|
شرحها : الشيخ خالد بن علي المشيقح حفظه الله
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
*
هذه مذكرة في شرح كتاب الصلاة من عمدة الطالب ، شرحها الشيخ : خالد بن علي المشيقح حفظه الله , وهي مفرغة من الأشرطة ، قام بتفريغها الطالب محمد بن عبد الله الشنو جزاه الله خيراً، نضعها هنا للفائدة مع العلم أن الشيخ لم يراجعها نسأل الله العظيم أن ينفع بها شارحها وكاتبها وقارئها ،وكل من سعى في نشرها ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الصلاة
مناسبة هذا الكتاب لما قبله ظاهرة ، فإن المؤلف رحمه الله ابتدأ بالطهارة قبل الصلاة : أولاً: لأن الطهارة مفتاح الصلاة ، ولا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ
وثانياً : لأن التخلية قبل التحلية ، فالإنسان يتخلى من الخبث ويتحلى بالنظافة ثم بعد ذلك يتحلى بالوقوف بين يدي الله عز وجل .
الصلاة في اللغة : الدعاء ، ومن ذلك قول الله عز وجل ( وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم( .
وأما في الاصطلاح : فهي التعبد لله عز وجل بأفعال وأقوال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم .
والصلاة فرضت ليلة الإسراء ، وقت ليلة الإسراء متى كانت ؟
هذا موضع خلاف فلم يثبت منه شيء ، المهم أنها فرضت ليلة الإسراء قبل هجرة النبي ( وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين .
" تجب " المراد بالوجوب هنا : أعلى أنواع الوجوب ، إذ أنها فرض وركن ، ودليل ذلك القرآن والسنة والإجماع .
تجب على كل مكلف غير حائض و نفساء ....................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما القرآن فقول الله عز وجل ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة( .
(1/1)
وفي السنة حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت " .
" تجب على كل مكلف " أي : من تجب عليه هذه الصلوات الخمس ، قال المؤلف رحمه الله : أن يكون : مكلفاً ، والمكلف : هو البالغ العاقل ، وعلى هذا المجنون لا تجب عليه الصلاة ، والصغير الذي لم يبلغ أيضاً لا تجب عليه الصلاة ، وهل تجب الصلاة على المعتوه (الذي عنده نقص في العقل) ؟ المعتوه : ينقسم إلى قسمين :
1 - القسم الأول : معتوه ليس معه شيء من الإدراك : فهذا حكمه حكم المجنون .
2 - القسم الثاني : معتوه معه شيء من الإدراك ، وهذا قال العلماء رحمهم الله : حكمه حكم الصبي المميز ، بحيث أنه تصح منه العبادة ، ويؤجر عليها لكنها لا تجب عليه .
وقوله " مكلف " هذا يشمل الذكر والأنثى ، والحر ، والرقيق ، والخنثى ، والمبعض .
" غير حائض ونفساء " فالحائض لا تحب عليها الصلاة ، والنفساء أيضاً لا تجب عليها
فيقضي نائم ومغمى عليه ونحوه أفاق...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصلاة ، ودليل ذلك : ما تقدم من قول النبي ( " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم " وأيضاً قول عائشة رضي الله عنها " كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " فالحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة بالإجماع ، إلا أنه يستثنى من ذلك - كما سبق لنا - ما إذا طهرت بعد أن أدركت من أول الوقت قدر ركعة ، أو طهرت ، وقد أدركت من آخر الوقت قدر ركعة ، ففي هاتين الحالتين تجب الصلاة على النفساء والحائض .
(1/2)
الشرط الثالث : أن يكون مسلماً ، وعلى هذا الكافر لا تجب عليه الصلاة - وسبق أن ذكرنا-أن الكافر يتوجه إليه خطابان 1-وجوب~التكليف 2- وجوب الأداء ، أما هذا الخطاب فإنه لا يجب عليه أن يؤدي لأنه فاقد الأصل (التوحيد) ومع عدم التوحيد لا تصح العبادة ، فإن الله عز وجل قال ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ( ، وأيضاً قول الله عز وجل ( لإن أشركت ليحبطن عملك ( . وأما وجوب التكليف فإنه مكلف بها ويأثم على تركها ، لقول الله عز وجل ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين (
" فيقضي نائم ومغمى عليه ونحوه أفاق " أي : يقضي النائم هذا بالإجماع ، النائم إذا نام
ومغمى عليه....................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن الصلاة فإنه يجب عليه أن يقضيها ، لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي ( قال : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها " .
" ومغمى عليه " المغمى عليه هل يقضي أو لا ؟ المؤلف رحمه الله يرى أنه يقضي ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يقضي مطلقاً ، سواء أغمي عليه باختياره أو بغير اختياره ،
باختياره : مثل لو تداوى أكل بنجاً ، وبغير اختياره مثل : لو سقط وأغمي عليه ، أو أصابه حادث مثل ما يحصل الآن حوادث السيارات قد يغمى على الإنسان لمدة شهر أو شهرين ، فالمؤلف يرى أنه يجب عليه أن يقضي مطلقاً ، إلحاقاً بالنائم ،
وأيضاً استدلوا بان عمار بن ياسر رضي الله عنه أغمي عليه ثلاثة أيام ثم أفاق ، وقضى هذه الأيام الثلاثة ، وهذا هو المذهب .
والرأي الثاني : رأي الحنفية ، قالوا : بأنه إن أغمي عليه لمدة يوم وليلة فإنه يقضي وما زاد على ذلك فإنه لا يقضي ،
(1/3)
ودليلهم في ذلك : أن اليوم والليلة في حكم اليسير وما عدا ذلك فهو في حكم الكثير .
والرأي الثالث : التفصيل بين الإغماء ، إن كان باختيار الإنسان فإنه يجب عليه أن يقضي
ولا تصح من مجنون ولا كافر وإن صلى أو أذن فمسلم حكماً .............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، مثل : لو أكل دواءً أو بنجاً ، ونحو ذلك : أو شرب مسكراً ، فإنه يقضي .
وإن كان بغير اختياره كما لو أصابه حادث ونحو ذلك ، فإنه لا يجب عليه أن يقضي إلا الصلاة التي أغمي عليه فيها ولم يصلها ، أو الصلاة التي أفاق في وقتها ، وهذا يظهر والله أعلم أنه أقرب ، وهذا التفصيل هو رأي الشافعية .
" ولا تصح من مجنون " لا تصح الصلاة من مجنون ، لأن الصلاة لابد لها من النية ، ومن شروط صحة النية : العقل ، والمجنون مرفوع عنه القلم ، ومثل ذلك أيضاً ، الصبي غير المميز لا تصح منه العبادات لأنه لا يعقل النية .
" ولا كافر " أيضاً لا تصح من الكافر لما تقدم أنه فاقد التوحيد وذكرنا أن الله عز وجل قال ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ( ، وقوله تعالى ( لإن أشركت ليحبطن عملك( ، فالكافر لا تصح منه ، وأيضاً : لأن من شروط صحة النية الإسلام .
" وإن صلى أو أذن فمسلم حكماً " أي : إذا صلى هذا الكافر أو أذن ، يقول المؤلف بأنه " مسلم حكماً " يعني : نحكم بإسلامه أخذاً بالظاهر ، ونعامله معاملة المسلمين ، وعلى هذا لو مات فإنه يغسل ويكفن ويقبر في مقابر المسلمين ، ولو مات له قريب فإنه يرثه
ويؤمر صغير بها لسبع ويضرب عليها لعشر وعلى وليه تعلميه إياها
والطهارة ، وما يحتاجه لدينه وما يحتاجه لدينه كإصلاح ماله............
(1/4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويورث ، ولو أراد أن يرجع إلى الكفر لا نقبل له ذلك بل يأخذ حكم المرتدين .
" ويؤمر صغير بها لسبع ويضرب عليها لعشر " وهذا دليله حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ( قال : " مروا أبنائكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها لعشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع " ، وهذا أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وغيره .
وحكم هذا الأمر " يؤمر لسبع ويضرب عليها لعشر " هذا واجب على الولي ، وبالنسبة للصغير لا يجب عليه الصلاة ، لكن يجب على الولي أن يأمره ، لأن هذا من تربيته وتعليمه
" وعلى وليه تعلميه إياها والطهارة ، وما يحتاجه لدينه ... " ، أي : كما أنه يجب على الولي أن يأمره بالصلاة ، أيضاً يجب عليه أن يعلمه الصلاة ، ويجب عليه أن يعلمه الطهارة كيف يتوضأ ، وهذه مسالة يفرط فيها كثير من الأولياء ، يترك الأمر للمدرسة ، وقد لا تحسن المدرسة التعليم ، فتجد الطفل لا يعرف أن يتوضأ و لا يعرف أن يصلي .
" وما يحتاجه لدينه " أيضاً : يجب عليه أن يعلمه ما يحتاجه لدينه كالحلال والحرام ، وهذا هو تمام التربية ، وليس المراد أن يعلمه كل شيء ، وإن المراد أن يعلمه الأشياء المحيطة به ، أن هذا جائز ، أن هذا جائز وهذا غير جائز ، وأن هذا محرم وهذا غير محرم .
إصلاح ماله وإن بلغ في وقتها أعادها.............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إصلاح ماله " أي : كما أن الولي يجب عليه أن يصلح موليه الصغير أيضاً يجب عليه أن يصلح ماله .
(1/5)
" وإن بلغ في وقتها أعادها " إذا بلغ الصبي هل تجب عليه الصلاة ؟ أو لا تجب عليه ؟ هذا فيه تفصيل :
1 - الحالة الأولى : أن يبلغ بعد خروج الوقت ، فهذا لا تجب عليه الصلاة التي مضت .
2 - الحالة الثانية : أن يبلغ في أثناء الوقت ، فإن كان لم يصل فالصلاة واجبة عليه ، لكن إن صلى هل يجب عليه أن يعيد الصلاة قبل خروج الوقت أولا يجب عليه ؟
المؤلف رحمه الله يرى أنه يجب عليه أن يعيد الصلاة ، وهذا هو المذهب ،
وعلتهم في ذلك : أن الصلاة التي صلاها قبل البلوغ نافلة في حقه فلا تجزئ عن الفريضة
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه لا يجب عليه أن يعيد الصلاة ، وهذا القول هو الصواب ،
لأنه أدى ما أمر به شرعاً ، والقاعدة : أن ما فعل المأذون على الوجه الذي أمر به لا يلزمه أن يعيده مرة أخرى " ما ترتب على المأذون غير مضمون " .
في وقتها ويحرم تأخيرها عن وقت الجواز......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " في وقتها " يعني : بعد فعل الصلاة ، وإذا بلغ في أثناء الصلاة ، على المذهب أنه يجب عليه أن يعيدها مرة أخرى .
ويظهر والله أعلم أنه إن أدى ركعة ، فإنه لا يجب عليه أن يعيد ، لأنه أدرك هذه الصلاة ، والنبي ( يقول : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة "
" ويحرم تأخيرها عن وقت الجواز " وقوله " وقت الجواز : هذا يفهم منه أن الصلاة لها وقتان :
1 - وقت جواز .
2 - وقت ضرورة ، وهذا خاص في صلاة العصر على الصحيح ، جميع الصلوات ليس لها إلا وقت واحد ، وهو وقت الاختيار ،
وأما العصر فلها وقتان ، وهذا سيأتي بيانه .
(1/6)
فتأخير الصلاة عن وقت الجواز (الاختيار) هذا محرم ولا يجوز ، ويجب للإنسان أن يفعل الصلاة في وقتها،ويدل لهذا قول الله عز وجل(إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوفاً ( أي مفروضاً في الأوقات،وقال الله عز وجل(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل (
إلا لناوي الجمع أو بمشتغل بشرط لها يحصله قريباً....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجبريل عليه السلام لما أم بالنبي ( الصلوات في أول الوقت وآخره ،
قال : الصلاة ما بين هذين الوقتين " والأدلة على هذا كثيرة .
" إلا لناوي الجمع " استثنى المؤلف رحمه الله من نوى الجمع ممن يباح له الجمع أو يشرع له الجمع ، فهذا لا بأس أن يؤخر الصلاة عن وقت الاختيار إلى وقت الثانية ،
فمثلاً : المريض الذي يشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها ، فإنه يجمع ولا بأس أن يؤخر الظهر إلى وقت العصر ، وأيضاً المسافر ، لا بأس أن يؤخر الظهر إلى وقت العصر ، وهكذا .
وبعض العلماء لا يرى هذا الاستثناء ، يعني قول " ناوي الجمع" ويقول : بأن الصلاتين مع العذر يكون وقتها كالوقت الواحد ،
فمثلاً : المسافر ، وقت الظهر ووقت العصر يكون كالوقت الواحد للصلاتين .
" أو بمشتغل بشرط لها " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله لا بأس أن يؤخر الصلاة عن وقتها ، فمثلاً : لاة الفجر يخرج وقتها بطلوع الشمس ، من شروط صحة الصلاة ستر العورة الثوب الذي عنده يحتاج إلى خياطه لمدة عشر دقائق أو ربع ساعة ، فلو جلس يخيطه لطلعت
يحصله قريباً..................................................................................................
(1/7)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه الشمس ، ولو صلى ، صلى ، وقد انكشف شيء من عورته فهل يحصل الشرط (ما دام أن الشرط قريب) ويؤخر الصلاة عن وقتها ، أو نقول : يصلي على حسب حاله ؟
يقول المؤلف رحمه الله : بأنه يحصل الشرط حتى لو خرج الوقت ، ومثل ذلك أيضاً : صلاة العشاء يخرج وقتها بانتصاف الليل باقي على انتصاف الليل مثلاً ربع ساعة ، وليس عنده ماء ، والماء قريب في البيرة وفي الخزان ، بإمكان أنه يعمل حبلاً أو إناء ويغترف من الماء حتى يتوضأ ، وهذا يحتاج إلى عشر دقائق ، فإذا مضت هذا العشر وأخرج الماء إذ الوقت قد خرج (انتصف الليل) ، فهل نقول : بأنه يؤخر الصلاة عن وقتها ويحصل الشرط ،(الماء) أو نقول : بأنه يصلي على حسب حاله ؟
المؤلف يقول:بأنه يحصل الشرط حتى ولو خرج الوقت هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله
والرأي الثاني : أنه يصلي الصلاة على حسب حاله ، حتى ولو انكشف شيء من العورة ، أو حتى ولو صلى بغير الماء بالتيمم ونحو ذلك ، فلا يؤخر الصلاة عن وقتها ،
وهذا القول هو الصواب ، وحينئذ كلام المؤلف يكون فيه ضعف .
وقوله " يحصله قريباً " يفهم من كلامه أنه لو كان لا يحصل الشرط إلا بعد فترة طويلة (ساعة ، ساعتين) فإنه يصلي على حسب حاله .
ومن جحد وجوبها كفر وكذا تاركها كسلاً إذا دعاه إمام أو نائبه وأبى حتى تضايق وقت الثانية...............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/8)
والصواب في ذلك : كما ذكرنا ، وأنه لا يؤخر الصلاة من أجل الشرط بل يجب عليه أن يؤدي الصلاة في وقتها ، وهذا مما يؤيد تحريم تأخير الصلاة عن وقتها ، وأن شرط الوقت هو أكد شروط الصلاة ، ولهذا تترك بقية شروط الصلاة من أجل شرط الوقت ، وتترك أركان الصلاة من أجل شرط الوقت ،
لو كان الإنسان ليس عنده ماء وليس له ثوب يستر به عورته وبعد الوقت سيجد الماء ويجد الثوب الذي يستر به عورته ، فإنه يجب عليه أن يصلي الصلاة على حسب حاله ، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها .
كذلك أيضاً : قلنا : أن أركان الصلاة من أجل شرط الوقت ، فلو كان الإنسان مريضاً لا يستطيع القيام ولا الركوع ولا السجود نقول : صل الصلاة في وتقها على حسب حالك ، ولو كان بعد خروج الوقت سيستطيع القيام والركوع والسجود ..الخ .
" ومن جحد وجوبها كفر وكذا تاركها كسلاً إذا دعاه إمام أو نائبه وأبى حتى تضايق وقت الثانية " هنا شرع المؤلف رحمه الله في حكم ترك الصلاة ، وتارك الصلاة لا يخلو من أمرين :
ومن جحد وجوبها كفر وكذا تاركها كسلاً إذا دعاه إمام أو نائبه وأبى حتى تضايق وقت الثانية...............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول : أن يكون تركها جحوداً ، يعني يجحد وجوبها بأن يقول الصلاة ليست واجبة على المسلم المكلف ، فهذا نقول بأنه كفر لأنه مكذب لله ولرسوله وإجماع الأمة إلا لو كان مثله يجهل ذلك كما لو كان حديث عهد بإسلام أو كان ناشئاً في بادية بعيدة عن حاضرة المسلمين إلى آخره ، فهذا يعذر بالجهل لكن إذا كان مثله لا يجهل ذلك فالمؤلف رحمه الله يرى أن ذلك كفر .
(1/9)
الأمر الثاني : أن يكون تركه لها تهاوناً وكسلاً لا جحوداً ، فهذا يقول المؤلف رحمه الله يكفر لكنه اشترط شرطين .
فعندنا فيما يتعلق بالمسألة الأولى من تركها تهاوناً وكسلاً هل يكفر أو لا يكفر ؟
المؤلف رحمه الله يرى أنه يكفر وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وهو من المفردات ، مفردات الإمام أحمد واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة .
ابن القيم رحمه الله أطال في هذه المسألة في كتابه الصلاة وذكر أدلة من قال بالتكفير وأدلة من قال بعدم التكفير ... إلى آخره .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأدلة كثيرة ومن ذلك قول الله عز وجل :" فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين " فدل ذلك على أنه من لم يقم الصلاة ليس أخاً لنا في الدين ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا مع وجود الكفر .
وأيضاً حديث بريدة في صحيح مسلم :" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "
حديث جابر :" بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "
حديث معاذ :" رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة " فقال عموده الصلاة وإذا سقط العمود سقط البيت .
وأيضاً ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة " قال الإمام أحمد رحمه الله : شيء ذهب آخره لم يبقى منه شيء .
وأيضاً ما ورد عن عبد الله بن شقيق أنه قال : ما أجمع أصحاب محمد على شيء تركه كفر إلا الصلاة .
........................................................................................................................
(1/10)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : رأي الأئمة الثلاثة عدم الكفر لتارك الصلاة تهاوناً وكسلاً .
والذين قالوا بعدم التكفير يستدلون بالأدلة الوارده بالإرجاء وأن الله عز وجل يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ... إلى آخره .
ويستدلون أيضاً بما في سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يدرس الإسلام ....إلى أن ذكر أنه يبقى الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وأنهم يقولون لا إله إلا الله أدركنا آبائنا على هذه الكلمة " أو كما ورد .
والجواب على هذا سهل : أن ماورد من أدلة الإرجاء فهذه نقول الذي يخرج من النار هو الذي معه الإسلام ، يعني أصل الإسلام لا يزال باقياً معه فهذا الذي يمتنع تخليده في النار ، وأما من ترك الصلاة فقد ذهب الإسلام عنه كما في أدلة الحنابلة ، وأما ما في سنن ابن ماجه في دروس الإسلام وأنه يبقى الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وأنهم على هذه الكلمة لا إله إلا الله ... إلى آخره ، فنقول هذا الذي يسعهم لأنهم لم يعلموا إلا هذا الشيء من الإسلام فهذا الذي يسعهم ، فالإنسان إذا كان يجهل فإنه معذور بجهله .
هذا الكفر لمن ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً اشترط له المؤلف رحمه الله شرطين :
الشرط الأول : قال إذا دعاه إمامه أو نائبه وأبى .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/11)
هذا الشرط الأول : أن يدعوه الإمام يعني الإمام الأعظم أو نائب الإمام ، نائب الإمام اليوم القاضي مثلاً ، نواب الإمام من يضعهم الإمام لهذه الأمور القاضي إذا كان هذا من إختصاصه رجل الشرطة إذا كان هذا من إختصاصه أو مثلاً المحتسب الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إذا كان هذا من إختصاصه ... إلى آخره .
المهم أن يدعوه الإمام أو نائبه ثم بعد ذلك يصر ، هذا الشرط الأول .
الشرط الثاني : قال حتى تضايق وقت الثانية عنها ، يعني يؤخر الظهر ولا يصلي الظهر حتى يتضايق وقت صلاة العصر ، مثلاً بقي على خروج وقت صلاة العصر عشر دقائق تضايق الآن وقت صلاة العصر عنها عن الثانية ما بقي إلا عشر دقائق لا تسع لفعل صلاة العصر ، تضايق وقت صلاة الثانية ، عنها : أي عن الصلاة الثانية .
فإنه يكفر .
والشرط الأول بعض العلماء قالوا بأنه لا يشترط والأدلة مطلقة " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " ، " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " وهذا يشمل ما إذا دعاه الإمام أو نائبه أو لم يدعوه .
والشرط الثاني أيضاً قوله حتى تضايق وقت الثانية عنها ، هذا هو المذهب .
ويستتابان ثلاثاً.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/12)
والرأي الثاني : أنه لايكفر حتى لو تضايق وقت الصلاة الثانية ولا نحكم بكفره إذا كان يصلي في بعض الأحيان ويترك في بعض الأحيان ، ولا نحكم بكفره إلا إذا كان مصراً على ترك الصلاة بالكلية أما إذا كان يصلي ويخلي ، مثلاً يصلي الفجر ويخلي الظهر والعصر والمغرب ويصلي العشاء فهذا قالوا : لا نحكم بكفره ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأننا لا نحكم بكفره إذا كان يصلي ويخلي ، أما إذا كان مصراً على الترك فهذا الذي نحكم بكفره .
" ويستتابان ثلاثاً " يعني من ترك الصلاة جحداً ومن تركها تهاوناً وكسلاً يستتابان ، يستتيبهما الإمام أو نائبه يقول المؤلف رحمه الله ثلاثاً يعني : ثلاثة أيام فإن أصر وإلا قتل .
ويقتل كافراً نسأل الله السلامة .
وإستتابة المرتد هذه راجعة إلى إجتهاد الإمام ، المذهب : أن المرتد لابد أن يستتاب ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الاستتابة راجعة إلى اجتهاد الإمام ، والإمام يجتهد في الاستتابة وهذا يختلف باختلاف الأشخاص فقد يكون هذا الشخص مما تنفع فيه الاستتابة فيستتاب ، وبعض الناس لا تنفع فيه الاستتابة فلا يستتاب كما ورد عن ........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبي موسى ومعاذ رضي الله تعالى عنهما في قتل المرتد قبل استتابته ، فنقول هذا يرجع إلى قرائن الأحوال .
ودليلهم على الاستتابة ثلاثاً : أنه وارد عن عمر رضي الله تعالى عنه في المرتد هلّا استتبتموه ثلاثاً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً لعله يتوب ... إلى آخره .
وهذا الأثر عن عمر رضي الله تعالى عنه ضعيف لا يثبت .
(1/13)
كذلك أيضاً يلحق بترك الصلاة من ترك ركناً أو شرطاً من شروط الصلاة بحيث تبقى الصلاة وجودها كعدمها فمثلاً لو ترك ركن الركوع نقول الصلاة وجودها كعدمها غير صحيحة أو شرطاً مثلاً شرط رفع الحدث تبقى الصلاة وجودها كعدمها .
والأذان والإقامة فرضا كفاية.........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الأذان والإقامة
لما ذكر المؤلف رحمه الله الصلاة وحكمها ومن تجب عليه ومن يأمر بها ... إلى آخره شرع في أحكام الأذان والإقامة لأن الأذان والإقامة إعلام لهذه الشعيرة العظيمة .
" والأذان " في اللغة : الإعلام .
وأما في الاصطلاح : فهو التعبد لله عز وجل بالإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص .
" والإقامة " في اللغة : مصدر أقام .
وأما في الاصطلاح : فهو الإعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص .
" فرضا كفاية " أفاد المؤلف رحمه الله مسألتين :
المسألة الأولى : أن الأذان والإقامة كل منهما فرض ، والدليل على الفرضية أمر لنبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث مالك ابن الحويرث رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " قال : فليؤذن لكم، هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
للصلوات الخمس.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً الدليل على أنه على سبيل الكفاية قال : أحدكم ، ولم يقل : جميعكم ، فدل ذلك على أنه إذا حصل الأذان من بعض الناس كفى ذلك ، وهذا هو المذهب أنهما فرض .
(1/14)
والرأي الثاني : مذهب أبي حنيفة والشافعي أنهما سنة .
والصحيح في ذلك : ماذهب إليه الحنابلة رحمهما الله أنهما فرض لما ذكرنا من الدليل من الأمر .
" للصلوات الخمس " الصلوات من حيث الإعلام تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما يشرع لها الأذان والإقامة وهذه الصلوات الخمس مع الجمعة .
القسم الثاني : ما يشرع لها النداء فقط وهذه صلاة الكسوف خاصة ولا يلحق بها شيء آخر على الصحيح .
القسم الثالث : ما لا يشرع له شيء وهذا بقية الصلوات فمثلاً صلاة الاستسقاء لا يشرع لها شيء صلاة العيدين لا يشرع لها شيء صلاة الجنازة لا يشرع لها شيء صلاة التراويح لا يشرع لها شيء .
على الرجال......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" على الرجال " هنا أراد المؤلف رحمه الله أن يبين على من يجب الأذان والإقامة .
فنقول يجب على من توفرت فيه الشروط الآتية :
الشرط الأول : أن يكون رجلاً ، وإذا قال الفقهاء رحمهم الله رجل فيريدون به البالغ وعلى هذا النساء لا يجب عليهن أذان ولا إقامة ، ولكن هل يشرع لهن أو يباح لهن ، إذا قلنا بأنه لا يجب عليهن أذان ولا إقامة هل يشرع أو لا يشرع ؟
هذا سيأتينا إن شاء الله .
قال :" على الرجال " هذا الشرط الأول ، وأما بالنسبة للنساء فلا يجب عليهن لأن الأذان والإقامة إنما يجبان للجماعة والنساء لا تجب عليهن الجماعة بالإجماع ، فنقول : لا يجب عليهن أذان ولا إقامة .
الثاني : أن يكونوا أحرارا وعلى هذا الأرقاء لا يجب عليهن أذان ولا إقامة وهذا هو المشهور من المذهب وهو قول كثير من العلماء رحمهم الله .
(1/15)
والرأي الثاني : أنه يجب الأذان والإقامة على الأرقاء كما يجب على الأحرار لعموم الأدلة ، حديث مالك بن الحويرث " إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم "
مقيمين...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا يشمل الأحرار ويشمل الأرقاء .
وعندنا قاعدة { أن الأصل في الأحكام البدنية المحضة أنه يتساوى فيها الأحرار والأرقاء }
وهذا القول هو رأي الظاهرية .
وأما من قال بأنه لا يجب على الأرقاء فقالوا بأن الرقيق ناقص الأهلية لكونه مالاً فلا يجب عليه ، وهذا لا يسلم بل الصواب : أن الرقيق كالحر تماماً فيما يتعلق بأمور البدن ، أما ما يتعلق في أمور المال فهذا كما ذكر بعض العلماء رحمهم الله .
أما ما يتعلق بأمور المال فهذا صواب لأن الرقيق مال ولا يملك .
" مقيمين " وعلى هذا لا يجب الأذان والإقامة على المسافرين وهذا هو المشهور من المذهب فلو خرج جماعة في سفر فالأذان والإقامة في حقهم سنة وليس واجباً .
والرأي الثاني : وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يجب على المقيمين والمسافرين لعموم حديث مالك بن حويرث ، بل إن مالكاً رضي الله تعالى عنه هو ومن معه كانوا مسافرين ومع ذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " .
إذا حضرت الصلاة..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/16)
فنقول الصواب في هذه المسألة : أن الأذان والإقامة واجب على المقيمين والمسافرين ويأثم المسافرون إذا تركوهما .
ومن ذلك أيضاً إذا كانوا غير مسافرين لكن كانوا خارج البلد مثلاً في عمل أو في نزهة أو نحو ذلك فإنه يجب عليهم الأذان والإقامة .
قال : على الرجال الأحرار المقيمين وقبل ذلك يقول المؤلف رحمه الله للصلوات الخمس هذه أربعة شروط .
الشرط الخامس : أن تكون الصلاة مؤداة وعلى هذا إذا كانت الصلاة مقضية فإنه لا يجب لها أذان ولا إقامة ، فلو كان أناس في نزهة مثلاً ليسوا مسافرين وناموا عن الصلاة حتى خرج وقتها ثم استيقظوا فإنه لا يجب عليهم الأذان ولا الإقامة لأن الأذان والإقامة إنما يجب للصلوات المأداة دون المقضيات .
والرأي الثاني : رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أن الأذان والإقامة كما يجب للصلوات المأداة أيضاً يجب للمقضيات ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث مالك بن حويرث " إذا حضرت الصلاة " وهذا يشمل حضور الصلاة في الوقت ويشمل أيضاً حضور الصلاة بعد الوقت .
على الرجال......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويؤخذ من قول المؤلف رحمه الله " على رجال " أنه لا يجب على الرجل المنفرد .
إذا كان منفرداً فإنه لا يجب عليه أن يؤذن وأن يقيم ، فلو كان هناك رجل في مزرعة يحتاج إلى ان يحرس المزرعة أو راع يرعى الماشية خارج البلد في الصحراء فعلى كلام المؤلف لا يجب عليه بل نقول بأنه سنة في حقه ، أو كان مسافراً في الطريق يصلي وحده فنقول : يستحب له أن يؤذن وأن يقيم هذا سنة في حقه .
ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" يعجب ربك من راعي غنم على شظية جبل يؤذن ويقيم "
(1/17)
وكذلك أيضاً ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزواً ، إذا أراد أن يبيت قوماً انتظر فإن سمع أذاناً أمسك وإلا قاتل ، وسمع مؤذناً يؤذن وإذا هو راعي غنم ، فنقول : يستحب للمنفرد أن يؤذن وأن يقيم .
وقوله " على رجال " كما قلنا يخرج النساء ، فالمذهب : أن الأذان والإقامة للنساء مكروهة ، يعني يكره للنساء أن يؤذن وأن يقمن .
وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يباح لهن الأذان والإقامة .
فيقاتل أهل بلد تركوهما..............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي رواية : أنه يستحب لهن الأذان والإقامة .
وقال الشافعي رحمه الله : تستحب الإقامة دون الأذان وسيأتي إن شاء الله .
" فيقاتل أهل بلد تركوهما " يعني تركوا الأذان والإقامة .
وقوله يقاتل ولم يقل يقتل ، فرق بين المقاتلة والقتل والفرق بينهما :
أن المقاتلة إذا حصلت فإنه يمسك عنها بفعل الواجب فإذا ترك أهل بلد الأذان والإقامة فإن الإمام أو نائبه يقاتلونهم لكن إذا قاموا بالأذان والإقامة فإنه يمسك عن قتالهم وكذلك أيضاً لا يجهز على جريحهم لو حصل جريح فإنه لا يجهز على هذا الجريح ، وكذلك أيضاً لا يتبع مدبرهم فرق .
أما القتل فهذا أمره ظاهر .
وقال المؤلف رحمه الله : يقاتل أهل بلد تركوهما لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة .
* وما القدر الواجب من الأذان ؟
نقول القدر الواجب من الأذان ما يحصل به الإعلام ، فإذا كان البلد صغيراً ويكتفى بمؤذن واحد نقول نكتفي بمؤذن واحد وإذا كان البلد كبيراً ويحتاج إلى اثنين أوثلاثة ... إلى آخره .
وتحرم أجرتهما...............................................................................................
(1/18)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المهم أنه بقدر الحاجة فقد يحتاج إلى اثنين قد يحتاج إلى ثلاثة ... على آخره .
* وما الحكم لو صلوا بلا أذان ولا إقامة ؟
نقول الصلاة صحيحة لكن قال العلماء : يكره ذلك لأن الأذان والإقامة ليس واجباً في الصلاة وإنما هو واجب للصلاة ، وفرق بين الواجب للشيء والواجب في الشيء .
الواجب في الشيء هذا تركه يؤدي إلى بطلانه ، والواجب للشيء هذا تركه لا يؤدي إلى بطلانه .
" وتحرم أجرتهما " يعني يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة ، وما يؤخذ على الأذان والإقامة ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أخذ رزق من بيت المال ، يعني مكافأة من بيت المال فغن هذا جائز ولا بأس به وهو ما يحصل اليوم الإمام يضع مكافأة لمن يؤذن أو يقيم ... إلى آخره .
القسم الثاني : أخذ بلا مشارطة ، يعني إنسان أذن في هذا المسجد ثم جاء شخص وأعطاه مكافأة دون أن يكون هناك مشارطة ، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به .
القسم الثالث : أخذ الجعل وذلك بأن يجعل شخص جعلاً فيقول من أذن في المسجد الفلاني
لا رزق من بيت المال لعدم متطوع..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فله كذا وكذا أو من أذن في مسجدنا بلا مشارطة ، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به .
القسم الرابع : هو ما أشار إليه المؤلف رحمه الله " تحرم أجرتهما " ما يكون عن طريق المشارطة والإتفاق أنه يؤذن في هذا المسجد ويشرط له كذا وكذا من الدراهم ، فهذا محرم ولا يجوز ويدل لذلك حديث عثمان بن أبي العاص " واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجرا "
(1/19)
" لا رزق من بيت المال لعدم متطوع " يعني الرأس من بيت المال هذا جائز ولا بأس به لكن قال المؤلف رحمه الله : لعدم متطوع ، يعني إذا وجد عندنا اثنان أحدهما سيتطوع بالأذان لا يريد أن يأخذ شيئاً حتى ولو من بيت المال والآخر يريد أن يؤذن لكن الرزق الذي سيأتيه من بيت المال سيأخذه ، فأيهما يقدم ؟
يقول المؤلف رحمه الله : يقدم المتطوع ، لأن هذا من وجهين :
الوجه الأول : أن هذا أتقى ، كونه لم يأخذ شيئاً على هذه العبادة .
والوجه الثاني : توفير بيت المال ، فكونه يؤذن شخص ولا يأخذ شيء هذا أوفر لبيت المال .
ويسن كون مؤذن صيتا ً أميناً.......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويسن كون مؤذن صيتاً " هذه سنن ذكرها المؤلف في المؤذن :
السنة الأولى : أن يكون صيتاً ، ويدل لهذا حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه أنه لما رأى الأذان قال النبي صلى الله عليه وسلم ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً "
ولأنه إذا كان صيتاً يكون أبلغ في الإعلام والأذان إعلام .
" أميناً " أميناً على أي شيء ؟ على أمرين :
الأمر الأول : على الوقت ، لأن الناس يتعلقون بالمؤذن الذين في البيوت يصلون الصائمون يفطرون ... إلى آخره ، لا بد أن يكون أميناً على الوقت .
الأمر الثاني : أميناً على عورات الجيران ، وهذا كان في الزمن السابق لما كان المأذنون يصعدون على المناير ويؤذنون ، أما اليوم ما فيه صعود فيبقى الأمانة على الوقت .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله بل صريح كلام المؤلف رحمه الله أن الأمانة سنة .
والصواب : أن الأمانة ليست سنة بل نقول الأمانة واجبة ويدل لهذا قول الله عز وجل :" إن خير من استأجرت القوي الأمين "
فنقول الصواب : أنها واجبة .
(1/20)
عالماً بوقت فإن تشاحا فيه اثنان................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" عالماً بوقت " هذا السنة الثالثة للمؤذن أن يكون عالماً بالوقت ، والعلم بالوقت سواء كان بالشخص نفسه أو بغيره المهم أن يكون عالماً بالوقت إما بنفسه يعرف الزوال ويعرف الغروب ومغيب الشفق الأحمر وطلوع الفجر ... إلى آخره يعني يعرف العلامات الأفقية لأن أوقات الصلاة الشارع قيدها وعلقها بالعلامات الأفقية ، واليوم وجد الآن الحساب هذا التقاويم هذه تقوم مقام معرفة العلامات الأفقية ، المهم أنه لابد أن يكون عالماً للوقت بنفسه أو بغيره ، ويدل لهذا حديث عبد الله بن أم مكتوم فإنه رجل أعمى ولا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت ، هو ما يعرف الوقت بنفسه وإنما يعرفه بغيره ولا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت يعني دخلت في الصباح .
" فإن تشاحا فيه اثنان " تنازع فيه اثنان ، وهذا في مسجد ليس له مؤذن أو في جماعة خرجوا في سفر أو في نزهة أو في مزرعة ونحو ذلك .
تشاحا فيه اثنان أي تنازع فيه اثنان كل يريد أن يؤذن فمن نقدم ؟
قال المؤلف :
قدم أفضلهما في ذلك ثم في دين وعقل ثم من يختاره أكثر الجيران .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" قدم أفضلهما في ذلك " يعني في الخصال المذكورة السابقة ، فنقول :
المرتبة الأولى : من كان أفضل في الخصال السابقة فإنه يقدم ، وما هي الخصال السابقة ؟
أن يكون صيتاً أن يكون أميناً أن يكون عالماً بالوقت ، فإذا توفر في شخص هذه الأمور الصيت والعلم بالوقت والأمانة نقدمه على غيره .
(1/21)
" ثم في دين وعقل " تساووا في الخصال السابقة نقدم أدينها وأعقلهما ، أفضلهما في دينه وعقله .
" ثم من يختاره أكثر الجيران " هذه المرتبة الثالثة : استووا في الدين والعقل نقدم من يختاره أكثر الجيران .
فننظر إلى جيران المسجد جماعة المسجد من يرشحون فالذي يتفق عليه الجيران كلهم أو أغلبهم هذا يقدم .
وإنما أعتبر الجيران لأن الإعلام لهم ولأن هذا أبعد عن التنازع والإختلاف والشارع له نظر في الائتلاف وعدم الاختلاف .
ثم قرعة وهو خمس عشرة جملة يرتله على علو...............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ثم قرعة " هذه المرتبة الرابعة : القرعة ، يعني يقرع بينهم تساووا في كل الصفات السابقة في الخصال التي تقدمت في الدين والعقل في اختيار الجيران أو أن الجيران لم يختاروا أحداً نجري القرعة فأيهم خرجت له القرعة قدم ، لأن القرعة شرعت لتمييز المستحق إذا تكافأ في الخصال
" وهو خمس عشرة جملة يرتله على علو " كم هو من جملة الأذان ؟
يقول المؤلف رحمه الله : بأن الأذان خمس عشرة جملة وهذا هو المذهب ،
الرأي الأول : المذهب : أن الأذان خمس عشرة جملة بلا ترجيع كما هو موجود عندنا الآن وهو أذان بلال رضي الله تعالى عنه وهو اختيار الإمام أحمد رحمه الله وأيضاً هذا قال به أبو حنيفة رحمه الله .
والرأي الثاني : أن الأذان سبع عشرة جملة مع الترجيع لكن بتثنية التكبير في أوله بدلاً من أن يأتي في ُأول الأذان بأربع تكبيرات يأتي بتكبيرتين والترجيع أربع جمل فكم يكون من جملة ؟
يكون سبع عشرة جملة ، وهذا قال به مالك .
والرأي الثالث : رأي الشافعي وأن الأذان تسع عشرة جملة مع الترجيع ، أنه تسع عشرة جملة وهو أذان أبي محذورة
(1/22)
.......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذه ثلاثة أراء ، وأذان بلال ثابت وأذان أبي محذورة مع الترجيع ثابت لكن ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله من أن الأذان سبع عشرة جملة بتثنية التكبير في أوله فهذا ضعيف وإن ورد في صحيح مسلم لكنه غير ثابت والصواب أن التكبير في أوله أربع كما ورد ذلك في السنن يعني حديث أبي محذورة مع الترجيع ورد تثنيته في صحيح مسلم تثنية التكبير في أوله لكن في السنن ورد تربيع التكبير ، وعلى هذا نقول بأن الأذان له صفتان :
الصفة الأولى : أذان بلال خمس عشرة جملة هذه الصفة الأولى كما هو معروف عندنا .
الصفة الثانية : أذان أبي محذورة وهو تسع عشرة جملة يعني كأذان بلال لكن مع الترجيع ، الترجيع أربع جمل ، ومعه الترجيع الترجيع : هو أن يأتي بالشهادتين سراً بحيث يسمع من حوله فقط أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله ثم بعد ذلك يعود مرة ثانية ويرفع صوته أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله رافعاً صوته ، هذا يسمى الترجيع .
المذهب لا يستحب الترجيع عندهم ويقتصرون على أذان بلال دون أذان أبي محذورة ، أذان أبي محذورة هو الذي فيه الترجيع .
والصواب في ذلك : أن يقال أنه يستحب أن يؤذن تارة بأذان بلال وتارة بأذان أبي محذورة
يرتله على علو................................................................................................
(1/23)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعمل بالسنة الواردة كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا بالنسبة للأذان أما الإقامة سيأتي الكلام عليها .
" يرتله " أي الأذان ، يرتل الأذان ، ومعنى يرتله : يعني يستحب أن يتمهل في ألفاظه وأن يقف على كل جملة ، يعني يقول : الله أكبر ثم يقف ، ثم يقول : الله أكبر ثم يقف ، ثم الثالثة كذلك ثم الرابعة كذلك هذا مراد المؤلف ، وعلى هذا فلا يقرن بين التكبيرتين وإنما يفرد كل تكبيرة .
واختار بعض العلماء أنه يقرن بين التكبيرتين ، الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... إلى آخره .
وعلى هذا نقول تارة يفرد وتارة يقرن لا بأس مادام أنه ورد في السنة بهذا وهذا فنقول : تارة يقرن وتارة يفرد .
" على علو " يعني على مكان مرتفع لأنه أبلغ في الأذان و أيضاً يدل لذلك ما في سنن أبي داود أن بلالاً كان يؤذن فوق سطح بيت امرأة من الأنصار وكان بيتها أرفع بيت مما حول المسجد فيؤخذ من هذا يعني من أذان بلال فوق بيت هذه المرأة التي من بني النجار وكذلك
متطهراً...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضاً التعليل الذي ذكره العلماء أنه أبلغ في الإعلام أنه يستحب أن يكون على علو ، واليوم لما حصلت هذه المكبرات فإن المأذنين لا يصعدون لكن ترفع هذه الآلات التي تنقل الأذان ، ترفع تكون في مكان عال بحيث يسمعها الناس ويتخطى صوتها إلى أناس كثيرين .
" متطهراً " يعني يسن أن يكون متطهراً فذكر المؤلف رحمه الله من سنن الأذان :
(1/24)
السنة الأولى : أن يرتله وذكرنا معنى الترتيل .
والسنة الثانية : أن يكون على مكان مرتفع .
والسنة الثالثة : أن يكون متطهراً .
وعلى هذا لو أذن محدثاً فإنه خالف السنة ، السنة أن يكون متطهراً لكن لو أذن محدثاً نقول خلاف السنة وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يكره أذان الجنب وإقامة المحدث ، والدليل على أنه يشرع أن يكون متطهراً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر " .
والدليل على أنه يصح الأذان من غير المتطهر حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه .
مستقبل القبلة جاعلاً سبابتيه في أذنيه...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" مستقبل القبلة " هذه السنة الرابعة : أن يكون مستقبل القبلة ، ويدل لهذا ما في حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه لما رأى الملك الذي يؤذن وأنه قام على جدار وتوجه ، يعني توجه إلى القبلة .
فهذا إما يدل على أنه يشرع أن يستقبل القبلة وأيضاً كما قال العلماء رحمهم الله أنها أشرف الجهات .
" جاعلاً سبابتيه في أذنيه " هذه السنة الخامسة : أن يجعل سبابتيه في أذنيه ، والفقهاء يتفقون أن هذا يشرع .
يشرع أن يجعل السبابتين في الأذنين وإن كان بعض المالكية قالوا بأنه ليس مشروعاً وإنما هو جائز .
وورد في ذلك حديث أبي محذورة رضي الله تعالى عنه لما أذن وأنه جعل سبابتيه في أذنيه ، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وغيره وقد صححه الترمذي فإن ثبت هذا الحديث نقول بأن هذا يشرع ، فنقول بأنه سنة وإن لم يثبت فلا تظهر المشروعية .
وأيضاً عللوا قالوا بأن هذا أرفع للصوت .
يلتفت يميناً لقوله حي على الصلاة وشمالاً لقوله حي على الفلاح......................
(1/25)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" يلتفت يميناً لقوله حي على الصلاة وشمالاً لقوله حي على الفلاح " هذه السنة السادسة : أن يلتفت يميناً وشمالاً كما ورد في حديث أبي محذورة لما أذن قال : فجعلت أتتبع ففاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح ، فنقول يستحب أن يلتفت .
وذكر العلماء رحمهم الله في صفة الإلتفات ثلاث صفات
الصفة الأولى : أن يلتفت يميناً لحي على الصلاة ، يعني يلتفت مرتين يميناً لحي على الصلاة ، فيلتفت لحي على الصلاة ثم يعود ويلتفت لحي على الصلاة ثم يعود ، ويلتفت شمالاً لحي على الفلاح ويلتفت ثم يعود ثم يلتفت ثم يعود .
والصفة الثانية : أنه يلتفت يميناً لحي على الصلاة في الأولى ثم شمالاً لحي على الصلاة الثانية ، ثم يلتفت يميناً لحي على الفلاح ثم يلتفت شمالاً لحي على الفلاح .
والصفة الثالثة : أنه يلتفت يميناً لحي على الصلاة ثم بعد ذلك يكمل ولا يعود يعني يقول : حي على الصلاة حي على الصلاة ثم بعد ذلك يلتفت شمالاً لحي على الفلاح ولا يعود بل يكمل في الثانية حي على الفلاح حي على الفلاح .
هذه ثلاث صفات .
ولا يزيل قدميه ويقول بعدهما في أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا يزيل قدميه " يعني ما يستدير أثناء الإلتفات تكون قدماه تجاه القبلة وعندما يلتفت يميناً أو شمالاً فإنه لا يزيل قدميه وإنما تكون قدماه تجاه القبلة ولا يدير قدميه أثناء الإلتفات ، هو يلتفت لكن لا تزال القدمان تجاه القبلة .
" ويقول بعدهما في أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين " وهذا يسمى التثويب .
(1/26)
والتثويب يطلقه العلماء رحمهم الله على ثلاثة أشياء :
الشيء الأول : الإقامة ، فالإقامة تسمى تثويباً .
والشيء الثاني : قول الصلاة خير من النوم في أذان الفجر ، هذا أيضاً يسمى تثويباً .
والشيء الثالث : أن يرجع المؤذن بعد الأذان ويدعو إلى الصلاة يقول حي على الصلاة حي على الفلاح بعد أن ينتهي من الأذان .
والصفتان الأوليان مشروعتان وأما الصفة الأخيرة فهذه غير مشروعة لأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما خرج وسماها بدعة وقال : أخرجتني هذه البدعة ، لأن هذا لم يرد .
هنا قال المؤلف رحمه الله : ويقول بعدهما : أي بعد الحيعنتين في أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين .
.......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا التثويب الصلاة خير من النوم فيه مسألتان :
المسألة الأولى : في أي الأذانين ؟
للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان :
الرأي الأول : أنه في أذان الصبح الثاني ، وهذا هو المذهب وقال به كثير من العلماء رحمهم الله .
واستدلوا على ذلك بأدلة من أدلتهم حديث نعيم بن النحام أنه سمع المؤذن في ليلة باردة وأنه قال بعد قوله الصلاة خير من النوم : ومن قعد فلا حرج .
وهذا يدل على أنه في الأذان الثاني لأنه قال ومن قعد فلا حرج لأن الجماعة واجبة ، الأصل أن الجماعة واجبة ورخص لهم في الجلوس أما في الأذان الأول فالأصل هو قاعد في بيته
وأيضاً يدل لذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه .
(1/27)
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة أنه يكون في الأذان الأول وليس الثاني واستدل على ذلك بحديث أبي محذورة :" إذا أذن الأول قال : الصلاة خير من النوم " فقوله : إذا أذن الأول قال : الصلاة خير من النوم هذا دليل على أنه يكون في الأذان الأول ولا يكون في الأذان الثاني .
والإقامة إحدى عشرة يحدرها...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث حديث أبي محذورة أخرجه أبو داود وصححه بعض العلماء رحمهم الله وعلى فرض ثبوته فإنه يحمل على الأذان الأول باعتبار الإقامة فيكون المراد بالأذان الأول هنا الأذان الثاني .
يعني قوله في حديث أبي محذورة في الأول من الصبح هذا يحمل على الأذان الثاني وإنما سمي أولاً باعتبار الإقامة .
وقول المؤلف رحمه الله : بعدهما يعني بعد الحيعلتين وهذا هو المذهب ، يعني قول الصلاة خير من النوم بعد الحيعلتين يعني بعد قول حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح يقول الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم .
وعند أبي حنيفة أنه بعد الأذان .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله وأنه بعد الحيعلتين كما في حديث أبي محذورة رضي الله تعالى عنه .
" والإقامة إحدى عشرة يحدرها " الإقامة يقول المؤلف رحمه الله بأن عدد جملها إحدى عشرة جملة وهذا هو المذهب وهي إقامة بلال وأيضاً هذا مذهب الشافعية .
يحدرها............................................................................................................
(1/28)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة أنها سبع عشرة جملة كإقامة أبي محذورة ، فإقامة أبي محذورة كأذان بلال إلا أنك تضيف قد قامت الصلاة مرتين فتكون سبع عشرة جملة .
وعند مالك عشر جمل ، ورأي الإمام مالك رحمه الله لا في الأذان ولا في الإقامة هو أضعف المذاهب لأنه في الأذان يقول سبع عشرة مع الترجيع ويجعل التكبير في أوله اثنتين وفي الإقامة يجعلها عشر جمل ويجعل قد قامت الصلاة مرة واحدة وهذا فيه نظر .
ومذهب الإمام أحمد رحمه الله يأخذ بأذان بلال وإقامة بلال ، وأبو حنيفة يأخذ بأذان بلال وإقامة أبي محذورة ، والشافعي العكس يأخذ بأذان أبي محذورة وإقامة بلال .
والصواب في ذلك : كما تقدم لنا أنه تارة يؤذن بأذان بلال ويقيم بإقامة بلال وتارة يؤذن بأذان أبي محذورة ويقيم بإقامة أبي محذورة يفعل السنة الواردة .
وكما ذكرنا أن أذان أبي محذورة تسع عشرة جملة مع الترجيع وأما إقامة أبي محذورة فهي سبع عشرة جملة .
" يحدرها " يعني يسرع فيها ويقف على كل جملة كالأذان كما تقدم .
ويقيم مؤذن في مكانه إن سهل...................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويقيم مؤذن " هذا الصواب في ذلك أن من أذن فهو أحق بالإقامة ، ويدل لهذا فعل مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم فإن بلالاً كان يتولى الأذان والإقامة وكذلك أيضاً أبي محذورة رضي الله تعالى عنه .
(1/29)
فنقول المؤذن هو الذي يتولى الإقامة ، وقد ورد في حديث الصدائي :" من أذن فهو يقيم " لكنه ضعيف الحديث في السنن وهو ضعيف لكن عندنا ما يغني عن ذلك وهو فعل مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يؤذنون ويقيمون .
" في مكانه إن سهل " أي يسن أن يقيم في مكانه إن سهل عليه ، وهو يؤذن على علو فإن سهل أيضاً أن يقيم في ذلك المكان الذي أذن فيه فهذا يقول المؤلف رحمه الله : أفضل لأنه أبلغ في الإعلام .
زقوله إن سهل يفهم منه أنه إن شق ذلك بأن كان الأذان في منارة أو في مكان بعيد عن المسجد فإنه يقيم في أثناء المسجد لأن لا تفوته الصلاة .
فنقول : يقيم المؤذن في مكانه إن سهل يفهم منه أنه إن شق كما لو كان في منارة فيه مشقة لأن الصعود إلى المنارة يحتاج أو في مكان بعيد عن المسجد فإنه يقيم في المسجد لأن لا يفوته شيء من الصلاة .
ولا يجزئ إلا من ذكر..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويدل لهذا قول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقني بآمين وهذا يفهم منه أن بلالاً أذن في مكانه .
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا سمعتم الإقامة فعليكم بالسكينة " فقال : إذا سمعتم الإقامة فيفهم من ذلك أن الإقامة تسمع من خارج المسجد .
ويؤخذ من هذا ما يفعله بعض المؤذنين اليوم أنهم يقيمون في مكبرات الصوت فهذا له أصل في كلام العلماء وله أصل أيضاً في السنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم الإقامة فهذا يدل على أن الإقامة تسمع من الخارج .
" ولا يجزئ إلا من ذكر " هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان شروط صحة الأذان واشترط أن يكون المؤذن ذكراً وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً للحنفية .
(1/30)
ويدل لذلك : أن المؤذن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان ذكراً ولأن الله عز وجل قال :" ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض " والأذان بحاجة لرفع الصوت وهذا ليس من خصائص النساء وإنما هو من خصائص الرجال لكن سيأتينا إن شاء الله حكم أذان المرأة بالنسبة للنساء ... إلى آخره .
عدل ولو ظاهراً مرتباً.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط الثاني : أن يكون واحداً وعلى هذا لا يصح التعدد فلو أن رجلاً أذن ثم أكمله رجل آخر نقول بأنه لا يصح .
والشرط الثالث : قال :
" عدل ولو ظاهراً " أي يشترط العدالة ولو ظاهراً يعني في الظاهر فإن كان في الباطن غير عدل فإنه يصح أذانه ، يعني لو كان في الظاهر عدل في الظاهر هو متبع للسنة لكن في الباطن هو غير عدل فيصح أذانه ولهذا قال المؤلف : ولو ظاهراً .
وعلى هذا لو كان فاسقاً في الظاهر مثلاً في الظاهر يحلق لحيته أو يجاهر بشرب الدخان ونحو ذلك فهذا لا يصح أذانه ولو أذن فإننا نعيد الأذان يعني لو أذن فإن الأذان يعاد هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أنه يصح أذانه حتى ولو كان فاسقاً لكن هذا الفاسق ما يرتب مؤذناً للمسلمين .
لكن لو كان في جماعة خاصة في سفر أو نحو ذلك ثم أذن فنقول : بأن أذانه صحيح .
" مرتباً " هذا الشرط الرابع من شروط صحة الأذان : الترتيب ، فيبدأ بالتكبيرات ثم
متوالياً ولو ملحناً وملحوناً ............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/31)
الشهادتين ... إلى آخره .
وعلى هذا لو أخل بالترتيب لا يجزئ لأن هذا عمل ليس عليه أمر الله ولا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم .
وسبق أن ذكرنا قاعدة { أن كل عبادة مركبة من أجزاء لا بد فيها من أمرين : الترتيب والتوالي }
وأيضاً قاس العلماء رحمهم الله ذلك على أركان الصلاة فهذه الجمل بمنزلة أركان الصلاة ، كما أن أركان الصلاة لابد أن تكون مرتبة فكذلك أيضاً هنا .
" متوالياً " يعني الجمل لابد أن تكون متوالية على هذا لو قال الله أكبر ثم فصل بفاصل طويل عرفاً ثم قال : الله أكبر هذا لا يجزئ لأن هذا ليس هو الأذان الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لا يحصل المقصود منه إلا بالتوالي .
" ولو ملحناً وملحوناً " الملحن هو المطرب به يعني يطرب بالأذان فهذا يجزئ لأن العلماء رحمهم الله كرهوا ذلك ، والمبالغة في المدات ونحو ذلك هذه كلها من التكلف والتقهر وأقل
ويجزئ من مميز .............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحوالها الكراهة كما ذكر العلماء رحمهم الله وإن كان يحيل المعنى فهذا يؤدي إلى التحريم .
" وملحوناً ويكره " الملحون هو مخالفة وجه الصواب في اللغة العربية بأن ينصب المبتدأ وينصب الخبر ونحو ذلك مثل لو قال اللهَ أكبر .
والملحون ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : لحن يحيل المعنى ، وهذا لا يجزئ لأنه خرج عن كونه أذان أصبح من كلام الناس .
القسم الثاني : لحن لا يحيل المعنى ، وهذا يكره .
الشرط السادس : أن يأتي بالجمل كاملة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يغير في أعدادها ولا يغير في ألفاظها .
(1/32)
" ويجزئ من مميز " هذا الشرط السابع ، وتقدم لنا من هو المميز وأن بعض العلماء حده بالسن فجعلوا حد التمييز سبع سنوات ومنهم من جعله خمس سنوات وبعض العلماء لم يحده
ويبطلهما فصل كبير وكلام محرم................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالسن وإنما حده بالحال ، وقال : بأن المميز هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب .
وهذا هو الأقرب : أنه لا يحد بالسن وإنما يحد بالحال .
فالمميز هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب .
قال المؤلف رحمه الله بعد أن ذكر شروط صحة الأذان قال :
" ويبطلهما فصل كبير " الفاصل هذا المبطل الأول من مبطلات الأذان والإقامة : الفاصل الكثير ، والفاصل الكثير قد يكون بسكوت وقد يكون بكلام مباح ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن الفاصل إذا كان يسيراً فإنه لا بأس به لأنه لم يخل بالموالاة .
وتقدم لنا أن من شروط صحة الأذان : التوالي ، فإذا كان هناك فاصل كثير بكلام مباح أو بسكوت فإنه يخل بشرط من شروط صحة الأذان وهو التوالي ، فنقول : يجب عليه أن يستأنف الأذان من أول ، هذا المبطل الأول : الفاصل ، وتلخص لنا أن الفاصل ينقسم إلى هذين القسمين .
" وكلام محرم " ولو كان يسيراً فالكلام في أثناء الأذان ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يكون كثيراً ، وهذا يبطل الأذان سواء كان محرماً أو غير محرم لأنه أخل
ولا يجزئ قبل وقت.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بشرط من شروط صحة الأذان وهو الموالاة .
(1/33)
القسم الثاني : أن يكون كلاماً محرماً كغيبة مثلاً وهو يؤذن اغتاب شخصاً سمع قوماً يتحدثون ثم بعد ذلك قال : فلان كذا وكذا ، فلان جاهل أو فيه كذا ، فنقول هذا يبطل الأذان .
القسم الثالث : أن يكون يسيراً مباحاً ، فهذا لا يبطل الأذان لكن الفقهاء رحمهم الله نصوا على الكراهة ، وقد ورد بإسناد صحيح أن سليمان بن صرد كان يأمر غلامه وهو يأذن ببعض حاجته ، فهذا يدل على أنه لا بأس بالكلام المباح لكن الفقهاء رحمهم الله ينصون على كراهته.
"ولا يجزئ قبل وقت " هذا الشرط الثامن من شروط صحة الأذان .
الشرط الثامن : أن يكون عند دخول الوقت ، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم "
وكان ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه لا يؤذن إلا عند طلوع الفجر ، فدل ذلك على أن الأذان يكون عند طلوع الفجر .
وكذلك أيضاً مما يدل لذلك حديث مالك بن حويرث الذي سبق وفيه قول النبي عليه الصلاة
إلا لفجر بعد نصف الليل..............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والسلام :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم " وحضور الصلاة إنما هو بدخول وقتها فدل ذلك على أن الأذان لا يكون قبل الوقت وأنه يشترط لصحته أن يكون بعد دخول الوقت .
استثنى المؤلف رحمه الله قال :
" إلا لفجر بعد نصف الليل " الفجر يقول المؤلف رحمه الله يجزئ أن يؤذن لها بعد نصف الليل وهاتان مسألتان ذكرهما المؤلف رحمه الله :
المسألة الأولى : هل يجزئ الأذان لصلاة الفجر قبل دخول وقتها أو نقول بأنه لا يجزئ ؟
والمسألة الثانية : إذا قلنا بالإجزاء فمتى يكون ؟
(1/34)
أما المسألة الأولى : فالمؤلف رحمه الله يرى أنه يجزئ أن يؤذن لصلاة الفجر قبل دخول وقتها وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله .
واستدلوا على ذلك بما تقدم من حديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " فقال : يؤذن بليل فدل ذلك على أنه يؤذن قبل الوقت .
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : رأي الحنفية أنه لا يجوز الأذان قبل طلوع الفجر ، واستدلوا على ذلك بما تقدم من حديث مالك بن حويرث:" إذا حضرت الصلاة " وحضور الصلاة إنما هو دخول الوقت .
وأيضاً بما في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال :" لا تؤذن حتى يتبين لك الفجر " وهذا الحديث ضعيف .
وأيضاً استدلوا بما في سنن أبي داود أن بلالاً أذن قبل الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع وأن ينادي ألا إن العبد قد نام " وهذا أيضاً ضعيف لا يثبت .
والصواب في هذه المسألة : أن صلاة الفجر كغيرها من الصلوات ، وأنه لا يصح ولا يجزئ الأذان لها قبل الفجر .
وأما قوله عليه الصلاة والسلام إن بلالاً يؤذن بليل فنقول هذا الأذان الذي حصل من بلال بليل هذا الأذان ليس لصلاة الفجر ، الذي لصلاة الفجر هو أذان ابن أم مكتوم ، فإن ابن أم مكتوم قال النبي صلى الله عليه وسلم :" كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم "
وابن أم مكتوم يؤذن متى ؟
......................................................................................................................
(1/35)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند طلوع الفجر ولهذا كان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت ، يعني دخلت في الصباح ، لكن الأذان الذي حصل من بلال بليل هذا بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمته ، فقال عليه الصلاة والسلام في بيان حكمته :" ليرجع قائمكم ويوقض نائمكم "
فالقائم الذي يتهجد يرجع عن تهجده لكي يتسحر إن كان يريد الصيام ، والنائم الذي لم يوتر يقوم ويوتر قبل طلوع الفجر ، هذه الحكمة منه وليس لصلاة الفجر .
وعلى هذا نقول صلاة الفجر كغيرها من الصلوات وأنه لا يؤذن لها إلا عند دخول الوقت بطلوع الفجر .
المسألة الثانية : إذا قلنا بأنه يجزئ لصلاة الفجر قبل دخول الوقت ، متى يكون هذا الأذان ؟
قال لك المؤلف رحمه الله : من نصف الليل ، وعلى هذا لو أذن بعد نصف الليل يعني تقريباً من الساعة الحادي عشرة والنصف لصلاة الفجر فإنه يكتفى بذلك وهذا فيه نظر .
لأنه كما تقدم لنا أن الصواب في هذه المسألة : أن الأذان الذي يؤذنه بلال بليل إنما هو لهذه الحكمة وليس لما ذكروه أنه لصلاة الفجر .
المسألة الثالثة : هل يشرع الأذان الأول الذي يكون قبل طلوع الفجر أو نقول بأنه غير ......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع ؟
في هذه المسألة ثلاثة أراء :
الرأي الأول : أنه يشرع وهو قول جمهور أهل العلم ودليلهم ظاهر حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
(1/36)
والرأي الثاني : أنه لا يشرع وهو قول الحنفية ودليلهم ما تقدم من قول النبي عليه الصلاة والسلام لبلال :" لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر " .
والرأي الثالث : رواية عن الإمام أحمد رحمه الله بأنه يشرع في رمضان خاصة فقط ، ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " قال: فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، والأكل والشرب إنما يكون متى ؟
يكون في رمضان .
فالذين قالوا بأنه يشرع استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إن بلالاً يؤذن بليل " وهذا يشمل رمضان وغير رمضان .
والذين قالوا بأنه لا يشرع استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال :" لا تؤذن حتى ......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستبين لك الفجر " .
والذين قالوا بأنه خاص في رمضان استدلوا بقوله :" فكلوا واشربوا "
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وأنه يشرع مطلقاً في رمضان وفي غير رمضان ، ويدل لهذا دليلان :
أما الدليل الأول : فنقول بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم :" فكلوا واشربوا " هذا ليس خاص برمضان ، الصيام ليس خاص برمضان ، والقيام ليس خاصاً برمضان .
" فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه يؤذن ليرجع قائمكم ويوقض نائمكم " هذا ليس خاص في رمضان ، السحور والقيام ليس خاص الصيام مشروع حتى في غير رمضان .
هذا الدليل الأول .
الدليل الثاني : أن الناس يحتاجون لهذا الأذان ونظيره ما شرعه عثمان رضي الله تعالى عنه من الأذان الأول لصلاة الجمعة ، فالناس يحتاجون للاستيقاظ والسحور والقيام وغير ذلك .
هذا الصواب في هذه المسألة .
(1/37)
إذا قلنا بأن الأذان الأول يشرع متى يكون ؟
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضاً هذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله كثيراً ، فالمالكية يقولون : في السدس الأخير من الليل .
وأكثر العلماء يقولون من بعد نصف الليل .
والرأي الثالث : أنه يكون في السحر ، يعني قرب طلوع الفجر الثاني ، وهذا القول هو الصواب .
وقد ورد في السنن ما يدل لذلك لو ثبت الحديث لكن عندنا حديث ابن عمر الحكمة من الأذان الأول لأي شيء ؟
لكي يوقض النائم ويرجع القائم ، لكي يتسحر يعني بمقدار السحور ، كم يستغرق السحور ؟
نقول تقريباً نصف ساعة ، فيكون بين الأذانين ما يقرب من نصف ساعة .
طلوع الفجر الأول وطلوع الفجر الثاني بينهن ما يقرب من خمسة وأربعين دقيقة ونحو ذلك .
فالأذان الأول والأذان الثاني بينهن ما يقرب من خمس وأربعين دقيقة ، فإذا أذن الأول عند طلوع الفجر الثاني تحققت الحكمة ، وهو أن الحكمة لكي يرجع القائم ولكي يستيقظ النائم .
هذا هو الصواب هو قريب من كلام المالكية أنه في السدس الأخير من الليل ، وقول من قال
ومن جمع أو قضى فوائت أذن للأولى ثم أقام للكل..........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأنه في السحر .
أما كونه يؤذن في الساعة الواحدة بقي على الفجر ثلاث ساعات أو أربع ساعات ، أو الساعة الثانية بقي ساعتان هذا كله خطأ ، الصحيح : أن يكون بينهما فقط فترة ما يستطيع النائم أنه يستيقظ ويتوضأ ويوتر والقائم أنه يتهيأ بالطعام والشراب ويتسحر .
(1/38)
ولهذا ابن حزم رحمه الله يقول : بين الأذانين أن يصعد هذا وينزل هذا فقط كما ورد في صحيح أبي مسلم : لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا ، لكن هذا قوله : أن ينزل هذا ويصعد هذا ، هذا محمول على القرب بين الأذانين .
فنقول الصحيح في ذلك : أنه يكون بين الأذانين فترة ما يتسحر المتسحر ويوتر النائم هذا الصواب في هذا .
أما التطويل الزائد كما يوجد عند بعض المأذنين فهذا خلاف السنة ولا يتحقق به الحكمة .
" ومن جمع أو قضى فوائت أذن للأولى ثم أقام للكل " وهذا دليله حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي عليه الصلاة والسلام في عرفات جمع بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين .
وتسن متابعتهما سراً................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فإذا كان الإنسان عليه فوائت مثلاً عليه ثلاث صلوات أو أربع صلوات يؤذن أذان واحد ويقيم لكل صلاة .
أو يجمع أراد الجمع يؤذن أذان واحد ويقيم لكل صلاة .
" وتسن متابعتهما سراً " هاتان مسألتان :
المسألة الأولى : متابعة الأذان .
والمسألة الثانية : متابعة الإقامة :
أما متابعة الأذان فكما ذكر المؤلف رحمه الله جمهور أهل العلم على أنها سنة .
والحنفية والظاهرية : يرون الوجوب .
من قال بالوجوب استدل بظاهر الأمر " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن " هذا أمر ، حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم :" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن " هذا أمر .
وأيضاً حديث أبي سعيد فيه الأمر .
(1/39)
والجمهور كما ذكرنا أن المتابعة سنة وليست واجبة واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله ......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم كما في صحيح مسلم سمع مؤذناً يؤذن فقال :" الله أكبر ، قال : على الفطرة ، فقال : لا إله إلا الله ، قال : خرج من النار "
ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابه فقالوا بأن هذا صارف يدل على أنه للاستحباب الإجابة .
وكيفية الإجابة ؟
جمهور أهل العلم : أن يجيب ألفاظ الأذان كلها كما ورد في حديث عمر في صحيح مسلم : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله يعني يجيب ألفاظ الأذان كل لفظ بمثله إلا الحيعلتين يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فقولوا مثل ما يقول المؤذن إلا حي على الصلاة حي على الفلاح يقول لاحول ولا قوة إلا بالله كما ورد هذا في حديث عمر رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم .
وعند الإمام مالك رحمه الله : أنه يجيب المؤذن إلا الشهادتين .
يعني يجيب المؤذن الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله ، ثم يقف حي على الصلاة حي على الفلاح ما ......................................................................................................................
(1/40)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يجيبه وهذا ضعيف ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله وأصحابه هذا ضعيف لأنه يخالف النص حديث عبد الله بن عمر وحديث أبي سعيد وحديث عمر فهم يقولون بأن قوله : حي على الصلاة حي على الفلاح هذا ليس قربة ، القربة : الله أكبر الله أكبر والشهادتين هذا الذي يجيبه وماعدا ذلك هذا ليس قربة لا يجيبه .
لكن نقول بأن هذا ضعيف .
بالنسبة للتثويب قوله في أذان الفجر : الصلاة خير من النوم ، هل يقول : الصلاة خير من النوم أو يقول كما قال المؤلف رحمه الله : إلا في لفظ الإقامة فأدامه الله وإلا في التثويب صدقت وبررت ؟
نقول الصواب في ذلك : أنه يقول في التثويب الصلاة خير من النوم ، ولا يقول صدقت وبررت لأن قوله صدقت وبررت هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" فقولوا مثل ما يقول المؤذن "
بالنسبة لإجابة الإقامة ، هل يجيب المقيم أو لا يجيب المقيم ؟
المذهب : أنه يجيب المقيم ولهذا قال المؤلف رحمه الله : وتسن متابعتهما سراً ، فالمذهب يرون أنه يجيب المقيم ، فيقول مثل الإقامة .
سراً بمثله إلا في الحيعلة فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله.............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويقولون بأن الإقامة أذان ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" بين كل أذانين صلاة "
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" فقولوا مثل ما يقول المؤذن ".
والرأي الثاني : أنه لا يجيب المقيم لأن المراد بالأذان هنا الأذان المعروف الإعلام العام هذا المراد .
(1/41)
ولأن الإقامة يسن فيها الحدر الإسراع ، وقد لا يتمكن الإنسان من الإجابة ، ويظهر والله أعلم أن المر واسع ، وورد في أبي داود إجابة المقيم وهذا لو ثبت لكان فيصلاً لكنه لم يثبت .
فنقول الأمر في هذا واسع ولو كان أن عدم الإجابة يظهر والله أعلم أنها أقرب ، وأن الإجابة تقتصر على الأذان العام ، هذا الذي يظهر والله أعلم .
" سراً بمثله إلا في الحيعلة فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله " الحيعلة : قوله لا حول ولا قوة إلا بالله ومعناها : لا تحول من حال إلا حال ، ولا قوة يعني : ولا قدرة على ذلك ، إلا بالله عز وجل .
لأنه سبحانه وتعالى القادر على كل شيء وخالق كل شيء .
وقيل المعنى : لا تحول من معصية الله إلى طاعته ولا قدرة على ذلك إلا بالله عز وجل .
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لكن المعنى الأول أحسن لأنه أعم .
وقوله : سراً يعني يخفيه وليس المراد في القلب لأن مافي القلب ليس كلاماً وإنما يحرك به لسانه وشفتيه أو يظهره بصوت خافت ولا يشرع أن يرفع صوته به .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يجيب المؤذن ولو كان في الصلاة وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
والمذهب : أنه لا يشرع ، وهذا هو الصواب .
الصواب : أنه لايشرع أن يجيبه في الصلاة ، لأن الصلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن في الصلاة لشغلاً " وكونه يقطع شغله في الصلاة من تسبيحه ودعائه ويعلق قلبه بالأذان هذا فيه نظر .
ولأن الأذان يطول وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة وهي :
{ أن كل ذكر وجد سببه في الصلاة فإنه يشرع }
(1/42)
مثل إذا عطس فإن قوله الحمد لله هذا ذكر وجد سببه في الصلاة ، إذا أذن مؤذن ذكر وجد سببه في الصلاة وهو يصلي .
وفي لفظ الإقامة أقامها الله وأدامها وفي التثويب صدقت وبررت...............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذه القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام صحيحة لكن نقول بالنسبة للأذان هذه فيها نظر لأن الأذان جمله كثيرة .
ولو كان يقرأ القرآن أو كان يطوف ، يجيب أو لا يجيب ؟
نقول يجيب يقطع القراءة ويجيب ، ولو كان يطوف أيضاً لا بأس لأن الطواف ليس له ذكر خاص وإنما يشرع فيه قول الأذكار .
لو كان في بيت الخلاء فما الحكم ؟
قال العلماء رحمهم الله يقضيه إذا خرج .
وأيضاً المصلي إذا انتهى من صلاته فإنه يقضيه .
" وفي لفظ الإقامة أقامها الله وأدامها " في لفظ الإقامة تقدم أن المؤلف رحمه الله أنه يشرع إجابة المقيم وعلى هذا لو قال المقيم : الله أكبر ، تقول الله أكبر ، وإذا قال : الله أكبر ، تقول الله أكبر ، وإذا قال : قد قامت الصلاة ، تقول : أقامها الله وأدامها ، وهذا الحديث الوارد في ذلك ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم الكلام عن حكم متابعة المقيم .
" وفي التثويب صدقت وبررت " يعني في التثويب إذا قال : الصلاة خير من النوم ، ما تقول
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول اللهم رب هذه الدعوة التامة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول اللهم رب هذه الدعوة التامة آت محمداً........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/43)
الصلاة خير من النوم وإنما تقول :صدقت وبررت ، يعني صرت ذا بر وخير وهذا هو المذهب.
والرأي الثاني : أنه يقول مثل ما يقول المؤذن يقول : الصلاة خير من النوم ، وهذا القول هو الصواب لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم :" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن " فقال النبي عليه الصلاة والسلام : مثل ما يقول المؤذن ، وهذا يشمل التثويب وغيره .
" ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول اللهم رب هذه الدعوة التامة " يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد فيقول : اللهم صل على محمد ثم يقول بعد ذلك :اللهم رب هذه الدعوة ،الدعوة : الدعوة في الأذان .
التامة : يعني الكاملة السالمة من كل نقص يتطرق إليها ،
" والصلاة القائمة " يعني الصلاة التي ستقوم .
" آت محمداً " بمعنى أعط .
الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته..............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " الوسيلة " هذه أعلى منزلة في الجنة وهي منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وداره وهي أقرب الأمكنة إلى العرش .
" والفضيلة " هي المنقبة والرتبة الزائدة على سائر الخلائق تكون للنبي عليه الصلاة والسلام ، وقيل : بأن الفضيلة منزلة أخرى ، وقيل : بأنها تفسير للوسيلة ، هذه ثلاثة أراء .
والدرجة العالية الرفيعة : والدرجة العالية الرفيعة هذه مدرجة لا تثبت وحينئذٍ لا تشرع .
" وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته " النبي عليه الصلاة والسلام له مقامات يحمد عليها يوم القيامة ، ومن مقاماته التي يحمد عليها يوم القيامة : الشفاعة العظمى .
ومن مقاماته أيضاً : شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة .
(1/44)
ومن مقاماته : شفاعته فيمن لا حساب عليه ولا عذاب أن يدخل الجنة من الباب الأيمن ... إلخ .
فهذه مقامات للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .
فقال : وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، يحمده على ذلك الأولون والآخرون .
هذا الذي ورد .
ويحرم بعده...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأما قول : إنك لا تخلف الميعاد ، فهذه اختلف أهل العلم فيها، هل هي ثابتة أو ليست ثابتة ؟
والصواب : أنها مدرجة لا تثبت ، وعلى هذا نقول بأنها لا تصح .
لا يصح أن يقال إنك لا تخلف الميعاد .
وهل هي مشروعة أو ليست مشروعة ؟
هذا موضع خلاف والصواب : أنها غير مشروعة لأنها غير ثابتة .
وبقي ذكر أخر وهو قول : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً ونبيا.
هذه اختلف أهل العلم رحمهم الله في موضعها فقيل بأن موضعها حين إجابة المؤذن في الشهادتين ، يعني في وسط الأذان .
والرأي الثاني : أن موضعها بعد نهاية الأذان .
فبعض أهل العلم ذهب إلى هذا وبعضهم ذهب إلى هذا والذي يظهر والله أعلم أنها حين إجابة المؤذن في الشهادتين ، هذا الذي يظهر من سياق الحديث .
" ويحرم بعده " أي بعد الأذان .
" إن أذن وهو في المسجد خروج منه بلا عذر " فيحرم الخروج من المسجد بشروط :
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط الأول : أن يكون الخارج ممن تجب عليه الصلاة .
الشرط الثاني : أن يؤذن وهو في المسجد .
(1/45)
الشرط الثالث : أن يكون خروجه بلا عذر ، أو نية رجوع ، فإذا كان خروجه بلا عذر أو نية رجوع يحرم إلا إذا كان ينوي أن يرجع أو كان لعذر فإن هذا لا بأس به .
وأيضاً قال العلماء رحمهم الله : إذا كان يريد أن يصلي مع جماعة أخرى فإن هذا لا بأس بالخروج .
يعني لو أنه خرج وهو يريد أن يصلي مع جماعة أخرى ، فقالوا بأن هذا جائز ولا بأس به .
وقول المؤلف رحمه الله : وهو في المسجد ، هل هو على ظاهره أو ليس على ظاهره ؟
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يحرم عليه أن يخرج إذا أذن وهو في المسجد .
والرأي الثاني : أنه يحرم عليه مطلقاً سواء أذن وهو في المسجد أو دخل المسجد بعد الأذان .
فإنه يحرم عليه أن يخرج إلا بهذه الشروط .
ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه رأى رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان فقال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم .
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا تكون معصية إلا على فعل أمر محرم .
بقينا في مسألتين يتعلقان بالأذان :
المسألة الأولى : الأذان والإقامة بالنسبة للنساء ، هل يؤذن ويقمن أو لا ؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ومذهب أبي حنيفة : أن هذا يكره .
يعني يكره لهن الأذان والإقامة .
والرأي الثاني : وهو مذهب مالك والشافعي رحمهم الله : أنه يكره لهن الأذان وتستحب الإقامة .
وبالنسبة للآثار المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة أذان وإقامة النساء هذه لا يثبت منها شيء ، ليس هناك شيء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآثار المرفوعة .
(1/46)
وقد ورد أن أم ورقة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تأم أهل دارها وأن تتخذ مؤذناً هذا غير ثابت .
المهم الآثار المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا ليس فيه شيء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما ورد عن الصحابة فابن عمر رضي الله تعالى عنه ورد عنه بإسناد صحيح أنه قال : ليس عليهن أذان ولا إقامة ، هذا ثابت .
وورد عن جابر وأنس في مصنف أبي شيبة وغيره جواز ذلك لهن .
والأقرب في ذلك : أن يقال بأن هذا لا يخلوا من أمرين :
الأمر الأول : أن تصلي المرأة وحدها ، فهذا لا يشرع لها أذان ولا إقامة لأن هذا لم يعهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل ولو كان لنقل .
والأمر الثاني : أن يصلين جماعة ، فهذا الأذان لهن غير مشروع ، لأن الأذان الإعلام للغائبين ، لكن الإقامة مثل ما قال مالك والشافعي : أن الإقامة مستحبة لهن .
مادام أنهن اجتمعن والإقامة إعلام للحاضرين ومادمن حضرن وكما أنه يشرع للرجال وما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء فنقول : يشرع أيضاً للنساء .
هذا هو الأقرب في هذه المسألة .
المسألة الثانية : وهذه تحدث كثيراً وهي الأذان في مسجد قد صلي فيه ، وهذا يحصل كثير يعني يأتي أناس ثم بعد ذلك يصلون في مسجد قد صلي فيه ، هل يشرع الأذان والإقامة أو لا ......................................................................................................................
(1/47)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشرع ؟
المذهب : أنهم بالخيار ، وهذا يحصل لكثير من المسافرين يأتون إلى مسجد وقد صلي فيه وأذن في البلد ، إذا كانوا خارج البلد فالأمر ظاهر كما تقدم أنهم يؤذنون ويقيمون ، لكن إذا كانوا داخل البلد أو في المساجد التي على الطرقات .
وهل يؤذنون مع أنه قد أذن فيه وأقيم ، أو نقول بأنهم لا يؤذنون ولا يقيمون في داخله ؟
المذهب أنهم بالخيار إن شاءوا أذنوا وإن شاءوا لم يأذنوا .
والرأي الثاني : مذهب الإمام مالك رحمه الله : أنهم لا يؤذنون .
والرأي الثالث : مذهب الشافعي : أنهم يؤذنون بلا رفع صوت .
والأقرب في هذه المسألة : أن يقال : أما الإقامة فهي مشروعة لهم وأما بالنسبة للأذان فيظهر ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله وأن الأذان أيضاً مشروع .
الإقامة نقول بأنها واجبة لكن بالنسبة للأذان نقول بأنه مشروع سنة لأن الأذان حصل مادام أنهم في هذا المسجد وأذن فيه فقد سقط فرض الكفاية فيبقى المشروعية ، فنقول يشرع لهم أن يؤذنوا لكن بالنسبة للإقامة أمرها ظاهر وأنها واجبة لأن الإقامة تختص بالجماعة المصلين ولهذا ......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إقامة هذا المسجد تختلف عن إقامة المسجد الثاني .
على كل جماعة واجب أن يقيموا لكن بالنسبة للأذان إذا حصل الإعلام العام فإنه يسقط فرض الكفاية ويبقى المشروعية ،فنقول الأذان لهم سنة ،وأما بالنسبة للإقامة نقول بأنها واجبة.
ويمكن أن يقال الأذان فيه تفصيل : إذا أذن وهم داخل البلد فإن هذا الأذان يشملهم .
(1/48)
وإذا كانوا منفصلين عن البلد فإنهم يؤذنون حتى ولو أذن في هذا المسجد .
أيضاً من المسائل المتعلقة بالأذان : إذا سمع عدة مؤذنين فهذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يشرع له أن يجيب الثاني والثالث .. إلخ لأن الأذان ذكر فإن سمع بعض الأذان نقول بأنه يجيب ما سمع من ألفاظه وجمله .
مثلاً لو كان يمشي في الطريق ثم سمع مؤذن يجيب الذي يسمع وإذا ذهب عنه وأصبح لا يسمعه فإنه لا يجيبه .
كذلك أيضاً إذا استيقظ من نومه وهو يؤذن فنقول بأنه يجيب ما سمع من ألفاظ الأذان يجيبه دون ما لم يسمعه .
أيضاً من المسائل : الأذان كما سبق فرض كفاية فكل من يحصل لهم الإعلام يسقط عنهم ......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرض الكفاية ، فإذا كان البلد صغيراً والمؤذن يكفيهم بإيصال صوته نقول يكتفى بأذان واحد
وإذا كان كبيراً ونحتاج إلى عدة مؤذنين لكي يصل الصوت فنقول بأنه يوضع من المأذنين بقدر ما يحصل الإعلام .
المهم لو أذن هذا المسجد وسمعه كل من في الحي سقط عن الباقين فرض الكفاية يبقى في حقهم المشروعية ، لكن الإقامة خاصة بجماعة المسجد يجب على كل جماعة أن تقيم .
وتعجيلها أفضل إلا في شدة حر حتى ينكسر.................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب شروط الصلاة
شروط : جمع شرط وهو في اللغة العلامة .
وأما في الاصطلاح : فهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته .
(1/49)
وشروط الصلاة المراد بها : ما يتوقف عليها صحتها إن لم يكن عذر .
والفرق بين الشروط والأركان من عدة أوجه :
الفرق الأول : أن الشروط قبل الصلاة ، فالوضوء واستقبال القبلة وستر العورة ... إلخ ،
هذه قبل الصلاة.
وأما الأركان فهي داخل الصلاة كالركوع والسجود ... إلخ .
الفرق الثاني : أن الشروط ليست من الصلاة يعني خارج الصلاة .
وأما الأركان فتتركب منها ماهية الصلاة وأجزائها .
الفرق الثالث : أن الشروط لابد من استمرارها إلى نهاية الصلاة فمثلاً الوضوء وستر العورة
واستقبال القبلة لابد أن يستمر بها الإنسان إلى نهاية الصلاة .
أما الركن فإنه ينتقل من ركن إلى ركن آخر لا يشترط الاستمرار .
منها الطهارة وتقدمت ومنها الوقت...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفرق الرابع : أن الشروط تسقط بالعذر .
أما الركن فإنه ينتقل إلى البدل ، الأركان لها بدل .
" منها الطهارة وتقدمت " رفع الحدث هذا شرط من شروط صحة الصلاة تقدم وموضع
اتفاق في الجملة بين العلماء ، ودليل ذلك قول الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم "
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين :" لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث
حتى يتوضأ "
وحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم :" لا يقبل الله صلاة بغير طهور "
" ومنها الوقت " هذا الشرط الثاني .
الشرط الثاني : الوقت ، وعبر بعض العلماء كصاحب الزاد قال : دخول الوقت ، وهذا
أحسن لأننا إذا قلنا الوقت معناه أن الصلاة لا تصح إلا في هذا الوقت وهذا غير مسلم ،
الصلاة تصح في الوقت وتصح أيضاً بعد الوقت للمعذور .
الصحيح أن نقول الوقت بالنسبة للجمعة ، الجمعة نقول من شروط صحتها الوقت لأن
(1/50)
فوقت الظهر من الزوال..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجمعة لا تصح بعد وقتها ، لو حصل للإنسان عذر يصليها ظهراً ، وأما بالنسبة للصلوات الخمس فنقول دخول الوقت لأن الصلاة صلاة الظهر العصر .. إلخ تصح بعد خروج الوقت للمعذور كما سيأتي إن شاء الله .
ودليل ذلك أدلة ظاهرة قول الله عز وجل :" إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا "
" أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل "
والأحاديث في هذا كثيرة كما سيأتي وهذا موضع إجماع ، قال عمر رضي الله عنه : إن للصلاة وقتاً اشترطه الله لها لا تصلح إلا به .
" فوقت الظهر " صلاة الظهر بدأ بها المؤلف رحمه الله ، بعض العلماء يبدأ بالفجر ، مثلاً صاحب العمدة عمدة الفقه بدأ بالفجر والمؤلف هنا بدأ بالظهر نقول لا مشاحة لكل منهم وجهة .
فالذين يبدأون بصلاة الفجر قالوا هي أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلاة عليه .
والذين يبدأون بصلاة الظهر يستدلون بمثل قول الله عز وجل :" أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ".
" من الزوال " الزوال : هو ميل الشمس إلى الغروب .
ويستمر إلى مساواة الشاخص ظله بعد ظل الزوال.......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ويستمر إلى مساواة الشاخص " يعني الشيء المرتفع .
(1/51)
" ظله بعد ظل الزوال " يعني بعد الظل الذي زالت عليه الشمس ، وذلك أن الشمس إذا خرجت من المشرق يكون لكل شاخص لكل شيء مرتفع ظل إلى جهة المغرب والشمس تسير من المشرق إلى المغرب وهذا الظل كلما قربت من الزوال كلما يتقارب نقصانه ، فإذا كانت الشمس في كبد السماء انتهى نقصانه فتضع علامة يكون هذا الشاخص مادام الشمس في كبد السماء انتهى نقصانه ويكون تحته ظل يسمي فيء الزوال ، تضع عليه علامة ثم بعد ذلك إذا زاد أدنى زيادة فاعلم أن الشمس قد زالت ودخل وقت صلاة العصر وخرج وقت النهي فإذا كان هذا الشاخص طوله متران تضع على هذا الظل علامة فإذا كان الظل بعد فيء الزوال ، فيء الزوال هذا ما يحسب .
الظل بعد ميل الشمس للغروب زاد وأصبح يساوي مترين فاعلم أن وقت الظهر خرج ودخل وقت العصر ، وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله إلى مساواة الشاخص ظله بعد ظل الزوال يعني فيء الزوال هذا ما تحسبه ، فإذا كانت الشمس في كبد السماء وانتهى نقصان الظل سيبقى ظل تحت كل شاخص ظل يسير تضع عليه علامة فإذا زاد أدنى زيادة فاعلم أن الشمس الآن انتقلت إلى جهة المغرب فيبدأ هذا الظل يزيد يزيد يزيد إلى أن يصير طول هذا الظل طول الشاخص ، لكن فيء الزوال هذا ما تحسبه ، فإذا كان الظل مساوياً للشاخص اعلم أن وقت الظهر قد
وتعجيلها أفضل إلا في شدة حر حتى ينكسر...........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خرج ودخل وقت العصر .
" وتعجيلها أفضل إلا في شدة حر حتى ينكسر " تعجيلها أفضل إلا في شدة حر فيؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله : أن وقت الاستحباب بالنسبة لصلاة الظهر لا يخلو من أمرين :
(1/52)
الأمر الأول : أن يكون في غير شدة حر ، فالأفضل أن تعجل ويدل لهذا عمومات الأدلة الدالة على المسارعة إلى فعل الخيرات والمسابقة إلى فعل الطاعات ، كما في قول الله عز وجل : ( فاستبقوا الخيرات ( ، وقول الله عز وجل : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة (
وأيضاً يدل لهذا أن النبي ( يصلي الظهر إذا زالت الشمس لا يخرم ، أن النبي ( كان يصلي الظهر بالهاجرة ، هذا القسم الأول .
الأمر الثاني : أن يكون ذلك شدة الحر ، فالمذهب : أنه يستحب أن تؤخر إلى أن ينكسر الحر كما ذكر المؤلف رحمه الله ، ويقولون : يستحب أن تؤخر مطلقاً حتى ولو صلى وحده كما لو كان في مزرعة أو مثلاً في صحراء أو كان مسافراً يستحب له أن يؤخر صلاة الظهر .
والرأي الثاني : رأي الشافعية : أن الاستحباب مقيد بشروط
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط الأول : أن يكون ذلك في الجماعات .
الشرط الثاني : أن تكون البلاد حارة .
الشرط الثالث : أن يكون ذلك لمن يقصدها من بعد . يعني ثلاثة شروط .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة لعموم الحديث أن النبي ( قال :" إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم " وهذا عام يشمل الجماعة وغير الجماعة ويشمل من انتابها من بعد أو من قرب ، هذا هو الصواب .
والتأخير قال المؤلف رحمه الله : حتى ينكسر الحر ، يقول المؤلف : حتى ينكسر الحر يعني تؤخر إلى أن ينكسر الحر .
وقال بعض العلماء : تؤخر إلى قرب وقت العصر ، تؤخر إلى قرب صلاة العصر .
(1/53)
ويدل لهذا حديث أبي ذر أن النبي ( قال :" أبرد ثم قال أبرد ثم قال أبرد قال حتى ساوى التل الظل " وإذا ساوى التل الظل فإن وقت الظهر يكون خرج ، لكن نقول لم يحسب من ذلك فيء الزوال ، يعني ساوى الظل التل لكن فيء الزوال لم يحسب ، فيكون بقي على وقت صلاة الظهر شيء ففعلت الظهر قرب العصر ، وهذا هو الأقرب .
ولو صلى وحده..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو الأقرب : أن تؤخر الظهر إلى قرب العصر ، فإذا فرضنا أن وقت الظهر يخرج في الساعة الثالثة والنصف فإنها تؤخر إلى الساعة الثالثة أو الثالثة وعشر دقائق أو خمس دقائق وهكذا ، بحيث أنها تكون قريبة من وقت صلاة العصر .
" ولو صلى وحده " يعني حتى ولو صلى وحده كما قلنا لو كان في مزرعة أو المرأة في البيت في شدة الحر يستحب لها أن تؤخر الصلاة ، يعني الجماعة يؤخرون المساجد تؤخر إلى قرب العصر ، ولو صلى وحده أو كالمرأة في بيتها والراعي في غنمه والحارس إذا كان لا يتمكن أن يصلي مع الجماعة ونحو ذلك أو المريض يستحب له أن يؤخر الصلاة صلاة الظهر إلى قرب العصر .
وصلاة الظهر في شدة الحر هي الحالة الأولى التي يستحب فيها تأخير الصلاة .
لأن الأصل في الصلاة أن تفعل في وقتها هذا هو الأصل وقت الاستحباب إلا صلاتين هم اللذان يستحب فيهما التأخير :
الأولى : صلاة الظهر في شدة الحر .
الثانية : صلاة العشاء كما سيأتي إنشاء الله .
أو مع غيم لمن يصلي جماعة............................................................................
(1/54)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاتان الصلاتان هما الصلاتان اللتان يستحب تأخيرهما أما ما عداهما من الصلاوات فإنه يستحب تقديمها .
والأصل عند الحنفية : يعني في الجملة التأخير .
والشافعية : التقديم .
يعني الشافعية الأصل عندهم استحباب التقديم ، والحنفية الأصل عندهم استحباب التأخير ، والحنابلة التفصيل .
وذكرنا الصحيح في ذلك .
والقاعدة : أن الصلاة يستحب أن تفعل في أول وقتها إلا صلاتين :
1- الظهر في شدة الحر . 2- العشاء .
والظهر بينها والعشاء سيأتي إنشاء الله .
" أو مع غيم لمن يصلي جماعة " يقول المؤلف رحمه الله في حال الغيم هو قال لك إن صلاة الظهر يستحب أن تفعل في أول وقتها إلا في شدة الحر فإنها تؤخر ،
أيضاً قال : تؤخر مع الغيم لمن يصلي جماعة ، فإذا كان هناك غيم يستحب إذا كنا نصلي
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جماعة ، وإذا كان الإنسان يصلي وحده مع الغيم يبادر بفعل الصلاة في أول وقتها ، لكن إذا كانوا جماعة ، مثل مساجد الجماعات ، ما يستحب أن نصلي الصلاة في أول وقتها لكن نؤخر الصلاة إلى قرب العصر ، ولهذا قال لك
" أو مع غيم لمن يصلي جماعة " فيستحب أن نؤخر صلاة الظهر إلى قرب وقت صلاة العصر ، لماذا ؟ ما هي العلة في ذلك ؟
قالوا العلة في ذلك : أنه يحتمل نزول المطر ويلحق بذلك المشقة وإذا كان كذلك فإنها تؤخر لكي يكون الخروج إليهما خروجاً واحداً ،
لكي يكون الخروج إلى صلاة الظهر والعصر خروجاً واحداً هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
(1/55)
والرأي الثاني : أنه لا يستحب تأخيرها في حال الغيم ، وإنما يستحب أن تفعل في أول وقتها كسائر الأيام وهذا هو الصواب .
لعموم الأدلة أن النبي ( كان يصلي الظهر في الهاجرة كما تقدم ،
وأيضاً كما تقدم قول الله عز وجل : (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ( ،
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( فاستبقوا الخيرات ( وغير ذلك من الأدلة .
وقوله " جماعة " هذا قلنا يخرج من صلى وحده فإنه لا يؤخرها مع الغيم لأنه شرع تأخيرها مع الغيم رفقاً بالجماعة خشية نزول الأمطار فيلحق بذلك المشقة فلكي يسهل الخروج لهما معاً .
* الجمعة ، هل يشرع الإبراد بها أو لا يشرع الإبراد بها ؟
جمهور أهل العلم : أن الجمعة لا يشرع الإبراد بها لحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه:" أنهم كانوا يجمعون مع رسول الله ( إذا زالت الشمس "
وأيضاً الجمعة يستحب التقدم إليها من بعد طلوع الشمس كما ذهب الحنفية ، وإذا قلنا أنه يشرع الإبراد إلى قرب العصر يلحق الناس في ذلك مشقة شديدة خصوصاً من جاء في أول النهار ، والإبراد إنما شرع للتخفيف فإذا كان سبيلاً إلى التشديد والتثقيل فإنه يمنع وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
وذهب بعض الشافعية إلى أنه يشرع الإبراد بها لعموم الحديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة "
ويليه وقت العصر إلى مصير الظل مثليه بعد ظل الزوال...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/56)
لكن الصواب في ذلك : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وأن الجمعة يستحب أن تفعل في
أول الوقت لما ذكرنا من الأدلة .
" ويليه وقت العصر إلى مصير الظل مثليه بعد ظل الزوال " وقت العصر : أول وقته يبدأ بعد خروج وقت الظهر : إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال ، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم أن النبي ( قال :" وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحظر وقت العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس "
وتقدم أن ذكرنا أن الحنفية يرون أن وقت الظهر يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه وعلى هذا عندهم وقت العصر ما يدخل إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه .
وذكرنا أن المالكية يقولون أن هناك وقتاً مشتركاً بينهما ، بين الظهر والعصر إذا كان ظل كل شيء مثله .
والصواب في ذلك : مذهب الشافعية والحنابلة أنه إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال فإن وقت الظهر خرج ودخل وقت العصر .
إلى مصير الظل مثليه......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إلى مصير الظل مثليه " هذا المذهب واستدلوا على ذلك : بحديث إمامة جبريل ، فإن جبريل أمّ النبي ( في اليوم الأول : بعد أن صار ظل كل شيء مثله ، وفي اليوم الثاني : أمّه لما صار ظل كل شيء مثليه .
والرأي الثاني : مذهب الشافعية ، أن وقت الاختيار والجواز إلى أن تصفر الشمس ، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم أن النبي ( قال :" ووقت العصر ما لم تصفر الشمس " وهذا أخرجه مسلم في صحيحه ، وهذا هو الصواب .
الصواب : أن وقت العصر إلى إصفرار الشمس .
وأما إمامة جبريل فيرجح عليه حديث عبد الله بن عمرو من عدة أوجه :
(1/57)
الوجه الأول : أن حديث عبد الله بن عمرو قول وإمامة جبريل فعل ، والقول مقدم على الفعل .
الوجه الثاني : أن إمامة جبريل في مكة وحديث عبد الله بن عمرو في المدينة .
الوجه الثالث : أن حديث عبد الله بن عمرو أصح من حديث إمامة جبريل .
حديث إمامة جبريل كما في حديث ابن عباس وجابر وغيرهما في السنن وحديث عبد الله
ووقت الضرورة إلى غروبها.............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بن عمرو هذا في صحيح مسلم .
" ووقت الضرورة إلى غروبها " وقت الضرورة : من الإصفرار إلى غروب الشمس ، ووقت الضرورة إلى غروبها .
ما هو الدليل على أنه إلى غروب الشمس ؟
الدليل حديث أبو هريرة في الصحيحين أن النبي ( قال :" من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " فقوله " من أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس " هذا يدل على أن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس . وهذا هو الصواب.
خلافاً لمن قال : بأن العصر وقتها واحد كله وقت اختيار ، الصواب : أنه يجمع بين الحديثين هذا الحديث " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة أو العصر أو كما قال عليه الصلاة والسلام " وحديث عبد الله بن عمرو أن النبي ( قال :" وقت العصر ما لم تصفر الشمس " فيجمع بينهما أن للعصر وقتين :
1- وقت اختيار . 2- وقت ضرورة .
خلافاً لمن قال : بأن العصر لها وقت اختيار كل الوقت إلى غروب الشمس وقت اختيار .........................................................................................................................
(1/58)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لحديث أبي هريرة .
فالصواب في ذلك : الجمع بين الحديثين .
وصلاة العصر هي الصلاة الوحيدة التي لها وقتان :
1- وقت اختيار . 2- وقت ضرورة .
والصواب : أن بقية الصلوات ليس لها إلا وقت واحد فقط وهو وقت الاختيار وليس لها وقت ضرورة .
ما معنى وقت الضرورة ؟
وقت الضرورة هذا له معنيان :
المعنى الأول : فيما يتعلق بأهل الأعذار ، كالحائض إذا طهرت والنفساء إذا طهرت والمجنون إذا عقل الكافر إذا أسلم ... إلى آخره .
فهؤلاء إذا أدركوا من الوقت قدر ركعة قبل أن تغرب الشمس وجب عليهم أن يقضوا هذه الصلاة .
فالحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس بقدر ركعة وجب عليها أن تقضي والنفساء
ويسن تعجيلها مطلقاً....................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمجنون والكافر ... إلى آخره .
هذا المعنى الأول .
المعنى الثاني : أنه يجوز تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة عند العذر ، الأصل أنه لا يجوز تأخيرها إلى وقت الضرورة . لكن يجوز عند العذر ، عند العذر كما لو أن الإنسان يخشى على نفسه لو شرع يصلي يخشى على نفسه من سبع أو يخشى على أهله أو يخشى على ماله من لص ... إلى آلآخره .
فهذا يجوز أن يؤخر ، لأنه لو اشتغل بالصلاة يخشى على ماله أو يخشى على أهله أو يخشى على نفسه ، فنقول : يجوز أن يؤخر إلى أن تصفر الشمس .
أو مثلاً انجرح واحتاج أن يشتغل بنفسه يلم الجرح إلى أن اصفرت الشمس ، فنقول : لا يلزمه أن يصلي وهو مجروح .
أو احتاج مثلاً إلى مداواة مريض أو نحو ذلك فإنه يؤخر إلى اصفرار الشمس .
(1/59)
المهم أنه مع العذر هنا يجوز هذا معناه ما عدا ذلك هذا محرم ولا يجوز .
" ويسن تعجيلها مطلقاً " يسن تعجيلها مطلقاً في حال الحر وفي حال الغيم أو في حال
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحو وفي حال البرد وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
أنه يستحب تعجيلها مطلقاً ، ويدل لذلك حديث أنس في الصحيحين " أنهم كانوا يصلون مع النبي ( والشمس مرتفعة حية (يعني لم تسقط) ، ـ مرتفعة :الحرارة لا تزال فيها ـ حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة " لا تزال مرتفعة وهذا يدل على أن النبي ( صلاها في أول الوقت .
وأيضاً حديث رافع بن خديج في الصحيح " أنهم كانوا يصلون مع النبي ( العصر وينحرون الجزور ويقسمون عشر قسم ويأكلون لحماً نضيجاً قبل غروب الشمس " وهذا يدل على أن النبي ( صلاها في أول وقتها .
والرأي الثاني : رأي الحنفية ، الحنفية يرون استحباب التأخير وأنها تؤخر إلى أن يبقى على غروب الشمس قدر الفعل وقدر الشروط ، فالشروط من الوضوء والستر ونحو ذلك ،
يعني يبقى على غروب الشمس قدر فعلها وقدر فعل شروطها ، وهذا ضعيف .
والصحيح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم أنه يستحب تقديمها .
وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى وأن الصلاة الوسطى هذه اختلف فيها العلماء رحمهم
ويليه وقت المغرب إلى مغيب الحمرة ............................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله كثيراً ما هي الصلاة الوسطى ؟
(1/60)
والصواب : أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله . ويدل لذلك حديث علي رضي الله تعالى عنه في الصحيحين أن النبي ( قال :" شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس "
وفي الترمذي وصححه أن النبي ( قال :" الصلاة الوسطى صلاة العصر "
فالصواب : أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى .
"ويليه وقت المغرب إلى مغيب الحمرة " وقت المغرب يدخل بغروب الشمس بالإجماع ، ويدل لهذا حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه أن النبي ( كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ، وأيضاً حديث إمامة جبريل فإنه صلى بالنبي ( المغرب في اليوم الأول وفي اليوم الثاني حينما غربت الشمس .
" إلى مغيب الحمرة " إلى مغيب الحمرة : يعني مغيب الشفق ، الشفق الأحمر .
وهنا مسألتان :
المسألة الأولى : متى ينتهي وقت المغرب ؟
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثانية : ما المراد بالشفق ؟
أما المسألة الأولى متى ينتهي وقت المغرب ؟ فجمهور العلماء على أنه موسع إلى مغيب الشفق الأحمر ، هذا ما عليه جمهور العلماء ، واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه أن النبي ( قال :" وقت المغرب ما لم يغب الشفق "
وفي لفظ " ما لم يسقط ثور الشفق " .
والرأي الثاني : رأي الشافعية والمالكية أن وقت صلاة المغرب أنه مضيّق ، المغرب وقتها مضيق فيرون أنه بقدر الأذان والإقامة والوضوء وستر العورة وفعل الصلاة والسنة .
(1/61)
عند الشافعية ستة أشياء ، المالكية لا يحسبون السنة ، يعني إذا مضى قدر الأذان والإقامة وستر العورة والوضوء وفعل الصلاة وفعل السنة يعني إذا فرضنا هذه الأشياء تستغرق نحو ساعة فإن وقت المغرب يخرج ولا يمتد إلى مغيب الشفق .
والحنابلة والحنفية يرون أنه يمتد إلى مغيب الشفق وهذا هو الصواب ، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن عمر :" ووقت المغرب ما لم يغب الشفق " " ما لم يسقط ثور الشفق " هذا رواه مسلم في صحيحه .
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً دل لذلك حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه وحديث بريدة رضي الله
تعالى عنه ... إلى آخره ..
وأما دليل الشافعية والمالكية فاستدلوا بإمامة جبريل وأن النبي ( صلاها في اليوم الأول
وفي اليوم الثاني في أول الوقت .
وإمامة جبريل هذا سبق أن أجبنا عليه :
الجواب الأول : أن حديث عبد الله بن عمرو أصح من حديث جبريل .
الجواب الثاني : أن حديث إمامة جبريل بالنبي ( فعل وحديث عبد الله بن عمرو قول ،
والقول مقدم على الفعل .
الجواب الثالث : أن حديث إمامة جبريل بالنبي ( كان ذلك بمكة وأما حديث عبد الله
بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فإنه كان في المدينة .
فبهذه الأوجه الثلاثة يترجح حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما على حديث إمامة
جبريل بالنبي ( .
.......................................................................................................................
(1/62)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحديث عبد الله بن عمرو هذا من الجوامع التي ينبغي لطالب العلم أن يحفظها لأنه جمع مواقيت الصلاة ، يعني جملة مواقيت الصلاة جمعها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فينبغي لطالب العلم أن يحفظه ويتقنه وهو ليس بالطويل لكن ينبغي لطالب العلم أن يحفظه ويتقنه لأنه إذا حفظه فإنه يكون حفظ جملة مواقيت الصلاة .
والمسألة الثانية : قال المؤلف رحمه الله : إلى مغيب الحمرة ، ذكرنا أن أبا حنيفة والإمام أحمد يريان أن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق لكن ما المراد بالشفق ؟
الإمام أحمد رحمه الله يقول : المراد بالشفق هو الحمرة وذلك أن الشمس إذا غربت يبقى في الأفق حمرة بعد سقوط الشمس ، يستمر وقت المغرب إلى أن تغيب هذه الحمرة ، يعني ما يقرب من ساعة وعشرين دقيقة ونحو ذلك .
فإذا غربت هذه الحمرة واختفت فإن وقت المغرب يكون قد خرج ودخل وقت العشاء ، إلى مغيب الحمرة .
الإمام أحمد رحمه الله يرى أن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق ، والمراد بالشفق : هو الشفق الأحمر ، ويدل لذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في سنن الترمذي أن النبي ( قال:" وقت المغرب إلى أن تغيب حمرة الشفق "وهذا الحديث ضعيف لا يثبت ويسن تعجيلها..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن النبي ( لكن ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بإسناد صحيح أن الشفق هو
الحمرة .
وعند أبي حنيفة أن المراد بالشفق : هو البياض ، وهذا القول ضعيف لأن بعض العلماء
(1/63)
ذكر بأن البياض أصلاً لا يغيب إلا عند نصف الليل .
فالصواب في ذلك : ما ذهب إليه الإمام أحمد أن المراد بالشفق : هو الحمرة .
وأيضاً يدل لذلك ما تقدم أن ذكرنا حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم
أن النبي ( قال :" وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق " وقالوا : ثوران الشيء هذه
صفة للأحمر .
وأيضاً يؤيد ذلك كلام الأئمة أئمة اللغة وأئمة المفسرين عند قول الله عز وجل ( فلا
أقسم بالشفق( قالوا أن المراد بالشفق : هو الحمرة .
يعني كلام أهل اللغة وكذلك كلام المفسرين أن المراد بالشفق هو الحمرة .
" ويسن تعجيلها " يقول المؤلف رحمه الله : يسن تعجيلها ، المغرب يسن أن تعجل في أول
إلا ليلة مزدلفة لمن قصدها محرماً.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقتها وهذا هو الذي دلت عليه الأدلة ، ويدل لذلك ما تقدم من حديث إمامة جبريل بالنبي ( فإن النبي ( صلاها في اليوم الأول وفي اليوم الثاني عند غروب الشمس .
وكذلك أيضاً حديث سلمة رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا يصلون مع النبي ( المغرب ثم يخرجون ينتظلون فيرون مواقع نبلهم من الإسفار ، فكونهم يصلون مع النبي ( المغرب ثم يخرجون ويرمون بالسهام بعد صلاة المغرب ويرون مواقع السهم من الإسفار هذا يدل على أن النبي ( صلاها في أول الوقت وأن النبي عليه الصلاة والسلام بادر بها .
وتقدم لنا في باب الأذان أن المؤلف رحمه الله قال : يستحب جلوسه بعد أذان المغرب قليلاً يعني لا يقيم مباشرة ، لا يؤذن ثم يقيم مباشرة بل يستحب أن يجلس قليلاً ثم يقيم وهذا مما يدل على تأكد المبادرة بصلاة المغرب .
(1/64)
" إلا ليلة مزدلفة لمن قصدها محرماً " ليلة مزدلفة ، يقول المؤلف رحمه الله : ليلة مزدلفة لا يستحب تعجيل المغرب وذلك أن الحاج تغرب عليه الشمس وهو في عرفات فلا يستحب له أن يصلي المغرب في عرفات ولا في الطريق وإنما ينتظر حتى يأتي مزدلفة لأن هذا هو هدي النبي ( فإن النبي ( في حديث جابر رضي الله تعالى عنه انتظر حتى غربت الشمس واستحكم غروبها وذهبت الصفرة ثم دفع عليه الصلاة والسلام إلى أن جاء مزدلفة .
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي حديث أسامة أن النبي ( وقف في الطريق وبال وتوضأ وضوءً خفيفاً ، فقال له
أسامة : الصلاة يا رسول الله ، فقال :" الصلاة أمامك "
ولهذا ابن حزم رحمه الله يرى أن صلاة المغرب لو فعلت خارج مزدلفة فإنها لا تصح ،
يعني لو أنه صلى المغرب في عرفات أو صلى المغرب في الطريق يرى أن صلاته غير
صحيحة .
والصواب في ذلك : أن الصلاة صحيحة وأنها لو فعلت في عرفات أو في الطريق أن
الصلاة صحيحة لكنه خالف السنة .
السنة : كما ذكر المؤلف رحمه الله أن يصلي المغرب إذا جاء مزدلفة .
إلا إن خشي خروج وقت العشاء الآخرة بانتصاف الليل ، إذا خشي أن يخرج عليه وقت
العشاء الآخرة بانتصاف الليل لكونه تعطل مركوبه أو كما يوجد اليوم من الزحام ونحو
ذلك فإنه يصلي الصلاة ولو في الطريق ولا يؤخر الصلاة حتى ينتصف الليل ، لأنه كما
سيأتينا إنشاء الله أن وقت العشاء الآخرة يخرج بانتصاف الليل .
ويليه وقت العشاء إلى ثلث الليل وتأخيرها أفضل إن سهل...........................
(1/65)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول يصلي الصلاة قبل أن ينتصف عليه الليل .
وقوله " محرماً " يعني هذا الاستحباب لمن حج أما من لم يحج لو كان شخص اشتغل بأمور
الحجاج وهو في عرفات وغربت عليه الشمس ، مثلاً يقود السيارة بالحاج أو يقوم على
خدمة الحجاج وهو لم يحج ، فنقول : يستحب له أن يصلي الصلاة في عرفات ولا يؤخر
الصلاة إلى مزدلفة .
الذين يؤخرون الصلاة إلى مزدلفة هم الحجاج أما من لم يحج أو مثلاً لو كان هناك أحد
قد سكن في عرفات ، فنقول : لا يستحب له أن يؤخر إلى مزدلفة بل عليه أن يبادر وأن
يصلي المغرب في أول الوقت .
" ويليه وقت العشاء إلى ثلث الليل وتأخيرها أفضل إن سهل " يقول المؤلف رحمه الله :
ويلي وقت المغرب العشاء الآخرة ويمتد إلى ثلث الليل وهذا يتضمن مسائل :
المسألة الأولى : أول وقت العشاء الآخرة ، ما هو أول وقتها ؟
فنقول : بأن أول وقتها هو مغيب الشفق ، فإذا غاب الشفق فإنه يدخل وقت العشاء
إلى ثلث الليل ثم هو وقت ضرورة إلى الفجر الثاني وهو لبياض المعترض
بالمشرق.........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآخرة وهذا باتفاق الأئمة .
الأئمة يتفقون على أن أول وقتها مغيب الشفق ، ويدل لذلك حديث أبي موسى وحديث
بريده أن النبي ( أقام العشاء في اليوم الأول حين غاب الشفق .
المسألة الثانية : آخر وقت العشاء ، ما هو آخر وقت العشاء ؟ يقول المؤلف رحمه الله :
" إلى ثلث الليل ثم هو وقت ضرورة إلى الفجر الثاني وهو لبياض المعترض بالمشرق "
(1/66)
فآخر وقت العشاء على المذهب إلى ثلث الليل يعني أن وقت العشاء وقتان :
الوقت الأول : وقت اختيار . الوقت الثاني : وقت ضرورة .
وقت الاختيار : إلى ثلث الليل .
ووقت الضرورة : إلى طلوع الفجر الثاني . هذا المشهور من وذهب الإمام أحمد رحمه الله
عند أبي حنيفة : أن وقت الاختيار إلى نصف الليل ، ووقت الضرورة إلى طلوع الفجر
الثاني .
وعند ابن حزم رحمه الله : أن وقت العشاء إلى نصف الليل ، وأنه وقت واحد وليس
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك ما يسمى بوقت الضرورة .
ودليل ابن حزم : ظاهر القرآن فإن الله عز وجل قال ( اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى
غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ( فقال الله عز وجل (اقم
الصلاة لدلوك الشمس ( يعني زوال الشمس ( إلى غسق الليل ( وغسق الليل هو
اشتداد ظلمته وذلك بانتصافه ،
فقوله سبحانه وتعالى ( اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ( هذا شمل أربع
صلوات من الزوال نصف النهار إلى غسق الليل نصف الليل شمل هذا أربع صلوات :
شمل الظهر والعصر والمغرب والعشاء فدل ذلك على أن وقت العشاء يخرج بانتصاف
الليل .
وقال ( وقرآن الفجر ( هذه صلاة الفجر وعبر الله عز وجل عنها بالقرآن لأنه يشرع
أن يطال فيها بالقراءة ، فقال ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ( فصلها
الله عز وجل لأنها مفصولة في أول الوقت وفي آخر الوقت .
........................................................................................................................
(1/67)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني الصلوات الأربع مترابطة فيما بينها وأما صلاة الفجر فإنها مفصولة من نصف الليل
إلى طلوع الفجر الثاني ليس وقتاً لسيء من الصلوات ، ومن طلوع الشمس إلى نصف
النهار ليس وقتاً لشيء من الصلوات ، فوقتها صلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى
طلوع الشمس مفصولة في بدايتها وفي نهايتها ، ولهذا فصلها الله عز وجل وقال (
وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (
ومما يؤيد ما ذهب إليه ابن حزم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في
صحيح مسلم أن النبي ( قال :" ووقت العشاء إلى نصف الليل " وهذا صريح قال :"
ووقت العشاء إلى نصف الليل " فدل ذلك على أن وقت العشاء يمتد إلى نصف الليل
وأنه لا يمتد إلى ما بعد النصف .
وأما بالنسبة للجمهور ، يعني كما قلنا الحنابلة رحمهم الله يقولون : بأن وقت الاختيار إلى
ثلث الليل ثم بعد ذلك وقت ضرورة إلى طلوع الفجر ، والحنفية كما ذكرنا ... إلى
آخره .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقالوا : بأنه يمتد إلى طلوع الفجر بدليل حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن النبي (
قال :" ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة
الأخرى" فقال النبي (:" إنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة
الأخرى "
فقال : حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى هذا يشمل العشاء ، ويفيد على أن وقت العشاء
يمتد إلى أن يجيء وقت صلاة الفجر .
(1/68)
وقالوا أيضاً أنه ورد عن الصحابة ورد عن أبي هريرة وابن عباس وعبد الرحمن بن عوف
في الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر أنها تصلي المغرب والعشاء وإذا طهرت قبل
غروب الشمس أنها تصلي الظهر والعصر ، هذا ورد عن أبي هريرة وابن عباس وعبد
الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما .
والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله وأن وقت العشاء إلى نصف
الليل ، لأن حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما صريح في ذلك في التحديد ،
إلى ثلث الليل وتأخيرها أفضل إن سهل..........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً هو ظاهر القرآن ، وأما آثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم ففيها ضعف وليس
هناك دليل على إمتداد وقت العشاء إلى ما بعد نصف الليل .
حديث عائشة أن النبي ( أعتم بصلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل هذا يمكن أن
يتمسكوا فيه ، قالوا : عامة الليل : يعني أكثر الليل ، وهذا لا يصح هذا التفسير
أن النبي ( أعتم بصلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل هذا الصواب أنه لا يصح ، وأن
المراد بقولها حتى ذهب عامة الليل : يعني كثير منه إذ يبعد عن النبي ( أن يؤخر العشاء
إلى ما بعد نصف الليل لما في ذلك من المشقة ولما في ذلك من تأخير الصلاة عن وقتها
المستحب .
فإن وقتها المستحب : هو عند نصف الليل كما سيأتي إنشاء الله .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله .
" إلى ثلث الليل وتأخيرها أفضل إن سهل " بينا أول وقت العشاء وآخره ، ثم ذكر
المؤلف رحمه الله ما هو الوقت الأفضل لأداء صلاة العشاء فقال :
........................................................................................................................
(1/69)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتأخيرها أفضل إن سهل " يعني الأفضل أن تؤخر إلى آخر الوقت المختار ، وما هو
آخر الوقت المختار عند الحنابلة ؟
آخر الوقت المختار هو ثلث الليل ، وعلى هذا يقولون : يستحب أن تؤخر إلى ثلث
الليل ، يعني قسم الليل إلى ثلاثة أجزاء ، وإذا قلنا بأن ثلث الليل إلى الساعة العاشرة ،
أن تقسم ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني قسمه ثلاثة أجزاء وإذا قلنا بأن
ثلث الليل إلى الساعة العاشرة أو إلى الساعة التاسعة والنصف فيستحب أن نؤخر إلى
قريب من الساعة العاشرة يعني مثلاً إذا قلنا بأن ثلث الليل ينتهي بالساعة العاشرة نؤخر
الصلاة يستحب التاسعة والنصف ، يستحب أن نؤخرها إلى التاسعة والنصف وهكذا .
وقال المؤلف رحمه الله : إن سهل ، فإن كان هناك مشقة على بعض المأمومين فإنه يكره
بل تقدم في أول وقتها يعني هم يقولون إن كان هناك يسر على المأمومين أن تؤخر إلى
ثلث الليل فالأفضل أن تؤخر ، وإن كان فيه مشقة فإنها تقدم .
ويدل لذلك أن المستحب تأخير صلاة العشاء أدلة كثيرة من ذلك حديث أبي برزة رضي
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله تعالى عنه في الصحيح أن النبي ( كان يستحب تأخير العشاء .
وأيضاً ما في سنن الترمذي أن النبي ( قال :" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا
العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه " وأيضاً ما تقدم أن النبي ( في حديث عائشة أخر صلاة
العشاء حتى ذهب عامة الليل ، وفي صحيح مسلم أن النبي ( أخرها إلى نصف الليل .
(1/70)
فهذا مما يدل على أنه يستحب تأخير العشاء لكن إذا كان يشق على المأمومين فإنه
يستحب أن تقدم لحديث جابر " أن النبي ( كان إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم
تأخروا أبطأ " وهذا إذا قلنا بأن وقت الاختيار يمتد إلى ثلث الليل .
لكن إذا قلنا أن وقت الاختيار يمتد إلى نصف الليل فنقول يستحب أن تؤخر إلى نصف
الليل ، فأنت تحسب نصف الليل فإذا قلنا مثلاً نصف الليل يكون الساعة الحادية عشر
والنصف فإنه يستحب أن تؤخر إلى الحادي عشرة أو الحادي عشرة وعشر دقائق .. إلى
آخره
وهذا اليوم قد لا يتصور في الجماعات ـ جماعات المساجد ـ لأن الناس الآن في
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجماعات العامة جماعات المساجد قد لا يتصور لأن الناس تختلف أحوالهم وظروفهم لأنهم
مربوطون من الجهات النظامية بأوقات محددة ... إلى آخره .
لكن هذا يمكن فيما إذا كان هناك أناس منفردون مثلاً في نزهة أو مثلاً في سفر أو مثلاً
إنسان يرعى الغنم أو المرأة في بيتها فهؤلاء نقول يستحب لهم أن يؤخروا الصلاة إلى
نصف الليل أو قريب من نصف الليل لأن هذا هو هدي النبي ( وهو الذي يحبه النبي
عليه الصلاة والسلام .
أما كما ذكرنا مساجد الجماعات هذا قد يتعذر .
الشافعي رحمه الله خالف في هذه المسألة على أصله الذي سبق أن أشرنا إليه فهو يرى أن
المستحب في صلاة العشاء أن تفعل في أول وقتها ، واستدل بحديث النعمان بن بشير
رضي الله تعالى عنه لكن ما ذهب إليه هذا فيه نظر .
وأبو حنيفة رحمه الله : يرى أنه يستحب أن تؤخر إلى ثلث الليل مطلقاً ، لأن كما ذكرنا
بأن مذهب أبو حنيفة الأصل عنده التأخير .
(1/71)
ثم هو وقت ضرورة إلى الفجر الثاني وهو البياض المعترض بالمشرق..........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأقرب في هذا : بأن نقول يستحب أن تؤخر صلاة العشاء إلى آخر وقتها ما لم يكون
هناك مشقة كما ذكر الحنابلة رحمهم الله ، وإن كان هناك مشقة فإن الإمام يراعي أحوال
المأمومين .
" ثم هو وقت ضرورة إلى الفجر الثاني وهو البياض المعترض بالمشرق " يقول المؤلف رحمه
الله : بأن وقت العشاء يستمر إلى طلوع الفجر الثاني هذا تقدم الكلام عليه ، وهل
يستمر أو لا يستمر ؟ تكلمنا عليه .
ثم قال " إلى الفجر الثاني وهو البياض المعترض بالمشرق " البياض المعترض بالمشرق ،
الفجر الثاني ، ما هو الفجر الثاني وما الفرق بينه وبين الفجر الأول ؟
عندنا فجران : الفجر الأول والفجر الثاني ، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن بينهما فروقاً
ثلاثة :
الفرق الأول : قال المؤلف رحمه الله : المعترض بالمشرق ، أن الفجر الثاني تشاهده معترض
في المشرق معترض بين الشمال والجنوب تجده هكذا معترض بين الشمال والجنوب ،
ويليه وقت الفجر إلى طلوع الشمس...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخلاف الفجر الأول فإنه مستطيل بين المشرق والمغرب ، هذا الفرق الأول .
الفرق الثاني : أن الفجر الثاني لا ظلمة بعده ، يعني تجده متصل في الأفق هو معترض بين
الشمال والجنوب تجده متصل في الأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة ، أما الفجر الأول فلا
يكون متصلاً بالأفق وإنما يكون بينه وبين الأفق ظلمة .
الفرق الثالث : أن الفجر الثاني : كلما مضى شيء من الوقت فإنه يزيد ، وأما الفجر
(1/72)
الأول فكلما مضى شيء من الوقت فإنه ينقص ويضمحل .
هذه ثلاثة فروق بين الفجر الأول والفجر الثاني .
" ويليه وقت الفجر إلى طلوع الشمس " وقت الفجر : يدخل بطلوع الفجر الثاني ، يعني
وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني بالإجماع .
العلماء يجمعون على ذلك ، وكذلك أيضاً يجمعون على أن وقت الفجر يمتد إلى طلوع
الشمس ، يعني عندهم مواضع اتفاق الأئمة يتفقون على أن وقت الفجر أو وقت صلاة
الصبح يبدأ بطلوع الفجر الثاني ويستمر إلى طلوع الشمس ، ودليل ذلك حديث عبد
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم أن النبي ( قال :" وقت الصبح من
طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس " وهذا نص صريح في تحديد صلاة الصبح .
لكن هل هذا الوقت ينقسم إلى وقت اختيار ووقت ضرورة ؟
أكثر أهل العلم أن وقت الصبح ليس له إلا وقت واحد فقط وهو وقت اختيار وليس
هناك وقت ضرورة .
والرأي الثاني : وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله أن وقت الصبح ينقسم إلى قسمين :
1- وقت اختيار . 2- وقت ضرورة .
وقت الاختيار : إلى الإسفار ، إلى أن يسفر .
ووقت الضرورة : إلى طلوع الشمس .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه أكثر أهل العلم رحمهم الله ، وأن وقت الفجر يمتد إلى
طلوع الشمس وأنه ليس هناك وقت ضرورة وإنما هو وقت واحد فقط وهو وقت
الاختيار . هذا الصواب في هذه المسألة .
........................................................................................................................
(1/73)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتعجيلها أفضل " تعجيلها أفضل : يعني كونها تصلى في أول الوقت فإنه أفضل ، ويدل
لهذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : كان نساء المؤمنات يشهدن الصبح
مع النبي ( ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن لا يعرفهن أحد من الغلس "
والغلس : هو اختلاط ظلمة الليل بضوء النهار ، فهذا دليل على أن النبي ( كان
يصليها في أول وقتها .
كون نساء المؤمنات لا يعرفن من الغلس هذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام
كان يصليها في أول وقتها .
وكذلك أيضاً حديث أبي برزة رضي الله تعالى عنه أن النبي ( كان يصلي الصبح بغلس
، فهذا يدل على أن السنة في صلاة الصبح أن تفعل في أول وقتها .
وخالف في ذلك الحنفية : استدلوا بحديث رافع بن خديج ومحمود بن لبيب أن النبي (
قال :" أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " قال : أسفروا بالفجر ،
وهذا أجاب العلماء رحمهم الله بأجوبة :
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب الأول : أنه منسوخ الحديث لحديث أبي مسعود البدري أن النبي ( أسفر بالفجر
ثم غلس ولم يزل كذلك حتى مات .
الجواب الثاني : أن المراد بالإسفار هو إطالة القراءة ، يعني أن يطال بقراءة صلاة الفجر
حتى يسفر ، يعني يبدأ بها بغلس ويطيل القراءة حتى يسفر .
الجواب الثالث : أن المراد بالإسفار هنا من قول النبي عليه الصلاة والسلام :" أسفروا
بالفجر " أن المراد به تبين طلوع الفجر ، يعني أن الإنسان لا يستعجل حتى يتبين له أن
(1/74)
الفجر قد طلع لأنه قد يخفى عليه ذلك أو قد يلتبس عليه ذلك مع الفجر الثاني .
وعلى هذا يكون السنة في ذلك : أن تصلى في أول وقتها لأن هذا هو هدي النبي عليه
الصلاة والسلام .
بقينا في مسألة بما يدرك أول الوقت ؟
تبين لنا من خلال هذا أن الصلوات كلها يشرع أن تكون في أول الوقت إلا صلاتين :
الصلاة الأولى : الظهر في شدة الحر ، فيستحب أن يبرد بها إلى قرب العصر .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصلاة الثانية : العشاء مطلقاً ، يستحب أن تؤخر إلى آخر الوقت ، يعني إلى قرب نصف
الليل .
ما عدا ذلك فإن السنة أن تفعل الصلاة في أول وقتها .
* بما يدرك أول الوقت ؟
قال بعض العلماء : يدرك أول الوقت بالاشتغال بأسباب الصلاة فإذا اشتغل بأسباب
الصلاة من الوضوء وستر العورة وإزالة الخبث ونحو ذلك فإنه يكون قد أدرك فضل أول
الوقت ، إذا اشتغل بأسباب الصلاة ، إذا دخل عليه الوقت ثم شرع بالاشتغال بأسباب
الصلاة فإنه يكون أدرك فضيلة أول الوقت ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد
ومذهب الإمام الشافعي .
والرأي الثاني : أن أول الوقت يدرك بفعلها أول الوقت ، يعني أن تفعل الصلاة في أول
وقتها بحيث أن يفعل أسباب الصلاة من الوضوء ونحو ذلك قبل دخول الوقت ، وهذا
قال به بعض الشافعية .
