ينوي رفع الحدث الأكبر فهل يرتفع الأصغر أو لا يرتفع ؟
هذا موضع خلاف والصواب أنه يرتفع,
2- قوله " أو استباحة الصلاة " أن ينوي ما تجب له الطهارة كأن ينوي بغسله أن يصلي ما نوى رفع الحدث ، لكن نوى أن يغتسل لكي يصلي فنقول يرتفع عنه الحدثان .
3- الصورة الرابعة " أن ينوي الحدث ويطلق " ما ينوى رفع الحدث الأكبر وإنما نوى رفع الحدث ، فنقول : بأنه يجزئ ويرتفع عنه الحدثان .(1/167)
4- الصورة الخامسة " أن ينوي ما يسن له الغسل " مثل غسل الجمعة - على القول بأنه مستحب - فإذا اغتسل للجمعة ، هل يرتفع الحدث الأصغر أولا ؟ وهل يرتفع الحدث الأكبر أو لا ؟
الصواب : أنه يرتفع إذا نوى غسل الجمعة مثلاً وعليه حدث أكبر وهو ناسٍ الحدث الأكبر ، فنقول : بأنه يرتفع الحدث الأكبر .
" ويسن لجنب غسل فرجه ووضوءه لنوم .. " ، يسن لمن عليه جنابة ، وكذلك أيضاً ألحق العلماء الحائض والنفساء لمن عليه جنابة إذا أراد أن ينام أن يغسل فرجه ، وأن يتوضأ
وأكل وشرب ومعاودة وطء....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضوءه للصلاة ، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها ، أن النبي ( : " كان إذا أراد النوم وعليه جنابة غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة 192" .
وأيضاً حديث عمر رضي الله عنه أنه سأل النبي ( أيرقد أحدنا وهو جنب؟ فقال النبي ( : نعم إذا توضأ 193"
والعلماء رحمهم الله يقولون : يكره للجنب أن ينام وهو على غير طهارة ، فيستحب له وترك ذلك مكروه .
" وأكل وشرب " وأيضاً إذا أراد الجنب أن يأكل أو أن يشرب يستحب له أن يغسل فرجه ، ويتوضأ وضوءه للصلاة ، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم ، أن النبي ( رخص للجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب أن يتوضأ 194".
" ومعاودة وطء " أي : إذا جامع ثم أراد أن يجامع مرة أخرى ، فيستحب له ما تقدم ، ودليل ذلك قول النبي ( : " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا4 " ، فهذه مستحبة ، يعني : يستحب الوضوء وغسل الفرج إلى آخره ، وإن رفع الحدث الأكبر هذا أحسن ، ولا يكره الأكل والشرب أو الجماع مرة ثانية وهو جنب ، هذا غير مكروه ، إلا فيما يتعلق بالنوم ، النوم هو الذي قال العلماء رحمهم الله على أنه يكره أن ينام وهو جنب(1/168)
ويباح حمام مع أمن محرم مع أمن محرم..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويباح حمام مع أمن محرم " الحمام : هذه كانت وجدت في أواخر عهد الصحابة لما حصلت الفتوحات وجدت هذه الحمامات ، وهي المغتسلات العامة ، ويكون ماءً مسخناً ، إلى آخره ، ويأتيه الرجال ويغتسلون ، وقد يكون هناك حمام للنساء ، فهذا يقول المؤلف رحمه الله : يباح للرجل أن يدخل حمامات الرجال والمرأة تدخل حمامات النساء ، بشرط ، قال :
" مع أمن محرم " ، وذلك بأن يسلم من النظر إلى عورات الناس ، وأن يسلم الناس من النظر إلى عورته ، فإذا كان كذلك أجزأ ، وأما إذا كان سيوقع في المحرم فإنه لا يجزئ
باب التيمم....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب التيمم
مناسبة هذا الباب لما قبله : أن المؤلف رحمه الله لما ذكر الطهارة بالماء ذكر بدلها، وهو : الطهارة بالصعيد الطيب ، والتيمم من خصائص هذه الأمة ،
الصعيد الطيب (ما تصاعد على وجه الأرض) لم يجعل طهوراً إلا لهذه الأمة ، والأدلة على ذلك كثيرة ، كحديث جابر وحديث حذيفة رضي الله تعالى عنهما ،
ففي حديث جابر رضي الله عنه أن النبي ( قال : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي " وذكر من هذه الخمسة " وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل فعنده مسجده وطهوره 195" .
" باب التيمم " التيمم في اللغة : القصد .
وأما في الاصطلاح : فهو التعبد لله عز وجل بمسح الوجه والكفين بالصعيد الطيب على وجه مخصوص .
والأصل في التيمم : الكتاب والسنة والإجماع ،
أما الكتاب : فقول الله تعالى ( فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيداً طيباً } ،(1/169)
التيمم بدل عن طهارة ماء عند عجز عنه شرعاً فإذا دخل وقت فرض أو أبيح نفل..............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما السنة : كما أسلفنا من حديث جابر وحديث حذيفة وحديث عمران ، وحديث عمار رضي الله عنهم ،
والإجماع : منعقد على مشروعية التيمم عند وجود شرطه .
" التيمم بدل عن طهارة ماء عند عجز عنه شرعاً " ، التيمم بدل عن طهارة الماء ، فلا يجوز عند وجود الماء والتمكن من استعماله ، وإنما يشرع التيمم عند عدم الماء أو لتعذر استعمال الماء ، كما سيأتي بيانه .
" فإذا دخل وقت فرض أو أبيح نفل " يفهم من كلام المؤلف رحمه الله أن التيمم لا يباح إلا بعد دخول وقت الفرض أو النافلة المؤقتة ، إذا أراد أن يتيمم للنافلة ، يعني : إذا أراد أن يتيمم لصلاة مؤقتة فإنه لا يتيمم لها إلا بعد دخول وقتها ، وإن كانت الصلاة النافلة غير مؤقتة ، كانت مطلقة ، فإنه يتيمم إذا أبيحت ،
فمثلاً: إذا أراد أن يصلي صلاة الظهر لا يتيمم إلا بعد دخول وقت صلاة الظهر - بالزوال - وإذا أراد أن يصلي سنة الظهر القبلية ، لا يتيمم إلا بعد دخول وقتها ، وقت السنة القبلية ووقت السنة القبلية : هو وقت الصلاة .
وإذا أراد أن يتيمم لنافلة مطلقة -كتطوع المطلق- فإنه لا يتيمم له إلا بعد خروج وقت النهي ، لأن النفل المطلق لا يشرع في أوقات النهي ، فإن تيمم في وقت النهي يكون تيمم له قبل وقته ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله مبني على مسألة : وهي هل التيمم مبيح أو رافع؟
والعلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان :(1/170)
1 - الرأي الأول : أن التيمم مبيح ، كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أو كما يؤخذ من كلامه رحمه الله ، وهو قول الإمام مالك والشافعي رحمهما الله .
2 - الرأي الثاني : رأي أبي حنيفة وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله : أن التيمم رافع وليس مبيحاً . ولكل منهم دليل أما الذين قالوا : بأنه مبيح ، استدلوا بأدلة ، من هذه الأدلة حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه : لما أجنب وخشي على نفسه إن اغتسل من شدة البرد ، فتيمم وصلى بأصحابه ، فقال النبي ( : " صليت بأصحابك وأنت جنب196" فسماه النبي ( جنباً ، مما يدل على أن حدثه لم يرتفع- الجنابة لم ترتفع- وإنما أبيح له أن يصلي بالتيمم ، وكذلك أيضاً استدلوا بقول النبي ( في حديث أبي ذر رضي الله عنه " الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته 197" ، قال " وليمسه بشرته " ، هذا يدل على أنه ليس رافعاً ، حديث عمران رضي الله عنه في صحيح البخاري ، في قصة الرجل الذي أجنب ولم يجد ماءاً ، فقال النبي ( " عليك بالصعيد فإنه يكفيك " فلما جاء الماء قال النبي ( " خذ هذا فأفرغه عليك 198" مما يدل على أنه مبيح وليس رافعاً .
والذين قالوا : بأنه رافع استدلوا بأن النبي ( سماه طهوراً وسماه وضوءاً ، والطهور مطهر
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" الصعيد الطيب وضوء المسلم " " طهور المسلم " وهذا يدل على أنه رافع وليس مبيحاً ، وأيضاً أن الله عز وجل جعله بدلاً عن طهارة الماء ، والأصل : أن البدل يأخذ حكم المبدل
قال الله تعالى ( فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً(1/171)
طيباً } ، فالبدل يأخذ حكم المبدل ، وهذا هو القول الصواب ، أنه رافع وليس مبيحاً ،
وأن الفرق بينه وبين الماء : أن الماء يرفع رفعاً مطلقاً ، وأما التيمم فإنه يرفع رفعاً مقيداً ، يرفع الحدث إلى وجود الماء أو القدرة على استعماله ، إذا كان التيمم لتعذر استعمال الماء بسبب مرض ونحوه كما سيأتي إن شاء الله .
وأما قول النبي ( لعمرو بن العاص رضي الله عنه " صليت بأصحابك وأنت جنب 199" ، فالجواب عن هذا : أنه كما تقدم أن التيمم لا يرفع رفعاً مطلقاً ، وإنما يرفع رفعاً مؤقتاً ، فإذا وجد الماء فإنه يجب عليه أن يغتسل ، لأن التيمم رفع عنه الحدث إلى وجود الماء ، فلا يزال أثر الحدث باقياً عليه .
والجواب الثاني : أن النبي ( أقره على ذلك ، ذكر أنه خشي على نفسه ، وأقره النبي ( على تيممه ، فالنبي ( قال :" صليت بأصحابك وأنت جنب " فلما ذكر له عذره في ذلك أقره النبي ( على ذلك .
وأما قول النبي ( " فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته " وقوله في حديث عمران "
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفرغه عليك 200" ، الجواب كما تقدم أن هذا محمول على أنه يرفع رفعاً مقيداً ، وليس مطلقاً .
هذا الخلاف هل هو رافع أو مبيح يترتب عليه مسائل :(1/172)
1 - المسألة الأولى : مما يترتب على هذا الخلاف : هل يشترط لصحة التيمم دخول الوقت أو ليس شرطاً ؟ فإذا قلنا بأنه مبيح ، فإنه يشترط ، وإذا قلنا بأنه غير مبيح ، فإنه لا يشترط ، وعلى هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله هذا فيه نظر ، فلا يشترط للتيمم دخول الوقت ، وعلى هذا لو أنه لم يجد الماء وتيمم لصلاة الظهر قبل دخول وقتها نقول : بأن تيممه صحيح
2 - المسألة الثانية : هل يبطل التيمم بخروج الوقت أو لا يبطل ؟ إذا قلنا بأنه مبيح ، فإنه يبطل بخروج الوقت ويحتاج إلى أن يتمم مرة أخرى بعد دخول وقت الصلاة التي تليه ، وإذا قلنا بأنه رافع كالماء ، فإنه لا يبطل بخروج الوقت .
3 - المسألة الثالثة : أنه إذا قلنا بأنه مبيح ، فلابد أن يعين ما يتيمم له من عبادة لابد أن يعين العبادة ، التي يتيمم لها ، وهذه العبادة التي يتيمم لها يستبيحها ، وما كان مثلها ودونها ، ولا يستبيح ما هو أعلى منها ، مثال ذلك : تيمم للسنة الراتبة ، فإنه يستبيح السنة الراتبة ، وما كان دونها ، دون السنة الراتبة ، كمس المصحف له أن يمس المصحف ، لكن ما فوقها ليس له ذلك ، فمثلاً : هل له أن يصلي صلاة الفرض بهذا التيمم أو ليس له ذلك ؟ نقول : ليس له ذلك .
وعدم الماء.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويرتبون العبادات - يذكرونها مرتبة - بحيث أنه إذا نوى هذه العبادة ، فإنه يستبيحها ومثلها وما كان دونها ، إذا كان هناك أعلى منها فإنه لا يستبيح الأعلى ، وأعلى الشيء فرض العين ، فصلاة الظهر فرض عين ،
مثلاً : إذا نوى التيمم لصلاة الظهر ، فإنه يستبيح صلاة الظهر ، وما كان دونها ، يعني يستبيح صلاة الظهر وفرض الكفاية والنذر ومس المصحف وطواف النفل ، وطواف الفرض إلى آخره - كما سيأتي إن شاء الله - وعلى هذا هم يرتبون العبادات كما سيأتي بيان ذلك(1/173)
" وعدم الماء " متى يباح التيمم ؟ يباح التيمم إذا لم يقدر على استعمال الماء حقيقة أو حكماً :
حقيقة : عدم الماء ، لم يكن الماء عنده ولا قريباً منه عرفاً ، فإن كان الماء عنده أو كان قريباً منه عرفاً ، فإنه يجب عليه أن يذهب إليه .
أو حكماً : أن يكون الماء موجوداً لكن لا يتمكن من استعماله للمرض يخشى زيادة المرض يخشى لو ذهب إليه على نفسه من عدو أو سبع يخشى على ماله .
المهم التيمم يباح إذا عدم الماء حقيقة أو حكماً ، وحقيقة - كما قلنا - إذا لم يجد الماء بالكلية ، أو حكماً إذا كان واجداً للماء ، لكن لا يتمكن منه إما لكونه مريضاً إلى آخره ، كما سيذكره المؤلف رحمه الله .
" وعدم الماء " ودليل ذلك قول الله عز وجل ( فلم تجدوا ماءاً }، ولم يذكر المؤلف
أو زاد على ثمنه كثيراً.........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رحمه الله ضابط العدم ،
وضابط العدم : هو أن لا يجد الماء في رحله - في منزله- ولا قريباً منه ، أي لابد أن يبحث عن الماء .
فإن كان في رحله أو كان قريباً منه فإنه ليس عادماً ، وإن كان بعيداً عرفاً فإنه عادم وله أن يتيمم .
ويجب طلب الماء ، لأنه لا يكون عادماً إلا بعد الطلب ، والله عز وجل قال ( فلم تجدوا } فلا يكون غير واجد إلا بعد الطلب فلابد أن يطلب الماء .
" أو زاد على ثمنه كثيراً " هذا عدم للماء حكماً ، يعني : الماء موجوداً ويباع لكنه زاد على ثمنه كثيراً ، ولم يذكر المؤلف رحمه الله ضابط الكثرة ، فيرجع فيها إلى العرف فينظر إلى الزيادة هذه ، إن كانت الزيادة قليلة عرفاً فيجب عليه أن يشتري،
مثلاً : الماء اللتر في العادة يباع بريال ، فأصبح بريال ونصف أو بريالين هذه الزيادة يسيرة عرفاً ، لكن لو أصبح بعشرة ريالات أو سبعة ريالات ، هذه كثيرة عرفاً ،(1/174)
فنقول : ننظر إلى الزيادة ، إن كانت الزيادة يسيرة عرفاً فإنه يجب عليه أن يشتريه ، لأن الوضوء الواجب وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب ، وإن كانت كثيرة عرفاً فإنه لا يجب عليه أن يشتريه ،
فمثلاً : سبعة ريالات هذه كثيرة عرفاً للتر واحد ، لأن اللتر في العادة يكون بريال واحد
أو خاف باستعماله ضرر بدنه أو رفيقه................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال بعض العلماء : لا يقيد بالكثرة والقلة عرفاً ، وإنما يقيد بالإجحاف ، يعني : إذا كانت الزيادة تجحف بماله فإنه لا يجب عليه أن يشتريه ، وإذا كانت لا تجحف بماله ، فإنه يجب عليه أن يشتريه ،
فمثلاً : رجل مسافر ووجد الماء يباع ومعه مائة ريال ، ويباع بعشرة ريالات ، عشرة ريالات هذه لا تجحف لكن لو كان ما معه إلا ثلاثين ريال والباقي يحتاجه ، فهنا يجحف ، فقيده بعض العلماء بالإجحاف ، بإجحاف المال ، هذه الصورة الأولى ذكر المؤلف رحمه الله من عدم الماء حكماً .
" أو خاف باستعماله ضرر بدنه " الصورة الثانية : إذا خاف باستعمال الماء ضرر بدنه كإنسان مريض مثلاً فيه حمى ، أو فيه قروح انتشرت في بدنه ، وإذا استعمل هذا الماء يتضرر بدنه ، إما بزيادة المرض أو بالهلاك أو فوات منفعة ، أو بتأخر البرء ، أو يبقى أثر يشين الجسم بعد البرء ، هذه كلها صور للضرر ،
المهم إذا كان سيلحق بدنه ضرر إذا استعمله فنقول : يعدل إلى التيمم .
" أو رفيقه " هذه الصورة الثالثة : خاف باستعماله ضرر رفيقه ، يعني عنده ماء وإذا استعمله فإن رفيقه سيعطش ، فنقول : يتيمم ويترك هذا لرفيقه لكي يشربه ، لأن حرمة هذا الرفيق مقدمة على الصلاة ،
ويشترط لهذا الرفيق أن يكون محترماً ، فإن كان غير محترم بأن يكون مباح الدم كالمرتد
أو بهيمة محترمة تيمم ومن وجد ماءً يكفي بعض طهره استعمله ثم تيمم "....................(1/175)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو زاني محصن ولم يتب أو حربي - بينه وبينه حرب - (كافر) فهنا يستعمل هذا الماء لأن هذه النفس ليست محترمة .
" أو بهيمة محترمة تيمم " هذه الصورة الرابعة : خاف باستعمال الماء ضرر بهيمة محترمة ، هذا الماء إما أن يستعمله وإما أن يتركه لهذه البهيمة لكي تشربه ،
فنقول : أتركه لهذه البهيمة لكي تشربه لكن يشترط لهذه البهيمة أن تكون محترمة ، فإن كانت غير محترمة كالخنزير أو الكلب العقور أو السبع أو الذئب أو الأسد ونحو ذلك ، هذه ليست محترمة ، بل السنة قتلها - السنة قتل كل ما كان مؤذٍ طبعاً-
فنقول : يستعمل الماء ولو هلكت .
الصورة الخامسة : لو خاف باستعماله ضرر ماله - هلك ماله - أو خاف على حرمته ، مثال : لو ذهب يطلب الماء يخشى على ماله من السرقة أو يخشى على أهله ،
نقول : بأنه يتيمم .
الصورة السادسة : إذا كان يلحقه باستعمال الماء حرج ومشقة كمريض ، الماء عنده قريب ، لكن إذا قام من منامه ، مثلاً : في المستشفى وقد أجرى عملية وإذا قام سيذهب إلى الماء ، يلحقه ضرر ومشقة يحرج ويتعب فإنه يتيمم في هذه الحالة .
" ومن وجد ماءً يكفي بعض طهره استعمله ثم تيمم " مثلاً : رجل وجد الماء يكفي للمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه ، نقول : استعمل والباقي تيمم عنه ، يعني : تمضمض
والجريح يغسل الصحيح ويتيمم لما يضره الماء مرتباً متوالياً في حدث أصغر.....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واستنشق واغسل وجهك ، والباقي تيمم عنه ،
ودليل ذلك قول الله عز وجل ( فاتقوا الله ما استطعتم } ،
وأيضاً قول النبي ( : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم 201" ،
وهذا هو المذهب والشافعية .
وعند الحنفية والماليكة ، أنه يعدل إلى التيمم ،
والأظهر ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية .(1/176)
ومثل ذلك أيضاً : لو كان الإنسان عنده مرض لا يستطيع استعمال الماء في بعض أعضائه ، مثلاً : عنده مرض في فمه أو في أنفه، لا يستطيع استعمال الماء - لا الغسل ولا المسح- فإنه يعدل إلى التيمم عن هذا الجزء .
" والجريح يغسل الصحيح ويتيمم لما يضره الماء مرتباً متوالياً في حدث أصغر " الجريح : هذا تقدم أن تكلمنا عليه في المسح على الخفين ، وذكرنا أن الجريح ينقسم إلى أقسام :
1 - القسم الأول : أن يكون عليه جبيرة ونحو ذلك مما يوضع على الكسور والجروح إلى آخره ، فهذا يمسح على جميع الجبيرة ، ولا يكتفي بأن يمسح على الأعلى فقط ، وهذا يقع فيها بعض المرضى يمسح على الأعلى يظنها كالخف ، وهذا غير صحيح ، بل يجب عليه أن يمسح على جميع الجبيرة ، أعلاها وأسفلها .
مرتبا متواليا........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- القسم الثاني : أن لا يكون عليه جبيرة أو خرقة ونحو ذلك مما يستعمل من الجبس والقطن والشاش ، ويتمكن من غسل الجرح فإنه يمسحه إن كان يتمكن منه ، ولا حاجة إلى التيمم .
3 - القسم الثالث : ليس عليه شيء من الجبائر أو اللصوق ، ويضر الغسل والمسح ، فهنا يعدل إلى التيمم .
" الجريح يغسل الصحيح " الجريح يغسل الصحيح ، فإذا كان الجرح مثلاً في يده اليسرى فإنه يغسل الصحيح ، يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ويغسل يده اليمنى وأيضاً يغسل الصحيح من يده اليسرى وأما الجرح فكما تقدم ذكرنا أقسامه ، ثم بعد ذلك يمسح رأسه ويغسل رجليه ، إذا كان يضره الغسل أو المسح كما تقدم فإنه يتيمم .
" مرتباً متوالياً " قال المؤلف رحمه الله لابد في التيمم من أمرين :
1 - الأمر الأول : الترتيب . …2 - الأمر الثاني : التوالي .
وكيف الترتيب ؟(1/177)
الترتيب : إذا غسل الصحيح ثم جاء إلى موضع الجرح ولا يستطيع أن يغسله أو أن يمسحه فإنه يتيمم في أثناء الوضوء ،
مثال ذلك : رجل في يده اليسرى جرح وهذا الجرح لا يستطيع أن يغسله ولا أن يمسحه بالماء نقول : يجب عليك أن تتيمم عنه ، فيتوضأ يغسل وجهه مع المضمضة والاستنشاق ويغسل يده
في حدث أصغر........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليمنى ثم يغسل الصحيح من يده اليسرى ، ثم بعد ذلك يتيمم في أثناء الوضوء.
فينشف يديه ثم بعد ذلك يضرب التراب ثم يمسح وجهه وكفيه ، ثم بعد ذلك يواصل الوضوء ، فيمسح رأسه ويغسل رجليه ، هذا معنى الترتيب ، يعني : يتيمم إذا جاء محل الجرح الذي لا يستطيع أن يغسله أو أن يمسحه ، وهذا هو المذهب .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أنه لا يجب الترتيب ، بل قال شيخ الإسلام رحمه الله : الفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة ،
الصحيح أنه إذا انتهى من وضوءه أو من غسله أنه يتيمم ، ولا حاجة إلى أن يتيمم بين أعضاء الوضوء .
" متوالياً " أيضاً لابد من التوالي - ما يفصل- ما يكون هناك فاصل طويل بين التيمم وبين ما يغسل من الأعضاء ، أي : لابد أن يتيمم في أثناء الوضوء ولابد أن يكون هناك توالي
وأيضاً الصواب في هذه المسألة : أنه لا حاجة إلى الموالاة ،
وعلى هذا يتيمم بعد نهاية الوضوء أو الغسل ، وسواء تيمم بعد نهاية الوضوء مباشرة أو تيمم بعد فترة ، فقد يتوضأ الإنسان ثم إذا مضى فترة تيمم عن هذا الجرح ، أو يغتسل ثم بعد ذلك إذا مضى فترة تيمم عنه ، فهذا صواب ولا يشترط التوالي ، لأن كلاً منهما عبادة مستقلة ولا تلازم بينهما ، هذا الصواب في هذه المسألة .
" في حدث أصغر " أي : إذا تيمم عن حدث أصغر ، أما إذا تيمم عن حدث أكبر(1/178)
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيقولون : بأن الترتيب والتوالي ليس واجباً ، وعلى هذا لو كان في يده اليسرى جرح وأصابته جنابة ، فإنه يغسل الصحيح ، يغسل رأسه وسائر بدنه إلا موضع الجرح فإنه يتيمم عنه ، ولا يتمم عنه في أثناء الغسل على المذهب ولو تيمم عنه بعد نهاية الغسل فإن هذا جائز ولا بأس به ، فالموالاة ليست بلازمة والترتيب ليس بلازم . لماذا فرقوا بين الحدث الأصغر والأكبر ؟
لأنهم يفرقون بين الحدث الأصغر والأكبر في طهارة الماء ، فكذلك في طهارة التراب ، لأن التراب بدل ، فمثلاً : في الوضوء بالماء : يجب الترتيب والموالاة ، لكن الغسل ما يجب الترتيب ولا الموالاةمثلاً : لو أردت أن تغسل عن الجنابة فإنه ما يجب الترتيب تبدأ برجليك أو تبدأ برأسك أو تبدأ من وسطك كل هذا جائز فما دام أن الترتيب ليس واجباً في طهارة الماء في الحدث الأكبر فكذلك أيضاً الترتيب ليس واجباً في طهارة التراب في الحدث الأكبر .كذلك أيضاً التوالي على المذهب أنه ليس واجباً في الغسل .مثلاً : لو أن إنسان عليه جنابة وغسل رأسه ثم بعد فترة غسل بقية بدنه فإنه يصح على المذهب ، التوالي ليس واجباً في الحدث الأكبر .
