وإن أكل مثله فعلى وجهين.
باب التأويل في الحلف
ومعنى التأويل: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره.
ـــــــ
"وإن أكل مثله فعلى وجهين" أحدهما يحنث لأنه يستحيل في العادة انفراد ما اشتراه زيد من غيره فيكون الحنث ظاهرا.
والثاني: لا يحنث وجزم به في "الوجيز" لأن الأصل عدم الحنث ولم نتيقنه فعلى هذا كل موضع لا يحنث فحكمه حكم ما لو حلف لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة على ما نذكره وإن قابل زيد في مأكول كان باعه شيئا فأكل منه فهل يحنث على وجهين فإن كان اشترى شيئا سلما أو أخذه على وجه الصلح فأكل منه حنث.
باب التأويل في الحلف
"ومعنى التأويل أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره" مثل أن يحلف أنه أخي يريد أخوة الإسلام وبالسقف والبناء السماء وبالبساط والفراش الأرض وبالأوتاد الجبال وباللباس الليل أو يقول ما رأيت فلانا أي ما ضربت رئته وما ذكرته أي ما قطعت ذكره وكقوله جواري أحرار يعني سفنه ونسائي طوالق أي أقاربه أو يقول ما كاتبت فلانا ولا عرفته ولا علمته ولا سألته حاجة ولا أكلت له دجاجة ولا فروجة ولا شربت له ماء ولا في بيتي فراش ولا حصير ولا بارية ويعني بالمكاتبة مكاتبة الرقيق وبالتعريف جعله عريفا وبالإعلام جعله أعلم الشفة والحاجة الشجرة الصغيرة والدجاجة الكبة من الغزل والفروجة الدراعة والفرش صغار(7/350)
فإن كان الحالف ظالما لم ينفعه تأويله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك"
ـــــــ
الإبل والحصير الجيش والبارية السكين التي يبرى بها فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه إذا عناه بيمينه فهو تأويل لأنه خلاف الظاهر.
"فإن كان الحالف ظالما لم ينفعه تأويله" بغير خلاف نعلمه "لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" وفي لفظ: "اليمين على نية المستحلف" رواهما مسلم وعلم منه أنه إذا كان مظلوما فله تأويله نص عليه لحديث سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا فحلفت أنه أخي فخلي سبيله فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك فقال: "كنت أبرهم وأصدقهم المسلم أخو المسلم" رواه أبو داود وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" رواه الترمذي قال محمد بن سيرين الكلام أوسع من أن يكذب ظريف خص الظريف بذلك يعني به الكيس الفطن فإنه يفطن التأويل فلا حاجة إلى الكذب فإن كان لا ظالما ولا مظلوما فظاهر كلام أحمد أن له تأويله لأنه عليه السلام كان يمزح ولا يقول إلا حقا ومزاحه أن يوهم السامع بكلامه غير ما عناه وهو التأويل فقال عليه السلام لعجوز لا تدخل الجنة عجوز يعني أن الله تعالى ينشئهن أبكارا عربا أترابا.
مسائل: الأولى: إذا حلف ليقسمن بين ثلاث نسوة ثلاثين قارورة عشر مملوءة وعشر فرغ وعشر منصف قلب كل منصفة في أخرى فلكل واحدة خمس مملوءة وخمس فرغ.
الثانية: إذا كان له ثلاثون نعجة عشر ولدت كل واحدة سخلة وعشر اثنتين وعشرة ثلاثا وحلف ليجعلن لكل امرأة ثلاثا ولا يفرق بين سخلة وأمها أعطى الكبرى عشرة نتجت عشرين والوسطى نصف ما نتج سخلة ونصف ما نتج ثلاثا بسخالها وكذا الصغرى.(7/351)
فإذا أكلا تمرا فحلف لتخبرني بعدد ما أكلت أو لتميزن نوى ما أكلت فإنها تفرد كل نواة وحدها وتعد من واحد إلى عدد يتحقق دخول ما أكل فيه.
ـــــــ
الثالثة: إذا حلف أنه رأى ثلاث إخوة لأبوين أحدهم عبد والآخر مولى والآخر عربي لا ولاء عليه هذا رجل تزوج بأمة فولدت ابنا فهو عبد ثم كوتبت فأدت وهي حامل فأتت بابن فتبعها فهو مولى ثم ولدت بعد الأداء ابنا فهو عربي بلا ولاء.
الرابعة: إذا حلف أن خمسة زنوا بامرأة فلزم الأول القتل والثاني والرجم والثالث الجلد والرابع نصف الحر ولم يلزم الخامس شيء فالأول ذمي والثاني محصن والثالث بكر والرابع عبد والخامس حربي.
الخامسة: إذا حلف ليخبرنه بشيء رأسه في عذاب وأسفله في شراب وأوسطه في طعام وحوله سلاسل وأغلال وحبسه في بيت ضيق فهو فتيلة القنديل.
السادسة: إذا حلف أنه يحب الفتنة ويكره الحق ويشهد بما لم يره وهو بصير ولا يخاف من الله ولا رسول الله وهو مؤمن عدل فجوابه أنه يحب المال والولد ويكره الموت ويشهد بالغيب والحساب ولا يخاف من الله ولا رسوله الظلم والجور.
السابعة: لو سئل عن طعم نجو الآدمي قيل إنه أولا حلو لسقوط الذباب عليه ثم حامض لأنه يدود ثم مر لأنه يلدح.
"فإذا أكلا تمرا فحلف لتخبرني بعدد ما أكلت أو لتميزن نوى ما أكلت فإنها تفرد كل نواة وحدها وتعد من واحد إلى عدد يتحقق دخول ما أكل فيه" ولا يحنث إذا كان نيته ذلك وإن نوى الإخبار بكميته من غير زيادة ولا نقص لم يبرأ إلا بذلك وإن أطلق فقياس المذهب أنه كذلك لأن الأيمان تنبني على المقاصد إلا أن تكون حيلة فيحنث.(7/352)
وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا تدخله بارية فإنه يدخل قصبا وينسجه فيه وإن حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق فيه بيضا وإن حلف لا يأكل بيضا ولا تفاحا وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجده بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفا ومن التفاح شرابا وإن كان على سلم فحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة فلتنزل العليا ولتصعد السفلى فتنحل يمينه وإن حلف لا أقمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر.
ـــــــ
فرع: لو كان في فيها تمرة فقال أنت طالق إن أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها انبنى على فعل بعض المحلوف عليه.
"وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا تدخله بارية فإنه يدخل قصبا وينسجه فيه" ويجلس عليها في البيت ولا يحنث لأنه لم يدخله بارية وإنما أدخله قصبا وفي "المحرر" وإن حلف لا يدخل بيته بارية فأدخل قصبا لذلك فنسجت فيه حنث وإن طرأ قصده والقصب فيها فوجهان.
"وإن حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق فيه بيضا" لأن الصفة وجدت لكون أن الملح لا يدخل في البيض "وإن حلف لا يأكل بيضا ولا تفاحا وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجده بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفا ومن التفاح شرابا" ويأكل منه بغير حنث لأن ذلك ليس ببيض ولا تفاح وقيل يحنث مع التعيين "وإن كان على سلم فحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة فلتنزل العليا وتصعد السفلى فتنحل يمينه" لأن ما فعله سبب إلى عدم حنثه وأما كونه تنحل يمينه فلأنه لم يبق حنثه ممكنا لزوال الصورة المحلوف عليها.
"وإن حلف لا أقمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر" فتنحل يمينه لأنه إنما نزل أو صعد من غيره.(7/353)
وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا تدخله بارية فإنه يدخل قصبا وينسجه فيه وإن حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق فيه بيضا وإن حلف لا يأكل بيضا ولا تفاحا وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجده بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفا ومن التفاح شرابا وإن كان على سلم فحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة فلتنزل العليا ولتصعد السفلى فتنحل يمينه وإن حلف لا أقمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر.
ـــــــ
فرع: لو كان في فيها تمرة فقال أنت طالق إن أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها انبنى على فعل بعض المحلوف عليه.
"وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا تدخله بارية فإنه يدخل قصبا وينسجه فيه" ويجلس عليها في البيت ولا يحنث لأنه لم يدخله بارية وإنما أدخله قصبا وفي "المحرر" وإن حلف لا يدخل بيته بارية فأدخل قصبا لذلك فنسجت فيه حنث وإن طرأ قصده والقصب فيها فوجهان.
"وإن حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق فيه بيضا" لأن الصفة وجدت لكون أن الملح لا يدخل في البيض "وإن حلف لا يأكل بيضا ولا تفاحا وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجده بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفا ومن التفاح شرابا" ويأكل منه بغير حنث لأن ذلك ليس ببيض ولا تفاح وقيل يحنث مع التعيين "وإن كان على سلم فحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة فلتنزل العليا وتصعد السفلى فتنحل يمينه" لأن ما فعله سبب إلى عدم حنثه وأما كونه تنحل يمينه فلأنه لم يبق حنثه ممكنا لزوال الصورة المحلوف عليها.
"وإن حلف لا أقمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر" فتنحل يمينه لأنه إنما نزل أو صعد من غيره.(7/354)
وإن حلف على امرأته لا سرقت مني شيئا فخانته في وديعته لم يحنث إلا أن ينوي.
ـــــــ
"وإن حلف على امرأته لا سرقت مني شيئا فخانته في وديعته لم يحنث" لأن الخيانة ليست بسرقة "إلا أن ينوي" ذلك فيحنث لأن اللفظ صالح أن يراد به ذلك وقد نواه فوجب الحنث ضرورة المخالفة في المحلوف عليه أو يكون له سبب.
فرع: إذا استحلفه ظالم هل رأيت فلانا أو لا وكان قد رآه فإنه يعني برأيت ما ضربت رئته وإن قال إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر وإن كان عبدي في السوق فامرأته طالق وكانا في السوق عتق العبد ولم تطلق لأنه عتق باللفظ الأول فلما عتق لم يبق له في السوق عبد ويحتمل أن يحنث إن أراد عبدا بعينه بناء على من حلف على معين تعلق اليمين بعينه دون صفته.
مسائل: إذا حلف أنه يطأ في يوم ولا يغتسل فيه مع قدرته على استعمال الماء ولا تفوته صلاة مع الجماعة فإنه يصلي الفجر والظهر والعصر ويطأ بعدها ويغتسل بعد المغرب ويصلي معه.
إذا قال أنت طالق إن لم أطأك في رمضان ثم سافر ثلاثة أيام ثم وطئ فقال أحمد لا يعجبني لأنها حيلة وقال في رواية بكر بن محمد إذا حلف على فعل شيء ثم احتال بحيلة فصار إليها فقد صار إلى ذلك الذي حلف عليه بعينه وقال القاضي الصحيح أنها تنحل به اليمين ويباح به الفطر لأن إرادة حل اليمين من المقاصد الصحيحة.
إذا حلف في شعبان ليجامعن امرأته في شهرين متتابعين فدخل رمضان سافر بها فإن حاضت فوطئ فيه كفر عن كل وطء في الحيض كفارته وعنه: لا يطأ وتطلق كمن حلف ليسقين ولده خمرا نص عليه.
سئل أحمد عن رجل حلف لا يفطر في رمضان فقال للسائل اذهب إلى(7/355)
باب الشك في الطلاق
إذا شك هل طلق أم لا؟ لم تطلق.
ـــــــ
بشر ابن الوليد فاسأله ثم ائتني فأخبرني فذهب فسأله فقال له بشر إذا أفطر أهلك فاقعد معهم ولا تفطر فإذا كان السحر فكل واحتج بقوله عليه السلام: "هلموا إلى الغداء المبارك" فاستحسنه أحمد رضي الله عنه.
باب الشك في الطلاق
الشك في الاصطلاح تردد على السواء وهنا مطلق التردد.
"إذا شك هل طلق أم لا؟" أوشك في وجود شرطه "لم تطلق" نص عليه وهو قول أكثرهم لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك ويشهد له قوله عليه السلام: "فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك قال المؤلف والورع إلزام الطلاق وعن شريك أنه إذا شك في طلاقه طلقها واحدة ثم راجعها لتكون الرجعة عن طلقة صحيحة فتكون صحيحة في الحكم وفيه نظر لأن التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك في الطلاق ولا يفتقر إلى ما تفتقر إليه العبادات من النية ولأنه لو شك في طلقتين فطلق واحدة لصار شاكا في تحريمها عليه فلا تفيده الرجعة وقيل يلزمه حكمه مع شرط عدمي نحو لقد فعلت كذا أو إن لم أفعله اليوم فمضى وشك في فعله لزمه الطلاق قال في "المحرر" وتمام الورع في الشك قطعه برجعة أو عقد إن أمكن وإلا فتفرقة متيقنة بأن يقول إن لم تكن طلقت فهي طالق.(7/356)
وإن شك في عدده بنى على اليقين وقال الخرقي إذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أو ثلاثا لا يحل له وطؤها حتى يتيقن وكذلك قال فيمن حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة منع من وطء امرأته حتى يتيقن أنها ليست التي وقعت اليمين عليها ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله.
ـــــــ
"وإن شك في عدده بنى على اليقين" نص عليه لأن ما زاد على اليقين طلاق مشكوك فيه فلم يقع كما لو شك في أصل الطلاق فلو شك هل طلق اثنتين أو واحدة فهي واحدة لأنها اليقين وأحكامه أحكام المطلق دون الثلاث من إباحة الرجعة وحل الوطء وإذا راجع عادت إلى ما كانت عليه قبل الطلاق وكذا لو قال لها أنت طالق بعدد ما طلق فلان زوجته وجهل عدده فطلقة.
"وقال الخرقي إذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا لا يحل له وطؤها حتى يتيقن" هذا رواية عن أحمد أنه يحرم عليه وطؤها لأنه متيقن للتحريم شاك في التحليل وعليه نفقتها ما دامت في العدة لأن الأصل بقاؤها استنادا لبقاء النكاح ولأنه لو تنجس ثوبه ولم يدر موضع النجاسة منه لا يحل له أن يصلي فيه حتى يغسل ما تيقن به طهارته فكذا هنا والجامع بينهما تيقن الأصل والشك فيما بعده وظاهر كلام الإمام والأصحاب أنه إذا راجعها حلت له لأن الرجعة مزيلة لحكم المتيقن من الطلاق فإن التحريم أنواع تحريم تزيله الرجعة وتحريم يزيله نكاح جديد وتحريم يزيله نكاح بعد زوج وإصابة ومن تيقن الأدنى لا يثبت فيه حكم الأعلى كمن تيقن الحدث الأصغر لا يثبت فيه حكم الأكبر ويخالف الثوب فإن غسل بعضه لا يرفع ما تيقنه من النجاسة ومن أصحابنا من منع حصول التحريم بالطلاق لكون الرجعة مباحة فلم يكن التحريم متيقنا.
"وكذلك قال فيمن حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة منع من وطء امرأته حتى يتيقن أنها ليست التي وقعت اليمين عليها ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله" إذا تيقن أكل التمرة المحلوف عليها، أو أنه لم(7/357)
وإن قال لامرأتيه إحداكما طالق ينوي واحدة معينة طلقت وحدها وإن لم ينو أخرجت المطلقة بالقرعة.
ـــــــ
يأكلها فلا إشكال في ذلك بغير خلاف فإن أكل منها شيئا قل أو كثر ولم يدر أكلها أو لا فلا يتحقق حنثه لأن الباقية يحتمل أنها المحلوف عليها ويقين النكاح ثابت فلا يزول بالشك فعلى هذا حكم الزوجية باق إلا في الوطء فإن الخرقي يمنع منه لأنه شاك في حلها كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية وذكر أبو الخطاب وغيره أنها باقية على الحل لأن الأصل الحل فلا يزول بالشك كسائر أحكام النكاح وكما لو شك هل طلق أم لا فإن كانت يمينه ليأكلن هذه التمرة فلا يتحقق بره حتى يعلم أنه أكلها.
فرع: إذا قال لزوجتيه أو أمتيه إحداكما طالق أو حرة غدا فماتت إحداهن قبل الغد طلقت وعتقت الباقية في ظاهر المذهب وقيل يقرع بينهما كموتهما وهل تطلق إذن أو منذ طلق فيه وجهان.
"وإن قال لامرأتيه إحداكما طالق ينوي واحدة معينة طلقت وحدها" لأنه عينها بنيته أشبه ما لو عينها بلفظه فإن قال أردت فلانة قبل لأن ما قاله محتمل ولا يعرف إلا من جهته "وإن لم ينو أخرجت المطلقة بالقرعة" نص عليه في رواية جماعة روي عن علي وابن عباس ولا مخالف لهما في الصحابة وقاله الحسن وأبو ثور ولأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق وقد ثبت الأصل بقرعته عليه السلام بين العبيد الستة ولأن الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بقرعة كإعتاق عبيده في مرضه وكالسفر بإحدى نسائه وكالمنسية وعنه: يعين أيتهما شاء وقاله أكثر العلماء وذكرها بعضهم في العتق لأنه لا يمكن إيقاعه ابتداء ويعينه فإذا أوقعه ولم يعينه ملك تعيينه لأنه استيفاء ما ملكه وقال قتادة يطلقن جميعا ورد بأنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم تطلق الجميع كما لو عينها.
فرع: لا يطأ إحداهما قبل القرعة أو التعيين وهل وطء إحداهما تعيين لغيرها قال ابن حمدان يحتمل وجهين والأصح أنه ليس تعيينا لغيرها ولا يقع بالتعيين(7/358)
وإن طلق واحدة بعينها وأنسيها فكذلك عند أصحابنا وإن تبين أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة ردت إليه في ظاهر كلامه.
ـــــــ
بل يتبين وقوعه في المنصوص فإن مات أقرع الورثة فمن قرعت لم تورث نص عليه.
تنبيه: إذا قال امرأتي طالق أو أمتي حرة ونوى معينة انصرف إليها وإن نوى مبهمة فهي مبهمة فيهن وإن لم ينو شيئا فالمذهب تطلق نساؤه وتعتق إماؤه روي عن ابن عباس لأن الواحد المضاف يراد به الكل لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: من الآية18] وقال الجماعة: يقع على واحدة مبهمة كما لو قال إحداكما طالق لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجميع إلا مجازا ولو احتمل وجب صرفه على الواحدة لأنها اليقين وما زاد مشكوك فيه قال في "الشرح" وهذا أصح.
"وإن طلق واحدة بعينها وأنسيها فكذلك عند أصحابنا" أي ذهب أكثر الأصحاب إلى أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة قال في "المحرر" هو المشهور لأنه بعد النسيان لا تعلم المطلقة منهما فوجب أن تشرع القرعة فيها وحينئذ تجب النفقة حتى يقرع وقد روى إسماعيل بن سعيد عن أحمد أن القرعة لا تستعمل هنا لمعرفة الحل وإنما تستعمل لبيان الميراث قال في "الشرح" لا ينبغي أن يثبت الحل بالقرعة وهو قول أكثر أهل العلم فالكلام إذا في شيئين أحدهما في في المنسية في التوريث الثاني استعمالها في الحل فالأول جائز لأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة صح كالشركاء في القسمة وأما الثاني فلا يصح استعمالها لأنها اشتبهت زوجته بأجنبية فلم تحل إحداهما بالقرعة.
"وإن تبين أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة ردت إليه في ظاهر كلامه" لأنه ظهر أنها غير مطلقة والقرعة ليست بطلاق ولا كناية وهذا إذا لم تكن تزوجت لأنه أمر لا يعرف إلا من جهته فقبل قوله "إلا أن تكون(7/359)
إلا أن تكون قد تزوجت أو تكون بحكم حاكم وقال أبوبكر وابن حامد تطلق المرأتان والصحيح أن القرعة لا مدخل لها هاهنا وتحرمان عليه جميعا كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية وإن طار طائر فقال إن هذا غرابا ففلانة طالق وإن لم يكن غرابا ففلانة طالق فهي كالمنسية.
ـــــــ
قد تزوجت" لأنها قد تعلق بها حق الزوج الثاني "أو تكون" القرعة "بحكم حاكم" نص عليه في رواية الميموني لأن قرعة الحاكم بينهما حكم بالتفريق وليس لأحد رفع ما حكم به الحاكم قال ابن أبي موسى وفي هذا دليل على أن لحكم الحاكم تأثيرا في التحريم.
"وقال أبو بكر وابن حامد" وقدمه في "الرعاية" "تطلق المرأتان" أما المطلقة فحقيقة وأما التي خرجت بالقرعة فلأن الطلاق إذا وقع يستحيل رفعه ولأنها حرمت عليه بقوله وترثه إن مات ولا يرثها وعلى قولهما يلزمه نفقتها ولا يحل له وطؤها والأولى بالقرعة قاله في "الشرح" وذكر في "الرعاية" على قولهما إن مات قبلها أقرع الورثة فمن قرعت لم ترث وإن ماتتا أو إحداهما قبله فمن قرعت لم يرثها مع طلاق بائن "والصحيح" عند المؤلف وهو رواية "أن القرعة لا مدخل لها ها هنا" أي في المعينة المتقدم ذكرها "وتحرمان عليه جميعا كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية" ولأن القرعة لا تزيل حكم المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليها لأنه لو ارتفع لما عاد إذا تبين أنها مطلقة وفارق ما قاسوا عليه فإن الحق لم يثبت لواحد بعينه.
تنبيه: إذا طلق واحدة لا بعينها أو بعينها ثم نسيها فانقضت عدة الجميع فله نكاح خامسة قبل القرعة في الأصح ومتى علمناها بعينها فعدتها من حين طلقها وقيل من حين التعيين فإن مات الزوج قبل التعيين فعلى الجميع عدة الوفاة عند أهل الحجاز والعراق والصحيح أنه يلزم كل واحدة الأطول من عدة وفاة أو طلاق.
"وإن طار طائر فقال إن كان هذا غرابا ففلانة طالق وإن لم يكن غرابا ففلانة طالق" ولم يعلم حاله "فهي كالمنسية" لأن الطائر لابد أن يكون أحدهما،(7/360)
وإن قال إن كان غرابا ففلانة طالق وإن كان حماما ففلانة طالق لم تطلق واحدة مهما إذا لم يعلم وإن قال إن كان غرابا فعبدي حر وقال آخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر ولم يعلماه ولم يعتق عبد واحد منهما وإن اشترى أحدهما عبد الآخر أقرع بينهما حينئذ وقال القاضي يعتق الذي اشتراه.
ـــــــ
فيقع الطلاق بمن وجد شرط طلاقها وقد تقدم ذكر الخلاف فيها لكن لو قال إن كان غرابا فامرأتي طالق ثلاثا وقال آخر إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق ثلاثا ولم يعلماه لم تطلقا وحرم عليهما الوطء إلا مع اعتقاد أحدهما خطأ الآخر.
"وإن قال إن كان غرابا ففلانة طالق وإن كان حماما ففلانة طالق لم تطلق واحدة منهما إذا لم يعلم" لأنه يحتمل أنه غيرهما فلا يزول يقين النكاح بالشك في الحنث فإن ادعت حنثه قبل قوله لأن الأصل معه واليقين في جانبه.
"وإن قال إن كان غرابا فعبدي حر وقال آخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر ولم يعلماه لم يعتق عبد واحد منهما" لأن الأصل بقاء الرق فلا يزول بالشك بخلاف ما إذا كان العبدان لواحد ولأنه معلوم زوال رقه عن أحدهما فلذلك شرعت القرعة.
"وإن اشترى أحدهما عبد الآخر أقرع بينهما حينئذ" قاله أبو الخطاب ونصره في "الشرح" لأن العبدين صارا له وقد علم عتق أحدهما لا بعينه فيعتق لقرعة إلا أن يكون أحدهما أقر أن الحانث صاحبه فيؤخذ بإقراره "وقال القاضي" وقدمه في "الرعاية" "يعتق الذي اشتراه" لأنه ينكر حنث نفسه وذلك يقتضي حنث رفيقه في الحلف فيكون مقرا بحريته فإذا اشتراه وجب الحكم عليه بالعتق ولم يفرق المؤلف بين ما إذا اشتراه بعد أن أنكر حنث نفسه وبين شرائه قبل أن ينكر وفرق بينهما في "المغني" وقال في "المحرر" فاشترى أحدهما نصيب صاحبه وقيل إنما يعتق إذا تكاذبا وإلا أحدهما بالقرعة وهو الأصح وولاء المبيع إن عتق لبيت المال وقيل: للمشتري.(7/361)
وإن قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق أو سلمى طالق واسم امرأته سلمى طلقت امرأته فإن أراد الأجنبية لم تطلق امرأته وإن ادعى ذلك دين وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين.
ـــــــ
فرع: إذا كان الحالف واحدا فقال إن كان هذا غرابا فعبدي حر وإن لم يكن غرابا فأمتي حرة عتق أحدهما بالقرعة فإن ادعى أحدهما أنه الذي عتق أو ادعى ذلك كل واحد منهما قبل قول السيد مع يمينه وإذا قال إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن لم يكن فعبيده أحرار وجهل أقرع بين النساء والعبيد وعليه نفقة الكل قبلها فإن ادعى كل منهم أنه عتق قبل قول السيد وفي يمينه وجهان وكل موضع قلنا يستحلف فنكل قضى عليه فإن قال أنا أعلم أنه كان غرابا غراب قبل منه وإن مات أقرع الورثة وقيل لهم التعيين.
مسألة: إذا زوج بنتا من ثلاث ثم مات وجهلت حرمن ونقل أبو طالب وحنبل تخرج بقرعة قال القاضي وأبو الخطاب وكذا يجيء إذا اختلطت أخته بأجنبيات وفي "عيون المسائل" لا يجوز اعتبار ما لو اختلط ملكه بملك لأجنبي ما لو اختلط ملكه بملكه لأنه إذا اختلط عبده بعبد غيره لم يقرع.
"وإن قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق أو سلمى طالق واسم امرأته سلمى طلقت امرأته" لأن الأصل اعتبار كلام المكلف دون إلغائه فإن أضافه إلى إحدى امرأتين وإحداهما زوجته أو إلى اسم وزوجته مسماة بذلك وجب صرفه إلى امرأته لأنه لو لم يصرف إليها لوقع لغوا.
"فإن أراد الأجنبية لم تطلق امرأته" لأنه لم يصرح بطلاقها ولا لفظ بما يقتضيه ولا نواه فوجب بقاء نكاحها على ما كان عليه.
"وإن ادعى ذلك دين" لأنه يحتمل ما قاله "وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين" أشهرهما أنه لا يقبل ونصره في "الشرح" لأن غير زوجته ليست محلا لطلاقه والثانية بلى وقاله أبو ثور لما قلنا وعلى الأولى إذا كان ثم(7/362)
فإن نادى امرأته فأجابته امرأة له أخرى فقال أنت طالق يظنها المناداة طلقتا في إحدى الروايتين والأخرى تطلق التي ناداها وإن قال علمت أنها غيرها وأردت المناداة طلقتا معا وإن قال أردت طلاق الثانية طلقت وحدها وإن لقي أجنبية ظنها امرأته فقال فلانة أنت طالق طلقت امرأته.
ـــــــ
قرينة دالة على إرادة الأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه فإنه يقبل في الحكم ونقل أبو داود فيمن له امرأتان اسمهما واحد ماتت إحداهما فقال فلانة طالق ينوي الميتة فقال الميتة تطلق كأن أحمد أراد لا يصدق حكما وفي "الانتصار" خلاف في قوله لها ولرجل إحداكما طالق فإن لم ينو زوجته ولا الأجنبية طلقت زوجته لأنها محل للطلاق.
"وإن نادى امرأته فأجابته امرأة له أخرى فقال أنت طالق يظنها المناداة طلقتا في إحدى الروايتين" اختارها ابن حامد لأنها خاطبها بالطلاق فطلقت كما لو قصدها "والأخرى تطلق التي ناداها" فقط قدمها في "المحرر" و "الفروع" لأنه قد تعلق بخطابه المناداة وليست الأخرى مناداة ولأنه لم يقصدها بالطلاق فلم تطلق كما لو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه فقال أنت طالق قال أبو بكر لا يختلف كلام أحمد أنها لا تطلق.
"وإن قال علمت أنها غيرها وأردت طلاق المناداة طلقتا معا" في قولهم جميعا لأن المناداة توجه إليها لفظ الطلاق ونيته والمجيبة توجه إليها بخطابها بالطلاق.
"وإن قال أردت طلاق الثانية طلقت وحدها" لأنه خاطبها بالطلاق ونواها به ولا تطلق غيرها لأن لفظه غير موجه إليها ولا هي منوية.
"وإن لقي أجنبية ظنها امرأته فقال فلانة أنت طالق" هذا قول في المذهب أنها تطلق إذا سمى زوجته والمذهب أنه يقع لقوله "طلقت امرأته" نص عليه لأنه قصد زوجته بصريح الطلاق كما لو قال علمت أنها أجنبية وأردت طلاق(7/363)
كتاب الرجعة
ـــــــ
زوجتي ويحتمل أنها لا تطلق لأنه لم يخاطبها بالطلاق وكما لو علم أنها أجنبية فإن لقي امرأته ظنها أجنبية فقال أنت طالق فهل تطلق فيه روايتان هما أصل المسائل قال ابن عقيل وغيره وجزم به في "الوجيز" على أنه لا يقع وكذا العتق قال أحمد فيمن قال يا غلام أنت حر يعتق عبده الذي نوى وفي "المنتخب" أو نسي أن له عبدا أو زوجة فبان له.
فرع: إذا لقي امرأته يظنها أجنبية فقال أنت طالق أو قال تنحي يا مطلقة أو قال لأمته يظنها أجنبية تنحي يا حرة فقال أبو بكر لا يلزمه عتق ولا طلاق ونصره في "الشرح" لأنه لم يردهما بذلك فلم يقع بهما شيء كسبق اللسان ويخرج على قول ابن حامد أنهما يقعان ويحتمل ألا يقع العتق فقط لأن عادة الناس مخاطبة من لا يعرفها بقوله يا حرة بخلاف المرأة فإنها تطلق.
تذنيب: إذا أوقع كلمة وجهلها هل هي طلاق أو ظهار فقيل يقرع بينهما لأنها تخرج المطلقة بها فكذا أحد اللفظين وقيل لغو قدمه في "الفنون" كمني في ثوب لا يدري من أيهما هو قال في "الفروع" ويتوجه مثله من حلف يمينا ثم جهلها يريد أنه لغو في قول أحمد في رجل قال له حلفت بيمين لا أدري أي شيء هي قال ليت أنك إذا دريت دريت أنا وذكر ابن عقيل رواية تلزمه كفارة يمين:
كتاب الرجعة
الرجعة بفتح الراء أفصح من كسرها قاله الجوهري وقال الأزهري الكسر أكثر وهي لغة المرة من الرجوع وشرعا عبارة عن إعادة بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} [البقرة: من الآية228] أي رجعة قاله الشافعي والعلماء وقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}(7/364)
إذا طلق الحر امرأته بعد دخوله بها أقل من ثلاث والعبد واحدة بغير عوض فله رجعتها مادامت في العدة رضيت أو كرهت وألفاظ الرجعة راجعت امرأتي أو رجعتها أو ارتجعتها أو رددتها أو أمسكتها،
ـــــــ
[الطلاق: من الآية2] فخاطب الأزواج بالأمر ولم يجعل لهن اختيارا وقد روى ابن عمر قال طلقت امرأتي وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مره فليراجعها" متفق عليه وطلق عليه السلام حفصة ثم راجعها رواه أبو داود من حديث عمر رضي الله عنه. "إذا طلق الحر امرأته بعد دخوله بها أقل من ثلاث والعبد واحدة بغير عوض فله رجعتها ما دامت في العدة" أجمع أهل العلم على ذلك ذكره ابن المنذر وإذا فقد قيد منها لم يملك الرجعة فالأول يحترز عن غير المدخول بها لأنه إذا طلقها قبل الدخول فلا رجعة لأنه لا عدة عليها فلا تربص في حقها برجعتها فيه وبالثاني عن المطلقة تمام العدد وبالثالث عن الخلع ونحوه وبالرابع عن انقضاء العدة والمنصوص أن الخلوة هنا كالدخول وقيل لا رجعة لمن خلا بها ولم يطأ وهو قول أكثرهم.
"رضيت أو كرهت" لعموم المنصوص ولأن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية فلم يعتبر رضاها في ذلك ليث في صلب نكاحه ولو بلا إذن سيد وغيره ولو كان مريضا مسافرا نص عليه وقال الشيخ تقي الدين لا يمكن من الرجعة إلا من أراد إصلاحا وأمسك بمعروف وظاهره للحر رجعة أمة وإن كان تحته حرة وشرط المرتجع أهلية النكاح بنفسه فخرج بالأهلية المرتد وبنفسه الصبي والمجنون ولو طلق فجن فلوليه الرجعة على الأصح حيث يجوز له ابتداء النكاح.
فلو كانت حاملا فوضعت بعض الولد فله رجعتها لأنها لم تضع جميع حملها فإذا كانت حاملا باثنين فله رجعتها قبل وضع الثاني في قول عامتهم وقال عكرمة تنقضي عدتها بوضع الأول.
"وألفاظ الرجعة راجعت امرأتي أو رجعتها أو ارتجعتها أو رددتها أو أمسكتها" لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: من الآية228] {فَأَمْسِكُوهُنَّ(7/365)
فإن قال نكحتها أو تزوجتها فعلى وجهين وهل من شرطها الإشهاد على روايتين
ـــــــ
بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: من الآية2] والرجعة ورد بها السنة واشتهرت في العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه وقيل الصريح لفظها لاشتهاره دون غيره كقولنا في صريح الطلاق وذكره في "الرعاية" تخريجا وذكر الحلواني ألفاظها الصريحة ثلاثة أمسكتك وراجعتك وارتجعتك.
"فإن قال نكحتها أو تزوجتها فعلى وجهين" وفي "الإيضاح" روايتان إحداهما: لا تحصل بذلك قدمه السامري وجزم به في "الوجيز" لأن هذا كناية والرجعة استباحة بضع مقصود فلا تحصل بالكناية كالنكاح.
والثاني: بلى أومأ إليه أحمد واختاره ابن حامد لأن الأجنبية تباح به فالرجعية أولى وعلى هذا يحتاج أن ينوي به الرجعة وذكره في "الوجيز" و "التبصرة" و "المغني" و "الشرح" لأن ما كان كناية تعتبر له النية ككنايات الطلاق وفي "الترغيب" هل يحصل بكناية أعدتك أو استدمتك فيه وجهان وفيه وجه لا يحصل بكناية رجعة.
"وهل من شرطها الإشهاد على روايتين" كذا أطلقهما في "الفروع" إحداهما يجب قدمه الخرقي وجزم به أبو إسحاق بن شاقلا ونص عليه في رواية مهنا لقوله تعالى: { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: من الآية2] الطلاق وظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباحة بضع مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح فلو ارتجع بغير إشهاد لم يصح وإن أشهد وأوصى الشهود بكتمانها فالرجعة باطلة نص عليه وقال القاضي يخرج على الروايتين في التواصي بكتمان النكاح.
والثانية: لا يشترط نص عليه في رواية ابن منصور واختارها أبو بكر والقاضي وأصحابه ورجحها في "المغني" و "الشرح" وجزم بها في "الوجيز" لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج ولأن ما(7/366)
والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار والإيلاء ويباح لزوجها وطؤها والخلوة بها والسفر بها ولها أن تتزين وتتشرف له وتحصل الرجعة بوطئها نوى الرجعة أو لم ينو.
ـــــــ
لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد كالبيع وإذا يحمل الأمر على الاستحباب.
ولا شك أن الإشهاد بعد الرجعة مستحب بالإجماع فكذا عندها حذارا من الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد وما قيل إنها استباحة بضع فغير مسلم إذ الرجعة مباحة وجعل المجد هاتين الروايتين على قولنا إن الرجعة لا تحصل إلا بالقول وهو ظاهر وأما على القول بأنها تحصل بالوطء فلا يشترط الإشهاد رواية واحدة وعامة الأصحاب كالقاضي في التعليق يطلقون الخلاف وألزم الشيخ تقي الدين بإعلان الرجعة والتسريح أو الإشهاد كالنكاح والخلع عنده لا على ابتداء الفرقة ولئلا يكتم طلاقها وعلى كل تقدير فالاحتياط أن يقول اشهدا علي أني قد راجعت زوجتي إلى نكاحي أو راجعتها لما وقع عليها طلاقي.
"والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار والإيلاء" ويرث أحدهما صاحبه إن مات بالإجماع وعنه: لا يصح الإيلاء منها فإن خالعها صح خلعه وفيه رواية حكاها في "الترغيب" لأنه يراد للتحريم وهي محرمة وجوابه أنها زوجة يصح طلاقها فصح خلعها كما قبل الطلاق وليس مقصود الخلع التحريم بل الخلاص من ضرر الزوج على أننا نمنع كونه محرمة وتستحق النفقة كالزوجة.
"ويباح لزوجها وطؤها والخلوة والسفر بها ولها أن تتزين وتتشرف له" في ظاهر المذهب وصححه في "المستوعب" قال أحمد في رواية أبي طالب لا تحتجب عنه وفي رواية أبي الحارث تتشرف له ما كانت في العدة لأنها في حكم الزوجات كما قبل الطلاق.
"وتحصل الرجعة بوطئها نوى الرجعة أم لم ينو" على المذهب، اختاره ابن(7/367)
ولا تحصل بمباشرتها والنظر إلى فرجها والخلوة بها لشهوة نص عليه وخرجه ابن حامد على وجهين وعنه: ليست مباحة ولا تحصل الرجعة بوطئها وإن أكرهها عليه فلها المهر إن لم يرتجعها بعده.
ـــــــ
حامد والقاضي وقاله كثير من العلماء لأنه سبب زوال الملك انعقد مع الخيار والوطء من المالك يمنع زواله كوطء البائع في مدة الخيار وكما ينقطع به التوكيل في طلاقها وقال ابن أبي موسى تكون رجعة إذا أراد بها الرجعة وقاله إسحاق.
"ولا تحصل بمباشرتها والنظر إلى فرجها والخلوة بها لشهوة نص عليه" لأن ذلك كله ليس في معنى الوطء إذ الوطء يدل على ارتجاعها دلالة ظاهرة بخلاف ما ذكر وقال بعض أصحابنا تحصل الرجعة بها لأنه معنى يحرم من الأجنبية والحل من الزوجة فحصلت به الرجعة كالاستمتاع والصحيح الأول لأنه لا يبطل خيار المشتري للأمة وكاللمس لغير شهوة.
"وخرجه ابن حامد على وجهين" مبنيين على الروايتين في تحريم المصاهرة به أحدهما هو رجعة لأنه استمتاع يباح بالزوجة فحصلت الرجعة به كالوطء والثاني ليس برجعة لأنه أمر لا يتعلق به إيجاب عدة ولا مهر فلا تحصل به كالوطء.
"وعنه: ليست مباحة" لأنها مطلقة فوجب عدم إباحتها كالمطلقة بعوض "ولا تحصل الرجعة بوطئها" بل لا تحصل إلا بالقول وهو ظاهر الخرقي لأنه استباحة بضع مقصود أمر بالإشهاد فيه فلم يحصل من القادر بغير قول كالنكاح ولأن غير القول فعل من قادر على القول فلم تحصل الرجعة به كالإشارة من الناطق فعليها لا مهر لها.
"وإن أكرهها عليه فلها المهر" لأن وطأها حرمه الطلاق فأوجب المهر كوطء البائن "إن لم يرتجعها بعده" وقاله جمع لأنه إذا ارتجعها بعده تبينا أن الطلاق السابق لم يكن مفضيا إلى البينونة فوجب ألا يكون محرما فلا يكون موجبا والمذهب أنه لا مهر بوطئها فلزمه سواء رجع أم لا؛ لأنه(7/368)
ولا يصح تعليق الرجعة بشرط ولا الإرتجاع ففي الردة وإن طهرت من الحيضة الثالثة والأمة من الحيضتين ولما تغتسل فهل له رجعتها على روايتين.
ـــــــ
وطئ زوجته التي يلحقها طلاقه فلم يلزمه مهرها كالزوجات قال في "الشرح" والأول أولى لظهور الفرق فإن البائن ليست زوجة له وهذه زوجة يلحقها طلاقه.
فرع: لا حد عليه في هذا الوطء وهل يعزر فيه خلاف، ولا يصح تعليق الرجعة بشرط لأنه استباحة فرج مقصود أشبه النكاح فلو قال كلما طلقتك فقد راجعتك أو راجعتك إن شئت أو إن قدم أبوك لم يصح لأنه تعليق على شرط لكن لو قال كلما راجعتك فقد طلقتك صح وطلقت.
"ولا الارتجاع في الردة أي إذا راجع في الردة" من أحدهما لم يصح كالنكاح وقال القاضي إن قلنا تتعجل الفرقة بالردة لم تصح الرجعة لأنها قد بانت بها وإن قلنا لا تتعجل الفرقة فالرجعة موقوفة إن أسلم المرتد منهما صحت الرجعة وإن لم يسلم لم يصح كما يقف الطلاق والنكاح وهذا قول المزني واختاره ابن حامد وكذا إذا راجعها بعد إسلام أحدهما.
"وإن طهرت من الحيضة الثالثة والأمة من الحيضتين ولما تغتسل فهل له رجعتها على روايتين" ذكرهما ابن حامد إحداهما لا تنقضي حتى تغتسل ولزوجها رجعتها نص عليه في رواية حنبل قدمها السامري وابن حمدان وهي قول كثير من الأصحاب روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وقاله شريك وإن فرطت في الغسل عشرين سنة ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان كالإجماع ولأن أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا بالغسل والثانية أنها تنقضي بانقطاع الدم وإن لم تغتسل اختارها أبو الخطاب والحلواني قال ابن حمدان وهي أولى وفي "الوجيز" والصحيح ما لم يمض عليها وقت صلاة لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: من الآية228] والقرء الحيض وقد زالت(7/369)
وإن انقضت عدة، ولم يرتجعها، بانت، ولم تحل له إلا بنكاح جديد وتعود إليه على ما بقي من عدد طلاقها سواء رجعت بعد نكاح زوج غيره أو قبله وعنه: إن رجعت بعد نكاح زوج غيره رجعت بطلاق ثلاث وإن ارتجعها في عدتها وأشهد على رجعتها من حيث لا تعلم فاعتدت وتزوجت من أصابها ردت إليه.
ـــــــ
فيزول التربص ويحمل قول الصحابة حتى تغتسل أي يلزمها الغسل ولأن انقضاء العدة يتعلق ببينونتها من الزوج وحلها لغيره فلم تتعلق بفعل اختياري من جهة المرأة بغير تعليق الزوج كالطلاق فإن كانت العدة بوضع الحمل فله رجعتها بعد وضعه وقبل أن تغتسل من النفاس قال ابن عقيل له رجعتها على رواية حنبل والصحيح لا نص عليه سواء طهرت من النفاس أم لا؟.
"وإن انقضت عدتها ولم يرتجعها بانت ولم تحل له إلا بنكاح جديد" بشروطه بالإجماع "وتعود إليه على ما بقي من عدد طلاقها سواء رجعت بعد نكاح زوج غيره أو قبله" وجملته أنها إذا رجعت إليه قبل زوج ثان فإنها تعود إليه على ما بقي من طلاقها بغير خلاف علمناه وإن عادت إليه بعد زوج وإصابة وكان الأول طلقها ثلاثا عادت إليه بطلاق ثلاثا إجماعا حكاه ابن المنذر وإن طلقها دون الثلاث فأظهر الروايتين أنها تعود إليه على ما بقي من طلاقها وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة وابن عمر وعمران وقاله أكثر العلماء لأن وطء الثاني لا يحتاج إليه إلا في الإحلال للأول فلا يغير حكم الطلاق كوطء السيد وكما لو عادت إليه قبل نكاح آخر. "وعنه: إن رجعت بعد نكاح زوج غيره رجعت بطلاق ثلاث" وهي قول ابن عمر وابن عباس لأن وطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث فأولى أن يهدم ما دونها ولأن وطء الثاني سبب للحل وجوابه أنه لا يثبت الحل لأنه في الطلقات الثلاث غاية للتحريم وإنما سماه محللا تجوزا ولأن الحل إنما يثبت في محل فيه تحريم وهي المطلقة ثلاثا وها هنا هي حلال له فلا يثبت فيها حل. "وإن ارتجعها في عدتها وأشهد على رجعتها من حيث لا تعلم فاعتدت وتزوجت من أصابها ردت إليه" وحاصله: أن زوج الرجعية إذا(7/370)
ولا يطؤها حتى تنقضي عدتها، وعنه: أنها زوجة الثاني وإن لم تكن له بينة برجعتها لم تقبل دعواه لكن إن صدقه الزوج الثاني بانت منه وإن صدقته المرأة لم يقبل تصديقها.
ـــــــ
راجعها من حيث لا تعلم صحت المراجعة لأنها لا تفتقر إلى رضاها فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها فإذا راجعها ولم تعلم فانقضت عدتها وتزوجت ثم جاء وادعى أنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها وأقام البينة على ذلك فهي زوجته وإن نكاح الثاني فاسد لأنه تزوج امرأة غيره وترد إلى الأول سواء دخل بها الثاني أولا وهو قول أكثرهم لأنها رجعة صحيحة وتزوجت وهي زوجة الأول فلم يصح كما لو لم يطلقها.
"ولا يطؤها حتى تنقضي عدتها من الثاني لأنها معتدة من غيره أشبه ما لو وطئت في أصل نكاحه "وعنه: أنها زوجة الثاني" إن دخل بها ويبطل نكاح الأول روي عن عمر وسعيد بن المسيب وغيرهما لأن كل واحد منهما عقد عليها وهي ممن يجوز له العقد عليها في الظاهر ومع الثاني مزية وجوابه ما سبق فإن لم يدخل الثاني بها فلا مهر وإن دخل فعليه مهر المثل ومقتضاه أنه إذا لم يدخل بها فإنها ترد إلى الأول بغير خلاف في المذهب وأنه إذا تزوجها مع علمه بالرجعة فالنكاح باطل وحكم العالم كالزاني في الحد وغيره.
"وإن لم تكن له بينة برجعتها لم تقبل دعواه" لقوله عليه السلام: "لو يعطى الناس بدعواهم" الخبر ولأن الأصل عدم الرجعة فإذا اعترفا له بها كان كإقامة البينة بها في أنها ترد إليه "لكن إن صدقه الزوج الثاني بانت منه" لأنه اعترف بفساد نكاحه فتبين منه وعليه مهرها إن كان دخل بها أو نصفه ولا تسلم إلى المدعي لأن قول الزوج الثاني لا يقبل عليها وإنما يقبل في حقه ويقبل قولها وفي اليمين وجهان وصحح في "المغني" أنها لا تستحلف لأنها لو أقرت لم يقبل.
"وإن صدقته المرأة لم يقبل تصديقها" على الزوج إذا أنكر وإنما يقبل على(7/371)
ومتى بانت منه عادت إلى الأول بغير عقد جديد.
ـــــــ
نفسها في حقها ولا يستحلف الزوج الثاني في وجه اختاره القاضي لأنه دعوى في النكاح والثاني بلى وهو قول الخرقي للعموم وعلى هذا يمينه على نفي العلم لأنه على نفي فعل الغير.
"ومتى بانت منه" بموت أو طلاق أو فسخ "عادت إلى الأول بغير عقد جديد" لأن المنع من ردها إنما كان لحق الثاني كما لو شهد بحرية عبد ثم اشتراه فإنه يعتق عليه ولا يلزمها مهر الأول إن صدقته في الأصح وفي "الواضح" إن صدقته لم يقبل إلا أنه يحال بينهما وقال القاضي له عليها المهر لأنها أقرت أنها حالت بينه وبين نصفها بغير حق أشبه شهود الطلاق إذا رجعوا ولنا أن ملكها قد استقر على المهر فلم يرجع به عليها كما لو ارتدت أو أسلمت ويلزمها للثاني مهرها أو نصفه وهل يؤمر بطلاقها فيه روايتان فإن مات الأول وهي في نكاح الثاني ورثته لإقراره بزوجيتها وتصديقها له وإن ماتت لم يرثها لأنها لا تصدق في إبطال نكاحه وإن مات الثاني لم ترثه لأنها تنكر صحة نكاحه فتنكر ميراثه وإن ماتت ورثها لأنه زوجها في الحكم من إباحة النظر والوطء وكذا في الميراث.
فرع: إذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الثاني انقطعت عدة الأول فإذا وضعت أتمت عدة الأول وله رجعتها في هذا التمام وجها واحدا وإن راجعها قبل الوضع صحت لأن الرجعة باقية وإنما انقطعت لعارض كما لو وطئت في صلب نكاحه وقيل لا لأنها في عدة غيره والأول أولى فعلى الثاني لو حملت حملا يمكن أن يكون منهما وراجعها في هذا الحمل ثم بان أنه من الثاني لم يصح وإن بان من الأول صحت على أصح الاحتمالين.(7/372)
فصل
وإذا ادعت المرأة انقضاء عدتها قبل قولها إذا كان ممكنا إلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل إلا ببينة ولو أنه امرأة واحدة وأقل ما يمكن انقضاء العدة به من الإقراء السبعة تسعة وعشرون يوما ولحظة إذا قلنا:
ـــــــ
فصل
"وإذا ادعت المرأة انقضاء عدتها" بولادة أو غيرها "قبل قولها إذا كان ممكنا" لقوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: من الآية228] البقرة أي من الحمل والحيض فلولا أن قولهن مقبول لم يحرم عليهن كتمانه ولأنه أمر يختص بمعرفته فكان القول قولها فيه كالنية أو أمر لا يعرف إلا من جهتها فقبل قولها فيه كما يجب على التابعي قبول خبر الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل إلا ببينة ولو أنه امرأة واحدة" نص عليه لقول شريح إذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر وجاءت ببينة فقد انقضت عدتها وإلا فهي كاذبة فقال له علي قالون ومعناه بلسان الرومية أصبت وأحسنت ولأنه يندر جدا حصول ذلك في شهر فيعمل بالبينة بخلاف ما زاد على الشهر وكخلاف عادة منتظمة في الأصح وعنه: يقبل قولها مطلقا واختاره الخرقي وأبو الفرج كثلاثة وثلاثين يوما ذكره في "الواضح" "والطريق الأقرب" ولا فرق بين المسلمة والفاسقة وضدهما.
فرع: إذا قالت انقضت عدتي ثم قال ما انقضت فله رجعتها ولو قال أخبرتني بانقضاء عدتها ثم راجعتها ثم أقرت بكذبها بانقضاء عدتها وأنكرت ذلك وادعت أن عدتها لم تنقض فالرجعة صحيحة لأنها لم تقر بانقضاء عدتها وإنما أخبرت به وقد رجعت عنه.
"وأقل ما يمكن انقضاء العدة به" أي عدة الحرة "من الأقراء تسعة وعشرون(7/373)
الأقراء الحيض وأقل الطهر ثلاثة عشر يوما وإن قلنا الطهر خمسة عشر فثلاثة وثلاثون يوما ولحظة وإن قلنا القروء الأطهار فثمانية وعشرون يوما ولحظتان.
ـــــــ
يوما ولحظة إذا قلنا الأقراء الحيض وأقل الطهر ثلاثة عشر يوما" وذلك بأن يطلقها مع آخر الطهر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوما ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوما ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر لحظة ليعرف بها انقطاع الحيض وإن لم تكن هذه اللحظة من عدتها فلا بد منها لمعرفة انقطاع الحيض ومن اعتبر الغسل فلا بد من وقت يمكن الغسل فيه بعد الانقطاع "وإن قلنا الطهر خمسة عشر فثلاثة وثلاثون يوما ولحظة" لأن الطهرين يزيدان أربعة أيام "وإن قلنا القروء الأطهار فثمانية وعشرون يوما ولحظتان" وهو أن يطلقها من آخر لحظة من طهرها فيحسب به قرءا ثم يحسب طهرين آخرين ستة وعشرين يوما وبينهما حيضتان فإذا طغت على الحيضة الثالثة لحظة انقضت عدتها "وإن قلنا الطهر خمسة عشر يوما فاثنان وثلاثون يوما ولحظتان" زدنا أربعة أيام في الطهرين.
فأما إن كانت أمة انقضت عدتها بخمسة عشر يوما ولحظة على الأول وفي "الرعاية" مع بينة على الأصح وعلى الثاني بسبعة عشر يوما ولحظة وعلى الثالث بأربعة عشر يوما ولحظتين وعلى الرابع بستة عشر يوما ولحظتين فمتى ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من هذا لم يقبل قولها عند أحد فيما أعلم لأنه لا يحتمل صدقها.
تنبيه: إذا قالت انقضت عدتي بوضع حمل مصور وأمكن صدقت في المضغة وفي يمين من يقبل قوله روايتان فإذا عينا وقت حيض أو وضع واختلفا في سبق الطلاق قبل قوله في العدة في الأشهر.
قال في "الشرح" وكل موضع قلنا القول قولها فأنكر الزوج فقال الخرقي عليها اليمين وأومأ إليه أحمد في رواية أبي طالب وقال القاضي قياس المذهب لا يمين وأومأ إليه أحمد فقال لا يمين في نكاح ولا طلاق لأن الرجعة لا يصح(7/374)
وإن قلنا الطهر خمسة عشر يوما فاثنان وثلاثون يوما ولحظتان وإذا قالت: انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فأنكرته فالقول قولها وإن سبق فقال ارتجعتك فقالت: قد انقضت عدتي قبل رجعتك فالقول قوله، وقال الخرقي: القول قولها، وإن تداعيا معا قدم قولها وقيل يقدم قول من تقع له القرعة.
ـــــــ
بذلها فلا يستحلف فيها كالحدود والأول أولى فإن نكلت عن اليمين فقال القاضي لا يقضى بالنكول وقال المؤلف ويحتمل أن يستحلف الزوج وله رجعتها بناء على القول برد اليمين لأنه لما وجد النكول منها ظهر صدقه وقوي جانبه واليمين تشرع في حقه كما شرعت في حق المدعى عليه لقوة جانبه بالعين في اليد.
"وإذا قالت انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فأنكرته فالقول قولها" لأن قولها في انقضاء عدتها مقبول فصارت دعواه للرجعة بعد الحكم بانقضاء عدتها وهذا بخلاف ما إذا ادعى الزوج رجعتها في عدتها فأنكرته ونبه عليها بقوله: "وإن سبق فقال ارتجعتك فقالت قد انقضت عدتي قبل رجعتك" فأنكرها "فالقول قوله" ذكره القاضي وأبو الخطاب وصححه ابن حمدان لأنه ادعى الرجعة قبل الحكم بانقضائها ولأنه يملك الرجعة وقد صحت في الظاهر فلا يقبل قولها في إبطالها.
"وقال الخرقي" والشيرازي وابن الجوزي ونص عليه ذكره في "الواضح" القول قولها لأن الظاهر البينونة والأصل عدم الرجعة ولأن من قبل قوله سابقا قبل مسبوقا كسائر الدعاوى والأصح قوله جزم به في "الترغيب" ولم يتعرض الأصحاب لسبق الدعوى هل هو عند الحاكم أم لا.
"وإن تداعيا معا قدم قولها" على المذهب ذكره ابن المنجا وصححه في "الشرح" وجزم به في "الوجيز" لأنه تساقط قولهما مع التساوي والأصل عدم الرجعة "وقيل يقدم قول من تقع له القرعة" ذكره أبو الخطاب وغيره لأن القرعة(7/375)
فصل
وإن طلقها ثلاثا.
ـــــــ
مرجحة عند الاستواء بدليل الإمامة والأذان والعتق ونحوها وقيل يقبل قوله لأن المرأة تدعي ما يرفع الطلاق وهو ينكره فقبل قوله كالمولي والعنين إذا ادعيا إصابة امرأته وأنكرته وحكى في "الفروع" الأقوال الثلاثة من غير ترجيح كالمحرر في القولين المحكيين هنا وهذا إذا لم تكن المرأة قد نكحت فإذا نكحت بعد انقضاء العدة فادعى الزوج الرجعة في العدة فإن أقام بينة أو صدقاه سلمت إليه وإن كذباه ولا بينة قبل قولها مع يمينها وإن صدقته وكذبه الزوج الثاني صدق الثاني بيمينه.
أصل: إذا اختلفا في الإصابة فقال قد أصبتك فلي الرجعة فأنكرته أو قالت قد أصابني فلي المهر قبل قول المنكر منهما لأن الأصل معه فلا يزول إلا بيقين وليس له رجعتها في الموضعين فإن كان اختلافهما بعد قبض المهر وادعى إصابتها فأنكرته لم يرجع عليها بشيء لأنه يقر لها به ولا يدعيه وإن كان هو المنكر رجع عليها بنصفه والخلوة كالإصابة في إثبات الرجعة للزوج على المرأة التي خلا بها وقال أبو بكر لا رجعة له عليها إلا أن يصيبها لأنها غير مصابة فلا تستحق رجعتها كالتي لم يخل بها ووجه الأول أنها معتدة يلحقها طلاقه فملك رجعتها كالتي أصابها.
فرع: إذا ادعى زوج الأمة بعد عدتها أنه كان راجعها في عدتها فأنكرته وصدقه مولاها قبل قولها نص عليه وقيل قوله فعلى الأول إن علم مولاها صدق الزوج لم يحل له وطؤها ولا تزويجها وإن علمت هي صدق الزوج في رجعتها فهي حرام على سيدها ولا يحل لها تمكينه من وطئها إلا مكرهة كما قبل الطلاق.
فصل
"وإن طلقها" أي الحر "ثلاثا" والعبد اثنتين ولو عبر كـ "الفروع" بقوله: من(7/376)
لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ويطؤها في القبل وأدنى ما يكفي من ذلك تغييب الحشفة في الفرج وإن لم ينزل وإن كان مجبوبا بقي من ذكره قدر الحشفة فأولجه أو وطئها زوج مراهق.
ـــــــ
طلق عدد طلاقه لكان أولى "لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره" إجماعا وسنده قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: من الآية230] وحديث امرأة رفاعة القرظي وقال سعيد بن المسيب إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد به إحلالا فلا بأس أن يتزوجها الأول قال ابن المنذر لا نعلم أحدا قال بهذا إلا الخوارج ولإجماعهم على أن المراد بالنكاح في الآية الجماع.
وحاصله: أن حلها للأول مشروط بأن تنكح زوجا غيره فلو كانت أمة فوطئها السيد فلا وأن يكون النكاح صحيحا على المذهب فلو كان فاسدا فلا وأن يطأها في الفرج لحديث عائشة ونبه عليه بقوله: "ويطؤها في القبل" لأنه عليه السلام علق الحل على ذواق العسيلة ولا تحصل إلا بالوطء في الفرج "وأدنى ما يكفي من ذلك تغييب الحشفة" مع الانتشار "في الفرج وإن لم ينزل" لأن أحكام الوطء تتعلق به فلو أولج من غير انتشار لم يحلها لأن الحكم يتعلق بذواق العسيلة ولا يحصل من غير انتشار وليس الإنزال شرطا فيه لأنه عليه السلام جعل ذواق العسيلة غاية للحرمة وذلك حاصل بدون الإنزال والذي يظهر أن هذا في الثيب فأما البكر فأدناه أن يفتضها بآلته.
"وإن كان مجبوبا بقي من ذكره قدر الحشفة فأولجه" أحلها لأن ذلك منه بمنزلة الحشفة من غيره وفي "الترغيب" وجه بقيته "أو وطئها زوج مراهق" أحلها في قولهم إلا الحسن لظاهر النص ولأنه وطء من زوج في نكاح صحيح أشبه البالغ وبخلاف الصغير فإنه لا يمكنه الوطء ولا تذاق عسيلته وفي "المستوعب" يعتبر أن يكون له عشر سنين فصاعدا وقال القاضي يشترط له اثنتا عشرة سنة ونقله مهنا لأن من دون ذلك لا يمكنه المجامعة، ولا معنى(7/377)
أو ذمي، وهي ذمة أحلها.
ـــــــ
لهذا فإن الخلاف في المجامع ومتى أمكنه الجماع فقد وجد منه المقصود أو ذمي وهي ذمية أحلها لمطلقها المسلم نص عليه وقال هو زوج وبه تجب الملاعنة والقسم ولظاهر النص ولأنه وطء من زوج في نكاح صحيح أشبه وطء المسلم.
"وإن وطئها في الدبر أو وطئت بشبهة أو بملك يمين لم تحل" لأن الوطء في الدبر لا تذوق به العسيلة والوطء بشبهة أو ملك يمين وطء من غير زوج فلا يدخل في عموم النص فيبقى على المنع وإن وطئت في نكاح فاسد لم تحل في أصح الوجهين نص عليه لأن النكاح المطلق في الكتاب والسنة إنما يحمل على الصحيح وقاله الأئمة وخرج أبو الخطاب وجها يحلها لأنه زوج فيدخل في عموم النص وسماه عليه السلام محللا مع فساد نكاحه والأول المذهب ونصره في "الشرح" بدليل ما لو حلف لا يتزوج فتزوج تزويجا فاسدا لا يحنث ولأن أكثر أحكام التزويج غير ثابتة فيه من الإحصان واللعان والظهار ونحوها وسماه محللا لقصده التحليل فيما لا يحل ولو أحل حقيقة لما لعن ولا لعن المحلل له لقوله عليه السلام: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه" ولأنه وطء في غير نكاح كوطء الشبهة.
"وإن وطئها زوجها في حيض أو نفاس أو إحرام" أو صوم واجب منهما أو من أحدهما "أحلها" في اختيار المؤلف وصححه في "الشرح" لدخوله في العموم ولأنه وطء تام في نكاح تام فأحلها كما لو وطئها مريضة يضر بها وطؤه فإنه لا خلاف في حلها قاله في "الكافي" وكما لو تزوجها وهو مملوك ووطئها وكما لو وطئها وقد ضاق وقت صلاة ومسجد وكقبض مهر ونحوه لأن الحرمة لا لمعنى فيها لحق الله تعالى بخلاف وطئها في إحرام ونحوه فإن الحرمة هناك لمعنى فيها وفي "عيون المسائل" و "المفردات": منع وتسليم.(7/378)
وإن وطئها في الدبر أو وطئت بشبهة أو بملك يمين لم تحل، وإن وطئت في نكاح فاسد لم تحل في أصح الوجهين وإن وطئها زوجها في حيض أو نفاس أو إحرام أحلها قال أصحابنا: لا يحلها وإن كانت أمة فاشتراها مطلقها لم تحل.
ـــــــ
"وقال أصحابنا: لا يحلها" قدمه في "الفروع" وهو المنصوص في الكل لأنه وطء حرم لحق الله فلم يحلها كوطء المرتدة أو نكاح باطل.
