وإن قال أنا استحل الزنى ونحوه فعلى وجهين وإن قال عصيت الله أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني أو محوت المصحف إن فعلت فلا كفارة عليه وإذا قال عبد فلان حر لأفعلن فليس بشيء
__________
سئل عن الرجل يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء فقال عليه كفارة يمين رواه أبو بكر ولأن قول هذه الأشياء يوجب هتك الحرمة فكان يمينا كالحلف بالله تعالى بخلاف هو فاسق إن فعله لإباحته في حال والثانية لا كفارة عليه وصححها المؤلف لأنه لم يرد ولا هو في معنى المنصوص عليه وعنه الوقف نقلها حرب وإن قال أنا أستحل الزنى ونحوه فعلى وجهين إذا قال هو يستحل ما حرم الله أو عكس وأطلق أو علقه وحنث فوجهان لأن استحلال ذلك أو تحريمه يوجب الكفر فيخرج على الروايتين قبلها وجزم في الوجيز وهو ظاهر ما قدمه في المحرر أنه إن فعل ذلك فقد فعل محرما وعليه كفارة يمين "وإن قال عصيت الله أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني أو محوت المصحف إن فعلت فلا كفارة عليه" نص عليه وقدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الكافي والشرح لأن هذه الأشياء لا نقص فيها يقتضي الوجوب ولا هي في معنى ما سبق فيبقى الحالف على البراءة الأصلية واختار في المحرر أنه إذا قال عصيت الله في كل ما أمرني أنه يمين لدخول التوحيد فيه وقال ابن عقيل في محوت المصحف هو يمين لأن الحالف لم يقصد بقوله محوته إلا إسقاط حرمته فصار كقوله هو يهودي ولأنه إذا أسقط حرمته كان يمينا كذا إذا أتى بما في معناه "وإذا قال عبد فلان حر لأفعلن فليس بشيء" أي فلغو وكذا إن علقه لأن تعليق الشيء بالشرط أثره أن يصير عند الشرط كالمطلق وإذا كان المطلق لا يوجب شيئا فكذا المعلق ولا يعتق العبد إذا حنث بغير خلاف لأنه لا يعتق بتنجيزه فالمعلق أولى ولا تلزمه كفارة لأنه حلف بإخراج مال غيره كما لو قال مال فلان صدقة .(9/238)
وعنه عليه كفارة إن حنث وإن قال أيمان البيعة تلزمني فهي يمين رتبها الحجاج فتشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها وإلا فلا شيء عليه
__________
"وعنه عليه كفارة إن حنث" لأنه حلف بالعتق فيما لا يقع إلا بالحنث كما لو قال لله علي أن أعتق فلانا والأول أصح والفرق بينهما أن قوله لله علي إلى آخره أنه نذر فأوجب الكفارة لكون النذر كاليمين وتعليق العتق بخلافه
فرع: إذا قال إن فعلت كذا فمال فلان صدقة أو فعل فلان الحج أو هو بريء من الإسلام وأشباه ذلك فليس بيمين ولا تجب به كفارة بغير خلاف نعلمه قاله المؤلف وذكر السامري فيه الخلاف.
"وإن قال أيمان البيعة تلزمني" البيعة: المبايعة أن يحلف بها عند المبايعة والأمر المهم وكانت البيعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بالمصافحة "فهي يمين رتبها الحجاج" بن يوسف بن الحكم بن عقيل الثقفي ولاه عبد الملك بن مروان قتال ابن الزبير فحاصره بمكة ثم قتله وأخرجه فصلبه فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين فوليها عشرين سنة فزلزل أهلها وروى ابن قتيبة عن عمر أنه قال يا أهل الشام تجهزوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ اللهم عجل لهم الغلام الثقفي الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم.
"فتشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال" ذكره الأصحاب زاد بعضهم والحج "فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها" من الطلاق والعتاق لأن اليمين بهما تنعقد بالكناية فكذا ما عداهما في قول القاضي وقدمه في الرعاية واستثنى في الوجيز اليمين بالله تعالى وهو قول القاضي وجزم به في الكافي لأن الكفارة إنما وجبت فيها لما ذكر فيها من اسم الله المعظم ولا يوجد ذلك في الكناية "وإلا فلا شيء عليه" أي : إذا(9/239)
ويحتمل ألا تنعقد بحال إلا في الطلاق والعتاق وإن قال علي نذر أو يمين إن فعلت كذا وفعله فقال أصحابنا عليه كفارة يمين
__________
لم يعرفها ولم ينوها فلغو لأن ذلك إنما ينعقد بالكناية ولا مدخل لها في ذلك ولأنه لا يصح مع النية فيما لا يعرفه وسئل أبو القاسم الخرقي عنها فقال لست أفتي فيها بشيء ثم قال إلا أن يلتزم الحالف بجميع ما فيها من الأيمان فقال يعرفها أو لا يعرفها قال نعم فيؤخذ منه أنها تنعقد إذا نواها وإن لم يعرفها.
"يحتمل ألا تنعقد بحال" لما ذكرنا "إلا في الطلاق والعتاق" لانعقادهما بالكناية وقيل والصدقة وفي الترغيب إن علمها لزمه عتق وطلاق
فرع: لم يذكر المؤلف حكم أيمان المسلمين ويلزمه فيها عتق وطلاق وظهار ونذر ويمين بالله بنية ذلك وفي اليمين بالله الوجهان وألزم القاضي الحالف بالكل ولو لم ينو ومن حلف بأحدها فقال آخر يميني من يمينك أو عليها أو مثلها ينوي التزام مثلها لزمه نص عليه في طلاق وفي المكفرة وجهان وذكر السامري أنه إذا كانت يمين الأول مما ينعقد بالكناية كطلاق وعتق انعقدت يمين الثاني وإلا فلا وفي الكافي والشرح أن اليمين بالله لا تنعقد وإن لم ينو شيئا لم تنعقد يمينه لأن الكناية لا تنعقد بغير نية وهذا ليس بصريح
"وإن قال علي نذر أو يمين إن فعلت كذا وفعله فقال أصحابنا عليه كفارة يمين" وجزم به في الوجيز لما روى الترمذي وصححه عن عقبة مرفوعا قال كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين وإن قال مالي للمساكين وأراد به اليمين فكفارة يمين ذكره في المستوعب والرعاية .(9/240)
فصل كفارة اليمين
وهي تجمع تخييرا وترتيبا فيخير فيها بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة والكسوة للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه وللمرأة درع وخمار.
__________
فصل كفارة اليمين
"وهي تجمع تخييرا وترتيبا" فالتخيير بين الإطعام والكسوة والعتق والترتيب فيها بين ذلك وبين الصيام والأصل في ذلك قوله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] وفي السنة أحاديث وأجمعوا على مشروعية الكفارة في اليمين بالله تعالى.
"فيخير فيها بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة" وقد سبق ذكر العتق والإطعام في الظهار ويجزئ أن يطعم بعضا ويكسو بعضا نص عليه وفيه قول كبقية الكفارات من جنسين وكعتق مع غيره "والكسوة للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه" الفرض نقله حرب وقاله في التبصرة كوبر وصوف وما يسمى كسوة ولو عتيقا لم تذهب قوته فإذا ذهبت منفعته باللبس فلا يجوز كالحب المعيب "وللمرأة درع وخمار" لأن ما دون ذلك لا يجزئ لبسه في الصلاة ويسمى عريانا شرعا فوجب أن لا يجزئ وقال أكثر العلماء يتقدر ذلك بأقل ما يقع عليه الاسم وجوابه أن الكسوة أحد أنواع الكفارة فلم يجز فيها ما يقع عليه الاسم كالإطعام والإعتاق ولأن التكفير عبادة تعتبر فيها الكسوة أشبهت الصلاة ونص على الدرع والخمار ,(9/241)
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده ولا يجوز تقديمها على اليمين
__________
كالخرقي وغيره لأن الستر غالبا لا يحصل إلا بذلك وإلا فلو أعطاها ثوبا واسعا يستر بدنها ورأسها أجزأ ذلك إناطة بستر عورتها في الصلاة "فمن لم يجد" أي إذا عجز عن العتق والإطعام والكسوة "فصيام ثلاثة أيام" للآية متتابعات أي بلا عذر في ظاهر المذهب وقدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لقراءة أبي وابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات حكاه أحمد ورواه الأثرم فالظاهر أنهما سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون خبرا وكصوم الظهار وعنه له تفريقها وقال ابن عقيل هل الدين كزكاة فيصوم أم لا كفطره فيه روايتان ولا ينتقل إلى الصوم إلا إذا عجز كعجزه عن زكاة الفطر نص عليه فإن كان ماله غائبا استدان إن قدر وإلا صام.
فرع: تجب كفارة ونذر على الفور نص عليه إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده سواء كان صوما أو غيره وهو قول أكثرهم وممن روي عنه تقديم الكفارة قبل الحنث عمر وابنه وابن عباس وسلمان وعن عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يا عبد الرحمن إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير" رواه أبو داود والنسائي ورجاله ثقات ولأنه كفر بعد سببه فجاز ككفارة الظهار والقتل بعد الجرح وكتعجيل الزكاة بعد وجود النصاب والحنث شرط وليس بسبب وظاهره أنهما سواء في الفضيلة نص عليه وعنه بعده أفضل للخروج من الخلاف وهذا محله ما لم يكن الحنث حراما فإنه إذا كان كذلك كفر بعده مطلقا وفي الواضح على رواية حنثه بعزمه على مخالفة يمينه بنيته لا يجوز بل لا يصح وفي رواية لا يجوز بصوم لأنه تقديم عبادة كصلاة واختار في التحقيق أنه لا يجوز قبل الحنث كما لو كفر قبل اليمين وكحنث محرم في وجه.
"ولا يجوز تقديمها على اليمين" عند أحد من العلماء لأنه تقديم للحكم قبل سببه كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب مع أن ابن حزم ذكر أنهم اختلفوا في(9/242)
ومن كرر إيمانا قبل التكفير فعليه كفارة واحدة وعنه لكل يمين كفارة والظاهر أنها إن كانت على فعل واحد فكفارة واحدة وإن كانت على أفعال فلكل يمين كفارة
__________
تقديمها "ومن كرر أيمانا قبل التكفير فعليه كفارة واحدة" اختاره الأكثر وذكر أبو بكر أن أحمد رجع عن غيره لأن الكفارة حد بدليل قوله عليه السلام الحدود كفارات لأهلها فوجب أن تتداخل كالحدود.
"وعنه: لكل يمين كفارة" وقاله أبو عبيد فيمن قال علي عهد الله وميثاقه وكفالته ثم حنث فعليه ثلاث كفارات ولأن كل واحدة منهن مثل الأولى وكما لو اختلف موجبها كيمين وظهار وعنه إن حلف أيمانا على شيء واحد لكل يمين كفارة إلا أن ينوي التأكيد أو التفهيم "والظاهر أنها إن كانت على فعل واحد" كوالله لا قمت والله لا قمت فكفارة واحدة وإن كانت على أفعال نحو والله لا قمت والله لا قعدت "فلكل يمين كفارة" هذا رواية ونصرها في الشرح لأنها إذا كانت على فعل واحد كان سببها واحدا فالطاهر أنه أراد التأكيد وإن كانت على أفعال فلأنها أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى فوجب في كل يمين كفارتها كالمختلفة والأول أصح لأنها كفارات من جنس فقد أحلت كالحدود وأجاب في الشرح بأن الحدود وجبت للزجر وتندرئ في الشبهة والموالاة بينها ربما أفضى إلى التلف لأنها عقوبة بدنية بخلاف مسألتنا
فرع: إذا حلف يمينا واحدة على أجناس مختلفة وحنث في الجميع فكفارة واحدة بغير خلاف نعلمه لأن اليمين واحدة والحنث واحد فإنه يحنث بفعل واحد من المحلوف عليه وتنحل يمينه فإن أخرجها ثم حنث في أخرى فكفارة أخرى لا نعلم فيه خلافا كما لو وطئ في رمضان فكفر ثم وطئ ثانية
تنبيه: مثله الحلف بنذور مكررة أو بطلاق مكفر قاله شيخنا نقل ابن منصور فيمن حلف نذورا كثيرة مسماة إلى بيت الله أن لا يكلم أباه أو أخاه فعليه كفارة يمين وقال شيخنا فيمن قال الطلاق يلزمه لأفعلن كذا وكرره -:لم يقع(9/243)
وإن كانت الأيمان مختلفة الكفارة كالظهار واليمين بالله تعالى فلكل يمين الأيمان كفارتها وكفارة العبد الصوم وليس لسيده منعه منه ومن نصفه حر فحكمه في الكفارة حكم الأحرار
__________
أكثر من واحدة إذا لم ينو فيتوجه مثله إن قمت فأنت طالق وكرره ثلاثا وذكر المؤلف أنه يقع بها ثلاث إجماعا وكان الفرق أنه يلزمه من الشرط الجزاء فتقع الثلاث معا للتلازم ولا ربط في اليمين ولأنها للزجر والتطهير فهي كالحدود بخلاف الطلاق والأصل حمل اللفظ على فائدة أخرى ما لم يعارضه معارض ذكره في الفروع.
"إن كانت الأيمان مختلفة الكفارة كالظهار واليمين بالله تعالى فلكل يمين كفارتها" لأنها أجناس فلم تتداخل كالحدود من أجناس.
"كفارة العبد الصوم" لأنه كفارة الحر المعسر وهو أحسن حالا من العبد ويجزئه الصوم بغير خلاف ويصح بإعتاق وإطعام بإذن سيده إن قلنا يملك بالتمليك وإلا فلا وهل له إعتاق نفسه على وجهين "وليس لسيده منعه منه" ولا من نذره كصوم رمضان وقضائه وفي الرعاية إن حلف أو حنث بإذنه روعي الحلف فقط "ومن نصفه حر" وعبارة المحرر والوجيز والفروع ومن بعضه وهو أولى "فحكمه في الكفارة حكم الأحرار" لأنه يملك ملكا تاما أشبه الحر الكامل وقيل لا يكفر بعتق لأنه لا يثبت له الولاء وجوابه بالمنع
فرع: يكفر كافر ولو مرتدا بغير صوم(9/244)
باب جامع الأيمان
ويرجع في الأيمان إلى النية
__________
باب جامع الأيمان
"ويرجع في الأيمان إلى النية" أي إلى نية حالف ليس ظالما نص عليه ولفظه يحتملها فمتى نوى بيمينه ما يحتمله تعلقت يمينه بما نواه دون ما لفظ(9/244)
وإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها فإذا حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد ألا يتجاوزه أو كان السبب يقتضيه
__________
به سواء نوى ظاهر اللفظ أو مجازه مثل أن ينوي موضوع اللفظ أو الخاص بالعام أو بالعكس أو غير ذلك لقوله عليه السلام "وإنما لامرئ ما نوى" فتدخل فيه الأيمان ولأن كلام الشارع يصرف إلى ما دل الدليل على ما أراده دون ظاهر اللفظ فكلام المتكلم مع اطلاعه على تعين إرادته أولى ويقبل حكما مع قرب الاحتمال من الظاهر ومع توسطه روايتان أشهرهما القبول.
مسألة: يجوز التعريض في المخاطبة لغير السهو بلا حاجة اختاره الأكثر وقيل لا ذكره الشيخ تقي الدين واختاره لأنه تدليس كتدليس المبيع وقد كره أحمد التدليس وقال لا يعجبني ونصه لا يجوز التعريض مع اليمين.
"فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها" قدمه في الخرقي والإرشاد والمبهج وجزم به في الوجيز وحكي رواية وقدمه القاضي بموافقته الوضع وعنه يقدم عليه وذكرها القاضي وعليها عموم لفظه احتياطا ثم إلى التعيين وقيل يقدم عليه وضع لفظه شرعا أو عرفا أو لغة وفي المذهب في الاسم والعرف وجهان وذكر أنه النية ثم السبب ثم مقتضى لفظه عرفا أو لغة "فإذا حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد ألا يتجاوزه أو كان السبب يقتضيه" لأن مقتضى اليمين تعجيل القضاء ولأن السبب يدل على النية فإن لم ينو ذلك ولا كان السبب يقتضيه فظاهر كلام الخرقي وقدمه في الرعاية وغيرها أنه لا يبرأ إلا بقضائه في الغد وقال القاضي يبرأ في كل حال لأن عرف هذه اليمين في القضاء التعجيل فتنصرف اليمين المطلقة إليه والأول أصح فلو حلف ليقضينه غدا وقصد مطله فقضاه قبله حنث ذكره في المحرر والرعاية فإن كان كأكل شيء أو بيعه فإن عين وقتا ولم ينو ما يقتضي تعجيله ولا كان سبب يمينه يقتضيه لم يبرأ إلا أن يفعله في وقته نصره المؤلف وغيره وذكر القاضي أنه يبرأ بتعجيله عن وقته .(9/245)
وإن حلف لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه بأكثر لم يحنث وإن باعه بأقل حنث وإن حلف لا يدخل دارا ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره وإن دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى اختصت يمينه به إذا قصده وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يقصد قطع المنة حنث بأكل خبزه واستعارة دابته وكل ما فيه المنة
__________
"وإن حلف: لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه بأكثر لم يحنث" لأنه لم يخالف ما حلف عليه "وإن باعه بأقل حنث" لأن قرينة الحال تدل على ذلك كما لو حلف ماله علي وله علي شيء كثير.
"وإن حلف لا يدخل دارا ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره" لأن العبرة في الأيمان بالنية ولأن اللفظ العام يصير بالإرادة خاصا ولو كانت يمينه خاصة كقوله لا دخلت دارا اليوم لم يحنث بالدخول في غيره فكذا إذا نواه, وفي الفروع إن حلف لا يدخل دارا ونوى اليوم قبل حكما وعنه لا ويدين "وإن دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى اختصت يمينه به إذا قصده" أي اختصت يمينه بالغداء عند الداعي إذا قصده لأن اللفظ وإن كان عاما لكن القصد خصصه فصار كما لو دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى عند الداعي وفيه وجه.
"وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يقصد قطع المنة حنث بأكل خبزه واستعارة دابته وكل ما فيه المنة" لأن ذلك للتنبيه على ما هو أعلى منه كقوله تعالى {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 49] يريد لا يظلمون شيئا ولقول الشاعر:
ولا يظلمون الناس حبة خردل
ونص عليه أحمد في مواضع ذكره القاضي في الخلاف وذكر ابن عقيل لا أقل منه كقعوده في ضوء ناره وعلى ما ذكره المؤلف إن لم يقصد قطع المنة لم يحنث إلا أن يكون ثم سبب وإن كان لهذه اليمين عادة وعرف,(9/246)
وإن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها يقصد قطع منتها فباعه واشترى بثمنه ثوبا فلبسه حنث وإن حلف لا يأوي معها في دار يريد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث
__________
فهو كمن حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه قبله.
"إن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها يقصد قطع منتها فباعه واشترى بثمنه ثوبا فلبسه حنث" وكذا إن انتفع بثمنه نص عليه في رواية أبي طالب وذكره القاضي في الخلاف وهو قول أكثرهم لقوله عليه السلام "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها" ويحنث بالانتفاع به في غير اللبس لأنه نوع انتفاع به يلحق المنة به وإن لم يقصد قطع المنة ولا كان سبب يمينه يقتضي ذلك لم يحنث إلا بما تناولته يمينه وهو لبسه خاصة فإن نوى اجتناب اللبس خاصة قدمت النية على السبب وجها واحدا قاله في المغني لأن النية وافقت مقتضى اللفظ ولا يتعدى الحكم إلى كل ما فيه منة جزم به في الكافي والشرح وقدمه في الرعاية لأن لكونه ثوبا من غزلها أثرا في داعية اليمين فلم يجز حذفه وقيل إن انتفع بما لها فيه منة بقدره أو أزيد حنث جزم به في الترغيب وذكر في التعليق والمفردات وغيرهما يحنث بشيء منها لأنه لا يمحو منتها إلا بالامتناع مما يصدر عنها مما يتضمن منة ليخرج مخرج الوضع العرفي
تنبيه: إذا كان اللفظ أعم من السبب كرجل امتنت عليه زوجته ببيتها فحلف لا يسكن بيتا فقيل يحمل اللفظ على عمومه ككلام الشارع والأشهر أن العبرة بخصوص السبب لأن قرينة حاله دالة على إرادة الخاص أشبه ما لو نواه لإقامة السبب مقام النية.
"وإن حلف لا يأوي معها في دار يريد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث" أو لا عدت رأيتك تدخلينها ينوي منعها حنث ولو لم يرها لمخالفته ما حلف على تركه ومعنى الإيواء الدخول يقال أويت أنا وآويت غيري لقوله تعالى {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى(9/247)
وإن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أو على زوجته فطلقها أو على عبده فأعتقه ونحوه يريد ما دام كذلك انحلت يمينه فإن لم تكن له نية انحلت يمينه أيضا ذكره القاضي لأن الحال تصرف اليمين إليه
__________
الْكَهْفِ} [الكهف: 10] {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون:50]
فإن اجتمع معها فيما ليس بدار ولا بيت لم يحنث سواء كانت الدار سبب يمينه أو لم تكن لأنه قصد جفاءها بهذا النوع ونقل ابن هانئ أقل الإيواء ساعة وجزم به في الترغيب.
مسألة: إذا حلف لا يدخل عليها بيتا فدخل عليها فيما ليس ببيت فإن قصد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه حنث وإلا فلا قاله في المغني والشرح فإن دخل على جماعة هي فيهم يقصد الدخول عليها حنث وكذا إن لم يقصد شيئا وإن استثناها بقلبه فوجهان فإن دخل بيتا لا يعلم أنها فيه فوجدها فيه فهو كالدخول عليها ناسيا وفيه روايتان فإن قلنا لا يحنث فأقام فهل يحنث على وجهين.
"وإن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أو على زوجته فطلقها أو على عبده فأعتقه ونحوه يريد ما دام كذلك انحلت يمينه" لأن الخروج بعد ما ذكر بغير الإذن خروج لم يتناوله لتخصيص اللفظ بإرادة زمن العمالة والزوجية والعبودية "فإن لم تكن له نية انحلت يمينه أيضا ذكره القاضي لأن الحال تصرف اليمين إليه" لأن السبب يدل على النية في الخصوص لدلالتها عليه في العموم ولو نوى الخصوص لاختصت يمينه به فكذا إذا وجد ما يدل عليها وقدم في الرعاية أنها لا تنحل لأن لفظ الشارع إذا كان عاما لسبب خاص وجب الأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كذلك يمين الحالف لأن اليمين إذا تعلقت بعين موصوفة تعلقت بالعين وإن تغيرت الصفة وذكر القاضي فيمن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أنها لا تنحل في قياس المذهب وهو وجه والأول أولى .(9/248)
وذكر في موضع آخر أن السبب إذا كان يقتضي التعميم عممناه به وإن اقتضى الخصوص مثل من نذر لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه فزال الظلم فقال أحمد النذر يوفى به والأول أولى لأن السبب يدل على النية فصار كالمنوي سواء وإن حلف لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي فعزل انحلت يمينه إن نوى ما دام قاضيا وإن لم ينو احتمل وجهين
__________
"وذكر في موضع آخر أن السبب إذا كان يقتضي التعميم عممناه به وإن اقتضى الخصوص مثل من نذر لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه فزال الظلم فقال أحمد النذر يوفى به" نظرا إلى عموم اللفظ فيجب أن يعتبر والأول أولى لأن السبب يدل على النية فصار كالمنوي سواء لأن أصوله تقتضي تقديم النية والسبب على عموم اللفظ وذلك يقتضي تخصيص اللفظ العام وقصره على الحاجة فكذا تجب في هذه المسائل لكونها داخلة في القواعد الكلية
تنبيه: إذا اختلف السبب والنية مثل أن امتنت عليه امرأته بغزلها فحلف لا يلبس ثوبا من غزلها ينوي اجتناب اللبس خاصة دون الانتفاع بثمنه وغيره قدمت النية على السبب وجها واحدا لأن النية وافقت مقتضى اللفظ وإن نوى بيمينه ثوبا واحدا فكذلك في ظاهر قول الخرقي وقال القاضي يقدم السبب لأن اللفظ ظاهر في العموم والسبب وهو الامتنان يؤكد ذلك الظاهر والأول أصح لأن السبب إنما اعتبر لدلالته على القصد فإذا خالف حقيقة القصد لم يعتبر فكان وجوده كعدمه فلم يبق إلا اللفظ بعمومه والنية تخصه على ما بيناه.
"وإن حلف لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي فعزل انحلت يمينه إن نوى ما دام قاضيا" لأن الرفع بمنزلة الخروج فيما إذا حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه ونوى ما دام عاملا
"وإن لم ينو احتمل وجهين" أحدهما لا تنحل قال القاضي هو قياس المذهب والثاني بلى وهو ظاهر الوجيز لأنه لا يقال رفعه إليه إلا في حال ولايته فعلى الأول إذا رفعه إليه بعد العزل بر وإلا فلا وإذا رأى منكرا في(9/249)
.................................................
__________
ولايته وأمكن رفعه ولم يرفعه حتى عزل لم يبر وهل يحنث بعزله فيه وجهان أحدهما يحنث كما لو مات
والثاني لا لأنه لم يتحقق فواته لاحتمال أن يلي فيرفعه إليه وإن مات قبل إمكان رفعه إليه حنث في الأصح وإن لم يعين الوالي إذن ففي تعيينه وجهان في الترغيب للتردد بين تعيين العهد والجنس وفيه لو علم به بعد علمه فقيل فات البر كما لو رآه معه وقيل لا لإمكان صورة الرفع فعلى الأولى هي كإبرائه من دين بعد حلفه ليقضيه وفيه وجهان وكذا قوله جوابا لقولها تزوجت علي فقال كل امرأة لي طالق فإنها تطلق معهم نص عليه أخذا بالأعم من لفظ وسبب.
مسائل: الأولى: إذا حلف لا رأيتك تدخلين دار زيد يريد منعها فدخلت حنث وإن لم يرها وإن حلف لا يبيت عند فلانة فمكث عندها حتى مضى أكثر الليل حنث لأن البيتوتة تقع عليه وإن مكث أقل فعلى الخلاف في فعل بعض المحلوف عليه.
الثانية: إذا حلف: لا يكفل بمال فكفل ببدن فقال أصحابنا يحنث وقال المؤلف والقياس عدمه وذكر السامري وابن حمدان يحنث إلا إذا شرط البراءة من المال وصححنا هذا الشرط
الثالثة: إذا حلف: لا يأوي مع زوجته هذا العيد فقال أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد إذا عيد الناس دخل إليها قلت فإن قال أيام العيد فقال على ما يعرفه الناس ويعهدون بينهم وقد روي عن ابن عباس قال "حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا حتى يفرغوا من عيدهم" يعني من صلاتهم وقال ابن أبي موسى ويتوجه أن لا يأوي عندها في عيد الفطر حتى تغيب شمس يومه ولا يأوي في عيد الأضحى حتى تغيب شمس آخر يوم من أيام التشريق .(9/250)
فصل
فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين فإذا حلف لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد صارت فضاء أو حماما أو مسجدا أو باعها فلان أو لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو امرأة فلان أو صديقه فلانا أو غلامه سعدا فطلقت الزوجة وزالت الصداقة وعتق العبد وكلمهم أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا أو لا أكلت هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا
__________
فصل
"فإن عدم ذلك" أي النية والسبب "رجع إلى التعيين" كذا في الكافي والوجيز وصححه في المحرر والرعاية لأن التعيين أبلغ من دلالة الاسم على المسمى لأنه ينفي الإبهام بالكلية بخلاف الاسم ولهذا لو شهد عدلان على عين شخص وجب على الحاكم الحكم عليه بخلاف ما لو شهد على مسمى باسم لم يجب حتى يثبت أنه المسمى بذلك وكذا يقدم التعيين على الصفة والإضافة وقيل تقدم الصفة عليه "فإذا حلف لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد صارت فضاء أو حماما أو مسجدا أو باعها فلان" لأن التعيين يقتضي الحنث وزوال الاسم ينفيه والتعيين راجح على الاسم "أو: لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه" لما ذكرنا "أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو امرأة فلان أو صديقه فلانا أو غلامه سعدا فطلقت الزوجة وزالت الصداقة وعتق العبد وكلمهم" لأن الإضافة فيها تقتضي وصف المحلوف على عدم كلامه بالزوجية والصداقة أو كونه غلاما والصفة كالاسم بل أضعف فإذا غلب التعيين على الاسم فلأن يغلب على الصفة أولى "أو: لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا أو لا أكلت هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا" لأنه كسكنى الدار والقميص من غير فرق .(9/251)
أو لا أكلت هذا اللبن فتغير أو عمل منه شيء فأكله حنث في ذلك كله ويحتمل ألا يحنث
فصل
فإن عدم ذلك رجعنا إلى ما يتناوله الاسم والأسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام شرعية وحقيقية وعرفية
__________
"أو لا أكلت هذا اللبن فتغير أو عمل منه شيء فأكله" لأن تغيره وخلط شيء آخر معه بمنزلة زوال الاسم وذلك لا يضر.
"حنث في ذلك كله" أي: في المسائل السابقة كلها كقوله دار فلان فقط أو التمر الحديث فعتق أو الرجل الصحيح فمرض وكالسفينة تنقض ثم تعاد.
"ويحتمل ألا يحنث" وقاله ابن عقيل لأنه لو حلف على ذلك كله ناويا للصفة التي حلف عليها لم يحنث إذا زالت وقرينة الحال تدل على إرادة ذلك فصار كالمنوي واختاره القاضي والمؤلف في نحو بيضة صارت فرخا وإن حلف ليأكلن هذه البيضة أو التفاحة فعمل منها شرابا أو ناطفا فالوجهان وكذلك سائر المسائل ذكره في المحرر والفروع
فصل
"فإن عدم ذلك" أي التعيين مع عدم النية والسبب "رجعنا إلى ما يتناوله الاسم" لأنه دليل على إرادة المسمى ولا معارض له هنا فوجب أن يرجع إليه عملا به لسلامته عن المعارضة "والأسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام شرعية وحقيقية وعرفية" ما له مسمى واحد كالرجل والمرأة تنصرف اليمين إلى مسماه بغير خلاف وما له موضوع شرعي وموضوع لغوي كالوضوء فتنصرف اليمين إلى الموضوع الشرعي عند الإطلاق لا نعلم فيه خلافا وما له موضوع حقيقي ومجاز لم يشتهر كالأسد فتنصرف اليمين إلى الحقيقة ككلام الشارع وما اشتهر مجازه حتى صارت الحقيقة مغمورة فيه فهو أقسام منها ما يغلب على(9/252)
فأما الشرعية: فهي أسماء لها موضوع في الشرع وموضوع في اللغة كالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه فاليمين المطلقة تنصرف إلى الموضوع الشرعي وتتناول الصحيح منه فإذا حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا أو لا ينكح فنكح نكاحا فاسدا لم يحنث إلا أن يضيف اليمين إلى شيء لا تتصور فيه الصحة مثل أن يحلف لا يبيع الخمر أو الحر فيحنث بصورة البيع
__________
الحقيقة بحيث لا يعلمها أكثر الناس كالراوية في العرف اسم للمزادة وفي الحقيقة لما يستقى عليه من الحيوانات والظعينة في العرف للمرأة وفي الحقيقة الناقة التي يظعن عليها فتنصرف اليمين إلى المجاز لأنه الذي يريده بيمينه ويفهم من كلامه أشبه الحقيقة في غيره وسيأتي بقية أنواعها "فأما الشرعية فهي أسماء لها موضوع في الشرع وموضوع في اللغة كالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه فاليمين المطلقة تنصرف إلى الموضوع الشرعي" لأن ذلك هو المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق لأن الشارع إذا قال صل تعين عليه فعل الصلاة المشتملة على الأفعال إلا أن يقترن بكلامه ما يدل على إرادة الموضوع اللغوي فكذا يمين الحالف "وتتناول الصحيح منه" لأن الفاسد ممنوع منه بأصل الشرع فلا حاجة إلى المنع من فعله باليمين "فإذا حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا أو لا ينكح فنكح نكاحا فاسدا لم يحنث" نصره في الشرح وقدمه الجماعة وجزم به في الوجيز لأن اليمين على ذلك تتناول الصحيح منه ولأنه المشروع وعنه يحنث لوجوده صورة وعنه في البيع دون النكاح الفاسد قاله ابن أبي موسى وقال أبو الخطاب إن نكحها نكاحا مختلفا فيه فوجهان وقال ابن حمدان إن اعتقد صحته حنث وإلا فلا ومقتضاه أنه إذا كان بيعا بشرط الخيار أنه يحنث ونص عليه لأنه بيع شرعي فيحنث به كاللازم وإن حلف لا ملكت هذا فاشتراه شراء فاسدا لم يحنث وفيه احتمال.
"إلا أن يضيف اليمين إلى شيء لا تتصور فيه الصحة مثل أن يحلف لا يبيع الخمر أو الحر فيحنث بصورة البيع" أي إذا قيد يمينه بممتنع الصحة كما(9/253)
وذكر القاضي فيمن قال لامرأته إن سرقت مني شيئا وبعته فأنت طالق ففعلت لم تطلق وإن حلف لا يصوم لم يحنث حتى يصوم يوما
__________
ذكره فيحنث في الأصح بصورة البيع لأنه يتعذر حمل يمينه على عقد صحيح فتعين محلا لها.
"وذكر القاضي فيمن قال لامرأته إن سرقت مني شيئا وبعتيه فأنت طالق ففعلت لم تطلق" قال في الرعاية هو أقيس وخرجه السامري على الخلاف الذي ذكره ابن أبي موسى والشراء كالبيع وخالف في عيون المسائل في إن سرقت مني شيئا وبعتيه كما لو حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا وإن حلف لتبيعنه فباعه بعرض بر وكذا نسيئة وقيل ينقض يمينه
فرع: إذا حلف لا يبيع أو لا يزوج فأوجب ولم يقبل المشتري والزوج لم يحنث لا نعلم فيه خلافا لأنه لا يتم إلا بالقبول فلم يقع على الإيجاب بدونه وإن قبله حنث نص عليه وإن حلف ليتزوجن بر بعقد صحيح سواء كان له امرأة أو لا وسواء كانت نظيرتها أو أعلى منها إلا أن يحتال على حل يمينه بتزويج لا يحصل المقصود والمذهب يبر بدخوله بنظيرتها والمراد والله أعلم بمن تغمها وتتأذى بها لظاهر رواية أبي طالب وفي المفردات وغيرها أو مقاربها وقال الشيخ تقي الدين المنصوص أن يتزوج ويدخل ولا تشترط مماثلتها واعتبر في الروضة حتى في الجهاز ولم يذكر دخولا وإن حلف ليطلقن ضرتها ففي بره برجعي خلاف وإن حلف لا تسريت فوطئ جارية حنث قدمه في الرعاية والمحرر وقال القاضي لا يحنث حتى يطأ فينزل فحلا كان أو خصيا وعنه إن عزل فلا حنث وجه الأول أن التسري مأخوذ من السر وهو الوطء قال تعالى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} [البقرة: 235] لأن ذلك حكم تعلق بالوطء فلم يعتبر فيه الإنزال ولا التحصين كسائر الأحكام والأول أولى "وإن حلف لا يصوم لم يحنث حتى يصوم يوما" لأن إمساك بعض يوم ليس بصوم شرعي وهذا إذا لم ينو عددا وأقل ذلك يوم لأنه ليس في الشرع صوم مفرد أقل من يوم فلزمه لأنه(9/254)
وإن حلف لا يصلي لم يحنث حتى يصلي ركعة وقال القاضي إن حلف لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة وإن حلف لا يصلي حنث بالتكبير وإن حلف لا يهب زيدا شيئا ولا يوصي له ولا يتصدق عليه ففعل ولم يقبل زيد حنث
__________
اليقين والمذهب أنه يحنث بشروع صحيح وقيل إن حنث بفعل بعض المحلوف وما ذكره المؤلف حكاه في المحرر والفروع قولا كقوله صوما وكحلفه ليفعلنه وإن كان صائما فدام فوجهان.
"وإن حلف لا يصلي لم يحنث حتى يصلي ركعة" بسجدتيها وقاله أبو الخطاب لأنه أقل ما يطلق عليه اسم الصلاة وقيل بلى إذا صلى ركعتين والمذهب كما قدمه في المستوعب والمحرر والرعاية وجزم به في الوجيز ونسبه في الفروع إلى الأصحاب أنه يحنث بالشروع الصحيح.
"وقال القاضي إن حلف لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة" لأنه يطلق عليه أنه مصل فيجب أن يكون ما هو فيه صلاة قال في الشرح ويشبه هذا ما إذا قال لزوجته إن حضت حيضة فأنت طالق فإنها لا تطلق حتى تحيض ثم تطهر وإن قال إن حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض وشمل كلامه صلاة الجنازة فيدخل في العموم وذكره أبو الخطاب وأما الطواف فقال المجد ليس صلاة مطلقة ولا مضافة لكن في كلام أحمد إنه صلاة وقال أبو الحسين وغيره في الحديث الطواف بالبيت مثل الصلاة في الأحكام كلها إلا فيما استثناه وهو النطق ولم يذكر المؤلف حكم الحج وحاصله أنه إذا حلف لا يحج حنث بإحرامه به وقيل بفراغ أركانه ويحنث بحج فاسد وإن كان محرما فدام فوجهان "وإن حلف لا يصلي حنث بالتكبير" هذا قول القاضي لأنه يدخل في الصلاة بذلك ويطلق عليه أنه مصل فيجب أن يكون ما هو فيه صلاة والأول أصح لأن ما ذكر ثانيا موجود فيمن شرع "وإن حلف لا يهب زيدا شيئا ولا يوصي له ولا يتصدق عليه" ولا يعيره ولا يهدي له "ففعل ولم يقبل زيد حنث" ذكره(9/255)
وإن حلف لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث وإن حلف لا يهبه فتصدق عليه حنث وقال أبو الخطاب لا يحنث وإن أعاره لم يحنث إلا عند أبي الخطاب
__________
الأصحاب وقاله ابن شريح لأن ذلك لا عوض له فيحنث بالإيجاب فقط كالوصية وفي الموجز والتبصرة والمستوعب مثله في بيع وقاله القاضي في إن بعتك فأنت حر ولأن الاسم يقع عليها بدون القبول لقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} الآية [البقرة: 180] أراد الإيجاب لأن الوصية تصح قبل موت الموصي ولا قبول لها حينئذ
فرع: إذا نذر أن يهبه شيئا بر بالإيجاب كيمينه وقد يقال يحمل على الكمال ذكره الشيخ تقي الدين "وإن حلف: لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث" في الأصح لأن الصدقة نوع من الهبة ولا يحلف الحالف على نوع بفعل نوع آخر ولا يثبت للجنس حكم النوع ولهذا حرمت الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم تحرم الهبة ولا الهدية لحديث بريرة وقيل يحنث لما ذكرناه وإن حلف لا يهبه فتصدق عليه حنث لأنه من أنواع الهبة كما لو أهدى إليه أو أعمره فإن أعطاه من صدقة واجبة أو نذر أو كفارة لم يحنث لأن ذلك حق لله يجب إخراجه فليس هو هبة منه فإن تصدق عليه تطوعا حنث لم يذكر ابن هبيرة عن أحمد غيره "وقال أبو الخطاب لا يحنث" هذا رواية لأنهما يختلفان اسما وحكما وجه الأول أنه تبرع بعين في الحياة فيحنث به كالهدية ولأن الصدقة تسمى هبة واختلاف التسمية لكون الصدقة نوعا من الهبة فتختص باسم دونها كاختصاص الهدية والعمرى باسمين ولم يخرجهما ذلك عن كونهما هبة.
"وإن أعاره لم يحنث" لأن العارية إباحة والهبة تمليك وهذا هو الصحيح قاله القاضي لأن المستعير لا يملك المنفعة وإنما يستحقها ولهذا يملك المعير الرجوع فيها ولا يملك المستعير إجارتها "إلا عند أبي الخطاب" فإنه يحنث لأن العارية هبة المنفعة وهي قائمة مقام هبة العين بدليل صحة مقابلة المنفعة(9/256)
وإن وقف عليه حنث وإن أوصى له لم يحنث وإن باعه وحاباه حنث ويحتمل ألا يحنث
فصل
القسم الثاني: الأسماء الحقيقية إذا حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم أو المخ أو الكبد أو الطحال أو القلب أو الكرش أو
__________
بالعوض كالعين.
"وإن وقف عليه حنث" لأنه تبرع له بعين في الحياة فهو في العرف هبة وقيل لا يحنث كوصية له ولأنه لا يملك على رواية وبناه في المغني على الملك فإن قلنا يملكه حنث بمساواته الهبة وإن قلنا بعدم ملكه فلا قال ابن المنجا ولقائل أن يقول لا يحنث وإن قلنا يملكه لأن الإنسان ممنوع من هبة أولاده الذكور والإناث بالسوية فلم يلزم من المنع من الهبة المنع من الوقف.
"وإن أوصى له لم يحنث" لأن الهبة تمليك في الحياة بخلاف الوصية.
"وإن باعه وحاباه حنث" قاله أبو الخطاب وجزم به في الوجيز لأنه ترك له بعض المبيع بغير عوض أو وهبه بعض الثمن "ويحتمل ألا يحنث" هذا وجه وهو أولى لأنها معاوضة يملك الشفيع أخذ جميع المبيع ولو كان هبة أو بعضه لم يملك أخذ كله وأطلق في الفروع الخلاف ويحنث بالهدية خلافا لأبي الخطاب وإن أضافه لم يحنث لأنه لم يملكه شيئا وإنما أباح له الأكل ولهذا لا يملك التصرف فيه بغيره وإن أسقط عنه دينا لم يحنث إلا أن ينوي لأن الهبة تمليك عين
فصل
"القسم الثاني: الأسماء الحقيقة" وهي نسبة إلى الحقيقة وهو اللفظ المستعمل في وضع أول
"وإذا حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم أو المخ أو الكبد أو الطحال أو القلب أو الكرش أو المصران أو الإلية ,(9/257)
المصران أو الإلية والدماغ والقانصة لم يحنث وإن أكل المرق لم يحنث وقد قال أحمد لا يعجبني قال أبو الخطاب هذا على سبيل الورع
__________
والدماغ والقانصة لم يحنث" لأنه لا يسمى لحما وينفرد علقه باسمه وصفته ولو أمر وكيله بشراء لحم فاشترى شيئا من هذه لم يكن ممتثلا ولا ينفذ الشراء وقال كثير من العلماء يحنث بأكل ذلك لأنه لحم حقيقة قال في الشرح لا نسلم أنه لحم حقيقة بل هو من الحيوان كالعظم وعلى الأول يحنث إذا قصد اجتناب الدسم ولا يحنث بأكل كارع وذنب فإن أكل من الشحم الذي على الظهر والجنب وفي تضاعيف اللحم لم يحنث في ظاهر قول الخرقي وقال القاضي وأبو الخطاب يحنث بأكله لأنه لا يسمى شحما ولا بائعه شحاما ويسمى لحما سمينا ولو وكل في شراء اللحم فاشتراه لزمه وجه الأول قوله تعالى {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ...} الآية [الأنعام: 146] لأنه يشبه الشحم في صفته وذوبه ولا نسلم أنه لا يسمى شحما ولا أنه بمفرده يسمى لحما ولا يسمى بائعه شحاما بل لحاما لأنه يسمى ما هو الأصل دون التبع وفي كلا الدليلين نظر إذ بمجرد شبه الشيء بالشيء لا يقتضي أن يسمى باسمه ويعطى حكمه على أن شبه سمين الظهر بالإلية أقرب من شبهه بالشحم
فرع: لم يتعرض المؤلف لحكم لحم الرأس واللسان والسنام وما لا يؤكل لحمه أو أكل السمين وفيه وجهان أحدهما لا يحنث لأن اسم اللحم لا ينصرف عند الإطلاق إليه وعنه فيمن حلف لا يشتري لحما فاشترى رأسا أو كارعا لا يحنث إلا أن ينوي والثاني بلى لأنه لحم ويحنث بأكل لحم ما لا يؤكل لحمه ذكره في الشرح واقتصر عليه.
"وإن أكل المرق لم يحنث" في الأصح لأنه ليس بلحم "وقد قال أحمد: لا يعجبني" وهو قول القاضي لأنه لا يخلو من قطع اللحم "قال أبو الخطاب هذا على سبيل الورع" لأنه ليس بلحم حقيقة ولا يطلق عليه فلم يحنث به كالكبد ولا نسلم أن أجزاء اللحم فيه وإنما فيه ماء اللحم ودهنه(9/258)
وإن حلف لا يأكل الشحم فأكل شحم الظهر حنث وإن حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو سمنا أو كشكا أو مصلا أو جبنا لم يحنث وإن حلف على الزبد والسمن فأكل لبنا لم يحنث وإن حلف لا يأكل الفاكهة فأكل من ثمر الشجر كالجوز
__________
"وإن حلف لا يأكل الشحم فأكل شحم الظهر حنث" أي إذا أكل بياض اللحم كسمين الظهر يحنث في قول الخرقي وقدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لأن ذلك يسمى شحما ويشارك شحم البطن في اللون والذوب وظاهر الآية والعرف يشهد لذلك وهو قول طلحة العاقولي وعلى هذا يحنث بأكل الإلية وقال القاضي وغيره الشحم هو الذي يكون في الجوف من شحم الكلى وغيره فعلى هذا لا يحنث بأكل الإلية أو اللحم الأبيض قال الزركشي وهذا هو الصواب فإن أكل اللحم الأحمر لم يحنث لأنه لا يظهر فيه شيء من الشحم وقال الخرقي يحنث لأن اللحم لا يخلو من شحم.
"وإن حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو سمنا أو كشكا أو مصلا أو جبنا" أو أقطا "لم يحنث" نص عليه اقتصر عليه في الكافي وقدمه في الرعاية وغيرها لأنه لا يسمى لبنا وهذا إن لم يظهر طعمه كما ذكره المؤلف بعد وعنه يحنث فيها وقال القاضي يحتمل أن يقال في الزبد إن ظهر فيه لبن حنث بأكله وإلا فلا وعلى الأول لو أكل من لبن الأنعام أو الصيد أو لبن آدمية حنث حليبا كان أو رائبا مائعا أو جامدا لأن الجميع لبن.
"وإن حلف على الزبد والسمن فأكل لبنا لم يحنث" ذكره معظم الأصحاب لأنه لا يسمى زبدا ولا سمنا وفي المغني إن لم يظهر فيه الزبد لم يحنث وإن ظهر حنث لأن ظهوره كوجوده وكذا إن حلف على الزبد فأكل سمنا وإن أكل سمنا وإن أكل جبنا لم يحنث وكذلك سائر ما يصنع من اللبن وإن حلف لا يأكل سمنا فأكل شيئا مما يصنع من اللبن سوى السمن لم يحنث وفي الزبد وجه فإن أكل السمن منفردا أو في طبيخ يظهر فيه طعمه حنث
"وإن حلف لا يأكل الفاكهة فأكل من ثمر الشجر غير بري "كالجوز(9/259)
واللوز والتمر والرمان حنث وإن أكل البطيخ حنث ويحتمل إلا يحنث ولا يحنث بأكل القثاء والخيار وإن حلف لا يأكل رطبا فأكل مذنبا حنث وإن أكل تمرا أو بسرا أو حلف لا يأكل تمرا فأكل رطبا أو دبسا أو ناطفا لم يحنث
__________
واللوز والتمر والرمان" والموز والأترج والنبق والأصح ولو يابسا كصنوبر وعناب "حنث" لأن ذلك يسمى فاكهة عرفا وشرعا ويسمى بائع ثمرة النخل والرمان فاكهانيا لا يقال ينبغي أن يكونا ليسا من الفاكهة لقوله تعالى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} لأنهما ثمرة شجرة يتفكه بهما كسائر الأشياء والعطف لا يقتضي المغايرة بل لتشريفهما وتخصيصهما لقوله تعالى {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ} الآية [البقرة: 97] وليس منها زيتون وبلوط وبطم وزعرور أحمر وآس وسائر ثمر بري لا يستطاب وإن حلف لا يأكل من هذه الشجرة حنث بالثمرة فقط ولو لقط من تحتها.
"وإن أكل البطيخ حنث" جزم به في المستوعب والوجيز لأنه ينضج ويحلو أشبه ثمرة الشجر "ويحتمل أن لا يحنث" ذكره في الكافي والمحرر وجها لأنه ثمر بقلة كالخيار "ولا يحنث بأكل القثاء والخيار" وسائر الخضروات كقرع وباذنجان وجزر ولفت وفجل وقلقاس لأنه لا يسمى فاكهة ولا هو في معناه "وإن حلف لا يأكل رطبا فأكل مذنبا" وهو الذي بدا فيه الإرطاب من ذنبه وباقيه بسر ومنصفا وهو الذي بعضه بسر وبعضه رطب أو لا يأكل بسرا فأكل ذلك "حنث" قدمه في المحرر ونصره في الشرح وجزم به في الوجيز لأن آكله قد أكل الرطب وقال ابن عقيل لا يحنث لأنه لا يسمى رطبا
فرع: حلف واحد ليأكلن رطبا وآخر ليأكلن بسرا فأكل الأول ما في النصف من الرطبة وأكل الآخر باقيها بر
"وإن أكل تمرا أو بسرا" لم يحنث لأنه ليس برطب "أو حلف لا يأكل تمرا فأكل رطبا أو دبسا أو ناطفا لم يحنث" ذكره في المحرر والوجيز لأنه(9/260)
أو حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والشواء والجبن والملح والزيتون واللبن وسائر ما يصبغ به وفي التمر وجهان وإن حلف لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا أو خفا أو نعلا حنث
__________
ليس بثمر وإن أكل رطبا غير بسر قال ابن حمدان أو هما عن مذنب فلا حنث "وإن حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والشواء" نص عليه "والجبن والملح" في الأشهر فيه "والزيتون واللبن وسائر ما يصبغ به" أي ما يغمس فيه الخبز ويسمى ذلك المغموس فيه صبغا لأن ما جرت العادة بأكل الخبز به هو التأدم قال الله تعالى {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [المؤمنون: 20] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "نعم الأدم الخل" رواه مسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم "ائتدموا بالزيت وادهنوا به" رواه ابن ماجة ورجاله ثقات وقال النبي صلى الله عليه وسلم "سيد أدم أهل الدنيا والآخرة اللحم" رواه ابن قتيبة في غريبه وقال النبي صلى الله عليه وسلم "سيد إدامكم الملح" رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف ولأنه يؤكل به الخبز عادة ويعد للتأدم فكان أدما "وفي التمر وجهان" كذا في المحرر والفروع أحدهما هو أدم وجزم به في الوجيز لأن النبي صلى الله عليه وسلم "وضع تمرة على كسرة وقال هذه إدام هذه" رواه أبو داود والبخاري في تاريخه والثاني لا لأنه لا يؤتدم به عادة وهو فاكهة قال في الفروع ويتوجه عليهما زبيب ونحوه وهو ظاهر كلام جماعة وفي المغني والشرح لا يحنث
فرع: القوت خبز وفاكهة يابسة ولبن ونحوه وقيل قوت أهل بلده ويحنث بحب يقتات في الأصح والطعام ما يؤكل ويشرب وفي ماء ودواء وورق شجر وتراب ونحوها وجهان والعيش عرفا الخبز وفي اللغة العيش الحياة فيتوجه ما يعيش به فيكون كالطعام.
"وإن حلف لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا أو خفا أو نعلا حنث" لأنه ملبوس حقيقة وعرفا فحنث به كالثياب لكن لو أدخل يده في الخف أو النعل لم يحنث وإن حلف لا يلبس ثوبا حنث كيف لبسه ولو تعمم به ولو ارتدى بسراويل أو اتزر بقميص لابطيه ولا بتركه على رأسه ,(9/261)
وإن حلف لا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة أو جوهر حنث وإن لبس عقيقا او سبجا لم يحنث وإن لبس الدراهم والدنانير في مرسلة فعلى وجهين وإن حلف لا يركب دابة فلان ولا يلبس ثوبه ولا يدخل داره فركب دابة عبده ولبس ثوبه ودخل داره أو فعل ذلك فيما أستأجره فلا حنث
__________
ولا بنومه عليه وإن تدثر به فوجهان وإن قال قميصا فاتزر به لم يحنث وإن ارتدى فوجهان "وإن حلف لا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة أو جوهر حنث" لقوله تعالى {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] وقوله تعالى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} [الحج: 23] وقال ابن عمر قال الله تعالى للبحر الشرقي "إني جاعل فيك الحلية والصيد والطيب" وكذهب وجده.
"وإن لبس عقيقا أو سبجا" وحريرا "لم يحنث" لأنه ليس بحلي كخرز الزجاج وفي الوسيلة تحنث المرأة بحرير "وإن لبس الدراهم والدنانير" زاد في الرعاية المفردين ومنطقة محلاة لا سيف "في مرسلة فعلى وجهين" أحدهما لا حنث وجزم به في الوجيز لأنه ليس بحلي إذا لم يلبسه فكذا إذا لبسه
والثاني بلى كلبس سوار وخاتم ولأنها من حلي الرجال ولا يقصد بلبسها محلاة إلا التجمل بها
فرع: إذا حلف لا يلبس خاتما فلبسه في غير خنصر حنث لأنه لابس ولا فرق بين الخنصر وغيره إلا من حيث الاصطلاح على تخصيصه بالخنصر وكما لو حلف لا يلبس قلنسوة فجعلها في رجله وجوابه بأنه عيب ومشقة بخلافه هنا.
"وإن حلف لا يركب دابة فلان أو لا يلبس ثوبه أو لا يدخل داره فركب دابة عبده ولبس ثوبه ودخل داره أو فعل ذلك فيما استأجره فلا حنث" نقول: إذا حلف لا يدخل دار زيد فدخل دار عبده حنث بغير خلاف نعلمه لأن دار العبد ملك للسيد والثوب والدابة كالدار لأنهما(9/262)
وإن ركب دابة استعارها فلان لم يحنث وإن حلف لا يركب دابة عبده فركب دابة جعلت برسمه حنث وإن حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث
__________
مملوكان للسيد فيتناولهما يمين الحالف وأما كونه يحنث إذا فعل ذلك فيما استأجره فلان لأن الدار تضاف إلى ساكنها كإضافتها إلى مالكها لقوله تعالى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] ولأن الإضافة للاختصاص ولأن ساكن الدار مختص بها فكانت إضافتها إليه صحيحة وهي مستعملة في العرف وأما الإقرار كما لو قال هذه دار زيد وفسر إقراره بسكناها احتمل أن يقبل تفسيره ولو سلم بقرينة الإقرار يصرفه إلى الملك ولو حلف لا دخلت مسكن زيد حنث بدخوله الدار التي يسكنها ولو قال هذا السكن لزيد كان مقرا له بها.
"وإن ركب دابة استعارها فلان" أو غصبها "لم يحنث" لأن فلانا لا يملك منافع الدابة وفارق مسألة الدار فإنه لم يحنث في الدار لكونه استعارها أو غصبها وإنما يحنث لسكناه بها فأضيفت إليه ولو غصبها أو استعارها من غير أن يسكنها لم تصح إضافتها إليه وعنه يحنث بدخول الدار المستعارة وذكره ابن عقيل في الفصول لوجود شرطه وفي الرعاية إن قال لا أسكن مسكنه ففيما لا يسكنه زيد من ملكه وما يسكنه بغصب وجهان وفي الترغيب الأقوى إن كان سكنه مرة حنث وإن قال ملكه ففيما استأجره خلاف في الانتصار
"وإن حلف لا يركب دابة عبده فركب دابة جعلت برسمه حنث" لأنه مختص بها حينئذ كحلفه لا يركب رحل هذه الدابة ولا يبيعه "وإن حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث" لأنه من الدار وحكمه حكمها بدليل صحة الاعتكاف فيه ومنع الجنب من اللبث فيه فوجب أن يحنث إذا دخله كما لو دخل الدار نفسها وإن حلف ليخرجن من الدار فصعد سطحها لم يبر فإن كان ثم نية أو سبب أو قرينة عمل بها فإن صعد على(9/263)
وإن دخل طاق الباب احتمل وجهين وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان وإن زجره فقال تنح أو اسكت حنث.
__________
شجرة حتى صار في مقابلة سطحها بين حيطانها حنث وإن لم ينزل بين حيطانها فهل يحنث فيه احتمالان وكذا إن كانت الشجرة في غير الدار فتعلق بفرع: ماد على الدار في مقابلة سطحها فإن أقام على حائط الدار فوجهان أحدهما يحنث ذكره القاضي لأنه داخل في حدها على سطحها والثاني لا لأنه لا يسمى داخلا.
"وإن دخل طاق الباب احتمل وجهين" أحدهما: يحنث لأنه دخل في حدها والثاني: لا وصححه في المغني لأنه لا يسمى داخلا وقال القاضي إن قام في موضع إذا أغلق الباب كان خارجا منه لم يحنث وجزم به في الوجيز.
"وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان" لأنها نكرة في سياق النفي فتعم ولفعله المحلوف عليه حتى لو سلم عليه حنث لأن السلام كلام تبطل به الصلاة فيحنث به كغيره وفي الرعاية إن سلم عليه ولم يعرفه فوجهان وإن صلى المحلوف عليه إماما وسلم من الصلاة لم يحنث نص عليه وكذا إن أرتج عليه فيها ففتح عليه الحالف.
"وإن زجره فقال تنح أو اسكت حنث" لأن ذلك كلام فيدخل في ما حلف على عدمه وقياس المذهب لا فلو كاتبه أو راسله حنث إلا أن يكون أراد ألا يشافهه وقاله أكثر الأصحاب وعنه لا يحنث إلا أن يكون بنية أو سبب يمينه يقتضي هجرانه لأنه يصح نفيه ولو كانت الرسالة تكليما لتناول موسى وغيره من الرسل ولم يختص بكونه كليم الله تعالى واحتج الأصحاب بقوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} الآية [الشورى: 51] لأنه وضع لإفهام الآدميين أشبه الخطاب والصحيح أن هذا ليس بتكليم والاستثناء في الآية من غير الجنس كما في الآية الأخرى {آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً} [آل عمران:41] والرمز ليس بتكليم لكن إن نوى ترك مواصلة أو سبب أو(9/264)
وإن حلف لا يبتدئه بكلام فتكلما معا حنث وإن حلف لا يكلمه حينا فذلك ستة أشهر نص عليه وإن قال زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا رجع إلى أقل ما يتناوله اللفظ.
__________
كان سبب يمينه يقتضي هجرانه فإنه يحنث.
"وإن حلف لا يبتدئه بكلام" أو لا كلمت فلانا حتى يكلمني أو حتى يبدأني بكلام "فتكلما معا حنث" في الأصح لأن كل واحد منهما مبتدئ إذ لم يتقدمه كلام سواه وفي الرعاية قلت لا لكن إذا قال لا بدأته بكلام فتكلما معا لم يحنث جزم به في المحرر والوجيز لعدم البداية والثاني بلى لما تقدم وأطلقهما في الفروع.
"وإن حلف لا يكلمه حينا" ولم ينو شيئا "فذلك ستة أشهر نص عليه" لأن الحين المطلق في كلام الله تعالى أقله ستة فيحمل مطلق كلام الآدمي عليه قال في الفروع ويتوجه أقل زمن يقع على القليل كالكثير لقوله تعالى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17]
فإن قلت ترد للسنة لقوله تعالى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 20] ويراد به يوم القيامة لقوله تعالى {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] ويراد به ساعة لقوله تعالى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} ويقال جئته منذ حين وإن كان أتاه من ساعة ويراد به مدة طويلة لقوله تعالى {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54] فالجواب أنه يصح الإطلاق في ذلك كله وإنما الكلام في الإطلاق الخالي عن الإرادة مع أن عكرمة وسعيد بن جبير وأبا عبيدة قالوا في قوله تعالى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 20] ستة أشهر واختلف فيها عن ابن عباس وما استشهدوا به من المطلق في كلام الله تعالى فما ذكرناه أقل فحمل على اليقين وقيل إن عرفه فللأبد كالدهر والعمر أما إذا قيد لفظه أو بينه بزمن فإنها تتقيد به "وإن قال زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا رجع إلى أقل ما يتناوله اللفظ" جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأن ما زاد عليه مشكوك في إرادته والأصل عدمه . وعند(9/265)
وإن قال: عمرا احتمل ذلك واحتمل أن يكون أربعين عاما وقال القاضي هذه الألفاظ كلها مثل الحين إلا بعيدا أو مليا فإنه على أكثر من ستة أشهر وإن قال الأبد والدهر فذلك على الزمان كله والحقب ثمانون سنة والشهور اثنا عشر شهرا عند القاضي وعند أبي الخطاب ثلاثا كالأشهر والأيام ثلاثة وإن حلف لا يدخل باب هذه الدار فحول ودخله حنث
__________
القاضي: إن زمنا كحين وقال ابن عقيل في وقت ونحوه الأشبه بمذهبنا ما يؤثر في مثله من المؤاخذة والزمان كحين واختار في المحرر وقطع له في الوجيز أنه للأبد كالدهر وذكر ابن أبي موسى أنه إذا حلف لا يكلمه زمانا فهو إلى ثلاثة أشهر "وإن قال عمرا احتمل ذلك" أي يرجع فيه إلى أقل ما تناوله اللفظ واحتمل أن يكون أربعين عاما لقوله تعالى {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ} [يونس: 16] وهو قول حسن قال أبو الخطاب ما ورد فيه من ذلك يرجع إليه كالحين فأما غيره فإن كانت له نية وإلا حمل على أقل ما يقع عليه الاسم من العمر والدهر "وقال القاضي هذه الألفاظ كلها مثل الحين" لما تقدم "إلا بعيدا أو مليا" زاد في الرعاية أو طويلا "فإنه على أكثر من ست أشهر وإن قال الأبد والدهر" والعمر "فذلك على الزمان كله" لأن الألف واللام للاستغراق وذلك يوجب دخول الزمان كله "والحقب" بضم الحاء "ثمانون سنة" نصره في الشرح وجزم به في المستوعب والوجيز روي عن علي وابن عباس في تفسير الآية وقاله الجوهري في صحاحه وقال القاضي وقدمه في الفروع هو أدنى زمان لأنه المتيقن وقيل أربعون عاما وقيل للأبد "والشهور اثنا عشر عند القاضي" وجزم به في الوجيز لقوله تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} [التوبة: 36] "وعند أبي الخطاب" وقدمه في الرعاية والفروع "ثلاثا" لأنه جمع "كالأشهر" فإنها ثلاثة وجها واحدا "والأيام ثلاثة" لأنها أقل الجمع وإن عين أياما تبعتها الليالي.
"وإن حلف لا يدخل باب هذه الدار فحول ودخله حنث" لأنه فعل(9/266)
وإن حلف لا يكلمه إلى حين الحصاد انتهت يمينه بأوله ويحتمل أن يتناول جميع مدته وإن حلف لا مال له وله مال غير زكوي أو دين على الناس حنث وإن حلف لا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث إلا أن ينوي
__________
ما حلف على تركه وكذا إذا جعل لها بابا آخر مع بقاء الأول أو قلع الباب ونصبه في دار أخرى لم يحنث بالدخول من الموضع الذي نصب فيه الباب وإن حلف لا يدخل هذه الدار من بابها فدخلها من غير الباب لم يحنث ويتخرج بلى إذا أراد بيمينه اجتناب الدار لكن إن كان للدار سبب هيج اليمين كما لو حلف لا يأوي مع زوجته في دار فأوى معها في غيرها.
"وإن حلف لا يكلمه إلى حين الحصاد انتهت يمينه بأوله" لأن إلى لانتهاء الغاية فتنتهي عند أولها لقوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] "ويحتمل أن يتناول جميع مدته" هذا رواية لأن إلى تستعمل بمعنى مع لقوله تعالى {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] ولأن الظاهر أنه قصد هجرانه واللفظ صالح لتناول الجميع.
"وإن حلف لا مال له وله مال غير زكوي أو دين على الناس حنث" لأنه مال فوجب أن يحنث للمخالفة في يمينه والدين مال ينعقد عليه الحول ويصح تصرفه فيه بالإبراء والحوالة أشبه المودع ولأن المال ما تناوله الناس عادة لطلب الربح مأخوذ من الميل من يد إلى يد وجانب إلى جانب قاله في الواضح والملك يختص الأعيان من الأموال ولا يعم الدين وعن أحمد إذا نذر الصدقة بجميع ماله إنما يتناول نذره الصامت من ماله لأن إطلاق المال ينصرف إليه فلو كان له مال مغصوب حنث وكذا إن كان ضائعا في وجه فإن ضاع على وجه قد أيس من عوده لم يحنث في الأشهر ويحتمل ألا يحنث في كل موضع لا يقدر على أخذ ماله وظاهره أنه إذا تزوج أو اشترى عقارا ونحوه لا يحنث "وإن حلف لا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث إلا أن ينوي" اقتصر عليه أكثر الأصحاب لأن فعل وكيله كفعله نص عليه ولأن الفعل يطلق(9/267)
فصل
فأما الأسماء العرفية فهي أسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة كالراوية والظعينة والدابة والغائط والعذرة ونحوها فتتعلق اليمين بالعرف دون الحقيقة
__________
على الموكل فيه والآمر به فحنث كما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه وذكر ابن أبي موسى أنه يحنث إلا أن تكون عادته جارية بمباشرة ذلك الفعل بنفسه فلا وجزم به في الوجيز فإذا وكل فيه وأضاف إلى الموكل فلا حنث وإن أطلق فوجهان وإن حلف لا يكلم عبدا اشتراه زيد فكلم عبدا اشتراه وكيله أو لا يضرب عبده فضربه بأمره حنث
قاعدة: تطلق امرأة من حلف لا يكلم زنديقا بقائل بخلق القرآن قاله سجادة قال أحمد ما أبعده والسفلة من لم يبال بما قال وما قيل له ونقل عبد الله من يدخل الحمام بغير مئزر ولا يبالي على أي معصية رئي قال ابن الجوزي الرعاع السفلة والغوغاء نحو ذلك وأصل الغوغاء صغار الجراد
فصل
"فأما الأسماء العرفية فهي أسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة" لأنها إذا لم تشتهر تكون مجازا لغة وسميت عرفية لاستعمال أهل العرف لها في غير المعنى اللغوي وذلك أن اللفظ قد يكون حقيقة لغوية في معنى ثم يصير مدلوله على معنى آخر عرفي ولا شبهة في وقوع ذلك "كالراوية" للمزادة في العرف وفي الحقيقة الجمل الذي يستقى عليه "والظعينة" هي في العرف للمرأة وفي الحقيقة للناقة التي يظعن عليها "والدابة" اسم لذوات الأربع وفي الحقيقة اسم لما دب "والغائط والعذرة" في العرف الخارج المستقذر وفي الحقيقة الغائط المكان المطمئن من الأرض والعذرة فناء الدار "ونحوها" أي نحو هذه الأشياء "فتتعلق اليمين بالعرف" لأنه يعلم أن الحالف لا يريد غيره فصار كالمصرح به "دون الحقيقة" لأنها صارت مهجورة ولا يعرفها أكثر الناس .(9/268)
وإن حلف على وطء امرأته تعلقت يمينه بجاعها وإن حلف على وطء دار تعلقت يمينه بدخولها راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منتعلا وإن حلف لا يشم الريحان فشم الورد والبنفسح والياسمين أو لا يشم الورد والبنفسح فشم دهنهما أو ماء الورد فالقياس أنه لا يحنث وقال بعض أصحابنا يحنث وإن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث عند
__________
"وإن حلف على وطء امرأته تعلقت يمينه بجماعها" لأنه الذي ينصرف اللفظ في العرف إليه وإن حلف لا يتسرى حنث بوطئها أيضا وقد سبق "وإن حلف على وطء دار تعلقت يمينه بدخولها" لأنها غير قابلة للجماع فوجب تعلق يمينه بدخولها "راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منتعلا" لأن اليمين محمولة على الدخول وكذا إن حلف لا يضع قدمه في الدار وقال أبو ثور إن دخلها راكبا لم يحنث لأنه لم يضع قدمه فيها وهل يحنث بدخول مقبرة قال في الفروع يتوجه لا إن قدم العرف وإلا حنث وقد قال بعض العلماء في قوله عليه السلام "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" إن اسم الدار يقع على المقابر قال وهو الصحيح فإن الدار في اللغة يقع على الربع المسكون وعلى الخراب غير المأهول.
"وإن حلف لا يشم الريحان فشم الورد والبنفسج والياسمين" ولو كان يابسا "أو لا يشم الورد والبنفسج فشم دهنهما أو ماء الورد فالقياس أنه لا يحنث" وهذا قول القاضي وجزم به في الوجيز لأنه المسمى عرفا ويمينه تختص بالريحان الفارسي "وقال بعض أصحابنا يحنث" قدمه السامري والمجد وابن حمدان وصححه في الفروع وحينئذ يحنث بشم كل نبت ريحه طيب كمرزجوش لأنه يتناوله اسم الريحان حقيقة وعلم منه أنه لا يحنث بشم الفاكهة وجها واحدا
فرع: إذا حلف لا يشم طيبا فشم نبتا طيب الريح كالخزام ونحوه حنث في الأشهر
"وإن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث عند الخرقي" قدمه(9/269)
الخرقي ولم يحنث عند ابن أبي موسى وإن أكل لا يأكل رأسا ولا بيضا حنث بأكل رؤوس الطير والسمك وبيض السمك والجراد عند القاضي وعند أبي الخطاب لا يحنث إلا بأكل رأس جرت العادة بأكله منفردا أو بيض يزايل بائضه حال الحياة
__________
السامري والجد وجزم به ابن هبيرة وصاحب الوجيز وهو المذهب لقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً} [النحل: 14] ولأنه جسم حيوان يسمى لحما فحنث بأكله كلحم الطير وتقديما للشرع واللغة "ولم يحنث عند ابن أبي موسى" إلا أن ينويه لأنه لا ينصرف إليه إطلاق اسم اللحم ولو وكل في شراء لحم فاشترى له سمكا لم يلزمه ويصح أن ينفي عنه الاسم فيقال ما أكلت لحما وإنما أكلت سمكا وكما لو حلف لا قعدت تحت سقف فإنه لا يحنث بقعوده تحت السماء وقد سماه الله تعالى {سَقْفاً مَحْفُوظاً} َلأنه مجاز كذا هنا والأول هو ظاهر المذهب
والفرق بين مسألة اللحم والسقف أن الظاهر أن من حلف لا يقعد تحت سقف يمكنه التحرز منه والسماء ليست كذلك فعلم أنه لم يردها بيمينه ولأن التسمية ثم مجاز وهنا حقيقة لكونه من حيوان يصلح للأكل فكان الاسم فيه حقيقة كلحم الطير لقوله تعالى {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] "وإن حلف لا يأكل رأسا ولا بيضا حنث بأكل رؤوس الطير والسمك وبيض السمك والجراد" وغير ذلك "عند القاضي" قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لعموم الاسم فيه حقيقة وعرفا أشبه ما لو حلف لا يشرب ماء فإنه يحنث بشرب الماء الملح والماء النجس ومن حلف لا يأكل خبزا حنث بكل خبز وفي الترغيب إن كان خبز بلده الأرز حنث به وفي حنثه بخبز غيره الوجهان "وعند أبي الخطاب لا يحنث إلا بأكل رأس جرت العادة بأكله منفردا أو بيض يزايل بائضه حال الحياة" لأنه لا ينصرف إليه اللفظ عرفا فلم يحنث كما لو حلف لا يأكل شواء فأكل بيضا ونقله في الشرح عنه وأنه قول أكثر العلماء وهو الصحيح وقيل بيض السمك والجراد يزايلهما في الحياة ولا يؤكل في حياتهما وفي المحرر والفروع(9/270)
وإن حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما أو بيت شعر أو أدم أو لا يركب فركب سفينة حنث عند أصحابنا ويحتمل ألا يحنث فإن حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله تعالى لم يحنث
__________
كالمقنع وفي الترغيب إن كان بمكان العادة إفراده بالبيع فيه حنث وفي غير مكانه وجهان نظرا إلى أصل العادة أو عادة الحالف وحاصله أنه لا يحنث بأكل شيء يسمى بيضا غير بيض الحيوان ولا بشيء يسمى رأسا غير رؤوس الحيوان لأن ذلك ليس برأس ولا بيض.
"وإن حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما أو بيت شعر أو أدم" حنث نص عليه لأنهما بيتان حقيقة لقوله تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] وقوله تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} الآية [آل عمران: 96] وقوله عليه السلام "بئس البيت الحمام" رواه أبو داود وغيره وفيه ضعف وإذا كان في الحقيقة بيتا وفي عرف الشارع حنث بدخوله كبيت الإنسان وأما بيت الشعر والأدم فلأن اسم البيت يقع عليه حقيقة وعرفا لقوله تعالى {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً} الآية [النحل: 80] وظاهره أن الخيمة كذلك قدمه في الرعاية واقتصر عليه السامري وحكاه في الفروع منصوصا عليه وذكر في الكافي والشرح أنه لا يحنث بدخولها لكن إن عين خيمة اقتلعت وضربت في موضع آخر أو نقلها حنث وعلم مما سبق أنه لا يحنث بدخول دهليز دار أو صفتها لأنه لا يسمى بيتا
"أو لا يركب فركب سفينة حنث عند أصحابنا" لأنه ركوب لقوله تعالى {ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41] {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت: 65] ويحتمل ألا يحنث وهو قول أكثرهم لأنه لا يسمى بيتا ولا ركوبا في العرف وظاهره أن الاحتمال في الصور كلها وظاهر المغني أنه في المسجد والحمام فقط قال لأن أهل العرف لا تسمي ذلك بيتا.
"فإن حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله تعالى لم يحنث" في(9/271)
وإن دق عليه إنسان فقال "ادخلوها بسلام آمنين" يقصد تنبيهه لم يحنث وإن حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو نتف شعرها أو عضها حنث
__________
قول أكثر العلماء لأن الكلام في العرف لا يطلق إلا على كلام الآدميين وقال زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وأمر الله تعالى زكريا بالتسبيح مع قطع الكلام عنه وقال إن قرأ في الصلاة لم يحنث وإلا حنث ومقتضى مذهبه أنه يحنث لأنه كلام كقوله تعالى {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] وقوله عليه السلام "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان" الخبر والأول أشهر لأن ما لا يحنث به في الصلاة لا يحنث به خارجا منها كالإشارة وما ذكروه يبطل بذكر الله تعالى المشروع في الصلاة.
"وإن دق عليه إنسان" بابه "فقال ادخلوها بسلام آمنين" يقصد تنبيهه بالقرآن "لم يحنث" لأن هذا من كلام الله تعالى ويمينه إنما تنصرف إلى كلام الآدميين قال ابن المنجا فإن قيل لو قال ذلك في الصلاة لبطلت ولو لم يكن من كلام الآدميين لما بطلت قيل في ذلك منع وإن سلم فالفرق أن الصلاة لا تصح إلا بالقرآن وقد وقع التردد فيه أن ذلك قرآن ولا يصح مع الشك في شرطها بخلاف الحلف فإن شرط الحنث فيه كون المتكلم به كلام الآدميين وقد وقع التردد فيه فلا يحنث بالشك في شرطه وفي المذهب وجه وظاهره أنه إذا لم يقصد القرآن أنه يحنث ذكره الأصحاب لأنه من كلام الآدميين وحقيقة الذكر ما نطق به فتحمل يمينه عليه ذكره في الانتصار قال الشيخ تقي الدين الكلام يتضمن فعلا كالحركة ويتضمن ما يقترن بالفعل من الحروف والمعاني فلهذا يجعل القول قسما للفعل وقسما آخر وينبني عليه من حلف لا يعمل عملا فقال قولا كالقراءة هل يحنث فيه وجهان
فرع: إذا حلف لا يسمع كلام الله فسمع القرآن فإنه يحنث إجماعا قاله أبو الوفاء
وإن حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو نتف شعرها أو عضها-(9/272)
وإن حلف ليضربنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه
فصل
وإن حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره مثل إن حلف
__________
حنث" لأنه قصد ترك تأليمها وقد آلمها وقال أبو الخطاب يحتمل ألا يحنث بذلك إلا أن يقصد ألا يؤلمها أومأ إليه في رواية مهنا وهو قول في الرعاية لكن لو عضها للتلذذ ولم يقصد تأليمها لم يحنث وإن حلف ليضربنها ففعل ذلك بر لوجود المقصود بالضرب وإن ضربها بعد موتها لم يبر وهل اللطم والوكز ضرب يحتمل وجهين قاله ابن حمدان.
"وإن حلف ليضرنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه" نصره في الشرح واقتصر عليه السامري وصاحب الوجيز وقدمه في الرعاية والفروع لأن هذا هو المفهوم في العرف لأن السوط هنا آلة أقيمت مقام المصدر وانتصب انتصابه لأن معنى كلامه لأضربنه مائة ضربة بسوط وهذا هو المفهوم من يمينه والذي يقتضيه لغة فلا يبر بما يخالف ذلك وعنه يبر اختاره ابن حامد لقول أحمد في المريض الذي عليه الحد يضرب بعثكال النخل يسقط عنه الحد وكحلفه ليضربنه بمائة وأجاب في الشرح عن قصة أيوب بأن هذا الحكم لو كان عاما لما خص بالمنة عليه وعن المريض المجلود بأنه إذا لم يتعد هذا الحكم في الحد الذي ورد النص فيه فلأن لا يتعدى إلى اليمين أولى
فرع: إذا حلف ليضربنه بعشرة أسواط فجمعها فضربه بها بر وإن حلف ليضربنه عشر مرات لم يبر بضربه عشرة أسواط دفعة واحدة بغير خلاف وكذا إن حلف ليضربنه عشر ضربات
فصل
"وإن حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره مثل إن حلف:(9/273)
ألا يأكل لبنا فأكل زبدا أو لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه أو لا يأكل بيضا فأكل ناطفا أو لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر أو لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث وإن ظهر طعم السمن أو طعم شيء من المحلوف عليه حنث وقال الخرقي يحنث بأكل اللحم الأحمر وحده وقال غيره يحنث بأكل حنطة فيها حبات شعير
__________
ألا يأكل لبنا فأكل زبدا أو لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه أو لا يأكل بيضا فأكل ناطفا أو لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر أو لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث" قدمه في المستوعب و الكافي في اللحم الأحمر وصححه المؤلف وجزم به في الوجيز لأن المستهلك لا يقع عليه اسم الذي حلف عليه فلم يحنث بأكل المستهلك فيه كما لو حلف لا يأكل رطبا فأكل تمرا ولأن المستهلك في الشيء يصير وجوده كعدمه والظاهر من الحالف على ذلك أنه إنما حلف لمعنى في المحلوف عليه وإذا كان كذلك تعين عدم الحنث لانتفاء المعنى المحلوف من أجله.
"وإن ظهر طعم السمن أو طعم شيء من المحلوف عليه حنث" كما لو أكل ذلك منفردا وكحلفه على اللبن فإنه يحنث بمسماه ولو من صيد وآدمية.
"وقال الخرقي يحنث بأكل اللحم الأحمر وحده لأنه لا يكاد يخلو من شحم فيحنث به وإن قل لأنه يظهر في الطبيخ فيبين على وجه المرق وفارق من حلف لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر طعمه ولا لونه لأن هذا قد يظهر الدهن فيه.
"وقال غيره يحنث بأكل حنطة فيها حبات شعير" لأن الشعير يمكن تمييزه بتركه فيه وأكله له أكل لما منع نفسه من أكله مع القدرة عليه أشبه ما لو أكل منفردا وفي الترغيب إن طحنه لم يحنث وإلا حنث في الأصح والمذهب الأول فلو حلف لا يأكل حنطة فأكلها خبزا أو طحينا حنث لأن الحنطة لا تؤكل حبا عادة فانصرفت يمينه إلى أكلها في جميع أحوالها(9/274)
فصل
وإن حلف لا يأكل سويقا فشربه أو لا يشربه فأكله فقال الخرقي يحنث وقال أحمد فيمن حلف لا يشرب نبيذا فثرد فيه وأكله لا يحنث فيخرج في كل ما حلف لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله وجهان وقال القاضي إن عين المحلوف عليه حنث وإن لم يعينه لم يحنث
__________
مسألة: إذا حلف لا يأكل في هذه القرية فأكل فيها أو في حد من حدودها حنث ذكره في المستوعب قال أحمد فيمن حلف لا يدخل هذه القرية فأوى إلى ناحية منها مما هو في حدها حنث لأن الناحية والحد من جملة القرية ذكره القاضي
فصل
"وإن حلف لا يأكل سويقا فشربه أو لا يشربه فأكله فقال الخرقي يحنث" هذا رواية لأن الحالف على ترك شيء يقصد به في العرف اجتناب ذلك الشيء بالكلية فحملت اليمين عليه ألا ترى إلى قوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] فإنه يتناول تحريم شربها ولو قال طبيب لمريض لا تأكل العسل كان ناهيا له عن شربه وبالعكس.
"وقال أحمد فيمن حلف لا يشرب نبيذا فثرد فيه وأكله لا يحنث" هذه رواية ثانية نقلها مهنا وقدمها في المحرر لأن الأفعال أنواع كالأعيان وإن حلف على نوع من الأنواع لم يحنث بغيره كذلك الأفعال "فيخرج في كل ما حلف لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله وجهان" مبنيان على الخلاف السابق "وقال القاضي إن عين المحلوف عليه حنث وإن لم يعينه لم يحنث" هذا رواية وجزم بها في الوجيز لأن تغير صفة المحلوف عليه لا ينفي الحنث فكذلك تغير صفة الفعل وإذا لم يعينه فلا حنث لأنه لم تحصل المخالفة من جهة(9/275)
وإن حلف لا يطعمه حنث بأكله وشربه وإن ذاق ولم يبلعه لم يحنث وإن حلف لا يأكل مائعا فأكله بالخبز حنث
__________
الاسم ولا من جهة التعيين قال في الشرح ليس للتعيين أثر في الحنث وعدمه فإن الحنث في المعين إنما كان لتناوله ما حلف عليه وإجراء معنى الأكل والشرب على التناول العام فيهما وهذا لا فرق فيه بين التعيين وعدمه وعدم الحنث معلل بأنه لم يفعل الفعل الذي حلف على تركه وإنما فعل غيره وهذا في المعين كهو في المطلق لعدم الفارق بينهما
فرع: إذا حلف لا يأكل ولا يشرب أو لا يفعلهما فمص رمانا أو قصب سكر فروايتان أنصهما لا حنث ذكره في الكافي وذكر ابن عقيل أن أحمد نص فيمن حلف لا يأكل فمص قصب السكر أو الرمان حنث وإن حلف لا يأكل سكرا أو لا يشربه فتركه في فيه حتى ذاب وابتلعه فعلى الخلاف
"وإن حلف لا يطعمه حنث بأكله وشربه" ومصه لقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} [البقرة: 249] ولأن ذلك كله طعم "وإن ذاق ولم يبلعه لم يحنث" في قولهم جميعا لأنه ليس بأكل ولا شرب بدليل أن الصائم لا يفطر به فلو حلف لا يذوقه حنث بأكله أو شربه أو ذوقه لأنه ذوق وزيادة وفي الرعاية حنث بأكله وشربه ثم قال قلت فيمن لا ذوق له نظر
"وإن حلف لا يأكل مائعا فأكله بالخبز حنث" لقوله عليه السلام "كلوا الزيت" ولأنه يسمى أكلا ويؤكل في العادة كذلك
فرع: إذا حلف لا يشرب من الكوز فصب منه في إناء وشرب لم يحنث وعكسه إن اغترف بإناء من النهر أو البئر وقال ابن عقيل يحتمل عدم حنثه بكرعه من النهر لعدم اعتباره كحلفه لا يلبس هذا الثوب فتعمم به .(9/276)
فصل
وإن حلف لا يتزوج ولا يتطهر ولا يتطيب فاستدام ذلك لم يحنث وإن حلف لا يركب ولا يلبس فاستدام ذلك حنث وإن حلف لا يدخل دارا هو داخلها فأقام فيها حنث عند القاضي ولم يحنث عند أبي الخطاب
__________
فصل
"وإن حلف لا يتزوج ولا يتطهر ولا يتطيب فاستدام ذلك لم يحنث" في قولهم جميعا لأنه لا يطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاثة فلا يقال تزوجت شهرا ولا تطهرت شهرا ولا تطيبت شهرا وإنما يقال منذ شهر ولم ينزل الشارع استدامة التزويج والطيب منزلة استدامته في تحريمه في الإحرام "وإن حلف لا يركب ولا يلبس" ولا يقوم ولا يقعد ولا يسافر "فاستدام ذلك حنث" وهو قول أكثرهم لأن المستديم يطلق عليه ذلك بدليل أنه يقال ركب شهرا ولبس شهرا وقد اعتبر الشارع هذا في الإحرام حيث حرم لبس المخيط فأوجب الكفارة باستدامته كما أوجبها في ابتدائه وقال أبو محمد الجوزي في اللبس إن استدامه حنث إن قدر على نزعه ويلحق ما لو حلف لا يلبس من غزلها وعليه منه شيء نص عليه أو لا يطأ فاستدام ذلك ذكره في الانتصار أو لا يضاجعها على فراش فضاجعته ودام نص عليه لأن المضاجعة تقع على الاستدامة ولهذا يقال اضطجع على الفراش ليلة قال القاضي وابن شهاب الخروج والنزع لا يسمى سكنا ولا لبسا والنزع جماع لاشتماله على إيلاج وإخراج فهو شطره وجزم في منتهى الغاية لا يحنث بالنزع في الحال وفاقا وكذا إذا حلف لا يمسك ذكره في الخلاف أو لا يشاركه فدام ذكره في الروضة "وإن حلف لا يدخل دارا هو داخلها فأقام فيها حنث عند القاضي" لم يذكر ابن هبيرة عن أحمد غيره وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأن استدامة المقام في ملك الغير كابتدائه في التحريم "ولم يحنث عند أبي الخطاب" لأن الدخول لا يستعمل في(9/277)
وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فأقام معه فعلى الوجهين وإن حلف لا يسكن دارا أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه فلم يخرج في الحال حنث إلا أن يقيم لنقل متاعه أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إلى أن يمكنه وإن خرج دون متاعه وأهله حنث
__________
الاستدامة ولهذا يقال دخلتها منذ شهر ولا يقال دخلتها شهرا فجرى مجرى التزويج ولأن الانفصال من خارج إلى داخل ولا يوجد في الإقامة قال أحمد أخاف أن يكون قد حنث قال السامري فحمله أبو الخطاب على أنه قصد الامتناع من الكون في داخلها وإلا فلا يحنث حتى يبتدئ دخولها وقيل لا يحنث إلا أن ينوي فرقة أهلها أو عدم الكون فيها أو السبب يقتضيه وإلا إذا دخل "وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فأقام معه فعلى الوجهين" لأن الإقامة هنا كالإقامة في المسألة التي قبلها والأصح الحنث إن لم تكن له نية "وإن حلف لا يسكن دارا" وهو ساكنها أو لا يركب دابة هو راكبها أو لا يلبس ثوبا هو لابسه "أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه فلم يخرج في الحال حنث" لأن استدامة السكنى سكنى بدليل أنه يصح أن يقال سكن الدار شهرا "إلا أن يقيم لنقل متاعه" وأهله ذكره في المغني وغيره لأن الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال ويكون نقله على ما جرت به العادة لا ليلا وإن تردد إلى الدار لنقل المتاع أو عيادة مريض لم يحنث ذكره في الكافي ونصره في الشرح لأن هذا ليس بسكنى وقال القاضي يحنث إن دخلها وإن تردد زائرا فلا لأنها ليست سكنى ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا ولو طالت مدتها "أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إلى أن يمكنه" لأنه أقام لدفع الضرر وإزالته عند ذلك مطلوبة شرعا فلم يدخل تحت النهي "وإن خرج دون متاعه" المقصود "وأهله" مع إمكان نقلهم وظاهر نقل ابن هانئ وهو ظاهر الواضح وغيره أو ترك له به شيئا "حنث" وهو قول أكثرهم لأن السكنى تكون بالأهل والمال ولهذا يقال فلان ساكن في البلد الفلاني وهو غائب عنه وإن نزل بلدا بأهله وماله فيقال سكنه لكن إن خرج عازما على السكنى بنفسه منفردا عن أهله الذين في الدار لم يحنث زاد في الشرح فيما(9/278)
إلا أن يودع متاعه أو يعيره أو تأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه إكراهها فيخرج وحده فلا يحنث وإن حلف لا يساكن فلانا فبنيا بينهما حائطا وهما متساكنان حنث وإن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها فسكن كل واحدة حجرة لم يحنث وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرج وحده دون أهله بر
__________
بينه وبين الله تعالى وقيل إن خرج بأهله فسكن بموضع وقيل أو وجده بما يتأثث به فلا
فرع: إذا أقام في الدار لإكراه أو ليل أو يحول بينه وبين الخروج أبواب مغلقة أو لعدم ما ينقل عليه متاعه أو منزل ينتقل إليه أياما وليالي في طلب النقلة لم يحنث وإن أقام غير ناو لها حنث ذكره في الكافي والشرح
"إلا أن يودع متاعه أو يعيره" أو يزول ملكه عنه "أو تأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه إكراهها فيخرج وحده فلا يحنث" لأن زوال اليد والعجز لا يتصور معهما حنث "وإن حلف لا يساكن فلانا فبنيا بينهما حائطا وهما متساكنان حنث" هذا هو المذهب إذا كانا في دار حالة اليمين وتشاغلا ببناء الحائط لأنهما متساكنان قبل انفراد إحدى الدارين من الأخرى لا نعلم فيه خلافا قاله في الشرح وذكر السامري والمجد قولا بأنه لا يحنث فإن خرج أحدهما منها وقسماها حجرتين وفتحا لكل واحدة منهما بابا وبينهما حاجز وسكن كل واحد حجرة لم يحنث لأنهما غير متساكنين وقال مرة لا يعجبني ذلك ويحتمله قياس المذهب لكونه عين الدار والأول أصح لأنه لم يساكنه فيها "وإن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها فسكن كل واحد حجرة" ولا نية ولا سبب قاله في الرعاية والفروع لم يحنث لأن كل واحد ساكن في حجرته فلا يكون مسكنا لغيره وكذا إن سكنا في دارين متجاورتين قال في الفنون فيمن قال أنت طالق ثلاثا إن دخلت علي البيت ولا كنت لي زوجة إن لم تكتبي لي نصف مالك فكتبت له بعد ستة عشر يوما تقع الثلاث لأنه يقع باستدامة المقام فكذا استدامة الزوجية
"وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرج وحده دون أهله بر" لأن(9/279)
وإن حلف: ليخرجن من الدار فخرج دون أهله لم يبر وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل فهل له العود إليها على روايتين
فصل
إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها
__________
حقيقة الخروج لم يعارضها معارض فوجب حصول البر لحصول الحقيقة وكذا إن حلف ليخرجن من الدار ولا يأوي أو ينزل فيها نص عليهما أو لا يسكن البلد أو ليرحلن منه فكحلفه لا يسكن الدار قاله في الفروع.
"وإن حلف ليخرجن من الدار فخرج دون أهله لم يبر" لأن الدار يخرج منها صاحبها كل يوم عادة وظاهر حاله إرادة خروج غير المعتاد بخلاف البلد وإن حلف لا يسكنها وهو خارج عنها فدخلها أو كان فيها غير ساكن فدام جلوسه فوجهان وقيل إن قصد الامتناع من الكون فيها حنث وإلا فلا وقيل إن انتقل إليها برحله الذي يحتاجه الساكن حنث وإلا فلا وقال القاضي ولو بات ليلتين فلا حنث وفي الشرح إذا حلف على الرحيل عن بلد لم يبر إلا برحيل أهله "وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل فهل له العود إليها على روايتين" إحداهما لا شيء عليه في العود قدمه في الرعاية ورجحه في الكافي والشرح وصححه في الفروع لأن يمينه على الخروج وقد خرج فانحلت يمينه وإذا كان كذلك صار بمنزلة من لم يحلف ولقوله إن خرجت فلك درهم استحق بخروج أول ذكره القاضي وغيره والثانية: يحنث بالعود لأن ظاهر حاله قصد هجران ما حلف على الرحيل منه والعود ينافي مقصود يمينه فأما إن كان له نية أو سبب أو قرينة عمل بها
فصل
"إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها" ولم يمكنه الامتناع لم(9/280)
ويمكنه الامتناع فلم يمتنع أو حلف لا يستخدم رجلا فخدمه وهو ساكت فقال القاضي يحنث ويحتمل ألا يحنث وإن حلف ليشربن الماء أو ليضربن غلامه غدا فتلف المحلوف عليه قبل الغد حنث عند الخرقي ويحتمل ألا يحنث
__________
يحنث نص عليه ولا نعلم فيه خلافا فإن حمل بغير أمره "ويمكنه الامتناع فلم يمتنع" حنث في المنصوص واختاره القاضي كما لو حمل بأمره وقال أبو الخطاب فيه وجهان
أحدهما بلى لما تقدم والثاني: لا يحنث كما لو لم يمكنه الامتناع وعلى الأول كيفما دخل باختياره حنث مطلقا ولو من غير بابها ويستثنى منه ما لو أكره بضرب ونحوه فالأصح أنه لا يحنث للخبر والمعنى "أو حلف لا يستخدم رجلا فخدمه وهو ساكت فقال القاضي يحنث" لأنه قصد اجتناب خدمته ولم يحصل "ويحتمل أن لا يحنث" وهو وجه لأنه استخدمه والسكوت لا يدل على الرضى ولهذا يملك الذي شق ثوبه مطالبة الذي شقه وقيل إن كان عبده حنث لأن عبده يخدمه عادة فمعنى يمينه لأمنعنك خدمتي فإذا لم ينهه ولم يمنعه فإنه يحنث بخلاف عبد غيره وقال أبو الخطاب يحنث فيهما واقتصر عليه ابن هبيرة.
"وإن حلف ليشربن الماء أو ليضربن غلامه غدا فتلف المحلوف عليه قبل الغد حنث عند الخرقي" نصره في الشرح وجزم به في الوجيز وصححه ابن المنجا وقدمه في الفروع كما لو حلف ليحجن العام فلم يقدر على الحج لمرض أو ذهاب نفقة لأن الامتناع لمعنى في المحل أشبه ما لو ترك ضرب العبد لصغر به أو ترك الحالف الحج لصعوبة الطريق ويحنث عقيب تلفهما نص عليه وقدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز وقيل في آخر الغد.
"ويحتمل أن لا يحنث" وقاله الأكثر لأنه تعذر فعل المحلوف عليه لا من جهته أشبه المكره أما لو تلف المحلوف عليه بفعله واختياره فإنه يحنث وجها واحدا قال في الشرح فإن تلف العبد في غد قبل التمكن من ضربه فكما لو مات في يومه وإن مات في غد قبل التمكن من ضربه حنث وجها واحدا وإن ضربه اليوم لم يبر نصره في الشرح وقدمه في الرعاية كما لو حلف ليصومن(9/281)
وإن مات الحالف لم يحنث وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه فهل يحنث على وجهين وإن مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث وقال القاضي يحنث وإن باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد وحنث عند القاضي
__________
يوم الجمعة فصام يوم الخميس وقال القاضي يبر وقال ابن حمدان إن أراد أنه لا يتجاوزه وإلا حنث وإن جن العبد فضربه بر وإلا فلا.
"وإن مات الحالف" أي قبل الغد أو جن فلم يفق إلا بعد خروج الغد "لم يحنث" لأن الحنث إنما يحصل بفوات المحلوف عليه في وقته وهو الغد والحالف قد خرج أن يكون من أهل التكليف قبل ذلك فلا يمكن حنثه بخلاف موت المحلوف عليه والأصح أنه إذا مات فيه فإنه يحنث في آخر حياته فإن مات الحالف في غد بعد التمكن من ضربه فلم يضربه حنث وجها واحدا وكذا إن هرب العبد أو مرض أو الحالف فلم يقدر على ضربه.
"وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه" منه قبل مجيئه "فهل يحنث على وجهين" هما مبنيان على ما إذا حلف على فعل شيء فتلف قبل فعله أحدهما: الحنث لأن الحلف على القضاء والإبراء ليس بقضاء بدليل أنه يصح أن يقال ما قضاني حقي وإنما أبرأته منه والثاني: وهو الأصح عدمه لأن الغرض من القضاء حصول البراءة منه فلا يحنث وفي الترغيب أصلهما إذا منع من الإيفاء في غد كرها لا يحنث على الأصح وأطلق في التبصرة فيهما الخلاف.
"وإن مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث" قاله أبو الخطاب وقدمه السامري والمجد وجزم به في الوجيز لأن قضاء ورثته يقوم مقام قضائه في إبراء ذمته فكذلك في يمينه "وقال القاضي يحنث" كما لو حلف ليضربن عبده غدا فمات العبد اليوم والأول هو المنصور لأن موت العبد يخالف ذلك لأن ضرب غيره لا يقوم مقام ضربه.
"وإن باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد" قدمه السامري والمجد وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأنه قضاه حقه "وحنث عند القاضي" لأنه لم يقض الحق الذي عليه بعينه فإن كانت يمينه لا فارقتك ولي(9/282)
وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر وإن حلف لا فارقته حتى أستوفي حقي فهرب منه حنث وقال الخرقي لا يحنث وإن فلسه الحاكم وحكم عليه بفراقه خرج على الروايتين
__________
قبلك حق لم يحنث وجها واحدا وإن منع منه فالروايتان وهما في المذهب إن كره "وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال" أو مع رأسه أو إلى رأسه أو إلى استهلاله أو عند رأس الشهر "فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر" على المذهب لأن ذلك هو الوقت المحلوف عليه لأن غروب الشمس هو آخره ولو تأخر فراغ كيله لكثرته ذكره في المغني وذكر السامري وقدمه في الرعاية أنه إذا قضاه قبل الغروب في آخر الشهر بر وإن فاته حنث ثم قال في الرعاية قلت فيخرج ضده إن عذر ويحنث إذا تأخر بعد الغروب مع إمكانه وفي الترغيب لا تعتبر المقارنة فتكفي حالة الغروب.
"وإن حلف لا فارقته حتى أستوفي حقي فهرب منه حنث" نص عليه وذكره ابن الجوزي ظاهر المذهب لأن معنى اليمين لا حصل منا فرقة وقد حصل وكإذنه ولقوله لا افترقنا "وقال الخرقي لا يحنث" هذا رواية قدمها في الكافي والترغيب ونصرها في الشرح وصححها ابن حمدان لأن اليمين على فعل نفسه ولم توجد المفارقة إلا من غيره واختار في المحرر وجزم به في الوجيز أنه إن أمكنه متابعته وإمساكه حنث وإلا فلا فإن أذن له الحالف في الفرقة ففارقه فالمذهب أنه يحنث.
"وإن فلسه الحاكم وحكم عليه بفراقه خرج على الروايتين" في الإكراه إذا فلسه الحاكم وصده عنه والمذهب الحنث وكذا إن لم يحكم بفراقه ففارقه لعلمه بوجوب مفارقته نص عليه وإن لم يصده الحاكم بعد فلسه حنث وقيل إن قضاه حقه من غير جنسه وهو ناو الوفاء ففارقه فلا وقال القاضي إن كان لفظه لا فارقتك ولي قبلك حق لم يحنث وإن قال حتى أستوفي حقي منك حنث وكذا إن أحاله به فقبل وانصرف وإن ظن أنه بر(9/283)
وإن حلف لا افترقنا فهرب منه حنث وقدر الفراق ما عده الناس فراقا كفرقه البيع
__________
فوجهان وإن فارقه عن كفيل أو رهن أو أبرأه منه حنث وإن وجدها مستحقها وأخذها خرج على الروايتين في الناسي
فرع: إذا حلف المطلوب ألا يعطيه شيئا فوفاه عنه غيره بلا إذنه فلا حنث وإن حلف لا فارقتك حتى آخذ حقي ففر الغريم حنث الحالف وإن أكره على إطلاقه فوجهان وإن فر الحالف فلا على الأشهر
"وإن حلف لا افترقنا فهرب منه حنث" لأن يمينه تقتضي ألا تحصل بينهما فرقة بوجه من جهة اللفظ والمعنى وقد حصلت وإن حلف لا أخذت حقك مني فأكره على دفعه حنث وإن وضعه الحالف بين يديه أو في حجره فلم يأخذه لم يحنث لأنه لا يضمن بمثل هذا مال ولا صيد ويحنث لو كانت يمينه لا أعطيك لأنه يعد عطاء إذ هو تمكين وتسليم بحق فهو كتسليم ثمن ومثمن وأجرة وزكاة وإن أخذه حاكم فدفعه إلى الغريم وأخذه حنث نص عليه كقوله لا تأخذ حقك علي وعند القاضي لا كقوله ولا أعطيكه.
"وقدر الفراق ما عده الناس فراقا كفرقه البيع" لأن الشرع رتب على ذلك أحكاما ولم يبين مقداره فوجب الرجوع فيه إلى العادة كالقبض والحرز(9/284)
باب النذر
__________
باب النذر
يقال نذرت أنذر بكسر الذال وضمها نذرا فأنا ناذر أي أوجب على نفسه شيئا تبرعا والأصل فيه بعد الإجماع قوله تعالى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج:29] وقوله عليه السلام "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري من حديث عائشة ويتعين الوفاء به ولا يستحب لنهيه عليه السلام عنه وقال "إنه لا(9/284)
وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا ولا يصح إلا من مكلف مسلما كان أو كافرا ولا يصح إلا بالقول وإن نواه من غير قول لم يصح ولا يصح في محال ولا واجب فلو قال لله علي صوم أمس أو صوم رمضان لم ينعقد.
__________
يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل" متفق عليه وهذا نهي كراهة لأنه لو كان حراما لما مدح الموفيين به لأن ذمهم من ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه ولو كان مستحبا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال ابن حامد لا يرد قضاء ولا يملك به شيئا محدثا وتوقف الشيخ تقي الدين في تحريمه وحرمه طائفة من أهل الحديث وقال ابن حامد المذهب مباح "وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا" يحترز به عن الواجب بالشرع فيقول لله علي كذا وقال ابن عقيل إلا مع دلالة حال وفي المذهب بشرط إضافته فيقول لله علي "ولا يصح إلا من مكلف" فلا ينعقد من غير مكلف كالإقرار وكالطفل "مسلما كان أو كافرا" ذكر في المستوعب وغيره أنهما سواء وشرطه أن يكون مختارا أما الأول فظاهر وأما الثاني فيصح منه ولو بعبادة نص عليه لحديث عمر إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أوف بنذرك" وهو قول المغيرة والمخزومي والبخاري وابن جرير وقال الأكثر لا يصح نذره وحملوا خبر عمر على الندب وقيل يصح منه غير عبادة لأن نذره لها كالعبادة لا اليمين "ولا يصح إلا بالقول" لأنه التزام فلم ينعقد بغيره كالنكاح والطلاق "وإن نواه من غير قول لم يصح" كاليمين "ولا يصح في محال ولا واجب فلو قال لله علي صوم أمس أو صوم رمضان لم ينعقد" وفيه مسألتان الأولى: أنه لا ينعقد نذر المستحيل كصوم أمس قدمه في الكافي وجزم به في الوجيز وغيره لأنه لا يتصور انعقاده والوفاء به أشبه اليمين على المستحيل وقيل تجب الكفارة قال المؤلف والصحيح في المذهب أن النذر كاليمين وموجبه موجبها إلا في لزوم الوفاء به إذا كان قربة وأمكنه فعله بدليل قوله عليه السلام لأخت عقبة لما نذرت المشي ولم تطقه فقال "لتكفر عن يمينها ولتركب" وفي رواية "ولتصم ثلاثة أيام" قال أحمد أذهب إليه وعن عقبة بن عامر مرفوعا :(9/285)
والنذر المنعقد على خمسة أقسام أحدها النذر المطلق وهو أن يقول لله علي نذر فتجب به كفارة يمين الثاني نذر اللجاج والغضب وهو ما يقصد به المنع من شيء أو الحمل عليه كقوله إن كلمتك فلله علي الحج أو صوم سنة أو عتق عبدي أو الصدقة بمالي فهذا يمين يتخير بين فعله والتكفير
__________
"كفارة النذر كفارة اليمين" رواه مسلم ولأنه قد ثبت أن حكمه حكم اليمين في أحد أقسامه وهو نذر اللجاج فكذلك في سائره سوى ما استثناه الشرع الثانية أنه لا ينعقد نذر الواجب كصوم رمضان قاله أكثر أصحابنا لأن النذر التزام ولا يصح التزام ما هو لازم والمذهب أنه ينعقد موجبا لكفارة يمين إن تركه كما لو حلف لا يفعله ففعله فإن النذر كاليمين
فرع: من نذر فعل واجب أو حرام أو مكروه أو مباح انعقد نذره موجبا للكفارة إن لم يفعل مع بقاء الوجوب والتحريم والكراهة والإباحة بحالهن كما لو حلف على فعل ذلك وعنه أنه لاغ ولا كفارة فيه
"والنذر المنعقد على خمسة أقسام أحدها النذر المطلق وهو أن يقول لله علي نذر" ولا نية له وفعله "فتجب به كفارة يمين" وفاقا للأكثر لما روى عقبة بن عامر مرفوعا "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين" رواه ابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح غريب وروى أبو داود وابن ماجة معناه من حديث ابن عباس وقاله ابن مسعود وجابر وعائشة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم
"الثاني نذر اللجاج والغضب وهو ما علقه بشرط يقصد به المنع من شيء أو الحمل عليه كقوله إن كلمتك فلله علي الحج أو صوم سنة أو عتق عبدي أو الصدقة بمالي فهذا" إن وجد شرطه فهو " يمين يتخير بين فعله والتكفير" في ظاهر المذهب لما روى عمران بن حصين قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين" رواه سعيد ولأنها يمين فيتخير فيها بين الأمرين كاليمين بالله تعالى لأن هذا جمع للصفتين فيخرج عن العهدة بكل واحد منهما وعنه يتعين كفارة يمين للخبر وفي الواضح :(9/286)
الثالث نذر المباح كقوله لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي فهذا كاليمين يتخير بين فعله وبين كفارة اليمين وإن نذر مكروها كالطلاق استحب أن يكفر ولا يفعله
__________
يلزمه الوفاء بما قال نقل صالح إذا فعل المحلوف عليه فلا كفارة بلا خلاف ولا يضر قوله على مذهب من يلزم بذلك أو لا أقلد من يرى الكفارة ذكره الشيخ تقي الدين لأن الشرع لا يتغير بتوكيل قال في الفروع ويتوجه كأنت طالق بتة قال شيخنا وإن قصد لزوم الجزاء عند الشرط لزمه مطلقا عند أحمد نقل الجماعة فيمن حلف بحجة إن أراد يمينا كفر يمينه وإن أراد نذرا فعلى حديث عقبة
فرع: إذا قال إن فعلت كذا فعبدي حر ففعله عتق لأن العتق يصح تعليقه بشرط أشبه الطلاق وإن قال إن بعتك ثوبي فهو صدقة فقال فإن اشتريته فهو صدقة فاشتراه منه لزم كل واحد كفارة يمين ذكره السامري وابن حمدان
"الثالث نذر المباح كقوله لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي فهذا كاليمين يتخير بين فعله وبين كفارة اليمين" لما سبق وعنه لا كفارة فيه واختاره الأكثر لقوله عليه السلام "لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله" ولما روى ابن عباس قال "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" رواه البخاري فلم يأمره بكفارة فإن وفى به أجزأه لأن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف فقال "فأوفي بنذرك" رواه أبو داود أحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة ولأنه لو حلف على فعل مباح بر بفعله فكذا إذا نذره لأن النذر كاليمين
"وإن نذر مكروها كالطلاق استحب أن يكفر" ليخرج عن عهدة نذره "ولا يفعله" لأن ترك المكروه أولى فإن فعله فلا كفارة عليه قال في الشرح :(9/287)
الرابع: نذر المعصية كشرب الخمر وصوم يوم الحيض ويوم النحر فلا يجوز الوفاء به ويكفر إلا أن ينذر نحر ولده وفيه روايتان إحداهما أنه كذلك والثانية: يلزمه ذبح كبش
__________
والخلاف فيه كالذي قبله
"الرابع نذر المعصية كشرب الخمر وصوم يوم الحيض" وفيه وجه كصوم يوم عيد جزم به في الترغيب "ويوم النحر فلا يجوز الوفاء به" لقوله عليه السلام "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" ويكفر في الثلاثة وقاله ابن مسعود وابن عباس وعمران وسمرة لقوله عليه السلام "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" رواه الخمسة من حديث عائشة ورواته ثقات احتج به أحمد وإسحاق وضعفه جماعة ولأن النذر حكمه حكم اليمين وعنه لا كفارة فيه وهي قول أكثرهم لقوله عليه السلام "لا نذر فيما لا يملك العبد" رواه مسلم من حديث عمران فهذا مما لا يملك وإن كفر فهو أعجب إلى أبي عبد الله ونقل الشالنجي إذا نذر نذرا يجمع في يمينه البر والمعصية ينفذ في البر ويكفر في المعصية وإذا نذر نذورا كثيرة لا يطيقها أو ما لا يملك فلا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ومثله نذر سراج بئر وشجرة مجاورة عنده قال من يعظم شجرة أو جبلا أو مغارة أو مقبرة إذا نذر له أو لسكانه أو للمضافين إلى ذلك المكان لم يجز ولا يجوز الوفاء به إجماعا قاله الشيخ تقي الدين.
"إلا أن ينذر نحر ولده ففيه روايتان إحداهما أنه كذلك" ذكر في الشرح أنه قياس المذهب وقدمه في المحرر والرعاية وهو قول ابن عباس لما سبق من قوله لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ولأنه نذر معصية أشبه نذر ذبح أخيه وقال ابن عقيل ولأن ما يوجب كفارة يمين في حق الأجنبي أوجب كفارة يمين إذا علقه على ولده كالقسم وأبوه وكل معصوم كالولد ذكره القاضي وغيره واختاره في الانتصار ما لم نقس وفي عيون المسائل وعلى قياسه العم والأخ في ظاهر المذهب لأن بينهم ولاية
"والثانية يلزمه ذبح كبش" جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع وقال(9/288)
ويحتمل ألا ينعقد نذر المباح ولا المعصية ولا تجب به الكفارة ولهذا قال أصحابنا لو نذر الصلاة أو الاعتكاف في مكان معين فله فعله في غيره ولا كفارة عليه
__________
ابن هبيرة هي أظهر ورواه سعيد عن ابن عباس لأن الله تعالى جعل الكبش عوضا عن ذبح إسماعيل بعد أن أمر إبراهيم بذبحه وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع إبراهيم بقوله تعالى {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} [النحل: 123] ونذر الآدمي كذلك لأنه يقتضي الإلزام كالأمر قبل إمكانه ويفرقه على المساكين وقيل كهدي ونقل حنبل يلزمانه وعنه إن قال إن فعلته فعلي كذا أو نجزه وقصد اليمين فيمين وإلا فنذر معصية قال الشيخ تقي الدين وهو مبني على الفرق بين النذر واليمين ولو نذر طاعة حالفا بها أجزأه كفارة يمين بلا خلاف عن أحمد فكيف لا يجزئه إذا نذر معصية حالفا بها فعلى رواية حنبل يلزمان الناذر والحالف تجزئه كفارة
فرع: إذا كان بنوه ثلاثة ولم يعين أحدهم لزمه ثلاثة كباش أو ثلاث كفارات ذكره في الرعاية قال في الشرح لأن لفظ الواحد إذا أضيف اقتضى العموم.
"ويحتمل ألا ينعقد نذر المباح ولا المعصية" لحديث أبي إسرائيل وعن عقبة بن عامر قال "نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فاستفتيت لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "لتمش ولتركب" متفق عليه ولفظه للبخاري وذكر الآدمي نذر شرب الخمر لغو لا كفارة فيه وقدم ابن رزين نذر المعصية لغو قال ونذره لشيخ معين حي للاستعانة وقضاء الحاجة كحلفه بغيره "ولا تجب به الكفارة" لما تقدم والأول أولى لأن قوله عليه السلام "لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله" أي لا نذر يجب الوفاء به ولا خلاف فيه وإنما هو في انعقاده موجبا للكفارة ثم أكد الاحتمال بقوله "ولهذا قال أصحابنا لو نذر الصلاة أو الاعتكاف في مكان معين" غير المساجد الثلاثة "فله فعله في غيره ولا كفارة عليه" فجعلوا ذلك منه وفيه نظر .(9/289)
ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه وإن نذر الصدقة بألف لزمه جميعها وعنه يجزئه ثلثه
__________
فائدة: قال في الفنون يكره إشعال القبور وتبخيرها وقال الشيخ تقي الدين فيمن نذر قنديل نقد للنبي صلى الله عليه وسلم يصرف لجيرانه عليه السلام قيمته وأنه أفضل من الختمة قال في الفروع ويتوجه كمن وقفه على مسجد لا يصح فكفارة يمين على المذهب وقيل يصح فيكسر وهو لمصلحته.
"ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه" اقتصر عليه في الكافي والشرح وجزم به في الوجيز لقول كعب لرسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" متفق عليه وفي قصة توبة أبي لبابة وأن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم "يجزئ عنك الثلث" رواه أحمد ولأن الصدقة بالجميع مكروه قال في الروضة ليس لنا في نذر الطاعة ما يجزئ بعضه إلا هذا الموضع وفي الكفارة وجهان قطع به في المستوعب بوجوبها وعنه تلزمه الصدقة بجميعه ذكرها ابن أبي موسى لقوله عليه السلام "من نذر أن يطيع الله فليطعه" وإذا لم تكن له نية هل يتناول جميع ما يملكه أو الصامت خاصة فيه روايتان
فرع: إذا نذر الصدقة بماله أو ببعضه وعليه دين أكثر مما يملكه أجزأه الثلث فإن نفذ هذا المال وأنشأ غيره فقضى دينه فيجب إخراج ثلثه يوم حنثه وفي الهدي يوم نذره وهو صحيح وفيه أنه يخرج قدر الثلث يوم نذره ولا يسقط منه قدر دينه.
"وإن نذر الصدقة بألف لزمه جميعه" قدمه السامري وصححه في الشرح لأنه منذور وهو قربة أشبه سائر المنذورات "وعنه يجزئه ثلثه" قدمه في الرعاية لأنه مال نذر للصدقة فأجزأه ثلثه لجميع المال قال في الشرح وإنما خولف هذا في جميع المال للأثر فيه ولما في الصدقة بالمال كله من الضرر اللاحق به اللهم إلا أن يكون المنذور ها هنا يستغرق جميع المال فيكون(9/290)
فصل
الخامس: نذر التبرر كنذر الصلاة والصيام والصدقة والاعتكاف والحج والعمرة ونحوها من التقرب على وجه القربة سواء نذره مطلقا أو علقه بشرط يرجوه فقال إن شفى الله مريضي أو سلم مالي فلله علي كذا فمتى وجد شرط انعقد نذره ولزمه فعله
__________
كنذر ذلك وعنه إن زاد على ثلث الكل أجزأه قدر الثلث صححه في المحرر وفيما عدا ذلك يلزم المسمى رواية واحدة ونقل ابن منصور إن قال إن ملكت عشرة دراهم فهي صدقة إن كان على جهة اليمين أجزأه كفارة يمين وإن أراد النذر أجزأه الثلث
فرع: إذا حلف أو نذر لا رددت سائلا فقياس قولنا إنه كمن حلف أو نذر الصدقة بماله فإن لم يتحصل له إلا ما يحتاجه فكفارة يمين وإلا تصدق بثلثه الزائد وحبة بر ليست سؤال السائل والمقاصد معتبرة ويحتمل خروجه من نذره بحبة بر لتعليق حكم الربا عليها ذكره في الفنون
فصل
"الخامس نذر التبرر" وهو التقرب يقال تبرر تبررا أي تقرب تقربا "كنذر الصيام والصلاة والصدقة والاعتكاف والحج والعمرة ونحوها من القرب على وجه القربة" كعيادة مريض ونحوه "سواء نذره مطلقا أو علقه بشرط يرجوه" لشموله لهما "فقال إن شفى الله مريضي أو سلم مالي فلله علي كذا فمتى وجد شرطه انعقد نذره ولزمه فعله" أقول نذر التبرر وهو نذر المستحب يتنوع أنواعا:
منها: ما إذا كان في مقابلة نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها وتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الشرع فلهذا يلزم الوفاء به إجماعا وكذا إن لم يكن كذلك كطلوع الشمس وقدوم الحاج قاله في المستوعب أو فعلت كذا لدلالة الحال ذكره ابن عقيل ونص أحمد في إن قدم فلان تصدقت بكذا .(9/291)
...................................................................................
__________
وكذا قال الشيخ تقي الدين فيمن قال إن قدم فلان أصوم كذا هذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة ولا أعلم فيه نزاعا وقول القائل لئن ابتلاني الله لأصبرن ولئن لقيت عدو الله لأجاهدن نذر معلق بشرط كقول الآخر {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} الآية [التوبة: 75]
ومنها التزام طاعة من غير شرط كقوله ابتداء لله علي صوم كذا فيلزم الوفاء به في قول أكثرهم وقال بعض العلماء لا يلزم الوفاء به لقول أبي عمرو غلام ثعلب النذر عند العرب وعد بشرط لأن ما التزمه الآدمي بعوض يلزمه كالبيع وما التزمه بغير عوض فلا يلزمه بمجرد العقد كالهبة
ومنها: نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب كالاعتكاف وعيادة المريض فيلزم الوفاء به في قول العامة لقوله من نذر أن يطيع الله فليطعه ولأنه تعالى ذم الذين ينذرون ولا يوفون ولأنه التزام على وجه القربة فلزمه لموضع الإجماع وكالعمرة فإنهم سلموها وهي غير واجبة عندهم وما حكوه عن أبي عمرو لا يصح فإن العرب تسمي الملتزم نذرا وإن لم يكن بشرط والجعالة وعد بشرط وليست بنذر
مسائل: إذا نذر الحج العام وعليه حجة الإسلام فعنه يجزئه الحج عنهما وعنه تلزمه حجة أخرى أصلهما إذا نذر صوم يوم فوافق يوما من رمضان وإذا نذر صياما ولم ينو عددا أجزأه صوم يوم بلا خلاف وينويه ليلا اقتصر عليه في المحرر وصححه في الرعاية وإذا نذر صلاة مطلقة لزمه ركعتان على المذهب لأن الركعة لا تجزئ في فرض وعنه تجزئه ركعة بناء وعلى التنفل بها فدل أن في لزومها قائما الخلاف
وإن نذرها قائما لم تجز جالسا ولو عكس جاز فإن صلى جالسا لعجز كفى ذكره ابن عقيل هي بموضع غصب مع الصحة وله الصلاة قائما من نذر جالسا ويتوجه وجه كشرط تفريق صوم وفي النوادر لو نذر أربعا بتسليمتين أو أطلق لم يجب ويتوجه عكسه إن عين لأنه أفضل والمنصوص لو حلف يقصد التقرب بأن قال والله لئن سلم مالي لأتصدقن(9/292)
وإن نذر صوم سنة لم يدخل في نذره صوم رمضان ويوما العيدين وفي أيام التشريق روايتان وعنه ما يدل على أنه يقضي يومي العيدين وأيام التشريق وإذا نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض أفطر وقضى وكفر
__________
بكذا فوجد شرطه لزمه فعله ويجوز فعله قبله ذكره في التبصرة والفنون لوجود أحد سببيه ومنعه أبو الخطاب لأن تعليقه منع كونه سببا
"وإن نذر صوم سنة" معينة "لم يدخل في نذره صوم رمضان ويوما العيدين" لأنه لا يقبل الصوم عن النذر فلم يدخل في نذره كالليل "وفي أيام التشريق روايتان" وهما مبنيان على أن صومها عن الفرض هل هو جائز أم لا "وعنه ما يدل على أنه يقضي يومي العيدين وأيام التشريق" فيتناولها نذره وهذا على القول بتحريم صومها عن الفرض ويكفر في الأصح لقوله عليه السلام "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" وعنه يتناول أيام النهي دون أيام رمضان فإن وجب ففي الكفارة وجهان وما أفطره بلا عذر قضاه مع كفارة يمين وقيل يستأنف قال ابن حمدان وفي الكفارة وجهان فإن قال سنة وأطلق فيصوم اثني عشر شهرا سوى رمضان وأيام النهي ويقضيهما قال ابن حمدان وكفر كفارة يمين في الأقيس وإن شرط التتابع في رواية وعين أولهما ففي القضاء وجهان ومع جواز التفرق تكمل أيامها وقيل بلى عدة الشهور قال في الترغيب يصوم مع التفريق ثلاثمائة وستين يوما وقال ابن عقيل إن صامها متتابعة فهي على ما هي عليه من نقصان أو تمام وإن قال سنة من الآن فكمعينة وقيل كمطلقة في لزوم اثني عشر شهرا للنذر.
"وإذا نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض أفطر" لأن الشرع حرم صومه "وقضى" لأنه فاته ما نذر صومه "وكفر" وجزم به في الوجيز لعدم الوفاء بنذره وكما لو فاته لمرض وفي الرعاية إن من ابتدأ بصوم كل اثنين وخميس لزمه فإن صادف مرضا أو حيضا غير معتاد قضى وقيل وكفر كما لو صادف عيدا وعنه تكفي الكفارة عنهما . وقيل : لا(9/293)
وعنه يكفر من غير قضاء ونقل عنه ما يدل على أنه إن صام يوم العيد صح صومه وإن وافق أيام التشريق فهل يصح صومه على روايتين وإن نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا فلا شيء عليه وإن قدم نهارا فعنه ما يدل على أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه إلا إتمام صيام ذلك اليوم إن لم يكن أفطر وعنه أنه يقضي ويكفر سواء قدم وهو مفطر
__________
قضاء ولا كفارة مع حيض وعيد.
"وعنه يكفر من غير قضاء" كما لو نذرت المرأة صوم يوم حيضها "ونقل عنه ما يدل على أنه إن صام يوم العيد صح صومه" لأنه وفى بنذره وإن وافق أيام التشريق فهل يصح صومه على روايتين وذلك مبني على جواز صومها عن الفرض لأن النذر إذا صادف زمنا قابلا للصوم وجب الوفاء به وإلا كان حكمه حكم يوم العيد وفي المغني رواية رابعة أنه يقضي ولا كفارة عليه.
"وإن نذر صوم يوم يقدم فلان" صح نذره وقال بعض العلماء لا لأنه لا يمكن صومه بعد وجود شرطه كما لو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي قبل اليوم الذي يقدم فيه وجوابه أنه زمن يصح فيه صوم التطوع فانعقد نذره لصومه كما لو أصبح صائما تطوعا وقال لله علي أن أصوم يومي ولا نسلم ما قاسوا عليه فإن علم قدومه من الليل فنوى صومه وكان صوما يجوز فيه صوم النذر أجزأه "فقدم ليلا فلا شيء عليه" عند الجميع لأنه لم يتحقق شرطه فلم يجب نذره ولا يلزمه أن يصوم صبيحته وفي المنتخب يستحب.
"وإن قدم نهارا" وهو مفطر فالمذهب يقض وعنه لا يلزمه وقاله الأكثر كقدومه ليلا وجزم به في الوجيز "فعنه ما يدل على أنه لا ينعقد نذره" لأنه لا يمكنه صومه بعد وجود شرطه "ولا يلزمه إلا إتمام صيام ذلك اليوم إن لم يكن أفطر" كما لو قال لله علي أن أصوم بقية يومي وليس ذلك مرتبا على عدم الانعقاد لأنه لا وجه له.
"وعنه أنه يقضي ويكفر سواء قدم وهو مفطر" لأنه أفطر ما نذر(9/294)
أو صائم وإن وافق قدومه يوما من رمضان فقال الخرقي يجزئه صيامه لرمضان ونذره وقال غيره عليه القضاء وفي الكفارة روايتان وإن وافق يوم نذره وهو مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة
__________
صومه أشبه ما لو نذر صوم يوم الخميس فلم يصمه "أو صائم" لأنه لم ينو الصوم من الليل وإن قدم ولم يفطر فنوى أجزأه بناء على أن موجب النذر الصوم من قدومه وعلى القضاء يكفر اختاره الأكثر وعنه لا كالأخرى وإن من نذر صوم يوم أكل فيه قضى في وجه وفي الانتصار ويكفر "وإن وافق قدومه يوما من رمضان فقال الخرقي يجزئه صيامه لرمضان ونذره" لأنه نذر صومه وقد وفى به وكونه يجزئه صيام ذلك اليوم إشعار بأن النذر صحيح منعقد صرح به في المغني وصححه في الفروع وقال القاضي ظاهر كلام الخرقي أن النذر غير منعقد لأن نذره وافق زمنا يستحق صيامه كما لو نذر صيام رمضان والأول أصح لأنه نذر طاعة يمكن الوفاء به غالبا "وقال غيره عليه القضاء" لأنه لم يصمه عن نذره "وفي الكفارة روايتان" كذا في المحرر والفروع إحداهما تجب الكفارة وهي أشهر لتأخر النذر عن زمنه والثانية: لا لأنه أخره لعذر أشبه ما لو أخر صوم رمضان لعذر وعنه لا شيء عليه جزم به في الوجيز لما يأتي فعلى الأول يكفر إن لم يصمه وعنه يكفيه لرمضان ونذره وفي نية نذره وجهان وفي الفصول لا يلزمه صوم آخر لأن صومه أغنى عنهما بل لتعذره فيه نص عليه وذكر أيضا إذا نوى صومه عنهما فقيل لغو وقيل يجزئه عن رمضان "وإن وافق يوم نذره وهو مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة" لأنه خرج عن أهلية التكليف قبل وقت النذر أشبه ما لو فاته
وبقي هنا مسائل:
الأولى: إذا قدم يوم عيد فعنه: لا يصومه ويقضي ويكفر وقاله أكثر الأصحاب وعنه يقضي فقط كالمكره وعنه إن صامه صح كما لو نذر معصية وفعلها وقيل يكفر من غير قضاء كما لو نذرت المرأة صوم يوم(9/295)
وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر فعليه القضاء وكفارة يمين وإن لم يصمه لعذر فعليه القضاء وفي الكفارة روايتان وإن صام قبله لم يجزئه
__________
حيضها وعنه لا يلزمه شيء بناء على نذر المعصية
الثانية: إذا وافق يوم حيض أو نفاس فكما لو وافق يوم عيد إلا أنها لا تصوم بغير خلاف فعلى هذا تقضي وتكفر على الأشهر
الثالثة: إذا قدم وهو صائم عن نذر معين فعنه يكفيه لهما والأصح يتمه ولا يستحب قضاؤه بل يقضي نذر القدوم كصومه في قضاء رمضان أو كفارة أو نذر مطلق
الرابعة: إذا قدم وهو صائم تطوعا فعنه يتمه ويعتقده عن نذره ولا قضاء ولا كفارة لأن سبب الوجوب وجد في بعضه كما لو نذر في صوم التطوع إتمام صوم ذلك اليوم وعنه يلزمه القضاء والكفارة وقيل عليه القضاء فقط كما لو قدم وهو مفطر
خاتمة: نذر اعتكافه كصومه وفي عيون المسائل والفصول والترغيب يقضي بقية اليوم لصحته في بعض اليوم إلا إذا اشترط الصوم فكنذر صومه وإن نذر صومه بعض يوم لزمه يوم وفيه وجه
"وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر فعليه القضاء" لأنه صوم واجب معين كقضاء رمضان "وكفارة يمين" لتأخر النذر عن وقته لأنه يمين.
"وإن لم يصمه لعذر فعليه القضاء" لما ذكرنا "وفي الكفارة روايتان" إحداهما يكفر قدمها في المحرر وجزم بها في الوجيز لتأخير النذر عن وقته والثانية: لا كتأخير رمضان لعذر والأول أولى قاله في المغني لأن النذر كاليمين.
"إن صام قبله لم يجزئه" وكذا الحج لأن العبادة إذا كان لها وقت معلوم لم يجز تقديمها على وقتها كالصلاة لكن إذا نذر أن يتصدق بشيء في وقت بعينه فتصدق قبله أجزأه وفاقا واختار الشيخ تقي الدين له الانتقال إلى زمن(9/296)
وإن أفطر في بعضه لغير عذر لزمه استئنافه ويكفر ويحتمل أن يتم باقيه ويقضي ويكفر وإذا نذر صوم شهر لزمه التتابع
__________
أفضل وأن من نذر أن يصوم الدهر أو صوم الاثنين والخميس فله صوم يوم وإفطار يوم كالمكان قال واستحب أحمد لمن نذر الحج مفردا أو قارنا أن يتمتع لأنه أفضل "وإن أفطر في بعضه لغير عذر لزمه استئنافه" لأن صوم يجب متتابعا بالنذر كما لو اشترط التتابع ويلزمه استئنافه متتابعا متصلا بإتمامه وقدمه في المحرر والرعاية وصححه ابن المنجا لأن باقي الشهر منذور فلا يجوز ترك الصوم والفرق بين رمضان والنذر أن تتابع رمضان بالشرع وتتابع النذر أوجبه على نفسه على صفة ثم فوتها "ويكفر" قدمه في الكافي والمحرر والشرح لفوات زمن النذر وقيل لا يكفر وعنه لا يلزمه استئناف إلا أن يكون قد شرط التتابع لأن وجوب التتابع من جهة الوقت لا النذر فلم يبطله الفطر كشهر رمضان فعلى هذا يكفر عن فطره ويقضي أيام فطره بعد إتمام صومه وهذا أقيس وأصح قاله في الشرح "ويحتمل" هذا الاحتمال رواية في المحرر والرعاية "أن يتم باقيه" لأن التتابع فيما نذره وجب من حيث الوقت لا من حيث الشرط فلم يبطله الفطر كصوم رمضان "ويقضي" كما لو أفطر يوما من رمضان "ويكفر" لفوات زمن النذر
فرع: لم يتعرض المؤلف لمن أفطر لعذر والمذهب أنه يبني ويقضي ويكفر وعنه لا كفارة وقاله أكثر العلماء كما لو أفطر رمضان لعذر والفرق ظاهر وفي وصل القضاء وتتابعه روايتان وقيل يستأنف متتابعا أو يبني ويكفر
تنبيه: إذا جن جميع الشهر المعين لم يلزمه قضاؤه على الأصح ولم يكفر وإن حاضت المرأة جميع الزمن المعين فعليها القضاء كما لو حاضت في رمضان وفي الكفارة وجهان.
"وإذا نذر صوم شهر" خير بين أن يصوم شهرا بالهلال وبين أن يصوم بالعدد ثلاثين يوما و"لزمه التتابع" قدمه في المحرر وصححه في الرعاية وهو قول أبي ثور لأن إطلاق الشهر يقتضي التتابع وكمن نواه وعنه لا يلزمه لأن الشهر(9/297)
وإن نذر صيام أيام معدودة لم يلزمه التتابع إلا أن يشترطه وإن نذر صياما متتابعا فأفطر لمرض أو حيض قضى لا غير وإن أفطر لغير عذر
__________
يقع على ما بين الهلالين أو ثلاثين يوما ومحله ما لم يكن شرط ولا نية كما لو نذر عشرة أيام أو ثلاثين يوما وعلى الأول إن قطعه بلا عذر استأنف وبعذر يخير بينه بلا كفارة وبين البناء ويتم ثلاثين ويكفر.
"وإن نذر صيام أيام معدودة" ولو ثلاثين يوما "لم يلزمه التتابع" نص عليه
قال ابن البنا رواية واحدة وجزم به في المحرر والوجيز لأن الأيام لا دلالة لها على التتابع بدليل قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وعنه فيمن قال لله علي صيام عشرة أيام يصومها متتابعا وهذا يدل على وجوب التتابع في الأيام المنذورة اختاره القاضي قال في الكافي والأول أولى وهذا محمول على من نوى التتابع.
"إلا أن يشترطه" فيلزمه للوفاء بنذره وذكر ابن البنا هل يلزمه التتابع فيما دون الثلاثين على روايتين صحح في الرعاية أنه يلزمه وقال بعض أصحابنا كلام أحمد على ظاهره ويلزمه التتابع في العشرة دون الثلاثين قال في الشرح والصحيح أنه لا يلزمه التتابع وإن شرط تفريقها لزمه في الأقيس
تنبيه: إذا نذر صوم الدهر لزمه ولم يدخل في نذره رمضان والأيام المنهي عنها فإن أفطر لعذر لم يقضه ويكفر وإن لزمه قضاء من رمضان أو كفارة قدمه على النذر وإذا لزمته الكفارة وكانت كفارته الصيام احتمل أن لا تجب واحتمل أن تجب ولا تجب بفعلها كفارة.
"وإن نذر صياما متتابعا" غير معين "فأفطر لمرض أو حيض قضى لا غير" كما لو أفطر في رمضان والمرض والحيض لا يقطع التتابع فلم يجب الاستئناف لبقاء التتابع حكما وذكر الخرقي يتخير بين الاستئناف متتابعا بلا كفارة وبين البناء وقضاء ما ترك مع كفارة يمين وقدمه في المحرر والرعاية والفروع وإذا قلنا بالبناء فهل يتم ثلاثين أو الأيام الفائتة فيه وجهان وفي التكفير وجه كشهري الكفارة ذكره جماعة "وإن أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف" وفاقا(9/298)
لزمه الاستئناف وإن أفطر لسفر أو ما يبيح الفطر فعلى وجهين وإن نذر صياما فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عنه لكل يوم مسكينا ويحتمل أن يكفر ولا شيء عليه
__________
ضرورة الوفاء بالتتابع من غير كفارة "وإن أفطر لسفر أو ما يبيح الفطر فعلى وجهين" أي إذا أفطر لعذر يبيح الفطر كالسفر فقيل لا ينقطع التتابع مع القدرة على الصوم كالمرض الذي يجب معه الفطر وقيل بلى لأنه أفطر باختياره كالفطر لغير عذر وعلى قول المؤلف يفرق بين المرض المبيح والسفر المبيح فإن المرض ليس باختياره بخلاف السفر فناسب أن يقطع السفر التتابع لأنه من فعله بخلاف المرض "وإن نذر صياما فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عنه لكل يوم مسكينا" مع كفارة يمين نص عليه وصححه القاضي وقدمه في الفروع لأن سبب الكفارة عدم الوفاء بالنذر وسبب الإطعام العجز عن واجب الصوم فقد اختلف السببان واجتمعا فلم يسقط واحد منهما لعدم ما يسقطه وعنه لا يجب إلا الإطعام فقط وهو ما ذكره في المتن كما لو عجز عن الصوم المشروع "ويحتمل أن يكفر ولا شيء عليه هذا" رواية ذكرها ابن عقيل وجزم بها في الوجيز وقدمها في الكافي وذكر أنها أقيس لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين" رواه ابن ماجة والدارقطني وإسناده ثقات ورواه أبو داود وذكر أنه روي موقوفا على ابن عباس وكسائر النذور وقياس المنذور على المنذور أولى لأن رمضان يطعم عنه عند العجز بالموت فكذلك في الحياة وهذا بخلافه ويتخرج ألا تلزمه كفارة في العجز عنه كما لو عجز عن الواجب بأصل الشرع وفي النوادر احتمال يصام عنه وسبق فعل الولي عنه ذكره القاضي وكذا إن نذره عاجزا عنه نقل أبو طالب ما كان نذر معصية أو لا يقدر عليه ففيه كفارة يمين ومرادهم غير الحج وإلا فلو نذر معضوب أو صحيح ألف حجة لزمه ويحج عنه والمراد لا يطيقه ولا شيئا منه وإلا أتى بما يطيقه منه وكفر للباقي وقيل لا ينعقد نذره وظاهره أنه إذا كان لعارض يرجى زواله فإنه ينتظر فإن كان عن صوم معين وفات وقته قضاه وهل يلزمه لفوات الوقت كفارة على روايتين .(9/299)
وإن نذر المشي إلى بيت الله أو موضع من الحرم لم يجزئه إلا أن يمشي في حج أو عمرة فإن ترك المشي لعجز أو غيره فعليه كفارة يمين وعنه عليه دم
__________
"وإن نذر المشي إلى بيت الله" الحرام "أو موضع من الحرم" لزمه الوفاء به بغير خلاف نعلمه وسنده قوله عليه السلام من نذر أن يطيع الله فليطعه "لم يجزئه إلا أن يمشي في حج أو عمرة" أي لزمه أن يمشي في أحدهما لأنه مشي إلى عبادة والمشي إلى العبادة أفضل ما لم ينو إتيانه لا حقيقة مشي من مكانه نص عليه وذكره القاضي إجماعا محتجا به وبما لو نذره من محله لم يجز من ميقاته على قضاء الحج الفاسد من الأبعد من إحرامه أو من ميقاته.
"فإن ترك المشي لعجز أو غيره فعليه كفارة يمين" قدمه الأصحاب ونصره في الشرح لقول عقبة يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا لتخرج راكبة ولتكفر يمينها" رواه أحمد وأبو داود والبيهقي وقال تفرد به شريك ولأن المشي غير مقصود ولم يعتبره الشرع بموضع كنذر التحفي قال في الفروع فيتوجه منه أنه لا يلزم قادرا ولهذا ذكر ابن رزين رواية لا كفارة عليه "وعنه: عليه دم" وأفتى به عطاء لما روى أحمد بسنده عن عمران قال "ما قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة" وفيه "وإن من المثلة أن ينذر الرجل أن يحج ماشيا فإذا نذر أحدكم أن يحج ماشيا فليهد هديا وليركب" ولأنه أخل بواجب في الإحرام أشبه ما لو ترك الإحرام من الميقات وفي المغني قياس المذهب يستأنفه ماشيا لتركه صفة المنذور كتفريقه صوما متتابعا وقال الشافعي لا يلزمه مع العجز كفارة إلا أن يكون النذر إلى بيت الله فهل عليه هدي فيه قولان وقد روى أبو داود أن أخت عقبة نذرت أن تمشي إلى البيت وأنها لا تطيق ذلك فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هديا
فرع: إذا عجز عن المشي بعد الحج كفر وأجزأه وإن مشى بعض الطريق فيحتمل أن يكون كقول ابن عمر يحج من قابل ويركب ما مشى ويمشي ما ركب ويحتمل أن لا يجزئه إلا حج يمشي في جميعه .(9/300)
وإن نذر الركوب فمشى ففيه الروايتان وإن نذر رقبة فهي التي تجزئ عن الواجب
__________
أصل: يلزمه الإتيان بالمشي والركوب من دويرة أهله إلا أن ينوي موضعا بعينه وقال الأوزاعي يمشي من ميقاته إلا أن ينوي قال والخبر فيه عطاء عن ابن عباس ورواه البيهقي ويلزمه المنذور منهما في الحج والعمرة إلى أن يتحلل لأن ذلك انقضاء قال أحمد إذا رمى الجمرة فقد فرغ وفي الترغيب لا يركب حتى يأتي بالتحللين على الأصح.
"وإن نذر الركوب فمشى ففيه الروايتان" كذا في المحرر والفروع لأنه مخالف لما نذر فهو بمعنى الركوب إذا نذر المشي ولأن الركوب في نفسه غير طاعة إحداهما تلزمه الكفارة دون الدم لما ذكرنا واقتصر عليه في المغني والثانية: يلزمه دم لأنه ترفه بترك الإنفاق وفي الشرح وجزم به في الوجيز إلا أنه إذا مشى ولم يركب مع إمكانه لم يلزمه أكثر من كفارة يمين
فائدة: لم يتعرض المؤلف لمن نذر المشي إلى مسجد المدينة أو الأقصى فإنه يلزمه إتيانهما والصلاة فيهما قال في الفروع مرادهم لغير المرأة لأفضلية بيتها وإن عين مسجدا غير حرم لزمه عند وصوله ركعتين ذكره في الواضح ومذهب مالك على ما في المدونة من قال علي المشي إلى المدينة أو بيت المقدس لم يأتهما أصلا إلا أن يريد الصلاة في مسجديهما فليأتهما
فرع: إذا أفسد الحج المنذور ماشيا وجب القضاء مشيا ويمضي في الحج الفاسد ماشيا حتى يحل منه وإذا عين لنحر الهدي موضعا من الحرم تعين وكان لفقرائه ما لم يتضمن معصية للخبر وإن نذر ستر البيت وتطييبه لزمه
مسألة: إذا نذر الحج العام فلم يحج ثم نذر أخرى في العام الثاني قال في الفروع فيتوجه يصح وأن يبدأ بالثانية لفوتها ويكفر لتأخير الأولى وفي المعذور الخلاف.
"وإن نذر رقبة فهي التي تجزئ عن الواجب" ذكره معظم الأصحاب لأن المطلق يحمل على معهود الشرع وهو الواجب في الكفارة "إلا أن ينوي رقبة(9/301)
إلا أن ينوي رقبة بعينها وإن نذر الطواف على أربع طاف طوافين نص عليه
__________
بعينها" فإنها تجزئ عنه لأن المطلق يتقيد بالنية كالقرينة اللفظية لكن لو مات المنذور أو أتلفه قبل عتقه لزمه كفارة يمين ولا يلزمه عتق نص عليه وقيل بل تصرف قيمته في الرقاب على قياس قوله في الولاء إذ الأصل فيه ذلك وفي الرعاية من عين بنذره أو نيته شيئا من عدد صوم أو صلاة أو هدي رقاب كفاه ما عينه وعنه يجزئ باللفظ به لا ما نواه فقط وإن عين الهدي بغير حيوان جاز ويتصدق به أو بثمنه على فقراء الحرم قال في المستوعب فإن عين الهدي بما ينقل لزمه إنفاذه إلى الحرم ليفرق هناك وإلا بيع وأنفذ ثمنه ليفرق هناك.
"وإن نذر الطواف" فأقله أسبوع وإن نذره "على أربع طاف طوافين نص عليه" جزم به في المحرر والمستوعب والوجيز وقدمه في الفروع وهو قول ابن عباس رواه سعيد ولخبر رواه معاوية بن خديج الكندي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أمه كبشة بنت معدي كرب عمة الأشعث بن قيس فقالت يا رسول الله آليت أن أطوف بالبيت حبوا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "طوفي على رجليك سبعين سبعا عن يديك وسبعا عن رجليك" أخرجه الدارقطني
قال الشيخ تقي الدين لأنه بدل واجب ولأن فيه على أربع مثله وعنه يطوف على رجليه واحدا قال في المغني والشرح وهو القياس لأن غيره ليس بمشروع وفي الكفارة وجهان وقياس المذهب لزومها ومثله نذر السعي على أربع ذكره في المبهج والمستوعب والفروع وفي الرعاية يلزمه سعيان وكذا لو نذر طاعة على وجه منهي عنه كنذره صلاة عريانا أو الحج حافيا حاسرا وفى بالطاعة على الوجه الشرعي وفي الكفارة لتركه المنهي وجهان
مسألتان: الأولى النذر المطلق على الفور نص عليه وقيل لا قال في المستوعب فإن نذر أن يهدي هدايا لزمه أن يهدي إلى الحرم لينحر هناك ويفرق فإن نذر أن ينحر هديا بغير مكة من المدينة وبيت المقدس أو يضحي أضحية في موضع عينه لزمه نحر ذلك ويفرق لحمه في الموضع الذي عينه .(9/302)
...............................................................................
__________
الثانية لا يلزمه الوفاء بالوعد نص عليه وقاله أكثر العلماء لأنه يحرم بلا استثناء لقوله تعالى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} الآية [الكهف: 23] ولأنه في معنى الهبة قبل القبض وذكر الشيخ تقي الدين وجها يلزم واختاره ويتوجه أنه رواية من تأجيل العارية والصلح عن عوض المتلف بمؤجل وقيل لأحمد بم يعرف الكذابون قال بخلف المواعيد وهو قول ابن شبرمة وعمر بن عبد العزيز لقوله تعالى {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} الآية [الصف:3] ولخبر آية المنافق ثلاث وبإسناد حسن "العدة عطية" وبإسناد ضعيف "العدة دين" ومذهب مالك يلزم بسبب كمن قال تزوج وأعطيك كذا واحلف لا تشتمني ولك كذا وإلا لم يلزم والله أعلم .(9/303)
المجلد العاشر
كتاب القضاء
باب القضاء
...
كتاب القضاء
هو فرض كفاية قال أحمد رحمه الله تعالى: لا بد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس
__________
كتاب القضاء
قال الأزهري: القضاء في الأصل إحكام الشيء والفراغ منه لقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}[ فصلت: من الآية12] ويكون بمعنى إمضاء الحكم ومنه قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: من الآية4] أي أمضينا وأنهينا وسمي الحاكم قاضيا لأنه يمضي الأحكام ويحكمها ويكون بمعنى أوجب فيجوز أن يكون سمي به لإيجابه الحكم على من يجب عليه.
واصطلاحا: النظر بين المترافعين له للإلزام وفصل الخصومات والأصل فيه قوله تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [صّ: من الآية26]
وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: من الآية65]
وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر" متفق عليه من حديث عمرو بن العاص وأجمع المسلمون على نصب القضاة للفصل بين الناس .
"وهو فرض كفاية" كالإمامة، قال الشيخ تقي الدين: قد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر وهو تنبيه: على أنواع الاجتماع والواجب اتخاذها دينا وقربة فإنها من أفضل القربات وإنما فسد حال بعضهم لطلب الرئاسة والمال بها ومن فعل ما يمكنه لم تلزمه ما يعجز عنه وعنه: سنة نصره القاضي وأصحابه وعنه: لا يسن دخوله فيه نقل عبد الله لا يعجبني هو أسلم وعلى الأول: "قال أحمد: لا بد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس" لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه كالجهاد وفيه فضل عظيم لمن قوي عليه وفيه خطر عظيم إن لم يؤد الحق فيه لما روى معقل بن يسار مرفوعا(10/3)
فيجب على الإمام أن ينصب في كل إقليم قاضيا ويختار لذلك أفضل من يجد و أورعهم ويأمرهم بتقوى الله وإيثار طاعته في سره وعلانيته وتحري العدل والاجتهاد في إقامة الحق وأن يستخلف في كل صقع أصلح من يقدر عليه لهم ويجب على من يصلح له إذا طلب ولم يوجد غيره ممن يوثق به الدخول فيه،
__________
"ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجتهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة" قال مسروق لأن أحكم يوما بحق أحب إلي من أن أغزو سنة في سبيل الله فعلى هذا إذا أجمع أهل بلد على ترك القضاء أثموا قال أبن حمدان: إن لم يحتكموا في غيره "فيجب على الإمام أن ينصب في كل إقليم" هو بكسر الهمزة وهو أحد الأقاليم السبعة "قاضيا" لأن الإمام هو القائم بأمر الرعية المتكلم بمصلحتهم المسؤول عنهم فيبعث القضاة إلى الأمصار كفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وللحاجة إلى ذلك لأنه عليه السلام بعث عليا قاضيا إلى اليمن وولى عمر شريحا قضاء الكوفة وكعب بن سور قضاء البصرة وغير ذلك.
"ويختار لذلك أفضل من يجد و أورعهم" لأن ذلك أكمل وهو أقرب إلى حصول المقصود من القضاء "ويأمره بتقوى الله تعالى وإيثار طاعته في سره وعلانيته وتحري العدل والاجتهاد في إقامة الحق" لأن ذلك تذكرة له فيما يجب عليه فعله وإعانة له في إقامة الحق وتقوية لقلبه و تنبيها على اهتمام الإمام بأمر الشرع وأهله فإن كان غائبا عنه كتب له ذلك في عهده "وأن يستخلف في كل صقع" أي ناحية "أصلح من يقدر عليه لهم" لأن في ذلك خروجا من الخلاف في جواز الاستنابة و تنبيها على مصلحة رعية بلد القاضي وحثا له على اختيار الأصلح وذكر الآمدي أن على الإمام نصب من يكتفى به "ويجب على من يصلح له إذا طلب" ولم يشغله عن أهم منه "ولم يوجد غيره ممن يوثق به الدخول فيه" قدمه في الكافي و المحرر و المستوعب وجزم به في الوجيز وصححه جمع لأن فرض الكفاية إذا لم يوجد من يقوم به تعين عليه كغسل الميت ونحوه وقيل: ويلزمه طلبه وقال الماوردي إن كان فيه غير أهل فإن كان أكثر قصده إزالته أثيب وإن كان أكثر قصده ليختص بالنظر أبيح(10/4)
وعنه: أنه سئل هل يأثم القاضي بالامتناع إذا لم يوجد غيره قال لا يأثم وهذا يدل على أنه ليس بواجب فإن وجد غيره كره له طلبه بغير خلاف في المذهب وإن طلب فالأفضل له أن لا يجيب إليه في ظاهر كلام أحمد
__________
فإن ظن عدم تمكينه فاحتمالان وقيل: يحرم بخوفه ميلا
" وعنه: أنه سئل هل يأثم القاضي بالامتناع إذا لم يوجد غيره ممن يوثق به قال لا يأثم وهذا يدل على أنه ليس بواجب" نقلها إسماعيل بن سعيد لما فيه من الخطر والمشقة الشديدة لكنها محمولة على من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان وغيره وحكى ابن هبيرة عن الثلاثة أن القضاء من فروض الكفاية ويتعين على المجتهد الدخول فيه ثم قال وقال أحمد: في أظهر روايتيه ليس هو من فروض الكفاية ولا يتعين على المجتهد الدخول فيه وإن لم يوجد غيره.
"فإن وجد غيره كره له طلبه بغير خلاف في المذهب" جزم به في المحرر و الوجيز وقدمه في الفروع لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة "لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة: وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة: أعنت عليها" متفق عليه وعنه: لا يكره لقصد إقامة الحق وخوفا أن يتعرض له غير مستحق ذكره القاضي.
قال في الفروع: ويتوجه وجه بل يستحب إذن وقال الماوردي: ويتوجه وجه يحرم بدونه وذكر الماوردي أنه لقصد المنزلة والمباهاة يجوز اتفاقا وإن طائفة كرهته إذن وطائفة لا واحتج الإمام أحمد فيما رواه عنه ابنه عبد الله بما روى أبو هريرة مرفوعا "من طلب قضاء المسلمين حتى ناله فغلب عدله جوره فله الجنة وإن غلب جوره عدله فله النار" ورواه أبو داود والمراد إذا لم يكن فيه أهل وإلا حرم وقدح فيه "وإن طلب فالأفضل أن لا يجيب إليه في ظاهر الكلام أحمد" اختاره القاضي وقدمه في الكافي و الرعاية و الفروع وجزم به في الوجيز وفي الشرح أنه الأولي لما فيه من الخطر والتشديد ولما في تركه من السلامة وذلك طريقة السلف وقد أراد عثمان تولية ابن عمر(10/5)
وقال ابن حامد الأفضل الإجابة إليه إذا أمن نفسه ولا تثبت ولاية القضاء إلا بتولية الإمام أو نائبه ومن شرط صحتها معرفة المولي كون المولى على صفة تصلح للقضاء ويعين ما يوليه الحكم فيه من الأعمال والبلدان ومشافهته بالولاية أو مكاتبته بها
__________
القضاء فأبى "وقال ابن حامد الأفضل الإجابة إليه إذا أمن نفسه" لأن الله تعالى جعل للمجتهد فيه أجرا مع الخطأ وأسقط عنه حكم الخطأ ولأن فيه أمرا بالمعروف ونصر المظلوم وأداء الحق إلى مستحقه ورد الظالم عن ظلمه بدليل تولية النبي صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه وهم كذلك ولا يختار إلا الأفضل وقيل: مع خموله وحمل في المغني كلام ابن حامد عليه وقيل: أو فقره.
فرع: يحرم بذل مال فيه وأخذه وطلبه وفيه مباشر أهل وظاهر تخصيصهم الكراهة بالطلب أنه لا يكره تولية الحريص لا ينفي أن غيره أولى قال في الفروع ويتوجه وجه يكره
مسألة: إذا جهل القضاء أو عجز عنه أو خاف الميل حرم دخوله فيه وقيل: مع وجود غيره وهو يصلح له قال في الشرح من الناس من لا يجوز الدخول فيه وهو من لا يحسنه ولم تجتمع فيه شروطه.
"ولا تثبت ولاية القضاء إلا بتولية الإمام" لأنه صاحب الأمر والنهي وهو واجب الطاعة مسموع الكلمة مالك لجميع الولايات شرعا وحسا أو نائبه لأنه منزل منزلته ولأن الولاية من المصالح العامة أشبه عقد الذمة "ومن شرط صحتها معرفة المولي كون المولى على صفة تصلح للقضاء" لأن مقصود القضاء لا يحصل إلا بذلك وحاصله إن كان يعرف صلاحيته ولاه وإلا سأل أهل المعرفة عنه ولأن الأصل العلم فلا يجوز توليته مع عدم العلم بذلك كما لا يجوز توليته مع العلم بعدم صلاحيته "ويعين ما يوليه الحكم فيه من الأعمال" كالكوفة ونواحيها "والبلدان" كبغداد ونحوها ليعلم محل ولايته فيحكم فيه ولا يحكم في غيره ولأنه عقد ولأنه يشترط فيه الإيجاب والقبول فلا بد من معرفة المعقود عليه كالوكالة "ومشافهته بالولاية" أي(10/6)
وإشهاد شاهدين على توليته وقال القاضي تثبت بالاستفاضة إذا كان بلده قريبا تستفيض فيه أخبار بلد الإمام وهل تشترط عدالة المولي على روايتين وألفاظ التولية الصريحة سبعة وليتك الحكم وقلدتك واستنبتك واستخلفتك ورددت إليك وفوضت إليك وجعلت لك الحكم،
__________
يشافهه الإمام بها إن كان حاضرا "أو مكاتبته بها" إن كان غائبا لأن التولية تحصل بذلك كالتوكيل وحينئذ يكتب له عهدا بما ولاه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن وكتب عمر إلى أهل الكوفة أما بعد فإني قد بعثت إليكم عمارا أميرا وعبد الله قاضيا "وإشهاد شاهدين على توليته" أي إذا كان البلد الذي ولاه فيه بعيدا لا يستفيض إليه الخبر بما يكون في بلد الإمام فلا بد من شهادة عدلين عليها "وقال القاضي تثبت بالاستفاضة إذا كان بلده قريبا تستفيض فيه أخبار بلد الإمام" لأن العلم بالولاية يحصل بذلك والأصح أنها تثبت بالاستفاضة مع قرب ما بينهما كخمسة أيام والحاصل أنها لا تثبت إلا بشاهدين أو بالاستفاضة إذا كان بلده قريبا تستفيض فيه أخبار المولى له وأطلق الآدمي أو استفاضة وظاهره مع البعد قال في الفروع وهو متجه.
" وهل تشترط عدالة المولي" بكسر اللام "على روايتين" إحداهما تشترط كما تشترط المتولي
والمذهب أنها لا تشترط لأن ولاية الإمام الكبرى تصح من كل بر وفاجر فصحت ولايته كالعدل ولأنها لو اعتبرت في المولي أفضى إلى تعذرها بالكلية فيما إذا كان غير عدل وعنه: سوى الإمام وجزم به في الوجيز أي إذا ولاه إمام فاسق صح وإن ولاه نائبه الفاسق فلا.
فرع: لا ينعزل إمام أعظم بفسق يطرأ عليه وعنه: بلى كالحاكم ولا تنعقد الإمامة العظمى لفاسق وعنه: تنعقد ولو غلبهم بسيفه مع بقية الشروط وهي أشهر
"وألفاظ التولية الصريحة سبعة وليتك الحكم وقلدتك واستنبتك واستخلفتك ورددت إليك الحكم وفوضت إليك وجعلت إليك الحكم" لأن هذه تدل على ولاية القضاء دلالة لا تفتقر معها إلى شيء آخر وذلك هو(10/7)
فإذا وجد لفظ منها والقبول من المولى انعقدت الولاية والكناية نحو اعتمدت عليك أو عولت عليك ووكلت إليك وأسندت إليك الحكم فلا ينعقد بها حتى تقترن بها قرينة نحو فاحكم أو فتول ما عولت عليك فيه وما أشبهه،
__________
الصريح زاد في الرعاية على هذه استكفيتك وقيل: رددته وفوضته وجعلته إليك كناية "فإذا وجد لفظ منها" أي واحد منها "والقبول من المولى" الحاضر في المجلس والغائب بعده "انعقدت الولاية" لأنها لا تحتمل إلا ذلك فمتى أتى بواحد منها ووجد القبول صحت كالبيع والنكاح ويصح القبول بالشروع في العمل في الأصح.
قال أبن حمدان: إن قلنا: هو نائب عن الشرع كفى وإن قلنا: هو نائب من ولاه فلا
مسألة: تصح تولية مفضول مع موجود فاضل قال أبن حمدان: إن أمنت الفتنة وكان أصلح للدين والناس وإن فوض الإمام إلى إنسان تولية القاضي جاز ولا يجوز له اختيار نفسه ولا والده ولا ولده كما لو وكله في الصدقة قال ويحتمل أن يجوز له اختيارهما إذا كانا صالحين للولاية.
"والكناية نحو اعتمدت عليك وعولت عليك ووكلت إليك وأسندت إليك الحكم فلا ينعقد بها" لأن هذه الألفاظ تحتمل التولية وغيرها من كونه يأخذ برأيه أو غير ذلك فلا ينصرف إلى التولية "حتى يقترن بها قرينة نحو فاحكم أو فتول ما عولت عليك فيه وما أشبه ذلك" لأن هذه القرينة تنفي الاحتمال.
فصل: قال في الرعاية:لا تصح الإمامة العظمى إلا لمسلم حر ذكر مكلف عدل مجتهد شجاع مطاع ذي رأي سميع بصير ناطق قرشي ولا بد من بيعة أهل الحل والعقد من العلماء ووجوه الناس والاستيلاء قهرا مع بقية شروط الإمامة.
وعنه: لا يضر فسقه المقارن وجهله إن شرطنا حين البيعة عدم فسقه وجهله لم ينعزل بفسقه الطارئ على الأصح ولا طاعة له في معصية ومن ثبتت ولايته قهرا زالت به قال في المستوعب وشروط القضاء تنقص عن شروط(10/8)
فصل
وإذا ثبتت الولاية وكانت عامة استفاد بها النظر في عشرة أشياء.
فصل
الخصومات واستيفاء الحق ممن هو عليه ودفعه إلى ربه والنظر في أموال اليتامى والمجانين والسفهاء.
__________
الإمامة بالشجاعة لسقوط الحرب عن القاضي وحاجة الإمام إليه.
وبالنسب لأن الإمامة أعلى المراتب الدينية فاعتبر فيها النسب لحصول التمييز عن الرعية قال في الشرح: لو خرج رجل على الإمام فقهره وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له وأذعنوا بطاعته وبايعوه صار إماما يحرم قتاله والخروج عليه فإن عبد الملك بن مروان خرج على عبد الله بن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها وذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم.
فصل
"وإذا ثبتت الولاية وكانت عامة" أي لم تقيد بنوع "استفاد بها النظر في عشرة أشياء" كذا في المحرر و الوجيز وزاد عليها واحدا وهو جباية الخراج وفي الفروع و الزكاة وقال في التبصرة والاحتساب على الباعة والمشترين وإلزامهم بالشرع.
وقال الشيخ تقي الدين: ما يستفيد بالولاية لا حد له شرعا بل يتلقى من اللفظ والأحوال والعرف.
فصل
"الخصومات واستيفاء الحق ممن هو عليه ودفعه إلى ربه" لأن المقصود من القضاء ذلك ولهذا قال أحمد: أتذهب حقوق الناس "والنظر في أموال اليتامى والمجانين والسفهاء" لأن بعضهم مختص بنظر الحاكم وهو(10/9)
والحجر على من يرى الحجر عليه لسفه أو فلس والنظر في الوقوف في عمله بإجرائها على شرط الواقف وتنفيذ الوصايا وتزويج النساء اللاتي لا ولي لهن وإقامة الحدود وإقامة الجمعة والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن طريق المسلمين وأفنيتهم وتصفح حال شهوده وأمنائه والاستبدال بمن ثبت جرحه منهم فأما جباية الخراج وأخذ الصدقة فعلى وجهين،
__________
السفيه وبعضهم هو بين أن لا يكون له ولي فترك نظره في ماله يؤدي إلى ضياعه وبين أن يكون له ولي فترك نظره في حال الولي يؤدي إلى طمعه في مال موليه وفي ذلك ضرر عليه "والحجر على من يرى الحجر عليه لسفه أو فلس" لأن الحجر يفتقر إلى نظر واجتهاد فلذلك كان مختصا به "والنظر في الوقوف في عمله بإجرائها على شرط الواقف" لأن الضرورة تدعو إلى إجرائها على شروطها سواء أكان لها ناظر خاص أو لم يكن "وتنفيذ الوصايا" لأن الميت محتاج إلى ذلك وليس ذلك لغيره "وتزويج النساء اللاتي لا ولي لهن" لقوله عليه السلام "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" والقاضي نائبه "وإقامة الحدود" لأنه عليه السلام كان يقيمها والخلفاء من بعده "وإقامة الجمعة" والعيد ذكره في المستوعب و الرعاية و الفروع ما لم يخصا بإمام من جهة السلطان أو الواقف ذكره ابن حمدان ولأن الخلفاء كانوا يقيمونهما "والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن طرقات المسلمين وأفنيتهم" لأنه مرصد للمصالح "وتصفح حال شهوده وأمنائه والاستبدال بمن ثبت جرحه منهم" لأن العادة في القضاء توليها فعند إطلاق الولاية تنصرف إلى ما جرت به العادة "فأما جباية الخراج وأخذ الصدقة" إذا لم يخصا بعامل قاله في الوجيز تبعا لأبي الخطاب "فعلى وجهين" أحدهما: يدخلان قياسا على سائر الخصال الثاني: لا لأن العادة لم تثبت بتولي القضاء لهما والأصل عدم ذلك وقيل: في الخراج.
ونقل أبو طالب: أمير البلد إنما هو مسلط على الأدب وليس إليه المواريث والوصايا والفروج والحدود والرحم إنما ذلك للقاضي فظهر الفرق بينهما.
وعلم مما تقدم أنه لا يسمع بينة في غير عمله وهو محل حكمه وتجب إعادة الشهادة لتعديلها.(10/10)
وله طلب الرزق لنفسه وأمنائه وخلفائه مع الحاجة فأما مع عدمها فعلى وجهين.
__________
"وله طلب الرزق لنفسه وأمنائه وخلفائه مع الحاجة" ورخص فيه أكثر العلماء لأن عمر رزق شريحا في كل شهر مائة درهم ورزق ابن مسعود نصف شاة كل يوم وإذا جاز له الطلب لنفسه جاز لمن هو في معناه وقال أحمد: لا يعجبني أن يأخذ على القضاء أجرا وإن كان فبقدر عمله مثل مال اليتيم وكان ابن مسعود يكره الأجرة على القضاء ولا يأخذ عليه أجرا.
"فأما مع عدمها فعلى وجهين" أما الجواز لأن أبا بكر لما ولي الخلافة فرضوا له كل يوم درهمين وفرض عمر لزيد وغيره وأمر بفرض الرزق لمن تولي من القضاة ولأنه لو لم يجز فرض الرزق لتعطلت وضاعت الحقوق و الثاني: لا يجوز لأنه يختص أن يكون فاعله من أهل القربة فلم يجز أخذ الأجرة عليه كالصلاة فأما الاستئجار عليه فلا يجوز فإن عمر قال لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا قال في المغني: لا نعلم فيه خلافا لأنه يختص أن يكون فاعله من أهل القربة ولا يعمله الإنسان عن غيره وإنما يقع عن نفسه كالصلاة فإن لم يكن له رزق وليس له ما يكفيه وقال للخصمين لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي جعلا جاز وقيل: لا.
تنبيه: لا يجوز أن يقلد القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب بعينه لا نعلم فيه خلافا لأنه مأمور بالحكم بالحق والحق لا يتعين في مذهب بعينه وفي فساد التولية وجهان كالشرط الفاسد في البيع وإن أمره أن يحكم به وحده صح وله أن يحكم بمذهب إمام غيره ومذهب غير من ولاه إن قوي عنده دليله وقيل: لا وللإمام تولية القضاء في بلده وفي غيره وإن أذن له أن يستنيب صح وإن نهاه فلا وإن أطلق فظاهر كلام أحمد وجزم به في المستوعب وقدم في الشرح الجواز وقيل: له ذلك فيما لا يباشره مثله عرفا أو يشق فإن استخلف في موضع ليس الاستخلاف فحكمه حكم من لم يول وتشترط أهلية النائب لما تولاه.(10/11)
فصل
ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل ويجوز أن يوليه خاصا في أحدهما أو فيهما فيوليه عموم النظر في بلد أو محلة خاصة فينفذ قضاؤه في أهله ومن طرأ إليه أو يجعل إليه الحكم في المداينات خاصة أو في قدر من المال لا يتجاوزه أو يفوض إليه عقود الأنكحة دون غيرها ويجوز أن يولي قاضيين أو أكثر في بلد واحد يجعل إلى كل واحد عملا فيجعل إلى أحدهما الحكم بين الناس وإلى الآخر عقود الأنكحة دون غيرها.
__________
فصل
"ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل" بأن يوليه القضاء في سائر الأحكام وسائر البلدان "وأن يوليه خاصا في أحدهما" بأن يوليه الحكم في سائر الأحكام في بلد أو محلة من المحال وكذا عكسه "أو فيهما بأن يوليه الحكم في المداينات أو عقود الأنكحة في بعض البلاد أو المحال فيوليه عموم النظر في بلد أو محلة خاصة فينفذ قضاؤه في أهله" وهو ظاهر "ومن طرأ إليه" لأن الطارئ يعطي حكم أهله في كثير من الأحكام بدليل أن الدماء الواجبة لأهل مكة يجوز تفريقها في الطارئ إليها كأهلها "أو يجعل إليه الحكم في المداينات خاصة أو في قدر من المال لا يتجاوزه أو يفوض إليه عقود الأنكحة دون غيرها" لأن الخيرة في التولية إلى الإمام فكذا في صفتها وله الاستنابة في الكل فكذا في البعض وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستنيب أصحابه كلا في شيء فولي عمر القضاء وبعث عليا قاضيا ظاهرا وكان يرسل بعضهم لجمع الزكاة وغيرها وكذلك الخلفاء من بعده "ويجوز أن يولي" من غير مذهبه قاله القاضي في الأحكام السلطانية و الرعايتين و الحاوي و النظم لأن على القاضي أن يجتهد رأيه في قضائه وقد سبق في الوكالة "قاضيين أو أكثر في بلد واحد يجعل إلى كل واحد عملا فيجعل إلى أحدهما الحكم بين الناس وإلى الآخر عقود الأنكحة دون غيرها" لأن الإمام كامل الولاية فوجب أن يملك ذلك إذ لا(10/12)
فإن جعل إليهما عملا واحدا جاز وعند القاضي لا يجوز وإن مات المولي أو عزل المولى مع صلاحيته لم تبطل ولايته في أحد الوجهين وتبطل في الآخر.
__________
ضرر عليه كتولية القاضي الواحد "فإن جعل إليهما عملا واحدا جاز" صححه في المغني وقدمه في المحرر و الفروع وجزم به في الوجيز لأنها نيابة فجاز جعلها إلى اثنين كالوكالة ولأنه يجوز للقاضي أن يستخلف خليفتين في موضع واحد فالإمام أولى عند أبي الخطاب "وعند القاضي لا يجوز" لأنهما قد يختلفان في الاجتهاد فتقف الحكومة.
وجوابه: أن كل حاكم يحكم باجتهاده وليس للآخر الاعتراض عليه ويقدم قول الطالب ولو عند نائب فإن كانا مدعيين اختلفا في ثمن مبيع باق اعتبر أقرب الحاكمين منهما مجلسا فإن استويا أقرع وقيل: يعتبر اتفاقهما على حاكم قال حرملة قال الشافعي لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق كان يجيء إلى الرجل فيقول له لتحدث وإلا استعديت عليك السلطان وفي الرعاية يقدم منهما من طلب حكم مستنيب وفي الترغيب إن تنازعا أقرع
وقال ابن عقيل: إن كانا في الحاجز كدجلة والفرات ليس الحاكم في ولاية أحدهما فإلى الوالي الأعظم "وإن مات المولي" بكسر اللام "أو عزل المولى" بفتحها "مع صلاحيته لم تبطل ولايته في أحد الوجهين" هذا هو الأشهر وقدمه في الرعاية و الفروع لأنه عقد لمصلحة المسلمين كما لو عقد الولي النكاح على مولاته ثم مات أو فسخه "وتبطل في الآخر" وجزم به في الوجيز في الثانية: لا الأولى كالوكيل قال عمر لأعزلن أبا مريم وأولي رجلا إذا رآه الفاجر فرقه فعزله وولى كعب بن سور وولى علي أبا الأسود ثم عزله فقال لم عزلتني وما جنيت قال: رأيتك يعلو كلامك على الخصمين وجزم في الترغيب بأنه ينعزل نائبه في أمر معين وسماع شهادة معينة وإحضار مستعد عليه فعلى هذا لو عزله في حياته لم ينعزل وقال أبن حمدان: إن قلنا: الحاكم نائب الشرع لم ينعزل وإن قلنا: نائب من ولاه انعزل وفي الشرح لا ينعزل بالموت وهل ينعزل بالعزل فيه وجهان لأن فيه ضررا وهنا لا ضرر فيه لأنه لا ينعزل قاض(10/13)
وهل ينعزل قبل العلم بالعزل على وجهين بناء على الوكيل وإذا قال المولي من نظر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان فهو خليفتي أو قد وليته لم تنعقد الولاية لمن ينظر.
__________
حتى يولى آخر مكانه ولهذا لا ينعزل الوالي بموت الإمام وينعزل بعزله قال الشيخ تقي الدين كعقد وصي وناظر عقدا جائزا كوكالة وشركة ومضاربة ومثله كل عقد لمصلحة المسلمين كوال ومن نصبه لجباية مال وصرفه وأمر الجهات ووكيل بيت المال والمحتسب وهو ظاهر كلام غيره.
"وهل ينعزل قبل العلم بالعزل على وجهين بناء على الوكيل" لأنه في معناه وجزم في الوجيز بأنه ينعزل كالوكيل والأشهر عدمه لأنه يتعلق به قضايا الناس وأحكامهم فيشق بخلاف الوكيل فإنه متصرف في أمر خاص.
تنبيه: إذا تغير حال القاضي بزوال عقل أو مرض يمنعه من القضاء أو اختل فيه بعض الشروط فإن يتعين على الإمام عزله وجها واحدا وفي المغني أنه ينعزل فإن استخلف القاضي خليفة فإنه ينعزل بموته أو عزله كالوكيل وله عزل نفسه في الأرض وفي الرعاية إن لم يلزمه قبوله وفيها له عزل نائبه بأفضل منه وقيل: بمثله وقيل: بدونه لمصلحة في الدين وقال القاضي عزل نفسه يتخرج على الروايتين في أنه وكيل للمسلمين أم لا فيه روايتان منصوصتان في خطأ الإمام وفي الرعاية في نائبه في الحكم وقيم الأيتام وناظر الوقف ونحوه أوجه ثالثها: إن استخلفهم بإذن من ولاه فلا ورابعها: إن قال استخلف عنك انعزلوا وإن قال: عني فلا ولا يبطل ما فرضه فارض في المستقبل في الأشهر ومن عزل أو انعزل حرم عليه الحكم ولزمه إعلام ولي الأمر فلو تاب الفاسق وحسن حاله أو أفاق من جنون أو إغماء وقيل: ينعزل به فهل يعود قاضيا بلا تولية جديدة فيه وجهان ومن أخبر بموت قاضي بلد وولي غيره فبان الأول: حيا لم ينعزل في الأقوى.
"وإذا قال المولي من نظر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان فهو خليفتي أو قد وليته لم تنعقد الولاية لمن ينظر" ذكره القاضي وغيره وجزم(10/14)
وإن قال وليت فلانا وفلانا فمن نظر منهم فهو خليفتي انعقدت الولاية.
فصل
ويشترط في القاضي عشر صفات أن يكون بالغا عاقلا ذكرا حرا مسلما عدلا سميعا،
__________
به في الرعاية و الوجيز لأنه لم يعين بالولاية أحدا منهم وكما لو قال بعتك أحد الثوبين
ويحتمل أن تنعقد لمن نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق ولاية الإمارة بعد زيد على شرط فكذا ولاية الحكم "وإن قال: وليت فلانا وفلانا فمن نظر منهما فهو خليفتي انعقدت الولاية" لمن نظر لأنه ولاهما جميعا ثم عين السابق منهما.
فصل
"ويشترط في القاضي عشر صفات أن يكون بالغا عاقلا" لأن غيرهما لا ينعقد قولهما في أنفسهما فلأن لا ينفذ في غيرهما بطريق الأولى وهما يستحقان الحجر عليهما والقاضي يستحقه على غيره وبين الحالين منافاة ولم يذكر أبو الفرج في كتبه بالغا وفي الانتصار في صحة أشده لا يعرف فيه رواية "ذكرا" وقاله الجمهور وقال ابن جرير لا تشترط الذكورية وجوابه: قوله عليه السلام: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لأن المرأة ناقصة العقل وقليلة الرأي ليست أهلا لحضور الرجال "حرا" لأن العبد منقوص برقه مشغول بحقوق سيده كالإمامة العظمى لكن تصح ولاية عبد إمارة سرية وقسم صدقة وفيء وإمامة صلاة وفيه وجه يجوز مطلقا قاله ابن عقيل: وأبو الخطاب وقال فيه بإذن سيد "مسلما" لأن الكفر يقتضي إذلال صاحبه والقضاء يقتضي احترامه وبينهما منافاة وهو شرط في الشهادة فكذا هنا "عدلا" لأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهدا فهذا أولى ولا يجوز تولية من فيه نقص يمنع الشهادة وظاهره ولو تائبا من قذف نص عليه وقيل: أو فسق لشبهة فوجهان "سميعا" لأن(10/15)
بصيرا متكلما مجتهدا وهل يشترط كونه كاتبا على وجهين،
__________
الأصم لا يسمع كلام الخصمين "بصيرا" لأن الأعمى لا يعرف المدعي من المدعى عليه ولا المقر من المقر له "متكلما" لأن الآخر س لا يمكنه النطق بالحكم ولا يفهم جميع الناس إشارته "مجتهدا" إجماعا ذكره ابن حزم وأنهم أجمعوا على أنه لا يحل لحاكم ولا لمفت تقليد رجل لا يحكم ولا يفتي إلا بقوله لأنه فاقد الاجتهاد إنما يحكم بالتقليد والقاضي مأمور بالحكم بما أنزل الله ولقوله عليه السلام: "القضاة ثلاثة" رواه أبو داود ورجاله ثقات ولأن المفتي لا يجوز أن يكون عاميا مقلدا فالحاكم أولى ولكن في الإفصاح أن الإجماع انعقد على تقليد كل من المذاهب الأربعة وأن الحق لا يخرج عنهم ثم ذكر أن الصحيح في هذه المسألة: أن قول من قال أنه لا يجوز إلا تولية مجتهد فإنه إنما عنى به ما كانت الحال عليه قبل استقرار ما استقر من هذه المذاهب واختار في الترغيب ومجتهدا في مذهب إمامه للضرورة واختار في الإفصاح و الرعاية أو مقلدا وقيل: يفتى به ضرورة قال ابن بشار: ما أعيب على من يحفظ خمس مسائل لأحمد يفتي بها وظاهر نقل عبد الله يفتي غير مجتهد ذكره القاضي وحمله الشيخ تقي الدين على الحاجة فعلى هذا يراعي ألفاظ إمامه ومتأخرها وتقليد كبار مذهبه في ذلك وظاهره أنه يحكم ولو اعتقد خلافه لأنه مقلد وأنه لا يخرج عن الظاهر قال في الفروع فيتوجه مع الاستواء الخلاف في مجتهد.
"وهل يشترط كونه كاتبا على وجهين" : أحدهما لا يشترط نصره المؤلف وقدمه في الكافي وهو ظاهر الوجيز و الفروع لأنه عليه السلام كان أميا وليس من ضرورة الحكم معرفة الكتابة و الثاني: يشترط قدمه في الرعاية ليعلم ما يكتبه كاتبه فيأمن تحريفه وظاهره أنه لا يشترط غير ذلك وشرط الخرقي والحلوانية وابن رزين والشيخ تقي الدين أن يكون ورعا وقيل: وزاهدا وأطلق فيهما في الترغيب وجهين وقال ابن عقيل: لا مغفلا وهو مراد وقال القاضي في موضع لا يكون بليدا ولا نافيا للقياس وقال الشيخ تقي الدين: الولاية لها ركنان القوة والأمانة فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ الحكم والأمانة ترجع إلى خشية الله تعالى، وحاصله أنه يجب تولية الأمثل(10/16)
والمجتهد: من يعرف من كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه السلام الحقيقية والمجاز والأمر والنهي والمجمل والمبين والمحكم والمتشابه والخاص والعام والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمستثنى والمستثنى منه ويعرف من السنة: صحيحها من سقيمها وتواترها من آحادها ومرسلها،
__________
فالأمثل فالشاب بالصفات كغيره لكن الأسن أولى مع التساوي يرجح بحسن الخلق أيضا "والمجتهد" مأخوذ من الاجتهاد وهو استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي "من يعرف من كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام الحقيقة" وهي اللفظ المستعمل في وضع أول "والمجاز" وهو اللفظ المستعمل في غير وضع أول زاد بعضهم على وجه يصح "والأمر" وهو القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به "والنهي" وهو اقتضاء كف عن فعل لا بقول كف "والمجمل" وهو ما لا يفهم منه عند الإطلاق شيء "والمبين" وهو إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي والوضوح وقال الشافعي: اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع "والمحكم" المتضح المعنى "والمتشابه" مقابله إما لاشتراك أو ظهور تشبيه "والخاص" قصر العام على بعض مسمياته "والعام" ما دل على مسميات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلق أجزائه "والمطلق" ما دل على شائع في جنسه والمقيد وهو ما دل على شيء معين "والناسخ" فهو الرافع لحكم شرعي "والمنسوخ" وهو ما ارتفع شرعا بعد ثبوته شرعا "والمستثنى" وهو المخرج بإلا وما في معناها من لفظ شامل له "والمستثنى منه" وهو العام المخصوص بإخراج بعض ما دل عليه بإلا أو ما في معناها "ويعرف من السنة صحيحها" وهو ما نقله العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة "من سقيمها" وهو ما لم توجد فيه شروط الصحة كالمنقطع والمنكر والشاذ وغيرها "وتواترها" هو الخبر الذي نقله جمع لا يتصور تواطؤهم على الكذب مستويا في ذلك طرفاه ووسطه الحق أنه لا ينحصر في عدد بل يستدل بحصول العلم على حصول العدد والعلم الحاصل عنه ضروري في الأصح "من آحادها" وهو ما عدا التواتر وليس المراد به أن يكون راويه واحدا بل كل ما لم يبلغ التواتر فهو آحاد "ومرسلها" وهو قول غير الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما مرسل الصحابي فهو حجة عند الجمهور.(10/17)
ومتصلها ومسندها aومنقطعها مما له تعلق بالأحكام خاصة ويعرف ما أجمع عليه مما اختلف فيه والقياس وحدوده وشروطه وكيفية استنباطه والعربية المتداولة بالحجاز والشام والعراق وما يواليهم وكل ذلك مذكور في أصول الفقه وفروعه فمن وقف عليه ورزق فهمه صلح للقضاء والفتيا وبالله التوفيق.
__________
"ومتصلها" وهو ما اتصل إسناده وكان كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه سواء كان مرفوعا أو موقوفا "ومسندها" وهو ما اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر استعماله فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم "ومنقطعها" هو ما لم يتصل سنده على أي وجه كان الانقطاع "مما له تعلق بالأحكام خاصة" وظاهره أنه لا يجب عليه حفظ القرآن وإنما المتعين عليه حفظ خمسمئة آية كما نقله المعظم لأن المجتهد هو من يعرف الصواب بدليله كالمجتهد في القبلة ولكل واحد مما ذكرنا دلالة لا يمكن معرفتها إلا بمعرفته فوجب معرفة ذلك ليعرف دلالته ووقف الاجتهاد على معرفة ذلك "ويعرف ما أجمع عليه" وهو اتفاق المجتهدين من هذه الأمة في كل عصر على أمر "مما اختلف فيه والقياس" وهو رد فرع إلى أصل بعلة وحدوده على ما ذكر في أصول الفقه "وشروطه" بعضها يرجع إلى الأصل وبعضها إلى الفرع وبعضها إلى العلة "وكيفية استنباطه" على الكيفية المذكورة في محالها. "والعربية" هي الإعراب أو الألفاظ العربية والأشهر أنها اللغة العربية من حيث اختصاصها بأحوال هي الإعراب لا توجد في غيرها من اللغات "المتداولة بالحجاز والشام والعراق" واليمن وقاله في المستوعب و المحرر "وما يواليهم" ليعرف به استنباط الأحكام من أصناف علوم الكتاب والسنة وقد نص أحمد على اشتراط ذلك للفتيا فالحكم مثله بل أشد "وكل ذلك مذكور في أصول الفقه وفروعه فمن وقف عليه" أو على أكثره جزم به في المحرر و الوجيز "ورزق فهمه صلح للفتيا والقضاء وبالله التوفيق" لأن العالم بذلك يتمكن من التصرف في العلوم الشرعية ووضعها في مواضعها قال أبو محمد الجوزي: من حصل أصول الفقه وفروعه فمجتهد ولا يقلد أحدا وعنه: يجوز وقيل: مع ضيق الوقت وفي الرعاية كخوفه على خصوم مسافرين(10/18)
...................................................................................
__________
فوت رفقتهم في الأصح ويتحرى الاجتهاد في الأصح.
مسائل: الأولى: تقدم أن العدالة شرط فلا تصح تولية فاسق بفعل محرم إجماعا فإن فسق بشبهة فوجهان وما منع تولية القضاء منع دوامها وقيل: الفسق الطارئ يمنع تولية القضاء ودوامها وفي الإمامة العظمى روايات ثالثها يمنع انعقادها لا دوامها قال في المحرر: وما فقد منها في الدوام أزال الولاية إلا فقد السمع والبصر فيما ثبت عنده ولم يحكم به فإن ولاية حكمه باقية فيه قال في الرعاية: فإن نسي الفقه أو خرس قال أبن حمدان: ولم تفهم إشارته أو فسق أو زال عقله بجنون أو سكر محرم أو إغماء أو عمي انعزل ويلزم المدعي أن يصبر حتى يفرغ له الحاكم من شغله وله ملازمة غريمه حتى يفرغ إن كانت بينته حاضرة أو قريبة وإن كانت غائبة بعيدة فوجهان.
الثانية: تصح فتيا مستور الحال في الأصح وإن كان عبدا أو امرأة أو قرابة أو أخرس تفهم إشارته أو كتابته أو مع جلب نفع أو دفع ضرر وقيل: وعداوة وللحاكم أن يفتي وقيل: لا فيما يتعلق بالقضاء دون الطهارة والصلاة ونحوهما.
الثالثة: يحرم التساهل في الفتيا واستفتاء من عرف بذلك فإن عرف ما سئل عنه وجوابه: أجاب سريعا ويحرم أن يتتبع الحيل المحرمة والمكروهة والترخص لمن أراد نفعه والتغليظ لمن أراد ضره وإن حسن قصده في حيلة لا شبه فيها ولا مفسدة ليخلص بها حالفا من يمينه كقصة أيوب عليه السلام جاز ويحرم التحيل لتحليل حرام أو تحريم حلال بلا ضرورة. الرابعة: يمنع من الفتيا في حال ليس للحاكم أن يحكم فيها فإن أفتى وأصاب كره وصح وقيل: لا يصح وله أخذ رزق من بيت المال وأن تعين أنه يفتي وله كفاية فوجهان.
وإن كان اشتغاله بها وبما يتعلق بها يقطعه عن نفقته ونفقة عياله فله أخذه فإن أخذه لم يأخذ على فتياه أجرة ومع عدمه له أخذ أجرة خطه لا فتياه وإن(10/19)
فصل
وإن تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء فحكماه بينهما فحكم نفذ حكمه في المال وينفذ في القصاص والحد والنكاح واللعان في ظاهر كلامه ذكره أبو الخطاب وقال القاضي لا ينفذ إلا في الأموال خاصة.
__________
جعل له أهل البلد من أموالهم رزقا ليتفرغ لفتاويهم جاز وله قبول هدية وقيل: يحرم إن كانت ليفتيه بما يريده دون غيره أو لنفعه بجاهه أو ماله ويقدم الأعلم على الأورع في الأصح ويجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل وإمكان تولية سواه في الأقيس ولا يكفيه قول من لم تسكن نفسه إليه منهما.
الخامسة: يلزم كل مقلد أن يلتزم بمذهب معين في الأشهر فلا يقلد غير أهله وقيل: بلى وقيل: ضرورة فإن التزم فيما أفتى به أو عمل به أو ظنه حقا أو لم يجد مفتيا لزمه قبوله وإلا فلا ولا تجوز الفتوى في علم الكلام بل ينهى السائل عنه والعامة أولى ويؤمر الكل بالإيمان المجمل وما يليق بالله تعالى ولا يجوز التقليد فيما يطلب فيه الجزم ولا إتيانه بدليل ظني والاجتهاد فيه ويجوز فيما يطلب فيه الظن وإثباته بدليل ظني والاجتهاد فيه ولا اجتهاد في القطعيات ولا الإجماع الظني وإن نهاه في مسألة: عن الحكم فيها فقال أبن حمدان: يحتمل وجهين.
فصل
"وإن تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء فحكماه بينهما نفذ حكمه" لما روى أبو شريح أنه قال: يا رسول الله! إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي علي الفريقان فقال: "ما أحسن هذا" رواه النسائي وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حكم بين اثنين تحاكما إليه وارتضيا به فلم يقل بينهما الحق فعليه لعنة الله" رواه أبو بكر ولولا أن حكمه يلزمهما لما لحقه هذا الذم لأن عمر وأبيا تحاكما إلى زيد بن ثابت وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير لا يقال إن عمر وعثمان كانا إمامين فيصير حاكما من رد الحكم إليه لأنه لم ينقل(10/20)
.....................................................................................
ـــــــ
عنهما أكثر من الرضى بحكمه خاصة وذلك لا يصير الحكم إليه قاضيا وهو حينئذ كحاكم الإمام ولا يجوز نقض حكمه إلا فيما ينقض من حكم غيره.
"في المال والقصاص والحد" كذا أطلقه الأصحاب وقيده في الوجيز بحد القذف خاصة "والنكاح واللعان في ظاهر كلامه ذكره أبو الخطاب" وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لما ذكرنا من عموم الأحاديث وظاهر كلامه ينفذ في غير فرج كتصرفه ضرورة في تركه ميت في غير فرج ذكره ابن عقيل: واختار الشيخ تقي الدين نفوذ حكمه بعد حكم حاكم الإمام وأنه إن حكم أحدهما خصمه أو حكما مفتيا في مسألة: اجتهادية جاز وأنه يكفي وصف القصة له وينبغي أن يشهدا عليه بالرضى به قبل حكمه لئلا يجحد المحكوم عليه منهما وإن رجع أحدهما قبل أن يشرع منه جاز وإن رجع بعده قبل تمامه فوجهان قال أبن حمدان: ليس له الرجوع بعد الرضى بحكمه.
فائدة: له أن يشهد على نفسه بحكمه ويلزم الحكام قبوله وكتابه ككتاب حاكم الإمام.
"وقال القاضي لا ينفذ إلا في المال خاصة" هذه رواية حكاها في الفروع وغيره لأنه أسهل من غيره ويجب الاقتصار عليه.(10/21)
باب أدب القاضي
ينبغي أن يكون قويا من غير عنف لينا من غير ضعف حليما،
__________
باب أدب القاضي
الأدب بفتح الهمزة والدال وضمها لغة إذا صار أدبيا في خلق أو علم فأدب القاضي أخلاقه التي ينبغي له أن يتخلق بها والخلق صورته الباطنة.
"ينبغي" أي "يسن أن يكون قويا من غير عنف" لئلا يطمع فيه الظالم والعنف ضد الرفق "لينا من غير ضعف" لئلا يهابه صاحب الحق وظاهر الفصول يجب ذلك "حليما" لئلا يغضب من كلام الخصم فيمنعه ذلك من(10/21)
ذا أناة وفطنة بصيرا بأحكام الحكام قبله وإذا ولي في غير بلده سأل عمن فيه من الفقهاء والفضلاء والعدول وينفذ عند مسيره من يعلمهم يوم دخوله ليتلقوه ويدخل البلد يوم الاثنين أو الخميس أو السبت لابسا أجمل ثيابه،
__________
الحكم بينهم "ذا أناة" الأناة اسم مصدر لئلا يؤدي إلى عجلته "وفطنة" لئلا يخدع كغيره "بصيرا بأحكام الحكام قبله" لقول علي لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيا حتى يكون فيه خمس خصال عفيف حليم عالم بما كان قبله يستشير ذوي الألباب لا يخاف في الله لومة لائم ورعا ليؤمن منه مع ذلك أخذ ما لا يحل عفيفا هو الذي يكف عن الحرام ولأنه لا يطمع في ميله معه بغير حق.
فرع: إذا أفتأت عليه الخصم ففي المغني له تأديبه والعفو وفي الفصول يزبره فإن عاد عزره وفي الرعاية ينتهره ويصيح عليه قبل ذلك وظاهره يختص بمجلس الحكم وفيه نظر كالإقرار فيه وفي غيره ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لكثرة المتظلمين على الحكام وأعوانهم فجاز فيه وفي غيره ولهذا شق رفعه إلى غيره فأدبه بنفسه مع أنه حق له.
"وإذا ولي في غير بلده سأل عمن فيه من الفقهاء والفضلاء والعدول" ليعرف حالهم حتى يشاور من هو أهل للمشاورة ويقبل شهادة من هو من أهل العدالة " وينفذ عند مسيره من يعلمهم يوم دخوله ليتلقوه" لأن في تلقيه تعظيما له وذلك طريق لقبول قوله ونفوذ أمره وقال جماعة يأمرهم بتلقيه "ويدخل البلد يوم الاثنين أو الخميس أو السبت" كذا في المحرر و الوجيز و الفروع لقوله عليه السلام: "بورك لأمتي في سبتها وخميسها: وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا قدم من سفر قدم يوم الخميس" ولأن الاثنين يوم مبارك وفي الكافي يستحب أن يدخل يوم الخميس وذكر آخرون يستحب يوم الاثنين فإن لم يقدر فيوم الخميس وفي المستوعب وغيره أو السبت.
"لابسا أجمل ثيابه" أي: أحسنها لأن الله جميل يحب الجمال ويستحب أن تكون سودا وإلا فالعمامة فقد قال في التبصرة :وكذا أصحابه وظاهر كلامهم غير السواد أولى للأخبار وأنه يدخل ضحوه لاستقبال الشهر ولا يتطير(10/22)
فيأتي الجامع فيصلي ركعتين ويجلس مستقبل القبلة فإذا اجتمع الناس أمر بعهده فقرئ عليهم وأمر من ينادي من له حاجة فليحضر يوم كذا ثم يمضي إلى منزله وينفذ فيتسلم ديوان الحكم من الذي كان قبله ثم يخرج في اليوم الذي وعد بالجلوس فيه على أعدل أحواله غير غضبان ولا جائع ولا شبعان ولا حاقن ولا مهموم بأمر يشغله عن الفهم فيسلم على من يمر به ثم يسلم على من في مجلسه،
__________
بشيء وإن تفاءل فحسن "فيأتي الجامع" لأنه الموضع الذي يجتمع فيه أهل البلد للطاعة وهو أوسع الأمكنة "فيصلي فيه ركعتين" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين "ويجلس مستقبل القبلة" لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة "فإذا اجتمع الناس أمر بعهده فقرئ عليهم" أي: على الحاضرين ليعلموا توليته ويعلموا احتياط الإمام على اتباع أحكام الشرع والنهي عن مخالفته وقدر المولى عنده ويعلموا حدود ولايته وما فوض إليه الحكم فيها "وأمر من ينادي: من له حاجة فليحضر يوم كذا" ليعلم من له حاجة فيقصد الحضور لفصل حاجته وفي التبصرة وليقل من كلامه إلا لحاجة للخبر "ثم يمضي إلى منزله" ليستريح من نصب سفره ويعد أمره ويرتب نوابه ليكون خروجه على أعدل أحواله "وينفذ فيتسلم ديوان الحكم" بكسر الدال وحكي فتحها وهو فارسي معرب "من الذي كان قبله" وهو الدفتر المنصوب ليثبت حجج الناس ووثائقهم وسجلاتهم وودائعهم ولأنه الأساس الذي يبنى عليه وهو في يد الحاكم بحكم الولاية وقد صارت إليه فوجب أن ينتقل ذلك إليه قال في التبصرة: وليأمر كاتبا ثقة يثبت ما تسلمه بمحضر عدلين "ثم يخرج في اليوم الذي وعد بالجلوس فيه على أعدل أحواله غير غضبان ولا جائع ولا شبعان ولا حاقن ولا مهموم بأمر يشغله عن الفهم" ليكون أجمع لقلبه وأبلغ في تيقظه للصواب ولأنه عليه السلام قال: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" متفق عليه من حديث أبي بكرة صرح بالغضب والباقي بالقياس عليه.