وكذلك أيضاً التيمم عن الحدث الأكبر لا يشترط فيه التوالي .فيقولون : بأنه يتيمم ولا يجب عليه الترتيب ولا التوالي إذا كان عن حدث أكبر ، أما إذا كان عن حدث أصغر فإنه يجب عليه الترتيب والتوالي . الصواب في هذه المسألة نقول : الترتيب والتوالي لا يخلوا من أقسام :(1/179)
..............................................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ…
1 - القسم الأول : الترتيب والتوالي في الحدث الأصغر إذا كان بطهارة الماء فهذا واجب ، كما تقدم لنا ، أن الترتيب والتوالي من أركان الوضوء .
2 - القسم الثاني : الترتيب والتوالي في الحدث الأكبر إذا كانت الطهارة مائية ، فنقول الصواب : أن الموالاة واجبة ، وأما الترتيب فليس واجباً ، لو بدأ من الأسفل أو بدأ من الأعلى كل هذا جائز ، لأن البدن كالعضو الواحد ، كما لو أن الإنسان أراد أن يغسل يده اليمنى ، فسواء بدأ من أطراف الأصابع أو بدأ من المرفق كل هذا جائز ولا بأس به .
3 - القسم الثالث : الترتيب والتوالي إذا كانت الطهارة بالصعيد الطيب ، فنقول : بأن الترتيب والتوالي يجب مطلقاً ، سواءً كانت الطهارة عن حدث أكبر أو عن حدث أصغر فيجب أن يرتب بين مسح الوجه ومسح الكفين ، ويجب أن يوالي لأن صفة التيمم واحدة ، سواء كانت عن حدث أصغر أو أكبر.
4 - القسم الرابع : الترتيب والتوالي : إذا كان التيمم لأجل الجرح فنقول: الصواب : أن الترتيب والتوالي إذا كان التيمم لأجل الجرح ، أنه لا يجب ، سواء كان ذلك في طهارة الحدث الأصغر أو كان ذلك في طهارة الحدث الأكبر . وعلى هذا لو كان الإنسان في يده جرح ، فإنه يتوضأ ، وهذا الجرح إذا كان لا يستطيع أن يغسله ولا أن يمسحه ، نقول : إذا انتهيت تيمم ، فلا يجب الترتيب بحيث أنه يفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم ، ولا يجب التوالي ، سواء تيمم بعد الوضوء مباشرة أو تيمم بعد نصف ساعة أو ساعة إذا حضرت الصلاة .(1/180)
ويجب طلب ماء في رحله وقربه..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومثله أيضاً إذا اغتسل نقول : تغتسل ، وتغسل الصحيح إلا الجرح الذي يضرك غسله أو مسحه تتيمم عنه بعد نهاية الغسل ، ولا يشترط الترتيب ولا التوالي ، فإذا أراد أن يصلي تيمم عن هذا الجرح .
" ويجب طلب ماء في رحله " يجب طلب الماء ، ودليل ذلك قول الله عز وجل ( فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً? ، ولا يقال للإنسان بأنه لم يجد الماء إلا بعد الطلب ، فإذا عدم الإنسان الماء ، أو كان الإنسان في سفر وليس عنده ماء أو عنده ماء يحتاج للشرب أو للطعام ، فإنه يجب عليه أن يبحث عن الماء .
وأين يبحث عن الماء ؟
قال : " في رحله " أي في بيته ، وفي خيمته ، وفي أثاثه ، " ما يسكنه من البيت والخيمة والأثاث " يجب عليه أن يبحث في ذلك ، فقد يكون هناك ماء وهو لا يدري به .
" وقربه " أي : ما يقرب منه عرفاً من جهة الجنوب والشمال والغرب والشرق، كل ما كان قريباً منه عرفاً يجب عليه أن يقصده ، إذا كان بعيداً عرفاً ، فهذا ما يجب عليه أن يقصده.
وهذا يختلف أيضاً باختلاف الزمان والمكان ، مثل عندنا الآن ، إذا كان الإنسان
مثلاً : في الصحراء وما عنده سيارة وقريب عرفاً فهذا يجب عليه ، لكن إذا كان بعيداً عرفاً مثل : كيلو أو أربعة كيلو هذا ما يجب عليه أن يذهب إليه بل يتيمم ، وإذا كان معه
ومن رفيقه وبدلالة بلا ضرر...................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيارة ، هذه كيلوين ثلاث كيلو هذا قريب ، لكن عشرة كيلو ، عشرين كيلوا ، هذا بعيد ، ما يجب عليه أن يذهب ويتيمم ،(1/181)
المهم : أن هذا يختلف فإذا كان قريباً عرفاً يجب عليه أن يذهب إليه ، إذا كان بعيداً عرفاً ما يجب عليه أن يذهب إليه ، وكما قلنا هذا يختلف باختلاف المكان ويختلف باختلاف الشخص ، قد يكون كبير في السن لا يستطيع أن يمشي يتعب مثلاً لو مشى كيلو هذا بعيد عرفاً بالنسبة له ، هذا نقول : تيمم ، وقد يكون شاب نشيط يستطيع أن يمشي كيلو ، فهذا قريب عرفاً بالنسبة له .
" ومن رفيقه " أيضاً ، يسأل رفيقه إذا كان معه رفيق هل معه ماء ؟ أين يباع الماء؟ أين مكان الماء ؟ ويسال من حوله ، لأنه ربما يكون الماء منه قريب ، وهو لا يدري ، فلابد أن يبرئ ذمته ، وأن يسأل .
" وبدلالة بلا ضرر " إذا دله ثقة على الماء فإنه يجب عليه أن يذهب إليه
" بلا ضرر " فإذا كان لو ذهب إلى الماء يتضرر حتى ولو كان قريباً عرفاً ، يخشى على نفسه من عدو أو من سبع ، يخشى على حرمته ، يخشى على ماله من أن يسرق ، من أن يضيع ، فنقول : لا يجب عليه .
الخلاصة : أن الإنسان يجب عليه أن يبحث عن الماء في رحله وفيما قاربه عرفاً بلا ضرر ، يعني : يجب عليه أن يبحث عنه في مكانه ويجب عليه أيضاً أن يذهب إليه إذا كان قريباً عرفاً
قبله فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد ويتيمم لكل حدث.............................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بشرط عدم الضرر إما إن كان بعيداً عرفاً فإنه لا يجب عليه أن يذهب إليه ، وإن كان هناك ضرر فإنه لا يجب عليه أن يذهب إليه .
" قبله " أي : أنه يجب عليه أن يطلب الماء ويبحث عنه قبل التيمم ، ودليل ذلك كما تقدم قول الله عز وجل ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً? .
" فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد " إن نسي قدرته على الماء ،مثلاً : نسي أن في البيت ماء ، نسي أن في هذا المكان الفلاني الماء - هو يعلم أنه فيه ماء ولكنه نسي- ثم تيمم ،(1/182)
فيقول المؤلف رحمه الله بأنه يعيد ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى ، وأنه يجب عليه أن يعيد لأن الطهارة بالماء هي الأصل ، وهذا من باب الأوامر ولا يعذر فيها بالنسيان ما دام أنه يقدر على ذلك .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا نسي فإنه لا تجب عليه الإعادة لقول الله عز وجل ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ? .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، هذا هو أقرب وأحوط ، أنه إذا نسي قدرته على الماء أنه يعيد ، يتوضأ بالماء ويعيد الصلاة .
" ويتيمم لكل حدث " شرع المؤلف رحمه الله في بيان ما يتيمم له ، قال " يتيمم لكل حدث " ، وهذا يشمل الحدث الأصغر والأكبر ، فيتيمم للحدث الأصغر ، ويتيمم للحدث الأكبر ، ودليل ذلك قول الله عز وجل ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم
والنجاسة ببدن تضره إزالتها..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً? ، فقال ( أو جاء أحد منكم من الغائط? ، هذا الحديث الأصغر ( أو لامستم النساء? فهذا الحدث الأكبر (الجماع) ، فقال الله عز وجل ( فتيمموا صعيداً طيباً? ، هذا الأمر الأول الذي يتيمم له .
" والنجاسة ببدن تضره إزالتها " هذا الأمر الثاني : أنه يتيمم للنجاسة
مثلاً : إذا كان على بدنه نجاسة ، فإنه يتيمم لها إذا كان يضره إزالتها ،
وقيد المؤلف رحمه الله النجاسة بقيدين :
1 - أن تكون بالبدن ، وعلى هذا إذا كانت النجاسة في الثوب فإنه لا يتيمم.
2 - تضره إزالتها ، مثلاً : إذا كان عليه نجاسة ، مثلاً في ساقه نجاسة ، ولو غسل النجاسة يضره ذلك (مثلاً فيه جرح يضره ذلك) ، أو الماء يسير لو ذهب وغسل النجاسة فني الماء الذي معه .
3 - وزادوا قيد ثالث : أن لا يعفى عنها . هذه ثلاثة قيود :(1/183)
النجاسة التي لا يتيمم لها
1 - تضره إزالتها .
2 - أن تكون بالبدن خاصة .
3 - هذه النجاسة لا يعفى عنها .
ولو حضراً أو عدم ما يزيلها....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسيأتينا -إن شاء الله- في باب إزالة النجاسات ، ما هي التي يعفى عنها والتي لا يعفى عنها .
فإذا كان كذلك يتيمم لها ، مثال ذلك : هذا رجل في ساقه جرح (الساق ما يجب غسله في الوضوء) ، وعليه نجاسة -أصابه نجاسة- لو غسل الجرح تضرر ، والنجاسة كثيرة لا يعفى عنها ، نقول : يتيمم لهذه النجاسة وهذا هو المشهور من المذهب.
وعند جمهور أهل العلم أن النجاسة لا يتيمم لها أصلاً ، لأن الدليل إنما ورد بالتيمم عن الحدث فقط ، أما النجاسة فإنه لا يتيمم عنها ، فهذا هو الصواب .
وعلى هذا إذا كان في بدنه نجاسة فإنه لا يتيمم ، لكن يزيلها بما يقدر عليه ، فإن كان الماء يضره يترك الماء ، وإذا كان هناك تراب يزيل بتراب ، المهم يخففها بقدر ما أمكن أو يزيلها حسب ما يقدر ، أما التيمم فهذا لا يشرع لأنه لم يرد ،
وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله ، وهو الصواب .
" ولو حضراً أو عدم ما يزيلها " أي : حتى ولو كان في الحضر فإنه يتيمم ، مثلاً : هو الآن في الحضر وإزالة النجاسة يضره ، فإنه يتيمم حتى ولو كان حضراً أي غير مسافر .
" أو عدم ما يزيلها " يعني : النجاسة إزالتها لا تضره لكن عدم ما يزيلها - عدم الماء - لأنه كما يأتينا على المذهب أنهم يرون : أن النجاسة (الخبث) تلحق بالحدث بحيث أنه لا يزال إلا بالماء ، يشترط الماء ،
بعد تخفيفها ما أمكن ولا إعادة..........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب : أن الماء ليس شرطاً في إزالة الخبث ، الخبث يزول بأي مزيل ،(1/184)
المهم : لو عدم ما يزيل به النجاسة فإنه يتيمم وهذا كله كما قلنا ،
والصواب في هذه المسألة : أنه لا يتيمم .
فأصبح الذي يتيمم عنه على المذهب : الحدث ، والنجاسة التي في البدن ، وقلنا : الصواب أن النجاسة التي في البدن لا يتيمم عنها مطلقاً ، لكن إذا قدر الإنسان أن يخففها خففها ، وإذا لم يقدر فإنه يصلي على حسب حاله ( و لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ? .
وأضاف شيخ الإسلام رحمه الله الأمر الثالث الذي يتيمم عنه ، هذا سيأتي نذكره بإذن الله
" بعد تخفيفها ما أمكن " يعني : أنه يتيمم بعد أن يخفف النجاسة ما أمكن ، وهذا كما قلنا
الصواب أنه : يخففها بالمسح أو الحك ، ونحو ذلك بما أمكن ، أو الغسل إن كان يتمكن ، وإذا كان لا يتمكن فإنه يصلي حسب حاله .
" ولا إعادة " أي : أنه إذا تيمم عن هذه النجاسة فإنه لا إعادة عليه ، لا يلزمه أن يعيد الصلاة مرة أخرى . إذا أزال هذه النجاسة ،
والصواب -كما ذكرنا - أن أصل التيمم عن النجاسة ، هذا فيه نظر - كما تقدم .
فإن عدم الماء والتراب صلى الفرض فقط على حسب حاله........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" فإن عدم الماء والتراب صلى الفرض فقط على حسب حاله " مثلاً : رجل عدم الماء والتراب ،
وقوله " والتراب " هذا على المذهب كما سيأتينا إن شاء الله المذهب : أنه لا يتيمم إلا على تراب ، ويأتينا إن شاء الله مذهب الحنفية والماليكة ،
أن الصواب أنه يتيمم على كل ما كان من جنس الأرض ،
لكن المذهب يقولون : يشترط أن يكون المتيمم عليه تراباً ،
والصواب : أن هذا ليس شرطاً ،
ولو قال المؤلف رحمه الله " فإن عدم الماء والصعيد الطيب " لكان أحسن ،
لأن الصواب في هذه المسألة : أن التيمم يكون على كل ما تصاعد على وجه الأرض .(1/185)
" صلى الفرض فقط على حسب حاله " ويفهم من كلامه أنه إذا عدم الماء والتراب أو الصعيد على القول الثاني ، أنه يصلي على حسب حاله ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، وهو مذهب الشافعية .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يصلي يمسك حتى يجد الماء أو يجد ما يتيمم عليه .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف والشافعية ، أنه يصلي حسب حاله إذا عدم الماء والتراب ، لأن الله عز وجل يقول ( فاتقوا الله ما استطعتم ? ، والنبي ( يقول "
ولا يزيد على ما يجزئ....................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم 202" ، ولأن العجز عن الشرط لا يوجب ترك المشروط ، كما لو عجز عن ستر العورة أو استقبال القبلة ، فإنه يصلي على حسب حاله .
وقوله " صلى الفرض فقط " ظاهر كلامه أنه لا يصلي النوافل وإنما يصلي الفروض فقط ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، وهو المذهب .
والرأي الثاني : في المذهب : أنه يصلي الفروض والنوافل ، وهذا القول هو الصواب ، لأن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل ، وما ثبت في النفل ثبت في الفرض ، إلا لدليل ، ولا دليل على التخصص .
فالصحيح : أنه يصلي الفرض والنفل مطلقاً .
" ولا يزيد على ما يجزئ " أي : يصلي الفرض ويأتي بالواجبات فقط ، يعني : يكبر ويقرأ الفاتحة ولا يقرأ السورة بعدها ، ويركع ويقول " سبحان ربي العظيم مرة " "سبحان ربي الأعلى في السجود مرة " رب اغفر لي بين السجدتين مرة ، المهم أنه يأتي بالمجزئ فقط ، وعلتهم في ذلك : يقولون : هذه صلاة ضرورة ، فتتقيد بالواجب ، إذ لا ضرورة للزائد ، وهذا كله ضعيف (يعني : قولهم ما يصلي إلا الفرض ولا يأتي إلا بالواجب ) .(1/186)
فالصواب في ذلك : أنه يصلي ويأتي بالواجبات وبالمستحبات وبالأقوال إلى آخره ، ما دام قلنا : أن هذه الصلاة مشروعة ومأمور بها ، فما الذي يوجب أن يقتصر على الواجب فقط ،
ولم يعد, و لا يصح تيمم إلا بتراب طهور مباح......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصواب في ذلك : أنه يأتي بالفرض والمستحب ويأتي أيضاً بالفرض بالمجزئ والمستحب أيضاً ، يقرأ السورة ، ويزيد على تسبيح الركوع والسجود ، " ورب اغفر لي " .
" ولم يعد " أي : إذا صلى على حسب حاله بلا ماء ولا تيمم فلا يجب عليه الإعادة مرة أخرى ،
وهذا هو الصواب ، لأنه فعل ما أذن له به ، وما ترتب على المأذون غير مضمون .
" و لا يصح تيمم إلا بتراب طهور مباح " ما يتيمم عليه اشترط المؤلف رحمه الله فيه
أولاً : أن يكون بتراب ، وعلى هذا لا يصح أن يتيمم بغير التراب ، وهذا هو المذهب ، ومذهب الشافعية ، ومذهب الحنفية والمالكية : أنه يصح التيمم على كل ما تصاعد على وجه الأرض .
ودليلهم على اشتراط التراب ، حذيفة رضي الله عنه " وجعلت تربتها لنا طهوراً 203" ، وهذا في صحيح مسلم .
والرأي الثاني : كما قلنا : مذهب الحنفية والمالكية : أنه يصح التيمم حتى على غير التراب ، كل ما تصاعد على وجه الأرض يصح التيمم عليه ، فيصح التيمم على التراب وعلى الرمل ، وعلى الأرض السبخة ، وأيضاً على الصخرة ، يعني كل ما كان من جنس الأرض فإنه يتيمم عليه ، ودليل ذلك قول الله عز وجل ( فتيمموا صعيداً طيباً? ،
طهور....................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/187)
والصعيد : كل ما تصاعد على وجه الأرض ، وأما قول ابن عباس رضي الله عنهما : تراب الحرث ، واستدلال الحنابلة به والشافعية ، فهذا تفسير بالمثال من ابن عباس رضي الله عنهما ، والصواب : أنه كل ما تصاعد على وجه الأرض . وأيضاً : كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه ، أن النبي ( قال " الصعيد الطيب وضوء المسلم 204" ، وذكر ابن قيم رحمه الله ، أن النبي ( كان يسافر ولم يكن يحمل معه التراب ، وإنما كانت الأماكن التي يمر عليها من الرمال وغير ذلك . فالصواب في ذلك : أن كل ما تصاعد على وجه الأرض يصح التيمم عليه ، فيصح التيمم على الصخر وعلى التراب وعلى جدار الطين والجدار من الأسمنت (البليك) ، حتى ذكر الحنفية والالكية ، أنه لو تيمم على صخرة مغسولة صح ، ولو تيمم على تراب قد تندى (أصابته الرطوبة) صح ذلك ، وهذا القول هو الصواب .
" طهور " أي يشترط فيما يتمم عليه من التراب ، اشترط المؤلف رحمه الله بهذا التراب عدة شروط : 1 - أن يكون طهوراً ، ويؤخذ من كلام المؤلف
أن التراب كالماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - تراب طهور . 2- تراب طاهر .
3 - تراب نجس .
أما الطهور : فهذا يصح التيمم عليه بالاتفاق ، وأما النجس : فلا يصح التيمم عليه
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالاتفاق ، لأن الله عز وجل قال : ( فتيمموا صعيداً طيباً? والطيب : هو الطاهر .
وبقينا من القسم الثالث " الطاهر" هل هناك تراب طاهر ، أو ليس هناك تراب طاهر ؟(1/188)
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله : إثبات قسم الثالث ، وهو " الطاهر " والطاهر كما تقدم لنا كالماء هو المستعمل في رفع الحدث ، بمعنى : أن الإنسان ضرب الأرض ومسح وجهه وكفيه فالمتساقط من الوجه لو كان علق بالوجه شيء أو المتساقط من الكفين لو علق بالكفين شيء ، فهذا يسمى طاهر ، لأنه استعمل في رفع حدث . أما إذا ضربت على التراب ، فهذا لا ينقله إلى كونه طاهراً ، كالماء المغترف منه ، إذا اغترفت منه لا ينقله إلى كونه طاهراً ،
فالمراد بالطاهر هنا : هو المستعمل في رفع الحدث ، وهذا هو المذهب
والصواب في ذلك : كما سبق لنا أن الماء ينقسم إلى قسمين : طهور ونجس ، وكذلك أيضاً التراب ينقسم إلى قسمين : طهور ونجس ، وليس هناك قسم ثالث يسمى بالطاهر سواء كان ذلك تراباً أو كان ذلك ماءً ، وإنما هو الطهور والنجس فقط .
" مباح" 2 - الشرط الثاني : أن يكون مباحاً ، وعلى هذا إذا كان التراب غير مباح كتراب مسروق أو مغصوب أو منتهب أو مختلس ونحو ذلك ، فإنه لا يصح التيمم عليه ، وهذا كما تقدم لنا في الماء قالوا : بأنه يشترط في الماء الذي يتوضأ به ويغتسل به أن يكون مباحاً ، فإن كان محرماً كمسروق ومغصوب ونحو ذلك ، فإنه لا يصح الوضوء ولا الغسل به ، فكذلك أيضاً هنا .
له غبار لم يغيره طاهر غيره...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتقدم لنا أن الصواب : أن الماء المحرم لكونه مسروقاً أو معصوباً ونحو ذلك أنه يصح رفع الحدث به مع الإثم ، فكذلك أيضاً التراب يصح رفع الحدث به مع كونه يأثم لغصبه أو سرقته ونحو ذلك .
" له غبار " هذا الشرط الثالث : أن يكون له غبار ، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه? ، فقالوا " من " هذه للتبعيض ، وإذا كان هذا التراب ليس له غبار فإنه لا يتحقق مسح الوجه بشيء منه لأنه لا غبار له .(1/189)
والرأي الثاني : كما تقدم لنا : مذهب الحنفية والمالكية : أنه يصح التيمم على غير التراب ، حتى الصخرة المغسولة ، وحتى التراب الذي تندى (أصابه ندى وماء) قالوا : بأنه يصح التيمم عليه ، وتقدم لنا أن هذا هو الصواب .
ويجاب عن قول الله عز وجل ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه? ، أن "من" هذه ليست تبعيضية وإنما هي بيانية ، فالذي يتيمم عليه بيانه أنه صعيد طيب هذا هو المراد ، وليست "من" تبعيضية .
كما تقول " سافرت من مكة إلى المدينة" فـ"من " هذه بيان لابتداء الغاية ، يعني : أن السفر مبتدأ من مكة إلى المدينة .
" لم يغير طاهر غيره " هذا الشرط الرابع : أن يكون هذا التراب لم يتغير بطاهر آخر ، فلو أنه تغير بالجص أو بالدقيق أو بالبر ونحو ذلك ، قالوا : بأنه لا يصح التيمم عليه ، وهذا
ولو على لبد ونحوه................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما تقدم لنا ، أن الماء إذا تغير بطاهر ينقله عن اسم الماء المطلق فإنه لا يصح الوضوء به ، فكذلك أيضاً هنا التراب .
فالتراب هنا نقول : إن تغير بما هو من جنس الأرض فإنه يصح التيمم عليه ، لأن كل ما يتصاعد على وجه الأرض يصح التيمم عليه ، وإن تغير بغير جنس الأرض وغلب على وصفه وسلبه اسم الصعيد المطلق فإنه لا يصح التيمم عليه .
" ولو على لبد ونحوه " أي : يصح التيمم على لبد ونحوه مثل : الثوب والبساط والحصير ونحو ذلك ، فهذه : يقول المؤلف رحمه الله : يصح أن يتيمم عليه،(1/190)
لكن يشترط أن يكون عليها غبار ، لكي يكون التيمم على هذا الغبار ، وعلى هذا لو تيمم على هذه الفرش أو على الحصير أو على الثياب ونحو ذلك هذه نقول : إن كان عليها غبار صح التيمم ، لأن التيمم حينئذ يكون على الغبار الذي هو من جنس الأرض ، وليس على هذا الحصير ، أو هذا الثوب ونحو ذلك ، وإن لم يكن عليها غبار ، فإنه لا يصح التيمم عليها .
والخلاصة : أن ما يتيمم عليه ينقسم إلى قسمين :
1 - القسم الأول : ما كان من جنس الأرض (صعيداً طيباً) فهذا يصح التيمم عليه مطلقاً ، ولا يشترط الغبار ، وذكرنا أن قولهم " منه " أن الصواب أنها ليست تبعيضية ، وإنما هي بيان لابتداء الغاية ، يعني : هذا التيمم مبتدأ من هذا الصعيد .
2 - القسم الثاني : أن يكون على غير جنس الأرض ، مثل الحصير والصوف والشعر والثياب والفرش ، ونحو ذلك ، فهذه نقول : بأنه يشترط أن يكون عليها غبار لكن يكون التيمم على هذا الغبار .