ويدرك أداء صلاة بإحرام في وقتها................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/75)
والصواب في ذلك : هو الرأي الأول وأن فضيلة أول الوقت إنما يدرك بالاشتغال
بأسباب الصلاة في أول الوقت ، هذا هو الصواب في هذه المسألة وهو فعل الصحابة
رضي الله تعالى عنهم ... إلى آخره .
" ويدرك أداء صلاة بإحرام في وقتها " وقت الأداء بما يدرك بحيث أن الإنسان إذا شرع
فيه يكون أدرك الصلاة في وقتها أداءً وليست قضاءً يقول المؤلف رحمه الله :بأن وقت
أداء الصلاة يدرك بتكبيرة الإحرام فإذا كبر للإحرام في الوقت ثم خرج الوقت يكون
أدى الصلاة في وقتها مثال ذلك : بقي على خروج الوقت مثلاً دقيقة واحدة وقبل أن
يخرج الوقت كبر للإحرام الله أكبر ثم شرع في الصلاة ثم خرج الوقت يقول المؤلف رحمه
الله بأنه أدى الصلاة في وقتها أداءً وليست قضاءً ويترتب على ذلك أنه ينال أجر الأداء
ولا ينال أجر القضاء وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
ودليلهم على ذلك قالوا : بأن إدراك التكبيرة كإدراك الركعة ، يعني هم يقولون بأنه إذا
كبر للإحرام قبل خروج الوقت فقد أدى جزأً من الصلاة في وقتها فكما لو أدى ركعة .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني في المسألة : أنه لا يدرك وقت الأداء إلا بإدراك ركعة ، وهذا قال به شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ودليل ذلك حديث أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال :" من أدرك ركعة من
الصلاة فقد أدرك الصلاة " وهذا يشمل الأداء وأنه لا يدرك الأداء إلا بإدراك ركعة .
وعندنا قاعدة وهي " أن جميع الإدراكات تتعلق بركعة " وهذا هو الصواب .
الصواب : أن كل الإدراكات تتعلق بركعة ودليله كما أسلفنا حديث أبو هريرة
(1/76)
أن النبي ( قال :" من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة "
وهذا يترتب عليه فروق كثيرة :
أولاً : إدراك الأداء ،إدراك أداء الصلاة .فنقول بأن إدراك أداء الصلاة يكون بأي شيء؟
بإدراك ركعة .
ثانياً : إدراك أول الوقت ، نقول : إدراك أول الوقت يكون بإدراك ركعة ويترتب على
هذا أصحاب الأعذار ، يعني لو أن الإنسان أدرك ركعة من أول الوقت ثم حصل له عذر
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، كالمرأة إذا حاضت فنقول : أدركت الصلاة ما دام أنها أدركت ركعة أدركت الصلاة
ويجب عليها أن تقضي إذا طهرت لأنها إذا أدركت من أول الوقت قدر ركعة نقول :
بأنها أدركت أول الوقت فإذا حصل العذر يجب القضاء بعد زوال العذر .
لو كان أقل من ركعة فما الحكم هنا هل نقول يجب عليها القضاء أو لا يجب ؟
نقول : لا يجب .
ثالثاً : آخر الوقت : نقول بأن آخر الوقت يدرك بإدراك ركعة ، فهذا أيضاً يحتاج إليه
في أصحاب الأعذار ، لو أن المرأة طهرت أو أن النفساء طهرت أو الكافر أسلم أو
الصبي بلغ ، يعني زال المانع أو وجد شرط الوجوب فإذا أدرك من الوقت ركعة فيجب
عليه أن يقضي .
لو أن المرأة طهرت من حيضها وبقي أقل من ركعة هل يجب عليها أن تقضي أو لا يجب
عليها أن تقضي ؟
لا يجب عليها أن تقضي .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/77)
رابعاً : وقت صلاة الجمعة ، نقول صلاة الجمعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة وكذلك وقتها
لا يدرك إلا بإدراك ركعة .فلو أن الإنسان أدرك من صلاة الإمام ركعة يضيف إليها ركعة
، لكن لو لم يدرك ركعة جاء والإمام قد رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية هل
أدرك الجمعة أو نقول بأنه لم يدرك الجمعة ؟
نقول لم يدرك الجمعة .
خامساً : الحاضر إذا شرع في الصلاة ثم سافر وهو في الصلاة ، نقول إن صلى ركعة فإنه
يتم صلاته صلاة حضر ، ولنفرض أن رجلاً يصلي في سفينة ثم شرع في الصلاة والسفينة
حتى الآن ما تحركت أو يصلي في طائرة مثلاً ثم شرع في الصلاة ثم سافرت الطائرة
خرجت الآن ، نقول إن أدى ركعة فإنه يصلي صلاة مقيم إتماماً ، وإن سافر قبل أن
يصلي ركعة فإنه يصلي ركعتين صلاة مسافر
سادساً : عكس هذه المسألة ، المسافر إذا شرع في الصلاة ثم قدم بعد ذلك ، فنقول ك
إن أدى ركعة فإنه يصلي صلاة مسافر ، وإن أدى أقل من ركعة فإنه يصلي صلاة مقيم .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً من المسائل : صلاة المسافر خلف المقيم ، كم يصلي المسافر خلف المقيم ؟ أربع ،
لكن متى يصلي أربع ؟ هذا إذا كانت رباعية خلف رباعية . متى يصلي أربع ؟
نقول : إذا أدرك من صلاته قدر ركعة ، فإنه يصلي أربعاً وإن أدرك أقل من ركعة فإنه
يصلي ركعتين . وعلى هذا فقس يعني ما يتعلق بصلاة الإستسقاء أو الجمعة أو الكسوف
أو العيدين هذه كلها الإدراكات تتعلق بأي شيء ؟ بإدراك ركعة .
فالقاعدة عندنا " أن سائر الإدراكات تكون بإدراك ركعة "
أيضاً من المسائل : لو أن الإنسان تيمم ثم حضر الماء حضور الماء يبطل الصلاة لأنه وجد
(1/78)
الماء لكن هل تبطل الصلاة مطلقاً أو لا تبطل الصلاة مطلقاً أو فيه تفصيل ؟
هذا موضع خلاف وبعض العلماء يقول : بأن الصلاة إذا حضر الماء في أثناء الصلاة
بطلت صلاته يجب عليه أن يتوضأ ويستأنف الصلاة .
والرأي الثاني : أنه إذا شرع في الصلاة فإن صلاته لا تبطل عليه .
والرأي الثالث : التفصيل : أنه إن صلى ركعة بالتيمم نقول يتم وأدرك الصلاة .
ومن شك في دخول وقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله باجتهاد............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن صلى أقل من ركعة ثم حضر الماء نقول يستأنف الصلاة .
وأيضاً من المسائل : تحية المسجد وهذه يحتاج إليها الإنسان كثيراً إذا جاء الإنسان وشرع
في الصلاة ثم أقيمت الصلاة ، هل يتم أو نقول بأن صلاته تبطل عليه ؟ إلى آخره .
هل نقول بأنه يتم أو نقول بأنه يقطعها ؟ شرع الآن في الصلاة ثم أقيمت الصلاة .
هذا نقول إن أدى ركعة فإنه يتم صلاته خفيفة لأنه أدرك الصلاة ، وإن أقيمت الصلاة
وهو لم يؤدي ركعة فإنه يقطع الصلاة .
" ومن شك في دخول وقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله باجتهاد " إلى آخره
نقول : دخول الوقت إما أن يكون عن طريق العلم ، وإما أن يكون عن طريق الظن ،
وهذا كله جائز ، أما العلم فهذا محل إجماع ، ومثاله : أن يرى الشمس قد غربت ، فإذا
رأى الشمس قد غربت الآن علم أن وقت صلاة المغرب قد دخل يرى الفجر قد طلع ،
فإذا رأى الفجر قد طلع ورأى الفجر الثاني قد طلع هذا علم الآن أن وقت صلاة الفجر
قد دخل ، فنقول : الطريق الأول : طريق العلم ، العلم يرى هذه العلامات الأفقية .
........................................................................................................................
(1/79)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن من رحمة الشريعة أن أوقات الصلاة علقت بعلامات أفقية تدرك للجميع ، تدرك
للعالم والجاهل والحاضر وساكن البادية كل يدركها طلوع الفجر وغروب الشمس
والزوال إلى آخره .
فإذا كان يعرف هذه العلامات الأفقية ورءاها هذا طريق العلم .
الطريق الثاني : طريق الظن ، وهذا أيضاً يدخل به وقت الصلاة فإذا ظن أن وقت الصلاة
قد دخل إما لصنعة يعرف أنه إذا عمل هذه الصنعة أو عمل هذه الحرفة ومضى هذا
الوقت أن الوقت قد دخل أو لقراءة يعرف أنه إذا قرأ كذا وكذا من القرآن أو من كتب
أهل العلم أن الوقت قد دخل مضى وقت بحيث أن الوقت قد دخل .... إلى آخره .
المهم الظن طريق من طرق دخول الوقت ، إذا ظن أن الوقت قد دخل له أن يصلي .
العلم هذا ظاهر الإجماع قائم على ذلك ، والأدلة " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى
غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا "
وأيضاً حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي ( قال :" وقت صلاة
أو إخبار عارف.................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله مالم ......" فطريق العلم هذا ظاهر .
طريق الظن : دليله حديث أسماء رضي الله تعالى عنها :" أنهم أفطروا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس " فكون الشمس قد طلعت هذا يدل
على أنهم بنوا على العلم أم على الظن ؟ على الظن لو بنوا على العلم ما طلعت الشمس
، لكن هذا يدل على أنهم بنوا على الظن ، وهذا دليل على أن الظن أيضاً طريق من
(1/80)
طرق دخول الوقت .
" لم يصل حتى يغلب على ظنه باجتهاد أو إخبار عارف " لما ذكر المؤلف رحمه الله بأن
الظن طريق من طرق دخول الوقت قال: بأن الظن قد يكون باجتهاد وقد يكون عن
طريق الخبر ، الإجتهاد هو النظر في الأدلة ، ينظر في الأدلة الأفقية أدلة دخول الوقت ،
أو كما ذكرنا قد لا يتمكن الإنسان من النظر في الأدلة بسبب الغيم أو قتر ونحو ذلك
لكن له صنعة مجربة أو له قراءة مجربة ونحو ذلك بحيث أنه إذا مضت هذه الصنعة أو هذه
القراءة أن الوقت قد يدخل ، فنقول : يصير إلى الإجتهاد ، المهم لا بد من غلبة الظن إما
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن طريق إجتهاد كما ذكر المؤلف والإجتهاد يكون عن طريق النظر إلى الأدلة أو يكون
له صنعة أو يكون له قراءة إلى آخره .
أو يكون عن طريق الخبر ، قال " إخبار عارف " ما معنى عارف ؟
يعني عارف بالوقت عن يقين ، وهذا العارف ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : عارف بالوقت عن طريق العلم واليقين ، بحيث يقول : أنا رأيت الفجر
قد طلع فأنت تأخذ بكلامه ، أو يقول رأيت الشمس قد غربت فهذا تأخذ بكلامه .
هذا القسم الأول إخبار العارف عن طريق العلم واليقين .
القسم الثاني : أن يكون إخبار العارف عن طريق الظن وليس عن طريق العلم واليقين ،
فيقول لك : الوقت قد دخل ، ما دليلك على أن الوقت قد دخل ؟
قال : أنا لي صنعة وأعرف دخول الوقت إذا انتهت هذه الصنعة أو لي قراءة واعرف
دخول الوقت عن طريق هذه القراءة ، هل يؤخذ بقوله أو لا يؤخذ بقوله ؟
على كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يؤخذ بقوله ، هم يقولون لابد أن يكون عارف عن
(1/81)
وإن أحرم فتبين أنه قبله أعاد.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريق العلم واليقين ، أما إذا كان عن طريق الظن فإنه لايؤخذ بقوله إلى آخره وهذا ما
ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والصواب في ذلك : أن خبر العارف إذا كان ثقةً سواء كان عن طريق العلم أو عن
طريق الظن أن هذا كله يؤخذ به .
ويدل لذلك حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فإن النبي ( أفطر في يوم غيم ثم طلعت
الشمس فهذا يدل على اعتبار الظن مطلقاً سواء كان الظن عن طريق الخبر أو عن طريق
الإجتهاد ، وكما أنه يأخذ باجتهاد نفسه فكذلك أيضاً يأخذ باجتهاد غيره .
فالصواب في ذلك : أنه يؤخذ بالظن سواء كان عن طريق نفسه أو عن طريق غيره ، يعني
ظن نفسه أو ظن غيره هذا الصواب في هذه المسألة .
" وإن أحرم فتبين أنه قبله أعاد " إذا أحرم ثم تبين بعد ذلك أنه أحرم قبل الوقت يقول
المؤلف رحمه الله : يعيد ، يعني إذا أحرم عن طريق الإجتهاد أو نقول أنه عن طريق الظن
لأنه إذا كان عن طريق العلم هذا لن يتبين أنه قبل الوقت المقصود هنا إذا أحرم عن
ومن صار أهلاً قبل خروج وقتها لزمته وما يجمع إليها قبلها..........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريق الظن أما عن طريق العلم فإنه قطعاً لن يتبين أنه أحرم قبل الوقت ،
فإذا أحرم عن طريق الظن فله ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يتبين أنه أحرم بعد الوقت ، فالحكم هنا نقول : بأن صلاته صحيحة .
الحالة الثانية : أن يتبين له أنه أحرم قبل الوقت ، فحكم صلاته نقول : بأنها تكون نفلاً
تنقلب من كونها فريضة إلى كونها نافلة .
(1/82)
الحالة الثالثة : أن لا يتبين له شيء ، لا يدري هل كان الإحرام قبل الوقت أو بعد الوقت
إلى آخره ، فالحكم أن صلاته صحيحة إذا لم يتبين له شيء ، لماذا ؟
لأنه مأذون له بالإحرام عن طريق الظن
والقاعدة : " أن ما ترتب على المأذون فإنه ليس مضمون "
" ومن صار أهلاً قبل خروج وقتها لزمته وما يجمع إليها قبلها " يقول المؤلف رحمه الله :
من صار أهلاً قبل خروج وقتها كيف يكون الإنسان أهلاً للصلاة قبل خروج الوقت ؟
الأهلية ، بما تزول الأهلية ؟
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول الأهلية تزول بأمرين :
الأمر الأول : وجود المانع .
والأمر الثاني : إنتفاء الشرط ـ شرط الوجوب ـ إنتفاء الشرط الذي تجب فيه الصلاة .
إذا وجد أحد هذين الأمرين فإنه ليس أهلاً للصلاة .
وإذا توفر هذان الأمران فإنه يكون أهلاً للصلاة ، وجد شرط الوجوب و انتفى المانع .
فإنه يكون أهلاً للصلاة ، مثال ذلك : صبي بلغ قبل خروج الوقت ، كافر أسلم قبل
خروج الوقت ، الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم هل هو انتفاء مانع أو وجود شرط
الوجوب ؟
وجود شرط الوجوب .
المجنون إذا عقل ؟ وجود شرط الوجوب ، العقل شرط من التكليف شرط الوجوب .
هذا وجود شرط الوجوب صبي بلغ كافر أسلم مجنون عقل .
انتفاء المانع مثاله : إمرأة طهرت من الحيض إمرأة طهرت من النفاس ، هنا انتفى المانع .
........................................................................................................................
(1/83)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو أن انسان وجد معه شرط الوجوب أو انتفى عنه المانع قبل خروج الوقت متى يجب
عليه أن يقضي الصلاة ومتى لا يجب عليه أن يقضي الصلاة على كلام المؤلف ؟
يعني عندنا صبي بلغ أو كافر أسلم متى يجب عليه أن يقضي ومتى لا يجب عليه أن يقضي ؟
على كلام المؤلف إذا أدرك تكبيرة الإحرام يعني أسلم قبل خروج الوقت ولنفرض أن
الشمس تطلع الساعة السادسة قبل السادسة بدقيقة واحدة أسلم ، نقول صل الآن صلاة
الفجر .
قبل السادسة بلغ بدقيقة واحدة أدرك قدر تكبيرة ولو لم يصل إلا بعد خروج الوقت ،
نقول : الآن يجب عليك أن تصل .
أيضاً إمرأة طهرت قبل خروج الوقت بدقيقة نقول يجب عليك أن تصلي هذه الصلاة أو
طهرت من النفاس ، أو عقل المجنون المهم إذا وجد شرط الوجوب أو انتفى المانع نقول :
بأنه تجب عليه هذه الصلاة .
وعلى الرأي الراجح : أنه ما تجب عليه إلا بإدراك ركعة كما تقدم .
لزمته وما يجمع إليها قبلها...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا الإختلاف قد يكون بإدراك ركعة أو بإدراك تكبيرة هو له ثمرة لكنه خلاف نادر .
وعلى الرأي الثاني : أنه بإدراك ركعة ، إذا قلنا أن بإدراك ركعة لابد لها من دقيقتين إذا
طهرت المرأة قبل خروج الوقت بدقيقة واحدة ، هل تجب عليها أو لا تجب ؟
نقول : بأنها لا تجب عليها على الرأي الثاني ، لأنه لابد من إدراك ركعة وإدراك ركعة
يستغرق دقيقتين فلابد أن تطهر قبل خروج الوقت بقدر دقيقتين فأكثر دقيقتين ثلاث
أربع عشر إلى آخره . هذا الرأي الثاني .
(1/84)
فتجب عليه صلاة الوقت التي أدركها لكن الصلاة التي تجمع إلى صلاة الوقت هل تجب
عليه أو لا تجب ؟
مثال ذلك : طهرت في صلاة العصر هل يجب عليها أن تقضي الظهر أو نقول لا تجب
عليها ؟أسلم قبل خروج وقت صلاة العصر هل تجب عليه صلاة الظهر أو لا ؟
عقل ، بلغ ،يقول المؤلف رحمه الله : لزمته ، قال :
" لزمته وما يجمع إليها قبلها " فنقول لهذه المرأة التي طهرت قبل خروج وقت العصر أو
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل غروب الشمس مثلاً بدقيقة واحدة يجب أن تصلي العصر ويجب أن تصلي الظهر ،
هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
ودليلهم على هذا قالوا : بأن وقت المجموعتين في حال العذر كالوقت الواحد المجموعتان
في حال العذر وقتهما يكون كالوقت الواحد ، فإذا أدرك وقت العصر كأنه مدركاً لوقت
الظهر فتجب عليه هذا الرأي الأول في هذه المسألة .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة أنه لا يجب عليه أن يصلي إلا الصلاة التي أدركها أما الصلاة
التي لم يدركها فإنها لا تجب عليه ، صلاة الظهر لا تجب عليه ، وهذا رأي أبي حنيفة رحمه الله وهو الصواب .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه أبي حنيفة رحمه الله ، لأن الأصل براءة الذمة ،
وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها :" كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة "
فقالت : ولا نؤمر بقضاء الصلاة ، فصلاة الظهر التي مرت وهي حائض داخلة في قولها ولا نؤمر بقضاء الصلاة ، صلاة الظهر من أولها إلى آخرها وهي حائض .
فالصواب في ذلك : أنه لا يجب قضاء الصلاة إلا الصلاة التي أدركتها أما الصلاة التي مضت
(1/85)
ويجب قضاء فائتة فأكثر فوراً مرتباً.....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي حائض أو مضت وهو مجنون أو صغير أو كافر هذه غير مكلف بها .
فالصواب : أنه لا يجب عليه أن يقضيها .
وهم أيضاً الرأي الأول : يستدلون ببعض الآثار الواردة عن الصحابة عبد الله بن عمرو
وابن عباس وأبي هريرة أنه إذا طهرت قبل الفجر تصلي العشاء والمغرب ، لكن هذه الآثار
ضعيفة لا تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه أبي حنيفة رحمه الله .
" ويجب قضاء فائتة فأكثر فوراً مرتباً " لما تكلم المؤلف رحمه الله عن أحكام أداء الصلاة
شرع في أحكام قضاء الصلاة وذكر مسائل ، من هذه المسائل :
أن قضاء الصلاة يجب على سبيل الفورية وهذا ما عليه جمهور أهل العلم .
جمهور العلماء : أن قضاء الصلاة يجب فوراً فإذا نام عن الصلاة أو نسيها ثم استيقظ أو
تذكر فإنه يجب عليه أن يبادر بالقضاء .
ودليل ذلك حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من نام عن
صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ). وهذا أمر ، والأمر يقتضي الوجوب والفورية .
وعند الشافعية : التقسيم .
...................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالوا : إن كان التأخير لعذر : يعني أخر الصلاة عن وقتها لعذر ما يجب عليه أن يبادر
بالقضاء .
وإن كان التأخير من غير عذر : يعني أخرها عمداً وجب عليه أن يبادر .
هذا رأي الشافعية .
(1/86)
وهذه المسألة مبنية على مسألة أصولية وهي : الأمر المطلق المجرد على التراخي هل يقتضي
الفورية أو على التراخي؟
الجمهور : على أنه للفورية .
وعند الشافعية : على أنه للتراخي
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم على أنه للفورية ، وسبق أن
تكلمنا على هذه المسألة .
والأدلة على هذا كثيرة : من الأدلة على ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في
صحيح مسلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الصحابة في حجة الوداع كل من لم د
يسق الهدي أمره أن يحل وأن يجعل إحرامه بالحج عمرة ، تراخى الصحابة رضي الله تعالى
عنهم فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ،
فدل ذلك : على أن الأمر يقتضي الفورية .
مرتباً...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم في صلح
الحديبية أمر الصحابة أن يحلوا من إحرامهم وأن يحلقوا ، تراخوا فغضب النبي صلى الله
عليه وسلم .
وكذلك أيضاً اللغة وفهم الصحابة .
فاللغة : لو أن إنساناً أمر ولده فتراخى أو أمر رقيقه فتراخى فلامه فإنه يحصل لومه .
أما بالنسبة لدليل الشافعية :
فاستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نام عن صلاة الفجر واستيقظ بعد الشمس ولم
يبادر بالقضاء وإنما أخر حتى خرج من الوادي .
والجواب عن هذا سهل فنقول : بأن النبي صلى الله عليه وسلم بادر بالقضاء وإنما لم
يقضي في ذلك المكان الذي نام فيه لأنه مكان حضر فيه الشيطان ولهذا قال النبي عليه
الصلاة والسلام :" إن هذا وادٍ حضر فيه الشيطان " فأخذ العلماء رحمهم الله من هذا أنه
يستحب للإنسان إذا نام عن الصلاة في مكان أن لا يصلي فيه لأن هذا مكان حضر فيه
(1/87)
الشيطان .
فالصواب أن الإنسان يجب عليه أن يبادر بالقضاء وليس له أن يتراخى .
" مرتباً " لأن القضاء يحكي الأداء فكما أن الصلوات تكون مرتبة الفجر ثم الظهر ثم
العصر ثم المغرب ثم العشاء ، فكذلك أيضاً الأداء .
إلا إذا نسيه..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول القضاء يحكي الأداء ، فيقضي مرتباً كما أن الأداء يكون مرتباً .
وعندنا قاعدة وهي : { أن البدل له حكم المبدل منه }
وأيضاً يدل لذلك من السنة قوله في الحديث في صحيح مسلم لما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر قال : " فصنع كما يصنع كل يوم " فقوله : فصنع كما يصنع كل يوم ، مما يصنعه كل يوم النبي عليه الصلاة والسلام الترتيب .
فعندنا ثلاثة أدلة :
1- الحديث " فصنع كما يصنع كل يوم "
2- القاعدة {أن البدل له حكم المبدل منه }
3- وقاعدة { أن القضاء يحكي الأداء }
" إلا إذا نسيه " يعني أن الترتيب بين الفوائت يسقط بأمور :
الأمر الأول : النسيان ، فإذا نسي الترتيب فنقول يسقط .
لو أن الإنسان عليه الظهر والعصر والمغرب ونسي ، بدأ بالعصر ثم صلى الظهر ، نقول : هذا لابأس به .
ويدل لذلك قول الله عز وجل : "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " وفي صحيح مسلم قال الله :" قد فعلت ".
وأيضاً حديث "عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". هذا الأمر الأول .
أو خشي خروج وقت اختيار ............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/88)
" أو خشي خروج وقت اختيار " هذا الأمر الثاني مما يسقط به الترتيب : إذا خشي خروج وقت اختيار الحاضرة ، مثال ذلك : إنسان لم يصلي الظهر وبقي على خروج وقت العصر ما يقرب من عشر دقائق فلو شرع في صلاة الظهر فإنه سيؤدي ذلك تفويت صلاة العصر فيكون عنده فائتتان بدلاً من أن يكون عنده فائته واحدة فإذا خشي خروج وقت اختيار الحاضرة نقول : يشرع في الحاضرة .
لماذا يشرع في الحاضرة ؟
أولاً : لأن الوقت قد تعين لها فلا تزاحمها الفائتة .
ثانياً : أن الحاضرة في هذه الحال تكون آكد ، لماذا تكون آكد ؟
لأننا لو قلنا يجوز له أن يقضي الفائتة أدى ذلك إلى تفويت الحاضرة فيكون عنده فائتتان بدلاً من أن يكون عنده فائتة واحدة .
ذكر المؤلف رحمه الله أمرين يسقط بهما الترتيب .
الأمر الثالث : الجهل ، وهذا خلاف للمذهب .
فالمذهب لا يرون أن الترتيب يسقط بالجهل .
والصواب : أن الترتيب يسقط بالجهل ، هذا الصواب لأن الجهل أخو النسيان كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بل الجهل أبلغ من النسيان لأن الجهل عند بعض العلماء يعذر به في باب الأوامر ولا يعذر في النسيان في باب الأوامر .
ومنها ستر العورة ........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصواب في ذلك : أن الإنسان إذا كان جاهلاً ما يعرف وجوب الترتيب وقدم العصر
مثلاً على الظهر ، نقول : بأن قضاءه صحيح ، والأدلة على ذلك كما تقدم في أدلة
النسيان .
(1/89)
الأمر الرابع : إذا خشي فوت الجماعة وهذا أيضاً خلافاً للمذهب وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ، فإذا كان الإنسان يخشى فوت الجماعة فلا بأس ، لأن الجماعة واجبة والترتيب واجب ، والجماعة آكد فإذا جاء الإنسان والناس يصلون العصر وعليه الظهر فإنه يشرع معهم ويصلي العصر ثم بعد ذلك يقضي الظهر .
الأمر الخامس : إذا خشي فوت الجمعة وهذا أيضاً رواية عن الإمام أحمد رحمه الله خلافاً للمذهب ، إذا خشي فوت الجمعة فإنه يسقط الترتيب .
مثال ذلك : إنسان يصلي حضراً صلاة الجمعة ثم تذكر أنه صلى الفجر على غير وضوء ، لو قلنا قم وأقضي الفجر أدى ذلك إلى فوات صلاة الجمعة ، فنقول : يسقط الترتيب في هذه الحالة . هذه خمسة أمور يسقط فيها الترتيب بين المقضيات
" ومنها ستر العورة " تقدم في شروط الصلاة الإسلام والعقل والتمييز والوقت ، وهذا هو الشرط الخامس : ستر العورة هذا الشرط الخامس من شروط صحة الصلاة ،يقول :
" ومنها ستر العورة " والستر : بالفتح التغطية ، وأما بالكسر : فهو ما يستر به .
والعورة في اللغة : النقصان والشيء المستقبح .
فيجب بما لا يصف البشرة..............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما في الاصطلاح : فهي القبل والدبر وما يستحيا منه .
" فيجب بما لا يصف البشرة " ستر العورة واجب ، ودليله القرآن والسنة والإجماع .
أما من القرآن : فقول الله عز وجل :" يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ".
(1/90)
والسنة : حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " وهذا في السنن ، وأصح منه حديث أسماء في الصحيحين : "يارسول الله إحدانا يصيب ثوبها دم الحيض أتصلي فيه ؟ " فهذا يدل على ستر العورة يعني أن الستر متقرر عندهم لكنها سألت عن الثوب الذي يصاب بدم الحيض هل تصلي فيه أو لا تصلي ؟
وكذلك الإجماع منعقد على ذلك كما ذكر ابن عبد البر رحمه الله .
قال " فيجب بما لا يصف البشرة " الساتر هذا يشترط له شروط :
الشرط الأول : أن لا يصف البشرة ، يعني لا يكون رقيقاً يصف البشرة ، فإن كان رقيقاً يصف البشرة من إحمرار واسوداد ونحو ذلك فإنه لا يصح الستر به ، لأن هذا لا يسمى ساتراً إذا كان يصف البشرة هذا لا يسمى ساتراً ، هذا دليل .
والدليل الآخر حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صنفان من أهل النار لم أرهما بعد وذكر منهما نساء كاسيات عاريات " قال العلماء : يدخل في الكاسية العارية
...................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التي تلبس ثوباً تكتسي به لكنه عاري في نفس الوقت لخفته لكونه رقيقاً خفيفاً .
الشرط الأول :أن لا يصف البشرة .
الشرط الثاني : أن لا يكون مضراً ، فإن كان مضراً فإنه لا يجب الإستتار به ، إذا كان يضر البدن فإنه لا يجب أن يستتر الإنسان إذا كان هذا الشيء الذي يستر به عورته يضره نقول : يسقط عنه الستر ، لقاعدة { لا ضرر ولا ضرار } ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها والواجبات تسقط بالعجز عنها .
(1/91)
الشرط الثالث : أن يكون مباحاً ، وعلى هذا لو كان محرماً فإنه يأثم كما لو كان مغصوباً أو ثوب حرير بالنسبة للذكر أو نحو ذلك ، نقول : بأنه يأثم لكن بالنسبة للصلاة نقول : بأن الصلاة صحيحة على الصحيح ، هو يأثم لكن بالنسبة للصلاة نقول : بأن صلاته صحيحة .
الشرط الرابع : أن يكون طاهراً ، وهذا دليله أدلة اجتناب النجاسة .
الشرط الخامس : أن يكون سابغاً يغطي ما يجب تغطيته .
" وعورة رجل وأمة ما بين سرة وركبة " عورة الرجل :يقول المؤلف رحمه الله رجل :
...................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقصود بالرجل : إذا قال رجل المقصود به البالغ ، فعورة البالغ من الذكور يقول المؤلف رحمه الله : ما بين السرة والركبة ، فيؤخذ من كلامه : أن السرة ليست عورة وأن الركبة ليست عورة ، وهذا قول جمهور أهل العلم ، جمهور العلماء : على أن عورة البالغ ما بين السرة والركبة وأن السرة ليست من العورة وأن الركبة ليست من العورة .
وعند أبي حنيفة : كرأي الجمهور إلا أنه يقول أن السرة من العورة ، أبو حنيفة يقول : أن السرة عورة والركبة ليست عورة .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، وأن السرة والركبة ليستا من العورة .
والدليل على ذلك : ما في صحيح البخاري معلقاً بصيغة التمرير من حديث ابن عباس وجرهد ومحمد بن مسلمة :" الفخذ عورة "
وأيضاً حديث محمد الجحش في الترمذي :" غطي فخذك فإن الفخذ عورة "
وكذلك أيضاً حديث علي في قصة حمزة لما شرب الخمر وثمل وعمد إلى شارفي جملي علي وطعنهما إلى آخره ، في الحديث أن حمزة رضي الله عنه صعد النظر إلى سرة
(1/92)
...................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك : على أن السرة ليست من العورة .
وأيضاً حديث مسلم في قصة أبي بكر قد جاء وقد رفع ثوبه وأبدى ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أما صاحبكم فقد غامر "
وحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما بين السرة إلى الركبة عورة ". إلى آخره .
فهذه الأدلة تدل على أن ما بين السرة والركبة عورة هذا في الصلاة .
في باب النظر هذا موضع خلاف ، جماهير أهل العلم : على أن الفخذ عورة كما تقدم
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الفخذ ليس عورة واستدلوا على ذلك بحديث أنس رضي الله تعالى عنه في دخول النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وقد أبدى شيئاً من فخذه .
وأيضاً ماثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أبدى شيئاً من فخذه حتى دخل عثمان رضي الله تعالى عنه ثم ستر وقال :" ألا أستحي من رجل تستحي
وأمة..............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منه الملائكة إلى آخره .
فمثل هذه الأحاديث اختلف العلماء رحمهم الله في تخريجها فبعض العلماء حملها بأن قسم العورة إلى قسمين :
القسم الأول : عورة مخففة ، وهي عورة الفخذ .
القسم الثاني : عورة مغلظة , وهي عورة القبل والدبر .
وبعض العلماء قال : بأن الفخذ ليس من العورة .
وبعض العلماء قال : بأن هذه عورة في حق الشاب الصغير وأما الكبير فليس عورة .
(1/93)
والرأي الأخير : أن الفخذ عورة إلا أطراف الفخذ ، يعني أوائل الفخذ الذي يكون حول الركبة فهذا ليس بعورة ، وهذا الذي يظهر أنه الذي دلت عليه السنة .
الذي دلت عليه السنة يقال : بأن الركبة ليست عورة وما حول الركبة من الفخذ أنه ليس من قبيل العورة ، هذا أقرب الأقوال ، أو أنه يفرق بين الكبير والصغير .
قال " وأمة " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : بأن الأمة ، مثل : أم الولد والمكاتبة
والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمدبرة والمعتق بعضها ، إلى آخره .
يقول المؤلف رحمه الله : بأن عورتها في باب الصلاة ما بين السرة والركبة ، وعلى هذا لو أن أمة سترت ما بين سرتها وركبتها نقول : بأن صلاتها صحيحة . وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : رأي ابن حزم وأنه لا فرق بين الأمة وبين الحرة وسواء كان ذلك في الصلاة أو في باب النظر .
والقاعدة عندنا في الإماء { أن الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية إلا لدليل }
لأن الرقيق إنما يفترق فيما يتعلق بالمال وهذا ليس من المال .
فالصواب : أن الأمة كالحرة تماماً كما سيأتي إنشاء الله .
" والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها " يقول المؤلف رحمه الله : الحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها وعلى هذا يجب عليها أن تستر قدميها و يجب عليها أن تستر كفيها وأيضاً تستر كل بدنها إلا الوجه ، تظهر الوجه ، وهذا ما
......................................................................................................................
(1/94)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أن الحرة البالغة كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال به كثير من أهل العلم .
كثير من العلماء يستثني الكفين والقدمين وأن المرأة لا يجب عليها أن تسترهما .
والحنابلة : دليلهم حديث أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، تصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها "
وكذلك أيضاً استدلوا بأنه ورد عن عائشة وابن عمر صلاة المرأة في الملحفة ، والملحفة : ثوب تتجلل به ، وإذا كانت تتجلل به فإنها ستستر يديها وقدميها .
والرأي الثاني : كما قلنا أنه لا يجب عليها أن تستر القدمين والكفين ، واستدلوا على ذلك : بحديث أسماء أنها قالت يا رسول الله إحدانا يصيب ثوبها دم الحيض تصلي فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه " فرخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تصلي في الثوب الذي
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/95)
أصابه دم الحيض إذا غسلت دم الحيض ، ثياب نساء الصحابة مثل ثيابنا الآن يعني يظهر الكفان ويظهر القدمان إذا كانت في بيتها فثوبها مثل هذه الثياب التي نلبسها الآن يظهر الكفان ويظهر القدمان بقي الرأس النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " فتبدوا منها الكفان ويبدوا منها القدمان والرأس تستره ، وهذا القول هو الصواب .
الصواب في هذه المسألة : أنه لا يجب عليها أن تستر قدميها ولا كفيها .
وأما حديث أم سلمة فهذا لا يصح مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو موقوف .
ذكر المؤلف رحمه الله عورة الحرة البالغة وعورة الرجل وعورة الأمة ، ما عدا هؤلاء عورة الصغير وعورة الحرة غير البالغة وغير ذلك ، نقول الخلاصة في ذلك : أن العورة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : عورة الأنثى البالغة سواء كانت حرة أو أمة ، الصواب : أن عورتها جميع البدن إلا الوجه والكفين والقدمين . هذا القسم الأول وهي عورة مغلظة .
ويجزئه في نفل ستر عورته وفي فرض سترها مع أحد عاتقيه ....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني : عورة الأنثى غير البالغة من التمييز إلى البلوغ سواء كانت حرة أو أمة ، هذه نقول : كلها عورة إلا الرأس والكفين والقدمين ، فلها أن تصلي في ثوبها دون أن تستر رأسها مادام أنها لم تبلغ بمفهوم حديث عائشة " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار "
القسم الثالث : عورة الذكر مطلقاً سواء كان بالغاً أو غير بالغ ما بين السرة إلى الركبة .
" ويجزئه في نفل ستر عورته وفي فرض سترها مع أحد عاتقيه " يعني في النفل : لا يجب على الذكر أن يستر أحد عاتقيه وإنما يستر العورة فقط ما بين السرة والركبة .
(1/96)
وفي الفرض : يقول المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يستر أحد عاتقيه ، مثلاً : في سنة الظهر لو أنه صلى وقد ستر ما بين السرة والركبة فصلاته صحيحه .
وفي فرض الظهر لو أنه صلى وستر ما بين السرة والركبة ولم يستر أحد عاتقيه فصلاته غير صحيحة على المذهب باطلة ، وهذا هو المذهب .
والرأي الثاني : رأي الجمهور ، جمهور العلماء رحمهم الله أن ستر أحد العاتقين في
وصلاتها في قميص وخمار وملحفة.................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفرض هذا ليس واجباً وإنما هو مستحب ، لحديث جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" في الثوب الواحد إذا كان واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فإتزر به " وإذا جعله إزاراً فقط فإنه لن يستر أحد عاتقيه .
وأما دليل الحنابلة : حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" فهذا محمول على الإستحباب .
" وصلاتها في قميص وخمار وملحفة " يعني يقول المؤلف رحمه الله : يستحب للمرأة أن تصلي في قميص ـ الثوب العادي هذا ـ وخمار تخمر رأسها وملحفة ، والملحفة : ثوب تتجلل به .
يعني المرأة تصلي في ثوب ، تستر عورتها ستراً مجزئ ، المجزئ : تصلي في ثوب وتستر رأسها بالنسبة للكفين والقدمين على الخلاف .
الستر المستحب : أن تضيف على ذلك ملحفة ، لورود ذلك عن عائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
فيقول المؤلف رحمه الله : يستحب أن تصلي في ملحفة ـ ثوب تتجلل به ـ لأن هذا
ويجزئ ستر عورتها وإن انكشف بعض عورة وفحش وطال أو صلى في ثوب محرم عليه
أو صلى في ثوب نجس أعاد.........................................................................................
(1/97)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وارد عن عائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
" ويجزئ ستر عورتها " يجزئ ستر عورتها في الفرض وفي النفل ، يعني لو أنها لم تلتحف نقول : بأن هذا مجزئ ولا بأس به ، الملحفة هذه مستحبة .
" وإن انكشف بعض عورة وفحش وطال أو صلى في ثوب محرم عليه أو صلى في ثوب نجس .أعاد "
إذا انكشف شيء من العورة في أثناء الصلاة أو انكشفت العورة هل تبطل الصلاة أو لا تبطل الصلاة ؟
نقول : هذا لا يخلو من أقسام :
القسم الأول : أن يكون ذلك عمداً ، يعني يتعمد الكشف فهذا تبطل الصلاة سواء كان قليلاً أو كثيراً طال الزمن أو قصر الزمن ، إذا تعمد كشف العورة نقول : بأنه يعيد الصلاة .
القسم الثاني : أن يكون غير عمد ويفحش ولم يطل الزمن ، يفحش : يعني يكون
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثير لكن الزمن قليل وغير عمد ، فنقول : ظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أن صلاته لا تبطل لأنه قال :وفحش وطال ، لا بد من أمرين : فاحش كثير ويطيل الزمن .
القسم الثاني : يكون غير عمد لكنه فاحش والزمن قصير لا تبطل الصلاة .
القسم الثالث : عكس هذا القسم غير عمد ويطول الزمن وغير فاحش ، يعني يسير والزمن طويل،على كلام المؤلف : لا تبطل لأنه اشترط شرطين فحش وطال الزمن .
القسم الرابع : غير عمد ويتوفر الشرطان فحش وطال الزمن ، كثير والزمن طويل ، ما الحكم هنا على كلام المؤلف تبطل أو لا تبطل ؟
نقول : تبطل لأنه قال : " فحش وطال الزمن ....... إلى أن قال أعاد "
(1/98)
فالأقسام أربعة يبطل في حالتين ولا يبطل في حالتين .
يبطل في حالتين وهما : عمد ، وطال الزمن وفحش .
إذا كان عمد فهذا ظاهر وإذا طال الزمن وفحش هذا يظهر أنه مفرط .
ولا يبطل في حالتين : غير عمد ولم يفحش ولو طال الزمن ، وغير عمد وفحش
أو ثوب نجس أعاد, ويصلي في حرير لعدم.....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقصر الزمن .
" أو ثوب نجس أعاد " إذا صلى في ثوب نجس يقول المؤلف رحمه الله : بأنه يعيد لأنه أخل بشرط من شروط صحة الصلاة .
والصواب : أن الصلاة بالثوب النجس أنه لا يعيد ، لأن النجاسة من باب التروك .
والتروك : يعذر فيها بالجهل والنسيان والإكراه إلا إذا كان متعمد فالأمر في ذلك ظاهر لكن إذا كان غير متعمد فإنه يعذر بالنسيان والجهل والإكراه لأن النجاسة من باب التروك وليست من باب الأوامر بخلاف ستر العورة ، ستر العورة إذا نسي أو أخطأ ونحو ذلك طال الزمن وفحش هذه من باب الأوامر فلا يعذر فيها بالنسيان والخطأ والإكراه لأنه يمكنه أن يستدرك الأوامر ففرق بين باب النواهي وبين باب الأوامر .
" ويصلي في حرير لعدم " يصلي من لم يجد ستر عورته إلا ثوب الحرير ولا يعيد الصلاة يعني لو كان الإنسان ليس عنده ثوب إلا ثوب حرير لا يجد ثوباً مباحاً من صوف أو قطن يصلي فيه وليس عنده إلا ثوب حرير نقول : يصلي فيه ما دام أنه لا
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/99)
يجد إلا هذا الثوب ولا يعيد لا تجب عليه الإعادة لأنه ستر عورته وكونه لبس الحرير هذا التحريم يعود إلى شرط العبادة ولأن التحريم هنا في حق الله عز وجل وهم يفرقون بين ما إذا كان التحريم لحق المخلوق أو لحق الله عز وجل كما سبق أن المؤلف رحمه الله قال : أو صلى في ثوب محرم عليه هذا كالمغصوب ،
المغصوب : يقولون بأنه إذا صلى في ثوب مغصوب أو مسروق أو منتهب ونحو ذلك يجب عليه أن يعيد الصلاة ، وإذا صلى في ثوب حرير يقولون : لا يجب عليه أن يعيد الصلاة ، والصحيح : أنه لا فرق بين المسألتين وأنه لايجب عليه أن يعيد الصلاة في كلا المسألتين لأن النهي هنا وإن توجه إلا شرط العبادة لكنه على وجه لا يختص بالعبادة ،
وسبق أن ذكرنا أن النهي هل يقتضي الفساد أو لا يقتضي الفساد ؟
وأن المسألة لها أربعة أقسام :
أن يعود إلى ذات المنهي عنه فيقتضي الفساد .
أن يعود إلى أمر خارج فلا يقتضي الفساد .
ومن حبس بغصب أو نجس ولا يعيد............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يعود إلى شرط العبادة أو المعاملة على وجه يختص يقتضي الفساد .
أن يعود إلى شرط العبادة أو المعاملة على وجه لا يختص فهذا لا يقتضي الفساد .
وهنا تعلق بشرط العبادة وهو ستر العورة على وجه لا يختص بالعبادة لأن الشارع نهى الذكر أن يلبس ثوب الحرير مطلقاً سواء في الصلاة أو في غير الصلاة ونهاه أن يلبس المغصوب مطلقاً سواء كان في الصلاة أو في غير الصلاة .
" ومن حبس بغصب أو نجس ولا يعيد " يعني من حبس في مكان مغصوب أو في مكان نجس فيقول المؤلف رحمه الله : بأنه يصلي ولا يعيد ، لا يجب عليه أن يعيد الصلاة .
أما إذا حبس في مكان مغصوب : هذا أن الله عز وجل يقول :" فاتقوا الله ما استطعتم "
(1/100)
وأما المكان النجس : فتقدم أن التخلي عن النجاسات من باب التروك ، وأبواب التروك يشترط فيها : أن يكون ذاكراً ، مختاراً ، عالماً ، وهنا ليس مختاراً بل هو مكره على ذلك لكونه محبوساً فصلاته صحيحة .
ومن وجد كفاية عورته سترها وإلا فالفرجين فإن كفى أحدهما فالدبر
أولى...............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكيف يصلي من حبس في مكان نجس أو في مكان غصب ؟
أما من حبس في مكان غصب فإنه يصلي صلاة عادية يركع ويسجد إلى آخره .
وأما من حبس في مكان نجس كما لو كان مكان فيه بول أو نحو ذلك فهذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تكون النجاسة يابسة ، فهذا يصلي صلاة عادية ، إذا كانت النجاسة يابسة نقول : هذا يصلي صلاة عادية يركع ويسجد إلى آخره .
الأمر الثاني : أن تكون النجاسة رطبة ، فإذا كانت رطبة فإنه يجلس على قدميه ويركع ركوعاً تاماً ويومئ بالسجود ، يعني يقف ويركع ركوعاً تاماً وبالنسبة للسجود يجلس على قدميه ويومئ بالسجود .
" ومن وجد كفاية عورته سترها وإلا فالفرجين فإن كفى أحدهما فالدبر أولى " هذه المسألة إذا وجد السترة أو بعض السترة ، فبأي شيء يبدأ ؟
فأصبحت الأحوال ثلاثة :
ويصلي جالساً ندباً يومئ ومن أعير سترة قبلها...........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الأولى : أن تكفي السترة لجميع العورة فهذا يستر جميع العورة .
الحالة الثانية : أن تكفي الفرجين فيستر الفرجين .
(1/101)
الحالة الثالثة : أن تكفي أحد الفرجين فهل يستر الدبر أو يستر القبل ؟
يقول المؤلف رحمه الله : " الدبر أولى " فنقول : يقدم الدبر ، وقوله أولى هذا يدل على أنه ليس على سبيل الوجوب ، لو ستر الفرج لا بأس لكن الأولى أن يستر الدبر ، لأن الدبر ...........في الركوع والسجود إلى آخره .
" ويصلي جالساً ندباً يومئ " بالنسبة لصلاة العاري لا تخلو من أمرين :
الأمر الأول : الجواز ، وهذا يصلي صلاة عادية فيقوم ويجلس ويركع هذا جائز ، هذا الأمر الأول .
الأمر الثاني : الإستحباب ، وهذا بينه المؤلف رحمه الله يستحب أنه يجلس ولا يقوم ويومئ بالركوع والسجود وهو جالس ، هذه على سبيل الإستحباب .
" ومن أعير سترة قبلها " يعني إذا كان الإنسان عرياناً ثم بعد ذلك أعير سترة لكي يصلي فيها فيقول المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يقبلها , ولا يمتنع عن قبولها لأنه
ويصلي العراة جماعة وإمامهم وسطاً وجوباً...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قادر على ستر عورته فيما لا ضرر فيه ، هنا لا تلحقه منة ولا يلحقه ضرر وهو قادر على ستر عورته .
" ويصلي العراة جماعة وإمامهم وسطاً وجوباً " العراة : لا تسقط عنهم صلاة الجماعة فإذا كان هناك مجموعة من الناس عراة وهذا يتصور بأن يكون هناك جماعة ثم يسطوا عليهم أناس من اللصوص فيسلبون ثيابهم ، فإذا حظرت الصلاة فإنهم يصلون جماعة ولا تسقط عنهم الجماعة ، بل الجماعة هنا تتأكد في حقهم ، وإنهم لو صلوا أفراداً فإن أحدهم قد يتقدم والأخر قد يتأخر فيكون فيه كشف للعورة ونظر للعورات إلى آخره .
فنقول : يجب عليهم أن يصلوا جماعة ويكون إمامهم وسطهم ، الإمام يكون في وسطهم فلا يتقدم عليهم .
الأصل : أن الإمام يتقدم ، هذا هو السنة ، إلا في موضعين :
(1/102)
الموضع الأول : هنا إمام العراة فإنه يكون في وسطهم ولا يجوز له أن يتقدم عليهم .
الموضع الثاني : إمامة النساء فإنها تكون وسطهن على سبيل الإستحباب ، لو تقدمت
وكل نوع وحده...........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا بأس .
فالإمام الأصل أنه يتقدم إلا في هذين الموضعين .
وكذلك أيضاً : يصلون صفاً واحداً إلا إذا كانوا عمياً أو في ظلمة فإنه لا بأس لو صلوا صفين ، لكن إن لم يكن ذلك فإنهم يصلون صفاً واحداً .
" وكل نوع وحده " إذا كان العراة على نوعين رجال ونساء ، فإن كل نوع يصلي وحده ، الرجال يصلون وحدهم والنساء يصلين وحدهن ، فيصلي الرجال ويستدبرهم النساء ، يعني تجعل النساء ظهورها إلى ظهور الرجال فإذا كانت هذه القبلة تكون وجوه النساء إلى الجهة الأخرى المقابلة للقبلة ، ثم بعد ذلك إذا انتهى الرجال تصلي النساء وحدهن صفاً وتكون وجوههن إلى القبلة ووجوه الرجال إلى الجهة الأخرى ، يعني يستدبرها الرجال .
وهذا إذا إتسع المحل ، إذا كان المحل متسعاً للرجل والنساء فإن النساء يصلين وحدهن والرجال يصلون وحدهم .
لكن لو ضاق المحل فإنه كما تقدم يصلي الرجال وتستدبرهم النساء ، النساء تكون
ويصلي عار قاعداً بالإيماء ندباً وإن وجد سترة قريبة في الصلاة ستر وبنى
و إلا ابتدأ.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ظهورها إلى ظهور الرجال ، ثم بعد ذلك تصلي النساء والرجال يستدبرون النساء .
(1/103)
فيتلخص : أن العراة إذا كانوا من الرجال والنساء لهم حالتين :
الحالة الأولى : أن يتسعهم المحل ، فنقول : يصلي كل نوع وحده .
الحالة الثانية : أن يضيق المحل ، فيصلي الرجال وتستدبرهم النساء ، ثم تصلي النساء ويستدبرهم الرجال .
" ويصلي عار قاعداً بالإيماء ندباً " تقدم الكلام عليه وذكرنا أن العاري له حالتان :
الحالة الأولى : حالة الجواز وهذا يصلي صلاة عادية .
الحالة الثانية : حالة الإستحباب وهذا يصلي قاعداً ولا يتربع بل ينظم ويومئ بالركوع والسجود .
" وإن وجد سترة قريبة في الصلاة ستر وبنى وإلا ابتدأ " إذا كان المصلي عرياناً أو كان بعض عورته بادياً ووجد سترة في الصلاة فأخص المؤلف رحمه الله أن أمره
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تكون السترة قريبة عرفاً ، فهذا يستتر يتناول هذه السترة ويستتر بها ، وحد القرب : لم يضبطه المؤلف رحمه الله ،
والقاعدة عندنا { أن ما ورد مطلقاً فإنه يرجه إلى العرف }
يرجع إلى عرف الناس فإذا دل العرف على أن السترة هنا قريبة فإنه يستر .
الحالة الثانية : أن تكون السترة بعيدة ، فنقول هنا يستأنف الصلاة ولا يبني .
فمثلاً : لو أنه تذكر أن هناك سترة في الدور الثاني هنا بعيدة عرفاً فلا بد أنه يقطع الصلاة ثم بعد ذلك يذهب ويأخذ السترة ويستتر بها .
أما إذا كانت قريبة ويستطيع أن يتقدم أو يستطيع أن يتأخر ويأخذ السترة ويستتر بها فنقول : هنا يستتر .
وما حكم الإستتار إذا وجد سترة في أثناء الصلاة ؟
نقول حكم الإستتار واجب ، يجب عليه أن يستتر لأن ستر العورة شرط من شروط
(1/104)
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحة الصلاة ، فإن كانت السترة قريبة فالأمر في ذلك ظاهر .
لكن إذا كانت السترة بعيدة عرفاً وجدها ، هل يقطع الصلاة ويستأنف أو نقول بأنه يمضي ؟
يظهر أنه مقيد بركعة ، إن صلى ركعة فإنه يمضي في صلاته ولا يجب عليه أن يقطعها لأنه أدرك هذه الصلاة ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة "
وإن لم يصلي ركعة فإنه يجب عليه أن يقطع الصلاة ويستتر ويستأنف من جديد .
" وكره في صلاة سدل واشتمال الصماء " هذه ألبسة أو هيئات في اللباس مكروهة ، يقول المؤلف رحمه الله يكره في الصلاة السدل ، والسدل : هو أن يطرح الثوب على كتفيه ولا يرد أحد طرفيه على الأخر ، يعني يلبس إزار ورداء فالإزار يتزر به والرداء يطرحه على كتفيه ولا يرد أحد الطرفين على الكتف الأخر ، هذا يسمى عند العلماء سدل فيكره السدل هذا ما عليه أكثر أهل العلم .
وبعض العلماء فسر السدل بأنه الإسبال لكن هذا التفسير غير صحيح ضعيف كما
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
" واشتمال الصماء " فسر التفسير الأول : أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره ، والاضطباع معروف في حال الإحرام : أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر . والاضطباع مسنون في طواف القدوم .
(1/105)
صورة الاضطباع : أن يأتي بالإزار ويتزر به ثم بعد ذلك يأخذ طرف الإزار ويضطبع به يجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر . هذا الاضطباع ويقولون هذا اشتمال الصماء .
وكما ورد في السنة تفسيره .
والعلة في النهي : أن ذلك سبب لكشف العورة فإذا كان متزر بالإزار ثم أخذ طرف الإزار واضطبع به جعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر يكون ذلك مدعاة لكشف العورة ، هذا التفسير الأول .
وقوله في التعريف : ليس عليه غيره لو كان عليه غيره هذا لا بأس به ، لو كان الإنسان عليه إزار ثم بعد ذلك لبس ثوباً آخر واضطبع به ، نقول بأن هذا جائز ولا
وتغطية وجه , وتلثم على فم وأنف..............................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأس به
التفسير الثاني : أن يتجلل بالثوب بحيث لا يكون له منافذ يعني يأتي بالثوب ويتجلل به كالصخرة الصماء بحيث لا يكون له منافذ ما تخرج يديه أثناء الركوع وأثناء السجود .. إلى آخره ، فهذا التفسير الثاني .
" وتغطية وجه " تغطية الوجه هذا ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يكون لسبب ، فإذا كان لسبب هذا لا يكره ، لو أن الإنسان مثلاً غطى وجهه لغبار يؤثر عليه أو لرائحة أو نحو ذلك ، فهذا لا يكره .
القسم الثاني : أن يكون لغير سبب ، فهذا مكره ، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة " وهذا الحديث أخرجه أبو داود والإمام أحمد رحمه الله وحسنه بعض العلماء كالشيخ الألباني رحمه الله .
وأيضاً يدل لذلك قول الله عز وجل :" يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد "
وتغطية الوجه أو الأنف ونحو ذلك هذا مخالف لأخذ الزينة في الصلاة .
" وتلثم على فم وأنف " هذا كما تقدم لا يخلو من أمرين :
(1/106)
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إما أن يكون لسبب ، أو يكون لغير سبب .
المهم أن مثل هذه الأشياء تغطية الوجه والتلثم على الفم والأنف أو تغطية الفم ونحو ذلك هذه كلها مخالفة لأخذ الزينة في الصلاة .
مخالفة لقول الله عز وجل :" يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد "
" ولف كمه وكفه بلا سبب " لف الكم : طويه ، أو لف الثوب طويه ، يعني يطوي كمه فهذا لف الكم .
كفه : شمره جذبه وشمره ، يعني إذا أراد أن يسجد كفه جذبه هذا كف الكم ، ولفه أن تطويه ، فيقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا مكروه ، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ولا أكف شعراً ولا ثوباً "
والحكمة من ذلك : أن السنة أن يسجد الإنسان تسجد معه أعضاؤه وثيابه وشعره لأن هذا أبلغ في الذل لله عز وجل ، يعني السجود هو أبلغ المواضع للتذلل لله عز وجل وإذا كان كذلك فإنه يكثر من التذلل لله عز وجل وهذا أبلغ في العبودية فيسجد مع الإنسان شعره وثوبه وأعضاؤه كلها تسجد ، ولهذا النبي صلى الله عليه
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وسلم يقول :" أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " كل الأعضاء الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأيضاً الثياب وأيضاً الشعر ، لأن السجود هو أبلغ المواضع التي يكون فيها الذل لله عز وجل .
(1/107)
لأن الإنسان يجعل أشرف مواضعه على الأرض لله عز وجل ، فإذا كان كذلك فإنه تحقيقاً وإكثار من عبودية الله عز وجل أن تكون هذه الأشياء كلها تسجد لله عز وجل الشعر والثياب والأعضاء هذه كلها تكون ساجدة لله عز وجل .
وأيضاً يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتجافي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجافي حتى يبدوا بياض أبطيه لأنه إذا جافى يكون يأخذ أكبر مكان من الأرض للسجود .
وأيضاً النبي عليه الصلاة والسلام قال :" اعتدلوا في السجود " والاعتدال لا ينظم الإنسان وإنما يكون معتدل ، وهذا يدل على أنه ينبغي للإنسان في مثل هذه الأشياء أن تسجد معه ثيابه وشعره وأعضاؤه وأن يجافي .. إلى آخره .
بلا سبب وكره شد وسطه كزنار............................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لأن هذا أبلغ في الذل لله عز وجل ويكون هذا أكثر تحقيقاً لعبودية الله سبحانه وتعالى .
ولا شك أن عزة الإنسان في تحقيقه للعبودية كلما كان أكثر عبودية لله عز وجل كلما كان أكثر عزاً ورفعةً .
" بلا سبب " يؤخذ من هذا أنه إذا كان هناك سبب لكف الكم أو الثوب أو لفه فإن هذا لا بأس به وعلى هذا نقول هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون لغير سبب فهذا مكروه كما ذكر المؤلف .
الأمر الثاني : أن يكون لسبب فهذا غير مكروه .
وكما يقال في الكم يقال في الثوب أيضاً ما يطوي ثوبه ولا يجذب ثوبه أثناء السجود .
لكن إذا كان لسبب كما لو كان ضيق الثوب لا يستطيع أن يسجد أو يؤذيه أثناء السجود قد لا يستطيع أن يسجد فإن هذا لا بأس به وجائز .
(1/108)
" وكره شد وسطه كزنار " يعني بما يشبه شد الزنار ، والزنار : هذا خيط غليظ وتحرم خيلاء في ثوب وغيره.....................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تشده النصارى على أوساطهم ، فنقول : شد الوسط ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما يشبه شد النصارى لأوساطهم ، فهذا يقول المؤلف رحمه الله : بأنه مكروه .
القسم الثاني : أن لا يشبه شد النصارى لأوساطهم ، فهذا جائز ولا بأس به لأن هذا من قبيل العادات ، والأصل في العادات : الإباحة .
والدليل على هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" من تشبه بقوم فهو منهم " فكل ما كان من خصائص الكفار فإنه لا يجوز التشبه بهم .
وكلام المؤلف رحمه الله على أن شد الوسط بما يشبه شد النصارى أنه مكروه .
والرأي الثاني : أنه محرم ولا يجوز ، أن التشبه بهم هذا لا يقتصر فيه على الكراهة وإنما هو التحريم ، وهذا القول هو الصواب .
الصواب في هذه المسألة : أنه محرم ولا يجوز لما تقدم من قول النبي عليه الصلاة والسلام :" من تشبه بقوم فهو منهم "
" وتحرم خيلاء في ثوب وغيره " الخيلاء هو الكبر والإعجاب ، فيقول المؤلف رحمه تحرم الخيلاء في ثوب وغيره وتصوير واستعماله في غير فرش وتوسد..........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الله :
" تحرم الخيلاء في ثوب وغيره " الإختيال في الثوب ، الإختيال في المركب ، الإختيال في العمامة وفي الخاتم وفي الهيئة وفي المشي .. إلى آخره .
هذه كلها محرم ولا يجوز .
(1/109)
وظاهر الحديث أنه من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب عليه عقوبة خاصة " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه " هذه عقوبة خاصة ، نقول بأن الخيلاء الكبر والإعجاب .. إلى آخره .
هذا من كبائر الذنوب .
" وتصوير واستعماله في غير فرش وتوسد " يقول المؤلف رحمه الله : وتصوير يعني يحرم عمل التصوير ،
والخلاصة في التصوير : أنه ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : التصوير باليد ، والتصوير باليد أنواع :
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ النوع الأول : تصوير ما يصنعه الآدمي ، مثل : أن يصور بيده سيارة أو بيتاً أو قلماً ونحو ذلك مما يصنعه الآدمي ، فنقول : هذا جائز ولا بأس به .
النوع الثاني : تصوير ما فيه حياة ولا روح فيه ، مثل : تصوير الشجر والفواكه والزروع ونحو ذلك ، هذه الأشياء فيها حياة لكن ليس فيها روح،فهذا أيضاً جائز .
لقول ابن عباس فإن كان ولا بد فإصنع الشجر ، وأيضاً كما ورد في قول جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام:" مر برأس التمثال فيقطع حتى يكون كهيئة الشجرة " ، وإن كان بعض العلماء قال في ذلك لأن الله عز وجل قال في الحديث القدسي :" فليخلقوا حبة أو أن يخلقوا شعيرة " .
النوع الثالث : تصوير ما فيه روح من الآدميين والحيوانات ونحو ذلك ، فهذا محرم ولا يجوز . لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وأنه من كبائر الذنوب ، وأخبر " أن كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ "
وأيضاً في الحديث القدسي أن الله عز وجل قال :" ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي
(1/110)
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا شعيرة "
هذا فيما يتعلق في التصوير في اليد وهذا كما ذكرنا أنه محرم ومن كبائر الذنوب وجماهير أهل العلم على هذا ، وإن كان ورد خلاف لكن هذا خلاف ضعيف .
القسم الثاني التصوير بالآلات : والتصوير بالآلات أيضاً نوعان :
النوع الأول : ما ليس له ظل ولا منظر وهو الذي يكون محفوظاً في الأشرطة ، مثل ما يسمى الآن بأشرطة الفديو ونحو ذلك فهذا موضع خلاف بين أهل العلم المتأخرين ، هل هو جائز أو ليس جائزاً ؟
فمن العلماء رحمهم الله من قال بتحريمه ، واستدل بعمومات أدلة تحريم التصوير .
الرأي الثاني : أنه جائز وليس محرماً وأن هذا ليس داخلاً في النصوير وإنما حبس لما صوره الله عز وجل ، وهذا يظهر والله أعلم الرأي الثاني أنه أقوى من الرأي الأول ، وأنه مجرد حبس لخلق الله عز وجل إذ إن علة تحريم التصوير لا تكاد تكون موجودة من مظاهات خلق الله عز وجل أو أنه وسيلة إلى الشرك ونحو ذلك .
إلا إذا كان سيترتب على ذلك محذور شرعي كتصوير النساء ، يظهر أن .......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تصوير النساء أن هذا محرم ولا يجوز ، المهم إذا كان سيترتب عليه محذور شرعي كتصوير النساء ... إلى آخره .
نقول : بأن هذا محرم ولا يجوز .
(1/111)
النوع الثاني : التصوير الفوتغرافي الذي يكون على الأوراق ، وهذا أيضاً موضع خلاف بين المتأخرين التصوير بالآلة هل هو جائز أو ليس جائز ؟
فذهب بعض العلماء إلى أنه محرم ، واستدلوا بعمومات أدلة التصوير ، وأن الذي عمل بهذه الآلة حتى أخرج هذه الصورة أنه داخل في اسم المصورين .
الرأي الثاني : قالوا بأن هذا جائز ولا بأس به ، واستدلوا على ذلك : قالوا بما تقدم من الدليل في النوع الأول وقالوا بأن هذا حبس للصورة التي خلقها الله عز وجل وأن هذا العمل ليس فيه محاكاة خلق الله عز وجل من كونه يصنع تقاسيم الوجه ونحو ذلك .
وإنما هو حبس لما خلقه الله عز وجل ، وعلى كل حال إذا ظهرت هذه الصورة فإنها صورة سواء قلنا بأن هذا العمل محرم أو ليس محرم ، فإن كانت هذه الصورة .......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ للحاجة فلا بأس بها وإن كانت لغير حاجة فالأصل أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو طمس الصور ، ولهذا في حديث أبي الهياج أن علياً رضي الله تعالى عنه قال له : أنا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدعن صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته .
فإذا خرجت فلا يقال بأنها ليست صورة وإنما هي صورة وهدي النبي عليه الصلاة والسلام هو طمس الصور .
وعلى هذا يمكن أن نقول بأن التصوير الفوتغرافي له حكم المقصود منه
ما هو المقصود من التصوير الفوتغرافي ؟
فإذا كان المقصود من التصوير الفوتغرافي الحاجة كأن يحتاج الإنسان إليها مثلاً لإخراج بطاقة أو لإخراج جواز سفر أو نحو ذلك من الحاجات أو شهادة وغير ذلك مما يحتاج إليها المسلم فإن هذا جائز ولا بأس به .
(1/112)
وإن كان لا يحتاج إليها وإنما صنعه لأجل الذكرى &&&&&&&
في غير فرش وتوسد................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " في غير فرش وتوسد " استعمال الصور ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : استعمال الصور على سبيل التعظيم سواء كانت هذه الصور مجسمة أو ملونة وسواء كان التعظيم تعظيم عبادة أو تعظيم علم أو تعظيم عادة ونحو ذلك ، فنقول : استعمالها على سبيل التعظيم هذا محرم ولا يجوز ، وفتنة قوم نوح ووقوعهم في الشرك إنما كان ذلك بسبب الصور .
القسم الثاني : استعمال الصور على سبيل الإهانة كما ذكر المؤلف رحمه الله بأن تكون في الفراش أو في المخدة الأشياء التي تمتهن وتوطأ ، مثل الفراش ومثل القطيفة ومثل المخدة .. إلى آخره .
فهل هذا جائز أو نقول بأنه ليس جائزاً ؟
كلام المؤلف رحمه الله أن هذا جائز ولا بأس به ، قال :
" في غير فرش وتوسد " أنه لا بأس بأن تكون الصورة في الوسادة التي يتكأ عليها لا بأس أن تكون الصورة في قطيفة لا بأس أن تكون الصورة في الكرسي الذي يجلس عليه ، أن هذا جائز ولا بأس به .
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ واستدلوا على ذلك بحديث عائشة في قصة الستر الذي فيه تصاوير فأخذته عائشة رضي الله تعالى عنها فجعلته وسادتين ، جعلته وسادتين قالت : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكأ على إحداهما .
وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله : وفيها صورة .
(1/113)
قالوا : هذا كون النبي صلى الله عليه وسلم يتكأ ، كون عائشة جعلت هذا الستر وسائد واتكأ النبي صلى الله عليه وسلم على إحداهما .. إلى آخره . هذا يدل على أن الصور إذا كانت مهانة هذا جائز ولا بأس به .
والرأي الثاني : أنه محرم حتى الصور التي تكون على سبيل الإهانة أن هذا محرم ولا يجوز .
واستدلوا على ذلك بحديث عائشة في قصة النمرقة ، وأن عائشة رضي الله تعالى عنها لما اشترت النمرقة التي فيها صورة قام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخل ، والنمرقة : هذه تتوسد ، نوع من أنواع الوسائد ، ومع ذلك النبي عليه الصلاة والسلام قام ولم يدخل ، وقال :" إن أصحاب هذه الصور يعذبون بها
..........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يوم القيامة يقال أحيوا ما خلقتم " وهذا في صحيح البخاري ، فهذا دليل على أنه حتى ولو كان استعمال الصور في الأشياء التي تمتهن أنه لا يجوز .
وكيف الجواب على الحديث السابق حديث عائشة في قصة الستر ؟
هذا أجاب عنه العلماء رحمهم الله قالوا : أنه يحتمل أن عائشة رضي الله عنها لما قطعت الستر جعلته وسائد أنها فصلت الرأس عن البدن ، البدن يكون مفصولاً ، وإذا كان مجرد بدن فإن هذا جائز ولا بأس به .
يعني إذا كان مجرد بدن هذا جائز ولا بأس به ،
يعني لا بأس أن الإنسان أن يصور اليد حتى ولو كان باليد ، ولا بأس أن يصور الرجل ، ولا بأس أن يصور الرأس ونحوذلك هذا جائز ولا بأس به .
لكن الذي يمنع من تصويره هو الوجه ، لأن الوجه هو الصورة كما ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .
(1/114)
القسم الثالث : استعمال الصور لا على سبيل الإهانة ولا على سبيل التعظيم ، فظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هذا غير جائز ، لأنه إنما أجاز استعماله بالإهانة ـ بالتوسد والفرش ـ وهذا القول هو الصواب .
إلا رقماً في ثوب..................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذه المسألة كالمسائل السابقة موضع خلاف ، مثلاً : لو استعمل لا على سبيل الإهانة ولا على سبيل التعظيم مثلاً في الثياب أو في ثياب الأطفال .. إلى آخره . الناس لا يستعملون الصور على سبيل التعظيم وأيضاً ليست مهانة تجد أنها في الثوب أو في الستار ونحو ذلك ، فهذا موضع خلاف .
الرأي الأول : أنه لا يجوز وهو ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
ويدل له ما تقدم من حديث عائشة في قصة الستر قصة النمرقة .
الرأي الثاني : ذهب بعض أهل العلم أنه جائز وأن الذي يحرم إذا كان على سبيل التعظيم ، وأن هذا جائز ولا بأس به .
واستدلوا بحديث أبي حذيفة ، وفي حديث أبي حذيفة أنه قال :" إلا رقماً في ثوب "
وقوله " إلا رقماً في ثوب " قالوا : هذا دليل على جواز التصوير أو الصور المرقومة في الثياب ، وهذا اللفظ
أولاً : اختلف في رفعه ، هل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو ليس من كلامه عليه الصلاة والسلام ، هذا الجواب الأول .
...........................................................................................................
(1/115)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الجواب الثاني : أن قوله " إلا رقماً في ثوب " يحتمل صورة ما فيه روح ، ويحتمل صورة ما فيه حياة وليس فيه روح كالأشجار ،
ويحتمل أيضاً صورة ما ليس فيه روح ولا حياة مما يصنعه الآدمي .
وعلى هذا يتلخص لنا أن استعمال الصور في أقسامه الثلاث:أنه محرم ولا يجوز .
استخدام الصور فيما يتعلق على سبيل التعظيم واستخدام الصور على سبيل الإهانة واستخدامها في غير مجال التعظيم ولا مجال الإهانة أن هذا محرم ولا يجوز .
لكن الآن كثرت الصور عند الناس تجد أن كثير من الصور توجد في المجلات والجرائد ونحو ذلك ، فهل هذه تمنع دخول الملائكة وهل يؤمر الإنسان بأن يطمس هذه الأشياء ؟
نقول : مثل هذه الصور إذا كانت غير مقصودة للإنسان وإنما تأتي تبع الإنسان ما اشترى هذا الكتاب من أجل الصورة التي فيه أو اشترى هذه المجلة من أجل الصورة وإنما للأخبار المفيدة ونحو ذلك فحينئذ يقال : بأنه لا يجب .
...........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أو مثلاً الآن توجد المعلبات والكراتين التي فيها الأطعمة ونحو ذلك هل نقول الإنسان يجب عليه أن يطمس هذه الأشياء ؟
نقول أن الصواب في مثل هذه الأشياء أن الإنسان لا يؤاخذ عليها ما دامت أنها غير مقصودة .
مادامت أنها غير مقصودة لذاتها وإنما جاءت تبعاً وإنما قصد الإنسان الأخبار أو الفوائد ونحو ذلك ، فنقول : هذا إنشاء الله ليس عليه شيء ،
لكن الأحسن أن تكون هذه الصور محفوظة خصوصاً إذاكان الإنسان يريد أن يؤدي عبادة في هذا المكان ونحو ذلك .
(1/116)
أما الصور التي تكون في الملابس حتى وإن كانت ملابس داخلية أو تكون في الأحذية ونحو ذلك ، فهذه داخلة فيما تقدم في القسم الثالث ، وهو إن لم يكن على سبيل الإهانة ولا على سبيل التعظيم وتقدم لنا أنه يجب طمس هذه الصور .
أما بالنسبة لألعاب الأطفال هذه تنقسم إلى قسمين :
...........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الأول : الألعاب التي تصنع عن طريق اليد فهذه جائزة ولا بأس بها حتى وإن كان لها وجه ، مثلاً : تصنع عن طريق اليد عن طريق القطن والخرق ونحو ذلك .
فنقول : هذه جائزة إنشاء الله ولا بأس بها .
ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فإن عائشة كان لها بنات تلعب بها ، وأيضاً كان لها صورة من خيل له جناحان .. إلى آخره .
القسم الثاني : اللعب التي تكون عن طريق الآلة ، مثل هذه الصور الآن التي تكاد تحكي خلق الله عز وجل ، فهذه موضع خلاف الآن بين المتأخرين :
الرأي الأول : منهم من تجاوز فيها وقال : لا بأس واستدل بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأنه يرخص للأطفال مالا يرخص للكبار .
الرأي الثاني : أن هذه محرمة لعموم أدلة التصوير والنهي عن التماثيل ، وجبريل لما لم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث :" قال النبي عليه الصلاة والسلام مر برأس التمثال فيقطع حتى يكون كهيئة الشجر "
وعلى ذكر ما غالبه حرير ظهوراً.......................................................
(1/117)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فقالوا : هذه داخلة في التماثيل وفي الأصنام وفي النهي عن التصاوير ونحو ذلك ، وهذا القول أحوط .
فالإنسان يتخذ لأطفاله الصور التي تكون من العهن ومن القطن والخرق ونحو ذلك ولو كان فيها تقاسيم الوجه هذا لا يضر إنشاء الله .
وأما الصو التي تكون من صناعة الآلات والبلاستيك ونحو ذلك فهذه الأحوط للإنسان أن يتجنبها .
" وعلى ذكر ما غالبه حرير ظهوراً " يعني يقول المؤلف رحمه الله : يحرم على الذكر استعمال أي منسوج غالبه : أي أكثره ، حرير ظهوراً .
وقوله " على ذكر " يخرج الأنثى .
ودليل ذلك حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً وذهباً فوضع أحدهما في يمينه والأخر في شماله وقال : هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها "
وكذلك أيضاً حديث علي رضي الله تعالى عنه والأحاديث في تحريم الحرير على الرجال كثيرة ،
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المهم هذا موضع إجماع أن المرأة يباح لها الحرير أما الذكر يحرم عليه الحرير لكن تحريم الحرير على الذكر ليس على سبيل الإطلاق هو في الجملة محرم لكن في مواضع يباح الحرير كما سيذكره المؤلف رحمه الله .
فقال " على ذكر ما غالبه حرير ظهوراً " قال : ما غالبه فقوله ما غالبه يدخل في ذلك ما كله حرير ويدخل في ذلك ما ليس غالباً أنه حرير ، فالأقسام في ذلك ثلاثة :
القسم الأول : أن يكون جميع الثوب حريراً ، فنقول : بأنه محرم ولا يجوز
(1/118)
القسم الثاني : أن يكون غالبه حريراً ، يعني هذا الثوب منسوج من الحرير و من الكتان مثلاً أو من القطن والحرير هو الغالب ولنفرض أن الحرير يساوي الثلثين والكتان أو القطن يساوي الثلث ، فنقول : بأن هذا محرم ولا يجوز .
القسم الثالث : أن يكون الغالب هو القطن أو الكتان يعني ما نسج مع الحرير يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن جائز ولا بأس به .
ولنفرض أن الكتان يساوي الثلثين وأن الحرير يساوي الثلث فنقول : بأن هذا حكمه أنه جائز ولا بأس به .
ومنسوج بذهب أو فضة.....................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الرابع : أن يكون الحرير وما نسج معه على النصف ، يعني الثوب نصفه حرير والنصف الأخر من القطن أو الكتان ونحو ذلك من الأشياء المباحة ، فيؤخذ من كلام المؤلف ماذا ؟ هل يؤخذ منه الجواز أو التحريم ؟
الجواز ، لأنه خص التحريم بالغالب فقط ، فيؤخذ من كلام المؤلف بأن هذا جائز ولا بأس به .
الرأي الثاني : أنه محرم ، وهذا القول أقرب : لأنه إذا اجتمعت الإباحة والتحريم فإننا نغلب جانب التحريم .
سيعود المؤلف رحمه الله على ما يتعلق بالحرير ومتى يباح المواضع الباقية سيذكر عدة مواضع سنتعرض لها .
" ومنسوج بذهب أو فضة " أيضاً الثوب المنسوج بالذهب أو الفضة يقول المؤلف رحمه الله : بأنه محرم ولا يجوز .
إذا كان على الذكور أما الإناث فإنه يباح لهن لبس ما جرت العادة أن تلبسه من الذهب والفضة ، فإذا جرت العادة بأنها تلبس ثوباً منسوج يعني فيه خيوط من الذهب فهذا جائز ولا بأس به .
..............................................................................................................
(1/119)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قد يوجد مثلاً ثياب فيها أعلام من الذهب قد تكون لبنة الجيب من الذهب أو من الفضة ، فنقول : بأن هذا جائز ولا بأس به ، المهم المرأة ما يتعلق بلبس الذهب والفضة والحرير هذا جائز ولا بأس به .
فلها أن تلبس من الذهب والفضة ما جرت العادة بلبسه .
ما جرت العادة أن تلبسه نقول يجوز لها أن تلبسه .
بالنسبة للذكر يقول المؤلف رحمه الله : لا يجوز له أن يلبس المنسوج من الذهب أو الفضة مطلقاً وكلام المؤلف رحمه الله سواء كان قليلاً أو كثيراً .
وعلى هذا لو كان الإنسان عنده مشلح ، الآن توجد بعض المشالح تكون أطرافها منسوجة بالذهب ، وبعض المشالح تكون أطرافها منسوجة بالفضة ، أو مثلاً يكون عنده ثوب فيه خيوط من الفضة أو خيوط من الذهب ، يقول : يحرم .
أو مثلاً عنده ثوب فيه أزارير من الذهب أو مثلاً المرآة التي يلبسها فيها شيء من الذهب أو الساعة التي يلبسها فيها شيء من الذهب أو الفضة ، يقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا محرم ولا يجوز .
قبل استحالته.................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " قبل استحالته " قبل استحالته : قبل تغير لونه ، فإن كان تغير لونه هذا الذهب والفضة تغير لونه بحيث أنه لو عرض على النار لم يتحصل منه شيء ، يقول : هذا جائز ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو قول أكثر أهل العلم ، أن الذكر لا يجوز له أن يلبس شيئاً من الذهب ولا من الفضة .
ودليلهم على ذلك ما تقدم قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى وحديث علي :" هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم "
(1/120)
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً وعليه خاتم من ذهب ، فقال :" يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في إصبعه " فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وألقاه .
والنبي عليه الصلاة والسلام في أول الأمر اتخذ خاتم من ذهب ثم بعد ذلك ألقاه فألقى الصحابة رضي الله تعالى عنهم خواتيمهم .
الرأي الثاني : ما يتعلق بالذهب والفضة :
أولاً : ما يتعلق بالذهب
..............................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الرأي الثاني : رأي شيخ الإسلام وهو مذهب أبي حنيفة في الجملة أنه يجوز اليسير من الذهب إذا كان تابعاً ، اليسير التابع من الذهب أن هذا جائز ولا بأس به.
وقولنا اليسير : يخرج الكثير .
وقولنا التابع : يخرج المستقل المنفرد .
فعندنا المستقل المنفرد هذا يحرم ولو كان يسيراً ، فلو أن الإنسان اتخذ خاتم من ذهب ... إلى آخره .
نقول : بأن هذا محرم ولا يجوز ما دام أنه مستقل ومنفرد .
وإذا كان كثيراً وهو تابع أيضاً هذا محرم ولا يجوز .
الرأي الثاني : إذا كان يسيراً تابعاً لمباح ، مثلاً خيوط من الذهب ، الثوب من قطن أو من كتان أو من صوف أو من شعر ... إلى آخره .
وفيه خيوط من الذهب فإن هذا جائز ولا بأس به على هذا الرأي لأنه يسير تابع ، ومثل ذلك لو أنه اشترى ساعة وفيها بعض المحركات من الذهب فإن هذا جائز ولا بأس به .
..............................................................................................................
(1/121)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أو مثلاً مرآة وفيها بعض الجوانب من الذهب فإن هذا جائز ولا بأس به ما دام أنه يسير وتابع .
واستدلوا على ذلك بحديث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب إلا مقطعاً ، أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وهذا حديث المسور بن مخرمة أنه ذهب هو وأبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب ، فالأزارير هذه تابعة لأنها مربوطة بالثوب ، فقالوا : بأن هذا يدل على الجواز .
ثانياً : الفضة ، كما تقدم الجمهور أن الفضة على الذكور أنها محرمه وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله سواء كثيرة أو يسيرة مما يتعلق باللباس سواء كانت فيه يسيرة أو كثيرة .
الرأي الثاني : أن الفضة الأصل فيها الحل للذكور .
وقد ورد في حديث أبي هريرة وإن كان فيه ضعف :" أما الفضة فالعبوا بها لعباً " وأيضاً قالوا أن الأصل الحل ولم يرد تحريم للفضة .
ويباح ما سدي بابريسيم وألحم بغيره..............................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويدل لذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من فضة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
" ويباح ما سدي بابريسيم وألحم بغيره " بابريسيم يعني حرير ، الابريسيم : الحرير ، وألحم بغيره : أي غير الابريسيم ، ألحم بقطن أو صوف ... إلى آخره .
فيقول المؤلف رحمه الله : يباح ما سدي بابريسيم وألحم بغيره : غير الابريسيم نحو الصوف والقطن ... إلى آخره .
(1/122)
وهذا يسمى عند العلماء رحمهم الله : بالخز ، فالخز يقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا جائز ولا بأس به ، ويشترط فيه أن يكون الحرير مستتراً وغير الحرير هو الظاهر ، يقول المؤلف رحمه الله : يباح ما سدي بابريسيم يعني الخز ، وألحم بغيره يعني ألحم بغير الحرير من القطن والكتان وغير ذلك ... إلى آخره .
وهذا يسمى الخز ، والخز جائز لبسه الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ولكن اشترطوا أن يكون الحرير مستتر والظاهر هو غير الحرير ، وسيأتي إنشاء الله الكلام عليه وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكيف الجمع بين ما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لبسوا الخز وورد أيضاً عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخز وركوب النمار ،فكيف الجمع ؟
هنا العلماء رحمهم الله قالوا : أنه إذا كان الثوب كله من الحرير فإنه يكون محرم ولا يجوز ، قالوا بأن النهي هذا محمول على أن الثوب كله من الحرير أما إذا كان سداه من الإبريسيم وألحم بالصوف يعني مدت خيوط الحرير نسجت على سبيل الطول ثم بعد ذلك ألحمت بصوف أو قطن ونحو ذلك شبك مع هذه الأشياء فإن هذا جائز ولا بأس به ، وسيأتينا إنشاء الله العلم في ثوب الحرير أنه جائز ولا بأس به .
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الخز على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : أنه اسم لوبر الأرنب .
النوع الثاني : أنه اسم للحرير إذا نسج معه غيره كما ذكر المؤلف رحمه الله .
النوع الثالث : أنه اسم لرديء الحرير .
(1/123)
فالنوعان الأولان مباحان ، يعني إذا كان من وبر الأرنب أو كان مما ذكر المؤلف رحمه الله مما سدي بابريسيم وألحم بغيره فيقول الشيخ بأن هذا جائز ولا بأس به.
والنوع الثالث أن يكون من رديء الحرير : فهذا محرم ولا يجوز ، لأنه لا يجوز للذكر أن يلبس الثوب الخالص من الحرير .
ويباح خالص لحكة.....................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ويباح خالص لحكة " لما ذكر المؤلف رحمه الله أن الحرير محرم على الذكور ذكر أنه يستثنى في بعض المواضع لبس الحرير :
فالموضع الأول : تقدم لنا عند قول المؤلف رحمه الله
" ويباح ما سدي بابريسيم وألحم بغيره " هذا الموضع الأول مما يستثنى .
الموضع الثاني : قال " ويباح خالص لحكة " هذا الموضع الثاني ، يعني لا بأس أن يلبس الذكر الثوب الخالص من الحرير إذا كان به حكة لأن الحرير ذاته باردة فهو يبرد هذه الحكة فإذا كان الإنسان مبتلى بحكة في بدنه فإنه لا بأس أن يلبس الحرير ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام بلبس ثوب الحرير لحكة بهما فإذا كان الإنسان به حكة فإن هذا جائز ولا بأس به .
الموضع الثالث : قال " وحرب " يقول المؤلف رحمه الله لا بأس أن يلبس ثوب الحرير في الحرب وذلك إذا تراء الجمعان إلى إبتغاء القتال ولو لغير حاجة ، لأن العلة من النهي عن لبس الحرير : ما يكسبه لابسه من الفخر والخيلاء ونوع من العجب ونحو ذلك ، ومثل هذه الأشياء هذه مطلوبة في الحرب ، يعني كون الإنسان يختال في مشيته في الحرب أو يفخر أو غير ذلك هذا فيه تقوية للمسلمين وإضعاف لجند الكفار ، فإذا لبس الحرير .. إلى آخره .
(1/124)
وقمل ومرض وحشو......................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان سيصحبه شيئاً من الخيلاء والفخر فإن هذه الأشياء مطلوبة في الحرب لأن الحرب يطلب فيها التقوي وإظهار الشجاعة ، ومثل هذه الأشياء إذا أظهرت في جند المسلمين فإنها تقوي عزائمهم وإذا أظهرت أمام الكفار فإنها توهن عزائمهم .
" وقمل " هذا الموضع الرابع : إذا كان الإنسان مبتلى بالقمل وهذا كان في الزمن السابق الإنسان يبتلى بهذا القمل ويكون معه في شعره ويكون في ثيابه .. إلى آخره .
والمجرب أن ثوب الحرير يطرد هذا القمل فنقول : لا بأس أن يلبس ثوب الحرير من أجل طرد القمل .
ودليل ذلك ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للزبير ولعبد الرحمن بن عوف بلبس ثوب الحرير لحكة بهما ، ولا شك أن القمل هذا مما يجلب الحكة
" ومرض " هذا الموضع الخامس : إذا كان الإنسان مريض وثوب الحرير ينفعه في مرضه فإن هذا لا بأس به ، ودليل ذلك ما تقدم من حديث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما لأن لبسهما إنما كان لحكة وهذا نوع من المرض .
" وحشو " هذا الموضع السادس : لا بأس أن يكون الحرير حشواً للفراش أو حشواً للجباب ونحو ذلك .
المهم يكون حشو للثوب هذا لا بأس به لأنه مستور ولا يرى ، فإذا كان الإنسان عنده فراش وجعل بداخله حريراً حشواً فإن هذا جائز ولا بأس به .
وعلم ثوب....................................................................................................
(1/125)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وعلم ثوب " يعني طراز الثوب ، علم الثوب طراز الثوب ، لا بأس إذا كان الثوب معلماً بالحرير فإن هذا لا بأس به ، يعني يكون عندنا ثوب وفيه أعلام من الحرير علم من الحرير هنا علم ... إلى آخره .
فنقول لا بأس لكن بشرط أن يكون أربعة أصابع فأقل إذا كان في الموضع الواحد في الموضع الواحد لابد أن يكون أربعة أصابع فأقل فلو كان هنا علم حرير أربعة أصابع فأقل لا بأس وبجانبه قطن خمسة أصابع ، أما لو كان بجانبه قطن أربعة أصابع فالأقرب : أنه لا يجوز .
لكن خمسة أصابع من القطن ثم بعد ذلك علم أخر من الحرير أربعة أصابع أو إصبعان فهذا جائز ولا بأس به ، يعني المهم أنه يشترط في الموضع الواحد أن لا يزيد على أربعة أصابع والعلم الأخر من المباح من القطن والصوف ونحو ذلك يشترط أن يكون أكثر منه ، فلو كان هنا ثلاثة أصابع من علم الحرير لا بأس أن يكون هناك أربعة أصابع من الصوف ، هنا إصبعان من علم الحرير لا بأس أن يكون هناك ثلاثة أصابع من علم القطن وهكذا .
المهم في الموضع الواحد لا يزيد عن أربعة أصابع وما بجانبه من صوف أو كتان ... إلى آخره .
هذا يكون أكثر منه ما يكون مساوياً له .
ورقاع..........................................................................................................
(1/126)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأما بالنسبة للثوب حتى لو كان فيه أكثر من أربعة أصابع فقد يكون الثوب فيه خمسة أعلام وكل علم يساوي أربعة أصابع يعني يساوي الآن عشرين أصبعاً فنقول : هذا لا بأس به لكن الذي يشترط أن يكون في الموضع الواحد أربعة أصابع فأقل ، وما بجانبه من الصوف أو الكتان ... إلى آخره .
يكون أكثر منه ، ودليل ذلك حديث عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " رخص في الحرير مقدار أصبعين أو ثلاثة أو أربعة "وهذا رواه مسلم في صحيحه
فنقول العلم هذا لا بأس به .
فلا بأس أن تطرز في الثوب علم حرير يطرز فيه لكن كما ذكرنا يكون أربعة أصابع فأقل في الموضع الواحد أما مجموع الثوب فهذا لا بأس به كما ذكرنا أيضاً الأعلام التي تكون بجانبه من قطن أو صوف أو نحو ذلك هذه تكون أكثر منه ، ودليله كما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة " كما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عمر .
" ورقاع " الرقعة هذا لا بأس لو أن الثوب انقطع أو انخرق لا بأس أن ترقعه برقعة من الحرير لكن كما ذكرنا لا بد أن تكون هذه الرقعة أربعة أصابع فأقل ما تزيد عن أربعة أصابع وهذا بالنسبة للعرض أما بالنسبة للطول فإنه لا يحسب يعني لو كان العلم من أول الثوب إلى آخره فإن هذا جائز ولا بأس به ، يعني قول النبي عليه الصلاة والسلام
وسجف...........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/127)
في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة المراد بذلك عرضاً وليس طولاً .
الطول لا بأس لو كان هذا العلم من أول الثوب إلى آخره ، فنقول : بأن هذا جائز ولا بأس به .
والرقعة : لو حصل في الثوب خرق أو شق ونحو ذلك فلا بأس أن يرقع بالحرير لكن يشترط أن يكون أربعة أصابع فأقل .
" وسجف " أيضاً سجف الفراء وهو ما يكون على أطراف الفروة ، مثل : الفراء التي تلبس في الشتاء يستدفأ بها ، أو مثلاً المشالح الذي يكون على أطرافها وتكون على أطراف الفتحة ، هذه لا بأس أن تكون من حرير .
يعني أطراف الفروة هذه لا بأس أن تكون من حرير ، بشرط أن تكون أربعة أصابع فأقل ، إذا كان الإنسان عليه مشلح وهذا المشلح أطرافه فيه حرير ،
نقول هذا لا بأس لكن بشرط أن يكون ذلك أربعة أصابع فأقل ، أما الطول فإنه لا يحسب .
لا ما فوق أربع أصابع مضمومة...................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" لا ما فوق أربع أصابع مضمومة " كذلك أيضاً هذه سبعة أشياء ذكرها المؤلف رحمه
الله .
الثامن مما يباح من الحرير : لبنة الجيب فهذه أيضاً لا بأس فيها ، والجيب : هي فتحة الرأس ، فهذه الفتحة لا بأس أن تكون من الحرير .
ولبنة الجيب التي تكون على فتحة الرأس هذه لا بأس أن تخاط من الحرير الخالص لكن بشرط أن يكون أربعة أصابع فأقل ، وهذا دليله كما تقدم حديث عمر في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة "
الموضع الحادي عشر : كسوة الكعبة أو ثوب الكعبة هذا رخص العلماء رحمهم الله أن يكون من الحرير .
(1/128)
وهذه الأشياء أو هذا الحرير المحرم إنما هو الحرير الطبيعي ، أما الحرير الصناعي الذي يوجد الآن يصنع في المكائن ونحو ذلك من مواد أخرى ... إلى آخره .
فهذا لا يحرم على الذكر ما يسمى الآن بالحرير وهوصناعي يصنع عن طريق الآلات ، فنقول : بأن هذا مباح ولا بأس به .
المحرم : إنما هو الحرير الطبيعي .
وكره لرجل معصفر في غير إحرام ومزعفر.............................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وكره لرجل معصفر في غير إحرام ومزعفر " يعني يقول المؤلف رحمه الله يكره للرجل لبس المعصفر ، والمعصفر : هو ما صبغ بالعصفر ، والعصفر : نوع من الثمار يوجد عند العطارين تصبغ به الثياب ولونه قريب من اللون الأحمر .
فيقول المؤلف رحمه الله يكره المعصفر للرجال ، أما النساء فلا يكره لهن ،
وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله دليله حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين فقال له النبي عليه الصلاة والسلام :" إن هذه من لباس الكفار فلا تلبسها " فأخذها عبد الله وألقاها في التنور ، وهذا أخرجه مسلم في صحيحه .
والرأي الثاني : التحريم للبس المعصفر ، أن المعصفر هذا محرم ولا يجوز ، لأن قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إن هذه من لباس الكفار فلا تلبسها " هذا لا يقتصر فيه على الكراهة وإنما يدل على التحريم كما ذهب إليه الشوكاني رحمه الله .
والرأي الثالث : الإباحة ، أن لبس المعصفر مباح ولا بأس به ، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء كما في الصحيحين ، والحمرة أبلغ من المعصفر .
ويظهر والله أعلم أن ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أقرب وأن المعصفر يكره .
(1/129)
أقرب شيء أن يقال بالكراهة ، لأنه كما سيأتينا إنشاء الله بالنسبة للأحمر حكم لبس الأحمر ... إلى آخره . سيأتي إنشاء الله .
ومزعفر لرجل................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما بالنسبة للمرأة فيجوز لها أن تلبس المعصفر ، لا بأس لها أن تلبس المعصفر والمزعفر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره عبدالله أنه أحرقها قال : " هلا كسوتها بعض أهلك " .
" ومزعفر " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : يكره المزعفر ، ودليل ذلك ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم" نهى الرجال عن التزعفر "
والمزعفر : هو ما صبغ بالزعفران .
فيقول المؤلف رحمه الله : بأنه يكره المزعفر .
والرأي الثاني : أنه مباح ولا بأس به ، لحديث عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة " وفي غير الصحيحين في السنن " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه كلها " فقالوا : أن هذا يدل على أنه مباح .
والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وأن المزعفر للرجال مكروه ،
وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على الجواز وأن هذا لا بأس به لو فعله الإنسان لا بأس به .
وقول المؤلف رحمه الله " لرجل " هذا يؤخذ منه أن المزعفر للمرأة هذا لا بأس به
وكره لرجل معصفر في غير إحرام ومزعفر.............................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/130)
قال : " وكره لرجل معصفر في غير إحرام ومزعفر " فيؤخذ من هذا أن المرأة لا بأس أن تتزعفر وأن تلبس الثوب المزعفر ، ويدل لهذا حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وعليه أثر خلوف من زعفران فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأخبره أنه تزوج .
فأجاب العلماء رحمهم الله أن هذا الحديث وأن عبد الرحمن بن عوف مع ورود النهي عن المزعفر للرجال ومع ذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبه شيء من الخلوف من الزعفران قالوا : هذا أصابه من المرأة ، لأن المرأة يباح لها أن تتزعفر فقالوا : هذا أصابه من المرأة وأن النهي إنما هو للرجال دون النساء .
كذلك بالنسبة للأحمر هل يكره أو لا يكره ؟
المشهور من المذهب أن الأحمر مكروه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المعصفر والحمرة أشد من المعصفر ، وأيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن النياكل الحمر
والرأي الثاني : أن الأحمر لا بأس به وأنه لا يكره ، واستدلوا على ذلك : بأن النبي عليه الصلاة والسلام لبس حلة حمراء .
والجواب عن هذا : إما أن نقول بأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النياكل الحمر هذا يحمل على الكراهة ، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم للحلة الحمراء هذا يدل
ومنها اجتناب نجاسة لا يعفى عنها في غير إحرام.............................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الجواز ، نقول هذا صارم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لبس هذه الحلة الحمراء
ليبين أن جائز وأن النهي للكراهة فقط .
(1/131)
الجواب الثاني : كما ذكر ابن القيم رحمه الله قال : بأن ما لبسه النبي صلى الله عليه وسلم من الحلة الحمراء أي الحلة غير الخالصة يعني ليست حمرتها خالصة ، كما تقول الشماغ أحمر هذا وفيه شماغ أبيض وفيه شماغ أسود ولا يلزم من ذلك أن يكون هذا الشماغ أو هذه العمامة أن تكون خالصة في الحمرة فالإنسان يلبس الشماغ ويقال له شماغ أحمر لكنه ليس خالصاً في الحمرة .
فنقول : الحمرة هذه مكروهة .
وقول المؤلف رحمه الله " في غير إحرام " يؤخذ من ذلك أن لبس الرجل للمعصفر في حال الإحرام أن هذا جائز ولا بأس به .
يعني هم يفرقون بين المزعفر والمعصفر ، المزعفر : يكره للرجل أن يلبسه مطلقاً .
والمعصفر : يقولون لا بأس أن يلبسه في حال الإحرام لا يكره لكن في غير الإحرام قالوا بأنه مكروه .
" ومنها اجتناب نجاسة لا يعفى عنها " أيضاً من شروط صحة الصلاة وهذا هو الشرط السابع ،
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط السابع من شروط صحة الصلاة : اجتناب النجاسة ، ودليل ذلك القرآن والسنة والإجماع بالجملة .
أما القرآن فقول الله عز وجل :" وثيابك فطهر " فإن بعض أهل العلم فسر ذلك بالتطهر من الخبث .
والسنة كثيرة من ذلك حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال :" إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول "
وأيضاً حديث " تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه "
وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر وفي حديث أبي سعيد لما كان يصلي فأتاه جبريل فأخبره أن في نعليه أذاً فخلعهما النبي عليه الصلاة والسلام .
(1/132)
والإجماع قائم في الجملة ، لكن العلماء رحمهم الله اختلفوا في اجتناب النجاسة هل هي من الشروط أو من الواجبات ؟
فما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن اجتناب النجاسة شرط من شروط صحة الصلاة .
والرأي الثاني : أن اجتناب النجاسة ليس شرطاً وإنما هو واجب من الواجبات بدليل أنه يسقط في حال النسيان وفي حال الجهل وفي حال الإكراه ، هذا دليل على أنه واجب لو كان شرطاً ما سقط ، وهذا ذهب إليه الشوكاني رحمه الله تعالى .
لا يعفى عنها...............................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول المؤلف رحمه الله " لا يعفى عنها " فيؤخذ من هذا أن النجاسة إذا كان يعفى عنها فإن الصلاة تصح معها ، وما هي النجاسة التي يعفى عنها ؟
يسير النجاسة هم يقولون إذا كانت دماً في غير مطعوم من حيوان طاهر .
دم : هذا الشرط الأول .
أن يكون يسيراً ، يسير دم من حيوان طاهر في غير مطعوم ، هذه نجاسة يعفى عنها .
وكذلك أيضاً قالوا : أثر الاستجمار بمحله ، هذه أيضاً نجاسة يعفى عنها .
أثر الاستجمار بمحله : يعني إذا بقي بعد الاستجمار نجاسة لا يزيلها إلا الماء ، قالوا : هذه نجاسة يعفى عنها .
فإذا أصاب الإنسان دم في ثوبه أو بدنه أو بقعته وكان هذا الدم يسير ومن حيوان طاهر وفي غير مطعوم ما وقع في طعام لو كان وقع في طعام حتى لو كان يسير ، يقولون : ما يعفى هذا له أن يصلي وصلاته صحيحة .
كذلك أيضاً لو أن الإنسان استجمر وبقي شيء من النجاسة لا يزيلها إلا الماء قالوا : هذه نجاسة يعفى عنها .
وتقدم لنا في باب إزالة النجاسة ما هي النجاسة التي يعفى عنها والتي لا يعفى عنها
(1/133)
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ومذهب أبي حنيفة بالجملة : أنه يعفى عن سائر النجاسات .وهذا القول هو الصواب .
فمن حملها أو لاقاها ببدنه أو ثوبه لم تصح صلاته......................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا نقول إذا كانت النجاسة يسيرة فإنه يعفى عن يسيرها ...........
وقول المؤلف رحمه الله : ومنها اجتناب نجاسة : أي اجتناب نجاسة في بدن المصلي وفي ثوبه وفي بقعته التي يصلي عليها .
وكذلك أيضاً لا يحمل هذه النجاسة .
" فمن حملها أو لاقاها ببدنه أو ثوبه لم تصح صلاته " من حملها : يعني حمل النجاسة ولنفرض أن الإنسان معه قارورة فيها نجاسة أو أصاب ثوبه أو بدنه أو بقعته التي يصلي عليها ، قال : أو لاقاها يعني لاقا النجاسة التي لا يعفى عنها ببدنه أو ثوبه لم تصح صلاته لأنه لم يجتنب النجاسة .
لاقاها ببدنه أو ثوبه ، صورة ببدنه : يعني سجد ووضع يده على النجاسة ، هنا الآن لاقاها ببدنه .
أو ثوبه : سجد وثوبه سجد على النجاسة ، يقول : لا تصح صلاته .
أما لو أنه سجد والنجاسة مقابلة لصدره حيث لا يلاقيها لا ببدنه ولا بثوبه ، فنقول : بأن صلاته صحيحة ، أو كانت النجاسة بين ركبتيه مثلاً النجاسة بين ركبتيه ولم يلاقها أثناء السجود لا ببدنه ولا بثوبه ، فنقول : بأن صلاته صحيحة .
وإن طين أرضاً نجسة......................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وإن طين أرضاً نجسة " إن طين أرضاً نجسة : يعني جعل الطين على أرض نجسة ، إما نجسة ببول أو غائط أو دم مسفوح ونحو ذلك .
فنقول بأن صلاته صحيحة .
" أو فرشها صفيقاً طاهراً صحت " أو فرشها صفيقاً : يعني سميكاً ، يعني أتى بفراش سميك ووضعه على هذه الأرض التي عليها نجاسة وصلى ، فإن صلاته صحيحة .
ويؤخذ من ذلك أنه إذا فرشها فراشاً خفيفاً : أنه لا تصح صلاته ، يعني لو فرشها فراشاً خفيفاً أن صلاته لا تصح .
(1/134)
" وكره " لاعتماده على النجاسة ، يقول المؤلف رحمه الله يكره ، والعلة في ذلك : أنه معتمد على النجاسة .
والصواب في ذلك : عدم الكراهة ، لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر.. إلى الدليل الشرعي .
الصواب في هذه المسألة : أنه لا يكره .
ومثل ذلك أيضاً لو صلى على بيارة ، وضع مصلاه على بيارة وصلى عليه ، أو وضع فراشه على البيارة وصلى عليه ، فنقول : بأن صلاته صحيحة ولا بأس بذلك إنشاء الله .
وتصح على طاهر بطرفه نجاسة إلا إن تعلق به نجس ينجر............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتصح على طاهر بطرفه نجاسة " يقول المؤلف رحمه الله : تصح على طاهر بطرفه نجاسة ، لأنه لم يلاقي النجاسة لا ببدنه ولا بثوبه فلو كان الإنسان عنده مصلى وهذا المصلى في طرفه نجاسة ، في أحد أطرافه يمين أو شمال ، في الشمال نجاسة أو في وسطه نجاسة هذا المصلى وإذا سجد فإنه لا يلاقي هذه النجاسة ببدنه ولا بثوبه ، فنقول : بأن صلاته صحيحة.
" إلا إن تعلق به نجس ينجر " يعني إذا تعلق به نجس ينجر ، هو قالك المؤلف رحمه الله : تصح على طاهر بطرفه نجاسة ، والعلة في ذلك ك كما ذكرنا بأنه لم يلاقها لا ببدنه ولا بثوبه هنا قال : إلا إن تعلق به نجس ينجر : يعني إذا تعلقت النجاسة بالمصلي فإن ذلك لا يخلو من أمرين :الأمر الأول : أن تكون النجاسة من ما ينجر بمشي المصلي ، فلا تصح صلاته ، ولنفرض أن الإنسان عنده كلب وهذا الكلب ربط في عنقه حبل ومعه طرف الحبل ، الآن لو مشى المصلي هل يمشي الكلب معه أو لا يمشي ؟يمشي ، نقول : لا تصح الصلاة ، لأنه قال : لا تصح الصلاة .والعلة في ذلك : قالوا لأنه مستتبع للنجاسة فهو كحاملها .
(1/135)
الأمر الثاني : أن لا ينجر بمشيه ، كما لو كان معه حبل وهذا الحبل مربوط بصخرة كبيرة أو حيوان وهذه الصخرة نجسة أو هذا الحيوان بحيث أنه إذا مشى لا ينجر بمشيه ، فنقول الصلاة صحيحة .
ومن وجد به نجاسة بعد صلاته وعلم أنها كانت فيها لكن نسيها ونحوه أعاد وجوباً..............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في هذه المسألة : أن الصلاة صحيحة في كيلا الحالتين سواءً كانت النجاسة تنجر بمشيه أو لا تنجر بمشيه .
" ومن وجد به نجاسة بعد صلاته وعلم أنها كانت فيها لكن نسيها ونحوه أعاد وجوباً " يقول المؤلف رحمه الله : ومن وجد به نجاسة بعد صلاته وعلم أنها كانت فيها لكن نسيها : صورة المسألة : هذا إنسان صلى وبعد أن صلى وجد في ثوبه نجاسة أو في بدنه نجاسة وهو يعلم أن هذه النجاسة موجودة قبل الصلاة لكن نسي أن يزيلها وصلى ، فيقول المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يعيد الصلاة .
كان يعلم أن النجاسة موجودة لكن نسي ، فيقول المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يعيد الصلاة .
والعلة في ذلك : كما لو صلى محدثاً ناسياً فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة .
والصحيح في ذلك : أنه لا يعيد الصلاة وأن هناك فرق بين الحدث وزوال الخبث ، فالحدث : من باب الأوامر لا يعذر فيه بالنسيان والإكراه .
وأما بالنسبة لإزالة الخبث : فهو من باب التروك يعذر فيها بالنسيان والجهل والإكراه .
فالصحيح : أنه إذا نسي وصلى ، نقول : بأن صلاته صحيحة ولا شيء عليه .
وإلا فلا ومن جبر عظمه أو خيط جرحه بنجس لم يجب إزالته مع ضرر....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/136)
" وإلا فلا " يعني إذا كان لا يعلم ، بعد إن انتهى من الصلاة وجد على ثوبه نجاسة أو على بدنه نجاسة لا يعلم أن هذه النجاسة كانت موجودة قبل الصلاة ، فيقول المؤلف رحمه الله : بأن صلاته صحيحة لاحتمال أن تكون هذه النجاسة وجدت بعد الصلاة .
" ومن جبر عظمه أو خيط جرحه بنجس لم يجب إزالته مع ضرر " يقول المؤلف رحمه الله : من جبر عظمه أو خيط جرحه بنجس ، جبر عظمه : مثال ذلك : انكسر عظمه فاحتجنا إلى عظم كلب فأخذنا قطعة من عظم الكلب ووضعناها مع عظمه فإنجبر ، أحياناً يحصل كسر فيسقط جزء من العظام فنحتاج إلى قطعة من العظم ، فأخذ مثلاً قطعة من عظم الكلب أو قطعة من عظم الميتة ووضعت هذه القطعة من العظم على هذا الذي انكسر عظمه فالتحم ، هذه القطعة من العظم إلتحمت مع عظام هذا الشخص الذي انكسر عظمه .
أو خيط جرحه بنجس : يعني بخيط نجس ، ولنفرض أن هذا الخيط أخذ من لحم ميتة ، هذا الخيط صنع من لحم ميتة أو صنع من لحم خنزير فخيط الجرح .
هل يجب إزالة هذه القطعة من العظم النجس ؟ عظم الكلب أو عظم الخنزير أو عظم الميتة ، أو هل يجب إزالة هذا الخيط النجس أو نقول بأن هذا لا تجب إزالته ؟
فصل المؤلف رحمه الله قال : إن كان هناك ضرر فإنه لا يجب إزالته .
وإن لم يكن هناك ضرر فإنه تجب إزالته .
وما سقط منه من عضو أو سن طاهر...................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإذا كان يحتاج إلى أن نقوم بكسر العظم وإخراج هذه القطعة ... إلى آخره .
أو إخراج هذا الخيط ، فيه نحتاج إلى شق الجلد أو قطع اللحم ... إلى آخره .
المهم إذا كان هناك ضرر فإنه لا يجب ، للقاعدة الشرعية { لا ضرر ولا ضرار }
والله عز وجل يقول :" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "
(1/137)
وإن لم يكن هناك ضرر فإنه تجب إزالته ، يعني مثلاً إذا كان هذا الخيط ظاهر وإزالته لا توجب ضرر ، أو هذا العظم ممكن أنه يقلع ويوضع بدل عنه عظم طاهر فإنه يجب .
المهم أن الحكم يتعلق بالضرر ، فإن كان هناك ضرر فلا يجب ، وإن لم يكن هناك ضرر فإنه يجب إزالته .
وهذه المسألة تكلم عليها القفهاء رحمهم الله في القديم وهي ما يسمى الآن بزراعة الأعضاء ، الآن يتكلمون عن حكم زراعة الأعضاء فمثل هذه المسألة فيها نوع من الزراعة وذلك بأنك تأخذ هذه القطعة من العظم وتضعها مع هذا العظم الذي تكسر ... إلى آخره ، ويكون في هذا نوع من الزراعة .
" وما سقط منه من عضو أو سن طاهر " يعني ما سقط من الآدمي من عضو أو سن طاهر لأن الآدمي طاهر في حال الحياة وفي حال الممات وسواء كان مسلماً أو كافراً ، ودليل ذلك قول الله عز وجل :" اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب
ولا تصح صلاة في مقبرة.....................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من قبلكم " فالمحصنة من أهل الكتاب يباح الزواج منها ، فالزواج منها يدل على أنها طاهرة لأن المسلم سيخالط زوجته .
وكذلك أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إن المؤمن لا ينجس "
فما سقط من عضو أو سن طاهر ، وهذه تقدم أن تكلمنا عليها في ضوابط الأشياء النجسة ، ما هي الأشياء التي نجسة وما هي الأشياء التي ليست نجسة ؟ وما أبين من حي فهو كميتته كما في حديث أبي واقد الليثي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما قطع من البهيمة وهي حية فهو كميتته " وميتة الآدمي طاهر فما سقط من سنه أو عضو من أعضاءه نقول : بأنه طاهر .
" ولا تصح صلاة في مقبرة " يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الصلاة في المقبرة
(1/138)
فالأصل : أن الصلاة تصح في كل بقاع الأرض هذا هو الأصل ، ويدل لذلك حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً "
قوله عليه الصلاة والسلام :" وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " فنقو ل الأصل : أن الصلاة صحيحة في كل بقاع الأرض ، هذا الأصل ، وهذا من خصائص هذه الأمة لأن الأمم السابقة لا تصح صلواتهم إلى في مواضع معينة كما أنهم لا يتطهرون بالصعيد لكن من خصائص هذه الأمة أن الصلاة تصح في كل بقعة ، وأيضاً الأرض طهور كما أن الماء طهوراً
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استثنى المؤلف رحمه الله قال : في مقبرة ، هذا الموضع الأول من المواضع التي لا تصح الصلاة فيها .
والمقبرة : هي كل ما دفن فيه ، فكل ما دفن فيه هذا مقبرة لا تصح الصلاة فيه .
* وهل الدفن حتى تحرم الصلاة مقيد بعدد أو ليس مقيد بعدد ؟
هذا موضع خلاف :
الرأي الأول : ذهب بعض العلماء بأنه إذا دفن قبر أو قبران أن هذا جائز ولا بأس به .
الرأي الثاني : أنه لا يجوز حتى ولو دفن قبر واحد ، لأن العلة من النهي عن الصلاة في المقبرة هي خشية الشرك ، أن الصلاة في المقابر ذريعة إلى الشرك بالله عز وجل هذا هو الصحيح في العلة .
لأن أول شرك حدث في العالم سببه تعظيم الصالحين ، الغلو في الصالحين وكونه يصلي في المقبرة هذا يؤدي إلى الغلو في هؤلاء الصالحين فيكون ذلك ذريعة إلى الشرك ، ويدل لذلك أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما صنعوا ولو لا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً "
وأيضاً حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الأرض كلها مسجد إلى المقبرة والحمام "
(1/139)
وحمام...............................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصحيح أنه المقبرة لا تصح الصلاة فيها وسواء دفن فيها قبر واحد أو دفن فيها قبران .. إلى آخره . المهم ما دام أن هناك من القبور في هذه المقبرة فإنه لا تصح الصلاة فيها .
هذا الصواب في هذه المسألة ، وذكرنا العلة ، وبعض العلماء قال : لا تصح الصلاة في المقبرة لأن ذلك خشية النجاسة لأن دماء الأموات تتحلل و... إلى آخره .
وتختلط بالتراب ، وهذه العلة ضعيفة والصحيح : هو ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله أن العلة في النهي عن الصلاة في المقابر : خشية الشرك وأن الصلاة فيها ذريعة إلى الشرك والشارع جاء لسد ذرائع الشرك وحمى حِمى التوحيد .
وتكلمنا في كتاب التوحيد عن حكم العبادات في المقابر وذكرنا التفصيل في ذلك مما يتعلق بالقراءة والدعاء والصلاة ... إلى آخره .
" وحمام " أيضاً لا تصح الصلاة في الحمام ، والحمام : هو المغتسل العام الذي يكون للناس ، فلا تصح الصلاة فيه ، ودليل ذلك حديث أبي سعيد السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الأرض كلها مسجد إلى المقبرة والحمام " فهذه المغتسلات العامة التي تكون للناس هذه لا تصح الصلاة فيها لأن مثل هذه الحمامات تكون مأوى للشياطين ويحصل فيها شيء من انكشاف العورات والتساهل في بعض الحرمات ... إلى آخره .
وعطن إبل..........................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا تصح ، وهذه وجدت بعد الفتوحات الإسلامية في عهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم وجدت مثل هذه الحمامات .
" وعطن إبل " هذا الموضع الثالث الذي لا تصح الصلاة فيه وهو معاطن الإبل ، ومعاطن الإبل : هي ما تقيم وتأوي إليه ، هذا التفسير الأول .
العلماء رحمهم الله اختلفوا في معاطن الإبل ما المراد بها .
(1/140)
فقيل بأن معاطن الإبل : هي ما تقيم وتأوي إليه ، فالأحواش تقيم فيها وتأوي إليها هذه هي معاطن الإبل لا تصح الصلاة فيها .
الرأي الثاني : أن معاطن الإبل : هي المواضع التي تردها بعد ورود الماء ، يعني بعد أن ترد الماء يكون لها مواضع ترد فيها الإبل هذه المواضع ... إلى آخره .
والصحيح في ذلك : أن معاطن الإبل شاملة لأمرين :
أما المكان الذي تأوي إليه في المرعى تجلس فيه في المرعى ثم تقوم منه ... إلى آخره .
فهذه ليست داخلة في معاطن الإبل .
فمعاطن الإبل : إما المواضع التي تردها بعد ورود الماء ، أو المواضع التي تأوي وتقيم فيها ، فنقول : هذه هي معاطن الإبل ، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أنصلي في مرابض الغنم ؟ فقال عليه الصلاة والسلام:" نعم " قيل : أنصلي في معاطن الإبل ؟ قال :" لا " .
وحش ومجزرة ومزبلة وقارعة طريق..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وحش " الحش : هو المرحاض مكان قضاء الحاجة فلا تصح الصلاة فيه ، وإذا كانت الصلاة لا تصح في الحمام فالحش من باب أولى ، ولأن هذه المواضع مأوى للشياطين .. إلى آخره ، فنقول لا تصح الصلاة فيها .
" ومجزرة ومزبلة " المجزرة : هي مكان ذبح الجزور ، مكان نحر الجزور وذبح البقر والغنم ... إلى آخره .
مكان الذبح يعني يجزر فيها الجزور ينحر وتذبح فيها البقر والغنم ... إلى آخره .
فيقول المؤلف رحمه الله : لا تصح .
والمزبلة : مكان إلقاء الكنائس ، الكناسة والزبل مكان إلقائها يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الصلاة فيه .
" وقارعة طريق " قارعة الطريق : هو ما تقرعه الأقدام أثناء المرور عليه ، فيقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الصلاة في هذه المواضع الثلاثة .
وما هو الدليل على ذلك ؟
(1/141)
الدليل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبع مواطن : المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا الصلاة في المجزرة أو المزبلة وقارعة الطريق نقول : الأصل في ذلك الصحة والحل ، وعلى هذا لو صلى الإنسان في مزبلة أو مجزرة أو قارعة طريق نقول : الأصل في ذلك الصحة ، لكن بدلاً من هذه الأشياء نقول :
الموضع الرابع : المكان النجس ، بدلاً من أن نقول المجزرة ، لأن ماهي العلة من النهي عن الصلاة في المجزرة والمزبلة ؟ حصول النجاسة .
العلة في ذلك : هي حصول النجاسة .
وعلى هذا نقول الصحيح في ذلك : نقول بدلاً من أن نقول المجزرة والمزبلة ... إلى آخره .
نقول : المكان النجس ، لا تصح الصلاة في المكان النجس سواء كان مزبلة أو مجزرة أو غيرهما .
فإن كان المكان طاهراً يعني هذا المكان أعد لجزر بهيمة الأنعام يعني ذبحها لكن المكان طاهر نظف من الدم المسفوح فالصلاة فيه صحيحة لا نقول بأن الصلاة باطلة ، أو هذا المكان أعد لإلقاء الزبائل أو الكناسة ... إلى آخره ، ونظف ،
فنقول : الصلاة فيه صحيحة .
فالصواب : بدلاً من ذلك نقول المكان المغسول .
ولا في أسطحتها...............................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله : قارعة الطريق أيضاً الأصل في ذلك : الصحة ، وقوله قارعة الطريق : يعني ما تقرعه الأقدام في المرور عليه .
يؤخذ من هذا أن ما كان على جوانب الطريق لا تقرعه الأقدام بالمرور عليه ما كان على جوانب الطريق يمنة ويسرة فإن هذا تصح الصلاة فيه .
(1/142)
الذي لا تصح الصلاة فيه هو الذي ما يقرعونه .
على هذا لو أن الإنسان سار في جانب الطريق من جهة اليمين ومن جهة الشمال وصلى على كلام الفقهاء رحمهم الله أن صلاته صحيحة لكن المكان الذي يمرون من عنده هو الذي لا تجوز الصلاة عليه .
" ولا في أسطحتها " يعني أسطحة تلك المواضع ، وهنا يتأمل الأسطحة المقبرة إذا صلى في سطح المقبرة هل العلة موجودة أو ليست موجودة ؟
نقول العلة موجودة هذا يسلم .
إذا صلى في عطن الإبل ، أعطان الإبل لو فرضنا الحوش الذي تقيم فيه وتأوي إليه الإبل مسقف عليه سقف ثم بعد ذلك صلى فوقه هل العلة موجودة أو ليست موجودة ؟
العلة : في أعطان الإبل أنها مأوى للشياطين وقال بعض العلماء : أن روثها نجس ، لكن هذا ضعيف والصحيح : أن روثها طاهر ، نقول أن العلة ليست موجودة فالصحيح : أن الصلاة في أسطحة معاطن الإبل أن هذا جائز ولا بأس به ولا يدخل في النهي .
وحش ومغصوب...............................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وحش " أيضاً سطح الحش ، لو كان الإنسان عنده دورة مياه وصلى فوق دورة المياه هذه ، هل العلة موجودة أو ليست موجودة ؟
نقول : ليست موجودة ، وعلى هذا نقول أن الصلاة على سطح الحش : أن هذا جائز ولا بأس به .
المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق : هذه أمرها ظاهر لأنا قلنا الصحيح أنها تستبدل بقولنا المكان النجس ، والصلاة على سطح المكان النجس هذه جائزة ولا بأس بها .
وعلى هذا قوله : في أسطحتها لا نستثني إلا المقبرة .
" ومغصوب " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الصلاة في المكان المغصوب ، وهذا النهي يعود على شرط العبادة على وجه لا يختص .
وسبق أن ذكرنا أن النهي إذا عاد على شرط العبادة على وجه لا يختص أنه لا يقتضي الفساد وهذا الصواب في هذه المسألة ، نقول يأثم لكن الصحيح أن صلاته صحيحة كما هو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله .
(1/143)
وحينئذٍ يتلخص لنا أن الخلاصة في ذلك : أن الأصل صحة الصلاة في كل بقاع الأرض إلا : أولاً : المقبرة وسطحها .
ثانياً : الحش .
ثالثاً : الحمام .
وتكره إليها....................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ رابعاً : معاطن الإبل .
خامساً : المكان النجس .
ما عدا ذلك تصح الصلاة فيه .
" وتكره إليها " يعني تكره إلى هذه المواضع ، الصلاة إلى هذه المواضع هم يقولون إن كان هناك حائل فلا تكره وإن لم يكن هناك حائل فإنها تكره الصلاة إليها .
يعني مثلاً يكره أن تصلي إلى الحمام يكره أن تصلي إلى الحش يكره أن تصلي إلى معاطن الإبل يكره أن تصلي إلى المقبرة ... إلى آخره .
والصحيح في ذلك التفصيل : هم يقولون إن كان هناك حائل فلا للكراهة وإن لم يكن هناك حائل فإنه يكره ، فمثلاً الحش إذا كان هناك حائل جدار موجود الآن فالحمام له جدار هذا حائل لا تكره الصلاة ، لكن لو لم يكن هناك جدار يقولون بأنه يكره .
الأقرب في هذه المسألة الصلاة إلى هذه الأشياء : نقول أما بالنسبة للمقبرة فإنه لا تصح الصلاة إليها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " نهي النبي صلى الله عليه وسلم نهى .
ويرجع في ذلك إلى العرف فإذا صلى إلى هذه المقبرة بحيث يعتبر مصلياً إليها فنقول : لا تصح صلاته ، أما إذا كان بعيداً عنها بحيث من رآه لا يقول بأنه مصلياً إلى القبور فنقول : بأن صلاته صحيحة هذا بالنسبة للمقبرة .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المقبرة الصلاة إلى القبور أو القبر أو المقبرة إلى آخره ، نقول هذا فيه تفصيل :
(1/144)
ولا تصح الصلاة إليها لما ذكرنا من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها "
عندنا الحمام ، هل تصح الصلاة إلى الحمام أو نقول لا تصح الصلاة إلى الحمام ؟
المؤلف رحمه الله يقول : لا تصح الصلاة إلى الحمام كما ذكرنا أنهم يفصلون فيقولون أنه إذا كان هناك حائل فالصلاة صحيحة وإن لم يكن هناك حائل فالصلاة تكون مكروهة .
لأن المؤلف رحمه الله قال : وتكره .
إن كان هناك حائل فالصلاة صحيحة بلا كراهة وإن لم يكن هناك حائل فإنها مكروهة .
ما ذكروه بالنسبة للحمام والحش وأن الصلاة إليها مكروهة هذا صحيح لأن الشارع نهى أن يبصق الإنسان أمامه في الصلاة ، وكذلك أيضاً النبي عليه الصلاة والسلام عزل الإمام الذي بصق في القبلة فيؤخذ من هذا أن قبلة المصلي لا ينبغي أن يكون فيها شيء مستقذر ، شيء مستقذر من حش أو حمام أو نحو ذلك ، وأن الإنسان عليه أن يتنزه من هذه الأشياء .
فالصلاة إلى مثل هذه الأشياء وكما ذكر الفقهاء رحمهم الله أنها تكره .
ولا تصح فريضة في الكعبة ولا على ظهرها.......................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك أيضاً المكان النجس كما تقدم إلى آخره ، إذا كان هناك نجاسة فيظهر والله أعلم أنها تكره .
أما الصلاة إلى المغصوب إلى آخره ، فهذه لا تكره الصلاة إليه ، الصلاة إلى المغصوب نقول لا تكره الصلاة إليه .
أعطان الإبل أيضاً يظهر أنها تكره لأن روث الإبل وإن كان طاهراً فإنه من المستقذر ، فالصحيح أن الصلاة إلى هذه الأشياء نقول تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما يحرم ولا تصح الصلاة وهو المقبرة .
القسم الثاني : ما لا يكره وهو الصلاة للمغصوب .
القسم الثالث : ما يكره وهو بقية هذه الأشياء التي عددوها ، المكان النجس الحش الحمام عطن الإبل ... إلى آخره .
(1/145)
لكن كما ذكرنا أن الفقهاء رحمهم الله يقولون إذا كان هناك حائل فلا كراهة وإن لم يكن هناك حائل فإنه يكره مثل هذه الأشياء .
" ولا تصح فريضة في الكعبة ولا على ظهرها " يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الفريضة في الكعبة ودليل ذلك ما تقدم من حديث ابن عمر " وفوق ظهر بيت الله " وهذا الحديث كما ذكرنا ضعيف .
والحجر منها......................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني في هذه المسألة : أن الصلاة في جوف الكعبة وعلى ظهرها أن هذا جائز ولا بأس به فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث بلال وحديث ابن عباس صلى في جوف الكعبة ، ا .
والقاعدة { أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا لدليل }
فالصحيح في ذلك أن الصلاة في جوف الكعبة أن هذا جائز ولا بأس به .
وكذلك أيضاً على سطحها جائز ولا بأس به .
"والحجر منها " يعني يقول المؤلف رحمه الله : الحجر من الكعبة ، والحجر : هو ما فضل من البيت ، وسمي حجراً لأنه محجر بهذا الجدار القصير وفضل من البيت لأن قريشاً جمعت لعمارة البيت ماستطابت من أموالها ولم تتمكن من عمارة جميع البيت بما جمعته من المال ففضل هذه الفضلة فبني عليه هذا الجدار الصغير فسمي الحجر ، فالحجر من البيت والصلاة فيه صلاة في البيت فإذا صليت في الحجر كأنك صليت داخل الكعبة تماماً وعلى هذا لا تصح الصلاة ، صلاة الفريضة في الحجر لأنه من البيت .
وإذا قلنا بأن صلاة الفريضة تصح في البيت فإنها تصح في الحجر .
ما هو ضابط الحجر ، يعني هذا الجدار هل جميع المحجر من البيت أو بعضه من البيت وبعضه ليس من البيت ؟
وتصح النافلة فيهما ومنها استقبال القبلة فلا تصح بدونه إلا لعاجز..............................................................................................
(1/146)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما دام أن جدار الحجر مستقيم فهذا من البيت فإذا بدأ بالإنحناء هذا ليس من البيت ، بعض العلماء حده بستة أذرع وبعضهم حده بسبعة أذرع ... إلى آخره .
لكن ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال : مادام أن الجدار مستقيم فهذا من البيت فإذا بدأ بالإنحناء فإنه خارج البيت .
" وتصح النافلة فيهما " يعني تصح النافلة في الحجر وفي الكعبة والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة ، صلى النافلة داخل الكعبة .
هذه قلنا أن الصواب في هذه المسألة : أن النافلة والفريضة كل منهما تصح داخل الكعبة ، وإن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض .
" ومنها استقبال القبلة فلا تصح بدونه إلا لعاجز " قوله منها : أي من شروط صحة الصلاة .
استقبال القبلة : المراد بذلك الكعبة فلا تصح بدونه ، والدليل على أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة القرآن والسنة والإجماع .
فلا تصح بدونه................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أما القرآن فقول الله عز وجل :" ومن حيث خرجت فولي وجهك شرط المسجد الحرام "
وأما السنة فالأحاديث في هذا كثيرة منها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في قصة الرجل الذي لم يحسن الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر " فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ثم استقبل القبلة فكبر .
وأيضاً فعل النبي عليه الصلاة والسلام فإن النبي عليه الصلاة والسلام داوم على استقبال القبلة في الفرض وفي النفل وفي الحظر وفي السفر إلى أن توفاه الله ، وكان أولاً يستقبل بيت المقدس ثم بعد ذلك نسخ استقبال بيت المقدس إلى استقبال البيت الحرام .
(1/147)
وأما الإجماع فالمسلمون مجمعون على ذلك من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا .
قال " فلا تصح بدونه " أي بدون الإستقبال .