"فيسلم على من يمر به" من المسلمين ولو كان صبيا لأن السنة سلام الإشارة على الممرور به "ثم يسلم على من في مجلسه" لأن السنة سلام الداخل على(10/23)
ويصلي تحية المسجد إن كان في مسجد ويجلس على بساط ويستعين بالله ويتوكل عليه ويدعوه سرا أن يعصمه من الزلل ويوفقه للصواب ولما يرضيه من القول والعمل ويجعل مجلسه في مكان فسيح كالجامع والفضاء والدار الواسعة في وسط البلد إن أمكن ولا يتخذ حاجبا ولا بوابا
__________
أهل المجلس "ويصلي تحية المسجد إن كان في مسجد" لقوله عليه السلام: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين" والأخير قاله معظم الأصحاب والأفضل الصلاة "ويجلس على بساط" ونحوه في الأشهر لأنه أبلغ في هيبته وأوقع في النفوس وأعظم لحرمة الشرع وظاهره أنه لا يجلس على التراب ولا على حصير المسجد لكن قال في الشرح وما ذكر من جلوسه على البساط دون تراب وحصير لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه والإقتداء بهم أولى فيكون وجوده وعدمه سواء وفي المستوعب أنفذ بساطا أو لبادا أو حصيرا أو غير ذلك ليفرش له في مجلس حكمه وفي الرعاية بسكينة ووقار وفي الكافي ويبسط تحته شيئا يجلس عليه ليكون أوقر له: "ويستعين بالله ويتوكل عليه ويدعوه سرا أن يعصمه من الزلل ويوفقه للصواب ولما يرضيه من القول والعمل" لأن ذلك مطلوب مطلقا ففي وقت الحاجة أولى والقاضي أشد الناس إليه حاجة "ويجعل مجلسه في مكان فسيح كالجامع" ويصونه عما يكره "والفضاء والدار الواسعة في وسط البلد إن أمكن" ليكون ذلك أوسع على الخصوم وأقرب إلى العدل وعلم منه أنه لا يكره القضاء في الجامع والمساجد لحديث كعب بن مالك متفق عليه وروي عن عمر وعثمان وعلي أنهم كانوا يقضون في المسجد وقال مالك هو السنة والقضاء فيه من أمر الناس القديم فإن اتفق لأحد من الخصوم مانع من دخوله كحيض وكفر أو وكل وكيلا أو ينتظر حتى يخرج فيحاكم إليه.
"ولا يتخذ حاجبا ولا بوابا" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من إمام أو وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته" إسناده ثقات رواه أحمد والترمذي وقال: غريب ولأن الحاجب ربما قدم المتأخر وأخر المتقدم لغرض له.(10/24)
إلا في غير مجلس الحكم إن شاء ويعرض القصص فيبدأ بالأول: فالأول: ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة واحدة فإن حضروا دفعة واحدة وتشاحوا قدم أحدهم بالقرعة ويعدل بين الخصمين في لحظة ولفظه ومجلسه والدخول عليه،
__________
"إلا في غير مجلس الحكم إن شاء" وفي الفروع وغيره إلا من عذر لأنه قد تدعو حاجته إلى ذلك ولا مضرة على الخصوم فيه لأنه ليس بوقت للحكومة وفي المحرر و الوجيز المنع مطلقا وفي المذهب يتركه ندبا وفي الأحكام السلطانية: ليس له تأخير الخصوم إذا تنازعوا إليه بلا عذر ولا له أن يحتجب إلا في أوقات الاستراحة وفي المستوعب ينبغي أن يكون على رأسه من يرتب الناس "ويعرض القصص" ليقضي حوائج أصحابها "فيبدأ بالأول فالأول" كما لو سبق إلى موضع مباح " ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة واحدة" لئلا يستوعب المجلس بدعاويه فيضر بغيره ولأنه مسبوق بالنسبة إلى الثانية: لأن الذي يليه سبقه بالنسبة إلى الدعوى الثانية: وقيل: يقدم من له بينة لئلا تضجر البينة وفي الرعاية يكره تقديم متأخر
"فإذا حضروا دفعة واحدة وتشاحوا قدم أحدهم بالقرعة" لأنها مشروعة للترجيح في غير هذا الموضع فكذا هنا وفي المحرر والوجيز يقدم المسافر المرتحل زاد في الرعاية والمرأة في حكومات يسيرة فعلى هذا إن كان المسافرون مثل المقيمين أو أقل وفي تقديمهم ضرر اعتبر رضى المقيمين وقيل: إن كانوا مثلهم أو أكثر سوى بينهم فإن ادعى كل منهم أنه حضر قبل الآخر ليدعي عليه فهل يقدم الحاكم من شاء منهما أو يصرفهما حتى يتفقا أو يقرع بينهما أو يحلف كل منهما للآخر فيه أوجه والاعتبار بسبق المدعي لكن لو قدم المتأخر أو عكس صح قضاؤه مع الكراهة "ويعدل بين الخصمين" لزوما في الأصح "في لحظه ولفظه ومجلسه والدخول عليه" لما روى عمرو بن أبي شيبة في كتاب قضاء البصرة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لفظه وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر" وكتب عمر إلى أبي موسى وآس بين الناس في وجهك،(10/25)
إلا أن يكون أحدهما كافرا فيقدم بالمسلم عليه في الدخول ويرفعه في الجلوس وقيل: يسوي بينهما ولا يسار أحدهما ولا يلقنه حجة ولا يعلمه كيف يدعي في أحد الوجهين وفي الآخر يجوز له تحرير الدعوى له إذا لم يحسن تحريرها.
__________
ومجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع الشريف في حيفك رواه الدارقطني من رواية عبد الله بن أبي حميد الهذلي وهو واه ولأنه ربما لم يفهم حجته فيؤدي إلى ظلمه وانكسار قلبه وقدم في الرعاية أن ذلك يسن "إلا أن يكون أحدهما كافرا فيقدم بالمسلم عليه في الدخول ويرفعه في الجلوس" هذا هو الأشهر لما روى حكيم بن حزام عن الأعمش عن إبراهيم التيمي قال وجد علي درعه مع زفر فقال درعي سقطت وقت كذا فقال اليهودي" درعي في يدي وبيني وبينك قاضي المسلمين فارتفعا إلى شريح فلما رآه شريح قام من مجلسه وأجلسه في موضعه وجلس مع اليهودي بين يديه فقال علي لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك ولكن سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تساووهم في المجلس" وإسناده فيه ضعف وإظهارا لشرف الإسلام "وقيل: يسوي بينهما" لأن العدل يقتضي ذلك كالمسلمين قال ابن المنجا: والأول أولى لحديث علي وهو واجب التقديم لأنه خاص والخاص يجب تقديمه وفي المحرر يفضل عليه دخولا وأما جلوسا فعلى وجهين.
"ولا يسار أحدهما" لما فيه من كسر قلب صاحبه وربما أدى إلى ضعفه عن إقامة حجته "ولا يلقنه حجته" لأن عليه أن يعدل بينهما ولما فيه من الضرر على صاحبه ولا يضيفه لما روى عن علي أنه نزل به رجل فقال ألك خصم قال نعم قال تحول عنا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تضيفوا أحد الخصمين إلا ومعه خصمه" وفي الكافي لا ينبغي ذلك.
"ولا يعلمه كيف يدعي في أحد الوجهين" وهو المذهب لما فيه من الإعانة على خصمه وكسر قلبه "وفي الآخر يجوز له تحرير الدعوى له إذا لم يحسن تحريرها" لأنه لا ضرر على خصمه في ذلك ولأن في ترك تعليمه تسببا إلى تأخير حقه وعدم الفصل بينه وبين غريمه وفي مختصر ابن رزين: يسوي بين(10/26)
وله أن يشفع إلى خصمه لينظره أو ليضع عنه ويزن عنه وينبغي أن يحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب إن أمكن ويشاورهم فيما يشكل عليه،
__________
خصمين في مجلسه ولحظه ولفظه ولو ذميا في وجه.
فرع: ما لزم ذكره في الدعوى من شرط أو سبب أو غيرهما إذا لم يذكره أن الحاكم يسأل عنه ليذكره ويحرره ذكره في المحرر و الوجيز وغيرهما.
"وله أن يشفع إلى خصمه لينظره أو يضع عنه أو يزن عنه" كذا في الكافي و الشرح و الوجيز لما روى سعيد ثنا ابن المبارك أنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن معاذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا الأخذ لتركوا لمعاذ لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل جيد ونقل حنبل أن كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدرد دينا عليه وأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بيده أن ضع الشطر من دينك قال: قد فعلت قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قم فأعطه" قال أحمد: هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبن حمدان: يحتمل منع وزنه عنه وفي سؤال الوضع عنه رواية ذكرها في المحرر و الرعاية.
فرع: إذا سلم أحدهما رد عليه وفي الترغيب يصبر ليرد عليهما معا إلا أن يتمادى عرفا وقيل: يكره قيامه لهما نقل عبد الله سنة القاضي أن يجلس الخصمان بين يديه لأمره عليه السلام بذلك.
"وينبغي" أي: "يسن أن يحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب إن أمكن" حتى إذا حدثت حادثة سألهم عنها ليذكروا أدلتهم فيها وجوابه: م عنها فإنه أسرع إلى اجتهاده وأقرب إلى صوابه فإن حكم باجتهاده فليس لأحد الاعتراض عليه لأن فيه افتئاتا عليه إلا أن يحكم بما يخالف نصا أو إجماعا "ويشاورهم فيما يشكل عليه" لقوله تعالى : {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] وقد شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أسارى بدر وشاور أبو بكر في ميراث الجدة وعمر في دية الجنين وشاور في حد الخمر ولا مخالف في استحباب ذلك والمشاورة هنا لاستخراج الأدلة ويعرف الحق بالاجتهاد وقال أحمد: ما أحسنه لو فعله الحكام(10/27)
فإن اتضح له حكم وإلا أخره ولا يقلد غيره وإن كان أعلم منه ولا يقضي وهو غضبان
__________
يشاورون وينتظرون.
"فإن اتضح له حكم" ولا يحل له تأخيره لما فيه من تأخير الحق عن موضعه "وإلا أخره" حتى يتضح الحق فيحكم به لما فيه من القضاء بالجهل.
"ولا يقلد غيره وإن كان أعلم منه" لأن المجتهد لا يجوز له التقليد ولو ضاق الوقت كالمجتهدين في القبلة نقل ابن الحكم عليه أن يجتهد قال عمر والله ما يدري عمر أصاب الحق أم أخطأ ولو كان حكم بحكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا ونقل أبو الحارث لا تقلد التابعين أحدا وعليك بالأثر وقال الفضل ابن زياد: لا تقلد دينك الرجال فإنهم لن يسلموا أن يغلطوا وقال أبن حمدان: وإن كان الخصم مسافرا يخاف فوت رفقته يحتمل وجهين وإن فوضه إلى من اتضح له وهو أهل للقضاء صح.
قال أبو الخطاب: وحكى أبو إسحاق الشيرازي أن مذهبنا جواز تقليد العالم للعالم وهذا لا يعرف عنهم واختار أبو الخطاب إن كانت العبادة مما لا يجوز تأخيرها كالصلاة فعلها بحسب حاله ويعيد إذا قدر كمن عدم الطهورين فلا ضرورة إلى التقليد ولأن العامي لا يسقط عنه فرضه وهو التقليد بخوف فوت وقته وقال أحمد في رواية المروذي إذا سئلت عن مسألة: لا أعرف فيها خبرا قلت: فيها بقول الشافعي لأنه إمام عالم من قريش وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عالم قريش يملأ الأرض علما".
فرع: إذا حكم ولم يجتهد ثم بان أنه حكم بالحق لم يصح ذكره ابن عقيل.
"ولا يقضي وهو غضبان" غضبا كثيرا لخبر أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان" متفق عليه لأنه ربما حمله الغضب على الجور في الحكم وفيه من الوعيد ما رواه ابن أبي أوفى مرفوعا: "إن الله تعالى مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان" رواه الترمذي.(10/28)
ولا حاقن ولا في شدة الجوع والعطش والهم والوجع والنعاس والبرد المؤلم والحر المزعج فإن خالف وحكم فوافق الحق نفذ حكمه وقال القاضي لا ينفذ وقيل: إن عرض ذلك بعد فهم الحكم جاز وإلا فلا ولا يحل له أن يرتشي ولا يقبل الهدية
__________
"ولا حاقن ولا في شدة العطش والجوع والهم والوجع والنعاس والبرد المؤلم والحر المزعج" قياسا على المنصوص عليه ومثله شهوة نكاح وكسل وحزن وخوف وفرح غالب لأنها تمنع حضور القلب واستيفاء الفكر الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب فهو في معنى الغضب.
"فإن خالف وحكم فوافق الحق نفذ حكمه" في الأصح لأنه عليه السلام حكم للزبير في شراج الحرة وهو غضبان متفق عليه "وقال القاضي: لا ينفذ" لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه "وقيل: إن عرض ذلك بعد فهم الحكم جاز وإلا فلا" لأن ذلك إنما يمنع من الحكم معه لما فيه من إشغال الفهم وذلك مفقود فيما إذا عرض بعد فهم الحكم موجود فيما إذا عرض قبله ولغضبه عليه السلام في قضية الزبير قال الشيخ مجد الدين في أحكامه: باب النهي عن الحكم في حال الغضب إلا أن يكون يسيرا لا يشغل ثم ذكر قصة أبي بكرة والزبير لكن ذكر ابن نصر الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يقضي حالة غضبه "ولا يحل له أن يرتشي" الرشوة بتثليث الراء وقد اتفق العلماء على تحريمها لما روى عبد الله ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم: "قال لعنة الله على الراشي والمرتشي" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وإسناده ثقات ورواه أحمد والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة وزادا "في الحكم" وفيه عمرو بن أبي سلمة ورواه أحمد من حديث ثوبان وزاد "والرايش" يعني الذي يمشي بينهما بها فإن رشاه على واجب أو ليدفع ظلمه فقال عطاء وجابر بن زيد والحسن لا بأس أن يصانع عن نفسه ولأنه يستفيد ماله كما يستفيد الرجل أسيره "ولا يقبل الهدية" لما روى أبو حميد الساعدي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هدايا العمال غلول" رواه أحمد من رواية إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد وعنه: قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة فقال: هذا لكم وهذا أهدي إلي(10/29)
إلا ممن كان يهدي إليه قبل ولايته بشرط أن لا تكون له حكومة ويكره أن يتولى البيع والشراء بنفسه،
__________
فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول هذا لكم وهذا لي ألا جلس في بيت أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا والذي نفس محمد بيده لا نبعث أحدا منكم فيأخذ شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر" ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه فقال: "اللهم هل بلغت ثلاثا" متفق عليه.
وقال عمر بن عبد العزيز: كانت الهدية فيما مضى هدية فأما اليوم فهي رشوة وقال كعب الأحبار فرأيت في بعض ما أنزل الله على أنبيائه الهدية تفقأ عين الحكم.
"إلا ممن كان يهدي إليه قبل ولايته بشرط أن لا تكون له حكومة" لأن التهمة منتفية لأن المنع إنما كان من أجل الاستمالة أو من أجل الحكومة وكلاهما منتف ويستحب له التنزه عنها وفي الشرح و الرعاية أنه إن أحس أنه يقدمها بين يدي حكومة أو أنه فعلها حال الحكومة أنه يحرم أخذها قال في الكافي والأولى الورع عنها في غير حال الحكومة لأنه لا يأمن أن يكون لحكومة منتظرة.
تنبيه: إذا ارتشى الحاكم أو قبل هدية فقيل: تؤخذ لبيت المال لخبر ابن اللتبية وقيل: ترد إلى مالكها قدمه في الشرح كمقبوض بعقد فاسد وقيل: يملك بتعجيله المكافأة.
فعلى الأول: هدية العامل للصدقات ذكره القاضي فدل أن في انتقال الملك في الرشوة والهدية وجهين قال أحمد: فيمن ولي شيئا من أمر السلطان لا أحب له أن يقبل شيئا يروى هدايا العمال غلول والحاكم خاصة لا أحبه له إلا ممن كان له به خلطة وصلة ومكافأة قبل أن يلي.
"ويكره أن يتولى البيع والشراء بنفسه" خصوصا بمجلس حكمه لأنه يعرف فيحابى فيكون كالهدية ولأن ذلك يشغله عن أمور المسلمين فإن تعذر ذلك أو شق جاز لقضية أبي بكر رضي الله عنه.(10/30)
ويستحب أن يوكل في ذلك من لا يعرف أنه وكيله ويستحب له عيادة المرضى وشهود الجنائز ما لم يشغله عن الحكم وله حضور الولائم فإن كثرت تركها كلها ولم يجب بعضهم دون بعض ويوصي الوكلاء والأعوان على بابه بالرفق بالخصوم وقلة الطمع ويجتهد أن يكونوا شيوخا أو
__________
"ويستحب أن يوكل في ذلك من لا يعرف أنه وكيله" لأنه أنفى للتهمة وجعلها الشريف وأبو الخطاب كهدية الوالي سأله حرب هل للقاضي والوالي أن يتجرا قال: لا إلا أنه شدد في الوالي "ويستحب له عيادة المرضى وشهود الجنائز ما لم يشغله عن الحكم" لأن ذلك قربة وطاعة وقد وعد الشارع على ذلك أجرا عظيما فيدخل القاضي في ذلك "وله حضور البعض لأن هذا يفعله لنفع نفسه بخلاف الولائم" وفي الترغيب ويودع الغازي والحاج وظاهره أنه إذا أشغله حضور ذلك عن الحكم فلا لأن اشتغاله بالفصل بين الخصوم ومباشرة الحكم أولى.
"وله حضور الولائم" كغيره لأنه عليه السلام أمر بحضورها "وإن كثرت تركها كلها" لئلا يشتغل عن الحكم الذي هو فرض عين لكنه يسألهم التحليل ويعتذر "ولم يجب بعضهم دون بعض" أي بلا عذر ذكره القاضي وغيره لأن في ذلك كسرا لقلب من لم يجبه إلا أن يختص بعذر يمنعه من منكر أو بعد أو اشتغال بها زمنا طويلا فله الإجابة لأن عذره طاعة
وذكر أبو الخطاب يكره مسارعته إلى غير وليمة عرس مع أنه يجوز له حضورها وفي الترغيب يكره وقدم لا يلزمه حضور وليمة عرس وذكر له القاضي أنه يستحب له حضور غير وليمة عرس وقيل: يجب عليه حضورها وقيل: إن وجبت على غيره وإلا فلا يلزمه.
فرع: لو تضيف رجلا فظاهر كلامهم يجوز وفي الفنون له أخذ الصدقة.
"ويوصي الوكلاء والأعوان على بابه بالرفق بالخصوم وقلة الطمع" تنبيها لهم على الفعل الجميل اللائق بمجالس الحكام والقضاة "ويجتهد أن يكونوا(10/31)
كهولا من أهل الدين والعفة والصيانة ويتخذ كاتبا مسلما مكلفا عدلا حافظا عالما يجلسه بحيث يشاهد ما يكتبه ويجعل القمطر مختوما بين يديه ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود ولا يحكم لنفسه
__________
شيوخا أو كهولا من أهل الدين والعفة والصيانة" لأن في ضد ذلك ضررا بالناس فيجب أن يوصيهم بما يزول به الضرر عنهم والكهول والشيوخ أولى من غيرهم لأن الحاكم يأتيه النساء وفي اجتماع الشباب بهن ضرر.
"ويتخذ كاتبا" أي يباح والأشهر أنه يسن لأنه عليه السلام استكتب زيدا وغيره ولأن الحاكم تكثر أشغاله فلا يتمكن من الجمع بينها وبين الكتابة فإن أمكنه ولاية ذلك بنفسه جاز والأولى الاستنابة وظاهر كلام السامري أنه لا يتخذ إلا مع الحاجة ويشترط فيه أن يكون "مسلما" لقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران:118] "مكلفا" لأن غير المكلف لا يوثق بقوله ولا يعول عليه فهو كالفاسق "عدلا" لأن الكتابة موضع أمانة "حافظا عالما" لأن في ذلك إعانة على أمره وأن يكون عارفا قاله في الكافي لأنه إذا لم يكن عارفا أفسد ما يكتبه بجهله قال في الفروع ويتوجه فيه ما في عامل الزكاة ويستحب أن يكون ورعا نزها جيد الخط "يجلسه بحيث يشاهد ما يكتبه" أي يستحب أن يجلسه بحيث يشاهد ما يكتبه لأنه أبعد للتهمة وأمكن لإملائه عليه وإن قعد ناحية جاز لأن ما يكتبه يعرض على الحاكم.
مسألة: يشترط في القاسم أن يكون حاسبا لأنه عمله وبه يقسم فهو كالخط للكاتب والعفة للحاكم.
"ويجعل القمطر" هو بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء أعجمي معرب وهو الذي تصان فيه الكتب "مختوما بين يديه" لأنه أحفظ له من أن يغير "ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود" ليستوفي بهم الحقوق ويثبت بهم الحجج والمحاضر ويحرم تعيينه قوما بالقبول لأن من ثبتت عدالته وجب قبول شهادته "ولا يحكم لنفسه" أي لا ينفذ حكمه لنفسه لأنه لا(10/32)
ولا لمن تقبل شهادته له ويحكم بينهم بعض خلفائه وقال أبو بكر: يجوز ذلك.
فصل
وأول ما ينظر فيه أمر المحبسين فيبعث ثقة إلى الحبس فيكتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبسه في رقعة منفردة،
__________
يجوز أن يشهد لها ويتحاكم هو وخصمه إلى قاض آخر أو بعض خلفائه لأن عمر حاكم أبيا إلى زيد وحاكم عثمان طلحة إلى جبير.
"ولا لمن لا تقبل شهادته له" ذكره بعضهم إجماعا كشهادته له "ويحكم بينهم بعض خلفائه" لزوال التهمة "وقال أبو بكر: يجوز ذلك" هذا رواية في المبهج وقاله أبو يوسف وأبو ثور واختاره ابن المنذر كالأجانب وسواء كان الخصم منهم أو أجنبيا ذكره في الرعاية فإن كان الحكم بين والديه أو ولديه لم يجز في الأشهر وقيل: بلى لأنهما سواء عنده فارتفعت تهمة الميل وله استخلاف والده وولده كحكمه لغيره بشهادتهما ذكره أبو الخطاب وابن الزاغوني وأبو الوفاء وزاد إذا لم يتعلق عليهما من ذلك تهمة ولم يوجب لهما بقبول شهادتهما ريبة لم تثبت بطريق التزكية وقيل: لا فإذا صار ولي اليتيم حاكما حكم له على قول أبي بكر.
فرع: لا يحكم وقيل: لا يفتي على عدوه وجوز الماوردي والشافعي حكمه على عدوه لأن أسباب الحكم ظاهرة بخلاف الشهادة واستشكله الرافعي بالتسوية بينهما في عمودي نسبه وأن المشهور لا يحكم على عدوه كالشهادة ولا تقل عن الحنفية ومنعه بعض متأخريهم كالشهاد.
فصل
"وأول من ينظر فيه أمر المحبسين" لأن الحبس عذاب وربما كان فيهم من لا يستحق البقاء فيه فاستحب البداءة بهم "فيبعث ثقة إلى الحبس فيكتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبسه في رقعة منفردة" لأن ذلك طريق إلى معرفة(10/33)
ثم ينادى في البلد أن القاضي ينظر في أمر المحبسين غدا فمن له منهم خصم فليحضر فإذا كان الغد وحضر القاضي أحضر رقعة فقال هذه رقعة فلان ابن فلان فمن خصمه فإن حضر خصمه نظر بينهما،
__________
الحال على ما هي عليه ولئلا يتكرر بكتابته في رقعة واحدة النظر في حال الأول: منها فالأول بل يخرج واحدة منها بالاتفاق كما في القرعة "ثم ينادى في البلد أن القاضي ينظر في أمر المحبوسين غدا فمن له فيهم خصم فليحضر" كذا ذكره في الكافي و المحرر و المستوعب و الرعاية لأن في ذلك إعلاما بيوم جلوس القاضي وفي الشرح أن القاضي يأمر مناديا ينادي في البلد بذلك ثلاثة أيام وأنه يجعل الرقاع بين يديه فيمد يده إليها فما رفع في يده منها نظر إلى اسم المحبوس وقيل: يخصه بقرعة "فإذا كان الغد وحضر القاضي أحضر رقعة فقال هذه رقعة فلان فمن خصمه؟" لأنه لا يمكنه الحكم إلا بذلك "فإن حضر خصمه نظر بينهما" لأنه لذلك ولي ولا يسأل خصمه لم حبسته لأن الظاهر أن الحاكم إنما حبسه لحق ترتب عليه ولكن يسأل المحبوس لم حبست فإن قال جئت بحق أمره بقضائه طلبه وخصمه فإن أبى وله موجود قضاه منه أو من ثمنه إن لم يكن كالمدعى به وفي الشرح قال له القاضي اقضه وإلا رددتك إلى الحبس فإن ادعى عجزا وكذبه خصمه أو عرف له مال ولا بينة تشهد بتلفه أو نفاذه أو عجزه أو عسرته أعيد حبسه إن طلبه غريمه فإن لم يقضه قضاه الحاكم من موجوده أو ثمنه فإن تعذر أعيد حبسه بطلب غريمه وقيل: إن حلف خصمه أنه قادر حبسه وإلا حلف المنكر على التلف والإعسار وخلي كمن لم يعرف له مال وإن صدقه غريمه في عجزه وإعساره أو ثبت بينة أطلق بلا يمين قدمه في المستوعب و الرعاية وقيل: يحلف مع البينة لأنها تشهد بالظاهر ويحتمل أن يكون له مال لا يعلمه وإن أقام خصمه بينة بأن له ملكا معينا فقال هو لزيد فكذبه زيد بيع في الدين لأن إقراره سقط بإكذابه وكذا إن صدقه زيد ولم يكن له بينة ذكره القاضي لأن البينة شهدت لصاحب اليد بالملك فتضمنت شهادتها وجوب القضاء منه فإذا لم تقبل شهادتها في حق نفسه قبلت فيما تضمنته لأنها حق غيره ولأنه متهم في إقراره(10/34)
وإن كان حبس في تهمة أو افتئات على القاضي قبله خلي سبيله وإن لم يحضر له خصم وقال حبست ظلما ولا حق علي ولا خصم لي نادى بذلك ثلاثا فإن حضر له خصم وإلا أحلفه
__________
لغيره وفيه وجه يثبت الإقرار ويسقط البينة لأنها تشهد بالملك لمن لا يدعيه وينكره فإن صدقه زيد وله بينة فهو له لأن بينته قويت بإقرار صاحب اليد وإن علم رب الدين عسرته حرم عليه حبسه ووجب إنظاره إلى يسرته "فإن كان حبس في تهمة أو افتئات على القاضي قبله خلي سبيله" ذكره في الشرح و المستوعب و الوجيز لأن بقاءه فيه ظلم ولأن المقصود التأديب وقد حصل وفي المحرر و الرعاية و الفروع أن الحاكم إن شاء خلاه وإن شاء أبقاه بقدر ما يرى فإطلاقه بإذنه ولو في قضاء دين ونفقة فيرجع ووضع ميزاب بناء وغيره وأمره بإراقة نبيذ ذكره في الأحكام السلطانية وقرعته وإطلاق محبوس ذكره في الرعاية حكم يرفع الخلاف إن كان ومثله تقدير مدة حبسه والمراد إذا لم يأمر ولم يأذن بحبسه.
تنبيه: إذا قال: حبست لتعديل البينة أعيد حبسه في الأصح إن طلبه خصمه وكان الأول: قد حكم به وإلا نادى أنه حكم بإطلاقه وكذا إن قلنا: لا يحبس في ذلك وصدقه خصمه فإن قال الخصم الحاكم قد عرف عدالة شهودي وحكم عليه بالحق قبل قوله وإن قال حبست لتكميل البينة فهو كما لو قال حبست لتعديلها وإن قال: حبست في ثمن كلب أو خمر أرقته لذمي وصدقه خصمه أطلقه وفيه وجه أن الثاني: ينفذ حكم الأول: لأنه ليس له نقض حكم غيره باجتهاده وفيه وجه يتوقف ويجتهد في المصالحة بينهما بشيء وإن قال خصمه: حبست بحق غير هذا صدق للظاهر وإن قال: خصمي غائب ووكيله وأنا مظلوم كتب إليه ليحضر هو أو وكيله وإن تأخر بلا عذر ولم يجد من يحاكمه أطلق ويحتمل أن يطلق مطلقا كما لو جهل مكانه والأولى أن يضمن عليه ويطلق فإن تعذر الكفيل أطلقه إذا أيس من خصم له وكفيل "وإن لم يحضر له خصم وقال حبست ظلما ولا حق علي ولا خصم لي نادى بذلك ثلاثا فإن حضر له خصم" نظر بينهما "وإلا أحلفه(10/35)
وأخلى سبيله ثم ينظر في أمر الأيتام والمجانين والوقوف ثم في حال القاضي قبله
__________
وأخلى سبيله" ذكره معظم الأصحاب لأن الظاهر أنه لو كان له خصم لظهر وفي الرعاية وقيل: ثلاثة أيام.
تنبيه: فعله حكم كتزويج يتيمة وشراء عين غائبة وعقد نكاح بلا ولي ذكره المؤلف في الأخيرة وذكر الشيخ تقي الدين أنه أصح الوجهين وذكر الأزجي فيمن أقر لزيد فلم يصدقه و قلنا: يأخذه الحاكم ثم ادعاه المقر لم يصح لأن قبض الحاكم بمنزلة الحكم بزوال ملكه وفي التعليق و المحرر فعله حكم إن حكم به هو أو غيره وفاقا لفتياه فإذا قال: حكمت بصحته نفذ حكمه باتفاق الأئمة.
وسبق كلام الشيخ تقي الدين الحاكم ليس هو الفاسخ وإنما يأذن أو يحكم به فمتى أذن أو حكم لأحد باستحقاق عقد أو فسخ لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته لكن لو عقد هو أو فسخ فهو فعله وهل فعله حكم فيه الخلاف المشهور.
مسائل: حكمه بشيء حكم بلازمه ذكره الأصحاب في أحكام مفقود وثبوت شيء عنده ليس حكما به على ما ذكروه في صفة السجل وتنفيذ الحكم يتضمن الحكم بصحة الحكم المنفذ قاله شيخنا ابن نصر الله.
وفي كلام الأصحاب ما يدل على أنه حكم وفي كلام بعضهم أنه عمل بالحكم وإجازة له وإمضاء كتنفيذ الوصية.
"ثم ينظر في أمر الأيتام والمجانين والوقوف" لأن ذلك لا يمكنه المطالبة لأن الصغير والمجنون لا قول لهما وأرباب الوقوف كالفقراء والمساكين لا يتعينون وينظر أيضا في الوصايا التي ليس لها ناظر معين فلو نفذ لم يعزله لأن الظاهر معرفة أهليته لكن يراعيه فدل أن إثبات صفة كعدالة وجرح وأهلية وصية وغيرها حكم "ثم في حال القاصي قبله" والأصح أنه لا يحب لأن الظاهر صحة قضايا من قبله وفي المستوعب قدمه في الرعاية،(10/36)
فإن كان ممن يصلح للقضاء لم ينقض من أحكامه إلا ما خالف نص كتاب أو سنة أو إجماعا وإن كان ممن لا يصلح نقض أحكامه وإن وافقت الصحيح ويحتمل أن لا ينقض الصواب منها.
__________
ورجحه ابن المنجا أنه يجب قيل: لا يجوز والأصح أن له النظر في حال من قبله "فإن كان ممن يصلح للقضاء لم ينقض من أحكامه إلا ما خالف نص كتاب وسنة" متواترة كانت أو أحادا كقتل مسلم بكافر فيلزم نقضه نص عليهما وقيل: متواترا وكذا ينقض حكم من جعل عين ماله عند من حجر عليه أسوة الغرماء نص عليه بخلاف ما إذا زوجت نفسها في الأصح أو إجماعا لأنه يؤدي إلى نقض الحكم بمثله ويؤدي إلى أنه لا يثبت حكم أصلا وقيل: ولو ظنيا وقيل: وقياسا جليا ومقتضاه أنه ينقض إذا خالف ما ذكر لأنه حكم لم يصادف شرطه فوجب نقضه لأن شرط الاجتهاد عدم مخالفة ما ذكر ولأنه إذا وجد ذلك فقد فرط كما لو حكم بشهادة كافرين ولا فرق بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدمي في ظاهر كلامه وفي المغني أن حق الآدمي لا ينقضه إلا بمطالبته بخلاف حق الله تعالى وكذا ينقض حكمه بما لم يعتقده وفاقا وفي الإرشاد هل ينقض بمخالفة صحابي يتوجه نقضه إن قيل: بحجيته كالنص.
فرع: إذا حكم بشاهد ويمين لم ينقض ذكره بعضهم إجماعا.
قال سعيد: ثنا هشيم عن داود عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالقضاء وينزل القران بغير ما قضى فيستقبل حكم القرآن ولا يرد قضاءه الأول: هذا مرسل وقال محمد بن الحسن ينقض وإذا تغيرت صفة الواقعة فتغير القضاء بها لم يكن نقضا للقضاء الأول: بل ردت للتهمة لأنه صار خصما فيها والمخالفة في قضية نقض مع العلم "وإن كان ممن لا يصلح نقض أحكامه وإن وافقت الصواب" في الأشهر في المذهب لأن حكمه غير صحيح وقضاؤه بمنزلة العدم لفقد شرط القضاء فيه.
"ويحتمل أن لا ينقض الصواب منها" قدمه في الكافي والمستوعب،(10/37)
وإن استعداه على القاضي خصم له أحضره وعنه: لا يحضره حتى يعلم أن لما ادعى أصلا وإن استعداه على القاضي قبله سأله عما يدعيه فإن قال لي عليه دين معاملة أو رشوة راسله فإن اعترف بذلك أمره بالخروج منه.
__________
وصححه ابن المنجا وجزم به في الوجيز لأنه الحق وصل إلى مستحقه فلم يجز نقضه لعدم الفائدة: فيه.
فرع: إذا تغير اجتهاده قبل الحكم حكم بما يغير اجتهاده إليه وكذا إن بان فسق الشهود قبل الحكم بشهادتهم لم يحكم بها وإن كان بعده لم ينقضه.
فائدة: ينظر في أمناء الحاكم قبله فمن فسق عزله ويضم إلى الضعيف أمينا وله إبداله ثم في الضوال واللقطة وإن استعداه أحد على خصم له حاضر بما تتبعه الهمة أحضره لزوما في الأصح.
قال في المستوعب: هو اختيار أكثر شيوخنا لأن ضرر فوات الحق أعظم من حضور مجلس الحكم وللمتعدى عليه أن يوكل من يقوم مقامه إن كره الحضور ولو طلبه خصمه أو حاكم ليحضر مجلس الحكم حيث يلزم الحاكم إحضاره بطلب منه لزمه الحضور "وعنه: لا يحضره حتى يعلم أن لما ادعاه أصلا" روي عن علي لما فيه من تبذيل أهل المروعات وإهانة ذوي الهيئات وفي المستوعب إن كان يعلم أن مثله لا يعامله لا يحضره حتى يحرر دعواه وهذه رواية اختارها أبو بكر وأبو الخطاب وقدمها في الرعاية ومتى لم يحضر لم يرخص له في تخلفه وإلا أعلم الوالي به فإذا حضر فله تأديبه.
"وإن استعداه على القاضي قبله سأله عما يدعيه" أي يعتبر تحرير الدعوى في حقه "فإن قال: لي عليه دين من معاملة أو رشوة راسله" لأن ذلك طريق إلى استخلاص الحق لما في إحضاره من الامتهان وتسليط أعوانه عليه ولا يؤمن معه امتناع وصول الصالح للقضاء من الدخول فيه ولم يذكر في المغني والكافي مراسلة بل يحضره والأول أظهر.
"فإن اعترف بذلك أمره بالخروج منه" لأن الحق توجه عليه باعترافه "وإن(10/38)
وإن أنكر وقال: إنما يريد تبذيلي فإن عرف أن لما ادعاه أصلا أحضره وإلا فهل يحضره؟ على روايتين وإن قال: حكم علي بشهادة فاسقين فأنكر فالقول قوله بغير يمين وإن قال الحاكم المعزول: كنت حكمت في ولايتي لفلان على فلان بحق قبل قوله ويحتمل أن لا يقبل قوله.
__________
أنكر وقال: إنما يريد تبذيلي فإن عرف أن لما ادعاه أصلا أحضره" لأن ذلك تعين طريقا إلى استخلاص حق المستعدي "وإلا فهل يحضره" إذا لم يعلم على روايتين سبقتا " وإن قال: حكم علي بشهادة فاسقين" عمدا "فأنكر فالقول قوله" أي قول الحاكم "بغير يمين" لأنه لو لم يقبل قوله في ذلك لتطرق المدعى عليهم إلى إبطال ما عليهم من الحقوق بالقول المذكور وفي ذلك ضرر عظيم واليمين تجب للتهمة والقاضي ليس من أهلها وقيل: تجب يمينه لإنكاره لكن إن قال حكمت بشهادة عدلين صدق بلا يمين.
فرع: إذا قال حكم علي بشهادة فاسقين أو عدوين أو جار علي في الحكم وله بينة أحضره أو وكيله وحكم بها وإن لم تكن بينة ففي إحضاره قبل المعرفة وجهان: أحدهما: يحضره لجواز أن يعترف وكما لو ادعى عليه مالا و الثاني: لا لأن فيه امتهانا وأعداء القاضي كثيرة فإن أحضره فاعترف عليه وإن أنكره قبل قوله بغير يمين وإن ادعى أنه قتل ابنه ظلما فهل يحضره من غير بينة؟ فيه وجهان فإن أحضره فاعترف حكم عليه وإلا قبل قوله بغير يمين "وإن قال الحاكم المعزول: كنت حكمت في ولايتي لفلان على فلان بحق قبل قوله" إذا كان ممن يسوغ له الحكم نص عليه زاد في الرعاية: ما لم يتهم لأن عزله لا يمنع من قبول قوله كما لو كتب كتابا إلى قاض آخر ثم عزل ووصل الكتاب بعد عزله لزم المكتوب إليه قبول كتابه بعد عزل كاتبه ولأنه أخبر بما حكم به وهو غير متهم أشبه حال ولايته.
وقال بعض المتأخرين: يقبل قوله ما لم يشتمل على إبطال حكم حاكم وهو حسن "ويحتمل أن لا يقبل قوله" وهو قول أكثر الفقهاء ثم اختلفوا فقال ابن أبي ليلى والأوزاعي: هو بمنزلة الشاهد إذا كان معه شاهد آخر.
وقال أبو حنيفة: لا يقبل إلا شاهدان سواه وهو ظاهر مذهب الشافعي،(10/39)
وإن ادعى على امرأة غير برزة لم يحضرها وأمرها بالتوكيل وإن وجبت عليها اليمين أرسل إليها من يحلفها وإذا ادعى على غائب عن البلد في موضع لا حاكم فيه كتب إلى ثقات من أهل ذلك الموضع ليتوسطوا بينهما،
__________
وذكر ابن أبي موسى: أنه يتوجه كقول الأوزاعي وكقول الحنفية فأما إن قال: في حال ولايته قبل قوله لأن من ملك الحكم ملك الإقرار به كالزوج إذا أقر بالطلاق ولأنه لو أخبر أنه رأى كذا وكذا فحكم به قبل وعلى الأول: إذا قال حكمت بعلمي أو بالنكول أو شاهد ويمين قبل وإن قال: حكمت ولم يضفه إلى بينة ولا غيرها قبل.
"وإن ادعى على امرأة غير برزة" أي ليست معتادة أن تخرج في حوائجها "لم يحضرها" لما فيه من المشقة والضرر "وأمرها بالتوكيل" لأجل فصل الخصومة ولأنه يقوم مقامها فلا تبتذل من غير حاجة إلى ذلك "وإن وجبت عليها اليمين أرسل إليها من يحلفها" لأن إحضارها غير مشروع واليمين لا بد منها وهذا طريقه فيبعث أمينا معه شاهدان فيستحلفها بحضرتهما
وذكر القاضي: إن الحاكم يبعث من يقضي بينها وبين غريمها في دارها لقوله عليه السلام: "واغد يا أنيس" الخبر والأول أولى لأنه أستر وربما منعها الحياء من النطق بحجتها سيما مع جهلها بالحجة وذكر السامري أنه يخير وأطلق في الانتصار النص فيها واختاره إن تعذر حق بدون حضورها وإلا لم يحضرها وأطلق ابن شهاب وغيره إحضارها لأن حق الآدمي مبني على الشح والضيق والمدة يسيرة كسفرها من محلة وحكم المريض كذلك لأنه يشق عليه السعي والحركة فأما إن كانت برزة أي تبرز لحوائجها غير مخدرة فإنه يحضرها ولا يعتبر لخروجها محرم نص عليه كسفر الهجرة.
"وإن ادعى على غائب عن البلد في موضع لا حاكم فيه كتب إلى ثقات من أهل ذلك الموضع ليتوسطوا بينهما" نقول: إذا استعدى على غائب في غير ولاية القاضي لم يكن له أن يعدي عليه وإن كان في ولايته وله هناك خليفة فإن(10/40)
فإن لم يقبلوا قيل: للخصم حقق ما تدعيه ثم يحضره وإن بعدت المسافة.
__________
كانت له بينة ثبت له الحق عنده وكتب إلى خليفته ولم يحضره وإن لم تكن له بينة حاضرة نفد إلى خصمه ليحاكمه عند خليفته فإن لم يكن له خليفة وكان فيه من يصلح للقضاء أذن له في الحكم بينهما وإن لم يكن فيه من يصلح بعث إلى ثقة يتوسط بينهما لأن ذلك طريق إلى قطع الخصومة مع عدم المشقة الحاصلة بالإحضار "فإن لم يقبلوا" أي إذا تعذر أو أبى الخصمان قبول ذلك "قيل: للخصم: حرر ما تدعيه" لأنه يجوز أن يكون ما يدعيه ليس بحق عنده كالشفعة للجار وقيمة الكلب فلا يكلف الحضور لما لا يقضى عليه به مع المشقة فيه بخلاف الحاضر.
"ثم يحضره وإن بعدت المسافة" ذكره الأصحاب وهو المذهب لأنه لا بد من فصل الخصومة وقد تعين بذلك وقيل: بدون مسافة القصر وعنه: لدون يوم جزم به في التبصرة وزاد بلا مؤنة ومشقة وفي الترغيب لا يحضره مع البعد حتى تتحرر دعواه وفيه يتوقف إحضاره على سماع البينة إن كان مما لا يقضى فيه بالنكول قال: وذكر بعض أصحابنا لا يحضره مع البعد حتى يصح عنده ما ادعاه.
تنبيه: إذا ادعى قبله شهادة لم تسمع ولم يعد عليه ولم يحلف خلافا للشيخ تقي الدين وهو ظاهر نقل صالح وحنبل ولو قال: أنا أعلمها ولا أؤديها فظاهر ولو نكل لزمه ما ادعى به إن قيل: كتمانها موجب لضمان ما تلف ولا يبعد كما يضمن من ترك الإطعام الواجب وكونه لا يحصل المقصود لفسقه بكتمانه لا ينفي ضمانه في نفس الأمر والله أعلم.(10/41)
باب طريق الحكم وصفته
إذا جلس إليه خصمان فله أن يقول من المدعي منكما؟ وله أن يسكت حتى يبتدئا فإن سبق أحدهما بالدعوى قدمه وإن ادعيا معا قدم أحدهما بالقرعة فإذا انقضت حكومته سمع دعوى الآخر،
__________
باب طريق الحكم وصفته
طريق كل شيء ما توصل به إليه والحكم الفصل.
"إذا جلس إليه الخصمان" المستحب أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم أو يجلسهما لذلك لما روى عبد الله بن الزبير قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم" رواه أحمد وأبو داود لأن ذلك أمكن للحاكم من العدل بينهما والإقبال عليهما والنظر في خصومتهما.
وفي الرعاية: إذا جاءه خصمان فجلسا بين يديه أو أجلسهما حاجبه أو أذن لهما الحاكم بذلك أو عن جانبيه إن كانا شريفين أو كبيرين "فله أن يقول: من المدعي منكما؟" هذا هو الأشهر لأن ذلك طريق إلى معرفة المدعي من المدعى عليه "وله أن يسكت حتى يبتدئا" لأن كلامه يستدعي طالبا له ولم يوجد وقيل: بل يسكت حتى يدعي أحدهما ويقول القائم على رأسه من المدعي منكما إن سكتا جميعا ولا يقول الحاكم ولا حاجبه لأحد منهما تكلم لأن في إفراده بذلك تفضيلا له وتركا للإنصاف.
"فإن سبق أحدهما بالدعوى قدمه" لأن للسابق حق تقدم فلو قال الخصم أنا الخصم لم يلتفت إليه "وإن ادعيا معا قدم أحدهما بالقرعة" هذا قياس المذهب لأنها مرجحة عند الازدحام بدليل الإمامة والأذان وقيل: من شاء الحاكم قدم منهما واستحسن ابن المنذر أن يسمع منهما جميعا وقيل: يؤخرهما حتى يتبين من المدعي منهما "فإذا انقضت حكومته سمع دعوى الآخر" لأن التزاحم قد زال وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا علي إذا جلس إليك(10/42)
ثم يقول للخصم: ما تقول فيما ادعاه؟ ويحتمل أن لا يملك سؤاله حتى يقول المدعي: اسأل سؤاله عن ذلك فإن اقر له لم يحكم حتى يطالبه المدعي بالحكم وإن أنكر مثل أن يقول المدعي: أقرضته ألفا أو: بعته فيقول ما أقرضي ولا باعني أو ما يستحق علي ما ادعاه ولا شيئا منه أو: لا حق له علي صح الجواب.
__________
الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول: فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء" رواه أحمد وأبو داود والترمذي قال في عيون المسائل: ولا ينبغي للحاكم أن يسمع شكية أحد إلا ومعه خصمه هكذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم "ثم يقول للخصم ما تقول فيما ادعاه؟" قدمه وصححه أكثر الأصحاب لأن ظاهر الحال يقتضي ذلك.
"ويحتمل أن لا يملك سؤاله حتى يقول المدعي: اسأل سؤاله عن ذلك" هذا وجه كالحكم "فإن أقر له" سواء كان قبل السؤال أو بعده لزمه ما ادعى عليه ولكن "لم يحكم له حتى يطالبه المدعي بالحكم" ذكره السامري والمجد وجزم به في الوجيز وقدمه في الكافي والشرح لأن الحكم عليه حق له فلا يستوفيه إلا ب مسألة: مستحقه واختار جمع له الحكم قبل مسألة: المدعي وهو الظاهر لأن الحال يدل على إرادته فاكتفى بها كما اكتفى في مسألة: المدعى عليه الجواب لأن كثيرا من الناس لا يعرف مطالبة الحاكم بذلك فيترك مطالبته لجهله فيضيع حقه ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه فاشتراطه ينافي ظاهر حالهم.
وفي الترغيب: إذا أقر فقد ثبت ولا يفتقر إلى قوله قضيت في أحد الوجهين بحلاف قيام البينة لأنه يتعلق باجتهاده.
فرع: إذا قال الحاكم يستحق عليك كذا فقال نعم لزمه ذكره في الواضح "وإن أنكر مثل أن يقول المدعي أقرضته ألفا أو بعته فيقول ما أقرضني ولا باعني أو ما يستحق على ما ادعاه ولا شيئا منه أو لا حق له علي صح الجواب" لنفيه عين ما ادعاه ولأن قوله لاحق له علي نكرة في سياق النفي فتعم بمنزلة قوله: ما يستحق علي ما ادعاه ولا شيئا منه وهذا ما(10/43)
وللمدعي أن يقول: لي بينة فإن لم يقل قال الحاكم: ألك بينة؟ فإن قال: لي بينة أمره بإحضارها فإذا أحضرها،
__________
لم يعترف بسبب الحق فلو ادعت من يعترف بأنها زوجته المهر فقال لا تستحق علي شيئا لم يصح الجواب ويلزمه المهر إن لم يقم بينة بإسقاطه لجوابه في دعوى قرض اعترف به لا يستحق علي شيئا ولهذا لو أقرت في مرضها لا مهر لها عليه لم تقبل إلا ببينة أنها أخذته نقله مهنا أو أنها أسقطته في الصحة.
تنبيه: لو ادعى بدينار فقال لا يستحق علي حبة فليس بجواب عند ابن عقيل: لأنه لا يكتفى في رفع الدعوى إلا بنص لا بظاهر.
وقال الشيخ تقي الدين: يعم الحبات وما لم يندرج في لفظ حبة من باب الفحوى إلا أن يقال نعم حقيقة عرفية ولو قال: لي عليك مائة فقال ليس لك علي مائة اعتبر في الأصح قوله ولا شيء منها كاليمين فإن نكل عن ما دون المائة حكم عليه بمائة إلا جزءا وإن قلنا: برد اليمين حلف المدعي على مادون المائة إذا لم يسند المائة إلى عقد لكون اليمين لا تقع إلا مع ذكر النسبة كمطابق الدعوى ذكره في الترغيب.
"وللمدعي أن يقول: لي بينة" لأن الحق طريق له والبينة طريق إلى تخليصه "وإن لم يقل قال له الحاكم: ألك بينة" لقوله عليه السلام للحضرمي: "لك بينة؟" قال: لا رواه مسلم وفيه "فلك يمينه" فإن كان المدعي عارفا بأنه موضع البينة خير الحاكم بين أن يقول ذلك وبين السكوت وظاهر المحرر ولا يقوله "فإن قال: لي بينة أمره بإحضارها" لأنه طريق إلى تخليص الحق وفي المستوعب والرعاية يقول له أحضرها إن شئت وفي المغني أن المدعي إذا قال لي بينة لم يقل له الحاكم أحضرها لأن ذلك حق له فله أن يفعل ما يرى قال ابن المنجا: فيحمل أمره بالإحضار على الإذن فيه لأن حمل الأمر على حقيقته ينافي ما ذكره في المغني. "فإذا أحضرها" لم يسألها الحاكم حتى يسأله المدعي ذلك لأنه حق له فإذا سأله المدعي سؤالها لم يقل اشهدا ولا يلقنهما وفي المستوعب لا ينبغي،(10/44)
سمعها الحاكم وحكم بها إذا سأله المدعي ولا خلاف في أنه يجوز له الحكم بالإقرار والبينة في مجلسه إذا سمعه معه شاهدان فإن لم يسمعه معه أحد أو سمعه معه شاهد واحد فله الحكم به نص عليه وقال القاضي: لا يحكم به،
__________
وفي الموجز يكره كتعنتهما "سمعها الحاكم" لأن الإحضار من أجل السماع فيقول الحاكم: من كانت عنده شهادة فليذكر ما عنده فإذا شهدا واتضح الحق لزمه ولم يجز ترديدها وفي الرعاية إن ظن الصلح آخره وفي الفصول أحببنا له أمرهما بالصلح أي إذا كان فيها لبس فإن أبيا أخرهما لأن الحكم بالجهل حرام فإن عجل قبل البيان لم يصح حكمه قال أبو عبيد إنما يسعه الصلح في الأمور المشكلة أما إذا استنارت الحجة فليس له ذلك وروي عن شريح أنه ما أصلح بين المتحاكمين إلا مرة واحدة وروي عن عمر أنه قال ردوا الخصوم حتى يصطلحا فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن.
"وحكم بها إذا سأله المدعي" بأن كانت الشهادة صحيحة وفي المغني والشرح يقول الحاكم للمدعى عليه قد شهدا عليك فإن كان لك قادح فبينه عندي قال في الفروع: يعني يستحب وذكره في المذهب والمستوعب فيما إذا ارتاب فيهما فدل أن له الحكم مع الريبة وإن لم يظهر ما يقدح فيها حكم عليه إذا سأله المدعي الحكم لأنه حق له فلا يستوفيه إلا ب مسألة: مستحقه "ولا خلاف في أنه يجوز له الحكم بالإقرار والبينة في مجلسه إذا سمعه معه شاهدان " لأن التهمة الموجودة في الحكم بالعلم منتفية هنا.
فرع: لا يجوز الاعتراض عليه لتركه تسمية الشهود وذكره القاضي وابن عقيل: وذكر الشيخ تقي الدين أن له عليه تسمية الشهود ليتمكن من القدح باتفاق.
قال في الفروع: ويتوجه مثله حكمت بكذا ولم يذكر مستنده "فإن لم يسمعه معه أحد وسمعه معه شاهد واحد فله الحكم به نص عليه" في رواية حرب وهو المذهب لأن الحكم إذا لبس بمحض الحكم بالعلم ولا يضر رجوع المقر "وقال القاضي: لا يحكم به: هذا رواية ذكرها ابن هبيرة لأنه حكم(10/45)
وليس له الحكم بعلمه مما رآه وسمعه نص عليه وهو اختيار الأصحاب وعنه: ما يدل على جواز ذلك سواء كان في حد أو غيره.
__________
بعلمه وذلك لا يجوز وعنه: لا يحكم بإقرار في مجلسه حتى يسمعه معه عدلان اختاره القاضي وجزم به في الروضة فإن طلب منه الإشهاد على إقراره عنده لزمه "وليس له الحكم بعلمه" في غير ذلك "فيما رآه أو سمعه نص عليه وهو اختيار الأصحاب" .
وفي الكافي والشرح: هو ظاهر المذهب وفي المحرر هو المشهور عنه وصححه ابن المنجا ونصره المؤلف لقوله عليه السلام : "إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع" متفق عليه فدل أنه يقضي بما سمع لا بما يعلم.
وفي حديث الحضرمي والكندي "شاهداك أو يمينه ليس لك منه إلا ذلك" رواه مسلم
وقال أبو بكر رضي الله عنه لو رأيت رجلا على حد من حدود الله تعالى ما أخذته ولا دعوت له أحدا حتى يكون معي غيري حكاه أحمد.
" وعنه: ما يدل على جوازه سواء كان في حد أو غيره" وقاله أبو يوسف والمزني لحديث هند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" ولأنه حق عليه فجاز الحكم به كالجرح والتعديل وكما لو قامت به البينة وعن أحمد يجوز ذلك إلا في الحدود وقال ابن أبي موسى: لا اختلاف عنه أنه لا يحكم بعلمه في الحدود وهل يحكم به في غيره على روايتين نقل حنبل إذا رآه على حد لم يكن له أن يقيمه إلا بشهادة من شهد معه لأن شهادته شهادة رجل ونقل أيضا أنهما يذهبان إلى حاكم آخر والأول: أظهر
وأجاب في الشرح عن حديث هند أنه فتيا لا حكم بدليل عدم حضور أبي سفيان ولو كان حكما لم يحكم عليه في غيبته ويفارق الحكم بالشهادة فإنه لا يفضي إلى تهمة بخلاف مسألتنا وأما الجرح والتعديل فإنه يحكم فيه بعلمه بغير خلاف لأنه لو لم يحكم بعلمه لتسلسل ولأنه لا يجوز له قبول شهادة من يعلم فسقه ولأن التهمة لا تلحقه في ذلك لأن صفات الشهود معنى ظاهر.(10/46)
وإن قال المدعي: مالي بينة فالقول قول المنكر مع يمينه فيعلمه أن له اليمين على خصمه وإن سال إحلافه أحلفه وخلى سبيله وإن أحلفه أو حلف هو من غير سؤال المدعي لم يعتد بيمينه.
__________
وقال القاضي وجماعة: ليس هذا بحكم لأنه يعدل هو ويجرح غيره ويجرح هو ويعدل غيره ولو كان حكما لم يكن لغيره نقضه وعلى المنع هل علمه كشاهد فيه وجهان.
"وإن قال المدعي ما لي بينة فالقول قول المنكر مع يمينه" للخبر ولأن الأصل براءة ذمته "فيعلمه أن له اليمين على خصمه" لأنه موضع حاجة.
"وإن سأل إحلافه أحلفه" لأن اليمين طريق إلى تخليص حقه يلزم الحاكم إجابة المدعي كسماع البينة وتكون على صفة جوابه نص عليه وعنه: بصفة الدعوى وعنه: يكفي تحليفه لا حق لك علي فإذا أحلفه "خلى سبيله" لأنه لم يتوجه عليه حق وعلم منه أنه ليس له استحلافه قبل سؤاله لأن اليمين حق له كنفس الحق ويمين المنكر على الفور وله تحليفه مع علمه قدرته على حقه نص عليه نقل ابن هانئ إن علم أن عنده يؤدي إليه حقه أرجو أن لا يأثم وظاهر رواية أبي طالب: يكره.
مسألة: حلف يمينا واحدة عند حاكم لم يحلف ثانية عنده ولا عند من عرف حلفه وإذا لم يبطل حقه باليمين الأولى فله طلبه واحدة بكل طريق شرعي ويحلفه عند من جهل حلفه لبقاء الحق مع انقطاع الخصومة عنده ذكره في المستوعب والرعاية.
"وإن أحلفه أو حلف هو من غير سؤال المدعي لم يعتد بيمينه" لأنه أتى بها في غير وقتها فإذا سأله المدعي أعادها له لأن الأولى لم تكن يمينه وإن أمسك المدعي عن إحلاف خصمه ثم أراد إحلافه بالدعوى المقدمة جاز لأن حقه لا يسقط بالتأخير وإن أبرأه منها فله تجديد الدعوى وطلبها لأن حقه لم يسقط بالإبراء من اليمين وهذه الدعوى غير التي أبرأه من اليمين فيها.
فان حلف سقطت الدعوى ولم يكن للمدعي أن يحلف يمينا أخرى لا في(10/47)
وإن نكل قضى عليه بالنكول نص عليه واختاره عامة شيوخنا فيقول له إن حلفت وإلا قضيت عليك ثلاثا فإن لم يحلف قضى عليه إذا سأل المدعي ذلك وعند أبي الخطاب ترد اليمين على المدعي وقال قد صوبه أحمد وقال ما هو ببعيد يحلف ويأخذ.
__________
هذا المجلس ولا في غيره لحديث الحضرمي وعنه: يبرأ بتحليف المدعي.
وعنه: ويحلفه له وإن لم يحلفه ذكرها الشيخ تقي الدين من رواية مهنا أن رجلا اتهم رجلا بشيء فحلف له ثم قال لا أحلف إلا أن يحلف لي عند السلطان أله ذلك قال لا قد ظلمه وتعنته.
ولا يصله باستثناء في المغني أو بما لا يفهم لأن الاستثناء يزيل حكم اليمين وفي الترغيب هي يمين كاذبة ولا يجوز التأويل والتورية فيها إلا لمظلوم "وإن نكل قضى عليه بالنكول نص عليه" في رواية الميموني والأثرم وحرب "واختاره عامة شيوخنا" وفي المستوعب هو اختيار أكثر أصحابنا لأن عثمان قضى على ابن عمر بنكوله عن اليمين رواه أحمد "فيقول له: إن حلفت وإلا قضيت عليك ثلاثا" ذكره في المستوعب والكافي لأن النكول ضعيف فوجب اعتضاده بالتكرار ثلاثا وصرح في المحرر والفصول بأنه يستحب أن يكون ثلاثا لأنه لو كان كاذبا لحلف المدعى عليه على نفي دعواه وقدم في الرعاية أن الحاكم يقول ذلك مرة وسواء كان مأذونا له أو مريضا أو غيرهما "فإن لم يحلف قضى عليه" بالنكول نص عليه وهو كإقامة بينة لا كإقرار ولا كبذل "إذا سأله المدعي عن ذلك" لأن ذلك حق للمدعي فلم يفعل إلا بسؤاله "وقال أبو الخطاب" واختاره جماعة "ترد اليمين على المدعي" لما روى ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق" رواه الدار قطني وروي أيضا من رواية إبراهيم بن أبي يحيى عن علي قال المدعى عليه أولى باليمين وإن نكل حلف صاحب الحق وأخذه وهذا مذهب عمر وعثمان "وقال: قد صوبه أحمد" في رواية أبي طالب "وقال: ما هو ببعيد يحلف ويأخذ" لما ذكرنا وقياس قول أحمد يقتضيه وأنه حكم باليمين مع الشهادة ابتداء من غير رضى المنكر وكذا في القسامة فإذا رضي المنكر بيمينه كان(10/48)
فيقال للناكل لك رد اليمين على المدعي فإن ردها حلف المدعي وحكم له وإن نكل أيضا صرفهما فإن عاد أحدهما فبذل اليمين لم يسمعها في ذلك المجلس حتى يحتكما في مجلس آخر.
__________
أولى فعلى ذلك لا يشترط إذن ناكل في الرد وشرطه أبو الخطاب وجزم به السامري ويمينه كإقرار مدعى عليه فلا تسمع بينته بعدها بأداء ولا إبراء وقيل: كبينة فتسمع وقيل: يحبس حتى يجيب إما بإقرار أو حلف ذكره في الترغيب عن أصحابنا "فيقال للناكل: لك رد اليمين على المدعي" لأنه موضع حاجة أشبه قوله لك يمينه "فإن ردها حلف المدعي وحكم له" لاستكمال الشروط المعتبرة "وإن نكل" من ردت عليه اليمين "صرفهما" وجملته أنه إذا نكل سئل عن سبب نكوله لأنه لا يجب بنكوله حق لغيره بخلاف المدعى عليه فإن قال امتنعت لأن لي بينة أقيمها أو حسابا أنظر فيه فهو على حق من اليمين ولا يضيق عليه في المدة لأنه لا يتأخر إلا حقه بخلاف المدعى عليه.
"فإن عاد أحدهما فبذل اليمين لم يسمعها في ذلك المجلس" لأنه أسقط حقه منها "حتى يحتكما في مجلس آخر" لأن الدعوى فيه تصير محاكمة ثانية فإذا استأنف الدعوى أعيد الحكم بينهما كالأول: وقال أبن حمدان: إن بذلها الناكل قبل عرضها على المدعي وبعده برضاه سمعت وإلا فلا وهذا الذي ذكره المؤلف شرطه عدم الحكم بالنكول وإن تعذر رد اليمين و قلنا: به لكون المدعي وليا ونحوه قضي بالنكول وقيل: يحلف الولي وقيل: إن باشر ما ادعاه وقيل: يحلف حاكم وقطع المؤلف يحلف إذا عقل ويكتب له محضرا بنكوله.
تنبيه: الذي يقضى فيه بالنكول ورد اليمين المال وما يقصد به المال وهل يقضى بالنكول في دعوى الوكالة بالمال على وجهين وقال السامري: اختلف أصحابنا في دعوى الكفالة هل يقضى فيها بالنكول فيه وجهان أوجههما الحكم به قاله ابن أبي موسى.(10/49)
وإن قال المدعي: لي بينة بعد قوله مالي بينة لم تسمع ذكره الخرقي ويحتمل أن تسمع وإن قال: ما أعلم لي بينة ثم قال: قد علمت لي بينة سمعت وإن قال: شاهدان نحن نشهد لك فقال: هذان بينتي سمعت وإن قال: ما أريد أن تشهدا لي لم يكلف إقامة البينة وإن قال لي بينة
__________
"وإن قال المدعي لي بينة بعد قوله ما لي بينة لم تسمع ذكره الخرقي" نص عليه وجزم به في الكافي والمستوعب والوجيز لأن سماع البينة قد تحقق كذبه فيعود الأمر على خلاف المقصود وكذا قوله كذب شهودي وأولى ولا تبطل دعواه بذلك في الأصح "ويحتمل أن تسمع" هذا وجه واختاره ابن عقيل: وغيره قال في الفروع وهو متجه حلفه أو لم يحلفه لأنه يجوز أن ينسى أو يكون الشاهدان سمعا منه وصاحب الحق لا يعلمه فلا يثبت بذلك لأنه أكذب نفسه.
فرع: إذا قال كل بينة أقيمها فهي زور أو لا حق لي فيها ثم أقام بينة لم تسمع بحال "وإن قال: ما أعلم لي بينة ثم قال قد علمت لي بينة سمعت" لأنه لم يكذب بينته "وإن قال شاهدان فنحن نشهد لك فقال هذان بينتي سمعت" وهي أولى من التي قبلها لأنه لا تهمة فيها لكن لو شهدت بغير ما ادعاه فهو مكذب لها نص عليه وإن ادعى شيئا فأقر له بغيره لزمه إذا صدقه المقر له والدعوى بحالها نص عليه.
"فإن قال: ما أريد أن تشهدا لي لم يكلف إقامة البينة" لأنه أسقط حقه منها وله تحليفه في ذلك كله "وإن قال: لي بينة" وأريد ملازمة خصمي حتى أقيمها لم يكن له ذلك ذكره في الكافي.
وفي الشرح إذا قال: لي بينة غائبة ليس له مطالبته بكفيل ولا ملازمته حتى تحضر البينة نص عليه لأنه لم يثبت له قبله حق وذكر في موضع آخر أنه إن كانت بينته قريبة فله ملازمته حتى يحضرها لأن ذلك ضرورة أقامتها فإنه لو لم يتمكن من ملازمته لذهب من مجلس الحكم ولا يمكن من إقامتها إلا(10/50)
وأريد يمينه فإن كانت غائبة فله إحلافه وإن كانت حاضرة فهل له ذلك على وجهين وإن حلف المنكر ثم أحضر المدعي بينة حكم بها ولم تكن اليمين مزيلة للحق.
__________
بحضرته وتفارق البينة البعيدة ومن لا يمكن حضورها فإن إلزامه الإقامة إلى حين حضورها يحتاج إلى حبس أو ما يقوم مقامه ولا سبيل إليه "وأريد يمينه فإن كانت غائبة فله إحلافه" ذكره في الكافي والشرح وقدمه في المحرر لأن ذلك تعين طريقا إلى استخلاص الحق.
وقيل: إن كانت غائبة عن البلد فله ذلك وقيل: يملك إقامتها فقط "وإن كانت حاضرة" في مجلس الحكم قال أبن حمدان: أو قريبا منه "فهل له ذلك؟ على وجهين": أحدهما: يملك إقامتها أو تحليفه من غير أن يسمع البينة بعده ذكره في المحرر وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعاية والفروع لأن فصل الخصومة يمكن بإحضار البينة فلا حاجة إلى اليمين و الثاني: أنه يجاب إليهما لأنه أقرب لفصل الخصومة وقيل: لا يملك إلا إقامتها فقط واستدل في الشرح للأول بقوله عليه السلام" شاهداك أو يمينه "ولأنه أمكن لفصل الخصومة بالبينة أشبه ما لو لم يطلب يمينه ولأن اليمين بدل فلا يجمع بينها وبين مبدلها كسائر الأبدال مع مبدلاتها فإن قال أحلفوه ولا أقيم بينة حلف لأن البينة حقه كما لو أسقط نفس الحق ثم في جواز إقامتها بعد الحلف وجهان.
فرع: إذا أقام شاهدا في المال فله أن يحلف معه بلا رضى خصمه وإن لم يحلف معه بل طلب يمين المنكر حلف له فإن حلف ثم قال المدعي أنا أحلف مع شاهدي لم يستحلف لأن اليمين فعله وهو قادر عليه فأمكنه أن يسقطها بخلاف البينة وإن عاد فبذل اليمين قبل أن يحلف المدعى عليه لم يكن له ذلك في هذا المجلس "وإن حلف المنكر ثم أحضر المدعي بينة حكم بها ولم تكن اليمين مزيلة للحق" وفاقا لقول عمر: البينة الصادقة أحب إلي من اليمين الفاجرة ولأن كل حالة يجب عليه الحق فيها بإقراره يجب عليه بالبينة كما قبل اليمين ولأن اليمين لو أزالت الحق لاجترأ الفسقة على أخذ أموال الناس وقال ابن أبي ليلى وداود: لا تسمع بينته ورد بما سبق.(10/51)
وإن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر قال له القاضي إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك وقيل: يحبسه حتى يجيب وإن قال لي مخرج مما ادعاه لم يكن مجيبا وإن قال لي حساب أريد أن أنظر فيه لم يلزم المدعي إنظاره وإن قال قد قضيته أو أبرأني ولي بينة بالقضاء أو الإبراء وسأل الإنظار أنظر ثلاثا وللمدعي ملازمته.
__________
"وإن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر" أو قال لا أقر ولا أنكر أو قال أعلم قدر حقه قاله في عيون المسائل والمنتخب "قال له القاضي إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك" قدمه في المحرر والرعاية وذكر ابن المنجا أنه المذهب وجزم به في الوجيز لأنه ناكل عما توجب عليه فيه فيحكم عليه بالنكول عنه كاليمين والجامع بينهما أن كل واحد من القولين طريق إلى ظهور الحق ويسن تكراره من الحاكم ثلاثا ذكره في الكافي والمستوعب وفي المحرر والوجيز كاملين وقدم في الرعاية بقوله مرة "وقيل: يحبسه حتى يجيب" إن لم يكن للمدعي بينة قاله القاضي وقدمه السامري لأن اليمين حق عليه كما لو أقر بمال وامتنع من أدائه فإن كان للمدعي بينة قضي بها وجها واحدا.
"وإن قال لي مخرج مما ادعاه لم يكن مجيبا" لأن الجواب إقرار أو إنكار وهذا ليس واحدا منهما.
"وإن قال لي حساب أريد أن أنظر فيه لم يلزم الداعي إنظاره" اختاره أبو الخطاب والسامري وقدمه في الرعاية لما فيه من تأخير حقه ولأن حق الجواب ثبت له مالا فلم يلزمه إنظاره كما لو ثبت عليه الدين والأصح أنه يلزمه إنظاره ثلاثة أيام لأنه يحتاج إلى ذلك لمعرفة قدر دينه أو يعلم هل عليه شيء أم لا والثلاث مدة يسيرة ولا يمهل أكثر منها لأنه كثير "وإن قال قد قضيته أو أبرأني ولي بينة بالإبراء أو القضاء وسأل الإنظار أنظر ثلاثا" لأنها قريبة ولا تتكامل في أقل منها وقيل: لا يلزم إنظاره لقوله لي بينة بدفع دعواه وعلى الأول "وللمدعي ملازمته" لأن جنبته أقوى لأن حقه قد توجه عليه ودعوى الإسقاط الأصل عدمها وكيلا يهرب أو يغيب ولا يؤخر الحق عن المدة التي(10/52)
فإن عجز حلف المدعي على نفي ما ادعاه واستحق فإن ادعى عليه عينا في يده فأقر بها لغيره جعل الخصم فيها وهل يحلف المدعى عليه على وجهين فإن كان المقر له حاضرا مكلف سئل فإن ادعاها لنفسه ولم تكن بينة حلف وأخذها.
__________
أنظر فيها "فإن عجز حلف المدعي على نفي ما ادعاه واستحق" لأنه يصير منكرا واليمين على المنكر فإن نكل عنها قضى عليه بنكوله وصرف وإن قلنا: برد اليمين فله تحليف خصمه فإن أبى حكم عليه هذا كله إن لم يكن أنكر سبب الحق أتى فأما إن أنكره ثم فادعى قضاء أو إبراء سابقا لإنكاره لم يسمع منه وإن أتى ببينة نص عليه وقيل: تسمع البينة ذكره في المحرر والرعاية وزاد بأن قال قتلت دابتي فلي عليك ثمنها ألف فقال لا تلزمني أو لا يستحقه علي شيئا منه فقد أجاب وإن اعترف بالقتل احتاج إلى مسقط ولو قال لي عليك مائة دينار قال بل ألف درهم فما أجاب ويلزمه الألف إن صدقه المدعي ودعوى الذهب باقية نص عليه "وإن ادعى عليه عينا في يده فأقر بها لغيره جعل الخصم فيها" وكان صاحب اليد لأن من في يده العين اعترف أن يده نائبة عن يده وإقرار الإنسان بما في يده إقرار صحيح.
"وهل يحلف المدعى عليه على وجهين" :أحدهما: يحلف أنه لا يعلم أنها للمدعي قدمه في الشرح وجزم به في الكافي والوجيز لأنه لو أقر له بها لزمه غرمها كما لو قال هذه العين لزيد ثم قال هي لعمر فإنها تدفع إلى زيد ويغرم قيمتها لعمرو من لزمه الغرم مع الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار فعلى هذا إن نكل عنها مع طلبها أخذ منه بدلها ثم إن صدقه المقر له فهو كأحد مدعيين على ثالث أقر له الثالث: وسيأتي و الثاني: لا يحلف لأن الخصومة انقلبت إلى غيره فوجب أن تنتقل اليمين إلى ذلك الغير.
مسألة: قال أبن حمدان: من أقر بعين أو دين لزيد فكذبه صدق به عن ربه مضمونا له إذا علم بعد وإن بان أنه لزيد لم يسقط حقه بإنكاره جهلا ويغرمه المقر وفيه احتمال "فإن كان المقر له حاضرا مكلفا سئل" ليتبين الحال "فإن ادعى لنفسه ولم تكن بينة حلف وأخذها" لأنه كالمدعى عليه وقد أنكر(10/53)
وإن أقر بها للمدعي سلمت إليه وإن قال ليست لي ولا أعلم لمن هي سلمت إلى المدعي في أحد الوجهين وفي الآخر لا تسلم إليه إلا ببينة ويجعلها الحاكم عند أمين وإن أقر بها لغائب أو صبي أو مجنون سقطت عنه الدعوى ثم إن كان للمدعي بينة سلمت إليه وهل يحلف على وجهين وإن لم تكن له بينة،
__________
فيحلف ويأخذ العين لأنه ظهر كونها له بإقرار من العين في يده واندفعت خصومة المدعي فوجب الأخذ عملا بالمقتضي "وإن أقر بها للمدعي سلمت إليه" لأن اليد صارت للمقر له أشبه ما لو ادعى شخص فأقر بها له.
"وإن قال ليست لي" أو قال ذلك المدعي عليه ابتداء "ولا أعلم لمن هي سلمت إلى المدعي في أحد الوجهين" قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز وذكر في الشرح أنه أولى فتسلم إليه بلا بينة لأنه لا منازع له فيها أشبه التي بيده ولأن صاحب اليد لو ادعاها ثم نكل قضي عليه بها للمدعي فمع عدم ادعائه أولى فإن كانا اثنين اقترعا عليها "وفي الآخر لا تسلم إليه إلا ببينة" تشهد بذلك لأنه لم يثبت أنه مستحقها "ويجعلها الحاكم عند أمين" كمال ضائع ويتخرج أن يحلف المدعي أنها له وتسلم إليه بناء على القول برد اليمين إذا نكل المدعى عليه وقيل: يقر بيد المدعى عليه وهو المذهب قاله في المحرر "وإن أقر بها لغائب أو صبي أو مجنون سقطت عنه الدعوى" لأن الدعوى صارت على غيره ويصير الغائب والولي خصمين إن صدقا وحلف المدعى عليه للمدعي قاله في الرعاية "ثم إن كان للمدعي بينة سلمت إليه" لأن جانبه قد ترجح بها "وهل يحلف" معها "على وجهين" هما روايتان:
إحداهما: لا يحلف جزم بها في الوجيز وهي أشهر لأن البينة وحدها كافية للخبر و الثانية: بلى لأن الغائب والصغير والمجنون لا يقوم منهم واحد بالحجة فاحتيج إلى اليمين لتأكيد البينة وقيل: إن جعل قضاء على غائب أخذها وحلف وإلا فلا وفي الرعاية إنه إذا حضر الغائب وأقام بينة أنها له تعارضتا وأقرت بيد المدعي إن قدمنا بينة الخارج وإلا فهي للغائب "وإن لم يكن له بينة" لم يقض له بها ويوقف الأمر حتى يقدم الغائب ويصير غير المكلف(10/54)
حلف المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليمها إليه وأقرت في يده إلا أن يقيم بينة أنها لمن سمى فلا يحلف وإن أقر بها لمجهول قيل: له إما أن تعرفه أو نجعلك ناكلا.
فصل
ولا تصح الدعوى إلا محررة تحريرا يعلم بها المدعى،
__________
مكلفا فتكون الخصومة له "حلف المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليمها إليه" لأنه لو أقر لزمه الدفع ومن لزمه الدفع مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار "وأقرت في يده" لأن المدعي اندفعت دعواه باليمين وفي الشرح إذا قال المدعي أحلفوا المدعى عليه أحلفناه وتقر العين في يده ولو نكل عن اليمين غرم بدلها.
وقال أبن حمدان: بل تكون عند أمين الحاكم حتى يأخذها المقر له.
فإن كان المدعي اثنين غرم عوضين لهما وفي الشرح متى عاد المقر بها لغيره ادعاها لنفسه لم تسمع لأنه أقر بأنه لا يملكها فلا يسمع منه الرجوع بعد إقراره "إلا أن يقيم بينة أنها لمن سمى فلا يحلف" أي إذا أقام المدعى علية بينة أنها لمن سماه سمعها الحاكم لزوال التهمة عن الحاضر وسقوط اليمين عنه ولم يقض بها لأن البينة للغائب والغائب لم يدعها هو ولا وكيله ويتخرج أن يقضي بها إذا قلنا: بتقديم بينة الداخل وأن للمودع المحاكمة في الوديعة إذا غصبت واقتصر في الرعاية على حكاية هذا التخريج فقط.
فرع: إذا ادعى من هي بيده أنها معه بإجارة أو عارية وأقام بينة بالملك للغائب لم يقض بها ويتخرج بلى على ما قلناه وذكر في الرعاية أنه إن ثبت ذلك و قلنا: لهما المحاكمة ثبت الملك "وإن أقر بها لمجهول قيل: له إما أن تعرفه وإما أن نجعلك ناكلا" ونقضي عليك لأنه لا يمكن الدعوى على مجهول فيضيع الحق بإقراره هذا فإن ادعاها لنفسه لم تسمع في الأشهر.
فصل
"ولا تصح الدعوى إلا محررة تحريرا يعلم به المدعي" لأن الحاكم يسأل(10/55)
إلا في الوصية والإقرار فإنها تجوز بالمجهول فإن كان المدعى عينا حاضرة عينها وإن كانت غائبة ذكر صفاتها إن كانت تنضبط بها والأولى
__________
المدعى عليه عما ادعاه المدعي فإن اعترف به ألزمه ولا يمكنه أن يلزمه مجهولا "إلا في الوصية" وعليها اقتصر السامري "والإقرار" والخلع وعبد مطلق في مهر حيث صححناه "فإنها تجوز بالمجهول" لأنه لو أوصى أو أقر بشيء مجهول لصح فكذا هذا وشرطها أيضا أن تكون متعلقة بالحال فلا بد في الدعوى بالدين أن يكون حالا وقيل: تسمع بدين مؤجل لإثباته إذا خاف سفر الشهود وقال في الترغيب الصحيح أنها تسمع فيثبت أصل الحق للزومه في المستقبل كدعوى تدبير وأنه يحتمل في قتل أبي أحد هؤلاء الخمسة أنه يسمع للحاجة لوقوعه كثيرا ويحلف كل منهم وكذا دعوى غصب وسرقة لا إقرار وبيع إذا قال نسيت لأنه مقصر وإن يصرح بها فلا يكفي قوله عن دعوى في ورقة ادعى بما فيها وأن تنفك عما يكذبها فلو ادعى عليه أنه قتل أباه منفردا ثم ادعى على آخر المشاركة فيه لم تسمع الثانية: ولو أقر الثاني: إلا أن يقول غلطت أو كذبت في الأول: فالأظهر تقبل قاله في الترغيب لإمكانه والحق لا يعدوهما "فإن كان المدعى عينا حاضرة" في المجلس "عينها" لأنه ينتفي اللبس وكذا إن كانت حاضرة لكن لم تحضر بمجلس الحكم اعتبر إحضارها للتعيين ويجب إحضارها على المدعى عليه إن أقر بيده مثلها ولو ثبت أنها بيده ببينة أو نكول حبس أبدا حتى يحضرها أو يدعي تلفها فيصدق للضرورة وتكفي القيمة.
تنبيه: إذا ادعى دينا على أبيه ذكر موته وحرر الدين والتركة ذكر القاضي وفي المغنى أو أنه وصل إليه من تركة أبيه ما يفي بدينه وإن ادعى مالا مطلقا لم يجب ذكر سببه وقدره وجنسه ذكره في الرعاية فإن ادعى عينا أو دينا لم يعتبر ذكر سببه وجها واحدا لكثرة سببه ويكفيه أن يقول استحق هذه العين التي في يدك أو ذمتك "وإن كانت غائبة ذكر صفاتها إن كانت تنضبط بها" لأنها تتميز بذلك وكذا إن كانت في الذمة "والأولى" مع(10/56)
ذكر قيمتها. وإن كانت تالفة من ذوات الأمثال ذكر قدرها وجنسها وصفتها وإن ذكر قيمتها كان أولى وإن لم تنضبط بالصفات فلا بد من ذكر قيمتها وإن ادعى نكاحا فلا بد من ذكر المرأة بعينها إن حضرت وإلا ذكر اسمها ونسبها وذكر شروط النكاح وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها في الصحيح من المذهب وإن ادعى بيعا أو عقدا سواه فهل يشترط ذكر شروطه يحتمل وجهين.
__________
ذلك "ذكر قيمتها" لأنه أضبط "وإن كانت تالفة من ذوات الأمثال ذكر قدرها وجنسها وصفتها" ما يكفي في السلم لأن المثل واجب لا يتحقق المثل بدونها وإن ذكر قيمتها كان أولى لأنه أضبط وأحضر "وإن لم تنضبط بالصفات فلا بد من ذكر قيمتها" لأنها لا تعلم إلا بذلك "وإن ادعى نكاحا فلا بد من ذكر المرأة بعينها إن حضرت" لأن اللبس ينتفي بذلك "وإلا" ذكر "اسمها ونسبها" لأنها لا تتميز إلا بذلك "وذكر شروط النكاح" المعتبرة في الحضور والغيبة صححه في المستوعب والمحرر والرعاية ونصرة في الشرح لأن الناس اختلفوا في شروطه فلم يكن بد من ذكرها حتى يعلم الحال على ما هي عليه ليعرف كيف يحكم "وإن تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها في الصحيح من المذهب" وعنه: لا يشترط ذلك لأنه نوع ملك كما لو ادعى بيعا أو عقدا غيره والأول: أصح والفرق أن الفروج يحتاط لها بخلاف غيرها ولأنه مبني على الاحتياط وتتعلق العقوبة بجنسه فاشترط شروطه كالقتل فإن ادعى استدامة الزوجية ولم يدع عقدا لم يحتج إلى ذكر شروطه في الأصح لأنه ثبت بالاستفاضة التي لا يعلم معها اجتماع الشروط وفي آخر بلى كدعوى العقد وفي الترغيب يعتبر في النكاح وصفه بالصحة وأنه لا يعتبر انتفاء المفسد وأنها ليست معتدة ولا مرتدة.
"وإن ادعى بيعا أو عقدا سواه فهل يشترط ذكر شروطه يحتمل وجهين" أصحهما: يعتبر ذكر شروطه كالنكاح و الثاني: لا يشترط قدمه في الكافي وذكر في الشرح أنه أولى وأصح وقد سبق ذكر الفرق بينهما.(10/57)
وإن ادعت المرأة نكاحا على رجل وادعت معه نفقة أو مهرا سمعت دعواها وإن لم تدع سوى النكاح فهل تسمع دعواها على وجهين.
__________
وقيل: يشترط في ملك الإماء خاصة وعلى الأول: لو ادعى بيعا لازما أو هبة مقبوضة كفى في الأشهر وفي اعتبار وصف البيع بأنه صحيح وجهان.
وقيل: ويذكر القيمة والوصف دون ذكر القيمة فلو ادعى بيعا أو هبة لم تسمع إلا أن يقول ويلزمك التسليم إلي لاحتمال كونه قبل التسليم وما لزم ذكره في الدعوى ولم يذكره سأله الحاكم عنه لتصير الدعوى معلومة فيمكن الحاكم الحكم بها.
فرع: إذا ادعى عقارا غائبا بعيدا كفى شهرته عندهما وعند حاكم عن تحديده لحديث الحضرمي والكندي وإن كان قريبا عينه إن أمكن.
"وإن ادعت المرأة نكاحا على رجل وادعت معه نفقة أو مهرا سمعت دعواها" بغير خلاف نعلمه لأن حاصل دعواها دعوى الحق من المهر ونحوه "وإن لم تدع سوى النكاح فهل تسمع دعواها على وجهين:" كذا في المحرر والفروع.
أحدهما: تسمع وهو قول القاضي لأن النكاح يتضمن حقوقا لها أشبه ما لو ادعت مع النكاح مهرا.
و الثاني: لا تسمع جزم به في الوجيز وهو أشهر لأنه حق عليها فدعواها له إقرار لا يسمع مع إنكار المقر له ولا يشترط ذكر انتفاء مفسداته فإن قلنا: بالأول: قبل قول الزوج بغير يمين إذا لم تكن بينة لأنه إذا لم تستحلف المرأة والحق عليها فلأن لا يستحلف من الحق له وهو ينكره أولى ويحتمل أن تستحلف لأن دعواها إنما سمعت لتضمنها دعوى حقوق مالية فشرع فيها اليمين وإن قامت البينة بالنكاح ثبت لها ما تضمنه النكاح من حقوقها وأما إباحتها له فتنبني على باطن الأمر فإن علم أنها زوجته حلت له لأن إنكاره النكاح ليس بطلاق إلا أن ينويه وإن علم أنها ليست امرأته لم تحل له هل يمكن(10/58)
وإن ادعى قتل موروثه ذكر القاتل وأنه انفرد به أو شارك غيره وأنه قتله عمدا أو خطا أو شبه عمد ويصفه وإن ادعى الإرث ذكر سببه وإن ادعى شيئا محلى قومه بغير جنس حليته فإن كان محلى بذهب وفضة قومه بما شاء منهما للحاجة.
__________
منها في الظاهر؟ فيه وجهان.
فرع: إذا ادعى رق جارية رجل فصدقه لم يستحقها بإقراره "وإن ادعى قتل موروثه ذكر القاتل وأنه انفرد به أو شارك غيره وأنه قتله عمدا أو خطأ أو شبه عمد ويصفه" لأن الحال يختلف باختلاف ذلك فلم يكن بد من ذكره لترتب حكم الحاكم عليه.
ولو قال قده نصفين وكان حيا أو ضربه وهو حي صح ولو لم يذكر الحياة فوجهان.
وإن قال: ضربه بسيف فأوضح رأسه فهل يشترط أن يقول فأوضح عظمه قال أبن حمدان: يحتمل وجهين "وإن ادعى الإرث ذكر سببه" لاختلافه قال في الرعاية وقدره ولا يكفي قوله مات فلان وأنا وارثه "وإن ادعى شيئا محلا قومه بغير جنسه" لئلا يؤدي إلى الربا "فلو كان محلى بذهب وفضة قومه بما شاء منهما للحاجة" إذ الثمنية منحصرة فيهما فإن ادعى نقدا من نقد البلد كفى ذكر قدره قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز وقيل: لا بد من ذكر وصفه.
فرع: إذا ادعى أن زيدا أقر له بألف لم تسمع حتى يقول ادعي عليه حالا أطلبه بما فيها منه ولا يكفي قوله لي عليك أو لي في ذمتك كذا حتى يقول وهو حال وأنا أطلبك به وفي الوديعة يقول وأنا أطلب أن تمكنني من أخذها ولا يقول أطلب تسليمها فإنه لا يلزم تسليمها إليه بل التمكين منها ولا يجب ذكر قيمتها العارية والغصب ويقول وهما في يده يلزمه تسليمها إلي وفي السلم يذكر شروطه وكذا في دعوى الغصب والسرقة والإتلاف في وجه فإذا ادعى أنها له في الحال فشهدت أنها له أمس أو في يده لم تسمع في(10/59)
فصل
وتعتبر في البينة العدالة ظاهرا وباطنا في اختيار أبي بكر والقاضي.
__________
الأشهر وإن قال خصمه كانت بيدك أمس لم يلزم خصمه شيء.
مسأله: تصح دعوى الحسبة من كل مسلم مكلف رشيد في حق الله تعالى وفي حق كل آدمي غير معين كرباط وجسر وإن لم يطلبه مستحقه وتصح الشهادة به قبل الدعوى وبعدها من ربه وغيره.
ادعى شجرة أو دابة لم يستحق النتاج والثمرة قبل ذلك ولا الثمرة الظاهرة عند إقامة البينة ويستحق الموجود إذن وقيل: لا إلا أن يثبت ملكه للأصل قبل ذلك ومن اشترى شيئا فأخذ منه بحجة مطلقا رد بائعه ثمنه الذي قبضه وقيل: إن كان ملكا سابقا على المشتري
ومن ادعى ملكا مطلقا فذكر شهود الملك وسببه صح ولم يضره ذكره ولو ذكر المدعي سببا غيره ردت شهادتهم.
شهد له عدلان بحق مالي لا عند حاكم فله أخذه في الأقيس وإن شهدا له بقود لا عند حاكم فلا يأخذه وقيل: بلى كما لو شهدت عند حاكم.
فرع: أعطى دلالا ثوبا يساوي عشرة ليبيعه بعشرين فجحده فقال ادعي ثوبا إن كان باعه فلي عشرون وإن كان باقيا فلي عينه وإن كان تالفا فلي عشرة فقد اصطلح القضاة على قبول هذه الدعوى المردودة للحاجة ذكره في الترغيب.
وإن غصب ثوبا فإن كان باقيا فلي رده وإلا قيمته صح وقيل: بل يدعيه فإن حلف المنكر ادعى قيمته وإن قامت بينة على مجهول بيد المنكر سمعت في الأشهر.
فصل
"وتعتبر في البينة العدالة ظاهرا وباطنا في اختيار أبي بكر والقاضي" قدمه في الرعاية والكافي وذكر أنه ظاهر المذهب ونصره في الشرح وذكر(10/60)
وعنه: تقبل شهادة كل مسلم لم تظهر منه ريبة اختاره الخرقي وإن جهل إسلامه رجع إلى قوله والعمل على الأول.
__________
في المحرر أنه اختيار الخرقي لقوله تعالى :{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} الآية[الحجرات:6] ولقوله عليه السلام: "لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه ولا محدود في الإسلام" وسواء طعن الخصم فيه أو لا لأن العدالة شرط فيجب العمل بها كالإسلام فعلى هذا يكتب اسمه ونسبه وكنيته وحليته وصنعته وسوقه ومسكنه ومن شهد له وعليه وما شهد به في رقاع ويدفعها إلى أصحاب مسائله الذين يعرفونه حال من جهل عدالته من غير شحناء ولا عصبية ويجتهد أن لا يعرفهم المشهود ولا المشهود عليه ولا المسئولون ويدفع إلى كل واحد رقعة ولا يعلم بعضهم ببعض ليسألوا عنه فإن رجعوا بتعديله قبله من اثنين منهم قدمه في الشرح ورجحه في الرعاية ويشهدان بلفظ الشهادة.
وقيل: لا يقبل إلا شهادة المسئولين لأنهم شهود أصل فإن قالا نشهد أنه عدل ولم يبينا سببه فوجهان " وعنه: تقبل شهادة كل مسلم لم يظهر منه ريبة" وهي قول الحسن "اختارها الخرقي" وأبو بكر وصاحب الروضة لقبول النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابي برؤية الهلال ولقول عمر المسلمون عدول ولأن العدالة أمر خفي سببها الخوف من الله تعالى ودليل ذلك الإسلام فإذا وجد فليكتف به ما لم يقم دليل على خلافة فعلى هذه إن جهل إسلامه رجع إلى أقواله لأنه إن لم يكن مسلما صار مسلما بالاعتراف ولا يكفي ظاهر الدار ذكره الأصحاب وفي جهل حريته المعتبرة وجهان أحدهما: لا بد من معرفة ذلك جزم به في الشرح.
وفي عيون المسائل إن منعوا عدالة العبد فيمنع بقوله عليه السلام يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله وهم من حمال العلم والحديث والفتوى فهم عدول بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "والعمل على الأول".
وقولهم: إن ظاهر المسلم العدالة ممنوع بل الظاهر عكس ذلك وقول عمر معارض بما روي عنه أنه أتي بشاهدين فقال لهما لست أعرفكما ولا(10/61)
وإذا علم الحاكم عدالتهما عمل بعلمه وحكم بشهادتهما إلا أن يرتاب بهما فيفرقهما ويسأل كل واحد كيف تحملت ومتى وفي أي موضع وهل كنت وحدك أو أنت وصاحبك فإن اختلفا لم يقبلهما وإن اتفقا وعظهما وخوفهما فإن ثبتا حكم بهما إذا سأله المدعي فإن جرحهما المشهود عليه كلف البينة بالجرح فإن سأل الإنظار أنظر ثلاثا،
__________
يضركما إن لم أعرفكما ولأن الأعرابي قد صار صحابيا وهم عدول كلهم.
"وإذا علم الحاكم عدالتهما عمل بعلمه" في عدالة البينة لأنه لو لم يكتف بذلك لتسلسل لأن المزكي يحتاج إلى عدالتهما فإذا لم يعمل بعلمه احتاج كل واحد من المزكين ثم كل واحد ممن يزكيهما إلى مزكين إلى مالا نهاية له وعكسه بعكسه "وحكم بشهادتهما" لأن شروط الحكم قد وجدت "إلا أن يرتاب بهما" فإنه يلزم سؤالهما والبحث عن صفة تحملهما وغيره "فيفرقهما" استحبابا صرح به في المحرر والكافي والوجيز وعبارة السامري وابن حمدان كالتي قبلها "ويسأل كل واحد: كيف تحملت الشهادة؟ ومتى؟ وفي أي موضع؟ وهل كنت وحدك أو أنت وصاحبك؟" لما روي عن علي أن سبعة خرجوا ففقد واحد منهم فأتت زوجته عليا فدعي الستة فسأل واحدا منهم فأنكر فقال: الله أكبر فظن الباقون أنه قد اعترف فاستدعاهم فاعترفوا فقال للأول قد شهدوا عليك فاعترف فقتلهم "فإن اختلفا لم يقبلهما" ذكره الأصحاب لأنه ظهر له ما يمنع قبولها وقال في المستوعب: يوقف عن قبولها قدمه في الرعاية وفي الشرح سقطت شهادتهما "وإن اتفقا وعظهما وخوفهما" لأن ذلك سبب لتوقفهما بتقدير كونهما شاهدي زور "فإن ثبتا" على قولهما "حكم بها إذا سأله المدعي" لأن الشرط ثبات الشاهدين على شهادتهما إلى حين الحكم وطلب المدعي الحكم وقد وجد ذلك كله ويستحب أن يقول للمنكر قد قبلتهما فإن جرحتهما وإلا حكمت عليك ذكره السامري "وإن جرحهما المشهود عليه كلف البينة بالجرح" ليتحقق صدقه أو كذبه "وإن سأل الإنظار أنظر ثلاثا" ذكره في الكافي والمستوعب والوجيز وصححه في الرعاية لأن تكليفه إقامتها في أقل من ذلك يشق(10/62)
وللمدعي ملازمته فإن لم يقم بينة حكم عليه ولا يسمع الجرح إلا مفسرا بما يقدح في العدالة إما أن يراه أو يستفيض عنه وعنه: أنه يكفي أن يشهد أنه فاسق وليس بعدل.
__________
ويعسر فإن أقام المدعي عليه بينة أنهما شهدا عند قاض بذلك فردت شهادتهما لفسقهما بطلت شهادتهما لأن الشهادة إذا ردت لفسق لم تقبل مرة ثانية.