وفروضه مسح الوجه...............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
"وفروضه" أي : أركان التيمم .
" مسح وجهه " وهذا بالاتفاق ، أن مسح الوجه فرض من فروض التيمم لقول الله عز وجل (فامسحوا بوجوهكم? ،
وهل يجب مسح اللحية أو لا يجب ؟
فالفقهاء رحمهم الله يقولون : أن الأنف والفم لا يمسح ، بل يكره ذلك ، أيضاً يقولون : ما تحت الشعر الخفيف من البشرة لا يمسح ، والشعر الخفيف هذا يرون أنه يمسح .
فاللحية : الفقهاء يقولون : بأنها تمسح .
والرأي الثاني : أنها لا تمسح ، وإنما يمسح الوجه فقط ، لأن التيمم هذا طهارته ليست طهارة حسية ، وإنما هي طهارة معنوية ، وهذا هو الصواب
وعلى هذا نقول : الشعر الذي على الوجه بالنسبة للطهارة ينقسم إلى أقسام :
1 - القسم الأول : في طهارة الحدث الأكبر بالماء فيجب غسله ظاهره وباطنه.(1/191)
2 - القسم الثاني : في طهارة الحدث الأصغر بالماء ، إن كان خفيفاً يجب غسل ظاهره وباطنه ، وإن كان كثيفاً يجب غسل الظاهر ، وأما الباطن فإنه يخلل أحياناً -كما تقدم لنا .
3 - القسم الثالث : في الطهارة بالصعيد الطيب سواء كان ذلك عن حدث أصغر أو
ويديه إلى كوعيه وتعيين نية استباحة ما يتيمم له......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكبر ، فهذا لا يجب تطهيره الظاهر ولا الباطن .
" ويديه إلى كوعيه " هذا الركن الثاني من أركان التيمم : مسح اليدين إلى الكوعين و مسح اليدين أو الكفين هذا باتفاق الأئمة أنه ركن ،
لكن هل يمسح إلى الكوعين أو إلى المرفقين ؟
هذا موضع خلاف ، فالإمام أحمد رحمه الله - كما ذهب المؤلف- يرى أنه يمسح إلى الكوعين ، ويدل لذلك حديث عمار رضي الله عنه وفيه " مسح الكفين 205" وحديث أبي الجهيم أيضاً فيه " مسح الكفين 2" .
والرأي الثاني : رأي جمهور أهل العلم (الأئمة الثلاثة) قالوا : يمسح إلى المرفقين ، واستدلوا بأن الله عز وجل قال في الغسل ( وأيديكم إلى المرافق? ، وأيضاً قالوا : بأنه ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما .
أما الآية فنقول : أنها في الوضوء ، والبدل له حكم المبدل في الجملة وليس بالجملة ، ليس في جميع الأحكام ، وأما ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما ، فهذا مخالف لما ثبت عن النبي ( فيكون الصواب في هذه المسألة : أنه يمسح كفيه فقط لا إلى المرفقين .
" وتعيين نية استباحة ما يتيمم له " هذا الركن الثالث : تعيين نية استباحة ما يتيمم له ، كالصلاة والطواف ومس المصحف إلى آخره .
من حدث أونجس وكذا الترتيب............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"من حدث " سواء كان الحدث أصغر أو أكبر .(1/192)
" أو نجس " المقصود بالنجاسة هنا : نجاسة البدن دون نجاسة البقعة أو الثوب .
وصفة التعيين : أن ينوي استباحة صلاة الظهر مثلاً من الجنابة إن كان جنباً ، أو من الحدث الأصغر إن كان محدثاً ، أو من النجس إن كان متنجساً ، وهذا هو المذهب ،
وهم يبينون هذه المسألة على مسألة أخرى ، وهي : أن التيمم مبيح وليس رافعاً ،
فلابد أن تنوي استباحة ما يتيمم له ، مثلاً : أن يتيمم للصلاة ، تنوي استباحة الصلاة من الحدث الأكبر (الجنابة) إن كان عن جنابة أو من الحدث الأصغر إن كان أصغر أو من النجاسة إن كان نجاسة .
والصواب في هذا : أن نية الاستباحة ليست واجبة ، وهذا كما قلنا : هم يرتبون ذلك على أنه مبيح وليس رافعاً ، والصواب : أنه ينوي رفع الحدث ويكفي كالضوء تماماً ، فينوي أن يرفع الحدث الأصغر أو الأكبر أو ينوي أن يصلي أو ينوي مس المصحف ، ويكفي ذلك .
وهذا هو الصواب نقول : حكمه حكم الوضوء - كما سلف .
" وكذا ترتيب " هذا الركن الرابع : الترتيب ، بأن يبدأ بالوجه ثم بعد ذلك الكفين ، لقول الله عز وجل ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه? ، ففيه الترتيب وأيضاً حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه : " مسح النبي ( ظاهر كفيه ووجهه 206" و"الواو" هذه للجمع ، وكما
ومولاة في حدث أصغر وإن نوى حدثاً أو نجساً لم يجزئه عن الآخر...........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقدم لنا ، أن اقتضاءها الترتيب أنه ضعيف ، وأيضاً في حديث أبي الجهم رضي الله عنه " أن النبي ( مسح وجهه وكفيه 207" فنقول : لا بد من الترتيب ، ولأن البدل له حكم المبدل
" وموالاة " هذا الركن الخامس : الموالاة : أن لا يؤخر مسح الكفين حتى يجف الوجه لو كان مغسولاً بزمن معتاد -كما تقدم لنا - والموالاة والترتيب هذه تقدم الكلام عليها .(1/193)
" في حدث أصغر " فهذا يخرج لو تيمم عن حدث أكبر فإنه لا يرتب ولا يوالي، لأن الغسل في الحدث الأكبر على المذهب " طهارة الماء " ليس فيها ترتيب ولا موالاة .
والصواب في ذلك : أنه في طهارة التيمم تشترط الترتيب والموالاة لأن الصفة واحدة (التيمم عن الحدث الأكبر أو الأصغر الصفة واحدة) ، فلابد من الترتيب والموالاة .
" وإن نوى حدثاً أو نجساً لم يجزئه عن الآخر " أي : إذا نوى أن يتيمم عن الحدث وعليه نجاسة ، فإن هذا التيمم لا يجزئه عن النجاسة بل لابد أن يتيمم مرة أخرى ، ولو نوى أن يتيمم عن النجاسة وعليه حدث فإن هذا التيمم لا يجزئه ، فلابد أن يتيمم مرة أخرى ، وهذا كله مبني على أن النجاسة يتيمم لها ، وهذا الصواب : أنه لا يتيمم له ،
وكذلك أيضاً : لو نوى أن يتمم عن الحدث الأصغر فإنه لا يجزئه عن الحدث الأكبر ، ولو نوى أن تيمم عن الحدث الأكبر لا يجزئه عن الأصغر ، لما تقدم أنه لابد من تعيين نية استباحة ما يتيمم له من حدث أصغر وأكبر ، فإذا نوى أحد الحدثين ما يجزئ عن الآخر .
" وإن نواهما كفى وإن نوى نفلاً أو أطلق لم يصل به فرضاً ، وإن نواه صلى كل وقته...........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في ذلك : أنه إذا نوى عن الحدثالأكبر فإنه يجزئه عن الأصغر ، لما تقدم أنه إذا اغتسل عن الحدث الأكبر فإنه يدخل في ذلك الحدث الأصغر ، بل لو قيل بأنه إذا تيمم عن الحدث الأصغر فإنه يجزئه عن الحدث الأكبر فهذا له وجه ، لأن صفة التيمم واحدة ،
لكن الأحوط : أنه لو تيمم عن الأصغر أن يتيمم عن الأكبر ، لكن لو تيمم عن الأكبر نقول : يجزئه ذلك عن الأصغر ، لأن الأصغر يدخل في الأكبر ، بخلاف الأكبر فيحتاج إلى نية ، فنقول : إذا نوى بتيممه عن الأصغر فإنه لا يكفيه عن الأكبر ، فالأحوط أن يتيمم .
" وإن نواهما كفى " أي : إذا نوى بتيممه الحدث الأصغر والأكبر فإنه يكفي ولا بأس به(1/194)
" وإن نوى نفلاً أو أطلق لم يصل به فرضاً ، وإن نواه صلى كل وقته " وهذا كله - كما تقدم - مبني على أن التيمم مبيح ، يعني : إذا نوى الفرض صلى النافلة ، وإن نوى النافلة ما يصلي الفرض ، وعلى هذا هم يقولون : إذا نوى عبادة يستبيح هذه العبادة ومثلها ودونها ، ويرتبون العبادات ، يقولون : أعلى الشيء : فرض العين ، ثم النذر ، ثم فرض الكفاية ، ثم صلاة النافلة ، ثم طواف الفرض ، ثم طوف النفل ، ثم مس المصحف ، ثم قراءة القرآن ، ثم اللبث في المسجد .
وعلى هذا إذا نوى فرض العين مثلاً نوى صلاة الظهر فإنه يستبيح صلاة الظهر ، ومثلها ، ودونها يستبيح صلاة الظهر ويستبيح صلاة الفجر - إذا كان ما صلى الفجر - ودونها : يستبيح النذر ، يستبيح فرض الكفاية مثل صلاة الجنازة ، ويستبيح مس المصحف ويستبيح القراءة إلى آخره .
ويبطل تيممه بخروج وقت ومبطل ما تيمم له.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا نوى طواف الفرض هل يستبيح النذر ، وفرض الكفاية ، وفرض العين ؟
يقولون بأنه لا يستبيح .
والصواب في ذلك : أنه يستبيح وأن التيمم مبيح وأنه إذا نوى أحد هذه العبادات فإنه يرتفع لكن يرتفع إلى وجود الماء .
" ويبطل تيممه بخروج وقت ومبطل ما تيمم له " ، لما تكلم المؤلف رحمه الله عن التيمم ، وذكر متى يشرع ومتى لا يشرع ، وذكر أيضاً شروط التيمم وما يتيمم عليه ،
شرع المؤلف رحمه الله في بيان مبطلات التيمم ، فيقول المؤلف رحمه الله
" ويبطل تيممه بخروج وقت " ذكر المؤلف رحمه الله مبطلات التيمم :
الأول : خروج الوقت فإذا خرج الوقت بطل التيمم ،
مثال ذلك : تيمم لصلاة الظهر ، فإذا خرج وقت صلاة الظهر بطل التيمم ، فإذا أراد أن يصلي العصر لابد أن يتيمم مرة أخرى ،(1/195)
ودليلهم على ذلك : ما تقدم أن ذكرنا : أن التيمم على المذهب مبيح وليس رافعاً ، وإذا كان مبيحاً فإنه يستباح به الفرض إلى خروج الوقت ، فإذا خرج الوقت تيمم مرة أخرى ، وتقدم لنا مذهب الحنفية ،
وأن الصواب في التيمم : أنه رافع وليس مبيحاً ، إلى وجود الماء ، وعلى هذا يكون حكمه حكم الماء نقول : بأنه يرفع الحدث إلى أن يوجد الماء أو يقدر على استعماله إذا كان
ومبطل ما تيمم له................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أجل المرض ، فإذا خرج الوقت وهو ليس عنده ماء ، فإنه لا يجب عليه أن يتيمم مرة أخرى ،
وهذا الصواب ، كما أن الوضوء إذا خرج الوقت وهو على وضوءه فإنه لا يجب عليه أن يتوضأ مرة أخرى .
" ومبطل ما تيمم له " 2- هذا المبطل الثاني : فإذا تيمم عن حدث لأجل رفع الحدث ، ثم بعد ذلك بطل ، بمبطلات الوضوء ، فإن تيممه يبطل عليه ، وكذلك أيضاً إذا تيمم بدل عن الغسل ، نقول : يبطل التيمم بمبطلات الغسل .
" فإن تيمم بدلاً عن الوضوء ، نقول : بأن التيمم يبطل بمبطلات الوضوء ، وإذا تيمم عن الغسل نقول : بأن التيمم يبطل بمبطلات الغسل وعلى هذا فقس"
فمثلاً : إذا تيمم ثم خرج منه ريح نقول : بطل تيممه ، كما أن الوضوء يبطل بخروج الريح ، فالبدل له حكم المبدل .
وإذا تيمم لأجل الغسل (عليه جنابة) ثم بعد ذلك خرج منه مني مرة أخرى ، نقول : بطل تيممه ، ولو تيمم لأجل الجنابة ثم بعد ذلك أحدث ، نقول : التيمم للجنابة موجود لكن يبقى التيمم للحدث .
ويترتب على هذا لو أصابته جنابة هل يقرأ القرآن أو لا ؟
نقول : لا يقرأ القرآن ، لم يجد ماءاً ثم بعد ذلك تيمم ، نقول : يجوز له أن يقرأ القرآن
ووجود ماء ولو في صلاة...........................................................................................................(1/196)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو أحدث مثلاً بخروج ريح ، هل يقرأ القرآن أو لا ؟
نقول : نعم يقرأ القرآن ، أما لو أراد أن يصلي فلابد أن يتيمم ، ولو أراد أن يمس القرآن لابد أن يتيمم .
" ووجود ماء " هذا المبطل الثالث : إذا وجد الماء وهذا المبطل وما قبله بالإجماع لأن الله عز وجل قال ( فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيداً طيباً? ، فدل ذلك على أن غاية التيمم إلى وجود الماء ، وأيضاً النبي ( يقول " الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته 208" .
" ولو في صلاة ..." إذا وجد الماء لا يخلو من ثلاث حالات :
1 - الحالة الأولى : أن يكون قبل الصلاة ، فإذا كان قبل الصلاة فإن تيممه يبطل بالإجماع ولابد أن يتوضأ بالماء لما تقدم من الأدلة .
2 - الحالة الثانية : أن يكون بعد الصلاة ، فإن تيممه يبطل لكن بالنسبة للصلاة التي صلى صحيحة ، ولو وجد الماء في الوقت مثال : هذا رجل تيمم وصلى وبعد أن انتهى من الصلاة جاء الماء نقول : صلاته صحيحة ، ولو وجد الماء في الوقت هذا الصواب ، لأنه فعل ما أمر به ، ومن أتى بما أمر به على الوجه الشرعي برئت ذمته ، وما ترتب على المأذون غير مضمون .
لا بعدها..................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- الحالة الثالثة : أن يوجد الماء في أثناء الصلاة ، مثال ذلك : تيمم وشرع يصلي وفي أثناء الصلاة جاء الماء ، هل يبطل التيمم ، ونقول : ببطلان الصلاة أم لا ؟
يقول المؤلف : بأن التيمم يبطل ، وعلى هذا يتوضأ ويستأنف الصلاة ، وهذا هو المذهب
ومذهب الحنفية : أن التيمم في أثناء الصلاة يبطل .
والرأي الثاني : مذهب الإمام مالك والشافعي رحمهم الله : أنه لا يبطل .(1/197)
أما الذين قالوا بالبطلان ، فاستدلوا لما تقدم من قول النبي (" فليتق الله وليمسه بشرته 209" والله عز وجل قال ( فلم تجدوا ماءاً? وهذا الآن وجد الماء . وأما الذين قالوا بعدم البطلان : فقالوا بأنه شرع في الصلاة على وجه مأذون له شرعاً ، وكما تقدم في القاعدة : "أن ما ترتب على المأذون غير مضمون ". والأقرب في هذه المسألة : أن يقال بالتفصيل ، وهو : إن صلى ركعة فنقول : يمضي في صلاته وإن لم يصل ركعة ، فإنه يستأنف الصلاة بعد الوضوء ، وإنما قلنا بهذا التفصيل لأن النبي ( قال : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " .
" لا بعدها " أي : لا بعد الصلاة ، وظاهر كلامه ولو في الوقت ، وهذا هو الصواب ، وعلى هذا : لو تيمم ثم صلى ثم جاء الماء نقول : صلاته صحيحة ، لكن يتوضأ بالماء للصلاة القادمة ، لما تقدم من الدليل : أن من أتى بما أمر به على وجه شرعي فإنه لا شيء عليه وبرئت ذمته .
والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبطل الرابع : يبطل التيمم بزوال المبيح للتيمم ،
مثال ذلك : تيمم لأجل المرض ثم بعد ذلك برئ من مرضه ، نقول : بأنه تيممه يبطل عليه ، ويجب عليه أن يتوضأ للصلاة التي بعدها ، وعلى هذا فقس .
" والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى " إذا كان الإنسان ليس عنده ماء فهل يؤخر الصلاة إلى وجود الماء أو نقول : بأنه يبادر في الصلاة في أول الوقت ؟
فهذا لا يخلوا من أقسام :
1 - القسم الأول : أن يعلم عدم وجود الماء إلى خروج الوقت ، فهذا نقول له : الأفضل أن يتيمم وأن يصلي في أول الوقت ، بل إذا كان التأخير يؤدي إلى ترك الجماعة نقول : هذا محرم ولا يجوز .
2 - القسم الثاني : أن يغلب على ظنه عدم وجود الماء إلى آخر الوقت ، هذا حكمه كحكم القسم الأول .(1/198)
3 - القسم الثالث : أن يعلم وجود الماء في آخر الوقت ، يعني : هو الآن دخل عليه الوقت ويعلم أنه بعد ساعة أو ساعتين سيأتي الماء ، فهذا نقول : الأفضل أن يؤخر حتى يجد الماء ما لم يؤدي ذلك إلى ترك واجب وهو الجماعة .
4 - القسم الرابع : أن يغلب على ظنه وجود الماء في آخر الوقت ، فهذا حكمه كحكم القسم الذي قبله ، وهو : الأفضل أن يؤخر ما لم يؤدي ذلك إلى ترك الواجب كالجماعة .
وصفته : أن ينوي ثم يسمي..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- القسم الخامس : أن يستوي عنده الأمران (لا يدري) فهذا حكمه حكم القسم الذي قبله ، وقد ورد في ذلك أثر عن علي رضي الله تعالى عنه لكنه ضعيف.
" وصفته : أن ينوي ..." لما ذكر المؤلف رحمه الله المبطلات شرع في بيان الصفة ، والأولى بالمؤلف رحمه الله أن يقدم الصفة قبل المبطلات ، لأن عادة المؤلفين هكذا ، فتجد أنهم يذكرون صفة الشيء " كيفيته " ثم يذكرون مبطلاته ، فيذكرون صفة الصلاة ثم يذكرون المبطلات ، ويذكرون الصيام ثم يذكرون المفطرات ، فالأولى أن يقدم الصفة على المبطلات (تكون المبطلات في النهاية) .
" أن ينوي ثم يسمي " قوله " أن ينوي" هل ينوي رفع الحدث أو ينوي استباحة ما يتيمم له ؟
المؤلف رحمه الله : ينوي استباحة ما يتيمم له -كفرض الصلاة- من حدث أصغر أو أكبر أو نجاسة هذا على المذهب .
والصواب : أنه ينوي رفع الحدث .
" ثم يسمي " أن يقول " باسم الله " وهذا كما تقدم على المذهب أنها واجبة في الوضوء ، وفي الغسل وفي التيمم .
والجمهور : أنها مستحبة ، وذكرنا أن بعض أهل العلم قال : بأنه لم يثبت في ذلك شيء تقدم الكلام على هذا .(1/199)
ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع بعد نزع نحو خاتم ضربة يمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه....................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويضرب التراب " هنا قال المؤلف رحمه الله " التراب " والأولى أن يقال : الصعيد ، هذا الصحيح ، لأن المذهب ما يصح التيمم إلا على تراب ،
والصواب أن يقال : " ويضرب الصعيد الطيب " كما قال الله عز وجل ( فتيمموا صعيداً طيباً?.
" بيديه مفرجتي الأصابع " قوله " مفرجتي الأصابع " هذا يحتاج إلى دليل ، وسبق أن ذكرنا قاعدة ، وهي " أن عبادة المسح عبادة مخففة " ، هي أصلاً الشارع خففها في أصلها .
فالصواب : أنه لا حاجة إلى تفريج الأصابع ، والمؤلف قال مفرجتي الأصابع ليصل التراب إلى ما بينهما ، لكن الصواب أن التفريج يحتاج إلى دليل .
" بعد نزع نحو خاتم " يعني ينزع الخاتم وينزع أيضاً ، إذا كان في يده حلقة ونحو ذلك ، لكي يصل التراب ،
والصواب أيضاً أن هذا يحتاج إلى دليل ، وأنه لا حاجة إلى نزع الخاتم ولا حاجة إلى نزع الحلقة إذا كان في أصبعه حلقة ونحو ذلك ، لأنه كما ذكرنا أن عبادة التيمم عبادة مخففة .
" ضربة يمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه " يعني : على كلام المؤلف رحمه الله ، يفرج الأصابع وينزع الخاتم ، ويضرب ضربة ، وبعد أن يضرب يمسح وجهه بباطن الأصابع ولا يمسح بالراحتين ، ثم بعد ذلك بالراحتين يمسح الكفين ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/200)
ولماذا فرقوا هذا التفريق ؟ لأنه لو مسح بالجميع (أي بباطن الأصابع وبالراحتين) أصبح التراب مستعملاً ، وإذا كان مستعملاً يكون طاهراً - كما تقدم لنا أنهم يقسمون التراب إلى ثلاثة أقسام : طاهر ، وطهور ، ونجس ، فلكي يتخلص من هذه المسألة قال المؤلف : تضرب وتمسح الوجه بباطن الأصابع لكي يبقى الذي في الراحتين ، غير مستعمل في رفع الحدث ، فيكون حكمه طهوراً ، وهذا كله ضعيف والصواب في ذلك : أن الإنسان يضرب ضربه واحدة ويمسح وجهه (كما قلنا أيضاً اللحية الصواب أنه ما في حاجة إلى مسحها) ، يضرب ضربة واحدة ويمسح وجهه ويمسح كفيه ، ويكون تيمم ، لأن مسألة التيمم كما قلنا : بأنها عبادة مخففة . وهل يضرب ضربة واحدة أو يضرب ضربتين ؟
المذهب : يقولون : الضربة الأولى واجبة ، والثانية مباحة ،
والحنفية والشافعية : يقولون : يجب أن يضرب ضربتين .
المالكية : يقولون : الضربة الأولى واجبة والثانية سنة .
والصواب في ذلك : أنه يضرب ضربة واحدة ، لأن حديث أبي الجهم وحديث عمار رضي الله عنهما ، ما ذكر إلا ضرب ضربة ، وهذا يصدق بمرة واحدة ، فالضربة أكثر من مرة هذا يحتاج إلى دليل . والذين قالوا بالضربتين : قالوا : هذا ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وابن عمر رضي الله عنهما ما دام أنه خالف السنة أنه لا يحتج بقوله : وذكر ابن قيم رحمه الله أن ابن عمر رضي الله عنهما يأخذ بتشديدات لا يوافق عليها كثير من الصحابة ، فهذا نوع من التشديدات التي كان يأخذ بها ابن عمر رضي الله عنهما .
ويخلل أصابعه.......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل يمسح الكفين أو يمسح معهما الذراعين ؟
أيضاً صريح كلام المؤلف رحمه الله أنه يمسح الكفين فقط ، ولا يمسح الذراعين .(1/201)
والرأي الثاني : أنه يمسح الذراعين إلى المرفقين ، وهذا مذهب الحنفية والشافعية وقالوا : هذا وارد عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وكما قلنا : أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأخذ بتشديدات لا يوافقه عليها كثير من الصحابة ، والنبي ( كما في حديث عمار رضي الله عنه وحديث أبي الجهم رضي الله عنه مسح على الكفين فقط . " ظاهر كفيه ووجهه 210" .
فالصواب في ذلك : أنه لا يمسح الذراعين .
" ويخلل أصابعه " : أي يخلل الأصابع لكي يصل التراب فيما بينهما ، وهذا أيضاً غير صواب ،
والصحيح أنه لا يخلل الأصابع ، لأن صفة التيمم كما ورد في حديث عمار ما فيه التخليل " ضرب الأرض ومسح وجهه وظاهر كفيه "
فنقول : الصواب أنه لا حاجة إلى تخليل الأصابع .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب إزالة النجاسة (الحكمية)
لما تكلم المؤلف رحمه الله على رفع الحدث ، شرع الآن في الكلام على إزالة الخبث ، وتقدم لنا في تعريف الطهارة : أن الطهارة هي : رفع الحدث وإزالة الخبث.
" إزالة " المراد بالإزالة هو التطهير .
" النجاسة " النجاسة عرفها الحنفية بقولهم : كل عين مستخبثة شرعاً .
والحنابلة قالوا في تعريفها : كل عين حرم تناولها لذاتها مع إمكان التناول .
