حلية المتقين
في شرح
منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين
للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السّعدي
رحمه الله
( كتاب الزكاة )
شرح
أَبي عَبدالرحمنِ فَوْزيّ بنِ عَبداللهِ بنِ مُحمّد الحُمَيديّ الأَثَريّ
ijk
كِتَابُ الزَّكَاةِ
- ... قال المؤلف رحمه الله: (وهي واجبةٌ عَلَى: كُلِّ مسلمٍ حرٍّ، مَلَكَ نِصَاباً... ولا زَكَاةَ في مالٍ حتى يَحُول عليه الحَوْلُ إلاّ:
1. الخَارِجَ مِنَ الأرضِ.
2. وما كان تابعاً للأصلِ، كنَماءِ النِّصَاب، ورِبحِ التِّجارَةِ، فإن حَوْلَهُمَا حَوْلُ أَصْلهما.
ولا تَجِبُ الزكاةُ إلاّ في أربعةِ أنواعٍ:
1. السَّائِمةُ من بهيَمةِ الأنْعَامِ.
2. والخارجُ مِنَ الأرضِ.
3. والأثمانُ.
4. وعُروضُ التِّجارةِ). اهـ -
تعريف الزكاة:
الزكاة في اللغة: فهي مشتركة في عدة معاني.
... 1) الطهارة: قال تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة:103].
وقال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) } [الشمس:9] أي طهرها من الآثام.
2) النَّماء والزيادة: يقال زَكَا الزَّرْعُ يَزْكُو زَكَاةً إذاَ نَما، وكلُّ شيء ازداد فقد زَكَا، وزَكَتْ النفقةُ إذا بُورك فيها، وفلان زاكٍ أي كثير الخير.
3) البركة: يقال زكت النفقة إذا بُورك فيها، وفلان زاكٍ أي كثير الخير.
4) المَدْح: قال تعالى: { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } [النجم:32] أي فلا تمدحوها على سبيل الفخر والإعجاب.
5) الصلاح: قال تعالى: { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) } [الكهف:81].(1/1)
يقال: (زَكَا) الرجلُ (يَزْكُو) إذا صَلَحَ.(1)
والزكاة في الشرع: نصيب مقدر شرعاً في مال معين، يصرف لطائفة مخصوصة.(2)
حكم الزكاة:
وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تدل على وجوب الزكاة، وكذلك أجمعت الأمة على ذلك.
أما من الكتاب:
قال تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } [البقرة:43].
وقال تعالى: { #qكJٹد%r&ur الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
çnrك‰إgrB عِنْدَ اللَّهِ } [البقرة:110].
وقال تعالى: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ } [البقرة:83].
وقال تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } [التوبة:103].
والأدلة من الكتاب على وجوب الزكاة كثيرة جدا، ومن يتتبع آيات القرآن الكريم يجد أن الزكاة قرنت بالصلاة في ثمانيةٍ وعشرين موضعاً، وهذا دليل على كمال الاتصال بينهما.
وأما من السنة:
__________
(1) انظر ((مصباح المنير)) للفيومي (ص113) و((لسان العرب)) لابن منظور (ج2 ص36) و((المُبْدع)) لأبي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص290) و((الذخيرة)) للقرافي (ج2 ص370) و((المعجم الوسيط)) (ص396) و((الفواكِهَ الدَّواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني)) للنَفْراوي (ج1 ص499) و((إعانة الطالبين)) للدمياطي (ج2 ص231).
(2) انظر ((الشرح الممتع)) لشيخنا (ج6 ص17) و((الفواكِهَ الدَّواني)) للنَفْراوي (ج1 ص499) و((كَشّاف القِنَاع)) للبَهُوتي (ج1 ص6) و((المُبْدع في شرح المُقْنع)) لأبي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص290)(1/2)
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وحَجِّ البَيْتَ لِمَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً).(1)
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذَاً إِلَى الْيَمَنِ وَفِيِه قَالَ: (فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ).(2)
وَعَنْ عُمَرَ بْن الخَطَّاب - رضي الله عنه - فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ المَشْهُور حَيْثُ جَاَء يُعَلِمُ المُسْلِمِيَن أَمْرَ دِينِهِم فَسَأَلَ الرُّسُول - صلى الله عليه وسلم - مَا الإسْلَامُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).(3)
والأدلة من السنة على وجوب الزكاة كثيرة جداً.
وأما الإجماع:
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (ج1 ص8) ومسلم في صحيحه (ج1 ص45).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (6937).
(3) أخرجه مسلم في صحيحه (ج1 ص36).
وأخرجه البخاري في صحيحه (ج1 ص114) ومسلم في صحيحه (ج1 ص40) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/3)
فقد أجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها، واتفق الصحابة - رضي الله عنهم - على قتال مانعيها يدل على ذلك حديث قتال أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لمانعيها وموافقة الصحابة له.(1)
الحكمة في تشريع الزكاة:
لقد فرض الله تعالى الزكاة طاعة له وشكراً لنعمةِ المال... فالزكاة شرعت تطهيراً للمال، وتنمية له، ومنافسة في الخير، وإبرازاً لروح التكافل، والتعاون بين أفراد المجتمع، وبذلك تزول الأحقاد، ويعم الأمن، ويقضى على التسول... وشرع الله الزكاة لأنها تطهر المزكي من الشح والبخل، وأرجاس الذنوب والخطايا تدرب المسلم على البذل والإنفاق في سبيل الله تعالى... ولأن في أدائها شكراً لله تعالى على ما أسبغ على المسلم من نعم ظاهرة وباطنة... ولأنها تعالج قلب المؤمن من حب الدنيا، والحرص على جمع المال... لأنها تنمي نفس العبد الغني، وذلك باستشعاره أنه تغلب على شحه وشيطانه وهواه... ولأنها تكون بين الغني والفقير حقيقة المحبة والأخوة، وتربط أبناء المجتمع بوشائج الصلة والقربى والإخاء... ولأنها تحرر أبناء الأمة على اختلاف أجناسهم، وألوانهم من الحسد والبغضاء والشحناء والقطيعة.(2)
وبهذا يتضح لنا أن هناك أموراً عظيمة يرمي إليها الإسلام من وراء شرعية الزكاة.
قال تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة:2].
وقال تعالى: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ } [الحج:41].
__________
(1) انظر ((المغني)) لابن قدامة (ج2 ص427) و((بدائع الصنائع)) للكاساني (ج2 ص811) و((الشرح الممتع)) لشيخنا (ج6 ص17) و((الفتاوى)) للشيخ ابن باز (ج14 ص12).
(2) انظر ((الزكاة)) للطيار (ص28) و((الشرح الممتع)) لشيخنا (ج6 ص10) و((زاد المعاد)) لابن القيم (ج2 ص25) و((الفتاوى)) للشيخ ابن باز (ج14 ص29).(1/4)
قلت: فأهمية الزكاة كسبيل إلى التكافل الاجتماعي، وهذا واضح.
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في الفتاوى (ج14 ص7): (كل مسلم له أدنى بصيرة يعلم أن الزكاة أمرها عظيم وأنها من أركان الإسلام الخمسة، بل هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد جمع الله بينها وبين الصلاة في مواضع كثيرة من كتابه العظيم...
فالحاصل والخلاصة: أن الزكاة مكانتها عظيمة في الإسلام، وأنها الركن الأعظم بعد الصلاة والشهادتين، وأن الواجب على المسلمين أداؤها إلى مستحقيها، وإذا طلبها ولي الأمر وجب أن تؤدى إليه). اهـ
أهداف الزكاة:
للزكاة أهداف جليلة... قصد الإسلام إلى تحقيقها وتثبيتها حين فرض الزكاة يقول الله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة:103].
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى).(1) ... وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنهم - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا).(2)
ومن أبرز أهداف الزكاة في الإسلام ما يأتي:
1) الزكاة عبادة مالية: يعتبر إيتاء الزكاة استجابة لأمر الله تعالى، ووفاء لعهده، يرجو عليها فاعلها حسن الجزاء في الآخرة، ونماء المال في الحياة الدنيا بالبركة.
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (ج3 ص98) ومسلم في صحيحه (4/1999).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (ج10 ص438) ومسلم في صحيحه (4/1999).(1/5)
2) الزكاة طهارةٌ من البخل والشح والطمع: تعتبر الزكاة علاجاً شافياً لأمراض البخل والشح والطمع والأنانية... بالترغيب والترهيب، قال تعالى: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران:92].
3) إعانة الضعفاء، وكفاية أصحاب الحاجة: المسلم عندما يدفع زكاة ماله يشعر بمسؤوليته عن مجتمعه، وعن تكافله مع المحتاجين فيه.
قال تعالى: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) ب@ح !$،،=دj9 وَالْمَحْرُومِ (25) } [المعارج:24 -25].
4) الزكاة تنمي الأمور الاجتماعية بين الأفراد: فيشعر المسلم الدافع للزكاة بأهمية الزكاة للمسلمين، ويشعر بالأخوة الحقيقية.
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى).(1) ... وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنهم - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا).(2)
5) الزكاة تكفر الخطايا وتجلب رحمه الله تعالى للناس:
قال تعالى: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ t } [الأعراف:156].
وها هي المجتمعات المادية تعيش حالة من الفوضى والضياع ينمو فيها الحقد، وتزرع الضغينة، ويكثر الوباء والبلاء والجرائم، والنصب والاحتيال كل ذلك بسبب ترك هؤلاء الإسلام وترك الزكاة.
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (ج3 ص98) ومسلم في صحيحه (4/1999).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (ج10 ص438) ومسلم في صحيحه (4/1999).(1/6)
وأما في الدِّيار الإسلامية التي تؤدى فيها الزكاة فترى المحبة لله والطاعة وتأتي بالرحمة والخير والسعادة والأخوة.
قلت: فالزكاة مصدر قوي لإشاعة الخير والطمأنينة والهدوء، ومجلبة للمحبة بين المسلمين.
6) الزكاة تنمي العبد المزكِّي:
فالزكاة تحقق النماء، والزيادة لشخصية المزكي... فيصنع المعروف ويبذل من ذات نفسه ويده لينهض بإخوانه المسلمين.
7) الزكاة تطهير للمال:
فالزكاة طهارة للمال... فهي تتعلق بحقوق الفقراء والمساكين وغيرهم.
8) الزكاة امتحان من الله لعباده:
يعتبر أداء الزكاة امتحاناً لإيمان الفرد بالله تعالى ذلك أن المال محبوب لكل
الناس، ودليل الإيمان الصادق مفارقة المحبوب والجود به.
ففي الزكاة حث على العمل والجد والمثابرة.(1)
المقومات الأساسية للزكاة وهي:
1) تعتبر الزكاة نقل ملكية، وليست مِنّةً، أو فضلاً، أو هبةً من صاحب المال لمستحقيها.
2) تتمثل الزكاة في جزء معين معلوم من الأموال يُحدد وفقاً لقواعد معينة يؤيد ذلك قوله تعالى: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) ب@ح !$،،=دj9 وَالْمَحْرُومِ } [المعارج:24 -25].
3) هناك شروط معينة لابد من تحقيقها لتجب الزكاة في المال فليس كل مال تجب فيه الزكاة.
4) اشترط النصاب في المال لوجوب الزكاة فيه تحقيقاً للعدالة الاجتماعية.
5) توجه حصيلة الزكاة إلى مصارف معينة محددة وفقاً لقول الله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ زOإ6ymt } [التوبة:60].