مسائل: الأولى: إذا وطئها في ردتها أو ردته لم يحلها لأنه إن عاد إلى الإسلام فقد وقع الوطء في نكاح غير تام لانعقاد سبب البينونة وإن لم يسلم في العدة فلم يصادف الوطء نكاحا وكذا لو أسلم أحد الزوجين فوطئها قبل إسلام الآخر.
الثانية: إذا كانا مجنونين أو أحدهما فوطئها أحلها على المذهب لظاهر النص وكالبالغ العاقل وقال ابن حامد لا يحلها لأنه لا يذوق العسيلة والأول أصح لأن العقل ليس شرطا في الشهوة بدليل البهائم قال في "الشرح" لكن إن كان المجبوب ذاهب الحس كالمصروع والمغمى عليه فلم يحصل الحل بوطئه.
الثالثة: إذا وطئ مغمى عليها أو نائمة لا تحس بوطئه لم تحل حكاه ابن المنذر ويحتمل حصول الحل للعموم ولو وطئها يعتقدها أجنبية فإذا هي امرأته حلت لأنه صادف نكاحا صحيحا.
الرابعة: إذا استدخلت ذكره وهو نائم حلت وقدم في "الشرح" خلافه لأنه لم يذق عسيلتها وإن وطئها مع إغمائه فوجهان وإن كان خصيا أو مسلولا أو موجوءا حلت لدخوله في عموم الآية في قول الأكثر وعنه: لا لعد ذوقان العسيلة قال أبو بكر والعمل على الأول لأنه يطأ كالفحل ولم يفقد إلا الإنزال وهو غير معتبر في الإحلال.
"وإن كانت أمة فاشتراها مطلقها لم تحل" نص عليه رواه مالك والبيهقي(7/379)
ويحتمل أن تحل وإن طلق العبد امرأته طلقتين لم تحل حتى تنكح زوجا غيره سواء عتقا أو بقيا على الرق، وإذا غاب عن مطلقته ثلاثا فأتته فذكرت أنها نكحت من أصابها أو انقضت عدتها وكان ذلك ممكنا فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها.
ـــــــ
عن زيد بن ثابت وقاله الأكثر للآية ولأن الفرج لا يجوز أن يكون محرما مباحا "ويحتمل أن تحل" لأن الطلاق يختص الزوجية فأثر في التحريم.
"وإن طلق العبد امرأته طلقتين لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره" هذا هو المذهب أن الطلاق معتبر بالرجال والتفريع عليه فعلى هذا إذا طلقها طلقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره "سواء عتقا أو بقيا على الرق" لاستواء حالين في السبب المقتضي للتحريم قبل نكاح زوج آخر وذلك أن سبب التحريم استكمال العدد وهو موجود في حالتي العتق بعد الرق وبقاء الرق والمذهب أنه إذا عتق بعد طلقة ملك تمام الثلاث وإن كان بعد طلقتين فعلى روايتين لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به وقال في رواية أبي طالب يتزوجها ولا يبالي في العدة عتقا أو بعد العدة وقال هو قول ابن عباس وجابر لأن ابن عباس أفتى به وقال: قضى به النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وقال لا أرى شيئا يدفعه وأبو داود والنسائي من رواية عمر بن معتب عن أبي حسن مولى بني نوفل ولا يعرفان وقال النسائي في عمر ليس بقوي وقال ابن المبارك ومعمر لقد تحمل أبو حسن هذا صخرة عظيمة وقال أحمد حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد وحديث ابن عباس يرويه عمر بن معتب ولا أعرفه وأما أبو حسن فهو عندي معروف وقال أبو بكر إن صح الحديث فالعمل عليه وإلا فالعمل على حديث عثمان وزيد وبه أقول.
فرع: إذا علق ثلاثا في الرق بشرط فوجد بعد عتقه لزمته الثلاث وقيل ثنتان ويبقى له واحدة كتعليقها بعتقه في الأصح.
"وإذا غاب عن مطلقته ثلاثا فأتته فذكرت أنها نكحت من أصابها أو انقضت عدتها وكان ذلك ممكنا فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها"(7/380)
إلا فلا.
ـــــــ
المطلقة المبتوتة إذا مضى بعد طلاقها زمن يمكن فيه انقضاء عدتين بينهما نكاح ووطء ولم يرجع قبل العقد وأخبرته بذلك وغلب على ظنه صدقها مثل أن يعرف أمانتها أو بخبر غيرها ممن يعرف حالها وفي "الترغيب" وجه إن كانت ثقة فله أن يتزوجها في قول عامتهم لأنها مؤتمنة على نفسها وعلى ما أخبرت به عنها ولا سبيل إلى معرفة هذه الحال على الحقيقة إلا من جهتها فتعين الرجوع إلى قولها كما لو أخبرت بانقضاء عدتها "وإلا فلا" أي إذا لم يوجد ما ذكر ولم يغلب على ظنه صدقها فلا تحل له لأن الأصل التحريم فوجب البقاء على الأصل وكما لو أخبره عن حالها فاسق فلو كذبها الثاني في وطء قبل قوله في تنصيف مهر وقولها في إباحتها للأول وكذا لو تزوجت حاضرا وفارقها وادعت إصابته وهو منكرها ومثل الأولة لو جاءت حاكما وادعت أن زوجها طلقها وانقضت عدتها فله تزويجها إن ظن صدقها بمعاملة وعبد لم يثبت عتقه قاله الشيخ تقي الدين لا سيما إن كان الزوج لا يعرف وظهر مما سبق لو اتفقا أنه طلقها وانقضت العدة فإنها تزوج.
فرع: لو شهدا بأن فلانا طلق امرأته ثلاثا ووجد معها بعد وادعى العقد ثانيا بشروطه يقبل منه وسئل عنها المؤلف فلم يجب ولو وطئ من طلقها ثلاثا حد نص عليه فإن جحد طلاقها ووطئها فشهد بطلاقه فلا لأنا لا نعلم معرفته به وقت وطئه إلا بإقراره به.
*********
انتهى بحمد الله تعالى المجلد السابع ويليه بعونه تعالى المجلد الثامن.(7/381)
المجلد الثامن
كتاب الإيلاء
كتاب الإيلاء
...
كتاب الإيلاء
وهو الحلف على ترك الوطء في القبل
__________
كتاب الإيلاء
الإيلاء: بالمد الحلف وهو مصدر يولي إيلاء ويقال تألى يتألى وفي الخبر من يتأل على الله يكذبه والآلية بوزن فعيلة اليمين وجمعها ألايا بوزن خطايا قال كثير:
قليل الألايا حافظ ليمينه ... إذا صدرت منه الألية برت
وكذلك الألوة بسكون اللام وتثليث الهمزة والأصل فيه قوله تعالى:
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة 226] وكان أبي بن كعب وابن عباس يقرآن: يقسمون الآية، وقال ابن عباس: "الذين يؤلون يحلفون حكاه عن أحمد وكان أهل الجاهلية إذا طلب الرجل من امرأته شيئا فأبت أن تطيعه حلف أن لا يقربها السنة والسنتين والثلاث فيدعها لا أيما ولا ذات بعل فلما كان الإسلام جعل الله ذلك للمسلمين أربعة أشهر وهو محرم في ظاهر كلام جماعة لأنه يمين على ترك واجب وكان الإيلاء والظهار طلاقا في الجاهلية وذكره أحمد في الظهار عن أبي قلابة وقتادة وحاصله أن شرع غير حكمه الذي كان معروفا عندهم.
"وهو الحلف على ترك الوطء في القبل" هذا بيان لمعنى الإيلاء شرعا وفيه نظر لأنه لم يقيده بحلف الزوج بالله تعالى أو صفة من صفاته على ترك وطء الزوجة في القبل ولم يقيده بالمدة وهذا ليس بداخل في حقيقته وإنما هي شروط والأولى فيه أن يقال كل زوج صح طلاقه صح إيلاؤه فهو إذن حلف زوج يمكنه الوطء بالله تعالى أو صفة من صفاته على ترك الوطء ولو قبل الدخول في القبل فالزوج يحترز به عما لو قال لأجنبية والله لا أطؤك أبدا ويمكنه الوطء احترازا من الصبي والمجنون وقوله في القبل يحترز به عن الرتقاء ونحوها.(8/3)
ويشترط له شروط أربعة أحدها الحلف على ترك الوطء في القبل فإن تركه بغير يمين لم يكن مؤليا لكن إن تركه مضرا بها من غير عذر فهل تضرب له مدة الإيلاء ويحكم بحكمه على روايتين وإن حلف على ترك الوطء في الدبر أو دون الفرج لم يكن مؤليا وإن حلف إلا يجامعها إلا جماع سوء يريد به جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن مؤليا.
__________
"ويشترط له شروط أربعة أحدها الحلف على ترك الوطء في القبل" لأنه الذي يحصل به الضرر ويجب على الزوج فعله ويضر الزوجة فقده
" فإن تركه بغير يمين لم يكن مؤليا" لأن الإيلاء هو الحلف ولم يوجد "لكن إن تركه مضرا بها من غير عذر فهل تضرب له مدة الإيلاء ويحكم بحكمه على روايتين" أشهرهما: نعم لأنه تارك لوطئها ضرارا بها أشبه المؤلي ولأن ما لا يجب إذا لم يحلف لا يجب إذا حلف على تركه كالزيادة على الواجب وثبوت حكم الإيلاء له لا يمنع من قياس غيره عليه إذا كان في معناه كسائر الأحكام الثابتة بالقياس
الثانية : لا تضرب له مدة لأنه ليس بمؤل فلا يثبت له حكمه كما لو تركه لعذر و لأن تخصيص الإيلاء بحكم يدل على أنه لا يثبت بدونة وكذا حكم من ظاهر ولم يكفر و قصد الإضرار بها
"وإن حلف على ترك الوطء في الدبر أو دون الفرج لم يكن مؤليا" أما أولا فإنه لم يترك الوطء الواجب عليه و لا تتضرر المرأة بتركه لأنه وطء محرم وقد أكد منع نفسه منه بيمينه و أما ثانيا فلأنه لم يحلف على الوطء الذي يطالب به في الفيئة ولا ضرر على المرأة في تركه
وإن حلف إلا يجامعها إلا جماع سوء يريد جماعا ضعيفا و اليمين لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن مؤليا" ؛ لأن الضعيف كالقوي في الحكم وإن قال أردت وطئا لا ابلغ التقاء الختانين فهو مؤل لأنه لا يمكنه الوطء الواجب عليه في الفيئة بغير حنث وإن لم يكن له نية فليس بمؤل لأنه محتمل و إن(8/4)
وإن أراد به الوطء في الدبر أو دون الفرج صار مؤليا وإذا حلف على ترك الوطء في الفرج بلفظ لا يحتمل غيره كلفظه الصريح وقوله لا أدخلت ذكري في فرجك وللبكر خاصة لا اقتضضتك لم يدين فيه وإن قال و الله لا و طئتك أولا جامعتك أولا باضعتك أولا باشرتك أولا باعلتك أولا قربتك أو لا مسستك أو لا أتيتك أو لا اغتسلت منك فهو صريح في الحكم.
__________
قال و الله لا جامعتك جماع سوء لم يكن مؤليا بحال لأنه لم يحلف على ترك الوطء إنما حلف على ترك صفته المكروهة
"وإن أراد به الوطء في الدبر أو دون الفرج صار مؤليا" لأنه حالف على ترك الوطء في القبل لأن حلفه أن لا يجامعها يشتمل المجامعة في الفرج فإذا قصد بالاستثناء الوطء في الدبر أو دون الفرج بقي الوطء في الفرج تحت الحلف ولم يتعرض المؤلف إلى اليمين إذا خلت عن الإرادة وفي المغني أنه ليس بإيلاء لأنه مجمل فلا يتعين لكونه مؤليا به
" وإذا حلف على ترك الوطء في الفرج بلفظ لا يحتمل غيره كلفظه الصريح" نحو لا أنيكك وقوله لا أدخلت ذكري في فرجك أو لا أغيب أو أولج ذكري في فرجك لأنه محصل معناه وللبكر خاصة لا اقتضضتك هو بالقاف و التاء المثناة من فوق واقتضاض البكر وافتراعها بالفاء بمعنى و هو وطؤها و إزالة بكارتها بالذكر مأخوذ من قضضت اللؤلؤة إذا ثقبتها و مثله ما ذكر في المستوعب و الرعاية لا أبتني بك زاد في الرعاية من الطفل لم يدين فيه لأنه لا يحتمل غير الإيلاء ومثله لا أدخلت حشفتي في فرجك لأن الفيئة لا تحصل بدون ذلك بخلاف لا أدخلت كل ذكري في فرجك.
"وإن قال و الله لا و طئتك أولا جامعتك أولا باضعتك أولا باشرتك أولا باعلتك أولا قربتك أو لا مسستك" هو بكسر السين الأولى وفتحها لغة أي لا و طئتك "أو لا أتيتك أو لا اغتسلت منك فهو صريح في الحكم" لأنها تستعمل في الوطء عرفا زاد في(8/5)
ويدين فيما بينه و بين الله تعالى وسائر الألفاظ لا يكون مؤليا فيها إلا بالنية
__________
"الكافي" و "الشرح" ولا أصبتك زاد جماعة ولا افترشتك والمنصوص و لا غشيتك والأصح لا أفضيت إليك لأن الكتاب و السنة ورد ببعضها كقولة تعالى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: من الآية222] {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: من الآية187] و {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: من الآية237] و أما الوطء و الجماع فهما أشهر الألفاظ في الاستعمال والباقي قياسا عليها فلو قال أردت بالوطء الوطء بالقدم و بالجماع اجتماع الأجسام وبالإصابة الإصابة باليد و بالمباضعة التقاء بضعة من البدن بالبضعة منه وبالمباشرة مس المباشرة وبالمباعلة الملاعبة والاستمتاع دون الفرج وبالمقاربة و يريد قرب بدنه منها و المماسة ويريد بها مس بدنها وبالإتيان ويراد به المجيء و بالاغتسال ويريد به الاغتسال من الإنزال عن مباشرة من قبله أو جماع دون الفرج "ويدين فيما بينه و بين الله تعالى" مع عدم قرينة على المذهب لأن صدقه غير ممتنع ولم يقبل في الحكم لأنه خلاف الظاهر والعرف وفي الانتصار لمستم ظاهر في الجس باليد ولامستم ظاهر في الجماع فيحمل الأمر عليهما لأن القراءتين كالآيتين وظاهر نقل عبد الله في لا اغتسلت منك أنه كناية تقف على نية أو قرينة.
" وسائر الألفاظ" أي باقيها وهي الكناية لا يكون مؤليا فيها إلا بالنية لأنها ليست بصريح في الجماع ولا ظاهر فافتقرت إلى النية ككنايات الطلاق وفي الرعاية والفروع أو القرينة كقوله والله لا جمعتنا مخدة ولا اجتمعنا تحت سقف لأضاجعك لا دخلت عليك لا دخلت علي لامس جلدي جلدك ونحوه وتكفي نية ترك الوطء فيها إلا في قوله ليطولن تركي لجماعك فتكفي نية المدة وتعتبر نية الوطء والمدة في قوله لتطولن غيبتي عنك(8/6)
فصل
الشرط الثاني: أن يحلف في الرضى والغضب بالله تعالى أو صفة من صفاته فإن حلف بنذر أو عتق أو طلاق لم يصر مؤليا في الظاهر عنه وعنه يكون مؤليا
__________
فصل
"الشرط الثاني أن يحلف في الرضى والغضب بالله تعالى أو صفة من صفاته لا خلاف أن الحلف بذلك إيلاء وعن ابن عباس في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] أي يحلفون بالله تعالى يؤيده قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] لأن الغفران إنما يدخل في اليمين بالله تعالى.
"فإن حلف بنذر أو عتق أو طلاق" أو صدقة مال أو الحج أو الظهار "لم يصر مؤليا في الظاهر عنه" ، واختاره الخرقي والقاضي وأصحابه قال في المستوعب هو المشهور في المذهب ل قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] والمغفرة إنما تكون في الحنث في اليمين بالله بخلاف الطلاق وغيره ولأنه لم يحلف بالله تعالى أشبه ما لو حلف بالكعبة ولأن التعليق بشرط ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم و لا يجاب بجوابه ولا ذكره أهل العربية في باب القسم وإنما يسمى حلفا تجوزا لمشاركته القسم في الحث على الفعل أو المنع منه.
"وعنه يكون مؤليا" لقول ابن عباس كل يمين منعت جماع المرأة فهي إيلاء وقاله الشعبي والنخعي والأكثر لأنها يمين منعت جماعها فكانت إيلاءكالحلف بالله وعنه بيمين مكفرة كنذر وظهار اختاره أبو بكر وعنه وبعتق وطلاق بأن يحلف بهما لنفعهما أو على رواية تركه ضرارا ليس كمؤل اختاره الشيخ تقي الدين وألزم عليه كونه يمين مكفرة يدخلها الاستثناء والحق أنه إذا استثنى في يمين مكفرة لا يكون مؤليا لأنه لا يلزمه كفارة بالحنث فلم يكن الحنث موجبا(8/7)
وإن قال إن وطئتك فأنت زانية أو فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن مؤليا
فصل
الثالث: أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر
__________
لحق عليه وخرج على الأول أن الحلف بغير الله وصفته لغو.
فرع : إذا علق مدخول بها بوطئها فروايتان فلو وطئها وقع رجعيا وهما في إن وطئتك فضرتك طالق فإن صح إيلاء فأبان الضرة انقطع فإن نكحها وقلنا تعود الصفة عاد الإيلاء وتبنى على المدة.
"وإن قال إن وطئتك فأنت زانية أو فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن موليا" لا يختلف المذهب فيه أما أولا فلأنه لا يصح تعليق القذف بشرط فلا يلزمه بالوطء حق فلا يكون مؤليا وأما ثانيا فلأنه إذا قال إن وطئتك فلله علي صوم أمس أو صوم هذا الشهر لم يصح لأنه يصير عند وجوب الفيئة ماضيا ولا يصح نذر الماضي فلو قال إن وطئتك فلله علي صوم الشهر الذي أطؤك فيه فكذلك فإذا وطئ صام بقيته وفي قضاء يوم وطئ فيه وجهان ومثله والله لا وطئتك في هذا البلد أو مخضوبة نص عليه أو حتى تصومي نفلا أو تقومي أو بإذن زيد فيموت زيد
فرع : إذا قال إن وطئتك فعبدي حر عن ظهاري وكان ظاهر فوطئ عتق بالظهار وإلا فليس بمؤل فلو وطئ لم يعتق في الأصح فلو قال إن وطئتك فهو حر قبله بشهر فابتداء المدة بعد مضيه فلو وطئ في الأول لم يعتق والمطالبة في شهر سادس.
فصل
"الثالث أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر" قاله ابن عباس وهو المشهور عن أحمد لأنه لم يمنع نفسه من الوطئ باليمين أكثر من أربعة أشهر فلم يكن مؤليا كما لو حلف على ترك قبلها ولأن الله تعالى جعل له تربص أربعة أشهر فما(8/8)
أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل منها مثل أن يقول والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى أو يخرج الدجال أو ما عشت أو قال والله لا وطئتك حتى تحبلي لأنها لا تحبل إذا لم يطأها
__________
دونها فلا معنى للتربص لأن مدة الإيلاء تنقضي قبل ذلك أو مع انقضائه وتقدير التربص بأربعة أشهر يقتضي كونه في مدة تناولها الإيلاء ولأن المطالبة إنما تكون بعدها فإذا انقضت مدتها فما دون لم تصح المطالبة من غير إيلاء فلو قال والله لا وطئتك كان مؤليا لأنه يقتضي التأبيد وعنه أنه إذا حلف على أربعة أشهر كان مؤليا ذكرها القاضي أبو الحسين وقاله عطاء والثوري لأنه يمتنع عن الوطء باليمين أربعة أشهر فكان مؤليا كما لو حلف على ما زاد.
"أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل منها مثل أن يقول والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى أو يخرج الدجال أو ما عشت" أو حتى أموت أو تموتي أو يموت زيد لأن ذلك لا يوجد في أربعة أشهر ظاهرا أشبه ما لو قال والله لا وطئتك في نكاحي هذا ولأن حكم الغالب حكم القطع في كثير من الصور فكذا هنا وكذا لو علق الطلاق على مرضها أو مرض إنسان بعينه أو قيام الساعة
فرع : إذا علق الإيلاء بشرط مستحيل كقوله والله لا وطئتك حتى تصعدي السماء ونحوه فهو مؤل لأن معناه ترك وطئها فإن ما يراد حالة وجوده تعلق على المستحيل ك قوله تعالى: في الكفار {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [لأعراف: 40] وكقول الشاعر:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار كاللبن الحليب
"أو قال والله لا وطئتك حتى تحبلي" فهو مؤل "لأنها لا تحبل إذا لم يطأها" لأن حبلها بغير وطئ مستحيل عادة كصعود السماء وفي المحرر والفروع إذا قال حتى تحبلي ولم يكن وطئها أو وطئ ونيته حبل متجدد فمؤل وإلا فالروايتان(8/9)
وقال القاضي إذا قال حتى تحبلي وهي ممن يحبل مثلها لم يكن مؤليا وإن قال والله لا وطئتك مدة أو ليطولن تركي لجماعك لم يكن مؤليا حتى ينوي أربعة أشهر وإن حلف على ترك الوطء حتى يقدم زيد ونحوه مما يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر أو لا وطئتك في هذه البلدة لم يكن مؤليا.
__________
وقال القاضي وأبو الخطاب إذا قال حتى تحبلي وهي ممن يحبل مثلها لم يكن مؤليا لأنه يحتمل أنها تحبل قبل مدة الإيلاء قال المؤلف لا أعلم لهذا وجها وهو صحيح إن كان مقصود الحالف حتى تحبلي من وطء فلو كانت صغيرة أو آيسة فهو مؤل فإن قال أردت ب حتى السببية أي لا أطؤك لتحبلي قبل منه لأنه ليس بحالف على ترك الوطء.
تنبيه : لو علقه على ما يعلم وجوده قبل أربعة أشهر كجفاف بقل أو ما يغلب على الظن وجوده قبلها كنزول الغيث في أوانه أو ما يحتمل الأمرين كقدوم زيد من سفر قريب لم يكن مؤليا لأنه يغلب على الظن وجود الشرط فلا يثبت حكمه وكذا لو قال والله لا أطؤك حتى أعطيك مالا بخلاف ما لو قال والله لا وطئتك طاهرا أو وطئا مباحا فإنه يصير مؤليا.
"وإن قال والله لا وطئتك مدة أو ليطولن تركي لجماعك لم يكن مؤليا" لأن ذلك يقع على القليل والكثير فلا يصير مؤليا به "حتى ينوي" أكثر من "أربعة أشهر" ليتمحض اليمين للمدة المعتبرة وفي قول المصنف ليطولن تركي لجماعك صريح في الإيلاء وصرح به في المغني لأن الجماع نص في إدخال الذكر في الفرج وذكره أبو الخطاب في الكنايات لأن الجماع يطلق ويراد به الجماع دون الفرج فعلى هذا تعتبر فيه نية إدخال الذكر في الفرج كما تعتبر نية المدة.
"وإن حلف على ترك الوطء حتى يقدم زيد ونحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر أو لا وطئتك في هذه البلدة لم يكن مؤليا" لأنه لا يعلم حلفه على أكثر من أربعة أشهر ولا يمكنه وطؤها البلدة المحلوف عليها وقال ابن أبي ليلى وإسحاق :هو مؤل لأنه حالف عل ترك وطئها وجوابه أنه يمكن(8/10)
فإن قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك أو إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يصر مؤليا حتى يوجد الشرط ويحتمل أن يصير مؤليا في الحال
__________
وطؤها بغير حنث فلم يكن مؤليا كما لو استثنى في يمينه.
فرع : إذا علقه على فعل مباح لا مشقة فيه كقوله والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار لم يكن مؤليا بخلاف ما لو علقه على محرم كقوله والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر أو أقتل زيدا لأنه علقه بممتنع شرعا أشبه الممتنع حسا فإن علقه على ما على فاعله فيه مضرة كقوله والله لا أطؤك حتى تسقطي صداقك عني أو حتى تكفلي ولدي فهو مؤل لأن أخذه لمالها أو مال غيرها عن غير رضى صاحبه محرم أشبه شرب الخمر.
"فإن قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك أو إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يصر مؤليا" في الحال؛ لأنه لا يلزمه في الوطء حق حتى يوجد الشرط ونصره في الشرح وغيره لأنه يصير مؤليا بالوطء أو دخول الدار لأنها تبقى يمينا بمنع الوطء على التأبيد.
"ويحتمل أن يصير مؤليا في الحال"؛ لأنه لا يمكنه الوطء إلا بأن يصير مؤليا بالوطء أو دخول الدار فيلحقه بالوطء ضرر أشبه ما لو منع نفسه من وطئها في الحال في المدة المعتبرة وجوابه بأنه يمكنه الوطء حنث فلم يكن مؤليا كما لو لم يقل شيئا وإن قال إن وطئتك فوالله لا أطؤك فأولج الحشفة ثم زاد حنث بالزيادة وقيل لا كمن نوى.
فرع : إذا قال والله لا وطئتك إلا برضاك لم يكن مؤليا لإمكان وطئها بغير حنث وكذا إن قال والله لا وطئتك مريضة إلا أن يكون بها مرض لا يرجى برؤه أو لا يزول في أربعة أشهر فينبغي أن يكون مؤليا لأنه حالف على ترك وطئها أربعة أشهر فإن قال ذلك وهي صحيحة فمرضت مرضا يمكن برؤه قبل أربعة أشهر لم يصر مؤليا وإلا فلا(8/11)
وإن قال والله لا وطئتك في السنة إلا مرة لم يصر مؤليا حتى يطأها وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر وإن قال إلا يوما فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر يصير مؤليا في الحال وإن قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فو الله لا وطئتك أربعة أشهر لم يصر مؤليا ويحتمل أن يصير مؤليا
__________
"وإن قال والله لا وطئتك في السنة إلا مرة لم يصر مؤليا" في الحال لأنه يمكنه الوطء بغير حنث فلم يكن ممنوعا من الوطء بحكم يمينه "حتى يطأها، بقي منها أكثر من أربع أشهر" فيكون مؤليا لأنه صار ممنوعا من وطئها بيمينه وفيه وجه يصير مؤليا في الحال لأنه لا يمكنه إلا بأن يصير مؤليا فيلحقه بالوطء ضرر وجوابه بأنه ممنوع فيما إذا وطئ وقد بقي من السنة ثلثها فأقل لأنه لم تبق المدة الممنوع من الوطء فيها المدة المعتبرة في الإيلاء.
"وإن قال إلا يوما فكذلك في أحد الوجهين" جزم في الوجيز وهو المذهب لأن اليوم يتنكر فلا يختص يوما دون يوم وحينئذ فيجوز أن يكون اليوم المستثنى في الحال ويجوز أن يكون في المال فلا يتحقق الإيلاء لفوات شرطه فعليه إن وطئها وقد بقي من السنة أكثر من ثلثها صار مؤليا وإلا فلا ومثله لو قال صمت رمضان إلا يوما أو لا كلمتك في السنة إلا يوما فإنه لا يختص بيوم.
"وفي الآخر يصير مؤليا في الحال" وهو قول القاضي وأصحابه لأن اليوم المستثنى يكون في آخر المدة كالتأجيل ومدة الخيار بخلاف المسألة الأولى فإن المدة لا تختص وقتا بعينه ومن نصر الأول قال التأجيل في مدة الخيار تجب الموالاة فيهما لأنه لو جازت له المطالبة لزم قضاء الدين فيسقط التأجيل بالكلية ولو لزم العقد في أثناء مدة الخيار لم يعد إلى الجواز وجواز الوطء في يوم من أول السنة وأوسطها لا يمنع حكم اليمين فيما بقي منها.
"وإن قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فو الله لا وطئتك أربعة أشهر لم يصر مؤليا" قدمه في الكافي والمستوعب والرعاية والمحرر لأن كل واحد من الزمانين لا تزيد مدته على أربعة أشهر "ويحتمل أن يصير مؤليا" صححه في الشرح لأنه يمتنع بيمينه من وطئها مدة متوالية أكثر من أربعة أشهر(8/12)
وإن قال والله لا وطئتك إن شئت فشاءت صار مؤليا وإن قال إلا أن تشائي أو إلا باختيارك أو إلا أن تختاري لم يصر مؤليا و قال أبو الخطاب إن لم تشأ في المجلس صار مؤليا
__________
وأطلق في الفروع الخلاف وكذا الحكم في كل مدتين متواليتين يزيد مجموعهما عن أربعة أشهر كثلاثة أشهر وشهرين.
"وإن قال والله لا وطئتك إن شئت فشاءت صار مؤليا" بوجوده في قول أكثرهم لأنه لا يصير ممتنعا من الوطء حتى تشاء ولأنه علق اليمين على المشيئة بحرف إن أشبه مشيئة غيرها فإن حنث فهل لا يكون مؤليا كقوله والله لا وطئتك إلا برضاك فالجواب الفرق بينهما بأنها إذا شاءت انعقدت يمينه بحيث لا يمكنه الوطء بغير حنث بخلاف والله لا وطئتك إلا برضاك فإنه لم يحلف إلا على وطئها حال سخطها فيمكنه وطؤها في حال رضاها بغير حنث فإن قالت ما أشاء أو سكتت لم يصر مؤليا قاله في المستوعب.
فرع : إذا قال والله لا وطئتك إلا أن يشاء أبوك أو فلان لم يكن مؤليا لأنه علقه بوجود فعل يمكن وجوده في ثلث سنة إمكانا غير بعيد وليس بمحرم ولا فيه مضرة أشبه ما لو علقه على دخولها الدار.
"وإن قال إلا أن تشائي أو إلا باختيارك أو إلا أن تختاري لم يصر مؤليا" اقتصر عليه في الكافي ونصره في الشرح لأنه منع نفسه من وطئها بيمينه إلا عند إرادتها أشبه ما لو قال إلا برضاك أو حتى تشائي وكما لو علقه على مشيئة غيرها وقال القاضي تنعقد يمينه فإن شاءت انحلت وإلا فهي منعقدة "وقال أبو الخطاب" وابن الجوزي وجزم به في التبصرة "إن لم تشأ في المجلس صار مؤليا" لأنه يصدق بمضي المجلس أنها ما شاءت فوجب تحقق ذلك لفوات الاستثناء.
فظاهره بل صريحه يعتمد أن المشيئة تعتبر في المجلس والمذهب لا فرق بين وجودها في الحال أو التراخي .(8/13)
وإن قال لنسائه والله لا وطئت واحدة منكن صار مؤليا منهن إلا أن يريد واحدة بعينها فيكون مؤليا منها وحدها وإن أراد واحدة مبهمة فقال أبو بكر تخرج بالقرعة وإن قال و الله لا وطئت كل واحدة منكن كان مؤليا من جميعهن
__________
فرع : إذا حلف لا يطؤها حتى تفطم ولدها أو ترضعه كان مؤليا إذا كان بينه وبين مدة الفطام والرضاع أكثر من أربعة أشهر فإن مات الولد قبل مضي أربعة أشهر سقط الإيلاء مسألة: إذا حلف على وطء امرأته عاما ثم كفر يمينه انحل الإيلاء فإن كان تكفيره قبل مضي أربعة أشهر لم ينحل الإيلاء حين التكفير وإن كفر بعد الأربعة قبل الوقت صار كالحالف على أكثر منها إذا مضت يمينه على وفقه.
"وإن قال لنسائه والله لا وطئت واحدة منكن صار مؤليا منهن" جزم به الجماعة لأن النكرة في سياق النفي فإنها تعم ولا يمكنه وطء واحدة منهن إلا بالحنث وقال القاضي يكون مؤليا من واحدة غير معينة لأن لفظه تناول واحدة منكرة فلا يقتضي العموم و جوابه مما سبق ل قوله تعالى: {لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} [الاسراء111] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الاخلاص:4] فيجب حمل اللفظ على الإطلاق على مقتضاه في العموم فعلى الأول إذا طلق واحدة منهن أو ماتت كان مؤليا من البواقي لأنه تعلق بكل واحدة منفردة وإن وطئ واحدة منهن حنث و سقط الإيلاء من الباقيات لأنها يمين واحدة "إلا أن يريد واحدة بعينها فيكون مؤليا منها وحدها" لأن اللفظ يحتمله و هو أعلم بنيته.
"وإن أراد واحدة مبهمة" قبل منه و لا يصير مؤليا منهن في الحال فإذا وطئ ثلاثا كان مؤليا من الرابعة "فقال أبو بكر: تخرج بالقرعة" قدمه في المحرر و الرعاية وجزم به في الوجيز وفي الكافي هو قياس المذهب كما إذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها و كالعتق و قيل يرجع إلى تعيينه
"وإن قال و الله لا وطئت كل واحدة منكن كان مؤليا من جميعهن" لأن(8/14)
و تنحل يمينه بوطء واحدة و قال القاضي لا تنحل في البواقي وإن قال و الله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في أحد الوجهين و في الآخر لا يصير مؤليا حتى يطأ ثلاثا فيصير مؤليا من الرابعة فعلى هذا لو طلق واحدة منهن أو ماتت انحلت يمينه هاهنا في التي قبلها لا تنحل في البواقي
__________
لفظه صريح في التعميم و لا يقبل قوله نويت واحدة معينة أو مبهمة و لفظة كل أزالت الخصوص "و تنحل يمينه بوطء واحدة" جزم به في الكافي و قدمه في الرعاية لأنها يمين واحدة تعلقت بأشياء فإذا حنث فيها لم تتبعض و يسقط حكم المهر في الباقي "وقال القاضي لا تنحل في البواقي" قدمه في المستوعب كما لو أطلق إحداهن أو ماتت ولأنه صريح بمنع نفسه من كل و احد أشبه ما لو حلف على كل واحدة يمينا.
فرع : إذا قال: كلما وطئت واحدة منكن فضرائرها طوالق و قلنا هو إيلاء فهو مؤل منهن.
"وإن قال و الله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في أحد الوجهين" و هو ينبني على أصل و هو هل يحنث بفعل البعض و فيه روايتان إحداهما يحنث فيكون مؤليا في الحال منهن و جزم به في الوجيز لأنه لا يمكنه وطء واحدة منهن إلا بحنث فإذا وطئ واحدة انحلت يمينه لأنها يمين واحدة فتنحل بالحنث فيها كما لو حلف على واحدة و الثانية لا يحنث بفعل البعض و لا يكون مؤليا في الحال لأنه يمكنه وطء كل واحدة بغير حنث.
"و في الآخر لا يصير مؤليا حتى يطأ ثلاثا فيصير مؤليا من الرابعة" لأن المنع حينئذ يصير في الرابعة محققا ضرورة الحنث بوطئها و ابتداء المدة حينئذ "فعلى هذا لو طلق واحدة منهن أو ماتت انحلت يمينه هاهنا" لأنه يمكنه وطء الباقيات بغير حنث.
"و في التي قبلها لا تنحل في البواقي" لأنه يقتضي كون المحلوف عليه المنع من كل واحدة وطلاق واحدة أو موتها لا يوجب انحلال اليمين في غيرها كما(8/15)
و إن آلى من واحدة و قال للأخرى اشتركت معها لم يصر مؤليا من الثاني و قال القاضي يصير مؤليا منهما
__________
لو حلف بالله لا وطئت هذه ثم حلف لا وطئت هذه ثم ماتت إحداهما أو طلقها و ذكر القاضي أنه إذا قلنا يحنث بفعل البعض فوطئ واحدة حنث و لم ينحل الإيلاء في البواقي و نصره في الشرح خلاف قوله و قيل إن ماتت لم تبق يمين ولا إيلاء على الوجهين و على الأول إذا قلنا صار مؤليا منهن فإذا طالبن بالفيئة وقف لهن كلهن فإن اختلفت مطالبتهن و قف لكل واحدة عند طلبها اختاره أبو بكر لأنه لا يؤخذ بحقها قبل طلبها وعنه يوقف للجميع وقت مطالبة أولاهن قال القاضي هو ظاهر كلام أحمد لأنها يمين واحدة فكان الوقف لها واحدا و الكفارة واحدة و قيل تجب بفيئته إلى كل واحدة كفارة.
"وإن آلى من واحدة و قال للأخرى شركتك معها لم يصر مؤليا من الثانية" لأن اليمين بالله لا تصح إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة و التشريك بينهما كناية فلم تصح به اليمين.
"و قال القاضي يصير مؤليا منهما" كالطلاق لكن الفرق بينهما أن الطلاق ينعقد بالكناية و ليس كذلك اليمين فلو آلى رجل من زوجته فقال آخر لامرأته أنت مثل فلانة لم يكن مؤليا و علم مما سبق أنة لا يصح إلا من زوجة فلو حلف على ترك وطء أمته لم يكن مؤليا للنص و كذا لو حلف على ترك وطء أجنبية ثم نكحها نص عليه ونصره في الشرح لأن الإيلاء حكم من أحكام النكاح فلم يتقدمه كالطلاق و قال الشريف أبو جعفر قال أحمد يصح الظهار قبل النكاح فكذا الإيلاء وقيل بشرط إضافته إلى النكاح كما لو قال إن تزوجت فلانة فوالله لا وطئتها و مثله نكاح فاسد.
تنبيه : يصح الإيلاء بكل لغة مطلقا فإن آلى بالعجمية أو العربية من لا يدري معناها لم يكن مؤليا وإن نوى موجبها عند أهلها فإن آلى عربي أو عجمي بلغته ثم قال جرى على لساني من غير قصد لم يقبل قوله في الحكم لأنه خلاف الظاهر(8/16)
فصل
الشرط الرابع أن يكون من زوج يمكنه الجماع وتلزمه الكفارة بالحنث مسلما كان أو كافرا حرا أو عبدا سليما أو خصيا أو مريضا يرجى برؤه فأما العاجز عن الوطء بجب أو شلل فلا يصح إيلاؤه و يحتمل أن يصح.
__________
فصل
الشرط الرابع أن يكون من زوج نص عليه يشترط أن يكون مكلفا للآية ولأن غير الزوج موطوءته أمته و الأمة لاحق لها في الوطء كالأجنبية و الذمي كالمسلم إذا ترافعوا إلينا في قول أكثرهم فإن أسلم لم ينقطع إيلاؤه و يتخرج و أجنبي كلزومه الكفارة.
"يمكنه الجماع" لأنه إذا لم يمكنه الجماع كالمجبوب فيمينه يمين على مستحيل فلم ينعقد كما لو حلف ليقلب الحجر ذهبا و لأن الإيلاء اليمين المانعة من الجماع و يمين من شأنه ما ذكر لا يمنعه بل فعل ذلك متعذرا منه.
"وتلزمه" أي الزوج "الكفارة بالحنث" لأنه إذا كان صبيا أو مجنونا فلا يعتبر قوله و لا يمينه ضرورة عدم الأهلية "مسلما كان أو كافرا حرا أو عبدا سليما أو خصيا أو مريضا يرجى برؤه" أو مرضوضا أو مجبوبا بقي من ذكره ما يمكنه الجماع به و كذا إن كان لعارض مرجو الزوال كحبس و نحوه لأنه قادر على الوطء فصح منه الامتناع منه وعنه أولا كرتق اختاره القاضي و أصحابه.
"فأما العاجز عن الوطء بجب أو شلل فلا يصح إيلاؤه" لأن من شرطه إمكان الجماع و هو معدوم و كذا إن كان مرجو الزوال لأنه حلف على ترك مستحيل فلم يصح كالحلف على ترك الطيران.
"و يحتمل أن يصح" لمرض مرجو الزوال و الأولى أولى و عليه لو حلف ثم(8/17)
و فيئته أن يقول لو قدرت لجامعتك و لا يصح إيلاء الصبي و المجنون و في إيلاء السكران وجهان و مدة الإيلاء في الأحرار و الرقيق سواء و عنه في العبد أنها على النصف و لاحق لسيد الأمة في طلب الفيئة والعفو عنها وإنما ذلك إليهما
__________
جب ففي بطلانه وجهان قاله في الترغيب.
"و فيئته أن يقول لو قدرت لجامعتك" لأنه يقدر على أكثر منه و عنه فيئة كل معذور فئت إليك و لا حنث بفيئة اللسان.
"و لا يصح إيلاء الصبي و المجنون" لرفع القلم عنهما و المذهب صحة إيلاء المميز لأنه يصح طلاقة.
"و في إيلاء السكران وجهان" بناء على طلاقة و الأشهر صحته.
"و مدة الإيلاء في الأحرار والرقيق سواء" في ظاهر المذهب و نصره في الشرح لعموم النص و لأنها مدة ضربت للوطء أشبهت مدة العنة.
"و عنه أنها في العبد على النصف" نقل أبو طالب أن أحمد رجع إليه و أنه قول التابعين كلهم إلا الزهري وحده و اختاره أبو بكر كالطلاق و النكاح و لأن مدة الإيلاء ثبت ابتداؤها بقول الزوج فوجب أن تختلف كمدة العدة و ظاهرها ما سبق أنه لا يشترط لصحته الغضب و لا قصد الإضرار وقاله ابن مسعود و أهل العراق و قال ابن عباس إنما الإيلاء في الغضب.
"و لاحق لسيد الأمة في طلب الفيئة والعفو عنها وإنما ذلك إليها" وجملة ذلك أن الحرة والأمة سواء في استحقاق المطالبة عفى السيد أو لا لأن الحق لها لكون الاستمتاع يحصل لها فإن تركت المطالبة لم يكن لمولاها المطالبة به لأنه لا حق له لا يقال حقه في الولد لأنه لا يعزل عنها إلا بإذنه لأنه لا يستحق على الزوج استيلاد المرأة بدليل أنه لو حلف ليعزلن عنها أولا يستولده لم يكن مؤليا(8/18)
فصل
وإذا صح الإيلاء ضربت له مدة أربعة أشهر
__________
فصل
"وإذا صح الإيلاء ضربت له مدة أربعة أشهر" فالمؤلي يتربص أربعة أشهر كما أمره الله تعالى ولا يطالب بالوطء فيهن فإذا مضت ورافعته امرأته إلى الحاكم أمره بالفيئة فإن أبى أمر بالطلاق و لا تطلق بمضي المدة قال أحمد يوقف عن أكابر الصحابة و قال في رواية أبي طالب قال ذلك عمر و عثمان و علي و ابن عمر و جعل يثبت حديث علي ورواه البخاري عن ابن عمر قال و يذكر عن أبي الدراداء و عائشة و اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سليمان بن يسار أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يوقف المؤلي رواه الشافعي و الدارقطني بإسناد جيد
و قال ابن مسعود وابن عباس إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة و قال مكحول و الزهري تطليقة رجعية لأن هذه المدة ضربت لاستدعاء الفعل منه أشبه مدة العنة و جوابه ظاهر الآية و الفاء للتعقيب ثم قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:227] و لو وقع بمضي المدة لم يحتج إلى عزم عليه.
و قوله {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يقتضي أن الطلاق مسموع و لا يكون المسموع إلا كلاما و لأنها مدة ضربت تأجيلا فلم تستحق المطالبة فيها كسائر الآجال و مدة العنة حجة لنا فإن الطلاق لا يقع إلا بمضيها و لأن مدة العنة ضربت ليختبر فيها و يعرف عجزه عن الوطء بتركه في مدتها وهذه ضربت تأخيرا له و تأجيلا ولا يستحق المطالبة إلا بمضي الأجل كالدين.
وفي "الوجيز" تضرب للكافر المدة بعد إسلامه والمذهب أن ابتداءها من حين اليمين ولا يفتقر إلى ضرب لأنها تثبت بالنص والإجماع كمدة العنة .(8/19)
فإن كان بالرجل عذر يمنع الوطء احتسب عليه بمدته وإن كان ذلك بها لم تحتسب عليه وإن طرأ بها استؤنفت العدة عند زواله إلا الحيض فإنه يحتسب عليه بمدته و في النفاس وجهان وإن طلقها في أثناء المدة انقطعت
__________
"فإن كان بالرجل عذر يمنع الوطء" كمرض وصوم "احتسب عليه بمدته" لأن المانع من جهته وقد وجد التمكين الذي عليها وكذلك لو أمكنته من نفسها وامتنع وجبت لها النفقة وإن طرأ شيء من هذه الأعذار بعد الإيلاء أو جن لم تنقطع المدة.
"وإن كان ذلك بها" كصغرها ومرضها وصيامها واعتكافها المفروضين وإحرامها "لم تحتسب عليه" أي إذا وجد ذلك حال الإيلاء لم تضرب له المدة حتى تزول لأن المدة تضرب لامتناعه من وطئها والمنع هنا من قبلها.
"وإن طرأ بها" هو بالهمز وقد يترك "استؤنفت المدة عند زواله" ولم تبن على ما مضى ل قوله تعالى: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] يقتضي أنها متوالية فإذا قطعها وجب استئنافها كمدة الشهرين في صوم الكفارة وقيل تبنى كحيض "إلا الحيض فإنه يحتسب عليه بمدته" ولا يمنع ضرب المدة إذا كان موجودا وقت الإيلاء لأنه لو منع لم يمكن ضرب المدة لأن الحيض في الغالب لا يخلو منه شهر فيؤدي ذلك إلى إسقاط حكم الإيلاء.
"وفي النفاس وجهان" وقيل روايتان أحدهما هو كالحيض لأنه مثله في أحكامه والثاني وهو الأشهر إنه كالمرض لأنه عذر نادر وقيل مجنونة لها شهوة كعاقلة وفي الرعاية فإن تعذر الوطء بسبب من جهتها كحيض وحبس ومرض وصغر لم يحتسب عليه في المدة وقيل بلى كحيض قال في المحرر فيخرج أن يسقط في أوقات المنع منها ويبني على ما مضى.
"وإن طلقها في أثناء المدة انقطعت" لأنها صارت ممنوعة بغير اليمين فانقطعت المدة كما لو كان الطلاق بائنا سواء بانت بفسخ أو خلع أو(8/20)
فإن راجعها أو نكحها إذا كانت بائنا استؤنفت المدة وإن انقضت المدة وبها عذر يمنع الوطء لم تملك طلب الفيئة وإن كان العذر به وهو مما يعجز به عن الوطء أمر أن يفيء بلسانه فيقول متى قدرت جامعتك.
__________
بانقضاء عدتها من الطلاق الرجعي لأنها صارت أجنبية ولم يبق شيء من أحكام نكاحها "فإن راجعها أو نكحها إذا كانت بائنا استؤنفت المدة" لأن الإيلاء يعود حكمه بذلك والتربص واجب فوجب استئنافها ضرورة الوفاء بالواجب وظاهره أن الطلاق الرجعي كالبائن في انقطاع مدة التربص وفي استئنافها بالرجوع إلى زوجته وصرح به في المغني وأنه لا يحتسب المدة على الزوجة من الرجعة في قول الخرقي والقاضي لأنها صارت ممنوعة من غير يمين فانقطعت كمن لو كان الطلاق بائنا.
وقال ابن حامد إذا طلق استؤنفت مدة أخرى من حين طلاقه وتحتسب مدة الإيلاء في زمن عدة الرجعة فإذا تمت أربعة أشهر قبل انقضاء عدة الطلاق وقف فإن فاء وإلا أمر بالطلاق وإن انقضت العدة قبل مدة الإيلاء تربص به تمام أربعة أشهر من حين طلق والمذهب أنه إذا طلق رجعيا في المدة لم تنقطع قبل فراغ عدتها وقيل تنقطع وتستأنف كما لو ارتدا أو أحدهما بعد الدخول أو أسلما في العدة.
"وإن انقضت المدة وبها عذر يمنع الوطء" كمرض وإحرام "لم تملك طلب الفيئة" لأن الوطء ممتنع من جهتها ولأن المطالبة مع الاستحقاق وهي لا تستحق الوطء في هذه الأحوال وليس لها المطالبة بالطلاق لأنها إنما تستحق عند امتناعه ولم يجب عليه شيء لكن تتأخر المطالبة إلى زوال العذر إن لم يكن قاطعا للمدة كالحيض أو كان العذر حدث بعد انقضاء المدة وفي الرعاية لم تطالب بفيئة الوطء حتى يزول ذلك وفي فيئة القول وجهان "وإن كان العذر به وهو مما يعجز به عن الوطء" كمرض وحبس مطلقا "أمر أن يفيء بلسانه" ولا يمهل لفيئة اللسان "فيقول متى قدرت جامعتك" هذا قول(8/21)
ثم متى قدر على الوطء لزمه ذلك أو يطلق وقال أبو بكر لا يلزمه وإن كان ظاهر فقال أمهلوني حتى أطلب رقبة أعتقها عن ظهاري أمهل ثلاثة أيام.
__________
ابن مسعود وجمع لأن القصد بالفيئة ترك ما قصده من الإضرار وقد ترك قصد الإضرار بما أتى به من الاعتذار والقول مع العذر يقوم مقام فعل القادر بدليل إشهاد الشفيع على الطلب بها ولا يحتاج أن يقول ندمت لأن الغرض أن يظهر رجوعه عن المقام عن اليمين وحكى أبو الخطاب عن القاضي أن فيئة المعذور أن يقول فئت إليك وقاله الثوري وأبو عبيد واختاره الخرقي وأبو بكر والحلواني لأن وعده بالفعل عند القدرة عليه دليل على ترك قصد الإضرار.
"ثم متى قدر على الوطء لزمه ذلك أو يطلق" صححه ابن حمدان ونصره المؤلف لأنه أخر حقها لعجزه عنه فإذا قدر عليه لزمه أن يوفيها إياه كالدين على المعسر إذا قدر عليه.
"وقال أبو بكر لا يلزمه" وهو قول الحسن وعكرمة والأوزاعي لأنه فاء مرة فلا يلزمه أخرى كالوطء والمذهب الأول لأن فيئته بالقول ليس عين حقها وإنما هو وعد بإيفاء حقها فحقها الأصلي باق ولا مانع من فعله فلزمه كما لو لم يفئ بلسانه فإن رضيت بالمقام مع العاجز لم تضرب له مدة في الأصح وعلم منه أن من أفاء بلسانه فلا كفارة عليه ولا حنث لأنه لم يفعل بالمحلوف عليه وإنما وعد بفعله كالمدين إذا أعسر.
"وإن كان مظاهرا" لم يطأ حتى يكفر فإذا وطئ صار مظاهرا منها وزال حكم الإيلاء "فقال أمهلوني حتى أطلب رقبة أعتقها عن ظهاري أمهل ثلاثة أيام" لأنها مدة قريبة فالظهار كالمرض عند الخرقي وكذا الاعتكاف المنذور وذكر بعض أصحابنا أن المظاهر لا يمهل ويؤمر بالطلاق فيخرج من هذا أن كل عذر من فعله يمنع الوطء لا يمهل من أجله لأن الامتناع بسب منه فلا يسقط حكما واجبا ووجه الأول أنه عاجز عن الوطء بأمر لا يمكنه الخروج منه أشبه المريض(8/22)
و إن قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي أو أتغدى أو حتى ينهضم الطعام أو أنام فإني ناعس أمهل بقدر ذلك و إذا لم يبق له عذر وطلبت الفيئة وهي الجماع فجامع انحلت يمينه وعليه كفارتها.
__________
فإن قال أمهلوني حتى أطلب رقبة أو أطعم فإن علم أنه قادر على التكفير في الحال لم يمهل لأنه إنما يمهل للحاجة ولا حاجة هنا وإن لم يعلم أمهل ذكره المؤلف ولا يمهل لصوم شهرين متتابعين لأنه كثير وقيل بلى فإن وطئها فقد عصى وانحل إيلاؤه ولها منعه وقال القاضي يلزمها التمكين فإن امتنعت سقط حقها لأن حقها في الوطء وقد بذله لها وجوابه بأنه وطء حرام فلا يلزم التمكين منه كالوطء في الحيض.
"وإن قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي أو أتغدى أو حتى ينهضم الطعام أو أنام فإني ناعس أمهل بقدر ذلك" لأنه زمن يسير ولا يمهل أكثر من قدر الحاجة كالدين الحال وإن طلب المهلة حتى ينظر في صومه أو يرجع إلى بيته أو يحل من إحرامه أمهل لأن العاده تقتضيه فرع: إذا كانت صغيرة أو مجنونة فليس لها المطالبة لأن قولها غير معتبر ولا لوليها لأن هذا طريقه الشهوة وإن كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب عليه بالمدة لأن المنع من جهتها وإن كان ممكنا فأفاقت المجنونة وبلغت الصغيرة قبل انقضاء المدة له تممت ثم لهما المطالبة وإن كان بعد انقضاء المدة فلهما المطالبة يومئذ لأن الحق لهما ثابت وإنما تأخر لعدم إمكان المطالبة.
"و إذا لم يبق له عذر وطلبت الفيئة وهي الجماع" بغير خلاف وأصل الفيء الرجوع إلى فعل ما تركته و الفيئة بكسر الفاء مثل الصيغة ذكره في الصحاح "فجامع" القادر عليه إن حل وطؤها وقيل ذكره ابن عقيل رواية وطئا مباحا لا في حيض ونحوه "انحلت يمينه" لتحقق حنثه "وعليه كفارتها" في قول أكثر العلماء لعموم النص وقال الحسن لا كفارة عليه قال قتادة الحسن قد خالف الناس.
فرع: إذا كفر عن يمينه بعد المدة قبل الوطء أو استدخلت ذكره وهو نائم أو(8/23)
وأدنى ما يكفيه تغييب الحشفة في الفرج وإن وطئها دون الفرج أو في الدبر لم يخرج من الفيئة وإن وطئها في الفرج وطئا محرما مثل أن يطأ حالة الحيض أو النفاس أو الإحرام أو صيام فرض من أحدهما فقد فاء إليها لأن يمينه انحلت به وقال أبو بكر الأصح أنه لا يخرج من الفيئة.
__________
وطئها ناسيا يمينه أوفي حال جنونه وقلنا لا يحنث فهل ينحل إيلاؤه على وجهين وفي المذهب يفي بما يبيحها لزوج أول والجاهل كالناسي في الحنث.
"وأدنى ما يكفيه تغييب الحشفة" أو قدرها "في الفرج" لأن أحكام الوطء تتعلق به وظاهره ولو من مكره وناس ونحوهما.
"وإن وطئها دون الفرج أو في الدبر لم يخرج من الفيئة" لأنه ليس بمحلوف عليه ولا يزول الضرر بفعله.
وفي الرعاية فما فاء ولو حنث بهما في وجه لدخوله في يمينه.
"وإن وطئها في الفرج وطئا محرما مثل أن يطأ حالة الحيض أو النفاس أو صيام فرض من أحدهما فقد فاء إليها لأن يمينه انحلت به" فزال حكمها وزال الضرر عنها وكان كالوطء الحلال وكما لو وطئها مريضة "وقال أبو بكر الأصح" وحكاه في المغني والشرح قياس المذهب "أنه لا يخرج من الإيلاء" لأنه وطء لا يؤمر به في الفيئة فلم يخرج به من الإيلاء كالوطء في الدبر والذي ذكره لا يصح لأن يمينه انحلت ولم يبق ممتنعا من الوطء بحكم اليمين فلم يبق الإيلاء كما لو كفر يمينه وقد نص أحمد على من حلف ثم كفر يمينه لا يبقى مؤليا لعدم حكم اليمين فهذا أولى وقد ذكر القاضي في المحرم والمظاهر أنهما إذا وطئا فقد وفياها حقها بخلاف الوطء في الدبر لأنه ليس بمحل للوطء
مسألتان: الأولى: إذا آلى بعتق أو طلاق وقع بنفس الوطء لأنه معلق بصفة وإن لم يفعل فكفارة يمين وإن آلى بنذر أو صوم أو صلاة أو حج أو غير ذلك من الطاعات أو المباحات فهو مخير بين الوفاء به وبين التكفير لأنه نذر لجاج وغضب وهذا حكمه(8/24)
وإن لم يفئ و أعفته المرأة سقط حقها و يحتمل ألا يسقط و لها المطالبة بعد وإن لم تعفه أمر بالطلاق فإن طلق واحدة فله رجعتها.
__________
الثانية: إذا آلى بطلاق ثلاث أمر بالطلاق لأن الوطء غير ممكن لأنها تبين منه بإيلاج الحشفة فيصير مستمتعا بأجنبية وذكر المؤلف أن الأليق بالمذهب تحريمه وعنه لا ومتى أولج وتمم أو لبث لحقه نسبه وفي المهر وجهان وقيل يجب الحد جزم به في المستوعب وفيه ويعزر جاهل وفي المنتخب فلا مهر ولا نسب وإن نزع فلا حد ولا مهر لأنه تارك وإن نزع ثم أولج فإن جهلا التحريم فالمهر والنسب ولا حد والعكس بعكسه وإن علمه لزمه المهر والحد ولا نسب وإن علمته فالحد والنسب ولا مهر وكذا إن تزوجت في عدتها.
"وإن لم يفئ وأعفته المرأة سقط حقها" وليس لها المطالبة في قياس المذهب قاله القاضي لأنها رضيت بإسقاط حقها من الفسخ فسقط حقها منه كامرأة العنين إذا رضيت به "ويحتمل أن لا يسقط ولها المطالبة بعد" أي متى شاءت لأنها ثبتت لدفع الضرر بترك ما يتجدد مع الأحوال كما لو أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة ثم طالبت وفارقت الفسخ للعنة فإنه فسخ لعيبه فمتى رضيت بالعيب سقط حقها كما لو عفى المشتري عن عيب المبيع وإن سكتت عن المطالبة ثم طالبت فلها ذلك وجها وحدا لأن حقها ثبت على التراخي فلم يسقط بتأخير المطالبة كاستحقاق النفقة.
"وإن لم تعفه أمر بالطلاق" إن طلبت ذلك ل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فإذا امتنع من أداء الواجب فقد أمتنع من الإمساك بالمعروف فيؤمر بالتسريح بالإحسان.
"فإن طلق واحدة فله رجعتها" سواء كان المؤلي أو الحاكم في الأشهر لأنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعيا كالطلاق في غير الإيلاء و يفارق فرقة العنة لأنها فسخ لعيب(8/25)
و عنه أنها تكون بائنة وإن لم يطلق حبس و ضيق عليه حتى يطلق في إحدى الروايتين والأخرى يطلق عليه الحاكم فإن طلقها واحدة فهو كطلاق المؤلي وإن طلق ثلاثا أو فسخ صح ذلك.
__________
"و عنه أنها تكون بائنة" و قاله أبو ثور لأنها فرقة لدفع الضرر فكانت بائنة كالمختلعة و عنه من حاكم لا منه.
قال القاضي المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم أنها تكون بائنا و قال الأثرم فأما تفريق السلطان فليس فيه رجعة كاللعان و علم منه أن الزوج أو الحاكم إذا طلق ثلاثا فإنها تحرم عليه و لا تحل له إلا بعد زوج و إصابة.
فرع : إذا و قع الطلاق ثم ارتجعها أو تركها حتى أنقضت عدتها ثم تزوجها أو طلق ثلاثا فتزوجت غيره ثم تزوجها و قد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعه أشهر و قف لها لأنه يمتنع من وطئها بيمين في حال الزوجية أشبه ما لو راجعها وإن بقي أقل من أربعة أشهر و لم يثبت حكم الإيلاء لقصوره عن مدته.
"وإن لم يطلق حبس و ضيق عليه حتى يطلق في إحدى الروايتين" قدمها في الرعاية و الفروع و جزم بها في الوجيز لأنه مفض إلى زوال ضرر المرأة المطلوب زواله فعليها ليس للحاكم الطلاق لأن الزوج إذا خير بين أمرين لم يقم غيره مقامه كاختياره لبعض الزوجات إذا أسلم على أكثر من أربع.
"والأخرى يطلق عليه الحاكم" قدمها في الكافي و صححها في الشرح قال في الفروع و هي أظهر لأنه حق تعين مستحقه فدخلت النيابة فيه كقضاء الدين و الفرق بين طلاق الحاكم و التخيير أن المستحق من النسوة غير معين بخلاف الإيلاء و لأنها خيرة تشه بخلاف الخيرة هنا و ليس هو خيرة بين أمرين لأنه يؤمر بالفيئة ثم بالطلاق.
"فإن طلقها" الحاكم "واحدة فهو كطلاق المؤلي" لأنه نائبه و قائم مقامه فوجب أن يكون كحكمه "وإن طلاق ثلاثا أو فسخ صح ذلك" لأن الحاكم(8/26)
و إن ادعي أن المدة لم تنقض أو أنه وطئها و كانت ثيبا فالقول قوله وإن كانت بكرا و ادعت أنها عذراء فشهدت بذلك امرأة عدل فالقول قولها و إلا فالقول قوله وهل يحلف من القول قوله على وجهين
__________
قائم مقام الزوج فملك ما يملكه و قدم في التبصرة أنه لا يملك ثلاثا للمساواة و عنه يتعين الطلاق و عنه الفسخ فإن قال الحاكم فرقت بينكما فروايتان أنصهما أنه فرقة بغير طلاق فلا تحل له إلا بعقد جديد و الأخرى تقع عليه طلقة.
فرع : إذا ادعى عجزه عن الوطء و لم يكن علم أنه عنين فقيل لا يقبل قوله صححه في الرعاية لأن الأصل سلامته فيؤمر بالطلاق و قيل بلى لأنه لا يعرف إلا من جهته.
"وإن ادعي أن المدة لم تنقض" و ادعت في انقضائها "أو أنه وطئها و كانت ثيبا فالقول قوله" لأن الأصل بقاء النكاح والمرأة تدعي رفعه فهو يدعي ما يوافق الأصل كما لو ادعى الوطء من العنة وفيه احتمال و في اليمين روايتان:
إحداهما: يحلف اختاره الخرقي للخبر وكالدين و لأن ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين.
و الثانية: و نص عليها في رواية الأثرم و اختارها أبو بكر أنه لا يمين عليه لأنه لا يقضى فيها بالنكول.
"وإن كانت بكرا و ادعت أنها عذراء فشهدت بذلك امرأة عدل فالقول قولها" لأن قولها اعتضد بالبينة إذ لو وطئها زالت بكارتها و عنه لا يقبل فيه إلا امرأتان و إلا فإن لم يشهد لها أحد بذلك "و إلا فالقول قوله" كما لو كانت ثيبا "و هل يحلف من القول قوله؟" من الزوج و الزوجة "على وجهين" حكاهما في الترغيب فيها والله وأعلم.(8/27)
كتاب الظهار
كتاب الظهار
...