" الحكمية " أي : الطارئة على محل طاهر ، وقوله " الحكمية " يخرج "العينية"
لأن النجاسة تنقسم إلى قسمين :
1 - نجاسة حكمية : وهذه التي يمكن تطهيرها ،
2 - نجاسة عينية : وهذه لا يمكن تطهيرها على المذهب ، وسيأتي إن شاء الله.(1/202)
يجب لكل متنجس سبع غسلات سبع غسلات........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأصل في تطهيرالنجاسة : القرآن والسنة والإجماع .
أما القرآن : فقول الله عز وجل ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ( ،
وأيضاً على قول بعض المفسرين " وثيابك فطهر " قالوا المقصود بذلك تطهيرها من النجاسة .
وأما السنة فكثير يعني : سائر أحاديث الاستنجاء والاستجمار تدل على تطهير النجاسة ، وسيأتي إن شاء الله كثير من الأحاديث والإجماع قائم على ذلك .
" يجب لكل متنجس سبع غسلات ... " قوله " يجب" أي : يشترط .
" لكل متنجس " وهنا قال المؤلف رحمه الله "متنجس" ولم يقل " نجس" لأنهم يرون أن النجس لا يطهر .
يعني : فرق بين النجس والمتنجس : النجس هي النجاسة العينية ، هذه لا يرون أنها تطهر (التي ذاتها وعينها نجسة) .
والمتنجس : هي النجاسة الحكمية ، هذه يرون أنها تطهر (النجاسة التي طرأت على محل طاهر) .
" سبع غسلات " المتنجس لا يخلو من ثلاثة أقسام :
1 - القسم الأول : النجاسة المغلظة : أن تكون نجاسة مغلظة ، وهي نجاسة الكلب ، كما سيأتي إن شاء الله ،
سبع غسلات..........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل يقاس عليها الخنزير أولا ؟ سيأتي ببيانه .
2 - القسم الثاني : النجاسة المخففة ، وهذه سيأتي أنها نجاسة الصبي الذي لم يأكل الطعام ، وسيأتي أيضاً أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ألحق بذلك المذي .
3 - القسم الثالث : النجاسة المتوسطة : وهي ما عدا هذين القسمين (النجاسة المغلظة والنجاسة المخففة) .
مثل الدم المسفوح ، ومثل : بول الذكر الذي أكل الطعام لشهوة ، وغائط الذكر ، وبول الأنثى وغائط الأنثى ، فهذه نجاسة متوسطة .(1/203)
النجاسة المتوسطة كيف نطهرها ؟
قال المؤلف رحمه الله " سبع غسلات " أي لابد من سبع غسلات ، وهذا هو المشهور من المذهب ، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنهما " أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً 211" ، ولابد أن تستوعب كل غسلة المحل ، وأيضاً لابد من الحت والقرص لحاجة (إذا كان يحتاج المحل إلى حت وقرص ) ولابد أيضاً من العصر .
فهم يقولون : النجاسة المتوسطة يشترط لها شروط :
1 - سبع غسلات .
2- الحت والقرص مع الحاجة .
.......................................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 - أن تستوعب كل غسلة المحل .
4 - العصر خارج الماء .
5 - أن يكون بماء طهور ، هذا هو المشهور من المذهب .
الرأي الثاني : أنه لا يشترط العدد ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، بل تكاثر بالماء
يعني : يغسل غسله غسلتين ، حسب ما يغلب على ظنه أن المحل طهر ، ولا حاجة إلى العدد .
المذهب : لو زالت النجاسة بالغسلة الأولى والثانية فلابد أن تغسل الثالثة والرابعة والخامسة ، إلى آخره .
والصحيح : أن هذا ليس شرطاً ، وأنه يكاثر المحل المتنجس بالماء حتى يغلب على ظنه أن المحل طهر ، فإذا غلب على ظنه أن المحل طهر كفى ذلك ، وهذا القول هو الصواب .
والدليل على ذلك : عدم الدليل على اشتراط العدد ، ليس هناك دليل على اشتراط العدد ، والحديث الوارد في هذا ضعيف لا يثبت عن النبي ( .(1/204)
وأيضاً حديث أسماء رضي الله عنها لما سألت النبي ( عن دم الحيض يصيب الثوب ، فقال النبي ( " تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه 212" ما ذكر النبي ( عدداً ، وأنها : أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً ، فإذا زالت بأي مزيل طهر المحل ، إذ الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، هذا الصواب في هذه المسألة .
إن أنقت وإلا فحتى تنقى بماء طهور.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إن أنقت وإلا فحتى تنقى " يعني : السبع الغسلات التي ذكرها المؤلف رحمه الله لابد منها إن أنقت ، فإذا ما أنقت (ما ذهبت النجاسة) لابد أن يزيد ثامناً فإن احتاج إلى تاسع زاد تاسعاً فإن احتاج إلى عاشر زاد عاشراً إلى آخره .
" بماء طهور " أيضاً يشترط أن يكون تطهير النجاسة بماء طهور ، وهذا هو المشهور من المذهب ، وقال به أكثر أهل العلم ، واستدلوا على ذلك بحديث أنس رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد " فدعا النبي ( بذنوب من ماء فأهريق عليه 213" وهذا في الصحيحين ، وأيضاً حديث أسماء رضي الله عنها ، في دم الحيض يصيب الثوب قال النبي ( " تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه " فقال النبي (214 " بالماء" .(1/205)
والرأي الثاني : أن الماء ليس شرطاً وأن النجاسة إذا زالت بأي مزيل طهر المحل ، وهذا قال به : أبو حنيفة رحمه الله ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم ، واستدلوا على ذلك بأدلة : ومن هذه الأدلة الإجماع على أن الخمر إذا تخللت بنفسها فأنها تطهر ، وهنا الخمر طهرت بغير ماء ، وكذلك أيضاً استدلوا بسائر أدلة الاستجمار ، فسائر أدلة الاستجمار هذه تدل على أنه لا يشترط الماء ، لأن الإنسان إذا قضى حاجته فإنه يستجمر ، ومع ذلك اكتفي بذلك ولم تدل على أنه لا يشترط الماء ، لأن الإنسان إذا قضى حاجته فإنه يستجمر ، ومع ذلك اكتفي بذلك ولم يشترط الاستنجاء ، وأيضاً استدلوا على ذلك في قول النبي ( في
مع حت وقرص لحاجه................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذيل المرأة (ذيل المرأة الثوب التي تجره) : "يطهره ما بعده" وأيضاً قول النبي ( في النعلين "طهورهما التراب" إذا كان الإنسان وطئ بخفيه أو نعليه النجاسة فإنه يكفي أن يدعكهما بالتراب ، وأيضاً من المعنى : أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً ، إذا زالت بأي مزيل فإن المحل يطهر ، وهذا القول هو الصواب .
"مع حت وقرص" الحت : هو الحك بطرف حجر أو عود ، والقرص : هو الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صب الماء .
"لحاجة" أي : إذا كان يحتاج إلى ذلك ، أما إذا كان لا يحتاج إلى ذلك فإنه لا حاجة إلى الحت والقرص والحت والقرص كما ذكر المؤلف رحمه الله لابد منه إن لم يتضرر المحل ، فإذا كان المحل يتضرر فإنه لا يحت ولا يقرص ،
مثلاً : هذا المحل فيه نجاسة لو أنك فركته بظفرك تضرر ،
نقول : سقط ولا يحتاج إلى حت ولا قرص .
وبهذا نفهم : أن تطهير كل شيء بحسبه ، وتخفف النجاسة بقدر الإمكان ، فإذا كان فيه ضرر فإنه يسقط التطهير ،(1/206)
مثلاً : إنسان عنده أوراق أصابها بشيء من النجاسة ، لا نقول : اغسلها بالماء لو غسلها بالماء أدى ذلك إلى تلفها ، يسيل المداد ونحو ذلك ويؤدي ذلك إلى التلف وانطماس الحروف ، فهذا نقول : امسح خفف النجاسة بشيء من القطن ونحو ذلك ، ويكفي ذلك ، إنسان
وعصر كل مرة خارج الماء.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنده ثوب لو ذهب لكي يغسل هذا الثوب يؤدي إلى تمزق الثوب وتقطعه ونحو ذلك (لو ذهب إلى فركه ونحو ذلك)
نقول : إذا كان الماء سيضره أو الفرك سيضره يعرضه للشمس ، يعرضه للريح ، إذا كان يضره ذلك أيضاً ينشفه بالقطن ونحو ذلك ، المهم نفهم أن تطهير كل شيء بحسبه ، وأن المتنجس إذا لحقه ضرر بالماء ، أو بالحت أو بالقرص أو نحو ذلك ، فإنه يسقط ،
مثلاً : لو أن الإنسان معه دراهم (ريالات أو جنيهات ونحو ذلك) وأصابتها نجاسة ، ولو عرضها على ماء أو نحو ذلك ، هذا يؤدي إلى تلفه ، نقول : تنشف ويكفي ذلك .
" وعصر كل مرة خارج الماء" إذا كان المتنجس يتشرب النجاسة فإنه يعصر كل مرة خارج الماء ليحصل إنفصال الماء عنه هذا القسم الأول .
القسم الثاني : النجاسة المغلظة : " فإن كانت من كلب أو خنزير وجب تراب طهور"
النجاسة المغلظة : أفاد المؤلف رحمه الله أنها نجاسة الكلب أو الخنزير ، وكذلك أيضاً يقولون : المتولد منهما أو من أحدهما .
والرأي الثاني : أن النجاسة المغلظة : هي نجاسة الكلب خاصة ولا يلحق بذلك الخنزير ، لأن الخنزير كان موجداً في عهد النبي ( ومع ذلك النص إنما ورد في الكلب في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " إذا ولغ الكلب فيا إناء أحدكم فليغسله سبعاً
وجب تراب طهور....................................................................................................................(1/207)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولاهن بالتراب 215" رواه مسلم ، هذا ورد في الكلب ومع ذلك لم يرد ذلك في الخنزير .
فالصواب : أن الخنزير نجاسته نجاسة متوسطة ، وليست نجاسة مغلظة ، هذا هو الصواب : وهل نجاسة الكلب خاص بولوغ أو ولغ في الإناء أخرج لسانه وحركه فيه ، أو نقول : يشمل كل الكلب ؟
هذا موضع خلاف : المذهب : أنه يشمل كل الكلب ، وأن جميع الكلب نجاسته نجاسة مغلظة ، لابد فيها من السبع مع التراب ،
فمثلاً : ريقه لابد من السبع مع التراب ، بوله : لابد من السبع مع التراب ، غائطه : لابد من السبع مع التراب.
والرأي الثاني : أن ذلك خاص بالولوغ وهذا قول الظاهرية ، وهذا القول هو الصواب ، وعلى هذا لو بال نجاسته تكون نجاسة متوسطة ، وغائطه نجاسته نجاسة متوسطة ، بل إن الحنفية والمالكية يرون أن بدن الكلب طاهر ، والشافعية والحنابلة يرون أن بدنه نجس .
الصواب : أن النجس إنما هو الولوغ فقط فبوله وغائطه هذه نجاسته نجاسة متوسطة ، وأما بالنسبة لريقه فإن نجاسته نجاسة مغلظة .
" وجب تراب طهور "
أولاً : في تطهير نجاسة الكلب يجب سبع غسلات ، هذا المشهور من المذهب ومذهب
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشافعية أنه لابد من سبع غسلات ، وهذا الحديث في ذلك صريح " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب" .(1/208)
والرأي الثاني : رأي الحنفية والمالكية : أنه لا يجب التسبيع ، واستدلوا على ذلك بأن أبا هريرة رضي الله عنه سئل عن ولوغ الكلب وأفتى ثلاث غسلات ، وأبو هريرة رضي الله عنه هو الذي روى أنه يغسل سبعاً ،فدل ذلك على أن التسبيع ليس واجباً .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية وأنه لابد من التسبيع.
وأما ما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فإنه يجاب عنه بجوابين :
1- أن أبا هريرة أفتى بالسبع أيضاً .
2 - أن العبرة بما روى لا بما رأى .
" وجب تراب طهور ونحوه " المذهب : أنه لابد من سبع غسلات مع التراب أو ما يقوم مقامه ، من الإشنان والصابون ، ونحو ذلك من المنظفات (هذه يقولون يقوم مقام التراب) ، فيجب التراب أو صابون أو نحوه مما يقوم مقامه . والشافعية يقولون : يتعين التراب (لابد من التراب) وهو أيضاً قول الظاهرية .والحنفية والمالكية يقولون : لا يجب التراب .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الشافعية : وأنه يتعين التراب .
بعض العلماء يقول كن بأن الكلب إذا أخرج لسانه في الإناء فإنه لا ينظف إلا بالتراب ، فإذا كان كذلك نقول : بأن التراب يتعين ولا يجوز غيره .
طهور يعم المحل مع الماء إلا فيما يضر فيكفي مسماه........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " طهور" يخرج الطاهر لأنه تقدم أنهم يرون أن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام وكذلك أيضاً التراب يرون أنه تنقسم إلى ثلاثة أقسام .
" يعم المحل مع الماء " أي : لابد التراب يعم على الماء ، وكيف ذلك ؟ قال العلماء : إما أن يضع الماء ويضع عليها التراب ، أو يضع التراب ويضع عليها الماء، أو يخلط الماء بالتراب ثم يغسل الإناء .(1/209)
ولم يبين المؤلف رحمه الله الترتيب هل تكون في الأولى أو في الأخيرة إلى آخره ؟ فنقول : الأرجح أنها تكون في الأولى كما في حديث مسلم " أولاهن بالتراب216" وأما لفظ "إحداهن217" فهذه تحمل على "الأولى" ولفظ "السابعة" ترجح عليها لفظ "أولاهن" للأثر والنظر ، أما الأثر : فلأن لفظ "أولاهن" هذه أصح من لفظ "السابعة" لأنها في الصحيح ، والنظر : أنها إذا كانت في الأولى لم يحتج إلى التنظيف مرة أخرى ، أما إذا كانت في السابعة فإنه يحتاج إلى تنظيف التراب .
" إلا فيما يضر فيكفي مسماه " أي : إلا فيما يضره التراب فيكفي مسمى التراب ، وهذا كما تقدم لنا في القاعدة أنه إذا كان يترتب على ذلك ضرر فإنه يطهر بحسبه ويسقط التطهير الذي يتولد عنه الضرر .
ويكفي في أرض تنجست بمائع غسله تذهب بالنجاسة ولا تطهر بشمس وريح ولا دلك .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويكفي في أرض تنجست بمائع غسله تذهب بالنجاسة" بالنسبة للأرض تنجست بمائع كبول ونحو ذلك ، يقول المؤلف رحمه الله تكفي فيها غسلة تذهب النجاسة ، ودليل حديث أنس وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما في قصة الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد " فأمر النبي ( بذنوب من ماء فأهريق عيه218 " يكفي ذلك .
وقول المؤلف رحمه الله " تنجست بمائع" يؤخذ منه أنه لو كانت النجاسة جامدة
مثل : الغائط ونحو ذلك فهذا لابد من إزالته (من إزالة جرم النجاسة) .
" ولا تطهر بشمس وريح ولا دلك" تقدم أن المؤلف رحمه الله يرى أنه لابد في تطهير المتنجس بماء طهور ، وعلى هذا ما تطهر الأرض التي تنجست ولا غيرها من المتنجسات بالشمس
مثلاً : لو كان الإنسان عنده ثوب أصابه بول ، ثم عرضه للشمس ،(1/210)
يقول المؤلف : ما يطهر بذلك ولو زالت أثر النجاسة ، أو الشمس أصابت الأرض ، فإنه ما تطهر ، أو الريح ونحو ذلك ، واستدلوا على ذلك ، بأن النبي ( "أمر بذنوب من ماء فأهريق على بول الأعرابي 219"، وكون النبي ( يصب على بول الأعرابي هذا الماء يدل على أنه لا يكتفى بالريح والشمس ، وإلا كان النبي ( انتظر الشمس ، وتأتي على المحل وتطهره .
والصواب في ذلك : أنه كما ذكرنا ، أن النجاسة تطهر بأي مطهر كما هو قول الحنفية ،
ولا استحالة............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحنفية هم أوسع المذاهب في ذلك ، الصواب أنها تطهر بأي مطهر بالشمس والدلك بالريح إلى آخره لما ذكرنا من الأدلة السابقة .
وأما الجواب عن قصة الأعرابي : فنقول : أن الشمس أو الريح تحتاج إلى وقت ، والمكان مكان الصلاة ، والناس سيأتون ويصلون ، وإذا كان كذلك فإنه يبادر بإزالة النجاسة .
ويؤخذ منه أيضاً فائدة أخرى-كما سلف- أنه ينبغي لمن أصابه نجاسة أن يبادر بإزالتها وأن هذا هو السنة ، لأن النبي ( بادر بإزالة النجاسة .
"ولا استحالة " ولا تطهر النجاسة أيضاً باستحالة تقدم أن ذكرنا أن النجاسة تنقسم إلى قسمين : المتنجس والنجس ،
والمتنجس : هذا الذي نجاسته نجاسة حكمية ،
والنجس : نجاسته نجاسة عينية ، وأنهم يرون أن الذي يطهر هو الذي نجاسته نجاسة حكمية ، وأن ما كانت نجاسته نجاسة عينية هذا لا يطهر، ولهذا قال المؤلف رحمه الله "ولا تطهر النجاسة" ، وقال "النجاسة" ولم يقل "المتنجس" لأن النجاسة سبيل تطهيرها هو الاستحالة ، لأنك ما يمكن أن تطهرها بالماء هي ذاتها وعينها نجسة ، فسبيل تطهيرها الاستحالة ، فقال : " ولا تطهر النجاسة بالاستحالة" وهذا هو المشهور من المذهب ، وهو قول أكثر العلماء رحمهم الله : أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة .(1/211)
والرأي الثاني : أنها تطهر بالاستحالة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وأيضاً قول
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحنفية والظاهرية ، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : التعبير هذا فيه نظر ، يقول : ما يقال بأن النجاسة طهرت بالاستحالة ، وإنما يقال بأنها استحالت إلى عين أخرى .
الذين قالوا بأنها لا تطهر بالاستحالة : قالوا : " بأن النبي ( نهى عن أكل الجلالة وألبانها220" . الجلالة : هي التي تأكل النجاسة ، والنبي ( نهى عن أكلها وعن لبنها ، ولو كانت النجاسة تطهر بالاستحالة ما نهى النبي ( عن ذلك ، لأن هذه إذا أكلت النجاسة فإنه يستحيل إلى دم وإلى لحم ولبن ، النجاسة استحالت الآن ، ومع ذلك نهى النبي ( عن أكلها وعن ألبانها ، قالوا : هذا دليل أنها لم تطهر .(1/212)
والذين قالوا : أنها تطهر استدلوا بأدلة ، من ذلك : الإجماع قائم على أن الخمر إذا انقلبت بنفسها إلى خل فإنها تطهر ، وأيضاً ؛ الله عز وجل أخبر عن اللبن أنه من بين فرث ودم ومع ذلك فهو طاهر بالإجماع ، وكذلك أيضاً ، أن النبي ( -كما ذكر ابن القيم- نبش قبور المشركين ، وصلى في ذلك المكان ، وهذه القبور لاشك أن فيها الصديد وفيها الدم لكنها استحالت ، وأيضاً الحكم يدور مع علنه وجوداً وعدماً ، وهذه العين المستخبثة شرعاً انقلبت إلى عين أخرى ، فمثلاً : العذرة أصبحت رماداً ، ما أصبحت عذرة ، أو أصبحت دخاناً ، هذا الحيوان النجس انقلب الآن إلى كونه مادة أخرى انقلب إلى كونه رماداً ، انقلب إلى كونه دخاناً إلى آخره ، وهذا القول هو الصواب ، وأن النجاسة تطهر بالاستحالة .
إلا خمرة تنقلب خلاً بنفسها ولا يطهر دهن بغسل.................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إلا خمرة تنقلب خلاً بنفسها " وهذا بالإجماع ، فالعلماء مجمعون على أن الخمر إذا انقلبت خلاً بنفسها بدون تخليط فإنها تطهر على القول بنجاسة الخمر ، ودليل ذلك كما أسلفنا الإجماع ، وأيضاً قالوا : بأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زالت والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله بقوله " تنقلب خلاً بنفسها " أنها لو خللت فإنها لا تطهر بمعنى : كان التخليل يصنع الآدمي ،
وذلك مثل : الغليان ، إذا غليت ثم انقلبت خلاً أو أضيف إليها بعض المواد فانقلبت خلاً أو نقلت من مكان إلى مكان ,,,, إلى آخره ، المهم إذا كان ذلك بصنع الآدمي فإنها لا تحل ولا تطهر ، ويدل لذلك حديث أنس رضي الله عنه ، أن النبي ( سئل عن الخمر تتخذ خلاً ، فقال النبي ( : " لا 221" وهذا أخرجه مسلم في صحيحه .
فتلخص لنا أن الخمر لا تخلو من أمرين :
1 - الأمر الأول : أن تنقلب خلاً بنفسها ، فهذه تطهر وتحل .(1/213)
2 - والأمر الثاني : أن تنقلب خلاً بصنع الآدمي ، فهذه لا تطهر ولا تحل .
" ولا يطهر دهن بغسل " المذهب : أن سائر المائعات إذا تنجست لا تطهر إلا الماء كما تقدم لنا الماء يرون أنه يطهر وأما سائر المائعات إذا تنجست فيرون أنها لا تطهر ، فالدهن
ولا حب تشربها......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يرون أنه لا يطهر الغسل يرون أنه لا يطهر الحليب واللبن إلا آخره ، وهذا هو المشهور من المذهب .
وعند أبي حنيفة رحمه الله أن الدهن يطهر إذا تنجس ، وهذا القول هو الصواب، لأن النجاسة عين مستقذرة شرعاً فإذا زالت بأي مزيل فإن المحل يطهر .
وأما المذهب فيقولون : بأن الدهن لا يطهر لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه ، لأنهم يرون أن المتنجس لا يطهره إلا الماء .
والصواب - كما قلنا - مذهب أبي حنفية رحمه الله ، ومذهب أبي حنفية هو أوسع المذاهب فيما يتعلق بإزالة النجاسة ، فيرون أنه يطهر ، وذكرنا العلة في ذلك أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً فإذا طهرت بأي مطهر فإنه يطهر ، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، وقد ذكرنا فيما تقدم أن المتنجس لا يشترط في إزالته الماء ، بل يطهر بكل مطهر ، وعلى هذا إذا كان عندنا دهن ووقع عليه البول ، أو زيت وقع عليه البول أو دم مسفوح أو نحو ذلك من النجاسات ، نقول : يطهر بالإضافة ، وبالغلي إلى آخره ، المهم ما يزيل هذه العين المستقذرة شرعاً أي طريق ، واليوم بسبب الترقي الصناعات فيمكن تطهير هذه الأشياء ، هذا الصواب .
"ولا حب تشربها" الحب : هو الجرة الضخمة ، فإذا كانت هناك جرة ضخمة ، كالتي تكون من الفخار وتشرب النجاسة ، فيقول المؤلف رحمه الله بأنها لا تطهر ، والصواب -كما ذكرنا- أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً ، إذا زالت بأي مزيل فإنه يطهر ،(1/214)
أو سكين سقيتها ويجزئ في بول غلام لم يأكل طعاماً لشهوة غمره بالماء......................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمثل هذا الحب (هذه الجرة) نقول : إذا طهرت بالشمس عرضتها للشمس ، وزالت العين المستقذرة إذا طهرت بجعلها بالماء ، إذا طهرت عن طريق الغليان ، المهم بأي مطهر لا يضرها ، فنقول : بأنها تطهر .
"أو سكين سقيتها " أي : لو كان عندنا سكين وسقيت هذه السكين النجاسة ، كما لوسقيت ماءً نجساً أو بولاً ، أو نحو ذلك من النجاسات ، فيقول المؤلف رحمه الله : لا يطهر ، والعلة في ذلك قالوا : لأن الغسل لا يصل إلى جميع أجزاء النجاسة ، وكما ذكرنا الصواب في ذلك : أنه حتى السكين إذا سقيت النجاسة وتشربت النجاسة ، فنقول : أنها تطهر بأي مطهر يزيل العين المستقذرة شرعاً ما لم يحصل ضرر - وهذا كما تقدم لنا - فإذا كانت لا تطهر إلا بشيء يضرها ، نقول : يسقط التطهير
" ويجزئ في بول غلام لم يأكل طعاماً لشهوة غمره بالماء" هذا القسم الثالث من أقسام المتنجسات ، تقدم لنا أن المتنجس لا يخلوا من ثلاثة أقسام :
1 - ما نجاسته نجاسة مغلظة .