إلا لعاجز ولمسافر متنفل.................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال " إلا لعاجز " لما ذكر المؤلف رحمه الله أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة ذكر أن هذا الشرط يسقط بأمور :
الأمر الأول : العجز عن استقبال القبلة ، فإذا عجز عن استقبال القبلة كما لو كان مربوطاً إلى غير القبلة هذا لا يتمكن إذا كان مربوطاً َإلى غير القبلة ، ومثله أيضاً في حال إشتداد الحرب قد لا يتمكن من الاستقبال .. إلى آخره .
هذا الموضع الأول .
الموضع الثاني : المشقة الظاهرة فإذا كان في استقبال القبلة يلحقه حرج ومشقة مثل المريض الذي إذا استقبل القبلة سيلحقه تعب وحرج ومشقة ونحو ذلك فنقول : يسقط عنه الاستقبال .
" ولمسافر متنفل " هذا الموضع الثالث .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الموضع الثالث الذي يسقط فيه استقبال القبلة : المسافر إذا كان متنفلاً ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله : أنه إذا كان داخل الحظر فإنه لا يسقط إستقبال القبلة ، إذا كان مقيماً غير مسافر فإنه لا يسقط استقبال القبلة ولو كان في النافلة .
وعلى هذا لو أنه يمشي في طرق المدينة وهو مقيم فإنه لا يسقط عنه استقبال القبلة .
وكذلك أيضاً قوله متنفل هذا يخرج المفترض ، فالمفترض إذا كان يتمكن من استقبال القبلة فإن الاستقبال لا يسقط عنه .
وقوله : متنفل يشمل المتنفل الراكب الذي على سيارة أو باخرة أو طائرة ونحو ذلك ، وكذلك أيضاً يشمل المتنفل السائر الماشي على رجليه ، فيصح أن يصلي ولو لم يستقبل القبلة ، ويصلي إلى جهة قصده .
(1/148)
ويفتتح الصلاة إليها إن لم يشق.....................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ويفتتح الصلاة إليها إن لم يشق " يقول المؤلف رحمه الله : يفتتح الصلاة إليها ، هل يجب عليه أن يفتتح الصلاة إلى القبلة أو لا يجب عليه ؟
لما ذكر المؤلف رحمه الله أن المسافر المتنفل يسقط عنه استقبال القبلة ، قال : ويفتتح الصلاة إليها إن لم يشق ، يعني يسقط عنه الاستقبال ولكن يفتتح الصلاة إلى القبلة يعني يكبر تكبيرة الإحرام ثم بعد ذلك يصلي جهة قصده فلو كان يقصد هذه الجهة وقبلته إلى هذه الجهة فإنه ينحرف عند تكبيرة الإحرام ويستقبل القبلة ثم يكبر ثم يواصل جهة سيره ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، واستدلوا على ذلك بحديث أنس رضي الله تعالى عنه في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتنفل في السفر استقبل القبلة ثم بعد ذلك صلى جهة سفره .
والرأي الثاني : أن هذا ليس شرطاً وليس واجباً يعني لا يجب عليه في بدإ الصلاة أن يستقبل في تكبيرة الإحرام .
ويركع ويسجد أيضاً إليها ماش......................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ودليل ذلك : أن الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في السفر لم يذكروا ذلك مثل ابن عمر وعامر ابن الربيعة وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
وهذا القول هو الصواب .
وعلى هذا يحمل ما ورد من توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبلة في تكبيرة الإحرام هذا يحمل على الاستحباب .
" ويركع ويسجد أيضاً إليها ماش " هو لما ذكر المؤلف رحمه الله : أنه يسقط الاستقبال في السفر للمتنفل استثنى مسألتين لا بد فيها من الاستقبال :
المسألة الأولى : في حال تكبيرة الإحرام وتكلمنا عليها وذكرنا دليلهم وأن الصواب أن هذه المسألة لا تستثنى وأنه لا بأس أن يكبر جهة قصده إذا كان إلى غير جهة القبلة .
(1/149)
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الثانية مما يستثنى : إذا كان ماشياً يعني يمشي على رجليه قال :يركع ويسجد إليها .
فالمسألة الثانية التي تستثنى من سقوط الاستقبال للمتنفل المسافر إذا كان يمشي على رجليه فإنه إذا ركع يتوجه إلى جهة القبلة وإذا سجد أيضاً يتوجه إلى جهة القبلة .
والصواب في ذلك : أنه لا يستثنى شيء .
لأن الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا وإن كان النبي عليه الصلاة والسلام كان راكباً لكن الماشي يأخذ حكم الراكب .
ولإن العلة من سقوط الاستقبال : هي تكثير النفل والتخفيف ... إلى آخره .
فإذا اشترطنا مثل هذه الشروط وأوجبنا مثل هذه الواجبات فإن هذا يفوت العلة التي قصدها الشارع .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وسقوط الاستقبال للمسافر إذا كان راكباً هذا إذا لم يتمكن من الاستقبال أما إذا كان يتمكن من الاستقبال كما لو كان في سفينة أو في باخرة فيمكن أن يقوم ويستقبل ، فنقول : بأنه يجب عليه أن يستقبل ، لكن إذا كان يلحقه مشقة ونحو ذلك كما لو كان سفره في سيارة والأمكنة ضيقة ، فنقول : يصلي جهة سيره ولا شيء عليه .
لكن بالنسبة للفريضة : ينتظر لا يصلي حتى إذا كان سينزل في الوقت ، أما التنفل لا نقول انتظر نقول تنفل ولو كان إلى غير القبلة ، أما إذا كان يتمكن كما لو كان في باخرة والمكان كبير واسع فإنه يصلي إلى جهة القبلة أو مثلاً في طائرة يستطيع معها ... إلى آخره .
أما إذا كان لا يتمكن أو يلحقه مشقة ... إلى آخره ،
فنقول : صل إلى جهة سيرك .
ومن قرب من الكعبة ففرضه إصابة عينها ومن بعد جهتها...........
(1/150)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ومن قرب من الكعبة ففرضه إصابة عينها ومن بعد جهتها " من قرب من الكعبة وما هو ضابط القرب ؟
ضابط القرب : أن يكون داخل المسجد الحرام فإذا كان داخل المسجد الحرام فإنه يجب عليه أن يصيب عين الكعبة لا جهتها فالجهة غير مجزئة ، فلو فرضنا أن هذه عين الكعبة ثم انحرف يميناً أو يساراً عن الكعبة هو في جهة الكعبة لكنه انحرف يميناً أو يساراً فعلى كلام المؤلف رحمه الله : أنه لا يجزئه ذلك بل لابد أنه يكون إلى عين الكعبة تماماً وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
والرأي الثاني : ذهب إليه بعض الشافعية وأنه تكفي الجهة يعني لو توجه إلى عين الكعبة وانحرف يميناً أو يساراً فإن ذلك كاف .
فنقول ضابط القرب : هو أن يكون داخل المسجد الحرام هذا الموضع الأول .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الموضع الثاني : من كان ناشئاً بمكة ... إلى آخره .
فيقولون بالنسبة للاستقبال له أن يكون إلى عين الكعبة هذا الموضع الثاني يضيفه بعض العلماء رحمهم الله .
والموضع الثالث : يقولون من كان بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ففرضه أيضاً إصابة العين للجهة .
والصواب في هذه المسائل :
أن من كان خارج المسجد الحرام فإنه يجب عليه أن يصيب الجهة ، وكذلك أيضاً من كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الصواب : أنه لا يجب عليه أن يصيب العين وإنما يجب عليه أن يصيب الجهة ولهذا كان اصفوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم معتدلاً ليس متقوساً وهذا مما يدل على أن الواجب هو إصابة الجهة أو التوجه إلى الجهة لا إصابة عين الكعبة .
ومن بعد جهتها...............................................................................
(1/151)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ لكن من كان داخل المسجد الحرام فإنه يحتاط ويجتهد في التوجه إلى عين الكعبة .
" ومن بعد جهتها " يعني من بعد عن الكعبة يقولون : يكفي أن يصيب الجهة ، إلا أنهم كما تقدم يستثنون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يقولون بأن قبلته متيقنة .
والصواب : أنه لا يستثنى وأن من بعد فإنه يكتفي بجهتها.
وقال المؤلف رحمه الله : الجهة ولم يقل العين وعلى هذا فلو حصل تيامن أو تياسر عن العين فإن هذا لا يضر .
والدليل على ذلك : قول النبي عليه الصلاة والسلام:" ما بين المشرق والمغرب قبلة " وهذا يقوله لأهل المدينة وأهل المدينة قبلتهم إلى جهة الجنوب .
ويعمل بخبر عن يقين وبمحراب إسلامي ويستدل عليها في السفر بالقطب وبغيره................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا من كانت قبلته إلى جهة الجنوب فهي بين المشرق والمغرب ، وكذلك من كانت قبلته إلى جهة الشمال فهي بين المشرق والمغرب ، كذلك من كانت قبلته إلى جهة الغرب مابين الشمال والجنوب فكل هذه الجهة قبلة فإن تيامن بيسار أو صلى هكذا أو صلى هكذا كل هذا جائز ولا بأس به ما لم يتوجه إلى الجانب الغربي الجنوبي أو الجانب الغربي الشمالي فإذا كان في الركن هنا خرج عن الجهة ،
يعني إذا توجه إلى الركن بحيث أنه يكون بين الغرب والجنوب أو بين الغرب والشمال هنا يكون خرج عن الجهة ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :" ما بين المشرق والمغرب قبلة "
" ويعمل بخبر عن يقين وبمحراب إسلامي ويستدل عليها في السفر بالقطب وبغيره " هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان الأدلة التي يستدل بها على القبلة فالدليل الأول : الخبر ويشترط في المخبر شروط :
..........................................................................................................
(1/152)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشرط الأول : أن يكون مكلفاً يعني بالغاً عاقلاً وعلى هذا الصبي لا يصح خبره لأنه لا يوثق بقوله والمجنون لا يصح خبره لو أخبر مجنون أن هذه القبلة لا يؤخذ بخبره لأنه لا يوثق بقوله فنشترط أن يكون مكلفاً .
الشرط الثاني : أن يكون ثقة ، وعلى هذا إذا كان غير ثقة بأن يكون معروفاً بالتساهل والكذب ونحو ذلك فإنه لا يعتمد على قوله .
الشرط الثالث : العدالة ، هل تشترط العدالة أو لا تشترط العدالة ؟
المذهب : أن العدالة شرط ، أن يكون عدلاً في الظاهر وفي الباطن وعلى هذا لو كان عليه فسق في الظاهر أو في الباطن يعني يعمل شيء من الذنوب في الظاهر أو في الباطن ما يصح خبره ولا يعتمد عليه .
والصواب : أن العدالة ليست شرطاً وإنما يكتفى بالأمانة لأن الله عز وجل قال :" إن خير من استأجرت القوي الأمين " والأمانة هي الثقة .
فنقول : مكلف ثقة يعني الأمين .
عن يقين..........................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " عن يقين " هذا الشرط الرابع : لابد أن يخبرك بالقبلة عن يقين ليس عن ظن وإنما عن يقين ، يعني يقول أنا رأيت المحراب إلى هذه الجهة أو رأيت القطب ممن يعرف الإستدلال بالأدلة الأفقية القطب والشمس ومنازلها ... إلى آخره ، فيقول : رأيت القطب وجهت القبلة كذا وكذا إلى آلآخره .
فإن كان عن ظن فإنه لا يكتفى بذلك .
والصواب : أنه يكتفى بذلك حتى ولو كان أخبرك عن ظن ... إلى آخره .
لأن الظن له مدخل في العبادات ولهذا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لما ذكرت غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالت : حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء على سائر بدنه .
وبمحراب إسلامي وعليها في السفر بالقطب....................................
(1/153)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وبمحراب إسلامي " هذا الدليل الثاني مما يستدل به على القبلة : المحاريب الإسلامية ، لأن المسلمون اتفقوا عليها مع تتابع الإزمنة ولا تجوز مخالفته إذا علم أنه للمسلمين .
وقوله : إسلامي هذا يخرج محاريب النصارى ، محاريب النصارى تكون إلى جهة الشرق فهذه لا يعتد بها وإنما يعتد بمحاريب المسلمين .
" وعليها في السفر بالقطب " هذا الدليل الثالث مما يستدل به على القبلة : القطب ، والقطب : نجم خفي شمالي حوله أنجم دائرة كفراشة الرحى ، فإذا جعله المصلي وراء ظهره في الشام يكون استقبل القبلة .
يعني الشام ومن والاها إذا جعله وراء ظهره يكون استقبل القبلة ، وفي مصر إذا جعله على عاتقه الأيسر يكون استقبل القبلة وهكذا تجد أن العلماء رحمهم الله يحددون الأماكن ، وفي الحجاز كذا ... إلى آخره .
" وبغيره " أي غير القطب كالشمس والقمر هذا الدليل الرابع : الشمس والقمر ومنازلهما فإن الشمس تطلع من المشرق وتغرب من المغرب .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك أيضاً ذكر الفقهاء رحمهم الله في المطولات أنه يستدل على القبلة بالجبال الكبيرة ويستدل أيضاً بمصاب الأنهار ويستدل أيضاً بالرياح ... إلى آخره .
وهذه العلامات التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله ذكروا أيضاً كيف يستدل على هذه العلامات الأرضية ؟
يعني من الرياح ومن الجبال ومن الأنهار ... إلى آخره .
كيف يستدل بها ؟
وكذلك أيضاً يستدل على القبلة ما يوجد الآن من الآلات الحديثة كالبوصلة ونحوها فهذه الآلات الحديثة التي وجدت هذه مما تعين على تعيين جهت القبلة وهي تفيد الظن والظن معتبر في العبادات تقدم لنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء على سائر بدنه .
(1/154)
ولا يتبع مجتهد مجتهداً خالفه ولا يقتدي به.................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ولا يتبع مجتهد مجتهداً خالفه ولا يقتدي به " المجتهد في باب القبلة هو من يعرف أدلة القبلة وكيف الإستدلال بها هذا المجتهد .
ليس المجتهد هو الذي يتحرى يميناً وشمالاً .
المجتهد هو من يعرف أدلة القبلة وكيف الإستدلال بها يعرف أن من أدلة القبلة القطب ويعرف كيفية الإستدلال به ، يعرف أن من أدلة القبلة الشمس والقمر وكيف يستدل بالشمس والقمر ، هذه الجبال كبيرة وكيفية الإستدلال بها هذا هو المجتهد .
وليس المجتهد هو الذي يقوم يتحرى وهو لا يعرف .
فإذا اجتمعا عندنا مجتهدان وتخالفا يقول المؤلف رحمه الله : لا يتبعه ولا يقتدي به ، لا يتبعه فإذا قال ، عندنا زيد وعمر وقال زيد : الجهة إلى هنا ، وقال عمر : جهة القبلة إلى هنا واختلفا ، فيقول المؤلف رحمه الله : لايتبعه في جهته ولا يقتدي به عند الصلاة أيضاً لا يقتدي به بل كل يصلي إلى جهته .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فهذا زيد اجتهد وتبين له أن الإجتهاد إلى هنا وعمر تبين له إجتهاده إلى هنا .
ودليلهم على ذلك أنه لا يتبعه ولا يقتدي به قالوا : لأن كل واحد منهما يعتقد خطأ الآخر فإذا كان يعتقد خطأ الآخر فإنه لا يتبعه ولا يقتدي به
والرأي الثاني في المسألة : أنه لا بأس أن يتبعه وأن يقتدي به لأنه مجتهد ولأن مخالفته تورث عنده ظن في خطأ اجتهاده ، كونه خالفه هذه المخالفة تورث عنده ظناً في خطأ اجتهاده .
الصواب في هذه المسألة : هو الرأي الثاني وأنهما إذا اختلفا فلا بأس أن يتبع أحدهما الآخر ويقتدي به في الصلاة .
(1/155)
يعني يقتدي به فيما يتعلق بالصلاة أن يتبعه في الصلاة ويؤيد ذلك أن صلاة الجماعة واجبة وأن الشارع نهى عن التفرق والاختلاف بل أمر من صلى في رحله ثم جاء في مسجد جماعة أن يصلي مع الناس كما فى الحديث :" إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصليا معهم فإنها لكما نافلة " وكونهما يتخالفان إما يؤدي ذلك إلى ترك الجماعة وإما يؤدي ذلك إلى التفرق والاختلاف وهذا منهي عنه
وأيضاً يؤيد ذلك أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يختلفون ومع ذلك كانوا يصلي بعضهم خلف بعض فنقول بما يتعلق بالإقتداء نقول : يقتدي به ويصلي معه .
أما ما يتعلق بالأمور الأخرى فلكل اجتهاده .
مثلاً عند قضاء الحاجة هو يرى أن القبلة هنا والآخر يرى أن القبلة هناك ، هذا لا بأس كل يسير إلى ما أداه اجتهاده .
وأيضاً فيما يتعلق في عموم العبادات التي لا يتعلق بها اجتماع مثلاً إذا أراد أن يذكر الله عز وجل إذا أراد أن يذبح ... إلى آخره ، فنقول : هذا كل يعمل بما يؤديه اجتهاده ، لكن فيما يطلب فيه الاجتماع فنقول يتبع أحدهما الآخر .
ويتبع مقلد الأوثق عنده................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويتبع مقلد الأوثق عنده " هنا إذا كان عندنا مجتهدان وبينا من هو المجتهد ، المجتهد : هو الذي يعرف أدلة القبلة وكيف الإستدلال بها ، عندنا المقلد الذي لا يعرف أدلة القبلة أو لا يعرف كيف يستدل بهذه الأدلة فمن يتبع المقلد ؟
المقلد يتبع أوثق المجتهدين ، فأوثق المجتهدين يتبعه أوثقه في علمه في أدلة القبلة وكيفية الاستدلال بها وفي علمه وورعه ... إلى آخره ، فإنه يتبعه
(1/156)
فلو مثلاً عندنا رجل جاهل لا يعرف أدلة القبلة أو رجل أعمى لا يعرف أدلة القبلة ولا كيف يستدل بها ... إلى آخره .
فنقول هذا يتبع أوثق المجتهدين فإذا قال زيد وهو الأوثق الجهة إلى هنا يأخذ بقوله ولا يأخذ بقول الآخر .
فإن تساوى عنده المجتهدان في الثقة فإنه يخير .
ومن صلى بلا اجتهاد ولا تقليد مع قدرته أعاد................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ومن صلى بلا اجتهاد ولا تقليد مع قدرته أعاد " إذا صلى بلا اجتهاد إن كان من أهل الاجتهاد بأن يعرف أدلة القبلة وكيف يستدل بها ثم بعد ذلك ترك النظر في أدلة القبلة ... إلى آخره وصلى ، فيقول المؤلف رحمه الله : بأنه يعيد .
وأيضاً بلا تقليد : إنسان لا يعرف أدلة القبلة جاهل لكن هناك مجتهد يعرف أدلة القبلة ومع ذلك لم يقلده وصلى هكذا ، يقول المؤلف رحمه الله : بأنه يعيد .
وظاهر كلام المؤلف أنه يعيد ولو أصاب .
يعني هذا مجتهد يعرف أدلة القبلة وصلى هكذا وأصاب القبلة فعلى كلام المؤلف رحمه الله بأنه يعيد .
وهذه المسألة لها ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يخطئ جهة القبلة ، فنقول هذا يعيد لأنه ترك واجباً بل عليه التوبة .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الثانية : أن يجهل الأمر لا يدري هل أخطأ أو أصاب ... إلى آخره ، فنقول أيضاً يعيد .
الحالة الثالثة : أن يصيب ، يعني لم يجتهد ولم يقلد مجتهداً وهو يقدر على أن يقلد المجتهد ومع ذلك لم يقلد المجتهد وأصاب القبلة فعلى كلام المؤلف أنه يعيد لأنه ترك واجباً ، والواجب هذا الاجتهاد إن كان من أهله أو التقليد إن لم يكن من أهله مادام أنه وجد مجتهداً .
(1/157)
والرأي الثاني في هذه المسألة : أنه لا يعيد لأنه لو كان أخطأ في ترك الاجتهاد أو التقليد لكنه في الواقع أصاب واكتملت شروط الصلاة عنده وعلى هذا تكون صلاته صحيحة ومبرئة للذمة ، وهذا القول هو الأقرب
القول الثاني في هذه المسألة وأنه إذا أصاب وترك الاجتهاد أو التقليد نقول هذا هو الأقرب في هذه المسألة .
فالصواب في هذه المسألة هو الرأي الثاني وأنه لاتجب عليه الإعادة .
وإلا تحرى وصلى.................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وإلا تحرى وصلى " وعلى هذا نقول المصلي لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى : أن يكون من أهل الاجتهاد فهذا يجتهد ويصلى .
الحالة الثانية : أن يكون من أهل التقليد وهو الذي لا يعرف أدلة القبلة ولا يعرف كيفية الاستدلال بها لكنه وجد من يقلده فهذا الواجب في حقه التقليد .
الحالة الثالثة : هو من لم يكن من أهل الاجتهاد ولا من أهل التقليد ، لا يعرف أدلة القبلة ولا يعرف كيفية الاستدلال بها ولم يجد مجتهداً يقلده هذا يتحرى وهذا ما عليه كثير من الناس اليوم لا يعرف تجد أنه في البر لا يعرف نقول هذا يتحرى ويصلي إلا إذا كان حوله ناس قريبين أو حوله المدينة قريبة باستطاعته أن يذهب إلى المساجد ويسأل فهذا نقول يجب عليه أن يذهب ويسأل لأن استقبال القبلة شرط فإن كانوا قريبين عرفاً يجب عليه أن يقصدهم ، مثلاً هو في السفر والبلد قريب منه نقول يجب عليه ، لكن إن كان البلد بعيد عنه عشرة كيلو خمسة كيلو بعيد هنا ما
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/158)
يجب عليه لا بأس أن يصلي لكن إن كان قريب عرفاً فإنه يجب عليه أن يقصد ، وإن كان بعيد عرفاً فإنه لا يجب عليه أن يقصد ويتحرى ويصلي لأن الله عز وجل قال :" فأين ما تولوا فثم وجه الله "
بقينا في مسألة الاجتهاد عرفنا من هو المجتهد لكن ما هو موضع الاجتهاد؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله
نقول موضع الاجتهاد ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : السفر هذا لاخلاف بين أهل العلم أنه موضع للاجتهاد إذا كان الإنسان مسافر .
القسم الثاني : الحضر ، الحضر هل هو موضع للاجتهاد أو ليس موضع للاجتهاد ؟
هذا موضع خلاف فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الحضر ليس موضعاً للاجتهاد لأن بإمكانه أن يعرف القبلة عن يقين وأن يسأل أهل البلد وينظر للمحاريب ... إلى آخره .
ويجتهد عارف لكل صلاة..................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثاني : أن الحضر موضع للاجتهاد فإذا كان الإنسان يعرف الأدلة الأفقية وكيف يستدل بها يستطيع أنه ينظر في النجوم وينظر في الشمس والقمر ... إلى آخره ويتبين له القبلة فإن هذا موضع للاجتهاد .
وهذا القول الثاني هو الصواب أن الحضر موضع للاجتهاد إذا كان من مجتهد يعرف أدلة القبلة وكيف يستدل بها .
" ويجتهد عارف لكل صلاة " يعني المجتهد إذا اجتهد وتبين له أن جهة القبلة هكذا ثم جاء وقت الصلاة الأخرى فهل يجب عليه أن يجتهد مرة أخرى أو لا يجب عليه ؟
يقول المؤلف رحمه الله يجب عليه أن يجتهد مرة أخرى
واستدلوا على ذلك قالوا بأنها واقعة متجددة فتستدعي طلباً جديداً .
والرأي الثاني : أنه لا يجب عليه إلا إذا وجد سبب لذلك وذلك بأن يجد عنده شيء من الشك في صحة اجتهاده أو يخالفه مجتهد آخر بأن هذا ليس موضع القبلة وأن موضع القبلة إلى هنا ... إلى آخره .
ويعمل بالثاني ولا يقضي ما صلى بالأول..........................................
(1/159)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المهم إذا وجد سبب يظن معه أن اجتهاده الأول غير صواب فهنا يعاود الاجتهاد مرة أخرى أما إذا لم يجد شيئاً من ذلك فالأصل بقاء ما كان على ما كان وأن اجتهاده الأول صحيح وأن الله عز وجل لم يأمر بالعمل مرتين .
" ويعمل بالثاني ولا يقضي ما صلى بالأول " يعني لو أنه اجتهد ثم بعد ذلك تبين له أن هذه القبلة وصلى الظهر ثم اجتهد مرة أخرى وتبين له أن القبلة هنا وصلى العصر ، فنقول يعمل بالاجتهاد الثاني ويكون الثاني ناسخاً للأول ولا يقضي ما صلى بالأول .
صلى بالأول صلاة الظهر نقول بأنه لا يقضي صلاة الظهر لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد .
بقينا في مسألة قبل أن ننتقل من القبلة وهي :
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم تعلم أدلة القبلة هذه فرض كفاية ، العلماء رحمهم الله يقولون أنه يستحب هذا على وجه العموم ، يجب أن يكون هناك أناس عندهم علم في أدلة القبلة .
فنقول بأنه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين ويكون في حق عموم الناس مستحباً .
لكن إذا دخل الوقت وهو يجهل أدلة القبلة فإنه يجب عليه أن يتعلم إذا لم يجد أحداً يقلده يجب عليه أن يتعلم فإن وجد مجتهداً يقلده فإنه يقلد هذا المجتهد ، وعلى هذا نقول تعلم أدلة القبلة من حيث العموم فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين إذا كان في حق عموم الناس مستحباً .
ومنها النية ....................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومتى يتعين ؟
يتعين إذا دخل وقت الصلاة وهو يجهل القبلة وأمكنه أن يتعلم ، فنقول هنا يجب عليه أن يتعلم أدلة القبلة لكي يصلي إلى جهة القبلة إلا إذا وجد أحداً يقلده فإن الواجب في حقه يسقط بالتقليد .
(1/160)
" ومنها النية " منها أي من شروط صحة الصلاة النية ، والنية : في اللغة : القصد ، وهو عزم القلب على فعل الشيء .
وأما في الاصطلاح : فهو العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله عز وجل .
ودليل النية القرآن والسنة والإجماع .
أما القرآن : فقول الله عز وجل :" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " قال : مخلصين له الدين .
والإخلاص منبعه القلب .
والسنة حديث عمر المشهور :" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرء ما نوى "
فيعتبر أن ينوي عين ما يصليه من نحو ظهر أو راتبة.................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والإجماع قائم على هذا بالجملة أنه لابد من النية في الصلاة .
ومحلها القلب والتلفظ بها بدعة حتى ولو كان سراً .
فالنية من أعمال القلوب وليست من أعمال الجوارح ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته أنه إذا أراد أن يصلي قال : نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات فرضاً لله سبحانه وتعالى أو العصر أو السنة الراتبة ... إلى آخره .
" فيعتبر أن ينوي عين ما يصليه من نحو ظهر أو راتبة " هل يشترط وذكرنا أن النية شرط لكن هل هناك أمر زائد بحيث يشترط أن ينوي عين الصلاة التي يريد أن يصليها أو نقول بأن هذا ليس شرطاً ؟
يقول المؤلف رحمه الله : هذا شرط فإذا أراد أن يصلي الظهر لابد أن ينوي أنها صلاة الظهر وإذا أراد أن يصلي العصر لابد أن ينوي أنها العصر ، لابد أن يعينها أنها الظهر أنها العصر أنها المغرب ... إلى آخره .
ولا يشترط نية فرض ولا أداء ولا ضدهما............................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا أراد أن يصلي تطوعاً لابد أن يعين التطوع هذا هل هو سنة راتبة هل هو وتر ... إلى آخره .
وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
وهم يستدلون بحديث :" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرء ما نوى "
(1/161)
والرأي الثاني : أنه لا يشترط التعيين وإنما يكفي أن ينوي الصلاة التي حضر وقتها وأن التعيين هذا قد يغيب عن ذهنه وهو ماخرج إلا لهذه الصلاة .
فمثلاً عند العصر خرج حضر وقت العصر ثم خرج للصلاة فينوي الصلاة التي حضر وقتها .
كونه ينوي العصر هذا قد يغيب عن ذهنه فنقول أن هذا الصواب : أنه ليس شرطاً .
" ولا يشترط نية فرض ولا أداء ولا ضدهما " لا يشترط نية الفرضية هذه ليست شرطاً يقولون بأن التعيين يغني عن ذلك فإذا أراد أن يصلي
وينوي مع التحريمة وقبلها بيسير في الوقت.............................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظهر لا يشترط أن ينوي أنها فرض ، وإذا أراد أن يصلي الظهر لا يشترط أن ينوي أنها أداء أو إعادة أوقضاء .
الأداء : هو فعل العبادة في وقتها .
والقضاء : هو فعل العبادة بعد وقتها .
والإعادة : هو فعل العبادة في وقتها مرة أخرى .
فهل يشترط أن ينوي أنها فرض أنها أداء أنها قضاء أنها إعادة ؟
يقول المؤلف رحمه الله : أن هذا ليس شرطاً والتعليل كما تقدم أن نية التعيين تغني عن ذلك .
فتلخص لنا : أنه يكفي أن ينوي الصلاة التي حضرته .
" وينوي مع التحريمة وقبلها بيسير في الوقت " هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان وقت النية .
ووقت النية وقتان :1- وقت استحباب . 2-ووقت جواز .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقت الاستحباب : أن ينوي مع التحريم يعني مع تكبيرة الإحرام ، وهو يكبر تكبيرة الإحرام ينوي أنه يريد أن يصلي صلاة كذا وكذا ، هذا وقت الاستحباب .
(1/162)
ووقت الجواز : أن تقدم النية على الصلاة بزمن يسير فإن كان الزمن كثيراً فإنه لابد أن يعيد النية أما إن كان الزمن يسيراً فإن هذا لا يضر لأن الأمور اليسيرة هذه اغتفرها الشارع وأيضاً الفاصل اليسير عرفاً لايضر ، الذي يضر هو الفاصل الطويل عرفاً .
وقال المؤلف رحمه الله : في الوقت : يعني لابد أن تكون النية في الوقت ، وعلى هذا لو أنه نوى خارج الوقت ثم صلى ولم يكون هناك فاصل إلا يسير هل تصح النية أو لا تصح ؟
يقول المؤلف : لا تصح .
والصواب في ذلك : أنه إذا نوى في الوقت أو نوى خارج الوقت فإن نيته صحيحة الذي يشترط أن لا يكون هناك فاصل طويل عرفاً .
وإن قطعها أو تردد بطلت............................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وإن قطعها أو تردد بطلت " هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان ما يبطل النية :
المبطل الأول : قال : قطعها ، فإذا قطع النية فإن صلاته تبطل عليه لأن النية شرط ، والشرط لابد من استدامته وهذا محل إجماع بين أهل العلم رحمهم الله .
الأمر الثاني : أن يتردد في القطع هل يقطع أو لا يقطع ... إلى آخره .
تردد في القطع وما قطع ، فيقول المؤلف رحمه الله : أو تردد بطلت .
ودليلهم على ذلك : قالوا بأن استدامة النية شرط ومع التردد لا يبقى مستديماً .
والقول الثاني في المسألة : أنه إذا تردد فإن نيته لا تبطل عليه .
وهذا القول هو الصواب ويدل لذلك حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في صحيح البخاري أنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى هممت بأمر سوء قيل: وما هممت به ؟ قال : هممت أن أجلس وأن أدعه
ويجوز قلب فرضه نفلاً إن اتسع وقته............................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : هممت يعني تردد أن يجلس أو يواصل ، ومع ذلك لم تبطل عليه صلاته
فالصواب : أنه إذا تردد فإن تردده لا يضر .
هو ذكر المؤلف رحمه الله أمرين :
(1/163)
الأمر الثالث : العزم على فعل محظور ، يعني إذا أراد أن يفعل محظوراً من المحظورات هل تنقطع نيته وتبطل عليه أو لا ؟
مثل لو عزم على أن يأكل في الصلاة أو يأكل وهو صائم ونحو ذلك هل تبطل أو لا تبطل ؟
نقول بأن نيته لا تبطل عليه لأن أصل النية لا يزال باقياً .
" ويجوز قلب فرضه نفلاً إن اتسع وقته " يعني يقول المؤلف رحمه الله : يجوز أن يقلب الفرض نفلاً ، والمقصود بالنفل هنا : النفل المطلق إذ أن القلب في النفل المعين هذا لا يصح كما سيأتي إن شاء الله ، لكن لا بأس أن يقلب فرضه نفلاً مطلقاً .
إن اتسع وقته................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والدليل على ذلك : أن الصلاة اشتملت على نية الصلاة ونية الفرضية فإذا أبطل نية الفرضية بقيت نية الصلاة .
واشترط المؤلف رحمه الله قال :
" إن اتسع وقته " ويؤخذ من هذا أنه إذا تضايق الوقت فإنه لا يجوز له أن يقلب فرضه نفلاً لأن الوقت تعين الآن للمفروضة .
فلو فرضنا أنه بقي على خروج الوقت قدر عشر دقائق هذه العشر تتسع لفعل الفرض فهل له أن يقلب ذلك إلى نافلة ؟
نقول ليس له ذلك لأن الوقت تعين للفريضة ، فيشترط لكي يقلبها أن يتسع الوقت لفعل الفريضة .
وأيضاً يشترط أن لايؤدي ذلك إلى ترك واجب كالجماعة فلو كان يصلي مع الجماعة ثم قلب صلاته نفلاً مطلقاً ، فنقول : هذا لا يجوز لأنه يؤدي إلى ترك صلاة الجماعة وأيضاً يؤدي إلى ترك الإئتمام بالإمام ... إلى آخره .
وكره بلا غرض................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول يشترط لكي يقلب فرضه نفلاً شروط :
الشرط الأول : أن يقلبه إلى نفل مطلق .
الشرط الثاني : أن يتسع الوقت لفعل الفريضة .
الشرط الثالث : أن لا يؤدي ذلك إلى ترك واجب كالجماعة وكالإئتمام بالإمام ونحو ذلك .
(1/164)
" وكره بلا غرض " يعني كونه يقلب فرضه إلى نافلة يقول المؤلف رحمه الله : هذا يكره بلا غرض صحيح ، ويؤخذ من هذا أنه إذا كان لغرض صحيح كأن يريد أن يصلي مع الجماعة ، حضرت جماعة فإن هذا لا يكره .
ولو أنه مثلاً أحرم لصلاة الظهر منفرداً ثم حضرت جماعة وقلب صلاة الظهر نفلاً مطلقاً ، فنقول بأن هذا لا يكره ، هذا جائز ولا بأس به .
لكن إذا كان لغير غرض يصلي منفرد ظهراً ثم قلبها إلى نفل مطلق بغير غرض هكذا بس ، يقول المؤلف رحمه الله أنه يكره لأن هذا نوع من ......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ إبطال الفرض ، أو نوع من الإبطال والله عز وجل يقول :" ولا تبطلوا أعمالكم "
وسبق أن ذكرنا أنه يجوز أن يقلب فرضه إلى نفل مطلق وعلى هذا إذا قلبه إلى نفل معين لا يصح ذلك .
وعليه نقول الإنتقال بالنية من صلاة إلى صلاة ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن ينتقل من معين إلى معين ، فنقول يبطل الذي انتقل عنه ولا يصح الثاني ، يبطل الأول ولا يصح الثاني إذا انتقل من صلاة معينة إلى صلاة معينة نقول : بطل الأول ولم يصح الثاني .
بطل الأول لماذا ؟
لأنه قطع النية .
ولم يصح الثاني لماذا ؟
لأنه لم ينوي هذه الصلاة إبتداء الصلاة ، عند تكبيرة الإحرام .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ مثال ذلك : أحرم بصلاة الظهر ثم تذكر أنه لم يصلي الفجر أو صلاها على حدث فانتقل من صلاة الظهر إلى صلاة الفجر فماذا نقول ؟
صلاة الظهر بطلت لأنه قطع نيته ، وصلاة الفجر لا تصح لأنه لم ينوها عند تكبيرة الإحرام .
والنية لابد أن تكون من حين التحريم .
(1/165)
ومثال آخر : انتقل من صلاة الظهر إلى السنة الراتبة القبلية ، هذه معينة السنة الراتبة القبلية ، إنسان أحرم بصلاة الظهر ثم تذكر أنه لم يصلي السنة الراتبة ثم انتقل ، نقول بطلت الفريضة ولم تنعقد الثانية .
هذا القسم الأول إذا انتقل من معين إلى معين .
القسم الثاني : أن ينتقل من معين إلى مطلق كما هي مسألتنا التي ذكرها المؤلف رحمه الله قال : ويجوز قلب فرضه نفلاً إن اتسع وقته المختار .
أن ينتقل من معين إلى مطلق فهذا جائز ولا بأس به لكن بالشروط التي ذكرنا فيما لو انتقل من فرض إلى نفل مطلق .
وينوي إمام ومأموم حالهما فإن نوى منفرد الإمامة أو الائتمام لم يصح................................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فلو أنه يصلي الظهر ثم قلب نيته إلى نفل مطلق نقول هذا جائز ولا بأس به أو يصلي راتبة الظهر ثم قلبها إلى نفل مطلق نقول هذا جائز ولا بأس به لكن إذا قلب الفرض إلى نفل مطلق فهذا له شروط كما سلف .
القسم الثالث : أن ينتقل من مطلق إلى معين فهذا لا يصح الانتقال فيبقى على صلاته .
إنسان أحرم بنفل مطلق الآن ثم تذكر أنه ما صلى السنة الراتبة البعدية للظهر فانتقل من النفل المطلق إلى السنة الراتبة البعدية هل يصح ذلك أو لا يصح ؟
نقول بأنه لا يصح .
"وينوي إمام ومأموم حالهما فإن نوى منفرد الإمامة أو الائتمام لم يصح "
يقول المؤلف رحمه الله : ينوي إمام يصلي بالجماعة أنه إمام ، والمأموم أيضاً ينوي أنته مأموم فيجب على الإمام أن ينوي أنه إمام ويجب على المأموم أن ينوي على أنه مأموم .
فإن نوى منفرد الإمامة أو الائتمام لم يصح وتبطل إن انفرد بلا عذر يبيح ترك الجماعة وصلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه بعذر أو غيره.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيجب على الإمام أن ينوي الإمامة ويجب على المأموم أن ينوي الائتامام .
(1/166)
ودليلهم على هذا أو تعليلهم بهذا الوجوب قالوا بأن الجماعة تتعلق بها أحكام وإنما يتمايزان يعني يتمايز الإمام والمأموم بالنية فكانت شرطاً .
وعلى هذا لو نوى كل منهما الإمامة هذا ينوي أنه إمام هذا الشخص وهذا ينوي أنه إمام هذا الشخص لا يصح ذلك ، ولو نوى كل منهما الائتمام نوى هذا الشخص أنه مأموم ونوى هذا الشخص أنه مأموم نقول لا يصح هذا .
" فإن نوى منفرد الإمامة أو الائتمام لم يصح " هذا مفرع على ما ذكره العلماء رحمهم الله ، لو نوى منفرد الإمامة أو الائتمام لم يصح .
" وتبطل إن انفرد بلا عذر يبيح ترك الجماعة وصلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه بعذر أو غيره " لما ذكر المؤلف رحمه الله أنه يجب أن ينوي الإمام أنه إمام وأن ينوي المأموم أنه مأموم فرع على ذلك ما يتعلق بالانتقالات في الصلاة .
والانتقالات في الصلاة تنقسم إلى أقسام والمؤلف رحمه الله كما ذكر يضيق في هذه المسألة وأحسن المذاهب في هذه المسألة مذهب الشافعي رحمه الله .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشافعية هم أحسن المذاهب في هذه المسألة .
القسم الأول من هذه الانتقالات : قال المؤلف : فإن نوى منفرد الإمامة .
القسم الأول : أن ينتقل من الانفراد إلى الإمامة ، هو منفرد ثم بعد ذلك انتقل من الانفراد إلى الإمامة هل يصح ذلك أو لا يصح ؟
لا يصح على كلام المؤلف لا يصح لماذا ؟
لأنه لابد أن ينوي أنه إمام في أول الصلاة وهنا ما نوى أنه إمام في أول الصلاة ،هنا كان منفرداً ثم انتقل من كونه منفرداً إلى كونه إماماً .
مثال ذلك : إنسان يصلي وحده فاتته صلاة الظهر مثلاً ثم شرع في الصلاة فجاء شخص وصلى معه فهنا انتقل من كونه منفرداً إلى كونه إماماً ، على كلام المؤلف أنه لا يصح .
الرأي الثاني : قول الشافعية أنه يصح .
(1/167)
والدليل على هذا : حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثم قام ابن عباس وصلى مع النبي عليه الصلاة والسلام .
كون النبي عليه الصلاة والسلام انتقل من كونه منفرداً إلى كونه إماماً .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك أيضاً حديث جابر رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي منفرداً ثم بعد ذلك جاء جابر وأتم به فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم من كونه منفرداً إلى كونه إماماً ، هذا القسم الأول :
قال : أو الإئتمام لم يصح .
لماذا لم يصح لأنه لم ينوي في أول الصلاة لأنه كما تقدم لنا في أول الصلاة يجب أن ينوي الإمام أنه إمام والمأموم أنه مأموم .
القسم الثاني : أن يحرم منفرداً ثم ينوي الائتمام بعد ذلك ، صورة هذه المسألة : إنسان فاتته صلاة الظهر ثم صلى منفرداً ثم حضرت جماعة أو ظن أن الجماعة قد انتهت ثم أقيمت الجماعة فدخل معهم فانتقل من كونه منفرداً إلى كونه مُأتماً ، يقول المؤلف رحمه الله لا يصح لأنه لم ينوي الائتمام في أول الصلاة .
والصواب في هذه المسألة : الرأي الثاني .
الصواب : الصحة والدليل ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل من كونه منفرداً إلى كونه إماماً كما في حديث ابن عباس وجابر وحديث عائشة أيضاً في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل إئتم به الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان يصلي منفرداً فأتم به الصحابة فانتقل من كونه منفرداً إلى كونه إماماً .
وكذلك أيضاً إذا انتقل من كونه منفرداً إلى كونه مأتماً نقول :
وإن أحرم الراتب بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح......... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصواب : أن هذا جائز ولا بأس به .
(1/168)
القسم الثالث : أن ينتقل من الائتمام إلى الانفراد ، يعني هو الآن مأتم ثم حصل للإمام عذر فخرج فانتقل من كونه مأتماً إلى كونه منفرداً ، ما هو الحكم هنا ؟
نقول الصحيح في هذه المسألة : أن هذا صحيح ولا بأس به .
القسم الرابع : أن ينتقل من الإمامة إلى الائتمام عكس هذا القسم هو الآن إمام ثم بعد ذلك انتقل من كونه إماماً إلى كونه مأتماً فهذا يصح .
صورة ذلك : إنسان إمام وحصل له عذر وخلف شخصاً يصلي بالناس ثم بعد ذلك زال عذره وجاء ، الآن الإمام سينتقل من كونه إماماً إلى كونه مأتماً ، فهل يصح لإمام الحي الإمام الذي كان رسمياً أن يتقدم وأن يؤخر هذا الإمام لكي يكون مأتماً ويتقدم ويصلي بالناس أو نقول بأن ذلك لا يصح ؟
المذهب في هذه المسألة يقولون : بأنه كما سيأتي إن شاء الله يشترطون قال لك
" وإن أحرم الراتب بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح "
فهم يشترطون أن يكون الإمام الراتب يصح .
فالإمام الراتب إذا حصل له عذر وخلف شخصاً ثم بعد ذلك زال عذره فله أن يتقدم ويكمل بالناس ، والإمام الخليفة يتخلف ويكون مأتماً فهنا غلآن انتقل من كونه إماماً
وتبطل إن انفرد بلا عذر يبيح ترك جماعة..................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى كونه مأتماً والإمام انتقل إلى كونه إماماً وهذا يأتينا إن شاء الله سنتعرض إليها ونذكر الخلاف فيها .
المهم أن الانتقال بهذه الصورة المذهب يقولون هذا يكون في الإمام الراتب .
والصحيح كما سيأتي : أنه يجوز للإمام الراتب ولغير الراتب .
أن هذا جائز ولا بأس به إذا كان أقرأ حتى وإن لم يكن راتباً مثلاً إذا كان هذا الشخص هو الذي يصلي بهؤلاء الجماعة وإن لم يكن راتباً ثم بعد ذلك تقدم وأكمل الصلاة ، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به .
(1/169)
والدليل على ذلك : قصة أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم تخلف عن صلاة الجماعة لمرضه ثم بعد ذلك صلى أبو بكر ثم وجد النبي صلى الله عليه وسلم نشاطاً فخرج وصلى بالناس وتخلف أبو بكر من كونه إماماً إلى كونه مأتماً وهذا دليل على أنه جائز ولا بأس به .
هذا القسم الرابع .
" وتبطل إن انفرد بلا عذر يبيح ترك جماعة " هذا القسم الخامس : أن ينتقل من الائتمام إلى الانفراد ، إنسان يصلي مؤتماً مع جماعة ثم انتقل من الائتمام إلى الانفراد ، هو اللآن أحرم مؤتماً مع الناس ثم بعد ذلك انتقل إلى الانفراد ترك الناس وصلى وحده ،
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا يصح لكن اشترط له المؤلف رحمه الله قال : بلا عذر يبيح ترك جماعة ، يعني إن كان هذا المؤتم معذوراً عذراً يبيح أن يترك الجماعة يجوز له ذلك وإلا فإنه لا يجوز .
مثلاً مريض يشق عليه أن يستمر مع الإمام فإن خفف الصلاة وخرج أو أن الإمام أطال الصلاة كما في قصة معاذ رضي الله تعالى عنه لما أطال في الصلاة وانفرد الأعرابي ... إلى آخره .
فالقسم هذا يصح بشرط أن يكون هناك عذر يبيح التخلف عن صلاة الجماعة .
فإذا كان هناك عذر يبيح التخلف عن صلاة الجماعة فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به
ودليل ذلك قصة معاذ .
ويفهم من كلام المؤلف إذا لم يكن معذوراً هل له ذلك أو ليس له ذلك ؟
نقول ليس له ذلك لأنه يجب عليه أن يأتم بالإمام ويقتدي به والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إنما جعل الإمام ليأتم به " وسواء صلى ركعة أو أقل من ركعة لا يجوز له إلا أن يكون هناك عذر يبيح له أن يترك الجماعة .
فإذا كان هناك عذر فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله .
(1/170)
القسم السادس : كهذا القسم أن ينتقل من الإمامة إلى الانفراد يعني يكون إماماً ثم ينتقل إلى كونه منفرداً فنقول هذا كما تقدم يشترط فيه أن يكون له عذر يبيح له أن يترك صلاة الجماعة .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أصبحت الأقسام ستة نعيدها .
القسم الأول : أن ينتقل من الإنفراد إلى الإمامة .
القسم الثاني : أن ينتقل من إنفراد إلى إئتمام .
القسم الثالث : أن ينتقل من إئتمام إلى إنفراد .
القسم الرابع :. أن ينتقل من إمامة إلى إنفراد .
القسم الخامس : أن ينتقل من إئتمام إلى إمامة .
القسم السادس : أن ينتقل من الإمامة إلى إئتمام .
فنقول هذه كلها جائزة ولا بأس بها والدليل على ذلك كما ذكرنا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وكذلك أيضاً حديث جابر في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها في صلاة الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم .
لكن إذا أراد أن ينفرد يعني إذا أراد أن ينتقل من كونه مأتماً إلى إنفراد أو من كونه إماماً إلى إنفراد هذا يشترط أن يكون هناك عذر .
أن يكون معذوراً يبيح له ترك الجمعة والجماعة ، ولهذا قال : وتبطل إن إنفرد بلا عذر
وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه بعذر أو غيره ولإمام أن يستخلف لمرض ولحصر عن واجب ويبني الخليفة.............................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه بعذر أو غيره ولإمام أن يستخلف لمرض ولحصر عن واجب ويبني الخليفة .... إلى آخره "
هنا مسألتان :
المسألة الأولى : هل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام أو نقول بأنها لا تبطل ؟
(1/171)
ومثال ذلك : أن يسبقه الحدث أثناء الصلاة ، إنسان يصلي بالناس ثم أحدث ، أو أن يبني صلاته على حدث : إنسان يظن أنه متوضأ فإذا هو ليس بمتوضأ .
فالمذهب : أن صلاة المأموم تبطل بصلاة الإمام ، فإذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم والاستخلاف هذا ماذهب إليه الحنابلة لأنهم يرون الإرتباط بين صلاة الإمام وصلاة المأموم ووجوب الإقتداء .... إلى آخره .
والرأي الثاني : أنه لا تبطل وهذا مذهب الشافعية لا تبطل صلاة المأموم بصلاة الإمام ، وهذا القول هو الصواب .
وأنه إذا بطلت صلاة الإمام لا نقول ببطلان صلاة المأموم بل يستخلف الإمام ، أو أن المأمومين يستخلفون أو أنهم يتمونها فرادى .
ولإمام أن يستخلف لمرض و لحصر عن واجب........................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما القول بأنها تبطل نقول هذا غير صواب لأنه لا إرتباط فيما يتعلق بالبطلان بين صلاة الإمام وصلاة المأموم ، فإذا بطلت صلاة الإمام فلا يلزم بذلك أن تبطل صلاة المأموم لأن صلاة المأموم تامة بشروطها وإنتافاء موانعها ... إلى آخره .
ويدل لهذا حديث أبي هريرة في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فلكم وعليهم .
ويدل على هذا : أنهم يقولون هم بأنفسهم يقولون : لو أن الإمام صلى بالناس ولم يعلم بالحدث إلى بعد نهاية الصلاة فإن صلاته باطلة وصلاة المأمومين صحيحة ، يعني هو الآن صلى كل الصلاة وهو محدث وع ذلك يقولون صلاتهم صحيحة ، فإذا صلى بهم ركعة فمن باب أولى نقول بأن صلاتهم صحيحة .
وأيضاً يدل لذلك قصة عمر رضي الله تعالى عنه فإن عمر لما طعن استخلف عبدالرحمن بن عوف ، ولهذا قال المؤلف :
(1/172)
" ولإمام أن يستخلف لمرض و لحصر عن واجب " يعني إذا ما بطلت صلاته لكن لم يتمكن من إتمام الصلاة لكونه مريضاً ، أصابه مرض لم يتمكن يقول : يُخلف ، أو لم يستطع أن يقرأ يقولون : يُخلف .
ويبني الخليفة على صلاة إمامه وإن أحرم الراتب بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح............................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب : أنه يٌخلّف في الحالتين ، يُخلّف فيما لو حصل له ما يبطل الصلاة ، ويُخلّف فيما لو حصل له ما يمنعه من إتمام الصلاة وإن لم تبطل .
" ويبني الخليفة على صلاة إمامه " الخليفة يبني على صلاة إمامه المستخلف ولايبني على ترتيب نفسه لو كان مسبوقاً وإنما يبني على صلاة الإمام .
فلو كان مسبوقاً بركعة إذا تخلف عن الإمام ، الإمام الآن أتم ركعتين هل يجلس للتشهد أو نقول بأنه يقوم ولا يجلس ؟
إذا قلنا بأنه يبني على ترتيب صلاة إمامه يجلس للتشهد ، التشهد الأول ، وإذا قلنا بأنه يبني على ترتيبه هو لايجلس .
فلو فرضنا أن الإمام الآن خلّف شخصاً وهذا الشخص مسبوق بركعة في الركعة الثانية ، الخليفة هل يجلس بعد الركعة الثانية يعتبر صلاة الإمام أو يعتبر صلاته هو ؟
يقول المؤلف رحمه الله بأنه يعتبر صلاة الإمام وعلى هذا يجلس بالناس .
وإذا قلنا بأنه يعتبر صلاته هو نقول لا يجلس .
" وإن أحرم الراتب بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح " هذه ذكرناها ضمن الأقسام وهي أن ينتقل من إمامة إلى إئتمام .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ قلنا بأن ظاهر كلام المؤلف رحمه الله بأنه يشترط بالإنتقال من إمامة إلى إئتمام أن يكون الراتب وذكرنا صورة هذه المسألة .
(1/173)
صورة هذه المسألة : أن يتخلف الإمام الراتب لعذر ثم بعد ذلك يزول عذره ثم يأتي والناس يصلون فله أن يتقدم والإمام الخليفة يتأخر يكون مأتماً والإمام الراتب يكون إماماً فإن هذا جائز .
ودليله قصة أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تخلف لعذر المرض ثم بعد ذلك وجد نشاطاً فجاء وصلى بالناس أكمل بالناس أبو بكر رجع من كونه إماماً إلى كونه مؤتماً مأموماً .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الإمام الراتب له أن يتقدم سواء فاته ركعة أو أكثر أو لم يفته شيء ، يعني مطلقاً له أن يتقدم ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أنه يتقدم بشرط ألا يفته ركعة فإن فاته ركعة ليس له ذلك ، لماذا ؟
لأنه يكون فيه تشويش وأيضاً السنة النبي عليه الصلاة والسلام في قصة أبي بكر لم يفته شيء لكن لما تخلف النبي صلى الله عليه وسلم تأخر هو والمغيرة بن شعبة في غزوة تبوك وقدم الصحابة رضي الله تعالى عنهم عبد الرحمن بن عوف وصلى بهم عبد الرحمن وفات النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ومع ذلك لم يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فنقول الصواب في هذه المسألة : أنه يتقدم الإمام الراتب بشرط أن لا يفوته ركعة فأكثر فإن كان فاته ركعة فأكثر ليس له أن يتقدم .
أولاً : للسنة كما ذكرنا النبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم فاته ركعة هو والمغيرة وأتم قام مسبوق أتم ولم يتقدم وإئتم بعبد الرحمن بن عوف .
(1/174)
وثانياً : أنه يؤدي إلى التشويش لأنه يحتاج إلى أنه ، هو الآن صلى ثلاث ركعات والمأمومون انتهت صلاتهم أربع ، يحتاج إلى أن يجلس المأمومون يعني في الركعة الأخيرة بعد السجدة الثانية يقوم هو والمأمومون يجلسون هذا يحتاج إلى طلاب علم العوام يتلبس عليهم سيحصل عليهم لبس لابد أن يكونون طلاب علم ويكونون فاهمين أن الإمام بقي عليه ركعة وأنهم يجلسون وينتظرون الإمام ... إلى آخره ثم يسلم بهم هذا يحصل فيه تشويش .
فنقول يشترط أن لا يفوته ركعة .
صفة الصلاة........................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صفة الصلاة
" صفة الصلاة " الهيئة والكيفية التي ينبغي أن تكون عليها الصلاة .
" يسن قيام إمام فمأموم رآه " قبل ذلك يستحب عند الخروج إلى الصلاة أمور :
الأمر الأول : أن يخرج من بيته متطهراً لكي ينال الأجر المرتب على حضور الجماعة فإنه ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الجماعة تضعف على صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة " وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء لم يخطو خطوة إلا كتب له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة .. إلى آخره .
فظاهر هذا الكتب مشروط أن يخرج من بيته متوضأ ، هذا الأدب الأول .
الأدب الثاني : أن يخرج بسكينة ووقار لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة والوقار " واختلف العلماء رحمهم الله في تعريف السكينة والوقار هل هي من المترادف أو من المتباين على قولين :
القول الأول : أنها من قبيل المترادف وأن المعنى واحد .
والقول الثاني : أنها من قبيل المتباين وأن لكل منهما معنى ، فالسكينة : تكون في القلب والبصر .
والوقار : يكون في الأطراف .
(1/175)
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا هو الأقرب .
الأدب الثالث : أن يذكر الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الخروج ، وقد ورد ذكران :
الذكر الأول : حديث أنس رضي الله تعالى عنه وهذا في عموم الخروج سواء كان خروجه من بيته إلى الصلاة أو لغيرها يقول : بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله .
فيقال له : هديت وكفيت ويتنحى عنه الشيطان ، وهذا الحديث فيه انقطاع إلا أن له شواهد.
الذكر الثاني : يقوله عند الخروج إلى الصلاة ، وهو ما ثبت في صحيح مسلم اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا ومن أمامي نورا ومن خلفي نورا واجعل لي نورا .
الأدب الرابع : أن لا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة من حين خروجه .
الأدب الخامس : إذا دخل المسجد يقدم رجله اليمنى دخولاً واليسرى خروجاً من بيته ومن المسجد ويقول الذكر الوارد عند دخول المسجد : السلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والأدب السادس : أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد ينوي بهما تحية المسجد وركعتي الوضوء إن كان توضأ قريباً وأيضاً السنة القبلية إن لم يكن صلاها في البيت فيحصل له ثلاث صلوات بركعتين ، ودليل ذلك : حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين .
(1/176)
الأدب السابع : أن يقارب بين خطاه في خروجه إلى المسجد وهذا ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله وقد روي فيه حديث زيد بن ثابت وهو حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ورد موقوفاً على زيد بن ثابت وهذا إجتهاد من زيد وإلا لم يحفظ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الأدب الثامن : أن يجلس مستقبلاً القبلة لأن جهة القبلة هي أشرف الجهات ولأن الإنسان ربما يدعو ويستحب له إذا دعا أن يكون مستقبل القبلة .
الأدب التاسع : أن يشتغل بالذكر والدعاء والتلاوة ... إلى آخره .
الأدب العاشر : أن لا يخوض في حديث الدنيا فإن هذا مكروه كأن يتحدث عن الصناعات والزراعات والتجارات ونحو ذلك فإن كان عقداً يعني عقد عقداً في المسجد فهذا العقد ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن يكون عقد معاوضة فهذا محرم ولا يجوز مثل عقد البيع وعقد الإجارة والمساقاة والمزارعة والتجارة والشركات نقول هذا محرم ولا يجوز .
يسن قيام إمام فمأموم رآه.............................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثاني : أن يكون عقد إرفاق وإحسان فإن هذا جائز ولا بأس به مثل القرض والضمان والكفالة والوقف والهبة والصدقة ونحو ذلك نقول هذه كلها جائزة .
القسم الثالث : أن يكون عقد نكاح فأيضاً هذا جائز ولا بأس به وقد استحبه العلماء رحمهم الله في المسجد .
" ويسن قيام إمام فمأموم رآه " هذا الأدب الحادي عشر أن يقوم الإمام فالمأموم ، متى يقوم المأموم ؟
قيام الإمام ظاهر .
لكن متى يقوم المأموم ؟
هذا موضع خلاف ، فقال المؤلف رحمه الله عند قول "قد قامت الصلاة " يعني إذا قال المقيم : قد قامت الصلاة يستحب للمأموم أن يقوم .
والرأي الثاني : أنه يقوم عند قول المقيم : حي على الصلاة .
وقيل يقوم عند قول المقيم حي على الفلاح .
(1/177)
وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه لا توقيت في المسألة وهذا القول هو الصواب لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك ، الذي ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :" لا تقوموا حتى تروني " هذا الذي ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام .
وتسوية صف..................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأما ما استدل به الحنابلة : أنه يقوم عند قول المقيم قد قامت الصلاة فهذا ورد في الطبراني من حديث ابن أبي أوفى وهو حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
" وتسوية صف " هذا أيضاً من الآداب ، الأدب الثاني عشر : تسوية الصف ، وتسوية الصف تحتها أمور :
الأمر الأول : تسوية المحاذاة وهذه اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله هل هي واجبة أو مستحبة ؟
فجمهور أهل العلم على أنها مستحبة .
والرأي الثاني : أنها واجبة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وهذا هو الأقرب لحديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لتسوّن صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم "
وهذه عقوبة لا تكون إلا على ترك واجب ، يعني الله عز وجل يوقع العداوة والبغضاء في القلوب حتى تتنافر الوجوه بسبب عدم التسوية ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على مناكب الصحابة رضي الله تعالى عنهم تحقيقاً للمساواة .
الأمر الثاني : مما يدخل في المساواة تكميل الصف الأول فالأول ، يكمل الصف الأول فالأول .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ودليل ذلك : قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ، قالوا : وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يتمون الصفوف الأُول ويتراصون ".
(1/178)
الأمر الثالث : التّراص ودليله ما تقدم من الحديث وأيضاً أمر النبي عليه الصلاة والسلام قال :" رصوا صفوفكم " وعدم التراص هذا سبب لتشويش الشيطان وإذهاب الخشوع وإفساد الشيطان على المصلي صلاته ، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أن الشيطان يدخل بين خلل الصف كمافي سنن ابي داود وفي البخاري فإذا ثوّب بالصلاة أقبل حتى يقول أذكر كذا أذكر كذا فيضل الرجل يصلي لا يدري كم صلى
الأمر الرابع : تقدم أولي الأحلام والنهى ليكونوا خلف الإمام ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من خلفكم "
الأمر الخامس : المسابقة إلى الصف الأول ودليله ما تقدم وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين :" لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلى أن يستهموا عليه لستهموا "
الأمر السادس : هل الأفضل يمين الصف أو يساره ؟
نقول هذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الأول : أن يكون يمين الصف أقرب إلى الإمام فهذا هو الأفضل .
القسم الثاني : أن يكون اليسار أقرب فنقول : اليسار أفضل .
القسم الثالث : أن يتساوى الطرفان ، فنقول : اليمين أفضل ، إذا تساوى الطرفان أو كان قرب اليسار قرباً يسيراً ، فنقول : اليمين أفضل .
الأمر السابع : أنه إذا اجتمع الجماعة مرة واحدة فإنه يقدم الرجال الذكور ثم الصبيان ثم النساء .
الأمر الثامن : تسوية الإمام للمأمومين بالقول والفعل فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يلتفت يميناً وشمالاً ويقول :" لتسوّن صفوفكم رصوا صفوفكم حاذوا بين المناكب والأكعب إلى غير ذلك مما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام كما ذكرنا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمسح على المناكب .
(1/179)
أيضاً من أنواع تسوية الصف تقارب الصفوف فيكون الصف الأول قريباً من الإمام والصف الثاني قريباً من الصف الأول وهكذا وضابط القرب : أن لا يفصل بين الصفين إلا قدر السجود ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام :" تقدموا فأتموا بي " وهذا مقتضى التقدم ، وأيضاً أن هذا أقرب إلى الإجتماع وعدم تشويش الشيطان على المصلين وسبق أن ذكرنا أنه إذا كان هناك خلل في الصف فإن هذا سبب لتسلط الشيطان على المصلين وتشويشه عليهم وإذهابه للخشوع .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أيضاً من المسائل المتعلقة بتسوية الصف : ما يتعلق بصف النساء نقول القاعدة في ذلك { أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا بدليل } وعلى هذا تأمر المرأة أن تسوي الصف وأن ترص الصف وأن تكمل الصف الأول فالأول ... إلى آخره .
وهل الأفضل لجماعة النساء الصف الأول أو الصف المؤخر ؟
هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : إذا صلى النساء منفردات فنقول الأفضل هو الصف الأول لما تقدم من القاعدة ، وأيضاً لعمومات أدلة فضل الصف الأول .
والأمر الثاني : أن يصلين مع جماعة الرجال فهل الأفضل الصف الأول لهن أو الأفضل الصف المؤخر ؟
هذا موضع خلاف والصواب في هذه المسألة : أنه إذا كان هناك ساتر بين الرجال والنساء فالأفضل لهن الصف الأول وإن لم يكن هناك ساتر فالأفضل هو الصف المؤخر لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" خير صفوف الرجال أولها وشرها أخرها وخير صفوف النساء أخرها وشرها أولها "
وهذا كان في زمن لم يكن هناك ساتر كما هو الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أما الآن في كثير من المساجد يوجد هناك ساتر ، وعلى هذا إذا كان هناك ساتر وحاجز
(1/180)
وقربه من إمام ويقول الله أكبر قائماً............................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الرجال وبين النساء فنقول : الأفضل هو الصف الأول لهن لعمومات أدلة فضل الصف الأول ولما ذكرنا من القاعدة .
" وقربه من إمام " هذا الأفضل أن يقرب من الإمام لما تقدم من قول النبي عليه الصلاة والسلام :" تقدموا فأتموا بي " وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ليلني منكم أولي الأحلام والنهى " .
" ويقول الله أكبر " هذه تكبيرة الإحرام وهي ركن من أركان الصلاة لحديث علي رضي الله تعالى عنه " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " ولاتنعقد إلا بهذا اللفظ الله أكبر ، فلو قال : الله الأكبر أو الجليل أو العظيم فإنها لاتنعقد أو مد همزة الله قال : آلله أكبر أو قال : الله آكبر مد همزة أكبر ، أو قال الله إكبار ونحو ذلك ، فنقول : لا تنعقد صلاته وهذا ما عليه أكثر أهل العلم لأن هذا هو الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو الذي داوم عليه النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون .
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنها تنعقد بقول الله أكبر أو غير ذلك من ألفاظ التعظيم ، لو قال الله الجليل أو الله العظيم فإنها تنعقد .
والصواب : ما عليه جمهور أهل العلم .
" قائماً " فلو أنه كبر وهو جالس أو لم يستتم قائم يعني لا يزال منحنياً من حيث لا يسمى قائماً فإن صلاته تنعقد نفلاً ، تكون صلاته نافلة .
رافعاً يديه إلى حذو منكبيه........................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " رافعاً يديه " رافعاً يديه هذا هو الموضع الأول من المواضع التي ترفع فيها الأيدي كما دل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يرفع يديه حال تكبيرة الإحرام وهذه صفة من الصفات التي وردت في وقت الرفع وقد ورد بذلك ثلاث صفات :
(1/181)
الصفة الأولى : أن يرفع يديه مع تكبيرة الإحرام .
الصفة الثانية : أن يرفع يديه قبل التكبيرة .
الصفة الثالثة : أن يرفع يديه بعد التكبيرة .
وهذه ثلاث صفات وكما سبق لنا أن أشرنا إلى ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأن الصفات الواردة على وجوه متنوعة في العبادات أنه يستحب أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة .
" إلى حذو منكبيه " ودليل ذلك حديث ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم يكبر .
وهذه أحدى الصفات وإلا ورد في ذلك صفتان :
الصفة الأولى : أن يرفع إلى حذو المنكبين .
الصفة الثانية : أن يرفع إلى فروع الأذنين أطراف الأذنين .
مضمومة الأصابع................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكما ذكرنا تارة يأتي بهذه الصفة وتارة يأتي بالصفة الأخرى ، وإذا لم يتمكن أن يرفع كلتا يديه فإنه يرفع أحدى اليدين ، لو كانت إحدى يديه مريضة أو نحو ذلك فإنه يرفع اليد السليمة .
ويدل لذلك : حديث أسامة في وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وكان النبي صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه قال فلما سقط خطام الناقة أهوى النبي صلى الله عليه وسلم بيده ولم يزل رافعاً الأخرى ، فنقول : يرفع التي يستطيع أن يرفعها وأما التي لا يستطيع فهو معذور .
أيضاً إذا تمكن من بعض الرفع فإنه يأتي به إذا كان لا يستطيع أن يرفع إلى حذو منكبيه أو إلى أطراف أذنيه يأتي بما يستطيعه .
" مضمومة الأصابع " يعني إذا كبر للإحرام فإن أصابعه تكون مضمومة ممدودة وقال بعض العلماء يفرج بينها يسيراً وعندنا قاعدة وهي { أن الأصل في حركات الصلاة أن تكون على مقتضى الطبيعة هذا الأصل إلا إذا ورد دليل } وعلى هذا أن مد الأصابع ورد فيه السنة يعني ما تكون مقبوضة وإنما تكون ممدودة ، فنقول هل يضمها أو يفرج ؟
(1/182)
نقول هذا على مقتضى الطبيعة والأمر في هذا واسع لايتكلف الإنسان أن يفرج فإذا كانت مضمومة أو فرج بينها تفريجاً يسيراً نقول هذا بمقتضى الطبيعة .
ويسمعه إمام من خلفه...................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والحكمة من رفع اليدين : قيل أن الحكمة هو إشارة إلى رفع المصلي الحجاب بينه وبين الله عز وجل لأن الله عز وجل ينصب وجهه بوجه عبده مالم ينصرف .
وقيل إن الحكمة هي المبالغة في تحقيق الخشوع والإقدام على الله عز وجل قولاً وفعلاً ، أما القول : ففي قوله الله أكبر ومعنى هذه اللفظة : أن الله عز وجل أكبر من كل شيء أكبر من الدنيا وزخارفها فإذا كان كذلك فلا ينصرف قلب الإنسان إلى غير الله عز وجل .
وأيضاً إذا أشار بيديه فيشير إلى عدم الإلتفات إلى الدنيا والإقبال على الله سبحانه وتعالى .
" ويسمعه إمام من خلفه " أي يسمع التكبير ، وما حكم هذا الإسماع هل يجب على الإمام أن يجهر أو أن هذا الإسماع ليس واجباً ؟
هذا موضع خلاف المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الجهر بالتكبير ليس واجباً وإنما هو مستحب ، فكونه يجهر هذا على سبيل الإستحباب لكن لا يكفي أن يكبر بقلبه يجب عليه أن يسمع نفسه أما كونه يسمع من خلفه فهذا مستحب .
والرأي الثاني : قال به أبو حنيفة رحمه الله أنه يجب عليه أن يسمع من خلفه ، وهذا القول هو الصواب .
كتسميع وتسليمة أولى وبقراءة في أولتي غير الظهرين............. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصواب : أنه يجب عليه أن يسمع من خلفه لأن إقتداء الإمام بالمأموم واجب ولا يكون ذلك إلا بالجهر بالتكبير وسيأتينا ذلك ما يتعلق بإقتداء المأموم بالإمام سيأتي في باب أحكام صلاة الجماعة .
" كتسميع " أي قول سمع الله لمن حمده فقوله يجهر بحيث يسمع من خلفه هذا يقولون المذهب بأنه مستحب والصواب أنه واجب .
(1/183)
" وتسليمة أولى " أيضاً يقول يستحب أن يجهر بحيث يسمع من خلفه التسليمة الأولى ، فنقول يستحب أن يجهر لكي يسمع من خلفه جميع التكبيرات ، التسميع التسليمة الأولى .
والصواب في ذلك : أنه واجب كما سبق أن ذكرنا لأن إقتداء المأموم بالإمام واجب لحديث عائشة وأبي هريرة :" إنما جعل الإمام ليأتم به فلا تختلفوا عليه " ولا يمكن الإئتمام إلا إذا سمع التكبير .
" وبقراءة في أولتي غير الظهرين " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله الجهر بالقراءة في أولتي غير الظهرين مستحب ، وفي الركعة الأولى والثانية من الفجر ومن المغرب ومن العشاء الجهر بالقراءة هذا حكمه مستحب وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو قول أكثر أهل العلم واستدلوا على ذلك بحديث أبي قتادة في الصحيحين قال : وكان يسمعنا الآية
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحياناً ، يعني في الظهر وفي العصر كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع الآية أحياناً ، والظهر والعصر يسرُّ أو يجهر فيها ؟
يسر ومع ذلك خالف النبي صلى الله عليه وسلم وجهر في بعض الأحيان وأسمع المأمومين فدل ذلك على أن الإسرار في الظهر والعصر ليس واجباً وأن الجهر في المغرب والعشاء والفجر ليس واجباً هذا دليل .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة وأن الجهر واجب ، وهذا القول هو الصواب .
الصواب : أنه يجب عليه أن يجهر لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فالنبي عليه الصلاة والسلام جهر وقال :" صلوا كما رأيتموني أصلي " وداوم النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك .
(1/184)
كلام أبي حنيفة قريب أو نقول بأن الجهر في مواضعه والإسرار في مواضعه كما ذهب إليه أكثر أهل العلم أنه ليس واجباً لكن كون الإنسان يخالف السنة بحيث أنه يجهر في مواضع الإسرار ويسر في مواضع الجهر كثيراً أو يداوم على هذا نقول هذا لا يجوز وهذا بدعة ، فإما أن نقول كما ذكر أبو حنيفة رحمه الله أنه واجب أو نقول أن في هذا تفصيلاً وأن الأصل أنه يسر في مواضع الإسرار ويجهر في مواضع الجهر ، لكن لو أنه خالف في بعض الأحيان فنقول هذا خلاف السنة ... إلى آخره ، ولا يكون ترك واجباً .
وغيره نفسه ثم يقبض كوع يسراه.............................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وغيره نفسه " يعني غير الإمام وهو المنفرد والمأموم يسمع نفسه ، وعلى هذا لو أنه كبر في قلبه هل يجزئه ذلك أو لا يجزئه ؟
نقول لا يجزئه لأن عمل القلب لا يعتبر فعلاً للجارحة ، يعني عمل القلب ليس عملاً للجارحة ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل " فقال تتكلم أو تعمل وقال حديث النفس فدل ذلك على وجود الفرق .
عندنا التكبير بالقلب والتسبيح بالقلب هذا لا يكفي ، وما الذي يكفي ويجزئ ؟
قال المؤلف رحمه الله : أن يسمع نفسه بحيث أن يجهر جهراً خفيفاً بحيث أنه يسمع وهذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأن إسماع النفس ليس واجباً ويكفي أن يحرك لسانه بالقراءة والتكبير ، وهذا القول هو الصواب ودليل ذلك : الطلاق فلو حرك لسانه بالطلاق يقولون يقع عليه الطلاق وكذلك أيضاً هنا .
" ثم يقبض كوع يسراه " يقبض كوع يسراه وهذه الصفة الأولى ، قد ورد للكفين ثلاث صفات :
الصفة الأولى : القبض كما ذكر المؤلف رحمه الله يقبض كوع يسراه بكف يمناه .
الصفة الثانية : الوضع ، يعني أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى .
(1/185)
ويجعلهما تحت سرته وينظر مسجده ثم يستفتح فيقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفة الثالثة : الوضع على الذراع اليسرى .
وهذه ثلاث صفات تارة يفعل هذا و تارة يفعل هذا وتارة يفعل الصفة الثالثة .
" ويجعلهما تحت سرته وينظر مسجده " يجعل بعد أن يقبض كوع يسراه بكف يمناه يجعل يديه تحت سرته واستدلوا على هذا بحديث علي رضي الله تعالى عنه لكنه حديث ضعيف وأصح منه حديث وائل بن حجر وهو أنه يجعلهما على صدره .
ويدل لهذا أيضاً حديث سهل بن سعد في صحيح البخاري قال : كان الناس يأمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة .
وإذا كان كذلك فإن مقتضى ذلك أن تكون يداه على صدره لا يمكن أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى وتكون اليدان تحت السرة .
" ثم يستفتح فيقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " يستفتح والاستفتاح سنة وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله خلاف الإمام مالك فإن الإمام مالك لايرى مشروعية الاستفتاح ، ويستدل بحديث أنس في الصحيح أنه صلى خلف النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر وكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين لكن المراد بحديث أنس المقصود به الجهر ، وكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين يعني أنهم يجهرون وإلا فحديث أبي هيرة مثلاً في فيقول فيقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك................................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحين أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام : أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه ؟ قال :" أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ... إلى آخره .
هذا يدل على أن الاستفتاح مشروع وأنه يسر فيه .
(1/186)
أما الذين قالوا بمشروعية الاستفتاح فالأدلة على هذا كثيرة كحديث عائشة وحديث ابن عباس وحديث علي وحديث أبي سعيد ... إلى آخره في استفتاحات الصلاة .
والشيخ ابن تيمية رحمه الله له رسالة في الاستفتاحات الواردة في الصلاة .
" فيقول سبحانك " التسبيح هو التنزيه والله عز وجل ينزه عن ثلاثة أشياء عن صفات النقص وعن النقص في كماله وعن مشابهة المخلوقين .
" اللهم " يعني معناها يا الله حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم وأخرت الميم تيمناً وتبركاً بالبداءة باسم الله عز وجل .
" وبحمدك " يعني سبحتك بحمدك .
" وتبارك اسمك " يعني كثرت بركاته .
" وتعالى جدك " أي ارتفع قدرك وعظم .
" ولا إله غيرك " لا معبود بحق إلا الله عز وجل .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا الاستفتاح الذي ذكره المؤلف رحمه الله هو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد وجوه ترجيح الإمام أحمد رحمه الله لهذا الاستفتاح من عشرة أوجه .
والرأي الثاني : رأي الشافعي ، الشافعي يختار حديث أبي هريرة : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد .
وكما أسلفنا أن القاعدة عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله { أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة يشرع أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة } وعلى هذا نقول يغير وينوع تارة يأتي بهذا الاستفتاح وتارة يأتي بهذا الاستفتاح .
وهناك استفتاحات أخرى غير هذين الحديثين مثلاً استفتاح علي : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ... إلى آخره .
استفتاح عائشة : اللهم رب جبرائيل واسرافيل وميكائيل ... إلى آخره .
(1/187)
استفتاح ابن عباس : اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ... إلى آخره .
وهذه الاستفتاحات ينبغي لطالب العلم أن يحفظها والطويل منها لا بأس أن يأتي بها في الفرائض وتكون أيضاً في قيام الليل كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم يستعيذ ثم يبسمل................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ثم يستعيذ " يستعيذ يعني يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أو يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم أو يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من هديه ونفخه ونفثه .
والإستعاذة مشروعة سنة خلافاً للإمام مالك رحمه الله فإنه لا يرى الاستعاذة يرى أنها تكره .
والصواب : ما ذكرنا ويدل لهذا قول الله عز وجل :" فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " .
وأما دليل ابن مالك رحمه الله كما تقدم من حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ولكن الجواب عن هذا المقصود بذلك : الجهر .
والاستعاذة هل هي للقراءة أو للصلاة ؟
نقول الاستعاذة لقراءة القرآن وليست للصلاة ، وعلى هذا إذا ذكرها في الركعة الأولى فإنه لا يذكرها في بقية الركعات لأنها للقراءة ، وإن نسبها في الركعة الأولى ولم يذكرها فإنه يذكرها في الركعة الثانية .
" ثم يبسمل " أيضاً يبسمل يقول بسم الله الرحمن الرحيم ، والبسملة تحتها مباحث :
المبحث الأول : هل هي آية من الفاتحة أو ليست آية من الفاتحة ؟
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا موضع خلاف بين جمهور أهل العلم والشافعي ، فجمهور أهل العلم على أنها ليست آية .
(1/188)
وعند الشافعي : يرى أنها آية من كتاب الله عز وجل .
والصواب في ذلك : أنها ليست آية ، ويدل لهذا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه :" قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي " ولم يقل فإذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، فدل ذلك على أن البسملة ليست آية لكن البسملة تحقيق الكلام فيها نقول بأن البسملة لها ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أنه بالإجماع أنها جزء من آية في سورة النمل .
وثانياً بالإجماع أنه لا يأتى بها بين سورتي الأنفال وبرآءة لا يشرع الإتيان بها .
وثالثاً : ما عدا هذا ... إلى آخره .
الصواب : أنها آية مستقلة يأتى بها لافتتاح السور .
المبحث الثاني فيما يتعلق بالبسملة : هل يجهر بها أو يسر ؟
أيضاً الجمهور على أنه يسر بها واستدلوا بما تقدم من حديث أنس .
والرأي الثاني : رأي الشافعي أنه يجهر بها لأن الشافعي يرى أنها آية من الفاتحة ، وأيضاً ورد الجهر كما في حديث أم سلمة وحديث أبي هريرة ... إلى آخره .
ثم يقرأ الفاتحة.............................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وألف في هذا مؤلفات مستقلة فالدار قطني رحمه الله له مؤلف في هذا .
والأقرب في هذا : أنه لا يجهر بها ، نقول الغالب على أن الإنسان لا يجهر بالبسملة لكن لو جهر بها في بعض الأحيان نقول هذا لا بأس به يكون فيه جمع بين ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه إذا جهر بها للمصلحة كالتأليف فإن هذا حسن .
(1/189)
" ثم يقرأ الفاتحة " يعني يقرأ سورة الفاتحة ، والفاتحة هذا اسم من أسماء هذه السورة العظيمة ، وسميت فاتحة لأنه يفتتح بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصلاة ، والفاتحة ركن من أركان الصلاة ، ويدل لذلك حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "
وهل هي ركن في حق المأموم والإمام والمنفرد أو أنها ركن فقط في حق الإمام والمنفرد ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله ، أما الإمام فهي ركن في حقه في كل ركعة وكذلك أيضاً المنفرد ركن في حقه في كل ركعة ، وأما بالنسبة للمأموم فهذا يأتينا كلام أهل العلم رحمهم الله في صلاة الجماعة وأن الصواب بالنسبة للمأموم أنها ركن في حقه في كل ركعة فيما يسر به الإمام أما ما يجهر به الإمام فإن الإمام يتحملها ، هذا أقرب الأقوال .
مرتبة مرتلة متوالية فإن قطعها بذكر أو بسكوت غير مشروع وطال أو ترك منها تشديدة أو حرفاً أعادها غير مأموم.................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " مرتبة " لابد أن يقرأها وهي مرتبة فلو قرأها منكسة لم تصح صلاته لأنه يخالف نظم القرآن ، نظم القرآن قراءتها مرتبة ، وترتيب الآيات توقيفي عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ترتيب السور ، فترتيب السور منه ما هو توقيفي عن النبي عليه الصلاة والسلام ومنه ما هو اجتهادي عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
" مرتلة " يعني يندب أن يقرأها مرتلة ، بمعنى أنه يتمهل في قراءتها ويقف عند كل آية لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته يقف عند كل آية وكذلك أيضاً يكره الإفراط في التشديد والمد ... إلى آخره .
" متوالية " يعني مرتبة وكذلك أيضاً يقرأ الآيات وهي متوالية فلا يفصل بين قراءة الآيات بفاصل طويل عرفاً .
" فإن قطعها بذكر أو بسكوت غير مشروع وطال أو ترك منها تشديدة أو حرفاً أعادها غير مأموم " هذه أقسام فيما إذا فصل بين قراءة آيات الفاتحة :
(1/190)
القسم الأول : أن يكون الفاصل قصير عرفاً ، هنا حكم الصلاة صحيحة .
القسم الثاني : أن يكون الفاصل طويلاً عرفاً غير مشروع ، فنقول هذا يخل بقراءة الفاتحة .
فإن ترك منها تشديدة أو حرفاً أعادها........................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثالث : أن يكون الفاصل طويلاً عرفاً مشروعاً كما لو فصل للسؤال عند آية رحمه أو لاستماع قراءة إمامه أو لسجود إمامه سجود التلاوة ... إلى آخره فصل فاصل طويل لكنه مشروعاً ' فنقول هنا لا يقطع .
القسم الرابع : أن يقطعها بذكر مشروع ، فنقول هذا لا يضر ، ويؤخذ من هذا أنه لو قطعها بذكر غير مشروع نقول هذا إن طال الفصل يضر هذا هو الصواب وإن لم يطل الفصل فإنه لا يضر .
فأصبحت الأقسام أربعة :
الأول : أن يكون الفاصل يسير عرفاً هذا لا يضر .
الثاني : أن يكون الفاصل طويل عرفاً لكنه غير مشروع فهذا يضر .
الثالث : أن يكون الفاصل طويل عرفاً لكنه مشروع فهذا لا يضر كما لو سجد سجود التلاوة متابعة للإمام أو سكت لاستماع قراءة الإمام ونحو ذلك .
الرابع : أن يفصل بين الآيات بذكر مشروع هذا لا يضر فإن كان غير مشروع فهذا إن طال الفصل يضر وإلا أنه لا يضر .
" فإن ترك منها تشديدة أو حرفاً أعادها " إذا ترك منها حرفاً ... إلى آخره يعيدها لأنه لم يأتي بالفاتحة الواجبة نقص هذا الواجب .
أو تشديدة : لأن التشديدة بمنزلة الحرف فإذا ترك تشديدة فكأنه ترك حرفاً .
أعادها غير مأموم ثم يقول آمين جهراً في جهرية........................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقول المؤلف رحمه الله : أو حرفاً ، هذا ما لم يكن هذا الحرف موضع خلاف فإن كان موضع خلاف فإن هذا لايضر مثل " مالك يوم الدين " القراءة الثانية " ملك يوم الدين " قراءة ورش ، فهذا لايضر .
(1/191)
" أعادها غير مأموم " أما المأموم المذهب لا يلزمه أن يعيد لأنهم يرون أن قراءة الفاتحة في حقه حكمها الاستحباب .
هم يقولون بأنها مستحبة سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً لا يرون أنها واجبة .
والصواب في ذلك : التفصيل وأنه يجب عليه أن يقرأ في ما يسر به إمامه من الركعات لأن ما يجهر به إمامه فيظهر أنه ما يجب عليه .
" ثم يقول آمين جهراً في جهرية " ثم يقول الضمير هنا يعود على كل مصلي ، كل مصلي يشرع له أن يؤمن يقول آمين ، والتأمين تحته مسائل :
المسألة الأولى : ما معنى قول آمين ؟
اسم فعل بمعنى اللهم استجب .
المسألة الثانية : حكم التأمين ؟
جمهور أهل العلم على أنه سنة .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : رأي ابن حزم رحمه الله أنه فرض للأمر به " إذا أمّن الإمام فأمنوا " وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
والصواب في ذلك : أنه سنة وأنه ليس واجباً لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا أمّن الإمام " فالإمام لمن يرد عليه أمر وإذا كان ذلك لم يجب على الإمام فإنه لا يجب على المأموم ولأن التأمين هذا خارج عن الفاتحة وليس من الفاتحة .
فالصواب في ذلك : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وأنه سنة .
المسألة الثالثة : من الذي يؤمن ؟
هذا أيضاً موضع خلاف .
فالرأي الأول : أن الذي يؤمن الجميع الإمام والمأموم وكذلك أيضاً المنفرد .
والرأي الثاني : أن الذي يؤمن هو المأموم دون الإمام ، الإمام لا يؤمّن ، واستدلوا بظاهر " إذا أمّن الإمام فأمنوا "
والصواب في ذلك : أن الجميع يؤمنون ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" فإن الإمام يؤمن والملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه "
(1/192)
فالصواب في ذلك : أن التأمين مشروع في حق الإمام وكذلك أيضاً في حق المنفرد .
المسألة الرابعة : متى يؤمن المأموم ؟
في ذلك رأيان :
ثم يقرأ سورة تكون في الصبح من طوال المفصل........................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المشهور من المذهب ومذهب الشافعية أن المأموم يأمن مع تأمين الإمام تماماً يأمنون جميعاً لما تقدم في الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فإن الإمام يؤمن والملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " والملائكة تؤمن مع الإمام فدل ذلك على أن المأموم أيضاً يؤمن مع الإمام .
الرأي الثاني : ذهب بعض الحنابلة وهو قول بعض أهل الحديث إلى أن الإمام يؤمن أولاً فإذا انتهى من التأمين أمّن المأموم ، يعني يقول ولا الضالين آمين ثم بعد ذلك يؤمن المأموم ، وأخذوا بظاهر " إذا أمّن الإمام فأمنوا ... إلى آخره ".
والصواب في هذه المسألة : ما تقدم .
" ثم يقرأ سورة تكون في الصبح من طوال المفصل " هذه السورة يستحب لها مستحبات :
الأول من المستحبات : أن تكون سورة كاملة ، يستحب له أن يقرأ بعد الفاتحة سورة كاملة ، ودليل ذلك : ما تقدم من حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب .
فقوله وسورة هذا يدل على أنها سورة كاملة ، ولهذا ذكر ابن القيم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه قرأ آيات لكن هذا فيه نظر لأنه حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في ركعتي الفجر قرأ في الركعة الأولى " قولوا أمنا بالله " .......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وفي الركعة الثانية " قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " وما ثبت في النفل ثبت في الفرض .
(1/193)
وعلى هذا نقول : يستحب أن يقرأ سورة فإن طالت السورة لا بأس أن يقطعها ، بمعنى أنه يقسمها نصفين .
ولا بأس أن يقرأ أحياناً آيات لما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر لا مانع ، لكن لا يكون هو الغالب على هديه ، الغالب على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ما دل له حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال سورة ، وأيضاً كما سيأتينا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قرأ في الظهر وكيف قرأ في الفجر ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر والطور ، وقرأ بـ" ق والقرآن المجيد " ويقرأ بالواقعة ونحوها من السور .
وفي الظهر من البروج والمرسلات و " السماء والطارق " ... إلى آخره .
وفي العشاء والليل إذا يغشى وسبح و" إقرأ باسم ربك الذي خلق " هذا مما يدل على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ سورة وهذا خلاف ما يفعله كثير من الناس اليوم ، كثير من الأئمة تجد أنه يقرأ آيات يجعله كثيراً وهذا خطأ خلاف السنة ، السنة تقرأ سورة لكن لا بأس في بعض الأحيان أن تقرأ آيات ، لكن يكون الغالب على هديه
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم يتلمس سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، هذا المستحب الأول .
المستحب الثاني : أن يفتتحها بالبسملة ولا تغني بسملة الفاتحة السابقة بل الفاتحة يفتتحها بالبسملة وكذلك أيضاً السورة يفتتحها بالبسملة .
الثالث من المستحبات : قال : تكون في الصبح من طوال المفصل ، المفصل : اختلف في أوله على أقوال وهذه الأقوال متقاربة فقيل بأنه من أول سورة ق ، وقيل بأنه من أول سورة الحجرات ، وقيل بأنه من أول سورة القتال ... إلى آخره .
(1/194)
والخلاف في هذا سهل وسمي بهذا الاسم لكثرة الفصل فيه وقصر الآيات ، ويدل على اعتبار المفصل حديث سليمان بن اليسار قال كان فلان يصلي بنا وكان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف العصر ويقرأ بالفجر بطوال المفصل وفي المغرب بقصاره وفي العشاء بأواسطه .
فقال أبو هريرة : ما صليت خلف أحد أشبه بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا .
وقوله بطوال المفصل بقصار المفصل بأواسط المفصل هذا دليل بما ذكره العلماء رحمهم الله .
وطوال المفصل إلى سورة النمل ، وأواسط المفصل إلى سورة الضحى ، ثم بعد ذلك قصار المفصل إلى آخر القرآن .
وفي المغرب من قصاره..................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فيستحب في الصبح أن يقرأ من طوال المفصل ودليله ما ذكرنا من حديث سليمان بن اليسار قال كان فلان ... إلى أن قال وكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل .
وأيضاً النبي عليه الصلاة والسلام قرأ بالطور في الفجر وكان يقرأ بالواقعة ونحوها من السور وقرأ بـ" ق والقرآن المجيد "
وكذلك أيضاً قرأ مرة بالروم وبـ يس والصافات وشرع بسورة المؤمنون حتى جاء إلى ذكر موسى وهارون فأدركته سعلة فركع ... إلى آخره .
ومن حديث أبي برزة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ما بين الستين إلى المائة . وحديث رافع بن خديج ومحمود بن نبيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر والإسفار حمله الطحاوي رحمه الله تعالى على الإطالة بالقراءة ، يدخل بالصلاة بغلس ويطيل .
فيكون هدي الإنسان في الغالب أنه يطيل القرأة في صلاة الفجر ولا بأس أن يقصر في بعض الأحيان وخصوصاً إذا كان هناك عذر ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالتكوير " إذا الشمس كورت " كما في صحيح مسلم وقرأ بالزلزلة في الركعتين وقرأ في السفر بالمعوذتين ، فنقول هذا لا بأس في بعض الأحيان .
(1/195)
" وفي المغرب من قصاره " في المغرب يقرأ من قصار المفصل ودليل ذلك ما تقدم لنا من حديث سليمان بن يسار قال : وفي المغرب من قصاره .
وفي الباقي من أوساطه..................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فيستحب أن يقرأ في المغرب من قصار المفصل ، وقصار المفصل ذكرنا أنه يبدأ من سورة الضحى إلى آخر القرآن .
ويدل لهذا حديث رافع بن خديج أيضاً أنهم كانوا يصلون المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخرجون يرمون بالنبل فيرون مواقع نبلهم من الإسفار ، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بادر بها في أول الوقت وأنه خففها وهذا يقتضي أنه قصر فيها بالقراءة .
وأيضاً يستحب أن يطيل في بعض الأحيان ، لكن يكون الهدي الغالب أنه يقرأ من القصار .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب في المرسلات وقرأ أيضاً بالطور وقرأ سورة الأعراف ، وأيضاً قرأ بسورة محمد والأنفال ... إلى آخره .
فنقول يستحب له أن يطيل في بعض الأحيان .
" وفي الباقي من أوساطه " أوساط المفصل يبدأ من النبأ إلى الضحى ، والباقي يشمل ثلاث صلوات الظهر والعصر والعشاء ، أما العشاء فهذا كما ورد في حديث سليمان بن يسار : والعشاء من أو ساطه .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم أرشد معاذ بن جبل لما أطال في صلاة العشاء أرشده بأن يقرأ بسبح والغاشية وكذلك أيضاً بـ" اقرأ باسم ربك الذي خلق " إلى آخره .
فنقول : العشاء يقرأ بأواسط المفصل .
(1/196)
كذلك أيضاً العصر يقرأ بأواسط المفصل ويدل لذلك ما تقدم أيضاً حديث سليمان بن يسار قال : كان فلان يصلي بنا وكان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف العصر ، ويدل لذلك أيضاً حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ" السماء ذات البروج " و" السماء والطارق " ونحوها من السور .
وأيضاً كان يقرأ في الظهر والعصر بـ" الليل إذا يغشى " ... إلى آخره .
هذا مما يدل على أنه يستحب في العصر أن يقرأ بأواسط المفصل .
أما بالنسبة للظهر فنقول تارة يقرأ بالأواسط وتارة يطيل فيقرأ بالأواسط كما ذكرنا في حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ" السماء ذات البروج " و" السماء والطارق " ونحوها من السور .
وأيضاً يقرأ بـ" الليل إذا يغشى " ... إلى آخره .
وتارة يطيل كما في حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر ثلاثين آية في كل ركعة .
ولا تصح بقراءة تخرج عن مصحف عثمان............................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أطال فيها .
فنقول : يستحب في بعض الأحيان أن يطيل وفي بعض الأحيان أن يقرأ بالأواسط .
" ولا تصح بقراءة تخرج عن مصحف عثمان " قوله لا تصح الضمير يعود على الصلاة يعني لا تصح صلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان .
(1/197)
ومصحف عثمان المراد به : المصحف الذي جمع الناس عليه في زمنه فإن عثمان رضي الله تعالى عنه لما تفرق القراء أمصار وأصبحوا يختلفون في القراءة ... إلخ وخشي عثمان رضي الله تعالى عنه من هذا الاختلاف أن يسبب فتنة فجمع الناس على مصحف واحد وأرسل به إلى الأمصار ، فيقول المؤلف رحمه الله : لا تصح بقراءة تخرج عن مصحف عثمان ، ومثل ذلك قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات فهل تصح هذه القراءة أو لا تصح هذه القراءة ؟
يقول المؤلف رحمه الله بأنها لا تصح .
وهم يقولون بأن ما وافق مصحف عثمان وصح سنده صحت القراءة به .
والصحيح في هذه المسألة : أن كل ما صح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم من القراءات صحت الصلاة به هذا الصواب .
الصواب في هذه المسألة : أن كل ما صح سنده من القراءات فإنه تصح القراءة به .
ثم يركع مكبراً رافعاً يديه.......................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ثم يركع مكبراً " يعني بعد أن يقرأ الفاتحة وسورة يركع مكبراً ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر إذا قام إلى الصلاة ويكبر حين يركع "
وقول المؤلف رحمه الله : يركع مكبراً ، يعني أن التكبير يكون في أثناء الهوي فلا يكبر وهو قائم ولا يكبر وهو راكع لأن التكبير ذكر للإنتقال ، وذكر الإنتقال يكون بين ركنين يعني بين ركن الذي انتقل منه إلى الركن الذي انتقل إليه ويدل لهذا حديث أبي هريرة قال : يكبر حين يركع ، ما قال : يكبر إذا ركع أو يكبر قبل يركع .
قال : حين يركع ، مما يدل على أن التكبير يكون في أثناء الإنتقال .
وهم ينصون على أنه لو لم يكبر إلا بعد أن يركع قالوا : لا يصح تكبيرة وحينئذٍ يكون ترك واجباً من واجبات الصلاة .
وعلى هذا يحتاط المصلي فيكون تكبيره بين الركنين .
(1/198)
ولا بأس أنه يهوي ويكبر لكن قبل أن يركع أو قبل أن يسجد هذا جائز ولا بأس به .
" رافعاً يديه " وهذا هو الموضع الثاني من المواضع التي ترفع فيها الأيدي لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد أن يرفع رأسه "
فقال : وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه .
ويجعلهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويسوي ظهره ورأسه بحياله.............................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقوله رافعاً يديه : يعني مع ابتداء الركوع .
" ويجعلهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع " يجعل يديه على ركبتيه .
والركوع له صفتان :
الصفة الأولى : صفة كاملة ، وهي التي شرع المؤلف رحمه الله في بيانها .
والصفة الثانية : صفة مجزئة ، وهذه سيأتي بيانها .
الصفة الكاملة قال المؤلف : على ركبتيه مفرجتي الأصابع يعني كالقابض لهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرج بين أصابعه وإذا سجد ضم أصابعه .
فنقول يجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع كالقابض على ركبتيه .
" ويسوي ظهره ورأسه بحياله " يعني يسوي ظهره يهصر ظهره يكون ظهره مستوياً ورأسه بحياله ، يعني بإزاء ظهره ، فلا يخفض رأسه ولا يرفعه وإنما يكون بحياله بإزاء ظهره .
وأيضاً يجافي عضديه عن جنبيه في أثناء الركوع .
هذا هو الركوع الكامل .
فتلخص لنا :الركوع الكامل أنه يهصر ظهره بحيث يكون مستوياً ويكون رأسه بإزائه لا يرفعه ولا يخفضه ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويجافي عضديه عن جنبيه .
ويقول سبحان ربي العظيم............................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثاني : الركوع المجزئ وهذا اختلف العلماء رحمهم الله في ضابطه على رأيين :
(1/199)
الرأي الأول : قالوا أن ينحني بحيث تصل يداه إلى ركبتيه إذا كان وسط الخلقة وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
وقولهم وسط الخلقة : يخرج ما إذا كان طويل اليدين فقد يكون طويل اليدين بحيث أنه مجرد الإنحناء تصل إلى ركبتيه .
ويخرج أيضاً ما إذا كان قصير اليدين فإن قصير اليدين قد ينحني ويكون راكعاً ركوعاً تاماً ومع ذلك يداه لم تصل ركبتيه ، فالعبرة في وسط الخلقة .
والرأي الثاني في ضابط الركوع المجزئ قالوا : أن يكون إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل ، وهذا القول هو الأقرب .
هذا قال به بعض الحنابلة .
ومعنى ذلك : أن الإنسان إذا رأى هذا الشخص يقول بأنه راكع أما إذا رآه وهو منحني ويقول بأنه لا يزال قائماً فلم يأتي بالركوع المجزئ .
" ويقول سبحان ربي العظيم " قول سبحان ربي العظيم المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه واجب خلافاً لجمهور أهل العلم .
فإن جمهور أهل العلم لا يرون الوجوب .
وسيأتينا إن شاء الله في واجبات الصلاة .
وأدنى الكمال ثلاث.......................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والدليل على أنه يقول سبحان ربي العظيم حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه لما ذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : سبحان ربي العظيم .
والركوع ورد له أذكار فمن ذلك أن يقول : سبوح قدوس رب الملائكة والروح .
ومن ذلك أيضاً أن يقول : سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة .
ومن ذلك أن يقول : سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ... إلخ .
ويقول أيضاً : اللهم لك ركعت ... إلخ .
المهم هناك أذكار واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة ينبغي للمصلي أن يأتي بهذه الأذكار .
(1/200)
وأيضاً إذا كان يحرص عليها فإن هذا يكون أبعد للصلاة عن السهو والغفلة وخطرات الشيطان وأقرب إلى تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
" وأدنى الكمال ثلاث " يعني المجزئ تسبيحة واحدة ، وأدنى الكمال ثلاث .
لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" وذلك أدناه " في حديث عقبة والحديث وإن كان فيه ضعف لكن أقل الجمع ثلاث تسبيحات عند أكثر أهل اللغة .
فنقول : أدنى الكمال ثلاث .
والمصلي لا يخلو من ثلاث حالات :
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ إما أن يكون إماماً أو مأموماً أو منفرداً .
فإن كان إماماً فإن أعلاه بالنسبة له إلى عشر ، يعني لا يتجاوز عشر تسبيحات ، هذا بالنسبة للإمام ، ودليل ذلك ما تقدم من حديث أنس رضي الله تعالى عنه : أن فلان كان يصلي بهم فحزروا تسبيحه في الركوع فوجدوه عشر والسجود عشر فقال أنس رضي الله تعالى عنه : ما صليت صلاة كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذه الصلاة أو كما ورد .
المهم أنهم حزروا ركوعه أنه بقدر عشر تسبيحات ، فنقول الإمام يسبح إلى عشر ، وليس بشرط أن يستغرق هذا الزمن في قول : سبحان ربي الأعلى سبحان ربي العظيم المهم أنه يستغرق هذا الزمن في قول : سبحان ربي الأعلى سبحان ربي العظيم أو غير ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فنقول أنه لا يتجاوز قدر عشر تسبيحات سواء استغرقه في الدعاء كحال السجود أو في أذكار أخرى واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل المستحب ، وكم المستحب ؟
ثلاث ، أدنى الكمال ثلاث .
ويحرم عليه أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل الواجب .
(1/201)
ثم يرفع رأسه قائلاً إمام ومنفرد سمع الله لمن حمده..................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والواجب تسبيحة واحدة ، هذا محرم عليه بل إن المأموم إذا كان لا يتمكن من متابعة الإمام والإتيان بالواجب فإنه ينفرد ويتركه .
فأصبح عندنا الإمام إلى عشر ولا يتجاوز العشر إلا إذا رضي الجماعة إن كانوا محصورين ، ويكره له أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل المستحب ، ويحرم عليه أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل الواجب ، هذا بالنسبة للإمام .
أما بالنسبة للمأموم فإنه تبع لإمامه فنقول يسبح إلى أن يرفع إمامه ، يسبح ويدعو ويأتي بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يرفع إمامه .
المنفرد أمير نفسه فلو زاد على عشر فإن هذا جائز ولا بأس به لكن يجعل صلاته متناسقة فهذا الأفضل حديث البراء بن عازب أنه قال : رمقت صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ووجدت ركوعه فقيامه من الركوع فسجوده فجلسته بين السجدتين قريباً من السواء .
يجعل صلاته متناسقة .
" ثم يرفع رأسه قائلاً إمام ومنفرد سمع الله لمن حمده " سمع الله لمن حمده : بمعنى استجاب الله لمن حمده .
وقال المؤلف رحمه الله : قائلاً إمام ومنفرد ، فيؤخذ من هذا أن المأموم لا يجمع بين التسميع والتحميد ، فعندنا الإمام يجمع بين التسميع والتحميد فيقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد .
وإذا قاما ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المنفرد : يجمع بين التسميع والتحميد .
المأموم : لا يجمع بين التسميع والتحميد وإنما يقتصر على التحميد وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
(1/202)
واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد " قال فقولوا ربنا ولك الحمد ما قال فقولوا سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد .
والرأي الثاني : وإليه ذهب الشافعي إلى أن المأموم يجمع بين التسميع والتحميد .
وقالوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع وقد قال عليه الصلاة والسلام :" صلوا كما رأيتموني أصلي "
وما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين التسميع والتحميد وقال :" صلوا كما رأيتموني أصلي " هذا يدل على أنه يجمع بينهما .
والأقرب في هذه المسألة والله أعلم : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد .
" وإذا قاما ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " التحميد ورد له أربع صيغ :
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصيغة الأولى : أن يقول : اللهم ربنا ولك الحمد ، يجمع بين اللهم والرب .
والصيغة الثانية : التجريد : أن يجرد التحميد من اللهم والرب .
والصيغة الثالثة : أن يقتصر على اللهم .
والرابعة : أن يقتصر على الواو .
هذه واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يأتي بهذا تارة وبهذا تارة .
أيضاً الواجب : قول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد .
هذه المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها من واجبات الصلاة ، خلافاً لجمهور أهل العلم كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
كذلك أيضاً القيام بعد الركوع له أذكار ينبغي المصلي وخصوصاً طالب العلم أن يحفظها فمما ورد : اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه .
ومما ورد : ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد وحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
(1/203)
ومما ورد أيضاً إذا أطال الإنسان في قيام الليل أن يقول : لربي الحمد لربي الحمد لربي الحمد لربي الحمد ... إلخ .
ومأموم في رفعه ربنا ولك الحمد فقط............................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذه أذكار ينبغي حفظها ، وكما ذكرنا السنة أن تكون الصلاة متناسقة كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، الركوع والرفع والسجود والجلسة بين السجدتين هذه تكون قريبة من السواء .
وإذا أطال القراءة أطال الركوع والسجود .
" ومأموم في رفعه ربنا ولك الحمد فقط " يعني المأموم يقول المؤلف رحمه الله فإنه يقتصر على قول : ربنا ولك الحمد ولا يزيد ملء السماء وملء الأرض ، وفي لفظ ملء السماوات وملء الأرض .. إلخ .
يقول المؤلف رحمه الله لا يزيد وإنما يقول المأموم فقط ربنا ولك الحمد ويسكت ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
واستدلوا بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد " قال : فقولوا ربنا ولك الحمد .
فقالوا بأنه يقتصر على قول ربنا ولك الحمد ، والذي يزيد الإمام وكذلك أيضاً المنفرد .
والصحيح : أنه لا فرق وأن المأموم يزيد كما أن الإمام يزيد .
وفي حديث معاوية بن الحكم في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن"
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فحصر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بأنها تكبير وتسبيح وقراءة قرآن وعلى هذا لا يسكت .
كيف نقول للإمام أذكر هذا الذكر والمأموم يظل ساكتاً ، لا فالصلاة ليس فيها سكوت وإنما يأتي بالأذكار المشروعة .
(1/204)
إذا رفع رأسه من الركوع كما تقدم يرفع يديه وهذا هو الموضع الثالث التي ترفع فيها الأيدي ، وتقدم دليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
وأين يضع يديه بعد الركوع ؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : أنه مخير إما أن يرسلهما من على جنبيه أو أنه يضع اليمنى على اليسرى .
والرأي الثاني : أنه يرسلهما ولا يضع .
والرأي الثالث : أنه يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة .
ودليل ذلك حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهم أنه قال : كان الناس يأمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة .
وهذا يشمل جميع الصلاة إلا ما ورد مستثنى ، مثلاً في الجلوس ورد الاستثناء في السجود ورد الاستثناء الركوع ورد الاستثناء يبقى القيام .
فالصواب في هذه المسألة : أنه يضع يده اليمنى على اليسرى ، هذا الصواب .
ثم يخر مكبراً ساجداً....................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ثم يخر مكبراً ساجداً " وقوله ثم يخر مكبراً يؤخذ من هذا أنه لا يرفع يديه وهذا كما سلف لنا قول أكثر أهل العلم أنه لا يرفع يديه عند السجود وعند الرفع من السجود .
فجمهور أهل العلم على أنه لا يرفع يديه ، ودليلهم على ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في ثلاث مواضع ، قال : وكان لا يفعل ذلك عند السجود .
فقوله وكان لا يفعل ذلك عند السجود هذا يدل على أن رفع الأيدي عند السجود أنه غير مشروع .
والرأي الثاني : أنه يرفع وهذا ذهب إليه طائفة من السلف أنه يرفع عند الهوي للسجود وعند الرفع من السجود .
واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع عند كل خفض ورفع . لكنه ضعيف
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث مالك بن الحويرث وهذا أيضاً فيه ضعف .
(1/205)
والبخاري رحمه الله في كتابه جزء القراءة خلف الإمام أشار إلى أن الأحاديث الواردة في الرفع عند السجود وعند الرفع منه أنها ضعيفة ، فإذا كان كذلك وابن عمر رضي الله تعالى عنهما وكذلك أيضاً حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يفعل ذلك عند السجود يدل على أنه غير مشروع .
ويضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه..................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وما ورد عن بعض الصحابة في الرفع نقول ظاهر السنة عدم شرعية ذلك .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو قول أكثر أهل العلم وأنه لا يشرع الرفع عند الخفض وكذلك أيضاً عند الرفع منه .
" ويضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه " يجب السجود على الأعضاء السبعة ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أمرت أن أسجد على سبعة أعظم اليدين والركبتين وأطراف القدمين والجبهة والأنف "
وقوله : يضع ركبتيه يؤخذ من كلام المؤلف أنه لا يبدأ باليدين عند السجود وإنما يضع ركبتيه وهذه المسألة فيها خلاف كثير بين أهل العلم رحمهم الله وألف فيها مؤلفات مستقلة ، هل يبدأ بركبتيه أو يبدأ بيديه ؟
فجمهور أهل العلم أنه يبدأ بركبتيه .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله أنه يبدأ بيديه .
الجمهور استدلوا بحديث وائل بن حجر في السنن : وإذا سجد وضع يديه قبل ركبتيه .
والإمام مالك رحمه الله استدل بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضاً في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" وليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك كما يبرك البعير "
وقالوا أيضاً بأنه ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وضع اليدين قبل الركبتين في صحيح البخاري .
(1/206)
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وحديث وائل وحديث أبي هريرة كل فيه مقال وكل منهما له شاهد أيضاً .
والذي يظهر والله أعلم أن هذه الأحاديث متكافئة وحينئذٍ نذهب إلى الأصل .
والأصل في ذلك : كما ذكرنا أن حركات الصلاة تكون على مقتضى الطبيعة .
ومقتضى الطبيعة أن تنزل الأسافل قبل الأعالي ، هذا الذي يظهر .
اللهم إلا إذا كان هناك حاجة وهذا يمكن أن يحمل عليه ما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا كان هناك حاجة كمرض أو كبر ونحو ذلك .
فالإنسان لا يستطيع أن يسجد على ركبتيه عنده مرض أو عنده كبر ونحو ذلك فنقول لا بأس أنه يقدم يديه قبل ركبتيه ، مع أن هذا أيضاً يؤيده الشارع نهى عن التشبه بالحيوان ولا شك أن الإنسان إذا هوى على يديه هذا يكون فيه تشبه بالحيوان ، تشبه بالبعير ولهذا ابن القيم رحمه الله ذكر بأن الحديث فيه انقلاب ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :" ولا يسجد كما يسجد البعير " هنا شبه النبي صلى الله عليه وسلم في الهيئة ولا شك أنه إذا قدم يديه سجد كما يسجد البعير ، فقال بأن الحديث : وأن يضع ركبتيه قبل يديه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث قال :" ولا يسجد كما يسجد البعير " هنا نهى عن الهيئة ، ولاشك أنه إذا قدم يديه يكون سجد كما يسجد البعير .
فيكون في الحديث اختلاف صدره يختلف عن عجزه .
ويكون على أطراف أصابع رجليه ويجافي عضديه عن جنبيه ويفرق ركبتيه........................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ويكون على أطراف أصابع رجليه " يعني في السجود يوجه أطراف أصابع رجليه إلى القبلة .
يعني أن السجود له صفتان :
(1/207)
الصفة الأولى صفة كاملة ، وهي كما ذكرها المؤلف رحمه الله ، يكون على أطراف أصابع رجليه ، يعني يسجد على أطراف أصابع رجليه ويثني أطراف أصابع رجليه تجاه القبلة ، كما في حديث أبي حميد رضي الله تعالى عنه .
" ويجافي عضديه عن جنبيه " أيضاً يجافي عضديه عن جنبيه لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجافي حتى يرى بياض أبطيه .
وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يرقون النبي صلى الله عليه وسلم من شدة مجافاته .
" وبطنه عن فخذيه وهما عن ساقيه "أيضاً يجافي بطنه عن فخذيه ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام :" اعتدلوا في السجود " وهذا مقتضى الاعتدال .
الاعتدال : أن لا ينكمش الإنسان بحيث يجعل بطنه على فخذيه وفخذيه على ساقيه ولا يمتد لأن بعض الباس يبالغ في الإمتداد .
نقول المأمور به أن يعتدل الإنسان في سجوده لا ينكمش وينضم ولا يمتد .
" ويفرق ركبتيه " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : ويفرق ركبتيه .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ بالنسبة للقدمين قالوا أيضاً بأنه يفرق القدمين .
فالمذهب أنه يفرق القدمين ويفرق الركبتين .
أما الركبتان فعلى مقتضى الطبيعة ، ومقتضى الطبيعة أن يكون متفرقتين .
أما بالنسبة للقدمين ، هل يضمهما أو لا يضمهما ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم ،فالمشهور من المذهب أنه لا يضم بل يفرق القدمين .
والرأي الثاني : أنه يضم واستدلوا على ذلك بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها في صحيح مسلم أنها ذهبت تلتمس النبي صلى الله عليه وسلم قالت فوقعت يدها على قدميه وهي منصوبتان .
فكون اليد تقع على القدمين هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بصريح أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمهما لكن قالوا : يفهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم ضمهما أو قارب بينهما .
(1/208)
وأيضاً قالوا بأنه وارد في صحيح ابن خزيمة وعليه بوب ابن خزيمة باب رص العقبين في السجود .. إلخ .
والأقرب في هذه المسألة : أن الضم ليس هناك ما يدل عليه صراحة وحديث ابن خزيمة فيه ضعف لكن يبقى حديث عائشة .
ويكره ترك مباشرة الجبهة بالمصلى بلا عذر................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فنقول : الأقرب في ذلك أن الإنسان يقارب بين قدميه أما الضم فهذا يحتاج إلى دليل ، وإذا قارب بين قدميه كفى ذلك .
" ويكره ترك مباشرة الجبهة بالمصلى بلا عذر " إذا كان هناك حائل بين أعضاء السجود والمصلى فللحائل ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يكون من أعضاء السجود كما لو وضع قدم على قدم أو وضع يده ثم سجد عليها فنقول سجوده لا يصح لأنه كما سيأتينا إن شاء الله السجود على الأعضاء السبعة هذا واجب ، كما هو مشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
الحالة الثانية : أن يكون الحائل من غير أعضاء السجود وهو متصل بالمصلي ، فنقول هذا يكره ، إلا لحاجة مثلاً سجد على طرف غترته أو عمامته ونحو ذلك فنقول إذا كان هناك حاجة فلا بأس شدة حر أو شدة برد أو شوك ونحو ذلك .
أما إذا لم يكن هناك حاجة فنقول بأن هذا مكروه ولهذا ذكر ابن القيم رحمه الله : أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد على طرف عمامته .
وأيضاً حديث أنس أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم كانوا يباشرون بجباههم الأرض ، وأنهم إذا وجدوا حر الرمضاء بسط أحدهم طرف ثوبه وسجد عليه .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الحالة الثالثة : أن يكون ذلك منفصل عن المصلي ، فنقول هذا لا بأس به ، لكن كره العلماء رحمهم الله أن يخص جبهته بشيء يسجد عليه لما في ذلك من التشبه بالرافضة .
(1/209)
بقينا في القسم الثاني من السجود المجزئ : نقول السجود المجزئ أن يسجد على الأعضاء السبعة كيف ما سجد .
والأعضاء السبعة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : اليدان والركبتان وأطراف القدمين .
فهذه جمهور العلماء على أنه لا يجب السجود عليها .
والرأي الثاني : مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يجب السجود عليها وهو أوسع المذاهب في ذلك، وهذا هو الصواب لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
القسم الثاني : الجبهة والأنف ، هل يجب السجود عليهما أو لا يجب ؟
هذا أيضاً موضع خلاف فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يجب السجود عليهما جميعاً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" والجبهة وأشار إلى أنفه "
وفي لفظ عند مسلم :" والجبهة والأنف "
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه مخير في السجود بين الجبهة والأنف .
ويقول سبحان ربي الأعلى................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثالث : رأي الإمام مالك رحمه الله أنه يجب عليه أن يسجد على الجبهة وأما الأنف إن أخل به فإنه يعيد في الوقت استحباباً ، وبعد الوقت لا يعيد .
فيؤخذ من هذا فإنهم يوجبون عليه أن يسجد على جبهته وأما بالنسبة للأنف فإنه لا يجب عليه لكن يستحب له .
والأقرب في ذلك : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله لما في ذلك من الأمر .
" ويقول سبحان ربي الأعلى " يعني يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ، وقول سبحان ربي الأعلى هذا واجب من واجبات الصلاة وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
وعند جمهور العلماء أن قول سبحان ربي الأعلى ليس واجباً وسيأتي إن شاء الله .
(1/210)
وكما سبق أن التمام ثلاث مرات ، والمجزئ مرة واحدة وسبق أيضاً لنا أن الإمام له أن يسبح إلى عشر تسبيحات لحديث أنس رضي الله تعالى عنه وأما المأموم فإنه يسبح إلى أن يرفع إمامه ، وأما المنفرد فإنه أمير نفسه كما تقدم ، وأيضاً السجود له أذكار أخرى كما سبق أن أشرنا أن الركوع له أذكار أيضاً السجود له أذكار أخرى واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي لطالب العلم أن يحفظ هذه الأذكار ومن هذه الأذكار ما ذكره المؤلف رحمه الله : سبحان ربي الأعلى ، ومنها أن يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ومنها أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي سبحانك ثم يرفع مكبراً ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه ويقول رب اغفر لي ثلاثاً.................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت ، ومنها أيضاً أن يقول اللهم لك أسلمت وبك أمنت ... إلى آخره .
وأيضاً يقول سجد وجهي للذي خلقه وصوره ... إلى آخره .
وهذه الأذكار ينبغي لطالب العلم أن يحفظها
" ثم يرفع مكبراً ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه ويقول رب اغفر لي ثلاثاً " أيضاً الإفتراش ذكر بعض العلماء أن الأصل في جلسات الصلاة الافتراش ، والافتراش كما وصفه المؤلف رحمه الله أنه ينصب رجله اليمنى ويثني أصابعها تجاه القبلة وأما رجله اليسرى فإن ظهرها يكون إلى الأرض وبطنها يجلس عليه ، هذا يسمى الافتراش .
كما جاء ذلك في حديث أبي حميد وحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما .
" ويقول رب اغفر لي " رب اغفر لي هذا ذكر واجب ، المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
وعند جمهور أهل العلم أنه مستحب وليس واجباً وسيأتي إن شاء الله الكلام عليه .
وتقدم أيضاً أن أقل الكمال ثلاث وأعلاها بالنسبة للإمام إلى عشر وكذلك المأموم والمنفرد ما سبق في تسبيحات الركوع والسجود يأتي هنا .
(1/211)
ثم يسجد ثانية كالأولى ثم ينهض مكبراً قائماً على صدور قدميه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأيضاً من الذكر الوارد قول رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني وارفعني هذه من الأذكار الواردة .
وإذا كان مأموماً يقول رب اغفر لي ويكرر ذلك إلى أن يرفع الإمام ويأتي بالأذكار الواردة التي سبق أن أشرت إليها إلى أن يرفع الإمام ، وأما الإمام فسبق أنه إلى عشر .
والجلوس بين السجدتين له صفتان :
الصفة الأولى : صفة مجزئة .
الصفة الثانية : صفة كاملة .
الصفة المجزئة كيف ما جلس .
وأما الصفة الكاملة كما ذكر المؤلف رحمه الله يفترش ينصب رجله اليمنى ويجعل أصابعها مثنية إلى جهة القبلة وأما بالنسبة لرجله اليسرى فيجعل ظهرها إلى الأرض وبطنها يجلس عليه ويجعل يديه على فخذيه مضمومة الأصابع
" ثم يسجد ثانية كالأولى " كالأولى فيما تقدم من التكبير والتسبيح وغير ذلك .
" ثم ينهض مكبراً قائماً على صدور قدميه " قوله ينهض مكبراً يعني يكون التكبير في أثناء النهوض وهذا سبق أن أشرنا إليه أن تكبيرات الانتقال أنها تكون بين الركنين لأنها ذكر هذا الانتقال ، وقول المؤلف رحمه الله : قائماً على صدور قدميه فيؤخذ من هذا أنه لا يجلس جلسة الإستراحة ، وهل جلسة الاستراحة مشروعة أو ليست مشروعة ؟
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ نقول هذه الجلسة فيها رأيان للعلماء رحمهم الله :
فجمهور أهل العلم على أنها ليست مشروعة وهو ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : رأي الشافعي رحمه الله أنها مشروعة .
أما الذين قالوا بأنها ليست مشروعة وهو رأي الجمهور قالوا بأنها لم يأتي ذكرها في حديث أبي حميد كما في سنن أبي داود .
(1/212)
وأيضاً قالوا بأن أكثر الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأيضاً الذين لازموا النبي صلى الله عليه وسلم كابن عباس وابن عمر وابن مسعود وابن جبير وابن سعيد ما كانوا يجلسون هذه الجلسة .
وأيضاً قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد لها من أساء في صلاته في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
والذين قالوا بأنها مشروعة استدلوا بحديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه وإنه قال لما ذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم : وكان إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً . فقالوا هذا دليل على مشروعية هذه الجلسة .
وقالوا أيضاً بأنها واردة في حديث أبي حميد رضي الله تعالى عنه .
معتمداً على ركبتيه إن سهل......................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله وأن الإنسان يفعل هذه الجلسة إذا كان يحتاج إليها إما لكبر أو لمرض أو لتعب ونحو ذلك فإنه يجلس مثل هذه الجلسة ، أما إذا كان لا يحتاجها فإنه يتركها بهذا تجتمع الأدلة .
ويبقى حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتاج إلى هذه الجلسة لأن مالك ما قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا في آخر حياته ، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما كبر وأسن أخذه اللحم ... إلى آخره .
وهل لها ذكر هذه الجلسة أو ليس لها ذكر ؟
نقول لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها ذكر .
كذلك أيضاً هذه الجلسة ما صفتها ؟
العلماء رحمهم الله قالوا بأن صفتها كصفة الجلوس بين السجدتين .
" معتمداً على ركبتيه إن سهل " يعني إذا أراد أن يقوم يعتمد على ركبتيه إذا كان ذلك أسهل له وإن كان يحتاج إلى أن يعتمد على الأرض لكونه كبيراً أو مريضاً ونحو ذلك فإنه يعتمد على الأرض .
(1/213)
ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله إلى أنه لايأمن ما يسمى بالعجن في الصلاة وأن حديث العجن أن هذا غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني أنه إذا أراد أن يقوم يجعل يديه على الأرض ثم بعد ذلك يقوم .
فيصلي الثانية كذلك غير التحريمة والاستفتاح والتعوذ إن تعوذ في الأولى................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والحديث الوارد في هذا ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
" فيصلي الثانية كذلك غير التحريمة والاستفتاح " يعني يصلي الركعة الثانية كالركعة الأولى لكن يستثنى من ذلك قال : غير التحريمة لا يكبر تكبيرة الإحرام لأن تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى والاستفتاح أيضاً لا يستفتح ولو أنه نسي أو فاته الاستفتاح في الركعة الأولى فإنه لا يستفتح لأن موضع الاستفتاح إنما في الركعة الأولى لأنه يفتتح به الصلاة والركعة الثانية لا يفتتح بها الصلاة .
" والتعوذ إن تعوذ في الأولى " يعني التعوذ يقول المؤلف رحمه الله فيه تفصيل :
إن تعوذ في الركعة الأولى فإنه لا يستعيذ في الركعة الثانية ، وإن لم يتعوذ في الركعة الأولى فإنه يستعيذ في الركعة الثانية ، لما سبق أن أشرنا أن الاستعاذة للقراءة ليست للصلاة .
أما البسملة فإنه يبسمل في ابتداء السورة ، يبسمل في ابتداء الفاتحة ويبسمل أيضاً في كل سورة يفتتحها .
ثم يجلس مفترشاً ويداه على فخذيه قابضاً خنصر يمناه وبنصرها محلقاً إبهامها مع الوسطى............................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ثم يجلس مفترشاً ويداه على فخذيه قابضاً خنصر يمناه وبنصرها محلقاً إبهامها مع الوسطى" الجلوس للتشهد الأول له صفتان :
الصفة الأولى : أن يجلس كيف ما شاء .
(1/214)
الصفة الثانية : أن يجلس كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى يفترش وسبق أن بينا كيفية الإفتراش ينصب اليمنى واليسرى يجعل ظهرها إلى الأرض ويجلس على بطنها .
قال : ويداه على فخذيه قابضاً خنصر يمناه وبنصرها محلقاً إبهامها مع الوسطى : يداه تكون على فخذيه وورد لهما صفتان :
الصفة الأولى : كما ذكر المؤلف وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة .
والصفة الثانية : يقبض الجميع يقبض الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام ويشير بالسبابة.
هاتان الصفتان .
وتقدم أن ذكرنا أنه يستحب أن يفعل هذا تارة وهذا تارة أخرى ، إما أن يقبض كما في حديث ابن عمر وحديث ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم جميعا وإما أن يقبض الجميع ويشير السبابة ، هذا بالنسبة لليد اليمنى أما اليد اليسرى فإنها تكون مضمومة الأصابع .
مشيراً بسباحتها عند ذكر الله...................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويفهم من قول المؤلف رحمه الله : ويداه على فخذيه أنه لا يجعل يديه على ركبتيه ، وهذا غير صواب ، لأن هذا أيضاً وارد في صفة أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فنقول صفتان :
الصفة الأولى : أن يجعل اليدين على الفخذين .
الصفة الثانية : أن يجعل اليمنى على حرث الركبة اليمنى واليسرى يجعلها على الركبة اليسرى كالقابض .
فهاتان صفتان عن النبي صلى الله عليه وسلم فتارة يأتي بهذه وتارة يأتى بهذه .
" مشيراً بسباحتها " السباحة هي الإصبع التي تلي الإبهام ، وسميت سباحة لأنها يشار بها للتوحيد ، وتسمى أيضاً سبابة لأنه يشار بها للسب .
" عند ذكر الله " فنقول السبابة يرفعها لكن هل يحركها دائماً أو أنه لا يحركها أو يحركها في مواضع معينة ؟
(1/215)
هذا موضع خلاف عند أهل العلم رحمه الله فقيل بأنه يحركها دائماً ، وقيل بأنه لا يحركها ، وقيل بأنه يحركها عند ذكر الله عز وجل فإذا أراد لفظ الجلالة فإنه يحركها ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله ، اللهم صل على محمد ، اللهم بارك على محمد ... إلى آخره . عند ذكر لفظ الجلالة .
ويبسط اليسرى ويقول التحيات لله والصلوات................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقيل بأنه يحركها عند الدعاء ، اللهم صل على محمد اللهم بارك على محمد ، أعوذ بالله من نار جهنم ومن عذاب القبر ... إلى آخره ، يحركها عند الدعاء .
وهذا الذي يظهر والله أعلم أنه أقرب الأقوال .
أقرب الأقوال : أنه يحركها عند الدعاء كما ورد في مسلم يدعو بها في صلاته .
وأما القول بأنه لا يحركها دائماً أو أنه يحركها دائماً فهذا كله غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فالصواب في هذه المسألة : كما تقدم أنه يشير بها وأنه يحركها عند الدعاء .
" ويبسط اليسرى " كما تقدم أصابع اليسرى تكون مبسوطة تكون مضمومة إلى القبلة .
" ويقول التحيات لله " التحيات : جمع تحية والمراد بها الألفاظ الدالة على البقاء والملك والعظمة والسلام هذه كلها مملوكة لله سبحانه وتعالى مختصة به .
والتحيات تقسم إلى قسمين :
القسم الأول : التحيات على سبيل الإطلاق هذه خاصة بالله عز وجل ، وأما التحية لا على سبيل الإطلاق وإنما على سبيل الخصوص فهذه جائزة تكون للمخلوق مثلاً لو قلت على سبيل الخصوص لك تحيتي ... إلى آخره فإن هذا جائز ولا بأس به .
" والصلوات " الصلوات : قيل المراد بها الصلوات الخمس وقيل المراد بها سائر العبادات وقيل المراد بها الدعوات ... إلى آخره .
(1/216)
والطيبات السلام عليك أيها النبي................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " والطيبات " الطيبات من الأقوال ، والطيبات جمع طيب ، والطيب ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى فله سبحانه وتعالى من الأسماء والأفعال والصفات أطيبها .
والقسم الثاني : ما يتعلق بالمخلوق فإن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيباً فلا يقبل من الأعمال الصالحة إلا أطيبها ما كان خالصاً موافقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقبل من الصدقات والزكواة إلا أطيبها .
" السلام عليك أيها النبي " السلام : اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى ، ويطلق السلام على التحية ، ويطلق أيضاً على الأمان ، فإذا قلت السلام عليك أيها النبي أي أنك تدعو للنبي عليه الصلاة والسلام بالسلامة في حياته سلامة بدنه وماله وأهله وبعد مماته سلامة سنته وشرعه من تأويل الغالين وتحريف المبطلين .. إلى آخره . وبعد مماته تدعو له بالسلامة يوم القيامة فإن الرسل يجثون على ركبهم يوم القيامة يقولون اللهم سلّم سلّم من شدة هول ذلك اليوم .