فرع: لا يجوز للحاكم أن يرتب شهودا لا يقبل غيرهم لكن له أن يرتب شهودا يشهدهم الناس فيستغنون بإشهادهم عن تعديلهم ويكتفى عن الكشف عن أحوالهم قال أحمد: ينبغي للقاضي أن يسأل عن شهوده كل قليل وهل هو مستحب أو واجب فيه وجهان "وللمدعي ملازمته" لأن حقه قد توجه والمدعى عليه يدعي ما يسقطه والأصل عدمه "فإن لم يقم بينة حكم عليه" لأن الحق قد وضح على وجه لا إشكال فيه و"لا يسمع الجرح إلا مفسرا بما يقدح في العدالة إما أن يراه أو يستفيض عنه" قدمه في المستوعب والمحرر والرعاية وذكر في الكافي أنه المذهب ونصره في الشرح وجزم به في الوجيز لأن الناس يختلفون في أسباب الجرح كاختلافهم في شارب يسير النبيذ فوجب أن لا يقبل مجرد الجرح لئلا يجرحه بما لا يراه القاضي جرحا وفي الاستفاضة وجه كتزكية.
"وعنه: أنه يكفي أن يشهد أنه فاسق وليس بعدل" كالتعديل في الأصح لأن التصريح بالسبب يجعل الجارح فاسقا فوجب عليه الحد في بعض الحالات وجوابه: بأنه يمكنه التعريض وقيل: إن اتحد مذهب الجارح والحاكم أو عرف الجارح أسباب الجرح قبل إجماله وإلا فلا وفي المحرر المبين أن يذكر ما يقدح في العدالة والمطلق أن يقول هو فاسق وقال القاضي هو المبين والمطلق أن يقول الله أعلم به ونحوه ولا يكفي قوله بلغني عنك كذا لقوله تعالى :{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86]
فرع: إذا صرح الجارح بقذفه بالزنا فعليه الحد إن لم يأت بتمام أربعة شهداء ولا يقبل فيه ولا في التعديل شهادة النساء وعنه: بلى كالرواية وأخبار(10/63)
وإن شهد عنده فاسق يعرف حاله قال للمدعي زدني شهودا وإن جهل حاله طالب المدعي بتزكيته ويكفي في التزكية شاهدان يشهدان أنه عدل مرضي ولا يحتاج أن يقول علي ولي.
__________
الديانات وجوابه: بأنها شهادة فيما ليس بمال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال أشبه الشهادة في القصاص ولا يقبل الجرح من الخصم بغير خلاف.
مسألة: لا تقبل شهادة المتوسمين وذلك إذا حضر شاهدان مسافران فشهدا عند حاكم لا يعرفهما كشاهدي الحضر "وإن شهد عنده فاسق يعرف حاله قال للمدعي زدني شهودا" الآن ذلك يحصل المقصود مع الستر على الشاهد "وإن جهل حاله" لزمه البحث لقول عمر رضي الله عنه للشاهدين: جيئا بمن يعرفكما ولأن العدالة شرط فالشك في وجوده "وطالب المدعي بتزكيته" ا كعدمها كشروط الصلاة "ويكفي في التزكية شاهدان يشهدان أنه عدل مرضي فيه قول أكثر العلماء" لقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] فإذا شهدا أنه عدل ثبت ذلك بشهادتهما فيدخل في عموم الآية وفي الترغيب إذا قلنا: ليست شهادة ولا يعتبر لفظ الشهادة والعدد في الجميع وهي حق الشرع يطلبها الحاكم وإن سكت عنها الخصم وقيل: بل حقه "ولا يحتاج أن يقول لي وعلي" لأنه إذا كان عدلا لزم أن يكون له وعليه وعلى سائر الناس وفي كل شيء فلا يحتاج إلى ذكره خلافا للشافعي لئلا يكون بينهما عداوة أو قرابة ولئلا يكون عدلا في شيء دون آخر وفي الشرح لا يصح أن يكون ذلك فإن من ثبتت عدالته لم تزل بقرابة ولا عداوة وإنما ترد للتهمة مع كونه عدلا ثم إن هذا إذا كان معلوما انتفاؤه بينهما لم يحتج إلى ذكره ولا نفيه عن نفسه كما لو شهد بالحق من عرف الحاكم عدالته ولأن العدو لا يمنع من شهادته له بالتزكية وإنما تمنع الشهادة عليه ولا يكفي فيها أن يقول ما أعلم إلا خيرا.
تنبيه: يشترط في قبول المزكين معرفة الحاكم خبرتهما الباطنة بصحبة(10/64)
وإن عدله اثنان وجرحه اثنان فالجرح أولى وإن سأل المدعي حبس المشهود عليه حتى يزكي شهوده فهل يحبس على وجهين.
__________
ومعاملة ونحوهما وفي الترغيب ومعرفة الجرح والتعديل لقول عمر لأن عادة الناس إظهار الطاعات وإسرار المعاصي وفي الرعاية وغيرها ولا يتهم بمعصية وتعديل الخصم وحده تعديل في حق الشاهد وكذا تصديقه له ولا تصح التزكية في واقعة واحدة في الأشهر فيهن قال أحمد: لا يعجبني أن يعدل لأن الناس يتغيرون وقال قيل: لشريح قد أحدثت في قضائك قال إنهم أحدثوا فأحدثنا وذكر جماعة لا يلزم المزكي الحضور للتزكية وفيه وجه وإن جهل الحاكم أنه من أهل الخبرة الباطنة منعه.
قال في الشرح يحتمل أن يريد الأصحاب بما ذكروه أن الحاكم إذا علم أن المعدل لا خبرة له لم تقبل شهادته بالتعديل كما فعل عمر ويحتمل أنهم أرادوا لا يجوز للمعدل الشهادة بالعدالة إلا إن تكون خبرة باطنة فأما الحاكم إذا شهد عنده العدل بالتعديل ولم يعرف حقيقة الحال فله أن يقبل الشهادة من غير كشف وإن استكشف الحال كما فعل عمر فحسن.
"وإن عدله اثنان وجرحه اثنان فالجرح أولى" في قول أكثر العلماء لأن الجارح يخبر بأمر باطن خفي على المعدل وشاهد العدالة يخبر عن أمر ظاهر ولأن الجارح مثبت والمعدل ناف وكذا إن زاد عدد المعدل على ذلك فإن عدله اثنان وجرحه واحد وقبلنا جرحه قدم التعديل ذكره في المحرر والمستوعب والرعاية وعلله في الكافي بأن بينة الجرح لم تكمل وإن جرحه اثنان قدما إذا بينا سبب جرحه فإن أخير أحدهما بتعديله والآخر بجرحه بعث آخرين فإن أخبرا بجرحه ردت شهادته وإن لم يبعث أحدا قدم الجرح.
فرع: إذا عصى في بلده فانتقل عنه فجرحه اثنان في بلده وزكاه اثنان في البلد الذي انتقل إليه قدم التزكية ويكفي فيها الظن بخلاف الجرح "وإن سأل المدعي حبس المشهود عليه حتى يزكي شهوده فهل يحبس على وجهين:" أشهرهما: أنه يحبس وجزم به في الوجيز وزاد لمدة ثلاثة أيام لأن الظاهر(10/65)
وإن أقام شاهدا وسأله حبسه حتى يقيم الآخر حبسه إن كان في المال وإن كان في غيره فعلى وجهين وإن حاكم إليه من لا يعرف لسانه ولا يقبل في الترجمة والجرح والتعديل والتعريف والرسالة إلا قول عدلين.
__________
العدالة ويحبس حتى يفعل ذلك و الثاني: لا يجيبه إلى ذلك لأن الأصل براءة الذمة وقيل: يحبس في المال ونحوه فقط وكذا الخلاف لو سأل كفيلا به في غير حد أو جعل عين مدعاه في يد عدل قبل التزكية "وإن أقام شاهدا وسأل حبسه حتى يقيم الآخر حبسه إن كان في المال" جزم به أكثر الأصحاب لأن الشاهد حجة فيه مع يمين المدعي واليمين إنما تتعين عند تعذر شاهد آخر ولم يحصل التعذر وقيل: لا يحبس "وإن كان في غيره فعلى وجهين:"
أحدهما: لا يحبسه لأنه لا يكون حجة في إثباته أشبه ما لو لم تقم بينة و الثاني: بلى كالتي قبلها والأول: أولى لأنه إن حبس ليقيم شاهدا آخر يتم بها البينة فهو كالحق الذي لا يثبت إلا بشاهدين وإن حبس ليحلف معه فلا حاجة إليه لأن الحلف ممكن في الحال فإن ثبت حقه وإلا لم يجب شيء وفي الرعاية أنه يحبس في المال وغيره ثلاثة أيام فإن أقام شاهدا آخر وإلا حلف غريمه وأطلق وقيل: إن طلب يمين المنكر فأبى ولم تثبت عدالة الشاهد حبس وإلا فلا وقيل: إن توقف الحكم على شاهد آخر لم يحبس غريمه حتى يقيمه وإلا فاحتمالان.
فرع: إذا أقام العبد شاهدين بأن سيده أعتقه وسأل الحاكم أن يحول بينه وبين سيده فوجهان وإن أقامت المرأة شاهدين بطلاقها ولم تعرف عدالة الشهود حيل بينه وبينها لا إن أقامت شاهدا واحد "وإن حاكم إليه من لا يعرف لسانه ترجم له من يعرف لسانه" لأنه لا يعرف ما يترتب الحكم عليه إلا بذلك و "لا يقبل في الترجمة والجرح والتعديل والتعريف" المراد به تعريف الحاكم لا تعريف الشاهد المشهود عليه قال أحمد: لا يجوز أن يقول الرجل للرجل أنا أشهد أن هذه فلانة ويشهد على شهادتي والفرق أن الحاجة تدعو إلى ذلك في الحاكم لأنه يحكم بغلبة الظن "والرسالة" والتزكية "إلا قول عدلين" قدمه في المحرر والمستوعب وجزم به في الوجيز وهو المذهب لأن ذلك إثبات شيء يبني الحاكم حكمه عليه فافتقر إلى ذلك كسائر الحقوق فعلى هذا لا بد(10/66)
وعنه: يقبل قول واحد ومن ثبتت عدالته مرة فهل يحتاج إلى تجديد البحث عن عدالته مرة أخرى على وجهين.
__________
من عدلين ذكرين أجنبيين يشهدا بذلك شفاها وهذا في غير المال والزنى أما المال فيشهد رجلان أو رجل وامرأتان وفي الزنى الأصح أنه لا بد من أربعة وذلك شهادة فيعتبر فيه ما يعتبر فيها "وعنه: يقبل قول واحد في الكل" اختاره أبو بكر لحديث زيد ين ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره فتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه وأقرأته كتبهم رواه البخاري.
وقال عمر بن الخطاب وعنده عثمان وعلي وعبد الرحمن: ما تقول هذه فقال عبد الرحمن هذه حاطب تخبرك بالذي صنع معها وقال أبو جمرة كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس وكالرواية وأخبار الديانات.
فعلى هذا يكفي إخبار عدل بدون لفظ الشهادة ولو كان امرأة أو والدا وولدا أو أعمى لمن خبره بعد عماه لا قبله وعنه: بشرط حريته ذكرها ابن هبيرة وجوابه: بأنه يقبل خبر العبد كأخبار الديانات ويكتفى بالرقعة مع الرسول.
وعلى الأول تجب المشافهة وتعتبر شروط الشهادة فيمن رتبه حاكم يسأل سرا عن الشهود لتزكية أو جرح ومن نصبه للحكم بجرح وتعديل وسماع بينة قنع الحاكم بقوله وحده إذا قامت البينة عنده.
"ومن ثبتت عدالته مرة فهل يحتاج إلى تجديد البحث عن عدالته مرة أخرى؟ على وجهين"
أحدهما: لا يحتاج قدمه في المحرر كالزمن القريب ولأن الأصل بقاء ما كان على ما كان فلا يزول حتى يثبت الجرح.
و الثاني: بلى قال في المحرر وهو المنصوص عنه وصححه في الفروع وجزم به في الوجيز مع طول المدة لأن مع طول الزمان تتغير الأحوال.(10/67)
فصل
وإن ادعى على غائب أو مستتر في البلد أو ميت أو صبي أو مجنون وله بينة سمعه الحاكم وحكم بها وهل يحلف المدعي أنه لم يبرأ إليه منه ولا من شيء منه على روايتين.
__________
فصل
"وإن ادعى على غائب" مسافة قصر "أو مستتر في البلد" أو في دون مسافة قصر "أو ميت أو صبي أو مجنون" وعبارة الفروع أو غير مكلف وهي أحسن "وله بينة سمعها الحاكم وحكم بها" قدمه في الكافي والمحرر والمستوعب والفروع وجزم به في الوجيز ونصره في الشرح واختاره الخلال وصاحبه لحكمه عليه السلام على أبي سفيان في حديث هند ولم يكن حاضرا ولأن عدم سماعها يفضي إلى تأخير الحق مع إمكان استيفائه والسماع من أجل الحكم وليس تقدم الإنكار هنا شرطا ولو فرض إقراره فهو تقوية لثبوته قال في الترغيب وغيره لا تفتقر البينة إلى جحود إذ الغيبة كالسكوت والبينة تسمع على ساكت لكن لو قال هو معترف وأنا أقيم البينة استظهارا لم تسمع وقاله الآدمي وقد علم أن المستتر والميت كالغائب بل أولى لأن المستتر لا عذر له بخلاف الغائب وأما الصبي والمجنون فإنهما لا يعبران عن أنفسهما وظاهره أنه إذا لم تكن له بينة لم تسمع دعواه.
فائدة: ولا يقضى على غائب بحق لله لأن مبناه على المساهلة فإن تعلق به حق آدمي كالسرقة قضى بالغرم دون القطع وفي حد القاذف وجهان "وهل يحلف المدعي أنه لم يبرأ منه ولا من شيء منه؟ على روايتين" إحداهما: لا يستحلف على بقاء حقه اختاره الأكثر وذكره في الشرح ظاهر المذهب لقوله عليه السلام البينة على المدعي واليمين على من أنكر وكما لو كانت على حاضر.(10/68)
ثم إذا قدم الغائب أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون فهو على حجته وإن كان الخصم في البلد غائبا عن المجلس لم تسمع البينة حتى يحضر فإن امتنع عن الحضور سمعت البينة وحكم بها في إحدى الروايتين والأخرى لا تسمع حتى يحضر.
__________
و الثانية: بلى قدمها في المحرر وجزم بها في الوجيز وصححها في الرعاية وقالها أكثر العلماء لأنه يجب الاحتياط ولأنه يحتمل أن يكون قضاه أو غير ذلك وكما لو كان حاضرا فادعى بعض ذلك وطلب اليمين ولا يتعرض في يمينه لصدق البينة لكمالها بخلاف ما أذا قام شاهدا فإنه يحلف معه ولا يلين مع بينة إلا هنا لأن فيه طعنا على البينة وعنه: بلى فعله علي وعنه: مع ريبة وليس ببعيد وعنه: لا يحكم على غائب ونحوه اختاره ابن أبي موسى وكان شريح لا يرى القضاء على الغائب وذكر ابن هبيرة عن أحمد أنه لا يحكم على غائب بحال إلا أن يتعلق الحكم للحاضر مثل أن يكون وكيل الغائب أو وصي أو جماعة شركاء في شيء فيدعي على أحدهم وهو حاضر فيحكم عليه وعلى الغائب "ثم إذا قدم الغائب وبلغ الصبي أو أفاق المجنون فهو على حجته" لأن المانع إذا زال صار كالحاضر المكلف فإن قدم الغائب قبل الحكم لم تجب إعادة البينة لكن يخبره الحاكم بالحال ويمكنه من الجرح فإن جرح البينة بعد أداء الشهادة أو مطلقا لم يقبل لجواز كونه بعد الحكم فلا يقدح فيه وإلا قبل.
"وإن كان الخصم في البلد غائبا عن المجلس" أو غائبا عنها دون مسافة القصر غير ممتنع "لم تسمع الدعوى" ولا البينة حتى يحضر لأن حضوره ممكن فلم يجز الحكم عليه مع حضوره كحاضر مجلس الحكم بحلاف الغائب "فإن امتنع من الحضور سمعت البينة وحكم بها في إحدى الروايتين" قدمها في الفروع وهي أشهر لأنه إذا سمعت على غائب وحكم بها فلأن تسمع على الحاضر الممتنع بطريق الأولى لأن الحاضر الممتنع لا عذر له.
"والأخرى لا تسمع حتى يحضر" لقوله عليه السلام: "لا يقضي للأول حتى يسمع كلام الثاني" فعلى هذا لو لم يقدر عليه وأصر عليه الاستتار حكم(10/69)
فإن أبى بعث إلى صاحب الشرطة ليحضره فإن تكرر منه الاستتار أقعد على بابه من يضيق عليه في دخوله وخروجه حتى يحضر وإن ادعى أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب وله مال في يد فلان أو دين عليه فأقر عليه أو ثبتت بينة سلم إلى المدعي نصيبه وأخذ الحاكم نصيب الغائب فيحفظه له.
__________
عليه نص عليه فإن وجد له مالا وفاه منه وإلا قال للمدعي إن عرفت له مالا وثبت عندي وفيتك منه ونقل أبو طالب يسمعان ولكن لا يحكم عليه حتى يحضر قال في المحرر وهو الأصح.
"فإن أبى بعث إلى صاحب الشرطة ليحضره" فعلى هذا ينفذ من يقول في منزله ثلاثة أيام القاضي يطلبه إلى مجلس الحكم فأخبروه ويحرم أن يدخل عليه بيته لكن صرح في التبصرة إن صح عند الحاكم أنه في منزله أمر بالهجوم عليه وإخراجه ونصه يحكم بعد ثلاثة أيام جزم به في الترغيب وغيره.
وظاهر نقل الأثرم يحكم عليه إذا خرج قال لأنه قد صار في حرمه كمن لجأ إلى الحرم.
"فإن تكرر منه الاستتار أقعد على بابه من يضيق عليه في دخوله وخروجه يراه حتى يحضر" إذ الحاكم يضيق عليه بما يراه حتى يحضر والحكم للغائب ممتنع قال في الترغيب لامتناع سماع البينة له والكتابة له إلى قاض آخر ليحكم له بكتابه بخلاف الحكم عليه ويصح تبعا ونبه عليه بقوله: "فإن ادعى أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب".
أو غير رشيد "وله مال في يد فلان أو دين عليه فأقر المدعى عليه أو ثبت ببينة سلم إلى المدعي نصيبه وأخذ الحاكم نصيب الغائب فيحفظه له" قدمه في المحرر والرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لأن حقه ثبت وذلك يوجب تسليم نصيبه إليه وكذا حكمه بوقف يدخل فيه من لم يخلق تبعا وإثبات أحد الوكيلين والوكالة في غيبة الآخر فتثبت له تبعا وسؤال أحد الغرماء الحجر كالكل وقد سبق.
قال الشيخ تقي الدين: والقضية الواحدة المشتملة على عدد أو أعيان كولد(10/70)
ويحتمل أنه إذا كان المال دينا أن يترك نصيب الغائب في ذمة الغريم حتى يقدم.
__________
الأبوين في المشركة أن الحكم فيها لواحد أو عليه يعمه وغيره وحكمه لطبقة حكم للثانية إن كان الشرط واحدا ثم من أبدى ما يجوز أن يمنع الأول: من الحكم عليه فللثاني الدفع به.
"ويحتمل أنه إذا كان المال دينا أن يترك نصيب الغائب" وغير الرشيد "في ذمة الغريم حتى يقدم" ويرشد الآخر لأنه لا يؤمن عليه التلف إذا قبضه فإن تعذر أخذ الباقي شارك الآخر فيما أخذه فإذا حضر الغائب ورشد الآخر لم تعد الدعوى إلا من جهة غير الإرث وإن أقام الحاضر الرشيد شاهدا وحلف معه في الإرث أخذ حقه فإذا حضر الغائب ورشد الآخر حلفا بدون إعادة البينة إلا في غير الإرث ذكره في الرعاية والأول: أولى لأنه تعرض للتلف لفلس وموت وعزل الحاكم وتعذر البينة وكالمنقول وكما لو آجره صغيرا أو مجنونا ثم إذا دفعنا إلى الحاضر نصف العين أو الدين لم يطالبه بضمين لأن فيه طعنا على الشهود
قال الأصحاب: سواء كان الشاهدان من أهل الخبرة الباطنة أو لا ويحتمل أن لا تقبل شهادتهما في نفي وارث آخر حتى يكونا من أهل الخبرة الباطنة والمعرفة والمتقادمة فعلى هذا يسأل الحاكم ويأمر مناديا ينادي أن فلانا مات فإن كان له وارث فليأت فإذا غلب على ظنه أنه لو كان له وارث لظهر دفع الحاكم إليه نصيبه.
فرع: إذا كان مع الابن ذو فرض فعلى المذهب يعطى فرضه كاملا.
وعلى الآخر: يعطى اليقين وإن كانت له زوجة أعطيت ربع الثمن عائلا فيكون ربع التسع لجواز أن يكونه له أربع زوجات وإن كانت له جدة وثبت موت أمه أعطيتها ثلث السدس وتعطاه عائلا فيكون ثلث العشر ولا يعطى العصبة شيئا.
مسأله: إذا اختلفا في دار في يد أحدهما فأقام المدعي بينة أن الدار كانت له أمس ملكه أو منذ شهر سمعت البينة وقضي بها في الأشهر لأنه ثبت الملك في(10/71)
وإن ادعى إنسان أن الحاكم حكم بحق فصدقه قبل قول الحاكم وحده وإن لم يذكر الحاكم ذلك فشهد عدلان أنه حكم له به قبل شهادتهما وأمضى القضاء وكذلك إن شهدا فلانا وفلانا شهدا عندك بكذا قبل شهادتهما وإن لم يشهد به أحد لكن وجده في قمطره في صحيفة تحت ختمه بخطه فهل ينفذه على روايتين.
__________
الماضي فإذا ثبت استديم حتى يعلم زواله ولا تسمع في وجه صححه القاضي لكن إن انضم إلى شهادته بيان سبب يد الثاني: سمعت وقضي بها فإن أقر المدعى عليه أنها كانت للمدعي أمس سمع إقراره في الصحيح وحكم به ويفارق البينة من وجهين أحدهما أنه أقوى من البينة الثاني: أن البينة لا تسمع إلا على ما ادعاه والدعوى يجب أن تكون متعلقة بالحال والإقرار يسمع ابتداء.
"وإذا ادعى إنسان أن الحاكم حكم له بحق فصدقه قبل قول الحاكم وحده" كما لو أقر خصمه في مجلس الحكم فسأل المدعي الحاكم عن إقراره فقال نعم وليس هذا حكما بعلم إنما هو إمضاء الحكم السابق وقال أبن حمدان: إن منعنا الحكم بعلمه فلا "وإن لم يذكر ذلك فشهد عدلان أنه حكم له به قبل شهادتهما وأمضى القضاء" لقدرته على إمضائه وهذا قول ابن أبي ليلى ومحمد بن الحسن وذكر ابن عقيل: لا يقبلهما وهو مروي عن الحنفية والشافعية لأنه يمكنه الرجوع إلى العلم والاحتياط فلا يرجع إلى الظن كالشاهد إذا نسي شهادته فشهد عنده شاهدان أنه شهد لم يكن له أن يشهد وجوابه: أنهما لو شهدا عنده بحكم غيره قبل فكذا إذا شهدا عنده بحكمه وما ذكروه لا يستقم لأن ذكر ما نسيه ليس إليه والحاكم يمضي ما حكم به إذا ثبت عنده والشاهد لا يقدر على إمضاء شهادته.
ومحل ما ذكره المؤلف ما لم يتيقن صواب نفسه فإن تيقنه لم يقبلهما لقصة ذي اليدين "وكذلك إن شهدا أن فلانا وفلانا شهدا عندك بكذا قبل شهادتهما" كما تقبل شهادتهما على الحق نفسه "وإن لم يشهد به أحد لكن وجده في قمطره تحت ختمه بخطه" وتيقنه ذكره الأصحاب ولم يذكره "فهل ينفذه.؟ على روايتين" أحداهما لا يعمل به إلا أن يذكره نص عليه في الشهادة.(10/72)
وكذلك الشاهد إذا رأى خطه في كتاب بشهادة ولم يذكرها فهل له أن يشهد بها؟ على روايتين.
__________
وذكر القاضي وأصحابه المذهب وفي الترغيب هو الأشهر وقدمه في الرعاية والفروع لأنه حكم حاكم لم يعلمه فلم يجز إنفاذه إلا ببينة كحكم غيره ولأنه يجوز أن يزور عليه وعلى خطه وختمه وكخط أبيه بحكم أو شهادة لم يشهد ولم يحكم بها إجماعا.
و الثانية: يحكم به اختاره في الترغيب وقدمه في المحرر وجزم به الآدمي وصاحب الوجيز
قال المؤلف وهذا الذي رأيته عن أحمد في الشاهد لأنه إذا كان في قمطره تحت ختمه لم يحتمل إلا أن يكون صحيحا إلا احتمالا بعيدا كاحتمال كذب الشاهدين.
و الثالثة: ينفذه مطلقا سواء كان في حرزه وحفظه كقمطره أو لا فإن قلت: لو وجد في دفتر أبيه حقا على إنسان جاز أن يدعيه ويحلف عليه قلنا: هذا يخالف الحكم والشهادة بدليل الإجماع على أنه لو وجد خط أبيه بشهادة لم يجز أن يحكم بها ولا يشهد بها ولو وجد حكم أبيه مكتوبا بخطه لم يجز له إنفاذه ولأنه يمكنه الرجوع فيما حكم به إلى نفسه لأنه فعله فروعي ذلك وأما ما كتبه أبوه فلا يمكنه الرجوع فيه إلى نفسه فيكفي فيه الظن "وكذلك الشاهد إذا رأى خطه" جزما "في كتاب بشهادة ولم يذكرها فهل له أن يشهد بها؟ على روايتين" أي فيها الخلاف السابق وعلل في الشرح الجواز بأن الظاهر أنها خطه وفي الرعاية لو ضاع أو انمحى لم يضره ولو شهد بخلافة صح.
فرع: إذا أخبر حاكم آخر بحكم أو ثبوت عمل به مع غيبة المخبر وفي الرعاية عن المجلس ويقبل خبره في غير عملهما أو في عمل أحدهما وعند القاضي لا يقبل إلا أن يخبر في عمله حاكما في غير عمله فيعمل به إذا بلغ عمله وجاز حكمه بعلمه وجزم به في الترغيب ثم قال وإن كانا في ولاية المخبر فوجهان وفيه إذا قال سمعت البينة فاحكم لا فائدة: فيه مع حياة البينة بل عند العجز عنها.(10/73)
فصل
ومن كان له على إنسان حق ولم يمكنه أخذه بالحاكم وقدر له على مال لم يجز له أن يأخذ قدر حقه نص عليه واختاره عامة شيوخنا وذهب بعضهم من المحدثين إلى جواز ذلك فإن قدر على جنس حقه أخذ قدر حقه وإلا قومه وأخذ بقدر حقه متحريا للعدل في ذلك لحديث هند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وكقوله عليه السلام: "الرهن مركوب ومحلوب".
__________
فصل
"من كان له على إنسان حق ولم يمكنه أخذه بالحاكم وقدر على مال له لم يجز" أي يحرم "أن يأخذ قدر حقه نص عليه واختاره عامة شيوخنا" وهو المشهور في المذهب ونصره في الشرح وغيره ورواه ابن القاسم عن مالك لقوله عليه السلام: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" وقوله: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه" ولأن التعيين والمعارضة بغير رضى المالك إلا إذا تعذر على ضيف أخذ حقه بحاكم فله ذلك. فعلى ما ذكره لو أخذ شيئا لزمه رده أو مثله أو قيمته فإن كان من جنس دينه تساقطا في قياس المذهب وإن كان من غير جنسه غرمه وتقدم لو غصبه مالا أو كان عنده عين ماله أخذه قهرا زاد في الترغيب ما لم يفض إلى فتنة .قال ولو كان لكل منهما دين على الآخر من غير جنسه فجحد أحدهما فليس للآخر أن يجحد وجها واحدا لأنه كبيع دين بدين لا يجوز ولو رضيا "وذهب بعضهم من المحدثين إلى جواز ذلك" هذا رواية فعلى هذا يجب أن يتحريا الأخذ بالعدل "فإن قدر على جنس حقه أخذ بقدره" من غير زيادة على ذلك "وإلا" أي وإن لم يقدر على جنس حقه "قومه وأخذ بقدره" لأن الزائد على ذلك لا مقابل له "متحريا للعدل في ذلك لحديث هند: "خذي ما يكفيك ولدك بالمعروف" ولقوله عليه السلام: "الرهن مركوب ومحلوب" والأول أولى لأن حديث هند قد أشار أحمد إلى الفرق وهو أن حق الزوجية واجب في كل(10/74)
وحكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته في الباطن وذكر ابن أبي موسى عنه رواية أنه يزيل العقود والفسوخ.
__________
وقت والمحاكمة في كل لحظة تشق بخلاف من له دين وفرق أبو بكر وهو أن قيام الزوجية كقيام البينة لأن المرأة لها من البسط في ماله بحكم العادة ما يؤثر في أخذ الحق وبذل اليد فيه بخلاف الأجنبي وعلى الجواز ليس له الأخذ من غير جنسه مع قدرته على جنس حقه وإن لم يجد إلا من غير جنس حقه فيحتمل أنه لا يجوز له تملكه لأنه لا يجوز أن يبيعه من نفسه وهذا يبيعه من نفسه ويلحقه فيه تهمة ويحتمل أن يجوز كما قالوا في الرهن يركب بقدر النفقة.
فأما إن كان مقرا به باذلا له أو كان مانعا له لأمر يبيح المنع كالتأجيل والإعسار أو قدر على استخلاصه بالحاكم لم يجز له الأخذ بغير خلاف.
فرع: نص أحمد في رواية ابنيه وحرب على أن لابن الابن أن يأخذ من مال أبيه بغير إذنه إذا احتاج إليه ذكره الخلال في جامعه ويتخرج جوازه بناء على تنفيذ الوصي الوصية ما في يده إذا كتم الورثة تعيين التركة "وحكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته في الباطن" وهذا قول جمهور العلماء لقوله عليه السلام في حديث أم سلمة : "فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" متفق عليه، ولأنه حكم بشهادة زور فلا يحل له ما كان محرما عليه كالمال المطلق "وذكر ابن أبي موسى رواية أنه يزيل العقود والفسوخ" لما روي عن علي أن رجلا ادعى على امرأة نكاحا فرفعا إلى علي فشهد شاهدان بذلك فقضى بينهما بالزوجية فقالت والله ما تزوجني اعقد بيننا عقدا حتى أحل له فقال شاهداك زوجاك.
فعلى هذا يحل لمدعي النكاح وطء المرأة المشهود عليها والتصرف في العين المبيعة ولمن علم كذب شهود الطلاق أن يتزوج بالمرأة والأول: أصح وحديث علي بتقدير صحته لا حجة فيه لأنه أضاف التزويج إلى الشاهدين لا إلى حكمه لكن اللعان ينفسخ به النكاح وإن كان احدهما كاذبا فالبينة أولى وجوابه بأن(10/75)
..............................................................................
__________
اللعان حصلت به الفرقة لا بصدق الزوج ولهذا لو قامت به البينة لم ينفسخ النكاح لكن أجاب حنبلي بأن اللعان وضعه الشرع لستر الزانية وصيانة النسب فتعقب الفسخ الذي لا يمكن الانفكاك إلا به وما وضعه الشرع للفسخ به زوال الملك وليس من مسألتنا إلا جهل الحاكم بباطن الأمر وعلمهما وعلم الشهود أكثر من النص في الدلالة لأن النص معلوم وهذا محسوس.
وقدم في المحرر كالمقنع ثم استثنى إلا في أمر مختلف فيه قبل الحكم فإنه على روايتين قطع في الواضح وغيره أنه يحيل الشيء عن صفته في مختلف فيه قبل الحكم.
فلو حكم حنفي لحنبلي شفعة جوار زال باطنا في الأعرف ولو حكم لمجتهد أو عليه بما يخالف اجتهاده عمل باطنا بالحكم ذكره القاضي وقيل: باجتهاده وإن باع حنبلي متروك التسمية فحكم بصحته شافعي نفذ عند أصحابنا إلا أبي الخطاب وعلى المذهب من حكم له بزوجية امرأة ببينة زور حلت له حكما ثم إن وطأ مع العلم فكزنى ويصح نكاحها غيره خلافا للمؤلف وإن حكم بطلاقها ثلاثا بشهود زور فهي زوجته باطنا نص عليه ويكره أن يجتمع بها ظاهرا ولا يصح نكاحها غيره ممن يعلم الحال نص عليه فإن وطئها فهل يحد فيه وجهان وقال القاضي يصح النكاح وجوابه: أنه يفضي إلى الجمع بين الوطء للمرأة من اثنين أحدهما يطأها بحكم الظاهر والآخر بحكم الباطن وهذا فساد وكالمتزوج بلا ولي.
مسائل:
الأولى: إذا رد حاكم شهادة واحد برمضان لم يؤثر كملك مطلق وأولى لأنه لا مدخل لحكمه في عبادة ووقت وإنما هو فتوى فلا يقال حكم بكذبه أو بأنه لم يره وفي المعني أن رده ليس بحكم هنا لتوقفه في العدالة ولهذا لو ثبتت حكم.
قال الشيخ تقي الدين: أمور الدين والعبادات المشتركة بين المسلمين لا يحكم(10/76)
.........................................................................................
ـــــــ
فيها إلا الله ورسوله إجماعا فدل على أن إثبات سبب الحكم كرؤية الهلال والزوال ليس بحكم فمن لم يره سببا لم يلزمه شيء وعلى ما ذكره المؤلف أنه حكم.
الثانية: إذا رفع إليه حكم في مختلف فيه لا يلزمه نقضه لينفذه لزمه تنفيذه في الأصح وقيل: مع عدم نص يعارضه وكذا إن كان نفس الحكم مختلفا فيه كحكمه بعلمه ونكوله وشاهد ويمين. وفي المحرر لا يلزمه إلا أن يحكم به حاكم آخر قبله.
الثالثة: إذا رفع إليه خصمان عقدا فاسدا عنده فقط وأقر بأنه نافذ الحكم حكم بصحته فله إلزامهما ذلك ورده والحكم بمذهبه. وقال الشيخ تقي الدين إنه كالبينة ثم ذكر أنه قياس المذهب كبينته إن عينا الحاكم.
الرابعة: من قلد في صحة نكاح لم يفارق بتغير اجتهاده كحكم بخلاف مجتهد نكح ثم رأى بطلانه في الأصح. وقيل: ما لم يحكم به حاكم ولا يلزم إعلام المقلد بتغيره في الأصح وإن بان خطؤه في إتلاف بمخالفة قاطع ضمن لا مستفتيه وفي تضمين مفت ليس أهلا وجهان.(10/77)
باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي
__________
باب حكم كتاب القاضي أبي القاضي
وهو ثابت بالإجماع وسنده قوله تعالى : {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} النمل وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي وملوك الأطراف وكان يكتب إلى عماله وسعاته والحاجة داعية إلى قبوله فإن من له حق في بلده لا يمكنه إتيانه ولا مطالبته إلا بكتاب القاضي وذلك يقتضي وجوب قبوله.(10/77)
يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في المال وما يقصد به المال كالقرض والغضب والبيع والإجارة والرهن والصلح والوصية له والجناية الموجبة للمال ولا يقبل في حد لله تعالى وهل يقبل فيما عدا ذلك كالقصاص والنكاح والطلاق والخلع والعتق والنسب والكتابة والتوكل والوصية إليه على روايتين.
فأما حد القذف فإن قلنا: هو لله تعالى فلا يقبل فيه وإن قلنا: للآدمي فهو كالقصاص،
__________
"يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في المال وما يقصد به المال كالقرض والغصب والبيع والإجارة والرهن والصلح والوصية له والجناية الموجبة للمال" بغير خلاف نعلمه لأن هذا في معنى الشهادة على الشهادة "ولا يقبل في حد لله تعالى" جزم به في المستوعب والمحرر والشرح لأنه مبني على الستر والدرء بالشبهات والإسقاط بالرجوع وفيه رواية في الرعاية قاله مالك وأبو ثور.
"وهل يقبل فيما عدا ذلك كالقصاص والنكاح والطلاق والخلع والعتق والنسب والكتابة والتوكيل والوصية إليه على روايتين:" إحداهما: يقبل قدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز لأنه لا يدرأ بالشبهات.
و الثانية: لا كقول أكثر العلماء وهو قول أبي بكر وابن حامد لأنه لا يثبت إلا بشاهدين كحق الله تعالى وعنه: يقبل إلا في الدماء والحدود.
وفي الشرح أن المذهب لا يقبل في القصاص كالحد وقيل: يقبل فيما تقبل فيه شهادة الفرع: وما لا فلا ذكره في الكافي لأن الكتاب لا يثبت إلا بتحمل الشهادة من جهة القاضي فكان حكمه حكم الشهادة على الشهادة.
"فأما حد القذف فإن قلنا: هو لله تعالى فلا يقبل فيه" كحقوق الله تعالى "وإن قلنا هو لآدمي فهو كالقصاص" جزم في الوجيز بثبوته فيه.(10/78)
ويجوز كتاب القاضي فيما حكم به لينفذه في المسافة القريبة ومسافة القصر ويجوز فيما ثبت عنده ليحكم به في المسافة البعيدة دون القريبة،
__________
تنبيه: اعلم أن الأصحاب ذكروا أن كتاب القاضي حكمه كالشهادة على الشهادة لأنه شهادة على شهادة وذكروا فيما إذا تغيرت حاله أنه أصل ومن شهد عليه فرع فلا يسوغ نقض الحكم بإنكار القاضي الكاتب ولا يقدح في عدالة البينة بل يمنع إنكاره الحكم كما يمنع رجوع شهود الأصل الحكم فدل ذلك أنه فرع لمن شهد عنده وأصل لمن شهد عليه.
"ويجوز كتابه فيما حكم به" مثل أن يحكم على إنسان بحق فيتعين عليه وفاؤه أو يدعي حقا على غائب ويقيم بينة عنده ويسأل الحاكم الحكم عليه فيحكم عليه ويسأله أن يكتب له كتابا بحكمه إلى قاضي البلد الذي فيه الغائب فيكتب له إليه أو تقوم البينة على حاضر فيهرب قبل الحكم عليه فيسأل صاحب الحق الحاكم الحكم عليه وأن يكتب له كتابا بحكمه فيلزم الحاكم إجابته لأن الحاجة داعية إلى ذلك "لينفذه في المسافة القريبة ومسافة القصر" لا نعلم فيه خلافا لأن المكتوب إليه يلزمه قبوله وظاهره ولو كانا ببلد واحد وحكم الحاكم يجب إمضاؤه على كل حاكم واختار الشيخ تقي الدين وفي حق الله تعالى.
"ويجوز فيما ثبت عنده ليحكم به في المسافة البعيدة دون القريبة" هذا هو المذهب لأنه نقل شهادة فاعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة على الشهادة وكتابة بالحكم ليس هو نقلا وإنما هو خبر وعنه: فوق يوم قال الشيخ تقي الدين خرجته في المذهب وأقل كخبر وقاله أبو يوسف ومحمد وروي عن أبي حنيفة لكن قال بعض أصحابه الذي يقتضيه مذهبه أنه لا يجوز كما لا يجوز ذلك في الشهادة على الشهادة قال القاضي ويكون في كتابة شهد عندي فلان وفلان بكذا ليكون المكتوب إليه هو الذي يقضي ولا يكتب ثبت عندي لأنه حكم بشهادتهما كبقية الأحكام قاله ابن عقيل: وغيره.
قال الشيخ تقي الدين: والأول أشهر أنه خبر بالثبوت كشهود الفرع لأن(10/79)
ويجوز أن يكتب إلى قاض معين وإلى من يصل إليه كتابي هذا من قضاه المسلمين وحكامهم ولا يقبل الكتاب إلا أن يشهد به شاهدان يحضرهما القاضي الكاتب فيقرأه عليهما،
__________
الحكم أمر ونهي يتضمن إلزاما.
فرع: لو أثبت مالكي وقفا لا يراه كوقف الإنسان على نفسه بالشهادة على الخط فإن حكم للخلاف في العمل بالخط كما هو المعتاد فلحنبلي يرى صحة الحكم أن ينفذه في مسافة قريبة وإن لم يحكم المالكي بل قال ثبت كذا فكذلك لأن الثبوت عند المالكي حكم ثم إن رأى الحنبلي الثبوت حكما نفذه وإلا فالخلاف في قرب المسافة ولزوم الحنبلي تنفيذه ينبني على لزوم تنفيذ الحكم المختلف فيه وحكم المالكي مع علمه باختلاف العلماء في الخط لا يمنع كونه مختلفا فيه ولهذا لا ينفذه الحنفي حتى ينفذه آخر وللحنبلي الحكم بصحة الوقف مع بعد المسافة ومع قربها الخلاف ذكره في الفروع.
"ويجوز أن يكتب إلى قاض معين" ككتابه عليه السلام إلى كسرى وقيصر "وإلى من يصل إليه كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم" وهو قول أبي ثور واستحسنه أبو يوسف كما لو كان معينا "ولا يقبل الكتاب إلا أن يشهد به شاهدان" عدلان عند المكتوب إليه ويعتبر ضبطهما لمعناه وما يتعلق به الحكم فقط نص عليه وقيل: عند الكاتب.
ويتوجه لنا أنه إذا كان يعرف خطه وختمه اكتفى به وهو قول الحسن وسوار والعنبري لأنه يحصل غلبة الظن أشبه شهادة الشاهدين.
وجوابه: أن ما أمكن إتيانه بالشهادة لم يجز الاقتصار على الظاهر كإثبات العقود ولأن الخط يشبه الخط والختم يمكن التزوير عليه ولأنه نقل حكم أو إثبات فلم يكن فيه بد من شهادة عدلين كالشهادة على الشهادة "يحضرهما القاضي الكاتب" لأن تحمل الشهادة بغير معرفة المشهود به غير جائز "فيقرؤه عليهما" وهذا ليس بواجب في القبول بل قراءته هي الواجبة سواء كانت من حاكم أو غيره والأولى أن يقرأه الحاكم لأنه أبلغ والأحوط أن ينظرا معه،(10/80)
ثم يقول: أشهدكما أن هذا كتابي إلى فلان بن فلان ويدفعه إليهما فإذا وصلا إلى المكتوب إليه دفعا إليه الكتاب وقالا: نشهد أن هذا كتاب فلان إليك من عمله وأشهدنا عليه والاحتياط أن يشهدا عليه بما فيه وبختمه ولا يشترط ختمه ولا يكفي ذكر اسمه في العنوان دون باطنه؛
__________
فيما يقرؤه فإن لم ينظر جاز لأنه لا يستقر إلا ثقة "ثم يقول: أشهدكما أن هذا كتابي إلى فلان بن فلان" لأنه يحملهما الشهادة فوجب أن يعتبر فيه إشهاده كالشهادة على الشهادة وإن قال: اشهدا علي بما فيه كان أولى فإن اقتصر على قوله هذا كتابي إلى فلان فظاهر الخرقي أنه لا يجزئ حتى يقول اشهدا علي كالشهادة على الشهادة وقال القاضي: يجزئ ثم إن قل ما في الكتاب اعتمدا على حفظه وإلا كتب كل منهما نسخة به ويقبضان الكتاب قبل أن يغيبا لئلا يدفع إليهما غيره "فإذا وصلا إلى المكتوب إليه دفعا إليه الكتاب" ثم يقرؤه عليهما ثم شهدا به "وقالا: نشهد أن هذا كتاب فلان إليك كتبه من عمله وأشهدنا عليه. لأن الكتاب لا يقبل إلا من قاض وذلك يستدعي وجود الكتابة والإشهاد عليه في موضع قضائه وفي كلام أبي الخطاب كتبه بحضرتنا وقال: لنا اشهدا علي كتبته في عملي فثبت عندي وحكمت به من كذا وكذا فيشهدان بذلك لأن الكتاب لا يقبل إلا إذا وصل في مجلس عمله "والاحتياط أن يشهدا بما فيه وبختمه" لأنه أبلغ "ولا يشترط ختمه" لأنه عليه السلام كتب إلى قيصر ولم يختمه فقيل: له إنه لا يقرأ كتابا غير مختوم فاتخذ الخاتم وحاصله أنه يقبل سواء كان مختوما أو غير مختوم ومفتولا أو غير مفتول لأن الاعتماد على شهادتهما لا على الخط والختم فإن انمحى الخط وكانا يحفظان ما فيه جاز لهما أن يشهدا بذلك.
فائدة: لا يشترط أن يذكر القاضي الكاتب اسمه في العنوان ولا ذكر المكتوب إليه في باطنه وقال أبو حنيفة: إذا لم يذكر اسمه لا يقبل لأن الكتاب إليه.
"ولا يكفي ذكر اسمه في العنوان دون باطنه؛(10/81)
لأن ذلك لم يقع على وجه المخاطبة وإن كتب كتابا وأدرجه وختمه وقال هذا كتابي إلى فلان اشهدا علي بما فيه لم يصح لأن أحمد قال فيمن كتب وصية وختمها ثم أشهد على ما فيها فلا حتى يعلمه ما فيها ويتخرج الجواز لقوله إذا وجدت وصية الرجل مكتوبة عند رأسه من غير أن يكون أشهد أو أعلم بها أحدا عند موته وعرف خطه وكان مشهورا فإنه ينفذ ما فيها وعلى هذا إذا عرف المكتوب إليه أنه خط القاضي الكاتب وختمه جاز قبوله والعمل على الأول،
__________
لأن ذلك لم يقع على وجه المخاطبة وإن كتب كتابا وأدرجه وختمه وقال هذا كتابي إلى فلان اشهدا علي بما فيه لم يصح" قدمه في المحرر والمستوعب والفروع وجزم به في الوجيز وهو قول أكثر العلماء لأنهما شهدا بمجهول لا يعلمانه فلم يصح كما لو شهدا أن لفلان على فلان مالا "لأن أحمد قال فيمن كتب وصية وختمها ثم أشهد على ما فيها فلا حتى يعلمه بما فيها" هذا تنبيه على جهة الأصل المستفاد منه الحكم المذكور.
"ويتخرج الجواز" هذا رواية كما لو شهدا ما في هذا الكيس من الدراهم جازت شهادته وإن لم يعلما قدرها "لقوله: إذا وجدت وصية الرجل مكتوبة عند رأسه من غير أن يكون أشهد أو أعلم بها أحدا عند موته وعرف خطه وكان مشهورا فإنه ينفذ ما فيها" لأنهما سواء في المعنى فكذا يجب أن يكون حكما "وعلى هذا إذا عرف المكتوب إليه أنه خط القاضي الكاتب وختمه جاز قبوله" لأن القبول هنا كتنفيذ الوصية وقيل: هو على الوجهين.
وقال الشيخ تقي الدين: من عرف خطه بإقرار وإنشاء أو عقد أو شهادة عمل به كميت فإن حضر وأنكر مضمونه فكاعترافه بالصوت وإنكار مضمونه وذكر قولا في المذهب أنه يحكم بخط شاهد ميت وقال الخط كاللفظ إذا عرف أنه خطه وأنه مذهب جمهور العلماء وهو يعرف أن هذا خطه كما يعرف أن هذا صوته "والعمل على الأول" لما تقدم فالعمل به أولى.
فرع: إذا ترافع إليه في غير خصمان محل ولايته لم يكن له الحكم بينهما(10/82)
فإذا وصل الكتاب فأحضر المكتوب إليه الخصم المحكوم عليه في الكتاب فقال لست فلان ابن فلان فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم به بينة فإن ثبت أنه فلان ابن فلان ببينة أو إقرار فقال المحكوم عليه غيري لم يقبل منه إلا ببينة تشهد أن في البلد من يساويه فيما سمي ووصف به فيتوقف الحكم حتى يعلم من المحكوم عليه منهما
__________
بحكم ولايته إلا بتراضيهما به فيكون حكم غير القاضي إذا تراضيا وسواء كان الخصمان من أهل عمله أو لم يكونا ولو ترافع إليه اثنان وهو في موضع ولايته من غير أهل ولايته كان له الحكم بينهما فإن أذن الإمام لقاض أن يحكم بين أهل ولايته حيث كانوا أو منعه من الحكم في غير أهل ولايته حيث ما كان كان الأمر على ما أذن فيه أو منع منه لأن الولاية بتوليته فكان الحكم على وفقها.
"فإذا وصل الكتاب فأحضر المكتوب إليه الخصم المحكوم عليه في الكتاب فقال لست فلان ابن فلان فالقول قوله مع يمينه" ذكره الأصحاب لأنه منكر وإن نكل قضى عليه بالنكول وكذا إن رد اليمين على الخلاف "إلا أن تقوم به بينة" لأن قوله معارض بالبينة وهي راجحة فوجب أن لا يقبل قوله لأنه مرجوح بالنسبة إليها "وإن ثبت أنه فلان ابن فلان ببينة أو إقرار فقال المحكوم عليه غيري لم يقبل منه" لأن الظاهر عدم المشاركة في ذلك "إلا ببينة تشهد أن في البلد من يساويه فيما سمي ووصف به فيتوقف حتى يعلم من المحكوم عليه منهما" لأنه يحتمل أن يكون الحق على المشارك له في الاسم وهو يشارك فيه وحينئذ يكتب إلى الحاكم الكاتب يعلمه بالحال حتى يحضر الشاهدان فيشهدان عنده بما يتميز المشهود عليه منهما فإن ادعى المسمى أنه كان في البلد من يشاركه في الاسم والصفة وقد مات فإن كان موته بعد الحكم أو بعد المعاملة وكان ممن أمكن أن يجري بينه وبين المحكوم له معاملة فقد وقع الإشكال كما لو كان حيا لجواز أن يكون الحق على الذي مات وإلا فلا إشكال.
فرع: يقبل كتابه في حيوان في الأصح بالصفة اكتفاء بها كمشهود عليه لا له فإن لم تثبت مشاركته في صفته أخذه مدعيه بكفيل مختوما عنقه فيأتي به(10/83)
................................................................................
__________
القاضي الكاتب ليشهد البينة على عينه ويقضي له به ويكتب له كتابا ليبرأ كفيله وإن كان المدعي جارية سلمت إلى أمين يوصلها وإن لم يثبت له ما ادعى لزمه رده ومؤنته منذ تسلمه ذكره في الرعاية وزاد دون نفعه وحكمه كمغصوب لأنه أخذه بلا حق.
وقيل: لا يقبل كتابه به لأن الوصف لا يكفي بدليل أنه لا يجوز أن يشهد لرجل بالوصف والتحلية كذلك المشهور به والأول: رجحه في الشرح قياسا على العين ويخالف المشهود له فإنه لا حاجة إلى ذلك فيه فإن الشهادة له لا تثبت إلا بعد دعواه وقيل: يحكم به الكاتب ويسلم المكتوب إليه لمدعيه.
وفي الترغيب على الأول: لو ادعى على رجل دينا صفته كذا ولم يذكر اسمه ونسبه لم يحكم عليه بل يكتب إلى قاضي البلد الذي فيه المدعى عليه كما قلنا: في المدعى به ليشهد على عينه فلو كان عقارا محدودا في بلد المكتوب إليه أنفذ حكم القاضي الكاتب وأخذه به وكذا حكم كل منقول معروف لا يشتبه.
تذنيب: قال في الرعاية: يكتب في الكتاب اسم الخصمين واسم أبويهما أو جديهما وحليتهما وقدر المال وتاريخ الدعوى وقيام البينة العادلة وطلب الخصم الحكم وإجابته إليه وقيل: لا يجب ذكر شهود المال قال في الفروع وظاهر كلامهم أنه لا يعتبر ذكر الجد في النسب بلا حاجة وذكر في المنتقى وغيره أن المشهود عليه إذا عرف باسمه واسم أبيه فإنه يغني عن ذكر الجد.
فائدة: إذا تحملها وشهد بها عند حاكم لزمه الحكم بها بشرطه سواء كان الكتاب إليه أو إلى غيره أو مطلقا وليس لشهود الكتاب أن يتخلفوا في موضع لا حاكم فيه ولهم كراء دوابهم فقط وإن كان فيه حاكم فإن شاءوا شهدوا عنده ليمضيه ويكتب إلى قاضي بلد الخصم وإن شاءوا أشهد كل منهم على شهادته شاهدين يشهدان عند المكتوب إليه.(10/84)
وإن تغيرت حال القاضي الكاتب بعزل أو موت لم يقدح في كتابه وإن تغيرت بفسق لم يقدح فيما حكم به وبطل فيما ثبت عنده ليحكم به وإذا تغيرت حال المكتوب إليه فلمن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به.
__________
"وإن تغيرت حال القاضي الكاتب بعزل أو موت لم يقدح في كتابه" جزم به في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع لأن المعول في الكتاب على الشاهدين وهما حيان فوجب أن يقبل الكتاب كما لو لم يمت أو ينعزل ولأن الكتاب إن كان فيما حكم به فحكمه لا يبطل بهما وإن كان فيما ثبت عنده فهو أصل واللذان شهدا عليه فرع ولا تبطل شهادة الفرع بموت شاهد الأصل وقيل: لا كما لو فسق فينقدح خاصة فيما ثبت عنده ليحكم به.
"وإن تغيرت بفسق لم يقدح فيما حكم به" قال ابن المنجا: كما لو حكم بشيء ثم فسق وفيه شيء.
وفي الشرح: كما لو حكم بشيء ثم بان فسقه فإنه لا ينقض ما مضى من أحكامه كذا هنا "ويبطل فيما ثبت عنده ليحكم به" لأن بقاء عدالة شاهدي الأصل شرط في الحكم بشاهدي الفرع فكذلك بقاء عدالة الحاكم لأنه بمنزلة شاهدي الأصل.
"وإن تغيرت حال المكتوب إليه" بأي حال كان "فلمن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به" كذا ذكره معظم أصحابنا لأن المعول على ما حفظه الشهود وتحملوه ومن تحمل شهادة وشهد بها وجب على كل قاض الحكم بها ولو ضاع الكتاب أو انمحى وكما لو شهدا بأن فلانا القاضي حكم بكذا لزمه إنفاذه قاله في الواضح وغيره.
فرع: إذا كان المكتوب إليه بحاله ووصل الكتاب إلى غيره عمل به ذكره القاضي ولو شهدا بخلاف ما فيه قبل اعتماد على العلم.
قال أبو الخطاب وأبو الوفاء فإن قالا: هذا كتاب فلان إليك أخبرنا من نثق به لم يجز العمل بهما وإن قدم غائب فللكاتب الحكم عليه بلا إعادة شهود قاله في الانتصار.(10/85)
فصل
وإذا حكم عليه فقال اكتب إلى الحاكم الكاتب أنك حكمت علي حتى لا يحكم علي ثانيا لم يلزمه ذلك ولكنه يكتب له محضرا بالقضية وكل من ثبت له عند حاكم حق أو ثبتت براءته مثل إن أنكر وحلفه الحاكم فسأل الحاكم أن يكتب له محضرا بما جرى ليثبت حقه أو براءته لزمه إجابته
__________
فصل
"وإذا حكم عليه فقال اكتب إلى الحاكم الكاتب أنك حكمت علي حتى لا يحكم علي ثانيا لم يلزمه ذلك" جزم به في المستوعب وصححه في الرعاية لأن الحاكم إنما يحكم فيما ثبت عنده ليحكم به غيره أو فيما حكم به لينفذه غيره وكلاهما مفقود هنا و الثاني: يلزمه جزم به في المحرر والوجيز والفروع ليخلص مما يخافه.
فإن قال: اشهد لي عليك بما جرى لزمه ذكره في المحرر والرعاية "ولكنه يكتب له محضر بالقضية" لأنه ربما حكم عليه غيره ثانيا وفيه ضرر وهو منتف شرعا "وكل من ثبت له عند حاكم حق أو ثبتت براءته مثل إن أنكر وحلفه الحاكم" أو ثبوت مجرد أو متصل بحكم وتنفيذ أو سأله أن يحكم له بما ثبت عنده "فسأل الحاكم أن يكتب له محضرا بما جرى ليثبت حقه أو براءته لزمه إجابته" لأن الحاكم يلزمه إجابة من سأله لتبقى حجته في يده فعلى هذا إذا ثبت له حق بإقرار فسأله المقر له أن يشهد على نفسه بما ثبت عنده من الإقرار لزمه ذلك ولو قلنا: يحكم بعلمه لأنه يحتمل أن ينسى وإن ثبت عنده حق بنكول المدعى عليه أو بيمين المدعي بعد النكول فسأله المدعي أن يشهد على نفسه لزمه لا يؤمن أن يترك بعد ذلك ويحلف ولا حجة للمدعي غير الإشهاد فأما إن ثبت عنده بينة فسأله الإشهاد فالمشهور يلزمه لما فيه من تعديل البينة وإلزام خصمه وقيل: لا يلزمه لأن له بالحق بينة وإن حلف المنكر وسأل الحاكم الإشهاد على براءته لزمه ليكون حجة له في سقوط المطالبة مرة أخرى.(10/86)
و إن سأله من ثبت محضره عند الحاكم أن يسجل له فعل ذلك وجعله نسختين نسخة يدفعها إليه والأخرى يحبسها عنده والورق من بيت المال فإن لم يكن فمن مال المكتوب له
__________
وحاصلة: أنه يكتب له محضرا بجميع ذلك في الأصح لأنه وثيقة له فهو كالإشهاد لأن الشاهدين ربما نسيا الشهادة أو نسيا الخصمين وقيل: لا يلزمه لأن الإشهاد يكفيه وإن سأله أن يسجل به فهل يلزمه فيه وجهان.
"وإن سأله من ثبت محضره عند الحاكم أن يسجل له" أي كتابته وأتاه بورقة لزمه في الأصح ولهذا قال: "فعل ذلك" قال أحمد: إذا أخذ الساعي زكاته كتب له براءة.
وقال الشيخ تقي الدين: يلزمه إن تضرر بتركه وما تضمن الحكم ببينة سجل وغيره محضر.
وفي المغني والترغيب المحضر شرح ثبوت الحق عنده لا الحكم بثبوته.
"وجعله نسختين نسخة يدفعها إليه ونسخة يحبسها عنده" هذا هو الأولى حتى إذا هلكت واحدة بقيت الأخرى "والورق من بيت المال" لأن ذلك من المصالح لأنه الطالب لذلك لأن معظم الحاجة له فإن لم يأته بذلك لم يلزمه لأن "فإن لم يكن فمن مال المكتوب له" عليه الكتابة دون الغرم
تنبيه: من حكم له بحق بحجة بيده فأقبضه المحكوم عليه الحق وطالبه بتسليم الحجة لم يلزمه غير الشهادة على نفسه بأخذه ذكره في المستوعب والرعاية لأنه ربما خرج ما قبضه مستحقا فيحتاج إلى حجة تخصه.
وإن طلب المشتري من البائع الأصل لم يلزمه غير الشهادة عليه بالبيع لأن ذلك حجة له عند الدرك ولمن عليه حق ببينة أن يمتنع من أدائه حتى يشهد عليه ربه بأخذه وإن كان بلا بينة فلا ذكره أصحابنا.(10/87)
فصل
وصفة المحضر بسم الله الرحمن الرحيم حضر القاضي فلان ابن فلان الفلاني قاضي عبد الله الإمام على كذا وكذا وإن كان نائبا كتب خليفة القاضي فلان قاضي عبد الله الإمام في مجلس حكمه وقضائه بموضع كذا مدع ذكر أنه فلان ابن فلان وأحضر معه مدعى عليه ذكر أنه فلان ابن فلان فادعى عليه كذا فأقر له، أو فأنكر، فقال القاضي للمدعي: ألك بينة؟ فقال: نعم.
__________
فصل
"وصفة المحضر" هو بفتح الميم والضاد وهو عبارة عن الصك سمي محضرا لما فيه من حضور الخصمين والشهود "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" تذكر في ابتداء كل فعل تبركا بها "حضر القاضي فلان ابن فلان الفلاني قاضي عبد الله الإمام على كذا" إن كان مستقلا "وإن كان نائبا كتب خليفة القاضي فلان قاضى عبد الله الإمام في مجلس حكمه وقضائه بموضع كذا" إذا ثبت الحق باعتراف المدعى عليه لم يحتج أن يكتب في مجلس حكمه وقضائه لأن الاعتراف يصح منه في مجلس الحكم وغيره وإن كتب أنه شهد على إقراره شاهدان كان آكد ذكره في الشرح والرعاية وإن ثبت ببينة احتاج أن يذكر مجلس حكمه وقضائه لأن البينة لا تسمع إلا في مجلس الحكم وليس في المحضر ثبوت الحق سواء ثبت بالاعتراف أو بالبينة وإنما هو شرح ثبوت الحق عند الحاكم "مدع ذكر أنه فلان ابن فلان وأحضر معه مدعى عليه ذكر أنه فلان ابن فلان" يرفع في نسبهما حتى يتميزا ويذكر حليتهما لأن الاعتماد عليها فربما استعار النسب هذا إذا جهلهما الحاكم فإن كان يعرفهما بأسمائهما ونسبهما قال فلان ابن فلان الفلاني وأحضر معه فلان بن فلان الفلاني وإن أخل بذكر حليتهما جاز لأن ذكر نسبهما إذا رفع فيه أغنى عن ذكر الحلية وفي الرعاية ذكر حليتهما أولى فادعى عليه "كذا فأقر له أو فأنكر فقال القاضي للمدعي: ألك بينة؟ فقال: نعم فأحضرها وسأله(10/88)
فأحضرها وسأله سماعها ففعل أو فأنكر ولم يقم له بينة وسأل إحلافه فأحلفه وإن نكل عن اليمين ذكر ذلك وأنه حكم عليه بنكوله وإن رد اليمين فحلفه حكى ذلك وسأله أن يكتب له محضرا بما جرى فأجابه إليه في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويعلم في الإقرار والإنكار والإحلاف جرى الأمر على ذلك وفي البينة شهد عندي بذلك وأما السجل فهو لإنفاذ ما ثبت عنده والحكم به وصفته أن يكتب هذا ما اشهد عليه القاضي فلان ابن فلان ويذكر ما تقدم من حضره من الشهود أشهدهم أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان وقد عرفهما بما رأى معه قبول شهادتهما بمحضر من خصمين يذكرهما إن كانا معروفين وإلا قال مدع ومدعى عليه جاز حضورهما وسماع الدعوى من أحدهما على الآخر بمعرفة فلان ابن فلان,
__________
سماعها ففعل أو فأنكر ولم تقم له بينة وسأل إحلافه فأحلفه وإن نكل عن اليمين ذكر ذلك وأنه حكم عليه بنكوله وإن رد اليمين فحلفه حكى ذلك وسأله أن يكتب له محضرا بما جرى فأجابه إليه في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويعلم" على رأس المحضر " في الإقرار" والإنكار "والإحلاف جرى الأمر على ذلك" لأن ذلك أمر جرى فالعلامة فيه بما ذكر تحقيق للقضية وإخبار عنها ويذكر مع ذلك في رأس المحضر الحمد لله وحده ونحو ذلك ذكره في الرعاية وهو ظاهر ما ذكره في الشرح "وفي البينة شهدا عندي بذلك" لأنه الواقع ويكون في آخر المحضر وفي الشرح يكتب علامته مع ذلك في رأس المحضر وإن اقتصر جاز وهو قول في الرعاية وأما السجل هو بكسر السين الجيم الكتاب الكبير "فهو لإنفاذ ما ثبت عنده والحكم به" هذا بيان لمعناه "وصفته أن يكتب هذا ما أشهد عليه القاضي فلان ابن فلان ويذكر ما تقدم" في أول المحضر "من حضره من الشهود أشهدهم أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان وقد عرفهما بما رأى معه قبول شهادتها بمحضر من خصمين ويذكرهما إن كانا معروفين وإلا قال مدع ومدعى عليه جاز حضورهما وسماع الدعوى من أحدهما على الآخر بمعرفة فلان بن فلان"(10/89)
ويذكر المشهود عليه وإقراره طوعا في صحة منه وسلامة وجواز أمر بجميع ما سمي ووصف به في كتاب نسخته كذا وينسخ الكتاب المثبت أو الحضر جميعه حرفا بحرف فإذا فرغ منه قال وإن القاضي أمضاه وحكم به على ما هو الواجب عليه في مثله بعد أن سأله ذلك وإلا شهد به الخصم المدعي ويذكر اسمه ونسبه ولم يدفعه الخصم الحاضر معه بحجة وجعل كل ذي حجة على حجته وأشهد القاضي فلان على إنفاذه وحكمه وإمضائه من حضره من الشهود في مجلس حكمه في اليوم المؤرخ في أعلاه وأمر بكتب هذا السجل نسختين متساويين ويجلد نسخة منهما بجلد ديوان الحكم ويدفع الأخرى إلى من كتبها له وكل واحد منهما حجة ووثيقة فيما أنفذه منهما لتضمنهما وهذا يذكر للخروج من الخلاف ولو قال إنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان ما في كتاب نسخته كذا،
__________
معرفة مرفوعا فاعل ثبت عنده "ويذكر المشهود عليه" لأنه أصل "وإقراره" بالدفع معطوف على معرفة والتقدير ثبت عنده معرفة فلان ابن فلان وإقراره ويجوز نصبه عطفا على المشهود أي ويذكر المشهود عليه وإقراره "طوعا في صحة منه وجواز أمر" حتى يخرج المكره ونحوه "بجميع ما سمي ووصف في كتاب نسخته وينسخ الكتاب المثبت والمحضر جميعه حرفا بحرف فإذا فرغ منه قال وإن القاضي أمضاه وحكم به على ما هو الواجب في مثله بعد أن سأله ذلك والإشهاد به الخصم المدعي ويذكر اسمه ونسبه ولم يدفعه الخصم الحاضر معه بحجة وجعل كل ذي حجة على حجته وأشهد القاضي فلان على إنفاذه وحكمه وإمضائه من حضره من الشهود في مجلس حكمه في اليوم المؤرخ في أعلاه وأمر بكتب هذا السجل نسختين متساويتين" لأنهما اللتان تقوم إحداهما مقام الأخرى "ويجلد نسخة منهما بديوان الحكم وتدفع الأخرى إلى من كتبها له وكل واحدة منهما حجة ووثيقة فيما أنفذه منهما لتضمنهما" ذلك "وهذا يذكر ليخرج من الخلاف" في القضاء على الغائب "ولو قال: إنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان ما في كتاب نسخته كذا،(10/90)
ولم يذكر بمحضر من الخصمين ساغ ذلك لجواز الحكم على الغائب وما يجتمع عنده من المحاضر والسجلات في كل أسبوع أو شهر على قلتها وكثرتها يضم بعضها إلى بعض ويكتب عليها محاضر وقت كذا في سنة كذا
__________
ولم يذكر بمحضر من الخصمين ساغ ذلك لجواز الحكم على الغائب عندنا قال الشيخ تقي الدين الثبوت المجرد لا يفتقر إلى حضورهما بل إلى دعواهما وهذا ينبني على أن الشهادة هل تفتقر إلى الخصمين فأما التزكية فلا "وما يجتمع عنده من المحاضر والسجلات في كل أسبوع أو شهر" زاد في الرعاية أو سنة "على قلتها وكثرتها يضم بعضها إلى بعض" لأن إفراد كل واحد يشق "ويكتب عليها محاضر وقت كذا من سنة كذا" لتتميز وليمكن إخراجها عند الحاجة إليها قال في الكافي فإن تولى ذلك بنفسه وإلا وكل أمينة وذكر في الرعاية أنه يكتب مع ذلك أسماء أصحابها ويختم عليها فإن أحضر خصمه وادعى عليه فأنكر وذكر القاضي أنه حكم عليه أو أنه ثبت عنده ولم يحكم به ألزمه بالحق بسؤال خصمه وإن لم يجزم بذلك فلا في الأشهر وإن نسي الواقعة فشهد عنده عدلان أنه حكم بها أو ثبت عنده لزمه ثبوتها والحكم بها بسؤال المدعي في الأظهر.(10/91)
باب القسمة
__________
باب القسمة
القسمة بكسر القاف والقسم بكسرها أيضا وهو النصيب المقسوم قال الجوهري: القسم مصدر قسمت الشيء فانقسم وقاسمه المال وتقاسماه واقتسماه والاسم القسمة وهي تمييز بعض الأنصباء من بعض وإفرازها عنها والإجماع على جوازها وسنده قوله تعالى :{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر:28] ، {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} الآية(10/91)
وقسمة الأملاك جائزة وهي نوعان قسمة تراض وهي ما فيها ضرر أو رد عوض من أحدهما كالدور الصغار والحمام والعضائد المتلاصقة اللاتي لا يمكن قسمة كل عين منفردة والأرض التي في بعضها بئر أو يناء ونحوه مما لا يمكن قسمته بالأجزاء والتعديل إذا رضوا بقسمتها أعيانا بالقيمة جاز وهذه جارية مجرى البيع في أنه لا يجبر عليها الممتنع منها ولا يجوز فيها إلا ما يجوز في البيع
__________
[النساء:8] وقوله عليه السلام: "الشفعة فيما لم يقسم" وكان يقسم الغنائم بين أصحابه والحاجة داعية إلى ذلك ليتمكن كل واحد من الشركاء من التصرف على حسب اختياره ويتخلص من سوء المشاركة وكثرة الأيدي "وقسمة الأملاك جائزة" للدليل السابق "وهي نوعان: قسمة تراض وهي ما فيها ضرر أو رد عوض من أحدهما كالدور الصغار والحمام والعضائد" واحدتها عضادة وهي ما يصنع لجريان الماء فيه من السواقي وذوات الكتفين ومنه عضادتا الباب وهما جنبتاه من جانبيه "المتلاصقة اللاتي لا يمكن قسمة كل عين منفردة والأرض التي في بعضها بئر أو بناء ونحوه لا يمكن قسمته بالأجزاء" لأنه إذا أمكن قسمته بالأجزاء مثل أن تكون البئر واسعة يمكن أن يجعل نصفها لواحد ونصفها للآخر ويجعل بينهما حاجزا في أعلاها أو البناء كبيرا يمكن أن يجعل لكل واحد منهما نصفه "والتعديل" مثل أن يكون في أحد جانبي الأرض بئر يساوي مائة وفي الآخر منها بناء يساوي مائة تكون القسمة قسمة إجبار لا قسمة تراض لأنه يمكن أن تجعل البئر لأحد الشريكين مع نصف الأرض والبناء للآخر مع نصف الأرض "إذا رضوا بقسمتها أعيانا بالقيمة جاز" فأجاز لأن الحق لهما وإن طلبا من الحاكم أن يقسمه بينهما أجابهما إليه وإن لم يثبت عنده أنه ملكهما لأن اليد تدل على الملك ولا منازع لهم فثبت له من طريق الظاهر ولهذا يجوز له التصرف فيه من البيع ونحوه كالاتهاب "وهذه" القسمة "جارية مجرى البيع" لما فيها من الرد وبهذا تصبر بيعا لأن صاحب الدار بذل المال عوضا عما حصل في حق شريكه وهذا هو البيع "لا يجبر عليها الممتنع ولا يجوز فيها إلا ما يجوز في البيع" لما روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن جابر(10/92)
والضرر المانع من القسمة وهو نقص القيمة بالقسم في ظاهر كلامه أو لا ينتفعان به مقسوما في ظاهر كلام الخرقي فإن كان الضرر على أحدهما دون الآخر كرجلين لأحدهما الثلثان،
__________
عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا قال: "لا ضرر ولا ضرار" ورواه ابن ماجة والدار قطني
ولهما أيضا من حديث عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار" رواه مالك في الموطأ عن عمرو عن أبيه مرسلا قال النووي حديث حسن وله طرق يقوي بعضها بعضا ولأنه إتلاف وسفه يستحق به الحجر أشبه هدم البناء ولأن فيها إما ضرر وإما رد عوض وكلاهما لا يجبر الإنسان عليه لكن إذا دعي شريكه إلى بيع في قسمة تراض أجبر فإن أبى بيع عليهما وقسم الثمن نقله الميموني وحنبل وذكره القاضي وأصحابه وذكره في الإرشاد والفصول والإفصاح والترغيب وغيرها وكذا الإجازة قال الشيخ تقي الدين: ولو في وقف وللشافعية وجهان في الإجارة قال ابن الصلاح وددت لو محي من المذهب قال وقد عرف من أصلنا أنه إذا امتنع السيد من الإنفاق على مماليكه باعهم الحاكم عليه فإذا صرنا إلى ذلك دفعا للضرر عن شريك له عليه حق وملك فلم لا يصير إلى ذلك دفعا للضرر عن شريك لا حق له عليه ولا ملك. "والضرر المانع من القسمة" أي قسمة الإجبار "هو نقص القيمة بالقسم في ظاهر كلامه" قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لأن نقص قيمته ضرر وهو منفي شرعا
وظاهره سواء انتفعوا به مقسوما "أولا أو لا ينتفعان به مقسوما في ظاهر كلام الخرقي" واختاره المؤلف وذكر في الكافي أنه القياس وهو رواية وذلك مثل أن يكون بينهما دار صغيرة إذا قسمت أصاب كل منهما موضعا ضيقا لا ينتفع به ولو أمكن أن ينتفع به في شيء غير الدار أو لا يمكن أن ينتفع به دارا فلا إجبار لأنه ضرر يجري مجرى الإتلاف بحلاف نقصان القيمة فإن اعتباره يؤدي إلى بطلان القسمة غالبا فوجب أن لا يعتبر ولأن ضرر نقص القيمة ينجبر بزوال صرر الشركة فيصير كالمعدوم "فإن كان الضرر على أحدهما دون الآخر كرجلين لأحدهما(10/93)
وللآخر الثلث ينتفع صاحب الثلثين بقسمها ويتضرر الآخر فطلب من لا يتضرر القسم لم يجبر عليه الآخر وإن طلبه الآخر أجبر الأول: وقال القاضي إن طلبه الأول: أجبر الآخر وإن طلبه المضرور لم يجبر الآخر وإن كان بينهما عبيد أو بهائم أو ثياب ونحوها فطلب أحدهما قسمها أعيانا بالقيمة لم يجبر عليه وقال القاضي: يجبر
ـــــــ
الثلثان وللآخر الثلث ينتفع صاحب الثلثين ويتضرر الآخر فطلب من لا يتضرر القسم لم يجبر الآخر عليه" اختاره أبو الخطاب وقدمه في المحرر والرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لأن فيه إضاعة مال ولأنها قسمة يضر بها صاحبه فلم يجبر عليها كما لو استضرا معا في الأصح قاله في الرعاية "فإن طلبه الآخر أجبر الأول" لأن شريكه مالك طلب إفراز نصيبه الذي لا يستضر بتمييزه فوجب إجابته إلى ذلك " وقال القاضي إن طلبه الأول أجبر الآخر وإن طلبه المضرور ولم يجبر الآخر" هذا رواية عن أحمد واختارها جماعة كما لو كانا لا يستضران ولأنه يطالب بحق كقضاء الدين و الثالثة: أيهما طلب لم يجبر الآخر عليه وإن طلبه المستضر أجبر الآخر قدمه في الشرح وغيره لأن ضرر الطالب رضي به من يسقط حكمه والآخر لا ضرر عليه فصار كما لا ضرر فيه وذكر أصحابنا أن المذهب انه لا يجبر الممتنع عن القسمة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وإن طلب القسمة من المستضر سفه وقال أبن حمدان: إن قلنا: المانع من الإجبار نقص القيمة أجبر الممتنع مطلقا وإلا فلا.
فرع: ما تلاصق من دور وعضائد ونحوها اعتبر الضرر وعدمه في كل عين وحدها نقل أبو طالب يأخذ من كل موضع حقه إذا كان خيرا له.
"وإن كان بينهما عبيد أو بهائم أو ثياب ونحوها" من جنس واحد قاله في المحرر والوجيز والفروع وفي المغني من نوع "فطلب أحدهما قسمها أعيانا بالقيمة لم يجبر الآخر عليه" أي إذا كانت متفاضلة لأن ذلك بيع وكما لو اختلف الجنس وإن لم يكن ثم ضرر ولا رد عوض فذكر في المستوعب أنه لا رواية في ذلك عن أحمد "وقال القاضي: يجبر" قدمه في(10/94)
وإن كان بينهما حائط لم يجبر الممتنع من قسمة وإن استهدم لم يجبر على قسم عرصته وقال أصحابنا إن طلب قسمه طولا بحيث يكون له نصف الطول في كمال العرض أجبر الممتنع وإن طلب قسمه عرضا وكانت تسع حائطين أجبر الممتنع وإلا فلا
__________
المحرر والفروع وجزم به في الوجيز وهو المنصوص إذا تساوت القيمة وفي الرعاية هو أظهر وأشهر وظاهره أنه لا يجاب إذا تفاوتت القيمة وقوى أبو الخطاب عدم الإجبار كما لا يجبر على قسمة الدور بأن يأخذ هذا دارا كالأجناس يؤيده أن اختلاف الجنس ليس بأكثر اختلافا من قيمة الدار الكبيرة لأنها ذات بيوت واسعة وضيقة وقديمة وحديثة وهذا الاختلاف لا يمنع الإجبار كذلك الجنس الواحد وفارق الدور فإنه أمكن قسمة كل دار منها على حدتها وهنا لا يمكن.
وفي الشرح فإن كانت الثياب أنواعا كحرير وقطن فهي كالأجناس.
فرع: الآجر واللبن المتساوي القالب من قسمة الأجزاء والمتفاوت من قسمة التعديل "وإن كان بينهما حائط لم يجبر الممتنع من قسمة" صححه في المحرر وقدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لأن فيه ضررا "وإن استهدم لم يجبر على قسم عرصته" وهي التي لا بناء فيها لأنه موضع للحائط أشبه الأول "وقال أصحابنا: إن طلب قسمه طولا بحيث يكون له نصف الطول في كمال العرض أجبر الممتنع" لأنه لا ضرر فيه وقيل: لا يجبر لأنه يفضي إلى أن يبقى ملكه الذي يلي نصيب صاحبه بغير حائط "وإن طلب قسمه عرضا وكانت تسع حائطين أجبر الممتنع" قدمه في الكافي وحكاه في المحرر والفروع عن القاضي فقط لأنه ملك مشترك يمكن الانتفاع به مقسوما وقيل: لا يجبر لأنه لا تدخله القرعة خوفا من أن يحصل لكل واحد منهما ما يلي ملك الآخر وفي الرعاية والفروع ومع القسمة فقيل: لكل واحد ما يليه وقيل: يقرع بينهما "وإلا فلا" أي إذا كان لا يسع ذلك على قولهم لأنه يتضرر بذلك.
وقال أبو الخطاب: لا إجبار في الحائط بخلاف العرصة وقيل: لا إجبار(10/95)
وإن كان بينهما دار لها علو وسفل فطلب أحدهما قسمها لأحدهما العلو وللآخر السفل أو كان بينهما منافع لم يجبر الممتنع من قسمها وإن تراضيا على قسمها كذلك أو على قسم المنافع بالمهايأة جاز
__________
فيهما إلا في قسمة العرصة طولا في كمال عرضها وإن رضيا بشيء من ذلك جاز "إن كان بينهما دار لها علو وسفل فطلب أحدهما قسمها لأحدهما العلو وللآخر السفل" و قسم العلو وحده أو بالعكس فلا إجبار كدارين متلاصقتين لأن كل واحد منهما مسكن منفرد ولأن في إحدى الصور قد يحصل لكل واحد منهما علو سفل الآخر فيستضر كل منهما وفي أحدهما يحصل التمييز والقسمة تراد له ولو طلب أحدهما قسمتها معا ولا ضرر أجبر الممتنع وعدل بالقيمة ولا يحسب فيها ذراع سفل بذراعي علو ولا ذراع بذراع "و كان بينهما منافع لم يجبر الممتنع من قسمها" جزم به في الشرح وقدمه في الرعاية والمحرر والفروع لأن قسمة المنافع إنما تكون بقسمة الزمان والزمان إنما يقسم بأن يأخذ أحدهما قبل الآخر وهذا لا تسوية فيه فإن الآخر يتأخر حقه فلا يجبر ولأن الأصل مشاع والمنافع تابعة له وعنه: يجبر واختاره في المحرر في القسمة بالمكان ولا ضرر "وإن تراضيا على قسمها كذلك" أي: بزمن أو مكان صح ويقع جائزا قدمه في الرعاية والفروع واختار في المحرر والوجيز يفع لازما إن تعاهدا مدة معلومة وقيل: لازما بالمكان مطلقا "وعلى قسم المنافع بالمهايأة جاز" لأن الحق لهما فإذا رضيا به جاز فإن انت قلت: كانتقال الوقف فهل تنتقل مقسومة أولا فيه نظر فإن كانت إلى مدة لزمت الورثة والمشتري قاله الشيخ تقي الدين قال وقد صرح الأصحاب بأن الوقف لا يجوز قسمته إلا إذا كان على جهتين فأما إن كان على جهة واحدة فلا تقسم عينه قسمة لازمة اتفاقا لتعلق حق من يأتي من البطون لكن تجوز المهايأة وهي قسمة المنافع وهذا وجه وظاهر كلام الأصحاب لا فرق قال في الفروع وهو اظهر وفي المبهج لزومها إذا اقتسموا بأنفسهم أو تهايئوا.(10/96)
وإن كان بينهما أرض ذات زرع فطلب أحدهما قسمها دون الزرع قسمت وإن طلب قسمها مع الزرع أو قسم الزرع مفردا لم يجبر الآخر وإن تراضوا عليه والزرع فصيل أو قطن جاز وإن كان بذرا أو سنابل قد اشتد حبها فهل يجوز؟ على وجهين وقال القاضي: يجوز في السنابل،
__________
تتمة: نفقة الحيوان في مدة كل منهما عليه وإن نقص الحادث عن العادة فللآخر الفسخ "وإن كان بينهما أرض ذات زرع فطلب أحدهما قسمها دون الزرع قسمت" جزم به الأصحاب كالخالية منه ولأن الزرع في الأرض كالقماش في الدار وهو لا يمنع القسم كذا هنا وسواء خرج الزرع أو كان بذرا فإذا اقتسماها بقي الزرع بينهما مشتركا كما لو باعا الأرض لغيرهما قال في الكافي هكذا ذكر أصحابنا والأولى أنه لا يحب لأنه يلزم منه بقاء الزرع المشترك في الأرض المقسومة إلى الجداد بخلاف القماش "وإن طلب قسمها مع الزرع" لم يجبر الآخر جزم به في المحرر والمستوعب والوجيز وقدمه في الرعاية الفروع لأنها مشتملة على مالا يجبر على قسمه وحده وهو الزرع ولأنه مودع فيها للنقل عنها فلم تجب قسمته كالقماش فيها وفي المغني والكافي أنه يجبر في فصيل وحب مشتد لأن الزرع كالشجر في الأرض والقسمة إفراز حق.
وإن قلنا: هي بيع لم يجبر إذا اشتد الحب لأنه يتضمن بيع السنبل بعضه ببعض وقيل: بلى لأنه دخل تبعا وفي البذر وجهان " أو قسم الزرع مفردا لم يجبر الآخر" لأن القسمة لا بد فيها من تعديل المقسوم وتعديل الزرع بالسهام لا يمكن لبقائه في الأرض المشتركة "وإن تراضوا عليه والزرع فصيل أو قطن جاز" كبيعه ولأن الحق لهم ولجواز التفاضل إذن "وإن كان بذرا وسنابل قد اشتد حبها فهل يجوز على وجهين" أصحهما: لا يجوز لأن البذر مجهول وأما السنبل فلأنه بيع بعضه ببعض مع عدم العلم بالتساوي و الثاني: بلى إذا اقتسماه مع الأرض لأنه يدخل تبعا.
وبناه في الترغيب على أنها هل هي إفراز أو بيع "وقال القاضي: يجوز في السنابل" مع الأرض،(10/97)
ولا يجوز في البذر وإنا كان بينهما نهر أو قناة أو عين ينبع ماؤها فالماء بينهما على ما اشترطا عند استخراج ذلك وإن اتفقا على قسمه بالمهايأة جاز وإن أرادا قسم ذلك بنصب خشبة أو حجر مستو في مصدم الماء فيه ثقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز فإن أراد أحدهما أن يسقي بنصيبه أرضا ليس لها رسم شرب من هذا النهر جاز ويحتمل أن لا يجوز ويجيء على أصلنا أن الماء لا يملك وينتفع كل واحد منهما على قدر حاجته.
__________
"ولا يجوز في البذر" لأن الجهالة في السنبل أقل "وإن كان بينهما نهر أو قناة أو عين ينبع ماؤها فالماء بينهما على ما اشترطا عند استخراج ذلك" لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم" والنفقة لحاجة بقدر سقيهما فإن كان أحدهما أعلى شارك في الغرامة ما فوقه دون ما تحته.
فإن احتاج النهر بعد الأسفل إصلاحا كتصرف الماء فعليهما "وإن اتفقا على قسمه بالمهايأة" كيوم لهذا ويوم للآخر "جاز" لأن الحق لهما وكالأعيان "وإن أرادا قسم ذلك بنصب خشبة أو حجر مستو في مصدم الماء فيه ثقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز" لأن ذلك طريق إلى التسوية بينهما فجاز كقسم الأرض بالتعديل ويسمى المراز.
"فإن أراد أحدهما أن يسقي بنصيبه أرضا ليس لها رسم شرب" الشرب بكسر الباء وهو النصيب من الماء "من هذا النهر جاز" لأن الحق له وهو يتصرف على حسب اختياره وكما لو لم يكن شريكا "ويحتمل أن لا يجوز" هذا وجه لأنه إذا طال الزمان يظن أن لهذه الأرض حقا في السقي من النهر المشترك ويأخذ لذلك أكثر من حقه فإن أراد أحد أن يجري بعضه في ساقية إلى أرضه قبل قسمته لم يجز صرح به ابن حمدان "ويجيء على أصلنا أن الماء لا يملك وينتفع كل واحد منهما على قدر حاجته" قاله أبو الخطاب لأنه فيكون من المباحات والمباح ينتفع كل واحد على قدر حاجته.(10/98)
فصل
النوع الثاني: قسمة الإجبار: وهي مالا ضرر فيها ولا رد عوض كالأرض الواسعة والقرى والبساتين والدور الكبار والدكاكين الواسعة والمكيلات والموزونات من جنس واحد سواء كانت مما مسته النار كالدبس وخل التمر أو لم تمسه كخل العنب والأدهان والألبان فإن طلب أحدهما القسم وأبى الآخر أجبر عليه،
__________
فصل
"النوع الثاني: قسمة الإجبار" لأنه يلي الأول وهو قسمة التراضي "وهي مالا ضرر فيها ولا رد عوض كالأرض الواسعة والقرى والبساتين والدور الكبار والدكاكين الواسعة" والمراد به أحدها سواء أكانت متساوية الأجزاء أو لا إذا أمكن قسمها بالتعديل بأن لا يجعل شيء معها فلهما قسم أرض بستان وحدها وغلته والجميع فإن قسما الجميع أو الأرض فقسمة إجبار ويدخل الشجر تبعا وإن قسما الشجر فقط فتراض ولأن جواز قسم الأرض مع اختلافها يدل على جواز قسم مالا يختلف بطريق ال تنبيه: سواء قلنا: القسمة بيع أو إفراز "والمكيلات والموزونات من جنس واحد" لأن الغرض تمييز الحق وذلك لا يختلف بالنسبة إلى ذلك فإن كان فيها أنواع كحنطة وشعير وتمر وزبيب فطلب أحدهما قسمة كل نوع على حدته أجبر الممتنع وإن طلب قسمها أعيانا بالقيمة لم يجبر لأن هذا بيع نوع بنوع آخر وليس بقسمة فلم يجبر عليه كغير الشريك فإن تراضيا عليه جاز وكان بيعا يعتبر له التقابض قبل التفرق فيما يعتبر فيه التقابض وسائر شروط البيع "سواء كان مما مسته النار كالدبس وخل التمر أو لم تمسه كخل العنب والأدهان والألبان" ونحوها لما قلنا: من أن الغرض تمييز الحق "فإن طلب أحدهما القسم وأبى الآخر أجبر" الممتنع هو أو وليه وكذا حاكم في الأشهر "عليه" لأنه يتضمن إزالة الضرر الحاصل بالشركة وحصول النفع للشريكين لأن نصيب كل(10/99)
و هذه القسمة إفراز حق أحدهما من الآخر في ظاهر المذهب وليست بيعا فيجوز قسمة الوقف وإن كان نصف العقار طلقا ونصفه وقفا جازت قسمته،
__________
واحد منهما إذا تميز كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره ويتمكن من إحداث الغراس والبناء وذلك لا يمكن مع الاشتراك.
ويشترط له مع ما ذكره المؤلف أن يثبت عند الحاكم أنه ملكهم بينة لأن في الإجبار عليها حكما على الممتنع منها فلا يثبت إلا بما يثبت به الملك لخصمه بخلاف حالة الرضى فإنه لا يحكم على أحدهما ولم يذكره آخرون وجزم به في الروضة واختاره الشيخ تقي الدين كبيع مرهون وجان.
ونقل حرب فيمن أقام بينة بسهم من ضيعة بيد قوم فهربوا منه يقسم عليهم ويدفع إليه حقه.
قال الشيخ تقي الدين: وإن لم يثبت ملك الغائب فدل أنه يجوز ثبوته وأنه أولى وفي المحرر يقسم حاكم على غائب قسمة إجبار وفي المبهج والمستوعب بلى مع وكيله فيها الحاضر واختاره في الرعاية في عقار بيد غائب "وهذه القسمة إفراز" يقال: فرزت الشيء وأفرزته إذا عزلته والإفراز مصدر أفرز "حق أحدهما من الآخر في ظاهر المذهب" وقاله في المحرر وصححه في المستوعب وجزم به في الوجيز لأنها لا تفتقر إلى لفظ التمليك ولا تجب فيها شفعة ويلزم بإخراج القرعة ويتقدر أحد النصيبين بمقدار ويدخلها الإجبار "وليست بيعا" لأنها تخالفه في الأحكام والأسباب فلم تكن بيعا كسائر العقود "فيجوز قسمة الوقف" أي: تصح بلا رد من أحدهما "وإن كان نصف العقار طلقا" الطلق بكسر الطاء الحلال وسمي المملوك طلقا لأن جميع التصرفات فيه حلال والموقوف ليس كذلك "ونصفه وقفا جازت قسمته" إن طلبها صاحب الطلق فإن كان فيها رد عوض وفعلا ذلك في وقف لم يجز لأن بيعه غير جائز وإن كان من أهل الوقف جاز لأنهم يشترون بعض الطلق ذكره معظم الأصحاب.(10/100)
وتجوز قسمة الثمار خرصا وقسمة ما يكال وزنا وما بوزن كيلا والتفرق في قسمة ذلك قبل القبض وإذا حلف لا يبيع فقسم لم يحنث وحكي عن أبي عبد الله بن بطة ما يدل أنها كالبيع فلا يجوز فيها ذلك وإن كان بينهما أرض بعضها يسقى سيحا وبعضها بعلا وفي بعضها نخل وفي بعضها شجر فطلب أحدهما قسمة كل نوع على حدة وطلب الآخر قسمها أعيانا بالقيمة قسمت كل عين على حدة إذا أمكن
__________
"وتجوز قسمة الثمار خرصا" أي: التي تخرص "وقسمة ما يكال وزنا وما يوزن كيلا" لأن الغرض التمييز زاد فيهما في الترغيب على الأصح.
فرع: يجوز قسم لحم رطب بمثله ولحم هدي وأضاح ولا يجوز بيعه "والتفرق في قسمة ذلك قبل القبض" لأن التفرق إنما منع منه في البيع "وإذا حلف لا يبيع فقسم لم يحنث" لأن ذلك ليس ببيع "وحكي عن أبي عبد الله بن بطة ما يدل على أنها كالبيع" لأنه يبذل نصيبه من أحد السهمين بنصيب صاحبه من السهم الآخر وهذا حقيقة البيع "فلا يجوز فيها ذلك" فلا تجوز قسمة ما كله وقف أو بعضه وفي المحرر عليهما إن كان الرد من رب وقف لرب الطلق جازت قسمته بالتراضي في الأصح وفي الترغيب عليهما ما كله وقف لا تصح قسمته في الأصح ولا شفعة مطلقا بجهالة ثمن وبفسخ بعيب وقيل: يبطل لفوت التعديل وإن بان غير فاحش لم يصح وعلى الثاني: كبيع ويصح بقوله رضيت بدون لفظ القسمة وفيه على الثاني: في الترغيب وجهان.
ملحق: قال القاضي: في الخلاف وابن الزاغوني في الواضح ويثبت في القمسة الخياران على المذهبين جميعا لأن وضعهما للنظر وهذا يحتاج إليه هنا وفي النهاية القسمة إفراز حق على الصحيح فلا يدخلها خيار المجلس وإن كان فيها رد احتمل أن يدخلها خيار المجلس "وإن كان بينهما أرض بعضها يسقى سيحا وبعضها بعلا وفي بعضها نخل وفي بعضها شجر فطلب أحدهما قسمة كل نوع على حدة وطلب الآخر قسمها أعيانا بالقيمة قسمت كل عين على حدة إذا أمكن" لأنه أقرب إلى التعديل لأن لكل واحد(10/101)
فصل
ويجوز للشركاء أن ينصبوا قاسما يقسم بينهم وأن يسألوا الحاكم نصب قاسم يقسم بينهم ومن شرط من ينصب أن يكون عدلا عارفا بالقسمة فمتى عدلت السهام وأخرجت القرعة لزمت القسمة
__________
منهما حقا في الجميع ولأن الحامل على القسمة زوال الشركة وهو حاصل فيما ذكر وحينئذ فتتعين إجابة طالبه لأن ضرر صاحبه يزول بإجابته وإذا لم يمكن قسمة كل عين على حدة قسم الجميع إن كان قابلا لها وإلا فلا.
فصل
"ويجوز للشركاء" أن يتقاسموا بأنفسهم "وأن ينصبوا قاسما يقسم بينهم" لأن الحق لهم لا يعدوهم "وأن يسألوا الحاكم نصب قاسم يقسم بينهم" لأن طلب ذلك حق لهم فجاز أن يسألوا الحاكم كغيره من الحقوق.
"ومن شرط من ينصب أن يكون عدلا عارفا بالقسمة" مع إسلام وإن كان عبدا وفي المغني عارفا بالحساب لأنه كالخط للكاتب وفي الكافي إن كان من جهة الحاكم اشترطت عدالته وإن كان من جهتهم لم تشترط إلا أنه إن كان عدلا كان كقاسم الحاكم في لزوم قسمته وإن لم يكن عدلا لم تلزم قسمته إلا بتراضيهما كما لو اقتسموا بأنفسهم وتباح أجرته وعنه: هي كقربة.
نقل صالح: أكرهه قال ابن عيينة لا يأخذ على شيء الخير أجرا وهي على قدر الأملاك نص عليه وفي الترغيب إذا أطلق الشركاء العقد وأنه لا ينفرز واحد بالاستئجار بلا إذن وقيل: بعدد الملاك وفي الكافي على ما شرطا فعلى النص أجرة شاهد يخرج لقسم البلاد ووكيل وأمين للحفظ على مالك وفلاح كأملاك ذكره الشيخ تقي الدين "فمتى عدلت السهام وأخرجت القرعة لزمت القسمة" أي: قسمة الإجبار لأن القاسم كالحاكم وقرعته كالحكم نص عليه قدمه في المستوعب والمحرر وجزم به في الوجيز بدليل أنه يجتهد في تعديل السهام كاجتهاد الحاكم في طلب الحق فوجب(10/102)
ويحتمل أن لا تلزم فيما فيه رد عوض بخروج القرعة حتى يتراضيا بذلك وإذا كان في القسمة تقويم لم يجز أقل من قاسمين وإن خلت من تقويم أجزأ قاسم واحد وإذا سألوا الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم قسمة وذكر في كتاب القسمة: أن قسمه بمجرد دعواهم لا عن بينة شهدت لهم بملكهم وإن لم يتفقوا على طلب القسمة لم يقسمه.
__________
أن تلزم قرعته وقسمة التراضي إذا لم يكن فيها رد عوض فتلزم كما إذا كان فيها رد عوض على المذهب "ويحتمل أن لا يلزم فيما فيه رد عوض بخروج القرعة حتى يتراضيا بذلك" بعد القرعة سواء قسمها الحاكم أو قاسمه أو قاسمهم لأن رضاهما معتبر في الأول ولم يوجد ما يزيله فوجب استمراره ولأنها بيع فلا يلزم بغير التراضي كسائر يوجد وقيل: الرضى بعدها مطلقا.