2- ما نجاسة نجاسة متوسطة .
3 - ما نجاسته نجاسة مخففة .
وهنا شرع المؤلف رحمه الله في القسم الثالث : وهو الذي نجاسته نجاسة مخففة ، فهذا يكفي فيه النضح ، ويدل لهذا حديث أم قيس بنت محصن رضي الله عنهما " أنها أتت بابن
غلام لم يأكل طعاما لشهوةً..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صغير لها لم يأكل الطعام إلى النبي ( فأجلسته في حجره فبال على ثوبه ، فدعا النبي ( بماء فنضحه ولم يغسله 222" وهذا الحديث في الصحيحين ، ومثله أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها .
فنقول بول : الذكر الذي لم يأكل الطعام ، هذا يكفي فيه نضحه بالماء - أي يكفي أنه يصب عليه الماء .(1/215)
وقوله " غلام" هذا يخرج الجارية ، فالجارية ، هذه لابد من غسل بولها حتى وإن لم تأكل الطعام .
وقوله " لم يأكل طعاماً " يخرج الصبي الذي أكل الطعام ، فبوله كغائطه ، يكون من النجاسات المتوسطة .
وقوله " لشهوة" هذا يخرج ما إذا أكل طعاماً لغير شهوة ،
مثلاً : وضع في فمه شيء فامتصه لغير شهوة ،
هذا نقول : بأن هذا الأكل لا أثر له ، ويكفي فيه النضح ، أما إذا كان يأكله لشهوة ، بأن تجده يشرئب إليه ويصيح ويشتهيه ويزحف ونحو ذلك - يريد هذا الطعام- فنقول : بأنه لا يكفي في تطهير نجاسة بوله بالنضح بل لابد من الغسل .
وهذا أي أنه يكتفي بالنضح هذا هو المذهب ، ومذهب الشافعية .
لم يأكل طعاماً لشهوة وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يتيقن........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعند الحنفية والمالكية : أنه لابد من الغسل .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية رحمهم الله .
وقوله " لم يأكل طعاماً لشهوة " هذا دل له حديث أم قيس رضي الله تعالى عنها ، فإنها أتت بابن لها صغير - لم يأكل الطعام -.." قولها " لم يأكل الطعام هذا يدل على ما ذكره المؤلف رحمه الله .
والحكمة في التفريق بين الذكر والأنثى هذا ذكرها العلماء رحمهم الله من ذلك حكماً : فقالوا : بأن الذكر بوله ينتشر ، وأما الأنثى فبلوها يجتمع ، وقيل : بأن الذكر تعظم المشقة بغسل بوله ، إذ أنه عمل أكثر بخلاف الأنثى ، وقيل : بأن الذكر أصله من الطين والأنثى أصلها من اللحم والدم إلى آخره ، وقال بعض العلماء : ما يظهر هناك فرق ، كما ذكر الشافعي رحمه الله ، قال : لم يتبين لي فرق من السنة بينهما ، وقيل : بأن الذكر بوله رقيق ، والأنثى غليظ ، المهم : ما دام أن السنة جاءت بهذا فنقول : السنة جاءت بهذا ، وكان في ذلك حكمة .(1/216)
" وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يتيقن زوالها " يعني : خفي في الثوب في البدن في البقعة التي يصلي عليها ، يقول المؤلف رحمه الله : غسل حتى يتيقن زوالها ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يكفي الظن في ذلك وأنه لا بد من اليقين .
والصواب في ذلك : أنه يكفي الظن ، وأنه إذا ظن أن المحل طهر فهذا يكفي ولا بأس بذلك ،
ويعفى عن يسير دم وقيح وصديد بثوب أو بدن من حيوان طاهر........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن جهل مكانها (لا يدري أين هي) نقول : هذا لا يخلو من أمرين:
1 - الأمر الأول : أنه يمكنه أن يتحرى يعني : هناك قرائن على أن هذه النجاسة في هذا الموضع ، فنقول : يغسل هذا الموضع .
2 - الأمر الثاني : لا يمكنه أن يتحرى ، لا يدري هل هي في هذا الكم أو في هذا الكم ، ليس هناك قرائن تحدد مكان النجاسة ، فنقول : يغسل حتى يظن أنه قد زالت النجاسة ، فإذا احتاج أن يغسل نصف الثوب غسله ، مثلاً : لو كانت النجاسة في الثوب ، يعلم أنها في النصف الفوقاني ، لكن لا يدري هل هي في جانب الأيمن أو في جانب الأيسر ، أو في أعلى الثوب أو في وسطه ، وليس هناك قرائن لتجري ، فنقول : بأنه يغسل جميع نصف الثوب الذي ظن أن النجاسة فيه ، وعلى هذا فقس .
" ويعفى عن يسير دم وقيح وصديد بثوب أو بدن من حيوان طاهر " القيح والصديد : هذه متحول عن الدم .
هنا ذكر المؤلف رحمه الله ما يعفى عنه من النجاسات ، فقال الأول : الدم والقيح والصديد ، لكن اشترط المؤلف رحمه الله لهذا شروطاً :
1 - الشرط الأول : أن يكون يسيراً .
2 - الشرط الثاني : أن يكون في ثوب أو بدن .
3 - الشرط الثالث : أن يكون ذلك من حيوان طاهر في حال الحياة .
..............................................................................................................................................(1/217)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا قوله " أن يكون يسيراً " لو كان كثيراً فإنه لا يجزئ ، وقوله
" أن يكون في ثوب أو بدن" لو كان هذا الدم أو القيح أو الصديد في طعام فإنه لا يعفى عنه ، وقوله " من حيوان طاهر في الحال الحياة " ، سبق أن بينا ما هو الحيوان الطاهر في الحياة ، نقول : الحيوان الطاهر في حال الحياة يشمل أموراً :
الأمر الأول : الآدمي ، الأدمي طاهر في حال الحياة حتى ولو كان كافراً ، وعلى هذا إذا خرجت من الآدمي نقطة الدم في الثوب فهذه يسيرة ، فإنه يعفى عنه.
الأمر الثاني : مأكول اللحم ، مثل : الشاة شاة انجرحت وخرجت منها نقطة من الدم ، فنقول : بأن هذا يسير في الثوب من حيوان طاهر في حال الحياة .
الأمر الثالث : حيوان البحر هذا طاهر في حال الحياة ، وعموماً حيوان البحر ، كما سيأتينا إن شاء الله في أقسام الدم ، كل ما خرج منه فهو طاهر قليل أو كثير.
الأمر الرابع : ما يشق التحرز عنه من الحيوانات ، فهذه طاهر في حال الحياة ، مثل الفأرة والهرة ، والمذهب لا يضبطونه بمشقة التحرز وإنما يقولون : ما كان مثل الهرة فأقل في الخلقة يقولون : بأن هذا طاهر في حال الحياة ، والصواب : أنه ما يشق التحرز عنه إلا ما استثناه الشارع كالكلب ، وعلى هذا لو خرج من الهرة نقطة من الدم وأصابت الثوب فإنه يعفى عنه
الأمر الخامس : ما لا نفس له سائلة ، فهذا طاهر ، مثل : الخنفسة والعقرب والصراصير ، وهذا سيأتينا إن شاء الله في بيان أعيان النجسة ، فنقول : بأن هذه الأشياء طاهرة .
وعن أثر استجمار بمحله........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/218)
المهم تبين لنا الحيوان الطاهر ، فإذا خرج نقطة من الدم أو القيح أو الصديد ، وأصابت الثوب أو البدن ، فنقول : بأنها طاهر ويعفى عن ذلك ،
هذا الأمر الأول على المذهب وهو : الدم والقيح والصديد بشروط ثلاثة .
" وعن أثر استجمار بمحله"
هذا الأمر الثاني مما يعفى عنه : أثر الاستجمار ، إذا قضى المرء حاجته ثم استجمر قطعاً سيبقى شيء من النجاسة في المحل ، فقال لك المؤلف رحمه الله يعفى عن الباقي من النجاسة ، يعفى عن يسير هذه النجاسة التي تكون بهذا المحل ، ويدل لذلك سائر أدلة الاستجمار " وأن لا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار " فإذا استنجى بثلاثة أحجار إلى آخره ، وبقي شيء من النجاسة فهذا معفو عنه .
وقوله " بمحله" يؤخذ منه أنه لو تعدى محله ، يعني : انتقلت النجاسة إلى الثوب
مثلاً : إلى السروايل ، أو انتقلت النجاسة بسبب الرطوبة وبسبب العرق ، وأصابت الفخذين
هل يعفى عن ذلك أو لا ؟
يقول المؤلف رحمه الله : بأنه لا يعفى ، هذا المذهب ، فأصبح عندنا ما يعفى عن النجاسة يشتمل هذين الأمرين إلى آخره .
والرأي الثاني : قول الحنفية واختاره شيخ الإسلام : أنه يعفى عن يسير كل النجاسة ، سواء كان ذلك في الثوب أو البدن ، وسواء كان دماً أو قيحاً أو بولاً ، أو غائطاً ، إلى آخره
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/219)
يعفى عن يسير سائر النجاسات ، ولا يقيد بذلك بالدم والقيء والصديد ، وهذا أضبط ، وهو الذي دل له الدليل ، ويدل لذلك سائر أدلة الاستجمار ، كون الشارع يرخص في الاستجمار ، يدل هذا على أن الاستجمار مجزئ ، وأنه سيبقى شيء من أثر النجاسة ، ومع ذلك عفى عنها الشارع ،
فنقول : الصواب في ذلك : أن يسير سائر النجاسات يعفى عنه ولا يقيد بالدم والصديد والقيح ،
مثلاً : لو أن الإنسان خرج منه نقطة من البول وأصابت الثوب ، على المذهب : أنه لا يعفى لأنهم قيدوا بالدم والقيح والصديد ، والبول والغائط إذا كانت بمحلها فقط ، وإذا تعدت المحل فإنه لا يعفى ، لكن إذا قلنا بأنه يعفى فنقول : بأنه يعفى ولا يضر .
وأيضاً قولهم في أثر الاستجمار ، قالوا "بمحله" ابن القيم رحمه الله يرى أن الاستجمار رافع وليس مبيحاً ، وعلى هذا إذا استجمر الشخص ثم تعدت النجاسة ، بقي الشيء في المحل ثم تعدت بسبب الرطوبة ، تعدت إلى الثوب (السروايل) تعدت إلى الفخذين ، أن هذا طاهر ولا بأس به .
وعلى هذا نقول : الخلاصة في ذلك أنه يعفى عن يسير سائر النجاسات ، سواء كان ذلك في الصلاة أو في غيرها ، هذا الصواب كما ذكرنا الدليل على ذلك وأيضاً فيما يتعلق بأثر الاستجمار بمحله الصواب ، أنه إذا استجمر استجماراً شرعياً ثم تعدت النجاسة إلى غير المحل ، نقول : بأنه يطهر ولا بأس بذلك .
ولا ينجس آدمي ولا ما لا نفس له سائلة بموت........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا ينجس آدمي ولا ما لا نفس له سائلة بموت " .(1/220)
هنا المؤلف رحمه الله في هذا الكلام أراد أن يبين ما هي الأعيان النجسة ، وما هي الأعيان غير النجسة ، لما ذكر أقسام المتنجس ، وذكر أنها ثلاثة أقسام ، وكيف يطهر كل قسم ، وذكرنا أيضاً النجاسة ، ما كان نجاسته عينية ، هل تطهر أو لا تطهر ، وما يعفى عنه من النجاسات ، شرع في بيان الأعيان النجسة ، ولو أن المؤلف رحمه الله بدأ بالأعيان النجسة ثم ذكر بعد ذلك كيف نطهر الأشياء المتنجسة لكان ذلك أحسن .
" و لا ينجس آدمي بموت " أي لا ينجس آدمي بموت ولو كان كافراً ، ويدل لذلك قول الله عز وجل ( ولقد كرمنا بني آدم ( وأيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه " إن المؤمن" ، وفي لفظ "المسلم لا ينجس 223" هذا في الصحيحين . وأما بالنسبة للكافر فلأن الله أباح لنا نساء أهل الكتاب ، قال تعالى ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم( ، ولاشك أن الزوج سيخالط زوجته ، ولو كانت نجسة لما أبيح ذلك ، وأيضاً ذبائحهم حلال لنا ، فنقول : بأن الأدمي طاهر في الحياة وفي حال الموت . وعلى هذا نقول : ضوابط الأشياء النجسة :
1 - الضابط الأول : الأصل في الأعيان الطهارة والإباحة ، فالأصل في الحيوانات والطيور وسائر الأعيان حتى الجمادات الحجارة والأرض والتراب والثياب والصوف إلى آخره
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/221)
نقول : الأصل في ذلك الطهارة والإباحة فهي طاهرة ومباحة ، ودليل ذلك قول الله عز وجل ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً( وهذا ذكره الله عز وجل في معرض الامتنان ، فيعم كل ما في الأرض ، ومقتضى ذلك أن هذه الأشياء مباحة وأنها طاهرة ، وكذلك قول الله عز وجل ( والأرض وضعها للأنام ( .
2 - الضابط الثاني : كل حيوان محرم الأكل فهو نجس ، ونستثني من ذلك ثلاثة أشياء :
1 - الشيء الأول : الآدمي ، فهو طاهر ، حيوان محرم الأكل لكنه طاهر .
2 - الشيء الثاني : ما لا نفس له سائلة ، يعني : إذا قتل ليس له دم يسيل.وهذا كما قلنا مثل : الذباب ، والخنفسة ، والعقرب ، والعنكبوت ، والجعل ، والبعوض ، البق .. الخ ، هذه الأشياء مع أنها محرمة الأكل إلا أنها طاهرة ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري وغيره " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم (أوفي شراب أحدكم) فليغمسه ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه شفاءً في الآخر داء 224" وأمر النبي ( بغمسه يقتضي أنه طاهر "
3 - الشيء الثالث : ما يشق التحرز عنه وذكرنا أن الحنابلة يضبطونه يقولون: ما كان كالهرة ودونها في الخلقة ، لكن الأحسن ما دل عليه الدليل ، نقول: ما يشق التحرز عنه إلا ما استثناه الشارع كالكلب ، ويدل لذلك حديث أبي قتادة رضي الله عنه قول النبي ( في الهرة " إنها ليست بنجس أنها من الطوافين عليكم والطوافات 225" ، فالنبي ( حكم بطهارتها لكونها
وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه ومني آدمي وعرقه وريقه طاهر.....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الطوافين ، ويفهم من ذلك أن ما عداها الذي لا يطوف علينا أنه نجس ،
مثل : الأسد والذئب .
وأيضاً استدل بعض العلماء على هذا بأن الشارع حرم أكلها لكن هذا لا يدل على النجاسة ، السم محرم أكله ، مع ذلك نقول : بأنه طاهر .
" وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه ومني آدمي وعرقه وريقه طاهر " .(1/222)
هذا الضابط الثالث : كل ما خرج من محرم الأكل فهو نجس ، لكن نستثني من ذلك أشياء ذكرها المؤلف رحمه الله : مني الآدمي كما سيأتي إن شاء الله- أنه طاهر وهو خارج من محرم الأكل ، فمني الآدمي طاهر ، عرقه ريقه مخاطه ، الريح ، رطوبة فرج المرأة .
ما خرج من ما لا نفس له سائلة ، يعني : إذا قتلت شيئاً ليس له نفس سائلة فخرج منه شيء ، فهذا طاهر ، كذلك أيضاً ريق ما يشق التحرز عنه ، وعرقه ، فهذا طاهر ، فريق الهرة وعرقها ودمعها ، وأيضاً الحمار ريقه وعرقه ودمعه ومخاطه ، نقول هذه الأشياء طاهرة ، وكذلك أيضاً لبن الآدمي فإنه طاهر .
وقول المؤلف رحمه الله " وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر " ما يؤكل لحمه ، مثل: الضأن والجمل والمعز والدجاج إلى آخره ، هذه الأشياء التي يؤكل لحمها ، فإن روثها طاهر ، وبولها طاهر ومنيها طاهر ، وهذا هو المشهور من المذهب ، وعلى خلاف ذلك الشافعي رحمه الله ، فيرى أنه نجس .
وبول ما يؤكل لحمه..............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، ويدل لذلك " أن النبي ( سئل أنصلي في مرابض الغنم ؟ قال : نعم 226" وهذا في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه ، وهذا يدل على طهاراتها ، وأيضاً أن النبي ( طاف في الكعبة على البعير ، ولاشك أنه إذا طاف على البعير ، فقد يخرج من البعير شيء إلى آخره 227"، وكذلك أيضاً أن النبي ( أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال إبل الصدقة وألبانها228 " فهذا يدل على طهارتها ،
فالصواب : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .(1/223)
وقوله " وبول ما يؤكل لحمه " يفهم منه أن ما لا يؤكل لحمه فبوله نجس ، مثل : بول الحمار وبول الأسد ، وروث الحمار والأسد والفيل والنمر ..الخ ، وأن مني هذه الأشياء أيضاً نجس ، وقد تقدم لنا في الضابط السابق أن ذكرنا : أن ما خرج من محرم للأكل فهو نجس ، ويدل في ذلك بول الأسد وروثه ومنيه ، ومثل ذلك أيضاً ، الذئب والنمر ..الخ ،
واستثنيا بعض الأشياء .
" ومني آدمي طاهر " هذا هو المذهب ، وهو أيضاً مذهب الشافعي رحمه الله ، أن مني الآدمي طاهر ، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنه ، قالت : " كنت أفرك المني من ثوب رسول الله ( ثم يذهب فيصلي فيه 229" وهذا في الصحيحين ، ولو كان نجساً لما اقتصرت
وعرقه وريقه طاهر وكذا سؤر هر.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضي الله عنها على مجرد الفرك والحك بالأظفر ، وأيضاً ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال : " امسحه عنك بإذخرة أو خرقة ، فهو بمنزلة المخاط والبصاق 230" .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة ومالك رحمهما الله ، أن مني الآدمي نجس ،
واستدلوا على ذلك بأن عائشة رضي الله عنها فركت " ، وعنهما رضي الله عنها " أنها غسلت " ، فهذا يدل على أنه نجس - الغسل يدل على أنه نجس- وكذلك أيضاً قالوا : بأنه وارد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم غسل المني .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الإمام أحمد والشافعي ، ويؤيد ذلك - ما ذكروه من الأدلة- أن هذا الماء هو أصل الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين ، فيبعد أن يكون أصل هؤلاء الأخيار نجساً ، فالصواب في ذلك ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو المذهب ،(1/224)
وابن القيم رحمه الله في كتابه " بدائع الفوائد"عقد مناظرة بين الرجلين ، رجل يرى طهارة المني ورجل يرى نجاسته ، وذكر عن الذي يرى طهارة المني ، قال : أنا أريد أن أقنعه أن أصله طاهر وهو يأبى إلا أن أصله نجس .
" وعرقه وريقه طاهر " يعني : عرق ما يؤكل لحمه ، مثل : عرق الضأن ، عرق البعير ..الخ ، وريقه طاهر وهذا ظاهر .
" وكذا سؤر هر " سؤر الهر : فضلة طعامه وشرابه ،
وما دونه خلقة وسباع البهائم والطير مما فوق الهر...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وما دونه خلقة " أي فضل الطعام والشراب ما دون الهر خلقة ، يقول المؤلف رحمه الله بأنه طاهر ، وقد ذكرنا فيما تقدم من الضابط ، قلنا : كل ما خرج من محرم الأكل فهو نجس يستثنى من ذلك ريق وعرق ما يشق التحرز عنه ، والمؤلف رحمه الله قيده بالحجم ،
والصواب : أنه يقيد بمشقة التحرز ، هذا الذي ورد به النص ، فنقول : ما يشق التحرز عنه ، فإن ريقه وعرقه طاهر ، وإذا قلنا بطهارة الريق فيترتب على ذلك : أن سؤرة (فضلة طعامه وشرابه) فحكمه طاهر .
" وسباع البهائم والطير مما فوق الهر والحمار الأهلي والبغل منه وعرقه وريقه وكل مسكر نجس " .
" سباع البهائم" هذه داخلة فيما تقدم من الضابط ، وهو أن ذكرناه كل حيوان محرم الأكل فهو نجس ، فيدخل في ذلك سباع البهائم ، سباع الطير هذه حيوانات محرمة الأكل ، حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه " أن النبي ( نهى عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير231".
" وسباع البهائم والطير مما فوق الهر" وهنا قيده المؤلف رحمه الله بالخلقة ، فيقول : كالهر وما دونه في الخلقة فهذا طاهر ، وما عدا ذلك فهو نجس،
والصواب في ذلك : أنه لا يقيد بالخلقة وإنما يقيد بمشقة التحرز كما في حديث أبي قتادة(1/225)
والحمار الأهلي والبغل منه وعرقه وريقه وكل مسكر نجس................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضي الله عنه .
وسباع البهائم واضح ، مثل : النمر والأسد ، هذه يرى المؤلف رحمه الله أنها نجسة وسباع الطير ، مثل : الصقر ، والعقاب والبازي ، هذه نجسة .
" والحمار الأهلي والبغل منه" هذه يرى المؤلف رحمه الله أنها نجسة ،
والبغل : هذا متولد بين الحمار والفرس ، فيرى أنه نجس ، وإن كان الفرس طاهراً ، لكن الحمار نجس فيغلب جانب الحضر ، وهذا -كون الحمار نجس والبغل نجس- هذا على رأي المؤلف لأن المؤلف رحمه الله يرى التعليق بالخلقة ، لكن إذا قلنا أنه يتعلق بمشقة التحرز
فنقول : بأن الحمار طاهر .
وما المراد بالطاهر؟
هذا كما تقدم لنا أن ريقه طاهر سؤره طاهر ، عرقه طاهر ، دمعه طاهر ..الخ
أما ما يتعلق ببوله وروثه ومنيه ولحمه ولبنه ، فهذه الأشياء نجسة ، سبق أن أشرنا إلى هذا في الضابط ، فقلنا : ما خرج من محرم الأكل فهو نجس يستثنى من ذلك ، كذا وكذا ..الخ
" وكل مسكر نجس" هذا الضابط الرابع :
الضابط الرابع : كل مسكر نجس .
وقال المؤلف رحمه الله " مسكر" هذا هو الصواب في تفسير الخمر ، لأن الخمر هذه اختلف العلماء رحمهم الله في تفسيرها ، فجمهور العلماء يرون أن الخمر : هي كل ما أسكر
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أي نوع كان ، لقول النبي ( " كل مسكر خمر وكل خمر حرام232" .
والرأي الثاني : أن الخمر خاصة بعصير العنب (المسكر) ، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى .(1/226)
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، وسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بهذه المسألة في "كتاب الأطعمة" .
فنقول : الخمر هل هي نجسة أو ليست نجسة؟
يرى المؤلف رحمه الله ، أن كل مسكر سواء كان خمراً أو نبيذً أو غير ذلك يرى أنه نجس ، وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم .
والرأي الثاني : رأي الليث بن سعد وربيعة والمزني من أصحاب الشافعي : أن الخمر طاهرة ، ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بطهارة الخمر ، فاستدلوا على ذلك : بأن الله عز وجل لما حرم الخمر ، خرج بها الصحابة وسفكوها في طرق المدينة وأزقته ، فكونها تسفك في طرق المدينة وأزقتها ، هذا مما يدل على أنها طاهرة ، لو كانت نجسة ما فعل الصحابة رضي الله عنهم ، لأن الطرق ينهى عن البول فيها ، لأنه نجس ، فكذلك أيضاً الخمر لو كانت نجسة ، وكذلك أيضاً النبي ( لم يأمر الصحابة بأن يغسلوا ثيابهم وأوانيهم لما حرمت الخمر ، وكذلك أيضاً قصة الرجل - في صحيح مسلم- الذي أهدى النبي ( راوية خمر فأخبره أنها حرمت ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأهراقها بحضرة النبي ( .233.ألخ ، فاستدلوا بمثل هذه الأدلة مع أن الأصل- كما ذكرنا- في الأعيان الطهارة ، فهذه تدل لما ذهب إليه من قال بأنها طاهرة . والذين قالوا بالنجاسة : استدلوا بقول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ( ، قال "رجس"(1/227)
والرجس : النجس ، وأيضاً استدلوا بقول الله عز وجل ( وسقاهم ربهم شراباً طهوراً( فوصف الله عز وجل شراب أهل الجنة بأنه طهور ، يؤخذ منه أن شراب أهل الدنيا أنه نجس .