أيها النبي : النبي بالهمز من النبأ النبيء بالهمز أي الخبر لأنه يخبر عن الله عز وجل ، وبالتسهيل بلا همز من النبوة وهي الرفعة لأن رتبته مرتفعة على سائر الخلق .
ورحمة الله وبركاته السلام علينا................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ واختلف في تعريف النبي وقيل أن النبي ذكر أوحي إليه بشرع ولم يأمر بتبليغه ، وقيل بأن النبي هو الذي لم يوحى إليه بشرع مستقل وإنما يحكم بشريعة النبي الذي قبله يكون تابعاً له .
" ورحمة الله " الرحمة رحمة الله عز وجل تنقسم إلى قسمين :
(1/217)
القسم الأول : رحمة عامة وهذا تكون لجميع المخلوقات ، فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذه المخلوقات ورحمها بأن يسر لها مصالحها وهداها لما يصلحها ، الإصلاح الحسي البدني ، فالكفار رحمهم الله عز وجل أطعمهم وسقاهم وكساهم .. إلى آخره .
الحيوانات رحمها الله عز وجل والطيور رحمهما الله عز وجل يسرها وهداها لمصالحها .
القسم الثاني : رحمة خاصة وهي رحمة التوفيق لهذا الهدى ، العلم النافع والعمل الصالح ، التوفيق للإسلام هذه رحمة خاصة أختص الله بها المؤمنين وكلما كان الإنسان أكثر أخذاً من الإسلام كلما كانت رحمته الخاصة أكثر ، ولهذ الأنبياء كانت رحمتهم أكثر من رحمة غيرهم لأنهم أكثر أخذاً للإسلام وفوزاً به .
" وبركاته " جمع بركة وهي النماء والزيادة .
" السلام علينا " الضمير يعود على الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة تدعو لهم بالسلامة وهذا من فوائد صلاة الجماعة أنت جميع المصلين يدعون لك بالسلامة .
وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وهو التشهد الأول..................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وعلى عباد الله الصالحين " الصالحين جمع صالح وهو القائم بحق الله وحق المخلوق ، وهذا أيضاً من فوائد الصلاح فإن كل من صلى يدعو لك .
" أشهد أن لا إله إلا الله " أشهد يعني أخبر خبر من شاهد وهذا يدل على القطع .
أن لا إله إلا الله : معناه لا معبود بحق إلا الله عز وجل .
" وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " هذه كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .
(1/218)
وقوله : عبده ورسوله :هو جمع النبي عليه الصلاة والسلام بين العبادة وبين الرسالة لكي لا يكون الإنسان جافياً ولا غالياً وفيه رد بقوله عبد على الصوفية والخرافيين والقبورين الذين يرفعون النبي صلى الله عليه وسلم فوق منزلته فوق رتبة العبادة .
وقوله : ورسوله فيه رد على من أنكر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إما على سبيل العموم وإما على سبيل الخصوص .
فعلى سبيل العموم كالكفار المشركين كفار قريش وغيرهم .
وعلى سبيل الخصوص فالذين أنكروا عموم رسالته بأنه إنما أرسل إلى العرب كاليهود .
" وهو التشهد الأول " أن هذا التشهد الأول وتشهد ابن مسعود ، والإمام أحمد رحمه الله يختار تشهد ابن مسعود .
ثم إن كانت الصلاة ثنائية قال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى
آل محمد كما باركت على أل إبراهيم إنك حميدمجيد...................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهناك صيغ للتشهدات وأن بينهم تشهد ابن عباس كما ذهب إليه الشافعي : التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ... وهو في مسلم وتشهد أبي موسى وتشهد عائشة وتشهد ابن عمر .. إلى آخره .
وهذه التشهدات ينبغي حفظها .
" ثم إن كانت الصلاة ثنائية قال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " أيضاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذه تأتينا إن شاء الله هل هي ركن أو أنها مستحبة ؟
والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها ركن خلافاً لجمهور العلماء رحمهم الله .
وأيضاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هنا المؤلف رحمه الله يختار الصلاة الواردة في حديث كعب بن عجرة في الصحيحين ، وهناك أيضاً صيغ حديث ابن مسعود وحديث أبي هريرة وغير ذلك من الصيغ .
(1/219)
فينبغي حفظ مثل هذه الصيغ لأنه كما أسلفنا أن العبادات المتنوعة أنه يستحب أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقول اللهم صل على محمد تقدم لنا شرح الصلاة لكن قوله كما صليت على آل إبراهيم آل النبي عليه الصلاة والسلام هم قرابته المؤمنون به ، وقيل بأنهم أتباعه على دينه .
والصواب : أنه يختلف باختلاف الصيغ فإذا قيل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى من صحبه وتبعه فيكون المراد بال آل هنا القرابة ، وإذا قيل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد نقول المراد بال آل هنا أتباعه على دينه ، هذا هو الصواب .
ويدخل في آل النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أزواجه لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من آله .
وقوله : كما صليت على آل إبراهيم هنا استشكل العلماء رحمهم الله هذه الجملة وقرأت فيها رسالة ألفت في قوله ( كما صليت ) لأن في الحديث هنا ورد تشبيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كالصلاة على إبراهيم ، وأيهما أفضل إبراهيم أم محمد ؟
محمد فكيف يكون هنا التشبيه والأصل أن يكون المشبه به أفضل من المشبه ،هذا الأصل وهنا شبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله كالصلاةعلى إبراهيم وآل إبراهيم ؟
اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله كثيراً كما ذكرت أنه ألف رسالة في هذه المسألة ... إلى آخره وكيف يكون ذلك وتخريجات العلماء رحمهم الله .
(1/220)
أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والصواب في هذه المسألة : أن الكاف هنا للتعليل وأن المعنى كما أنك يا الله صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فصل على محمد وعلى آل محمد ، أو نقول صل على محمد وعلى آل محمد لأنك يا الله صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم .
وهذا من باب التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بإنعامه وأفعاله ... إلى آخره .
" أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال " هذه الاستعاذة سنتكلم عن شيء من شرحها لكن هل هي واجبة ( أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ) أو ليست واجبة ؟
للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان :
الرأي الأول : رأي جمهور أهل العلم قالوا بأنها ليست واجبة ، واستدلوا على ذلك : بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم التشهد قال :" ثم ليتخير من الدعاء أعجبه "
والرأي الثاني : قال بعض السلف كطاووس وغيره قالوا بأن الاستعاذة بهذه الأربع واجبة ، واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة في صحيح مسلم وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله ... إلى آخره "
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
وأجيب عن هذا أن هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب أجيب عنه بأن هذا صحيح أنه أمر لكن وجد له صارف كما في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه .
(1/221)
وعلى هذا الصواب في هذه المسألة : أن الاستعاذة من هذه الأربع أنه مستحباً ليس واجباً لكن يحرص عليها المصلي أولاً :لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها كما في صحيح مسلم .
وثانياً : في الصحيحين لفعله عليه الصلاة والسلام ولأن هذه الأربع أمرها عظيم وخطرها جسيم .
وقوله : أعوذ يعني أعتصم وألتجأ إلى الله .
من عذاب جهنم : جهنم هي الدار التي أعدها الله لأعدائه في الأخرة .
ومن عذاب القبر : القبر هو مدفن الإنسان ، والمراد هنا من عذاب القبر : يعني من العذاب الذي يكون بين موت الإنسان وقيام الساعة ، يعني الإنسان قد يدفن في القبر وقد لا يدفن وقد تأكله السباع .. إلخ .
المهم أن المقصود بقوله ومن عذاب القبر : العذاب الذي يكون بين موت الإنسان وقيام الساعة .
ومن فتنة المحيا: ما يتعلق بأمراض الشبها والشهوات .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والممات : ما يكون للإنسان عند موته من الفتنة ، ومن ذلك ما يتعلق من عرض الأديان عليه ، هل تعرض الأديان أو لا تعرض الأديان عليه ؟
والصواب في هذه المسألة : ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأن عرض الأديان ليس على كل أحد بل إذا كان الإنسان مستقيماً على أمر الله وعلى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه وتعالى ينجيه من هذه الفتن ، وهذا من فوائد الاستقامة ولزوم طري الكتاب والسنة .
ومن فتنة المسيح الدجال : المسيح قيل سمي بهذا الاسم لأنه كان ممسوح العين اليمنى يعني أعور العين اليمنى .
وقيل : لأنه ممسوح عن كل خير .
وقيل : لأنه يمسح الأرض ذهاباً فيطوف بالأرض إلا مكة والمدينة فإنهما محرمتان عليه .
والدجال : مأخوذ من الدجل ، والدجل طلي البعير بالقطران .
وقيل : الكذب ، وهي صيغة مبالغة ، وسمي بذلك لدجله وتمويهه وكذبه على الناس .
(1/222)
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنه لا يدعو بشيء أخر غير ما سبق .
والصواب : أنه يدعو ، والدعاء الوارد بعد الاستعاذة من هذه الأمور الأربع ينقسم إلى قسمين :
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الأول : دعاء وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هناك أدعية واردة عن النبي عليه الصلاة والسلام بعد الاستعاذة بالله من هذه الأربع ، ومن ذلك ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر رضي الله تعالى عنه : اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ... إلخ .
وغير ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا القسم الأول : وهو الدعاء بالوارد .
القسم الثاني : الدعاء بغير الوارد ، والدعاء بغير الوارد فإن كان مما يتعلق بأمور الآخرة فهذا جائز وإن كان مما يتعلق بملاذ الدنيا وشهواتها كما لو قال : اللهم ارزقني بجارية حسناء أو زوجة حسناء أو طعاماً طيباً أو مركباً حسناً ونحو ذلك ، فهل يجوز له ذلك أو لا يجوز له ذلك ؟
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أن صلاته تبطل بذلك .
والصواب : الرأي الثاني في هذه المسألة : أنه لا تبطل أن يدعو بما يتعلق بأمور الدنيا كما لو دعا بزوجة أو دعا بوظيفة أو دعا بمركوب أو دعا بطعام أو شراب ونحو ذلك .
ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ثم ليتخير من الدعاء أعجبه " .
فنقول الإنسان يحرص على الوارد وكذلك أيضاً له أن يدعو بما شاء ، هذا الصواب .
(1/223)
ثم يقول عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ثم يقول عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك " التسليم هذا سيأتينا إن شاء الله وأنه ركن من أركان الصلاة ، وهل الركن التسليمتان أو تسليمة واحدة وهل هو ركن في الفرض وفي النافلة ... إلخ ؟
هذا سيأتينا إن شاء الله في أركان الصلاة ، وأن الصواب : أنه ركن في الفريضة وأن كلاً من التسليمتين ركن ويدل لهذا ما ثبت في صحيح مسلم في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يجزئ عن أحدكم أن يقول من على يمينه وشماله السلام عليكم السلام عليكم "
فقوله : يجزئ هذا دل على أنه مادون هاتين التسليمتين لا يحصل بهما الإجزاء .
فالصواب في الفريضة : أن التسليمتين كل منهما ركن من أركان الصلاة .
ويدل لما ذكرنا حديث جابر بن سمرة وأيضاً مداومة النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم داوم على التسليمتين في الحضر وفي السفر ... إلخ .
أما بالنسبة للنافلة فالصواب : أن التسليمة الأولى ركن وأن التسليمة الثانية فهذه ليست ركناً كما سيأتي .
والتسليم تحته مباحث :
المسألة الأولى : حكم التسليم .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم لنا أن التسليم حكمه في الفريضة ركن وفي النافلة أيضاً ركن التسليمة الأولى أما الثانية فلو لم يسلمها فصلاته صحيحة .
المسألة الثانية : الحكمة من التسليم .
(1/224)
الحكمة من التسليم أولاً : ما ذكره ابن القيم رحمه الله : أن الإنسان مادام في الصلاة فهو في حمى الله عز وجل وفي رعايته وحفظه وفلاحه ، فإذا سلم فإنه أيضاً يكون في حمى الله عز وجل إلى وقت الصلاة الأخرى ، فهو يقول : السلام عليكم لأن السلام هو السلام من الآفات فهو مادام في الصلاة فهو في حمى الله عز وجل وكذلك أيضاً إذا سلم فالسلام من الآفات فيكون أيضاً في حمى من الله سبحانه وتعالى إلى أن يأتي وقت الصلاة الأخرى .
وقال بعض العلماء أن الحكمة : أن الإنسان مادام في الصلاة يسلم فهو غائب فإذا فرغ من صلاته فكأنه غائب حضر فيسلم .
المسألة الثالثة : على من يسلم ؟
أما إن كان منفرداً فإنه يسلم على الملائكة ، وأما إن كان غير منفرد فهو يسلم على الملائكة وعلى من معه من المأمومين ، فإذا كان يسلم على المأمومين فهل يجب عليهم الرد أو لا يجب عليهم الرد ؟
قال العلماء لا يجب الرد لأنه يكتفى بتسليم بعضهم على بعض عن الرد .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الرابعة : صيغة السلام .
واردعن ابن مسعودرضي الله وهذا هو المعروف ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله : السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله .
وورد في النسائي صيغة أخرى من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ، وهذه يصححها بعض أهل العلم .
الصيغة الثالثة : وفيه زيادة وبركاته : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لكن لفظ وبركاته بعض أهل العلم أثبت أنها شاذة لا تثبت ، والحديث لأبي هريرة في مسند أبي داود اختلف في زيادة وبركاته هل هي في التسليمتين أو في التسليمة الأولى ... إلخ .
وعلى كل حال فهذه اللفظة شاذة وإذا كانت شاذة فإنه لا يعمل بها .
المسألة الخامسة : متى يبدأ التسليم ؟
(1/225)
التسليم يبدأ مع الالتفات ولا يبدأ التسليم وهو مستقبل القبلة لا يقول السلام عليكم ورحمة الله ثم يلتفت بعد أن يسلم مع قوله ورحمة الله هذا غير صواب لأن الذي يدل عليه حديث جابر بن سمرة :" يجزئ عن أحدكم أن يقول من على يمينه وشماله السلام عليكم السلام عليكم " فنقول التسليم يبدأ مع الالتفات عن اليمين ويبدأ أيضاً مع الالتفات عن الشمال هذا الذي دل له ظاهر السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وإن كان في ثلاثية أو رباعية قام مكبراً بعد التشهد الأول....... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المسألة السادسة : ذكر العلماء رحمهم الله أن لا يستحب أن يطول السلام ولا أن يمده وأن يقف على لفظ الجلالة لا يحرف بل يسكن على لفظ الجلالة ، فيقول السلام عليكم ورحمة الله .
وأما مده أو تطويله فهذا خلاف السنة ولهذا ورد في الحديث : حذف السلام السنة ، فلا يمد السلام أو يطوله فهذا خلاف السنة .
وكذلك أيضاً أن يقف على لفظ الجلالة .
المسألة السابعة : يستحب أن يلتفت حتى يُرى بياض خده كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث سعد رضي الله تعالى عنه فيلتفت عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده .
" وإن كان في ثلاثية أو رباعية قام مكبراً بعد التشهد الأول " إذا كان في ثلاثية أو رباعية قام مكبراً والتكبير كما ذكرنا أنه من واجبات الصلاة ، لكن هل يرفع يديه في هذه الحال أو لايرفع يديه ؟
ظاهر كلام المؤلف أنه لا يرفع يديه وهذا قول جمهور العلماء : أنه لا يرفع يديه إذا قام من التشهد الأول .
وصلى ما بقي كالثانية بالفاتحة فقط............................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يرفع يديه ، وهو قول بعض الحنابلة وهو رواية عن الإمام أحمد أنه يرفع يديه ، وهذا القول هو الصواب خلافاً للمذهب .
(1/226)
فالصواب : أنه يرفع يديه إذا قام من التشهد الأول ، ويدل لذلك حديث عمر رضي الله تعالى عنه في صحيح البخاري : إذا قام من التشهد الأول فإنه يرفع يديه ،
وهل يرفع يديه في أثناء القيام أو بعدما يستتم قائماً أو وهو جالس ؟
الذي دل له الدليل وهو السنة أنه يرفع يديه إذا استتم قائماً .
" وصلى ما بقي كالثانية بالفاتحة فقط " وعلى هذا في الركعة الثالثة وفي الركعة الرابعة يقتصر على قراءة الفاتحة ، واستدلوا على ذلك بحديث أبي قتادة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورة وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب "
والصواب في هذه المسألة : أن الظهر في بعض الأحيان يزيد ويقرأ ، ويدل لهذا حديث أبي سعيد في مسلم فإنهم *.....* قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوها في الركعتين الأوليين على قدر ثلاثين آية في كل ركعة وفي الركعتيين الأخيرتين على النصف من ذلك ، إذا كان في الركعتين الأخيرتين على النصف من ذلك فكم سيقرأ في الركعة الثالثة والرابعة ؟
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ خمس عشرة آية ، والفاتحة كم آية سبع فسيقرأ خمس عشرة والفاتحة سبع هنا زاد ، فنقول الصحيح في هذه المسألة : أنه بالنسبة لصلاة الظهر أنه يستحب له أن يزيد في بعض الأحيان في الركعة الثالثة والركعة الرابعة .
أما بالنسبة لصلاة العصر فالذي *....* إليه أبي سعيد أنه لا *.....* في العصر يقتصر في الركعتين الأخريين على فاتحة الكتاب فقط .
ولهذا في حديث أبي سعيد لما ذكر قال : في الركعتين الأوليين من الظهر في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الركعتيين الأخريين على النصف من ذلك وفي الركعتين الأوليين من العصر على قدر الركعتين الأخريين من الظهر .
فالركعتان الأوليان من العصر كم سيقرأ فيهما ؟
(1/227)
خمسة عشر .
وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك .
فنقول العصر لا يقرأ العشاء لا يقرأ الفجر ظاهر المغرب أيضاً ما ثبت فيها شيء لكن وارد عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه قرأ " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " .
والظهر كما ذكرنا أنه يقرأ في بعض الأحيان .
فنقول بالنسبة للصلوات تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : صلوات لا يقرأ فيها ، وهي العصر والعشاء ، والفجر ظاهر .
ثم يجلس متوركاً للتشهد الأخير..................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثاني : صلوات يقرأ فيها أحياناً وهي الظهر والمغرب ، في بعض الأحيان ماعدا ذلك يقصر القراءة .
" ثم يجلس متوركاً للتشهد الأخير " التورك ورد له صفتان :
بعض العلماء ذكر ثلاث صفات لكن الصواب أنهما صفتان :
الصفة الأولى : أن ينصب رجله اليمنى وتكون أصابعها تجاه القبلة ويخرج رجله اليسرى تحت ساقه اليمنى ويفضي بمقعدته إلى الأرض ، هذه الصفة الأولى .
الصفة الثانية : أن يفرش رجله اليمنى واليسرى ويخرجهما من جانبه الأيمن ويفضي بمقعدته إلى الأرض .
هاتان صفتان ويستحب أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة أخرى .
ومتى يكون التورك ؟
موضع خلاف أبو حنيفة رحمه الله عنده الافتراش دائماً .
ومالك عنده تورك دائماً .
والشافعي يقول بأنه يتورك في كل تشهد يعقبه سلام .
والإمام أحمد رحمه الله يقول يتورك في التشهد الذي يعقبه سلام إذا كان في الصلاة تشهدان، أما إذا كان في الصلاة تشهد واحد فإنه يفترش .
(1/228)
وكذا المرأة لكن تضم نفسها وتسدل رجليها في جانب يمينها في جلوسها.............................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فأصبح عندنا مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يتورك إذا كان في الصلاة تشهدان يتورك في الثاني وهذا يكون في الثلاثية والرباعية ، أما إذا كان في الصلاة تشهد واحد كصلاة الفجر والسنة الراتبة مثلاً فإنه يفترش .
وهذا القول هو الأقرب ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
ويدل له حديث أبو حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لما ذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أبو حميد ذكر الافتراش في التشهد الأول ، ثم التورك في التشهد الثاني .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
" وكذا المرأة لكن تضم نفسها " وكذا المرأة في كل ما تقدم ، كل ما تقدم وذكرناه من صفة الصلاة فحكم المرأة كحكم الرجل تماماً ، لكن استثنى المؤلف رحمه الله قال :
لكن تضم نفسها ، تضم نفسها يعني في الركوع والسجود ما تجافي كما ذكرنا في الركوع بالنسبة للرجل أنه يستحب أن يجافي لكن بالنسبة للمرأة تضم نفسها هذا هو الاستثناء الأول .
وتسدل رجليها في جانب يمينها في جلوسها................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتسدل رجليها في جانب يمينها في جلوسها " يعني أنها لا تفترش في جلوسها ، في الجلوس لا تفترش وإنما تخرج رجليها وتفضي بمقعدتها على الأرض ، فلا تفترش كما يفترش الرجل ، أو تتربع نقول تسدل أو تتربع لكن السدل أفضل ، هذا الاستثناء الثاني .
الاستثناء الثالث : قالوا بأنها تسر بالقراءة وجوباً إن سمعها أجنبي .
واستدلوا على هذا قالوا بأن هذا وارد عن عائشة رضي الله تعالى عنها الضم .
وقالوا أيضاً بأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان يأمر نسائه بالتربع .
لكن هذا ضعيف لا يثبت .
(1/229)
وذهب بعض العلماء كإبراهيم النخعي وغيره أن حكم المرأة كحكم الرجل تماماً ، وورد عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال : تفعل المرأة ما يفعل الرجل .
ودليله القاعدة { أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا بدليل }
فنقول: أولاً : بأن خطاب الشارع متوجه للجميع :" يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ... إلخ " هذا متوجه للجميع الرجال والنساء إلا بدليل .
وثانياً : أنه وارد عن أم الدرداء رضي الله تعالى عنها في صحيح البخاري معلقاً بصيغة
وأثر ابن عمر هذا ضعيف لا يثبت .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فالصواب في ذلك : أن المرأة كالرجل ، وعلى هذا نقول أن المرأة تفترش في موضع الافتراش وتتورك في موضع التورك وتجافي في مواضع المجافاة وترفع يديها ... إلخ .
هنا ما ذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بالأذكار التي تكون أدبار الصلوات :
فيستغفر الله ثلاث مرات : استغفر الله ، استغفر الله ، استغفر الله ، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم بعد ذلك يهلل ، ثم بعد ذلك يسبح ، والتسبيح ورد له أربع صفات :
الصفة الأولى : أن يسبح الله ثلاثاً وثلاثين ويحمده ثلاثاً وثلاثين ويكبره ثلاثاً وثلاثين ، ويقول تمام المائة الله أكبر .
الصفة الثانية : أن يسبح الله ويحمد الله ويكبره ثلاثاً وثلاثين ويقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
الصفة الثالثة : أن يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله خمساً وعشرين .
الصفة الرابعة : أن يسبح الله عشراً ويكبره عشراً ويحمده عشراً .
كره في صلاة التفات ورفع بصره إلى السماء................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في مكروهات الصلاة
(1/230)
" كره في صلاة التفات " يقول المؤلف رحمه الله : في الصلاة يكره الالتفات ، والمكروه في اللغة : البغض ، وعند الأصوليين : ما نهي عنه لا على سبيل الجزم .
الالتفات أنواع :
النوع الأول : التفات بالرأس ، فهذا مكروه ويدل له ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ".
النوع الثاني : التفات بالبصر وهذا أيضاً مكروه إلا إذا كان إلى السماء فإنه محرم كما سيأتي إن شاء الله ، يعني كونه يلتفت ببصره يميناً وشمالاً هذا مكروه لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إياك والالتفات"اوكماقال صلىالله علية وسلم
النوع الثالث : الالتفات بالقلب وأن الإنسان يذهب يميناً وشمالاً في أمور الدنيا ، فهذا مما ينقص عليه الأجر ، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها .
النوع الرابع : الالتفات بالبدن ، والالتفات بالبدن أيضاً مكروه لما تقدم من الأدلة إلا إذا انحرف عن جهة القبلة لغير ضرورة كما تقدم في استقبال القبلة فإنه يبطل عليه صلاته .
" ورفع بصره إلى السماء " ورفع بصره المؤلف رحمه الله يرى أنه مكروه .
وإقعاء............................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : أنه محرم ، ويدل لهذا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال : لينتهن أو لتخطفن أبصارهم " وهذا أخرجه البخاري ، فقوله عليه الصلاة والسلام : أو لتخطفن أبصارهم ، هذا يدل على التحريم .
(1/231)
" وإقعاء " يعني من مكروهات الصلاة الإقعاء ، والإقعاء هذا فسره العلماء رحمهم الله بتفاسير التفسير الأول : هو أن ينصب قدميه ويجلس على العقبين ، وسبق أن ذكرنا أن ابن عباس يراه من السنة لما قيل له كنا نعد هذا من االإقعاء فقال حسبك سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، هذا التفسير الأول .
التفسير الثاني : أن يفرش قدميه يعني يجعل ظهور قدميه إلى الأرض ويجلس على عقبيه .
التفسير الثالث : أن يباعد قدميه ويجلس بينهما .
التفسير الرابع : وهو وهو ما دل له كلام أهل اللغة أن يجلس على مقعدته وينصب ساقيه وهو ما دل له الحديث .
فيظهر أن الإقعاء الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يجلس على الأرض وينصب قدميه وهذا الذي نهى عنه وهو الذي يشبه إقعاء الكلب .
وافتراش ذراعيه ساجداً وعبث وتخصر............................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وافتراش ذراعيه ساجداً " يقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا مكروه والدليل على هذا ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب "
يكره أن يجعل ذراعيه على الأرض وأنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع ذراعيه ويجافي عضديه .
" وعبث " أيضاً يكره العبث والدليل على هذا أن حركات الصلاة توقيفية والعبث حركات زائدة على هذه الحركات التوقيفية فنقول بأن هذا مكروه ، وسيأتي متى يبطل هذا العبث بمبطل من مبطلات الصلاة وأنها منبطلة بشروط :
الشرط الأول : أن يكثر من الحركات .
والشرط الثاني : أن تكون متوالية .
والشرط الثالث : أن تكون بغير ضرورة .
فإذا توفرت هذه الشروط الثلاثة فإن الصلاة تبطل .
" وتخصر " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله يكره التخصر ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل متخصراً .
(1/232)
واختلف في معنى التخصر وقيل أن التخصر أن يضع يديه على خاصرته .
والرأي الثاني : قيل أن المراد بالتخصر هو قراءة أواخر السور .
وتروح وفرقعة أصابعه وتشبيكها............................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والأقرب في هذه المسألة : هو القول الأول وأن المراد بالتخصر أن يضع يديه على خاصرته .
واختلف في ذلك وقيل أنه من فعل أهل النار ، وقيل بأنها هيئة المتثاقل .
" وتروح " التروح هو أن يروح على نفسه بالمروحة هذا التروح فيقول المؤلف رحمه الله تعالى : هذا مكروه لأنه من العبث إلا إذا كان هناك حاجة ، أن يتروح على نفسه بالمروحة أو بثوبه أو بغير ذلك إذا كان هناك حاجة كشدة حر فإن هذا لا بأس به .
" وفرقعة أصابعه " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله تكره فرقعة الأصابع بدليلين :
أما الدليل الأول : حديث علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة "
وهذا الحديث رواه ابن ماجه وهو ضعيف .
لكن الدليل الثاني يغني وأن هذا من العبث وكما سلف أن حركات الصلاة توقيفية وهذه حركات زائدة على حركات الصلاة .
" وتشبيكها " أيضاً يكره تشبيك الأصابع في الصلاة ودليل ذلك حديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه .
فنقول بأن هذا حكمه بأنه مكروه .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث اخرجه الترمذي وابن ماجه وً فيه ضعف لكن يغني من ذلك أنه من العبث وأيضاً أنه يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم في اليدين .
سائر العبث والحركات الزائدة نأخذ في ذلك قاعدة وهي :
{ أن الأصل فيها الكراهة }.
(1/233)
والعلماء رحمهم الله يقسمون الحركات في الصلاة إلى خمسة أقسام :
القسم الأول : حركة مكروهة وهذا هو الأصل في الحركات ، مثل ما ذكره لمؤلف رحمه الله فرقعة الأصابع وتشبيكها ... إلخ .
وكذلك أن يفتح ما معه أن يضع فيه أن يعبث بعمامته الأصل في ذلك الكراهة ، هذا القسم الأول .
القسم الثاني : الإباحة الحركة المباحة وهي التي يحتاج إليها كما لو كان الإنسان في شدة حر فروح عن نفسه ، فنقول بأن هذا مباح .
القسم الثالث : الحركة المستحبة ، والحركة المستحبة هي التي يتوضح عليه أمر مستحب كسد الفرجة في الصف ، فإذا كان هناك فرجة ثم مشى ليسد الفرجة فنقول هذه الحركة مستحبة .
وكونه حاقناً ونحوه أو بحضرته طعام يشتهيه............................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الرابع : الحركة الواجبة وهي التي يتوقف عليه أمر واجب كما لو اجتهد ثم صلى إلى غير القبلة ثم تبين له أن القبلة على غير هذه الجهة أو كان غير ساتر لعورته ثم جاءه سترة فستر فهذه الحركة واجبة .
القسم الخامس : الحركة المحرمة وهي ما يترتب عليها أمر محرم كما لو انحرف عن القبلة بغير ضرورة أو أكثر من الحركات المتوالية بغير ضرورة فإن هذا مما يبطل الصلاة .
" وكونه حاقناً "الحاقن : هو من احتبس بوله حال دخوله الصلاة .
" ونحوه " أي يكون محتبس للغائط أو محتبس للريح فهذا يقول المؤلف رحمه الله : بأنه مكروه ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا صلاة في حضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان " مالم تكون له مدافعة شديدة بحيث انه لايطئن في صلاته فنقول بأن هذا محرم ولا يجوز .
" أو بحضرته طعام يشتهيه " يعني كونه يصلي وهو في حضرة طعام يشتهيه هذا أيضاً يقول المؤلف رحمه الله يكره ، ودليل ذلك ما تقدم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا صلاة في حضرة طعام "
(1/234)
وقال المؤلف رحمه الله : في حضرة طعام وقال : يشتهيه ، فللكراهة شروط :
الشرط الأول : أن يكون الطعام حاضراً .
والشرط الثاني : أن يشتهيه يكون محتاجاً إليه .
وتكرار الفاتحة ولا جمع سور في فرض كنفل................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والشرط الثالث : أن يكون قادراً عليه .
فلابد من هذه الشروط الثلاثة وإن كان الطعام غير حاضر نقول لايكره ، وإن كان لا يحتاجه وهو حاضر نقول لا يكره ، وإن كان لا يقدر عليه كما لو كان صائماً هنا الآن حضر الطعام ويشتهيه لكنه لا يقدر عليه شرعاً فنقول لا يكره .
" وتكرار الفاتحة " يقول المؤلف رحمه الله : يكره تكرار الفاتحة لأنه لم ينقل .
ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله : أن تكرار الفاتحة لا يبطل الصلاة خلافاً لم قال بأنه مبطل وفرق بين الركن القولي والركن الفعلي وتكرار الركن الفعلي هذا يبطل كما لو كرر الركوع أو السجود نقول بأنه يبطل ، بخلاف القولي فإنه لا يبطل .
وقوله تكرار الفاتحة مكروه مالم يكن هناك مقصود شرعي فإن كان هناك مقصود شرعي فلا بأس ، كما لو كرر إنسان الفاتحة لأنه أخشع له أو أنه يريد أن يتدبرها أو شك في اسقاط بعض الحروف ونحو ذلك فنقول هذا لا بأس مالم يصل إلى حد الوسواس .
" ولا جمع سور في فرض كنفل " يقول المؤلف رحمه الله لا بأس أن يجمع لو قرأ سور في فرض فإن هذا جائز ولا بأس به لكن السنة الغالبة سورة كما في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورة .
وسن له رد مار بين يديه................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ لكن لو قرأ بسورتين في الفرض فهذا جائز ولا بأس به ، ويدل لذلك حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الليل افتتح البقرة وافتتح النساء وافتتح آلعمران .
(1/235)
والقاعدة ما ثبت في الفرض ثبت في النافلة الابدليل
وأيضاً قصة الرجل كما ثبت في الصحيح أنه إذا قرأ ختم بسورة قل هو الله أحد وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
فنقول هذا جائز ولا بأس به .
وفي النفل نقول : بأنه سنة والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، يشرع للإنسان أن يطيل القراءة .
" وسن له رد مار بين يديه " يقول المؤلف رحمه الله يسن أن يرد المار بين يديه وهذا مذهب جمهور أهل العلم أن رد المار بين يديه أنه سنة .
واستدلوا على ذلك بما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحداً يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه قرين "
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : فلا يدعن أحداً، هذا نهي .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : رأي ابن حزم وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أن دفع المار واجب لظاهر النهي ( فلا يدعن ) والأصل في النهي التحريم وأنه لا يجوز له أن يتركه أن يمر بين يديه .
هذا ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله .
والصواب في ذلك : أن يقال بالتفصيل فتارة يجب أن يدفع المار وتارة لا يجب .
فنقول القسم الأول : يجب أن يدفع المار إذا كان المار مما يبطل الصلاة ، والصلاة واجبة ، وسيأتينا ما الذي يبطل الصلاة .
القسم الثاني : يستحب دفع المار إذا كانت الصلاة غير واجبة أو كان المار لا يبطل الصلاة .
فأصبح أنه ينقسم إلى هاذين القسمين .
وقوله : فليقاتله ؟
نقول القتال في كل موضع بحسبه فيدفعه بالأسهل فالأسهل .
ومعنى فليقاتله يعني إن احتاج أن يدفعه بشدة فله ذلك ، هذا معنى المقاتلة .
وليس المعنى أن يأخذ بشيء ويضربه به ونحو ذلك .
(1/236)
ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا فرق بين مكة وغيرها وهذا هو الصواب في هذه المسألة .
وصلاته إلى سترة.............................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق بين الحرم وغيره إلا في أيام الزحام وفي المواسم ونحو ذلك هنا قد لا يتمكن من دفعه
" وصلاته إلى سترة " يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن الصلاة إلى السترة حكمها سنة وهذا ما عليه جمهور أهل العلم .
والرأي الثاني : الصلاة إلى السترة أنها واجبة .
ولكل منهم دليل أما من قال بأن الصلاة إلى سترة سنة فاستدلوا بأدلة من أدلتهم : قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس "
فقال : إذا صلى ، فيفهم من ذلك أنه قد لا يصلي إلى شيء يستره .
واستدلوا بما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى غير جدار .
لكن نفي الجدار لا يلزم من ذلك نفي السترة بالكلية .
وكذلك أيضاً حديث الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما ...إلخ .
والرأي الثاني : الوجوب كما هو قول ابن حزم رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد وبه قال الخطاب وغيرهم من أهل العلم وهو يجب عليه أن يصلي إلى سترة واستدلوا بظاهر الأمر ، وظاهر الأمر باتخاذ السترة ، والأصل في الأوامر الوجوب .
مرتفعة قريب ذراع......................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وأن اتخاذ السترة أنه سنة لكن إذا احتاط المسلم في اتخاذ السترة .
" مرتفعة قريب ذراع " يعني يستحب أن تكون السترة مرتفعة قريب ذراع .
(1/237)
أولاً : لا تكون سترة إلا إذا كانت مرتفعة إلا ما ورد من إجزاء خط ، وإلا فالأصل أن تكون السترة مرتفعة ، والنبي عليه الصلاة والسلام صلى إلى البعير وصلى ال السرير وصلى إلى السهم وقال :" إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل " العود التي يتكأ عليها الراحل .
فنقول السترة كما ورد في السنة وورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كل شيء مرتفع سواء كان قليلاً أو كثيراً ، لو جاء بالحصى أو وضع أي شيء مستقل نقول هذا تحصل به السترة
والسنة أن تكون هذه السترة مرتفعة قريب ذراع يعني أن تكون مرتفعة ذراع فأكثر .
ودليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصلي ولا يبالي من يمر وراء ذلك "
مؤخرة الرحل ماهو ؟
العود الرحل الذي يوضع على البعير يكون خلفه عود يتكأ عليه الراكب فهذا يسمى بمؤخرة الرحل فإذا وضع مثل ذلك وصلى فليصلي .
فإن لم يجد خط كالهلال وله عد الآي بأصابعه.................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكما ذكرنا أن السنة أن تكون السترة مرتفعة ولا تحصل السترة إلا بشيء مرتفع كما ذكرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير وصلى إلى سرير وصلى إلى العربة وأيضاً مؤخرة الرحل ... إلخ .
" فإن لم يجد خط كالهلال " لما في سنن أبي داود و*..........* أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فإن لم يكن معه عصا فليخط خطاً "
فإذا كان مامعه شيء في رمل أو تراب فليخط خطاً كالهلال .
وقال المؤلف رحمه الله كالهلال وبعض العلماء يقول يخط خطاً مستقيماً وكيفما خط أجزأ لكن المؤلف رحمه الله يختار أن يخط كالهلال .
ويخط خطاً هذا كما ذكرنا في الرمل أو التراب أما بالنسبة للخطوط التي بالألوان تكون في الفرش هذه لاتكفي عن السترة كما ذكرنا أنه لابد أن تكون السترة مرتفعة .
(1/238)
" وله عد الآي بأصابعه " يعني يباح له أن يعد الآي بأصابعه ، ويباح له أيضاً إذا احتاجه وقد يحتاج الإمام إلى ذلك عدد التكبيرات ، تكبيرات صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء قد يحتاج إلى أن يعدها بيديه ، أيضاً عدد التسبيح لإن الإمام له أن يسبح في الركوع والسجود إلى عشر .
ويدل لذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الآي بأصابعه .
والفتح على إمامه ولبس ثوب وعمامة.............................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا استدلوا به الفقهاء رحمهم الله ، وعلى كل حال سواء ثبت هذا الحديث نقول الحاجة تجبر إلى ذلك .
" والفتح على إمامه " يعني إذا أرتج على الإمام أو غلط يعني لم يقدر على القراءة لنسيان ونحو ذلك أو غلط وهو يقرأ فيقول المؤلف رحمه الله : له أن يفتح على إمامه .
ويدل لهذا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فلبس عليه فلما أنصرف قال لأبي : أصليت معنا ؟ قال : نعم ، قال : فما منعك "
وهذا أخرجه أبو داود والإمام أحمد وإسناده صحيح .
ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله أن الفتح على الإمام ليس واجباً ، قال وله أي يباح له أن يفتح على إمامه .
والصواب : أن الفتح على الإمام ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : فتح واجب وهو ما كان تركه يبطل الصلاة ، وهذا مثل لو ترك آية من الفاتحة ما تصح الصلاة ، ومثل أيضاً لو ترك ركوعاً ركناً نقول هنا لا تصح الصلاة يجب أن تفتح عليه .
القسم الثاني : فتح مستحب وهو ما كان تركه لا يبطل الصلاة كما تقدم .
(1/239)
" ولبس ثوب وعمامة " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله لا بأس أن الإنسان يلبس ثوبه في الصلاة وكما تقدم كانوا في الزمن السابق يلبسون إزار ورداء وقد يسقط منه الرداء فلا وقتل حية وعقرب ونحوه مالم يطل................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ بأس أن يلبسه ، والعمامة أيضاً قد تنحل عمامته فلا بأس أن يلفها والنبي عليه الصلاة والسلام حمل أمامة كما في صحيح البخاري ، وأيضاً التحف بإزاره *.....* السلام .
" وقتل حية وعقرب ونحوه " يباح له أن يقتل الحية والعقرب في الصلاة ونحوه كالبراغيث والقمل .
ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب .
وهذا صححه الترمذي ، فنقول لا بأس أن يقتل الحية والعقرب ونحوه يعني كل مؤذي فإن هذه الأشياء مؤذية فإن لم تقتل فإنه يخشى من ضررها ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقتل مثل هذه الأشياء .
" مالم يطل " كما تقدم أن الحركات المبطلة يشترط لها ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن تكون كثيرة .
الشرط الثاني : أن تكون متوالية .
الشرط الثالث : أن تكون لغير ضرورة .
إذا توفرت هذه الشروط فإنها تبطل .
قال : مالم يطل : أي مالم يطل الفعل .
وكيف يقتل الحية والعقرب ؟
وإذا نابه شيء سبح رجل وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال العلماء يتقدم ويقتل الحية والعقرب بقدمه وبيده إذا لم يحتج إلى أن يهوي ، فإن احتاج إلى أن يهوي ليس له ذلك .لأنه يكون زاد في الصلاة .
اللهم إلا إذا كان للضرورة وحينها تبطل عليه الصلاة ويستأنف فإن احتاج إلا أن ينحني يكون كالراكع أو الساجد فإنه يكون زاد في الصلاة فتبطل عليه الصلاة .
(1/240)
" وإذا نابه شيء سبح رجل وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى " إذا نابه شيء يعني عرض للمصلي شيء مثلاً استأمن عليه أو سها الإمام ونحو ذلك سبح رجل يعني قال : سبحان الله وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى .
العلماء رحمهم الله ذكروا ثلاث صفات لتصفيق المرأة : البطن على البطن ، والبطن على الظهر ، والظهر على الظهر .
هذه كلها جائزة .
ويدل لهذا حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا رابكم *..........* في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء "
فالمرأة تصفق إذا كانت في حضرة الرجال لاإشكال في ذلك لكن لو كانت مع النساء فهل نقول بأنها تسبح أو نقول بأنها تصفق ؟
بعض العلماء اقتصر على مورد النص قال : أنها تصفق حتى ولو كانت مع النساء .
وتبطل بمرور كلب أسود بهيم...................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقال بعض العلماء : بل تسبح لأنها منعت من التسبيح لحضور الرجال وخشية الفتنة ، أما إذا لم يكن هناك فتنة فإنها تسبح ، فالتسبيح ذكر فيه مشروعة في الصلاة بخلاف التصفيق هذه حركات غير مشروعة في الصلاة ، فقالوا بأنها تسبح إذا كانت مع النساء وهذا هو الأقرب ويؤيده القاعدة : { أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء } .
" وتبطل بمرور كلب أسود بهيم " الأسود معروف والبهيم الذي ليس فيه لون إلا السواد
بين يديه : يعني إذا مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته .
بين يدي المصلي حده العلماء رحمهم الله أنه بثلاثة أذرع من قدم المصلي .
وهو ما حده أيضاً آخرون أنه إلى منتهى سجود المصلي ، لأن بعد منتهى سجود المصلي لم يكن له سجود .
ما بين قدم المصلي ومنتهى سجوده يجوز لك المرور .
فأصبح عندنا المرور يجوز لك من وراء السترة على أية حال .
الحالة الثانية : من وراء منتهى السجود .
(1/241)
وإذا مر بينه وبين سترته أو بين يديه يعني ما بين قدمه ومنتهى السجود هل تبطل الصلاة أو لا تبطل الصلاة ؟
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا موضع خلاف فالجمهور أنه لا تبطل الصلاة ،وأن الصلاة لا يبطلها شيء واستدلوا بحديث ضعيف " لا يبطل الصلاة شيء وادرأوا ما استطعتم ".
والرأي الثاني : أن الصلاة تبطل كما هو مذهب الإمام أحمد ، أنها تبطل بمرور كلب أسود بهيم ، أما المرأة والحمار فلا تبطل الصلاة .
وعللوا بأن هذا الكلب أنه شيطان .
والصواب في ذلك : أن كلاً من المرأة والكلب الأسود وكذلك الحمار أنها تبطل الصلاة .
هذا الرأي الثالث وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله , وهو الذي دل عليه حديث أبي ذرو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما ودليلهما مما ورد أنها تبطل الصلاة بهذه الأشياء الثلاثة إذا مر بين المصلي وسترته أو بين يديه .
أركانها القيام في فرض ................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في أركان الصلاة وواجباتها وسننها
لما ذكر المؤلف رحمه الله شروط الصلاة وكيفيتها شرع في بيان أركانها وواجباتها وسننها ثم بعد ذلك سيذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بمبطلات الصلاة ، فقال المؤلف رحمه الله تعالى :
" أركانها القيام في فرض " الأركان : جمع ركن ، وهو في اللغة : جانب الشيء الأقوى .
وفي الاصطلاح : ما هيت الشيء يعني ما يتكون منه الشيء .
والفرق بين الركن والشرط من وجوه :
الوجه الأول : أن شروط الصلاة قبلها ، كالوقت ورفع الحدث وإزالة الخبث وستر العورة واستقبال القبلة ... إلخ ، هذه تكون قبل الصلاة .
وأما الركن فهو داخل الصلاة ما تتكون منه الصلاة .
الفرق الثاني : أن الشرط لابد من استدامته إلى نهاية الصلاة .
(1/242)
وأما الركن فإنه ينتقل من ركن إلى آخر .
الفرق الثالث : أن الشرط يسقط بالعذر كما سبق لنا إذا لم يتمكن من استقبال القبلة فإنه يسقط ، وإذا لم يتمكن من رفع الحدث بالماء ولا التيمم بالصعيد فإنه يسقط ... إلخ .
وأما بالنسبة للركن ينتقل إلى بدله ، فالركن لابد أن يأتي به فمثلاً إذا عجز عن القيام فينتقل إلى بدله وهو القعود ، وإذا عجز عن الركوع لابد أن يومي وهكذا .
القيام في فرض................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والفرق بين الركن وبين الواجب :
أن الركن لا يسقط لا عمداً ولا سهواً ، وأما الواجب فإنه يسقط بالسهو ويجبر بسجود السهو ، كما سيأتي إن شاء الله .
والفرق بين الركن والمستحب ظاهر :
فإن الركن كما سلف لا يسقط لا سهواً ولا عمداً بخلاف المستحب وهو السنة فإنه يجوز أن يترك بالعمد وبالسهو .
" القيام في فرض " القيام في الفرض هذا متفق على أنه ركن من أركان الصلاة ، والدليل على ذلك : قول الله عز وجل :" وقوموا لله قانتين ".
وأيضاً من السنة حديث أبي هريرة وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر "
ما هو قدر القيام الواجب وما حده ؟
هاتين مسألتان :
المسألة الأولى : قدر القيام الواجب : قيل بأن قدر القيام الواجب قدر تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة ، فيجب عليه أن يقوم قدر تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى وقراءة الفاتحة .
وأما في الركعة الثانية : فيجب عليه أن يقوم قدر قراءة الفاتحة .
وقيل بأن قدر القيام الواجب هو قدر تكبيرة الإحرام .
لقادر غير معذور والتحريمة............................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والصواب : هو القول الأول ، لأن كلاً من تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة ركن .
وما هو حد القيام الواجب ؟
(1/243)
حده مالم يصف راكعاً بحيث من يراه يقول بأنه قائم وليس راكعاً .
وقال المؤلف رحمه الله : في فرض ، يخرج النفل ، فالنفل لا بأس أن يصلي وهو قاعد .
ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لما ذكرت صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل قال : وكان يصلي ليلاً طويلاً قاعداً .
وأيضاً حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم "
" لقادر غير معذور " إذا كان قادراً أما إذا كان معذوراً لمرض أو خوف أو عجز فإنه يسقط عنه القيام وينتقل إلى بدله ، فلو أنه إذا قام خائف من العدو أو أنه مريض ونحو ذلك يشق عليه القيام ولا يتحمله فإنه يسقط عنه القيام .
ويدل لهذا حديث عمران رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلي قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب "
" والتحريمة " يعني تكبيرة الإحرام هذه ركن من أركان الصلاة ، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام :" تحريمها التكبير " حديث علي واسناده حسن .
والفاتحة............................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأيضاً ما تقدم من حديث أبي هريرة في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر "
ومداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
(1/244)
" والفاتحة " أيضاً ركن من أركان الصلاة الفاتحة ، ودليل ذلك حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " في الصحيحين ، وسيأتينا إن شاء الله على من تجب قراءة الفاتحة ، وسيأتينا إن شاء الله أن الإمام والمنفرد كل منهم يجب عليه أن يقرأ الفاتحة في كل ركعة ، وأما بالنسبة للمأموم فهذا يجب عليه أن يقرأ في الركعات التي يسر بها الإمام وأما الركعات التي يجهر بها الإمام فإنه لا يجب عليه ، وهذا سيأتي في باب صلاة الجماعة إن شاء الله .
وقوله : الفاتحة ، اختلف أهل العلم رحمهم الله هل تجب القراءة في كل ركعة أو نقول لا تجب القراءة في كل ركعة ؟
رأيان :
الرأي الأول : رأي الجمهور أنه يجب أن يقرأ في كل ركعة ، كما سبق لنا الإمام والمنفرد يجب عليه أن يقرأ في كل ركعة والمأموم في الصلاة السرية ... إلخ كما سيأتينا إن شاء الله .
وركوع............................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الرأي الثاني : رأي أبي حنيفة أنه لا يجب عليه أن يقرأ في كل ركعة وإنما يجب عليه أن يقرأ في ركعتين فقط ، والحنفية هم أوسع المذاهب في ترك القراءة وأشد المذاهب في وجوب القراءة مذهب الشافعية ، فالشافعية يرون وجوب قراءة الفاتحة على كل مصلي مطلقاً سواء كان إماماً أو منفرداً أو مأموماً وسواء كانت الصلاة جهرية أو كانت الصلاة سرية .
" وركوع " أيضاً الركوع واجب بالإجماع ، ويدل له قول الله عز وجل :" ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " فالركوع واجب بالإجماع وأيضاً يدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة كما في الصحيحين :" ثم اركع حتى تطمئن راكعا " .
وما هو حد الركوع المجزئ ؟
للعلماء في ذلك رأيان :
الرأي الأول : أن تصل يداه إذا انحنى ركبتيه إذا كان وسطاً& .
(1/245)
والرأي الثاني : أن يكون إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل ، وذكرنا أن هذا أقرب بحيث من رآه يقول أن هذا راكع .
والاعتدال عنه.................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " والاعتدال عنه " يعني الرفع من الركوع ، يقول المؤلف رحمه الله : أنه ركن من أركان الصلاة ، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم ، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة :" ثم ارفع حتى تعتدل قائماً " وفي لفظ " حتى تطمئن قائماً "
وأيضاً حديث ابن مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تجزئه صلاته من لا يقيم صلبه من الركوع والسجود "
وأيضاً الأدلة على هذا كثيرة ومن الأدلة فعل النبي عليه الصلاة والسلام ومداومته على ذلك وقد ذكر البراء بن عازب أن ركوع النبي صلى الله عليه وسلم ورفعه وسجوده ورفعه ، يعني ركوعه واعتداله من الركوع وسجوده ورفعه من السجود هذه قريباً من السلام & .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة رحمه الله يرى أن الاعتدال من الركوع سنة وليس واجب وعلى هذا لو هوى من الركوع إلى السجود مباشرة فإن صلاته صحيحة ، ولهذا تجد أن من على رأي أبي حنيفة يهوي بسرعة لأنهم يرون أن الرفع حكمه سنة وليس واجباً ، ويستدلون بقول الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " فإن الله عز وجل أمر بالركوع والسجود ومازاد على ذلك يقولون بأنه زيادة على النص والزيادة على النص نسخ هذه قاعدة عند الحنفية رحمهم الله ، وهذه القاعدة باطلة كثير
والسجود والرفع منه والجلوس بين السجدتين .............................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ من أهل العلم رحمهم الله نقدوها لأنه يترتب على ذلك الإخلال بكثير من سنن النبي صلى الله عليه وسلم .
(1/246)
" والسجود " السجود أيضاً هذا ركن بالإجماع ، ويدل لذلك قول الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " .
وأيضاً ما سلف من قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً " فالسجود هذا نقول بأنه ركن بالإجماع .
وتقدم لنا قول المؤلف رحمه الله السجود بأن السجود على الأعضاء السبعة وتقدم ما الذي يجب السجود عليه وأن الأعضاء السبعة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الركبتان والقدمان واليدان ، وذكرنا في أن المشهور من مذهب الإمام أحمد وجوب السجود عليها وهذا هو الصواب .
والقسم الثاني : الجبهة والأنف وذكرنا الخلاف فيها وأن الصواب السجود عليها .
" والرفع منه " الرفع من السجود .
" والجلوس بين السجدتين " الرفع من السجود والجلوس بين السجدتين المؤلف رحمه الله جعلهما ركنين وبعض العلماء يجعلهما ركناً واحداً .
والطمأنينة في الكل....................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فالجلوس بين السجدتين هذا ركن من أركان الصلاة والكلام فيه كالكلام في الرفع من الركوع ، فالجمهور يرون أنه ركن ، ويستدلون بحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ثم ارفع حتى تعتدل جالساً " وفي لفظ " حتى تطمئن جالساً "
وتقدم لنا حديث ابن مسعود البدري رضي الله تعالى عنه وأيضاً حديث عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع من سجوده لم يسجد حتى يستوي قاعداً ، وهذا رواه مسلم .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة يرى أن الجلوس بين السجدتين سنة وليس واجباً ، وعلى هذا يكفي أن يرفع رأسه عند الحنفية إذا كان ساجداً يكفي أن يرفع رأسه ثم يخفضه مرة أخرى لكي يفصل بين السجدتين ، وهذا لا شك أنه ضعيف ، ودليله كما سلف استثنى قول الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " .
" والطمأنينة في الكل " فيها مسألتان :
(1/247)
المسألة الأولى : هل هي ركن أو ليست ركناً ؟
والمسألة الثانية : قدر الطمأنينة ؟
جمهور أهل العلم على أنها ركن ودليلهم على ذلك : قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ثم اركع حتى تطمئن راكعاً " " حتى تطمئن ساجداً " ... إلخ .
وأيضاً هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
والتشهد الأخير والجلوس له............................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم أيضاً حديث ابن مسعود البدري وتقدم أيضاً حديث عائشة هذه كلها تدل على أن الطمأنينة لابد منها .
وعند أبي حنيفة : أن الطمأنينة سنة ، لأن الواجب هو الركوع والسجود :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " فإذا ركع وسجد كفى ذلك وهذا لاشك أنه ضعيف .
النبي عليه الصلاة والسلام أمر الذي أخل بالطمأنينة أن يعيد قال :" صل فإنك لم تصل "
فالصواب في ذلك : أن الطمأنينة واجبة وأنها ركن .
وما حد الطمأنينة ؟ هذه المسألة الثانية
للعلماء في ذلك رأيان :
الرأي الأول : أن حد الطمأنينة السكون وإن قل ، يعني إذا ركع وسكن فهذه طمأنينة وإذا سجد وسكن فهذه طمأنينة .
والرأي الثاني : أن حد الطمأنينة بقدر الذكر الواجب ، وعلى هذا في الركوع لا يكفي أنه مجرد أن يسكن فلابد أن يركع بقدر قول سبحان ربي العظيم ، وفي السجود لابد أن يسجد بقدر قول سبحان ربي الأعلى ، وفي الجلوس بقدر قول رب اغفر لي وعافني .
" والتشهد الأخير والجلوس له " التشهد الأخير هل هو ركن أو ليس ركناً وأيضاً الجلوس له هل هو ركن أو ليس ركناً ؟
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المشهور من المذهب ومذهب الشافعي رحمهم الله : أن التشهد الأخير والجلوس له ركن كل منهما ركن ، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد وكذلك أيضاً الشافعي .
(1/248)
والرأي الثاني : رأي مالك وأبي حنيفة وأن الركن هو التشهد دون الجلوس .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه أحمد والشافعي ويدل لهذا ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قعد أحدكم في صلاته فليقل التحيات لله "
فقال : إذا قعد ، وأيضاً حديث ما في الدار قطني والبيهقي وغيرهما " كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد " وهذا الحديث وإن كان بعض أهل العلم يعله لكنه يستدل به على أن التشهد ركن فرض ، وأيضاً مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
وقوله : التشهد الأخير ، التشهد الأخير قيل قول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، هذا حد التشهد الأخير .
ثم بعد ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذه لها حكم أخر ، هل هي واجبة أو سنة ؟
هذه سيأتي إن شاء الله الكلام عليها .
المهم قوله التشهد الأخير الركن إلى قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
وللسلام.............................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وللسلام " السلام هذا أيضاً ركن كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : أن كلاً من التسليمتين ركن .
أو نقول السلام لا يخلو من أمرين : الأمر الأول : أن يكون في الفرض .
والأمر الثاني : أن يكون في النفل .
أما التسليم في الفرض ، هل هو ركن أو ليس ركناً ؟
وإذا قلنا بأنه ركن هل كلاً من التسليمتين ركن أو الركن تسليمة واحدة ؟
هذا فيه كلام لأهل العلم رحمهم الله فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن كلاً من التسليمتين ركن .
والرأي الثاني : أن كلاً من التسليمتين سنة وهذا مذهب أبي حنيفة .
والرأي الثالث : رأي الشافعي أن الأولى هي الركن والثانية سنة .
(1/249)
ومالك رحمه الله يرى أن التسليم للمأموم سنة وأما بالنسبة للإمام والمنفرد التسليمة الأولى هي الواجبة .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
ودليله حديث جابر بن سمرة في صحيح مسلم :" إنما كان يكفي أحدكم أن يسلم على *..........* من على يمينه وشماله السلام عليكم السلام عليكم "
ودون الكفاية لا يقع فيه نزاع إنما يكفي وهذا يدل على أنه لابد من التسليمتين .
........................................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأيضاً مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فالنبي عليه الصلاة والسلام داوم على التسليمتين في الحضر وفي السفر ، قال :" صلوا كما رأيتموني أصلي "
والذين قالوا بأنه تكفي تسليمة واحدة استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم في المغرب تسليمة واحدة كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .
وأما الذين قالوا أنه سنة كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله استدلوا بحديث ابن مسعود لما ذكر التشهد قال : فإذا قلت ذلك فقد انقضت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقوم وإن شئت أن تقعد فاقعد ، وهذا في البيهقي ، حديث ابن مسعود قال : فإذا قلت ذلك فقد انقضت صلاتك ، يعني إذا قلت التشهد فقد انقضت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقوم وإن شئت أن تقعد فاقعد ، وهذا غير ثابت ،
وأيضاً حديث ابن عمر : إذا أحدث أحدكم وقد تشهد فقد جادت& صلاته أو كما روي ، وهذا أيضاً غير ثابت .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
أما القسم الثاني : التسليم في النفل ، فنقول التسليم في النفل هذا وارد فيه الإكتفاء بتسليمة واحدة ، فنقول التسليمة الأولى ركن وأما التسليمة الثانية فهذه سنة .
فيكتفى بتسليمة واحدة ، نقول هذا صحيح .
(1/250)
والترتيب......................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " والترتيب " أيضاً الترتيب من الأركان ولابد أن يرتب ، والترتيب هذا ركن ويدل له قول الله عز وجل :" ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " فبدأ الله عز وجل بالركوع قبل السجود ، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى مرتباً وداوم النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك وسبق أن ذكرنا قاعدة وهي :
{ أن كل عبادة مركبة من أجزاء لابد فيها من أمرين الترتيب والتوالي }
وإلا لم تكن وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
@@@@@
والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله هل هي ركن أو واجبة أو مستحبة ؟
على ثلاثة أراء :
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها ركن .
والمشهور من مذهب الشافعي أنها واجبة وليست ركناً .
وعند أبي حنيفة ومالك ورأي ابن حزم أنها سنة .
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بأنها ركن فاستدلوا بحديث ابن مسعود في صحيح مسلم أنهم قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا الله بالصلاة عليك فكيف نصلي ؟
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال :" قولوا اللهم صل على محمد " وهذا أمر ولكن هذا الأمر ليس أمراً ابتدائياً وإنما هو أمر للإرشاد فلا يقتضي الوجوب .
واستدلوا أيضاً بما في الدار قطني والبيهقي :" لا صلاة لمن لم يصلي على نبينا " وهو ضعيف ولو ثبت كان دليلاً لكنه ضعيف .
والذين قالوا بالوجوب استدلوا بما في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم قال وليصلي على نبيه " قالوا هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
(1/251)
والذين قالوا بالاستحباب استدلوا بحديث أبي هريرة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا تشهد أحدكم فليستعيذ بالله من أربع " وهنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد بالاستعاذة وهذا يدل على عدم الوجوب ، يدل على الاستحباب
والذي يظهر في هذه المسألة أما أن يقال بالاستحباب أو بالوجوب ، لأن حتى من قال بأنه في حديث أبي هريرة النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فليستعيذ بالله من أربع " نقول الأمر بالأربع هذا لا ينفي الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
فنقول إذا إما بالوجوب مما يستدل به الشافعي رحمه الله بما في سنن الترمذي وصحح الحديث فإذا دل ذلك فنقول بأنه إما أن نقول بالوجوب وهذا أحوط .
وواجباتها تكبير الانتقال والتسميع والتحميد ومرة أولى في تسبح ركوع وسجود ورب اغفر لي بين السجدتين وتشهد أول وجلسته........................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أو نقول بالاستحباب .
وأما القول بالركنية فهذا أبعد الأقوال .
والمجزئ أن يقول اللهم صل على محمد هذا المجزئ ، وسبق أن ذكرنا صيغ الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ورد لها عدة صيغ .
" وواجباتها تكبير الانتقال والتسميع والتحميد ومرة أولى في تسبح ركوع وسجود ورب اغفر لي بين السجدتين وتشهد أول وجلسته " هذه واجبات الصلاة ، وواجبات الصلاة ثمانية هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله :
الأول : تكبيرة الانتقال .
الثاني : التسميع .
الثالث : التحميد .
الرابع : تسبيحة الركوع .
الخامس : تسبيحة السجود .
السادس : قول رب اغفر لي .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ السابع : التشهد الأول .
(1/252)
الثامن : الجلوس له .
هذه ثمانية واجبات ، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها واجبات .
والرأي الثاني : رأي جمهور أهل العلم أنها سنن وليست واجبات .
ولكل منهم دليل : أما الإمام أحمد رحمه الله يستدل على أنها واجبات للأمر بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قال :" وإذا كبر فكبروا كما في حديث أبي هريرة وأيضاً قال :" وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد " فأمر النبي بالتكبير وأمر بالتسبيح...إلخ .
وتقدم في حديث حذيفة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ركع وسجد جعل يقول سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود ورب اغفر لي بين السجدتين "
وفي حديث عقبة بن عامر وإن كان فيه ضعف أنه لما نزل قول الله عز وجل :" فسبح باسم ربك العظيم " قال النبي صلى الله عليه وسلك :" اجعلوها في ركوعكم "
ولما نزل قوله تعالى :" سبح اسم ربك الأعلى " قال النبي صلى الله عليه وسلم :" اجعلوها في سجودكم "
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأيضاً مما يدل لهذا حديث معاوية بن الحكم في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هي التكبير والتسبيح وقراءة القرآن "
حصرها النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير والتسبيح وقراءة القرآن .
وأيضاً أننا إذا قلنا بأن هذه ليست واجبات أنه يترتب على ذلك أن تخلوا هذه الأركان والانتقالات التي بينها من أذكار وكما أسلفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حصر الصلاة بالتكبير والتسبيح وقراءة القرآن .
(1/253)
وأيضاً مما يدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول سجد له سجود السهو ، فكون النبي عليه الصلاة والسلام سجد سجود السهو هذا يدل على أنه واجب وأن النبي صلى الله عليه وسلم جبره بسجود السهو .
وأيضاً ما تقدم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قعد أحدكم في صلاته فليقل التحيات لله " وهذا أمر .
فهذه الأدلة تدل على ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
والرأي الثاني رأي جمهور أهل العلم قالوا بأنها سنن ويستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها من لم يحسن في صلاته كما في حديث أبو هريرة ولو كانت أركاناً أو واجبات لعلمها النبي صلى الله عليه وسلم من لم يحسن صلاته .
وما سوى ذلك مما تقدم سنن ولا يشرع لتركها سجود وإن سجد فلا بأس................................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والجواب على هذا سهل جوابان :
الجواب الأول : أن يقال بأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأشياء التي أساء فيها .
والجواب الثاني : أنه لا يسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه بل علمه كما في غير الصحيحين في سنن أبي داود علمه النبي صلى الله عليه وسلم التكبيرات ، تكبيرات الانتقال .
فالصواب في ذلك والأقرب : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله وأن هذه واجبة .
" ومرة أولى في تسبيح ركوع وسجود ورب اغفر لي بين السجدتين وتشهد أول وجلسته " تكلمنا عليها .
" وما سوى ذلك مما تقدم سنن " يعني ما سوى ما ذكره المؤلف رحمه الله من الواجبات والأركان يقول المؤلف رحمه الله : بأنها سنن .
" ولا يشرع لتركها سجود وإن سجد فلا بأس " يعني إذا ترك سنة أما إن ترك واجباً فهذا يأتينا إن شاء الله لو ترك واجباً من الواجبات لابد أن يسجد وإن ترك ركناً من الأركان لابد أن يأتي به وأن يسجد .
(1/254)
ولكن إذا ترك سنة من السنن هل يسجد أو لا يسجد ؟
أما الوجوب فهذا يجب أن يسجد لكن هل يشرع له أن يسجد أولا ؟
وإن واجباً عمداً ترك بطلت وسهواً سجد له...................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ مثلاً ترك الاستفتاح سبحانك اللهم وبحمدك أو غير ذلك من استفتاحات الصلاة تركه ، فهل يسجد أو لا يسجد ؟
يقول المؤلف رحمه الله : لايشرع لكنه يباح له أن يسجد ، لو سجد نقول لا بأس صلاتك لا تبطل لكن هذا ليس بسنة ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : إن كان هذا المستحب أو السنة من هديه أنه يأتي به ثم بعد ذلك نسي فإنه يشرع له أن يسجد وإن كان ليس من هديه أن يأتي به قد يأتي به في بعض الأحيان وفي بعض الأحيان لا يأتي به فهذا لا يشرع .
وتلخص لنا إذا كان الإنسان من هديه أن يأتي به فإن فاته سهواً يسجد استحباباً ولا يجب إذا تركه عمداً لا يسجد .
وإذا تركه سهواً إذا كان من هديه فإنه يأتي به ، أو قصد أن يأتي به لكنه نسي فنقول هنا يسجد للسهو .
أما إذا لم يكن قاصداً أن يأتي به أو لم يكن هذا من هديه فنقول هنا لا يسجد .
وهذا الرأي هو الأقرب .
" وإن ترك واجباً عمداً بطلت وسهواً سجد له " إذا ترك واجباً من واجبات الصلاة متعمداً نقول تبطل صلاته كما سيأتينا إن شاء الله ، وأما إن كان سهواً فإنه يسجد له كما سيأتي إن شاء الله .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجود السهو
لما ذكر المؤلف رحمه الله صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم شرع في بيان جوابر الصلاة ، الصلاة لها جوابر وهذا من رحمة الله عز وجل : لأن هذه الصلاة فرض ، وهي أعظم الفروض بعد الشهادتين وأول ما يحاسب عليه العبد فمن رحمة الله عز وجل بأن شرع لها جوابر تجبرها :
(1/255)
الجابر الأول : الذكر دبر الصلاة تقدم بيانه وبيان صفته .
والجابر الثاني : سجود السهو شرع فيه المؤلف رحمه الله .
والجابر الثالث : كما سيأتينا إن شاء الله التطوعات من باب وسائل التطوع سيعقد لها المؤلف رحمه الله باب مستقلاً وهو صلاة التطوع .
وقال المؤلف رحمه الله باب سجود السهو : باب مضاف ، وسجود : مضاف إليه ، وسجود : مضاف ، والسهو : مضاف إليه .
وهذا من إضافة الشيء إلى سببه ، يعني السجود الذي سببه السهو .
والسهو : عندنا سهو وعندنا نسيان وعندنا غفلة ، فهل هذه من قبيل المترادف أو نقول بأنها من قبيل المتباين ؟
يشرع ................................................................................................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا موضع خلاف وقال بعض العلماء بأنها من قبيل المترادف وأن المراد بها : ذهول القلب عن معلوم .
والرأي الثاني : أنها من قبيل المتباين وأن هناك فرقاً فالسهو أو الساهي إذا ذكرته تذكر وأما الناسي فإنك إذا ذكرته لا يتذكر .
" يشرع" كلمة يشرع إذا عبر بها العلماء رحمهم الله فإنهم يريدون بها إما الوجوب أو الاستحباب ، وهذه العبارة يلجأ إليها العلماء رحمهم الله لأمرين :
الأمر الأول : أن يكون الكلام شاملاً من واجب والمستحب كما هنا فيقول لك يشرع .
الأمر الثاني : أن يكون العالم متردداً في الوجوب والاستحباب ويسأل عن حكم أو يعبر عن حكم بكلمة يشرع ربما ما تبين له هل هذا واجب أو مستحب .
المهم كلمة يشرع أنه تارة يجب وتارة يستحب كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، والأصل في سجود السهو السنة والإجماع .
أما السنة فسيأتينا إن شاء الله ومن ذلك ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين " وسيأتينا أيضاً من فعل النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين .
(1/256)
يشرع لزيادة ونقص وشك ولا يشرع عمداً.......................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" يشرع لزيادة ونقص وشك " ذكر المؤلف رحمه الله أسباب سجود السهو ، وأن سجود السهو له أسباب ثلاثة :
الأول : الزيادة ، وسيأتينا إن شاء الله أن الزيادة تنقسم إلى قسمين : زيادة أقوال ، وزيادة أفعال ، وأيضاً هذه الزيادة تنقسم إلى قسمين أفعال وأقوال من جنس الصلاة ، وأفعال وأقوال من غير جنس الصلاة .
الثاني : النقص وهذا أيضاً سيأتينا أن النقص ينقسم إلى أقسام : نقص الركن ، ونقص الواجب ، ونقص المستحب .
الثالث : الشك وأيضاً سيأتينا أن الشك ينقسم إلى أقسام : إذا شك وترجح عنده شيء ، وإذا شك ولم يترجح عنده شيء ... إلخ ، هذا كله سيأتي إن شاء الله .
" ولا يشرع عمداً " يعني أن سجود السهو لا يشرع عمداً فإذا ترك شيئاً مشروعاً في الصلاة متعمداً فنقول إما أن صلاته تبطل عليه إذا ترك ركناً أو ترك واجباً أو نقول لا تبطل عليه لكن لا يشرع سجود السهو كما لو ترك مستحباً متعمداً ، فإذا ترك مستحباً متعمداً أو سنة من سنن الصلاة متعمداً فنقول لايشرع له سجود السهو .
فأصبح عندنا أن أسباب سجود السهو ثلاثة :
الزيادة ، والنقص ، والشك .
في فرض ونفل.................................................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " في فرض ونفل " يعني أن سجود السهو مشروع في صلاة الفرض وكذلك أيضاً في صلاة النافلة ، لعمومات الأدلة كقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين " وهذا يشمل ما إذا سها في الفرض أو سها في النفل .
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين " هذا رواه مسلم وهذا يشمل ما إذا كان في صلاة الفرض أو كان في صلاة النفل.
وأيضاً القاعدة { أن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل }
(1/257)
لكن يستثنى من ذلك صلاة الجنازة ، فصلاة الجنازة ليس فيها سجود للسهو فلو أنه نسي مثلاً الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الجنازة أو نسي تكبيرة من التكبيرات ونحو ذلك ، فلا نقول بأنه يسجد للسهو ، لأن صلاة الجنازة صلاة مبنية على التخفيف ليس فيها ركوع ولا سجود ، هي شفاعة للميت فقط ، فلا يشرع فيها سجود للسهو .
كذلك أيضاً يستثنى إذا سها في سجود السهو لا يشرع له أن يسجد ، فلو أنه سجد للسهو فيقول سبحان ربي الأعلى ، فلو نسي أن يقول سبحان ربي الأعلى نقول لا يسجد لأن هذا يلزم عليه التسلسل .
فمتى زاد فعلاً من جنسها قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت وسهواً سجد له.......................................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً لا يسجد للسهو في سجود التلاوة وسجود الشكر وهذا أمر ظاهر لأن الصحيح في سجود التلاوة وسجود الشكر كما سيأتينا إن شاء الله أنهما ليس صلاة ولا يشرع لهما شروط الصلاة من استقبال القبلة وستر العورة ورفع الحدث ... إلخ .
وإنما هو سجود مجرد وإذا كان سجود التلاوة وسجود الشكر ليسا صلاة فنقول لا يشرع له سجود السهو .
" فمتى زاد فعلاً من جنسها قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت وسهواً سجد له" سبق أن ذكرنا أن أسباب السجود ثلاثة : الزيادة والنقص والشك .
الآن شرع في السبب الأول : فالمؤلف رحمه الله سيتكلم عن أسباب السجود سبباً سبباً والآن شرع في السبب الأول وهو الزيادة ، زيادة الأفعال هذه الزيادة قال لك : فعلاً من جنس فيؤخذ من هذا أن الزيادة قد تكون فعلاً وقد تكون قولاً وقد تكون من جنس الصلاة وقد تكون من غير جنس الصلاة ، وعلى هذا نقول : الزيادة تنقسم إلى أقسام :
(1/258)
القسم الأول : أن تكون فعلاً من جنس الصلاة وهذا مثاله كما ذكر المؤلف قال لك : قياماً قام في محل القعود ، أو قعوداً قعد في محل القيام ، أو ركوعاً فبدل أن يركع ركوعاً واحداً ركع مرتين ، أو سجوداً كرر السجود بدل أن يسجد مرتين سجد ثلاث سجدات ... إلخ .
وإن زاد ركعة فأكثر سهواً سجد ومتى ذكر رجع وتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم...................................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهنا يقول المؤلف : إن كان عمداً بطلت صلاته وهذا بالإجماع .
وإن كان سهواً : سجد له .
فنقول : القسم الأول : أن تكون الزيادة فعلاً من جنس الصلاة ، كالقيام والقعود والركوع والسجود ... إلخ .
فإن كان متعمداً فهذا ظاهر تبطل صلاته ، وإن كان سهواً يسجد للسهو .
وهل هذا السجود واجب أو ليس واجباً ؟
سيأتينا إن شاء الله بيانه .
والدليل على هذا ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين " .
" وإن زاد ركعة فأكثر سهواً سجد " وحتى الآن المؤلف رحمه الله يبحث في القسم الأول وهي تكون زيادة فعلاً من جنس الصلاة وأيضاً إذا زاد ركعة فما الحكم ؟
مثال ذلك : إنسان يصلي الظهر فقام إلى خامسة ، فعلاً من جنس الصلاة فإن الركعة هذه نقول بأنها فعل من جنس الصلاة ، وقال المؤلف " ومتى ذكر رجع وتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم " إذا قام الآن وتذكر أنها خامسة أو ركع في الخامسة وتذكر أنها خامسة نقول مباشرة يرجع حتى لو شرع في
وإن نبهه ثقتان فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يتيقن صواب نفسه... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/259)
القراءة ، فيجب عليه أن يرجع مباشرة لأنه لو لم يرجع لزاد في الصلاة متعمداً والزيادة في الصلاة عمداً تبطلها ، ولهذا قال لك المؤلف : ومتى ذكر رجع وتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم نقول يرجع مباشرة ويجلس إن كان تشهد لأنه يحتمل أنه جلس للتشهد صلى أربعاً وجلس للتشهد وتشهد ثم سها وقبل أن يسلم قام سهواً وذكر نقول يجب عليه أن يرجع ، وإذا كان ما تشهد بعد السجود الثاني قام إلى الخامسة ولم يجلس نقول يجب عليه أن يجلس ويتشهد ويسلم .
وسيأتينا إن شاء الله في قول المؤلف رحمه الله : وسجد وسلم أن السجود هنا سجود واجب.
" وإن نبهه ثقتان فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يتيقن صواب نفسه " هذا الذي قام بالزيادة لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون ممن يصلي وحده ، فهذا حكمه كما تقدم نقول ارجع وجوباً مباشرة وإن كان تشهد يجلس ويسلم وإن لم يكن تشهد فإنه يجلس ويتشهد ويسلم ، هذا إذا كان يصلي وحده .
الحالة الثانية : أن يكون مع الجماعة أما المأموم هذا سيأتينا حكمه لكن إذا كان إماماً وقام فهنا قال لك : وإن نبهه ثقتان فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يتيقن صواب نفسه ،
فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يتيقن صواب نفسه.............................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يرجع إلا لقول ثقتين وعلى هذا لو أنه سبح به ثقة من المأمومين ، هل يرجع أو لا يرجع ؟
على قول المؤلف أنه لا يرجع وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، واستدلوا على ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين حتى سأل الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
(1/260)
والرأي الثاني : قال به ابن الجوزي رحمه الله أنه يرجع إلى قول ثقة واحد ، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول ذي اليدين ولهذا لم يترك قول ذي اليدين وإنما شك النبي عليه الصلاة والسلام بانفراده به ، كون الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم ينبه إلا ذي اليدين هذا حصل عند النبي صلى الله عليه وسلم شيء من الشك فسأل الصحابة رضي الله تعالى عنهما .
والصواب في هذه المسألة : أنه يرجع إذا سبح به ثقة ، ولا فرق بين أن يكون رجلاً أو امرأة المهم أنه يثق بقوله .
" فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يتيقن صواب نفسه " الإمام إذا سبح به فإنه لا يخلو من أحوال :
الحالة الأولى : أن يتيقن صواب نفسه ، يعني يتيقن أنه على صواب لما زاد الآن أو نقص جلس يتيقن صواب نفسه ، فهذا لا يرجع وإن سبح به .
كمتبعه عالماً دون من فارقه أو تبعه ناسياً.................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الثانية : أن يتيقن صواب من سبح به ، فيجب عليه أن يرجع .
الحالة الثالثة : أن يغلب على ظنه صواب نفسه ، لايجب أن يرجع .
الحالة الرابعة : أن يغلب على ظنه صواب من سبح به ، فهنا يرجع .
الحالة الخامسة : أن يتساوى عنده الأمران ، فنقول يرجع .
فأصبح يرجع في ثلاث حالات ولا يرجع في حالتين هذا بالنسبة للإمام .
أما بالنسبة للمأموم قال المؤلف رحمه الله :
" كمتبعه عالماً دون من فارقه أو تبعه ناسياً " نقول المأموم أيضاً لا يخلو من أحوال :
الحالة الأولى : أن يكون عالماً بالزيادة ، يعني عالماً بالحكم الشرعي وبالزيادة ، يعني عالماً بالحال : أن يعلم أنها زيادة ، والحكم الشرعي : يعلم أن الزيادة أنها مبطلة إذا تابع الإمام على هذه الزيادة تبطل صلاته ، فنقول إذا كان عالماً بالحال وبالحكم الشرعي تبطل صلاته ، هذه الحالة الأولى .
(1/261)
الحالة الثانية : قال : أو تبعه ناسياً ، إنسان تبعه ناسياً نقول بأنه معذور لا تبطل صلاته .
الحالة الثالثة : أن يتابعه جاهلاً إما بالحال أي بالزيادة أو بالحكم الشرعي لا يعرف أنه إذا تابع الإمام على هذه الزيادة أن صلاته تبطل عليه وهذا حال كثير من المأمومين اليوم ، فنقول لا تبطل صلاته .
ولا يعتد بها مسبوق............................................................................ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الرابعة : قال : دون من فارقه ، أن يفارقه وينوي الإنفراد فهذا جائز ولا بأس به ، وعلى هذا أن يفارقه المأموم مثلاً لو قام الإمام إلى زائدة ففارقه وجلس فهذا جائز لأن المفارقة لعذر شرعي ، وأن مفارقة المأموم للإمام بعذر شرعي هذه جائزة .
أو أن الإمام جلس بعد الثالثة ما قام للرابعة ثم بعد ذلك فارقه المأموم ونوى الإنفراد نقول بأن هذا جائز .
ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن المفارقة جائزة إذا مضى الإمام في موضع يجب عليه أن يرجع أو رجع في موضع يجب عليه أن يمضي للمأموم أن يفارقه .
فأصبح المأموم له أربع حالات ، وذكرنا أن هذا الذي زاد إما أن يكون منفرداً أو يكون إماماً أو يكون مأموماً ، المأموم هذا الحالة الثالثة سيأتينا حكمه ، وأن المأموم إذا زاد أو نقص يتحمل عنه الإمام كما سيأتي لكن فيه تفصيل ما إذا كان أدرك الصلاة من أولها أو ... إلخ .
هذا سيأتي إن شاء الله .
" ولا يعتد بها مسبوق " يقول المؤلف رحمه الله هذه الركعة الزائدة لا يعتد بها مسبوق .
وصورة ذلك : قام الإمام إلى ركعة خامسة فجاء مأموم وصلى ثم تبين أنها زائدة هذه الركعة ، نفرض أن هذا المأموم فاتته ركعة ، هو جاء في الركعة الثانية وقام الإمام إلى زائدة إلى خامسة ، هل يسلم مع الإمام أو نقول لاتعتد بها لابد أن تأتي بركعة ؟
(1/262)
وعمل مستكثر عرفاً متوال من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه................................................................................................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول المؤلف لا يعتد بها .
أو أن هذا المأموم جاء والإمام في الخامسة ثم دخل معه ، هل نقول صل أربع أو صل ثلاث ؟
على كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يعتد بها لأنها زائدة ، والأصل عدمها .
والرأي الثاني : وذهب إليه بعض الحنابلة واختاره الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : أنه يعتد بها ، هذا الرأي الثاني وهذا القول هو الصواب لأنا لو قلنا لا تعتد بهذه الركعة يلزم بأن يأتي بالخامسة ، وهذا غير صحيح .
فلنفرض أن هذا الرجل جاء في الركعة الثانية وصلى مع الإمام أربع لو قلنا لا تعتد بها يلزم من ذلك أن يأتي بركعة خامسة وهذا غير صواب .
" وعمل مستكثر عرفاً متوال من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه " هذا القسم الثاني ذكرنا أن الزيادة تنقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : أن تكون فعلاً من جنس الصلاة ، وتكلمنا عنه .
هذا القسم الثاني : أن تكون فعلاً من غير جنس الصلاة ، هذا ما فيه سجود سهو إذا كانت الزيادة فعلاً من غير جنس الصلاة ، نقول هذا ليس فيه سجود السهو مثلاً تكلم في الصلاة تحرك أكل شرب وعمل حركات كثيرة ... إلخ .
............................................................................................................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا ما فيه سجود سهو ولهذا قال لك : وعمل مستكثر عرفاً متوال من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه .
وليس له سجود السهو ، هذا نقول :
القسم الثاني : أن يكون فعلاً من غير جنس الصلاة ، وهذا كالمشي والحركة الكثيرة ليس من جنس الصلاة ، الأكل والشرب هذا ليس من جنس الصلاة فلا يشرع له سجود السهو .
لكن بقينا ، هل تبطل الصلاة أو نقول بأن الصلاة لا تبطل ؟
(1/263)
قال المؤلف رحمه الله للبطلان اشترط شروطاً :
قال لك : وعمل مستكثر ، الشرط الأول : أن يكون كثيراً .
قال لك : عرفاً ، يعني لا يتقيد بعدد وإنما يتقيد بالعرف فإذا كانت الحركات كثيرة عرفاً يبطل .
الشرط الثالث : متوال يعني في ركعة واحده لو تحرك مثلاً حركة أو حركتين في الركعة الأولى ثم في الركعة الثانية حركتين والثالثة كذلك هذه وإن كانت كثيرة عرفاً إلا أنها غير متوالية .
فالشرط الأول لكي تبطل : أن يكون كثيراً
الثاني : أن يكون عرفاً .
............................................................................................................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الثالث : أن يكون متوالياً .
الرابع : أن يكون بغير ضرورة .
فنقول هذه إذا عملها المصلي تبطل صلاته .
قال : يبطلها عمده وسهوه ، أما العمد فهذا ظاهر أنه يبطلها فإذا توفرت هذه الشروط تحرك أو عمل أعمال ليس من جنس الصلاة متعمداً وتوفرت هذه الشروط الأربعة نقول فإن صلاته تبطل عليه .
أما إذا كان ذلك سهواً ، يعني إنسان أكثر من الحركات ساهياً فأصبحت كثيرة عرفاً متوالية ... إلخ ، هل تبطل صلاته أو لا تبطل ؟
يقول المؤلف صلاته تبطل .
وعندنا قاعدة في الشريعة وهي { أن المحظورات المنهيات سواء كانت في الصلاة أو في الصيام أو في الحج أو في غير ذلك سائر المنهيات مما يترتب عليها حكمها بالنسبة لحقوق الله عز وجل إلا بشروط ثلاثة :
الشرط الأول : العلم .
الشرط الثاني : الاختيار .
الشرط الثالث : الذكر .}
ولا تبطل بيسير أكل أو شرب سهواً................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه الحركات هذه من المنهيات فإذا كان الإنسان ساهياً أو كان جاهلاً أو كان مكرهاً على هذه الأفعال التي ليست من جنس الصلاة ونحو ذلك فيظهر أن صلاته صحيحة .
(1/264)
لهذه القاعدة لأن النسيان والإكراه وكذلك أيضاً الجهل هذا مرفوع بالنسبة للنواهي .
وهذا نقول بالنسبة للنواهي بخلاف باب الأوامر ، فوق بين باب الأوامر وباب النواهي .
فالذي ينهى عنه مبطلات الصلاة ومفطرات الصيام ومحظورات الحج .. إلخ .
فهذه لابد لها من هذه الشروط ، شرب الخمر وهو مكره أو جاهل أو ناسي أو مخطأ .
ودليل ذلك : قول الله عز وجل :" ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا "
وأيضاً قوله عز وجل :" إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان "
وأيضاً حديث أبي هريرة في الصحيحين :" إذا نسي أحدكم فأكل وشرب وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " قال : إذا نسي .
" ولا تبطل بيسير أكل أو شرب سهواً " لا تبطل الصلاة بيسير أكل أو شرب سهواً ، وهذا كما تقدم لنا أن المنهيات لابد لها من شروط ثلاثة : عالم بالحكم والحال ، ذاكر ، مختار لابد من هذه الشروط الثلاثة .
ويفهم من قوله بيسير : أنه لو كان كثيراً أنها تبطل .
لكن على القاعدة ، هل تبطل أو لا تبطل ؟
أنها لا تبطل لابد من هذه الشروط الثلاثة .
ولا نفل بيسير شرب ولو عمداً وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة في ركوع ونحوه وتشهد في قيام لم تبطل بعمده. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا نفل بيسير شرب ولو عمداً " إذا شرب في النافلة سهواً ، تبطل صلاته أو لا تبطل ؟
على القاعدة لا تبطل .
شرب في النافلة متعمداً ، هل تبطل صلاته أو لا تبطل ؟
المؤلف فصل قال : إن كان يسيراً في النافلة فإنه لا تبطل صلاته ، وهذا قد يحتاج إليه الإنسان يقوم من الليل ويطيل القيام ويطيل القراءة ، يقول إذا كان يسيراً هذا الشرب متعمداً لا تبطل صلاته .
واستدلوا على ذلك بأن هذا وارد عن ابن الزبير رضي الله تعالى عنه .
والرأي الثاني : أنها تبطل الصلاة ، وهذا القول هو الصواب .
فالصحيح : أنها تبطل الصلاة وأما الأثر الوارد عن ابن الزبير فهذا ضعيف .
(1/265)
" وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة في ركوع ونحوه وتشهد في قيام لم تبطل بعمده " تقدم أن تكلمنا عن الزيادة في الصلاة وذكرنا أن الزيادة في الصلاة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : زيادة أفعال ، وأن زيادة الأفعال أيضاً تنقسم إلى قسمين : أفعال من جنس الصلاة ،و أفعال من غير جنس الصلاة .
القسم الثاني من أقسام الزيادة : زيادة أقوال وأيضاً الأقوال تنقسم إلى قسمين :
" وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة ... إلخ .....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الأول : أقوال من جنس الصلاة .
القسم الثاني : أقوال من غير جنس الصلاة .
لما تكلم المؤلف رحمه الله عن زيادة الأفعال شرع الآن في بيان زيادة الأقوال قال :
" وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة ... إلخ .
زيادة الأقوال كما أشرنا تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أقوال مشروعة في الصلاة ، مثل التسبيح والتشهد والقراءة ... إلخ هذه أقوال مشروعة في الصلاة فإذا أتى بهذه الأقوال في غير موضعها فقد زادها مثلاً قرأ في الركوع المشروع في الركوع أن يسبح فقط والآن يعتبر زاد في الركوع قولاً أو قرأ في السجود وتشهد في القيام ... إلخ .
ما الحكم هنا ؟
الحكم هنا قال المؤلف رحمه الله : لم تبطل بعمده لأنه مشروع في الصلاة بالجملة فإن تشهد في القيام أو قرأ في الركوع أو قرأ في السجود أو تشهد في السجود يقول المؤلف رحمه الله : لم تبطل حتى وإن تعمد .
والعلة : لأنه مشروع في الصلاة بالجملة .وذهب بعض العلماء إلى أنه إن قرأ في الركوع أو السجود أن صلاته تبطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القراءة في الركوع والسجود وقال في حديث ابن عباس رضي الله
وندب السجود لسهوه وإن سلّم قبل إتمامها عمداً بطلت....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/266)
تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً " فهذا نهي عن القراءة في الركوع وفي السجود وهذه تبطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب أنها لا تبطل وهذا النهي نقول بأنه نهي عن القراءة لا لذات القراءة وإنما لموضع القراءة فهو نهي عنه لموضعه ، فإذا كان كذلك والقراءة مشروعة في الصلاة بالجملة نقول بأنه لا يقرأ في الركوع والسجود ولا يلزم من كونه فعل محرماً أن تبطل صلاته ، كما لو ا*..... * في الصيام فنقول لا يلزم من ذلك أن يبطل صيامه .
" وندب السجود لسهوه " يعني إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه يندب أن يسجد لسهوه ، فالتعمد لا يبطل الصلاة لكن لا يسجد له لأن سجود السهو إنما هو للسهو فقط ويندب أن يسجد لسهوه ولا يجب عليه ذلك .
" وإن سلّم قبل إتمامها عمداً بطلت " هذا أيضاً من زيادة الأقوال المشروعة لأن السلام قول مشروع في الصلاة ، فإذا سلّم قبل إتمام الصلاة نقول زاد سلاماً في الصلاة ، مثلاً لو سلّم من ركعتين وبقي عليه ركعتان في صلاة الظهر نقول هو الآن زاد سلاماً لأن السلام المشروع هو حتى الآن لم يأتي .
وإذا سلّم قبل إتمام الصلاة فلا يخلو من حالتين :
وسهواً وذكر قريباً أتمها وسجد........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الأولى : أن يكون ذلك عمداً ، فإذا كان ذلك عمداً فنقول بأن صلاته تبطل عليه ، لماذا ؟
لأنه تكلم قبل إتمام الصلاة ، وهذا السلام وإن كان مشروعاً في الجملة في الصلاة إلا أنه يعتبر في حكم الكلام لأنه في هذا الموضع غير مشروع ، والكلام من مبطلات الصلاة .
هذا إذا كان عمداً .
الحالة الثانية : أن يكون ذلك سهواً كما لو جلس للتشهد الأول ثم بعد ذلك سلم ، فنقول هنا يسجد للسهو يتم صلاته إذا تذكر قال المؤلف :
(1/267)
" وسهواً وذكر قريباً أتمها وسجد " يعني إذا سلّم سهواً نقول هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يذكر قريباً فنقول يتمّ صلاته ويسجد للسهو ، مثال ذلك : إنسان صلى الظهر وجلس في الركعتين الأوليين وسهى وسلّم ، فنقول إن ذكر قريباً لم يطل الفصل فإنه يأتي بالركعتين الأخريين ويسلّم ويسجد للسهو لأنه زاد في الصلاة .
وإن طال الفصل لم يذكر إلا بعد فاصل طويل عرفاً نقول يستأنف الصلاة من أولها ولا يبني .
ويدل لذلك حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه في قصة ذي اليدين وإن النبي صلى الله عليه وسلم سلّم قبل إتمام الصلاة .
وإن تكلم هنا أو في صلبها أو قهقة أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة ونحوه فبان حرفان بطلت.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلّم قبل إتمام الصلاة فقال له ذو اليدين : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة فقال :" لم أنسى ولم تقصر ، فقال : بل نسيت واستشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة فأشاروا عليه بأنه قد نسي فأكمل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وسجد للسهو .
فنقول إذا كان قريباً عرفاً فإنه يبني على صلاته ويسجد للسهو ، وإن كان بعيداً عرفاً فإنه يستأنف الصلاة من أولها .
" وإن تكلم هنا أو في صلبها أو قهقة أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة ونحوه فبان حرفان بطلت " يعني إذا تكلم الإنسان في الصلاة أو تكلم هنا يقول المؤلف رحمه الله تبطل وهذا شروع من المؤلف رحمه الله في القسم الثاني وقلنا زيادة الأقوال تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أقوال مشروعة في الصلاة كالتسبيح والتكبير والقراءة والتشهد .
والقسم لثاني : أقوال غير مشروعة في الصلاة .
وتبين لنا أن الأقوال المشروعة في الصلاة إذا تعمد لا تبطل وإذا كان سهواً يسجد للسهو ، هذه بالنسبة للأقوال التي تشرع في الصلاة .
(1/268)
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني : الأقوال التي لا تشرع في الصلاة ، وهذه ذكرها المؤلف رحمه الله ، مثل الكلام لو تكلم في صلب الصلاة قال أدخل أخرج نقول هذا قول لا يشرع في الصلاة جسه ليس مشروعاً في الصلاة فإذا زاده متعمداً تبطل صلاته ، ولهذا قال المؤلف : وإن تكلم هنا أو في صلبها إلى أن قال : بطلت ، فإذا تكلم هنا قوله هنا الإشارة إلى ما إذا سلم قبل إتمام الصلاة ثم تكلم كما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهما ، فإذا تكلم بعد أن سلم سهواً قبل إتمام الصلاة يقول المؤلف رحمه الله تبطل صلاته .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنها تبطل مطلقاً سواء تكلم في مصلحة الصلاة أو تكلم في غر مصلحة الصلاة وسواء كان متعمداً أو كان غير متعمد وسواء كان مأموماً أو كان غير مأموم ... إلخ .
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أن الصلاة تبطل مطلقاً .
وهذا فيه نظر .
والصواب : أنه إذا سلم سهواً ثم تكلم بعد السلام لمصلحة الصلاة كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام مع ذي اليدين أو لغير مصلحتها وهو يجهل أنه لا يزال في الصلاة أو يجهل الحكم الشرعي بأنه لا يجوز أن يتكلم ، فنقول الصواب : أن صلاته لا تبطل عليه .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/269)
فنقول الرأي الثاني : أنه إذا سلم سهواً قبل إتمام صلاته ثم تكلم فإن صلاته لا تبطل عليه إذا كان ذلك لمصلحة الصلاة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ذي اليدين ومع الصحابة تكلم النبي عليه الصلاة والسلام هذا لمصلحة الصلاة ، أو كان ذلك جهلاً أو سهواً تكلم وهو جاهل لا يدري أنه لا يزال في الصلاة أو بالحكم الشرعي لايعلم أنه إذا تكلم أن صلاته تبطل عليه فنقول لا تبطل صلاته والدليل على هذا ما ذكرنا في القاعدة السابقة وهي :
{أن المحظورات لا يترتب عليها حكما وأثرها إلا بثلاثة شروط:العلم، والذكر، والاختيار}
وكذلك أيضاً إذا تكلم في صلب الصلاة هوكلام المؤلف رحمه الله إذا تكلم في صلب الصلاة تبطل عليه صلاته سواء كان متعمداً أو جاهلاً أو ساهياً أو مكرهاً وسواء كان قليلاً أو كثيراً وسواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة وسواء كان إماماً أو مأموماً المهم أنه تكلم فصلاته تبطل عليه مطلقاً ولم يفصل .
والصواب هو الرأي الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام : أنه إذا كان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً أنه لا تبطل عليه صلاته ، ويدل لذلك حديث معاوية بن الحكم رضي الله تعالى عنه فإنه تكلم وهو يجهل تحريم الكلام لأن الكلام في أول الإسلام كان جائزاً في صلاة ثم بعد ذلك نسخ فقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث معاوية بن الحكم :"
أو قهقة أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة ونحوه فبان حرفان بطلت............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن صلاتك هذه لايصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن "
فمعاوية رضي الله تعالى عنه يظن أن الكلام لا يزال مباحاً فتكلم ومع ذلك لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ، فنقول إذا تكلم في صلب الصلاة سواء كان سهواً أو جلاً أو مكرهاً فنقول بأن صلاته صحيحة ولا شيء عليه .
(1/270)
وإذا تكلم في صلب الصلاة لضرورة مثلاً رأى ضريراً يريد أن يسقط في حفرة فتكلم لكي يحذره أو رأى إنساناً بقربه من ذوات السموم وتكلم لكي يحذره ، فكلام المؤلف رحمه الله أن صلاته تبطل عليه لأنه قال بطلت وهذا مطلقاً سواء تكلم لضرورة أو تكلم بغير ضرورة .
ودليله ما سبق من حديث معاوية بن الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن صلاتك هذه لايصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن" .
" أو قهقة أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة ونحوه فبان حرفان بطلت " أيضاً هذه الأشياء يعتبرها المؤلف رحمه الله من زيادة الأقوال التي ليست من جنس الصلاة فهذه يقول المؤلف رحمه الله : بأنها تبطل الصلاة ، يعني إذا فعلها عمداً يقول تبطل الصلاة .
قهقه فما هي القهقه ؟
أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القهقه هي رفع الصوت بالضحك ، فيقول المؤلف رحمه الله بأن الإنسان إذا قهقه رفع صوته بالضحك وبان منه هذا الصوت يقول بأن صلاته تبطل عليه لأن أولاً : حديث معاوية بن الحكم :" إن صلاتك هذه لايصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن " وهذه تلحق وإن كانت ليست كلاماً لكنها تلحق .
وثانياً : أن مثل هذه القهقه تنافي الخشوع في الصلاة وما يطلب في هيئة الصلاة وكيفيتها ، وعلى هذا نقول أن القهقه إذا قهقه الإنسان في صلاته نقول عليه أن يعيد الصلاة ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا تبسم في الصلاة أن صلاته صحيحة لا تبطل عليه وهذا ما عليه جماهير أهل العلم حمهم الله خلافاً لابن سيرين .
ابن سيرين يرى أن التبسم نوع من الضحك ويستدل بقول الله عز وجل :" فتبسم ضاحكاً من قولها "
والصواب في هذا : ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
(1/271)
" أو نفخ " إذا نفخ الإنسان فبان حرفان يقول المؤلف رحمه الله تبطل عليه صلاته .
" أو تنحنح بلا حاجة " ويؤخذ من كلامه أنه إذا كان تنحنحه بحاجة فإن هذا جائز لكن إذا تنحنح لغير حاجة فبان حرفان يرى المؤلف رحمه الله أن صلاته تبطل عليه وإذا كان لحاجة فإنه لا تبطل عليه صلاته ، واستدلوا على ذلك : بحديث علي قال : كان لي
ونحوه..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدخلان من رسل الله صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار فإذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح لي .
" ونحوه " كما لو رفع صوته بالبكاء من غير خشية الله عز وجل ، مثال ذلك : إنسان سمع أن قريباً له أصيب بمصيبة فغلبه البكاء وبكى ورفع صوته وظهر له صوت في البكاء يقول المؤلف رحمه الله : تبطل عليه صلاته .
فالمؤلف رحمه الله يرى أن النفخ والتنحنح من غير حاجة وكذلك أيضاً لو رفع صوته بالبكاء ونحوه وبان حرفان أنه تبطل عليه صلاته هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقول أبي يوسف من الحنفية أن هذه الأشياء لا تبطل الصلاة لأن الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام الكلام وهذه ليست كلاماً هذا وإن كان يدل على المعنى بالطبع لكنه ليس كلاماً بالوضع مثل ما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، الذي يبطل هو الذي يكون كلاماً بالوضع وسواء أفاد بنفسه أو أفاد بغيره فهذا الذي يكون كلاماً بالوضع أما الذي يدل على معنى بالطبع لا بالوضع ويدل على أحوال المصوتين وهيئاتهم ... إلخ فهذا لا يبطل الصلاة لأن الذي دل على البطلان هو الكلام وهذا ليس كلاماً بالوضع وإنما يدل على معنى بالطبع ، وهذا القول هو الصواب .
وأيضاً يؤيده أن الأصل صحة الصلاة فلابد من قيام دليل على بطلانها .
(1/272)
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو الصواب في هذه المسألة ، وعلى هذا نقول أن وكذلك أيضاً النحنحة سواء بحاجة أو بغير حاجة وأيضاً رفع الصوت بالبكاء سواء كان من خشية الله أو من غير خشية الله كما لو أصيب بمصيبة ، فهذه كلها لا تبطل الصلاة وكذلك أيضاً لو غلبه سعال أو غلبه عطاس أو غلبه تثاؤب ... إلخ فهذه أيضاً لا تبطل ولو بان حرفان .
وإن ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة بطلت...................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
" وإن ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة بطلت " لما تكلم المؤلف رحمه الله على السبب الأول من أسباب سجود السهو وهو الزيادة وتبن لنا أن الزيادة تنقسم إلى قسمين : زيادة أفعال وزيادة أقوال ، الأفعال تنقسم أيضاً إلى قسمين : أفعال من جنس الصلاة وأفعال من غير جنس الصلاة تبين لنا حكمها .
أيضاً الأقوال تنقسم إلى قسمين : أقوال من جنس الصلاة وأقوال من غير جنس الصلاة .
الآن أنهى المؤلف الكلام على الزيادة وشرع في القسم الثاني وهو الكلام على النقص .
و سيشرع في السبب الثالث من أسباب سجود السهو وهو الشك .
النقص ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : نقص الأركان .
القسم الثاني : نقص الواجبات .
القسم الثالث : نقص المستحبات .
بدأ المؤلف رحمه الله بنقص الأركان لأنه أهم أنواع النقص ، فقال :
وإن ترك ركناً وذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت المتروك ركنها وقبله يعود فيأتي به وبما بعده...........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/273)
" وإن ترك ركناً وذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت المتروك ركنها " يعني بطلت الركعة التي ترك منها الركن وقام في الركعة التي تليها مقامها .
" وقبله يعود فيأتي به وبما بعده " قالك إذا ترك ركناً نقص ركناً ماهو الحكم هنا ؟
الحكم أن الأمر معلق بالقراءة فإذا ترك ركناً ننظر إن ذكره قبل أن يشرع في قراءة الركعة التي تلي الركعة التي ترك منها الركن فإنه يرجع إليه ويأتي به وبما بعده لكي يحصل الترتيب .
وإن ذكره بعد أن شرع في قراءة الركعة التي تلي الركعة التي ترك منها الركن فإنه تبطل ركعته وتقوم الركعة التي تليها مقامها ، هذا المذهب .
المذهب : أن الأمر معلق بالقراءة إن ذكر قبل القراءة يرجع ويأتي به وبما بعده ، وإن ذكر بعد أن شرع في القراءة تبطل الركعة التي ترك منها وتقوم التي تليها مقامها ، هذا هو المشهور من المذهب .
نضرب مثالاً نفرض أن مصلياً نسي الركوع هوى مباشرة إلى السجود ونسي أن يركع بعد أن انتهى من القراءة ، ثم ذكر وهو في الجلسة بين السجدتين ، فنقول : ارجع وقم واركع وارفع وواصل الصلاة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو ذكر بعد أن شرع في قراءة الركعة التي تلي الركعة التي ترك منها ، فنقول : امضي في صلاتك واجعل هذه الركعة التي أنت فيها الآن تقوم مقام الركعة التي ترك منها الركن .
ولو ذكر بعد أن استتمّ قائماً وقبل أن يشرع في القراءة ، نقول : ارجع .
مادام أنه لم يشرع في القراءة يرجع .
وإنما علقوا الأمر في القراءة قالوا : إن القراءة ركن مقصود بنفسه .
وإن هذا غير مسلّم كل الأركان مقصودة بنفسها فلماذا نعلق بالقراءة ونترك القيام ... إلخ .
الصحيح أن هذه الأركان كلها مقصودة بنفسها ، فهذا فيه نظر .
(1/274)
الرأي الثاني في المسألة : وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله أنه إذا ترك ركناً فذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة التي تليها فإنه يرجع ، وإن ذكره بعد أن وصل إلى موضعه من الركعة التي تليها فإنه لا يرجع وتقوم التي تليها مقام التي قبلها .
مثال ذلك : كما قلنا في المثال السابق ترك ركن الركوع ، فنقول إن ذكر قبل أن يصله يرجع .
ولنفرض أنه هوى من القيام إلى السجود مباشرة وذكر في أثناء السجود أو في أثناء الجلسة من السجدتين ، نقول : ارجع وأتي بما تركت من الركوع ثم بعد ذلك أتمّ الصلاة ، يعني يأتي بالركن المتروك وبما بعده لكي يحصل الترتيب .
وبعد السلام فكترك ركعة................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طيب إنسان ترك الركوع وسجد ورفع وسجد ثم بعد ذلك قام فوصل إلى الركن المتروك وهو الركوع ، نقول إن تفت التي تركت منها الركن وقامت التي تليها مقامها .
وهذا القول هو الصواب .
وسيأتينا أن موضع السجود في هذه الحالة يكون بعد السلام لأنه زاد في الصلاة .
وإنما قلنا هذا هو الصواب لأن الأصل هو صحة الصلاة وصحة الركعة ، ومادام أنه يمكنه أن يرجع وأن يأتي بالركن المتروك نقول : يرجع .
أما إذا وصل إلى محله ما فيه فائدة أنه يرجع فنقول واصل .
وقال : يأتي بعده وبما بعده ، لأن الركن لا يسقط بالسهو ، ويأتي به وبما بعده أيضاً قلنا مراعاة للترتيب لأن ما جاء به بعد الركن هذا وقع في غير محله ، لأنه إذا ترك الركوع وأتى بالسجود والجلسة والسجود ، السجود هنا هل هو في محله أو ليس في محله ؟
ليس في محله وإن السجود يكون بعد الركوع ، والركوع حتى الآن لم يأتي به .
" وبعد السلام فكترك ركعة " يعني إذا ترك ركناً وذكره بعد السلام ، وعلى هذا نقول ترك الركن ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يتركه ويذكره في أثناء الصلاة ، فهذا حكمه كما تقدم الكلام فيه .
(1/275)
القسم الثاني : أن يذكر الركن المتروك بعد السلام بعد أن انتهى من الصلاة تذكر أنه ترك ركناً فنقول إذا تذكر بعد الصلاة هذا لا يخلو من أمرين :
وإن نسي التشهد الأول لزمه أن يرجع قبل أن يستتمّ قائماً وكره بعده وحرم إن شرع في القراءة وبطلت ويرجع لتسبيح ركوع وسجود قبل اعتدال............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول : أن يكون المتروك في غير الركعة الأخيرة ، فنقول هذا كترك ركعة يأتي بركعة فإذا فرضنا أنه في الأولى الثانية قامت مقام الأولى ثم بعد ذلك بقي عليه ركعة .
الأمر الثاني : أن يكون في الركعة الأخيرة فهنا لا نقول يأتي بركعة وإنما نقول يأتي به وبما بعده مالم يطل الفصل وإن طال الفصل فإنه يستأنف ، في الموضعين إن طال الفصل فإنه يستأنف .
مثال ذلك : إنسان نسي التشهد أو نسي الركوع ثم سلّم ثم تذكر فنقول : ارجع وأتي بالركوع وما بعده لكي يحصل الترتيب ولأن ما صار بعده هذا في غير موضعه ويسجد للسهو بعد السلام هذا إذا لم يطل الفصل في الأمرين لكن إذا طال الفصل يستأنف الصلاة من أولها .
" وإن نسي التشهد الأول لزمه أن يرجع قبل أن يستتمّ قائماً وكره بعده وحرم إن شرع في القراءة وبطلت ويرجع لتسبيح ركوع وسجود قبل اعتدال " هنا شرع المؤلف رحمه
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله في نقص الواجبات لما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى نقص الأركان شرع في بيان نقص الواجبات.
والمشهور من المذهب أنهم يفرقون بين نقص التشهد الأول وبين نقص بقية الواجبات هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
والصواب في هذه المسألة : أنه لا فرق وأن نقص الواجبات ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
(1/276)
القسم الأول : أن يذكره قبل أن يفارق موضعه ، فنقول هذا يأتي به ولا شيء عليه .
مثال ذلك : إنسان سجد ونسي أن يقول سبحان ربي الأعلى ثم تذكر قبل أن يفارق موضع السجود ، نقول يأتي به ولا شيء عليه .
إنسان ركع ونسي أن يقول سبحان ربي العظيم ، فنقول يأتي به ولا شيء عليه ، هذا القسم الأول .
القسم الثاني : أن يذكره بعد أن فارق موضعه وقبل أن يتلبس بالركن الذي يليه ، فنقول ارجع وأتي به .
ويسجد للسهو هنا متى ؟
بعد السلام لأنه زاد على الصحيح كما سيأتينا إن شاء الله .
وإن نسي التشهد الأول لزمه أن يرجع قبل أن يستتمّ قائماً وكره بعده....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنسان سجد ونسي أن يقول سبحان ربي الأعلى ثم نهض لكنه حتى الآن لم يصل إلى الركن الذي يليه وهو الجلسة بين السجدتين أو التشهد الأول ، فنقول ارجع وأتي بالتسبيح وتسجد للسهو .
القسم الثالث : أن يذكره بعد أن تلبس بالركن الذي يليه .
إنسان نسي التسبيح واستتمّ جالساً ، نقول لا ترجع وتسجد للسهو ويكون سجوده قبل السلام لأنه نقص .
هذه هي القاعدة في نقص الواجبات أما المذهب فكما أسلفت يفرقون بين التشهد الأول وبين بقية الواجبات فعندهم القاعدة كما تقدم إلا في التشهد الأول لهم تفصيل ذكره المؤلف فقال :
" وإن نسي التشهد الأول لزمه أن يرجع قبل أن يستتمّ قائماً " هذا القسم الأول .
القسم الأول : إذا ما استتم قائماً فيجب عليه أن يرجع كما قلنا قبل أن يتلبس بالركن الذي يليه يجب عليه أن يرجع .
" وكره بعده " هذا القسم الثاني : أن يستتم قائماً يكره .
وحرم إن شرع في القراءة وبطلت ويرجع لتسبيح ركوع وسجود قبل اعتدال لا بعده وعليه السجود للكل..........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/277)
" وحرم إن شرع في القراءة وبطلت " يحرم إن شرع في القراءة وبطلت فعندهم الأقسام ثلاثة :
القسم الأول : أن يذكره قبل أن يستتم قائماً ، فهنا يجب أن يرجع ويسجد للسهو بعد السلام لأنه زاد .
القسم الثاني : أن يذكره بعد أن استتم قائماً ، يكره أن يرجع ولو رجع يسجد بعد السلام لأنه زاد وإن لم يرجع يسجد قبل السلام لأنه نقص .
القسم الثالث : أن يذكره بعد أن شرع في القراءة فإنه يحرم .
لماذا يقيدون بالقراءة ؟
كما قلنا يقولون لأن القراءة ركن مقصود بذاته .
نضيف القسم الرابع : أن يذكره قبل أن يفارق محله ، فهذا يأتي به ولا شيء عليه .
والصحيح كما ذكرنا أنه لا فرق بين التشهد الأول وبين بقية الواجبات ، والقاعدة كما سلفت .
" ويرجع لتسبيح ركوع وسجود قبل اعتدال لا بعده وعليه السجود للكل " كما سيأتي.
وذكرنا أن النقص ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : نقص الأركان وتقدم .
ومن شك في ركن أو عدد الركعات بنى على اليقين.........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقسم الثاني : نقص الواجبات .
والقسم الثالث : نقص المستحبات .
كما لو نقص الاستفتاح أو نقص البسملة نقص مستحب من مستحبات الصلاة فما حكم صلاته ؟
نقول صلاته لا تبطل لا بالعمد ولا بالسهو لكن هل يشرع السجود للسهو ؟
إذا كان متعمداً فلا سجود لكن لو سها هل يشرع السجود للسهو أو نقول بأن السجود لا يشرع للسهو ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله وتكلمنا عليه وذكرنا الخلاف فيه .
"ومن شك في ركن أو عدد الركعات بنى على اليقين " هنا شرع المؤلف رحمه الله في السبب الثالث من أسباب سجود السهو وهو الشك ، والشك هو التردد بين أمرين أيهما وقع ، فيقول المؤلف رحمه الله : إذا شك في ركن أو عدد الركعات بنى على اليقين مثلاً : شك في ركن الركوع هل ركع أو لم يركع ؟
يقول المؤلف رحمه الله : يبني على اليقين ، واليقين أنه لم يأتي به ، لم يركع .
(1/278)
أو عدد الركعات شك هل صلى ثنتين أو ثلاثاً فإنه يجعلها ثنتين هذا اليقين ، أو شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فإنه يجعلها ثلاثاً وعلى هذا فقس .
فليتحرى الصواب ثم ليبني عليه.......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه قاعدة في المذهب قاعدة الجملة { أنهم عند الشك يقولون يبنى على اليقين } سواء كان في الصلاة أو في غيرها مثلاً في الطواف شك في أشواط الطواف هل طاف ثلاثاً أو أربعة ؟
المذهب أنه يجعلها ثلاث .
شك هل رمى خمس حصيات أو ستة ؟ فإنه يجعلها خمسة وعلى هذا فقس .
وهذه كما أسلفنا قاعدة في المذهب في الجملة .
والرأي الثاني : التفريق بينما إذا غلب على ظنه شيء يعني ترجح له شيء أو لم يترجح له شيء وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وعلى هذا فالشك ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يترجح له شيء فيأخذ بالراجح لما غلب على ظنه فمثلاً لو شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً وترجح له أنه صلى ثلاثاً ، نقول يجعلها ثلاثاً ، ترجح له أنه صلى أربعاً ، نقول يجعلها أربعاً يعمل بالراجح سواء كان القليل أو الكثير .
ودليل ذلك : حديث ابن مسعود في البخاري وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام :"فليتحرى الصواب ثم ليبني عليه " فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"فليتحرى الصواب ثم ليبني عليه " .
ولا يسجد لشك في واجب.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني : أن لا يترجح له شيء فهنا يأخذ بالأقل اليقين ، فإذا شك مثلاً هل صلى ثلاثاً أو أربعاً ولم يترجح له شيء الأمر عنده مستوي فنقول يجعلها ثلاثاً ، أو شك هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة والأمر عنده مستوي فنقول يجعلها ثلاثاً وعلى هذا فقس .
(1/279)
ودليل ذلك حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا شك أحدكم في صلاته ولم يدري كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبني على ما استيقن "
فقال : فليطرح الشك وليبني على ما استيقن .
وهذا القول ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية كما ذكرنا هو الراجح لأن فيه إعمالاً لجميع الأدلة .
" ولا يسجد لشك في واجب " يعني إذا شك في واجب من الواجبات هل فعله أو لا ، يقول المؤلف رحمه الله : بأنه لا يسجد .
فمثلاً شك في تسبيحة الركوع هل قال سبحان ربي العظيم في ركوعه أو لم يقل ؟
يقول المؤلف رحمه الله بأنه لا يسجد .
وهذا هو المشهور من المذهب وعللوه قالوا بأنه شك في سبب السجود والأصل عدم السجود .
ولا مأموم إلا تبعاً لإمامه ويسجد مسبوق لسهوه..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والوجه الثاني من المذهب وإليه ذهب صاحب الشرح الكبير وأيضاً قدمه في المحرر أنه يسجد إذا شك في ترك الواجب أولاً : لأن الأصل عدم هذا الواجب وأنه لم يأتي به .
وثانياً : لأنه شك في الصلاة والشك من أسباب سجود السهو .
وهذا القول هو الأقرب .
الصحيح : أنه يسجد .
" ولا مأموم إلا تبعاً لإمامه " يقول المؤلف رحمه الله بأن المأموم لا يسجد إلا تبعاً لإمامه وعلى هذا لو سها المأموم نقص أو زاد أو شك هل ينفرد بالسجود عن الإمام ؟
نقول لا ينفرد بالسجود عن الإمام ويتحمله عنه الإمام ، فمثلاً لو أن المأموم ركع مع الإمام ولم يقل سبحان ربي العظيم ، نقول لا يسجد ، لو أنه سها جلس الإمام للتشهد الأول والمأموم قام أو أنه قام إلى الثانية والمأموم جلس هنا زاد ، نقول لا يسجد لأن المؤلف رحمه الله تعالى قال : إلا تبعاً لإمامه .
(1/280)
" ويسجد مسبوق لسهوه " يعني ما ذكره المؤلف رحمه الله يستثنى منه بعض الصور كما سننبه على ذلك قال المؤلف : ويسجد مسبوق لسهوه ، يعني المسبوق الذي فاته شيء من ركعات الصلاة فإذا سها فإنه يسجد ، وعلى هذا نقول بأن المأموم ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : مأموم لم يسبق بشيء من الصلاة ، فهذا لا يسجد والإمام يتحمل عنه سهوه.
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن يستثنى من ذلك بعض العلماء قال : أنه إذا سها الإمام والمأموم يرى وجوب سجود السهو ولم يسجد الإمام فإنه يسجد ، وعندنا المأموم لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون غير مسبوق فهذا سهوه يتحمله الإمام ولا يسجد لكن استثنى بعض العلماء ما إذا سها الإمام ولم يسجد والمأموم يرى سجود السهو فإنه يسجد بعد السلام .
الحالة الثانية : أن يكون المأموم مسبوقاً فنقول هذا يسجد في مواضع :
الموضع الأول : فيما سها فيه المأموم سواء كان سهوه مع الإمام أو سهوه فيما انفرد به .
مثال سهوه مع الإمام : مأموم فاتته الركعة الأولى وأدرك الإمام في الركعة الثانية ودخل معه ونسي التسبيح في الركوع هنا سها فيما أدرك به الإمام .
مثال فيما انفرد به قام هذا المأموم يقضي الركعة التي عليه ثم سها فيها فنسي تسبيحة السجود ، فنقول هذا يسجد للسهو .
فنقول الموضع الأول : يسجد المأموم المسبوق لسهوه فيما أدرك به الإمام أو فيما انفرد به.
الموضع الثاني : أن يكون سجود الإمام بعد السلام فهنا المأموم لا يتابع الإمام لأن الإمام سيسلم وحتى الآن لم تنتهي صلاته ، فنقول لا يتابع الإمام وإنما يقوم ويقضي الذي عليه
وسجود السهو لما يبطلها عمده واجب.................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/281)
وإن كان أدرك السهو مع الإمام فإنه يسجد وإن كان لم يدرك السهو مع الإمام فإنه لا يسجد وإن شك لم يتبين له الأمر نقول يسجد احتياطاً .
الموضع الثالث : إذا سها الإمام ولم يسجد والمأموم يرى سجود السهو فإنه يسجد .
" وسجود السهو لما يبطلها عمده واجب " هنا بين المؤلف رحمه الله تعالى حكم سجود السهو هل هو واجب أو مستحب ؟
فأفاد المؤلف رحمه الله أن في ذلك تفصيلاً وهو :
أنه إذا كان عمده هذا السهو إذا كان عمده يبطل الصلاة فهو واجب وإن كان لا يبطل الصلاة عمده فهو مستحب .
ومثاله : عمده يبطل الصلاة مثلاً ترك قول سبحان ربي العظيم وقول سبحان ربي العظيم على المذهب واجب وترك الواجب عمداً يبطل الصلاة فسهوه هنا يوجب السجود .
زاد ركوعاً ثانياً عمده يبطل الصلاة فسهوه يوجب السجود وعلى هذا فقس .
قام بعد الركعة الثانية نقول عمده يبطل الصلاة فسهوه يوجب السجود .
وإن لم يكن عمده يبطل الصلاة فسهوه لا يوجب السجود لكن قد يشرع ، مثلاً ترك الاستفتاح هذا عمده لا يبطل الصلاة لكن كما تقدم لنا هل يسجد لترك السنة أو لا يسجد لتر السنة ... إلخ ؟
تقدم الكلام على ذلك .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول القاعدة متى يجب سجود السهو ومتى لا يجب ؟
نقول يجب إذا كان هذا السهو عمده يبطل الصلاة فيجب السجود وإذا كان عمده لا يبطل الصلاة فلا يجب السجود وقد يشرع وقد لا يشرع .
والرأي الثاني في المسألة : أن سجود السهو كله سنة وأن ليس هناك ما هو واجب وهذا فيه نظر .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى لأمر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالسجود قال :" إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين " وهذا الأمر يقتضي الوجوب .
(1/282)
فالصواب : أن الأمر يقتضي الوجوب لكنه يجب إذا كان عمده يبطل الصلاة ولا يجب إذا كان عمده لا يبطل الصلاة .
وأما القول بأنه سنة مطلقاً فهذا فيه نظر .
أولاً : لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كما تقدم " إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين
وثانياً : مراغمة الشيطان لأن هذا السهو إنما هو من الشيطان ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد :" وإن كان صلى تماماً كان ترغيماً للشيطان " .
وثالثاً : المعنى يقتضي ذلك وإنه إذا نقص كان هذا السجود جبراً لهذا النقص الذي حصل في الصلاة .
ومحله قبل سلام ندباً إلا إذا سلّم قبل إتمامها فبعده.......................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصواب : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب .
" ومحله قبل سلام ندباً إلا إذا سلّم قبل إتمامها فبعده " يقول المؤلف رحمه الله محل السجود لما ذكر حكم السجود أراد أن يبين محله هل هو قبل السلام أو بعد السلام ؟
هذا موضع خلاف بين الأئمة رحمهم الله فالمشهور من المذهب أن الأمر ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الجواز والإباحة فيقولون يجوز مطلقاً قبل السلام وبعد السلام لست مقيد إذا حصل لك سهو في زيادة أو نقصان أو شك يجوز لك أن تسجد قبل السلام ويجوز لك أن تسجد بعد السلام هذا فيما يتعلق بالجواز والإباحة .
القسم الثاني: ما يتعلق بالأفضلية والندب قالوا الأفضل أن يسجد قبل السلام إلا في موضعين:
الموضع الأول : قال المؤلف رحمه الله : إلا إذا سلّم قبل إتمامها كما في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم قبل إتمام الصلاة سلّم من ركعتين وسجد بعد السلام فقالوا هنا يسجد بعد السلام .
الموضع الثاني : إذا قيل بالتحري لأن المذهب يقولون عند الشك هل يقولون بالتحري أو باليقين ؟
............................................................................................................
(1/283)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باليقين فعلى القول بالتحري لأن هناك في المذهب قول بالتحري ، فإذا قيل بالتحري وغلب على ظنه فإنه يسجد بعد السلام .
فأصبح عندنا القسم الثاني ما يتعلق بالندب والأفضلية كله قبل السلام إلا في موضعين :
الموضع الأول : إذا سلم قبل إتمامها .
الموضع الثاني : إذا بنى على غالب ظنه وقيل بالتحري فإنه يسجد بعد السلام .
هذا هو المشهور من المذهب .
الرأي الثاني في المسألة : رأي الإمام مالك رحمه الله التفصيل قال :
إن كان لنقص قبل السلام وإن كان لزيادة فبعد السلام .
والرأي الثالث : رأي أبي حنيفة وأن السجود كله قبل السلام .
والرأي الرابع : عند الشافعي أن السجود كله بعد السلام .
والرأي الخامس : ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله التفصيل : وأن السجود تارة يجب قبل السلام وتارة يجب بعد السلام ، فيجب قبل السلام في موضعين :
الموضع الأول : إذا كان عن نقص ، مثلاً نقص التشهد الأول قام نقص تسبيح الركوع تسبيح السجود .
الموضع الثاني : إذا شك ولم يترجح له شيء وبنى على اليقين فإنه يسجد قبل السلام .
هاذان الموضعان يسجد فيهما قبل السلام .
وتبطل بتعمد ترك ما أفضليته قبل سلام.........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني : السجود بعد السلام وأيضاً هذا في موضعين :
الموضع الأول : إذا كان عن زيادة ، فإذا كان عن زيادة فإنه يسجد بعد السلام .
الموضع الثاني : إذا شك وترجح له شيء فإنه يسجد بعد السلام .
(1/284)
وفي هذا تجتمع الأدلة ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يجمع الأدلة حديث ابن مسعود وحديث أبو هريرة وحديث عبد الله بن محيلة وغير ذلك من الأحاديث الواردة ، وهذا أحوط وأقرب وأيضاً المعنى يؤيد ذلك لأنه إذا كان عن زيادة وجعل السجود بعد السلام فالمعنى لكي لا يجتمع في الصلاة زيادتان ولو قلنا يسجد قبل السلام اجتمع في الصلاة زيادتان فالسجود هو الزيادة لكن إذا كان بعد السلام لم يجتمع في الصلاة زيادتان .
وإذا كان عن نقص أيضاً المعنى أن يكون السجود قبل السلام جبر لهذا النقص الذي حصل .
" وتبطل بتعمد ترك ما أفضليته قبل سلام " يقول المؤلف رحمه الله : تبطل بتعمد ترك ما أفضليته قبل سلام ، هذا بناء على المذهب ، فعلى المذهب ما هو الذي أفضليته قبل السلام ؟
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل الصور إلا في موضع إذا سلم قبل إتمام الصلاة فهذا يكون الأفضل بعد السلام ، فالسجود الذي تكون أفضليته قبل السلام إذا تعمد تركه بطل وإذا لم يتعمد تركه فإنه لا يبطل .
ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله : إذا كان أفضليته بعد السلام وهو على المذهب إذا سلم قبل إتمام الصلاة الأفضل أن يسجد بعد السلام ولو تركه ولم يسجد فإن صلاته لا تبطل عليه .
وعلى هذا نقول بالنسبة لبطلان الصلاة بترك السجود نقول بأن هذا ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : السجود الذي محله قبل السلام فهذا تبطل الصلاة بتركه عمداً ، إذا تركه عامداً عالماً بطلت صلاته .
القسم الثاني : السجود الذي محله بعد السلام فهذا لا تبطل الصلاة بتركه لكن يأثم .
والفرق بين السجودين الذي قبل السلام هذا واجب في الصلاة والذي بعد السلام هذا واجب للصلاة ، وفرق بين الواجب في الصلاة والواجب للصلاة .
الواجب في الصلاة : هذا يبطل مثل الواجبات .
(1/285)
الواجب للصلاة : هذا لا يبطل مثل الجماعة ، صلاة الجماعة هذا واجبة للصلاة لاتبطل ومثل الأذان واجب للصلاة وليس واجباً في الصلاة فنقول لا يبطل .
السجود الذي بعد السلام هذا يلحق بالجماعة ويلحق بالأذان ... إلخ .
وإن نسيه وسلم قضاه بعده إن قرب زمنه ومن سها مراراً كفاه سجدتان...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول هذا لا يبطل والذي في جوف الصلاة نقول بأنه يبطل .
إذا ترك السجود سهواً فنقول هذا يسجد إذا قرب زمنه ، ولنفرض أن شخصاً يصلي ونسي قول سبحان ربي العظيم هنا يسجد قبل السلام فإن نسي نقول يسجد ولو بعد السلام بشرط أن يكون الزمن قريباً فإن كان الزمن بعيداً لا يسجد يبطل السجود يسقط هذا السجود وصلاته تكون صحيحة .
مثله أيضاً لو نسي السجود الذي بعد السلام فنقول إذا قرب الزمن يأتي به وإن بعد الزمن فإنه يسقط .
" وإن نسيه وسلم قضاه بعده إن قرب زمنه " لكن إن طال الفصل يسقط .
" ومن سها مراراً كفاه سجدتان " إذا سها مراراً ولنفرض أن هذا الشخص نقص واجباً وزاد ركعة وزاد جلوساً وحصل له شك فحصل عنده السهو مراراً فنقول هنا يكفيه سجدتان .
إن اجتمع عنده سجود محله قبل السلام وسجود محله بعد السلام فأيهما يقدم ؟
نقول يقدم السجود الذي قبل السلام ، يسجد قبل السلام .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقي مسألة أخيرة تتعلق بسجود السهو : إذا شك الإنسان ثم زال هذا الشك ولنفرض أن هذا الإنسان شك ثم بعد ذلك بنى على هذا بظنه ثم زال الشك وتيقن ، هل يسجد أو نقول لا تسجد ؟
(1/286)
مثال ذلك إنسان شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً وغلب على ظنه أنها ثلاث وجعلها على ثلاث ثم أتى بالرابعة ثم تيقن أنها صحيحة صلاته زال الشك الآن كان أول متردد وأتى بالرابعة ثم الآن زال الشك ، هل نقول يسجد أو لا يسجد ؟
هذا موضع خلاف المشهور من المذهب أنه لا يسجد مادام أنه تيقن زال السبب .