6) تهدف الزكاة إلى تحقيق العديد من الأغراض للناس.
__________
(1) وانظر ((الزكاة)) للطيار (ص23) و((الزكاة)) لمستو (ص47) و((الشرح الممتع)) لشيخنا (ج6 ص10).(1/7)
ولقد كانت الزكاة لها أهمية حتى في أديان الأنبياء عليهم السلام في السابق.
ولقد أفاض القرآن الكريم في إيضاح هذا المبدأ السامي في دعوة كثير من
الأنبياء السابقين يقول الله تعالى: { وَجَعَلْنَاهُمْ Zp£Jح r& يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ اذجبt } [الأنبياء:73].
وهذا في معرض قوله سبحانه عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام.
ويقول الله تعالى عن إسماعيل عليه السلام فيقول: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) } [مريم:54 -55].
ويقول الله تعالى عن المسيح عيسى عليه السلام في المهد: { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) } [مريم:31].
ويقول الله تعالى عن ميثاق بني إسرائيل: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي ں@ƒدنآuژَ خ) لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } [البقرة:83].
وقال تعالى في أهل الكتاب عامة: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) } [البينة:5].
وبهذه النصوص يتضح لنا عناية الأديان السابقة قبل الإسلام بالزكاة، وعلاج مشكلة الفقر، ومكانة الزكاة فيها.
قلت: فالزكاة عبادة قديمة عرفت في الرسالات السابقة، وذكرها الله في وصاياه إلى رسله، وفي وصايا رسله أممهم.(1/8)
ولقد اعتنى الإسلام بعلاج الفقر، ورعاية المساكين والفقراء، والمحتاجين،
والضعفاء عن طريق الزكاة، والزكاة لها مكانة في الإسلام سبقت الأدلة على ذلك.(1)
ولذلك توّعد الله تعالى للذين لا يطعمون المسكين واليتامى والفقراء والمحتاجين من أموالهم التي رزقهم الله تعالى بها.
قال تعالى عن الكفار: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) } [المدثر:42 و43 و44].
وقال تعالى: { إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) } [الحاقة:33 و34 و35 و36].
وقال تعالى: { كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) } [الفجر:17 و18].
وقال تعالى : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) } [الماعون:1-3].
وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) } [التوبة:34 و35].
وقال تعالى: { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا ں@ح !$،،9$# فَلَا تَنْهَرْ } [الضحى:9-10].
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) ب@ح !$،،=دj9 وَالْمَحْرُومِ (25) } [المعارج:24-25].
__________
(1) وبيّن الإسلام بأن ما يدفعه الغني حق و(3) عليه، وما يأخذه الفقير ملك له ليس عليه فيه غضاضة.(1/9)
كل هذه النصوص تبين الخطر الذي يقع فيه الذين لا ينفقون على الفقراء والمساكين والمحتاجين وغيرهم... زجراً وتوبيخاً وردعاً وتخويفاً للذين لا يهتمون
بأمر الزكاة في الإسلام.(1)
موقف الإسلام من مانعي الزكاة:
من أشد المصائب التي يبتلى بها الإنسان داء البخل الذي يجعله يظن أن بخله يحفظ أمواله من الضياع، أو أنه يزيده مالاً فوق ماله مع أنه لو علم ما يصيبه من الخسران في دنياه بانفضاض الناس من حوله وكراهيتهم له ثم ما يحيق به من العذاب في آخرته فإنه لو أدرك ذلك لكانت حسرته على نفسه شديدة وأليمة ويكفي أن يقرأ هؤلاء البخلاء ما جاء في كتاب الله العزيز عما أعد لهم من عذاب وهوان فقد قال جل وعلا: { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [آل عمران:180] ويقول تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) } [التوبة:34-35] ففي الامتناع عن أداء الزكاة إثم عظيم وضررٌ كبيرٌ على الفقراء والمحتاجين وتعرض لغضب الله وعاجل عذابه الذي لا يصيب الذين ظلموا خاصة بل يعم الجميع والعياذ بالله.
__________
(1) والزكاة في الإسلام مرت بمرحلتين هامتين الأولى في العهد المكي، والثاني في العهد المدني، والآيات السابقة تدلّ على ذلك.(1/10)
وقد شدَّد الإسلام على مانعي الزكاة وأوقفهم عند حدهم لأنهم يهدمون بناء المجتمع بطمعهم، وجشعهم، وأنانيتهم المفرطة فمن امتنع من الأغنياء عن أداء الزكاة فلا يخلى حتى يؤديها، ولو أدّى ذلك إلى عقابه في النفس والمال، فإن كان الممتنع عن أدائها فرداً أو أفراداً لا سلطان لهم صح للإمام أن يؤدبهم ويعاقبهم حتى يؤدوها وصح له أن يصادر عليهم نصف أموالهم سياسة شرعية زجراً لهم عن سوء صنيعهم.
وإن كان الممتنع عن أداء الزكاة جماعة لهم سلطان وقوة حق على الإمام أن ينذرهم عاقبة منعها فإن لم يجد فيهم الإِنذار وجب عليه أن يقاتلهم حتى يؤدوا الزكاة، أو يقتلوا فإن لم يفعل أثم وعصى ولقد قاتل أبو بكر - رضي الله عنه - والمسلمون معه مانعي الزكاة - في حروب الردة - وكان معه في رأيه الخلفاء الثلاثة وسائر الصحابة - رضي الله عنهم - فكان ذلك إجماعاً منهم على قتال مانعي الزكاة.
وخلاصة موقف الإِسلام من مانعي الزكاة أن الإسلام يفرق بين الممتنعين حسب أحوالهم فيتخذ موقفاً محدّداً من كل قسم حسب حاله على ما يأتي:
(1) الممتنع عن أداء الزكاة مع الإِنكار لوجوبها موقف الإِسلام منه يختلف حسب حاله فإن كان يخفى عليه أمرها كمن أسلم حديثاً ونشأ في البادية فهذا لا يحكم بكفره بل يعرف بوجوبها عليه وتؤخذ منه قهراً فإن جحدها بعد ذلك حكم بكفره وقوتل عليها لقيام الحجة عليه.
وإن كان ممن لا يخفى عليه أمرها حكم بكفره وقوتل على منعها.
(2) الممتنع عن أدائها بخلاً بها مع اعترافه بوجوبها فموقف الإِسلام منه أنه لا يحكم بكفره بل تؤخذ منه قهراً ويعزر إن لم يكن له عذر بأن كان الإِمام عادلاً لا يأخذ أكثر من الواجب ويصرفها في مصارفها الشرعية، أما إن كان له عذر بأن كان الإِمام ظالماً يأخذ أكثر من الواجب أو يصرفها في غير مصارفها(1/11)
الشرعية فإنها تؤخذ منه ولا يعزر.(1)
وقد أخل بفرضية الزكاة الجماعة الإخوانية، والجماعة التراثية، والجماعة القطبية، والجماعة السرورية وغيرها فلم يضعوها في موضعها المحدد شرعاً حتى أنهم أفتوا بجواز دفع الزكاة للمرشحين في الانتخابات والله المستعان.
فأفتى بذلك عجيل النشمي الإخواني بالكويت سنة (2003) في جريدة القبس الكويتية، وكذلك عمر الأشقر الإخواني وغيرهما.
وهذا يعتبر من منع الزكاة عن مستحقيها من الفقراء والمساكين وغيرهم.(2)
فلذلك وجب على ولي الأمر قتالهم لأنهم يدخلون في مانعي الزكاة في الجملة.
وإذا لم يمكن ذلك يجب عقابهم، أو منعهم من مزاولة العمل الخيري.
ويجب على أهل العلم أن يردوا عليهم، وجهادهم باللسان، والتحذير منهم فإن ذلك من جملة الجهاد في سبيل الله.(3)
قلت: فدل هذا على أن الذي يمتنع من دفع الزكاة لمستحقيها فإنه يقاتل.
وكذلك تدخل في المقاتل الجمعيات الحزبية(4)
__________
(1) انظر المغني لابن قدامة (ج2 ص27 و40) والسياسة الشرعية لابن تيمية (ص365) والتعليق على السياسة الشرعية لشيخنا ابن عثيمين (ص365) والإحكام لابن قاسم (ج4 ص383) والإنصاف للمرداوي (ج10 ص273) ومغني المحتاج للشربيني (ج4 ص159) ومواهب الجليل للخطاب (ج8 ص267) وكفاية الأخيار للحصيني (ج2 ص375) وشرح صحيح مسلم للنووي (ج11 ص165) والنّهر الفائق لابن نُجيم (ج3 ص264) وتبيين الحقائق للزيلعي (ج4 ص192).
(2) وهذا ضرب من ضروب منع الزكاة عن مستحقيها لكن بطريقة أخرى.
(3) وانظر ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (ج1 ص142) و((زاد المعاد)) له (ج3 ص5) و((مفتاح دار السعادة)) له أيضاً (ج1 ص70).
(4) فعلى الحاكم أن يقاتل مانعي الزكاة بأي طريقة منعوا الزكاة، وإذا لم يكن ذلك يجب أن يعاقبهم، أو يمنعهم عن مزاولة العمل الخيري لأنهم يمنعون الزكاة عن المستحقين من المسلمين.
وإذا لم يكن ذلك فعلى أهل العلم، وأهل الإسلام أن يحذروا منهم، وأن يحذروا المسلمين من التعاون معهم.(1/12)
التي تمتنع من دفع الزكاة لمستحقيها إلا ما كان من أتباع الجمعية وما شاءوا من عوام الناس.
ولا شك أن الرجل إذا كان متحزِّباً، ومندرجاً تحت لواء الجمعيات الحزبية، فإنّه يعمل ضمن ضوابط وأُطَر الحزب، وهذه الضوابط لا شك أنّها تُقيِّد الأعضاء فيها من التّحُّرر من كثير من أخطاء الحزب إذا ظهر لهم بطلانها، وأقلَّ أحوالهم السكوت عن هذه الأخطاء مراعاة لتوهُّم مصلحة الجمعية،والتي ربّما توهم أنها متلازمة مع مصلحة الإسلام!!!.
ومن أخطائِهم الشنيعة منعهم الزكاة(1) عن المسلمين المستحقين، إلا موافق عليهم الحزب.(2)
فهؤلاء عطلوا هذا الأصل العظيم من انتفاع المسلمين من هذا الأصل في حياتهم، وتجاوزا حدّهم في منعهم زكاة المسلمين، وهي من حقوقهم، واستمروا في عنادهم في منعهم الزكاة لجعلها لمصالحهم الحزبية.(3)
وهذا تلبيس وتهوين وتلاعب على المسلمين من الفظائع - يعني الشنائع -
التي ارتكبوها، واستخفافهم بما ارتكبوا في حق المسلمين جميعاً من منعهم زكاتهم.
وهذا المنع له حكم غليظ بينه علماء أهل السنة والجماعة وإليك أقوالهم:
__________
(1) التي هي أصل من أصول الإسلام.
(2) فالزكاة التي هي لجميع المسلمين المستحقين يجعلونها فقط لأتباعهم الحزبيين، أو لبعض المسلمين وذلك على حسب موافقة إدارة مجلس الجمعية!!!.
قلت: ويدفعونها في هذه الحالة لكسب عوام المسلمين في صفهم والله المستعان.
(3) والويل أشد الويل لمن لم يكن من جمعيتهم، أو حزبهم، أو جماعتهم، فإنه لا يجد منهم النصرة حتى في ساعة العسرة!!!.(1/13)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في وجوب الإتِّبَاع (ص306): (قد أوجب الله تعالى على أهل دينه جهادَ من خرج عن شيء - يعني من الدين - حتى يكونَ الدينُ كلُّه لله كما قال تعالى: { tِNèdqè=دG"s%ur حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } (1) [الأنفال:39].