كتاب الظهار
و هو محرم و هو أن يشبه امرأته أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد بها أو بعضو منها فيقول أنت علي كظهر أمي أو كيد أختي أو كوجه حماتي
__________
كتاب الظهار
هو مشتق من الظهر سمي بذلك لتشبيه الزوجة بظهر الأم و إنما خصوا الظهر لأنه موضع الركوب إذ المرأة مركوبة إذا غشيت فقوله أنت علي كظهر أمي أي ركوبها للنكاح حرام علي كركوب أمي للنكاح فأقام الظهر مقام الركوب لأنه مركوب و أقام الركوب مقام النكاح لأن الناكح راكب و يقال كانت المرأة بالظهار تحرم على زوجها و لا تباح لغيره فنقل الشارع حكمه لا تحريمها ووجوب الكفارة بعد العود و أبقى محله و هو الزوجية و هو محرم إجماعا حكاه ابن المنذر و سنده قوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة: 2] و قول المنكر و الزور من أكبر الكبائر للخبر و معناه أن الزوجة ليست كالأم في التحريم ل قوله تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } [الأحزاب: 4] و السنة حديث أوس بن الصامت حين ظاهر من زوجته خويلة بنت مالك بن ثعلبة فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم تشتكيه فأنزل الله أول سورة المجادلة رواه أبو داود و صححه ابن حبان و الحاكم و فيه أحاديث أخر ستأتي.
"و هو أن يشبه امرأته أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد بها أو بعضو منها" إذا شبه امرأته بظهر من تحرم عليه على التأييد كقوله أنت علي كظهر أمي فهو مظاهر إجماعا وإن شبهها بظهر من تحرم من ذوي رحمة كجدته و خالته فكذلك في قول أكثرهم لأنهن محرمات بالقرابة أشبهن الأم "فيقول أنت علي كظهر أمي أو كيد أختي أو كوجه حماتي" الأحماء في اللغة أقارب الزوج و الأختان أقارب المرأة و الأصهار لكل(8/28)
أو ظهرك أو يدك علي كظهر أمي أو كيد أختي أو خالتي من نسب أو رضاع
__________
واحد منهما و نقل ابن فارس أن الأخماء كالأصهار فعلى هذا فيقال هذا حماه زيد و حماة هند.
"أو ظهرك أو يدك علي كظهر أمي" على الأصح فيه "أو كيد أختي أو خالتي" لأنه تشبيه لعضو منها من تحرم عليه على التأبيد أشبه ما لو قال أنت علي كظهر أمي و إنما كان ذلك ظهارا لأنه قد أتى بالمنكر من القول و الزور و ذلك موجود في تشبيه عضو منها بذلك "من نسب" كالأمهات و الجدات "أو رضاع" المرضعات و الأخوات من الرضاعة لاستوائهما في التحريم على التأبيد و عنه لا يكون ظهارا قاله الحلواني حتى يشبه جملة امرأته لأنه لو حلف بالله لا يمس عضوا منها لم يسر إلى غيره والأول المذهب لأن تحريم المحرمات من النسب و الرضاع إنما كان لمعان نظر إليها الشارع فيهن فحرمهن لتلك المعاني وأباح الزوجة لمعنى فيها فإلحاقها في التحريم بمن حرمه الله عز وجل افتراء على الله و تحريم لما أباحه الله منهن و ظاهره و لو وقع منه بغير العربية فإن قال كشعر أمي أو سنها أو ظفرها فلغو لأنها ليست من الأعضاء الثابتة و كذا الريق و الدم و الروح و كوجهي من وجهك حرام و ليس بظهار نص عليه و أمي امرأتي أو مثلها و في المبهج أنه كطلاق.
تنبيه : إذا قال أنت علي أو عندي أو مني أو معي كأمي أو مثل أمي و أطلق فهو ظهار و عنه لا اختاره في الإرشاد و المغني وإن نوى في الكرامة و نحوها دين و في الحكم روايتان وإن قال جملتك أو بدنك أو جسمك أو ذاتك أو كللك علي كظهر أمي كان ظهارا كقوله أنت لأنه أتى بما يقتضي تحريمها عليه فانصرف الحكم إليه كما لو قال أنت طالق وإن قال أنت كظهر أمي طالق أو عكسه لزما.
فائدة : يكره أن يسمى الرجل زوجته بمن تحرم عليه لما روى أبو داود أن رجلا(8/29)
و إن قال أنت علي كأمي كان مظاهرا وإن قال أردت كأمي في الكرامة ونحوه دين و هل يقبل في الحكم يخرج على روايتين وإن قال أنت كأمي أو مثل أمي فذكر أبو الخطاب فيها روايتين والأولى أن هذا ليس بظهار إلا أن ينويه أو يقترن به ما يدل على إرادته
__________
قال لامرأته يا أخته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أختك هي؟" فكره ذلك و نهى عنه و لأنه لفظ يشبه الظهار و لا يثبت حكمه.
"وإن قال أنت علي كأمي كان مظاهرا" لأنه شبه امرأته بأمه أشبه ما لو شبهها بعضو من أعضائها و هذا إذا نوى به الظهار فإن أطلق فروايتان قال ابن أبي موسى أظهرهما أنه ليس بظهار حتى ينويه و قال أبو بكر هو صريح في الظهر و نص عليه قال المؤلف و قياس المذهب عندي أنه إن و جدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه مخرج أو قال ذلك حال الخصومة و الغضب "وإن قال أردت كأمي في الكرامة ونحوه" دين لأنه أعلم بمراده "و هل يقبل في الحكم يخرج على روايتين" أصحهما و اختاره المؤلف أنه يقبل لأنه لما احتمل الظهار و غيره ترجح عدم الظهار بدعوى الإرادة.
و الثانية لا يقبل لأنه لما قال أنت علي كأمي اقتضى أن يكون فيه تحريم أشبه ما لو قال أنت علي كظهر أمي
"وإن قال أنت كأمي أو مثل أمي" بإسقاط علي أو عندي فهو مظاهر إن نواه لأنه يحتمله ذكره في الشرح "فذكر أبو الخطاب فيها روايتين" مثل قوله أنت علي كأمي و كذا يتخرج في قوله رأسك كرأس أمي أو يدك كيدها وما أشبه فلو قال أمي امرأتي أو مثل امرأتي لم يكن ظهارا لأنه تشبيه لأمه ووصف لها وليس بوصف لامرأته "والأولى أن هذا ليس بظهار" لأن اللفظ ظاهر في الكرامة فتعين حمله عليه ثم الإطلاق و لأنه ليس بصريح فيه اللفظ المستعمل فيه كما لو قال أنت كبيرة مثل أمي إلا أن ينويه أو يقترن به ما يدل على إرادته لأن النية تعين اللفظ في المنوي و القرينة شبيهة بها(8/30)
و إن قال أنت علي كظهر أبي أو كظهر أجنبية أو أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها فعلى روايتين وإن قال أنت علي كظهر البهيمة لم يكن مظاهرا وإن قال أنت علي حرام فهو مظاهر إلا أن ينوي طلاقا أو يمينا فهل يكون ظهارا أو ما نواه على روايتين.
__________
"و إن قال أنت علي كظهر أبي" أو كأبي أو مثل أبي "أو كظهر أجنبية أو أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها فعلى روايتين" إذا قال أنت علي كظهر أبي فعنه ظهار لأنه شبهها بظهر من يحرم عليه على التأبيد أشبه الأم و كذا إن شبهها بالميتة.
و الثانية ليس بظهار و هي قول أكثر العلماء لأنه تشيبه بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه ما لو قال أنت علي كما لزيد فعلى هذا عليه كفارة يمين لأنه نوع تحريم أشبه ما لو حرم ماله و عنه لا شيء عليه أشبه التشبيه بمال غيره و أما إذا شبه امرأته بظهر من تحرم عليه تحريما مؤقتا كأخت امرأته وعمتها أو الأجنبية فالأشبه أنه ظهار اختاره الخرقي و أبو بكر و رجحه في الشرح لأنه شبهها بمحرمة أشبه تشبيهها بالأم و الثانية ليس بظهار لأنها غير محرمة على التأبيد فلا يكون التشبيه بها كافيا كالحائض.
"وإن قال أنت علي كظهر البهيمة لم يكن مظاهرا" لأنه ليس بمحل للاستمتاع وفيه وجه كما لو شبهها بظهر أبيه و أطلقهما في المحرر و الفروع و ذكر في الرعاية إذا نوى الظهار فليس مظاهرا و قيل بلى.
"وإن قال أنت علي حرام فهو مظاهر" إذا لم ينو به طلاقا ولا يمينا في قول أكثر العلماء لأن اللفظ ظاهر فيه فوجب كونه ظهارا كسائر الألفاظ الظاهرة فلو زاد إن شاء الله فليس بظهار نص عليه "إلا أن ينوي طلاقا أو يمينا فهل يكون ظهارا أو ما نواه على روايتين" إذا نوى به الطلاق فالأشهر أنه ظهار نص عليه في رواية جماعة و حكاه إبراهيم الحربي عن عثمان و ابن عباس و غيرهما لأنه تحريم أوقعه في الزوجة فكان بإطلاقه ظهارا لشبهها بظهر أمه و كما لو قال أنت علي كظهر أمي ونوى به الطلاق(8/31)
فصل
و يصح من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا
__________
و الثانية أنه ما نواه لأن النية إذا لم تكن موجبة فلا أقل من أن تكون صادقة و عنه أن التحريم يمين وروي عن ابن عباس ل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذا لم ينو به الظهار فليس بظهار وإن نوى الظهار والطلاق معا كان ظهارا لأن اللفظ الواحد لا يكون كذلك.
فرع : إذا قال ما أحل الله علي حرام من أهل و مال فكفارة ظهار تجزئه كفارة واحدة في ظاهر كلامه و نصره المؤلف لأنه يمين واحدة فلا توجب كفارتين واختار ابن عقيل أنه يلزمه كفارتان للظهار و لتحريم المال لأنه لو انفرد أوجب بذلك فكذا إذا اجتمعا
فصل
"و يصح من كل زوج يصح طلاقه" فكل من صح طلاقه صح ظهاره لأنه قول يختص النكاح أشبه الطلاق قال في عيون المسائل فإن أحمد سوى بينه وبين الطلاق وفي الموجز مكلف و في الرعاية و الوجيز من صح طلاقه صح ظهاره إلا الأب و السيد "مسلما كان أو ذميا" على الأصح فيه لأنه يجب عليه كفارة إذا حنث فوجب صحة ظهاره كالمسلم و كجزاء صيد و يكفر بمال فقط و قال ابن عقيل و يعتق بلا نية و إنه يصح العتق من مرتد وفي عيون المسائل ويعتق لأنه من فرع النكاح أو قول لمنكر وزور والذمي أهل لذلك
و الثانية لا يصح منه لأن الكفارة لا تصح منه لأنها عبادة تفتقر إلى النية كسائر العبادات و جوابه بأنه يبطل بكفارة الصيد إذا قتله في الحرم و يصح منه العتق لا الصيام و لا تمتنع صحة الظهار بامتناع بعض أنواع الكفارة كما في حق العبد و النية إنما تعتبر لتعيين الفعل للكفارة فلا يمتنع ذلك في حق الكافر كالنية في(8/32)
و الأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار و لا إيلاء لأنه يمين مكفرة فلم ينعقد في حقه و يصح من كل زوجة فإن ظاهر من أمته أو أم ولده لم يصح و عليه كفارة اليمين و يحتمل أن تلزمه كفارة ظهار
__________
كنايات الطلاق واقتضى ذلك صحته من الصبي و العبد و قيل لا يصح من العبد وإن من لا يصح طلاقه وهو الطفل وزائل العقل بجنون أو إغماء أو نوم لا يصح بغير خلاف نعلمه "و الأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار و لا إيلاء لأنه يمين مكفرة فلم ينعقد في حقه" كاليمين بالله تعالى و لأن الكفارة و جبت لما فيه من قول المنكر و الزور و ذلك مرفوع عن الصبي لأن القلم مرفوع عنه و في المذهب في يمينه وجهان و في عيون المسائل يحتمل ألا يصح ظهاره لأنه تحريم مبني على قول الزور و حصول التكفير و المأثم و إيجاب مال أو صوم قال و أما الإيلاء فقال بعض أصحابنا تصح ردته و إسلامه و ذلك متعلق بذكر الله وإن سلمنا فإنما لم يصح لأنه ليس أهل اليمين بمجلس الحكم لرفع الدعوى.
"و يصح من كل زوجة" كبيرة كانت أو صغيرة مسلمة أو ذمية أمكن وطؤها أولا لعموم الآية و قال أبو ثور لا يصح ممن لا يمكن وطؤها لأن الظهار لتحريم وطئها و هو ممتنع منه بغير اليمين و جوابه العموم و لأنها زوجة يصح طلاقها فصح الظهار منها كغيرها.
"فإن ظاهر من أمته أو أم ولد لم يصح" و قال عبد الله بن عمر و ابن عمرو ورواه الدارقطني عن ابن عباس ل قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2] فخصهن به و لأنه لفظ تعلق به تحريم الزوجة فلا تحرم به الأمة كالطلاق "و عليه كفارة اليمين" نقله الجماعة و قدمه في الكافي و صححه في الشرح كتحريم سائر ماله.
و قال نافع حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته فأمره الله أن يكفر يمينه.
"و يحتمل أن تلزمه كفارة ظهار" ونقله حنبل عن أحمد لأنه أتى بالمنكر من القول والزور ولكن قال أبو بكر لا يتوجه هذا على مذهبه لأنه لو كان عليه(8/33)
وإن قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي لم تكن مظاهرة وعليها كفارة ظهار و عليها التمكين قبل التكفير وعنه كفارة يمين وهو قياس المذهب و عنه لا شيء عليها
__________
كفارة ظهار كان مظاهرا ويحتمل ألا يلزمه شيء قاله أبو الخطاب كما لو قال أنت علي كظهر أبي وفي عمد الأدلة والترغيب رواية أنه يصح قال أحمد وإن أعتقها فهو كفارة يمين ويتزوجها إن شاء.
"وإن قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي" أو إن تزوجت فلانا فهو علي كظهر أبي "لم تكن مظاهرة" رواية واحدة قاله القاضي وهو قول أكثر العلماء للآية ولأنه قول يوجب تحريم الزوجة يملك الزوج رفعه فاختص به الرجل كالطلاق وعنه ظهار اختاره أبو بكر وابن أبي موسى وقاله الزهري والأوزاعي فتكفر إن طاوعته وإن استمتعت به أو عزمت فكمظاهر "وعليها كفارة ظهار" قدمه في "المستوعب" و"الفروع" وصححه الحلواني لأن عائشة بنت طلحة قالت إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر أبي فاستفتت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأمروها أن تعتق رقبة وتتزوجه رواه سعيد والأثرم و الدارقطني ولأنها زوج أتى بالمنكر من القول والزور كالآخر ولأن الظهار يمين مكفرة فاستوى فيها المرأة والرجل قاله أحمد وقال في رواية حرب عن ابن مسعود الظهار من الرجل والمرأة سواء.
"وعليها التمكين قبل التكفير" نص عليه لأن ذلك حق عليها فلا يسقط بيمينها كاليمين بالله تعالى وقيل لا وهو ظاهر كلام أبي بكر كالرجل والفرق واضح ونقل صالح له أن يطأ قبل أن تكفر لأنه ليس لها عليها شيء
وفي "المحرر" يحرم عليها ابتداء قبله يعني كمظاهر "وعنه كفارة يمين وهو قياس المذهب" وأشبه بأصوله لأنه تحريم لحلال كتحريم الأمة وما روي عن عائشة يتعين حمله على ذلك لكون الموجود منها ليس بظاهر وظاهر كلامه في رواية الأثرم لا يقتضي وجوب كفارة الظهار إنما قال الأحوط ولا شك أن الأحوط التكفير بأغلظ الكفارات ليخرج من الخلاف "وعنه لا شيء عليها" وهو قول أكثر العلماء لأنه قول منكر وزور وليس بظهار فلم تجب(8/34)
و إن قالت لأجنبية أنت علي كظهر أمي لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر.
__________
كفارة كالنسب وإذا قلنا بوجوب الكفارة عليها لم تجب إلا بوطئها مطاوعة فإن طلقها أو مات أحدهما قبل وطئها أو أكرهها عليه فلا كفارة ولأنها يمين فلم تجب الكفارة قبل الحنث كسائر الأيمان.
فرع : إذا علقته بتزوجها لم تكن مظاهرة في قول الأكثر وهو ظاهر نصوصه ولم يفرق بينهما أحمد إنما سئل في رواية أبي طالب فقال ظهار وقطع به المحرر وقيل له في المفردات هذا ظهار قبل النكاح وعندكم لا يصح قلنا يصح على رواية وإن قلنا لا يصح فالخبر أفاد الكفارة وصحته قام الدليل على أنه لا يصح قبله بقيت الكفارة وذكر ابن عقيل على المذهب أن قياسه قولها أنا عليك كظهر أمك فإن التحريم عليه تحريم عليها.
"وإن قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي" فهو صحيح مطلقا نصره في "الشرح" وقدمه في "المحرر" ورواه أحمد عن عمر ولأنها يمين مكفرة فصح عقدها قبل النكاح كاليمين بالله تعالى والآية الكريمة خرجت مخرج الغالب وقيل لا يصح وقاله الأكثر من العلماء كالطلاق والإيلاء.
وجوابه أن الطلاق حل قيد النكاح ولا يمكن حله قبل عقده والظهار تحريم للوطء فيجوز تقديمه على العقد كالحيض وإنما اختص حكم الإيلاء بنسائه لكونه يقصد الإضرار بهن والكفارة وجبت هنا لقول المنكر والزور فلا يختص ذلك بنسائه "لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر" نص عليها لأنها إذا تزوجها تحقق معنى الظهار فيها وحيث كان كذلك امتنع وطؤها قبل التكفير لأنه شأن المظاهر.
فرع : إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي فعلى القول بصحته إذا تزوج نساء وأراد العود فكفارة واحدة سواء تزوجهن في عقد أو عقود نص عليه وعنه لكل عقد كفارة فإن قال لأجنبية إن تزوجت فلانة فهي علي(8/35)
وإن قال لأجنبية أنت علي حرام يريد في كل حال فكذلك وإن أراد في تلك الحال فلا شيء عليه لأنه صادق ويصح الظهار معجلا ومعلقا بشرط ومطلقا ومؤقتا نحو أنت علي كظهر أمي شهر رمضان أو إن دخلت الدار فمتى انقضى الوقت زال الظهار وإن أصابها فيه وجبت عليه الكفارة
__________
كظهر أمي وقال أردت أن مثلها في التحريم في الحال دين وفي الحكم وجهان.
أحدهما لا يقبل لأنه صريح للظهار والثاني بلى لأنها حرام عليه كأمه.
"وإن قال لأجنبية أنت علي حرام يريد في كل حال فكذلك" أي فهو ظهار لأن لفظة الحرام إذا أريد بها فهو ظهار من الزوجة فكذا الأجنبية فعليه لا يطؤها إذا تزوجها حتى يكفر "وإن أراد في تلك الحال فلا شي عليه لأنه صادق وكذا إن أطلق قاله في الشرح وفي الترغيب وجه ويصح الظهار معجلا ومعلقا بشرط" فإذا وجد فمظاهر نص عليه "ومطلقا" إن قصد اليمين واختاره ومثل بالحل علي حرام لأفعلن "ومؤقتا نحو أنت علي كظهر أمي شهر رمضان" لحديث سلمة بن صخر قال ظاهرت من امرأتي شهر رمضان وأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أصابها في الشهر فأمره بالكفارة ولم ينكر عليه التقييد ولم يعبه ولأنها يمين مكفرة فصح توقيتها كاليمين بالله تعالى ولأنه يمنع نفسه بيمين لها كفارة فصح أن تكون مؤقتة كالإيلاء لا يقال الظهار طلاق في الأصل فيجب ألا يصح تقييده كالنكاح لأنه تقدم الفرق بينهما في تعليقه ولا يكون عائدا إلا بالوطء في المدة
"أو إن دخلت الدار" لأنه يمين فجاز تعليقه على شرط كالإيلاء ولأنه قول تحرم به الزوجة فصح تعليقه على شرط كالطلاق "فمتى انقضى الوقت زال الظهار" لأن التحريم صادف ذلك الزمن دون غيره فوجب أن ينقضي بانقضائه "وإن أصابها فيه" أي في الوقت "وجبت عليه الكفارة" لأنه - عليه السلام -(8/36)
..........................................................................................
__________
أوجبها على سلمة.
تنبيه : إذا قال أنت علي كظهر أمي إن شاء الله لم يلزمه شيء نص عليه.
وقال ابن عقيل هو مظاهر ذكره في المجرد وإن قال ما أحل الله علي حرام إن شاء الله وله أهل هي يمين ولم يلزمه شيء بغير خلاف نعلمه لأنها يمين مكفرة فصح الاستثناء فيها كاليمين بالله تعالى وكذا إن قال أنت حرام إن شاء الله أو عكسه فلا ظهار نص عليه خلافا لابن شاقلا وابن بطة وابن عقيل وإن قال أنت حرام إن شاء الله وشاء زيد فشاء زيد لم يكن مظاهرا لأنه علقه على شيئين فلا يحصل بأحدهما.(8/37)
فصل في حكم الظهار
يحرم وطء المظاهر منها قبل التكفير
__________
فصل في حكم الظهار
"يحرم وطء المظاهر منها قبل التكفير" إذا كان بالعتق أو الصيام بغير خلاف للآية وكذا إن كان بالإطعام في قول الجمهور لما روى عكرمة عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال ما حملك على ذلك يرحمك الله فقال رأيت خلخالها في ضوء القمر فقال لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وقال المرسل أولى بالصواب.
وهل يحرم الاستمتاع بها دون الفرج على روايتين أظهرهما أنه يحرم واختاره أبو بكر وابن عقيل وقدمه في "المستوعب" و "الفروع" لأن ما حرم الوطء من القول حرم دواعيه كالطلاق والإحرام.
والثانية يجوز نقلها عن الأكثر وفي "الترغيب" هي أظهرهما لأنه تحريم يتعلق بالوطء فيه كفارة فلم يتجاوزه التحريم كوطء الحائض والمراد من التماس في الآية الجماع.(8/37)
وهل يحرم الاستمتاع بها دون الفرج؟ على روايتين. وعنه :وطؤها إذا كان التكفير بالإطعام ، اختاره أبو بكر . وتجب الكفارة بالعود وهو الوطء نص عليه أحمد وأنكر قول مالك انه العزم على الوطء وقال القاضي وأبو الخطاب هو العزم .
__________
"وعنه لا يحرم وطؤها إذا كان التكفير بالإطعام اختاره أبو بكر" وأبو إسحاق وقاله أبو ثور لأن الله لم يذكر المسيس فيه كما ذكره في العتق والصيام وجوابه أن يحمل المطلق على المقيد لاتحاد الواقعة.
"وتجب الكفارة" أي تثبت في ذمته "بالعود وهو الوطء نص عليه أحمد" اختاره الخرقي وقدمه في "الكافي" و "الرعاية" و"الفروع" وجزم به في الوجيز ل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [القصص: 3] المجادلة فأوجب الكفارة عقب العود وذلك يقتضي تعلقها به فمتى وطئ لزمته الكفارة ولا تجب قبل ذلك صرح به في المغني وغيره لأنه علق الكفارة بشرطين ظهار وعود والمعلق لا وجود له عند عدم أحدهما إلا أنها شرط كل الوطء فيؤمر بها من أراده ليستحله بها كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حلها ذكره في الشرح ولأن العود في القول هو فعل ضد ما قال كما أن العود في الهبة استرجاع ما وهب ويلزمه إخراجها بعزمه على الوطء نص عليه ويجوز قبله وفي الانتصار في الطلاق إن عزم فيقف مراعا "وأنكر قول مالك انه العزم على الوطء" لما تقدم وقال أبو حنيفة "تجب الكفارة على من وطئ" وهي عنده في حق من وطئ كمن لم يطأ وقال الشافعي: "العود إمساكها بعد ظهاره زمنا يمكن طلاقها فيه" وقال داود: "العود تكرار الظهار مرة ثانية" وقال القاضي وأبو الخطاب وغيرهما: "هو العزم على الوطء" وذكره ابن رزين رواية لأنه قصد تحريمها فإذا عزم على الوطء فقد عاد فيما قصد ولأن الوطء تحريم فإذا عزم على استباحتها فقد رجع عن ذلك التحريم فكان عائدا ولأن الله تعالى أمر بالتكفير عقب العود قبل التماس وكلامه مشعر بأن العود ليس هو إمساك المظاهر منها عقب يمينه.
وصرح به في المغني وعلله بأن الظهار تحريم قصده وفعل ما حرمه دون(8/38)
وإن مات أحدهما أو طلقها قبل الوطء فلا كفارة عليه وإن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر وإن وطئ قبل التكفير أثم واستقرت عليه الكفارة
__________
الإمساك ولأن العود فعل والإمساك ترك الطلاق ول قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [القصص: 3] وثم للتراخي والمهلة وذلك ينافي الإمساك عقب الظهار وحاصله أنهم لم يوجبوا الكفارة على العازم على الوطء إذا مات أحدهما أو طلق قبل الوطء إلا أبا الخطاب فإنه قال إذا مات بعد العزم أو طلق فعليه الكفارة وهذا قول مالك وأبي عبيدة وأنكره أحمد وقال القاضي وأصحابه لا كفارة عليه حكاه المؤلف وقطع في المحرر بالكفارة وحكاه عن القاضي وأصحابه.
"وإن مات أحدهما أو طلقها قبل الوطء فلا كفارة عليه" وحاصله أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار فإن مات أحدهما أو فارقها قبل العود فلا كفارة عليه لأن الموجب لها هو الوطء ولم يوجد على المنصوص وأيهما مات ورثه الآخر وقال قتادة إن ماتت لم يرثها حتى يكفر وجوابه أن من ورثها إذا كفر ورثها وإن لم يكفر كالمؤلى منها.
"وإن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر" سواء كان الطلاق ثلاثا أو لا وسواء رجعت إليه بعد زوج آخر أو لا نص عليه وهو قول الحسن وعطاء للآية وهي ظاهرة في امرأته فلا يحل أن يتماسا حتى يكفر كالتي لم يطلقها ولأن الظهار يمين مكفرة فلم يبطل حكمها بالطلاق كالإيلاء.
"وإن وطئ قبل التكفير أثم" مكلف لأنه بوطئه قبل التكفير عاص ربه لمخالفته أمره "واستقرت عليه الكفارة" ولو مجنونا نص عليه لئلا يسقط بعد ذلك كالصلاة إذا غفل عنها في وقتها.
وتحريم زوجته باق عليه حتى يكفر في قول الأكثر وظاهر كلام جماعة لا وأنه كاليمين قال في "الفروع" وهو أظهر وكذا في "الترغيب" وجهان كالإيلاء وفي الانتصار وغيره إن أدخلت ذكره نائما فلا عود ولا كفارة(8/39)
وتجزئه كفارة واحدة وإن ظاهر من امرأته الأمة ثم اشتراها لم تحل له حتى يكفر وقال أبو بكر يبطل الظهار و تحل له وإن وطئها فعليه كفارة يمين وإن كرر الظهار قبل التكفير فكفارته واحدة و عنه إن كرره في مجالس فكفارات.
__________
وعلى الأول "وتجزئه كفارة واحدة" لحديث سلمة بن صخر ولأنه وجد الظهار والعود فيدخل في عموم الآية وحكي عن عمرو بن العاص أن عليه كفارتين رواه الدارقطني وبه قال جمع وعن بعض العلماء أن ا لكفارة تسقط لأنه قد فات وقتها لكونها وجبت قبل المسيس.
"وإن ظاهر من امرأته الأمة ثم اشتراها لم تحل له حتى يكفر" وحاصله أنه إذا ظاهر من زوجته الأمة ثم ملكها انفسخ النكاح وحكم الظهار باق ذكره الخرقي واختاره ابن حامد قال القاضي وهو "المذهب" للآية ولأن الظهار لا يسقط بالطلاق المزيل للملك والحل فبملك اليمين أولى.
"وقال أبو بكر" وأبو الخطاب "يبطل الظهار" لأن شرطه الزوجية وقد زالت فوجب أن يزول لزوال شرطه "وتحل له وإن وطئها فعليه كفارة يمين" لا غير كما لو كان تظاهر منها وهي أمته ويتخرج بلا كفارة ومقتضى كلامهما هنا أنها تباح له قبل التكفير لأنه أسقط الظهار وجعله يمينا لتحريم أمته فإن أعتقها عن كفارته أجزأ على القولين فإن تزوجها بعد ذلك حلت له بغير كفارة وإن أعتقها عن غير الكفارة ثم تزوجها لم تحل له حتى يكفر "وإن كرر الظهار قبل التكفير فكفارته واحدة" في ظاهر المذهب سواء كان في المجلس أو مجالس ينوي به الاستئناف أو التأكيد أو يطلق نقله عن أحمد جمع لأنه قول لم يؤثر تحريم الزوجة فلم تجب به كفارة ظهار كاليمين بالله تعالى وظاهره أنه إذا كفر عن الأول لزمه للثاني كفارة بغير خلاف لأنها أثبتت في المحل تحريما أشبهت الأولى
وعنه إن نوى الاستئناف فكفارات بعدده وقاله الثوري وعنه بعدده.
"وعنه إن كرره في مجالس فكفارات" روي عن علي وعمرو بن مرة(8/40)
فإن ظاهر من نسائه بكلمة واحدة فكفارة واحدة وإن كان بكلمات فكل واحدة كفارة
__________
لأن الظاهر أنه قول مستأنف فوجب أن يتعلق به مثل ما تعلق بالأول بخلاف ما إذا كان في مجلس واحد فإن ظاهره أنه أراد التأكيد.
"فإن ظاهر من نسائه بكلمة واحدة" بأن قال أنتن علي كظهر أمي "فكفارة واحدة" بغير خلاف في "المذهب" قاله في "الشرح" وهو قول عمر وعلي رواه عنهما الأثرم ولا يعرف لهما في الصحابة مخالف ولأنها يمين واحدة فلم يجب لها أكثر من كفارة كاليمين بالله تعالى وعنه لكل امرأة كفارة كما لو أفردها والفرق أن كل كلمة تقتضي كفارة ترفعها وتكفر إثمها والظهار بكلمة واحدة الكفارة الواحدة ترفع حكمها وتمحو إثمها بخلاف الكلمات "وإن كان بكلمات فلكل واحدة كفارة" قاله عروة وعطاء وقال ابن حامد والقاضي هذا المذهب رواية واحدة لأنها أيمان في محال مختلفة أشبه ما لو وجدت في عقود متفرقة.
وعنه تجزئه كفارة واحدة اختاره أبو بكر وقال هذا الذي قلناه إتباعا لعمر والحسن وإبراهيم وإسحاق لأن كفارة الظهار حق الله فلم تتكرر بتكرر سببها كالحد وجوابه أن الحد عقوبة يدرأ بالشبهة وعنه إن كرره في مجالس فكفارات وإلا فواحدة قال القاضي وكذلك يخرج في كفارة القتل يعني بفعل أو أفعال.(8/41)
فصل في كفارة الظهار و ما في معناها
__________
فصل في كفارة الظهار وما في معناها
الكفارة مأخوذ معناها من الكفر وهو الستر لأنها تستر الذنب "كفارة(8/41)
كفارة الظهار على الترتيب فيجب عليه تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا و كفارة الوطء في رمضان مثلها في ظاهر المذهب و كفارة القتل مثلهما إلا في الإطعام ففي وجوبه روايتان و الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب في إحدى الروايتين
__________
الظهار على الترتيب فيجب عليه تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع" لكبر أو مرض وفي الكافي غير مرجو زواله أو يخاف زيادته أو أبطأه وذكر المؤلف وغيره أو لشبق وفي الترغيب أو لضعفه عن معيشة تلزمه وفي الروضة لضعف عنه أو كثرة شغل أو شدة حر {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4] لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} [القصص: 3] الآيتين ولحديث خويلة امرأة أوس بن الصامت حين ظاهر منها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "تعتق رقبة" قالت يعني امرأته لا يجد قال "فيصوم شهرين متتابعين" قالت شيخ كبير ما به من صيام قال "فيطعم ستين مسكينا" وهذا الترتيب لا خلاف فيه إذا كان المظاهر حرا ويأتي حكم العبد "وكفارة الوطء في" نهار "رمضان مثلها في ظاهر المذهب" وقد سبق "وكفارة القتل مثلهما" لأن التحريم والصيام منصوص عليهما في كتاب الله تعالى "إلا في الإطعام ففي وجوبه روايتان" أصحهما لا يجب واختاره الأكثر لأنه لم يذكر في كتاب الله تعالى ولو كان واجبا لذكره كالعتق والصيام.
والثانية بلى اختارها في التبصرة والطريق الأقرب لأنها كفارة فيها عتق وصوم فكان فيها إطعام ككفارة الظهار.
"والاعتبار في الكفارات بحال الوجوب في إحدى الروايتين" وهي ظاهر الخرقي وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعاية والفروع لأنها تجب على وجه الطهرة فكان الاعتبار بحال الوجوب كالحد نص عليه فإذا وجب وهو عبد فلم يكفر حتى عتق فعليه الصوم لا يجزئه غيره وقاله الأثرم(8/42)
فإذا وجبت و هو موسر ثم أعسر لم يجزئه إلا العتق وإن وجبت و هو معسر فأيسر لم يلزمه العتق و له الانتقال إليه إن شاء و عنه في العبد إذا عتق لا الصوم و الرواية الثانية الاعتبار بأغلظ الأحوال فمن أمكنه العتق من حين الوجوب إلى حين التفكير لا يجزئه غيره.
__________
فإن وجبت وهو موسر ثم أعسر لم يجزئه إلا العتق لأنه هو الذي وجب عليه فلا يخرج عن العهدة إلا به.
"وإن وجبت وهو معسر فأيسر لم يلزمه العتق" ما وجب عليه لا يقال الصوم بدل عن العتق فإذا وجد من يعتقه وجب الانتقال إليه كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة أو فيها للفرق بينهما فإن الماء إذا وجد بعد التيمم بطل بخلاف الصوم فإن العتق لو وجد بعد فعله لم يبطل.
"وله الانتقال إليه إن شاء" لأن العتق هو الأصل فوجب أن يجزئه كسائر الأصول.
"و عنه في العبد إذا عتق لا يجزئه غير الصوم" بناء على قولنا أن الاعتبار بحالة الوجوب لأنه حنث وهو عبد فلم يكن يجزئه إلا الصوم وقد نص أحمد على أنه يكفر كفارة عبد قال القاضي وفيه نظر ومقتضاه أنه لا يلزمه التكفير بالمال فإن كفر به أجزأه ولأنه حكم تعلق بالعبد في رقه فلم يتغير بحريته كالحد وهذا على القول الذي لا يجوز للعبد التكفير بالمال بإذن سيده وعلى الأخرى هو كالحر لأن رقه جعله كالمعسر فإذا أتى بالعتق وجب أن يجزئه كالحر المعسر.
"والرواية الثانية الاعتبار بأغلظ الأحوال" لأنها حق يجب في الذمة بوجود المال فاعتبرت بأغلظ الأحوال كالحج وجوابه إن الحج عبادة العمر وجميعه وقت لها فمتى قدر عليه في جزء من وقته وجب بخلافه هنا.
"فمن أمكنه العتق من حين الوجوب إلى حين التكفير لا يجزئه غيره" لأنه هو الواجب عليه ولا يجزئه غيره لأن فعله غير واجب عليه(8/43)
فإن شرع في الصوم ثم أيسر لم يلزمه لم يلزمه الانتقال عنه و يحتمل أن يلزمه.
فصل
فمن ملك رقبة
__________
"فإن شرع في الصوم ثم أيسر لم يلزمه الانتقال عنه" وقاله أكثر العلماء لأنه لم يقدر على العتق قبل تلبسه بالصيام أشبه ما لو استمر العجز إلى ما بعد الفراغ ولأنه وجد المبدل بعد الشروع في البدل فلم يلزمه الانتقال إليه كالمتمتع يجد الهدي بعد الشروع في صيام الأيام السبعة ويفارق ما إذا وجد الماء في الصلاة فإن قضاءها يسير وروى البيهقي من حديث أبي القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد ثنا ابن أبى ذئب عن ابن شهاب قال السنة فيمن صام من الشهرين ثم أيسر أن يمضي وذكر في المبهج وابن عقيل رواية أنه يعتبر وقت الأداء لأنه حق له بدل من غير جنسه فاعتبر فيه حالة الأداء كالوضوء "و يحتمل أن يلزمه" الانتقال إليه وقاله ابن سيرين والحكم لأنه قدر على الأصل كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة أو فيها أصل إذا تكلف العتق ممن فرضه الصيام أجزأه في الأصح و إذا قلنا الاعتبار بحال الوجوب فوقته في الظهار من حين العود لا وقت المظاهرة لأن الكفارة لا تجب حتى يعود ووقته في اليمين من الحنث لا وقت اليمين فلو كان المظاهر ذميا فتكفيره بغير الصوم لأنه ليس من أهله ويتعين رقبة مؤمنة إذا كانت في ملكه فإن لم يكن فلا سبيل إلى شرائه ويتعين التكفير بالإطعام إلا أن يقول لمسلم أعتق عبدك عن كفارتي وعلي ثمنه فيصح في رواية فلو ظاهر وهو مسلم ثم ارتد وصام فيها لم يجزئه وإن كفر بغيره فقال احمد لا يجزئه وقال القاضي المذهب أنه موقوف
فصل
"فمن ملك رقبة" لزمه فلو اشتبه عبده بعبيد غيره أمكنه العتق بأن يعتق الرقبة(8/44)
أو أمكنه تحصيلها بما هو فاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام وغيرها من حوائجه الأصلية بثمن مثلها لزمه العتق و من له خادم يحتاج إليه أو دار يسكنها أو دابة يحتاج إلى ركوبها
__________
التي في ملكه ثم يقرع بين الرقاب فيعتق من وقعت عليه القرعة هذا قياس "المذهب" قاله القاضي وغيره "أو أمكنه تحصيلها بما هو فاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام" لقوله عليه السلام "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" ولأن ذلك مقدم على دين المفلس المقدم على الكفارة فلأن يقدم عليها بطريق الأولى.
"وغيرها من حوائجه الأصلية" لأنها قريبة من كفايته ومساوية لها بدليل تقديمها على غرماء المفلس.
"بثمن مثلها" لأن ما حصل بأكثر من ثمن المثل يجوز له الانتقال كاليتيم.
"لزمه العتق" إجماعا و ليس له لانتقال إلى الصيام إذا كان مسلما حرا مع شرط آخر و هو أن يكفر فاضلا عن و فاء دينه وفيه رواية لا مال يحتاجه لأكل الطيب و لبس الناعم و هو من أهله لعدم عظم المشقة ذكره ابن شهاب و غيره.
"و من له خادم يحتاج إلى خدمته" لكبر أو مرض و نحوه أو كان ممن لا يخدم نفسه عادة فليس عليه إعتاق لأنه في حكم العدم كمن معه ما يحتاج إليه العطش و نحوه فإن كان يخدم امرأته وهو ممن عليه إخدامها أو كان له رقيق يتقوت بخراجهم فكذلك بخلاف ما إذا كان له خادم و هو يخدم نفسه عادة لزمه الإعتاق لأنه فاضل عن حاجته.
فرع : إذا كان له سرية لم يلزم إعتاقها فإن أمكنه بيعها و شراء سرية غيرها و رقبة يعتقها لم يلزمه لأن الغرض قد يتعلق بعينها بخلاف ما إذا كان له رقبة يمكنه بيعها و شراء رقبتين بثمنها يستغني بخدمة إحداهما و يعتق الأخرى.
"أو دار يسكنها أو دابة يحتاج إلى ركوبها" لأن ذلك من حوائجه الأصلية فإن كان له دار يمكنه بيعها و شراء ما يكفيه لسكن مثله أو رقبة ,(8/45)
أو ثياب يتجمل أو كتب يحتاج إليها أو لم يجد رقبة إلا بزيادة عن ثمن مثلها تجحف به لم يلزمه العتق وإن وجدها بزيادة لا تجحف به فعلى وجهين وإن وهبت له رقبة لم يلزمه قبولها وإن كان ماله غائبا وأمكنه شراؤها بنسيئة لزمه.
__________
أو ضيعة يفضل منها عن كفايته ما يمكنه شراء رقبة لزمه ويراعي في ذلك الكفاية التي يحرم معها أخذ الزكاة
"أو ثياب يتجمل بها" لأنه غير قادر على العتق لكن لو كان له ملابس فاخرة تزيد على ملابس مثله يمكنه بيعها و شراء ما يكفيه في لباسه ورقبة يعتقها لزمه.
"أو كتب" علم "يحتاج إليها" أو عقار يحتاج إلى غلته أو عرض للتجارة لا يستغني عن ربحه في مؤنته "أو لم يجد رقبة إلا بزيادة عن ثمن مثلها تجحف به لم يلزمه العتق" لأن عليه ضررا في ذلك "وإن وجدها بزيادة لا تجحف فعلى وجهين" وقيدهما في "المحرر" و"الرعاية" بما لا يتغابن الناس بمثلها.
أحدهما يلزمه وهو أشهر لأنها زيادة لا تجحف به أشبه ما لو بيعت بثمن مثلها والثاني لا لأنه يجد رقبة بثمن مثلها أشبه العادم وأصلهما العادم للماء إذا وجده بزيادة على ثمن مثله فإن وجد رقبة رفيعة يمكن أن يشتري بثمنها رقبتين من غير جنسها لزمه لا ضرر في الشرط وإنما الضرر في إعتاقها وذلك لا يمنع الوجوب كما لو كان مالكا لها.
"وإن وهبت له رقبة لم يلزمه قبولها" لأن عليه منة في قبولها وذلك ضرر في حقه "وإن كان ماله غائبا وأمكنه شراؤها بنسيئة" لغيبة ماله وفي الرعاية أو لكونه دينا لزمه في الأصح وقد ذكر المؤلف أنه إذا عدم الماء فبذل له بثمن في الذمة يقدر على أدائه في بلده وجهين أحدهما يلزمه واختاره القاضي لأنه قادر على أخذه بما لا مضرة فيه والثاني وقاله أبو الحسن التميمي لا لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته وربما تلف ماله قبل أدائه فيخرج هاهنا على الوجهين قال في الشرح والأولى إن شاء الله تعالى أنه لا يلزمه وظاهره أنها إذا لم تبع نسيئة فإنه يجوز الصوم قدمه في "المحرر" و"الفروع" للحاجة ,(8/46)
ولا تجزئه في كفارة القتل إلا رقبة مؤمنة وكذلك في سائر الكفارات في ظاهر المذهب و لا تجزئه إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا
__________
وكالعادم وقيل لا وقيل ظهار للحاجة لتحريمها قبل التكفير وفي "الشرح" إذا كان مرجو الحضور قريبا لم يجز الانتقال إلى الصيام لأن ذك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة وإن كان بعيدا جاز الانتقال إليه في غير كفارة الظهار.
فرع : لا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله فلو قال لعبده أنت حر الساعة عن ظهاري عتق ولم يجزئه عنه فإن قال إن ظاهرت فأنت حر عن ظهاري ثم قال لامرأته أنت علي كظهر أمي عتق وفي إجزائه عن الكفارة وجهان.
"ولا تجزئه في كفارة القتل إلا رقبة مؤمنة" رواية واحدة قاله في المستوعب وحكاه ابن حزم إجماعا وسنده قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وكذلك في سائر الكفارات في ظاهر المذهب وهو قول الحسن وإسحاق والأكثر قياسا على كفارة القتل ولقوله عليه السلام "أعتقها فإنها مؤمنة" رواه مسلم من حديث معاوية وعنه يجزئه في غير كفارة قتل عتق رقبة وقيل كافرة وقيل كتابية وقيل ذمية وهو قول عطاء والثوري لأن الله تعالى أطلق الرقبة في كفارة الظهار فوجب أن يجزئ ما تناوله الإطلاق وجوابه بأن المطلق يحمل على المقيد إذا اتحد الحكم ولأن الإعتاق يتضمن تفريغ العبد المسلم لعبادة ربه وتكميل أحكامه ومعونة للمسلمين فناسب ذلك إعتاقه في الكفارة تحصيلا لهذه المصالح.
وذكر أبو الخطاب وجمع منع حربية ومرتدة اتفاقا قال في "الفروع" و يتوجه في نذر عتق مطلق رواية مخرجة من فعل منذور في وقت نهي ومن منفعة زوجته من حجة نذر بناء على أنه ليس كالواجب بأصل الشرع
"و لا تجزئه إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا" لأن المقصود تمليك العبد منفعته و تمكينه من التصرف ولا يحصل هذا مع ما يضر(8/47)
كالعمى و شلل اليد و الرجل أو قطعهما أو قطع إبهام اليد أو سبابتهما أو الوسطى أو الخنصر و البنصر من يد واحدة و لا يجزئ المريض المأيوس منه و لا النحيف العاجز عن العمل و لا غائب لا يعلم خبره
__________
بالعمل ضررا بينا "كالعمى" لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع لفقده البصر الذي يهتدي به إلى العمل.
"و شلل اليد و الرجل أو قطعهما" لأن اليد آله البطش و الرجل آله المشي فلا يتهيأ كثير من العمل مع حصول ذلك وكذا لا يجزئ مقعد و مجنون مطبق لأنه وجد فيه العيبان ذهاب منفعة الحس و حصول الضرر و لأنه إذا لم يستقل بكفاية نفسه يكون كلا على غيره و قد نظر الشافعي في العيوب من كل باب إلى ما يليق به فاعتبر هنا ما يضر بالعمل و في الأضحية ما ينقص اللحم و في النكاح ما يخل بمقصود الجماع و في البيع ما يخل بالمالية.
"أو قطع إبهام اليد أو سبابتها أو الوسطى أو الخنصر و البنصر من يد واحدة" لأن نفع اليد يزول أكثره بذلك و مقتضاه أنه لو قطع خنصره و وبنصره من يدين جاز عتقه.
و صرح به في "الوجيز" لأن نفع الكفين باق و قطع أنملة الإبهام كقطعها وإن قطع من إصبع أنملتان فهو كقطعها لأنه ذهب بمنفعتها وإن قطع من أصبع غير الإبهام أنملة لم يمنع و في الواضح أن مقطوع الإبهامين لا يجزئ بخلاف ما إذا قطع أحدهما و لا يجزئ المريض المأيوس منه كمرض السل لأن برأه يندر و لا يتمكن من العمل مع بقائه و قيل أولا ثم مات وظاهره أنه إذا لم يكن مأيوسا منه كالحمى و نحوها لم يمنع.
"و لا النحيف العاجز عن العمل" لعجزه عما هو المقصود بعتق الرقبة و ظاهره أنه إذا تمكن من العمل فإنه يجزئ و في معناه الزمن و المقعد و فيهما رواية.
"و لا غائب لا يعلم خبره" لأنه مشكوك في حياته و الأصل بقاء شغل الذمة فلا تبرأ بالشك لا يقال الأصل الحياة لأنه قد علم أن الموت لا بد منه و قد وجدت دلالة عليه و هو انقطاع خبره وفيل يجزئ كما لو علم(8/48)
و لا مجنون مطبق و لا أخرس لا تفهم إشارته و لا عتق من علق عتقه بصفة عند وجودها و لا من يعتق عليه بالقرابة
__________
بعد و فيل يعتق ولا يجزئ فإن لم ينقطع خبره أجزأ عتقه لأنه عتق صحيح
"و لا مجنون مطبق" لأنه معدوم النفع ضرورة استغراق زمانه في الجنون وقيل أو أكثر وقته و هو أولى لعدم قدرته على تمام العمل و في معناه الهرم قاله في "الرعاية".
"و لا أخرس لا تفهم إشارته" لأن منفعته زائلة أشبه زوال العقل و لأن الخرس نقص كثير يمنع كثيرا من الأحكام كالقضاء و الشهادة و كثير من الناس لا تفهم إشارته فيتضرر بترك استعماله و ظاهره أنه إذا فهمت إشارته أجزأ صححه في "الشرح" كذهاب الشم و المنصوص عدم الإجزاء ذكره في الكافي و قيل يجزئ مطلقا حكاه في "التعليق" و أبو الخطاب عن أحمد فإن كان به صمم لم يجزئ و إلا أجزأ و في "المغني" الأولى أنه متى فهمت إشارته و فهم إشارة غيره أنه يجزئ لأن الإشارة تقوم مقام الكلام و في "الواضح" "المذهب" أنه يجزئ الأصم لأن الصمم لا يمنع من التصرف في العمل "و لا عتق من علق عتقه بصفة عند وجودها" أي إذا اشترى من يعتق عليه إذا ملكه ينوي بشرائه عتقه عن الكفارة عتق و لم يجزئه لأنه حينئذ يستحق العتق بسبب غير الكفارة فلم يجزئ عتقه كالذي يعتق عليه بشرائه و ظاهره انه إذا علق عتقه للكفارة أو أعتقه قبل وجود الصفة أنه يجزئ لأنه أعتق عبده الذي يملكه عن الكفارة لأن عتقه مستحق في غير الكفارة.
"ولا من يعتق عليه بالقرابة" لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] و التحرير فعل العتق و لم يحصل هنا بتحرير منه و لا إعتاق فلم يكن ممتثلا للأمر و لأن عتقه مستحق بسبب آخر فلم يجزئه كما لو ورثه ينوي به العتق عن كفارته و يخالف المشتري البائع من وجهين أحدهما أن البائع يعتقه و المشتري لم يعتقه و إنما يعتق بإعتاق الشارع من غير اختيار منه و الثاني أن البائع لا يستحق عليه إعتاقه و المشتري بخلافه .(8/49)
و لا من اشتراه بشرط العتق في ظاهر المذهب و لا أم و لده في الصحيح عنه و لا مكاتب قد أدى من كتابته شيئا في اختيار شيوخنا وعنه:يجزئ وعنه :لا يجزئ مكاتب بحال.
__________
"و لا من اشتراه بشرط العتق في ظاهر المذهب" و هو قول معقل بن يسار لأنه إذا فعل ذلك فالظاهر أن البائع نقصه من الثمن لأجل هذا الشرط فكأنه أخذ عن العتق عوضا فلم يجزئه عن الكفارة وعنه بلى فعلى الأول لو شرط عليه مالا أو خدمة لم يجزئه.
"و لا أم و لده في الصحيح عنه" و قاله الأوزاعي و أبو عبيد و الأكثر لأن عتقها مستحق بسبب آخر كما لو اشترى قربيه أو عبدا بشرط العتق فأعتقه و كما لو قال أنت حر إن دخلت الدار و نوى عتقه عن كفارته عند دخوله.
و الثانية يجزئ قاله الحسن و طاووس لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} و معتقها قد حررها و جوابه الآية مخصوصة بما ذكرناه فنقيس عليه ما اختلفوا فيه.
"و لا مكاتب قد أدى من كتابته شيئا في اختيار شيوخنا" و هو قول الليث و الأوزاعي قال القاضي هو الصحيح و قدمه في الفروع و اختاره الأكثر لأنه إذا أدى شيئا فقد حصل العوض عن بعضه فلم يجز كما لو أعتق بعض رقبة وظاهره أنه إذا لم يؤد شيئا أنه يجزئ على المذهب لأنه أعتق رقبة مؤمنة سالمة الخلق تامة الملك فأجزأ كالمدبر "و عنه يجزئ" و قاله أبو ثور و اختاره أبو بكر و قدمه في المحرر لأن المكاتب عبد يجوز بيعه فأجزأ عتقه عنها كالمدبر و لأنه رقبة فيدخل في مطلق الآية "و عنه لا يجزئ مكاتب بحال" قاله أبو عبيد و الأكثر لأن عتقه مستحق بسبب الكتابة و لهذا لا يملك إبطال كتابته أشبه أم الولد و قيل يجزئ من كتابة فاسدة و قال ابن حمدان إن جاز بيعها و الصحيح الأول و الفرق بينه و بين المدير أن المدبر لم يحصل في مقابلة منه عوض بخلاف مكاتب أدى بعض كتابته و الفرق بينه وبين أم الولد أنه لا يجوز بيعها على الصحيح بخلاف المكاتب.(8/50)
و يجزئ الأعرج يسيرا و المجدوع الأنف و الأذن و المجبوب و الخصي و من يخنق في الأحيان و الأخرس الذي يفهم الإشارة و تفهم إشارته
__________
فرع: لا يجزئ إعتاق الجنين في قول أكثرهم لأنه لا تثبت له أحكام بعد و فاته فإنه لا يملك إلا بالإرث و الوصية و لا يشترط لهما كونه آدميا لكونه يثبت له ذلك و هو نطفة أو علقه و ليس بآدمي في تلك الحال.
تنبيه : إذا اشترى عبدا ينوي إعتاقه عن كفارته فوجد به عيبا لا يمنع من الإجزاء فاخذ أرشه ثم أعتقه عنها أجزأه و الأرش له فإن أعتقه قبل العلم بالعيب ثم ظهر على عيبه و أخذ أرشه فهو له كما لو أخذه قبل إعتاقه
وعنه أنه يصرف الأرش في الرقاب فإن علم العيب ولم يأخذ أرشه كان الأرش للمعتق لأنه أعتقه معيبا عالما بعيبه فلم يلزمه أرش كما لو باعه لمن يعلم عيبه فلو قال أعتق عبدك عن كفارتك و لك خمسة دنانير ففعل لم يجزئه عنها لأن الرقبة لم تقع خالصة عن الكفارة و ذكر القاضي أن العتق يقع عن باذل العوض و له ولاؤه.
"و يجزئ الأعرج يسيرا" لأنه قليل الضرر بالعمل بخلاف الفاحش الكثير فهو كقطع الرجل و في "المستوعب" يجزئ الأعرج يسيرا إذا كان يتمكن من المشي و المجدع و الأنف و الأذن الجدع قطع الأنف و الأذن و الشفه و هو بالأنف أخص لأن ذلك لا تعلق له بالعمل فهو كمقطوع الأذنين وكنقص السمع "و المجبوب و الخصي و من يخنق في الأحيان والأصم و الأخرس الذي يفهم الإشارة و تفهم إشارته" لما ذكرنا وخالف في الموجز و "التبصرة" لنقصه وتجزئ الرتقاء والكبيرة التي تقدر على العمل لأن ما لا يضر بالعمل لا يمنع تمليك العبد منافعه وتكميل أحكامه.
مسائل: يجزئ مستأجر ومرهون وأحمق والجاني مطلقا وإن قتل قصاصا و الأمة الزوجة و الحامل وإن استثنى حملها كما لا يضر قطع أصابع قدم و كذهاب نور إحدى العينين و قال أبو بكر فيه قول آخر لأنه(8/51)
و المدبر و المعلق عتقه بصفة وولد الزنى والصغير .وقال الخرقي: إذا صام وصلى.
__________
يمنع التضحية و الإجزاء في الهدي أشبه العمى.
"و المدبر" في قول طاووس لأنه عبد كامل المنفعة لم يحصل عن شيء منه عوض كالقن و لأنه يجوز بيعه وإن قيل بعدم جوازه لم يجز عتقه قاله الأوزاعي و أبو عبيد و لأكثر لأن عتقه مستحق بسبب آخر أشبه أم الولد "و المعلق عتقه بصفة" قبل و جودها لأن ملكه فيه تام "وولد الزنى" في قول أكثر العلماء لدخوله في الآية و لأنه مملوك مسلم كامل العقل لم يعتق عن شيء و لا استحق عتقه بسبب آخر أشبه ولد الرشيدة قال الطحاوي هو الملازم للزنى كما يقال بن السبيل الملازم لها وولد الليل الذي يسير فيه.
و قال عطاء الأوزاعي لا يجزئ استدلالا بقوله عليه السلام "و لد الزنى شر الثلاثة" رواه أبو داود من حديث أبي هريرة قال الخطابي هو شر الثلاثة أصلا و عنصرا و نسبا لأنه خلق من ماء الزنى وهو خبيث و أنكر قوم هذا التفسير وقالوا ليس عليه من وزر و الدية ل قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] و قد ورد في بعض الأحاديث أنه شرهم إذا عمل عملهم فإن صح ذلك أندفع الإشكال وبالجملة فهذا يرجع إلى أحكام الآخرة و أما أحكام الدنيا فهو كغيره في صحة إمامته و بيعه و عتقه و قبول شهادته فكذا في عتقه عن الكفارة و يجزئ مع كمال أجره.
قال الشيخ تقي الدين و يشفع مع صغره في أمه لا أبيه "و الصغير" كذا عبر به الأصحاب و عنه له سبع سنين إن اشترط الإيمان قاله في "الوجيز" لدخوله في الآية و لأنه يرجى منافعه فأجزأ كالمريض و المراد بالإيمان الإسلام بدليل إعتاق الفاسق قال الثوري المسلمون كلهم مؤمنون عندنا في الأحكام و لا ندري ما هم عند الله و لهذا تعلق حكمه بكل مسلم و "قال الخرقي إذا صلى و صام" لأن المعتبر الفعل دون السن فمن صلى و صام ممن له عقل يعرفهما و يتحقق منه الآيتان بنيته و أركانه فإنه يجزئ في(8/52)
و إن أعتق نصف عبد و هو معسر ثم اشترى باقيه فأعتقه أجزأه إلا على رواية وجوب الاستسعاء وإن أعتقه و هو موسر فسرى إلى نصيب شريكه لم يجزئه نص عليه و يحتمل أن يجزئه وإن أعتق نصفا آخر
__________
الكفارة وإن لم يبلغ السبع و ظاهره أنه إذا لم يوجد منه أنه لا يجزئ وإن كان كبيرا لأنه عاجز من كل وجه أشبه الزمن.
و قدم في "الرعاية" أنه يجزئ ابن سبع إذا صلى و صام و ظاهر كلام أحمد أنه لا يجزئ إعتاق من له دون سبع لأنه لا تصح منه العبادات أشبه المجنون و قال القاضي في إعتاق الصغير في جميع الكفارات إلا كفارة القتل فإنها على روايتين و نقل الميموني يعتق الصغير إلا في قتل الخطأ فإنه لا تجزئ إلا مؤمنة فأراد التي صلت و الأول أقرب إلى الصواب و الصحة لأن الإيمان و الإسلام هو حاصل في حق الصغير و هو مؤمن تبعا.
"وإن أعتق نصف عبد و هو معسر ثم اشترى باقيه فأعتقه أجزأه" لأنه أعتق رقبة كاملة في و قتين كما لو أطعم المساكين في وقتين "إلا على رواية وجوب الاستسعاء" لأنه حينئذ مستحق العتق فلم يجزئ كما لو اشتراه بشرط العتق و الأصح في المذهب خلافها "وإن أعتقه" عن كفارته "و هو موسر فسرى إلى نصيب شريكه" عتق "لم يجزئه" نص عليه اختاره الخلال و صاحبه و صححه في "الشرح" لأن عتق نصفه لم يحصل بالمباشرة بل بالسراية كما لو عتق نصف عبد.
"و يحتمل أن يجزئه" إذا نوى إعتاق جميعه عن كفارته اختاره القاضي و أصحابه و زعم أنه قياس "المذهب" لأنه أعتق عبدا كامل الرق سليم الخلق غير مستحق للعتق ناويا به الكفارة فأجزأ كما لو كان الجميع ملكه
فرع : إذا كان له عبد فأعتق جزءا منه معينا أو مشاعا عتق كله وإن نوى به الكفارة أجزأ عنه وإن نوى إعتاق الجزء الذي باشره عن الكفارة دون غيره لم يجزئه عتق غيره وهل يحتسب له بما نوى عن الكفارة على وجهين.
"وإن أعتق نصفا آخر" أي نصف عبدين أو أمتين أو نصف عبد ونصف(8/53)
أجزأه عند الخرقي ولم يجزئه عند أبي بكر.
فصل
فمن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين حرا كان أو عبدا و لا تجب نية التتابع
__________
أمة "أجزأه عند الخرقي" وفي "الروضة" هو الصحيح في "المذهب" لأن الأشقاص كالأشخاص فيما لا يمنع العيب اليسير دليله الزكاة إذا كان نصف ثمانين شاة مشاعا وجبت الزكاة كما لو ملك أربعين منفردة وكالضحايا والهدايا إذا اشتركوا فيها "ولم يجزئه عند أبي بكر" لأن المقصود تكميل الأحكام ولا تحصل من إعتاق نصفين وذكر ابن عقيل وصاحب "الروضة" روايتين وقيل إن كان باقيهما حرا أجزأه اختاره القاضي زاد في المحرر إذا أعتق كل واحد منهما عن كفارتين أجزأه وإلا فلا وهذا أصح لأن إعتاق الرقبة إنما ينصرف إلى الكاملة ولا يحصل من الشخصين ما يحصل من الرقبة الكاملة في تكميل الأحكام وتخليص الآدمي من ضرر الرق ويمتنع قياس الشقصين على الرقبة الكاملة بدليل الشراء.
فرع : الأصح أنه لا يجزئ المغصوب وأطلق الخلاف في "الترغيب" وفي موصى بخدمته أبدا منع وتسليم في "الانتصار" وأما نضو الخلق ضعيف التركيب فإن كان لا يضعف عن العمل مع بقائه أجزأه.
فصل
"فمن لم يجد" رقبة يشتريها أو وجدها ولم يجد ثمنها أو وجده لكن بزيادة كثيرة تجحف بماله أو وجدها ولكن احتاجها لخدمة ونحوه "فعليه صيام شهرين متتابعين" إذا قدر عليه إجماعا وسنده قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:4] من قبل أن يتماسا وأجمعوا على وجوب التتابع ومعناه الموالاة بين صيام أيامهما فلا يفطر فيهما ولا يصوم عن غير الكفارة "حرا كان" المكفر "أو عبدا" بغير خلاف نعلمه "ولا تجب نية التتابع" بل يكفي فعله لأنه شرط وشرائط العبادات لا تحتاج إلى نية وإنما تجب النية(8/54)
فإن تخلل صومها شهر رمضان أو فطر واجب كفطر العيد أو الفطر بحيض أو نفاس أو جنون أو مرض مخوف أو فطر الحامل و المرضع لخوفهما على أنفسهما لم ينقطع التتابع و كذلك إن خافتا على و لديهما
__________
لأفعالها وقيل تجب النية ففي الاكتفاء بالليلة الأولة والتجديد لكل ليلة وجهان ويبيت النية وفي تعيينها جهة الكفارة وجهان فإن تخلل صومها شهر رمضان بأن يبتدئ الصوم من أول شعبان فيتخلله رمضان.