والرأي الثاني : أنه يسجد حتى ولو زال السبب ترغيماً للشيطان ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :" وإن كان صلى تماماً فترغيماً للشيطان "
وترغيم الشيطان مطلوب ولأنه أدى جزاء من صلاته وعنده تردد .
وهذا القول هو الأقرب .
آكدها كسوف.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة التطوع
وأوقات النهي
التطوع في اللغة : فعل الطاعة .
وأما في الاصطلاح : فهو فعل طاعة غير واجبة ، وهذا هو الجابر الثالث من جوابر الصلاة .
تقدم أن الصلاة لها جوابر : الذكر وسجود السهو والثالث صلاة التطوع .
صلاة التطوع هذه من رحمة الله عز وجل شرعية مثل هذه التطوعات لأن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ومن المعلوم أن الصلاة يعتريها كثير من السهو والنقص والغفلة فشرع ما يجبر ويرفع هذا الخلل الذي يكون في الصلاة .
فنقول بأن مشروعية صلاة التطوع هذا من رحمة الله عز وجل ونعمته علينا ولولم تشرع لكان فعلها بدعة لأن العبادات مبناها على التوقيف .
" آكدها كسوف " نقول آكد ما يتطوع به من الصلوات صلاة الكسوف هذه آكدها وإنما تأكدت صلاة الكسوف لما سيأتي أن بعض أهل العلم يرى أنها واجبة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فزعاً يجر ردائه لما كسفت الشمس ... إلخ .
فاستسقاء فتراويح فوتر..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" فاستسقاء " الاستسقاء هذه في المرتبة الثانية .
(1/287)
المرتبة الثانية : صلاة الاستسقاء وذلك لأن الاستسقاء لدفع ضرر وصلاة حاجة فتتأكد وتكون بعد الكسوف .
" فتراويح " هذه المرتبة الثالثة : التراويح وإنما تأتي في المرتبة الثالثة لأنه تشرع لها الجماعة ." فوتر " هذه المرتبة الرابعة : الوتر لأنه تسن له الجماعة بعد التراويح ولأن بعض أهل العلم كأبي حنيفة كما سيأتينا إن شاء الله يرى أنه واجب ، وشيخ الإسلام قال : بأنه واجب على من يقوم الليل ... إلخ .
وبعد ذلك المرتبة الخامسة : السنن الرواتب وسيأتينا إن شاء الله .
وهذا هو المذهب أنهم يرتبون الأفضلية بالنسبة لصلاة التطوع وتقدم أن ذكرنا دليلهم .
والرأي الثاني : أن آكدها صلاة الكسوف ، فصلاة الكسوف هي آكدها ، وهذا إذا قلنا بأنها تطوع وسيأتينا إن شاء الله الخلاف في هذه المسألة ، هل هي تطوع أو ليست تطوع .. إلخ .
ثم بعد ذلك : صلاة الوتر ، فالوتر آكد من صلاة التراويح وصلاة الاستسقاء لأن الوتر هناك من قال بوجوبه وداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر .
ثم بعد ذلك صلاة الاستسقاء لأنها لحاجة ودفع مضرة .
ثم بعد ذلك التراويح لأنها تشرع لها الجماعة ولأنها أيضاً عنوان أهل السنة .
فوتر ووقته بعد صلاة العشاء............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم بعد ذلك السنن الرواتب .
فيكون التقديم حسب ما دل الدليل على تأكده .
(1/288)
" فوتر ووقته بعد صلاة العشاء " يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله قوله فوتر أن الوتر سنة وليس واجباً ، وهذا عند جمهور أهل العلم رحمهم الله ، ودليلهم على ذلك حديث طلحة بن عبيد الله في قصة الرجل الذي جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شرائع الإسلام وسأله عن الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" خمس صلوات في اليوم والليلة " قال : هل علي غيرها ؟ قال :" لا إلا أن تتطوع " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة . وهذا في الصحيحين .
وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في بعث معاذ إلى اليمن قال النبي صلى الله عليه وسلم :" فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله أفترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة " وهذا في الصحيحين ، فدل على أن الواجب خمس صلوات في اليوم والليلة
ولو قلنا بأن الوتر واجب للزم أن تكون الصلوات الواجبة في اليوم والليلة ستة .
وقال علي رضي الله تعالى عنه : الوتر ليس بحتمه كهيئة المكتوبة ، ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعند أبي حنيفة رحمه الله : أن الوتر واجب ويستدل بحديث : الوتر حق ، وحديث " من لم يوتر فليس منا " وحديث " إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن "
ووقته بعد صلاة العشاء......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه الأحاديث تدل على تأكد الاستحباب ووجود الصارم في دليل الرأي الأول .
وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن الوتر واجب على من يقوم الليل ، فإذا قام الليل فإنه يوتر لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم صلاته بالوتر .
قال النبي عليه الصلاة والسلام :" صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما صلى "
وقال :" أوتروا قبل أن تصبحوا "
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يختم صلاته بالوتر .
(1/289)
وأيضاً الحديث السابق " إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن "
يدل على أنه من خصال القائمين بالليل قال : يا أهل القرآن .
وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة كانوا يتهجدون بالقرآن في الليل .
وأقرب الأقوال في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أ'هل العلم رحمهم الله وأن الوتر سنة لكن ينبغي للمسلم أن يحافظ عليه ، أولاً : لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به .
وثانياً : أن النبي عليه الصلاة والسلام حافظ عليه .
وثالثاً : أن النبي عليه الصلاة والسلام قضاه كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى الوتر بعدما أصبح .
" ووقته بعد صلاة العشاء " يقول المؤلف رحمه الله : ووقته والوتر له ثلاثة أوقات :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقت الأول : وقت الأداء .
والوقت الثاني : وقت الاستحباب .
والوقت الثالث : وقت القضاء .
فله هذه الأوقات الثلاثة .
فالوقت الأول : وقت الأداء متى يبدأ ؟
قال : من بعد صلاة العشاء ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يوتر بعد صلاة العشاء سواء صلاها في وقتها أو صلاها مجموعة مع المغرب جمع تقديم .
فلو فرض أن هناك مطر وجمع الناس جمع تقديم صلوا المغرب وصلوا العشاء ، فعلى كلام المؤلف أن الوتر قد دخل ، وكذلك أيضاً لو أنه مسافر وصلى جمع تقديم صلى المغرب وكذلك وصلى العشاء فعلى كلام المؤلف رحمه الله أنه يوتر وهذا هو المذهب ومذهب الإمام الشافعي رحمه الله : أن وقت الوتر معلق بصلاة العشاء سواء فعلت في وقتها أو فعلت في وقت المغرب تقديماً .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله ورأي أبي حنيفة أن وقت الوتر يكون بعد دخول صلاة العشاء ، يعني لو جمع جمع تقديم ينتظر .
(1/290)
أما عند أبي حنيفة : أنتم تعلمون أن مذهب أبي حنيفة لا يجوزون الجمع ما عندهم إلا جمع صوري فقط ليس عندهم جمع حقيقي إلا في عرفات ومزدلفة مع الإمام الأعظم .
إلى الفجر..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على رأي الإمام مالك رحمه الله : أنه لو جمع في السفر أو جمع في الحضر فيما يسوغ الجمع جمع جمع تقديم صلى المغرب وصلى العشاء فعلى رأي الإمام مالك رحمه الله أنه ينتظر حتى يدخل وقت العشاء ما يوتر .
والصواب في هذا : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله والشافعي وأن الوتر يدخل وقته بالفراغ من صلاة العشاء سواء فعلت في وقتها أو فعلت في وقت المغرب مجموعة .
ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في صحيح مسلم فإنها ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر إحدى عشرة ركعة فقالت :" ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر "
وأيضاً يدل لهذا حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :" إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم فصلوها ما بين صلاة العشاء وصلاة الصبح الوتر " فقال : ما بين صلاة العشاء وصلاة الصبح ، ويؤخذ من ذلك أن الوتر معلق بفعل الصلاة .
" إلى الفجر " ويستمر وقته إلى طلوع الفجر وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله ، ويستدلون على ذلك بما تقدم من حديث عائشة في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر إحدى عشرة ركعة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً حديث أبي سعيد في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أوتروا قبل أن تصبحوا "
(1/291)
وأيضاً حديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما صلى " فهذا يدل على أن صلاة الوتر ينتهي وقتها بطلوع الفجر .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله : وأنه يقسم وقت الوتر إلى قسمين :
وقت جواز ووقت ضرورة .
وقت الضرورة يمتد إلى إقامة صلاة الصبح .
ودليلهم ما تقدم من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :" إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر " فقال : إلى صلاة الصبح .
وأيضاً قول الإمام مالك رحمه الله في الموطأ عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال : ما أبالي أن أوتر وقد أقيمت صلاة الصبح .
فيرون أنه يمكن وهذا أيضاً ذهب إليه بعض السلف أنه لا بأس أن يوتر بعد طلوع الفجر ، ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
وأما قوله في حديث عائشة يصبح فيوتر ، فنقول يقضي الوتر وهذا كما سيأتينا إن شاء الله أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتا عشرة ركعة ، فإذا طلع عليه الصبح نقول يقضي الوتر ، وأما حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ .
فهذا الحديث فيه ضعف .
وأيضاً لو ثبت فقوله إلى صلاة الصبح يحمل إلى وقت صلاة الصبح .
(1/292)
وأثر ابن مسعود هذا يعارضه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الإيتار إلى طلوع الفجر والأمر بالإيتار إلى طلوع الفجر ، وكذلك أيضاً ما ثبت عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه قال : إذا طلع الفجر فقد ذهب وقت صلاة الليل والوتر .
فالصواب في هذه المسألة : أن وقت الوتر يمتد إلى طلوع الفجر .
وأما بالنسبة للوقت الثاني : وقت الاستحباب ، فهذا اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستحب أن يوتر قبل أن ينام وقيل آخر الليل أفضل .
والرأي الثاني : التفصيل وهو ما عليه أكثر أهل العلم ، أنه إن وثق من نفسه أن يقوم من آخر الليل فالأفضل أن يوتر من آخر الليل .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن لم يثق من نفسه فالأفضل أن يوتر أول الليل ، وهذا القول هو الصحيح وهو الذي دل له حديث جابر في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة محظورة ومن لم يطمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر أوله "
ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء كلهم أوصاهم بأن يوتروا قبل أن يناموا هذا محمول على أن الإنسان لا يطمع من نفسه أن يقوم من آخر الليل .
والنبي صلى الله عليه وسلم أوتر آخر الليل .
كان وتر النبي عليه الصلاة والسلام الغالب أنه آخر الليل ، هذا الغالب على وتر النبي عليه الصلاة والسلام وإلا ذكرت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر من أول الليل ومن وسطه ومن السحر ، قالت : انتهى وتره إلى السحر ، فغالب هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر أنه يوتر من آخر الليل ووتره انتهى إلى آخر الليل .
فنقول الأفضل : أن يوتر آخر الليل إذا طمع فإن لم يطمع فإنه يوتر أول الليل .
وأما بالنسبة لوقت القضاء ، وقت قضاء الوتر :
(1/293)
فالصحيح كما سلف بعض السلف يرى أنه لابأس أن يوتر ولو بعد طلوع الفجر كما ذكرنا من الآثار ، أثر ابن مسعود وغيره عن الصحابة رضي الله عنهم من الإيتار بعد
وأقله ركعة........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلوع الفجر لكن هذا كما ذكرنا مخالف لما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
والصواب : أن وقت قضاء الوتر بعد طلوع الشمس ضحى ولا حد لأخره ، ويدل له حديث عائشة في صحيح مسلم قال :" وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة "
فنقول : يستحب أن يقضيه بعد طلوع الشمس ، وإذا أراد أن يوتر بخمس فإنه يستحب أن يصلي ستاً ، وإذا أراد أن يوتر ثلاثاً فيستحب أن يصلي أربعاً ... إلخ .
يعني يصلي شفعاً لأن الوتر هذه صلاة الليل .
" وأقله ركعة " أقل الوتر ركعة لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" الوتر ركعة من آخر الليل " وهذا ما عليه أكثر أهل العلم خلافاً لأبي حنيفة فإن أبا حنيفة لا يرى الإيتار بركعة ويستدل بالنهي عن البتيرة ، وأن المراد بالبتيرة الركعة الواحدة لكن هذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن حزم رحمه الله .
والإيتار بركعة هذا ثابت عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، هذا ثابت عن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله تعالى عنهم .
وأكثره إحدى عشرة............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وأكثره إحدى عشرة " يقول المؤلف رحمه الله أقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت :" ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة ".
(1/294)
وتقدم أيضاً حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر إحدى عشرة ركعة .
وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله بأن أكثره إحدى عشرة ركعة هذا هو الوتر الغالب للنبي صلى الله عليه وسلم وإلا فالصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث عشرة كما في حديث ابن عباس لما ذكر صفة صلاة الليل لما بات عند خالته ميمونة ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة
فحديث ابن عباس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث عشرة ركعة .
وأيضاً كما سيأتينا إن شاء الله في حديث أم سلمة وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بتسع وسبع وخمس ... إلخ .
فنقول الغالب على وتر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بإحدى عشرة وزاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاث عشرة هذا كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في
مثنى مثنى............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيحين لما ذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأنه صلى من الليل ثلاث عشرة.
واختلف أهل العلم رحمهم الله في الجمع بين حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة .
وبين إيتار النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث عشرة .
فقيل بأن وتر النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة وأما الركعتان الزائدتان فهذه سنة العشاء .
وقيل بأن الركعتين الزائدتين هما الركعتان اللتان يستحب أن تفتتح بهما صلاة الليل فإن صلاة الليل لها سنن من هذه السنن أن يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين .
وقيل بأن وتره عليه الصلاة والسلام إحدى عشرة وهاتان الركعتان هما ركعتي الفجر .
وقيل بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بهذا وأوتر بهذا وهذا هو الصواب .
(1/295)
فنقول : الهدي الغالب لوتر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إحدى عشرة وربما زاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة عشر وربما نقص .
" مثنى مثنى " يعني يسلم من كل ركعتين .
ويوتر بواحدة........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويوتر بواحدة " يوتر بواحدة وهذه إحدى صفات الوتر الإحدى عشرة أن يصلي مثنى مثنى وهذه الصفة التي ذكرها المؤلف رحمه الله هي التي دل لها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فإن عائشة ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ، وهذا في مسلم ، وأيضاً في البخاري .
وفي صحيح مسلم والبخاري قالت : يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة .
والحنابلة والشافعية : يذكرون غير هذه الصفة فقالوا له أن يسرد عشر ركعات سرداً ويجلس للتشهد الأول ثم يقوم ولا يسلم ويأتي بالركعة الأخيرة ثم يجلس ويتشهد ويسلم ، هذه صفة.
أيضاً صفة ثالثة : يذكرون أنه يسردها سرداً بتشهد واحد وسلام واحد .
وصفة رابعة : قال يصلي أربعاً سرداً ثم أربعاً سرداً ثم ثلاثاً ، فهذه أربع صفات للإيتار بإحدى عشرة .
لكن ما دل له حديث عائشة أنه يسلم من كل ركعتين كما في صحيح البخاري ومسلم قال : يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة .
وأما قولها : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا محمول على أنه يصلي أربعاً بسلامين .
فنقول : الأقرب من هذه الصفات هي ما دل له حديث عائشة في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم بين كل ركعتين .
(1/296)
وأما ما ذكروه من الصفات الزائدة هذه ، فهذه لا دليل عليها .
هذه صفة الإيتار بإحدى عشرة إذا أراد أن يوتر بتسع فنقول : أنه يسرد ثمان ركعات ثم بعد ذلك يجلس ويتشهد ولا يسلم ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم ، وهذه دل لها حديث عائشة في صحيح مسلم ، والإيتار بتسع ليس له إلا صفة واحدة فقط .
وإذا أراد أن يوتر بسبع هذا ورد له صفتان :
الصفة الأولى : حديث أم سلمة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس وسبع لا يجلس إلا في آخرهن .
فنقول الصفة الأولى للإيتار بسبع كما دل له حديث أم سلمة في صحيح مسلم أن يأتي بسبع سرداً ثم يجلس ويتشهد ويسلم .
والصفة الثانية : حديث عائشة في مسند الإمام أحمد رحمه الله : أنه يتشهد بعد السادسة ولا يسلم ثم يقوم ويأتي بالسابعة ويتشهد ويسلم .
والخمس لها صفة واحدة فقط وهي أن يسردها سرداً كما سلف من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها .
وأدنى الكمال ثلاث بسلامين.................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والثلاث قال لك المؤلف رحمه الله :
" وأدنى الكمال ثلاث بسلامين " يعني أدنى الوتر الذي يكون هو الأفضل ثلاث ركعات والإيتار بثلاث له صفتان :
الصفة الأولى : قال لك المؤلف رحمه الله : بسلامين يعني أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يصلي ركعة ثم يسلم هذه الصفة الأولى .
والصفة الثانية أن يسردها سرداً يأتي بالأولى والثانية والثالثة ويسردها سرداً ، وكما سبق أن ذكرنا في القاعدة التي ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العبادات التي وردت على وجوه متنوعة { أنه يستحب أن يفعل هذا تارة والأخر تارة أخرى }
فنقول : يصلي هذا تارة ويصلي هذا تارة لكن الحنابلة يستحبون أن يوتر بسلامين لأن الإيتار بسلامين يقولون بأنه أكثر عملاً .
(1/297)
أما أن يصلي ثلاث ركعات بتشهدين وسلام واحد فهذا مكروه ، يعني إذا صلى ثلاث ركعات بتشهدين وسلام واحد هذا مكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإيتار بثلاث فتشبهوا بصلاة المغرب ولا يكون التشبه بصلاة المغرب إلا إذا صلى بثلاث ركعات بتشهدين .
يقرأ بعد الفاتحة في الأولى سبح وفي الثانية بالكافرون وفي الثالثة بالإخلاص يقنت بعد الركوع ندباً..............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " يقرأ بعد الفاتحة في الأولى سبح وفي الثانية بالكافرون وفي الثالثة بالإخلاص " يقول المؤلف رحمه الله : إذا أوتر بثلاث فإنه يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بسبح وفي الركعة الثانية بـ "قل يا أيها الكافرون " وفي الركعة الثالثة بـ " قل هو الله أحد " لأن هذا وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب فيما رواه أبو داود وغيره
" ويقنت " القنوت يطلق على معاني منها : الدعاء ، ومنها أيضاً دوام الطاعة ، ومنها أيضاً طول القيام .
فيقول المؤلف رحمه الله :
" يقنت بعد الركوع ندباً " يعني أنه يستحب أن يقنت في الوتر بعد الركوع ، وقال المؤلف رحمه الله : ندباً : يعني القنوت سنة ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن القنوت سنة دائماً ، يعني أنه يستحب له أن يقنت دائماً في الوتر ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ومذهب أبي حنيفة : أنه يستحب أن يقنت دائماً لحديث أبي بن كعب في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر بعد الركوع .
وأيضاً حديث الحسن أنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت ... إلخ .
فقالوا أنه يستحب أن يقنت دائماً .
.............................................................................................................
(1/298)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : رأي الشافعي رحمه الله ومالك أنه يقنت في النصف الأخير من رمضان فقط لا يقنت دائماً .
والرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يقنت في بعض الأحيان ويترك في بعض الأحيان يعني لا يداوم على القنوت ، وهذا هو الصواب ، ويدل لذلك أن الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كعائشة وأم سلمة وابن عباس وحذيفة وابن مسعود لم يذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت ، لم ينقلوا قنوت النبي صلى الله عليه وسلم فيفهم من هذا أن الغالب على هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يقنت .
لكن كما سلف في حديث أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت فيفهم من ذلك أن الغالب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك القنوت .
فنقول : يستحب للإنسان أن يقنت في بعض الأحيان وفي كثير من الأحيان يتركه ، هذا هو الذي يؤخذ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال المؤلف رحمه الله تعالى : بعد الركوع ، ودليلهم على ذلك حديث أبي هريرة وأنس في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك حديث ابن عباس في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في النازلة كم سيأتينا إن شاء الله .
ويقول اللهم اهدني فيمن هديت .........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فالنبي عليه الصلاة والسلام في قنوته لما قنت يدعوا على رعل وعصية وركوان الذين قتلوا القراء ، وقنت النبي صلى الله عليه وسلم للمستضعفين في مكة ، كان قنوت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركوع .
وأيضاً هم يقولون إذا قنت قبل الركوع جائز وأن هذا وارد في حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه ، وعلى هذا نقول يقنت قبل الركوع وبعد الركوع ويكون هذا من السنن المتنوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
(1/299)
" ويقول اللهم اهدني فيمن هديت .... إلخ " يرفع يديه إلى صدره ويبسطهما وتكون بطونهما نحو السماء ثم بعد ذلك يدعوا بهذا الدعاء الذي أورده المؤلف رحمه الله .
وهذا الحديث رواه الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت .
الهداية في اللغة : هي الدلالة والإرشاد والتوفيق وهي تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : هداية توفيق وهذه بيد الله سبحانه وتعالى .
والقسم الثاني : هداية إرشاد ، وهذه ليست خاصة بالله عز وجل فكما أنها لله سبحانه وتعالى أيضاً جعلها الله عز وجل في أيدي المخلوقين ومن ذلك قول الله عز وجل :" وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " ومن هداية التوفيق قول الله عز وجل :" ليس عليك هداهم "
وعافني فيمن عافيت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت.......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وعافني فيمن عافيت " المعافاة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : معافاة حسية وهي المعافاة من الأسقام والأمراض والمصائب والآفات التي تكون في الأبدان والأموال .
والقسم الثاني : وهو الأعظم معافاة معنوية ، وهي المعافاة من الشبهات والشهوات والاستقامة على طريق الحق ، يعافيك الله عز وجل من الشبهات والشهوات وذلك بالتزام طريق الحق ، وكذلك أيضاً يعافيك الله عز وجل من الناس ويعافي الناس منك .
" وتولني فيمن توليت " تولني ضد العدو من توليت الشيء إذا اعتنيت به ، وتولي الله عز وجل ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : تولي عام ، وهذا يكون لعموم المؤمنين .
والقسم الثاني : تولي خاص ، وهذا يكون لخصوص المؤمنين فكلما كان الإنسان أكثر استقامة ولزوماً للطريق المستقيم كلما كانت ولاية الله سبحانه وتعالى له أكثر ، يعني نصره وتأييده وتوفيقه له أكثر .
" وبارك لي فيما أعطيت " فيما أعطيت : يعني فيما أنعمت علي من النعم الظاهرة والباطنة الحسية والمعنوية .. إلخ .
(1/300)
" وقني شر ما قضيت " أيضاً قني من الوقاية والمراد : عدم الإصابة بما قضاه الله عز وجل وقدره مما يحدث في هذا الكون من الآيات الكونية من المصائب ... إلخ .
إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وآيات الله سبحانه وتعالى الكونية هذه لابد أن تقع يعني ما قدره الله تعالى كوناً وقدراً هذا لابد أن يقع ولا مفر لأحد منه فإذا وقع فإنك تسأل الله عز وجل أن يقيك شر هذا الواقع بأن يعافيك الله عز وجل منه وأن يجعل هذا الذي وقع وإن كان في ظاهره محنة إلا أنه في باطنه مع التوفيق يكون منحة من الله سبحانه وتعالى ، ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن "
" إنك تقضي ولا يقضى عليك " هذا من باب التوسل لفعل الله سبحانه وتعالى .
" إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت " أيضاً هذه من باب التوسل بالثناء على الله سبحانه وتعالى بصفاته الجليلة .
" تباركت ربنا وتعاليت " يعني تباركت حلت البركة ، وقوله : تباركت ربنا ، يعني حصل لك يا الله العظمة والبركة ، وقوله : وتعاليت ، يعني حصل لك العلو ، وعلو الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : علو القدر .
والقسم الثاني : علو القهر .
اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقسم الثالث : علو الذات .
" اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك " اللهم : يا الله .
(1/301)
أعوذ بك : يعني ألتجأ وأعتصم إليك يا الله أن أفعل شيئاً يغضبك وألا أفعل إلا ما يرضيك .
برضاك من سخطك : يعني ألتجأ إلى رضاك بفعل الأوامر واجتناب النواهي .
" وبعفوك من عقوبتك وبك منك " يعني ألتجأ إليك يا الله بفعل أوامر واجتناب نواهيك فيحصل بذلك العفو والأمن من العقوبة .
وكذلك أيضاً وبك منك : أعوذ بك يا الله منك : ألتجأ إليك يا الله بفعل أمرك واجتناب نهيك من أن يحدث لي عقابك وعذابك بمخالفتي ذلك .
" لا أحصي ثناء عليك " يعني لا أطيق ولا أبلغ ثناء عليك .
" أنت كما أثنيت على نفسك " يعني مهما أثنى الإنسان على الله عز وجل ووصف الله سبحانه وتعالى بصفات الكمال ونعوت الجلال فإنه لا يطيق ذلك ولا يبلغه .
أنت كما أثنيت على نفسك : اعتراف بالعجز عن الثناء ورد إلى المحيط علمه بكل شيء " اللهم صل على محمد " تقدم .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا القنوت أو هذا الدعاء الذي يقال في قنوت الوتر ألقه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله تعالى عنه ، فيستحب للإنسان في قنوت الوتر أن يأتي به .
مع أن بعض أهل العلم لا يثبت ذلك ، فيقول بأن الذي ورد هو أنه : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قيام الليل ... إلخ .
وعلى هذا نقول الإنسان يأتي به وفي بعض الأحيان يترك الإتيان به .
كما ذكرنا أن أكثر الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل لم يذكروا أن النبي عليه الصلاة والسلام يقنت .
وعلى هذا يأتي به في بعض الأحيان كما ورد ذلك في حديث أبي بن كعب وأيضاً ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم القنوت في الوتر ، فنقول يأتي به في بعض الأحيان ويتركه في بعض الأحيان والأكثر أنه يتركه .
(1/302)
وأيضاً قوله : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ... إلخ هذا وارد في حديث علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر الوتر اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ... إلخ هذا وارد من حديث علي رضي الله تعالى عنه في السنن .
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في آخر الوتر .
" اللهم صل على محمد " هل يستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر دعاء القنوت أو أن هذا غير مستحب ؟
ويمسح وجهه بيديه...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان :
الرأي الأول : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى أنه يستحب ، واستدلوا أن هذا وارد في حديث الحسن لكن ثبوت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحسن هذا فيه نظر ، والصحيح أن الصلاة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر ، لكن ورد ذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأسانيد صحيحة كأبي بن كعب ومعاذ رضي الله تعالى عنهم .
والرأي الثاني : أنه لا يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم لعدم ثبوت الصلاة في حديث الحسن .
لكن كما قلنا هذا وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فإذا كان هذا ثابت عن الصحابة فنقول يأتي به في بعض الأحيان ويتركه في بعض الأحيان .
" ويمسح وجهه بيديه " يعني إذا فرغ من دعائه ، يقول المؤلف رحمه الله يمسح وجهه ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أنه لا يشرع المسح لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا أنكره الإمام مالك رحمه الله وقال : ما علمت .
والإمام أحمد رحمه الله تعالى كما ذكر المروزي أنه قال : ما سمعت فيه بشيء ، وقال : لم يفعله الإمام أحمد رحمه الله .
وكره قنوته في غير وتر ......................................................................
(1/303)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فيه حديث أو حديثان لا تقوم بهما حجة .
وعلى هذا نقول الصحيح في ذلك : أنه لا يمسح وجهه بيديه إذا انتهى من قنوت الوتر وكما ذكر البيهقي أنه لم يثبت به أثر ولا قياس ولم يفعله السلف رحمهم الله .
وعلى هذا نقول بأنه غير مشروع والأحاديث الواردة في ذلك حديث عمر رضي الله تعالى عنه ... إلخ . هذه لا تثبت .
" وكره قنوته في غير وتر " كره قنوته في غير الوتر ، كونه يقنت في غير الوتر يؤخذ من هذا أن القنوت ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : القنوت في الوتر ، تقدم الكلام عليه .
القسم الثاني : القنوت في غير الوتر ، كالقنوت في الفرائض ، المؤلف رحمه الله يقول أنه يكره وسيأتي الكلام عليه .
القسم الثالث : القنوت في النوازل
القسم الأول سبق .
القسم الثاني : القنوت في الفرائض في غير النوازل ، هل يشرع أو لا يشرع ؟
هذا موضع خلاف فالمشهور عند الإمام مالك رحمه الله والشافعي أنه يقنت في صلاة الصبح إلا أن الإمام مالك رحمه الله يرى أنه يسر بذلك .
وعند الحنفية : أن القنوت بدعة في صلاة الصبح .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك كما ذكر المؤلف رحمه الله : أنه يكره .
ولكل منهم أدلة ونذكر من أدلتهم : أما الذين قالوا بأنه يشرع القنوت في صلاة الصبح فاستدلوا بحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب ، وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه .
وأيضاً استدلوا بما في الصحيحين من حديث محمد بن سيرين أنه قال : لأنس هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ؟
قال : نعم بعد الركوع يسيراً ، وهذا في الصحيحين .
(1/304)
وكذلك استدلوا بحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا
والذين قالوا بأنه لا يقنت كما هو مذهب الحنفية والحنابلة رحمهم الله استدلوا على ذلك بأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقنت إلا للنازلة كما في حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر وحديث أنس وحديث ابن عباس وغير ذلك من الأحاديث في النوازل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قنت للنازلة في موضعين :
الموضع الأول : قنت يدعو على أحياء من العرب الذين قتلوا القراء على رعل وعصية وركوان دعى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم .
والموضع الثاني : يقنت للدعاء للمستضعفين بمكة .
هذا الذي قنت فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي ثبت في الصحيح .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا ما ورد من حديث البراء بن عازب وحديث أنس فهذه تقبل على النوازل .
وأيضاً يقال للذين قالوا بمشروعية القنوت في الصبح حديث البراء بن عازب النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح والمغرب ، هل يقولون بمشروعية القنوت في المغرب ؟
لا يقولون به ، فلماذا أخذوا ببعض الحديث وتركوا بعضه .
وأيضاً في حديث أبي مالك الأشجعي في السنن وإن كان فيه ضعف أنه سئل إنك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان هل كانوا يقنتون ؟
فقال : أي بني محدث .
وأما حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا ، فهذا الجواب عنه من وجهين :
الأول : أنه ضعيف .
والثاني : أنه لو ثبت فالمراد بالقنوت هنا طول القراءة ، لأن القنوت كما سبق لنا له عدة معاني : منها طول القيام ، ومنها السكوت ، ومنها الخشوع ، ومنها طول القراءة ، ومنها الدعاء ... إلخ .
فالصواب في هذه المسألة : أن القنوت لا يشرع في الفرائض إلا فيما يتعلق في النوازل كما سيأتي .
(1/305)
القسم الثالث : القنوت في النوازل وهذا فيه مباحث :
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الأولى : هل هو مشروع أو ليس مشروعاً ؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : أنه مشروع أيضاً هذا مذهب الشافعية .
وجمهور أهل العلم أنه مشروع في النوازل .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله : أنه لايشرع القنوت في النوازل ، والغريب أن المالكية قالوا بأنه يشرع في الفرائض في صلاة الصبح ومع ذلك قالوا أنه في النوازل لا يشرع .
والصحيح في ذلك : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من مشروعية القنوت في النوازل .
ودليلهم على ذلك ما سبق من حديث أنس وحديث البراء بن عازب وكذلك حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم وحديث ابن عباس وهذه الأحاديث في الصحاح وفيها قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في النازلة .
المسألة الثانية : ما هي النازلة التي يقنت لها ؟ هل هي كل نازلة أو أنها نازلة خاصة ؟
هذا موضع خلاف والصحيح في ذلك ، في ضابط النازلة نقول بأن النازلة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : النوازل التي تكون من قبل الخلق ، فهذه هي التي يقنت لها كما لو حصل لأحد من المسلمين ظلم أو اعتداء ونحو ذلك فإنه يقنت حتى يفرج الله عز وجل عنهم ، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمستضعفين في مكة .
.............................................................................................................
(1/306)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثاني : النوازل التي تكون من قبل الله سبحانه وتعالى ، فهذه لا يقنت لها وإنما التي تكون من قبل الله نجد أنه ورد لها عبادات خاصة بها ، فمثلاً الاستسقاء لو حصل الجدب والقحط وغارت العيون فيشرع الاستسقاء ، إذا حصل الرياح يشرع الدعاء : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أمرت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أمرت به ... إلخ الدعاء .
لو حصل كسوف يشرع صلاة الكسوف ، وعلى هذا فقس .
فالنوازل التي تكون من قبل الله سبحانه وتعالى هذه لا يشرع لها القنوت وإنما لها عبادات خاصة .
المسألة الثالثة : في أي الصلوات يقنت ؟
هذا موضع خلاف ، فعند الشافعية : أنه يقنت في جميع الصلوات الجهرية والسرية .
وعند الحنفية : أنه يقنت في الصلوات الجهرية .
وفيه قول عند الحنابلة : أنه يقنت في صلاة المغرب والفجر .
وفي قول آخر : أنه يقنت في صلاة الصبح فقط .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الشافعية وأنه يقنت في جميع الصلوات ، ففي حديث البراء بن عازب كما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح والمغرب .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وفي حديث ابن عباس في غير الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح .
وأيضاً في حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الظهر والعشاء والصبح .
فالصواب في ذلك : أنه يقنت في جميع الصلوات وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله .
المسألة الرابعة : من الذي يقنت ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله :
(1/307)
فالرأي الأول : وبه قال أكثر أهل العلم أن كل مصلي يقنت ، واستدلوا على ذلك بأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
والرأي الثاني : أنه لا يقنت إلا الإمام الأعظم وهو أمير الجيش وهذا هو المشهور من مذهب الإمام احمد رحمه الله .
والرأي الثالث : أنه يقنت كل إمام ، وهذا قول بعض الحنابلة رحمهم الله .
والأقرب في هذه المسألة : أن كل مصلي يقنت لأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث مالك بن حويرث :" صلوا كما رأيتموني أصلي "ولأن القنوت دعاء .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لكن كما ذكر الحنابلة أن القنوت خاص بالإمام الأعظم وفي قول لهم أن الإمام الأعظم ونوابه .
إذا منع من ذلك : منع من القنوت الإمام الأعظم منع من القنوت أو نائبه منع منه فإن القنوت دعاء لا يستصعب الإنسان المسألة وإذا وقع بالمسلمين واقعة ، لأن القنوت دعاء بإمكان الإنسان يقنت في النافلة ويقنت في قيام الليل ويقنت في قنوت الوتر ويدعو وهو في السجود ... إلخ .
فليست المسألة صعبة أو كبيرة بعض الناس إن ما قنت الإمام يكون عنده حرج هو دعاء أنت ادعوا ، الإنسان بإمكانه أن يدعو في السجود يدعو هو بنفسه ويدعو في قنوت الوتر الأمر واسع .
المسألة الخامسة : إذا قنت في الصلاة الجهرية الأمر في ذلك ظاهر ، لكن إذا قنت في الصلاة السرية هل يجهر أو لا يجهر ؟
الصواب في هذه المسألة : أنه يجهر ويأمن من خلفه كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .
المسألة السادسة : إلى متى يقنت ؟
يقنت إلى أن ترتفع النازلة ، فالأصل أن القنوت باقي إلى أن ترتفع النازلة .
المسألة السابعة : هل يقنت في صلاة الجمعة أو لا يقنت في صلاة الجمعة ؟
(1/308)
والتراويح عشرون ركعة....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا موضع خلاف في صلاة الجمعة هل فيها قنوت أو ليس فيها قنوت ؟
المشهور من المذهب : أنه لا يقنت في صلاة الجمعة ، وعلتهم في ذلك قالوا أن في صلاة الجمعة يكتفى بالدعاء في الخطبة فلا حاجة إلى أن يقنت .
والرأي الثاني : أنه يقنت في صلاة الجمعة لعموم الأدلة .
والأمر في هذا واسع فلو أن الإمام دعا في خطبة الجمعة ورأى أن هذا كافي نقول الأمر في هذا واسع ، ولو أنه دعا في الخطبة ودعا في الصلاة نقول هذا أيضاً واسع .
" والتراويح عشرون ركعة " التراويح جمع ترويحة وهي في اللغة : اسم للجلسة مطلقاً .
وأما في الاصطلاح : فهي قيام رمضان جماعة في المساجد .
وقال المؤلف رحمه الله : التراويح ذكره في باب التطوع مما يدل على أنه سنة وهذا باتفاق الأئمة ومذهب أهل السنة والجماعة ، ولهذا أهل السنة والجماعة يذكرون شرعية التراويح في كتب العقائد لأن أهل البدع من الرافضة لا يرون شرعية التراويح ويقولون بأنه بدعة عمر ، وهذا لاشك أنه من ضلالهم وجهلهم وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي صلى سنها صلى بقيام رمضان صلى بصلاته الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما في حديث عائشة وحديث أبي الدرداء وأبي هريرة وغير ذلك من الأحاديث ، وإنما تركها النبي صلى الله عليه وسلم خشية أن تفرض على الناس فيشق ذلك عليهم .
عشرون ركعة برمضان .........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلما زال المحذور من فرضيتها أحياها عمر رضي الله تعالى عنه وإنما لم تكن في عهد أبي بكر لأن خلافة أبي بكر كانت قصيرة وأيضاً أبي بكر رضي الله تعالى عنه اشتغل بقتال المرتدين .
(1/309)
وسمي قيام رمضان بالتراويح لأنهم كانوا يستريحون بين كل أربع ركعات من طول القيام ، فرحمهم الله كانوا يطيلون القيام ويستريحون بين كل أربع ركعات ، فسميت بالتراويح وهذه الاستراحة من أين أخذوها ؟
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربع ـ وثم هذه تدل على التراخي ـ ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن " فقولها ثم هذا يدل على التراخي .
" عشرون ركعة برمضان " يقول المؤلف رحمه الله عشرون ركعة وهذا ما عليه أكثر أهل العلم ، من مذهب الحنفية والحنابلة والشافعية أنها عشرون ركعة .
والرأي الثاني : رأي ابن مالك أنها ست وثلاثون ركعة .
والرأي الثالث : أنها إحدى عشرة ركعة .
والرأي الرابع : أنها ثلاثة عشرة ركعة .
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلا أن الأمر في هذا يختلف بحسب اختلاف طول القيام وقصره ، فإذا أطال القراءة قصر الركعات وإذا قصر القراءة أكثر الركعات .
برمضان..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذا يختلف وهذا القول هو الصواب الذي جاءت به الأدلة لأن كما سبق لنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا غيره عن إحدى عشرة ركعة .
وحديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاثة عشر .
والعشرون هذه واردة عن عمر أنه أمر أبي بن كعب أن يؤم بالناس بها و أيضاً كان الناس يقومونه في عهد عمر بعشرين .
فالأمر في هذا واسع .
وأيضاً يدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الليل مثنى مثنى "
فلا تحجير وأما التشديد والتبديع في هذه المسألة هذا غير صحيح .
(1/310)
وأيضاً كما ذكرنا السلف كانوا يطيلون كما ذكر الإمام مالك رحمه الله في الموطأ ما كانوا ينصرفون إلا بطلوع الفجر كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام .
" برمضان " فالتراويح هذه تكون مشروعة في رمضان لكن لو صلى أناس قيام الليل جماعة في بعض الأحيان فلا بأس لكن لايؤخذ ذلك سنة راتبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ، أو صلوا جماعة في النهار تطوعاً نقول لا بأس .
وجماعة أول ليل أفضل...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الليل دليله حديث ابن عباس وحديث جابر وابن مسعود كلهم صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة .
في النهار دليله حديث أنس وأيضاً حديث عتبة بن مالك رضي الله تعالى عنه صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ .
فنقول بأن هذا جائز لكنه لا يكون راتباً .
" وجماعة أول ليل أفضل " ماهو وقتها :
لها وقت أداء ووقت استحباب .
وقت الأداء : يبدأ من بعد صلاة العشاء والأفضل من بعد صلاة العشاء السنة الراتبة ثم بعد ذلك يستمر وقتها إلى طلوع الفجر ، هذا وقت الأداء .
ووقت الاستحباب : ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو أن المستحب أن يصلي في أول الليل
وذهب المالكية : إلى أن الأفضل أن يصلي آخر الليل .
وهل الأفضل أن يصلي أوله أو أن يصلي آخره ؟
نقول المشهور من المذهب كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن الأفضل أن يصلي أول الليل
واستدلوا على ذلك بأن عمر رضي الله تعالى عنه أمر أبي بن كعب وتميم الداري أن يقوم بالناس فخرج وقال نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل ، فقوله : والتي ينامون عنها أفضل هذا يدل على أنهم يصلون في أول الليل .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/311)
والذين قالوا أن الأفضل أن يصلي آخر الليل استدلوا بأدلة كثيرة في فضل آخر الليل ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيحين :" ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر ... إلخ "
وأيضاً ما تقدم لنا من حديث جابر في صحيح مسلم :" من طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة محظورة "
وكذلك أيضاً قالوا بأن ما روى الإمام مالك في الموطأ أن السلف كانوا لا ينصرفون إلا بطلوع الفجر وكانوا يستعجلون الخدم خشية أن يفوتهم الفلاح السحور ، وهذا يدل على أنهم إما أنهم يطيلون القراءة والقيام أو أنهم يؤخرون .
والأقرب في هذا : أن يقال إن الأفضل هو آخر الليل إلا إذا كان هناك حاجة ومصلحة فلا شك أن الأفضل هو أول الليل .
وفي هذا تجتمع الأدلة ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأبي الدرداء وأبا ذر أن يوتروا قبل أن يناموا .
كون الإنسان يصلي التراويح في آخر الليل هذا قد يكون فيه مشقة على الناس لأن صلاة التراويح السنة أن تفعل جماعة في المساجد وكونهم يصلون في آخر الليل فلا شك أن هذا أفضل لكن ربما يقع في ذلك مشقة ، ولهذا تقدم لنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في تأخير النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخر ، قال عمر : يا رسول الله نام
ومن له تهجد يوتر بعده....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النساء والصبيان فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي "
فنقول : الأفضل آخر الليل هذا من حيث الأصل ، لكن إذا اقتضت الحاجة والمصلحة أن تفعل في أول الليل فهذا يكون أفضل .
(1/312)
ويندرج على هذا المرأة لو لم تصلي مع الناس أو المنفرد في سفر أو المنفرد عن الناس في البرية كالراعي مثلاً أو الحارس الذي ينفرد عن الناس ولا يصلي معهم نقول هنا الأفضل له أن يصلي آخر الليل مادام أنه لا يرتبط بالجماعة الأفضل أن يصلي آخر الليل .
" ومن له تهجد يوتر بعده " يعني بعد تهجده ، والتهجد : هو الصلاة بعد النوم ، يقول يوتر بعد تهجده : يعني الإنسان إذا كان له تهجد يوتر بعد تهجده .
يعني يقول المؤلف : الأفضل أن تصلى التراويح في أول الليل والذي يقوم آخر الليل لا يوتر مع الإمام وإنما يوتر في آخر الليل ، إذا استيقظ آخر الليل فإنه يوتر .
والدليل على هذا ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً "
وإذا كان كذلك فنقول : بالنسبة للمتهجد فإنه لا يوتر أول الليل وإنما يوتر آخره .
الرأي الثاني في المسألة : أنه يتابع الإمام ، أولاً : للأمر بمتابعة الإمام .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثانياً : قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي ذر :" إنه من يقوم مع الإمام حتى ينصرف كتب كأنما قام الليل كله "
وهذا هو الأقرب .
الأقرب في هذا : أن الإنسان يقوم مع الإمام حتى ينصرف هذا هو الأقرب .
ولا نقول انفرد عن الإمام واجعل وترك آخر الليل .
فعلى كلام المؤلف رحمه الله أنه ما يوتر مع الإمام إذا جاء الوتر ينفصل عن الإمام ويجعل وتره آخر الليل .
لو أنه أوتر مع الإمام إذا تبع الإمام ماذا يفعل ؟
يشفعه بركعة ، يقولون إذا أوتر فإنه يضم إليه ركعة لكي يكون وتره آخر الليل .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا حاجة إلى أن يشفعه بركعة وإنما يوتر وإذا قام من آخر الليل يصلي مثنى مثنى .
(1/313)
وقوله :" اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً " نقول هو جعل الآن آخر صلاته بالليل وتراً وما حصل من هذه الركعات هذه جاءت تبعاً .
والقاعدة { أنه يثبت تبعاً ما يثبت استقلالاً }
ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة في الصحيحين كان إذا أوتر صلى ركعتين بعد الوتر وهو جالس .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهنا النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين هاتان الركعتان بعد الوتر اختلف أهل العلم رحمهم الله في تخريجهما كيف يخرجان هاتان الركعتان :
فقال بعض العلماء يقدم القول على الفعل ، والقول ما هو ؟
اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً ، فنقول تعارض هذا القول مع الفعل ، نقدم القول على الفعل .
والرأي الثاني : أن هاتين الركعتين خاصتان بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا القول بالتخصيص يحتاج إلى دليل .
والقول الثالث : ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله أن هاتين الركعتين بمنزلة السنة للوتر كما أن الفرائض لها سنن رواتب ، أيضاً الوتر له سنة راتبة ، والسنة الراتبة هي هاتان الركعتان .
وعلى هذا تحمل هاتان الركعتان على أنهما سنة الوتر .
ويظهر أيضاً من السنة أن الإنسان لايداوم عليهم يعني يفعلهما في بعض الأحيان .
المهم الشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الوتر .
فنقول لا بأس أن الإنسان يوتر مع الإمام لأنه مأمور بهذا وإذا قام فإنه يصلي مثنى مثنى ، ولا حاجة إلى أن يشفع الوتر ، ولا حاجة إلى أن ينفصل ، ولا حاجة أيضاً إلى الأمر الثالث وهو أن ينقض الوتر .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعندنا الأحوال ثلاثة للمتهجد :
(1/314)
الحالة الأولى : أن يوتر مع الإمام ويكتفي بهذا الوتر ويصلي إن تهجد مثنى مثنى وهذه أفضل الأحوال .
الحالة الثانية : أن ينفرد عن الإمام وأن ينفصل عنه ولا يوتر معه ويجعل وتره آخر الليل ، وهذه الحالة فيها نظر لأنه مأمور بمتابعة الإمام وكيف ينصرف والإمام حتى الآن ما انصرف .
والحالة الثالثة : أن يشفع وتره مع الإمام ، وهذا أيضاً قلنا فيها نظر .
والحالة الرابعة : أن ينقض الوتر ، يعني يوتر مع الإمام ثم بعد ذلك إذا قام من الليل يأتي بركعة لكي ينقض الوتر السابق ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر ، وهذا ذهب إليه بعض السلف كابن سيرين رحمه الله استدلوا على ذلك بقول النبي عليه الصلاة والسلام :" اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً ".
وجمهور أهل العلم على أنه لا ينقض وتره ، جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة على أنه لا ينقض وتره ، لحديث طلق بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا وتران في ليل "
وهذا كم أوتر ؟
أوتر أكثر من وترين .
وإلا أوتر مع إمام والسنن الرواتب......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصواب في ذلك : أنه لا ينقض وتره فأصبحت الأحوال أربعة وأحسن الأحوال الأول أنه يوتر مع الإمام ويصلي مثنى مثنى .
" وإلا أوتر مع إمام " تقدم .
" والسنن الرواتب " لما تكلم المؤلف رحمه الله عن صلاة التراويح شرع الآن في السنن الرواتب،والسنن الرواتب تختلف عن النوافل المطلقة بعدة أمور:
الأمر الأول : أنه يشرع المداومة عليها بخلاف النوافل المطلقة ولذلك ذكر شيخ الإسلام رحمه الله بأن مالم يكن من السنن الرواتب بأنه لا يشرع المداومة عليه إلا ما سيأتينا إن شاء الله من سنة الضحى ... إلخ ، بعض الصلوات التي استثنيت .
فنقول : تختلف عن مجرد النوافل المطلقة أولاً : أنه يشرع المداومة عليها .
ثانياً : أنه يشرع قضاؤها إذا فاتت لعذر .
(1/315)
ثالثاً : أنها آكد من مجرد النوافل المطلقة ، ولهذا تميزت هذه السنن ببعض الآداب والسنن كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
ورابعاً : أنه يشرع قضاؤها في أوقات النهي مما يدل على تأكدها ، هذا عند الشافعية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله كما سيأتي بيانه .
وخامساً : كما لها آداب وسنن كما ذكرنا أيضاً لها أحكام خاصة بها من حيث وقت السنة الراتبة ومن حيث عددها .. إلخ هذا كما سيأتي إن شاء الله .
ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح " هذه عشر ركعات ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح ، ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال :" حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات : ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح .
وهذا التعداد يتفق عليه الأئمة ، ويؤخذ من الحديث أن العصر ليس لها سنة راتبة وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله ومالك : أنه ليس لها سنة راتبة ، خلافاً للشافعي : فإنه يجعل للعصر سنة راتبة قبلها أربع ركعات لأن ما بعد العصر وقت نهي .
وأيضاً أبو حنيفة يقول : قبل العصر أربع ركعات إلا إن صلى قبل الظهر أربعاً يصلي قبل العصر ركعتين .
فعندنا عدد الركعات العشر هذه يتفق عليها الأئمة إلا بالنسبة للعصر .
فالشافعية يرون : أربع قبل العصر .
وكذلك أيضاً الحنفية : أربع قبل العصر إلا إن صلى قبل الظهر أربعاً يصلي ركعتين .
.............................................................................................................
(1/316)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصحيح في ذلك : أن العصر ليس لها سنة والحديث ظاهر في هذا ، ويؤيد ذلك ما سيأتينا إن شاء الله من حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها في صحيح مسلم .
فالصحيح : أن العصر ليس لها سنة مستقلة لكن نفل مطلق .
وهذه العشر ركعات ذهب بعض أهل العلم إلى أن عدد السنن الرواتب ثنتا عشر ركعة واستدلوا على ذلك بحديث عائشة في صحيح مسلم أنها قالت : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع في بيته قبل الظهر أربع ركعات .
فاختلف أهل العلم رحمهم الله في الجمع بين حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وفيه ركعتان وحديث عائشة في مسلم وفيه أربع ركعات .
يعني شراح الأحاديث اختلفوا في الجمع بين هذين الحديثين فقيل بأن هذا محمول على التنويع بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد يصلي أربعاً قبل الظهر وتارة يصلي ركعتين
والرأي الثاني : أن الأربع هذه سنة مستقلة بعد زوال الشمس وأن أبواب السماء تفتح بعد الزوال وهذه سنة مستقلة ، والركعتان اللتان في حديث ابن عمر هذه السنة الراتبة ، وهذا يميل إليه ابن القيم رحمه الله .
والرأي الثالث : أنه يؤخذ بالزائد وعل هذا يصلي قبل الظهر أربع ركعات .
والرأي الرابع : التفصيل : إن صلى في بيته صلى أربعاً وإن صلى في المسجد صلى ركعتين
وهما آكدها...........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأقرب في هذه المسألة : أن الإنسان يأخذ بالزائد ويؤيد ذلك حديث أم حبيبة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من صلى لله في يوم وليلة ثنتا عشر ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بني له بهن بيت في الجنة " .
وبين الترمذي هذه السنن أربعاً قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح .
وهذا القول هو الأقرب .
(1/317)
" وهما آكدها " يعني ركعتا الفجر آكد السنن الرواتب ، ويدل على تأكدهما ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر .
وأيضاً مما يدل على تأكدهما قول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح :" ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها "
وفي غير الصحيح :" لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل "
وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليهما في السفر وفي الحضر .
هاتان الركعتان لهما سنن :
السنة الأولى : أن يخففهما ، ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهذا ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لا أدري أكان يقرأ فيهما بأم الكتاب أم لا .
ولهذا ذهب الإمام مالك إلى أنه يقتصر في ركعتي الفجر على الفاتحة فقط .
خلافاً لأبي حنيفة فإن أبا حنيفة يرى استحباب إطالة القراءة .
والصواب في ذلك : إتباع السنة لا نقول يقتصر ولا نقول يطيل القراءة وإنما يتبع الوارد .
السنة الثانية : أن يقرأ في الركعة الأولى بـ" قل يا أيها الكافرون ،
وفي الركعة الثانية بـ" قل هو الله أحد "
وفي بعض الأحيان يقرأ الآية من سورة البقرة " قولوا أمنا بالله وما أنزل إلينا " في الركعة الأولى ، وفي الركعة الثانية الآية من سورة آلعمران " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " .
السنة الثالثة : أنه يتأكد فعلها في البيت .
السنة الرابعة : الاضطجاع بعدهما ، والاضطجاع بعد ركعتي الفجر هذا اختلف فيه أهل العلم كثيراً في مشروعيته وعدم مشروعيته .. إلخ .
(1/318)
فالرأي الأول : وعليه أكثر أهل العلم مشروعية الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ، وهذا دليله حديث عائشة في الصحيحين لما ذكرت ما يتعلق بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل إن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً هو وارد عن جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم منهم أبو هريرة وأبو موسى وورد أيضاً رافع بن خديج وأنس كلهم يرون مشروعية الاضطجاع .
الرأي الثاني : أن الاضطجاع بعد ركعتي الصبح واجب فرض وأن الإنسان إذا لم يضطجع لم تصح صلاة الصبح وهذا ذهب إليه ابن حزم رحمه الله ، واستدل على ذلك بما في مسند الإمام أحمد وأبي داود وغيرهما من الأمر بالاضطجاع " إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع " هذا أمر .
لكن الأمر الصحيح أنه غير ثابت لكن الذي ثبت الاضطجاع من فعل النبي صلى الله عليه ويلم وأما الأمر بالاضطجاع هذا نقول بأنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
يقابل هذا القول
الرأي الثالث : أن الاضطجاع بدعة ، وهذا ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله .ويأتينا النخعي والأسود ابن يزيد وقالوا بأنه وارد عن ابن عمر وابن مسعود أنه بدعة .
وأحسن الأقوال في ذلك : أن يقال بأن الإنسان إذا أطال في القيام في الليل أطال القيام وأطال القراءة نقول : يشرع له أن يضطجع وأما إذا لم يطل فنقول : يترك الاضطجاع هذا الأحسن .
ولهذا ورد هذا الجمع في صحيح ابن حبان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعم ليله ، يعني يطيل في القيام وفي القراءة ثم بعد ذلك يضطجع عليه الصلاة والسلام .
ومن فاته شيء منها قضاه ندباً.........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/319)
ذكرنا أن آكد السنن الرواتب ركعتي الفجر ثم بعد ذلك سنة المغرب ، نقول سنة المغرب هذه تلي ركعتي الفجر بالآكدية ثم بعد ذلك بقية السنن سواء ، مراتب ثلاثة :
المرتبة الأولى : سنة الفجر .
المرتبة الثانية : سنة المغرب .
المرتبة الثالثة : بقية السنن على وجه السواء يعني سنة العشاء وسنة الظهر القبلية والبعدية هذه على وجه السواء .
أيضاً بالنسبة لصلاة المغرب يتأكد كما تقدم أن سنة الفجر يتأكد فيها قراءة البيت كذلك أيضاً سنة المغرب يتأكد فيها قراءة البيت وأيضاً الفقهاء رحمهم الله ينصون على أنه يستحب أن يقرا فيها بـ" قل يا أيها الكافرون " وبـ" قل هو الله أحد " لكن هذا يحتاج إلى دليل ثابت .
" ومن فاته شيء منها قضاه ندباً " من فاته يعني خرج وقت السنة قبل أن يفعله وهذا يقول المؤلف رحمه الله : يستحب أن يقضيه ، ونأخذ من هذا أن السنن الرواتب له أوقات ، وما هو وقت السنة ؟
فيه قولان :
القول الأول:وعليه أكثر أهل العلم أن السنة القبلية وقتها من دخول الوقت إلى إقامة الصلاة.
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والبعدية : من بعد الصلاة إلى خروج الوقت .
الحنفية يستثنون ركعتي الفجر فيقولون : بأن وقتها يستمر حتى ولو أقيمت الصلاة ما دام أنه سيدرك التشهد الأخير مع الإمام ، وهذا فيه نظر .
ودليلهم :" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر " دليل شاذ لا يثبت في البيهقي : إلا ركعتي الفجر هذا شاذ ، ولهذا تجد بعض الحنفية يأتي والإمام يصلي ثم يشرع في ركعتي الفجر لأنهم يرون أن ركعتي الفجر يستمر وقتها حتى ولو أقيمت الصلاة ما دام أنه سيدرك التشهد الأخير مع الإمام .
وهذا كما ذكرنا فيه نظر .
(1/320)
والرأي الثاني : رأي الشافعية يقولون بأن السنن القبلية والبعدية وقتها يدخل من دخول وقت الفريضة إلى خروجها .
وعلى هذا لو فعل القبلية بعد الصلاة يقولون يصح ، وهذا فيه نظر ، وإلا ما الفائدة أن السنن تقسم ويأتي تقسيمها في السنة قبلية وبعدية .
قال : ومن فاته شيء منها قضاه ندباً ، يعني يستحب أن يقضيها والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الفجر حين نام عنهما ، وكذلك أيضاً قضى الركعتين التين قبل الظهر قضاهما بعد العصر كما في الصحيحين .
فنقول : يستحب أن يقضيهما إذا حصل له عذر .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل تقضى في أوقات النهي أو لا تقضى في أوقات النهي ؟
أكثر أهل العلم على أنها لا تقضى في أوقات النهي ، هذا ما عليه أكثر أهل العلم .
والرأي الثاني : رأي الشافعي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنها تقضى في أوقات النهي .
والذين قالوا بأنها لا تقضى في أوقات النهي استدلوا بعموم أدلة النهي مثل حديث أبي سعيد :" لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس " فيستدلون بمثل هذه الأحاديث .
والذين قالوا بأنها تقضى في أوقات النهي استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الظهر القبلية بعد العصر .
والأقرب في هذا : أنها لا تقضى لأنها لا تفوت السنن الرواتب بإمكانه أن يفعلهما بعد خروج وقت النهي بخلاف ذوات الأسباب فإنها تفوت .
ويبقى الجواب عن فعل النبي عليه الصلاة والسلام في قضائه لركعتي الظهر بعد العصر .
فقيل أن هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام .
لحديث أم سلمة في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين وينهى عنه .
(1/321)
وصلاة الليل أفضل................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن هذا الحديث ضعيف لا يثبت ، والخصوصية تحتاج إلى دليل والأصل التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام وعلى هذا يقال بأن ركعتي الظهر ورد بها النص يقتصر عليه ولا بأس أن يقضيهما بعد العصر ، ولو تركهما حتى تغرب الشمس هذا أحسن .
أيضاً بالنسبة لركعتي الفجر فعلهما بعد صلاة الفجر هذا فيه خلاف هل يفعلها أو لا يفعلها ؟
والذين قالوا لا يفعلها استدلوا بأدلة النهي .
والذين قالوا بفعلهما استدلوا بحديث قيس وأنه قضاهما بعد صلاة الفجر لكن هذا الحديث فيه ضعف .
وأيضاً قالوا بالقياس ، قياس ركعتي الفجر على ركعتي الظهر ، فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الظهر بعد العصر فكذلك أيضاً ركعتي الفجر تقضيان بعد صلاة الفجر .
ويظهر والله أعلم الأمر واسع في هذا ، لكن لو أن الإنسان ترك قضاؤهما حتى تطلع الشمس هذا أحسن كما هو فعل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
" وصلاة الليل أفضل " صلاة الليل أفضل من صلاة النهار ، هل هذا على إطلاقه أو أنه ليس على إطلاقه ؟
ليس على إطلاقه فصلاة الليل نقول تنقسم إلى قسمين :
وأفضله الثلث بعد النصف....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الأول : صلاة الليل المطلقة أفضل من صلاة النهار المطلقة .
والقسم الثاني : صلاة النهار المعينة أفضل من صلاة الليل المطلقة .
فقوله : صلاة الليل أفضل من صلاة النهار هذا يحمل على النفل المطلق أما المعين فحسب التفضيل الوارد فيه ، فلا نقول بأن صلاة الليل المطلقة أفضل من صلاة النهار المعينة بل المراد بهذا صلاة الليل المطلقة أفضل من صلاة النهار المطلقة .
(1/322)
ودليل ذلك حديث أبي هريرة في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل "
" وأفضله الثلث بعد النصف " صلاة الليل لها وقتان :
وقت الأداء ووقت الاستحباب .
أما وقت الأداء من بعد غروب الشمس ما بعد غروب الشمس كله من صلاة الليل حتى صلاة المغرب هذه من صلاة الليل وصلاة العشاء هذه من صلاة الليل والتنفل بين العشائين هذا من صلاة الليل .
لكن ما هو الأفضل ؟
قال المؤلف رحمه الله : الأفضل الثلث بعد النصف ، وعلى هذا يقسم الليل ستة أقسام ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر يقسمه ستة أقسام .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثلاثة أقسام هذه النصف ثم بعد ذلك يكون السدس الرابع والسدس الخامس هذا الثلث بعد النصف ، يعني تقسم الليل ستة أقسام الثلاثة أجزاء الأول هذا نصف الليل ويبقى الرابع والخامس هذا الثلث بعد النصف ويبقى الجزء السادس هذا ينام فيه الإنسان .
ويدل لهذا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما لما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يصلي صلاة داود قال :" كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه "
وعلى هذا نقول الثلث بعد النصف يكون الرابع والخامس ، والسادس هذا ينام فيه .
ولهذا ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ما قلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر عندي إلا نائماً .
وهل يدرك نزول الرب إذا قام الرابع والخامس أو نقول لا يدركه ؟
يدركه في الجزء الخامس لأن النزول يكون في الخامس والسادس فيكون أدركه في الخامس
هذا هو الأفضل إذا قدر الإنسان عليه كما ذكر المؤلف قال : وأفضله الثلث بعد النصف
وينام السدس إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأيضاً لكي يتقوى على ما يأتي من عبادة بعد ذلك كصلاة الفجر .
(1/323)
على كل حال إذا تيسر له ذلك وإذا لم يتيسر له ذلك فإنه إذا قام من آخر الليل هذا أفضل .
يعني هذه المرتبة الأولى .
وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" المرتبة الثانية : يكون من آخر الليل لأن صلاة آخر الليل مشهودة محظورة وأيضاً ما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
فنقول إن تيسر له ذلك هذا أحسن وإذا لم يتيسر يقوم من آخر الليل .
وإذا لم يتيسر ينتقل إلى المرتبة الأولى وهي : من أي أجزاء الليل .
" وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى " يقول المؤلف رحمه الله صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ومعنى مثنى مثنى يعني أنه يسلم من كل ركعتين ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الليل مثنى مثنى " هذا في الصحيحين والنهار هذه وإن صححها كثير من أهل العلم رحمهم الله لكن الصحيح أنها ليست ثابته .
لكن يستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتطوع بركعتين في النهار وركعتي الضحى .. إلخ هذا الذي يستدل به .
فإن زاد في غير الوتر لأن الوتر كما تقدم لنا له أن يلي ثلاثاً سرداً وخمساً وسبعاً وتسعاً ... إلخ .
لكن إذا زاد في غير الوتر على ركعتين ، نقول الأصل في صلاة الليل أنها مثنى مثنى لكن إذا زاد على ركعتين في غير الوتر فهذا ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول :أن ينوي ركعتين ثم يزيد ثلاثاً يعني يقوم إلى الثالثة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/324)
القسم الأول : أن ينوي ركعتين ثم يقوم إلى الثالثة وهذا يجب عليه أن يرجع ، والعلماء رحمهم الله يقولون إذا نوى ركعتين في الليل ثم قام إلى الثالثة فكأنما قام إلى الثالثة في صلاة الفجر وعلى هذا نقول يجب عليه أن يرجع ، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم :" صلاة الليل مثنى مثنى "
وبهذا نعرف الخطأ الذي يسلكه كثير من الأئمة في رمضان يحصل له سهو ثم بعد ذلك هو نوى أن يصلي ركعتين عند مفتاح الصلاة ثم يحصل له سهو فيقوم إلى الثالثة ويواصل وبعضهم يجعلها وتراً وهذا خطأ آخر وبعضهم يواصل إلى أربع ركعات وهذا خطأ أيضاً
والدليل على هذا ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم :" صلاة الليل مثنى مثنى "
وأنه إذا نوى ركعتين في أول الصلاة ثم قام إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في الفجر فيجب عليه أن يرجع .
القسم الثاني : أن ينوي أكثر من ركعتين كأن ينوي عند افتتاح الصلاة أن يصلي أربعاً سرداً بالليل أو ستاً سرداً وهكذا فهذا قال العلماء بأنه جائز مع الكراهة .
فأصبح عندنا في الليل إذا نوى ركعتين فإنه يجب عليه أن يقتصر عليهما ولا يزيد وإذا نوى أزيد من ذلك فإن هذا مكروه .
يعني لو نوى أن يصلي أربعاً سرداً يسرد أربعاً أو ستاً .. إلخ فيقولون هذا حكمه جائز مع الكراهة ، هذا بالنسبة لقيام الليل .
وإن تطوع نهاراً بأربع فلا بأس.........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنسبة لصلاة النهار قال المؤلف رحمه الله :
" وإن تطوع نهاراً بأربع فلا بأس "
أيضاً النهار نقول ينقسم :
أولاً القسم الأول : أن ينوي أربع ركعات سرداً فهذا جائز ولا بأس به .
لكن لو قام إلى خامسة لما نوى أربع فإنه كما لو قام إلى خامسة في الظهر يجب عليه أن يرجع .
القسم الثاني : أن ينوي ست ركعات أو ثمان ركعات سرداً في النهار فيقولون بأن هذا جائز مع الكراهة .
(1/325)
يعني الأقسام التي تذكر في النهار كالأقسام التي تذكر في الليل .
لكن في الليل إذا نوى ركعتين ثم قام إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر وفي النهار إذا نوى أربع ثم قام إلى خامسة فكأنما قام إلى خامسة في صلاة الظهر .
وإذا نوى أن يصلي ستاً أو ثمان ركعات فإن هذا حكمه جائز مع الكراهة .
بقينا في قسم أخير في صلاة النهار : إذا نوى ركعتين في صلاة النهار فله أن يزيد إلى أربع بخلاف الليل .
وقوله : وإن تطوع نهاراً بأربع فلا بأس ، لا بأس الإنسان أن يتطوع في النهار بأربع وظاهر كلام المؤلف لو تطوع بأربع ولو كان ذلك بتشهدين فإن هذا جائز ولا بأس به .
وأجر قاعد على نصف أجر قائم...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو تطوع في النهار بأربع ركعات كصلاة الظهر تماماً فإن هذا جائز ولا بأس به والأولى أنه لا يفعل ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا توتروا بثلاث فتشبه بصلاة المغرب "
وإذا أراد أن يسرد أربع ركعات في النهار نقول هذا جائز ولا بأس به لكن بتشهد واحد
وقد دل على السرد حديث أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعاً لا يفصل بينهن بتسليم ، وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وهو ضعيف ، لكن أيضاً ورد من حديث عائشة ورد من حديث علي فهذه تؤيد الجواز .
" وأجر قاعد على نصف أجر قائم " يعني إذا صلى قاعداً فإن هذا لا بأس به والنبي عليه الصلاة والسلام كما في سنته صلى في الليل قائماً وصلى قاعداً ، ويدل لذلك حديث عمران بن الحصين رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أجر صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم وأجر صلاة المضطجع على النصف من أجر صلاة القاعد "
(1/326)
فالنفل يرخص فيه ويسقط فيه القيام لا بأس الإنسان أن يصلي قائماً أو يصلي قاعداً ، وإن كان بعض أهل العلم قال لايصلي قاعداً إلا مع العذر .
لكن الصواب في هذا : أنه جائز كما تقدم النبي عليه الصلاة والسلام صلى قاعداً وركع من قعود في قيام الليل ، وصلى قائماً ، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله .
..........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول المؤلف رحمه الله : وأجر قاعد على نصف أجر قائم ، هذا في غير المعذور .
أما المعذور فإن له أجر صلاة القائم فإذا كان الإنسان يصلي في الليل ثم حصل له عذر أو في الفرائض حصل له مرض ولم يستطع أن يصلي قائماً فنقول يصلي قاعداً وله أجر صلاة القائم فإذا كان الإنسان مراتباً على شيء ثم حصل له عذر ولم يستطع أن يأتي به كاملاً فإنه يكتب له الأجر كاملاً .
وإذا صلى قاعداً العلماء قالوا بأن صلاة قاعد لها قسمين :
القسم الأول : الاستحباب .
والقسم الثاني : الجواز .
أما القسم الأول الاستحباب فقالوا : أن يتربع في أثناء القيام لحديث عائشة في النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى متربعاً .
ويفترش في مواضع الإفتراش ويتورك في مواضع التورك .
والقسم الثاني : الجواز وكيفما جلس .
وإذا جلس في الصلاة فإن البدل يكون له حكم المبدل يعني يرفع يديه في مواضع الرفع ويضع يديه في مواضع الوضع .. إلخ .قيام الليل كما سلف بينا وقته ووقت الاستحباب فيه أيضاً فضله عظيم وأجره كبير والأحاديث في ذلك كثيرة جداً وألف فيه
..........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/327)
مؤلفات مستقلة من ذلك كتاب قيام الليل للمروزي محمد بن نصرة المروزي رحمه الله وقد حشد فيه كثيراً من الأدلة من القرآن والسنة وآثار السلف من الصحابة والتابعين في قيام الليل وقيام الليل له آداب كثيرة سبق أن ذكرنا هذه الآداب وبيناها ومن الآداب :
الأدب الأول : أن ينوي قيام الليل عند النوم .
الأدب الثاني : أن يهيأ ما يحتاج إليه عند القيام من الليل ولهذا ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كنا نعد له سواكه وطهوره . يعني الماء الذي يتطهر به والسواك .
فيبعثه الله عز وجل ما شاء من الليل ، فيتهيأ الإنسان يهيأ الأشياء التي يحتاجها مثلاً يهيأ السواك والماء الذي يحتاجه والمصحف والأشياء التي يحتاجها ... إلخ .
الأدب الثالث : أن يأخذ بالأسباب التي تدعو إلى إيقاظه من النوم ، مثلاً التبكير في النوم والتخفيف من الطعام في الليل وأن يوكل أحد أن يوقظه .. إلخ .
الأدب الرابع : إذا قام من النوم يمسح النوم عن وجهه بيده ويرفع بصره إلى السماء ويقرأ الآيات من آخر سورة آلعمران .
وأيضاً يقول الأذكار الواردة عند الإستيقاظ من النوم .
الأدب الخامس : أن يشوص فاه بالسواك كما في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه .
الأدب السادس : أن يغسل يديه ثلاث مرات .
وتسن صلاة الضحى غباً.........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأدب السابع : أن يستنشق الماء بمنخريه ثلاث مرات .
الأدب الثامن : أن يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين .
(1/328)
الأدب التاسع : أن يعنى بصيغ الاستفتاح ، فيأتي مثلاً بحديث علي من استفتاح النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو حديث عائشة .. إلخ الأدب العاشر : أن يعنى بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة من حيث التطويل ومن حيث القراءة ترسلاً ومن حيث السؤال عند آية وعد والاستعاذة عند آية وعيد والاستغفار عند آية استغفار ... إلخ .
يعنى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر ابن القيم رحمه الله هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد .
الأدب الحادي عشر : أيضاً أن يعنى بكيفيات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وهذه أيضاً ذكرها ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد .
الأدب الثاني عشر : أن يختم صلاته بالوتر ، وتقدم أن ذكرنا حكم الوتر .
" وتسن صلاة الضحى غباً " يعني يقول المؤلف رحمه الله صلاة الضحى يستحب أن يصليها غباً ومعنى غباً : أن يصليها في بعض الأحيان وأن يتركها في بعض الأحيان وأن لا يداوم عليها وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، واستدلوا على ذلك
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها ويدعها حتى نقول لايصليها .
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد والترمذي وضعفه الترمذي .
الرأي الثاني : أنه لا يفعلها إلا لسبب من الأسباب وهذا لذي ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى ، كما لو قدم من سفر يصلي الضحى ، وكما لو نام عن قيام الليل فإنه يصلي الضحى ، وكما في قصةعتبان بن مالك رضي الله تعالى عنه إلخ .
المهم إذا كان هناك سبب يفعلها وإن لم يكن هناك سبب لا يفعلها .
(1/329)
الرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يصلي الضحى إذا لم يقم الليل أما إن قام الليل فإنه لا يصلي الضحى .
الرأي الرابع : أن صلاة الضحى غير مشروعة بل بدعة ، وهذا ذهب إليه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح في الضحى وإني لأسبحها& .
وابن عمر قيل له تصلي الضحى ؟ قال : لا .
قيل عمر قال : لا ، قيل أبو بكر قال : لا أيخاله& يعني لا أظنه .
وكذلك مم قال بعدم المشروعية ابن مسعود رضي الله تعالى عنه .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الأخير : وهو ما عليه أكثر أهل العلم أن صلاة الضحى سنة ومشروعة كل يوم .
ويدل لهذا حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يصبح على كل سلامى صدقة " يعني كل مفصل من مفاصلك ، والإنسان كم فيه من مفصل ؟
فيه ستون وثلاث مائة مفصل ، فهذه المفاصل يصبح على كل منها صدقة .
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الصدقات فقال :" كل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " فقال : يجزئ من ذلك .
وقال : يصبح ، وهذا يدل على فضل صلاة الضحى وأنها تعدل هذه الصدقات الكثيرة ، لأنه من سيتصدق يومياً بستين وثلاث مائة صدقة هذا يشق على الإنسان ، فإذا صلى هاتين الركعتين هذا يجزئ عن ستين وثلاث مائة صدقة ، ولهذا قال أبو ذر رحمه الله هذا الحديث أبلغ حديث في فضل صلاة الضحى .
(1/330)
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : صلاة الضحى في كتاب الله ثم قرأ قوله تعالى :" في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال " قال بالغدو والأصال ، والغدو : صلاة الضحى .
وأقلها ركعتان.................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً يؤيد ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الضحى أربع ركعات فيزيد ما شاء الله .
فنقول الصواب في ذلك : هذا الرأي وأنها مشروعة مطلقاً ، وأما ما ورد عن ابن عمر وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يصليها هذا يجاب عنه بجوابين :
الجواب الأول : أن هذا محمول على علمهم أنهم لم يعلموا .
الجواب الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك الشيء ولا يدل لعدم مشروعيته .
أفضل الصيام صيام داود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم صيام داود .
وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهر الله المحرم .
ما حكم أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه كاملاً .
ولهذا قالت عائشة : ما رأيته استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، فلا يلزم .
" وأقلها ركعتان " أقلها ركعتان صلاة الضحى ركعتين ودليل ذلك حديث أبي هريرة قال : أوصاني خليلي بثلاث وذكر منها : وركعتي الضحى .
كذلك أيضاً حديث أبي ذر " وركعتي الضحى "
وحديث أبي الدرداء : وركعتي الضحى ... إلخ .
وأكثرها ثمان......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وأكثرها ثمان " ودليلهم على ذلك حديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عام الفتح ثماني ركعات سبحة الضحى "وهذا في الصحيحين .
(1/331)
والرأي الثاني : أن صلاة الضحى ليس لها حد لا تقيد بثمان حديث أم هانئ هذا يجاب عنه بجوابين :
الجواب الأول : أنها لا تقصد سنة الضحى الذي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان صلاها ضحى هذه ليست سنة الضحى .
والجواب الثاني : أن هذا مفهوم عدد وليس هذا حجة لا نقول بأنه لما صلى ثمان أن هذا هو المشروع لأن هذا مفهوم عدد ، ومفهوم العدد عند الأصوليين ضعيف ليس حجة .
والصحيح : أنه لا حد لأكثرها ويدل لذلك ما تقدم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله .
قالت : ويزيد ما شاء الله .
لأنا لو قلنا بأن لها حداً وش يكون الزائد ؟
يكون الزائد نفل مطلق لا يكون نفل معين ، يعني يرجى عليه أجر النفل المعين وإنما يكون نفلاً مطلقا .
ووقت صلاة الضحى : من خروج النهي إلى وقت النهي ، يعني ما بين النهيين .
وصلاة الاستخارة...................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من خروج النهي الذي يكون بارتفاع الشمس قيد رمح إلى وقت الاستواء استواء الشمس وقت الزوال ، يعني قبيل الزوال ، وتقدم بيانه .
وأفضل أوقاتها : إذا اشتد الحر لحديث زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الأوابين حين ترمذ الفصال " والفصيل : هو ولد الناقة ، ومعنى ترمذ الفصال يعني تبول على أعتابها من شدة الحر .
" وصلاة الاستخارة " يقول المؤلف رحمه الله تسن صلاة الاستخارة ، والاستخارة من إضافة الشيء إلى سببه ، يعني الصلاة التي سببها الاستخارة .
وما معنى الاستخارة ؟
الاستخارة معناه طلب خير الأمرين .
والاستخارة تحتها مسائل :
من هذه المسائل أولاً : حكم صلاة الاستخارة .
(1/332)
نقول صلاة الاستخارة سنة ، ويدل لذلك حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى اله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة .
المسألة الثانية : بم تكون الاستخارة ، هل الاستخارة تكون في كل شيء أو نقول بأنها لاتكو في كل شيء ؟
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول الصواب في هذه المسألة أن ما يريد أن يفعله الإنسان ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : الواجبات والمستحبات ، هذه نقول لا استخارة فيها أمرها ظاهر المصلحة فيها ظاهر ، ما يستخير الإنسان لانقول استخير عندما تريد أن تصلي صلاة الضحى هل تصلي أو لا تصلي ؟
أو عندما تريد أن تذهب إلى العمرة هل تذهب أو لا تذهب لأن هذا خير حتى ولو كان ذلك تطوعاً .
أو مثلاً عند الحج إذا أراد أن يحج لا نقول استخير ، لكن صحيح أنه يستخير مثلاً في الرفقة وفي الزمن وفي المركوب .. إلخ هذه مواضع الاستخارة أما ما يكون في الواجبات والمستحبات نقول هذه لا استخارة فيها .
لكن كما ذكرنا ما يتعلق بها من الأمور التي يتردد بها هذه هي التي يستخار فيها .
القسم الثاني : المنهيات من المحرمات والمكروهات فهذه أيضاً ما نقول يستخار فيها فالنهي يتركه إن كان محرماً يجب أن تتركه وإن كان مكروهاً يتأكد أن تتركه ، ما نقول الإنسان يستخير هل يسافر وحده أو لا ؟
لأن السفر وحده هذا مكروه ، أو مثلاً من يشرب الدخان يستخير في تركه ، نقول هذا لايستخير .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/333)
القسم الثالث : ما يتعلق بالمباحات والمشروعات ليس في ذات المشروع أنه واجب أو مستحب لا وإنما ما يتعلق بالمباحات مثل الزواج مثل شراء المركوب أو شراء البيت .. إلخ . هذا الذي يستخير فيه .
كذلك أيضاً ما يتعلق بالمشروعات كما قلنا زمان السفر آلة السفر غرفة المسافر .. إلخ .
فيتبين لنا أن الذي يستخار فيه المباحات وما يتعلق بالمشروعات .
أيضاً مالم تظهر مصلحة فإن ظهرت المصلحة لا حاجة للاستخارة لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستخير في كل شيء هذا ما حفظ .
فنقول إذا ظهرت المصلحة أن شرائه لهذا البيت أصلح له يتوكل على الله .
ظهرت المصلحة أن سفره هذا اليوم أصلح ، نقول يتوكل على الله عز وجل .
يظهر أنه إذا ظهرت المصلحة فلا حاجة للاستخارة .
وذكرنا الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يستخير في كل شيء .
المسألة الثالثة :صلاة الاستخارة هل تفعل في أوقات النهي أو نقول لا تفعل في أوقات النهي؟
أما جمهور أهل العلم الذين لا يرون أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي يقولون صلاة الاستخارة من ذوات الأسباب فلا تفعل في أوقات النهي .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذين قالوا بأن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي ، هل صلاة الاستخارة تفعل في أوقات النهي أو لا تفعل ؟
نقول هذا فيه تفصيل :
إن كان هذا الشيء يفوت ولابد أن يفعله في وقت النهي فنقول يستخير .
وإن كان هذا الشيء لا يفوت مثلاً يريد أن يشتري سيارة والآن بعد العصر ولو أخر الشراء إلى غروب الشمس فات وهو متردد ، نقول يستخير .
لكن لو أن الشراء لا يفوت نقول يؤجل الاستخارة إلى بعد غروب الشمس .
(1/334)
أيضاً من المسائل : متى يقول الذكر الوارد : اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسلك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب .. إلخ .
متى يقوله ؟
هذا موضع خلاف .
فشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه يقال قبل السلام بعد التشهد .
والرأي الثاني : أنه يقوله بعد السلام .
ويظهر أن الأمر في هذا واسع ، الذين قالوا بأنه بعد السلام استدلوا بحديث " فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقول " ثم هذه للتراخي وهذا يدل على أنه يكون بعد السلام
وعقب الوضوء.......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذين قالوا بأنه يكون قبل السلام قالوا بأن كون الإنسان في الصلاة أقرب إلى عز وجل من كونه خارج الصلاة ، ولأن ما بعد التشهد وقبل السلام هذا موضع دعاء .
النبي عليه الصلاة والسلام قال :" فليتخير من الدعاء أعجبه "
ويظهر أن الأمر في هذا واسع .
المسألة الأخيرة المتعلقة بصلاة الاستخارة : هل هي صلاة مستقلة أو نقول بأنها تدخل مع غيرها ؟
نقول هي صلاة مستقلة لكن إذا كانت مع ذات سبب أخرى فإنها تدخل معها مثلاً تحية المسجد وصلاة الاستخارة يصح ، سنة الوضوء وصلاة الاستخارة يصح .
لكب السنة الراتبة وصلاة الاستخارة لا يصح ، الفريضة وصلاة الاستخارة نقول لايصح
ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام من غير الفريضة .
" وعقب الوضوء " يستحب للإنسان إذا توضأ أن يصلي ركعتين ، وهذا بإضافة الشيء إلا سببه ، يعني الصلاة التي سببها الوضوء .
فيستحب للإنسان إذا توضأ أن يصلي ركعتين ويدل لذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال :" يابلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دق نعليك بين يدي في الجنة ؟ فقال بلال رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله ما
(1/335)
وتحية المسجد...................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي . وهذا في الصحيحين .
يعني لما يتطهر طهوراً في أية ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي فيستحب إذا توضأ أن يصلي ركعتين لهذا الحديث وهذا فيه فضل صلاة الوضوء وأنها سبب لدخول الجنة وهي من ذوات الأسباب .
يعني لو أن الإنسان توضأ ثم أتى المسجد فيصلي ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة الوضوء وإذا كان هناك سنة راتبة يصلي ركعتين ينوي تحية المسجد وسنة الوضوء والسنة الراتبة يحصل له ذلك .
وصلاة الوضوء من ذوات الأسباب فيشرع أن تفعل حتى في أوقات النهي فإذا توضأ بعد العصر أو بعد الفجر لا بأس أن يصلي هاتين الركعتين .
" وتحية المسجد " تشرع تحية المسجد ، وتحية المسجد تحتها مباحث من هذه المباحث :
حكم تحية المسجد .
اختلف فيها العلماء رحمهم الله على قولين :
القول الأول : أنها سنة مؤكدة ، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله واستدلوا على ذلك بحديث أبي قتادة رضي الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين "
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : أنها واجبة وهذا قال به جمع من أهل العلم منهم الشوكاني وأيضاً هو قول الظاهرية ، واستدلوا على الوجوب بالأمر فلا يجلس حتى يصلي ركعتين هذا يدل على الوجوب .
وكذلك أيضاً استدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصلي ركعتين "
(1/336)
وهذا أمر قد خرج الإمام استماع الخطبة واجب ومع ذلك ترك الاستماع للتحية مما يدل على الوجوب .
والنبي عليه الصلاة والسلام لما دخل سليكه الغطفاني قطع خطبته وأمره أن يصلي ركعتين
قالوا هذه تدل على الوجوب .
والأقرب في هذا : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وأن تحية المسجد ليست واجبة والصارف لهذا كثير فهناك أدلة كثيرة تصرف الأمر إلى السنية من ذلك ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا يجلسون إذا دخلوا للجمعة ولا يصلون .
إذا دخلوا للجمعة جلسوا ولا يصلون وإنما يشرعون بعد ذلك للخطبة فهو يجلس ثم بعد ذلك إذا انتهى المؤذن شرع في الخطبة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً من الصوارف حديث كعب بن مالك في قصة توبته وأنه دخل المسجد ولم يرد أن كعباًَ رضي الله تعالى عنه صلى التحية ، ومن ذلك أيضاً ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي واقد الليثي في قصة الثلاثة النفر الذين دخلوا والنبي عليه الصلاة والسلام كان في حلقة فأما أحدهم فوجد فرجة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلف الحلقة وأما الثالث فأعرض ، ولم يرد أنهم صلوا التحية فهذ الصوارف تدل على أن تحية المسجد ليست واجبة .
المسألة الثانية : من يستثنى في عدم مشروعية تحية المسجد ؟
نقول يستثنى من ذلك :
أولاً : الخطيب إذا دخل لخطبة الجمعة فإنه لا يشرع له أن يصلي تحية المسجد .
وكذلك أيضاً يستثنى إذا دخل والصلاة قد أقيمت فإنه لا يشرع له أن يصلي تحية المسجد ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة "
ويستثنى من ذلك المسجد الحرام إذا دخل للطواف ، يعني المسجد الحرام هل يشرع له تحية أو لا يشرع له تحية ؟
نقول هذا لا يخلو من أمرين :
(1/337)
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول : أن يكون قد دخل للطواف ، فنقول لايشرع له أن يصلي ركعتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل لأجل الطواف شرع في الطواف ، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل للطواف صلى ركعتين ثم ذهب وطاف .
فنقول : إذا دخل للطواف فإنه لا تشرع له تحية وإنما تحية البيت هي الطواف به ، ثم بعد ذلك يصلي ركعتي الطواف .
الأمر الثاني : إذا دخل المسجد الحرام لا لأجل الطواف وإنما للقراءة أو للصلاة أو لحضور حلقة علم ونحو ذلك فنقول هنا يصلي ركعتي التحية .
المسألة الرابعة : إذا جاء لصلاة العيد هل يصلي التحية أو لا يصلي التحية ؟
المسألة هذه فيها كلام كثير لأهل العلم رحمهم الله والصواب أن نقول : أن صلاة العيد لا تخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تقام في الجامع فإذا أقيمت في الجوامع فنقول بأن تحية المسجد مشروعة ، حتى ولو كان في وقت النهي لما سيأتينا أنها من ذوات الأسباب وذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي .
الأمر الثاني : أن تقام في مصليات العيد فهذا ينبني على مصلى العيد هل هو مسجد أو ليس مسجداً .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب : أن مصلى العيد ليس مسجداً ولا يأخذ أحكام المسجد وعلى هذا إذا جاء إلى مصلى العيد فإنه يجلس ولا يصلي التحية لأن مصلى العيد ليس مسجداً بل إن كان في وقت النهي نقول لا يجوز ، لأنه إذا صلى صلى تطوعاً مطلقاً في وقت النهي .
(1/338)
المسألة الخامسة : الإمام إذا جاء لكي يؤدي الصلاة المكتوبة ، فإنه يشرع في الصلاة مباشرة لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا إذا كان تقدم كثيراً فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين .
لكن إذا جاء في وقت إقامة الصلاة فنقول يشرع في الصلاة لأن هذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام .
ومن المسائل المتعلقة بتحية المسجد أقلها العلماء يقولون بأن أقلها ركعتان كما تقدم " إذا جاء أحدكم إلى السجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين "
ويقولون بأن أكثرها لا حد له .
فلو صلى ركعتين أو أربع ركعات .. إلخ ، نقول بأن هذا جائز ولا بأس به ، لكن يظهر أن هذا مالم يكن في وقت نهي ، إذا كان في وقت نهي فإنه يصلي ركعتين فقط وأما بعد ذلك فإنه لا يزيد يكون تطوع مطلق ، أما إذا كان في غير وقت النهي فلا بأس لو قصد أن يصلي أربع ركعات تحية المسجد نقول لا بأس ، ولو قصد أن يصلي ستاً نقول هذا لا بأس به إن شاء الله .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة السابعة : لمن تشرع التحية .
العلماء رحمهم الله يقولون بأن التحية مشروعة لكل من دخل المسجد سواء دخله للجلوس أو دخله لغير الجلوس .
ومتى تسقط التحية ؟
لا تسقط إلا إذا جلس ، إذا جلس وطال الفصل أما إذا لم يجلس فإن التحية مشروعة .
وكذلك أيضاً إذا جلس ولم يطل الفصل نقول بأن التحية مشروعة .
فنقول : تشرع تحية المسجد لكل داخل ، كل من دخل المسجد تشرع له سواء دخل للجلوس أو لغير ذلك كما لو أراد أن يكلم شخصاً ولا يريد أن يجلس أو أراد أن يأخذ حاجة ولا يريد أن يجلس ، فنقول مادام أنه دخل يشرع له أن يصلي تحية المسجد .
لكن متى تسقط ؟ نقول تسقط إذا جلس وطال الفصل أما إذا لم يجلس أو جلس ولم يطول الفصل فنقول بأنها مشروعة .
(1/339)
أيضاً من المسائل المسألة الثامنة : إذا خرج ثم عاد هل يعيد التحية أو لا يعيد التحية ؟
ولنفرض أن شخصاً خرج إلى سيارته ثم عاد ، هل يعيد التحية أو لا يعيد التحية ؟
نقول هذا لا يخلوا من أمور :
الأمر الأول : أن يخرج بنية أن لا يعود فهذا يعيد تحية المسجد .
الأمر الثاني : أن يخرج بنية أن يعود ولم يطول الفصل ، فنقول : هذا لا يعيد التحية .
وسجود تلاوة......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثالث :إذا خرج بنية أن يعود وطال الفصل ، يعيد التحية .
فأصبحت الأقسام ثلاثة .
أيضاً من المسائل المتعلقة بتحية المسجد : نقول بأن تحية المسجد من ذوات الأسباب التي تشرع في أوقات النهي وإذا دخل المسجد كما سلف فإنه تجزئ عنهما المكتوبة وتجزئ السنة الراتبة ... إلخ .
كما تقدم إذا دخل ونوى تحية المسجد والسنة الراتبة وركعتي الوضوء هذا كله يحصل في ركعتين .
" وسجود تلاوة " يعني أن سجود التلاوة سنة ، وسجود التلاوة من إضافة الشيء إلى سببه يعني السجود الذي سببه قراءة آية السجدة ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله تعالى : أن سجود التلاوة أنه سنة ، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
ونقول كما سبق أن سجود التلاوة يتعلق به مسائل :
المسألة الأولى : حكم سجود التلاوة .
حكم سجود التلاوة عند جمهور أهل العلم أنه سنة ، والدليل على ذلك حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم ولم يسجد فيها . وهذا في الصحيحين .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/340)
وكون النبي عليه الصلاة والسلام لم يسجد إما أن يكون زيد ترك السجود يعني قرأ ولم يسجد والنبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد هذا يدل على أنه سنة وليس واجباً .
وأيضاً ما ثبت في صحيح البخاري من قصة عمر رضي الله تعالى عنه أنه خطب وقرأ آية السجدة من سورة النحل وسجد وسجد الناس معه ثم كان في الجمعة الثانية قرأها فتهيأ الناس للسجود فقال : إن الله لم يفرضه علينا إلا أن نشاء، وهذا كلام عمر رضي الله تعالى عنه بمحضر من الصحابة ، وعمر كلامه حجة وكيف وقد ذكر ذلك بمحضر من الصحابة .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة رحمه الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن سجود التلاوة واجب ، واستدلوا بالأوامر مثل " وإذا قرأ عليهم القرآن لا يسجدون " هذا ذم لهم.
ذم الله عز وجل الكفار أنهم لا يسجدون ، والذم يدل على الوجوب .
وأيضاً مثل قول الله عز وجل :" كلا لا تطعه واسجد واقترب " هذا أمر .
والراجح في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
وأما قوله سبحانه وتعالى " كلا لا تطعه واسجد واقترب " فنقول إن كان المراد بذلك سجود التلاوة فهذا دل الدليل على أنه ليس واجباً الأمر هذا وجد له صارف .
مع قصر فصل لقارئ ومستمع...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن المقصود هنا : عبادة الله سبحانه وتعالى ، هنا ما هو أعم من مجرد السجود هنا عبر عن العبادة ببعض أنواعها .
وكذلك أيضاً قوله تعالى عن الكفار :" وإذا قرأ عليهم القرآن لا يسجدون " المقصود بذلك أنهم يتركون السجود على سبيل الاستكبار .
وإذا كان كذلك فلا شك أنه محرم ولا يجوز .
(1/341)
" مع قصر فصل " هذه المسألة الثانية : مع قصر فصل ، يعني أنه يسجد مع قصر الفصل أما إذا طال الفاصل بين قراءته وبين السجود فنقول فات محله لأن سجود التلاوة سجود يضاف إلى سببه ، فإذا طال الفصل نقول بأن السجود لا يشرع لأن محله قد فات .
" لقارئ ومستمع " عندنا قارئ ومستمع وسامع .
فيمن يشرع السجود ؟
أما القارئ فإنه يشرع له السجود .
والمستمع وهو الذي قصد استماع القراءة ، نقول هذا أيضاً يشرع له السجود ، ويدل لهذا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعاً لجبهته . وهذا في الصحيحين .
فقوله : يسجد ونسجد معه هذا يدل على أنه يشرع السجود للقارئ والمستمع .
فلا يسجد إن لم يسجد قارئ والسجدات أربع عشرة............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السامع : هو الذي لم يقصد الاستماع وإنما سمع السجدة على سبيل العرف وليفرض أن شخصاً يقرأ القرآن ثم مر به شخص لحاجة وسمعه يقرأ فسجد القارئ ، هل نقول بأن السامع يشرع له أن يسجد أو نقول بأنه لا يشرع له أن يسجد ؟
نقول السامع لا يشرع له أن يسجد .
والدليل على ذلك قول عثمان رضي الله تعالى عنه إنما السجدة على من استمعها .
" فلا يسجد إن لم يسجد قارئ " يعني المستمع لا يسجد إلا إن سجد القارئ .
ويدل لذلك ما تقدم من حديث زيد رضي الله تعالى عنه أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم النجم ولم يسجد فيها .
فزيد ترك السجود ومع ذلك لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
" والسجدات أربع عشرة " والسجدات أربع عشرة ، سجدات القرآن هذه تنقسم من حيث اتفاق العلماء واختلافهم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : سجدات اتفق عليها الأئمة وهي ما عدا السجدة الثانية في الحج وماعدا سجدات المفصل وماعدا سجدة "ص " .
فعندنا سجدات الأئمة اتفقوا عليها وهي ما عدا هذه المواضع الثلاثة .
(1/342)
القسم الثاني : سجدات اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله وهي هذه السجدات في هذه المواضع الثلاثة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه المواضع الثلاثة :
الموضع الأول : السجدة الثانية في الحج ،هل هي موضع للسجود أو ليست موضع للسجود؟
هذا خلاف بين أهل العلم رحمهم الله ، خلاف بين الجمهور والحنفية ، فالجمهور أنها موضع للسجود .
وعند أبي حنيفة : أنها ليست موضع للسجود .
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بأنها موضع للسجود استدلوا بأدلة من أدلتهم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمسة عشر سجدة وفي الحج منها اثنتان . وهذا الحديث أخرجه أبو داود وصححه الحاكم وحسنه النووي وفيه ضعف الحديث .
الحديث هذا فيه ضعف لكن يعتمد على إثبات هذه السجدة بما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فإنه ورد عن جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم السجدة الثانية من ذلك ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهما ثابت عنهما بأسانيد صحيحة ، وعلي وأبو موسى وأبو الدرداء هؤلاء كلهم ورد عنهم إثبات السجدة الثانية .
وعلى هذا نقول الأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الحنفية فيستدلون يقولون بأن الله عز وجل يقول :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا" المقصود بذلك : الصلاة .
لكن مع ذلك مادام أنه ثابت عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم يكون الراجح في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
الموضع الثاني : السجدات في المفصل ، هذا خلاف بين الإمام مالك والجمهور .
فالجمهور يرون السجدات في المفصل .
(1/343)
واستدلوا على ذلك بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في النجم .
وكذلك في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في " إذا السماء انشقت "
وكذلك أيضاً في " إقرأ باسم ربك الذي خلق "
وأما ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله ما تقدم من حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم ولم يسجد فيها .
والجواب على هذا سهل يقال هذا دليل على أنه سنة وليس واجب .
الموضع الثالث : سجدة " ص " هل هي من عزائم السجود أو ليست من عزائم السجود؟
الإمام أحمد رحمه الله والشافعي : أنها ليست من عزائم السجود .
وعند أبي حنيفة ومالك : أنها من عزائم السجود .
يكبر إذا سجد وإذا رفع ويجلس ويسلم............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بأنها من عزائم السجود أبو حنيفة ومالك استدلوا على ذلك بحديث أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد في ص . وهذا أخرجه الدار قطني .
وكذلك قالوا بأنه وارد عن عمر وعثمان .
وكذلك أيضاً في صحيح البخاري أن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال : ليست من عزائم السجود ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها .
نقول مادام أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها كفى ذلك .
والذين قالوا بأنها ليست من عزائم السجود استدلوا بحديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ص على المنبر فتهيأ الناس للسجود ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام :" إنها توبة نبي " ونزل وسجد . وهذا أخرجه أبو داود والحاكم .
والصواب في هذه المسألة : أنها من عزائم السجود ، ويدل لذلك ما تقدم قول ابن عباس في البخاري ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها .
فنقول مادام أنه سجد فيها النبي صلى الله عليه وسلم نقول بأن هذا كافي .
(1/344)
" يكبر إذا سجد وإذا رفع ويجلس ويسلم " قوله يكبر ويجلس ويسلم هذا ينبني على مسألة وهي : سجود التلاوة هل هو صلاة أو أنه ليس صلاة ؟
الجمهور على أنه صلاة .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : أنه ليس صلاة وإنما سجدة مجردة .
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بأنه صلاة فاستدلوا بأنه ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال : لا يسجد إلا وهو متوضأ . وهذا أخرجه البيهقي بإسناد صحيح .
فكونه شرط الوضوء هذا يدل على أنه صلاة .
والرأي الثاني الذين قالوا بأنه ليس صلاة اختيار ابن القيم وشيخ الإسلام استدلوا بما في البخاري معلقاً بصيغة الجزم أن ابن عمر كان يسجد على غير وضوء .
وعلى هذا يكون قولهم لا يسجد إلا وهو متوضأ هذا محمول على الاستحباب .
ويدل على أنه ليس صلاة حديث علي " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم "
والسجود ليس له تكبيرة إحرام وليس له سلام لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك .
وكذلك أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام " الوتر ركعة من آخر الليل " وقال :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " والسجود لا يقرأ فيه بفاتحة الكتاب ، لو كان صلاة قرأ فيه بفاتحة الكتاب .
وأقل ما ورد في الصلاة أنها ركعة أو ركعتان ، " صلاة الليل مثنى مثنى "... إلخ .
فالصواب في ذلك : أنه سجدة مجردة .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول المؤلف رحمه الله : يكبر ، على القول بأنه صلاة الفقهاء يقولون له شروط وله أركان وله واجبات .
فشروط سجود التلاوة : شروط الصلاة ، استقبال القبلة وستر العورة ورفع الحدث والطهارة من الخبث ... إلخ .
أركانه : له ثلاثة أركان :
(1/345)
السجود على الأعضاء السبعة ، الجلوس ، التسليمة الأولى .
واجباته : له ثلاثة واجبات :
تكبيرة الهوي وتكبيرة الرفع وتسبيحة السجود .
وهذا كله بناء على أنه صلاة .
لكن إذا قلنا بأنه سجدة مجردة نقول هذه الأشياء ليست مشروعة فيسجد فقط .
قال : يكبر ، هل يكبر أو لا يكبر ؟
نقول هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون داخل الصلاة ، فإذا كان في الصلاة فإنه يكبر لأنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع . هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأمر الثاني : أن يكون خارج الصلاة ، فنقول الصحيح في ذلك أنه لا يشرع التكبير ، لأنه لم يرد ، وما ورد إلا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه في سنن أبي داود وهو ضعيف .
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في سجود القرآن . هذا ضعيف .
وعلى هذا نقول يسجد بلا تكبير للهوي ولا تكبير للرفع ولا تسليم ولا تشهد ... إلخ .
ماذا يقول في السجود ؟
يقول في السجود سبحان ربي الأعلى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك كما تقدم لنا من حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه .
وورد أدعية أيضاً فيها ضعف .
مثل حديث عائشة : سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته .
وأيضاً مثل : اللهم اكتب لي بها أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من نبيك داود . هذه مادام أنها غير ثابته نقول الأحسن أن الإنسان يقتصر على الثابت .
سبحان ربي الأعلى كما في حديث حذيفة وأيضاًَ الأدعية التي ذكرناها لكم سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ... إلخ هذه الأدعية ، وهذه من فوائد حفظ تلك الأدعية أنها يأتي بها .
(1/346)
ويسلم بلا تشهد ويلزم مأموماً متابعة إمامه في جهرية..................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويسلم بلا تشهد " يقول المؤلف رحمه الله : يسلم لأنهم يرون أنها صلاة ، بلا تشهد يقولون لأنه لم ينقل التشهد .
" ويلزم مأموماً متابعة إمامه في جهرية " أيضاً هذه المسألة السابعة : يجب على المأموم أن يتابع الإمام في الجهرية ، وعلى هذا يفهم من قوله في جهرية أنه يخرج الصلاة السرية .
وعلى هذا نقول سجود الإمام لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون في صلاة جهرية فيجب على المأموم أن يتابعه ، والدليل على ذلك حديث عائشة وحديث أبي هريرة :" إنما جعل الإمام ليأتم به " ثم قال : " إذا سجد فاسجدوا " وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
فيجب عليه أن يتابع الإمام .
الأمر الثاني : أن يكون في صلاة سرية يعني سجد الإمام في صلاة الظهر ، يقول المؤلف رحمه الله : لا يجب على المأموم أن يتابعه لأنه يحتمل أن الإمام قد سها ، وإذا كان كذلك لا يجب عليه أن يتابعه .
والصواب في هذه المسألة : يجب عليه أن يتابعه لعموم الحديث " إنما جعل الإمام ليأتم به إذا سجد فاسجدوا "
وهل يشرع للإمام أن يسجد في الصلاة السرية أو نقول بأنه لا يشرع ؟
نقول بأن العلماء رحمهم الله يقولون : يكره للإمام أن يقرأ سجدة في صلاة سرية .
ويستحب سجود شكر لتجدد نعمة أو اندفاع نقمة...........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا يكره ؟
لأنه لا يخلو من أمرين :
إما أن يسجد فيشوش على المأمومين ، وإما أن لا يسجد وحينئذٍ يكون قد ترك السنة .
فقالوا بأنه يكره .
والصحيح في ذلك : أنه لا يكره فنقول يقرأ لا بأس فإذا كان يلزم من ذلك التشويش يترك هذا السجود .
فالنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث زيد ترك السجود وأقره النبي عليه الصلاة والسلام
ولا يلزم من ترك السنة الوقوع في الكراهة .
(1/347)
" ويستحب سجود شكر لتجدد نعمة أو اندفاع نقمة " سجود الشكر من إضافة الشيء إلى سببه يعني السجود الذي سببه الشكر لله عز وجل .
وهل سجود الشكر مشروع أو ليس مشروع ؟
الجمهور : على أنه مشروع .
وعند الإمام مالك رحمه الله : أنه ليس مشروع .
والصواب : ما عليه جمهور أهل العلم ، ويدل لذلك حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجداً .
ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إسلام همذان سجد .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلي رضي الله تعالى عنه سجد لما بلغه مقتل ذي الثدية من الخوارج .
وأبو بكر سجد لما قتل مسيلمة .
وكعب بن مالك سجد لما تاب الله عز وجل عليه .. إلخ .
فالصحيح : أنه مشروع لكن هل يشرع لكل نعمة أو نقول لايشرع ؟
نقول النعم تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : نعم دائمة مستمرة ، فهذه لا يشرع لها السجود لأنه لو قلنا بأن السجود مشروع لاستغرق الإنسان عمره في السجود وهذا لا يجوز .
فمثلاً نعمة الإسلام من أكبر النعم ولو قلنا أن السجود يشرع للنعم الدائمة ... إلخ لاستغرق الإنسان عمره كله في السجود .
القسم الثاني : نعم طارئة ، أو اندفاع نقم طارئة ، فهذه التي يشرع لها السجود وتشمل النعم الدينية والدنيوية .
ولهذا قال المؤلف رحمه الله : لتجدد نعمة أو اندفاع نقمة ، نعمة طرأت أو نقمة اندفعت.
والصحيح : هو سجدة مجردة لا يشترط لها شيء لا ستر عورة ولا طهارة ولا ... إلخ .
فهو أخف من سجود التلاوة لأن الغالب أن يكون غير متهيأ .
وماذا يقول ؟
يسبح ويحمد الله على مامن به عليه من النعم .
وتبطل به صلاة غير جاهل وناس وأوقات النهي.................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/348)
" وتبطل به صلاة غير جاهل وناس " سجود الشكر لا يفعل في الصلاة لأنه زيادة فيها لكن إذا انتهى من الصلاة مادام أن الفصل لم يطل يسجد فهو من ذوات الأسباب التي تشرع في أوقات النهي .
" وأوقات النهي " الأوقات جمع وقت ، والمراد به : الزمن ، وقوله النهي يعني التي ينهى عن الصلاة فيها .
أوقات النهي تحته مباحث :
المبحث الأول : الحكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات .
نقول الحكمة في ذلك هو : إجمام البدن بتركه التطوع في هذه الأوقات وترغيبه وتشويقه إلى الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه بعد هذه الأوقات لأن الإنسان إذا منع من الشيء فإنه يبقى في رغبة له وكذلك أيضاً إذا تركه لفترة فإنه يبقى في رغبة له ، ففيه نوع من إجمام البدن وفيه أيضاً كما ذكرنا تشويقه وترغيبه في هذه الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين ربه .
والمسألة الثانية : أوقات النهي عددها خمسة أوقات كما سيأتي بيانها بدأ المؤلف رحمه الله بالوقت الأول وقال :
من طلوع الفجر حتى ترتفع الشمس.....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" من طلوع الفجر حتى ترتفع الشمس " هذا الوقت الأول .
الوقت الأول : يبدأ من طلوع الفجر الثاني ، وإذا قال العلماء رحمهم الله : الفجر فإن المراد بذلك : الفجر الثاني ، لأن الفجر الأول لا تترتب عليه أحكام .
اللهم إلا فيما يتعلق بالنداء الأول لصلاة الفجر ، فالنداء الأول ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكون عند طلوع الفجر الأول ، فسائر الأحكام تتعلق بطلوع الفجر الثاني وأما الفجر الأول فهذا لا تتعلق به شيء من الأحكام إلا ما يتعلق بالنداء الأول .
وقوله : من طلوع الفجر ، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وكذلك أيضاً مذهب أبي حنيفة .
والرأي الثاني : رأي الشافعي والإمام مالك أن النهي يبدأ من بعد صلاة الفجر .
(1/349)
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بأنه يبدأ من بعد طلوع الفجر فاستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ليبلغ الشاهد الغائب لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر " والمقصود بركعتي الفجر هنا سنة الفجر ، وهذا أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وغيره .
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث حفصة وحديث عائشة وغير ذلك من الأحاديث الثابتة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتين خفيفتين ، هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
قدر رمح...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فدل ذلك على أن ما بعد طلوع الفجر أنه وقت نهي .
وأما الذين قالوا بأنه يبدأ من بعد الصلاة فاستدلوا بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس "
وعلى كل حال سواء قلنا بأنه يبدأ من بعد طلوع الفجر أو من بعد صلاة الفجر هدي النبي عليه الصلاة والسلام بأنه إذا طلع الفجر ما كان يصلي إلا ركعتي الفجر ويخففهما .
وقوله : حتى ترتفع الشمس : يعني الوقت الأول ينتهي بطلوع الشمس ، والوقت الثاني يبدأ من طلوع الشمس إلى ارتفاعها قيد رمح ، يعني قدر رمح في رأي العين .
فعندنا الوقت الأول ينتهي بطلوع الشمس والوقت الثاني ينتهي بارتفاع الشمس .
والدليل على ذلك حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس "
وغير ذلك مثل حديث عمرو بن عبسة وحديث ابن عباس وغير ذلك من الأحاديث .
(1/350)
" قدر رمح " يقول المؤلف رحمه الله : قدر رمح والرمح معروف والمراد بذلك : في رأي العين ، يعني أنت إذا رأيتها ارتفعت قدر رمح في رأي العين وقدره ما يقرب من مترين فاعلم أن وقت النهي قد خرج ، وهذا كما ذكرنا في رأي العين وإلا في الحقيقة تكون ارتفعت آلاف الأمتار .
وتقريباً الآن بالدقائق ما يقرب ثنتي عشرة دقيقة بعد طلوع الشمس .
وعند قيامها حتى تزول......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ووقت الطلوع هذا متفق عليه على أنه وقت للنهي ، وأما الوقت ما بين الصلاة أو الفجر إلا طلوع الشمس هذا مختلف فيه هل هو وقت نهي أو ليس وقت نهي ؟
كما سنشير إن شاء الله .
" وعند قيامها حتى تزول " الضمير يعود إلى الشمس يعني عند قيام الشمس وهو حالة الاستواء لأن الشمس تسير من المشرق إلى المغرب فإذا كانت في كبد السماء ولم يكن هناك فيء جهة المغرب إلا في الزوال فإن هذا هو وقت الاستواء ، وقت النهي فإذا زاد أدنى زيادة فاعلم أن الشمس قد زالت .
وقت الاستواء : الآن الأذان عند زوال الشمس ووقت الاستواء وقت النهي هو ما يكون قبل زوال الشمس وهو ما يقرب ثنتي عشرة دقيقة ، هذا يسمى وقت النهي .
هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب ومذهب الحنفية .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله أن وقت الزوال ليس وقتاً للنهي .
وعند الشافعية : أنه وقت للنهي إلا في يوم الجمعة .
المؤلف رحمه الله يرى أنه وقت للنهي ودليله حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه وفيه ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا ، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب .
ومن صلاة العصر حتى يتم الغروب........................................................
(1/351)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : حين يقوم قائم الظهيرة ، هذا يدل على أنه وقت للنهي .
وكذلك أيضاً يدل لذلك حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه أنه وقت للنهي .
الرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله أنه ليس وقت للنهي واستدل على ذلك بعمل أهل المدينة .
والرأي الثالث : أنه وقت للنهي إلا يوم الجمعة واستدلوا بحديث سلمان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من تطهر ما استطاع من طهره ومس من طيب أهله وادهن ثم غدى إلا الجمعة فصلى ما بدا له " قال هنا : ثم غدى إلا الجمعة فصلى ما بدا له فإذا خرج الإمام .
الشاهد هنا قال فصلى ، وقال : فإذا خرج الإمام ، وخروج الإمام يكون بعد الزوال .
فيأخذ من هذا أنه لا بأس أن يصلي إلى أن يخرج الإمام .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الحنابلة والحنفية وأن ذلك وقت نهي .
والجواب عن هذا سهل فيقال حديث سلمان رضي الله تعالى عنه بأنه لا بأس أن يصلي إلى أن يأتي وقت النهي فإذا جاء وقت النهي فإنه يمسك لما سبق أن ذكرنا من حديث عمرو وحديث عقبة رضي الله تعالى عنهما .
" ومن صلاة العصر حتى يتم الغروب " هذا الوقت الرابع .
الوقت الرابع : من بعد صلاة العصر ،
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والنهي هنا معلق بفعل الصلاة بخلاف الوقت الأول فإن النهي موضع خلاف هل هو معلق بفعل الصلاة أو بطلوع الفجر ، هنا الأئمة يتفقون على أن النهي معلق بفعل الصلاة
فنقول : يبدأ وقت النهي من بعد صلاة العصر .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله قوله : من صلاة العصر ولو كانت العصر مجموعة إلى الظهر فإن وقت النهي يدخل .
(1/352)
مثال ذلك : لو أن مسافراً جمع جمع تقديم صلى الظهر ركعتين وصلى العصر ركعتين ، فنقول بأن وقت النهي دخل فليس له أن يتطوع إلا ما يستثنى كما سيأتي إن شاء الله .
والدليل على ذلك : ما تقدم من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس "
وكذلك أيضاً حديث ابن عباس وغير ذلك من الأحاديث .
يستمر هذا الوقت إلى بدأ الغروب .
والرأي الثاني : ذهب إليه الشافعية أنه يستمر إلى اصفرار الشمس .
فعندنا رأيان :
الرأي الأول : أنه يستمر إلى بدأ وقت الغروب ، فإذا بدأ الغروب خرج الوقت الرابع ودخل الوقت الخامس .
والرأي الثاني : أنه إلى الاصفرار وهو مذهب الشافعية .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في ذلك : أنه إلى بدأ الغروب ، ويدل لهذا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة"
قال : إذا غاب حاجب الشمس فإذا بدأ طرفها في الاستتار نقول خرج الوقت الرابع ودخل الوقت الخامس .
الوقت الخامس : يبدأ من بعد غروب الشمس ، يعني من بعد بدأ الشمس في الغروب .
وعلى رأي الشافعية يبدأ متى ؟
يبدأ من الاصفرار .
متى ينتهي ؟
قال المؤلف رحمه الله : حتى يتم الغروب ، ودليل ذلك ما تقدم من حديث أبي سعيد قال :" حتى تغرب الشمس " وحديث عقبة :" وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب " قال : حتى تغرب .
وهذا هو المشهور من المذهب وعليه أكثر أهل العلم .
الرأي الثاني : مذهب الحنفية قالوا بأن وقت النهي يستمر إلى إقامة صلاة المغرب .
وهذا فيه نظر مخالف للأحاديث الصحيحة ما تقدم من حديث أبي سعيد وحديث عقبة بن عامر .
(1/353)
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن أرقم قال :" صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب " ثم قال : لمن شاء ، خشية أن تتخذ سنة ... إلخ .
وكذلك أيضاً فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يبتدرون السوالي في الصلاة قبل المغرب .
فالصواب في هذا : أن الشمس إذا غربت نقول خرج وقت النهي ، خلافاً لما ذهب إليه الحنفية من أن وقت النهي يستمر إلى إقامة صلاة المغرب .
هذه بالنسبة لأوقات النهي وأشرنا إلى أن الوقتين الطويلين موضع خلاف ، يعني ما بعد صلاة الفجر أو طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس يعني بدأ الغروب ، هذان موضع خلاف هل هي وقت للنهي أو ليست وقت للنهي ؟
فالجمهور على أنهما وقت للنهي ، وقت ينهى عن الصلاة فيهما واستدلوا بما تقدم من الأدلة كحديث أبي سعيد وحديث ابن عباس وغير ذلك .
والرأي الثاني : ذهب إليه طائفة من السلف كعطاء وطاووس وعمرو بن دينار رحمهم الله قالوا بأن هذين الوقتين ليسوا وقت نهي ، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها " فقالوا أن
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها ويفهم منه أن ما عدا ذلك أنه يجوز التحري فيه .
وكذلك أيضاً قالوا بأن النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر وبعد صلاة الفجر إنما هو كالحمى للوقتين وقت الطلوع ووقت الغروب ، يعني ليس مقصوداً بذاته وإنما هو مقصود لغيره يعني أن الشارع جعله حمى وإن المقصود بالنهي هو وقت الطلوع ووقت الغروب .
(1/354)
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الجمهور وأنه لا يجوز التطوع بعد العصر وكذلك أيضاً بعد الفجر والأحاديث صريحة في النهي ، هذا الصواب في هذه المسألة .
فأصبحت عندنا أوقات النهي من حيث الخلاف والاتفاق تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أوقات متفق عليها وهي :
وقت الطلوع ووقت الغروب ، هذان الوقتان متفق عليهما .
القسم الثاني : أوقات مختلف فيها وهي :
وقت الاستواء وكذلك أيضاً بالنسبة للوقتين الطويلين بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد صلاة العصر إلى بدأ الغروب .
والصواب : أن الأوقات خمسة كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى .
فتلخص لنا أن الوقت الأول : يبدأ من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس يعني أن تبدأ الشمس بالطلوع .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقت الثاني : من طلوعها إلى ارتفاعها قيد رمح .
الوقت الثالث : وقت الاستواء .
الوقت الرابع : من بعد صلاة العصر إلى أن تبدأ الشمس بالغروب .
الوقت الخامس : من بدئها بالغروب إلى أن يتم الغروب .
أيضاً من المباحث المسألة الثالثة التي تتعلق بأوقات النهي : النهي عن الصلاة في هذه الأوقات هل هو للكراهة أو للتحريم ؟
فيه قولان للعلماء رحمهم الله :
الرأي الأول : أنه للتحريم وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة .
الرأي الثاني : أنه للكراهة وبه قال الشافعية .
والصواب في هذه المسألة : أنه للتحريم لأن النهي هنا يعود إلى ذات المنهي عنه والأصل أن النهي يقتضي الفساد والتحريم إذا عاد إلى ذات المنهي عنه .
المسألة الرابعة : إذا دخل وقت النهي وهو في نافلة هل يقطع النافلة أو لا يقطع النافلة ؟
هذا موضع خلاف .
والصواب في هذه المسألة : أن يقال إن صلى ركعة ثم دخل وقت النهي فإنه يضيف إليها ركعة ثانية .
وإن لم يصلي ركعة فإنه يقطعها .
(1/355)
ويجوز قضاء الفرائض فيها وركعتا الطواف........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الخامسة : هل ينعقد التطوع في أوقات النهي أو نقول بأنه لاينعقد ؟
الصواب في ذلك : أنه لا ينعقد .
المسألة السادسة : ما يشرع في أوقات النهي ؟
قال المؤلف رحمه الله :
" ويجوز قضاء الفرائض فيها "
المسألة الأولى مما يشرع في أوقات النهي : نقول قضاء الفرائض في أوقات النهي ، والدليل على ذلك : ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " وقوله إذا ذكرها يشمل ما إذا ذكرها في أوقات النهي أو في غيرها .
" وركعتا الطواف "
هذا الأمر الثاني مما يجوز أن يفعل في أوقات النهي ، قال المؤلف رحمه الله : وركعت الطواف ، ويدل لهذا حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يابني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار " وهذا أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه الترمذي .هاتان صلاتان استثناهما المؤلف .
وإعادة جماعة أقيمت وهو في المسجد وركعتا فجر قبل فرضه..........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وإعادة جماعة أقيمت وهو في المسجد " يعني إذا أقيمت الجماعة وأنت في المسجد تعيدها معهم ، مثال ذلك : إنسان صلى ثم أتى إلى المسجد مثلاً لكي يصلي على جنازة أو لكي يحضر درساً ونحو ذلك ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد ،
يصلي أو لا يصلي ؟
يصلي ، الوقت وقت نهي صلى العصر الآن في مسجد ثم جاء فيصلي .
ويدل لذلك حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلي الصلاة في وقتها فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل ولا تقل إني صليت فلا أصلي "
وهذا رواه مسلم .
ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنها إذا أقيمت وهو خارج المسجد ، هل يعيدها أو لا يعيدها ؟
على كلامه أنه لا يعيدها .
(1/356)
" وركعتا فجر قبل فرضه "
هذه الصلاة الرابعة مما يستثنى : ركعتا الفجر لا بأس أن تفعل بعد طلوع الفجر ، ويدل لذلك ما ذكرنا مما تقدم من حديث عائشة وحديث حفصة رضي الله تعالى عنهما .
ويحرم تطوع بما عداها فيها حتى ماله سبب.....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويحرم تطوع بما عداها فيها حتى ماله سبب " هو استثنى المؤلف رحمه الله
أولاً : قضاء الفرائض ، ثم ركعتي الطواف ، ثم إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد
وسنة الفجر ، هذه أربع صلوات استثناها .
الخامسة : ذوات الأسباب ، هل تشرع في أوقات النهي أو نقول بأنها لا تشرع في أوقات النهي ؟
هذا موضع خلاف ، فالمؤلف رحمه الله يرى أن ذوات الأسباب ليست مشروعة في أوقات النهي .
وذوات الأسباب هي : الصلاة التي تشرع عند وجود سببها يعني لا تشرع مطلقاً وإنما تشرع عند وجود سببها .
فذوات الأسباب يقول المؤلف رحمه الله بأنها لا تشرع في وقت النهي ، مثل ركعتي الوضوء من ذوات الأسباب تشرع عند حصول الوضوء لا تشرع مطلقاً ، تحية المسجد تشرع عند دخول المسجد ، صلاة الكسوف تشرع عند كسوف الشمس ، سجود التلاوة سجود الشكر وصلاة الاستخارة ... إلخ .
فهذه الصلوات يرى المؤلف رحمه الله أنها لاتشرع في أوقات النهي ، وهذا قول أكثر أهل العلم رحمهم الله .
والرأي الثاني : رأي الشافعية أن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكل منهم دليل : الذين قالوا بأنها لا تشرع استدلوا بعمومات الأدلة كحديث أبي سعيد وحديث ابن عباس وغير ذلك .
وأيضاً كحديث أبي هريرة وحديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهم .
عمومات هذه الأدلة قالوا يدخل في ذلك ذوات الأسباب .
(1/357)
الرأي الثاني الذين قالوا بشرعية هذه الصلوات في أو قات النهي استدلوا بعموم الأمر بهذه الصلوات عند وجود أسبابها كحديث أبي قتادة :" إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين "
أيضاً سجود التلاوة " كلا لاتطعه واسجد واقترب " " وإذا قرأ عليهم القرآن لا يسجدون "
أيضاً صلاة الكسوف وفيه الأمر بالصلاة ، وهذا عام ويشمل حتى أوقات النهي .
وكذلك أيضاً إعادة الجماعة إذا أقيمت وأنت في المسجد فصل ... إلخ .
فقالوا بأن هذه عامة في جميع الأوقات .
وحين إذن يكون تعارض عندنا عمومان :
العموم الأول : عموم النهي .
العموم الثاني : عموم الأمر بفعل هذه الصلوات .
وعموم الأمر بفعل هذه الصلوات في أوقات النهي أرجح من عموم النهي .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والعلة في ذلك أو سبب الترجيح : أن عموم الأمر محفوظ لم يدخله تخصيص وأما عموم النهي فغير محفوظ دخله التخصيص بفعل سنة الوضوء وفعل تحية المسجد بفعل صلاة الكسوف ... إلخ .
وعند الأصوليين بأن العموم المحفوظ أقوى من العموم الذي دخله التخصيص ، لأنه إذا دخله التخصيص ضعف عمومه .
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها "
فقال : لا تتحروا ، قال شيخ الإسلام : التحري إنما يكون في التطوع المطلق بخلاف ذوات الأسباب فهو لم يتحرها وإنما فعلها عند وجود سببها .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وأن هذه الأوقات يشرع فيها فعل ذوات الأسباب .
(1/358)
ومما يؤيد ذلك أن الذين قالوا بأن ذوات الأسباب لا تشرع في أوقات النهي لم يطردوا النهي وإنما أجازوا بعض ذوات الأسباب فتقدم أن الحنابلة يرون ركعتي الطواف ، قال : وركعتا الطواف ، وركعتي الطواف من ذوات الأسباب ومع ذلك أجازوا هاتين الركعتين ، وكذلك أيضاً إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد يجيزونها .. إلخ .
وهذا مما يؤكد ترجيح قول شرعية ذوات الأسباب في أوقات النهي .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولأن ذوات الأسباب أيضاً تفوت بخلاف التطوع المطلق ، يعني فرق بين التطوع المطلق وذوات الأسباب ، التطوع المطلق لا يفوت أنت إذا منعت منه بعد الفجر وبعد العصر بإمكانك أن تفعله بعد طلوع الشمس ، لكن ذات السبب لا يمكن أن تفعلها ، فمثلاً صلاة الكسوف إذا قلنا لا تصلي الكسوف حتى يزول وقت النهي ربما أن الإنسان ما يتمكن يزول الكسوف قبل زوال وقت النهي ، وحين إذن تفوت هذه الصلاة ، مثل تحية المسجد وسنة الوضوء ... إلخ .
وهناك صلوات أيضاً يجوزونها الصلاة السادسة : قالوا فعل المنذورة إذا نذرها في وقت النهي ، يعني شخص قال : لله علي أن أصلي بعد العصر ركعتين ، قالوا : يجوز أن يصلي بعد العصر ركعتين .
وهذا فيه نظر .
والصحيح أنه إذا نذر أن يصلي بعد العصر ركعتين تطوعاً أن نذره أصلاً لا ينعقد لأنه نذر محرم ، النذر هذا معصية وهل ينعقد أو لا ينعقد ؟
هذا موضع خلاف ، لكن الصواب في ذلك : أنه لايجوز له أن يفعله .
وهل تجب عليه كفارة يمين أو لا تجب عليه ؟
هذا خلاف بين الحنابلة وجمهور أهل العلم رحمهم الله .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/359)
الصلاة السابعة : الصلاة على الجنازة في الوقتين الطويلين ، يعني يقولون لك أن تصلي على الجنازة في الوقتين الطويلين مطلقاً .
وكذلك أيضاً يجوز لك أن تصلي على الجنازة في الأوقات الثلاثة المغلظة إذا خفت عليها
الصلاة الثامنة : تحية المسجد إذا دخل والإمام يخطب خطبة الجمعة ، وكيف تحية المسجد والإمام يخطب خطبة الجمعة ؟
لأن المذهب كما سيأتي أنهم يرون أن الجمعة تقام قبل الزوال ، لابأس أن تقام من بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح كصلاة العيد فإذا أقيمت في وقت صلاة العيد أو أقيمت في الضحى أو أقيمت قبل الزوال شرع الخطيب في الخطبة قبل الزوال ثم دخل شخص وصادف دخوله وقت الزوال فقالوا صل تحية المسجد والإمام يخطب وقت الزوال ، هذا يستثنونه .
وهذا مما يؤكد ترجيح القول بأن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي .
بقينا ما هي ذات السبب التي تشرع هل كل ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي أو نقول بأن هذا خاص في بعض ذوات الأسباب ؟
هذا سيأتينا الخلاف بين الشافعية وبين شيخ الإسلام رحمه الله .
لأن الشافعية وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرون بأن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي ، والشافعية هم أو سع المذاهب فيما يتعلق بأوقات النهي .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكرنا بأنهم يقولون أن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي وأيضاً يقولون أن النهي في الفجر يبدأ بعد الصلاة ويوم الجمعة ما فيه وقت نهي وأيضاً يرون أن مكة ليس فيها وقت نهي ، خلافاً لجمهور أهل العلم رحمهم الله .
بقي مسألتان تتعلقان بأوقات النهي :
المسألة الأولى : نحن ذكرنا أن ذوات الأسباب الصحيح أنها تشرع في أو قات النهي لكن ما هو ضابط الصلاة ذات السبب ، هل كل صلاة ذات سبب تشرع في أو قات النهي أو أن في هذا تفصيلاً ؟
(1/360)
وسبق أن ذكرنا أن الشافعية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي مثل سنة الوضوء وتحية المسجد وركعتي الطواف وإعادة الجماعة ومثل صلاة الكسوف ... إلخ .
هذه الصلوات التي لا تشرع دائماً وإنما تشرع عند وجود سببها قلنا أن الصواب أنها تشرع في أوقات النهي .
ما هي الصلاة ذات السبب التي تشرع في أوقات النهي ، هل كل ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي أم لا ؟
نقول الذين قالوا بشرعية ذوات الأسباب في أوقات النهي اختلفوا في ضابط ذات السبب التي تشرع في أوقات النهي على رأيين :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الأول : وهو ماذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال : بأن الصلاة التي إذا أخرت عن سببها تفوت فإنها تشرع في أوقات النهي أما التي إذا أخرت عن سببها لا تفوت فإنها لا تشرع في أوقات النهي . هذا الرأي الأول ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله يعلق الأمر بالفوات .
والرأي الثاني : رأي الشافعية رحمهم الله ويفصلون بين السبب المتقدم والسبب المقارن والسبب المتأخر ، فيقولون بأن الصلاة في أوقات النهي تشرع لسبب إذا كان سببها متقدماً أو مقارناً أما إن كان متأخراً فإنها لا تشرع .
