وإن كانت أمة مزوجة ولها ابن موسر فاشتراها
فصل : وإذا كانت أمة مزوجة ولها ابن موسر فاشتراها هو وزوجها وهي حامل منه صفقة واحدة عتق نصيب الابن من أمه وسرى إلى نصيب الزوج ويقوم عليه وعتق الحمل عليهما معا لأنه ابن الزوج وأخو الابن ولا يجب أحدهما على الآخر شيء منه لأنه عتق عليهما في حال واحدة ولو كانت المسألة بحالها فوهبت لهما أوصي لهما بها فقبلاها في حالة واحدة فكذلك وإن قبلها أحدهما قبل الآخر نظرنا فإن قبل الابن أولا عتقت عليه الأم وحملها حصته من الأم بالملك وتبعها حصته من الحمل وسرى العتق إلى الباقي من الأم والولد وعليه قيمة باقيهما للزوج وإن قبل الزوج أولا عتق عليه الحمل كله نصيبه بالملك وباقيه بالسراية وقوم عليه ثم إذا قبل الابن عتقت عليه الأم كلها و يتقاصان ويرد كل واحد منهما الفضل على صاحبه ومن قال في الوصية إن الملك لا يثبت فيها بالموت فالحكم فيه كما لو قبلاها دفعة واحدة (12/270)
حكم ما لو كان لرجل نصف عبدين تساوين في لقيمة فأعتق أحدهما
فصل : وإذا كان لرجل نصف عبدين متساويين في القيمة لا يملك غيرهما فأعتق أحدهما في صحته عتق وسرى إلى نصيب شريكه لأنه موسر بالنصف الذي له من العبد الآخر فإن أعتق النصف الآخر من العبد الآخر عتق لأنه وجوب القيمة في ذمته لا يمنع صحة عتقه ولو يسر لأنه معسر وإن أعتق الأول في مرض موته لم يسر لأنه إنما ينفذ عتقه في ثلث ماله وثلث ماله هو الثلث من العبد الذي أعتق نصفه فإذا أعتق الثاني وقف على إجازة الورثة وإن أعتق الأول في صحته وأعتق الثاني في مرضه لم ينفذ عتق الثاني لأن عليه دينا يستغرق قيمته فيمنع صحة عتقه إلا أن يجيز الورثة (12/271)
حكم ما لو شهد الشاهدين على رجل أنه اعتق شركا له في عبد
فصل : إذا شهد شاهدان على رجل أنه أعتق شركا له في عبد فسرى إلى نصيب الشريك وغرم له قيمة نصيبه ثم رجعا عن الشهادة غرما قيمة العبد جميعه
وقال بعض أصحاب الشافعي : تلزمهما غرامة نصيبه دون نصيب شريكه لأنهما لم يشهدا إلا بعتق نصيبه فلم تلزمهما غرامة ما سواه
ولنا أنهما فوتا نصيبه وقيمة نصيب شريكه فلزمهما ضمانه كما لو فوتاه بفعلهما وكما لو شهدا عليه بجرح ثم سرى الجرح ومات المجروح فضمن الدية ثم رجعا عن شهادتهما (12/271)
حكم ما لو شهد شاهدان على ميت بعتق عبد
فصل : وإن شهد شاهدان على ميت بعتق عبد في مرض موته وهو ثلث ماله فحكم حاكم بشهادتهما وعتق العبد ثم شهد آخران بعتق آخر وهو ثلث ماله ثم رجع الأولان عن الشهادة نظرنا في تاريخ شهادتهما فإن كانت سابقة ولم تكذب الورثة رجوعهما عتق الأول ولم يقبل رجوعهما ولم يغرما شيئا ويحتمل أن يلزمهما شراء الثاني وإعتاقه لأنهما منعا عتقه بشهادتهما المرجوع عنها وإن صدقوهما في رجوعهما وكذبوهما في شهادتهما عتق الثاني ورجعوا عليهما بقيمة الأول لأنهما فوتا رقه عليهم بشهادتهم المرجوع عنها وإن كان تاريخها متأخرا عن الشهادة الأخرى بطل عتق المحكوم له بعتقه لأننا تبينا أن الميت قد أعتق ثلث ماله قبل إعتاقه ولم يغرم الشاهدان شيئا لأنهما ما فوتا شيئا وإن كانتا مطلقتين أو إحداهما أو اتفق تاريخهما أقرع بينهما فإن خرجت على الثاني عتق وبطل عتق الأول ولا شيء على الشاهدين لأن الأول باق على الرق وإن خرجت قرعة الأول عتق نظرنا في الورثة فإن كذبوا الشاهدين الأولين في شهادتهما عتق الثاني ورجعوا على الشاهدين بقيمة الأول لأنهما فوتا رقه بغير حق فإن كذبوهما في رجوعهما لم يرجعوا عليهما بشيء لأنهم يقرون بعتق المحكوم بعتقه (12/272)
حكم ما لو كان ثلاثة أعبد فأعتقهم في مرض موته
مسألة : قال : وإذا كان له ثلاثة أعبد فأعتقهم في مرض موته أو دبرهم أو دبر أحدهم وأوصى بعتق الآخرين ولم يخرج من ثلثه إلا واحد لتساوي قيمتهم أقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن وقع له سهم الحرية عتق دون صاحبيه
وجملة ذلك أن العتق في مرض الموت والتدبير بالعتق يعتبر خروجه من الثلث لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجز من عتق الذي أعتق ستة مملوكين في مرضه إلا ثلثهم ولأنه تبرع بمال أشبه الهبة فإن أعتق أكثر من الثلث لم يجز إلا الثلث فإن أعتق عبيدا في مرضه واحدا بعد واحد بدئ بالأول فالأول حتى يستوفي الثلث وإن وقع العتق دفعة واحدة لم يخرجوا من الثلث أقرع بينهما فأخرج الثلث بالقرعة ومسألة الخرقي فيما إذا وقع العتق دفعة واحدة ولم يكن له ماله سواهم
وأما إن دبرهم استوى المقدم والمؤخر لأن التدبير عتق معلق بشرط وهو الموت والشرط إذا وجد ثبت المشروط به في وقت واحد وكذلك الوصي بعتقه يستوي وهو والتدبير لأن الجميع عتق بعد الموت فمتى أعتق ثلاثة أعبد متساوين في القيمة هم جميع ماله دفعة واحدة أو دبرهم أو وصى بعتقهم أو دبر بعضهم بعتق باقيهم ولم يجز الورثة أكثر من الثلث أقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق صاحباه وبهذا قال عمر بن عبد العزيز وابان بن عثمان ومالك مالك و إسحاق و داود و ابن جرير
وقال أبو حنيفة : يعتق منكل واحد ثلثه ويستسعى في باقيه وروى نحو هذا عن سعيد بن مسيب وشريح و النخعي و قتادة و حماد لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون في الاستحقاق كما كان يملك ثلثهم وحده وهو ثلث ماله أو كما له أوصى بكل واحد منهم لرجل وأنكر أصحاب أبي حنيفة القرعة وقالوا : هي القمار وحكم الجاهلية ولعلهم يردون الخبر الوارد في هذه المسألة لمخالفته قياس الأصول وذكر الحديث لحماد فقال : هذا قول الشيخ - يعني إبليس - فقال له يا محمد بن ذكوان : وضع القلم عن ثلاثة أحدهم المجنون حتى يفيق - يعني أنه مجنون - فقال له حماد ما دعاك إلى هذا ؟ فقال محمد : أنت فما دعاك إلى هذا ؟ وهذا قليل في جواب حماد وكان حريا أن يستتاب عن هذا فإن تاب وإلا ضربت عنقه
ولنا ما روى عمران بن الحصين [ أن رجلا من الأنصار أعتق ستة مملوكين في مرضه لا مال غيرهم فجزاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ستة فأعتق اثنين وأرق أربعة ] وهذا نص في محل النزاع وحجة لنا في الأمرين المختلف فيهما وهما جمع الحرية واستعمال القرعة وهو حديث صحيح ثابت رواه مسلم و أبو داود وسائر أصحاب السنن ورواه عن عمران بن الحصين الحسن وابن سيرين وأبو المهلب ثلاثة أئمة ورواه الإمام أحمد عن إسحاق بن عيس عن هشيم عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي زيد الأنصاري عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال أحمد : أبو زيد الأنصاري رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وروي نحوه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ولأنه حق في تفريقه ضرر فوجب جمعه بالقرعة كقسمة الإجبار إذا طلبها أحدج الشريكين ونظيره من القسمة ما لو كانت دار بيت أثنين لأحدهما ثلثها وللآخر ثلثها وفيها ثلاثة مساكن متساوية لا ضرر في قسمتها فطلب أحدهما القسيمة فإنه يجعل كل بيت سهما ويقرع بينهم بثلاثة أسهم لصاحب الثلث سهم وللآخر سهمان
وقولهم إن الخبر قياس الأصول نمنع ذلك بل هو موافق له لما ذكرناه وقياسهم فاسد لأنه إذا كان ملكه ثلثهم وحده لم يمكن جمع نصيبه والوصية لا ضرر في تفريقها بخلاف مسألتنا وإن سلمنا مخالفته قياس الأصول فقول رسول الله صلى الله عليه و سلم واجب الإتباع سواء وافق القياس أو خالفه لأنه قول المعصوم الذي جعل الله تعالى قوله حجة على الخلق أجمعين وأمرنا بإتباعه وطاعته وحذر العقاب في مخالفة أمره وجعل الفوز في طاعته والضلال في معصيته وتطرق الخطأ إلى القائس أغلب من تطرقه الخطأ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم والأئمة بعدهم في روايتهم على أنهم قد خالفوا قياس الأصول بأحاديث ضعيفة فأوجبوا الوضوء بالنبيذ في السفر دون الحضر ونقضوا الوضوء بالقهقهة في الصلاة دون خارجها وقولهم في مسألتنا في مخالفة القياس والأصول أشد وأعظم والضرر في مذهبهم أعظم وذلك لأن الإجماع منعقد على أن صاحب الثلث في الوصية وما في معناها لا يحصل له شيء حتى يحصل للورثة مثلاه وفي مسألتنا يعتقون الثلث ويستسعون العبد في الثلثين فلا يحصل للورثة شيء في الحال أصلا وربما لا يحصل منها في الشهر إلا الدرهم أو درهمان فيكون هذا في حكم من لم يحصل له شيء وفيه ضرر على العبيد لأنهم يجيزونهم على الكسب والسعاية عن غير اختيار منهم وربما كان المجبر على ذلك جارية فيحملها ذلك البغاء أو عبيدا فيسرق أو يقطع للطريق وفيه ضرر على الميت حيث أفضوا بوصيته إلى الظلم والإضرار وتحقيق ما يوجب له العقاب من ربه والدعاء عليه من عبيد وورثته وقد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي ذكرنا في حق الذي فعل قال [ لو شهدته لم يدفن في مقابر المسلمين ] قال ابن عبد البر في قول الكوفيين ضروب من الخطأ والاضطراب مع المخالفة قال الله تعالى { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مري } وقال تعالى { فساهم فكان من المدحضين } وأما السنة فقال أحمد : وفي لقرعة خمس سنن أقرع بين نسائه و [ أقرع في ستة مملوكين وقال لرجلين استهما ] وقال : [ مثل القائم على حدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ] وقال : [ لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لا ستهموا عليه ] وفى الحديث الزبير أن صفيه جاءت بثوبين ليكفن فيهما حمزة رضي الله عنه فوجدنا إلى جنبه قتيلا فقلنا لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر فأقرعنا عليهما ثم كفنا كل واحد في الثوب الذي صار له وتشاج الناس يوم القادسيه في الأذان فأقرع بينهم سعد وأجمع العلماء على استعمالها في القسمة ولا أعلم بينهم خلافا في أن الرجل يقرع بين نسائه إذا أراد السفر بأحدهن وإذا أراد البداية بالقسمة بينهن وبين الأولياء إذا تساووا وتشاحوا يتولى التزويج أو من يتولى استيفاء القصاص وأشباه هذا (12/273)
كيفية القرعة والعتق
في كيفية القرعة قال أحمد : قال سعيد بن جبير : يقرع بينهما بالخواتيم أقرع بين اثنين في ثوب فأخرج خاتم هذا وخاتم هذا ثم قال يخرجون بالخواتيم ثم تدفع إلى رجل فيخرج منها واحدا وقال أحمد : بأي شيء خرجت ما يتفقان عليه وقع الحكم به سواء كان رقاعا أو خواتيم قال أصحابنا المتأخرين : الأولى أن يقطع رقاعا صغارا متساوية ثم تلقى في حجر رجل لم يحضر أو يعطى عليها بثوب ثم يقال له : أدخل فأخرج ببندقية فينفضها ويعلم ما فيها وهذا قول الشافعي وفي كيفية القرعة ست مسائل
المسألة الأولى : أن يعتق عددا من العبيد لهم ثلث صحيح كثلاثة أو ستة أو تسعة قيمتهم متساوين ولا مال له غيرهم فيخرجون ثلاثة أجزاء جزءا للحرية وجزأين للرق وتكتب ثلاث رقاع في واحدة حرية وفي اثنين رق ويترك في ثلاثة بنادق وتغطى بثوب ويقال لرجل لم يحضر أخرج على أسم هذا الجزء فإن خرجت قرعة الحرية عتق ورق الجزءان الآخران وإن خرجت قرعة رق وأخرجت أخرى على جزء أخر فإن خرجت قرعة الرق رق وعتق الجزء الثالث لأن الحرية تعينت فيهم وإن شئت كتبت اسم الجزء في رقعة ثم أخرجت رقعة على الحرية فإذا خرجت رقعة على الحرية عتق المسمون فيها رق والباقون وإن خرجت رقعة ثم أخرجت على الرق رق المسمون فيها ثم تخرج أخرى على الرق فيرق المسمون فيها ويعتق الجزء الثلث وإن خرجت الثانية على الحرية عتق المسمون فيها دون الثالث
المسألة الثانية : إن تمكن قسمتهم وقيمتهم مختلفة يمكن تعديلهم بالقيمة كستة قيمة اثنين منهم ثلاثة آلاف وقيمة اثنين ألفا وقيمة اثنين ألف ألف فيجعل الاثنين الأوسطيين جزءا ويجعل اثنين قيمة أحدهما ثلاثة آلاف مع قيمة ألف جزءا والآخران جزءا فيكونون ثلاثة أجزاء متساوية في العدد والقيمة على ما قدمنا في المسألة الأولى قيل لأحمد لم يستووا في القيمة ؟ قال يقومون بالثمن
المسألة الثالثة : يكونون متساوين في العدد مختلفين في القيمة ولا يمكن الجمع بين تعديلهم بالعدد والقيمة معا ة ولكن يمكن تعديلهم بكل واحد منهما منفردا كستة أعبد قيمة أحدهم ألف وقيمة الثاني ألف وقيمة الثالث ألف فإنهم يعدلون بالقيمة دون العدد نص عليه أحمد وقال : إذا كانت قيمة واحد مثل اثنين قوم لأنه لا يجوز أن يقع العتق في أكثر من الثلث ولا أقل وفي قسمتهم بالعدد تكرار القرعة وتبعيض العتق حتى الثلث فكان التعديل بالقيمة أولى بيان ذلك أننا لو جعلنا الذي قيمته ألف آخر فخرجت قرعة الحرية لهما احتجا أن نعيد القرعة بينهما فإذا خرجت على القليل القيمة عتق وأعتق من الذي قيمته ألف تمام الثلث
وإن وقعت قرعة الحرية على لثنين قيمتهما دون الثلث عتقا ثم أعيدت لتكميل الثلث فإذا وقعت على واحد كملت الحرية منه فحصل ما ذكرناه من التبعيض والتكرار ولأن قسمتهم بين المشتركين فيهم إنما يعدلون فيها بالقيمة دون الأجزاء فعلى هذا يجعل الذي قيمته ألف جزءا والاثنين اللذين قيمتهما ألف جزءا والثلاثة الباقين جزءا ثم يقرع بينهم على ما ذكرنا
المسألة الرابعة : أمكن تعديلهم بالقيمة دون العدد كسبعة قيمة أحدهم ألف وقيمة اثنين ألف وقيمة أربعة ألف فيعدلون بالقيمة دون العدد كما ذكرنا
المسألة الخامسة : أمكن تعديلهم بالعدد دون القيمة كستة أعبد قيمة اثنين ألف وقيمة اثنين سبعمائة وقيمة اثنين خمسمائة فهل هنا نجزئهم بالعدد لتعذر تجزئهم بالقيمة فيجعل كمل اثنين جزءا ويضم كل واحد ممن قيمتهم قليلة إلى الحد ممن قيمتهما كثيرة ويجعل المتوسطين جزءا ويقرع بينهم فإن وقعت قرعة الحرية على جزء قيمته أكثر من الثلث أعيدت القرعة بينهما فيعتق من تقع له قرعة الحرية ثم يكمل الثلث من الباقين بالقرعة
المسألة السادسة : لم يمكن تعديلهم بالعدد ولا بالقيمة كخمسة أعبد قيمة أحدهم ألف واثنان ألف واثنان ثلاثة آلاف احتمل أن يجزئهم ثلاثة أجزاء فيجعل أحدهم أكثر قيمة جزءا ويضم إلى الثاني كثير القيمة أقل من الباقين قيمة ويجعلهما جزءا ويقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق لأن هذا اقرب إلى ما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم ويعدل الثلث بالقيمة على ما تقدم واحتمل أن لا يجزئهم بل تخرج القرعة على واحد واحد حتى يستوفي الثلث فيكتب خمس رقع بأسمائهم ثم يخرج رقعة على الحرية فمن خرج اسمه فيها عتق ثم يخرج الثانية فمن خرج اسمه فيه اعتق منه تمام الثلث وإن كانوا ثمانية قيمتهم سواء ففيهم ثلاثة أوجه أحدهما : أن يكتب ثمانية رقاع بأسمائهم ثم يخرج على الحرية رقعة بعد أخرى حتى يستوفى الثلث والثاني أن يجزئهم أربعة أجزاء ثم يقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق قمن خرج له بسهم الحرية عتق ثم يقرع بين الستة بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج له سهم الحرية أعيدت بينهما فمن خرج له سهم الحرية أعيدت بينهما فمن خرج له سهم الحرية كمل الثلث منه والثالث : أن يجزئهم ثلاثة أجزاء وثلاثة وثلاثة اثنان ويقرع بينهما بسهم حرية وسهمي رق فإن خرج سهم الحرية للاثنين عتقا وكمل الثلث بالقرعة من الباقين وإن خرجت لثلاثة أقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق وذكر هذين الوجهين الآخرين أبو الخطاب وروي عن أحمد خمسة أو أربعة يجعل أكثرهم قيمة مكان اثنين إن كانا قيمة وإلا أقرع بين ثلاثة قيمتهم واحدة ثم يقرع بين الذي بقي والذي تصيبه القرعة ينظر ما بقي من قيمته الثلث فيعتق حصته فإن كان جميع ماله عبدين أقرعنا بينهما بسهم رق على كل حال (12/277)
إذا كان لمعتق مال غير العبد
فصل : وإن كان للمعتق مال غير العبد مثلا قيمة العبيد أو أكثر عتق العبيد كلهم لخروجهم من الثلث وإن كان أقل من مثليهم عتق من العبيد قدر ثلث المال كله فإذا كان العبيد كلهم نصف المال عتق ثلثاهم وإن كانا ثلثي المال عتق نصفهم وإن كانوا ثلاثة أرباعه عتق أربعة أتساعهم وطريقة أن تضرب قيمة العبد في ثلاثة ثم تنسب إليه مبلغ التركة فما خرج بالنسبة عتق من العبيد مثلها فإذا كان قيمة العبد ألفا وباقي التركة ألف ضربت قيمة العبد في ثلاثة تكن ثلاثة آلاف ثم تنسب إليها الألفين تكن ثلثها فيعتق ثلثاهم وإن كان قيمة العبد ثلاثة آلاف وباقي التركة ألف ضربت قيمتهم في ثلاثة تكن تسعة آلاف تنسب إليها التركة كلها تكن أربعة أتساعها وإن كان قيمتهم أربعة آلاف وباقي التركة ألف ضربت قيمتهم في ثلاثة تكن اثني عشر ألفا ونسبت إليها خمسة آلاف تكن ربعها وسدسها فيعتق من العبيد ربعهم وسدسهم (12/280)
إذا كان على الميت دين يحيط بالتركة
فصل : وإن كان على الميت دين يحيط بالتركة لم يعتق منهم شيء وإن كان يحيط ببعضها قدم الدين لأن العتق وصية وقد قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الدين قبل الوصية ولأن قضاء الدين واجب وهذا تبرع وتقديم الواجب متعين وإن كان الدين بقدر نصف العبيد جعلوا جزأين وكتبت رقعتان رقعة للدين ورقعة للتركة وتخرج واحدة منهما على أحد الجزأين فمن خرجت عليه رقعة الدين بيع فيه وكان الباقي من جميع التركة يعتق ثلثهم بالقرعة على ما تقدم وإن كان الدين بقدر ثلثهم كتبت ثلاث رقاع رقعة للدين واثنتان للتركة وإن كان بقدر ربعهم كتب أربع رقاع رقعة للدين وثلاثة للتركة ثم يقرع بين من خرجت له رقاع التركة وإن كتب رقعة للدين ورقعة للحرية ورقعتان للتركة جاز وقيل لا يجوز لئلا تخرج رقعة الحرية قبل قضاء الدين والأول أصح لأنه إنما يمنع من العتق قبل قضاء الدين إذا لم يكن له وفاء فأما إذا كان له وفاء لم يمنع منه بدليل ما لو كان العتق في أقل من ثلث الباقي بعد وفاء الدين فإنه لا يمنع من العتق قبل وفائه (12/281)
حكم ما لو أعتق في مرض موته ثلاثة لا يملك غيرهم أو دبر الثلاثة
فصل : وإذا أعتق في مرض موته ثلاثة لا يملك غيرهم أو واحدا منهم غير معين فمات أحدهم أقرعنا بين الميت والأحياء فإن وقعت على الميت حسبناه من التركة وقومناه حين الإعتاق سواء مات في حياة سيده أو بعده قبل القرعة وبهذا قال الشافعي وقال مالك : إن مات قبل موت سيده أقرعنا بين الحيين لأنهما جميع التركة ولهذا لا يعتق إلا ثلثهما ولا يعتبر الميت لأنه ليس بمحسوب من التركة ولأنه لو اعتق الحيين بعد موته لأعتقنا ثلثهما
ولنا أن الميت أحد المعتقين فوجب أن يقرع بينه وبينهم كما لو مات بعد سيده ولأن المقصود تكميل الأحكام وحصول ثواب العتق ويحصل هذا في الميت فوجب أن يدخل في القرعة كما لو مات بعد سيده فأما إن وقعت القرعة على الحي نظرنا في الحي فإن كان الميت مات قبل موت السيد أو بعده قبل قبض الوارث له لم نحسبه من التركة لأنه لم يصل إلى الوارث فتكون التركة الحيين فيخرج ثلثهما ممن وقعت عليه القرعة وتعتبر قيمته حين الإعتاق لأنه حين إتلافه وتعتبر قيمة التركة بأقل الأمرين من حين الموت إلى حين قبض الوارث لأن الزيادة فائدة تجددت على ملك الوارث فلا تحسب عليه من التركة والنقصان قبل القبض لم يحصل له ولم ينتفع به فأشبه الشارد والآبق وإنما يحسب عليه ما حصل في يده ولا يحسب الميت من التركة لأنه ما وصل إلى الورثة فيكمل ثلث الحيين ممن وقعت عليه القرعة وإن كان موته بعد قبض الورثة حسب من التركة لأنه وصل إليهم وجعلناه كالحي في تقويمه معهم والحكم بإعتاقه إن وقعت عليه القرعة أو من الثلثين إن وقعت القرعة على غيره وتحسب قيمته أقل الأمرين من حين موت سيده إلى حين قبضه ونحو هذا قال الشافعي
فصل : وإن دبر الثلاثة أو وصى بعتقهم فمات أحدهم في حياته بطل تدبيره والوصية فيه وأقرع بين الحيين فأعتق من أحدهما ثلثهما لأن الميت لا يمكن الحكم بوقوع العتق فيه لكونه مات قبل الوقت الذي يعتق فيه وقبل أن يتحقق شرط العتق بخلاف التي قبلها فإن العتق حصل من حين الإعتاق وإنما القرعة تنبيه وتكشفه ولهذا يحكم بعتقه من حين الإعتاق حتى يكون كسبه له وحكمه حكم الأحرار في سائر أحواله وإن مات المدبر بعد موت سيده أقرع بينه وبين الأحياء لأنه قد حصل العتق من حين موت السيد (12/282)
حكم ما لو قال في مرض موته أحدكم حرا وكلكم حر
مسألة قال : ولو قال لهم في مرض موته أحدكم حرا أو كلكم حر ومات فكذلك
أما إذا قال لهم كلكم حر فهي المسألة التي تقدمت وشرحناها وأما إذا قال أحدكم حر فإنه يقرع بينهم فيخرج أحدهم بالقرعة فيعتق ويرق الباقون وسواء كان للميت مال سواهم أو لم يكن إذا كان يخرج من الثلث وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ولو كان المعتق حيا ولم ينو واحد بعينه لم يكن له التعيين وأعتق أحدهم بالقرعة وإن قال : أردت واحدا منهم بعينه قبل منه وتعينت الحرية فيه وقال أبو حنيفة و الشافعي : له تعيين أحدهم فيعتق من عينه وإن لم يكن نواه حالة القول ويطالب المعتق بالتعيين فإذا عين أحدهم تعين حسب اختياره ولم يكن لسائر العبيد الاعتراض عليه لان تعيين العتق ابتداء فإذا أوقعه غير معين كان له تعيينه كالطلاق
ولنا أن مستحق العتق غير معين يملك تعيينه كما لو أعتق الجميع في مرضه ولم يخرجوا من الثلث وكما لو أعتق معينا ثم نسيه والطلاق كمسألتنا فأما إن مات المعتق ولم يعين فالحكم عندنا لا يختلف وليس للورثة التعيين بل يخرج المعتق بالقرعة وقد نص الشافعي على هذا إذا قالوا لا ندري أيهم أعتق وقال أبو حنيفة : لهم التعيين لأنهم يقيمون مقام موروثوهم وقد سبق الكلام في المعتق (12/283)
حكم ما لو اعتق إمائه ثم وطئ إحداهن
فصل : ولو أعتق إحدى إمائه ثم وطئ إحداهن لم يتعين الرق فيها وبهذا قال أبو حنيفة و قال الشافعي يتعين الرق فيها لأن الحرية عنده تتعين بتعيينه ووطؤه دليل عل تعيينه وقد سبق الكلام على هذا الأصل ولأن المعتقة واحدة فلم تتعين بالوطء كما لو أعتق واحدة ثم نسيها (12/283)
إذا أعتق واحدا في عينه ثم نسبه
فصل : وإذا أعتق واحد بعينه ونسيه فقياس قول أحمد أن يعتق أحدهم بالقرعة وهذا قول الليث وقال الشافعي يقف الأمر حتى يذكر فإن مات قبل أن يتبين أقرع الورثة بينهم وقال ابن وهب يعتقون كلهم
وقال مالك إن أعتق عبدا له ومات ولم يبين فكانوا ثلاثة عتق منهم بقدر ثلثهم وإن كانوا أربعة عتق منهم بقدر ربع قيمتهم وعلى هذا فيقرع بينهم فإن خرجت القرعة على من قيمته اقل من الربع أعيدت القرعة حتى تكمل
وقال أصحاب الرأي إن قال الشهود : نشهد أن فلانا أعتق أحد عبيده ولم يسم عتق ثلث كل واحد منهم وسعى في باقيه أو ربع كل واحد منهم إن كانوا أربعة وإن قالوا نشهد أن فلانا أعتق بعض عبيده ونسيناه فشهادتهم باطلة ونحو هذا قول الشعبي و الأوزاعي ولم يذكروا ما ذكره أصحاب الرأي في الشهادة
ولنا أن مستحق العتق غير معين فأشبه ما لو عتق جميعهم في مرض موته فإن أقرع بينهم فخرجت القرعة لواحد ثم قال المعتق ذكرت أن المعتق غيره ففيه وجهان :
أحدهما : يرد الأول إلى الرق ويعتق الذي عينه لأنه تبين له المعتق فعتق دون غيره كما لو لم يقرع
والثاني : يعتقان معا وهو قول الليث ومقتضى قول ابن حامد لأن الأول ثبتت الحرية فيه بالقرعة فلا تزول كسائر الأحرار ولأن قول المعتق ذكرت من كنت نسيته يتضمن إقرار عليه بحرية من ذكره وإقرارا على غيره فقبل إقراره على نفسه ولم يقبل على غيره وأما إذا لم يقرع فإنه يقبل قوله فيعتق من عينه ويرق غيره فإذا قال : أعتقت هذا عتق ورق الباقون وإن قال : أعتقت هذا لا بل هذا عتقا جميعا لأنه أقر بعتق الأول فلزمهثم أقر بعتق الثاني فلزمه ولم يقبل رجوعه عن إقراره الأول فكذلك الحكم في إقرار الوارث (12/283)
إذا ملك نصف عبد فدبره أو أعتقه في مرض موته وأحكام في العتق والتدبير
مسألة : قال وإذا ملك نصف عبد فدبره أو أعتقه في مرض موته فعتق بموته وكان ثلث ماله يفي بقيمة النصف الذي لشريكه أعطي وكان كله حرا في إحدى الروايتين والأخرى لا يعتق إلا حصته وإن حمل ثلث ماله قيمة حصة شريكه
وجملته أنه إذا ملك شقصا من عبد في مرض موته أو دبره أو وصى بعتقه ثم مات ولم يف ثلث ماله بقيمة نصيب الشريك لم يعتق إلا نصيبه بلا خلاف نعلمه بين أهل العلم إلا قولا شاذا أو قول من يرى السعاية وذلك أنه ليس من ماله إلا الثلث الذي استغرقته قيمة الشقص فيبقى معسرا بمنزلة من أعتق في صحته شقصا وهو معسرا فإما إن كان ثلث ماله يفي بقيمة حصة شريكه ففيه روايتان :
إحداهما : يسري إلى نصيب الشريك فيعتق العبد جميعه ويعطى الشريك قيمة نصيبه من ثلثه لأن ثلث المال للمعتق والملك فيه تام وله التصرف فيه بالتبرع والإعتاق وغيره فجرى مجرى مال الصحيح فيسري عتقه كسراية عتق الصحيح الموسر والرواية الثانية لا يعتق إلا حصته لأنه بموته يزول ملكه إلى ورثته فلا يبقى شيء يقضى منه الشريك وبهذا قال الأوزاعي لأن الميت لا يضار
وقال القاضي ما أعتقه في مرض موته سرى وما دبره أو وصى بعتقه لم يسر وقال : الرواية في سراية العتق حال الحياة أصح والرواية في وقوفه في التدبير أصح وهذا مذهب الشافعي لأن العتق في الحياة ينفذ في حال ملك العتق وصحة تصرفه وتصرفه في ثلثه كتصرف الصحيح في جميع ماله وأما التدبير والوصية فإنما يحصل العتق به في حال يزول ملك المعتق وتصرفاته والله أعلم
مسألة : قال : وكذلك الحكم إذا دبر بعضه وهو مالك لكله
وجملته أنه إذ دبر بعض عبده وهو أن يقول : إذا مت فنصف عبدي حر ثم مات فإن كان النصف المدبر ثلث ماله من غير زيادة عتق ولم يسر لأنه لو دبره كله لم يعتق منه إلا ثلثه فإذا لم يدبر إلا ثلثه كان أولى وإن كن العبد كله يخرج من الثلث ففي تكميل الحرية روايتان : أحدهما : تكمل وهو قول أكثر الفقهاء لأن أبا حنيفة وأصحابه يرون التدبير كالإعتاق في السراية وهو أحد قولي الشافعي لأنه إعتاق لبعض عبده فعتق جميعه كما لو أعتقه في حياته والرواية الثانية : لا يكمل العتق فيه لأنه لا يمنع جواز البيع فلا يسري كتعليقه بالصفة
فصل : فأما إن عتق بعض عبده في مرضه فهو كعتق جميعه إن يخرج من الثلث عتق جميعه وإلا عتق منه بقدر الثلث لأن الإعتاق في المرض كالإعتاق في الصحة إلا في اعتباره من الثلث وتصرف المريض في ثلثه في حق أجنبي كتصرف الصحيح في جميع ماله كما لو أعتق شركا له في عبد وثلثه يحتمل جميعه وعنه لا يعتق منه إلا ما عتق
فصل : وإذا دبر أحد الشريكين حصته صح ولو يلزمه في الحال لشريكه شيء وهذا قول الشافعي فإذا مات عتق الجزء الذي دبره إذا خرج من ثلث ماله وفي سرايته إلى نصيب الشريك ما ذكرنا في المسألة وقبلها وقال مالك : إذا دبر نصيبه تقاوماه فإن للمدبر صار مدبرا كله وإن صار للآخر صار رقيقا كله
وقال الليث : يغرم المدبر لشريكه قيمة نصيبه ويصير العبد كله مدبرا فإن لم يكن له مال سعى العبد في قيمة نصيب الشريك فإذا أداها صار مدبرا كله وقال أبو يوسف و محمد : يضمن المدبر للشريك قيمة حقه موسرا أو معسرا ويصير المدبر له
وقال أبو حنيفة : الشريك بالخيار إن شاء الله دبر وإن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد وإن شاء ضمن صاحبه إن كان موسرا ولنا أنه تعليق للعتق على صفة فصح في نصيبه كما لو علق بموت شريكه (12/284)
حكم ما لو اعتقهم وثلثه يحتملهم ثم ظهر عليه الدين
مسألة : قال : ولو أعتقهم وثلثه يحتملهم فأعتقناهم ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بعناهم في دينه
وجملته أن المريض إذا أعتق عبيده في المرض أو دبرهم أو وصى بعتقهم ومات ثم ظهر عليه دين وهم يخرجون من ثلثه في الظاهر فأعتقهم ثم ظهر عليه دين يستغرق التركة تبينا بطلان عتقهم وبقاء رقهم فيباعون في الدين ويكون عتقهم وصية والدين مقدم على الوصية ولهذا قال علي رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى أن الدين قبل الوصية ولأن الدين مقدم على الميراث بالاتفاق لهذا تباع التركة في قضاء الدين وقد قال الله تعالى { من بعد وصية يوصي بها أو دين } والميراث مقدم على الوصية في الثلثين فما تقدم على الميراث يجب أن يقدم على الوصية وبهذا قال الشافعي ورد ابن أبي ليلى عبدا أعتقه سيده عند الموت وعليه دين قال أحمد : أحسن ابن أبي ليلى
وذكر أبو الخطاب عن أحمد رواية في الذي يعتق عبده في مرضه وعليه دين أنه يعتق منه بقدر الثلث ويرد الباقي وقال قتادة و أبو حنيفة و إسحاق يسعى العبد في قيمته
ولنا أنه تبرع في مرض موته بما يعتبر خروجه من الثلث فقدم عليه الدين كالهبة ولأنه يعتبر من الثلث فقدم عليه الدين كالوصية وخفاء الدين لا يمنع ثبوت حكمه ولهذا يملك الغريم استيفاء فعلى هذا تبين أنه أعتقهم وقد استحقهم الغريم بدينه فلم ينفذ عتقه كما لو أعتق ملك غيره فإن قال الورثة : نحن نقص الدين وتمضي العتق ففيه وجهان
أحدهما : لا ينفذ حتى يبتدئوا العتق لأن الدين كان مانعا منه فيكون باطلا ولا يصح بزوال المانع بعده والثاني : ينفذ العتق لأن المانع منه إنما هو الدين فإذا سقط وجب نفوذه كما لو أسقط الورثة حقوقهم من ثلثي التركة نفذ العتق في الجميع ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وقالوا إن أصل الوجهين إذا تصرف الورثة في التركة ببيع أو غيره وعلى الميت دين وقضي الدين هل ينفذ ؟ فيه وجهان (12/286)
حكم ما لو اعتق المريض ثلاثة أعبد ولا مال له غيرهم
فصل : فإن أعتق المريض ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم فأقرع الورثة فأعتقوا واحدا وأرقوا اثنين ثم ظهر عليه دين يستغرق نصفهم ففيه وجهان : أحدهما : تبطل القرعة لأن الدين شريك في الإقراع فإذا حصلت القسمة مع عدمه كانت باطلة كما لو قسم شريكان دون شريكهما الثالث
الثاني : يصح الإقراع لأنه لا يمكن إمضاء القسمة وإفراد حصة الدين من كل واحد من النصيبين لأن القرعة دخلت لأجل العتق دون الدين فيقال للورثة اقضوا ثلثي الدين وهو بقدر قيمة نصف العبدين اللذين بقيا إما من العبيد وإما من غيرهم ويجب رد نصف العبد الذي عتق فإذا كان الذي أعتق عبدين أقرعنا بينهما فإذا خرجت القرعة على أحدهما فكان بقدر سدس التركة عتق وبيع الآخر في الدين وإن كان أكثر عتق منه بقدر السدس وإن كان أقل عتق وعتق من الآخر تمام السدس
مسألة : قال : ولو أعتقهم وهو ثلاثة فأعتقنا منهم واحدا لعجز ثلثه عن أكثر منه ثم ظهر له مال يخرجون من ثلثه عتق من أرق منهم
وجملته أنه إذا أعتق ثلاثة في مرضه لم يعرف له مال غيرهم أو دبرهم أو وصى بعتقهم لم يعتق منهم إلا ثلثهم ويرق الثلثان إذا لم يجز الورثة عتقهم فإذا فعلنا ذلك ظهر له مال بقدر مثليهم تبينا أنهم قد عتقوا من حين أعتقهم أو من حين موته إن كان دبرهم لأنه التدبير وتصرف المريض في الثلث ماله جائز نافذ وقد بان أنهم ثلث ماله وخفاء ذلك علينا لا يمنع كونه موجودا فلا يمنع كون العتق واقعا فعلى هذا يكون حكمهم حكم الأحرار من حين أعتقهم فيكون كسبهم لهم وإن كانوا قد تصرف فيهم ببيع أو هبة أو رهن أو تزويج بغير إذن كان ذلك باطلا وإن كانوا قد تصرفوا فحكم تصرفهم تصرف الأحرار فلو تزوج عبد منهم بغير إذن سيده كان نكاحه صحيحا والمهر عليه واجب وإن ظهر له مال بقدر قيمتهم عتق ثلثاهم لأنهما ثلث جميع المال فيقرع بين الاثنين اللذين أوقفناهما فيعتق أحدهما ويرق الآخر إن كانا متساويين في القيمة وإن ظهر له مال بقدر نصفهم وإن كان بقدر ثلثهم عتق أربعة أتساعهم وكلما ظهر له مال عتق من العبدين اللذين رقا بقدر ثلثه (12/287)
حكم ما لو وصى بعتق بد له يخرج من ثلثه
فصل : وإذا وصى بعتق عبد له يخرج من ثلثه وجب على الوصي إعتاقه فإن أوصى بذلك ورثته لزمهم إعتاقه فإن امتنعوا أجبرهم السلطان فإن أصروا على الامتناع أعتقه السلطان أو من ينوب منابه كالحاكم لأن هذا حق الله تعالى وللعبد ومن وجب عليه ذلك ناب السلطان عنه أو نائبه كالزكاة والديون فإذا أعتقه الوارث أو السلطان عتق وما اكتسبه في حياة الموصي فهو للموصي يكون من جملة تركته إن بقي بعده لأنه كسب عبده القن وما كسبه بعد موته وقبل اعتاقه فهو للوارث قال القاضي : هو للعبد لأنه كسبه بعد استقرار سبب العتق فيه فكان له ككسب المكاتب قال بعض أصحاب الشافعي فيه قولان مبنيان على القولين في كسب العبد الموصي به قبل قبول الوصية
ولنا أنه عبد قن فكان كسبه للورثة كغير الموصي بعتقه كالمعلق عتقه بصفة وفارق المكاتب فإنه يملك كسبه قبل عتقه فكذلك بعده ويبطل ما ذكروه بأم الولد فإن عتقها قد استقر سببه في حياة سيدها وكسبها له والموصي به لا نسلمه وإن سلمناه فالفرق بينهما أن الموصى به قد تحقق فيه سبب الملك وإنما وقف على شرط هو القبول فإذا وجد الشرط استند الحكم إلى ابتداء السبب وفي الوصية بالعتق ما وجد السبب وإنما أوصى بإيجاده وهو العتق أن يعتق نفسه وإن مات العبد بعد تمام موت سيده وقبل إعتاقه فما كسبه للورثة على قولنا ولا أعلم قول من خالفنا فيه (12/288)
حكم ما لو علق عتق عبده على شرط
فصل : فإن علق عتق عبده على شرط في صحته فوجد في مرضه اعتبر خروجه من الثلث قاله أبو بكر قال : وقد نص أحمد على مثل هذا في الطلاق وقال أبو الخطاب : فيه وجه آخر أنه يعتق من رأس المال وهو مذهب الشافعي لأنه لا يتهم فيه فأشبه العتق في صحته
ولنا أنه عتق في حال تعلق حق الورثة بثلثي ماله فاعتبر من الثلث كالمنجز وقولهم لا يتهم فيه قلنا وكذلك العتق المنجز لا يتهم فيه لأن الإنسان لايتهم بمحاباة غير الوارث وتقديمه على وارثه وإنما منع منه لما فيه من الضرر بالورثة وهذا حاصل ههنا ولو قال : إذا قدم زيد وأنا مريض فأنت حر فقدم وهو مريض كان معتبرا من الثلث وجها واحدا (12/289)
حكم ما لو عتق عبدا وللعبد مال
فصل : وإذا أعتق عبدا وله مال فماله لسيده وروى هذا عن ابن مسعود وأبي أيوب وأنس ابن مالك وبه قال قتادة و الحكم و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وروي ذلك عن حماد و البتي و داود ابن أبي هند و حميد وقال الحسن و عطاء و الشعبي و مالك وأهل المدينة يتبعه ماله لما روى عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ من أعتق عبدا وله مال فالمال للعبد ] ورواه الإمام أحمد بإسناده وغيره وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أعتق عبدا لم يعرض لماله
ولنا ما روى الأثرم بإسناده عن ابن مسعود أن قال لغلامه عمير : يا عمير إني أريد أعتقك عتقا هنيئا فأخبرني بمالك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول [ أيما رجل أعتق عبده أو غلامه فلم يخبره بماله فماله لسيده ] ولأن العبد وماله كانا جميعا للسيد فأزال ملكه عن أحدهما فبقي ملكه في الآخر كما لو باعه وقد دل على هذا حديث النبي صلى الله عليه و سلم [ من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ] فأما حديث ابن عمر فقال أحمد : يرويه عبد الله بن أبي جعفر من أهل مصر وهو ضعيف في الحديث كان صاحب فقه فإما في الحديث فليس هو فيه بالقوي وقال أبو الوليد هذا حديث خطأ فأما فعل ابن عمر فأنه تفضل منه على معتقه قيل للإمام احمد كان هذا عندك على التفضل ؟ فقال أي لعمري على التفضل قيل له فكأنه عندك للسيد ؟ فقال نعم للسيد مثل البيع سواء (12/290)
حكم ما لو قال للعبد أنت حر
مسألة : قال : وإذا قال لعبده أنت حر في وقت سماه لم يعتق حتى يأتي ذلك الوقت
وجملة ذلك أن السيد إذا علق عتق عبده أو أمته على مجيء وقت مثل قوله أنت حر في رأس الحول لم يعتق حتى يأتي رأس الحول وله بيعه وهبته وإجارته ووطء الأمة وبهذا قال الأوزاعي و الشافعي و ابن المنذر قال احمد : إذا قال لغلامه أنت حر إلى أن يقدم فلان ومجيء فلان واحد وإلى رأس السنة وإلى رأس الشهر إنما يريد إذا جاء رأس السنة أو جاء رأس الهلال منه وإذا قال أنت طالق إذا جاء الهلال إنما تطلق إذا جاء رأس الهلال وقال إسحاق كما قال أحمد وحكي عن مالك أنه إذا قال لعبده أنت حر في رأس الحول عتق في الحال والذي حكاه ابن المنذر عنه أنها إذا كانت جارية لم يطأها لأنه لا يملكها ملكا تاما ولا يهبها ولا يلحقها بسببه رق وإن مات السيد قبل الوقت كانت حره عند الوقت من رأس السنة وقد روي عن احمد أنه لا يطؤها لأن ملكه غير تام عليها والأول أصح لما روى عن أبي ذر قال لعبده : أنت عتيق إلى رأس الحول فلولا أن العتق يتعلق بالحول لم يعلقه عليه لعدم فائدته ولأنه علق العتق بصفة فوجب أن يتعلق بها كما لو قال : إذا أديت إلي ألفا فأنت حر واستحقاقها للعتق لا يمنع الوطء كالاستيلاد ولا يلزم المكاتبة لأنها اشترت نفسها من سيدها بعوض وزال ملكه عن إكسابها بخلاف مسألتنا
فصل : وإذا جاء الوقت وهو في ملكه عتق بغير خلاف نعلمه وإن خرج عن ملكه ببيع أو ميراث أو هبة لم يعتق وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال النخعي و ابن أبي ليلى : إذا قال لعبده : إن فعلت كذا فأنت حر فباعه بيعا صحيحا ثم فعل ذلك الفعل عتق وانتفض البيع قال ابن أبي ليلى : إذا حلف بالطلاق لا كلمت فلانا ثم طلاقها طلاقا بائنا ثم كلمه حنث وعامة أهل العلم على خلاف هذا القول لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ لا طلاق ولا عتاق ولا بيع فيما لا يملك ابن آدم ] ولأنه لا ملك له فلم يقع طلاقه ولا عتاقه كما لو لم يكن له مال متقدم
فصل وإذا قال لعبده : إن لم أضربك عشرة أسواط فأنت حر ولم ينو وقتا بعينه لم يعتق حتى يموت ولم يوجد الضرب وإن باعه قبل ذلك صح بيعه ولم ينفسخ في قوله أكثر أهل العلم وقال مالك ليس بيعه فإن باعه فسخ البيع
ولنا أنه باعه قبل وجود الشرط فصح ولم ينفسخ كما لو قال : إن دخلت فأنت حر وباعه قبل دخولها
فصل : وإذا قال لعبده : إن دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم اشتراه ودخل الدار عتق وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : فيها قولان :
أحدهما لا يعتق لأن ملكه فيه متأخر عن عقد الصفة فلم يقع العتق فيه كما لو عقد الصفة في حال زوال ملكه عنه
ولنا أنه علق الصفة في ملكه وتحقق الشرط في ملكه فوجب أن يحنث كما لو لم يزل ملكه عنه وفارق ما إذا علقها في حال زوال ملكه وتحقق الشرط في ملكه لأنه لو نجز العتق لم يقع فإذا علقه كان أولى بعدم الوقوع بخلاف مسألتنا فأما إن دخل الدار بعد بيعه ثم اشتراه ودخل الدار فالمنصوص عن أحمد أنه لا يعتق
وذكر عنه رواية أخرى أن يعتق وروي عنه في الطلاق أنه يقع لأن التعليق والشرط وجدا في ملكه فأشبه ما لو لم يتخللهما دخول و وجه الأول أن العتق معلق على شرط لا يقتضي التكرار فإذا وجد مرة انحلت اليمين وقد وجد الدخول في ملك غيره فانحلت اليمين فلم يقع العتق به بعد ذلك ويفارق العتاق الطلاق من حيث أن النكاح الثاني ينبني على النكاح الأول بدليل أن طلاقه في النكاح الأول يحسب عليه في النكاح الثاني وينقص به عدد طلاقه والملك باليمين بخلافه
فصل : وإذا قال لعبد له مقيد هو حر إن حل قيده ثم قال هو حر إن لم يكن في قيده عشرة أرطال فشهد شاهدان عند الحاكم أن وزن قيده خمسة أرطال فحكم بعتقه وأمر بحل قيده فوزن فوجد وزنه عشرة أرطال عتق العبد بحل قيده وتبينا أنه عتق بشرط الذي حكم الحاكم بعتقه به وهو يلزم الشاهدان ضمان قيمته ؟ فيه وجهان : أحدهما : أنه يلزمهما ضمانها لأن شهادتهما الكاذبة سبب عتقه وإتلافه فضمناه كالشهادة المرجوع عنها ولأن عتقه حصل بحكم المبني على الشهادة الكاذبة فأشبه الحكم بالشهادة التي يرجعان عنها وهذا قول أبي حنيفة
والثاني : لا ضمان عليهما وهو قول أبي يوسف و محمد لأنه عتقه لم يحصل بالحكم المبني على شهادتهما وإنما حصل بحل قيده ولم يشهدا به فوجب أن لا يضمنا كما لو لم يحكم الحاكم
فصل : وإن قال لعبده أنت حر متى شئت لم يعتق حتى يشاء بالقول فمتى شاء عتق سواء كان على الفور أو التراخي وإن قال أنت حر إن شئت فكذلك ويحتمل أن يقف ذلك على المجلس لأن ذلك بمنزلة التخيير ولو قال لامرأته اختاري نفسك لم يكن لها الاختيار إلا على الفور فإن تراخى ذلك بطل خيارها كذا تعليقه بالمشيئة من غير أن يقرنه بزمن يدل على التراخي وإن قال : أنت حر كيف شئت احتمل أن يعتق في الحال وهو قول أبي حنيفة لأن كيف لا تقتضي شرطا ولا وقتا ولا مكانا فلا تقتضي توقيف العتق وإنما هي صفة للحال فتقتضي وقوع الحرية على أي حال شاء ويحتمل أن لا يعتق حتى يشاء وهو قول أبي يوسف و محمد لأن المشيئة تقتضي الخيار أن لا يعتق قبل اختياره كما لو قال أنت حر متى شئت لأن كيف تعطي ما تعطي وأي فحكمها حكمهما
وقد ذكر أبو الخطاب في أنه إذا قال لزوجته : أنت طالق متى شئت وحيث شئت لم تطلق حتى تشاء فيجيء ههنا مثله (12/291)
أقسام تعليق العتق
فصل : وتعليق العتق على أداء شيء ينقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : تعليقه عل صفة محضة كقوله إن أديت إلى ألفا فأنت حر فهذه صفة لازمة لا سبيل إلى أبطالها لأنه ألزمها نفسه طوعا فلم يملك إبطالها كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت حر ولو اتفق السيد والعبد على إبطالها لم تبطل بذلك ولو أبرأه السيد من الألف لم يعتق بذلك ولم يبطل الشرط لأنه لا حق له في ذمته يبرئه منه وإنما هو تعليق على شرط محض وإن مات السيد انفسخت الصفة لأن ملكه زال عنه فلا ينفذ عتقه في ملك غيره وإن زال ملكه ببيع أو هبة زالت الصفة فإن عاد إلى ملكه عاد كما ذكرنا من قبل ومتى وجدت الصفة عتق ولم يحتج إلى تجديد إعتاق من جهة السيد لأنه إزالة ملك معلق على صفة وهو قابل للتعليق فيوجد الصفة كالطلاق وما كسبه العبد وجود الشرط فهو لسيده لأنه لم يوجد عقد يمنع كونه كسبه لسيده وإن كان معلق عتقه أمة فولدت لم يتبعها ولدها في أحد الوجهين لأنها أمة فأشبه ما لو قال : إن دخلت الدار فأنت حرة ولا تجب عليها قيمة نفسها لأنه عتق من السيد بصفة فأشبه ما لو باشر عتقها ولا يعتق حتى يؤدي الألف بكاملها وذكر القاضي أن من أصلنا أن العتق المعلق بصفة يوجد بعضها كما لو قال : أنت حر إن أكلت رغيفا فأكل بعضه وهذا لا يصح لوجوه أحدها أن الألف شرط العتق وشروط الأحكام يعتبر وجودها بكمالها لثبوت الأحكام وتنفي بانتفائها بدليل سائر شروط الأحكام
الثاني : أنه إذا علقه على وصف ذي عدد فالعدد وصف في الشرط ومتى علق الحكم على شرط ذي وصف لا يثبت ما لم توجد الصفة كما لو قال لعبده : إن خرجت عاريا فأنت حر فخرج لابسا لا يعتق فكذلك العدد
الثالث : أنه متى كان اللفظ ما يدل على الكل لم يحنث بفعل البعض وكذلك لو حلف لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يسمى صلاة ولو حلف لا صمت صياما لم يحنث حتى يصوم يوما ولو قال لامرأته إن حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من الحيضة وقد ذكر القاضي هذه المسائل ونظائرها وذكر الألف ههنا يدل على إرادته أداء الألف كاملة
الرابع : أننا لا نسلم هذا الأصل الذي ادعاه وأنه إذا قال له أنت حر إن أكلت رغيفا لم يعتق بأكل بعضه وإنما إذا حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه حنث في رواية في موضع يحتمل إرادة البعض ويتناوله اللفظ كمن حلف لا يصلي فشرع في الصلاة أو لا يصوم فشرع في الصوم أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه ونحو هذا لأن الشارع في الصلاة والصيام قد صلى وصام ذلك الجزء الذي شرع فيه والقدر الذي شربه من الإناء هو ماء الإناء وقرينة حالة تقتضي الامتناع من الكل ومتى فعل البعض فما امتنع من الكل فحنث لذلك ولو حلف على فعل شيء لم يبرأ إلا بفعل الجميع وفي مسألتنا تعليق الحرية على أداء الألف يقتضي وجوه أدائها فلا يثبت الحكم المعلق عليها دون أدائها كمن حلف ليؤدين ألفا لك يبرأ حتى يؤديها
الخامس : أن موضع الشرط في الكتاب والسنة وأحكام الشريعة على أنه لا يثبت المشروط بدون شرطه فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ] فلو قال بعضهامقتصرا عليه لم يستحق العقوبة وقال [ من أحيى أرض ميتة فهي له ] فلو شرع في الاحياء لم تكن له ولوقال في المسابقة : من سبق إلى خمس إصابات فهو سابق فسبق إلى أربع لم يكن سابقا ولو قال : من رد ضالتي فله دينار فشرع في ردها لم يستحق شيئا فكيف يخالف موضوعات الشرع واللغة بغير دليل وإنما الذي جاء عن احمد في الأيمان فيمن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه يحنث لأن اليمين على الترك يقصد بها المنع فنزلت منزلة النهي والنهي عن الفعل شيء يقتضي المنع من بعضه بخلاف تعليق المشروط على الشرط والله أعلم
القسم الثاني : صفة جمعت معاوضة وصفة المغلب فيها حكم المعاوضة وهي الكتابة الصحيحة فهي متساوية للصفة المحضة في العتق بوجودها وأنه لا يجب عليه قيمة نفسه وأن الولاء لسيده وتخالفها في أنه لو أبرأه السيد مع المال منه وعتق لأن ذمته مشغولة به فبرئ منه بإبرائه كثمن المبيع أولا ينفسخ بموت السيد ولا بيع المكاتب ولا هبته لأنه عقد معاوضة لازم أشبه البيع وما كسبه قبل الأداء فهو له وما فضل في يده بعد الأداء فهو له وولد المكاتبة الذين ولدتهم في الكتابة يعتقون بعتقها
القسم الثالث : صفة فيها معاوضة والمغلب فيها حكم الصفة وهي الكتابة الفاسدة نحو الكتابة على مجهول أو نجم واحد مع إخلال شرط من شروط الكتابة فتساوي الصفة المحضة في أنه لا يعتق بالأداء لأنه عتق معلق على شرط ولا تلزمه قيمة نفسه ولا يبطل بجنون المكاتب ولا الحجر عليه لأن الحجر للرق لا يمنع صحته كتابته فلا يقضي حدوثه إبطالها وإن أدى حال جنونه عتق لأن الصفة وجدت
وقال أبو بكر : لا يعتق بذلك ويفارقهما في أن السيد فسخها ورفعها لأنها فاسدة والفاسد يشرع رفعه وإزالته ويفارق الكتابة الصحيحة في أنها تبطل بموت السيد وجنونه والحجر عليه لسفه لأنه عقد جائز من جهته فبطل بهذه الأمور كالوكالة والمضاربة وقد قال أحمد : إذا وسوس فهو بمنزلة الموت وهذا قول القاضي وقال أبو بكر : لا تبطل بشيء من ذلك لأنه عقد كتابة فلم يبطل بذلك كالصحيحة وتفارق الصفة المحضة في أن كسب العبد قبل الأداء له وما فضل في يده بعد الأداء فهو له دون سيده ويتبع المكاتبة ولدها حملا لها على الكتابة الصحيحة في أحد الوجهين فيهما وفي الآخر لا يستحق كسبه ولا يتبع المكاتبة ولدها لأن العتق حصل بالصفة لا بالكتابة بمحرم كالخمر والخنزير فقال القاضي : هي كتابة فاسدة حكمها حكم ما ذكرنا ويعتق فيها الأداء وقال أبو بكر لا يعتق فيها بالأداء وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني إذا كاتبه كتابة فاسدة فأدى ما كوتب عليه عتق ما لم تكن الكتابة محرمة وينبغي أن يقال أن علق العتق على أداء المحرم عتق به كما لو علق العتق على السرقة وشرب الخمر وإن قال : كاتبتك على خمر لم يعتق بأدائه كقول أبي بكر والله أعلم (12/295)
حكم ما لو قال لعبده أنت حر وعليك ألف