"أو فطر واجب كفطر العيد" بأن يبتدئ مثلا من ذي الحجة فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق فإن التتابع لا ينقطع بهذا ويبني على ما مضى من صيامه لأنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة كالحيض والنفاس وفي "مفردات ابن عقيل" في صوم العيد يقطع التتابع لأنه خلله بإفطار يمكنه أن يحترز عنه ثم سلم أنه لا يقطعه لأنه لا يقبل الصوم كالليل ويتخرج في أيام التشريق أنه يصومها فعلى هذا إن أفطرها استأنف لأنها أيام أمكنه صيامها في الكفارة ففطرها يقطع التتابع كغيرها "أو الفطر بحيض أو نفاس" أجمع أهل العلم ونص عليه أحمد على أن الصائمة متتابعا إذا حاضت قبل إتمامه تقضي إذا طهرت وتبني لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس و فيه تغرير بالصوم لأنها ربما ماتت قبله و النفاس كالحيض لأنه بمنزلته في أحكامه في وجه و في آخر يقطع التتابع لأنه فطر أمكن التحرز منه ولا يتكرر في العام أشبه الفطر لغير عذر و لا يصح قياسه على الحيض لأنه أندر منه لا يقال الحيض و النفاس لا يمكن التحرز منهما لأنه قد يمكن التحرز من النفاس بأن لا تبتدئ الصوم في حال الحمل و في الحيض إذا كان طهرها يزيد على الشهرين بإن تبتدئ الصوم عقب طهرها من الحيض و مع هذا لا ينقطع التتابع به "أو جنون قال جماعة أو مرض مخوف" روي عن ابن عباس و سعيد بن المسيب و الحسن لأنه أفطر بسبب لا صنع له فيه كالحيض "أو فطر الحامل و المرضع لخوفهما على أنفسهما لم ينقطع التتابع" لأنه فطر أبيح لعذر من غير جهتها فلم ينقطع كالمريض "و كذلك إن خافتا على و لديهما" لم ينقطع التتابع و جزم به معظم الأصحاب لأنه(8/55)
ويحتمل أن ينقطع وإن أفطر لغير عذر أو صام تطوعا أو قضاء أو عن نذر أو كفارة أخرى لزمه الاستئناف وإن أفطر لعذر يبيح الفطر كالسفر أو المرض غير المخوف فعلى وجهين.
__________
فطر أبيح لهما بسبب لا يتعلق باختيارهما كما لو أفطرتا خوفا على أنفسهما.
"ويحتمل أن ينقطع" لأن الخوف على غيرهما ولهذا تلزمهما الفدية مع القضاء وأطلق في "المحرر" الخلاف والأول "المذهب" لاشتراكهما في إباحة الفطر والمشقة اللاحقة فقطع التتابع وبفطره ناسيا أو مكرها أو مخطئا كجاهل به "وإن أفطر" أي تعمده "لغير عذر أو صام تطوعا أو قضاء أو عن نذر أو كفارة أخرى لزمه الاستئناف" لأنه أخل بالتتابع المشروط ويقع صومه عما نواه لأن هذا الزمان ليس بمستحق متعين للكفارة بخلاف شهر رمضان فإن كان عليه صوم نذر غير معين أخره إلى فراغه من الكفارة وإن كان متعينا أخر الكفارة عنه أو قدمها عليه وإن أمكن وإن كان أياما من الشهر كالخميس وأيام البيض قدم الكفارة عليه لأنه لو صامه لا يقطع التتابع ولزمه الاستئناف فيفضي إلى أنه لا يتمكن من التكفير بحال والنذر يمكنه قضاؤه بعد صوم الكفارة وفيه شيء لأنه النذر المتعين زمانه متعين للصوم فهو كرمضان فيلزم عدم انقطاع التتابع به لتعينه أو انقطاع التتابع بصوم رمضان ضرورة مساواة أحدهما للآخر في تعيين الزمان بل الأولى أن يقال النذر آكد من رمضان لأن النذر السابق مقدم بخلاف رمضان فإن التكفير سابق عليه قاله ابن المنجا.
"وإن أفطر لعذر يبيح الفطر كالسفر والمرض غير المخوف فعلى وجهين" ذكرهما أبو الخطاب في الثانية أحدهما: لا ينقطع التتابع كالمرض المخوف.
والثاني: بلى كما لو أفطر لغير عذر وإن أفطر لسفر يبيح الفطر فالأظهر عن أحمد في رواية الأثرم أنه لا ينقطع وقاله الحسن لأنه أفطر لعذر يبيح الفطر في رمضان كفطر الحائض وقيل بلى وقاله الأكثر لأن السفر حصل باختياره فقطعه كما لو أفطر لغير عذر وفي "الروضة" إن أفطر لعذر كمرض وعيد بنى(8/56)
وإن أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا انقطع التتابع وعنه لا ينقطع بفعله ناسيا وإن أصاب غيرها ليلا لم ينقطع.
__________
وكفر كفارة يمين قيل لأحمد مظاهر أفطر لمرض يعيد قال أرجو أنه في عذر.
فرع: إذا أكل يظن أن الفجر لم يطلع وكان قد طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أفطر وفي انقطاع التتابع وجهان وإن أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا انقطع التتابع وقاله الثوري وأبو عبيد والأكثر ل قوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] أمر بهما خاليين من التماس ولم يوجد ولأن تحريم الوطء لا يختص الصيام فاستوى فيه الليل والنهار كالاعتكاف لا يقال الوطء ما بقي إلى كفارته سبيل لأن الآية دلت ألا يوجد التماس قبل الشهرين ولا فيها فإذا تعذر اشتراط أحدهما وجب الآخر لإمكانه.
"وعنه لا ينقطع بفعله ناسيا" أي لا ينقطع التتابع بفعله ليلا ولا نهارا ناسيا ورجحه في الشرح لأنه وطء لا يفطر به كوطء غيرها وعنه لا يفطر ولا ينقطع لأنه فعل الفطر ناسيا وإن أبيح له الفطر لعذر فوطئ غيرها لم ينقطع لأن الوطء لا أثر له في قطع التتابع وإن وطئها كان كوطئها ليلا وهل يقطع التتابع فيه وجهان ودل ذلك على أن وطأه في أثناء إطعام كما نقله ابن منصور وعتق لا يقطعه ومنعهما في "الانتصار" ثم سلم الإطعام لأنه بدل والصوم مبدل كوطء من لا تطيق الصوم في الإطعام.
"وإن أصاب غيرها ليلا لم ينقطع" بغير خلاف نعلمه لأن محرم عليه ولا هو مخل بإتباع الصوم كالأكل ودل على أنه إذا لمس المظاهر منها أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به قطع التتابع لإخلاله بموالاة الصيام وفي "الرعاية" روايتان.(8/57)
فصل
فإن لم يستطع لزمه إطعام ستين مسكينا مسلما حرا صغيرا كان أو كبيرا إذا أكل الطعام
__________
فصل
"فإن لم يستطع" الصوم لكبر أو مرض ولو رجي زواله أو يخاف زيادته أو بطأه قال جماعة أو شبق "لزمه إطعام ستين مسكينا" إجماعا وسنده الآية الكريمة والخبر وعلم منه أنه لا يجوز الانتقال إليه لأجل السفر لأنه لا يعجزه عن الصيام وله نهاية ينتهي إليها وهو من أفعاله الاختيارية بخلاف المرض.
"مسلما حرا صغيرا كان أو كبيرا إذا أكل الطعام" وحاصله أن من أعطي الزكاة لحاجته جاز إعطاؤه من طعامها والمساكين هم الذين تدفع إليهم الزكاة لحاجتهم ويدخل فيه الفقراء لأنهم وإن كانوا صنفين فهم صنف واحد واقتصر في "الهدي" عليهما لظاهر القرآن وشرطه الإسلام وهو قول الأكثر لأنه شرط في دفع الزكاة إليه والكفارة جارية مجراها وذكر أبو الخطاب وغيره في ذمي يخرج من عتقه وخرج الخلال دفعها إلى كافر قال ابن عقيل لعله من المؤلفة ولأنه مسكين من أهل دار الإسلام فأجزأ الدفع إليهم منها كالمسلم وقال الثوري يعطيهم إذا لم يجد غيرهم.
وجوابه أنهم كفار فلم يجز إعطاؤهم منها كمساكين أهل الحرب والآية مخصوصة بهذا والجزية لا يجوز دفعها إلى عبد ولا مكاتب ولا أم ولد لوجوب نفقتهم على السيد ولا فرق فيه بين الكبير والصغير لأنه مسكين فجاز إطعامه كالكبير وهذا إذا أكل الطعام فإن لم يأكله لم يدفع إليه في ظاهر الخرقي وقاله القاضي وهي أشهر الروايتين قاله المجد وهو ظاهر كلام المؤلف كزكاة في رواية نقلها جماعة وسواء كان محجورا عليه أو لا لكن من لا حجر عليه يقبض لنفسه أو وكيله والمحجور عليه كالصغير والمجنون يقبض له وليه.(8/58)
ولا يجوز دفعها إلى مكاتب ولا إلى من تلزمه مؤنته وإن دفعها إلى من يظنه مسكينا فبان غنيا فعلى روايتين وإن رددها على مسكين واحد ستين يوما لم يجزئه إلا أن لا يجد غيره فيجزئه في ظاهر المذهب وعنه لا يجزئه ، وعنه يجزئه وإن وجد غيره
__________
والأخرى يدفع إلى الصغير الذي لم يطعم ذكرها أبو الخطاب "المذهب" وقاله أكثر الفقهاء لأنه مسلم حر محتاج أشبه الكبير "ولا يجوز دفعها إلى مكاتب" لأنه عبد واختار الشريف جواز دفعها إليه اختاره في "المحرر" وغيره وقال أبو الخطاب يتخرج دفعها إليه بناء على جواز إعتاقه لأنه يأخذ من الزكاة لحاجته أشبه المسلمين وجوابه بأنه ليس في معنى المسكين لأن حاجته من غير جنس حاجتهم والكفارة إنما هي للمساكين للآية ولأن المسكين يدفع إليه ليتم كفايته والمكاتب إنما يأخذ لفكاك رقبته وكفايته في كسبه.
"ولا إلى من تلزمه مؤنته" لأن الزكاة لا تدفع إليهم فكذا الكفارة وفي دفعها إلى الزوج وجهان بناء على الروايتين في دفع الزكاة إليه.
"وإن دفعها إلى من يظنه مسكينا" أي ظاهره الفقر "فبان غنيا فعلى روايتين" وفي "الشرح" وجهان بناء على الروايتين في الزكاة وظاهره أنه إذا بان كافرا أو عبدا أنه لا يجزئه وجها واحدا.
وإن رددها على مسكين واحد ستين يوما لم يجزئه" لأن الله تعالى أوجب إطعام ستين مسكينا ولم يطعم إلا مسكينا واحدا "إلا أن لا يجد غيره فيجزئه في ظاهر المذهب" وهو الصحيح لأنه مع عدم الوجدان لغيره معذور
"وعنه لا يجزئه" مطلقا اختاره في "الانتصار" لظاهر الآية لمن احتج لعدم بزكاة ووصية للفقراء وخمس الخمس بأن فيه نظرا وصححها في "عيون المسائل" وقال اختارها أبو بكر واحتج ابن شهاب بأنه مال أضيف إلى عدد محصور فلم يجز صرفه إلى واحد كما لو قال لله علي أن أطعم ستين مسكينا أو أوصي لهم "وعنه يجزئه وإن وجد غيره" اختارها ابن بطة و أبو محمد الجوزي لأن هذا المسكين لم يستوف قوت يومه من هذه الكفارة(8/59)
و إن دفع إلى مسكين في يوم واحد من كفارتين أجزأه و عنه لا يجزئه و المخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة و في الخبز روايتان فإن كان قوت بلده غير ذلك أجزأ منه
__________
فجاز أن يعطي منها كاليوم الأول "وإن دفع إلى مسكين في يوم واحد من كفارتين أجزأه" على المذهب لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب فأجزأ كما لو دفع ذلك إليه في يومين "و عنه لا يجزئه" لأنه استوفى قوت يوم من كفارة فلم يجز أن يدفع إليه ثانيا كما لو دفعها إليه من كفارة واحدة فعلى هذا يجزئه عن إحدى الكفارتين و يرجع في الأخرى إن كان أعلمه أنها كفارة وإلا فلا و يتخرج ألا يرجع بشيء كالزكاة و الأول أقيس و أصح فإن اعتبار عدد المساكين أولى من اعتبار عدد الأيام وإن دفع إلى الستين من كفارتين فروايتان.
"و المخرج في الكفارة ما يجزي في الفطرة" وهو التمر و الزبيب و البر و الشعير و نحوها و إخراج الحب أفضل للخروج من الخلاف و هي حالة كماله لأنه يدخر و يهيأ لمنافعه كلها بخلاف غيره و نقل ابن هاني التمر و الدقيق أحب إلى مما سواهما و في "الترغيب" التمر أعجب إلى أحمد فإن أخرج دقيقا جاز لأنه أجزاء الحب و قد كفاهم مؤنته و هيأه لهم بخلاف الهريسة فإنها تفسد عن قرب و في السويق الخلاف السابق "و في الخبز روايتان" المنصوص الأجزاء اختارها الخرقي ل قوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] و المطعم للخبز من أوسط ما يطعم أهله و لأنه مهيأ للأكل.
و الثانية لا و هي ظاهر "المحرر" و "الفروع" لأنه خرج عن حال الكمال و الادخار أشبه الهريسة قال القاضي و أصحابه الأولى الجواز و في "المغني" هو أحسن و هذا من أوسط ما يطعم أهله و ليس الادخار مقصودا في الكفارة فإنها مقدرة بما يقوت المسكين في يومه و هذا مهيأ للأكل المعتاد للاقتيات به و أما الهريسة فإنها خرجت عن الاقتيات المعتاد إلى خبز الإدام.
"وإن كان قوت بلده غير ذلك" كذرة و الأرز "أجزأ منه" في قول أبي(8/60)
لقول الله تعالى : {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} و قال القاضي لا يجزئه و لا يجزئ من البر أقل من مد ولا من غيره أقل من مدّين،
__________
الخطاب و المؤلف و غيرهما لقول الله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] و هذا مما يطعمه أهله فوجب أن يجزئه بظاهر النص فإن أخرج عن قوت بلده أجود منه فقد زاده خيرا و اعتبر في الواضح غالب قوت بلده وأوجب الشيخ تقي الدين وسطه قدرا ونوعا مطلقا بلا تقدير
"و قال القاضي لا يجزئه" سواء كان قوت بلده أو لم يكن لأن الخبز ورد بإخراج هذه الأصناف في الفطرة فلم يجز غيره كما لو لم يكن قوت بلده و الأول أجود
"و لا يجزئ من البر" أو دقيقه "أقل من مد" و قال زيد و ابن عباس و ابن عمر لما روى أحمد ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن أبي يزيد المدني قال جاءت امرأة من بني بياضة بنصف و سق شعير فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مد بر و على هذا يحمل ما روي عن سلمة بن صخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا و ذلك لكل مسكين مد رواه الدارقطني و الترمذي بمعناه
"و لا من غيره أقل من مدين" لقوله عليه السلام "فإن مدي شعير مكان مد بر" و هو مرسل جيد و لأبي داود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال يعني بالعرق زنبيلا يأخذ خمسة عشر صاعا و إذن العرقان ثلاثون صاعا فيكون لكل مسكين نصف صاع ولأبي داود في رواية العرق مكتل يسع ثلاثين صاعا و قال هذا أصح و عنه مدان لكل واحد لحديث عطاء عن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسة عشر صاعا من شعير إطعام ستين مسكينا رواه أبو داود و قال عطاء لم يدرك أوسا
و روى الأثرم عن أبي هريرة في حديث المجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعرق فيه خمسة عشر صاعا فقال: "خذه و تصدق به" و لأنه إطعام و اجب فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج كالفطرة و جوابه بأنه يحتمل بأنه لم يجد سواه و لذلك(8/61)
و لا من الخبز أقل من رطلين بالعراقي إلا أن يعلم أنه مد وإن أخرج القيمة أو غذي المساكين أو عشاهم لم يجزئه و عنه يجزئه.
__________
لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله وفي المتفق عليه قريب من عشرين صاعا و ليس ذلك مذهبا لأحد.
"و لا من الخبز" إذا قلنا بإجزائه "أقل من رطلين بالعراقي" أي مع عدم العلم بأنه مد لأن الغالب أن ذلك لا يبلغ مدا لأنه ثلاثة أسباع الدمشقي وهو به خمس أواق و سبع أوقية فإن كان من الشعير فلا يجزئ إلا ضعف "إلا أن يعلم أنه مد" من الحنطة فيجزئ لأنه الواجب.
و طاهر ما سبق أنه لا يجب الأدم بل هو مستحب نص عليه وعنه أنه ذكر قول ابن عباس بأدمة و ذكره الشيخ تقي الدين رواية و أنه لا يجب التمليك في قياس "المذهب" كزوجة وإن الأدم يجب إذا كان يطعمه أهله.
"وإن أخرج القيمة" لم يجزئه نقلها الميموني و الأثرم و هو قول الأكثر منهم عمر و ابن عباس لأن الواجب هو الإطعام و إعطاء القيمة ليس بإطعام فهو باق في عهدة الواجب أو غذى المساكين أو عشاهم لم يجزئه مطلقا في ظاهر "المذهب" لأن المنقول عن الصحابة إعطاؤهم و لحديث كعب في فدية الأذى ولأنه مال وجب للفقراء شرعا أشبه الزكاة "وعنه يجزئه" أما أولا فلأن المقصود دفع حاجة المسكين وهو يحصل بدفع القيمة وأما ثانيا فالأجزاء مشروط فإذا أطعمهم القدر الواجب لهم ولم يقل الشيخ تقي الدين بالواجب و هو ظاهر نقل أبي داود و غيره عنه فإنه قال أشبعهم قال ما أطعمهم قال خبزا و لحما إن قدرت أو من أوسط طعامكم و أطعم أنس فدية الصيام قال أحمد أطعم شيئا كثيرا فعلى "المذهب" لو قدم إليهم مدا و قال هذا بينكم فقبلوه فإن قال بالسوية أجزأ وإلا فوجهان و قال القاضي إن علم أنه و صل إلى كل واحد قدر حقه أجزأ و إلا فلا.(8/62)
فصل
و لا يجزئ الإخراج إلا بنية و كذلك الإعتاق و الصيام فإن كان عليه كفارة واحدة فنوى عن كفارتين أجزأه وإن كان عليه كفارات من جنس فنوى إحداها أجزأه
__________
فصل
و لا يجزئ الإخراج إلا بنية لا نية التقرب لأنه حق على سبيل الطهرة فافتقر إلى النية كالزكاة "و كذلك الإعتاق و الصيام" لحديث "الأعمال بالنيات" ولقوله "لا عمل إلا بنية" لأن العتق يقع متبرعا به وعن كفارة أخرى أو نذر فلم ينصرف إلى هذه الكفارة إلا بنية وصفتها أن ينوي العتق أو الصيام أو الإطعام عن الكفارة فإن زاد الواجبة فتأكيد وإن نوى و جوبها ولم ينو الكفارة لم يجزئه لأن الواجب يتنوع فوجب تمييزه و موضعها مع التكفير أو قبله بيسير فإن كانت الكفارة صياما اشترط نية الصيام عن الكفارة في كل ليلة للخبر.
"فإن كان عليه كفارة واحدة" لم يلزمه تعيين سببها سواء علمها أو جهلها فإن عينه فغلط أجزأه عما يتداخل و هي الكفارات عن جنس فنوى عن كفارتين أجزأه لأن النية تعينت له و لأنه نوى عن كفارته ولا مزاحم لها فوجب تعليق النية بها.
"وإن كان عليه كفارات من جنس" كما لو ظاهر من نسائه الأربع "فنوى إحداهما أجزأه" لا نعلم فيه خلافا فإذا عتق عبدا عن ظهاره أجزأه عن إحداهن وحلت له واحدة غير معينة لأنه واجب من جنس واحد فأجزأته نية مطلقة كما لو كان عليه صوم يومين من رمضان و قياس "المذهب" أنه يقرع بينهن فتخرج المحللة منهن بالقرعة و قاله أبو ثور و قال بعض العلماء له أن يصرفها إلى أيتهن شاء فتحل فعلى الأول لو كان الظهار من ثلاث نسوة فأعتق ثم صام ثم أطعم حل الجميع من غير قرعة لأن التكفير حصل عن الثلاث أشبه ما لو أعتق ثلاثة أعبد(8/63)
وإن كانت من أجناس فكذلك عند أبي الخطاب ، وعند القاضي لا يجزئه حتى يعين سببها ، فإن كانت عليه كفارة واحدة فنسي سببها أجزأته كفارة واحدة على الوجه الأول . وعلى الثاني : يجب عليه كفارات بعدد الأسباب.
__________
عن الجميع دفعة واحدة.
"وإن كانت من أجناس" كظهار و قتل و يمين فأعتق رقبة عن إحداها و لم يعينه "فكذلك عند أبي الخطاب" و صححه في "المحرر" و قدمه في "الفروع" و جزم به في "الوجيز" لأنها عبادة واجبة فلم تفتقر في صحة أدائها إلى تعيين سببها كما لو كانت من جنس قال ابن شهاب بناء على أن الكفارات كلها من جنس و لأن آحادها لا تفتقر إلى تعيين النية بخلاف الصلوات.
"و عند القاضي لا يجزئه حتى يعين سببها" قدمه في "الرعاية" وحكى عن أحمد لأنهما عبادتان من جنسين كما لو وجب عليه صوم من قضاء ونذر وكتيممه لأجناس وكذبحه في دم نسك ودم محظور وكعتق نذر وعتق كفارة في الأصح قاله في "الترغيب".
"فإن كانت عليه كفارة واحدة فنسي سببها أجزأته كفارة واحدة على الوجه الأول" قاله أبو بكر لأن تعيين السبب ليس شرطا فإذا أخرج كفارة وقعت عن كفارته فتخرج عن العهدة "وعلى الثاني" لا بد من تعيين السبب "يجب عليه كفارات بعدد الأسباب" كما لو نسي صلاة خمس وكما لو علم إن عليه يوما لا يعلم هل هو قضاء أو نذر فإنه يلزمه صوم يومين فإن كان عليه صيام ثلاثة أيام لا يدري أهي من كفارة أو نذر أو قضاء لزمه صوم تسعة أيام كل ثلاثة عن واحدة من الجهات واختار في "الانتصار" إن اتحد السبب فنوع وإلا فجنس قال في "الفروع" ولو كفر مرتد بغير الصوم فنصه لا يصح وقال القاضي المذهب صحته.
مسألة : إذا كان عليه كفارتان فأعتق عنهما عبدين فله أقسام:
1- أن يقول أعتقت هذا عن هذه الكفارة وهذا عن الأخرى فيجزئه إجماعا.(8/64)
............................................................................................
__________
2- أن يقول أعتقت هذا عن إحداهما وهذا عن الأخرى من غير تعيين فإن كانا من جنس واحد جاز وإن كانا من جنسين خرج على الخلاف في اشتراط السبب.
3- أن يقول أعتقتهما عن الكفارتين أجزأه إن كانا من جنس وإلا فالخلاف.
4- أن يعتق كل واحد منهما جميعا فيكون معتقا عن كل واحدة من الكفارتين نصف العبدين وفيه الخلاف السابق وذكر القاضي وجها ثالثا إن كان باقيهما حرا جاز لأنه حصل تكمبل الأحكام والتصرف.
فرع : لا يجوز تقديم الكفارة على سببها كتقديم الزكاة على الملك وإن كفر بعد السبب وقبل الشرط جاز فلو كفر عن الظهار بعده وقبل العود جاز لأنه حق مالي فجاز تقديمه قبل شرطه كالزكاة فلو قال لعبده إن ظاهرت فأنت حر عن ظهاري ثم قال لامرأته أنت علي كظهر أمي عتق لوجود الشرط وهل يجزئه عن الكفارة فيه وجهان.(8/65)
كتاب اللعان
__________
كتاب اللعان
هو مصدر لاعن لعانا إذا فعل ما ذكر أو لعن كل واحد منهما الآخر وهو مشتق من اللعن لأن كل واحد منهما يلعن نفسه في الخامسة وقال القاضي سمي به لأن أحد الزوجين لا ينفك عن أن يكون كاذبا فتحصل اللعنة عليه وهي الطرد والإبعاد يقال لعنه الله أي باعده والتعن الرجل إذا لعن نفسه من قبل نفسه واللعان لا يكون إلا من اثنين يقال لاعن امرأته لعانا وملاعنة وتلاعنا بمعنى ولاعن الإمام بينهما ورجل لعنة بوزن همزة إذا كان يلعن الناس كثيرا أو لعنة بسكون العين إذا كان يلعنه الناس
وشرعا: شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة باللعن والغضب قائمة مقام حد قذف في جانبه وحد زنى في جانبها والأصل فيه قوله تعالى:(8/65)
وإن قذف الرجل امرأته بالزنى ، فله إسقاط الحد باللعان . وصفته أن يبدأ الزوج فيقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنى . ويشير إليها ، وإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها ، حتى يكمل ذلك أربع مرات ، ثم يقول في الخامسة : وإن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنى.
__________
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الآيات نزلت سنة تسع منصرفة عليه السلام من تبوك في عويمر العجلاني أو هلال ابن أمية ويحتمل أنها نزلت فيهما ولم يقع بعدها بالمدينة إلا في زمن عمر ابن عبد العزيز والسنة شهيرة بذلك ولأن الزوج يبتلي بقذف امرأته لنفي العار والنسب الفاسد ويتعذر عليه إقامة البينة فجعل اللعان بينة له ولهذا لما نزلت آية اللعان قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا" "و إذا قذف الرجل" العاقل "امرأته بالزنى" ولو في طهر وطئ فيه في قبل أو دبر فكذبته لزمه ما يلزم بقذف أجنبية من إيجاب الحد عليه وحكم بفسقه ورد شهادته إلا أن يأتي ببينة أو يلاعن ولهذا أعقبه بقوله "فله إسقاط الحد باللعان" ل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: من الآية5] الآية وهو عام في الزوج وغيره وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة ويدل عليه قوله عليه السلام لهلال: "البينة وإلا حد في ظهرك" ولأنه قاذف فلزمه الحد كما لو أكذب نفسه كالأجنبي وله إسقاطه بلعانه ولو بقي سوط واحد ولو زنت قبل الحد ويسقط بلعانه وحده ذكره في "المغني" و"الترغيب" "وصفته أن يبدأ الزوج فيقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنى ويشير إليها" ولا يحتاج مع الحضور والإشارة إلى تسمية ونسب كما لا يحتاج إلى ذلك في سائر العقود "وإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها" حتى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها قلت ولا يبعد أن يقوم وصفها بما هي مشهورة به مقام الرفع في نسبها "حتى يكمل ذلك أربع مرات ثم يقول في الخامسة وإن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنى" وقيل لا يشترط أن يذكر الرمي بالزنى(8/66)
ثم تقول هي : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى أربع مرات ، ثم تقول في الخامسة : وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنى . فإن نقص أحدهما من الألفاظ الخمسة شيئا ، أو بدأت باللعان قبله ، أو تلاعنا بغير حضرة الحاكم ، أو نائبه لم يعتد به . وإن أبدل لفظة أشهد بـ أقسم أو أحلف أو لفظة اللعنة بـ الإبعاد أو الغضب بـ السخط فعلى وجهين .
__________
قاله في "الرعاية" "ثم تقول هي أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى" أربع مرات وتشير إليه إن كان حاضرا وإن كان غائبا أسمته ونسبته "ثم تقول في الخامسة وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنى" للآية والأخبار وإنما خصت هي في الخامسة بالغضب لأن النساء يكثرن اللعن كما ورد "فإن" هذا شروع في بيان شروطه هي ستة: أحدها استعماله الألفاظ الخمسة فإن "نقص أحدهما من الألفاظ الخمسة شيئا" ولو قل لم يصح لأن الله تعالى علق الحكم عليها ولأنها بينة فلم يجز النقص من عددها كالشهادة "أو بدأت باللعان قبله" لم يعتد به لأنه خلاف المشروع وكذا إن قدم الرجل اللعنة على شيء من الألفاظ الأربعة أو قدمت هي الغضب عليها لأن لعان الرجل بينة لإثبات ولعانها بينة لإنكار فلم يجز تقديم الإنكار على الإثبات "أو تلاعنا بغير حضرة الحاكم أو نائبه لم يعتد به" لأنه يمين في دعوى فاعتبر فيه أمر الحاكم كسائر الدعاوى.
الرابع أن يأتي كل واحد منهما باللعان بعد إلقائه عليه فإن بادر قبل أن يلقيه الإمام أو نائبه لم يصح كما لو حلف قبل أن يحلفه الحاكم.
الخامس الإشارة من كل منهما إلى صاحبه إن كان حاضرا أو يسميه وينسبه إن كان غائبا ولا يشترط حضورهما معا بل لو كان أحدهما غائبا عن صاحبه مثل أن يكون الرجل في المسجد و المرأة على بابه لعذر جاز.
"وإن أبدل لفظة أشهد بأقسم أو أحلف أو لفظة اللعنة بالإبعاد أو الغضب بالسخط فعلى وجهين" هذا هو الشرط السادس لصحة اللعان و هو(8/67)
والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي به العدة؟ على روايتين.
__________
البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الآية والخاص مقدم على العام ولأنها معتدة حامل فتنقضي عدتها بوضعه كالمطلقة إذ الوضع أدل الأشياء على براءتها فلو ظهر بعضه فهي في عدتها حتى ينفصل باقيه وإن كانا اثنين أو أكثر لم تنقض عدتها إلا بوضع الآخر وعنه بالأول ذكرها ابن أبي موسى وقاله أبو قلابة وعكرمة ولكن لا تتزوج حتى تضع الآخر منهما وهذا شاذ مخالف لظاهر الكتاب وقول أهل العلم واحتج القاضي والأزجي بأن أول النفاس من الأول وآخره منه بأن أحكام الولادة تتعلق بأحد الولدين لأن انقطاع الرجعة وانقضاء العدة تتعلق بأحدهما لا بكل واحد منهما كذلك مدة النفاس وفيه نظر فلو وضعت واحدا وشكت في آخر لم تنقض عدتها حتى تزول الريبة "والحمل الذي تنقضي به العدة" ما تصير به أم ولد وهو "ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان" كالرأس واليد والرجل فتنقضي به العدة إجماعا حكاه ابن المنذر لأنه علم أنه حمل فيدخل في عموم النص.
الثاني ألقت مضغة لم يتبين فيها شيء من الخلقة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية بان بها أنها خلقة آدمي فكذلك.
"فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي به العدة على روايتين" هذا هو الثالث وفيه روايتان.
إحداهما تنقضي وجزم به في الوجيز وغيره كما لو تصور والثانية لا قدمها في "الكافي" وذكر أنها المنصوص وهي اختيار أبي بكر لأنه لم يصر ولدا أشبه العلقة.
الرابع ألقت نطفة أو دما لا تدري هل هو ما يخلق منه آدمي أو لا فهذا لا يتعلق به شيء من الأحكام لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ولا بالبينة.(8/68)
وإذا فهمت إشارة الأخرس أو كتابته صح لعانه بها ، وإلا فلا . وهل يصح لعان من اعتقل لسانه وأيس من نطقه بالإشارة على وجهين.
__________
"و إذا فهمت إشارة الأخرس أو كتابته صح لعانه بها" قاله القاضي و أبو الخطاب و ذكره في "المستوعب" و "الرعاية" و قدمه في "الفروع" و جزم به في "الوجيز" كطلاقه و عنه لا يصح اختاره المؤلف قال أحمد إذا كانت المرأة خرساء لم تلاعن لأنه لا تعلم مطالبتها ولأن اللعان يفتقر إلى الشهادة أشبه الشهادة الحقيقية ولأن الحد يدرأ بالشبهة و الإشارة ليست صريحة كالنطق ولا يخلو من احتمال و تردد و جوابه أن الشهادة يمكن حصولها من غيره فلم تدع الحاجة إليه فيها و اللعان لا يحصل إلا منه فدعت الحاجة إلى قبوله منه كالطلاق و قال المؤلف و قولنا أحسن إذ الشهادة قد لا تحصل إلا منه لاختصاصه برؤية المشهود عليه أو سماعه إياه
و جوابه بأن موجب القذف وجوب الحد و هو يدرأ بالشبهة و مقصود اللعان نفي السبب و هو يثبت بالإمكان مع ظهور انتفائه و إلا فلا أي إذا كان غير معلوم الإشارة و الكتابة لم يصح.
فرع : إذا قذف الأخرس و لاعن ثم تكلم فأنكرهما لم يقبل إنكاره للقذف لأنه يتعلق به حق لغيره بحكم الظاهر و يقبل إنكاره للعان فيما عليه فيطالب بالحد ويلحقه النسب و لا تعود الزوجة فإن قال أنا ألاعن لسقوط الحد ونفي النسب كان له ذلك وإن اعترف بالزنى ثم أنكر فكاللمعان.
"و هل يصح لعان من اعتقل لسانه و أيس من نطقه بالإشارة على وجهين" كذا في "المحرر" و "الفروع".
أحدهما و جزم به في "الوجيز" يصح كالأخرس الأصلي.
والثاني لا لأنه عجز عن النطق لعارض أشبه غير المأيوس.
فإن قال لم أرد قذفا و لعانا قبل في لعان في حد ونسب فقط و يلاعن لهما فإن رجي نطقه انتظر و في "الترغيب" ثلاثة أيام و فائدته صحة(8/69)
فصل
و السنة أن يتلاعنا قياما بحضرة جماعة في الأوقات و الأماكن المعظمة
__________
قذف الأخرس و لعانه لأنا لا نأمرة باللعان و نحبسه إذا نكل حتى يلاعن ذكره في عيون المسائل و كلام غيره يقضي أنه يحد
فصل
"و السنة أن يتلاعنا قياما" لقوله عليه السلام لهلال بن أمية "قم فأشهد أربع شهادات" و لأنه أبلع في الردع فيبدأ الزوج فيلتعن و هو قائم فإذا فرغ قامت المرأة فالتعنت "بحضرة جماعة" لحضور ابن عباس و أبن عمر و سهل بن سعد مع حداثة أسنانهم فدل على أنه حضر جمع كثير لأن الصبيان إنما يحضرون تبعا للرجال إذ اللعان مبني على التغليظ للردع والزجر وفعله في الجماعة أبلغ في ذلك.
و يستحب ألا ينقصوا عن أربعة لأن بينة الزنى التي شرع اللعان من أجل الرمي به أربعة و ليس بواجب بغير خلاف نعلمه.
"في الأوقات و الأماكن المعظمة" هذا قول أبي الخطاب و جزم به في "المستوعب" و "المحرر" و "الوجيز" ففي الزمان بعد العصر لقول الله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] و المراد صلاة العشاء في قول المفسرين و قال أبو الحطاب و بين الأذانين لأن الدعاء بينهما لا يرد.
و في المكان بمكة بين الركن الذي فيه الحجر الأسود و المقام و هو المسمى بالحطيم و لو قيل بالحجر لكان أولى لأنه من البيت و بالمدينة عند المنبر مما يلي القبر الشريف لقوله عليه السلام "ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة" و ببيت المقدس عند الصخرة وفي سائر البلدان في جوامعها و هل يجوز أن يرتقيا على المنابر أولا وإن كان في الناس كثرة فيه احتمال أو وجه قاله في "الواضح" و حائض و نحوها بباب المسجد لتحريم مكثها فيه.
فلو رأى الإمام تأخيره إلى انقطاع الدم و غسلها لم يبعد و الوجه الثاني : لا(8/70)
وإذا بلغ كل و احد منهما الخامسة أمر الحاكم رجلا فأمسك يده على في الرجل و امرأة تضع يدها على في المرأة ثم يعظه فيقول اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن يكون ذلك بحضرة الحاكم
__________
يستحب التغليظ مطلقا قاله القاضي و قدمه في "الكافي" لأن الله تعالى أطلق الأمر به ولأنه عليه السلام أمر الرجل بإحضار امرأته و لم يخصه بزمن و لو خصه لنقل و أطلق الخلاف في "الفروع" و خصهما في "الترغيب" بالذمة و ظاهره على الأول و لو كانا كافرين فعلى هذا يحضرهم في أوقاتهم المعظمة و بيوت عبادتهم كالكنائس لأهل الكتاب و بيوت النار للمجوس و يحتمل أن يغلظ بالمكان فإن كانت المسلمة حائضا و قفت على باب المسجد.
"و إذا بلغ كل و احد منهما الخامسة أمر الحاكم رجلا فأمسك يده على في الرجل و امرأة تضع يدها على في المرأة ثم يعظه" لما روى ابن عباس قال تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه و قال و يحك كل شيء أهون عليك من لعنة الله ثم أرسل فقال لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم دعا بها فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ثم أمر بها فأمسكت على فيها فوعظها و قال ويلك كل شيء أهون عليك من غضب الله أخرجه الجوز جاني.
و ظاهره أن الواعظ هو الحاكم وحكاه في "الرعاية" قولا "فيقول اتق الله فإنها الموجبة" للعنة و الغضب من الله "و عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" لما روى ابن عباس قال لما كانت الخامسة قيل لهلال بن أمية اتق الله فإنها الموجبة و فيه فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة لأن عذاب الدنيا منقطع و عذاب الآخرة دائم ليتوب الكاذب منهما و يرتدع عما عزم عليه.
"وإن يكون ذلك بحضرة الحاكم" أو نائبه و قد تقدم أن هذا شرط لصحة اللعان فإن تحاكما إلى رجل يصلح للقضاء فحكماه بينهما فلاعن لم يصح لأن اللعان مبني على التغليظ فلم يجز لغير الحاكم كالحد و حكى المؤلف أنه ينفذ(8/71)
فإن كانت المرأة خفرة بعث من يلاعن بينهما وإذا قذف الرجل نساءه فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان و عنه يجزئه لعان واحد فعلى هذا يقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتكن به من الزنى و تقول كل واحدة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى و عنه إن كان القذف بكلمة واحدة أجزأه لعام و احد لأنه قذف و احد فخرج عن عهدته بلعان و احد
__________
في ظاهر كلام أحمد و سواء كان الزوجان حرين أو مملوكين في ظاهر كلام الخرقي و قال الشافعي للسيد أن يلاعن بين عبده و أمته كالحد و جوابه أنه لا يملك إقامته على أمته المزوجة ثم لا يشبه اللعان الحد لأنه زجر و تأديب و اللعان إما شهادة أو يمين فافترقا "فإن كانت المرأة خفرة" بفتح الخاء و كسر الفاء يعني شديدة الحياء و هي ضد البرزة "بعث من يلاعن بينهما" يعني نائبه و عدولا فلو اقتصر على نائبه جاز لأن الجمع غير واجب كما يبعث من يستخلفهما في الحقوق و لأن الغرض يحصل ببعث من يثق الحاكم به فلا ضرورة إلى إحضارها و ترك عاداتها مع حصول الغرض بدونه وفي عيون المسائل للزوج أن يلاعن مع غيبتها و تلاعن مع غيبته "و إذا قذف الرجل نساءه فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان" على المذهب سواء قذفهن بكلمة أو كلمات لأنه قاذف لكل واحدة منهن أشبه ما لو لم يقذف غيرها و يبدأ بلعان التي تبدأ بالمطالبة فإن طالبن جميعا أو تشاححن فالقرعة وإن لم يتشاححن بدأ تمن شاء بمن و لو بدأ بواحدة منهن من غير قرعة مع المشاحة جاز.
"و عنه يجزئه لعان واحد" لأن اللعان تابع للقذف و القذف وإن تعدد فكلمته واحدة "فعلى هذا يقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتكن به من الزنى و تقول كل واحدة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى" لأن حلفهن جملة لا يمكن "و عنه إن كان القذف بكلمه واحدة أجزأه لعان و احد لأنه قذف و احد فخرج عن عهدته بلعان و احد" كما لو قذف و احدة.(8/72)
وإن قذفهن بكلمات أفرد كل واحدة بلعان ولا يصح إلا بشروط ثلاثة أحدهما أن يكون بين زوجين عاقلين بالغين سواء كانا مسلمين أو ذميين أو رقيقين أو فاسقين أو كان أحدهما كذلك في إحدى الروايتين و الأخرى لا يصح إلا بين زوجين مسلمين حرين عدلين .
__________
"و إن قذفهن بكلمات أفرد كل واحدة بلعان" كما لو قذف كل واحدة بعد لعان الأخرى وعنه إن طالبوا عند الحاكم مطالبة واحدة فحد واحد و إلا فحدود حكاها في "المستوعب".
فصل
"ولا يصح إلا بشروط ثلاثة: أحدهما: أن يكون بين زوجين" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ثم خص الأزواج من عمومها بقوله {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فيبقى ما عداه على مقتضى العموم
"عاقلين بالغين" لأنه إما يمين أو شهادة و كلاهما لا يصح من مجنون و إذ لا عبرة بقولهما "سواء كانا مسلمين أو ذميين أو رقيقين أو فاسقين أو كان أحدهما كذلك في إحدى الروايتين" أي يصح بينهما مطلقا إذا كانا مكلفين نقله و اختاره الأكثر و ذكر ابن هبيرة أنه أظهر الروايتين لعموم قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الآية و لأن اللعان يمين بدليل قوله عليه السلام "لولا الإيمان لكان لى و لها شأن" و لأنه يفتقر إلى اسم الله تعالى و يستوى فيه الذكر والأنثى ولأن الزوج يحتاج إلى نفي الولد فشرع له اللعان طريقا إلى نفيه كما لو كانت ممن يحد بقذفها
"والأخرى لا يصح إلا بين زوجين مسلمين حرين عدلين" اختاره الخرقي وعلله احمد بأنه شهادة ل قوله تعالى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] فجعلهم شهداء وقال تعالى: فشهادة أحدهم أربع شهادات، بالله وعنه لا لعان المحصنة وهي الأمة والذمية والمحدودة في الزنى(8/73)
فإن اختل شرط منها في أحدهما فلا لعان بينهما وإذا قذف أجنبية أو قال لامرأته زنيت قبل أن أنكحك حد ولم يلاعن وإن أبان زوجته ثم قذفها بزنى في النكاح
__________
لزوجها لعانها لنفي الولد خاصة وليس له لعانها لإسقاط حد القذف والتعزير ذكره القاضي وعنه المحصنة وزوجها المكلف ل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] وأما تسمية شهادة فلقوله في يمينه أشهد بالله وحاصله أن الملاعنة كل زوجة عاقلة بالغة وعنه مسلمة حرة عفيفة.
"فإن اختل شرط منها في أحدهما فلا لعان بينهما" لأن المشروط يفوت بفوات شرطه والأولى هي المنصوصة عن أحمد في رواية الجماعة وما يخالفها شاذ في النقل.
"وإن قذف أجنبية" ثم تزوجها و لم يلاعن لأنه وجب في حال كونها أجنبية أشبه ما لو لم يتزوجها فلو قذفها و لم يتزوجها فعليه الحد إن كانت محصنة و إلا عزر "أو قال لامرأته زنيت قبل أن أنكحك حد ولم يلاعن" وقاله أبو ثور سواء كان ثم ولد أو لا لأنه قذفها بزني مضافا إلى حال البينونة أشبه ما لو قذفها و هي بائن و فارق قذف الزوجة لأنه محتاج إليه و عنه له لعانها لعموم الآية و عنه لنفي الولد قدمه في "الكافي" و الأول "المذهب" لأنه إن كان بينهما و لد فهو محتاج إلى نفيه و هنا إذا تزوجها و هو يعلم زناها فهو المفرط في نكاح حامل من الزنى.
فرع: إذا ملك أمة و قذفها فلا لعان و يعزر فقط.
"وإن أبان زوجته ثم قذفها بزنى في النكاح" إذا أبان زوجته ثم قذفها بزنى أضافه إلى حال الزوجية أو العدة و بينهما و لد لاعن لنفيه لأنه يلحقه نسبه بحكم عقد النكاح فكان له نفيه ويفارق إذا لم يكن له و لد فإنه لا حاجة إلى القذف لكونها أجنبية وسائر الأجنبيات لا يلحقه و لدهن فلا حاجة إلى قذفهن و حكى في "الانتصار" عن أصحابنا إن أبانها ثم قذفها بزنى في الزوجية أنه يلاعن و على الأول متى لاعنها لنفي و لدها انتفى و سقط عنه(8/74)
أو قذفها في نكاح فاسد و بينهما و لد لاعن لنفيه و إلا حد ولم يلاعن وإن أبان امرأته بعد قذفها فله أن يلاعن سواء كان بينهما و لد أولم يكن
__________
الحد و في ثبوت التحريم المؤبد وجهان.
"أو قذفها في نكاح فاسد و بينهما و لد لاعن لنفيه و إلا حد ولم يلاعن" لما ذكرناه فلو لاعنها من غير و لد لم يسقط الحد و لم يثبت التحريم المؤبد لأنه لعان فاسد وسواء اعتقد أن النكاح صحيح أم لا.
فرع : إذا قال أنت طالق يا زانية ثلاثا لاعن نص عليه لإبانتها بعد قذفها و كقذف الرجعية قيل لأحمد فإنهم يقولون يحد و لا يلزمها إلا واحدة فقال بئس ما يقولون وإن قال أنت طالق ثلاثا يا زانية لم يلاعن نص عليه وهو محمول على من بينهما و لد لأنه يعين إضافة قذفها إلى حال الزوجية لاستحالة الزنى منها بعد طلاقه لها.
فائدة : سئل أحمد عن رجل طلق واحدة أو اثنين ثم قذفها قال ابن عباس لا يلاعن و يجلد و قال ابن عمر يلاعن ما كانت في العدة قال وقول ابن عمر أجود لأنها زوجه.
"وإن أبان امرأته بعد قذفها فله أن يلاعن سواء كان بينهما و لد أولم يكن" نص عليه وهو قول أكثر العلماء لعموم الآية فإذا لم يلاعن وجب عليه الحد لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] ولأنه قاذف لزوجته فوجب أن يلاعن كما لو بقيا على النكاح إلى حالة اللعان فلو قالت قذفني قبل أن يتزوجني و قال بل بعده أو قالت قذفني بعد ما بنت منه فقال بل قبله قبل قوله لأن القول قوله في أصل القذف فكذا في وقته.
مسألة : إذا اشترى زوجته الأمة ثم أقر بوطئها تم أتت بولد لستة أشهر كان لاحقا به إلا أن يدعي الاستبراء فينتفي عنه وإن لم يكن أقر بوطئها أو أقر به فأتت بولد لدون ستة أشهر منذ وطئ كان ملحقا بالنكاح إن أمكن وله نفيه بلعان ذكره في "المغني" و "الشرح" .(8/75)
وإن قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة عزر ولا لعان بينهما.
__________
و كل موضع قلنا لا لعان فيه فالنسب لاحق به و يجب بالقذف موجبه من الحد أو التعزير إلا أن يكون القاذف صغيرا أو مجنونا فلا شيء فيه في قول أكثر العلماء.
"وإن قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة عزر" لأن القذف لا يسقط عن درجة السب و هو يوجبه فكذا هنا و ظاهره أنه لا حد و صرح به في "المغنى" و غيره لأن الحد لا يجب عليهما بفعل الزنى.
"ولا لعان بينهما" لأنه قول تحصل به الفرقة فلا يصح من غير مكلف كالطلاق أو يمين فلا يصح من غير مكلف كسائر الأيمان فإن ادعى أنه كان زائل العقل حين قذفه فأنكرت ذلك و لأحدهما بينة عمل بها و إلا قبل قولها مع يمينها لأن الأصل والظاهر السلامة و الصحة وإن عرفت له حال جنون و حالة إفاقة قبل قولها في الأصح.
وإن قذفها و هي طفلة لا يجامع مثلها فلا حد لتيقننا كذبه لكنه يعزر للسب و لا يحتاج في التعزير إلى مطالبة فإن كانت يجامع مثلها كابنة تسع حد و ليس لها و لا لوليها المطالبة به حتى تبلغ فإذا بلغت و طالبت حد و له إسقاطه باللعان و ليس له لعان قبل البلوغ لأنه يراد لإسقاط الحد أو نفي الولد.
فرع : إذا قذف امرأته المجنونة بزنى أضافه إلى حال إفاقتها أو قذفها و هي عاقلة ثم جنت لم يكن لها المطالبة و لا لوليها قبل إفاقتها لأن هذا طريقة التشفى فإذا أفاقت فلها المطالبة و له اللعان فإن أراد لعانها في حال جنونها و لا و لد ينفيه لم يكن له ذلك وإن كان ثم و لد يريد نفيه فالذي يقتضيه "المذهب" أنه لا يلاعن و يلحقه الولد و قال القاضي له أن يلاعن لنفيه لأنه محتاج إلى ذلك.(8/76)
فصل
الشرط الثاني أن يقذفها بالزنى فيقول زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين سواء قذفها بزنى في القبل أو الدبر وإن قال وطئت بشبهة أو مكرهة فلا لعان بينهما و عنه إن كان ثم و لد لاعن لنفيه و إلا فلا وإن قال لم تزن و لكن ليس هذا الولد مني فهو ولده في الحكم ولا لعان بينهما
__________
فصل
"الشرط الثاني أن يقذفها بالزنى" لأن كل قذف يجب به الحد و سواء في ذلك الأعمى و البصير نص عليه و قال أبو الزناد لا يكون اللعان إلا بأحد أمرين إما رؤية و إما إنكار الحمل لأن آية اللعان نزلت في هلال بن أمية و كان قال رأيت بعيني و سمعت بأذني وجوابه عموم الآية و الأخذ بعموم اللفظ أولى من خصوص السبب.
"فيقول زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين" هذا بيان لمعنى القذف فإن قال يا زانية فقالت بل أنت زان فله اللعان و تحد هي لقذفه فإن قال زنى بك زيد في الدار فلا.
"سواء قذفها بزنى في القبل" و هو ظاهر أو "الدبر" لأنه قذفها بزنى في الفرج فوجب أن يكون حكمه كالقبل و علم منه أنه إذا قذفها بالوطء دون الفرج أو بشيء من الفواحش غير الزنى فلا حد و لا لعان كما لو قذفها بضرب الناس أو أذاهم "وإن قال وطئت بشبهة أو مكرهة" أو مع نوم أو إغماء أو جنون لزمه الولد "فلا لعان بينهما" اختاره الخرقي و المؤلف و جزم به في الوجيز لأنه لم يقذفها بما يوجب الحد "و عنه إن كان ثم و لد لاعن لنفيه" اختاره الأكثر فينتفي بلعانه وحده لأنه يحتاج إليه و في المحرر روايتان منصوصتان ثم قال عن الثانية و هي الأصح عندي "و إلا فلا وإن قال لم تزن و لكن ليس هذا الولد مني فهو ولده في الحكم" لقوله عليه السلام: "الولد للفراش" "و لا لعان بينهما" ؛(8/77)
وإن قال ذلك بعد أن أبانها فشهدت امرأة مرضية أنه ولد على فراشه لحقه نسبه وإن ولدت توأمين فأقر بأحدهما ونفى الآخر لحقه نسبهما ويلاعن لنفي الحد وقال القاضي يحد
__________
لأن هذا ليس بقذف بظاهره لاحتمال أنه يريد أنه من زوج آخر أو من وطء شبهة أو غير ذلك.
وإن قال ما ولدته وإنما التقطته أو استعارته فقالت بل هو ولدي منك لم يقبل قولها إلا ببينة وهو قول أكثر العلماء فعلى هذا لا يلحقه الولد إلا أن تقيم بينة وهي امرأة مرضية تشهد بولادتها له وقيل يقبل قولها فيلحقه النسب وهل له نفيه باللعان فيه وجهان.
"وإن قال ذلك بعد أن أبانها فشهدت امرأة مرضية أنه ولد على فراشه لحقه نسبه" لأن شهادتها بالولادة مقبولة لأنها مما لا يطلع عليه الرجال.
"وإن ولدت توأمين فأقر بأحدهما ونفى الآخر لحقه نسبهما" أي إذا ولدت توأمين وبينهما أقل من ستة أشهر لأنه حمل واحد فلا يجوز أن يكون بعضه منه وبعضه من غيره لأن النسب يحتاط لإثباته لا لنفيه فإن قلت لم لم يحكم بنفي ما أقر به تبعا للذي نفاه قلت ثبوت النسب مبني على التغليب وهو يثبت بمجرد الإمكان وإن لم يثبت الوطء ولا ينتفي لإمكان النفي فافترقا.
"ويلاعن لنفي الحد" لأن اللعان تارة يراد لنفي الولد وتارة لإسقاط الحد فإذا تعذر نفي الولد لما سبق بقي اللعان لإسقاط الحد "وقال القاضي يحد" ولا يملك إسقاطه باللعان لأنه باستلحاقه اعترف بكذبه في قذفه فلم يسمع إنكاره بعد ذلك فإن ماتا معا أو أحدهما فله أن يلاعن لنفي نسبهما وقال بعض العلماء يلزمه نسب لحي ولا يلاعن إلا لنفي الحد ولأنه بالموت انقطع نسبه كموت أمه وجوابه أن الميت ينسب إليه فيقال ابن فلان ويلزمه تجهيزه وتكفينه.(8/78)
فصل
الثالث أن تكذبه الزوجة و يستمر ذلك إلى انقضاء اللعان فإن صدقته أو سكتت لحقه نسبه و لا لعان في قياس المذهب وإن مات أحدهما قبل اللعان ورثه صاحبه و لحقه نسب الولد
__________
فصل
"الثالث أن تكذبه الزوجة ويستمر ذلك إلى انقضاء اللعان لأنه لا يتم إلا أن يوجد من الزوجين فإذا أقرت المرأة بالزنى تعذر اللعان منهما لأن الإنسان لا يستحلف على ما أقر به "فإن صدقته" مرة أو أكثر "أو سكتت" أو عفت عنه أو ثبت زناها بأربعة سواه أو قذف مجنونة بزني قبله أو محصنة فجنت أو ناطقة فخرست نقل ابن منصور أو صماء "لحقه النسب" لأن الولد للفراش وإنما ينتفي عنه اللعان ولم يوجد شرطه.
"ولا لعان في قياس المذهب" ونص عليه لأن اللعان كالبينة وهي لا تقام مع الإقرار ثم إن كان تصديقها له قبل لعانه فلا لعان لأن اللعان كالبينة إنما تقام مع الإنكار وإن كان بعد لعانه لم تلاعن هي لأنها لا تحلف مع الإقرار و حكمها كما لو امتنعت من غير إقرار وإن أقرت أربعا و جب الحد و لا لعان إذا لم يكن ثم نسب ينفي وإن رجعت سقط الحد عنها بغير خلاف علمناه لأن الرجوع عن الإقرار بالحد مقبول و لا لعان بينهما لا للحد لتصديقها إياه و لا لنفي النسب لأن نفي الولد إنما يكون بلعانهما معا و قد تعذر منهما "وإن مات أحدهما قبل اللعان" أو قبل تتمته فقد مات على الزوجية لأن الفرقة لا تحصل إلا بكمال اللعان.
"و رثه صاحبه و لحقه نسب الولد" نص عليه لأن النكاح إنما يقطعه اللعان كالطلاق و قيل ينتفي بلعانه و حده مطلقا كدرء حد و الأول المذهب لأن الشرع إنما رتب الأحكام على اللعان التام و الحكم لا يثبت قبل إكمال سببه ,(8/79)
ولا لعان وإن مات الولد فله لعانها و نفيه وإن لاعن و نكلت الزوجة عن اللعان خلي سبيلها و لحقه الولد ذكره الخرقي و عن أحمد أنها تحبس حتى تقر أو تلاعن و لا يعرض للزوج حتى تطالبه الزوجة
__________
فإن ماتت بعد طلبها للحد قام وارثها مقامها "و لا لعان" لأن شرطه مطالبة الزوجة و قد تعذر بموتها "وإن مات الولد فله لعانها و نفيه" لأن شروط اللعان تتحقق بدون الولد فلا ينتفي بموته لأنه ينسب إليه.
"وإن لاعن و نكلت الزوجة عن اللعان خلي سبيلها و لحقه الولد ذكره الخرقي" و أبو بكر قال ابن حمدان و هي الأصح و جزم بها في "الوجيز" لأنه لم يثبت عليها شيء ويلحقه الولد لأن نكول الزوجة بمنزله إقرارها و علم منه أنه لا حد لأن زناها لم يثبت فإنه لو ثبت زناها بلعان الزوج لم يسمع لعانها كما لو قامت به البينة و لا يثبت بنكولها لأن الحد يدرأ بالشبهة و هي متمكنة منه و قال الجوزجاني و أبو الفرج و الشيخ تقي الدين تحد قال في "الفروع" و هو قوي ل قوله تعالى: { {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} و يؤيد الأول قول عمر الرجم على من زنى و قد أحصن إذا كان بينة أو كان الحمل أو الاعتراف فلم يذكر اللعان قال أحمد فإن أبت أن تلتعن بعد التعان الزوج أجبرتها على اللعان و هبت أن أحكم عليها بالرجم لأنها لو أقرت بلسانها لم أرجمها إذا رجعت فكيف إذا أبت اللعان.
"و عن أحمد أنها تحبس" قدمها في "الكافي" و "المحرر" و "الرعاية" و صححها القاضي "حتى تقر" أربعا وقيل ثلاثا "أو تلاعن" ل قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الآية.
فإذا لم تشهد وجب ألا يدرأ عنها العذاب و لا يسقط النسب إلا بالتعانهما جميعا لأن الفراش قائم و الولد للفراش و حكى في "الفروع" الخلاف من غير ترجيح.
"و لا يعرض" بضم الياء على البناء للمفعول "للزوج حتى تطالبه الزوجة" يعنى لا يتعرض له بإقامة الحد عليه و لا طلب اللعان منه حتى تطالبه زوجته(8/80)
فإن أراد اللعان من غير طلبها فإن كان بينهما ولد ويريد نفيه فله ذلك و إلا فلا
فصل
و إذا تم اللعان بينهما ثبت أربعة أحكام أحدها سقوط الحد عنه أو التعزير
__________
بذلك لأنه حق لها فلا يقام من غير طلبها كسائر الحقوق
فإن عفت عن الحد أو لم تطالب لم تجز مطالبته بنفيه و لا حد و لا لعان و لا يملك ولي المجنونة و الصغيرة وسيد الأمة المطالبة بالتعزير من أجلهن لأن هذا حق ثبت للتشفي فلا يقوم الغير فيه مقام المستحق كالقصاص.
"فإن أراد اللعان من غير طلبها فإن كان بينهما ولد يريد نفيه فله ذلك" و قاله القاضي لأنه عليه السلام لاعن بين هلال بن أمية وزوجته ولم تكن طالبته و لأنه محتاج إلى نفيه فيشرع له طريق إليه كما لو طالبته و لأن نفي النسب الباطل حق له فلا يسقط برضاها به كما لو طالبت باللعان و رضيت بالولد و يحتمل ألا يشرع اللعان كما لو قذفها فصدقته لأنه أحد موجبي القذف فلا يشرع مع عدم المطالبة كالحد.
"إلا فلا" أي إذا لم يكن هناك و لد يريد نفيه لم يكن له أن يلاعن بغير خلاف نعلمه لأن الحاجة إلى اللعان لإسقاط الحد أو لنفي الولد و الحد لم يطالب به و الولد معدوم.
فصل
"و إذا تم اللعان بينهما ثبت أربعة أحكام أحدها سقوط الحد عنه" أي عن الزوج إن كانت زوجته محصنة "أو التعزير" إن لم تكن محصنة لقول هلال بن أميه و الله لا يعذبني الله عليهما كما لم يجلدني عليها و لأن شهادته أقيمت مقام بينته وبينته تسقط الحد كذلك لعانه وإن نكل عن اللعان أو عن إتمامه(8/81)
ولو قذفها برجل بعينه سقط الحد عنه لهما الثاني الفرقة بينهما و عنه لا تحصل حتى يفرق الحاكم بينهما
__________
فعليه الحد فإن ضرب بعضه فقال أنا ألاعن سمع ذلك منه لأن ما أسقط كله أسقط بعضه كالبينة ولو نكلت المرأة عن الملاعنة ثم بذلتها سمع منها كالرجل.
"ولو قذفها برجل بعينه" سواء ذكره في لعانه أو لا "سقط الحد عنه لهما" لأن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك ابن سحماء ولم يحده الني صلى الله عليه وسلم ولا عزره له ولأن اللعان بينة في أحد الطرفين فكان بينة في الآخر كالشهادة لكن إن لم يلاعن فلكل واحد منها المطالبة وأيهما طلب حد له دون من لم يطالب كما لو قذف رجلا بالزنى بامرأة معينة وقال أبو الخطاب يلاعن لإسقاط الحد لها وللمسمى.
فرع من نفى توأمين أو أكثر كفاه لعان واحد ولو بعد موت أحدهما قال في "الشرح" وإن أتت بولد فلاعن لنفيه ثم ولدت آخر لأقل من ستة أشهر لم ينتف الثاني باللعان الأول ويحتمل أن ينتفي بنفيه من غير حاجة إلى لعان ثان.
الثاني الفرقة بينهما بتمام تلاعنهما اختاره أبو بكر وقدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" وقاله ابن عباس وغيره لقول ابن عمر المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا رواه سعيد ولأنه معنى يقتضي التحريم المؤبد فلم يقف على حكم حاكم كالرضاع ولأنها لو وقفت على تفريق الحاكم لساغ ترك التفريق إذا لم يرضيا به كالتفريق للعنت والإعسار وتفريقه صلى الله عليه وسلم بينهما بمعنى إعلامه لهما بحصول الفرقة.
"وعنه لا تحصل حتى يفرق الحاكم بينهما" في ظاهر كلام الخرقي و اختاره القاضي و الشريف و أبو الخطاب وابن البنا والمؤلف لما روى نافع عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة رواه الجماعة وعن سعيد بن جبير قال قلت لابن عمر رجل قذف امرأته قال فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني عجلان وقال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب - يرددها ثلاث مرات -(8/82)
الثالث التحريم المؤبد و عنه إن أكذب نفسه حلت له وإن لاعن زوجته الأمة ثم اشتراها لم تحل له إلا أن يكذب نفسه على الرواية الأخرى و إذا قلنا تحل له الزوجة بإكذاب نفسه فإن لم يكن وجد منه طلاق فهي باقية على النكاح
__________
فأبيا ففرق بينهما متفق عليه فدل أن الفرقة لم تحصل بمجرد اللعان فعلى هذه إن طلقها قبل التفريق لحقها طلاقه ويلزم الحاكم الفرقة من غير طلب لأنه عليه السلام فرق بينهما من غير استئذانهما وعليها لو لم يفرق الحاكم بينهما كان النكاح بحاله قاله المؤلف وقال الشافعي تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده وإن لم تلتعن هي كالطلاق قال المؤلف ولا نعلم أن أحدا وافقه على ذلك وعليهما فرقة اللعان فسخ لأنها فرقة توجب تحريما مؤبدا فكانت فسخا كالرضاع.
"الثالث التحريم المؤبد" نقله واختاره الأكثر لقول سهل بن سعد مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا رواه الجوزجاني وأبو داود ورجاله ثقات وروى الدار قطني ذلك عن علي ولأنه تحريم لا يرتفع قبل الحد والتكذيب فلم يرتفع بهما كتحريم الرضاع.