فمن خرجَ عن بعض الدِّين(2) إن كان مَقْدوراً عليه، أُمِرَ بالكلام فإنْ قَبِلَ، وإلاّ ضُرِبَ وحُبِسَ حتى يُؤَدِّي الواجب، ويَتْرُكَ المُحَرَّمَ، فإنِ امْتَنَعَ عنَ الإقرار بما جاءَ به الرَّسولُ، أو شيءٍ منه ضُرِبَتْ عُنْقُهُ، وإنْ كانَ في طائفة ممتنعة(3) قُوتِلُوا كما قاتل أبو بكر - رضي الله عنه - وسائرُ الصحابة مانعي الزّكاة مع أنّهم كانوا مُقِرِّين بالإسلام باذلين للصّلوات الخمس، حتى قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - : (والله لو مَنَعُونِي عَنَاقاً(4) كانوا يُؤَدُّونَها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتُهُمْ على مَنْعها).(5)(6)
__________
(1) فأي فتنة أكبر من منع الزكاة عن مستحقيها، فيجب قتال من منع الزكاة حتى لا تكون فتنة.
(2) كـ(منع الزكاة) من قبل الجمعيات الحزبية.
(3) كـ(الطائفة الإخوانية أو القطبية أو التراثية أو غيرهم).
ونتج عن منع الزكاة عن الفقراء وطلبة العلم وغيرهم مضاعفات سيئة في المجتمع، أثرت على حياة كثير من الفقراء وغيرهم.
(4) العَنَاقَ: هي الأنثى من المعز قبل استكمالها سنة.
(5) العِقال: الحبل الذي تربط به الدابة كيلا تنفلت.
فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - لو منع إنسان عناقاً أو عقالاً لقاتله، فكيف بمن يمنع الزكاة والتبرعات عن المسلمين ويجعلها لأمور الحزب، فماذا يفعل به أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ؟!!!.
(6) أخرجه البخاري في صحيحه (1400) ومسلم في صحيحه (20).(1/14)
وكما قاتلَ عليٌّ بنُ أبي طالب - رضي الله عنه - ، ومن معه مِنَ الصحابة الخوارج الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : (...أينما لقِيُتُموهُم فاقتلُوهم، فإنّ في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلَهُم يومَ القيامة).(1)
وهؤلاء الخوارج الحَرُورِيَّة هُمْ أوّلُ مَنِ ابْتدعَ في الدين، وخَرَجَ عن السنة والجماعة.... فكلُّ من خَرَجَ عن كتابِ الله، وسنةِ رسولهِ من سائر الطوائف فقد وجبَ على المسلمين أن يَدْعُوهُ إلى كتاب الله، وسنة رسوله بالكلام، فإنْ أجابَ وإلا عاقبُوهُ بالجَلْد تارةً، وبالقتل أخرى على قدر ذنبهِ، وسواءً كان منتسباً إلى الدين...). اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج21 ص282): (الآثار المرفوعة في هذا الباب كلها تدل على أن مفارقة الجماعة وشق عصا المسلمين، والخلاف على السلطان المجتمع عليه، يريق الدم ويبيحه، ويوجب قتال من فعل ذلك. فإن قيل: قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)) فمن قال لا إله إلا الله حَرُمَ دمُهُ.
قيل لقائل ذلك: لو تدبرت قوله في هذا الحديث: ((إِلَّا بِحَقِّهَا)) لعلمت أنه خلاف ما ظننت. ألا ترى أن أبا بكر الصديق قد رد على عمر ما نزع به من هذا الحديث، وقال: (مِنْ حَقِّهَا الزَّكَاةُ) ففهم عمر ذلك من قوله وانصرف إليه، وأجمع الصحابة عليه فقاتلوا مانعي الزكاة، كما قاتلوا أهل الردة، وسماهم بعضهم أهل ردة على الاتساع، لأنهم ارتدوا عن أداء الزكاة.
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3610) ومسلم في صحيحه (1064) من حديث أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - .(1/15)
ومعلوم مشهور عنهم أنهم قالوا: ما تركنا ديننا، ولكن شححنا على أموالنا. فكما جاز قتالهم عند جميع الصحابة على منعهم الزكاة، وكان ذلك عندهم في معنى قوله - عليه السلام - ((إِلَّا بِحَقِّهَا)) فكذلك من شق عصا المسلمين وخالف إمام جماعتهم، وفرق كلمتهم، لأن الفرض الواجب اجتماع كلمة أهل دين الله المسلمين على من خالف دينهم من الكافرين، حتى تكون كلمتهم واحدةً وجماعتهم غير متفرقةٍ.
ومن الحقوق المريقة للدماء المبيحة للقتال: الفساد في الأرض، وقتل النفس، وانتهاب الأهل والمال، والبغي على السلطان، والامتناع من حكمه، وهذا كله داخل تحت قوله: ((إِلَّا بِحَقِّهَا)) كما يدخل في ذلك الزاني المحصن وقاتل النفس بغير حق، والمرتد عن دينه). اهـ
وقال ابن جُزَيّ رحمه الله في القوانين الفقهية (ص121) عن الزكاة: (وهي فرض من قواعد الإسلام: من جحد وجوبها فهو كافرٌ، ومن منعها أُخِذَتْ منه قهراً، فإن امتنع: قوتل حتى يؤدِّيها). اهـ
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في الفتاوى (ج14 ص12) - بعد ما ذكر حديث: أمرت أن أقاتل الناس -: (فدل هذا الحديث وما جاء في معناه على أن الذي يبخل بالزكاة ويمتنع منها ويقاتل دونها ولا يؤديها فإنه يباح قتاله، كما قاتل الصِّديق - رضي الله عنه - مانعيها لأنه لا يكون معصوم الدم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولهذا لما امتنع بعض العرب بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - من الزكاة قاتلهم الصحابة حتى يؤدوها). اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج35 ص57): (وكذلك مانعوا الزكاة فإن الصديق والصحابة ابتدؤا قتالهم، قال الصديق: (وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيه) وهم يقاتلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات، وإن أقروا بالوجوب). اهـ(1/16)
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج35 ص90): (وإن كانوا طائفة ممتنعة ذات شوكة فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا أداء الواجبات الظاهرة والمتواترة: كالصلاة والصيام والزكاة، وترك المحرمات: كالزنا والربا وقطع الطريق ونحو ذلك). اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج28 ص207): (فالواجب عبى ولي الأمر أن يأمر بالصلوات المكتوبات جميع من يقدر على أمره، ويعاقب التارك بإجماع المسلمين، فإن كان التاركون طائفة ممتنعة قوتلوا على تركها بإجماع المسلمين، ولذلك يقاتلون على ترك الزكاة، والصيام، وغيرهما، وعلى استحلال المحرمات الظاهرة المجمع عليها، كنكاح ذوات المحارم، والفساد في الأرض، ونحو ذلك، فكل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب جهادها، حتى يكون الدين كله لله باتفاق العلماء). اهـ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم (ج4 ص215): (فسار إليهم أبو بكر - رضي الله عنه - بنفسه حتى لقى أخا بني بدر الفَزَاري فقاتله معه عمر - رضي الله عنه - ، وعامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أمضى أبو بكر - رضي الله عنه - خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في قتال من ارتد، ومن منع الزكاة معاً فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله عز وجل عليه فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله). اهـ
ولذلك يجب معاقبة أهل البدع مانعي الزكاة بالتحذير وغيره لأن ذلك من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(1/17)
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج35 ص414) مبيناً أن التحذير من أهل البدع من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (والداعي إلى البدعة مستحق العقوبة باتفاق المسلمين، وعقوبته تكون تارة بالقتل، وتارة بما دونه - من حبس وغيره - كما قتل السلف جهم بن صفوان والجعد بن درهم وغيلان القدري وغيرهم، ولو قُدِّرَ أنه لا يستحق العقوبة أو لا يمكن عقوبته(1) فلابد من بيان بدعته والتحذير منها، فإن هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به ورسوله). اهـ
وقال القرافي رحمه الله في الفروق (ج4 ص207): (أرباب البدع والتصانيف المضلة ينبغي أن يشهر في الناس فسادها وعيبها، وأنهم على غير الصواب، ليحذرها الناس الضعفاء فلا يقعوا فيها، وينفر عن تلك المفاسد ما أمكن). اهـ
وقال الشيخ بكر أبو زيد في الرد على المخالف (ص39): (فالرد على أهل الباطل ومجادلتهم ومناظرتهم حتى تنقطع شبهتهم ويزول عن المسلمين ضررهم مرتبة عظيمة من منازل الجهاد باللسان، والقلم أحد اللسانين). اهـ
متى فرضت الزكاة:
فرضت الزكاة في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة النبوية.(2)
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (ج3 ص238): (والأكثرون على أن
__________
(1) أي من قتل أو حبس أو منع أو غير ذلك كما هو حاصل في هذا الزمان فإن المبتدع لا يعاقب بشيء من ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إذاً فيجب علينا الرد عليه وجهاده باللسان والتحذير منه فإن هذا من جملة الجهاد في سبيل الله.
(2) والزكاة في الإسلام ليست تبرعاً يتفضل به غني على الفقير فتنبه.(1/18)
المراد بالزكاة هاهنا - قوله تعالى: { وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) } [المؤمنون:4] زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر: أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النُصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجباً كان بمكة، قال تعالى في سورة الأنعام آيه [141] وهي مكية { وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } . اهـ
وقال الدمياطي رحمه الله في إعانة الطالبيين (ج2 ص231): (وقوله (وفرضت زكاة المال في السنة الثانية) اختلف في أي شهر منها، والذي قال شيخنا البابلي أن المشهور عن المحدثين أنها فرضت في شوال من السنة المذكورة). اهـ
وهو أصح الأقوال أن فرضها في مكة، وأما تقدير نصابها، وتقدير الأموال الزكوية، وتبيان أهلها فهذا في المدينة.(1)
والزكاة لا تجب إلا في مال نام بالفعل، أو معد للنماء، ولهذا قرر العلماء أن ذلك شرط من شروط وجوبها.
وبناء عليه فلا تجب الزكاة في الأموال التي ادخرت للحاجات الأصلية كالطعام المدّخر، وأدوات الصناعات اليدوية، وما يشبهها مما يستعمله الصانع لتدر عليه صناعته ما يكفيه وما ينفق منه، فهذه الأدوات تعد من الحاجات الأصلية، ولأنها ليست نامية بذاتها، ومثلها دور السكنى وهي التي بناها صاحبها لسكناه لأنها لا نماء لها، وكذلك الرواتب العامة للموظفين ليس عليها زكاة لأنها تستعمل للحاجة اليومية.
وفي ضوء ما سبق من تحديد وعاء الزكاة في المال النامي بالفعل، أو بالقوة نستطيع حصر الأموال التي تجب فيها الزكاة في الوقت الحاضر بالنسبة للأفراد والجماعات فيما يلي:
1) زكاة الثروة الزراعية وتتضمن:
أ-زكاة الزروع والثمار،وهي مفروضة على نتاج استغلال الأرض.
__________
(1) انظر ((الشرح الممتع)) لشيخنا (ج6 ص15) و((كَشَّاف القِناع عن مَتْن الإقْنَاع)) للبَهُوتي (ج1 ص5).(1/19)
ب- زكاة الأرض الخراجية، ويطلق عليها الخِراج، وهي مفروضة على الأرض ذاتها.