فصل : وإذا قال لعبده أنت حر وعليك ألف عتق ولا شيء عليه لأنه أعتقه بغير شرط وجعل عليه عوضا لم يقبله فيعتق ولم يلزمه الألف هكذا ذكر المتأخرون من أصحابنا ونقل جعفر بن محمد قال : سمعت أبا عبد الله قيل له : إذا قال أنت حر وعليك ألف درهم قال : جيد قيل له : فإن لم يرض العبد قال : لا يعتق إنما قاله له على أن يؤدي إليه ألف درهم فإن لم يؤد فلا شيء وإن قال أنت حر على ألف فكذلك في إحدى الروايتين لأن على ليست من أدوات الشرط ولا البدل فأشبه قوله وعليك ألف والثانية إن قبل العبد عتق ولزمته الألف وإن فلم يقبل لم يعتق وهذا قول مالك و الشافعي و أبي حنيفة لأنه أعتقه بعوض فلم يعتق بدون قبوله كما لو قال : أنت حر بألف وهذه الراوية أصح لأن على تستعمل للشرط والعوض قال الله تعالى { قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } وقال تعالى { فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } ولو قال في النكاح زوجتك ابنتي فلانة على صداق خمسمائة درهم فقال الآخر قبلت صح النكاح وثبت الصداق وقال الفقهاء إذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها كان ذلك جائزا فأما إذا قال أعتقتك على أن تخدمني سنة فقبل فقيها روايتان كالتي قبلها وقيل : إن لم يقل العبد لم يعتق رواية واحدة فعلى هذا إذا قبل العبد عتق في الحال ولزمه خدمته سنة فإن مات السيد قبل كمال السنة رجع العبد بقيمة ما بقي من الخدمة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : تقسط قيمة العبد على خدمة السنة فيسقط مها بقدر ما مضى ويرجع عليه بما بقي من قيمته
ولنا أن العتق عقد لا يلحقه الفسخف فإذا تعذر فيه استيفاء العوض رجع إلى قيمته كالخلع في النكاح والصلح في دم العمد وإن قال أنت حر على أن تعطيني ألفا فالصحيح أنه لا يعتق حتى يقبل فإذا قبل عتق ولزمه الألف وإن قال أنت حر بألف لم يعتق حتى يقبل فيعتق ويلزمه ألف (12/299)
حكم ما لو أعتق أمته بصفة وهي حامل
وإذا علق عتق أمته بصفة وهي حامل تبعها ولدها في ذلك لأنه كعضو من أعضائها فإن وضعته قبل وجود الصفة ثم وجدت الصفة عتق لأنه تابع في الصفة فأشبه ما لو كان في الصفة فأشبه ما لو كان في البطن وإن كانت حائلا حين التعليق ثم وجدت الصفة وهي حامل عتقت هي وحملها لأن العتق وجد فيها وهي حامل فتبعها ولدها كالمنجز وإن حملت بعد التعليق وولدت قبل وجود الصفة ثم وجدت بعد ذلك لم يعتق الولد لأن الصفة لم تتعلق به لا في حال التعليق ولا في حال العتق وفيه وجه آخر أنه يتبعها في العتق قياسا على ولد المدبرة وإن بطلت الصفة ببيع أو موت لم يتعلق الولد لأنه إنما يبيعها العتق لا في الصفة فإذا لم توجد فيها لم يوجد فيه بخلاف ولد المدبرة فإنه تبعها في التدبير فإذا بطل فيها بقي فيه (12/300)
حكم ما لو أسلمت أم ولد النصراني
مسألة : قال : وإذا أسلمت أم ولد النصراني منع من غشيانها والتلذذ بها وأجبر على نفقتها فإن أسلم حلت له وإذا مات عتقت
هذه المسألة يؤخر شرحها إلى باب عتق أمهات الأولاد فإنه أليق بها (12/301)
حكم ما لو قال لأمته أول ولد أو كل ولد تلدينه أو أول غلام تلدينه فهو حر
مسألة : قال : وإذا قال لأمته أول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين أقرع بينهما أصابته القرعة فهو حر إذا أشكل أولهما خروجا
إنما كان كذلك لأن أحدهما استحق العتق ولم يعلم بعينه فوجب إخراجه من القرعة كما قال لعبيده كذلك أحدكم حر وقد سبق القول في هذه المسألة فأما إن علم أولهما خروجا فهو الحر وحده وهذا قول مالك و الثوري و أبي هاشم و الشافعي و ابن المنذر وقال الحسن و الشعبي و قتادة : إذا ولدت ولدين في بطن فهما حران
ولنا أنه إنما أعتق الأول والذي خرج أولا هو أمل المولدين فاختص العتق به كما لو ولدتهما في بطنين
فصل : فإن ولدت الأول ميتا والثاني حيا فذكر الشريف أنه يعتق الحي منهما وبه قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف و ومحمد و الشافعي : لا يعتق واحد منهما وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأن شرط العتق إنما وجد في الميت وليس بمحل للعتق فانحلت اليمين به وإنما قلنا إن شرط العتق إنما وجد فيه لأنه أول بدليل أنه لو قال لأمته إذا ولدت ولدا فأنت حرة ولدا ميتا عتقت ووجه الأول أن العتق يستحيل في الميت فتعلقت اليمين بالحي كما لو قال : إن ضربت فلانا فعبدي حر فضربه حيا عتق وإن ضربه ميتا لم يعتق لأنه معلوم من طريق العادة أنه قصد عقد يمينه على ولد يصح العتق فيه وهو أن يكون حيا فتصير الحياة مشروطة فيه فكأنه قال : أول ولد تلدينه حيا فهو حر
فصل : وإن قال لأمته كل ولد تلدينه فهو حر عتق كل ولد ولدته في قول جمهور العلماء منهم مالك و الشافعي و الأوزاعي و الليث و الثوري قال ابن المنذر ولا أحفظ عن غيرهم فإن باع الأمة ثم ولدت لم يعتق ولدها لأنها ولدتهم بعد زوال ملكه
فصل : فإن قال : أول غلام أملكه فهو حر انبنى ذلك على العتق قبل ذلك قبل الملك وفيه روايتان فإن قلنا يصح عتق أول من يملكه فإن ملك اثنين عتق أحدهما بالقرعة في قياس قول أحمد فإنه قال في رواية مهنا : إذا قال أول من يطلع من عبيدي فهو حر فطلع اثنان أو جميعهم فإنه يقرع بينهما جميعا لأن الأولية وجدت فيهما فتثبت الحرية فيهما كما لو قال في المسابقة : من سبق فله عشرة فسبق اثنان اشتركا في العشرة وقال النخعي : يعتق أيهما شاء وقال أبو حنيفة لا يعتق واحد منهما لأنه لا أول فيهما لأن كل واحد منهما مساو للآخر ومن شرط الأولية سبق الأول
ولنا أن هذين لم يسبقهما غيرهما فكانا أول كالواحد وليس شرط أن يأتي بعده ثان بدليل ما لو ملك واحدا ولم يملك بعده شيئا وإذا كانت الصفة موجودة فيهما فأما أن يعتقا جميعا أو يعتق أحدهما وتعينه القرعة على ما ذكرنا من قبل وكذلك الحكم فيما إذا قال : أول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين وخرجا جميعا فالحكم فيهما كذلك (12/301)
حكم ما لو قال : آخر عبد أملكه فهو حر
فصل : وإن قال : آخر عبد أملكه فهو حر فملك عبيدا لم يحكم بعتق واحد منهم حتى يموت لأنه ما دام حيا فهو يحتمل أن يملك عبدا يكون هو الآخر فإذا مات عتق آخرهم وتبينا أنه كان حرا حين ملكه فيكون إكسابه له وإن كانت أمة أولادها أحرار من حين ولدتهم لأنهم أولاد حرة وإن كان وطئها فعليه مهرها لأنه وطئ حرة أجنبية ولا يحل له أن يطأها حين ملكها حتى يملك بعدها غيرها لأنه ما لم يملك بعدها غيرها فهي آخر في الحال وإنما يزول ذلك بملك غيرها فوجب أن يحرم الوطء وإن ملك اثنين دفعة واحدة ثم مات فالحكم في عتقهما كالحكم فيما إذا ملك اثنين في المسألة التي قبلها (12/303)
حكم ما لو قال العبد لرجل : اشترني من سيدي بهذا المال
مسألة : قال : وإذا قال العبد لرجل : اشترني من سيدي بهذا المال فأعتقني ففعل فقد صارا حرا وعلى المشتري أن يؤدي إلى البائع مثل الذي اشتراه به وولاؤه للذي اشتراه إلا أن يكون قال له : بعني بهذا المال فيكون الشراء والعتق باطلا ويكون السيد قد أخذ ماله
وجملته أن العبد إذا دفع إلى أجنبي مالا وقال : اشترني من سيدي بهذا المال فأعتقني : ففعل لم يحل من أن يشتريه بعين المال أو في ذمته ثم ينقد المال فإن اشتراه في ذمته فأعتقه فالشراء صحيح والعتق جائز لأنه ملكه بالشراء فنفذ عتقه له وعلى المشتري أداء الثمن الذي اشتراه به لأنه لزمه الثمن بالبيع والذي دفعه إلى السيد كان ملكا له لا يحتسب له به من الثمن فيبقى الثمن واجبا عليه يلزمه أداؤه وكان العتق من ماله والولاء له وبهذا قال الشافعي و ابن المنذر وأما إن اشتراه بعين المال فالشراء باطل والعتق غير واقع لأنه اشترى بعين مال غيره شيئا يغير إذنه فلم يصح الشراء ولم يقع العتق لأنه أعتق مملوك غيره بغير إذنه ويكون السيد قد أخذ ماله لأن ما في يد العبد محكوم به لسيده
وعلى الرواية التي تقول إن النقود لا تتعين بالتعيين في العقود يصح البيع والعتق ويكون الحكم كما لو اشتراه في ذمته ونحو هذا قال النخعي و إسحاق فإنهما قالا : اشتراه والعتق جائزان ويرد المشتري مثل الثمن من غير تفريق
وقال الحسن : البيع والعتق باطلان وقال الشعبي : لا يجوز ذلك ويعاقب من فعله من غير تفريق أيضا وقد ذكرنا ما يقتضي التفريق وفيه توسيط بين المذهبين فكان أولى إن شاء الله تعالى (12/304)
حكم ما لو كان عبد بين شريكين فأعطى أحدهما خمسين دينار ويعتق نصيبه
فصل : ولو كان العبد بين شريكين فأعطى العبد أحدهما خمسين دينارا على أن يعتق نصيبه منه فأعتقه وسرى إلى باقيه إن كان موسرا ورجع عليه شريكه بنصف الخمسين وبنصف قيمة العبد لأن ما في يد العبد يكون بين سيديه لا ينفرد به أحدهما إلا أن نصيب المعتق ينفذ فيه العتق وإن كان العوض مستحقا إذا لم يقع العتق على عينها وإنما سمى خمسين ثم دفعها إليه وإن أوقع العتق على عينها يجب أن يرجع على العبد بقيمة ما أعتقه بالعوض المستحق ويسري العتق إلى نصيبه شريكه فيرجع بقيمته ويكون الولاء للمعتق (12/305)
حكم ما لو وكل أحد الشريكين شريكه في عتق نصيبه
فصل : ولو وكل أحد الشريكين شريكه في عتق نصيبه فقال الوكيل : نصيبي حر عتق وسرى إلى نصيب شريكه ويكون الولاء له وإن أعتق نصيب الموكل عتق وسرى إلى نصيبه والولاء للموكل وإن أعتق نصف العبد ولم ينو شيئا احتمل أن ينصرف إلى نصيبه لأنه لا يحتاج إلى نية ونصيب شريكه يفتقر إلى النية ولم ينو ذلك واحتمل أن ينصرف إلى نصيب شريكه لأنه أمره بالإعتاق فانصرف إلى ما أمر به ويحتمل أن ينصرف إليهما لأنهما تساويا فانصرف إليهما وأيهما حكمنا بالعتق عليه ضمن مأذون له في العتق وقد أعتق بالسراية فلم يضمن كمن أذن له في إتلاف شيء فإنه لا يضمنه وإن أتلفه بالسراية وإذا أعتق نصيب شريكه لم يلزم شريكه الضمان لأنه مباشر لسبب الإتلاف فلم يجب له ضمان ما تلف به كما لو قال أجنبي : أعتق عبدك فأعتقه والله أعلم (12/306)
كتاب التدبير
ومعنى التدبير عتق عبده بموته والوفاة دبر الحياة يقال : دابر الرجل يدابر مدابرة إذا مات فسمي العتق بعد الموت تدبيرا لأنه إعتاق في دبر الحياة والأصل فيه السنة والإجماع
أما السنة فما روى جابر [ أن رجلا أعتق مملوكا له عن دبر منه فاحتاج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من يشتريه مني ؟ فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه وقال : أنت أحوج منه ] متفق عليه
وأما الإجماع فقال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن من دبر عبده أو أمته ولم يرجع عن ذلك حتى مات والمدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء دين إن كان عليه وإنفاذ وصايا إن كان وصى وكان السيد بالغا جائز الأمر أن الحرية تجب أولها (12/307)
إذا قال لعبده أو أمته أنت مدبر أو قد دبرتك أو أنت حر بعد موتي فقد صار مدبرا
مسألة : قال : وإذا قال لعبده أو أمته أنت مدبر أو قد دبرتك أو أنت حر بعد موتي فقد صار مدبرا
وجملة ذلك أنه إذا علق صريح العتق بالموت فقال : أنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق بعد موتي صار مدبرا بلا خلاف نعلمه وأما إن قال : أنت مدبر أو قد دبرتك فإنه يصير مدبرا بنفس اللفظ من غير افتقار إلى نية وهذا منصوص الشافعي
وقال بعض أصحابه في قوله آخر أنه ليس بصريح في التدبير ويفتقر إلى النية لأنهما لفظان لم يكثر استعمالهما فافتقر إلى النية كالكنايات
ولنا أنهما لفظان وضعا لهذا العقدفلم يفتقر إلى النية كالبيع ويفارق الكنايات فإنهما غير موضوعة له ويشاركهما فيه غيرها فافتقر إلى النية للتعيين ويرجح أحد المحتملين بخلاف الموضوع (12/307)
يعتق المدبر بعد الموت من ثلث ماله
فصل : ويعتق المدبر بعد الموت من ثلث المال في قول أكثر أهل العلم ويروي ذلك عن علي وابن عمر وبه قال شريح و ابن سيرين و الحسن و سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز و الزهري و قتادة و حماد و مالك وأهل المدينة و الثوري وأهل العراق و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وروي عن ابن مسعود ومسروق ومجاهد والنخعي وسعيد بن جبير أنه يعتق من رأس المال لأنه عتق فينفذ من رأس المال كالعتق في الصحة وعتق أم الولد
ولنا أنه تبرع بعد الموت فكان من الثلث كالوصية ويفارق العتق في الصحة فإنه لم يتعلق به حق غير المعتق فينفذ في الجميع كالهبة المنجزة
وقد نقل حنبل عن أحمد أنه يعتق من رأس المال وليس عليها عمل قال أبو بكر : هذا قول قديم رجع عنه أحمد إلى ما نقله الجماعة (12/308)
إذا اجتمع المرض والتدبير قدم العتق
فصل : وإن اجتمع العتق والتدبير قدم العتق لأنه أسبق وإن اجتمع التدبير والوصية بالعتق تساويا لأنهما جميعا عتق بعد الموت ويحتمل أن يقدم التدبير لأن الحرية تقع فيه عند الموت والوصية تقف على الإعتاق بعده (12/309)
يجوز التدبير مطلقا ومقيدا
فصل : ويجوز التدبير مطلقا ومقيدا فالمطلق تعليق العتق بالموت من غير شرط آخر كقوله : أنت حر بعد موتي والمقيد ضربان : أحدهما : خاص نحو أن يقول إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا أو في بلدي هذا أو عامي هذا فأنت حر فهذا حائز على ما قال إن مات على الصفة التي شرطها عتق العبد وإلا لم يعتق
وقال مهنا : سألت أحمد عمن قال لعبده أنت حر مدبر اليوم ؟ قال : يكون مدبرا ذلك اليوم فإن مات ذلك اليوم صار حرا يعني إذا مات المولى
الضرب الثاني : أن يعلق التدبير على صفة مثل أن يقول : إن دخلت الدار أو إن قدم زيد أو إن شفى الله مريضي فأنت حر مدبر أو فأنت حر بعد موتي فهذا لا يصير مدبرا في الحال لأنه علق التدبير على شرط وإذا وجد صار مدبرا وعتق بموت سيده وإن لم يوجد الشرط في حياة السيد ووجد بعد موته لم يعتق لأن إطلاق الشرط في حياة السيديقتضي وجوده في الحياة بدليل ما لو علق عليه عتقا منجزا فقال : إذا دخلت الدار فأنت حر فدخلها بعد موته لم يعتق وكما لو قال لوكيله بع عبدي فمات الموكل قبل بيعه بطلت وكالته ولأن المدبر من علق عتقه بالموت وهذا قبل الموت لم يكن مدبرا وبعد الموت لا يمكن حدوثه التدبير وإن قال : إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر فذكر أبو الخطاب فيها روايتين : أحدهما : لا يعتق وهو قياس المنصوص عنه في قوله أنت حر بعد موتي بيوم أو شهر فإنه قال : لا يعتق لأنه معلق العتق بصفة توجد في ملك غيره عليه فلم يعتق كالمنجز
والثانية : يعتق وهو الذي ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه صرح بذلك فحمل عليه كما لو وصى بإعتاقه وكما لو وصى ببيع سلعة ويتصدق بثمنها ويفارق التصرف بعد البيع فإن الله تعالى جعل للإنسان التصرف بعد موته في ثلثه بخلاف ما بعد البيع والأول أصح إن شاء الله تعالى ويفارق الوصية بالعتق وبيع السلعة لأن الملك لا يستقر للورثة فيه ولا يملكون التصرف فيه بخلاف مسألتنا وقولهم حصل له التصرف في ثلثه قلنا إنما يتصرف فيه تصرفا يثبت عقيب موته ويمنع انتقاله إلى الوارث وإن يثبت للوارث فهو ثبوت غير مستقر وقد قيل يكون مراعى فأن قبل الوصية له تبينا أن الملك كان له حين الموت وإن لم يقبل تبينا أنه كان للوارث فعلى قولنا لا يعتق بالدخول بعد الموت للوارث التصرف فيه كيف يشاء ومن صحح هذا الشرط احتمل أن يمنع الوارث من التصرف في رقبته لأنه يستحق العتق فأشبه الموصى بعتقه واحتمل أن لا يمنعه لأنه علق عتقه على صفة غير الموت فلم يمنع من التصرف فيه كما لو قال لعبده إن دخلت فأنت حر فأما كسبه قبل عتقه فهو للوارث لأن الملك فيه مستقر قبل وجود الشرط كما لو كان الوارث هو الذي علق عتقه (12/309)
حكم ما لو قال لعبده أنت حر بعد موتي
فصل : فإن قال أنت حر بعد موتي بشهر أو قال بيوم فقال أحمد في رواية مهنا : لا يعتق ولا تصح هذه الصفة وقال أيضا : سألت أحمد عن رجل قال لعبده أنت حر بعد موتي بشهر بألف درهم فقال : هذا كله لا يكون شيئا بعد موته وهذا اختيار أبي بكر وذكر القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى فيها رواية أخرى أنه يعتق إذا وجدت الصفتان الموت ومضي المدة المذكورة وبهذا قال الثوري و أبو يوسف و إسحاق ووجه الروايتين ما تقدم وقال أصحاب الرأي لا يعتق حتى يعتقه الوارث وعلى قول من قال يعتق يكون فبل الموت ملكا للوارث وكسبه له كأم الولد في حياة السيد وإن كان أمة فولدت قبل وجود الصفة فولدها يتبعها في التدبير ويعتق بوجود كما تعتق هي
فصل إذا قال لعبده : إذا قرأت القرآن فأنت حر بعد موتي فقرأ القرآن جميعه صار مدبرا وإن قرأ بعضه لم يصر مدبرا وإن قال : إذا قرأت قرآنا فأنت حر بعد موتي فقرأ بعض القرآن صار مدبرا لأنه في الأولى عرفه واللام المقتضية للاستغراق فعاد إلى جميعه إلى جميعه وههنا نكره فاقتضى بعضه فإن قيل فقد قال الله تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وقال { إذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا } ولم يرد جميعه قلنا قضية اللفظ تتناول جميعه لأن الألف واللام للاستغراق وإنما حمل على بعضه بدليل فلا يحمل على البعض في غير ذلك الموضع بغير دليل ولأن قرينة الحال تقتضي قراءة جميعه لأن الظاهر أنه أراد ترغيبه في قراءة القرآن بتعلق الحرية ومجازاته على قراءته بالحرية والظاهر أنه لا يجازي بهذا الأمر الكثير ولا يرغب به إلا فيما يشق أما قراءته آية أو آيتين فلا
فصل : فإن قال لعبده إن شئت فأنت حر بعد موتي أو إذا شئت أو متى شئت أو أي وقت شئت فأنت حر بعد موتي فهو تدبير بصفة فمتى شاء في حياة سيده صار مدبرا يعتق بموت سيده كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخلها في حياته وإن مات السيد قبل مشيئة بطلت الصفة كما لو مات في المسألة الأخرى قبل دخول الدار وإن قال متى شئت بعد موتي فأنت حر أو أي وقت شئت بعد موتي فأنت حر فهذا تعليق للعتق على صفة بعد الموت وقد ذكرنا أنه لا يصح وأن قول القاضي صحته فعلى قوله يكون ذلك على التراخي فمتى شاء بعد الموت سيده عتق وما كان له من كسب قبل مشيئته فهو لورثة سيده لأنه عبد قبل ذلك التراخي بخلاف الموصى به فإن كسبه قبل القبول وجهين :
أحدهما : أنه يكون للموصي له لأننا تبينا أنه ملكه من حين الموت وههنا لا يثبت الملك قبل المشيئة وجها لوجه لأنه عتق معلق على شرط فلا يثبت العتق قبل الشرط وجه واحدا وذكر القاضي في قوله : إذا شئت أو إن شئت فأنت حر بعد موتي أنه على الفور فإن شاء في المجلس صار مدبرا وإن تراخت المشيئة عن المجلس بطلت لم يصر مدبرا بالمشيئة بعده بناء على قوله : اختاري نفسك فإن الاختيار يقف على المجلس وهذا في معناه وإن قال : إن شئت بعد موتي أو إذا شئت بعد موتي فأنت حر كان على الفور أيضا فمتى شاء عقب موت سيده أو في مجلس صار حرا وإن تراخت مشيئته عن المجلس لم يثبت فيه حرية وقد ذكر في الطلاق أنه إذا قال : أنت طالق إن شئت وشاء أبوك فشاءا معا وقع الطلاق سواء شاءا على الفور أو التراخي أو شاء على الفور والآخر على التراخي وهذا مثله فخرج في كل مسألة مثل ما ذكر في الأخرى
فصل : إذا قال لعبده : إذا مت فأنت حر أولا ؟ أو قال فأنت حر ؟ أو لست بحر ؟ لم يصر مدبرا لأنه استفهام ولم يقطع بالعتق فأشبه ما لو قال لزوجته أنت طالق ؟ وقد ذكرنا في الطلاق
فصل : وإذا دبر أحد الشريكين نصيبه لم يسر التدبير إلى نصيب شريكه موسرا كان أو معسرا وذكر أبو الخطاب وجها انه يسري تدبيره إذا كان موسرا ويقوم عليه نصيب شريكه و للشافعي قولان كالمذهبين
ولنا أنه تعليق للعتق بصفة فلم يسر كتعليقه بدخول الدار ويفارق الاستيلاد فإنه آكد ولهذا يعتق من جميع المال ولو قتلت سيدها لم يبطل حكم استيلادها ولا يجوز بيعها والمدبر بخلاف ذلك فعلى هذا إن مات المدبر عتق نصيبه إن خرج من الثلث وهو يسري إلى نصيب شريكه إن كان موسرا ؟ فيه روايتان ذكرهما الخرقي في غير هذا الموضع وإن أعتق الشريك نصيبه قبل موت المدبر وهو موسر عتق وسرى إلى نصيب المدبر
وذكر القاضي و أبو الخطاب فيها وجهين و للشافعي فيها قولان : أحدهما : كقولنا والثاني لا يسري عتقه وهو قول أبي حنيفة لأن المدبر قد استحق الولاء على العبد بموته فلم يكن للآخر إبطاله
ولنا قوله عليه الصلاة و السلام [ من أعتق شركا له في عبد فكان له ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطى شركاؤه حصصهم وإلا فقد عتق منه ما عتق ] ولأنه إذا سرى إلى إبطال الملك الذي هو آكد من الولاء فالولاء أولى وما ذكروه لا أصل له ويبطل بما إذا علق عتق نصيبه بصفة (12/311)
حكم لو دبر كل واحد نصيبه فمات أحدهما
فصل : وإن دبر كل واحد منهما نصيبه فمات أحدهما عتق نصيبه وبقي نصيب الآخر على التدبير إن لم يف ثلثه بقيمة حصة شريكه وإن كان يفي به فهل يسري العتق إليه ؟ على روايتين وإن قال كل واحد منهما إذا متنا فأنت حر فقال أبو بكر : قال أحمد : إذا مات أحدهما فنصيبه حر وظاهر هذا أن أحمد جعل هذا اللفظ تدبيرا من كل واحد منهما لنصيبه ومعناه إذا مات كل واحد منا فنصيبه حر فأنه قابل الجميلة بالجميلة فيصرف إلى مقابله البعض كقوله : ركب الناس دوابهم ولبسوا ثيابهم وأخذوا رماحهم يريد لبس كل إنسان ثوبه وركب دابته واخذ رمحه وكذلك إن قال : اعتقوا عبيدهم كان معناه أعتق كل واحد عبده وقال القاضي : هذا تعليق للحرية بموتهما جميعا وإنما قال أحمد : يعتق نصيبه بناء على أن وجود بعض صفة يقوم مقام جميعها ولا يصح هذا لأنه لو كانت هذه العلة لعتق العبد كله لوجود بعض صفة كل واحد منهما ولأننا قد أبطلنا هذا القول بما ذكرنا من قبل ومقتضى قول القاضي أن لا يعتق شيء منه قبل موتهما جميعا وإن قال كل واحد منهما : أردت أن العبد حر بعد آخرنا موتا انبنى هذا على تعليق الحرية على صفة توجد بعد الموت وقد ذكرنا الخلاف في ذلك فإن فإن قلنا بجواز ذلك عتق بعد موت الآخر منهما عليهما جميعا وإن قلنا : لا يصح ذلك عتق نصيب الآخر منهما بالتدبير وفي سرايته إلى باقيه إن ثلثه يحتمل ذلك روايتان
وإن قال كل واحد منهما إذا مت قبل شريكي فنصيبي له فإذا مات فهو حر وإن مت بعده فنصيبي حر فقد وصى كل واحد منهما الآخر فإذا مات أحدهما صار العبد كله للآخر فإذا مات عتق كله عليه وصار ولاؤه كله له إن قلنا لا يصح تعليق العتق على صفة بعد الموت وإن قلنا يصح عتق عليهما وولاؤه بينهما (12/314)
حكم بيع المدبر أو المدبرة في الدين
مسألة : قال : وله بيعة في الدين
ظاهر كلام الخرقي أنه لا يباع في الدين وقد أومأ إليه أحمد وقال مالك : لا يباع إلا في دين يغلب رقبة العبد فإذا كان العبد يساوي ألفا فكان عليه خمسمائة لم يبع العبد وروي عن أحمد أنه قال : أنا أرى بيع المدبر في الدين وإذا كان فقيرا لا يملك شيئا رأيت أن يبيعه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قد باع المدبر لما علم أن صاحبه لا يملك شيئا غيره باعه النبي صلى الله عليه و سلم لما علم حاجته وهذا قول إسحاق و أبي خيثمة وقالا : إن باعه من غير حاجة أجزناه ونقل جماعة عن أحمد جواز بيع المدبر مطلقا في الدين وغيره مع الحاجة وعدمها قال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد عن بيع المدبر إذا كان بالرجل حاجة إلى ثمنه قال : له أن يبيعه محتاجا كان إلى ذلك أو غير محتاج وهذا هو الصحيح
وروي مثل هذا عن عائشة وعمر بن عبد العزيز و طاوس و مجاهد وهو قول الشافعي وكره بيعه ابن عمر وسعيد بن المسيب والشعبي و النخعي و ابن سيرين و الزهري و الثوري و الأوزاعي و الحسن بن صالح وأصحاب الرأي ومالك لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ لا يباع مدبر ولا يشترى ] ولأنه استحق العتق بموت سيده أشبه أم الولد
ولنا ما روى جابر رضي الله عنه [ أن رجلا أعتق مملوكا له عن دبر فاحتاج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من يشتريه مني فباعه من نعيم بن عبد لله بثمانمائة درهم فدفعها إليه وقال أنت أحوج منه ] متفق عليه قال جابر : عبد قبطي مات عام أول في إمارة ابن الزبير وقال أبو إسحاق الجوزاني : صحت أحاديث بيع المدبر باستقامة الطريق والخبر إذا ثبت استغنى به عن غيره من رأي الناس ولأنه عتق بصفة ثبت بقول المعتق فلم يمنع البيع كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت حر ولأنه تبرع بمال بعد الموت فلم يمنع البيع في الحياة كالوصية قال أحمد : هم يقولون : من قال : غلامي حر رأس الشهر فله بيعه قبل رأس الشهر وإن قال : غدا فله بيعه اليوم وإن قال : إذا مت قال : لا يبيعه فالموت أكثر من الأجل ليس هذا قياسا إن جاز أن يبيعه قبل رأس الشهر فله أن يبيعه قبل مجيء الموت وهم يقولون في من قال إن مت من مرضي هذا فعبدي حر ثم لم يمت من مرضه ذلك فليس بشيء وإن قال : إن مت فهو حر لا يباع وهذا متناقض إنما أصله الوصية من الثلث فله أن يغير وصيته ما دام حيا فأما خبرهم فلم يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم إنما هو من قول ابن عمر وقال الطحاوي هو عن ابن عمر وليس بمسند عن النبي صلى الله عليه و سلم ويحتمل أنه أراد بعد الموت أو على الاستحباب أما أم الولد فإن عتقها يثبت بغير اختيار سيدها وليس بتبرع ويكون من جميع المال ولا يمكن إبطاله بحال والتدبير بخلافه ووجه قول الخرقي أن النبي صلى الله علبيه وسلم إنما باع المدبر عند الحاجة فلا يتجاوز به موضع الحاجة
مسألة : قال : ولا تباع المدبرة في الدين إلا في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله رحمه الله والرواية الأخرى : الأمة كالعبد
لا نعلم هذا التفريق بين المدبرة والمدبر عن غير إمامنا رحمه الله وإنما احتاط في رواية المنع من بيعها لأن فيه إباحة فرجها وتسليط مشتريها على وطئها مع وقوع الخلاف في بيعها وحلها فكرة الإقدام على ذلك مع الاختلاف فيه والظاهر أن هذا المنع منه كان على سبيل الورع لا على التحريم البات فإنه إنما قال : لا يعجبني بيعها فالصحيح جواز بيعها فإن عائشة باعت مدبرة لها سحرتها ولأن المدبرة في معنى المدبر فما ثبت فيه فيها
مسألة : قال : فإن اشتراه بعد ذلك رجع في التدبير
وجملة ذلك أن السيد إذا دبر عبده ثم باعه ثم اشتراه عاد تدبيره لأنه علق عتقه بصفة فإذا باعه ثم اشتراه عادت الصفة كما لو قال أنت حر إن دخلت الدار ثم باعه ثم اشتراه فذكر القاضي أن هذا مبني على أن التدبير تعليق بصفة وفيه رواية أخرى أنه وصية فتبطل بالبيع ولا تعود لأنه لو وصى بشيء ثم باعه بطلت الوصية ولم تعد بشرائه ومذهب الشافعي مثل هذا إلا أن عود الصفة بعد الشراء له فيه قولان والصحيح ما قال الخرقي لأن التدبير وجد فيه التعليق بصفة فلا يزول حكم التعليق بوجود معنى الوصية فيه بل هو جامع للأمرين وغير ممتنع وجود الحكم بسببين فيثبت حكمها فيه (12/316)
فيما لو أدبره ثم قال : قد رجعت
مسألة : قال : ولو دبره ثم قال : قد رجعت في تدبيري أو قد أبطلته لم يبطل لأنه لق العتق بصفة في إحدى الروايتين والأخرى يبطل التدبير
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في بطلان التدبير بالرجوع عنه فيه قولا فالصحيح أنه لا يبطل لأنه علق العتق بصفة فلا يبطل كما لو قال لعبده : إذ دخلت الدار فأنت حر والثانية يبطل لأنه جعل له نفسه بعد موته فكان ذلك وصية فجاز الرجوع فيه بالقول كما لو وصى له بعبد آخر وهذا قول الشافعي القديم وقوله الجديد كالرواية الأولى وهو الصحيح لأنه تعليق للعتق بصفة ولا يصح القول بأنه وصية به لنفسه لأنه لا يملك نفسه وإنما تحصل فيه الحرية ويسقط عنه الرق ولهذا لا تقف الحرية على قبوله ولا اختياره وتتنجز عقيب الموت كتنجزها عقيب سائر الشروط ولأنه غير ممتنع أن يجمع الأمرين فثبت فيه حكم التعليق في امتناع الرجوع ويجتمعان في حصول العتق بالموت (12/319)
إذا قال لمدبره : إذا أديت لورثتي كذا فأنت حر
فصل : إذا قال السيد لمدبره : إذا أديت إلى ورثتي كذا فأنت حر فهو رجوع عن التدبير وينبني على الروايتين إن قلنا له الرجوع بالقول فظاهره أنه بطل التدبير ههنا وإن قلنا ليس له الرجوع لم يؤثر القول شيئا وإن دبره كله ثم رجع في نصفه صح إذا قلنا له الرجوع في جميعه لأنه لما صح أن يدبر نصف ابتداء صح أن يرجع في تدبير نصفه وإن غير التدبير فكان مطلقا فجعله مقيدا صار مقيدا إن قلنا بصحة الرجوع في التدبير وإلا فلا وإن كان مقيدا فأطلقه على كل حال لأنه زيادة فلا يمنع منها وإذا دبر الأخرس وكانت إشارته أو كتابته معلومة صح تدبيره ويصح رجوعه إن قلنا بصحة الرجوع في التدبير لأن إشارته وكتابته تقوم مقام نطق الناطق في أحكامه وإن دبر وهو ناطق ثم صار أخرس صح رجوعه بإشارته المعلومة أو كتابته وإن لم تفهم إشارته فلا عبرة بها لأنه لا يعلم رجوعه (12/319)
حكم فيما إذا رهن المدبر
فصل : وإذا رهن المدبر لم يبطل تدبيره لأنه تعليق للعتق بصفة فإن مات السيد وهو رهن عتق وأخذ من تركة سيده قيمته فتكون رهنا مكانه لأن عتقه بسبب من جهة سيده فأشبه ما لو باشره بالعتق ناجزا (12/320)
حكم ما لو أرتد المدبر ولحق في دار الحرب
فصل : وإن ارتد المدبر ولحق بدار الحرب لم يبطل تدبيره لأن ملك سيده باق عليه ويصح التصرف فيه بالعتق والهبة والبيع إن كان مقدورا عليه فإن سباه المسلمون لم يملكوه لأنه مملوك لمعصوم ويرد إلى سيده إن علم به قبل قسمه ويستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن لم يعلم به حتى قسم لم يرد إلى سيده في إحدى الروايتين
والأخرى إذا اختار سيده أخذه بالثمن الذي حسب به على آخذه أخذه وإن لم يختر أخذه بطل تدبيره ومتى عاد إلى سيده بوجه من الوجوه عاد تدبيره وإن لم يعد إلى سيده بطل تدبيره كما لو بيع وكان رقيقا لمن هو في يده وإن مات سيده قبل سبيه عتق فإن سبي بعد هذا لم يرد إلى ورثة سيده لأن ملكه زال عنه بحريته فصار كأحرار دار الحرب ولكن يستتاب فإن تاب وأسلم صار رقيقا يقسم بين الغانمين وإن لم يتب قتل ولم يجز استرقاقه لأنه لا يجوز إقراره على كفره قال القاضي : لا يجوز استرقاقه إذا أسلم وهو قول الشافعي لأن في استرقاقه إبطال ولاء المسلم الذي أعتقه
ولنا أن هذا لا يمنع قتله وإذهاب نفسه وولائه فلأن لا يمنع تملكه أولى ولأن المملوك الذي لم يعتقه سيده يثبت الملك فيه للغانمين إذا لم يعرف مالكه بعينه ويثبت فيه إذا قسم قبل العلم بمالكه والملك آكد من الولاء فلأن يثبت مع الولاء وحده أولى
فعلى هذا لو كان المدبر ذميا فيلحق بدار الحرب ثم مات سيده أو أعتقه ثم قدر عليه المسلمون فسبوه ملكوه وقسموه وعلى قول القاضي ومذهب الشافعي : لا يملكونه : فإن كان سيده ذميا جاز استرقاقه في قول القاضي ولأصحاب الشافعي في استرقاقه وجهان :
أحدهما : يجوز وهذا حجة عليهم لأن عصمة مال الذمي كعصمة مال المسلم بدليل قطع سارقه سواء كان مسلما أو ذميا ووجوب ضمانه وتحريم تملك ماله إذا أخذه الكفار ثم قدر عليه المسلمون فأدركه صاحبه قبل القسمة
وقال القاضي : الفرق بينهما أن سيده هاهنا لو لحق بدار الحرب جاز تملكه فجاز تملك عتقه بخلاف المسلم قلنا إنما جاز استرقاق سيده لزوال عصمته وذهاب عاصمه وهو ذمته وعهده وأما إذا ارتد مدبره فإن عصمة ولاءه ثابتة بغصمة من له ولاؤه وهو ومسلم في ذلك سواء فإذا جاز إبطال ولاء أحدهما جاز في الآخر مثله (12/320)
حكم ما لو أرتد سيد المدبر
فصل : فإن ارتد سيد المدبر فذكر القاضي أن المذهب أنه يكون موقوفا فإن عاد إلى الإسلام فالتدبير باق لحاله لأنا تبينا أن ملكه لم يزل وإن قتل أو مات على ردته لم يعتق المدبر لأنا تبينا أن ملكه زال بردته
وقال أبو بكر : قياس قول أبي عبد الله أن تدبيره يبطل بالردة فإن عاد للإسلام استأنف التدبير وقال الشافعي : التدبير باق ويعتق بموت سيده لأن التدبير سبق ردته فهو كبيعه وهبته قبل ارتداده وهذا ينبني على القول في مال المرتد هل هو باق على ملكه أو قد زال بردته ؟ وقد ذكر في باب المرتد فأما إن دبر في حال ردته فتدبيره مراعى فإن عاد إلى الإسلام تبينا أن تدبيره وقع صحيحا وإن قتل أو مات على ردته تبينا أنه وقع باطلا ولم يعتق المدبر
وقال ابن أبي موسى : تدبيره باطل وهذا قول أبي بكر لأن الملك عنده يزول بالردة وإذا أسلم رد إليه تملكا مستأنفا (12/322)
ما لو ولدته المدبرة فهو في منزلتها
مسألة : قال : وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها فولدها بمنزلتها
وجملته أن الولد الحادث من المدبرة بعد تدبيرها لا يخلو من حالتين : أحدهما أن يكون موجودا حال تدبيرها ويعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر من حين التدبير فهذا يدخل معها في التدبير بلا خلاف نعلمه لأنه بمنزله عضو من أعضائها فإن بطل التدبير في الأم لبيع أو موت أو رجوع بالقول لم يبطل في الولد لأنه ثابت فيه أصلا الحال الثاني : أن تحمل به بعد التدبير فهذا يتبع أمه في التدبير ويكون حكمه كحكمها في العتق بموت سيدها في قول أكثر أهل العلم وروى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وبه قال سعيد بن المسيب و القاسم و مجاهد و الشعبي و النخعي وعن بن عبد العزيز و الزهري و مالك و الثوري و الحسن بن صالح وأصحاب الرأي
وذكر القاضي أن حنبلا نقل عن احمد أن ولد المدبرة عبد إذا لم يشرط المولى قال فظاهر أنه لا يتبعها ولا يعتق بموت سيدها وهذا قول جابر بن زيد و عطاء و للشافعي قولان كالمذهبين أحدهما : لا يتبعها وهو اختيار المزني لأن عتقها معلق بصفة تثبت بقول المعتق وحده فأشبهت من علق عتقها بدخول الدار وقال جابر بن زيد : إنما هو بمنزلة الحائط تصدقت به إذا مت فإن ثمرته لك ما عشت ولأن التدبير وصية وولد الموصى بها قبل الموت لسيدها
ولنا ما روي عن عمر وابن جابر أنهم قالوا : ولد المدبرة بمنزلتها ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفا فكان إجماعا ولأن الأم استحقت الحرية بموت سيدها فيتبعها ولدها كأم الولد ويفارق التعليق بصفة في الحياة والوصية من جهة أن التدبير آكد من كل واحد منهما لأنه اجتمع فيه الأمران وما وجد فيه سببان آكد مما وجد في أحدهما وكذلك لا تبطل بالموت ولا بالرجوع عنه فعلى هذا إن بطل التدبير في الأم لمعنى اختص بها من بيع أو موت أو رجوع لم يبطل في ولدها ويعتق بموت سيدها كما لو كانت أمه باقية على التدبير فإن لم يتسع الثلث لهما جميعا أقرع بينهما فأيهما وقعت القرعة عليه عتق إن احتمله الثلث وإلا عتق منه بقدر الثلث وإن فضل من الثلث بعد عتقه شيء كمل من الآخر كما لو دبر عبدا وأمه معا وأما الولد الذي وجد قبل التدبير فلا نعلم خلافا في أنه لا يتبعها لأنه لا يتبع في العتق المنجز ولا في حكم الاستيلاد ولا في الكتابة فلأن لا يتبع في التدبير أولى قال الميموني : قلت لأحمد : ما كان من ولد المدبرةقبل أن تدبر يتبعها ؟ قال : لا يتبعها من ولدها ما كان قبل ذلك إنما يتبعها ما كان بعد ما دبرت
وقال حنبل : سمعت عمي يقول في الرجل يدبر الجارية ولها ولد ؟ وقال ولدها معها وجعل أبو الخطاب هذه رواية في أن ولدها قبل التدبير يتبعها وهذا بعيد والظاهر أن أحمد لم يرد أن ولدها قبل التدبير معها وإنما أراد ولدها بعد التدبير على ما صرح به في غير هذه الرواية فإن ولدها الموجود لا يتبعها في عتق ولا كتابة ولا استيلاد ولا بيع ولا هبة ولا رهن ولا شيء من الأسباب الناقلة للملك في الرقبة (12/323)
حكم ما لو علق عتق أمته بصفة
فصل : فإن علق عتق أمته بصفة نظرنا فإن كانت حاملا حين التعليق تبعها فيه لأنه كعضو من أعضائها وإن كانت حاملا حين وجود الصفة عتق معها لذلك وإن حملت بعد التعليق وولدت قبل وجود الصفة لم يتبعها في الصفة ولم يعتق بوجودها وفيه وجه آخر أنه يعتق بها ويتبع أمه في ذلك ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ووجه اتباعه إياها أنها استحقت الحرية فتبعها ولدها كالمدبرة
ولنا أنه يملكها ملكا كاملا ويباح له التصرف في رقبتها بأنواع التصرفات بغير خلاف فلم يعتق ولدها بعتقها كالموصي بعتقها الموكل فيه وتفارق المدبرة فإن التدبير آكد لما ذكرنا ولهذا اختلف في جواز بيعها والتصرف فيها (12/325)
في حكم ولد المدبرة
فصل : فأما ولد المدبر فحكمه حكم أمه لا نعلم فيه خلافا وهذا قول ابن عمر و عطاء و الزهري و الأوزاعي و الليث وذلك لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية وإن تسرى بإذن سيده فولد له أولاد فروي عن أحمد أنهم يتبعونه في التدبير
وروى ذلك عن مالك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن إباحة التسري تنبني على ثبوت الملك وولد الحر من أمته يتبعه في الحرية دونها كذلك ولد المدبر من أمته يتبعه دونها ولأنه ولد يستحق الحرية من أمته فيتبعه في ذلك كولد المكاتب من أمته
فصل : وإذا ولدت المدبرة فرجع في تدبيرها وقلنا بصحة الرجوع لم يتبعها ولدها لأن الولد المنفصل لا يتبع في الحرية ولا في التدبير ففي الرجوع أولى وإن رجع في تدبيره وحده جاز لأنه إذا جاز الرجوع في الأم المباشرة بالتدبير ففي غيرها أولى وإن رجع في تدبيرها جاز كما لو دبرها وابنها المنفصل وإن دبرها حاملا ثم رجع في تدبيرها حال حملها لم يتبعها الولد في الرجوع لأن التدبير اعتاق والاعتاق مبني على التغليب والسراية والرجوع عنه بعكس ذلك فلم يتبع الولد فيه وهذا كما لو ولد له توأمان فأقر بأحدهما لزماه جميعا وإن نفى أحدهما لم ينتف الآخر وإن رجع فيهما جميعا جاز وإن رجع في أحدهما دون الآخر جاز وإن دبر الولد دون أمه أو الأم دون ولدها جاز لأنه يجوز أن يعتق كل واحد منهما دون صاحبه فجواز أن يدبر أحدهما دون صاحبه أولى ولأنه تعليق العتق بصفة فجاز في أحدهما دون الآخر كالتعليق بدخول الدار وإن دبر أمته ثم قال إن دخلت الدار فقد رجعت في تدبيري لم يصح لأن الرجوع لا يصح تعليقه بصفة وإن قال : كلما ولدت ولدا فقد رجعت في تدبيره لم يصح لذلك
فصل : وإذا اختلفت المدبرة وورثة سيدها في ولدها فقالت : ولدتهم بعد تدبيري فعتقوا معي وقال الورثة : بل ولدتهم قبل تدبيرك فهم مملوكون لنا فالقول قول الورثة مع أيمانهم لأن الأصل بقاء رقهم وانتفاء الحرية عنهم فإذا لم تكن بينة فالقول قول من يوافق قوله الأصل (12/325)
كسب المدبر في حياته لسيده
فصل : وكسب المدبر في حياة سيده لسيده وله أخذه منه لأن التدبير لا يخرج عن شبهه بالوصية بالعتق أو التعليق له على صفة أو بالاستيلاد وكل هؤلاء كسبهم لسيدهم فكذلك المدبر فإن اختلف هو وورثة سيده فيما في يده بعد عتقه فقال : كسبته بعد حريتي وقالوا بل قبل ذلك فالقول قوله لأنه في يده ولم يثبت ملكهم عليه بخلاف الولد فإنه كان رقيقا لهم فإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه قدمت بينة الورثة عند من يقدم بينة الخارج وبينة المدبر عند من يقدم بينة الداخل وإن أقر المدبر أن ذلك كان في يده في حياة سيده ثم تجدد ملكه عليه بعد موته فالقول قول الوارث لأن الأصل معهم فإن أقام المدبر بينة بدعواه قبلت وتقدم على بينة الورثة إن كانت لهم بينة لأن بينة المدبر تشهد بزيادة وإن لم يقر المدبر بأنه كان في يده في حياة سيده فأقام بينة وبه فهل تسمع بينتهم ؟ على وجهين : (12/327)
للسيد إصابة مدبرته
مسألة : قال : وله إصابة مدبرته
يعني له وطؤها روي عن ابن عمر أنه دبر أمتين وكان يطؤهما وممن رأى ذلك ابن عباس وسعيد بن مسيب و عطاء و الثوري و النخعي و مالك و الأوزاعي و الليث و الشافعي قال أحمد : لا أعلم أحدا كره ذلك غير الزهري وحكي عن الأوزاعي أنه كان يقول : إن كان يطؤها قبل تدبيرها فلا بأس بوطئها بعده وإن كان لا يطؤها قبله لم يطأها بعد تدبيرها
ولنا أنها مملوكته لم تشتر نفسها منه فحل له وطؤها لقول الله تعالى { أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } وكأم الولد (12/328)
ابنة المدبرة كأمها في حل وطئها
فصل : وابنة المدبرة كأمها في حل وطئها إن لم يكن وطئ أمها وعنه ليس له وطؤها لأن حق الحرية ثبت لها تبعا أشبه ولد المكاتبة
ولنا أن ملك سيدها تام عليها فحل له وطؤها للآية وكأمها واستحقاقها للحرية لا يزيد على استحقاق أمها ولم يمنع ذلك وطأها وأما ولد المكاتبة فألحقت بأمها يحرم وطؤها فكذلك ابنتها وأم هذه يحل وطؤها فيجب إلحاقها بها وكلام أحمد محمول على أنه وطئ فحرمت عليه لذلك (12/329)
في إنكار التدبير
مسألة قال : ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين عدلين أو شاهد ويمين العبد
وجملته أن العبد إذا ادعى على سيده أنه دبره فدعواه صحيحة لأنه يدعي استحقاق العتق ويحتمل أن لا تصح الدعوى لأن السيد إذا أنكر التدبير كان بمنزلة إنكار الوصية وإنكار الوصية وإبكار الوصية رجوع عنها في أحد الوجهين فيكون إنكار التدبير رجوعا عنه والرجوع عنه يبطله في أحد الوجهين فتبطل الدعوى والصحيح أن الدعوى صحيحة لأن الصحيح أن الرجوع عن التدبير لا يبطله ولا أبطله فما ثبت كون الإنكار رجوعا ولو ثبت ذلك فلا يتعين الإنكار جوابا للدعوى فإنه يجوز أن يكون جوابها إقرارا فإذا ثبت هذا فإن السيد إن أقر فلا كلام وإن أنكر ولم تكن للعبد بينة فالقول قول المنكر مع يمينه لأن الأصل عدمه وإن كانت للعبد بينة حكم بها ويقبل فيه شاهدان عدلان بلا خلاف وإن لم يكن له إلا شاهد واحد وقال : أنا حلف معه أو شاهد وامرأتان ففيه روايتان :
إحداهما : لا يحكم به وهو مذهب الشافعي لأن الثابت به الحرية وكمال الأحكام وهذا ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فأشبه بالنكاح والطلاق والثانية : يثبت بذلك لأنه لفظ يزول به ملكه عن مملوكه فأشبه البيع وهذا أجود لأن البينة إنما تراد لإثبات الحكم على المشهود عليه وهي في حقه إزالة ملكه عن ماله فثبت بهذا وإن حصل به غرض آخر للمشهود له فلا يمنع ذلك من ثبوته بهذه البينة ولأن العتق مما يتشوف إليه ويبنى على التغليب والسراية فينبغي أن يسهل طريق إثباته وإن كان الاختلاف بين العبيد وورثه السيد بعد موته فهو كما لو كان الخلاف مع السيد إلا أن الدعوى صحيحة بغير خلاف لأنهم لا يملكون الرجوع وأيمانهم على نفي العلم لأن الخلاف في فعل موروثهم وأيمانهم على نفي فعله وتجب اليمين على كل واحد من الورثة ومن نكل منهم عتق نصيبه ولم يسر إلى باقيه وكذلك إن أقر لأن إعتاقه بفعل الموروث لا بفعل المقر ولا الناكل (12/329)
في التدبير
مسألة : قال : وإذا دبر عبده ومات وله مال غائب أو دين موسرا أو معسر عتق من المدبر ثلثه وكلما اقتضى من دينه شيء أو حضر من ماله الغائب شيء عتق من المدبر مقدار ثلثه كذلك من يعتق الثلث حتى كله
وجملة ذلك أن السيد إذا أدبر عبده ومات وله مال سواه يفي بثلثي ماله إلا أنه غائب أو دين في ذمة إنسان لم يعتق جميع العبد لجواز أن يتلف الغائب أو يتعذر استيفاء الدين فيكون العبد جميع التركة هو شريك الورثة فيها له ثلثها ولهم ثلثاها فلا يجوز أن يحصل على جميعها ولكنه يتنجز عتق ثلثه ويبقى ثلثاه موقوفين لأن ثلثه حر على كل حال لأن أسوأ الأحوال أن لا يحصل من سائر المال شيء فيكون العبد جميع التركة فيعتق ثلثه كما لو لم يكن له مال سواه وكلما اقتضى من الدين شيء أو حضر من الغائب شيء عتق من المدبر قدر ثلثه فإذا كانت قيمته مائة وقدم من الغائب مائة عتق ثلثه الثاني فإذا قدمت مائة أخرى عتق ثلثه الباقي وإن بقي له دين بعد ذلك أو مال غائب لو يؤثر بقاؤه لأن الحاصل من المال يخرج المدبر كله من ثلثه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولهم وجه آخر لا يعتق منه شيء حتى يستوفي من الدين شيء أو يقدم من الغائب شيء فيعتق من العبد قدر نصفه لأن الورثة لم يحصل لهم شيء والعبد شريكهم فلا يجوز أن يحصل على شيء ما لم يحصل لهم مثلاه فإن تلف الغائب ويئس من استيفاء الدين عتق ثلثه حينئذ وملكوا ثلثيه لأن العبد صار جميع التركة وهذا لا يصح لأن ثلث العبد خارج من الثلث يقينا وإنما الشك في الزيادة عليه وما خرج من الثلث يقينا يجب أن يكون يقينا حرا لأن التدبير صحيح ولا خلاف في انه ينفذ في الثلث ووقف هذا الثلث عن العتق مع يقين حصول العتق فيه ووجود المقتضي له وعدم الفائدة في وقفه لا معنى له وكون الورثة لم يحصل لهم شيء لمعنى اختص بهم لا يوجب أن لا يحصل له شيء مع عدم ذلك المعنى فيه إلا ترى أنه لو ابرأ غريمه من دينه وهو جميع التركة فإنه يبرأ من ثلثه ولم يحصل للورثة شيء ؟ ولو كان الدين مؤجلا فأبرأه منه برئ من ثلثه في الحال وتأخر استيفاء الثلثين إلى الأجل ولو كان الغريم معسرا برئ من ثلثه في الحال وتأخر الباقي إلى الميسرة ولأن تأخير عتق الثلث لا فائدة للورثة فيه ويفوت نفعه للمدبر فينبغي أن لا يثبت فإذا ثبت هذا فإن العبد إذا عتق كله بقدوم الغائب أو استيفاء الدين تبينا أنه كان حرا حين الموت فيكوم كسبه له إنما عتق بالتدبير ووجود الشرط الذي علق عليه السيد حريته وهو الموت وإنما وقفناه للشك في خروجه من الثلث فإذا زال الشك تبينا أنه كان حاصلا قبل زوال الشك وإن تلف المال تبينا أنه كان ثلثاه رقيقا ولم يعتق منه سوى ثلثه وإن تلف بعض المال رق من المدبر ما زاد على قدر ثلث الحاصل من المال
فصل : وإن كان المدبر عبدين وله دين يخرجان من ثلث المال على تقدير حصوله أقرعنا بينهما فيعتق ممن تخرج له القرعة قدر ثلثهما وكان باقيه والعبد الآخر موقوفا فإذا استوفى من الدين شيء كمل من عتق من وقعت له القرعة قدر ثلثه وما فضل عتق من الآخر كذلك حتى يعتقا جميعا أو مقدار الثلث منهما وإن تعذر استيفاء الدين لم يرد العتق قدر ثلثهما وإن خرج الذي وقعت له القرعة مستحقا بطل العتق فيه وعتق من الآخر ثلثه
فصل : وإذا دبر عبدا قيمته مائة وله مائة دينار عتق ثلثه ورق ثلثه ووقف ثلثه على استيفاء الثلث الباقي وإذا كانت له مائة حاضرة مع ذلك عتق من المدبر ثلثاه ووقف ثلثه على استيفاء الدين
فصل : وإن دبر عبده وقيمته مائة وله ابنان وله مائتان دينا على أحدهما عتق من المدبر ثلثاه لأن حصة الذي عليه الدين منه كالمستوفي ويسقط عن الذي عليه الدين منه نصفه لأنه قدر حصته من الميراث ويبقى الآخر عليه مائة كلما استوفى منها شيئا عتق قدر ثلثه وإن كانت المائتان دينا على الابنين بالسوية عتق المدبر كله لأن كل واحد منهما عليه قدر حقه وقد حصل ذلك بسقوطه من ذمته
فصل : فإن دبر عبدا قيمته مائة وخلف ابنين ومائتي درهم دينا له على أحدهما ووصى لرجل بثلث ماله عتق من المدبر ثلثه وسقط عن الغريم مائة وكان للموصى له سدس العبد وللبنين ثلثه ويبقى سدس العبد موقوفا لأن الحاصل من المال ثلثاه وهو العبد والمائة الساقطة عن الغريم وثلث ذلك مقسوم بين المدبر والوصي فحصة المدبر منه ثلثه يعتق في الحال ويبقى له السدس موقوفا فكلما اقتضى من المائة الباقية شيء عتق من المدبر قدر سدسه ويكون المستوفي بين الابنين والوصي أثلاثا فإذا استوفيت كلها حصل للابن ثلثاها وثلث العبد وهو قدر حقه وكمل في المدبر عتق نصفه وحصل للوصي سدس العبد وثلث المائة وهو قدر حقه وإن كان الدين على أجنبي لم يعتق من المدبر إلا سدسه لأن الحاصل من التركة هو العبد وثلثه بينه وبين الوصي الآخر وللوصي سدسه ولكل ابن سدسه ويبقى ثلثه موقوفا فكلما اقتضى من الدين شيء عتق من المدبر قدر سدسه وكان المستوفى بين الابنين والوصي أسداسا للوصي وسدسه ولهما خمسة أسداسه فيحصل لكل واحد نصف المائة وثلثها وسدس العبد وهو قدر حقه ويحصل للوصي سدس المائتين وسدس العبد وهو قدر حقه ويعتق من المدبر نصفه وهو قدر حقه
مسألة : قال : وإذا دبر قبل البلوغ كان تدبيره جائزا إذا كان له عشر سنين فصاعدا وكان يعرف الدبير وما قلته في الرجل فالمرأة مثله إذا كان لها تسع سنين فصاعدا
وجملته أن تدبير الصبي المميز ووصيته جائزة وهذا إحدى الروايتين عن مالك وأحد قولي الشافعي قال بعض أصحابه : هو أصح قوليه
وروي ذلك عن عمر و شريح و عبد الله بن عتبة وقال الحسن و أبو حنيفة : لا يصح تدبيره كالمجنون وهو الرواية الثانية عن مالك والقول الثاني للشافعي لأنه لا يصح إعتاقه فلم يصح تدبيره كالمجنون