"وعنه إن أكذب نفسه حلت له" وعاد فراشه كما لو لم يلاعن ولكن هذه ا الرواية شذ بها حنبل عن أصحابه قال أبو بكر لا نعلم أحدا رواها غيره قال المؤلف وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يفرق الحاكم فأما مع تفريقه فلا وجه لبقاء النكاح بحاله وأغرب منه قول سعيد بن المسيب إنه إذا أكذب نفسه فهو خاطب من الخطاب "وإن لاعن زوجته الأمة ثم اشتراها لم تحل له9 لأنه تحريم مؤبد كالرضاع ولأن المطلق ثلاثا إذا اشترى مطلقته لم تحل له قبل زوج وإصابة فهنا أولى لأن هذا التحريم مؤبد وتحريم الطلاق يختص النكاح "إلا أن يكذب نفسه على الرواية الأخرى" أي الضعيفة فإنها تحل له "وإذا قلنا تحل له الزوجة بإكذاب نفسه فإن لم يكن وجد منه طلاق فهي باقية على النكاح" لأن اللعان على هذا القول لا يحرم على التأبيد وإنما يؤمر بالطلاق كما يؤمر المؤلي به إذا لم يأت بالفيئة ,(8/83)
وإن وجد منه طلاق دون الثلاثة، فله رجعتها الرابع انتفاء الولد عنه بمجرد اللعان ذكره أبو بكر و ينتفي عنه حملها وإن لم يذكره و قال الخرقي لا ينتقي عنه حتى يذكره في اللعان.
__________
فإذا لم يأت بالطلاق بقي النكاح بحاله وزال الإجبار على الطلاق لتكذيب نفسه وإن وجد منه طلاق دون الثلاث فله رجعتها كالمطلقة دون الثلاث بغير عوض.
"الرابع انتفاء الولد عنه بمجرد اللعان ذكره أبو بكر" لما روى سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بينهما وقضى ألا يدعي ولدها لأب وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين هلال وامرأته ففرق بينهما وقضى ألا يدعى ولدها لأب ولا ترمي ولا يرمي ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد رواه أحمد وأبو داود فظاهره أنه لا يشترط ذكره فيه ولأنه أحد مقصودي اللعان فيثبت به كإسقاط الحد و"المذهب" كما اختاره الخرقي والقاضي وصححه في "الكافي" وجزم به في "الوجيز" أنه لا ينتفي إلا بذكره لأنه شخص يسقط باللعان فكان ذكره شرطا كالزوجية ورجحه في "المغني" و "الشرح" وأجابا عن حديث سهل بأن ابن عمر روى القصة وذكر فيها أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق بينهما وألحق الولد بالمرأة والزيادة من الثقة مقبولة فعلى هذا لا بد من ذكر الولد في كل لفظة ومع اللعن في الخامسة لأنها من لفظات اللعان.
"وينتفي عنه حملها وإن لم يذكره" هذا هو ظاهر كلام أبي بكر لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن على الحمل رواه أحمد ولأن الحمل تثبت له الأحكام الثابتة بعد الوضع من وجوب النفقة والمسكن ونفي طلاق البدعة ووجوب الاعتداد به فكان كالمتيقن "وقال الخرقي لا ينتفي عنه حتى يذكره في اللعان" منصوص أحمد في رواية الجماعة أنه لا يصح نفي الحمل وقال لعله يكون ريحا وعلى هذا عامة الأصحاب معتمدين بأنه قد يكون ريحا وقد يكون غيره فيصير نفيه مشروطا بوجوده ولأن الأحكام(8/84)
فإذا قال أشهد بالله لقد زنت يقول و ما هذا الولد و لدي و تقول هي أشهد بالله لقد كذب و هذا الولد ولده وإن نفى الحمل في التعانه لم ينتف حتى ينفيه عند وضعها له ويلاعن
فصل
و من شرط نفي الولد ألا يوجد دليل على الإقرار به فإن أقر به أو بتوأمه أو نفاه و سكت عن توأمه أو هنئ به فسكت أو أمن على
__________
التي ينفرد بها الحمل تقف على ولادته بدليل الميراث والوصية فعلى هذا لا بد أن ينفيه عند وضعها له ويلاعن
"فإذا قال أشهد بالله لقد زنت يقول و ما هذا الولد ولدي وتقول هي أشهد بالله لقد كذب وهذا الولد ولده" وقال القاضي يشترط أن يقول هذا الولد من زنى وليس مني والصحيح خلافه.
"وإن نفى الحمل في التعانه لم ينتف حتى ينفيه عند وضعها له ويلاعن" لأن ذلك زمن لحوق الولد والأول أولى وأصح لأنه عليه السلام لاعن بين هلال وامرأته قبل أن تضع ونفى الحمل عنه وينبني على الخلاف واستلحاقه والمنصوص في رواية ابن القاسم أنه لا يصح استلحاقه قبل وضعه وقيل بلى وله نفيه بعده باللعان نص عليه ولا ينفيه في لعانه حتى ينفيه بعد وضعه وقت العلم به وقيل أو في مجلس العلم ويلاعن له وقيل ينتفي بذكره فيه وقيل وبدونه وإن أخر نفيه لم يسقط وقيل إن أقر به ثم نفاه بعد وضعه صح نفيه نص عليه.
فصل
ومن شرط نفي الولد ألا يوجد دليل على الإقرار به لأن الدليل على الإقرار به بمنزلة الإقرار به "فإن أقر به" لم يملك نفيه في قول أهل العلم أو أقر "بتوأمه أو نفاه وسكت عن توأمه" لحقه نسبه ولم يكن له نفيه لأنه إذا أقر بأحدهما كان إقرارا بالآخر "أو هنئ به فسكت" كان إقرارا به ذكره أبو بكر لأن السكوت دليل على الرضى في حق المنكر فهنا أولى "أو أمن على(8/85)
الدعاء أو أخر نفيه مع إمكانه لحقه نسبه ولم يملك نفيه وإن قال أخرت نفيه رجاء موته لم يعذر بذلك وإن قال لم أعلم به أو لم أعلم أن لي نفيه أو لم أعلم أن ذلك على الفور وأمكن صدقه قبل قوله ولم يسقط نفيه وإن أخره لحبس أو مرض أو غيبة أو شيء يمنعه ذلك لم يسقط نفيه.
__________
الدعاء لزمه في قولهم جميعا وكذا إن قال أحسن الله جزاءك أو بارك الله عليك أو رزقك الله مثله أو أخر نفيه مع إمكانه.
وقيل له نفيه في مجلس علمه فقط "لحقه نسبه" لأن ذلك كله دليل على الإقرار به "ولم يملك نفيه" لأن نفيه يثبت لنفي ضرر متحقق فكان على الفور كخيار الشفعة قال أبو بكر لا يتقدر ذلك بثلاث بل هو على ما جرت به العادة إن كان ليلا فحتى يصبح وتنتشر الناس وإن كان جائعا أو ظمآن فحتى يأكل ويشرب فإن كان ناعسا فحتى ينام أو يلبس ثوبه ويسرج دابته ويركب ويصلي إن حضرت.
"وإن قال أخرت نفيه رجاء موته لم يعذر بذلك" لأن الموت قريب وغير متيقن فتعليق النفي عليه تعليق على أمر موهوم.
"وإن قال لم أعلم به" أي بالولادة وأمكن صدقه بأن يكون في مكان يخفى عليه بخلاف ما إذا كان معها في الدار لأن الأصل عدم العلم.
"أو لم أعلم أن لي نفيه أو أعلم أن ذلك على الفور" وكان ذلك مما يخفى عليه كعامة الناس قبل منه ولأنهم يخفى عليهم كحديث العهد بالإسلام والناشئ ببادية فإن كان فقيها لم يقبل منه لأنه لا يخفى عليه مثله وقيل بلى لأن الفقيه يخفى عليه كثير من الأحكام "وأمكن صدقه" بما ذكرنا "قبل قوله" لأنه محتمل "ولم يسقط نفيه" لأنه معذور "وإن أخره لحبس أو مرض أو غيبة أو شيء يمنعه ذلك لم يسقط نفيه" أي إذا كان عذر يمنعه الحضور كما مثله وكالاشتغال بحفظ مال يخاف ضيعته فإن كانت مدة ذلك قصيرة لم يبطل نفيه لأنه بمنزلة من علم ليلا فأخره(8/86)
ومتى أكذب نفسه بعد نفيه لحقه النسب ولزمه الحد إن كانت المرأة محصنة أو التعزير إن لم تكن محصنة.
__________
إلى الصبح وإن كانت طويلة وأمكنه السفر إلى حاكم ليبعث إليه من يستوفي عليه اللعان والنفي فلم يفعل سقط نفيه وإن لم يمكنه أشهد على نفيه أنه ناف لولد امرأته فإن لم يفعل بطل خياره لأنه إذا لم يقدر على نفيه قام الإشهاد مقامه.
فرع إذا قال لم أصدق المخبر به وهو عدل أو قد استفاض الخبر لم يقبل قوله وإلا قبل منه وكل موضع لزمه الولد لم يكن له نفيه بعد ذلك.
"ومتى أكذب نفسه بعد نفيه لحقه النسب" أي إذا لاعن امرأته ونفى ولدها ثم أكذب نفسه لحقه الولد إذا كان حيا غنيا كان أو فقيرا بغير خلاف وكذا إن كان ميتا.
وقال الثوري إذا استلحق الولد الميت وكان ذا مال لم يلحقه لأنه إنما يدعي مالا وإلا لحقه وقال الحنفية إن كان الولد الميت ترك ولدا ثبت نسبه من المستلحق وتبعه نسب ابنه وإن لم يكن ترك ولدا لم يصح استلحاقه ولم يثبت نسبه ولا يرث منه المدعي شيئا لأن نسبه منقطع بالموت.
وجوابه أن هذا ولد نفاه باللعان فكان له استلحاقه كما لو كان حيا ولأنهم جعلوا نسب ولد الولد تابعا لنسب ابنه أي يتبع الأصل الفرع وهو مردود وعن الثوري إنما يدعي النسب والميراث تبع له.
"ولزمه الحد إن كانت المرأة محصنة" سواء أكذبها قبل لعانه أو بعده بغير خلاف نعلمه لأن اللعان أقيم مقام البينة في حق الزوج فإذا أكذب نفسه فإن لعانه كذب وزيادة في هتكها وتكرار لقذفها فلا أقل من أن يجب الحد الذي كان واجبا بالقذف المجرد فإن عاد عن إكذاب نفسه وقال لي بينة أقيمها بزناها أو أراد إسقاط الحد باللعان لم يسمع لأن البينة واللعان لتحقق ما قاله وقد أقر بكذب نفسه فلا يقبل منه خلافه "أو التعزير إن لم تكن محصنة" كقذف غير زوجته وحينئذ ينجر النسب من جهة الأم إلى جهة(8/87)
..............................................................................................
__________
الأب كالولاء وتوارثا وقد علم منه إذ استلحقه ورثه وقد نفاه باللعان أنه لا يلحق به نص عليه وفي "المستوعب" رواية لا يحد وإن نفى من لا ينتفي وأنه من زنى حد في رواية اختارها القاضي وغيره وعنه إن لم يلاعن اختارها أبو الخطاب والمؤلف ومن نفى أولادا فلعان واحد.(8/88)
فصل فيما يلحق من النسب
من أتت امرأته بولد يمكن كونه منه وهو أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها ولأقل من أربع سنين منذ أبانها وهو ممن يولد لمثله لحقه نسبه.
__________
فصل فيما يلحق من النسب
"من أتت امرأته بولد يمكن كونه منه" ولو مع غيبته عشرين سنة ذكره في المغني وعليه نصوص أحمد والمراد ويخفى مسيره وإلا فالخلاف على ما ذكره في "التعليق" وغيره
ولا ينقطع الإمكان عنه بالحيض قاله في "الترغيب" "وهو أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها ولأقل من أربع سنين منذ أبانها وهو ممن يولد لمثله" كابن عشر سنين وقيل وتسع وقيل ثنتي عشرة واختار أبو بكر وابن عقيل وأبو الخطاب لا يلحقه حتى يبلغ كما لا يملك نفيه حتى يعلم بلوغه للشك في جهة يمينه و"المذهب" ما ذكره المؤلف كغيره "لحقه نسبه" ما لم ينفه بلعان لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش" ولأنه يمكن كونه منه لقوله عليه السلام: "واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" وعلى هذا لا يصير بالغا ولا يتقرر به مهر ولا تثبت به عدة ولا رجعة قال في الفروع ويتوجه فيه قول كثبوت الأحكام بصوم يوم الغيم(8/88)
وإن لم يمكن كونه منه مثل أن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها أو لأكثر من أربع سنين منذ أبانها أو أقرت بانقضاء عدتها بالقروء ثم أتت به لأكثر من ستة أشهر بعدها
__________
ونقل حرب فيمن طلق قبل الدخول فأتت بولد فأنكره ينتفي بلا لعان وأخذ شيخنا من هذه الرواية أن الزوجة لا تصير فراشا إلا بالدخول واختاره وفي "الانتصار" لا يلحق بمطلق إن اتفقا أنه لم يمسها ونقل مهنا لا يلحق الولد حتى يوجد الدخول والأصح الأول لأنه زمن يمكن البلوغ فيه فيلحقه الولد كالبالغ وقد روي أن عمرو بن العاص وابنه عبد الله لم يكن بينهما إلا اثنتا عشرة سنة وما عهد بلوغ لتسع.
ويلحق النسب في النكاح الفاسد كالصحيح وقيل إن اعتقد فساده فلا.
فرع : إذا تحملت ماء زوجها لحقه نسب من ولدته منه وفي العدة والمهر وجهان فإن كان حراما أو ماء من ظنته زوجها فلا نسب ولا مهر ولا عدة في الأصح فيها.
"وإن لم يكن كونه منه مثل أن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها أو لأكثر من أربع سنين منذ أبانها" لم يلحقه لأنا علمنا أنها علقت به قبل النكاح ولا يحتاج إلى نفيه باللعان ولأن اللعان يمين واليمين جعلت لتحقق أحد الجائزين ونفي أحد المحتملين وما لا يجوز لا يحتاج إلى نفيه.
"أو أقرت بانقضاء عدتها بالقروء ثم أتت به لأكثر من ستة أشهر بعدها" لم يلحقه وقال ابن شريح لأنها أتت به بعد الحكم بانقضاء عدتها في وقت يمكن ألا يكون منه فلم يلحقه كما لو انقضت عدتها بالحمل وإنما يعتبر الإمكان مع بقاء الزوجية والعدة و أما بعدهما فلا يكتفي بالإمكان للحاقه وإنما يكتفي بالإمكان لنفيه و ذلك لأن الفراش سبب ومع وجود السبب يكتفي بإمكان الحكمة فإذا انتفى السبب انتفى الحكم لانتفائه ولا يلتفت إلى مجرد الإمكان.
وظاهره أنها إذا أقرت بانقضاء عدتها بالقروء ثم أتت به لأقل من ستة أشهر من آخر أقرائها يلحقه صرح به في "المغني" و"الشرح" لعلمنا أنها كانت حاملا في(8/89)
أو فارقها حاملا فوضعت ثم أتت بآخر بعد ستة أشهر أو مع العلم بأنه لم يجتمع بها كالتي يتزوجها بحضرة الحاكم ثم يطلقها في المجلس أو يتزوجها وبينهما مسافة لا يصل إليها في المدة التي أتت بالولد فيها أو يكون صبيا له دون عشر سنين أو مقطوع الذكر والأنثيين لم يلحقه نسبه.
__________
زمن رؤية الدم فيلزم ألا يكون الدم حيضا.
"أو فارقها حاملا فوضعت ثم أتت بآخر بعد ستة أشهر" لم يلحقه لأنه لا يمكن أن يكون الوالدان حملا واحدا وبينهما مدة الحمل فعلم أنها علقت به بعد زوال الزوجية وانقضاء العدة وكونها أجنبية كسائر الأجنبيات وظاهره أنها إذا وضعت لدون ستة أشهر أنه يلحقه "أو مع العلم بأنه لم يجتمع بها وله صور كالتي يتزوجها بحضرة الحاكم ثم يطلقها في المجلس قبل غيبته عنهم وتأتي به لستة أشهر وذلك علم حسي ونظري".
"أو يتزوجها وبينهما مسافة" بعيدة "لا يصل إليها في المدة التي أتت بالولد فيها" كمشرقي يتزوج مغربية فإن الوقت لا يسع مدة الولادة وقدومه ووطأ ه بعده وأقل مدة الحمل للقطع بأن الوطء ليس ممكنا والمراد وعاش وإلا لحقه بالإمكان كما بعدها قاله في "الفروع" لأنه لم يحصل منه إمكان الوطء في هذا العقد فلم يلحق به كزوجة الطفل أو كما لو ولدته لدون ستة أشهر و الإمكان إذا وجد لم يعلم أنه ليس منه قطعا لجواز أن يكون وطئها من حيث لا تعلم ولا سبيل إلى معرفة حقيقة الوطء فعلقنا الحكم على إمكانه في النكاح ولم يجز حذف الإمكان عن الاعتبار لأنه إذا انتفى حصل اليقين بانتفائه عنه.
وفي "التعليق" و"الوسيلة" و"الانتصار" ولو أمكن ولا يخفى السير كأمير وتاجر كبير ومثل في "عيون المسائل" بالسلطان والحاكم ونقل ابن منصور إن علم أنه لا يصل مثله لم يقض بالفراش وهي مثله أو يكون صبيا له دون عشر سنين" وقد ذكرناه "أو مقطوع الذكر و الأنثيين لم يلحقه نسبه" في قول عامتهم لأنه يستحيل منه الإيلاج والإنزال نقل ابن هانئ(8/90)
وإن قطع أحدهما فقال أصحابنا يلحقه نسبه وفيه بعد وإن طلقها طلاقا رجعيا فولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها ولأقل من أربع سنين منذ انقضت عدتها فهل يلحقه نسبه؟ على وجهين
__________
فيمن قطع ذكره وأنثياه قال إن دفق فقد يكون الولد من الماء القليل فإن شك في ولده فالقافة وساقه المروزي عن خصي قال إن كان مجبوبا ليس له شيء فإن أنزل فإنه يكون الولد منه وإلا فالقافة.
"وإن قطع أحدهما فقال أصحابنا يلحقه نسبه" لأنه إذا قطع الذكر بقيت الأنثيان فساحق وأنزل وإن قطع الأنثيان بقي الذكر فأولج به "وفيه بعد" لأن الولد لا يوجد إلا من مني ومن قطعت أنثياه لا مني له وحاصله أنه إذا قطعت أنثياه فقط لا يلحقه و هو الصحيح لأنه لا ينزل إلا ماء رقيقا لا يخلق منه الولد ولا وجد ذلك ولا اعتبار بإيلاج لا يخلق منه الولد كما لو أولج الصغير وجزم الأكثر بلحوق نسبه به لما ذكرنا.
وإن قطع الذكر لحقه لأنه يمكن أن يساحق فينزل ما يخلق منه الولد ولهذا ألحقنا ولد الأمة بسيدها إذا اعترف بوطئها دون الفرج.
"وإن طلقها طلاقا رجعيا فولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها" وقبل انقضاء عدتها "ولأقل من أربع سنين منذ انقضت عدتها فهل يلحقه نسبه على وجهين".
أحدهما يلحقه صححه في "المستوعب" وجزم به في "الوجيز" لأنها في حكم الزوجات أشبه ما قبل الطلاق والثاني لا يلحقه لأنها علقت به بعد طلاق أشبهت البائن وإن حملت الرجعية بعد أكثر مدة الحمل منذ طلقت وقبل نصف سنة منذ فرغت عدتها لحقه في الأشهر سواء أخبرت بفراغ العدة أولا.
فرع: إذا أخبرت بموت زوجها فاعتدت ثم تزوجت لحق بالثاني ما وضعته لنصف سنة فأكثر نص عليه وقاله أكثر العلماء وقال أبو حنيفة الولد للأول وما ولدت البائن بموت أو طلاق وقبل انقضاء عدة الرجعية أو فسخ لأكثر مدة الحمل فأقل منذ بانت ولم تنكح لحقه وانقضت به عدتها منه وما ولدته بعد أكثرها.(8/91)
فصل
ومن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دونه فأتت بولد لستة أشهر لحقه نسبه وإن ادعى العزل إلا أن يدعي الاستبراء.
__________
لم يلحقه وفي انقضاء العدة به وجهان
مسألة إذا تزوجت في العدة وولدت قبل نصف سنة منذ تزوجت وقبل أربع سنين منذ بانت من الأول فهو له وإن كان لنصف سنة فأكثر منذ تزوجت وبعد أربع سنين من فرقة الأول فهو للثاني.
فصل
"ومن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دونه" صارت فراشا له "فأتت بولد لستة أشهر لحقه نسبه" نقله الجماعة مطلقا لحديث عائشة في ابن زمعة و لقول عمر لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه ألم بها إلا ألحقت به ولدها فأنزلوا بعد ذلك أو اتركوا رواه الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر و قياسا على النكاح.
وقال أبو حنيفة لا تصير فراشا حتى يقر بولدها فإذا أقر به صارت فراشا ولحقه أولاده بعد ذلك لأنها لو صارت فراشا بالوطء لصارت فراشا بإباحته كالزوجة وجوابه بأن الملك لا يتعلق به تحريم المصاهرة و لا ينعقد في محل يحرم الوطء فيه كالمجوسية وذوات محارمه فلو وطئها في الدبر لم تصر فراشا في الأشهر لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معناه.
"وإن ادعى العزل" لأن كل حكم تعلق بالوطء لم يعتبر فيه الإنزال فوجب ألا يعتبر هنا كسائر الأحكام وحينئذ لا ينتفي عنه بلعان ولا غيره قال أحمد الولد يكون من الريح قال ابن عقيل وهذا منه يدل على أنه لم ينزل في الفرج لأنه لا ريح يسير إليها إلا رائحة المني وذلك يكون بعد إنزاله فيتعلق بها قال وهذا من أحمد علم عظيم "إلا أن يدعي الاستبراء"لأنه دليل على براءة الرحم والقول قوله في حصوله لأنه أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه إلا بعسر ومشقة(8/92)
وهل يحلف؟ على وجهين: فإن اعتقها أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون ستة أشهر فهو ولده والبيع باطل وكذلك إن لم يستبرئها فأتت به لأكثر من ستة أشهر فادعى المشتري أنه منه سواء ادعاه البائع أو لم يدعه
__________
"وهل يحلف على وجهين" كذا في المحرر والفروع أحدهما لا يحلف لأن من قبل قوله في الاستبراء قبل بغير يمين كما لو ادعت المرأة انقضاء عدتها.
والثاني وهو الأشهر وجزم به في "الوجيز" يستحلف للخبر ولأن الاستبراء غير مختص به أشبه سائر الحقوق وقال أبو الحسين أو يري القافة نقله الفضل وذكر أحمد عن زيد وابن عباس وأنس و في "الانتصار" ينتفي بالقافة لا بدعوى الاستبراء ونقل حنبل يلزمه الولد إذا نفاه وألحقته القافة وأقر بالوطء وعلم مما سبق أنه إذا ملكها لا تصير فراشا به لأنه قد يقصد بملكها التمول والتجارة والخدمة فلم يتعين لإرادة الوطء وإن أتت بولد ولم يعترف به لم يلحقه نسبه لأنه لم يولد على فراشه قال في "الفروع" ويتوجه احتمال في أمة تراد للتسري عادة أنها تصير فراشا بالملك وقاله بعض متأخري المالكية لقصة عبد بن زمعة واحتياطا للنسب.
فرع : إذا استلحق ولدا ففي لحوق ما بعده بدون إقرار آخر وجهان ونصوصه تدل على أنه يلحقه لثبوت فراشه
"فإن أعتقها أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون ستة أشهر فهو ولده" لأنها حملت به وهي فراش لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر "والبيع باطل" لأنها صارت أم الولد "وكذلك إن لم يستبرئها فأتت به لأكثر من ستة أشهر فادعى المشتري أنه منه" أي من البائع لحقه نسبه لأنه وجد منه سببه وهو الوطء ولم يوجد ما يعارضه ولا يمنعه فتعين إحالة الحكم عليه "سواء ادعاه البائع أو لم يدعه" لأن الموجب لإلحاقه أنها لو أتت به في ملكه في تلك المدة للحق به وانتقال الملك عنه لم يتجدد به شيء وحكاه في "الفروع" قولا وقيل يري القافة نقله صالح و حنبل و نقل الفضل هو له قلت : في(8/93)
وإن استبرئت ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يلحقه نسبه وكذلك إن لم تستبرئ ولم يقر المشتري له به فأما إن لم يكن البائع أقر بوطئها قبل بيعها لم يلحقه الولد بحال إلا أن يتفقا عليه فيلحقه نسبه وإن ادعاه البائع فلم يصدقه المشتري فهو عبد للمشتري ويحتمل أن يلحقه نسبه مع كونه عبدا للمشتري.
__________
نفسه منه قال فالقافة وإن ادعى كل منهما أنه للآخر والمشتري مقر بالوطء فالخلاف كذلك "وإن استبرئت ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يلحقه نسبه" لأن الاستبراء يدل على براءتها من الحمل وقد أمكن أن يكون من غيره لوجود مدة الحمل بعد الاستبراء مع قيام الدليل فلو أتت به لأقل من ستة أشهر كان الاستبراء غير صحيح "وكذلك إن لم تستبرئ ولم يقر المشتري له به" لأنه ولد أمة المشتري فلا تقبل دعوى غيره له إلا بإقرار من المشتري.
"فأما إن لم يكن البائع أقر بوطئها قبل بيعها لم يلحقه الولد بحال" سواء ولدته لستة أشهر أو لأقل منها لأنه يحتمل أن يكون من غيره "إلا أن يتفقا عليه" أي على الولد أنه ابن للبائع "فيلحقه نسبه" لأن الحق لهما يثبت باتفاقهما.
"وإن ادعاه البائع فلم يصدقه المشتري فهو عبد للمشتري" ولا يقبل قول البائع في الإيلاد لأن الملك انتقل إلى المشتري في الظاهر فلا يقبل قول البائع فيما يبطل حقه كما لو باع عبدا ثم أقر أنه كان أعتقه "ويحتمل أن يلحقه نسبه مع كونه عبدا للمشتري" لأنه يجوز أن يكون ولد الواحد مملوكا لآخر كولد الأمة المزوجة والقول الآخر إنه لا يلحقه وهو الظاهر لأن فيه ضررا على المشتري فلو أعتقه كان أبوه أحق بميراثه منه.
وقال الشيخ تقي الدين فيما إذا ادعى البائع أنه ما باع حتى استبرأ أو حلف المشتري أنه ما وطئها فقال إن أتت به بعد الاستبراء لأكثر من ستة أشهر فقيل لا يقبل قوله ويلحقه النسب قال القاضي في "تعليقه" وهو ظاهر كلام أحمد.
وقيل ينتفي النسب اختاره القاضي في المجرد وابن عقيل وأبو الخطاب وهل يحتاج إلى اليمين على الاستبراء فيه وجهان(8/94)
وإذا وطئ المجنون من لا ملك له عليها ولا شبهة ملك فولدت منه لم يلحقه النسب
__________
"إذا وطئ المجنون من لا ملك له عليها ولا شبهة ملك فولدت منه لم يلحقه النسب" لأنه لا يستند إلى ملك ولا اعتقاد إباحة وعليه مهر المثل إن أكرهها على الوطء لأن الضمان يستوي فيه المكلف وغيره.
أصل تبعية النسب للأب إجماعا ما لم ينتف منه فولد قرشي من غير قرشية قرشي ولا عكس وتبعية وحرية ينوي للأم إلا من عذر للعيب أو غرور ويتبع خيرهما دينا وقال الشيخ تقي الدين ويتبع ما أكل أبواه أو أحدهما وفي "عيون المسائل" أنه يوجد عبد من حرة وهو ولد الأمة المعلق عتقها بمجيئه عبدا وفيه شيء .
مسائل
الأولى: ولد الزاني لا يلحق به وإن اعترف به نص عليه واختار الشيخ تقي الدين أنه إذا استلحق ولده من الزنى ولا فراش لحقه وفي الانتصار يسوغ فيه الاجتهاد وذكره ابن اللبان عن الحسن وابن سيرين وعروة و النخعي وإسحاق وفي "الانتصار" يلحقه بحكم الحاكم وذكر أبو يعلى الصغير مثله.
الثانية: إن أولد أمة له ولغيره أو أمة ولده لحقه نسبه وإن كان عبدا بخلاف أمة أحد أبويه وفي أمة زوجته بإذنها روايتان ومن خلا بزوجته الكتابية وهو مسلم صائم ثم طلق قبل الدخول فولدت من يمكن أنه منه لحقه على الأصح.
الثالثة: إذا زوج أمة من صغير لا يولد لمثله ثم وطئها سيدها فأتت بولد من وطئه لم يلحق نسبه به ولا بالزوج و ذكر ابن أبي موسى لا يسترقه السيد بل يعتقه قال لأنه وإن لم يلحقه نسبه فهو منه وإن اشترى أمة فوطئها قبل استبرائها فأتت بولد لأقل من ستة أشهر لم يلحقه نسبة و ذكر ابن أبي موسى أنه يعتقه و لا يبيعه لأن الماء يزيد في السمع و البصر(8/95)
كتاب العدد
كتاب العدد
...
كتاب العدد
كل امرأة فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس والخلوة فلا عدة عليها وإن خلا بها وهي مطاوعة فعليها العدة سواء كان بهما أو بأحدهما مانع من الوطء كالإحرام والصيام والحيض والنفاس والمرض والجب والعنة أو لم يكن.
__________
كتاب العدد
العدد جمع عدة بكسر العين فيهما وهي ما تعده من أيام أقرائها وحملها أو أربعة أشهر وعشر ليال قال ابن فارس والجوهري عدة المرأة أيام أقرائها والمرأة معتدة وهي في الشرع اسم لمدة معلومة تتربص فيها المرأة لتعرف براءة رحمها وذلك يحصل بوضع حمل أو مضي أقراء أو أشهر والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234] والأحاديث شهيرة في ذلك والمعنى يشهد له لأن رحم المرأة ربما كان مشغولا بماء شخص وتمييز الأنساب مطلوب في نظر الشارع والعدة طريق إليه "كل امرأة فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس" وهو اللمس باليد ثم استعير للجماع لأنه مستلزم للمس غالبا "والخلوة فلا عدة" عليها إجماعا ل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: ] ولأن العدة إنما وجبت في الأصل لبراءة الرحم وكذا إذا كان بعدها والزوج ممن لا يولد لمثله وإن خلا بها خلافا لـ عمد الأدلة "وهي مطاوعة" مع علمه بها "فعليها العدة سواء كان بهما أو بأحدهما مانع من الوطء" شرعيا كان أو حقيقيا "كالإحرام والصيام والحيض والنفاس والمرض والجب والعنة أو لم يكن" لما روى أحمد والأثرم عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة وهذه قضية اشتهرت ولم(8/96)
إلا ألا يعلم بها كالأعمى والطفل فلا عدة عليهما والمعتدات على ستة أضرب إحداهن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن حرائر كن أو إماء من فرقة الحياة أو الممات.
__________
تنكر فكانت كالإجماع وضعف أحمد ما روي خلافه ولأنه عقد على المنافع فالتمكين منه يجري مجرى الاستيفاء في الأحكام كعقد الإجارة والآية مخصوصة بما ذكرناه ولا فرق بين أن يخلو بها مع المانع حقيقيا كان كالجب أو شرعيا كالصوم أو مع عدمه لأن الحكم من هاهنا معلق على الخلوة التي هي مظنة الإصابة دون حقيقتها وعنه لا يكمل الصداق مع وجود المانع فكذا يخرج في العدة وعنه أن صوم رمضان يمنع كمال الصداق مع الخلوة وهذا يدل على أن المانع متى كان متأكدا كالإحرام منع كمال الصداق مع الخلوة ولم تجب العدة فلو خلا بها واختلفا في المسيس قبل قول من يدعي الوطء احتياطا للأبضاع وأقرب إلى حال الخلوة وقيل يقبل قول المنكر وإن أنكر وطأها اعتدت كالموطوءة وقيل إن صدقته فلها حكم المدخول بها مطلقا إلا في حلها لمطلقها ثلاثا أو في الزنى فإنهما يجلدان فقط "إلا ألا يعلم بها كالأعمى والطفل فلا عدة عليها" ولا يكمل صداقها لأن المظنة لا تتحقق وكذا إن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها أو لم تكن مطاوعة لعدم تحقق المظنة مع ظهور استحالة المسيس .
فرع : إذا تحملت ماء رجل أو قبلها أو لمسها فوجهان قال ابن حمدان إن كان ماء زوجها اعتدت وإلا فلا ولو وطئت في الدبر اعتدت.
"والمعتدات على ستة أضرب" وسيأتي الكلام عليهن ولم يجعل الآيسات من المحيض ضربا واللائي لم يحضن ضربا لاستواء عدتهما "إحداهن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" بغير خلاف للآية "حرائر كن أو إماء من فرقة الحياة أو الممات" إلا ما روي عن ابن عباس وعن علي من وجه منقطع أنها تعتد أطول الأجلين وقاله أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله وروي عن ابن عباس أنه رجع إلى قول الجماعة وآية الحمل متأخرة عن آية الأشهر قال ابن مسعود من شاء باهلته أو لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] نزلت بعد آية.(8/97)
والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي به العدة؟ على روايتين.
__________
البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الآية والخاص مقدم على العام ولأنها معتدة حامل فتنقضي عدتها بوضعه كالمطلقة إذ الوضع أدل الأشياء على براءتها فلو ظهر بعضه فهي في عدتها حتى ينفصل باقيه وإن كانا اثنين أو أكثر لم تنقض عدتها إلا بوضع الآخر وعنه بالأول ذكرها ابن أبي موسى وقاله أبو قلابة وعكرمة ولكن لا تتزوج حتى تضع الآخر منهما وهذا شاذ مخالف لظاهر الكتاب وقول أهل العلم واحتج القاضي والأزجي بأن أول النفاس من الأول وآخره منه بأن أحكام الولادة تتعلق بأحد الولدين لأن انقطاع الرجعة وانقضاء العدة تتعلق بأحدهما لا بكل واحد منهما كذلك مدة النفاس وفيه نظر فلو وضعت واحدا وشكت في آخر لم تنقض عدتها حتى تزول الريبة "والحمل الذي تنقضي به العدة" ما تصير به أم ولد وهو "ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان" كالرأس واليد والرجل فتنقضي به العدة إجماعا حكاه ابن المنذر لأنه علم أنه حمل فيدخل في عموم النص.
الثاني ألقت مضغة لم يتبين فيها شيء من الخلقة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية بان بها أنها خلقة آدمي فكذلك
"فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي به العدة على روايتين" هذا هو الثالث وفيه روايتان:
إحداهما تنقضي وجزم به في الوجيز وغيره كما لو تصور.
والثانية لا قدمها في "الكافي" وذكر أنها المنصوص وهي اختيار أبي بكر لأنه لم يصر ولدا أشبه العلقة
الرابع ألقت نطفة أو دما لا تدري هل هو ما يخلق منه آدمي أو لا فهذا لا يتعلق به شيء من الأحكام لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ولا بالبينة.(8/98)
وإن أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل لم تنقض عدتها به وعنه تنقضي به وفيه بعد وأقل مدة الحمل ستة أشهر وغالبها تسعة وأكثرها أربع سنين.
__________
الخامس إذا وضعت مضغة لا صورة فيها ولم تشهد القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي لم تنقض ولا تنقضي بما قبل المضغة لا نعلم قيه خلافا إلا الحسن قال إذا علم أنه حمل انقضت به وفيه الغرة.
"وإن أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل" و مجبوب ومطلقة عقب عقد ومن أتت به لدون نصف سنة منذ عقد عليها "لم تنقض عدتها به" نص عليه لأنه حمل ليس منه يقينا فلم يعتد بوضعه كما لو ظهر بعد موته فعلى هذا تعتد بالأشهر "وعنه تنقضي به" لأنه حمل فيدخل في عموم النص وفيه بعد ووجهه أن شرط انقضاء العدة بالحمل أن يكون حمل المفارق وهذا ليس حملا منه ضرورة أنه لا يلحقه نسبه وعنه من غير طفل للحوقه باستلحاقه وقيل تنقضي به العدة ولا يلحقه وفيه نظر "وأقل مدة الحمل ستة أشهر" وفاقا لما روى الأثرم والبيهقي عن أبي الأسود أنه رفع إلى عمر أن امرأة ولدت لستة أشهر فهم عمر برجمها فقال له علي ليس لك ذلك قال الله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] وقال {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا} [الاحقاف: 15] فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرا لا رجم عليها فخلى عمر سبيلها وقال ابن عباس كذلك رواه البيهقي وذكر ابن قتيبة أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر.
"وغالبها تسعة" أشهر لأن غالب النساء كذلك يحملن وهذا أمر معروف بين الناس "وأكثرها أربع سنين" في ظاهر المذهب وقاله أكثر العلماء لأن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود وقد وجد أربع سنين فروى الدار قطني عن الوليد بن مسلم قلت لمالك بن أنس عن حديث عائشة قالت لا تزيد المرأة في حملها على سنتين فقال سبحان الله من يقول هذا هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة.
وقال الشافعي بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين وقال أحمد :(8/99)
وعنه سنتان وأقل ما يتبين به الولد: أحد وثمانون يوما .
فصل
الثاني: المتوفى عنها زوجها ، عدتها أربعة أشهر وعشر إن كانت حرةّ .
__________
نساء بني عجلان تحمل أربع سنين وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به ولا يزاد عليه لعدم وجوده "وعنه سنتان" اختاره أبو بكر وغيره وقدمه في "الرعاية" لما روى الدارقطني بإسناد جيد عن جميلة بنت سعد قالت قالت عائشة لا تزيد المرأة في الحمل على سنتين رواه سعيد والبيهقي وقد أنكره مالك "وأقل ما يتبين به الولد أحد وثمانون يوما" وهو أقل ما تنقضي به العدة من الحمل وهو أن تضعه بعد ثمانين يوما منذ أمكنه وطؤها لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك" ولا شك أن العدة لا تنقضي بما دون المضغة فوجب أن يكون بعد الثمانين فأما بعد أربعة أشهر فليس فيه إشكال وقيل بل ثمانون ولحظتان وهو إذن مضغة غير مصور ويصور بعد أربعة أشهر.
فصل
"الثاني المتوفى عنها زوجها ما لم تكن حاملا عدتها أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة" بالإجماع وسنده الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" أي عشر ليال بعشرة أيام ولا شك أن اليوم مقدم على الليلة لا يجزئها إلا أربعة أشهر وعشرة أيام وسواء كانت بالغة أو غير بالغة ولا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة في قول عامتهم والعشر المعتبرة فيها هي عشر ليال بأيامها وقاله الأكثر وقال الأوزاعي تجب عشر ليال وتسعة أيام لأن العشر تستعمل في الليالي دون الأيام وإنما دخلت الأيام اللاتي في أثناء الليالي تبعا وجوابه أن العرب تغلب حكم التأنيث في العدد خاصة على المذكر فتطلق لفظ الليالي وتريد الليالي بأيامها ل قوله تعالى لزكريا: {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} [مريم: 10] يريد بأيامها وب قوله تعالى: { آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ} [مريم: 10](8/100)
وشهران وخمسة أيام إن كانت أمة وسواء مات قبل الدخول أو بعده وإن مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة من حين موته وسقطت عدة الطلاق وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا ثم مات في عدتها لم تنتقل عن عدتها وإن كان الطلاق في مرض موته اعتدت أطول الأجلين من عدة الطلاق وعدة.
__________
ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} [آل عمران: 41] يريد بلياليها لو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان لزمه الليالي والأيام "وشهران وخمسة أيام إن كانت أمة" لأن الصحابة أجمعوا على أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة وقال ابن سيرين ما أرى عدة الأمة إلا كالحرة إلا أن تكون قد مضت سنة بعموم الآية وجوابه ما سبق فإن كان حملها من غيره اعتدت للزوج بعد وضع الحمل.
فرع: معتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة ويجبر الكسر "وسواء مات قبل الدخول أو بعده" لعموم الآية لا يقال هلا حمل على المدخول بها ل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] لأنه لا يصح قياسها على المطلقة إذ النكاح عقد عمر فإذا مات انتهى والشيء إذا انتهى تقررت أحكامه كالصيام بدخول الليل بخلاف الطلاق فإنه قطع للنكاح قبل حصول مقصوده أشبه فسخ الإجارة قبل التسليم ولأن المطلقة إذا أتت بولد أمكن تكذيبها بنفيه بخلاف الميت "وإن مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة من حين موته" لأنها زوجة فتدخل في عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] "وسقطت عدة الطلاق" لأنها معتدة بالوفاة فلا يجتمع معها غيرها إجماعا حكاه ابن المنذر وعنه تعتد أطول الأجلين وبعده في "الشرح" "وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا ثم مات في عدتها لم تنتقل عن عدتها" وتبني على عدة الطلاق مطلقا ولا تعتد للوفاة للآية ولأنها أجنبية منه في نكاحه وميراثه وتحل له أختها فلم تعتد لوفاته كما لو انقضت عدتها وعنه تعتد للوفاة إن ورثت اختارها جماعة كما لو طلقها في مرض موته وليس بشيء فإن الحمل تنقضي بوضعه كل عدة ولا يجب عليها الاعتداد بغيره "وإن كان الطلاق في مرض موته اعتدت أطول الأجلين من عدة الطلاق وعدة الوفاة" نص عليه وهو المذهب لأنها وارثة فيجب عليها أن تعتد للوفاة.(8/101)
الوفاة وإن ارتابت المتوفى عنها لظهور أمارات الحمل من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض قبل أن تنكح لم تزل في عدة حتى تزول الريبة وإن تزوجت قبل زوالها لا يصح النكاح وإن ظهر بها ذلك بعد نكاحها لم تفسد به لكن إن أتت بولد لأقل من ستة أشهر منذ نكحها فهو باطل وإلا فلا.
__________
ومن حيث إنها مطلقة يجب عليها أن تعتد للطلاق فيجب أن تعتد بأطولهما ضرورة أنها لا تخرج عن العهدة بيقين إلا بذلك وعنه تعتد لطلاق لأنه مات وليست زوجة له لأنها بائن من النكاح فلا تكون منكوحة وكالتي لا ترث وعنه تعتد للوفاة فقط ذكرهما في "المجرد" ولأنها ترثه أشبهت الرجعية وعلم منه أن من لا ترثه كالأمة والذمية ومن جاءت البينونة من قبلها فلا يلزمها سوى عدة الطلاق رواية واحدة ذكره في "المحرر" وفي "الواضح" تعليله يدل على التفرقة.
فرع إذا مات المريض المطلق بعد عدة طلاق رجعي أو كان طلاقه قبل الدخول فليس عليها عدة وفاة وعنه بلى إن ورثته اختارها أبو بكر وكذا من أبانها في مرضه قبل الدخول أو بعده فاعتدت ثم مات.
"وإن ارتابت المتوفى عنها لظهور أمارات الحمل من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض قبل أن تنكح لم تزل في عدة حتى تزول الريبة" وتبقى في حكم الاعتداد إلى أن تزول الريبة فإن بان حملا انقضت عدتها بوضعه فإن زالت وبان نص عليه أنه ليس بحمل تبينا أن عدتها انقضت بالشهور أو بالأقراء إن كان فارقها في الحياة "وإن تزوجت قبل زوالها" أي زوال الريبة "لا يصح النكاح" لأنها تزوجت وهي في حكم المعتدات وقيل يصح إذا كان بعد انقضاء العدة "وإن ظهر بها ذلك بعد نكاحها لم تفسد به" لأنه وجد بعد قضاء العدة ظاهرا والحمل مع الريبة مشكوك فيه فلا يزول ما حكمنا بصحته ولا يحل لزوجها وطؤها حتى تزول الريبة لشكنا في حل وطئها لقوله عليه السلام "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يحل له أن يسقي ماءه زرع غيره" لكن إن أتت بولد لأقل من ستة أشهر منذ نكحها الثاني ووطئها فهو" أي النكاح "باطل" لأنه نكحها وهي حامل من غيره "وإلا فلا" أي إذا أتت به لأكبر من ذلك فإن(8/102)
وإذا مات عن امرأة نكاحها فاسد فقال القاضي عليها عدة الوفاة وقال ابن حامد لا عدة عليها للوفاة في ذلك فإن كان النكاح مجمعا على بطلانه لم تعتد للوفاة من أجله
فصل
الثالث: ذات القرء التي فارقها في الحياة بعد دخوله بها.
__________
النكاح صحيح لأن الولد أمكن أن يكون من الثاني فلم يصادف نكاحها له مبطل فلم يبطل لأن الولد لاحق به فلو ظهرت الريبة بعد العدة وقبل النكاح أو بعده قبل الدخول فوجهان.
أحدهما: لا يحل لها أن تتزوج وإن فعلت لم يصح لأنها شاكة في انقضاء عدتها.
والثاني يحل لها ويصح لأنا حكمنا بانقضاء عدتها.
فلا يتغير الحكم بالشك بدليل أن حكم الحاكم لا يتغير بتغيير اجتهاده ورجوع الشهود "وإذا مات عن امرأة نكاحها فاسد فقال القاضي عليها عدة الوفاة نص عليه" في رواية جعفر بن محمد واختارها أبو بكر وقدمها الأكثر لأنه نكاح يلحق به النسب فوجبت به العدة كالصحيح وإن فارقها في الحياة بعد الإصابة اعتدت بثلاثة قروء أو بثلاثة أشهر إن لم يكن بغير خلاف وإن كان قبل الخلوة فلا عدة عليها كالصحيح بل أولى وإن كان بعدها قبل الإصابة فالمنصوص أن عليها العدة لأنه أجري مجرى الصحيح في لحوق النسب فكذا في العدة "وقال ابن حامد لا عدة عليها للوفاة في ذلك" لأنه لا يثبت الحمل فلم يوجب العدة كالباطل فعلى هذا إن كان قبل الدخول فلا عدة عليها وإن كان بعده اعتدت "فإن كان النكاح مجمعا على بطلانه" كذات محرم ومطلقته ثلاثا لم تعتد للوفاة من أجله لأن النكاح المذكور وجوده كعدمه للإجماع على بطلانه.
فصل
"الثالث: ذات القرء التي فارقها في الحياة بعد دخوله بها ولو بطلقة ثالثة(8/103)
وعدتها ثلاثة قروء إن كانت حرة وقرءان إن كانت أمة والقرء: الحيض في أصح الروايتين.
__________
إجماعا "وعدتها ثلاثة قروء إن كانت حرة" أو بعضها ل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: من الآية228] "وقرءان إن كانت أمة" في قول أكثر العلماء لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان" رواه أبو داود والترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ولا نعرف له في العلم غير هذا الحديث وعن ابن عمر نحوه رواه ابن ماجة والدار قطني من رواية عطية وهو ضعيف وهو قول عمر وعلي وابن عمر ولا يعرف لهم في الصحابة مخالف وكالحد وكان القياس يقتضي أن تكون حيضة ونصفا كما كان حدها على النصف من الحرة إلا أن الحيض لا يتبعض فوجب تكميله كالمطلقة ولهذا قال عمر لو أستطيع أن أجعل العدة حيضة ونصفا لفعلت رواه البيهقي ولا يصح للجهالة أو الانقطاع والمدبرة والمكاتبة وأم الولد كالأمة.
"والقرء الحيض في أصح الروايتين" القروء في كلام العرب تقع على الحيض والطهر جميعا فهو من الأسماء المشتركة قال الخليل يقال أقرأت المرأة إذا دنا حيضها وأقرأت إذا دنا طهرها وقال أحمد بن يحيى ثعلب القروء الأوقات فقد يكون حيضا وقد يكون طهرا والقول بأنه الحيض هو الأشهر لأنه يطلق تارة ويراد به الانتقال يقال قرأ النجم أي انتقل من محل إلى آخر ويراد به الجمع يقال ما قرأت الناقة أي لم تجمع في بطنها ولدا فالأخذ به أولى لأن فيه جمعا بين حقيقتين وهذا هو الأظهر عن أحمد صححه في "المستوعب" وجزم به في "الوجيز" وقدمه في الرعاية و"الفروع" وهو قول عمر وعلي وابن عباس وروي عن أبي بكر وعثمان وأبي موسى وعبادة وأبي الدر داء قال أحمد في رواية الأثرم كنت أقول إنه الأطهار ثم وفقت لقول الأكابر ولأنه لم يعهد في لسان الشرع استعماله بمعنى الطهر في موضع واستعمل بمعنى الحيض في غير حديث وظاهر النص يقتضي وجوب التربص بثلاثة كاملة ومن جعل القروء الأطهار لم يوجب ثلاثة ولأن العدة استبراء فكانت بالحيض(8/104)
ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها فإذا انقطع دمها من الثالثة حلت في إحدى الروايتين والأخرى لا تحل حتى تغتسل والرواية الثانية القروء الأطهار.
__________
كاستبراء الأمة "ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها" لا نعلم فيها خلافا ورواه البيهقي بإسناد رجاله ثقات عن ابن عمر ولأن المطلقة فيها لم يبق منها ما يتم مع اثنتين ثلاثة كاملة فلا يعتد بها ولأن الطلاق في الحيض إنما حرم للضرر بتطويل العدة فلو اعتدت بالحيضة المطلق فيها لكانت العدة حينئذ أقصر "فإذا انقطع دمها من الثالثة حلت في إحدى الروايتين" قدمها في "الكافي" و"الرعاية" واختارها أبو الخطاب للآية وقد كملت القروء بوجوب الغسل عليها ووجوب الصلاة وفعل الصيام وصحته منها ولأنه لم يبق حكم العدة في الميراث ووقوع الطلاق بها واللعان والنفقة فكذا هنا "والأخرى لا تحل حتى تغتسل" اختارها الخرقي والقاضي والشريف والشيرازي اعتمادا على أن هذا قول أكابر الصحابة قال أحمد روي عن ابن عباس أنه كان يقول إذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه وهو أصح في النظر قيل له فلم لا تقول به قال ذلك يقول به عمر وعلي وابن مسعود فأنا انتهيت أن أخالفهم يعني اعتبار الغسل ويرشحه أن الظاهر إنما تركوه عن توقيف ممن له البيان وروي عن أبي بكر وعثمان وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء وظاهره ولو فرطت في الغسل سنين حتى قال به شريك عشرين سنة وحكاه في الهدي رواية ولكن إذا طلقها وهي حامل فوضعت بعد ذلك انقضت عدتها وإن لم تغتسل نص عليه وعنه أنها في عدتها وله رجعتها حتى يمضي وقت الصلاة التي طهرت في وقتها وجزم به في "الوجيز" فعلى هذا تنقطع بقية الأحكام من قطع الإرث والطلاق واللعان والنفقة بانقطاع الدم رواية واحدة وجعلها ابن عقيل على الخلاف والرواية الثانية القروء الأطهار وهو قول زيد وابن عمر وعائشة رواه الشافعي عنهم بإسناد جيد وقال الشافعي أنا مالك عن ابن شهاب سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا قال ابن عبد البر ورجع إليه أحمد قال في رواية الأثرم رأيت الأحاديث عمن قال القروء الحيض تختلف والأحاديث عمن قال : إنه(8/105)
ويعتد بالطهر الذي طلقها فيه قرءا ثم إذا طعنت في الحيضة الثالثة حلت.
__________
الأطهار صحاح قوية والعمدة فيه قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي في عدتهن كقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } [الانبياء: 47] أي في يوم القيامة والمشروع الطلاق في الأطهار لا في الحيض إجماعا وحديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها ولأنها عدة عن طلاق مجرد مباح فوجب أن يعتبر عقيب الطلاق كعدة الآيسة والصغيرة وجوابه بأن المراد ب قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ثلاث مستقبلات لعدتهن كما تقول لقيته لثلاث بقين من الشهر أي مستقبلات لثلاث وقال ابن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن} رواه أبو داود والنسائي.
"ويعتد بالطهر الذي طلقها فيه قرءا" لأن الطلاق إنما حرم في الحيض دفعا للضرر عنها بتطويل العدة عليها فلو لم تعتد ببقية الطهر قرءا كان الطلاق في الطهر أضر بها وأطول عليها وقال الزهري إنها تعتد بثلاثة قروء سوى الطهر الذي طلقها فيه "ثم إذا طعنت في الحيضة الثالثة" أو الأمة في الثانية "حلت" قاله ابن عمر وزيد وعائشة رواه عنهم الأثرم لأنها لو لم تحل بذلك لأدى إلى إيجاب أكثر من ثلاثة قروء وذلك مخالف للنص وقيل لا تنقضي العدة حتى يمضي من الدم يوم وليلة لجواز أن يكون الدم دم فساد فلا تنقضي العدة حتى يزول الاحتمال وليس من العدة في الأصح وإن طلقها في سلخ طهر أو علقه على سلخه فأول عدتها. أول طهر يأتي بعد حيضة.
فرع: كل فرقة بين زوجين بعد الدخول فعدتها عدة طلاق في قول أكثر العلماء وعن ابن عباس عدة الملاعنة تسعة أشهر عن عثمان وابن عمر وابن عباس وإسحاق عدة المختلعة بحيضة ورواه ابن القاسم عن أحمد واختاره الشيخ تقي الدين في بقية الفسوخ وأومأ إليه في رواية صالح لما روى ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن غريب وجوابه عموم الآية.(8/106)
فصل
الرابع: اللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر إن كن حرائر ، وإن كن إماء فشهران . وعنه ثلاثة . وعنه شهر ونصف.
__________
وكفرقة غير الخلع وحديثهم قال أبو بكر هو ضعيف مرسل وقول عثمان وابن عباس قد خالفه عمر وعلي وقولهما أولى والصحيح عن ابن عمر أن عدتها عدة المطلقة رواه مالك فصل.
"الرابع اللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر إن كن حرائر" إجماعا ل قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] الآية الطلاق فإن كان الطلاق في أول الشهر كفى ثلاثة أشهر بالأهلة للنص وإن كان في أثنائه اعتدت بقيتهم ثم اعتدت شهرين بالأهلة ثم من الثالث تمام ثلاثين يوما جزم به في "الكافي" وغيره وقدمه في "المستوعب" ونصره في "الشرح" وقاله أكثر العلماء لأن الأصل الهلال فلا يرجع إلى العدد إلا عند التعذر وعنه يعتبر الجميع بالعدد وهو قول بنت الشافعي لأنه إذا حسب الأول بالعدد كان ابتداء الثاني من نصف الشهر وكذلك الثالث قلنا لا يلزم إتمام الشهر الأول من الثاني بل من الرابع ويحتسب من الساعة التي فارقها فيها الأكثر وقال ابن حامد يحتسب بأول الليل أو النهار لأن حساب الساعات يشق فسقط اعتباره وجوابه قوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] فلا تجوز الزيادة بغير دليل وحساب الساعات ممكن إما يقينا وإما استظهارا "وإن كن إماء فشهران" هذا أكثر الروايات عنه واختارها الأكثر واحتج فيه بقول عمر رواه الأثرم ولأن كل شهر مكان قرء وعدتها بالأقراء قرآن فكذا هنا "وعنه ثلاثة" روى عنه الحسن ومجاهد وقدمه في "الرعاية الكبرى" لعموم الآية ولأن اعتبار الشهور لمعرفة براءة الرحم ولا يحصل بأقل من ثلاثة "وعنه شهر ونصف" نقلها الميموني والأثرم واختارها وقاله علي وابن عمر لأن عدتها نصف عدة .(8/107)
وعدة أم الولد عدة الأمة عدة المعتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة وحد الإياس : خمسون سنة وعنه أن ذلك حده في نساء العجم وحده في نساء العرب ستون سنة وإن حاضت الصغيرة في عدتها انتقلت إلى القروء.
__________
الحرة وإنما كملنا الإقراء لتعذر تنصيفها ومن رد الرواية الثانية قال هي مخالفة لإجماع الصحابة لأنهم اختلفوا على القولين أي الأول والثالث فلا يجوز إحداث ثالث لأنه يفضي إلى تخطئتهم وخروج الحق عن قول جميعهم ولا يجوز ذلك ولأنها معتدة بغير الحمل فكانت دون الحرة كذات القروء والمتوفى عنها زوجها وأغرب منه رابعة أن عدتها شهر فقط "وعدة أم الولد" والمكاتبة والمدبرة "عدة الأمة" لأنها أمة مملوكة ولأن أم الولد أمة في كل أحكامها إلا في جواز بيعها "وعدة المعتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة" فإذا كان نصفها حرا فعلى الأولى عدتها شهران ونصف وعلى الثالثة شهران وسبعة أيام ونصف وقال السامري شهران وثمانية أيام وعلى الثانية تساوي الحرة وذكر أبو بكر وقدمه في "الترغيب" أن عدتها كحرة على الروايات وهي كالحرة إذا اعتدت بالحمل لأن عدة الحامل لا تختلف بالحرية والرق "وحد الإياس خمسون سنة" لقول عائشة لن ترى ولدا بعد خمسين سنة "وعنه أن ذلك حده في نساء العجم وحده في نساء العرب ستون سنة" ذكر الزبير ابن بكار في كتاب "النسب" أن هندا بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالب ولها ستون سنة وقال يقال إنه لن تلد بعد خمسين سنة إلا عربية ولا تلد بعد الستين إلا قرشية ولأنهن أقوى حيلة وطبيعة قال المؤلف والصحيح أنها متى بلغت خمسين سنة فانقطع حيضها عن عادتها مرات بغير سبب فقد صارت آيسة وإن انقطع قبل ذلك فكمن انقطع حيضها لا تدري ما رفعه وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة فهو حيض على الصحيح وإن رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض فلا تعتد به وتعتد بالأشهر كالتي لا ترى دما.
"وإن حاضت الصغيرة في عدتها انتقلت إلى القروء" لأن الشهور بدل(8/108)
ويلزمها إكمالها وهل تحسب ما قبل الحيض قرءا إذ قلنا القروء الأطهار؟ على وجهين وإن يئست ذات القروء في عدتها انتقلت إلى عدة الآيسات وإن عتقت الأمة الرجعية في عدتها بنت على عدة حرة وإن كانت بائنا بنت على عدة أمة.
__________
عنها فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتيمم مع الماء "ويلزمها إكمالها" أي إكمال ثلاثة قروء لأن إكمالها واجب على معتدة بها "وهل يحسب ما قبل الحيض قرءا؟ إذا قلنا القروء الأطهار على وجهين" كذا أطلقهما في "المحرر" و"الفروع".
أحدهما: تعتد به لأنه طهر قبل الحيض أشبه الطهر بين الحيضتين.
والثاني: لا يحسب وهو أشهر لأن القرء هو الطهر بين الحيضتين، وهذا لم يتقدمه حيض أما لو حاضت بعد انقضاء عدتها بالشهور ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدة لأنه حدث بعد انقضاء العدة أشبه ما لو حدث بعد طول الفصل.
"وإن يئست ذات القروء في عدتها انتقلت إلى عدة الآيسات" أي تبدأ بثلاثة أشهر لأن العدة لا تلفق من جنسين وقد تعذر الحيض فتنتقل إلى الأشهر لأنها عجزت عن الأصل وكالمتيمم "وإن عتقت الأمة الرجعية في عدتها بنت على عدة حرة" نص عليه لأن الحرية وجدت وهي زوجة فوجب أن تعتد عدة الحرة كما لو عتقت قبل الطلاق وإن كانت بائنا بنت على عدة أمة" نص عليه لأن الحرية لم توجد وهي زوجة فوجب أن تبني على عدة أمة وكالمدبرة ولم يلزمها الانتقال إلى عدة الحرة كما بعد انقضاء العدة.
فرع: إذا أعتقت الأمة تحت عبد فاختارت نفسها اعتدت كحرة لأنها بانت من زوجها وهي حرة وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بريرة بذلك وإن طلقها رجعيا فأعتقها سيدها بنت على عدة حرة سواء فسخت أو أقامت على النكاح وإن لم تفسخ فراجعها في عدتها فلها الخيار فإن اختارت الفسخ قبل المسيس فهل تستأنف أو تبني على ما مضى فيه وجهان فإن قلنا تستأنف فإنها تستأنف عدة حرة ولذلك تبني عليها .(8/109)
فصل
الخامس: من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت سنة تسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة وإن كانت أمة اعتدت بأحد عشر شهرا ويحتمل أن يقعد الحمل أربع سنين
__________
فصل
"الخامس: من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه" أي لا تعلم سببه "اعتدت سنة تسعة أشهر للحمل" أي منذ أن انقطع لتعلم براءتها من الحمل لأنها غالب مدته .
"وثلاثة للعدة" رواه الشافعي بإسناد جيد من حديث سعيد بن المسيب عن عمر قال الشافعي هذا قضاء عمر في المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر علمناه وقال تكون في عدة أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن الإياس فتعتد ثلاثة أشهر وقاله أهل العراق واعتمد على قول ابن مسعود رواه البيهقي ولأن الاعتداد بالأشهر جعل بعد الإياس فلم يجز قبله كما لو تباعد حيضها لعارض وجوابه الإجماع ولأن الغرض بالاعتداد معرفة براءة رحمها وهذا يحصل به براءة الرحم فاكتفي به ولهذا اكتفي في حق ذات القروء بثلاثة أقراء وفي حق الآيسة بثلاثة أشهر ولو روعي اليقين لاعتبر أقصر مدة الحمل "وإن كانت أمة اعتدت بأحد عشر شهرا" تسعة للحمل وشهرين للعدة لأن مدة الحمل تتساوى فيه الحرة والأمة لكونه أمرا حقيقيا وإذا قلنا عدتها شهر ونصف فتكون عدتها عشرة أشهر ونصف وعلى الثانية هي كالحرة "ويحتمل أن يقعد الحمل أربع سنين" حكاه في "المحرر" وغيره قولا لأنه أكثر مدة الحمل فلا تعلم البراءة يقينا إلا بذلك ثم تعتد كآيسة وجوابه قول ابن عباس لا تطولوا عليها الشقة كفاها تسعة أشهر لظهور براءتها من الحمل بغالب مدته ولأن في قعودها أربع سنين ضررا لأنها تمنع من الأزواج وتحبس عنه ويتضرر الزوج بإيجاب النفقة والسكنى عليه
تنبيه : إذا حاضت بعدها لم تنقض به العدة وقيل بلى ما لم تتزوج جزم(8/110)
وعدة الجارية التي أدركت فلم تحض ، والمستحاضة الناسية لعادتها :ثلاثة أشهر. وعنه :سنة.
__________
به السامري وغيره وإن حاضت فيها اعتدت بالأقراء وإن حاضت بعد النكاح فلا والنكاح باق.