2) زكاة المستغلات - المال المستفاد - ويشمل زكاة الثروة العقارية ذات الإيراد، وزكاة مشروعات استغلال المنتجات الحيوانية، والزراعية.
3) زكاة الأنعام من الإبل والبقر والغنم.
4) زكاة عروض التجارة.
5) زكاة الثروة النقدية وتتضمن:
أ- زكاة النقدين الذهب والفضة.
ب- زكاة الحُلي.
ج- زكاة الأوراق المالية.
د- زكاة الودائع والتأمينات.
... 6) زكاة الثروة المعدنية والبحرية وتشمل:
... ... أ- زكاة المعادن والركاز.
... ... ب- زكاة مستخرجات البحار والأنهار.
... 7) زكاة الأعطيات - المال المستفاد - ويشمل زكاة كسب العمل، والمهن غير التجارية.
... قلت: ومجمل ما سبق، فإن الأموال الزكوية خمسة أصناف:
... 1) الذهب.
... 2) والفضة.
... 3) وعروض التجارة.
... 4) وبهيمة الأنعام.
... 5) والخارج من الأرض بجميع أصنافه.(1)
... وسنفرد بمشيئة الله تعالى فصولاً خاصة لما تجب فيه الزكاة، وسنوضح فيه كيفية زكاة كل نوع من هذه الأنواع على حدة والله ولي التوفيق.
... قال الجوزقاني رحمه الله في الصحاح (ج1 ص67): (اعلم أن الزكاة يجب في خمسة أجناس من المال:(2)
... أحدهما: المواشي: وهي الإبل، والبقر، والغنم، فقط ولا تجب الزكاة في غيرها من المواشي.
__________
(1) وانظر ((شرح الممتع)) لشيخنا (ج6 ص18) و((عِقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (ج1 ص198) و((السيل الجرار)) للشوكاني (ج1 ص736) و((القوانين الفقهية)) لابن جُزَيّ (ص122) و((الكافي)) لابن عبد البر (ص88) و((الفواكِهَ الدَّواني على رسالة ابن أبي زيد القَيْرواني)) للنَفْراوي (ج1ص500) و((المُبْدع في شرح المُقْنع)) لإبي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص291) و((الخِصال الصّغير)) لابن الصَّواف (ص43).
(2) ويأتي تفصيل ذلك إن شاء الله فيما تجب فيه الزكاة، وفيما لا تجب فيه الزكاة.(1/20)
... والثاني: القوت المدخر وهو كل ما يقتات به غالباً من الحبوب مثل الحنطة والشعير والجاورش والجليان وما أشبهها، وكذلك زكاة الفطر يجب في القوت.
... والثالث: الثمار: وهو التمر والزبيب، لا تجب في غيرهما من الثمار.
... والرابع: الذهب والفضة تبراً كان أو مضروباً من ضرب الإسلام، أو ركازاً.
... والخامس: عروض التجارات تقوم عند الحول بما اشتريت، وتخرج من ذلك ربع عشره، وتجب الزكاة فيها بالشرائط المذكورة في الأثمان مال التجارة فأي مال كان إذا بلغ نصاباً، وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة، ولا تجب الزكاة في شيء من الأموال سوى ما ذكرناه فقط). اهـ
... وقال ابن المنذر رحمه الله في الإقناع (ج1 ص165): (أجمع أهل العلم على أن الزكاة تجب في تسعة أشياء: في الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة والبر والشعير والتمر والزبيب، إذا بلغ من كل صنف منها ما تجب فيه الزكاة).اهـ
شروط الزكاة:
وضع الفقهاء شروطاً محددة لا تجب الزكاة على المسلم في أيّ نوع من ممتلكاته إلا إذا توفرت فيه هذه الشروط.
والشروط منها ما يتعلق بالمزكِّي، ومنها ما يتعلق بالمال ذاته.
أما الشروط التي تتعلق بالمزكِّي فهي:
... 1) الإسلام.
... 2) الحرية.
... 3) النية.
الشرط الأول: الإسلام:
فالزكاة لا تجب إلا على المسلم أما غير المسلم فلا زكاة عليه لأنها ركن من أركان الإسلام مرتب على الشهادتين يقول الله { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } [التوبة:103].(1/21)
والخطاب في الآية موجه إلى المسلمين لأن الكافرين ليسوا أهلاً للتزكية، ولا للتطهير، والمحتاج إلى ذلك إنما هم المسلمون لا الكافرون.(1)
فدل ذلك على أن الزكاة لا تجب على الكافر، ولا تؤخذ منه ما لم يسلم.(2)
وإليك الدليل:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذًا - رضي الله عنه - إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: ((ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ)).(3)
وهذا الحديث صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - طلب من معاذ أن يخبر من عبد الله، وأقام الصلاة بفرضية الزكاة عليهم فدل ذلك على أن الزكاة لا تفرض على غير المسلمين، لكنهم يحاسبون عليها لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة على الصحيح.(4)
__________
(1) انظر ((الزكاة)) للطيّار (ص64) و((الملخَّص الفقهي)) للشيخ الفوزان (ص322) و((المُبْدع)) لأبي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص291) و((كنز الدقائق)) لأبي البركات النسفي (ج1 ص206) و((القوانين الفقهية)) لابن جُزَيّ (ص121) و((كَشّاف القِنَاع)) للبَهُوتي (ج1 ص7) و((الهداية)) للكَلْوَذانِيّ (ج1 ص74) و((إعانة الطالبين)) للدمياطي (ج2 ص233) و((الخِصال الصّغير)) لابن الصَّواف (ص44) و((اللُّباب في فقة الشافعي)) للمحَاملي (ص53).
(2) انظر ((الزكاة)) للطيّار (ص64).
(3) أخرجه البخاري في صحيحه (ج2 ص90) ومسلم في صحيحه (ج1 ص146).
(4) انظر ((الزكاة)) للطيّار (ص64).(1/22)
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (ج6 ص19) عن شروط وجوب الزكاة: (الإسلام، وضده الكفر فلا تجب على الكافر سواء أكان مرتداً أم أصلياً لأن الزكاة طهرة قال تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } [التوبة:103].
وقال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار (ج1 ص737): (قوله: فصل (وإنما تلزم مسلماً) أقول: جعلَ الإسلامُ شرطاً للزوم الزكاة). اهـ
الشرط الثاني: الحرية:
لا تجب الزكاة على العبد والمكاتب لأن العبد لا يملك شيئاً، والمكاتب ملكه ضعيف، ومن شروط الزكاة الملك التام ثم إن العبد وما ملك ملكٌ لسيده والسيد يزكي أمواله.(1)
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (ج6 ص19) عن شروط وجوب الزكاة: (الحرية، وضدها الرق، فلا تجب الزكاة على رقيق، أي: على عبد لأنه لا يملك، فالمال الذي بيده لسيده). اهـ
وقال ابن جُزَيّ رحمه الله في القوانين الفقهية (ص121): (الشرط الثاني: الحرِّية. فلا تجب في المذهب - يعني المالكي - على عبدٍ، ولا على من فيه بقيَّةُ رِقٍّ، ولا على سيِّده). اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في الكافي (ص88): (تجب الزكاة على كل مسلم حر تام الحرية، إذا ملك المقدار الذي تجب فيه الزكاة حولاً تاماً). اهـ
__________
(1) انظر ((الزكاة)) للطيّار (ص66) و((الملخَّص الفقهي)) للشيخ الفوزان (ص322) و((كنز الدقائق)) لأبي البركات النسفي (ج1 ص206) و((كَشّاف القِنَاع)) للبَهُوتي (ج1 ص7) و((الهداية)) للكَلْوَذانِيّ (ج1 ص74) و((المُبْدع)) لأبي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص291) و((إعانة الطالبين)) للدمياطي (ج2 ص234) و((الخِصال الصّغير)) لابن الصَّواف (ص44) و((اللُّباب في فقة الشافعي)) للمحَاملي (ص53) و((فتاوى أركان الإسلام)) لشيخنا ابن عثيمين (ص421).(1/23)
وقال الكَلْوَذَانِي رحمه الله في الهداية (ج1 ص74): (وتجب الزكاة على كل حر مسلم تام الملك، فأما العبد فلا زكاة عليه وإن قلنا أنه يملك، وكذلك المكاتب، وأما الكافر فلا زكاة عليه أصليّاً كان أو مرتداً، وما لم يتم ملكه عليه، كالدين الذي على المكاتب، فلا زكاة فيه). اهـ
وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في فتاوى أركان الإسلام (ص421): (شروط وجوب الزكاة: الإسلام، والحرية، وملك النصاب واستقراره، ومضي الحول إلا في المعشرات(1)). اهـ
الشرط الثالث: النية:
يشترط لصحة أداء الزكاة إلى مستحقيها نية المزكي بقلبه أن هذا المال المعطى لمستحقيه هو الزكاة المفروضة عليه.
وإليك الدليل:
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُها فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)).(2)
قلت: ومحل النية القلب، والتلفظ بها بدعة.(3)
... فائدة: هل تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون؟
__________
(1) المعشرات: هي الحبوب والثمار.
انظر ((فتاوى أركان الإسلام)) لشيخنا (ص422).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (ج1 ص9) ومسلم في صحيحه (ج3 ص1515).
(3) انظر ((المغني)) لابن قدامة (ج1 ص509) و((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (ج18 ص262) و((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص76).(1/24)
... وأما بالنسبة للصبي فيجب في ماله الزكاة ذلك أن الزكاة مع أنها عبادة فهي في نفس الوقت حق للفقير لا تسقط بحال، وهي تتعلق بالمال نفسه، والنية في إخراجها عن الصبي تتوجه إلى الولي، وينبغي ألا ننسى أنها شرعت طهرة للمال وتنمية له، ومال الصبي بحاجة إلى هذا التطهير، والنماء كغيره سواء بسواء.(1)(2) ...
وإليك الدليل:
عَنْ عبدِالله بنِ عمروٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: (أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا) قَالَتْ: لَا، قَالَ: (أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ) قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ).(3)
... وهذا الحديث الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على وجوب الزكاة في مال الصغير.
وأما بالنسبة للمجنون فلم يثبت أي دليل في السنة في حقه فلا تجب الزكاة في ماله، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل).(4)
__________
(1) وانظر ((الأم)) للشافعي (ج2 ص24) و((المحلى)) لابن حزم (ج5 ص206) و((المجموع)) للنووي (ج5 ص397).
(2) ولابد أن يُعود على ذلك ليعرف وجوبها في الصغر فإذا بلغ عرف حكم الزكاة في الشرع.
قلت: وهذا لا يكون في المجنون، ولذلك لا تجب الزكاة في مال المجنون كما سوف يأتي.
(3) حديث حسن.
أخرجه أبو داود في سننه (1563) وأحمد في المسند (2/178) والترمذي في سننه (637) بإسناد حسن.
(4) حديث حسن.
أخرجه أبو داود في سننه (ج2 ص451) والترمذي في سننه (ج4 ص32) وابن ماجه في سننه (ج1 ص658).(1/25)
... ولذلك لا تجب الصلاة على المجنون، ولا يعلم لأنه فاقد العقل نهائياً، وهو غير قابل للتعليم ولا يعقل وجوبها أصلاً.(1)(2)
... قلت: ولأن الزكاة من الواجبات المتعلِقِة بالأموال بدليل، ولا يخفى عليكم أن غيرَ المكلَّف مرفوعٌ عنه قلمُ التكليف فلابد من دليل يدل على استحلال جُزءٍ من ماله وهو الزكاة... ولم يثبُتْ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ يصلُحُ للتمسك به... والأموال معصومة بعصمة الإسلام فلا يحلُّ استباحة شيء منها، بمجرد ما لا تقوم به الحجة.