ولنا ما روى سعيد عن هيثم عن يحي عن ابن سعيد عن أبي بكر بن محمد أن غلاما من الأنصار أوصى لأخوال له من غسان بأرض يقال لها بئر جشم قومت بثلاثين ألفا فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأجاز الوصية قال يحي بن سعيد : وكان الغلام ابن عشر سنين أو اثنتا عشرة سنة
وروي أن قوما سألوا عمر رضي الله عنه عن غلام من غسان يافع وصى لبنت عمه فأجاز عمر وصيته ولم نعرف له مخالفا ولأن صحة وصيته وتدبيره أحظ له بيقين لأنه ما دام باقيا لا يلزمه فإذا مات كان ذلك صلة وأجرا فصح كوصية المحجور عليه لسفه ويخالف العتق لأن فيه تفويت ماله عليه في حياته ووقت حاجته فما تقييد من يصح تدبيره بمن له عشر فلقول النبي صلى الله عليه و سلم [ اضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ] وهو الذي ورد فيه الخبر عن عمر رضي الله عنه واعتبروا المرأة بتسع لقول عائشة رضي الله عنها : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ويروى عن النبي صلى الله عليه و سلم مرفوعا ولأن السن الذي يمكن بلوغها فيه ويتعلق به أحكام سوى ذلك
فصل : ويصح منه الرجوع إن قلنا بصحة الرجوع من المكلف لأن من صحت وصيته صح رجوعه كالمكلف وإن أراد بيع المدبر قام وليه في بيعه مقامه وإن أذن له وليه في بيعه فباعه صح منه
فصل : ويصح تدبير المحجور عليه لسفه ووصيته لما ذكرنا في الصبي ولأن لا تصح وصية المجنون ولا تدبيره لأنه لا يصح شيء من تصرفاته وإن كان يجن يوما ويفيق يوما صح تدبيره في إفاقته
فصل : ويصح تدبير الكافر ذميا كان أو حربيا في دار الإسلام ودار الحرب لأنه له ملكا صحيحا فصح تصرفه فيه كالمسلم فإن قيل لو كان ملكه صحيحا لم يملك عليه بغير اختياره قلنا هذا لا ينافي الملك بدليل أنه يملك في النكاح ويملك زوجته عليه بغير اختياره ومن عليه الدين إذا امتنع من قضائه أخذ من ماله بقدر ما عليه بغير اختياره وحكم تدبيره حكم تدبير المسلم على ما ذكرنا فإن اسلم مدبر الكافر بإزالته ملكه عنه وأجبر عليه لئلا يبقى الكافر ملكا للمسلم كغير المدبر ويحتمل أن يترك في يد عدل وينفق عليه من كسبه فإن لم يكن له كسب أجبر سيده على الإنفاق عليه
وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه بناء على بيع المدبر غير جائز ولان في بيعه إبطال سبب العتق وإزالة غرضيته فكان إبقاؤه أصلح فتعين كأم الولد فإن قلنا يبيعه فباعه بطل تدبيره وإن قلنا يترك في يد عدل فإنه يستنيب من يتولى استعماله استكسابه وينفق عليه من كسبه وما فضل فلسيده وإن لم يف بنفقته فالباقي على سيده وإم اتفق هو وسيده على المخارجه جاز وينفق على نفسه مما فضل من كسبه فإذا مات سيده عتق إن خرج من الثلث وإلا عتق منه بقدر الثلث وبيع الباقي على الورثة إن كانوا كفارا وإن اسلموا بعد الموت ترك وإن رجع سيده في تدبيره وقلنا بصحة الرجوع بيع عليه وإن كان المدبر كمستأمن وأراد أن يرجع به إلى دار الحرب ولم يكن اسلم لم يمنع من ذلك وإن كان قد اسلم منع منه لأننا نحول بينه وبينه في دار الإسلام فأولى أن يمنع من التمكن به في دار الحرب
مسألة : قال : وإذا قتل المدبر سيده بطل تدبيره
إنما يبطل تدبيره بقتله سيده لمعنيين : أحدهما : أنه قصد استعجال العتق بالقتل المحرم فعوقب بنقيض قصده وهو إبطال التدبير كمنع الميراث بقتل الموروث ولأن العتق فائدة تحصل بالموت فتنفى بالقتل كالإرث والوصية والثاني : إن التدبير وصية فتبطل بالقتل كالوصية بالمال ولا يلزم على هذا عتق أم الولد لكونه آكد فإنها صارت بالاستيلاد بحال لا يمكن نقل الملك فيها بحال ولذلك لم يجز بيعها ولا هبتها ولا رهنها ولا الرجوع عن ذلك بالقول ولا غيره والإرث نوع من النقل فلو لم تعتق بموت سيدها لانتقل الملك فيها إلى الوارث ولا سبيل إليه بخلاف المدبر ولأن سبب حرية أم الولد الفعل والبعضية التي حصلت بينها وبين سيدها بواسطة ولدها وهذا أكد من القول ولهذا انعقد استيلاد المجنون ولم ينفذ إعتاقه ولا تدبيره وسرى حكم استيلاد المعسر إلى نصيب شريكه بخلاف الإعتاق وعتقت من رأس المال والتدبير لا ينفذ إلا في الثلث ولا يملك الغرماء إبطال عتقها وإن كان سيدها مفلسا بخلاف المدبر ولا يلزم من الحكم في موضع تأكد الحكم فيما دونه كما لم يلزم الحاقة به في هذه المواضع التي افترقا فيها إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون القتل عمدا أو خطا كما لا فرق بين ذلك في حرمان الإرث وإبطال وصية القاتل
فصل : فأما سائر جناياته غير قتل سيده فلا تبطل تدبيره ولكن إن كانت جناية موجبة للمال أو موجبة للقصاص فعفا الوالي إلى مال تعلق المال برقبته فمن جوز بيعه جعل سيده بالخيار بين تسليمه فيباع في الجناية وبين فدائه فإن سلمه في الجناية فبيع فيها بطل تدبيره وإن عاد إلى سيده عاد تدبيره وإن اختار فداءه وفداه بما يفدي به العبد فهو مدبر بحاله ومن لم يجز بيعه عين فداءه على سيده كأم الولد وإن كانت الجناية موجبة للقصاص فاقتص منه في النفس بطل تدبيره وإن اقتص منه في الطرف فهو مدبر بحاله وإذا مات سيده بعد جنايته وقبل استيفائها عتق على كل حال سواء كانت موجبة للمال أو القصاص لأن صفة العتق وجدت فيه فأشبه ما لو باشره به فإن كان الواجب قصاصا استوفى سواء كانت جنايته على عبد أو حر لأن القصاص قد استقر وجوبه عليه في حال رقه فلا يسقط بحدوث الحرية فيه وإن كان الواجب عليه مالا في رقبته فدي بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته وإن جنى على المدبر فأرش الجناية لسيده فإن كانت الجناية على نفسه وجبت قيمته لسيده وبطل التدبير بهلاكه فإن قيل فهلا جعلتم قيمته قائمة مقامه كالعبد المرهون الموقوف إذا جنى عليه ؟ قلنا الفرق بينهما من ثلاثة أوجه : أحدها : إن كل واحد من الوقف والرهن لازم فتعلق الحق ببدله والتدبير غير لازم لأنه يمكن إبطاله بالبيع وغيره فلم يتعلق الحق ببدله
الثاني : أن الحق في التدبير للمدبر فبطل حقه بفوات مستحقة والبدل لا يقوم مقامه في الاستحقاق والحق في الوقف للموقوف عليه وفي الرهن للمرتهن وهو باق فيثبت حقه في بدل محل حقه
الثالث : أن المدبر إنما ثبت حقه بوجود موت سيده فإن هلك قبل سيده فقد هلك قبل ثبوت الحق له فلم يكن له بدل بخلاف الرهن والوقف فإن الحق ثابت فيهما فقام بدلهما مقامهما وبين الرهن والمدبر فرق رابع وهو أن الواجب القيمة ولا يمكن وجود تدبير فيها ولا قيامها مقام المدبر فيه وإن أخذ عبدا مكانه فليس هو البدل إنما هو بدل القيمة بخلاف الرهن فإن القيمة يجوز أن تكون رهنا فإن قيل فهذا يلزم عليه الموقف فإنه إذا قتل أخذت قيمته فاشترى بها عبدا يكون وقفا مكانه قلنا قد حصل الفرق بين المدبر والرهن من الوجوه الثلاثة وكونه لا يحصل الفرق بينه وبين الوقف من هذا الوجه لا يمنع أن يحصل الفرق بينه وبين الرهن به
فصل : وإذا دبر السيد عبده ثم كاتبه جاز نص عليه أحمد وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة والحسن ولفظ حديث أبي هريرة عن مجاهد قال : دبرت امرأة من قريش خادما لها ثم أرادت أن تكاتبه قال : فكنت الرسول إلى أبي هريرة فقال كاتبيه فإن أدى كتابته فذاك وإن حدث بك حدث عتق قال وأراده قال علي ما كان عليه له ولان التدبير إن كان عتقا بصفة لم يمنع الكتابة كالذي علق عتقه بدخول الدار وإن كان وصية لم يمنعها كما لو وصى بعتقه ثم كاتبه ولأن التدبير والكتابة سببان للعتق فلم يمنع أحدهما الآخر كتدبير المكاتب وذكر القاضي أن التدبير يبطل بالكتابة إذا قلنا هو وصية كما لو وصى به لرجل ثم كاتبه وهذا يخالف ظاهر كلام أحمد وهو غير صحيح في نفسه ويفارق التدبيرالوصية به لرجل لأن المقصود الكتابة والتدبير لا يتنافيان إذا كان المقصود منهما جميعا العتق فإذا اجتمعا كان لحصوله آكد لحصوله فإنه إذا فات عتقه من أحدهما حصل بالآخر وأيهما وجد قبل صاحبه حصل العتق به ومقصود الوصية به والكتابة يتنافيان لأن الكتابة تراد للعتق والوصية تراد لحصول الملك فيه للموصي له ولا يجتمعان إذا ثبت هذا فإنه إن أدى في حياة السيد صار حر بالكتابة وبطل التدبير وإن مات السيد قبل الأداء عتق بالتدبير إن خرج من الثلث وبطلت الكتابة وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما عتق وكان على الكتابة فيما بقي فإن أدى البعض ثم مات سيده عتق كله وسقط باقي الكتابة إن خرج من الثلث وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث وسقط مما بقي من الكتابة بقدر ثلث المال وأدى ما بقي (12/331)
كتان المكاتب
الكتابة إعتاق السيد عبده على مال في ذمته مؤجلا سميت كتابة لأن السيد يكتب بينه وبينه كتابا بما اتفقا عليه وقيل سميت كتابة من الكتب وهو الضم لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض ومنه سمي الخرز كتابا لأنه يضم أحد الطرفين إلى الآخر بخرزه وقال الحريري :
( وكاتبين وما خطت أناملهم ... حرفا ولا قرأوا ما خط في الكتب )
وقال ذو الرمة في ذلك المعنى :
( وفراء عرفته أنأى خوارزها ... مشلشل صنعته بينها الكتب )
يصف قربة يسيل الماء من بين خرزها وسميت الكتيبة كتيبة لانضمام بعضها إلى بعض والمكاتب يضم بعض نجومه إلى بعض والنجوم ههنا الأوقات المختلفة لأن العرب كانت لا تعرف الحساب وإنما تعرف الأوقات بطلوع النجوم كما قال بعضهم :
( ذا سهيل أو الليل طلع ... فابن اللبون الحق والحق جذع )
فسميت الأوقات نجوما والأصل في الكتاب والسنة والإجماع أما فقول الله تعالى { يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } وأما السنة فما روى سعيد عن سفيان والزهري عن نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ إذا كان لأحدكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه ] وروى سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ من أعان غارما أو غازيا أو مكاتبا في كتابته أظله الله يوم لا ظل إلا ظله ] في أحاديث كثيرة سواهما الأمة على مشروعية الكتابة (12/338)
حكم ما لو سأل العبد سيده مكاتبته
فصل : إذا سأل العبد سيده مكاتبته استجب له إجابته إذا علم فيه خيرا ولم يجب ذلك في ظاهر المذهب وهو قول عامة أهل العلم منهم الحسن و الشعبي و مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أنها واجبة إذا دعا العبد المكتسب الصدوق سيده إليها فعليه إجابته وهو قول عطاء و الضحاك و عمرو بن دينار و داود وقال إسحاق : أخشى أن يأثم إن لم يفعل ولا يجبر عليه ووجه ذلك قول الله تعالى { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } وظاهر الأمر الوجوب وروي ابن سيرين أبا محمد بن سيرين كان عبدا لأنس بن مالك فسأله أن يكاتبه فأبى فأخبر سيرين عمر بن الخطاب بذلك فرفع الدرة على أنس وقرأ عليه { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } فكتابه أنس
ولنا أنه إعتاق بعوض فلم يجب كالاستسعاء والآية محمولة على الندب وقول عمر رضي الله عنه يخالف فعل أنس ولا خلاف بينهم في أن من لا خير فيه لا تجب أجابته قال أحمد صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة ونحو هذا قال إبراهيم و عمرو بن دينار وغيرهم وعبارتهم في ذلك مختلفة قال ابن عباس : غنى وإعطاء المال وقال مجاهد : غنى وأداء وقال النخعي : صدق ووفاء وقال عمرو بن دينار : مال وصلاح وقال الشافعي : قوة على الكسب وأمانة وهل تكره كتابة من لا كسب له أولا ؟ قال القاضي : ظاهر كلام أحمد كراهيته وكان ابن عمر رضي الله عنه يكرهه وهو قول مسروق و الأوزاعي وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يكره ولم يكرهه الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وطائفة من أهل العلم لأن جويرية بنت الحارث كاتبها ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري فأتت رسول الله صلى الله عليه و سلم تستعينه في كتابتها فأدى عنها كتابتها وتزوجها واحتج ابن المنذر بأن بريرة كاتبت ولا حرفة لها ولم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ووجه الأول ما ذكرنا في عتقه وينبغي أن ينظر في المكاتب فإن كان ممن يتضرر بالكتابة ويضيع لعجزه عن الإنفاق على نفسه ولا يجد من ينفق عليه كرهت كتابته وإن كان يجد من يكفيه مئونته لم تكره كتابته لحصول النفع بالحرية من غير ضرر فأما جويرية فأنها كانت ذات أهل ومال وكانت ابنة سيد قومه فإن عتقت رجعت إلى أهلها فأخلف الله لها خيرا من أهلها فتزوجت رسول الله صلى الله عليه و سلم وصارت إحدى أمهات المؤمنين وأعتق الناس ما كان بأيديهم من قومها حين بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجها وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يروا امرأة أعظم بركة على قومها منها وأما بريرة فإن كتابتها تدل على إباحة ذلك وأنه ليس بمنكر ولا خلاف فيه وإنما الخلاف في كراهته وقال مسروق : إذا سأل العبد مولاه المكاتبة فإن كان له مكسبة أو كان له مال فليكاتبه وإن لم يكن له مال ولا مكسبه فليحسن ملكته ولا يكلفه إلا طاقته (12/339)
لا تصح الكتابة إلا ممن يصح تصرفه
فصل : ولا تصح الكتابة إلا ممن يصح تصرفه فأما المجنون والطفل فلا تصح مكاتبتهما لرقيقهما ولا مكاتبة سيدهما لهما وأما الصبي المميز فإن كاتب عبده بإذن وليه صح ويحتمل أن لا يصح بناء على قولنا إنه لا يصح بيعه بإذن وليه ولأن هذا عقد إعتاق فلم يصح منه العتق بغير مال فأما إن لم يأذن وليه فلا يصح بحال وإن كان المميز سيده صح وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : لا يصح فيهما جميعا بحال لأنه ليس بمكلف فأشبه المجنون
ولنا أنه يصح تصرفه وبيعه بأذن وليه فصحت منه الكتابة بذلك كالمكلف ودليل تصرفه قول الله تعالى { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح } والابتلاء الاختبار له بتفويض التصرف إليه ليعلم هل يقع منه وجه المصلحة أو لا ؟ وهل يغبن في بيعه وشرائه أو لا ؟ وإيجاب السيد لعبده المميز المكاتبة إذن له في قبولها إذا ثبت هذا فإن كان السيد المكاتب طفلا أو مجنونا فلا حكم لتصرفه ولا قوله وإن كاتب المكلف عبده الطفل أو المجنون لن يثبت لهذا التصرف حكم الكتابة الصحيحة ولا الفاسدة لأنه لا حكم لقولهما ولكن إن قال : إن أديتما إلى فأنتما حران فأديا عتق بالصفة لا بالكتابة وما في أيديهما لسيدهما وإن لم يقل ذلك لم يعتقا ذكره أبو بكر وقال القاضي : يعتقان وهو مذهب الشافعي لأن الكتابة تتضمن معنى الصفة فيحصل العتق ههنا بالصفة المحضة كما لو قال : إن أديت إلي فأنت حر
ولنا أنه ليس بصفة صريحا ولا معنى وإنما هو عقد باطل فأشبه البيع الباطل (12/341)
حكم لو كاتب الذمي عبده المسلم
فصل : وإذا كاتب الذمي عبده المسلم صح لأنه عقد معاوضة أو عتق بصفه وكلاهما يصح منه وإذا ترافعا إلى الحاكم بعد الكتابة نظر في العقد فإن كان موافقا للشرع أمضاه سواء ترافعا قبل إسلامهما أو بعده وإن كاتب كتابه فاسدة مثل كتابة فاسدة مثل أن يكون العوض خمرا أو خنزيرا أو غير ذلك من أنواع الفساد ففيه ثلاث مسائل :
إحداهما : أن يكونا قد تقايضا حال الكفر فتكون الكتابة ماضية والعتق حاصل لأن ما تم في حال الكفر لا ينقضه الحاكم ويحكم بالعتق سواء ترافعا قبل الإسلام أو بعده
الثانية : تقايضا بعد الإسلام ثم ترافعا إلى الحاكم فإنه يعتق أيضا لأن هذه كتابة فاسدة ويكون حكمها حكم الفاسدة المعقودة في الإسلام على ما سنذكره إن شاء الله تعالى
الثالثة : ترافعا قبل قبض العوض الفاسد أو قبض بعضه فإن الحاكم يرفع هذه الكتابة ويبطلها لأنها كتابة فاسدة لم يتصل بها قبض تنبرم به ولا فرق بين إسلامهما أو إسلام أحدهما فيما ذكرناه لأن التغليب لحكم الإسلام وقال أبو حنيفة : إذا كاتبه على خمر ثم أسلما لم يفسد العقد ويؤدي قيمة الخمر لأن الكتابة كالنكاح ولو أمهرها خمرا ثم اسلما بطل الخمر ولم يبطل النكاح
ولنا أن هذا عقد لو عقده المسلم كان فاسدا فإذا أسلم قبل التقايض أو أحدهما حكم بفساده كالبيع الفاسد ويفارق النكاح فإنه لو عقده المسلم بخمر كان صحيحا وإن سلم مكاتب الذمي لم تنفسخ الكتابة لأنها وقعت صحيحة ولا يجبر على إزالة ملكه لأنه خارج بالكتابة عن تصرف الكافر فيه فإن عجز أجبر على إزالة ملكه عنه حينئذ وإن اشترى مسلما فكاتبه لم تصح الكتابه لأن الشراء باطل ولم يثبت له به ملك وإن أسلم عبده فكاتبه بعد إسلامه لم تصح كتابته لأنه يلزمه إزالة ملكه عنه والكتابة لا تزال الملك فإن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وقال القاضي : له كتابته لأنه يخرج بها عن تصرف سيده فيه فإن عجز عاد رقيقا قنا وأجبر على إزالة ملكه عنه حينئذ (12/342)
حكم ما لو كاتب الحربي عبده
فصل : وإن كاتب الحربي عبده صحت كتابته سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يصح لأن ملكه ناقص وحكى عن مالك أنه لا يملك بدليل أن للمسلم تملكه عليه
ولنا قول الله تعالى { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } وهذه الإضافة إليهم تقتضي صحة أملاكهم فتقتضي صحة تصرفاتهم فإذا ثبت هذا فإذا كاتب عبده ثم دخلا مستأمنين إلينا لم يتعرض الحاكم لهما وإن ترفعا إليه نظر بينهما فإن كانت كتابتهما صحيحة ألزمهما حكمها وإن كانت فاسدة بين لهما فسادها وإن جاءا وقد قهر أحدهما صاحبه بطلت الكتابة لأن العبد إن قهر سيده ملكه فبطلت كتابته لخروجه عن ملك سيده وإن قهره السيد على إبطال الكتابة ورده رقيقا بطلت لأن دار الكفر دار قهر وإباحة ولهذا لو قهر حر حرا على نفسه ملكه وإن دخلا من غير قهر فقهر أحدهما الآخر في دار الإسلام لم تبطل الكتابة وكانا على ما كانا عليه قبله لأن دار الإسلام دار حظر لا يؤثر فيها القهرإلا بالحق وإن دخلا مستأمنين ثم أرادا الرجوع إلى دار الحرب لم يمنعا وإن أراد السيد الرجوع وأخذ المكاتب معه فأبى المكاتب الرجوع معه لم يجبر لأنه بالكتابة زال ملكه وسلطانه عنه وإنما له في ذمته حق ومن له في ذمة غيره حق لا يملك إجباره على السفر معه لأجله ويقال للسيد إن أردت الإقامة في دار الإسلام لتستوفي مال الكتابة فاعقد الذمة وأقم إن كانت مدتها طويلة وإن أردت توكيل
من يقبض لك نجوم الكتابة فافعل فإذا أدى نجوم الكتابه عتق ثم هو مخير إن أحب أن يقيم في دار الإسلام عقد على نفسه الذمة وإن أحب الرجوع لم يمنع وإن عجز وفسخ السيد كتابته عاد رقيقا ويرد إلى سيده والأمان له باق لأنه من مال سيده وسيده عقد الأمان لنفسه وماله فإذا إنتقض الأمان في نفسه بعوده لم ينتفض في ماله وإن كاتبه في دار الحرب فهرب ودخل إلينا بطلت الكتابة فإن ملكه زال عنه بقهره على نفسه فأشبه ما قهره على غيره من ماله وسواء جاءنا مسلما أو غير مسلم وإن جاءنا بإذن سيده فالكتابة بحالها لأنه لم يقهر سيده فإن دخل إلينا بأمان بإذن سيده ثم سبى المسلمون سيده وقتل انتقلت الكتابة إلى ورثته كما لو مات حتف أنفه وإن من عليه الإمام أو فاداه أو هرب فالكتابة بحالها وإن استرقه الإمام فالمكاتب موقوف إن عتق سيده فالكتابة بحالها وإن مات أو قتل فالمكاتب للمسلمين مبقي على ما بقي من كتابته يعتق بأدائه إليهم وولاؤه لهم وإن عجز فهو رقيق لهم وإن أراد المكاتب الأداء قبل عتق سيده وموته أدى إلى الحاكم أو إلى أمينة وكان المال المقبوض موقوفا على ما ذكرناه ويعتق المكاتب بالأداء وسيده رقيق لا يثبت له ولاء وقال أبو بكر :
يكون الولاء للمسلمين وقال القاضي : يكون موقوفا فإن عتق سيده فهو له وإن مات على رقة فهو للمسلمين وإن كان استرقاق سيده بعد عتق المكاتب وثبوت الولاء عليه فقال القاضي : يكون ولاؤه موقوفا فإن عتق السيد كان الولاء له وإن قتل أو مات على رقه بطل الولاء لأنه رقيق لا يورث فيبطل الولاء لعدم مستحقه وينبغي أن يكون للمسلمين لأن مال من لا وارث له للمسلمين فكذلك الولاء والله أعلم (12/343)
حكم ما لو كاتب المرتد عبده
فصل : وإن كاتب المرتد عبده فعلى قول أبي بكر : الكتابة باطلة لأن ملكه زال بردته وعلى الظاهر من المذهب كتابته موقوفة إن اسلم تبينا أنها كانت صحيحة وإن قتل أو مات على ردته بطلت وإن أدى في ردته لم يحكم بعتقه ويكون موقوفا فإن أسلم سيده تبينا صحة الدفع إليه وعتقه وإن قتل أو مات على ردته فهو باطل والعبد رقيق وإن كاتبه وهو مسلم ثم ارتد وحجر عليه لم يكن للعبد الدفع إليه ويؤدي إلى الحاكم و يعتق بالأداء وإن دفع إلى المرتد كان موقوفا كما ذكرنا وإن كاتب المسلم عبده المرتد صحت كتابته لأنه يصح بيعه فإذا أدى عتق وإن أسلم فهو على كتابته (12/345)
كتابة المريض صحيحة
فصل : وكتابة المريض صحيحة فإن كان مرض الموت اعتبر من ثلثه لأنه بيع ماله بماله فجرى مجرى الهبة وكذلك يثبت الولاء على المكاتب لكونه معتقا فإن خرج من الثلث كانت الكتابة لازمة وإن لم يخرج من الثلث لزمت الكتابة في قدر الثلث وسائره موقوف على إجازة الورثة فإن أجازت جازت وإن ردتها بطلت وهذا قول الشافعي وقال ابن الخطاب في رؤوس المسائل تجوز الكتابة من رأس المال لأنه عقد معاوضة أشبه البيع (12/346)
حكم ما لو كاتب عبده أو أمته على أنجم
مسألة : قال : وإذا كاتب عبده أو أمته على أنجم فأديت الكتابة فقد صار العبد حرا وولاؤه لمكاتبه
في هذه المسألة ثلاث فصول :
الفصل الأول : إن ظاهر هذا الكلام أن الكتابة لا تصح حالة ولا تجوز إن مؤجلة منجمة وهو ظاهر المذهب وبه قال الشافعي و قال مالك و أبو حنيفة : تجوز حالة لأنه عقد على عين فإذا كان عوض في الذمة جاز أن يكون حالا كالبيع
ولنا أنه روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم عقدوا الكتابة ولم ينقل عن واحد منهم أنه عقدها حالة ولو جاز ذلك لم يتفق جميعهم على تركه ولأن الكتابة عقد معاوضة يعجز عن أداء عوضها في الحال فكام من شرطه التأجيل كالسلم على أبي حنيفة ولأنها عقد معاوضه يلحقه الفسخ من شرطه ذكر العوض فإذا وقع على وجه يتحقق فيه العجز عن العوض لم يصح كما لو أسلم في شيء لا يوجد عند محله ويفارق البيع لأنه لا يتحقق فيه العجز عن العوض لأن المشتري يملك المبيع والعبد لا يملك شيئا وما في يده لسيده وفي التنجيم حكمتان أحدهما : ترجع إلى المكاتب وهي التخفيف عليه لأن الأداء مفرقا أسهل ولهذا تقسط الديون على المعسرين عادة تخفيفا عليهم
والأخرى : للسيد وهي أن مدة الكتابة تطول غالبا فلو كانت على نجم واحد لم يظهر عجزه إلا في آخر المدة فإذا عجز عاد إلى الرق وفاتت منافعه في مدتة الكتابة كلها على السيد من غير نفع حصل له وإذا كانت منجمة نجوما فعجز عن النجم الأول فمدته يسيرة وإن عجز عما بعده فقد حصل للسيد نفع بما أخذه من النجوم قبل عجزه وإذا ثبت هذا فأقله نجمان فصاعدا وهذا مذهب الشافعي
ونقل عن أحمد أنه قال : من الناس من يقول نجم واحد ومنهم من يقول نجمان ونجمان أحب إلى وهذا يحتمل أن يكون معناه إني أذهب إلى أن لا يجوز إلا نجمان ويحتمل أن يكون المستحب نجمين ويجوز نجم واحد
قال ابن أبي موسى : وهذا على طريق الاختيار وان جعل المال كله في نجم واحد جاز لأنه عقد يشترط فيه التأجيل فجاز أن يكون إلى أجل واحد كالسلم ولأن اعتبار التأجيل ليتمكن من تسليم العوض وهذا يحصل بنجم واحد
ووجه الأول ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني وهذا يقتضي أن هذا أقل ما تجوز عليه الكتابة لأن أكثر من نجمين يجوز بالإجماع
وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه غضب على عبد له فقال : لأعاقبنك ولأكاتبنك على نجمين ولو كان يجوز أقل من هذا لعاقبه به في الظاهر
وفي حديث بريرة أنها أتت عائشة رضي الله عنها فقالت : يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني ولأن الكتابة مشتقة من الضم وهو ضم نجم إلى نجم فدل ذلك على افتقارها إلى نجمين والأول أقيس ولا بد أن تكون النجوم معلومة ويعلم في كل نجم قدر ما يؤديه ولا يشترط تساوي النجوم ولا قدر المؤدى في كل نجم فإذا قال : كاتبتك على ألف إلى عشر سنين تؤدى عند انقضاء كل سنة مائة أو قال تؤدي منها مائة عند انقضاء خمس سنين وباقيها عند تمام العشرة أو قال تؤدى في آخر العام الأول مائة وتسعمائة عند انقضاء السنة العاشرة فكل هذا جائز وإن قال : تؤدى في كل عام مائة جاز ويكون أجل كل مائة عند انقضاء السنة وظاهر قول القاضي وأصحاب الشافعي أنه لا يصح لأنه لم يتبين وقت الأداء من العام
ولنا أن بريرة قالت : كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية ولأن الأجل إذا علق بمدة تعلق بأحد طرفيها فإن كان بحرف إلى تعلق بأولها كقوله إلى شهر رمضان وإن كان بحرف في كان إلى آخرها لأنه جعل جميعها وقتا لأدائها فإذا أدى في آخرها كان مؤديا لها في وقتها فلم يتعين عليه الأداء قبله كتأدية الصلاة في آخر وقتها فإن قال يؤديها في عشر سنين أو إلى عشر سنين لم يجز لأنه نجم واحد ومن أجاز الكتابة على نجم واحد أجازه وإن قال : يؤدي بعضها في نصف المدة وباقيها في آخرها لم يجز لأن البعض مجهول يقع على القليل والكثير
الفصل الثاني : أنه إذا كاتبه على أنجم مدة معلومة صحت الكتابة وعتق بأدائها سواء نوى بالكتابة الحرية أو لم ينوي وسواء قال : إذا أديت إلي فأنت حر أو لم يقل وبهذا قال أبو حنيفة
وقال الشافعي : لا يعتق حتى يقول : إذا أديت إلي فأنت حر وينوي بالكتابة الحرية ويحتمل في مذهبنا مثل ذلك لأن الكتابة يحتمل المخارجة ويحتمل العتق بالأداء فلابد من تمييز أحدهما عن الآخر ككنايات العتق
ولنا أن الحرية موجب عقد الكتابة فتثبت عند تمامه كسائر أحكامه ولأن الكتابة عقد وضع للعتق فلن يحتج إلا لفظ العتق ولا نيته كالتدبير ما ذكروه من استعمال الكتابة في المخارجة إن ثبت فليس بمشهور فلم يمنع وقوع الحرية به كسائر الألفاظ الصريحة على أن الفظ المحتمل ينصرف بالقرائن إلى أحد محتمليه كلفظ التدبير في معاشه أو غير ذلك وهو صريح في الحرية فهاهنا أولى
الفصل الثالث : أنه لا يعتق قبلا أداء جميع الكتابة قال أحمد في عبد بين رجلين كاتباه على ألف فأدى تسع مائة ثم أعتق أحدهما نصيبه ؟ قال : لا يعتق إلا نصف المائة
وقد روي عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وعائشة و سعيد بن المسيب و الزهري أنهم قالوا : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم رواه عنهم الأثرم وبهذا قال القاسم و سالم و سليمان بن يسار و عطاء و قتادة و الثوري و ابن شبرمه و مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وروي ذلك عن أم سلمة
وروى سعيد بإسناده عن أبي قلابة قال : كن أزواج النبي صلى الله عليه و سلم لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه دينار وبإسناده عن عطاء أن ابن عمر كاتب غلاما على ألف دينار فأدى إليه تسع مائة دينار وعجز عن مائة دينار فرده ابن عمر في الرق وذكر أبو بكر والقاضي و أبو الخطاب أنه إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة وعجز عن ربعها عتق لأنه يجب رده إليه فلا يرد إلى الرق بعجزه عنه لأنه عجز عن أداء حق هو له لا حق للسيد فلا معنا لتعجيزه فيما يجب رده إليه وقال علي رضي الله عنه : يعتق منه بقدر ما أدى لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراث ورث بحساب ما عتق منه ويؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن وروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنه إذا أدى الشرط فلا رق عليه وروي ذلك عن النخعي وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إذا أدى قدر قيمته فهو غريم وقضى به شريح وقال الحسن في المكاتب : إذا عجز استسعى بعد العجز سنتين
ولنا ما روى سعيد ثنا هشيم عن حجاج عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال [ أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشر أواق فهو رقيق ] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] رواه أبو داود ولأنه عوض عن المكاتب فلا يعتق قبل أدائه كالقدر المتفق عليه ولأنه لو أعتق بعضه لسرى إلى باقيه كما لو باشره بالعتق فإن العتق لا يتبعض في الملك فأما حديث ابن عباس فمحمول على المكاتب لرجل مات وخلف ابنين فأقر أحدهما بكتابته وأنكر الآخر فادى إلى المقر أو ما أشبهها من الصور جمعا بين الأخبار وتوفيقا بينهما وبين القياس ولأن قول لنبي صلى الله عليه و سلم [ إذا كان لأحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه ] دليل على اعتبار جميع ما يؤدي ويجوز أن يتوقف العتق على أداء الجميع وإن جاز رد بعضه إليه كما لو قال : إذا أديت إلي ألفا فأنت حر لله على رد ربعها إليك فإنه لا يعتق قبل أداء جميعها وإن وجب عليه رد بعضها (12/346)
فيما تجوز الكتابة عليه
فصل : وتجوز الكتابة على كل مال يجوز السلم فيه لأنه مال يثبت في الذمة مؤجلا في معاوضة فجاز ذلك فيه كعقد السلم فإن كان من الأثمان وكان في بلد نقد واحد جاز إطلاقه لأنه ينصرف بالإطلاق إليه فجاز ذلك فيه كالبيع وإن كان فيه نقود أحدها أغلب في الاستعمال جاز الإطلاق أيضا وانصرف إليه عند الإطلاق كما لو انفرد وإن كانت مختلفة متساوية في الاستعمال وجب بيانه بجنسه وما يتميز به من غيره من النقود وإن كان من غير الأثمان وجب وصفه بما يوصف به في السلم وما لا يصح في السلم فيه لا يجوز أن يكون عوضا في الكتابة لأنه عقد معاوضة يثبت عوضه في الذمة فلم يجز بعوض مجهول كالسلم فإن كاتبه على عبد مطلق لم يصح ذكره أبو بكر وهو قول الشافعي وذكر القاضي فيه وجهين أحدهما : لا يجوز والآخر : يجوز وهو قول أبي حنيفة و مالك لأن العتق معنى لا يلحقه الفسخ فجاز أن يكون الحيوان المطلق عوضا فيه كالعقل
ولنا أن ما لا يجوز أن يكون عوضا في البيع والإجازة لا يجوز أن يكون عوضا في الكتابة كالثوب المطلق ويفارق العقل لأنه بدل عن متلف مقدر في الشرع وههنا عوض في عقد فأشبه البيع ولأن الحيوان الواجب في العقل ليس بحيوان مطلق بل هو مقيد بجنسه وسنه فلم يصح الإلحاق به ولأن الحيوان المطلق لا تجوز الكتابة عليه بغير خلاف بين الناس فيما علمناه وإنما الخلاف في العبد المطلق ولم يرد به الشرع بدلا في موضع علمناه إذا ثبت هذا فإن من صحح الكتابة به أوجب له عبدا وسطا وهو السندي ويكون وسطا من السنديين في قيمته كقولنا في الصداق ولا تصح الكتابة على حيوان مطلق غير العبد فيما علمناه ولا على ثوب ولا دار ولذلك لا تجوز على ثوب من ثيابه ولا عمامة من عمائمه ولا غير ذلك من المجهولات وإن وصف ذلك بأوصاف المسلم صح وممن أجاز الكتابة على العبيد الحسن و سعيد بن جبير و النخعي و الزهري و ابن سيرين و مالك وأصحاب الرأي وروي ذلك عن أبي برزة وحفصة رضي الله عنهما (12/351)
تصح الكتابة على خدمة ومنفعة مباحة وحكم ذلك
فصل : وتصح الكتابة على خدمة ومنفعة مباحة لأنها أحد العوضين في الإجازة فجاز أن تكون عوضا في الكتابة كالأثمان ويشترط العلم بها كما يشترط في الإجازة فإن كاتبه على خدمة شهر ودينار صح ولا يحتاج إلى ذكر الشهر وكونه عقيب العقد لأنه إطلاقه يقتضي ذلك وإن عين الشهر لوقت لا يتصل بالعقد مثل أن يكاتبه في المحرم على خدمته في رجب ودينار صح أيضا كما يجوز أن يؤجره دار شهر رجب في المحرم وقال أصحاب الشافعي : لا يجوز على شهر لا يتصل بالعقد ويشترطون ذكر ذلك ولا يجوزون إطلاقه بناء على قولهم في الإجازة وقد سبق ذكر الخلاف فيه في باب الإجازة ويشترط كون الدينار المذكور مؤجلا لأن الأجل شرط في عقد الكتابة فإن جعل محل الدينار بعد الشهر بيوم أو أكثر صح بغير خلاف نعلمه وإن جعل محله في الشهر أو بعد انقضائه صح أيضا وهذا قول بعض أصحاب الشافعي قال القاضي : لا يصح لأنه يكون نجما واحدا وهذا لا يصح لأن الخدمة كلها لا تكون في وقت محل الدينار وإنما يوجد جزء منها يسير مقاربا له وسائرها فيما سواه ولأن الخدمة بمنزلة العوض الحاصل في ابتداء مدتها ولهذا يستحق عوضها جميعه عند العقد فيكون محلها غير محل الدينار وإنما جازت حالة لأن المنع من الحلول في غيرها لأجل العجز عنه في الحال وهذا غير موجود في الخدمة فجازت حاله وإن جعل محل الدينار قبل الخدمة وكانت الخدمة غير متصلة بالعقد بحيث يكون الدينار مؤجلا والخدمة بعده جاز وإن كانت الخدمة متصلة بالعقد لم يتصور كون الدينار قبله ولم تجز في أوله لأنه حالا ومن شرط التأجيل
فصل : وإن كاتبه على خدمة مفردة في مدة واحدة مثل أن كتابه على خدمة شهر معين أو سنة معينة فحكمه حكم الكتابة على نجم واحد على ما مضى من القول فيه ويحتمل أن يكون كالكتابة على أنجم لأن الخدمة تستوفي بأوقات متفرقة بخلاف المال فإن جعله على شهر بعد شهر كأن كاتبه في أول المحرم على خدمة فيه وفي رجب صح لأنه على نجمين وإن كاتبه على منفعة في الذمة معلومة كخياطة ثياب عينها أو بناء حائط وصفه صح أيضا إذا كاتبه على نجمين وإن قال : كاتبتك على أن تخدمني هذا الشهر وخياطة كذا عقيب الشهر صح في قول الجميع وإن قال على أن تخدمني شهرا من وقتي هذا وشهرا عقيب هذا الشهر صح أيضا وعند الشافعي لا يصح
ولنا انه كاتبه على نجمين فصح كالتي قبلها (12/353)
إذا كاتب العبد وله مال فماله لسيده وولاؤه لسيده
فصل : وإذا كاتب العبد وله مال فماله لسيده إلا أن يشترطه المكاتب وإن كانت له سرية أو ولد فهو لسيده وبهذا قال الثوري و الحسن بن صالح و أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي وقال الحسن و عطاء و النخعي و سليمان بن موسى و عمرو بن دينار و مالك و ابن أبي ليلى في المكاتب : ماله له ووافقنا عطاء و سليمان بن موسى و النخعي و عمرو بن دينار و مالك في الولد واحتج لهم بما روى عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من أعتق عبدا وله مال فالمال للعبد ]
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ] متفق عليه والكتابة بيع ولأنه باعه نفسه فلم يدخل معه غيره كولده وأقاربه ولأنه هو وماله كانا لسيده فإذا وقع العقد على أحدهما بقي الآخر على ما كان عليه كما لو باعه لأجنبي وحديثهم ضعيف قد ذكرنا ضعفه
المسألة : قال : وولاؤه لمكاتبه
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن ولاء المكاتب لسيده إذا أدى إليه وبه يقول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأن الكتابة إنعام وإعتاق له لأن كسبه كان لسيده بحكم ملكه إياه فرضي به عوضا عنه وأعتق رقبته عن منفعته المستحقة له بحكم الأصل فكان معتقا له منعما عليه فاستحق ولاءه لقوله صلى الله عليه و سلم [ الولاء لمن أعتق ] وفي حديث بريرة أنها قالت : كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فقالت عائشة : إن شاء أهلكك أن أعدها لهم عدة واحد ويكون ولاؤك لي فعلت فرجعت بريرة إلى أهلها فذكرت ذلك لهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم وهذا يدل على ثبوت الولاء على المكاتب لسيده كان متقررا عندهم والله أعلم (12/354)
إعطاء المكاتب
مسألة : قال : ويعطى مما كوتب علبيه الربع لقوله الله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم }
الكلام في الإيتاء في خمسة فصول : وجوبه وقدره جنسه ووقت جوازه ووقت وجوبه
الفصل الأول : فإنه يجب على السيد إتيان المكاتب شيئا مما كوتب عليه روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الشافعي و إسحاق وقال بريدة و الحسن و النخعي و الثوري و مالك و أبو حنيفة ليس بواجب لأنه عقد معاوضة فلا يجب فيه الإيتاء كسائر عقود المعاوضات
ولنا قول الله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } وظاهر الأمر الوجوب وقال علي رضي الله عنه في تفسيرها : ضعوا عنهم ربع مال الكتابة وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ضعوا عنهم من مكاتبتهم شيئا وتخالف الكتابة سائر العقود فإن القصد بها الرفق بالعقد بخلاف غيرها ولأن الكتابة يستحق بها الولاء على العبد مع المعاوضة فلذلك يجب أن يستحق العبد على السيد شيئا فإن قيل المراد بالإتياء إعطاؤه سهما من الصدقة أو الندب إلى التصدق عليه وليس ذلك بواجب بدليل أن العقد يوجب العوض عليه فكيف يقتضي إسقاط شيء منه ؟ قلنا : أما الأول فإن عليا وابن عباس رضي الله عنهما فسراه بما ذكرناه وهما أعلم بتأويل القرآن وحمل عنه الأمر على الندب يخالف مقتضى الأمر فلا يصار إليه إلا بدليل وقولهم إن العقد يوجب عليه فلا يسقط عنه قلنا إنما يجب للرفق به عند آخر كتابته مواساة له وشكرا لنعمه الله تعالى كما تجب الزكاة مواساة من النعم التي أنعم الله تعالى بها على عبده ولأن العبد وولي جمع هذا المال وتعب فيه فاقتضى الحال لمواساته منه كما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بإطعامه من الطعام الذي ولي حره ودخانه واختص هذا بالوجوب لأن فيه معونة على
العتق وإعانة لمن يحق على الله تعالى عونه فإن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله ليه وسلم [ ثلاثة حق على الله تعالى عونهم : المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف ] أخرجه الترمذي وقال حديث حسن
الفصل الثاني : في قدره وهو الربع ذكره الخرقي و أبو بكر وغيرهما من أصحابنا وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وقال قتادة العشر وقال الشافعي و ابن منذر : يجزئ ما يقع عليه الاسم وهو قول مالك إلا أنه عنده مستحب لقول الله تعالى { من مال الله الذي آتاكم } و ( من ) للتبعيض والقليل بعض فيكتفي به وقال ابن عباس : وضعوا عنهم من مكاتبتهم شيئا ولأنه قد ثبت أن المكاتب لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة بما ذكرنا من الأخبار ولو وجب إيتاؤه الربع لوجب أن يعتق إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة ولا يجب عليه أداء مال يجب رده إليه وروي عن ابن عمر أنه كاتب عبدا له خمسة وثلاثين ألفا فأخذ منه ثلاثين وترك له خمسة
ولنا ما روى أبو بكر بإسناده عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } فقال ربع الكتابة وروي موقوفا على علي ولأنه مال يجب إيتاؤه مواساة بالشرع فكان مقدورا كالزكاة ولأن حكمة إيجابه الرفق بالمكاتب وإعانته على تحصيل العتق وهذا لا يحصل باليسير الذي هو أقل ما يقع عليه الاسم فلم يجز أن يكون هو الواجب وقول الله تعالى { وآتوهم من مال الله } وإن ورد غير مقدر فإن السنة تبينه وتبين قدره كالزكاة
الفصل الثالث : في جنسه إن قبض مال الكتابة تم إعطاؤه منه جاز لأن الله تعالى أمر بالإيتاء منه وإن وضع عنه مما وجب عليه جاز لأن الصحابة رضي الله عنهم فسروا الإيتاء بذلك ولأنه ابلغ في النفع وأعون على حصول العتق فيكون أفضل من اليتاء وتحصل دلالة الآية عليه من طريق التنبيه وإن أعطاه من جنس مال الكتابة من غيره جاز ويحتمل أن لا يلزم المكاتب قبوله وهو ظاهر كلام الشافعي لأن الله تعالى أمر بالإيتاء منه
ولنا أنه لا فرق في المعنى بين الإيتاء منه وبين الإيتاء من غيره إذا كان من جنسه فوجب أن يتساويا في الإجزاء وغير المنصوص إذا كان في معناه ألحق به وكذلك جاز الحط وليس هو بإيتاء لما كان في معناه وإن آتاه من غير جنسه مثل أن يكاتبه على دراهم فيعطيه دنانير أو عروضا لم يلزمه قبوله لأنه لم يؤته منه ولا من جنسه ويحتمل الجواز لأن الرفق به ويحصل به
الفصل الرابع في وقت جواز وهو من حين العقد لقول الله تعالى { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم } وذلك يحتاج إليه من حين العقد وكلما عجله كان أفضل لأنه يكون أنفع كالزكاة
الفصل الخامس : في وقت جوازه وهو من حين العتق لأن الله تعالى أمر بإيتائه من المال الذي أتاه وإذا أتا المال عتق فيجب إتاؤه حين أذن قال علي رضي الله عنه : الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني فإن مات السيد قبل إيتاءه فهو دين في تركته لأنه حق واجب فهو كسائر ديونه وإن ضاقت التركة عنه وعن غيره من الديون تحاصوا في التركه بقدر حقوقهم ويقدم ذلك على الوصايا لأنه دين وقد قضى النبي صلى الله عليه و سلم أن الدين قبل الوصية والله الموفق (12/355)
فيما لو عجلت الكتابة قبل محلها
مسألة : قال : وإن عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وعتق من وقته في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله رحمه الله والرواية الأخرى إذا ملك ما يؤدي وقد صار حرا الكلام في هذه المسألة في فصلين :
الفصل الأول : فيما إذا عجل المكاتب الكتابة قبل محلها فالمنصوص عن أحمد أنه يلزم قبولها ويعتق المكاتب وذكر أبو بكر في رواية أخرى أنه لا يلزم قبول المال إلا عند نجومه لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ولم يرضى في زواله فلم يزل كما لو علق عتقه على شرط لم يعتق قبله والصحيح في المذهب الأول وهو مذهب الشافعي إلا أن القاضي قال : أطلق احمد و الخرقي هذا القول وهو مقيد بما لا ضرر في قبضه قبل محله كالذي لا يفسد ولا يختلف قديمه وحديثه ولا يحتاج إلا مؤنه في حفظه ولا يدفعه في حال خوف يخاف ذهابه فإن أختل أحد هذه الأمور لم يلزم قبضه مثل أن يكون مما يفسد كالعنب والرطب والبطيخ أو يخاف تلفه كالحيوان فإنه ربما تلف قبل المحل ففاته مقصودة وإن كان مما يكون حديثه خيرا من قديمه لم يلزمه أيضا أخذه لأنه ينقص إلى حين الحلول وإن كان مما يحتاج إلى مخزن كالطعام والقطن لم يلزمه أيضا لأنه يحتاج في إبقائه إلى وقت المحل إلى موته فيتضرر بها ولو كان غير هذا إلا أن البلد مخوف يخاف نهبه لم يلزمه أخذه لأن في أخذه ضررا لم يرض بالتزامه وكذلك لو سلمه إليه في طريق مخوف أو موضع يتضرر بقبضه فيه لم يلزمه قبضه ولم يعتق المكاتب ببذله
قال القاضي : والمذهب عندي أن في قبضه تفصيلا على حسب ما ذكرناه في السلم ولأنه لا يلزم الإنسان التزام ضرر لم يقتضيه العقد ولا رضي بالتزامه وأما ما لا ضرر في قبضه فإذا عجله لزم السيد أخذه وذكر أبو بكر أنه يلزمه قبوله من غير تفصيل اعتمادا على إطلاق أحمد القول في لك وهو ظاهر إطلاق الخرقي لما روى الأثرم بإسناده عن أبي بكر بن حزم أن رجلا أتى عمر رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين إني كاتبت على كذا وكذا وإني أيسرت بالمال فأتيته به فزعم أنه لا يأخذه إلا نجوما فقال عمر رضي الله عنه يا يرفا خذ هذا المال فاجعله في بيت المال وأد إليه نجومافي كل عام وقد عتق هذا فلما رأى ذلك سيده أخذ المال وعن عثمان بنحو هذا
ورواه سعيد بن منصور في سننه عن عمر وعثمان جميعا قال : حدثنا هشيم عن ابن عوف عن محمد بن سيرين أن عثمان قضى بذلك ولأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا قدمه فقد رضي بإسقاطه حقه فسقط كسائر الحقوق فإن قيل إذا علق عتق عبده فعل في وقت ففعله في غيره لم يعتق فكذلك إذا قال إذا أديت إلى ألفا في رمضان فأداه في شعبان لم يعتق قلنا تلك الصفة مجردة لا يعتق إلا بوجودها والكتابة معاوضة يبرأ فيها بأداء العوض فافترقا وكذلك لو أبرأه من العوض في المكاتبة عتق ولو أبرأه من المال في الصفة المجردة لم يعتق والأولى إن شاء الله ما قاله القاضي في أن ما كان في قبضه ضرر لم يلزمه قبضه ولم يعتق ببذله لما ذكره من الضرر الذي لم يقتضيه العقد وخبر عمر رضي الله عنه لا دلاله فيه على وجوب قبض ما فيه ضرر ولأن أصحابنا قالوا : لو لقيه في بلد آخر فدفع إليه نجوم الكتابة أو بعضها فامتنع من أخذها لضرر فيه من خوف أو مؤنه حمل لم يلزمه قبوله لما عليه من الضرر فيه وإن لم يكن فيه ضرر لزمه قبضه كذا هاهنا وكلام أحمد رحمه الله محمول على ما إذا لم يكن في قبضه ضرر وكذلك قول الخرقي و أبي بكر
فصل : إذا أحضر المكاتب مال الكتابة أو بعضه ليسلمه فقال السيد : هذا حرام أو غصب لا أقبله منك سئل العبد عن ذلك فإن اقر به لم يلزم السيد قبوله لأنه لا يلزمه أخذ المحرم ولا يجوز له وإن أنكر وكانت للسيد بينة بدعواه لم يلزمه قبوله وتسمع بينته لأن له حقا في أن لا يقتضي دينه من حرام ولا يأمن من أن يرجع صاحبه عليه به وإن لم تكن له بينة فالقول قول العبد مع يمينه فإن نكل عن اليمين لم يلزم السيد قبوله أيضا وإن حلف قيل للسيد إما أن تقبضه وإما أن تبرئه ليعتق فإن قبضه وكان تمام كتابته عتق ثم ينظر فإن ادعى أنه حرام مطلقا لم يمنع منه لأنه لا يقر به لأحد وإنما تحريمه فيما بينه وبين الله تعالى وإن ادعى أنه غصبه من فلان لزمه دفعه إليه إن ادعاه لأن قوله وإن لم يقبل في حق المكاتب فإنه يقبل في حق نفسه كما لو قال رجل لعبد في يد غيره هذا حر وأنكر ذلك من العبد في يده يقبل قوله عليه فإن انتقل إليه بسبب من الأسباب لزمته حريته وإن أبرأه من مال الكتابة حين امتنع المكاتب من قبضه لم يلزمه قبضه لأنه لم يبق له عليه حق وإن لم يبرئه ولم يقبضه كان له دفع ذلك إلى الحاكم ويطالبه بقبضه فينوب الحاكم في قبضه عنه ويعتق العبد كما
رويناه عن عمر وعثمان في قبضهما مال الكتابة حين امتنع المكاتب من قبضه
فصل : وإذا كاتبه على جنس لم يلزمه قبض غيره فلو كاتبه على دنانير لم يلزمه قبض دراهم ولا عرض وإن كاتبه على دراهم لم يلزمه أخذ الدنانير ولا العروض ولإن كاتبه على عرض موصوف لم يلزمه قبض غيره وإن كاتبه على نقد وأعطاه من جنسه خيرا منه وكان ينفق فيما ينفق فيه الذي كاتبه عليه لزمه أخذه لأنه زاده خيرا وإن كان لا ينفق في بعض البلدان التي ينفق فيها ما كاتبه عليه لم يلزمه قبوله لأن عليه فيه ضررا
الفصل الثاني : إذا ملك ما يؤدي فالصحيح أنه لا يعتق حتى يؤدي روي ذلك عن عمر وابنه وزيد وعائشة رضى الله عنهم فإنهم قالوا : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وهو قول أكثر أهل العلم وعن أحمد رضي الله عنه رواية أخرى أنه إذا ملك ما يؤدي عتق لما روى سعيد قال : حدثنا سفيان عن الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ إذا كان لأحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه ] ورواه أبو داود و ابن ماجة و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح فأمرهن بالحجاب بمجرد ملكه لما يؤديه ولأنه مالك لوفاء مال الكتابة أشبه ما لو أداه فعلى هذه الرواية يصير حرا بملك الوفاء فمتى امتنع منه أجبره الحاكم عليه وإن هلك ما في يديه قبل الأداء صار دينا في ذمته وقد صار حرا ووجه الرواية الأولى ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] وقوله [ أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد ] رواه سعيد وفي رواية [ من كاتب عبده على مائة أوقية فاداها إلا عشر أواق أو قال عشرة
دراهم ثم عجز فهو رقيق ] ورواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب ولأنه عتق علق بعوضه فلم يعتق قبل أدائه كما لو قال : إذا أديت إلي ألفا فأنت حر فعلى هذه الرواية إن أدى عتق وإن لو يؤد لم يعتق فإن امتنع من الأداء فقال أبو بكر : يؤديه الإمام منه ولا يكون ذلك عجزا ولا يملك السيد الفسخ وهو قول أبي حنيفة ويحتمل كلام الخرقي أنه لم يؤد عجزه السيد إن أحب فإنه قال : إذا لم يؤد نجما حتى حل نجم آخر عجزه السيد إن أحب وعاد عبدا غير مكاتب ونحوه قال الشافعي فإنه قال : إن شاء عجز نفسه وامتنع من الأداء ووجه أن العبد لا يجبر على اكتساب ما يؤديه في الكتابة فلا يجبر على الأداء كسائر العقود الجائزة ووجه الأول أنه يثبت للعقد استحقاق الحرية بملك ما يؤدي فلم يملك إبطالها كما لو أدى فإنه تلف المال قبل أدائه جاز بعجزه واسترقاقه وجها واحدا (12/359)