ويتضح هذا بالمثال : مثلاً صلاة الاستسقاء صلاة ذات سبب لا تشرع دائماً لا يجوز أن تصلى صلاة الاستسقاء إلى عند وجود سببها وهو انقطاع الأمطار وقحط الديار وغور المياه ... إلخ ، فإذا وجد السبب شرعت صلاة الاستسقاء .
هل يشرع أن نفعل صلاة الاستسقاء في صلاة النهي أو نقول لا تشرع ؟
(1/361)
على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا لا يجوز لأن صلاة الاستسقاء لو أخرناها عن وقت النهي ما فاتت فلا بأس أن نؤخر صلاة الاستسقاء من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس فإذا طلعت الشمس وارتفعت قيد رمح صلينا صلاة الاستسقاء
فلا تفوت ولو صليناها بعد ساعة لا تفوت ... إلخ .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن عند الشافعية يرون أن صلاة الاستسقاء تفعل في أوقات النهي وهذا مرجوح لأنهم يرون أن سببها متقدم .
أيضاً من الأمثلة على ذلك مما يظهر فيه الخلاف ، صلاة الاستخارة هل تشرع في أوقات النهي أو لا تشرع في أوقات النهي ؟
على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا كان الشيء يفوت فإن صلاة الاستخارة تشرع يعني مثلاً إنسان يريد أن يشتري سيارة بعد العصر والبيع سيحصل لو أخر لو قال انظروني حتى يخرج وقت النهي وأصلي صلاة الاستخارة ما انتظره الناس البايع لن ينتظره ، فنقول هنا لو شرى وترك الصلاة فاتت الصلاة ولو أنه أخر الصلاة فات البيع فعلى كلام شيخ الإسلام مادام أن الصلاة تفوت بتأخيرها عن سببها تشرع .
لكن لو كان الأمر واسع البائع يقول لك يوم أو يومين فهل تشرع أو لا تشرع ؟
نقول لا تشرع لأنها لا تفوت إذا أخرت عن سببها .
وأما عند الشافعية رحمهم الله فيرون أنها لا تشرع في أوقات النهي .
والصواب في ذلك : التفصيل .
فتلخص لنا : أن ذات السبب التي إذا أخرت عن سببها تفوت تشرع في أوقات النهي أما ذات السبب التي إذا أخرت عن سببها لا تفوت ويمكن أن تتدارك فنقول بأنها لا تفعل في أوقات النهي ، هذا هو الصواب .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/362)
أيضاً من الصلوات التي استثناها العلماء رحمهم الله وقالوا بأنها تشرع في أوقات النهي قالوا : سنة الظهر البعدية إذا جمع العصر جمع تقديم .
إذا جمع العصر جمع تقديم دخل وقت النهي لأن وقت النهي يبدأ من بعد الفراغ من صلاة العصر سواء صليت في وقتها أو صليت في وقت الظهر جمع تقديم فلو أن إنساناً مريضاً ثم بعد ذلك صلى الظهر والعصر جمع تقديم ، نقول الآن دخل وقت النهي بقينا في سنة الظهر البعدية هل يفعلها أو لا يفعلها ؟
نقول بأنه يفعلها .
ومثل ذلك لو حصلت أمطار فإن الشافعية يرون الجمع بين الظهرين في حال المطر .
حصلت أمطار غزيرة وجمع الناس صلوا الظهر والعصر جمع تقديم ، هل يصلي سنة الظهر البعدية أو نقول بأنه لا يصليها ؟
نقول استثناها العلماء رحمهم الله وقالوا لا بأس أن يصلي سنة الظهر البعدية بعد العصر ، ويدل لذلك ما سبق من حديث أم سلمة وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر سنة الظهر البعدية لما شغله وفد عبد القيس وصلاها بعد العصر ، فهذا دليل لما ذكره العلماء رحمهم الله من أنه إذا جمع جمع تقديم فإنه لا بأس أن يصلي السنة البعدية بعد صلاة العصر
أيضاً بقينا في مسألة أخيرة تتعلق في أوقات النهي :
هل هناك بلاد تخصص من أوقات النهي أو لا ؟
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمهور أهل العلم أن جميع البلدان سواء لعموم الأحاديث لا فرق بين مكة وغيرها ، النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي سعيد :" لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس "
وأيضاً حديث عمرو بن عبسة وحديث عقبة بن عامر وغير ذلك من الأحاديث وهذه لم يرد فيها استثناء مكة ، فهذه تشمل مكة وغيرها .
(1/363)
والرأي الثاني : مذهب الشافعية أن مكة لا نهي فيها وعلى هذا لو أن الإنسان تنفل في الحرم بعد العصر أو بعد الفجر فإن هذا جائز ولا بأس به ، هذا ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله .
ويستدلون على هذا بحديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" يابني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف وصلى في هذا البيت أية ساعة من ليل أو نهار " فقال : صلى في هذا البيت أية ساعة من ليل أو نهار .
وأجاب الجمهور عن هذا بأن المراد بذلك : ركعتي الطواف ، هذا المراد به , وركعتي الطواف من ذوات الأسباب وذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي .
واستدلوا بحديث أبي ذر وهو ضعيف لا يثبت :" لا صلاة بعد صلاة الصبح ولا صلاة بعد صلاة العصر إلا بمكة " وهذا أخرجه البيهقي وغيره وهو لا يثبت .
وعلى هذا نقول الصحيح في ذلك : أن مكة وغيرها من البلدان سواء .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأن النهي كما هو في غيرها أيضاً يكون في مكة ولا خصوصية لمكة فيما يتعلق في أوقات النهي .
وسبق أن أشرنا أن مذهب الشافعية هو أوسع المذاهب في أوقات النهي .
صلاة الجماعة........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب في صلاة الجماعة وأحكامها وما يبيح تركها وما يتعلق بذلك
قال المؤلف :
" صلاة الجماعة " صلاة مضاف ، والجماعة مضاف إليه ، وهذا من باب إضافة الشيء إلى نوعه لأن الصلوات أنواع :
منها صلاة الجماعة ومنها صلاة التطوع ومنها صلاة الفريضة .. إلخ .
فصلاة الجماعة من باب إضافة الشيء إلى نوعه .
وصلاة الجماعة معناها : أي الصلاة التي تشرع أن تفعل جماعة .
ويبين المؤلف رحمه الله أحكامها كما سيأتي إن شاء الله .
(1/364)
وهناك أنواع من الصلوات شرعت جماعة مثل الفرائض ، ومثل الجمعة ، ومثل الكسوف والاستسقاء والتراويح ... إلخ .
وكونها تؤدى جماعة هذا فيه حكم كثيرة جداً من أهم هذه الحكم :
تقوية الرابطة بين المسلمين فإن المسلمين أخوة يجمع بينهم رباط الإيمان وعقيدة التوحيد وأخوة الإسلام وكون الصلوات تؤدى في المساجد هذا مما يقوي هذه الرابطة .
ومثل هذه الشرعية صلاة الجماعة هذه في ملة الإسلام فقط لا توجد لا في اليهودية ولا في النصرانية وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً من حكمها : ما يحصل من الوحدة والإئتلاف ودفع الشر والخلاف وهذا مطلب للشارع ، كون المسلمين يتوحدون ويأتلفون هذا مطلوب للشارع .
وأنت إذا تأملت شرائع الإسلام تجد أنها تدعوا إلى هذا المبدأ كثيراً حتى في المعاملات النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه وأن يشتري على شرائه وأن يسوم على سومه لما في ذلك من إيغار القلوب وحصول الوحشة ، وإذا تنافرت القلوب تنافرت الأبدان .
وحتى في الأنكحة كما سبق لنا أن الشارع نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه لوجود هذا المعنى .
وأيضاً ما يحصل من التواد والمحبة والتواصل بين المسلمين وما يحصل من التكافل الإجتماعي وإن المسلمين إذا فقدوا أخاهم في المسجد أدى ذلك إلى السؤال عنه وما يترتب على هذا السؤال من زيارته إن كان مريضاً ومن إعانته إن كان محتاجاً ... إلخ .
ومن حكم صلاة الجماعة : إمتثال أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم والإقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام والصحابة رضي الله تعالى عنهم .
ومن حكمها : ما يترتب على ذلك من الفضل العظيم وأن الإنسان إذا خرج من بيته لم يخطو خطوة إلا رفع له بها درجة وحط له بها خطيئة وكتب له بها حسنة ، وإذا جاء إلى
(1/365)
تلزم الرجال للخمس المؤدات................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسجد وصلى ما كتب له لم تزل الملائكة تدعو له اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه اللهم صل عليه ... إلخ .
وهذا لاشك أنه فضل عظيم وأجر كبير وما يترتب على ذلك من بركات كثيرة لا تحصل لمن صلى منفرداً .
فمن البركات ما يحصل من الأدعية والأذكار التي تقال بعد الخروج وأثناء الخروج وعند دخول المسجد وتحية المسجد وقراءة القرآن وصلاة تحية المسجد وإطلاق تكبيرة الإحرام وإطلاق فضل الجماعة .. إلخ .
فهذه حكم عظيمة تدل على أن صلاة الجماعة أنها من محاسن هذه الشريعة وكما ذكرنا أن هذا مما انفردت به هذه الشريعة الغراء .
" تلزم الرجال للخمس المؤدات " فقال المؤلف رحمه الله : تلزم يعني أن صلاة الجماعة واجبة.
لكن متى تكون واجبة ؟
قال : للخمس المؤدات ، فصلاة الجماعة لاتجب إلا للخمس وسنتكلم عليه ، لكن قول المؤلف رحمه الله تلزم يؤخذ من هذا أن صلاة الجماعة للخمس فرائض واجبة .
وصلاة الجماعة هذه اختلف فيها أهل العلم هل هي واجبة أم لا ؟
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الجماعة للجمعة فهذه واجبة بالإجماع ، العلماء يجمعون على ذلك فليس هناك جمعة من منفرد ، لكن يختلف العلماء كما سيأتينا إن شاء الله في أقل عدد الجمعة ، أما بالنسبة للجماعة في الصلوات فهذه موضع خلاف .
هل هي واجبة أو ليست واجبة ؟
العلماء رحمهم الله لهم في ذلك أربعة آراء :
الرأي الأول : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة أن صلاة الجماعة واجبة .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله أنها سنة .
والرأي الثالث : رأي الشافعي أنها فرض كفاية .
(1/366)
والرأي الرابع : وهو أشد الأقوال أنها شرط لصحة الصلاة ، وهذا مذهب الظاهرية وهو كلام قديم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وكلامه الجديد : أنها واجبة على الأعيان ، يعني ليست شرطاً ، إذا تركها الإنسان بلا عذر فإن صلاته صحيحة لكنه يأثم .
ولكل منهم دليل :
وهذه المسألة طال كلام أهل العلم رحمهم الله فيها لكن نختصر الكلام نذكر أبرز الأدلة لكل قول من هذه الأقوال :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الذين قالوا بأنها فرض كما هو مذهب أحمد وأبي حنيفة رحمهم الله استدلوا على ذلك بأدلة كثيرة من هذه الأدلة : أن الله عز وجل أمر بالجماعة في السفر وفي حال الخوف ، ففي الحضر وفي حال الأمن من باب أولى ، كما قال الله عز وجل :" وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك "
وأيضاً وجه آخر من وجوه الاستدلال من هذه الآية : أن الشارع رخص في ترك كثير من أحكام الصلاة في صلاة الخوف كل ذلك من أجل أن تفعل الجماعة ، ففيها الحركة ، يعني من صفات صلاة الجماعة أنهم يصفون مع النبي صلى الله عليه وسلم صفين ثم يركعون ويرفعون ثم بعد ذلك تذهب طائفة عندما يريد أن يسجد الإمام تذهب طائفة وتقابل العدو وهي في صلاتها تتحرك وهي في الصلاة ثم بعد ذلك ترجع ثم يحصل التقدم ثم يحصل التأخر ... إلخ .
فتركت بعض أحكام الصلاة كل ذلك من أجل تفعل الصلاة جماعة .
وكذلك استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام :" أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً .. إلى أن قال : هممت أ أمر بالصلاة فتقام ثم أمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق ومعي حزم من حطب إلى قوم يتخلفون عن الصلاة وأحرق عليهم بيوتهم بالنار "
(1/367)
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالنبي عليه الصلاة والسلام هم أن يحرق عليهم لتخلفهم .
وأيضاً ما ثبت في صحيح مسلم وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام للأعمى :" هل تسمع النداء ؟ قال نعم ، قال : أجب لا أجد لك رخصة "
وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن نبيكم شرع لكم سنن الهدى .. إلى أن قال رضي الله تعالى عنه : ولقد رأيتنا ولا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض .
فالصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يصلون ولا يتخلف إلا المريض أو المنافق ، والمريض الذي يتخلف هو المريض الذي اشتد مرضه ، ولهذا قال : ولقد كان الرجل يأتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف .
فهذا يدل على أنه حتى وإن كان به شيء من المرض ويحتاج إلى من يساعده يأتى به ويقام في الصف حتى يصلي مع الناس .
والذين قالوا بأنها سنة استدلوا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة "
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن صلاة الفرد فيها فضل وهذا يدل على عدم الوجوب ، لأن قوله : تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد ، هنا دليل على أن صلاة الجماعة فيها فضل وأن صلاة المنفرد فيها فضل ، لكن الفضل في صلاة الجماعة أكثر بسبع وعشرين درجة ، فهذا يدل على أن فيها فضل وإذا كان فيها فضل لا يدل على الوجوب
(1/368)
وأجيب عن هذا : بأن ذكر فضل الشيء لا يدل على عدم وجوبه كما قال الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم "
فذكر الله عز وجل فضل الإيمان والجهاد مع أن كلاً منهما واجب .
وكذلك استدلوا بحديث يزيد بن الأسود وفيه قصة الرجلين لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الفجر وجد رجلين ناحية المسجد لم يصليا فدعا بهما النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بهما ترعد فرائصهما فقال : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قالوا : يا رسول الله صلينا في رحالنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة "
فقالوا هذا دليل على عدم وجوب الجماعة لأن هذين الرجلين صليا في رحالهما .
وأجيب : بأن هذا الحديث في السفر في منى والناس يصلون في منازلهم وأماكن إقامتهم .
كما هو صنيع الناس اليوم .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذين قالوا بأنها فرض كفاية قالوا بأنها فرض دليلهم على ذلك ما تقدم من أدلة أبي حنيفة وأحمد ، وقالوا بأنها على الكفاية استدلوا على ذلك بأنها من شعائر الإسلام الظاهرة وإذا كان كذلك فإنه يحصل بالبعض .
يعني إقامة هذه الشعيرة يحصل بالبعض فإذا كان هناك جملة من الناس يصلون في المسجد كفى ذلك .
والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله وكذلك أيضاً أبي حنيفة وأن صلاة الجماعة واجبة وأن الإنسان إذا تركها بلا عذر فإنه يأثم .
واستدل ابن القيم أيضاً يؤيد ذلك بحديث علي بن شيبان وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام :" لا صلاة لمنفرد خلف الصف " قال ابن القيم رحمه الله :
(1/369)
إذا كان منفرداً خلف الصف لا صلاة له فكيف إذا كان منفرداً عن الصف وعن الجماعة فهذا من باب أولى أنه لا صلاة له .
وأما الذين قالوا بأنها شرط لصحة الصلاة وهو مذهب ابن حزم رحمه الله وكما قلنا هو قول قديم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :" من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر "
ومثله حديث أبي موسى .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن هذان الحديثان الصحيح أنهما لا يثبت رفعهما للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولو ثبت نقول هاذان الحديثان يدلان على وجوب صلاة الجماعة وليس أنها شرط ، لأن عندنا دليلاً دل على أنها تصح من المنفرد وهو حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يدل على أنها تصح من المنفرد .
وقوله تلزم الرجال : ظاهر كلام المؤلف رحمه الله سواء كانوا أحراراً أو أرقاء كلهم تجب عليهم الجماعة ، وهذا هو الصواب خلاف ما عليه أكثر أهل العلم أن الأرقاء لا تجب عليهم الجماعة .
والصواب في هذه المسألة : أنه لا فرق بين الأحرار والأرقاء لعموم الأدلة .
وعندنا قاعدة وهي:{ الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية المحظة إلا بدليل}
وقوله الرجال : يخرج النساء ، فالنساء لا تجب عليهن الجماعة لأنهن لسن من أهل المساجد ، فلا نقول أن المرأة يجب عليها أن تخرج إلى المسجد أو أن تصلي جماعة .
لكن ما حكم صلاة النساء إذا اجتمعن ، النساء إذا اجتمعن هل صلاتهن مستحبة ومشروعة أو نقول بأنها غير مشروعة ؟
العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/370)
الإمام أحمد والشافعي يقول : يستحب للنساء إذا اجتمعن أن يصلين جماعة ، هذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله والشافعي .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله وهو الكراهة ، أنه يكره للنساء .
والرأي الثالث : رأي أبي حنيفة التفصيل : وأنها مستحبة للنساء في الفرائض دون النوافل
فمالك يقول بأنها مكروهة للنساء في الفريضة وفي النافلة ، وأبو حنيفة يقول بأنها مستحبة في الفرائض دون النوافل .
والإمام أحمد والشافعي يريان أنها مستحبة مطلقاً في الفرائض والنوافل ، في الفرائض هذا ظاهر والنفل لو صلينا قيام رمضان .. إلخ .
نقول : هذا مستحب .
أو مثلاً صلينا صلاة الكسوف نقول هذا مستحب لهن .
وهذا القول هو الأقرب .
الأقرب في ذلك : هو الاستحباب .
إذا اجتمعن فالأقرب في ذلك أنه يستحب أن يصلين جماعة .
وهذا أولاً دليله قول النبي عليه الصلاة والسلام :" صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل فما كان أكثر فهو أحب إلى الله "
للخمس..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا نقول صلاة المرأة مع المرأة أزكى من صلاتها وحدها .
وأيضاً استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم ورقة أن تأم أهل دارها .
وأيضاً وروده عن عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما بأسانيد صحيحة .
فنقول الصواب في هذا : ما ذهب إليه الإمام أحمد والشافعي .
" للخمس " الخمس يخرج ماعدا الفرائض الخمس لكن يبقى عندنا الجمعة .
فالجمعة هذه بالإجماع كما سيأتي .
وعلى هذا نفهم أن صلاة الاستسقاء هل تجب فيها الجماعة أو لا تجب ؟
على كلام المؤلف لا تجب الجماعة ، لو صلى الاستسقاء وهو منفرد صح ذلك .
صلاة الكسوف هل تجب لها الجماعة أو لا تجب ؟
لا تجب لها الجماعة .
صلاة الجنازة لا تجب لها الجماعة .
(1/371)
صلاة الوتر لا تجب لها الجماعة .
قيام رمضان لو صلى لوحده في البيت صح ذلك .
فالجماعة إنما تجب في الخمس ، يقول المؤلف رحمه الله في الخمس ، للصلوات الخمس فقط
أما ماعدا ذلك فقد تشرع لها الجماعة لكن لا تجب .
المؤداة.................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" المؤداة " يخرج المقضيات ، وعلى هذا لو أن جماعة ناموا عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، أخروا صلاة الفجر حتى طلعت الشمس وأرادوا أن يقضوا ، هل تجب عليهم الجماعة أو لا تجب ؟
على كلام المؤلف رحمه الله لا تجب الجماعة ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
والرأي الثاني : أنها تجب الجماعة للمقضيات والمؤدات ، وهذا القول هو الصواب .
فعلى هذا لو أخروا صلاة الجماعة حتى خرج وقتها ، نقول يجب عليهم أن يؤدوها جماعة
ويدل لهذا حديث مالك بن حويرث وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليأمكم أكبركم "
فقال : إذا حضرت الصلاة ، وحضور الصلاة يشمل حضورها في وقتها وحضورها بعد وقتها .
وقوله المؤدات : هذا يشمل ما إذا كان الإنسان في الحضر أو كان في السفر وعلى هذا نفهم أن صلاة الجماعة لا تسقط في السفر ، فصلاة الجماعة واجبة في الحضر والسفر والنبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي الجماعة في السفر ولم يحفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ترك الجماعة في السفر .
مع القدرة لا شرطاً وله فعلها ببيته..................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويدل لذلك حديث مالك بن حويرث رضي الله تعالى عنه وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليأمكم أكبركم " وهم مسافرون ،
ومفهوم كلام المؤلف رحمه الله هو خلاف المذهب ، فالمذهب لا يرون وجوبها في السفر
(1/372)
والصواب في ذلك : أنها واجبة في السفر كما أنها واجبة في الحضر .
" مع القدرة " يعني مع العجز تسقط صلاة الجماعة وسيأتينا إن شاء الله باب مستقل فيما يعذر فيه بترك الجمعة والجماعة ، فإذا كان الإنسان يعجز عن صلاة الجماعة إما لمرض أو يلحقه مشقة شديدة .. إلخ ، نقول بأن صلاة الجماعة تسقط عنه ،
للقاعدة { أن المشقة تجلب التيسير } والله عز وجل يقول :" ما جعل عليكم في الدين من حرج "
ويقول " بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا "
" لا شرطاً " يعني أن صلاة الجماعة ليست شرطاً في صحة الصلاة وهذا المؤلف رحمه الله يدفع به قول من قال بأنها شرط وكما ذكرنا أن الظاهرية يقولون بأنها شرط وذكرنا دليلهم وذكرنا الجواب عنه .
" وله فعلها ببيته " يقول المؤلف رحمه الله لا بأس أن يفعلها ببيته ، هم ذكروا أن صلاة الجماعة واجبة لكن لو أنه فعلها ببيته سقط عنه الإثم وأدى الواجب .
وأفضلها المسجد العتيق.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا لو أن الإنسان صلى مع أهله في البيت كفى ذلك لا حاجة إلى أن يأتي إلى المسجد ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
وفي رواية ثانية عن الإمام أحمد رحمه الله : يجب أن يفعلها في المسجد وإلا ما الحكمة من بناء المساجد .
وأيضاً تنتفي الحكم الكثيرة التي من أجلها شرعت صلاة الجماعة .
الشارع لا يشرع شيء إلا لمعنى فكيف أن نقول صلاة الجماعة واجبة ثم نقول افعلها في بيتك ، هنا تنتفي الحكم الكثيرة والمقاصد الشرعية التي من أجلها شرعت صلاة الجماعة .
فالصحيح في ذلك : أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد .
هم يستدلون على هذا بقول النبي عليه الصلاة والسلام :" وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " نقول صحيح الأرض مسجد مكان للسجود ، وهذا من خصائص هذه الأمة ليس كالأمم السابقة أن الصلاة لا تصح إلا في الكنائس والبيع ... إلخ .
(1/373)
فالإنسان يصلي إذا كان بعيد عن المساجد يصلي في أي مكان لكن إذا كان قريباً من المساجد فإنه يصلي في المساجد .
" وأفضلها " يعني أفضل المساجد .
" المسجد العتيق " أي المساجد للإنسان أفضل أن يصلي فيها ؟
قال المؤلف رحمه الله أفضل شيء أن الإنسان يصلي في المسجد العتيق .
ثم الأكثر جماعة وأبعد أولى من أقرب................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالعتيق المقصود به : القديم ، والعلة في ذلك قالوا : لأن الطاعة فيه أسبق .
ثم بعد ذلك قال :
" ثم الأكثر جماعة " بعد العتيق لو تساويا في القدم ننظر إلى الأكثر جماعة ، ودليل ذلك ما تقدم :" صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل " وهذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم .
" وأبعد أولى من أقرب " يعني على كلام المؤلف ننظر العتيق فإن تساويا في القدم والجدة يقدم الأبعد ثم بعد ذلك يقدم الأكثر جماعة .
والدليل على أنه يقدم الأبعد قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى :" أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى " وهذا رواه البخاري .
فأصبحت المراتب : الأولى : العتيق ثم بعد ذلك الأبعد ثم بعد ذلك الأكثر جماعة .
والرأي الثاني في المسألة : أن الأكثر جماعة أفضل من العتيق لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل " وهذا القول هو الصواب .
الصواب : أن الأكثر جماعة أفضل من العتيق لما ذكرنا من الدليل .
والأقرب أيضاً في هذه المسألة أن يقال : إن الأفضل للإنسان أن يصلي فيما حوله من المساجد ، ويدل لهذا دليلان :
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/374)
أما الدليل الأول فحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما :" ليصلي أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتخطاه إلى غيره ".
وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف لكن يعضد ما ذكرنا .
وثانياً : أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في المساجد التي تكون قريبة من المسجد النبوي كانوا يصلون في مساجدهم ماكانوا يتركون مساجدهم ويأتون للمسجد النبوي ، ولهذا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يذهب ويصلي بقومه في مسجدهم فهذا دليل على أن الإنسان يصلي في المسجد الذي يليه .
وأيضاً دليل ثالث : أن كون الإنسان يصلي في المسجد الذي يليه هذا أحرى لإجتماع أهل الحي وعدم تفرقهم ، وهذا مطلوب للشارع وهو من حكم صلاة الجماعة ، وكذلك أيضاً أن هذا لا يؤدي إلى إساءة الظن بالذي ترك مسجده وأنه لا يصلي .
ولألا يكون هناك وحشة بين الإمام وبقية المصلين وهذا المصلي ... إلخ .
فنقول الأفضل أن الإنسان يصلي في المسجد الذي يليه إلا إذا تخطاه لمسجد آخر لمعنى فيه يتعلق بذات الصلاة كأن يتخطاه إلى المسجد الحرام أو لأحد الحرمين ، أو يتخطاه إلى مسجد يكون أخشع له .. إلخ .
فهذا يظهر أنه لا بأس إن شاء الله .
وحرم أن يؤم بمسجد قبل إمامه الراتب..............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرتبة الثانية : بعد أن يصلي الإنسان في المسجد الذي يليه ، نقول المرتبة الثانية : الأبعد لما ذكرنا من حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه :" أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى " وهذا أخرجه البخاري .
وأيضاً حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه في قصة الأنصاري الذي يأتي في الظلماء وفي الرمضاء .. إلخ . وأنه أحب أن يكتب ممشاه إلى المسجد ورجوعه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله كتب له ذلك كله .
(1/375)
المرتبة الثالثة : الأكثر جماعة ، لما ذكرنا من حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده " ولأن الرحمة أقرب إلى الاجتماع .
والمرتبة الأخيرة : المسجد العتيق كما ذكر المؤلف رحمه الله .
فتكون المراتب أربع .
" وحرم أن يؤم بمسجد قبل إمامه الراتب " يعني يقول المؤلف رحمه الله : يحرم أن يتقدم إماماً في مسجد له إمام راتب .
والإمام الراتب : هو من رتب سواء كان ذلك من ولي الأمر ومن ينوبه اليوم من الأوقاف ومن يعنى بشؤون المساجد أو كان ذلك من جماعة المسجد .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذا يسمى إمام راتب فيحرم أن تتقدم عليه ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم :" لا يؤمن الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه "
وأيضاً إذا كان هذا في البيت ففي المسجد بجامعه أن له الأحقية في كلٍ .
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود :" ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه " والإمام في مسجده له سلطة فيحرم أن يتقدم ، هذا من حيث الحكم التكليفي .
ومن حيث الحكم الوضعي لو تقدم ما حكم الصلاة ، هل الصلاة صحيحة أو الصلاة غير صحيحة ؟
هذا فيه رأيان للعلماء رحمهم الله :
الرأي الأول : أن الصلاة باطلة ، وهذا هو المشهور من المذهب لما ذكرنا من حديث ابن مسعود :" ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ".
والرأي الثاني : أن الصلاة صحيحة وهذا ذهب إليه بعض الحنابلة كصاحب الرعاية لأن النهي لا يعود إلى ذات المنهي عنه وإنما يعود إلى أمر خارج ، قد تقدم لنا في القواعد والأصول أنه إذا عاد النهي إلى أمر خارج فإنه لا يقتضي الفساد ، فنقول هنا لا يقتضي الفساد .
وهذا القول هو الصواب .
(1/376)
إلا بإذنه أو مع عذره............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله الراتب : هذا يخرج الإمام غير الراتب فيؤخذ من كلام المؤلف أنه لو تقدم على إمام غير راتب أن هذا جائز ولا بأس به لأنه ليس له حق في ذلك
" إلا بإذنه " إلا بإذنه يعني استثنى المؤلف مسألتين يجوز فيها التقدم على الإمام الراتب :
المسألة الأولى : أن يأذن فإذا أذن فإن هذا جائز ولا بأس به ، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي هريرة في قصة المتخلفين :" ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام وآمر رجلاً فيصلي بالناس " قال : آمر رجلاً فيصلي بالناس ، هذا يدل على الإذن .
وأيضاً لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم قال :" مروا أبا بكر فليصلي بالناس "
" أو مع عذره " يعني إذا كان معذوراً هذه المسألة الثانية .
المسألة الثانية : إذا كان معذوراً فإن هذا لا بأس به ، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض صلى أبو بكر رضي الله تعالى عنه .
ذكر المؤلف رحمه الله مسألتين : المسألة الأولى : الإذن .
المسألة الثانية : العذر .
المسألة الثالثة : إذا تأخر عن وقته المعتاد ، هل يصلى أو لا يصلى ؟
فالمشهور من المذهب : أنه إذا تأخر عن وقته المعتاد أنه يراسل بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون محله قريباً .
الشرط الثاني : عدم المشقة .
ومن صلى ثم أقيمت سن أن يعيد غير مغرب.......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا إذا كان محله بعيداً فإنهم يصلون ، وإن كان هناك مشقة فإنهم يصلون .
وكذلك أيضاً إذا ظن أنه لا يكره ذلك أيضاً يصلون وهذا حال كثير من الناس اليوم أنهم لا يكرهون .
وكذلك أيضاً إذا ظن عدم حضوره يصلون .
(1/377)
ويدل لهذا فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما تخلف النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك مع المغيرة بن شعبة قدم الصحابة رضي الله تعالى عنهم عبد الرحمن بن عوف ، وصلى بهم .
وهنا تأخر النبي عليه الصلاة والسلام عن وقته المعتاد ومع ذلك ما انتظره الصحابة وأثنى عليهم بأن قال : أحسنتم .
" ومن صلى ثم أقيمت سن أن يعيد غير مغرب " إذا صلى ثم أقيمت سن أن يعيد ، إذا صلى الإنسان ثم أقيمت الصلاة فإن هذا لا يخلو من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يكون في المسجد والصلاة غير المغرب فإنه يعيدها كالإمام تماماَ ويدل لهذا حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صل الصلاة لوقتها فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل ولا تقل إني صليت فلا أصلي "
الحالة الثانية : أن يكون خارج المسجد والصلاة غير المغرب ، فهذا المذهب يفصلون :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن كان في وقت النهي لا يصلي أما الحالة الأولى يصلي في وقت النهي أو في غير وقت النهي ، والحالة الثانية إذا كان خارج المسجد فإنه يعيد إلا إن كان في وقت النهي .
مثلاً : أقيمت العصر وقد صلى وهو جاء إلى المسجد والناس يصلون لايصلي معهم .
لكن لو أقيمت وهو في المسجد يصلي معهم .
الظهر لو أقيمت وهو خارج المسجد ثم جاء يصلي سواء كان في المسجد أو خارج المسجد .
والصواب : أن يعيد مطلقاً لأن إعادة الصلاة هذه من ذوات الأسباب وسبق أن ذكرنا أن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي .
الحالة الثالثة : أن تكون المعادة صلاة المغرب ، فهذه هل يعيدها ؟ وإذا قلنا بأنه يعيدها هل يشفعها بركعة أو لا ؟
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنه يعيد وهذا هو الصواب .
لكن بقينا هل يشفعها بركعة أو لا ؟
هذا موضع خلاف ، فيه رأيان :
(1/378)
الرأي الأول : أنه يعيد المغرب ويشفعها بركعة يأتي بركعة لألا يجتمعا وتران ، فالمغرب صلاها ثلاثاً ثم أعادها مع الإمام قالوا يشفعها بركعة فيصلي أربعاً لألا يجتمع عنده وتران
لأن المعادة تكون تطوع وهو سيوتر .
ولا تكره إعادة جماعة في غير مسجدي مكة والمدينة ولا فيهما لعذر....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : ذهب إليه صاحب الفائق رحمه الله أنه لا حاجة إلى أن يشفعها وكونه تطوع بثلاث هذا جاء تبعاً والقاعدة : { أنه يثبت تبعاً ما يثبت استقلالاً } .
وهذا القول هو الصواب وعلى هذا نقول إذا دخل المسجد والناس يصلون المغرب فإنه يصلي معهم ثلاث ركعات ، هذا الصواب .
" ولا تكره إعادة جماعة في غير مسجدي مكة والمدينة ولا فيهما لعذر " المقصود بإعادة الجماعة هنا غير إعادة الجماعة في الصورة السابقة .
إعادة الجماعة في الصورة السابقة : إنسان صلى وانتهى من الصلاة ثم جاء إلى المسجد فوجد الناس يصلون فهو يشرع أن يعيد معهم .
وأيضاً ننبه أن تتبع المساجد يعني إذا جاء للمسجد لسبب لكن تتبع المساجد لإعادة الجماعة هذا ليس عليه هدي السلف .
هنا إعادة الجماعة التي ذهب إليها المؤلف رحمه الله تعالى إعادة الجماعة في الصورة الثانية : هي أن يصلي الإمام الراتب ثم بعد ذلك تأتي جماعة هل يشرع أن يصلوا جماعة أو نقول صلوا فرادى ؟
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صورة المسألة : جماعة أخرى تقام في المسجد ، الإمام الراتب صلى وانتهى من الصلاة ثم دخل اثنان أو ثلاثة فاتتهم الصلاة ، هل نقول يشرع لكم أن تصلوا جماعة أو نقول صلوها فرادى ؟
(1/379)
المؤلف رحمه الله يقول هذا غير مكروه إلا في مسجد مكة والمدينة فيكره ، إلا إذا كان لعذر .
فمثل مساجدنا هذه على كلام المؤلف ، هل يكره أو لا يكره إعادة الجماعة ؟
يقول لك غير مكروهة .
في الحرم المكي والحرم المدني يكره أو لا يكره ؟
يقول المؤلف رحمه الله مكروه ، وعلى هذا إذا كنت في مكة ثم جإت وقد سلّم الإمام أنت وصاحبك ما تصلون جماعة وإنما تصلون فرادى إلا إذا كان تأخركم عن الجماعة لعذر .
إذا كان تأخركم عن الجماعة لعذر فإن هذا جائز ولا بأس أن تصلوا جماعة .
فأصبح عندنا على كلام المؤلف يفصل في المساجد غير الحرمين يجوز ولا كراهة .
في الحرمين : يكره أن تعيد الجماعة إلا إذا كان لعذر .
وإعادة الجماعة يعني أن يصلي الإمام الراتب ثم تأتي جماعة أخرى هذا لها ثلاث حالات :
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الأولى : أن يكون ذلك راتباً يعني دائماً يكون في هذا المسجد جماعتان ، وهذا الآن يوجد وكان موجود في الحرم المكي مقام الحنفية ومقام الشافعية ومقام المالكية .. إلخ مقامات وكل مقام له إمام راتب يصلي به .
ثم بعد ذلك ألغي في وقت الملك عبد العزيز .
والشيخ أحمد شاكر أيضاً ذكر أنه في الأزهر وأيضاً يقول في جامع الحسين أن هناك جماعتين :
جماعة يصلون في أول الوقت والشافعية يصلون في أول الوقت والحنفية يأخرون .. إلخ .
وجعلها الشيخ أحمد رحمه الله أن هذا من الأمور المنكرة وأنه من البدع .. إلخ .
فنقول : إذا كان هناك جماعتان راتبتان في المسجد دائماً نقول بأن هذا مكروه لاشك وأن هذا من البدع وإنه خلاف مقصد الشارع من اجتماع الناس .
وهذا يوجد الآن في بعض البلاد الإسلامية التي يوجد فيها خلاف تجد أن من يذهب إلى هذا المذهب يصلون ثم يأتي من بعدهم من يخالفهم في مذهبهم يصلون صلاة أخرى إلخ .
(1/380)
فنقول بأن هذا لاشك بأنه منكر وأنه بدعة وهذا خلاف ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم ، والواجب هو الإتفاق وعدم الخلاف ، هذه الصورة الأولى .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الثانية : أن يكون المسجد مهيئاً لإقامة جماعتين أو جماعات فأكثر ، وهذا مثل مساجد الطرقات الآن توجد في الطرقات تصلي جماعة ثم تأتي جماعة .. إلخ .
فهذا لا بأس به فهذه مهيأة لإقامة أكثر من جماعة .
الحالة الثالثة : ما عدا هاتين الحالتين مثل المساجد التي لا تكون على الطرقات ولها مؤذن ولها إمام راتب مثل مساجدنا هذه ، فما حكم إقامة الجماعة مرة أخرى ؟
وهذه ألف فيها مؤلفات بعض الأخوة ألف فيها مؤلفات تشدد فيها .
وبعضهم ألف مؤلفات على النقيض من ذلك .. إلخ .
ونذكر الاختلاف على طريق الاختصار :
العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على رأيين : هل يكره أو لا يكره ؟
أكثر أهل العلم على الكراهة وأنه يكره ذلك ، قال به الشافعية والإمام مالك وأيضاً الحنفية وغير ذلك .
واستدلوا على ذلك بحديث أبي بكرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء من بعض نواحي المدينة فوجدهم قد صلوا فمال إلى بيته وجمع أهله وصلى بهم .
وهذا الحديث في إسناده نظر أخرجه الطبراني في الأوسط وإن كان الشيخ الألباني رحمه الله حسنه .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً استدلوا بأثر ابن مسعود أنه وجد الناس قد صلوا فأخذ علقمة والأسود وصلى بهم .
وهذا الحقيقة الاستدلال بهذين الدليلين ليس فيهما دليل فالنبي صلى الله عليه وسلم أعاد الجماعة لأن فرض ثبوت الحديث النبي عليه الصلاة والسلام أعاد الجماعة .
(1/381)
وابن مسعود رضي الله تعالى عنه أعاد الجماعة لكنهم لم يصلوا في المسجد لعله لعذر .
الرأي الثاني : المشهور من مذهب الحنابلة وذهب إليه ابن حزم رحمه الله إلى أن الجماعة تعاد ، أنه لا يكره أن تعاد الجماعة وهذا ما عليه عمل الناس اليوم ، أن الجماعة لا تكره بل الصحيح أنه مشروعة ، ويدل لهذا حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل "
لكن الحنابلة كما ذكرنا يستثنون الحرمين .
والصحيح : أنه لا يستثنى حتى الحرمان وأن إعادة الجماعة في الحرمين غير مكروهة ، هذا هو الصواب في هذه المسألة .
وعلتهم في ذلك قالوا : لأن لا يتوانى الناس عن حضور جماعة الإمام الراتب .
وهذه ليست علة للكراهة .
وذا أقيمت الصلاة لم تنعقد النافلة وإن كان فيها أتمها إن لم يخف فوت الجماعة........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وذا أقيمت الصلاة لم تنعقد النافلة وإن كان فيها أتمها إن لم يخف فوت الجماعة " إذا أقيمت الصلاة فإنه لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : ألا يكون في صلاة ، أقيمت الصلاة وهو ليس في صلاة فنقول : جمهور أهل العلم أنها لا تنعقد نافلته ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة :" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة "
والحنفية يخالفون في ذلك يستثنون سنة الفجر ، يقولون لا بأس إذا أقيمت الصلاة أن تصلي سنة الفجر مادمت أنك ستدرك التشهد مع الإمام .
واستدلوا باستثناء " إلا ركعتي الفجر " في البيهقي وهذا شاذ لا يثبت .
والصحيح : أنه لا فرق فإذا أقيمت الصلاة نقول لا صلاة إلا المكتوبة ولا تنعقد النافلة .
(1/382)
الأمر الثاني : أن يكون في الصلاة ، أن تقام الصلاة وهو في الصلاة ، فقال المؤلف رحمه الله يفصل قال : وإن كان فيها أتمها إن لم يخف فوت الجماعة ، يفصل إذا أقيمت وأنت تصلي إن خفت أن تفوت الجماعة فاقطع وإن لم تخف أن تفوت الجماعة فإنك تتمها خفيفة .
ولنفرض أن إنساناً في جانب من المسجد وهو لم يعلم أن الإمام قد أقام ثم بعد ذلك علم والإمام في آخر الصلاة يخشى فوت الجماعة لأن الجماعة تدرك بأي شيء على المذهب ؟
ومن كبر قبل سلام إمام أدرك الجماعة...............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأن يكبر تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام الأولى فإذا كان ما يدرك مع الإمام تكبيرة الإحرام قبل سلامه للأولى ، يقطع .
وإن كان يدرك تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام الأولى يتمها .
والرأي الثاني : ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله ، المالكية وهو التفصيل في هذه المسألة وهو إن كان صلى ركعة بسجدتيها يضيف إليها ركعة خفيفة ، وإن كان ما صلى ركعة بسجدتيها فإنه يقطعها .
وما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله هو الصواب .
ويدل لهذا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ".
" ومن كبر قبل سلام إمام أدرك الجماعة " بما تدرك الجماعة ؟
المؤلف رحمه الله يرى أن الجماعة تدرك بتكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام الأولى ، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم .
واستدلوا على ذلك قالوا : بأنه أدرك جزء من الصلاة فكما لو أدرك ركعة من الصلاة .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله واختيار شيخ الإسلام أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة ، وهذا القول هو الصواب .
وإن أدركه راكعاً أدرك الركعة........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/383)
ودليلهم ما سلف من حديث أبي هريرة أن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ".
" وإن أدركه راكعاً أدرك الركعة " إذا جاء المأموم والإمام راكع ، فعندنا ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : هل تدرك الركعة بإدراك الركوع أو لا ؟
جمهور أهل العلم أن الركعة تدرك بإدراك الركوع .
والرأي الثاني : ذهب إليه ابن حزم رحمه الله والبخاري أن الركعة لا تدرك بإدراك الركوع .
ولكل منهم دليل نذكر من أدلة الجمهور : حديث أبي بكرة ماذا صنع أبي بكرة رضي الله تعالى عنه ؟
جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف .
يؤخذ من هذا أن الركعة تدرك بالركوع وإلا لما فعل ذلك أبو بكرة رضي الله تعالى عنه
كونه يركع قبل الصف هذا يريد أن يدرك الركوع لأنه يعلم أنه إذا أدرك الركوع أدرك الركعة .
وأيضاً في الحديث :" من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة " وهذا يحسنه بعض أهل العلم رحمهم الله .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني كما قلنا رأي ابن حزم والبخاري رحمهم الله أنه إذا أدرك الركوع ما كان مدركاً للركعة واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" وما فاتكم فأتموا " هنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام ما فات من الصلاة وقد فاته القيام وهو ركن وفاته أيضاً قراءة الفاتحة وهي ركن فلابد من إتمامها .
والجواب على هذا سهل : أما الفاتحة فنقول صحيح فاتت لأن محلها قد فات فتسقط تبعاً لمحلها .
وأما القيام فهذا عذر عنه الشارع .
فالصواب : أنه إذا جاء والإمام راكع فأدركه راكعاً فإنه يدرك الركعة كما هو قول جمهور أهل العلم رحمهم الله .
المسألة الثانية : بما يدرك الركوع ؟
نقول يدرك الركوع إذا اجتمع مع الإمام في الركوع المجزئ .
(1/384)
وما هو الركوع المجزئ ؟
هذا سبق أن بيناه وهو أن يكون إلى الركوع أقرب منه إلى القيام ، فإذا كان الإمام لا يزال يسمى راكع حتى لو تحرك الإمام وأنت ركعت والإمام لا يزال منحني حيث يسمى راكع وأنت ركعت بحيث أنك لا تزال تسمى منحني كل منكم لا يزال يسمى راكع تكون أدركت الركوع .
وأجزأته التحريمة عن تكبيرة ركوع...............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثالثة : هل تكفي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع أو نقول بأنها لا تكفي ؟
قال المؤلف رحمه الله :
" وأجزأته التحريمة عن تكبيرة ركوع " وعلى هذا نقول إذا كبر تكبيرة الإحرام فإنها تغني عن تكبيرة الركوع .
والأولى أن يكبر تكبيرتين ، تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع .
ولو أنه إقتصر على تكبيرة الركوع فإن ذلك لا يجزئه عن تكبيرة الإحرام .
فأصبحت الصور ثلاث :
الصورة الأولى : أن يقتصر على تكبيرة الإحرام فقط فهذا تكفيه عن تكبيرة الركوع .
الصورة الثانية : أن يأتي بالتكبيرتين تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع فنقول هذا هو الأولى والأحوط .
الصورة الثالثة : أن يقتصر على تكبيرة الركوع نقول هذه لا تجزئه عن تكبيرة الإحرام لأنه ما انعقدت صلاته ، الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام وهذا حتى الآن لم تنعقد صلاته .
ولابد أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم لأن محل تكبيرة الإحرام كما سلف القيام .
وعلى هذا لو أنه هوى ثم كبر وهو ينوي بها تكبيرة الإحرام فإن ذلك لا يجزئه .
بقينا في مسألة : إذا شك الإنسان هل أدرك الركوع أو لم يدرك الركوع ؟
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه تحصل كثيراً يأتي والإمام راكع ثم يركع ثم يحصل له شك ، هل أدرك الركوع أو لم يدرك الركوع ؟
فنقول هذا له ثلاث حالات :
(1/385)
الحالة الأولى : أن يغلب على ظنه أنه أدرك الركوع ، فهذا نقول يكون مدركاً للركعة ولا يأتي بزيادة لكن يسجد للسهو إن كان مسبوقاً يسجد للسهو بعد السلام لوجود الشك ، وهذا مع الشك أما مع العلم فهذا لا حاجة للسجود السهو .
الحالة الثانية : أن يغلب على ظنه أنه لم يدرك .
الحالة الثالثة : أن يتساوى المران عنده لا يدري لم يترجح عنده شيء هل أدرك أو لم يدرك ؟
فنقول في هاتين الحالتين لا يعتبر نفسه مدركاً للركوع ويأتي بالركعة التي فاتته ويسجد للسهو قبل السلام .
فأصبح عندنا الصور ثلاث :
الحالة الأولى : أن يغلب على ظنه أنه أدرك فهذا يعتبر نفسه أنه أدرك الركعة لكن يسجد لوجود الشك .
الحالة الثانية : أن يغلب على ظنه أنه لم يدرك .
الحالة الثالثة : أن يتساوى عنده الأمران .
ويتحمل الإمام عنه قراءة الفاتحة......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول في الحالتين الأخريين : يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل السلام .
أما إذا علم أنه أدرك فلا حاجة للسجود يعتبر نفسه مدركاً ولا حاجة للسجود .
أو علم أنه لم يدرك لا يوجد عنده شك فهذا يأتي بركعة ولا حاجة للسجود .
" ويتحمل الإمام عنه قراءة الفاتحة " يقول المؤلف رحمه الله : يتحمل الإمام عن المأموم قراءة الفاتحة ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يتحمل عنه قراءة الفاتحة مطلقاً سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة وسواء كانت الصلاة سرية أو جهرية ، وهذا هو المشهور من المذهب .
وعلى هذا لو أتيت في صلاة الظهر ووقفت ولم تقرأ لا في الركعة الأولى ولا الثانية ولا الرابعة ، يرون أن صلاتك صحيحة ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
والرأي الثاني : مذهب الشافعي رحمه الله وهو أشد المذاهب في مسألة قراءة الفاتحة .
(1/386)
يرون أن الإمام لا يتحمل عن المأموم قراءة الفاتحة وأن المأموم يجب عليه أن يقرأها في كل ركعة ، الإمام يجب أن يقرأ في كل ركعة والمأموم أيضاً يجب أن يقرأ في كل ركعة ولا فرق بين صلاة الفريضة وصلاة النافلة ولا بين الصلاة السرية والصلاة الجهرية .
الرأي الثالث : قول الإمام مالك رحمه الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفصيل في المسألة : وأن الإمام يتحمل عن المأموم قراءة الفاتحة في الركعات التي يجهر فيها الإمام وأما الركعات التي يسر فيها الإمام فلابد للمأموم أن يقرأ ، وهذا القول وسط بين القولين .
وعلى هذا في الركعة الأولى والثانية من صلاتي المغرب والعشاء يجب عليه أن يقرأ أو ما يجب ؟
نقول لا يجب .
وفي صلاة الفجر ما يجب عليه أن يقرأ .
وفي صلاة التراويح لا يجب أن يقرأ .
لكن في صلاة الظهر والعصر وثالثة المغرب وثالثة ورابعة العشاء يجب عليه أن يقرأ .
وهذا القول الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وسط بين الرأيين ، وهذا هو أقرب الأقوال .
قلنا أشد الأقوال : هو مذهب الشافعية رحمهم الله .
وأخفها : مذهب الحنابلة كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
وأشدها في التخفيف مذهب الحنفية ، لأن الحنفية يرون الكراهة ، يعني يرون أن المأموم يكره ، وبعضهم يجعلها كراهة تحريم .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني فرق بين أقوال أهل العلم هؤلاء يقولون يحرم وهؤلاء يقولون ركن إذا ما قرأتها تبطل صلاتك .
وهؤلاء يقولون إذا قرأت تأثم .
(1/387)
لكن الصحيح في ذلك : هو التفصيل كما أسلفنا وهو ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله في قوله وكذلك أيضاً اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
وهذه المسألة في الحقيقة مسألة طويلة وألفت فيها مؤلفات ، البخاري رحمه الله له كتاب اسمه : جزء القراءة خلف الإمام .
وكذلك أيضاً البيهقي رحمه الله له كتاب اسمه : جزء القراءة خلف الإمام .
والبنوري من علماء الحنفية أيضاً له كتاب في هذا ... إلخ .
ولا بأس أن نذكر شيئاً من الأدلة لكل فريق على سبيل الاختصار .
فالذين قالوا أن الإمام يتحملها كما هو مذهب أحمد رحمه الله استدلوا بأدلة من أدلتهم :
قول الله عز وجل :" وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وانصتوا " قال : فاستمعوا له وانصتوا .
قال الإمام أحمد رحمه الله : اجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة ، وإذا كان في الصلاة يجب عليه أن ينصت ومقتضى ذلك أنه ما يقرأ .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً استدلوا بالحديث المرسل وإن كان له طرق كثيرة إلا أنه على كثرة طرقه لا يثبت مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم :" من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له "
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث أبي هريرة وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" وإذا قرأ فانصتوا " والإمام مسلم رحمه الله يرى أنها صحيحة .. إلخ .
والذين قالوا بأن الإمام لا يتحمل عن المأموم قراءة الفاتحة مطلقاً كما ذهب الشافعي رحمه الله استدلوا بأدلة من أدلتهم :
حديث عبادة بن الصامت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث أبي هريرة :" من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج " والخداج : الناقص ، وهذا أخرجه مسلم في صحيحه .
(1/388)
ومن أقوى أدلتهم ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف بعد صلاة الصبح فقال لما ثقلت عليه القراءة قال :" لعلكم تقرأوون خلف إمامكم ، قالوا : نعم ، قال : لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " وهذا مما يؤيد مذهب الشافعية رحمهم الله .وسائر الأدلة الإنسان لو يتأمل الأدلة التي استدل بها العلماء رحمهم الله سواء كانت في القرآن أو في السنة أو في آثار
.........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحابة هذه كلها الجواب عنها سهل إلا هذا الحديث حديث عبادة هذا من أقوى الأدلة التي يتمسك بها الشافعية :" لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ، وهذا الحديث كما ذكرت أخرجه الإمام أحمد وأبي داود وابن حبان والدار قطني والبيهقي وغيرهم وصححه جمع من أهل العلم منهم أبو داود وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم صححوا هذا الحديث .
والذين قالوا أنه يقرأ فيما يسر به الإمام وأنه ما يجهر به الإمام لا يقرأ جمعوا بين الأدلة فقالوا : بأن قول الله عز وجل :" وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وانصتوا " هذا في الجهرية .
وأيضاً استدلوا على ذلك بقول الله عز وجل :" قد اجيبت دعوتكما " فالذي دعا موسى وهارون أمّن ومع ذلك لما أمّن جعله داعياً فكذلك أيضاً المأموم يأمّن ويكون قارئاً .
وكذلك أيضاً قالوا بأن حديث عبادة بن الصامت :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " وحديث أبي هريرة :" من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج " هذه تحمل على السرية.
لكن يبقى حديث عبادة الذي أشرت إليه في أبي داود ومسند الإمام أحمد والدار قطني والبيهقي وصحيح ابن حبان وغيرهم هذا أجاب عنه العلماء رحمهم الله بأجوبة :
(1/389)
الجواب الأول : جواب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال : بأن الحديث هذا لا يثبت مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما الذي حصل له ذلك هو عبادة ليس النبي صلى الله
ويسن أن يقرأ في إسرار إمامه...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه وسلم ، فيجعله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله موقوفاً على عبادة ، هذا الجواب الأول .
الجواب الثاني : النسخ وذهب إليه بعض أهل العلم قالوا بأنه منسوخ وهذا يختاره الشيخ الألباني من المتأخرين ويستدلون على هذا بحديث أبي هريرة أيضاً في مسند الإمام أحمد وأبي داود وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لعلكم تقرأون خلف إمامكم ، قالوا : نعم ، قال : أما إني أقول مالي أنازع القرآن ، قال : فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر به الإمام " قالوا وهذا الحديث يدل على أن حديث عبادة رضي الله تعالى عنه السابق منسوخ .
ومما يؤيد القول بالتفصيل أن كون الإمام يقرأ والمأموم يقرأ فيه نوع من المشقة ، وكذلك أيضاً أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد قراءة الفاتحة حتى يتمكن المأمومون من قراءة الفاتحة كما نشير إليه إن شاء الله .
" ويسن أن يقرأ في إسرار إمامه " لما ذكر المؤلف رحمه الله أن قراءة الفاتحة يتحملها الإمام عن المأموم مطلقاً قال : يستحب له أن يقرأ في إسرار الإمام .
وإسرار الإما في الصلاة السرية في صلاة الظهر يعني يستحب لك بدل أن تقف واقفاً بلا قراءة يستحب لك أن تقرأ ، لكن على الصحيح أنه يجب عليك أن تقرأ كما سبق .
وسكتاته...........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وسكتاته " سكتاته متى ؟
(1/390)
في الصلاة الجهرية إذا سكت في الصلاة الجهرية فيستحب أن تقرأ ، لكن كما تقدم لنا أنه في السرية يجب أن يقرأ وأما في الجهرية فالصحيح : أنه لا يجب عليه أن يقرأ وإنما يتحملها عنه الإمام .
وقوله في سكتاته : يفهم من كلام المؤلف أن هناك سكتات في الصلاة .
وهذه السكتات اختلف أهل العلم رحمهم الله في اثباتها وعدم اثباتها لكن المتبع في ذلك ما دل عليه الدليل .
نقول السكتت الأولى في الصلاة : هي ما بين القراءة وتكبيرة الإحرام ، هذه دل لها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، ولهذا جمهور أهل العلم على مشروعيتها خلافاً للإمام مالك رحمه الله .
فالإمام مالك رحمه الله لا يرى أنها مشروعة وسبق لنا أن الإمام مالك رحمه الله يرى أن دعاء الاستفتاح غير مشروع ، لكن هذا فيه نظر كلام الإمام مالك رحمه الله وإن كان إماماً ذا جلالة فالإنسان ليس معصوماً .
فالصحيح : أن هذه السكتت مشروعة ما بين تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة ودل لها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام : أرأيت
سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه ؟ قال :" أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس "
وعلى هذا تكون هذه السكتت بمقدار دعاء الاستفتاح .
السكتت الثانية : ما بين قراءة الفاتحة وقراءة السورة .
السكتت الثالثة : ما بعد السورة وقبل الركوع .
هاتان السكتتان دل لهما حديث سمرة رضي الله تعالى عنه وأهل العلم رحمهم الله مختلفون في إثبات هذا الحديث .
وعلى كل حال نقول بأنهما سكتتان لطيفتان
تشرع هاتان السكتتان : السكتت الثانية :
(1/391)
أولاً : لكي يفصل الإمام بين القراءة المفروضة والقراءة المستحبة .
وكذلك أيضاً لكي يتراد إليه نفسه .
لكن كما ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطيل هذه السكتت بقدر قراءة الفاتحة .
وعلى هذا نقول بأنها سكتت لطيفة .
كذلك أيضاً السكتت الثالثة : تكون بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع .
وإذا لم يسمعه لبعد أو طرش ما لم يشغل من بجنبه ويستفتح ويستعيذ ولو فيما يجهر فيه إمامه...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وكما ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصل الركوع بالقراءة بل يسكت سكتت لطيفة لكي يفصل بين القراءة وبين الركوع .
وكذلك أيضاً لكي يتراد إليه نفسه .
" وإذا لم يسمعه لبعد أو طرش " يعني هو قال المؤلف رحمه الله يستحب للمأموم أن يقرأ في إسرار الإمام وكذلك أيضاً يقرأ في سكتات الإمام ،
وكذلك أيضاً الموضع الثالث : قال إذا لم يسمع المأموم الإمام لكونه بعيداً منه أو لطرش ، والطرش : ثقل السمع فإذا كان المأموم ثقيل السمع ما يسمع قراءة الإمام فنقول بأنه يقرأ
" ما لم يشغل من بجنبه " يعني إذا كان ذلك يؤدي إلى أن يشغل من بجانبه ويشوش عليه الإستماع فإنه لا يقرأ ، وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله هذا فيه نظر .
والصحيح أن نقول : أنه يجب على المأموم أن يقرأ في الركعات التي يسر بها الإمام ولا يجب عليه أن يقرأ في الركعات التي يجهر بها الإمام إلا إذا حصل سكوت فإنه يقرأ خروجاً من خلاف من أوجب القراءة كالشافعية .
" ويستفتح ويستعيذ ولو فيما يجهر فيه إمامه " تقدم لنا أن الاستفتاح في الصلاة مشروع وأن الاستعاذة أيضاً مشروعة وهو ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً للإمام مالك رحمه الله فإنه لا يرى المشروعية .
(1/392)
ومن ركع أو سجد ونحوه قبل إمامه عمداً حرم وعليه أن يرجع لمتابعته كناس ذكر فإن لم يرجع عمداً بطلت وإن ركع ورفع قبل إمامه عمداً بطلت وسهواً أو جهلاً يقضي الركعة.................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكرنا أن الصواب في ذلك ما ذهب إليه جمهور أها العلم رحمهم الله تعالى .
الاستفتاح والاستعاذة للإمام ظاهر أمره يستفتح ويستعيذ لكن بالنسبة للمأموم هذا لا يخلوا من أمرين :
الأمر الأول : أن تكون الصلاة سرية كالظهر فنقول بأنه يستفتح ويستعيذ .
فإذا جاء المأموم والإمام في الركعة الأولى أو الركعة الثانية يكبر معه ويستفتح ويستعيذ حتى ولو أدركه في الثانية أو في الثالثة ... إلخ .
هذا بالنسبة إذا كانت الصلاة سرية .
الأمر الثاني : أن تكون الصلاة جهرية فنقول إن كانت الصلاة جهرية إن كان الإمام قد شرع في القراءة فإن المأموم يكبر ويستمع ويكون فاته الاستفتاح والاستعاذة .
وإن كان ما شرع في القراءة فإنه يستفتح ويستعيذ كما سلف .
" ومن ركع أو سجد ونحوه قبل إمامه عمداً حرم وعليه أن يرجع لمتابعته كناس ذكر فإن لم يرجع عمداً بطلت وإن ركع ورفع قبل إمامه عمداً بطلت وسهواً أو جهلاً يقضي الركعة " هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان أحوال المأموم مع الإمام وهذه مسألة مهمة جداً ويغلط فيها كثير من المصلين .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما يتعلق بأحوال المأموم مع الإمام ، نقول المأموم مع الإمام له أربع حالات :
الحالة الأولى : المسابقة .
والحالة الثانية : الموافقة .
والحالة الثالثة : التخلف .
والحالة الرابعة : المتابعة .
فهذه أربع حالات .
الحالة الأولى : المسابقة : أن يسابق الإمام ، فالمذهب إذا سابق المأموم الإمام فإنه لا يخلو من أربعة أمور :
(1/393)
الأمر الأول : أن يسبقه إلى الركن ، كيف يسبقه إلى الركن ؟
يعني يركع قبله ، يسجد قبله ، يرفع قبله ، هذه المسابقة إلى الركن ، هذا الأمر الأول .
فإذا سبقه إلى الركن يقولون إن كان ذلك عالماً متعمداً فصلاته صحيحة لكن يجب عليه أن يرجع لكي يأتي بذلك مع الإمام فإن لم يفعل عالماً عمداً بطلت صلاته .
وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة .
يعني إنسان جاهل لايعلم أنه يجب عليه أن يرجع أو ناسي ولم يفعل ذلك فنقول بأن صلاته صحيحة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني : المسابقة بالركن ، يعني أن يفعل الركن كله قبل الإمام يركع ويرفع قبل الإمام يسجد ويرفع قبل الإمام ، يأتي بالركن كله ، فنقول الأمر الثاني : المسابقة بالركن وهو ركن الركوع ، فهذا يقولون إذا فعل ذلك عالماً عمداً بطلت صلاته .
وإن كان ناسياً أو جاهلاً ركع ورفع ناسي ساهي مثلاً أو جاهل فإن صلاته صحيحة لكن تبطل عليه الركعة إلا إذا أتى بها مع الإمام .
يعني إنسان ركع ورفع قبل الإمام وهو جاهل ما حكم صلاته ؟
صحيحة لكن بطلت عليه الركعة إلا إذا رفع وأتى بذلك مع الإمام ، هو ركع الآن ورفع ولنفرض أنه غافل نقول صلاته صحيحة لكن الركعة بطلت عليه لابد أن يأتي بركعة إلا إذا رجع وأتى بذلك مع الإمام فصحت ركعته .
الأمر الثالث : السبق بركن غير الركوع ، مثل السجود سجد ورفع حكم هذا الأمر كحكم الأمر الأول وما هو الأمر الأول ؟
السبق إلى الركن ولا حاجة إلى أن نعود الكلام فيه .
الأمر الرابع : السبق بركنين غير الركوع ، يعني سجد ورفع وجلس ثم سجد ، هذا حكمه كحكم الأمر الثاني وهو السبق بركن الركوع .
وأوضح من ذلك الرأي الثاني وهو مذهب الظاهرية : مذهب الظاهرية يقولون أن الصلاة تبطل مطلقاً إذا كان عالماً متعمداً .
(1/394)
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كان عالماً متعمداً فصلاته باطلة سبق إلى الركن سبق بالركن سبق بركن الركوع يرون أن الصلاة تبطل إذا سابق الإمام عالم متعمد ، لكن لابد أن يكون متعمد ليس ساهياً أو غافلاً ولابد أن يكون عارف الحكم .
وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة لكن يجب عليه أن يرجع ويأتي بالذي سابق به مع الإمام فإن لم يفعل عالماً عمداً بطلت وإن كان جاهلاً ناسياً فصلاته صحيحة ، وهذا ما عليه غالب الناس اليوم غالب الناس اليوم يكون جاهل ، فنقول بأن صلاته صحيحة لكن يجب عليه أن يرجع لكي يحقق المتابعة مع الإمام .
لكنت إذا ما رجع جاهل أو ناسي ، فنقول أيضاً صلاته صحيحة .
لكن إذا كان يعرف الوجوب لما كان جاهلاً أو ناسياً ولم يرجع ، فنقول بأن صلاته تبطل عليه .
وهذا القول هو الصواب يعني ما ذهب إليه الظاهرية هذا يختصر المسألة إذا كنا نقول بأن الصلاة تبطل بجميع أنواع السبق إلى الركن وبالركن سواء كان ركوع أو غيره أو ركنين أو أقل أو أكثر نقول تبطل .
ويدل لذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يحول صورته صورة حمار "
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا يدل على تحريم المسابقة بأنواعها وأنها تبطل عليه الصلاة ، هذا الصواب في هذه المسألة .
الصواب في هذه المسألة : هو ما أسلفنا .
والمسابقة لها ثلاث صور :
(1/395)
الصورة الأولى : المسابقة بتكبيرة الإحرام هذا لا تنعقد صلاته مطلقاً فإذا سابقه بتكبيرة الإحرام ، نقول صلاته لم تنعقد مطلقاً حتى لو كان ناسياً حتى لو كان جاهل كبر قبل الإمام ، نقول صلاته ما انعقدت وإنما تكون نافلة ، تنعقد عليه نافلة .
الصورة الثانية : أن يسبقه بالسلام ، فنقول هذا إن كان لعذر لا بأس كما تقدم لنا وإن كان لغير عذر فإن صلاته تبطل عليه .
الصورة الثالثة : ما سبق أن ذكرناها من الأقسام السبق إلى الركن والسبق بالركن .. إلخ
الحالة الثانية : الموافقة .
الموافقة لها صور :
الصورة الأولى : أن يوافق المأموم الإمام في تكبيرة الإحرام يكبر معه تكبيرة الإحرام ، فنقول هذا لا تنعقد صلاته فرضاً وإنما تكون نافلة .
الصورة الثانية : أن يوافقه في التسليم يسلم مع الإمام ، فهذا صلاته صحيحة لكن يكره ذلك .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة الثالثة : أن يوافقه في بقية الأقوال ، مثلاً ولنفرض أن الإمام ركع وقال سبحان ربي العظيم والمأموم ركع وقال سبحان ربي العظيم وتوافقا في قول سبحان ربي العظيم ، ما هو الحكم هنا ؟
نقول هذا لا بأس ، لو كان في بقية الأقوال نقول هذا لا بأس به .
الصورة الرابعة : أن يوافقه في الأفعال ، يعني يركع معه يرفع معه يسجد معه .. إلخ .
فهذا جمهور أهل العلم إلى أنه مكروه ، يكره انتظر حتى تحقق المتابعة كما سيأتي تتركع مع الإمام ترفع مع الإمام تسجد مع الإمام .. إلخ هذا جمهور أهل العلم يرون أنه يكره .
والحنفية يرون هذه المتابعة الصحيحة ولذلك تشوف بعض الحنفية إذا ركع الإمام يهوي معه مباشرة لأنهم يرون أن هذه المتابعة الصحيحة إنك إذا ركع الإمام تركع معه وإذا رفع ترفع معه وإذا سجد تسجد معه .
(1/396)
لكن الصحيح : مال ذهب إليه جمهور أهل العلم وأن موافقة الإمام في أفعاله هذه منهي عنها ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وحديث عائشة وغير ذلك من الأحاديث :" إنما جعل الإمام ليأتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا "
وأيضاً في أبي داود :" ولا تركعوا حتى يركع ولا تسجدوا حتى يسجد "
فالصواب في ذلك : أن ذلك مكروه .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الثالثة : المتابعة وذكرنا ضابطها عند الحنفية ، الحنفية يرون أنك توافق الإمام والمتابعة عندهم هي الموافقة لكن الصحيح الرأي الثاني :
أن المتابعة هي أن يأتي بالركن بعد أن يتلبس به الإمام ، يعني ما تشرع في الركن حتى يتلبس به الإمام ، فمثلاً في الركوع تظل واقف حتى يتلبس الإمام بالركوع ، في السجود تظل واقف حتى يتلبس الإمام بالسجود ، هذا هو الصواب وهو الذي دلت له السنة حديث البراء بن عازب قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحني أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً .
وفي لفظ : حتى يضع جبهته على الأرض .
وهذا يدل على أن المتابعة الصحيحة أن المأموم لا يشرع في الأفعال حتى يتلبس الإمام بالركن ، هذا هو الأفضل وهو الصحيح .
الحالة الرابع : التخلف ونقول بأن التخلف لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون لغير عذر ، فإن كان لغير عذر فلا يخلو من قسمين :
القسم الأول : أن يدرك المأموم الإمام قبل أن ينفصل عن الركوع ، فنقول صلاته صحيحة لكنه خالف السنة .
السنة : أن يتابع الإمام مباشرة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا كبر فكبروا "
............................................................................................................
(1/397)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثال ذلك : سجد الإمام وتخلف عنه المأموم ثم بعد ذلك سجد وأدركه في محل السجود ، فنقول بأن صلاته صحيحة لكنه خالف السنة ، لأن السنة أن يبادر بأن يأتي بالعمل بعد الإمام مباشرة .
القسم الثاني : أن ينفصل الإمام عن الركن قبل أن يدركه المأموم ، فهذا تبطل عليه صلاته
مثال ذلك : سجد الإمام ثم بعد ذلك المأموم لم يسجد وتخلف بلا عذر حتى انفصل الإمام عن السجود والمأموم لم يسجد ، فنقول بأن صلاته تبطل عليه ، هذا الأمر الأول إذا كان التخلف لغير عذر .
الأمر الثاني : أن يكون التخلف لعذر كما لو كان الإنسان لحقه سهو وغفلة ، لحقه سنة نوم يسير ، مثلاً ما يحصل الآن في الجوامع الكبيرة وقت الجمعة من انقطاع التيار الكهربائي بحيث أنه لا يتمكن من المتابعة .. إلخ .
هنا تخلف المأموم عن الإمام لعذر ، فنقول إن زال عذره قبل أن يدركه الإمام في موضع تخلفه فنقول يأتي بما تخلف به ويتابع الإمام .
نقول هذا لا يخلوا من أمرين :
الأمر الأول : أن يزول عذره قبل أن يدركه الإمام في موضع تخلفه ، فنقول هنا يأتي بما تخلف به عن الإمام ويتابع الصلاة .
وسن تطويل أولى عن ثانية...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثال هذا الأمر : إنسان مع الإمام في القيام ثم بعد ذلك حصل له غفلة فركع الإمام ورفع وسجد وجلس ثم تنبه زال الآن عذره قبل أن يدركه الإمام في موضع تخلفه وهو القيام ، فنقول يأتي بما تخلف به عن الإمام اركع وارفع واسجد والحق الإمام وصلاتك تكون تامة.
(1/398)
الأمر الثاني : ألا يزول عذره حتى يدركه الإمام في موضع تخلفه هو قائم الآن مع الإمام فانقطع الكهرباء فأصبح لا يدري الإمام الآن ماذا يصنع ، فركع الإمام ورفع وسجد السجدتين ثم قام الإمام وزال العذر فالإمام الآن أدركه في موضع التخلف ، فنقول تابع الإمام الآن وتأتي بركعة تكون أنت مسبوق بركعة .
" وسن تطويل أولى عن ثانية " يعني يستحب للإمام أن يطول الركعة الأولى أكثر من الثانية ، ويدل لهذا حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وكان يطول في الركعة الأولى .
الشاهد من هذا قوله : كان يطول في الركعة الأولى .
وأيضاً يدل لهذا حديث أبي سعيد في مسلم وغيره أن صلاة الظهر كانت تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع ثم يرجع إلى أهله ويتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى .
هذا مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطول الركعة الأولى .
ولإمام التخفيف مع الإتمام..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن استثنى العلماء رحمهم الله مسألتين :
المسألة الأولى : إذا كان شيئاً يسيراً ، والأصل أن الإنسان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ويطول الركعة الأولى أكثر من الثانية في القراءة التي تكون بعد الفاتحة .
لكن إذا كان شيئاً يسيراً فإن هذا لا بأس به ، ومثل العلماء رحمهم الله بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم بـ "سبح " والغاشية ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ سبح ثم قرأ الغاشية والغاشية أطول من سبح .
والمسألة الثانية : في صلاة الخوف ، وسيأتي إن شاء الله يتبين هذا عندما نذكر صفات صلاة الخوف .
(1/399)
" ولإمام التخفيف مع الإتمام " يقول المؤلف رحمه الله : يسن للإمام أن يخفف مع كونه يتم الصلاة ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول ماشاء " وهذا في الصحيحين .
قال : فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة .
لكن قال المؤلف رحمه الله مع الإتمام : يعني أن يأتي بالصلاة تامة بركوعها وسجودها وشرائطها ، يعني بأركانها وواجباتها وشرائطها .
وهل هذا التخفيف على إطلاقه أو ليس على إطلاقه ؟
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول تخفيف الإمام ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : تخفيف لازم وهذا التخفيف اللازم أن يقتدي الإمام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويواضب عليها ، فمثلاً في صلاة الفجر يقرأ بطوال المفصل بالواقعة ونحوها من السور يقرأ بسورة الطور بالذاريات .. إلخ كما سبق لنا أن بيناه .
وفي الظهر تارة يقرأ بالطوال وتارة يقرأ بالأواسط .
وفي العصر بالأواسط
ويقرأ في فجر الجمعة في الغالب بالسجدة و بـ " هل أتى على الإنسان " وهكذا ، هذا التخفيف اللازم الذي يواضب عليه الإنسان .
ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام :" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " والإمام راع على المأمومين ومسأول عنهم فلابد أن يقودهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وأيضاً كما ذكر ابن القيم رحمه الله قال : بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال :" إذا أم أحدكم الناس فليخفف " ومع ذلك كان يقرأ في الفجر بالطوال ويقرأ بالظهر تارة بالطوال وتارة بالأواسط وهكذا .
(1/400)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وليس المعنى أنه ينقر الصلاة وفي حديث أنس : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويأمنا بالصافات .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والنبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالتخفيف كان يعلم أن وراءه ضعيف وراءه مريض ووراءه ذو حاجة ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بفجر الجمعة السجدة و " هل أتى على الإنسان " .. إلخ .
وفي هذا نعرف خطأ بعض الناس الذي لا يطبق سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : فيهم الضعيف ، أو أن بعض الجماعة ما يتحمل ، النبي عليه الصلاة والسلام أمر بهذا وهو عارف أن عنده ضعفاء وعنده كبار وعنده من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من هو ضعيف ومنهو كبير ومنهو ذو حاجة .. إلخ .
فهذا التخفيف لازم يجتهد الإمام في معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيقها .
القسم الثاني : تخفيف عارض ، والتخفيف العارض أن يخفف عن السنة لسبب يعرضه يقتضي التخفيف ، مثلاً لو طرأ على بعض المأمومين مرض ونحوه أو احتيج إلى التخفيف لإنقاذ معصوم أو لإطفاء حريق أو نحو ذلك فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به أن يخفف عما جاءت به السنة ، ويدل لهذا حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأخفف مخافة أن أشق على أمه " فنقول هذا تخفيف عارض عما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فأصبح التخفيف هنا ينقسم إلى قسمين .
وانتظار داخل إن لم يشق....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/401)
وأيضاً نص العلماء رحمهم الله على أنه يكره للإمام أن يخفف تخفيفاً يمنع المأموم عن فعل المستحب ، يعني كون الإمام يخفف تخفيف يمنع المأموم من فعل المستحب قالوا بأن هذا مكروه .
ويحرم عليه أن يخفف تخفيفاً يمنع المأموم من فعل الواجب بحيث أنه يخفف الركوع ولا يتمكن المأموم أن يقول سبحان ربي العظيم تسبيحة واحدة ، هذا واجب .
فكونه يخفف هذا التخفيف الذي يمنع المأموم من فعل الواجب قالوا بأن هذا محرم ولا يجوز .
وإذا فعل الإمام ماذا يصنع المأموم ؟
نقول للمأموم أن ينفرد عنه وتنوي أنك تصلي منفرداً واتركه .
" وانتظار داخل إن لم يشق " يعني يستحب للإمام أن ينتظر الداخل ، وقيده المؤلف رحمه الله قال : إن لم يشق .
وانتظار الإمام للداخل ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : انتظاره قبل إقامة الصلاة ، فنقول هذا الانتظار ليس مشروعاً كوننا ننتظر فلان حتى يأتي ثم نقيم الصلاة هذا نقول ليس مشروع .
المشروع أن تطبق سنة النبي صلى الله عليه وسلم فالصلاة تفعل في أول وقتها تفعل في أول وقتها والتي يستحب أن تؤخر تؤخر .. إلخ .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسب ما مضى في أوقات الصلاة ولا ينتظر داخل .
واستثنى بعض أهل العلم فيما لو كان الإنسان له مكانة دينية أو دنيوية .. إلخ .
والأقرب في هذا : أنه يرجع إلى المصالح في هذه الأمور فإذا كان هذا الشخص مواضب على التقدم ثم حصل له ضرف وتأخرنا شيئاً يسيراً نقول هذا لا بأس إن شاء الله ، من باب تأليف قلبه .
القسم الثاني : انتظاره في الركوع فهذا فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد رحمه الله :
الرواية الأولى : الاستحباب كما هو مشهور من المذهب .
والرواية الثانية : الإباحة .
والرواية الثالثة : الكراهة .
والصواب في ذلك : الاستحباب .
(1/402)
من كره ذلك جعله من باب التشريك بالعبادة لأنه شرك في عبادته مخلوقاً بحيث أنه أطالها وهذا غير صحيح ، بل العز بن عبد السلام رحمه الله يقول ليس هذا من باب التشريك بالعبادة وإنما هذا من باب تحصيل عبادة أخرى .
يعني فعل عبادة لكي تحصل عبادة أخرى ، وهذا هو الصواب .
نقول الصحيح : أنه يستحب أن ينتظر الإمام المأموم في الركوع لأن المأموم يستفيد وهو إدراك الركعة وقد تكون الركعة الأخيرة وإذا فاتته تكون فاتته الجماعة فيحرم هذا الخير .
وإذا استأذنت إمرأة لمسجد كره منعها وبيتها خير لها..................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما القول بأنه من باب التشريك فهذا فيه نظر كما سلف .
ويدل لهذا ما تقدم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل الصلاة وهو يريد أن يطيلها ثم يخفف إذا سمع بكاء الصبي مخافة أن يشق على أمه .
القسم الثالث : انتظار المأموم في ركن لا تدرك به الركعة كما لو كان ساجداً أو جالساً ثم سمعه دخل ، فنقول هنا لا ينتظره لأنه لا يستفيد شيئاً ولما في ذلك من التطويل على المأمومين وتغيير هيئة الصلاة .
القسم الرابع : انتظاره في التشهد قبل السلام ، فهذا أيضاً ينتظره حتى يدخل قبل أن يسلم لأنه يستفيد من ذلك بأنه أدرك الجماعة على رأي بعض أهل العلم .
" وإذا استأذنت إمرأة لمسجد كره منعها وبيتها خير لها " إذا استأذنت المرأة إلى المسجد يقول المؤلف رحمه الله : يكره منعها .
وما حكم المنع ؟
الذي نص عليه المؤلف بأنه مكروه ، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/403)
الرأي الثاني : أن منع المرأة من المسجد إذا استأذنت أنه محرم ولا يجوز ، وهذا الذي ذهب إليه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما ولهذا لما قال ابنه سالم : والله ليمنعهن ، أقبل عليه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فسبه سباً ما سبه قط .
فهذا يدل من ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن منعها محرم ولا يجوز .
وهذا القول هو الصواب .
الصواب : أنها إذا استأذنت أنه لا يجوز له أن يمنعها .
وخروج المرأة إلى المسجد ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : خروج مشروع وهو خروجها لصلاة العيدين فإنها مأمورة بأن تخرج ولهذا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض والعواتق وذوات الخدور أن يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى ، يعني الصلاة .
فنقول : هذا الخروج مشروع ومأمور به .
القسم الثاني : خروج مكروه وهذا نص عليه العلماء رحمهم الله قالوا يكره للمرأة الشابة التي تفتن الناس أن تخرج لصلاة الاستسقاء .
القسم الثالث : خروج مباح وهذا كخروجها لصلاة الفرائض ، وهل هو مباح أو ليس مباح ؟
الإمام أحمد يرى أنه مباح .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأبو حنيفة رحمه الله يقول بأنه يكره إلا صلاة الفجر والعشاء .
والصواب : أنه خروج مباح .
خروجها لصلاة التراويح وصلاة الكسوف .. إلخ . فنقول بأن هذا خروج مباح .
القسم الرابع : خروج محرم وهي إذا خرجت مع تخلف شرط من شروط جواز الخروج كما سيأتي كما لو خرجت وهي متطيبة أو متبرجة ونحو ذلك ، فنقول بأن هذا خروج محرم .
وإذا قلنا بجواز الخروج كخروجها للصلاة المفروضة أو بمشروعيته كما في خروجها للعيدين فنقول بأن هذا حكمه جائز لكن بشروط :
(1/404)
الشرط الأول : إذن وليها ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " فلابد أن يأذن لها وليها .
الشرط الثاني : أن لا تخرج متبرجة أو متطيبة ونحو ذلك ودليل ذلك قول الله عز وجل :" ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" وليخرجن تفلات "
وقال :" أيما إمرأة مست بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة "
الشرط الثالث : أن تؤمن الفتنة ، يعني لألا تكون هناك فتنة في خروجها فإذا أمنت الفتنة جاز ذلك .
الأولى بالإمامة الأقرأ............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الإمامة
" الأولى بالإمامة الأقرأ " من الأولى بالإمامة ؟
نقول المسجد هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون له إمام راتب ، فإذا كان له إمام راتب فنقول هو الأولى كما سيأتينا إن شاء الله ، " لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه " وإمام المسجد سلطان في مسجده ، فنقول هذا الإمام هو الأولى ولا أحد يتقدم عليه ، وسبق أن ذكرنا أن حكم التقدم هنا محرم ولا يجوز .
وهل تبطل الصلاة أو لا تبطل الصلاة ؟
ذكرنا في ذلك قولين لأهل العلم رحمهم الله .
لكن الآن عندنا مسجد ليس له إمام راتب أو جماعة خرجوا في سفر أو في نزهة أو في عمل .. إلخ .
فمن الأولى يقدم ؟
قال المؤلف رحمه الله : الأقرأ ، فيقدم الأقرأ ويدل لهذا أدلة كثيرة منها حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله "
وحديث أبي سعيد في مسلم :" إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرأهم "
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/405)
وأيضاً سالم مولى أبي حذيفة كما في البخاري لما قدم المهاجرون الأولون أمهم سالم وهو مولى لإمرأة من الأنصار وفيهم عمر وأبو سلمة .
وكذلك أيضاً عمرو بن سلمة أمّ قومه وله ست أو سبع سنوات لأنه كان أكثرهم قرآن .
فنقول : الأقرأ هو الأولى ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أن الأفقه هو الأولى .
والصحيح في ذلك أن الأقرأ هو الأولى ، ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله مع أن الرأي الثاني يذهب إليه كثير من أهل العلم واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم أبي بكر للصلاة مع أن أبي بكر فيه من هو أقرأ منه فيه أبي بن كعب ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" أقرأكم أُبي ومع ذلك قدّم النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، فأكثر أهل العلم يرون أن الأفقه يقدم .
والصواب : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المذهب وأما تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر على بقية الصحابة هذا فيه إشارة على تقديمه في الخلافة .
ولسابقة أبي بكر رضي الله تعالى عنه ومن كأبي بكر رضي الله تعالى عنه وهو أفضل الأمة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
لما تبين أن الراجح أن الأقرأ هو الذي يقدم ما المراد بالأقرأ ؟
في ذلك رأيان :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشهور من المذهب أن المراد بالأقرأ هو الذي يجيد القراءة ، وما معنى يجيد القراءة ؟
يعني أنه يخرج الحروف من مخارجها ولا يلحن في قراءته ، وليس المراد التجويد المعروف يعني أن يأتي بالغنة والتشديدات في مواضعها والترقيق والترقيم .. إلخ ليس هو المراد .
المراد : أن يأتي بالقراءة حسب قواعد اللغة العربية فلا يلحن ويخرج الحروف من مخارجها ، هذا المشهور من المذهب .
(1/406)
والرأي الثاني : أن المراد بالأقرأ هو الأكثر حفظاً للقرآن ، وهذا القول هو الصواب .
ويدل لذلك ما تقدم أن ذكرنا أن سالم مولى أبي حذيفة تقدم وفيهم عمر ، وعمر لاشك أنه عربي ويجيد القراءة ، لكن سالم كان أكثر منه قرآناً .
وعمر بن سلمة أيضاً قدمه قومه لأنه كان أكثرهم قرآناً .
فالصواب : أن الأكثر هو الذي يقدم ، وعلى هذا لو كان عندنا شخص يحفظ عشرين وشخص يحفظ القرآن كاملاً والذي يحفظ العشرين أجود قراءة ، من الذي يقدم ؟
الحافظ الذي حفظ القرآن كاملاً .
وإذا كان عندنا شخص يحفظ القرآن كاملاً لكنه ليس عنده من الفقه بأحكام الصلاة كشخص آخر يحفظ عشرين وأحسن منه فقهاً في الصلاة ، من الذي يقدم ؟
نقول يقدم الأقرأ هذا الصواب .
ثم الأفقه ثم الأسن.............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ثم الأفقه " فالمرتبة الأولى : القراءة ، ثم قال المؤلف رحمه الله : ثم الأفقه هذه المرتبة الثانية ، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه :" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة "
وما المراد بالأفقه ؟
المراد به العلم بمعرفة أحكام الصلاة لأن الإمام إذا كان يعرف أحكام الصلاة كان لهذا أثر في الصلاة ، لأنه قد يحصل عليه سهو وقد يحصل عليه غفلة قد يسبقه حدث .. إلخ ، فلا يحسن التصرف إذا كان يجهل لكن إذا كان يعرف هنا يكون يحسن التصرف .
فنقول الأفقه المقصود به العلم بأحكام الصلاة .
وعلى هذا لو كان عندنا شخص يعرف أحكام الصلاة وشخص آخر يعرف أحكام البيوع ، فمن الذي يقدم ، نقول الأول الذي يعرف أحكام الصلاة .
(1/407)
" ثم الأسن " هذه المرتبة الثالثة : يعني إذا اجتمع عندنا شخصان وتساويا في القراءة وتساويا في الفقه كل منهم يحفظ القرآن وكل منهم أيضاً فقيه يعرف أحكام الصلاة نقدم الأسن ، ودليل ذلك حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليأمكم أكبركم " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وليأمكم أكبركم .
وهذا هو المذهب ومذهب الشافعية .
ثم الأسن.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وذهب إليها ابن قدامة أن المرتبة الثالثة : للأقدم هجرة ، وهذا القول هو الصواب وهو الذي دل له حديث أبي مسعود قال النبي عليه الصلاة والسلام :" يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة "
فالصواب في ذلك : أننا نقدم الأسبق هجرة ، فلو فرضنا أن هذين الشخصين تساويا في القراءة وتساويا في السنة وأحدهم سبق هجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، فإننا نقدم الأسبق هجرة ، وهذا القول هو الصواب .
وعلى هذا تكون المرتبة الثالثة : الأسبق هجرة .
المرتبة الرابعة : الأسبق إسلاماً ، ما ذكرها المؤلف رحمه الله وهي في الحديث :" يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاماً " فنقول إذا تساويا في الأمور الثلاثة كلها القراءة والفقه والهجرة نصير إلى الإسلام فإذا كان أحدهما سبق بالإسلام فإننا نقدمه .
" ثم الأسن " فيكون المرتبة الخامسة : السن ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، ودليله حديث مالك بن حويرث السابق :" وليأمكم أكبركم "
(1/408)
ثم الأشرف...........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : ذهب إليه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله أن الأتقى مقدم على الأسن ، وعلى هذا الذي يكون في المرتبة الخامسة : الأتقى .
ثم بعد ذلك يأتي الأسن .
" ثم الأشرف " الأشرف يعني المنسوب إلى قريش ، وقريش اختلف فيها النسابون فقيل بأنه فهر بن مالك وقيل بأنه النظر بن كنانة .
فيكون في المرتبة السابعة : الأشرف .
ويقولون بأن بني هاشم يقدمون على سائر قريش ، واستدلوا على ذلك في قول النبي عليه الصلاة والسلام :" قدموا قريشاً ولا تقدموها " وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" الأئمة من قريش ".
والرأي الثاني : أن النسب ليس له ميزان عند الله عز وجل ، الميزان : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن ما يتعلق بالنسب لا ينظر إليه وهذا القول هو الصواب .
وعلى هذا تحمل هذه الأحاديث :" قدموا قريشاً ولا تقدموها "و " الأئمة من قريش " هذه تحمل في إمامة الدنيا وليست في إمامة الدين .
فالصواب في ذلك : أن النسب لا عبرة به .
ثم الأتقى ثم من قرع..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ثم الأتقى " ذكرنا أن الصواب أن الأتقى يكون مقدماً على الأسن ، يكون في المرتبة الخامسة .
ودليل ذلك كما تقدم قول الله عز وجل :" إن أكرمكم عند الله أتقاكم ".
والتقوى : قيل بأنها فعل الفرائض وترك المحرمات .
وقيل : بأنها امتثال الأوامر واجتناب النواهي .
وقيل : بأن لا ترى أن نفسك خيراً من أحد .
وقيل بأنها : أن تعبد الله على نور من الله ترجوا ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله .
وقيل بأنها : أن تترك ما لا بأس به حذراً من ما به بأس .
(1/409)
" ثم من قرع " يكون المرتبة الثامنة : القرعة ، تساووا في كل المراتب السابقة نصير إلى القرعة .
وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يصار إلى اختيار الجيران ، يعني جيران المسجد فمن يختاره جيران المسجد فإنه يصار إلى ذلك ، وهذا القول صواب .
وعلى هذا تكون المرتبة التاسعة : القرعة .
وصاحب البيت وإمام المسجد أحق وإمام المسجد أحق.............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالمراتب أولاً : القراءة ، ثم بعد ذلك : السنة ، ثم بعد ذلك : الأقدم هجرة ، ثم الأقدم إسلاماً ، ثم الأتقى ، ثم بعد ذلك : الأسن ، ثم بعد ذلك : اختيار الجيران ، ثم بعد ذلك : القرعة .
فأصبحت المراتب ثمان أما بالنسبة للأشرف فذكرنا أن الشرف هذا ليس له إعتبار وإنما هذا في أمور الدنيا ليس في أمور الدين .
" وصاحب البيت وإمام المسجد أحق " صاحب البيت أحق إذا كان صالحاً للإمامة فإنه أحق ممن حضر ولو كان أعلم منه ولو كان أقرأ منه ، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" لا يؤمنّ الرجل الرجل في بيته " إلا إذا تنازل وقدم من هو أعلم منه أو منهو أقرأ منه .
المهم مادام أنه صالح للإمامة ويجيد الفاتحة لا يلحن فيها لحناً يحيل المعنى ، نقول بأنه أحق بالإمامة .
إلا إذا قدم غيره فإن هذا لا بأس به .
" وإمام المسجد أحق " وإمام المسجد أيضاً أحق ، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ولا يؤمنّ الرجل الرجل في سلطانه " وإمام المسجد سلطان في مسجده .
وورد ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
فنقول هما أحق إمام المسجد وصاحب البيت أحق ممن حضر .
وحر ومقيم وبصير أولى من ضدهم........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال العلماء رحمهم الله : يستحب لهما أن يقدما من هو أفضل منهم .
(1/410)
لكن يستثنى من ذلك : الإمام الأعظم ، فالإمام الأعظم نقول بأنه أحق بالإمامة من إمام المسجد إذا حضر فإنه يتولى الإمامة وأيضاً من صاحب البيت لعموم سلطانه وولايته .
ويدل لهذا حديث عتبان بن مالك رضي الله تعالى عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم وصلى في بيت عتبان بن مالك .
وأيضاً حديث أنس لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته جدته مليكة تقدم النبي صلى الله عليه وسلم وصلى .. إلخ .
" وحر ومقيم وبصير أولى من ضدهم " يقول المؤلف رحمه الله : الحر أولى بالإمامة من ضده ، وضده الرقيق .
فيقول : الحر أولى بالإمامة من الرقيق .
والصواب في هذا : أننا نقدم من قدمه الله ورسوله ، ولا ينظر إلى حرية أو رق .. إلخ .
أولاً : لعموم حديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " وهذا عام .
وأيضاً ما تقدم في صحيح البخاري سالم مولى أبي حذيفة تقدم على عمر وتقدم على أبي سلمة وتقدم على الأولين من المهاجرين والأنصار .
فالصواب في ذلك : أننا نقدم من قدمه الله ورسوله .
ومقيم وبصير أولى من ضدهم...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو صحيح إذا تساويا ، يعني ممكن أن يقال هذا إذا تساويا في القراءة وفي العلم وفي السن وفي السنة وفي الهجرة ممكن أن يقال بأن الحرية تفضل إذا كان الرقيق مشغولاً بسيده ، أما إذا كان غير مشغول فكما ذكرنا القاعدة الأصل تساوي الأحكام والأرقاء في الأمور البدنية المحظة إلا بدليل .
" ومقيم " أيضاً يقول المقيم أولى من المسافر ، إذا اجتمع عندنا مقيم ومسافر نقدم المقيم.
والصواب في ذلك : كما سلف أن نقدم من قدمه الله ورسوله ، فيتقدم الأقرأ ولو كان مسافراً والأفقه ولو كان مسافراً .. إلخ .
هم يقولون يقدم المقيم لأن المسافر ربما قصر فيفوت المأمومين بعض الصلاة .
(1/411)
لكن الصواب عندنا الحديث يقدم من قدمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، صحيح إذا تساويا في كل الأمور ممكن أن نقول المقيم أولى من المسافر .
" وبصير أولى من ضدهم " يقول المؤلف رحمه الله : المبصر أولى من الأعمى ، وعلتهم في ذلك يقولون الأعمى ربما تخفى عليه شيء من النجاسة أو ربما لا يتوجه إلى القبلة وهذه كلها لا دليل عليها ولذلك الرأي الثاني : أن الأعمى أولى لأن البصير ربما ينشغل بالنظر فيفوته شيء من الخشوع بخلاف الأعمى .
وقيل : بأنهما سواء .
ولا تصح خلف فاسق..............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب كما سلف أنه يقدم من قدمه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام حسب المراتب السابقة وأنهما سواء فإذا فضل أحدهما نقدم الذي يفضل .
والنبي صلى الله عليه وسلم خلف إلى ابن أم مكتوم وأما الصحابة وفيهم منهو بصير .
" ولا تصح خلف فاسق " يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح ، الضمير يرجع إلى الصلاة ، فالصلاة لا تصح خلف فاسق ويؤخذ من هذا الكلام أنه يشترط أن يكون الإمام عدلاً ، وعلى هذا إذا أمّ الفاسق فإن إمامته غير صحيحة .
والفسق في اللغة : الخروج ، ومنه قولهم فسقت الثمرة إذا خرجت من قطبها أو قشريها .
وأما في الاصطلاح : فهو من فعل كبيرة أو أكثر من صغيرة .
وهذا الفاسق ، هل تصح إمامته هل تصح الصلاة خلفه ؟
يقول المؤلف رحمه الله لا تصح .
والفسق ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : فسق بالأعمال .
القسم الثاني : فسق بالاعتقاد .
القسم الأول الفسق بالأعمال مثلاً إنسان سرق ، هذا الآن ارتكب كبيرة ولم يتب ، أو أنه قذف ، أو أنه يكثر من الصغائر مثلاً من التخلف عن صلاة الجماعة يستمع الغناء .. إلخ .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/412)
المهم أنه يكثر من الصغائر ينظر إلى النساء ، فهذا يقول المؤلف رحمه الله لا تصح إمامته وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد .
والرأي الثاني : مذهب الشافعي وأبي حنيفة وكثير من المالكية أن إمامته صحيحة .
أن الفاسق بالأعمال إمامته صحيحة .
ولكل منهم دليل أما الذين قالوا بأن إمامته لا تصح فاستدلوا بقول الله عز وجل :" أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقا "
وأيضاً حديث جابر في سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تؤمنّ امرأة رجلا .. إلى أن قال عليه الصلاة والسلام ولا فاجر مؤمنا "
لكن هذا الحديث ضعيف لا يثبت .
والرأي الثاني : كما تبين أن أكثر أهل العلم يذهبون إليه أن إمامته صحيحة واستدلوا على ذلك بأدلة منها :
حديث أبي هريرة في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم "
وأيضاً حديث ضعيف :" صلوا خلف من قال لا إله إلا الله " لكن يغني عنه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما يأتينا من فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم فابن عمر رضي الله تعالى عنه صلى خلف الخوارج .
وأيضاً صلى خلف مروان بن الحكم .
والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما صليا خلف مروان بن الحكم .. إلخ .
فالصواب في مثل هذا : أن الفاسق بالأعمال إمامته صحيحة والصلاة خلفه صحيحة ، لكن مثل هذا لا يرتب إماماً ، يرتب الإمام العدل .
القسم الثاني : الفسق بالاعتقاد ، كما لو كان الإنسان عنده شيء من البدع سواء كانت البدع متعلقة بالأسماء والصفات أو متعلقة بتوحيد الأولوهية أو بتوحيد الربوبية .. إلخ .
عنده شيء من البدع فإن كانت البدعة مكفرة ، فهذا لا تصح إمامته .
وإن كانت البدعة مفسقة وليست مكفرة فهذا موضع خلاف .
(1/413)
فأبو حنيفة والشافعي تصح إمامته .
ومالك وأحمد لا تصح إمامته .
ولكل منهم دليل أما الذين قالوا تصح إمامته كأبي حنيفة والشافعي فاستدلوا على ذلك بما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه :" يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم " .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً ما ثبت في صحيح البخاري لما حصر عثمان رضي الله تعالى عنه سئل عن الصلاة وأنه يصلي إمام فتنة ، فقال عثمان : الصلاة من أحسن ما يفعل الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإن أساؤا فاجتنب إسائتهم .
فعثمان رضي الله تعالى عنه مع أنه هو الإمام وحصر وصلى بالناس إمام فتنة مع ذلك أمر بالصلاة خلف هذا الإمام .
وكذلك أيضاً يدل لهذا ما سبق أن ذكرنا من آثار الصحابة ابن عمر كان يصلي خلف الخوارج وكان يصلي خلف مروان ابن الحكم وكذلك أيضاً الحسن والحسين يصليان خلف مروان وأيضاً الصلاة خلف الحجاج .
وكذلك أيضاً ابن مسعود صلى خلف الوليد بن عقبة .
فالصواب في هذا : أن إمامته صحيحة لكن كما سلف أنه لا يرتب لن الإمامة منصب ديني لها صفاتها الشرعية التي ينبغي أن تتوفر في هذا الإمام .
ويستثنى من ذلك : ما يتعلق بصلاة الجمعة والعيدين : فإن صلاة الجمعة والعيدين تصلى خلف كل إمام وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .
فمذهب أهل السنة والجماعة أنهم يرون الصلاة مع كل إمام سواء كان براً أو فاجراً فيما يتعلق بصلاة الجمعة وصلاة العيدين .
ولا امرأة وخنثى لرجل ..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/414)
" ولا امرأة وخنثى لرجل " يعني يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح إمامة المرأة للرجل ويؤخذ منه أن من شروط صحة إمامة الرجل أ ن يكون ذكراً فالرجل لا تصح إمامة المرأة له ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن إمامة المرأة للمرأة أن هذه جائزة .
لكن إمامة المرأة للرجل ، هل هي جائزة أو ليست جائزة ؟
المؤلف يرى أنها غير جائزة ، وظاهر كلام المؤلف أنها غير جائزة مطلقاً سواء كان ذلك في الفرائض أو كان ذلك في النوافل فلا يصح للمرأة أن تؤم رجل مطلقا .
ودليلهم على ذلك حديث جابر وذكرنا أنه ضعيف :" لا تؤمنّ إمرأة رجلا "
لكن يدل لهذا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " فإذا تقدمت المرأة على الرجال فهذا ليس فيه خيرية وإذا كان ليس فيه خيرية شرعاً فإن الشارع لا يقره وينفيه ، إذ إن الشريعة مبنية على المصلحة .
وكذلك أيضاً ما ثبت في البخاري من حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " والإمامة نوع من الولاية كما اسلفنا أنها منصب ديني شريف له صفاته ... إلخ .
فما ذهب إليه المؤلف رحمه الله هو الصواب وإن كان بعض أهل العلم يستثني إمامتها لمحارمها .
وخنثى لرجل وصبي لبالغ....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني كونها تؤم الأجانب فيه فتنة .. إلخ ، وهذا لا يليق بقام الصلاة هذه الشعيرة العظيمة ، لكن بعض العلماء استثنى إمامة المرأة لمحارمها ، فمثلاً لو صلت بأبيها أو صلت بزوجها ونحو ذلك ، ومنهم من قيده بالنوافل في التراويح ، إذا صلت بمحرمها في التراويح ..إلخ.
(1/415)
المهم الخلاصة في ذلك : أن إمامتها للأجانب هذه محرمة ولا تجوز ولا تصح هذا لا إشكال فيه ، لكن إذا أمّت لمحارمها فكما أسلفنا أن بعض أهل العلم رخص فيه ، كونها تؤم في النافلة .. إلخ .
وأما إمامة المرأة للمرأة فإن هذا جائز ولا بأس به وسبق أن تكلمنا عن ذلك وأوردنا حديث أم ورقة والآثار الوارده عن عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما .
" وخنثى لرجل " أيضاً الخنثى ما يصح أن يؤم الرجال لإحتمال أن يكون أنثى والقاعدة :
{ أنه إذا اجتمعا حاظر ومبيح فإنه يغلب جانب الحظر }.
" وصبي لبالغ " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح إمامة الصبي للبالغ ، ويؤخذ من هذا أن إمامة الصبي للصبي جائزة ، وعلى هذا نقول بأن إمامة الصبي تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : إمامة الصبي للصبي في النافلة ، فنقول هذا جائز ولا بأس به لعدم المخالفة.
القسم الثاني : إمامة الصبي للبالغ في النفل ، أيضاً هذه يجوزونها لعدم المخالفة فكل منهم يصلي نافلة .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثالث : إمامة الصبي للبالغ في الفرض ، وهذه المؤلف رحمه الله يرى عدم الصحة وهو قول أكثر أهل العلم .
والرأي الثاني : أنها صحيحة وهو قول الشافعي رحمه الله .
أما الذين لا يصححون ذلك فيرون الاختلاف ، هذا يصلي نافلة الصبي صلاته نافلة ليس بالغاً والبالغ يصلي فرضاً فيقولون هنا الاختلاف موجود ، وإذا كان موجوداً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فلا تختلفوا عليه "
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله وأن إمامة الصبي للبالغ في الفرائض صحيحة ويدل لهذا حديث عمرو بن سلمة رضي الله تعالى عنه فقد أمّ قومه وهو ابن ست أو سبع سنوات لأنه كان أكثرهم قرآناً ، وعلى العموم حديث أبي مسعود البدري :" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله "
(1/416)
وحديث أبي سعيد :" إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم "
فالصواب في هذه المسألة : أن إمامته صحيحة كما هو مذهب الشافعي رحمه الله .
ومذهب الشافعية هو أحسن المذاهب فيما يتعلق بصلاة الجماعة والإمامة ، هو أحسن المذاهب من خلال الاستقراء والقراءة يتبين أن مذهب الشافعية رحمهم الله هو أحسن المذاهب وهو أقرب إلى الدليل .
ولا أخرس إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا أخرس " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الصلاة خلف الأخرس .
والأخرس : هو الذي لا يستطيع النطق ، فيقول بأن إمامته غير صحيحة ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الأخرس لا تصح إمامته ولو بمثله .
ودليل ذلك ما تقدم أن الشارع إعتبر القراءة في الإمامة ، فقال :" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " وهذا لا يقرأ .
" إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم " وكما ذكرنا أن الصحابة قدموا سالم مولى أبي حذيفة وفيهم عمر وأبي سلمة لأنه كان أقرأ .
فالشارع إعتبر القراءة ، فنقول الأخرس لا تصح إمامته لكن إذا كان بمثله المذهب أنه حتى ولو كان بمثله لا تصح إمامته .
لكن الصواب : إذا كان بمثله فإن إمامته صحيحة .
" ولا عاجز عن ركن أو شرط إلا بمثله سوى إمام الحي المرجو زوال مرضه " تكلم الآن المؤلف رحمه الله عن إمامة العاجز عن ركن أو شرط هو تكلم عن إمامة الفاسق وعن إمامة المرأة وعن إمامة الأخرس ثم بعد ذلك الآن تكلم عن إمامة العاجز عن ركن ثم بعد ذلك عن إمامة العاجز عن شرط من شرائط الصلاة .. إلخ .
فالمؤلف رحمه الله يتكلم عن أنواع الأئمة ومن الذي تصح إمامته ومن الذي لا تصح إمامته ؟
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/417)
فنقول العاجز عن ركن من أركان الصلاة ، مثلاً عاجز عن الركوع لا يستطيع أن يركع لا يستطيع أن يسجد لا يستطيع أن يجلس .. إلخ . هو الآن عاجز عن ركن من أركان الصلاة .
إذا كان عاجز عن ركن من أركان الصلاة فهذا الركن لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون الركن قياماً لا يستطيع أن يقوم .
الأمر الثاني : أن يكون غير القيام ، كالركوع كالسجود كالجلوس .. إلخ .
فإن كان قياماً فيقول المؤلف رحمه الله لا تصح إمامته إلا إمام الحي المرجو زوال مرضه .
إذا عجز الإمام عن القيام لا تصح إمامته إلا بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون إمام الحي أي الإمام الراتب في المسجد .
الشرط الثاني : أن يرجى زوال مرضه .
ولنفرض أن الإمام الراتب في المسجد مرض ، مثلاً حصل في رجله كسر وأصبح لا يستطيع القيام وصلى بالناس وهو جالس ، ما حكم صلاته صحيحة أو ليست صحيحة ؟
صحيحة لأنه يرجى زوال مرضه .
إمام الحي كبر وأصبح لا يستطيع القيام ، ما حكم إمامته ؟
غير صحيحة لأنه لا يرجى زوال مرضه ، الكبر لا يرجى زواله .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جماعة خرجوا في سفر والأقرأ منهم أصيب في رجله وأصبح لا يستطيع القيام هل تصح إمامته أو لا تصح إمامته ؟
لا تصح لأنه ليس الإمام الراتب إمام الحي .
فالمؤلف رحمه الله يشترط شرطين :
الشرط الأول : أن يكون الإمام الحي يعني الإمام الراتب .
والشرط الثاني : أن يرجى زوال مرضه ، فلابد أن يتوفر هذان الشرطان لكي تصح إمامته إذا كان المرض فيما يتعلق بالقيام .
الرأي الثاني : رأي الشافعية يرون أنه يصح مطلقاً .
والرأي الثالث : رأي الإمام مالك رحمه الله عدم الصحة مطلقاً .
فالآراء في ذلك ثلاثة .
(1/418)
والصواب في هذا : ما ذهب إليه الشافعية رحمهم الله وهي الصحة مطلقاً لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام :" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ".
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد :" إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم " وهذا يشمل العاجز عن القيام وغير العاجز عن القيام.
فالصواب في هذه المسألة : من قال بصحة إمامته مطلقاً .
إذا قلنا بصحة العاجز عن القيام فكيف يصلي المأمومون ؟
ويصلون وراءه جلوساً ندباً وإن ابتدأ بهم قائماً وعجز فجلس أتموا خلفه قياماً...........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا قال المؤلف رحمه الله :
" ويصلون وراءه جلوساً ندباً وإن ابتدأ بهم قائماً وعجز فجلس أتموا خلفه قياماً " الآن قلنا بأن إمامة العاجز عن القيام حكمها صحيحة سواء على حسب ما اشترط المؤلف أو قلنا بأنها تصح مطلقاً لعموم الأحاديث وهو الصواب .
بقينا في المأمومين كيف يصلون ؟
فصل لك المؤلف قال : يصلون وراءه جلوساً ندبا ، يعني إن افتتح بهم الصلاة جالساً فإنهم يصلون وراءه جلوساً .
وإن افتتح بهم الصلاة قائماً ثم أعتل صابته علة فإنهم يصلون خلفه قياماً .
هذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
والرأي الثاني : أكثر أهل العلم أنهم يصلون خلفه قياماً .
لكن ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من هذا التفصيل هو الصواب وهو الذي دلت له الأحاديث .
ففي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو شاكٍ فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال :" إنما جعل الإمام ليؤتم به .. إلى أن قال : وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين "
.............................................................................................................
(1/419)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهنا النبي صلى الله عليه وسلم افتتح الصلاة وهو جالس فيصلون جلوساً ، إذا افتتح الصلاة وهو قائم يصلون قياماً .
وأيضاً يدل لذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه لما ألجحش& النبي صلى الله عليه وسلم وسقط عن فرسه وصلى في بيته جالساً أشار للصحابة رضي الله تعالى عنهم أن يصلوا جلوساً .
فنقول : إذا افتتح الصلاة جالساً فإنهم يصلون جلوساً لكن إذا افتتح الصلاة وهو قائم فإنهم يصلون قياماً .
والدليل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما مرِض مرض الموت وأمر أن ينادى أبا بكر لكي يصلي بالناس فوجد من نفسه نشاطاً فخرج وأكمل الصلاة بالصحابة وكان الصحابة يصلون قياماً .
ولماذا صلوا قياماً ؟
لأن أبا بكر افتتح بهم الصلاة وهو قائم .
فنقول الصحيح في ذلك : كما ذكر المؤلف رحمه الله خلافاً لما ذهب إليه أكثر أهل العلم ، إن افتتح الصلاة وهو قائم يصلون خلفه قياماً وإن افتتح الصلاة وهو جالس يصلون خلفه جلوساً .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن افتتح الصلاة وهو قائم يصلون خلفه قياماً وجوباً إذا أعتل ، وإن افتتح الصلاة وهو جالس يصلون خلفه جلوساً لكن قال المؤلف رحمه الله : ندباً ، والصحيح أنهم يصلون خلفه جلوساً وجوباً أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وقال :" إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين ".
" إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين "
وهذا الصواب في هذه المسألة .
فيصلون خلفه جلوساً يومؤن بالركوع وأما السجود فإن استطاع الإمام أن يسجد سجوداً تاماً يسجدون خلفه سجوداً تاماً وإذا ما استطاع أن يسجد سجوداً تاماً فإن المأمومين يسجدون سجوداً تاماً .
هذا إذا عجز عن ركن القيام .
القسم الثاني : إذا عجز عن ركن غير القيام ، كالركوع كالسجود .. إلخ .
(1/420)
فهل تصح إمامته أو لا تصح ؟
المشهور من المذهب أن إمامته غير صحيحة إذا عجز عن ركن ما يستطيع أن يركع ولا فرق بين إمام الحي وغيره ولا فرق بين أن يرجى زوال علته أو لا .
ولنفرض أن الإمام الراتب لم يتمكن من الركوع لألم في ظهره أو من السجود أو غير ذلك فيقولون بأن إمامته غير صحيحة .
ولا خلف محدث أو نجس يعلم ذلك.........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار الشيخ السعدي ، أن إمامته صحيحة ، وهذا القول هو الصواب .
أن إمامته صحيحة وهو الصواب لعموم الأحاديث " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " .. إلخ .
ما تقدم ما يتعلق بمن عجز عن ركن من أركان الصلاة كذلك أيضاً من عجز عن شرط من شروط الصلاة ، فالمذهب أنها لا تصح إمامته ، مثل إنسان لا يتمكن من رفع الحدث عنده سلس بول فيرون أن إمامته لا تصح للصحيح .
إذا كان عنده سلس بول يرون أن إمامته لا تصح للصحيح .
إنسان لا يتمكن من استقبال القبلة لكونه مربوط إلى غير القبلة يرون أن إمامته لا تصح لمن يتمكن من استقبال القبلة ، وهذا كما أسلفنا المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : أن إمامته صحيحة لعموم الأدلة ، وهو اختيار الشيخ السعدي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهذا القول هو الأقرب .
" ولا خلف محدث أو نجس يعلم ذلك " يرى المؤلف رحمه الله أنه لا تصح الصلاة خلف المحدث .
والحدث : وصف يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط لها الطهارة .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحدث هل تصح إمامته أو نقول بأن إمامته غير صحيحة ؟
نقول المحدث هذا ينقسم إلى أقسام :
(1/421)
القسم الأول : أن لا يعلم بالحدث هو والمأمومون إلا بعد نهاية الصلاة .
إنسان صلى بالناس وقد أكل لحم جزور ولم يعلم بأنه محدث إلا بعد أن انتهت الصلاة فنقول بأن صلاة المأمومين صحيحة وأما صلاته فيعيد لأنه ترك شرطاً من شروط صحة الصلاة .
ودليل ذلك ما سبق من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم "
وأما الإمام فنقول بأن صلاته غير صحيحة يجب أن يعيد لأنه أخل بشرط من شروط صحة الصلاة .
ويدل لذلك أيضاً أن عمر وعثمان أن كل منهما صلى بالناس وهو جنب فأعادا ولم يأمرا الناس بالإعادة .
القسم الثاني : أن يعلم المأموم أو بعض المأمومين بحدث الإمام في أثناء الصلاة ، فالمذهب أن صلاتهم جميعاً باطلة الإمام والمأموم .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في هذه المسألة : أما الإمام فصلاته غير صحيحة لأنه أخل بشرط من شروط صحة الصلاة ، وأما المأموم الذي يجهل فهذا صلاته صحيحة لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
وأما المأموم الذي علم فنقول يجب عليه أن ينفرد ، إذا علم أن الإمام محدث يجب عليه أن ينفرد وأن يصلي وحده إذا لم يتمكن من تنبيه الإمام ، وإن تمكن ونبه الإمام بإشارة ونحو ذلك فإنه ينبهه لكن إذا لم يتمكن فإنه ينفرد .
فإن كان جاهلاً بالإنفراد وتابع ، نقول يعفى عن ذلك وتكون صلاته صحيحة .
القسم الثالث : أن يعلم الإمام بالحدث في أثناء الصلاة والمأمومون يجهلون ، فنقول يجب عليه أن يخرج .
المذهب : إذا علم في أثناء الصلاة تبطل صلاة الجميع ، يرون أن صلاة الجميع تبطل .
(1/422)
والصواب : أن الإمام صلاته تبطل أو باطلة وأما المأمومون فنقول صلاتهم صحيحة فيستخلف الإمام من يتم بهم الصلاة ، يجب عليه أن يخرج ويستخلف من يتم بهم الصلاة أو أن المأمومين يستخلفون أو يتمونها فراداً .
والأحسن أن يستخلف كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه .
فإن عمر رضي الله تعالى عنه لما طعن استخلف عبد الرحمن بن عوف فأتم بالناس الصلاة.
فنقول : يستخلف وإن لم يفعل فإن المأمومين يستخلفون أو يتمون .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن لم يستخلف واستمر بهم في الإمامة فنقول بأنه يأثم لأنه لا يجوز له أن يواصل وهو محدث ، نقول يأثم لكن بالنسبة لصلاة المأمومين نقول بأنها صحيحة لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه :" يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم "
هذا فيما يتعلق بصلاة المحدث .
بقينا في صلاة من عليه نجاسة أيضاً نقول هذا لا يخلو من أقسام :
القسم الأول : ألا يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة ، إمام صلى بالناس وعليه نجاسة في بدنه أو عليه نجاسة في ثوبه أو في بقعته التي يصلي عليها ولم يعلم بالنجاسة إلا بعد أن انتهى من الصلاة ، بالنسبة لصلاة المأمومين صحيحة لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
بالنسبة لصلاة الإمام أيضاً نقول بأنها صحيحة .
صلاة الجميع صحيحة وهذا فرق بين الحدث والنجاسة لأن الحدث من باب الأوامر ما يعفى فيه بالنسيان والجهل لابد أن يعيد الإمام ، وأما بالنسبة للخبث فهو من باب التروك يعذر فيه بالجهل والنسيان ، هذا القسم الأول .
القسم الثاني : أن يعلم المأموم أو بعض المأمومين في أثناء الصلاة ، وكما تقدم المذهب يرون أن صلاة الجميع تبطل .
فإن جهل مع مأموم حتى انقضت صحت لمأموم.......................................
(1/423)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في ذلك : أن الإمام صلاته صحيحة لأنه معفو عنه في النسيان .
والمأمومون الذين جهلوا صلاتهم صحيحة ، والمأمومون الذين علموا إن تمكنوا أن ينبهوا الإمام ينبهوه وإن لم يتمكنوا يصلوا يواصلوا الصلاة وصلاتهم صحيحة أيضاً .
فالجميع صلاتهم صحيحة وإنما قلنا بأن صلاة المأمومين الذين علموا صحيحة لأن الإمام أصلاً صلاته صحيحة وهم الآن يقتدون بإمام صلاته صحيحة لأنه معفو عنه لكونه جهل أو نسي النجاسة .
فإذا كان معفو عنه فإئتمامهم به نقول بأنه صحيح .
القسم الثالث : أن يعلم الإمام ، فنقول المأمومون صلاتهم صحيحة والإمام يجب عليه أن يخرج ويستخلف ، وكما تقدم المذهب أن الصلاة تبطل جميعاً .
لكن الصواب : الإمام يجب عليه أنيخرج ويستخلف هذا الأحسن وإن لم يستخلف يستخلفون أو يتمونها فرادى والمأمومون صلاتهم صحيحة .
وأما بالنسبة للإمام يجب عليه أن يخرج ويعيد الصلاة .
فإن لم يخرج واستمر نقول صلاته باطلة ويأثم وصلاة المأمومين صحيحة .
" فإن جهل مع مأموم حتى انقضت صحت لمأموم " لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
ولا إمامة من لا يحسن الفاتحة أويدغم ما لا يدغم أو يبدل حرفاً بآخر غير ضاد المغضوب والضالين ظاء أويدغم ما لا يدغم أو يبدل حرفاً بآخر....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا إمامة من لا يحسن الفاتحة أويدغم ما لا يدغم أو يبدل حرفاً بآخر غير ضاد المغضوب والضالين ظاء " هنا شرع المؤلف رحمه الله فيما يتعلق بإمامة الأمي ، منهو الأمي الذي لا تصح إمامته ؟
الأمي في اللغة : مأخوذ من الأم ، وهو الذي لا يحسن القراءة والكتابة كأنه منسوب إلى أمه يعني على الحال التي خرج من أمه ، والإنسان إذا خرج من أمه فإنه لا يحسن القراءة والكتابة .
(1/424)
وأما في الاصطلاح : الأمي فنقول ما يتضمن أربعة أمور :
قال : من لا يحسن الفاتحة ، هذا الأمر الأول :
الأمر الأول : لا يحسن الفاتحة ، وما معنى لا يحسن الفاتحة ؟
يعني لا يحفظ الفاتحة ، هذا الأمر الأول .
" أويدغم ما لا يدغم " هذا الأمر الثاني : يدغم في الفاتحة ما لا يدغم يعني حرفاً بما لا يماثله ولا يقاربه ، مثل لو أدغم هاء لفظ الجلالة براء رب العالمين ، فيقول الحمد
" أو يبدل حرفاً بآخر " الأول : يدغم ،والثاني : يبدل حرفاً بآخر وهو ما يسمى بالألثغ.
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والألثغ مثاله : الذي يبدل الراء غيناً هو الآن أبدل حرف حرفاً آخر ، رب العالمين يقول غب العالمين ، فهذا يسمى ألثغ .
الأول الذي يدغم يسمى الأرت . مثال الحمد للرب العالمين
والثاني : الذي يبدل حرفاً بآخر يسمى ألثغ ، فيبدل حرفاً بحرف آخر هنا ما أكل حرف في صورة الأرت أكل حرف ، هنا ماأكل حرف أتى بالحرف لكن قلبه إلى حرف آخر ، فمثلاص الراء يقلبها إلى غين بدلاً من أن يقول رب العالمين يقول غب العالمين ، فهذا يقول المؤلف رحمه الله بأن إمامته لا تصح .
فأصبح عندنا منهو الأمي ؟
جمع واحد من أربعة أمور الأول : من لا يحفظ الفاتحة ، أو يحفظها لكن يدغم حرفاً بآخر لا يماثله ولا يقاربه ويسمى الأرت .
الثالث : يبدل حرفاً بآخر ويسمى الألثغ .
وذكرنا الفرق بينهما : أن الأول أكل الحرف والثاني الحرف موجود لكن أبدله بحرف آخر .
ومن أمثلة الألثغ كما قلنا أبدل الراء غين ومن أمثلتها يبدل الراء ياء بدلاً من أن يقول رب العالمين ، يقول يب العالمين ، وهكذا .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/425)
الرابع : أن يلحن لحناً يحيل المعنى ، مثلاً يقول : صراط الذين أنعمتُ عليهم ، هنا أحال المعنى .
إياك نعبد ، يقول إياكِ نعبد ، هنا أحال المعنى .
فإذا توفرت واحد من هذه الأمور نقول بأنه أمي لا تصلح إمامته ، لكن تصلح إمامته بمثله ، أما بغير مثله نقول لا تصح .
ودليل ذلك : ما ذكرنا من الأدلة حديث أبي مسعود البدري وكذلك أيضاً حديث أبي سعيد وغير ذلك من الأحاديث التي أشرنا إليها .
غير ضاد المغضوب عليهم ولا الضالين ظاء أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى..........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا تصح إمامة أمي .. والضالين بظاء "
تقدم تعريف الأمي في اللغة والاصطلاح ، لغة : لا يحسن القراءة ولا الكتابة كأنه منسوب إلى أمه ، أي على الحالة التي ولدته أمه ، وأمه قد ولدته وهو لا يعرف الكتابة والقراءة .
اصطلاحاً : ما وجد فيه واحد من أربعة أمور :
الأول : أن لا يحفظ الفاتحة .
الثاني : أن يدغم فيها ما لا يدغم .
الثالث : أن يبدل حرفاً بغيره .
الرابع : أن يلحن فيها لحناً يحيل المعنى .
فإذا توفر فيه واحد من هذه الأمور الأربعة فإنه أمي لا تصح إمامته .
ويدل لهذا ما تقدم من حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ).
وحديث أبي سعيد ( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم ).
واستثنى المؤلف رحمه الله
" غير ضاد المغضوب عليهم ولا الضالين ظاء " إذا بدل الضاد بالظاء المؤلف : لا بأس به إذا كان يعجز عن مثل هذا لتقارب المخرجين ضاد وظاء .
لا يجعله أمياً لا تصح إمامته والعلة : تقارب المخرجين .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : لا تصح إمامة أمي سواء كان بمثله أو بغيره .
والصواب : أن إمامته لا تصح بغير الأمي فلا يقدم إماماً .
(1/426)
أما إمامته بمثله صحيحة .
" أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى " تقدم أنه داخل في الأمي : إذا لحن لحناً يحيل المعنى مثل ( اهْدِنا ) اهْدِنا من الهداية .
( أَهدنا ) من الهدية ، هذا أحال المعنى .
إلا بمثله وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته وتكره إمامة لحان وفأفاء..................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو ( إياكِ نعبد ) يقول أنه أمي .
" إلا بمثله " ذكرنا أن المؤلف رحمه الله ظاهر كلامه في الأول أن إمامته لا تصح مطلقاً ولو بمثله لكن هنا أفاد المؤلف رحمه الله أن إمامته صحيحة بمثله .
يعني الأمي إمامته صحيحة بمثله ، وأما بغير الأمي فإن إمامته لا تصح .
" وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته " إذا كان هذا الأمي يقدر على إصلاحه ـ يتعلم الفاتحة ـ ولنفرض أنه يلحن لحناً يحيل المعنى فيقدر على أن يجلس ويتعلم ، فنقول : لا تصح صلاته إذا كان يقدر لماذا ؟
لأنه مأمور بقراءة الفاتحة وإذا أحال المعنى لم يقرأ الفاتحة وإنما أتى بكلام أجنبي على القراءة .
مثلاً إذا قال : إياكِ هذا ليس من كلام الله عز وجل فيكون أسقط شيئاً من الفاتحة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )
فلا تصح صلاته إذا كان يقدر أما إذا كان يعجز عن إصلاحه فصلاته صحيحة .
مثل : بعض البادية ، وبعض كبار السن ، وبعض الأعاجم .
بعض الأعجميين لا يمكن أن تصلحه تجد أنه يدغم بعض الحروف ببعض أو يبدل حرفاً بآخر فلا يمكن أن تعلمه مهما علمتهم فلا يمكن ، فحكم صلاته صحيحة لكن لا يكن إماماً إلا بمثله .
" وتكره إمامة لحان " اللحان المراد به : اللحن الذي لا يحيل المعنى أما أن أحال المعنى فإنه أمي فإن كان لحنه لا يحيل المعنى فإمامته مكروهة .
(1/427)
ويؤخذ من ذلك : أن إمامته صحيحة ولو كان ببإنسان لا يلحن .
مثال ( الحمد للهُ ربَّ العالمين )
يكره ذلك وإنما قال المؤلف يكره كما أشرنا أن القراءة معتبرة في الإمامة ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ).
( وأحقهم بالإمامة أقرؤهم )
فهذا يدل على أن القراءة معتبرة في جانب الإمامة .
" وفأفاء " هو الذي يكرر الفاء .
ونحوه ومن لا يفصح ببعض الحروف وأقطع يدين ورجلين أو أحدهما أو أنف...........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ونحوه " كالتمتام وهو الذي يكرر التاء فهؤلاء تكره إمامتهم .
والدليل على ذلك : أن القراءة معتبرة .
" ومن لا يفصح ببعض الحروف " كالقاف لا يذكرها فصيحة ، أو الضاد لا يذكرها فصيحة .
المؤلف رحمه الله : إمامته مكروهة .
" وأقطع يدين ورجلين أو أحدهما " لو عندنا شخص قطعت يداه أو رجلاه أو قطعت إحدى يديه أو إحدى رجليه ، المؤلف : تكره إمامته .
" أو أنف " تكره إمامته ، إذا كان مقطوع الأنف تكره إمامته أو أقطع اليدين أو الرجلين أو أحدهما لماذا ؟
يقولون العلة : اختلف في صحة إمامته بعض أهل العلم يقول : لا تصح إمامته .
والمؤلف رحمه الله : تصح لكن تكره خروجاً من الخلاف .
وسبق أن ذكرنا أن شيخ الإسلام قال التعليل بالخلاف علة باطلة .
نقول الحكم مكروه لوجود الخلاف ، فما من مسألة إلا وفيها خلاف إلا ما ندر من المسائل التي أجمع عليها العلماء رحمهم الله .
فالتعليل بالخلاف علة باطلة لأنها علة حادثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم الخلاف لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم كان المرجع القرآن والسنة .
فالتعليل بالخلاف علة حادثة فلا تعلل بها الأحكام .
لا نقول هذا مكروه لأن بعض العلماء اختلفوا في ذلك .
(1/428)
نقول يكره لوجود الدليل ننظر إلى خلاف ذلك العالم فإن كان له حظ من النظر نقول لوجود الدليل لأن فيه دليل ينص على كذا وكذا .
أما نقول مكروه للخلاف فهذا التعليل بالخلاف علة باطلة لأنه حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلى هذا نقول هذه العلة فيها نظر .
والصواب : لا تكره إمامتهم ويدل لذلك عمومات الدلة ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )
( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم )
وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فهذا عام وكلام المؤلف فيه نظر .
" وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن " المراد بالأجنبية أي التي ليست من محارمه .
المؤلف رحمه الله : يكره أن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهم .
أما أجنبية واحدة لا يجوز لأنها خلوة بامرأة محرمة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )
لكن إذا أم امرأتين أو ثلاثاً أو أربعاً وهن أجانب منه فما الحكم ؟
المؤلف رحمه الله : مكروه .
هم يقولون لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو الرجل بالمرأة .
والصواب : لا كراهة لأنه لا خلوة هنا .
ويفرق بين السفر والحضر .
السفر هو الذي يحتاج إلى محرم ، أما الحضر فلا يحتاج إلى محرم يحتاج إلى انتفاء الخلوة ، وانتفاء الخلوة يحصل بامرأة واحدة .
لو أن رجلاً مع امرأة أجنبية وجاءت امرأة أخرى انتفت الخلوة .
مثلاً هذا المكان فيه امرأة ورجل ثم جاءت امرأة أجنبية أخرى الخلوة انتفت وليس بلازم المحرم في الحضر لا يشترط لكن لابد من انتفاء الفتنة .
فلو ركب رجل معه امرأة أجنبية وامرأة أخرى أجنبية جائز ولا بأس به .
(1/429)
رجل أجنبي ورجل أجنبي مع امرأة أجنبية جائز لأن الخلوة انتفت بوجود الرجل الأجنبي الآخر .
وعلى قول المؤلف رحمه الله : يكرهأن يؤم امرأة أجنبية فأكثر ليس معهن رجل .
فيه نظر .
والصواب : عدم الكراهة ، لكن إذا كان يترتب على ذلك فتنة ومحذور شرعي يحرم.