... إذاً فلا تجب الزكاة في أموال المجنون لأنه لم يدل أي دليل في إخراج الزكاة من أمواله، بخلاف الصبي فقد دل الدليل على إخراج الزكاة من أمواله
وإن كان غير مكلف.
... قلت: فالدليل يخصّ الصبي دون المجنون.
وأما الشروط التي تتعلق بالمال نفسه وهي:
1) الملك التام للمال:
المالك الحقيقي للمال هو الله تعالى، وقد استخلف الإنسان عليه، وملكه له تكريماً منه وفضلاً، فالإنسان يعتبر بمثابة الأمين على هذا المال فيجب أن يتصرف فيه وفقاً لشريعة المالك وهو الله مصداقاً لقوله تعالى: { (Nèdqè?#uنur مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ } [النور:33] وقوله تعالى { آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [الحديد:7].
لكننا نعني بالملكية التامة هنا: أن يكون المال بيد الفرد، ولا يتعلق به حق لغيره من البشر، وأن يتصرف فيه باختياره، وأن تكون فوائده خالصة له.
وهذا الشرط مبناه أمران رئيسان هما:
__________
(1) وانظر ((بدائع الصنائع)) للكاساني (ج2 ص814) و((المحلى)) لابن حزم (ج5 ص206) و((الفتاوى)) لابن تيمية (ج25 ص17) و((الموسوعة الفقهية الميسرة)) للعَوَايْشة (ج3 ص28) و((فتاوى أركان الإسلام)) لشيخنا ابن عثيمين (ص423).
(2) بخلاف الصغير فإنه قابل للتعليم، ويعقل وجوبها أصلاً.
قلت: وهذه من الفروق التي بين الصبي والمجنون في الزكاة.(1/26)
أولاً: إضافة الأموال إلى أربابها، وهذا كثير في كتاب الله تعالى من ذلك قوله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة:103] وقوله تعالى { (ڑْïة©9$#ur فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) } [المعارج:24].
وهذه الإضافة تقتضي الملكية فهم يتصرفون في أموالهم، ويمتازون بذلك عن غيرهم.
ثانياً: إن الزكاة فيها تمليك المال للمستحقين لها من الفقراء، والمساكين، وسائر المصارف، والتمليك إنما هو فرع عن الملك إذ كيف يملك الإنسان غيره شيئاً لا يملكه هو.
وبهذا الشرط نخرج أموال كثيرة لا تجب فيها الزكاة لعدم تحقيق الملك التام فيها من ذلك ما يأتي:
1) المال الذي ليس له مالك معين، وذلك كأموال الدولة التي تجمها من الزكوات، أو الضرائب، أو غيرها من الموارد فلا زكاة فيها لأنها ملك جميع الأمة ومنها الفقراء.
2) الأموال الموقوفة على جهة عامة كالفقراء في المساجد، أو المجاهدين، أو اليتامى، أو المدارس، أو غير ذلك من أبواب الخير، فالصحيح أنه لا زكاة فيها، وكذا ثلث الميت، أو ما دونه.
3) المال الحرام لا زكاة فيه، وذلك مثل المال الذي يحصل عليه الإنسان عن طريق الغصب والسرقة، أو التزوير، والرشوة، والربا، والغش ونحوِها من طرق المال بالباطل إذ يجب على آخذه أن يعيده إلى أربابه، أو إلى ورثتهم فإن لم يعلموا فيعطيه الفقراء برمته، ولا يأخذ منه شيئاً، ويستغفر، ويتوب إلى الله.(1/27)
4) المال إذا كان ديناً لا زكاة عليه، لأنه لا يملكة في الجملة.(1)
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في الملّخص الفقهي (ص322) عند ذكره شروط وجوب الزكاة: (استقرار الملكيةِ: بأن لا يتعلّق بها حقُّ غيرهِ، فلا زكاةَ في مالٍ لم تستقرّ ملكيتُه، كدَين الكِتَابةِ، لأنّ المكاتَبِ يملِكُ تعجيزَ نفسه، ويمتنعُ من الأداء). اهـ
2) نماء المال:
المقصود بالنماء هنا أن يكون المال من شأنه أن يدر على صاحبه ربحاً،
وفائدة، أو يكون المال نفسه نماء، وعلى هذا قسم علماء الشريعة المال النامي إلى قسمين:
1) نماء حقيقي كزيادة المال، ونمائه بالتجارة، أو التوالد كتوالد الغنم، والإبل، وكذلك الزروع والثمار.
2) نماء تقديري كقابلية المال للزيادة فيها لو وضع في مشاريع تجارية.(2)
وقد استنبط الفقهاء هذه الشروط من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: (لَيْسَ عَلَى المُسْلِم فِيِ فَرَسِهِ، وَلَا عَبْدِهِ صَدَقَهٌ).(3)
فقد منع الرسول - صلى الله عليه وسلم - صراحة الزكاة في الأموال التي تعد من الحاجات الأصلية، والمُقتناة للاستعمال الشخصي.
__________
(1) انظر ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (ج1 ص466) و((الأموال)) لأبي عبيد (ص528) و((الزكاة)) للطيار (ص67) و((بُلغة السالك لأقرب المسالك)) للصاوي (ج1 ص440) و((كشاف القِناع)) للبَهُوتي (ج2 ص9) و((روضة الطالبين)) للنووي (ج2 ص150) و((الهداية)) للكَلْوَذانِيّ (ج1 ص74) و((المُبْدع)) لأبي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص291) و((الخِصال الصَّغير)) لابن الصّواف (ص44) و((اللُّباب في فقة الشافعي)) للمحَاملي (ص53).
(2) انظر ((الشرح الممتع)) لشيخنا (ج6 ص17) و((الزكاة)) للطيار (ص69) و((عِقْد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (ج1 ص198) و((حاشية ابن عابدين)) (ج2 ص263).
(3) أخرجه البخاري في صحيحه (1395) ومسلم في صحيحه (ج3 ص67) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/28)
وبناء على ذلك فقد قرّر الفقهاء رحمهم الله أن العلة في إيجاب الزكاة في الأموال هي نماؤها بالفعل أو بالقوة.
وعليه فلا تجب الزكاة في الأموال التي ادخرت للحاجات الأصلية كالطعام المدخر، وأدوات الحِرفة، وما يستعمله الصانع في صنعته التي تدر عليه ما يكفيه، وما ينفق منه، ودواب الركوب، ودور السكنى، وأثاث المساكن، وغير ذلك من الحاجات الأصلية.
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع
(ج6 ص17): (ولا تجب في كل مال إنما تجب في المال النامي حقيقة، أو تقديراً:
فالنمو حقيقة: كماشية بهيمة الأنعام، والزروع والثمار، وعروض التجارة.
والنامي تقديراً: كالذهب والفضة إذا لم يشتغل فيهما بالتجارة، فإنهما وإن كانا راكِدَيْنِ، فهما في تقدير النامي لأنه متى شاء اتجر بهما). اهـ
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في الملّخص الفقهي (ص323): (وما أُعِدّ من الأموالِ للقُنْيَةِ والاستعمال: فلا زكاة فيه، كدُورِ السُّكنى، وثيابِ البَذْلَةِ، وأثاثِ المنزلِ، والسيارات، والدوابِّ المعدّة للركوب والاستعمال.
وما أُعِدَّ للكِراءِ كالسيارات والدكاكين، والبيوت فلا زكاةَ في أصله، وإنما تجبُ الزكاةُ في أُجرتهِ إذا بلغت النصابَ بنفسها، أو بضمِّها إلى غيرها وحال عليها الحول). اهـ
3) بلوغ المال نصاباً:(1/29)
اشترط الإسلام في المال النامي الذي تجب فيه الزكاة أن يبلغ نصاباً، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله بتحديد النصاب، وإعفاء ما دونه من الزكاة.(1)
وإليك الدليل:
... عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التّمْرِ صَدَقَةٌ).(2)
... وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ - رضي الله عنه - عَنِ النّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ:(لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلاَ حَبٍّ صَدَقَةٌ).(3)
... قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في الملّخص الفقهي (ص322) عند ذكره شروط وجوب الزكاة: (امتلاكُ نصابٍ: فلا تجبُ فيما دونَ النِّصاب، وهو قَدْرٌ معلومٌ من المال). اهـ
__________
(1) انظر ((البناية في شرح الهداية)) للعيني (ج3 ص345) و((الملخّص الفقهي)) للشيخ الفوزان (ص322) و((المغني)) لابن قدامة (ج2 ص467) و((بداية المجتهد)) لابن رشد (ج2 ص361) و((الشرح الممتع)) لشيخنا (ج6 ص20) و((جواهر الإكليل)) للأزهري (ج1 ص166) و((بُلغة السالك لأقرب المسالك)) للصاوي (ج1 ص440) و((كنز الدقائق)) لأبي البركات النسفي (ج1 ص206) و((السيل الجرار)) للشوكاني (ج1 ص739) و((القوانين الفقهية)) لابن جُزَيّ (ص122) و((المُبْدع)) لأبي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص293) و((إرشاد السَّالك إلى أشرف المسالك)) لابن عَسْكر (ص64) و((اللُّباب في فقة الشافعي)) للمحَاملي (ص53).
(2) أخرجه مسلم في صحيحه (ج3 ص67).
(3) أخرجه مسلم في صحيحه (ج3 ص66).(1/30)
... وقال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار (ج1 ص739): (قد دلت الأدلةُ في كل نوعٍ من الأنواع التي تجبُ فيها الزكاةُ على أن له نصاباً معلوماً يتعلَّقُ الوجوبُ إن لم يكُملْ). اهـ
... قلت: وسواءً كان مالكُ النصابِ كبيراً، أو صغيراً لعموم الأدلة التي ذكرناها.(1)
... 4) حولان الحول على المال: أي يبلغ تمام السنة.
... وذلك بأن يمر على المال في حوزة مالكه اثنا عشر شهراً.
... وهذا الشرط خاص بالأنعام، والنقود، والسلع التجارية، أما الزروع والثمار، والمستخرج من المعادن، والكنوز ونحوها فلا يشترط لها الحول.(2)
... عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: (لَا تَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ).
أثر صحيح
__________
(1) وقد التمس أهل العلم حكمة تقدير النصاب بأن ذلك يكفي في الغالب أقل أهل بيت لمدة سنة كاملة فما زاد عنه يعتبر فاضلاً عن حاجتة الأصلية.
انظر ((الزكاة)) للطيار (ص70).