حكم ما لو مات وأدى بعض كتابته وفي يده وفاء وفضل
مسألة : قال وإذا أدى بعض كتابته ومات وفي يده وفاء وفضل فهو لسيده إحدى الروايتين والأخرى لسيده بقية كتابته والباقي لورثته
يحتمل أن هذه المسألة مبنية على ما قبلها فإذا قلنا إنه لا يعتق بملك ما يؤدي فقد مات رقيقا فانفسخت الكتابة بموته وكان ما في يده لسيده وإن قلنا إنه عتق بملك ما يؤدي فقد مات حرا وعليه لسيده بقيه كتابته لأنه دين له عليه والباقي لورثته
قال القاضي : الأصح أنه تنفسخ الكتابة بموته وبموت عبدا وما في يده لسيده رواه الأثرم بإسناده عن عمر وزيد والزهري وبه قال إبراهيم وعمر بن عبد العزيز و قتادة و الشافعي لما ذكرناه في التي قبلها ولأنه مات قبل أداء مال الكتابة فوجب أن تنفسخ كما لو لم يكن له مال ولأنه عتق علق بشرط مطلق فينقطع بالموت كما لو قال : إذا أديت إلى ألفا فأنت حر
والرواية الثانية : يعتق ويموت حرا ولسيده بقية كتابته وما فضل لورثته روي ذلك عن علي وابن مسعود ومعاوية وبه قال عطاء و الحسن و طاوس و شريح و النخعي و الثوري و الحسن بن صالح و مالك و إسحاق وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة قال : يكون حرا في آخر جزء من حياته وهذا قول القاضي ووجه هذه الرواية ما قدمناه في التي قبلها ولأنها معاوضة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين فلا تنفسخ بموت الآخر كالبيع ولأن العبد أحد من تمت به الكتابة فلم تنفسخ بموته كالسيد والأولى أولى وتفارق الكتابة البيع لأن كل واحد من المتعاقدين غير معقود عليه ولا يتعلق العقد بعينه فلم ينفسخ يتلفه والمكاتب هو المعقود عليه والعقد يتعلق بعينه فإذا تلف قبل تمام الأداء انفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل قبضه ولأنه مات قبل وجود شرط حريته ويتعذر وجوده بعد موته (12/363)
حكم ما لو مات ولم يخلف وفاء
فصل : وإذا مات ولم يخلف وفاء فلا خلاف في المذهب أن الكتابة تنفسخ بموته ويموت عبدا وما في يده لسيده وهو قول أهل الفتوى من أئمة الأمصار إلا أن يموت بعد أداء ثلاثة أرباع الكتابة عند أبي بكر والقاضي ومن وافقهما فإنه يموت حرا في مقتضى قولهم
وقال مالك : إن كان له ولد حر انفسخت الكتابة وإن كان له مملوك في كتابته أجبر على دفع المال كله إن كان له مال وإن لم يكن له مال أجبر على الاكتساب والأداء
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه يعتق منه بقدر ما أدى وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بقدر ما أدى ويؤدي المكاتب بحصة ما أدى ] وعن عمر وعلي رضي الله عنهما و النخعي : إذا أدى الشطر فلا رق عليه
وقال ابن مسعود : إذا أدى قدر قيمته فهو غريم وقد ذكرنا الجواب عن هذه الأقوال كلها فيما تقدم بما أغنى عن إعادته إن شاء الله تعالى (12/365)
لا تنفسخ الكتابة بالجنون
فصل : ولا تنفسخ الكتابة بالجنون لأنها عقد لازم فلم تنفسخ بالجنون كالرهن وفارق الموت لأن العقد على العين والموت يفوت العين بخلاف الجنون ولأن القصد من الكتابة العتق والموت ينافيه ولهذا لا يصح عتق الميت والجنون لا ينافيه بدليل صحة عتق المجنون فعلى هذا إن أدى إليه المال عتق لأن السيد إذا قبض منه فقد استوفى حقه الذي كان عليه وله أخذ المال من يده فيتضمن ذلك براءته من المال فيعتق بحكم العقد وإن لم يؤد كان للسيد أن يحضره عند الحاكم ويثبت الكتابة بالبينة فيبحث الحاكم عن ماله فإن وجد له مالا سلمه في الكتابة وعتق وإن لم يجد له مالا جعل له أن يعجزه ويلزمه الإنفاق عليه لأنه عاد قنا ثم إن وجد له الحاكم بعد ذلك مالا يفي بمال الكتابة أبطل فسخ السيد لأن الباطن بان بخلاف ما حكم به فبطل حكمه كما إذا أخطأ النص وحكم بالاجتهاد إلا أنه يرد على السيد ما أنفقه من حين الفسخ لأنه لم يكن مستحقا عليه في الباطن وإن أفاق عليه فأقام البينة أنه كان قد دفع إليه مال الكتابة بطل أيضا فسخ السيد ولا يرد عليه ما أنفقه لأنه أنفق عليه مع علمه بحريته فكان متطوعا بذلك فلم يرجع به وينبغي أن يستحلف السيد الحاكم أنه ما استوفى مال الكتابة وهذا قول أصحاب الشافعي ولم يذكره أصحابنا وهو حسن لأنه استوفاه والمجنون لا يعبر عن نفسه فيدعيه فيقوم الحاكم مقامه في استحلافه عليه (12/365)
قتل المكاتب كموته في انفساخ الكتابة
فصل : وقتل المكاتب كموته في انفساخ الكتابة على ما أسلفنا من الخلاف سواء كان القاتل السيد أو الأجنبي ولا قصاص على قاتله الحر لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فإن كان القاتل سيده ولم يخلف وفاء انفسخت الكتابة وعاد ما في يده إلى سيده ولم يجب عليه شيء لأنه لو وجب لوجب له فإن قيل فالقاتل لا يستحق بالقتل شيئا من تركة المقتول قلنا ههنا لا يرجع إليه مال المكاتب ميراثا بل بحكم ملكه عليه لزوال الكتابة وإنما يمنع القاتل الميراث خاصة ألا ترى أن من له دين مؤجلا إذا قتل من عليه الحق حل دينه وفيرواية وأم الولدإذا قتلت سيدها عتقت وإن كان المكاتب قد خلف وفاء وقلنا إن الكتابة تنفسخ بموته فالحكم كذلك وإن قلنا لا تنفسخ بموته فله القيمة على سيده تصرف إلى ورثته كما لو كانت الجناية على بعض أطرافه في حياته فإن كان الوفاء يحصل بإيجاب القيمة ولا يحصل بدونها وجبت كما لو خلف وفاء لأن دية المقتول كتركته في قضاء ديونه منها وانصرافها إلى وارثه بينهم على فرائض الله تعالى ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يخلف وارثا أو لا يخلف وارثا وذكر القاضي أنه إذا لم يخلف وارثا سوى سيده لم تجب القيمة عليه بحال
ولنا أن من لا وارث له يصرف ماله إلى المسلمين ولا حق لسيده فيه لأن صرفه إلى سيده بطريق الإرث والقاتل لا ميراث له وإن كان القاتل أجنبيا وجبت القيمة لسيده إلا في الموضع الذي لا تنفسخ الكتابة فإنها تجب لورثته والله أعلم (12/366)
إذا مات السيد كان العبد على كتابته
مسألة : قال : وإذا مات السيد كان العبد على كتابته وما أدى فبين ورثة سيده مقسوما كالميراث
وجملة ذلك أن الكتابة لا تنفسخ بموت السيد لا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا وذلك لأنه عقد لازم من جهته لا سبيل إلى فسخه فلم ينفسخ بموته كالبيع والإجارة إذا ثبت هذا فإن المكاتب يؤدي نجومه أو ما بقي منها إلى ورثته لأنه دين لمورثهم ويكون مقسوما بينهم على قدر مواريثهم كسائر ديونه فإن كان له أولاد ذكور وإناث فللذكر مثل حظ الأنثيين ولا يعتق حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه فإن أدى إلى بعضهم دون بعض لم يعتق كما لو كان بين شركاء فأدى إلى بعضهم فإن كان بعضهم غائبا وكان له وكيل دفع نصيبه إلى وكيله وإن لم يكن له وكيل دفع نصيبه إلى الحاكم وعتق وإن كان موليا عليه دفع نصيبه إلى وليه إما ابنه أو وصية أو الحاكم أو أمينة فإن كان له وصيان لم يبرأ إلا بدفع إليهما معا وإن كان الوارث رشيدا قبض لنفسه ولا تصح الوصية إلى غيره ليقبض له لأن الرشيد ولي نفسه وإن كان بعضهم رشيدا وبعضهم موليا عليه فحكم كل واحد منهم حكمه لو انفرد وإن أذن يعضهم له في الأداء إلى الآخر وكان الذي أذن له في ذلك رشيدا فأدى إلى الأخر جميع حقه عتق نصيبه فإن كان معسرا لم يسر إلى نصيب شريكه وإن كان موسرا عتق عليه كله وقوم عليه كما لو كان بين شريكين فاعتق أحدهما نصيبه وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو أحد قولي الشافعي وقال القاضي : لا يسري عتقه وإن كان موسرا وهو القول الثاني للشافعي وقال أبو حنيفة : لا يعتق إلا بأداء جميع مال الكتابة لأنه أدى بعض مال الكتابة فأشبه ما لو أداه إلى السيد وإن أبرأه من مال الكتابة برئ منه وعتق وإن أبرأه بعضهم عتق نصيبه وكذلك إن أعتق نصيبه منه عتق والخلاف في هذا كله كالخلاف فيما إذا أدى إلى بعضهم بإذن الآخر
ولنا على أنه يعتق نصيب من أبرأه من حقه عليه أو استوفى نصيبه بإذن شركائه أنه أبرأه من جميع ماله عليه فوجب أن يلحقه العتق كما لو أبرأه سيده من جميع مال الكتابة وفارق ما إذا أبرأه سيده من بعض مال الكاتبه لأنه ما أبرأه من جميع حقه
ولنا على سراية عتقه أنه إعتاق لبعض العبد الذي يجوز إعتاقه من موسر جائز التصرف غير محجور عليه فوجب أن يسري عتقه كما لو كان قنا ولأنه عتق حصل بفعله واختياره فسرى كمحل الوفاق فإن قيل في السراية ضرر بالشركاء لأنه قد يعجز فيرد إلى الرق قلنا : إذا كان العتق في محل الوفاق يزيل الرق المتمكن الذي لا كتابة فيه فلأن يزيل عرضيه ذلك بطريق الأولى (12/367)
ولاء العبد لسيده وإن عجز فهو عبد لسائر الورثة
مسألة : قال : وولاؤه لسيده وإن عجز فهو لسائر الورثة
أما إذا عجز ورد في الرق فإنه يكون عبدا لجميع الورثة كما لو لم يكن مكاتبا لأنه من مال موروثهم فكان بينهم كسائر المال وأما إذا أدى مال الكتابة وعتق فقال الخرقي : يكون ولاؤه لمكاتبه يختص به عصباته دون أصحاب الفروض وهذا قول أكثر الفقهاء وهو اختيار أبي بكر ونقله إسحاق بن منصور عن أحمد رحمه الله وإسحاق وروى حنبل و صالح بن أحمد عن أبيه قال : اختلف الناس في المكاتب يموت سيده وعليه بقية من كتابته قال بعض الناس الولاء للرجال والنساء وقال بعض الناس لا ولاء للنساء لأن هذا إنما هو دين على المكاتب ولا يرث النساء من الولاء إلا ما كاتبن أو أعتقن ولكل وجه والذي أراه ويغلب علي أنهن يرثن وذلك لأن المكاتب لو عجز بعد وفاه السيد رد رقيقا وهذا قول طاوس و الزهري وذلك لأن المكاتب انتقل إلى الورثة بموت المكاتب ولاؤه لهم كما لو انتقل إلى المشتري ولأنه يؤدي إلى الورثة فكان ولاؤه لهم كما لو أدى إلى المشتري ووجه الأول أن السيد هو المنعم بالعتق فكان الولاء له كما لو أدى إليه ولأن الورثة إنما ينتقل إليهم ما بقي للسيد وإنما بقي للسيد دين في ذمة المكاتب والفرق بين الميراث والشراء أن السيد نقل حقه في البيع باختياره فلم يبقى له فيه حق من وجه والوارث يخلف الموروث ويقوم مقامه ويبني على ما فعله موروثه ولا ينتقل إليه شيء أمكن بقاؤه لموروثه والولاء مما أمكن بقاؤه للموروث فوجب أن لا ينتقل عنه (12/369)
فيما لو أعتق الورثة المكاتب أو باعوه
فصل : فإن أعتقه الورثة صح عتقهم لأنه ملك لهم فصح عتقهم له ولأن السيد لو أعتقه نفذ عتقه وهم يقومون مقام موروثهم ويكون ولاؤه لهم لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ إنما الولاء لمن أعتق ] وإن أعتق بعضهم نصيبه فعتق عليه كله قوم عليه نصيب شركائه وكان ولاؤه له وإن لم يسر عتقه لكونه معسرا أو لغير ذلك فله ولاء ما أعتقه للخبر ولأنه منعم عليه بالعتق فكان الولاء له كغير المكاتب وقال القاضي : إن أعتقوه كلهم قبل عجزه كان الولاء للسيد وإن أعتق بعضهم لم يسر عتقه ثم ينظر فإن أدى إلى الباقين عتق كله وكان ولاءه للسيد وإن عجز فردوه إلى الرق كان ولاء نصيب المعتق له لأنه لولا إعتاقه لعاد سهمه رقيقا كسهام سائر الورثة فلما أعتقه كان هو المنعم عليه فكان عليه الولاء له دونهم فأما إن أبرأه الورثة كلهم عتق وكان ولاؤه على الروايتين اللتين ذكرناهما فيما إذا أدى إليهم لأن الإبراء جرى مجرى استيفاء ما عليه ويحتمل أن يكون الولاء لهم لأنهم أنعموا عليه بما عتق به فأشبه ما لو أعتقوه وإن أبرأه بعضهم من نصيبه كان في ولائه ما ذكرنا من الخلاف والله أعلم
فصل : إذا باع الورثة المكاتب أو وهبوه صح بيعهم وهبتهم لأنهم يقومون مقام المكاتب والمكاتب يملك بيعه وهبته فكذلك ورثته ويكون عند المشتري والموهوب له مبقى على كتابته فإن عجز فعجزه عاد رقيقا له وإن أدى وعتق كان ولاؤه لمن يؤدي إليه على الرواية التي تقول إن ولاءه للورثة إذا أدى إليهم وأما على الرواية الأخرى فيحتمل أن لا يصح بيعه ولا هبته لأن ذلك يقتضي إبطال سبب ثبوت الولاء للسيد الذي كاتبه وليس للورثة ويحتمل أن يصح ويكون الولاء للسيد إن عتق بالكتابة لأن السيد عقدها فعتق بها فكان ولاؤه له ويفارق ما لو باعه السيد لأن بيعة السيد أبطل حق نفسه وله ذلك بخلاف الورثة فإنهم لا يملكون إبطال حق موروثهم (12/370)
إذا وصى السيد بمال الكتابة صح
فصل : وإن وصى السيد بمال الكتابة لرجل صح فإن سلم مال الكتابة إلى الموصى له أو وكيله أو وليه إن كان محجورا عليه برئ منه وعتق وولاؤه لسيده الذي كاتبه لأنه المنعم عليه وإن أبرأه من المال عتق أيضا لأنه برئ من مال الكتابة فأشبه ما لو أدى وإن أعتقه لم يعتق لأنه لا يملك رقبته ولا وصى له بها وإنما وصى له بالمال الذي عليه وإن عجز ورد في الرق عاد عبدا للورثة وما قبضه الوصي الموصى له من المال فهو له لأنه قبضه بحكم الوصية الصحيحة والأمر في تعجيزه إلى الورثة لأن الحق ثبت لهم بتعجيزه ويصير العبد لهم فكانت الخيرة في ذلك إليهم وأما الموصى له فإن حقه ووصيته تبطل بتعجيزه فلم يكن له في ذلك حق وإن وصى بمال الكتابة للمساكين ووصى إلى رجل بقبضه وتفريقه بينهم صح ومتى سلم المال إلى الوصي برئ وعتق وإن أبرأه منه لم يبرأ لأن الحق لغيره إن دفعه المكاتب إلى المساكين لم يبرأ منه ولم يعتق لأن التعيين إلى الوصي دونه وإن وصى بدفع المال إلى غرمائه تعين القضاء منه كما لو وصى به عطية له وإن كان إنما أوصى بقضاء ديونه مطلقا كان على المكاتب أن يجمع بين الورثة والوصي بقضاء الدين ويدفعه إليهم بحضرته لأن المال للورثة ولهم أن يقضوا الدين منه ومن غيره وللوصي في قضاء الدين حق فيه لأن لهم منعهم من التصرف في التركة قبل قضاء الدين (12/372)
إذا مات رجل وخلف ابنين وعبدا
فصل : إذا مات رجل وخلف ابنين وعبدا فادعى العبد أن سيده كاتبه فصدقاه ثبتت الكتابة لأن الحق لهما وإن أنكراه وكانت له بينة بدعواه ثبتت الكتابة وعتق بالأداء إليهما وإن عجز فلهما رده إلى الرق وإن لم يعجزاه وصبرا عليه لم يملك الفسخ وإن عجزه أحدهما وأبى الآخر تعجيزه بقي نصفه على الكتابة وعاد نصفه الآخر رقيقا وإن لم تكن له بينة فالقول قولهما مع أيمانهما لأن الأصل بقاء الرق وعدم الكتابة وتكون أيمانهم على نفي العلم فيحلفان بالله أنهما لا يعلمان أن أباهما كاتبه لأنها يمين على نفي فعل الغير فإن حلفا ثبت رقه وإن نكلا قضي عليها أو ردت اليمين عليه على قول من قضى بردها فيحلف العبد وتثبت الكتابة وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي برق نصفه وكتابة نصفه وإن صدقه أحدهما وكذبه الآخر ثبتت الكتابة في نصفه وعليه البينة في نصفه الآخر فإن لم تكن له بينة وحلف المنكر صار نصفه مكاتبا ونصفه رقيقا قنا فأن شهد المقر على أخيه قبلت شهادته لأنه لا يجر بها إلى نفسه نفعا ولا يدفع بها ضرر فإن كان معه شاهد آخر كملت الشهادة وثبتت الكتابة في جمعيه وإن لم يشهد معه غيره فهل يحلف العبد معه ؟ على روايتين وإن لم يكن عدلا أو لم يحلف العبد معه وحلف المنكر كان نصفه مكاتبا ونصفه رقيقا ويكون كسبه بينه وبين المنكر نصفين ونفقته من كسبه لأنها على نفسه وعلى مالك نصفه فإن لم يكن له كسب كان على المنكر نصف نفقته ثم إن اتفق هو ومالك نصفه على المهايأة معاومة أو مشاهرة أو كيفما كان جاز وإن طلب ذلك أحدهما وامتنع الآخر فظاهر كلام أحمد أنه يجبر عليها وهو قول أبي حنيفة لأن المنافع مشتركة بينهما فإذا أراد أحدهما حيازة نصيبه من غير ضرر لزم الآخ إجابته كالأعيان ويحتمل أن لا يجبر وهو قول الشافعي لأن المهايأة تأخير حقه الحال لأن المنافع في هذا اليوم مشتركة بينهما فلا تجب الإجابة إليه كتأخير ديته الحال فإن اقتسما الكسب مهايأة أو مناصفة فلم يف بأداء نجومه فللمقر رده في الرق وما في يده له خاصة لأن المنكر قد أخذ حقه من الكسب وإن اختلف المنكر والمقر فيما يد المكاتب فقال المنكر هذا كان في يده قبل دعوى الكتابة وكسبه في حياة أبينا وأنكر ذلك المقر فالقول قوله مع يمينه لأن المنكر يدعي كسبه في وقت الأصل عدمه فيه ولأنه لو اختلف هو المكاتب في ذلك كان القول قول المكاتب فكذلك من يقوم مقامه وإن أدى الكتابة عتق نصيب المقر خاصة ولم يسر إلى نصيب شريكه لأنه لم يباشر العتق ولم يتسبب إليه وإنما كان السبب من أبيه وهذا حاك عن أبيه مقر بفعله فهو كالشاهد ولأن المقر يزعم أن نصيب أخيه حر أيضا لأنه قد قبض من العبد مثل ما قبض فقد حصل أداء مال الكتابة إليهما جميعا فعتق كله بذلك وولاء هذا النصف للمقر لأن أخاه لا يدعيه وهذا المقر يدعي أنه كله قد عتق بالكتابة وهذا الولاء الذي على هذا النصف نصيبي من الولاء وقال أصحاب الشافعي في ذلك وجهان : أحدهما : كقولنا
والثاني : الولاء بين الاثنين لأنه يثبت لموروثهما فكان لهما بالميراث والصحيح ما قلناه لما ذكرناه ولا يمنع ثبوت الولاء للأب واختصاص أحد الابنين به كما لو ادعى أحدهما دينا لأبيه على إنسان وأنكره الآخر فإن المدعي يأخذ نصيبه من الدين ويختص به دون أخيه وإن كان يرثه عن الأب وكذلك لو ادعياه معا وأقاما به شاهدا وواحدا فحلف أحدهما مع الشاهد وأبى الآخر فإن أعتق أحدهما حصته عتق وسرى إلى باقيه إن كان موسرا وهذا قول الخرقي لقول النبي صلى اله عليه وسلم [ من اعتق شركا له من عبد وكان له ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطي شركاؤه حصصهم ] ولأنه موسرا عتق نصيبه من عبد مشترك فسرى إلى باقيه كغير المكاتب وقال أبو بكر والقاضي : لا تعتق إلا حصته لأنه إن كان المعتق المقر فهو منفذ وإن كان المنكر لم يصر إلى نصيب المقر لأنه مكاتب لغيره وفي سراية العتق إليه إبطال سبب الولاء عليه فلم يجز ذلك (12/372)
حكم سفر المكاتب وسؤاله
مسألة : ولا يمنع المكاتب من السفر
وجملته أن المكاتب لا يمنع من السفر قريبا كان أو بعيدا وهذا قول الشعبي و النخعي و سعيد بن جبير و الثوري و الحسن بن صالح و أبي حنيفة ولم يفرق أصحابنا بين السفر الطويل وغيره لكن قياس المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم كتابته قبله لأنه يتعذر معه استيفاء النجوم في وقتها والرجوع في وقته عند عجزه فمنع منه كالغريم الذي يحل عليه الدين قبل مدة سفره واختلف قول الشافعي فقال في موضع : له السفر وفي قول ليس له السفر فقال بعض أصحابه : فيها قولان وقال بعضهم : ليست على قولين إنما هي على اختلاف حالين فالموضع الذي قال له السفر إذا كان قصيرا لأنه في حكم الحاضر والموضع الذي منع منه إذا كان بعيدا يتعذر معه استيفاء نجومه والرجوع في رقه عند عجزه
ولنا أن المكاتب في يد نفسه وإنما للسيد عليه دين فأشبه الحر المدين وما ذكروه لا أصل له ويبطل بالحر الغريم
فصل : فإن شرط عليه في الكتابة أن لا يسافر فقال القاضي : الشرط باطل وهو قول الحسن و سعيد بن جبير و الشعبي و النخعي و أبي حنيفة لأنه ينافي مقتضى العقد فلم يصح شرطه كشرط ترك الاكتساب ولأنه غريم فلم يصح شرط ترك السفر عليه كما لو أقرضه رجل قرضا بشرط أن لا يسافر وقال أبو الخطاب : يصح الشرط وله منعه من السفر وهو قول أبي مالك لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ المسلمون على شروطهم ] ولأنه شرط له فيه فائدة فلزم كما لو شرط نقدا معلوما وبيان فائدته أنه لا يأمن إباقة وأنه لا يرجع إلى سيده فيفوت العبد الذي عليه ويفارق القرض فإنه عقد جائز من جانب المقرض متى شاء طالب بأخذه ومنع الغريم من السفر قبل إيفائه فكان المنع من السفر حاصلا بدون شرطه بخلاف الكتابة فإنه لا يمكن السيد منعه من السفر إلا بشرطه وفيه حفظ عبده وماله فلا يمنع من تحصيله وهذا أصح إن شاء الله تعالى وأولى فعلى هذا الوجه لسيده منعه من السفر فإن سافر بغير إذنه فله رده إن أمكنه وإن لم يمكنه رده احتمل أن له تعجيزه ورده إلى الرق لأنه لم يف بما شرطه عليه أشبه ما لو لم يف بأداء الكتابة وأحتمل أن لا يملك ذلك لأنه مكاتب كتابة صحيحه لم يظهر عجزه فلم يملك تعجيزه كما لو لم يشترط عليه
فصل : وإن شرط في كتابته أن لا يسأل فقال أحمد : قال جابر بن عبد الله هم على شروطهم إن رأيته يسأل تنهاه فإن قال لا أعود لم يرده عن كتابه في مرة فظاهر هذا أن الشرط صحيح لازم وأنه إن خالف مرة لم يعجزه وإن خالف مرتين أو أكثر فله تعجيزه قال أبو بكر : إذا رآه يسأل مرة في مرة عجزه كما إذا حل نجم في نجم عجزه فاعتبر المخالفة في مرتين كحلول نجمين وإنما صح الشرط لقوله صلى الله عليه و سلم [ المسلمون على شروطهم ] ولأن له في هذا فائدة وغرضا صحيحا وهو أن لا يكون كلا على الناس ولا يطعمه من صدقتهم وأوساخهم
وذكر أبو الخطاب أنه لا يصح الشرط لأن الله تعالى جعل للمكاتب سهما من الصدقة بقوله تعالى { وفي الرقاب } وهم المكاتبون فلم يصح اشتراط ترك طلب ما جعله الله تعالى له (12/375)
الحكم في زواج المكاتب وتسرية وتزويج عبيده وإمائه وإعتاق رقيقه وأحكام التصرف في ماله وحجة وبيعه
مسألة : قال : وليس له أن يتزوج إلا بإذن سيده
وهذا قول الحسن و مالك و الليث و ابن أبي ليلى و أبي حنيفة و الشافعي و أبى يوسف وقال الحسن بن صالح : له ذلك لأنه عقد معاوضة أشبه البيع
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر ] ولأن على السيد فيه ضررا لأنه ربما عجز فيرجع إليه ناقص القيمة ويحتاج أن يؤدي المهر والنفقة من كسبه فيعجز عن تأدية نجومه فيمنع من ذلك كالتبرع به
إذا ثبت هذا فإنه إذا تزوج لم يصح تزويجه وقال الثوري : نكاحه موقوف إن أدى تبينا أنه كان صحيحا وإن عجز فنكاحه باطل
ولنا الخبر ولأنه تصرف منع منه للضرر فلم يصح كالهبة وما ذكره لا أصل له فإذا ثبت هذا فإنه يفرق بينهما فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فعليه مهر مثلها يؤدى من كسبه لأنه بمنزلة جنايته وإن أتت بولد نسبه لأنه من وطء في نكاح فاسد فإن كانت المرأة حر فهو حر وإن كانت أمه فولدها رقيق لسيدها فإما إن أذن له سيده في النكاح صح منه في قولهم جميعا فإن الخبر يدل بمفهومه على صحة تزويجه إذا أذن له ولأن المنع من نكاحه لحق سيده فإذا أذن له زال المانع ولأنه لو أذن لعبده القن في النكاح صح منه فالمكاتب أولى
فصل : وليس له التسري بغير إذن سيده لأن ملكه غير تام وقال الزهري : لا ينبغي لأهله أن يمنعوه من التسري
ولنا أن ملكه ناقص وعلى السيد فيه ضرر فيمنع منه كالتزويج وبيان الضرر فيه أنه ربما أحبلها والحبل مخوف في بنات آدم وربما تلفت وربما ولدت فصارت أم ولد فيمتنع عليه بيعها في أداء كتابتها وإن عجزت رجعت إلى السيد ناقصة فإذا منع من التزويج لضرره فهذا أولى فأما إن أذن له سيده في التسري جاز له
وقال الشافعي : لا يجوز له ذلك وإن أذن فيه سيده في أحد القولين لأنه أمر يضر به وربما أفضى إلى منعه من العتق فلم يجز وإن أذن فيه سيده ولأنه ناقص الملك فلم يجز له التسري كوطء الجارية المشتركة
ولنا أنه لو أذن لعبده القن في التسري جاز فالمكاتب أولى ولأن المنع كان لأجل الضرر بالسيد فجاز تأديبه كالتزويج إذا ثبت هذا فإنه إذا تسرى بإذن سيده أو غير إذنه فلا حد عليه لشبهة الملك ولا مهر عليه لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب على الإنسان شيء لنفسه وإن حبلت فالنسب لا حق به لأن الحد إذا سقط بالشبهة لحقه النسب ويكون الولد مملوكا له لأنه ابن أمته ولا يعتق عليه لأن ملكه غير تام وليس له بيعه لأنه ولده ويكون موقوفا على كتابته فإن أدى عتق وعتق الولد لأنه ملك لأبيه الحر وإن عجز وعاد إلى الرق فولده رقيق أيضا ويكونان مملوكين للسيد فأما الأمة فإن ولدت قبل عتقه وعجزت فإنها تصير أم ولد للمكاتب وليس له بيعها نص عليه أحمد لأن ولدها له حرمة الحرية ولا يجوز بيعه ويعتق بعتق أبيه فكذلك أمه فعلى هذا لا يجوز بيعها وتكون موقوفة على المكاتب إن عتق فهي أو ولده وإن رق رقت
وقال القاضي في موضع : لا تصير أم ولد بحال وله بيعها لأنه حملت بمملوك في ملك غير تام و للشافعي قولان كهذين الوجهين وإن وضعت بعد عتقه لأقل من ستة أشهر تبينا أنها حملت به في حال رقه فالحكم على ما مضى وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر حكمنا حملته حرا لأننا لم نتيقن وجوده في حال الرق وتكون أم ولد لأنها علقت بحر في ملكه و للشافعي من التفصيل نحو مما ذكرنا
فصل : وليس للمكاتب أن يزوج عبيده وإماءه بغير إذن سيده وهذا قول الشافعي و ابن المنذر وذكر عن مالك أن له ذلك إذا كان على وجه النظر لأنه عقد على منفعة فملكه كالإجارة وهو الذي قال أبو الخطاب في رؤوس المسائل
وحكي عن القاضي أنه قال في الخصال : له تزويج الأمة دون العبد وهو قول أبي حنيفة لأنه يأخذ عوضا عن تزويجها بخلاف العبد ولأنه عقد ذمة على منافعها فأشبه إجارتها
ولنا أن على السيد فيه ضررا لأنه إن زوج العبد لزمته نفقة امرأته ومهرها وشغله بحقوق النكاح ونقص قيمته وإن زوج الأمة ملك الزواج بضعها ونقصت قيمتها وقلت الرغبات فيها وربما امتنع بيعها بالكلية وليس ذلك من جهات المكاتب فربما عجزه ذلك عن أداء نجومه وإن عجز عاد رقيقا للسيد مع ما تعلق بهم من الحقوق ولحقهم من النقص فلم يجز له كإعتاقهم وفارق إجارة الدار فإنها من جهات المكاسب عادة فعلى هذا إن وجب تزويجهم لطلبهم ذلك وحاجتهم إليه باعهم فإن العبد متى طلب التزويج خير سيده بين بيعه وتزويجه وإن أذن له السيد في ذلك جاز لأن الحق له والمنع من أجله فجاز بإذنه
فصل : وليس له إعتاق رقيقه إلا بإذن سيده وبهذا قال الحسن و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أبو حنيفة لأن فيه ضررا على سيده بتفويت ماله فيما لا يحصل له به فأشبه الهبة فإن أعتق لم يصح إعتاقه ويتخرج أن يصح ويقف على إذن سيده
وقال أبو بكر : هو موقوف على آخر أمر المكاتب فإن أدى عتق معتقه وإن لم يؤد رق قال القاضي : وهذا قياس المذهب كقولنا في ذوي الأرحام : أنهم موقوفون
ولنا أنه تبرع بماله بغير أذن سيده فكان باطلا كالهبة ولأنه تصرف تصرفا منع منه لحق سيده فكان باطلا كسائر ما يمنع منه ولا يصح قياسه على ذوي أرحامه لأن عتق ذوي أرحامه ليس بتصرف منه وإنما يعتقهم الشرع على مالكهم بملكهم والمكاتب ملكه ناقص فلم يعتق به فإذا عتق كمل ملكه فعتقوا حينئذ والمعتق إنما يعتق بالإعتاق الذي كان باطلا فلا تتيقن صحته إذا كمل الملك لأن كمال الملك في الثاني لا يوجب كونه كاملا حين الإعتاق وكذلك لا يصح سائر تبرعاته بأدائه فأما إن أذن فيه سيده صح قال الشافعي في أحد القولين : لا يصح لأن تبرعه بماله يفوق المقصود من كتابته وهو العتق الذي هو حق الله تعالى أو فيه حق له فلا يجوز تفويته ولأن العتق لا ينفك من الولاء والعبد ليس من أهله ولأن ملك المكاتب ناقص والسيد لا يملك إعتاق ما في يده ولا هبته فلم يصح لأنه فيه
ولنا أن الحق لا يخرج عنهما فإذا اتفقا على التبرع به جاز كالراهن والمرتهن وما ذكروه يبطل بالنكاح فإنه لا يملك ولا يملكه السيد عليه وإذن له فيه جاز وأما الولاء فإنه يكون موقوفا فإن عتق المكاتب كان له وإلا فهو لسيده كما يرق مماليكه من ذوي أرحامه هذا قول القاضي وقال القاضي أبو بكر : يكون لسيده لأن إعتاقه أنا صح بإذن سيده فكان كالنائب له
فصل : والمكاتب محجور عليه فماله فليس له استهلاكه ولا هبته وبهذا قال الحسن و مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه مخالفا لأن حق سيده لم ينقطع عنه لأنه قد يعجز فيعود إليه ولأن القصد من الكتابة تحصيل العتق بالأداء وهبة ماله تفوت ذلك وإن أذن فيه سيده جاز و قال أبو حنيفة لا يجوز لأنه يفوت المقصود بالكتابة وعن الشافعي فيه كالمذهبين
ولنا أن الحق لا يخرج عنهما فجاز باتفاقهما كالراهن والمرتهن فأما الهبة بالثواب فلا تصح وقال الشافعي في أحد قوليه : تصح لأن فيها معاوضة
ولنا أن الاختلاف في تقدير الثواب يوجب الغرر فيها ولأن عوضها يتأخر فتكون كالبيع نسيئة وإن أذن فيها السيد جازت وإن وهب لسيده جاز لأن قبوله الهبة إذن فيها وكذلك إن وهب لابن سيده الصغير
فصل : ولا يحابي في البيع ولا يزيد في الثمن الذي اشتري به ولا يعير دابته ولا يهدي هدية وأجاز ذلك أصحاب الرأي ويحتمل جواز إعادة دابتة وهدية المأكول ودعائه إليه لأن ذلك يجوز للمأذون له ولا ينحط المكاتب عن درجته ووجه الأول أنه تبرع بماله فلم يجز كالهبة ولا يوصي بماله ولا يحط عن المشتري شيئا ولا يقرض ولا يضمن ولا يتكفل بأحد وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأن ذلك تبرع بماله فمنع منه كالهبة
فصل : وليس له أن يحج إن احتاج إلى إنفاق ماله فيه ونقل الميموني عن أحمد للمكاتب أن يحج من المال الذي جمعه إذا لم يأت نجمه وهذا محمول على أنه يحج بإذن سيده أما بغير إذنه فلا يجوز لأنه تبرع بما ينفق مالا فيه فلم يجز كالعتق ؟
فأما إن أمكنه الحج من غير إنفاق ماله كالذي تبرع إنسان بإحجاجه أو يخدم من ينفق عليه فيجوز إذا لم يأت لأن هذا يجري مجرى تركة وليس للكسب وليس ذلك مما يمنع منه
فصل : وليس للمكاتب أن يكاتب إلا بإذن سيده وهذا قول الشافعي و الحسن لأن الكتابة نوع إعتاق فلم تجز من المكاتب كالمنجز ولأنه لا يملك الإعتاق فلم يملك الكتابة كالمأذون له في التجارة واختار القاضي جواز الكتابة وهو الذي ذكره أبو خطاب في رؤوس المسائل وهو قول مالك و أبي حنيفة و الثوري و الأوزاعي لأنه نوع معاوضة فأشبه البيع وقال أبو بكر : هو موقوف كقوله في العتق المنجز فإن أذن فيها السيد صحت وقال الشافعي : فيها قولان وقد ذكرنا فيما تقدم فإذا كاتب عبده فعجزا جميعا صار رفيقين للسيد وإن أدى المكاتب الأول ثم الثاني فولاء كل واحد منهما لمكاتبه وإن أدى الأول وعجز الثاني صار رقيقا للأول وإن عجز الأول وأدى الثاني فولاءه للسيد الأول وإن أدى الثاني قبل عتق الأول عتق قال أبو بكر : وولاءه للسيد وهو قول أبي حنيفة لأن العتق لا ينفك عن الولاء والولاء لا يوقف لأنه سبب يورث به فهو كالنسب ولأن الميراث لا يقف كذلك سببه وقال القاضي : هو موقوف إن أدى عتق والولاء له وإلا فهو للسيد وهذا أحد قولي الشافعي لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ إنما الولاء لمن أعتق ] ولأن العبد ليس بملك له ولا يجوز أن يثبت له الولاء على من لم يعتق في ملكه من لم يعتق في ملكه وقولهم لا يجوز أن يقف كما لا يقف النسب والميراث فليس كذلك فإن النسب يقف على بلوغ الغلام وانتسابه إذا لم تلحقه القافة بأحد الواطئين وكذلك الميراث يوقف على أن الفرق بين النسب والميراث وبين الولاء أن الولاء لا يجوز أن يقع لشخص ثم ينتقل وهو ما يجره موالى الأب من مولى الأم فجاز أن يكون موقوفا والنسب والميراث بخلاف ذلك فإن مات المعتق قبل عتق المكاتب وقلنا الولاء للسيد ورثه وإن قلنا هو موقوف فميراثه أيضا موقوف
فصل : وليس له أن يبيع نسيئة وإن باع السلعة بأضعاف قيمتها وهذا مذهب الشافعي لأن فيه تغريرا بالمال وهو ممنوع من التغرير بالمال لتعلق حق السيد به
قال القاضي : ويتخرج الجواز بناء على الضارب أن له البيع نسيئة في إحدى الروايتين فيخرج ههنا مثله وسواء أخذ بالثمن ضمينا أو رهنا أولم يأخذ لأن الغرر لم يزل فإن الرهن يحتمل أن يتلف ويحتمل أن يفلس الغريم والضمين ويحتمل أن يجوز مع الرهن أو الضمين لأن الوثيقة قد حصلت به والعوارض نادرة على خلاف الأصل فإن باع بأكثر مما يساوي حالا وجعل الزيادة مؤجلة جاز لأن الزيادة ربح وإن اشترى نسيئة جاز لأنه لا غرر فيه ولا يجوز أن يدفع به رهنا لأن الرهن أمانة وقد يتلف أو يجحده الغريم وليس له أن يدفع ماله سلما لأنه في معنى البيع نسيئة وله أن يستلف في ذمته لأنه في معنى الشراء نسيئة وليس له أن يقرض لأنه تبرع بالمال وفيه خطر به وله أن يقترض لأنه ينتفع بالمال وليس له أن يدفع ماله مضاربة لأنه يسلمه إلى غيره فيغرر به وله أن يأخذ المال قراضا لأنه من أنواع الكسب ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على ما ذكرنا
فصل : وللمكاتب أن يبيع ويشتري بإجماع من أهل العلم لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق ولا يحصل إلا بأداء عوضه ولا يمكنه الأداء إلا بالاكتساب والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب فإنه قد جاء في بعض الآثار أن تسعة أعشار الرزق في التجارة وله أن يأخذ ويعطي فيما فيه الصلاح لماله والتوفير عليه وله أن ينفق مما في يده من المال على نفسه في مأكله ومشربه وكسوته بالمعروف مما لا غناء له عنه وعلى رقيقه والحيوان الذي له وله تأديب عبيده وتعزيرهم إذا فعلوا ما يستحقون ذلك لأنه من مصلحة ملكه فملكه كالنفقة عليهم ولا يملك إقامة الحد عليهم لأن هذا موضع ولايته وليس هو من أهلها وله المطالبة بالشفعة والأخذ بها لأنه نوع شراء فإن كان المشتري للشقص سيده فله أخذه منه لأن له أن يشتري منه وإن اشترى المكاتب شقصا لسيده فيه شركة فله أخذه من المكاتب بالشفعة لأنه مع سيده في باب البيع والشراء كالأجنبي وإن وجبت للسيد على مكاتبه شفعة فادعى المكاتب أن سيده عفا عنها سمعت دعواه وإن أنكره السيد كان عليه اليمين وإن أذن السيد لمكاتبه في البيع بالمحاباة صح منه وكان لسيده الأخذ بالشفعة لأن بيعه بالمحاباة مع إذن سيده فيه صحيح و يصح إقرار المكاتب بالبيع والشراء والعيب والدين لأنه يصح تصرفه فيه بذلك ومن ملك شيئا فله الإقرار به (12/377)
الربا بين العبد وسيده
مسألة : قال : ولا يبيعه سيده درهما بدرهمين
وجملته أن الربا يجري بين العبد وبين سيده فلم يجز أن يبيعه دهما بدرهمين كالأجنبيين وقال ابن أبي موسى : لا ربا بينهما لأنه عبد في الأظهر من قوله ولا ربا بين العبد وسيده ولهذا جاز أنم يعجل لسيده ويضع عنه بعض كتابته وله وطء مكاتبته إذا شرط ولو حملت منه صارت له بذلك أم ولد ووجه قول الخرقي أن السيد مع مكاتبه في باب المعاملة كالأجنبي بدليل أن لكل واحد منهما الشفعة على صاحبه ولا يملك كل واحد منهما التصرف فيما في يد صاحبه وإنما يتعلق لسيده حق فيما بيده بعرضية أن يعجزه فيعود إليه وهذا لا يمنع جريان الربا بينهما كالأب مع ابنه فعلى هذا القول لا يجوز التفاضل بينهما فيما يحرم التفاضل فيه بين الأجنبيين ولا النساء فيما يحرم النساء فيه بين الأجانب (12/386)
فيما لو كان لكل واحد منهما على صاحبه دين
فصل : فإن كان لكل واحد منهما على صاحبه دين مثل إن كان للسيد على المكاتب دين من المكاتبة أو غيرها وللمكاتب على سيده دينا وكانا نقدا من جنس واحد حالين أو مؤجلين أجلا واحدا تقاصا وتساقطا لأنهما إذا تساقطا بين الأجانب فمع السيد ومكاتبه أولى وإن كانا نقدين من جنسين مختلفين كدراهم ودنانير فقال ابن أبي موسى لو كان له على سيده ألف درهم ولسيده عليه مائة دينار فجعلها قصاصا بها جاز بخلاف الحرين
وقال القاضي : لا يجوز هذا لأنه بيع دين بدين وقد نهى الرسول صلى الله عليه و سلم عن بيع الدين بالدين ولأنه لا يجوز بين الأجنبيين فلم يجز بين المكاتب وسيده كسائر المحرمات وفارق العبد القن فإنه باق في تصرف سيده وما في يده ملك خالص لسيده له أخذه والتصرف فيه فعلى هذا لا يجوز مع التراضي به وعلى قول أبي موسى يجوز إذا تراضيا بذلك وتبايعاه ولا يثبت التقابض قبل تراضيهما به لأنه بيع فأما إن كانا عرضين أو عرضا ونقدا لم تجز المقاصة فيهما بغير تراضيهما بحال سواء كان القرض من جنس حقه أو غير جنسه وإن تراضيا بذلك لم يجز أيضا لأنه بيع دين بدين وإن قبض أحدهما الآخر حقه ثم دفعه إلى الآخر عوضا عن ماله في ذمته جاز إذا لم يكن الثابت في الذمة عن سلم فإن ثبت عن سلم لم يجز أخذ عوضه قبل قبضه وفي الجملة إن حكم المكاتب مع سيده في هذا حكم الأجانب إلا على قول ابن موسى الذي ذكرناه والله أعلم (12/387)
ليس للرجل أن يطأ مكاتبه إلا أن يشترط وليس له وطء ابنتها ولا جاريتها
مسألة : قال : وليس للرجل أن يطأ مكاتبته إلا أن يشترط
الكلام في هذه المسألة من فصلين :
الفصل الأول : في وطئها بغير شرط وهو حرام في قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن المسييب و الحسن و الزهري و مالك و الليث و الثوري و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وقيل له وطؤها في الوقت الذي لا يشغلها الوطء عن السعي عما هي فيه لأنها ملك يمينه فتدخل في عموم قوله تعالى { أو ما ملكت أيمانهم }
ولنا أن الكتابة عقد أزال ملك استخدامها وملك عوض منفعة بضعها فيما إذا وطئت بشبهة فزال حل وطئها كالبيع والآية مخصوصة بالمزوجة فنقيس عليها محل النزاع ولأن الملك ههنا ضعيف لأنه قد زال عن منافعها جملة ولهذا لو وطئت بشبهة كان المهر لها وتفارق أم الولد فإن ملكه باق عليها وإنما يزول بموته فأشبهت المدبرة والموصى بها وإنما امتنع البيع لأنها استحقت العتق بموته استحقاقا لازما لا يمكن زواله
الفصل الثاني : إذا شرط وطأها فله ذلك وبه قال سعيد بن المسيب قال سائر من ذكرنا ليس له وطؤها لأنه لا يملكه مع إطلاق العقد فلم يملكه بالشرط كما لو زوجها أو أعتقها
وقال الشافعي : إذا شرط ذلك في عقد الكتابة فسد لأنه شرط فاسد فأفسد العقد كما لو شرط عوضا فاسدا وقال مالك : لا يفسد العقد به لأنه لا يخل بركن العقد ولا شرطه فلم يفسده كالصحيح
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ المؤمنون عند شروطهم ] ولأنها مملوكة له شرط نفعها فصح كشرط استخدامها يحقق هذا أن منعه من وطئها مع بقاء ملكه عليها ووجود المقتضى لحل وطئها إنما كان لحقها فإذا شرطه عليها جاز كالخدمة ولأنه استثنى بعض ما كان له فصح كاشتراط الخدمة وفارق البيع لأنه يزيل ملكه عنها
فصل : فإن وطئها مع الشرط فلا حد عليه ولا تعزير ولا مهر لأنه وطء يملكه ويباح له فأشبه وطأها قبل كتابتها وإن وطئها من غير شرط فقد أساء وعليه التعزير لأنه وطء محرم ولا حد عليه في قول عامة الفقهاء لا نعلم فيه خلافا إلا عن الحسن و الزهري فإنهما قالا : عليه الحد لأنه عقد عليها عقد معاوضة يحرم الوطء فأوجب الحد بوطئها كالبيع
ولنا أنها مملوكته فلم يجب الحد بوطئها كأمته المستأجرة والمرهونة وتخالف البيع فإنه يزيل الملك والكتابة لا تزيله بدليل قوله عليه السلام [ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] وعليه مهرها لها لأنه استوفى منفعتها الممنوع من استيفائها فكان عليه عوضها كمنافع بدنها
فصل : وإن أولدها صارت أم ولد له سواء وطئها بشرط أو بغير شرط لأنه أحبلها بحر في ملكه فكانت أم ولده كغير المكاتبة والولد حر لأنه ولده من مملوكته ويلحقه نسبه لذلك ولأنه من وطء سقط فيه الحد للشبهة فأشبه ولد المغرور ولا تلزمه قيمته لأنها وضعته في ملكه
فصل : وليس له وطء بنتها لأنها تابعة لأمها موقوفة معها فلم يبح وطؤها كأمها ولا يباح ذلك بالشرط لأن حكم الكتابة ثبت فيها تبعا ولم يكن وطؤها مباحا حال العقد بشرطه فإن وطئها فلا حد عليه لأنها ملكه ويأثم ويعزر لأنه وطئ فرجا محرما ولها مهر عليه حكمه حكم كسبها يكون لأمها تستعين به في كتابتها لأن ذلك سبب حريتها وإن أحبلها صارت أم ولد له حر والولد حر لأنه أحبلها بحر في يملكه ويلحقه نسبه ولا تجب عليه قيمتها لأن أمها لا تملكها ولا قيمة ولدها لأنها وضعته في ملكه
فصل : وليس له وطء جارية مكاتبته ولا مكاتبه اتفاقا فإن فعل أثم وعزر ولا حد عليه لشبهة الملك لأنه يملك مالكها وعليه مهرها لسيدها وولده منها حر يلحقه نسبه لأن الحد سقط لشبهة الملك وتصير أم ولد وعليه قيمتها لسيدها لأنه أخرجها بوطئه عن ملكه وكان عليه قيمتها لسيده ولا تجب عليه قيمة الولد لأنها وضعته في ملكه ويحتمل أن تلزمه قيمته لأنه أخرجه بوطئه عن أن يكون مملوكا لسيدها فأشبه ولد المغرور (12/388)
لا يملك السيد إجبار مكاتبته ولا ابنتها ولا أمتها على التزويج
فصل : ولا يملك إجبار مكاتبته ولا ابنتها ولا أمتها على التزويج لأنه زال ملكه بعقد الكتابة عن نفعها ونفع بعضها وعن عوضه وليس لواحدة منهما التزويج بغير إذن لأن عليه ضررا في ذلك فإن يثبت للزواج حقا فيها فربما عجزت وعادت إليه على وجه لا يملك وطأها فإن تراضيا بذلك جاز لأن الحق يخرج عنهما وهو وليها وولي ابنتها وجاريتها جميعا لأن الملك له فأشبه الجارية القن والمهر للمكاتبة على ما ذكرنا في مهرهن إذا وطئهن السيد (12/391)
أن وطئ السيد أمته ولم يشترط أدب
مسألة : قال : فإن وطئها ولم يشترط أدب ولم يبلغ به حد الزاني وكان عليه مهر مثلها
وجملة الأمر أن السيد إذا وطئ مكاتبته من غير شرط فقد ذكرنا أنه لا حد عليه لكن إن كانا عالمين بالتحريم عزرا وإن كانا جاهلين عزرا وإن كان أحدهما عالما والآخر جاهلا عزر العالم وعزر الجاهل ولا يخرج بالوطء عن الكتابة فقال الليث : طاوعته فقد فسخت كتابتها وعادت قنا
ولنا أنه عقد لازم فلم ينفسخ بالمطاوعة على الوطء كالإجازة والبيع بعد لزومه فأما المهر فإنه يجب لها أكرهها أو طاوعته وبه قال الحسن و الثوري و الحسن بن صالح و الشافعي وقال قتادة : يجب إذا أكرهها ولا يجب إذا طاوعته ونقله المزني عن الشافعي لأن المطاوعة بذلت نفسها بغير عوض فصارت كالزانية ومنصوص الشافعي وجوبه في الحالين وأنكر أصحابه ما نقله المزني وقالوا : لا يعرف وقال مالك لاشيء عليه لأنها ملكه
ولنا أنه عوض منفعتها فوجب لها كعوض بدنها ولأن المكاتبة في يد نفسها ومنافعها لها ولهذا لو وطئها أجنبي كان المهر لها وإنما وجب في حال المطاوعة لأن الحد يسقط عنه لشبهة الملك فوجب لها المهر كما لو وطئ امرأة بشبهة عقد مطاوعة فإن تكرر وطؤها وكان قد أدى مهر الوطء الأول فللثاني مهر أيضا لأن الأداء قطع حكم الأول وإن لم يكن أدى عن الأول لم يجب إلا مهر واحد لأن هذا عن وطء الشبهة فلم يكن إلا مهرا واحدا كالوطء في النكاح الفاسد (12/391)
إذا وجب لها المهر ولها المطالبة
فصل : وإذا وجب لها المهر فإن كان لم يحل عليها نجم فلها المطالبة وإن كان قد حل عليها فكان المهر من غير جنسه فلها المطالبة به أيضا وإن كان من جنس تقاصا وأخذ ذو الفضل فضله (12/392)
حكم ما لو علقت المكاتبة من سيدها
مسألة : قال : فإن علقت منه فهي مخيرة بين العجز وتكون أم ولد وبين المضي على كتابتها فإن أدت عتقت وإن عجزت عتقت بموته وإن مات قبل عجزها انعتقت لأنها من أمهات الأولاد ويسقط عنها ما بقي من كتابتها وما في يدها لورثة سيدها
وجملته أن السيد إذا استولد مكاتبته فالولد حر لأنه من مملوكته ونسبه لاحق به ولا تجب قيمته لذلك وتصير أم ولد له لذلك ولا تبطل كتابتها لأنه عقد لازم من جهة سيدها وقد اجتمع لها سببان يقتضيان العتق أيهما سبق صاحبه ثبت حكمه هذا قول الزهري و مالك و الثوري و الليث و الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال الحكم : تبطل كتابتها لأنها سبب للعتق فتبطل بالاستيلاد كالتدبير
ولنا أنها عقد معاوضة فلا تبطل بالوطء كالبيع ولأنها سبب للعتق لا يملك السيد الرجوع عنه فلم تبطل بذلك كالتعليق بصفة وما ذكروه يبطل بالتعليق بالصفة وتفارق الكتابة التدبير من وجوه أحدها : أن حكم التدبير والاستيلاد واحد وهو العتق عقيب الموت والاستيلاد أقوى لأنه يعتبر من رأس المال ولا سبيل إلى إبطاله بحال فاستغنى به عن التدبير والكتابة سبب يتعجل بها العتق بالأداء ويكون ما فضل من كسبها لها ويملك بها منافعها وكسبها وتخرج عن تصرف سيدها وهذا لا يحصل بالاستيلاد فيجب أن تبقى لبقاء فائدتها : الثاني : أن الكتابة أقوى من التدبير للزومها وكونها لا تبطل بالرجوع عنها ولا بيع المكاتب ولا هبته
الثالث : أن التدبير تبرع والكتابة عقد معاوضة لازم فإذا ثبت هذا فإنه يجتمع لها سببان كل منهما يقتضي الحرية فأيهما تم قبل صاحبه ثبتت الحرية به كما لو انفرد لأن انضمام أحدهما إلى الآخر مع كونه لا ينافيه لا يمنع ثبوت حكمه فإن أدت عتقت بالكتابة وما فضل من كسبها فهو لها لأن المعتق بالكتابة له ما فضل من نجومه وإن عجزت وردت في الرق بطل حكم الكتابة وبقي لها حكم الاستيلاد منفردا كما لو لم تكن مكاتبة وله وطؤها وتزويجها وإجارتها وتعتق بموته وما في يدها لورثة سيدها وإذا مات سيدها قبل عجزها انعتقت لأنها أم ولد وتسقط الكتابة لأن الحرية حصلت فسقط العوض المبذول في تحصيلها كما لو باشرها سيدها بالعتق وما في يدها لورثة سيدها في قول الخرقي و أبي الخطاب لأنها عتقت بحكم الاستيلاد وبطل حكم المكاتبة فأشبهت غير المكاتبة وقال القاضي في المجرد و ابن عقيل في كتابه : ما فضل في يدها لها وهو قول الشافعي لأن العتق إذا وقع في الكتابة لا يبطل حكمها كالإبراء من نجوم الكتابة ولأن ملكها كان ثابتا على ما في يدها ولم يحدث إلا ما يزيل حق سيدها عنها فيقتضي زوال حقه عما في يدها وتقرير ملكها وخلوصه لها كما اقتضى ذلك في نفسها وهذا أصح والله أعلم (12/392)
حكم ما لو عتق السيد المكاتبة
فصل : وإن أعتقها سيدها عتقت وسقطت كتابتها وما في يدها لها في قول القاضي ومن وافقه فأما على قول الخرقي ومن وافقه فقياسه أن يكون لسيدها كما لو عتق بالاستيلاد ويحتمل أن يكون لها على قولهم أيضا لأن السيد أعتقها برضاه فيكون رضا منه بإعطائها مالها بخلاف العتق بالاستيلاد فإنه حقل بغير رضا الورثة ولأنه لو كان مال المكاتب يصير للسيد بإعتاقه لتمكن السيد من أخذ مال المكاتب متى شاء فمتى كان له غرض في أخذ ماله إما لكثرته وفضله عن نجوم كتابته وإما لغرض له في بعض أعيان ماله أعتقه وأخذ ماله وهذا ضرر على المكاتب لم يرد الشرع به ولا يقتضيه عقد الكتابة فوجب أن لا يشرع (12/394)
حكم ما لو أتت بولد من غير سيدها بعد الاستيلاء
فصل : وإن أتت بولد من غير سيدها بعد استيلادها فله حكمها في العتق بكل واحد من السببين أيهما سبق عتق به كالأم سواء لأنه بائع لها فيثبت له ما يثبت لها وإن ماتت والمكاتبة بقي للولد سبب الاستيلاد وحده وإن اختلفا في ولدها فقالت ولدته بعد كتابتي أو بعد ولادتي قال السيد : بل قبله فقال أبو بكر : القول قول السيد مع يمينه
وهذا قول الشافعي لأن الأصل كون الأمة وولدها رقيقا لسيدهما التصرف فيهما وهي تدعي ما يمنع التصرف وإن زوج مكاتبه أمته ثم باعها منه واختلفا في ولدها فقال السيد هو لي لأنها ولدته قبل بيعها لك وقال المكاتب بل بعده فالقول قول المكاتب لأنهما اختلفا في ملكه ويد المكاتب عليه فكان القول قول صاحب اليد مع يمينه كسائر الأموال ويفارق ولد المكاتبة لأنها لا تدعي ملكه (12/395)
حكم ما لو كانت بين شريكين فكاتبها فوطئها أحدهما أو كلاهما وحكم الولد إذا كان ولد