وفي المغني والشرح بالرضى بعدها إن اقتسماه بأنفسهما وإن تراضيا على أن يأخذ كل واحد منهما سهما بغير قرعة أو خير أحدهما صاحبه فاختار أحد القسمين جاز ويلزم بتراضيهما وتفرقهما كالبيع ذكره جماعة.
"وإذا كان في القسمة تقويم لم يجز أقل من قاسمين " ذكره في المستوعب والشرح وجزم به في الوجيز وقدمه في المحرر والرعاية لأنها شهادة بالقيمة فلم يقبل فيها أقل من اثنين كسائر الشهادات وقيل: يكفي فيه واحد.
"وإن خلت من تقويم أجزأ قاسم واحد" لأن القاسم مجتهد في التقويم وهو يعمل باجتهاده أشبه الحاكم وفي الكافي لأنه حكم بينهما فأشبه الحاكم.
"وإذا سألوا الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم قسمة" لأن اليد دليل الملك ولا منازع لهم فثبت لهم من طريق الظاهر فوجب أن يتناول ثبوت الملك في القسمة "وذكر " الحاكم القاسم "في كتاب القسمة أن قسمه بمجرد دعواهم لا عن بينة شهدت له بملكهم" لئلا يتوهم الحاكم بعده أن القسمة وقعت بعد ثبوت ملكهم فيؤدي ذلك إلى ضرر من يدعي في العين حقا وقد سبق.
"وإن لم يتفقوا على طلب القسمة لم يقسمه" حتى يثبت عنده أنه ملكهم لأن الإشاعة حق لكل واحد منهم القسمة لم يرض بعضهم ولم يثبت ما يوجب القسمة لم يجز التصرف في حقه بغير رضاه.(10/103)
فصل
ويعدل القاسم السهام بالأجزاء إن كانت متساوية وبالقيمة إن كانت مختلفة وبالرد إن كانت تقتضيه ثم يقرع بينهم فمن خرج له سهم صار له وكيفما أقرع جاز إلا أن يكتب اسم كل واحد من الشركاء في رقعة ثم يدرجها في بنادق شمع أو طين متساوية القدر والوزن،
__________
وفي الرعاية إن كان بين شريكين مهايأة لازمة فطلب أحدهما القسمة بطلت المهايأة.
فصل
"ويعدل القسم السهام" لأن ضد ذلك جور وهو غير جائز إجماعا "بالأجزاء إن كانت متساوية" كأرض قيمة جميع أجزائها متساوية فهذه تعدل سهامها بالأجزاء لأنه يلزم من التساوي بالأجزاء التساوي بالقيمة "وبالقيمة إن كانت مختلفة" كأرض أحد جوانبها يساوي مثلي الآخر فهذه يعدل فيها بالقيمة لأنه لما تعذر التعديل بالأجزاء لم يبق إلا التعديل بالقيمة ضرورة لأن قسمة الإجبار لا تخلو من أحدهما وهذا مع اتفاق السهام واختلافها.
"وبالرد إن كانت تقتضيه" كأرض قيمتها مائة فيها شجر أو بئر يساوي مائتين فإذا جعلت الأرض بينهما كانت الثلث ودعت الضرورة إلى أن تجعل مع الأرض خمسون درهما يردها من خرجت له الشجر أو البئر على من خرجت له الأرض ليكونا نصفين متساويين "ثم يقرع بينهم" لإزالة الإبهام الحاصل قياسا لبعض موارد الشرع على بعض. "فمن خرج له سهم صار له" لأن هذا شأن القرعة "وكيف ما أقرع جاز" لأن الغرض التمييز وذلك حاصل فعلى هذا يجوز أن يقرع بينهم بخواتم وحصى وغير ذلك "إلا أن الأحوط أن يكتب اسم كل واحد من الشركاء في رقعة" لأنه طريق إلى التمييز "ثم يدرجها في بنادق شمع أو طين متساوية القدر والوزن" لأنه لا يعلم بعضها من بعض،(10/104)
وتطرح في حجر من لم يحضر ذلك ويقال له: أخرج بندقة على هذا السهم فمن خرج اسمه كان له ثم الثاني كذلك والسهم الباقي للثالث إذا كانوا ثلاثة وسهامهم متساوية وإن كتب اسم كل سهم في رقعة وقال: أخرج بندقة باسم فلان وأخرج الثانية باسم الثاني و الثالثة للثالث جاز وإن كانت السهام مختلفة كثلاثة لأحدهم النصف وللآخر الثلث وللآخر السدس فإنه يجزئها ستة أجزاء ويخرج الأسماء على السهام لا غير،
__________
"ويطرح في حجر من لم يحضر ذلك" لأنه أنفى للتهمة "ويقال له: أخرج بندقة على هذا السهم" ليعلم من له ذلك "فمن خرج اسمه كان له" لأن اسمه خرج عليه ويميز سهمه به "ثم الثاني كذلك" أي: كالأول من القول لأنه كالأول معنى يستحب أن يكون كذلك حكما.
"والسهم الباقي للثالث إذا كانوا ثلاثة وسهامهم متساوية" لأن السهم الثالث يعين له لزوال الإبهام وذكر أبو بكر أن البنادق تجعل طينا وتطرح في ماء فأي البنادق انحل عنها الطين وخرجت رفعتها على أعلى الماء فهي له وكذا الثاني و الثالث وما بعده فإن خرج اثنان معا أعيدت القرعة وما ذكره المؤلف أولى وأسهل ذكره في الشرح "وإن كتب اسم كل سهم في رقعة وقال: أخرج بندقة باسم فلان وأخرج الثانية باسم الثاني و الثالثة للثالث جاز" ذكره في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأن الغرض يحصل بذلك وذكر في الكافي والمستوعب أنه يخير بينه وبين الذي قبله "وإن كانت السهام مختلفة كثلاثة لأحدهم النصف وللآخر الثلث وللآخر السدس فإنه يجزئها ستة أجزاء" لأن السهام مختلفة فلم يكن بد من تجزئتها بحسب أقل الشركاء نصيبا وهو السدس وعلى هذا فقس فلو كانت الأرض بين ثلاثة لأحدهم النصف وللآخر الربع وللآخر الثمن فأجزاؤها ثمانية أجزاء.
"ويخرج الأسماء على السهام لا غير" أي: لا يجوز إلا هذا لئلا يخرج السهم الرابع: لصاحب النصف فيقول أخذه وسهمين قبله ويقول صاحباه:(10/105)
فيكتب باسم صاحب النصف ثلاثا وباسم صاحب الثلث اثنتين وباسم صاحب السدس واحدة ويخرج بندقة على السهم الأول فإن خرج اسم صاحب النصف أخذه والثاني و الثالث وإن خرج اسم صاحب الثلث أخذه والثاني ثم يقرع بين الآخر والباقي للثالث،
__________
يأخذه وسهمين بعده فيختلفون ولأنه لو خرج لصاحب السدس السهم الثاني: ثم خرج لصاحب النصف السهم الأول لتفرق نصيبه.
"فيكتب باسم صاحب النصف ثلاثا" أي: ثلاث رقاع "وباسم صاحب الثلث ثنتين" أي: رفعتين "وباسم صاحب السدس واحدة" كذا ذكره معظم الأصحاب لأن الكتابة بحسب التجزئة.
وقدم في المغني والشرح أنه بكتب باسم كل واحدة رقعة لحصول المقصود ثم ذكرا هذا قولا وقالا هذا لا فائدة: فيه فإن المقصود خروج اسم صاحب النصف وإذا كتب ثلاثا حصل المقصود فأغنى.
"ويخرج بندقة على السهم الأول" ليعلم لمن هو "فإن خرج اسم صاحب النصف أخذه والثاني و الثالث" ليجتمع له حقه ولا يتضرر بتفرقته.
"وإن خرج اسم صاحب الثلث أخذه والثاني" لما تقدم "ثم يقرع بين الآخر" لأن الإبهام بالنسبة إليهما باق "والباقي للثالث" واختار الشيخ تقي الدين: لا قرعة في مكيل وموزون إلا للابتداء فإن خرجت لرب الأكثر أخذ كل حقه فإن تعدد سبب استحقاقه توجه وجهان.
فرع: إذا كان بينهما داران أو خانان أو أكثر فطلب أحدهما أن يجمع نصيبه في إحدى الدارين أو أحد الخانين ويجعل الباقي نصيبا للآخر لم يجبر الآخر وهو قول الشافعي.
وقال أبو يوسف ومحمد: يجبر إذا رأى الحاكم ذلك سواء تقاربتا أو تفرقتا لأنه أنفع وأعدل وقال مالك: إن ينفذ متجاورتين أجبر الممتنع لأن المتجاورتين تتقارب منفعتهما بخلاف المتباعدتين وقال أبو حنيفة: إن كانت إحداهما حجرة الأخرى أجبر وإلا فلا لأنهما تجريان مجرى الواحدة وجوابه: أنه نقل(10/106)
فصل
فإن ادعى بعضهم غلطا فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على تراضيهم به لم يلتفت إليه وإن كان فيما قسمه قاسم الحاكم فعلى المدعي البينة وألا فالقول قول المنكر مع يمينه وإن كان فيما قسمه قاسمهم الذي نصبوه وكان فيما قسمه قاسمهم الذي نصبوه وكان فيما اعتبرنا فيه الرضا بعد القرعة لم تسمع دعواه وإلا فهو كقاسم الحاكم.
__________
حقه من عين إلى عين أخرى فلم يجبر عليه كالمتفرقين والحكم في الدكاكين كالدور قاله في الشرح.
فصل
"فإن ادعى بعضهم غلطا فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على تراضيهم به لم يلتفت إليه" ذكره الأصحاب لأنه قد رضي بذلك ورضاه بالزيادة في نصيب شريكه يلزمه وصحح المؤلف أنه تقبل ببينة عادلة لأن ما ادعاه محتمل فتنقض القسمة أشبه ما لو شهد عليه بقبض ثمن أو مسلم فيه ثم ادعى غلطا في كيله أو وزنه.
وقولهم: إن حقه في الزيادة سقط برضاه ممنوع فإنه إنما يسقط إذا علمه وفي الرعاية أنه لا يقبل وإن أقام بينة إلا أن يكون مسترسلا مغبونا بما يسامح به عادة أو الثلث أو السدس على الخلاف.
"وإن كان فيما قسمه قاسم الحاكم فعلى المدعي البينة" لقوله عليه السلام: "فعلى المدعي البينة"، "وإلا فالقول قول المنكر مع يمينه" لقوله عليه السلام: "اليمين على من أنكر" ولأن الظاهر الصحة وأداء الأمانة ولا يحلف القاسم "وإن كان فيما قسمه قاسمهم الذي نصبوه وكان فيما اعتبرنا فيه الرضى لم تسمع دعواه" لأنه رضي بالقسمة "وإلا فهو كقاسم الحاكم" لأنه بمنزلته وكذا في المستوعب والمحرر والوجيز وقيل: إن قلنا: القسمة بيع أو كانت مع رد لم تسمع دعوى الغلط وإن قلنا: إفراز سمعت.(10/107)
وإن تقاسموا ثم استحق من حصته أحدهما شيء معين بطلت وإن كان شائعا فيهما فهل تبطل القسمة؟ على وجهين وإذا اقتسما دارين قسمة تراض فبنى أحدهما أو غرس في نصيبه ثم خرجت الدار مستحقة ونقض بناؤه رجع بنصف قيمته على شريكه
__________
فرع: تقبل شهادة القاسم أن زيدا أخذ حقه وإن كان بجعل فلا ذكره في المستوعب والرعاية.
"وإن تقاسموا ثم استحق من حصته أحدهما شيء معين بطلت" القسمة ذكره في المحرر والوجيز والفروع لأنه تبين أن أحد المتقاسمين لم يأخذ حقه وكما لو فعلا ذلك مع علمهما بالحال وإن كان المستحق من الحصتين على السواء لم تبطل فيما بقي على الأشهر لأن الباقي مع كل واحد قدر حقه إلا أن يكون ضرر المستحق في نصيب أحدهما أكثر كسد طريقه أو مجرى مائه أو ضوئه ونحوه فيبطل لأن هذا يمنع التعديل.
وقيل: تبطل لأنه لم يتعين الباقي لكل واحد منهما في مقابلة ما بقي للآخر "وإن كان شائعا فيهما فهل تبطل القسمة على وجهين".
أحدهما: تبطل قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الكافي والوجيز لأن الثالث: شريكهما لم يحضر ولم يأذن أشبه ما لو علماه.
و الثاني: لا كما لو كان المستحق في نصيبهما على السواء لأنه يمكن بقاء حقه في يدهما جميعا مع بقائهما فيما عدا ذلك على ما كانا وإذا ادعى كل منهما أن هذا من سهمي تحالفا ونقضت القسمة.
"وإذا اقتسما دارين قسمة تراض فبنى أحدهما أو غرس في نصيبه ثم خرجت الدار مستحقه ونقص بناؤه" وقلع غرسه "رجع بنصف قيمته على شريكه" لأن هذه القسمة بمنزلة البيع لأن الدارين لا يقتسمان قسمة إجبار وإنما هو بالتراضي ولو باعه نصف الدار رجع عليه بنصف ما غرم كذا هذا أو كذا في قسمة الإجبار إن قلنا: هي بيع وإن قلنا: إفراز فلا رجوع لأنه أفرز له حقه من حقه ولم يضمن له ما غرم فيه.(10/108)
وإن خرج في نصيب أحدهما عيب فله فسخ القسمة وإذا اقتسم الورثة العقار ثم ظهر على الميت دين فإن قلنا: هي إفراز حق لم تبطل القسمة وإن قلنا: هي بيع انبنى على بيع التركة قبل قضاء الدين هل يجوز على وجهين،
__________
وأطلق في التبصرة رجوعه وفيه احتمال قال الشيخ تقي الدين: إذا لم يرجع حيث لا يكون بيعا فلا يرجع بالأجرة ولا بنصف قيمة الولد في الغرور إذا اقتسما الجواري أعيانا وعلى هذا فالذي لم يستحق شيئا من نصيبه يرجع الآخر عليه بما فوته من المنفعة هذه المدة "وإن خرج في نصيب أحد هما عيب فله فسخ القسمة" ذكره في الرعاية وغيرها إن كان جاهلا به لأن العيب نقص عن قدر حقه الخارج له فوجب أن يتمكن من فسخ القسمة استدراكا لما فاته وله الإمساك مع أرش العيب لأنه نقص في نصيبه فكان له ذلك استدراكا لحقه الثابت كالمشتري قال في الشرح :ويحتمل أن تبطل القسمة لأن التعديل فيها شرط ولم يوجد بخلاف البيع.
"وإذا اقتسم الورثة العقار ثم ظهر على الميت دين فإن قلنا: هي إفراز حق لم تبطل القسمة" ذكر معظم أصحابنا لأن الدين يتعلق بالتركة بعد القسمة فلم يقع ضرر في حق أحد لكن إن امتنعوا من وفاء الدين بطلت لأن الدين مقدم على الميراث وإن امتنع بعضهم بطل في نصيبه وحده وفي الكافي في صحة القسمة وجهان ولم يفرق وبنى ذلك على أن الدين هل يمنع صحة التصرف في التركة فيه وجهان "وإن قلنا: هي بيع" ذكر ابن عقيل أنه المذهب "انبنى على بيع التركة قبل قضاء الدين هل يجوز؟ على وجهين" وحكاهما في المحرر وغيره روايتان الأصح الجواز لأن العبد الجاني يتعلق برقبته حق المجني عليه ويتمكن مالكه من بيعه فكذا الوارث و الثانية: لا لأن تعلق الدين بالعين يمنع التصرف فيها كالرهن.
تنبيه: تركة الميت يثبت فيها الملك لورثته سواء كان عليه دين أو لا نص عليه وقال الأصطخري: يمنع بقدره وأومأ إليه أحمد لأن الدين لم يثبت في ذمة الورثة فيجب أن يتعلق بالتركة.(10/109)
وإن اقتسما فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت،
__________
والمذهب الأول: بدليل أن الغريم لا يحلف على دين الميت لأن الدين محله الذمة وإنما يتعلق بالتركة فيتخير الوارث بين قضاء الدين منها أو من غيرها كالرهن والجاني ولا يلزمه نفقة الرقيق والنماء له لأنه نماء ملكه أشبه كسب الجاني وقيل: يتعلق به حق الغرماء كنماء الرهن.
فمن اختار الأول: قال تعلق حق الغرماء بالرهن آكد لأنه ثبت باختيار المالك ولهذا أمنع من التصرف فيه.
وعلى الأخرى: حكمه حكم التركة وما يحتاج إليه من المؤنة منها فإن تصرف الوارث فيها ببيع أو هبة فعلى المذهب هو صحيح إن قضى الدين وإلا نقض تصرفه كما إذا تصرف السيد في الجاني ولم يود الجناية وعلى الثانية: تصرفه فاسد لأنه تصرف فيما لا يملكه.
وقال أبن حمدان: إن تعلق الدين بالتركة كتعلقه بالرهن لم يصح تصرف الوارث قبل الوفاء ولم يختص بالنماء وإن قلنا: كتعلق الأرش بالجاني وهو الأقيس فيصح تصرفه ثم إن ظهر الدين فلربه الفسخ وأخذ دينه في الأصح والدين المستغرق وغيره سواء.
مسألة: إذا كان له شجر وعليه دين فأثمرت ومات فالثمرة إرث ولا يتعلق بها دين وفيها الزكاة إن قلنا: تنتقل التركة مع الدين تعلق بها الدين وإن كان بعد وقت الوجوب ففي الزكاة روايتان وإن كان قبله ون قلنا: التركة قبل وفاء الدين فكذا وإلا فلا.
فرع: إذا كانت التركة أرضا ورضي ربها بإخراج ثلثها فقسمها الورثة وقالوا نحن نخرج قيمة الثلث بيننا فقيل: يجوز كالدين وقيل: لا لأن المستحق بالوصية بعض الأرض فتبطل القسمة.
وقال السامري: تبطل في حق كل وارث بقدر حصته من الثلث وفي الباقي وجهان وكذا إن أوصى أن يباع ثلثها ويصرف في جهة عينها.
"وإذا اقتسما فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت(10/110)
لقسمة ويجوز للأب والوصي قسم مال المولى عليه مع شريكه.
ـــــــ
القسمة" ذكره جماعة منهم صاحب الوجيز والفروع لأن النصيب الذي لا طريق له لا قيمة له إلا قيمة ملكه فلم يحصل تعديل والقسمة تقتضيه لأن من شرط الإجبار على القسمة أن يأخذه كل منهما يمكن الانتفاع به لكن إن كان أخذه راضيا عالما بأنه لا طريق له جاز كما لو اشتراه قال الشيخ تقي الدين: وكذا طريق ماء ونصه هو لهما ما لم يشترطا رده.
قال المؤلف: قياسه جعل الطريق مثله في نصيب الآخر ما لم يشرط صرفها عنه ونقل أبو طالب في مجرى الماء لا يغير مجرى الماء ولا يضر بهذا إلا أن يتكلف له النفقة حتى يصلح مسيله.
فرع: إذا كان لهما ظلة فوقعت في حق أحدهما فهي له بمقتضى العقد ذكره في المحرر والوجيز وغيرهما.
"ويجوز للأب والوصي قسم مال المولى عليه مع شريكه" لأن القسمة إما بيع وإما إفراز حق وكلاهما يجوز لهما ولأن فيها مصلحة الصغير فجازت كالشراء ويجوز لهما قسمة التراضي من غير زيادة في العوض لأن فيه دفعا لضرر أشبه ما لو باعه لضرر الحاجة إلى قضاء الدين وفي المحرر والوجيز وولي المولى عليه في قسمة الإجبار بمنزلته وكذلك في قسمة التراضي إذا رآها مصلحة.(10/111)
باب الدعاوى والبينات
الدعاوى واحدها دعوى وهي إضافة الإنسان إلى نفسه ملكا أو استحقاقا أو نحوه.
وفي الشرع: إضافته إلى نفسه استحقاق شيء في يد غيره أو في ذمته والمدعى عليه من يضاف إليه استحقاق شيء عليه وقال أبن حمدان: هي إخبار خصمه باستحقاق شيء معين أو مجهول كوصية وإقرار عليه أو(10/111)
المدعي من إذا سكت ترك والمنكر من إذا سكت لم يترك ولا تصح الدعوى والإنكار إلا من جائز التصرف وإذا تداعيا عينا لم تخل من ثلاثة أقسام: أحدها: أن تكون في يد أحدهما فهي له مع يمينه أنها له حق للآخر فيها إذا لم تكن بينة،
__________
عنده له ولموكله أو موليه أو لله حسبة بطلبه منه عند حاكم والأول أولى وهي عبارة عن الطلب ومنه قوله تعالى :{وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس:57]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه" رواه مسلم واليمين تختص بالمدعى عليه إلا في القسامة ودعاوى الأمناء المقبولة وحيث يحكم باليمين مع الشاهد أو نقول بردها والبينات جمع بينة من بان يبين فهو بين والأنثى بينة أي واضحة وهو صفه لمحذوف أي الدلالة البينة "المدعي من إذا سكت ترك والمنكر من إذا سكت لم يترك" ذكره في المحرر والوجيز وقدمه في الرعاية والفروع لأن المدعي طالب والمنكر مطلوب أي مطالب بالحق وقيل: المدعي من يطلب خلاف الظاهر أو الأصل والمدعى عليه عكسه وينبني على ذلك لو قال أسلمنا معا فالنكاح باق وادعت التعاقب فالمدعي هي وعلى الثاني: هو وقد يكون كل منهما مدعيا ومدعى عليه باعتبارين ولا تسمع دعوى مقلوبة وسمعها بعضهم واستنبطها فذكروا في الشفعة إذا أنكر المشتري الشراء أو أقام الشفيع بينة وأخذ الشفيع بالشفعة وامتنع المشتري من قبض الثمن ثلاثة أوجه أحدها يبقى في يد الشفيع الثاني: في يد الحاكم الثالث: واختاره القاضي يلزم الشفيع بقبضه أو يبرئ منه وفي السلم إذا جاءه بالسلم قبل محله لزمه قبضه إذا لم يكن في قبضه ضرر فحيث لزمه القبض أن دعواه تسمع ويلزم رب الدين بقبضه "ولا تصح الدعوى والإنكار إلا من جائز التصرف" لأن من لا يصح تصرفه لا قول له يعتمد وتصح على السفيه فيما يؤخذ به إذن وبعد فك حجره ويحلف إذا أنكر "وإذا تداعيا عينا لم تخل من أقسام ثلاثة: أحدها: أن تكون في يد أحدهما فهي له مع يمينه أنها له لا حق للآخر فيها إذا لم كن بينة" لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعى عليه متفق عليه.(10/112)
ولو تنازعا دابة احدهما راكبها أو له عليها حمل والآخر آخذ بزمامها فهي للأول وإن تنازعا قميصا أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو للابسه وإن تنازع صاحب الدار والخياط الإبرة والمقص فهما للخياط،
__________
ولقوله في قضية الحضرمي والكندي " شاهداك أو يمينه ليس لك منه إلا ذلك " رواه مسلم لأن اليد دليل الملك ظاهرا أو لأن من ليست له يحتمل أن تكون له فشرعت اليمين في حق صاحبه من أجل ذلك وظاهره أنه إذا كان له بينة تظهر الحق أنه لا يحلف معها لكن لا يثبت الملك بذلك كثبوته بالبينة فلا شفعة له بمجرد اليد ولا عاقلة صاحب الحائط بمجرد اليد لأن الظاهر لا تثبت فيه الحقوق وإنما ترجح به الدعوى وفي الروضة أن اليد دليل الملك وفي التمهيد ببينة " ولو تنازعا دابة أحدهما راكبها أوله عليها حمل " الحمل بالكسر ما على رأس وظهر بالفتح ما في بطن الحبلى وفي حمل الشجرة " والآخر أخذ بزمامها " وقيل: غير مكار " فهي للأول " لأن تصرفه أقوى ويده آكد لأنه المستوفي للمنفعة فإن كان لأحدهما عليها حمل والآخر راكبها فهي للراكب فإن ادعيا الحمل فهو للراكب لأن يده على الدابة والحمل معا أشبه ما لو اختلف الساكن ومالك الدار في قماش فيها بخلاف السرج فإنه في العادة لصاحب الفرس " وإن تنازعا قميصا أحدهما لابسه والآخر أخذ بكمه فهو للابسه " لأنه أحسن حالا من الراكب مع الأخذ بالزمام فالراكب أولى فكذا ما هو أحسن حالا منه فإن كان كمه في يد أحدهما وباقية مع الآخر أو تنازعا عمامة طرفها في يد أحدهما وباقيها بيد الآخر تحالفا وهي بينهما فيمين كل واحد على النصف الذي أخذه
وعنه: يقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها إلا أن يدعي واحد نصفها فأقل والآخر كلها أو أكثر مما بقي فيصدق مدعي الأقل بيمينه نص عليه وذكر جمع يتحالفان " وإن تنازع صاحب الدار والخياط الإبرة والمقص " بكسر الميم وتسمى كل فردة مقصا " فهما للخياط " لأن تصرف الخياط في ذلك أظهر والظاهر معه فكان أقوى وإن نازعه الخياط(10/113)
وإن تنازع هو والقراب القربة فهي للقراب وإن تنازعا عرصة فيها شجر أو بناء لأحدهما فهي له وإن تنازعا حائطا معقود ببناء احدهما وحده أو متصلا به اتصالا لا يمكن إحداثه أو له عليه أزج فهو له وإن كان محلولا من بنائهما أو معقودا بهما فهو بينهما ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه،
__________
في قميص يخيطه فيه أو النجار في خشب ينجره فيها أو في فرش وقطن وصوف فهو لصاحب الدار عملا بالعادة.
" وإن تنازع هو والقراب القربة فهي للقراب " لما ذكرنا لخلاف الخابية والجرار فإنها لصاحب الدار " وإن تنازعا عرصة فيها شجر أو بناء لأحدهما فهي له " لأن ذلك دليل الملك ظاهر وقال أبن حمدان: إن ثبتا بالاقتدار فهو بينهما " وإن تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما وحده أو متصلا به لا يمكن إحداثه أو له عليه أزج " قال الجوهري: هو ضرب من الأبنية وقال ابن المنجا: هو القبو " فهو له " لأن ذلك يرجح قول مدعيه فكان له عملا بالظاهر وهو قول أكثرهم ويحلف لخصمه.
وظاهرة أنه إذا أمكن إحداثه لم يرجح بذلك وهو قول القاضي لاحتمال أن يكون فعل ذلك ليتملك الحائط المشترك ظاهر الخرقي أنه يترجح بهذا الاتصال عملا بالظاهر.
" وإن كان محلولا من بنائهما أو معقودا بهما فهو بينهما " لأنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر ويحلف كل منهما لصاحبه أن نصف الحائط له وإن حلف كل واحد على جميعه أنه له وما هو لصاحبه جاز وإن نكلا عن اليمين كان الحائط في أيديهما على ما كان وإن نكل أحدهما قضى عليه وكان الكل للآخر فإن أقام كل منهما بينة تعارضتا وصارا كمن لا بينة لهما " ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه " قاله الأصحاب لأنه هذا مما يسمح به الجار وهو عندنا حق يحب التمكين منه أشبه إسناد متاعه إليه وتزويقه
ويحتمل أن ترجح به الدعوى ورجحه في الشرح كالباني عليه ولأن كونه مستحقا تشترط له الحاجة إلى وضعه وأكثر الناس(10/114)
ولا بوجود الآخر والتزويق والتجصيص ومعاقد القمط في الخص وإن تنازع صاحب العلو السفل في سلم منصوب أو درجة منصوبة فهي لصاحب العلو إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فيكون بينهما،
__________
لا يتسامحون به ولأن الحائط يبنى لذلك فترجح به كالأزج
والظاهر: أنها لا ترجح بخلاف الجذعين ونحوهما لأن الحائط يبنى لهما " ولا بوجوه الآجر والتزويق والتجصيص " والتحسين ولا يكون أحدهما له على الآخر سترة غير مبينة لأنه مما يتسامح به ويمكن إحداثه " ومعاقد القمط " المعاقد جمع معقد بكسر القاف ما تشد به الأخصاص في الخص وهو بيت يعمل من خشب وقصب وجمعه أخصاص سمي به لما فيه من الفروج والأنقاب.
وحاصله: أنها لا يرجح الدعوى بكون الدواخل إلى أحدهما والخوارج ووجوه الآجر والحجارة ولا كون الأجرة الصحيحة مما يلي أحدهما ولا معاقد القمط " في الخص " يعني الخيوط التي يشد بها الخص.
والحديث المروي عن عمران رواه سعيد وابن ماجه ضعفه جماعة منهم أحمد وإسحاق وابن المنذر ولأن العرف جار بأن من بنى حائطا جعل وجه الحائط كما إذا لبس ثيابه فيجعل أحسنها أعلاها الظاهر للناس ليروه فيتزين به " وإن تنازع صاحب العلو والسفل في سلم منصوب أو درجة منصوبة فهي لصاحب العلو " لأن الظاهر أن ذلك له لكونه يراد للصعود والعرصة التي عليها الدرجة له أيضا لانتفاعه بها وحده " إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فتكون بينهما " لأن يدهما عليها لكونها سقفا للسفلاني وموطئا للفوقاني. قال في الشرح: وإن كان تحتها طاق صغير لم تبن الدرجة لأجله وإنما جعل مرفقا يجعل فيه جب الماء فهي لصاحب العلو لأنها بنيت لأجله.
ويحتمل أن تكون بينهما لأن يدهما عليها وانتفاعهما حاصل بها فهي كالسقف.(10/115)
وان تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينها وإن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع له شكل منصوب في الدار لصاحبها وإلا فهو بينهما
__________
وفي المحرر والرعاية فإن كان في الدرجة طاقة ونحوها فهل تكون بينهما على وجهين.
مسألة: إذا كانت دار فيها أربعة أبيات واحد ساكن في أحد أبياتها وآخر ساكن في البواقي واختلفا فيها كان لكل واحد ما هو ساكن فيه لأن كل بيت ينفصل عن صاحبه ولا يشارك الخارج منه الساكن فيه لثبوت اليد عليه.
وإن تنازعا الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت فهي بينهما نصفان لاشتراكهما في ثبوت اليد عليها.
" وإن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينها " جزم به في المحرر والمستوعب والوجيز لأنه حاجز بين ملكيهما ينتفعان به غير متصل ببناء أحدهما اتصال البنيان فكان بينهما كالحائط بين الملكين ويتحالفان.
وقال ابن عقيل: هو لصاحب العلو لأنه يمكنه السكنى إلا به.
وقال أبن حمدان: إن أمكن إحداثه بعد بناء العلو فهو لهما من غير يمين وإن تعذر فهو لرب السفل إن حلف وإن تنازعا حائط العلو أو سقفه فهو لربه لأنه مختص به وإن تنازعا حائط السفل فهو لربه لم يذكر في الشرح غيره لأنه المنتفع به وهو من جملة البيت فكان لصاحبه وقيل: هو بينهما لأنه لنفعهما فهو كالسلم تحت مسكن.
" وإن تنازعا المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع له شكل منصوب في الدار فهو لصاحبها وإلا فهو بينهما " قاله معظم أصحابنا لأن الظاهر أن الرف والمصراع تابع للمنصوب وذلك لصاحب الدار فكذا ما يتبعه وإما كونه بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ويتحالفان.
وذكر في الكافي والشرح: أن ما يتبع الدار في البيع لرب الدار لأنه من توابعها أشبه الشجرة المغروسة فيها وما لا يتبعها للمكتري لأن يده عليها(10/116)
وإن تنازعا دارا في يدهما فادعاها احدهما وادعى الآخر نصفها جعلت بينهما نصفين واليمين على مدعي النصف وإن تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت فما كان يصلح للرجل فهو للرجل وما يصلح للنساء فهو للمرأة وما يصلح لهما فهو بينهما،
__________
والعادة من أن الإنسان يؤجر داره فارغة.
ونصه لمؤجر مطلقا كما لو لم يدخل في بيع وكذا ما لا يدخل في البيع وجرت العادة به وما لم تجر العادة به فلمكتر.
" وإن تنازعا دارا في أيديهما فادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها جعلت بينهما بصفين واليمين على مدعي النصف " نص عليه لأن مدعي الكل في يده نصف لا منازع فيه ومدعي النصف في يده نصف مدعى عليه به وهو ينكره والقول قول المنكر مع يمينه للخبر ولا أعلم فيه خلافا إلا ما حكي عن ابن شبرمة أن لمدعي الكل ثلاثة أرباعها لأن النصف لا منازع فيه والنصف الآخر يقسم بينهما على حسب دعواهما فيه وجوابه سبق.
وذكر أبو بكر وابن أبي موسى أنهما يتحالفان وهي بينهما نصفان وكذا لو ادعى أحدهما ثلثها والآخر جميعها وإن أقام كل منهما بينة فظاهر المذهب أنها للمدعي بتقدم بينته لأنه خارج في النصف وإن قدمنا بينة الداخل فالنصف لمدعيه وقيل: إن سقطتا فالتسوية وفي اليمين روايتان وإن كانت بيد ثالث فلمدعي الكل ثلاثة أرباعها ولمدعي النصف ربع مع البينة والتحالف نص عليه.
وعنه: هي لهما نصفين للتساقط وقيل: يقترعان على النصف وإن كانت بيد ثلاثة فادعى أحدهم نصفها والآخر ثلثها و الثالث: سدسها فهي لهم كذلك سواء أقام كل واحد منهم بينة أم لا " وإن تنازع الزوجان " حرين كانا أو رقيقين أو أحدهما أو بعضه "أو ورثتهما " أو أحدهما وورثة الآخر " في قماش البيت فما كان يصلح للرجال " كالسيف والعمامة " فهو للرجل " لأنه الظاهر "وما يصلح للنساء" كالحلي وزينتهن " فهو للمرأة " لما ذكرنا.
" وما يصلح لهما فهو بينهما " لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر وقيل: ولا(10/117)
وإن اختلف صانعان في قماش دكان فهما حكم بآلة كل صناعة لصحبها في ظاهر كلام أحمد والخرقي وقال القاضي إن كانت أيديهما عليه من طريق الحكم فكذلك وإن كانت من طريق المشاهدة فهو بينهما على كل حال وكل من قلنا: له فهو مع يمينه إذا لم تكن بينة وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها،
-----------------
عادة نقل الأثرم المصحف لهما فإن كانت لا تعرف تكتب ولا تقرأ بذلك فهو له " وإن اختلف صانعان في قماش دكان لهما حكم بالة كل صناعة لصاحبها في ظاهر كلام أحمد والخرقي " قدمه في المحرر والمستوعب وجزم به في الوجيز ونصره في الشرح عملا بالظاهر ولأن الآلة بالنسبة إلى الصانع كالقماش الصالح للرجل بالنسبة إليه وكما لو تنازعا فيما في أيديهما أشبه ما لو كان في اليد الحكمية.
وقال القاضي في المسألتين: "إن كانت أيديهما عليه من طريق الحكم فكذلك وإن كانت من طريق المشاهدة فهو بينهما على كل حال" لأن المشاهدة أقوى من اليد الحكمية بدليل ما لو تنازع الخياط وصاحب الدار الإبرة والمقص وإن كان في يد أحدهما المشاهدة فهو له.
واعلم أنه لا ترجيح مما خرج عن المسكن والدكان بالصلاحية فقط بحال لأنه ليس لهما يد حكمية أشبه سائر المختلفين.
" وكل من قلنا هو فهو له مع يمينه " لأنه يحتمل أن لا يكون له فشرعت اليمين من أجل ذلك " إذا لم تكن بينة " لأنها تظهر الحق " وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها " بغير خلاف ولم يحلف لحديث الحضرمي وغيره ولأن البينة أحد حجتي الدعوى فيكتفى بها كاليمين وهذا قول أهل الفتيا من أهل الأمصار وقال شريح والنخعي والشعبي وابن أبي ليلى يستحلف الرجل مع بينته قيل: لشريح ما هذا الذي أحدثت في القضاء فقال رأيت الناس أحدثوا فأحدثت قال الشيخ شمس الدين ابن القيم وهذا ليس ببعيد لا سيما مع التهمة ويخرج في مذهب أحمد وجهان.
قال الخلال في جامعه: حدثنا محمد بن علي حدثنا مهنا قال سألت أبا(10/118)
وإن كان لكل واحد منهما بينة حكم بها للمدعي في ظاهر المذهب وعنه: إن شهدت بينة المدعى عليه أنها له نتجت في مكله أو قطيعة من الإمام قدمت بينته وإلا فهي للمدعي ببينته،
__________
عبد الله عن الرجل يقيم الشهود أيستقيم للحاكم أن يقول لصاحب الشهود احلف قال قد فعل ذلك علي قلت: من ذكره قال ثنا حفص بن غياث ثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن حنيس قال استحلف علي عبيد الله بن الحر مع الشهود.
" وإن كان لكل واحد منهما بينة " وهي بيد أحدهما أقيمت بينة منكر مع زوال يده أو لا " حكم بها للمدعي في ظاهر المذهب " وهو المشهور عنه وقاله الخرقي ونصره في الشرح وجزم به في الوجيز لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البينة في جنبة المدعى بقوله: " البينة على المدعي " فلا يبقى في جنبة المدعى عليه بينة ولأن بينة المدعي أكثر فائدة: لأنها تثبت شيئا لم يكن فوجب تقديمها كبينة الجرح على التعديل وبينة المنكر إنما تثبت ظاهرا دلت اليد عليه فلم تفد ولأنه يجوز أن يكون مستند بينة المنكر رؤية التصرف ومشاهدة اليد أشبهت اليد المفردة.
و الثانية: تقدم بينة المنكر مطلقا اختارها أبو محمد الجوزي وقاله أكثر الفقهاء وأبو عبيد لأنهما تعارضتا ومع صاحب اليد ترجيح بها فقدمت كالنصين إذا تعارضا ومع أحدهما القياس.
" وعنه: أن شهدت بينة المدعى عليه أنها له تجب في مكله أو قطيعة من الإمام قدمت بينته " لحديث جابر: "أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في دابة أو بعير وأقام كل منها البينة أنها له أنتجها فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم أنها للذي في يده ولأنها إذا شهدت بالسبب أفادت ما لا تفيده اليد وترجحت باليد فوجب ترجيحها " وإلا " أي وإن يشهد بذلك " فهي للمدعي ببينته "
قال أحمد: البينة للمدعي ليس لصاحب الدار بينة وعنه: تقدم بينة الداخل إلا أن تمتاز بينة الخارج بسبب الملك أو سبقه فإنها تقدم وعلى هذا يكفي مطلق السبب.
وعنه: تعتبر إفادته للسبق فإن شهدت بينة كل منهما أنها أنتجت في مكله(10/119)
وقال القاضي فيهما: إذا لم يكن مع بينة الداخل ترجيح لم يحكم بها رواية واحدة وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى أنها مقدمة بكل حال فإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها من الداخل فقال القاضي تقدم بينة الداخل وقيل: تقدم بينة الخارج
__________
تعارضتا وقدم في الإرشاد تقدم بينة خارج "وقال القاضي فيهما: إذا لم يكن مع بينة الداخل ترجيح لم يحكم بها رواية واحدة " لأن بينة الخارج أقوى منها لأنها لا يجوز أن يكون مسنتدها اليد بخلاف بينة الداخل.
" وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى: أنها " أي بينة الداخل " مقدمة بكل حال " لأن جنبته أقوى من جنبة الخارج بدليل أن يمينه تقدم على يمينه.
" وإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها من الخارج وأقام الخارج بينة أنه اشتراها من الداخل فقال القاضي تقدم بينة الداخل " قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لأنه هو الخارج في المعنى لأنه ثبت بالبينة أن المدعي صاحب اليد وأن يد الداخل نائبة عنه.
" وقيل: تقدم بينة الخارج " لأنه المدعي ولأن اليمين في حق الداخل فتكون البينة في حق الخارج وقيل: يتعارضان فلو ادعى الخارج أن العين ملكه أودعها إياه أو آجره وأنكر الآخر وأقاما بينتين فبينة الخارج أولى نصره في الكافي والشرح وقدمه في الرعاية وكما لو لم يدع الوديعة.
وقال القاضي بينة الداخل مقدمة لأنه هو الخارج في المعنى ومثله لو ادعى أن الداخل غصبه إياها.
فرع : إذا أقام المدعي بينة ولم يعدلها لم تسمع بينة الداخل وفيه احتمال وتسمع بعد التعديل قبل الحكم وبعده قبل التسليم ولا تسمع قبل سماع بينة الخارج وتعديلها بعد الحكم والتسليم.
فإن لم يكن للداخل بينة حاضرة فرفعنا يده فجاءت بينته وقد ادعى ملكا مطلقا في بينة خارج وإن ادعاه مستندا إلى ما قبل رفع يده فبينة داخل والمراد فمن يقدم بينة الداخل يقدمها وينقض الحكم ببينة الخارج والمراد إن كان يرى(10/120)
فصل
القسم الثاني: أن تكون العين في يديهما فيتحالفان وتقسم بينهما
__________
تقديمها عند التعارض لأنه إنما حكم بناء على عدم بينة داخل فقد بين إسناد ما يمنع الحكم إلى حالة الحكم وهو الأشهر للشافعية.
مسائل
الأولى: إذا كان في يد إنسان شاة مسلوخة وباقيها في يد آخر فادعاها كل منهما ولا بينة فلكل ما في يده مع يمينه وإن أقاما بينتين و قلنا: بتقديم بينة الخارج فلكل ما في يده من غير يمين.
الثانية: إذا كان في يد كل منهما شاة فادعى كل منهما أن الشاة التي في يد صاحبه له وأقاما بينتين فلكل منهما الشاة التي في يد صاحبه ولا تعارض وإن قال كل منهما الشاة التي في يدك من نتاج شاتي هذه فالتعارض في النتاج لا في الملك.
الثالثة: إذا ادعى شاة بيد عمرو وأقام بينة قضي له فإن أقام عمرو بينة أنها ملكه لم تسمع لأنها بينة داخل له يد.
الرابعة: إذا كان في يده شاة فادعى عمرو أنها له منذ سنة وأقام البينة وادعى زيد أنها في يده منذ سنتين وأقام بينة فهي لعمرو بغير خلاف لإمكان الجمع فإن شهدت بينة عمرو بأنها ملكه منذ سنتين فقد تعارض الترجيحان وفيه روايتان فإن شهدت بينة الداخل أنه ملكها منذ سنة وشهدت بينة الخارج أنه ملكها منذ سنتين قدمت بينة الخارج على المشهور.
فصل
" القسم الثاني: أن تكون العين في يديهما فيتحالفان وتقسم بينهما " بغير خلاف نعلمه لأن يد كل منهما على نصفها والقول قول صاحب اليد مع يمينه وإن نكلا جميعا عن اليمين فكذلك وإن نكل أحدهما وحلف(10/121)
وإن تنازعا مسناة بين نهر أحدهما وأرض الآخر تحالفا وهي بينهما وإن تنازعا صبيا في يديهما فكذلك وإن كان مميزا فقال: إني حر فهو حر إلا أن تقوم بينة برقه ويحتمل أن يكون كالطفل،
__________
الآخر قضي له بجميعها لأنه يستحق ما في يده بيمينه وما في يد الآخر بنكوله أو بيمينه التي ردت عليه بنكول صاحبه وفى يكل موضع قلنا: هو بينهما نصفان إنما يحلف كل منهما على النصف الذي نجعله له.
" وإن تنازعا مسناة " المسناة السد الذي يرد ماء النهر من جانبه " بين نهر أحدهما وأرض الآخر تحالفا وهي بينهما " ذكره في الكافي والشرح والوجيز لأنه حاجز بين ملكهما ينتفع به كل واحد منهما أشبه الحائط بين الدارين وقيل: لرب النهر وقيل: لرب الأرض ولرب النهر الارتفاق بها في تنظيف النهر والحوض كالنهر في ذلك.
فرع : إذا تنازعا جرارا بين ملكهما فهو بينهما ويتحالفان ويحلف كل منهما للآخر أن نصفه له وفي المغني يجوز أن يحلف أن كله له " وإن تنازعا صبيا " مجهول النسب " في يديهما " كذلك أي يتحالفان وهو يبنهما لأنه لا يعبر عن نفسه أشبه البهيمة إلا أن يعرف أن سبب يده غير الملك مثل أن يلتقطه فلا تقبل دعواه لرقة لأن اللقيط محكوم بحريته فأما غيره فقد وجد فيه دليل الملك وهو اليد من غير معارضة فيحكم برقه وإن لم يدعه.
فعلى هذا إذا بلغ وادعى الحرية لم تقبل منه لأنه محكوم برقه قبل دعواه فلو وضع يده على بدنه والآخر على ثوبه فهو وثوبه للأول.
" وإن كان مميزا فقال: إني حر فهو حر " قدمه في المستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز وذكر في الشرح أنه الأولى لأن الظاهر الحرية وهي الأصل في بني آدم ولأنه يعرب عن نفسه أشبه البالغ " إلا أن تقوم بينة برقه " فيعمل بها.
" ويحتمل أن يكون كالطفل " أي: يكون يبنهما لأنه غير مكلف أشبه الطفل وكما لو اعترف برقه.(10/122)
فإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وإن كان لكل واحد بينة قدم أسبقهما تاريخا فإن وقتت أحدهما وأطلقت الأخرى فهما سواء ويحتمل تقديم المطلقة وإن شهدت أحدهما بالملك والأخرى بالملك والنتاج أو سبب من أسباب الملك فهل تقدم بذلك على وجهين.
__________
فرع: إذا ادعيا رق بالغ فصدقهما فهو لهما وإن كذبهما ولا بينة حلف لهما وخلي وإن صدق أحدهما فهو له لأن رقه إنما ثبت بإقراره وإن جحدهما قبل قوله في الأشهر وفي الرعاية إن سكت هو أو المميز لم يصح بيعهما.
وقيل: بلى فإن أقاما بينة برقية أحدهما وأقام بينة بحريته تعارضتا وقيل: تقدم بينة الحرية وقيل: عكسه " وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها " لأن البينة تظهر صاحب الحق " وإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا " قال القاضي: هو قياس المذهب وجزم به في الوجيز لأنها أثبتت لصاحبها في وقت لم تعارض فيه البينة الأخرى فيثبت الملك فيه ولهذا له المطالبة بالباقي ذلك الزمان وتعارضت البينتان في الملك في الحال فسقطتا وبقي ملك السابق تجب استدامته مثل أن تشهد أحداهما أنها له منذ سنة والأخرى أنها له منذ سنتين وظاهر الخرقي أنهما سواء قدمه في المحرر والرعاية ورجحه في الشرح لأن الشاهد بالملك الحادث أولى لجواز أن يعمل به دون الأول: فإذا لم يرجح بهذا فلا أقل من التساوي.
وأجاب في المغني عن ثبوت الملك في الزمن الأول: بأن ذلك إنما يثبت تبعا للزمن الحاصل بدليل أنه لو انفردت الدعوى بالزمن الماضي لم تسمع.
" فإن وقتت إحداهما وأطلقت الأخرى فهما سواء " هذا هو المذهب وجزم به في الوجيز ونصره في الشرح لأنه ليس في المطلقة ما يقتضي التقديم فوجب استواؤهما كمما لو أطلقتا جميعا " ويحتمل تقديم المطلقة " هذا وجه وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن الملك بها يجوز أن يكون ثابتا قبل الموقتة " وإن شهدت إحداهما بالملك والأخرى؟ بالملك والنتاج أو سبب الملك فهل تقدم بذلك على وجهين :" أحدهما: وهو اختيار(10/123)
ولا تقدم إحداهما بكثرة العدد ولا اشتهار العدالة ولا الرجلان على الرجل والمرأتين ويقدم الشاهدان على الشاهد واليمين في أحد الوجهين وإذا تساوتا تعارضتا وقسمت العين بينهما
__________
الخرقي وقدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز لا ترجح به لأنهما اشتركا في إثبات أصل الملك واليد فوجب استواؤهما كذلك و الثاني: تقدم به لأنها شهدت بزيادة على الأخرى كتقديم بينة الجرح على التعديل.
وعنه: لا تقدم إحداهما إلا بالسبق أو سبب يفيده كالنتاج في ملكه والإقطاع فأما سبب الإرث أو الهبة أو الشراء فلا قال في المحرر: فعلى هاتين إن شهدت بينة بملك منذ سنة وأطلقت الأخرى فهل هما سواء أو تقدم المطلقة على وجهين فإن شهدت بينة كل واحد بسبق الملك أو سببه قدمت بينة الخارج وقيل: هما كغيرهما في السقوط وغيره.
وكذا إذا اتفق تاريخهما قاله في الرعاية: " ولا تقدم إحداهما بكثرة العدد ولا اشتهار العدالة ولا الرجلان على الرجل والمرأتين " هذا هو المعمول به وقاله أكثر العلماء لأن الشرع قدر الشهادة بمقدار معلوم وبالعدالة وبالرجل والمرأتين فلم يختلف ذلك بالزيادة وعنه: ترجح باشتهار العدالة اختاره ابن أبي موسى وأبو الخطاب وأبو محمد الجوزي وجزم به في الوجيز لأنه أبلغ وهو قول في الرجلين وتخريج في كثرة العدد لأن أحد الخبرين يرجح بذلك والشهادة خبر ولأن الظن يقوى بذلك.
" ويقدم الشاهدان على الشاهد واليمين في أحد الوجهين " صححه في الشرح وقدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لأن الشاهدين حجة متفق عليها فتقدم على المختلف فيه و الثاني: لا ترجح بذلك وقدمه في الفروع بل تتعارضان لأنهما حجتان أشبهتا البينتين.
" وإذا تساوتا تعارضتا " لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى " وقسمت العين بينهما " على المذهب وصححه في الشرح وفي الكافي إنه الأولى وجزم به في الوجيز لما روى أبو موسى أن رجلين اختصما في بعير وأقام(10/124)
بغير يمين وعنه: أنهما يتحالفان كمن لا بينة لهما وعنه: أنه يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها فإن ادعى احدهما أنه اشتراها من زيد لم تسمع البينة على ذلك حتى يقولا وهي ملكه وتشهد البينة به فإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه وأقاما بذلك بينتين تعارضتا
__________
كل منهما شاهدين فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالبعير بينهما رواه أبو داود ولأن كلا منهما داخل في نصف العين خارج في نصفها الآخر " بغير يمين " وهو قوله أكثرهم لظاهر ما ذكرناه.
" وعنه أنهما يتحالفان كمن لا بينة لهما " ذكره الخرقي وقدمه في المحرر والرعاية فعلى هذا يحلف كل منهما على النصف المحكوم له به وكالخبرين المتساويين.
وجوابه الفرق أن كل بينة في نصف العين والبينة الراجحة يحكم بها من غير يمين ونصر في عيون المسائل يستهمان على من يحلف وتكون العين له ونقله صالح " وعنه: أنه يقرع بينهما " لأن القرعة مشروعة في موضع الإبهام وهو موجود هنا " فمن قرع صاحبه حلف " لأنه يحتمل أن تكون العين لصاحبه " وأخذها " لأن ذلك فائدة: القرعة والمقدم في الفروع أنه يأخذها من غير يمين ثم قال وهل يحلف كل منهما للآخر فيه روايتان.
" فإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد لم تسمع البينة على ذلك حتى يقولا وهي ملكه وتشهد البينة به " لأن مجرد الشراء لا يوجب نقل الملك لجواز أن يقع من غير مالك فلم يكن بد من انضمام الملك للبائع ولأن مجرد الشراء لو أفاد لتمكن من أراد انتزاع ملك من يد شخص بذلك بأن يوافق شخصا لا ملك له على إيقاع الشراء على الملك الذي في يد ذلك الشخص وينتزعه منه وذلك ضرر عظيم.
" وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه وأقاما بذلك بينتين تعارضتا " لأنهما استويا في السبب وثبوت الملك وذلك يوجب التعارض وظاهره ولو أرضا(10/125)
وإن أقام أحدهما بينة أنها ملكه وأقام الآخر بينة أنه اشتراها منه أو وقفها عليه أو أعتقه قدمت بينته ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلفها تركة وأقامت امرأته بينة أن أباها أصدقها إياها فهي للمرأة،
__________
وهو رواية وهي المذهب.
والثانية : يقدم أسبقهما تاريخا وإن كانت في يد أحدهما فهي للخارج.
فرع : من ادعى دارا في يده فأقام زيد بينة أنه اشتراها من عمرو حين كانت ملكه وسلمها إليه فهي لزيد وإلا فلا.
وكذا دعوى وقفها عليه من عمرو وهبتها له منه ومن أقر لزيد بشيء ادعاه وذكر تلقيه من سمع وإلا فلا وإن أخذ منه ببينة ثم ادعاه فهل يلزم ذكر تلقيه منه قال أبن حمدان: يحتمل وجهين.
إذا قال: آجرتك هذا البيت بعشرة فقال المستأجر بل جميع الدار وأقاما بينتين تعارضتا وقيل: يقدم قول المستأجر.
" وإن أقام أحدهما بينة أنها ملكه وأقام الآخر بينة أنه اشتراها منه أو وقفها عليه أو أعتقه قدمت بينته " لأنها شهدت بأمر خفي على بينة الملك ولا تعارض بينهما فثبت الملك للأول والشراء منه للثاني ولم ترفع يده بل تقر في يده ولا تؤخذ منه لأنه قد حكم بأن بينته مقدمة بخلاف الحكم في مسألة: الداخل والخارج فإن اليد ترفع فيها لأن صاحب اليد هو الداخل كقوله أبرأني من الدين لأن معها زيادة علم.
أما لو قال: لي بينة غائبة طولب بالتسليم لأن تأخيره يطول.
وقال الشيخ تقي الدين في بينة شهدت له بملك إلى حين وقفه وأقام وارث بينة أن مورثه اشتراه من الواقف قبل وقفه قدمت بينة وارث لأن معها مزيد علم كتقديم من شهد بأنه ورثه من أبيه وآخر أنه باعه " ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلفها تركة وأقامت امرأته بينة أن أباه أصدقها إياها فهي للمرأة " لأن بينتها شهدت بالسبب المقتضي لنقل الملك.
وقول الابن إن أباه تركها تركة لا تعارضها وإن نافيها في مستندها فيه هو(10/126)
فصل
القسم الثالث: تداعيا عينا في يد غيرهما،
__________
الاستصحاب وقد تبين قطعه بقيام البينة على سبب النقل فإن لم يكن لها بينة فيصدق الابن إن حلف.
تنبيه : إذا كانت دار بيد زيد فأقام كل واحد بينة أنه اشتراها من زيد بكذا وقبل أو لم يقبل وهي ملكه بل كانت تحت يده وقت البيع واتحد تاريخهما تعارضتا.
فإن قلنا: تقسم تحالفا ورجع كل واحد على زيد بما وزن له وقيل: بنصف الثمن وله الخيار في فسخ البيع لأن الصفقة تبعضت عليه.
فإن فسخ أحدهما فللآخر طلب كل الدار إلا أن يكون الحاكم قد حكم له بنصف السلعة ونصف الثمن فلا يعود النصف الآخر إليه وإن أقرعنا فهي لمن قرع وفي اليمين الخلاف السابق وإن سقطتا فكما سبق.
وإن اختلف تاريخهما حكم بالأسبق وغرم البائع الثمن للثانية وإن أرخت إحداهما أو لم تؤرخا تعارضتا في الملك في الحال لا في الشراء لجواز تعدده وتجدده وإن ادعاها زيد لنفسه حلف لهما مرة قدمه في الرعاية.
وقيل: إن قلنا: يسقطان حلف لكل واحد يمينا وأخذها وإن قلنا: بالقرعة فمن قرع منهما غير زيد حلف أنها له وحده وأخذها.
وإن قلنا: تقسم فلكل منهما نصفها بنصف الثمن ذكره في الكافي وقد نص أحمد في رواية الكوسج في رجل أقام البينة أنه اشترى سلعة بمائة وأقام آخر بينة أنه اشتراها فكل منهما يستحق نصف السلعة بنصف الثمن فيكونان شريكين.
فصل
القسم الثالث: تداعيا عينا في يد غيرهما نقول إذا ادعاها صاحب اليد لنفسه قبل قوله مع يمينه بغير خلاف ويحلف لكل واحد يمينا في الأشهر فإن نكل عنها لزمه العين لهما أو عوضها وإن لم يكن كذلك.(10/127)
فإنه يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها فإن كان المدعي عبدا فأقر لأحدهما لم يرجح بإقراره،
__________
" فإنه يقرع بينهما " لما روى أبو هريرة أن رجلين تداعيا في دابة ليس لواحد منهما بينة فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وإسناده ثقات ولأن القرعة تتميز عند التساوي ولأنه لا مزية لأحدهما أشبه ما لو أعتق أحد عبديه في مرضه " فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها " لما ذكرنا وقيل: يقتسمانها ويتحالفان وقيل: من قرع من المدعيين وحلف فهي له وذكر جماعة أنه إذا اعترف أنه لا يملكها وقال لا أعرف صاحبها وصدقاه في نفي العلم لم يحلف وأخذت منه واقترعا فمن قرع صاحبه حلف أنها له وأخذها.
وإن كذباه أو أحدهما لزمه يمين واحدة بذلك واقترعا قبل حلفه الواجب وبعده وإن نكل تعين قبله.
وإن اقترعا قبل فلا حلف عليه كغير المقروع المكذب له فإن نكل لزمه القيمة وعنه: يقف الحكم حتى يأتيا بأمر بين قال لأن إحداهما كاذبة فسقطتا كما لو ادعيا زوجية امرأة وأقام كل واحد البينة وليست بيد أحدهما فإنهما يسقطان كذا هنا.
" فإن كان المدعي عبدا " مكلفا " فأقر لأحدهما لم يرجح بإقراره " هذا رواية ذكرها القاضي وغيره لأنه متهم وهو محجور عليه أشبه الطفل والمذهب أنه إذا صدق أحدهما فهو له كمدع واحد وإن صدقهما فهو لهما وإن جحد قبل قوله وحكي لا وإن كان غير مكلف لم يرجح بإقراره.
مسائل : إذا أقر بها لأحدهما بعينه حلف وأخذها ويحلف المقر للآخر وإن نكل أخذ منه بدلها وإن أخذها المقر له فأقام الآخر بينة أخذها منه قال في الروضة للمقر له قيمتها على المقر وإن أقر بها لهما ونكل عن التعيين اقتسماها وإن قال: هي لأحدهما وأجهله فإن صدقاه لم يحلف ويقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها نص عليه.(10/128)
وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وإن كان لكل منهما بينة تعارضتا والحكم على ما تقدم فإن أقر صاحب اليد لأحدهما لم ترجح بذلك،
__________
" وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها " بغير خلاف لأنها أظهرت أنه المستحق للعين المالك لها " وإن كان لكل منهما بينة تعارضتا " لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى وسواء كان مقرا لهما أو لأحدهما لا بعينه أو ليست بيد أحد " والحكم على ما تقدم " وفيه روايتان: إحداهما: القرعة وهي ظاهر الخرقي وصححها ابن المنجا وروي عن ابن عمر وابن الزبير وقاله إسحق وأبو عبيد لما روى ابن المسيب أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أمر وجاء كل واحد منهما بشهود عدول فأسهم النبي صلى الله عليه وسلم بينهما رواه الشافعي وقياسا على ما إذا لم تكن بينة.
فعلى هذا من خرجت له القرعة أخذها من غير يمين.
وقال أبو الخطاب عليه اليمين مع بينته ترجيحا لها.
و الثانية: تقسم العين بينهما لحديث أبي موسى في البعير والأول أولى لأنه على أن العين في يدهما وفي قول يتوقف الأمر حتى يتبين.
فرع : إذا أنكرهما من العين في يده وكانت لأحدهما بينة حكم له بها وإن أقام كل منهما بينة فإن قلنا: تستعمل البينتان أخذت العبن من يده وقسمت بينهما أو يدفع إلى من تخرج له القرعة وهو المشهور.
وإن قلنا: بسقوطهما حلف صاحب اليد وأقرت في يده كما لو لم تكن بينة " فإن أقر صاحب اليد لأحدهما لم يرجح بذلك " كإقرار العبد لأحد المدعيين إذا قلنا: لا تسقط البينتان لأنه ثبت زوال ملكه فصار كالأجنبي وإن قلنا: بسقوطهما فأقر لأحدهما أولهما قبل إقراره فإن أقر لأحدهما في الابتداء صار المقر له صاحب اليد لأن من في يده العين مقر بأن يده نائبة عن يده.
وإن أقر لهما جميعا فاليد لكل منهما في الجزء الذي أقر له به قاله في الشرح وغيره
وفي المحرر والرعاية أنه إذا أقر لأحدهما بها أنها له(10/129)
وإن ادعاها صاحب اليد لنفسه فقال القاضي يحلف لكل واحد منهما وهي له وقال أبو بكر بل يقرع بين المدعيين فتكون لمن تخرج له القرعة وإن كان في يد رجل عبد فادعى أنه اشتراه من زيد وادعى العبد أن زيدا أعتقه وأقام كل واحد بينة انبنى على بينة الداخل والخارج،
__________
مع يمينه ثم يحلف المقر للآخر على الأصح فإن نكل لزمه عوضها.
فرع : أخذ ثوبا من زيد بعشرة وآخر من عمرو بعشرين فادعى كل منهما الأكثر قيمة ولا بينة اقترعا فمن قرع حلف وأخذ الأكثر قيمة والباقي للآخر نص عليه لأنهما تنازعا عينا في يد غيرهما وفي الرعاية وكذا إن اشتراها منهما اثنان أو باعه لهما واحد.
" وإن ادعاها صاحب اليد لنفسه فقال القاضي: يحلف لكل واحد منهما وهي له " لأنه صاحب اليد وهو منكر فلزمته اليمين للخبر وكمن لا بينة له.
" وقال أبو بكر: بل يقرع بين المدعيين " لأنه يظهر المستحق لها دون صاحب اليد " فيكون لمن تخرج له القرعة " لأن بينتهما أظهرت أنهما المستحقان لها وأنه لا حق لصاحب اليد فرجحت إحدى البينتين بالقرعة كما لو أقر صاحب اليد لأحدهما لكن لا يعلمه بعينه.
تنبيه : ادعى أنه اشترى أو اتهب من زيد عبده وادعى آخر كذلك أو ادعى العبد العتق وأقاما بينتين بذلك قدمنا أسبق التصرفين إن علم التاريخ وإلا تعارضتا فتسقطان أو يقسم أو يقرع كما سبق.
وعنه: تقدم بينة العتق ولو كان العبد بيد أحد المتداعيين أو يد نفسه فالحكم كذلك إلغاء لهذه اليد للعلم بمستندها نص عليه واختاره أبو بكر.
وعنه: أنها يد معتبرة فلا تعارض بل الحكم على الخلاف في الداخل والخارج قاله المجد رحمه الله تعالى.
" وإن كان في يد رجل عبد فادعى أنه اشتراه من زيد وادعى العبد أن زيدا أعتقه وأقام كل واحد بينة انبنى على بينة الداخل والخارج " لأن المشتري داخل لأن يده على العبد والعبد خارج لأنه ليست له يد هذا إذا كانا بتاريخ واحد فإن كانا بتاريخين مختلفين قدمنا الأولى وبطلت الأخرى(10/130)
وإن كان العبد في يد زيد فالحكم فيه ما إذا ادعيا عينا في يد غيرهما وإن كان في يده عبد فادعى عليه رجلان كل واحد منهما أنه اشتراه مني بثمن سماه فصدقهما لزمه الثمن لكل واحد منهما وإن أنكرهما حلف لهما وبرئ فإن صدق أحدهما لزمه ما ادعاه وحلف للآخر وإن كان لأحدهما بينة فله الثمن ويحلف للآخر وإن أقام كل واحد منهما بينة فأمكن صدقهما لاختلاف تاريخهما أو إطلاقهما أو إطلاق إحداهما وتاريخ الأخرى عمل
__________
لأنه إن سبق العتق لم يصح البيع وإن صح البيع لم يصح العتق لأنه أعتق عبد غيره لا يقال يحتمل أنه عاد إلى ملكه فأعتقه لأنه قد ثبت الملك للمشتري فلا يبطله عتق البائع " وإن كان العبد في يد زيد فالحكم فيه حكم ما إذا ادعيا عينا في يد غيرهما " لأن العبد عين وهو في يد غير المتنازعين فعلى هذا يرجع إلى قول زيد فإن أنكرهما فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر وإن أقر لأحدهما قبل إقراره وحلف للآخر وإن أقام أحدهما بينة حكم له بها وإن أقام كل منهما بينة قدمت السابقة وإن قلنا: بالقرعة أقرع بين المشتري والعبد فمن خرجت له القرعة حلف وحكم له وإن قلنا: بالقسمة جعل نصف العبد مبيعا ونصفه حرا ثم يسري إلى باقيه إن كان البائع موسرا " وإن كان في يده عبد فادعى عليه رجلان كل واحد منهما أنه اشتراه مني بثمن سماه فصدقهما لزمه الثمن لكل واحد منهما " لأنه يجوز أن يكون اشتراه من أحدهما ثم ملكه الآخر فاشتراه منه فإن قال اشتريته من واحد منكما صفقة واحدة فقد أقر لكل منهما بنصف الثمن وله تحليفه على الباقي ذكره في الشرح " وإن أنكرهما حلف لهما وبرئ " لأن من أنكر وجب عليه اليمين ويحلف لكل منهما يمينا ذكره في الكافي "وإن صدق أحدهما لزمه ما ادعاه " لتوافقهما على صحة دعواه " وحلف للآخر " لأنه منكر "وإن كان لأحدهما بينة فله الثمن " لأن البينة مقدمة على الإنكار للخبر " ويحلف للآخر " لأنه منكر " وإن أقام كل واحد منهما بينة فأمكن صدقهما لاختلاف تاريخهما أو إطلاقهما أو إطلاق إحداهما وتاريخ الأخرى عمل بهما " ذكره في المحرر والرعاية والوجيز لأن البينة حجة(10/131)
بهما وإن اتفق تاريخهما تعارضتا والحكم على ما تقدم وإن ادعى كل واحد منهما أنه باعني إياه بألف وأقام بينة قدم أسبقهما تاريخا وإن لم تسبق إحداهما تعارضتا وإن قال أحدهما غصبني إياه وقال الآخر ملكنيه أو أقر لي به وأقام كل واحد بينة فهو للمغصوب منه ولا يغرم للآخر شيئا
__________
شرعية فإذا أمكن صدقهما من الجانبين وجب العمل بهما كالخبرين إذا أمكن العمل بهما وقيل: إذا لم تؤرخا أو إحداهما تعارضتا كما لو اتحد تاريخهما.
وفي الكافي باحتمال استواء تاريخهما والأصل براءة الذمة والأول أولى.
وذكر في الشرح سؤالا وهو أنه لم قلتم إن البائع إذا كان واحدا و المشتري اثنين فأقام أحدهما بينة أنه اشتراه في المحرم وأقام الآخر بينة أنه اشتراه في سفر يكون شراء الثاني: باطلا.
وأجاب عنه بأنه إذا ثبت الملك للأول لم يبطله بأن يبيعه للثاني ثانيا وفي مسألتنا ثبوت شرائه من كل واحد منهما يبطل ملكه لأنه لا يجوز أن يشتري ثانيا ملك نفسه ويجوز للبائع أن يبيع ما ليس له فافترقا.
"وإن اتفق تاريخهما تعارضتا" لأنهما تساويا والتساوي يوجب التعارض "والحكم على ما تقدم" لأنه في معناه فإن قلنا: بالتساقط رجع إلى قول المدعى عليه كما لو لم تكن بينة
فعلى هذا لا يلزم المدعى عليه شيء من الثمن وإن قلنا: بالقرعة وجب الثمن لمن تخرج له القرعة ويحلف للآخر ويبرأ وإن قلنا: بالقسمة قسم الثمن بينهما ويحلف لكل منهما على الباقي.
" وإن ادعى كل واحد منهما أنه باعني إياه بألف وأقام بينة قدم أسبقهما تاريخا " لأن نقل الملك حاصل لمن سبق فوقوع العقد بعد ذلك لا يصح.
" وإن لم تسبق إحداهما تعارضتا " لأنهما تساويا وهو موجب للتعارض " وإن قال أحدهما: غصبني إياه وقال الآخر ملكنيه أو أقر لي به وأقام كل واحد بينة فهو للمغصوب منه " لأنه لا تعارض بينهما لجواز أن يكون غصبه من هذا ثم ملكه الآخر " ولا يغرم للآخر شيئا " لأنه لم يحل بينه وبين ما أقر(10/132)
إذا قال لعبده متى قلت: فأنت حر فادعى العبد أنه قتل وأنكر
__________
به وإنما حالت البينة بينهما.
فرع : إذا ادعى عمرو عبدا بيد زيد وأقام بينة أنه اشتراه منه وأقام زيد بينة أنه اشتراه من عمرو قدمت بينة زيد قدمه في الرعاية وذكر القاضي وقال لن يتناقض به أصلنا في تقديم بينة الخارج لأنا نقول ذلك إذا كانت الداخلة لا تفيد إلا ما تفيده اليد وهذه تفيد اليد والشراء وقيل: تقدم بينة عمرو لجواز أن يكون اشتراه من زيد ولم يقبضه ويحتمل أن يكون قد اشتراه زيد من عمرو وقبضه منه والصحيح عند السامري التعارض والتساقط وأنه يبقى لزيد إن حلف. فائدة: ادعى نكاح صغيرة في يده فرق بينهما وفسخه الحاكم إلا أن تكون له بينة لأن النكاح لا يثبت إلا بعقد وشهادة وإن صدقته إذا بلغت قبل ذكره في الكافي وفي الرعاية هو أظهر وإن ادعى زوجية امرأة فأقرته بذلك قبل إقرارها لأنها أقرت على نفسها وهي غير متهمة لأنها لو أرادت النكاح لم تمنع منه فإن ادعاها اثنان فأقرت لأحدهما لم يقبل منها بلا بينة تشهد بأصل النكاح وشروطه وإلا فرق بينهما لأنها متهمة فإنها لو أرادت ابتداء تزويج أحد المتداعيين لم يكن لها ذلك قبل الانفصال من دعوى الآخر وإن أقاما بينتين تعارضتا وسقطتا فلا نكاح وإن اختلف تاريخهما فهي للأسبق تاريخا فإن جهل الأسبق عمل بقول الولي نص عليه قال أبن حمدان: المجبر فإن جهل فسخا والله أعلم.(10/133)
باب تعارض البينتين
...
باب في تعارض البينتين
التعارض مصدر تعارضت البينتان إذا تقابلا تقول عارضته بمثل ما صنع أي أتيت بمثل ما أتى فتعارضهما أن تشهد إحداهما بنفي ما أثبتته الأخرى أو بالعكس.
فالتعارض التعادل من كل وجه " إذا قال لعبده: متى قتلت فأنت حر فادعى العبد أنه قتل وأنكر الورثة فالقول قولهم " لأن الأصل عدم القتل لكن يحلف(10/133)
الورثة فالقول قولهم وإن أقام كل واحد منهم بينة بما ادعاه فهل تقدم بينة العبد فيعتق أو تتعارضان فيبقى على الرق فيه وجهان وإن قال إن مت في المحرم فسالم حر وإن مت في صفر فغانم حر فأقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه قدمت بينة سالم وإن قال إن مت في مرضي هذا فسالم حر وإن برئت فغانم حر وأقاما بينتين تعارضتا وبقيا على الرق ذكره أصحابنا،
__________
الورثة على نفيه قاله في الرعاية ومقتضاه أنه إذا أقام العبد بينة أنها تقبل وهو كذلك.
" وإن أقام كل واحد منهم بينة بما ادعاه فهل تقدم بينة العبد فيعتق أو تتعارضان فيبقى على الرق فيه وجهان " المنصوص أنها تقدم بينة العبد قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لأنها تشهد بزيادة وهو القتل.
و الثاني: تتعارضان فتسقطان صححه في المستوعب لأن إحداهما تشهد بضد ما شهدت به الأخرى فعلى هذا يبقى العبد رقيقا لأنه لم يثبت عتقه وقيل: يقرع بينهما وقيل: يقسم قال أبن حمدان: فيعتق نصفه إذن " وإن قال: إن مت في المحرم فسالم حر وإن مت في صفر فغانم حر وأقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه قدمت بينة سالم " قدمه في الرعاية لأن معها زيادة علم والمذهب كما قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز أنهما تتعارضان فتسقطان ويبقيان على الرق إذا جهل وقت موته وكما لو لم تقم بينة وقيل: تقدم بينة غانم فيعتق وقيل: يقرع بينهما وفي الكافي أنه المذهب فيعتق من يقع وإن بان موته بعد وجهل زمنه ولا بينة رقا لأنه يجوز أن يموت في غير الشهرين وفي المحرر يحتمل فيما إذا ادعى الورثة موته قبل المحرم أن يعتق من شرطه الموت في صفر لأن الأصل بقاء الحياة معه.
وعلى المذهب إذا علم موته في أحد الشهرين أقرع بينهما وقيل: يعمل فيهما بأصل الحياة " وإن قال: إن مت في مرضي هذا فسالم حر وإن برئت فغانم حر وأقاما بينتين تعارضتا بقيا على الرق ذكره أصحابنا " قدمه في الرعاية،(10/134)
والقياس أن يعتق أحدهما بالقرعة ويحتمل أن يعتق غانم وحده لأن بينته تشهد بزيادة وإن أتلف ثوبا فشهدت بينة أن قيمته عشرون وشهدت أخرى قيمته ثلاثون لزمه أقل القيمتين،
__________
وجزم به في المستوعب والوجيز لأن كل واحدة تكذب الأخرى وتثبت زيادة بنفيها الأخرى.
قال: في الشرح: وهو ظاهر الفساد لأن التعارض أثره في إسقاط البينتين ولو لم تكونا لعتق أحدهما فكذلك إذا سقطتا.
" والقياس أن يعتق أحدهما بالقرعة " وهو رواية قدمها في المحرر وغيره لأن أحدهما استحق العتق ولا يعلم عينه وكما لو جهل مم مات ولم تكن له بينة " ويحتمل أن يعتق غانم وحده لأن بينته تشهد بزيادة " وقيل: يعتق سالم وحده وحكى في الفروع الأقوال الأربعة من غير ترجيح لأحدها وكذا حكم إن مت من مرضي بدل في وفي المحرر والرعاية أنه إذا جهل مم مات أنهما على الرق لاحتمال موته في المرض بحادث وقيل: يعتق أحدهما بالقرعة إذ الأصل عدم الحادث ويحتمل أن يعتق من شرطه المرض لأن الأصل دوامه وعدم البرء.
فرع : إذا قال الورثة أعتقك في مرض موته فقال بل في صحته فأنكر ولا بينة له وهو دون الثلث فأقل عتق وإلا صدق الورثة.
" وإن أتلف ثوبا فشهدت بينة أن قيمته عشرون وشهدت أخرى أن قيمته ثلاثون لزمه أقل القيمتين " جزم به في المستوعب والوجيز وقدمه في المحرر والفروع لأنه متيقن وربما اطلعت بينة الأقل على ما يوجب النقص فتكون شهادة بزيادة خفيت على بينة الأكثر وعنه: تسقطان لتعارضهما في الزائد فيحلف الغارم على الأقل وقيل: يقرع بينهما وقيل: الأكثر واختاره الشيخ تقي الدين في نظيرها فيمن آجر حصة موليه قالت بينة بأجرة مثله وبينة بنصفها وإن كان بكل قيمة شاهد ثبت عشرة بهما على الأولة وعلى الثانية: يحلف مع أحدهما ولا تعارض لعدم كمال بينة الأقل ونصر المؤلف الأولة لأن البينتين تعارضتا في الزائد وتخالف الزيادة(10/135)
ولو ماتت امرأة وابنها فقال زوجها: ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها ولا بينة حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه وكان ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه تعارضتا وسقطتا وقياس مسائل الغرقى أن يجعل للأخ سدس ما للابن والباقي للزوج.
__________
في الإخبار.
فإن من يروي الناقص لا ينفي الزائد وكذلك من شهدت بألف لا ينفي أن عليه ألفا أخرى.
فرع : إذا كانت العين قائمة قدمت بينة ما يصدقها الحس فإن احتمل فقال شيخنا ابن نصر الله لو اختلفت بينتان في قيمة عين قائمة ليتيم يريد الوصي بيعها أخذ بينة الأكثر.
" ولو ماتت امرأة وابنها فقال زوجها" ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها: مات ابنها فورثته ثم مات فورثناها ولا بينة حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه" لأنه منكر "وكان ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين " لأن سبب الحي من موروثه موجود وإنما يمنع لبقاء موروث الآخر بعده وهذا الأمر مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك.
لا يقال: قد أعطيتم الزوج وهو لا يدعي إلا الربع لأنه مدع لجميعه ربعه بميراثه منها وثلاثة أرباعه بإرثه من ابنه " وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه تعارضتا وسقطتا " جزم به في الوجيز لأنه إذا لم يمكن العمل بهما وجب تساقطهما لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى " وقياس مسائل الغرقى أن تجعل للأخ سدس ما للابن والباقي للزوج " لأنه يقدر أن المرأة ماتت أولا فيكون ميراثها لابنها وزجها ثم مات الابن فورث الزوج كل ما في يده فصار ميراثها كله لزوجها ثم يقدر أن الابن مات أولا فلأمه الثلث والباقي(10/136)
فصل
إذا شهدت بينة على ميت أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلث ماله وشهدت أخرى أنه وصى بعتق غانم وهو ثلث ماله أقرع بينهما فمن تقع له القرعة عتق دون صاحبه.
__________
لأبيه ثم ماتت أمه وفي يدها الثلث فكان بين أخيها وزوجها نصفين لكل واحد منهما السدس فلم يرث الأخ إلا سدس مال الابن.
قال المؤلف: فعلى هذا القول يختص من جهل موتهما واتفق وارثهما على الجهل به.
تنبيه: إذا شهد اثنان لاثنين بالوصية من تركة زيد فشهد المشهود لهما للشاهدين بوصية من تلك التركة أو شهد اثنان أن أباهما طلق ضرة أمهما قبلت شهادتهما فيهما على الأشهر.
وإن شهد اثنان أن زيدا أخذ من صبي ألفا وشهد آخران على عمرو أنه أخذ منه ألفا لزم الولي طلبه بهما لاحتمال أن يكون أحدهما أخذها منه ورده إليه بلا إذن وليه.
وإن شهدت البينتان على ألف بعينه طلبه من أيهما شاء ذكره في المحرر وغيره.
وإن شهد اثنان على اثنين بقتل فشهد الآخر أن الأولين قتلاه فصدق الولي الأولين حكم بشهادتهما لأنهما غير متهمين وإن صدق الآخرين وحدهما لم يحكم له بشيء لأنهما متهمان لكونهما يدفعان عن أنفسهما ضررا وإن صدق الجميع فكذلك لأنهما متعارضتان فلا يمكن الجمع بينهما.
فصل
" إذا شهدت بينة على ميت أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلث ماله وشهدت أخرى أنه وصى بعتق غانم وهو ثلث ماله أقرع بينهما فمن تقع له القرعة عتق دون صاحبه " لأنه لم تترجح بينة أحدهما على الأخرى والقرعة(10/137)
إلا أن يجيز الورثة وقال أبو بكر وابن أبي موسى: يعتق من كل واحد نصفه بغير قرعة وإن شهدت بينة غانم أنه رجع عن عتق سالم عتق غانم وحده سواء كانت وارثة أو لم تكن وإن كانت قيمة غانم سدس المال وبينته أجنبيه قبلت وإن كانت وارثه عتق العبدان،
__________
مرجحة بدليل الإمامة " إلا أن يجيز الورثة " لأن الوصيين سواء وسواء اتفق تاريخهما أو اختلف ولأن الوصية يسوى فيها بين المتقدم والمتأخر " وقال أبو بكر وابن أبي موسى: يعتق من كل واحد نصفه بغير قرعة " لأن القسمة أقرب إلى الصواب إنما تجب إذا كان أحدهما حرا والآخر عبدا والأول: هو قياس المذهب لأن الإعتاق بعد الموت كالإعتاق في مرض الموت فتعينت القرعة ولحديث عمران لأن المقتضى من أحدهما في الحياة موجود بعد الممات.
والمذهب كما جزم به أئمة المذهب: أنه إذا شهدت بينة وارثه بعتق سالم في مرض موته وهو ثلث ماله وبينة وارثه بعتق غانم وهو كذلك وأجيز الثلث فكأجنبيين يعتق أسبقهما على الأصح وإن سبقت الأجنبية فكذبتها الوارثة أو سبقت الوارثة وهي فاسقة عتقا وإن جهل أسبقهما عتق واحد بقرعة وقيل: يعتق نصفهما وإن كانت الوارثة فاسقة غير مكذبة عتق سالم وحده ووقف عتق غانم على قرعة أو يعتق نصفه على الآخر وإن جمعت الوارثة الفسق والتكذيب أو الفسق والشهادة بالرجوع عن عتق سالم عتقا معا.
" وإن شهدت بينة غانم أنه رجع عن عتق سالم عتق غانم وحده سواء كانت وارثة أو لم تكن " لأنه لا تهمة في ذلك.
لا يقال: هما يثبتان ولاء سالم لأنفسهما لأنهما يسقطان ولاء غانم أيضا على أن الولاء إنما هو إثبات سبب الميراث ومثل ذلك لا ترد به الشهادة.
" وإن كانت قيمة غانم سدس المال وبينته أجنبية قبلت " لعدم التهمة فيها فعلى هذا يعتق غانم وحده " وإن كانت وارثة عتق العبدان " على المذهب وقدمه في المحرر والمستوعب والرعاية أما سالم فلشهادة الأجنبية بالوصية بعتقه وأما غانم فلإقرار الورثة بعتقه مع أنه أقل من ثلث الباقي.(10/138)
وقال أبو بكر: يحتمل أن يقرع بينهما فإن خرجت القرعة لسالم عتق وحده وإن خرجت لغانم عتق هو ونصف سالم وإن شهدت بينة أنه أعتق سالما في مرضه وشهدت الأخرى أنه وصى بعتق غانم وكل واحد منهما ثلث المال عتق سالم وحده وإن شهدت بينة غانم أنه أعتقه في مرضه أيضا عتق أقدمهما تاريخا فإن جهل السابق عتق أحدهما بالقرعة فإن كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية فكذلك،
__________
" وقال أبو بكر يحتمل أن يقرع بينهما " لأن التهمة في حق الورثة إنما هو في حق الرجوع فتبطل الشهادة بهما ويبقى أصل العتق لغانم فاحتيج إلى القرعة ليتميز المستحق من غيره " فإن خرجت القرعة لسالم عتق وحده " لأنه ثلث المال " وإن خرجت لغانم عتق هو ونصف سالم " لأن ذلك ثلث المال كما لو لم تشهد بالرجوع فإن الشهادة بالرجوع لم تقبل فكأن وجودها كعدمها وقال أبو بكر يجوز على مذهبه أن يعتق من الذي قيمته الثلث نصفه ويقرع بين العبدين فأيهما وقعت عليه القرعة عتق وإن قلنا: بالقسمة عتق من كل واحد ثلثاه.
" وإن شهدت بنية أنه أعتق سالما في مرضه وشهدت الأخرى أنه وصى بعتق غانم وكل واحد منهما ثلث المال عتق سالم وحده " لأن عطايا المريض مقدمة على وصاياه لرجحانها بنفس الإيقاع " وإن شهدت بينة غانم أنه أعتقه في مرضه " ولا تاريخ ثبت اعترافه لهما بشرطه لأن ما شهدت به كل بينة لا تنفي ما شهدت به الأخرى " عتق أقدمهما تاريخا " لأن عطايا المريض يقدم فيها الأسبق فالأسبق " فإن جهل السابق " بأن اتفق تاريخهما أو أطلقتا أو إحداهما فهما سواء لعدم المزية " عتق أحدهما بالقرعة " لأن البينتين تساوتا فاحتيج إلى التمييز والترجيح حاصل بالقرعة وقيل: يعتق من كل واحد نصفه.
" فإن كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية فكذلك " أي يعتق أقدمهما تاريخا مع العلم به أو أحدهما بالقرعة مع الجهل به لأن الوارثة غير متهمة ولا مكذبة وهي بمثابة الأجنبي.(10/139)
وإن قالت: ما أعتق سالما وإنما أعتق غانما عتق غانم كله وحكم سالم كحكمه لو لم يطعن في بينته في أنه يعتق إن تقدم تاريخ عتقه أو خرجت له القرعة وإلا فلا فإن كانت الوارثة فاسقة ولم تطعن في بينة سالم عتق سالم كله وينظر في غانم فإن كان تاريخ عتقه سابقا أو خرجت القرعة له عتق كله وإن كان متأخرا أو خرجت القرعة لسالم لم يعتق منه شيء وقال القاضي يعتق من غانم نصفه،
__________
ولو كانت البينتان أجنبيتين لكان الأمر كذلك فكذا إذا إحداهما وارثة " وإن قالت: ما أعتق سالما وإنما أعتق غانما عتق غانم كله " لإقرار الورثة بعتقه وقيل: يعتق ثلثاه إن حكم بعتق سالم وهو ثلث الباقي لأن العبد الذي شهدت الأجنبيتان كالمغصوب من التركة والأول: أصح لأن المعتبر خروجه من الثلث حال الموت وحال الموت في قول الورثة لم يعتق سالم إنما عتق بالشهادة بعد الموت.
" وحكم سالم كحكمه لو لم يطعن في بينته أنه يعتق إن تقدم تاريخ عتقه أو خرجت له القرعة وإلا فلا " لأن طعن الوارثة في الأجنبية غير مقبول لأن الأجنبية مثبتة والوارثة نافية والمثبت مقدم على النافي وإذا لم يقبل الطعن صار طعنها كلا طعن ولو لم تطعن الوارثة في الأجنبية لكان الحكم كما ذكر فكذا ما هو بمنزلته " فإن كانت الوارثة فاسقة ولم تطعن في بينة سالم عتق سالم كله " لأن البينة العادلة شهدت بعتقه " ولم يوجد ما يعارضها فإن كان تاريخ عتقه سابقا أو خرجت له القرعة عتق كله " كإقرار الورثة أنه هو المستحق للعتق " وإن كان متأخرا أو خرجت القرعة لسالم لم يعتق منه شيء " لأن بينته لو كانت عادلة لم يعتق منه شيء فإذا كانت فاسقة أولى.
" وقال القاضي: يعتق من غانم نصفه " لأنه استحق العتق بإقرار الورثة مع ثبوت العتق للآخر بالبينة العادلة فصارت بالنسبة إليه كأنه أعتق العبدين فيعتق منه نصفه في الأحوال كلها قال المؤلف: وهذا لا يصح فإنه لو أعتق العبدين لأعتقنا أحدهما بالقرعة ولأنه في حال تقديم تاريخ عتق من شهدت له البينة لا(10/140)
وإن كذبت بينة سالم عتق العبدان.
__________
يعتق منه شيء ولو كانت بينته عادلة فمع فسقها أولى.
" وإن كذبت بينة سالم عتق العبدان " لأن سالما مشهود بعتقه وغانم مقر له بأنه لا مستحق للعتق سواه وقيل: يعتق سواه وقيل: يعتق من غانم ثلثاه والأول أولى.
فرع : ذكر أكثر أصحابنا أن التدبير مع التنجيز كآخر التنجيزين مع أولهما لأن التدبير تنجيز بالموت فوجب أن يتأخر عن المنجز في الحياة.
أصل: إذا شهد عدلان أن زيد أوصى لعمرو بثلث ماله وشهد آخران أنه وصى لبكر بثلث ماله وشهد آخران أنه رجع عن وصية أحدهما أقرع بينهما فمن قرع قدم وإن تأخرت وصيته ذكره ابن أبي موسى والسامري وذكر أبو بكر أنه قياس قول أحمد وإذا صح الرجوع عن إحداهما بغير تعيين صحت الشهادة به لأن الوصية تصح بالمجهول.
وتصح الشهادة بها بالمجهول وقال القاضي: لا تصح الشهادة لأنهما لم يعينا المشهود عليه كما لو قالا نشهد أن لهذا على أحد هذين ألفا فلو شهد اثنان أنه وصى لزيد بثلث ماله وشهد واحد أنه وصى لعمرو بثلث ماله انبنى على الخلاف.
أحدهما: يتعارضان فيحلف عمرو مع شاهده ويقسم الثلث بينهما.
والثاني: لا فينفرد زيد بالثلث وتقف وصية عمرو على إجازة الورثة فأما إن شهد واحد بالرجوع عن وصية زيد فلا تعارض ويحلف عمرو مع شاهده وتثبت له الوصية والفرق بينهما أن في الأولى تقابلت البينتان فقدمنا أقواهما وفي الثانية لم تتقابلا وإنما ثبت الرجوع وهو يثبت بالشاهد واليمين لأن المقصود منه المال.(10/141)
فصل
إذا مات رجل وخلف ولدين مسلما وكافرا فادعى كل واحد منهما أنه مات على دينه فإن عرف أصل دينه فالقول قول من يدعيه وإن لم يعرف فالميراث للكافر لأن المسلم لا يقر ولده على الكفر في دار الإسلام وإن لم يعترف المسلم أنه أخوه ولم تقم به بينة فالميراث بينهما ويحتمل أن يكون للمسلم لأن حكم الميت حكم المسلمين في غسله والصلاة عليه وقال القاضي: قياس المذهب أن يقرع بينهما،
__________
فصل
" إذا مات رجل وخلف ولدين مسلما وكافرا وادعى كل واحد منهما أنه مات على دينه فإن عرف أصل دينه " من إسلام أو كفر " فالقول قول من يدعيه " رواية واحده إن حلف لأن الأصل بقاء ما كان عليه كسائر المواضع.
" وإن لم يعرف فالميراث للكافر " جزم به الأصحاب إن اعترف المسلم بأخوة الكافر " لأن المسلم لا يقر ولده على الكفر في دار الإسلام " ولأنه معترف بأن أباه كان كافرا أو هو يدعي إسلامه فجعل أصل دينه الكفر والقول قول مدعي الأصل.
وعنه: هو بينهما رواها ابن منصور اعترف أنه أخوه أو لا وقيل: هو للمسلم لأن الدار دار الإسلام فيحكم فإسلام لقيطها ولأنه يجوز أن يكون أخوه الكافر مرتدا لم تثبت عند الحاكم ردته.
" وإن لم يعترف المسلم أنه أخوه ولم تقم به بينة فالميراث بينهما " لأنهما سواء في اليد والدعوى أشبه ما لو تداعيا عينا في أيديهما.
" ويحتمل أن يكون للمسلم لأن حكم الميت حكم المسلمين في غسله والصلاة عليه " والدفن وغير ذلك " وقال القاضي: قياس المذهب أن يقرع بينهما " إن لم تكن التركة في أيديهما فمن قرع حلف واستحق وإن كانت في أيديهما قسمت بينهما نصفين ويتحالفان قدمه في الرعاية وهو(10/142)
ويحتمل أن يقف الأمر حتى يظهرا أصل دينه وإن أقام كل واحد منهما بينة أنه مات على دينه تعارضتا وإن قال شاهدان: نعرفه مسلما وقال شاهدان: نعرفه كافرا فالميراث للمسلم إذا لم يؤرخ الشهود معرفتهم،
__________
سهو لاعترافهما أنه إرث ومقتضى كلام القاضي أن التركة إذا كانت بيد أحدهما أنها له مع يمينه هذا لا يصح لأن كلا منهما يقر بأن هذه التركة تركة هذا الميت وأنه إنما يستحق بالميراث فلا حكم ليده.
" ويحتمل أن يقف الأمر حتى يظهر أصل دينه " لأنه لا يعلم المستحق إلا بذلك.
قال أبو الخطاب: أو يصطلحا لأنه هو المقصود وفي مختصر ابن رزين إن عرف ولا بينة فقول مدع وقيل: يقرع أو يوقف.
فرع: حكم سائر الأقارب كالأولاد فيما ذكرنا وسيأتي " وإن أقام كل واحد منهما بينة أنه مات على دينه " ولم يعرف أصل دينه " تعارضتا " لأنهما تساوتا وذلك يوجب التعارض وفي الكافي إذا أقام كل منهما بينة أنه مات على دينه فقال الخرقي وابن أبي موسى يكونان كمن لا بينة لهما وقد ذكرنا أن البينتين إذا تعارضتا قدمت إحداهما بالقرعة في وجه وفي آخر تقسم العين بينهما.
وقيل: تقدم بينة المسلم هنا لأنه يجوز أن يكون اطلع على أمر خفي على البينة الآخر ى
ثم ذكر في الكافي فإن اختلف تاريخهما عمل بالأخيرة منهما لأنه ثبت بها أنه انتقل عما شهدت به الأولى وإن اتفق تاريخهما تعارضتا.
وإن أطلقتا أو إحداهما قدمت بينة المسلم.
" وإن قال شاهدان: نعرفه مسلما وقال: شاهدان نعرفه كافرا فالميراث للمسلم إذا لم يؤرخ الشهود معرفتهم " لأن العمل بهما ممكن إذ الإسلام يطرأ على الكفر وعكسه خلاف الظاهر لعدم إقرار المرتد والمذهب أنه إن عرف أصل دينه قدمت الناقلة عنه وإلا فروايات التعارض اختاره القاضي وجماعة واختاره في المغني ولو اتفق تاريخهما وهو ظاهر المنتخب.(10/143)
وإن خلف أبوين كافرين وابنين مسلمين فاختلفوا في دينه فالقول قول الأبوين ويحتمل أن القول قول الابنين وإن خلف خلف ابنا كافر أو أخا وامرأة مسلمين فاختلفوا في دينه فالقول قول الابن على قول الخرقي وقال القاضي: يقرع بينهما وقال أبو بكر قياس المذهب أن تعطى المرأة الربع ويقسم الباقي بين الابن والأخ نصفين
__________
وعنه: تقدم بينة الإسلام اختاره الخرقي.
فرع : إذا شهدت بينة أنه مات ناطقا بكلمة الإسلام والأخرى بعكسها تعارضتا سواء عرف أصل دينه أو لا فتسقطان أو تستعملان بقسمة أو قرعة ويصلى عليه تغليبا له مع الاشتباه.
قال القاضي: ويدفن معنا وقال ابن عقيل: بل وحده.
" وإن خلف أبوين كافرين وابنين مسلمين واختلفوا في دينه فالقول قول الأبوين " لأن كونهما كافرين بمنزلة معرفة أصل دينه وقيل: قبل بلوغه وهو ظاهر المذهب لأنه حينئذ محكوم له بدين أبويه.
" ويحتمل أن القول قول الابنين " هذا وجه في الرعاية الكبرى هو أولى لظاهر دار وانقطاع حكم التبعية عن الأبوين بالبلوغ لأن كفر أبويه يدل على أصل دينه في صغره وإسلام ابنيه يدل على إسلامه في كبره فيعمل بهما جميعا يحمل كل منهما على مقتضاه.
وقيل: يصدق ابناه في دارنا وقيل: يقف الأمر حتى يتبين أو يصطلحا ويحلف من قدم قوله " وإن خلف ابنا كافرا وأخا وامرأة مسلمين واختلفوا في دينه فالقول قول الابن على قول الخرقي " وجزم به في الوجيز لأن الظاهر كون الأب كافرا لأنه لو كان مسلما لما أقر ولده على الكفر في دار الإسلام.
" وقال القاضي يقرع بينهما " لأنها مشروعة في الإبهام وهو موجود هنا " وقال أبو بكر قياس المذهب أن تعطى المرأة الربع " لأن الولد الكافر لا يحجب الزوجة " ويقسم الباقي بين الابن والأخ نصفين " لتساويهما في الدعوى وعلى(10/144)
ولو مات مسلم وخلف ولدين مسلما وكافرا فأسلم الكافر وقال: أسلمت قبل موت أبي وقال: أخوه بل بعده فلا ميراث له فإن قال: أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر وقال: أخوه بل مات في ذي الحجة فله الميراث مع أخيه
__________
هذا تصح المسلم من ثمانية وفيه وجه للزوجة الثمن والباقي بين الابن والأخ نصفين وتصح من ستة عشر.