والأقرب في ذلك : ما ذهب إليه من قال بالطهارة ، هذا هو الأقرب ،
وأما قوله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس( ، فنقول : نجس لكن النجاسة هنا نجاسة معنوية ، وقوله " طهوراً " هذا لا يلزم من ذلك أن يكون شراب أهل الدنيا نجساً فما يتعلق بالآخرة ، يختلف عن ما يتعلق في الدنيا ، ولهذا ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أنه ليس في الآخرة إلا الإسم فقط بينما يتعلق بالحقيقة والطعم ، ونحو ذلك ، نقول : بأن ذلك كله يختلف . بقي لنا أيضاً من الضوابط :
الضابط الخامس : كل ميتة نجسة ، والميتة : هي كل ما مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة غير شرعية ، لكن نستثني من ذلك :
1 - ميتة الآدمي لما تقدم من الدليل على أن الآدمي طاهر في حال الحياة وفي حال الممات .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 - ميتة ما لا نفس له سائلة : مثل الذباب ، البق ، البعوض ، الصراصير ، فهذه طاهرة ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه " فليغمسه 234" وقد يغمسه في شيء حار .
3 - ميتة حيوان البحر ، فهذه طاهرة ، وهذا الضابط يتعلق في أعيان الميتات.(1/228)
الضابط السادس : كل جزئ انفصل من حيوان ميتته نجسة ، فهو نجس ، وتقدم لنا ماهو الذي ميتته نجسة ، الآدمي ميتته طاهرة ، فالجزء الذي ينفصل منه فهو طاهر ،ما لا نفس له سائلة ميتته طاهرة فالجزئ الذي ينفصل منه فهو طاهر ، حيوان البحر ميتته طاهرة ، فالجزء الذي ينفصل منه ، فإنه طاهر .
لكن عندنا مثل الشاة : الشاة هذه ميتتها نجسة ، الجمل ، الحمار ، سباع البهائم ، سباع الطير ، الهر ، الفأرة ..الخ ، فهذه الأشياء نقول بأن ميتتها نجسة ، فالجزء الذي ينفصل منها ، فإنه نجس يأخذ حكمه ، فإذا قطعت يد شاة أو إلية شاة فحكم هذه اليد والإلية نجسة ، أو رجل جمل ، فنقول كن بأن هذه الرجل ونحو ذلك فإنها نجسة ، إلا ما يتعلق بالطريدة كما تقدم لنا في باب الآنية .
يستثنى من ذلك ما لا تحله الحياة ، مثل : الشعر ، فالشعر إذا انفصل من الحيوان الذي ميتته نجسة نقول : بأنه طاهر ، وكذلك أيضاً : الصوف ، الوبر ، الريش ، وأيضاً أضاف شيخ الإسلام رحمه الله القرون والأظلاف والعظام فهذه نقول بأنها طاهرة لأنها لا تحلها الحياة ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً أضاف : اللبن (الحليب) لأن قاعدة عند شيخ الإسلام أنه لا ينجس المائعات إلا بالتغير ، لكن الحليب هذا فيه نظر ، لأن النجاسة محيطة به من كل جانب لأن الحيوان لما مات أصبح كله نجساً.وأيضاً الجلد إذا دبغ فإنه يطهر.
الضابط السابع : الدم ، والدم ينقسم إلى أقسام :
1 - القسم الأول : دم الحيض والنفاس ، هذا نجس بالإجماع .(1/229)
2 - القسم الثاني : الدم المسفوح ، هذا أيضاً نجس بالإجماع ، لقول الله عز وجل " أو دماً مسفوماً" وأيضاً حديث أسماء رضي الله عنها كما تقدم في دم الحيض.
3 - القسم الثالث : الدم الخارج من بدن الإنسان كما لو انجرح الإنسان وخرج من يده أو رجله أو رأسه ونحو ذلك دم ، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم : فجمهور أهل العلم على أنه نجس ، وقد حكي الإجماع على ذلك.
والرأي الثاني : أنه طاهر ، وقد حكاه الشوكاني عن بعض المتقدمين .
ولكل منهم دليل ، أما الذين قالوا بالنجاسة : فاستدلوا بقول الله عز وجل ( أو دماً مسفوحاً( ، وهذا قالوا بأنه يدخل ، وأيضاً استدلوا بحديث أسماء رضي الله عنها في دم الحيض ، قالوا : هذا يلحق به ، واستدلوا أيضاً بأن النبي ( لما جرح في غزوة أحد غسلت فاطمة رضي الله عنها الدم عن النبي ( 235".
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/230)
والذين قالوا بأنه طاهر ، واستدلوا على ذلك بأدلة منها : قصة عباد بن بشر ، لما أصيب وهو يصلي ، فمضى مع أنه ينزف ، وكذلك أيضاً عمر رضي الله عنه لما طعن وهو يصلي لما عجز خلف عبدالرحمن بن عوف ، كذلك أيضاً قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه ، وأن النبي ( ضرب له خيمة في المسجد لكي يعوده من قريب ، وسال جرحه في المسجد 236"، وكذلك أيضاً ما ذكره حسن بن البصري رحمه الله أن الجرحات كان تصيبهم ومع ذلك ما كانوا يغسلون ، ويؤيد ذلك أيضاً أن الجزء له حكم الكل ، وأن الآدمي لو قطعت يده ، فإن يده حكمها طاهرة ، فإذا كان كذلك في اليد الممتلئة بالدم ، فكذلك أيضاً نقول بدمه ، وحديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه " ما قطع من البهيمة وهي حية فهو نجس237" فهذا مما يؤيد القول بالطهارة مع الأصل ، الأصل الطهارة ، وهذا يظهر أنه أقرب ، القول بالطهارة .
وعلى هذا تقدم لنا قلنا في الضابط : كل ما خرج من محرم الأكل فهو نجس ، واستثنينا ريق الآدمي وعرقه ودمعه ولبنه ، أيضاً يقال بذلك الدم الخارج من البدن دون الفرج ، وكذلك أيضاً يضاف القيء ، فالقيء هذا موضع خلاف ، هل هو طاهر أو نجس ؟
المشهور من المذهب : أن القيء نجس ، والمالكية يفصلون : إن خرج بحاله (أي : الطعام بحاله لم يتغير) ، فيقولون : بأنه طاهر ، وإن تغير أصبح له رائحة مستكرهة ، قالوا :بأنجس ، والذي يظهر- والله أعلم ..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثالث أنه طاهر.(1/231)
4 - القسم الرابع : دم الشهيد عليه ، فالمذهب ومذهب الحنفية يقولون : إذا استشهد شخص فالدم الذي خرج منه ما دام أنه عليه على بدنه وثيابه طاهر ، ولو انفصل فهو نجس .
والشافعية والمالكية يقولون : بأنه نجس مطلقاً ، على القاعدة عندهم ، وهذا مما يؤيد القول بالطهارة ، يعني : لماذا فرقوا بين دم الشهيد وغيره؟
هم يقولون : دم الشهيد طاهر ، هذا الدم ما تغير ، لماذا هنا حكمنا بأنه طاهر وإذا انفصل كالنجس ؟ هذا التفريق يحتاج إلى دليل ، وأيضاً لماذا حكمنا بأن دم الشهيد طاهر ، ودم غيره نجس؟ هذه يحتاج إلى دليل ، كالبول لا فرق بين بول الشهيد وبين غيره كله نجس .
5 - القسم الخامس : الدم الذي يكون في العروق (في اللحم إذا ذبح الذبيحة أثناء التقطيع يكون في عروقها ونحو ذلك) نقول : بأنه طاهر ولا بأس به .
6 - القسم السادس : المسك وفأرته ، وهذا تقدم الكلام عليه " في باب الآنية " فلا حاجة إلى إعادته .
7 - القسم السابع : ما خرج من حيوان ميتته نجسة : مثل الشاة ميتتها نجسة ، الشاة لو انجرحت وهي حية وخرج منها دم ، فهذا الدم حكمه نجس لحديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه " ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة 238" ، أي : يأخذ حكم الميتة ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلو قطعنا اليد نقول : بأنها نجسة ، مثله أيضاً الدم ، ومثل الجمل لو انجرح ..الخ
المهم ميتتها نجسة .
8 - القسم الثامن : ما خرج من ما لا نفس له سائلة ، وهذا عكس قسم الذي قبله ، لأن ما لا نفس له سائلة ميتته طاهرة ، فما خرج فهو طاهر .(1/232)
9 - القسم التاسع : ما خرج من حيوان البحر ، الدم الذي خرج من السمك ونحو ذلك ، فهذا طاهر ، وهذا يمكن أيضاً أن يدخل في الضابط الذي قبله .
10 - القسم العاشر : المتولد عن الدم كالقيح والصديد ، ونحو ذلك ، نقول : حكمه حكم الدم كما تقدم في أقسام السابقة .
المسألة : إذا طهر المحل ثم بقي أثر النجاسة ، مثل الدم ، لو طهره ثم بقي أثر الإحمرار ونحو ذلك ، فنقول بأن أثر النجاسة لا يخلو من أقسام :
1 - القسم الأول : أن يكون الباقي من عين النجاسة ، فنقول : المحل لم يطهر.
2 - القسم الثاني : أن يكون الباقي لون النجاسة ، كما قلنا : أثر الاحمرار ، فنقول : بأن المحل طهر .
3 - القسم الثالث : أن يكون الباقي رائحة النجاسة ، أيضاً نقول : طهر المحل.
4 - القسم الرابع : أن يكون الباقي الطعم والرائحة جميعاً ، فهذا فيه تفصيل : إن عجز عن إزالتها فيعفى وإلا لا يعفى .
…باب الحيض
يمنع الغسل له.....................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحيض في اللغة : السيلان ، يقال : حاض الوادي إذا سال .
وأما في الاصطلاح : فهو دم طبيعة وجبلة يخرج من الأنثى في أوقات معلومة.
والأصل فيه من القرآن والسنة والإجماع .
أما القرآن فيقول الله عز وجل( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن( .
والسنة : سيأتي كثير من الأحاديث إن شاء الله من ذلك حديث عائشة في الصحيحين أن النبي ( قال : " امكثي قدر الأيام التي كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي 239" .
" يمنع الغسل له " يعني : إذا وجد دم الحيض فإنه يمنع أشياء ويترتب عليه أحكام ،(1/233)
أما الأول : فالغسل للحيض ، يمنع الغسل للحيض ، فلو أن المرأة اغتسلت لأجل الحيض ، ودم الحيض لا يزال باقياً عليها ، فنقول : بأن هذا الغسل غير صحيح ، لأن الله عز وجل قال ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله( .
له, والوضوء.........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال " حتى يطهرن " وذلك بانقطاع دم الحيض " فإذا تطهرن " أي اغتسلن فدل ذلك: على أن الإغتسال إنما يكون بعد انقطاع دم الحيض ، وأيضاً ما سلف من حديث عائشة رضي الله عنها ، أن النبي ( قال : " امكثي قدر الأيام التي كانت تحبسك حيضتك ، ثم اغتسلي وصلي 240" فقال النبي ( " ثم" وهذه تدل على الترتيب .
وقوله " له " الضمير هنا يعود للحيض ، فدل ذلك على أنه يمنع الاغتسال للحيض فقط ، ولا يمنع الغسل لغير الحيض ، فلو أن المرأة الحائض أصابتها جنابة ، فإنه يستحب لها أن تغتسل وهي حائض ، لكي ترفع عنها الجنابة ، فتقرأ القرآن على الصحيح ، وأيضاً لا يكره نومها ..الخ أي : الأحكام المترتبة على رفع الجنابة.
ومن ذلك أيضاً الإحرام ، فالحيض لا يمنع الغسل للإحرام ، فإذا كانت حائضاً فإنه يستحب لها أن تغتسل إذا أرادت الإحرام ، ويدل لذلك أن عائشة رضي الله عنها لما حاضت أمرها النبي ( أن تغتسل وأن تحرم بالحج " وأسماء بنت عميس لما نفست أمرها النبي ( أن تسثفر بثوب وأن تغتسل وأن تحرم 241" .
" والوضوء " أيضاً يمنع الوضوء ، لا يصح وضوءها ، لما تقدم من الأدلة ، لأن الحدث لا يزال موجوداً وسيأتينا إن شاء الله الحائض هل لها أن تمكث في المسجد ، إذا احتاجت إلى ذلك(1/234)
والصلاة ووجوبها....................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالوضوء ؟ لأن الحائض ، كما سيأتينا ممنوعة من المسجد ، لكن إذا توضأت فهل لها أن تدخل المسجد أو ليس لها ذلك كالجنب ؟ هذا سيأتي إن شاء الله .
" والصلاة ووجوبها " أيضاً يمنع الصلاة أي أن الحيض لا تجب معه الصلاة وهذا بالإجماع ودليل ذلك ما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها " امكثي قدر الأيام التي كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي 242" .
فدل ذلك على أنها ممنوعة من الصلاة وقت الحيض ، وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها " لما سئلت ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت: كان ذلك يصيبنا على عهد رسول الله ( فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة 243" ، فدل ذلك على أنها لا تصلي ، وأيضاً قول النبي ( " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم" .
وقوله " الصلاة " ما المراد بالصلاة هنا ؟
المراد بالصلاة هنا : الصلاة التي تشترط لها الطهارة ، وهي التي لها تحريم وتحليل ، حديث علي رضي الله تعالى عنه ، أن النبي ( قال : " مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم 244" وعلى هذا ما ليس له تحريم ولا تحليل تصح من الحائض ،
مثل سجدة التلاوة ، الصواب : أن الحائض لها أن تقرأ القرآن ، فإذا قرأ القرآن بدون
وفعل الصوم..........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تمسه ، ومرت على سجدة التلاوة فنقول : يشرع لها أن تسجد ، وكذلك أيضاً : سجدة الشكر ، لها أن تسجد سجدة الشكر ، إذا حصلت لها نعمة أو اندفعت عنها نقمة ، فإنه يستحب لها أن تشكر سجدة الشكر .(1/235)
" وفعل الصوم " أيضاً لا يجوز لها أن تصوم ، وهذا بالإجماع ، لما تقدم في صحيح البخاري أن النبي ( قال : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم 245" ، ولو أن الحائض طهرت بعد طلوع الفجر بلحظة واحدة فإن صومها غير صحيح ، لابد أن تكون طاهرة من طلوع الفجر الثاني ، إلى غروب الشمس ، ولو أنها رأت الدم قبل غروب الشمس بلحظة واحدة ، فإن صومها غير صحيح .
ولو أنها أحست بتحرك الدم لكن لم يخرج إلا بعد غروب الشمس ، فإن صومها صحيح ولو أنها أفطرت ثم وجدت الدم بعد الإفطار وشكت فيه ، لا تدري هل هو قبل الغروب حصل معها أو بعد الغروب فنقول : الأصل في ذلك صحة الصوم .
ومثل ذلك أيضاً : لو أنها نوت الصيام من الليل ، ثم استيقظت بعد طلوع الفجر ولا تدري متى طهرت ، هل طهرت قبل طلوع الفرج أو بعد طلوع الفجر؟
فإن صيامها غير صحيح ، لأن الأصل بقاء دم الحيض لابد أن تكون عرفت الطهر قبل طلوع الفجر .
وطواف...................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"و طواف " وأيضاً يمنع الطواف ، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها : أن النبي ( قال لها - لما حاضت " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري 246" ، وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها ، لما حاضت صفية رضي الله عنها ، فقال النبي ( " أحابستنا هي ؟ قالوا يا رسول الله أنها أفاضت ، قال : فلتنفر إذاً 247" فدل ذلك على أن الحيض يحبس .
وقوله " طواف " هذا لا يشمل طواف الوداع ، فإن طواف الوداع يسقط عن الحائض ، لقول النبي ( في حديث ابن عباس رضي الله عنهما " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ( الطواف )، إلا أنه خفف عن الحائض 248" ، فإذا حاضت قبل طواف الوداع فإنه يسقط عنها ، لكن إن طهرت قبل أن تفارق بنيان مكة فإنه يجب عليها أن تغتسل وأن تطوف للوداع(1/236)
وقوله " طواف " شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله استثنى من ذلك من كان قادماً من مكان بعيد ، مثل التي يقدم من المشرق أو المغرب ، هذه البلاد البعيدة ، فهذه استثناها شيخ الإسلام رحمه الله وجعله موضع ضرورة ، وأنها تتضرر بالبقاء ، لأنها إما أن تحبس الرفقة ، وهذا فيه مضرة ، وإما أن تكون محصرة ، فتذبح هدي وتذهب بلا طواف وحينئذٍ لا تكون حجت وإما أن تتلجم وتطوف ، وإما أن تذهب وهي محرمة وترجع ، وهذا فيه صعوبة ، فلا
واعتكاف ووطء في فرج محرم ووطء في فرج.........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبقى إلا أن تتلجم وتطوف ، فيكون ذلك موضع ضرورة ، وهذا خاص ليس لكل أحد ليس لكل امرأة حاضت وإنما خاص بمن كان يقدم من بلاد بعيده ، ولا يتمكن من البقاء والانتظار فهذا هو الذي يرخص له في ذلك .
" واعتكاف " لأن الحائض ممنوعة من البقاء في المسجد ، والاعتكاف ركنه اللبث في المسجد ، فإذا كان كذلك ، فإنه ليس لها أن تعتكف ولا يصح منها الاعتكاف ، ولو اعتكفت ثم جاءها دم الحيض فإن اعتكافها يبطل عليها .
" ووطء في فرج محرم " أي : يمنع الحيض الوطء في الفرج ، لقول النبي ( في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه : " اصنعوا كل شيء إلا النكاح 249" .
وقوله " ووطء في فرج " يفهم منه أن الاستمتاع فيما عدا الوطء أن هذا جائز ، ولا بأس به .
والاستمتاع بالحائض ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - القسم الأول : الاستمتاع بالوطء في الفرج ، وهذا محرم ولا يجوز ، والقرآن في ذلك ظاهر ، فإن الله عز وجل قال ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ( .
2 - القسم الثاني : الاستمتاع فيما فوق السرة وتحت الركبة ، فهذا جائز ، وذلك(1/237)
إلا من به شبق بشرطه..........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت " كان النبي ( يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض 250" .
3- القسم الثالث : الاستمتاع فيما بين السرة والركبة ، فهذا ظاهر ، حديث أنس كما ذكر ابن القيم رحمه الله أنه يجوز ، لكن السنة أن يستر محل الحيض لما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها" أن النبي ( كان يأمرها فتتزر فيباشرها وهي حائض251".
" إلا من به شبق بشرطه " يعني يقول المؤلف رحمه الله جماع المرأة الحائض هذا محرم ، لكن استثنى المؤلف رحمه الله من به شبق بشرطه ، والشبق : شدة الشهوة ،
" بشرطه " وشرطه أربعة شروط :
1 - الشرط الأول : أن يخاف تشقق انثيين إن لم يطأ .
2 - الشرط الثاني : أن لا تندفع شهوته بالوطء في الفرج .
3 - الشرط الثالث : أن لا يجد غيرا لحائض من زوجة أو سرية .
4 - الشرط الرابع : أن لا يقدر على مهر الحرة (يتزوج أخرى) ولا ثمن أمة يشتريها .
فهذه أربعة شروط يقولون : إذا توفرت هذه الشروط الأربعة فإنه يجوز أن يطأ الحائض ، وهذا أمر نادر ، ودليل ذلك القاعدة ، وهي " أن الضرورات تبيح المحظورات " ولاشك أن
" ويجب به دينار أو نصفه كفاره........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وطء الحائض محرم ، والإجماع قائم على ذلك ، لكن إذا كان سيحصل هذا الضرر بحيث أن الانثيين تتشقق إذا لم يجامع في الفرج ولم يجد زوجة أخرى ولم يقدر على الزواج ..الخ ، فهذا أمر يكاد يكون نادراً جداً .
" ويجب به دينار أو نصفه كفاره " وهذا من المفردات ، يعني : لو أنه وطئ في حال الحيض فإنه يجب عليه ديناراً أو نصفه كفارة ، وإيجاب الكفارة هذا من مفردات الإمام أحمد رحمه الله .(1/238)
أكثر أهل العلم على أنه لا تجب عليه الكفارة وإنما يأثم ،
والمذهب استدلوا على ذلك : بحديث ابن عباس رضي الله عنهما " فيمن أتى امرأته وهي حائض ، أنه يتصدق بدينار أو نصف دينار 252" .
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي ، وروي مرفوعاً وأيضاً موقوفاً ،
والصواب : أنه موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما ، ولا يصح مرفوعاً للنبي ( .
وشيخ الإسلام ذكر وقال : لو لم يأتي هذا الحديث " أو أن السنة لم تأتي بهذا الحديث " لكانت الأصول الشريعة بعد استقرائها تقتضي وجوب الكفارة ، لأن الشريعة إذ حرمت الوطء لعارض (الوطء مباح ثم حرمته الشريعة لعارض) فإنه إذا حصل الوطء في وقت التحريم
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجبت الكفارة ، من ذلك : صيام رمضان ، الوطء محرم لعارض وهو الصيام ، فإذا وطء فإنه تجب عليه كفارة ، ومن ذلك أيضاً الإحرام للحج والعمرة ، فإذا أحرم بالحج أو العمرة ، ثم وطئ فإنه تجب عليه كفارة. وعلى هذا يكون الأحوط : ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله ، وأن من وطئ عليه كفارة أو نصفه .
وقوله في الحديث " دينار أو نصف دينار " المشهور من المذهب أن هذا على سبيل التخيير يعني : أنه مخير إن شاء أخرج ديناراً وإن شاء أخرج نصف دينار.(1/239)
والرأي الثاني : أنه يختلف باختلاف الوطء ، فإن كان في إقبال الدم فدينار ، وإن كان في إدباره فنصف دينار ، وقيل : إن كان في حال الدم فدينار وإن كان في حال الكدرة والصفرة فنصف دينار . وظاهر الأثر يتصدق بدينار أو نصف دينار . والكفارة تجب إذا حصل الوطء قبل انقطاع الدم ، أما لو انقطع الدم ثم جامع ، فهذا آثم ولا تجب عليه الكفارة لأنه لا يجوز له أن يطأ حتى يحصل الاغتسال.
وإيجاب الكفارة يشترط له شروط :
1 - الشرط الأول : أن يكون عالماً ، فإن كان جاهلاً فإنه لا شيء عليه ، سواء كان جاهلاً بالحكم الشرعي أو جاهلاً بالحال ، بالحكم الشرعي : لا يدري أنه محرم ، بالحال : لا يدري أن زوجته حائض .
2 - الشرط الثاني : أن يكون ذاكراً ، فإن كان ناسياً فلا شيء عليه .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 - الشرط الثالث : أن يكون مختاراً فإن كان مكرهاً فلا شيء عليه.
وهذه الشروط الثلاثة -كما ذكرنا فيما تقدم- أنها تكون في سائر المحظورات ، في مبطلات الصلاة في محظورات الإحرام ، في مفطرات الصيام ..الخ ، لابد لكي يترتب الأثر على فعل كل هذا المنهي لابد من هذه الشروط الثلاثة حتى في الحدود ،
ودليلها قول الله عز وجل ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا( ،
وأيضاً قول الله عز وجل ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان(
وقول النبي ( " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه 253" ، وحديث معاوية ابن الحكم رضي الله عنه أنه تكلم في الصلاة ، ومع ذلك لم يأمره النبي ( بإعادة الصلاة ..الخ
وما هو قدر الدينار ؟(1/240)
الدينار يساوي مثقال ، والمثقال يساوي بالغرامات أربع غرامات وربع ، والغرام اليوم قدره بالريالات تقريباً أربعين ريالاً ، فإذا فرضنا أنه يساوي أربعين ريالاً
فتضرب 4.5× 40= فيخرج هذا القدر أو نصفه يتصدق بها على الفقراء والمساكين .
وإن كرر الوطء فإن كان قبل التكفير في حيضة واحدة فهذا يلزمه كفارة واحدة ، وإن كان بعد التكفير أو في حيضات فهذا عليه كفارات .
ويستمتع منها بما دون فرج وإذا انقطع لم يبح قبل غسل غير صوم وطلاق.....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويستمتع منها بما دون فرج " وهذا تقدم الكلام عليه ، وذكرنا في هذه المسألة ثلاثة أقسام .