فصل : إذا كانت الأمة بين شريكين فكاتباها ثم وطئها أحدهما أدب فوق أدب الواطئ لمكاتبته الخالصة له لأن الوطء هاهنا حرم من وجهين الشركة والكتابة فهو آكد وإثمه أعظم وأدبه أكثر وعليه مهر مثلها على ما أسلفنا فيما إذا كان السيد واحدا فإن لم يكن حل نجم قبضت المهر فإذا حل نجمها سلمته إليهما وإن حل نجمها وهو من جنس مال الكتابة وكان في يدها بقدره دفعته إلى الذي لم يطأها واحتسبت على الواطئ بالمهر وإن لم يكن في يدها شيء وكان بقدر نجمها أو دونه أخذت من الواطئ نصفه وسلمته إلى الآخر وإن لم يكن من جنس مال الكتابة فاتفقا على أخذه عوضا عن مال الكتابة فالحكم فيه كما لو كان من جنسها وإن لم يتفقا قبضته ودفعته مما عليها من مال الكتابة من عوضه أو غيره وإن عجزت فسخا الكتابة وكان في يدها بقدر المهر أخذه الذي لم يطأ وسقط المهر من ذمة الواطئ وإن لم يكن في يدها شيء للذي لم يطأ أن يرجع على الواطئ بنصفه لأنه وطئ جارية مشتركة بينهما فإن حبلت منه صارت أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه مع نصف المهر الواجب لها موسرا كان معسرا إلا أنه إن كان موسرا أداه في الحال وإن كان معسرا فهو في ذمته وهذا ظاهر كلام الخرقي ذكر مثل هذا في باب العتق فعلى هذا تصير أم ولد للواطئ ومكاتبته له كأنه اشتراها وتكون مبقاة على ما بقى من كتابتها وتعتبر قيمتها بما تساوي مكاتبته مبقاة على ما بقي عليها من كتابتها واختار القاضي أنه إن كان معسرا لم يسر الإحبال لأنه بمنزلة الإعتاق بالقول يعتبر اليسار في سرايته ونصيب الواطئ قد ثبت له حكم الاستيلاد وحكم الكتابة ونصيب شريكه لم يثبت له إلا حكم الكتابة فإن أدت إليهما عتقت وبطل حكم الاستيلاد وإن عجزت وفسخا الكتابة ثبت لنصفها حكم الاستيلاد ونصفها قن لا يقوم على الوارث وإن كان موسرا لأنه ليس بمعتق وإن مات الواطئ قبل عجزها عتق نصيبه وسقط حكم الكتابة فيه وكان الباقي مكاتبا وإن كان الواطيء موسرا فقد ثبت لنصفها حكم الإستيلاد ونصفها الآخر موقوف فإن أدت إليهما عتقت كلها وولاؤها لهما وإن عجزت وفسخا الكتابة قومناها حينئذ على الواطئ فيدفع إلى شريكه قيمة نصيبه وتصير جميعها أم ولد فإن مات عتقت عليه وكان ولاؤها له وهذا مذهب الشافعي وله قول آخر أنها تقوم على الموسر وتبطل الكتابة في نصف الشريك وتصير جميعها أم ولد ونصفها مكاتبا للواطئ فإن أدت نصيبه إليه عتقت وسرى إلى الباقي لأنه ملكه وعتق جميعها
وإن عجزت ففسخ الكتابة كانت أم ولد له خاصة فإذا مات عتقت كلها
ولنا أن بعضها أم ولد فكان جميعها كذلك كما لو كان الشريك موسرا يحقق هذا أن الولد حاصل من جميعها وهو كله من الواطئ ونسبه لاحق به فيجب أن يثبت ذلك لجميعها ويفارق الإعتاق فإنه أضعف على ما بيننا من قبل
ولنا على أن الكتابة لا تبطل بالتقويم أنها عقد لازم فلا تبطل مع بقائها بفعل صدر منه كما لو استولدها وهي في ملكه وكما لو لم تحبل منه فأما الولد فإنه حر لأنه من وطء فيه شبهة ونسبه لاحق به وكذلك ولا يلزمه قيمته لأنها وضعته في ملكه
وروي عن أحمد في هذا روايتان : أحداهما : لا تجب قيمته لأن نصيب شريكه انتقل إليه من حين العلوق وفي تلك الحال لم تكن له قيمه فلم يضمنه والثانية : عليه نصف قيمته لأنه كان من سبيل هذا النصف أن يكون مملوكا لشريكه فقد تلف رقه عليه فكان عليه نصف قيمته وقال القاضي : هذه الرواية أصح على المذهب وذكر هاتين الروايتين أبو بكر واختار أنها إن وضعته بعد التقويم فلا شيء على الواطئ وإن وضعته قبل التقويم غرم نصف قيمته فإن ادعى الواطئ الاستبراء وأتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من حين الاستبراء لم يلحق به ولم تصر أم ولد وكان حكم ولدها حكمها وإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين الاستبراء لحق به كما لو كان قبل الاستبراء لأنا تبينا أنها كانت حاملا وقت الاستبراء فلم يكن ذلك استبراء
فصل : وإن وطئاها جميعا فقد وجب لها على كل واحد منهما مهر مثلها فإن كانت في الحالين على صفة واحدة فهما سواء في الواجب عليهما وإن كانت بكرا حين وطئها الأول فعليه مهر بكر وعلى الآخر مهر ثيب فإن كان نجمها لم يحل فلها مطالبتهما بالمهرين وإن كان النجم قد حل وهو من جنس المهر تقاصا على ما ذكرنا في المقاصة فإن أدت إليهما عتقت وكان لهما المطالبة بالمهرين وإن عجزت عن نفسها وفسخا الكتابة بعد قبضها المهرين لم يملك أحدهما مطالبة الآخر بشيء لأنها قبضتهما وهي مستحقة لذلك فإن كانا في يدها اقتسماهما وإن تلفا أو بعضهما فلاشيء لهما لأن السيد له دين على مملوكه وإن كان الفسخ قبل قبض المهرين وهما سواء سقط عن كل واحد ما عليه وإن كان أحدهما أكثر من الآخر تقاص منهما بقدر أقلهما على الآخر بنصف الزيادة وإن قبضت البعض من أحدهما دون الآخر رجع المقبوض منه على الآخر بنصف ما عليه وإن قبضت البعض من أحدهما دون الآخر أو قبضت من أحدهما أكثر من الآخر رجع من قبض منه الأكثر على الأخر بنصف الزيادة التي أداها وإن أفضاها أحدهما بوطئه فعليه لها ثلث قيمتها لأن الإفضاء في الحرة يوجب ثلث ديتها فوجب في الأمة ثلث قيمتها مع المهر
فصل : ويحتمل أن يلزمه في الإفضاء قدر نقصها وقال القاضي : تلزمه قيمتها وهو مذهب الشافعي والخلاف في ذلك فرع على الواجب في لإفضاء الحرة وقد ذكرناه فإن فسخت الكتابة رجع من لم يفضها على الآخر بنصف قيمة الإفضاء على الخلاف الذي ذكرناه وإن ادعى كل واحد منهما على الآخر أنه الذي أفضاها أو وطئها حلف كل واحد منهما وبرئ وإن نكل أحدهما قضي عليه وإن كان الخلاف في ذلك قبل عجزها فادعت على أحدهما فالقول قوله مع يمينه وإن دعت على أحدهما غير معين لم تسمع الدعوى
فصل : فإن أولدها كل واحد منهما واتفقا على السابق منهما فعلى قول الخرقي تصير أم ولد له وولده حر لاحق النسب به والخلاف في ذلك كالخلاف فيما إذا انفراد بإيلادها سواء
وأما الثاني : فعلى قول الخرقي قد وطئ أم ولد غيره بشبهة فلا تصير أو ولد له لأنها مملوكة غيره فأشبه ما لو باعها ثم أولدها وعليه مهرها لها لأن الكتابة لم تبطل الولد حر لأنه من وطء شبهة وعليه قيمته للأول لأنه فوت رقه عليه فكان من سبيله أن يكون رقيقا له حكمه حكم أمه فتلزمه قيمته على هذه الصفة وقد ذكرنا في وجوب نصف قيمة الأول خلافا فإن قلنا بوجوبها تقاصا بما كنا لكل لواحد منهما على صاحبه في القدر الذي تساويا فيه ويرجع ذو الفضل بفضله وتعتبر القيمة يوم الولادة لأنها أول حال أمكن التقويم فيها وذكر القاضي في هذه المسألة أربعة أحوال :
أحدها : أن يكونا موسرين فالحكم على ما ذكرنا إلا أنه جعل المهر الواجب على الثاني للأول وهذا مذهب الشافعي ولا يصح لأن الكتابة لا تبطل في الاستيلاد ومهر المكاتبة لها دون سيدها ولأن سيدها لو وطئها لوجب عليه المهر فلأن لا يملك المهر واجب على غيره أولى ولأنه عوض نفعها فكان لها كأجرتها
الثاني : أن يكون الأول موسرا والثاني معسرا فيكون كالحال الذي قبله سواء قال القاضي : إلا أن ولده يكون مملوكا لإعساره بقيمته وهذا غير صحيح لأن الولد لا يرق لإعسار والده بدليل ولد المغرور من أمة والوطء بشبهة وكل موضع حكمنا بحرية الولد لا يختلف بالإعسار واليسار وإنما يعتبر اليسار في سراية العتق وليس عتق هذا بطريق السراية إنما هو لأجل الشبهة في الوطء فلا وجه لاعتبار اليسار فيه والصحيح أنه حر وتجب قيمته في ذمة أبيه
الحال الثالث : أن يكونا معسرين فإنها تصير أم ولد لهما جميعا نصفها أم ولد للأول ونصفها أم ولد للثاني قال : وعلى كل واحد منهما نصف مهرها لصاحبه وفي ولد كل واحد منهما وجهان : أحدهما : أن يكون كله حرا وفي ذمة أبيه ونصف قيمته لشريكه
والثاني : نصفه حر وباقيه عبد لشريكه إلا أن نصف ولد الأول عبد قن لأنه تابع للنصف الباقي من الأم وأما النصف الباقي من ولد الثاني فحكمه حكم أمه لأنه ولد منها بعد أن ثبت لنصفها حكم الاستيلاد للأول فكان نصفه الرقيق تابعا لها في ذلك ولعل القاضي أراد ما إذا عجزت وفسخت الكتابة فأما إذا كانت باقية على الكتابة فإن لها المهر كاملا على كل واحد منهما وإذا حكم برق نصف ولدها وجب أن يكون له حكمها في الكتابة لأن ولد المكاتبة يكون تابعا لها
الحال الرابع : أن يكون الأول معسرا والثاني موسرا فحكمه حكم الثالث سواء إلا أن ولد الثاني حر لأن الحرية ثبتت لنصفه بفعل أبيه وهو موسر فسرى إلى جميعه وعليه نصف قيمته لشريكه ولم تقوم عليه الأم لأن نصفها أم ولد للأول ولو صح هذا لوجب أن لا يقوم عليه نصف الولد لأن حكمه حكم أمه في هذا فإذا منع حكم الاستيلاد السراية في الأم منعه فيما هو تابع لها ومذهب الشافعي في هذه المسألة قريب مما ذكر القاضي
فصل : وإن اختلفا في السابق منهما فادعى كل واحد منهما أنه السابق فعلى قولنا لها المهر على كل واحد منهما وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف قيمة الجارية لأنه يقول صارت أم ولد لي بإحبالي إياها ووجب لشريكي علي نصف قيمتها ولي عليه قيمة ولده لأنه يقول : أولدتها بعد أن صارت أم ولد لي وهل يكون مقرا له بنصف قيمة ولده ؟ على وجهين سبق ذكرهما فعلى هذا إن استوى ما يدعيه وما يقر به تقاصا وتساقطا ولا يمين لواحد منهما على صاحبه لأنه يقول لي عليك مثل ما لك علي والجنس واحد فتساقطا وإن زاد ما يقر به فلا شيء عليه لأن خصمه يكذبه في إقراره وإن زاد ما يدعيه فله اليمين على صاحبه في الزيادة ويثبت للأمة حكم العتق في نصيب كل واحد منهما بموته لإقراره بذلك ولا يقبل قوله على شريكه في إعتاق نصيبه
وقال أبو بكر في الأمة قولان أحدهما : يقرع بينهما فتكون أم ولد لمن تقع له والثاني تكون أم ولد لهما ولا يطئوها واحد منهما قال : وبالأول أقول وأما القاضي فاختار أنهما إن كانا موسرين فكل واحد منهما يدعي المهر على صاحبه ويقر له بنصفه وهذا مذهب الشافعي لأن المهر عندهم لسيدها دونها ولا يعتق شيء منها بموت الأول لاحتمال أن تكون أم ولد للآخر وأما إذا مات الآخر عتقت لأن سيدها قد مات يقينا وإن كانا معسرين فكل واحد منهما مقر بأن نصفها أم ولده ويصدقه الآخر لأن الاستيلاد لا يسري مع الإعسار وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف المهر والآخر يصدقه فيتقاصان إن تساويا وإن فضل أحدهما صاحبه نظرت فإن كل واحد منهما يدعي الفضل تحالفا وسقط وإن كان كل واحد منهما يقر للآخر بالفضل سقط لتكذيب المقر له به وفي الولد وجهان أحدهما : يكون حرا فيكون كل واحد منهما يدعي على الآخر نصف قيمة الولد والوجه الثاني : نصفه حر فيقر بأنه نصف الولد مملوك لشريكه فيكون الولدان بينهما من غير يمين وعلى الوجه الأول يتقاصان إن تساوت قيمة الولدين ولا يمين في الموضعين فأيهما مات عتق نصيبه وولاؤه له وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فالموسر يقر للمعسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد ونصف مهرها ويدعي عليه جميع المهر وقيمة الولد والمعسر يقر للموسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد ونصف مهرها فيسقط إقرار الموسر للمعسر بنصف قيمة الجارية لكونه لا يدعيه ولا يصدقه فيه ويتقاصان بالمهر لاستوائهما فيه ويدفع المعسر إلى الموسر نصف قيمة الولد لإقراره به ويحلف على ما يدعيه عليه من الزيادة لأنه ادعى عليه جميع قيمة الولد فأقر له بنصفها ويحلف له الموسر على نصف قيمة الولد الذي ادعاه المعسر عليه
فأما الجارية فإن نصيب الموسر منها أم ولد بغير خلاف بينهما فيه وباقيها يتنازعانه فإن مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لورثته فإذا مات المعسر عتق باقيها وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شيء فإذا مات الموسر عتق جميعها ويجيء على قول أبي بكر أن يقرع بينهما في النصف المختلف فيه
فصل : فإن وطئاها معا فأتت بولد لم يخل من ثلاثة أقسام : أحدها : أن لا يمكن أن يكون من واحد منهما مثل أن تأتي به بعد استبرائها منهما أو بعد أربع سنين منذ وطئها كل واحد منهما أو قبل مضي ستة أشهر منذ وطئها كل واحد منهما فإن الولد منفي عنهما وهو مملوك هما حكمه حكم أمه في العتق بأدائها وإذا ادعى كل واحد منهما الاستبراء منه قبل منه لأن دعوى الاستبراء في الأمة كاللعان في الحرة
القسم الثاني : أن يكون من أحدهما بعينه دون صاحبه فالحكم فيه كالحكم فيما إذا ولدت من أحدهما بعينه من وجوب المهر لها وقيمة نصفها لشريكه مع الخلاف في ذلك وأما الذي لم تحبل من وطئه فإن كان الأول فعليه المهر لها وإن كان هو الثاني فقد وطئ أم ولد غيره فإن كانت الكتابة باقية فعليه المهر لها أيضا وإن كانت الكتابة قد فسخت فالمهر للذي استولدها وقد وجب للثاني على الأول نصف قيمتها وفي قيمة نصف الولد روايتان : فإن كان المهرللأول تقاصا بقدر أقل الحقين وإن كان المهر لها رجع بحقه على الذي أحبلها وأما القاضي فقال في هذا القسم : الحكم في الأول كالحكم فيه إذا انفرد بالوطء على ما مضى من التفضيل والتطويل
وأما الثاني فإن وطئها بعد ولادتها من الأول نظرنا فإن وطئها بعد الحكم بكونها أم ولد للأول فعليه مهر مثلها فإن كان فسخ الكتابة في حق نفسه لعجزها فالمهر له لأنها أم ولده وإن كان لم يفسخ فالمهر بينه وبينها نصفين وإن وطئها بعد زوال الكتابة في حقه وقبل الحكم بأنها أم ولد للأول سقط عنه نصف مهرها لأن نصفها قن له وعليه النصف لها إن لم يكن الأول فسخ الكتابة أو له إن كان فسخ وإن كان الأول معسرا فنصيبه منها أم ولد له ولها عليهما المهران والحكم فيما إذا عجزت أو أدت قد تقدم فأما إن كان الولد من الثاني فالحكم في وطء الأول كالحكم فيه إذا وطئ منفردا فلم يحبلها
وأما الثاني فإن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه عند العجز فأن فسخا الكتابة قومناهم عليه وصارت أم ولد له وإن رضي الثاني بالمقام على كتابة قومنا عليه نصيب الأول وصارت كلها أم ولد له ونصفها مكاتب ويرجع الأول على الثاني بنصف المهر ونصف قيمة الولد على إحدى الروايتين ورجع الثاني على الأول بنصف المهر فيتقاصان به إن كان باقيا عليهما وإن كان الثاني معسرا فالحكم فيه كما ولدت من الأول وكان معسرا لا فضل بين المسألتين
القسم الثالث : أمكن أن يكون الولد من كل واحد منهما فإنه يرى القافة معهما فيلحق بمن ألحقوا به منهما فمن ألحق به فحكمه حكم ما لو عرف أنه منه بغير قافة (12/395)
حكم ما لو كاتب نصف عبد
مسألة : قال : وإذا كاتب نصف عبد فأدى ما كوتب عليه ومثله لسيده صار حرا بالكتابة إن كان الذي كاتبه معسرا وإن كان موسرا عتق عليه كله وصار نصف قيمته على الذي كاتبه لشريكه
وجملته أن الرجل إذا كان له نصف عبد كانت له مكاتبته وصح منه سواء كان باقيه حرا أو مملوكا لغيره وسواء أذن فيه الشريك أو لم يأذن وهذا ظاهر كلام الخرقي و أبي بكر وقول الحكم و ابن أبي ليلى حكي ذلك عن الحسن البصري و الحسن بن صالح و مالك و العنبري وكره الثوري و حماد كتابته بغير إذن شريكه
وقال الثوري : إن فعل رددته إلا أن يكون نقده فيضمن لشريكه ما في يده وقال أبو حنيفة : تصح بإذن الشريك ولا تصح بغير إذنه وهذا أحد قولي الشافعي إلا أن أبا حنيفة قال : إذنه فيما مضى في ذلك يقتضي الإذن في تأدية مال الكتابة من جميع كسبه ولا يرجع الآذن بشيء منه وقال أبو يوسف و محمد : يكون جميعه مكاتبا
وقال الشافعي في أحد قوليه : إن كان باقيه حرا صحت كتابته وإن كان باقيه ملكا لم تصح كتابته سواء أذن فيه الشريك أم لم يأذن لأن كتابته تقتضي إطلاقه في رد الكسب والمسافرة وملك نصفه يمنع ذلك ويمنعه أخذ نصيبه من الصدقات لئلا يصير كسبا له ويستحق سيده نصفه ولأنه إذا أدى عتق جميعه فيؤدي إلى أن يؤدي نصف كتابته ويعتق جميعه
ولنا أنه عقد معاوضة على نصفه فصح كبيعه ولأنه ملك له يصح بيعه وهبته فصحت كتابته كما لو ملك جميعه ولأنه ينفذ إعتاقه فصحت كتابته كالعبد الكامل و كما لو كان باقيه حرا عند الشافعي أو أذن فيه الشريك عند الباقين
وقولهم إنه يقتضي المسافرة والكسب وأخذ الصدقة قلنا : أما المسافرة فليست من المقتضيات الأصلية فوجود مانع منها لا يمنع أصل العقد وأما الكسب وأخذ الصدقة فإنه لا يمنع كسبه وأخذه الصدقة يجزئه بالمكاتبة ولا يستحق الشريك شيئا منه لأنه إنما استحق ذلك بالجزء المكاتب ولا حق للشريك فيه فكذلك فيما حصل به كما لو ورث شيئا يجزئه الحر وأما الكسب فإن هايأه مالك نصفه فكسب في نوبته شيئا لم يشاركه فيه أيضا وإن لم يهايئه فكسب بجملته شيئا كان بينهما له بقدر ما فيه من الجزء المكاتب ولسيده الباقي لأنه كسبه يجزئه المملوك فأشبه ما لو قبل كتابته فيقسم بين سيديه
وقولهم إنه يفضي إلى أن يؤدي بعض الكتابة فيعتق قلنا يبطل هذا بما لو علق عتق نصيبه على أداء مال فإنه يؤدي عوض البعض ويعتق الجميع على أننا نقول : لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة فإن جميع الكتابة هو الذي كاتبه عليه مالك نصفه ولم يبق منها شيء فلا يعتق حتى يؤدي جميعها ولأنه لا يعتق الجميع بالأداء وإنما يعتق الجزء المكاتب لا غير وباقيه إن كان المكاتب معسرا لم يعتق وإن كان موسرا عتق بالسراية لا بالكتابة ولا يمنع هذا كما لو أعتق بعضه عتق جميعه فإذا جاز جميعه بإعتاق بعضه بطريق السراية جاز ذلك فيما يجري مجرى العتق
إذا ثبت هذا فإنه إذا كاتب نصيبه لم تسر الكتابة ولم يتعد الجزء الذي كاتبه لأن الكتابة عقد معاوضه فلم يسر كالبيع وليس للعبد أن يؤدي إلى مكاتبه شيئا حتى يؤدي إلى شريكه مثله سواء أذن الشريك في كتابته أو لم يأذن لأنه إنما أذن في كتابة نصيبه وذلك يقتضي أن يكون نصيبه باقيا له ولا يقتضي أن يكون معروفا في الكتابة وهذا إذا كان الكسب بجميعه فإن أدى الكتابة من جميع كسبه لم يعتق لأن الكتابة صحيحة تقتضي العتق ببراءته من العوض وذلك لا يحصل بدفع ما ليس له وإن أدى إليهما جميعا عتق كله لأن نصفه يعتق بالأداء فإذا عتق سرى إلى سائرة وإن كان الذي كاتبه موسرا لأن عتقه بسبب من جهته فلزمته قيمته كما لو باشره بالعتق أو كما لو علق عتق نصيبه على صفة فعتق بها ويرجع الشريك على المكاتب بنصف قيمته كما لو باشره بالعتق فأما إن ملك العبد شيئا بجزئه المكاتب مثل أن هايأه سيده فكسب شيئا في نوبته أو أعطى من الصدقة من سهم الرقاب أو من غيره فلا حق لسيده فيه وله أداء جميعه في كتابته لأنه إنما استحق ذلك بما فيه من الكتابة فأشبه النصف الباقي بعد إعطاء الشريك حقه فلو كان ثلثه حرا وثلثه مكاتبا وثلثه رقيقا فورث بجزئه الحر ميراثا وأخذ بجزئه المكاتب من سهم الرقاب فله دفع ذلك كله في كتابته لأنه ما استحق بجزئه الرقيق شيئا منه فلا يستحق مالكه منه شيئا وإذا أدى جميع كتابته عتق فإذا كان الذي كاتبه معسرا لم يسر العتق ولم يتعدى نصيبه كما إذا واجهه بالعتق إلا على الرواية التي نقول فيها بالاستسعاء فإنه يستسعي في نصيب الذي لم يكاتب وإن كان موسرا سرى إلى باقيه (12/406)
حكم ما لو كان العبد كله ملكا لرجل
فصل : وإذا كان العبد كله ملكا لرجل فكاتبه بعضه جاز قال أبو بكر لأنها معاوضة فصحت في بعضه كالبيع فإذا أدى جميع كتابته عتق كله لأنه إذا سرى العتق فيه إلى ملك غيره فإلى ملكه أولى ويجب أن يؤدي إلى سيده مثلي كتابته لأن النصف ما يكسبه يستحقه سيده بما فيه من الرق ونصفه يؤدى في الكتابة إلا أن يرضى سيده بتأدية الجميع في الكتابة فيصح وإذا استوفي المال كله عتق نصفه بالكتابة وباقيه في السراية (12/409)
في حكم ما لو كان ملكا لرجلين فكاتباه
فصل : وإذا كان العبد لرجلين فكاتباه معا جاز سواء تساويا في العوض أو اختلفا فيه وسواء اتفقا نصيبهما فيه أو اختلفا وسواء كان في عقد واحد أو عقدين وبهذا قال أبو حنيفة
وقال الشافعي : لا يجوز أن يتفاضلا في المال مع التساوي في الملك ولأن التساوي في المال منع التفاضل في الملك لأن ذلك يؤدي إلى أن ينتفع أحدهما بمال الآخر لأنه إذا دفع إلى أحدهما أكثر من قدر ملكه ثم عجز رجع عليه الآخر بذلك
ولنا أن كل واحد منهما يعقد على نصيبه عقد معاوضة فجاز أن يختلفا في العوض كالبيع وما ذكروه لا يلزم لأن انتفاع أحدهما بمال الآخر إنما يكون عند العجز وليس ذلك من مقتضيات العقد وإنما يكون عند زواله فلا يضر ولأنه إنما يؤدي إليهما على التساوي وإذا عجز قسم ما كسبه بينهما على قدر الملكين فلم يكن أحدهما منتفعا إلا بما يقابل ملكه وعاد الأمر بعد زوال الكتابة إلى حكم الرق كأنه لم يزل فإن قيل فالتساوي في الملك يقتضي التساوي في أدائه إليهما ويلزم منه وفاء كتابته أحدهما قبل الآخر فيعتق نصيبه ويسري إلى نصيب صاحبه ويرجع عليه الآخر بنصف قيمته قلنا : يمكن أداء كتابته إليهما دفعة واحدة فيعتق عليهما ويمكن أن يكاتب أحدهما على مائة في نجمين في كل نجم خمسون ويكاتب الآخر على مائتين في نجمين في النجم الأول خمسون
وفي الثاني : مائة وخمسون ويكون وقتهما واحدا فيؤدي إلى كل واحد منهما حقه على أن أصحابنا قالوا : لا يسري العتق إلى نصيب الآخر ما دام مكاتبا فعلى هذا القول لا يفضي إلى ما ذكروه على أنه وإن قدر إفضاؤه إليه فلا مانع فيه من صحة الكتابة فأنه لا يخل بمقصود الكتابة وهو العتق بها ويمكن وجود سراية العتق من غير ضرر بأن يكاتبه على مثلي قيمته فإذا عتق عليه غرم لشريكه نصف قيمته وسلم له باقي المال وحصل له ولاء العبد ولا ضرر في هذا ثم لو كان فيه ضرر لكن قد رضي به حين كتابته على أقل مما كاتبه به شريكه والضرر المرضي به من جهة المضرور لا عبرة به كما لو باشره بالعتق أو أبرأه من مال الكتابة فإنه يعتق عليه ويسري عتقه ويغرم لشريكه وهو جائز فهذا أولى بالجواز ولا يجوز أن يختلفا في التنجيم ولا في أن يكون لأحدهما في النجوم قبل النجم الأخير أكثر من الآخر في أحد الوجهين لأنه لا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على السواء ولا يجوز تقديم أحدهما بالأداء على الآخر واختلافهما في ميقات النجوم وقدر المؤدى فيهما يقضي إلى ذلك
والثاني : يجوز لأنه يمكن أن يعجل لمن تأخر نجمه قبل محله ويعطي من قل نجمه أكثر من الواجب له ويمكن أن يأذن له أحدهما في الدفع إلى الآخر قبله أو أكثر منه ويمكن أن ينظره من حل نجمه أو يرضى من له الكثير بأخذ دون حقه وإذا أمكن إفضاء العقد إلى مقصودة فلا تبطل باحتمال عدم الإفضاء إليه
فصل : وليس للمكاتب أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر ولا يقدم أحدهما على الآخر ذكره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة و الشافعي ولا أعلم فيه خلافا لأنهما سواء فيه فيستويان في كسبه وحقهما متعلق بما في يده تعلقا واحدا فلم يكن له أن يخص أحدهما بشيء منه دون الآخر ولأنه ربما عجز فيعود إلى الرق ويتساويان في كسبه فيرجع أحدهما على الآخر بما في يده من الفضل بعد انتفاعه به مدة فإن قبض أحدهما دون الآخر شيئا لم يصح القبض وللآخر أن يأخذ من حصته إذا لم يكن أذن في القبض وإن أذن فيه ففيه وجهان ذكرهما أبو بكر : أحدهما : يصح لأن المنع لحقه فجاز بإذنه كما لو أذن المرتهن للراهن في التصرف فيه أو أذن البائع للمشتري في قبض البيع قبل توفية ثمنه أو أذنا للمكاتب في التبرع ولأنهما لو أذنا له في الصدقة بشيء صح قبض المتصدق عليه له كذلك ههنا والثاني : لا يجوز وهذا اختيار أبو بكر ومذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي واختيار المزني لأن ما في يد المكاتب ملك له فلا ينفذ إذن غيره فيه وإنما حق سيده في ذمته الأول أصح إن شاء الله تعالى لأن الحق لهم لا يخرج عنهم فإذا اتفقوا على شيء فلا وجه للمنع وقولهم أنه ملك للمكاتب تعليق على العلة ضد ما تقضيه لأن كونه ملكا له يقتضي جواز تصرفه فيه على حسب اختياره وإنما المنع لتعلق حق سيده به فإذا أذن زال المانع فصح التقبيض لوجود مقتضيه وخلوه من المانع ثم يبطل لما ذكرنا من المسائل فعلى هذا الوجه إذا دفع إلى أحدهما مال الكتابة بإذن صاحبه عتق نصيبه من المكاتب لأن استوفى حقه ويسري العتق إلى باقيه وعليه قيمة حصة شريكه لأن عتقه بسببه هذا قول الخرقي ويضمنه في الحال بنصف قيمته مكاتبا مبقى على ما بقي عليه من كتابته وولاؤه كله له وما في يده من المال الذي لم يقبض منه بقدر ما قبضه صاحبه والباقي بين العبد وبين سيده الذي عتق عليه لأن نصفه عتق بالكتابة ونصفه بالسراية فحصة ما عتق بالكتابة للعبد وحصة ما عتق بالسراية لسيده وعلى ما اخترناه يكون الباقي كله للعبد لأن الكسب كان ملكا له فلا يزول ملكه عنه بعتقه كما لو عتق بالأداء قال أبو بكر والقاضي : لا يسري العتق في الحال وإنما يسري عند عجزه فعلى قولهما يكون باقيا على الكتابة فإن أدى إلى الآخر عتق عليهما وولاؤه لهما وما بقي في يده من كسبه فهو له وإن عجز وفسخت كتابته قوم على الذي أدى إليه وكان ولاء جميعه له وتنفسخ الكتابة في نصفه وإن مات فقد مات ونصفه حر ونصفه رقيق لسيده الذي لم يعتق نصيبه أن يأخذ مما خلفه مثل ما أخذ شريكه من مال الكتابة وله نصف ما يبقى والباقي لورثة العبد فإن لم يكن له وارث من نسبه فهو للذي أدى إليه بالولاء وإن قلنا لا يصح القبض فما أخذه القابض بينه وبين شريكه ولا يعتق حصته من المكاتب لأنه لم يستوف عوضه ولغير القابض مطالبة القابض بنصيبه ما قبضه كما لو قبضه بغير إذنه سواء وإن لم يرجع غير القابض بنصيبه حتى أدى المكاتب إليه كتابته صح وعتق عليهما جميعا وإن مات العبد قبل استيفاء الآخر حقه فقد مات عبدا ويستوفي الذي لم يقبض من كسبه بقدر ما أخذه صاحبه والباقي بينهما قال أحمد في رواية ابن منصور في عبد بين رجلين كاتباه فأدى إلى أحدهما كتابته ثم مات وهو يسعى للآخر لمن ميراثه ؟ قال أحمد : كل ما كسب العبد في كتابته فهو بينهما ويرجع هذا على الآخر بنصيبه مما أخذ وميراثه بينهما قال ابن منصور : قال إسحاق بن راهويه كما قال
فصل : وإن عجز مكاتبهما فلهما الفسخ والإمضاء فإن فسخا جميعا أو أمضيا الكتابة جاز ما اتفقا عليه وإن فسخ أحدهما وأمضى الآخر جاز وعاد نصفه رقيقا قنا ونصفه مكاتبا قال القاضي تنفسخ الكتابة في جميعه وهو مذهب الشافعي لأن الكتابة لو بقيت في نصفه لعاد ملك الذي فسخ الكتابة إليه ناقصا
ولنا أنها كتابة في ملك أحدهما فلم تنفسخ بفسخ الآخر كما لو انفرد بكتابته ولأنهما عقدان مفردان فلم ينفسخ أحدهما بفسخ الآخر كالبيع وما حصل من النقص لا يمنع لأنه إنما حصل ضمنا لتصرف الشريك في نصيبه فلم يمنع كإعتاق الشريك ولأن من أصلنا أنه تصح مكاتبة أحدهما نصيبه فإذا لم يمنع العقد في ابتدائه فلأن يبطل في دوامه أولى ولأن ضرره حصل بعقده وفسخه فلا يزول بفسخ غيره ولأن في الفسخ الكتابة ضررا بالمكاتب وسيده وليس دفع الضرر عن الشريك الذي فسخ بأولى من دفع الضرر عن الذي لم يفسخ بل دفع الضرر عن الذي لم يفسخ أو لوجوه ثلاثة أحدها : أن ضرر الذي فسخ حصل ضمنا لبقاء عقد شريكه في ملك نفسه وضرر شريكه يزول عقده وفسخ تصرفه في ملكه والثاني : أن الضرر الذي فسخ لم يعتبره الشرع في موضع ولا أصل لما ذكروه من الحكم ولا يعرف له نظير فيكون بمنزلة المصلحة المرسلة التي وقع الإجماع على اطراحها وضرر شريكه بفسخ عقده معتبر في سائر عقوده من بيعه وهبته ورهنه وغير ذلك فيكون أولى الثالث : أن ضرر الفسخ يتعدى إلى المكاتب فيكون ضررا باثنين وضرر الفاسخ لا يتعداه ثم لو قدر تساوي الضررين لوجب ابقاء الحكم على ما كان عليه ولا يجوز احداث الفسخ من غير دليل راجح عن الذي حصل ضمنا لبقاء عقد شريكه في ملك نفسه وضرر شريكه يزول عقده وفسخ تصرفه في ملكه (12/409)
في زكاة مال المكاتب إذا عتق
مسألة قال : وإذا عتق المكاتب استقبل بما في يده من المال حولا ثم زكاه إن كان نصابا
وجملته أن المكاتب لا زكاة عليه بلا خوف نعلمه فإذا عتق صار من أهل الزكاة حينئذ فيبتدئ حول الزكاة من يوم عتق فإذا تم الحول وجبت الزكاة إن كان ناصبا وإن لم يكن ناصبا فلا شيء فيه ويصير هذا كالكافر إذا أسلم وفي يده مال زكوي يبلغ نصابا فإنه يستقبل به حولا من حين أسلم لأنه صار حينئذ من أهل الزكاة وكذلك العبد إذا عتق وفي يده مال أبقاه له سيده (12/315)
إذا لم يؤد المكاتب نجما حتى حل نجم آخر عجزه السيد وعاد عبدا وعلى السيد أن يطالبه بأدائه حين حلوله
مسألة : قال : وإذا لم يؤد نجما حتى حل نجم آخر عجزه السيد إن أحب وعاد عبدا غير مكاتب
وجملته أن الكتابة عقد لازم لا يملك السيد فسخها قبل عجز المكاتب بغير خلاف نعلمه وليس له مطالبة المكاتب قبل حلول النجم لأنه إنما ثبت في العقد مؤجلا وإذا حل النجم فللسيد مطالبته بما حل من نجومه لأنه دين له حل فأشبه دينه على الأجنبي وله الصبر عليه وتأخيره به سواء كان قادرا على الأداء أو عاجزا عنه لأنه حق له سمح بتأخيره أشبه دينه على الأجنبي فإن اختار الصبر عليه لم يملك العبد الفسخ بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المكاتب إذا حل نجم أو نجمان أو نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه بحاله أن الكتابة لا تنفسخ ما داما ثابتين على العقد الأول فإن أجله به ثم بدا له الرجوع فله ذلك لأن الدين الحال لا يتأجل بالتأجيل كالقرض وإن حل عليه نجمان فعجز عنهما فاختار السيد فسخ كتابته ورده إلى الرق فله ذلك بغير حضور حاكم ولا سلطان ولا تلزمه الاستنابة فعل ذلك ابن عمر وهو قول شريح و النخعي و أبي حنيفة و الشافعي وقال ابن أبي ليلى : لا يكون عجزه إلا عند قاض وحكي نحو هذا عن مالك وقال الحسن : إذا عجز استؤني بعد العجز سنتين وقال الأوزواعي : شهرين ونحو ذلك
ولنا ما روى سعيد بإسناده عن ابن عمر أنه كاتب غلاما له على ألف دينار فأدى إليه تسعمائة دينار وعجزه عن مائة دينار فرده إلى الرق وبإسناده عن عطية العوفي عن ابن عمر أأنه كاتب عبده على عشرين ألفا فأدى عشرة آلاف ثم أتاه فقال إني قد طفت العراق والحجاز فردني في الرق فرده
وروي عن أنه كاتب عبدا له على ثلاثين ألفا فقال له أنا عاجز فقال له امح كتابتك فقال امح أنت وروى سعيد بإسناده عن عمروا بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب فقال [ أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشرة أواق فهو رقيق ] ولأنه عقد عجز عن عوضه فملك مستحقه فسخه كالسلم إذا تعذر المسلم فيه ولأنه فسخ عقد مجمع عليه فلم يفتقر إلى الحاكم كفسخ المعتقة تحت العبد فإن قيل فلم كانت الكتابة لازمة من جهة السيد غير لازمة من جهة العبد ؟ قلنا هي لازمة من جهة الطرفين ولا يملك العبد فسخها بحال وإنما له أن يعجز نفسه ويمتنع من الكسب وإنما كان له ذلك لوجهين : أحدهما : أن الكتابة تتضمن إعتاقا بصفة ومن علق عتق عبده بصفة لم يملك إبطالها ويلزم وقوع العتق بالصفة ولا يلزم العبد الإتيان بالصفة ولا يجبر عليها الثاني أن الكتابة لحظ العبد دون سيده وكان العقد لازما لم ألزم نفسه حظ غيره وصاحب الحظ بالخيار فيه كمن ضمن لغيره شيئا أو كفل له أو رهن عنده رهنا
فصل : فأما إن حل نجم واحد فعجز عن أدائه فظاهر الكلام الخرقي أنه ليس للسيد للفسخ حتى يحل نجمان قبل أدائهما وهي إحدى الروايتين عن أحمد قال القاضي : هو ظاهر كلام أصحابنا وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول الحكم و ابن أبي ليلى و أبي يوسف و الحسن بن صالح
وقال ابن أبي موسى : وروي عن أحمد أنه لا يعود رقيقا حتى يقول قد عجزت وقيل عنه : إذا أدى أكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق واتبع بما بقي
والرواية الثانية : أنه إذا عجز عن نجم واحد فلسيده فسخ الكتابة وهو قول الحارث العكلي و أبى حنيفة و الشافعي لأن السيد دخل على أن يسلم له مال الكتابة على الوجه الذي كاتبه عليه ويدفع إليه المال في نجومه فإذا لم يسلم له لم يلزمه عتقه ولما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا ولأنه عجز عن أداء النجم في وقته فجاز فسخ كتابته كالنجم الأخير
ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : لا يرد المكاتب في الرق حتى يتوالى عليه نجمان ولأن ما بين النجمين محل لأداء الأول فلا يتحقق العجز عنه حتى يفوت محله بحلول الثاني
فصل : وإذا حل النجم وماله حاضر عنده طولب بأدائه ولم يجز الفسخ قبل الطلب كما لا يجوز فسخ البيع والسلم بمجرد وجوب الدفع قبل الطلب فإن طلب منه فذكر أنه غائب عن المجلس في ناحية من نواحي البلد أو قريب منه على مسافة لا تقتصر فيها الصلاة يمكن إحضاره قريبا لم يجز فسخ الكتابة وأمهل بقدر ما يأتي به إذا طلب الإمهال لأن هذا يسير لا ضرر فيه وإن كان معه مال من غير جنس مال الكتابة فطلب الإمهال ليبيعه بجنس مال الكتابة أمهل وإن كان المال غائبا أكثر من مسافة القصر لم يلزم الإمهال وهذا قول الشافعي
وقال أبو حنيفة : إن كان له مال حاضر أو غائب يرجو قدومه استؤني يومين وثلاثة لا أزيده على ذلك لأن الثلاثة آخر حد القلة والقرب لما بينا فيما مضى وما زاد عليها في حد الكثرة وهذا كله قريب بعضه من بعض فأما إذا كان قادرا على الأداء واجدا لما يؤديه فامتنع من أدائه وقال قد عجزت فقال الشريف أبو جعفر وجماعة من أصحابنا المتأخرين : يملك السيد فسخ الكتابة وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله : إذا حل نجم فلفم يؤده حتى حل نجم آخر عجزه السيد إن أحب فعلق جواز الفسخ على عدم الأداء وهذا مذهب الشافعي
وقال أبو بكر بن جعفر : ليس له ذلك ويجبر على تسليم العوض وهو قول أبي حنيفة و مالك و الأوزاعي وقد ذكرنا هذا فيما تقدم فأما إن كان قادرا على أداء المال كله ففيه رواية أخرى أنه يصير حرا بملك ما يؤدي وقد سبق ذكرها (12/415)
حكم ما لو حل النجم والمكاتب غائب
فصل : وإذا حل النجم والمكاتب غائب بغير إذن سيده فله الفسخ وإن كان سافر بإذنه لم يكن له أن يفسخ لأنه أذن في السفر المانع من الأداء ولكن يرفع أمره إلى الحاكم ويثبت عنده حلول مال الكتابة ليكتب الحاكم إلى المكاتب فيعلم بما ثبت عنده فإن كان عاجزا عن أداء المال كتب بذلك إلى الحاكم الكاتب ليجعل للسيد فسخ الكتابة وإن كان قادرا على الأداء طلبه بالخروج إلى البلد الذي فيه السيد ليؤدي مال الكتابة أو يوكل من يفعل ذلك فإن فعله في أول حال الإمكان عند خروج القافلة إن كان لا يمكنه الخروج إلا معهما لم يجز الفسخ وإن أخره عن حال الإمكان ومضى زمن المسير ثبت للسيد خيار الفسخ فإن وكل السيد في بلد المكاتب من يقبض منه مال الكتابة لزمه الدفع إليه فإن امتنع من الدفع ثبت للسيد خيار الفسخ وإن كان قد جعل للوكيل الفسخ عن امتناع المكاتب من الدفع إليه جاوز وله الفسخ إذا ثبتت وكالته ببينة بحيث يأمن المكاتب إنكار السيد وكالته وإن لم يثبت ذلك لم يلزم المكاتب الدفع إليه وكان له عذر يمنع جواز الفسخ لأنه لا يأمن أن يسلم إليه فينكر السيد وكالته ويرجع على المكاتب بالمال وسواء صدقه في أنه وكيل أو كذبه وإن كتب حاكم البلد الذي فيه السيد إلى حاكم البلد الذي فيه المكاتب ليقبض منه المال لم يلزمه ذلك لأن هذا توكيل لا يلزم الحاكم الدخول فيه فإن الحاكم لا يكلف القبض للبالغ الرشيد فإن اختار القبض جرى مجرى الوكيل ومتى قبض منه المال عتق (12/419)
حكم إذا دفع العوض في الكتابة فبان مستحقا
فصل : قال : وإذا دفع العوض في الكتابة فبان مستحقا تبين أنه لم يعتق وكان هذا الدفع كعدمه لأنه لم يؤد الواجب عليه وقيل له إن أديت الآن وإلا فسخت كتابك وإن كان قد مات بعد الأداء فقد مات عبدا فإن بان معيبا مثل أن كاتبه على عروض موصوفة فقبضها فأصاب بها عيبا بعد قبضها نظرت فإن كان قد رضي بذلك وأمسكها استقر العتق فإن قيل كيف يستقر العتق ولم يعطه جميع ما وقع عليه العقد ؟ فإن ما يقابل العيب لم يقبضه فأشبه ما لو كاتبه على عشرة فأعطاه تسعة قلنا إمساكه المعيب راضيا به رضا منه بإسقاط حقه فجرى مجرى إبرائه من بقية كتابته وإن اختار إمساكه وأخذ أرش العيب أو رده فله ذلك قال أبو بكر : قياس قول أحمد رحمه الله أنه لا يبطل العتق وليس له الرد وله الأرش لأن العتق إتلاف واستهلاك فإذا حكم بوقوعه لم يبطل كعقد الخلع ولأنه ليس المقصود منه المال فأشبه الخلع
وقال القاضي : يتوجه أن له الرد ويحكم بارتفاع العتق الواقع لأن العتق إنما استقر باستقرار الأداء وقد ارتفع الأداء فارتفع العتق وهذا مذهب الشافعي لأن الكتابة عقد معاوضة يلحقه الفسخ بالتراضي فوجب أن يفسخ بوجود العيب كالبيع وإن اختار إمساكه وأخذ الأرش فله ذلك وتبين أن العتق لم يقع ولأننا تبينا أن ذمته لم تبرأ من مال الكتابة ولا يعتق قبل ذلك وظن وقوع العتق لا يوقعه إذا بان الأمر بخلافه كما لو بان العوض مستحقا وإن تلفت العين عند السيد أو حدث بها عنده عيب استقر أرش العيب والحكم في ارتفاع العتق على ما ذكرناه فيما مضى ولو قال السيد لعبده : إن أعطيتني عبدا فأنت حر فأعطاه عبدا فبان حرا أو مستحقا لم يعتق بذلك لأنة معناه : إن أعطيته ملكا ولم يعطه إياه ملكه ولم يملكه إياه (12/420)
حكم ما إذا دفع مال الكتابة ظاهرا
فصل : وإذا دفع إليه مال الكتابة ظاهرا فقال له السيد : أنت حر ثم بان العوض مستحقا لم يعتق بذلك لأن ظاهره الإخبار عما حصل له بالأداء ولو ادعى المكاتب أن سيده قصد بذلك عتقه وأنكر السيد فالقول قول السيد مع يمينه لأن الظاهر معه وهو أخير بما نوى (12/421)
ما قبض من نجوم كتابته استقبل بزكاته حولا
مسألة : قال : وما قبض من نجوم كتابته استقبل بزكاته حولا
وجملته أن ما يأخذه من نجوم كتابته كمال استفاده بكسب غيره فيملكه بأخذه يستقبل به حولا لأنه لا يملك ما في يد مكاتبه ولهذا جرى الربا بينهما ولا زكاة عليه في الدين الذي على المكاتب لأن ملكه عليه غير تام فوجب أن يستقبل به بما يأخذه منه حولا كما لو أخذه من أجنبي (12/421)
حكم ما لو جنى المكاتب جناية أو جنايات أو جني عليه
مسألة : قال وإذا جنى المكاتب بدئ بجنايته قبل كتابته فإن عجز كان سيده مخيرا بين أن يفديه بقيمته إن كانت أقل من جنايته أو يسلمه
وجملة ذلك ان المكاتب إذا جنى جناية موجبة للمال تعلق أرشها برقبته ويؤدي من المال الذي في يده وبهذا قال الحسن و الحكم و حماد و ألأوزاعي و مالك و الحسن بن صالح و الشافعي و أبو ثور وقال عطاء و النخعي و عمرو بن دينار : جنايته على سيده قال عطاء : و يرجع سيده بها عليه وقال الزهري : إذا قتل رجلا خطأ كانت كتابته وولاؤه لولي المقتول إلا أن يفديه سيده
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ لا يجني جان إلا على نفسه ] ولأنها جناية عبد فلم تجب في ذمة سيده كالقن إذا ثبت هذا فإنه يبدأ بأداء الجناية قبل الكتابة سواء حل عليه نجم أو لم يحل وهذا المنصوص عليه عن أحمد والمعمول به في المذهب وذكر أبو بكر قولا آخر أن السيد يشارك ولي الجناية فيضرب بقدر ما حل من نجوم كتابته لأنهما دينان فيتحاصان كسائر الديون
ولنا أن أرش الجناية من العبد يقدم على سائر الحقوق المتعلقة به ولذلك قدمت على حق المالك وحق المرتهن وغيرهما فوجب أن يقدم هاهنا يحققه أن أرش جنايته مقدم على ملك السيد في عبده فيجب تقديمه على عوضه وهو مال الكتابة بطريق الأولى لأن الملك فيه قبل الكتابة كان مستقرا ودين الكتابة غير مستقر فإذا قدم على المستقر فعلى غيره أولى لأن أرش الجناية مستقر فيجب تقديمه على الكتابة التي ليست مستقرة
إذا ثبت هذا فإنه يفدي نفسه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته لأنه إن كان أرش الجناية أقل فلا يلزمه أكثر من موجب جنايته وهو أرشها وإن كان أكثر لم يكن عليه أكثر من قيمته لأنه لا يلزمه أكثر من بدل المحل الذي تعلق به الأرش فأن بدأ بدفع المال إلى ولي الجناية فوفى بما يلزمه من أرش الجناية وإلا باع الحاكم منه ما بقي من أرش الجناية وباقيه باق على كتابته وإن اختار الفسخ فله ذلك ويعود عبدا غير مكاتب مشتركا بين السيد مبين المشتري فإن أبقاه على الكتابة فأدى عتق بالكتابة وسرى العتق إلى باقيه إن كان المكاتب موسرا ويقوم عليه وإن كان معسرا عتق منه ما عتق وباقيه رقيق وإن لم يكن في يده مال ولم يف بالجناية إلا قيمته كلها بيع كله فيها وبطلت كتابته فإن بدأ بدفع المال إلى سيده نظرنا فإن كان ولي الجناية سأل الحاكم فحجر على المكاتب وكان النظر فيه إلى الحاكم فلا يصح دفعه إلى سيده ويرتجعه الحاكم ويدفعه إلى ولي الجناية فإن وفى وإلا كان الحكم فيه على ما ذكرنا من قبل وإن لم يكن الحاكم حجر عليه صح دفعه إلى سيده لأنه يقضي حقا عليه فجاز كما لو قضى بعض غرمائه قبل الحجر عليه ثم إن كان ما دفعه إليه جميع مال الكتابة عتق ويكون الأرش في ذمته فيضمن ما كان عليه قبل العتق وهو أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته لأنه لا يلزمه أكثر مما كان واجبا بالجناية وإن أعتقه السيد فعليه فداؤه بذلك لأنه أتلف محل الاستحقاق فكان عليه فداؤه كما لو قتله وإن عجز ففسخ السيد كتابته فداه أيضا بما ذكرناه وقال أبو بكر فيما إذا فداه سيده قولان يعني روايتين إحداهما : يفديه بأقل الأمرين والثانية : يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت
فصل : وإذا جنى المكاتب جنايات تعلقت برقبته واستوى الأول والآخر في الاستيفاء ولم يقدم الأول على الثاني لأنها تعلقت بمحل واحد وكذا إن كان بعضها في حال كتابته وبعضها بعد تعجيزه فهي سواء ويتعلق جميعها بالرقبة فإن كان فيها ما يوجب القصاص فلولي الجناية استيفاءه وتبطل حقوق الآخرين وإن عفا إلى مال صار حكمه حكم الجناية الموجبة للمال فإن أبرأه بعضهم استوفى الباقون لأن حق كل واحد يتعلق برقبته يستوفيه إذا انفرد تزاحموا فإذا أبرأه بعضهم سقط حقه وتزاحم الباقون كما لو انفردوا كما في الوصايا وإن أدى وعتق فالضمان عليه وإن أعتقه سيده فالضمان عليه وأيهما ضمن فالواجب عليه أقل الأمرين كما ذكرنا في الجناية الواحدة ولأنه لو عجزه الغرماء وعاد قنا بيع وتحاصوا في ثمنه كذلك هاهنا فأما إن عجزه سيده فعاد قنا خير بين فداء وتسليمه فإن اختار فداءه ففيه روايتان
إحداهما : يفديه بأقل الأمرين كما لو أعتقه أو قتله والثانية : يلزمه أرش الجنايات كلها بالغة ما بلغت لأنه لو سلمه احتمل أن يرغب فيه راغب بأكثر من قيمته فقد فوت تلك الزيادة باختيار إمساكه فكان عليه جميع الأرش ويفارق ما إذا أعتقه أو قتله لأن المحل فيهما تلفت ماليته فلم يمكن تسليمه ولم يجب أكثر من قيمته والمحل باق وهاهنا يمكن تسليمه وبيعه وإن أراد المكاتب فداء نفسه قبل تعجيزه أو عتقه ففيه روايتان : أحدهما : يفدي نفسه بأقل الأمرين والثاني : بأرش الجنايات بالغة ما بلغت لأن محل الأرش قائم غير تالف ويمكن تعجيز نفسه في كل جناية يباع فيها فأشبه ما لو عجزه سيده
فصل : وإن جنى المكاتب على سيده فيما دون النفس فالسيد خصمه فيها فإن كانت موجبة للقصاص وجب كما تجب على عبده القن لأن القصاص يجب للزجر فيحتاج إليه العبد في حق سيده وإن عفا على مال أو كانت موجبة للمال ابتداء وجب له لأن المكاتب مع سيده كالأجنبي يصح أن يبايعه ويثبت له في ذمته المال والحقوق كذلك الجناية ويفدي نفسه بأقل الأمرين في إحدى الروايتين والأخرى يفديها بأرش الجناية بالغة ما بلغت فإن وفي ما في يده بما عليه فلسيده مطالبته به وأخذه وإن لم يف به فلسيده تعجيزه فإذا عجزه وفسخ الكتابة سقط عنه مال الكتابة وأرش الجناية لأنه عاد عبد قنا ولا يثبت للسيد على عبده القن مال وإن أعتقه سيده ولا مال في يده سقط الأرش لأنه كان تعلقا برقبته وقد أتلفها فسقط وإن كان في يده مال لم يسقط لأن الحق كان متعلقا بالذمة وما في يده من المال فإذا تلفت الرقبة بقي الحق متعلقا بالمال فاستوفى منه كما لو عتق بالأداء وهل يجب أقل الأمرين أو أرش الجناية كله ؟ على وجهين ويستحق السيد مطالبته بأرش الجناية قبل أداء مال الكتابة لما ذكرنا من قبل في حق الأجنبي وإن اختار تأخير الأرش والبداية بقبض مال الكتابة جاز و يعتق إذا قبض مال الكتابة
كله وقال أبو بكر : لا يعتق بالأداء قبل أرش الجناية لوجوب تقديمه على مال الكتابة
ولنا أن الحقين جميعا للسيد فإذا تراضيا على تقديم أحدهما على الآخر جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما ولأنه لو بدأ بأداء الكتابة قبل أرش الجناية في حق الأجنبي عتق ففي حق السيد أولى ولأن أرش الجناية لا يلزم أداؤه قبل اندمال الجرح فيمكن تقدم وجوب الأداء عليه فإذا ثبت هذا فإنه إذا ادعى عتق ويلزمه أرش الجناية سواء كان في يده مال أو لم يكن لأنه عتق بسبب من جهته فلم يسقط عليه بخلاف ما إذا أعتقه سيده فإنه اتلف محل حقه وهاهنا بخلافه وهل يلزمه اقل الأمرين أو جميع الأرش ؟ على وجهين
وإن كانت جنايته على نفس سيده فلورثته القصاص في العمد أو العفو على مال وفي الخطأ المال وفيما يفدي به نفسه روايتان وحكم الورثة مع المكاتب حكم سيده معه لأن الكتابة انتقلت إليهم العبد لو عاد قنا لكان لهم وإن جنى على موروث سيده فورثه سيده فالحكم فيه كما لو كانت الجناية على سيده فيما دون النفس على ما مضى
فصل : وإن اجتمع على المكاتب أرش جناية وثمن مبيع أو عوض قرض أو غيرهما من الديون مع مال الكتابة وفى يده مال يفي بها فله أن يؤديها ويبدأ بما شاء منها كالحر وأن لم يف بها ما في يده وكلها حالة ولم يحجر الحاكم عليه فخص بعضهم بالقضاء صح كالحر وإن كان فيها مؤجل فعجله بغير إذن سيده لم يجز لأن تعجيله تبرع فلم يجز بغير إذن سيده كالهبة وإن كان يأذن سيده جاز كالهبة وإن كان التعجيل للسيد فقبوله بمنزله إذنه وإن كان الحاكم قد حجر عليه بسؤال غرمائه فالنظر إلى الحاكم وإنما يحجر عليه بسؤالهم فإن حجر عليه بغير سؤالهم لم يصح لأن الحق لهم ولا يستوفي بغير إذنهم وإن سأله سيده الحجر عليه لم يجبه إلى ذلك لأن حقه غير مستقر فلا يحجر عليه من أجله فإذا حجر عليه بسؤال الغرماء فقال القاضي : عندي أنه يبدأ بقضاء ثمن المبيع وعوض القرض يسوي بينهما ويقدمهما على أرش الجناية ومال الكتابة لأن أرش الجناية محل الرقبة فإذا لم يحصل مما في يده استوفى من رقبته وهذا مذهب الشافعي واتفق أصحابنا و الشافعي على تقديم أرش الجناية على مال الكتابة على ما مضى بيانه
فصل : وإذا جنى بعض عبيد المكاتب جناية توجب القصاص فللمجني عليه الخيار بين القصاص والمال فإن اختار المال أو كانت الجناية خطأ أو شبه عمد أو إتلاف مال تعلق أرشها برقبته وللمكاتب فداؤه بأقل من الأمرين من قيمته أو أرش جنايته لأنه بمنزله شرائه وليس له فداؤه بأكثر من قيمته كما لا يجوز له أن يشتريه بذلك إلا أن يأذن فيه سيده فإن كان الأرش أقل من قيمته لم يكن له تسليمه لأنه تبرع بالزيادة وإن زاد الأرش على قيمته فهل يلزمه تسليمه أو يفديه بأقل الأمرين ؟ على روايتين
فصل : فإن ملك المكاتب ابنه أو بعض ذوي المحرم أو ولد له ولد من أمته فجنى جناية تعلق أرشها برقبته وللمكاتب فداؤه بغير إذن سيده كما يفدي غيره من عبيده
وقال القاضي في المجرد ليس له فداؤه بغير إذنه وهو مذهب الشافعي لأنه إتلاف لماله فإن ذوي رحمه ليسوا بمال له ولا يتصرف فيهم فلم يجز له إخراج ماله في مقابلتهم ولأن شراءهم كالتبرع ويفارق العبد الأجنبي فإنه ينتفع به وله صرفه في كتابته فكان له فداؤه وشراؤه كسائر الأموال لكن إن كان لهذا الجاني كسب فدي منه وإن لم يكن له كسب بيع في الجناية إن استغرقت قيمته وإن لم تستغرقها بيع بعضه فيها وما بقي للمكاتب