وفيه وجه جميع الميراث للابن فجعل أصل دينه الكفر وحكم ببقائه استصحابا للحال وقيل: هما مع ابنه كأخيه المسلم فيما ذكرنا لكن النصف للمرأة والأخ على أربعة سهم وله ثلاثة والنصف الباقي لابنه قدمه في المحرر.
" ولو مات مسلم وخلف ولدين مسلما وكافرا فأسلم الكافر وقال أسلمت قبل موت أبي " أو بعده قبل قسم تركته و قلنا: بأنه يرث " وقال أخوه : بل بعده فلا ميراث له " جزم به في المحرر والشرح لأن الأصل بقاء الكفر إلى أن يعلم زواله وعلى أخيه اليمين لأنه منكر ويكون على نفي العلم لأنها على نفي فعل أخيه وقدم في الرعاية أن الميراث بينهما وإن أقاما بينتين بما قالا قدمت بينة الكافر سواء اتفقا على وقت موت أبيهما أم لا ذكره في الرعاية وإن لم يثبت أنه كان كافرا فادعى عليه أنه كان كذلك فأنكر فالميراث بينهما.
"فإن قال أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر وقال أخوه بل مات في ذي الحجة فله الميراث مع أخيه " لأن الأصل بقاء حياته إلى أن يعلم زوالها وإن أقام كل واحد بينة بدعواه فقيل: تتعارضان وقيل: يقدم بينة من ادعى تقديم موته لأن معها زيادة علم يجوز أن يخفى على الأخرى وإن قال أكبرهما أسلمت أنا في المحرم ومات أبي في صفر وقال أصغرهما أسلمت أنا في صفر وفيها أسلم أبي ورثاه وقيل: إن صدق الأكبر بإسلام الأصغر فيه أو قامت به بينة وإلا فلا شركة اقتصر عليه في الرعاية وهو ظاهر المستوعب والله أعلم(10/145)
كتاب الشهادات
باب الشهادات
...
كتاب الشهادات
تحمل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين،
__________
كتاب الشهادات
وهي جمع شهادة وهي الإخبار عما شوهد أو علم ويلزم من ذلك انعقادها ومن ثم كذب الله المنافقين في قولهم : {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون:1]، لأن قلوبهم لم تواطئ ألسنتهم والشهادة يلزم منها ذلك فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم وإذا لم يصدق إطلاق نشهد انتهى.
قال الجوهري: الشهادة خبر قاطع فتطلق على التحمل تقول شهدت بمعنى تحملت وعلى الأداء تقول شهدت عند القاضي شهادة أي أديتها وعلى المشهود به تقول تحملت شهادة يعني المشهود به واشتقاقها من المشاهدة لأن الشاهد يخبر عما شاهده وتسمى بينة لأنها تبين ما التبس.
وهي حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه والإجماع منعقد على مشروعيتها وسنده قوله تعالى : {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]، {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}[ البقرة:282]، والسنة مستفيضة بذلك والحاجة داعية إلى ذلك لحصول التجاحد بين الناس " تحمل الشهادة " أي: المشهود به فهو مصدر بمعنى المفعول " وأداؤها فرض على الكفاية " لقوله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة:282]، {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283] وإنما خص القلب بالإثم لأنه موضع العلم بها ولأنها لو لم تكن كذلك لامتنع الناس من التحمل والأداء فيؤدي إلى ضياع الحقوق ولأنها أمانة فلزم أداؤها كسائر الأمانات وشأن فرض الكفاية " إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين "
وفي المغنى والشرح في إثمه بامتناعه مع وجود غيره وجهان:(10/146)
وإن لم يقم بها من يكفي تعينت على من وجد قال الخرقي ومن لزمته الشهادة فعليه أن يقوم بها على القريب والبعيد لا يسعه التخلف عن إقامتها وهو قادر على ذلك،
__________
أحدهما يأثم لأنه قد تعين عليه بدعائه ولأنه منهي عن الامتناع والثاني: لا لأن غيره يقوم مقامه فلم يتعين في حقه كما لو لم يدع إليها فظاهره أنه لا فرق والأولى: أنه خاص بالتحمل وإذا وجب تحملها ففي وجوب كتابتها لتحفظ وجهان " وإن لم يقم بها من يكفي تعينت على من وجد " فتصير فرض عين نص عليه إن دعي وقدر بلا ضرر في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله لقوله تعالى : {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} ولأنها أمانة فلزم أداؤها كالوديعة " قال الخرقي: من لزمته الشهادة فعليه أن يقوم بها على القريب والبعيد لا يسعه التخلف عن إقامتها وهو قادر على ذلك " ظاهره أن أداء الشهادة فرض عين وهو المنصوص لظاهر الآيات ولقوله تعالى :{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58].
وقيل: بل أداؤها فرض كفاية جزم به أبو الخطاب والمؤلف في كتبه.
فعلى هذا إذا كان المتحمل جماعة فالأداء متعلق بالجميع فإذا قام به من يكفي سقط عن الجميع وإن امتنع الكل أثموا وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه كما لو وجد مؤذن واحد ولو كان عبدا لم يمنعه سيده كصلاة الفرض فإن أدى شاهد وأبى الآخر وقال احلف أنت بدلي فهل ليث فيه وجهان.
فعلى ما ذكره الخرقي يتعين على كل من المتحملين القيام بالشهادة كما تجب على المكلف الصلاة وسواء كان المشهود عليه نسبيا أو غيره لكن بشرط أن يقدر على أدائها فلو كان عاجزا عن أدائها لحبس أو مرض لم يلزمه إذ جميع التكاليف ملحوظ فيها القدرة ولا بد مع ذلك أن لا يلحقه ضرر فإن كان يلحقه ضرر في نفسه أو ماله لم يلزمه لقوله تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282] على أن يكون مبنيا للمفعول كما صرح به ابن عباس حيث قرأ ولا يضارر بالفتح.(10/147)
و لا يجوز لمن تعينت عليه أخذ الأجرة عليها ولا يجوز ذلك لمن لم تتعين عليه في أصح الوجهين،
__________
وقيل: مبنية للفاعل قاله عمر يقرأ ولا يضارر بالكسر فيخرج من هذا لأن النهي إذا للشاهد عما يطلب منه أو عن التحريف والزيادة والنقصان.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا إضرار " ولأن القاعدة أن الإنسان لا يضر نفسه لنفع غيره ومن ثم إذا عجز الشاهد عن المشي فأجرة المركوب والنفقة على رب الشهادة كنفقة المحرم في الحج وهذا إذا كان دون مسافة قصر.
وقيل: ما يرجع إلى منزله ليومه حكاه ابن حمدان وقيل: إن قل الشهود وكثر أهل البلد فهي فرض عين وإلا ففرض كفاية والأداء مختص بمجلس الحاكم وظاهر إطلاق المؤلف وأورده ابن حمدان مذهبا مطلقا والذي أورده في المحرر والوجيز أنه يختص المال وكل حق آدمي.
فرع : إذا دعي فاسق إلى شهادة فله الحضور مع عدم غيره ذكره في الرعاية ومراده لتحملها.
وفي المغني وغيره أن التحمل لا تعتبر له العدالة فلو لم يؤد حتى صار عدلا قبلت.
" ولا يجوز لمن تعينت عليه أخذ الأجرة عليها " وكذا في المستوعب لئلا يأخذ العرض عن فرض العين " ولا يجوز ذلك لمن لم بتعين عليه في أصح الوجهين " قدمه في المحرر والرعاية وصححه في الفروع لأن فرض الكفاية إذا قام به البعض وقع من فرضا وجزم به في الوجيز وعبر عنه بالجعل كالمحرر وفي الفروع جمع بينهما.
و الثاني: يجوز لأن النفقة على عياله فرض عين فلا يشتغل عنه بفرض كفاية قال أبو الخطاب وأصل ذلك في أخذ الأجرة على القرب.
وفي المغني: من له كفاية فليس له الأخذ ومن ليس له كفاية ولا تعينت عليه فله أخذها وإلا فاحتمالان وقيل: يباح مع التعيين للحاجة وقيل: يجوز مع التحمل وقيل: أجرته في بيت المال كمزك ومعرف،(10/148)
ومن كانت عنده شهادة في حد لله أبيح إقامتها ولم يستحب وللحاكم أن يعرض لهم بالوقوف عنها في أصح الوجهين ومن كانت عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله،
__________
ومترجم ومفت ومقيم حد وقود وحافظ مال بيت المال ومحتسب وخليفة.
" ومن كانت عنده شهادة في حد لله تعالى أبيح إقامتها " من غير تقدم دعوى لأن أبا بكرة وأصحابه والجارود وأبا هريرة أقاموا الشهادة على قدامة بن مظعون بشرب الخمر.
" ولم تستحب " لقوله عليه السلام: " من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخر ة ".
واستحب القاضي وأصحابه وأبو الفرج والترغيب كالمؤلف تركه للترغيب في الستر وهذا يخالف ما جزم به في آخر الرعاية من وجوب الإغضاء عمن ستر المعصية وهو ظاهر كلام الخلال.
قال في الفروع: ويتوجه فيمن عرف بالشر والفساد لا يستر عليه " وللحاكم أن يعرض لهم بالوقوف عنها في أصح الوجهين : قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لقول عمر في قصة المغيرة لما شهد عليه ثلاثة وجاء الرابع: ما تقول يا سلح الغراب وكالتعرض للفاعل بالرجوع عن إقراره وفي الانتصار تلقينه الرجوع مشروع و الثاني: لا كحق آدمي.
فرع: إذا دعا زوج أربعة لتحملها بزنى امرأته جاز لقوله تعالى :{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} الآية [النساء:15]، وقيل: لا كغيره أو لإسقاط الحد قال في الرعاية وإن قال احضرا لتسمعا قذف زيد لي لزمهما ويتوجه إن لزم إقامة الشهادة وهل تقبل الشهادة بحد قديم فيه وجهان.
"ومن كانت عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني" الخبر وهو صحيح لأن أداءها حق لآدمي فلا يستوفى إلا برضاه كسائر حقوقه ولا بقدح ذلك في عدالته كشهادة(10/149)
فإن لم يعلمها استحب له إعلامه بها وله إقامتها قبل ذلك ولا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع والرؤية تختص بأفعال كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة وغيرها والسماع على ضربين سماع من المشهود عليه نحو الإقرار والعقود والطلاق والعتاق.
__________
حسبة ويقمها بطلبه ولو لم يطلبها الحاكم ويحرم كتمها قال الشيخ تقي الدين: ويقدح فيه وقال إن كان بيد من لا يستحقه ولا يصل إلى من يستحقه لم يلزمه إعانة أحدهما ويعين متأولا مجتهدا.
" فإن لم يعلمها استحب إعلامه به " لأن ذلك تنبيها على حقه وكالوديعة "وله إقامتها قبل ذلك" لقوله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها " رواه مسلم وترك إطلاق هذا الحديث لأجل الخبر الآخر جمعا بينهما " ولا يجوز أن يشهد إلا يما يعلم " لقوله تعالى :{وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ} [الزخرف:86]، قال المفسرون: "من شهد بالحق" وهو توحيد الله تعالى وهو يعلم ما شهد به عن بصيرة وإتقان.
ومعناه: لكن من شهد بالحق فيكون الاستثناء منقطعا وقال ابن عباس سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة قال: " ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع " رواه الخلال ولأن الشهادة بغير علم رجم بالغيب وذلك حرام ومدرك العلم الذي تحصل به الشهادة "برؤية أو سماع" غالبا زاد في المستوعب والرعاية حال التحمل لقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36]، ويختص الثلث في الآية بالسؤال لأن العلم بالفؤاد وهو يستند إلى السمع والبصر لأن مدرك الشهادة الرؤية والسماع وهما بالبصر والسمع دون ما عداهما من مدارك العلم وهو المس والذوق والشم لا حاجة إليها في الشهادة في الأغلب " والرؤية تختص بأفعال كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة وغيرها " كالعيوب المرئية في المبيع ونحوها " والسماع على ضربين سماع من الشهود عليه نحو الإقرار والعقود والطلاق والعتاق " وحكم الحاكم،(10/150)
...................................................................................
__________
فلا يجوز التحمل فيها إلا بسماع القول ومعرفة القائل يقينا ذكره في الكافي.
وحينئذ يلزمه أن يشهد على من سمعه وإن لم يشهده به لاختفائه أو مع العلم به لأن العلم يحصل بذلك وإن حصل العلم بدونه كمعرفة صوت القائل كفى لأنه علم المشهود عليه كما لو رآه وهو قول ابن عباس وجمع وقال جماعة من العلماء: لا تجوز الشهادة حتى يشاهد القائل المشهود عليه لأن الأصوات تشتبه وأجيب بأن جواز الاشتباه في الأصوات كجواز اشتباه الصور.
وعنه: لا يلزمه فيخير وعنه: يحرم في إقرار وحكم وعنه: وغيرهما حتى يشهده.
وعنه: إن أقر بحق سابق نحو كان له فحتى يشهده.
وظاهر كلامهم: أن الحاكم إذا شهد عليه شهد سواء وقت الحكم أو لا.
وقال أبو الخطاب وأبو الوفاء: إذا كان بعده فيقولان أخبرنا أنه حكم ولا يقولان أشهدنا وعلى الأولى إذا قال المتحاسبان لا تشهدوا علينا بما جرى بيننا لم يمنع ذلك الشهادة ولزم إقامتها على الأشهر.
تنبيه : إذا عرف المشهود عليه باسمه وعينه ونسبه جاز أن يشهد عليه مطلقا وإن لم يعرف ذلك لم يشهد عليه في غيبته وفي الفروع وإن كان غائبا فعرفه به من يسكن إليه جاز أن يشهد في الأصح وظاهر ما نقله مهنا الاكتفاء بمعرفة الاسم لأنه إذا حصل به التمييز فلا حاجة إلى معرفة النسب والمرأة كالرجل قال أحمد: إلا لمن تعرف وعلى من تعرف وقال لا تشهد على امرأة حتى تنظر إلى وجهها وهو محمول على من لم يتيقن معرفتها ونص أحمد على المنع على من لا يعرفه بتعريف غيره.
قال القاضي: هو محمول على الاستحباب لتجويزه الشهادة بالاستفاضة.
ونقل حنبل لا يشهد عليها إلا بإذن زوجها وعلله بأنه أملك لعصمتها وقطع به وحمل على أنه لا يدخل بيتها إلا بإذن زوجها للخبر.(10/151)
وسماع من جهة الاستفاضة مما يتعذر علمه في الغالب إلا بذلك كالنسب والموت والملك والنكاح والخلع والوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل وما أشبه ذلك ولا تقبل الاستفاضة إلا من عدد يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي،
__________
فأما الشهادة عليها في غير بيتها فجائز لأن إقرارها وتصرفها صحيح إذا كانت رشيدة " وسماع من جهة الاستفاضة مما يتعذر علمه في الغالب إلا بذلك " لأن المنع منها يؤدي إلى عدم ثبوت ما ذكر غالبا في بعضها وهو ضرر عظيم وهو منفي شرعا " كالنسب " وهو محل إجماع كالولادة لأنه لا سبيل إلى معرفته إلا بالاستفاضة " والموت والملك " المطلق قيده به جماعة مثل أن يستفيض عنده أنه ملك فلان " والنكاح " قال جماعة: دوامه لا أنه تزوجها " والخلع والوقف " أي أنه وقف زيد لا أنه وقفه " ومصرفه " وحكاه في المغني عن الأصحاب وجزم به في الكافي وفي الرعاية أن الوقف ومصرفه يثبت بها في الأصح فيهما " والعتق " أي أنه عتيق وحر لا أن سيده أعتقه "والولاء والولاية والعزل " لأن العلم في ذلك كله يتعذر غالبا أشبه النسب .لا يقال يمكن العلم به بمشاهدة سببه لأن الإمكان لا ينافي التعذر غالبا ولأن وجود السبب لا يعلم به المسبب قطعا لجواز أن يبيع مثلا غير ملكه وذكر ابن هبيرة عن أحمد أنه يثبت في الملك المطلق والوقف والنكاح والعتق والنسب والولاء وقاله الإصطخري واقتصر عليه في الشرح وزاد مصرف الوقف والموت والولاية والعزل وكذا في الكافي إلا أنه لم يذكر الولاء " وما أشبه ذلك " كالطلاق نص عليه. وفي عمد الأدلة مقتضى تعليل أصحابنا أن يثبت الدين بالاستفاضة ومقتضاه أنه لا يثبت في حد ولا قود وظاهر قول الخرقي وابن حامد بخلافه لأنهم أطلقوا الشهادة بما تظاهرت به الأخبار وفي الترغيب تسمع فيما تستقر معرفته بالتسامع لا في عقد والأشهر أنه لا يثبت إلا في نسب وموت وملك مطلق وعتق وولاء ونكاح ووقف " ولا تقبل الاستفاضة إلا من عدد يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي " قدمه في الرعاية والفروع وجزم به في(10/152)
وقال القاضي: تسمع من عدلين فصاعدا وإن سمع إنسانا يقر بنسب أب أو ابن فصدقه المقر له جاز أن يشهد له به وإن كذبه لم يشهد وإن سكت جاز أن يشهد ويحتمل أن لا يشهد حتى يتكرر وإن رأى شيئا في يد إنسان يتصرف فيه تصرف الملاك من النقض والبناء والإجارة والإعارة ونحوها جاز أن يشهد بالملك له
__________
الوجيز لأن الاستفاضة مأخوذة من فيض الماء لكثرته وذلك يستدعى كثرة القائل به " وقال القاضي تسمع من عدلين فصاعدا " يسكن قلبه إلى خبرهما لأن الثابت بها حق من الحقوق فوجب أن يسمع منهما كغيره واختاره المجد في محرره وحفيده أو واحد تسكن إليه نفسه والأول المذهب لأنه لو اكتفى باثنين لاشترط فيه ما يشترط في الشهادة على الشهادة وإنما اكتفى فيها بمجرد السماع و الثالث: بعيد عن معناها ويلزم الحكم بشهادة لم يعلم تلقيها من الاستفاضة ومن قال: شهدت بها ففرع وفي التعليق وغيره الشهادة بها خبر لا شهادة وأنها تحصل بالنساء والعبيد " وإن سمع إنسانا يقر بنسب أب أو ابن فصدقه المقر له جاز أن يشهد له به " لتوافق المقر والمقر له على ذلك " وإن كذبه لم يشهد " لتكذيبه إياه " وإن سكت جاز أن يشهد " نص عليه وقدمه في الكافي والمستوعب والرعاية لأن السكوت في النسب إقرار به بدليل من بشر بولد فسكت كان مقرا به بخلاف سائر الدعاوى ولأن النسب يغلب فيه الإثبات ألا ترى أنه يلحق بالإمكان في النكاح " ويحتمل أن لا يشهد حتى يتكرر " ذكره أبو خطاب وهو وجه لأن السكوت محتمل فاعتبر له التكرار ليزول الاحتمال " وإن رأى شيئا في يد إنسان " مدة طويلة قاله في الترغيب والمجرد والفصول والكافي والمحرر والوجيز وظاهر كلام المؤلف: يشمل القصيرة وصرحوا به في كتب الخلاف وذكره ابن هبيرة عن أحمد "يتصرف فيه تصرف الملاك من النقض والبناء والإجارة والإعارة ونحوها جاز أن يشهد بالملك له" قدمه أكثر الأصحاب وجزم به ابن هبيرة وصححه ابن المنجا لأن اليد دليل الملك واستمرارها من غير منازع(10/153)
ويحتمل أن لا يشهد إلا باليد والتصرف.
فصل
ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها،
__________
يقويها فجرت مجرى الاستفاضة والاحتمال لا يمنع جواز الشهادة بدليل جوازها بالملك بناء على ما عاينه من السبب كالبيع والإرث ونحوهما مع أنه يحتمل أن البائع والمورث ليس مالكا وفي المغنى لا سبيل إلى العلم هنا فجازت بالظن ويسمى علما لقوله تعالى : {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة:10]، ولا سبيل إلى العلم اليقيني هنا فاكتفى بالظن ويتوجه احتمال يعتبر حضور المدعي وقت تصرفه وأن لا يكون قرابته ولا يخاف من سلطان إن عارضه لأنه إذا ادعى شخص على المتصرف أن ذلك ملكه لا يجوز لمن رآه يتصرف أن يشهد له بالملك له إلا بما ذكر " ويحتمل أن لا يشهد إلا باليد والتصرف " هذا وجه وصححه السامري لأن يده يحتمل أن تكون غير مالكة وفي مختصر ابن رزين تشهد بملك بتصرفه وعنه: مع يده وفرق قوم فقالوا: تشهد بالملك في المدة الطويلة وفي القصيرة باليد وهو ظاهر.
فصل
" ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه " كذا ذكره في المحرر والوجيز والفروع لأن الناس يختلفون في شروطه فيجب ذكرها لئلا يعتقد الشاهد صحته وهو فاسد ولعل ظاهره إذا اتخذ مذهب الشاهد والحاكم لا يجب التبيين ونقل عبد الله فيمن ادعى أن هذه الميتة امرأته وهذا ابنه منها فإن أقامها بأصل النكاح ويصلح ابنه فهو على أصل النكاح والفراش ثابت يلحقه وإن ادعت أن هذا الميت زوجها لم يقبل إلا ببينة تشهد بأصل النكاح ويعطى الميراث " وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها " إن لم تكن مجبرة هذا من جملة الشروط ولعله إنما ذكر ذلك(10/154)
وإن شهد بالرضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات وأنه شرب من ثديها أو من لبن حلب منه وإن شهد بالقتل احتاج أن يقول ضربه السيف أو جرحه فقتله أو مات من ذلك فإن قال: جرحه فمات لم يحكم به.
__________
للخلاف في بعضها وحاصله أن البينة تشهد بذلك وأنه تزوجها في صحة بدنه وجواز أمره لكن لا يعتبر في صحته وجواز أمره.
تنبيه : إذا شهد باستباحة الزوجية جاز وإن ذكر سببها لم تكن شهادة وقيل: لا يشهد فيها باستفاضة وهو بعيد وإن عقد بلفظ لا خلاف فيه شهد بالعقد والزوجية تقول حضرت العقد الجاري بينهما وأشهد به وإن قال حضرت وشهدت به فقال أبن حمدان: يحتمل وجهين والصحة أظهر.
فرع : مقتضى ما ذكره المؤلف أنه لا يشترط في البيع ونحوه ذكر شروطه وهو وجه والأشهر أنه يشترط في سائر العقود " وإن شهد بالرضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات وأنه شرب من ثديها أو من لبن حلب منه " لاختلاف الناس فيما يصير به ابنها ولا بد أن يكون ذلك في الحولين وقيل: ودخول اللبن إلى جوفه قال في الكافي وإن رأى امرأة اتخذت صبيا تحت ثيابها فأرضعته لم يجز أن يشهد بإرضاعه لأنه يجوز أن تتخذ شيئا على هيئة الثدي تمصه له.
"وإن شهد بالقتل احتاج أن يقول ضربه بالسيف أو جرحه فقتله أو مات من ذلك" لأن ما ذكر شرط في إيجاب القتل فاحتيج إلى قوله في الشهادة به ويعتبر ذكر الآلة ووصف الجناية بعمد أو غيره.
والانفراد به أو شارك غيره " فإن قال: جرحه فمات لم يحكم به " لجواز أن يكون مات بغير هذا ولأنه لم يستند الموت إلى الجرح فلم يثبت كون الموت بسبب حرجه فإن قال ضربه فوجده موضحا أو فسال دمه لم يصح وإن قال ضربه فأوضحه فوجد في رأسه موضحتين وجب دية موضحة لأنه قد أثبتها ولم يجب قصاص لأنا لا ندري أيتهما التي شهدت بها،(10/155)
وإن شهد بالزنا فلا بد من ذكر من زنى بها وأين زنى وكيف زنى وأنه رأى ذكره في فرجها ومن أصحابنا من قال لا يحتاج إلى ذكر المزني بها ولا ذكر المكان وإن شهد بالسرقة فلا بد من ذكر المسروق منه والنصاب والحرز وصفة السرقة وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف وإن شهدا أن هذا العبد ابن أمة فلان لم يحكم له به حتى يقولا ولدته في ملكه
__________
" وإن شهد بالزنا فلا بد من ذكر من زنى بها وأين زنى وكيف زنى وأنه رأى ذكره في فرجها " لأن اسم الزنى يطلق على ما لا يوجب الحد وقد يعتقد الشاهد ما ليس بزنى زنى فاعتبر ذكر صفته ليزول الاحتمال ولأنه إذا اعتبر التصريح في الإقرار كان اعتباره في الشهادة أولى وقد تكون المرأة ممن يحل له وطؤها أو له فيه شبهة وقد تكون الشهادة على فعلين فاعتبر المكان وإن لم ذكر الشهود ذلك سألهم الحاكم عنه " ومن أصحابنا " وهو ابن حامد " من قال: لا يحتاج إلى ذكر المزني بها ولا ذكر المكان " لأنه لم يأت ذكرهما في الحديث الصحيح وليس في حديث الشهادة في رجم اليهوديين ذكر المكان وكذا لا يشترط أيضا ذكر الزمان لأن الأزمنة في الزنى واحدة لا تختلف وفيه وجه بلى لتكون شهادتهم على فعل واحد وتقبل بحد قديم كالقصاص وقال ابن أبي موسى لا تقبل لقول عمر " وإن شهد بالسرقة فلا بد من ذكر المسروق منه والنصاب والحرز وصفة السرقة " لأن الحكم يختلف باختلافها ولتتميز السرقة الموجبة للقطع من غيرها.
" وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف " ويذكر القاذف وقيل: وأين ومتى "وإن شهد أن هذا العبد ابن أمة فلان لم يحكم له به حتى يقولا ولدته في ملكه " جزم به في الوجيز والشرح وقدمه في الرعاية لجواز أن تكون ولدته قبل تملكها وقيل: لا يشترط قولهما ولدته في ملكه فإن قالا في ملكه صح لأنها شهدت أنه نماء ملكه ونماء ملكه ما لم يرد نقله عنه فإن قيل: قد قلتم لا تقبل شهادته بالملك السابق على الصحيح وهذه شهادة بملك سابق قلنا: الفرق على تقدير التسليم النماء تابع(10/156)
وإن شهدا أنه اشتراها من فلان أو وقفها عليه أو أعتقها لم يحكم له بها حتى يقولا وهي في ملكه وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه أو الطير من بيضته أو الدقيق من حنطته حكم له بها وإذا مات رجل وادعى آخر أنه وارثه فشهد شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثا غيره
__________
للملك في الأصل فإثبات ملكه في الزمن الماضي على وجه التبع وجرى مجرى ما لو قال ملكه منذ سنة وأقام البينة به فإن ملكه ثبت في الزمن الماضي تبعا للحال فيكون له النماء فيما مضى لأن البينة هنا شهدت بسبب الملك فقويت بذلك ولهذا لو شهدت بالسبب في الزمن الماضي فقال أقرضته ألفا ثبت الملك وإن لم يذكره فمع ذكره أولى.
فرع : إذا شهد على إقرار غيره بحق فقيل: يعتبر ذكر سببه والأصح لا كاستحقاق مال وإن شهد بسبب يوجبه واستحقاق غيره ذكره وفي الرعاية من شهد لزيد على عمرو بشيء سأله عن سببه انتهى ولا تعتبر إشارته إلى مشهود عليه حاضر مع نسبه ووصفه ولا قوله طوعا في صحته مكلفا عملا بالظاهر وما صحت الشهادة به صحت الدعوى وبالعكس وعلى اختيار المؤلف لا يشترط ذلك فيما إذا كانت في يد المتعاقدين أما إذا كانت في يد غيرهما فلا بد من ذكر الملك والتسليم تشهد البينة به "وإن شهدا أنه اشتراها من فلان أو وقفها عليه أو أعتقها لم يحكم له بها حتى يقولا وهي في ملكه " لأنه قد يبيع ويقف ويعتق ما لا يملكه ولأنه لو لم يشترط قول الشاهدين وهي في ملكه لتمكن كل من أراد أن ينتزع شيئا من يد غيره أن يتفق هو وشخص ويبيعه إياه بحضرة شاهدين ثم ينتزعه المشتري من يد صاحبه ثم يقتسمانه وفي ذلك ضرر عظيم لا يرد الشرع بمثله.
" وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه أو الطير من بيضته أو الدقيق من حنطته حكم له بها " ذكره الأصحاب لأن الغزل عين القطن وإنما تغيرت صفته والطير هو البيضة استحالت والدقيق عين الحنطة وإنما تفرقت أجزاؤها وقيل: أو البيضة من طيره فكذلك والأصح لا حتى يقولا باضتها في ملكه لأن البيضة غير الطير وإنما من نمائه كالولد " وإذا مات رجل وادعى آخر أنه وارثه فشهد شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثا غيره،(10/157)
سلم المال إليه سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لم يكونا في ملكه وإن قالا: لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد احتمل أن يسلم المال إليه واحتمل أن لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها
__________
سلم المال إليه " في قول أكثر العلماء لأن هذا مما لا يمكن علمه فكفى فيه الظاهر مع شهادة الأصل بعدم وارث آخر " سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لم يكونا " وجزم به في الوجيز لأن قول البينة يعضده الأصل وفيه وجه أنه لا يقبل من غير أهل الخبرة الباطنة فيجب الكشف عن حاله لأن عدم علمهم بوارث ليس بدليل على عدمه بخلاف أهل الخبرة الباطنة فيأمر من ينادي بموته وليحضر وارثه فإذا غلب على ظنه أنه لا وارث له سلمه وقيل: بكفيل فعلى الأول يكمل لذي الفرض فرضه وعلى الثاني: وجزم به في الترغيب يأخذ اليقين وهو ربع ثمن للزوجة عائلا وسدس للأم عائلا من كل ذي فرض لا حجب فيه ولا يقين في غيره ومقتضاه أنه إذا شهد له بالإرث كفى نقل الأزجي فيمن ادعى إرثا لا يخرج في دعواه إلى إثبات السبب الذي يرث به وإنما يدعي الإرث مطلقا لأن أدنى حالاته أنه يرث بالرحم وهو صحيح على أصلنا والمعروف خلافه " وإن قالا" لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد " أو بأرض كذا " احتمل أن يسلم إليه المال " قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لما تقدم " واحتمل أن لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها " وقاله أكثر أهل العلم قال في الشرح وهو أولى لأنهما قد يعلمان أنه لا وارث له في تلك الأرض ويعلمان له وارثا في غيرها فلم يقبل كما لو قالا لا نعلم له وارثا في هذا البيت وإن شهدا بأنه ابنه لا وارث له غيره وبينة كذلك ثبت تسبه منهما وقسم المال بينهما لأنه ينافي.
قال المؤلف في فتاويه: إنما احتاج إلى إثبات لا وارث له سواه لأنه يعلم ظاهرا فإنه بحكم العادة يعرفه جاره ومن يعرف باطن أمره بخلاف دينه على الميت لا يحتاج إلى إثبات لا دين عليه سواه لخفاء الدي.ن
فرع : لا ترد الشهادة على النفي مطلقا بدليل هذه المسألة: والإعسار بل(10/158)
وتجوز شهادة المستخفي ومن سمع رجلا يقر بحق أو يشهد شاهدا بحق أو يسمع الحاكم يحكم أو يشهد على حكمه أو إنفاذه في إحدى الروايتين،
__________
يقبل إذا كان النفي محصورا كقول الصحابي دعي إلى الصلاة فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ كالإثبات وهل يشهد عقدا فاسدا مختلفا فيه ويشهد به يتوجه دخولها فيمن أتى فرعا مختلفا فيه قال في التعليق يشهد وفي الفتاوى المصرية يجوز للكاتب والشاهد أن يكتب ويشهد به ولو لم ير جوازه لأنه من المسائل الاجتهادية والفقيه يحكم بما يراه من الخلاف.
فرع : إذا شهد أنه طلق أو أعتق أو أبطل من وصاياه واحدة ونسيا عينها لم تقبل هذه الشهادة ذكره في المحرر والرعاية وقيل: بلى جزم به في المبهج في الوصية وفيها في الترغيب قال أصحابنا يقرع بين الوصيين فمن خرجت قرعتها فهي الصحيحة " وتجوز شهادة المستخفي " وهو المتواري عن المشهود عليه وهي مقبولة قال في الشرح على الرواية الصحيحة رواه سعيد بإسناد رجاله ثقات عن عمرو بن حريب ولأنه قد تدعو الحاجة إلى ذلك مثل أن يكون خصمه يقر سرا ويجحد جهرا فلو لم تجز شهادته لأدى إلى بطلان الحق و الثانية: لا تسمع شهادته اختارها أبو بكر وابن أبي موسى لقوله تعالى : {وَلا تَجَسَّسُوا} الحجرات ولقوله عليه السلام: " من حدث بحديث ثم التفت فهو أمانة " وفي ثالثة إن أقر بحق في الحال شهد به كقوله علي كذا وإن أقر بسابقته كأقرضني وكان علي وقضيته إذا جعلناه إقرارا لم يشهد به حتى يشهده به قال في المحرر وهي الأصح وعنه: يشهد بما سمعه ولا يؤدي حتى يقول اشهد علي فإذا قاله وجب الأداء " ومن سمع رجلا " مكلفا " يقر بحق " أو عقد أو عتق أو طلاق " أو يشهد شاهدا بحق " فعلى الخلاف والمذهب أنه يشهد عليه وإن لم يقل له اشهد وعنه: لا كالشهادة وفرق المؤلف بينهما بأن الشهادة على الشهادة ضعيفة فاعتبر تقويتها بالاستدعاء " أو يسمع الحاكم يحكم أو يشهد على حكمه أو إنفاذه في إحدى الروايتين " وهي ظاهر(10/159)
ولا يجوز في الأخرى حتى يشهده على ذلك
فصل
وإن شهد أحدهما أنه غصبه ثوبا أحمر وشهد آخر أنه غصبه ثوبا أبيض أو شهد أحدهما أنه غصبه اليوم وشهد آخر أنه غصبه أمس لم تكمل البينة وكذلك كل شهادة على الفعل إذا اختلفا في الوقت لم تكمل البينة.
__________
المذهب لأن المعتمد عليه السماع وهو موجود ولأن أبا بكرة وأصحابه شهدوا على المغيرة ولم يقل عمر هل أشهدكم أولا وكذلك عثمان لم يسأل الذين شهدوا على الوليد بن عقبة بذلك ولم يقل هذا أحد من الصحابة ولا غيرهم " ولا يجوز في الأخرى حتى يشهده على ذلك كالشهادة على الشهادة " وقدم في المحرر والرعاية تلزم الشهادة وعنه: يخير في ذلك وذكر القاضي رواية في الأفعال لا يشهد حتى يقول له المشهود عليه اشهد وهذا إن أراد به العموم في جميع الأفعال لم يصح لأن الغاصب لا يقول لأحد اشهد علي أني غصبت وإن أراد به الأفعال التي تكون بالتراضي كقرض وبيع جاز.
فصل
" إذا شهد أحدهما أنه غصبه ثوبا أحمر وشهد آخر أنه غصبه ثوبا أبيض " لأنه إذا اختلف الشاهدان في صفة المشهود به لم تكمل البينة على واحد منهما " أو شهد أحدهما أنه غصبه اليوم وشهد الآخر أنه غصبه أمس لم تكمل البينة " لاختلافهما في الوقت " وكذلك كل شهادة على الفعل إذا اختلفا في الوقت لم تكمل البينة " لأن أحد الفعلين غير الآخر لأن الفعل الواقع في يوم غير الفعل الواقع في يوم آخر فلو شهدا بفعل متحد في نفسه كإتلاف ثوب وقتل زيد وباتفاقهما كغصب وسرقة واختلفا في وقته أو مكانه أو صفة تتعلق به كلوث وآلة قتل مما يدل على تغاير الفعلين لم تكمل البينة على(10/160)
وإن شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس وشهد آخر أنه أقر له بألف اليوم أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس وشهد آخر أنه باعه إياها اليوم كملت البينة وثبت البيع والإقرار وكذلك كل شهادة على القول،
__________
المذهب.
وفي المحرر: هو قول أصحابنا للتنافي وقال أبو بكر يجمع بينهما حتى يوجب القطع والقود وقيل: بل يحلف مع كل شاهد ويأخذ ما شهد به من مال وقيل: لا حد بحال وإن أمكن تعدده ولم يشهد بأنه متحد فبكل شيء شاهد فيعمل بمقتضى ذلك ولا تنافي بينهما ولو كان بدل شاهد بينة ثبتا هنا إن ادعاهما وإلا ما ادعاه وتعارضتا في الأولى قال المؤلف: والصحيح أنه لا تعارض فيه لإمكان الجمع.
فرع : إذا شهد واحد بالفعل وآخر على الإقرار به جمعت شهادتهما نص عليه واختاره أكثر الأصحاب لقصة الوليد في شرب الخمر ولو شهدا في وقتين على إقراره بالغصب أو شهد اثنان على الفعل وآخران على الإقرار به لم يجمع بينهما في الأشهر لأنه يجوز أن يكون ما أقر به غير ما شهد به الشاهدان وهذا يبطل بالشهادة على إقرارين.
مسألة : إذا شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا أو قتله عمدا وآخر أنه أقر بقتله أو قتله وسكت ثبت القتل وصدق المدعى عليه في صفته " وإن شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس وشهد آخر أنه أقر له بألف اليوم " لأنهما وإن كانا إقرارين فهما إقرار بشيء واحد وكذا في الرعاية مع أنه أطلق الخلاف في كل شهادة على القول " أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس وشهد آخر أنه باعه إياها اليوم كملت البينة وثبت البيع " لأن المشهود به شيء واحد يجوز أن يعاد مرة بعد أخرى فلم يؤثر كما لو شهد أحدهما بالعربية والآخر بالفارسية " والإقرار " في الصورة الأولى " وكذلك كل شهادة على القول " وكذا في المحرر والمستوعب والشرح وسواء اختلف وقتا أو مكانا لأن المشهود به واحد كما لو شهدا على الإقرار بشيء واختلفا في وقته أو موضعه أو اللغة المقر بها وفي الرعاية قول(10/161)
إلا النكاح إذا شهد أحدهما أنه تزوجها أمس وشهد الآخر أنه تزوجها اليوم لم تكمل البينة وكذلك القذف وقال أبو بكر يثبت القذف،
__________
أنهما إذا اختلفا وقتا أو مكانا لم تكمل البينة ولم يذكر في الكافي في الإقرار خلافا أن الشهادة تكمل فيه وذكر في غيره احتمالين " إلا النكاح إذا شهد أحدهما أنه تزوجها أمس وشهد الآخر أنه تزوجها اليوم لم تكمل البينة " لأن اختلاف الشهود في الوقت يمنع من كمال البينة ومن ثبوته أما أولا فلأن البينة الكاملة يثبت موجبها كما تقدم والبينة المذكورة لا يثبت موجبها وأما ثانيا لأن من شروط صحته حصول الشاهدين له فإذا اختلفا في الوقت لم يتحقق حصول الشرط فلم يثبت المشروط مع عدم تحقق شرطه قاله ابن المنجا. وفي الشرح لم تكمل البينة في قولهم جميعا لأنه لم يشهد بكل عقد إلا شاهد واحد فلم يثبت " وكذلك القذف " ألحق أكثر أصحابنا القذف بالأفعال وهو المذهب لأن البينة لم تكمل على قذفه ولأن اختلاف الشهود شبهة والحد يدرأ بها " وقال أبو بكر: يثبت القذف " لأن المشهود به واحد أشبه البيع وسائر الأموال.
تنبيه : ذكر في الشرح أنه إذا شهد أحدهما أنه أقر عندي يوم الخميس بدمشق أنه قتله أو قذفه أو غصبه وشهد الآخر أنه أقر عندي بهذا يوم السبت كملت البينة وهو قول أكثرهم وقال زفر لا تكمل لأن كل إقرار لم يشهد به إلا واحد كالشهادة على الفعل
وجوابه: أن المقر به واحد وقد شهد اثنان على الإقرار به فكملت كما لو كان الإقرار به واحدا وفارق الشهادة على الفعل فإن الشهادة على فعلين مختلفين فنظيره في الإقرار أن يشهد أحدهما أنه أقر عندي قتله يوم الخميس والآخر أنه قتله يوم الجمعة لم تكمل البينة لأن الذي شهد به أحدهما غير الذي شهد به الآخر كما لو شهد أحدهما أنه غصبه دنانير والآخر دراهم ثم ذكر قول أبي بكر إنها تكمل لأن ذلك ليس من المقتضى فلا يعتبر في الشهادة والأول: أصح قلت: وعلى عدم الجمع لمدعي القتل أن يحلف مع أحدهما ويأخذ الدية.
ومتى جمعنا مع اختلاف الوقت في قتل أو طلاق فالعدة والإرث يلي آخر(10/162)
وإن شهد شاهد أنه أقر له بألف وشهد آخر أنه أقر له بألفين ثبت ألف ويحلف على الآخر مع شاهده إن أحب وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا وشهد آخر أن له عليه ألفا من قرض وشهد آخر أن له عليه ألفا من ثمن مبيع لم تكمل البينة،
__________
المدتين " وإن شهد شاهد أنه أقر له بألف وشهد آخر أنه أقر له بألفين ثبت ألف " على المذهب لأن الشهادة فيها كملت وكما لو لم يزد أحدهما على صاحبه وسواء عزوا أو أحدهما الشهادة إلى الإقرار أو جهة واحد غيره أو لم يعرفا وقيل: لا لأنه لم يشهد بكل إقرار إلا واحد قال في الشرح: ويبطل إذا شهد أحدهما أنه أقر له بألف غدوة وآخر أنه أقر بها عشية مع أن كل إقرار إنما شهد به واحد وكذا إذا شهد واحد بألف وآخر بخمسمائة أو شاهد بثلاثين وآخر بعشرين وقيل: بل يحلف مع كل شاهد ويأخذ ما شهدا به ذكره السامري وابن حمدان " ويحلف على الآخر مع شاهده إن أحب " نص عليه لأن المال يثبت بشاهد ويمين قال في الشرح: وهذا إذا أطلقنا الشهادة أولم تختلف الأسباب والصفات فإن شهد له شاهدان بألف وآخران بخمسمائة ولم تختلف الأسباب والصفات دخلت الخمسمائة في الألف ووجب له ألف بالشهادتين وإن اختلف الأسباب والصفات وجبا لأنهما مختلفان " وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا وشهد آخر أن له عليه ألفين فهل تكمل البينة على ألف؟ على وجهين " أحدهما: تكمل كالتي قبلها جزم بها في المستوعب والوجيز وصححه في الرعاية لأن الشهادة كانت مطابقة غير مسندة للمشهود به على سبب فبالقياس على ما إذا كانت البينة على الإقرار وسواء عزوا أو أحدهما الشهادة إلى إقرار أو جهة غيره أو لم يعزوا فعلى هذا يحلف المدعي إن شاء لتمام الأكثر مع شاهده ويأخذ ذلك.
و الثاني: لا تكمل لأنه يحتمل أن تكون الألف من غير الألفين فعليه لا يثبت شيء من ذلك قاله ابن المنجا وغيره " وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا من قرض وشهد آخر أن له عليه ألفا من ثمن مبيع لم تكمل البينة " جزم به أكثر(10/163)
وإن شهد شاهدان أن له عليه ألفا وقال أحدهما: قضاه بعضه بطلت شهادتهما نص عليه وإن شهد أنه أقرضه ألفا ثم قال أحدهما: قضاه نصفه صحت شهادتهما وإذا كانت له بينة بألف فقال أريد أن تشهد لي بخمسمائة لم يجز وعند أبي الخطاب:يجوز
__________
الأصحاب لأن أحد الألفين لا يمكن أن يكون الآخر فعلى هذا يحلف مع كل شاهد ويأخذ ما شهد به وقيل: إن شهدا على الإقرار كملت وعلى الأول: لو شهد شاهد بألف وآخر بألف من قرض كملت البينة " وإن شهد شاهدان أن له عليه ألفا وقال أحدهما قضاه بعضه بطلت شهادتهما نص عليه " وهو المذهب لأن ما قضاه لم يبق عليه فيكون كلامه متناقضا فتفسد شهادته وفارق هذا ما لو شهد بألف ثم قال بل بخمسمائة لأن ذلك رجوع عن الشهادة بخمسمائة وإقرار بغلط نفسه.
" وإن شهدا أنه قرضه ألفا ثم قال أحدهما قضاه نصفه صحت شهادتهما " جزم به في المستوعب والوجيز لأن الوفاء لا ينافي القرض ويتخرج فيه كالتي قبلها ويتخرج فيهما أن لا يثبت بشهادتهما سوى الخمسمائة وعلى الأول يحتاج قضاء الخمسمائة إلى شاهد ويمين " وإن كانت له بينة بألف فقال: أريد أن تشهدا لي بخمسمائة لم يجز " إذا كان الحاكم لم يول الحكم فوقها نص عليه قدمه أئمة المذهب وصححه المؤلف وجزم به في الوجيز لقوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة:108] ولأنه لو ساغ له ذلك لساغ للقاضي أن يقضي ببعض ما شهد به الشاهد وقال القاضي في الأحكام السلطانية للشاهد أن يشهد بالألف والقاضي يحكم بالقدر الذي جعل له الحكم فيه وذكره نصا " وعند أبي الخطاب يجوز " لأن مالك الشيء مالك لبعضه فمن شهد بألف فقد شهد بخمسمائة.
فائدة : إذا شهد اثنان في محفل على واحد منهم أنه طلق أو أعتق قبل وكذا لو شهدا على خطيب أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا لم يشهد به غيرهما مع المشاركة في سمع وبصر ذكره في المغني وغيره ولا(10/164)
باب شروط من تقبل شهادته
وهي ستة: أحدها: البلوغ فلا تقبل شهادة الصبيان على المشهور في المذهب وعنه: تقبل ممن هو في حال أهل العدالة وعنه: لا تقبل إلا في الجراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحال التي تجارحوا عليها.
__________--
باب شروط من تقبل شهادته
" وهي ستة " على المذهب" أحدها: البلوغ " لأن غير البالغ كالصبي " فلا تقبل شهادة الصبيان على المشهور في المذهب " وصححه القاضي والسامري لقوله تعالى : {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]، ولا شك أن الصبي ليس من رجالنا وليس ممن يرضى وقد أخبر الله تعالى أن الشاهد الكاتم شهادته آثم والصبي ليس بآثم فدل على أنه ليس بشاهد ورواه سعيد بإسناد جيد عن ابن عباس ولأنه لا تحصل الثقة بقوله لعدم خوفه من مأثم الكذب ولأن من لا يقبل قوله على نفسه في الإقرار لا تقبل شهادته على غيره كالمجنون " وعنه: تقبل ممن هو في حال أهل العدالة " لأنه يمكنه ضبط ما يشهد به فقبلت كالبالغ
واستثنى ابن حامد منها الحدود والقصاص فلا تقبل شهادته فيها احتياطا وهل يكتفى بالعقل فقط كما نص عليه في رواية حنبل أو لابد من بلوغ عشر سنين وهو ظاهر نصه في رواية أبيه إبراهيم وقاله في الكافي والمغني على قولين.
وعنه: من المميز وقيل: على مثله " وعنه: لا تقبل إلا في الجراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحال التي تجارحوا عليها " رواه سعيد ثنا هشيم،(10/165)
الثاني: العقل فلا تقبل شهادة معتوه ولا مجنون إلا من يخنق في الأحيان إذا شهد في إفاقته الثالث: الكلام فلا تقبل شهادة الأخرس ويحتمل أن تقبل فيما طريقه الرؤية إذا فهمت إشارته.
__________
عن مغيرة عن إبراهيم قال كانوا يجيزون شهادة بعضهم على بعض فيما كان بينهم ولأن الظاهر صدقهم وضبطهم فإن تفرقوا لم تقبل شهادتهم لأنه يحتمل أن يلقنوا وحكاه ابن الحاجب إجماع أهل المدينة وعنه: تقبل في الجراح والقتل خاصة إذا أداها أو أشهد على شهادته قبل التفرق عن تلك الحال ولا يلتفت إلى رجوعهم بعد ذلك وزاد ابن عقيل: في التذكرة إذا وجد ذلك في الصحراء " الثاني: العقل " وهو نوع من العلوم الضرورية وهو فطنة والعاقل من عرف الواجب عقلا الضروري وغيره والممكن والممتنع وما يضره وينفعه غالبا لأن من لا عقل له لا يمكنه تحمل الشهادة ولا أداؤها لأنه لا يعقل ذلك إلا بضبط الشهادة " فلا تقبل شهادة معتوه ولا مجنون " ولا سكران وذكر ابن المنذر الإجماع على أن شهادة من ليس بعاقل لا تقبل إذ لا تحصل الثقة بقوله ولا يحصل له علم بما يشهد به " إلا من يخنق في الأحيان إذا شهد في إفاقته " وذكره في المحرر والوجيز لأنها شهادة من عاقل أشبه من لم يخنق ولا بد وأن يكون قد تحملها في حال إفاقته لأن تحمله في جنونه لا يصح لعدم الضبط.
وفي المستوعب من يصرع في الشهر مرة أو مرتين فقيل: تقبل في حال إفاقته وقدم هذا في الرعاية ثم ذكر ما في المقنع قولا " الثالث: الكلام " لأن الشهادة يعتبر فيها التيقن وذلك مفقود مع فقد الكلام " فلا تقبل شهادة الأخرس " نص عليه واختاره معظم الأصحاب لأنها محتملة والشهادة يعتبر فيها اليقين فلم تقبل كإشارة الناطق وإنما قبلت الإشارة في أحكامه المختصة به للضرورة وهي معدومة هنا.
لا يقال: إنه عليه السلام حين أشار إلى أصحابه أن يجلسوا فامتثلوا ذلك لأن الشهادة تفارق ذلك لأنه اكتفي بها منه مع كونه ناطقا.
" ويحتمل أن يقبل فيما طريقه الرؤية إذا فهمت إشارته " هذا وجه وقد(10/166)
الرابع: الإسلام فلا تقبل شهادة كافر إلا أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يوجد غيرهم
__________
أومأ إليه الإمام لأن اليقين حاصل في التحمل وإشارة المؤدي العاجز عن النطق كنطقة وفارق ما طريقه السماع من حيث إن الأخرس غالبا يكون أصم فيقع الخلل في التحمل
فلو تحملها وأداها بخطه فقد توقف أحمد فيها واختار أبو بكر أنها لا تقبل واختار في المحرر عكسها " الرابع: الإسلام " وهو إجماع في الجملة ونقله عن أحمد نحو عشرين نفسا.
" فلا تقبل شهادة كافر " على مسلم ولا كافر لأنه ليس من رجالنا ولا هو مرضي " إلا أهل الكتاب " وهم اليهود والنصارى ومن يوافقهم في التدين " في الوصية في السفر إذا لم يوجد غيرهم " في أصح الروايتين ونصره المؤلف فشهادتهم في السفر بموت مسلم أو كافر جائزة
قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} الآيات [المائدة:106]، نزلت في تميم الداري وعدي بن زيد شهدا بوصية سهمي رواه البخاري من حديث ابن عباس وقضى به أبو موسى الأشعري وأخبر أنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود ورجاله ثقات قال ابن عمر آخر سورة نزلت المائدة رواه الترمذي وقال: حسن غريب.
قالت عائشة: ما وجدتم فيها من حلال فأحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه رواه أحمد وقضى ابن مسعود بذلك في زمن عثمان رواه أبو عبيد قال ابن المنذر وبهذا قال أكابر الماضين وحمل الآية على أنه أراد من غير عشيرتكم لا يصح لأن جماعة منهم ابن مسعود وابن عباس قالوا من غير ملتكم ودينكم ولأن الشاهدين من المسلمين لا قسامة عليهما ولا يصح حملها على التحمل لأنه لا أمان فيه وحملها على اليمين غير مقبول لقوله تعالى : {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة:106]، ولأنه عطف على ذوي العدل من المؤمنين وهما شاهدان قال أحمد: أهل المدينة ليس عندهم حديث أبي موسى وشرطه أن يكونوا من أهل الكتاب كما ذكره وهو الذي(10/167)
وحضر الموصي الموت فتقبل شهادتهم ويحلفهم الحاكم بعد العصر {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} وأنها لوصية الرجل {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} قام آخران من أولياء الموصي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما ولقد خانا وكتما ويقضي لهم وعنه: أن شهادة بعض أهل الذمة تقبل على بعض.
__________
في الكافي والمستوعب والوجيز وقدم في الرعاية أنه لا يشترط وفي المحرر روايتان من غير ترجيح.
و أو في قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ} ليست للتخيير والمعنى إن لم تجدوا هذا وقيل: والمعنى بلى " وحضر الموصي فتقبل شهادتهم " لما سبق "ويحلفهم الحاكم" وجوبا وقيل: ندبا " بعد العصر " لخير أبي موسى قال ابن قتيبة لأنه وقت تعظمه أهل الأديان " لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله وأنها لوصية الرجل " لما روى الشعبي: أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا هذه ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة فأتيا أبا موسى الأشعري فأخبراه وقدما بتركة ووصية فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كتما ولا كذبا ولا بدلا ولا غيرا وأنها لوصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما رواه الدار قطني " فإن عثر " أي فإن اطلع " على أنهما استحقا إثما " فعلا ما أوجب إثما واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين " قام آخران " أي شاهدان آخران: {يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} أي الإثم " من أولياء الموصي " ومعناه من الذين جني عليهم وهم أهل الميت وعشيرته وفي قصة بديل أنه لما ظهرت خيانة الرجلين حلف رجلان من ورثته أنه إناء صاحبهما وأن شهادتهما أحق من شهادتهما " فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما ولقد خانا وكتما " أي ليميننا أحق بالصواب من يمين هذين الخائنين " ويقضي لهم " لما سلف " وعنه: تقبل شهادة بعضهم على بعض " نقلها حنبل لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض رواه ابن ماجة وكالمسلمين.(10/168)
المذهب الأول: الخامس: أن يكون ممن يحفظ فلا تقبل شهادة مغفل ولا معروف بكثرة الغلط والنسيان.
فصل
السادس: العدالة.
__________
" والمذهب الأول " لما ذكرنا من الأدلة ولأن من لا تقبل شهادته على غير أهل دينه لا تقبل على أهل دينه كالحربي والخبر مردود بضعفه فإنه من رواية مجالد ولو سلم فيحتمل أنه أراد اليمين لأنها تسمى شهادة لقوله تعالى : {َشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} .
وعلى الثانية: أجازها البرمكي في صورة خاصة للحاجة وهي شهادة البنين بعضهم على بعض إذا ادعى أحدهم أن الآخر أخوه.
وعليها تعتبر عدالته في دينه مع بقية الشروط فيها واختلفوا فمنهم من قال الكفر ملة واحدة والأشهر لا " الخامس: أن يكون ممن يحفظ " لأن من لا يحفظ لا تحصل الثقة بقوله ولا يغلب على الظن صدقه " فلا تقبل شهادة مغفل " بفتح الفاء اسم مفعول من أغفل " ولا معروف بكثرة الغلط والنسيان " جزم به في الوجيز وغيره لأن الثقة لا تحصل بقوله لاحتمال أن تكون شهادته مما غلط فيها ونسي ولأنه ربما شهد على غير من استشهد عليه أو بغير ما شهد به أو لغير من أشهده وفي المحرر والفروع وسهو لما سبق وفي الترغيب الصحيح إلا في أمر جلي يكشفه الحاكم ويراجعه حتى يعلم ببينة وأنه لا سهو ولا غلط فيه ومقتضاه أنها تقبل ممن يقل منه ذلك لأن أحدا لا يسلم من الغلط والنسيان.
فصل
السادس العدالة قال في المستوعب لا يختلف المذهب أنه يشترط فيمن يجوز الحكم بشهادته خمسة شروط العقل والإسلام والعدالة وانتفاء التهمة والعلم بما يشهد به قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ(10/169)
وهي استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله وقيل: العدل من لم تظهر منه ريبة ويعتبر لها شيئان: الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض واجتناب المحارم وهو أن لا يرتكب كبيرة ولا يدمن على صغيرة
__________
جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6]، وقرئ بالمثلثة ولأن غير العدل لا يؤمن منه أن يتحامل على غيره فيشهد عليه بغير حق وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت والقانع الذي ينفق عليه أهل البيت رواه أحمد وأبو داود وإسناده جيد وفيه سليمان بن موسى الأشدق وزاد أبو داود وزان وزانية روى نحوه جماعة من حديث عائشة منهم الترمذي وقال لا يصح عندنا من قبل إسناده " وهو استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله " العدالة في اللغة عبارة عن الاستواء والاستقامة لأن العدل ضد الجور والجور الميل فالعدل الاستواء في الأحوال كلها "وقيل: العدل من لم تظهر منه ريبة" وقد تقدم ذلك في باب طريق الحكم وصفته " ويعتبر لها شيئان: الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض " بشروطها زاد في المستوعب وغيره بسننها وذكر القاضي والسامري والمجد والسنة الراتبة وأومأ إليه لقوله فيمن يواظب على ترك سنن الصلاة رجل سوء ونقل أبو طالب والوتر سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ترك سنة من سننه فهو رجل سوء وأثمه القاضي
قال في الفروع ومراده أنه لا يسلم من ترك فرض وإلا فلا يأثم بسنة " واجتناب المحارم " لأن من أدى الفرائض واجتنب المحارم عد صالحا عرفا فكذا شرعا "وهو" أي اجتناب المحارم " أن لا يرتكب كبيرة ولا يدمن على صغيرة " على المذهب لأن اعتبار اجتناب كل المحارم يؤدي إلى ألا تقبل شهادة أحد لأنه لا يخلو من ذنب ما لقوله تعالى :{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32]، مدحهم لاجتنابهم ما ذكر وإن كان وجد منهم صغيرة ولقوله عليه السلام: " إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما" أي: لم يلم وقد أمر الله تعالى أن لا تقبل شهادة القاذف وهو كبيرة،(10/170)
وقيل: أن لا يظهر منه إلا الخير ولا تقبل شهادة فاسق سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد.
__________
فيقاس عليه كل مرتكب كبيرة ولأن من لم يرتكب الكبيرة وأدمن على الصغيرة لا يعد مجتنبا للمحارم وفي الكافي أن الاعتبار في الصغائر بالأغلب لأن الحكم له لقوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:8]، وقيل: ولا تكرر منه صغيرة وقيل: ثلاثا وفي الخبر الذي رواه الترمذي لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار والكبيرة نص أحمد أن ما فيه حد في الدنيا كالشرك بالله وقتل النفس الحرام أو وعيد في الآخرة كأكل الربا وعنه: فيمن أكل الربا إن أكثر لا يصلى خلفه قال القاضي وابن عقيل: فاعتبر الكثرة وعقوق الوالدين المسلمين والصغيرة كنظر محرم واستماع كلام الأجنبيات لغير ضرورة والنبز باللقب والتجسس وفي الفصول الغيبة والمستوعب الغيبة والنميمة من الصغائر وعكسه في الرعاية وغيرها والكذب من الصغائر وعنه: ترد بكذبة وهو ظاهر المغني اختاره الشيخ تقي الدين كشهادة الزور وكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ورمي فتن ونحوه ويجب إن تخلص به مسلم من القتل ويباح لإصلاح وحرب وزوجة وقال ابن الجوزي وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به وهو التورية في ظاهر نقل حنبل وفي معتمد القاضي معنى الكبيرة أن عقابها أعظم والصغيرة أقل ولا يعلمان إلا بتوقيف وقال ابن حامد إن تكررت الصغائر من نوع أو أنواع فظاهر المذهب تجتمع وتكون كبيرة وفي كلام بعض الأصحاب ما يخالفه قال أحمد: لا تجوز شهادة قاطع الرحم ومن لا يؤدي زكاة ماله وإذا أخرج في طريق المسلمين الأسطوانة ولا يكون ابنه عدلا إذا ورث أباه حتى يرد ما أخذ من طريق المسلمين (وقيل: أن لا يظهر منه إلا الخير) لأن ما تقدم ذكره في نفس الأمر فيه مشقة وحرج وذلك منتف شرعا وفي الرعاية وهي فعل ما يجب ويستحب وترك ما يحرم ويكره ومجانية الريب والتهم وملازمة المروءة (ولا تقبل شهادة فاسق) لما تقدم (سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد) أما من جهة الأفعال كالزنى والقتل ونحوها فلا(10/171)
ويتخرج على قبول شهادة أهل الذمة قبول شهادة الفاسق من جهة الاعتقاد المتدين به إذا لم يتدين بالشهادة لموافقة على مخالفه وأما من فعل شيئا من الفروع المختلف فيها فتزوج بغير ولي أو شرب من النبيذ ما لا يسكره أو أخر الحج الواجب مع إمكانه ونحوه متأولا فلا ترد شهادته.
__________
خلاف في رد شهادته وأما من جهة الاعتقاد وهو اعتقاد البدعة فوجب رد الشهادة لعموم النصوص قال أحمد: ما تعجبني شهادة الجهمية والرافضة والقدرية المغالية وذكر السامري وابن حمدان وغيرهما أنه لا تقبل شهادة من فسق ببدعة أو كفر بها كالقائلين بخلق القران وبنفي القدر والمشبهة والمجسمة والجهمية واللفظية والواقفية وذكر ابن البنا في تكفير من سب الصحابة والسلف من الرافضة ومن سب عليا من الخوارج خلافا والذي ذكره القاضي عدم التكفير وفي الرعاية في تكفير من قال إن الله لم يخلق المعاصي وتكفير الخوارج والواقفية وتكفير من حكمنا بكفره روايتان ومن قلد في خلق القران ونفي الرؤية ونحوها فسق اختاره الأكثر وظاهر كلامه أنه يكفر كمجتهدهم الداعية وعنه: فيه لا اختاره المؤلف في رسالته إلى صاحب التلخيص لقول أحمد للمعتصم يا أمير المؤمنين (ويتخرج على قبول شهادة أهل الذمة قبول شهادة الفاسق من جهة الاعتقاد المتدين به إذا لم يتدين بالشهادة لموافقة على مخالفه) قاله أبو الخطاب كالخطابية لأنه أحسن حالا من الكافر فإذا قبلت شهادته كان قبول قول الفاسق من جهة الاعتقاد المتدين به أولى.
وعنه: جواز الرواية عن القدري إذا لم يكن داعية فكذا الشهادة وجوابه: أنه أحد نوعي الفسق أشبه الآخر (وأما من فعل شيئا من الفروع المختلف فيها) بين الأئمة خلافا شائعا ذكره في المستوعب والرعاية (فتزوج بغير ولي أو شرب من النبيذ ما لا يسكره أو أخر الحج الواجب مع إمكانه ونحوه) كما لو أخر الزكاة مع إمكانه "متأولا" أو مقلدا كتأول "فلا ترد شهادته" قدمه السامري وابن حمدان وجزم به في المحرر والوجيز لأن الاختلاف في الفروع رحمة للعباد والتأويل فيها سائغ جائز بدليل اختلاف الصحابة ومن بعدهم(10/172)
وإن فعله معتقدا تحريمه ردت شهادته ويحتمل أن لا ترد الثاني: استعمال المروءة . __________
ولم يعب بعضهم على بعض ولم يفسقه لأنه فعل ماله فعله أشبه المتفق عليه.
وعنه: يفسق متأول لم يسكر من نبيذ اختاره في الإرشاد والمبهج كجده لأنه يدعو إلى المجمع عليه وللسنة المستفيضة وعنه: أجيز شهادته ولا أصلي خلفه ونقل حنبل المسكر خمر وليس يقوم مقام الخمرة بعينها فإن شربها مستحلا قتل وإن لم يجاهر ولم يعلن ولم يستحلها حد وهو الأشهر فيه وعنه: إن أخر الحج مع قدرته عليه فسق وحملها القاضي على اعتقاد تحريم التأخير فأما إن اعتقد الجواز فلا صححه في الرعاية وكذا حملها في الشرح ثم قال وقيل: ترد ثم استدل بقول عمر ما هم مسلمين "وإن فعله معتقدا تحريمه ردت شهادته" نص عليه زاد في الشرح إذا تكرر لأنه فعل ما يعتقد تحريمه أشبه فعل المحرم إجماعا "ويحتمل ألا ترد" كالمتفق على حله ولأن لفعله مساغا في الجملة وفي الإرشاد إلا أن يجيز ربا الفضل أو يرى الماء من الماء لتحريهما الآن وذكرهما الشيخ تقي الدين ما خالف النص من جنس ما ينقض فيه حكم الحاكم وفي التبصرة فيمن تزوج بلا ولي أو أكل متروك التسمية أو تزوج بنته من الزنى أو أم من زنى بها احتمل أن ترد.
تنبيه: من أخذ بالرخص فسق نص عليه وذكره ابن عبد البر إجماعا.
وقال الشيخ تقي الدين: كرهه العلماء وذكر القاضي غير متأول ولا مقلد ويتوجه تخريج ممن ترك ركنا أو شرطا مختلفا فيه لا يعيد في رواية ويتوجه تقيده بما لم ينقض فيه حكم حاكم وقيل: لا يفسق إلا العالم مع ضعف الدليل بمذهب معين وامتناع انتقاله عنه إلى غيره في مسألة: ففيها وجهان وعدمه أشهر ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل قاله الشيخ تقي الدين قال واختلف في دخول الفقهاء في أهل الأهواء فأدخلهم القاضي وأخرجهم ابن عقيل: "الثاني: استعمال المروءة" وهي بالهمز بوزن سهولة الإنسانية قال الجوهري ولك أن تشدد،(10/173)
وهو فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه فلا تقبل شهادة المصافع والمتمسخر والمغني والرقاص،
__________
"وهو فعل ما يجمله ويزينه ويترك ما يدنسه ويشينه" عادة لأن من فقدها فقد اتصف بالدناءة والسقاطة وكلامه لا تحصل الثقة به "فلا تقبل شهادة المصافع" قال الجوهري الصفع كلمة مولدة فالمصافع إذن من يصفع غيره ويمكن غيره من قفاه فيصفعه "والمتمسخر والمغني والرقاص" أي: كثير الرقص لأن ذلك سخف ودناءة فمن رضيه لنفسه واستحسنه فليست له مروءة ولا تحصل الثقة بقوله وحاصله إن كلام المؤلف مشعر بأن شهادة من ذكر لا تقبل لعدم المروءة قال ابن المنجا: وفيه نظر وهو أن المتصف بخصلة مما ذكر ينبغي أن ينظر فيما اتصف به فإن كان محرما كان المانع من قبول شهادته كونه فاعلا للمحرم لا يقال فعل المحرم مرة لا يمنع من قبول شهادته لأن الكلام مفروض فيمن هو متصف بذلك مستمر عليه مشهور به وذلك يقتضي المداومة عليه والمداومة على الصغيرة كالكبيرة في رد الشهادة وإن كان ما اتصف به غير محرم كان المانع من قبول شهادته كونه فعل دناءة وسفها وذلك من فقد المروءة فقوله: لا تقبل شهادة المصافع إلى آخره ففعل كل واحد منها دناءة وسفه من غير تحريم لأنها من الشرع ولم يرد ويلتحق بما ذكره المؤلف حكاية ما يضحك به الناس ونارنجيات وتعريته وبوله في شارع وكشف رأسه أو بطنه أو صدره أو ظهره في موضع لم تجر العادة بكشفه فيه وتحريش البهائم والجوارح للصيد ودوام اللعب والمعالجة بشيل الأحجار والخشب الثقال وما عده الناس سفها كمتزي بزي يسخر منه.
تنبيه: يكره غناء قاله الخلال وصاحبه واختاره القاضي لحديث عائشة وعندي جاريتان يغنيان الخبر وقال عمر: الغناء زاد الراكب وقال جماعة منهم صاحب المغني هو حرام قال في الترغيب اختاره الأكثر لقوله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30]، قال ابن الحنفية هو الغناء وقال ابن مسعود وابن عباس في قوله تعالى :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ(10/174)
...................................................................................
__________
الْحَدِيثِ} هو الغناء وعن أبي أمامة مرفوعا أنه نهى عن شراء المغنيات وبيعهن والتجارة فيهن وأكل أثمانهن رواه الترمذي.
فعلى هذا ترد شهادته لفعله المحرم وعلى الأول فعله دناءة وسفه وقال أحمد: يبيع الوصي جارية الطفل على أنها غير مغنية قال أحمد: أيضا الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني
وذكر في الشفا الإجماع على كفر من استحله وفي المستوعب والترغيب وغيرهما يحرم مع آلة بلا خلاف بيننا وكذا قالوا هم وابن عقيل: إن استماعه من النساء الأجانب يحرم قولا واحدا وإن داومه أو اتخذه صناعة بقصد أو اتخذ غلاما أو جارية يجمع عليهما ردت شهادته مطلقا.
مسائل
الأولى: يحرم مزمار وطنبور ونحوهما نص عليه فمن أدام استعمالها ردت شهادته وكذا عود وجنك لأنها تطرب وتفعل في طباع غالب الناس ما تفعله المسكرات.
وقال عليه السلام: "ليكونن من أمتي أناس يستحلون الخمر والمعازف" مختصر من البخاري
والمعازف الملاهي قاله الجوهري وغيره وقال بعض العلماء المزمار مباح لحديث نافع عن ابن عمر وجوابه: الفرق بين السماع والاستماع بدليل سجدة التلاوة والمحرم إنما هو الاستماع مع أن أبا داود قال الحديث منكر وحاصله أنه يحرم استماع صوت كل ملهاة مع غناء وغيره في سرور وغيره وكره أحمد الطبل قاله في الرعاية لغير حرب.
الثانية: الضرب بالقضيب مكروه إذا انضم إليه تصفيق ورقص وإن خلا عن ذلك لم يكره لأنه ليس بآلة لهو ولا يطرب ولا يسمع منفردا ذكره في الشرح والرعاية والتغبير يتبع الغناء الذي معه إن حرم حرم وإن كره كره وقيل: يحرم مطلقا قال أحمد: أكره التغبير لأنه يلذ ويطرب وقال: لا(10/175)
واللاعب بالشطرنج.
__________
يسمع التغبير فقيل: هو بدعة فقال حسبك وفي الكافي من أدمن على شيء من ذلك ردت شهادته لأنه إما معصية وإما دناءة.
الثالثة: يباح الدف لأنه لو كان محرما لما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم في العرس ذكره السامري ولم يفرق وذكر أصحابنا وغيرهم أنه مكروه في غير النكاح روى عمر ذكره في الشرح قيل: والختان وقيل: وسرور حادث غيرهما لكن إن ضرب به الرجال تشبيها بالنساء كره ذلك ذكره في الكافي والشرح والرعاية.
الرابعة: الحداء بضم الحاء وقيل: بكسرها لا بأس به ولذلك ينشد الأعراب سائر أنواع الإنشاد ما لم يخرجه إلى حد الغناء ذكره في الشرح وغيره وقيل: هو كالغناء.
الخامسة: قال الشافعي رضي الله عنه الشعر كالكلام حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه
قال أحمد: في رواية ابن منصور ما يكره منه قال الهجاء والرقيق الذي يشبب بالنساء وأما الكلام الجاهلي فما أنفعه وسأله عن الخبر "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا" فتلكأ فذكر له قول النضر لم تمتلئ أجوافنا لأن فيها القرآن وغيره وهذا كان في الجاهلية فأما اليوم فلا فقال ما أحسن ما قال واختار جماعة قول أبي عبيد أن يغلب عليه قال في الفروع وهو أظهر وإن أفرط شاعر بالمدحة بإعطائه وعكسه بعكسه أو شبب بمدح خمر أو بأمرد فسق لا إن شبب بامرأته أو أمته ذكره القاضي.
السادسة: تكره قراءة الألحان قاله أحمد وقال بدعة لا تسمع كل شيء محدث لا يعجبني إلا أن يكون طبع الرجل كأبي موسى ونقل جمع أو يحسنه بلا تكلف.
وقال جماعة: إن غيرت النظم حرمت وإلا فوجهان في الكراهة وفي الوسيلة يحرم نص عليه
وعنه: يكره وقيل: لا ولم يفرق "واللاعب بالشطرنج" وهو محرم في قول علي قال وهو ميسر العجم وأبي(10/176)
والنرد والذي يتغذى في السوق ويمد رجليه في مجمع الناس ويحدث بمباضعة أهله أو أمته .
__________
موسى وأبي سعيد وابن عمر وقال هو شر من النرد.
قال مالك: بلغنا أن ابن عباس ولي مال يتيم وهو فيها فأحرقها ومر علي على قوم يلعبون به فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون رواه البيهقي وقال هو الأشبه بمذهب الشافعي:
وقال مالك: قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32]، وهذا ليس من الحق فيكون من الضلال ولا نسلم على لاعب به نص عليه فأما إن كان بعوض أو ترك واجب أو فعل محرم فهو محرم إجماعا "والنرد" هو محرم وإن خلا عن قمار لما روى بريدة مرفوعا قال: "من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه" رواه مسلم والنرد اسم أعجمي معرب وشير بمعنى حلو وروى أبو موسى مرفوعا قال: "من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله" رواه مالك وأحمد وغيرهما قال أحمد: النرد أشد من الشطرنج قال الأصحاب إنما شدد فيه لأنه لا يسوغ فيه الاجتهاد.
فائدة: ذكر ابن عقيل: أن حكم اللعب بالأربعة عشر والصدر وهو حفر تجعل في الأرض والكعاب حكم النرد.
وعن أبي موسى مرفوعا: "من لعب بالكعاب فقد عصى الله ورسوله" رواه أحمد ولأنه من الميسر والحمام أي اللاعب بها فإن قصد المراهنة وأخذ حمام غيره حرم وإن كان عبثا ولهوا فهو دناءة وسفه قال أحمد: من لعب بالحمام الطيارة يراهن عليها أو يسرحها من المواضع لعبا لم يكن عدلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا سرح حماما ثم أتبعه بصره فقال: "شيطان يتبع شيطانا".
فأما إن قصد بتعليمها حمل الكتب بما تدعو الحاجة إليه أو استفراخها أو للأنس بأصواتها جاز "والذي يتغذى في السوق" والناس يرونه وألحق به في الغنية أكله على الطريق فأما إن أكل كسرة ونحوها لم يضر "ويمد رجليه في مجمع الناس" وكذا نومه بين جالسين وخروجه عن مستوى الجلوس بلا عذر وكذا طفيلي بغير خلاف نعلمه "ويحدث بمباضعة أهله وأمته".(10/177)
ويدخل الحمام بغير مئزر ونحو ذلك فأما الشين في الصناعة كالحجام والحائك والنخال الذي يغربل في الطريق على فلوس وغيرها والنفاط والقمام والزبال والمشعوذ والدباغ والحارس والقراد والكباش فهل تقبل شهادتهم إذا حسنت طريقتهم على وجهين.
__________
ومخاطبتهما بخطاب فاحش بين الناس "ويدخل الحمام بغير مئزر" أي يكشف عورته في الحمام وغيره لأن فعل ذلك حرام لأن فيه كشفا لعورته المأمور بسترها "ونحو ذلك" كمن بنى حماما للنساء نقله ابن الحكم "فأما الشين في الصناعة كالحجام والحائك والنخال الذي يغربل في الطريق على فلوس وغيرها والنفاط" الذي يلعب بالنفط مثل لبان وتمار "والقمام" الكناس يقال قم البيت إذا كنسه "والزبال" وهو الذي صناعته الزبل كنسا وجمعا ونقلا "والمشعوذ" قال ابن فارس ليست في كلام أهل البادية وهو خفة في اليدين كالسحر "والدباغ والحارس" والحداد والصباغ "والقراد" الذي يلعب بالقرد ويطوف به الأسواق وغيرها مكتسبا به "والكباش" الذي يلعب بالكباش ويناطح بها وهو من أفعال السفهاء والسفلة "فهل تقبل شهادتهم إذا حسنت طريقتهم على وجهين" أصحهما تقبل زاد في المحرر والوجيز لا مستور الحال منهم وإن قبلناه من غيرهم لأن بالناس حاجة إليهم فبرد شهادة فاعله يمنع من تعاطيه فيؤدي إلى ضرر عظيم بالخلق وذلك منتف شرعا و الثاني: لا لأن تعاطي ذلك يتجنبه أهل المروءات وفي الكافي والشرح أن الأولى قبول شهادة الحائك والحارس والدباغ لأنه تولى ذلك كثير من الصالحين وأهل المروءات واختاره في الترغيب قال ترد ببلد يستزرى بهم فيه وفي الفنون وكذا خياط وهو غريب.
فرع: الصيرفي ونحوه إن لم يتق الربا ردت شهادته ذكره المؤلف قال أحمد: أكره الصرف ويكره كسب من صنعته دنية والمراد مع إمكان أصلح منها ومن يباشر النجاسة كجزار ذكره جماعة لأنه يوجب قساوة قلبه وفاصد ومزين وجرائحي.(10/178)
فصل
ومتى زالت الموانع منهم فبلغ الصبي وعقل المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق قبلت شهادتهم بمجرد ذلك ولا يعتبر إصلاح العمل وعنه: يعتبر في التائب إصلاح العمل
__________
قال بعضهم: وبيطار وظاهر المغني: لا يكره كسب فاصد أفضل المعايش التجارة قاله بعضهم وقال الأزجي: الزراعة واختار في الفروع الصنعة باليد وفي الرعاية أفضل الصنائع الخياطة.
ونقل ابن هانئ أنه سئل عنها وعن عمل الخوص أيهما أفضل قال كلما نصح فيه فهو حسن وكان إدريس خياطا وكذا لقمان ويستحب الغرس والحرث واتخاذ الغنم قال المروذي: حثني أبو عبد الله على لزوم الصنعة وكان زكريا نجارا ومتفق عليه.
فصل
"ومتى زالت الموانع منهم فبلغ الصبي وعقل المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق قبلت شهادتهم بمجرد ذلك" لأن المقتضي موجود وإنما ردت لمانع وقد زال ولا يشترط الإقرار به وذكر القاضي أن الإقرار به أولى إذا كان معصية مشهورة وشرطها ندم وإقلاع وعزم على ألا يعود وأن يكون ذلك خالصا لوجهه تعالى فإن تاب من حق آدمي لم تقبل شهادته حتى يبرئه منه أو يؤخره برضاه أو ينوي رده إذا قدر وقيل: يسقط بالتوبة ويعوض الله المظلوم بما شاء فتقبل إذن وإن كان من حق لله كزكاة وصلاة فلا بد من فعله سريعا بحسب طاقته ويعتبر رد مظلمة أو يستحله أو يستمهله معشر "ولا يعتبر إصلاح العمل" نصره في الشرح وقدمه في المحرر والفروع لقوله عليه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" ولأن شهادة الكافر تقبل بمجرد الإسلام فلأن تقبل شهادة الفاسق بمجرد التوبة بطريق الأولى. ولقول عمر رضي الله عنه لأبي ذر: "تب أقبل شهادتك" ولحصول المغفرة بها "وعنه: يعتبر في التائب إصلاح العمل(10/179)
سنة ولا تقبل شهادة قاذف وتوبته أن يكذب نفسه وقيل: إن علم صدق نفسه فتوبته أن يقول قد ندمت على ما قلت: ولا أعود إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى منه .
__________
سنة" لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} فنهى عن قبول الشهادة ثم استثنى التائب المصلح ولأن عمر لما أمر بضرب صبيع وأمر بهجرانه حتى بلغه توبته فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة وقيل: إن فسق بفعل وإلا لم يعتبر ذكره في التبصرة رواية.
وعنه: في مبتدع جزم به القاضي والحلواني وقيل: يعتبر مضي مدة يعلم حاله فيها وعنه: ومجانبة قرينة فيه وفي كتاب ابن حامد أنه يجيء على قول بعض أصحابنا من شرط صحتها وجود أعمال صالحة لظاهر الآية :{إِلَّا مَنْ تَابَ} .
فرع: إذا علق توبته بشرط فإنه غير تائب حالا ولا عند وجوده "ولا تقبل شهادة قاذف" أي تسقط شهادته بالقذف إذا لم يحققه للآية والمراد بالقاذف المردود الشهادة وهو الذي لم يأت بما يحقق قذفه كالزوج يقذف زوجته ويتحقق عدمه بالبينة أو اللعان وكالأجنبي يقذف أجنبية ويتحقق قذفه بالبينة فهذا لا ترد شهادته حتى يتوب فتقبل شهادته سواء حد أو لا جزم به الأصحاب وبه قال أكثرهم وكسائر الذنوب بل هذا أولى ولقول عمر لأبي ذر: إن ثبت قبلت شهادتك رواه أحمد وغيره واحتجوا به مع اتفاق المسلمين على الرواية عن أبي بكرة مع أن عمر لم يقبل شهادته لعدم توبته من ذلك ولم ينكر ذلك قال في الفروع: وهذا فيه نظر لأن الآية إن تناولته لم تقبل روايته لفسقه وإلا قبلت شهادته كروايته لوجود المقتضي وانتفاء المانع "وتوبته أن يكذب نفسه" نص عليه جزم به في المحرر وقدمه في الرعاية لقوله عليه السلام في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} توبته أن يكذب نفسه ولكذبه حكما "وقيل: إن علم صدق نفسه فتوبته أن يقول قد ندمت على ما قلت: ولا أعود إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى منه" لأن المقصود يحصل بذلك ولأن الندم توبة للخبر وإنما اعتبر(10/180)
فصل
ولا يعتبر في الشهادة الحرية بل تجوز شهادة العبد في كل شيء إلا في الحدود والقصاص في إحدى الروايتين.
__________
القول ليعلم تحقق الندم وقيل: إن كان سبا فالتوبة منه إكذاب نفسه وإن كان شهادة فبأن يقول القذف حرام باطل ولن أعود إلى ما قلت: اختاره القاضي وصاحب الترغيب.
قال القاضي: هو المذهب لأنه قد يكون صادقا فلا يؤمن بالكذب وهو قول السامري إلا أنه قال يقول ندمت على ما كان مني ولا أعود إلى ما أتهم فيه ولا أعود إلى مثل ما كان مني لأن في ذلك ألا يشهد.
فصل
"ولا يعتبر في الشهادة الحرية" نص عليه اختاره ابن حامد وأبو الخطاب وابن عقيل: وقدمه في المحرر والرعاية قال أحمد: كان أنس يجيز شهادة العبد ليس شيء يدفعه ولأنه تعالى أمر بإشهاد ذوي عدل منا ومن فقد الحرية فهو عدل بدليل قبول روايته وفتياه ولأن العبد عدل غير متهم فقبلت شهادته كالحر "بل تجوز شهادة العبد في كل شيء" ذكر ابن هبيرة أنه المشهور وهو ظاهر المذهب وقاله جماعة منهم أبو ثور ورواه الخلال بإسناده عن أنس وهو إسناد جيد ورواه أيضا من رواية الحسن عن علي لعموم الآيات ولحديث عقبة بن الحارث في الرضاع ولقوله: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله".
وقد كان كثير من سلف هذه الأمة وعلمائها وصلحائها موالي ولم يحدث فيهم بالإعتاق إلا الحرية وهي لا تحدث علما ولا دينا "إلا في الحدود والقصاص في إحدى الروايتين" فإنها لا تقبل فيهما لما في شهادته من الخلاف إذ أكثر الفقهاء ونقله أبو طالب أنه يشترط لها الحرية وذلك شبهة والحدود والقصاص تدرأ بالشبهة.(10/181)
وتقبل شهادة الأمة فيما تجوز فيه شهادة النساء وتجوز شهادة الأصم على ما يراه وعلى المسموعات التي كانت قبل صممه وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات إذا تيقن الصوت وبالاستفاضة وتجوز في المرئيات التي تحملها
__________
و الثانية: تقبل اختارها القاضي يعقوب وإليه ميل ابن عقيل: في التذكرة فإنه قال ليس عن أحمد منع في الحدود وذلك لما تقدم من العموم وظاهر رواية الميموني أنها تعتبر في حد لا قصاص لأنه حق لآدمي مبني على الشح والضيق بخلاف الأول: فإنها مبنية على المساهلة والمسامحة وهو اختيار الخرقي وأبي الفرج وصاحب الروضة وفي الكافي أنها لا تقبل في الحد وفي القود احتمالان.
فرع: متى تعينت حرم منعه ونقل المروذي من أجاز بشهادته لم يجز لسيده منعه من قيامها فلو عتق بمجلس الحكم فشهد حرم رده قال في المفردات فلو رده مع ثبوت عدالته فسق والمكاتب والمدبر وأم الولد والمعتق بعضه كالقن "وتقبل شهادة الأمة فيما يجوز فيه شهادة النساء" الأحرار لدخولها في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]، مع حديث عقبة المتقدم ذكره "وتجوز شهادة الأصم على ما يراه" لأنه فيما رآه كغيره "وعلى المسموعات التي كانت قبل صممه" لأنه في ذلك كمن ليس به صمم "وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات إذا تيقن الصوت" أي: صوت المشهود عليه والمراد بالجواز القبول فإذا حصل ذلك للأعمى وجب قبول شهادته كالبصير ولأنه يروى عن علي وابن عباس أنهما أجازا شهادة الأعمى ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة لحصول العلم له بذلك كاستمتاعه بزوجته وهذا بخلاف ما طريقه الرؤية لأنه لا رؤية له "وبالاستفاضة" لأنه يعتمد القول وشهادته جائزة وقاله الشافعي وزاد والترجمة وإذا أقر عند أذنه ويد الأعمى على رأسه ثم ضبطه حتى حضر عند الحاكم فشهد عليه ولم بجزها بغير ذلك لأن من لا تجوز شهادته على الأفعال لا تجوز على الأقوال كالصبي ولأن الأصوات تشتبه "وتجوز في المرئيات التي تحملها(10/182)
قبل العمى إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه وما يتميز به فإن لم يعرفه إلا بعينه فقال القاضي: تقبل شهادته أيضا ويصفه الحاكم بما يتميز به ويحتمل أن لا تجوز لأن هذا مما لا ينضبط غالبا وإن شهد عند الحاكم ثم عمي قبلت شهادته.
__________
قبل العمى إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه وما يتميز به" لأن العمى فقد حاسة لا يخل بالتكليف فلا يمنع قبول الشهادة كالصمم وروي الخلال في جامعه عن إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن شهادة الأعمى فيما قد أعرفه قبل أن يعمى فقال جائز في كل ما ظنه نحو النسب ولا تجوز في الحدود.
وقال أبو حنيفة: لا تقبل مطلقا وذكر أحمد أن أصحابه جوزوا ذلك ذكره الخلال "فإن فلم يعرفه إلا بعينه فقال القاضي" وجزم به في الوجيز وهو المنصوص "تقبل شهادته أيضا ويصفه للحاكم بما يتميز به" لعموم الأدلة وقال الشيخ تقي الدين وكذا إن تعذر رؤية العين المشهود لها أو عليها أو بها لموت أو غيبة "ويحتمل" هذا وجه "أن لا يجوز لأنه هذا مما لا ينضبط غالبا" وعلله المؤلف هنا وفي المحرر والفروع الوجهان من غير ترجيح وهما أيضا فيما إذا عرفه بصوته "وإن شهد عند الحاكم ثم عمي" أو خرس أو جن أو مات "قبلت شهادته" وهو قول أكثر العلماء والمراد به الحكم بها لأن المانع طرأ بعد أداء الشهادة فلا يورث تهمة في حال الشهادة فلم يمنع الحكم بها كما لو شهد ثم مات وقال أبو حنيفة لا يقبل كما لو طرأ الفسق وفرق في الشرح بأن الفسق يورث تهمة في حال الشهادة بخلاف غيره لكن لو حدث بعد الشهادة ما لا يجوز معه شهادة لم يحكم بها لأن العادة أن الإنسان يستبطن الفسق ويظهر العداوة فلا يأمن أن يكون فاسقا حين أداء الشهادة فلم يجز الحكم بها مع الشك إلا عداوة ابتدأها المشهود عليه بأن قذف البينة لأنها لا تمنع لأنها لو أبطلناها بهذا لتمكن كل مشهود عليه بإبطال شهادة الشاهد بقذفه وكذا المنازعة والمقاولة وقت غضبه ومحاكمته بدون عداوة ظاهرة سابقة قال في الترغيب: ما لم يصل إلى حد العداوة أو الفسق.(10/183)
وجها واحدا وشهادة ولد الزنى جائزة في الزنى وغيره وتقبل شهادة الإنسان على فعل نفسه كالمرضعة على الرضاع والقاسم على القسمة والحاكم على حكمه بعد العزل وتقبل شهادة البدوي على القروي والقروي على البدوي وعنه: في شهادة البدوي على القروي أخشى أن لا تقبل فيحتمل وجهين .
__________
فإن حدث بعض ما يمنع الحكم بها بعد الحكم وقبل الاستيفاء فإن كان ذلك حدا لله لم يستوف لأن هذا شبهة وهو يدرأ بها وإن كان مالا استوفي لأن الحكم قد تم وإن كان قودا أو حد قذف فوجهان "وشهادة ولد الزنى جائزة في الزنى وغيره" في قول أكثر العلماء لعموم الأدلة وأنه عدل مقبول الرواية والشهادة في غير الزنى فتقبل فيه كغيره ولد الزنى لم يفعل فعلا قبيحا يجب أن يكون له نظير لأن الزاني لو تاب لقبلت شهادته وهو الذي فعل الفعل القبيح فإذا قبلت شهادته مع ما ذكر فغيره أولى قال ابن المنذر: وما روي عن عثمان أنه قال ودت الزانية أن النساء كلهن يزنين لا أعلمه ثابتا عنه وكيف يجوز أن يثبت عثمان كلاما بالظن عن ضمير امرأة لم يسمعها تذكره "وتقبل شهادة الإنسان على فعل نفسه كالمرضعة على الرضاع والقاسم على القسمة والحاكم على حكمه بعد العزل" ذكره الأصحاب لحديث عقبة في الرضاع والباقي بالقياس عليه وفي المستوعب تقبل شهادة القاسم على القسمة بعد فراغه إذا كان بغير عوض وسبقه إليه القاضي وأصحابه وجزم به المغني "وتقبل شهادة البدوي على القروي والقروي على البدوي" جزم به في الوجيز وصححه جماعة "وعنه: في شهادة البدوي على القروي أخشى أن لا تقبل فيحتمل وجهين" أحدهما لا تقبل وقاله جمع من أصحابنا وجزم به ابن هبيرة عن أحمد لما روى أبو داود وابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية" ولما فيه من الجفاء في الدين.
والثاني: تقبل صححه في المستوعب وابن المنجا لأن من قبلت شهادته على أهل البدو قبلت على أهل القرى دليله شهادة القروي على البدوي والحديث(10/184)
باب موانع الشهادة
ويمنع قبول الشهادة خمسة أشياء أحدها قرابة الولادة فلا تقبل شهادة والد لولده وإن سفل ولا ولد لوالد وإن علا في أصح الروايات وعنه: تقبل فيما لا يجر به نفعا غالبا نحو أن يشهد أحدهما لصاحبه بعقد نكاح أو قذف.
__________
محمول على أن شهادة البدوي لا تقبل للجهل بعدالته الباطنة وخصه بهذا لأن الغالب أنه لا يكون من يسأله الحاكم عنه.
باب موانع الشهادة
الموانع: جمع مانع وهو اسم فاعل من منع الشيء إذا حال بينه وبين مقصوده فهذه الموانع تحول بين الشهادة ومقصودها فإن المقصود منها قبولها والحكم بها "ويمنع قبول الشهادة خمسة أشياء" يأتي عدها "أحدها قرابة الولادة" وهي بمعنى لا تقبل لعمودي نسبه "فلا تقبل شهادة والد لولده وإن سفل" من قبيل البنين والبنات "ولا ولد لوالده وإن علا في أصح الروايات" نقله الجماعة عنه وسواء في ذلك الآباء والأمهات وآباؤهما وأمهاتهما وذكر الترمذي أنه قول أكثر أهل العلم لما روى الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجوز شهادة خائن و لا خائنه و لا ذي غمر على أخيه ولا ظنين في قرابة ولا ولاء" وفي إسناده يزيد بن زياد وهو ضعيف قال الترمذي لا يصح عندنا من قبل إسناده ورواه الخلال بنحوه من حديث عمر وأبي هريرة والظنين المتهم وكل منهما متهم في حق صاحبه لأنه يميل إليه بطبعه بدليل قوله عليه السلام: "فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها" وسواء اتفق دينهما أو اختلف لكن قال القاضي وأصحابه والمؤلف وصاحب الترغيب لا من زنى ورضاع فإنها تقبل لعدم وجوب الاتفاق والصلة وعتق أحدهما على صاحبه والتبسط في المال "وعنه: تقبل فيما لا يجر به نفعا غالبا نحو أن يشهد أحدهما لصاحبه بعقد نكاح أو قذف" لأن كل واحد منهما لا ينتفع(10/185)
وعنه: تقبل شهادة الولد لوالده ولا تقبل شهادة الوالد لولده وتقبل شهادة بعضهم على بعض في أصح الروايتين ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه في إحدى الروايتين.
__________
بما يحصل للآخر فتنتفي التهمة عنه في شهادته قال في الفروع: كشهادته له بمال وكل منهما غني لأنه لا تهمة في حقه لعدم وجوب النفقة "وعنه: تقبل شهادة الولد لوالده" لدخوله في العموم "ولا تقبل شهادة الوالد لولده" لأن مال ابنه كماله للخبر فكانت شهادته لنفسه ونقل حنبل تقبل مطلقا ذكرها في المبهج والواضح لأنهما عدلان فيدخلان فيه روي ذلك عن عمر وشريح وقاله عمر بن عبد العزيز وأبو ثور والمزني وغيرهم.
فرع: إذا شهدا على أبيهما بقذف ضرة أمهما وهي تحته أو طلاقها فاحتمالان في المنتخب "وتقبل شهادة بعضهم على بعض في أصح الروايتين" لقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:136] ولأن شهادة كل واحد منهما على الآخر لا تهمة فيها فشهادته عليه أبلغ في الصدق كشهادته على نفسه.
و الثانية: لا تقبل لأن من لم تقبل شهادته له لم تقبل عليه كغير العدل وقال ابن هبيرة: لا أرى شهادة الولد على والده في حد ولا قصاص لاتهامه في الميراث ومكاتب والديه وولده لهما ذكره في الرعاية الكبرى.
فرع: إذا شهد لولده أو غيره ممن ترد شهادته له أو أجنبي بألف أو بحق آخر مشترك بطلت في الكل نص عليه وذكر جماعة يصح في حق الأجنبي فقط "ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه في إحدى الروايتين" نقلها الجماعة واختارها الأكثر وجزم بها ابن هبيرة وصاحب الوجيز لأنه ينتفع بشهادته لينبسط كل واحد في مال الآخر واتساعه بسعته وإضافة مال كل واحد إلى الآخر لقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب33]، و {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب:53]؛ ولأن يسار(10/186)
ولا تقبل شهادة السيد لعبده ولا العبد لسيده وتقبل شهادة الأخ لأخيه وسائر الأقارب والصديق لصديقه والمولى لعتيقه.
__________
الرجل يزيد في نفقة امرأته ويسارها يزيد في قيمة بضعها المملوك لزوجها ولأن كل واحد منهما يرث الآخر من غير حجب فأوجب التهمة في شهادته.
وظاهره: ولو بعد الفراق والأخرى يجوز لأن النكاح عقد على منفعة فلا يتضمن رد الشهادة كالإجارة وظاهره أن شهادة أحدهما على الآخر مقبول صرح به في المستوعب والمحرر وقيل: في قبولها روايتان "ولا تقبل شهادة السيد لعبده" لا نعلم فيه خلافا لأن مال العبد لسيده فشهادته له شهادة لنفسه قال في الشرح لا تقبل شهادته لعبده بنكاح ولا لأمته بطلاق "ولا العبد لسيده" لأنه ينبسط في ماله وتجب نفقته فهو كالأب مع ابنه زاد في الرعاية الكبرى بمال "وتقبل شهادة الأخ لأخيه" نص عليه وذكره الترمذي وابن المنذر إجماعا قال أحمد: قد أجاز ابن الزبير شهادة الأخ لأخيه رواه الخلال ولأنه غير متهم فيدخل في العمومات ولا يصح قياسه على عمودي النسب لما بينهما من التفاوت "وسائر الأقارب" أي: تقبل شهادة بعضهم لبعض كالأخ بل هذا أولى منه "والصديق" الملاطف "لصديقه" وهو قول عامتهم وهو الأشهر قاله في الرعاية ورده ابن عقيل: بصداقة وكيدة وعاشق لمعشوقه لأن العشق يطيش "والمولى لعتيقه" كالأخ لأخيه بل هذا أولى لأنه لا تهمة فيه أشبه الأجنبي وعليه ولغير سيده لكن لو أعتق عبدين وادعى رجل أن المعتق غصبهما منه فشهد العتيقان بصدق المدعي لم تقبل شهادتهما لعودهما إلى الرق ذكره القاضي وغيره وكذا لو شهدا بعد عتقهما أن معتقهما غير بالغ حال العتق أو جرحا الشاهدين بحريتهما ولو عتقا بتدبير أو وصية فشهدا بدين أو وصية مؤثرة في الرق لم يقبل لإقرارهما بعد الحرية برقهما لغير سيد.