أو قوماً أكثرهم يكرهه بحق ويصح ائتمام من يقضي صلاة بمؤديها وعكسه لا مفترض بمتنفل......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو قوماً أكثرهم يكرهه بحق " يكره أن يؤم قوم أكثرهم يكرهه بحق ، ودليل ذلك حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم وذكر منهم إمام قوم وهم له كارهون ).ت . وغيره .
فقال : إمام قوم وهم له كارهون ،
وقال المؤلف رحمه الله : بحق ، أن تكون الكراهة بحق ، لأن الكراهة قد تكون بحق وقد تكون بغير حق ، وعلى هذا نقول تنقسم الكراهة إلى قسمين :
القسم الأول : أن تكون بحق كما لو كانت الكراهة لخلل في دينه ، هذا الإمام عنده خلل في دينه عنده ذنوب معاصي ، فهذه كراهة بحق .
القسم الثاني : كراهة بغير حق لهوى أو لعصبية أو لحسد ونحو ذلك ، فنقول لا تكره إمامته .
وقوله : أكثرهم ، يفيد أنه لو كانت الكراهة من البعض أن ذلك لا يضر .
والصواب : أنه يضر ما دام أنه لنقص في دينه .
" ويصح ائتمام من يقضي صلاة بمؤديها " هذه المسألة وهي اختلاف الصلاتين ، إذا اختلفت الصلاتان صلاة الإمام وصلاة المأموم ، نقول هذا الاختلاف ينقسم إلى أقسام :
(1/430)
القسم الأول : أن تختلف في القضاء والأداء ، هذا لا يضر ، ولهذا قال المؤلف : ويصح ائتمام من يقضي صلاة بمؤديها وعكسه ، اتفقت في الاسم واختلفت في القضاء والأداء ، فالإمام يصلي الظهر أداءً والمأموم يصلي ظهر الأمس قضاءً لا يضر.
" وعكسه " عكس المسألة الإمام يصلي الظهر قضاءً والمأموم يصلي الظهر أداءً لا يضر داخل في القسم السابق اتفقا في الاسم واختلفا في الأداء والقضاء ، كله جائز ولا بأس به .
" لا مفترض بمتنفل "
القسم الثاني : أن تختلف الصلاتان في الاسم مع اتفاقهما في الفعل .
مثاله : الإمام يصلي العصر والمأموم يقضي الظهر .
................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤلف وأكثر أهل العلم : لا يصح .
واستدلوا بحديث عائشة وأبي هريرة ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ).
وهنا اختلف عليه الإمام يصلي العصر وهذا يصلي الظهر .
والرأي الثاني : يصح وقال به الشافعي .
واستدلوا حديث معاذ رضي الله عنه الثابت في الصحيح فإن معاذ كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم ، فهو يصلي تطوع وهم يصلون فريضة فاختلفت فهذا يدل لما ذهب إليه الشافعي رحمه الله .
وهو الصواب .
ومن أدلة ذلك : حديث أبي ذر ( إذا أقيمت وأنت في المسجد فصل فلا تقل إني صليت فلا أصلي ) الإمام يصلي فرضاً والمأموم نافلة .
حديث يزيد بن الأسود ( إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم ) فهؤلاء نافلة وهؤلاء فريضة .
القسم الثالث : مفترض بمتنفل ، المأموم مفترض والإمام متنفل خلاف ، والخلاف السابق يأتي هنا والشافعية يجوزون هذه الصورة .
(1/431)
ودليلها ما اسلفنا من حديث معاذ ويزيد بن الأسود وأبي ذر ، وهو الصواب .
فالصواب : إذا كان الإمام مفترضاً والمأموم متنفل فهذا صحيح .
وأما قوله عليه الصلاة والسلام :( فلا تختلفوا عليه ) نقول المراد بذلك الاختلاف في الأفعال كما سيأتي ويفسره الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا ..)
لا تخالف الإمام هذا هو المقصود ، كبر مع الإمام واركع مع الإمام واسجد مع الإمام هذا المراد بالاختلاف وافقه في ذلك لا تختلف عليه .
القسم الرابع : أن تختلف الصلاتان في الأفعال اختلافاً يسيراً ، لا يضر هذا .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثاله : هذا يصلي العشاء والمأموم المغرب فيه اختلاف ، هذه أربع وتلك ثلاث فيه اختلاف لكنه يسير ، فنقول صل معه المغرب ثم بعد ذلك تنفصل وتدخل معه الركعة الأخيرة في العشاء .
أو الإمام يصلي المغرب وأنت تصلي العشاء لا يضر إذا سلم تقوم وتأتي بركعة .
هنا اختلاف في الأفعال يسير .
ومن أمثلته : الإمام يصلي صلاة العيدين والمأموم يصلي صلاة الفجر ، الصلاتان متفقتان في الأفعال إلا أن صلاة العيدين فيها زيادة التكبيرات الزوائد والفجر ليس فيها فهذا لا يمنع من الإقتداء .
القسم الخامس : أن تختلف الصلاتان في الأفعال اختلافاً كثيراً ، أكثر أهل العلم لا يصح الإقتداء .
مثاله : الإمام يصلي صلاة الجنائز والمأموم يصلي صلاة الظهر اختلاف كثير فصلاة الجنازة ليس فيها ركوع ولا سجود ولا جلوس والفريضة فيها ذلك .
فأكثر أهل العلم لا يصح الإقتداء به .
(1/432)
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى الصحة لكن الصواب : ما ذهب إليه الجمهور وأنه لا يصح .
ومثاله : الإمام يصلي الكسوف والمأموم الفجر لم يصل الفجر حتى طلعت الشمس وكسفت وصلى الإمام وجاء وهم يصلون الكسوف ودخل معهم هل يصح الإقتداء أو لا يصح ؟
لا يصح الاختلاف كثير ، الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وأما الفجر ليس لها إلا ركوع واحد ، فهذا يمنع إذا كان الاختلاف كثير .
أما إذا كان الاختلاف غير كثير فالأصل الإقتداء وهو الصواب .
ولهذا نعرف أن ما يحصل من الخلاف عند كثير من المسافرين أو في حالات الجمع يريد أن يدخل فيسأل ماذا تصلي قله ليس وارد إذا اتيت والناس يصلون صل معهم لك صلاتك ولهم صلاتهم إلا إذا عرفت أنهم يصلون الكسوف لا تصل معهم الفجر أو الجنازة لا تصل الظهر لأن الاختلاف بينهما كثير وهذه أمور نادرة ، فأنت كما قال صلى الله عليه وسلم :( إذا أتيت مسجد جماعة فصل معهم )
( إذا أقيمت وأنت في المسجد فصل )
إذا جئت والناس يصلون أدخل معهم .
ولا ظهر خلف نحو عصر.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا ظهر خلف نحو عصر " تقدم إن اتفقت في الأفعال واختلفت في الاسماء الصحيح : تصح خلافاً لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
يقف اثنان فأكثر خلف إمام ندباً ويصح عن يمينه وبجنبيه لا يساره فقط......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
" يقف اثنان فأكثر خلف إمام ندباً "
أراد المؤلف أن يبين موقف المأموم من الإمام ، نقول المأموم لا يخلو من أمرين :
(1/433)
الأمر الأول : أن يكون واحداً ، وهذا سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله .
الأمر الثاني : أن يكون أكثر من واحد فالسنة أن يقفوا خلف الإمام ، ولو وقفوا عن جانبيه لا بأس .
ولنفرض أن المأمومين ستة فوقف ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره جائز ولكنه خلاف السنة .
السنة : أن يقفوا خلف الإمام .
وكان أول الإسلام إذا كانوا ثلاثة فإنهم يقفون عن جانبيه كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه :( جعل صاحبيه عن جانبيه )
كان في أول الإسلام ثم نسخ فإذا كانوا ثلاثة فإن السنة أن يتقدم الإمام عليهما .
فأصبح الوقوف لأكثر من اثنين له حالتان :
الحالة الأولى : السنة خلفه وهذا ما استقر عليه التشريع فكان صلى الله عليه وسلم يتقدم والصحابة خلفه وهذا اجماعاً .
الحالة الثانية : عن جانبيه .
" ويصح عن يمينه وبجنبيه " يعني لو وقف المأمومين عن يمين الإمام صح ذلك ولو وقفوا بجانبيه عن يمينه وشماله صح ذلك ولكن الأفضل إذا كانوا أكثر من واحد أن يقفوا خلفه .
وذكرنا الدليل أن هذا كان موجودا في أول الإسلام وابن مسعود رضي الله عنه جعل علقمة والأسود أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ، وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ، لكن هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ .
" لا يساره فقط " ولو جعل المأموم أو المأمومين عن يساره ما الحكم ؟
المؤلف رحمه الله والمذهب : لا يصح .
أو قدامه.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ واستدلوا أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس لما كبر ابن عباس عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم أداره إلى يمينه ، وكذلك أدار جابر لما كبر إلى يمينه .
(1/434)
فهذا يدل على أن اليسار ليس موقفاً .
والجمهور : أنه يصح أن يقف المأموم عن يسار الإمام حتى لو كان واحد أو اثنين أو ثلاثة ، وأن يساره موقف كيمينه .
واستدلوا على ذلك : أن ابن عباس كبر وأدى جزء من الصلاة عن يساره صلى الله عليه وسلم وكذلك جابر ولم يأمرهما صلى الله عليه وسلم بالإعادة .
وهو الصواب .
لكن الأفضل عن يمينه ، وعلى هذا نقول موقف الواحد الأفضل عن يمين الإمام ولو وقف عن يساره جائز .
" أو قدامه " لا يصح أن يقف قدام الإمام وهذه المسألة فيها ثلاثة آراء :
الرأي الأول : المذهب لا تصح قدام الإمام حتى لو كبر تكبيرة الإحرام ثم تراجع لا تصح .
الرأي الثاني : الإمام مالك رحمه الله يصح عند الضرورة كما هو في حال الزحام ونحو ذلك .
الرأي الثالث : أبو حنيفة والشافعي يصح مطلقاً .
وما ذهب إليه الإمام مالك هو الصواب يصح مع الضرورة وهو قول وسط وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ولكل منهم دليل :
المذهب لا تصح استدلوا ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) فالإمام ليؤتم به ليقتدى به وإذا تقدم لا يأتم بالإمام .
وكذلك قالوا هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم .
فما جرى عليه النبي والصحابة والإجماع أن هذا فعلهم بتقديم الإمام على المأمومين.
وأما أبو حنيفة والشافعي الجواز مطلقاً قالوا الدليل أن الإقتداء ممكن أن يتقدم وأن يقتدي بسماع التكبير ونحو ذلك .
ولا الفذ خلفه أو خلف صف.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والذين قالوا يسقط عند الضرورة قالوا : الضرورات تبيح المحظورات ، قول مالك وشيخ الإسلام وابن القيم .
وهو الصواب .
(1/435)
" ولا الفذ خلفه أو خلف صف " الفذ هل تصح صلاته خلف الصف أو غير صحيحة ؟
المؤلف رحمه الله : لا تصح .
وهذه المسألة فيها ثلاثة آراء طرفان ووسط :
المشهور من المذهب : أن صلاة الفذ خلف الصف غير صحيحة مطلقاً .
الجمهور : يرون الصحة .
شيخ الإسلام والإمام مالك : لا تصح إلا مع العذر ، والعذر هو اكتمال الصف .
المذهب دليلهم حديث وابصة وعلي بن شيبان ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف )
وحديث وابصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد .
والذين قالوا بالصحة قالوا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس من يساره إلى يمينه فأدى ابن عباس جزء من صلاته خلف الإمام في أثناء الإدارة .
وشيخ الإسلام أنها تسقط المصافة مع العذر ، فالمصافة واجبة .
وما هو العذر ؟
هو اكتمال الصف ، فإذا كان الصف مكتملاً صحت وإن كان غير مكتمل لا تصح
وهو الصواب ، وسط بين قولين .
* فائدة : لا حاجة أن يجر أحداً أو يتقدم إلى الإمام ويصلي عن يمينه ، وقوله ( هل اجتررت أحداً ) ضعيف .
* الاستدلال بحديث منسوخ فعل ابن مسعود عندما جعل علقمة والأسود عن يمينه وعن يساره دليل على جواز هذه المصافة ، النسخ مراتب ، فالمنسوخ الاستحباب لكن يبقى الجواز .
* تحويل ابن عباس إلى يمينه يدل على أنها لم تكن صحيحة ولم يأمره بالإعاده لجهله بالحكم .
إلا امرأة خلف رجل وتقف إمامة النساء في صفهن ندباً..........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* حوله إلى يمينه لا يمتنع لإدراك الأفضلية وكونه لم يأمره بالإعادة دليل على صحة يساره كقصة الأعرابي قال له :( صل فإنك لم تصل )
مادام أنه في الوقت وزال جهله قال له :( صل فإنك لم تصل ) .
(1/436)
ذكر السيوطي قاعدة فقهية أن الخروج من الخلاف مستحب ، المرجع إلى النص .
" إلا امرأة خلف رجل " لو أن المرأة صلت منفردة خلف الرجال أو خلف رجل فصلاتها صحيحة .
ويدل لهذا حديث أنس رضي الله عنه أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل ثم قال :( قوموا لأصلي لكم ) وفيه قال :( صففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى ركعتين ثم انصرف ).
فموقف المرأة مع الرجل أو مع الرجال في الخلف ولو كانت فذه تصح صلاتها لهذا الحديث .
ولو صلت في صف الرجال فإن صلاتها صحيحة ، وكذلك صلاة الرجال صحيحة .
هذا حكم المرأة مع الرجال .
أما بالنسبة للمرأة مع النساء فكالرجل مع الرجال وعلى هذا لو وقفت امرأة خلف امرأة أو خلف صف النساء ما الحكم ؟
لا تصح صلاتها إلا مع اكتمال الصف فإذا اكتمل صف النساء فلا بأس أن تصلي منفرده خلف الصف كالرجل مع الرجال .
وإذا صلت المرأة عن يسار المرأة مع خلو يمينها يجري فيه الخلاف السابق ،
المشهور من المذهب : لا تصح صلاتها .
والرأي الثاني : الصحة .
كذلك إذا صلت المرأة قدام إمامة النساء وقع الخلاف السابق .
" وتقف إمامة النساء في صفهن ندباً " إمامة النساء تقف في صفهن ندباً ويؤخذ من هذا أن إمامة المرأة لو تقدمت على صف النساء فهذا جائز ولا بأس به .
وعلى هذا نقول : إمامة النساء لا تخلو من أمرين :
ويليه رجال ثم صبيان ثم نساء............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الأمر الأول : أن تقف في وسطهن وهذا هو الأفضل .
الأمر الثاني : أن تتقدم عليهن وهذا جائز وهو خلاف الأفضل .
(1/437)
وقول المؤلف رحمه الله : وتقف إمامة النساء في صفهن ، لأن هذا وارد عن عائشة رضي الله عنها ، ولأن أمر المرأة مبني على الستر والحشمة .
" ويليه رجال ثم صبيان ثم نساء " ويليه يعود الضمير إلى الإمام ، من يلي الإمام في الصف ؟
المؤلف رحمه الله : رجال ثم صبيان ثم نساء .
وظاهر كلامه أنه يليه الرجال كما ذكر ثم الصبيان ثم النساء ويقدم الرجال على الصبيان حتى لو سبق الصبيان ، وهذا هو المشهور من المذهب .
لقوله صلى الله عليه وسلم ( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ).
وأيضاً قالوا وارد عن أبي بن كعب أنه أخر قيس بن عباد .
والرأي الثاني : وبه قال الشافعية أن الصبي المميز إذا سبق فإنه أحق ولا يؤخر .
واستدلوا بأن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أم قومه وهو ابن ست أ سبع سنين .
تقدم عليهم في الإمامة وليس في المصافة .
وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح :( لا يقيم الرجل أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه )
وأيضاً من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به )
وهذا القول هو الصواب .
وعلى هذا يحمل حديث ( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ) على أمرين :
الأمر الأول : على ما إذا اجتمعوا الرجال والصبيان دفعة واحدة فإنه يقدم الرجال على الصبيان .
الأمر الثاني : أن المقصود بالحديث الحدث على أن يتقدم الرجال البالغون وأهل العلم والفضل .
وعلى هذا نقول : أولاً : أن يسبق أحد ، الصواب : أنه من سبق فهو أحق لما تقدم من الأدلة سواءً كان بالغاً أو صبياً مميزاً .
ثانياً : ألا يسبق أحد وإنما يأتون جملة ، فنقول هنا يقدم الرجال ثم الصبيان ثم النساء.
الأفضل فالأضل كجنائزهم ومن لم يقف معه إلا امرأة..............................................
(1/438)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقوله : ويليه رجال ، يقدم من الرجال الأفضل فالأفضل لقوله صلى الله عليه وسلم ( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ) أي أصحاب العقل والفضل .
ثم صبيان : يقدم من الصبيان الأفضل فالأفضل .
ثم نساء : يقدم منهن الفضلى فالفضلى .
وقوله : رجال لا فرق بين الحر والرقيق ، وهو الصواب .
لما تقدم تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية إلا بدليل .
" الأفضل فالأضل كجنائزهم " يعني إذا اجتمع عنده جنائز من يقدم إلى الإمام ؟
اجتمع نساء وصبيان ورجال من يقدم إلى الإمام ؟
نقول نقدم الرجال الأفضل فالأضل ثم الصبيان ثم النساء ، فتكون جنائز النساء إلى جهة القبلة وأما الذي يلي الإمام الرجال الأفضل فالأفضل .
" ومن لم يقف معه إلا امرأة " هذه عدة مسائل الأولى : إذا لم يقف معه في الصف إلى امرأة .
الرأي الأول : المؤلف رحمه الله : حكمه حكم الفذ ، وحكم الفذ على ما ذهب إليه المؤلف لا تصح صلاته ، لو صف رجل خلف الصف وصفت معه امرأة بجانبه ، المؤلف رحمه الله : حكمه حكم الفذ .
الرأي الثاني : تصح مصافة المرأة ، وعلى هذا تكون الصلاة صحيحة ، وهذا قال به كثير من أهل العلم .
والصواب في هذه المسألة : أن مصافة المرأة غير صحيحة لأن المرأة ليست من أهل الجمعة والجماعة ، وعلى هذا إذا صف مع امرأة لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون الصف مكتملاً فصلاته صحيحة لأنه فذ وصلاة الفذ خلف الصف حكمها الصحة مع العذر وهو اكتمال الصف .
الأمر الثاني : أن يكون الصف غير مكتمل ولم يصف معه إلا امرأة ، فنقول لا تصح مصافة المرأة فيكون فذ لما تقدم من التعليل .
ومثل هذا التفصيل لو لم يصف معه إلا كافر فإن جهل أنه كافر فصلاته صحيحة للعذر .
وإن علم كفره فنقول حسب التفصيل السابق .
(1/439)
أو من علم حدثه أو نجسه.......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو من علم حدثه " هذه المسألة الثالثة : يعني صف بجانب شخص يعلم أنه محدث فهذه المسألة لها صور :
الصورة الأولى : أن يعلما جميعاً بالحدث ، اثنان وقفا خلف الصف ويعلمان أن زيد منهما محدث لا تصح صلاتهما جميعاً المحدث لحدثه وغير المحدث لأنه فذ ، إلا إن كان الصف مكتملاً فتصح صلاة غير المحدث لأنه يصح أن يكون فذاً للعذر وهو اكتمال الصف .
الصورة الثانية : أن يجهلا جميعاً الحدث أما صلاة المحدث غير صحيحة لأنه محدث وأما غير المحدث فإن كان الصف مكتملاً فصلاته صحيحة وإن كان غير مكتمل فيظهر أن صلاته صحيحة لأنه معذور بالجهل .
الصورة الثالثة : أن يعلم المحدث بحدثه ويجهل غير المحدث بالحدث ، فأما المحدث فصلاته غير صحيحة ، وأما من يجهل حدث صاحبه فهذا كما تقدم في الصورة السابقة فإن كان الصف مكتملاً فصلاته صحيحة وإن كان غير مكتمل فيظهر أن صلاته صحيحة لأنه معذور بالجهل .
الصورة الرابعة : عكس هذه أن يجهل المحدث حدثه ويعلم من صافه أنه محدث فالمحدث صلاته غير صحيحة للحدث ومن علم بالحدث فنقول صلاته غير صحيحة إلا إن كان الصف مكتملاً .
" أو نجسه " إذا صاف من يعلم أنه تلبس بنجاسة سواءً في بدنه أو ثوبه أو بقعته التي يصلي عليها تحته صور :
الأولى : أن يعلما بالنجاسة جميعاً أما المتنجس لا تصح صلاته للنجاسة وأما من صافه لا تصح صلاته لأنه يعلم نجس صاحبه ولأنه فذ إلا إن كان الصف مكتملاً .
(1/440)
الثانية : أن يجهلا جميعاً النجاسة ، فصلاتهما صحيحة من كان متنجساً وقد جهل صلاته صحيحة لأنه يعذر بالجهل في التروك والنواهي والنجاسة من باب التروك والنواهي ، ومن صافه فصلاته صحيحة لأنه ليس فذ .
الثالثة : أن يعلم المتنجس نجاسته ومن صافه يجهل ، فالمتنجس لا تصح صلاته وأما من صافه فيظهر أنها صحيحة لأنه معذور بالجهل .
الرابعة : أن يعلم من صافه بنجاسته والمتنجس يجهل نجاسته ، أما المتنجس فصلاته صحيحة للجهل ، ومن علم بالنجاسة صلاته صحيحة لأنه ليس فذ ما دامنا أننا صححنا صلاة المتنجس فليس فذ .
أو صبي في فرض ففذ ومن وجد فرجة دخلها وإلا فعن يمين إمامه فإن لم يمكنه نبه من يقوم معه.................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو صبي في فرض ففذ " يعني لو وقف معه صبي خلف الصف .
الرأي الأول : المؤلف رحمه الله : فذ فلا تصح صلاته ، وهو المشهور من المذهب .
الرأي الثاني : الشافعي رحمه الله : أن مصافة الصبي صحيحة ، وهو الصواب .
ويدل لهذا ما تقدم أن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أم قومه وهو ابن ست أو سبع سنين فإذا كان هذا في الإمامة فالمصافة من باب أولى .
" ومن وجد فرجة دخلها وإلا فعن يمين إمامه " وهذا الكلام تقريع على أن الصلاة لا تصح خلف الصف ولو مع اكتماله ، فلو أن المؤلف صحح الصلاة خلف الصف مع اكتماله لا حاجة إلى هذا الكلام ، كونه يقف عن يمين الإمام يجر شخصاً ، نقول إذا جئت والصف مكتملاً فصل وإن كان غير مكتمل فأدخل في الصف .
لكن المؤلف رحمه الله يرى أن صلاة الفذ خلف الصف لا تصح ولو مع اكتمال الصف ولهذا ذكر هذه المسائل .
(1/441)
" ومن وجد فرجة دخلها وإلا فعن يمين إمامه " إذا وجد فرجة يدخلها ظاهر ، وإذا لم يجد فرجة المؤلف رحمه الله : يدخل ويكون عن يمين الإمام .
يتخطى الصف وقد يكون أكثر من صف يتخطاها ويكون عن يمين الإمام ، فإن لم يمكنه أن يتخطى الصفوف .
" فإن لم يمكنه نبه من يقوم معه " يقول تأخر يا فلان وصل معي فيتأخر ويصل معه.
وهذا كله تقريع على أن الصلاة خلف الصف مع اكتماله لا تصح ولو قلنا بالصحة لا حاجة لهذا .
وأيضاً بعض العلماء قال يجذب شخصاً ، وهذا فيه نظر .
الحديث الوارد فيه ( هلا اجتررت أحداً ) ضعيف لا يثبت .
فيه اعتداء لأنه سينقله من مكان فاضل إلا مكان مفضول ، وسيؤدي إلى خلل في الصف وإلى حركة كثير من الصف فهذه كلها تترتب على مثل هذه العمل .
ومن صلى ركعة فذاً لم تصح. وإن ركع فذاً ثم دخل الصف أو وقف معه آخر قبل سجود إمامه صحت..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصحيح : لا ينبه أحد أن يقوم معه ولا يجر أحد ولا يتقدم إلى يمين الإمام .
وإذا اخذنا بإختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه يصلي خلف الصف تكون المسألة قد انتهت .
" ومن صلى ركعة فذاً لم تصح " تقدم أن المذهب والمؤلف : أن الصلاة خلف الصف لا تصح ودليل ذلك حديث وابصة بن معبد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد .
وحديث علي بن شيبان ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف ).
" وإن ركع فذاً ثم دخل الصف أو وقف معه آخر قبل سجود إمامه صحت " إذا ركع دون الصف فهذا لا يخلو من أمرين على المذهب :
(1/442)
الأمر الأول : أن يكون لعذر، والعذر عندهم خشية فوات الركعة يكون الإمام راكع ويركع قبل الصف فإن دخل في الصف قبل سجود الإمام يقولون : إن وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت وإلا لا تصح .
الأمر الثاني : أن يكون لغير عذر وذلك بأن لا يخشى فوات الركعة فهذا إن دخل معه آخر أو وقف في الصف قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع صحت وإلا لم تصح .
هذا التفصيل على المذهب .
والصواب : أن يقال في المسألة بأن من وقف دون الصف فإنه لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون الصف مكتملاً أن يكون لعذر والعذر اكتمال الصف ، فنقول صلاته صحيحة .
الأمر الثاني : أن يكون لغير عذر وهو عدم اكتمال الصف فنقول إن دخل في الصف أو دخل معه آخر قبل أن يرفع الإمام رأسه فصلاته صحيحة وإلا لم تصح .
يصح اقتداء مأموم بإمام في مسجد مطلقاً إن سمع التكبير وكذا خارجه إن رأى الإمام أو من وراءه..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الإقتداء
" يصح اقتداء مأموم بإمام في مسجد مطلقاً إن سمع التكبير " اقتداء المأموم بالإمام لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون داخل المسجد ـ الإمام والمأموم ـ يصح الإقتداء مطلقاً سواءٍ كان الإمام في مقدمة المسجد والمأموم في مؤخرة المسجد ، الإمام في الأسفل والمأموم في الأعلى .
مادام في المسجد يصح مطلقاً لكن بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون معه من يزيل فذيته لأنه لا تصح صلاة الفذ خلف الصف مادام أنه لم يكتمل .
الشرط الثاني : أنه يمكنه الإقتداء بسماع التكبير فإذا حصل ذلك فصلاته صحيحة لكنه خلاف السنة ، فالسنة التقدم والتقارب كما تقدم أن من تسوية الصف التقارب .
(1/443)
الأمر الثاني : أن يكون المأموم خارج المسجد كما تمتلئ المساجد خصوصاً في الجمعة أو في الحرمين ويصفون خارج المسجد بعض المأمومين فهل تصح صلاة المأموم إذا كان خارج المسجد أو لا تصح ؟
المؤلف رحمه الله :
" وكذا خارجه إن رأى الإمام أو من وراءه " المؤلف رحمه الله : تصح صلاة المأموم إذا كان خارج المسجد بشرط : أن يرى الإمام أو من وراءه ولو في بعض الصلاة جائز .
وهناك شرط آخر وهو امكان الإقتداء .
وشرط ثالث : ألا يوجد فاصل بين الإمام والمأموم كنهر تجري فيه السفن .
فعلى المذهب الشروط الثلاثة .
الشافعي : يكفي الرؤية .
الإمام مالك : يكفي الرؤية أو السماع .
أبو حنيفة : يكفي الرؤية أو السماع وعدم وجود فاصل .
ابن قدامة : لابد من الرؤية واتصال الصفوف ، فالرؤية حاصلة واتصال الصفوف وهذا هو الصواب .
ويكره علو إمام عنه ذراعاً فأكثر وصلاته في الطاق وتطوعه موضع مكتوبة بعدها إلا لحاجة.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا إذا اتصلت الصفوف في الطرقات والشوارع ونحو ذلك صح حتى لو وصلت إلى صاحب المحل وصلى في محله نقول صحيحة .
أو اتصلت إلى البيت وصلى في بيته نقول صحيحة .
أما إذا لم تصل الصفوف لا تصح الصلاة مثل ما يحصل في بعض المحلات والمساكن تجد أنه يصلي والصفوف غير متصلة ، وأهم شيء اتصال الصفوف ، لأن هذه هي الجماعة فلو كانت الرؤية غير موجودة لكن الصفوف متصلة يمكن أن يقتدي عن طريق سماع التكبير ونحو ذلك يصح .
" ويكره علو إمام عنه ذراعاً فأكثر " ودليل ذلك حديث حذيفة ( إذا أم الرجل القوم فلا يقوم في مكان أرفع من مقامهم ) فيه ضعف ولكنه وارد عن حذيفة .
(1/444)
واستثنى العلماء من الارتفاع مسائل :
المسألة الأولى : إذا كان مع الإمام أحد من المأمومين فلابأس به كما لو صلى الإمام في السطح ومعه بعض المأمومين وبعض المأمومين في الأسفل جائز .
المسألة الثانية : إذا كان الارتفاع لغرض التعلم والتعليم فلا بأس .
ودليل ذلك حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر ثم قال :( إنما فعلت ذلك لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ).
المسألة الثالثة : إذا كان الارتفاع يسيراً ، ولهذا قيده المؤلف بالذراع .
" وصلاته في الطاق " المحراب : يكره أن يصلي في المحراب ، والمراد بذلك : إذا دخل كله في المحراب .
أما إذا كان خارج المحراب ويسجد في المحراب فإن هذا جائز ولا بأس به ولا يكره .
وهذا إذا لم يكن حاجة فإذا كان هناك حاجة لضيق ونحو ذلك فلا بأس .
وقالوا هذا وارد عن ابن مسعود رضي الله عنه .
" وتطوعه موضع مكتوبة بعدها إلا لحاجة " المؤلف رحمه الله : يكره للإمام أن يتطوع ـ يتنفل ـ موضع المكتوبة في المكان الذي صلى فيه المكتوبة .
ويكره وقوف مأمومين بين سوار تقطع الصفوف................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطوع في موضع المكتوبة لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون من الإمام ، فهذا يكره كما ذكر المؤلف رحمه الله .
ودليل ذلك : حديث المغيرة بن شعبة وفيه ضعف ( لا يصلين الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه ).د.
وقاولا وارد عن علي كما في مصنف أبي شيبة .
وأيضاً كونه يتطوع في موضع المكتوبة فيه تشويش ربما يكون فيه تشويش على المأمومين .
الأمر الثاني : تطوع المأموم في المكان الذي صلى فيه ، فهذا لا بأس به ، والأولى أن يتقدم أو يتأخر .
(1/445)
ودليل ذلك حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة بصلاة حتى يتكلم أو يخرج .
واستدل بعض الهعلماء بقوله تعالى :( يومئذ تحدث أخبارها ).
قالوا من أخبارها أماكن العبادة ، لما فيه من تكثير العبادة ، لكن لا يكره كما هو في حال الإمام .
" وإطالة قعوده مستقبل القبلة بعدها إلا لحاجة " * هذا الجزء من المتن ليس من المتن ولكن من قول الشيخ *
يكره أن يطيل الإمام القعود مستقبل القبلة إلا لحاجة .
والسنة للإمام أن يجلس وهو مستقبل القبلة بمقدار أن يقول ( استغفر الله ثلاث ... والإكرام ) ثم ينحرف ماعدا ذلك لا يزيد .
والمؤلف رحمه الله يقول : يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينصرف المأموم حتى ينصرف الإمام .
فإذا قلنا أن المأموم منهي أن ينصرف حتى ينصرف الإمام هذا فيه حبس للمأموم .
إلا لحاجة فإن كان هناك نساء فلابأس أن يزيد حتى ينصرف النساء لئلا تختلط الرجال بالنساء .
" ويكره وقوف مأمومين بين سوار تقطع الصفوف "
المؤلف رحمه الله يكره أن يقف المأمومين بين السوار التي تقطع الصفوف لقول أنس رضي الله عنه ( كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ).ج .د.ت.ن.
بلا حاجة..................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" بلا حاجة " كأن يكون المسجد ضيق لا بأس والناس كثر .
وذكر بعض العلماء أن السارية التي تكره إذا كانت عرض ثلاثة رجال أما إذا كانت سارية صغيرة مثل السواري الموجودة هذه لا تقطع الصفوف .
يعذر بترك جمعة وجماعة مريض ومدافع أحد الأخبثين ومحتاج لطعام بحضرته..
(1/446)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة
تقدم أن صلاة الجماعة واجبة كما هو مذهب أحمد وأبو حنيفة ، والجمعة واجبة إجماعاً .
فمتى يسقط هذا الوجوب ؟
قال المؤلف رحمه الله :
" يعذر بترك جمعة وجماعة مريض " والمؤلف سيعدد جملة من الأعذار ، وهذه الأعذار كلها ترجع إلى قاعدة كلية إحدى القواعد الخمس الكبرى وهي قاعدة { المشقة تجلب التيسير }
فمتى وجد حرج ومشقة يسقط حضور الجماعة والجمعة ، وما سيذكره المؤلف هو مجرد أمثلة فقال : مريض ،
يعذر المريض بترك الجمعة والجماعة ، ولكن هل كل مريض يعذر أو خاص ؟
يرجع إلى القاعدة السابقة ( المرض الذي يترتب على حضوره للجمعة والجماعة حرج ومشقة بسببه ، فهذا يعذر .
والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن صلاة الجماعة وقال :( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) في الصحيحين .
" ومدافع أحد الأخبثين " وهذا العذر الثاني ويرجع إلى القاعدة السابقة ، الحرج والمشقة فالمدافعة تختلف قد تكون يسيرة فهذا يصلي .
وقد تكون كثيرة ، فنقول يعذر من حضور الجمعة والجماعة يتخفف ثم بعد ذلك يصلي .
والدليل حديث عائشة ( لا صلاة بحضرة طعام يشتهيه ولا وهو يدافع الأخبثان ).
ولأن هذا يمنع من خشوع الصلاة وكمالها .
المهم { المشقة تجلب التيسير }.
" ومحتاج لطعام بحضرته " هذا العذر الثالث ويرجع للقاعدة قد يكون الطعام بحضرته ولا يحتاج إليه ولا يلحقه حرج ومشقة من تركه ، وقد يلحقه حرج ومشقة .
والدليل حديث عائشة رضي الله عنها (لا صلاة بحضرة طعام يشتهيه ).
وخائف ضياع ماله أو فواته أو ضرراً فيه أو موت قريبه أو رفيقه ومن يمرضهما أو خاف على نفسه ضرراً أو سلطاناً..............................................................................
(1/447)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فلابد أن يكون الطعام حاضراً ويكون محتاجاً إليه ويكون قادراً على تناوله .
فإن كان الطعام ليس حاضراً فلا حرج ولا مشقة يصلي .
وترك الطعام لا يترتب عليه شيء .
وإذا كان غير محتاج فلا حرج ولا مشقة ، وإن كان محتاجاً والطعام حاضراً لكن لا يقدر على تناوله إما حساً ، حار أو يحتاج إلى إصلاح .
أو شرعاً كأن يكون صائم ، فهذا يصلي لأن وجود الطعام كعدمه لا يقدر عليه شرعاً .
" وخائف ضياع ماله " هذا العذر الرابع لما يترتب على ذلك من الحرج والمشقة ، يخاف ضياع ماله ،لو ذهب يصلي وترك الحيوان شرد الحيوان وضاع ماله.
أو صاحب مخبز لو ذهب يصلي احرق الطعام .
أو عامل يعمل في الاسمنت والجبس لو ذهب يصلي فسد عليه ، كله داخل في ذلك لما يترتب عليه من الحرج والمشقة تسقط عنه حضور الجمعة والجماعة .
" أو فواته " مثلاً رجل له سيارة سرقت وقيل في المكان الفلاني لو ذهب يصلي ربما لا يحصلها .
أو حيوان شرد وقيل في المكان الفلاني فلو ذهب يصلي فاته الحيوان يسقط حضور الجمعة والجماعة .
" أو ضرراً فيه " لو ذهب يصلي احترق الطعام الطباخ ، العامل وصاحب المصنع لا يستطيع ترك الصناعة ويؤدي إلى إفساد هذه الأشياء ، نقول يسقط حضور الجمعة والجماعة لما يترتب عليه من الحرج والمشقة .
" أو موت قريبه أو رفيقه ومن يمرضهما " قريبه مريض ويخشى لو ذهب للجمعة والجماعة أن يموت ، أو بدا عليه علامات الموت ولو ذهب يصلي مات .فهو بحاجة إلى أن يحضره فيعذر بترك الجمعة والجماعة ويصلي مكانه .
" أو خاف على نفسه ضرراً " يخشى على نفسه ضرر من سبع أو عدو أو لص ، أو يخشى على أهله إذا خرج ونحو ذلك فهذا فيه حرج ومشقة ، تسقط عنه حصضور الجمعة والجماعة .
(1/448)
" أو سلطاناً " بأخذه السلطان بغير حق يسقط عنه حضور الجمعة والجماعة .
أو ملازمة غريمه ولا شيء معه أو فوات رفقته بسفر أو تطويل إمام أو أذى بمطر ونحوه أو غلبه نعاس وريح باردة شديدة بليلة مظلمة......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو ملازمة غريمه ولا شيء معه " إذا خرج يأتيه الغريم ويطالبه بأن يعطيه الدين الذي عليه يعذر ، لكن إن كان معه شيء يقدر على الوفاء لا يعذر يجب أن يوفي الناس حقوقهم فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول :( مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته ).
وإن لم يكن معه شيء فإنه معذور يجب انظاره لقوله تعالى :( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ).
" أو فوات رفقته بسفر " إذا ذهب يصلي الجمعة أو الجماعة فاتت رفقته سواء كان هذا السفر انشاءً أو استدامة ، ومثل ذلك اليوم تفوته الطائرة لو ذهب يصلي أو فات القطار أو سيارة الأجرة ، فنقول : يعذر لأنه يترتب على ذلك حرج ومشقة .
" أو تطويل إمام " إن كان موافقاً للسنة فهذا لا يجوز له أن يتخلف لو قال يطيل في صلاة الفجر والسنة فيها الإطالة ، النبي صلى الله عليه وسلم يقوم ما بين ( 60 و 100 ) فنقول هنا ليس له أن يتخلف .
لكن لو كان يخالف السنة بالتطويل الذي يلحقه معه حرج ومشقة له أن يتخلف ، ويدل لذلك قصة معاذ رضي الله عنه لما أطال وشكاه الأعرابي فأنكر صلى الله عليه وسلم على معاذ إطالته .
" أو أذى بمطر ونحوه "
" أو غلبه نعاس " لو جلس ينتظر الجماعة غلبه النوم وأدى ذلك إلى خروج الوقت ، فنقول كونه يستدرك الجماعة في وقتها ولو فاتته الجماعة أهون من فوات الوقت هذا الرجل متعب وليس له عهد بنوم ولو جلس ينتظر الجماعة أدى إلى نومه وإذا نام لا يستيقظ إلا بعد الوقت ، فنقول هنا يصلي ولو فاتته الجماعة .
(1/449)
" وريح باردة شديدة بليلة مظلمة " عدد المؤلف رحمه الله أن تكون الريح باردة ، شديدة ، وبليلة مظلمة ، ثلاث شروط .
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينادي في الليلة المطيرة أو الباردة صلوا في رحالكم .
فإذا كان هناك ريح يلحق منا الحرج والمشقة يكون عذراً في ترك الجمعة أو الجماعة ، فالعبرة الحرج والمشقة .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقول المؤلف رحمه الله : ريح باردة شديدة بليلة مظلمة ، كما تقدم ينادي المنادي صلوا في رحالكم ، متى تقال هذه الجملة في حديث ابن عباس ؟
بدل أن يقول : حي على الصلاة ، يقول : صلوا في رحالكم . في مسلم .
وحديث ابن عمر في البخاري بعد نهاية الأذان .
والجمع سهل أما أن يستبدل قول حي على الصلاة بصلوا في رحالكم .
أو نقول هذا في آخر الأذان إذا انتهى الأذان ، قال : صلوا في رحالكم .
ويحصل الجمع تارة وتارة .
تلزم مكتوبة مريضاً قائماً فإن لم يستطع فقاعداً...............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة أهل الأعذار
الأعذار : جمع عذر ، والمراد بأهل الأعذار : المريض والمسافر والخائف .
فالمؤلف رحمه الله يريد أن يبين كيفية صلاة المريض ، وكيفية صلاة المسافر ، وكيفية صلاة الخائف .
فبدأ المؤلف بالمريض قال :
(1/450)
" تلزم مكتوبة مريضاً قائماً " هذا العذر الأول : المريض ، وتقدم لنا ضابط المرض .
وأن ضابط المرض : هو الذي يلزم فيه الحرج والمشقة ، فصلاة المريض على مراتب :
المرتبة الأولى : أن يصلي قائماً كالصحيح لحديث عمران بن حصين لما شكا به بواسير قال صلى الله عليه وسلم :( صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب )
هذا الأصل أن يصلي قائماً ولو مستنداً على جدار أو معتمداً على عصا أو منحنياً هذا جائز .
المهم إن استطاع القيام أو يقوم بعض القيام هذا واجب .
لقوله تعالى :( فاتقوا الله ما استطعتم ).
" فإن لم يستطع فقاعداً " إذا كان لا يستطيع القيام فإنه يجلس ، أو لحقه حرج ومشقة بالقيام ، فإذا قام يريد أن يجلس يريد أن يصل إلى الركوع حتى يجلس متعب مرهق ، نقول إذا لحقك حرج ومشقة انتقل إلى الجلوس .
والقعود له كيفيتان :
الأولى : كيفية مجزئة ، كيفما قعد .
الثانية : كيفية مستحبة ، وهي متربعاً في حال القيام وبقية الأفعال كحال القيام يجعل يده اليمنى على اليسرى على صدره وإذا أراد أن يكبر رفع يديه وإذا أراد أن يرفع رفع يديه .
وفي حال الجلوس : يفترش في مواضع الافتراش ويتورك في مواضع التورك .
الجلسة بين السجدتين : يفترش في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان يتورك وهكذا
وفي التشهد الأول يفترش وإذا أراد أن يركع يومئ بالركوع ، والسجود يسجد سجوداً تاماً إذا كان يستطيع .
فإن لم يستطع فعلى جنبه والأيمن أفضل وتصح على ظهره وتكره مع قدرة على جنب وإلا تعين ورجلاه للقبلة.................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/451)
وأما الركوع فإنه يومئ بالركوع ويجعل يديه في الركوع على ركبتيه كحال الركوع في حال القيام وهذا يترتب على قاعدة وهي :{ أن البدل له حكم المبدل }
" فإن لم يستطع فعلى جنبه " وهذه المرتبة الثالثة : إذا ما استطاع أن يصلي قاعداً أو لحقه حرج ومشقة في الصلاة قاعداً فإنه يصلي على جنبه .
ودليل ذلك حديث عمران ( فإن لم يستطع فعلى جنب ).
" والأيمن أفضل " هل الأيمن أفضل أو الأيسر أو التساوي ؟
الأفضل : أن يفعل ما هو الأسهل عليه فقد يكون الأسهل الأيسر فإن تساويا يكون على جنبه الأيمن ، لأن الجنب الأيمن هو السنة في حال النائم ، وهو السنة التي يكون عليها المسلم بعد موته ، ويومئ بالركوع والسجود برأسه إلى جهة صدره وليس إلى جهة الأرض .
ودليل ذلك حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة في السفر أنه كان يومئ برأسه .
" وتصح على ظهره وتكره مع قدرة على جنب وإلا تعين ورجلاه للقبلة " الصلاة على الظهر مستلقياً ورجلاه إلى القبلة فيها مسألتان :
المسألة الأولى : هل هي مقدمة على الصلاة على الجنب أو الجنب مقدم ؟
فيه رأيان :
الرأي الأول : الجمهور إذا ما استطاع قاعداً فإنه يصلي على جنبه .
الرأي الثاني : الحنفية إذا ما استطاع قاعداً فإنه يصلي على ظهره ورجلاه إلى القبلة .
والصواب : ما ذهب إليه الجمهور فحديث عمران صريح .
المسألة الثانية : هل الصلاة على الظهر مرتبة مستقلة أو داخلة مع المرتبة التي قبلها ؟
موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله .
يومئ راكعاً وساجداً ويخفضه فإن عجز أومأ بعينه..............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/452)
فبعض العلماء يرى أنها مرتبة مستقلة ، أنه لا يصار إلى الصلاة مستلقياً إلا إذا عجز عن الصلاة على جنب ، فتكون المراتب :
الأولى : يصلي قائماً .
الثانية : قاعداً .
الثالثة : على جنب .
الرابعة : مستلقياً .
والرأي الثاني : ليست مرتبة مستقلة وإنما هي داخلة في المرتبة السابقة : على جنب وهو ظاهر كلام المؤلف رحمه الله ولهذا قال : وتصح على ظهره وتكره مع قدرة على جنب وإلا تعين ورجلاه للقبلة .
فعلى رأيه ليست مرتبة مستقلة وإنما ثابتة وملحقة بالمرتبة السابقة لكن يكره إذا كان قادراً على جنبه أن يصلي مستلقياً ورجلاه إلى القبلة .
" يومئ راكعاً وساجداً ويخفضه " يخفض السجود يجعل إيماءه للسجود أخفض من الركوع لكي يميز بين الركوع والسجود .
" فإن عجز أومأ بعينه " هذه المرتبة الخامسة : إن عجز أومأ بعينه فقد لا يتمكن من تحريك رأسه فيه جروح أجريت له عملية جراحية في رأسه ونحو ذلك لا يتمكن .
نقول : يومئ بعينه ففي القيام يفتح عينيه فإذا أراد أن يركع أغمضهما شيئاً يسيراً فإذا رفع فتحهما فإذا سجد أغمضهما أكثر من إغماض الركوع فإذا رفع فتحهما وهكذا .
وهذه المرتبة دل لها حديث علي رضي الله عنه ولكنه ضعيف لا يثبت وعلى هذا نقول أن هذه المرتبة الصلاة بالعين بأنها غير صحيحة .
أيضاً الصلاة بالأصبع .
الصواب : غير صحيحة وغير معتبرة ولم يذكرها المؤلف ولا أصل لها .
أما الصلاة بالعين ورد لها أصل في السنة وإن كان ضعيف حديث علي في الدار قطني.
ومن عجز أو في أثنائها انتقل إلى الآخر.................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/453)
لكن الصلاة بالأصبع يخفض ويرفع الأصبع لا أصل لها حتى في كلام العلماء رحمهم الله ، لا في كلام العلماء ولا في السنة فلا يصلي بإصبعه .
فأصبح عندنا مرتبتان غير صحيحة :
الصلاة بالعين غير صحيحة .
والصلاة بالأصبع لا أصل لها .
إذا عجز أن يومئ برأسه فما الحكم ؟
الجمهور : أن الصلاة لا تزال باقية وعلى هذا يصلي بقلبه ، يستحضر بقلبه الركوع والسجود والقراءة إذا لم يتمكن أن يقرأ بلسانه يستحضر بقلبه .
وهذا ما عليه الجمهور .
وعند أبي حنيفة : إذا لم يستطع على جنبه ولا أن يومئ برأسه تسقط عنه الصلاة .
والصواب : أن الصلاة لا تسقط مادام أن العقل باقي .
وعلى هذا تكون المراتب :
الأولى : يصلي قائماً .
الثانية : قاعداً .
الثالثة : على جنب .
الرابعة : مستلقياً على ظهره ورجلاه إلى القبلة .
الخامسة : بقلبه .
" ومن عجز أو في أثنائها انتقل إلى الآخر " إذا عجز في أثناء الصلاة أو قدر في أثنائها ينتقل لقول الله عز وجل :( فاتقوا الله ما استطعتم )
إنسان مريض وجد نشاطاً فقام يصلي فوجد حرج ومشقة ، نقول : يجلس .
أو كان يجد حرجاً ومشقة وصلى جالساً ثم لحقه نشاط ، نقول : انتقل إلى القيام .
صلى قاعداً ولحقه حرج ومشقة ، نقول صل على جنب .
ومن قدر على قيام وقعود دون ركوع وسجود أومأ بركوع قائماً وبسجود قاعداً ولمريض يطيق قياماً الصلاة مستلقياً لمداواة بقول طبيب مسلم ثقة.................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يصلي على جنب ولحقه نشاط ، نقول قم فصل قاعداً .
" ومن قدر على قيام وقعود دون ركوع وسجود أومأ بركوع قائماً وبسجود قاعداً " إذا كان يقدر على القيام والقعود ، نقول : يقوم مادام أنه يقدر على القيام ويقعد مادام أنه يقدر على القعود ( فاتقوا الله ما استطعتم )
(1/454)
تومئ بالركوع وأنت قائم ثم تقعد وتومئ بالسجود وأنت جالس ، وهذا كما سلف للقاعدة { أن أمر الشارع يتعلق بالاستطاعة فما تستطيعه افعله وما لا تستطيعه سقط عنك } .
فهذا المريض يستطيع القيام والقعود ولا يستطيع الركوع والسجود ، يومئ بالركوع وهو قائم ويومئ بالسجود وهو جالس .
" ولمريض يطيق قياماً الصلاة مستلقياً لمداواة بقول طبيب مسلم ثقة " أراد المؤلف رحمه الله أن يبين من هو الطبيب الذي يرجع إلى قوله لأنه لما تكلم أن المريض تسقط عنه بعض العبادات كالركوع والسجود والقيام يسقط ، فمن هو الطبيب الذي نأخذ بقوله ؟
المؤلف رحمه الله قال : مسلم ، الشرط الأول : مسلم وعلى هذا إذا كان كافراً لا يأخذ بقوله .
فلو قال هذا الطبيب الكافر لا تسجد فإن السجود يمكن المرض أو يزيد في المرض يؤخر البرء ، أو لا تصلي جالساً صل مستلقياً فالصلاة جالساً تمكن المرض أو تزيده أو تؤخر البرء ، لا يأخذ بقوله .
والرأي الثاني : يأخذ بقوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بقول عبد الله بن أرقط وكان كافراً استعمله وأخذ بدلالته استأجره لكي يدله من مكة إلى المدينة وهو الصواب .
فلا فرق بين المسلم والكافر يكفي أن يكون ثقة .
فالشرط الأول : مسلم ، غير معتمد .
الشرط الثاني : أن يكون ثقة ، وما المراد بالثقة ؟
قيل : العدل .
وقيل : المراد الأمانة وإن لم يكن عدلاً وهو الصواب .
ويفطر بقوله أن الصوم يمكن العلة وتصح في سفينة إذا أتى بما يعتبر لها...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يكون أميناً على قوله ، وفي قوله لا يعرف منه التساهل وعدم المعرفة والخبرة .
أمين على قوله عنده معرفة وحذق بمهنته ولا يعرف منه التساهل والكذب وهو الصواب .
(1/455)
وقوله مسلم : لا يشترط منه التعدد وأكثر من طبيب وهو الصواب يكفي قول طبيب واحد ثقة أمين .
" ويفطر بقوله أن الصوم يمكن العلة "
" وتصح في سفينة إذا أتى بما يعتبر لها " وتصح الضمير يعود على الصلاة المفروضة أما النافلة تقدم الكلام عليها في شروط الصلاة يبحثها العلماء في شرط استقبال القبلة وتقدم الكلام على ذلك .
لكن الآن الصلاة المكتوبة في المراكب في السفينة الطائرة القاطرة والسيارة ونحو ذلك ، نقول هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون المكان واسعاً كما بعض السفن تكون كبيرة أو بعض الطائرات فيها أمكنة تمكن الإنسان أن يصلي فيها أو بعض السيارات الكبيرة ، فإذا كان المكان واسعاً ويستطيع أنيأتي بالشروط والأركان فنقول يصلي ولا ينتظر حتى ينزل لا يؤخر .
الأمر الثاني : أن يكون المكان ضيقاً كما في حال بعض الطائرات والسيارات أو القاطرات ونحو ذلك .
قد يكون المركب مزدحماً بالناس ثم يحضر وقت الصلاة ، نقول إذا كان سيقف في الوقت ، أو الصلاة تجمع لما بعدها وهو مسافر وسيقف في وقت الثانية ينتظر حتى ينزل ويصلي صلاة تامة .
وإن كان لن يقف إلا بعد خروج الوقت أو خروج الثانية التي تجمع معها ، نقول يصلي على حسب حاله .
الفجر ويخاف طلوع الشمس قبل النزول ، يغرب الشفق وينتصف الليل يصلي على حسب حاله .
إن كان يستطيع القيام نقول يتوجه وإذا لم يستطع ايصلي جالساً ويومئ بالركوع والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه .
وقاعداً إن عجز عن خروج منها وقيام بها وعلى راحلة خشية تأذ بوحل ونحوه لا لمرض مع قدرة نزول وركوب ويصح النفل مطلقاً..................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/456)
" وقاعداً إن عجز عن خروج منها وقيام بها " لا يستطيع القيام عجز عن القيام يصلي قاعداً إن كان سيخرج الوقت قبل وقوفها ، فإن لم يستطع القيام بها وسيخرج الوقت قبل وقوفها يصلي قاعداً وعلى حسب حاله .
" وعلى راحلة خشية تأذ بوحل ونحوه " هذا الكلام كما تقدم إن كان يستطيع يخرج في الوقت أو يؤخر الصلاة التي تجمع إلى ما بعدها وينزل في وقت الثانية يفعل وإن كان لا يستطيع يصلي حسب حاله .
" لا لمرض مع قدرة نزول وركوب " يعني المريض الذي في السيارة والسيارة متوقفة ويقدر أن ينزل ويركب يجب عليه أن يصلي ينزل ويصلي صلاته تامة بما يستطيع من الاستقبال والركوع والسجود والقيام كما تقدم .
يجب على المريض في المركوب إن كان سيقف قبل خروج المكتوبة أو قبل خروج وقت الثانية يجمع إليها أن ينتظر لكي يؤديها أتم من أدائها في المركوب فقد يستطيع أن يسجد ولا يستطيعه في المركوب فيجب أن ينتظر .
" ويصح النفل مطلقاً " هذا ظاهر .
من سافر سفراً مباحاً..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في صلاة المسافر
لما تكلم المؤلف رحمه الله عن صلاة المريض شرع في بيان صلاة المسافر وسبق أن ذكرنا أن أهل الأعذار في قول المؤلف باب صلاة الأعذار المراد بهم : المريض والمسافر والخائف .
تكلم المؤلف رحمه الله عن المريض والآن شرع في بيان صلاة المسافر قال :
" من سافر سفراً مباحاً " السفر لغة : مأخوذ من الاسفار وهو الخروج لأن الإنسان يسفر بعد أن كان مكنوناً .
اصطلاحاً : مفارقة محل الإقامة على وجه السفر عرفاً .
(1/457)
والمسافر إذا سافر فإن سفره يترتب عليه أحكاماً لأن السفر من أسباب التخفيف في الشريعة وهذا الأحكام يتعلق بها أحكام في الصلاة الطهارة ، في الزكاة ، في الصيام ، أحكام كثيرة لكن المراد هنا ما يتعلق بأحكام الصلاة من حيث القصر والجمع .
وقوله سفراً مباحاً : اشترط المؤلف للسفر أن يشرع له الترخص :
أن يكون مباحاً وعلى هذا إذا كان السفر محرماً لا يباح فيه الترخص .
الجمهور : لا يجوز الترخص في السفر المحرم .
أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام : أن له أن يترخص في السفر المحرم .
ودليل الجمهور : لا يترخص كما لو سافر ليشرب خمراً أو دخاناً ، واستدلوا بقول الله عز وجل :( فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) فالله عز وجل أباح للمضطر أن يأكل من الميتة بشرط أن لا يكون باغياً ، والباغي :هو الذي يبغي الحرام مع قدرته على الحلال .
ولا عاد ، والعادي :هو الذي يأخذ من الحرام أكثر من حاجته ' فهو يجوز له أن يأكل من الميتة لكن بقدر ما يمسك رمقه حياته ولا يجوز له أن يأكل أكثر من ذلك.
وهذا يكون في السفر فيباح لهذا المسافر أن يأكل من الميتة بحيث لا يكون باغياً ولا عادياً وهذا في السفر ، فدل على أن الذي سافر سفراً محرماً ليس له أن يترخص برخص السفر .
مباحاً يومين فأكثر...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : أبو حنيفة وشيخ الإسلام دليلهم أن الله عز وجل قال :( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) وهذا يشمل كل ضرب في الأرض .
فالله عز وجل علق الترخص بجنس السفر يقطع النظر عن حكمه .
(1/458)
وكذلك استدلوا أن الذي يسافر سفراً محرماً يباح له التيمم إذا لم يجد الماء بالاتفاق ، فإذا كان يباح له الترخص في التيمم كذلك يباح له أن يترخص بالقصر والجمع وغيره .
وهذا القول قوي وما ذهب إليه الجمهور أحوط من جهة تأديب هذا الذي سافر هذا السفر المحرم وزجره لأنه كما قال الجمهور الذي يسافر سفراً محرماً ليس أهلاً للترخص لأن الترخص أعانه للمسافر وتخفيف له وهذا لا يستحق الإعانة ولا التخفيف وهو الحوط لما فيه من الزجر والردع وإلا من حقق النظر إلى الدليل فما ذهب إليه أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام هو أقوى .
" مباحاً " يخرج المكروه فلو سافر سفراً مكروهاً على كلام المؤلف رحمه الله ليس له أن يترخص ، وفيه نظر لأن المكروه مباح فهو ليس في درجة المحرم .
فالصواب : أن السفر المكروه له أن يترخص .
" يومين فأكثر " هذا الشرط الثاني : المسافة ، فلابد للسفر الذي يترخص فيه من ضرب مسافة واختلف في هذه المسافة التي تبيح الترخص :
القول الأول : المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب : لابد أن تكون المسافة قدرها يومان وهي أربعة برد لأن البريد نصف يوم ، وكانوا قديماً في المراسلات السريعة التي تكون للخلفاء يجعلون بريداً بعد نصف كل يوم يجعلون فيه فارساً فيأتي البريد من الخليفة حتى يصل إلى هذا الفارس بعد نصف يوم فيعطيه الخطاب ثم ينطلق هذا الفارس إلى البريد الثاني وهكذا .
يومان أربع برد واليوم بريدان ، والبريد : أربع فراسخ .
أربع فراسخ في أربع برد تساوي ستة عشر فرسخاً ، والفرسخ الواحد بالأميال : ثلاثة أميال : 16 × 3 = 48 ميلاً مسافة القصر على ما ذهب إليه المؤلف 48 ميلاً
...............................................................................................................................
(1/459)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واختلف المتأخرون في تحديدها باللكيلوات فقيل (704م 88كم ، 32، 77 كم 640م ،80 كم ) هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد والجمهور .
واستدلوا على ذلك بحديث ( يا أهل مكة لا تقصروا فيما دون أربعة برد فيما بين مكة وعسفان ) حديث ابن عباس ضعيف لا يثبت .
وقالوا : ورد عن ابن عباس وابن عمر في البخاري معلقاً مجزوماً أنهما يترخصان في أربعة برد .
الرأي الثاني : رأي أبو حنيفة : ثلاثة أيام ونصف الثلث على ما ذهب إليه الجمهور .
الرأي الثالث : شيخ الإسلام أن المسافة ليست محددة شرعاً وإنما هي محددة عرفاً فيرجع ذلك إلى العرف فما دل العرف أنه سفر فهو سفر لأن ذلك لم يرد تحديده في الشرع ، وما ورد عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يترخصان في أربعة برد ، نقول الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا مختلف .
فابن عمر رضي الله عنهما ورد عنه أقوال كثيرة فمن ذلك الترخص في 96 ميلاً ، والترخص في ميل واحد ، والترخص في 30 ميلاً وفي مسيرة يوم ونحو ذلك وارد عن ابن عباس رضي الله عنهما فدل ذلك على أن الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم فيها اختلاف ، وإذا كان كذلك فيرجع إلى جنس السفر ، الشارع علق الترخص على جنس السفر فمادام أنه يسمى سفراً عرفاً يرجع إليه ، إذ إنما اطلقه الشارع يرجع في تحديده إلى العرف .
وذكر شيخ الإسلام : أن المسافة القصيرة في الزمن الطويل تعتبر سفراً بدليل أن أهل مكة خرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عرفات وهي قريبة منهم وإلى منى ومع ذلك ترخصوا فالمسافة عندهم قصيرة لكن المدة طويلة وهم خرجوا ولا يرجعون إلا في الغد فترخصوا بالجمع والقصر في عرفات ومنى ، وعلى هذا تكون الأقسام كما يلي :
(1/460)
القسم الأول : مسافة طويلة في مدة طويلة ، سفراً يترخص فيه كما لو خرج من المدينة إلى مكة .
القسم الثاني : مسافة قصيرة في مدة قصيرة هذا ليس سفراً إلا أن دل العرف ، خرج من بريدة إلى عنيزة ، نقول هنا بأن هذا ليس سفراً وورجع في نفس اليةم هذا ليس سفراً اللهم إلا إن دل العرف فقد يدل العرف على أنه سفراً وقد لا يدل .
فله قصر رباعية ركعتين إذا فارق عامر بيوت قريته........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثالث : مسافة قصيرة في مدة طويلة فالذين يشترطون المسافة لا يعتبرونه سفراً إذا كان دون ما اشترطوه ، لكن على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعتبر سفراً .
خرج من بريده إلى عنيزة لمدة يومين ثلاثة أيام فهذه مسافة قصيرة في مدة طويلة .
والدليل ترخص أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم .
القسم الرابع : مسافة طويلة في مدة قصيرة فهذا ليس سفراً مثل لو ضرب 80 أو 70 كيلو ورجع في نفس اليوم كما يفعل كثير من الموضفين ونحو ذلك فهذا لا يعتبر سفراً لأنه عرفاً لا يعتبر سفراً إلا إذا دل العرف.
مثل لو ذهب من مكة إلى المدينة ورجع في نفس اليوم فهذا عرفاً سفر لكن لو ضرب 90 أو 100 ورجع في نفس اليوم فهذا لا يعتبر سفراً .
" فله قصر رباعية ركعتين إذا فارق عامر بيوت قريته " الشرط الثالث من شروط الترخص : أن يفارق عامر بيوت قريته فليس له أن يترخص وهو داخل البلد وهذا ما عليه جمهور أهل العلم لابد أن يخرج خلافاً لما ورد عن بعض السلف الترخص بالأقطار داخل البلد وفيه نظر .
والصواب : لا يترخص حتى يخرج لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترخص داخل البلد وقصر في المدينة أو أقطر في المدينة لم يحفظ .
(1/461)
وما ورد عن أنس وأبي بصيرة رضي الله عنهما فإن هذا إما أن يكون ليس صريحاً في الترخص داخل البلد .
وإما أن يكون صريحاً وإنما ترخص بعد مفارقة البلد وهما يريان البنيان .
وأما أن يكون صريحاً فهذا محل اجتهاد منهما للرأي فيه مجال .
لكن السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يترخص إلا إذا خرج .
وقوله عامر قريته : يعني البيوت العامرة لابد أن يفارقها .
ويؤخذ من هذا أن البيوت المهجورة الخربة في أطراف البلد لا يلزم أن يفارقها .
المهم أن يفارق عامر قريته فإذا فارقها يباح له أن يترخص .
وأيضاً لا يلزم أن يقطع المسافة كما يطبقه كثير من الناس فيظن كثير من الناس أنه لكي يترخص أن يقطع مسافة القصر وهذا ليس صواباً بل إذا فارق عامر قريته جاز له أن يترخص .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله له قصر رباعية ركعتين ، له : يفهم منه الإباحة ، يباح له أن يقصر الرباعية ركعتين ، وهذا موضع خلاف حكم القصر هل هو سنة أو هو واجب أو غير مشروع ؟
فيه ثلاثة آراء :
الرأي الأول : أكثر أهل العلم أنه سنة في السفر .
الرأي الثاني : أبو حنيفة يجب عليه أن يقصر .
الرأي الثالث : طوائف من السلف أنه لا يترخص بالقصر إلا إذا كان سفره حجاً أو عمرة أو غزوة ماعدا ذلك ليس له أن يترخص .
دليل الجمهور استدلوا بقول الله عز وجل :( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) وهذا يشمل كل سفر حجاً أو عمرة أو غير ذلك من الأسفار المباحة وأسفار الطاعات الأخرى .
(1/462)
وأيضاً حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في حجة الوداع فلم يزل يصلي ركعتين ركعتين حتى رجع إلى المدينة .
وهكذا أنه صلى الله عليه وسلم في أسفاره لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم في السفر .
وما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر وصام وأتم وقصر .
وهذا لا يثبت بل هديه صلى الله عليه وسلم القصر .
دليل أبو حنيفة يجب عليه أن يقصر قال : هذا هو الأصل في صلاة المسافر أنها ركعتان فكونه يزيد على ركعتين هذا فيه نظر لحديث عائشة رضي الله عنها ( أول ما فرضت الصلاة ركعتان فأمرت في السفر وزيدت في الحضر ).
فالأصل أن الصلاة ركعتان فإذا زاد عن ركعتين كما لو زاد في الأربع في الحضر .
وهذا الكلام قوي وأيضاً فعله صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم في السفر .
لكن يؤيد ما ذهب إليه جمهور أهل العلم أن عثمان رضي الله عنه أتم .
وكذلك ورد في السنة في حديث ابن عباس أن المسافر إذا صلى خلف المقيم أنه يجب عليه أن يتم فهذا صارف ، ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله توسط في المسألة قال : السنة القصر والإتمام مكروه .
وهو أفضل من إتمام وإن مر بوطنه أو ببلد له به زوجة أو دخل عليه وقت صلاة عليه حضراً...........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو وسط بين القولين .
وأما دليل الذين قالوا لا يترخص إلا في حج أو عمرة أو غزوة قالوا هذا ورد عن ابن مسعود وهو سفر النبي صلى الله عليه وسلم .
والصواب : لا يقصر على هذه الأسفار فالشريعة لا تفرق بين المتماثلات فكذلك القرآن علق القصر في جنس السفر .
" وهو أفضل من إتمام "
(1/463)
" وإن مر بوطنه "
لما بين المؤلف رحمه الله أنه يقصر ذكر مسائل يتم فيها :
المسألة الأولى : مر بوطنه يجب عليه أن يتم ، خرج مسافراً من بلد إلى بلد وفي أثناء سفره مر بوطنه خلال سفره مروراً فأصبح وطنه طريقاً إلى بلد يطلبه ويسافر إليه فأراد أن يصلي ، فهل يتم أو يقصر ؟
المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يتم .
" أو ببلد له به زوجة " خرج من المدينة في سفر إلى الطائف ومر بمكة في سفره وله بها زوجة ، المؤلف رحمه الله يجب أن يتم .
أو تزوج في مكة في خلال سفره يجب عليه أن يتم .
والصواب : لا يجب عليه أن يتم لأنه يعتبر مسافراً ، فالسفر مفارقة محل الإقامة وهذا فارق محل الإقامة فله أن يترخص .
" أو دخل عليه وقت صلاة عليه حضراً " أراد أن يسافر فدخل عليه وقت صلاة الظهر ثم خرج هل يترخص أم يصلي أربعاً ؟
المؤلف رحمه الله : يصلي أربع ركعات يتم ولو شرع في سفره لأنها وجبت عليه حضراً ، هذا هو المشهور من المذهب .
أو قام فيها أو ذكر صلاة حضر بسفر أو عكسه أو ائتم بمقيم.............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثاني : يترخص لأن العبرة بفعل الصلاة وحال فعل الصلاة هو مسافر والمسافر يصلي ركعتين وهو الصواب .
فإذا دخل عليه الوقت ثم خرج وصلى وهو في السفر له أن يترخص .
" أو قام فيها " الضمير في قام يعود إلى الصلاة شرع في الصلاة وهو مسافر ثم دخل البلد وأقام وهو مازال في الصلاة .
المؤلف رحمه الله : يتم لأنه اجتمع حاضر ومبيح فيغلب جانب الحضر .
شرع فيها وهو في السفينة ورسى المركوب في بلده وهو فيها ، المؤلف يتم .
والأقرب في هذه المسألة : إن صلى ركعة في السفر فإنه يصلي صلاة مسافر .
(1/464)
وإن صلى أقل من ركعة فإنه يتم ، لأنه إن صلى ركعة في السفر فقد أدرك صلاة المسافر وقد قال صلى الله عليه وسلم :( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
" أو ذكر صلاة حضر بسفر " هذه المسألة الرابعة التي يتم فيها : إذا ذكر صلاة حضر بسفر .
مثاله : سافر ثم تذكر أنه صلى صلاة ظهر أمس في الحضر وهو محدث .
المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يصلي تامة وهو الصواب لأنها ترتبت في ذمته تامة.
" أو عكسه " إذا ذكر صلاة سفر في حضر ، لما قدم إلى بلده تذكر أنه صلى الظهر في السفر وهو محدث وهي في السفر ركعتان .
المؤلف رحمه الله يجب عليه أن يصليها في الحضر تامة لأن الإتمام هو الأصل وقد زال السبب ، سبب القصر زال ، وهذا مذهب الإمام الشافعي وأحمد رحمهم الله .
الرأي الثاني : الإمام مالك وأبي حنيفة أنه يترخص ويصليها قصر لأنها وجبت عليه مقصورة ،وهو الأقرب.
" أو ائتم بمقيم " مسافر صلى خلف مقيم .
المؤلف يجب عليه أن يتم لحديث ابن عباس أنه سئل المسافر إذا صلى وحده يصلي ركعتين وإذا صلى مع الإمام صلى أربعاً ، قال : تلك السنة .
إذا ائتم مسافر بمقيم فله ثلاث حالات :
أو بمن يشك فيه أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها..........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الأولى : أن يأتم به في رباعية مثل الظهر العصر خلف العصر العشاء خلف العشاء أو العصر خلف الظهر فهذا يجب عليه الإتمام .
الحالة الثانية : أن يصلي رباعية خلف ثنائية مثل لو صلى العشاء خلف من يصلي التراويح أو صلى العشاء خلف من يصلي الفجر ، نقول يقصر .
الحالة الثالثة : أن يصلي رباعية خلف ثلاثية فهو مخير بين القصر والإتمام ، والإتمام أحوط وهو قول أكثر أهل العلم .
(1/465)
إذا صلى المسافر خلف المقيم رباعية خلف رباعية هل يجب عليه أن يتم مطلقاً أو مقيد ؟
قيل يجب عليه مطلقاً أن يتم إذا صلى رباعية خلف رباعية .
وقيل لا يجب عليه أن يتم إلا إذا أدرك من صلاته ركعة لقوله صلى الله عليه وسلم :( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) وعلى هذا إذا أدرك المسافر من صلاة المقيم أقل من ركعة يقصر الصلاة ، وهو القرب .
" أو بمن يشك فيه " يعني إذا صلى المسافر خلف شخص يشك فيه هل هو مسافر فيقصر معه أو مقيم فيتم؟
المؤلف رحمه الله : يتم .
لكن إذا كان هناك قرائن يرجع إلى القرائن وعلى هذا له حالتان :
الحالة الأولى : أن يكون هناك قرائن يدل على أنه مسافر مثل في المطارات بعض الأماكن كالطائرات أو غيرها تدل على أنهم مسافرون .
أو هيئة الشخص وما معه من متاع يدل على ذلك فإنه يقصر .
الحالة الثانية : فإذا لم تكن هناك قرينة على أنه مسافر نقول يتم .
" أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها " يلزمه إتمامها لكونه أتم بمقيم فالمسافر إذا ائتم بمقيم يجب عليه الإتمام ففسدت كما لو سبقه الحدث في الصلاة فذهب وتوضأ وفاتته الجماعة .
المؤلف رحمه الله : لزمه الإتمام يجب عليه أن يتم .
أو لم ينوي القصر عند إحرامه أو شك في نيته أو أخرها حتى ضاق وقتها عنها....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسافر خلف مقيم يجب عليه أن يصلي أربعاً فسدت صلاته بأن أحدث فخرج من الصلاة الآن سيعيدها فهل يعيدها تامة أو قصراً ركعتين ؟
المؤلف يعيدها أربعاً لأنه يجب عليه أن يتمها لو استمر .
والصواب : يعيدها ركعتين لأن السبب الذي من أجله وجب الإتمام زال .
وجب الإتمام للإئتمام بالمقيم وقد زال هذا فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، فيصلي ركعتين .
(1/466)
" أو لم ينوي القصر عند إحرامه " يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه يشترط للقصر أن ينوي فإذا لم ينوي أن يقصر لا يقصر .
والصحيح : لا تشترط النية لأن الأصل صلاة السفر أنها ركعتان ، وإذا كان هذا الأصل فلا يحتاج إلى نية .
فالأصل لا يحتاج أن تنويه فأنت باق على الأصل .
" أو شك في نيته " ذكرنا أن المسافر له أن يترخص وأن يقصر ، لكن هل يشترط للقصر أن ينوي القصر عند ابتداء الصلاة أو ليس شرطاً ؟
ذكرنا أن الصواب ليس شرطاً وعلى هذا من باب أولى إذا شك في النية هل نوى القصر أو لم ينوي ؟
له أن يترخص بل لو نوى الإتمام له أن يترخص ، فأصبحت الصور ثلاثة :
الصورة الأولى : أن ينوي القصر له أن يترخص .
الصورة الثانية : أن ينسى النية فهذا له أن يترخص .
الصورة الثالثة : أن يشك هل نوى القصر أم لم ينوي فهذا له أن يترخص .
الصورة الرابعة : لو نوى الإتمام له أن يترخص لأن الأصل في صلاة المسافر أنها مقصورة .
" أو أخرها حتى ضاق وقتها عنها " هذه من الصور التي يتم فيها ، فلو أخر الصلاة بدون عذر حتى ضاق الوقت وهو لا يجوز له ذلك حتى يضيق وقتها بل يجب عليه أن يبادر بفعل الصلاة لأن فعل الصلاة في وقتها شرط من شروط صحتها .
فإذا أخر الصلاة حتى ضاق وقتها بلا عذر يجب عليه أن يتم ولا يقصر .
والعلة في ذلك : أنه صار عاصياً بالتأخير بلا عذر والعاصي لا يترخص .
أو نوى إقامة فوق عشرين صلاة لزمه الإتمام.........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب : يتوب وله أن يترخص لأن صلاة المسافر ركعتان .
(1/467)
" أو نوى إقامة فوق عشرين صلاة لزمه الإتمام " سافر فنوى أن يقيم في البلد الذي سافر إليه أكثر من عشرين صلاة ، أكثر من أربعة أيام ، فالإقامة يوم يومين ثلاثة أربعة له أن يترخص خمسة أيام ليس له أن يترخص ، وهذا هو الشرط الرابع من شروط الترخص : الزمن ، المدة ، فهل يشترط للسفر الذي يترخص له مدة أو ليس شرطاً ؟
وهذه المسألة كثر كلام أهل العلم فيها وألف فيها رسائل مستقلة وكتب وخلاصة كلام أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة :
المشهور من المذهب : إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام ينقطع في حقه حكم السفر ، وينقطع بمجرد وصوله للبلد المسافر إليه ، ولو أراد أن يقيم أربعة أيام فأقل له أن يترخص .
وقريباً من ذلك مذهب مالك والشافعي قالوا أربعة أيام لا يحسب يوم الدخول والخروج فتكون الأيام ستة.
أبو حنيفة : إن نوى إقامة خمسة عشر يوماً له أن يترخص أكثر ليس له أن يترخص .
شيخ الإسلام : له أن يترخص مادام أنه لم ينوي الإقامة المطلقة أو الإستيطان
إذا نوى إقامة مقيدة بزمن ولم ينوي الإقامة المطلقة ولا الإستيطان له أن يترخص .
فأصبحت الآراء أربعة : دليل المذهب من أدلتهم حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم فأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في حجة الوداع في اليوم الرابع وخرج في الثامن وكان يترخص ، هذا الدليل يبنونه على مقدمه وهذا المقدم يقولون المسافر إذا قدم البلد فإنه ينقطع عنه حكم السفر ويلحقه حكم الإقامة فالنبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة انقطع عنه حكم السفر ومكث أربعة أيام يترخص فدل ذلك : أنه يترخص هذه الأربعة ما عداها لا يترخص مادام أنه سائر مسافر وصل البلد لا يترخص .
لكن المقدم الذي يبنون عليها الدليل غير مسلم بها .
من قال أن المسافر إذا قدم البلد اتصف بالإقامة لا عرفاً ولا لغة ، فاللغة لا تساعد على هذا وعرف الناس أيضاً فلو ذهب وأقام في المدينة (1ـ 2 ـ3 ـ5 ـ7 ) يسمى مسافر .
(1/468)
أبو حنيفة : خمسة عشر يوماً ، وارد عن ابن عباس رضي الله عنهما .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الإمام مالك والشافعي : وارد عن عثمان رضي الله عنه.
شيخ الإسلام : مالم ينوي الاستيطان أو الإقامة المطلقة فيستدل بالعمومات ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )
والنبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه خرج لحجة الوداع فلم يزل يصلي النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين حتى رجع إلى المدينة .
وفي السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك 20 يوماً يقصر الصلاة ، وفي فتح مكة أقام 19 يوماً يقصر ـ يترخص ـ
قالوا : وارد وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم ففي أثر أبي جمرة قال لابن عباس : أنهم يطيلون المقام ، سأل ابن عباس فأفتاه ابن عباس رضي الله عنهما بالترخص ولو أقام سنتين .
كذلك أنس أقام بالشام سنتين يترخص .
وابن عمر رضي الله عنهما أقام بأذربيجان ستة أشهر يترخص .
ومثل ذلك عن عبد الرحمن بن سمرة في بعض بلاد فارس .
المهم هذه يستشهد عليها من قال له أن يترخص .
والجمهور يحملون مثل هذه الآثار على إنسان سافر وحبس عن الخروج لم يتمكن من الخروج أو إنسان أقام لحاجة ولا يدري متى تنقضي حاجته فهذا له أن يترخص .
وعلى هذا نقول أن المسافر من حيث المدة ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن ينوي الإقامة المطلقة غير مقيدة بزمن فهذا ليس له أن يترخص .
مثل : السفراء ينوي الإقامة المطلقة في غير بلده غير مقيده بسنة أو سنتين .
(1/469)
ومثل : الموظفين موظفي السفارات هؤلاء ينون إقامة مطلقة غير مقيدة بزمن مرتبطون بأعمال ما دام أنهم يعملون لم يكن هناك سبب يقضي مفارقتهم هذه البلد فإنهم مقيمون فيها .
ومثل ذلك : العمال والموظفون التي أعمالهم ووظائفهم ليست مقيدة بزمن فهؤلاء ليس لهم حق الترخص .
القسم الثاني : أن ينوي الاستيطان فهذا لا يترخص لأنه خرج عن حد السفر .
وإن كان له طريقان فسلك أبعدها........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثالث : أن ينوي الإقامة لغرض وعمل لكنه مقيد بزمن فهذا هو موضع الخلاف .
مثلاً : شخصاً ذهب إلى بلد ليعمل لمدة شهر شهرين سنة أو سنتين ثم يرجع عمل مقيد بزمن إذا انتهى هذا الزمن سيرجع ـ عمل مقيد بزمن ـ وتقدم خلاف أهل العلم .
القسم الرابع : أن يقيم لعمل ومتى انتهى عمله رجع .
مثلاً : ذهب لمستشفى يراجع أو دائرة حكومية ليراجع ولا يدري متى ينقضي عمله يوم أو يومين أو ثلاثة ... إلخ .
له أن يترخص وحكى الإجماع عليه .
إقامته متعلقة بحاجة ولا يدري متى تنقضي ، ومتى انتهت حاجته رجع .
وتاجر يبيع ومتى انتهت بضاعته رجع ، قد يبيع ليوم أو يومين أو شهر .
المهم إقامته مربوطة بهذا العمل متى انتهى رجع يترخص .
القسم الخامس : أن يقيم لعمل مقيد بزمن سنة سنتين ثم ينتهي بعدها يرجع له أن يترخص .
ذكرنا الأقوال والأدلة .
والذي يظهر في هذه المسألة : أن التحديد بأربعة أيام أو ستة أو خمسة عشر يوماً لا دليل عليه .
لكن إن تشبه المسافر بالمقيمين استقر استأجر وتشبه بهم خرج عن حد المسافر .
(1/470)
مثلاً : إذا جلس شهرين أو ثلاثة أشهر هذا تشبه بالمقيمين واستقر وتهيأ ، فنقول خرج عن حد السفر ، ويدل لهذا : أن الأعراب الذين يرتحلون وينتقلون من مكان إلى مكان فيأتون ويجلسون في هذا المكان وهم لا يتخذونه وطناً وإنما فترة ثم ينتقلون عنه ومع ذلك لا يترخصون لأنه يعد بمثابة الوطن لهم في هذه الفترة .
" وإن كان له طريقان فسلك أبعدها " هذه مسائل يقصر فيها وسبق أن ذكر مسائل يتم فيها :
إن كان له طريقان أراد أن يسافر إلى مكة وهناك طريقان إلى مكة طريق قريب لا يبلغ مسافة القصر ، وطريق بعيد يبلغ مسافة القصر .
فهنا يقول المؤلف رحمه الله : إذا سلك الطريق البعيد له أن يترخص مالم يكن تحيلاً على قصر الصلاة لأنه يصدق عليه كونه مسافر توفرت فيه شروط الترخص .
أو ذكر صلاة سفر آخر أو حبس لنحو مطر ولم ينو إقامة أو أقام لقضاء حاجة بلا نيتها قصر............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قالوا : سفر بعيد وسفر قصير .
السفر البعيد مسافته القصر فأكثر .
والقصير ما كان دون مسافة القصر .
" أو ذكر صلاة سفر آخر " فإنه يقضيها قصراً ، صلى صلاة الظهر في السفر الأول وهو محدث وتذكر ذلك وهو في السفر الآخر يجب أن يعيد ويصليها ركعتين لأن وجوب هذه الصلاة ووجودها في السفر .
" أو حبس لنحو مطر ولم ينو إقامة " كما تقدم هكذا يحملون الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم ابن عمر ستة أشهر أقام في أذربيجان بقصر الصلاة ، وقد حال الثلج بينه وبين الدخول .
فإذا كان متهيء للخروج لكنه انحبس لسبب أمطار ثلوج تعطل المواصلات ونحو ذلك .
فإذا حبس من أجل حاجة فله أن يترخص .
(1/471)
" أو أقام لقضاء حاجة بلا نيتها قصر " كما سبق إذا أقام لقضاء حاجة ـ بلا نية إقامة ـ قصر ومتى انتهت الحاجة .
يجوز الجمع بين الظهرين وبين العشائين في وقت إحداهما بسفر قصر..............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
" يجوز الجمع بين الظهرين " الجمع من رخص السفر وليس خاصاً بالسفر ، القصر من خصائص السفر لكن الجمع ليس من خصائصه .
ولهذا سيتكلم المؤلف رحمه الله عن الجمع في السفر والجمع في الحضر .
أوسع المذاهب في الجمع مذهب الإمام أحمد وأضيقها مذهب أبي حنيفة لأنهم لا يرون الجمع إلا في عرفات ومزدلفة مع الإمام الأعظم .
والجمع قسمان :
القسم الأول : الجمع في السفر .
القسم الثاني : الجمع في الحضر .
بدأ المؤلف رحمه الله في الجمع في السفر قال :
" يجوز الجمع بين الظهرين وبين العشائين في وقت إحداهما بسفر قصر " الجمع في السفر هل هو مطلقاً أو ليس مطلقاً ؟
هذا اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله .
الرأي الأول : قول أكثر أهل العلم وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يجوز الجمع مطلقاً .
له أن يجمع جمع تقديم ، وله أن يجمع جمع تأخير ، وله أن يجمع مقيماً أو جاداً به السير .
الرأي الثاني : الإمام مالك رحمه الله لا يجمع إلا إذا جد به السير ـ سائراً ـ أما إذا كان نازلاً ليس له الجمع .
الرأي الثالث : يجوز الجمع تأخيراً ولا يجوز تقديماً .
الرأي الرابع : أبو حنيفة رحمه الله أن الجمع لا يجوز مطلقاً .
ولكل منهم دليل .
...............................................................................................................................
(1/472)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دليل الرأي الأول يجوز الجمع مطلقاً استدلوا : أنه وارد في حال الجد في السير وفي حال النزول جمع التقديم وجمع التأخير كله وارد عنه صلى الله عليه وسلم حديث أبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وبصحراء مكة فيه جمع التقديم وفيه الجمع والمسافر نازل .
وحديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم فيه أيضاً الجمع وهو نازل جمع تقديم ـ الظهر والعصر بعرفة ـ
وحديث معاذ في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك أخر الصلاة ثم خرج ثم صلى بهما ثم دخل ثم خرج فصلى بهم العشاءين
حديث ابن عمر رضي الله عنه كان إذا جد به السير أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء .
دليل الإمام مالك رحمه الله : لايجمع إلا إذا جد به السير لحديث ابن عمر رضي الله عنهما .
دليل الرأي الثالث يجوز جمع التأخير دون التقديم استدلوا بما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل بعد أن ترتفع الشمس أخر الظهر حتى يصليها مع العصر ، وإذا ارتحل قبل أن ترتفع الشمس صلى الظهر ثم ركب .
والصواب : أن الجمع بصوره جائز ، جمع التقديم وجمع التأخير والجمع وهو نازل والجمع وهو جاد به السير .
لكن نعلم إذا جد به السير فالجمع سنة ، وإذا كان نازلاً فالجمع مباح .
والأفضل تركه لكن يباح له أن يجمع لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فلا بأس يصلي الظهر ويجمع معها العصر ، ويصلي المغرب ويجمع معها العشاء .
وننبه أن الجماعة واجبة فليس له أن يؤخر إذا كان داخل البلد وحوله المساجد ليس له أن يؤخر الظهر ويصليها مع العصر فالجماعة واجبة .
أو يؤخر المغرب ويصليها مع العشاء .
لكن لا بأس أن يصلي الظهر وإذا أراد أن يجمع معها العصر .
(1/473)
ويصلي المغرب وإذا أراد أن يجمع معها العشاء جمع معها العشاء .
ولمريض يلحقه بتركه مشقة...............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولمريض يلحقه بتركه مشقة " ما تقدم هو الجمع في السفر ، وهنا شرع في القسم الثاني الجمع في الحضر.
الجمع في الحضر هل هو معدود أو محدود ؟
فيه خلاف :
الرأي الأول : الجمهور الجمع في الحضر معدود ، يعددون يجمع في هذا وهذا وهذا و لا يجمع في هذا ، ولهذا المؤلف رحمه الله سيعدد .
وإن كان الحنابلة رحمهم الله يرون أن الجمع في الحضر في كل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة .
المهم يرون أن الجمع في الحضر محدود وليس معدود أي مضبوط بضابط .
الرأي الثاني : أن الجمع في الحضر محدود ومضبوط بضابط ، والضابط هو : كلما ترتب على عدم الجمع حرج ومشقة أبيح الجمع .
ولكل منهم دليل :
أما الذين قالوا بأنه معدود قالوا أن الآثار وردت في هذا واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر .
وفي رواية من غير خوف ولا سفر ، فسئل ابن عباس فقال : أراد أن لا يحرج أمته .
وهذا القول هو الصواب : أنه يتعلق بالحرج والمشقة .
لكن نفهم أن فعل الصلاة في وقتها شرط من شروط صحتها .
وحديث المواقيت كالجبال ليس للإنسان أن يتخطاها بمجرد أي شيء وبعض الناس يتساهل لأي أمر ولأي شيء يتخطى المواقيت .
لا يتخطاها إلا إذا كان حرج ومشقة ظاهرة فله الجمع وماعدا ذلك الأصل أن يؤدي كل صلاة في وقتها .
وقوله : ولمريض يلحقه بتركه مشقة ، أي بترك الجمع .
بدأ المؤلف رحمه الله يعدد بعض الأعذار لما ذكرنا أن الجمع في الحضر معدود على رأي الجمهور .
(1/474)
فبدأ يعدد فقال : ولمريض .
فيؤخذ من هذا أن المريض له أن يجمع مطلقاً جمع تقديم أو جمع تأخير بين الظهرين والعشائين .
وبين العشائين لمطر يبل الثياب وتوجد معه مشقة...........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الإمام مالك : المريض لا يجمع إلا جمع تقديم .
الشافعي : المريض لا يجمع ، يصلي كل صلاة في وقتها .
أبو حنيفة : عنده الجمع لا يصح ، ليس عنده إلا الجمع الصوري يؤخر الظهر لآخر وقتها ويصلي العصر في أول وقتها ، والمغرب يؤخرها لآخر وقتها والعشاء يصليها في أول وقتها .
واستدلوا بما في مسند الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الظهر وقدم العصر ، وأخر المغرب وقدم العشاء .
لكن هذا ليس فيه دليل على أنه فعل ذلك في آخر الوقت .
أجاب العلماء رحمهم الله عن هذا الحديث بأجوبة :
الجواب الأول : ليس فيه دليل على أنه أخر في آخر الوقت وقدم في أول الوقت ، يحتمل أنه أخر الظهر في وسط وقتها وقدم العصر في وسط وقتها .
الجواب الثاني : أن هذا الجمع الصوري ، فالمراد من الجمع رفع الحرج والمشقة والجمع الصوري فيه حرج ومشقة لا يمكن للشارع عند التخفيف ينقلك من الأسهل إلى الأشق .
فالجمع الصوري فيه حرج ومشقة فالإنسان يجلس ويترقب آخر الوقت متى يخرج حتى يفعل الصلاة ثم بعد ذلك متى يدخل فيفعل الصلاة التالية هذا فيه حرج ومشقة .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن الجمع للمرض جائز .
الشافعية قالوا : الجمع غير جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرض ولم يجمع ، هذا غير صواب .
فالجمع رخصة من أخذ به فله ذلك .
(1/475)
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا مطر ، وفي رواية : من غير خوف ولا سفر ، وسئل قال : أراد أن لا يحرج أمته .
فدل ذلك على أن فيه حرج ومشقة .
" وبين العشائين لمطر يبل الثياب وتوجد معه مشقة " هذا العذر الثاني : عذر المطر .
المؤلف رحمه الله يجمع بين العشائين لمطر .
ولوحل وريح شديدة باردة ولو صلى ببيته..........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقيده المؤلف بين العشائين سواء تقديماً أو تأخير .
الإمام مالك رحمه الله : بين العشائين تقديماً فقط .
الشافعي : يجوز بين العشائين وبين الظهرين .
أبو حنيفة : أمره ظاهر .
والعمدة في ذلك : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير ـ خوف ولا مطر ـ ـ خوف ولا سفر ـ
والصواب في ذلك : أن في المطر إذا كان حرج ومشقة يجوز في الظهرين والعشائين تقديماً أو تأخيراً .
" ولوحل وريح شديدة باردة "
العذر الثالث : الوحل وهو الطين الرقيق لأنه يسبب الزلق .
العذر الرابع : الريح الباردة الشديدة وهذا ظاهر .
الجمهور : لا يجمع من أجل الوحل والريح الباردة الشديدة .
والصواب : كما تقدم أن العبرة بالحرج والمشقة .
" ولو صلى ببيته " بمعنى يجمع ولو صلى ببيته وهذا فيه نظر وإلا لقلنا أن المرأة تجمع .
فالصحيح : أنه لا يجمع إلا بإدراك الجماعة .
فيه حرج ومشقة ويريد أن يدرك الجماعة أما إذا كان صلى في بيته أو كان منفرداً في مزرعة أو كانوا جماعة مجتمعين في مكان ، لا يجمعون .
(1/476)
لأن الجمع لكي ندرك الجماعة ، ولهذا نقول من في المسجد يجمع لأنه لو لم يجمع مع الناس فاتته الجماعة ، والذي لا تلحقه مشقة بالوصول إلى المسجد كما يقول العلماء طريقه إلى المسجد فوقه سياط لا يصيبه من أذى المطر ونحو ذلك يجمع لكي يدرك الجماعة .
أما إذا كان لا يدرك الجماعة كمن يصلي في بيته أو جماعة مجتمعين في مكان فما الفائدة من الجمع .
فوجودك في البيت كما لم يكن هناك مطر ، ووجودك مع مجتمعين في مكان مثله أيضاً ولو كان هؤلاء لهم الجمع نقول حتى المرأة لها أن تجمع .
والأفضل فعل الأرفق به فإن استويا فتأخير أفضل...............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقدم البحث في صلاة أهل الأعذار وذكرنا أن أهل الأعذار المراد بهم المريض والمسافر والخائف وتقدم البحث في أحكام صلاة المريض ، وكذلك شرعنا في أحكام صلاة المسافر وبقي جملة من هذه الأحكام ثم صلاة الخائف ، قال المؤلف
" والأفضل " أي لمن يجمع ، الجمع تقدم أنه يشرع في السفر وذكرنا شروط السفر الذي يترخص فيه ، وكذلك تقدم أن الجمع يشرع في الحضر وأنه ليس من خصائص السفر فإذا أراد أن يجمع فهل الأفضل أن يجمع جمع تقديم أو جمع تأخير ؟
المؤلف رحمه الله :
" فعل الأرفق به " فنقول الأفضل أن يفعل الأرفق به وبمن معه فقد يكون الأرفق أن يقدم فيقدم وقد يكون الأرفق أن يؤخر فيؤخر فيتحرى الأرفق .
ويدل لهذا : أن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الأرفق .
وثانياً : أن الجمع لم يشرع إلا من أجل التسهيل والرفق فإذا كان ذلك في الأصل فكذلك يكون في الوصف .
إذا كان هذا في أصل الجمع وأن الرفق ملاحظ فيه فكذلك أيضاً في وضعه .
(1/477)
" فإن استويا فتأخير أفضل " وعلى هذا نقول أن الأمر لا يخلو من قسمين :
القسم الأول : أن يظهر الرفق في التقديم أو التأخير فنقول : يأخذ بالأرفق .
القسم الثاني : أن يستويا فالتأخير أفضل .
والعلة في ذلك : أنه أحوط .
وخروج من الخلاف خلاف من يقول لا جمع إلا جمع تأخير ويستثني من ذلك جمع عرفة ومزدلفة ، فجمع عرفة ومزدلفة بينته السنة .
أما جمع عرفة فالسنة فيه التقديم لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع جمع تقديم ، صلى الظهر ثم صلى العصر.
وأما جمع مزدلفة فظاهر السنة التأخير ظاهر فعله صلى الله عليه وسلم أنه جمع جمع تأخير .
ويرتب المجموعتين...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى كل حال بالنسبة لمزدلفة إذا وصلها فإن وصل في وقت العشاء كما هو ظاهر فعله صلى الله عليه وسلم فإنه سيجمع جمع تأخير ، وإن وصل في وقت المغرب فهل الأفضل أن يصلي ويجمع أو الأفضل أن يصلي المغرب في وقتها والعشاء يؤخرها إلى وقتها ؟
هذا موضع خلاف بين العلماء ويظهر والله أعلم أن الإنسان يفعل الأرفق به .
" ويرتب المجموعتين " إذا أراد الإنسان أن يجمع فلا يخلو
أما أن يجمع جمع تقديم وأما أن يجمع جمع تأخير ، فإن جمع جمع تقديم فإنه يشترط لذلك شروط قبل هذا قال المؤلف " ويرتب بين المجموعتين " أن لا يصلي العصر قبل الظهر ولا العشاء قبل المغرب .
لكن هل يسقط الترتيب بالنسيان ؟
الترتيب بين الفوائت : المذهب يسقط بالنسيان .
مثاله : إنسان فاتته صلاة الظهر والعصر ونسى وصلى العصر قبل الظهر ، صلى العصر ثم الظهر ما حكم صلاته على المذهب ؟
صلاته صحيحة .
(1/478)
لكن الترتيب بين المجموعتين لو نسى يقولون صلاته غير صحيحة يفرقون بين الترتيب بين الفوائت والترتيب بين المجموعتين .
فالترتيب بين الفوائت يرونه يسقط بالنسيان .
وتقدم أن الترتيب بين الفوائت يسقط بواحد من خمسة أمور .
الأمر الأول : النسيان .
الأمر الثاني : الجهل .
الأمر الثالث : إذا خشي فوت الجماعة .
الأمر الرابع : إذا خشي فوت الجمعة .
الأمر الخامس : إذا تضايق وقت الحاضرة أو إذا خشي فوت وقت الحاضرة .
هذا بالنسبة للترتيب بين الفوائت .
وإن جمع تقديماً اشترط نية الجمع عند إحرامه وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن الترتيب بين المجموعتين يضيقون فيه ، فيقولون : أنه لا يسقط حتى ولو كان ناسياً وصلى العصر قبل الظهر يرون أن صلاته غير صحيحة .
والرأي الثاني : الذي ذهب إليه الحجاوي من الحنابلة أن الترتيب بين المجموعتين يسقط بالنسيان كما يسقط به بين الفوائت ، وهذا هو الأقرب والله أعلم .
وأن المجموعتين تلحقان بالفوائت .
" وإن جمع تقديماً اشترط نية الجمع عند إحرامه وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف " إذا جمع جمع تقديم فإنه يشترط شروط :
الشرط الأول : النية ، وانتبه إلى قوله نية الجمه لم يقل المؤلف رحمه الله تعالى نية الصلاة ، نية الصلاة شرط لصحة الصلاة وليست شرطاً لصحة الجمع ، الآن سيتكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن شروط صحة الجمع ولا يتكلم عن شروط صحة الصلاة فنية الصلاة مفروغ منها لابد منها لكن هل يشترط أنه ينوي أنه سيجمع إذا أراد أن يجمع أو نقول هذا ليس شرطاً ؟
(1/479)
مثاله : مسافر وصلى الظهر ولم ينوي الجمع وبعد أن سلم من الظهر بداله أن يجمع وأن هذا أرفق به ظهر له أن يجمع فهل يصح جمعه ؟
على كلام المؤلف رحمه الله تعالى لا يصح فلابد أن تنوي أنك ستجمع قبل أن تدخل في الصلاة الأولى .
قبل أن تدخل في الصلاة الأولى يشترط نية الجمع وليست نية الصلاة ، فنية الصلاة لابد منها أن تنوي أن هذه الظهر وهذه العصر لابد منها .
ولكن هل يشترط أن تنوي أنك ستجمع أو ليس شرط ؟
المؤلف يرى أنه شرطاً ، وعلى هذا لو بدا لك أنك ستجمع بعد الأولى هل تجمع أو لا تجمع ؟
لا تجمع على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى ، وهذا هو المذهب .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام أن هذا ليس شرطاً لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد أن النبي صلى الله عليه
وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف..................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسلم كان يخبرهم أنه إذا أراد أن يجمع أنه سيجمع لكي ينووا بل يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد يجمع وقد لا يجمع يصلون الظهر والعصر .. إلخ .
وهذا القول هو الصواب .
وعلى هذا نقول : أن هذا الشرط ليس صحيحاً اشتراط نية الجمع .
وعلى هذا لو أن الإنسان صلى الأولى ثم حصل عذر أو كان العذر موجوداً ثم بداله أن يجمع فله أن يجمع .
فمثلاً لو صلى الأولى ولم يكن هناك مطر وبعد أن صلى هطلت الأمطار فهل له أن يجمع ؟
المذهب : ليس له أن يجمع .
والصواب : له أن يجمع .
" وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف " الشرط الثاني : أن لا يفرق بين المجموعتين إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف .
(1/480)
ودليلهم : أن معنى الجمع هو المتابعة والمقارنة ولا يحصل ذلك مع التفريق الكبير ، وقريب من هذا قول الشافعية يقولون : نشترط الموالاة بين المجموعتين وأن لا يفرق بينهما إلا بتفريق يسير عرفاً .
فالتفريق بين المجموعتين إن كان طويلاً عرفاً فإنه لا يصح معه الجمع ، وإن كان يسيراً عرفاً فإنه يصح معه الجمع .
والدليل على هذا : أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جمع متوالياً هكذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام وأن الموالاة ليست شرطاً وعلى هذا لو صليت الظهر ثم بعد ذلك بدا لك أن تصلي العصر بعد ساعة يصح أن تجمع .
مثال : مسافر صلى الظهر ولم يبد له أن يجمع وبعد ساعة بدا له أن يجمع هل له أن يجمع ؟
على اختيار شيخ الإسلام أن الموالاة ليست شرطاً فله أن يجمع .
ويظهر والله أعلم أن ما ذهب إليه الفقهاء أقرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جمع متوالياً ، وهذا هو المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم ، وما ذهب إليه شيخ الإسلام يظهر والله أعلم أبعد عن الصواب مما ذهب
فيبطل براتبة بينهما ووجود العذر عند افتتاحهما وسلام الأولى......................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إليه الفقهاء لأن ما ذهب إليه الفقهاء هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه أنه فرق ، ولأنه أحوط .
" فيبطل براتبة بينهما " وهذا بناءً على اشتراط المولاة وأنه لا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة أو وضوء خفيف فقط ، وعلى هذا لو صلى بين المجموعتين راتبة فإن الجمع يبطل ولا يتمكن من الجمع .
وقال بعض العلماء : أنه لا يبطل لأن الراتبة من الأمور اليسيرة وهذا هو الأظهر .
كما ذكرنا الضابط في ذلك : إذا كان الفاصل يسيراً عرفاً فإن هذا جائز ولا بأس به ولا يبطل الجمع .
(1/481)
" ووجود العذر عند افتتاحهما وسلام الأولى " هذا الشرط الثالث : أن يوجد العذر عند افتتاح الصلاتين يعني إذا أراد أن يجمع الظهر مع العصر يوجد العذر عند افتتاحهما وسلام الأولى عند افتتاح الظهر وعند افتتاح العصر وعند السلام من الأولى وهي الظهر أو المغرب .
مثاله : إنسان مريض وأراد أن يجمع ماذا نقول ؟
يشترط أن يكون المرض موجوداً عند افتتاح الظهر والعصر وعند السلام من الظهر الأولى .
إذا أراد أن يجمع لأجل المطر يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح المغرب والعشاء وعند السلام من المغرب ، هذا ما ذهب إليه المؤلف .
والرأي الثاني : أن يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الثانية وهو الصواب .
يكفي أن يكون العذر موجود عند افتتاح الثانية ، لأن الثانية هي محل الجمع .
وعلى هذا لو كان الإنسان غير مريض وصلى الظهر ثم جاءه مرض وأراد أن يصلي العصر نقول يجمع .
لو كان المطر غير موجود ثم هطل المطر عند افتتاح الثانية ، صلينا المغرب والمطر غير موجود ثم بدا المطر ينزل يجمع أو لا يجمع ؟
يجمع لأن العذر موجوداً عند افتتاح الثانية .
أما على كلام المؤلف رحمه الله تعالى هل نجمع ؟
يرى أننا لا نجمع ، لماذا ؟
لأنه يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الأولى وعند افتتاح الثانية وعند السلام من الأولى .
واستمراره إلى فراغ ثانية وإن جمع جمع تأخير اشترط نية الجمع في وقت أولى قبل ضيقه عن فعلها.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويعللون ويقولون أن افتتاح الأولى هو موضع النية ، وتقدم أن نية الجمع ليست شرطاً .
(1/482)
وافتتاح وسلام الأولى وافتتاح الثانية موضع الجمع فهم يبنونه على اشتراط نية الجمع ، وتقدم أنها ليست شرطاً على الصحيح .
"واستمراره إلى فراغ ثانية " هذا الشرط الرابع من شروط صحة الجمع إذا أراد أن يجمع جمع تقديم لابد أن يستمر العذر إلى فراغ الثانية .
مثاله : إنسان أراد أن يجمع وهو مريض فصلى الظهر وبدأ يصلي العصر وبعد أن صلى ركعة أو ركعتين من العصر شفي بإذن الله تعالى ما حكم الجمع على المذهب ؟
لا يصح لابد أن يستمر العذر حتى تنتهي الثانية .
مثاله : شرع يصلي المغرب لعذر المطر فلما شرع في العشاء جمع تقديم انقطعت الأمطار ولم يكن هناك عذر ما حكم الجمع عند المؤلف ؟
يقول لابد أن يستمر العذر حتى انتهاء الثانية سواء كان الجمع لمطر أو لغيره .
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى لابد أن يستمر العذر سواء كان العذر الذي جمع من أجله المطر أو غيره.
وبعض العلماء يفصل يقول : المطر سيخلفه وحل فإذا جمع لأجل المطر وانقطع المطر سيخلفه وحل فيستمر في الجمع ، لكن إذا لم يكن مطر ولا وحل الحكم يقولون : أن الجمع غير صحيح .
والأقرب في هذه المسألة أن يقال : إن صلى ركعة من الثانية يمضي ويصح الجمع وإن لم يصل ركعة فإنه لا يصح الجمع لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ). وهذا أدرك من صلاة العشاء أو العصر ركعة فقد أدركها .
فالأمر متعلق بإدراك ركعة .
" وإن جمع جمع تأخير اشترط نية الجمع في وقت أولى قبل ضيقه عن فعلها " الشروط السابقة إذا جمع جمع تقديم ، فإذا جمع جمع تأخير ماذا يشترط ؟
قال :" نية الجمع في وقت أولى " الشرط الأول : أن ينوي الجمع في وقت الأولى لماذا ؟
واستمرار عذر إلى دخول وقت الثانية...................................................................
(1/483)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما هي العلة في ذلك ؟
لأن الإنسان يؤخر الصلاة عن وقتها فقد يكون التأخير هذا مشروعاً كما لو نوى الجمع وقد يكون غير مشروع كما لو لم ينوي الجمع .
أن الإنسان يؤخر الصلاة عن وقتها فلابد أن يكون هذا التأخير مشروعاً وذلك بأن ينوي الجمع .
والرأي الثاني : أن الصلاتين المجموعتين في حال العذر يكون وقتهما وقت واحد فلا حاجة إلى هذا .
نقول للمسافر أصبح عندك وقت الظهر والعصر وقت واحد تصلي في وقت الظهر أو تصلي في وقت العصر أو بين الوقتين ، فالوقت عندك واحد وحينئذ على هذا القول لا نقول إذا أخر الظهر إلى العصر وهو مسافر ولا نوى لا نقول له أنه يأثم لأنه أخر الصلاة عن وقتها ، ولابد أن ينوي الجمع .
نقول الأمر في سعة إن شاء أن يصلي في الظهر صلى وإن شاء أن يؤخر إلى العصر صلى وإن شاء أن يصلي بين الوقتين صلى .
وعلتهم في ذلك : كما تقدم كونه يؤخر الصلاة عن وقتها قد يكون التأخير مشروعاً كما لو نوى الجمع ، وغير مشروع إذا لم ينوي الجمع .
" واستمرار عذر إلى دخول وقت الثانية " هذا الشرط الثاني : أن يستمر العذر إلى وقت دخول الثانية ، لابد أن يستمر عذره إلى دخول وقت الثانية فإن انقطع العذر قبل دخول الثانية فلا يجوز له أن يؤخر ،لماذا؟
لأن السبب المبيح للتأخير قد زال
وهذه المسألة يجهلها كثير من الناس ، هذا الشرط يجهله كثير من الناس ، فتجد أن كثير من الناس يكون مسافراً وينوي جمع التأخير ويقدم إلى بلده في وقت الأولى ولنفرض أنه قدم في الظهر أو في المغرب ، فيقول أنا نويت جمع التأخير ، فيؤخر الصلاة إلى وقت صلاة العشاء ، هل هذا التأخير صحيحاً أو ليس صحيحاً ؟
غير صحيح ، لماذا ؟
لأن السبب قد زال فيجب عليك أن تبادر بفعل الصلاة في وقتها .
(1/484)
ومثله لو كان الإنسان مريضاً ونوى جمع تأخير ثم شفاه الله عز وجل ، نقول : يجب عليك أن تبادر بفعل الصلاة الأولى في وقتها .
صلاة الخوف تجوز كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم.............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في صلاة الخوف
قال المؤلف " صلاة الخوف تجوز كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم "
صلاة الخوف ثابتة بالقرآن والسنة والصحابة رضي الله تعالى عنهم مجمعون عليها .
أما القرآن فقوله تعالى :( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ... الآية ).
والسنة كما في حديث سهل وحديث ابن عمر وحديث جابر في صفات صلاة الخوف التي سنذكرها بإذن الله عز وجل .
وصلاة الخوف وردت على وجوه متنوعة فبعض العلماء أوصلها إلى ثلاثة عشر وجه ، وبعضهم أوصلها إلى خمسة عشر وجهاً ، وبعضهم إلى سبعة عشر وجهاً .
وابن القيم رد هذا وذكر أن بعض العلماء إذا رأى اختلاف الرواة في صفة من صفات صلاة الخوف جعله وجهاً مستقلاً .
قال رحمه الله : هذا غير صواب ، فالوجوه التي وردت عليها صلاة الخوف ستة أصول ، قال الإمام أحمد من ستة أو سبعة ، وقد ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد ، فورد إذا كان في جهة القبلة وفي غير جهة القبلة يصلي الإمام أربع ركعات ركعتين ثم يسلم لهم وركعتين ولا يسلم لهم فيكون له أربع ركعات تارة تكون مفصولة وتارة تكون متصلة ، وأيضاً في حالة الكر والفر ....
بالنسبة لهذه الوجوه للعلماء تجاهها مسلكان :
مسلك الترجيح والاختيار ، ومسلك الجمع .
الإمام أحمد يقول من ذهب إليها كلها فحسن ويختار حديث سهل يختار صفة صلاة الخوف الواردة في حديث سهل .
والرأي الثاني : أنه يصار إلى مسلك الجمع ، وكيف مسلك الجمع ؟
(1/485)
أن هذه الأنواع تختلف باختلاف الأحوال فيفعل الإمام والقائد ما هو الأصلح فقد يكون الأصلح أن يصلي هذه الصلاة ويعمل بهذه الصفة ، وقد يكون الأصلح أن يعمل بالصفة الأخرى .
ويحمل ندباً فيها ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كسيف ولا يبطلها كر وفر لحاجة ولا حمل نجس يحتاجه....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل صلاة الخوف خاصة بعصر الصحابة أو أنها مشروعة حتى بعد عصر الصحابة ؟
فيه خلاف أكثر العلماء على أنها مشروعة حتى بعد عهد الصحابة وهذا ما عليه الأئمة .
الأئمة الأربعة يتفقون على هذا .
والرأي الثاني : ذهب إليه بعض أهل العلم وأن صلاة الخوف مشروعة في عهد الصحابة ، وقالوا أن أبا بكر وعمر لم يصليا صلاة الخوف .
والصواب : ما ذهب إليه جمهور العلماء واتفق عليه الأئمة وأن صلاة الخوف ليست خاصة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي عامة في عهده صلى الله عليه وسلم وفي غيره لعموم الأدلة .
كذلك صلاة الخوف هل هي خاصة في السفر دون الحضر أو شاملة ؟
الصواب : شاملة في السفر والحضر .
" ويحمل ندباً فيها ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كسيف " المؤلف رحمه الله تعالى يندب للمقاتل أن يحمل في صلاة الخوف ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كسيف وسكين وخنجر ونحو ذلك .
ودليل ذلك قوله تعالى :( وليأخذوا اسلحتهم ).
" ولا يبطلها كر وفر لحاجة ولا حمل نجس يحتاجه " وسيأتي أن من صفات صلاة الخوف أن يصلي حسب حاله ، كما قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ( مستقبل القبلة وغير مستقبلها ).
ومثله لو كان هارباً من سبع أو عدواً أو نار أو سيل ونحو ذلك فإنه يصلي حسب حاله يومئ قدر طاقته .
(1/486)
ولو كان يكر ويفر فنقول يومئ على قدر طاقته سواء كان مستقبل القبلة أو غير مستقبلها وهذا يدل على عظم الصلاة من وجه وعلى عظم وقت الصلاة من وجه آخر لأن الإنسان يصلي وهو يكر ويفر .
* صفات صلاة الخوف :
تقدم لنا أن صلاة الخوف وردت على صفات متنوعة وأن بعض العلماء أوصلها إلى خمسة عشر وجهاً ، وبعضهم أوصلها إلى سبعة عشر وجهاً .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصواب : أن هذه الأصول ترجع إلى ستة أصول كما ذكرها ابن القيم وأن الاختلاف بين أهل العلم أشار إليه ابن القيم رحمه الله : أن بعض العلماء إذا رأى اختلاف الرواة في صفة من الصفات جعل ذلك صفة مستقلة وإنما هي صفة واحدة .
فهذه ست صفات ويزاد عليها صفة سابعة كما سيأتي بيانها إن شاء الله .
الصفة الأولى : أن يكون العدو في جهة القبلة ، وكيفيتها وردت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ، هذه الصورة واضحة .
الصفة الثانية : ثابتة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين .
وفيها يكون العدو في غير جهة القبلة فيقسمهم الإمام إلى طائفتين .
(1/487)
طائفة تكون مواجهة للعدو ، وطائفة تصلي مع الإمام إلى جهة القبلة ، فيبدأ بالطائفة التي معه فيكبر ويكبرون معه ويصلي بهم ركعة تامة ثم يقوم ويقومون معه وبعد القيام تنصرف الطائفة التي معه وهي مازالت في صلاتها لا تزال في صلاتها تنصرف وتواجه العدو الذي ليس في جهة القبلة وتأتي الطائفة التي كانت مواجهة للعدو فتصف مع الإمام فيركع بها الإمام ويرفع ويسجد السجدتين ثم بعد ذلك يجلس الإمام ويتشهد ويسلم لأنه أتم ركعتين وهذه الطائفة التي معه تكمل ركعة ، الركعة الثانية التي بقي لها فتتشهد وتسلم ، والطائفة التي واجهت العدو بعد ذلك تقضي الركعة التي بقيت عليها .
قلنا أن الإمام يقسمهم إلى طائفتين طائفة تصلي معه جهة القبلة والأخرى تواجه العدو تحرس ، فيصلي بالطائفة التي معه الركعة الأولى ثم بعد ذلك يقوم وتقوم معه الطائفة الأولى وهي لا تزال في صلاتها تذهب وتقابل العدو والإمام قائم وتأتي الطائفة التي تحرس وتصف خلف الإمام فيصلي بهم ركعة ويسلم وهي تقوم وتقضي الركعة الثانية ثم التي كانت مواجهة للعدو وهي ما زالت في صلاتها تنحرف إلى جهة القبلة وتأتي بالركعة الثانية وتتشهد وتسلم .
والذي يظهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم قبل الصلاة .
الصفة الثالثة : ثابتة في الصحيحين من حديث من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فالإمام يقسمهم إلى طائفتين وهذه الصفة العدو إلى غير جهة القبلة فيقسمهم الإمام إلى طائفتين ، طائفة تصلي معه إلى جهة
...............................................................................................................................
(1/488)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القبلة فيقوم ويكبر بهم ويكبرون ويركع ويركعون ويسجد بهم سجدتين فيصلي بهم ركعة تامة ، ثم يظل واقفاً فتكمل الطائفة التي معه الركعة الثانية وتتشهد وتسلم ، ثم تأتي الطائفة التي كانت مواجهة للعدو فيصلي بهم ركعة ثم يجلس الإمام للتشهد لأنه أتم ركعتين وهي تقوم وتأتي بالركعة الثانية وتلحقه في التشهد الأخير ويسلم بها .
افتتح الصلاة بالطائفة الأولى واختتمها بالطائفة الثانية .
الصفة الرابعة : وهي سهلة .
العدو يكون إلى غير جهة القبلة فيقسمهم الإمام إلى طائفتين ، يصلي بالطائفة الأولى ركعتين ويقوم هو للثالثة وأما الطائفة التي معه فلا تقوم وتجلس للتشهد الأخير وتسلم وتذهب مواجهة للعدو ، ثم تأتي الطائفة التي كانت مواجهة للعدو ويصلي بها الإمام ركعتين فيكون الإمام صلى أربع ركعات وكل طائفة لها ركعتان ركعتان .
الصفة الخامسة : العدو إلى غير جهة القبلة ، وهذه واضحة .
فيقسمهم الإمام إلى طائفتين فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين ثم يأتي بعد ذلك تذهب وتقابل العدو وتأتي الطائفة الثانية التي كانت مقابلة للعدو ويصلي بهم الإمام ركعتين .
والفرق بين هذه الصفة والصفة السابقة : التسليم ، فالصفة السابقة الإمام صلى أربع ركعات موصولة .
وفي هذه الصفة صلى الإمام أربع ركعات منفصلة فصلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعتين .
الصفة السادسة : العدو في غير جهة القبلة صفة سهلة .
يصلي بالطائفة الأولى ركعة وتجلس وتتشهد وهو يقوم فتكون صلت هذه الطائفة ركعة واحدة وتذهب وتقابل العدو وتأت الطائفة التي كانت مقابلة للعدو وتجد الإمام واقفاً فتصلي معه الركعة الثانية وتتشهد وتسلم معه ، فيكون للإمام ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة .
(1/489)
الصفة السابعة : في حال الكر والفر والقتال ، والعدو إلى غير جهة القبلة .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فمن اشتغل بالكر والفر والقتال يصلي على حسب حالته ويومئ بالركوع والسجود حسب طاقته كما قال تعالى :( فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً ) قال ابن عمر رضي الله عنهما مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ومثل ذلك لو كان هارباً من سبع أو نار أو سيل ونحو ذلك يصلي حسب حالته ويومئ حسب طاقته .
وهذه الصفات تدل على عظم شأن الصلاة وأن أمرها عظيم ولهذا لم تسقط حتى في حال الخوف .
وتدل على عظم صلاة الجماعة وإلا بالامكان أن يأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يصلوا فرادى وقل يصلي إلى جهة القبلة فرادى بعضهم يحرس وبعضهم يصلي إلى جهة القبلة .
ويدل على تأكد استقبال القبلة وأن استقبالها لم يسقط حتى في الخوف .
وأيضاً يدل على تأكد الاجتماع وعدم الاختلاف فكون المقاتلون يجتمعون حتى في الصلوات يكون هذا من أعظم أسباب النصر وإيقاع الخوف والهلع في قلوب الأعداء بخلاف ما إذا كانوا متفرقين مختلفين فإن هذا من أسباب الوهن .
هذه الصفات تفعل حسب المصلحة وذكرنا أن العلماء لهم مسلكان : مسلك الجمع ، ومسلك الترجيح .
فالإمام ينظر ما هو الأصلح منه فإذا كان إذا اجتمعوا في مكان واحد يؤدي إلى قتلهم جميعاً ينظر ما هو الأصلح .
****************
...............................................................................................................................
(1/490)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة الجمعة
الجمعة : قال العلماء بأنها مثلت الميم يعني ميمها فيه الضم والفتح والتسكين (الجُمعة - الجمعَة - الجمعْة)
واختلف العلماء في سبب تسميتها بهذا الاسم ، قيل لأنها تجمع الخلق الكثير ، وقيل لأن اكتمال الخلق حصل في يوم الجمعة ، وقيل لأن آدم اكتمل خلقه يوم الجمعة ، وقيل لأن سعد بن زراره رضي الله عنه كان يجمع بالأنصار يوم الجمعة ، وقيل لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه في الجاهلية في ذلك اليوم ويبين لهم تعظيم الحرم .
وأصوب الأقوال وقد ورد فيه بعض الآثار الموقوفة وهو الذي يميل إليه ابن حجر رحمه الله : أنها سميت بيوم الجمعة لأن خلق آدم جمع في ذلك اليوم واكتمل .
ويوم الجمعة كان يسمى في الجاهلية بيوم العروبة ويومها هو عيد الأسبوع وهو من أفضل الأيام ، بل ورد في سنن ابن ماجه ( سيد الأيام وأعظمها عند الله يوم الجمعة )
وفي مسلم ( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه تقوم الساعة )
ومن فضل هذه الأمة ببركة نبيها صلى الله عليه وسلم أن أضل الله عن يوم الجمعة اليهود والنصارى وهدى هذه الأمة ليوم الجمعة ، فهو يوم عظيم .
وقد ذكر العلماء أنه يستحب فيه أن يتخلى الإنسان عن أعمال الدنيا وأن يتفرغ فيه للعبادة .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله ( 33) خصيصة من خصائص يوم الجمعة .
والسيوطي رحمه الله أوصلها إلى ( 100) خصيصة وله رسالة اسمها ( اللمعة في خصائص يوم الجمعة )
وهذا مما يدل على عظم هذا اليوم .
وهل صلاة الجمعة صلاة مستقلة أو ظهر مقصورة ؟
موضع خلاف بين أهل العلم ، والصواب في ذلك : أن صلاة الجمعة صلاة مستقلة بذاتها وأنها ليست ظهراً مقصورة ، ولا بدلاً عن الظهر .
(1/491)
ويدل على أنها صلاة مستقلة هذه الخصائص التي ذكرنا وأن السيوطي أوصلها إلى ( 100 ) خصيصة وهذا مما يستدل به كثير من العلماء أنه لا يصح الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر ، لماذا ؟
تلزم كل حر...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لأن جمع العصر إنما ورد مع الظهر والجمعة ليست ظهراً وإنما صلاة مستقلة ولم يرد فيها الجمع فلا يجمع المسافر والمريض العصر مع الجمعة من سبق من دليل .
قال المؤلف رحمه الله :
" تلزم كل حر " قوله : تلزم يدل على أن الجمعة واجبة وهذا باتفاق الأئمة وإجماع المسلمين على وجوبها بخلاف صلاة الجماعة هذه اختلف العلماء هل هي واجبة أو ليست واجبة ؟
ويدل لوجوب صلاة الجمعة قوله تعالى :( يا أيهل الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ).
أمر والأمر يقتضي الوجوب .
وفي مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم همّ أن يحرق على المتخلفين عن الجماعة بيوتهم .
وفي حديث حفصة ( رواح الجمعة واجب على كل محتلم )
هذا الوجوب يشترط له شروط .
الشرط الأول : أن يكون ذكراً إجماعاً ، وعلى هذا المرأة لا تجب عليها الجمعة لكن لو حضرت الجمعة فما الحكم ؟
تصح جمعتها وتجزئها عن صلاة الظهر .
وقد ورد في ذلك حديث طارق بن شهاب وإن كان مرسل ( الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة ، عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض )
لكن عندنا الإجماع منعقد على ذلك أن المرأة لا تجب عليها الجمعة .
" حر " هذا الشرط الثاني : حر وعلى هذا الرقيق هل تجب عليه صلاة الجمعة أو لا تجب عليه ؟
على كلام المؤلف رحمه الله لا تجب عليه صلاة الجمعة وهذا رأي أكثر أهل العلم .
(1/492)
والرأي الثاني : الظاهرية أن صلاة الجمعة واجبة على الرقيق وهو الصواب .
وقد ذكرنا قاعدة فيما تقدم { الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية المحضة إلا بدليل }
مكلف مستوطن بناء ولو تفرق واسمه واحد..........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" مكلف " هذا الشرط الثالث : أن يكون مكلفاً أي بالغاً عاقلاً ، وعلى هذا فالصبي لا تجب عليه الجمعة والمجنون لا تجب عليه .
ويدل لهذا الحديث المشهور وإسناده حسن ( رفع القلم عن ثلاثه وذكر منهم الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق ) حديث علي وعائشة .
وتقدم حديث حفصة ( رواح الجمعة واجب على كل محتلم ).
الشرط الرابع : الإسلام وهذا ظاهر وسبق أن ذكرنا أن الكافر لا تصح منه العبادات مع أنه مكلف ومطالب بها .
" مستوطن بناء ولو تفرق واسمه واحد " هذا الشرط الخامس : أن يكون مستوطناً ، فقوله مستوطن : تخرج المسافر فالمستوطن أمره ظاهر تجب عليه الجمعة ، أما المسافر لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون منفصلاً عن أهل الجمعة كما لو كان في الطريق أو خارج البلد سائر لا تجب عليه الجمعة بل يشرع له أن يجمع ولو جمع فتجميعه بدعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يجمع ومعه الصحابة رضي الله تعالى عنهم يخرج ويمكث في الطريق الأيام ما كان صلى الله عليه وسلم يجمع .
الأمر الثاني : أن يكون مقيماً بين أهل الجمعة فهذا يجب عليه أن يصلي الجمعة مع الناس لقوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .
(1/493)
يجب عليه أن يصلي مع الناس ويدل لذلك حديث الحكم بن حزم رضي الله تعالى عنه أنه قال : وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة وشهدنا معه الجمعة فقام متوكئاً على قوس أو عصا ) قال : وشهدنا ، فهذا يدل على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم .
قال المؤلف رحمه الله " بناءً ولو تفرق واسمه واحد " لابد أن يكون مستوطناً بناءً اسمه واحد وهذا البناء لا يشترط أن تكون مادته من نوع معين فلو كان من حجارة ، بلاستيك ، طين ، جريد النخل ، بيوت الشعر ، أو من الاسمنت أو غير ذلك فإنه إذا كان بناءً واحداً وأهله لا يظعنون عنه صيفاً ولا شتاءً فإنهم يقيمون الجمعة ويشرع لهم إذا توفرت لهم شروط إقامة صلاة الجمعة .
لا على مسافر سفر قصر أو عبد أو امرأة ومن حضرها منهم أجزأته..........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" لا على مسافر سفر قصر " أفاد المؤلف رحمه الله أن المسافر سفر قصر لا تجب عليه جمعة ، وتقدم أن ذكرنا أن المسافر لا يخلو من أمرين .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله سفر قصر : أنه إذا كان سفره لا تقصر فيه الصلاة بأن يكون السفر قصيراً ليس طويلاً فإنه تجب عليه الجمعة .
والصواب في ذلك : أن يقال بأن المنفصل عن البلد لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون بينه وبين الجامع أقل من فرسخ فإنه يجب عليه أن يصلي مع الناس .
الأمر الثاني : أن يكون بينه وبين الجامع فرسخ فأكثر فهذا لا تجب عليه الجمعة وإنما يصلي ظهراً .
وبهذا نعرف أن الذين يخرجون في المعسكرات أو النزهات هل يصلون الجمعة ؟
نقول : أولاً : إن كان بينهم وبين الجامع أقل من فرسخ فهؤلاء يجب عليهم أن يصلوا مع الناس .
(1/494)
ثانياً : إن كان بينهم وبين الجامع فرسخ فأكثر لا تجب عليهم الجمعة ولا يشرع لهم أن يصلوا جمعة وإنما يصلون ظهراً .
ذكرنا فيما تقدم إن كان خارج البلد قدر فرسخ فأكثر فهذا لا تجب عليه الجمعة ولا تشرع منه وإنما يصلي ظهراً ، وإن كان دون فرسخ فهذا يجب عليه أن يصلي مع الناس ، نحن قلنا فرسخ فأكثر ، والصواب أن يقال : إن كان أقل من فرسخ تجب عليه الجمعة ، وإن كان أكثر من فرسخ لا تجب عليه ولا يشرع له أن يقيم جمعة ، وإن كان فرسخ يجب عليه أن يصلي مع الناس .
" أو عبد " تقدم أن الصواب بالنسبة للأرقاء أن الجمعة واجبة عليهم وذكرنا القاعدة في ذلك { الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية المحضة إلا بدليل } ويدل لهذه القاعدة عمومات أدلة الشريعة ، فإن عمومات أدلة الشريعة في إيجاب صلاة الجمعة شاملة للحر والرقيق .
" أو امرأة " المرأة لا تجب عليها الجمعة وهذا بالإجماع ولا يشرع للنساء لو اجتمعن أن يقمن صلاة الجمعة بخلاف صلاة الجماعة كما سلف لنا .
" ومن حضرها منهم أجزأته " يقول الرقيق لا تجب عليه صلاة الجمعة لكن لو حضرها فإنها تجزئه عن الظهر ولا يجب عليه أن يصلي ظهراً .
ولا يحسب من العدد ولا يؤم فيها..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومثله المرأة لو حضرت وصلت مع الناس الجمعة فإنها تجزئها عن صلاة الظهر .
وكذلك المسافر الذي لا تجب عليه صلاة الجمعة أو من كان بعيداً عن الجمعة أكثر من فرسخ لو حضر وصلى مع الناس تجزئه عن صلاة الظهر .
(1/495)
" ولا يحسب من العدد " يعني من حضرها من هؤلاء الذين لا تجب عليهم الجمعة يقول : لا يحسب من العدد ، فالمرأة لو حضرت لا تحسب من العدد ، وسيأتي أن من شروط صحة صلاة الجمعة الجماعة وحد الجماعة سيأتي بيانه .
هذا العدد الذي يشترط له صلاة الجمعة هل يحسب منه المرأة ؟
المؤلف رحمه الله : لا يحسب .
فمثلاً على المذهب أن الجمعة لا تصح إلا بأربعين لو كان عندنا 39 رجلاً وامرأة يصلون ظهراً لا يصلون جمعة .
أيضاً الرقيق هل يحسب من العدد ؟
المذهب لا يحسب ، والصواب : أن الرقيق كالحر وأنه يحسب من العدد ، صحيح أن المرأة لا تحسب لأنها ليست من أهل الجمعة ولا الجماعات ، كذلك المسافر الذي لا تجب عليه الجمعة لو حضرها هل يحسب من العدد ؟
الصواب : أنه يحسب من العدد .