" وإذا انقطع لم يبح قبل غسل غير صوم وطلاق " أي : إذا انقطع دم الحيض ولم يحصل الغسل يقول المؤلف رحمه الله لا يباح إلا أمران :
1 - الأمر الأول : الصوم ، فلها أن تصوم ولو لم تغتسل ، فلو أن المرأة طهرت قبل طلوع الفجر الثاني فلها أن تنوي الصوم وتصوم ، وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر الثاني ، ويدل لهذا أن النبي ( كان يصبح جنباً من غير احتلام ، فيصوم عليه الصلاة والسلام مع أنه طلع عليه الفجر وهو جنب ، فكذلك أيضاً الحائض ، الجامع ، أن كلاً منهم يجب عليه الغسل
2 - الأمر الثاني : الطلاق : طلاق الحائض محرم ولا يجوز ، لأن النبي ( في حديث ابن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته وهي حائض غضب رسول الله ( على ذلك وأمره أن يراجعها ..الخ ، فطلاق الحائض محرم ولا يجوز ، ويستمر التحريم إلى أن ينقطع الدم ، وإن لم تغتسل لأن النبي ( قال : " ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً 254" وإذا طلقها بعد انقطاع الدم فقد طلقها وهي طاهر ، والله عز وجل يقول ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن( ، فدل ذلك على أنه إذا انقطع الدم فقد طهرت .
ما عدا هذين الأمرين فإنه لا يصح(1/241)
وتقضي الصوم لا الصلاة...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثلاً : لو أنها صلت قبل أن تغتسل وبعد انقطاع الدم فإنه لا يصح ، لو أنها اعتكفت قبل أن تغتسل وبعد انقطاع الدم ، فإنه لا يصح لو أنها طافت فإنه لا يصح ، وليس لزوجها أن يجامعها ..الخ
" وتقضي الصوم لا الصلاة " الحائض تقضي الصوم بالإجماع ، تقدم ما ثبت في الصحيح أن النبي ( قال : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم 255" فنقول : بأنها تقضي الصوم بالإجماع
وسبق أن أشرنا أنها إذا رأت الدم (خرج منها دم الحيض) قبل الغروب ولو بلحظة واحدة ، وجب عليها أن تقضي ذلك اليوم .
" لا الصلاة " أي : الصلاة لا يجب عليها أن تقضيها ، وتقدم قول عائشة رضي الله عنها : " كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة 256" لكن تقضي الصلاة في موضعين :
1 - الموضع الأول : إذا أدركت من أول الوقت بقدر ركعة ، بأن دخل عليها الوقت وهي طاهر ومضى قدر ركعة (زمن ركعة) ثم جاءها دم الحيض ، ويفترض أن قدر ركعة يساوي دقيقتين ، والوقت يدخل في الساعة الثانية عشر بالنسبة لوقت صلاة الظهر ، فبعد دقيقتين من دخول الوقت جاءها الدم ، فإنه يجب عليها أن تقضي هذه الصلاة إذا طهرت .
لو جاءها دم بعد دقيقة من دخول الوقت فلا يجب عليها لأنها ما أدركت من أول الوقت
ولا حيض قبل تسع سنين.....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدر ركعة ، ويدل لهذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي ( قال : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ".
2 - والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها إذا أدركت من أول الوقت قدر تكبيرة .(1/242)
والرأي الثالث : أنه لا يلزمها أن تقضي هذه الصلاة حتى تؤخر الصلاة فيتضايق وقتها ثم يأتيها دم الحيض ، بحيث لا يبقى إلا زمن فعلها ، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله .
والأول : هو الأحوط ، وهو الذي دل له حديث أبي هريرة رضي الله عنه " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة 257" .
2 - الموضع الثاني : إذا أدركت من آخر الوقت قدر ركعة فإنه يجب عليها أن تقضيها ، فمثلاً : هذه المرأة طهرت قبل خروج الوقت بمقدار ركعة " أي بمقدار ركعتين " فأكثر ، فإنه يجب عليها إذا اغتسلت أن تقضي هذه الصلاة .
" ولا حيض قبل تسع سنين " قبل تسع سنين هلالية ، وقوله
" لا حيض قبل تسع سنين " أي : لا حيض شرعاً ، وإن كان يوجد حساً ، وعلى هذا إذا رأيت الجارية الدم ولها ثماني سنوات أو لها ثماني سنوات ونصف فإنه ليس حيضاً شرعاً ، لا نحكم عليها بأحكام الحيض من البلوغ ، ووجوب الصلاة ووجوب الصيام ، وأنها لا تصلي في
ولا بعد خمسين سنة.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أثنائه ..الخ الأحكام المعروفة ، وهذا قول أكثر العلماء رحمهم الله ،
واستدلوا على ذلك بما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة 258" وهذا أخرجه الترمذي وهو ضعيف .(1/243)
والرأي الثاني : أن أقل الحيض بالنسبة للسنين لا يتقدر ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وعلى هذا فمتى رأت الدم (المعروف عند النساء) ولو كان لها أقل من تسع سنوات فهو حيض ، ويأخذ أحكام الحيض لأنه لم يرد تقديره في الشرع ، ويدل لهذا أن الله عز وجل قال ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ( ، فعلق الله عز وجل الحكم بوجود الأذى ، فمتى وجد الأذى ترتب عليه أحكامه ومتى انتفى انتفت عنه أحكامه ، ولم يقيد الله عز وجل بتسع سنوات ، ولأن هذا يختلف باختلاف البلاد واختلاف النساء .
وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ( قال : " امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي 259" فعلق النبي ( الأمر بوجود الحيض .
" ولا بعد خمسين سنة " أيضاً : لا بعد خمسين سنة ، وهذا هو المذهب ،
ومذهب الشافعية والحنفية : يحدونه بخمس وخمسين سنة .
ولا مع حمل..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني : على المذهب ، إذا بلغت المرأة خمسين سنة ثم جاءها الدم تعتبره دم حيض ، فنقول : أنت تأخذين أحكام الطهارات تصلين وتصومين ، ويطأها زوجها..الخ
فهذا ليس حيضاً شرعاً ، وإن كان حيضاً حساً ،
واستدلوا على ذلك بقول عائشة رضي الله عنها " إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض 260" .
وكما قلنا أن الحنفية يقيدونه بخمس وخمسين سنة .
والرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وأنه لا يقدر ، كما تقدم من الدليل القرآن والسنة فهذه وردت مطلقاً على لسان الشارع ، فتبقى مطلقاً .
" ولا مع حمل " أيضاً لا حيض مع حمل وهذا هو المذهب ومذهب الحنفية ، وعلى هذا لو أن المرأة الحامل رأت الدم ، فإنه ليس حيضاً ،(1/244)
وعلى هذا نقول لها : صومي وصلي ، وهذا الدم لا ننظر إليه ما دمت حامل ،
واستدلوا على هذا بحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي ( قال " لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير ذلك حامل حتى تحيض حيضة 261" ، وهذا رواه الإمام أبو داود ، وجه الدلالة : أن النبي ( جعل الحيض علماً على براءة الرحم ، فقال : " حتى تحيض حيضة " فدل ذلك
" وأقله يوم وليلة.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أنه لا يمكن أن يجتمع الحيض مع الحمل ، وأن المرأة إذا رأت الدم وهي حامل ، فهذا لا يكون حيضاً ،
وعلى هذا نقول لها : صلي وهي معها دم ، ويجوز لزوجها أن يجامعها ، وأن يطلقها ..الخ
والرأي الثاني : رأي مالك والشافعي : أن الحامل تحيض ، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام وابن القيم ، أن الحامل يمكن أن تحيض ،
واستدلوا على ذلك لما تقدم من الأدلة ، كقوله تعالى ( ويسألونك عن المحيض ( ، وقول النبي ( " امكثي قدر أيام التي كانت تحبسك حيضتك 262" ..الخ ، وهذه الأشياء لم تعلق بالحمل ، الأدلة وردت مطلقاً سواء كانت حاملاً أو غير حامل .
والذي يظهر - والله أعلم أن ما ذهب إليه الحنابلة والحنفية : أن الحامل لا تحيض أنه أقوى ، لأن الأطباء في الوقت الحاضر يقررون ما ذهب إليه الفقهاء هنا ، وأن الحامل لا تحيض ، وإن كان ابن القيم رحمه لله في كتابه " تهذيب السنة " أطال في الأدلة على أن الحامل تحيض وأنها كغيرها ...الخ ، لكن يظهر- والله أعلم- أن ما ذهب إليه الحنابلة والحنفية هو أقرب ومما يؤيد كلامهم قول الأطباء : أن الحامل لا يمكن أن تحيض .
" وأقله يوم وليلة " وهذا هو المذهب ، ومذهب الشافعية ،
والحنفية : أقله ثلاثة أيام(1/245)
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمالكية قالوا : بأنه لا حد لأقله .
والمذهب ومذهب الشافعية استدلوا وقالوا : بأنه وارد عن علي رضي الله عنه ، وأيضاً قالوا : أن هذا أقل ما وجد في الوجود .
والصواب : ما ذهب إليه المالكية في هذه المسألة ، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، وأنه لا حد لأقله ، لما ذكرنا من الدليل من القرآن والسنة ، قال الله عز وجل ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ( فعلق الله عز وجل الأمر بالأذى فمتى رأت المرأة الأذى سواء كان يوماً أو ليلة أو أقل أو أكثر تبعت له أحكام ، أيضاً كما تقدم في الحديث .
" وأكثره خمسة عشر يوماً " وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله (الحنابلة والمالكية والشافعية) أن أكثره خمسة عشر يوماً ، قالوا : لأنه وارد عن علي رضي الله عنه ، وأيضاً استدلوا : بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم :" تمكث إحداكن شطر الدهر لا تصلي " وهذا لا يثبت ولا أصل له .
2 - والرأي الثاني : رأي الحنفية أن أكثره عشرة أيام .
3 - والرأي الثالث : أنه لا حد لأكثره وهذا كما قلنا هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، وتقدم الدليل على ذلك من القرآن والسنة .
وغالبه ست أو سبع وإن استحيضت من لها عادة..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/246)
" وغالبه ست أو سبع " أي : غالب الحيض ستة أيام أو سبع ، وهذا ظاهر ، يعني : غالب النساء اليوم يحيض ستة أو سبعة أيام ، وأيضاً النبي ( قال لحمنة لما استحيضت " تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبع ثم اغتسلي وصلي 263" .
ما هو أكثر الطهر بين الحيضتين ؟ المشهور من المذهب أن أكثر الطهر بني الحيضتين ثلاثة عشر يوماً ، وعلى هذا لو أن امرأة رأت الدم ثم طهرت ، وبعد عشرة أيام جاءها دم يشبه دم الحيض ، فهم يقولون : بأنه لا يحكم أحكام الحيض .
والصواب في هذه المسألة : كما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن أقل الطهر بين الحيضتين لا يتقدر .
وأما أكثر الطهر بين الحيضتين فهذا أيضاً لا يتقدر لأن هناك من النساء من لا تحيض مطلقاً .
" وإن استحيضت من لها عادة " .
الاستحاضة : اختلف في تعريفها : فقيل :
1 - الرأي الأول :بأن الاستحاضة : هي التي تجاوز دمها أكثر الحيض .
2 - والرأي الثاني : أن المستحاضة هي التي ترى دماً لا يصلح أن يكون حيضاً ولا نفاساً .
جلستها...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- والرأي الثالث : أن المستحاضة هي التي أطبق عليها الدم بحيث لا ينقطع أبداً أو ينقطع لمدة يسيرة .
" وإن استحيض من لها عادة بأن جاوز دمها أكثر الحيض " ، وهذا تعريف للمستحاضة : أنها هي التي جاوز دمها أكثر الحيض ، وهذا هو المذهب .
" جلستها " أي : جلست العادة ولو كان لها تميز صالح ، وهذه هي الحالة الأولى من أحوال المستحاضة ، المستحاضة لها أحوال :(1/247)
1 - الحالة الأولى : أن تكون معتادة ، فهذه المعتادة ترجع إلى عادتها ، مثال ذلك : هذه امرأة لها قبل الاستحاضة عادة معلومة ، عادتها من اليوم الخامس إلى اليوم الثاني عشر ، ثم بعد ذلك استحيضت وأطبق عليها ، فنقول : ترجع إلى عادتها ، لقول النبي ( للمستحاضة " اجلسي قدر ما كانت تحبسك حيضتك 264" .
2 - الحالة الثانية : أن تكون مميزة وليس لها عادة ، يعني : أول ما جاءها الدم أطبق عليها الدم ، لكنها ترى دماً متميزاً بصفة من صفات الحيض مثلاً : من اليوم العاشر إلى اليوم الخامس عشر ، وهكذا ، فنقول بأنها ترجع إلى التمييز ما دام أن التمييز صالح .
3 - الحالة الثالثة : أن تكون لها عادة ولها تمييز ، يعني : لها عادة قبل الاستحاضة من اليوم الخامس إلى اليوم الثاني عشر ، وأيضاً لها تمييز من اليوم الخامس عشر إلى اليوم العشرين
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، فهذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله :
1 - المشهور من المذهب : أنها ترجع إلى العادة .
2 - وعند الشافعية : أنها ترجع إلى التمييز .
والأقرب في هذا ما ذهب إليه الحنابلة ، أنها ترجع إلى العادة ، لأن النبي ( ردها إلى العادة ، فقال " اجلسي قدر ما كانت تحبسك حيضتك " وأيضاً : التمييز قد يختلف عليها ، قد ما ينضبط التمييز ، وقد يضطرب عليها ، والعادة أضبط لها ، فتعرف أن عادتها من كذا إلى كذا ، فنقول : ارجعي إلى العادة .(1/248)
4 - الحالة الرابعة : أن تكون لها عادة لكن تنسى العادة ، ولها تمييز لكن تمييز هذا غير صالح (هذا التمييز مضطرب) أو ليس لها تمييز بالكلية ، فهذه يسميها العلماء رحمهم الله بالمتحيرة ، وهذه المتحيرة لها ثلاثة أنواع :
1- النوع الأول : أن تنسى الموضع وتنسى العدد ، مثلاً : إذا قيل لها كم الأيام التي يصيبك دم الحيض ؟ فنقول : لا أدري ، متى كان يأتيك دم الحيض ؟ فتقول : لا أدري ، فنقول هنا : تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة ، كما قال النبي ، فنقول هنا : تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة ، كما قال النبي للمستحاضة " تحيضي ستة أيام أو سبعة 265" كغالب النساء ، فغالب النساء عادتها ستة أيام أو سبعة .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المهم بالنسبة للعدد تجلس ستة أيام أو سبعة كغالب النساء .
وبالنسبة للموضع : من أول ما جاءها الدم ، فإن كانت لا تدري فإنها تبدأ من أول الشهر الهلالي إلا إذا كانت تعرف أنه في النصف الأول أو الأخير أو العشر الأخير.
ومتى تبدأ بهذه الستة أو السبعة ؟ هذا موضع خلاف ، والصحيح أنها تبدأ أول ما أصابها دم الحيض ، فإذا كانت لا تدري متى جاءها الدم ، نقول : تبدأ من أول الشهر الهلالي ، إلا إذا كانت تعرف أن الدم جاءها في النصف الأخير ، لكن لا تدري في أي يوم ، نقول : تبدأ من النصف الأخير ، أو تعرف أنه في النصف الأول ، نقول : تبدأ من النصف الأول ، أو تعرف أنه في العشر الأخير ، نقول : تبدأ أول العشر الأخير .(1/249)
2 - النوع الثاني : أن تنسى العدد وتعرف الموضع ، يعني : موضعها من أول العشر لكن نسيت كم ، هل هو خمسة أو ستة ؟ يأتيها من أول العشر الأول
أو مثلاً : يأتيها من أول النصف الأخير من الشهر لكنها لا تدري كم العدد ، فنقول : هذه أمرها سهل ، ترجع إلى عادة غالب النساء تتحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة .
3 - النوع الثالث : أن تعرف العدد وتنسى الموضع ، مثلاً : تقول العدد أعرف ، أن الحيض ستة أيام ، لكن لا أدري متى هذه الستة ، فنقول لها : كما تقدم في النوع الأول : تبدأ من أول ما جاءها الدم وأطبق عليها الدم ، فإذا قالت : لا أدري متى جاء الدم ، نقول : من
وصفرة وكدرة زمن عادة حيض..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أول كل شهر هلالي ، إلا إذا كانت تعرف أن الدم جاءها في النصف الأخير أو في العشر الأخير ، فنقول : من أول النصف الأخير أو أول العشر الأخير ..الخ
" وصفرة وكدرة زمن عادة حيض " الصفرة : ماء كالصديد يعلوه صفرة
والكدرة : أيضاً ماء كالصديد المتكدر ، وهو أشد من الصفرة من حيث اللون.
فما حكم الصفرة والكدرة ؟
قال المؤلف رحمه الله بأنها زمن عادة حيض ، مثلاً : هذه المرأة عادتها ستة أيام ، ثلاثة أيام دم وثلاثة أيام صفرة أو كدرة ، لأن كثيراً من النساء لا ترى كل الأيام دماً ، بل ترى الدم مثلاً : ثلاثة أيام ، أربعة أيام ، ثم ترى بعد ذلك صفرة أو كدرة يومين ، ثلاثة أيام ، ثم تطهر ، وبعض النساء ترى الدم كل الأيام ،
فنقول : بأن الصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض .
فلو فرضنا أن هذه امرأة رأت الدم في اليوم الأول والثاني ، ثم رأت الصفرة في اليوم الثالث والرابع ، ثم رأت دماً في اليوم الخامس والسادس فنقول : الصفرة في اليوم الثالث والرابع حكمها حيض ، هذا القسم الأول من أقسام الصفرة والكدرة.(1/250)
2 - القسم الثاني : أن تكون الصفرة والكدرة قبل نزول دم الحيض ، وهذا أيضاً عند كثير من النساء ، فهذا موضع خلاف ،
والصواب في هذه المسألة : أنها تأخذ حكم الطاهرات لحديث أم عطية رضي الله عنها
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت : " كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً 266" هذا أخرجه البخاري ، وفي أبي داود " بعد الطهر شيئاً267 "
3 - القسم الثالث : أن تكون بعد الطهر ، فهذه امرأة جاءها دم الحيض ثم طهرت ، فهذه لا تعتبر شيئاً حتى يأتي الدم .
وبعد أن طهرت جاءها صفرة أو كدرة فنقول : هذه لا تعتبر شيئاً ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله " زمن عادة " فيؤخذ منه أنها لو رأت الصفرة أو الكدرة في غير زمن العادة أنها لا تكون شيئاً.
4 - القسم الرابع : أن تكون متصلة بالعادة وتتجاوز العادة الغالبة ، فهذه امرأة رأت الدم ستة أيام ثم جاءتها صفرة أو كدرة (غالب عادة النساء ستة أو سبعة) أو رأت الدم ثلاثة أيام ثم جاءتها صفرة وكدرة ، وتطاولت معها صفرة وكدرة بدل أن تجلس ثلاثة أيام أو أربعة جلست خمسة أو ستة أو سبعة ، وهي لم ترى الطهر ، فالذي يظهر والله أعلم أن الصفرة إذا جاوزت العادة الغالبة أنها تأخذ حكم الطاهرات ، فنقول : تغتسل وتصلي . وكما قلنا : إذا كانت بعد الطهر أنها لا تعتبر لكن قبل الطهر ، فإنها معتبرة ، إلا إذا أدى ذلك إلى تطاول -كما ذكرنا- ونساء الصحابة رضي الله عنهن ، كن يبعثن إلى عائشة رضي الله تعالى عنها بالدرجة فيها الصفرة والكدرة ، فتقول عائشة رضي الله عنها : " لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء 268" .(1/251)
ومن حدثه دائم يغسل محله ويشده ويتوضأ لوقت كل صلاة................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ومن حدثه دائم يغسل محله ويشده " إذا كان الإنسان عنده حدث دائم ، مثل : المستحاضة ، ومن به سلس البول ، وسلس المذي ، وريح إلى آخره ، يقول المؤلف رحمه الله :
1 - يغسل وجوباً " محله " أي : محل الحدث ، الملوث بإزالة النجاسة ، هذا الأمر الأول
2 - الأمر الثاني : أنه يحش المحل بنحو قطنه .
3 - الأمر الثالث : قال المؤلف " يشده " أي : يعصبه بطاهر لكي يمنع النجاسة ، ويدل لهذا أن النبي ( قال لأسماء بنت عميس لما ولدت في ميقات ذي الحليفة " استثفبري بثوب 269" أي : تلجمي بثوب لكي يمنع خروج الخارج .
4 - الأمر الرابع : " ويتوضأ لوقت كل صلاة " ويدل لهذا أن النبي ( قال لفاطمة بنت أبي حبيش " توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت 270" .
والرأي الثاني : أنه لا يلزم أن يتوضأ من به سلس بول أو استحاضة ، وإنما يتلجم كما ورد ، لكي يمنع الخارج ، وأما كونه يتوضأ من به سلس بول أو من به استحاضة ، أو نحو ذلك ، فهذا لا يجب عليه ، وهذا قال به الإمام مالك رحمه الله ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وعلى هذا نقول : لا يجب عليك أن تتوضأ ، وإنما إذا جاء حدث طبيعي يتوضأ له ، أما هذا الخارج فإنه لا يتوضأ له .
لوقت كل صلاة ولا توطأ مستحاضة إلا لخوف عنت ويستحب غسلها لكل صلاة.......................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول المؤلف رحمه الله " لوقت كل صلاة " هذا يخرج قول من قال : أنه يتوضأ لكل صلاة ، وهذا أشد ، وهل يلزم إعادة العصب أو لا يلزم ؟
الصحيح : أنه لا يلزم
" ولا توطأ مستحاضة إلا لخوف عنت " المستحاضة لا توطأ ، أي لا يجامعها زوجها إلا لخوف عنت ، أي خوف الزنا ، إذا خشي الزنا فإنه يطأها سواء كان منه أو منها ،(1/252)
واستدلوا على ذلك بقول عائشة رضي الله عنها " المستحاضة لا يغشاها زوجها " فقالوا : إذا خشي الزنا يطأ ، كذلك أيضاً قالوا : إذا كان به شبق شديد لا بأس أن يطأها كما تقدم في الحيض .
والرأي الثاني : أن المستحاضة كغيرها وأنها توطأ ، وفرق بين المستحاضة والحائض ، والمنع إنما ورد في الحائض ، أما المستحاضة فلم يرد فيها منع ، وقد استحيض عدد من النسوة في عهد النبي ( ولم يأمر النبي ( أحداً منهن أن يعتزلها زوجها ، والأًصل : الحل ، وأيضاً : عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه استحيضت زوجته ، وكان يغشاها .
فالصواب في ذلك : أنه لا يمنع زوج المستحاضة من وطئها ، وأنه لا يحرم وأن هذا جائز ولا بأس به .
" ويستحب غسلها لكل صلاة " أي : يستحب غسل المستحاضة لكل صلاة ، وهذا يدل فعل أم حبيبة رضي الله عنها كانت تغتسل لكل صلاة ، ولأن الغسل لكل صلاة يؤدي
وأكثر النفاس أربعون يوماً................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى تقلص الدم فيساعد على توقف خروج الدم .
" وأكثر النفاس .." النفاس في اللغة : مأخوذ من التنفيس أو من التنفس ، وهو الخروج من الجوف أو من نفس الله كربته : أي فرجها .
وأما في الاصطلاح : فهو دم ترخيه الرحم مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع أمارة على الولادة .
" أربعون يوماً " إذا خرج من المرأة دم عند الولادة ، فإن هذا الخارج لا يخلو من أقسام :
1 - القسم الأول : أن يخرج بعد الولادة فهذا نفاس .
2 - القسم الثاني : أن يخرج مع الولادة ، وهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله . المذهب : أنه نفاس ، وهذا هو الصواب .
3 - القسم الثالث : أن يخرج قبل الولادة ، الحنابلة اشترطوا لكي يكون نفاس شرطين :
1 - الشرط الأول : وجود ألم الولادة .(1/253)
2 - الشرط الثاني : أن يكون الزمن يسيراً ، يعني : إذا كان خرج قبل يوم أو يومين ، ثلاثة ، فهذا نفاس ، وقال بعض العلماء : إذا وجد ألم الولادة ، ولو خرج قبل مدة كبيرة ، فإنه يأخذ أحكام النفاس ، هذا بالنسبة لخروج الدم .
أما بالنسبة لخروج غير الدم ، مثل ما يخرج مع المرأة النفساء من الماء قبل الولادة ، فهذا الماء طاهر ، ولا ينقض الوضوء على الصحيح ، ويجب عليها أن تصلي كسائر الطاهرات .
أربعون يوماًولا حد لأقله........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أربعون يوماًولا حد لأقله " لا حد لأقل النفاس ، لأنه لم يرد تحديده ، وأما أكثره فيقول المؤلف رحمه الله بأنه أربعون يوما ً ، وهذا قول أكثر أهل العلم رحمهم الله ، وقد ورد فيه حديث أم سلمة رضي الله عنها"أن النفساء كانت تجلس على عهد رسول الله ( أربعين يوما271"ً ، وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف لكن له شواهد ، وكذلك أيضاً هو وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كابن عباس رضي الله عنهما ، وأيضاً يؤيد ذلك كلام الأطباء في الوقت الحاضر ، فإنهم يقولون : بأن النفاس السوي ستة أسابيع ، وهذا تساوي ما يقرب من اثنين وأربعين يوماً .