ولنا أنه عبد له جني فملك فداؤه كسائر عبيده ولا نسلم أنه لا يملك شراءه وقولهم لا يتصرف فيه قلنا إلا إن كسبه له وإن عجزه المكاتب صار رقيقا معه لسيده وإن أدى المكاتب لم يتضرر السيد بعتقهم وانتفع به المكاتب وإذا دار أمره بين نفع وانتفاء ضر وجب أن لا يمنع منه وفارق التبرع فإنه يفوت المال على السيد فإن قيل بل فيه مضرة وهو منعه من أداء الكتابة فإنه إذا صرف المال فيه ولم يقدر على صرفه في الكتابة عجز عنها قلنا هذا الضرر لا يمنع المكاتب منه بدليل ما لو ترك الكسب مع إمكانه أو امتنع من الأداء مع قدرته عليه فإنه لا يمنع منه ولا يجبر على كسب ولا أداء فكذلك لا يمنع مما هو في معناه ولا مما يفضي إليه ولأن غاية الضرر في هذا المنع من إتمام الكتابة وليس إتمامها واجبا عليه فأشبه ترك الكسب بل هذا أولى الوجهين :
أحدهما : أن هذا فيه نفع للسيد لمصيرهم عبيدا له والثاني : أن فيه نفعا للمكاتب بإعتاق ولده وذوي رحمه ونفعهم بالإعتاق على تقدير الأداء فإذا لم يمنع مما يساويه في المضرة من غير نفع فيه فلأن لا يمنع مما فيه نفع لازم لإحدى الجهتين أولى وولد المكاتبة يدخل في كتابتها والحكم في جنايته كالحكم في ولد المكاتب سواء
فصل : وإن جنى بعض عبيد المكاتب على بعض جناية موجبها المال لم يثبت لها حكم لأنه لا يجب للسيد على عبده مال وإن كان موجبها قصاصا فقال أبو بكر : ليس له القصاص لأنه إتلاف لماله باختياره وهذا الذي ذكره أبو الخطاب في رؤوس المسائل وقال القاضي : له القصاص لأنه من مصلحة ملكه فإنه لو لم يستوفهه أفضى إلى إقدام بعضهم على بعض وليس له العفو على مال لما ذكرنا ولا يجوز بيعه في أرش الجناية لأن الأرش لا يثبت له في رقبة عبده فإن كان الجاني من عبيد ابنه لم يجز بيعه لذلك وقال أصحاب الشافعي : يجوز بيعه في أحد الوجهين لأنه يملك بيعه قبل جنايته فيستفيد بالجناية ملك بيعه
ولنا أنه عبده فلم يجب له عليه أرش كالأجنبي وما ذكروه ينتقض بالرهن إذا جنى على راهنه
فصل : وإن جنى عبد المكاتب عليه جناية موجبها المال كانت هدرا لما ذكرنا وإن كان موجبها القصاص فله أن يقتص إن كان فيما دون النفس لأن العبد يقتص منه لسيده وإن عفا على مال سقط القصاص ولم يجب المال فإن كان الجاني أباه لم يقتص منه لأن الوالد لا يقتل بولده وأن جنى المكاتب عليه لم يقتص منه لأن السيد لا يقتص منه لعبده وقال القاضي فيه وجه آخر أنه يقتص منه لأن حكم الأب معه حكم الأحرار بدليل أنه لا يملك بيعه والتصرف فيه وجعلت حريته موقوفة على حريته قال : ولا نعلم موضعا يقتص فيه النملوك من مالكه سوى هذا الموضع
فصل : وإذا جني على المكاتب فيما دون النفس فأرش الجناية له دون سيده لثلاثة معان : أحدها أن كسبه له وذلك عوض عما يتعطل بقطع يده من كسبه والثاني : أن المكاتبة تستحق المهر في النكاح لتعلقه بعضو من أعضائها كذلك بدل العضو والثالث : أن السيد يأخذ مال الكتابة بدلا عن نفس المكاتبة فلا يجوز أن يستحق عنه عوضا آخر ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يكون الجاني سيده فلا قصاص عليه لمعنيين أحدهما : أنه حر والمكاتب عبد والثاني : أنه مالكه ولا يقتص من المالك لمملوكه ولكن يجب الأرش ولا يجب إلا باندماج الجرح على ما ذكرنا في الجنايات ولأنه قبل الاندمال لا تؤمن سرايته إلى نفسه فيسقط أرشه فإذا ثبت هذا فإنه إن سرى الجرح إلى نفسه انفسخت الكتابة وكان الحكم فيه كما لو قتله وإن اندمل الجرح وجب أرشه له على سيده فإن كان من جنس مال الكتابة وقد حل عليه نجم تقاصا وإن كان غير جنس مال الكتابة أو كان النجم لم يحل لم يتقاصا ويطالب كل واحد منهما بما يستحقه وإن اتفقا على أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر وكانا من جنسين لم يجز لأنه بيع دين بدين فإن قبض أحدهما حقه ثم دفعه إلى الآخر عوضا عن حقه جاز وإن رضي المكاتب بتعجيل الواجب له عما لم يحل من نجومه جاز إذا كان من جنس مال الكتابة
الحال الثانية : إذا كان الجاني أجنبيا حرا فلا قصاص أيضا لأن الحر لا يقتل بالعبد ولكن ينظر إن سرى الجرح إلى نفسه انفسخت الكتابة وعلى الجاني قيمته لسيده وإن اندمل الجرح فعليه إرشه له فإن أدى الكتابة وعتق ثم سرى الجرح إلى نفسه وجبت ديته لأن اعتبار الضمان بحاله الاستقرار ويكون ذلك لورثته فإن كان الجاني السيد أو غيره من الورثة لم يرث منه شيئا لأن القاتل لا يرث ويكون لبيت المال إن لم يكن له وارث ومن اعتبر الجناية بحالة ابتدائها أوجب على الجاني قيمته ويكون لوراثته أيضا
الحال الثالث : إذا كان الجاني عبدا أو مكاتبا فإن كان موجب الجناية القصاص وكانت على النفس انفسخت الكتابة وسيده مخير بين القصاص والعفو على مال يتعلق برقبة الجاني وإن كانت فيما دون النفس مثل أن يقطع يده أو رجله فللمكاتب استيفاء القصاص وليس لسيده منعه كما أن المريض يقبض ولا يعترض عليه ورثته والمفلس يقبض ولا يعترض عليه غرماؤه وإن عفا على مال ثبت له وإن عفا مطلقا أو إلى غير مال انبنى ذلك على الروايتين في موجب العمد إن قلنا موجبة القصاص عينا صح ولم يثبت له مال وليس للسيد مطالبته باشتراط مال لأن ذلك تكسب ولا يملك السيد إجباره على الكسب وإن قلنا الواجب أحد أمرين ثبتت له دية الجرح لأنه لما سقط القصاص تعين المال ولا يصح عفوه عن المال لأنه لا يملك التبرع به بغير إذن سيده وإن صالح على بعض الأرش فحكمه حكم العفو إلى غير المال
فصل : وإذا مات المكاتب وعليه ديون وأروش جنايات ولم يكن ملك ما يؤدي في كتابته انفسخت كتابته وسقط أرش الجنايات لأنها متعلقة برقبته وقد تلفت ويستوفي دينه مما كان في يده فإن لم يف بها سقط الباقي
قال أحمد : ليس على سيده قضاء دينه هذا كان يسعى لنفسه وإن كان قد ملك ما يؤدي في كتابته انبنى ذلك على روايتين في يعتق المكاتب بملك ما يؤديه وقد ذكرنا فيه روايتين الظاهر منهما أنه لا يعتق بذلك فتنفسخ الكتابة أيضا ويبدأ بقضاء الدين على ما ذكرنا في الحال الأول وهذا قول زيد بن ثابت وسعيد بن المسيب و الحسن و شريح و عطاء و عمرو بن دينار و أبى الزناد و يحيى الأنصاري وربيعة و الأوزاعي و وأبي حنيفة و الشافعي والرواية الثانية : أنه إذا ملك ما يؤدي فقد صار حرا فعلى هذا يضرب السيد مع الغرماء بما حل من نجومه
وروي نحو هذا عن شريح و النخعي و الشعبي و الحكم و حماد و ابن أبي ليلى و الثوري و الحسن بن صالح لأنه دين له حال فيضرب به كسائر الديون ويجيء على قول من قال إن الدين يحل بالموت أن يضرب بجميع مال الكتابة لأنه قد صار حالا والمذهب الأول الذي نقله الجماعة عن أحمد
وقد روى سعيد في سننه حدثنا هشيم أنا منصور وسعيد وعن قتادة قال : ذكرت لسعيد بن المسيب قول شريح في المكاتب إذا مات وعليه دين وبقية من مكاتبة فقلت : إن شريح قضى أن مولاه يضرب مع الغرماء ؟ فقال : سعيد أخطأ شريح قضى زيد بالدين قبل المكاتبة (12/422)
حكم ما لو كاتبه ثم دبره
مسألة : قال : وإذا كاتبه ثم دبره فإذا أدى صار حرا وإن مات السيد قبل الأداء عتق بالتدبير إن حمل الثلث ما بقي من كتابته وإلا عتق منه بمقدار الثلث وسقط من الكتابة بمقدار ما عتق وكان على الكتابة فيما بقي
وجملة ذلك إن تدبير المكاتب صحيح لا نعلم فيه خلافا لأنه تعليق عتق بصفة وهو يملك إعتاقه وإن كان وصية فهو وصية بإعتاقه وهو يملكه فعند هذا إن أدى عتق بالأداء لأنه سبب للعتق ويبطل التدبير للغني عنه وما في يده له وإن عجز وفسخت الكتابة بطلت كتابته وصار مدبرا غير مكاتب فإذا مات السيد عتق إن خرج من الثلث وما في يده لسيده وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث وإن مات السيد قبل أدائه وعجزه عتق بالتدبير إن حمله الثلث وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما عتق لأن مال الكتابة عوض عنه فإذا عتق نصفه وجب أن يسقط نصف الكتابة لأنه لم تبق الكتابة إلا في نصفه فلم يبق عليه من مالها إلا بقدر ذلك وهو الكتابة فيما بقي وما في يده له وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه
وقال أصحابنا : إذا عتق بالتدبير بطلت الكتابة ما في يده لسيده كما لو بطلت الكتابة بعجزه لأنه عبد عتق بالتدبير فكان ما في يده لسيده كغير المكاتب والصحيح الأول إن شاء الله تعالى لأنه مكاتب بريء من مال الكتابة فعتق بذلك وكان ما في يده كما لو لأبرأه سيده يحققه أن ملكه كان ثابتا على ما في يده ولم يحدث ما يزيله وإنما الحادث مزيل لملك سيده عنه فيبقى ملكه كما لو عتق بالأداء (12/433)
حكم ما لو قال لمكاتبه متى عجزت بعد موتي فأنت حر
فصل : إذا قال السيد لمكاتبه : متى عجزت بعد موتي فأنت حر فهذا تعليق للحرية على صفة تحدث بعد الموت وقد ذكرنا فيه اختلافا فيما مضى فإن قلنا لا يصح فلا كلام وإن قلنا يصح فمتى عجز بعد الموت صارا حرا بالصفة فإن ادعى العجز قبل حلول النجم لم يعتق لأنه لم يجب عليه شيء يعجز عنه وإن ادعى ذلك بعد حلول نجمه ومعه ما يؤديه لم يصح قوله لأنه ليس بعاجز وإن لم يكن معه مال ظاهر فصدقه الورثة عتق وإن كذبوه فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم المال وعجزه فإذا حلف عتق وإذا عتق بهذه الصفة كان ما في يده له إن لم تكن كتابته فسخت لأن العجز لا تنفسخ به الكتابة وإنما يثبت به استحقاق الفسخ والحرية تحصل بأول وجوده فتكون الحرية قد حصلت له في حال كتابته فيكون ما في يده له كما لو عتق بالإبراء من مال الكتابة ومقضى قول بعض أصحابنا أن تبطل كتابته ويكون بيده لورثة سيده : (12/434)
حكم ما لو كاتب عبدا في صحته ثم أعتقه في مرض موته
فصل : وإذا كاتب عبدا في صحته ثم أعتقه في مرض موته أو أبرأه من مال الكتابة فإن كان يخرج من ثلثه الأقل من قيمته أو مال كتابته عتق مثل أن يكون له سوى المكاتب مائتان وقيمةالمكاتب مائة ومال الكتابة مائة وخمسون فإنا نعتبر قيمته دون مال الكتابة وهي تخرج من الثلث ولو كان مال الكتابة مائة وقيمته مائة وخمسون اعتبرنا مال الكتابة ونفذ العتق ويعتبر الباقي من مال الكتابة دون ما أدى منها وإنما اعتبرنا الأقل لأن قيمته إن كانت أقل فهي قيمة ما أتلف بالإعتاق ومال الكتابة ما استقر عليه فإن للعبد إسقاطه بتعجيز نفسه أو يمتنع من أدائه فلا يجبر عليه فلم يحتسب له يه وإن كان عوض الكتابة أقل اعتبرناه لأنه يعتق بأدائه ولا يستحق السيد عليه سواه وقد ضيف ملكه فيه وصار عوضه وإن كان كل واحد منهما لا يخرج من الثلث مثل أن يكون ماله سوى المكاتب قيمته مائة فإننا نضم الأقل من قيمته أو مال كتابته فإن أداه عتق وإلا رق منه ثلثه
ويحتمل أنه إذا كان مال الكتابة مائة وخمسين فيبقى ثلثه بخمسين فأداها أن يقول قد زاد مال الميت لأنه حسب على الورثة بمئة وحصل لهم بثلثه خمسون فقد زاد مال الميت فينبغي أن يزيد ما عتق منه لأن هذا المال يحصل لهم بعقد السيد والإرث عنه ويجب أن يكون المعتبر من مال الكتابة ثلاثة أرباعه لأن ربعه يجب إيتاؤه للمكاتب فلا يحسب من مال الميت فعلى هذا إذا كان ثلاثة أرباع مال المكاتب مائة وخمسين وقيمة العبد مائة وللميت مائة أخرى عتق من العبد ثلثاه وحصل للورثة من كتابة العبد خمسون عن ثلث العبد المحسوب عليهم بثلث المائة فقد زاد لهم ثلث الخمسين فيعتق من العبد قدر ثلثها وهو تسع الخمسين وذلك نصف تسعه فصار العتق ثابتا في ثلثيه ونصف تسعه وحصل للورثة المائة وثمانية أتساع الخمسين وهو مثلا ما عتق منه فإن قيل لم أعتقتم بعضه وقد بقي عليه مال الكتابة وقد قلتم إن المكاتب لا يعتق منه شيء حتى يؤدي جميع مال الكتابة ؟ قلنا إنما أعتقنا بعضه ههنا بإعتاق سيده لا بالكتابة ولما كان العتق في مرض موته نفذ في ثلث ماله وبقي باقيه لحق الورثة والموضع الذي لا يعتق إلا بأداء جميع الكتابة إذا كان عتقه بها لأنه إذا بقي عليه شيء فما حصل للاستيفاء ويختص المعاوضة فلم تثبت الحرية في العوض (12/435)
حكم ما لو وصى السيد بإعتاق المكاتب
فصل : وإن وصى سيده بإعتاقه أو إبرائه من الكتاب وكان يخرج من ثلثه أقل الأمرين من قيمته أو مال كتابته فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أعتقه في مرضه أو أبرأه إلا أنه يحتاج ههنا إلى إيقاع العتق لأنه أوصى به وإن لم يخرج الأقل منهما من ثلثه أعتق منه بقدر الثلث ويسقط من الكتابة بقدر ما عتق ويبقى باقيه على باقي الكتابة فإن أداه عتق جميعه وإن عجز عتق منه بقدر الثلث ورق الباقي وقياس المذهب أن يتنجز عتق ثلثه في الحال كقولنا فيمن دبر عبدا له وله مال غائب أو دين في ذمة موسرا أو معسر أنه يعتق ثلثه في الحال وإن لم يحصل للورثة في الحال شيء ولأن حق الورثة متحقق الحصول فإنه إن أدى وإلا عاد الباقي قنا : وذكر القاضي فيه وجها آخر أنه لا يتنجز عتق شيء منه إذا لم يذكر للميت مال سواه لئلا يتنجز للوصية ما عتق منه ويتأخر حق الوارث وكذلك لو كان له مال غائب أو دين حاضر لم تنجز وصيته من الحاضر والأول أصح لما ذكرناه وأما الحاضر والغائب فإنه إن كان أوصى له بالحاضر أخذ ثلثه في الحال ووقف الباقي على قدوم الغائب فقد حصل للموصي له ثلثه الحاضر ولم يحصل للورثة شيء في الحال فهو كمسألتنا ولم يكمل له جميع وصيته لأن الغائب غير موثوق بحصوله فإنه ربما تلف بخلاف ما نحن فيه فأما الزيادة الحاصلة بزيادة مال الكتابة فإنها تقف على أداء مال الكتابة (12/437)
حكم ما لو ادعى المكاتب وفاء المكاتبة
مسألة : قال : وإذا ادعى المكاتب وفاء كتابته وأتى بشاهد حلف مع شاهده وصار حرا
وهذا قول الشافعي رضي الله عنه لأن النزاع بينهما في أداء المال والمال يقبل فيه الشاهد واليمين فإن قيل : القصد بهذه الشهادة العتق وهو ما لا يثبت بشاهد ويمين قلنا بل يثبت بشاهد ويمين في روايته وإن سلمنا أنه لا يثبت بذلك لكن الشهادة هاهنا إنما هي بأداء المال والعتق يحصل عند أدائه بالعقد الأول ولم يشهد الشاهد به ولا يبنهما فيه نزاعا ولا يمنع أن يثبت بشهادة الواحد ما يترتب عله أمر لا يثبت إلا بشاهدين كما أن الولادة ثبتت بشهادة المرأة الواحدة ويترتب عليها ثبوت النسب الذي لا يثبت بشهادة النساء ولا بشاهد واحد
فصل : فإن لم يكن للعبد شاهد وأنكر السيد فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر وإن قال العبد لي شاهد غائب أنظر ثلاثا فإن جاء به وإلا حلف السيد ثم متى جاء شاهده وأدى الشهادة ثبتت حريته وإن جاء بشاهد فجرح فقال لي شاهد غائب عدل أنظر ثلاثا لما ذكرنا
فصل وإن أقر السيد بقبض مال الكتابة عتق العبد إذا كان ممن يصح إقراره وإن أقر بذلك في مرض موته قبل لأنه إقرار لغير وارث وإقرار المريض لغير وارثه مقبول وإذا قال استوفيت كتابتي كلها عتق العبد وإن قال استوفيتها كلها إن شاء الله تعالى وإن شاء زيد عتق ولم يؤثر الاستثناء لأن هذا الاستثناء لا مدخل له في الإقرار
قال أحمد في رواية أبي طالب إذا قال له علي ألف إن شاء الله كان مقرا بها لأن هذا الاستثناء تعليق بشرط إنما هو المستقبل وأما الماضي فلا يمكن تعليقه لأنه قد وقع على صفة لا يتغير عنها بالشرط وإنما يدل الشرط فيه على الشك فيه فكأنه قال استوفيت كتابتي وأنا أشك فيه فيلغو الشك ويثبت الإقرار وإن قال : استوفيت آخر كتابتي وقال : إنما أردت أني استوفيت النجم الآخر دون ما قبله وادعى العبد إقراره باستيفاء الكل فالقول قول السيد لأنه أعرف بمراده
فصل : إذا أبرأه السيد من مال الكتابة برئ وعتق لأن ذمته خلت من مال الكتابة فأشبه ما لو أداه وإن أبرأه من بعضه برئ منه وكان على الكتابة فيما بقي لأن الإبراء كالأداء وإن كاتبه على دنانير فأبرأه من دراهم أو على دراهم فأبرأه من دنانير لم تصح البراءة لأنه أبرأه مما لا يجب له عليه إلا أن يريد بقدر ذلك مما لي عليك فإن اختلفا فقال المكاتب إنما أردت من قيمة ذلك وقال السيد بل ظننت أن لي عليك النقد الذي أبرأتك منه فلم تقع البراءة موضعها فالقول قول السيد مع يمينه لأنه اعترف بنيته وإن مات السيد واختلف المكاتب مع ورثته فالقول قولهم مع أيمانهم أنهم لا يعلمون موروثهم أراد ذلك وإن مات المكاتب واختلف ورثته وسيده فالقول قول السيد لما ذكرنا (12/437)
لا يكفر المكاتب بغير الصوم
مسألة : قال : ولا يكفر المكاتب بغير الصوم
وجملته أن المكاتب إذا لزمته كفارة ظهار أو جماع في نهار رمضان أو قتل أو كفارة يمين لم يكن له التكفير بالمال لأنه عبد ولأنه في حكم المعسر بدليل أنه لا تلزمه زكاة ولا نفقة قريب وله أخذ الزكاة لحاجته وكفارة العبد والمعسر الصيام وإن أذن له سيده قي التكفير بالمال جاز لأنه بمنزله التبرع ويجوز له التبرع بإذن سيده ولأن المنع لحقه وقد أذن فيه ولا يلزمه التكفير بالمال إذا أذن فيه السيد لأن عليه ضررا فيه لما يفضي إليه من تفويت حريته كما أن التبرع لا يلزمه بإذن سيده
وقال القاضي : المكاتب كالعبد القن في التكفير ومتى أذن له سيده في التكفير بالمال انبنى على ملك العبد إذا ملكه سيده فإن قلنا لا يملك لم يصح تكفيره بعتق ولا إطعام ولا كسوة سواء ملكه سيده أو لم يملكه وسواء أذن فيه أو لم يأذن لأنه يكفر بما ليس بمملوك له فلم يصح وإن قلنا يملك بالتمليك صح تكفيره بالطعام إذا أذن فيه وإن أذن له في التكفير بالعتق فهل يصح ؟ على روايتين سبق ذكرهما في تكفير العبد والصحيح أن هذا التفصيل لا يتوجه في المكاتب لأنه يملك المال بغير خلاف وإنما ملكه ناقص لتعلق حق سيده به فإذا أذن له سيده فيه صح كالتبرع (12/439)
حكم ولد المكاتبة بالعتق وولد ولدها
مسألة : قال : وولد المكاتبة الذين ولدتهم في الكتابة يعتقون بعتقها
وجملته أنه يصح مكاتبة الأمة كما تصح مكاتبة العبد لا خلاف بين أهل العلم فيه وقد دل عليه حديث بريرة وحديث جويرية بنت الحارث ولأنها داخلة في عموم قوله { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } ولأنها يمكنها التكسب والأداء فهي كالعبد وإذا أتت المكاتبة بولد من غير سيدها إما من نكاح أو غيره فهو تابع لها موقوف على عتقها فإن عتقت بالأداء أو الإبراء عتق وإن فسخت كتابتها وعادت إلى الرق عاد رقيقا
وهذا قول شريح و مالك و أبي حنيفة و الثوري و إسحاق وسواء في هذا ما كان حملا حال الكتابة وما حدث بعدها وقال أبو ثور و ابن المنذر : هو عبد قن لا يتبع أمه و للشافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بأن الكتابة غير لازمة من جهة العبد فلا تسري إلى الولد كالتعليق بالصفة
ولنا أن الكتابة سبب ثابت للعتق لا يجوز إبطاله فسرى إلى الولد كالاستيلاد ويفارق التعليق بالصفة فإن السيد يملك إبطاله بالبيع إذا ثبت هذا فالكلام في الولد في فصول أربعة في قيمته إذا تلف وفي كسبه وفي نفقته وفي عتقه أما قيمته إذا تلف فقال أبو بكر : هو لأمه تستعين بها على كتابتها لأن السيد لا يملك التصرف فيه مع كونه عبدا فلا يستحق قيمته ولأنه بمنزلة جزء منها ولو جني على جزء منها كان أرشه لها كذلك ولدها وإذا لم يستحقها هو كانت لأمه لأن الحق لا يخرج عنهما ولأن ولدها لو ملكته بهبة أو شراء كانت قيمته لها فكذلك لو تبعها يحققه أنه إذا تبعها صار حكمه حكمها ولا يثبت ملك السيد في منافعه ولا في أرش الجناية عليه كما لا يثبت له ذلك فيها وقال الشافعي في أحد قوليه : تكون القيمة لسيدها لأنها لو قتلت كانت قيمتها لسيدها فكذلك ولدها والفرق بينهما أن الكتابة تبطل بقتلها فيصير مالها لسيدها بخلاف ولدها فإن العقد باق بعد قتله فنظير هذا إتلاف بعض أعضائها والحكم في إتلاف بعض أعضائها كالحكم في إتلافه
أما كسبه وأرش الجناية عليه فينبغي أيضا أن يكون لأمه لأن ولدها جزء منها تابع لها فأشبه بقية أجزائها ولأن أداءها لكتابتها سبب لعتقه وحصول الحرية له فينبغي أن يصرف فيه بمنزلة صرفه إليه إذ في عجزها رقه وفوات كسبه عليه وإما نفقته فعلى أمه لأنها تابعة لكسبه وكسبه لها فنفقه عليها وأما عتقه فإنه يعتق بأدائها أو إبرائها ويرق بعجزها لأنه تابع لها وإن ماتت المكاتبة على كتابتها بطلت كتابتها وعاد رقيقا قنا إلا أن تخلف وفاء فيكون على الروايتين وإن عتقها سيدها لم يعتق ولدها لأنه إنما تبعها في حكم الكتابة وهو العتق بالأداء وما حصل الأداء وإنما حصل عتقها بأمر لا يتبعها فيه فأشبه ما لو لم تكن مكاتبة ومقتضى قول أصحابنا الذين قالوا تبطل كتابتها بعتقها أن يعود ولدها رقيقا ومقتضى قولنا أنه يبقى على حكم الكتابة ويعتق بالأداء لأن العقد لم يوجد ما يبطله وإنما سقط الأداء عنها لحصول الحرية بدونه فإذا لم يكن لها ولد يتبعها في الكتابة ولا في يدها مال يأخذه لم يظهر حكم بقاء العقد ولم يكن في بقائه فائدة فانتفى لانتفاء فائدته وفي مسألتنا في بقائه فائدة لإفضائه إلى عتق ولدها فينبغي أن يبقى
ويحتمل أن يعتق بإعتاقها لأنه جرى مجرى إبرائها من مال الكتابة والحكم فيما إذا عتق بالاستيلاد أو تدبير أو تعليق بصفة كالحكم فيما إذا عتقها لأنها بغير الكتابة وإن عتق السيد الولد دونها صح عتقه نص أحمد في رواية مهنا لأن مملوك فصح عتقه كأمه ولأنه لو أعتقه معها لصح ومن صح عتقه مع غيره صح مفردا كسائر مماليكه
وقال القاضي : وقد كان يجب أن لا ينفذ عتقه لأن فيه ضررا بأمه بتفويت كسبه عليها لأنها كانت تستعين به في كتابتها ولعل أحمد نفذ عتقه تغليبا للعتق والصحيح أنه يعتق وما ذكره القاضي من الضرر لا يصح لوجوه : أحدها : أن الضرر إنما يحصل في حق من له كسب بفضل عن نفقته فأما من لا كسب له فتخليصها من نفقته نفع محض فلا ضرر في إعتاقه لأنه لا يفضل لها من كسبه شيء ينتفع به فكان ينبغي أن لا يقيد الحكم الذي ذكره بهذا القيد الثاني : أن النفع بسكبها ليس بواجب لها بدليل أنه لا يملك إجباره على الكسب فلم يكن الضرر بفواته معتبرا في حقها الثالث : أن مطلق الضرر لا يكفي في منع العتق الذي تحقق مقتضيه ما لم يكن له أصل يشهد بالاعتبار ولم يذكر له أصلا ثم هو ملغي بعتق المفلس والراهن وسراية العتق إلى ملك الشريك فإنه يعتق مع وجود الضرر بتفويت الحق اللازم فهذا أولى
فصل : فأما ولد ولدها فإن حكمه حكم أمه لأن ولد المكاتب لا يتعبه وأما ولد بنتها فهو كبنتها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا تسري الكتابة إليه لأن السراية إنما تكون مع الاتصال وهذا ولد منفصل فلا تسري إليه بدليل أن ولد أم الولد قبل أن يستولدها لا يسري إليه الاستيلاد وهذا الولد اتصل بأمه دون جدته
ولنا أن ابنتها ثبت لها حكمها تبعا فيجب أن يثبت لابنتها حكمها تبعا كما يثبت حكم أمها ولأن البنت تبعت أمها فيجب أن يتبعها ولدها لأن عليه اتباعها لأنها موجودة في ولدها ولأن البنت تعلق بها حق العتق فيجب أن يسري إلى ولدها كالمكاتبة وهذا الخلاف في ولد البنت التابعة لأمها في الكتابة فأما المولودة قبل الكتابة فلا تدخل في الكتابة فابنتها أولى (12/440)
في جواز بيع المكاتب وهبته والوصية به ويحكم مشتريه وبيع الدين الذي على المكاتب وحكم ما لو وصى بماله لرجل وحكم ما لو كانت الكتابة فاسدة وصحة الكتابة لمكاتب
مسألة : قال : ويجوز بيع المكاتب
وهذا قول عطاء و النخعي و الليث و ابن المنذر وهو قديم قولي الشافعي قال : ولا وجه لقول من كاتب قال لا يجوز وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى أنه يجوز بيعه وهو قول مالك وأصحاب الرأي والجديد من قولي الشافعي لأنه عقد يمنع استحقاق كسبه فيمنع بيعه كبيعه وعتقه وقال الزهري وأبو الزناد يجوز بيعه برضاه ولا يجوز إذا لم يرض وحكى ذلك عن أبي يوسف لأن بريرة إنما بيعت برضاها وطلبها ولأن لسيده استيفاء منافعه برضاه ولا يجوز بغير رضاه كذلك بيعه
ولنا ما روى عروة عن عائشة أنها قالت : جاءت بريرة إلي فقالت يا عائشة إني كاتبت أهلي علة تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة ونفست فيها ارجعي إلى أهلك إن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت عليهم ذلك فأبوا وقالوا : إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا فذكرت ذلك عائشة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال [ لا يمنعك ذلك منها ابتاعي وأعتقي إنما الولاء لمن أعتق ] فقام رسول الله في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : [ ما بال ناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتق ] متفق عليه
قال ابن المنذر [ بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه و سلم وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك ] ففي ذلك أبين البيان أن بيعه جائز ولا أعلم خبرا يعارضه ولا أعلم في شيء من الأخبار دليلا على عجزها وتأوله الشافعي على أنها كانت قد عجزت وكان بيعها فسخا لكتابتها وهذا التأويل بعيد يحتاج إلى دليل في غاية القوة وليس في الخبر ما يدل عليه بل قولها أعينيني على كتابتي دلالة على بقائها على الكتابة ولأنها أخبرتها أن نجومها في كل عام أوقية فالعجز إنما يكون بمضي عامين عند من لا يرى العجز إلا بحلول نجمين أو بمضي عام عند الآخرين والظاهر أن شراء عائشة لها كان في أول كتابتها ولا يصح قياسه على أم الولد لأن سبب حريتها مستقر على وجه لا يمكن فسخه بحال فأشبه الوقف والمكاتب يجوز رده إلى الرق وفسخ كتابته إذا عجز فافترقا
قال ابن أبي موسى : وهل للسيد أن يبيع المكاتب بأكثر مما عليه ؟ على الروايتين ولأن المكاتب عبد مملوك لسيده لم يتحتم عتقه فجاز بيعه كالمعلق عتقه بصفة والدليل على أنه مملوك قول النبي صلى الله عليه و سلم [ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] وإن مولاته لا يلزمها أن تحتجب منه بدليل قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه ] فيدل على أنها لا تحتجب قبل ذلك
وقد روينا في هذا عن نبهان مولى أم سلمة أنه قال : قالت لي أم سلمة : يا نبهان هل عندك ما تؤدي ؟ قلت نعم فأخرجت الحجاب بيني وبينها وروت هذا الحديث قال فقلت لا والله عندي ما أؤدي ولا أنا بمؤد وإنما سقط الحجاب عنها منه لكونه مملوكها ولأنه يصح عتقه ولا يصح عتق من ليس بمملوك ويرجع عند العجز إلى كونه قنا ولو صار حرا ما عاد إلى الرق ويفارق إعتاقه لأنه يزيل الرق بالكلية وليس بعقد وإنما هو إسقاط للملك فيه وإما بيعه فلا يمنع مالكه بيعه وأما البائع فلم يبق له فيه ملك بخلاف مسألتنا
فصل : وتجوز هبته والوصية به ونقل الملك فيه لأنه في معنى بيعه وقد روي عن أحمد أنه منع هبته لأن الشرع إنما ورد ببيعه والصحيح جوازها لأن ما كان في معنى المنصوص عليه ثبت الحكم فيه
مسألة : قال : ومشتريه يقوم فيه مقام المكاتب فإذا أدى صار حرا وولاؤه لمشتريه فإن لم يبين البائع للمشتري أنه مكاتب فهو مخير بين أن يرجع في الثمن أو يأخذ ما بينه سليما ومكاتبا
وجملة ذلك أن الكتابة لا تنفسخ بالبيع ولا يجوز إبطالها ولا نعلم في هذا خلافا قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن بيع السيد مكاتبه على أن يبطل كتابته ببيعه إذا كان ماضيا فيها مؤديا ما يجب عليه من نجومه في أوقاتها غير جائز وذلك لأنها عقد لازم فلا تبطل ببيع العبد كإجازته ونكاحه ويبقى على كتابته عند المشتري وعلى نجومه كما لو كان عند البائع مبقي على ما بقي عليه من كتابته ويؤدي إلى المشتري كما كان يؤدي إلى البائع فإن عجز فهو عبد لمشتريه لأنه صار سيده وإن أدى عتق وولاؤه لمشتريه لأن حق المكاتب فيه انتقل إلى المشتري فصار المشتري هو المعتق ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم لعائشة [ ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق ] ولما أراد أهلها اشتراط ولائها أنكر ذلك وأخبر ببطلانه وإذا لم يعلم المشتري كونه مكاتبا ثم علم ذلك فله فسخ البيع أو أخذ الأرش لأن الكتابة عيب لكون المشتري لا يقدر على التصرف فيه ولا يستحق كسبه ولا استخدامه ولا الوطء إن كانت أمة وقد انعقد سبب زوال الملك فيه فيملك الفسخ بذلك كمشتري الأمة المزوجة أو المعيبة فيتخير حينئذ بين فسخ البيع والرجوع بالثمن وبين إمساكه وأخذ الأرش وهو قسط ما بينه مكاتبا وبينه رقيقا قنا فيقال : كم قيمته مكاتبا وكم قيمته لو كان غير مكاتب ؟ فإذا قيل قيمته مكاتبا مائة وقيمته غير مكاتب مائة وخمسون والثمن مائة وعشرون فقد نقصته الكتابة ثلث قيمته فيرجع بثلث ثمنه وهو أربعون ولا يرجع بالخمسين التي نقصت بالكتابة من قيمته على ما قرر في البيع
فصل : فأما بيع الدين الذي على المكاتب من نجومه فلا يصح وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي و أبو ثور وقال عطاء و عمرو بن دينار و مالك : يصح لأن السيد يملكها في ذمة المكاتب فجاز بيعها كسائر أمواله
ولنا أنه دين غير مستقر فلم يجز بيعه كدين السلم ودليل عدم الاستقرار أنه معرض للسقوط بعجز المكاتب ولأنه لا يملك السيد إجبار العبد على أدائه ولا إلزامه بتحصيله فلم يجز بيعه كالعدة بالتبرع ولأنه غير مقبوض وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن بيع ما لم يقبض فإن باعه فالبيع باطل وليس للمشتري مطالبة المكاتب بتسليمه إليه وله الرجوع بالثمن على البائع إن كان دفعه إليه فإن سلم المكاتب إلى المشتري نجومه ففيه وجهان : أحدهما : يعتق لأن البيع تضمن الإذن في القبض فأشبه قبض الوكيل والثاني : لا يعتق لأنه لم يستنبه في القبض وإنما قبض لنفسه بحكم البيع الفاسد فكان القبض أيضا فاسدا ولم يعتق بخلاف وكيله فإنه استنابه ولو صرح بالإذن فليس بمستنيب له في القبض وإنما أذنه بحكم المعاوضة فلا فرق بين التصريح وعدمه فإن قلنا يعتق بالأداء برئ المكاتب من مال الكتابة ويرجع السيد على المشتري بما قبضه لأنه كالنائب عنه فإن كان من جنس الثمن وكان قد تلف تقاصا بقدر أقلهما ورجع ذو الفضل بفضله وإن قلنا لا يعتق بذلك فمال الكتابة باق على المكاتب ويرجع المكاتب على المشتري بما دفعه إليه ويرجع المشتري على البائع فإن سلمه المشتري إلى البائع لم يصح التسليم لأنه قبضه بغير إذن المكاتب فأشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه فإن كان من غير جنس مال الكتابة تراجعا بما لكل واحد منهما على الآخر وإن باعه ما أخذه بما له في ذمته وكان مما يجوز البيع فيه جاز إذا كان ما قبضه السيد باقيا وإن كان قد تلف ووجبت قيمته وكانت من جنس مال الكتابة تقاصا وإن كان مقبوض من جنس مال الكتابة فتحاسبا به جاز
فصل : وإذا كانت المكاتبة ذات ولد يتبعها في الكتابة فباعهما معا صح لأنهما ملكه ولا مانع من بيعهما ويكونان عند المشتري كما كانا عند البائع سواء وإن باع أحدهما دون صاحبه أو باع أحدهما لرجل وباع الآخر لغيره لم يصح لوجهين :
أحدهما أنه لا يجوز التفريق بين الأم وولدها في البيع إلا بعد البلوغ في إحدى الروايتين والثاني : أن الولد تابع لأمه ولها كسبه وعليها نفقته فصار في معنى مملوكها فلم يجز التفريق بينه وبينها ويحتمل أن يجوز ذلك إذا كان بالغا لأنه محل للبيع صدر فيه التصرف من أهله ويكون عند من هو عنده على ما كان عليه قبل بيعه لها كسبه وأرش الجناية عليه وعليها نفقته ويعتق بعتقها كما لو بيع والله أعلم
فصل : وإن وصى بالمكاتب لرجل فقال أبو بكر : قال أحمد : الوصية به جائزة لأنه يرى بيعه وكذلك هبته ويقوم من انتقل إليه مقام مكاتبه في الأداء إليه وإن عجز عاد إليه رقيقا له قنا وإن عتق فالولاء له كما ذكرنا في المشتري سواء فإن عجز في حياة الموصي لم تبطل الوصية لأن رقه لا ينافي الوصية وإن أدى وعتق في حياة الموصي بطلت الوصية ومن منع بيع المكاتب منع الوصية فيه وهبته فإن قال إن عجز ورق فهو لك بعد موتي صحت الوصية إذا عجز في حياة الموصي وإن عجز بعد موته لم يستحقه لأن الشرط بطل بموته كما لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فلم يدخلها حتى مات سيده وإن قال إن عجزت بعد موتي فهو لك فهذا تعليق للوصية على صفة توجد بعد الموت وقد ذكرنا في صحتها وجهين
فصل : وإن وصى بكتابته لرجل صحت الوصية لأنها تصح بما ليس بمستقر كما تصح بما لا يملكه في الحال من ثمرة شجرة وحمل جاريته وللموصي له أن يستوفي المال عند حلوله وله أن يبرئ منه فإذا استوفى أو أبرأه منه عتق المكاتب والولاء لسيده لأنه المنعم عليه وإن عجز المكاتب فأراد الوارث تعجيزه وأراد الموصي له إنظاره فالقول قول الوارث لأن حق الموصي له في المال ما دام العقد قائما وحق الوارث متعلق به إذا عجزه يرده في الرق وليس للموصي له إبطال حق الوارث من تعجيزه وإن أراد الوارث إنظاره وأراد الموصي له تعجيزه لم يكن له الحق في التعجيز والفسخ للوارث ولا حق للموصي له في ذلك ولا بيع لأن حقه يسقط به ومتى عجز عاد عبدا للورثة وإن وصى لرجل بما تعجله المكاتب صح لأنها وصية بصفة فإن عجل شيئا فهو للموصى له وإن لم يعجل شيئا حتى حلت نجومه بطلت الوصية
فصل : وإن وصى بمال الكتابة لرجل وبرقبته لآخر صحت الوصيتان فإن أدى إلى صاحب المال أو أبرأه منه عتق قال أصحابنا : وتبطل وصية صاحب الرقبة ويحتمل أن لا تبطل ويكون الولاء له لأنه أقامه مقام نفسه في استحقاق الرقبة ولو لم يوصي بها لكان الولاء له فإذا وصى بها كان الولاء لمن وصى له بها ولأنه لو وصى له بالمكاتب مطلقا لكان الولاء له فكذلك إذا وصى برقبته لأن الولاء يستفاد من الوصية بالرقبة دون الوصية بالمال وإن عجز فسخ صاحب الرقبة كتابته وكان رقيقا له وبطلت الوصية بالمال وإن كان صاحب المال قد قبض من كتابته شيئا فهو له وإن اختلفا في فسخ الكتابة عند العجز قدم قول صاحب الرقبة لأنه يقوم مقام الورثة على ما بيناه فيما تقدم وقياس هذه المسألة أنه لو وصى لرجل برقبة المكاتب دون مال الكتابة أنه لا يصح لأن الوصية بالرقبة دون المال صحيحة فيما إذا وصى بها لرجل وحده وأوصي بالمال لآخر
فصل : وإذا كانت الكتابة فاسدة فأوصى لرجل بما في ذمة المكاتب لم تصح الوصية لأنه لا شيء في ذمته وإن قال وصيت لك بما أقبضه من مال المكاتبة صح لأن الكتابة الفاسدة يؤدى فيها المال كما يؤدى في الصحيحة وإن وصى برقبة المكاتب صح لأن الوصية برقبة المكاتب تصح في الكتابة الصحيحة ففي الفاسدة أولى
فصل : وتصح الوصية لمكاتبه لأنه مع سيده في المعاملة كالأجنبي ولذلك جاز أن يدفع إليه زكاته فإن قال ضعوا عن مكاتبي بعض كتابته أو بعض ما عليه وضعوا ما شاؤوا قليلا كان أو كثيرا من أول نجومه أومن آخرها وإن قال ضعوا عنه نجما من نجومه فلهم أن يضعوا أي نجم شاؤوا كما لو قال ضعوا أي نجم شئتم وسواء كانت نجومه متفقة أو مختلفة لأن اللفظ يتناول واحدا منها غير معين وإن قال : ضعوا عنه أي نجم شاء كان ذلك إلى مشيئته فيلزمهم وضع النجم الذي يختار وضعه لأن سيده جعل المشيئة له وإن قال : ضعوا عنه أكبر نجومه لزمهم أن يضعوا أكبرها مالا لأنه أكبرها قدرا وإن قال : ضعوا عنه أكثر نجومه لزمهم أن يضعوا عنه أكثر من نصفها لأن أكثر الشيء يزيد على نصفه فإذا كانت نجومه خمسة وضعوا ثلاثة وإن كانت ستة وضعوا أربعة ويحتمل أن ينصرف ذلك إلى واحد منها أكبرها مالا بمنزلة قوله أكبر نجومه فإن كانت نجومه متساوية تعين الاحتمال الأول وإن قال : ضعوا عنه أوسط نجومه فلم يكن فيها إلا وسط واحد تعينت الوصية فيه مثل أن تكون نجومه متساوية القدر والأجل وعددها منفرد فيتعين وضع أوسطها عددا فإذا كانت خمسة فالأوسط الثالث وإن كانت سبعة فالأوسط الرابع وإن كان عددها مزدوجا وهي مختلفة المقدار فبعضها مائة وبعضها مائتان وبعضها ثلاثمائة فأوسطها المائتان فتعين الوصية فيه لأنه أوسطها وإن كانت متساوية القدر مختلفة الأجل مثل أن يكون اثنان منها إلى شهر وواحد إلى شهرين وواحد إلى ثلاثة اشهر تعينت الوصية فيما هو إلى شهرين لأنها أوسطها
وإن اتفقت هذه المعاني الثلاثة في واحد تعينت فيه وإن كان لها أوسط في القدر وأوسط في الأجل وأوسط في العدد يخالف بعضها بعضا فذلك إلى اختيار الورثة فلهم وضع ما شاؤوا منها وإن اختلف الورثة والمكاتب فيما أراد الموصي منه القول فالقول قول الورثة مع أيمانهم أنهم لا يعلمون ما أراد الموصي ثم التعيين إليهم ومتى كان فيها أوسطان عين الورثة أحدهما ومتى كان العدد وترا فأوسطه واحد فإن كان شفعا كأربعة وستة فأوسطه اثنان وهكذا القول فيما إذا وصى بأوسط نجومه وإن قال : ضعوا عنه ما خف أو قال ما يثقل أو ما يكثر كان ذلك إلى تقدير الورثة لأن كل شيء يخف إلى جنب ما هو أخف منه كما قال أصحابنا فيما إذا وصى بمال عظيم أو كثير أو ثقيل أو خفيف وإن قال : ضعوا عنه أكثر ما عليه وضع عنه نصفه وأدنى زيادة وإن قال ضعوا عنه أكثر ما عليه ومثل نصفه فذلك ثلاثة أرباع وأدنى زيادة وإن قال : ضعوا عنه أكثر ما عليه ومثله فذلك الكتابة كلها وزيادة عليها فيصح في الكتابة ويبطل في الزيادة لعدم محلها وإن قال : ضعوا عنه ما شاء فشاء وضع كل ماعليه وضع ماعليه لأن وصيته تتناوله وإن قال ضعوا عنه ماشاء من مال الكتابة لم يكن له وضع الكل لأن من للتبعيض فلا تتناول الجميع ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كنحو ما ذكرناه (12/444)
حكم ما لو اشترى المكاتب أباه أو ذا رحمه وحكم كسبهم
مسألة : قال : وإذا اشترى المكاتب أباه أو ذا رحمة من المحرم عليه نكاحه لم يعتقوا حتى يؤدي وهم في ملكه فإن عجز فهم عبيد لسيده
الكلام في هذه المسألة في فصلين :
الفصل الأول : أنه يصح أن يشتري من ذوي أرحامه من يعتق عليه بغير إذن سيده وهذا قول الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي
وقال الشافعي : لا يصح لأنه تصرف يؤدي إلى إتلاف ماله لأنه يخرج من ماله ما يجوز له التصرف فيه في مقابلة ما لا تجوز له التصرف فيه فأشبه الهبة فإن أذن له سيده فيه فمنهم من قال يجوز قولا واحدا وهو قول مالك لأن المنع لحق سيده فجاز بإذنه ومنهم من قال : فيه قولان
ولنا انه اشترى مملوكا لا ضرر في شرائه فصح كالأجنبي وبيانه أنه يأخذ كسبهم وإن عجز صاروا رقيقا لسيده ولأنه يصح أن يشتريه غيره فصح شراؤه كالأجنبي ويفارق الهبة لأنها تفوت المال بغير عوض ولا نفع يرجع إلى المكاتب ولا السيد ولأنه تحقق السبب وهو صدور التصرف من أهله في محله ولم يتحقق المانع لأن ما ذكروه لا نص فيه ولا أصل فيه ولا أصل له يقاس عليه
الفصل الثاني : أنهم لا يعتقون بمجرد ملكه لهم لأنه لو باشرهم بالعتق أو اعتق غيرهم لم يقع العتق فلا يقع بالشراء الذي أقيم مقامه ولا يجوز له بيعهم ولا هبتهم ولا إخراجهم عن ملكه وقال أصحاب الرأي : له بيع من عدا المولودين والوالدين لأنهم ليست قرابتهم قرابة حرية ولا تعصيبية فأشبهوا الأجانب
ولنا أنه ذو رحم يعتق عليه إذا عتق ولا يجوز بيعه كالوالدين والمولودين ولأنه لا يملك بيعهم إذا كان حرا فلا يملكه مكاتبا كوالديه ولأنهم نزلوا منزلة أجزائه فلم يملك بيعهم كيده فإذا أدى وهم في ملكه عتقوا لأنه كمل ملكه فيهم وزال تعلق حق سيده عنهم فعتقوا حينئذ وولاؤهم له دون سيدهم لأنهم عتقوا عليه بعد زوال ملك سيده عنه فيكونون بمنزلة ما لو اشتراهم بعد عتقه وإن عجز ورد في الرق صاروا عبيدا للسيد لأنهم من ماله فيصيرون للسيد بعجزه كعبيده الأجانب
فصل : وكسبهم للمكاتب لأنهم مماليكه ونفقتهم عليه بحكم الملك لا بحكم القرابة وإن أعتقهم السيد لم يعتقوا لأنه لا يملكهم فلا يملك التصرف فيهم وإن أعتقهم المكاتب بغير إذن سيده لم يعتقوا لتعلق حق سيده بهم وإن أعتقهم بإذنه عتقوا كما لو أعتق غيرهم من عبيده وإن أعتقه سيده عتق وصاروا رقيقا للسيد كما لو عجز لأن كتابته تبطل بعتقه كما تبطل بموته وعلى ما اخترناه يعتقون لأنه عتق قبل فسخ الكتابة فوجب أن يعتقوا كما لو عتق بالإبراء من مال الكتابة أو بأدائه يحقق هذا أن الكتابة عقد لازم يستفيد بها المكاتب ملك رقيقه واكتسابه ويبقى حق السيد في ملك رقبته على وجه لا يزول إلا بأداء أو ما يقوم مقامه فلا يتسلط السيد على إبطالها فيما يرجع إلى إبطال حق المكاتب وإنما يتسلط على إبطال حقه من رقبة المكاتب فينفذ في ماله دون ما للمكاتب وقد ذكرنا مثل هذا فيما مضى وإن مات المكاتب ولم يخلف وفاء عاد رقيقا وقال أبو يوسف و محمد : يسعون في الكتابة على نجومها وكذلك أم ولده وقال أبو حنيفة في الولد خاصة إن جاء بالكتابة حالة قبلت منه وعتق
ولنا أنه عبد للمكاتب فصار بموته لسيده إذا لم يخلف وفاء كالأجنبي وإن خلف وفاءا انبنى على الروايتين في فسخ الكتابة على ما تقدم (12/454)
حكم ما لو وهب للمكاتب بعض ذوي رحمه
فصل : وإن وهب له بعض ذوي رحمه فله قبوله وإن وصى له به فله قبول الوصية لأنه إذا ملك شراءه مع ما فيه من بذل ماله فلان يجوز بغير عوض أولى وإذا ملكه فحكمه حكم ما لو اشتراه (12/456)
يجوز أن يشتري المكاتب امرأته والمكاتبة زوجها
فصل : ويجوز أن يشتري المكاتب امرأته والمكاتبة زوجها لأن ذلك يجوز لغير المكاتب فجاز للمكاتب كشراء الأجانب وينفسخ النكاح بذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا ينفسخ لأن المكاتب لا يملك بدليل أنه يجوز له التسري ولا يعتق والده وولده إذا اشتراه فأشبه العبد القن
ولنا أن المكاتب يملك ما اشتراه بدليل أنه يثبت له الشفعة على سيده على سيده ولسيده عليه ويجري الربا بينه وبينه وإنما منع من التسري لتعلق حق سيده بما في يده كما يمنع الراهن من الوطء مع ثبوت ملكه ولم يعتق عليه ذوو رحمة لذلك فإذا اشترى أحدهما الآخر فله التصرف فيه لأنه أجنبي منه (12/456)
حكم ما إذا زوج السيد ابنه من مكاتبته برضاها
فصل : وإذا زوج السيد ابنه من مكاتبته برضاها ثم مات السيد وكانت من ورثته انفسخ النكاح وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا ينفسخ النكاح لأنها لا ترثه وإنما تملك نصيبها من الدين الذي عليه بدليل أن الوارث لو أبرأ المكاتب من الدين عتق وكان الولاء للميت لا للوارث فإن عجز وعاد رقيقا انفسخ النكاح حينئذ لأنها ملكت نفسها منه
ولنا أن المكاتب مملوك لسيده ولا يعتق بموته فوجب أن ينتقل إلى ورثته كسائر أملاكه ولأنها لا يجوز لها ابتداء نكاحه لأجل الملك فانفسخ نكاحها بتجديد ذلك فيه كالعبد القن وأما كون الولاء للميت فلأن السبب وجد منه فنسب العتق إليه وثبت الولاء له إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن ترثه كله و ترث نصيبها منه لأنها إذا ملكت منه جزءا انفسخ النكاح فيه فبطل في باقيه لأنه لا يتجزأ وكذلك لو اشترت زوجها أو جزءا منه أو ورثت شيئا من العبد القن بطل نكاحها وإن كانت لا ترث أباها لمانع من موانع الميراث فنكاحها باق بحاله والحكم في سائر الورثة من النساء كالحكم في البنت وكذلك لو تزوج رجل مكاتبة فورثها أو ورث شيئا منها انفسخ نكاحه لذلك والله أعلم (12/457)
حكم ما لو كان العبد لثلاثة فقال : بيعوني نفسي
مسألة : قال : وإن كان العبد لثلاثة فجاءهم بثلاثمائة درهم فقال بيعوني نفسي بها فأجابوه فلما عاد إليهم ليكتبوا له كتابا أنكر أحدهم أن يكون أخذ شيئا وشهد الرجلان عليه بالأخذ فقد صار العبد حرا بشهادة الشريكين إذا كانا عدلين ويشاركهما فيما أخذا من المال وليس على العبد شيء
اعترض على الخرقي في هذه المسألة حيث أجاز له شراء نفسه بعين ما في يده مع أنه قد ذكر في باب العتق إذا قال العبد لرجل اشترني من سيدي بهذا المال وأعتقني فاشتراه بعين المال كان الشراء والعتق باطلين ويكون السيد قد أخذ ماله وقد أجاب القاضي عن هذا الإشكال بوجوه : منها أن يكون مكاتبا وقوله بيعوني من نفسي بهذا أي أعجل لكم الثلاثمائة وتضعون عني ما بقي من كتابتي ولهذا ذكرهما في باب المكاتب الثاني : أن يكون المال في يد العبد لأجنبي قال له اشتر نفسك بها من غير أن يملكه إياها الثالث : أن يكون عتقا بصفة تقديره إذا قبضنا منك هذه الدراهم فأنت حر والرابع : أن يكون رضي سادته ببيعة نفسه بما في يده وفعلهم ذلك معه إعتاق منهم له مشروطا بتأدية ذلك إليهم فتكون صورته صورة البيع ومعناه العتق بشرط الأداء كما لو قال بعتك نفسك بخدمتي سنة فإن منافعه مملوكة لسيده وقد صح هذا فيها فكان هاهنا وهذا الوجه إن شاء الله تعالى لأنه لا يحتاج إلى تأويل ومتى أمكن حمل الكلام على ظاهره لم يجز تأويله بغير دليل وإذا تعذر هذا فمتى اشترى العبد نفسه من سادته عتق لأن البيع يخرجه من ملكهم ولا يثبت عليه ملك آخر إلا أنه هاهنا لا يعتق إلا بالقبض لأنا جعلناه عتقا مشروطا بالقبض وبهذا قال الخرقي فقد صار العبد حرا بشهادة الشريكين اللذين شهدا بالقبض ولو عتق بالبيع لعتق باعترافهم به لا بالشهادة بالقبض ومتى أنكر أحدهم أخذ نصيبه من الثمن فشهد عليه شريكاه فكانا عدلين قبلت شهادتهما لأنهما عدلان شهدا للعبد بأداء ما يعتق به فقبلت شهادتهما كالأجنبيين ورجع المشهود عليه عليهما فيشاركهم فيما أخذاه لأنهما اعترفا بأخذ مائتين من ثمن العبد والعبد مشترك بينهم فثمنه يجب أن يكون بينهم ولأن ما في يد العبد لهم والذي أخذاه كان في يده فيجب أن يشرك الجميع فيه ويكون بالسوية وشهادتهما فيما لهما فيه نفع غير مقبولة ودفع مشاركته لهما فلم تقبل شهادتهما فيه وقبلت شهادتهما فيما ينتفع به العبد دون ما ينتفعان به كما لو أقر بشيء لغيرهما لهما فيه نفع فإن إقرارهما يقبل فيما عليهما دون ما لهما
وقياس المذهب أن لا تقبل شهادتهما على شريكهما بالقبض لأنهم يدفعان بها عن أنفسهما مغرما ومن شهد شهادة جر إلى نفسه نفعا بطلت شهادته في الكل وإنما يقبل ذلك في الإقرار لأن العدالة غير معتبرة فيه والتهمة لا تمنع من صحته بخلاف الشهادة فعلى هذا القياس يعتق نصيب الشاهدين بإقرارهما ويبقى نصيب المشهود عليه موقوفا على القبض وله مطالبته بنصيبه أو مشاركة صاحبه فيما أخذ فإن شاركهما أخذ منهما ثلثي مائة ورجع على العبد بتمام المائة ولا يرجع المأخوذ منه على الآخر بشيء لأنه إن أخذ من العبد فهو يقول ظلمني وأخذ مني مرتين وإن أخذ من الشاهدين فهما يقولان ظلمنا وأخذ منا ما لا يستحقه علينا ولا يرجع المظلوم على غير ظالمه وإن كانا غير عدلين فكذلك سواء قلنا إن شهادة العدلين مقبولة أو لا لأن غير العدل لا تقبل شهادته وإنما يؤاخذ بإقراره فإن أنكر الثالث البيع فنصيبه باق على الرق إذا حلف إلا أن يشهدا عليه بالبيع ويكونان عدلين فتقبل شهادتهما لأنهما لا يجران إلى أنفسهما بهذه الشهادة نفعا (12/458)
حكم ما لو كان العبد بين شريكين فكاتباه بمائة فادعى دفعها إليهما أو إلى أحدهما
فصل : وإذا كان العبد بين شريكين فكاتباه بمائة فادعى دفعها إليهما وصدقاه عتق فإن أنكرا أو لم تكن بينة فالقول قولهما مع أيمانهما وإن أقر أحدهما ونكر الآخر عتق نصيب المقر وأما المنكر فعلى قول الخرقي تقبل شهادة شريكه عليه إذا كان عدلا فيحلف العبد مع شهادته ويصير حرا ويرجع المنكر على الشاهد فيشاركه فيما أخذه وأما القياس فيقتضي أن لا تسمع شهادة شريكه عليه لأنه يدفع بشهادته عن نفشه مغرما والقول قول سيده مع يمينه فإذا حلف فله مطالبة شريكه بنصف ما اعترف به وهو خمسة وعشرون لأن ما قبضه كسب العبد وهو مشترك بينهما فإن المنكر ينكر قبض شريكه فكيف يرجع عليه قلنا إنما ينكر قبض نفسه وشريكه مقر بالقبض ويجوز أن يكون قد قبض فلم يعلم به وإذا أقر بمتصور لزمه حكم إقراره ومن حكمه جواز رجوع شريكه عليه فإن قيل لو كان عليه دين لأثنين فوفي أحدهما لم يرجع الآخر على شريكه فلم يرجع هاهنا قلنا إن كان الدين ثابتا بسبب واحد فما قبض أحدهما منه يرجع الآخر عليه كمسألتنا وعلى أن يفارق الدين لكون الدين لا يتعلق بما في يد الغريم إنما يتعلق بذمته فحسب ن والسيد يتعلق حقه بما في يد المكاتب ولا يدفع شيئا منه إلى أحدهما إن كان حق الآخر ثابتا فيه