فأصبح الذي لا يحسب هو المرأة لأنها ليست من أهل الجمعة والجماعات ، ولهذا قام الإجماع على أنه لا تجب عليها صلاة الجمعة .
" ولا يؤم فيها " يعني هؤلاء كما أنهم لا يحسبون من العدد لا يصح أن يكون إماماً في الجمعة فالمرأة أمرها ظاهر لكن الرقيق هل يصح أن يكون إماماً فيها ؟
المذهب : لا يصح .
والصحيح : يصح لما تقدم من القاعدة .
المسافر هل يصح إمامته للجمعة ؟
ومن بخيام ونحوه تلزمه بغيره إن كان بينه وبين موضعها فرسخ فأقل..........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذهب : لا تصح ولو جاءنا عالم كبير وقدمناه لكي يصلي بنا الجمعة ، المذهب لا يصح .
والصواب : يصح أن يؤم فيها .
" ومن بخيام ونحوه تلزمه بغيره إن كان بينه وبين موضعها فرسخ فأقل " أهل الخيام لا تشرع منهم الجمعة الذين يتنقلون يطلبون مواضع القطر والنبات فهؤلاء لا تشرع لهم الجمعة ، لماذا ؟
(1/496)
لأنهم ليسوا مستوطنين ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعراب الذين حول المدينة أن يقيموا صلاة الجمعة ، لكن هل تجب عليهم ؟
فيه تفصيل إن كانوا قريبين مقدار فرسخ فأقل فإنه يجب أن يصلوا مع الناس ( تجب عليهم بغيرهم )
وإن كانوا بعيدين أكثر من فرسخ فإنه لا يجب عليهم أن يصلوا مع الناس وإنما يصلوا ظهراً ، لكن لو حضروا وصلوا مع الناس فإنه يجزئهم عن صلاة الظهر ويحسبون من العدد كما سلف .
قول المؤلف فرسخ فأقل : يؤخذ منه أنه إذا كان أكثر من فرسخ لا يجب .
ما هو وجه التحديد بفرسخ ؟
لماذا حدد العلماء رحمهم الله بهذه المسافة من كان فرسخ فأقل تجب عليه الجمعة وفوق الفرسخ لا تجب عليه؟
قالوا دليل ذلك قول الله عز وجل :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .
فالله عز وجل أمر بالسعي إلى ذكر الله عز وجل إذا نودي بالصلاة فكل من يسمع النداء فإنه يجب عليه .
وقالوا حد النداء في العادة أنه يسمع إلى فرسخ إذا كانت الرياح ساكنة والأصوات هادئة وخلا من الحواجز والموانع فإن العادة أنه يسمع إلى فرسخ .
وما قدر الفرسخ ؟
ثلاثة أميال بالكيلو 5 كيلو وزيادة فإذا كان خارج البلد بينه وبين الجامع مقدار 5 كيلو وزيادة أو أقل يجب عليه أن يحضر وما كان فوق ذلك لا يجب عليه .
فلو أن جماعة خرجوا خارج البلد وبينهم وبين البلد عشر كيلو لا يجب عليهم أن يصلوا .
ومن صلى الظهر ممن تلزمه الجمعة قبل فعلها لم تصح والأفضل لمن لا تلزمه تأخيرها حتى تصلى الجمعة.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/497)
" ومن صلى الظهر ممن تلزمه الجمعة قبل فعلها لم تصح " إذا صلى الإنسان الظهر والجمعة واجبة عليه تلزمه قبل أن يجمع الإمام فنقول لا تصح ظهره لأنه ترك ما خوطب به وفعل مالم يخاطب عليه ، ويظهر هذا مالم ظن أن الإمام قد جمع ، ولنفرض أن إنساناً كان نائماً وظن أن الجمعة قد فاتته ثم صلى ثم تبين أن الإمام لم يجمع لم يصل الجمعة هل تصح ظهره ؟
نقول ظهره لا تصح ويجب عليه أن يعيد .
" والأفضل لمن لا تلزمه تأخيرها حتى تصلى الجمعة " الذي لا تلزمه الجمعة : المرأة والمسافر والرقيق على المذهب ومن معذور بمرض هؤلاء لا تلزمهم الجمعة فما الحكم بالنسبة لهم ؟
المؤلف رحمه الله بالنسبة لهؤلاء الأفضل لهم أن يؤخروا حتى يصلي الإمام الجمعة .
وعلى هذا نقول للمرأة لا تصلي حتى يصلي الإمام ، فلو فرضنا أن الأذان أو الزوال يكون في الثانية عشر والإمام ينتهي من الصلاة الساعة الثانية عشر والنصف متى تصلي المرأة ؟
تصلي بعد تجميع الإمام بعد الساعة الثانية عشرة والنصف ولا تصح في أول الوقت الساعة الثانية عشر ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
وفي سؤال خارجي يقول الشيخ ويظهر والله أعلم أن العلة أن وقت الصلاة صلاة الجمعة يكون بعد الخطبتين ولا يجوز الصلاة قبل الخطبتين فلا يدخل وقت صلاة الجمعة حتى يخطب الإمام خروجاً من الخلاف لأن هناك من يقول بعدم صحة صلاتها .
والرأي الثاني : أنه يستحب لمن تلزمه الجمعة أن يصلي ظهراً في أول وقتها لعموم أدلة فضيلة أول الوقت وهذا التأخير لا دليل عليه .
فالصواب : أن يوم الجمعة كغيره من الأيام بالنسبة لمن لا تلزمه الجمعة كالمرأة والمريض والمسافر ، السنة أن يصلوا الظهر في أول وقتها .
ويحرم سفر من تلزمه في يومها بعد الزوال وقبله يكره مالم يأت بها في طريقه
(1/498)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقد تقدم في باب شروط الصلاة شرط الوقت أن الصلوات كلها يستحب أن تصلى في أول الوقت إلا صلاتين : صلاة الظهر في شدة الحر ، وصلاة العشاء ، فالسنة أن تؤخر إلا إذا كان الإنسان يصلي مع الجماعة فإنه يراعي أحوال الجماعة ، والأدلة على هذا كثيرة .
" ويحرم سفر من تلزمه في يومها بعد الزوال وقبله يكره مالم يأت بها في طريقه " السفر يوم الجمعة لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون بعد الزوال فهذا كما قال المؤلف رحمه الله محرم ولا يجوز ولو قال المؤلف بعد النداء الثاني كان أحسن ، لأن الإنسان إذا نودي للجمعة يجب عليه أن يجيب لقوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .
فإذا كان بعد النداء الثاني يحرم عليه أن يسافر لأنه يجب عليه أن يجيب ، وإذا سافر ترك الإجابة .
واستثنى المؤلف رحمه الله ما إذا كان سيأتي بها في الطريق ، يعلم أن هناك جمعة في طريقه وسيحضر الخطبة والصلاة ، لأن حضور الخطبة حكمه واجب .
الأمر الثاني : أن يكون السفر قبل الزوال ، المؤلف رحمه الله يرى أنه مكروه إلا إذا كان سيأتي بها في طريقه فستزول الكراهة .
والرأي الثاني : أنه لا يجوز .
والرأي الثالث : يجوز .
والصواب : السفر قبل الزوال الجواز مطلقاً ، وكما قال عمر رضي الله تعالى عنه ( الجمعة لا تمنع من سفر) .
شروط صحتها الوقت وهو من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى العصر...........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في شروط صحة الجمعة
قال المؤلف رحمه الله :
(1/499)
" شروط صحتها الوقت " الجمعة يشترط لها شروط وهذه الشروط زائدة على الشروط العامة للصلوات فهذه شروط خاصة بها :
الشرط الأول : الوقت ، أن تفعل في وقتها وقال المؤلف رحمه الله الوقت : لأن لها وقتاً خاصاً كما سيبينه .
" وهو من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى العصر " الجمعة لها ثلاثة أوقات :
الوقت الأول : وقت الأداء .
الوقت الثاني : وقت الاستحباب .
الوقت الثالث : وقت القضاء .
وقت الأداء : ما أوله وما آخره ؟
آخره باتفاق الأئمة هو آخر وقت صلاة الظهر وهو : إذا صار ظل كل شيء مثله إلا فيء الزوال .
لكن ما هو أول وقت الأداء ؟
موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله .
الرأي الأول : أن أول وقت الأداء من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح كصلاة العيد وهذا هو المشهور من المذهب وهو من مفردات مذهب الحنابلة وخالفوا الأئمة والجمهور في هذه المسألة .
الرأي الثاني : أن أول وقت الجمعة يبدأ بزوال الشمس كصلاة الظهر وهذا ما عليه الجمهور .
الرأي الثالث : أنه يبدأ في الساعة السادسة من أول الساعة السادسة ، وهذا ذهب إليه الخرقي ، يعني قبل الزوال بمقدار ساعة .
دليل الحنابلة الذين يقولون أن أول وقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح ضحى استدلوا بأثر عبد الله بن سيدان أنه قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد زال النهار فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره ، الدار قطني ضعيف .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1/500)
وهناك أدلة يستدل بها الحنابلة لكنها لا تنتهض إلى ما ذهبوا إليه ، ومن ذلك حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال : كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين الزوال ، قال : كنا نجمع ثم نذهب نريحها متى ؟ حين الزوال .
فدل أن التجميع قبل الزوال ، وهذا في مسلم .
وكذلك استدلوا بحديث سهل ( ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهذا يدل على أنهم قدموا الجمعة .
حديث سلمة ( كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع نتتبع الفيء وليس للحيطان ظل يستظل به ) .
وقالوا وارد عن جمع من الصحابة كابن مسعود ومعاوية وجابر وسعيد رضي الله تعالى عنهم .
وآثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم أما ضعيفة وأما غير صحيحة .
حديث جابر رضي الله تعالى عنه ( نذهب إلى جمالنا نريحها قبل الزوال ) هذا لا يدل أنها تفعل كصلاة العيد ، هذا يدل على أنها تقدم شيئاً يسيراً قبل الزوال .
ومثله حديث سلمه ( وليس للحيطان ظل يستظل به ) يدل على أنه بودر بها .
وحديث سهل ( ما كنا نقيل ولا نتغدى ...) ليس صريحاً يحتمل أنهم في يوم الجمعة يؤخرون القيلولة والغداء إلى ما بعد الجمعة ، فهذه ليست صريحة .
الجمهور بعد الزوال واستدلوا بحديث أنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع حين تميل الشمس ) البخاري .
حديث سلمه ( كانوا يجمعون مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ) صريحة .
القول الثالث الخرقي في الساعة السادسة استدل : بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه .... ومن راح في الساعة السادسة فكأنما قرب بيضة فإذا دخل الإمام ... ) هنا قال قرب بيضة ، فقال فإذا دخل الإمام فدخوله في أول السادسة
(2/1)
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والزوال نصف النهار فيكون قبله 6 ساعات لأن النهار 12 ساعة فهذا يدل على أن دخول الإمام في أول السادسة .
ويؤيد ذلك ما تقدم من حديث جابر ( أنهم يجمعون مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذهبون إلى جمالهم يريحونها حين الزوال ) فهذا مما يؤيد ما ذهب إليه الخرقي .
والأحوط : أن يسلك الإنسان مسلك الجمهور ، لكنه لو تقدم شيئاً يسيراً ( 5 _ 10 ) دقائق نقول هذا جائز .
ويدل لذلك حديث جابر وحديث أبي هريرة وحديث سلمة هذه تدل إلى ما ذهب إليه الخرقي رحمه الله وبهذا تجتمع الأدلة .
وقت الاستحباب لصلاة الجمعة هو أول الوقت حتى في شدة الحر لا يشرع الإبراد والدليل على ذلك ما تقدم من حديث أنس رضي الله تعالى عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع حين تميل الشمس ).
ويدل له حديث سلمه ، ويدل لهذا أن الناس مأمورين بالتقدم لصلاة الجمعة وسيأتي متى يأتي التقدم لصلاة الجمعة .
ولو قلنا يشرع الابراد بها سيؤدي إلى مشقة عظيمة فالناس قدموا من طلوع الشمس ويبرد بها إلى قرب العصر يلحقهم مشقة وحرج .
وذهب بعض العلماء بعض الشافعية يستحب أن يبرد لصلاة الجمعة في شدة الحر واستدلوا بحديث أبي هريرة ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ) لكن هذا فيه نظر فهذا في صلاة الظهر أما الجمعة يلحق ذلك مشقة ، فإن الإبراد يكون إلى قبيل العصر هذا الإبراد المشروع .
فالصواب : أنها تفعل في أول وقتها حتى في شدة الحر .
وقت القضاء : إذا خرج وقت صلاة الظهر ولم يصلوا جمعة فإنهم يصلونها ظهراً ، وكذلك سيأتي من فاتته صلاة الجمعة ولم يدرك مع الإمام ركعة يصلي ظهراً .
(2/2)
وحضور أربعين.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وحضور أربعين " الشرط الثاني : حضور أربعين من أهل وجوبها .
ومن هم أهل وجوبها ؟
تقدم أن يكون ذكراً حراً مكلفاً .
وقوله أربعين : أنه لابد من هذا العدد هذا هو المشهور من المذهب ومذهب الشافعي .
ومذهب أبي حنيفة يكفي أربعة .
وبعض السلف كالزهري وغيره يكفي اثنا عشرة .
والظاهرية يكفي اثنان .
وشيخ الإسلام يكفي ثلاثة .
أدلة المذهب والشافعية اشترط أربعين دليلهم : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مصعب بن عمير فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين .
ووارد عن سعد بن زراره .
والجواب عن هذا : أن هذه وقعت اتفاقاً وما وقع اتفاقاً لا يكون شرعاً .
واستدلوا بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( مضت السنة في كل أربعين فما فوق جمعة واضحى ) ضعيف .
وأدلة أبي حنيفة استدلوا بحديث أم عبد الله الروسية وهو ضعيف .
والظاهرية قالوا بأن أقل الجماعة اثنان فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى وابن عباس وابن مسعود اثنان .
وبعض السلف الزهري وغيره قالوا أن الصحابة رضي الله عنهم لما قدمت العير من الشام انفضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا اثنا عشر رجلاً .
وشيخ الإسلام أن أقل الجمع ثلاثة والله عز وجل يقول :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .
اسعوا جمع وأقل الجمع ثلاثة .
مستوطنين بقرية وتصح فيما قارب البنيان فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً.......................................................................................................................
(2/3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو قلنا برأي الظاهرية فالخطبة يكون فيها واحد يسمع ، وعلى رأي شيخ الإسلام واحد يخطب واثنان يسمعون .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه شيخ الإسلام وأن أقل العدد الذي تنعقد به الجمعة ثلاثة ، فإذا كانوا ثلاثة يجمعون .
" مستوطنين بقرية " الشرط الثالث : أن يكونوا مستوطنين بقرية فلابد من الاستيطان وعلى هذا الذين ليسوا مستوطنين يخرج من ذلك أهل البوادي الذين يبحثون عن مواضع القطر والنبات لا يشرع لهم جمعة .
ومثلهم الذين يخرجون في النزهة وأهل المعسكرات ليسوا مستوطنين .
وقوله مستوطنين بقرية : لا يشترط في مادة البناء أن يكون بنوع معين المهم الذي يشترط أن يكونوا مستوطنين لا يظعنون لا صيفاً ولا شتاءً حتى ولو كان من الحديد أو بيوت الشعر .
" وتصح فيما قارب البنيان " يقول المؤلف رحمه الله تصح الجمعة فيما قارب البنيان ، الأصل أن تكون الجمعة داخل البلد لكن لو أن الناس خرجوا وصلوا الجمعة خارج البلد فما الحكم هنا ؟
الحكم في ذلك إن كان ذلك قريباً فإن ذلك صحيح ، وإن كان ذلك بعيداً فإن الجمعة لا تصح لأنه يشترط أن الجمعة أن يكونوا مستوطنين فإذا خرجوا عن البلد خرجوا عن حد الاستيطان .
" فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً " تقدم أنه يشترط العدد وذكرنا الخلاف في العدد فلو نقص واحد قبل إتمام صلاة الجمعة ، المؤلف رحمه الله استأنفوا ظهراً يعيدونها من جديد ظهراً .
مثاله : ولنفرض أن عددهم أربعين رجلاً وقبل أن يسلم الإمام أحدث شخصاً وحدث ثم سلم ، نقول اعيدوها ظهراً .
الرأي الثاني : إن كانوا صلوا ركعة فإنهم يتمونها جمعة وإن صلوا أقل من ركعة فإنه كما تقدم المؤلف يرى أنهم يستأنفوا ظهراً .
وهذا القول هو الصواب .
(2/4)
ويدركها مسبوق بركعة مع إمامه وإن أدرك دونها أتمها ظهراً إن دخل وقته ونواه.....................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه :( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
وقول المؤلف استأنفوا ظهراً : يؤخذ من كلامه أنهم لا يبنون على صلاتهم لا ينتقلون إلى الظهر ، لماذا ؟
لأنهم لم ينووا الظهر إنما نووا صلاة الجمعة ويكون هذا انتقال من معين إلى معين ، والانتقال من معين إلى معين لا يصح .
كما تقدم إذا انتقل من معين إلى معين بطل الذي هو فيه ولم ينعقد الثاني ، لكن الصحيح يستثنى الجمعة فلا حاجة أن يستأنفوا وإنما يبنون ويتمون ظهراً ، ولو سلموا وتمكنوا من إعادتها جمعة فإنهم يعيدونها جمعة مع اكتمال العدد ، فلو أن الذي خرج رجع مرة أخرى فهنا يتمكنون من إعادة الجمعة .
" ويدركها مسبوق بركعة مع إمامه " المسبوق يدرك صلاة الجمعة بإدراك ركعة .
القاعدة في المذهب { أن الإدراكات تتعلق بتكبيرة الإحرام }
إلا في هذا الموضع استثنوا هذه المسألة فقالوا : أن جماعة الجمعة تدرك بإدراك ركعة ، وهذا يدل لما تقدم تقريره أن الصواب : أن الإدراكات تتعلق بإدراك ركعة .
وعلى هذا إن جاء مسبوق فإن أدرك ركعة مع الإمام فإنه يضيف إليها ركعة أخرى لقوله صلى الله عليه وسلم :( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
وورد في النسائي ( من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة ) وفيه ضعف .
وإن لم يدرك ركعة فما الحكم ؟
" وإن أدرك دونها أتمها ظهراً إن دخل وقته ونواه " إن أدرك أقل من ركعة يتمها ظهراً بشرطين :
(2/5)
الشرط الأول : أن يكون وقت الظهر قد دخل لأنه على المذهب متى تشرع صلاة الجمعة ؟
من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح فقد يكونوا صلوا في الضحى قد يكونوا صلوا قبل الزوال .
الشرط الثاني : أن يكون نوى عند إحرامه أنها صلاة الظهر .
وإلا فنفلا وتقدم خطبتين من شرطهما حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله عليه السلام وقراءة آية والوصية بتقوى الله وحضور العدد المعتبر والجهر بحيث يسمعهم................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والصواب في هذه المسألة : إذا أدرك أقل من ركعة فإنه ينوي ظهراً وينتقل إلى صلاة الظهر وهذه المسألة مستثناه كما سبق .
" وإلا فنفلا " يعني إذا لم تدخل صلاة الظهر فتكون نافلة .
" وتقدم خطبتين " الشرط الرابع من شروط صحة الجمعة : أن يتقدمها خطبتان ، ودليل ذلك قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .فإذا كان حضور الخطبة واجب وهو فرع فأصل الخطبة يكون واجباً من باب أولى .
ويدل لهذا أيضاً مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك والخلفاء من بعده وإجماع المسلمين على ذلك.
وقول المؤلف رحمه الله تقدم خطبتين : دليل ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس ).
" من شرطهما حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله عليه السلام وقراءة آية والوصية بتقوى الله وحضور العدد المعتبر والجهر بحيث يسمعهم " المؤلف رحمه الله خلط بين أركان الخطبة وشروط الخطبة .
الخطبتان لهما أركان :
الركن الأول : أن يبدأهن بحمد الله عز وجل .
(2/6)
الركن الثاني : أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيهما .
الركن الثالث : أن يقرأ آية في كل منهما .
الركن الرابع : أن يجهر بحيث يسمع العدد المعتبر .
الركن الخامس : الوصية بتقوى الله عز وجل .
الركن السادس : الموالاة بين الصلاة والخطبتين ، فالخطبتان لهما ستة أركان .
فيقولون لابد من هذه الأركان في الخطبتين وإلا لم تصح خطبتاه .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأدلة هذه الأركان : دليل البداءة بالحمد هذا هو المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ابتدأ خطبه العارضة أو الراتبة إلا بحمد الله عز وجل.
ودليل ركن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم استدلوا قالوا بأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم كالأذان .
دليل الركن الثالث قراءة آية في الخطبتين يقرأ في الخطبة الأولى ويقرأ في الخطبة الثانية استدلوا بما في مسلم من حديث جابر بن سمره ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ آيات ويذكر الناس ).
دليل ركن الوصية بتقوى الله فلأن المقصود من الخطبة دفع الناس إلى تقوى الله عز وجل وتقدم حديث جابر بن سمره (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ آيات ويذكر الناس ).
دليل ركن الجهر فلأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فلا يتم تبليغ الناس ودفعهم إلى تقوى الله عز وجل إلا بالجهر وإسماعهم .
(2/7)
وأما دليل ركن الموالاة بين الخطبتين والصلاة فهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما سبق أن ذكرنا قاعدة وهي : { أن كل عبادة مركبة من أجزاء فإنه لابد فيها من أمرين : الترتيب ، والموالاة } وإلا لم تكن كما جاء النبي صلى الله عليه وسلم .
والرأي الثاني : أن هذه الأركان بعضها سنن وليست أركان ، فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يرون أنها سنة .
البدء بالحمد يرون أنها سنة .
وهذا اختيار الشيخ السعدي وأن المقتضى من الخطبة أن تشتمل على الموعظة التي تقرب الناس من الله عز وجل وترشد جاهلهم وتعلمهم أمور دينهم ولترقيق القلوب وحثها على فعل الأوامر وترك النواهي وتعليم الجاهل فإذا اشتملت الخطبة على هذا فإن هذا هو ركن الخطبة المطلوب .
وهذا القول هو الصواب .
وكذلك الموالاة لابد من الموالاة بين الخطبتين وبين الصلاة كما اشرنا من القاعدة .
لا الطهارتان وستر العورة....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثالثاً : لابد من الجهر بحيث يسمع العدد المعتبر فإنه مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
أما البدء بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الآيات فهذه من سنن خطبة الجمعة ، هذه أركان الخطبتين .
أما شروط الخطبتين :
الشرط الأول : الوقت ، دخول وقت صلاة الجمعة ، وتقدم أن بينا ما هو وقت صلاة الجمعة .
الشرط الثاني : النية ، لحديث عمر رضي الله تعالى عنه ( إنما العمال بالنيات ).
ولأن الخطيب قد يقوم ويتكلم ويقصد بذلك خطبة الجمعة وقد يقصد أمراً آخر .
(2/8)
الشرط الثالث : حضور العدد المعتبر وسبق أن أشرنا أن المشهور من المذهب والشافعي أن العدد المعتبر في صلاة الجمعة أربعين وذكرنا اختيار شيخ الإسلام ثلاثة وعند أبي حنيفة أربعة والظاهرية اثنان .
والصواب : ما ذهب إليه شيخ الإسلام وأنه يكفي ثلاثة .
الشرط الرابع : أن تقع الخطبتان حضراً .
الشرط الخامس : أن تكون الخطبتان ممن تصح إمامته .
" لا الطهارتان " ليس من شروط صحة الخطبتين أن يكون الخطيب طاهراً فلو كان الخطيب محدثاً وخطب بالناس فإن خطبته مجزئة .
كذلك لو كان الخطيب عليه خبث في بدنه أو ثيابه نجسة وخطب الناس فإن خطبته مجزئة .
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .
الخطبة من ذكر الله وقالت على كل أحيانه وهذا يشمل ما إذا كان متلبساً بحدث أو كان متلبساً بخبث ، ويدل لذلك قول الله عز وجل :( الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم )
وهذا يشمل جميع أحوال الإنسان .
" وستر العورة " لا يشترط أن يكون الخطيب ساتراً لعورته بخلاف الصلاة ، فلو خطب وعليه ثوب خفيف يظهر شيء من عورته من السرة إلى الركبة .
ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة وسن أن يخطب قائماً على منبر ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو هناك شق وظهر شيء من فخذه فنقول أن الخطبة صحيحة فلا يشترط ستر العورة لكن إذا سترها أكمل.
" ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة " لا يشترط أن يكون الخطيب والمصلي واحداً فلو خطب رجل وصلى آخر صحت الصلاة لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة فلا يشترط أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبتين .
(2/9)
" وسن أن يخطب قائماً على منبر " لما ذكر المؤلف شروط من تجب عليه صلاة الجمعة وذكر حكم صلاة الجمعة وذكر شروط صحة خطبة الجمعة شرع الآن في بيان سنن الجمعة ، وللجمعة مستحبات ويشرع الآداب وسبق أن ذكرنا أن ابن القيم ذكر أن للجمعة خصائص وأوصلها إلى ( 33 ) خصيصة ، والسيوطي أوصلها إلى ( 100 ) خصيصة فيستحب للجمعة مستحبات منها :
قال المؤلف رحمه الله : أن يخطب قائماً ، الأدب الأول : أن يخطب قائماً ولو خطب وهو جالس صحت خطبته لكن السنة أن يخطب وهو قائم لحديث ابن عمر في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس ).
الأدب الثاني : قال : على منبر ، يستحب أن تكون خطبته على منبر فإن لم يكن فعلى شيء مرتفع ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يخطب على جذع نخلة ثم بعد ذلك اتخذ المنبر من طرفاء الغابة كما في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه فترك الخطبة على جذع النخلة وخطب على منبر .
" ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم " الأدب الثالث : يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم ورد فيه حديث جابر ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم ).
وهذا ضعيف لا يثبت بل عده أبو حاتم موضوع ويغني عن هذا ما في مسلم قوله صلى الله عليه وسلم :( حق المسلم على المسلم خمس ـ وفي رواية ست ـ وذكر منها وإذا لقيته فسلم عليه ).
وهنا الإمام لقي المأمومين فيشرع أن يسلم عليهم .
وكذلك وارد عن الصحابة أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن الزبير وعثمان رضي الله تعالى عنهم .
ويجلس إلى فراغ الأذان وبين الخطبتين قليلاً ويعتمد على نحو سيف.................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2/10)
" ويجلس إلى فراغ الأذان " هذا الأدب الرابع : إذا سلم يجلس إلى فراغ الأذان ، ويدل لهذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ) صحيح .
" وبين الخطبتين قليلاً " هذا الأدب الخامس : الجلوس بين الخطبتين قليلاً ، ويدل لذلك ما تقدم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس ).
وما هو حد الجلوس ؟
لم يرد له حداً إنما جلسة خفيفة ، وبعض العلماء اجتهد في أن يجعل له حداً لكن العبادات توقيفية ، فنقول : يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم ويخطب الخطبة الثانية .
" ويعتمد على نحو سيف " هذا الأدب السادس : أن يعتمد على نحو سيف ، والاعتماد ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول : أن يكون على سيف ، وهذا رده ابن القيم بأن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتمد على سيف ، وعلل بعض العلماء الاعتماد على سيف قالوا : أن هذا إشارة إلى أن الدين فتح به ، ورده ابن القيم بأن الدين فتح الأذان والقلوب بالسنة والقرآن .
القسم الثاني : أن يعتمد على عصا أو قوس ، وهذا هل هو سنة أو مشروع أو ليس كذلك ؟
المشهور من المذهب أن هذا مشروع وقال به كثير من أهل العلم واستدلوا بحديث الحكم قال : وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة قال ( فقام متوكئاً على قوس أو عصا )د . وغيره .
وجمع من أهل العلم يحسنون الحديث .
الرأي الثاني : أن الاعتماد على قوس أو عصا كان في أول الأمر قبل اتخاذ المنبر ، وهذا الذي ذهب إليه ابن القيم رحمه الله فلما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر لم يحفظ عنه أنه اعتمد على قوس أو عصا .
وعلى كل حال الأمر في هذا واسع .
ويقصد تلقاء وجهه ويقصر الخطبة ويدعو للمسلمين...........................................
(2/11)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويقصد تلقاء وجهه " هذا الأدب السابع : أن يخطب يقصد تلقاء وجهه يعني لا يلتفت يمنة ولا يلتفت يسره ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولأنه إذا التفت على اليمين اعرض عن اليسار وإذا التفت إلى اليسار اعرض عن اليمين .
" ويقصر الخطبة " هذا الأدب الثامن : أن الخطيب يقصر الخطبة لحديث عمار رضي الله عنه فإنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ـ يعني علامة على فقهه ـ فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة ).
فالسنة أن يقصر الخطيب الخطبة ولا بأس أن يطيل في بعض الأحيان لمصلحة وعارض ، ويدل لهذا ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة " ق " في خطبة الجمعة وإذا كان سيقرأ هذه السورة في خطبة الجمعة فلا شك أنه سيطيل لأنه سيقرؤها ويبين شيئاً من معانيها وفوائدها وأحكامها ، فيتلخص أنه لا بأس أن يطيل أحياناً لمصلحة وعارض كما لو كان الموضوع يحتاج إلى شيء من ذلك .
" ويدعو للمسلمين " هذا الأدب التاسع : أن يدعو للمسلمين ، ورد فيه حديث وهو ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة لكنه ضعيف لا يثبت ، والدليل على هذا غير هذا الحديث أن وقت الخطبة من ساعة الإجابة وإذا كان كذلك فإنه يستحب أن يدعو للمسلمين .
ودليل ثالث : أن الدعاء للمسلمين مشروع في كل وقت وإذا كان في وقت الخطبة من باب أولى لقوله تعالى :( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ).
الأدب العاشر : أن يرفع صوته بقدر الإمكان وهذا إذا لم تكن هناك مكبرات أما إن كان هناك مكبرات فإن هذه تغني فترفع بقدر ما يسمع الحاضرين .
(2/12)
وهناك سنن ستأتي .
والجمعة ركعتان يقرأ جهراً ندباً في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين وفي فجرها في الأولى الم السجدة وفي الثانية هل أتى وتحرم إقامتها كعيد في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة كضيق وفتنة...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
" والجمعة ركعتان " وهذا اجماعاً على أن صلاة الجمعة ركعتان ويدل لهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة رضي الله عنهم .
" يقرأ جهراً ندباً في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين " صلاة الجمعة بالنسبة للقراءة ورد فيها سنتان :
السنة الأولى : أن يقرأ في الركعة الأولى بالجمعة ، وفي الثانية بسورة المنافقين .
وهذا ثابت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مسلم .
السنة الثانية : أن يقرأ بسبح والغاشية .
" وفي فجرها في الأولى الم السجدة وفي الثانية هل أتى " هذه السنة الثانية عشرة : أن يقرأ في فجر يوم الجمعة في الركعة الأولى السجدة ، وفي الثانية ( هل أتى على الإنسان )
ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ) كما في الصحيحين .
لكن هل يداوم على ذلك أو لا يداوم ؟
نقول الغالب يفعل وأحياناً يترك ، ولا تحصل السنة إلا إذا قرأ السورتين كاملتين فإن قرأ بعضاً من السورة الأولى وبعضاًَ من السورة الثانية في الركعة الثانية لم تحصل السنة ، كذلك لو اقتصر على قراءة أحدى السورتين نقول بأن السنة لم تحصل .
" وتحرم إقامتها كعيد في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة كضيق وفتنة " هذه المسألة تتعلق بتعدد الجمعة ، فهل الجمعة كالجماعة أو أنها أضيق من الجماعة ؟
(2/13)
المؤلف رحمه الله يذهب أن الجمعة لا تعدد إلا للحاجة ، فلا يصلي في البلد الواحد أكثر من جمعة إلا عند الحاجة كما لو كان المسجد ضيقاً والناس كثيرون أو كان هناك فتنة ، أو بعد للجامع , المهم أن يكون
فإن فعلوا فالمسبوقة باطلة وإن جهل الحال صلوا ظهراً وجوباً............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هناك حاجة تقتضي تعدد الجمعة لأن الأصل أن يقام في البلد الواحد جمعة واحدة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يصل إلا جمعة واحدة بالمدينة .
كذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم .
ففي عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين لم يكن هناك إلا جمعة واحدة ولم تحصل تعدد الجمعة إلا في القرن الثالث لما كبرت بغداد وتوسعت فاحتيج أن يقام جمعة شرق النهر وجمعة أخرى غرب النهر وإلا فالمسلمين كانوا يصلون في البلد الواحد جمعة واحدة .
والرأي الثاني : وقال به الشافعي يمنع من تعدد الجمعة مطلقاً لما تقدم من الدليل .
والرأي الثالث : لا بأس أن تعدد الجمعة كالجماعة قال به عطاء .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وأن الجمعة تعدد عند الحاجة .
" فإن فعلوا فالمسبوقة باطلة " إن فعلوا صلوا في البلد الواحد في موضعين أو أكثر بلا حاجة فما الحكم ؟
يقول المؤلف رحمه الله : فالمسبوقة باطلة .
المذهب يقولون : الصحيحة هي التي باشرها الإمام أو أذن فيها ، فعلى المذهب يقسمون إذا حصل تعدد الجمعة لا يخلو ذلك من أقسام :
القسم الأول : أن يكون هناك أذن في إحدى الجمعتين فالتي أذن فيها هي الصحيحة .
القسم الثاني : أن لا يكون هناك أذن في إحداهما لكن الإمام يباشر إحدى الجمعتين ، فنقول التي باشرها الإمام هي الصحيحة .
(2/14)
القسم الثالث : أن لا يكون هناك أذن لم يأذن الإمام في إحدى الجمعتين أو أذن في كل منهما أوأذن في إحداهما وباشر بالأخرى تساوتا الجمعتان في الأذن ، في عدم الإذن ، أذن في إحداهما وباشر الأخرى أذن في هذه الجمعة وصلي في الجمعة الأخرى التي لم يأذن فيها ، يقول المؤلف رحمه الله : المسبوقة باطلة ، التي سبقت بتكبيرة الإحرام هي الصحيحة والثانية باطلة .
" وإن جهل الحال صلوا ظهراً وجوباً " إذا لم ندر أيها سبقت ـ جهلنا الحال ـ صلوا ظهراً وجوباً ، كذلك لو أنهما أحرما جميعاً كبرا تكبيرة الإحرام جميعاً فإنهما تبطلان .
وأقل السنة بعدها ركعتان وأكثرها ست............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأصبح تبطلان إذا جهل الحال ، وإذا علمنا أنهما كبرا للإحرام جميعاً في وقت واحد .
وتصح إحداهما التي سبقت ، هذا المذهب .
والرأي الثاني : أن الصحيحة التي في الجامع الكبير .
والرأي الثالث : اختيار السعدي رحمه الله أن كلا الجمعتين صحيحة والمأموم صلاته صحيحة لأنه فعل ما أذن له فيه وهو الصلاة والإثم على من أذن بالتعدد .
أما بالنسبة لصلاة الناس فهي صحيحة لأنهم أذن لهم { وما يترتب على المأذون غير مضمون }
ففرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي .
الحكم الوضعي : صحيح .
والحكم التكليفي : يأثم من أذن .
" وأقل السنة بعدها ركعتان وأكثرها ست " وهذا من آداب وسنن الجمعة ،
الأدب الثاني عشر : أقل السنة وأكثرها .
المؤلف رحمه الله : أقلها ركعتان وأكثرها ست .
فالمذهب : الإنسان مخير إن شاء أن يصلي بعدها ركعتان أو أربعاً أو ستاً فله ذلك لأن السنة وردت في الكل .
ركعتان كما في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين .
(2/15)
وأربع ركعات كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في مسلم .
وست ركعات في أبي داود .
الرأي الثاني : إن صلى في المسجد صلى أربعاً ، وفي البيت ركعتين ، اختيار شيخ الإسلام رحمه الله .
الرأي الثالث : أن هذا من باب تنوع السنن تارة يصلي ركعتين وتارة أربعاً وتارة يصلي ست فيعمل بكل السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قول المؤلف أقل السنة بعدها : يؤخذ منه أنه لا سنة قبلية للجمعة وهو المشهور من المذهب وعليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
ويتنظف.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيده ابن القيم كثيراً في زاد المعاد لأنه لم يرد سنة قبلية لصلاة الجمعة الذي ورد في صلاة الظهر ولم يثبت والعبادات توقيفية .
وذهب بعض العلماء أنه لا سنة قبلية واستدلوا بقصة سليك القطفاني ( أصليت قبل أن تجيء ركعتين ) لكن هذا اللفظ غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والصواب في ذلك : لا يشرع للجمعة سنة قبلية لكن الإنسان إذا جاء يصلي ما كتب له كما ورد ذلك في حديث سلمان ركعتان أو أربع أو ست .
" ويتنظف " ومن آداب وسنن الجمعة الأدب الثالث عشر : الإغتسال وتقدم وأن العلماء اختلفوا في غسل الجمعة إلى ثلاثة آراء :
الرأي الأول : أنه سنة .
والرأي الثاني : أنه واجب .
والرأي الثالث : واجب لمن يلحقه رائحة من عرق ونحوه .
وأقربها ما ظهر إليه الظاهرية أنه واجب لحديث أبي سعيد وحديث ابن عمر وأبي هريرة ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم ).
( من جاء منكم الجمعة فليغتسل ).
( حق على كل مسلم في كل سبعة أيام أن يغسل رأسه وجسده ).
فهذه صريحة في الوجوب .
(2/16)
فيظهر والله أعلم أن الأقرب أن الغسل واجب ، لكن لو لم يغتسل وصلى واقتصر على الوضوء فما الحكم؟
صلاته صحيحة لكن يأثم لأن هذا واجب للعبادة وليس واجب في العبادة .
وتقدم أن الغسل يبدأ وقته من طلوع الفجر الثاني من يوم الجمعة إلى الصلاة ، والأفضل أن يكون عند المضي إلى الصلاة لأنه أبلغ في التنظف .
قال المؤلف رحمه الله " ويتنظف " يعمل سنن الفطرة من قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وتقليم الأظافر وقطع الروائح الكريهة .
ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويبكر إليها........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأدب والسنة الرابع عشر : التنظف ومثل هذه الأشياء فعلها يوم الجمعة لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يتحرى ذلك يوم الجمعة .
وورد عن بعض السلف أن يتفقد هذه الأشياء ومن الجمعة إلى الجمعة .
لكن وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد ، وهذه الأشياء السنة أنها تفعل كلما طلب .
" ويتطيب " هذا الأدب والسنة الخامس عشر : يتطيب ، يستحب أن يتطيب يدل لهذا حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يغتر رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويمس من طيب امرأته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ) رواه البخاري .
" ويلبس أحسن ثيابه " هذا الأدب والسنة السادس عشر : أن يلبس أحسن الثياب ويدل لهذا حديث ابن عمر أن عمر رضي الله عنه لقي حبة من استبرق تباع عند المسجد فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله لو ابتعت هذه تتجمل بها للعيد والوفد ، فقال صلى الله عليه وسلم :( هذه لباس من لا خلاق له ).
(2/17)
الشاهد : ( تتجمل بها للعيد والوفد ) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على قوله (لو ابتعت هذه تتجمل بها ) لكن الذي منع من شرائها أنها من حرير والحرير لباس من لا خلاق له لباس الكفار .
الكفار يلبسون في الدنيا ويحرمونه في الآخرة .
" ويبكر إليها " هذا الأدب والسنة السابع عشر : والتبكير لصلاة الجمعة اختلف فيه أهل العلم متى ؟
قال به بعض الحنابلة أنه من بعد صلاة الفجر .
والرأي الثاني : المذهب من بعد طلوع الفجر .
والرأي الثالث : أبو حنيفة من بعد طلوع الشمس وهو الأقرب ، لأنه قبل طلوع الشمس هو مشغول بصلاة الفجر والجلوس في المصلى كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل إلى طلوع الشمس ، وعلى هذا الساعات ( من راح في الساعة الأولى ... ) تبدأ من طلوع الشمس ، فتقسم هذه الساعات من طلوع الشمس إلى الزوال حضور الإمام ويعرف الإنسان متى قدم أي الساعات قدم .
ماشياً ويدنو من الإمام وأن يقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ماشياً " هذا الأدب والسنة الثامن عشر : أن يمشي ويد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم :( ومشى ولم يركب ).د.ت.ق.ج.جه.
" ويدنو من الإمام " هذا الأدب والسنة التاسع عشر : أن يدنو من الإمام لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أتى الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة من الله ببعيد .
وأيضاً وما تقدم في السنن ( وبكر وابتكر ) .
بكر : خرج مبكراً .
وابتكر : بالغ في التبكير .
(2/18)
" وأن يقرأ سورة الكهف في يومها " هذا الأدب والسنة العشرون : : يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة لحديث أبي سعيد مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ). وهذا الحديث أخرجه البيهقي وغيره .
وبعض أهل العلم يصححه مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم .
والنسائي يرى أنه موقوف على أبي سعيد ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا إذا صح موقوفاً على أبي سعيد رضي الله عنه مثل هذا لا يقال بمقتضى الرأي ، لكن يقال الأحسن أن الإنسان لا يداوم على ذلك يترك أحياناً .
" ويكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " هذا الأدب والسنة الحادي والعشرون : الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، ويدل لهذا ما ورد في سنن أبي داود وغيره وأحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أكثر علي من الصلاة يوم الجمعة ) وصححه جمع من أهل العلم كابن حبان وابن خزيمة والحاكم والذهبي وحسنه النووي لكن البخاري أشار إلى أن له علة معلول وقول الأئمة في هذا الشأن مقدم على غيرهم ، وعلى هذا يظهر أن يقال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة أو ليلة الجمعة ، نقول الإنسان يكثر من الذكر في ذلك اليوم ومن ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا على أن الصلاة وردت بخصوصها ما دام أنه لم يثبت في ذلك شيء .
ولا يتخطى الرقاب إلا الإمام أو لفرجة وحرم إقامة غيره ليجلس مكانه ورفع مصلى مفروش إلا إذا حضرت الصلاة....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2/19)
" ولا يتخطى الرقاب " هذا الأدب والسنة الثاني والعشرون : لا يتخطى الرقاب لما في ذلك من الإيذاء والله عز وجل يقول :( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا مبينا ).
وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى الرقاب فقال :( اجلس فقد آذيت )
" إلا الإمام " فالإمام لا بأس أن يتخطى إذا لم يكن مدخل من جهة المنبر لأنه يحتاج إلى ذلك .
" أو لفرجة " فاستثنى المؤلف رحمه الله مسألتين :
المسألة الأولى : الإمام لا بأس له أن يتخطى .
المسألة الثانية : أن يكون هناك فرجة فإذا كان يجد فرجة فلا بأس أن يتخطى إلى هذه الفرجة لأن المأمومين الذين تأخروا اسقطوا حقهم بتأخرهم عن الفرجة فالمطلوب في حقهم أن يتقدموا وأن يسدوا هذه الفرجة وكونهم تأخروا وتركوا سد هذه الفرجة اسقطوا حقهم .
والأحوط : أن لا يتخطى حتى لو كان هناك فرجة فيبقى أن نستثني الإمام .
" وحرم إقامة غيره ليجلس مكانه " هذا الأدب والسنة الثالث والعشرون : لا يجوز أن يقيم غيره ويجلس مكانه لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه ) في الصحيحين .
وظاهر حتى لو كان رقيقاً أو خادماً أو ابناً لأنه من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلماً فهو أحق به .
" ورفع مصلى مفروش إلا إذا حضرت الصلاة " هذا الأدب والسنة الرابع والعشرون : يحرم أن يرفع مصلى مفروش ، وعلى هذا يرى المؤلف رحمه الله أن للإنسان أن يتقدم بنفسه وله أن يتقدم بمصلاه وإنك لو جئت وفرشت مكاناً في الصف الأول فأنت أحق به .
والرأي الثاني : ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله غير جائز لعدة أمور :
الأمر الأول : فيه تحجراً للأماكن الفاضلة في بيوت الله وهي لعموم الناس والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إيطان كإيطان الإبل .
(2/20)
ومن قام لعارض ثم عاد قريباً فهو أحق بمكانه ومن دخل والإمام يخطب بمسجد صلى تحيته موجزاً وجلس.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الأمر الثاني : فيه مخالفة إلى ما أرشد به النبي صلى الله عليه وسلم من التقدم إلى المسجد هذا يدعوا الناس أن يتكاسلوا كونه يقدم مصلاه ويبقى في البيت هذا فيه تكاسل يخالف مقصود النبي صلى الله عليه وسلم .
الأمر الثالث : فيه حرماناً للمتقدمين من الأماكن الفاضلة .
فالصواب : أنه محرم ولا يجوز ومن رأى مثل ذلك فله أن يرفع هذا المصلى .
وعلى المذهب : لو قدمته قبل يوم أو يومين يرون أن هذا جائز ولا يجوز لك أن ترفع المصلى ويقولون أن المصلى نائب عن صاحبه لكن هذا ضعيف .
" ومن قام لعارض ثم عاد قريباً فهو أحق بمكانه " عرض للإنسان عارض وهو في المسجد حبسه بول أو جاءه نعاس لحقه أذى وقام من مكانه ثم رجع فهو أحق به ويدل لذلك حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ).
ذكرنا أن مصلى المصلي أو شيئاً من متاعه يحفظ له هذا المكان غير جائز ، الأصل أن يتقدم ببدنه لا بمتاعه ولا بمصلاه ، لكن يجوز أن يضع المصلي أو شيئاً من متاعه في حالتين :
الحالة الأولى : إذا كان في المسجد لم يخرج من المسجد فيضع شيئاً من متاعه ويتأخر .
الحالة الثانية : إذا خرج لعذر ثم رجع إما لكونه يخرج ليجلس في بيته ليس له ذلك لكن لو خرج لعذر كمن حبسه بول ونحو ذلك ثم رجع فهو أحق به .
(2/21)
" ومن دخل والإمام يخطب بمسجد صلى تحيته موجزاً وجلس " وهذا الأدب والسنة الخامس والعشرون : أن الإنسان إذا دخل والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد ركعتين والخطبة لا تمنع من مشروعية تحية المسجد ، ويدل لذلك ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين ).
وأيضاً يستحب أن يوجز أن يخفف هاتين الركعتين ، ويدل لذلك ما في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( وليتجوز فيهما وهاتان الركعتان من الصلوات التي يستحب تخفيفها وهناك صلوات ورد في الشرع استحباب تخفيفها مثل : ركعتي الفجر ، الطواف ، تحية المسجد والإمام يخطب ، ومنها صلاة الفرض إذا
وحرم كلام والإمام يخطب إلا له ولمن كلمه لمصلحة ويجوز قبل الخطبة وبعدها....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وجد ما يقتضي التخفيف ، سبب يقتضي التخفيف كما قال صلى الله عليه وسلم :( إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأخفف مخافة أن أشق على أمة ).
" وحرم كلام والإمام يخطب " الكلام والإمام يخطب محرم ولا يجوز ، ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم :( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب انصت فقد لغوت ).
وقوله تعالى :( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا ) قال كثير من المفسرين أن المراد بذلك : خطبة الجمعة .
وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم ( من قال صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له ).
" إلا له ولمن كلمه لمصلحة ويجوز قبل الخطبة وبعدها " الأصل أن الإنسان لا يتكلم والإمام يخطب يستثنى من ذلك :
(2/22)
أولاً : كلام الإمام مع المأمومين فإن هذا لا بأس به ، ويدل لذلك ما سبق من حديث سليك القطفاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :( قم فصل ركعتين ) لما جاء وجلس ، وهنا كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع المأموم .
ثانياً : يستثنى كلام المأمومين مع الخطيب هذا مستثنى ، ويدل لذلك حديث أنس في الصحيحين في قصة الأعرابي الذي جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السيل وجاع العيال فادع الله أن يغيثنا ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال :( اللهم أغثنا ) فهذا كلام المأموم مع الإمام .
وأيضاً ما ثبت في صحيح البخاري من تعليم عمر لعثمان لما تأخر وكلام عثمان مع عمر .
واستثنى العلماء رحمهم الله : ثالثاً ما إذا سكت الإمام بين الخطبتين قالوا يجوز الكلام .
رابعاً : استثنوا إذا شرع الإمام في الدعاء فإن الكلام جائز .
والصواب : أنه إذا شرع في الدعاء فإن الكلام غير جائز لأنه لا يزال يخطب .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا دعا الإمام فهل يؤمن المأموم سراً أو جهراً ؟
نقول يؤمن سراً ومثل ذلك لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي سراً .
وإذا عطس فإنه يحمد الله عز وجل خفية وسراً .
وكذلك تشميت العاطس سراً ويرد السلام سراً .
************…
فرض كفاية...........................................................................................................
(2/23)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة العيدين
العيدين : تثنية عيد وسمي بذلك لأنه يعود ويتكرر لأوقاته .
أو تفاؤلاً لكي يعود .
فهو اسم لما يعود ويتكرر مرة بعد أخرى ويعتاد مجيئه من مكان وزمان .
وأما اصطلاحاً : فهو يوم الفطر ويوم الأضحى .
ومناسبة الباب لما قبله : أن المؤلف رحمه الله لما ذكر يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع ذكر ما يتعلق بعيد الفطر وعيد الأضحى وهما العيدان الذان يشرعان .
فالفطر بعد رمضان ، والأضحى في العاشر من ذي الحجة .
فناسب أن يذكر أحكام هذين العيدين اللذين هما من أعياد المسلمين بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بيوم الجمعة وأعياد المسلمين ثلاثة :
الأول : يوم الجمعة .
الثاني : يوم الفطر .
الثالث : يوم عيد الأضحى .
وأما ما عدا ذلك من الأعياد فهذه ليست من الإسلام في شيء على اختلاف أنواعها مثل ( أعياد الميلاد ، عيد الانتصار ، الفتح ، أو غيرها من الأعياد التي غير مشروعة )
أما المشروعة فهي : عيد الجمعة والفطر والأضحى .
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد الأنصار لهم يومان يلعبون فيهما فقال صلى الله عليه وسلم :( أن الله أبدلكم بيومين خير منهما يوم الفطر ويوم الأضحى ).
" فرض كفاية " حكم صلاة العيد ؟
المؤلف رحمه الله : فرض كفاية وهو المشهور من المذهب .
الرأي الثاني : ما ذهب إليه مالك والشافعي أن صلاة العيد سنة .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2/24)
الرأي الثالث : أنها واجبة أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام رحمه الله .
فالآراء ثلاثة .
وأدلة من قال أنها فرض كفاية المشهور من المذهب : قالوا : هاتين الصلاتين من شعائر الإسلام الظاهرة وإذا كانت من شعائر الإسلام الظاهرة فإنه يكتفى بالبعض المقصود إظهار الشعيرة ، وهذا يحصل من بعض الناس .
وأدلة من قالوا أنها سنة مالك والشافعي : استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما في بعث معاذ إلى اليمن وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ) فدل ذلك على أن الواجب خمس صلوات .
ومثله حديث طلحة بن عبد الله وفيه أن الواجب خمس صلوات .
والجواب على هذا سهل : يقال أن المراد بذلك الصلوات المتكررة في اليوم والليلة لا يجب إلا خمس صلوات أما غير ذلك فهناك صلوات تجب غير هذه الصلوات .
أما بالنسبة لما ذهب إليه أبو حنيفة أنها واجبة فاستدل بقوله تعالى :( فصل لربك وانحر ).
هنا أمر بالصلاة .
وذهب كثير من أهل العلم من المفسرين على أن المراد بالصلاة هنا صلاة الأضحى والنحر هنا التضحية .
واستدلوا بقوله تعالى :( قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى )
قالوا المراد بالزكاة هنا زكاة الفطر والصلاة صلاة عيد الفطر .
واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها أمر بها النساء و أن تخرج الحيض والعواتق وذوات الخدور ويعتزلن الحيض الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين .
فإذا كانت المرأة مأمورة بصلاة العيد فالرجل من باب أولى .
وهذا القول بالوجوب أقرب وأحوط .
إذا تركها أهل بلد قاتلهم الإمام ووقتها كصلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال..............................................................................................
(2/25)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إذا تركها أهل بلد قاتلهم الإمام " يقاتلهم حتى يقيموها .
وهنا قال المؤلف رحمه الله : قاتلهم ولم يقل قتلهم بمعنى أنه يقاتلهم حتى يقيموا صلاة العيد فإذا أقاموها فإنه يخلي سبيلهم .
فرق بين القتل والمقاتلة ، ففي المقاتلة لا تغتنم أموالهم ولا يترفق على جريحهم ولا تسبى نساؤهم ، وإنما المراد تأديبهم وإقامتهم على أمر الله عز وجل .
قاتلهم الإمام لأنها من أعلام الدين الظاهرة .
" ووقتها كصلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال " متى يبدأ وقت صلاة العيد ؟
يقول المؤلف رحمه الله : يبدأ وقتها من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح وهذا ما عليه جمهور أهل العلم .
وعند الشافعية : يبدأ وقتها من طلوع الشمس مباشرة .
واستدل الجمهور بأدلة النهي كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه وحديث عقبة بن عامر ( ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيها موتانا ، وذكر من ذلك : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع )
فهذا يدل على أن صلاة العيد لا تفعل في وقت النهي ولأنها لا تفوت ليست من ذوات الأسباب التي تشرع في وقت النهي .
واستدل الشافعية بحديث عبد الله بن بسر أنه خرج مع الناس في يوم عيد الأضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال : إنا كنا قد فرغنا من صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك حين التسبيح .
قالوا : قوله حين التسبيح : حين حل التسبيح بمعنى حين حل النافلة .
ومتى تحل النافلة ؟
إذا ارتفعت الشمس قيد رمح .
فدل ذلك على أن الصلاة حصلت قبل ذلك .
وتسن في صحراء قريبة وتقديم صلاة الأضحى........................................................
(2/26)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والجواب على هذا سهل فيقال : أن مراده بذلك المبالغة في التبكير .
وقوله حين التسبيح : لو كان الإمام جاء حين التسبيح لم يكن في ذلك إبطاء ولم يكن منه إنكار ، فيحمل هذا الحديث أنه أراد المبالغة في فعل الصلاة .
وأما بالنسبة لآخر وقتها : إلى قبيل الزوال لأنه ما قبل الزوال وهو وقت الاستواء وقت نهي كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه .
وأما وقت الاستحباب : فيستحب أن تفعل في أول وقتها ، وأما صلاة عيد الفطر فإنها يستحب أن تؤخر عن أول الوقت يسيراً كي يتمكن الناس من إخراج زكاة الفطر .
" وتسن في صحراء قريبة " يسن أن تفعل صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد عرفاً لحديث أبي سعيد في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى ) .
يستثنى من ذلك : مكة ، فإن مكة تصلى صلاة العيد في الحرم بخلاف المدينة تصلى صلاة العيد في المصلى ، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يخرج إلى المصلى ويترك المسجد ، لكن بالنسبة لمكة فإنهم يصلون في الحرم المكي .
والدليل أنهم يصلون في الحرم : أن الحرم ليس كغيره من المساجد ، الحرم يشتمل على الكعبة التي هي قبلة المسلمين فليس من المناسب أن يتركها المسلمون خلف ظهورهم ثم يتوجهون إليها مرة أخرى .
ثانياً : أن هذا ما عليه عمل المسلمين .
ثالثاً : أن مكة ليست كغيرها فقد يكون الخروج فيه شيء من المشقة ، لأن مكة بلاد جليلة قد لا يتهيأ مكان يصلي الناس فيه .
" وتقديم صلاة الأضحى " يستحب أن تقدم صلاة الأضحى في أول وقتها ، ويدل لذلك ما تقدم من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه .
(2/27)
وأيضاً أنه في الأضحى يشرع له أن يمسك وأن لا يأكل حتى يذبح أضحيته وإذا كان المشروع أن يمسك فإنه يستحب أن يبادر بالصلاة لكي يبادر الناس بذبح ضحاياهم .
وعكسه الفطر وأكله قبلها عكس أضحى لمضح وتكره في جامع بلا عذر..............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وعكسه الفطر " فالفطر نؤخر عن أول الوقت شيئاً يسيراً لحديث عمر بن حزم وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه :( أن عجل الأضحى وأخر الفطر ) وهذا الحديث أخرجه البيهقي وهو مرسل .
ويدل لذلك : أن زكاة الفطر يستحب أن تخرج صبح يوم العيد فإذا كان كذلك يستحب أن تؤخر صلاة العيد بعد دخول وقتها شيئاً يسيراً لكي يتمكن الناس من إخراج زكاة الفطر .
" وأكله قبلها " يقول المؤلف يستحب أن يأكل قبل الخروج لصلاة عيد الفطر ، ويدل لذلك حديث بريدة قال :( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج ليوم الفطر حتى يفطر ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي ).
وقوله وأكله قبلها : يشمل ما إذا أكل تمرات أو غير تمرات ، لكن السنة أن يأكل تمرات كما في حديث أنس رضي الله تعالى عنه .
ويستحب أن يأكل وتراً من التمرات ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع .
ومتى يبدأ وقت الأكل ؟
يبدأ أكل التمرات من طلوع الفجر الثاني إلى الصلاة .
والحكمة من أكل التمرات : تحقيق إفطار ذلك اليوم لأن صوم ذلك اليوم محرم ولا يجوز .
" عكس أضحى لمضح " يعني أن المضحي يمسك ولا يأكل حتى يصلي العيد ويذبح أضحيته .
وقوله لمضح : يؤخذ منه أن الإنسان إذا كان لا يريد أن يضحي لا يمسك وإنما يمسك من أراد التضحية .
" وتكره في جامع بلا عذر " تكره صلاة العيد في الجامع .
وقال المؤلف رحمه الله بلا عذر : السنة أن تصلى صلاة العيد في الصحراء وفعلها في الجامع بلا عذر مكروه.
(2/28)
ويؤخذ من هذا : أنه إذا كان هناك عذر فإنها لا تكره في الجامع .
وعلى هذا نقول : أن صلاة العيد في الجامع لا تخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون لغير عذر ، فنقول أن هذا مكروه لأن هذا خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما عليه المسلمون .
ولأن المطلوب في صلاة العيد إظهار الشعيرة وصلاتها في الجامع يمنع إظهار الشعيرة ومن هذا الوجه .
ويخرج إليها على أحسن حال يبكر مأموم..............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني : أن يكون لعذر كما لو كان هناك ضعفة لا يستطيعون الخروج أو كثرة الناس لا يأخذهم المصلى ونحو ذلك ، فإن هذا جائز ولا بأس به .
ويدل لهذا أن علياً رضي الله عنه خلف من يصلي بالضعفة في الجامع .
" ويخرج إليها على أحسن حال " هذا من آداب العيد وسننه : أن يتجمل ، ويدل لهذا أن يلبس أحسن ثيابه أن عمر رضي الله عنه وجد جبة من استبرق تباع عند المسجد فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم وقال :( يا رسول الله لو ابتعت هذه تتجمل بها للعيد والوفد ).
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنه يشمل المعتكف وغيره ، وهذا القول هو الصواب لأن بعض العلماء استثنى المعتكف فقال : المعتكف يخرج في ثياب اعتكافه ولا يبدل ثياب اعتكافه لأن ما لحق ثياب الاعتكاف من وسخ إنما هو بسبب العبادة وإذا كان ناشئاً عن عبادة فإنه لا يشرع أن يزال .
وفيه نظر لأمور :
الأول : لمخالفته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
الثاني : أن هذا الأذى الذي حصل في ثياب المعتكف إنما بسبب طول الإقامة .
فالصواب : يشرع للمعتكف أن يتجمل وغيره .
وهل يشرع الاغتسال يوم العيد أو ليس مشروعاً ؟
(2/29)
المشهور من المذهب : يشرع له أن يغتسل يوم العيد وهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ورد عن الصحابة كابن عمر رضي الله عنهم .
" يبكر مأموم " من سنن صلاة العيد أنه يستحب للمأموم أن يبكر .
ومتى يبدأ وقت التبكير ؟
المشهور من المذهب : يبدأ من بعد صلاة الصبح .
والرأي الثاني : الشافعي من طلوع الفجر الثاني .
والرأي الثالث : أبو حنيفة من بعد صلاة الصبح .**
ماشياً ويتأخر إمام إلى الصلاة.................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مالك : لا يرى شرعية التبكير ، يرى أنه يخرج من طلوع الشمس إلا أن بعدت داره يخرج بقدر ما يدرك الجماعة .
ومثله الجمعة غريب الإمام مالك لا يرى التبكير ويستدل بقوله صلى الله عليه وسلم ( مثل المهجر ) والتهجير : يكون في شدة الحر فالإمام مالك يرى أن الذهاب يوم الجمعة يبدأ في الهاجرة في الساعة السادسة إذا كان الزوال بعد الساعة السادسة يرى أن التبكير يبدأ في أول الساعة السادسة وهذا غريب من الإمام مالك رحمه الله .
فالصواب : كما سبق يشرع التبكير ليوم الجمعة وأنه يبدأ من طلوع الشمس .
ويشرع التبكير في يوم عيد الفطر والأضحى ولكن هل هو من طلوع الفجر الثاني كما ذهب الشافعي أو من بعد صلاة الفجر كما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة وأحمد ؟
الصواب : من بعد صلاة الفجر لأن ما قبل صلاة الفجر فهو مشغول بصلاة الفجر ، وهذا ما عليه السلف رحمهم الله .
" ماشياً " هذا ورد فيه حديث علي رضي الله عنه أنه قال :( من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً ) .ت.
(2/30)
وبعض أهل العلم ضعف الحديث ويغني عن ذلك حديث أبي كعب في قصة الرجل من الأنصار الذي كان بعيد الدار عن المسجد فقيل له لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء والرمضاء فقال : ما أحب أن يكون بيتي إلى جنب المسجد إني أحب أن يكتب لي ممشاي ورجوعي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( إن الله كتب له ذلك كله ) رواه مسلم في صحيحه .
فكونه يخرج ماشياً هذا أفضل لما ذكرنا من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه ولقوله صلى الله عليه وسلم :( دياركم تكتب آثاركم ).
إلا إذا كان هناك مشقة كبعد أو مرض أو ضعف فإنه يركب .
" ويتأخر إمام إلى الصلاة " يشرع للإمام أن يتأخر إلى حصول وقت الصلاة ، ويدل لذلك حديث أبي سعيد رضي الله عنه ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ) رواه مسلم .
ومن شرطها استيطان وعدد الجمعة ويرجع من طريق أخرى..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكونه يبدأ بالصلاة إذا وصل هذا يدل على أنه تأخر إلى مجيء وقت الصلاة .
ولأن الإمام يُنتظر ولا ينتظر .
" ومن شرطها استيطان " من شرط وجوب صلاة العيد الاستيطان .
استيطان المصلين وتكلمنا على هذا في صلاة الجمعة وذكرنا أن مقابل المستوطن المسافر ، فالمسافر لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون تبعاً للمقيمين فهذا تجب عليه صلاة العيد تبعاً لهم ، وذكرنا الدليل على ذلك حديث الحكم بن حزم رضي الله عنه .
الأمر الثاني : أن يكون منفصلاً عن الناس كما لو كان سائراً في الطريق أو نحو ذلك فهذا لا تجب عليه صلاة العيد ولا يشرع لهؤلاء المسافرين أن يصلوا صلاة العيد .
(2/31)
" وعدد الجمعة " أيضاً يشترط لوجوب صلاة العيدين حصول عدد الجمعة وتقدم أن المشهور من المذهب والشافعي : أنه يشترط لصحة الجمعة أربعين رجلاً .
والرأي الثاني : اثنا عشر رجلاً .
وأبو حنيفة : أربعة .
وابن حزم : اثنان .
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ثلاثة .
وذكرنا أن الصواب : ثلاثة كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى .
" ويرجع من طريق أخرى "
هذا من سنن العيدين أنه إذا غدا من طريق يستحب له أن يرجع من طريق أخرى ، ويدل لهذا حديث جابر في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق ) .
واختلف العلماء رحمهم الله في الحكمة من مخالفة الطريق على أقوال :
الأول : يخالف الطريق لكي يشهد له الطريقان يوم القيامة .
الثاني : قيل لكي يسلم على أهل الطريقين .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثالث : قيل لما في ذلك من إظهار صلاة العيدين ، لأن صلاة العيد من شعائر الإسلام الظاهرة ولهذا شرعت في المصلى وإذا خالف الطريق فإن هذا إظهار لهذه الشعيرة .
الرابع : قيل إغاظة لليهود والمنافقين .
الخامس : قيل الأمر تعبدي والله أعلم بالحكمة .
السادس : قيل أنه يشمل كل ما سبق ، وهذا ما ذهب إليه ابن القيم أن الحكمة شاملة فتشمل كل ما سبق.
وهل تشرع المخالفة في بقية العبادات أو نقول أن المخالفة خاصة بالعيدين ؟
فيه خلاف بين العلماء رحمهم الله على ثلاثة آراء :
الرأي الأول : أن المخالفة خاصة بالعيدين فقط .
الرأي الثاني : أن المخالفة ليست خاصة بالعيدين بل تشمل بقية العبادات ، فمثلاً إذا عاد مريضاً فإنه يخالف الطريق .
(2/32)
وإذا ذهب ليحضر درساً فإنه يخالف الطريق .
وكذلك إذا ذهب يصلي على جنازة ، وهذا ما ذهب إليه النووي رحمه الله .
واستدلوا أن النبي صلى الله عليه وسلم خالف في حجة الوداع فدخل عرفة من طريق وخرج من طريق آخر.
وكذلك خرج من المدينة من طريق ودخل من طريق آخر .
ومكة دخلها من طريق وخرج من طريق آخر .
فقالوا : أن المخالفة ليست خاصة بالعيدين .
الرأي الثالث : وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد : أن المخالفة تكون في العيدين وفي الجمعة لأن الجمعة عيد .
والصواب : أن المخالفة يقتصر فيها على مورد النص ، فالنص إنما ورد في العيدين وما حصل من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في الحج فهذا حصل على سبيل الاتفاق كما ذكر بعض أهل العلم لأن النبي صلى
ويصلي قبل الخطبة ركعتين................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله عليه وسلم ما كان يقصد مثل هذه الأشياء وإنما حصلت على سبيل الاتفاق وما كان اتفاقاً لا يكون شرعاً .
ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصلوات الخمس ويصلي الجمعة ويعود المريض ومع ذلك ما ثبت أنه خالف أو أمر بالمخالفة .
وكما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة { أن ما وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فإن تركه هو السنة } .
" ويصلي قبل الخطبة ركعتين " بخلاف الجمعة فإن الجمعة يخطب ثم يصلي ، أما بالنسبة للعيدين يصلي ثم يخطب .
ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين قال :( كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يصلون العيد قبل الخطبة ) وهذا صريح بأن السنة أن تصلي العيد قبل الخطبة .
(2/33)
وذهب بعض الشافعية وبعض الحنابلة : إلى أنه لا بأس أن يصلي بعد الخطبة يعني يخطب أولاً ثم يصلي كالجمعة .
وقالوا : ورد عن عمر وعثمان بأسانيد صحيحة .
وعمر وعثمان له سنة متبعة .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الجمهور وأن العيد الخطبة فيه بعد الصلاة .
أما ما ورد عن عمر وعثمان فإنها شاذة لأنها مخالفة لما يثبت في الصحيحين عنهما من أنهم كانوا يصلون قبل الخطبة .
ومن وجه آخر : أنها مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب قبل الصلاة في العيد .
يكبر في الأولى بعد استفتاح وقبل تعوذ وقراءة ستاً وفي الثانية قبل قراءة خمساً.......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" يكبر في الأولى بعد استفتاح وقبل تعوذ وقراءة ستاً وفي الثانية قبل قراءة خمساً " هذه التكبيرات الزوائد من سنن صلاة العيدين .
ودل لهذه التكبيرات الزوائد حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وحديث عائشة رضي الله عنها وحديث ابن عمر ضي الله عنهما والأحاديث في هذا كثيرة .
لكن اختلف الأئمة في هذه التكبيرات الزوائد كم عددها ؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : أنه يكبر ست تكبيرات في الأولى غير تكبيرة الإحرام ، فيكبر تكبيرة الإحرام ثم يكبر ستاً زوائد .
وأما الركعة الثانية : يكبر فيها خمس تكبيرات زوائد .
والرأي الثاني : ما ذهب إليه الإمام الشافعي كمذهب الإمام أحمد رحمه الله إلا أن الشافعي يقول : يكبر في الأولى سبعاً زوائد غير تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس .
الرأي الثالث : أبو حنيفة يقول : يكبر في الأولى ثلاثاً زوائد وفي الثانية : ثلاثة زوائد .
(2/34)
والأصح في هذه المسألة : أما ما ذهب إليه الشافعي أو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمهما الله .
ويدل لهذا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الأخير ) حسن الإسناد وله شواهد يرتقي بها إلى أن يكون حسناً .
فالحنابلة : يجعلون الأولى سبع مع تكبيرة الإحرام .
والشافعية : لا يعدون تكبيرة الإحرام .
والأمر في هذا واسع ، فهم يتفقون أن التكبيرات الزوائد في الثانية خمساً .
لأن تكبيرة الانتقال لا تكون حال القيام .
فالحنابلة : يعدون تكبيرة الإحرام لأن تكبيرة الإحرام وهو قائم .
بخلاف الشافعية لا يعدونها .
يرفع يديه مع كل تكبيرة ويقول بين كل تكبيرتين : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً وإن أحب قال غيره.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول الأمر في هذا واسع فلو أخذ بما ذهب إليه الإمام أحمد فهذا جائز ، ولو أخذ بما ذهب إليه الشافعي فهذا جائز ولا بأس به .
" يرفع يديه مع كل تكبيرة " يعني مع التكبيرات الزوائد في العيدين والاستسقاء يرفع يديه مع التكبير وهذا ما عليه أكثر أهل العلم خلافاً لأبي حنيفة .
فأبو حنيفة : لا يرى رفع الأيدي مع التكبيرات إلا مع تكبيرة الإحرام .
ويدل لما عليه أكثر أهل العلم حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير وهذا أخرجه أبو داود .
ويدخل في ذلك التكبيرات الزوائد .
وأيضاً ما ورد أن عمر رضي الله عنه ( كان يرفع يديه في كل تكبيرة من تكبيرات الجنائز والعيد )
(2/35)
وكذلك ورد عن زيد رضي الله عنه .
" ويقول بين كل تكبيرتين : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً وإن أحب قال غيره " يعني أنه يشرع أن يقول بين كل تكبيرتين ذكراً فيقول مثلاً : الله أكبر ثم يقول الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً ثم يكبر الله أكبر ثم يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، ثم الله أكبر لا إله إلا الله ... المهم يذكر الله بين كل تكبيرتين ، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد .
ويقولون أن هذا الذكر ليس معيناً المهم بين كل تكبيرتين يذكر الله عز وجل .
والرأي الثاني : ما ذهب إليه ابن القيم أنه يسكت لأنه لم ينقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ودليل المذهب : هذا وارد عن ابن مسعود رضي الله عنه بإسناد حسن .
وعلى هذا يقال الأمر في هذا واسع ، إن سكت بين التكبيرات فالحمد لله وإن ذكر الله عز وجل كما نص عليه الحنابلة جائز ولا بأس به .
ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية فإذا سلم خطب خطبتين كالجمعة..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية " القراءة في صلاة العيد ورد لها صفتان :
الصفة الأولى : أن يقرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى .
ويدل لهذا حديث سمره رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بسبح وهل أتاك حديث الغاشية .
(2/36)
الصفة الثانية : أن يقرأ في الركعة الأولى بـ ق والقرآن المجيد ، وفي الثانية اقتربت الساعة وانشق القمر .
وهذا من العبادات التي وردت على وجوه متنوعة وتقدم لنا أن العبادات التي وردت على وجوه متنوعة تفعل تارة وتارة .
" فإذا سلم خطب خطبتين كالجمعة " يقول المؤلف رحمه الله إذا سلم يخطب خطبتين وتقدم هل تفعل الخطبة قبل الصلاة أولاً؟
وذكرنا خلاف أهل العلم في هذه المسألة وأن الصواب : أن الخطبة تكون بعد الصلاة ولا تفعل قبلها .
وقول المؤلف رحمه الله : خطبتين كالجمعة : أحكامها كأحكام خطبتي الجمعة ، وتقدم لنا أن ذكرنا أن خطبتي الجمعة لها أركان وكذلك لها شروط .. إلخ .
وتقدم لنا أن خطبتي الجمعة يحرم الكلام فكذلك أيضاً ما يتعلق بخطبتي صلاة العيد .
وقول المؤلف رحمه الله تعالى خطبتين : هذا ما عليه الأئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة كلهم يذهبون إلى أن العيدين لهما خطبتان .
وقد ورد ما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين كما في سنن ابن ماجه وغيره لكنه ضعيف .
وظاهر الحديث في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة ويمكن الجمع بين ما ذهب إليه أهل العلم وما جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة وأيضاً خطب خطبة أخرى فإنه أتى النساء وذكرهن ووعظهن فيكون بذلك خطب خطبتين ، فنقول أن الإمام يخطب والخطبة الثانية يكثر فيها من تذكير النساء ووعظهن وإرشادهن .
يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع نسقاً والخطبتان والتكبيرات الزوائد والذكر بينها سنة...................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2/37)
" يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع نسقاً " نسقاً معناها : متتابعة لا يفصل بينهما .
والمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفتتح خطبه الراتبة والعارضة بالحمد وكما ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه افتتح شيئاً من خطبه بغير الحمد .
فالصحيح : يفتتح خطبة العيدين بالحمد لله .
وأما الحديث الوارد أنه يفتتح الخطبتين بالتكبير هذا ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
" والخطبتان والتكبيرات الزوائد والذكر بينها سنة " يقول المؤلف رحمه الله : أن الخطبتين سنة ، ودليل ذلك حديث عبد الله بن السائب قال :( شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال :( إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب ).د.ن.ه. وغيرهم .
فقوله عليه الصلاة والسلام :( فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب ) قالوا : هذا دليل على أن استماع الخطبة ليس واجباً وإذا كان الاستماع ليس واجباً يتفرع من ذلك أن الخطبة ليست واجبة .
والذي يظهر والله أعلم ما ذهب إليه بعض العلماء : أن الإمام يجب عليه أن يخطب أما المأموم لا يجب عليه أن يجلس .
وكون المأموم لا يجب عليه أن يجلس لا يلزم من ذلك ألا تكون الخطبة واجبة .
فالصواب : أن الخطبة للإمام واجبة يجب عليه أن يخطب الناس ، صحيح إذا انصرف الناس ولم يجلس أحد سقط عنه الوجوب ، لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين .
ولكي لا يتصرف الناس ومن وعظ ولا ذكر ولا توجيه .
" والتكبيرات الزوائد " أيضاً التكبيرات الزوائد سنة وعلى هذا لو صلى العيد ولم يكبر التكبيرات الزوائد ، فنقول أن صلاته صحيحة .
والدليل على أنها سنة قالوا : أنها زائدة على التكبيرات في الصلاة العادية فدل ذلك على أنها سنة وأن الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مجرد فعل والفعل لا يقتضي الوجوب .
(2/38)
والذكر بينها سنة وكره تنفله قبل الصلاة وبعدها بموضعها...........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" والذكر بينها سنة " تقدم أن المذهب : يستحب أن يذكر الله بين التكبيرتين .
ودليلهم أنه وارد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه .
وعلى هذا لو ترك الذكر نقول هذا جائز ولا بأس به .
" وكره تنفله قبل الصلاة وبعدها بموضعها " يقول المؤلف رحمه الله : يكره للإنسان أن يصلي نافلة قبل صلاة العيد أو بعدها في موضعها .
ويؤخذ من كلامه : أنه لو تنفل في غير موضع صلاة العيد فإن هذا جائز ولا يكره .
ودليلهم على ذلك : حديث ابن عباس في الصحيحين قال : ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما ).
والرأي الثاني : رأي الشافعي أن التنفل مستحب وغير مكروه .
والرأي الثالث : رأي مالك : إن صلى في المصلى لا يتنفل وإن صلى في المسجد فعته روايتان .
ودليل الشافعي عدم الكراهة استدلوا أن التنفل هذا وارد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ، فهو وارد عن أبي برزه وأنس وبريده وابن مسعود وسهل وأبي رافع وعلي .
وعلى هذا نقول : ما يتعلق بالتنفل قبل أو بعد صلاة العيد لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تفعل صلاة العيد في المصلى ، فنقول : إذا فعلت في المصلى لا يتنفل لأن المصلى لا يأخذ أحكام المساجد فتشرع له التحية فيأتي ويجلس فإن كان وقت النهي لا يزال باقياً فالتنفل محرم وإن زال وقت النهي فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنفل فالسنة أن يشتغل بعبادة الوقت وعبادة الوقت التكبير ، فيأتي ويجلس .
لكن لو تنفل لا ينكر عليه ، لكن الأفضل لا يتنفل وإن كان وقت النهي باقياً لا يجوز أن يتنفل لأدلة النهي ويشتغل بعبادة الوقت التكبير هذا إن كان قبل الصلاة .
(2/39)
وإن كان بعد الصلاة نقول : التنفل جائز ولا بأس به لكن الأفضل أن لا يتنفل الإنسان في المصلى موضعها ولكن يتنفل في بيته فهذا أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ولم يصل بعدها في موضعها وإنما ورد صلاته في بيته ، هذا إذا كانت الصلاة في المصلى .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني : أن تكون صلاة العيد في الجامع فيما يتعلق بالنافلة قبل الصلاة أما تحية المسجد فإنها مشروعة مطلقاً سواء كان الوقت وقت نهي أو لا لأنها من ذوات الأسباب .
وتقدم أن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي وإن زال وقت النهي فالأفضل للإنسان أن يشتغل بعبادة الوقت وهي التكبير ، ولو تنفل فإن هذا جائز ولا بأس به .
والنافلة بعد الصلاة كما تقدم جائزة لكن الأفضل أن لا يصلي ولكن يصلي في بيته .
" وسن لمن فاتته قضاؤها على صفتها " *ليست في المتن *
صلاة العيد إذا فاتت هل تقضى ؟
المشهور من المذهب : تقضى .
وأبو حنيفة : لا تقضى .
الذين قالوا تقضى استدلوا على ذلك بوروده عن أنس رضي الله عنه إذا فاتته صلاة العيد ( كان يجمع أهله ثم يصلي بهم )أثر ضعيف .
واستدلوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم :( من نام عن صلاة أو نسيها فليفعلها إذا ذكرها ).
أبو حنيفة أنها لا تقضى وكذلك مالك قالوا : أن صلاة العيد شرعت على هذا الوجه من الاجتماع كصلاة الجمعة ، كما أن الإنسان إذا جاء الجمعة فإنه لا يصلي جمعة بل يصلي ظهراً فرض الوقت لا يقضى الجمعة.
فكذلك صلاة العيد شرعت على هذا الوجه ، وهذا اختيار شيخ الإسلام .
(2/40)
ويؤيد هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج النساء فلو كانت تشرع على غير هذا الوجه تكون مع غير الإمام لأمر النساء أن يصلين في البيوت .
فدل على أنها صلاة شرعت على هذا الوجه المخصوص ما عداه لا تشرع وهو الصواب .
وعلى هذا إذا جاء وقد صلى الناس لا يصلي فاتته صلاة العيد أو لم يدرك ركعة نقول : صلاة العيد فاتته .
وقول المؤلف على صفتها : يرون أن هذا هو الأفضل ولو صلى ركعتين كسائر النوافل جاز .
ويسن التكبير المطلق والجهر به في ليلتي العيدين وفطر آكد وفي كل عشر ذي الحجة.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويسن التكبير المطلق والجهر به في ليلتي العيدين وفطر آكد وفي كل عشر ذي الحجة " التكبير ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : التكبير في عيد الفطر .
القسم الثاني : التكبير في عيد الأضحى .
أما التكبير في عيد الفطر يبدأ من بعد غروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان .
ويدل له قول الله عز وجل :( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ).
وإكمال العدة يكون بغروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان ' وهذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : يبدأ من حين خروجه إلى صلاة العيد وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك .
وقالوا إن كان خروجه من بعد طلوع الشمس وإلا فلا يكبر .
واستدلوا أن هذا وارد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يكبر حين الخروج .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب وأنه يبدأ من بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان لأن المسلم أنهى العدة .
(2/41)
ويؤيده أن الذكر مشروع في أدبار هذه الفرائض العظيمة ، فالصلاة يشرع الذكر دبرها ، والحج يشرع الذكر دبره ، قال عز وجل :( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً ).
كذلك الصيام هذا ما يؤيد ما ذهب إليه الحنابلة .
وأما ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما هذا يدل على تأكد التكبير حين الخروج .
ومتى ينتهي ؟
المشهور من المذهب : ينتهي بفراغ الخطبة ، وعلى هذا يستمر الإنسان يكبر حتى تنتهي الخطبة لأن الإمام قد يكبر فيكبر معه المأموم .
الرأي الثاني : أن التكبير ينتهي بالإحرام بالصلاة ، وهذا قول الشافعي .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثالث : ينتهي بمجيء الإمام إلى الصلاة .
وقولهم بمجيء الإمام والإحرام هذان القولان متقاربان لأنه إذا جاء سيحرم.
فيظهر والله أعلم أنه إذا جاء الإمام إلى الصلاة فإن التكبير ينقطع لأنه الآن يشتغل بعبادة أخرى وهي صلاة العيد واستماع الخطبة .
وعلى هذا نقول : التكبير يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى مجيء الإمام لصلاة العيد .
وهل هناك تكبير مقيد أو نقول تكبير مطلق فقط ؟
المشهور من المذهب وعند الشافعي : أن التكبير مطلق فقط فليس هناك تكبير مقيد أدبار الصلوات .
وقال بعض الشافعية : أن هناك تكبير مقيد أدبار الصلوات فيكبر بعد صلاة المغرب والعشاء والفجر .
والصواب : ليس هناك تكبير مقيد وإنما هو تكبير مطلق فقط .
فيكبر في السواق والطرقات والمساجد الرجال والنساء .
ثانياً : التكبير في عيد الأضحى قسمان :
(2/42)
القسم الأول :التكبير المطلق يبدأ من دخول عشر ذي الحجة الأول بطلوع الفجر من أول يوم من أيام عشر ذي الحجة .
ويدل لذلك أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهم كانا يخرجان في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ويستمر هذا التكبير المطلق .
المشهور من المذهب : إلى فراغ خطبة صلاة العيد .
وعند الشافعية إلى الإحرام بصلاة العيد .
والرأي الثالث : يستمر إلى مجيء الإمام لصلاة العيد .
والرأي الرابع : ابن حزم يستمر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهذا أوسع الأقوال .
وعلى هذا تكون أيام التكبير المطلق ثلاثة عشر يوماً وهذا القول هو أصوب الأقوال .
القسم الثاني : التكبير المقيد ، قال المؤلف رحمه الله :
والمقيد عقب كل فريضة جماعة في الأضحى من صبح يوم عرفة والمحرم من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق.......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" والمقيد عقب كل فريضة جماعة في الأضحى من صبح يوم عرفة "
التكبير المقيد : يبدأ من بعد صلاة الصبح من يوم عرفة ويستمر إلى ما بعد صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق وهذا ورد فيه حديثان ضعيفان حديث جابر وحديث عمار .
لكن يغني عن هذا أنه وارد عن الصحابة رضي الله عنهم بأسانيد صحيحة ، عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ، وحينئذ نصير إلى ما صار إليه الصحابة رضي الله عنهم .
فنقول التكبير المقيد يبدأ من بعد صلاة الصبح من يوم عرفة إلى ما بعد صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق .
وعلى هذا يجتمع التكبير المطلق والمقيد على المذهب : من بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى فراغ الخطبة .
(2/43)
وعلى رأي ابن حزم : يجتمع التكبير المطلق والمقيد من بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق .
وقلنا الصواب ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله .
" والمحرم من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق " وهم يفرقون بين المحرم والمحل بالنسبة للتكبير المقيد فيقولون : المحل يبدأ من بعد صلاة فجر يوم عرفة .
المحرم : من بعد صلاة الظهر من يوم النحر .
ووجه التفريق يقولون : أن المحرم كان مشغولاً بالتلبية لا يكبر من بعد صلاة فجر يوم عرفة لماذا ؟
لأنه كان قبل ذلك مشغولاً بالتلبية .
ومتى يقطعها ؟
ضحى يوم النحر إذا شرع في رمي جمرة العقبة ، وبعد الضحى ستأتيه صلاة الظهر يبدأ بالتكبير .
فيفرقون بين المحل والمحرم في البداية فالمحل من بعد صلاة فجر يوم عرفة .
والمحرم : من بعد ظهر يوم النحر .
وكلاهما ينتهي بعد صلاة العصر .
وإن نسيه قضاه موضعه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد.......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في ذلك : لا فرق بين المحل والمحرم وهذا ظاهر ، ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم .
فكلاهما على الصحيح أنهما يبدآن من بعد صلاة فجر يوم عرفة إلى ما بعد صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق .
فالخلاصة في ذلك :
أن المطلق: يبدأ من دخول العشر إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق.
والمقيد : من بعد صلاة فجر يوم عرفة إلى ما بعد صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق .
وقول المؤلف رحمه الله : عقب كل فريضة جماعة .
يؤخذ من كلامه أن التكبير عقب الفرائض إذا صلى في الجماعة أما لو صلى واحد لا يكبر ، وقالوا هذا هو الوارد عن ابن عمر وابن مسعود بأسانيد صحيحة .
كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يكبر إذا صلى وحده .
(2/44)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه :( إنما التكبير على من يصلي في جماعة).
ويظهر والله أعلم أنه مشروع لأنه ما ثبت في حق الجماعة ثبت في حق الفرد إلا بدليل ، لكنه يتأكد لمن صلى في جماعة .
" وإن نسيه قضاه موضعه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد " يقول المؤلف رحمه الله : إن نسي التكبير قضاه موضعه .
كيف قضاه موضعه ؟
يعني إذا قام يرجع ويعود ويجلس ويكبر .
مثاله : رجل صلى وقام ونسي أن يكبر ، نقول : ارجع واجلس وكبر ، هذا ما ذهب إليه المؤلف .
والصحيح : يكبر ولو كان ماشياً وليس شرط أن يكون التكبير في موضعه لكن استثنى المؤلف وقال : ما لم يحدث أو يخرج من المسجد .
يقول إذا أحدث أو خرج من المسجد أو طال الفصل سقط التكبير لأنه سنة فات محلها .
ولا يسن عقب صلاة عيد وصفته شفعاً : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصحيح يكبر في موضعه وفي غير موضعه بشرط أن لا يطول الفصل حتى لو أحدث .
ولو خرج من المسجد فالتكبير في حقه مشروع بشرط ألا يطول الفصل .
فإذا لم يطل الفصل نقول هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله .
" ولا يسن عقب صلاة عيد " صحيح لا يسن عقب صلاة العيد لأننا نقول أنه يكون بعد الفرائض من بعد صلاة فجر يوم عرفة إلى ما بعد صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق .
ولا يكبر عقب صلاة العيد لأن الذي ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في الفرائض .
ومتى يكبر ؟ هل يكبر بعد السلام مباشرة أو عقب الذكر ؟
(2/45)
نقول يكبر بعد الاستغفار وقول :( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ، فيستغفر الله ثلاثاً ثم يقول :( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ثم يشرع في التكبير ، يكبر ما شاء الله عز وجل ثم بعد ذلك يعود لأذكاره .
" وصفته شفعاً : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد " يعني يكرر الله أكبر مرتين.
والشافعي يقول : يكبر وتراً يكررها ثلاث مرات ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ) والأمر في هذا واسع .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب في صلاة الكسوف
الكسوف لغة : التغير إلى سواد .
والخسوف لغة : الذهاب والنقصان .
والكسوف والخسوف في الاصطلاح : انحجاب ضوء أحد النيرين بعضه أو كله .
ويقال كسفت الشمس وخسفت الشمس ، وكسف القمر وخسف القمر .
وصلاة الكسوف ثابتة بالقرآن والسنة واتفاق الأئمة عليها .
أما من القرآن : فقوله عز وجل :( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ).
بعض العلماء استنبط صلاة الكسوف من هذه الآية .
أما في السنة ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس وحديث عائشة رضي الله عنهم وغيرها من الأحاديث في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف .
والإجماع منعقد في الجملة .
وللكسوف سببان :
السبب الأول : سبب شرعي وهو تخويف العباد وزجرهم عن الذنوب ودفعهم إلى التوبة .
(2/46)
وكما قال ابن المنير : أنه بمنزلة الإعلام بقرب وقوع عقوبة ، فعلى الناس أن يبادروا بالتوبة ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة والذكر والصدقة والعتق وغير ذلك مما يدفع أسباب العقوبات .
ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم :( أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده ).
السبب الثاني : سبب كوني : بالنسبة لكسوف الشمس هو حيلولة القمر بين الشمس وبين الأرض .
وأما بالنسبة للقمر فهي حيلولة الأرض بين الشمس والقمر لأن ضوء القمر مستفاد من الشمس كما ذكر العلماء رحمهم الله قالوا : أن القمر كالمرآة والشمس كالقنديل فالقمر يأخذ من ضوء الشمس ويعكسها
تسن صلاة الكسوف إذا كسف أحد النيرين ركعتين يقرأ جهراً في الأولى بالفاتحة وسورة طويلة ثم يركع طويلاً..............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ على الأرض فإذا حالت الأرض بين الشمس والقمر حصل خسوف القمر ، لأن ضوءه مستمد من ضوء الشمس .
" تسن صلاة الكسوف إذا كسف أحد النيرين " المؤلف رحمه الله يرى أنها سنة وهذا ما عليه الجمهور .
والرأي الثاني : أن صلاة الكسوف واجبة وذهب إلى ذلك أبو عوانة رحمه الله .
ورواية عن أبي حنيفة ورواية عن الإمام مالك وابن القيم ، قوي القول بالوجوب ولكل منهم دليل .
دليل المؤلف والجمهور : بأنها سنة استدلوا بما تقدم من حديث طلحة بن عبيد الله ( هل علي غيرها ، قال : لا إلا أن تطوع )
وحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :( خمس صلوات في اليوم والليلة).
دليل من قال بالوجوب استدلوا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها ، والأصل في الأمر الوجوب .
(2/47)
واستدلوا قالوا كون الإنسان يرى هذه الآية العظيمة التخويف ومع ذلك لا ينزجر ولا يرتدع هذا يدل على عدم تعظيمه لآيات الله عز وجل ، وتعظيم آيات الله عز وجل واجب .
والأحوط : الإنسان يصلي ولا يترك الصلاة لأنه يخشى أن يأثم فكونه يرى تخويف الله عز وجل وهذه الآية العظيمة وهو مصر على ترك الصلاة هذا يخشى عليه من المأثم .
" ركعتين يقرأ جهراً في الأولى بالفاتحة وسورة طويلة ثم يركع طويلاً .. "
شرع المؤلف رحمه الله في بيان صفة صلاة الكسوف وأنها ركعتان الجملة وفي كل ركعة ركوعان ، وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك والشافعي وأحمد .
والرأي الثاني : أبو حنيفة : وهو أن يصلي ركعتين في كل ركعة ركوع واحد كسائر الصلوات .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة ركعتان في كل ركعة ركوعان كما ورد ذلك من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم.
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصلاة الكسوف ورد لها صفات :
الصفة الأولى : ما ذهب إليه المؤلف وهو ما دل له حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم يصلي ركعتين في كل ركعة ركوعان كما سيذكره المؤلف رحمه الله .
الصفة الثانية : أن يصلي ركعتين في كل ركعة ثلاثة ركوعات .
الصفة الثالثة : أن يصلي ركعتين في كل ركعة أربع ركوعات وهذا في مسلم .
الصفة الرابعة : أن يصلي ركعتين في كل ركعة خمسة ركوعات .
الصفة الخامسة : أن يصلي كأحدث صلاة صلاها من المكتوبة .
فلو فرض أن حصل الكسوف بعد الظهر فإنهم يصلون كصلاة الظهر .
ولو فرض أنه حصل في الضحى فإنهم يصلون كصلاة الفجر وهكذا .
(2/48)
الصفة السادسة : ما دل لها حديث عمر رضي الله عنه أن يصلي ركعة في كل ركعة ركوع واحد .
الصفة السابعة : أن يحرم بالصلاة ويرفع يديه للدعاء حتى تتجلى الشمس فإذا تجلت الشمس صلى ركعتين.
الصفة الثامنة : أن يصلي ركعتين ركعتين حتى يتجلى الكسوف .
فهذه ثمان صفات وردت لصلاة الكسوف .
والعلماء لهم تجاه هذه الصفات مسلكان :
المسلك الأول : مسلك الترجيح ، ترجح إحدى هذه الصفات على بقية الصفات ، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد ومالك والشافعي والبخاري والبيهقي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كلهم رجحوا حديث عائشة وابن عباس الذي ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان .
المسلك الثاني : مسلك الجمع : انتصر له ابن حزم في كتاب المحلى ورأى وجوب الأخذ به وأنه لا يقتصر على صفة دون صفة أخرى وفصل هذه الصفات أغلبها يعمل في صلاة الكسوف وبعضها في صلاة الخسوف .
وذهب إلى ذلك ابن المنذر وابن خزيمة والخطابي رحمهم الله .
أخذوا بمسلك الجمع وأنه لا يقتصر على صفة بل تارة تصلى هذه الصفة وتارة هذه .. إلخ .
ركعتين يقرأ جهراً في الأولى بالفاتحة وسورة طويلة........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والراجح من هذين المسلكين : هو ما ذهب إليه الإمام أحمد ومالك والشافعي والبخاري والبيهقي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو مسلك الترجيح وأنه يرجح صفة دون بقية الصفات .
ويؤيد ذلك أمران :
الأمر الأول : أن البيهقي رحمه الله أشار إلى أن الصفات تشير إلى موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ، وموته كم مرة حدث ؟
مرة واحدة فإذا كان الكسوف حدث في اليوم الذي مات فيه إبراهيم هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل إلا مرة واحدة .
(2/49)
الأمر الثاني : ما نقله الشيخ أحمد شاكر عن بعض الفلكيين واسمه محمود باشا الفلكي وأنه حسب الكسوف الذي حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه حصل في السنة العاشرة من الهجرة يوم الثلاثاء الساعة الثامنة والنصف في التاسع والعشرين من شهر شوال .
الثلاثاء / 29/10/ 10هـ الساعة 2/1 8
لو كان هناك كسوف غير هذا الكسوف لذكره هذا الفلكي .
وذكر هذا الفلكي أنه حصل في السنة الرابعة من الهجرة خسوف للقمر في عهده صلى الله عليه وسلم لكن لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى لخسوف القمر ويظهر أن صلاة خسوف القمر لم تكن مشروعة ، فهذا مما يؤيد أن الكسوف الذي حصل أنه لم يتعدد بل حصل مرة واحدة وإذا كان كذلك فإنه ترجح هذه الصفات على بقية الصفات .
وعلى هذا نقول : ما عدا هذه الصفة فهو شاذ ويصار إلى ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم وأنه يصلي ركعتين في كل ركعة ركوعان كما هو مذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد .
" ركعتين يقرأ جهراً في الأولى بالفاتحة وسورة طويلة "
سورة طويلة من غير تعيين فالنبي صلى الله عليه وسلم أطال القراءة حتى جعل الصحابة رضي الله عنهم يخرون على ركبهم من طول القراءة .
ثم يركع طويلاً ثم يرفع مسمعاً ويحمد ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى ثم يركع طويلاً دون الأول ثم يرفع ويعتدل ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في الكل....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ثم يركع طويلاً " أيضاً من غير تقدير .
" ثم يرفع مسمعاً ويحمد " أي يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد .
" ثم يقرأ الفاتحة " ثم يشرع في قراءة الفاتحة مرة أخرى .
(2/50)
" وسورة طويلة دون الأولى ثم يركع طويلاً دون الأول " يعني يقصر القراءة ويقصر الركوع وهكذا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم تكون الركعة الثانية أقل من الركعة الأولى كما في حديث أبي قتادة رضي الله عنه ( يطول في الأولى ويخفف في الثانية ).
" ثم يرفع ويعتدل ثم يسجد " ويسمع ويحمد ثم يسجد مباشرة .
المشهور من المذهب ومذهب الشافعية أنه لا يطيل الاعتدال مع أنه في الاعتدال الأول أطال لأنه قرأ الفاتحة وقرأ سورة وقبل ذلك سمع وحمد فهو أطال ، أما هنا الاعتدال الثاني يرون أنه لا يطيل .
والصواب : أنه يطيل لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هكذا متناسقة ، لكن يكون هذا الاعتدال أقل من الاعتدال الأول .
وقد وردت الإطالة في صحيح مسلم ، لكنهم يرون أنه لا يطيل يسمع ويحمد ويسجد مباشرة .
" سجدتين طويلتين " يسجد السجود الأول ويطيل السجود ويكون قريباً من الركوع لأنه هكذا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم متناسقة ثم يعتدل ويجلس ، وهل يطيل الجلوس أو لا يطيل ؟
المشهور من المذهب ومذهب الشافعي : لا يطيل الجلوس .
والصواب : أنه يطيل الجلوس لأن صلاته صلى الله عليه وسلم هكذا متناسقة ، فيكون جلوسه قريباً من السجود ويكرر ( رب اغفر لي وارحمني ....)
" ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في الكل " بعد أن يسجد السجدتين ويجلس ويطيل ويكون جلوسه قريباً من سجوده يقوم ويصلي الركعة الثانية بركوعين لكن تكون الركعة الثانية أقل من الركعة الأولى لحديث أبي قتادة الذي أشرنا إليه .
ثم يستشهد ويسلم وإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2/51)
وعلى هذا تكون القراءة الأولى أقل من القراءة الثانية ، والقراءة الثانية أقل من القراءة الثانية والركوع الأول أقل من الركوع الأول ، والركوع الثاني أقل من الركوع الثاني .
" ثم يستشهد ويسلم " هكذا صفة صلاة الكسوف .
أما بالنسبة لصلاة الخسوف :
مذهب أحمد والشافعي : أنها تصلى جماعة هكذا .
أبو حنيفة ومالك : لا تصلى الخسوف جماعة وإنما يصلون فرادى .
والصواب : ما ذهب إليه أحمد والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى الصلاة ).
فأمر صلى الله عليه وسلم بالذكر والصلاة .
وهل الجماعة لها واجبة ؟
يقولون أن الجماعة سنة في صلاة الكسوف فإذا صلى الناس جماعة هذا أفضل وإذا تجمعوا في الجوامع هذا أفضل .
وإن صلوا فرادى لا بأس .
ولهذا المرأة تصلي في بيتها وكذلك المريض خلافاً لصلاة العيد ، فصلاة العيد لا تشرع إلا على وجه مخصوص وهو الاجتماع .
وكذلك الجمعة لا تصح فرادى ، أما الكسوف تصح فرادى .
" وإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة " فلو كان يصلي ثم تجلى الكسوف أثناء الصلاة نقول : يتمها خفيفة ، ويدل لذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ).
ولأن الحكم يدور مع علته وجوداً أو عدماً ، فقد زال سبب الصلاة فتزول الصلاة لأنها شرعت على سببها.
وقبلها لم يصل ويصح فعلها كنافلة وبثلاث ركوعات وأربع وخمس...................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عكس هذه المسألة : لو أن الصلاة انتهت ولم يتجلى الكسوف هل تعاد مرة ثانية أو لا تعاد ؟
تقدم في المسالك أن الذين يرون الجمع عندهم من الصفات أنها تعاد تصلى مرة ثانية وثالثة .
(2/52)
وتقدم أن من صفاتها أنها تعاد مرة بعد مرة .
والصواب : أنها لا تعاد لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى صلاة واحدة فقط .
وكما تقدم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ).
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالدعاء فنقول : يصلي بالناس فإذا انتهت الصلاة والكسوف لم يتجلى يشرع لهم الدعاء .
فالسنة أن يدعو الله ويستغفروه ويذكروه حتى يتجلى الكسوف فيكون الإنسان في عبادة إلى أن يتجلى الكسوف ، يصلي إذا لم يتجلى يستمر في الدعاء والاستغفار إلى أن يتجلى .
" وقبلها لم يصل " إذا تجلى الكسوف قبل أن يصلي فهل يصلي أو لا يصلي ؟
نقول لا يصلي لأنه قد زال السبب وهذه صلاة شرعت على سبب وقد زال السبب .
" ويصح فعلها كنافلة وبثلاث ركوعات وأربع وخمس " فالمؤلف يختار ركعتان في كل ركعة ركوعان لكن لو صليت كنافلة ركعتين في كل ركعة ركوع واحد أو يصلي ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات أو أربع أو خمس يقول هذا جائز .
فعندهم صلاة الكسوف لها صفتان :
الصفة الأولى : صفة مستحبة أن يصلي ركعتين في كل ركعة ركوعان .
الصفة الثانية : صفة جائزة أن يصلي ركعتين في كل ركعة ركوع واحد أو ركوعان أو ثلاثة ركوعات أو خمس .
والصواب : كما تقدم يصلي ركعتين في كل ركعة ركوعان وما عدا ذلك من الصفات فإنه شاذ .
من المسائل صلاة الكسوف هل هو متصور في كل وقت أو له وقت معين ؟
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه رأيان :
الرأي الأول : أنه متصور في كل وقت ، وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم رحمهم الله ممكن أن يحدث في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره .
(2/53)
وقالوا : أن الله على كل شيء قدير .
الرأي الثاني : ليس متصور في كل وقت وإنما له وقت محدد فكسوف الشمس يكون في وقت الاستسرار القمر في التاسع والعشرين والثلاثين .
وخسوف القمر يكون في وقت الإبدار الرابع عشر والخامس عشر ، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبعض أهل العلم وهو الذي يذهب إليه أهل هيئة الفلك وأنه لا يحدث في كل وقت .
ودليل ذلك ما تقدم من بيان السبب الكوني للكسوف وأن الله أجرى العادة أن كسوف الشمس لا يكون إلا في وقت الاستسرار .
وخسوف القمر لا يكون إلا في وقت الإبدار، هكذا سنة الله الكونية القدرية .
والجمهور استدلوا بـ ( أن الله على كل شيء قدير ).
واستدلوا بالحديث الضعيف ويبدوا أنه من وضع الرافضة قالوا : أن الشمس كسفت في اليوم الأول الذي قتل فيه الحسين 10 من محرم حتى بدت النجوم ، وأنتم تقولون أن الكسوف لا يكون إلا في وقت الاستسرار .
لكن هذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا من رواية الواقدي ولا يحتج بما وصل فكيف بما أرسل .
ويترتب على هذا مسائل منها :
ما ذكره الفقهاء رحمهم الله لو خسف القمر يوم عرفة فهل يدفعون أم يصلون ؟
فهذا غير متصور .
ومن هذه المسائل التي يذكرونها وتظهر ثمرة لهذا الخلاف : إذا اجتمع الكسوف والعيد خرج الناس لصلاة العيد ثم كسفت الشمس هل يبدأون بصلاة العيد أو صلاة الكسوف ؟
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصلاً غير متصور لأنا قلنا أن الكسوف لا يكون إلا في وقت الاستسرار ، والعيد أما في أول الشهر أو في آخر الثلث الأول منه .
ومن المسائل : لو غاب القمر وهو خاسف هل يصلى أو لا يصلى ؟
(2/54)
نقول هذا لا يتصور إذا قلنا بأن خسوف القمر في وقت الاستسرار نقول هذا غير متصور .
ومن المسائل : هل يلحق بالكسوف غيره من الآيات أو لا ؟
كما لو حصلت زلزلة ظلمة في النهار ، صواعق شديدة ، رياح عظيمة من الآيات التي فيها تخويف أو براكين أو فيضانات ونحو ذلك ، فهل يصلي ؟
الرأي الأول : وهو المشهور من المذهب : يصلي لزلزلة فقط ، قالوا هذا وارد عن ابن عباس وحذيفة بأسانيد صحيحة .
الرأي الثاني : أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يصلي لكل آية تخويف كما سبق من الأمثلة واستمرت هذه الأشياء فإنه يصلي ، ودليلهم : قوله صلى الله عليه وسلم :( يخوف بهما عبادة ).
وقالوا ثابت عن ابن عباس وحذيفة بأسانيد صحيحة الصلاة للزلزلة .
الرأي الثالث : الإمام مالك والشافعي : أنه لا يصلي إلا الكسوف فقط ، قالوا لأن هبوب الرياح وحدوث الصواعق حصلت في عهده صلى الله عليه وسلم ومع ذلك ما صلى وإنما أرشد ما يتعلق بالأذكار ، فالرياح لها أذكار ... إلخ.
ويظهر : كلام المالكية والشافعية قوي ، وكلام أبو حنيفة واختيار شيخ الإسلام قوي .
ويمكن أن يجاب عن قول المالكية والشافعية : بأن يقال الأشياء التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أمور معتادة إذا حملناها على أمور معتادة وأنها ليست فيها تخويف ، ليست أمور عظيمة وأن هذه الأمور المعتادة هي التي يشرع لها الذكر ، وأما الأمور العظيمة فهذه يشرع لها صلاة الكسوف كما هو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ، يكون هذا متوجه.
هناك أمور تشرع إذا حصل الكسوف غير الصلاة :
...............................................................................................................................
(2/55)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التوبة ، الاستغفار ، الذكر ، الدعاء ، الصدقة ، العتق ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة والعتق والدعاء والصلاة ، فهذه الأشياء مشروعة إذا حصل الكسوف .
* جمهور أهل العلم أن صلاة الكسوف ليس لها خطبة ، ويقابل هذا القول الشافعية فهم يرون أن صلاة الكسوف لها خطبة كخطبة الجمعة ، يخطب خطبتين كخطبة الجمعة تماماً .
أما أبو حنيفة ومالك وأحمد : لا خطبة لها .
والصواب : يتوسط في المسألة لا يقال أنها كخطبة الجمعة بل يقال : أن الإمام يخطب الناس ويعضهم ويذكرهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
* الكسوف له ندا ؟
تقدم أن ذكرنا بالنسبة للصلوات من حيث النداء والأذان ثلاث أقسام :
الأول : صلوات لها أذان .
الثاني : صلوات لها نداء .
الثالث : صلوات لا أذان ولا نداء .
*******************
وإذا ضرب جدب أرضاً وقحط مطر صلوا صلاة الاستسقاء.............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في صلاة الاستسقاء
الاستسقاء لغة : استفعال وهو طلب السقيا .
وأما اصطلاحاً : فهو طلب السقيا من الله عز وجل بالصلاة على صفة مخصوصة .
وصلاة الاستسقاء سنة عند جمهور العلماء واستدلوا بحديث عبد الله بن زيد في الصحيحين ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة ).
وهناك أحاديث أخرى كحديث عائشة وأبي هريرة وغير ذلك .
(2/56)
الرأي الثاني : رأي أبو حنيفة لا تشرع الصلاة للاستسقاء وإنما هو دعاء مجرد دون الصلاة ، وهذا لا شك أنه ضعيف لأنه يخالف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة .
" وإذا ضرب جدب أرضاً وقحط مطر صلوا صلاة الاستسقاء " صلاة الاستسقاء صلاة ذات سبب لا تشرع إلا عند وجود سببها فإذا وجد السبب تكون مشروعة ، أما إذا لم يوجد السبب فليست مشروعة .
وجد السبب أجدبت الأرض ، قحط المطر ، وغارت مياه الآبار والأنهار ، فإنها تشرع صلاة الاستسقاء ، أما إذا لم يكن شيء من ذلك فنقول : ليست مشروعة .
والاستسقاء ورد في السنة على وجوه .
الوجه الأول : الاستسقاء بالصلاة كما دل لذلك حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه ، وتكلمنا على الخلاف في هذه المسألة .
الوجه الثاني : الاستسقاء بالدعاء في خطبة الجمعة ، يدل له حديث أنس في قصة الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال : يا رسول الله هلكت الأموال وجاع العيال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا ، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه فدعا :( اللهم ....
الوجه الثالث : الاستسقاء بالدعاء المجرد دون صلاة ودون خطبة وهذا مشروع إذا حصل للمسلمين ضرر وقحط المطر وأجدبت الأرض ، نقول يشرع للناس أن يستسقوا الله ويدعونه في صلواتهم في خلواتهم ، ويتحرون مواطن إجابة الدعاء في السجود وفي غيره .
كعيد فيما تقدم..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويدل لهذا حديث عمير .
" كعيد فيما تقدم " يعني أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد فيما تقدم من الحكام والوضع فعلى هذا : يشرع أن تكون صلاة الاستسقاء في المصلى لا تكون في المساجد إلا بعذر .
(2/57)
ويصلي ركعتين بالتكبيرات الزوائد على المذهب ست تكبيرات ، وعند الشافعي سبع تكبيرات وفي الركعة الثانية خمساً ويتفقان في الثانية خمس تكبيرات زوائد .
وعند الإمام مالك رحمه الله لا تكون كصلاة العيد وإنما كسائر الصلوات النوافل بلا تكبيرات زوائد .
والراجح : ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية .
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:( سنة الاستسقاء سنة العيدين ).
وعلى هذا يصلي ركعتين مع التكبيرات الزوائد وتكون صلاته في المصلى.
وتقدم في العيد أنه يقرأ في الركعة الأولى بسبح والثانية بالغاشية ، وتارة يقرأ بـ ق و ( اقتربت الساعة ) وكذلك في الاستسقاء .
هذا من حيث الجملة ولكن هناك فروق بين صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء:
الأول : صلاة العيدين محددة بزمن ، والاستسقاء فتشرع عند سبب ليست مشروعة دائماً وإنما عند وجود سببها .
الثاني : صلاة العيدين حكمها واجبة على الصحيح والحنابلة فرض كفاية ، والاستسقاء فهي سنة ولم يقل أحد بوجوبها ، بل إن أبا حنيفة يرى أنهم لا يصلون بل يكتفون بالدعاء ويجتمعون ويدعون ويكتفون بالدعاء .
الثالث : أن صلاة العيدين تشرع على وجه مخصوص وهو الاجتماع لا تصح فرادى ، والاستسقاء تصح فرادى وجماعة ، وعندنا الجمعة والعيدان تشرع على وجه الاجتماع ما عدا ذلك تصح فرادى .
الرابع : صلاة العيدين يشرع لها الاغتسال كما تقدم أن يغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ، والاستسقاء فعلى خلاف ذلك يشرع أن يخرج متبذلاً كما سيأتي .
وإذا أراد الإمام الخروج لها وعد الناس يوماً يخرجون فيه وأمرهم بالتوبة وترك التشاحن والصيام...................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2/58)
الخامس : صلاة العيدين يشرع أن يخرج مبكراً ، والاستسقاء فإنه يخرج متخشعاً يصاحبه الخشوع والتواضع لله والرفعة والسكينة .
السادس : صلاة العيدين يشرع خروج المرأة ، والاستسقاء فالعلماء يقولون يكره خروج الشابة ويباح خروج العجوز الكبيرة .
السابع : صلاة الاستسقاء لها خطبة واحدة ، وصلاة العيدين يتفقون الأئمة أن لها خطبتان .
الثامن : صلاة العيدين الخطبة تكون بعد الصلاة ، وصلاة الاستسقاء فالسنة وردت بهذا وبهذا يصح أن يقدم الخطبة على الصلاة كالجمعة ويصح أن يؤخر الخطبة عن الصلاة كصلاة العيدين .
التاسع : ما يتعلق بموضوع الخطبة في العيدين يختلف موضوع الخطبة عن الاستسقاء .
العاشر : في الاستسقاء يشرع تحويل الرداء كما سيأتي ، والعيدين غير مشروع .
" وإذا أراد الإمام الخروج لها وعد الناس يوماً يخرجون فيه " ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها في سنن أبي داود لما شكا الناس القحط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدهم يوماً يخرجون فيه .
ولأن صلاة الاستسقاء ليس لها وقت معين وإنما هي صلاة ذات سبب تشرع عند وجود سببها .
" وأمرهم بالتوبة وترك التشاحن " التوبة لغة : الرجوع .
واصطلاحاً : فهي الرجوع من معصية الله إلى طاعته .
والتشاحن : من الشحناء وهي العداوة .
ويدل لذلك ما في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحا فلان وفلان فرفعت )
فيقول المؤلف عند الخروج يأمرهم بالتوبة ويأمرهم بترك التشاحن .
" والصيام " لأن الصائم له دعوة لا ترد وهو وسيلة إلى نزول الغيث .
والصدقة ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ والمميزون..............................................................................................................
(2/59)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" والصدقة " لأنها متضمنة للرحمة .
وهذه الأشياء يقول المؤلف : إذا أراد الاستسقاء يأمرهم بالتوبة وترك التشاحن والصيام والصدقة ، وهذه لم يفعلها صلى الله عليه وسلم ولم يأمر بها عند الخروج ، فحينئذ لا تفعل عند الخروج لأنه صلى الله عليه وسلم ما فعلها فلا يتحرى بها الخروج لأن هذا فعل عبادة ورد سببها في عهده صلى الله عليه وسلم ولم يفعله صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ نقول : الإمام يأمر بها أمراً عاماً ليس عند الخروج .
وإذا لا حظ وجود القحط وانقطاع الأمطار وغور المياه .. إلخ فإنه يأمر بالصدقة ويأمر بالصيام ويحثهم على التوبة وترك التشاحن .
أما أن تتحرى هذه الأشياء عند الخروج لصلاة الاستسقاء فنقول : هذا يحتاج إلى دليل ، وسبق أن ذكرنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر قاعدة وهي :{ أن كل شيء وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فتركه هو السنة }
" ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً " ويدل لهذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متواضعاً متخشعاً متبذلاً متذللاً)
وقال بعض العلماء : قوله متواضعاً : متواضعاً ببدنه ، متخشعاً : أي بقلبه وعينيه ، متذللاً : أي في ثيابه ومتضرعاً بلسانه .
قوله متخشعاً : أي خاشعاً ، ومذللاً : أي من الذل وهو الهوان .
فيشرع أن يخرج الإنسان إلى صلاة الاستسقاء على هذه الصفة ، متواضعاً متذللاً متخشعاً تقارنه السكينة والخضوع والرقة وإنزال الحاجة بالله سبحانه وتعالى .
متبذلاً : يخرج بثياب البذلة .
" ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ والمميزون "
الشيوخ : جمع شيخ ، والمراد به : كبير السن .
والمميزون : المراد به الصبي المميز .
(2/60)
فيصلي بهم ركعتين كالعيد ثم يخطب واحدة....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأهل الدين : هم أهل الصلاح فيكون هذا من المترادف .
وإنما يخرج الإمام ومعه هؤلاء لسرعة إجابة دعوتهم ، لأن الصغار لا ذنوب لهم .
وقوله : ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ، يحتمل أنهم يقارنونه أثناء خروجه إلى صلاة الاستسقاء .
ويحتمل أن المراد : أنه يتأكد خروج مثل هؤلاء لأنهم أقرب إلى إجابة الدعاء .
ويدل لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ما ورد عن عمر رضي الله عنه قال :( إنا كنا نستسقي بنبينا فتسقينا وإنا نستسقي بعم نبينا ـ يعني بدعائه ـ قم يا عباس فادع )
بالنسبة لخروج النساء لصلاة الاستسقاء :
الشابة : يقولون يكره خروجها .
العجوز الكبيرة : يقولون يباح خروجها .
" فيصلي بهم ركعتين كالعيد " يصلي بهم ركعتين كالعيد ويدل لهذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :( صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد ).د.ت.ن. وصححه الترمذي .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :( سنة الاستسقاء سنة العيدين ) فيصلي ركعتين كما يصلي في العيدين .
وتقدم أنه في صلاة العيدين على المذهب يكبر في الولى ستاً غير تكبيرة الإحرام ، والشافعي سبعاً في الأولى وفي الثانية خمساً فيتفقان في عدد التكبيرات الزوائد في الثانية .
وعند أبي حنيفة : يكبر في العيدين : ثلاثاً ثلاثاً لكن كما قلنا أن أبا حنيفة لا يرى شرعية صلاة الاستسقاء يرى أنما هو دعاء فقط .
" ثم يخطب واحدة "يؤخذ منه أن الخطبة في الاستسقاء بعد الصلاة وكصلاة العيدين ، وتقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:(صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد )
وقال :( سنة الاستسقاء سنة العيدين ).
(2/61)
فيصلي كصلاة العيد ، فيصلي أولاً ثم يخطب ثانياً ، وهذا هو المشهور من المذهب أن الصلاة قبل الخطبة .
ثم يخطب واحدة يفتتحها بالتكبير كعيد........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه يبدأ بالخطبة قبل الصلاة كصلاة الجمعة ، ويدل لهذا حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين قال :( خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول ردائه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة )
قال : ثم صلى ركعتين ، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالخطبة قبل الصلاة .
وحديث عائشة في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما شكوا إليه قحط المطر وعدهم يوماً يخرجون فيه فخرج صلى الله عليه وسلم وإذا المنبر وضع له وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ثم صلى ، فهذا يدل على أنه يخطب أولاً ثم يصلي ثانياً .
وهذا من الفروق بين صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء وأن صلاة العيدين يبدأ بالصلاة ثم الخطبة وما ورد من الآثار عن عمر وعثمان أنهم بدأوا بالخطبة قبل الصلاة قلنا أنها آثار شاذة تخالف ما في الصحيحين من أنهم كانوا يصلون ثم يخطبون .
وعلى هذا نقول : صلاة الاستسقاء يشرع فيها الأمران تارة يخطب ثم يصلي وتارة يصلي ثم يخطب ، وكله وردت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذا أقرب وفيه الجمع بين الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
" ثم يخطب واحدة " يعني في الاستسقاء يخطب خطبة واحدة وهذا من الفروق بين صلاة الاستسقاء وصلاة العيدين .
وتقدم أن الأئمة يتفقون على أنه في صلاة العيدين يخطب فيها خطبتين لكن صلاة الاستسقاء يقول المؤلف رحمه الله : يكفي فيها خطبة واحدة .
(2/62)
" يفتتحها بالتكبير كعيد " يعني يفتتح هذه الخطبة بالتكبير ، وتقدم لنا في صلاة العيدين أنهم يرون افتتاح خطبة صلاة العيدين بالتكبير ، والثانية بالتكبير وذكرنا هناك أن ابن القيم ذكر أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة من خطبه الراتبة أو العارضة بغير الحمد لله .
فالصواب : أنه يفتتح خطبته بتحميد الله عز وجل .
وأما التكبير فتقدم لنا في صلاة العيدين أن الحديث الوارد في هذا ضعيف .
ويكثر فيها الاستغفار وقراءة آيات فيها الأمر به ويرفع يديه ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويكثر فيها الاستغفار وقراءة آيات فيها الأمر به " يكثر الضمير يعود على خطبة الاستسقاء ، فيكثر في خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به .
كقوله تعالى :( وقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدراراً ).
" ويرفع يديه " ويدل لذلك حديث أنس رضي الله عنه قال :( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وكان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه ).
قال : لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء .
وهذا في الصحيحين .
وفي مسلم ( أشار بظهورهما إلى السماء )
واختلف العلماء رحمهم الله في تفسير ( وأشار بظهور كفيه إلى السماء ) ما المراد بذلك ؟
الرأي الأول : قال بعض العلماء أن الدعاء في الاستسقاء يختلف عن غيره فيجعل ظهور كفيه إلى السماء .
والرأي الثاني : أن دعاء الاستسقاء كغيره لكن يبالغ في الرفع حتى يشير بظهر كفيه إلى السماء ، وهو الصواب .
(2/63)
" ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم " والثابت عنه صلى الله عليه وسلم وإلا الفقهاء رحمهم الله يذكرون دعاء طويلاً وكثير منه غير ثابت عنه صلى الله عليه وسلم مثل ( هنيئاً مريئاً طبقاً مجللاً سحاً عاماً طبقاً دائماً ، اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب وبلاء ولا هدم ولا غرق ، اللهم إن بالعباد والبلاد من الأداء والجهد والضنك ما لا تشكوه إلا إليك ، اللهم انبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء ، اللهم ارفع عنا الجوع والجهد والعري واكشف عنا البلاء ما لا يكشفه غيرك ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً ...
هذا الدعاء ونحوه في سنن البيهقي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما لكنه ضعيف .
وعلى هذا الأحسن للمسلم أن يتحرى الثابت من دعائه صلى الله عليه وسلم ، مثل دعائه لما سأله الأعرابي فقال صلى الله عليه وسلم ( اللهم اغثنا ثلاث مرات )
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسبق أن لخصنا ما ورد مما هو ثابت عنه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء .
ويشرع أن يحول رداءه كما تقدم في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم حول ردائه .
وتحويل الرداء فيه مسائل :
المسألة الأولى : هل يحوله أثناء الخطبة أو بعد نهايتها ؟
فيه قولان :
القول الأول : ذهب بعض العلماء أنه يحوله أثناء الخطبة يستقبل القبلة ويحول رداءه ويدعو سراً ثم يكمل خطبته .
القول الثاني : قال بعض العلماء رحمهم الله يحول ردائه وبعد انتهاء الخطبة يستقبل القبلة ويدعو سراً ويحول رداءه .
(2/64)
والأمر في هذا واسع أن يحول أثناء الخطبة أو يحول في نهايتها .
والأحسن : أن يكون هذا في نهاية الخطبة ، ولو حوله أثناءها يظهر لا بأس به .
المسألة الثانية : ما الحكمة من تحويل الرداء ؟
خلاف على رأيين :
الرأي الأول : الحكمة هي التفاؤل من تحويل الحال ، من حال الجدب والقحط إلى حال المطر .
الرأي الثاني : قال بعض العلماء رحمهم الله بأن النبي صلى الله عليه وسلم حول رداءه لكي يكون اثبت في الدعاء لأنه يحتاج لأن يرفع يديه فحول رداءه لكي يكون الرداء اثبت في الدعاء .
والصواب : ما ذهب إليه أهل الرأي الأول أنه صلى الله عليه وسلم حول تفاؤلاً بتحويل الحال من حال القحط والجدب إلى حال الرخاء والسعة بنزول المطر .
المسألة الثالثة : متى يزيل هذا التحويل ؟
يقول العلماء رحمهم الله : يتركه حتى يحتاج إلى نزعه .
ويلحق بذلك ما إذا احتاج إلى التحويل فلا بأس أن يحول .
وينادى له ككسوف الصلاة جامعة وسن وقوف في أول مطر...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الرابعة : إذا لم يكن عليه رداء ؟
فإنه يظهر والله أعلم أن يحول أي شيء إذا كان عليه جبة يحول الجبة ـ مشلح أو عباءة ـ يحولها إذا لم يكن عليه شيء من ذلك مثل وقتنا الحاضر عليه غترة أو شماغ يحولها .
لأن المراد بذلك : هو التفاؤل بتحويل الحال .
" وينادى له ككسوف الصلاة جامعة " أي للاستسقاء ، وهذا هو المشهور من المذهب .
وهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهم يقولون ينادى لصلاة الاستسقاء وصلاة العيد إلحاقاً لهما بصلاة الكسوف وهذا ضعيف .
لأن النداء عبادة والعبادات توقيفية ، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى الاستسقاء ولم يثبت أنه نادى لها أو أمر منادياً أن ينادي ـ الصلاة جامعة ـ
(2/65)
وتقدم أن الصلوات تنقسم بالنسبة للنداء والأذان إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما يشرع لها الأذان ، مثل الصلوات الخمس مع الجمعة .
القسم الثاني : ما يشرع له النداء ، مثل صلاة الكسوف .
القسم الثالث : ما لا يشرع له أذان ولا نداء ، مثل الاستسقاء والعيدين والتراويح والجنازة .
" الصلاة جامعة " يصح أن ترفع ونقول الصلاةُ جامعةٌ على أن الصلاة مبتدأ ، وجامعة خبر المبتدأ .
وكذلك يصح النصب نقول : الصلاةَ جامعة ، فالأول ينصب على الإفراد .
والثاني : ينصب على الحال .
على الإفراد يعني الزموا الصلاة .
" وسن وقوف في أول مطر " هذه سنن حين حصول هذه الآيات الكونية القدرية إذا حصل المطر يسن الوقوف في أول المطر .
ويسن ثانياً : أن يحسر عن ثوبه ليصيبه المطر .
وإخراج متاعه ليصيبه وقوله : مطرنا بفضل الله...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويدل لذلك : حديث أنس رضي الله عنه أنه قال :( أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر ، فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا ، قال :( لأنه حديث عهد بربه ) رواه مسلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم :( لأنه حديث عهد بربه ) معناه : حديث بخلق الله له وتكوينه .
وقال من الآداب :
" وإخراج متاعه ليصيبه " وهذا لا دليل عليه ، الحديث الوارد في هذا ضعيف لا يثبت وعلى هذا نقول : لا يشرع أن يخرج المتاع ـ رحله ـ يعني يخرج الفراش شيء من أوانيه ، نقول غير ثابت وحينئذ لا يشرع .
* هل يسن أن يتوضأ ويغتسل بماء المطر ؟
ذكره بعض الفقهاء وورد في هذا حديث أخرجه البيهقي وهو ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ يكون الثابت أن يقف في أول المطر ويحسر شيئاً من ثوبه لكي يصيبه .
(2/66)
ومن الآداب قال المؤلف رحمه الله :
" وقوله : مطرنا بفضل الله " وهذا ثابت فإذا حصلت الأمطار يستحب أن يقول : مطرنا بفضل الله ورحمته فهذا اعتراف بنعمة الله عز وجل .
ويستحب أن يقال ( اللهم صيباً نافعاً ) هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا كثر المطر يستحب أن يقول ( اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر )
وإذا حصل هبوب الرياح : يستحب أن يقول : ( اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أمرت به ).
ويحرم سب الريح .
وورد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه بإسناد صحيح أنه كان إذا سمع الرعد قال :( سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته )
ويحرم بنوء كذا....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد صحيح رواه الإمام مالك والترمذي أنه إذا سمع الرعد والصواعق قال :( اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك ).
" ويحرم بنوء كذا " نوء يعني الكوكب لأنه كفر بنعمة الله عز وجل فإضافة المطر إلى النوء ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يضيف المطر إلى النوء على أنه فاعل ومقدر هذا كفر أكبر مخرج من الملة لأنه أثبت له خصيصة من خصائص الله عز وجل شركه في توحيد الربوبية .
القسم الثاني : أن يضيف المطر إلى النوء إضافة سبب وأن النوء تسبب في أحداث هذا المطر وهذا المطر بخلق الله وتكوينه لكن النوء تسبب فيه فهذا كفر أصغر .
(2/67)
القسم الثالث : أن يضيف النوء إلى المطر إضافة وقت مطرنا في نوء كذا يقصد في هذا الوقت وهذا الزمان ، في وقت هذا الكوكب في وقت هذا النجم هذا جائز ولا بأس به .
ولهذا قال العلماء : يحرم بنوء كذا ويجوز في نوء كذا .
فإذا كان مراده الزمن جائز .
ويدل للقسمين السابقين : حديث خالد بن زيد وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب ) وهذا في الصحيحين .
*****************
فهرس الموضوعات
كتاب الصلاة ................................................................................................ 1
فصل في الأذان والإقامة......................................................................................... 18
باب شروط الصلاة.............................................................................................. 69
باب صفة الصلاة ............................................................................................... 258
مكروهات الصلاة................................................................................................ 353
أركان الصلاة وواجباتها وسننها.................................................................................. 352
سجود السهو..................................................................................................... 371
باب صلاة التطوع وأوقات النهي................................................................................. 417
صلاة الجماعة وأحكامها وما يبيح تركها وما يتعلق بذلك.......................................................... 526
(2/68)
الإمامه........................................................................................................... 584
الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة............................................................................... 636
صلاة الأعذار.................................................................................................... 640
صلاة المسافر ................................................................................................... 647
صلاة الخوف.................................................................................................... 672
صلاة الجمعة ................................................................................................... 677
شروط صحة الجمعة ........................................................................................... 685
صلاة العيدين ................................................................................................... 707
صلاة الكسوف .................................................................................................. 728
صلاة الإستسقاء ................................................................................................. 738
تم الجزء الثاني وبإذن الله الجزء الثالث
لا حول ولا قوة إلا بالله
??
??
??
??
شرح كتاب الصلاة من عمدة الطالب
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ / د . خالد بن علي المشيقح
www.Almoshaiqeh.islamlight.net
(2/69)