2 - والرأي الثاني : أن أكثره ستون يوماً ، كما هو قول الشافعي رحمه الله .
3 - والرأي الثالث : أنها إذا رأت الدم ستين أو سبعين يوماً ثم توقف فهو نفاس ، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله .
والأقرب في هذه المسألة والأحوط للمرأة هو ما ذهب إليه المؤلف وهو المذهب ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وأنها تجلس أربعين يوماً ، فإذا كان بعد ذلك تغتسل ، وتصلي وتصوم ، حتى ولو كان معها دم ، فهذا لا عبرة له ، وقد يكون معها صفرة أو كدرة .(1/254)
وأيضاً نفهم أن الصفرة والكدرة في زمن الأربعين حكمها حكم النفاس حتى الأطباء يقولون : بأنه يتحول الدم إلى صفرة وكدرة ، وكثير من النساء لا ترى طيلة الأربعين الدم ،
فإن طهرت فيها ويكره وطؤها فيها...................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثير من النساء ترى الدم لمدة أسبوعين ، أو ثلاثة أسابيع ، ثم بعد ذلك بإذن الله يتحول إلى صفرة - يكون معها ماء أصفر- فإذا تمت أربعين يوماً نقول : تغتسل ، وإذا انقطع قبل ذلك ، فنقول : بأنها تغتسل .
" فإن طهرت فيها " أي : في الأربعين " تطهرت وصلت " إذا طهرت في الأربعين ، فإنها تتطهر وتصلي ، وهذا ظاهر ، لأن الأذى امتنع الآن ، والله عز وجل يقول ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن( .
" ويكره وطؤها فيها " أي : يكره أن تجامع المرأة في الأربعين بعد أن تطهر ، مثلاً : هذه امرأة رأت الدم لمدة عشرين يوماً ثم طهرت (نشفت) ليس فيها شيء ، يقول المؤلف رحمه الله يكره لزوجها أن يطأها بعد طهرها ما دام أنها في زمن أربعين ،
ويستدلون على هذا بأنه ورد عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه ، أنه قال لزوجته لما أتته في الأربعين " لا تقربيني " ، وقالوا : لأنه لا يأمن عودة الدم زمن الوطء.
والرأي الثاني : أنه لا يكره ما دام أنها طهرت وصلت .
وأثر عثمان هذا يجاب عنه بجوابين :
1 - الجواب الأول : الضعف أنه ضعيف .
2 - الجواب الثاني : أنه يحمل على شيء نفسي ، وهذا لا يلام عليه الإنسان، لو أن الإنسان كره ذلك كراهة نفسية ، فإنه لا يلام عليه .
فإن عاد الدم فيها وهو كحيض فيما تقدم...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/255)
" فإن عاد الدم فيها " أي في الأربعين " فمشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم المفروض" يعني : هذه امرأة رأت الدم لمدة عشرين يوماً ثم طهرت ونشفت ، وبعد عشرة أيام جاءها الدم ، يقول المؤلف رحمه الله عن هذا الدم : أنه مشكوك فيه ، أي لا ندري هل هو نفاس أو فساد ؟
فما دام أنه مشكوك فيه يحتمل أنه نفاس ، أو فساد ، فإنها تصلي وتصوم ثم بعد ذلك تقضي الصوم المفروض ، لأنها تيقنت شغل ذمتها فلا تبرأ إلا بيقين .
والرأي الثاني : أن هذا الدم نفاس ، ما دام أنه بصفة دم النفاس هذا هو الصواب ، وعلى هذا تجلس ما دام أنه في الأربعين ، ولو كان صفة أو كدرة أيضاً ما دام أنه في الأربعين فإنه حكم النفاس .
" وهو كحيض فيما تقدم " أي : النفاس حكمه حكم الحيض فيما تقدم ، كتحريم الصلاة ، فالنفساء يحرم عليها الصلاة ، والصيام ، والوطء في الفرج ، ويجب عليها الغسل ، وإذا وطئت تجب الكفارة بوطئها ، وكذلك أيضاً ما يتعلق بالاستمتاع ، حكمها حكم الحائض كما تقدم في التفصيل السابق .
المسألة : الفروق بين دم الحيض ودم الاستحاضة :
1 - الفرق الأول : في صفة الدم ، فدم الحيض غليظ أسود منتن ، وأما دم الاستحاضة فإنه دم خفيف (رقيق) أحمر ليس له رائحة .
..............................................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 - الفرق الثاني : أن دم الحيض ، دم طبيعة وجبلة ، وأما دم الاستحاضة فهو دم عرق طارئ .
3 - الفرق الثالث : أن دم الاستحاضة يخرج من عرق في أدنى الرحم يقال له : العاذل ، وأما دم الحيض : فإنه يخرج من قعر الرحم .(1/256)
4 - الفرق الرابع : أن دم الاستحاضة ليس له وقت معلوم ، وأما دم الحيض، فإن له وقتاً معلوماً .
5 - الفرق الخامس : أن الحائض يحرم وطؤها وفيه الكفارة كما تقدم بشروطها ، وأما المستحاضة فالصواب أنه لا يحرم وطؤها كما سبق .
6 - الفرق السادس : أن المستحاضة تأخذ حكم الطاهرات فيما يتعلق بوجوب الصلاة والصيام والطواف ، وقوع الطلاق وغير ذلك ، وأما الحائض ، فإنها تخالفها كما سبق لنا ، من حيث تحريم الطلاق وعدم وجوب الصلاة ، وعدم صحة الصيام ، وعدم صحة الطواف ونحو ذلك ، فهذه لا تصح من الحائض .
7 - الفرق السابع : أن المستحاضة - كما ذكر المؤلف ، يجب عليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة بخلاف الحائض ، فإن الصلاة لا تجب عليها ،
وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة : أن المستحاضة لا يجب عليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة .
..............................................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفروق بين دم الحيض ودم النفاس :
أولاً : هما يشتركان في عدم وجوب الصلاة ، وتحريم الصيام ، ودخول المسجد ، ومس المصحف والاعتكاف ، والطواف ، دم النفاس ، يأخذ حكم دم الحيض بهذه المسائل إلا أنهما يختلفان في مسائل :
1 - الفرق الأول : البلوغ ، فالحيض علامة من علامات البلوغ ، بخلاف النفاس ، فإنه ليس علامة من علامات البلوغ .
2 - الفرق الثاني : العدة ، فدم الحيض معتبرة في العدة بخلاف دم النفاس ، فإنه غير معتبر بمعنى : لو أنه الإنسان طلق زوجته ، فإن عدتها إذا كانت تحيض ، ثلاث حيض ، أما لو طلق زوجته وهي نفساء فإن دم النفاس لا عبرة به ولا يعتبر في العدة .(1/257)
3 - الفرق الثالث : في الإيلاء ، فدم النفاس لا يحسب من مدة الإيلاء ، وأما دم الحيض : فإنه يحسب من مدة الإيلاء ، والإيلاء : هو أن يحلف الزوج على ترك وطء زوجته أبداً أو مدة تزيد على أربعة أشهر ، كما قال الله عز وجل ( الذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم . وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم( ، فإذا حلف على أن لا يطأ زوجته أبداً أو مدة تزيد على أربعة أشهر فإنه مولئ ، فهذا المولئ يضرب له القاضي مدة قدرها أربعة أشهر ، فإن فاء ورجع إلى معاشرة الزوجة وإلا فإن القاضي يأمره بالطلاق أو يطلق عليه أو يفسخ ، حسب ما يراه أصلح ، هذه الأربعة الأشهر سيتخللها دم الحيض ، لو أنه لما مضت أربعة أشهر قال الزوج : الأربعة الأشهر تخللها أربعة أسابيع حيض ،
..............................................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه لا تحسب عليه ، نقول : نحسبها عليه ، ولا نقول نمهله زيادة على هذه الأربعة الأشهر أربعة أسابيع ، لكن لو قال هذه الأربعة الأشهر تخللها دم نفاس ، فإنه لا يحسب عليه
4 - الفرق الرابع : أن الحائض إذا طهرت قبل تمام عدتها ، فإنه لا يكره وطؤها ، وأما النفساء فتقدم لنا أنهم يقولون : يكره أن توطأ قبل تمام مدة النفاس ،
والصواب : أنه لا يكره كما سبق لنا وحينئذ يكون النفاس كالحيض في هذه المسألة.(1/258)
5 - الفرق الخامس : أن دم الحيض إذا عاد في وقت العادة فإنه حيض تجلس له المرأة ، مثال ذلك : هذه امرأة عادتها ستة أيام رأت الدم في اليوم الأول ، والثاني ، ثم طهرت في الثالث والرابع ، ثم جاءها دم في الخامس والسادس ، فالخامس والسادس حكمه حيض ، أما إذا رجع الدم في مدة النفاس ، فإنهم يقولون بأنه مشكوك فيه ،
والصواب :كما تقدم لنا أنه نفاس .
6 - الفرق السادس : أن الحائض يحرم طلاقها ، وطلاقها طلاق بدعة ، أما النفساء : فإنه لا يحرم طلاقها ،
والصحيح : أن طلاقها طلاق سنة .
مسألة : الطوارئ التي تطرأ على دم الحيض هذه لها أنواع :
1 - النوع الأول : النقص في مدة الحيض ، مثلاً : تكون عادتها ستة أيام ، ثم ترى الطهر لخمسة أيام ، فإذا رأت الطهر قبل تمام العدة ، فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي ..الخ
..............................................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 - النوع الثاني : الزيادة ، كأن تكون عدتها خمسة أيام ثم ترى الدم لستة أيام أو سبعة ، فهذه الزيادة هل هي حيض أو نقول لابد أن تتكرر ثلاث مرات ؟ هذا موضع خلاف ، والصواب : أنها حيض وتأخذ أحكام الحائضات .
3 - النوع الثالث : الانتقال : وذلك بأن يكون الحيض في أول الشهر ثم ينتقل في آخره ، أو يكون في آخر الشهر ثم ينتقل في أوله ، بعض العلماء يقولون لابد أن تتكرر ثلاث مرات حتى تعتبره حيضاً .
والصواب في هذه المسألة : أن المرأة متى رأت الدم المعروف عند النساء ولو تقدم أو تأخر ، فإنه حيض وتأخذ المرأة معه أحكام الحائضات .(1/259)
4 - النوع الرابع : أن ترى المرأة في غير وقت العادة ، الصفرة أو الكدرة ، أو نقط من الدم ونحو ذلك فهذه لا عبرة بها ، ولهذا قال علي رضي الله عنه " لا عبرة بالقطرة والقطرتين "
من المسائل المتعلقة بدم الحيض : الانقطاع أثناء العادة :
الدم مع المرأة لا يخرج دائماً بل هو يخرج تارة وينقطع تارة ، فإذا انقطع في أثناء العادة ، فإن كان الانقطاع يسيراً فهذا لا عبرة به يعتبر حكمه حكم الحيض ،
مثلاً : جاءها الدم في الصباح وانقطع إلى العصر ، فنقول : بأن هذا الانقطاع (هذا الطهر) لا يجب عليها أن تصلي على الصحيح لأن هذا الانقطاع حكمه في حكم اليسير .
وإن كان الانقطاع كثيراً ، فإنها تأخذ حكم الطاهرات ويجب عليها أن تغتسل وأن تصلي
وأقل الحيض على المذهب يوم وليلة...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، مثال ذلك : انقطع عنها الدم يوماً كاملاً من الفجر حتى الغروب ، فإنها تأخذ حكم الطاهرات ، تغتسل وتصلي ، وعلى هذا نقول : بأن الانقطاع إذا كان يوماً فأكثر فإنها تغتسل وتصلي ، إذا كان أقل من يوم فإنه لا عبرة بهذا الانقطاع ، وهذا رأي ابن قدامه رحمه الله .
أما إذا كان الانقطاع في آخر العادة ، فالأمر في هذا ظاهر ، فإنه طهر .
مسألة : علامة الطهر عند المرأة : علامتان :
1 - العلامة الأولى : القصة البيضاء ، وهو ماء أبيض يقذفه الرحم في نهاية العادة
2 - العلامة الثانية : الجفاف ، أن ترى جفافاً بحيث أنها لو مسحت بشيء لا ترى شيئاً .
مسألة : ما يتعلق بالمبتدأة :
والمبتدأة : هي الجارية الصغيرة التي جاءها الدم أول مرة .(1/260)
الحنابلة ينفردون عن غيرهم بحكم خاص للمبتدأة فيقولون : بأن المبتدأى بمجرد أن ترى الدم تجلس أقله (وأقل الحيض على المذهب يوم وليلة) أي : تجلس يوم وليلة لا تصلي ولا تصوم ، وإن كانت متزوجة لا يقربها زوجها ..ألخ
بعد أن يمضي يوم وليلة تغتسل ، وتصلي ومعها الدم ، ثم بعد ذلك إذا انقطع عنها الدم بعد خمسة أو ستة أيام ، أيضاً تغتسل مرة ثانية ، وتقضي الواجبات مثل الصيام ، لأنها صامت وعليها الدم ، فهذا الغالب أنه دم دورة ، فيجب عليها أن تصوم مع الدم ويجب عليها أيضاً أن تقضي مرة أخرى ، فإذا تكرر ذلك عليها ثلاثة أشهر علمنا أنه عادة، ونحكم أن هذه
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عادتها ، لأن العادة مأخوذة من المعاودة وهو التكرار .
والرأي الثاني : رأي أكثر أهل العلم رحمهم الله : وأنها تجلس بمجرد أن ترى الدم ، وتأخذ أحكام الحائضات ، ترك الصلاة والصيام والطواف والاعتكاف ، وغير ذلك ثم بعد ذلك تغتسل وتصلي ويأخذ حكم الطاهرات وهذا هو الصواب .
(1) صحيح رواه أبو داود والنسائي والترمذي وبن ماجه وابن أبي شيبة وابن خزيمة.
(2) صحيح رواه أبو داود والنسائي والترمذي.
(1) صحيح رواه أبو داود والترمذي وبن ماجه.
(2) صحيح رواه مسلم من حديث ابن عباس.
(1) صحيح البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم.
(1) صحيح رواه أبو داود والنسائي والترمذي وبن ماجه وقد أعل بالإرسال بما لا يقدح وصححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان.
(1) البخاري ومسلم.
(1) صحيح ابن حبان.
(1) تقدم تخريجه في صـ 20 .
(1)هذه رواية البخاري برقم(97).
(2) البخاري 337, مسلم 312(1/261)
(1)البخاري 5110 , مسلم 4
(2)البخاري ومسلم
(1)وهذه اللفظة بعض أهل العلم يثبتها وبعضهم ينفيها ، لكن حتى ولو كانت هذه اللفظة منفية .
(2)البخاري.
(1) سبق تخريجه في صفحة 24
(2) البخاري
2 ودليل ذلك ( أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة) أخرجه البخاري.
(1) البخاري ومسلم.
(1) أبوداود والنسائي وصححه الألباني/2163
(2) ضعيف.
(1) سبق تخريجه في صفحة29.
(2) البيهقي71 ,الدارقطني 13.
(3) مسلم وأبو داود.
(1) أخرجه الترمذي وغيره.
(2) أحمد وأبو داود
(1)البخاري ومسلم.
(1) البخاري
(2) صحيح رواه أبو داود والنسائي اللفظ عند البيهقي والحديث وسبق تخريجه 29.
(3) سبق تخريجه في صفحة 6
31 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر
(1) رواه ابن ماجة والترمذي وقال إسناده ليس بالقوي وصححه في الإرواء(87,1). (4) البخاري ومسلم
(2) البخاري ومسلم.
(3) رواه ابن ماجه برواية إسماعيل بن مسلم وضعفه الألباني في الإرواء.
(1) البخاري ومسلم.
(2) البخاري ومسلم.
(3) البخاري ومسلم. (4) البخاري ومسلم .
(1) أخرجه الطبراني والبيهقي وهو ضعيف لا يثبت قال محقق هداية الراغب الشيخ حسين بن محمد مخلوف لم أجده .
(1) أخرجه أبو داود وابن ماجه في صحيحه. تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه 39" ، وأيضاً في سنن أبي داود " إذا بال أحدكم
(2) أخرجه ألإمام أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي والبيهقي.
(3) البخاري ومسلم.
(1) رواه الدارقطني.
(2) رواه أحمد وأبو داود.
( 1 ) سبق تخريجه في صـ( ).
(1) أخرجه مسلم في صحيحة.
(1) البخاري ومسلم.
(1) سبق تخريجه صـ( )
(1) سبق تخريجه صـ( )
(2) البخاري مسلم .…
(1) مسلم .
(2) رواه أبو داود ابن ماجه وحسنه الألباني في الإرواء .
(1) وهذا الحديث أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وصححه , وصححه الألباني في الإرواء .
(1) رواة الدار قطني والبيهقي وعند وعند البخاري يلفظ هذا ركس .(1/262)
(2) مسلم .
(1) مسلم .
(1) رواه البخار ي مسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
1 رواه البخاري تعليقاً واحمد والشافعي وصححه الألباني في الإرواء(1/105).
2 البخاري ومسلم.
3 البخاري.
1 هذا الحديث مرسل لا يثبت .
2 سبق تخريجه في صفحة (48).
1 سبق تخريجه في صفحة(37)0
(1)
2 هذا الحديث ضعيف لا يثبت.
3 سبق تخريجه في صفحة (48).
1 البيهقي والدارقطني وضعفه الألباني في الإرواء(1/106)0
2 سبق تخريجه في صفحة( )0
3 سبق تخريجه في صفحة( )0
1 سبق تخريجه في صفحة( )0
2 البخاري ومسلم.
1 سبق تخريجه في الصفحة ( ).
2 تقدم تخريجه( ).
3 في البخاري ومسلم.
(1) في صحيح مسلم.
(2) رواه البزار
(3) تقدم تخريجه في صفحة( ).
1 النسائي والترمذي وصححه , وصححه الألباني في جامع الإرواء(6870).
2 سنن أبي داود.
3 البخاري ومسلم.
1 وهذا الحديث في مسند الإمام أحمد رحمه الله ، لكنه ضعيف ، وورد في كتاب أخلاق النبي ( لأبي الشيخ
1 في سنن أبي داود.
(1) صحيح البخاري.
(2) أبو داود وصححه الألباني في الجامع. (3) رواه أبو داود وأحمد عن ابن عمر وصححه الألباني.
3 ابن ماجه.
1 الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني.
2 في الصحيحين.
3 رواه الإمام أحمد رحمه الله وغيره.
1 مسلم.
2 أحمد وأبي داود والنسائي.
1 متفق عليه.
1 هذا حديث ضعيف.
1 صحيح مسلم.
1 فيه ضعف.
2 أصله في البخاري ومسلم .
2 أصله في البخاري ومسلم.
(1) البخاري ومسلم (2) مسلم. (3) مسلم.
(1) البخاري ومسلم (3) رواه أحمد (4) رواه أحمد وأبو داود
(2) أبي داود (5) رواه النسائي
(1) رواه مسلم من حديث أبي هريره .
(1) رواه مسلم .
(2) الترمذي.
(1) البخاري مسلم من حديث عبد الله بن عمرو
(1) رواه أبي داود.
(1) صحيح مسلم . (3)
(2) أحمد وأبو داود .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه مسلم .
(1) البخاري مسلم من حديث عبد الله بن عمر . (2) رواه أحمد وأبو داود .(1/263)
(1) مصنف ابن أبي شيبه وذكره النووي في شرحه .
(2) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة .
(1) رواه أبو داود ابن ماجه وأحمد وحسنه الألباني .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه أبي داود .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه الترمذي وابن ماجه .
(1) رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر . (3) رواه النسائي .
(2) رواه الترمذي .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه أحمد وأبو داود والنسائي .
(1) رواه الدار قطني .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه أحمد وأبي داود .
(2) القرطبي .
(1) رواه مسلم .
(1) سبق تخريجه في صـ( ).
(1) رواه مسلم . (3)ضعيف
(2) لرواه ابن ماجه. (4) وهذا أخرجه الدارقطني والحاكم وصححاه ،
(1) ابن ماجه.
(1) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه الشافعي وابن خزيمه والطبراني وحسنه البخاري وقال وهو صحيح الإسناد وأيضا في صحيح الجامع .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(2) رواه أحمد وأبو داود .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه الترمذي وغيره .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(1) الحديث ضعيف رواه الطبراني في الأوسط لكن قالو بأنه يتقوى بشواهده, له شاهد عن عائشة رضي الله عنها عند أحمد وفي البخاري لكن هذا لا يثبت مرفوعا عن النبي ( لكنه مدرج .
(1) رواه الترمذي .
(1) سبق تخريجه صـ( ) . (2) رواه أحمد والطباراني .
(1) رواه مسلم . (3) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم . (4) رواه ابن أبي شيبه وبإسناد صحيح عن ابن العباس
(1) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه الألباني .
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) أبي داود والترمذي وصحيح الألباني.
(1) رواه مسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم . (3) رواه الدار قطني .
(2) رواه البخاري ومسلم . (4) رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة .
(1) رواه أبي داود والترمذي .
(2) رواه مسلم .(1/264)
(1) رواه أبو داود والترمذي .
(2) رواه مسلم .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث أنس . (2) رواه أحمد وابن ماجه .
(1) رواه النسائي .
(1) سبق تخريجه في باب التيمم . (2)
(1) البخاري ومسلم . (2) رواه البخاري ومسلم .
(1) البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) تخريجه في باب إزالة النجاسة أو الحيض .
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة . (2) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة .
(1) رواه مالك في الموطأ .
(1) رواه البخاري ومسلم . (2) رواه أحمد أبو داود وصححه الألباني .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم . (2) رواه مسلم .
(1) البخاري ومسلم وزاد مسلم "وإن لم ينزل" . ( 2 ) رواه مسلم .
(1) رواه أحمد والبيهقي وصححه الألباني .
(2) الإمام أحمد ومصنف عبد الرزاق .
(1) حسنه الترمذي (3) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم من حديث أم عطية
(1) البخاري (2) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة
(1) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وضعفه الألباني .
(1) رواه مسلم . (2) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وحسنه الألباني .
(1) رواه البخاري ومسلم . (3) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم . (4) مسلم .
(1) رواه أحمد والترمذي وأبو داود وصححه الألباني .
(1) رواه البخاري ومسلم . (2) البخاري
(1) الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد (3) رواه مسلم .
(2) رواه الترمذي وصححه الألباني . (4) رواه مسلم . (5) رواه أبو داود .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم . (3) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم . (4) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم . (2) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري مسلم . (3) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه أبي داود وأحمد .(1/265)
(1) رواه البخاري قاله لعمر بن الخطاب توضأ واغتسل ذكرك ثم نم (4) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه مسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري .
(2) رواه أبي داود وصححه الألباني .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(2) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه البخاري مسلم .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه مسلم من حديث حذيفة .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم . (2) رواه أبي داود
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه أبي داود .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) سبق تخريجه صـ( ) . (2) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه ابن قدامه في المغني بهذا اللفظ بدون عزو .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه مسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم اللفظ له .
(2) رواه النسائي .
(3) رواه البخاري ومسلم .…
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني .
(1) رواه مسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري .
(2) رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي قتادة .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(2) مسلم
(3) رواه البخاري مسلم
(1) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه سعيد والدار قطني .
رواه مسلم .
(1) رواه مسلم .
(1) رواه مسلم
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه أبي داود والترمذي .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه مسلم .
(1) رواه مسلم .
(2) رواه مسلم
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه أبو داود والترمذي .
(4) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه مسلم .
(2) رواه البخاري من حديث عائشة .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .(1/266)
(1) رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عباس وضعفه الألباني .
(1) رواه مسلم .
(1) رواه البخاري مسلم .
(2) رواه البخاري .
(1) رواه البخاري ومسلم والفظ لمسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه الترمذي .
(2) رواه مسلم .
(1) ذكره الإمام أحمد .
(2) رواه أحمد وأبو داود .
(1) رواه مسلم .
( 1) رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد وحسنه الألباني .
(1 ) سبق تخريجه صـ( )
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه البخاري .
(2) رواه أبوداود .
(1) رواه البخاري .
(2) رواه مسلم .
(3) رواه أحمد وصححه الألباني.
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
??
??
??
??
(عمدة الطالب)
14
كتاب الطهارة(1/267)