إذا ثبت هذا فأنه إن رجع على العبد بخمسين استقر ملك الشريك فيه على ما أخذه ولم يرجع العبد عليه بشيء لأنه إنما قبض حقه وإن رجع على الشريك رجع عليه بخمسة وعشرين وعلى العبد بخمسة وعشرين ولم يرجع أحدهما على الآخر بما أخذه منه لما ذكرنا من قبل وإن عجز العبد عن أداء ما يرجع به عليه فله تعجيزه واسترقاقه ويكون نصفه حرا ونصفه رقيقا ورجع على الشريك بنصف ما أخذه ولا تسري الحرية فيه لأن الشريك والعبد يعتقدان أن الحرية ثابتة في جميعه وإن هذا المنكر غاصب لهذا النصف الذي استرقه ظالم باسترقاقه والمكر يدعي رق العبد جميعه ولا يعترف بحرية شيء منه لأنه يزعم إني ما قبضت نصيبي من كتابته شريكي إن قبض شيء استحق نصفه بغير إذني فلا يعتق منه شيء بهذا القبض : سراية العتق ممتنعة على كلا القولين لأن السراية إنما تكون فيما إذا عتق بعضه وبقي بعضه رقيقا وجميعهم ينفقون على خلاف ذلك وهذا المنصوص عن الشافعي رضي الله عنه
فصل : فإن ادعى العبد أنه دفع المائة إلى أحدهما ليدفع إلى شريكه حقه ويأخذ الباقي وأنكر المدعي عليه حلف وبرئ وإذا قال إنما دفعت إلى حقي وإلى شريكي حقه ولا بينة للعبد فالقول قول المدعى عليه في انه لم يقبض إلا قدر حقه مع يمينه ولا نزاع بين العبد والأخر لأنه لم يدع عليه شيئا وله مطالبة العبد في بجميع حقوقه وله مطالبته بنصفه ومطالبة القابض بنصف ما قبض فإن اختار مطالبة العبد فله القبض منه بغير يمين وإذا اختار الرجوع على شريكه بنصفه فللشريك عليه اليمين أنه يقبض من المكاتب شيئا لأنه لو أقر بذلك لسقط حقه من الجوع فإذا أنكره لزمته اليمين فإن شهد القبض على شريكه بالقبض لم تقبل شهادته لمعنيين أحدهما : أن المكاتب لم يدع عليه شيئا وإنما تقبل البينة إذا شهدت بصدق المدعي والثاني : أنه يدفع أنه يدفع عن نفسه مغرما فإن عجز العبد فلغير للقابض أن يسترق نصفه ويقوم عليه نصيب شريكه لأن العبد معترف برقه غير مدع لحرية هذا النصيب بخلاف التي قبلها ويحتمل أن لا يقوم أيضا لأن القابض يدعي حرية جميعه والمنكر يدعي ما يوجب رقه جميعه فإنهما يقولان ما قبضه قبضة بغير حق ولا يعتق حتى يسلم إلى مثل ما سلم إليه فإذا كان أحدهما يدعي رق جميعه والآخر يدعي حرية جميعه فما اتفقا على حرية البعض دون البعض
فصل : وإن اعترف المدعى بقبض المائة على الوجه الذي ادعاه المكاتب وقال قد دفعت إلى شريكي نصفها فأنكر الشريك فالقول قوله مع يمينه وله مطالبة من شاء منهما بجميع حقه وللمرجوع عليه أن يحلفه فإن رجع الشريك فأخذ منه خمسين كان له ذلك لأنه اعترف بقبض المائة كلها ويعتق المكاتب لأنه وصل إلى كل واحد منهما قدر حقه من الكتابة ولا يرجع الشرك عليه بشيء لأنه يعترف له بأداء ما عليه وبراءته منه وإنما يزعم أن شريكه ظلمه ولا يرجع على غير ظالمه فإن رجع على العبد فله أن يأخذ منه الخمسين لأنه يزعم أنه قبض شيئا من كتابته وللعبد الرجوع على القابض بها سواء صدقه في دفعها إلى المنكر أو كذبه لأنه وإن دفعها دفعا غير مبرر فكان مفرطا ويعتق العبد بأدائها فإن عجز عن أدائها فله أن يأخذها من القابض قم يسلكها فإن تعذر ذلك فله تعجيزه واسترقاق نصفه ومشاركة القابض في الخمسين التي قبضها عوضا عن نصيبه ويقوم على الشريك القابض إن كان موسرا إلا أن يكون العبد يصدقه في دفع الخمسين إلى شريكه ولا يقوم لأنه يعترف أنه حر وأن هذا ظلمه باسترقاق نصفه الحر وإن أمكن الرجوع على القابض بالخمسين ودفعها إلى المنكر فامتنع من ذلك فهل يملك المنكر تعجيزه واسترقاق نصفه ؟ على وجهين بناء القول في تعجيز العبد نفسه مع القدرة على الأداء إن قلنا له ذلك للمنكر استرقاقه وإن قلنا ليس له ذلك فليس للمنكر استرقاقه لأن قادر على الأداء فإن قيل فلم لا يرجع المنكر على القابض بنصف ما قبضه إذا استرق نصف العبد ؟ قلنا لأنه لو رجع عليه بها كان قابضا جميع حقه من مال الكتابة فيعتق المكاتب بذلك إلا أن يتعذر قبضتها في نجومها فتفسخ الكتابة ثم يطالب بها بعد ذلك فيكون له الجوع بنصفها كما لو كانت غائبة في بلد آخر وتعذر تسليمها حتى فسخت الكتابة والله أعلم (12/460)
حكم ما لم قال السيد كاتبتك على ألفين
مسألة : قال : وإذا قال السيد : كاتبتك على ألفين وقال العبد على ألف فالقول قول السيد مع يمينه
قال القاضي : هذا المذهب نص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية الكوسج وهو قول الثوري و الأوزاعي و إسحاق وقال أبو بكر : اتفق أحمد و الشافعي على أنهما يتحالفان ويترادان وهو قول أبي يوسف و محمد لأنهما اختلفا في عوض العقد القائم بينهما فيتحالفان إذا لم تكن بينة كالمتابعين وحكي عن أحمد رضي الله عنه رواية ثالثة أن القول قول المكاتب وهو قول أبي حنيفة لأنه منكر للألف الزائد والقول قول المنكر ولأنه مدعي عليه فيدخل في عموم قوله عليه السلام [ ولكن اليمين على المدعى عليه ]
ولنا أنه اختلاف في الكتابة فالقول قول السيد فيه كما لو اختلفا في أصلها ويفارق البيع من وجهين :
أحدهما أن الأصل في البيع عدم ملك كل واحد منهما لما صار إليه والأصل في المكاتب وكسبه أنه لسيده فالقول قوله فيه
والثاني : أن التحالف في البيع مفيد ولا فائدة في التحالف في الكتابة فإن الحاصل منه يحصل بيمين السيد وحده وبيان ذلك أن الحاصل بالتحالف فسخ الكتابة ورد العبد إلى الرق إذا لم يرضى بما حلف عليه سيده وهذا يحصل من جعل القول قول السيد مع يمينه فلا يشرع التحالف مع عدم فائدته وإنما قدمنا قول المنكر في سائر المواضع لأن الأصل معه والأصل هاهنا مع السيد لأن الأصل ملكه العبد وكسبه فإذا ثبت هذا فمتى حلف السيد ثبت الكتابة ألفين كما لو اتفقا عليها وسواء كان اختلافهما قبل العتق أو بعده مثل أن يدفع إليه ألفين فيعتق ثم يدعي المكاتب أن أحدهما عن الكتابة والآخر وديعة ويقول السيد : هما جميعا مال الكتابة ومن قال بالتحالف قال إذا تحالفا فلكل واحد منهما فسخ الكتابة إلا أن يرضى بقول صاحبه وإن كان التحالف بعد العتق في مثل الصور التي ذكرناها لم ترتفع الحرية لأنها لا يمكن رفعها بعد حصولها ولا إعادة الرق بعد رفعه ولكن يرجع السيد بقيمته ويرد عليه ما أدى إليه فإن كان من جنس واحد تقاصا بقدر أقلهما وأخذ ذو الفضل فضله
فصل : وإن اختلفا في أداء النجوم فقال المكاتب أديت وعتقت وأنكر السيد فالقول قول السيد مع يمينه لأنه منكر والقول قول المنكر وإن اختلفا في إبرائه من مال الكتابة أو شيء منه فالقول قول السيد مع يمينه لذلك (12/464)
حكم ما لو كاتب عبدين واستوفى من أحدهما
فصل : وإن كاتب عبدين واستوفى من أحدهما ولم يدر من أيهما استوفى فقياس المذهب أن يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق ورق الآخر كما لو اعتق عبدا من عبيده وأنسيه فإن ادعى الآخر عليه أنه أدى فعليه اليمين أنه ما أدى إليه فإن نكل عتق الآخر فإن مات السيد قبل القرعة أقرع الورثة فإن ادعى الآخر عليهم أنه المؤدي فعليهم اليمين أنهم لا يعلمون أنه أدى لأنها يمين على نفي فعل الغير فإن أقام أحد العبدين بينة أنه عتق سواء كان قبل القرعة أو بعدها في حياة السيد أو بعد موته فإن كان ذلك قبل القرعة تعينت الحرية فيه ورق الآخر وإن كان بعدها فكذلك لأن القرعة ليست عتقا وإنما هي معينة للعتق والبينة أقوى منه فثبت بها خطأ القرعة فتبين بقاء الرق في الذي ظنننا حريته كما تبينا حرية من ظننا رقه ولأن من لم يؤد لا يصير مؤديا بوقوع القرعة له فلا يوجد حكمه الذي هو العتق يتخرج على قول أبي بكر و ابن حامد أن يعتقا على ما ذكرناه في الطلاق وكذلك الحكم فيما إذا ذكر السيد المؤدي منهما ومتى ادعى الآخر أنه أدى فله اليمين على المدعى عليه سواء كان السيد أو ورثته إلا أنه إن كان المدعى عليه السيد فاليمين على البت وإن كانت على ورثته فاليمين على نفي العلم إلا أن يدعي الأداء إليهم فتكون أيمانهم على البت أيضا وعلى كل واحد من الورثة يمين لأن كل واحد منهم يدعى عليه فلزمته اليمين كما لو انفرد بالدعوى (12/466)
حكم ما لو كان للمكاتب أولاد من معتق آخر غير سيده
فصل : إذا كان للمكاتب أولاد من معتقه آخر غير سيده فقال : قد أدى إلى عتق فأنجز ولاء ولده إلي فأنكر ذلك مولى أمهم وكان المكاتب حيا فقد صار حرا بهذا القول فإنه إقرار من سيده بعتقه وينجز ولاء ولده إليه وإن كان ميتا فالقول قول مولى أمهم لأن الأصل الرق وبقاء ولائهم له فيحلف ويبقى ولاؤهم له (12/467)
حكم ما لو أعتق الأمة أو كاتبها وشرط ما في بطنها
مسألة : قال : وإذا أعتق الأمة أو كاتبها وشرط ما في بطنها أو أعتق ما في بطنها دونها فله شرطه
روي نحو هذا القول عن ابن عمر وأبي هريرة و النخعي و إسحاق و ابن المنذر وقال ابن سيرين : له ما استثنى وقال عطاء و الشعبي : إذا استثنى ما في بطنها فله استثناؤه
وقال مالك و الشافعي : لا يصح استثناء الجنين لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الثنياء إلا أن تعلم ولأنه لا يصح استثناؤه في البيع فلا يصح في العتق كبعض أعضائها
ولنا قول ابن عمر وأبي هريرة ولم نعلم لهما مخالفا في الصحابة : قال أحمد أذهب إلى حديث ابن عمر العتق ولا أذهب في البيع
وقد روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه أعتق جارية استثنى ما في بطنها ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ المسلمون على شروطهم ] وهذا قد شرط ما في بطن معتقه فكان له بمقتضى الخبر ولأنه يصح إقراره بالعتق فصح الاستثناء وأما خبرهم فنقول به والحمل معلوم فيصح استثناؤه بمقتضى الحديث ويفارق البيع فإنه عقد معاوضة يعتبر فيه العلم بصفات العوض ليعلم هل هو قائم مقام العوض أم لا ؟ والعتق تبرع لا تتوقف صحته على معرفة صفات المعتق ولا تنافيه الجهالة بها ويكفي العلم بوجوده وقد علم ذلك ولذلك صح إفراد الحمل بالعتق ولم يصح إفراده بالبيع ولأن استثناءه في البيع إذا بطل بطل البيع كله وهاهنا إذا بطل استثناءه لم يبطل العتق في الأمة ويسري الإعتاق إليه فكيف يصح إعتاقه مع تضاد الحكم فيهما ؟ ولا يصح قياسه على بعض أعضائها لأن العضو لا يتصور انفراد بالرق والحرية دون الحمل وكذلك لو أعتق عضوا من أمته صارت كلها حرة فإذا عتق بعضها سرى إلى المستثنى والولد حيوان منفرد لو أعتقه لم تسر الحرية إلى أمه ويصح انفراده بالحرية عن أمه فيما إذا أعتقه دونها وفي ولد المغرور بحرية أمه وفيما إذا وطئ بشبهة وفي ولد أم الولد غير ذلك لا يمكن ذلك في بعض الأعضاء ولأن الولد يرث ويورث ويوصى به وله وإذا قتل كان بدله موروثا ولا تختص به أمه وتجب الكفارة بقتله والديه في مقابلته فكيف يصح قياسه على أعضائها فأما إن عتق ما في بطنها دونها خلاف فلا أعلم خلافا فيه
قال إسحاق بن منصور سئل سفيان عن رجل قال : ما في بطنك حر قال : هو حر والأم مملوكة لأن ولدها منها وليست هي من ولدها قال أحمد و إسحاق : جيد
وقال مهنا : سألت أحمد رضي الله عنه عن رجل زوج أمته فقالت فقد حبلت فقال لها مولاها ما في بطنك حر ولم تكن حاملا قال : لا تعتق فأعدت عليه القول مرة أخرى فقال : لا يكون شيء إنما أراد ما في بطنها فلم يكن شيء قال المروذي : سئل أبو عبد الله عن رجل عتق عبدا له واستثنى منه خدمته شهرا فقال : جائز (12/467)
في تعجيل المكاتب بعض كتابته لسيده
مسألة : قال : ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده بعض كتابته ويضع عنه بعض كتابته
وجملته أنه إذا كاتبه على ألف في نجمين إلى سنة ثم قال عجل لي خمسمائة منه حتى أضع عنك الباقي أو أبرئك من الباقي أو قال صالحني منه على خمسمائة معجلة جاز ذلك وبه يقول طاوس و الزهري و النخعي و أبو حنيفة وكرهه الحسن و ابن سيرين و الشعبي
وقال الشافعي : لا يجوز لأن هذا بيع ألف بخمسمائة وهو ربا الجاهلية وهو يزيد في الدين لأجل الأجل وهذا أيضا هبة ولأن هذا لا يجوز بين الأجانب والربا يجري بين المكاتب وسيده فلم يجز هذا بينهما كالأجانب
ولنا أن مال الكتابة غير مستقر ولا هو دين صحيح بدليل أنه لا يجبر على أدائه وله أن يمتنع من أدائه ولا تصح الكفالة به وما يؤديه إلى سيده كسب عبده وإنما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل مبالغه في تحصيل العتق وتخفيفا عن المكاتب فإذا أمكنه التعجل على وجه يسقط عنه بعض ما عليه كان أبلغ في حصول العتق وأخف على العبد ويحصل من السيد إسقاط بعض ماله على عبده ومن الله تعالى إسقاط ما أوجبه عليه من أجل لمصلحته وقولهم إن الربا يجري بينهما فمنعه على ما ذكر ابن أب موسى وإن سلمناه فإن إذا مفارق لسائر الربا بما ذكرناه وهذا يخالف ربا الجاهلية فإنه إسقاط لبعض الدين وربا الجاهلية يفضي إلى نفاذ مال الدين وتحمله من الدين ما يعجز عن وفائه فيحبس من أجله ويؤسر به وهذا يفضي إلى تعجيل عتق المكاتب وخلاصه من الرق والتخفيف عنه فافترقا (12/469)
حكم ما لو اتفقا على الزيادة في الأجل والدين
فصل : فإن اتفقا على الزيادة في الأجل والدين مثل أن يكاتبه على ألف في نجمين إلى سنة يؤدي في نصفها خمسمائة وفي آخرها الباقي فيجعلانها إلى سنتين بألف ومائتين في كل سنة ستمائة أو مثل أن يحل عليه نجم فيقول أخرني به إلى كذا وأزيدك كذا فيحتمل أنه لا يجوز لأن الدين المؤجل إلى وقت لا يتأخر أجله عن وقته باتفاقهما عليه ولا يتغير أجله بتغيره وإذا لم يتأخر عن وقته لم تصح الزيادة التي في مقابلته ولأن هذا يشبه ربا الجاهلية المحرم وهو الزيادة في الدين للزيادة في الأجل ويفارق المسألة الأولى من هذين الوجهين فإن قيل فكما أن الأجل لا يتأخر كذلك لا يتعجل ولا يصير الدين المؤجل حالا فلم جاز المسألة الأولى ؟ قلنا إنما جاز في المسألة الأولى بالتعجيل فعلا فإنه إذا دفع إليه الدين المؤجل قبل محله جاز وجاز للسيد إسقاط باقي حقه عليه وفي هذه المسألة يأخذ أكثر مما وقع عليه لعقد فهو ضد المسألة الأولى وهو ممتنع من وجه آخر لأن في ضمن الكتابة أنك متى أديت إلي كذا فأنت حر فإذا أدى إليه ذلك فينبغي أن يعتق فإن قيل فإذا غير الأجل والعوض فكأنهما فسخا الكتابة الأولى وجعلاها كتابة ثانية قلنا لم يجر بينهما فسخ وإنما قصدا تغير العوض و الأجل على وجه لا يصح فيبطل التغيير ويبقى العقد بحاله ويحتمل أن يصح ذلك كما في المسألة الأولى فعلى هذا لو اتفقا على ذلك ثم رجع أحدهما فإن له الرجوع وكذلك في المسألة الأولى لو قال أعجل لك مال الكتابة وتسقط عني منه كذا فقال نعم ثم رجع أحدهما قبل التعجيل فله الرجوع لما ذكرنا من أن الدين المؤجل لا يتأخر عن أجله ولا يتقدم وإنما له أن يؤديه قبل محله ولمن له الدين ترك قبضه في محله وذلك إلى اختياره فإذا وعد به ثم رجع قبل الفعل لفه ذلك (12/470)
حكم ما لو صالح المكاتب سيده عما في ذمته بغير جنسه
فصل : فإن صالح المكاتب سيده عما في ذمته مثل أن يصالحه عن النقود بحنطة أو شعير جاز إلا أنه لا يجوز أن يصالحه على شيء مؤجل لأنه يكون بيع دين بدين وإن صالحه عن الدراهم بدنانير أو عن الحنطة بشعير لم يجز التصرف قبل القبض لأن هذا بيع في الحقيقة فيشترط له القبض في المجلس قال القاضي : يحتمل أن لا تصح هذه المصالحة مطلقا لأن هذا دين من شرطه التأجيل فلم تجز المصالحة عليه بغيره ولأنه دين غير مستقر فهو كدين السلم وقال ابن أبي موسى : لا يجري الربا بين المكاتب وسيده فعلى قوله تجوز المصالحة كيفما كانت وكما تجوز ذلك بين العبد القن وسيده والأولى ما ذكرناه ويفارق دين الكتابة دين السلم فإنه يفارق سائر الديون بما ذكرنا في هذه المسألة فمفارقته لدين السلم أعظم والله اعلم (12/471)
حكم ما لو كان العبد بين اثنين فكاتب أحدهما
مسألة : قال : وإذا كان العبد بين اثنين فكاتب أحدهما فلم يؤد كل كتابته حتى أعتق الآخر وهو موسر فقد صار العبد كله حرا ويرجع الشريك على العتق بنصف قيمته
قد ذكرنا فيما تقدم أن العبد المشرك يجوز لأحد الشريكين كتابة نصيبه منه بغير إذن شريكه ويبقى سائره غير مكاتب فإذا فعل هذا فأعتق الذي لم يكاتبه حصته منه وهو موسر عتق وسري العتق إلى باقيه فصار كله حرا ويضمن لشريكه قيمة حصته منه ويكون المرجوع بقيمته مكاتبا ويبقى على ما بقي من كتابته لأن الرجوع عليه بقيمة ما أتلف وإنما أتلف مكاتبا وإن كان المعتق معسرا لم يسر العتق على ما مضى في باب العتق وقال أبو بكر والقاضي : لا يسري العتق في الحال لكن ينظر فإن أدى كتابته عتق باقيه بالمكاتبة وكان ولاؤه بينهما وإن فسخت كتابته لعجزه سرى العتق وقوم عليه حينئذ لأن سراية العتق في الحال مفضية إلى أبطال الولاء الذي انعقد سببه ونقله عن المكاتب إلى غيره وقال ابن أبي ليلى : عتق الشريك موقوف حتى ينظر ما يصنع في الكتابة فإن أداها عتق وكان المكاتب ضامنا لقيمة نصيب شريكه وولاؤه كله للمكاتب وإن عجز سرى عتق الشريك وضمن نصف القيمة للمكاتب وكان ولاؤه كله له وأما مذهب الشافعي فلا تجوز كتابة أحد الشريكين إلا أن يأذن فيه شريكه فيكون قولان فإذا كاتبه بإذن شريكه ثم أعتق الذي لم يكاتب فهل يسري في الحال أو يقف على العجز ؟ فيه قولان
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ من أعتق شركا له في عبد وكان له ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة عدل ] وهذا داخل في عمومه ولأنه عتق لجزء من العبد من موسر غير محجور عليه فسرى إلى باقيه كما لو كان قنا ولأن بعض مقتضى السراية متحقق والمانع منها لم يثبت كونه مانعا فإنه لا نص فيه ولا أصل له يقاس عليه فوجب أن يثبت وقولهم إنه يفضي إلى إبطال الولاء قلنا إذا كان العتق يؤثر في إبطال الملك الثابت المستقر الذي الولاء من بعض آثاره فلأن يؤثر في نقل الولاء بمفرده أولى ولأنه لو أعتق عبدا له أولاد من معتقه قوم نقل ولاءهم إليه فإذا نقل ولاءهم الثابت بإعتاق غيرهم فلأن ينقل ولاء لم يثبت بعد بإعتاق من عليه الولاء أولى ولأنه نقل الولاء ثم عمن لم يغرم له عوضا فلأن ينقله بالعوض أولى فانتقال الولاء في موضع جر الولاء ينبه على سراية العتق وانتقال الولاء إلى المعتق لكونه أولى منه من ثلاثة أوجه : أحدها : أن الولاء ثم ثابت وههنا بعرض الثبوت والثاني : أن النقل حصل ثم بإعتاق غيره وههنا بإعتاقه والثالث : أنه انتقل ثم بغير عوض وهاهنا بعوض (12/472)
إذا كان المعتق معسرا لم يسر عتقه
فصل : وإن كان المعتق معسرا لم يسر عتقه وكان نصيبه حرا وباقيه على الكتابة فأن أدى عتق عليهما وكان ولاؤه بينهما وإن عجز عاد الجزء المكاتب رقيقا قنا إلا على الرواية التي نقول يستسعى العبد فإنه يستسعى عند عجزه في قيمة باقيه ولا يستسعى في حال الكتابة لأن الكتابة سعاية فيما اتفقا عليه فاستغني بها عن السعاية فيما يحتاج إلى التقويم فإذا عجز وفسخت الكتابة بطلت ورجع إلى السعاية في القيمة والله أعلم (12/473)
جواب أحمد في عبد بين شريكين كاتباه على ألف درهم
فصل : ونقل عن أحمد رضي الله عنه أنه سئل عن عبد بين شريكين فكاتباه على ألف درهم فأدى إليهما تسعمائة لهذا أربعمائة درهم وخمسين درهما ولهذا أربعمائة درهم وخمسين درهما ثم أن أحدهما أعتق نصيبه قال : إن كان للمعتق مال أدى إلى شريكه نصف قيمة العبد لا يحاسبه بها أحد لأنه عبد ما بقي عليه درهم ولأنه قد يجوز أن يعجزه فيعود الرق إلى الرق و يموت فيكون عنده مال فهو بينهما ونقل عنه حنبل أنه يعتق إلا نصف المائة على هذا ويكون الولاء على قدر ما أعتق فالرواية الأولى توافق قول الخرقي فإنه أوجب على العتق غرامه نصف قيمة العبد وينبغي أن تجب نصف قيمته على الصفة التي عتق عليها وهو كونه مكاتبا قد أدى كتابته إلا مائة منها وهي عشرها وأما حنبل فيحتمل أن تكون على ما قال أبو بكر والقاضي في أنه يسري العتق إلى الجزء المكاتب لغيره وقد نصرنا الرواية الأولى بما ذكرناه والله أعلم (12/473)
حكم ما لو عجز المكاتب ورده في الرق وقد تصدق عليه
مسألة : قال وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وكان قد تصدق عليه بشيء فهو لسيده
وجملته أن المكاتب إذا عجز وفي يده مال ورد في الرق فهو لسيده سواء كان من كسبه أو من صدقه تطوع أو وصية وما كان من صدقة مفروضة ففيه روايتان : إحداهما : هو لسيده وهو قول أبي حنيفة وقال عطاء : يجعله في السبيل أحب إلي وإن أمسكه فلا بأس
الرواية الثانية : يؤخذ ما بقي في يده فيجعل في المكاتبين نقلها حنبل وهو قول شريح و النخعي و الثوري واختار أبو بكر و القاضي أنه يرد إلى أربابه وهو قول إسحاق لأنه إنما دفع ليصرف في العتق فإذا لم يصرف فيه وجب رده كالغازي والغارم وابن السبيل
ولنا أن ابن عمر رد مكاتبا في الرق فأمسك ما أخذ منه ولأنه يأخذ لحاجته فلم يرد ما أخذه كالفقير والمسكين وأما الغازي فإنه يأخذ لحاجتنا إليه بقدر ما يكفيه لغزوه وأما الغارم فإن غرم لاصلاح ذات البين فهو كالغازي يأخذ لحاجتنا وإن غرم لمصلحة نفسه فهو كمسألتنا لا يرده
فصل : وأما ما أداه إلى سيده قبل عجزه فلا يجب رده بحال لأن المكاتب صرفه في الجهة التي أخذه لها وثبت ملك سيده عليه ملكا مستقرا فلم يزل ملكه عنه كما لو عتق المكاتب ويفارق ما في يد المكاتب لأن ملك سيده لم يثبت عليه قبل هذا والخلاف في ابتداء ثبوته وما تلف في يد المكاتب لم يرجع عليه به سواء عجز أو أدى لأن ماله تلف في يده فأشبه ما لو تلف في يد سائر أصناف الصدقة وإن اشترى به عرضا وعجز العرض في يده ففيه من الخلاف مثل ما لو وجد بعينه لأن العرض عرضه وقائم مقامه فأشبه ما لو أعطى الغازي من الصدقة ما اشترى به فرسا وسلاحا ثم فضل ذلك عن حاجته (12/474)
موت المكاتب قبل الأداء كعجزه
فصل : وموت المكاتب قبل الأداء كعجزه فيما ذكرنا لأن سيده يأخذ ما في يده قبل حصول مقصود الكتابة وإن أدى وبقي في يده شيء فحكمه في رده أو أخذه لنفسه حكم سيده في ذلك عند عجزه لأن ما لم يؤده في كتابته بقي بعد زوالها وإن كان قد استدان ما أداه في الكتابة وبقي عنده من الصدقة بقدر ما يقضي به دينه لم يلزمه رده لأنه محتاج إليه بسبب الكتابة فأشبه ما يحتاج إليه في أدائها (12/475)
حكم ما لو تبايع المكاتبان ولم يعرف أيهما السابق
مسألة : قال : وإذا اشترى المكاتبان كل واحد منهما الآخر صح شراء الأول وبطل شراء الآخر
لا خلاف في أن المكاتب يصح شراؤه للعبيد والمكاتب يجوز بيعه على ما ذكرنا فإذا اشترى أحد المكاتبين الآخر صح شراؤه وملكه لأن التصرف صدر من أهله في محله وسواء كانا مكاتبين لسيد واحد أو لسيدين فإذا عاد الثاني فاشترى الذي اشتراه لم يصح لأنه سيده ومالكه وليس للمملوك أن يملك مالكه لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام إذ كل واحد منهما يقول لصاحبه أنا سيدك ولي عليك مال الكتابة تؤديه إلى فإن عجزت فلي فسخ كتابتك وردك إلى أن تكون رقيقا لي وهذا تناقض وإذا تنافى أن تملك المرأة زوجها ملك اليمين لثبوت ملكه عليها في النكاح فههنا أولى ولأنه لو صح هذا لتقاص الدينان إذا تساويا وعتقا جميعا فإذا ثبت هذا فشراء الأول صحيح والمبيع هاهنا باق على كتابته فإن أدى عتق وولاؤه موقوف فإن أدى سيده كتابته كان له لأنه عتق بأدائه إليه فإن عجز فولاؤه لسيده لأن العبد لا يثبت له ولاء ولأن السيد يأخذ ماله فكذلك حقوقه هذا مقتضى قول القاضي ومقتضى قول أبي بكر أن الولاء لسيده لأن المكاتب عبد لا يثبت له الولاء فيثبت لسيده وكذلك فيما إذا عتق بإذن سيده أو كاتب عبده فأدى كتابته وهذا نظيره ويحتمل أن يفرق بينهما لكون العتق ثم بإذن السيد فيحصل الإنعام منه بإذنه فيه وهاهنا لا يفتقر إلى إذنه فلا نعمة له عليه فلا يكون له عليه ولاء ما لم يعجزه سيده والله أعلم
فصل : وإن لم يعلم السابق منهما فقال أبو بكر : يبطل البيعان ويرد كل واحد منهما إلى كتابته لأن كل واحد منهما مشكوك في صحة بيعه فيرد إلى اليقين وذكر القاضي أنه يجري مجرى ما إذا زوج الوليان فأشكل الأول منهما فيقتضي هذا أن يفسخ البيعان كما يفسخ النكاحان وعلى قول أبي بكر لا حاجة إلى الفسخ لأن النكاح إنما احتيج إلى فسخه من أجل المرأة فإنها منكوحة نكاحا صحيحا لواحد منهما يقينا فلا يزول إلا بفسخ وفي مسألتنا لم يثبت تعين البيع في واحد بعينه فلم يفتقر إلى فسخ (12/475)
حكم ما لو كاتب عبيدا وما يلحق ذلك
فصل : وإذا كاتب عبيدا له صفقة واحدة بعوض واحد مثل أن يكاتب ثلاثة أعبد له بألف صح في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء و سليمان بن موسى و أبو حنيفة و مالك و الحسن بن صالح و إسحاق وهو المنصوص عن الشافعي رضي الله عنه وقال بعض أصحابه : فيه قول آخر لا يصح لأن العقد مع ثلاثة كعقود ثلاثة وعوض كل منهما مجهول فلم يصح كما لو باع كل واحد منهما لواحد صفقة واحدة بعوض واحد
ولنا أن جملة العوض معلومة وإنما جهل تفصيلها فلم تمنع صحة العقد كما لو باعهم لواحد وعلى قول من قال : إن العوض يكون بينهم على السواء فقد علم أيضا تفصيل العوض وعلى كل واحد منهما ثلث وكذا يقول فيما لو باعهم لثلاثة إذا ثبت هذا فإن كل واحد منهم مكاتب بحصته من الألف ويقسم بينهم على قدر قيمتهم حين العقد لأنه حين المعاوضة وزوال سلطان السيد عنهم فإذا أداه عتق هذا قول عطاء و سليمان بن موسى و الحسن بن صالح و الشافعي و إسحاق وقال أبو بكر عبد العزيز : يتوجه لأبي عبد الله قول آخر أن العوض بينهم على عدد رؤوسهم فيتساوون فيه لأنه أضيف إليهم إضافة واحدة فكان بينهم بالسوية كما لو أقر لهم بشيء
ولنا أن هذا عوض فتسقط على العوض كما لو اشترى شقصا وسيفا وكما لو اشترى عبيدا فرد واحدا منهم بعيب أو تلف أحدهم ورد الآخر ويخالف الإقرار فإنه ليس بعوض إذا ثبت هذا فأيهم أدى حصته عتق
وهذا قول الشافعي وقال ابن أبي موسى : لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع كتابته وحكي ذلك عن أبي بكر وهو قول مالك وحكي عنه أنه إذا امتنع أحدهم عن الكسب مع القدرة عليه أجبر عليه الباقون واحتجوا بأن الكتابة واحدة بدليل أنه لا يصح من كل واحد منهم الكتابة بقدر حصته دون الباقين ولا يحصل العتق إلا بأداء جميع الكتابة كما لو كان المكاتب واحدا وقال أبو حنيفة : إن لم يقل لهم السيد إن أديتم عتقتم فأيهم أدى حصته عتق وإن أدى جميعها عتقوا كلهم ولم يرجع على صاحبيه بشيء وإن قال لهم إن أديتم عتقتم لم يعتق واحد منهم حتى تؤدى الكتابة كلها ويكون بعضهم حميلا عن بعض ويأخذ أيهم شاء بالمال وأيهم أداها عتقوا كلهم ورجعوا على صاحبيه بحصتهما ولنا أنه عقد معاوضة مع ثلاثة فاعتبر كل واحد منهم بأداء حصته كما لو اشتروا عبدا وكما لم يقل لهم إن أديتم عتقتم على قول أبي حنيفة فإن قوله ذلك لا يؤثر لأن استحقاق العتق بأداء العوض لا بهذا القول بدليل أنه يعتق بالأداء بدون هذا القول ولم يثبت كون هذا القول مانعا من العتق ولا نسلم أن هذا العقد كتابة واحدة فإن العقد مع جماعة عقود بدليل البيع ولا يصح القياس على كتابته الواحد لأن ما قدره في مقابله عتقه وهاهنا في مقابلة عتقه ما يخصه فافترقا إذا ثبت هذا فإنه شرط عليهم في العقد أن كل واحد منهم ضامن عن الباقين فالشرط فاسد والعقد صحيح وقال أبو الخطاب في الشرط رواية أخرى أنه صحيح وخرجه ابن حامد وجها بناء على الروايتين في ضمان الحر لمال الكتابة وقال الشافعي رضي الله عنه : العقد والشرط فاسدان لأن الشرط فاسد ولا يمكن تصحيح العقد بدونه لأن السيد إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا لم يثبت لم يكن راضيا بالعقد وقال مالك و أبو حنيفة : العقد والشرط صحيحان لأنه مقتضى العقد عندهما
ولنا أن مال الكتابة ليس بلازم ولا ماله إلى اللزوم فلم يصح ضمانه كما لو جعل المال صفة مجردة في العتق فقال : إن أديت إلي ألفا فأنت حر ولأن الضامن لا يلزمه أكثر مما يلزم المضمون عنه ومال الكتابة لا يلزم المكاتب فلا يلزم الضامن ولأن الضمان تبرع وليس للمكاتب التبرع ولأنه لا يملك الضمان عن حر ولا عمن ليس معه في الكتابة فكذلك من معه وأما العقد فصحيح لأن الكتابة لا تفسد بفساد الشرط بدليل خبر بريرة وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى
فصل : إذا مات بعض المكاتبين سقط قدر حصته نص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية حنبل وكذلك إن أعتق بعضهم وعن مالك إن أعتق السيد أحدهم وكان مكتسبا لم ينفذ عتقه لأنه يضر بالباقين وإن لم يكن مكتسبا نفذ عتقه لعدم الضرر فيه وهذا مبني على أنه لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع مال الكتابة وقد مضى الكلام فيه
فصل : فإن أدى أحد المكاتبين عن صاحبه أو عن مكاتب آخر قبل أداء ما عليه بغير علم سيده لم يصح لأن هذا تبرع وليس له التبرع بغير إذن سيده وإن كان قد حل عليه نجم صرف ذلك فيه وإن لم يكن حل عليه نجم فله الرجوع فيه وإن علم السيد بذلك ورضي بقبضه عن الآخر صح لأن قبضه له راضيا به مع العلم دليل على الإذن فيه فجاز كما لو أذن فيه تصريحا وإن كان الأداء بعد أن عتق صح وسواء علم السيد أو لم يعلم فإذا أراد الرجوع على صاحبه بما أدى عنه نظرنا فإن كان قد قصد التبرع عليه لم يرجع به وإن أداه محتسبا بالرجوع عليه وكان الأداء بإذن المؤدي عنه فهو فرض يلزمه أداؤه كما لو اقترضه منه وإن كان بغير إذنه لم يرجع عليه لأنه تبرع عليه بأداء ما لا يلزمه كما لو تصدق عنه صدقة وتطوع وبهذا فارق سائر الديون وإن كان بإذنه وطلب استيفاء قدم على أداء مال الكتابة كسائر الديون وإذا عجز عن أدائه فحكمه حكم سائر الديون وهذا كله مذهب الشافعي
فصل : ولا يصح ضمان الحر لمال الكتابة وذكر القاضي فيه روايتين : أحدهما : يصح ضمانه لأنه عوض في معاوضة فصح ضمانه كثمن المبيع
ولنا ما ذكرناه من قبل ولا يصح قياسه على الثمن لأنه لازم وهذا غير لازم
فصل : وإذا أدوا ما عليهم أو بعضه ثم اختلفوا فقال من كثرت قيمته أدى كل واحد منا بقدر ما عليه فلا فضل لأحدنا على صاحبه وقال من قلت قيمته أدينا على السواء فلي الفضل عليك أو يكون وديعة لي عند سيدنا فالقول قول الأول لأن الظاهر أن من عليه دين لا يؤدي أكثر منه فرجحت دعواه بذلك فإن كان المؤدى أكثر مما عليهم واختلفوا في الزيادة فالقول قول من يدعي التساوي لأنهم اشتركوا في أدائه فكانت أيديهم عليهم فاستووا فيه كما لو كان في أيديهم مال فاختلفوا فيه
فصل : وإن جنى بعضهم فجنايته عليه دون صاحبه وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه وقال مالك رضي الله عنه : يؤدون كلهم أرشة فإن عجزوا رقوا
ولنا قول الله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وقول النبي صلى الله عليه و سلم [ لا يجني جان إلا على نفسه ] ولأنه لو اشترك رجلان وتعاقدا لم يحمل أحدهما جناية صاحبه فكذا هاهنا لأن ما لا يصح لا يتضمنه عقد الكتابة ولا يجب على أحدهما بفعل الآخر كالقصاص وقد بينا أن كل واحد منهما مكاتب بحصته فهو كالمنفرد بعقده (12/476)
حكم ما لو شرط في كتابته أن يولي من يشاء
مسألة : قال : وإذا شرط في كتابته أن يولي من شاء فالولاء لمن أعتق والشرط باطل
أما الشرط فباطل لا نعلم في بطلانه خلافا وذلك لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : كانت في بريرة ثلاث قضيات أراد أهلها أن يبيعوها ويشترطوا الولاء فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال [ اشتريها واعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ] متفق عليه وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ] فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال [ أما بعد فما بال ناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ؟ ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن عتق ] متفق عليه ولأن الولاء لا يصح نقله بدليل أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع الولاء وهبته وقال : [ إنما الولاء لمن أعتق ] ولأنه لحمة كلحمه النسب فلم يصح اشتراطه لغير صاحبه كالقرابة ولأنه حكم العتق فلم يصح اشتراطه لغير المعتق كما لا يصح اشتراط حكم النكاح لغير الناكح ولا حكم البيع لغير العاقد وسواء شرط أن يوالي من شاء أو شرطه لبائعه أو لرجل آخر بعينه ولا تفسد الكتابة بهذا الشرط نص عليه أحمد رضي الله عنه وقال الشافعي رضي الله عنه : يفسد به كما لو شرط عوضا مجهولا ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الشروط الفاسدة في البيع
ولنا حديث بريرة فإن أهلها شرطوا لهم الولاء فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بشرائها مع هذا الشرط وقال [ إنما الولاء لمن أعتق ] ويفارق جهالة العوض فإنه ركن العقد لا يمكن تصحيح العقد بدونه وربما أفضت جهالته إلى التنازع والاختلاف وهذا الشرط زائد فإذا حذفناه بقي العقد صحيحا بحاله فإن قيل المراد بقول النبي صلى الله عليه و سلم [ اشترطي لهم الولاء ] أي عليهم لأن النبي صلى الله عليه و سلم لا يأمر بالشرط الفاسد واللازم تستعمل بمعنى على كقول الله تعالى { وإن أسأتم فلها } أي فعليها قلنا هذا لا يصح لوجوه أربعة : أحدها أنه يخالف وضع اللفظ والاستعمال والثاني : أن أهل بريرة أبوا هذا الشرط فكيف يأمرها النبي صلى الله عليه و سلم بشرط لا يقبلونه ؟ والثالث : أن ثبوت الولاء لها لا يحتاج إلى شرط لأنه مقتضى العتق وحكمه والرابع : أن في بعض الألفاظ [ لا يمنعنك هذا الشرط منا ابتاعي وأعتقي ] وإنما أمرها النبي صلى الله عليه و سلم بالشرط تعريفا لنا أن وجود هذا الشرط كعدمه وأنه لا ينقل الولاء عن المعتق (12/480)
شروط وشروط مضادة
فصل : وإن اشترط السيد على المكاتب أن يرثه دون ورثته أو يزاحمهم في مواريثهم فهو شرط فاسد في قول العلماء منهم الحسن و عطاء و شريح وعمر بن عبد العزيز والنخعي و إسحاق وأجاز إياس بن معاوية أن يشترط شيئا من ميراثه ولا يصح لأنه يخالف كتاب الله عز و جل وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل بقول النبي صلى الله عليه و سلم قال سعيد : حدثنا منصور عن ابن سيرين أن رجلا كاتب مملوكه واشترط ميراثه فلما مات المكاتب تخاصم ورثته إلى شريح فقضى شريح بميراث المكاتب لورثته فقال الرجل : ما يغني عني شرطي منذ عشرين سنة ؟ فقال شريح : كتاب الله أنزله على نبيه قبل شرطك بخمسين سنة ولا تفسد الكتابة بهذا الشرط كالذي قبله
فصل : وإن شرط عليه خدمة معلومة بعد العتق جاز وبه قال عطاء و ابن شبرمه وقال مالك و الزهري : لا يصح لأنه ينافي مقتضى العقد أشبه ما لو شرط ميراثه
ولنا أنه روى عن عمر رضي الله عنه أنه أعتق كل من يصلي من سبي العرب وشرط عليهم أنكم تخدمون الخليفة من بعدي ثلاث سنوات ولأنه اشترط خدمة في عقد الكتابة أشبه ما لو شرطها قبل العتق ولأنه شرط نفعا معلوما أشبه ما لو شرط عوضا معلوما ولا نسلم أنه ينافي مقتضى العقد فإن مقتضاه العتق عند الأداء وهذا لا ينافيه
فصل : وإذا كاتبه على ألفين في رأس السنة كل شهر ألف وشرط أن يعتق عند أداء الأول صح في قياس المذهب ويعتق عند أدائه لأن السيد لو أعتقه بغير أداء شيء صح فكذلك إذا أعتقه عند أداء البعض ويبقى الآخر دينا عليه بعد عتقه كما لو باعه نفسه به (12/481)
حكم ما لو أسر العدو المكاتب فاشتراه رجل وأخرجه إلى سيده
مسألة : قال : وإذا أسر العدو المكاتب فاشتراه رجل فأخرجه إلى سيده فأحب أخذه أخذه بما اشتراه فهو على كتابته وإن لم يجب أخذه فهو على ملك مشتريه مبقى على ما بقي من كتابته يعتق بالأداء وولاؤه لمن يؤدي إليه
وجملته أن الكفار إذا أسروا مكاتبا ثم استنقذه المسلمون فالكتابة بحالها فإن أخذ في الغنائم فعلم بحاله أو أدركه سيده قبل قسمه أخذه بغير شيء وكان على كتابته كمن لم يؤسر وإن لم يدركه حتى قسم وصار في سهم يعض الغانمين أو اشتراه رجل من الغنيمة قبل القسمة أو من المشركين وأخرجه إلى سيده فإن سيده أحق به بالثمن الذي ابتاعه به وفيما إذا كان غنيمة رواية أخرى أنه إذا قسم فلا حق للسيد فيه بحال فيخرج في المشتري مثل ذلك وعلى كل تقدير فإن سيده إن أخذه فهو مبقي من كتابته وإن تركه فهو في يد مشتريه مبقي على ما بقي من كتابته فيعتق الأداء في الموضعين وولاءه لمن يؤدي إليه كما لو اشتراه من سيده
وقال أبو حنيفة و الشافعي رضي الله عنهما : لا يثبت عليه ملك الكفار ويرد إلى سيده بكل حال ووافق أبو حنيفة الشافعي في المكاتب والمدبر خاصة لأنهما عنده لا يجوز بيعهما ولا نقل الملك فيهما فأشبها أم الولد وقد تقدم الكلام في الدلالة على إن ما أدركه صاحبه مقسوما لا يستحق صاحبه شيء وكذلك ما اشتراه مسلم من دار الحرب وفي أن المكاتب والمدبر يجوز بيعهما بما يغني عن إعادته هاهنا
فصل : وهل يحتسب عليه بالمدة التي كان فيها مع الكفار ؟ علة وجهين : أحدهما : لا يحتسب عليه بها لأن الكتابة اقتضت تمكينه من التصرف والكسب في هذه المدة فإذا لم يحصل له ذلك لم يحتسب عليه كما لو حبسه سيده فعلى هذا ينبني على ما مضى من المدة قبل الأسر وتبقى مدة الأسر كلها كأنها لم توجد
والثاني : يحتسب عليه بها لأنها من مدة الكتابة مضت بغير تفريط من سيده فاحتسب عليه بها كما لو مرض ولأنه مدين مضت مدة من أجل دينه في حبسه فاحتسب عليه بها كسائر الغرماء وفارق ما إذا حبسه سيده بما سنذكره إن شاء الله تعالى فعلى هذا إذا حل عليه نجم عند استنقاذه جازت مطالبته وإن حل ما يجوز تعجيزه يترك أدائه فلسيده تعجيزه ورده إلى الرق وهل له ذلك بنفسه أم حكم الحاكم ؟ فيه وجهان
أحدهما : له ذلك لأنه تعذر عليه الوصول إلى المال في وقته فأشبه ما لو كان حاضرا يحققه أنه لو كان حاضرا والمال غائبا يتعذر إحضاره وأداؤه في مدة قريبة لكان لسيده الفسخ فالمال هاهنا إما معدوم وإما غائب يتعذر أداؤه وفي كلتا الحالتين يجوز الفسخ
الثاني : ليس له ذلك إلا بحكم الحاكم لأنه مع الغيبة يحتاج إلى أن يبحث أله مال أم لا ؟ وليس كذلك إذا كان حاضرا فإنه يطالبه فإن أدى وإلا فقد عجز نفسه فإن فسخ الكتابة بنفسه أو بحكم الحاكم ثم خلص المكاتب فادعى أن له مالا في وقت الفسخ يفي بما عليه وأقام بذلك بينة بطل الفسخ ويحتمل أن لا يبطل حتى يثبت أنه كان يمكنه أداؤه لأنه إذا كان متعذر الأداء كان وجوده كعدمه
فصل : وإن حبسه سيده مدة فقد أساء ولا يحتسب عليه بمدته في أحد الوجوه
والثاني يحتسب عليه بمدته لأن مال الكتابة دين مؤجل فيحتسب بمدة الحبس من الأجل كسائر الديون المؤجلة فعلى هذا الوجه يلزمه أجر مثله في المدة التي حبسه فيها والأول أصح لأن على سيده تمكينه من التصرف مدة كتابته فإذا حبسه مدة وجب عليه تأخيره مثل تلك المدة ليستوفي الواجب له ولأن حبسه ولأن حبسه يفضي إلى إبطال الكتابة وتفويت مقصودها ورده إلى الرق ولأن عجزه عن أداء نجومه في محلها بسبب من سيده فلم يستحق به فسخ العقد كما لو منع البائع المشتري من أداء الثمن لم يستحق فسخ البيع ولو منعت المرأة زوجها من الإنفاق عليها لم يستحق فسخ العقد كذا ههنا
الوجه الثالث : أنه يلزم سيده أرفق الأمرين به من تخليته مثل تلك المدة أو أجر مثلها لأنه قد وجد سببهما فكان للمكاتب أنفعهما (12/482)
صحة الكتابة وأحكام الكتابة الفاسدة
فصل : وإذا أوصى بأن يكاتب عبده صحت الوصية لأن الكتابة يتعلق بها حق الله تعالى وحق الآدمي فإذا أوصى به صح وتعتبر قيمته من ثلثه لأنه تبرع من جهته فإنه بيع ماله بماله فإن خرج من الثلث لزمهم كتابته ولا يعتبر مال الكتابة من ماله ذكر القاضي لأنه نماء ماله وفائدته ولأن الاعتبار بحاله الموت وهو لا يملك مال الكتابة ثم ينظر فإن عين مال الكتابة كاتبوه عليه سواء كان أقل من قيمته أو مثلها أو أكثر فإن لم يعينه كاتبوه على ما جرى العرف بكتابة مثله به والعرف أن يكاتب العبد بأكثر من قيمته لكون دينها مؤجلا ويجب رد ربعه إليه ويعتبر في ذلك رضا العبد لأن الكتابة لا تلزمه ولا يجوز إجباره عليها بخلاف ما لو وصى بعتقه فإنه يعتق ولا يقف على اختياره ولا رضاه فإن رد الوصية بطلت فإن عاد فطلبها لم تلزمه إجابته إليها لأن وصيته بطلت بالرد فأشبه الوصية بالمال وإن لم يكن ردها وجبت إجابته إليها وإذا أدى عتق وكان ولاؤه للموصى بكتابته كما لو وصي بعتقه فإن عجز فللوارث رده في الرق وإن لم يخرج من الثلث فإنه يكاتب منه ما خرج من الثلث وإن كان قد وصى بوصايا غير الكتابة لا تخرج من الثلث تحاصوا في الثلث وأدخل النقص على كل واحد منهم بقدر ماله في الوصية ويتخرج أن تقدم الكتابة بناء على الرواية التي يقدم العتق لأن الكتابة مقصودها العتق وتفضي إليه ويحتمل أن لا تقدم بحال لأن العتق تغليب وسراية ليس هو للكتابة وإفضاؤها إلى العتق لا يوجب تقديمها كما لو وصى لرجل بابنه فإنه لا يقدم مع أن القصد بوصيته العتق و يفضي إليه
فصل : فإن قال : كاتبوا أحد رقيقي فللورثة مكاتبة من شاءوا منهم في أحد الوجهين وفي الآخر يكاتبون واحدا منهم بالقرعة وإن قال أحد عبيدي فكذلك إلا أنه ليس لهم مكاتبة أمة ولا خنثى مشكل لأنه لا يعلم كون الخنثى عبدا أو أمة وإن قال أحد الإماء فليس لهم مكاتبة عبد ولا خنثى مشكل كذلك وإن كان الخنثى غير مشكل وكان رجلا فلهم مكاتبته إذا قال كاتبوا أحد عبيدي وإن كان أنثى فلهم مكاتبته وإذا قال كاتبوا أحد إمائي لأن هذا عيب فيه والعيب لا يمنع الكتابة والله أعلم
فصل : والكتابة الفاسدة أن يكاتبه على عوض مجهول أو عوض حال أو محرم كالخمر والخنزير فأما الشرط في الكتابة شرطا فاسدا فالمنصوص أنه لا يفسدها لكن يلغو الشرط وتبقى الكتابة صحيحة ويتخرج أن يفسدها بناء على الشروط الفاسدة في البيع وهذا مذهب الشافعي
وقد روى عن أبي عبد الله رحمه الله ما يدل على أن الكتابة على العوض المحرم باطلة لا يعتق بالأداء فيها وهو اختيار أبي بكر فإنه قد روى عن أحمد رضي الله عنه أنه قال : إذا كاتبه كتابة فاسدة فأدى ما كوتب عليه عتق ما لم تكن الكتابة محرمة فحكم بالعتق بالأداء إلا في المحرمة
واختار القاضي أنه يعتق بالأداء كسائر الكتابات الفاسدة ويمكن حمل كلام القاضي على ما إذا جعل السيد الأداء شرطا للعتق فقال : إذا أديت إلي فأنت حر فأدى إليه فإنه يعتق بالصفة المجردة لا بالكتابة ويثبت في هذه الكتابة حكم الصفة في العتق بوجودها لا بحكم الكتابة وأما غيرها من الكتابة الفاسدة فإنها تساوي الصحيحة في أربعة أحكام : أحدها : أنه يعتق بأداء ما كوتب عليه سواء صرح بالصفة فقال : إن أديت إلي فأنت حر أو لم يقل لأن معنى الكتابة يقتضي هذا فيصير كالمصرح به فيعتق بوجوده كالكتابة الصحيحة
الثاني : أنه إذا عتق بالأداء لم تلزمه قيمة نفسه ولم يرجع على سيده بما أعطاه ذكره أبو بكر وهو ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه وقال الشافعي رضي الله عنه : يتراجعان فيجب على العبد قيمته وعلى السيد ما أخذه فيتقاصان بقدر اقلهما إن كانا من جنس واحد ويأخذ ذو فضله لأنه عقد معاوضة فاسدة فوجب التراجع فيه كالبيع الفاسد
ولنا أنه عقد كتابة لمعاوضة حصل العتق فيها بالأداء فلم يجب التراجع فيها كما لو كان العقد صحيحا ولأن ما أخذه السيد فهو من كسب عبده الذي لم يملك كسبه فلم يجب عليه رده والعبد عتق بالصفة فلم تجب عليه قيمته كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر
وأما البيع الفاسد فإنه إن كان بين هذا وبين سيده فلا رجوع على السيد بما أخذه وإن كان بينه وبين غيره فإنه أخذه ما لا يستحقه ودفع إلى الآخر ما لا يستحقه بعقد المقصود منه المعاوضة وفي مسألتنا بخلافه
الثالث : أن المكاتب يملك التصرف في كسبه لأن عقد الكتابة تضمن الإذن في ذلك وله أخذ الصدقات والزكوات لأن مكاتب يعتق بالأداء فملك ذلك كما في الكتابة الصحيحة الرابع : أنه إذا كاتب جماعة كتابة فاسدة فأدى أحدهم حصته عتق على قول من قال : إنه يعتق في الكتابة الصحيحة بأداء حصته لأن معنى العقد أن كل واحد منهما مكاتب بقدر حصته متى أدى كل واحد منهما قدر حصته فهو حر ومن قال لا يعتق في الصحيحة إلا أن يؤدي الجميع فهاهنا أولى وتفارق الصحيحة في ثلاثة أحكام : أحدها أن لكل واحد من السيد والمكاتب فسخها ورفعها سواء كان ثم صفة أو لم تكن وهذا قول أصحاب الشافعي رضي الله عنه لأن الفاسد لا يلزم حكمه والصفة هاهنا مبنية عليها بخلاف الصفة المجردة ولأن السيد لم يرضى بهذه الصفة إلا بأن يسلم له العوض المسمى فإذا لم يسلم كان له إبطالها بخلاف الكتابة الصحيحة فإن العوض سلم له فكان العقد لازما له
الثاني : أن السيد إذا أبرأه من المال لم تصح البراءة ولا يعتق بذلك غير ثابت في العقد بخلاف الكتابة الصحيحة وجرى هذا مجرى الصفة المجردة في قوله إذا أديت إلي ألفا فأنت حر
الثالث : أنه لا يلزم السيد أن يؤدي إليه شيئا من الكتابة لأن العتق هاهنا بالصفة المجردة فأشبه ما لو قال : إذا أديت إلى ألفا فأنت حر واختلف في أحكام أربعة : أحدها : في بطلان الكتابة بموت السيد فذهب القاضي وأصحابه إلى بطلانها وهو قول الشافعي رضي الله عنه لأنه عقد جائز من الطرفين لا يؤول إلى اللزوم فيبطل بالموت كالوكالة ولأن المغلب فيها حكم الصفة المجردة والصفة تبطل بالموت فكذلك هذه الكتابة وقال أبو بكر : لا تبطل بالموت ويعتق بالأداء إلى الوارث وهو قول أبي حنيفة وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه مكاتب يعتق بالأداء إلى السيد فيعتق بالأداء إلى الوارث كما في الكتابة الصحيحة ولأن الفاسدة كالصحيحة قي باب العتق بالأداء وفي أن الولد يتبعه فكذلك في هذا
والثاني : في بطلانها بجنون السيد والحجر عليه لسفه والخلاف فيه في بطلانها بموته والأول أنها تبطل هاهنا لأن الصفة المجردة لا تبطل بذلك والمغلب في هذه الكتابة حكم الصفة المجردة فلا تبطل به فعل هذا لو أدى إلى سيده بعد ذلك عتق وعلى قول من أبطلها لا يعتق
الثالث : أن ما في يد المكاتب وما يكسبه وما يفضل في يده بعد الأداء له دون سيده في قول القاضي ومذهب الشافعي رضي الله عنه لأنها كتابة يعتق بالأداء فيها فكان هذا الحكم ثابتا فيها كالصحيحة وقال أبو الخطاب : ذلك لسيده في الموضعين لأن كسب العبد لسيده بحكم الأصل والعقد هاهنا فاسد لم يثبت الحكم في وجوب العوض في ذمته فلم ينقل الملك في العوض كسائر العقود الفاسدة ولأن المغلب فيها حكم الصفة المجردة وهي لا تثبت الملك له في كسبه فكذا ههنا وفارقت الكتابة الصحيحة فإنها تثبت في الملك في العوض فأثبته في المعوض الرابع : هل يتبع المكاتبة ولدها ؟ قال أبو الخطاب : فيه وجهان : أحدهما : يتبعها لأنها كتابة يعتق فيها بالأداء فيعتق ولدها كالكتابة الصحيحة والثاني : لا يتبعها وهو أقيس وأصح لما ذكرنا في الذي قبله ولأن الأصل بقاء الرق فيه فلا يزول إلا بنص أو معنى نص وما وجد واحد منهما ولا يصح القياس على الكتابة الصحيحة لما ذكرنا من الفرق بينهما فيما تقدم فيبقى على الأصل والله أعلم (12/484)
كتاب عتق أمهات الأولاد