قال ابن حمدان وكذا الخلاف إن اعتدت الكبيرة بالشهور ثم حاضت قبل النكاح أو بعده وفيه شيء فإن حاضت حيضة ثم ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت سنة في وقت انقطاع الحيض نص عليه وقال أذهب إلى حديث عمر قال ابن المنذر قضى به عمر بين المهاجرين والأنصار "وعدة الجارية التي أدركت فلم تحض" ثلاثة أشهر في قول الخرقي وأبي بكر وقدمه في "الكافي" و"الرعاية" وجزم به في "الوجيز" ل قوله تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] الآية ولأن الاعتبار بحال المعتدة لا بحال غيرها ولهذا لو حاضت لعشر سنين اعتدت بالحيض وفارق من ارتفع حيضها فإنها من ذوات القروء "والمستحاضة الناسية لعادتها" ولا تمييز لها "ثلاثة أشهر" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حمنة بنت جحش أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة فجعل لها حيضة في كل شهر بدليل أنها تترك فيها الصلاة ونحوها ويثبت فيه سائر أحكام الحيض كذا هنا ومنه لها عادة أو تمييز عملت بهما وإن عملت لها حيضة في كل مدة كشهر اعتدت بتكرارها نص عليه.
وفي "عمد الأدلة" المستحاضة الناسية لوقت حيضها تعتد ستة أشهر "وعنه سنة" أما في الأولى فاختاره القاضي وأصحابه وقدمه في "المستوعب" قال القاضي هذه الرواية أصح لأنه أتى عليها زمن الحيض فلم تحض أشبه من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه وضعفها أبو بكر وقال رواه أبو طالب فخالف فيها أصحابه وأما في الثانية فلأنها لم تتيقن لها حيضا مع أنها من ذوات القروء أشبهت التي ارتفع حيضها.
قال في "الكافي" والأول أولى فينبغي أن يقال متى حكمنا بأن حيضها سبعة أيام من كل شهر فمضى لها شهران بالهلال وسبعة أيام من أول الثالث فقد انقضت عدتها فإن قلنا القروء الأطهار فطلقها في آخر شهر ثم مر لها(8/111)
فأما التي عرفت ما رفع الحيض من مرض أو رضاع ونحوه فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به إلا أن تصير آيسة فتعتد عدة آيسة حينئذ.
__________
شهران وهل الثالث انقضت عدتها.
"فأما التي عرفت ما رفع الحيض من مرض أو رضاع ونحوه فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به" لما روى الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر أنه أخبره أن حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي مرضع فمكثت سبعة أشهر لا تحيض يمنعها الرضاع ثم مرض حبان فقيل له إن مت ورثتك فجاء إلى عثمان وأخبره بشأن امرأته وعنده علي وزيد فقال لهما عثمان ما تريان فقالا نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض وليست من اللائي لم يحضن ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل وكثير فرجع حبان إلى أهله فانتزع البنت منها فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم أخرى ثم مات حبان قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة الوفاة وورثته.
ورواه البيهقي عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كان عنده امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت لها سنة ثم مات ولم تحض فاختصموا إلى عثمان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال هذا عمل ابن عمك يعني علي بن أبي طالب وليس فيه ذكر زيد ومحمد هذا توفي سنة إحدى وعشرين ومائة وهو ابن أربع وتسعين سنة ولأنها من ذوات القروء والعارض الذي منع الدم يزول فانتظر زواله.
"إلا أن تصير آيسة فتعتد عدة آيسة حينئذ" لأنها آيسة أشبهت سائر الآيسات وعنه ينتظر زواله ثم إن حاضت اعتدت به وإلا بسنة وهو ظاهر عيون المسائل و"الكافي" ونقل ابن هانئ تعتد سنة ونقل حنبل إن كانت لا تحيض أو ارتفع حيضها أو صغيرة فعدتها ثلاثة أشهر ونقل أبو الحارث في أمة ارتفع حيضها لعارض تستبرأ بتسعة أشهر للحمل وشهر للحيض واختار الشيخ تقي الدين إن علمت عدده فكآيسة وإلا سنة.(8/112)
فصل
السادس امرأة المفقود الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله أو في مفازة ، أو بين الصفين إذا قتل قوم ، أو من غرق مركبه ونحو ذلك فإنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد للوفاة.
__________
فصل
"السادس امرأة المفقود" حرة كانت أو أمة "الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله" ليلا أو نهارا "أو في مفازة" مهلكة كبرية الحجاز "أو بين الصفين إذا قتل قوم أو من غرق مركبه ونحو ذلك" كالذي يخرج إلى الصلاة فلا يرجع أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجته ثم يرجع ولا يظهر له خبر "فإنها تتربص أربع سنين" أكثر مدة الحمل "ثم تعتد للوفاة" هذا المذهب
قال الأثرم قلت لأبي عبد الله تذهب إلى حديث عمر وهو أن رجلا فقد فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له فقال تربصي أربع سنين ففعلت ثم أتته فقال تربصي أربعة أشهر وعشرا ففعلت ثم أتته فقال أين ولي هذا الرجل فجاؤوا به فقال طلقها ففعل فقال عمر تزوجي من شئت رواه الأثرم والجوزجاني والدارقطني قال أحمد هو أحسنها يروى عن عمر من ثمانية وجوه ثم قال زعموا أن عمر رجع عن هذا هؤلاء الكذابون وقال من ترك هذا أي شيء يقول هو عن خمسة من الصحابة عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير ونقل عنه أبو الحارث كنت أقول ذلك وقد ارتبت فيه اليوم وهبت الجواب لاختلاف الناس وكأني أحب السلامة قال أصحابنا هذا توقف يحتمل الرجوع عما قاله أولا وتكون زوجته حتى يثبت موته أو يمضي زمن لا يعيش في مثله ويحتمل التورع عما قاله أولا قال القاضي أكثر أصحابنا أن المسألة رواية واحدة وعندي أنها على روايتين وقال أبو بكر إن صح الاختلاف ألا يحكم بحكم ثان إلا بدليل على الانتقال وإن ثبت الإجماع فالحكم فيه على ما نص عليه وعنه لا يحل حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها غالبا قدمه(8/113)
وهل يفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم ، ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة؟ على روايتين. وإذا حكم الحاكم بالفرقة نفذ حكمه في الظاهر دون الباطن . فلو طلق الأول صح طلاقه. ويتخرج أن ينفذ حكمه باطنا؛
__________
الحلواني وعنه حتى يعلم خبره فيقف ما رأى الحاكم وعنه يعتبر أن يطلقها الولي بعد تربصها اختاره ابن أبي موسى فتعتد عدة طلاق لقول عمر وعلي وجابر و"المذهب" أنه لا يعتبر ذلك وهو قول ابن عمر وابن عباس وهو القياس وقال ابن عقيل لا يعتبر فسخ النكاح الأول على الأصح "وهل يفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم بضرب المدة وعدة الوفاة على روايتين" كذا في "المحرر" و"الفروع"
إحداهما يفتقر قدمها في الرعاية وجزم بها في "الوجيز" لأنها مدة مختلف فيها أشبهت مدة العنة فعلى هذا يكون ابتداء المدة من حين ضربها الحاكم وقيل منذ انقطع خبره جزم به في "الرعاية".
والثانية : وهي الأصح أنه لا يفتقر فلو مضت المدة والعدة تزوجت بلا حكم ولأن هذا ظاهر في موته أشبه ما لو قامت به بينة فيكون ابتداء المدة من حين انقطع خبره وبعد أثره
فرع: إذا اختارت المقام فلها النفقة مدة حياته وإن رفعت أمرها إلى الحاكم فضرب لها المدة فلها النفقة مدة التربص والعدة وبعدها حتى يحكم بالفرقة وإن حكم بفراقها انقطعت نفقتها وذكر ابن الزاغوني أنها إذا شرعت في عدة الوفاة لا نفقة لها "وإذا حكم الحاكم بالفرقة" وفي المستوعب والرعاية أو انقضت المدة "نفذ حكمه في الظاهر" لأن عمر لما حكم بالفرقة نفذ ظاهرا ولو لم ينفذ لما كان في حكمه
فائدة : "دون الباطن" لأن حكم الحاكم لا يغير الشيء عن صفته في الباطن "فلو طلق الأول صح طلاقه" لأنا حكمنا بالفرقة بناء على أن الظاهر هلاكه فإذا ثبتت حياته انتقض الظاهر ولم يبطل طلاقه كما لو شهدت به بينة كاذبة وكذا إن ظاهر أو آلى أو قذف لأن نكاحه باق بدليل تخييره في أخذها
"ويتخرج أن ينفذ حكمه باطنا" هذه رواية قال أبو الخطاب: وهو(8/114)
فينفسخ نكاح الأول، ولا يقع طلاقه . وإذا فعلت ذلك ثم تزوجت ،ثم قدم زوجها الأول ،ردت إليه إن كان قبل دخول الثاني بها . وإن كان بعده خير الأول بين أخذها منه، وبين تركها مع الثاني ويأخذ صداقها منه. وهل يأخذ صداقها الذي أعطاها، أو الذي أعطاها الثاني. على روايتين.
__________
القياس لأنه ينفذ باطنا في العقود والفسوخ في قول وهذا فسخ فتكون زوجة الثاني ولا خيار للأول "فينفسخ نكاح الأول ولا يقع طلاقه" لأنها بانت بفرقة الحاكم في محل مختلف فيه كما لو فسخ نكاحها لعسرته أو عنته فلهذا لم يقع طلاقه ويتوجه عليهما الإرث "وإذا فعلت" ذلك أي تربصت أربع سنين واعتدت للوفاة "ثم تزوجت ثم قدم زوجها الأول ردت إليه" لأنا تبينا حياته أشبه ما لو شهدت بينة بموته فبان حيا ولأنه أحد الملكين أشبه ملك المال وعلم منه أنها إذا لم تتزوج فإنها ترد إليه مطلقا وكذا إن كان بعد أن تزوجت "إن كان قبل دخول الثاني بها" فتكون زوجة الأول رواية واحدة لأن النكاح كان باطلا لأنه صادف امرأة ذات زوج وتعود إليه بالعقد الأول وليس على الثاني صداق لبطلان نكاحه ولم يتصل به دخول وعنه يخير حكاها القاضي وأخذها من قول أحمد إذا تزوجت امرأته فجاء خير بين امرأته وبين الصداق "وإن كان بعده" أي بعد دخول الثاني بها ووطئه "خير الأول بين أخذها منه" فتكون امرأته بالعقد الأول "وبين تركها مع الثاني" لقول عمر وعثمان وعلي وقضى به ابن الزبير ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع فعلى هذا إن أمسكها الأول فهي زوجته بالعقد السابق ولا يحتاج الثاني إلى طلاق في المنصوص لأن نكاحه كان باطلا في الباطن وقال القاضي قياس قوله أنه يحتاج إلى طلاق كسائر الأنكحة الفاسدة ويجب اعتزالها حتى تنقضي عدتها وإن لم يخترها كانت عند الثاني من غير تجديد عقد في الأشهر قاله في "الرعاية" لأن الصحابة لم ينقل عنهم تجديد عقد والقياس بلى وصححه المؤلف لأنا تبينا بطلان عقده بمجيء الأول ويحتمله قول الصحابة "ويأخذ صداقها منه" أي من الثاني لقضاء الصحابة ولأنه حال بينه وبين زوجته بعقد ودخول.
"وهل يأخذ صداقها الذي أعطاها أو الذي أعطاها الثاني على روايتين" .(8/115)
والقياس أن ترد إلى الأول ولا خيار إلا أن يفرق الحاكم بينهما ونقول بوقوع الفرقة باطنا فتكون زوجة الثاني بكل حال فأما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتجارة والسياحة فإن امرأته تبقى أبدا حتى تتيقن موته. وعنه. أنها تتربص لتسعين عاما مع سنة يوم ولد.
__________
كذا في "المحرر" و"الفروع" إحداهما يرجع بالصداق الذي أعطاها هو اختارها أبو بكر وقدمها في "الكافي" لقضاء عثمان وعلي ولأن الثاني أتلف المعوض فرجع عليه بالعوض كشهود الطلاق إذا رجعوا فعليها إن لم يكن دفع إليها الصداق لم يرجع بشيء وإلا رجع في قدر ما قبض منه والأشهر أنه يرجع بالمهر الذي أصدقها الثاني لأنه بذله عوضا عما هو مستحق للأول فكان أولى ويرجع الثاني عليها بما أخذ منه في رواية وجزم بها في "الوجيز" وقال ابن عقيل والقياس لا رجوع ثم قال المؤلف وجمع "والقياس أن ترد إلى الأول ولا خيار" له لأنه زوجها ولم ينفسخ نكاحه فردت إليه كما لو تزوجت لبينة قامت بوفاته ثم تبين كذبها بقدومه حيا "إلا أن يفرق الحاكم بينهما ونقول بوقوع الفرقة باطنا فتكون زوجة الثاني بكل حال" لأن نكاحه وقع بعد بطلان نكاح الأول وقضاء عدتها أشبه ما لو طلقها الأول ونقل أبو طالب لا خيار للأول مع موتها وقال الشيخ تقي الدين هي زوجة الثاني ظاهرا وباطنا وترثه ذكره أصحابنا وهل ترث الأول قال أبو جعفر ترثه وخالفه غيره وأنه متى ظهر الأول فالفرقة ونكاح الثاني موقوفا فإن أخذها بطل نكاح الثاني حينئذ وإن أمضى ثبت نكاح الثاني "فأما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتجارة" في غير مهلكة "والسياحة" في الأرض للتعبد والترهب وقيل هو الغازي وقيل طالب العلم "فإن امرأته تبقى أبدا حتى تتيقن موته" روي عن علي وابن شبرمة والثوري وهو قول أكثرهم وصححه في "الكافي" فيجتهد الحاكم كغيبة ابن تسعين ذكره في "الترغيب" ولأن النكاح ثابت فلا يزول بالشك وقدم في "الرعاية" أنها تبقى ما رأى الحاكم ثم تعتد للوفاة وفي "المستوعب" تبقى إلى أن يثبت موته أو يمضي عليه زمان لا يعيش مثله في الغالب واختاره أبو بكر "وعنه أنها تتربص لتسعين عاما مع سنة يوم ولد" نقلها عنه أحمد بن أصرم(8/116)
ثم تحل. وكذلك امرأة الأسير. ومن طلقها زوجها أومات عنها، وهو غائب عنها، فعدتها من يوم مات أوطلق.
__________
وجزم بها في "المحرر" و"الوجيز" وقدمها في "الفروع" لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر منها وقال ابن عقيل مائة وعشرين سنة منذ ولد لأنه العمر الطبيعي قلنا التحديد لا يصار إليه إلا بالتوقيف ولأن تقديره بذلك يفضي إلى اختلاف العدة في حق المرأة ولا نظير له وخبر عمر ورد فيمن ظاهر غيبته الهلاك فلا يقاس عليه غيره "ثم تحل" لأنه قد حكم بموته أشبه امرأة المفقود الذي غيبته ظاهرها الهلاك ولكن بعد أن تعتد عدة الوفاة قال في "المغني" و"الشرح" و"المذهب" الأول لأن هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قبل التسعين ومتى ظهر موته باستفاضة أو بينة فكمفقود وتضمن البينة ما تلف من ماله ومهر الثاني "وكذلك امرأة الأسير" وكذا في "الوجيز" وغيره أي حكمها حكم امرأة المفقود لغيبة ظاهرها السلامة لأنهما يتساويان فوجب تساويهما حكما لكنهم أجمعوا أنها لا تتزوج حتى تتيقن وفاته.
فرع إذا كانت منقطعة يعرف خبره ويأتي كتابه فليس لامرأته أن تتزوج في قولهم أجمعين إلا أن يتعذر عليها الإنفاق من ماله فلها أن تطلب ومن طلقها زوجها أو مات عنها وهو غائب عنها فعدتها من يوم مات أو طلق وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة وعنه إن ثبت ذلك ببينة فكذلك وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر وعدة الموطوءة بشبهة عدة مطلقة فسخ النكاح فيفسخ نكاحه وفي الرعاية وإن غاب وعلم الزوجة مع النفقة وعدم الإضرار بترك الوطء الواجب.
مسألة : إذا أبق العبد فزوجته باقية حتى يعلم موته أو ردته فإن تعذر الإنفاق عليها من ماله فحكمه في الفسخ ما ذكرنا إلا أن العبد نفقة زوجته على سيده أو في كسبه فيعتبر تعذر الإنفاق من محل الوجوب.
"ومن طلقها زوجها أو مات عنها وهو غائب عنها فعدتها من يوم مات أو طلق" هذا هو المشهور وصححه في "الكافي" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" وهو قول ابن عمر وابن عباس وابن مسعود رواه عنهم البيهقي لأنها لو كانت حاملا عالمة بفرقة زوجها لانقضت عدتها فكذا سائر أنواع العدد كما لو كان حاضرا ولأن معتبر في العدة بدليل الصغيرة والمجنونة "وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة" لأن الإحداد الواجب(8/117)
وإن لم تجتنب من تجتنبه المعتدة. وعنه. إن ثبت ذلك ببينة. فكذلك،وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر. وعدة الموطوءة بشبهة عدة مطلقة. وكذلك عدة المزني بها. وعنه. أنها تستبرأ بحيضة.
فصل
إذا وطئت المعتدة بشبهة أوغيرها ،أتمت عدة الأول.
__________
ليس بشرط في العدة لظاهر النصوص "وعنه إن ثبت ذلك ببينة فكذلك" كوضع الحمل لتحقق السبب فوجب أن تعتد به "وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر" روي عن علي والحسن لأن العدة اجتناب أشياء ولم تجتنبها وجوابه بأنه ينتقض ما إذا ثبت ببينة وحكى البيهقي عن علي كالأول وما ذكرناه عنه أشهر قاله البيهقي "وعدة الموطوءة بشبهة" أو نكاح فاسد "عدة المطلقة" ذكره في "الانتصار" إجماعا لأن الوطء في ذلك في شغل الرحم ولحرق النسب كالوطء في النكاح الصحيح لكن عدة الأولى منذ وطئت وعكسه.
الثانية: "وكذلك عدة المزني بها" قدمه في "الكافي" و"المستوعب" و"المحرر" و"الفروع" لأنه وطء يقتضي شغل الرحم كوطء الشبهة ولأنه لو لم تجب العدة لاختلط ماء الواطئ والزوج فلم يعلم امن الولد منهما "وعنه أنها" لا عدة عليها بل "تستبرأ بحيضة" اختاره الحلواني وابن رزين لأن المقصود معرفة البراءة من الحمل كأمة مزوجة واختاره الشيخ تقي الدين في الكل وفي كل فسخ وطلاق ثلاث وعنه تستبرأ بثلاث حيض وهي كالأول إلا أن يريد تسميتها عدة فيجب فيها الإحداد ولا تتداخل في عدة مطلقها بخلاف الاستبراء كما إذا اشترى أمة فطلقها زوجها بعد الدخول بها فتعتد عن طلاقها ويدخل الاستبراء في العدة.
فرع : إذا وطئت زوجته أو سريته بشبهة أوزنى حرمت عليه حتى تعتد وفيما دون الفرج وجهان.
فصل
"إذا وطئت المعتدة بشبهة أوغيرها" كنكاح فاسد "أتمت عدة الأول" لأن(8/118)
ثم استأنفت العدة من الوطء وإن كانت بائنا فأصابها المطلق عمدا فكذلك وإن أصابها بشبهة استأنفت العدة للوطء ودخلت فيها بقية الأولى وإن تزوجت في عدتها ولم تنقطع عدتها حتى يدخل بها فتنقطع حينئذ ثم إذا فارقها بنت على عدة الأول واستأنفت العدة من الثاني وإن أتت بولد من أحدهما
__________
سببها على الوطء المذكور ولا يحسب منها مقامها عند الثاني في الأصح وله رجعة الرجعية في التتمة في الأصح "ثم استأنفت العدة من الوطء" لأن العدتين من رجلين لا يتداخلان كالديتين "وإن كانت بائنا فأصابها المطلق عمدا فكذلك" لأنه وطء محرم ولا يلحق فيه النسب ولأن عدة الأولى عدة طلاق والثانية عدة زنى فلم تدخل إحداهما في الأخرى لاختلاف سببهما إذ اختلاف السبب لا يوجب التداخل وإن اتحد الحكم دليله الكفارات "وإن أصابها بشبهة استأنفت العدة للوطء" لأن الوطء قطع العدة الأولى وهو موجب للاعتداد والاحتياج إلى العلم ببراءة الرحم من الحمل "ودخلت فيها بقية الأولى" لأن الوطء بشبهة يلحق به النسب فدخلت بقية الأولى في العدة الثانية.
"وإن تزوجت في عدتها" لم يجز نكاحها إجماعا وسنده قوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] ولأن العدة إنما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب "ولم تنقطع عدتها" لأنه باطل لا تصير به المرأة فراشا ولا تستحق عليه نفقة ولا سكنى لأنها ناشز "حتى يدخل بها فتنقطع حينئذ" سواء علم التحريم أو جهله لأنها تصير بالدخول فراشا لغيره بذلك وهو يقتضي إلا تبقى في عدة غيره.
"ثم إذا فارقها بنت على عدة الأول" لأن حقه أسبق ولأن عدته وجبت عن وطء في نكاح صحيح "واستأنفت العدة من الثاني" ولا تتداخل العدتان رواه مالك والشافعي والبيهقي بإسناد جيد عن عمر وعلي ولا نعرف لهما مخالفا في الصحابة ولأنهما حقان مقصودان لآدميين كالديتين ولأنه حبس يستحقه الرجال على النساء فلم يجز أن تكون المرأة في حبس رجلين كالزوجة.
"وإن أتت بولد من أحدهما" عينا أو ألحقته به قافة وأمكن أن تأتي به لستة(8/119)
وانقضت عدتها به منه ثم اعتدت للآخر أيهما كان وإن أمكن أن يكون منهما أرى القافة معهما فألحق بمن ألحقوه به منهما وانقضت به عدتها منه واعتدت للآخر وإن ألحقته بهما ألحق بهما وانقضت عدتها به منهما وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العدتين.
ـــــــ
أشهر فأكثر من وطء الثاني نقله الجماعة ولأربع سنين فأقل من بينونة الأول لحقه "وانقضت عدتها به منه" لأن عدة الشخص تنقضي بوضع حمله وقد وجد "ثم اعتدت للآخر أيهما كان" لأنه لا يجوز أن يكون الحمل من إنسان والعدة من غيره "وإن أمكن أن يكون منهما" بما ذكرنا "أري القافة معهما" لأن القافة تلحقه بأشبههما ويصير ذلك بمنزلة ما لو علم ذلك بطريقة "فألحق بمن ألحقوه به منهما" لأن قولها في ذلك حجة "وانقضت به عدتها منه" لأن الولد له حكما أشبه ما لو علم ذلك يقينا "واعتدت للآخر" لما ذكرنا "وإن ألحقته بهما ألحق بهما وانقضت عدتها به منهما" لأن الولد محكوم به لهما فتكون قد وضعت حملها منهما وفي "الانتصار" احتمال تستأنف عدة الآخر كموطوءة لاثنين وعند أبي بكر إن أتت به لستة أشهر من نكاح الثاني فهو له ذكره القاضي وابن عقيل ونقل ابن منصور مثله وزاد فإن ادعياه فالفاقة ولها المهر بما أصابها ويؤدبان ولم يتكلم المؤلف على ما إذا نفته القافة عنهما أو أشكل عليهم أو لم توجد قافة والحكم فيه أنها تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء لأنه إن كان من الأول فقد أتت بما عليها من عدة الثاني وإن كان من الثاني فعليها أن تكمل عدة الأول لتسقط الفرض بيقين وعلم مما سبق أنها إذا ولدت لدون ستة أشهر من وطء الثاني ولأكثر من أربع سنين من فراق الأول لم يلحقه بواحد منهما ولا تنقضي عدتها به منه لأنا نعلم أنه من وطء آخر.
"وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العدتين" وهو قول علي و روي عن عمر أنه رجع إليه رواه البيهقي بإسناد جيد وكما لو زنى بها و آيات الإباحة عامة وقال الشافعي له نكاحها بعد قضاء عدة الأول لأن العدة إنما شرعت لحفظ النسب وصيانة الماء والنسب لاحق به أشبه ما لو خالعها ثم نكحها في عدتها قال في "المغني" وهذا قول حسن موافق للنص ووجه تحريمها قبل انقضاء العدتين(8/120)
وعنه أنها تحرم عليه على التأبيد وإن وطئ رجلان امرأة فعليها عدتان لهما
فصل
إذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية بنت على ما مضى
ـــــــ
قوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ } [البقرة: 235] ولأنه وطء يفسد به النسب فلم يجز النكاح في العدة كوطء الأجنبي.
وأما الأول فإن كان طلقها ثلاثا لم تحل له بهذا النكاح وإن وطئ فيه لأنه باطل وإن كان دون الثلاث فله رجعتها بعد العدتين وإن كانت رجعية فله رجعتها في عدتها منه.
"وعنه أنها تحرم عليه على التأبيد" لقول عمر لا تنكحها أبدا رواه مالك والشافعي والبيهقي بإسناد جيد وأنه استعجل الحق قبل وقته فحرمه في وقته كالوارث إذا قتل مورثه وكاللعان وقيل في النكاح الفاسد وحكاه في "المحرر" والرعاية رواية.
فرع : كل معتدة من غير النكاح الصحيح كالزانية والموطوءة بشبهة فقياس "المذهب" تحريم نكاحها على الواطئ وغيره قال في "المغني" والأولى حل نكاحها لمن هي معتدة منه إن كان يلحقه نسب ولدها لأن العدة لحفظ مائه وصيانة نسبه ولا يصان ماؤه المحترم عن مائه المحرم ولا يحفظ نسبه عنه "وإن وطئ رجلان امرأة" بشبهة أو زنى "فعليها عدتان لهما" لقول عمر وعلي ولأنهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالديتين واختار ابن حمدان إذا زنى بها تكفيه عدة سواء قلنا هي حيضة أو أكثر.
فرع : إذا خالع امرأته أو فسخ نكاحه فله أن يتزوجها في عدتها في قول الأكثر وشذ بعض المتأخرين فقال لا يحل نكاحها ولا خطبتها.
فصل
"إذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية بنت على ما مضى من(8/121)
من العدة وإن راجعها ثم طلقها بعد دخوله بها استأنفت العدة وإن طلقها قبل دخوله بها فهل تبني أو تستأنف على روايتين وإن طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها في عدتها ثم طلقها فيها قبل دخوله بها فعلى روايتين أولاهما أنها تبني على ما مضى من العدة الأولى لأن هذا طلاق من نكاح لا دخول فيه فلا يوجب عدة.
ـــــــ
العدة" لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء ولا رجعة أشبها الطلقتين في وقت واحد "وإن راجعها ثم طللقها بعد دخوله بها استأنفت العدة" من الطلاق الثاني لأنها طلاق في نكاح اتصل به المسيس "وإن طلقها قبل دخوله بها فهل تبني أو تستأنف على روايتين" أولاهما أنها تستأنف لأنه طلاق في نكاح صحيح وطئ فيه كما لو لم يتقدمه طلاق والثانية تبني لأنه لو نكحها ثم طلقها قبل المسيس لم يلزمه لذلك الطلاق عدة كذلك الرجعة وإن فسخ نكاحها قبل الرجعة بخلع أو غيره احتمل أن يكون حكمه حكم الطلاق لأن موجبه في العدة موجب الطلاق واحتمل أن تستأنف العدة لأنهما جنسان بخلاف الطلاق وإن وطئها في عدتها وقلنا تحصل به الرجعة فحكمها حكم من ارتجعها بلفظة ثم وطئها وإذا لزمها استئناف العدة كوطء الشبهة وتدخل عدة الطلاق فيها وإن حملت من هذا الوطء دخلت فيها بقية الأولى في وجه لأنهما من رجل واحد وفي آخر لا لأنهما من جنسين فإذا وضعت حملها أتمت عدة الطلاق وإن وطئها وهي حامل ففي تداخل العدتين وجهان فإن قلنا بالتداخل فانقضاؤهما معا بوضع الحمل وإن قلنا بعدمه فانقضاء عدة الطلاق بوضع الحمل ويستأنف عدة الوطء بالقروء "وإن طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها في عدتها ثم طلقها فيها قبل دخوله بها فعلى روايتين أولاهما أنها تبني على ما مضى من العدة الأولى" اختارها المؤلف وجزم بها في "الوجيز" وقدمها في "الفروع" لأنها تنقطع بعقد التزويج لكونها تصير به فراشا فلا تبقى معتدة منه مع كونها فراشا له "لأن هذا طلاق من نكاح لا دخول فيه" ولا مسيس "فلا يوجب عدة" كما لو لم يتقدمه نكاح وذكر القاضي في موضع أنه لا يلزمها استئناف العدة رواية واحدة لكن يلزمها بقية عدة الأولى لأن إسقاطها يفضي إلى اختلاط المياه لأنه يتزوج امرأة ويطؤها ويخلعها ثم يتزوجها ويطلقها في الحال ويتزوجها(8/122)
فصل
ويجب الإحداد على المعتدة من الوفاة وهل يجب على البائن على روايتين
ـــــــ
الثاني في يوم واحد والثانية تستأنف لأنه طلاق لا يخلو من عدة كالأول ولو أبانها حاملا ثم نكحها حاملا ثم طلقها حاملا فرغت بوضعه عليهما ولو أتت به قبل طلاقه فلا عدة على الأولى.
فصل
"ويجب الإحداد" وهو المنع إذا المرأة تمنع نفسها مما كانت تتهيأ به لزوجها من تطيب وتزين يقال أحدت المرأة إحدادا فهي محدة وحدت تحد بالضم والكسر فهي حادة سمي الحديد حديدا للامتناع به أو لامتناعه على من يحاوله.
"على المعتدة من الوفاة" بغير خلاف نعلمه إلا عن الحسن فإنه ذهب إلى أنه ليس بواجب وهو قول شاذ فلا يعرج عليه احتج بعضهم ب قوله تعالى: {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:234] فإن ظاهره ما تنفرد به المرأة والنكاح لا يتم إلا مع الغير فحمل على ما يتم به وحدها من الزينة والطيب وقد روت أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد امرأة فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا" متفق عليه.
فائدة : العصب بفتح العين وإسكان الصاد المهملتين وهو نوع من البرود يصبغ غزله ثم ينسج.
"وهل يجب على البائن" كالمطلقة ثلاثا والمختلعة على روايتين كذا أطلقهما في "المستوعب" و"الرعاية"
إحداهما: لا يجب لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل"(8/123)
ولا يجب على الرجعية والموطوءة بشبهة أو زنى أو نكاح فاسد أو بملك يمين وسواء في الإحداد المسلمة والذمية والمكلفة وغيرها والإحداد اجتناب الزينة والطيب.
ـــــــ
رواه أحمد وأبو داود والنسائي ولأن الإحداد في عدة الوفاة لإظهار الأسف على فراق زوجها وموته فأما البائن فإنه فارقها باختياره وقطع نكاحها فلا معنى لتكلفها الحزن عليه ولأن المتوفى عنها لو أتت بولد لحق الزوج به وليس له من ينفيه فاحتيط عليها بالإحداد لئلا يلحق بالميت من ليس منه بخلاف المطلقة البائن.
والثانية: يجب واختاره الأكثر والرجعية زوجة والحديث مدلوله تحريم الإحداد على ميت غير الزوج ونحن نقول به ولهذا جاز الإحداد من هنا بالإجماع لكن لا يسن قاله في "الرعاية" مع أنه يحرم فوق ثلاث على ميت غير زوج فعلى هذا حكمها حكم المتوفى عنها في توقي الزينة والطيب والصحيح أنه لا يجب على المختلعة لأنها يحل لزوجها الذي خالعها أن يتزوجها في عدتها بخلاف البائن بالثلاث.
وفي "الانتصار" لا يلزم بائنا قبل دخول.
"ولا يجب على الرجعية" بغير خلاف نعلمه لأنها في حكم الزوجات "والموطوءة بشبهة" لأنها ليست معتدة من نكاح فلم تكمل الحرمة "أو زنى أو نكاح فاسد" لأن من ذكر ليس بزوج وفي الجامع أن المنصوص يلزم الإحداد في نكاح فاسد "أو بملك يمين" كالسرية وأم الولد وهي كالحرة وللسيد إمساكها نهارا وإرسالها ليلا فإن أرسلها ليلا ونهارا اعتدت زمانها كله في المنزل وعلى الورثة إسكانها فيه كالحرة سواء "وسواء في الإحداد" أي وجوبه "المسلمة والذمية والمكلفة وغيرها" لعموم الأحاديث ولأن غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات وإنما يفترقان في الإثم فكذا في الإحداد "والإحداد اجتناب الزينة والطيب" يجب على الحادة اجتناب ما يدعو إلى جماعها ويرغب في النظر إليها ويحسنها وذلك أمور أحدها الطيب ولا خلاف في تحريمه للأخبار الصحيحة ولأنه يحرك الشهوة ويدعو إلى المباشرة وذلك كزعفران ونحوه وإن كان بها سقم نقله أبو طالب ويلحق به في التحريم الأدهان.(8/124)
والتحسين كلبس الحلي والملون من الثياب للتحسين كالأحمر والأصفر والأخضر الصافي والأزرق الصافي واجتناب الحناء والخضاب والكحل الأسود
ـــــــ
المطيبة كدهن ورد وبان لأنه طيب
والثاني اجتناب الزينة في قول عامتهم وقالت أم سلمة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة فقلت إنما هو صبر ليس فيه طيب قال إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا في الليل وتنزعينه بالنهار رواه أبو داود والنسائي والبيهقي بإسناد فيه جماعة لا يحتج بهم
"والتحسين كلبس الحلي" كالسوار والدملج والخاتم ولا فرق فيه بين أن يكون من فضة أو ذهب وقال عطاء تباح حلي الفضة فقط
وجوابه عموم النهي
"والملون من الثياب للتحسين كالأحمر والأصفر والأخضر الصافي والأزرق الصافي" لقوله عليه السلام "ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب" وفي حديث أم سلمة "ولا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق" وفيه تنبيه على أن الأخضر غير الصافي والأزرق غير الصافي لا يحرم عليها لبسه لأن ذلك لا يلبس للتحسين عادة فلم يكن ذلك زينة و"المذهب" أنه يحرم ما صبغ غزله ثم نسج كالمصبوغ بعد نسجه وقيل لا لقوله عليه السلام إلا ثوب عصب وفيه نظر
واجتناب الحناء والخضاب" لقوله عليه السلام في حديث أم سلمة: "ولا تختضب" ولأنه يدعو إلى الجماع أشبه الحلي بل أولى ولا تمنع من جعل الصبر على غير وجهها لأنها إنما منعت منه على الوجه لأنه يصفره فيشبه الخضاب قال في "الفروع" فيتوجه واليدين "والكحل الأسود" لقوله عليه السلام في حديث أم عطية: "ولا تكتحل" ولأنه أبلغ في الزينة والمراد به الإثمد ولا فرق فيه بين البيضاء والسوداء فإن(8/125)
والحفاف واسفيداج العرائس وتحمير الوجه ونحوه ولا يحرم عليها الأبيض من الثياب وإن كان حسنا ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي ونحوه وقال الخرقي وتجتنب النقاب
ـــــــ
اضطرت إلى الكحل بالإثمد للتداوي فلها ذلك ليلا وتمسحه نهارا وفي الرعاية فإن احتاجت كحلا اكتحلت وقيل ليلا وغسله نهارا إن لم تكن سوداء أو عينها "والحفاف" المحرم عليها إنما نتف شعر وجهها فأما حلقه وحفه فمباح عند أصحابنا قاله في "المطلع" وفيه قول وهو سهوا.
"واسفيداج العرائس" وهو شيء معروف يعمل من الرصاص ذكره الأطباء إذا دهن به الوجه يربو ويبرق "وتحمير الوجه" بالحمرة "ونحوه" أي ونحو ذلك مما فيه زينة وتحسين.
فائدة : لها التنظيف بغسل وأخذ شعر وظفر وتدهن بدهن غير مطيب ولا تدهن رأسها ولها غسله بماء وسدر وخطمي لا بحناء.
"ولا يحرم عليها الأبيض من الثياب" سواء كان من قطن أو كتان أو صوف أو إبريسم "وإن كان حسنا" لأن حسنه من أصل خلقته فلا يلزم تغييره وظاهره ولو كان معدا للزينة وفيه وجه.
"ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي ونحوه" كالأسود لأن الصبغ لدفع الوسخ لا لحسنه لأنه ليس بزينة "وقال الخرقي وتجتنب النقاب" وما في معناه كالبرقع ونحوه لأن المعتدة شبيهة بالمحرمة فإن احتاجت إليه سدلته على وجهها كمحرمة والمذهب المنصوص عليه أن لها أن تنتقب لأنه ليس في معنى المنصوص وإنما منعت المحرمة لأنها ممنوعة من تغطية وجهها بخلاف الحادة ولأن المحرمة يحرم عليها لبس القفازين ويجوز لها لبس سائر الثياب بخلاف الحادة ولأن المبتوتة لا يحرم عليها النقاب وإن وجب عليها الإحداد فكذا المتوفى عنها وظاهره أن الزينة تباح ذلك من الفرش وآلة البيت وأثاثه وإن تركت الواجب أتمت وتمت عدتها بمضي الزمن كالصغيرة.(8/126)
فصل
وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه إلا أن تدعو ضرورة إلى خروجها منه بأن يحولها مالكه أو تخشى على نفسها فتنتقل.
ـــــــ
فصل
"وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه" لا غير روي عن عمر وابنه وابن مسعود وأم سلمة وغيرهم لقوله عليه السلام لفريعة "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" فاعتددت أربعة أشهر وعشرا فلما كان عثمان أرسل إلى فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به رواه مالك وأحمد وأبو داود وصححه الترمذي وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء تعتد حيث شاءت ورواه البيهقي عن علي وابن عباس وعائشة.
وجوابه ما سبق وسواء كان المنزل لزوجها أو غيره فإن أتاها الخبر في غير مسكنها رجعت إليه فاعتدت فيه وقال ابن المسيب والنخعي لا تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعي زوجها وجوابه "امكثي في بيتك" واللفظ الآخر قضية في عين ولا عموم لها ولا يمكن حمله على العموم فإنه قد يأتيها الخبر وهي في السوق والطريق والبرية ولا يلزمها الاعتداد فيه قال أحمد في رواية ابن هانئ وسئل عن امرأة مات زوجها وهي مريضة أتتحول إلى بيت أمها قال "لا يجوز إلا أن تدعو ضرورة إلى خروجها منه بأن يحولها مالكه أو تخشى على نفسها" أو لم تجد ما تكتري به إلا من مالها أو طلب به أكثر من أجرة مثله ذكره في المغني "فتنتقل" لأنها حالة عذر فإن تعذرت السكنى سكنت حيث شاءت اختاره القاضي والمؤلف وذكر أبو الخطاب أنها تنتقل إلى أقرب ما يمكنها النقلة إليه وقطع به في "المحرر" و"المستوعب" و"الوجيز" وقدمه في "الفروع" كنقل الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان.
وجوابه أن الواجب سقط كما لو سقط الحج للعجز عنه ويفارق أهل السهمان فإن القصد نفع الأقرب فلو اتفق الوارث والمرأة على نقلها لم يجز(8/127)
ولا تخرج ليلا ولها الخروج نهارا لحوائجها وإن أذن لها زوجها في النقلة إلى بلد السكنى فيه فمات قبل مفارقة البنيان لزمها العود إلى منزلها وإن مات بعده فلها الخيار بين البلدين وإن سافر بها فمات في الطريق وهي قريبة لزمها العود وإن تباعدت خيرت بين البلدين وإن أذن لها في الحج
---------------------------
لأن السكنى هنا حق لله تعالى بخلاف سكنى النكاح لكن لهم نقلها لطول لسانها وأذاهم بالسب ونحوه وهو قول الأكثر ل قوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وهي اسم للزنى و غيره من الأقوال الفاحشة وقيل ينتقلون هم وفي "الترغيب" وهو ظاهر كلام جماعة إن قلنا لا سكنى لها فعليها الأجرة وأنه ليس للورثة تحويلها منه وظاهر "المغني" وغيره خلافه "ولا تخرج ليلا" لما روى مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتأت كل واحدة إلى بيتها" ولأن الليل مظنة الفساد وظاهره ولو لحاجة وهو وجه وقيل بلى وظاهر الواضح مطلقا "ولها الخروج نهارا لحوائجها" لأنه موضع حاجة قال الحلواني مع وجود من يقضيها وقيل مطلقا نص عليه نقل حنبل تذهب بالنهار ونقل أبو داود لا تخرج قلت بالنهار قال بلى لكن لا تبيت قلت بعض الليل قال تكون أكثره ببيتها "وإن أذن لها زوجها في النقلة إلى بلد للسكنى فيه فمات قبل مفارقة البنيان لزمها العود إلى منزلها" لأنها مقيمة بعد والاعتداد في منزل الزوج واجب "وإن مات بعده فلها الخيار بين البلدين" على المذهب لتساويهما ولأن في وجوب الرجوع مشقة وقيل بلى في الثاني كما لو وصلته وهكذا حكم ما لو أذن لها في النقلة من دار إلى أخرى وسواء مات قبل نقل متاعها من الدار أو بعده لأنه مسكنها ما لم تنتقل عنه "وإن سافر بها فمات في الطريق وهي قريبة لزمها العود" لأنها في حكم الإقامة "وإن تباعدت" أي بعد مسافة القصر "خيرت بين البلدين" لتساويهما وكل موضع يلزمها السفر فهو مشروط بوجود محرم يسافر معها للخبر "وإن أذن لها في الحج" نقول المعتدة ليس لها الخروج لحج ولا غيره روي عن عمر وعثمان وقاله الأكثر فإن خرجت فمات في الطريق(8/128)
فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها وإن لم تخش وهي في بلدها أو قريبة يمكنها العود أقامت لتقضي العدة في منزلها وإلا مضت في سفرها وإن لم تكن أحرمت أو أحرمت بعد موته فحكمها حكم من لم يخش الفوات
ـــــــ
رجعت إن كانت قريبة لأنها في حكم الإقامة وإن تباعدت مضت في سفرها ولأنه أمكنها الاعتداد في منزلها قبل أن تبعد فلزمها كما لو لم تفارق البنيان فإن اختارت البعيدة الرجوع فلها ذلك إذا كانت تصل إلى منزلها في عدتها ومتى كان عليها في الرجوع خوف أو ضرر فلها المضي في سفرها كالبعيدة ومتى رجعت وقد بقي عليها شيء من عدتها لزمها أن تأتي به في منزل زوجها بغير خلاف بينهم لأنه أمكنها الاعتداد فهو كما لو لم تسافر منه "فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها" سواء كان حجة الإسلام أو غيرها إذا أحرمت بها قبل موته فإن لم يمكن الجمع لزمها المضي فيه وذكره في "التبصرة" عن أصحابنا ولأنهما عبادتان استوتا في الوجوب وضيق الوقت فوجب تقديم الأسبق منهما كما لو سبقت العدة ولأن الحج آكد لأنه أحد أركان الإسلام والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه وفي "المحرر" هل تقدم مع القرب العدة أو أسبقهما فيه روايتان وإن أمكن لزمها العود ذكره المؤلف وغيره وفي المحرر تخير مع البعد وتتم تتمة العدة في منزلها إن عادت بعد الحج وتتحلل لفوته بعمرة وإن أحرمت بعد موته وخشيت فواته فاحتمالان "وإن لم تخش وهي في بلدها أو قريبة يمكنها العود أقامت لتقضي العدة في منزلها" لأنه أمكنها الجمع بين الحقين من غير ضرر الرجوع فلم يجز إسقاط أحدهما وإلا "مضت في سفرها" أي إذا لم تكن في بلدها ولا قريبة منه لأن في الرجوع عليها مشقة وحرجا وهو منتف شرعا "وإن لم تكن أحرمت أو أحرمت بعد موته فحكمها حكم من لم يخش الفوات" لأن العدة سابقة على الإحرام والسابق هو المقدم.
فرع : لا سكنى للمتوفى عنها إذا كانت حائلا رواية واحدة وإن كانت حاملا فروايتان لأن الله جعل لها ثمن التركة أو ربعها وجعل باقيها للورثة(8/129)
وأما المبتوته فلا تجب عليها العدة في منزله وتعتد حيث شاءت نص عليه
---------------------------------
والمسكن من التركة فوجب ألا تستحق منه أكثر من ذلك وأما إذا كانت حاملا وقلنا لها السكنى فلأنها حامل من زوجها قياسا على المطلقة وإن قلنا لا سكنى لها فتبرع الوارث أو غيره بسكناها لزمها السكنى به وإن قلنا لها السكنى ضربت بقدر أجرته مع الغرماء والحامل عملا بأقل مدته وإن رجعت فله دون الفضل على الغرماء وإن وضعت لأكثرها رجعت عليهم بالنقص.
"وأما المبتوته" مطلقا "فلا تجب عليها العدة في منزله" لما روت فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها بشيء فسخطته فقال والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها "ليس لك عليه نفقة ولا سكنى" وأمرها أن تعتد عند أم شريك ثم قال "تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي في بيت أم مكتوم" متفق عليه وإنكار عمر وعائشة ذلك يجاب عنه.
"وتعتد حيث شاءت نص عليه" إذا كان مأمونا قال أصحابنا سواء قلنا لها السكنى أو لا بل يتخير الزوج بين إقرارها في موضع طلاقها وبين نقلها إلى مسكن مثلها لحديث فاطمة والمستحب إقرارها ل قوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: من الآية1] وعنه تعتد حيث كانت ساكنة وقت الفرقة ولا تثبت في غيره ولا تفارق البلد على الأصح فيهما وعنه هي كمتوفى عنها وإن شاء إسكانها في منزله أو غيره إن صلح لها تحصينا لفراشه ذكره القاضي وغيره وإن لم تلزمه نفقتها كمعتدة لشبهة أو نكاح فاسد أو مستبرأة لعتق وظاهر كلام جماعة لا يلزمها وقال الشيخ تقي الدين إن شاء وأنفق عليها فله ذلك وإن سكنت علو دار وسكن بقيتها وبينهما باب مغلق أو معها محرم جاز ورجعية في لزوم المنزل كمتوفى عنها نص عليه.
تذنيب: له الخلوة مع زوجته وأمته ومحرم أحدهما وقيل مع زوجته فأكثر قال في"الترغيب" وأصله النسوة المنفردات هل لهن السفر مع أمن بلا محرم وقال الشيخ تقي الدين يحرم سفره بأخت زوجته ولو معها ولا يخلو الأجنبي(8/130)
..............................................................................................
ـــــــ
بأجنبيات ويتوجه وجه قال القاضي من عرف بالفسق منع من الخلوة بأجنبية والأشهر يحرم مطلقا إجماعا وفي "آداب صاحب النظم" أنه تكره الخلوة بالعجوز وهو غريب وإطلاق الأصحاب تحريم الخلوة بمن لعورته حكم فأما من لا عورة له كدون سبع فلا تحريم وله إرداف محرم ويتوجه في غيرها مع الأمن وعدم سوء الظن خلاف(8/131)
باب في استبراء الإماء
ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع أحدها إذا ملك أمة لم يحل له وطؤها ولا الاستمتاع بها بمباشرة ولا قبلة حتى يستبرئها
ـــــــ
باب في استبراء الإماء
الاستبراء بالمد طلب براءة الرحم كالاستعطاء والاستمناء طلب العطاء والمني وخص هذا بالأمة للعمل ببراءة رحمها من الحمل والحرة وإن شاركت الأمة في هذا الغرض فهي مفارقة لها في التكرار فلذلك يستعمل فيها لفظ العدة.
"ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع أحدها إذا ملك أمة" تحل له ومثلها يوطأ لمثله قاله في الرعاية "لم يحل له وطؤها" حتى يستبرئها بكرا كانت أو ثيبا صغيرة كانت أو كبيرة ممن تحمل أو لا في قول أكثر العلماء وقال ابن عمر لا يجب استبراء البكر ذكره البخاري لأن الغرض بالاستبراء معرفة براءتها من الحمل وهذا معلوم في البكر وقال الليث إن كانت ممن لا تحمل لم يجب استبراؤها وجوابه ما رواه أحمد وأبو داود والبيهقي بإسناد جيد وفيه شريك القاضي عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض" وعن رويفع بن ثابت مرفوعا " فلا يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة" رواه أبو داود وقوله بحيضة ليس بمحفوظ ورواه الترمذي وغيره ولفظه "لا يسقي ماءه زرع غيره" وإسناده حسن وقال أحمد بلغني أن العذراء تحمل ولأنه يفضي إلى اختلاط المياه وفساد الأنساب "ولا الاستمتاع بها بمباشرة ولا قبلة" ونظر لشهوة "حتى يستبرئها" رواية(8/131)
إلا المسبية هل له الاستمتاع بها فيما دون الفرج على روايتين سواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة وإن أعتقها قبل استبرائها لم يحل له نكاحها حتى يستبرئها
ـــــــ
واحدة قاله في "الشرح" لأنه لا يأمن أن تكون حاملا من مالكها الأول فتكون أم ولد فيحصل الاستمتاع بأم ولد غيره وبهذا فارق الحيض وعنه لا يحرم إلا بالوطء ذكره في "الإرشاد" واختاره في "الهدي" واحتج بجواز الخلوة والنظر وأنه لا يعلم في جواز هذا نزاعا إلا المسبية هل له الاستمتاع بها فيما دون الفرج على روايتين إحداهما تحرم مباشرتها والنظر إليها لشهوة في ظاهر الخرقي وقدمه في "الرعاية" و"الفروع" قال في "الشرح" هو الظاهر عن أحمد لأنه استبراء يحرم الوطء فحرم دواعيه كالعدة وكالمبيعة والثانية لا يحرم لفعل ابن عمر ولأنه لا يخشى انفساخ ملكه لها بحملها فلا يكون مستمتعا إلا بمملوكه والأول أصح قاله في "المغني" وقال حديث ابن عمر لا حجة فيه لأنه ذكره على سبيل العيب على نفسه لقوله فقمت إليها فقبلتها والناس ينظرون فإن كانت غير المسبية آيسة أو صغيرة لا تحيض فهل له التلذذ بلمسها وتقبيلها في زمان الاستبراء فيه روايتان وإن كانت حاملا حرم ذلك في الصحيح من "المذهب" وظاهر أن فيه قولا آخر أنه يباح وعنه لا استبراء لمن لا تحيض لصغر أو تأخر حيض أو إياس قاله في "الرعاية" "سواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة" أو مجبوب أومن رجل قد استبرأها ثم لم يطأها لحديث أبي سعيد ولأنه يجب للملك المتجدد وذلك موجود في كل واحد منهما ولأنه يجوز أن تكون حاملا من غير البائع فوجب استبراؤها كالمسبية من امرأة وعنه لا يلزم مالكا من طفل أو امرأة كامرأة على الأصح وعنه وطفل وعنه لا يلزم في مسبية ذكره الحلواني وفي "الترغيب" وجه لا يلزم في إرث وخالف الشيخ تقي الدين في بكر كبيرة أو آيسة "وإن أعتقها قبل استبرائها لم يحل له نكاحها حتى يستبرئها" فلو خالف وفعل لم يصح لأن النكاح يراد للوطء وذلك حرام وقال الحنفية له ذلك ويروي أن الرشيد اشترى جارية فأفتاه أبو يوسف بذلك أي يعتقها ويتزوجها ويطؤها قال الإمام أحمد ما أعظم هذا أبطلوا(8/132)
ولها نكاح غيره إن لم يكن بائعها يطؤها . والصغيرة التي لا يوطأ مثلها هل يجب استبراؤها على وجهين وإن اشترى زوجته .
ـــــــ
الكتاب والسنة فإن كانت حاملا كيف يصنع وهذا لا يدري أهي حامل أم لا ما أسمج هذا وعنه يصح ولا يطأ لما ذكرنا وعنه يتزوجها إن كان بائعها استبرأ ولم يطأ صححه في "المحرر" وغيره "ولها نكاح غيره إن لم يكن بائعها يطؤها" لأنها حرة لم تكن فراشا فكان لها نكاح غير معتقها كما لو أعتقها مالكها وعبر المؤلف بالبائع لأن البيع أغلب من غيره وظاهره أنه ليس لها ذلك إن كان البائع يطؤها لما فيه من اختلاط المياه واشتباه الأنساب والتمكين من وطء امرأة لا يعلم براءة رحمها والفرق بين الموطوءة وغيرها أن الموطوءة فراش فلم يحل وطؤها حتى يعلم براءة رحمها كزوجة الغير وغير الموطوءة فإنها ليست فراشا فلم يتوقف على ذلك وبين المشتري وغيره أن المشتري لا يحل له وطؤها بملك اليمين فكذا النكاح لأنه يتخذ حيلة لإبطال الاستبراء والحيل كلها خداع باطلة "والصغيرة التي لا يوطأ مثلها هل يجب استبراؤها على وجهين" كذا أطلق الخلاف في "المحرر" و"الفروع" وحكياه روايتين.
إحداهما: يجب وهو ظاهر كلامه في أكثر الروايات عنه فإنه قال تستبرأ وإن كانت في المهد وتحرم مباشرتها كالكبيرة لأن الاستبراء يجب عليها بالعدة كذلك هذا.
والثانية: لا يجب وجزم به في "الوجيز" وصححه في "الشرح" واختاره ابن أبي موسى لأن سبب الإباحة متحقق وليس على تحريمها دليل فإنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص ولا يراد لبراءة الرحم ولا يوجد الشغل في حقها.
"وإن اشترى زوجته" لم يلزمه استبراء لأنها فراش له لكن يستحب ذلك ليعلم هذا الولد من النكاح ليكون عليه ولاؤه لأنه عتق بملكه ولا تصير به أم ولد وأوجبه بعض أصحابنا لتجدد الملك قاله في "الروضة" قال ومتى ولدت لستة أشهر فأكثر فأم ولد ولو أنكر الولد بعد أن يقر بوطئها لا لأقل منها ولا مع دعوى استبراء وكذا لو اشترى مطلقته دون الثلاث لم يجب وله وطؤها وقيل يكره(8/133)
أو عجزت مكاتبته أو فك أمته من الرهن أو أسلمت المجوسية أو المرتدة أو الوثنية أو التي حاضت عنده أو كان هو المرتد فأسلم أو اشترى مكاتبه ذوات رحمه فحضن عنده ثم عجز أو اشترى عبده التاجر أمة فاستبرأها ثم أخذها سيده حلت من غير استبراء
--------------------------
"أو عجزت مكاتبته" حلت لسيدها بغير استبراء لأنه لم تزل ملكه "أو فك أمته من الرهن" حلت بغير خلاف لأن الاستبراء إنما شرع لمعنى مظنة تجديد الملك فلا يشرع مع تخلف المظنة والمعنى "أو أسلمت المجوسية أو المرتدة أو الوثنية أو التي حاضت عنده" فإنها تحل وهذا هو الأصح لأن الملك لم يتجدد بالإسلام ولا أصاب واحدة منهن وطء غيره فلم يلزمه استبراء أشبه ما لو حلت المحرمة من إمائه والآخر لا تحل له حتى يجدد استبراءها بعد إسلامها لأن ملكه تجدد على استمتاعها أشبه ما لو تجدد ملكه على رقبتها وجوابه أن الاستبراء إنما وجب كي لا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب ومظنة ذلك تجديد الملك على رقبتها ولم يوجد أما إذا ملكهن قبل الاستبراء لم تحل له واحدة منهن حتى يستبرئها أو تتم ما بقي من استبرائها ومفهوم كلامه أن من ذكر إذا لم يحضن عنده أنه لا يجوز للمشتري الوطء قبل الاستبراء وصرح به في "المغني" وغيره لدخوله في عموم الأخبار ولأن ذلك تجديد ملك لم يحصل فيه استبراء فلم يحل الوطء قبله كالمسلمة "أو كان هو المرتد فأسلم" فهي حلال بغير استبراء لأن إسلامه لم يتجدد له به ملك أشبه إسلام المرتدة "أو اشترى مكاتبة ذوات رحمه فحضن عنده ثم عجز" حلت للسيد بغير استبراء ذكره أصحابنا لأنه يصير حكمها حكم المكاتب إن رق رقت وإن عتق عتقت والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
وفي وجه يجب الاستبراء صححه في "المحرر" للعموم وظاهره أن المكاتب إذا اشترى غير محارمه ثم عجز لا تحل له بغير استبراء وصرح به في "الكافي" وغيره لأنه ليس للسيد ملك على ما في يد مكاتبه ولأنه تجدد له ملك "أو اشترى عبده التاجر أمة فأستبرأها ثم أخذها سيده" أي بعد استبرائها "حلت له من غير استبراء" لأن ملكه ثابت على ما في يد عبده وقيل إن كان عليه(8/134)
وإن وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض أجزأ ويحتمل إلا يجزئ وإن باع أمته ثم عادت إليه بفسخ أو غيره بعد القبض وجب استبراؤها وإن كان قبله فعلى روايتين وإن اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول لزم استبراؤها وإن كان بعده لم يجب في أحد الوجهين.
ـــــــ
دين قضاه سيده ثم استبرأها لنفسه "وإن وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض أجزأ" في أظهر الوجهين لأن الملك ينتقل به "ويحتمل ألا يجزئ" لأن القصد معرفة براءة رحمها من ماء البائع ولا يحصل ذلك مع كونها في يده وعنه لا يجزئ إلا في الموروثة ويكفي قبض الوكيل على الأصح فلو ملك بعضها ثم ملك باقيها لم يحتسب إلا من حين ملك باقيها فإن ملكها ببيع خيار فهل يجزئ استبراؤها إذا قلنا ينقل الملك على وجهين وإن كان المبيع معيبا فابتداؤه من حين البيع لأن العيب لا يمنع نقل الملك بغير خلاف "وإن باع أمته ثم عادت إليه بفسخ أو غيره بعد القبض وجب استبراؤها" أي حيث انتقل الملك لأنه تجديد ملك سواء كان المشتري لها رجلا أو امرأة "وإن كان قبله فعلى روايتين" قال ابن هبيرة أظهرهما أنه يجب لأنه تجديد ملك.
والثانية لا وهي قول أكثر العلماء لأنه لا.
فائدة : في الاستبراء مع يقين البراءة وكما لو اشتراها منه امرأة ولو فسخ كخيار شرط وقلنا يمنع نقل الملك لم يلزمه استبراء وإن قبضت منه قاله في "المحرر" ويكفي استبراء من ملك بشراء ووصية وغنيمة وغيرها قبل قبض "وإن اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول لزم استبراؤها" نص عليه وقال هذه حيلة وضعها بعضهم لأنه تجديد ملك كما لو لم تكن مزوجة ولأن إسقاطه هنا ذريعة إلى إسقاطه في حق من أراد إسقاطه بأن تزوجها عند بيعها ثم يطلقها زوجها بعد تمام البيع والحيل حرام وكذا لو اشترى مطلقة قبل الدخول فإن طلقت بعد الدخول أو مات زوجها قبله أو بعده أو اشترى معتدة ففي وجوب الاستبراء بعد العدة وجهان أحدهما لا يجب لأن براءتها قد علمت بها والثاني بلى كالعدتين من رجلين "وإن كان بعده لم يجب في أحد الوجهين" صححه ابن المنجا وهو ظاهر "الوجيز" لأن(8/135)
الثاني إذا وطئ أمته ثم أراد تزويجها لم يجز حتى يستبرئها وإن أراد بيعها فعلى روايتين.
ـــــــ
الاستبراء لبراءة رحمها وذلك حاصل بالعدة كما لو عتقت والثاني يجب لما سبق.
فرع إذا زوج أمته فطلقت لم يلزمه استبراء إلا إن كان دخل بها أو مات فإنها تعتد.
"الثاني إذا وطئ أمته ثم أراد تزويجها لم يجز حتى يستبرئها" وجها واحدا لأن الزوج لا يلزمه استبراء فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب وعنه يصح بدونه ولا يطأ الزوج قبله نقله الأثرم وغيره وجوابه أنها فراش لسيدها فلم يجز أن تنتقل إلى فراش غيره بغير استبراء كما لو مات عنها "وإن أراد بيعها" ونحوه "فعلى روايتين" كذا أطلقهما في "الفروع".
إحداهما: يجب صححها في "الشرح" فيما إذا كانت تحمل لأن عمر أنكر على عبد الرحمن بن عوف باع جارية له كان يطؤها قبل استبرائها ولأنه يجب على المشتري لحفظ مائه فكذلك البائع ولأنه قبل الاستبراء مشكوك في صحة البيع وجوازه لاحتمال أن تكون أم ولد وحينئذ يجب الاستبراء لإزالة الاحتمال فعلى هذا في صحة البيع روايتان جزم في "الشرح" بصحته في الظاهر لأن الأصل عدم الحمل.
والثانية: لا يجب قدمها في "المحرر" وجزم بها في "الوجيز" وهي قول الأكثر لأنه يجب على المشتري فأغنى عن استبراء البائع قال في "المغني" وذكر أصحابنا الروايتين في كل أمة يطؤها من غير تفريق بين الآيسة وغيرها والأولى أنه لا يجب في الآيسة لأن علة الوجوب احتمال الحمل وهو بعيد والأصل عدمه فلا يثبت به حكما بمجرده.
والثالثة: يلزمه ولو لم يطأ ذكرها أبو بكر في "مقنعه" واختارها ونقل حنبل فإن كانت البائعة امرأة قال لا بد أن يستبرئها وما يؤمن أن تكون قد جاءت بحمل وهو ظاهر ما نقله جماعة.(8/136)
وإن لم يطأها لم يلزمه استبراؤها في الموضعين الثالث إذا أعتق أم ولده أو أمة كان يصيبها أو مات عنها لزمها استبراء نفسها إلا أن تكون مزوجة أو معتدة فلا يلزمها استبراء وإن مات زوجها وسيدها ولم يعلم السابق منهما وبين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت الآخر منهما عدة الحرة من الوفاة حسب.
ـــــــ
"وان لم يطأها لم يلزمه استبراؤها في الموضعين" لأنه قد حصل يقين براءتها منه.
"الثالث إذا أعتق أم ولده أو أمة كان يصيبها أو مات عنها لزمها استبراء نفسها" لأن كل واحدة منهما موطوءة وطئا له حرمة فلزمها استعلام براءة رحمها كالموطوءة بشبهة "إلا أن تكون مزوجة أو معتدة" أو فرغت عدتها من زوجها فأعتقها وأراد تزويجها قبل وطئها "فلا يلزمها استبراء" لأنه زال فراشه عنها قبل وجوب الاستبراء كما لو طلق امرأته قبل دخوله بها وكذا لو أراد تزويجها أو استبرأ بعد وطئه ثم أعتقها أو باعها فأعتقها مشتر قبل وطئها فإن بانت من الزوج قبل الدخول بطلاق أو بانت بموت زوجها أو طلاقه بعد الدخول فأتمت عدتها ثم مات سيدها لزمها الاستبراء لأنها عادت إلى فراشه ونقل ابن القاسم وسندي أنه لا استبراء إن لم يطأ لزوال فراشه بتزويجها "وإن مات زوجها وسيدها ولم يعلم السابق منهما" أو علم ثم نسي "وبين موتها أقل من شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت الأخر منهما عدة الحرة من الوفاة حسب" لأن السيد إن كان مات أولا فقد مات وهي زوجة وإن كان مات آخرا فقد مات وهي معتدة ولا استبراء عليها على التقديرين وفي الواضح تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام فيها حيضة في ظاهر "المذهب" لأنه يحتمل أن يكون السيد مات أولا فيجب عليها عدة حرة ويحتمل أن يكون الزوج أسبق فيجب عليها حيضة فجمعنا بينهما احتياطا وعلى الرواية بأن أم الولد تعتد بثلاث حيضات هنا مثله.