(2) انظر ((الملخص الفقهي)) للشيخ الفوزان (ص323) و((الشرح الممتع)) لشيخنا (ج6 ص22) و((كنز الدقائق)) لأبي البركات النسفي (ج1 ص206) و((السيل الجرار)) للشوكاني (ج1 ص739) و((المُبْدع في شرح المُقْنع)) لإبي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص302) و((الزكاة)) للطيار (ص70) و((جواهر الإكليل)) للأزهري (ج1 ص166) و((بُلغة السالك لأقرب المسالك)) للصاوي (ج1 ص440) و((كشاف القناع)) للبهوتي (ج2 ص10) و((البناية في شرح الهداية)) للعيني (ج3 ص245) و((عِقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (ج1 ص198) و((الخِصال الصّغير)) لابن الصَّواف (ص43) و((إرشاد السَّالك إلى أشرف المسالك)) لابن عَسْكر (ص64) و((الذخيرة)) للقرافي (ج2 ص467).(1/31)
... أخرجه التِّرْمِذِيّ في سننه (632) وعبدالرزاق في المصنَّف (7030) ومالك في الموطأ (657) وابنُ أَبِي شَيْبَةَ في المصنّف (10216) ومحمد بن الحسن في الموطأ (326) والدَّاَرَقُطْنِيّ في السنن (ج2 ص92) والحَدَثَانِيّ في الموطأ (208) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4 ص103) وفي السنن الصغرى (ج2 ص52) وفي المعرفة (2273) والشَّافِعِيّ في المسند (691) وفي الأم (ج2 ص17) وأبو مُصْعَب الزُّهري في الموطأ (657) من طريق نافع عن ابن عمر به.
... قلت: وهذا سنده صحيح.
... والفرق بين ما اعتبر له الحول، وما لم يعتبر له أن ما اعتبر له الحول معرض للنماء:
... فالماشية مرصدة للدر، والنسل، وعروض التجارة مرصدة للربح، وكذا
الأثمان، فاعتبر له الحول لأنه مظنة النماء ليكون إخراج الزكاة من الريع فإنه أسهل، وأيسر، ولأن الزكاة إنما وجبت مواساة.
... أما الزروع والثمار فهي نماء في نفسها تتكامل عند إخراج الزكاة منها فتؤخذ الزكاة منها حينئذ ثم تعود في النقص لا في النماء فلا يجب فيها زكاة ثانية لعدم إرصادها للنماء والخارج من المعدن بمنزلة الزروع والثمار.
... قال ابن رشد رحمه الله في بداية المجتهد (ج2 ص361): (وأما وقت الزكاة فإن جمهور الفقهاء يشترطون في وجوب الزكاة في الذهب والفضة والماشية الحول لثبوت ذلك عن الخلفاء الأربعة، ولانتشاره في الصحابة - رضي الله عنهم - ، ولانتشار العمل به ولاعتقادهم أن مثل هذا الانتشار من غير خلاف لا يجوز أن يكون إلا عن توقيف). اهـ
... وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (ج1 ص181): (ثم أنه أوجبها مرة كل عام وجعل حول الزرع والثمار عند كمالها واستوائها، وهذا أعدل ما يكون إذ وجوبها كل شهر، أو كل جمعة يضر بأرباب الأموال، ووجوبها في العمر مرة مما يضر المساكين فلم يكن أعدل من وجوبها كل عام مرة). اهـ(1/32)
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في الملّخص الفقهي (ص323) عند ذكره شروط وجوب الزكاة: (مُضِيُّ الحول على المالِ... وهذا في غيرِ الخارج من الأرضِ كالحبوب والثِّمار، فأمَّا الخارجُ من الأرض، فتجبُ فيه الزكاةُ عند وجودِهِ، فلا يُعتبرُ فيه الحولُ، وإنما يبقى تمامُ الحولِ مشترطاً في النُّقود والماشية وعروض التجارة رِفْقاً بالمالك ليتكامل النّماءُ فيها).اهـ
5) أن يكون المال فاضلاً عن حوائجه الأصلية:
لأن المال الفاضل عن الحوائج الأصلية يتحقق به الغنى.
أما المال المحتاج إليه حاجة أصلية فلا يكون صاحبه غنياً عنه، وبالتالي لو ألزمه الشرع بأدائه لغيره لما طابت بذلك نفسه، ولَمَا تحقق الهدف السامي الذي ينشده الإسلام من وجوب الزكاة على الأغنياء ودفعها للفقراء.
وقد فسر الفقهاء الحاجة الأصلية تفسيراً علمياً دقيقاً فقالوا: هي ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقاً كالنفقة، ودور السكنى، وآلات الحرب، والثياب المحتاج إليها لدفع الحر والبرد، أو تقديراً كالدين... فإن المدين يحتاج إلى قضائه بما في يده من النصاب، وكآلات الحرفة، وأثاث المنزل، ودواب الركوب وكتب العلم لأهلها.(1)
إذاً فيتبين من هذه الشروط بأن الزكاة تجب على المسلم الحر المالك للنصاب ملكاً تاماً، وحال عليه الحول.
ويفهم من ذلك أن الزكاة لا تجب على الكافر لأنها عبادة مالية يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، والكافر لا تقبل منه العبادة حتى يدخل الإسلام لكنه مع ذلك محاسب عليها لأنه مخاطب بفروع الشريعة.
ولا تجب على العبد لأنه مملوك لسيده فكل ما يملكه يعود لسيده، ولذا فالزكاة تجب على السيد عن العبد، وما تحت يده، وتجب الزكاة في مال الصبي دون المجنون كما سبق.
ويشترط في المال أن يكون نصاباً مملوكاً ملكية تامة، ويحول عليه الحول، وقد مضى الكلام عن هذه الشروط بالتفصيل، والله ولي التوفيق.
__________
(1) انظر ((حاشية ابن عابدين)) (ج2 ص347).(1/33)
- ... وقال المؤلف رحمه الله:
(فأمَّا السَّائمةُ(1): فالأَصل فيها: حَدِيثُ أنسٍ أنَّ أبا بَكرٍ رَضِيَ اللَّه عنهما كَتَبَ له: ((هذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدقَةِ الَّتي فَرَضَها رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المسلمِينَ، والَّتِي أمرَ اللَّهُ بهَا رَسُولَهُ: [في أَرْبَعٍ وعِشرِينَ مِنَ الإبلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ: في كُلِّ خَمسٍ شَاةٌ. فإِذَا بَلغَتْ خَمساً وعِشرِينَ إلى خَمسٍ وثَلَاثينَ: فَفِيهَا بنتُ مَخَاضٍ أُنثَى فإن لم تَكُن: فابُن لَبُونٍ ذَكَرٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ: فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ: فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ. فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ: فَفِيهَا جَذَعَةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ: فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ. فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ: فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ: فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ: حِقَّةٌ.
__________
(1) والسائمة: هي التي ترعى مما أنبته الله في الأرض السنة كاملة، أو أكثر السنة.
قلت: والسائمة التي تعلف بعض السنة، أو نصف السنة ليس فيها زكاة.
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في فتاوى أركان الإسلام (ص427): (المواشي التي تعلف نصف السنة كاملاً ليس فيها زكاة، وذلك لأن زكاة المواشي لا تجب إلا إذا كانت سائمة، والسائمة هي التي ترعى مما أنبته الله في الأرض السنة كاملة، أو أكثر السنة، وأما ما يعلف بعض السنة، أو نصف السنة فإنه لا زكاة فيه إلا إذا كانت معدة للتجارة، فهذا لها حكم زكاة العروض). اهـ(1/34)
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ: فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ: شَاةٌ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ: فَفِيهَا شَاتَانِ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِ مِائَةٍ: فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ: فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ. فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً: فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. ولا يُجْمَعُ بين مُتَفرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشيَةَ الصَّدقَةِ. ومَا كَانَ من خَلِيطَيِنِ فإنَّهُمَا يترَاجعَانِ بينَهُما بالسَّويَّةِ. ولا يُخرِجُ في الصَّدقَةِ هَرِمةً ولا ذَاتَ عَوَارٍ، [ ولا تَيْسٌ، إلاّ أنْ يَشَاءَ المُصَّدِّقُ].(1) وَفِي الرِّقَّةِ: رُبْعُ الْعُشْرِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا تِسْعِونَ وَمِائَةً: فَلَيْسَ فِيهَا صدقةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. ومَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ: فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ: فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ)) رواه البخاري].اهـ -
حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - الطويل:
__________
(1) زيادة مهمة استدركها من ((البدر التمام)) للمغَربي (ج2 ص312) و((سبل السلام)) للصنعاني (ج2 ص234))، وهي في ((صحيح البخاري)) رقم (1455).(1/35)
أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (1454) من عدّة روايات كـ(رقم: 1448 و1450 و1451 و1453 و1455 و2487 و3106 و5879 و6955).
قلت: والحديث نُقِلَ من ((بلوغ المرام)) لابْنِ حَجَرٍ (600)، ولا توجد في البُخَارِيّ بهذا السياق رواية واحدة، ولكن ابن حَجَرٍ جمع بين الرِّويات التي في صحيح البُخَارِيّ.
وقد سبق ابنَ حَجَرٍ رحمه الله إلى جمع روايات الحديث في نسق واحد أتمّ من هذا الحافظ عبدالغني رحمه الله كما في عِمدة الأحكام الكُبرى (354).
وقوله (السّائِمَةُ) وهي التى ترعى في المباح الحَوْلَ أو أكثَرَهُ، والسَّوْم: إرسال الماشية في الأرض ترعى فيها.
و(السَّوَامُ) و(السّائِمُ) بمعنىً وهو المَالُ الراعي، و(ساَمتِ) الماشيةُ أي رَعَتْ، فهي (سَائِمةٌ) وجمُع (السَّائِم) و(السّائِمةِ) سَوَائِمُ.(1)(2)
قلت: فالسَّائمة، هي التي ترعى دون أن تُعْلَفُ.
قال الأَصْمَعِيُّ رحمه الله: (السَّوامُ والسَّائِمة كل إِبلُ تُرْسَلُ تَرْعى ولا تُعْلَفُ في الأصل، وجَمْعُ السَّائِم والسائِمة سَوائِمُ).(3)
وجاء في صحيح البُخَارِيّ (1454) في أول الحديث قال ثُمامةُ بنُ عبدِاللهِ بنِ أنسٍ(4)
__________
(1) انظر ((مختار الصحاح)) للرازي (ص135) و((المصباح المنير)) للفيومي (ص155) و((والنهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (ج2 ص436) و((المبدع)) لأبي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص311).
(2) وقوله (فِي سَائِمَتِهَا) كما في صحيح البخاري (1454) يدل على أن لا زكاة في المَعْلُوفَة.
انظر ((عمدة القاري)) للعيني (ج7 ص270) و((حاشية بلوغ المرام)) للشيخ ابن باز (ج1 ص373).
(3) انظر ((لسان العرب)) لابن منظور (ج6 ص440).
قلت: والراعية التي لا تُعْلَف. يطلَق أصلاً على الإبل، ثم عمِّم في غيرها من الدَّواب.
(4) ثمامة بن عبدالله بن أنس جده أنس بن مالك - رضي الله عنه - .
انظر ((إرشاد السَّاري)) للقسطلاني (ج3 ص652).(1/36)
أن أنساً - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ أنّ أبا بكرٍ - رضي الله عنه - كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ(1): ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا(2)، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ(3): فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ... الحديث).
وقوله: (هَذِهِ فَرِيَضةُ) الفَرْض: الحَزُّ في الشيء، والفَرْض أيضاً ما أَوْجَبَه اللهُ تعالى سُمِّي بذلك لأنَّ له مَعالمَ وحُدُوداً.ويقال (فَرَض) اللهُ علينا كذا و(افْتَرَضَ) أي أَوْجَبَ، والاسمُ (الفَريضة) و(الفَريضة) أيضاً ما فُرِض في السَّائِمة من الصَّدَقة.(4)
قلت: فالفرض الواجب.
__________
(1) لما وجهه إلى البحرين عاملاً عليها، أي أرسله أميراً عليها.