فرع: إذا خلف الشاهد مع شهادته لم ترد في ظاهر كلامهم ومع النهي عنه يتوجه على كلامه في الترغيب ترد.(10/187)
فصل
الثاني: أن يجر إلى نفسه نفعا بشهادته كشهادة السيد لمكاتبه والوارث لموروثه بالجرح قبل الاندمال والوصي للميت والوكيل لموكله بما هو وكيل فيه.
__________
فصل
"الثاني: أن يجر إلى نفسه نفعا بشهادته" لأن فاعله متهم في الشهادة والتهمة يمنع من قبولها "كشهادة السيد لمكاتبه" بمال "والوارث لموروثه بالجرح قبل الاندمال" لأنه قد يسري فتجب الدية له ابتداء ويقبل له بدين في مرضه في الأشهر فلو حكم بهذه الشهادة لم يتغير الحكم بعد موته.
تنبيه: لو شهد غير وارث فصار عند الموت وارثا سمعت دون عكسه والمانع ما يحصل له به نفع حال الشهادة فلهذا جاز شهادة الوارث لموروثه مع أنه إذا مات ورثه وشهادته لامرأته يحتمل أن يتزوجها وشهادته لغريم له يحتمل أن يوفيه منه أو يفلس فيتعلق حقه به ومنعت الشهادة لموروثه بالجرح قبل الاندمال وإن لم يكن له حق في الحال لأنه ربما أقضى إلى الموت به فتجب الدية للوارث الشاهد ابتداء فيكون شاهدا لنفسه موجبا له به حقا ابتداء وهذا بخلاف الشاهد لموروثه المريض بحق فإنها تقبل لأنه إنما يجب للمشهود له ثم يجوز أن ينتقل ويجوز أن لا ينتقل فلم يمنع الشهادة له كالشهادة للغريم فإن قيل: فقد أجزتم شهادة الغريم لغريمه بالجرح قبل الاندمال كما أجزتم شهادته له بمال.
قلنا: إنما جاز ذلك لأن الدية لا تجب للشاهد ابتداء إنما تجب للقتيل والورثة ثم يستوفي الغريم منها فأشبهت الشهادة له بمال ذكره في الشرح "والوصي للميت" لأنه يثبت له فيه حق التصرف فهو متهم فيها وأجاز شريح وأبو ثور شهادته للموصى عليهم إذا كان الخصم غيره لأنه أجنبي منهم فقبلت كما بعد زوال الوصية "والوكيل لموكله بما هو وكيل فيه" وعبر السامري عنه بالقانع ثم فسره بالوكيل وترد من وصي ووكيل ولو بعد العزل وقيل: وكان خاصم(10/188)
والشريك لشريكه والغرماء للمفلس بالمال وأحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته.
فصل
الثالث: أن يدفع عن نفسه ضررا كشهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ،
__________
فيه وجزم في المغني وغيره أنها تقبل بعد عزله لكن نقل ابن منصور إن خاصم في خصومة مرة ثم نزع ثم شهد لم تقبل وتقبل شهادته على موكله ويتيم في حجره "والشريك لشريكه" بما هو شريك فيه لا نعلم فيه خلافا لاتهامه وكذا المضارب بمال المضاربة "والغرماء للمفلس" المحجور عليه "بمال" سواء كان المفلس حيا أو ميتا لأن حقوقهم تتعلق به وأما قبل الحجر فتقبل لأن حقهم إنما يتعلق بذمته وقال أبن حمدان: لا تقبل قبل الحجر مع إعساره "وأحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته" لأنه متهم فإن شهد بعد إسقاط شفعته قبلت لانتفاء التهمة.
مسائل
لا تقبل شهادة أجير لمن استأجره نص عليه وفي المستوعب وغيره فيما استأجره فيه وذكر الخلال في جامعه أن أحمد قال في رواية عبد الملك كيف لا يجوز ولكن الناس تكلموا فيه فرأيته يغلب على قلبه جوازه ولا حاكم لمن في حجره قاله في الإرشاد والروضة وتقبل عليه بغير خلاف علمناه لأنه لا يتهم وفيه رواية ولا لمن له كلام أو استحقاق في شيء وإن قل كرباط ومدرسة في ظاهر كلامهم قال الشيخ تقي الدين في قوم في ديوان آجروا شيئا لا تقبل شهادة أحد منهم على مستأجر لأنهم وكلاء أو ولاة قال ولا شهادة ديوان الأموال السلطانية على الخصوم.
فصل
"الثالث: أن يدفع عن نفسه ضررا كشهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ" لأنه متهم لما فيه من دفع الدية عن أنفسهم فإن كان الجارح فقيرا أو بعيدا(10/189)
والغرماء بجرح شهود الدين على المفلس والسيد بجرح من شهد على مكاتبه أو عبده بدين والوصي بجرح الشاهد على الأيتام والشريك بجرح الشاهد على شريكه وسائر من لا تقبل شهادته لإنسان إذا شهد بجرح الشاهد عليه.
فصل
الرابع: العداوة
__________
فاحتمالان:
أحدهما تقبل لأنه لا يحمل شيئا من الدية.
والثاني: لا لجواز أن يوسر أو يموت من هو أقرب منه قبل الحول فيحملها "والغرماء بجرح شهود الدين على المفلس" لما فيه من توفير المال عليهم "والسيد بجرح من شهد على مكاتبه أو عبده بدين" لأنه متهم فيها لما يحصل بها من دفع الضرر عن نفسه فكأنه شهد لنفسه.
قال الزهري: مضت السنة في الإسلام: لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين والظنين المتهم
يؤيده ما روى سعيد ثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني محمد بن زيد بن المهاجر عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اليمين على المدعى عليه ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين وهو مرسل ويلتحق بذلك أن شهادة الضامن بإبراء المضمون عنه أو قضائه غير مقبولة لما ذكرنا " والوصي بجرح الشاهد على الأيتام والشريك بجرح الشاهد على شريكه" لأنه متهم وهو ظاهر "وسائر من لا تقبل شهادته لإنسان إذا شهد بجرح الشاهد عليه" كالوصي والوكيل والشريك وغريم المفلس المحجور عليه ونحوهم لأنهم متهمون في دفع الضرر عنهم في ثبوت الحق الذي يتضمن إزالة حقوقهم من المشهود به.
فصل
"الرابع: العداوة" لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم(10/190)
كشهادة المقذوف على قاذفه والمقطوع عليه الطريق على قاطعه والزوج بالزنى على امرأته.
__________
قال: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية و لا ذي غمر على أخيه" رواه أبو داود والغمر الحقد ولأن العداوة تورث تهمة شديدة فمنعت الشهادة كالقرابة القريبة ويعتبر كونها لغير الله تعالى موروثة أو مكتسبة وفي الترغيب والرعاية ظاهرة بحيث يعلم أن كلا منهما يسر بمساءة الآخر ويغتم بفرحه ويطلب له الشر زاد ابن حمدان أو حاسد
لكن في الخبر: "ثلاثة لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة وسأحدثكم بالمخرج من ذلك إذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تتحقق وإذا تطيرت فامض" وعبارة الخرقي والمستوعب والرعاية لا تقبل شهادة خصم فيدخل فيه كل من خاصم في حق كالوكيل والشريك فيما هو وكيل أو شريك فيه "كشهادة المقذوف على قاذفه والمقطوع عليه الطريق على قاطعه" لما ذكرنا.
فعلى هذا لا تقبل شهادتهم إن شهدت أن هؤلاء قطعوا الطريق علينا أو على القافلة بل على هؤلاء وليس للحاكم أن يسأل هل قطعوها عليكم معهم لأنه لا يبحث عما يشهد به الشهود وإن شهدت أنهم عرضوا لنا وقطعوا الطريق على غيرنا ففي الفصول تقبل قال وعندي لا "والزوج بالزنى على امرأته" في قول أكثر العلماء للخبر ولأن ذلك يورث همة بخلاف الصداقة فإن شهادة الصديق لصديقه بالزور تنفع غيره بما ضر به نفسه وبيع آخرته بدنيا غيره وشهادة العدو على عدوه يقصد بها نفع نفسه من التشفي بعدوه فافترقا
وأما المحاكمة في الأموال فليست عداوة تمنع الشهادة في غير ما حاكم فيه لأنها لو لم تقبل لاتخذ الناس ذلك وسيلة إلى إبطال الشهادات والحقوق وظاهر كلامهم أنها تقبل لعدوه لانتفاء التهمة وعنه: لا كما لا تقبل عليه.(10/191)
فصل
الخامس: أن يشهد الفاسق بشهادة فترد ثم يتوب فيعيدها فإنها لا تقبل للتهمة ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلا قبلت بغير خلاف نعلمه ولو شهد كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ثم أعادوها بعد زوال الكفر والرق والصبا قبلت.
__________
فصل
"الخامس: أن يشهد الفاسق بشهادة فترد ثم يتوب ويعيدها فإنها لا تقبل" جزم به المحرر والوجيز والسامري وزاد وجها واحدا "للتهمة" في أدائها لكونه يعير بردها فربما قصد بأدائها أن تقبل لإزالة العار الذي لحقه بردها ولأنها ردت باجتهاد فقبولها نقض لذلك الاجتهاد وعنه: تقبل حكاها في الرعاية وقاله أبو ثور والمزني.
قال ابن المنذر: والنظر يدل على هذا كغير هذه الشهادة وكما لو شهد وهو كافر فردت ثم أسلم "ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلا قبلت بغير خلاف نعلمه" لأن التهمة إنما كانت من أجل العار الذي يلحقه في الرد وهو منتف هنا وهكذا الصبي والكافر إذا شهد بعد الإسلام والبلوغ لأن الصبيان في زمنه صلى الله عليه وسلم كانوا يروون بعدما كبروا كابن جعفر وابن الزبير والشهادة في معنى الرواية لأن التهمة هنا منتفية وكذا العبد إذا شهد بعد العتق "ولو شهد كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ثم أعادوها بعد زوال الكفر والرق والصبا" وعبارة بعضهم بعد زوال المانع وهي أولى "قبلت" جزم به في الوجيز وصححه في المحرر والمستوعب لأن رد الشهادة في الأحوال المذكورة لا غضاضة فيها فلا تقع تهمة في الإعادة بخلاف التي قبلها ولأن البلوغ والحرية ليسا من فعله ويظهر أنه بخلاف الفسق.
و الثانية: لا تقبل اختارها أبو بكر وابن أبي موسى كالفاسق ولأن شهادة(10/192)
وإن شهد لمكاتبه أو لموروثه بالجرح قبل برئه فردت ثم أعادوها بعد عتق المكاتب وبرء الجريح ففي ردها وجهان وإن شهد الشفيع بعفو شريكه في الشفعة عنها فردت ثم عفا الشاهد عن شفعته وأعاد تلك الشهادة لم تقبل ذكر القاضي ويحتمل أن يقبل
__________
العبد مجتهد فيها فإذا ردت لم تقبل كالفاسق وكذا إذا ردت لجنون أو خرس ثم أعادها بعد زوال المانع فإنها تقبل على الأصح "وإن شهد لمكاتبه أو لموروثه بالجرح قبل برئه فردت ثم أعادوها بعد عتق المكاتب وبرء الجريح ففي ردها وجهان":
أحدهما: تقبل جزم به في الوجيز وصححه في المغني لأن زوال المانع ليس من فعله أشبه زوال الصبا ولأن ردها بسبب لا عار فيه فلا يتهم في قصد نفي العار بإعادتها بخلاف الفسق و الثاني: لا تقبل صححه في المحرر وذكر في الكافي أنه الأولى قدمه في الرعاية لأن ردها باجتهاده فلا ينقض ذلك باجتهاده ولأنها ردت بالتهمة كالمردودة للفسق ونصر المؤلف الأول فإن الأصل قبول شهادة العدل ولا يصح القياس وأما نقض الاجتهاد بالاجتهاد فهو جائز بالنسبة إلى المستقبل غير جائز بالنسبة إلى الماضي بدليل أن عمر رضي الله عنه قضى في قضية بقضايا مختلفة وقبول الشهادة هنا من النقض في المستقبل.
فرع: الخلاف جار في كل موضع ردت التهمة رحم أو زوجية أو عداوة أو جلب نفع أو دفع ضرر ثم زال المانع ثم أعادها وقيل: إن زال المانع باختيار الشاهد كإعتاق العبد وتطليق الزوجة ردت وإلا فلا "وإن شهد الشفيع بعفو شريكه في الشفعة عنها فردت ثم عفا الشاهد عن شفعته وأعاد تلك الشهادة لم يقبل ذكره القاضي" جزم به في الوجيز وقدمه في الرعاية لأنه متهم أشبه الفاسق "ويحتمل أن يقبل" هذا وجه لزوال المانع والأولى أن يخرج على الوجهين في التي قبلها لأنها إنما ردت لكونه يجر بها إلى نفسه نفعا وقد زال ذلك بعفوه قال في الترغيب: من موانعها الحرص على أدائها قبل استشهاد من يعلم بها قبل الدعوى أو بعدها فترد وهل يصير(10/193)
باب أقسام المشهود به
والمشهود به ينقسم إلى خمسة أقسام: أحدها: الزنى وما يوجب حده فلا تقبل فيه إلا شهادة أربعة رجال أحرار وهل يثبت الإقرار بالزنى بشاهدين أو لا يثبت إلا بأربعة على روايتين الثاني: القصاص وسائر الحدود فلا يقبل فيه إلا رجلان حران.
__________
مجروحا يحتمل وجهين قال ومن موانعها العصبية فلا شهادة لمن عرف بها وبالإفراط في الحمية كتعصيب قبيلة على قبيلة وإن لم تبلغ رتبة العداوة.
فرع: إذا شهد عند حاكم فقال أخر أشهد بمثل ما شهد به أو بذلك أو كذلك أو بما وضعت به خطي فقال أبن حمدان: يحتمل أوجها.
ثالثها: يصح في وبذلك وكذلك فقط وهو أشهر وفي نكت المحرر أن القول بالصحة في الجميع أولى.
باب أقسام المشهود به
وعدد شهوده "والمشهود به ينقسم خمسة أقسام" يأتي بيانها "أحدها: الزنى وما يوجب حده" كاللواط "فلا يقبل فيه إلا أربعة رجال أحرار" عدول وتقدم في باب حد الزنى "وهل يثبت الإقرار بالزنى بشاهدين أو لا يثبت إلا بأربعة؟ على روايتين".
إحداهما: لا يثبت إلا بأربعة قدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لأنه موجب لحد الزنى فأشبه الفعل والمراد الإقرار المعتبر وهو أربع.
الثانية: يقبل عدلان كسائر الأقارب فإن كان المقر أعجميا ففي الترجمة وجهان كالشهادة على الإقرار وقدم في الرعاية أنه يقبل فيه ترجمانان ومن عزر بوطء فرج ثبت برجلين قدمه أكثر الأصحاب وقيل: أربعة.
قال أبن حمدان: مع البينة واثنين مع الإقرار وتثبت المباشرة دون الفرج وما أوجب تعزيزا بعدلين أشبه ظلم الناس "الثاني: القصاص وسائر الحدود فلا يقبل فيه إلا رجلان حران" اقتصر عليه في الكافي والمحرر وقدمه في(10/194)
الثالث ما ليس بمال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال غير الحدود والقصاص كالطلاق والنسب والولاء والوكالة في غير المال والوصية إليه وما أشبه ذلك فلا يقبل فيه إلا رجلان وعنه: في النكاح والرجعة والعتق أنه يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين.
__________
الفروع وعنه: لا يقبل في القتل العمد إلا أربعة رجال وبه قال الحسن وعن عطاء وحماد يقبل في ذلك كله رجل وامرأتان كالشهادة على الأموال.
ولنا أنه أحد نوعي القصاص فيقبل فيه اثنان كقطع الطرف بخلاف الزنى وهذا مما يحتاط لدرئه ويندرئ بالشبهات ولا تدعو الحاجة إلى إثباته لا يقال القتل أعظم من الزنى واشترط فيه أربعة كان القتل أولى لأن القتل فيه حق آدمي وفي اشتراط الأربعة إسقاط له بخلاف الزنى وفي شهادة النساء شبهة روى الزهري قال مضت السنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود وعنه: جواز شهادة النساء على الانفراد بينهن في الحمامات وفي اشتراط الحرية خلاف سبق.
وإن أقر بقتل عمد ثبت إقراره بمرة وعنه: أربع نقل حنبل يردده ويسأل عنه لعل به جنونا أو غير ذلك "الثالث: ما ليس بمال لا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال غير الحدود والقصاص كالطلاق والنسب والولاء والوكالة في غير المال والوصية إليه وما أشبه ذلك" كالظهار والاستيلاد والنكاح "و لا يقبل فيه إلا رجلان" قدمه في المحرر والرعاية والفروع وذكر السامري أنه المشهور في المذهب ونصره في الشرح وجزم به في الوجيز لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، قاله في الرجعة والباقي قياسا ولأنه ليس بمال ولا يقصد به المال أشبه العقوبات ولأن الشارع متشوف إلى عدم الطلاق والنكاح "وعنه: في النكاح والرجعة والعتق أنه يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين" لأنه لا يسقط بالشبهة أشبه المال ولأن العبد مال والأول: أصح لأن إلحاق النكاح بالطلاق أولى من إلحاقه بالمال ولذلك قال القاضي لا يثبتان إلا بشهادة رجلين رواية(10/195)
وعنه في العتق: أنه يقبل فيه شاهد ويمين المدعي وقال القاضي النكاح وحقوقه من الطلاق والخلع والرجعة لا يثبت إلا بشاهدين رواية واحدة والوكالة والوصية والكتابة ونحوها تخرج على روايتين قال أحمد: في الرجل يوكل آخر ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين إن كانت في المطالبة بدين.
__________
واحدة "وعنه: يقبل في العتق شاهد ويمين المدعي" اختارها أبو بكر والشيخ تقي الدين
قال في الفروع ولم أجد مستندها عن أحمد لأن الشارع متشوف إلى العتق وفي قبول شاهد ويمين المعتق توسعة في ثبوت العتق "وقال القاضي: النكاح وحقوقه من الطلاق والخلع والرجعة لا يثبت إلا بشاهدين رواية واحدة" لأنه يحتاط لها بخلاف غيرها والوكالة والوصية والكتابة ونحوها يخرج على روايتين ما خلا العقوبات البدنية ذكره في الشرح وعنه: لا يقبل أنه وصى حتى يشهد له رجلان أو رجل عدل فظاهر هذا أنه يقبل في الوصية شهادة رجل واحد.
ونص في الإعسار أنه لا يثبت إلا بثلاثة لحديث قبيصة قال القاضي: هو في حل المسألة: لا في الإعسار ونقل عنه أبو طالب وأبو الحارث ويعقوب بن بختان في الأسير يدعي أنه كان مسلما قبل الأسر ليدرأ عنه الرق إن شهد له بذلك رجل من الأسرى قبلت شهادته مع يمينه وكذا إن شهدت له امرأة واحدة فنص على قبول شهادتها في الإسلام قال القاضي فيخرج من هذا أن كل عقد ليس من شرط صحته الشهادة يثبت بشاهد وامرأتين أو يمين وفي المحرر هل يقبل الرجلان والمرأتان أو الشاهد واليمين في دعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه ودعوى الأسير إسلاما سابقا على روايتين.
فرع: يقبل طبيب وبيطار واحد في معرفة داء وموضحة إن تعذر آخر نص عليه لأنه مما يعسر عليه إشهاد اثنين فكفى الواحد كالرضاع وإن أمكن إشهاد اثنين لم يكتف بدونهما لأنه الأصل وأطلق في الروضة قبول الواحد فإن اختلفا قدم قول المثبت "قال أحمد: في الرجل يوكل آخر ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين إن كانت في المطالبة بدين" صح لأن الوكالة في اقتضاء الدين يقصد(10/196)
فأما في غير ذلك فلا الرابع: المال وما يقصد به المال كالبيع والقرض والوصية له وجناية الخطأ فيقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وشاهد ويمين المدعي
__________
منها المال كالحوالة "فأما في غير ذلك فلا" لما سبق "الرابع: المال وما يقصد به المال كالبيع" والأجل والخيار فيه "والقرض والوصية له" أي: لمعين والوقف عليه وقيل: إن ملكه وتسمية مهر ورق مجهول النسب "وجناية الخطأ يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وشاهد ويمين المدعي" قدمه في الكافي والمستوعب والفروع وجزم به في المحرر والوجيز لقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} إلى قوله :{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]، نص على المداينة وقسنا عليه سائر ما ذكرنا ولأن المقصود منها المال أشبهت الشهادة بنفس المال ولا خلاف أن المال يثبت بشهادة النساء مع الرجال للنص وأكثر العلماء يرون ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين لما روى الشافعي وأحمد ومسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: "قضى بيمين وشاهد" زاد الشافعي قال عمر في الأموال ولأحمد في رواية إنما كان ذلك في الأموال ولأن اليمين تشرع في حق من ظهر صدقه ولذلك شرعت في حق صاحب اليد وفي حق المنكر والمدعي هنا ظهر صدقه بشاهده فوجب أن تشرع اليمين في حقه وقيل: تقبل امرأتان ويمين قال الشيخ تقي الدين لو قبل امرأة ويمين توجه لأنهما إنما أقيما مقام رجل في التحمل ولخبر الديانة وسواء كان المدعي مسلما أو كافرا عدلا أو فاسقا رجلا أو امرأة نص عليه
قال مالك مضت السنة أنه يقضى باليمين مع الشاهد ولا يشترط أن يقول المدعي شاهدي صادق في شهادته وقيل: بلى جزم به في الترغيب وإن نكل حلف المدعى عليه وسقط الحق وإن نكل حكم عليه نص عليه وهل ترد اليمين هنا فيه وجهان أشهرهما لا ترد لأنها كانت في جنبته وقد أسقطها بنكوله عنها وصارت في جنبة غيره فلم تعد إليه كالمدعى عليه إذا نكل عنها فردت على المدعي فنكل عنها.(10/197)
وهل تقبل في جناية العمد الموجبة للمال دون القصاص كالهاشمة والمنقلة شهادة رجل وامرأتين على روايتين الخامس: مالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والرضاع والاستهلال والبكارة والثيوبة والحيض ونحوه فيقبل فيه شهادة امرأة واحدة.
__________
و الثاني: ترد لأن سببها نكول المدعى عليه فإذا حلف واحد من الجماعة أخذ نصيبه ولا يشاركه ناكل ولا يحلف ورثة ناكل إلا أن يموت قبل نكوله وعنه: في الوصية يكفي واحد وعنه: إن لم يحضره إلا نساء فامرأة وسأله ابن صدقة الرجل يوصي ويعتق ولا يحضره إلا النساء تجوز شهادتهن قال نعم في الحقوق ونقل الشالنجي الشاهد واليمين في الحقوق فأما المواريث فيقرع وعنه: لا يقبل في جناية الخطأ إلا رجلان واختاره أبو بكر "وهل تقبل في جناية العمد الموجبة للمال دون القصاص كالهاشمة والمنقلة شهادة رجل وامرأتين؟ على روايتين" نقول في جناية العمد التي لا توجب قودا كجائفة وجناية أب وقتل مسلم لكافر وحر بعبد روايتان ظاهر المذهب أنه يقبل فيه رجل وامرأتان وشاهد ويمين لأنه لا يوجب إلا المال أشبه البيع.
والثانية: لا يقبل فيه إلا رجلان اختاره أبو بكر وابن أبي موسى لأنها جناية عمد أشبهت الموضحة فعلى الأولى إن كان القود في بعضها كمأمومة وهاشمة هل يثبت المال فقط فيه روايتان والمذهب كما قاله في المغني والترغيب وجزم به في الوجيز أنه يقبل لأن موجبها المال كجناية الخطأ.
مسألة: إذا رمى سهما على إنسان فتعدى منه إلى آخر فماتا ثبت الثاني: بشاهد ويمين
وكذا الأول: إن كان موجبه القود والشاهد لوث حلف معه خمسين يمينا وتثبت الدية وقيل: والقود أيضا "الخامس: مالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والرضاع" وعنه: وتحلف فيه "والاستهلال والبكارة والثيوبة والحيض ونحوه فيقبل فيه شهادة امرأة واحدة" قدمه في الكافي والمحرر والرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لما تقدم في الرضاع وعن علي أنه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال رواه أحمد وسعيد من رواية جابر الجعفي ويشترط فيها(10/198)
وعنه: لا يقبل فيه أقل من امرأتين وإن شهد به الرجل وكان أولى بثبوته.
فصل
وإذا شهد بقتل العمد رجل وامرأتان لم يثبت قصاص ولا دية وإن شهدوا بالسرقة ثبت المال
__________
العدالة جزم به في الوجيز وفي الفروع يقبل فيه امرأة لا ذمية نقله الشالنجي وغيره.
وفي الانتصار فيجب أن لا يلتفت إلى لفظ الشهادة ولا مجلس الحكم كالخبر ولا أعرف عن إمامنا ما يرده "وعنه: لا يقبل فيه أقل من امرأتين" لأن كل جنس لم يثبت الحق فيه لم يثبت إلا باثنين كالرجال "وإن شهد به الرجل" كان كالمرأة "وكان أولى بثبوته" لأنه أكمل منها ولأن ما قبل فيه قول المرأة قبل فيه قول الرجل كالرواية.
تنبيه: ظاهره أن الجراحة وغيرها في الحمام والعرس ونحوهما مما لا يحضره الرجال أنه تقبل فيه امرأة واحدة نص عليه خلافا لابن عقيل: وغيره ولو ادعت إقرار زوجها بأخوة رضاعة فأنكر قال في الترغيب و قلنا: تسمع الدعوى بالإقرار لم يقبل فيه نساء فقط وترك القابلة ونحوها الأجرة لحاجة المقبولة أفضل وإلا دفعها إلى محتاج ذكره الشيخ تقي الدين.
فصل
"إذا شهد بقتل العمد رجل وامرأتان" أو شاهد ويمين "لم يثبت قصاص ولا دية" اقتصر عليه في الكافي والشرح والوجيز لأن القتل يوجب القصاص والمال بدل منه فإذا لم يثبت الأصل لم يجب بدله وإن قلنا: موجبه أحد شيئين لم يتعين أحدهما إلا بالاختيار فلو أوجبنا الدية وحدها أوجبنا معينا ونقل ابن منصور عنه: أنه يثبت المال إن كان المجني عليه عبدا زاد في الرعاية الكبرى أو حرا "وإن شهد بالسرقة ثبت المال" لكمال بينته(10/199)
دون القطع وإن ادعى رجل الخلع قبل فيه رجل وامرأتان وإن ادعته المرأة لم يقبل فيه إلا رجلان وإذا شهد رجل وامرأتان لرجل بجارية أنها أم ولده وولدها منه قضى له بالجارية أم ولد وهل تثبت حرية الولد ونسبة من مدعيه على روايتين.
__________
دون القطع كذا في المحرر والوجيز وقدمه في الرعاية والفروع لأن السرقة توجبهما أي المال والقطع فإذا قصرت عن أحدهما ثبت الآخر واختار في الإرشاد والمبهج لا يثبت المال كالقطع لأنها شهادة لا توجب الحد وهو أحد موجبيها فإذا بطلت في أحدهما بطلت في الآخر و بنى في الترغيب عليهما القضاء بالغرم على ناكل "وإن ادعى رجل الخلع قبل فيه رجل وامرأتان" لأنه يدعي المال الذي خالعته به فأما البينونة فتحصل بمجرد دعواه ذكره أصحابنا "وإن ادعته المرأة لم يقبل فيه إلا رجلان" لأنها لا تقصد بذلك إلا الفسخ ولا يثبت إلا بعدلين فأما إن اختلفا في عوض الخلع أو الصداق ثبت بشاهد ويمين لأنه مال "وإذا شهد رجل وامرأتان" أو شاهد ويمين "لرجل بجارية أنها أم ولده وولده منها قضى له بالجارية أم ولد" لأنه يدعي ملكها وقد أقام بينة كافية فيه ويثبت لها حكم الاستيلاء بإقراره لأن إقراره ثبت في الملك ثبت في ملكه بشاهد ويمين.
وظاهر كلام المؤلف أنه حصل بقول البينة وليس هو بمراد بل مراده الحكم بأنها أم ولده مع قطع النظر عن علة ذلك وعلته أن المدعي مقر بأن وطأها كان في ملكه "وهل يثبت حرية الولد ونسبه من مدعيه على روايتين" كذا في المحرر والفروع الأشهر كما نصره في الشرح أنه لا تثبت حرية الولد ولا نسبه لأن البينة لا تصلح الإثبات ذلك فعلى هذا يبقى الولد في يد المنكر مملوكا له.
والثانية: يثبتان جزم به في الوجيز لأن الولد نماء الجارية وقد ثبتت له فتبعها الولد في الحكم ثم يثبت نسبه وحريته بإقراره وقيل: يثبت نسبه من أبيه بدعواه وإن بقي عبدا لمن هو بيده فإن ادعى أنها كانت ملكه فأعتقها لم يثبت ذلك برجل وامرأتين قدمه في الكافي والشرح والرعاية لأن البينة شهدت بملك قديم فلم يثبت والحرية لا تثبت برجل وامرأتين وقيل: تثبت(10/200)
كالتي قبلها.
مسأله: يجوز الحلف بمعرفة الخط كمن رأى خط موروثه بأن له على زيد شيئا أو أنه أبرأه منه حلف إذا وثق بدينه وأمانته وإن رأى زيد بخطه أن له دينا على عمرو أو أنه قضاه وعلم صحة ذلك حلف عليه
وإن أخبره ثقة أن زيدا قتل أباه أو غصبه شيئا حلف عليه وضمنه إياه ولا تجوز الشهادة في هذه المسائل والفرق بينهما أن الشهادة لغيره فيحتمل أن من له الشهادة قد زور على خطه ولا يحتمل هذا فيما يحلف عليه لأن الحق إنما هو للحالف فلا يزور أحد عليه ولأن ما يكتبه الإنسان من حقوقه يكثر فينسى بعضه بخلاف الشهادة والأولى التورع عن ذلك والله أعلم.(10/201)
باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة
تقبل الشهادة على الشهادة فيما يقبل فيه كتاب القاضي وترد فيما يرد فيه.
__________
باب الشهادة على الشهادة، والرجوع عن الشهادة
قال جعفر بن محمد: سمعت أحمد يسأل عن الشهادة على الشهادة فقال: هي جائزة
وكان قوم يسمونها التأويل والأصل فيها الإجماع قال أبو عبيد أجمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة في الأموال والمعنى شاهد بذلك لأن الحاجة داعية إليها فإنها لو لم تقبل لبطلت الشهادة على الوقوف وما يتأخر إثباته عند الحاكم لو ماتت شهوده وفي ذلك ضرر على الناس ومشقة شديدة فوجب قبولها كشهادة الأصل "تقبل الشهادة على الشهادة فيما يقبل فيه كتاب القاضي وترد فيما يرد فيه" ؛ لأنها في معناه لاشتراكهما في كونهما فرعا لأصل وذكر ابن(10/201)
ولا تقبل إلا أن تتعذر شهادة شهود الأصل بموت أو مرض أو غيبة إلى مسافة القصر وقيل: لا تقبل إلا بعد موتهم ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه شاهد الأصل فيقول: اشهد على شهادتي أني أشهد أن فلان ابن فلان وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه أقر عندي وأشهدني على نفسه طوعا بكذا أو شهدت عليه أو أقر عندي بكذا.
__________
هبيرة أن قبولها في كل شيء حتى القصاص والحدود في قول مالك وأحمد في رواية وقد سبق ذكر ذلك في موضعه "ولا تقبل" أي: لا يحكم بها قاله في المحرر والوجيز "إلا أن تتعذر شهادة شهود الأصل بموت" وعلى الأصح "أو مرض" أو خوف من سلطان أو غيره "أو غيبة إلى مسافة القصر" لأن شهادة الأصل أقوى لأنها أقوى لأنها تثبت نفس الحق وهذه لا تثبته لأن سماع القاضي منهما متيقن وصدق شاهدي الفرع عليهما مظنون فلم يقبل الأدنى مع القدرة على الأقوى وكسائر الأبدال والغيبة هنا مسافة القصر ذكره معظم الأصحاب لأن ما دون ذلك في حكم الحاضر واختار القاضي أنها ما لا يتسع العود والذهاب في يوم وقاله أبو يوسف وأبو حامد الشافعي للمشقة بخلاف ما دون اليوم "وقيل: لا تقبل إلا بعد موتهم" هذا رواية أنه لا يحكم بشهادة فرع في حياة أصل لأنه إذا كان حيا رجي حضوره فكان كالحاضر والمذهب الأول لأنه قد تعذرت شهادة الأصل فقبل كما لو مات شاهد الأصل "ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهده إلا أن يسترعيه شاهد الأصل" قال أحمد: لا تكون شهادة إلا أن يشهدك لأن الشهادة على الشهادة فيها معنى النيابة والنيابة بغير إذن لا تجوز وعنه: تجوز مطلقا ذكرها ابن عقيل: وقدمها في التبصرة فيقول: "اشهد على شهادتي أني أشهد أن فلان بن فلان وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه أقر عندي وأشهدني على نفسه طوعا بكذا أو شهدت عليه أو أقر عندي بذلك" هذا وجه تعداد الشهادة.
وظاهره: أنه إذا استرعى غيره لم يجز أن يشهد حتى يسترعيه بعينه ورجح في المغني وقدمه في الكافي والشرح أنه يجوز أن يشهد لحصول(10/202)
وإن سمعه يقول أشهد على فلان بكذا لم يجز أن يشهد إلا أن يسمع يشهد عند الحاكم أو يشهد بحق يعزوه إلى سبب من بيع أو إجازة أو قرض فهل يشهد به على وجهين وتثبت شهادة شاهدي الأصل بشهادة شاهدين يشهدان عليهما.
__________
الاسترعاء "وإن سمعه يقول: أشهد على فلان بكذا لم يجز أن يشهد" من غير ذكر سبب ولا شهادة عند الحاكم لأن الأصل لم يسترعه الشهادة لأنه يحتمل أن ذلك وعد ويحتمل أن يريد بالشهادة العلم فلم يجز أن يشهد مع الاحتمال بخلاف ما إذا استرعاه لأنه لا يسترعيه إلا على واجب.
فإن قيل: لو سمع رجلا يقول لفلان علي ألف درهم جاز أن يشهد بذلك فكذا هذا قلنا: الفرق بينهما أن الشهادة تحتمل العلم ولا تحتمل الإقرار لأن الإقرار أوسع في لزومه من الشهادة بدليل صحته في المجهول ولأنه لا يراعى فيه العدد لأن الإقرار قول الإنسان على نفسه وهو غير متهم عليها فلو قال أشهدني فلان بكذا أو عندي شهادة عليه بكذا أو لفلان على فلان كذا أو شهدت أو أقر عندي به فوجهان أقواهما المنع قاله في الرعاية "إلا أن يسمعه يشهد عند الحاكم أو يشهد بحق يعزوه إلى سبب من يبع أو إجازة أو قرض فهل يشهد به على وجهين" هما روايتان عن أحمد إحداهما لا يجوز إلا أن يسترعيه نصره القاضي وغيره لما تقدم و الثانية: الجواز قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز
وفي الرعاية أنه الأشهر لأنه بالشهادة عند الحاكم ونسبته الحق إلى سببه يزول الاحتمال أشبه ما لو استرعاه ويؤديها الفرع بصفة تحمله ذكره جماعة قال في المنتخب وغيره وإلا لم يحكم بها وفي الترغيب و الرعاية أنه يكفي العارف أشهد على شهادة فلان بكذا ويشترط أن يعينا شاهدي الأصل ويسمياهما.
تنبيه: إذا سمعه خارج مجلس الحاكم يقول عندي شهادة لزيد أو أشهد بكذا لم يصر فرعا فلو شهد عند الحاكم فعزل فهل يصير الحاكم المعزول فرعا على الشاهد قال أبن حمدان: يحتمل وجهين "وتثبت شهادة شاهدي الأصل بشهادة شاهدين يشهدان عليهما" قال الإمام أحمد: لم يزل الناس على هذا(10/203)
سواء شهدوا على كل واحد منهما أو شهد على كل واحد منهما شاهد من شهود الفرع وقال أبو عبد الله بن بطة: لا تثبت حتى يشهد أربعة على كل شاهد أصل شاهدا فرع ولا مدخل للنساء في شهادة الفرع وعنه: لهن مدخل.
__________
"سواء شهدوا على كل واحد منهما أو شهد على كل واحد شاهد من شهود الفرع" نص عليه وقدمه الجماعة وجزم به في الوجيز وقيل: هو إجماع كما لو شهدا بنفس الحق ولأن شهود الفرع بدل من شهود الأصل فاكتفي بمثل عددهم "وقال أبو عبد الله بن بطة: لا يثبت حتى يشهد أربعة على كل شاهد أصل شاهدا فرع" اختاره المزني لأن شاهدي الفرع يثبتان شهادة شاهدي الأصل فلا تثبت شهادة كل منهما بواحد كما لا يثبت إقرار مقرين بشهادة اثنين يشهد كل منهما على واحد وفي المحرر تخريج أنه يكفي شهادة فرعين بشرط أن يشهد على كل واحد من الأصلينوفي الكافي والشرح إن هذا قول ابن بطة وجزم به ابن هبيرة عن أحمد لأنه إثبات قول اثنين فجاز بشاهدين كالشهادة على إقرار نفسين وعنه: تكفي شهادة رجل على اثنين ذكره القاضي وغيره.
فرع: يتحمل فرع على فرع ولا يجوز لشاهد أصل أن يكون فرعا على أصل آخر معه ولا أن يزكي أصل رفيقه في الشهادة "ولا مدخل للنساء في شهادة الفرع" نصره القاضي وأصحابه وقدمه في المحرر وهو قول أكثر العلماء لأن شهادتهم على شهادة شاهدين وليس ذلك بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال أشبه القود والنكاح ومقتضاه أن لهن مدخلا في شهادة الأصل وهو كذلك في رواية قدمها في الكافي والرعاية لأنها شهادة بمال وصححها في المحرر "وعنه: لهن مدخل" قدمه في الرعاية والفروع ونصره في الشرح لأن المقصود من شهادتهن إثبات الحق الذي يشهد به شهود الأصل فكان لهن مدخل في ذلك كالبيع وعنه: لا مدخل لهن في الأصول لأن في الشهادة على الشهادة ضعفا فاعتبر تقويتها بالذكورية وفي الترغيب المشهور أنه لا مدخل لهن في الأصل وفي(10/204)
فيشهد رجلان على رجل وامرأتين أو رجل وامرأتان على رجل وامرأتين وقال القاضي لا تجوز شهادة رجلين على رجل وامرأتين نص عليه أحمد وقال أبو الخطاب وفي هذه الرواية سهو من ناقلها ولا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدي الفرع حتى تثبت عنده عدالتهما وعدالة شاهدي الأصل وإن شهدا عنده فلم يحكم حتى حضر شهود الأصل وقف الحكم على
__________
الفروع روايتان "فيشهد رجلان على رجل وامرأتين أو رجل وامرأتان على رجل وامرأتين" لدخولهن فيه "وقال القاضي: لا تجوز شهادة رجلين على رجل وامرأتين نص عليه أحمد" لأن في شهادة النساء ضعفا فلا يضم ضعف إلى ضعف "وقال أبو الخطاب: وفي هذه الرواية سهو من ناقلها" لأنه إذا قيل: شهادة امرأة على مثلها فلأن تقبل شهادة رجل على امرأة بطريق الأولى لأن الرجل أحسن حالا منها ولأن ناقل هذه الرواية قال فيها أقبل شهادة رجل على شهادة رجلين وهذا مما لا وجه له فإن رجلا واحدا لو كان أصلا فشهد في القتل العمد ومعه مائة امرأة لم يقبل فيكف يقبل إذا شهد بها وحده وهو فرع ويحكم بها قال ولو أن أحمد قال ذلك حملناه على أنه لا تقبل شهادة الرجل حتى ينضم إليه غيره فيخرج من هذه الرواية أنه لا يكفي شاهد واحد على شاهد واحد كما يقوله أكثر الفقهاء "ولا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدي الفرع حتى تثبت عنده عدالتهما وعدالة شاهدي الأصل" ذكره الأصحاب لأن الحكم ينبني على شهادتهما فإن عدل شهود الفرع شهود الأصل كفى بغير خلاف نعلمه وفي الرعاية وفيه نظر وليس بشيء لأن شهادتهما بالحق مقبولة فكذا في العدالة ولا يجب عليهم ذلك فإن لم يشهدوا بعدالتهم تولى الحاكم ذلك وقال الثوري: إن لم يعد شاهد الفرع شاهدي الأصل لم يحكم بها لأن ترك تعديلها يرتاب به الحاكم ولا يصح لأنه يجوز أن لا يعرفا ذلك ويجوز أن يعرفا عدالتهما ويتركاها اكتفاء بما ثبت عند الحاكم من عدالتهما "وإن شهدا عنده فلم يحكم حتى حضر شهود الأصل وقف الحكم على(10/205)
سماع شهادتهم وإن حدث منهم ما يمنع قبول الشهادة لم يجز الحكم وإن حكم بشهادتهما ثم رجع شهود الفرع لزمهم الضمان وإن رجع شهود الأصل لم يضمنوا ويحتمل أن يضمنوا
__________
سماع شهادتهم" لأنه قدر على الأصل قبل العمل بالبدل كالمتيمم يقدر على الماء وكفسق بعضهم.
وظاهره: أنه إذا كان حضورهم بعد الحكم أنه لا يؤثر فيه وهو كذلك "وإن حدث منهم ما يمنع قبول الشهادة لم يجز الحكم" لأن الحكم ينبني عليها أشبه ما لو فسق شهود الفرع أو رجعوا "وإن حكم بشهادتهما ثم رجع شهود الفرع لزمهم الضمان" لأن الإتلاف كان بشهادتهم كما لو أتلفوا بأيديهم فإن قالوا بان لنا كذب الأصل أو غلطهم لم يضمنوا ذكره في المحرر والوجيز والفروع "وإن رجع شهود الأصل" أي: بعد الحكم لم يضمنوا قدمه عامة الأصحاب كالمتسبب مع المباشر ولأنهم لم يلجؤوا الحاكم إلى الحكم "ويحتمل أن يضمنوا" هذا قول في المذهب قدمه في المغني ونصره لأن الحاكم يضاف إليهم بدليل أنه تعتبر عدالتهم ولأنهم سبب في الحكم فضمنوا كالمزكين فإن قال شاهدا الأصل كذبنا أو غلطنا ضمنوا وقيل: لا وإن قالوا بعد الحكم ما أشهدنا بشيء لم يضمن الفريقان شيئا.
فرع: إذا شهد شاهدا فرع على أصل وتعذر الآخر حلف واستحق ذكره في التبصرة واقتصر عليه في الفروع وقال جمع إذا أنكر الأصل شهادة الفرع لم يعمل بها لتأكد الشهادة بخلاف الرواية.
مسألة: إذا غير العدل شهادته بحضرة الحاكم فزاد فيها أو نقص قبل الحكم أو أدى بعد إنكارها قبلت نص عليهما كقوله لا أعرف الشهادة وقيل: لا كبعد الحكم وقيل: يؤخذ بقوله المتقدم وإن رجع قبل الحكم قاله في الرعاية لغت ولا حكم ولم يضمن وإن لم يصرح بالرجوع بل قال للحاكم توقف فتوقف ثم أعادها إليها وقبلت في الأصح وفي وجوب إعادتها احتمالان وإن ادعى عليه شهادة فأنكر ثم(10/206)
فصل
ومتى رجع شهود المال بعد الحكم لزمهم الضمان ولم ينقض الحكم سواء كان قبل القبض أوبعده وسواء كان المال قائما أو تالفا.
__________
شهد بها وقال: كنت أنسيتها قبلت قال في المستوعب: ولا تقبل الشهادة إلا في مجلس الحكم ولهذا قال ابن البنا لا تتم الشهادة إلا بخمسة أشياء شاهد ومشهود به ومشهود له ومشهود عليه ومشهود فيه يعني مجلس الحكم.
فصل
"ومتى رجع شهود المال بعد الحكم لزمهم" أي: الشهود "الضمان" في قول أكثر العلماء لأنهما قد اعترفا بأنهما قد أخرجا ماله من يده بغير حق فلزمهما الضمان كما لو شهدا بعتقه ولأنهما نسبا إلى إتلاف حقه بشهادتهما بالزور عليه فضمنا كشاهدي القصاص بل وجوب المال أولى لأن القصاص يدرأ بالشبهة ويستثنى منه ما لم يصدقهم مشهود له فأما المزكون فلا يغرمون شيئا ذكره معظم الأصحاب واقتضى ذلك أنه لا يرجع على المحكوم له بشيء وهو كذلك بغير خلاف نعلمه "ولم ينقض الحكم" في قول أكثر أهل الفتيا من علماء الأمصار وقال ابن المسيب والأوزاعي ينقض وإن استوفى الحق كما لو تبين أنهما كانا كافرين وجوابه: أن حق المشهود له وجب فلا يسقط كما لو ادعياه لأنفسهما يحقق هذا أن حق الإنسان لا يزول إلا بينة أو إقرار ليس هذا واحدا منهما وفارق الكافر لأنه لم يوجد شرط الحكم وهو شهادة العدول وهنا يجوز أن يكونا عدلين صادقين في شهادتهما وإنما كذبا في رجوعهما وتفارق العقوبات حيث لا تستوفى لأنها تدرأ بالشبهات "سواء كان قبل القبض أو بعده وسواء كان المال قائما أو تالفا" لأن وجوب الحق متعلق بالحكم وهو موجود فيما ذكر على السواء لكن ذكر في المغني أنه إذا شهد بدين فأبرأ منه مستحقه ثم رجعا لم يغرماه للمشهود عليه.(10/207)
وإن رجع شهود العتق بعد الحكم غرموا القيمة وإن رجع شهود الطلاق قبل الدخول غرموا نصف المسمى وإن كان بعده لم يغرموا شيئا وإن رجع شهود القصاص أو الحد قبل الاستيفاء لم يستوف.
__________
"وإن رجع شهود العتق بعد الحكم غرموا القيمة" لأنهما أزالا يده عن عبده بشهادتهما المرجوع عنها أشبه ما لو شهدا بحريته وإنما غرموا القيمة لأن العبد من المتقومات ومحله ما لم يصدقهم المشهود له فإن قالا أعتقه على مائة وقيمته مائة ثم رجعا لم يغرما شيئا "وإن رجع شهود الطلاق قبل الدخول" وبعد الحكم "غرموا نصف المسمى" أو بدله لا مهر المثل أو نصفه لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما لو أخرجته من ملكه برده أو رضاع وإنما يجب نصف المسمى لأنهما ألزماه للزوج بشهادتهما كما يرجع به على من فسخ نكاحه وكما لو شهدا بالنصف "وإن كان بعده" أي: بعد الدخول "لم يغرموا شيئا" جزم به الأصحاب واختاره القاضي لأنهما لم يقررا عليه شيئا ولن يخرجا من ملكه متقوما أشبه ما لو أخرجاه من ملكه بقتلها أو رضاع وعنه: يضمن المسمى كله وذكر الشيخ تقي الدين وجها أنه يجب مهر المثل.
تنبيه: إذا شهد قوم بتعليق طلاق أو عتق وآخرون بوجود شرطه ثم رجعوا فالغرم على عددهم وقيل: على كل جهة نصفه وقيل: يغرم الكل شهود التعليق قال أبن حمدان: إذا شهد اثنان بالعقد واثنان بالدخول واثنان بالطلاق ثم رجعوا فالغرم على شاهدي الطلاق وإن شهدا بطلاق أو رضاع أو لعان ثم رجعا غرما مهر المثل مطلقا وقيل: بل نصفه قبل الدخول وإن رجعا ثم قامت بينة بأن بينهما رضاعا لم يضمنا شيئا وإن رجع شهود بكتابة غرموا ما بين قيمته سليما ومكاتبا فإن عتق فما قيمته ومال الكتابة وقيل: كل قيمته وكذا شهود باستيلاد "وإن رجع شهود القصاص أو الحد" بعد الحكم "قبل الاستيفاء لم يستوف" قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الكافي والشرح والوجيز لأنه يدرأ بالشبهة والمال يمكن خبره والقصاص شرع للتشفي لا للخبر.(10/208)
وإن كان بعده وقالوا: أخطانا فعليهم دية ما تلف ويتقسط الغرم بينهم على عددهم فإن رجع أحدهم وحده غرم بقسطه وإذا شهد عليه ستة بالزنى فرجم ثم رجع منهم اثنان غرما ثلث الدية لأنهما ثلث البينة،
__________
فعلى هذا: تجب دية القود فإن وجب عينا فلا قاله في الواضح واقتصر عليه في الفروع وقيل: يستوفى إن كان لآدمي كالفسق الطارئ والفرق واضح "وإن كان بعده" أي: بعد الاستيفاء "وقالوا: أخطأنا فعليهم دية ما تلف" أو أرش الضرب نقله أبو طالب ولا تحمله العاقلة ويعزرا ولا قود لأن بإقرارهم حصل التلف بسببهم لكن على طريق الخطأ فلزمتهم الدية مخففة فإن قال أحدهما عمدت وقال الآخر أخطأت فعلى العامد نصف الدية مغلظا وعلى الآخر نصفها مخففا ولا قود في الأصح وإن قال أحدهما عمدنا وقال الآخر أخطأنا قتل المعترف بالعمد زاد في الرعاية في رواية أو غرم نصف الدية مغلظا والمخطئ نصفها مخففا لأن كل واحد يؤاخذ بإقراره وإن قال كل واحد عمدت ولا أدري ما فعل غيري قتلا جزم به في الكافي وفي الرعاية وقيل: لا قود عليهما لأن إقرار كل منهما لو انفرد لم يجب عليه قود "ويتقسط الغرم بينهم على عددهم" لأن التفويت حصل منهم كلهم فوجب تقسيط الغرامة عليهم كلهم كما لو اتفق جماعة واتلفوا ملكا لإنسان فعلى هذا لو رجع شاهد من عشرة غرم العشر "فإن رجع أحدهم غرم بقسطه" نص عليه كما لو رجعنا جميعا وقيل: يجب الكل على الراجع لأن الحق ثبت به ذكره في الواضح.
فرع: إذا شهد رجل وامرأتان بمال ثم رجعوا غرم الرجل النصف وهما النصف نص عليه وجزم به في الكافي لأنهما كرجل فلو شهد رجل وعشرة نسوة فعليه السدس وعلى كل امرأة منهن سدس وقيل: مناصفة لأن الرجل نصف البينة وقيل: هو كأنثى وكذا رضاع
قال في الترغيب إلا أنه لا تشطير وإنا إن قلنا: لا يثبت إلا بامرأتين فالغرم بالتسديس "وإذا شهد عليه ستة بالزنى فرجم ثم رجع منهم اثنان غرما ثلث الدية لأنهما ثلث البينة" وقال بعض الأئمة: لا شيء عليهما لأن(10/209)
وإن رجع الكل لزمتهم الدية أسداسا وإن شهد أربعة بالزنى واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الجميع لزمتهم الدين أسداسا في أحد الوجهين وفي الآخر على شهود الزنى النصف وعلى شهود الإحصان النصف وإن شهد أربعة بالزنى واثنان منهم بالإحصان صحت الشهادة فإن رجم ثم رجعوا عن الشهادة.
__________
بينة الزنا قائمة بغيرهما "وإن رجع الكل لزمتهم الدية أسداسا" لأنهم ستة فالغرامة تقسط عليهم "وإن شهد عليه أربعة بالزنى واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الجميع" ضمنوه لأن قتله حصل بمجموع الشهادتين كما لو شهدوا جميعا بالزنى "ولزمتهم الدية أسداسا في أحد الوجهين" قدمه في المحرر والرعاية والفروع وجزم به في الوجيز كشهود الزنى لأن القتل حصل من جميعهم "وفي الآخر" وهو رواية "على شهود الزنى النصف وعلى شهود الإحصان النصف" اختاره أبو بكر ونصره القاضي لأن قتله حصل بنوعين من البينة فتقسم الدية عليهما وقيل: لا يضمنان لأنهم شهدوا بالشرط لا بالسبب الموجب فإن شهد بزناه ثمانية فرجم ثم رجع أربعة ضمنوا نصف ديته وقال أبن حمدان: يحتمل أن لا يلزمهم شيء وإن رجع الكل ضمنوها أثمانا وإن رجع شهود أحد الجهتين لزمهم الدية كلها وقيل: نصفها.
تنبيه: إذا شهد بالقتل ثلاثة أو بالزنى خمسة ثم رجع الزائد منهم قبل الحكم أو الاستيفاء لم يضر لأن ما بقي من البينة كاف ويحد الراجع لأنه قاذف وقيل: لا يحد لأنه قاذف لمن ثبت أنه زان ذكره ابن الزاغوني وإن استوفى ثم رجعوا أو بعضهم فكشاهدي القتل وأربعة الزنى فيما ذكرنا نص عليه وجزم به الجماعة فإن رجع أحدهم في القتل فالثلث وفي الزنى الخمس وقيل: لا يغرم شيئا وهو أقيس فلو رجع من خمسة زنى اثنان فهل عليهما خمسان أو ربع أو اثنان من ثلاثة قتل فالثلثان أو النصف فيه الخلاف "وإن شهد أربعة بالزنى واثنان منهم بالإحصان صحت الشهادة" لأنه لا مانع من صحتها "فإن رجم ثم رجعوا عن الشهادة(10/210)
فعلى من شهد بالإحصان ثلثا الدية على الوجه الأول: وعلى الثاني: يلزمهم ثلاثة أرباعها وإن حكم بشاهد ويمين فرجع الشاهد غرم المال كله ويتخرج أن يغرم النصف إذا بان بعد الحكم أن الشاهدين كانا كافرين أو
__________
فعلى من شهد بالإحصان ثلثا الدية على الوجه الأول" وهو الأشهر الثلث لشهادتهما بالإحصان والثلث لشهادتهما بالزنى "وعلى الثاني: يلزمهم ثلاثة أرباعها" النصف لشهادتهما بالإحصان والربع لشهادتهما بالزنى والباقي على الآخرين وقيل: لا يجب على شاهدي الإحصان إلا النصف لأنهما كأربعة أنفس جنى اثنان جنايتين وجنى الآخران أربع جنايات.
فرع: لا ضمان برجوع عن كفالة بنفس أو براءة منها أو أنها زوجته أو أنه عفا عن دم عمد لعدم تضمنه مالا وفي المبهج قال القاضي وهذا لا يصح لأن الكفالة متضمنة بهرب المكفول والقود قد يجب مال.
فرع: إذا شهد رجلان على آخر بنكاح امرأة بصداق ذكراه وشهد آخران بدخوله بها ثم رجعوا بعد الحكم لزم شهود النكاح الضمان لأنهم ألزموه المسمى وقيل: عليهم النصف وعلى الآخرين النصف وإن شهد مع هذا شاهدان بالطلاق لم يلزمهما شيء لأنهما لم يوجب عليه شيئا لم يكن واجبا عليه ذكره في الشرح "وإن حكم بشاهد ويمين فرجع الشاهد غرم المال كله" نص عليه لأنه حجة الدعوى فاختص الضمان به كالشاهدين يحققه أن اليمين قول الخصم وقوله ليس بحجة على خصمه وإنما هو شرط الحكم فجرا مجرى مطالبته للحاكم بالحكم وإن سلمنا أنها حجة لكن إنما جعلناها حجة شهادة الشاهد ولهذا لم يجز تقديمها على شهادته وكيمينه على بينة غائب وقال ابن عقيل: في عمد الأدلة يجوز في أحد الاحتمالين أن تسمع يمين المدعي قبل الشاهد "ويتخرج إن يغرم النصف" لأنه أحد حجتي الدعوى كالشاهدين.
فرع: رجوع شهود تزكية كرجوع من زكوهم ومن شهد بعد الحكم بمناف للأولة فكرجوعه وأولى قاله الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في الفروع "إذا بان بعد الحكم أن الشاهدين كانا كافرين أو(10/211)
فاسقين نقض ويرجع بالمال أو ببدله على المحكوم له وإن كان المحكوم به إتلافا فالضمان على المزكين فإن لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم وعنه: لا ينقض إذا كانا فاسقين.
__________
فاسقين نقض" أي: إذا بان بعد الحكم كفر الشهود نقض بغير خلاف لأن شرط الحكم كون الشاهد مسلما ولم يوجد وكذا إذا بان بعد الحكم كفر الشهود نقض بغير خلاف لأن شرط الحكم كون الشاهد مسلما ولم يوجد وكذا إذا بان فسقهم على المذهب. "ويرجع بالمال أو ببدله على المحكوم له" قدمه في الكافي والرعاية وجزم به في الوجيز لأن الحكم قد نقض فيجب أن يرجع الحق إلى مستحقه وقد علم منه أنه كان موجودا ألزم برده بعينه وهو ظاهر.
"وإن كان المحكوم به إتلافا" كقتل أو كان الحكم لله بإتلاف حسبي أو بما سرى إليه "فالضمان على المزكين" لأن المحكوم به قد تعذر رده وشهود التزكية ألجؤوا الحاكم إلى الفعل فلزمهم الضمان كما لو شهد عدلان بحق ثم حكم حاكم بها ثم رجعا ولأن الحاكم أتى بما عليه والشهود لم يعترفوا ببطلان شهادتهم وإنما التفريط من المزكين وقال القاضي الضمان على الحاكم وهذا الذي ذكره السامري لأنه فرط في الحكم بمن لا يجوز الحكم بشهادته وقال أبو الخطاب الضمان على الشهود لأنهم فوتوا الحق على مستحقيه بشهادتهم الباطلة كما لو رجعوا.
"فإن لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم" لأن التلف حصل بفعله أو بأمره فلزمه الضمان لتفريطه وكذا أو كان مزكون فماتوا ذكره في الكافي والرعاية ولا قود لأنه مخطئ وتجب الدية في بيت المال وعنه: على عاقلته فإن قيل: إذا كان الولي قد استوفى حقه فينصب الضمان عليه كما لو حكم له بمال فقبضه ثم بان فسق الشهود قلنا: ثم حصل في يد المستوفي مال المحكوم عليه بغير حق فوجب عليه رده وضمانه إن تلف وهنا لم يحصل في يده شيء وإنما أتلف شيئا بخطأ الإمام وتسليطه عليه فافترقا "وعنه لا ينقض إذا كانا فاسقين" لأن شرط الحكم أن لا يظهر(10/212)
وإن شهدوا عند الحاكم بحقه ثم ماتوا حكم بشهادتهم إذا ثبتت عدالتهم وإذا علم الحاكم بشاهد الزور وعزره وطاف به في المواضع التي يشتهر فيها.
__________
للقاضي فسق الشهود وذلك موجود والكفر لا يخفى غالبا والأول أولى لأنهما لم يعترفا ببطلان شهادتهما لكن تبين فقد شرط الحكم فوجب أن يقضي بنقضه كما لو تبين أنه حكم بالقياس وهو مخالف للنص وإن ظهروا عبيدا أو ولدا أو والدا أو عدوا فإن كان الذي حكم يرى الحكم به لم ينقض لأنه لم يخالف نصا ولا إجماعا وإلا نقض.
فرع: إذا جلد الإمام إنسانا ببينة قامت عنده ثم بان فسقهم أو كفرهم أو أنهم عبيد ضمن الإمام ما حصل بسبب الضرب كما لو قطع أو قتل وهو قول الشافعي وقال مالك يضمن في الكفر والرق وقال أبو حنيفة لا ضمان عليه.
"وإن شهدوا عند الحاكم بحقه ثم ماتوا حكم بشهادتهم" لأن الموت لا يؤثر في الشهادة ولا يدل على الكذب فيها ولا يحتمل أن يكون موجودا حال أداء الشهادة بخلاف الفسق فإنه يحتمل ذلك وكذا إن جنوا "إذا ثبتت عدالتهم" لحصول الثقة للحاكم بقول الشاهد وذلك موجود مع الموت كالحياة.
"وإذا علم الحاكم بشاهد الزور" بإقراره أو علم كذبه وتعمده وفي الكافي يثبت بأحد أمور ثلاثة أن يقر بذلك أو تقوم البينة به أو يشهد بما يقطع بكذبه "وعزره" في قول أكثر العلماء ورواه سعيد عن عمر ولم يعرف له مخالف ولأنه قول محرم يضر به الناس أشبه النسب والقذف ولأن في ذلك زجرا له ولغيره عن ارتكاب مثل فعله وظاهره ولو تاب وهو وجه ذكره القاضي في خلافه والثاني: لا تعزير وهما في كل تائب بعد وجوب التعزير وتعزيره بما يراه الحاكم نقله حنبل ما لم يخالف نصا وفي المغني أو معنى نص قال ابن عقيل: وغيره وإن يجمع بين عقوبات إن لم يرتدع إلا به وقال في الشرح لا يزيد على عشر جلدات ونقل مهنا كراهة تسويد الوجه "وطاف به في المواضع التي يشتهر فيها" ليشتهر أمره فيجتنب(10/213)
فيقال إنا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه ولا تقبل الشهادة إلا بلفظ الشهادة فإن قال اعلم أو أحق لم يحكم به.
__________
"فيقال: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه" ليحصل إعلام الناس بذلك فإذا تاب قبلت شهادته كسائر التائبين ولا يعزر بتعارض البينة ولا بغلطه في شهادته أو رجوعه ذكره في المغني لأن التعارض لا يعلم به كذب إحدى البينتين بعينها والغلط قد يعرض للصادق العدل ولا يتعمده فعفي عنه وكذا إذا ظهر فسقه لأن الفسق لا يمنع الصدق وفي الترغيب إن ادعى شهود القود الخطأ عزروا "ولا تقبل الشهادة إلا بلفظ الشهادة" ذكره في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع قال في الشرح ولا أعلم فيه خلافا لأن الشهادة مصدر فلا بد من الإتيان بفعلها المشتق منها ولأن فيها معنى لا يحصل في غيرها بدليل أنها تستعمل في اللعان ولا يحصل ذلك من غيرها "فإن قال: أعلم أو أحق لم يحكم به" لأن الحكم يعتمد لفظ الشهادة ولم يوجد و الثانية: يقبل اختارها أبو الخطاب والشيخ تقي الدين قال ولا نعلم عن صحابي ولا تابعي لفظ الشهادة وقال علي بن المديني أقول إن العشرة في الجنة ولا أشهد فقال له أحمد متى قلت: فقد شهدت ونقل الميموني عنه أنه قال وهل معنى القول والشهادة إلا واحد ونقل أبو طالب عنه أنه قال العلم شهادة.
فرع: لا يلزمه أن يشهد أن الدين باق في ذمته إلى الآن بل يحكم الحاكم باستصحاب الحال والله أعلم(10/214)
باب اليمين في الدعاوى
__________
باب اليمين في الدعاوى
اليمين تقطع الخصومة في الحال ولا تسقط الحق وتصح يمين كل مكلف مختار توجهت عليه دعوى صحيحة فيما يصح بذله ومن أنكر بلوغه بعد إقراره أو ادعاه لتسع سنين صدق بلا يمين فإذا بلغ حلف وقيل: إن ادعاه بالسن احتاج بينة فلا يحلفه ولا يحلف وصي على نفي الدين على الموصي قال ابن(10/214)
وهي مشروعة في حق المنكر في كل حق لآدمي قال أبو بكر إلا في النكاح والطلاق وقال أبو الخطاب: إلا في تسعة أشياء النكاح والطلاق والرجعة والرق والولاء والاستيلاد والنسب والقذف،
__________
حمدان على نفي لزومه من التركة إلى المدعي ولا شاهد على صدقه إلا المرضعة ولا حاكم على حكمه أو نفيه أو عدله أو نفي جوره وظلمه ولو معزولا ولا المدعي إذا طلب يمين خصمه فقال ليحلف أنه ما أحلفني وقيل: بل يحلف المدعي أنه لم يحلفه فإن أبى حلف المدعي عليه يمين الرد ولا المدعى عليه إذا قال المدعي ليحلف أنه ما أحلفني ولا من حكم له بشيء فقال خصمه إنه لا يستحقه وإن ادعى الوصي أن الميت وصى للفقراء بشيء فأنكره الورثة ونكلوا عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا أو يقروا وقيل: يحكم بذلك ولا يحلف الوصي وإن رأى الحاكم في دفتره دينا على رجل لميت لا وارث له ولم يحلف حبس حتى يحلف أو يقر ولا يحلف الحاكم في الأصح.
"وهي مشروعة في حق المنكر في كل حق لآدمي" في رواية اختارها المؤلف وجزم بها محمد الجوزي وقدم ابن رزين وذكر في الشرح أنها أولى لقوله عليه السلام: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه" فجعل اليمين على المدعى عليه بعد ذكر الدماء وذلك ظاهر في أن الدعوى بالدم تشرع فيها اليمين وسائر الحقوق إما مثله أو دونه فوجب مشروعية اليمين في ذلك كله لعموم الأخبار ولأنها دعوى صحيحة في حق آدمي كدعوى المال.
وظاهر المذهب: أنها تشرع في كل حق آدمي غير العشرة المستثناة وسيأتي ولأنه إما مال أو ما يقصد منه المال ولا خلاف بين العلماء في مشروعية اليمين في ذلك إذا لم تكن للمدعي بينة "قال أبو بكر: إلا في النكاح والطلاق" فإنه لا يستحلف فيهما قال وهو الغالب على قول أبي عبد الله لأن أمرهما أشد ولا يدخلها البدل "وقال أبو الخطاب: إلا في تسعة أشياء: النكاح والطلاق والرجعة والرق والولاء والاستيلاد والنسب والقذف،(10/215)
والقصاص وقال القاضي في الطلاق والقصاص والقذف روايتان وسائر الستة لا يستحلف فيها رواية واحدة وقال الخرقي لا يحلف في القصاص ولا في المرأة إذا أنكرت النكاح وتحلف إذا ادعت انقضاء عدتها
__________
والقصاص" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز والآدمي وزادوا الإيلاء لأن ذلك لا يثبت إلا بشاهدين فلا تشرع فيها اليمين كالحدود "وقال القاضي: في الطلاق والقصاص والقذف روايتان" لأنه بالنظر إلى تأكدها ينبغي ألا تشرع اليمين فيها وبالنظر إلى أنها حق آدمي فتشرع فيها "وسائر الستة" أي: جميعها "لا يستحلف فيها رواية واحدة" لتأكدها وعدم مساواة غيرها لها وعنه: يستحلف إلا في طلاق وإيلاء وقود قذف.
وعنه: يستحلف فيما يقضى فيه بالنكول وفي الجامع الصغير ما لا يجوز بذله وهو ما ثبت بشاهدين لا يستحلف فيه وفسر القاضي الاستيلاد بأن يدعي استيلاد أمة فينكره وقال الشيخ تقي الدين هي المدعية وذكر القاضي والسامري أن الوصية إليه والوكالة لا يستحلف فيهما وقال ابن أبي موسى: لا يستحلف في إيلاء ولا فيه قال السامري لأنهما من حقوق الله تعالى لأن حكمهما وجوب الكفارة إذا ادعيا على الرجل فإن ادعاهما الرجل فلا يمين على المرأة لأنه إقرار على نفسه لا دعوى على غيره.
"وقال الخرقي: لا يحلف في القصاص" لأنه يدرأ بالشبهة "ولا في المرأة إذا أنكرت النكاح" لأنه لا يصح بدلها "وتحلف إذا ادعت انقضاء عدتها" لما فيه من الاحتياط لبضعها وإذا أحلفناه في ذلك قضينا فيه بالنكول إلا في قود النفس خاصة قال أحمد: في رواية الكوسج في رجل ادعى على آخر أنه قذفه فأنكر يحلف له فإن نكل أقيم عليه قال أبو بكر هذا قول قديم والمذهب خلافة وعنه: لا يقضى بالقود فيما دون النفس قال أبن حمدان: وهي أصح وعنه: لا يقضى بالنكول إلا في الأموال خاصة قدمه في الكافي ومتى لم يثبت القود بنكوله فهل يلزم الناكل الدية على روايتين نص عليهما في القسامة وكل ناكل قلنا: لا يقضى عليه فهل يخلى سبيله أو يحبس(10/216)
وإذا أنكر المولي: مضي الأربعة الأشهر حلف وإذا أقام العبد شاهدا بعتقه حلف معه ولا يستحلف في حقوق الله تعالى كالحدود والعبادات ونحوها ويجوز الحكم في المال وما يقصد به المال بشاهد ويمين المدعي ولا تقبل فيه شهادة امرأتين ويمين ويحتمل أن تقبل.
__________
حتى يقر أو يحلف على وجهين أصلهما إذا نكلت الزوجة عن اللعان وفي رد اليمين خلاف سبق فإن قلنا: برد اليمين فتعذر ردها قضي بالنكول على الأصح وقيل: بل يحلف ولي صغير ومجنون وقيل: إن باشر ما أدعاه.
وقيل: بل يحلفا إذا زال المانع ولا يقضى بالنكول قبل ذلك "وإذا أنكر المؤلي مضى الأربعة الأشهر حلف" لأنه إذا لم يحلف أدى ذلك إلى تضرر المرأة وهو منتف شرعا "وإذا أقام العبد شاهدا بعتقه حلف معه" لأن عتقه نقل ملك أشبه البيع "ولا يستحلف في حقوق الله تعالى كالحدود والعبادات" أما الحدود فلا نعلم فيها خلافا لأنه لو أقر ثم رجع عن إقراره قبل منه من غير يمين وخلي فلئن لا يستحلف مع الإقرار أولى
وأما الحقوق المالية كدعوى الساعي على الزكاة على رب المال فقال أحمد: القول قول رب المال بغير يمين كالحدود وكالصلاة وكذا لو ادعى عليه كفارة يمين أو ظهار أو نذر أو صدقة قبل قوله في نفي ذلك بغير يمين لأن لا حق للمدعي فيه ولا ولاية له عليه كما لو ادعى عليه حقا بغير إذنه ولا ولاية له عليه فإن تضمنت دعواه حقا له مثل أن يدعي سرقة ماله أو الزنى بجاريته ليأخذ مهرها سمعت دعواه وتجب اليمين مع الإنكار وعدم البينة ويقضي بالنكول في المغرم.
"ويجوز الحكم في المال وما يقصد به المال بشاهد ويمين المدعي" تقدم في باب المشهود به "ولا تقبل فيه" وما "شهادة امرأتين ويمين" قدمه في المحرر والرعاية ونصره في الشرح لأن شهادة النساء ناقصة وإنما انجبرت بانضمام الذكر إليهن ويحتمل أن تقبل هذا وجه لأن المرأتين في المال تقومان مقام رجل ويبطل ذلك بشهادة أربع نسوة فإنه لا يقبل إجماعا.(10/217)
ولا يقبل في النكاح والرجعة وسائر ما لا يستحلف فيه شاهد ويمين المدعي ومن حلف على فعل نفسه أو دعوى عليه حلف على البت وإن حلف على النفي حلف على نفي علمه ومن حلف على فعل غيره أو دعوى عليه في الإثبات حلف على البت ومن توجهت عليه يمين لجماعة فقال احلف لهم يمينا واحدة فرضوا جاز.
__________
"ولا يقبل في النكاح والرجعة وسائر ما لا يستحلف فيه شاهد ويمين المدعي" وقد سبق ذكر ذلك "ومن حلف على فعل نفسه" مثل أن يدعي مائة على شخص ويقيم شاهدا ويريد أن يحلف معه "أو دعوى عليه" مثل أن يدعي عليه مائة فيقول ما يستحق علي شيئا "حلف على البت" ذكره معظم الأصحاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم استحلف رجلا فقال: "قل والله الذي لا إله إلا هو ما له عليك حق" . "وإن حلف على النفي حلف على نفي علمه" وفي المحرر والوجيز والفروع يحلف في إثبات ونفي على البت إلا لنفي فعل غيره ونقل الجماعة أو نفي دعوى على غيره فيكفيه نفي العلم "ومن حلف على فعل غيره" مثل أن يدعي أن غيره غصبه ثوبه "أو دعوى عليه في الإثبات حلف على البت" اختاره ابن أبي موسى وقدمه في الرعاية ونصره في الشرح لحديث الحضرمي ولكن أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي غصبنيها أبوه رواه أبو داود ولأنه لا يمكنه الإحاطة بفعل غيره بخلاف فعل نفسه وكالشهادة فإنها تكون بالقطع فيما يمكن القطع فيه من العقود وعلى الظن فيما لا يمكن في القطع من الأملاك والأنساب وعلى نفي العلم فيما لا يمكن الإحاطة بانتفائه كالشهادة على أنه لا وارث له إلا فلان وفلان وعنه: يمين النفي على نفي العلم في كل شيء وعنه: وغيرها على العلم اختاره أبو بكر واحتج بالخبر الذي ذكره احمد عن الشيباني عن القاسم ابن عبد الرحمن مرفوعا: "لا تضطروا الناس في أيمانهم أن يحلفوا على مالا يعلمون" وفي مختصر ابن رزين يمينه بت على فعله ونفي على فعل غيره.
وعبده كأجنبي في حلفه على البت وأما بهيمته فما ينسب إلى تفريط وتقصير فعلى البت إلا فعلى نفي العلم ذكره في الرعاية والفروع "ومن توجهت عليه يمين لجماعة فقال: أحلف لهم يمينا واحدة فرضوا جاز" ذكره(10/218)
وإن أبوا حلف لكل واحد يمينا.
فصل
واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى اسمه وإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان جاز.
__________
أكثر الأصحاب لأن الحق لهم ولا يلزم أن يكون لكل واحد بعض اليمين كما أن الحقوق إذا قامت بها البينة الواحدة لا يكون لكل حق بعض البينة وقال القاضي: ويحتمل أن لا يصح لأن اليمين حجة في حق الواحد فإذا رضي بها اثنان صارت الحجة في حق كل واحد منهما ناقصة والحجة الناقصة لا تكمل برضى الخصم كما لو رضي أن يحكم بشاهد واحد "وإن أبوا حلف لكل واحد يمينا" بغير خلاف نعلمه لأنه منكر لكل واحد منهم وحكى الأصطخري أن إسماعيل بن إسحاق القاضي حلف رجلا بحق لرجلين يمينا واحدة فخطأه أهل عصره.
فرع: إذا توكل لجماعة في دعوى واحدة في حقوق صح دعواه بالكل دفعة واحدة وهل تكفي يمين للكل أو أيمان فيه وجهان ومن ادعى على زيد شيئا بدعاوى في مجلس واحد فلكل دعوى يمين وقيل: وضده وإن ادعى الكل دعوى واحدة فيمين واحدة.
وإن ادعى رب الماشية أنه كان باعها في حولها ثم اشتراها أو أخرج الفرض إلى ساع آخر فهل يحلف وجوبا أو استحبابا على وجهين فإن وجب فنكل حكم عليه بالحق فإن تبين فلا وكذا الجراح.
فصل
"واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى اسمه" لقوله تعالى :{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعام:109]، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:6]، والأخبار وهذا قول عامة العلماء "وإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان جاز" ولم يستحب ذكره في المحرر والمستوعب،(10/219)
ففي اللفظ يقول: والله الذي لا إله غيره عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور واليهودي يقول: والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر ونجاه من فرعون وملئه والنصراني يقول: والله الذي انزل الإنجيل على عيسى وجعله يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص.
__________
والوجيز لأنه أردع للمنكر وقيل: يكره قدمه في الرعاية في غير لعان وقسامة.
وعنه: لا يجوز ذكرها في التبصرة اختاره أبو بكر والحلواني لعدم وروده ونصر القاضي وأبو الخطاب قال وأومأ إليه أحمد أنها تغلظ لأنها حجة أحدهما فوجب موضع الدعوى كالبينة.
وعنه: يستحب وذكره الخرقي في أهل الذمة "ففي اللفظ يقول: والله الذي لا إله غيره عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور".
الطالب اسم فاعل من طلب الشيء أي قصده والغالب اسم فاعل من غلب يغلب بمعنى قهر والضار النافع من الأسماء الحسنى أي هو قادر على ضر من شاء ونفع من شاء
وخائنة الأعين فسر بأنه يضمر في نفسه شيئا ويكف لسانه ويومئ بعينه فإذا ظهر ذلك سميت خائنة الأعين ولم يذكر الحلف بالمصحف.
قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا أوجب اليمين على المصحف وقال الشافعي: رايتهم يؤكدون اليمين بالمصحف ورأيت ابن مازن قاضي صنعاء يغلظ اليمين به قال أصحابه فيغلظ عليهم بإحضار المصحف قال ابن المنذر: لا تترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم لفعل ابن مازن ولا غيره "واليهودي يقول: والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وأنجاه من فرعون وملئه" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود: "نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى" رواه أبو داود "والنصراني يقول: والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعله يحيى الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص" لأنه(10/220)
والمجوسي يقول: والله الذي خلقني ورزقني وصورني والزمان يحلفه بعد العصر أو بين الأذانين والمكان يحلفه بمكة بين الركن والمقام وفي الصخرة ببيت المقدس وفي سائر البلدان عند المنبر ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر كالجنايات،
__________
لفظ تتأكد به يمينه أشبه اليهودي وظاهره أنها تغلظ في حق كل نصراني بذلك وفيه إشكال لأن منهم من لا يعتقد أن عيسى رسول الله وإنما يعتقدونه ابنا لله تعالى الله عن ذلك فتغليظ اليمين بما ذكر يؤدي إلى خروج اليمين عن أن تكون يمينا فضلا عن أن تكون مغلظة "والمجوسي يقول: والله الذي خلقني ورزقني وصورني" لأنه يعظم خالقه ورازقه أشبه كلمة التوحيد عند المسلم.
وذكر ابن أبي موسى: أنه يحلف مع ذلك بما يعظمه من الأنوار وغيرها والوثني كالمجوسي قدمه في الرعاية وغيرها وذكر في الشرح وهو الأشهر أنه يحلف هو ومن يعبد غير الله بالله وحده "والزمان يحلفه بعد العصر" لقوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة:106]، قيل: المراد صلاة العصر "أو بين الأذانين" أي: بين الأذان والإقامة لأنه وقت ترجى فيه إجابة الدعاء فترجى فيه معالجة الكاذب "والمكان يحلفه بمكة بين الركن والمقام" لأنه مقام شريف زائد على غيره في الفضيلة "وفي الصخرة ببيت المقدس" وقد ورد في سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هي من الجنة" "وفي سائر البلدان" كمدينة النبي صلى الله عليه وسلم "عند المنبر" قياسا على الخبر الوارد في منبر النبي صلى الله عليه وسلم رواه مالك والشافعي وأحمد من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على منبري هذا بيمين آثمة فليتبوأ مقعده من النار" وفي الواضح: هل يرقى متلاعنان المنبر الجواز وعدمه وقيل: إن قل الناس لم يجز الصعود وذكر أبو الفرج يرقيانه وفي الانتصار قيامه عليه لأنه أبلغ "ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها" لأن اليمين تغلظ في حقهم زمانا فكذا مكانا قال الشعبي لنصراني اذهب إلى البيعة قال كعب بن سور في نصراني: اذهبوا به إلى المذبح "ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر كالجنايات(10/221)
والعتاق والطلاق وما تجب فيه الزكاة من المال وقيل: ما يقطع به السارق وإن رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان مصيبا.
__________
والعتاق والطلاق وما تجب فيه الزكاة من المال" قدمه السامري وجزم به في الكافي وغيره لأن التغليظ للتأكيد وما لا خطر فيه لا يحتاج إلى تأكيد "وقيل: ما يقطع به السارق" لأن قطعه يدل على الاهتمام به والتأكيد يناسبه وقال ابن حزم وتغلظ في القليل والكثير "وإن رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان مصيبا" لموافقته مطلق النص وقال في المستوعب جاز ولم يكن تاركا للسنة وترك التغليظ أولى اختاره المؤلف ونصره لظواهر النصوص إلا في موضع ورد الشرع به وصح لتحليف النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بقوله: "نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو" ومن بذل اليمين دون التغليظ لم يكن ناكلا جزم به في المحرر والفروع وعلم مما سبق أنه لا يحلف بطلاق ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا وابن عبد البر إجماعا وفي الأحكام السلطانية للوالي إحلاف المتهم بطلاق وعتق وصدقة استبراء وتغليظا في حق الله تعالى وحق أدمي.
فرع: إذا ادعى حقا على معسر عاجز عنه وعن بعضه لم يجز أن يحلف أنه لا يستحق عليه شيئا ولو نوى الساعة نقله الجماعة وسواء خاف حبسا أولا وجوزه صاحب الرعاية بالنية وهو قول الكرابيسي وأبي ثور قال في الفروع: وهو متجه فإن علم صاحب الحق بعسرته لزمه إنظاره قال في المستوعب: ولا يحل لمن عليه حق وهو قادر عليه منعه إذا التمسه من يستحق المطالبة به.
مسائل
الأولى: إذا ادعى جماعة مالا لهم بشاهد أو أقام الورثة شاهدا بدين للميت وغيره وحلفوا استحقوا ومن نكل عنها لم يأخذ شيئا وإذا مات لم يحلف ورثته وإن مات ولم ينكل حلفوا ولو كان في الورثة غائب فحضر أو مجنون فأفاق حلف وأخذ حقه ولا يحتاج إلى إعادة الشهادة وقيل: إن كان المحلف دارا فحلف أحدهم اشتركوا فيما أخذه فلو وصى لاثنين مع شاهد والآخر مجنون أو غائب ثم زال المانع أعيدت(10/222)
كتاب الإقرار
كتاب الإقرار
...
كتاب الإقرار
__________
الشهادة مع يمينه ولا تجزئ يمين قبل الشهادة والتزكية.
الثانية: إذا كان لميت دين بشاهد وعليه دين فلم يحلف الوارث مع الشاهد فهل للغريم أن يحلف قال أبن حمدان: يحتمل وجهين والأصح إن قلنا: التركة للوارث وتوفي من حيث شاء لم يحلف الغريم وإن قلنا: لا تنتقل التركة إليه قبل الوفاء حلف الغريم أني أستحق من ديني على الميت أو أن عليه دين كذا.
الثالثة: إذا ادعى الإمام أو نائبه حقا لبيت المال وادعى وكيل الفقراء حقا لهم من وصية ونحوها أو ادعى ناظر وقف أو قيم مسجد حقا له فأنكرهما المدعى عليه ولم يحلف قضي عليه بالنكول وأخذ منه المدعى به وقيل: يحبس حتى يقر أو يحلف وقيل: بل يحلف المدعي ويأخذ ما ادعاه.
وقال أبن حمدان: ولا يحلف إمام ولا حاكم وإن قلنا: بحلف أحدهم فأقام شاهدا بما ادعاه حلف لإتمام البينة.
كتاب الإقرار
الإقرار: الاعتراف وهو إظهار الحق لفظا وقيل: تصديق المدعى حقيقة أو تقديرا وشرعا إظهار المكلف الرشيد المختار ما عليه لفظا أو كتابة في الأقيس أو إشارة أو على موكله أو موروثه أو موليه بما يمكن صدقه فيه وليس بإنشاء.
وهو ثابت بالإجماع وسنده قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} الآية [آل عمران:81]، {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة:102]، و {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172].
ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا و الغامدية به وقال لأنيس: "اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ولأنه إخبار على وجه تنتفي عنه التهمة والريبة ولهذا كان آكد من الشهادة فإن المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة وإن(10/223)
يصح الإقرار من كل مكلف مختار غير محجور عليه فأما الصبي والمجنون فلا يصح إقرارهما إلا أن يكون الصبي مأذونا له في البيع والشراء فيصح إقراره في قدر ما أذن له دون ما زاد.
__________
كذب المدعي بينته لم تسمع فلو كذب المقر ثم صدقه سمع "يصح الإقرار من كل مكلف مختار غير محجور عليه" كذا في الوجيز أي يصح بما يتصور منه التزامه كحق آدمي وحق لله تعالى لا يسقط بالشبهة كزكاة وكفارة بشرط كونه بيده وولايته واختصاصه لا معلوما ولا ما هو في ملكه حين الإقرار به على الأشهر ولا ما يستحيل منه ولا لمن لا يصح أن يثبت ذلك له بحال وإما إقراره على ما في يد غيره وتصرفه شرعا فدعوى أو شهادة فإذا صارت بيده وتصرفه شرعا لزمه حكم إقراره ويصح مع إضافة الملك إليه كداري على الأصح.
"فأما الصبي والمجنون فلا يصح إقرارهما" لقوله عليه السلام: "رفع القلم عن ثلاث" الخبر وكذا حكم المبرسم والمغمى عليه بغير خلاف نعمله ولأنه التزام حق بالقول فلم يصح منهم كالبيع وهذا إذا كان الجنون مطبقا فإن كان غير مطبق فيصح إقراره في إفاقته "إلا أن يكون الصبي مأذونا له في البيع والشراء فيصح إقراره في قدر ما أذن له فيه" كالبالغ نص عليه في رواية مهنا ذكره في المستوعب والمحرر وصححه في الكافي وقدمه في الفروع كعبد قبل حجر سيده عليه وذكره في الرعاية وزاد مع اختلاف الدين واتفاقه وقيل: يصح في الشيء اليسير ومنع في الانتصار عدم صحته ثم سلم لعدم مصلحته فيه وكذا الدعوى وإقامة البينة والتحليف ونحوه وأطلق في الروضة صحة إقرار مميز وقال ابن عقيل: في إقراره روايتان إحداهما يصح إذا أقر في قدر إذنه.
و الثانية: لا يصح حتى يبلغ لعموم الخبر وكالطفل وحملها القاضي على غير المأذون قال الأزجي هو حمل بلا دليل دون ما زاد لأن مقتضى الدليل عدم صحة إقراره ترك العمل به فيما أذن له فيه فيبقى ما عداه على مقتضاه.
تنبيه: إذا أقر من شك في بلوغه فأنكره صدق بلا يمين قاله الشيخان(10/224)
وكذلك العبد المأذون له في التجارة ولا يصح إقرار السكران ويتخرج صحته بناء على طلاقه ولا يصح إقرار المكره إلا أن يقر بغير ما أكره عليه مثل أن يكره على الإقرار لإنسان فيقر
__________
لحكمنا بعدم يمينه أي بعدم يمين الصبي ولو ادعاه بالسن قبل ببينة وفي الترغيب يصدق صبي ادعى البلوغ بلا يمين وإن قال: أنا صبي لم يحلف وينتظر بلوغه وفي عيون المسائل يصدق في سن يبلغ في مثله وهو تسع سنين ويلزمه بهذا البلوغ ما أقر به قال وعلى قياسه الجارية فإن ادعى أنه أنبت بعلاج أو دواء لا بالبلوغ لم يقبل ذكره المؤلف في فتاويه.
أما لو قال بعد البلوغ لم أكن بالغا وقت الإقرار قبل قوله مع يمينه جزم به في المغني والشرح لأن الأصل الصغر و الثاني: لا يقبل لتعلق الحق بذمته ظاهرا ولو ادعى أنه كان زائل العقل لم يقبل إلا ببينة لأن الأصل السلامة وذكر الأزجي يقبل إذا كان عهد منه جنون في بعض أوقاته قال في الفروع ويتوجه قبوله ممن غلب عليه.
"وكذلك العبد المأذون له في التجارة" قياسا عليه بل هذا أولى لأنه مكلف ولا يحبس به وفي الموجز والتبصرة يصح بعد حجر سيده نقل ابن منصور إذا أذن لعبده فأقر جاز وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن فأقر به صح ذكره الأزجي وصاحب الترغيب وغيرهما "ولا يصح أقرار السكران" أي: في حال غير إفاقته نصره في الشرح وجزم به في الوجيز وغيره لأنه غير عاقل فلم يصح منه كالمجنون ولأنه لا يوثق بصحة قوله: "أو يتخرج صحته بناء على إطلاقه" لأن أفعاله تجري مجرى أفعال الصاحي وقال في الكافي السكران بمعصية حكم إقراره حكم طلاقه.
قال في الشرح: أما من زال عقله بسبب مباح فلا يصح إقراره بغير خلاف "ولا يصح إقرار المكره" لقوله عليه السلام: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح منه كالبيع فعلى هذا تحرم الشهادة عليه وكتب حجة قاله في النكت " إلا أن يقر بغير ما أكره عليه مثل أن يكره على الإقرار لإنسان فيقر(10/225)
لغيره أو على الإقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق غيرها أو على الإقرار بدنانير فيقر بدارهم فيصح وإن أكره على وزن ثمره فباع داره في ذلك صح وأما المريض مرض الموت المخوف فيصح إقراره بغير المال وإن أقر بمال لمن لا يرثه صح في أصح الروايتين.
__________
لغيره أو على الإقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق غيرها أو على الإقرار بدنانير فيقر بدراهم فيصح" إقراره لأنه أقر بما لم يكره عليه فصح منه كما لو أقر به ابتداء وذكر في الرعاية أنه إذا أكره أن يقر بألف فأقر ببعضها لم يصح فإن ادعى أنه كان مكرها لم يقبل منه لأن الأصل السلام لكن إن ثبت أنه كان مقيدا أو محبوسا أو موكلا به أو هدده قادر قبل قوله مع يمينه لأن هذا دلالة الإكراه قال الأزجي لو أقام بينة بأمارة الإكراه استفاد بها أن الظاهر معه فيحلف ويقبل قوله ولم يرتضه في الفروع.
فرع: تقدم بينة الإكراه على الطواعية وقيل: يتعارضان وتبقى الطواعية فلا يقضى بها ولو قال: من ظاهره الإكراه علمت لو لم أقر أيضا أطلقت فلم أكن مكرها لم يصح لأنه ظن منه فلا يعارض يقين الإكراه "وإن أكره على وزن ثمن فباع داره في ذلك صح" وكره شراؤه نص عليه قدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الشرح والوجيز لأنه لم يكره على البيع أشبه مال لو لم يكره أصلا و الثانية: لا يصح لما سبق.
مسألة: إذا أقر بغير حد خالص لله ثم رجع عن إقراره لم يقبل ذكره في الكافي والشرح زاد ولا نعلم في خلافا لأنه حق ثبت لغيره فلم يقبل رجوعه عنه وقدم أبو بكر في التنبيه: أن من أقر بمال أوحد أنه يقبل رجوعه قال السامري: لا يجوز أن يكون هذا مذهبا وليس له وجه وهو مسلم في الأول: لا الثاني: وإن أقر المحجور عليه بمال لم يلزمه في حال حجره تقدم في بابه "وأما المريض مرض الموت المخوف فيصح إقراره بغير المال" لعدم التهمة "وإن أقر بمال لمن لا يرثه صح في أصح الروايتين" كذا صححه في المحرر وفي الكافي أنه ظاهر المذهب ونصره في الشرح لأنه غير متهم في حقه بخلاف الوارث وهذا قول أكثرهم وذكر ابن المنذر أنه(10/226)
وفي الأخرى لا يصح بزيادة على الثلث ولا يحاص المقر له غرماء الصحة وقال أبو الحسن التميمي والقاضي يحاصهم وإن أقر لوارث لم يقبل إلا ببينة.
__________
إجماع من يحفظ عنه فهو كالإقرار في الصحة "والأخرى لا يصح بزيادة على الثلث" لأنه ممنوع من عطية ذلك للأجنبي بخلاف الثلث فما دون.
وعنه: لا يصح مطلقا ذكرها في الكافي والشرح كالإقرار لوارث ولأن حق الورثة تعلق بماله أشبه المفلس "ولا يحاص المقر له غرماء الصحة" قال القاضي: هو قياس المذهب وصححه السامري سواء أخبر بلزومه قبل المرض أو بعده لأنه أقر بعد تعلق الحق بتركته كما لو أقر بعد الفلس "وقال أبو الحسن التميمي والقاضي" وهو ظاهر الخرقي واختاره ابن أبي موسى وهو رواية عن أحمد "يحاصهم" إذا لم يكن في التركة وفاء للجميع لأنهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال فتساويا كدين الصحة وكما لو ثبتا بالبينة.
وعلى الثانية: التي تقول لا تصح بزيادة على الثلث لا يحاص فإن أقر لهما جميعا في المرض تساويا لأنهما تساويا في الحال كغريمي الصحة.
فرع: إذا أقر المريض بعين ثم بدين أو عكسه فرب العين أحق.
وفي الثانية: احتمال في نهاية الأزجي كإقراره بدين فإن أقر بعين لزمه في حقه ولم ينفرد بها المقر له حتى يستوفي الغرماء في الأشهر "وإن أقر لوارث لم يقبل إلا ببينة" نص عليه قال جماعة: أو أجازه بقية الورثة وظاهر نصه لا وهو ظاهر الانتصار والأول: أولى لأنه إيصال المال إلى وارثه بقوله فلم يصح كالهبة والوصية بخلاف ما إذا كان له بينة أو أجاز الوارث لعدم التهمة واختار بعضهم يصح إذا لم يتهم كمن له بنت وابن عم فأقر لابنته لم يقبل وإن أقر لابن عمه قبل.
وجوابه: أن التهمة لا يمكن اعتبارها بنفسها فوجب اعتبارها بمظنتها وهو الإرث
وعنه: يصح مطلقا وقاله الحسن وعطاء وإسحاق لأن من صح الإقرار له في الصحة صح في المرض كالأجنبي.(10/227)
إلا أن يقر لامرأته بمهر مثلها فيصح وإن أقر لوارث وأجنبي فهل يصح في حق الأجنبي؟ على وجهين وإن أقر لوارث فصار عند الموت غير وارث لم يصح إقراره وإن أقر لغير وارث صح وإن صار وارثا صح نص عليه.
__________
وعلى الأول "إلا أن يقر لامرأته بمهر مثلها فيصح" نص عليه بالزوجية لا بإقراره وجزم به في الكافي والشرح والوجيز وقدمه في الفروع لأنه إقرار بما يحقق سببه علم وجوبه ولم تعلم البراءة منه أشبه ما لو اشترى عبدا فأقر للبائع بثمن مثله نقل أبو طالب يكون من الثلث.
وفي التبصرة ونهاية الأزجي والمغني والترغيب: يصح بمهر مثلها فظاهره أنهم جعلوه لها بالإقرار لا بالزوجية وعنه: لا يصح وهو قول الشعبي لما تقدم فلو أقرت أنه لا مهر لها عليه لم يجز إلا أن تقيم بينة أنها أخذته منه نقله مهنا "وإن أقر لوارث وأجنبي" بمال "فهل يصح في حق الأجنبي على وجهين" أحدهما: يصح نصره في الشرح وقدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز كما لو أقر بلفظين والثاني: لا يصح كما لو شهد لابنه وأجنبي بشيء وفرق في الشرح بينهما بأن الإقرار أقوى ولذلك لا تعتبر فيه العدالة وقيل: لا يصح إن عزاه إلى سبب واحد.
فرع: يصح إقراره بأخذ دين صحة ومرض من أجنبي في ظاهر كلامه قاله القاضي وأصحابه وذكر الشريف في رؤوس المسائل إذا أقر المريض باستيفاء ديونه قبل منه.
وفي الرعاية لا يصح بقبض مهر وخلع بل حوالة ومبيع وقرض وإن أطلق فوجهان "وإن أقر لوارث فصار عند الموت غير وارث لم يصح إقراره وإن أقر لغير وارث صح وإن صار وارثا صح نص عليه" نصره في الشرح وقدمه في الكافي وصححه في الفروع لأن العبرة بحال الإقرار لا الموت فيصح في الثانية: لا الأولى للتهمة فيها بخلاف الثانية: كالشهادة ولأنه إذا أقر لغير وارث ثبت الإقرار وصح لوجوده من أهله خاليا عن تهمة فثبت الحق به ولم يوجد مسقط فلا يسقط وإذا أقر لوارث وقع باطلا لاقتران التهمة به فلا ينقلب صحيحا بعد ذلك.(10/228)
وقيل: إن الاعتبار بحال الموت فيصح في الأولى ولا يصح في الثانية: كالوصية وإن أقر لامرأته بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره وإن أقر المريض بوارث صح وعنه: لا يصح وإن أقر بطلاق امرأته في صحته لم يسقط ميراثها.