أم الولد هي التي ولدت من سيدها ملكه ولا خلاف في إباحة التسري ووطء الإماء لقول الله تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } وقد كانت ماريه القبطية أم ولد النبي صلى الله عليه و سلم وهي أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و سلم التي قال فيها [ اعتقها ولدها ] وكانت هاجر أم إسماعيل عليه السلام سرية إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وكان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أمهات أولاد أوصى لكل واحدة منهن بأربعمائة وكان لعلي رضي الله عنه أمهات أولاد ولكثير من الصحابة وكان علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم عن عبد الله من أمهات أولاد وروي أن الناس لم يكونوا يرغبون في أمهات الأولاد حتى ولد هؤلاء الثلاثة من أمهات الأولاد فرغب الناس فيهن وروي عن سالم بن عبد الله قال : كان لابن رواحه جارية وكان يريد الخلوة بها وكانت امرأته ترصده فخلا البيت فوقع عليها فندرت به امرأته وقالت : أفعلتها ؟ قال : ما فعلت قالت : فقر إذا فقال
( شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا )
( وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا )
( وتحمله ملائكة شداد ... ملائكة الإله مسومينا )
قالت : إذ أقررت فاذهب إذا فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره قال : فلقد رأيته يضحك حتى تبدو نواجذه ويقول [ هيه كيف قلت ؟ ] فأكرره عليه فيضحك (12/488)
حكم ما لوطئ الرجل أمته فأتت بولد بعد ستة أشهر
فصل : فإذا وطئ الرجل أمته فأتت بولد بعد وطئه بستة أشهر فصاعدا لحقه نسبه وصارت له بذلك أم ولد وإن أتت بولد تام لأقل من ستة أشهر لم يلحقه نسبه لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر بدليل ما روى الحسن أن امرأة ولدت لستة أشهر فأتى بها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهم برجمها فقال له علي رضي الله عنه : ليس لك ذلك إن الله يقول { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } فقد يكون في البطن ستة أشهر والرضاع أربعة وعشرون شهرا فذلك تمام ما قال الله تعالى : { ثلاثون شهرا } فخلى عنها عمر وروي عن ابن عباس أنه قال ذلك لعثمان ومن اعترف بوطء أمته فأتت بولد يمكن أن يكون منه لحقه نسبه ولم يكن له نفيه لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : حصنوا هذه الولائد فلا يطأ رجل وليدته ثم ينكر ولدها إلا ألزمته إياه رواه سعيد وعن ابن عمر قال : قال عمر : أيما رجل غشي أمته ثم ضيعها فالضيعة عليه والولد ولده رواه سعيد أيضا ولأن أمته صارت فراشا بالوطء فلحقه ولدها كالمرأة ولقوله صلى الله عليه و سلم [ الولد للفراش ] فإن نفاه سيدها لم ينتف عنه إلا أن يدعي أنه استبرأها وأتت بالولد بعد استبرائها بستة أشهر فينتفي عنه بذلك وهل يحلف على ذلك ؟ على وجهين وقد روي عن الحسن قال : إذا أنكر الرجل ولده من أمته فله ذلك وعن الشعبي أنه كان يقول : ينتفي من ولده إذا كان من أمته متى شاء
ولنا قول عمرو أنه ولد على فراشه فلم يكن له نفيه كولده من زوجته فإن أقر به لم يكن نفيه بعد ذلك لا نعلم فيه خلافا قال إبراهيم : إذا أقر بولده فليس له أن ينتفي منه فإن انتفى منه ضرب الحد وألحق به الولد قال شريح لرجل أقر بولده لا سبيل لك أن تنتفي منه وكذلك إن هنئ به فسكت أو أمن على الدعاء لأنه دليل على الرضا به فقام مقام الإقرار به وإن كان يطأ جاريته وادعى أنه كان يعزل عنها لم ينتف الولد بذلك لما روى أبو سعيد [ أنه قال : يا رسول الله إنا نصيب ونحب الأثمان أفنعزل عنهن فقال : إن الله إذا قضى خلق نسمة خلقها ] وعن جابر قال : [ جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل مني فقال : اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها قال : فلبث الرجل ثم أتاه فقال : إن الجارية قد حملت فقال : قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها ] رواه أبو داود وعن أبي سعيد أنه قال : كنت أعزل عن جاريتي فولدت أحب الخلق إلى يعني ابنه وعن ابن عمر أن عمر قال : ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلونهن لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه أتاها إلاألحقت به ولدها فاعزلوا بعد ذلك أو اتركوا ولأنها بالوطء صارت فراشا وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم [ الولد للفراش ] ولما [ تنازع عبد بن زمعة وسعد في ابن وليدة زمعة فقال عبد هو أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه م فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر ] متفق عليه ولأنه قد يسبق من الماء ما لا يحس به فيخلق منه الولد وقد روي عن ابن عمر وزيد بن ثابت ما يدل على أن الولد لا يلحق به مع العزل فروى سعيد : حدثنا سفيان عن أبي نجيح عن فتى من أهل المدينة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعزل عن جارية له فجاءت بحمل فشق عليه وقال اللهم لا تلحق بآل عمر من ليس منهم فإن آل عمر ليس بهم خفاء فولدت ولدا اسود فقال : ممن هو ؟ فقالت من راعي الإبل فحمد الله وأثنى عليه وقال : حدثنا سفيان عن حماد عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد أن زيد بن ثابت كانت له جارية فارسية وكان يعزل عنها : فجاءت بولد فأعتق الولد وجلدها الحد وقال : إنما كنت استطبت نفسك ولا أريدك وفي رواية قال : ممن حملت ؟ قالت منك فقال كذبت وما وصل إليك مني ما يكون منه الحمل وما أطؤك إلا أني استطبت نفسك وقال الثوري و أبو حنيفة : لا تصير فراشا ولا يلحقه ولدها إلا أن يقر بولدها فيلحقه أولادها بعد ذلك ولنا ما ذكرناه وقول عمر الموافق للسنة أولى من قوله فيما خالفها (12/489)
حكم لو اعترف بوطء أمته من الدبر أو دون الفرج
فصل : وإن اعترف بوطء أمته في الدبر أو دون الفرج فقد روي عن احمد رضي الله عنه أنه يلحقه ولدها وتصير فراشا بهذا وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي رضي الله عنه ولأنه قد يجامع فيسبق الماء إلى الفرج والصحيح في هذا إن شاء الله تعالى أنها لا تصير بهذا فراشا لأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص ولا يثبت الحكم إلا بدليل ولا ينتقل عن الأصل إلا بناقل عنه إذا ثبت هذا فكل موضع لحقه الولد من أمته إذا حملت به في ملكه الولد حر الأصل لا ولاء عليه وتصير الأمة أم ولد (12/491)
أحكام أمهات الأولاد أحكام الإماء غير أنهن لا يبعن
مسألة : قال وأحكام أمهات الأولاد أحكام الإماء في جميع أمورهن إلا أنهن لا يبعن
وجملة ذلك أن الأمة إذا حملت من سيدها وولدت منه ثبت لها حكم الاستيلاد وحكمها حكم الإماء في حل وطئها لسيدها واستخدامها وملك كسبها وتزويجها وإجارتها وعتقها وتكليفها وحدها وعورتها وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن مالك أنه لا يملك إجارتها وتزويجها لأنه لا يملك بيعها فلا يمكن تزويجها وإجارتها كالحرة
ولنا أنها مملوكة ينتفع بها فيملك سيدها تزويجها وإجارتها كالمدبرة ولأنها مملوكة تعتق بموت سيدها فأشبهت المدبرة وإنما منع بيعها لأنها استحقت أن تعتق بموته وبيعها يمنع ذلك بخلاف التزويج والإجارة ويبطل دليلهم بالموقوفة والمدبرة عند من منع بيعها إذا ثبت هذا فإنها تخالف الأمة القن في أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال ولا يجوز بيعها ولا التصرف فيها بما ينقل الملك من الهبة والوقف ولا ما يراد للبيع وهو الرهن ولا تورث لأنها تعتق بموت السيد ويزول الملك عنها وروى هذا عن عمر وعثمان وعائشة وعامة الفقهاء وروي عن علي وابن عباس وابن الزبير إباحة بيعهن وذهب إليه داود قال سعيد : حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس في أم الولد قال : بعها كما تبيع شاتك أو بعيرك قال قال سعيد : وحدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن الشعبي عن عبيدة قال : خطب علي الناس فقال : شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته فلما وليت رأيت أن أرقهن قال عبيدة فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي علي وحده وقد روى صالح بن أحمد قال : قلت لأبي : إلى أي شيء تذهب في بيع أمهات الأولاد ؟ قال : أكرهه وقد باع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال في رواية إسحاق بن منصور : لا يعجبني بيعهن قال أبو الخطاب فظاهر هذا أنه يصح بيعهن مع الكراهية فجعل هذا رواية ثانية عن أحمد رضي الله عنه والصحيح أن هذا ليس رواية مخالة لقوله إنهن لا يبعن لأن السلف رحمة الله عليهم كانوا يطلقون إلى الكراهية على التحريم كثيرا ومتى كان التحريم والمنع مصرحا به في سائر الروايات عنه وجب حمل هذا للفظ المحتمل على المصرح به ولا يجعل ذلك اختلافا ولمن أجاز بيعهن أن يحتج بما روى جابر قال : بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر فلما كان عمر رضي الله عنه نهانا فانتهينا رواه أبو داود وما كان جائزا في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم وأبي بكر لم يجز نسخه بقول عمر ولا غيره ولأن نسخ الأحكام إنما يجوز في عصر الرسول صلى الله عليه و سلم لأن النص إنما ينسخ بنص مثله وأما قول الصحابي فلا ينسخ ولا ينسخ به فإن أصحاب النبي صلى الله عليه السلام كانوا يتركون أقوالهم لقول الرسول الله صلى الله عليه و سلم ولا يتركونها بأقوالهم وإنما تحمل مخالفة عمر لهذا النص على أنه لم يبلغه ولو بلغه لم يعده إلى غيره ولأنها مملوكة ولم يعتقها سيدها ولا شيئا منها ولاقرابة بينه وبينها فلم تعتق كما لو ولدت من أبيه في نكاح أو غيره ولأن الأصل الرق ولم يرد بزواله نص ولا ما في معنى ذلك فوجب البقاء عليه ولأن ولادتها لو كانت موجبة لعتقها لثبت العتق بها حين وجودها كسائر أسبابه وروي عن ابن عباس رواية أخرى أنها تجعل في سهم ولدها لتعتق عليه و قال سعيد : حدثنا سفيان الأعمش عن زيد بن هب قال : مات رجل منا وترك أم ولد فأراد الوليد بن عقبة أن يبيعها في دينه فأتينا عبد الله بن مسعود فذكرنا ذلك له فقال : إن كان ولا بد فاجعلوها في نصيب أولادها
ولنا ما روى عكرمة عن ابن عباس قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه ] وقال ابن عباس : ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال [ أعتقها ولدها ] رواهما ابن ماجة
و ذكر الشريف أبو جعفر في مسائله عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد ولا يبعن ولا يرهن ولا يرثن ويستمتع بها سيدها ما بدا له فإن مات فهي حرة وهذا فيما أظن عن عمر ولا يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم بدليل قول علي كرم الله وجه : كان رأيي ورأي عمر أن لا تباع أمهات الأولاد وقوله : فقضى به عمر حياته وعثمان حياته وقول عبيده رأي علي كرم الله وجه وعمر في الجماعة أحب إلينا من راية وحده
وروي عكرمة عن ابن عباس قال : قال عمر رضي الله عنه : ما من رجل كان يقر بأنه يطأ جاريته ثم يموت إلا أعتقها ولدها إذا ولدت وإن كان سقطا فإن قيل : فكيف تصح دعوى الإجماع مع مخالفة علي وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم ؟ قلنا قد روي عنهم الرجوع عن مخالفة فقد روى عبيدة قال بعث إلي علي كرم الله وجهه وإلى شريح أن اقضوا كما كنتم تقصون فإني أبغض الاختلاف وابن عباس قال : ولد أم ولد بمنزلتها وهو الراوي لحديث عتقهن عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن عمر فيدل علة موافقته لهم ثم قد ثبت الإجماع باتفاقهم قبل المخالفة واتفاقهم معصوم عن الخطأ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا يجوز أن يخلو زمن عن قائم لله بحجته ولو جاز ذلك في بعض العصر لجاز في جميعه ورأي الموافق في زمن الاتفاق خير من رأيه في الخلاف بعده فيكون الاتفاق حجة على المخالف له منهم كما هو حجة على غيره ؟ فإن قيل : فلو كان الاتفاق في بعض العصر إجماعا حرمت مخالفته فكيف خالفه هؤلاء الأئمة الذين لا تجوز نسبتهم إلى ارتكاب الحرام ؟ قلنا : الإجماع ينقسم إلى مقطوع به ومظنون وهذا من المظنون فيمكن وقوع المخالفة منهم له مع كونه حجة كما وقع منهم مخالفة النصوص الظنية ولا تخرج بمخالفتهم عن كونها حجة كذا ههنا
فأما قول جابر بعنا أمهات الأولاد في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر فليس فيه تصريح بأنه كان بعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا علم أبي بكر فيكون ذلك واقعا من فعلهم على انفرادهم فلا يكون فيه حجة ويتعين حمل الأمر على هذا لأنه لو كان هذا واقعا بعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وأقرا عليه لم تجز مخالفته ولم يجمع الصحابة بعدهما على مخالفتهما ولو فعلوا ذلك لم يخل من منكر ينكر عليهم ويقول : كيف يخالفون فعل رسول الله وفعل صاحب ؟ وكيف يتركون سنتهما ويحرمون ما أحلا من هذا ؟ ولأنه لو كان ذلك واقعا بعلمهما لاحتج به علي حين رأى بيعهن واحتج به كل من وافقه على بيعهن ولم يجر شيء من هذا فوجب أن يحمل الأمر على ما حملناه عليه فلا يكون فيه إذا حجة ويحتمل أنهم باعوا أمهات الأولاد في النكاح لا في الملك (12/492)
في قول من أجاز بيع أم الولد
فصل : ومن أجاز بيع أم ولد فعلى قوله إن لم يبعها حتى مات ولم يكن له وارث إلا ولدها عتقت عليه وإن كان لها وارث سوى ولدها حسبت من نصيب ولدها فعتقت وكان له ما بقي من ميراثه وإن لم يبق شيء فلا شيء له وإن كانت أكثر من نصيبه وباقيها رقيق لسائر الورثة إلا على قول من قال إنه إذا ورش سهما ممن يعتق عليه سرى العتق إلى باقيه وإن لم يكن لها ولد من سيدها ورثها ورثته كسائر رقيقه (12/495)
حكم ما لو أصاب الأمة وهي في ملك غيره
مسألة : قال : وإذا أصاب الأمة وهي ملك غيره بنكاح فحملت منه ثم ملكها حاملا عتق الجنين وكان له بيعها
وجملته أنه إذا تزوج أمة غيره فأولدها أو أحبلها ثم ملكها بشراء أو غيره لم تصر أم ولد له بذلك سواء ملكها حاملا فولدت في ملكه أو ملكها بعد ولادتها وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه لأنها علقت منه بمملوك فلم يثبت لها حكم الاستيلاد كما لو زنى بها ثم اشتراها ولأن الأصل الرق وإنما خولف هذا الأصل فيما إذا حملت منه في ملكه بقول الصحابة رضي الله عنهم ففيما عداه يبقى على الأصل
ونقل القاضي ابن أبي موسى عن احمد رضي الله عنه أنها تصير أم ولد في الحالين وهو قول الحسن و أبي حنيفة لأنها أم ولده وهو مالك لها فثبت لها حكم الاستيلاد كما لو حملت في ملكه ولم أجد هذه الرواية عن أحمد فيما إذا ملكها بعد ولادتها إنما نقل عنه التوقف عنها في رواية مهنا فقال : لا أقول فيها شيئا وصرح في رواية جماعة سواه بجواز بيعها فقال : لا أرى بأسا أن يبيعها إنما الحسن وحده قال أنها أم ولد وقال : أكثر ما سمعنا فيه من التابعين يقولون لا تكون أم ولد حتى تلد عنده وهو يملكها فإن عبيدة السلماني يقول نبيعها و شريح و إبراهيم و عامر الشعبي وأما إذا ملكها حاملا فظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنها تصير أم ولد وهو مذهب مالك رضي الله عنه لأنها ولدت منه في ملكه فأشبه ما لو أحبلها في ملكه وقد صرح أحمد رضي الله عنه في رواية إسحاق بن منصور أنها لا تكون أم ولد حتى تحدث عنده حملا وروي عنه ابنه صالح قال : سألت أبي عن الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها قال : لا تكون أم ولد له قلت فإن استبرأها وهي حامل منه قال : إذا كان الوطء يزيد في الولد وكان يطؤها بعد ما اشتراها وهي حامل منه كانت أم ولد له قال ابن حامد : إن وطئها في ابتداء حملها أو توسطه كانت بذلك أم ولد له لأن الماء يزيد في سمع الولد وبصره وقال القاضي إن ملكها حاملا فلم يطأها حتى وضعت لم تصر أم ولد له وإن وطئها حال حملها فإن كان بعد أن كمل الولد وصار له خمسة أشهر لم تصر أم ولد له وإن كان وطؤها قبل ذلك صارت له بذلك أم ولد لأن عمر رضي الله عنه قال : أبعد ما اختلطت دماؤكم ودماؤهن ولحومكم ولحومهن بعتموهن ؟ فعلل بالمخالطة ههنا حاصلة لأن الماء يزيد في الولد ولأن لحرية البعض أثرا في تحرير الجميع بدليل ما إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد
وقال أبو الخطاب إن وطئها بعد الشراء فهي أم ولد وكلام الخرقي يقتضي أنها لا تكون أم ولد إلا أن تحبل منه في ملكه وهو الذي نص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية إسحاق بن منصور فقال : لا تكون أم ولد حتى تحدث عنده حملا لأنها لم تعلق منه بحر فلم يثبت لها حكم الاستيلاد كما لوزنى بها ثم اشتراها ويحقق هذا أن حملها منه ما أفاد الحرية لولده فلأن لا يفيدها الحرية أولى ويفارق هذا ما إذا حملت منه في ملكه فإن الولد حر فيتحرر بتحريره وما ذكروه من زيادة الولد بالوطء غير متيقن فإن هذا الولد يحتمل أنه زاد ويحتمل أنه لم يزد فلا يثبت الحكم بالشك ولو ثبت أنه زاد لم يثبت الحكم بهذه الزيادة بدليل ما لو ما ملكها وهي حامل من زنا منه أو من غيره فوطئها لم تصر أم ولد وإن زاد الولد به ولأن حكم الاستيلاد إنما يثبت بالإجماع في حق من حملت منه في ملكه وما عداه ليس في معناه وليس فيه نص ولا إجماع فوجب أن لا يثبت هذا الحكم ولأن الأصل الرق على ما كان عليه (12/496)
حكم ما لو اشترى جارية حاملا من غيره فوطئها
فصل : قال أحمد رضي الله عنه فمن اشترى جارية حاملا من غيره فوطئها قبل وضعها : فإن الولد لا يلحق بالمشتري ولا يبيعه ولكن يعتقه لأنه قد شرك فيه لأن الماء يزيد في الولد
وقد روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أنه مر بامرأة مجح على باب فسطاط فقال : لعله يريد أن يلم بها ؟ قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه في قبره كيف يورثه وهو لا يحل له ؟ أم كيف يستخدمه وهو لا يحل له ] رواه أبو داود يعني إن استلحقه وشركه في ميراثه لم يحل له لأنه ليس بولده فإن اتخذه مملوكا يستخدمه لم يحل له لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد (12/498)
لحكم ما لو وطئ الرجل جارية والده
فصل : وإذا وطئ الرجل جارية ولده فإن كان قد قبضها وتملكها ولم يكن الولد وطئها ولا تعلقت بها حاجته فقد ملكها الأب بذلك وصارت جاريته والحكم فيها كالحكم في جاريته التي ملكها بالشراء وإن وطئها قبل تملكها فقد فعل محرما لأن الله تعالى قال [ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هو العادون ] وهذه ليست زوجا له ولا ملك يمينه فإن قيل فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم [ أنت ومالك لأبيك ] فأضاف مال الابن إلى أبيه بلام الملك والاستحقاق فدل على أنه ملكه قلنا : لم يرد النبي صلى الله عليه و سلم حقيقة الملك بدليل أنه أضاف إليه الولد وليس بمملوك وأضاف إليه ماله في حاله إضافته إلى الولد ولا يكون الشيء مملوكا لمالكين حقيقة في حال واحدة وقد يثبت الملك لولده حقيقة بدليل حل وطء إمائه التصرف في ماله وصحة بيعه وهبته وعتقه ولأن الولد لو مات لم يرث منه أبوه إلا ما قدر له ولو كان ماله لاختص به ولو مات الأب لم يرث ورثته مال ابنه ولا يجب على الأب حج ولا زكاة ولا جهاد بيسار ابنه فعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أراد التجوز بماله بتشبيهه بمال في بعض الأحكام
إذا ثبت هذا فإنه لا حد على الأب للشبهة لأنه إذا لم يثبت حقيقة الملك فلا أقل من أن يكون شبهة تدرأ الحد فإن الحدود تدرأ بالشبهات ولكن يعزر لأنه وطئ جارية لا يملكها وطئا محرما فكان عليه التعزير كوطء الجارية المشتركة وفيه وجه آخر لا يعزر عليه لأن مال ولده كماله ولا يصح لأن ماله مباح له غير ملوم عليه وهذا الوطء هو عاد فيه ملوم عليه وإن علقت منه فالولد حر لأنه من وطء درئ فيه الحد لشبهة الملك وكان حرا كولد الجارية المشتركة ولا تلزمه قيمته لأن الجارية تصير ملكا له بالوطء فيحصل علوقها بالولد وهي ملك له وتصير أم ولد له تعتق بموته وتنتقل إلى ملكه فيحل له وطئها بعد ذلك وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر : لا تصير أم ولد له ولا يملكها لأنه استولدها في غير ملكه فأشبه الأجنبي ولأن ثبوت أحجام الاستيلاد إنما كان بالإجماع فيما إذا استولد مملوكته وهذه ليست مملوكة له ولا في معنى مملوكته فإنها محرمة عليه فوجب أن لا يثبت لها هذا الحكم ولأن الأصل الرق فيبقى على الأصل ولأن الوطء المحرم لا ينبغي أن يكون سببا للملك الذي هو نعمة وكرامة لأنه يفضي إلى تعاطي المحرمات
ولنا أنها علقت منه بحر لأجل الملك فصارت أم ولد له كجارية المشتركة وفارق وطء الأجنبي في هذا إذا ثبت هذا فإنه لا يلزمه مهرها ولا قيمتها
وقال أبو حنيفة : لا يلزمه مهرها ويلزمه قيمتها لأنه أخرجها عن ملك سيدها بفعل محرم فأشبه ما لو قتلها وإنما لم يلزمه مهرها لأنه إذا ضمنها فقد دخلت قيمته البضع في ضمانها فلم يضمنه ثانيا كما لو قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها فإنه يضمن قيمة النفس دون قيمة اليد وقال الشافعي : يلزمه مهرها لأنه وطئ جارية غيره وطئا محرما فلزمه مهرها كالأجنبي وتلزمه قيمتها على القول بكونها أم ولد كما يلزم أحد الشريكين قيمة نصيب شريكه إذا استولد الجارية المشتركة
ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم أنت ومالك لأبيك ولأنه لا تلزمه قيمة ولدها فلم يلزمه مهرها ولا قيمتها كمملوكته ولأنه وطء وصارت به الموطوءة أم ولد لأمر لا يختص ببعضها فأشبه استيلاد مملوكته (12/499)
أحكام في وطء الجارية وفيما لو ولدت نتيجة الوطء
فصل : فإن كان الولد قد وطئ جاريته ثم وطئها أبوه فأولدها فقد روي عن أحمد رضي الله عنه فيمن وقع على جارية ابنه إن كان الأب قابضا لها ولم يكن الابن وطئها فهي أم ولده وليس للابن فيها شيء قال القاضي : فظاهر هذا أن الابن إن كان قد وطئها لم تصر أم ولد للأب باستيلادها لأنها تحرم عليه تحريما مؤبدا بوطء ابنه لها ولا تحل له بحال فأشبه وطء الأجنبي فعلى هذا القول لا يملكها ولا تعتق بموته فأما ولدها فيعتق على أخيه لأنه ذو رحم منه يحتمل أن يثبت لها حكم الاستيلاد من غير أن تحل له كما لو استولد مملوكته التي وطئها ابنه فإنها تصير أم ولد مع كونها محرمة عليه على التأبيد فكذلك هاهنا وذلك لأنه وطء يدرأ فيه الحد بشبهة الملك فصارت به أم ولد كما لو لم يطأها الابن
فصل : وإن وطئ الابن جارية أبيه أو أمه فهو زان يلزمه الحد إذا كان عالما بالتحريم ولا تصير عليه أم ولد له ويلزمه مهرها وولده يعتق على جده لأنه ابن ابنه إذا قلنا إن ولده من الزنا يعتق على ابنه وتحرم الجارية على الأب على التأبيد ولا تجب بسبب قيمتها على الابن لأنه لم يخرجها عن ملكه ولم يمنعه بيعها ولا التصرف فيها بغير الاستمتاع فإن استولدها الأب بعد ذلك فقد فعل محرما ولا حد عليه لأنه وطء صادف ملكا وتصير أم ولد له لأنه استولد مملوكته فأشبه ما لو وطئ أمته المرهونة
فصل : وإن زوج أمته ثم وطئها فقد فعل محرما ولا حد عليه لأنها مملوكته ويعزر قال أحمد رضي الله عنه : يجلد ولا يرجم يعني أنه يعزر بالجلد لأنه لو وجب عليه الحد لوجب الرجم إذا كان محصنا فإن ولدها صارت أم ولده لأنه استولد مملوكته وتعتق بموته وولده حر وما ولدت بعد ذلك من الزوج فحكمه حكم أمه
فصل : ولو ملك رجل أمه من الرضاع أو أخته أو ابنته لم يحل له وطؤها فإن وطئها فلا حد عليه في أصح الروايتين لأنها مملوكته ويعزر فإن ولدت فالولد حر ونسبه لاحق به وهي أم ولده وكذلك لو ملك أمة مجوسيه أو وثنيه فاستولدها أو ملك الكافر أمة مسلمة فاستولدها فلا حد عليه ويعزر ويلحقه نسب ولده وتصير أم ولد له تعتق بموته لما ذكرنا وكذلك لو وطئ أمته المرهونة أو وطئ رب المال أمة من مال المضاربة فأولدها صارت له بذلك أم ولد وخرجت من الرهن والمضاربة وعليه قيمتها للمرتهن تجعل مكانها رهنا أو توفيه عن دين الرهن وتنفسخ المضاربة فيها وإن كان فيها ربح جعل الربح في مال المضاربة والله أعلم
مسألة : قال : وإذا علقت منه بحر في ملكه فوضعت بعض ما يستبين فيه خلق الإنسان كانت له بذلك أم ولد
ذكر الخرقي لمصيرها أم ولد شروطا ثلاثة : أحدها : أن تعلق منه بحر فأما إن علقت منه بمملوك ويتصور ذلك في الملك في موضعين : أحدهما : في العبد إذا ملكه سيده وقلنا إنه يملك فإنه إذا وطئ أمته واستولدها فولده مملوك ولا تصير الأمة أم ولد يثبت لها حكم الاستيلاد بذلك وسواء أذن له سيده في التسري بها أو لم يأذن له والثاني : إذا استولد المكاتب أمته فإن ولده مملوك له وأما الأمة فإنه لا تثبت لها أحكام أم الولد في العتق بموته في الحال لأن المكاتب ليس بحر وولده منها ليس بحر فأولى أن لا تتحرر هي ومتى عجز المكاتب وعاد إلى الرق أو مات قبل أداء كتابته فهي أمة قن كأمة العبد القن وهل يملك المكاتب بيعها والتصرف فيها ففيه اختلاف وذكر القاضي في موضع أنه لا يثبت فيها شيء من أحكام الاستيلاد ولا تصير أم ولد بحال وهذا أحد قولي الشافعي لأنها علقت بمملوك في ملك غير تام فلم يثبت لها شيء من أحكام الاستيلاد كأمة العبد القن وظاهر المذهب أنها موقوفة لا يملك بيعها ولا نقل الملك فيها فإن عتق صارت أم ولد تعتق بموته فيثبت لها من حرمة الاستيلاد وما يثبت لولدها من حرمة الحرية وقد نص أحمد رضي الله عنه على منع بيعها ومفهوم كلام الخرقي ويحتمل الوجهين جميعا
الشرط الثاني : أن تعلق منه في ملكه سواء كان وطء مباح أو محرم مثل الوطء في الحيض أو النفاس أو الصوم أو الإحرام أو الظهار أو غيره فأما إن علقت منه في غير ملكه لم تصر بذلك أم ولد سواء علقت منه بمملوك مثل أن يطأها في ملك غيره بنكاح أو زنا أو علقت بحر مثل أن يطأها بشبهة أو غر من أمة وتزوجها على أنها حرة فاستولدها أو اشترى جارية فاستولدها فبانت مستحقة فإن الولد حر ولا تصير الأمة أم ولد في هذه المواضع بحال وفيه وجه آخر أنه إن ملكها بعد ذلك صارت أم ولد وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في المسألة التي قبل هذه والمقصود بذكر هذه الشروط هاهنا ثبوت الحكم عند اجتماعها وأما انتفاؤه عند انتفائها فيذكر في مسائل مفردة لها
الشرط الثالث : أن تضع ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو تخطيط سواء وضعته حيا أو ميتا وسواء أسقطته أو كان تاما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إذا ولدت الأمة من سيدها فقد عتقت وإن كان سقطا وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه قال : أعتقها ولدها وإن كان ولدها سقطا قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أم الولد إذا أسقطت لا تعتق ؟ فقال : إذا تبين فيه يد أو رجل أو شيء من خلقه فقد عتقت وهذا قول الحسن و الشافعي وقال الشعبي : إذا تلبث في الخلق الرابع فكان مخلقا انقضت به عدة الحرة وأعتقت به الأمة ولا أعلم في هذا خلافا بين من قال بثبوت حكم الاستيلاد فإما إن ألقت نطفة أو علقة لم يثبت به شيء من أحكام الولادة لأن ذلك ليس بولد وروى يوسف بن موسى أن أبا عبد الله قيل له ما تقول في الأمة إذا ألقت مضغة أو علقة ؟ قال : تعتق وهذا قول إبراهيم النخعي وإن وضعت مضغة لم يظهر فيها شيء من خلق الآدمي فشهد ثقات من القوابل أن فيها صورة خفية تعلقت بها الأحكام لأنهن اطلعن على الصورة التي خفيت على غيرهن وإن لم يشهدن بذلك لكن علم أنه مبتدأ خلق آدمي إما بشهادتهن أو غير ذلك ففيه روايتان : إحداهما : لا تصير به الأمة أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة ولا يجب على الضارب المتلف له الغرة ولا الكفارة وهذا ظاهر كلام الخرقي و الشافعي وظاهر ما نقله الأثرم عن أحمد رضي الله عنه وظاهر كلام الحسن و الشعبي وسائر من اشترط أن يتبين شيء فيه خلق الإنسان لأنه لم يبن فيه شيء من خلق الآدمي أشبه النطفة والعلقة والثانية تتعلق به الأحكام الأربعة لأنه مبتدأ خلق آدمي أشبه إذا تبين وخرج أبو عبد الله بن حامد رواية ثالثة وهو أن الأمة تصير بذلك أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة لأنه روي عن أحمد رضي الله عنه في الأمة إذا وضعت فمسته القوابل فعلمن أنه لحم ولم يتبين لحمه تحتاط في العدة بأخرى ويحتاط بعتق الأمة وظاهر هذا أنه حكم بعتق الأمة ولم يحكم بانقضاء العدة لأن عتق الأمة يحصل للحرية فاحتيط بتحصيلها والعدة يتعلق بها تحريم التزوج وحرمه الفرج فاحتيط بإبقائها وقال بعض الشافعية بالعكس لا تجب العدة ولا تصير أم ولد لأن الأصل عدم كل واحد منهما فيبقى على أصله ولا يصح لأن العدة كانت ثابتة والأصل بقاؤها على ما كانت عليه والأصل في الآدمي الحرية فتغلب ما يفضي إليها والله أعلم
مسألة : قال : فإذا مات فقد صارت حرة وإن لم يملك غيرها
يعني أن أم الولد تعتق رأس المال وإن لم يملك سواها وهذا قول كل من رأى عتقهن لا نعلم بينهم فيه خلافا وسواء ولدت في الصحة أو المرض لأنه حاصل بالتذاذه وشهوته وما يتلفه في لذاته وشهوته يستوي فيه حال الصحة والمرض كالذي يأكله ويلبسه ولأن عتقها بعد الموت وما يكون بعد الموت يستوي فيه المرض والصحة كقضاء الديون والتدبير والوصية ولا نعلم في هذه خلافا بين رأي عتقهن
قال سعيد : حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن نافع قال : أدرك ابن عمر رجلان فقالا : إنا تركنا هذا الرجل يبيع أمهات الأولاد يعنيان ابن الزبير فقال ابن عمر : أتعرفان أبا حفص ؟ فإنه قضى في أمهات الأولاد أن لا يبعن ولا يوهبن يستمتع بها صاحبها فإذا مات فهي حرة
وقال : حدثنا غياث عن حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال عمر رضي الله عنه : ما من رجل كان يقر بأنه يطأ جاريته ويموت إلا أعتقها إذا ولدت وإن كان سقطا
فصل : ولا فرق بين المسلمة والكافرة والعفيفة والفاجرة ولا بين المسلم والكافر والعفيف والفاجر في هذا في قول أئمة أهل الفتوى من أهل الأمصار لأن ما يتعلق به العتق يستوي فيه المسلم والكافر والعفيف والفاجر كالتدبير والكتابة ولأن عتقها بسبب اختلاط دمها بدمه ولحمها بلحمه فإذا استويا في النسب استويا في حكمه وروى سعيد : حدثنا هشيم أخبرنا منصور عن ابن سيرين عن أبي عطية الهمداني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في أم الولد إن أسلمت وأحصنت وعفت أعتقت وإن كفرت وفجرت وغدرت رقت وقال : حدثنا هشيم أخبرنا يحيى عن أم ولد رجل ارتدت عن الإسلام فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وكتب عمر : بيعوها ليسبيها أحد من أهل دينها وإن كان مبنى عتق أمهات الأولاد على قول عمر وقد قال هذا القول فينبغي أن يختص العتق بمسلمة عفيفة دون الكفارة الفاجرة لانتفاء الدليل الذي ثبت به عتقهن والله أعلم
مسألة : قال : وإذا صارت الأمة أم ولد بما وصفنا ثم ولدت من غيره كان له حكمها في العتق بموت سيدها
وجملته أن أم ولد إذا ولدت بعد ثبوت حكم الاستيلاد لها من غير سيدها من زوج غيره فحكم ولدها في أنه يعتق بموت سيدها ويجوز فيه من التصرفات ما يجوز فيها ويمتنع فيه ما يمتنع فيها قال أحمد رضي الله عنه : قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما ولدها بمنزلتها ولا نعلم في هذا خلافا بين القائلين بثبوت حكم الاستيلاد إلا أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال : هم عبيد فيحتمل أنه أراد أنه لا يثبت لهم حكم أمهم لأن الاستيلاد مختص بها فيختص بحكمه كولد من علق عتقها بصفة ويحتمل أنه أراد أنهم عبيد حكمهم حكم أمهم مثل قول الجماعة لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية فيتبعها في سببه إذا كان متأكدا كولد المكاتبة والمدبرة بل ولد أم ولد أولى لأن سبب العتق فيها مستقر ولا سبيل إلى إبطاله بحال فإن ماتت أم ولد قبل سيدها لم يبطل حكم الاستيلاد في الولد والعتق بموت سيدها لأن السبب لم يبطل وإنما تثبت الحرية فيها أنها لم تبق محلا وكذلك ولد المدبرة لا يبطل الحكم فيه بموت أمه وأما ولد المكاتبة إذا ماتت فإنه يعود رقيقا لأن العقد يبطل بموتها فلم يبقى حكمه فيه وقد ذكرنا في هذا خلافا فيما تقدم وإن أعتق السيد أم الولد أو المدبرة لم يعتق ولدها لأنها عتقت بغير السبب الذي تبعها فيه ويبقى عتقه موقوفا على موت سيده وكذلك إن أعتق ولدهما لم يعتقا بعتقه وإن أعتق المكاتبة فقد قال أحمد و سفيان و إسحاق : المكاتبة إذا أدت أو أعتقت عتق ولدها وأم الولد والمدبرة إذا أعتقت لم يعتق ولدها حتى يموت السيد فظاهر هذا أن ولد المكاتبة يتبعها في العتق إعتاق سيدها لأنه في حكم مالها يستحق كسبه فيتبعها إذا أعتقها كمالها ولأن إعتاقها يمنع أداءها بسبب من السيد فأشبه ما لو أبرأها من مال الكتابة
فصل : فأما ولد أم الولد قبل استيلاءها وولد المدبرة قبل تدبيرها والمكاتبة قبل كتابتها فلا يتبعها لوجوده قبل انعقاد السبب فيها وزوال حكم التبعية عنه قبل تحقق السبب في أمه ولهذا لا يتبعها في العتق المنجز ففي السبب أولى وذكر أبو الخطاب في ولد المدبرة قبل التدبير روايتين فيخرج هاهنا مثله وهو بعيد لأن الولد المنفصل لا يتبعها في عتق ولا بيع ولا هبة ولا رهن ولا شيء من الأحكام سوى الإسلام بشرط كونه صغيرا فكيف يتبع في التدبير ؟ ولأنه لا نص فيه ولا قياس يقتضيه فيبقى بحاله (12/501)
إذا أسلمت أم الولد النصراني منع من وطئها
مسألة : قال : وإذا أسلمت أم ولد نصراني منع من وطئها والتلذذ بها وأجبر على نفقتها فإذا أسلم حلت له وإن مات قبل ذلك عتقت
وجملة ذلك أن الكافر يصح منه الاستيلاد لأمته كما يصح منه عتقها وإذا استولد الذمي أمته ثم أسلمت لم تعتق في الحال وبهذا قال الشافعي وقال مالك : تعتق إذ لا سبيل إلا بيعها ولا إلى إقرار ملكه عليها لما فيه من إثبات ملك كافر على مسلمة فلم يجز كالأمة القن وعن أحمد رضي الله عنه رواية أخرى أنها تستسعى فإن أدت عتقت وهو قول أبي حنيفة لأن فيه جمعا بين الحقين حقها في أن لا يبقى ملك الكافر عليها وحقه في حصول عوض ملكه فأشبه بيعها إذا لم تكن أم ولد
ولنا أنه إسلام طرأ على ملك فلم يوجب عتقا ولا سعاية كالعبد القن وما ذكروه مجرد حكمة لم يعرف من الشارع اعتبارها وبقاؤها ضرر فإن في عتقها مجانا إضرار في المالك بإزالة ملكه بغير عوض وفي الاستسعاء إلزام لها بالكسب بغير رضاها وتضيع لحقه لأن فيه إحالة على سعاية لا تدري هل يحصل منها شيء أو لا ؟ وإن حصل فالظاهر أنه يكون يسيرا في أوقات متفرقة وجوده قريب من عدمه والحق أن يبقى الملك على ما كان عليه ويمنع من وطئها والتلذذ بها كي لا يطأها ويبتذلها وهو مشرك وبحال بينة وبينها ويمنع الخلوة بها لئلا يفضي إلى الوطء المحرم ويجبر على نفقتها على التمام لأنها مملوكته ومنعه من وطئها بغير معصية منها فأشبهت الحائض والمريضة وتسلم إلى امرأة ثقة تكون عندها لتحفظها وتقوم بأمرها وإن احتاجت إلى أجر أو أجر مسكن فعلى سيدها
وذكر القاضي أن نفقتها في كسبها وما فضل من كسبها فهو لسيدها وإن عجز عن نفقتها فهل يلزم سيدها تمام نفقتها ؟ على روايتين ونحو هذا مذهب الشافعي والصحيح أن نفقتها على سيدها وكسبها له يصنع به ما شاء وعليه نفقتها على التمام سواء كان لها كسب أو لم يكن لأنها مملوكة له ولم يجر بينهما عقد يسقط نفقتها ولا يملك به كسبها فأشبهت أمته القن أو ما قبل إسلامها ولأن الملك سبب لهذين الحكمين والحادث منهما لا يصلح مانعا لأن الاستيلاد لا يمنع منها بدليل ما قبل إسلامها والإسلام لا يمنع بدليل ما لو وجد قبل ولادتها واجتماعهما لا يمنع لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه ولأنه إذا لم تلزمه نفقتها ولم يكن لها كسب أفضى إلى هلاكها وضياعها ولأنه يملك فاضل كسبها فيلزمه فضل نفقتها كسائر مماليكه (12/508)
حكم ما لو أعتقت أم الولد بموت سيدها وفي يدها شيء وفيما إذا أوصى لها بما ي يدها أو أوصى لمدبره أو مدبرته
مسألة : قال : وإذا عتقت أم الولد بموت سيدها فما كان في يدها من شيء فهو لورثة سيدها
إنما كان كذلك لأن أم الولد أمة وكسبها لسيدها وسائر ما في يدها له فإذا مات سيدها فعتقت انتقل ما في يدها إلى ورثته كسائر ماله وكما في يد المدبرة وتخالف المكاتبة فإن كسبها في حياة سيدها لها فإذا عتقت بقي لها كما كان لها قبل العتق
مسألة : قال : ولو أوصى لها بما في يدها كان لها إذا احتمله الثلث
وجملته أن الوصية لأم الولد تصح فلا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم القائلين بثبوت حكم الاستيلاد وبهذا قال الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي
وقد روى عن الإمام أحمد وسعيد بن منصور عن هشيم حدثنا حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب أوصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف أربعة آلاف ولأن أم الولد حرة في حال نفوذ الوصية لها لأن عتقها يتنجز بموته فلا تقع الوصية لها إلا في حال حريتها وأما قوله : إذا احتمله الثلث فلأن الوصية كلها لا تلزم إلا في الثلث فما دون وهذا منها وما زاد على الثلث يقف على إجازة الورثة فإن أجازوه جاز وإلا رد إلى الورثة ولا تعتبر قيمة أم الولد من الثلث لأنها تعتق من رأس المال فلا تحتسب من الثلث كقضاء الديون وأداء الواجبات
فصل : وإن أوصى لمدبره أو مدبرته صحت الوصية أيضا إلا أنه تعتبر قيمته وما أوصى له به من الثلث لأن التدبير تبرع فكان من الثلث كالوصية فإن خرجا من الثلث عتق وكان ما أوصى به له وصحت الوصية لأنها وقعت في حال حريته فأشبهت الوصية لأم ولده وإن لم يخرجا من الثلث اعتبرت قيمته من الثلث فيعتق منه بقدر الثلث ليعتق دون المال وإن كانت قيمته بقدر الثلث عتق ولا وصية له وإن فضل من الثلث شيء بعد عتقه فله من الوصية تمام الثلث ويقف ما زاد على إجازة الورثة (12/509)
أحكام مختلفة تتعلق بأم الولد
مسألة : قال : وإذا مات عن أم ولده فعدتها حيضة
إنما كان كذلك لأن الواجب عليها استبراء نفسها لخروجها من ملك سيدها الذي كان يطؤها فكان ذلك بحيضة كما لو أعتقها سيدها في حياته وإنما سمى الخرقي هذا عدة لأن الاستبراء أشبع العدة في كونه يمنع النكاح وتحصل به معرفة براءتها من الحمل وقد ذكرنا هذه المسألة في العدد والخلاف فيها على ما مضى
مسألة : قال : وإذا جنت أم الولد فداها سيدها بقيمتها أو دونها
وجملته أن أم الولد إذا جنت تعلق أرش جنايتها برقبتها وعلى السيد أن يفديها بأقل الأمرين من قيمتها أو دونها وبهذا قال الشافعي وحكى أبو بكر عبد العزيز قولا آخر أنه يفديها بأرش جنايتها بالغة ما بلغت لأنه لم يسلمها في الجناية فلزمه أرش جنايتها بالغة ما بلغت كالقن وقال أبو ثور وأهل الظاهر : ليس عليه فداؤها وتكون جنايتها في ذمتها تتبع بها إذا عتقت لأنه لا يملك بيعها فلم يكن عليه فداؤها كالحرة
ولنا أنها مملوكة له كسبها لم يسلمها فلزمه أرش جنايتها كالقن ولا تلزمه زيادة على قيمتها لأنه لم يمتنع من تسليمها وإنما الشرع منع ذلك لكونها لم تبق محلا للبيع ولا لنقل الملك فيها وفارقت القن إذا لم يسلمها فإنه إن أمكن أن يسلمها للبيع فربما زاد فيها مزايد أكثر من قيمتها فإذا امتنع مالكها من تسليمها أوجبنا عليه الأرش بكامله وفي مسألتنا لا يحتمل ذلك فيها فإن بيعها غير جائز فلم يكن أكثر من قيمتها
فصل : وإذا ماتت قبل فدائها فلا شيء على سيدها لأنه لم يتعلق بذمته شيء وإنما تعلق برقبتها فإذا ماتت سقط الحق لتلف متعلقه وإن نقصت قيمتها قبل فدائها وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء لأنها لو تلف جميعها لسقط الفداء فوجب أن يسقط بعضه بتلف بعضها وإن زادت قيمتها زاد فداؤها لأن متعلق الحق زاد فزاد الفداء بزيادته كالرقيق القن وينبغي أن تحسب قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد لأن ذلك نقصها فاعتبر كالمرض وغيره من العيوب ولأن الواجب قيمتها في حال فدائها وقيمتها ناقصة عن قيمة غير أم الولد فيجب أن ينقص فداؤها وأن يكون مقدار قيمتها في حال كونها أم ولد الحكم في المدبرة كالحكم في أم الولد إلا أنها يجوز بيعها في رواية فيمكن تسليمها للبيع إن اختار سيدها وإن امتنع منه فهل يفديها بأقل الأمرين ويلزمه أرش الجناية بالغا ما بلغ ؟ يخرج على روايتين
فصل : وإن كسبت بعد جنايتها شيئا فهو لسيدها لأن الملك ثابت له دون المجني عليه وإن ولدت فهو لسيدها أيضا لأنه منفصل عنها فأشبه الكسب وإن فداها في حال حملها فعليه قيمتها حاملا لأن الولد متصل بها فأشبه سمنها وإن أتلفها سيدها فعليه قيمتها لأنه أتلف حق غيره فأشبه ما لو أتلف الرهن وإن نقصها فعليه نقصها لأنه لما ضمن العين ضمن أجزاءها والله أعلم
مسألة : قال : فإن عادت فجنت فداها كما وصفت
وجملته أن أم الولد إذا جنت جنايات لم تخل من أن تكون الجنايات كلها قبل فداء شيء منها أو بعده فإن كانت قبل الفداء تعلق أرش الجميع برقبتها ولم يكن عليه فيها كلها إلا قيمتها أو أرش جميعها وعليه الأقل منهما ويشترك المجني عليهم في الواجب لهم فإن وفى بها وإلا تحاصوا فيه بقدر أروش جناياتهم وإن كان الثاني بعد فدائها من الأولى فعليه فداؤها من التي بعدها كما فدى الأولى وقال أبو الخطاب عن أحمد رضي الله عنه رواية ثانية إذا فداها بقيمتها مرة لم يلزمه فداؤها بعد ذلك لأنها جناية فلم يلزمه أكثر من قيمتها كما لو لم يكن فداها وقال الشافعي رضي الله عنه في أحد قوليه : لا يضمنها ثانيا ويشارك الثاني الأول فيما أخذه كما لو كانت الجنايات قبل فدائها
ولنا أنها أم ولد جانية فلزمه فداؤها كالأولى ولأن ما أخذه الأول عوض جنايته أخذه بحق فلم يجز أن يشاركه غيره فيه كأرش جناية الحر أو الرقيق القن وفارق ما قبل الفداء لأن أرش الجنايات تعلق برقبتها في وقت واحد فلم يلزم السيد أكثر من قيمة واحدة كما لو كانت الجنايات على واحد
فصل : فإن أبرأ بعضهم من حقه توفر الواجب على الباقين إذا كانت كلها قبل الفداء وإن كانت الجناية المعفو عنها بعد فدائه توفر أرشها على سيدها والله أعلم
مسألة : قال : ووصية الرجل لأم ولده وإليها جائزة
أما الوصية لها فقد ذكرناها وأما الوصية إليها فجائزة لأنها في حال نفوذ الوصية حرة فأشبهت زوجته أو غيرها ويعتبر لصحة الوصية إليها ما يعتبر في غيرها من العدالة والعقل وسائر الشروط وسواء كانت الوصية على أولادها أو غيرهم أو وصي إليها بتفريق ثلثه أو قضاء دينه أو إمضاء وصيته أو غير ذلك
مسألة : قال : وله تزويجها وإن كرهت
وجملته أن للرجل تزويج أم ولده أحبت أم كرهت وبهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه وهو أحد قولي الشافعي واختيار المزني وقال في القديم : ليس له تزويجها إلا برضاها لأنها قد ثبت لها حكم الحرية على وجه لا يملك السيد إبطالها فلم يملك تزويجها بغير رضاها كالمكاتبة وقال في الثالث : ليس له تزويجها وإن رضيت لأن ملكه فيها قد ضعف وهي لم تكمل فلم يملك تزويجها كاليتيمة وهل يزوجها الحاكم على هذا القول ؟ فيه خلاف وقد روي عن أحمد رضي الله عنه أنه قيل له أن مالكا لا يرى تزويجها فقال : وما نصنع بمالك ؟ هذا بن عمر وابن عباس يقولان : إذا ولدت من غيره كان لولدها حكمها
ولنا أنها أمة يملك الاستمتاع بها واستخدامها فملك تزويجها كالقن وفارقت المكاتبة فإنه لا يملك ذلك منها والقول الثالث فاسد لذلك ولأنه يفضي إلى منع النكاح لامرأة بالغة محتاجة إليه وقولهم يزوجها الحاكم لا يصح فإن الحاكم لا يزوج إلا عند عدم الولي أو غيبته أو عضله ولم يوجد واحد منها إذا ثبت هذا فإنه إذا زوجها فالمهر له لأنه بمنزلة كسبها وكسبها له وإذا عتقت بموته فإن كان زوجها عبدا فلها الخيار ولأنها عتقت تحت عبد وإن كان حرا فلا خيار لها
مسألة : قال : ولا حد على من قذفها
هذا قول أكثر أهل العلم وقد روي عن أحمد رضي الله عنه أنه عليه الحد لأن ذلك يروى عن ابن عمر ولأن قذفها قذف لولدها الحر وفيها معنى يمنع بيعها فأشبهت الحرة والأول أصح لأنها أمة حكمها حكم الإماء في أكثر أحكامها ففي الحد لأن الحدود تدرأ بالشبهات ويحتاط لإسقاطها ولأنها أمة تعتق بالموت أشبهت المدبرة وتفارق الحرة فإنها كاملة
فصل : ولا يجب القصاص على الحرة بقتلها لعدم المكافأة وإن كان القاتل لها رقيقا وجب القصاص عليه لأنها أكمل منه وإن جنت على عبد أو أمة جناية فيها قصاص لزمها القصاص لأنها أمة أحكامها أحكام الإماء واستحقاقها العتق لا يمنع القصاص كالمدبرة
مسألة : قال : وإن صلت مكشوفة الرأس كره لها ذلك وأجزأها
إنما كره لها كشف رأسها في صلاتها قد أخذت شبها من الحرائر لامتناع بيعها وقد سئل احمد رضي الله عنه عن أم الولد كيف تصلي ؟ قال تغطي رأسها وقدميها لأنها لا تباع وكان الحسن يحب للأمة إذا عهدها سيدها يعني وطئها أن لا تصلي إلا مجتمعة وإن صلت مكشوفة الرأس أجزأها لأنها أمة حكمها حكم الإماء قال إبراهيم : تصلي ام الولد بغير قناع وإن كانت بنت ستين سنة وقد روي عن أحمد رضي الله عنه رواية أخرى أن عورتها عورة الحرة وذكرنا ذلك في كتاب الصلاة والصحيح أن حكمها حكم الإماء وإنما خالفتهن في استحقاقها للعتق وامتناع نقل الملك فيها وهذا لا يوجب تغير الحكم في عورتها كالمدبرة ولأن الأصل بقاء حكمها في إباحة كشف رأسها ولم يوجد ما ينقل عنه من نص ولا ما في معناه فيبقى الحكم على ما كان عليه
مسألة : قال وإذا قتلت أم الولد سيدها فعليها قيمة نفسها
وجملته أن أم الولد إذا قتلت سيدها عتقت لأنها لا يمكن نقل الملك فيها وقد زال ملك سيدها بقتله فصارت حرة كما لو قتله غيرها وعليها قيمة نفسها إن لم يجب القصاص عليها وهذا قول أبى يوسف وقال الشافعي : عليها الدية لأنها تصير حرة ولذلك لزمها موجب جنايتها والواجب على الحر بقتل الحر دية
ولنا أنه جناية من أم ولد فلم يجب بها أكثر من قيمتها كما لو جنت على أجنبي ولأن اعتبار الجناية في حق الجاني بحال الجناية بدليل ما لو جنى على عبد فأعتقه سيده وهي في حال الجناية أمة فإنها إنما عتقت بالموت الحاصل بالجناية فيكون عليها فداء نفسها بقيمتها كما يفديها سيدها إذا قتلت غيره ولأنها ناقصة بالرق أشبهت القن وتفارق الحر فإنه جنى وهو كامل وإنما تعلق موجب الجناية بها لأنها فوتت رقها بقتلها سيدها فأشبه ما لو فوت المكاتب الجاني رقه بأدائه وأما إن قتلت سيدها عمدا ولم يكن لها منه ولد فعليها القصاص لورثة سيدها وإن كان له منها ولد وهو الوارث وحده فلا قصاص عليها لأنه لو وجب لوجب لولدها ولا يجب للولد على أمه القصاص وقد توقف أحمد رضي الله عنه عن هذه المسألة
في رواية مهنا وقال : دعنا من هذه المسائل وقياس مذهبه ما ذكرنا وإن كان لها منه ولد وله أولاد من غيرها لم يجب القصاص أيضا لأن حق ولدها من القصاص يسقط فيسقط كله وقد نقل مهنا عن أحمد رضي الله عنه أنه يقتلها أولاده من غيرها وهذه الرواية تخالف أصول مذهبه والصحيح أنه لا قصاص عليها ويجب عليها فداء نفسها بقيمتها كما لو عفا بعض مستحقي القصاص عن حقه منه والله أعلم والحمد لله وحده وصلى الله على محمد (12/511)