(2) أي فمن سئل الزكاة من المسلمين حال كونها على وجهها فليعطها على الكيفية المذكورة في الحديث من غير تعد.
(3) أي زائداً على الفريضة المعينة في السن أو العدد فلا يعط الزائد على الواجب.
انظر ((إرشاد السَّاري)) للقسطلاني (ج3 ص652) و((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (ج3 ص470) و((عمدة القاري)) للعيني (ج7 ص269).
(4) انظر ((مختار الصحاح)) للرازي (ص209) و((المصباح المنير)) للفيومي (ص243).(1/37)
وقوله: (هَذِهِ فَرِيضَةُ الصّدقَةِ) الصَّدقة هنا الزَّكاة المَفْروضة، والجمع (صَدَقَاتٌ)، ويقال (تصدَّقْتُ) بكذا أَعْطَيْتُهُ (صَدَقَةً)، والفاعِلُ (مُتَصَدِّقٌ). أي (المُتَصَدِّقٌ) وهو الذي يُعْطي الصَّدَقَةَ، و(المُصّدِّقُ) هو الذي يَأْخُذُ (صَدَقَاتِ) الغَنَمِ.(1)
وقوله (فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ) في صحيح
البخاري (1454): (مِنْ الْغَنَمِ)، أي: تؤخذ الغنم في زكاتها.
وقال ابنُ حَجَرٍ رحمه الله في فتح الباري (ج3 ص319): (قوله (مِنْ الْغَنَمِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ اِبْنِ السَّكَنِ بِإِسْقَاط (مِنْ)، وَصَوَّبَهَا بَعْضُهُمْ. وَقَالَ عِيَاض: مَنْ أَثْبَتَهَا فَمَعْنَاهُ: زَكَاتهَا أَيْ: الْإِبِلِ مِنْ الْغَنَمِ، وَ (مِنْ) لِلْبَيَانِ(2) لَا لِلتَّبْعِيضِ. وَمَنْ حَذَفَهَا فَالْغَنَم مُبْتَدَأ، وَالْخَبَر مُضْمَر فِي قَوْلِهِ (فِي كُلِّ أَرْبَع وَعِشْرِينَ) وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْخَبَرَ لِأَنَّ الْغَرَضَ بَيَان الْمَقَادِير الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاة، وَالزَّكَاة إِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ، فَحَسُنَ التَّقْدِيمُ). اهـ
قلت: إذاً قوله (مِنَ الغَنَمِ) تدفع زكاتها الغنم لا من الإبل.
__________
(1) انظر ((مختار الصحاح)) للرازي (ص151) و((المصباح المنير)) للفيومي (ص175).
(2) أى كلمة (من) بيانية، أي فكان هذا بياناً لابتداء النصاب وقدر الواجب فيه، فأول نصاب الإبل خمس ففي كلّ خمسٍ من الإبل شاةٌ.
وانظر ((عمدة القاري)) للعيني (ج7 ص270) و((حاشية بلوغ المرام)) للشيخ ابن باز (ج1 ص372).(1/38)
فقوله (في كُلِّ أَرْبَعٍ وعِشرِينَ مِنَ الإبلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ: في كُلِّ خَمسٍ شَاةٌ) أي في كلِّ خَمْسٍ من الإبل شَاةٌ.(1)
قلت: ففي أربع وعشرون من الإبل زكاة.
وقوله (فَمَا دُونَهَا) أي فما دون أربع وعشرين، ففي كل خمس شاة.(2)
قلت: فإذا بلغت الإبلُ خمساً ففيها شاةً، ثم في كُلِّ خمسٍ شاة.
ففي الخمس الأولى شاة، وفي العشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث
شياه، وفي العشرين أربع شياه.(3)
قلت: إذاً إذا ملك المسلم خمس ذَوْد من الإبل، وحال عليها الحول، وهي في ملكه وجب عليه فيها شاة من الضأن، أو المعز، وإذا ملك عشراً وجب عليه فيها شاتان، وإذا ملك خمس عشرة وجب عليه فيها ثلاث شياه، وإذا ملك عشرين وجب عليه فيها أربع شياه.(4)
وإليك الدليل:
__________
(1) انظر ((حاشية بلوغ المرام)) للشيخ ابن باز (ج2 ص372) و((عمدة القاري)) للعيني (ج7 ص269) و((إرشاد الساري)) للقسطلاني (ج3 ص652) و((إرشاد السَّالك)) لابن عسكر (ص67) و((كَشَّاف القِنَاع)) للبهُوتي (ج1 ص21).
(2) انظر ((عمدة القاري)) للعيني (ج7 ص269) و((إرشاد الساري)) للقسطلاني (ج3 ص652) و((الشرح الممتع)) لشيخنا الشيخ محمد العثيمين (ج6 ص55).
(3) انظر ((الشرح الممتع)) لشيخنا الشيخ محمد العثيمين (ج6 ص55) و((الفواكِهَ الدَّواني)) للنفراوي (ج1 ص523) و((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص130).
(4) انظر ((الزكاة)) للطيار (ص82) و((المبدع)) لابي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص313) و((الهداية)) للكَلْوذاني (ج1 ص75) و((حاشية العَدَوِي)) (ج1 ص624).(1/39)
1) عَنْ ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - ، كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ: (فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا، مِنْ الْغَنَمِ، مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ...الحديث).
أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (1454) وأَبُو دَاود في سننه (1567) والنَّسَائِي في السُّنن الكبرى (ج3 ص18) وفي السُّنن الصغرى (ج5 ص18) وأحمد في المُسْند (ج1 ص11) وابنُ مَاجَه في سننه (1800) وابَنُ خُزْيَمَة في صحيحه (2261) والَبْيهَقِيّ في السُّنن الكبرى (ج4 ص85) وفي السُّنن الصغرى (ج2 ص44) وفي المعرفة (ج6 ص18) وأَبُو يَعْلَى في المُسْند (127) وابنُ حِبَان في صحيحه (3266) والبَغَويّ في شرح السُّنة (1570) وأبوبكر المَرْوزِيّ في مُسند أبي بكر الصِّديق (70) وابن حزم في المحلى (ج6 ص18) وابن المنذر في الإقناع (ج1 ص167) والجورقاني في الأباطيل والمناكير (ج1 ص68) والحاكم في المُستدرك (ج1 ص390) وابن الجارود في المنتقى (342) والطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج2 ص33) والدَّارَقُطْنِيّ في السنن (ج2 ص114) والقَسْطَلَانِي في إرشاد السّاري (ج3 ص651) وابنُ الجَوْزِيّ في التحقيق (ج5 ص7) والَبزَّارُ في المُسْند (ج1 ص102) وأبو بكر النَّيْسَابُورِيّ في الزيادات على كتاب المُزَنِيّ (ص322 و323) من طريق عن ثُمامة بن عبدالله عن أنس بن مالك به.(1/40)
قلت: فهذا الحديث يبيّن مقدار الزكاة الواجبة في الإبل، فيجب في كل خمس من الإبل شاة.(1)
2) وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ(2) مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ).
أخرجه مُسلم في صحيحه (ج2 ص675) والإسكندراني في الأربعين (ص224) وأبو عوانة في صحيحه (ج3 ص84) وابن خزيمة في صحيحه (2299) والبيهقي في السنن الكبرى (ج4 ص620) وأبو بكر النَّيْسَابورِيّ في الزيادات على كتاب المُزَنِيّ (ص331) والطحاوي في شرح معاني الأثار (ج2 ص35) من طريق أَبِي الزُّبَيْر عِن جابر بن عبدالله به.
وأخرجه الحامض في حديثه (ص261) والبيهقي في السنن الكبرى (ج4 ص120) من طرق عن ابن جابر عن جابر بن عبدالله به.
وإسناده صحيح.
__________
(1) قال العيني رحمه الله في عمدة القاري (ج7 ص272): (وفيه أن ما دون خمس من الإبل لا زكاة فيه، وهذا بالإجماع). اهـ
وإليك الدليل: عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق كَتَبَ له هذا الكتاب لمّا وَجَّهَهُ إلى البحرين وفيه: (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاة).
أخرجه البخاري في صحيحه (1454).
(2) الذَّوْدُ: جماعة الإبل ما بين الثَّلاثِ إلى العَشْر من الإبل، ولا واحد له من لفظه، وإنما يقال للواحد: بعير، كما يقال للواحدة من النساء: المرأة.
وقيل: الذود الواحدُ من الإبل.
انظر ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (ج2 ص52) و((المصباح المنير)) للفيومي (ص111) و((الأربعين)) للآجري (ص146).(1/41)
وأخرجه ابن ماجه في سننه (ج1 ص572) وابن علوان في نُظم اللالئ (ص91) وعبدالرزاق في المصنف (7256) وأبو عوانة في صحيحه (ج3 ص85) من طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبدالله به.
3) وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْإِبِلِ الذَّوْدِ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وفي رواية: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ).(1/42)
أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (1390) و(1413) وفي التاريخ الكبير (ج1 ص140) وأبُو دَاود في سننه (1558) ومَالِك في الموطأ (ج1 ص244) والشَّافِعِيّ في الأم (ج1 ص231) وفي المسند (ص148) وأحمد في المسند (ج3 ص44) ومُسلم في صحيحه (979) ومحمد بن الحسن في الموطأ (ص114) والحامض في حديثه (ص277) وأبو عوانة في صحيحه (ج3 ص83) والحُمَيْديّ في المُسْند (735) وابنُ خُزَيْمَةَ في صحيحه (2263) والطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج2 ص35) والبَغَوِيّ في شرح السُّنة (1569) وعبدالرزاق في المصنَّف (7253) وابن القاسم في الموطأ (ص413) والنَّسَائِي في السُّنن الكبرى (2225) وفي السُّنن الصغرى (ج5 ص17) والتِّرْمِذِيّ في سُننه (627) وابنُ حِبَّان في صحيحه (3275) وأَبُو يَعْلَى في المُسْند (979) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4 ص133) وفي السنن الصُّغرى (ج2 ص53) وفي المعرفة (2214) والقَعْنَبِيّ في الموطأ (ص277) والطَّيَالِسِيّ في المُسْند (2197) وأبو عُبَيْد في الأموال (ص518) وأبو الفضل الزهري في حديثه (ج2 ص554) وابن وهب في الجامع (ص109) وابنُ أَبِي شَيْبَةَ في المصنّف (ج3 ص124) وابن زَنْجويه في الأموال (1608) والدَّارِمِيّ في المُسْند (ج1 ص384) والآجُرِّي في الأربعين (ص146) وابنُ الجَوْزِي في التحقيق (ج5 ص88) وأبو علي المدائني في حديثه (ص145) وابن المنذر في الإقناع (ج1 ص166) والجورقاني في الأباطيل والمناكير (ج1 ص72) وابن عساكر في معجم الشيوخ (ج2 ص760) وفي تاريخ دمشق (ج65 ص262) والزُّبيري في حديثه (ص57) والأصم في حديثه (ص132) وتمام الرازي في الفوائد (ج2 ص131) وابن أخي ميمي في الفوائد (ص41) وابن الجارود في المُنْتقى (340) والحَدَثَانِيّ في الموطأ (ص222) وابن عَدِي في الكامل (ج6 ص241) والخطيب في تاريخ بغداد (ج8 ص337) والطَّبَرَانِي في المعجم الأوسط (4537) وفي المعجم الصغير (658) والدَّارَقُطْنِيّ في السُّنن (ج2(1/43)
ص92) وأبو مُصْعَب الزُّهري في الموطأ (ج1 ص249) والطحاوي في شرح معاني الآثار (ج2 ص34) وابن الدَّبيثي في ذيل تاريخ بغداد (ج1 ص108) والتاج السُّبكي في معجم الشيوخ (ص335) والطُّوسِيّ في مختصر الأحكام (ج3 ص211) ويحيى بن آدم في الخراج (ص135) والشَّحَامِيّ في الزوائد (ج1 ص263) من طرق عن أبي سعيد الخُدري به.(1)
قال الآجُرِّي رحمه الله في الأربعين (ص146): (وقوله (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ) والذودُ الواحدُ من الإبل، فَمَنْ كانت عنده أقَلَّ من خمسِ ذودِ مِن الإبل فليس عليه فيها شيءٌ، فإذا تَمّت خمسةٌ وكانت سائمةً وهي الراعيةُ وحالَ عليها الحولُ من يوم تَمّت خمسةً ففيها شاةٌ إلى تسعٍ..).اهـ
وقال ابن المنذر رحمه الله في الإقناع (ج1 ص165): (دل خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا صدقة فيما دون خمس ذود). اهـ
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ - رضي الله عنه - ، (كَانَ يَأْخُذُ عَلَى هَذَا الكِتَابِ، فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونها الغَنَمِ، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاة، وَفِيَما فَوْقَ ذَلِكَ...).