وقول المؤلف بعد موت الأخر معناه إن عدة الوفاة يجب أن يكون ابتداؤها بعد موت الآخر موتا لأنها لا تعلم خروجها من عهدة العدة بيقين إلا بذلك لأن الزوج إن كان الميت آخرا فالعدة واجبة من ذلك الوقت فالخروج عن العهدة بيقين(8/137)
وإن كان بينهما أكثر من ذلك أو جهلت المدة لزمها بعد موت الآخر منهما أطول الأمرين من عدة الحرة أو الاستبراء وإن اشترك رجلان في وطء أمة لزمها استبراءان.
فصل
والاستبراء يحصل بوضع الحمل إن كانت حاملا أو بحيضة إن كانت
ـــــــ
لا يحصل إلا بالاعتداد من موت الآخر "وإن كان بينهما أكثر من ذلك أو جهلت المدة لزمها بعد موت الأخر منهما أطول الأمرين من عدة الحرة أو الاستبراء" لأنه يحتمل أن الزوج مات آخرا فعليها عدة الحرة ويحتمل أن السيد مات آخرا فعليها الاستبراء بحيضة فوجب الجمع بينهما ليسقط الفرض بيقين قال ابن عبد البر على هذا جميع القائلين بأن عدة أم الولد من سيدها حيضة ومن زوجها شهران وخمسة أيام وعنه تعتد أم ولد بموت سيدها لوفاة كحرة وعنه كأمة وإن ادعت موروثة تحريمها على وارث بوطء موروثه ففي تصديقها وجهان.
فرع : لا ترث من الزوج لأنه الأصل فلا ترث مع الشك وإيجاب العدة استظهارا لا ضرر فيه على غيرها بخلاف الإرث.
"وإن اشترك رجلان في وطء أمة لزمها استبراءان" استبراء منهما حقان مقصودان لآدميين فلم يدخل أحدهما في الآخر كالعدتين واختار ابن حمدان استبراء واحد لأن القصد به معرفة براءة الرحم وصرح به في "الشرح" فقال إذا كانت الأمة لرجلين فوطئاها ثم باعاها لآخر أجرأ استبراء واحد لأته تحصل به براءة الرحم فلو أعتقاها لزمها استبرا آن لأن وجوبه في حق المعتدة معلل بالوطء وقد وجد من اثنين وفي مسألتنا معلل بتجديد الملك والملك واحد.
فصل
"والاستبراء يحصل بوضع الحمل إن كانت حاملا" للآية والخبر والمعنى "أو بحيضة إن كانت ممن تحيض" لا ببقيتها وفي لفظ حتى تستبرأ حيضة وتصدق(8/138)
ممن تحيض أو بمضي شهر إن كانت صغيرة أو آيسة وعنه بثلاثة أشهر اختاره الخرقي وإن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فبعشرة أشهر نص عليه وعنه في أم الولد إذا مات سيدها اعتدت أربعة أشهر وعشرا والأول أصح
ـــــــ
في حيض فلو أنكرته فقال أخبرتني به فوجهان.
ووطؤه في مدة الاستبراء حرام ولا يقطعه وإن أحبلها فيه استبرئت بوضعه وإن أحبلها في الحيضة حلت في الحال لأن ما مضى حيضة.
"أو بمضي شهر إن كانت صغيرة أو آيسة" قدمه في "المحرر" و "الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن الشهر أقيم مقام الحيضة في عدة الحرة والأمة وكذا بالغة لم تحض فإن حاضت فيه اعتدت بحيضة "وعنه بثلاثة أشهر" نقلها الجماعة "اختاره الخرقي" وابن عقيل قال في "الكافي" وهي أظهر وقال ابن حمدان وهي أولى قال أحمد وإنما قلنا بثلاثة أشهر من اجل الحمل فإن عمر بن عبد العزيز سأل عن ذلك جمعا من أهل العلم والقوابل فأخبروه أن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر فأما شهر فلا معنى ولا نعلم به قائلا وعنه بشهرين وعنه بشهر ونصف كالأمة المطلقة "وإن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فبعشرة أشهر نص عليه" لأن مدة التربص تسعة أشهر والشهر العاشر بدل الحيضة وقيل ونصف وقيل بأحد عشر شهرا وعنه بسنة كالآيسة والفرق أن اعتبار تكرارها في الآيسة لتعلم براءتها منه بمضي غالب مدته فجعل أحمد الشهر مكان الحيضة على وفق القياس و ظاهره أنها إذا علمت ما رفعه فعه فإنها تعتد كحرة "وعنه في أم الولد إذا مات سيدها اعتدت أربعة أشهر و عشرا".
وقال الثوري وإسحاق وروى أبو داود وابن ماجة والدارقطني والبيهقي عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال لا تفسدوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم "عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر" قال الدارقطني الصواب أنه موقوف وهو مرسل لأن قبيصة لم يسمع من عمرو ومارية اعتدت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث حيض رواه البيهقي وقال هو منقطع "والأول أصح" أي تستبرأ بحيضة رواه مالك عن نافع عن ابن عمر وقال ذلك الأمر عندنا(8/139)
....................................................................................................
ـــــــ
وقال ابن المنذر ضعف أحمد وأبو عبيد حديث عمرو ولأن الغرض براءة رحمها وهو يحصل بحيضة وعنه بشهرين وخمسة أيام قال المؤلف ولا أظنها صحيحة وروي ذلك عن عطاء وطاووس وقتادة كما لو مات عن زوجته الأمة ثم عتقت بعد موته وجوابه أنه استبراء لزوال الملك عن الرقبة فكانت حيضة في حق من تحيض كسائر استبراء المعتقات والمملوكات وإنما لم يعتبر استبراء الزوجة لأن له نفي الولد باللعان ذكره ابن عقيل عن أبي بكر الشاشي.
مسألة : إذا اشترى جارية فظهر بها حمل لم يخل من خمسة أحوال.
1- أن يكون البائع أقر بوطئها عند البيع أو قبله وأتت به لدون ستة أشهر أو يكون البائع ادعاه وصدقه المشتري فهو ولد البائع والبيع باطل.
2- أن يكون كل واحد منهما استبرأها وأتت به لأكثر من ستة أشهر من حين وطئها المشتري فالولد للمشتري وهي أم ولده.
3- أن تأتي به لأكثر من ستة أشهر بعد استبراء أحدهما ولأقل من ستة أشهر منذ وطئها المشتري فلا يلحق واحدا منهما ويكون ملكا للمشتري ولا يملك فسخ البيع لأن الحمل تجدد في ملكه ظاهرا.
4- أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ وطئها المشتري قبل استبرائها فنسبه لاحق بالمشتري فإن ادعاه البائع فأقره المشتري لحقه وبطل البيع وإن كذبه فالقول قول المشتري وإن ادعاه كل منهما عرض على القافة.
5- أتت به لأقل من ستة أشهر منذ باعها ولم يكن أقر بوطئها فالبيع صحيح في الظاهر والولد مملوك للمشتري فإن ادعاه البائع فالحكم على ما ذكرنا في القسم الثالث والله أعلم بالصواب.(8/140)
كتاب الرضاع
كتاب الرضاع
...
كتاب الرضاع
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وإذا حملت المرأة من رجل يثبت نسب ولدها منه فثاب لها لبن فأرضعت به طفلا صار ولدا لهما في تحريم النكاح
ـــــــ
كتاب الرضاع
الرضاع : بفتح الراء و كسرها مصدر رضع الثدي إذا مصه بفتح الضاد و كسرها قال ابن الأعرابي الكسر أفصح و له سبع مصادر و قال المطرزي في "شرحه" امرأة مرضع إذا كانت ترضع و لدها ساعة بعد ساعة وامرأة مرضعة إذا كان ثديها في في و لدها قال ثعلب و يدل عليه قوله تعالى: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] الحج و قيل المرضعة الأم و المرضع التي معها صبي ترضعه و الولد رضيع وراضع
و شرعا: وصول لبن آدمية إلى جوف صغير حي و أولى منه مص لبن ثاب من حمل من ثدي امرأة أو شربه و نحوه وأصل التحريم ثابت بالإجماع و سنده قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] النساء و الأحاديث شهيرة بذلك و قد ثبت تحريم الأم والأخت بالنص و تحريم البنت وغيرها ثبت بالسنة و لأنها إذا حرمت الأخت فالبنت أولى.
"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" قال النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد علي ابنه حمزة فقال "إنها لا تحل لي إنها لابنة أخي من الرضاعة و يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" متفق عليه من حديث ابن عباس و عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرضاع يحرم ما تحرم الولادة" متفق عليه.
"و إذا حملت المرأة من رجل يثبت نسب ولدها منه" أي يكون لاحقا بالواطئ يحترز بذلك عن الولد المنفي باللعان و نحوه "فثاب لها لبن" يخرج بذلك ما لو كان لها لبن من غيره فإنه لا يكون و لدا للرجل لأن اللبن ليس منه "فأرضعت به طفلا صار و لدا لهما" أي للمرضعة بغير خلاف و كذا لمن ينسب الحمل إليه "في تحريم النكاح" لأن الله تعالى عطف الأم من الرضاع على(8/141)
وإباحة النظر والخلوة وثبوت المحرمية وأولاده وإن سفلوا أولاد ولدهما وصارا أبويه وآباؤهما أجداده وجداته وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته وإخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته وتنتشر حرمة الرضاع من المرتضع إلى أولاده وأولاد أولاده وإن سفلوا فيصيرون أولادا لهما ولا تنتشر إلى من في درجته من إخوته وأخواته ولا من هو أعلا منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته
ـــــــ
المحرمات نكاحهن من النسب "وإباحة النظر والخلوة" لأن الأم من الرضاع محرمة على التأبيد أشبهت الأم من النسب "و ثبوت المحرمية" لأنها فرع على التحريم إذا كان بسبب مباح و في ذلك إشعار بأنه لا يصير و لدا في شيء من بقية أحكام النسب من النفقة والعتق ورد الشهادة وغير ذلك لأن النسب أقوى منه فلا يقاس عليه "و أولاده وإن سفلوا أولاد و لدهما" لأنهم أولاد الطفل و هو ولدهما "وصارا أبويه" لأنه ولدهما "و آباؤهما أجداده و جداته" و جميع أقاربهما ينسبون إلى المرتضع كما ينسبون إلى ولدهما من النسب لأن اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من ماء الرجل والمرأة فنشر التحريم إليهما و نشرت الحرمة إلى الرجل وإلى أقاربه و هو الذي يسمى لبن الفحل لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما سألته عن أفلح حين قال لها أتحتجبين مني و أنا عمك فقالت كيف ذلك فقال أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي فقال: "صدق أفلح ائذني له" متفق عليه و لفظه للبخاري.
و سئل ابن عباس عن رجل له جاريتان فأرضعت إحداهما جارية و الأخرى غلاما أيحل للغلام أن يتزوج الجارية فقال لا اللقاح واحد رواه مالك و الترمذي و قال هذا تفسير لبن الفحل "و إخوة المرأة و أخواتها أخواله و خالاته" لأنه و لد أختهم "و إخوة الرجل و أخواته أعمامه وعماته" لأنه و لد أخيهم "و تنتشر حرمة الرضاع من المرتضع إلى أولاده و أولاد أولاده وإن سفلوا فيصيرون أولادا لهما" لأن الرضاع كالنسب و التحريم في النسب يشمل ولد الولد وإن سفل فكذا في الرضاع "ولا تنتشر إلى من في درجته" أي المرتضع "من إخوته وأخواته" لأنها لا تنتشر في النسب فكذا في الرضاع "ولا من هو أعلا منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته" لأن الحرمة إذا لم تنتشر(8/142)
فلا تحرم المرضعة على أبي المرتضع ولا أخيه ولا أم المرتضع ولا أخته على أبيه من الرضاع ولا أخيه وإن أرضعت بلبن ولدها من الزنى طفلا صار ولدا لها ، وتحرم على الزاني تحريم المصاهرة . ولم تثبت حرمة الرضاع في حقه في ظاهر قول الخرقي .وقال أبو بكر : تثبت.
ـــــــ
إلى من هو في الدرجة فلأن لا تنتشر إلى من هو أعلا منه بطريق الأولى "فلا تحرم المرضعة على أبي المرتضع و لا أخيه و لا أم المرتضع و لا أخته على أبيه من الرضاع و لا أخيه" فيجوز للمرضعة نكاح أبي الطفل المرتضع و أخيه و عمه و خاله و لا يحرم على زوج المرضعة نكاح أم الطفل المرتضع و لا أخته و لا عمته و لا خالته و لا بأس أن يتزوج أولاد المرضعة و أولاد زوجها إخوة الطفل المرتضع و أخواته قال أحمد لا بأس أن يتزوج الرجل أخت أخيه من الرضاع ليس بينهما رضاع و لا نسب و إنما الرضاع بين الجارية و أخيه و في "الروضة" لو ارتضع ذكر وأنثى من امرأة صارت أما لهما فلا يجوز لأحدهما أن يتزوج بالآخر ولا بأخواته الحادثات بعده ولا بأس بتزويج أخواته الحادثات قبله ولكل منهما أن يتزوج أخت الآخر "وإن أرضعت بلبن ولدها من الزنى طفلا صار ولدا لها" لأنها رضع من لبنها حقيقة "وتحرم على الزاني تحريم المصاهرة" جزم به في "الوجيز" لأنه ولد موطوءته من الوطء الحرام وهو كالحلال "ولم تثبت حرمة الرضاع في حقه في ظاهر قول الخرقي" واختاره ابن حامد لأن من شرط ثبوت المحرمية بين المرتضع وبين الرجل الذي ثاب اللبن بوطئه أن يكون لبن حمل ينسب إلى الواطئ فأما ولد الزنى ونحوه فلا "وقال أبو بكر تثبت" أي تنشر الحرمة بينهما أي بينه وبين الواطئ لأنه معنى ينشر الحرمة فاستوى مباحه ومحظوره كالوطء ولأنه رضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة فنشرها إلى الواطئ كصورة الإجماع وفي مسائل صالح حدثنا أبي عن سفيان عن عمرو عن أبي الشعثاء عن عكرمة في رجل فجر بامرأة فرآها ترضع جارية هل تحل له أم لا قال لا قال أبي وبهذا أقول أنا والأول أولى ويفرق بينهما وبين ابنته من الزنى فإنها من نطفته حقيقة ويفارق تحريم المصاهرة فإن التحريم لا يقف على ثبوت النسب ولهذا تحرم أم زوجته وابنتها من غير نسب وتحريم الرضاع مبني على النسب بقوله عليه السلام: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"(8/143)
قال أبو الخطاب : وكذلك الولد المنفي باللعان . ويحتمل ألا يثبت حكم الرضاع في حق الملاعن بحال ؛ لأنه ليس بلبنه حقيقة ولا حكما . وإن وطئ رجلان امرأة بشبهة فأتت بولد فأرضعت بلبنه طفلا ، صار ابنا لمن ثبت نسب المولود منه . وإن ألحق بهما كان المرتضع ابنا لهما . وإن لم يلحق بواحد منهما ثبت التحريم بالرضاع في حقهما وإن ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم ، لم ينشر الحرمة ، نص عليه في لبن البكر.
ـــــــ
"قال أبو الخطاب وكذلك الولد المنفي باللعان" هذا هو "المذهب" أي حكمه حكم ولد الزنى لاشتراكهما في ارتضاعهما لبن امرأة الرجل وعدم ثبوت نسبهما منه فيكون فيه الخلاف السابق "ويحتمل ألا يثبت حكم الرضاع في حق الملاعن بحال لأنه ليس بلبنه حقيقة ولا حكما" بخلاف ولد الزنى لأن الولد من الزاني حقيقة فكان اللبن منه واللبن لم يثبت من الملاعن حقيقة ولا حكما فعلى الأول إن أرضعت أنثى حرمت عليهما بالصهرية لأنها بنت موطوءة الزاني وربيبة الملاعن وإن أرضعت ذكرا حرم عليه بنتاهما وأولادهما وتحرم بنته وبنتها عليهما وقيل لا "وإن وطئ رجلان امرأة بشبهة فأتت بولد فأرضعت بلبنه طفلا صار ابنا لمن ثبت نسب المولود منه" لأن تحريم الرضاع.
فرع : على ثبوت النسب وظاهره لا فرق بين أن يثبت بقائفة أو غيرها ذكره في "الشرح" واقتصر في "الفروع" على الأول "وإن ألحق" بهما قال في "الترغيب" وغيره أو مات ولم يثبت نسبه "كان المرتضع ابنا لهما" لأن المرتضع في كل موضع تبع للمناسب فمتى لحق المناسب بشخص فالمرتضع مثله وإن أشكل أمره فقيل كنسب وقيل هو لأحدهما مبهما فيحرم عليهما وجزم به في "المغني" فيما لم يثبت نسبه "وإن لم يلحق بواحد منهما ثبت التحريم بالرضاع في حقهما" تغليبا للحظر كما لو اختلطت أخته بأجنبيات وإن انتفى عنهما جميعا بأن تأتي به لدون ستة أشهر من وطئها أو لأكثر من أربع سنين من وطء الآخر انتفى المرتضع عنهما فإن كان المرتضع أنثى حرمت عليهما تحريم المصاهرة ويحرم أولادها عليهما أيضا لأنها ابنة موطوءتهما "وإن ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم قال جماعة أو وطء لم ينشر الحرمة نص عليه في لبن البكر" وهو ظاهر(8/144)
وعنه : ينشرها ، ذكره ابن أبي موسى . و الظاهر أنه قول ابن حامد .ولا ينشر الحرمة غير لبن المرأة ، فلو ارتضع طفلان من بهيمة أو رجل أو خنثى مشكل ، لم ينشر الحرمة وقال ابن حامد : يوقف أمر الخنثى حتى يتبين أمرها .
فصل
ولا تثبت الحرمة بالرضاع إلا بشرطين
ـــــــ
المذهب وجزم به في "الوجيز" لأنه نادر لم تجر العادة به لتغذية الأطفال أشبه لبن الرجل والبهيمة وقال جماعة لأنه ليس بلبن حقيقة بل رطوبة متولدة لأن اللبن ما أنشر العظم وأنبت اللحم وهذا ليس كذلك "وعنه ينشرها ذكرها ابن أبي موسى والظاهر أنه قول ابن حامد" وصححه في "الشرح" وقاله أكثر العلماء ل قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] النساء ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم كما لو ثاب بوطء ولأن لبن المرأة خلق لغذاء الطفل وإن كان هذا نادرا فجنسه معتاد "ولا ينشر الحرمة غير لبن المرأة فلو ارتضع طفلان من بهيمة" لم ينشر الحرمة ولم يصيرا أخوين في قول عامتهم لأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معناه وقال بعض السلف يصيران أخوين ورد بأن الأخوة فرع على الأمومة ولا تثبت الأمومة بهذا الرضاع فالأخوة أولى ولأنه لم يخلق لغذاء المولود الآدمي أشبه الطعام "أو رجل" فكذلك في قول الجمهور لما ذكرنا وقال الكرابيسي يتعلق به التحريم لأنه لبن آدمي أشبه المرأة "أو خنثى مشكل لم ينشر الحرمة" على المذهب لأنه لم يثبت كونه امرأة فلا يثبت التحريم مع الشك "وقال ابن حامد يوقف أمر الخنثى حتى يتبين أمره" فعلى هذا يثبت التحريم إلى أن يتبين كونه رجلا لأنه لا يؤمن كونه محرما كما لو اختلطت أخته بأجانب وقيل إن حرم لبن بغير حمل ولا وطء ففي الخنثى المشكل وجهان وإن يئس من انكشاف حاله بموت أو غيره فالأصل الحل.
فصل
"ولا تثبت الحرمة بالرضاع إلا بشرطين"(8/145)
أحدهما : أن يرتضع في العامين ، فلو ارتضع بعدهما بلحظة لم تثبت . الثاني : أن يرتضع خمس رضعات في ظاهر المذهب .
ـــــــ
"أحدهما أن يرتضع في العامين" ل قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] البقرة وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل قاعد فسألها عنه فقالت هو أخي من الرضاعة فقال انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة متفق عليه وعن أم سلمة مرفوعا لا يحرم الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام رواه الترمذي وصححه ورواه الدارقطني والبيهقي عن عمر ورواه سعيد عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله ورواه سعيد عن عمرو ابن دينار عن ابن عباس ورواه الدارقطني والبيهقي عن ابن عباس قال البيهقي هذا هو الصحيح أنه موقوف ورواه ابن عدي وغيره من حديث الهيثم بن جميل عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس مرفوعا "لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين" والهيثم ثقة حافظ وثقه أحمد وإبراهيم الحربي والعجلي وابن حبان وغيرهم "فلو ارتضع بعدهما بلحظة لم تثبت" لأن شرط ثبوته كونه في الحولين ولم يوجد وقيده أبو الخطا بعدهما بساعة و قال القاضي لو شرع في الخامسة فحال الحول قبل كمالها لم يثبت التحريم و جوابه أن ما وجد من الرضعة في الحولين كاف في التحريم بدليل ما لو أنفصل مما بعده و اغتفر الشيخ تقي الدين ما لو رضع قبل الفطام قال أو كبير لحاجة نحو جعله محرما لما روت عائشة أن سهلة بنت سهيل بن عمرو جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن سالما مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا و قد بلغ ما تبلغ الرجال و علم ما تعلم الرجال فقال "أرضعيه تحرمي عليه" رواه مسلم و جوابه بأنه خاص به دون سائر الناس جمعا بين الأدلة و علم مما سبق أن الاعتبار بالحولين فلو فطم قبلهما ثم ارتضع فيهما حصل التحريم و لو لم يفطم حتى جازوهما ثم ارتضع قبل الفطام لم يثبت.
"الثاني أن يرتضع خمس رضعات في ظاهر المذهب" و هو الصحيح وهو قول عائشة و ابن مسعود و ابن الزبير و غيرهم لما روت عائشة قالت(8/146)
وعنه ثلاث يحرمن . وعنه : واحدة ، ومتى أخذ الثدي فامتص ، ثم تركه أو قطع عليه ، فهي رضعة . فمتى عاد ، فهي رضعة أخرى ، بعد ما بينهما أو قرب ، وسواء تركه شبعا أو لأمر يلهيه ، أو لانتقاله من ثدي إلى غيره ، أو امرأة إلى غيرها .
ـــــــ
كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم و هن فيما يقرأ من القرآن رواه مسلم ورواه مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة عن سهلة بنت سهيل "أرضعي سالما خمس رضعات" "و عنه ثلاث يحرمن" و به قال أبو عبيد و أبو ثور لقوله عليه السلام "لا تحرم المصة ولا المصتان" و في لفظ " لا تحرم الإملاجة و لا الإملاجتان" رواهما مسلم و لأن ما لا يعتبر فيه العدد يعتبر فيه الثلاث كالعادة في الحيض "و عنه واحدة" و هي قول على و ابن عباس و قاله أكثر العلماء و زعم الليث أنهم اجمعوا على ذلك كما يفطر به الصائم و عموم الكتاب و السنة تشهد بذلك و لأنه فعل يتعلق به التحريم المؤبد فلم يعتبر تعداد الرضعات كتحريم أمهات النساء و عن حفصة عشر رواه البيهقي بإسناد جيد ورواه أيضا عن عائشة و ابن عباس ورجاله ثقات و الأول اصح لأنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بحلاف غيره فإنه ثابت بالعموم أو بالمفهوم و الصريح راجح عليهما و المطلق من كلام الله تعالى مقيد بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم و قال ابن المنذر لم يقف الليث على الخلاف في هذه المسألة "و متى أخذ الثدي فامتص ثم تركه أو قطع عليه فهي رضعه" كذا قاله أبو بكر في حد الرضعة و قدمه في "الفروع" و غيره لأن المرجع فيها إلى العرف لأن الشرع ورد بها مطلقا و لم يحدها بزمن و لا مقدار فدل على أنه ردهم إلى العرف فإذا ارتضع ثم باختياره أو قطع عليه فهي رضعة "فمتى عاد فهي رضعة أخرى" لأن العود ارتضاع فكان رضعة أخرى كالأولى "بعد ما بينهما أو قرب" إذ العبرة بتعداد الرضعات وذلك موجود فيهما ولأن الشرع ورد بالرضعة ولم يحدها بزمان فوجب أن يكون القريب كالبعيد "وسواء تركه شبعا أو لأمر يلهيه" لأن الفصل موجود في الكل "أو لانتقاله من ثدي إلى غيره أو امرأة(8/147)
وقال ابن حامد : إن لم يقطع باختياره فهما رضعة إلا أن يطول الفصل بينهما . والسعوط والوجور كالرضاع في إحدى الروايتين ، ويحرم لبن الميتة
ـــــــ
إلى غيرها" اختاره أبو بكر و هو ظاهر كلامه في رواية حنبل فإنه قال أما ترى الصبي يرضع من الثدي فإذا أدركه النفس أمسك عن الثدي ليتنفس و يستريح فإذا فعل ذلك فهي رضعة و لأن اليسير من السعوط و الوجور رضعة فكذا هنا "و قال ابن حامد إن لم يقطع باختياره فهما رضعة" لأن القطع لا ينسب إليه فلا يحسب عليه "إلا أن يطول الفصل بينهما" فيكونا رضعتين لأن جعلها رضعة يلغي الزمان مع طوله أو انتقاله من امرأة إلى غيرها لأن الآكل لو قطع الأكل للشرب أو عارض و عاد في الحال كان أكلة واحدة فكذا الرضاع و الأول أولى.
و قال ابن أبي موسى حد الرضعة أن يمص ثم يمسك عن الامتصاص لتنفس أو غيره سواء خرج الثدي من فيه أو لم يخرج لقوله عليه السلام لا تحرم المصة و لا المصتان فدل على أن لكل مصة أثرا و لأن القليل من الوجور "و السعوط" رضعة فالامتصاص أولى "و السعوط" هو أن يصب في أنفه اللبن من إناء أو غيره فيدخل حلقه.
"و الوجور" هو أن يصبه في حلقه من غير الثدي قاله في "الشرح" "كالرضاع في إحدى الروايتين" و هي الأصح و فاقا لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا رضاع إلا ما أنشر العظم و أنبت اللحم" رواه أبو داود و غيره و لأن هذا يصل إليه اللبن كما يصل بالارتضاع و الثانية لا يحرم واختارها أبو بكر و قاله عطاء الخراساني في السعوط لأن هذا ليس برضاع أشبه ما لو حصل من جرح في بدنه وعلى الأولى إنما يحرم من ذلك ما يحرم بالرضاع وهو خمس على الأشهر فإنه.
فرع : على الرضاع فيأخذ حكمه والاعتبار بشرب الطفل له فأما إن سقاه جرعة بعد أخرى متتابعة فرضعة في ظاهر قول الخرقي لأن المعتبر في الرضعة العرف وهم لا يعدون هذا رضعات ويحتمل أن يخرج على ما إذا قطعت عليه الرضاع.
"ويحرم لبن الميتة" وهو كلبن الحية نص عليه اختاره أبو بكر ونصره(8/148)
واللبن المشوب ذكره الخرقي وقال أبو بكر : لا يثبت التحريم بهما ، وقال ابن حامد : إن غلب اللبن حرم ، وإلا فلا ، والحقنة لا تنشر الحرمة،
ـــــــ
المؤلف لأنه ينبت اللحم ونجاسته لا تؤثر كما لو حلب في إناء نجس وكما لو حلب منها في حياتها فشربه بعد موتها وقال الخلال لا ينشر الحرمة وتوقف عنه أحمد في رواية مهنا لأنه لبن ليس بمحل للولادة أشبه لبن الرجل.
"واللبن المشوب" بغيره سواء اختلط بشراب أو غيره "ذكره الخرقي" واختاره القاضي وهو الأصح لأن ما تعلق الحكم به لم يفرق فيه بين الخالص والمشوب كالنجاسة في الماء والنجاسة الخالصة "وقال أبو بكر لا يثبت التحريم بهما" وهو قياس قول أحمد لأن المشوب ليس بلبن خالص فلم يحرم كالماء "وقال ابن حامد إن غلب اللبن حرم" وذكره في "عيون المسائل" الصحيح من المذهب لأن الحكم للأغلب في كثير من الصور فكذا هنا "وإلا فلا" أي إذا لم يغلب اللبن لم يحرم لأنه يزول بذلك الاسم والمعنى المراد وهذا كله إذا كانت صفات اللبن باقية ذكره في "المغني" و"الشرح" فلو صبه في ماء كثير لم يتغير به لم يثبت التحريم لأن هذا ليس بمشوب ولا يحصل به التغذي ولا إنبات اللحم ولا إنشار العظم وقال القاضي يحرم لأن أجزاء اللبن حصل في بطنه أشبه ما لو كان ظاهرا وجوابه أن هذا ليس برضاع ولا هو في معناه.
فرع إذا عمل اللبن جبنا حرم في الأصح لأنه واصل من الحلق يحصل به إنبات اللحم وعنه لا لزوال الاسم وإذا قلنا الوجور لا يحرم فهذا أولى.
"والحقنة لا تنشر الحرمة نص عليه" وقدمه في "المستوعب" و"الرعاية" ونصره المؤلف لأن هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذي فلم ينشر الحرمة كما لو قطر في إحليله وكما لو وصل من جرح "وقال ابن حامد" وابن أبي موسى :"تنشرها" لأنه سبيل يحصل بالواصل منه الفطر فيتعلق به التحريم كالرضاع والأول أولى إذ الفرق بين الفطر والرضاع ثابت من حيث إن الرضاع يعتبر فيه إنشار العظم وإنبات اللحم وهو مفقود في الحقنة موجود في الرضاع وهذا كله لبن أنثى تم لها تسع سنين وإن ثاب بعدها فقد حاضت و بلغت وإن ثاب بدون(8/149)
نص عليه . وقال ابن حامد : تنشرها.
فصل
وإذا تزوج كبيرة ولم يدخل بها ، وثلاث صغائر فأرضعت الكبيرة إحداهن في الحولين ، حرمت الكبيرة على التأبيد ، وثبت نكاح الصغرى ، وعنه ينفسخ نكاحها . وإن أرضعت اثنتين منفردتين انفسخ نكاحهما على الرواية الأولى ، وعلى الثانية : ينفسخ نكاح الأولى ، ويثبت نكاح الثانية.
ـــــــ
حمل ووطء و قلنا ينشر الحرمة صار المرتضع ابنا لها وإن شكت المرضعة في الرضاع أو كماله في الحولين و لا بينة فلا تحريم.
فرع : إذ حلب من نسوة و سقى طفلا فهو كما لو رضع من كل و احد منهن.
فصل
"وإذا تزوج كبيرة و لم يدخل بها و ثلاث صغائر فأرضعت الكبيرة إحداهن في الحولين حرمت الكبيرة على التأبيد" و هو قول الثوري و أبي ثور لأنها صارت من أمهات نسائه و قال الأوزاعي نكاحها ثابت و تنزع منه الصغيرة و جوابه ما تقدم "و ثبت نكاح الصغرى اختاره الخرقي و قدمه في "الرعاية" و جزم به في "الوجيز" لأنها ربيبة لم يدخل بأمها "و عنه ينفسخ نكاحها" لأنها اجتمعت مع أمها في النكاح كما لو صارتا أختين كما لو عقد عليهما بعد الرضاع عقدا واحدا و جوابه أن الكبرى أولى بفسخ نكاحها لتحريمها على التأبيد كما لو ابتدأ العقد على أخته و أجنبية ولأن الجمع طرأ على نكاح الأم و البنت فاختص الفسخ بنكاح الأم كما لو أسلم و تحته امرأة وبنتها و الأختان ليست إحداهما أولى بالفسخ من الأخرى وفارق ما لو ابتدأ العقد عليها لأن الدوام أقوى من الابتداء.
"وإن أرضعت اثنتين منفردتين انفسخ نكاحهما على الرواية الأولى" لأنهما صارتا أختين واجتمعتا في الزوجية كما لو أرضعتهما معا "وعلى الثانية ينفسخ نكاح الأولى ويثبت نكاح الثانية" لأن الكبيرة لما أرضعت الصغيرة أولا انفسخ(8/150)
وإن أرضعت الثلاث متفرقات ، انفسخ نكاح الأولتين ، وثبت نكاح الثالثة على الرواية الأولى وعلى الثانية ينفسخ نكاح الجميع وإن أرضعت إحداهن منفردة ، واثنتين بعد ذلك معا انفسخ نكاح الجميع على الروايتين وله أن يتزوج من شاء من الأصاغر وإن كان دخل بالكبرى ، حرم الكل عليه على الأبد وكل امرأة تحرم ابنتها عليه كأمه وجدته وأخته وربيبته ، إذا أرضعت طفلة حرمتها عليه . وكل رجل تحرم عليه ابنته كأخيه وأبيه وابنه إذا
ـــــــ
نكاحهما ثم أرضعت الأخرى فلم تجتمع معهما في النكاح فلم ينفسخ نكاحها "وإن أرضعت الثلاث متفرقات انفسخ نكاح الأولتين" لأنهما صارتا أختين في نكاحه "وثبت نكاح الثالثة" لأن رضاعها بعد انفساخ نكاح الكبيرة والصغيرتين اللتين قبلها فلم تصادف إخوتها جمعا في النكاح على الرواية الأولى وهي أن الكبيرة تحرم ولا ينفسخ نكاح الصغيرة "وعلى الثانية" وهي انفساخ نكاح الصغيرة "ينفسخ نكاح الجميع" لأن الصغيرة إذا انفسخ نكاحها ثم أرضعت الكبيرة الثانية لم ينفسخ نكاحها لأنها لم تصادف إخوتها جمعا في النكاح فإذا أرضعت الثالثة انفسخ نكاحهما لأنهما اجتمعتا في نكاحه وهما أختان وحينئذ ينفسخ نكاح الجميع.
"وإن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعد ذلك معا انفسخ نكاح الجميع على الروايتين" لأنهن صرن أخوات في نكاحه لأنها إذا أرضعت إحداهن منفردة فلم ينفسخ نكاحها لأنها منفردة ثم إذا أرضعت اثنتين بعدها مجتمعات انفسخ نكاح الجميع لأنهن أخوات في النكاح على الأولى وعلى الثانية ينفسخ نكاح الأم والأولى بالاجتماع ثم ينفسخ نكاح الاثنتين لكونهما أختين معا "وله أن يتزوج من شاء من الأصاغر" لأن تحريمهن تحريم جمع فإنهن ربائب لم يدخل بأمهن "وإن كان دخل بالكبرى حرم الكل عليه على الأبد" لأنهن ربائب دخل بأمهن "و كل امرأة تحرم ابنتها عليه كأمه و جدته و أخته و ربيبته إذا أرضعت طفلة حرمتها عليه" لأنها تصير ابنتها من الرضاع فعلى هذا إذا كانت المرضعة أمه فالمرضعة أخته وإن كانت جدته فهي عمته.
"وكل رجل تحرم عليه ابنته كأخيه و أبيه وابنه إذا أرضعت امرأته بلبنه(8/151)
أرضعت امرأته بلبنه طفلة حرمتها عليه ، وفسخت نكاحها منه إن كانت زوجة
فصل
وكل من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول فإن الزوج يرجع عليه بنصف مهرها الذي يلزمه لها .
ـــــــ
طفلة حرمتها عليه" لأنها تصير ابنته فعلى هذا إن كانت المرضعة امرأة أخيه فالمرتضعة بنت أخيه وإن كانت امرأة أبيه فالمرتضعة أخته وإن كانت امرأة ابنه فالمرتضعة بنت ابنه فلو أرضعتها امرأة أحد هؤلاء بلبن غيره لم تحرم عليه لأنها ربيبة زوجها و على الأول "وفسخت نكاحها منه إن كانت زوجته" لأن التحريم إذا طرأ أوجب الفسخ كما لو كان الزوج طفلا فأرضعته زوجته الكبيرة.
مسائل : إذ تزوج بنت عمه فأرضعت جدتهما أحدهما صغيرا انفسخ النكاح لأنها إن أرضعت الزوج صار عم زوجته وإن أرضعت الزوجة صارت عمته وإن تزوج بنت عمته فأرضعت جدتهما أحدهما صغيرا انفسخ النكاح لأنها إن أرضعت الزوج صار خالها وإن أرضعت الزوجة صارت عمته وإن تزوج بنت خاله فأرضعت جدتهما الزوج صار عم زوجته وإن أرضعتهما صارت خالته وإن تزوج بنت خالته فأرضعت الزوج صار خال زوجته وإن أرضعتها صارت خالة زوجها وإن أرضعت أم رجل و ابنته و أخته وزوجة ابنه طفلة رضعة رضعة لم تحرم على الرجل في الأصح.
فصل
"وكل من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول فإن الزوج يرجع عليه بنصف مهرها الذي يلزمه لها" لأنه قرره عليه بعد أن كان بعرض السقوط كشهود الطلاق إذا رجعوا و إنما لزمه نصف مهر الصغيرة لأن نكاحها انفسخ قبل الدخول بها من غير جهتها و الفسخ من أجنبي كطلاق الزوج في وجوب الصداق عليه.(8/152)
وإن أفسدت نكاح نفسها ، سقط مهرها ، وإن كان بعد الدخول وجب مهرها ولم يرجع به على أحد ، وذكر القاضي أنه يرجع به ورواه عن أحمد . ولو أفسدت نكاح نفسها لم يسقط مهرها بغير خلاف في المذهب .
ـــــــ
"وإن أفسدت نكاح نفسها" قبل الدخول "سقط مهرها" بغير خلاف نعلمه لأن الفسخ بسبب من جهتها كما لو ارتدت فعلى هذا إذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فعلى الزوج نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى وفاقا للشافعي و قال بعض أصحابه ترجع بجميع صداقها لأنها أتلفت البضع فوجب ضمانه و قال أبو حنيفة إن كانت المرضعة أرادت الفساد رجع عليها بنصف الصداق و إلا فلا و قال مالك لا يرجع بشيء و جوابه أنه يرجع عليها بالنصف لأنها قررته عليه وألزمته إياه وأتلفت عليه ما في مقابلته فوجب عليها الضمان كما لو أتلفت عليه المبيع والواجب نصف المسمى لا نصف مهر المثل لأنه إنما يرجع بما غرم ولأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما لو أفسدت نكاحها بقتل أو غيره فإنها لا تغرم له شيئا "وإن كان بعد الدخول" وأفسده غيرها "وجب مهرها" المسمى لها "ولم يرجع به على أحد" قال في "المحرر" هو الأقوى وفي "المغني" هو الصحيح إن شاء الله تعالى لأنه لم يقرر على الزوج شيئا ولم يلزمه إياه فلم يرجع عليه بشيء كما لو أفسدت نكاح نفسها ولأنه لو ملك الرجوع بالصداق بعد الدخول لسقط إذا كانت المرأة هي المفسدة للنكاح كما قبل الدخول "وذكر القاضي أنه يرجع به أيضا ورواه عن أحمد" أي نص عليه في رواية ابن القاسم وقدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن المرأة تستحق المهر كله على زوجها فترجع بما لزمه كنصف المهر في غير المدخول بها ولهما الأخذ من المفسد نص عليه واعتبر ابن أبي موسى الرجوع العمد والعلم بحكمه "ولو أفسدت نكاح نفسها" بعد الدخول "لم يسقط مهرها بغير خلاف في المذهب" وفي "المغني" لا نعلم خلافا في ذلك كما لو ارتدت ولأن المهر استقر بالدخول والمستقر لا يسقط بعد استقراره ولا يرجع عليها الزوج بشيء إذا كان أداه إليها وقيل يجب نصف المسمى إن أفسدته بعد الدخول وذكر القاضي أن لها نصف مهرها قاله(8/153)
وإذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى ، فانفسخ نكاحهما فعليه نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها ، وإن كان دخل بها فعليه صداقها وإن كانت الصغرى هي التي دبت إلى الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها فلا مهر لها ويرجع عليها بنصف مهر الكبرى وإن كان لم يدخل بها ، أو بجميعه إن كان دخل بها ، على قول القاضي وعلى ما اخترناه لا يرجع بعد الدخول بشيء.
---------------------------------
في "المستوعب" "وإذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فانفسخ نكاحهما فعليه نصف مهر الصغرى" لأن نكاحها انفسخ بغير سبب من جهتها وذلك يوجب نصف المهر على الزوج لأن الفسخ إذا جاء من أجنبي كان كطلاق الزوج في كون المهر عليه "يرجع به على الكبرى" لأنها هي التي تسببت في انفساخ نكاحه كما لو أتلفت عليه المبيع فإن كانت أمة ففي رقبتها لأن ذلك من جنايتها وإن أرضعت أم ولده زوجته الصغرى حرمت الصغيرة لأنها ربيبة دخل بأمها وتحرم أم الولد أبدا لأنها من أمهات نسائه ولا غرامة عليها لأنها أفسدت على سيدها ويرجع على المكاتبة لأنه يلزمها أرش جنايتها.
ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها" لأنها هي التي تسببت إلى انفساخ نكاحها فسقط صداقها كما لو ارتدت "وإن كان دخل بها فعليه صداقها" لأنه استقر بالدخول بدليل أنه لا يسقط بردتها و لا بغيرها.
"وإن كانت الصغرى هي التي دبت إلى الكبرى و هي نائمة فارتضعت منها فلا مهر لها" لأنها فسخت نكاح نفسها و قاس في الواضح نائمة على مكرهة "و يرجع عليها بنصف مهر الكبرى إن كان لم يدخل بها" لأنها تسببت إلى فسخ نكاحها الموجب لتقدير نصف المسمى و أتلفت على الزوج البضع أشبه ما لو أتلفت عليه مبيعا "أو بجميعه إن كان دخل بها على قول القاضي" و نسبه في "الشرح" إلى الأصحاب لما تقدم "و على ما اخترناه لا يرجع بعد الدخول بشيء" فإن ارتضت الصغيرة منها رضعتين و هي نائمة ثم انتبهت الكبيرة فأتمت لها ثلاث رضعات فقد حصل الفساد بفعلهما فيتقسط الواجب عليهما و عليه مهر الكبيرة و ثلاثة أعشار مهر الصغيرة يرجع به على الكبرى وإن(8/154)
ولو كان لرجل أمهات أولاد لهن لبن منه ، فأرضعن امرأة له صغرى كل واحدة منهن رضعة حرمت عليه في أحد الوجهين ولم تحرم أمهات الأولاد
ـــــــ
لم يكن دخل بالكبيرة فعليه خمس مهرها يرجع به على الصغيرة و هل ينفسخ نكاح الصغيرة على روايتين
فرع : إذا أرضعت أم زوجته الكبرى المدخول بها زوجته الصغرى بطل نكاحها لأنهما أختان و له نكاح أيتهما شاء و تغرم المرضعة كل مهر الكبرى للزوج في الأصح وإن أرضعتها بنت زوجته الكبرى فهي كأمها وإن أرضعتها جدتها صارت الصغرى خالة الكبرى أو عمتها فانفسخ نكاحهما و نكح من شاء منهما و كذلك إن أرضعتها أختها أو زوجة أخيها بلبنه لأنها صارت بنت أخت الكبيرة أو بنت أخيه و كذلك إن أرضعتها بنت أخيها و بنت أختها و لا تحرم واحدة منهن على التأبيد "و لو كان لرجل خمس أمهات أولاد لهن لبن منه فأرضعن امرأة له صغرى كل واحدة منهن رضعة حرمت عليه في أحد الوجهين" صححه في "الرعاية" و قدمه في "الفروع" و غيره لأنها أرضعت من لبنه خمس رضعات كما لو أرضعتها واحدة منهن فعلى هذا تثبت الأبوة "و لم تحرم أمهات الأولاد" لأنه لم يثبت لهن أمومة.
و الثاني لا يصير أبا لها لأنه رضاع لم تثبت به الأمومة فلم تثبت به الأبوة كلبن البهيمة فلو أرضعن طفلا لم يصيروا أمهات له و صار المولى أبا له و قاله ابن حامد و غيره لأنه ارتضع من لبنه خمس رضعات و قيل لا تثبت الأبوة كالأمومة و كلبن الرجل و الأول أصح فإن الأبوة إنما تثبت لكونه رضع من لبنه لا لكون المرضعة أما له و إذا قلنا بثبوت الأبوة حرمت عليه المرضعات لأنه ربيبهن وهن موطوءات أبيه فإن أرضعنه بغير لبن السيد لم يصر السيد أبا له بحال و لا يحرم أحدهما على الآخر في أصح الوجهين قاله في "الكافي".
فرع : إذا كان له خمس بنات فأرضعن طفلا رضعة رضعة لم يصرن أمهات له و هل يصير الرجل جدا وأولاده إخوة المرضعات أخواله و خالاته على وجهين أحدهما يصير لأنه قد كمل للمرتضة خمس رضعات من لبن بناته كما(8/155)
ولو كان له ثلاث نسوه لهن لبن منه فأرضعن امرأة له صغرى كل واحدة رضعتين ، لم تحرم المرضعات . وهل تحرم الصغرى على وجهين : أصحهما تحرم ، وعليه نصف مهرها ، يرجع به عليهن ، على قدر رضاعهن ، يقسم بينهن أخماسا . فإن كان لرجل ثلاث بنات امرأة لهن لبن فأرضعن ثلاث نسوة
ـــــــ
لو كان من واحدة و الأخر لا لأن كونه جدا فرع على كون ابنته أما و كونه خالا فرع على كون أخته أما و لم يثبت ذلك فلا يثبت الفرع و هذا الوجه أرجح لأن الفرعية متحققة فإن قلنا يصير أخوهن خالا لم تثبت الخؤولة في حق واحدة منهن و لكن يحتمل التحريم لأنه قد أجتمع من اللبن المحرم خمس رضعات ولو كمل للطفل خمس رضعات من أمه و أخته و أبنته وزوجته وزوجة أبنه فعلى الخلاف.
"و لو كان له ثلاث نسوه لهن لبن منه فأرضعن امرأة له صغرى كل واحدة رضعتين لم تحرم المرضعات" لأن عدد الرضعات لم يكمل لكل واحدة منهن "و هل تحرم الصغرى على وجهين أصحهما تحرم" لأنها أرتضعت من لبنه خمس رضعات.
و الثاني علم من المسألة الأولى و جمع بينهما المؤلف في الكافي و صحح التحريم فيهما "و عليه نصف مهرها" لأن نكاحها انفسخ لا بسبب منها "يرجع به عليهن" لأنهن قررن ذلك عليه و تسببن إلى إتلاف البضع أشبه ما لو أتلفن مبيعه "على قدر رضاعهن يقسم بينهن أخماسا" لأنه إتلاف اشتركوا فيه فكان على كل واحدة بقدر ما أتلف كما لو أتلفوا عينا و تفاوتوا في الإتلاف.
فرع : إذا أرضعت امرأته طفلا ثلاث رضعات بلبن رجل ثم أنقطع لبنها فتزوجت غيره فصار لها لبن فأرضعت رضعتين صار أمه بغير خلاف علمناه ثم القائلين بإن الخمس محرمات و لم يصر الرجلان أبويه لأنه لم يكتمل عدد الرضاع من لبن واحد منهما و يحرم عليهما لكونه ربيبيهما لا لكونه و لدهما.
" فإن كان لرجل ثلاث بنات امرأة لهن لبن فأرضعن ثلاث نسوة صغارا(8/156)
صغارا ، حرمت الكبرى ، وإن كان دخل بها حرم الصغار أيضا ، وإن لم يكن دخل بها ، فهل يفسخ نكاح من كمل رضاعهن أو لا ؟ على روايتين . و إن أرضعن واحدة كل واحدة منهن رضعتين ، فهل تحرم الكبرى بذلك ؟ على وجهين .
فصل
إذا طلق امرأته ولها لبن منه ، فتزوجت بصبي فأرضعته بلبنه ، انفسخ نكاحها منه ، وحرمنت عليه ، وعلى الأول أبدا ، لأنها صارت من حلائل أبنائه .
ـــــــ
حرمت الكبرى وإن كان دخل بها حرم الصغار أيضا لأنهن ربائب مدخول بأمهن "وإن لم يكن دخل بها فهل ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أولا على روايتين" وإن أرضعن واحدة كل واحدة منهن رضعتين فهل تحرم الكبرى بذلك على وجهين
أصحهما تحرم، لأنها صارت جدة بكون الصغرى قد كمل لها خمس رضاعات من بناتها. والثاني قال في "الشرح" وهو أولى: لا تصير جدة و لا ينسخ نكاحها لأن كونها حدة فرع: على كون ابنتها اما و لم تثبت الأمومة فما هو فرع عليها أولى
فرع : تزوج رجلان كبرى و صغرى ثم طلقها و تزوج كل واحد منهما زوجة الآخر فأرضعت الكبرى الصغرى حرمت الكبرى عليهما لأنها صارت من أمهات نسائهما و تحرم الصغرى على من دخل بالكبرى لأنها ربيبة مدخول بأمها.
فصل
"إذا طلق امرأته ولها لبن منه فتزوجت بصبي فأرضعته بلبنه انفسخ نكاحها منه وحرمت عليه" لأنها صارت أمه من الرضاع "وعلى الأول أبدا" وعلله المؤلف بقوله "لأنها صارت من حلائل أبنائه" وذلك أن الصبي صار ابنا للمطلق لأنه رضع من لبنه رضاعا محرما وهي زوجته فلزم من صيرورتها من(8/157)
ولو تزوجت الصبي أولا ثم فسخت نكاحها لعيب ، ثم تزوجها كبيرا فصار لها منه لبن، فأرضعت به الصبي حرمت عليهما الأبد.
فصل
إذا شك في الرضاع أو عدده بني على اليقين . وإن شهد به امرأة مرضية ثبت بشهادتها .
ـــــــ
حلائل أبنائه وإن تزوجت بآخر ودخل بها ومات عنها لم يجز أن يتزوجها الأول لأنها صارت من حلائل الأبناء لما أرضعت الصبي الذي تزوجت به.
"ولو تزوجت الصبي أولا ثم فسخت نكاحه لعيب ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبي حرمت عليهما على الأبد" على الكبير لأنها صارت من حلائل أبنائه وعلى الصبي لأنها صارت أمه
مسألة : إذا زوج أم ولده صغيرا مملوكا فأرضعته بلبن سيدها انفسخ نكاحها وحرمت على سيدها أبدا لأنها صارت من حلائل أبنائه ولو زوجها حرا صغيرا لم يصح نكاحه لعدم خوف العنت وإن أرضعته بلبن السيد لم يصر السيد أباه ولم يحرم أحدهما على الآخر في الأصح لأنه ليس بزوج في الحقيقة.
فصل
"إذا شك في الرضاع أو عدده بنى على اليقين" وإن شهد به امرأة مرضية ثبت بشهادتها.
إذا شك في الرضاع أو عدده بنى على اليقين لأن الأصل عدمه و الأصل عدم وجود الرضاع المحرم "وإن شهد به امرأة مرضية ثبت بشهادتها" هذا المذهب وهو قول طاووس والزهري والأوزاعي لما روى عقبة ابن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمه سوداء فقالت قد أوضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال "وكيف و قد زعمت ذلك" فنهاه عنها و في رواية "دعها عنك" رواه البخاري و قال الزهري فرق بين أهل أبيات في زمن عثمان بشهادة امرأة واحدة و لأن هذه شهادة على عورة فتقبل فيه شهادة النساء منفردات كالولادة لأنه معنى يقبل فيه قول النساء المنفردات فتقبل فيه شهادة امرأة يؤيده ما روي(8/158)
وعنه: أنها إن كانت مرضية استحلفت فإن كانت كاذبة لم يحل الحول عليها حتى يبيض ثدياها. وذهب في ذلك إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما . وإذا تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول : هي أختي من الرضاع ، انفسخ النكاح .
ـــــــ
محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما يجوز في الرضاع من الشهود فقال: "رجل أو امرأة" رواه أحمد و قال البيهقي فهذا إسناد ضعيف و قد اختلف في متنه و ظاهره أنها إذا لم تكن مرضية أنه لا يقبل قولها و هو كذلك
و تقبل شهادة المرضعة على فعل نفسها للخبر و المتبرعة و غيرها سواء قيل مع اليمين قاله ابن حمدان و لأنه فعل لا يحصل لها به نفع مقصود و لا يدفع عنها ضررا لا يقال أنها تستبيح الخلوة و السفر معه و تصير محرما له لأن هذا ليس من الأمور المقصودة التي ترد بها الشهادة إلا ترى لو أن رجلين شهدا أن فلانا طلق زوجته و أعتق أمته قبلت شهادتهما وإن حل لهما نكاحها بذلك.
"و عنه أنها إن كانت مرضية استحلفت" مع شهادتها "فإن كانت كاذبة لم يحل الحول عليها حتى يبيض ثدياها" أي يصيبها فيهما برص عقوبة على شهادتها الكاذبة "و ذهب في ذلك إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما" فالظاهر أنه لا يقول ذلك إلا عن توقيف لأن هذا لا يقتضيه القياس ولا يهتدي إليه رأي و عنه لا تقبل إلا شهادة امرأتين و هو قول الحكم لأن الرجل أكمل من النساء.
تنبيه : قال ابن حمدان يقبل فيه قول أم المنكر و بنته لا المدعي إلا أن يبتدئا حسبة و لا يقبل في الإقرار به شهادة النساء فقط حتى أم المرضعة و قال ابن حمدان إن الظئر إذا قالت أشهد أني أرضعتكما لم يقبل وإن قالت أشهد أنهما ارتضعا مني قبل.
"و إذا تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح" و حرمت عليه لأنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه كما لو أقر بالطلاق ثم رجع أو أقر أن أمته أخته من النسب و لو ادعي خطأ و هذا في الحكم فأما فيما(8/159)
فإن صدقته فلا مهر. وإن كذبته فلها نصف المهر، وإن قال ذلك بعد الدخول انفسخ النكاح . ولها المهر بكل حال ، وإن كانت هي التي قالت هو أخي من الرضاع وأكذبها فهي زوجته في الحكم
ـــــــ
بينه و بين الله تعالى فإن علم أن الأمر كذلك فهي محرمة عليه وإن علم كذب نفسه فالنكاح باق بحاله "فإن صدقته فلا مهر" لأنهما اتفقا على أنه نكاح باطل من أصله لا يستحق فيه مهرا كما لو ثبت ببينه "وإن كذبته" قبل قولها لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقوقها وتحريمها عليه حق له فقبل "فلها نصف المهر" لأنها فرقة قبل الدخول "وإن قال ذلك بعد الدخول انفسخ النكاح و لها المهر بكل حال" لأنه استقر بالدخول و هذا ما لم تطاوعه عالمة بالتحريم و قيل إن صدقته سقط قال في "الفروع" ولعل مراده المسمى فيجب مهر المثل لكن قال في "الروضة" لا مهر لها عليه و قال ابن حمدان بل يجب لها مهر المثل مع جهلها بالتحريم "وإن كانت هي التي قالت هو أخي من الرضاع و أكذبها" و لا بينة وحلف قاله في "الرعاية" "فهي زوجته في الحكم" لأنه لا يقبل قولها في فسخ النكاح لأنه حق عليه و لا مهر لها إن طلقها قبل الدخول لأنها تقر بأنها لا تستحقه وإن كانت قبضته لم يطلبه الزوج لأنه يقر بأنه حق لها وإن كان بعد الدخول وجب قدمه في "الرعاية" و في "الشرح" و "الفروع" إن كانت عالمة بأنها أخته و بتحريمها عليه و طاوعته في الوطء فلا مهر لإقرارها بأنها زانية مطاوعة وإن أنكرت شيئا من ذلك فلها المهر لأنه وطء شبهة و هي زوجته حكما لأن قولها غير مقبول عليه .
تنبيه: إذا علمت صحة ما أقرت به لم يحل لها تمكينه و تفتدي نفسها بما أمكنها و ينبغي أن يكون الواجب أقل الأمرين من المسمى أو مهر المثل فإن كان إقرارها بإخوته قبل النكاح لم يجر لها نكاحه و لا يقبل رجوعها عن إقرارها في ظاهر الحكم و كذلك الرجل لو أقر أنها أخته من الرضاع أو محرمة عليه بغيره و أمكن صدقة لم يحل له تزويجها بعد ذلك في ظاهر الحكم.
وأما فيما بينه وبين الله فينبني على علمه بحقيقة الحال و يحلف مدعي الرضاع على البت و منكره على نفي العلم به و إذا ادعت أمة أخوة سيدها بعد وطء(8/160)
ولو قال الزوج هي ابنتي من الرضاع وهي في سنه أو أكبر منه لم تحرم لتحققنا كذبه ولو تزوج رجل بامرأة لها لبن من زوج قبله فحملت منه ولم يزد لبنها فهو للأول وإن زاد لبنها فأرضعت به طفلا صار ابنا لهما وإن انقطع لبن الأول ثم ثاب بحملها من الثاني فكذلك عند أبي بكر وعند أبي الخطاب هو ابن الثاني وحده
ـــــــ
لم يقبل وإن كان قبله فوجهان "ولو قال الزوج هي ابنتي من الرضاع و هي في سنه أو أكبر منه لم تحرم" و جزم به الأصحاب "لتحققنا كذبه" كما لو قال أرضعتني و إياها حواء قال ابن المنجا و لا بد أن يلحظ أن الزوج لو قال ذلك و هي في سن لا يولد مثلها لمثله وإن كان أصغر كان كما لو قال ذلك و هي في سنه لتحقق ما ذكر.
فرع : إذا ادعى أن زوجته أخته من الرضاع فأنكرته فشهد بذلك أمه أو ابنته لم يقبل لأنها شهادة الوالد لولده وإن شهدت أمها أو ابنتها قبلت و عنه لا بناء على شهادة الوالد على و لده و الولد على والده وإن ادعت ذلك المرأة و أنكرها الزوج فشهدت لها أمها أو ابنتها لم يقبل وإن شهدت لها أم الزوج أو ابنته قبل في أصح الوجهين قاله في "الشرح" "و لو تزوج رجل بامرأة لها لبن من زوج قبله فحملت منه و لم يزد لبنها" أو زاد قبل أوانه "فهو للأول" لأن اللبن إذا بقي بحاله لم يزد و لم ينقص و لم تلد من الثاني فهو للأول لأن اللبن كان له والأصل بقاؤه وعلم منه أنها إذا لم تحمل من الثاني أنه للأول مطلقا و أنها إذا و لدت من الثاني فاللبن له خاصة إجماعا "و إن زاد لبنها" في أوانه "فأرضعت به طفلا صار ابنا لهما" في قول أصحابنا كما لو كان الولد منهما لأن زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنه منه و بقاء لبن الأول يقتضي كون أصله منه فيجب أن يضاف إليهما "وإن انقطع لبن الأول ثم ثاب بحملها من الثاني فكذلك عند أبي بكر" أي هو ابن لهما اختاره أكثر أصحابنا و قدمه في "الفروع" كما لو لم ينقطع "و عند أبي الخطاب هو ابن الثاني و حده" قال الحلواني و هو الأحسن لأن لبن الأول انقطع فزال حكمه بانقطاعه و حدث بالحمل من الثاني فكان له كما لو لم يكن لها لبن من الأول وإن لم يزد و لم(8/161)
...........................................................................................
ـــــــ
ينقص حتى ولدت فهو لهما نص عليه و ذكر المؤلف أنه للثاني كما لو زاد
فائدة : كره أحمد الارتضاع بلبن فاجرة و مشركة لقول عمر بن الخطاب و ابنه و كذا حمقاء و سيئة الخلق لقوله عليه السلام: "لا تزوجوا الحمقاء فإن صحبتها بلاء و في و لدها ضياع و لا تسترضعوها فإن لبنها يغير الطباع" و في "المجرد" و بهيمة لأنه يكون فيه بلد البهيمة و في "الترغيب" و عمياء و في "المستوعب" و زنجية(8/162)
كتاب النفقات
كتاب النفقات
...
كتاب النفقات
تجب على الزوج نفقة امرأته ما لا غنى لها عنه وكسوتها بالمعروف
ـــــــ
كتاب النفقات
و هي جمع نفقة و تجمع على نفاق كتمرة و تمار و هي الدراهم و نحوها من الأموال لكن النفقة كفاية من يمونه خبزا و أدما و نحوها.
و أصلها الإخراج من النافق و هو موضع يجعله الضب في مؤخر الحجر رقيقا يعده للخروج إذا أتى من بابه رفعه برأسه و خرج منه ومنه سمي النفاق لأنه خروج من الإيمان أو خروج الإيمان من القلب فسمي الخروج نفقة لذلك و هي أصناف نفقة الزوجات وهي المقصودة هنا و نفقة الأقارب و المماليك "تجب على الزوج نفقة امرأته" إجماعا و سنده قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] و معنى قدر ضيق وقوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50] وقوله صلى الله عليه وسلم "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله و لهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف" رواه مسلم و قوله عليه السلام "ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في طعامهن و كسوتهن" رواه الترمذي و صححه من حديث عمرو بن الأحوص.
ولأنها محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب فوجبت نفقتها كالعبد مع سيده "ما لا غنى لها عنه" بيان لما تجب النفقة "و كسوتها بالمعروف" أي إذا أسلمت نفسها إليه على الوجه الواجب فلها عليه جميع حاجتها من مأكول(8/162)
ومسكنها بما يصلح لمثلها و ليس ذلك مقدرا لكنه معتبر بحال الزوجين فإن تنازعا فيه رجع الأمر إلى الحاكم فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز البلد وأدمه الذي جرت عادة أمثالها بأكله.
ـــــــ
ومشروب و ملبوس "ومسكنها" لأنه تعالى أوجبه للمطلقة بقوله {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: من الآية6] فيجب لمن هي في صلب النكاح بطريق الأولى و هو من جملة معاشرتها بالمعروف لأنها لا تستغني عنه للاستتار عن العيون في الاستمتاع و التصرف و الحفظ "بما يصلح لمثلها" الظاهر أنه يعود إلى المسكن خاصة لأن صلاحية ما قبل ذلك علم بقوله {بِالْمَعْرُوفِ} و يكون ذلك على قدر اليسار و الإعسار و كالنفقة و الكسوة "و ليس ذلك مقدرا" لحديث هند "لكنه معتبر بحال الزوجين" جميعا هكذا ذكره الأصحاب و قال أبو حنيفة و مالك يعتبر حال المرأة على قدر كفايتها ل قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من الآية233] و المعروف الكفاية و لأن الكسوة على قدر حالها فكذا النفقة وقال الشافعي يعتبر حال الزوج وحده ل قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: من الآية7] و لقوله عليه السلام "أطعموهن مما تأكلون و أكسوهن مما تلبسون" رواه أبو داود و البيهقي.