__________
قال في الفروع ومرادهم والله أعلم بعدم الصحة لا يلزم بطلانه لأنهم قاسوه على الوصية "وقيل: إن الاعتبار بحال الموت فيصح في الأولى ولا يصح في الثانية كالوصية" وهو رواية لأنه معنى يعتبر فيه عدم الميراث فاعتبر فيه حالة الموت كالوصية والفرق ظاهر أن الوصية عطية بعد الموت فاعتبر فيها حالة الموت بخلاف مسألتنا وأطلق في الوجيز الصحة فيهما وهو غريب وكذا الحكم إن أعطاه وهو غير وارث ثم صار وارثا ذكره في الترغيب وغيره "وإن أقر لامرأته بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره" أي: إذا مات في مرضه لأنه إقرار لوارث في مرض الموت أشبه ما لو لم يبنها ولأن الاعتبار إما بحال الإقرار أو بحال الموت والزوجة وارثة في الحالين وفي الرعاية الكبرى لو أقر لها بدين ثم تزوجها ومات بطل إلا أن يجيزه الورثة.
فرع: إذا أقر مريض بهبة أنها صدرت منه في صحته لأجنبي صح لأنه وهب وارثا وفي نهاية الأزجي يصح لأجنبي كإنشائه وفيه لوارث وجهان.
أحدهما: لا يصح كالإنشاء.
والثاني: يصح لأنه لو أخبر عن شيء أو صدق فيه ثبت استحقاق الوارث له فلا بد من القبول وفي الروضة والانتصار لا يصح لوارثه بدين ولا غيره
"وإن أقر المريض بوارث صح" صححه في المحرر والشرح وقدمه في الرعاية والفروع لأنه إقرار لغير وارث فصح كما لو لم يصر وارثا وعنه: لا يصح لأنه حين الموت وارث وكما لو أقر لوارث بمال.
وجوابه: هنا إقرار بمال من طريق الحكم وهناك من طريق الصريح والأصول فرقت بين الإقرارين "وإن أقر بطلاق امرأته في صحته لم يسقط ميراثها" لأنه متهم وكما لو طلقها في مرضه.(10/229)
فصل
وإن أقر العبد بحد أو قصاص أو طلاق صح وأخذ به إلا أن يقر بقصاص في النفس فنص أحمد انه يتبع به بعد العتق وقال أبو الخطاب: يؤخذ به في الحال.
__________
تنبيه: يصح إقرار المريض بإحبال الأمة لأنه يملك ذلك فملك الإقرار به وكذا كل ما ملكه ملك الإقرار به فإذا أقر بذلك ثم مات فإن تبين أنه استولدها في ملكه فولده حر الأصل وأمه أم ولد تعتق بموته من رأس المال وإن قال من نكاح أو وطء شبهة عتق الولد ولم تصر أم ولد له فإن كان من نكاح فعليه الولاء لأنه مسه رق وإن كان من وطء شبهة لم تصر أم ولد وإن لم يبين السبب فالأصل الرق.
ويحتمل أن تصير أم ولد لأن الظاهر استيلادها في ملكه ولا ولاء على الولد لأن الأصل عدمه فإن كان له وارث قام مقامه في بيان كيفية استيلادها.
فصل
"وإن أقر العبد بحد أو قصاص أو طلاق صح" ذكره الأصحاب لأن ذلك يستوفى من بدنه وذلك له دون سيده لأن السيد لا يملك منه إلا المال ولقوله عليه السلام: "الطلاق لمن أخذ بالساق" ومن ملك الإنشاء ملك الإقرار به "وأخذ به" في الحال لأن من صح إقراره أخذ به كالحد وكسفيه ومفلس وسواء أبق أم لا "إلا أن يقر بقصاص في النفس فنص أحمد أنه يتبع به بعد العتق" قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز وقاله زفر والمزني لأنه يسقط حق السيد به أشبه الإقرار بقتل الخطأ ولأنه متهم في أنه يقر لمن يعفو على المال فيستحق رقبته ليتخلص من سيده وحينئذ يكون طلب الدعوى منه ومن سيده جميعا "وقال أبو الخطاب" وابن عقيل وهو ظاهر الخرقي "يؤخذ به في الحال" كالأطراف ولأن إقرار مولاه عليه به لا يصح فلو لم يقبل إقراره لتعطل.
وعلى هذا يطلبها منه فقط وليس للمقر له بالقود العفو على رقبته أو مال.(10/230)
وإن أقر السيد عليه بذلك لم يقبل إلا فيما يوجب القصاص فيقبل فيما يجب به من المال وإن أقر العبد غير المأذون له بمال لم يقبل في الحال ويتبع به بعد العتق وعنه: يتعلق برقبته وإن أقر السيد عليه بمال أو بما يوجبه كجناية الخطأ قبل وإن أقر العبد بسرقة مال في يده وكذبه السيد قبل إقراره في القطع دون المال.
__________
وقيل: لا يصح إقراره بقود في النفس فما دونها وقيل: في إقراره بالعقوبات روايتان بالنقل والتخريج ونصه أنه يصح في غير قتل "وإن أقر السيد عليه بذلك لم يقبل" ذكره في المستوعب والمحرر والرعاية وجزم به في الوجيز لأنه لا يملك منه إلا المال وقيل: إن أقر عليه بما يوجب القود وجب المال دون القود لأن المال يتعلق برقبته وهي مال للسيد فصح إقراره به كجناية الخطإ اقتصر عليه في الكافي "إلا فيما يوجب القصاص" فيقبل "فيما يجب به المال" لأن المال للسيد واقتضى ذلك أنه لا يقبل في القصاص لأن البدن للعبد لا للسيد. "وإن أقر العبد غير المأذون له بمال" أو بما يوجبه أو مأذون له بما لا يتعلق بالتجارة كقرض وجناية "لم يقبل في الحال" لأنه إقرار من محجور عليه في حق غيره "ويتبع به بعد العتق" نص عليه عملا بإقراره على نفسه كالمفلس "وعنه: يتعلق برقبته" اختاره الخرقي وغيره كجنايته والأول: أصح والفرق بينهما أن الجناية فعل وفعل المحجور عليه معتبر وما صح إقرار العبد فيه فهو الخصم فيه وإلا فسيده "وإن أقر السيد عليه بمال أو بما يوجبه كجناية الخطأ قبل" لأن المال حقه فإذا أقر به وجب قبوله كسائر ماله وفي الكافي إن أقر بقود وجب المال ويفدي السيد ما يتعلق بالرقبة لو ثبت ببينة.
فائدة: المدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن.
فرع: إذا أقر مكاتب بجناية تعلقت بذمته ورقبته وقيل: لا يتعلق إلا بذمته كالمأذون وقال السامري: إن أقر مكاتب بجناية خطأ لزمته فإن عجز تعلقت برقبته ولا يتعلق ذلك بالسيد رواية واحدة قاله القاضي "وإن أقر العبد بسرقة مال في يده وكذبه السيد قبل إقراره في القطع دون المال" .(10/231)
وإن أقر السيد لعبده أو العبد لسيده بمال لم يصح وإن أقر أنه باع عبده من نفسه بألف وأقر العبد به ثبت المال وإن أنكر عتق ولم يلزمه الآلف وأن أقر لعبد غيره بمال صح وكان لمالكه وإن أقر لبهيمة لم يصح.
__________
لأن القطع حق له فقبل كما لو أقر بقصاص في طرف وأما المال فهو حق للسيد فلم يقبل إقرار العبد به كما لو أقر العبد بمال في يده وقيل: لا يقطع لأن ذلك شبهة وعلى الأول المنصوص أنه لا يقطع حتى يعتق ويتبع بالمال بعد العتق ذكره في المحرر والرعاية وعنه: يتعلق برقبته فيفديه سيده أو يسلمه به لعدم التهمة "وإن أقر السيد لعبده أو لعبد" غير مكاتب "لسيده لم يصح" لأن مال العبد لسيده وقيل: يصح إقرارهما بما بيدهما إن قلنا: العبد يملك.
فرع: إذا أقر عبد برقه لغير من هو بيد ه لم يقبل وإن أقر السيد بذلك قبل لأنه في يد السيد لا في يد نفسه "وإن أقر أنه باع عبده من نفسه بألف وأقر العبد به ثبت" لاتفاقهما عليه وتكون كالكتابة "وإن أنكر عتق" لأنه أقر العبد بحريته "ولم تلزمه الألف" لأنه مدع لها ويحلف العبد على الأشهر وإن ادعى أنه باعه أجنبيا فأعتقه فأنكره عتق على سيده وحلف المنكر على الثمن "وإن أقر لعبد غيره بمال صح ويكون لمالكه" لأن السيد هو الجهة التي يصح بها الإقرار فتعين جعل المال له فكان الإقرار لسيده وحينئذ يلزمه بتصديقه ويبطل برده لأن يد العبد كيد سيده "وإن أقر لبهيمة لم يصح" في ظاهر المذهب لأنها لا تملك ولا لها أهلية الملك وقيل: يصح كقوله بسببها زاد في المغني وغيره يدفع لمالكها كالإقرار لعبده فيعتبر تصديقه قال في الشرح: وإن قال علي بسبب هذه البهيمة لم يكن إقرارا لأحد لأن من شرطه لصحة الإقرار ذكر المقر له به وإن قال لمالكها أو لزيد علي بسببها ألف صح
وفي الفروع لو قال لمالكها علي بسبب حملها فإن انفصل وادعى أنه بسببه صح وإلا فلا.
فرع: لا يصح الإقرار لدار إلا مع السبب وإن أقر لمسجد أو مقبرة أو(10/232)
وإن تزوج مجهولة النسب فأقرت بالرق لم يقبل إقرارها وعنه: يقبل في نفسها ولا يقبل في فسخ النكاح ورق الأولاد وإن أولدها بعد الإقرار ولدا كان رقيقا وإذا اقر بولد أمته أنه ابنه ثم مات ولم يبين هل أتت به في ملكه أو غيره فهل تصير أم ولد على وجهين.
فصل
وإذا أقر الرجل بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه منه.
__________
طريق ونحوه وذكر سببا صحيحا لعله وقفه صح وإن أطلق فالأشهر صحته "وإن تزوج مجهولة النسب فأقرت بالرق لم يقبل إقرارها" لأن الحرية حق لله فلم ترتفع بقول أحد كالإقرار على حق الغير "وعنه: يقبل في نفسها" صححه في الرعاية وجزم به في الوجيز لانتفاء التهمة كما لو أقرت بمال "ولا يقبل في فسخ النكاح ورق الأولاد" لأن ذلك حق للزوج "وإن أولدها بعد الإقرار ولدا كان رقيقا" لأنه حدث بعد ثبوت رقها "وإذا أقر بولد أمته أنه ابنه ثم مات ولم يتبين هل أتت به في ملكه أو غيره فهل تصير أم ولد على وجهين:" أحدهما: وجزم به في الوجيز أنها لا تصير أم ولد له لاحتمال أنها أتت به ملكه
و الثاني: بلى لأن أقر بولدها وهي في ملكه فالظاهر أنه استولدها في ملكه.
فصل
"وإذا أقر الرجل بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه منه" هذا هو المذهب لأن الظاهر أن الشخص لا يلحق به من ليس منه كما لو أقر بمال ولا بد أن يكون مما يمكن صدقه وأن لا يدفع به نسبا لغيره ولا ينازعه فيه منازع.
وحينئذ يثبت نسبه زاد في المحرر والرعاية والفروع ولو أسقط وارثا معروفا فإذا بلغ أو عقل فأنكر لم يقبل منه لأنه نسب حكم بثبوته،(10/233)
وإن كان ميتا ورثه وإن كان كبيرا عاقلا لم يثبت حتى يصدقه وإن كان ميتا فعلى وجهين ومن ثبت نسبه فجاءت أمه بعد المقر فادعت الزوجية لم يثبت بذلك
__________
فلم يسقط برده كما لو قامت به بينة ولو طلب إخلافه على ذلك لم يستحلف لأن الأب لو عاد فجحد النسب لم يقبل منه.
وقيل: يسقط باتفاقهما على الرجوع عنه كالمال والأول: أصح لأن النسب يحتاط له "وإن كان ميتا ورثه" المقر نصره في الشرح وجزم به في الرعاية والوجيز لأن سبب ثبوته مع الحياة الإقرار وهو موجود هنا وقيل: لا يرثه للتهمة في أخذ ميراثه.
وفي الرعاية إذا مات المقر ورثه المقر به "وإن كان كبيرا عاقلا لم يثبت حتى يصدقه" لأن له قولا صحيحا فاعتبر تصديقه كما لو أقر له بمال وحينئذ إذا صدقه ثبت نسبه ولو كان بعد موت المقر لأن بتصديقه يحصل اتفاقهما على التوارث من الطرفين جميعا "وإن كان ميتا فعلى وجهين" أحدهما: يثبت نسبه وإرثه اختاره القاضي وجزم به في الكافي والوجيز لأنه لا قول له أشبه الصغير والثاني: لا لأن نسب المكلف لا يثبت إلا بتصديقه ولم يوجد.
وأجاب عن هذا بأنه غير مكلف ولا يعتبر في تصديق أحدهما بالآخر تكراره في المنصوص فيشهد الشاهدان بنسبهما بدونه.
فرع: إذا أقر بأب أو زوج أو مولى أعتقه قبل بالشروط السابقة وفي الوسيلة إذا قال غير بالغ هو ابني أو أبي فسكت المدعى عليه ثبت نسبه في ظاهر قوله.
فائدة: قدمت امرأة من بلاد الروم ومعها طفل فأقر به رجل لحقه لوجود الإمكان وعدم المنازع والنسب يحتاط لإثباته ولهذا لو ولدت امرأة رجل وهو غائب عنها بعد عشر سنين أو أكثر من غيبته لحقه وإن لم يعرف له قدوم إليها ولا عرف لها خروج من بلدها "ومن ثبت نسبه فجاءت أمه بعد موت المقر فادعت الزوجية لم يثبت بذلك" لأنه يحتمل أن يكون من وطء(10/234)
وإن اقر بنسب أخ أو عم في حياة أبيه أو جده لم يقبل وإن كان بعد موتهما وهو الوارث وحده صح إقراره وثبت النسب.
__________
شبهة أو نكاح فاسد ويدخل فيه ما إذا أقر بنسب صغير لم يكن مقرا بزوجية أمه وكذا دعوى أخته البنوة ذكره في التبصرة.
تنبيه: له أمتان لكل واحدة منهما ولد ولا زوج لواحدة منهما ولم يقر بوطئها فقال أحد هذين ابني أخذ بالبيان فإن عين أحدهما ثبت نسبه وحريته ويطالب ببيان الاستيلاد فإن قال استولدتها في ملكي فالولد حر الأصل أمه أم ولد وإن قال من نكاح أو وطء شبهة فالأمة رقيق قن ذكره في الكافي وغيره وترق الأخرى وولدها وإن ادعت الأخرى أنها المستولدة فالقول قوله مع يمينه.
وإن مات قبل البيان قام وارثه مقامه فإن لم يكن له وارث أو لم يتعين الوارث عرض على القافة فألحق بمن ألحقت به القافة وإن لم تكن قافة أو أشكل أقرع بينهما فيعتق أحدهما بالقرعة.
والمذهب أنه يثبت نسبه ويرث ذكره في الكافي والشرح وقدمه في الرعاية وقيل: لا يثبتان لأنه لا مدخل للقرعة في تمييز النسب ولها مدخل في تمييز الرق من الحرية واقتصر عليه السامري ثم ذكر أنه يجعل سهمه في بيت المال لأنا نعلم أن أحدهما يستحق نصيب ولد ولا يعرف عينه فلا تستحقه بقية الورثة فيكون في بيت المال وقال يعتق من كل واحد نصفه ويستسعى في باقيه ولا يرقان.
فرع: إذا باع واشترى ثم أقر بالرق لزيد صح ولم تبطل عقوده الماضية "وإن أقر بنسب أخ أو عم في حياة أبيه أو جده لم يقبل" لأن إقرار الإنسان على غيره غير مقبول "وإن كان بعد موتهما وهو الوارث وحده صح إقراره وثبت النسب" لحديث سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة وهي متفق عليها من حديث عائشة ولأنه الوارث يقوم مقام موروثه في حقوقه وهذا من حقوقه اللهم إلا أن يكون الميت قد نفاه فلا يثبت لأنه يحمل على غيره نسبا حكم(10/235)
وإن كان معه غيره لم يثبت النسب وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر وإن أقر من عليه ولاء بنسب وارث لم يقبل إقراره إلا أن يصدقه مولاه.
__________
بنفيه ويدخل في كلامه ما إذا كان الوارث ابنة واحدة فإنها تحوز المال بالفرض والرد فإن أقرت الزوجة بابن لزوجها الميت زاد في الرعاية من غيرها أو أقر الزوج بابن لها من غيره بعد موتها فصدقهما نائب الإمام ثبت النسب وعلم مما سبق أن المقر إذا كان غير وارث لم يقبل إقراره لأنه لا يقبل إقراره في المال فكذا في النسب "وإن كان معه غيره لم يثبت النسب" لأنه لا يستوفى في حق شريكه فوجب أن لا يثبت في حقه فلو خلف ابنين عاقلا ومجنونا فأقر العاقل بأخ لم يثبت نسبه فإن مات المجنون وله وارث غير أخيه اعتبر وفاقه وإلا كفى إقراره "وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر" أو كله إن كان يسقطه كما تقدم في الفرائض ولو مات المنكر والمقر وارثه ثبت نسب المقر به منهما وقيل: لا يثبت لكن يعطيه الفاضل في يده عن إرثه فلو مات المقر بعد ذلك عن بني عم وكان المقر أخا ورثه دونهم على الأول.
وعلى الثاني: يرثه المقر به ولو مات المقر بنسب ممكن ولم يثبت ولم يخلف وارثا من ذوي سهم ولا رحم ولا مولى سوى المقر به جعل الإقرار كالوصية فيعطى ثلث المال في وجه وفي الآخر جميعه.
وقيل: لا يجعل كالوصية ويكون الإرث لبيت المال "وإن أقر من عليه الولاء بنسب وارث لم يقبل إقراره إلا أن يصدقه مولاه" نص عليه لأن الحق له فلا يقبل إقراره بما يسقطه ويتخرج أن يقبل بدونه اختاره الشيخ تقي الدين ومقتضاه أنه إذا لم يكن عليه ولاء فإنه يقبل إقراره بكل وارث حتى أخ أو عم بشرط إمكانه وتصديقه إن كان مكلفا.
أصل: إذا أقر رجل بحرية عبد ثم اشتراه أو شهد بها ثم اشتراه عتق في الحال ويكون البيع صحيحا بالنسبة إلى البائع لأنه محكوم له برقه وفي حق المشتري للاستنقاذ فإذا صار العبد في يده حكم بحريته لإقراره السابق والولاء(10/236)
وإن أقرت المرأة بنكاح على نفسها فهل يقبل على روايتين وإن أقر الولي عليها به قبل إن كانت مجبرة وإلا فلا.
__________
موقوف فإن مات وخلف مالا فرجع أحدهما عن إقراره فالمال له لأن أحدا لا يدعيه سواه وإن رجعا معا احتمل أن يوقف حتى يصطلحا عليه لأنه لأحدهما ولا يعرف عينه واحتمل أن من هو في يده يأخذه ويحلف لأنه منكر وإن لم يرجع واحد منهما فقيل: يقر في يد من هو في يده فإن لم يكن في يد أحدهما فهو لبيت المال وقيل: هو لبيت المال بكل حال وفي ثبوت خيار المجلس والشرط في هذا البيع وجهان والأصح عدم ثبوتهما للمشتري وإن باعه نفسه بألف في ذمته صح ولم يثبتا فيه بل يعتق في الحال وإن باعه بألف في يده فروايتان "وإن أقرت المرأة بنكاح على نفسها فهل يقبل على روايتين" أشهرهما وصححه في المحرر أنه يقبل لأنه حق عليها فقبل كما لو أقرت بمال ولزوال التهمة بإضافة الإقرار إلى شرائطه وكبيع سلعتها. والثانية: لا لأنها تدعى النفقة والكسوة والسكنى ولأن النكاح يفتقر إلى شروط ولم يعلم حصولها بالإقرار وفي الانتصار لا ينكر عليهما ببلد غربة للضرورة ونقل الميموني يقبل إن ادعى زوجيتها واحد لا اثنان اختاره القاضي وأصحابه وفي تعليق القاضي يصح إقرار بكر بالغ به وإن أجبرها الأب لأنه لا يمتنع صحة الإقرار بما لا إذن فيه كصبي أقر بعد بلوغه أن أباه أجبره في صغره ومع بينتهما يقدم أسبقهما فإن جهل عمل بقول الولي ذكره في المنتخب والمبهج "وإن أقر الولي عليها به قبل إن كانت مجبرة" نص عليه؛ لأن من ملك شيئا ملك الإقرار به وكذا يقبل إن كانت غير مجبرة وهي مقرة له بالإذن قدمه في المحرر والرعاية "وإلا فلا" أي إذا لم تكن مجبرة فلا يقبل لأنه لا يملك تزويجها بغير رضاها أشبه الأجنبي.
فرع: إذا ادعى نكاح صغيرة بيده فرق بينهما فسخه حاكم وإن صدقته إذا بلغت قبل فدل أن من ادعت أن فلانا زوجها فأنكر فطلبت الفرقة يحكم عليه وسئل عنها المؤلف فلم يجب "وإن أقر أن فلانة امرأته أو(10/237)
وإن أقر أن فلانة امرأته أو أقرت أن فلانا زوجها فلم يصدق المقر له المقر إلا بعد موت المقر صح وورثه وإن أقر الورثة على موروثهم بدين لزمهم قضاؤه من التركة وإن أقر بعضهم لزمه منه بقدر ميراثه فإن لم يكن له تركة لم يلزمهم شيء.
__________
"أقرت أن فلانا زوجها فلم يصدق المقر له إلا بعد موت المقر صح وورثه" كما لو صدقه في الحياة وفيها خلاف القاضي.
الثانية: لم يجحد ولم يصدقه إلا بعد موت المقر.
مسألة: وهي الكتاب فيصح وترثه ويتخرج من مسألة: الوارث بعدها لا إرث.
الثالثة: كذبه في حياته وصدقه بعد موته فوجهان:
أحدهما: يصح قال في الروضة وهو قول أصحابنا لأنه وجد كل منهما بشرطه إذ ليس من شرط التصديق الفورية.
و الثاني: لا لأنه إذا كذبه في حياته فهو متهم لحصول ما ينافيه قبله قاله في شرح المحرر
وقال الشيخ تقي الدين فيمن أنكر الزوجية فأبرأته فأقر بها لها طلبه بحقها "وإن أقر الورثة على موروثهم بدين لزمهم قضاؤه" بغير خلاف نعلمه لأنهم أقروا باستحقاق ذلك على موروثهم "من التركة" أي: يتعلق ذلك بالتركة كما لو أقر به في حياته والإقرار أبلغ من البينة ويلزم الوارث أقل الأمرين من قيمتها أو قدر الدين كالجاني "فإن أقر بعضهم" بلا شهادة "لزمهم منه بقدر إرثه" لأنه لا يستحق أكثر من ذلك كما لو أقر الورثة كلهم فإذا ورث النصف فنصف الدين كإقراره بوصية لا كل إرثه وعلى هذا فقس وهذا ما لم يشهد منهم عدلان أو عدل ويمين فيلزمهم الجميع.
وفي التبصرة: إن أقر عدلان أو عدل ويمين ثبت مراده وشهد العدل وهو معني ما في الروضة وفيها إن حلف وارثا واحدا لا يرث كل المال كبنت وأخت فأقر بما يستغرق التركة أخذ رب الدين كل ما بيدها "فإن لم تكن له تركة لم يلزمهم شيء" لأنه لا يلزمهم أداء دينه إذا كان حيا(10/238)
فصل
إذا اقر لحمل امرأة صح فإن ألقته ميتا أو لم يكن حمل بطل وإن ولدت حيا وميتا فهو للحي وإن ولدتهما حيين فهو بينهما سواء الذكر والأنثى ذكره ابن حامد وقال أبو الحسن التميمي لا يصح الإقرار إلا أن يعزيه إلى سبب من إرث أو وصية فيكون بينهما على حسب ذلك.
__________
مفلسا كذا هنا إذا كان ميتا.
فرع: يقدم ما ثبت بإقرار الميت على ما ثبت بإقرار الورثة وقيل: عكسه وقيل: بالتسوية بينهما ويقدم عليهما ما ثبت ببينة نص عليه.
فصل
"إذا أقر لحمل امرأة" بمال "صح" على المذهب وقدمه في الرعاية وصححه في الفروع لأنه يجوز أن يكون له وجه فصح كالطفل "فإن ألقته ميتا أو لم يكن حمل بطل" لفوات شرطه.
وكذا إن مات المقر ولم يفسره مع وجوب تفسيره أو ولدته بعد ستة أشهر وقيل: أربع سنين مع زوج أو سيد يطؤها وقيل: إن مات قبل تفسيره صح ونزل على ما أمكن "وإن ولدت حيا وميتا فهو للحي" لأن الشرط فيه محقق بخلاف الميت "وإن ولدتهما حيين فهو بينهما سواء الذكر والأنثى ذكره ابن حامد" لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه إلا أن يعزوه إلى ما يوجب التفاضل من إرث أو وصية فيعمل به ذكره في المحرر والشرح وقدمه في الفروع وقيل: بل أثلاثا وقال القاضي: إن أطلق كلف ذكر السبب فيصح منه ما يصح ويبطل ما يبطل "وقال أبو الحسن التميمي: لا يصح الإقرار" لأن الحمل لا يملك "إلا أن يعزيه إلى سبب من إرث أو وصية فيكون بينهما على حسب ذلك" وهو قول أبي ثور لأنه إقرار مستند إلى سبب صحيح يعمل به لأنه لا يملك بغيرهما ويعمل بحسب السبب الذي بينه فإن كان إرثا فبحسب الإرث فإن كان وصية فبحسب الوصية.(10/239)
ومن أقر لكبير عاقل بمال فلم يصدقه بطل إقراره في أحد الوجهين وفي الآخر يؤخذ المال إلى بيت المال.
__________
فعلى هذا إن وضعته ميتا وكان عزاه إلى إرث أو وصية عادت إلى ورثة الموصي وموروث الطفل.
فرع: إذا قال له علي ألف جعلها له أو نحوه فعدة لا يؤخذ بها.
ويتوجه يلزمه كقوله: له علي ألف أقرضنيه عند غير التميمي وجزم الأزجي لا يصح كأقرضني ألفا ذكره في الفروع "ومن أقر لكبير عاقل بمال" في يده ولو كان المقر به عبدا أو نفس المقر بأن أقر برق نفسه للغير "فلم يصدقه بطل إقراره في أحد الوجهين" قدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز لأنه لا يقبل قوله عليه في ثبوت ملكه فعلى هذا يقر بيد المقر لأنه كان في يده فإذا بطل إقراره بقي كأن لم يقر به فإن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه ولم يقبل بعدها عود المقر له أولا إلى دعواه "وفي الآخر يؤخذ المال إلى بيت المال" فيحفظ له حتى يظهر مالكه لأنه بإقراره خرج عن ملكه ولم يدخل في ملك المقر له وكل واحد منهما ينكر ملكه فهو كالمال الضائع فعلى هذا يحكم بحريتهما ذكره في المحرر
وعلم منه أنه إذا أكذبه أنه يبطل إقراره قولا واحدا وعلى الثاني: أيهما غير قوله لم يقبل منه، والله أعلم(10/240)
باب ما يحصل به الإقرار
إذا ادعى عليه ألفا فقال نعم أو أجل أو صدق أو أنا
__________
باب ما يحصل به الإقرار
"إذا ادعى عليه ألفا فقال نعم أو أجل" بفتح الهمزة والجيم وسكونه اللام وهو حرف تصديق كنعم قال الأحفش: إلا أنه أحسن من نعم في التصديق ونعم أحسن منه في الاستفهام ويدل عليه قوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف:44]، وقيل: لسلمان رضي الله عنه علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة قال أجل "أو صدقت أو أنا(10/240)
مقر بها أو بدعواك كان مقرا وإن قال أنا أقر ولا أنكر أو يجوز أن يكون محقا أو عسى أو لعل أو أظن أو أحسب أو أقدر أو خذ أو اتزن أو أحرز أو افتح كمك لم يكن مقرا وإن قال أنا مقر أو خذها أو اتزنها أو اقبضها أو أحرزها أو هي صحاح فهل يكون مقرا
__________
مقر بها أوبدعواك كان مقرا" لأن هذه الألفاظ وضعت للتصديق ولو قال أليس لي عليك كذا قال بلى كان إقرارا صحيحا لأن بلى جواب للسؤال بحرف النفي لقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172]، فلو قال: نعم لم يكن مقرا وقيل: إقرار من عامي كقوله عشرة غير درهم بضم الراء يلزمه تسعة وفي مختصر ابن رزين إذا قال لي عليك كذا فقال نعم أو بلى كان مقرا وفي قصة إسلام عمرو بن عبسة فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله أتعرفني قال: "نعم أنت الذي لقيتني بمكة" قال فقلت: بلى قال في شرح مسلم فيه صحة الجواب ببلى وإن لم يكن قبلها نفي وصحة الإقرار بها وقال وهو الصحيح من مذهبنا "وإن قال: أنا أقر ولا أنكر أو يجوز أن يكون محقا أو عسى أو لعل أو أظن أو أحسب أو أقدر أو خذ أو أتزن أو أحرز أو أفتح كمك لم يكن مقرا" لأن قوله أنا أقر وعد بالإقرار والوعد بالشيء لا يكون إقرارا به هذا هو الأصح فيه وفي لا أنكر لأنه لا يلزم من عدم الإنكار الإقرار فإن بينهما قسما آخر وهو السكوت عنهما ولأنه يحتمل لا أنكر بطلان دعواك وقيل: بلى كأنا مقرا.
وقوله يجوز أن يكون محقا لجواز أن لا يكون محقا لأنه لا يلزم من جواز الشيء وجوبه وقوله عسى أو لعل لأنهما وضعا للشك وقوله أظن أو أحسب أو أقدر لأنها تستعمل في الشك أيضا وقوله خذ لأنه يحتمل خذ الجواب مني وقوله واتزن أي أحرز مالك على غيري وقوله افتح تحمل لأنه يستعمل استهزاء لا إقرار وكذا قوله اختم عليه أو اجعله في كيسك أو سافر بدعواك ونحوه "وإن قال أنا مقر أو خذها أو اتزنها أو اقبضها أو أحرزها أو هي صحاح فهل يكون مقرا،(10/241)
يحتمل وجهين وإن قال: له علي ألف إن شاء الله أو في علمي أو في ما أعلم أو قال: اقضني ديني عليك ألفا أو أسلم إلي ثوبي هذا أو فرسي هذا فقال: نعم فقد أقر بها.
__________
يحتمل وجهين كذا أطلقهما في المحرر والفروع أشهرهما يكون مقرا وجزم به في الوجيز لأنه عقب الدعوى فيصرفه إليها ولأن الضمير يرجع إلى ما تقدم وكذا إذا قال أقررت
قال تعالى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران:81]، ولم يقولوا أقررنا بذلك فكان منهم إقرارا.
والثاني: لا لأنه لم يقر بوجوبه لأنه يجوز أن يعطيه ما يدعيه من غير أن يكون واجبا عليه فأمره بأخذها أولى أن لا يلزم منه الوجوب ولأنه يحتمل أني مقر بالشهادة أو ببطلان دعواك "وإن قال: له علي ألف إن شاء الله وفي علمي أو فيما أعلم أو قال اقضني ديني عليك ألفا أو سلم لي ثوبي هذا أو فرسي هذا فقال نعم فقد أقر بها" وفيه مسائل: الأولى إذا قال: له علي ألف إن شاء الله فهو إقرار نص عليه لأنه قد وجد منه وعقبه بما لا يرفعه فلم يرتفع الحكم به كما لو قال له علي ألف في علم الله أو مشيئته وكذا قوله له علي ألف إلا إن شاء زيد أو لا يلزمني إلا أن يشاء الله وفيهما احتمال أنه لغو.
الثاني: إذا قال له علي ألف في علمي أو علم الله أو فيما أعلم لا فيما أظن لأن ما علمه لا يحتمل غير الوجوب.
الثالثة: بقية الصور فيلزمه لأنه جواب صريح أشبه ما لو قال عندي كقوله اقضني ألفا من الذي عليك أو إلي أو هل لي عليك ألف فقال نعم أو قال أمهلني يوما أو حتى أفتح الصندوق.
فرع: إذا قال بعتك أو زوجتك أو قبلت إن شاء الله صح كالإقرار قال في عيون المسائل كأنا صائم غدا إن شاء الله يصح بنيته وصومه ويكون تأكيدا ولم يرتضه في الفروع.
قال القاضي: يحتمل أن لا تصح العقود لأن له الرجوع فيها بعد إيجابها قبل القبول بخلاف الإقرار وفي المجرد في بعتك أو زوجتك إن شاء الله أو بعتك(10/242)
وإن قال: إن قدم فلان فله علي ألف لم يكن مقرا وإن قال: له علي ألف إن قدم فلان فعلى وجهين وإن قال: له علي ألف إذا جاء رأس الشهر كان مقرا وإن قال: إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف فعلى وجهين وإن قال: له علي ألف إن شهد به فلان أو إن شهد به فلان صدقته لم يكن مقرا.
__________
إن شئت فقال قبلت أو قبلت إن شاء الله صح وقال أبو إسحاق بن شاقلا إذا قال زوجتك إن شاء الله لا أعلم خلافا عنه أن النكاح صحيح وإن قال بعتك بألف إن شئت فقال قد شئت وقبلت صح لأن هذا الشرط من موجب العقد ومقتضاه "وإن قال إن قدم فلان فله علي ألف لم يكن مقرا" حيث قدم الشرط لأنه ليس بمقر في الحال وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجبا عند وجود الشرط لأن الشرط لا يقتضي إيجاب ذلك "وإن قال: له علي ألف إن قدم فلان" أو إن شاء "فعلى وجهين" الأشهر أنه لا يكون مقرا كالتي قبلها.
والثاني: يكون مقرا لأنه قدم الإقرار فثبت حكمه وبطل الشرط لأنه لا يصلح أن يكون آجلا ولأن الحق الثابت في الحال لا يقف على شرط فسقط.
"وإن قال له علي ألف إذا جاء رأس الشهر كان مقرا" قاله أصحابنا لأنه قد بدأ بالإقرار فعمل به وقوله إذا جاء رأس الحول يحتمل أنه أراد المحل فلا يبطل الإقرار بأمر محتمل. "وإن قال: إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف فعلى وجهين:" أشهرهما: لا يكون مقرا وجزم به في الكافي وغيره لأنه بدأ بالشرط وعلق عليه لفظا يصلح للإقرار ويصلح لوعد فلا يكون إقرارا مع الاحتمال.
والثاني: بلى كالتي قبلها قال في الشرح ويحتمل أنه لا فرق بينهما لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء فيكون فيهما جميعا وجهان وكذا في الرعاية وفي المحرر والفروع يصح له علي كذا إذا جاء وقت كذا لاحتمال إرادة المحل قال في الفروع وفيه تخريج في عكسها وأطلق في الترغيب وجهين فيهما "وإن قال له علي ألف إن شهد به فلان أو إن شهد به فلان صدقته لم يكن مقرا" لأنه علقه على شرط ولأنه يجوز أن(10/243)
وإن قال: إن شهد به فلان فهو صادق احتمل وجهين وإن أقر العربي بالعجمية أو العجمي بالعربية وقال لم أدر معنى ما قلت فالقول قوله مع يمينه.
__________
يصدق الكاذب وفي الكافي وغيره إذا قال له علي ألف إن شهد به فلان هل يكون مقرا على وجهين "فإن قال: إن شهد به فلان فهو صادق احتمل وجهين" كذا في المحرر.
أحدهما: لا يكون إقرارا لأنه علقه على شرط والثاني: بلى جزم به في الوجيز والفروع لأنه لا يتصور صدقه إلا مع ثبوته في الحال وقد أقر بصدقه قال في الرعاية فإن قال الشهود عدول فليس إقرارا بالمدعى وقيل: بلى إن جاز الحكم عليه به قال أبن حمدان: أو قلنا: طلب التزكية للشهود " وإن أقر العربي بالعجمية أو الأعجمي بالعربية وقال: لم أدر ما قلت: فالقول قوله مع يمينه" لأنه منكر والظاهر براءة ذمته وصدقه في قوله ووجبت اليمين لأنه يحتمل كذبه.
مسألة: إذا قال بعتك أمتي بألف فقال بل زوجتنيها ولا بينة لأحدهما لم يحلف السيد أن لا نكاح وقيل: بلى ويحلف منكر الشراء على نفيه وترد الأمة إلى سيدها ملكا ولا بيع ولا نكاح ولا شيء على الآخر سواء دخل بها أو لا وهل للسيد وطؤها إذا عادت فيه وجهان فإن نكل المشتري عن اليمين أو حلف منكر النكاح اليمين المردودة عليه ثبت البيع ووجب الثمن وللمشتري وطؤها بكل حال لأنها زوجته أو أمته.
ويحتمل أن يجب الأقل من ثمنها أو الأرش فإن ولدت وتنازعا فالولد حر ونفقته على أبيه ويتوارثان ولا تعود إلى منكر النكاح لأنه يزعم أنها أم ولد الواطئ وإن ولده حر لا ولاء عليه ويدعي ثمنها ولا تقر بيد الواطئ لأنه يزعم أنها ملك منكر النكاح وولدها ومهرها فإن كان الواطئ صادقا جاز له وطؤها باطنا فقط ونفقتها في كسبها.
وقال أبن حمدان: بل على سيدها وتوقف فاضلة حتى ينكشف الحال أو يصطلحا والولد حر فإن مات قبل موت مستولدها فلمدعي بيعها أخذ الثمن من(10/244)
باب
الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره
إذا وصل بإقراره ما يسقطه مثل أن يقول: له علي ألف لا تلزمني أو قد قبضه أو استوفاه أو ألف من ثمن خمر أو تكفلت به على أني بالخيار أو ألف إلا ألفا أو ستمائة لزمه الألف.
__________
تركتها فإن فضل شيء وقف وإن ماتت بعد موته صرف إلى نسيبها الحر الوارث لأنها حرة فإن عدم وقف التركة والولاء حتى يعرف المستحق فإن صدقه مستولدها لزمه الثمن وكانت أم ولد وإن صدقه سيدها الأول: سقط الثمن ووجب مهر المثل ولم تبطل حريتها ولا حرية ولدها وقيل: إن بطل البيع فلا ثمن ولا مهر ولا يأخذها أحدهما ولا يطؤها.
والأول: ذكره السامري وقدمه في الرعاية وذكر في النهاية أن الصحيح جواز الوطء لمدعي الزوجية وقيل: باطنا.
باب
الحكم فيما إذا وصل بإقرار ما يغيره
"إذا وصل إقراره ما يسقطه مثل أن يقول له علي ألف لا تلزمني أو قد قبضه أو استوفاه أو ألف من ثمن خمر أو تكفلت به على أني بالخيار أو ألف إلا ألفا أو إلا ستمائة لزمه الألف" وفيه مسائل: الأولى: إذا قال له علي ألف لا تلزمني لزمه الألف لأن مجموع قوله لا يمكن تصحيحه لأنه لا سبيل أن يكون له علي ألف لا تلزمه فيلغى هو وتلزمه لعدم المعارض وفيه احتمال بعيد حكاه في الرعاية لرفعة ما أقر به وذكر القاضي أنه يقبل قوله في المسائل كلها إلا في قوله له علي ألف لا تلزمني لأنه عزا إقراره إلى سببه فقبل كما لو عزاه إلى سبب(10/245)
وإن قال: كان له علي ألف وقضيته أو قضيت منه خمسمائة فقال الخرقي:
__________
صحيح وحكاه ابن هبيرة عن أحمد وذكر أنه احتج في ذلك بمذهب ابن مسعود وجوابه: أن هذا يناقض ما أقر به فلم يقبل كالصورة التي سلمها أو يقول رفع جميع ما أقر به فلم يقبل كاستثناء الكل.
الثانية: إذا قال له علي ألف قد قضيته وكان سريعا أو بعضه قبل يمينه نص عليه اختاره عامة شيوخنا.
وعنه: يقبل في بعضه كاستثناء البعض وإن قال قضيت جميعه لم يقبل إلا ببينة كاستثناء الكل وإذا قال جوابا للدعوى أبرأني منها أو برئت إليه منها فالخلاف.
الثالثة: إذا قال له علي ألف استوفاها لزمه الألف.
الرابعة: إذا قال له علي من ثمن خمر لزمه الألف لأن ثمن الخمر لا يكون عليه فذكره له بعد الإقرار رفع للألف بجملته فلم يصح كالأولى لا من ثمن خمر ألف.
الخامسة: إذا قال تكلفت بشرط خيار فتلزمه الألف على الأشهر.
السادسة: إذا قال له علي ألف إلا ألفا لزمه الألف بغير خلاف نعلمه لأنه باطل.
السابعة: إذا قال له علي ألف إلا ستمائة لزمه الألف لأنه استثناء الأكثر ولم يرد ذلك في لغة العرب وما ذكره المؤلف هنا جزم به في المستوعب والوجيز وقدمه في الكافي وإن قال له علي مائة من ثمن مبيع تلف قبل قبضه أولم أقبضه أو من مضاربة تلفت وشرط علي ضمانها مما يفعله الناس عادة فوجهان.
فرع: قال له لي عليك ألف فقال قضيتك منه مائة فليس بإقرار ويحتمل أن يلزمه الباقي ويجيء على الرواية أن يلزمه ما ادعى قضاءه وهو رواية في المنتخب "وإن قال: كان له علي ألف وقضيته أو قضيت منه خمسمائة فقال الخرقي" وعامة شيوخنا وقدمه في المحرر والفروع،(10/246)
ليس بإقرار والقول قوله مع يمينه وقال أبو الخطاب: يكون مقرا مدعيا للقضاء فلا يقبل إلا ببينة فإن لم يكن بينة حلف المدعي أنه لم يقض ولم يبرأ واستحق وقال: هذا رواية واحدة ذكرها ابن أبي موسى.
__________
وجزم به في الوجيز "ليس بإقرار" نص عليه في رواية ابن منصور "والقول قوله مع يمينه" ذكر ابن هبيرة أن أحمد احتج في ذلك بقول ابن مسعود ولأنه قول يمكن صدقه ولا تناقض فيه من جهة اللفظ فوجب قبول قوله ولا يلزمه شيء كاستثناء البعض بخلاف المنفصل لأنه قد استقر بسكوته عليه.
ولهذا لا يرفعه استثناء ولا غيره "وقال أبو الخطاب: يكون مقرا" لأن قوله: كان له علي يقتضي وجوب المقر به عليه بدليل ما لو سكت عليه "مدعيا للقضاء" لأن قوله قضيته دعوى لذلك "فلا يقبل إلا ببينة" في قول أكثر العلماء كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل وكاستثناء الكل "وإن لم يكن له بينة حلف المدعي أنه لم يقبض ولم يبر واستحق" لأن المدعى عليه ادعى القضاء وقوله محتمل فيجب أن يحلف على ذلك وحينئذ فيستحق لأن خصمه أقر به "وقال: هذا رواية واحدة ذكرها ابن أبي موسى" واختاره أبو الوفاء وغيره لسكوته قبل دعواه وعنه: ليس بجواب صحيح فيطالب برد الجواب وفي الترغيب والرعاية هو أشهر.
وقيل: تقبل دعوى الوفاء لا الإبراء و بنى عليها في الوسيلة لو قال لعبده أخذت منك كذا قبل العتق قال بعده.
قال في الفروع: ويتوجه عليها لو قال كان لو له علي ألف هل تسمع دعواه فذكر أبو يعلى الصغير لا تسمع قال في الترغيب بلا خلاف.
تنبيه: إذا قال كان له علي ألف وسكت لزمه الألف في ظاهر قول أصحابنا ويتخرج ليس بإقرار لأنه لم يذكر عليه شيئا في الحال وإنما أخبر بذلك في زمن ماض وكذا لو شهدت البينة به ولم بثبت وجوابه أنه أقر بالوجوب والأصل بقاؤه حتى يوجد يرفعه بدليل ما لو تنازعا دارا فأقر أحدهما للآخر أنها كانت ملكه حكم له بها إلا أنه إذا عاد فادعى القضاء أو الإبراء(10/247)
فصل
ويصح استثناء ما دون النصف، ولا يصح فيما زاد عليه،
__________
سمعت دعواه لأنه لا تنافي بين الإقرار وبين ما يدعيه على إحدى الروايتين قاله في الشرح.
فصل
"ويصح استثناء مادون النصف" نص عليه ولا نعلم فيه خلافا لأنه لغة العرب قال الله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت:14]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الشهيد تكفر عنه خطاياه كلها إلا الدين" ولأن الاستثناء يمنع أن يدخل في الإقرار ما لولاه لدخل ولا يرفع ما ثبت لأنه لو ثبت بالإقرار شيء لم يقدر المقر على رفعه فيصح استثناء مادون النصف "ولا يصح فيما زاد عليه" أي: لا يصح استثناء الأكثر لا يختلف المذهب فيه قاله في الشرح وصححه في المحرر والرعاية وجزم به السامري وغيره وذكره ابن هبيرة عن أحمد وأبي يوسف وعبد الملك بن الماجشون وهو قول أهل اللغة.
وقيل: يصح وهو قول أكثر العلم لقوله تعالى: قَالَ {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} وهم أكثر وبدليل قوله تعالى :{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103].
ومنه قول الشاعر:
أدوا التي نقصت تسعين من مائة ... ثم ابعثوا حكما بالحق قواما
وكاستثناء الأقل وكالتخصيص والجواب أنه لم يرد في لسان العرب وقد أنكروه قال الزجاج لم يأت الاستثناء إلا في القليل من الكثير ولو قال مائة إلا تسعة وتسعين لم يكن متكلما بالعربية.
ومعناه قول القتيبي وغيره وما احتجوا من التنزيل أجيب عنه بأنه استثناء المخلصين من بني آدم وهم أقل والغاوين من العباد وهم أقل لأن الملائكة(10/248)
وفي استثناء النصف وجهان فإذا قال له علي هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا لزمه تسليم تسعة فإن ماتوا إلا واحدا فقال هو المستثنى فهل يقبل على وجهين.
__________
كلهم طائعون والبيت ليس في استثناء مع أن ابن فضال النحوي قال هو بيت مصنوع لم يثبت عن العرب "وفي استثناء النصف وجهان" وذكر أبو الفرج روايتين.
إحداهما أنه يصح وهو ظاهر الخرقي وصححه في الرعاية وذكر ابن هبيرة أنه ظاهر المذهب لأنه ليس بالأكثر.
و الثاني: لا وهو قول أبي بكر وذكر في الشرح وابن المنجا أنه أولى لأنه لم يأت في لسانهم إلا في القليل من الكثير.
فرع: حكم الاستثناء بسائر أدواته حكم الاستثناء بإلا.
فإذا قال: له علي عشرة سوى درهم لا يكون درهما درهم بفتح الراء كان مقرا بتسعة وإن درهم بضم الراء وهو من أهل العربية كان مقرا بعشرة لأنها صفة للعشرة المقر بها ولا يكون استثناء وإن لم يكن من أهل العربية لزمه تسعة لأن الظاهر أنه يريد الاستثناء وإنما ضمها جهلا ذكره في الشرح وشرطه أن يكون متصلا بالكلام وفي الواضح لو كان منفصلا وهو أن يسكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم استثنى فهل تصح على روايتين أصحهما لا.
و الثانية: بلى كما لو تفاوت ما بينهما أو منعه مانع في تمام الكلام "فإذا قال: له علي هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا لزمه تسليم تسعة" لأنه استثناء الأقل ويرجع في تعيين المستثنى إليه لأنه أعلم بمراده وكذا قوله غصبت هؤلاء العشرة إلا واحدا "فإن ماتوا إلا واحدا فقال هو المستثنى فهل يقبل" قوله "على وجهين" أحدهما: يقبل صححه في الشرح والفروع وقدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز لأنه يحتمل ما قاله وكما لو تلف بعد تعيينه.
والثاني: لا لأنه يرفع جميع ما أقر به وإن قتلوا إلا واحدا قبل تفسيره به(10/249)
وإن قال: له هذه الدار إلا هذا البيت أو هذه الدار له وهذا البيت لي قبل منه وإذا قال له علي درهمان وثلاثة إلا درهمين أو له علي درهم ودرهم إلا درهما فهل يصح الاستثناء؟ على وجهين.
__________
وجها واحدا لأنه لا يرفع جملة الإقرار لوجوب قيمة الباقين للمقر له وإن قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم ويرجع في تفسيره إليه "وإن قال: له هذه الدار إلا هذا البيت أو هذه الدار له وهذا البيت لي قبل منه" لأن الأول استثناء البيت من الدار ولا يدخل البيت في إقراره مع أنه في معنى الاستثناء لكونه اخرج بعض ما تناوله اللفظ بكلام متصل.
وظاهره: ولو كان البيت أكثر من النصف صرح به في الشرح والفروع وزاد في المحرر والوجيز بخلاف إلا ثلثيها وفيه وجه.
وإن قال له هذه الدار إلا ثلثها أو ربعها صح وكان مقرا بالباقي وإن قال: له هذه الدار نصفها صح وكان مقرا بالنصف لأن هذا بدل البعض وهو شائع لقوله تعالى :{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ} [المزمل:2]، ويصح ذلك فيما دون النصف كقوله هذه الدار ربعها أو أقل كقولهم رأيت زيدا وجهه وإن قال له هذه الدار ولي نصفها صح في الأقيس "وإن قال له علي درهمان وثلاثة إلا درهمين أو له علي درهم ودرهم إلا درهما فهل يصح الاستثناء؟ على وجهين".
أحدهما: يصح جزم به في الوجيز لأن العطف جعل الجملتين كجملة واحدة فعاد الاستثناء إليهما كقوله عليه السلام: "لا يؤم الرجل الرجل في بيته ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" فيصير الاستثناء في الأولى درهمين من خمسة.
وفي الثانية: درهما من درهمين وذلك استثناء صحيح لأنه أقل من الأكثر فيهما وفيه شيء فإنه في الثانية: النصف وفيه الخلاف إلا أن يزاد فيه درهما آخر.
والثاني: لا يصح صححه في الفروع لأنه يرفع إحدى الجملتين لأن(10/250)
وإن قال له على خمسة إلا درهمين ودرهما لزمته الخمسة في أحد الوجهين وفي الآخر يلزمه ثلاثة ويصح الاستثناء من الاستثناء فإذا قال له علي سبعة إلا ثلاثة إلا درهما لزمه خمسة وإن قال له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهما لزمته عشرة في أحد الوجوه وفي الآخر لزمه ستة وفي الآخر سبعة.
__________
عوده إلى ما يليه متيقن وما زاد مشكوك فيه.
فعلى هذا يكون قد استثنى الأكثر والكل وكلاهما باطل وذكر المؤلف أنه الأولى والاستثناء في الخبر لم يرفع أحدى الجملتين وإنما أخرج من الجملتين معا من النصف نصفه وقدم في الرعاية أنه يعود إلى الكل فإن كان ثم قرينة عمل بها "وإن قال له علي خمسة إلا درهمين ودرهما لزمته الخمسة في أحد الوجهين" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لأنهما صارا كجملة واحدة فبطل الاستثناء كالزيادة على النصف "وفي الآخر يلزمه ثلاثة" لأنهما لا يصيران جملة فبطل الاستثناء الثاني: لئلا يكون مستثنيا للأكثر "ويصح الاستثناء من الاستثناء" لقوله تعالى :{إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} [الحجر:58]، ولأن الاستثناء إبطال والاستثناء منه رجوع إلى موجب الإقرار "فإذا قال له علي سبعة إلا ثلاثة إلا درهما لزمه خمسة" لأنه خرج منها الاستثناء الأول: ثلاثة وعاد بالاستثناء الثاني: درهم فإذا ضممته إلى الأربعة صار خمسة ولأنه من إثبات نفي ومن النفي إثبات وهو جائز في اللغة "وإن قال له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهما لزمته عشرة في أحد الوجوه" لأن استثناء النصف لا يصح ويبطل الاستثناء من الاستثناء ببطلان الاستثناء فيلزمه عشرة لكونه سالما عن المعارض "وفي الآخر يلزمه ستة" لأن استثناء النصف صحيح
ولا يبطل الاستثناء من الاستثناء لأنه إذا استثنى الخمسة من العشرة بقي خمسة واستثناء الثلاثة منها غير صحيح لأنها أكثر ويبقى قوله إلا درهمين استثناء صحيح لأنه أقل فإذا ضممت الدرهم إلى الخمسة صار المجموع ستة "وفي الآخر يلزمه سبعة" لأن استثناء الخمسة غير(10/251)
وفي الآخر ثمانية ولا يصح الاستثناء من غير الجنس نص عليه فإذا قال له علي مائة درهم إلا ثوبا لزمته المائة إلا أن يستثني عينا من ورق أو ورقا من عين فيصح ذكره الخرقي.
__________
صحيح لأنها نصف واستثناء الدرهمين من الثلاثة لا يصح لأنها أكثر واستثناء الدرهم من الدرهمين أيضا لا يصح لأنه نصف فيبقى قوله إلا ثلاثة صحيحا فيصير قوله له علي عشرة إلا ثلاثة وذلك سبعة "وفي الآخر ثمانية" لأن استثناء النصف لا يصح وقوله إلا ثلاثة يعمل عمله وقدر له إلا درهمين وهو غير صحيح لأنه أكثر فيعاد منه درهم للسبعة فيصير الباقي ثمانية وإن كان الاستثناء الثاني: بحرف العطف كان مضافا إلى الاستثناء الأول فإذا قال له علي عشرة إلا ثلاثة إلا درهمين كان مستثنيا لخمسة مقرا بمثلها.
أصل: إذا استثنى مالا يصح ثم استثنى منه شيئا بطلا لأن الأول: باطل فكذا فرعه وقيل: يرجع ما بعد الباطل إلى ما قبله لأن الباطل في حكم العدم وقيل: يعتبر ما تؤول إليه جملة الاستثناءات "ولا يصح الاستثناء" من غير الجنس "نص عليه" في رواية ابن منصور "فإذا قال له علي مائة درهم إلا ثوبا لزمته المائة" لأنه غير داخل في مدلول المائة فكيف يخرج منها ولأن الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاستثناء عما كان يقتضيه لولاه لأنه مشتق من قولهم ثنيت فلانا عن رأيه إذا صرفته عما كان عليه وثنيت عنان دابتي رددتها عن وجهها الذي كانت ذاهبة إليه ولا يوجد هذا في غير الجنس والنوع ولأن الاستثناء من غير الجنس لا يكون إلا في الجحد بمعنى لكن والإقرار إثبات.
وهذا جواب قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف:34]، {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلاماً} [مريم:62]، و قول الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس ... لا اليعافير وإلا العيس
"إلا أن يسستثني عينا من ورق أو ورقا من عين فيصح ذكره الخرقي" واختاره أبو حفص العكبري وصاحب التبصرة والروضة لأنهما كالجنس(10/252)
وقال أبو بكر لا يصح فإذا قال له علي مائة درهم إلا دينارا فهل يصح؟ على وجهين.
فصل
وإذا قال: له علي ألف درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال: زيوفا أو صغارا.
__________
الواحد لاجتماعهما في أنهما قيم المتلفات وأرش الجنايات ويعبر بأحدهما عن الآخر وتعلم قيمته منه فأشبها النوع الواحد بخلاف غيرهما "وقال أبو بكر: لا يصح" وهو رواية اختارها جماعة وقدمها في المحرر والرعاية والفروع وجزم بها في الوجيز لاختلاف جنسهما ولعل الخلاف مبني على أنهما جنس واحدا أو جنسان.
وقال أبو الخطاب: يلزم من الصحة صحة استثناء ثوب من غيره وفي المغني والشرح يمكن حملها على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر أو يعلم قدره منه ورواية البطلان على ما إذا انتفى ذلك وقيل: بل نوع من آخر فلو قال له علي عشرة أصع تمرا برنيا إلا ثلاثا تمرا معقليا فيصح لتقارب المقاصد من النوعين كالورق والعين.
والأول أصح لأن العلة الصحيحة في العين والورق غير ذلك "فإذا قال له علي مائة درهم إلا دينارا فهل يصح؟ على وجهين" هما مبنيان على الخلاف السابق فإذا صححناه رجع في تفسير قيمة الدينار إليه قاله أبو الخطاب وقدمه في الرعاية والأشهر أنه يرجع إلى سعره بالبلد فإن تعذر فإلى تفسيره وفي المنتخب إن بقي منه أكثر المائة وفي المذهب يقبل بالنصف فأقل وقدمه الأزجي.
فصل
"وإذا قال: له علي ألف درهم ثم سكت سكوتا بمكنه الكلام فيه ثم قال زيوفا" أي: رديئة "أو صغارا" أي: دراهم طبرية كل درهم منها أربعة(10/253)
أو إلى شهر لزمه ألف جياد وافية حالة إلا أن يكون في بلد أوزانهم ناقصة أو مغشوشة فهل يلزمه من دراهم البلد أو غيرها على وجهين.
__________
دوانيق وذلك ثلثا درهم " أو إلى شهر" أي: مؤجلة "لزمه ألف جياد وافية حالة" لأن الإطلاق يقتضي ذلك كما لو باعه بألف درهم وأطلق فإنه يلزمه كذلك فإذا استقرت في ذمته كذلك فلا يتمكن من تغييرها ولأنه يرجع عن بعض ما أقربه ويرفعه بكلام منفصل فلم يقبل كالاستثناء المنفصل ولا فرق في الإقرار بها دينا أو وديعة أو غصبا.
وقال أبو حنيفة: يقبل إقراره في الغصب والوديعة كما لو أقر بغصب عبد ثم جاءه معينا.
وجوابه: أن العيب لا يمنع إطلاق اسم العبد عليه بخلاف مسألتنا "إلا أن يكون في بلد أوزانهم ناقصة أو مغشوشة فهل يلزمه من دراهم البلد أو من غيرها على وجهين" كذا في الفروع أحدهما يقبل تفسيره بدراهم البلد قدمه في الكافي وذكر في الشرح أنه الأولى لأن مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم كما في البيع والصداق وكما لو كانت معاملتهم بها ظاهرة في الأصح قاله في الرعاية.
والثاني: لا يقبل قدمه في المحرر والرعاية لأن إطلاق الدراهم ينصرف إلى دراهم الإسلام وهو ما كان عشرة منها وزن سبع مثاقيل: وتكون فضة خالصة وهي التي قدر بها الشارع نصب الزكوات والديات والجزية والقطع في السرقة ويخالف الإقرار البيع من حيث إنه أقر بحق سابق فانصرف إلى دراهم الإسلام والبيع إيجاب في الحال فاختص بدراهم البلد.
فرع: إذا أقر بدراهم وأطلق ثم فسرها بسكة البلد أو سكة تزيد عليها أو مثلها صدق وإن كانت دونها زاد في المغني والشرح وتساوتا وزنا لم يقبل في وجه عملا بالإطلاق في البيع وكالناقصة في الوزن ويقبل في آخر لأنه يحتمل ما فسره به وفارق الناقصة فإن في الشرع الدراهم لا يتناولها بخلاف هذه ولو أقر بمائة درهم أو دينار فالشهادة من نقد البلد نقله ابن منصور(10/254)
وإن قال: له علي ألف إلى شهر فأنكر المقر له الأجل لزمه مؤجلا ويحتمل أن يلزمه حالا وإن قال له علي ألف زيوف وفسره بما لا فضة فيه لم يقبل فإن فسره بمغشوشة أو معيبة قبل وإن قال له علي دراهم ناقصة لزمته ناقصة.
__________
كمطلق عقد "وإن قال: له علي ألف إلى شهر فأنكر المقر له الأجل لزمه مؤجلا" نص عليه وهو المذهب لأنه هكذا أقر فعلى هذا لو عزاه إلى سبب يقبل الأمرين قبل قوله في الضمان وفي غيره وجهان قاله في المحرر والفروع والأشهر قبوله "ويحتمل أن يلزمه حالا" وقاله أبو الخطاب لأن التأجيل يمنع استيفاء الحق في الحال كما لو قال قضيته إياها "وإن قال له علي ألف زيوف وفسره بما لا فضة فيه لم يقبل" لأنها ليست دراهم على الحقيقة فيكون تفسيره به رجوعا عما أقر به فلم يقبل كاستثناء الكل وفي الكافي إذا أقر بذلك ثم فسره بما لا قيمة له لم يقبل لأنه ثبت في ذمته شيئا وما لا قيمة له لا يثبت فيها.
وظاهره: أنه إذا فسره بما له قيمة أنه يقبل وقوة كلامه هنا تقتضي أنه ألف درهم إذ لو لم يكن كذلك لصح إطلاقه على الفلوس لأنها توصف بالألف "وإن فسره بمغشوشة أو معيبة عيبا ينقصها قبل" لأنه صادق "وإن قال له علي دراهم ناقصة" لزمته ناقصة في الأصح لأنه إن كانت دراهم البلد ناقصة كان إقراره مقيدا وإن كانت وازنة كان ذلك بمنزلة الاستثناء
وقال القاضي: إذا قال له علي دراهم ناقصة قبل قوله وإن قال صغار وللناس دراهم صغار قبل قوله أيضا وإن لم يكن لهم صغار لزمته وازنة كما لو قال درهم فإنه يلزمه درهم وازن وذكر في الكافي أنه يحتمل أن لا يقبل تفسيره بناقص لأنه يحتمل أن يكونه صغيرا في ذاته وهو وازن.
فرع: إذا قال له علي ألف وازن فقيل: يلزمه العدد والوزن وقيل: يلزمه وازنة وفي الرعاية لو أقر له بمائة وازنة ودفع إليه خمسين وزنها مائة لم يجزئه دون مائة وازنة وقيل: بلى وإن قال عددا لزماه لأن إطلاق الدراهم يقتضي الوزن وذكر العدد لا ينافيها فوجب الجمع بينهما فإن كان(10/255)
وإن قال: له عندي رهن وقال المالك وديعة فالقول قول المالك مع يمينه وإن قال له علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه وقال المقر له بل هو دين في ذمتك فعلى وجهين فإن قال له عندي ألف وفسره بدين أو وديعة قبل منه.
__________
ببلد يتعاملون بها عددا فالوجهان وإن قال له علي درهم كبير لزمه درهم إسلامي وازن لأنه كبير في العرف وكذا لو قال دريهم لأن التصغير قد يكون لصغره في ذاته وقد يكون لقلة قدره عنده وقد يكون لمحبته قال في الفروع ويتوجه في دريهم يقبل تفسيره "وإن قال له عندي رهن وقال المالك وديعة فالقول قول المالك مع يمينه" لأن العين ثبتت له بالإقرار وادعى المقر دينا فكان القول قول من ينكره وكما لو ادعى ذلك بكلام منفصل نقل أحمد عن سعيد إذا قال له عندي وديعة قال هي رهن على كذا فعليه البينة أنها رهن وذكر الأزجي تخريجا من كان له علي وقضيته ومثله لو أقر بدار وقال استأجرتها أو بثوب وادعى أنه قصره أو خاطه أو بعبد وادعى استحقاق خدمته سنة أو أقر بسكنى دار غيره وادعى أنه سكنها بإذنه "وإن قال له علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه وقال المقر له بل هو دين في ذمتك فعلى وجهين" أحدهما: يقبل قول المقر له وجزم به في الوجيز لأنه اعترف له بالألف وادعى على المقر له سببا أشبه التي قبلها والثاني: يقبل قول المقر قال القاضي هو قياس المذهب لأنه أقر بحق في مقابلة حق لا ينفك أحدهما عن الآخر فإذا لم يسلم له ماله لم يسلم ما عليه كما لو قال بعتك هذا بكذا فقال بل ملكته بغير شيء وفارق التي قبلها لأن الدين ينفك عن الرهن والثمن لا ينفك عن المبيع ولو قال ألف من ثمن مبيع ثم سكت ثم قال لم أقبضه قبل كالمتصل لأن إقراره تعلق بالبيع والأصل عدم القبض ولو قال له علي ألف ثم سكت ثم قال من ثمن مبيع لم أقبضه لم يقبل وكذا لو قال له عندي مائة وديعة بشرط الضمان فإنه يلغو وصفه لها بالضمان وبقيت على الأصل "وإن قال له عندي ألف وفسره بدين أو وديعة قبل منه" لا نعلم فيه خلافا ذكره في الشرح سواء فسره متصلا أو منفصلا لأنه فسر لفظه بأحد مدلوليه فقبل كما لو قال:(10/256)
وإن قال: له علي ألف وفسره بوديعة لم يقبل ولو قال: له في هذا المال ألف لزمه تسليمه ولو قال: له من مالي أو في مالي أو في ميراثي من أبى ألف أو نصف داري هذه.
__________
له على ألف وفسره بدين فعلى هذا تثبت أحكام الوديعة بحيث لو ادعى تلفها أو ردها قبل.
فرع: إذا قال له عندي ألف أو هلك المبيع قبل قبضه صدق نص عليه ويحتمل أن يلزمه لظهور مناقضته قال أبن حمدان: إن قاله منفصلا وكذا ظننته تالفا ثم علمت تلفه وقال الأزجي لا يقبل هنا واختاره المؤلف لما فيه من مناقضة الإقرار والرجوع عما أقر به.
وقدم في الشرح أنه إذا قال له عندي وديعة رددتها إليه أو تلفت أنه يلزمه ضمانها "وإن قال له علي ألف وفسره بوديعة لم يقبل" ذكره معظم الأصحاب وقاله أكثر العلماء لأن علي للإيجاب في الذمة والإقرار فيه بظاهر اللفظ بدليل ما لو قال ما على فلان علي كان ضامنا فإذا فسره بالوديعة لم يقبل لأن تفسيره يناقض ظاهر إقراره وهذا إذا كان التفسير متصلا لأن الكلام بآخره وقيل: يقبل المنفصل كالمتصل كما لو صدق المقر له وقاله مضاربة أو وديعة فإن زاد بالمتصل وقد تلفت لم يقبل ذكره القاضي وغيره لأن قوله له علي يقتضي أنها عليه وقوله وقد تلفت يقتضي أنها ليست عليه وهو تناقض فلم يقبل منه بخلاف ما لو قال كان له علي ألف وديعة وتلفت فإنه مانع من لزوم الأمانة لأنه أخبر عن زمن ماض فلا تناقض وإن أحضره وقال هو هذا وهو وديعة فقال المقر له هذا وديعة والمقر به غيره وهو دين عليك صدق المقر له وذكر الأزجي عن الأصحاب وقال القاضي وصححه في الرعاية يصدق المقر "ولو قال له في هذا المال ألف لزمه تسليمه" جزم به الأكثر لأنه اعترف أن الألف مستحق في المال المشار إليه وكذا إن قال له في هذا العبد ألف وفي هذه الدار نصفها فلا يقبل تفسيره بإنشاء هبة "ولو قال له من مالي أو في مالي أو في ميراثي من أبي أو نصف داري هذه" صح على(10/257)
وفسره بالهبة وقال: قد بدا لي من تقبيضه قبل منه وإن قال: له في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة وإن قال: له نصف هذه الدار فهو مقر بنصفها وإن قال: له هذه الدار عارية ثبت لها حكم العارية.
__________
الأصح وفي الترغيب المشهور لا للتناقض فلو زاد بحق لزمني ونحوه صح عليهما قاله القاضي وغيره وعلى الأول "إن وفسره بالهبة وقال بدا لي من تقبيضه قبل منه" ذكره جماعة لأن التفسير يصلح أن يعود إليها من غير تناف وكما لو قال له علي ألف ثم فسره بدين.
وقال القاضي: وأصحابه لا يقبل وعلى الأول: إن مات ولم يفسره أو رجع عنه لم يلزمه شيء وذكر الأزجي في له ألف في مالي يصح لأن معناه استحقه بسبب سابق ومن مالي وعد قال وقال أصحابنا لا فرق بين من والفاء في أنه يرجع في تفسيره إليه ولا يكون إقرار إذا أضافه إلى نفسه ثم أخبر لغيره بشيء منه "وإن قال: له في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة" لأن ذلك في قوة قوله له على أبي دين كذا.
وفي الترغيب له في هذا المال أو في هذه التركة ألف صح قال ويعتبر أن لا يكون ملكه
فلو قال الشاهد أقر وكان ملكه إلى أن أقر أو وقال هذا ملكي إلى الآن وهو لفلان فباطل ولو قال هو لفلان وما زال ملكي إلى أن أقررت لزمه بأول كلامه "وإن قال له نصف هذه الدار فهو مقر بنصفها" لأنه أقر بذلك "وإن قال له هذه الدار عارية ثبت لها حكم العارية" لإقراره بذلك فعارية بدل من الدار ولا تكون إقرار بالدار لأنه رفع بآخر كلامه ما دخل في أوله وهو بدل اشتمال لأن الأول: مشتمل على الثاني: كقوله تعالى :{يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة:217]، فالشهر يشتمل على القتال فعلى هذا لا تثبت له الدار وإنما تثبت له منفعتها فكأنه قال له الدار منفعتها.
وإن قال: له هذه الدار هبة عمل بالبدل وفيه نظر لأن الدار لا تشتمل على الهبة لكن يوجه بالنسبة إلى الملك لأن قوله له الدار إقرار بالملك والملك يشتمل على ملك الهبة فقد أبدل الملك بعض ما يشتمل عليه وهو الهبة،(10/258)
وإن أقر أنه وهب أو رهن أو أقبض أو أقر بقبض ثمن أو غيره ثم أنكر وقال ما قبضت ولا أقبضت وسأل إحلاف خصمه فهل تلزمه اليمين ؟ على وجهين ومن باع شيئا ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري ولم ينفسخ البيع.
__________
فكأنه قال له ملك الدار هبة وحينئذ تعتبر شروط الهبة وقيل: لا يصح لكونه من غير الجنس قال في الفروع ويتوجه عليه أي على القول بأنه لا يصح منع له هذه الدار ثلثاها
وذكر المؤلف صحته لأنه لا يجعله استثناء بل بدلا وإن قال هبة سكنى أو هبة عارية عمل بالبدل.
وقال ابن عقيل: قياس قول أحمد بطلان الاستثناء هنا لأنه استثنى الرقبة وبقاء المنفعة وهو باطل عندنا فيكون مقرا بالرقبة والمنفعة "وإن أقر أنه وهب ورهن وأقبض أو أقر بقبض ثمن أو غيره ثم أنكر وقال ما قبضت ولا أقبضت وسأل إحلاف خصمه فهل يلزمه اليمين؟ على وجهين" هما روايتان في المغني إحداهما لا يستحلف نصره القاضي وأصحابه لأن دعواه مكذب لإقراره فلا تسمع ولأن الإقرار أقوى من البينة ولو شهدت البينة به ثم قال أحلفوه لي لم يستحلف فكذا هنا.
و الثانية: بلى قدمها في المحرر وصححها في الرعاية وجزم بها في الوجيز لأن العادة جارية بالإقرار بالقبض قبله لأنها تكون شهادة زور فعلى الأولى: قال الشريف وأبو الخطاب: ولا يشبه من أقر ببيع وادعى تلجئة إن قلنا: يقبل لأنه ادعى معنى آخر له ينف ما أقر به قال الشيخ تقي الدين فيمن أقر بملك ثم ادعى شراءه قبل إقراره إنه لا يقبل ما يناقض إقراره إلا مع شبهة معتادة.
فرع: إذا أقر ببيع أو هبة أو إقباض ثم ادعى فساده وأنه أقر يظن الصحة لم يقبل وله تحليف المقر له فإن نكل حلف هو ببطلانه وكذا إن قلنا: برد اليمين فحلف المقر قاله ابن حمدان "وإن باع شيئا ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري" لأنه يقر على غيره ولأنه متهم فيه "ولم ينفسخ البيع" لأن الإقرار الذي صدر بعده مردود والمردود(10/259)
ولزمته غرامته للمقر له وكذلك إن وهبه أو أعتقه ثم أقر به وإن قال لم يكن ملكي ثم ملكته بعد لم يقبل قوله إلا ببينة وإن كان قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي ونحوه لم تسمع بينته أيضا.
فصل
وإن قال غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمر.
__________
وجوده كعدمه ولأن حق المشتري قد تعلق بالمبيع فلم ينفسخ بغير رضاه ما لم يوجد ما يوجب ذلك "ولزمته غرامته للمقر له" لأنه فوته عليه بالبيع "وكذلك إن وهبه أو أعتقه ثم أقر به" فهو كما لو باعه ثم أقر به لغيره "وإن قال لم يكن ملكي ثم ملكته بعد لم يقبل قوله إلا ببينة" لأن الأصل أن الإنسان إنما يتصرف فيما له التصرف فيه ولأن التهمة هنا أكثر "وإن كان قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي ونحوه لم يسمع بينته أيضا" لأنها تشهد بخلاف ما أقر به فهو مكذب لها وذكر الشيخ تقي الدين فيما إذا ادعى بعد البيع أنه كان وقفا عليه فهو بمنزلة أن يدعي أنه قد ملكه الآن.
تنبيه: إذا قال ملكت هذه العين من زيد فقد أقر له بملكها ولا يحكم له إلا ببينة أو تصديق زيد وإن قال أخذتها من يده فقد اعترف له باليد ويلزمه ردها إليه فإن قال ملكتها على يده لم يكن مقرا له باليد ولا بالملك لأنه يريد معاونته وسفارته.
فلو أقر له بشيء ثم جاءه به وقال هذا الذي أقررت لك به قال بل هو غيره لم يلزم تسليمه إلى المقر له لأنه لا يدعيه ويحلف المقر أنه ليس عنده سواه فإن رجع المقر له فادعاه لزمه دفعه لأنه لا منازع له فيه.
وإن قال: المقر له صدقت والذي أقررت به آخر عندك لزمه تسليم هذا ويحلف على نفي الآخر.
فصل
"وإن قال غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمرو" لزمه دفعه إلى زيد(10/260)
أو ملكته لعمرو وغصبته من زيد لزمه دفعه إلى زيد ويغرم قيمته لعمرو وإن قال: غصبته من أحدهما أخذ بالتعيين فيدفعه إلى من عينه له ويحلف للآخر وإن قال: لا أعرف عينه وصدقاه انتزع من يده.
__________
لإقراره له به ولم يقبل رجوعه عنه لأنه حق لآدمي على ما سبق ويغرم قيمته لعمرو ولأنه حال بينه وبين ملكه لإقراره به لغيره فلزمه ضمانه كما لو أتلفه ولأنه أضرب عن الأول: وأثبت للثاني فلا يقبل الإضراب بالنسبة إلى الأول: لأنه إنكار بعد إقرار ويقبل بالنسبة إلى الثاني: لأنه لا دافع له فإذا تعذر تسليمه إليه من أجل تعلق حق الأول: به تعين دفع القيمة إليه وقيل: لا يغرم لعمرو شيئا "أو ملكته لعمرو وغصبته من زيد لزمه دفعه إلى زيد" لإقراره له باليد "ويغرم قيمته لعمرو" للحيلولة وهذا هو الأشهر.
والثاني: لا يلزمه لعمرو شيئا قاله القاضي وابن عقيل: وقدمه في الكافي لأنه لا تفريط منه إذ يجوز أن يكون ملكه لعمرو وهو في يد زيد بإجارة أو غيرها وقيل: يلزمه دفعه إلى عمرو ويغرم قيمته لزيد لأنه لما أقر به لعمرو أولا لم يقبل إقراره باليد لزيد قال المؤلف وهذا وجه حسن وفي المحرر هو الأصح ولا فرق بين التقديم والتأخير والمتصل والمنفصل ذكره في الشرح قال في المحرر والرعاية وإن قال غصبته من زيد وملكته لعمرو وأخذه زيد ولم يضمن المقر لعمرو شيئا زاد في الرعاية في الأشهر.
فائدة: قال أحمد في رجل قال لآخر استودعتك هذا الثوب قال صدقت ثم قال استودعنيه رجل آخر فالثوب للأول ويغرم قيمته للآخر "وإن قال غصبته من أحدهما بالتعيين" لأنه إقرار بمجمل ومن أقر بمجمل لزمه البيان ضرورة أن الحكم لا يقع إلا على معلوم "فيدفعه إلى من عينه له" لأنه هو المستحق "ويحلف للآخر" إن ادعاه لتكون اليمين شيئا لثبوت رد العبد أو بدله ولا يغرم له شيئا لأنه لم يقر له بشيء "وإن قال لا أعرف عينه فصدقاه انتزع من يده" لأنه ظهر بإقراره أنه لا حق له فيه ولم(10/261)
وكانا خصمين فيه وإن كذباه فالقول قوله مع يمينه وإن أقر بألف في وقتين لزمه ألف واحد وإن أقر بألف من ثمن عبد ثم أقر بألف من ثمن فرس أو قرض لزمه ألفان وإذا ادعى رجلان دارا في يد غيرهما شركة بينهما بالسوية فأقر لأحدهما بنصفها فالمقر به بينهما.
__________
يتعين مستحقه "وكانا خصمين فيه" لأن كلا منهما يدعيه "وإن كذباه فالقول قوله مع يمينه" أنه لا يعلم لأنه منكر وينتزع من يده فإن كان لأحدهما بينة حكم له به وإن لم تكن بينة أقرعنا بينهما فمن قرع صاحبه حلف وسلم إليه وإن بين الغاصب بعد ذلك مالكها قبل منه كما لو بينه ابتداء ويحتمل أنه إذا ادعى كل واحد أنه المغصوب منه توجهت عليه اليمين لكل واحد منهما أنه لم يغصبه فإذا حلف لأحدهما لزمه دفعه للآخر لأن ذلك يجري مجرى تعيينه وإن نكل عن اليمين لهما سلمت إلى أحدهما "وإن أقر بألف في وقتين لزمه ألف واحد" لأن الأصل براءة الذمة من الزائد والعرف شاهد بذلك ولأنه لو قال رأيت زيدا ثم قال رأيت زيدا كان الثاني: هو الأول: والرؤية إنما هي الرؤية أولا ونظير ذلك أن الله تعالى لما أخبر عن إرسال نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى وكرر ذلك في مواضع لم تكن القصة الثانية: غير الأولى "وإن أقر بألف من ثمن عبد ثم أقر بألف من ثمن فرس أو قرض لزمه ألفان" لاختلاف سببهما كقوله رأيت زيدا الطويل ثم قال رأيت زيدا القصير لم يكن الثاني: الأول: البتة وكذا إن ذكر ما يقتضي التعدد كأجلين لهما أو سكنين أو صفتين لزمه ألفان كمن قال قبضت ألفا يوم السبت وألفا يوم الأحد بخلاف تعدد الإشهاد فلو قيد أحدهما بسبب وأطلق الآخر حمل المطلق على المقيد ولزمه ألف واحدة مع اليمين ولو شهد بكل إقرار شاهد جمع قولهما لاتحاد المخبر عنه ولا جمع في الأفعال "وإذا ادعى رجلان دارا في يد غيرهما شركة بينهما بالتسوية فأقر لأحدهما بنصفها فالمقر به بينهما" في قول أبي الخطاب وقدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الشرح لاعترافهما أن الدار لهما مشاعة فالنصف المقر بينهما كالباقي وقال القاضي وجزم به في الوجيز إن أضافا(10/262)
وإن قال في مرض موته هذه الألف لقطة فتصدقوا به ولا مال له غيره لزم الورثة الصدقة بثلثه وحكى عن القاضي أنه يلزمهم الصدقة بجميعه.
__________
الشركة إلى سبب واحد من إرث أو غنيمة أو شراء ونحوه ولم يكونا قبضاها بعد الملك لها فكذلك وإلا اختص المقر له بالمقر به لأن نصيب كل منهما يتعلق بنصيب الآخر بدليل ما لو كان الميراث طعاما فهلك بعضه أو غصب كان الذاهب بينهما والباقي بينهما فكذا الإقرار.
مسألة: إذا قال من العين في يده النصف لي والباقي أجهل ربه أخذ ما ادعى وفي الباقي أوجه ومن ادعى عينا في يد زيد فأقر بها لعمرو وكذبه عمرو وإن أقر له بكلها فالمقر له مقر لشريكه في الدعوى بالنصف وإن كان ما أقر له بالشركة بل ادعى كلها خاصمه في النصف فإن ادعى على عمرو وبكر عينا في أيديهما فصدقه أحدهما فنصيبه له فإن صالحه عنه بمال صح فإن طلب المنكر الشفعة أخذها إن تعدد سبب ملكيهما وإن اتحد فوجهان "وإن قال في مرض موته هذه الألف لقطة فتصدقوا به ولا مال له غيره لزم الورثة الصدقة بثلثه" قاله أبو الخطاب وقدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لأنه جميع ماله فالأمر بالصدقة به وصية بجميع المال فلا يلزم منه إلا الثلث وظاهره لا فرق بين أن يصدقوا أو يكذبوه "وحكي عن القاضي أنه تلزمهم الصدقة بجميعه" هذا رواية لأن أمره بالصدقة به يدل على تعديه فيه على وجه يلزمهم الصدقة بجميعه فيكون ذلك إقرارا منه لغير وارث فيجب امتثاله وكالإقرار في الصحة ولو قال فيها لوكيله هذه الألف لقطة فتصدق بها لزمه فكذا إذا قال في مرضه والأول: أصح لأن الإقرار في المرض يفارق الإقرار في الصحة في أشياء
والفرق بين الوكيل والورثة لأنه مأمور بخلاف الورثة فإن تصدقهم بذلك يستلزم لزوم ضمانه عليهم وجزم السامري ب إن قلنا: لا يملك اللقطة فبكله وإلا بثلثه إن ملكه بعد الحول.
فرع: إذا أعتق عبدا أو وهبه وليس له سواه ثم أقر بدين نفذ عتقه(10/263)
فصل
إذا مات رجل وخلف مائة فادعاها رجل فأقر ابنه له بها ثم ادعاها آخر فأقر له فهي للأول ويغرمها للثاني وإن أقر بها لهما جميعا فهي بينهما وإن أقر لأحدهما وحدة فهي له ويحلف للآخر وإن ادعى رجل على الميت مائة دينا فأقر له ثم ادعى آخر مثل ذلك فأقر له ولم يخلف الميت إلا مائة فإن كان في مجلس واحد فهي بينهما وإن كانا في مجلسين فهي للأول ولا شيء للثاني.
__________
وهبته ولم ينقضا بإقراره نص عليه وقيل: بلى ويباع فيه وإن أقر مريض بدين ثم بوديعة أو بالعكس فرب الوديعة أحق بها.
فصل
"إذا مات رجل وخلف مائة فادعاها رجل فأقر ابنه له بها ثم ادعاها آخر فأقر له فهي للأول" لأنه قد أقر له بها ولا معارض له فوجب كونها له عملا بالإقرار السالم عن المعارض ويغرمها للثاني لأنه حال بينه وبينها فلزمه غرامتها له كما لو شهد بمال ثم رجع بعد الحكم "وإن أقر بها لهما معا فهي بينهما" لتساويهما "وإن أقر لأحدهما وحده فهي له" لإقرار له فاختص بها "ويحلف للآخر" في الأصح قاله في الرعاية لأنه يحتمل أنه المستحق واليمين طريق ثبوت الحق أو بدله وإن نكل قضي عليه لأن النكول كالإقرار ولو أقر لزمه الغرم فكذا إذا نكل عن اليمين "وإن ادعى رجل على الميت مائة دينا" أي: بدين يستغرق التركة قاله في المحرر والفروع "فأقر له ثم ادعى آخر مثل ذلك فأقر له ولم يخلف الميت إلا مائة فإن كان في مجلس واحد فهي بينهما" لأن حكم المجلس الواحد حكم الحالة الواحدة "وإن كان في مجلسين فهي للأول ولا شيء للثاني" ذكره الخرقي والسامري والمؤلف في الكافي وجزم به في الشرح والوجيز لأن الأول: استحق تسلمه كله بالإقرار فلا يقبل إقرار الوارث بما(10/264)
وإن خلف ابنين ومائتين فادعى رجل مائة دينار على الميت فصدقه أحد الابنين وأنكر الآخر لزم المقر نصفها إلا أن يكون عدلا فيحلف الغريم مع شهادته ويأخذ مائة وتكون المائة الباقية بين الابنين.
__________
يسقط حقه لأنه إقرار على غيره وقيل: يقدم الأول: مطلقا وأطلق الأزجي احتمالا يشتركان كإقرار مريض لهما قال في المحرر وظاهر كلام أحمد يتشاركان إن تواصل الكلام بالإقرارين وإلا قدم الأول وقال الشافعي رضي الله عنه يتشاركان مطلقا كإقرار الموروث.
والفرق أن إقرار الموروث لا يتعلق بماله والوارث لا يملك أن يعلق بالتركة دينا آخر ولا يملك التصرف في التركة ما لم يلتزم قضاء الدين بخلاف الموروث "وإن خلف ابنين ومائتين وادعى رجل مائة دينا على الميت فصدقه أحد الابنين وأنكر الآخر لزم المقر نصفها" من سهمه لأنه يقبل إقراره على نفسه ولأنه لا يلزمه أكثر من نصف دين أبيه ولكونه لا يرث إلا نصف التركة فلزمه نصف الدين كما لو ثبت ببينة أو بإقرار الميت ويحلف المنكر ويبرأ "إلا أن يكون عدلا فيحلف الغريم مع شهادته" ولو لزم المقر جميع الدين لم تقبل شهادته على أخيه لكونه يدفع عن نفسه ضررا "ويأخذ مائة" لأن المال ثبت بشاهد ويمين "وتكون المائة الباقية بين الابنين" لأنها ميراث لا تعلق لأحد بها سواهما.
تنبيه: إذا قال لزيد علي عشرة إلا ثلث ما لعمرو علي ولعمرو علي عشرة إلا ربع ما لزيد علي فخذ مخرج الثلث والربع اثني عشر أسقط منه أحدا يبقى أحد عشر وهو الجزء المقسوم عليه ثم أسقط من المخرج الثلث أربعة يبقى ثمانية تضربها في عشرة تبلغ ثمانين تقسمها على أحد عشر تخرج سبعة وثلاثة أجزاء من أحد عشر جزءا من أحد وهو دين زيد ثم أسقط من المخرج ربعه يبقى تسعة تضربها في العشرة تبلع تسعين تقسمها على أحد عشر تخرج ثمانية وجزءان من أحد عشر جزءا من أحد وهو دين عمر.
مسألة: إذا قال لزيد علي عشرة إلا نصف ما لعمرو علي ولعمرو علي عشرة إلا ثلث ما لزيد فاجعل لزيد شيئا ولعمرو عشرة إلا ثلث شيء،(10/265)
وإن خلف ابنين وعبدين متساويي القيمة لا يملك غيرهما فقال أحد إلا الابنين أبي أعتق هذا في مرضه وقال الآخر بل أعتق هذا الآخر عتق من كل واحد ثلثه وصار لكل ابن سدس العبد الذي أقر بعتقه ونصف العبد الآخر وإن قال أحدهما أبي أعتق هذا وقال الآخر أبي أعتق أحدهما لا أدري من منهما أقرع بينهما فإن على الذي اعترف الابن بعتقه عتق منه ثلثاه إن لم يجيزا عتقه كاملا وإن وقعت على الآخر كان
__________
فنصف دين عمرو خمسة إلا سدس شي فهذا يعدل ثلثي دين زيد وهو ثلثا شيء فاجبر الخمسة إلا سدس شيء بسدس شيء وزد مثله على الشيء يصير خمسة أسداس شيء فابسط الدراهم الخمسة من جنسها أسداسا تكن ثلثين اقسمها على الخمسة أسداس تخرج بالقسمة ستة وهي دين زيد فعلم أن الدين الآخر ثمانية لأن الستة تنقص عن العشرة بنصف الثمانية "وإن خلف ابنين وعبدين متساويي القيمة لا يملك غيرهما فقال أحد الابنين أبي أعتق هذا في مرضه وقال الآخر بل أعتق هذا الآخر عتق من كل واحد ثلثه" لأن كل واحد منهما حقه نصف العبدين فقبل قوله في عتق حقه من الذي عينه وهو ثلثا النصف الذي له وذلك الثلث لأنه يعترف بحرية ثلثيه فيقبل قوله في حقه منهما وهو الثلث ويبقى الرق في ثلثه فله نصفه وهو السدس ونصف العبد الذي ينكر عتقه وقد بينه بقوله: "وصار لكل ابن سدس العبد الذي أقر بعتقه ونصف العبد الآخر" لأن كل ابن يملك نصف كل عبد وقد عتق ثلث الذي أقر بعتقه يبقى سدسه ونصف الآخر على ما كان عليه قبل الإقرار "وإن قال: أحدهما أبي أعتق هذا وقال الآخر أبي أعتق أحدهما لا أدري من منهما أقرع بينهما" لأن رجلا أعتق ستة مملوكين له عن دبر فأقرع بينهم النبي صلى الله عليه وسلم اثنين وارق أربعة شرعت للتمييز ولا تقوم مقام الذي لم يعين عتقه "فإن وقعت القرعة على الذي اعترف الابن بعتقه عتق منه ثلثاه" لأنه الثلث كما لو عيناه بقولهما "إن لم يجيزا أعتقه كاملا" فإذا أجازاه عتق كله عملا بالعتق السالم عن المعارض "وإن وقعت على الآخر كان(10/266)
حكمه حكم ما لو عينا العتق في العبد الثاني سواء .
__________
حكمه حكم ما لو عينا العتق في العبد الثاني سواء" لأن القرعة جعلته مستحقا للعتق بالنسبة إلى الابن المدعي عدم المعرفة فصارا بمنزلة ما لو عينه فعلى هذا يعتق ثلث كل واحد ويبقى سدس الخارج بالقرعة الذي قال لا أدري ونصفه للابن الآخر ويبقى نصف العبد الآخر للابن الذي قال لا أدري وسدس الآخر فإن رجع الابن الذي جهل عين العتق فعين أحدهما عتق منه ثلثه وهل يبطل العتق في الذي عتق بالقرعة فيه وجهان.(10/267)
باب الإقرار بالمجمل
إذا قال له علي شيء أو كذا قيل: فسر فإن أبى حبس حتى يفسر فإن مات أخذوا إرثه بمثل ذلك إن خلف الميت شيئا يقضي منه.
__________
باب الإقرار بالمجمل
المجمل ما لم تتضح دلالته وهو نقيض المبين وهو ما احتمل أمرين فصاعدا على السواء
"إذا قال له: علي شيء أو كذا" صح إقراره بغير خلاف نعلمه ويفارق الدعوى حيث لا تصح بالمجهول لكون الدعوى له والإقرار عليه فلزمه ما عليه مع الجهالة دون ماله ولأن الدعوى إذا لم تصح فله تحريرها والمقر لا داع له إلى التحرير ولا يؤمن رجوعه عن إقراره فألزمنا مع الجهالة وتصح الشهادة على الإقرار به كالمعلوم "وقيل: فسر" أي: يلزمه تفسيره لأن الحكم بالمجهول لا يصح "فإن أبى حبس حتى يفسر" أي: إذا امتنع من التفسير فإنه يحبس حتى يفسر ذكره الأصحاب لأن التفسير حق عليه فإذا امتنع منه حبس عليه كالمال وقال القاضي يجعل ناكلا ويؤمر المقر له بالبيان فإن بين شيئا فصدقه المقر ثبت وإن كذبه وامتنع من البيان قيل: له إن بينت وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك "فإن مات أخذوا إرثه بمثل ذلك إن خلف الميت شيئا يقضى منه" زاد في المحرر والرعاية والفروع و قلنا: لا يقبل تفسيره بحد قذف لأن الحق ثبت على مورثهم فتعلق بتركته(10/267)
مسائل
وإن قال: له عندي تمر في جراب أو سكين في قراب أو ثوب في منديل أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج فهل يكون مقرا بالظرف والعمامة والسرج؟ يحتمل وجهين.
__________
فاقتضى ثبوتهما كما لو قال أنت طالق وإن قال درهم ودرهم ودرهم أو رتب بثم لزمه ثلاثة قدمه في الكافي والشرح وغيرهما لأن العطف يقتضي المغايرة فوجب أن يكون الثالث غير الثاني و الثاني: غير الأول والإقرار لا يقتضي تأكيدا فوجب حمله على العدد وفي الرعاية أنه إذا أراد بالثالث تكرار الثاني وتوكيده صدق ووجب اثنان وإن أراد تكرار الأول وتوكيده فلا.
وكذا إن قال درهم درهم درهم فيجب مع الإطلاق ثلاثة ذكره المؤلف والسامري وقدمه في الرعاية كقوله ثلاثة دراهم وقيل: درهمان وإن قال درهم ودرهم ثم درهم أو درهم فدرهم ثم درهم أو درهم ثم درهم فدرهم لزمه ثلاثة وجها واحدا لأن الثالث: مغاير للثاني فلم يحتمل التأكيد "وإن قال له عندي تمر في جراب أو سكين في قراب أو ثوب في منديل أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج فهل يكون مقرا بالظرف والعمامة والسرج يحتمل وجهين":
أحدهما: يكون مقرا بالمظروف فقط اختاره ابن حامد وجزم به في الوجيز وقاله أكثر العلماء لأن إقراره لم يتناول الظرف لأنه يحتمل أن يكون في ظرف للمقر وكجنين في جارية أو دابة في بيت.
الثاني: يكون مقرا بالثاني كالأول لأنه ذكره في سياق الإقرار أشبه المظروف واختار الشيخ تقي الدين فيما إذا قال عبد عليه عمامة يكون مقرا بهما وكذلك إن قال غصبت ثوبا في منديل أو زيتا في زق أو دراهم في كيس أو في صندوق وقيل: إن قدم المظروف فهو مقر به وإن أخره فهو مقر بظرفه وقيل: مقر بالعمامة دون السرج فأما إن قال عبد بعمامة أو بعمامته أو دابة بسرج أو بسرجها أو سيف بقراب أو قرابه لزمه ما(10/278)
وإن قال: له عندي خاتم فيه فص كان مقرا بهما وإن قال: فص في خاتم احتمل وجهين وإن قال له علي درهم أو دينار لزمه أحدهما يرجع إليه في تعيينه.
__________
ذكره لأن الباء تعلق الثاني: بالأول فإن قال في يدي دار مفروشة فوجهان وإن قال له عندي دابة في اصطبل فقد أقر بالدابة وحدها وإن قال له الألف الذي في الكيس فهو مقر بها دون الكيس فإن لم يكن فيه شيء لزماه في الأقيس وإن نقص يتمه "وإن قال له عندي خاتم فيه فص كان مقرا بهما" ذكره في المحرر والوجيز لأن الفص جزء من الخاتم كما لو قال له علي ثوب فيه علم وإن قال خاتم وأطلق لزماه لأنه اسم للجميع وفيهما وجه "وإن قال: فص في خاتم احتمل وجهين" كعلي ثوب في منديل "وإن قال: له علي درهم أو دينار لزمه أحدهما" لأن أو لأحد الأمرين "يرجع في تعيينه إليه" كما لو قال له علي شيء فإن أقر له بنخله لم يقر بأرضها وليس لرب الأرض قلعها وثمرتها للمقر له وفي الانتصار احتمال كالبيع قال أحمد: فيمن أقر بها هي له بأصلها فيحتمل أنه أراد أرضها ويحتمل لا وعليهما يخرج هل له إعادة غيرها فإن سقطت أو قلعها ربها لم يكن له موضعها والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
تم الشرح المبارك المسمى ب المبدع شرح المقنع بحمد الله وعونه وحسن توفيقه على يد العبد الفقير إلى الله تعالى موسى بن أحمد بن موسى الكناني المقدسي الحنبلي غفر الله له ولوالديه ولمن دعا لهم بالمغفرة ولجميع المسلمين وذلك بتاريخ سادس عشر شهر صفر الخير من شهور سنة تسع وثمانين وثمانمائة أحسن الله تقضيها في خير وعافية آمين وكان ذلك بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر قدس الله روحه ونور ضريحه بصالحية دمشق المحروسة أمنها الله تعالى من سائر المخافات آمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم استغفر الله وأتوب إليه.(10/279)