أثر صحيح
أخرجه ابنُ زَنْجويه في الأموال (ج2 ص805) والطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج4 ص375) وعبدالرزاق في المصنَّف (ج4 ص9) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4 ص87) وابنُ حَزْمٍ في المُحلّى (ج6 ص42) من طرق عن موسى بن عُقبة عن نافع عن ابن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وله حكم الرفع.
__________
(1) وذكره ابن حجر في ((إتحاف المهرة)) (ج5 ص269 و461) وفي ((التلخيص الحبير)) (ج2 ص179) والزيلعي في ((نصب الراية)) (ج2 ص384) وابن عبدالهادي في ((تنقيح التحقيق)) (ج2 ص196).(1/44)
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العُثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (ج6 ص55): (وَفِيَما دُوَن خَمْسٍ وَعِشْرِيَن فِي كُلِّ خمْسٍ شَاةٌ، ففي الخمس الأولى شاة، وفي العَشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياة). اهـ
وقال القَسْطَلَاني رحمه الله في إرشاد الساري (ج3 ص652): (قوله (في أَرْبَعٍ وعِشرِينَ مِنَ الإبلِ) زكاة (فَمَا دُونَهَا) أي فما دون أربع وعشرين (مِنَ الغَنَمِ) يتعلق بالمبتدأ المقدر (مِنَ كُلِّ خَمسٍ) خبر مبتدأ الذي هو (شَاةٌ) وكلمة من للتعليل أي لأجل كل خمس من الإبل). اهـ
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في تسهيل الإلمام (ج3 ص104): (قوله (في كُلِّ أَرْبَعٍ وعِشرِينَ مِنَ الإبلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ: في كُلِّ خَمسٍ شَاةٌ) الإبل إذا كانت دون الخمس والعشرين ففي كلِّ خمس شاة، إذا كان عنده خمس من الإبل ففيها شاة واحد، وإذا كان عنده عشرة ففيها شاتان، وإذا كان عنده خمس عشر من الإبل ففيها ثلاثة، وإذا كان عنده عشرون ففيها أربعة شِياه، فإذا بلغت خمساً وعشرين انتقلت من الغنم إلى الإبل، فصار فيها بنت مخاض). اهـ
وقال ابُن حَجَر رحمه الله في فتح الباري (ج3 ص318): (قوله (في كُلِّ أَرْبَعٍ وعِشرِينَ مِنَ الإبلِ فَمَا دُونَهَا) أي إلى خمس)(1). اهـ
__________
(1) وإن كانت الأربع الزائدة على العشرين وقصاً.
قلت: والوَقَصُ: بفتحتين، وقد تُسَكَّنُ القاف: وهو ما بين الفريضتين من نُصُب الزكاة مما لا شيءَ فيه، نحو ما بين العَشر إلى الأربع عشرة من الإبل.
وانظر ((المصباح المنير)) للفيومي (ص344) و((فتح الباري)) لابن حجر (ج3 ص319) و((القوانين الفقهية)) لابن جُزَيّ (ص130).
قلت: والوقص عفو، فلا شيء فيما دون خمسٍ من الإبل.
وانظر ((السيل الجرار)) للشوكاني (ج1 ص764) و((الفواكِة الَدَّواني)) للنفراوي (ج1 ص523).(1/45)
وقال ابن شاس رحمه الله في عِقد الجواهر الثمينة (ج1 ص198): (أما الإبل ففي أربع وعشرين فما دونها الغنم، ففي كل خمس شاة). اهـ
وقال ابُن جُزَيّ رحمه الله في القوانين الفقهية (ص130): (المسألة الأولى: في زكاة الإبل: ولا زكاة فيما دون خَمْسٍ، وفي الخمس: شاةٌ إلى تسعة، وفي العَشْرِ: شاتان إلى أربع عشرة، وفي خمس عشرة: ثلاثُ شياهٍ إلى تسع عشرة، وفي عشرين: أربعُ شياهٍ إلى أربعٍ وعشرين، ثم تزول الغنم فيُؤْخذ من الإبل، ففي خمسٍ وعشرين: بنت مخاض). اهـ
وقال ابن عبدالبر رحمه الله في الكافي (ص104): (باب: زكاة الإبل: في خمس من الإبل شاة ولا شيء فيما دون الخمس منها فإذا بلغتها ففيها شاة بحلول الحول عليها في ملك مالكها إلى تسع، وفي عشر: شاتان إلى أربع عشرة، وفي خمس عشرة ثلاث شياهٍ إلى تسع عشرة، وفي عشرين أربع شياهٍ إلى أربع وعشرين). اهـ
وقال القَيْرَوَانيّ رحمه الله في رسالته (ج1 ص522): (ولا زكاةَ مِنَ الإبل في أقل من خمْسٍ ذَوْدٍ وهي خَمْسٌ من الإبل ففيها شاةٌ جَذَعةٌ(1) أو ثَنِيَّةٌ(2) مِنْ جُلِّ غَنَمِ أهلِ ذلكَ البلد من ضَأنٍ أو مَعْزٍ إلى تِسْعٍ، ثم في العَشْر: شاتان إلى أَرْبعةَ عَشَرَ، ثم في خَمْسَةَ عَشَرَ ثلاثُ شِيَاهٍ إلى أربعٍ وعشرين). اهـ
__________
(1) الجَذَعَة من الغنم: هي ما أوفت سنة، ودخلت في الثانية.
(2) الثَّنِيّة من الغنم: ما دخلت في السنة الثانية دخولاً بيّناً.
انظر ((الثمر الدَّاني في تقريب المعاني)) للأزهري (ص205) و((الفواكِه الدَّواني)) للنَّفْراوي (ج1 ص523) و((المصباح المنير)) للفيومي (ص53).
قلت: وتطلق الشاة على الضَّأن والمعز، والضَّأن: ذواتُ الصُّوف من الغنم.
انظر ((رسالة ابن أبي زيد القيرواني)) (ص205) و((المصباح المنير)) للفيومي (ص189).(1/46)
وقال بُرهان الدين ابن مُفْلح رحمه الله في المُبْدع (ج2 ص312) عن الإبل: (ووجوب الزكاة فيها مما أجمع عليه علماء الإسلام، ولا زكاة فيها حتى تبلغ خمساً، وهي أقل نصابها، فتجب فيها شاة إجماعاً). اهـ
وقال ابن الصَّوَّاف رحمه الله في الخِصال الصّغير (ص45): (ونصاب الماشية في الإبل خمس ذود، ولا شي فيما دون ذلك، ففي كل خمسٍ شاةٌ إلى أربع وعشرين). اهـ
وقال المَحاملِيّ رحمه الله في اللُّباب (ص54): (فأما زكاة الإبل ففي خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه). اهـ
قلت: إذاً ليس فيما دونَ خمسٍ من الإبلِ صدقةٌ، ولا في الأربع شيءٌ، فإذا بلغَتْ خَمسْاً، ففيها شاةٌ، إلى أَنْ تَبْلُغَ تسعاً، فإذا بَلَغَتْ عَشْراً، ففيها شاتانِ، إلى أنْ تبلُغَ أربعَ عشرةَ، فإذا بَلَغَتْ خمسَ عشرةَ، ففيها ثلاثُ شياهٍ، إلى أن تَبْلُغَ تسعَ عشرةَ، فإذا بَلَغَتْ عِشرينَ، ففيها أَرْبَعُ شياهٍ إلى أن تَبْلُغَ أربعاً وعِشْرينَ، فإذا بَلَغَتْ خمساً وعِشْرينَ، ففيها بنتُ مخاض.
فائدة: مسألة: إذا لم يجد المصدق السن التي تجب الأخذ، أخذ قيمتها، فإنه أيسر على الناس.(1)
قال الأوزاعي رحمه الله: (إذا لم يجد السن التي يجب أخذ قيمتها).
أثر حسن
أخرجه أبو عبيد في الأموال (ج2 ص16) وابن زنجويه في الأموال (ج2
ص815) من طريق هشام بن إسماعيل الدمشقي عن محمد بن شعيب بن شابور قال سمعت الأوزاعي يقول: فذكره.
قلت: وهذا سنده حسن.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: (فإن لم تكن السن التي تليها، وكانت السن التالية فوق التي تليها، فإنه لا يحسب بذلك، ولكن يأخذ القيمة).
أثر صحيح
أخرجه ابن زنجويه في الأموال (ج2 ص815) من طريق سفيان بن عبدالملك عن ابن المبارك عن سفيان به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
__________
(1) وكذلك إذا أراد المصدق أن يدفع بعيراً عن ذلك فلا بأس، إذا لم يوجد إلا هذا، وهذا أنفع للمحتاجين.(1/47)
فمثل هذه الحالة تقدر القيمة؛ لأن ذلك أسهل على المالك، وأنفع للمحتاج.(1)(2)
ولأن المقصود من الزكاة إغناء الفقير، وسد حاجة المحتاج، وهذا يتحقق بأداء القيمة في هذه الحالة، ولأن إعطاء القيمة أهون على الناس، وأيسر عليهم.
والعبد لا يكلف إلا بوسعه.
قال تعالى: { ںw ك#دk=s3çR $²،ّےtR wخ) $ygyèَ™مr } [الأنعام:152].
وقال تعالى: { ںw ك#دk=s3مƒ ھ!$# $²،ّےtR wخ) !$tB $yg8s?#uن } [الطلاق:7].
وقال تعالى: { ںw ك#¯=s3è? ëّےtR wخ) $ygyèَ™مr } [البقرة:233].
قلت: إذاً إذا عدم الواجب جاز إخراج القيمة.
مسألة: إذا كان النصاب كله ذكوراً، أخرج منه لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله.
قال تعالى: { ںw ك#دk=s3مƒ ھ!$# $²،ّےtR wخ) !$tB $yg8s?#uن } [الطلاق:7].
وقال تعالى: { ںw ك#¯=s3è? ëّےtR wخ) $ygyèَ™مr } [البقرة:233].
__________
(1) يعني إعطاء الدراهم أنفع للمحتاج، وتقويمها بالدراهم أسهل على المالك.
(2) وانظر ((المجموع)) للنووي (ج5 ص401) و((بدائع الصنائع)) للكاساني (ج2 ص25) و((حاشية ابن عابد)) (ج3 ص250).(1/48)