و جوابه بأن ما ذكرناه فيه جمع بين الأدلة ورعاية لكل من الجانبين فكان أولى وحينئذ فالنفقة مقدرة بالكفاية
وقال القاضي الواجب رطلان من خبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر اعتبارا بالكفارات و إنما يختلفان في صفته و جودته و المذهب لا يجب فلو تراضيا مكان الخبر على حب أو دقيق جاز لأنه ليس بمعاوضة حقيقية لأن الشارع لم يعين الواجب بأكثر من الكفاية فبأي شيء حصلت كان هو الواجب.
"فإن تنازعا فيه رجع الأمر إلى الحاكم" أو نائبه لأنه أمر يختلف باختلاف حال الزوجين فرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم أو نائبه كسائر المختلفات و لأنه وضع لقطع النزاع فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز البلد الخاص "و أدمه" المعتاد لمثلها "الذي جرت عادة أمثالها بأكله" لأنه عليه السلام(8/163)
و ما تحتاج إليه من الدهن و ما يلبس مثلها من جيد الكتان و القطن و الخز والإبريسم واقله قميص وسراويل ووقاية ومقنعة ومداس وجبة في الشتاء وللنوم الفراش واللحاف والمخدة والزلي للجلوس ورفيع الحصير.
ـــــــ
جعل ذلك بالمعروف و ليس من المعروف إطعام الموسرة خبز المعسرة و لأن الله تعالى فرق بين الموسر و المعسر في الإنفاق ولم يبين ما فيه التفريق فوجب الرجوع إلى العرف و أهل العرف يتعارفون فيما بينهم أن جنس نفقة الموسرين أعلا من جنس نفقة المعسرين ويعدون المنفق من الموسرين من جنس نفقة المعسرين بخيلا و لأن النفقة من مؤنة الزوجة على الدوام فاختلف جنس اليسار و الإعسار كالكسوة فلو تبرمت من أدم نقلها إلى غيره وظاهر كلامهم أنه يفرض لحما عادة الموسرين بذلك الموضع و قدم في "الرعاية" كل جمعة مرتين قال في "الفروع" و يتوجه العادة لكن يخالف في إدمانه و لعل هذا مرادهم "و ما تحتاج إليه من الدهن" على اختلاف أنواعه كالسمن و الزيت و الشحم و الشيرج و في كل موضع على حدته لأن الحاجة داعية إلى ذلك أشبه كنس المستأجر الدار "و ما يلبس مثلها من جيد الكتان" بفتح الكاف و هو فارسي معرب "و القطن و الخز والإبريسم" قال أبو السعادات الخز ثياب تنسج من صوف والإبريسم الحرير المصمت و قال أبو منصور هو أعجمي معرب بفتح الهمزة و الراء وقيل بكسر الهمزة وقال ابن الأعرابي هو بكسر الهمزة والراء و فتح السين.
و علم منه أن كسوتها واجبة إجماعا لأنه لابد لها منها على الدوام فلزمته النفقة وهي معتبرة بكفايتها و ليست مقدرة بالشرع كالنفقة و يرجع إلى اجتهاد الحاكم كاجتهاده في المتعة للمطلقة "وأقله قميص و سراويل ووقاية" و هي ما تضعه فوق المقنعة و تسمى الطرحة "ومقنعة ومداس" لأن ذلك أقل ما تقع به الكفاية لأن الشخص لا بد له من شيء يواري جسده وهو القميص و من شيء يستر به و هو السراويل و من شيء على رأسه و هو الوقاية ومن شيء في رجله وهو المداس و من شيء يدفئه "و" هو "جبة في الشتاء" و من شيء ينام فيه نبه عليه بقوله "وللنوم و الفراش و اللحاف و المخدة" ومن شيء يجلس عليه و هو المراد بقوله "والزلي للجلوس و رفيع الحصير" و الكسوة بالمعروف هي(8/164)
وللفقيرة تحت الفقير قدر كفايتها من أدنى خبز البلد وأدمه ودهنه وما تحتاج إليه من الكسوة مما يلبسه أمثالها وينامون فيه ويجلسون عليه وللمتوسطة تحت المتوسط أو إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا ما بين ذلك كل حسب عادته و عليه ما يعود بنظافة المرأة من الدهن والسدر و ثمن الماء
ـــــــ
التي جرت عادة أمثالها بلبسه ذكره في الشرح و غيره فإن كانت عادتها النوم في الأكسية و البسط فعليه ذلك و يزيد في عدد الثياب ما جرت العادة بلبسه مما لا غنى لها عنه زاد في "التبصرة" و إزار.
و ظاهر كلامه أنه لا يجب لها خف و لا ملحفة لأنها ممنوعة من الدخول و الخروج لحق الزوج فلا تجب عليه مؤونة ما هي ممنوعة منه لأجله.
"و للفقيرة تحت الفقير قدر كفايتها من أدنى خبز البلد و أدمه ودهنه" لأنها إحدى الزوجين فوجب بحالها كالموسرة و يجب عليه زيت للمصباح و لا يقطعها اللحم فوق أربعين و قدم في "الرعاية" مرة في كل شهر و ظاهر كلام الأكثر العادة "و ما تحتاج إليه من الكسوة مما يلبسه أمثالها و ينامون فيه و يجلسون عليه" على قدر عادتها و عادة أمثالها "وللمتوسطة تحت المتوسط أو إذا كان أحدهما موسرا و الآخر معسرا ما بين ذلك كل على حسب عادته" لأن إيجاب نفقة الموسر على المعسر و إنفاق المعسر نفقة الموسر ليس من المعروف و فيه إضرار بصاحبه فكان اللائق بحالهما هو المتوسط و قيل للموسرة على المعسر أقل كفاية و الباقي في ذمته و حكاه ابن هبيرة عن الأصحاب و غيرهم و على الكل لا بد من ماعون الدار و يكتفي بخزف و خشب و العدل ما يليق بهما.
أصل الموسر من يقدر على النفقة بماله أو كسبه و عكسه المعسر و قيل هو الذي لا شيء له و المتوسط من يقدر على بعض النفقة بماله أو كسبه قال ابن حمدان و مسكين الزكاة معسر و من فوقه متوسط و إلا فهو موسر.
"و عليه ما يعود بنظافة المرأة من الدهن والسدر" والمشط "و ثمن الماء" و أجرة قيمه و نحو ذلك لأن ذلك يراد للتنظيف كتنظيف الدار و في الواضح وجه قال في عيون المسائل لأن ما كان من تنظيف على مكتر كرش و كنس و تنقية(8/165)
ولا تجب الأدوية وأجرة الطبيب فأما الطيب و الحناء و الخضاب و نحوه فلا يلزمه إلا أن يريد منها التزين به وإن احتاجت إلى من يخدمها لكون مثلها لا تخدم نفسها أو لمرضها لزمه ذلك فإن كان لها وإلا أقام لها خادما إما بشراء أو كراء أو عارية
ـــــــ
الآبار وما كان من حفظ البنية كبناء حائط و تغيير الجذع على مكر فالزوج كمكر و الزوجة كمكتر و إنما يختلفان فيما يحفظ البنية دائما من الطعام فإنه يلزم الزود وفي "الرعاية" يلزمه ما يقطع صنانها ورائحة كريهة لا ما يراد للاستمتاع و الزينة "و لا تجب الأدوية وأجرة الطبيب" لأن ذلك يراد لإصلاح الجسم كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار و كذا أجرة حجام وفاصد و كحال "فأما الطيب" أي ثمنه و في الواضح وجه يلزمه "و الحناء و الخضاب و نحوه فلا يلزمه" لأن ذلك من الزينة فلم يجب عليه كشراء الحلي "إلا أن يريد منها التزين به" لأنه هو المريد لذلك وفي "المغني" و"الشرح" و"الترغيب" يلزمه ما يراد لقطع رائحة كريهة و يلزمها ترك حناء وزينة نهي عنها ذكرها الشيخ تقي الدين.
فرع : المكاتب و العبد كالمعسر لأنهما ليسا بأحسن حالا منه و من نصفه حر فعليه نصف نفقة نفسه و نصف نفقة زوجته و على سيده باقيهما.
و ذكر ابن حمدان إن كان معسرا فكمعسرين وإن كان موسرا فكمتوسطين "وإن احتاجت إلى من يخدمها لكون مثلها لا تخدم نفسها أو لمرضها لزمه ذلك" لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] النساء ولأنه مما يحتاج إليه في الدوام أشبه النفقة و قيل لا يلزمه إخدام مريضة و جزم به في "الترغيب" و لا أمة وقيل غير جميلة "فإن كان لها" أجرا لأن الغرض الخدمة و هي حاصلة بخادمها و يشترط رضاها به "و إلا" إذا لم يكن لها خادم أو كان و لم ترض به أقام لها خادما إما بشراء أو كراء أو عارية" لأن المقصود الخدمة كما إذا أسكنها دار بأجرة فإن ملكها الخادم فقد زاد خيرا و تجوز كتابية في الأصح إن جاز نظرها و في "الكافي" وجهان بناء على إباحة النظر لهن فإن قلنا بجوازه فهل يلزم المرأة قبولها فيه وجهان:(8/166)
وتلتزم نفقته بقدر نفقة الفقيرين إلا في النظافة و لا يلزمه أكثر من نفقة خادم واحد فإن قالت أنا أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يكن لها ذلك وإن قال أنا أخدمك فهل يلزمها قبول ذلك على وجهين
ـــــــ
أحدهما: يلزمها لأنهم يصلحون للخدمة.
و الثاني: لا لأن النفس تعافهم "وتلتزم نفقته" لأنه محبوس بسبب من جهته أشبه نفقة الزوجة بقدر نفقة الفقيرين لأنه معسر وحاله حال المعسرين و حينئذ يجب لها ثوب وأدم و مسكن و ماعون مع خف و ملحفة لقضاء الحاجة وقيل دون نفقة سيدها "إلا في النظافة" فإنها لا تلزمه في الأشهر لأن المشط و الدهن و نحوهما يراد للزينة و التنظيف و لا يراد هذا من الخادم و قال ابن حمدان إن كثر وسخ الخادم و هوام رأسها أو تأذت به هي أو سيدتها فعليه مؤونة تنظيفها "و لا يلزمه أكثر من نفقة خادم واحد" نص عليه لأن المستحق خدمتها في نفسها وذلك يحصل بالواحد و قيل وأكثر بقدر حالها و جوابه أن الخادم الواحد يكفيها لنفسها و الزيادة عليه تراد لحفظ ملكها و للتجمل و ليس عليه ذلك و تعيين خادمها إليهما وإلا فإليه وله إبداله لسرقة و نحوها فإن كان الخادم لها ورضيته فنفقته على الزوج و كذا نفقة المؤجر و المعار في وجه قاله في "الرعاية" و ليس بمراد في ا"لموجز" "فإن نفقته على مالكه فإن قالت أنا أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يكن لها ذلك" لأن الأجرة عليه فتعيين الخادم إليه ولأن ذلك يؤدي إلى توفيرها على حقوقه و ترفيهها ورفع قدرها وذلك يفوت بخدمتها "وإن قال أنا أخدمك فهل يلزمها قبول ذلك على وجهين" كذا في "المحرر" و"الفروع".
أحدهما لا يلزمها قبول ذلك قدمه في "الشرح" لأنها تحتشمه و فيه غضاضة عليها لكون زوجها خادما لها.
والثاني بلى قدمه في "الرعاية" و جزم به في "الوجيز" لأن الكفاية تحصل به قال ابن حمدان له ذلك فيما يتولاه مثله لمن يكفيها خادم واحد ولا تلزمه أجرة من يوضئ مريضة بخلاف رقيقة ذكره أبو المعالي.(8/167)
فصل
وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها و مسكنها كالزوجة سواء و أما البائن بفسخ أو طلاق فإن كانت حاملا فلها النفقة و السكنى وإلا فلا شيء لها وعنه لها السكنى.
ـــــــ
فصل
"وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها و مسكنها كالزوجة سواء" لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] ولأنها زوجة يلحقها طلاقه و ظهاره أشبه ما قبل الطلاق
"و أما البائن بفسخ أو طلاق فإن كانت حاملا فلها النفقة و السكنى" إجماعا وسنده قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق:6] الآية و قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } [الطلاق:6] وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس "لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا" ولأن الحمل ولده و الإنفاق عليه دونها متعذر فوجب كما وجبت أجرة الرضاعة وفي حكاية لإجماع نظر فإن أحمد نص في رواية ذكرها الخلال أن لها النفقة دون السكنى و في "الموجز" "التبصرة" رواية لا يلزمه وهي سهو وفي "الروضة" تلزمه النفقة وفي السكنى روايتان.
"وإلا فلا شيء لها" إذا لم تكن حاملا جزم به في "الوجيز" وقدمه في "الرعاية" ونصره في "المغني" و"الشرح" وقال ابن هبيرة هي أظهر الروايتين وقاله جمع من الصحابة ومنهم علي وابن عباس وجابر ومن بعدهم لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس " ليس لك نفقة" رواه البخاري ومسلم وزاد "ولا سكنى" وفي لفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " انظري يا ابنة قيس إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها الرجعة فإن لم تكن له عليها الرجعة فلا نفقة ولا سكنى" رواه أحمد و الحميدي "وعنه لها السكنى" وهي قول عمر وابنه وابن مسعود وعائشة والفقهاء السبعة وبه قال أكثر العلماء واختارها أبو محمد الجوزي ل قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق:6] الآية فأوجبت لها السكنى مطلقا ثم خص الحامل بالإنفاق عليها ل قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6] الآية وفي "الانتصار"(8/168)
فإن لم ينفق عليها يظنها حائلا ثم تبين أنها حامل فعليه نفقة ما مضى وإن أنفق عليها يظنها حاملا فبانت حائلا فهل يرجع عليها بالنفقة على روايتين.
ـــــــ
لا يسقط بتراضيهما كعدة وعنه ولها النفقة أيضا قاله أكثر فقهاء العراق ويروى عن عمر وابن مسعود لأنها مطلقة فوجبت لها النفقة والسكنى كالرجعية وردوا خبر فاطمة بقول عمر لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة رواه مسلم وأنكره أحمد قال عروة لقد عابت عائشة ذلك أشد العيب وقالت إنها كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها والأول أولى قال ابن عبد البر قول أحمد ومن تابعه أصح وأرجح لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا صريحا فأي شيء يعارض هذا وقول عمر ومن وافقه فقد خالفه علي وابن عباس وجابر وقول عمر لا ندع كتاب ربنا إلا لما هو موجود في كتاب الله تعالى وهو قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} [الطلاق:6] الآية وقد روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى ألا بيت لها ولا قوت عليه تحريما لا تزيله الرجعة فلم يكن لها سكنى ولا نفقة كالملاعنة وتفارق الرجعية فإنها زوجة.
"فإن لم ينفق عليها يظنها حائلا ثم تبين أنها حامل فعليه نفقة ما مضى" على الأصح لأنه تبينا استحقاقها له فرجعت به عليه كالدين وقال ابن حمدان إن قلنا النفقة لها ورجعت وإلا فلا "وإن أنفق عليها يظنها حاملا فبانت حائلا فهل يرجع عليها بالنفقة على روايتين":
أصحهما: يرجع عليها أشبه ما لو قضاها دينا ثم تبين براءته منها.
والثانية: لا رجوع بشيء لأنه أنفق عليها بحكم آثار النكاح فلم يرجع به كالنفقة في النكاح الفاسد إذا تبين فساده وفي "الوسيلة" إن نفي الحمل ففي رجوعه روايتان وإن علمت براءتها من الحمل بالحيض فكتمته فينبغي أن يرجع قولا واحدا.
فرع : إذا ادعت حملا ممكنا أنفق عليها ثلاثة أشهر نص عليه وعنه إن شهد به النساء فإن مضت ولم يبن رجع بما أنفق وعنه لا كنكاح تبين فساده(8/169)
وهل تجب النفقة للحامل لحملها أو لها من أجله على روايتين إحداهما أنها لها فتجب لها إذا كان أحد الزوجين رقيقا ولا تجب للناشز ولا للحامل من وطء شبهة أو نكاح فاسد والثانية أنها للحمل فتجب لهؤلاء الثلاثة ولا تجب لها إذا كان أحدهما رقيقا.
ـــــــ
لتفريطه كنفقته على أجنبية على أجنبية وقال ابن حمدان إن قلنا يجب تعجيل النفقة رجع وإلا فلا.
وكذا إن ظنها حاملا فبانت حائلا أو ولدت بعد أكثر مدة الحمل فأنكره وقيل يرجع بنفقة ستة أشهر فقط "وهل تجب النفقة للحامل لحملها أو لها من أجله على روايتين" كذا في "المحرر".
"إحداهما أنها لها" أي من أجل الحمل اختارها ابن عقيل في التذكرة وجزم بها في "الوجيز" لأنها تجب مع الإعسار ولا تسقط بمضي الزمان "فتجب لها إذا كان أحد الزوجين رقيقا" لأن الزوج عليه نفقة زوجته "ولا تجب للناشز" لأن النفقة في مقابلة تمكينها ومع النشوز لا تمكين "ولا للحامل من وطء شبهة أو نكاح فاسد" لأنها ليست زوجة يجب الإنفاق علها "والثانية أنها للحمل" اختاره الخرقي وأبو بكر والقاضي وأصحابه قال الزركشي وهي أشهرهما لأنها تجب وجوده وتسقط بعدمه "فتجب لهؤلاء الثلاثة" لأنه ولده فلزمته نفقته "ولا تجب لها إذا كان أحدهما رقيقا" لأن العبد لا يلزمه نفقة ولده والأمة نفقتها على سيدها لأنها ملكه وأوجبها الشيخ تقي الدين له ولها لأجله وجعلها كمرضعة باجرة وفي "الواضح" في مسألة الرق روايتان كحمل في نكاح صحيح أولا حرمة له وإن قلنا هي لها فلا نفقة ومما يتفرع على الخلاف إذا كان الزوج غائبا أو معسرا فعلى الأول لا شيء لها إذا نفقة الغائب تسقط بمضي الزمان وبالإعسار.
وعلى الثانية تثبت في ذمة الغائب ويلزم المعسر فإن وطئت زوجته فحملت فالنفقة على الواطئ إن وجبت للحمل وأما المتوفى عنها فإن كانت حائلا فلا تفقة لها ولا سكنى وإن كانت حاملا فعلى روايتين ولها على الأصح إن مكرهة أو نائمة وإن كانت مطاوعة تظنه زوجها فلا(8/170)
وأما المتوفى عنها فإن كانت حائلا فلا نفقة لها ولا سكنى وإن كانت حاملا فعلى روايتين
ـــــــ
مسألة : إذا بان الحمل دفع النفقة إليها يوما فيوما نص عليه للنص ولأن الحمل يتحقق حكما في منع النكاح والأخذ من الزكاة ووجوب الدفع في الدية والرد بالعيب فكذا في وجوب النفقة لها وقال أبو الخطاب لا يجب دفع النفقة حتى تضع الحمل لأنه لا يتحقق ولهذا وقفنا الميراث ولا يصح اللعان عليه قبل وضعه على إحدى الروايتين فعلى هذا إذا أرضعت استحقت نفقة الحمل و"المذهب" الأول والميراث يشترط له الوضع والاستهلال فإن أنكر حملها قبل قول امرأة من أهل الخبرة "وأما المتوفى عنها فإن كانت حائلا فلا نفقة لها ولا سكنى" رواية واحدة لأن ذلك يجب للتمكين من الاستمتاع وقد فات وكزانية وعنه لها السكنى اختارها أبو محمد الجوزي فهي كغريم وفي "المغني" إن مات وهي في مسكنه قدمت به ويستدل لها ب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة:234] تبيح بعض المدة وبقي باقيها على الوجوب ولو لم تجب السكنى لفريعة لم يكن لها أن تسكن إلا بإذنهم وجوابه أن الآية منسوخة وقصة فريعة قضية في عين "وإن كانت حاملا فعلى روايتين" إحداهما لا شيء لها صححه القاضي وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و"الرعاية" و"الفروع" لأنه قد صار للورثة ونفقة الحامل وسكناها إنما هو للحمل أولها من أجله ولا يلزم ذلك للورثة لأنه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل في نصيبه وإلا لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة والثانية لها ذلك لأنها معتدة من نكاح صحيح أشبهت البائن في الحياة وعنه يجبان لها مع الحمل لها أو له وعنه بل حقه منها فقط سواء قلنا النفقة له أو لها وقيل تجب نفقة الحمل من حقه وحكم أم الولد كالمتوفى عنها زوجها ونقل الكحال ينفق من مال حملها ونقل جعفر من جميع المال وإذا قلنا لها السكنى فهي أحق بسكنى المسكن الذي كانت تسكنه ولا تباع في دينه بيعا يمنعها السكنى حتى تقضي العدة وإن تعذر ذلك اكترى الوارث لها مسكنا من مال الميت فإن لم تفعل أجبره الحاكم.(8/171)
فصل
وعليه دفع النفقة إليها في صدر كل يوم إلا أن يتفقا على تأخيرها أو تعجيلها لمدة قليلة أو كثيرة فيجوز وإن طلب أحدهما دفع القيمة لم يلزم الآخر ذلك وعليه كسوتها في كل عام فإن قبضتها فسرقت أو تلفت لم يلزمه عوضها.
ـــــــ
فصل
"وعليه دفع النفقة إليها" وهو دفع القوت لا بدله ولا حب "في صدر كل يوم" بطلوع الشمس لأنه أول وقت الحاجة وقيل وقت الفجر "إلا أن يتفقا على تأخيرها أو تعجيلها لمدة قليلة أو كثيرة فيجوز" لأن الحق لهما لا يخرج عنهما كالدين بغير خلاف علمناه وتملكه بقبضه قاله في الترغيب "وإن طلب أحدهما دفع القيمة لم يلزم الآخر ذلك" لأنها معاوضة فلا يجبر عليها واحد منهما كالبيع وإن تراضيا عليه جاز لأنه طعام وجب في الذمة لآدمي معين فجازت المعاوضة عنه كالطعام في الفرض وظاهره أن الحاكم لا يملك الواجب كدراهم مثلا إلا باتفاقهما فلا يجبر من امتنع قال في الهدي لا أصل له في كتاب ولا سنة ولا نص عليه أحد من الأئمة لأنها معاوضة بغير الرضى عن غير مستقر قال في "الفروع" وهذا متوجه مع عدم الشقاق وعدم الحاجة فأما مع الشقاق والحاجة كالغائب مثلا فيتوجه الفرض للحاجة إليه على ما لا يخفى ولا يقع الغرض بدون ذلك بغير الرضى "وعليه كسوتها في كل عام" لأنه العادة ويكون الدفع في أوله لأنه وقت الوجوب وقال الحلواني وابنه وابن حمدان في أول الصيف كسوة وفي أول الشتاء كسوة وفي "الواضح" كل نصف سنة وتملكها في الأصح بقبضها "فإن قبضتها فسرقت أو تلفت لم يلزمه عوضها" لأنها قبضت حقها فلم يلزمه غيره كالدين إذا وفاها إياه ثم ضاع منها لكن لو بليت في الوقت الذي يبلى فيه مثلها لزمه بدلها لأن ذلك من تمام كسوتها وإن بليت قبله لكثرة خروجها ودخولها فلا أشبه ما لو أتلفتها وإن مضى زمن يبلى فيه مثلها بالاستعمال ولم(8/172)
وإن انقضت السنة وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى ويحتمل ألا يلزمه وإن ماتت أو طلقها قبل مضي السنة فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة على وجهين وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها على وجه لا يضر بها ولا ينهك بدنها
ـــــــ
تبل فوجهان أحدهما لا يلزمه بدلها لأنها غير محتاجة إلى الكسوة والثاني بلى لأن الاعتبار بمضي الزمان دون حقيقة الحاجة فلو أهدى إليها كسوة لم تسقط كسوتها "إن انقضت السنة وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى" قدمه في "المستوعب" و "المحرر" وصححه في "الفروع" لأن الاعتبار بمضي الزمان دون بقائها بدليل ما لو تلفت "ويحتمل ألا يلزمه" لأنها غير محتاجة إلى الكسوة وفي "الرعاية" فإن كساها السنة أو نصفها فسرقت أو تلفت فيها وقيل في وقت يبلى مثله أو تلفت فلا بدل عليه وقيل هي إمتاع فيلزمه بدلها ككسوة القريب وإن بقيت صحيحة لزمه كسوة سنة أخرى إن قلنا هي ملك وإن قلنا إمتاع فلا كالمسكن وأوعية الطعام والماعون والمشط ونحوها وفي غطاء ووطاء ونحوهما الوجهان "وإن ماتت أو طلقها قبل مضى السنة فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة على وجهين".
أحدهما يرجع به قدمه في المحرر و الرعاية وصححه في الفروع لأنه دفع لمدة مستقبلة كما لو دفع إليها نفقة مدة ثم طلقها قبل انقضائها.
والثاني لا رجوع لأنه دفع إليها الكسوة بعد وجوبها عليه كما لو دفع إليها النفقة بعد وجوبها ثم طلقها قبل إكمالها بخلاف النفقة المستقبلة وكنفقة اليوم وقيل ترجع بالنفقة وقيل بالكسوة وقيل كزكاة معجلة جزم به في "المنتخب" وقال ابن حمدان لا يرجع فيهما إن بانت ويرجع إن أبانها بطلاق أو فسخ وعلى الأول يرجع إلا يوم الفرقة والسلف وهو أصح إلا على الناشز فيرجع عليها في الأصح وفي "عيون المسائل" لا ترجع بما وجب كيوم وكسوة سنة بل بما لم يجب ويرجع بنفقتها من مال غائب بعد موته بظهوره على الأصح "وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها" من بيع وهبة وصدقة ونحو ذلك لأنها حقها فملكت التصرف فيها كسائر مالها لكن ذلك مشروط بقوله "على وجه لا يضربها ولا ينهك" بفتح الياء أي يجهده "بدنها"(8/173)
وإن غاب مدة ولم ينفق فعليه نفقة ما مضى وعنه لا نفقة لها إلا أن يكون الحاكم قد فرضها
ـــــــ
فإن عاد عليها ضرر في بدنها أو نقص من استمتاعها لم تملكه لأنه يفوت حقه بذلك والكسوة كالنفقة في ذلك ويحتمل المنع لأن له استرجاعها لو طلقها في وجه بخلاف النفقة.
فرع : إذا اختلفا معه عادة أو كساها بلا إذن ولم يتبرع سقطت وفي "الرعاية" وهو ظاهر "المغني" إن نوى أن يعتد بها.
"وإن غاب مدة ولم ينقق فعليه نفقة ما مضى" ولم تسقط بل تكون دينا في ذمته سواء تركها لعذر أو غيره في ظاهر "المذهب" وقاله الأكثر لما روى الشافعي قال أنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا ورواه البيهقي أيضا قال ابن المنذر وهو ثابت عن عمر ولأنه حق لها وجب عليه بحكم العوض فرجعت به عليه كالدين قال ابن المنذر هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والإجماع ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها والكسوة والسكنى كالنفقة ذكره في "الرعاية" الكبرى وعنه لا نفقة لها اختاره في الإرشاد وفي الرعاية أو الزوج برضاها لأنها نفقة تجب يوما فيوما فتسقط بتأخيرها إذا لم يفرضها الحاكم كنفقة الأقارب وجوابه بأن نفقة الأقارب وصلة يعتبر فيها اليسار من المنفق والإعسار ممن تجب له بخلاف نفقة الزوجة وتثبت في ذمته حسبما وجبت لها موسرا كان أو معسرا ويصح ضمانها على الأول لأن مآله إلى الوجوب "إلا أن يكون الحاكم قد فرضها" فيلزم بحكمه رواية واحدة لأن فرضه حكم وحكمه لا ينقض وفي الانتصار أن أحمد أسقطها بالموت وعلل في الفصول الثانية بأنه حق ثبت بقضاء القاضي فلو استدانت وانقضت رجعت نقله أحمد بن هاشم ذكره في الإرشاد.
تتمة: الذمية كالمسلمة فيما ذكرنا في قول عامة العلماء لعموم النص والمعنى.(8/174)
فصل
وإذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه وهي ممن يوطأ مثلها أو يتعذر وطؤها لمرض أو حيض أو رتق أو نحوه لزم زوجها نفقتها سواء كان الزوج كبيرا أو صغيرا.
ـــــــ
فصل
"وإذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه وهي ممن يوطأ مثلها" كذا أطلقه المؤلف تبعا للخرقي وأبي الخطاب وابن عقيل والشيرازي وأناط القاضي ذلك بابنة تسع سنين وتبعه في "المحرر" و "الوجيز" وهو مقتضى نص أحمد في رواية صالح وعبد الله وسئل متى يؤخذ من الرجل نفقة الصغيرة فقال إذا كان مثلها يوطأ كبنت تسع سنين ويمكن حمل الإطلاق على هذا لقول عائشة إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة وظاهره أنها لا تجب النفقة عليه إلا بالتسليم أو بذلت له بذلا يلزمه قبوله في الأشهر لأن النفقة تجب في مقابلة الاستمتاع وذلك ممكن منه وعنه تلزمه بالعقد مع عدم منع كمن يلزمه تسلمها لو بذلته وقيل ولصغيرة وهو ظاهر "الخرقي" فعليها لو تشاكتا بعد العقد مدة لزمه "أو يتعذر وطؤها لمرض أو حيض أو رتق أو نحوه" ككونها نضوة الخلق لا يمكن وطؤها "لزم زوجها نفقتها" لما ذكرنا فإن حدث بها شيء من ذلك لم تسقط لأن الاستمتاع ممكن ولا تفريط من جهتها فلو بذلت الصحيحة الاستمتاع بما دون الوطء لم تجب نفقتها فلو ادعت أن عليها ضررا في وطئه لضيق فرجها أو قروح به أريت امرأة ثقة ويعمل بقولها وإن ادعت عبالة ذكره وعظمه جاز أن تنظر المرأة إليهما حال اجتماعهما لأنه موضع حاجة ويجوز النظر للعورة للحاجة والشهادة "سواء كان الزوج كبيرا" إجماعا "أو صغيرا" هذا هو المشهور لأن الاستمتاع بها ممكن وإنما تعذر بسبب من جهة الزوج كما لو كان كبيرا فهرب ويجبر الولي على نفقتها من مال الصبي لأنها عليه والولي ينوب عنه في أداء الواجبات كالزكاة والثانية لا تجب عليه مع صغره لأن الزوج لا يتمكن من(8/175)
يمكنه الوطء أولا يمكنه كالعنين والمجبوب والمريض وإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ولا تسلمها ولا تسليمها إذا طلبها فإن بذلته والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم و يمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله وإن منعت تسليم نفسها أو منعها أهلها فلا نفقة لها
ـــــــ
الاستمتاع بها فلم تلزمه نفقتها كما لو كانت صغيرة.
وجوابه الفرق بينهما فإن الصغيرة لم تسلم نفسها تسليما صحيحا ولم تبذل ذلك وكذلك إذا كان يتعذر عليه الوطء كالمريض والمجبوب لأن التمكين وجد من جهتها وإنما تعذر من جهته فوجبت النفقة "يمكنه الوطء أولا يمكنه كالعنين والمريض والمجبوب" لما ذكرنا "وإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها" في قول الأكثر لأنه لم يوجد التمكين من الاستمتاع لأمر من جهتها قال في "الرعاية" لم تجب كما لو تزوج من لا يطأ مثله بمن لا يوطأ مثلها في الأصح لعدم الموجب "ولا" يجب على الزوج "تسلمها ولا تسليمها" إليه "إذا طلبها" لأنه لا يمكنه استيفاء حقه منها ولأن وجوب التسليم إنما كان لضرورة تمكينه من تسليم الحقوق المتعلقة بالزوجية وهي منتفية هنا وظاهره أن الصغيرة التي يمكن وطؤها إذا سلمت نفسها فإنه يلزمه نفقتها كالكبيرة
وإن غاب الزوج فبذل وليها تسليمها فهو كما لو بذلت المكلفة التسليم لأن وليها يقوم مقامها وإن بذلت هي دون وليها فلا نفقة لها لأنه لا حكم لكلامها ذكره في "الشرح" "فإن بذلته والزوج غائب لم يفرض لها" لأنها بذلت في حال لا يمكنه التسليم فيه "حتى يراسله الحاكم" أي يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلمه بذلك "ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله" لأن البذل قبل ذلك وجوده كعدمه فإذا سار إليها أو وكل في تسليمها وجبت النفقة حينئذ فإن لم يفعل فرض الحاكم عليه نفقتها في أول الوقت الذي يمكنه الوصول إليها وتسلمها فيه ذكره في "المغني" و"الشرح" لأن الزوج امتنع من تسلمها لإمكان ذلك وبذلها له فلزمه نفقتها كما لو كان حاضرا "وإن منعت تسليم نفسها أو منعها أهلها فلا نفقة لها" لأن البذل شرط لوجوب النفقة ولم يوجد وفي(8/176)
إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك وتجب نفقها وإن كان بعد الدخول فعلى وجهين بخلاف الآجل وإن سلمت الأمة نفسها ليلا ونهارا فهي كالحرة.
ـــــــ
"الفروع" إذا بذلت التسليم فحال بينها وبينه أولياؤها فظاهر كلام جماعة لها النفقة وفي "الروضة" لا ذكره الخرقي قال وفيه نظر وكذا إذا بذلت تسليما غير تام كتسيلمها في منزل أو في بلد دون آخر ما لم يكن مشروطا في العقد "إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك" لأن تسليمها قبل تسليم صداقها يفضي إلى تسليم منفعتها المعقود عليها بالوطء ثم لا تسلم صداقها فلا يمكنه الرجوع فيما استوفى منها بخلاف المبيع إذا تسلمه المشتري ثم أعسر بثمنه فإنه يمكنه الرجوع فيه "وتجب نفقتها" لأنها فعلت ما لها أن تفعله فلو منعت نفسها لمرض لم يكن لها نفقة والفرق بينهما أن امتناعها لقبض صداقها امتناع من جهة الزوج فهو يشبه تعذر الاستمتاع كصغر الزوج بخلاف الامتناع لمرضها لأنه امتناع من جهتها فهو يشبه تعذر الاستمتاع لصغرها "وإن كان بعد الدخول فعلى وجهين" أحدهما لها النفقة كما قبل الدخول والأشهر أنه لا نفقة لها كما لو سلم المبيع ثم أراد منعه منه "بخلاف الآجل" أي إذا منعت نفسها لقبض صداقها الآجل وظاهره أنه ليس لها أن تمنع نفسها حتى تقبض ذلك لأن قبضه غير مستحق فيكون منعها منعا للتسليم الموجب للنفقة ولا فرق فيه بين الدخول وعدمه "وإن سلمت الأمة نفسها ليلا ونهارا فهي كالحرة" في وجوب النفقة على زوجها الحر ولو أبى للنص ولأنها زوجة ممكنة من نفسها فوجبت نفقتها على زوجها كالحرة فإن كان مملوكا فالنفقة واجبة لزوجته إجماعا إذا بوأها بيتا ويلزم السيد لأنه أذن في النكاح المفضي إلى إيجابها وعنه في كسب العبد لأنه لم يمكن إيجابها في ذمته ولا رقبته ولا ذمة السيد ولا إسقاطها فتعلقت بكسبه فإن عدم أو تعذر فعلى سيده وقال في "الرعاية" تجب في ذمته وقال القاضي تتعلق برقبته لأن الوطء في النكاح كالجناية وجوابه أنه دين أذن فيه السيد فلزمه كاستدانة وكيله والنفقة تجب من غير وطء كالرتقاء ونحوها وليس هو بجناية ولا قائم مقامها(8/177)
فإن كانت تأوي إليه ليلا وعند السيد نهارا فعلى كل واحد منهما النفقة مدة مقامها عنده وإذا نشزت المرأة أو سافرت بغير إذنه أو تطوعت بصوم أو حج أو أحرمت بحج منذور في الذمة فلا نفقة لها
ـــــــ
"فإن كانت تأوي إليه ليلا وعند السيد نهارا فعلى كل واحد منهما النفقة مدة مقامها عنده" أي يلزم الزوج نفقتها ليلا من العشاء وتوابعه من غطاء ووطاء ودهن للمصباح ونحوه لأنه وجد في حقه التمكين ليلا فوجبت نفقته وعلى السيد نفقتها نهارا بحكم أنها مملوكته فلم تجب على غيره في هذا الزمن وقيل كل النفقة إذن عليهما نصفين قطعا للتنازع ولو سلمها نهارا فقط لم يجز.
تذنيب: المعتق بعضه عليه من النفقة بقدر ما فيه من الحرية وباقيها على سيده أو في ضريبته أو رقبته وما وجب عليه بالحرية يعتبر فيه حاله إن كان موسرا فنفقة الموسرين وإن كان معسرا فنفقة المعسرين والباقي تجب فيه نفقة المعسرين "وإذا نشزت المرأة" فلا نفقة لها في قول عامتهم ولو بنكاح في عدة.
قال ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف إلا الحكم ولعله قاسه على المهر ولا يصح لأن النفقة وجبت في مقابلة التمكين والمهر وجب بالعقد بدليل الموت.
وفي "الترغيب" من مكنته من الوطء لا من بقية الاستمتاع فسقوط النفقة يحتمل وجهين فإن كان لها منه ولد دفع نفقته إليها إذا كانت هي الحاضنة والمرضعة ويلزمه تسليم أجرة رضاعها ويشطر لناشز ليلا فقط أو نهارا فقط لا بقدر الأزمنة ويشطر لها بعض يوم فإن أطاعت في حضوره أو غيبته فعلم ومضى زمن يقدم في مثله عادت وفي "الشرح" لا تعود إلا بحضوره أو وكيله أو حكم حاكم بالوجوب.
ومجرد إسلام مرتدة أو متخلفة عن الإسلام في غيبته تلزمه فإن صامت لكفارة أو نذر أو قضاء رمضان ووقته متسع فيهما بلا إذنه أو حبست ولو ظلما في الأصح فلا نفقة لها "أو سافرت بغير إذنه" سقطت لأنها ناشز وكذا إن انتقلت من منزلها بغير إذنه "أو تطوعت بصوم أو حج أو أحرمت بحج منذور في الذمة فلا نفقة لها" لأنها في معنى المسافرة ولما فيه من تفويت(8/178)
وإن بعثها في حاجة أو أحرمت بحجة الإسلام فلها النفقة وإن أحرمت بمنذور معين في وقته فعلى وجهين وإن سافرت لحاجتها بإذنها فلا نفقة لها ذكره الخرقي ويحتمل أن لها النفقة.
ـــــــ
الاستمتاع الواجب للزوج فإن أحرمت بأذنه فقال القاضي لها النفقة والصحيح أنها كالمسافرة لأنها بإحرامها مانعة له من التمكين "وإن بعثها في حاجة" فهي على نفقتها لأنها سافرت في شغله ومراده "أو أحرمت بحجة الإسلام" أو العمرة الواجبة أو فلها النفقة وإن أحرمت بمنذور معين في وقته فعلى وجهين وإن سافرت لحاجتها بإذنها فلا نفقة لها ذكره الخرقي ويحتمل أن لها النفقة أحرمت بفريضة أو مكتوبة في وقتها "فلها النفقة" لأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع فكان كصيام رمضان فإن قدمت الإحرام على الميقات أو قبل الوقت خرج فيها من القول ما في المحرمة بحج التطوع.
فرع إذا اعتقلت فالقياس أنه كسفرها فإن كان بغير إذنه فلا نفقة لها لخروجها زوجها فيما ليس واجبا بأصل الشرع وإن كان بإذنه فوجهان "وإن أحرمت بمنذور معين في وقته" أو صامت نذرا معينا في وقته "فعلى وجهين" أحدهما لها النفقة ذكره القاضي لأن أحمد نص على أنه ليس له منعها ولأن النذر المعين وقته متيقن أشبه حجة الإسلام.
والثاني تسقط لأنها فوتت على زوجها حقه من الاستمتاع باختيارها ولأن النذر صدر من جهتها بخلاف حجة الإسلام فإنها واجبة بأصل الشرع وقيل إن نذرت بإذنه أو قبل النكاح فلها النفقة وإن كان في نكاحه بلا إذنه فلا نفقة لها لأنها فوتت عليه حقا من الاستمتاع باختيارها.
ونقل أبو زرعة الدمشقي تصوم النذر بلا إذن وفي "الواضح" في حج الطفل إن لم يملك منعها وتحليلها لم تسقط وإن في صلاة وصوم واعتكاف منذور في الذمة وجهين وفي بقائها في نزهة أو تجارة أو زيارة أهلها احتمال "وإن سافرت لحاجتها بإذنه فلا نفقة لها ذكره الخرقي" لأنها فوتت التمكين لأجل نفسها أشبه ما لو استنظرته قبل الدخول مدة فأنظرها إلا أن يكون متمكنا من استمتاعها فلا تسقط "ويحتمل أن لها النفقة" لأن السفر بإذنه فسقط حقه من الاستمتاع وتبقى النفقة على ما كانت عليه كالثمن وحكى في "المغني" عن القاضي أن(8/179)
وأن اختلفا في نشوزها أو تسليم النفقة إليها فالقول قولها مع يمينها وإن اختلفا في بذل التسليم فالقول قوله مع يمينه.
فصل
وإن أعسر الزوج بنفقتها أو بعضها أو بالكسوة خيّرت بين فسخ النكاح والمقام.
ـــــــ
الزوج إن كان معها فنفقتها عليه لأنها في قبضته وإن كانت منفردة فلا لأنها فوتت التمكين عليه والصحيح أنه لا نفقة لها هنا بحال "وإن اختلفا في نشوزها أو تسليم النفقة" والكسوة "إليها فالقول قولها مع يمينها" لأن الأصل عدم ذلك وقال الآمدي إن اختلفا في النشوز فإن وجب بالتمكين صدق وعليها إثباته وإن وجبت بالعقد صدقت وعليه إثبات المنع ولو اختلفا بعد التمكين لم يقبل قوله وفي "التبصرة" يقبل قوله قبل الدخول وقولها بعده واختار الشيخ تقي الدين في النفقة والكسوة قول من يشهد له العرف لأنه يعارض الأصل والظاهر والغالب أنها تكون راضية وإنما تطالبه عند الشقاق كما لو أصدقها تعليم شيء فادعت أن غيره علمها وأولى لأن هنا تعارض أصلان "وإن اختلفا في بذل التسليم فالقول قوله مع يمينه" لأنه منكر والأصل عدم التسليم وكذا لو اختلفا في وقته فقالت كان من شهر قال بل من يوم.
فصل
"وإن أعسر الزوج بنفقتها أو ببعضها أو الكسوة" أو ببعضها "خيرت بين فسخ النكاح والمقام" على الأصح وهو قول عمر وعلي وأبي هريرة وأختاره الأكثر ل قوله تعالى: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [البقرة: 229] وليس الإمساك مع ترك الإنفاق إمساكا بمعروف فتعين التسريح وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "امرأتك تقول أطعمني وإلا فارقني" رواة أحمد والدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح ورواه الشيخان من قول أبي هريرة(8/180)
وتكون النفقة دينا في ذمته فإذا اختارت المقام ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك وعنه ما يدل على أنها لا تملك الفسخ بالإعسار والمذهب الأول وإن أعسر بالنفقة الماضية
ـــــــ
وروى الشافعي وسعيد عن سفيان عن أبي الزناد قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما قال أبو الزناد لسعيد سنة قال سعيد سنة ولأن هذا أولى بالفسخ من العجز بالوطء وهو على التراخي أو على الفور كخيار العيب وذكر ابن البنا وجها يؤجل ثلاثا ولها المقام ولا تمكنه ولا يحبسها فلو وجد نفقة يوم بيوم أو وجد في أول النهار ما يغديها وفي آخره ما يعشيها أو كان صانعا يعمل في الأسبوع ما يبيعه في يوم بقدر كفايتها في الأسبوع كله فلا فسخ وكذا إن تعذر عليه الكسب في بعض زمانه أو البيع لأنه يمكنه الاقتراض إلى زوال المانع فإن عجز عنه أياما يسيرة أو مرض مرضا يرجى زواله في أيام يسيرة فلا فسخ وإن كثر فلها الفسخ "وتكون النفقة" أي نفقة فقير وكسوته ومسكن "دينا في ذمته" ما لم تمنع نفسها لأن ذلك واجب على الزوج فإذا رضيت بتأخير حقها فهو في ذمته كما لو رضيت بتأخير مهرها ويجبر قادر على التكسب على الأصح "فإذا اختارت المقام ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك" على الأصح لأن وجوب النفقة يتجدد كل يوم فيتجدد لها الفسخ ولا يصح إسقاطها حقها فيما لم يجب لها كإسقاط شفعتها قبل البيع فإن تزوجته عالمة بعسرته أو شرط إلا ينفق ثم عن لها الفسخ ملكته فلو أسقطت النفقة المستقبلة لم تسقط وقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه ليس لها الفسخ لأنها رضيت بعيبه فإن رضيت بالمقام مع ذلك لم يلزمها التمكين من الاستمتاع لأنه لم يسلمها عوضه كالمشتري إذا أعسر بثمن المبيع وعليه تخليتها لتكسب وتحصل ما ينفقة عليها وإن كانت موسرة لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤنة "وعنه ما يدل علي إنها لا تملك الفسخ بالإعسار" وقاله عطاء والزهري لأنه إعسار عن حق الزوجة فلم تملك الفسخ كما لو أعسر عن دين لها عليه فعلي هذا لا تملك فراقه ويرفع يده عنها لتكسب لأنه حق لها عليه و"المذهب الأول" لما ذكرنا "وإن أعسر بالنفقة الماضية" فلا فسخ لأن البدن قد قام بدونها والنفقة(8/181)
أو نفقة الموسر أو المتوسط أو الأدم أو الخادم فلا فسخ لها وتكون النفقة دينا في ذمته وقال القاضي تسقط وإن أعسر بالسكنى أو المهر فهل لها الفسخ على الوجهين وإن أعسر زوج الأمة فرضيت أو زوج الصغيرة أو المجنونة لم يكن لوليهن الفسخ ويحتمل أن له ذلك.
ـــــــ
الماضية دين "أو نفقة الموسر أو المتوسط أو الأدم" في الأصح في "أو نفقة الخادم فلا فسخ لها" لأن الزيادة تسقط باعتباره ويمكن الصبر عنها وفي "الانتصار" احتمال في الكل مع ضررها "وتكون النفقة دينا في ذمته" لأنها نفقة تجب علي سبيل العوض فتثبت في الذمة كالنفقة الواجبة للمرأة قوتا وهذا فيما عدا الزائد علي نفقة المعسر فإن ذلك يسقط بالإعسار "وقال القاضي تسقط" أي زيادة يسار وتوسط لأنه من الزوائد فلم تثبت في ذمته كالزائد عن الواجب عليه وقال ابن حمدان غير الأدم.
تتمة: إذا اعتادت الطيب والناعم فعجز عنها فلها الفسخ قال ابن حمدان فبالأدم أولى "وإن أعسر بالسكني" أي بأجرته "أو المهر" قد تقدم في الصداق "فهل لها الفسخ علي وجهين أحدهما" لا فسخ وقاله القاضي لأن البيتية تقوم بدونه والثاني لها الفسخ وقاله ابن عقيل وهو أشهر لأن المسكن مما لابد منه كالنفقة "وإن أعسر زوج الأمة فرضيت" به لم يكن لسيدها الفسخ نقول نفقة الأمة المزوجة حق لها ولسيدها لكل واحد منهما طلبها ولا يملك واحد منهما إسقاطها لما في ذلك من الإضرار فعلي هذا إن أعسر الزوج بها فلها الفسخ كالحرة وإن لم تفسخ فقال القاضي لسيدها الفسخ لأن عليه ضررا في عدمها لما يتعلق بقواتها من فوات ملكه وتلفه فإن أنفق عليها سيدها محتسبا بالرجوع رجع علي الزوج رضيت أو كرهت وقال أبو الخطاب وهو المنصوص ليس لسيدها الفسخ إذا كانت راضية لأنها حق لها فلم يملك سيدها الفسخ كالفسخ بالعيب "أو" أعسر "زوج الصغيرة أو المجنونة لم يكن لوليهن الفسخ" لأنه فسخ لنكاحها فلم يملكه الولي كالفسخ بالعيب "ويحتمل أن له ذلك" لأنه فسخ لفوات العوض فملكه كفسخ البيع لتعذر الثمن.(8/182)
فصل
وإن منعها النفقة أو بعضها مع اليسار وقدرت له على مال أخذت منه ما يكفيها وولدها بالمعروف بلا إذنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند حين قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فإن لم تقدر أجبره الحاكم وحبسه فإن لم ينفق دفع
ـــــــ
فصل
"وإن منعها النفقة أو بعضها" أو الكسوة أو بعضها "مع اليسار وقدرت له على مال أخذت منه ما يكفيها وولدها" الصغير "بالمعروف بلا إذنه" نص عليه "لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند حين قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي قال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه من حديث عائشة ولفظه للبخاري وظاهره يدل على أنه يعطيها بعض الكفاية ولا يتمها لها فرخص النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ تمام الكفاية بغير علمه لأنه موضع حاجه فإن النفقة لا غنى عنها ولا قوام إلا بها ولأنها تتجدد بتجدد الزمان شيئا فشيئا فتشق المرافعة إلى الحاكم والمطالبة بها في كل الأوقات وذكر القاضي أنها تسقط بفوات وقتها عند جمع ما لم يفرضها حاكم بخلاف الدين فإنه لا يسقط عند أحد بترك المطالبة وفي "الروضة" القياس منعها تركناه للخبر وفي ولدها وجه في "الترغيب" لكن يرد على المذهب قوله عليه السلام: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " فإنه يقتضي المنع من الأخذ مطلقا وجوابه حديث هند لأنه خاص بالنفقة فقدم على غيره
فرع : لا تقترض على الأب ولا تتفق على الصغير من ماله إلا بإذن وليه "فإن لم تقدر" أي على الأخذ من ماله رافعته إلى الحاكم فيأمره بالاتفاق "أجبره الحاكم" أي على الإنفاق "و" إن أبى "حبسه" لأن الحاكم وضع لفصل الخصومات والحبس طريق إلى الفصل فتعين فعله "فإن لم ينفق دفع" الحاكم(8/183)
النفقة من ماله فإن غيبه وصبر على الحبس فلها الفسخ وقال القاضي ليس لها ذلك وإن غاب ولم يترك لها نفقة ولم تقدر على مال له ولا الاستدانة عليه فلها الفسخ إلا عند القاضي فيما إذا لم يثبت إعساره .
ـــــــ
"النفقة من ماله" لأنها حق واجب عليه فإذا امتنع من عليه ذلك من أدائه وجب الدفع إلى مستحقه من مال خصمه كالدين بل أولى لأنها آكد من الدين بدليل جواز الأخذ بغير إذن المالك فإن لم يجد إلا عروضا أو عقارا باعه ودفع إليها من ثمنه كالنقدين ويدفعها منه يوما بيوم.
تنبيه : حكم وكيله حكمه في المطالبة والأخذ من المال عند امتناعه فإن ادعت يساره فأنكر فإن عرف له مال قبل قولها وإلا قوله وإن اختلفا في فرض الحاكم لها أو في وقتها فقال فرضها منذ شهر فقالت بل منذ عام قبل قوله لأن الأصل معه "فإن غيبه وصبر على الحبس فلها الفسخ" إذا غيب الزوج ماله وتعذر الإنفاق من جهته وصبر على الحبس فلها الفسخ كما لو كان معسرا وهو ظاهر الخرقي واختاره أبو الخطاب وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لحديث عمر أنه كتب في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا وهذا إجبار على الطلاق عند الامتناع من الإنفاق لأن الإنفاق عليها من ماله متعذر فكان لها الخيار كحال الإعسار بل هذا أولى بالفسخ فإنه إذا جاز الفسخ على المعذور فغيره أولى "وقال القاضي" واختاره الأكثر قاله في "الترغيب" "ليس لها ذلك" أي لا تملك الفسخ لأن الفسخ لعيب المعسر ولم يوجد هنا ولأن الموسر في مظنة الأخذ من ماله ولأن الحاضر قد ينفق لطول الحبس "وإن غاب" موسر "ولم يترك لها نفقة ولم تقدر على مال له ولا الاستدانة عليه فلها الفسخ" لأنها تقدر على الوصول إلى نفقتها أشبه ما لو ثبت إعساره وظاهره انه إذا ترك لها نفقة أو قدرت علي مال له أو على الاستدانة عليه أنه لا فسخ لها لأن الإنفاق عليها من متعذر "إلا عند القاضي فيما إذا لم يثبت إعساره" لأن الفسخ ثبت لعيب الإعسار ولم يثبت الإعسار هنا وهذه مثل الأولي في الفسخ بل أولى(8/184)
ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم حاكم
ـــــــ
لأن الحاضر ربما إذا طال عليه الحبس أنفق وهذا قد تكون غيبته بحيث لا يعلم خبره فيكون الضرر فيه أكثر وعلم أنه إذا ثبت إعساره أن لها الفسخ مطلقا.
تذنيب: إذا كان له عليها دين من جنس الواجب لها من النفقة فأراد أن يحتسب عليها وهي موسرة فله ذلك وإن كانت معسره فلا لأن قضاء الدين في الفاضل عن الكفاية ولا فضل لها فلو أنفق عليها من مال زوجها الغائب ثم تبين أنه مات قبل إنفاقه حسب عليها أنفقته بنفسها أو بأمر الحاكم بغير خلاف نعلمه قال ابن الزاغوني إذا ثبت عند الحاكم صحة النكاح ومبلغ المهر فإن علم مكانه كتب إن سلمت إليها حقها وإلا بعت عليك بقدره فإن أبي أو لم يعلم بمكانه باع بقدر نصفه لجواز طلاقه قبل الدخول "ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم حاكم" لأنه فسخ مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم كالفسخ للعنة ولا يفسخ إلا بطلبها لأنه لحقها أو تفسخ هي بأمره فإذا فرق الحاكم بينهما فهو فسخ لا رجعة له فيه فإذا ثبت إعساره فسخ بطلبها أو فسخت بأمره ولا ينفذ بدونه وقيل ظاهرا وفي "الترغيب" ينفذ مع تعذره زاد في "الرعاية" مطلقا وإن قلنا هو طلاق لأمره بطلبها بطلاق أو نفقة فإن أبي طلق عليه جزم به في "التبصرة" فإن راجع فقيل لا تصح مع عسرته وقيل بلي فيطلق ثانيه ثم ثالثه وقيل إن طلب المهلة ثلاثة أيام أجيب فلو لم يقدر فقيل ثلاثة أيام وقيل إلى أخر اليوم المتخلفة نفقته وفي "المغني" يفرق بينهما وهي فسخ فإن أجبره على الطلاق فطلق فراجع ولم ينفق فللحاكم الفسخ وظاهر كلام القاضي أن الحاكم يملك الطلاق والفسخ وإن أيسر في العدة فله ارتجاعها لأنه تفريق لامتناعه من الواجب أشبه تفريقه بين المولي وامرأته.(8/185)
باب نفقة الأقارب والمماليك
تجب على الإنسان نفقة والديه وولده بالمعروف إذا كانوا فقراء وله ما ينفق عليهم فاضلا عن نفقة نفسه وامرأته وكذلك تلزمه نفقة سائر آبائه وإن علوا وأولاده وإن سفلوا
ـــــــ
باب نفقة الأقارب و المماليك
وهي واجبة مع اليسار فقط "تجب على الإنسان نفقة والديه" لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ولقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الاسراء: 23] ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما ول قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [لقمان: 15] ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتها ولقوله عليه السلام: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد ولأن الإنسان يجب عليه أن ينفق على نفسه وزوجته وكذا على بعضه وأصله "وولده بالمعروف" الجار متعلق تجب أو بعضها ل قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] الطلاق "إذا كانوا فقراء" أي لا مال لهم و لا كسب يستغنون به من غيرهم والكسوة والسكنى كالنفقة وشرطه الحرية فمتى كان أحدهما رقيقا فلا نفقة قاله الزركشي وجزم في "الخرقي" و"المغني" أن الولد الرقيق لا نفقة له على أبيه وإن كان الأب حرا "وله ما ينفق عليهم فاضلا عن نفقة نفسه وامرأته" ورقيقه يومه وليلته من كسبه وأجرة ملكه لقوله عليه السلام: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" ولأنها مواساة فلم تجب على المحتاج كالزكاة "وكذلك تلزمه نفقة سائر آبائه وإن علوا وأولاده وإن سفلوا" في قول الجمهور لدخولهم في اسم الآباء والأولاد ل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ } [النساء: 11] فيدخل فيه ولد البنين وقال: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ(8/186)
وتلزمه نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواهم سواء ورثه الآخر أو لا كعمته وعتيقه وحكي عنه إن لم يرثه الآخر فلا نفقة له فأما ذوو الأرحام فلا نفقة عليهم رواية واحدة ذكره القاضي وقال أبو الخطاب يخرّج في وجوبها عليهم روايتان.
ـــــــ
وَلَدٌ} [النساء:11] وقال: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] ولأن بينهما قرابة فوجب العتق ورد الشهادة أشبه الولد والوالدين القريبين "وتلزمه نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواهم" ظاهر "المذهب" أن النفقة تجب على كل وارث لموروثه بشرط إرث المنفق وغناه وفقر المنفق عليه "سواء ورثه الآخر" لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: من الآية233] أوجب النفقة على الأب ثم عطف الوارث عليه وذلك يقتضي الاشتراك في الوجوب "أولا" يرثه "كعمته وعتيقه" أي كابن الأخ مع عمته والمعتق مع عتيقه للآيه "وحكي عنه إن لم يرثه الآخر فلا نفقة" له لأن الوارث أحد القرابتين فلم تلزمه نفقة قريبه كالآخر وعنه تختص العصبة مطلقا نقلها جماعة فيعتبر أن يرثهم بفرض أو تعصيب في الحال لقضاء عمر على بني عم منفوس بنفقته احتج به أحمد وكالعقل فلا يلزم بعيدا موسرا يحجبه قريب معسر وعنه بلى إن ورثه وحده لزمته مع يساره ومع فقره تلزم بعيدا موسرا فلا تلزم جدا مع أب فقير وأخا موسرا مع ابن فقير على الأولى وتلزم على الثانية وإن اعتبر إرث في غير عمودي نسبه لزمت الجد قال المؤلف وهو الظاهر وأطلق في "الترغيب" ثلاثة أوجه وعنه يعتبر توارثهما اختاره أبو محمد الجوزي والأول أصح لما روي أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أبر قال: "أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة " رواه أبو داود وبه يظهر الفرق بينه وبين قريبه لأنه يرثه بخلاف العكس "فأما ذوو الأرحام" وهم الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب "فلا نفقة عليهم رواية واحدة ذكره القاضي" لعدم النص فيهم ولأن قرابتهم ضعيفة وإنما يأخذون ماله عند عدم الوارث فهم كسائر المسلمين بأن المال يصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث بدليل تقديم الرد عليهم "وقال أبو الخطيب يخرّج في وجوبها عليهم روايتان" إحداهما ما سبق وهي المذهب.(8/187)
وإن كان للفقير وارث فنفقة عليهم على قدر إرثهم منه فإذا كان أم وجد فعلى الأم الثلث والباقي على الجد وإن كانت له جدة وأخ فعلى الجدة السدس والباقي على الأخ وعلى هذا المعنى حساب النفقات إلا أن يكون له أب فالنفقة عليه وحده.
ـــــــ
والثانية تجب لكل وارث واختاره الشيخ نقي الدين لأنه من صلة الرحم وهو عام لعموم الميراث من ذوي الأرحام بل أولى قال وعلى هذا ما ورد من حمل الخال للعقل في قوله "ابن أخت القوم منهم" وقوله "مولى القوم منهم" وكان مسطح ابن خالة أبي بكر فيدخلون في قوله {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الاسراء:26] حقه وأوجبها جماعة لعمودي نسبه فقط "وإن كان للفقير وارث فنفقته عليهم على قدر إرثهم منه" لأن الله تعالى رتب النفقة على الإرث فيجب أن يترتب على المقدار عليه وحاصله أن الصغير إذا لم يكن له أب فالنفقة على وارثه مطلقا "فإذا كان أم وجد فعلى الأم الثلث والباقي على الجد" لأنهما يرثانه كذلك.
مسائل: ابن وبنت النفقة عليهما أثلاثا.
أم وابن على الأم السدس والباقي على الابن فإن كانت بنت وابن ابن فالنفقة عليهما نصفان.
أم وبنت النفقة عليهما أرباعا كميراثهما منه فإن كانت بنت وابن بنت فالنفقة على البنت "وإن كانت له جدة وأخ فعلى الجدة السدس والباقي على الأخ" لأن ميراثهما منه كذلك "وعلى هذا المعنى حساب النفقات" يعني أن ترتيب النفقات على ترتيب الميراث فكما أن للجدة السدس من الميراث كذلك عليها سدس النفقة والباقي على الأخ لأن الباقي له ولو اجتمع بنت وأخت أو بنت وأخ أو ثلاث أخوات مفترقات فالنفقة بينهم على قدر الميراث في ذلك سواء كان في المسألة رد أو عول أو لا ولو اجتمع أم أم وأم أب فهما سواء في النفقة لإستوائهما في الميراث "إلا أن يكون له أب فالنفقة عليه وحده" بغير خلاف نعلمه وسنده قوله تعالى: { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: 6] الآية { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ(8/188)
ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما ومن له أم فقيرة وجدة موسرة فالنفقة عليها ومن كان صحيحا مكلفا لا حرفة له سوى الوالدين فهل تجب نفقته على روايتين
ـــــــ
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233]وفي "الواضح" مادامت أمه أحق به وقال ابن عقيل ومثله الولد أي يختص الولد بنفقة والده وقال القاضي وأبو الخطاب القياس في أب وابن أن يلزم الأب سدس فقط لكن تركه أصحابنا لظاهر الآية ذكره في "المستوعب" "ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما" الابن لعسرته والأخ لعدم ميراثه ويتخرج في كل وارث لولا الحجب إذا كان من يحجبه معسرا وجهان أحدهما لا نفقة له عليه لأنه غير وارث كالأجنبي.
والثاني عليه النفقة لوجود القرابة المقتضية للإرث والإنفاق صححه السامري وصرح ابن عقيل بذلك والمانع من الإرث لا يمنع من الإنفاق لأنه معسر لا يمكنه الإنفاق فوجوده بالنسبة إلى الإنفاق كعدمه "ومن له أم فقيرة وجدة موسرة فالنفقة عليها" أي على الجدة وذلك أن الوارث القريب المعسر إذا اجتمع مع بعيد موسر من عمود النسب كهذه المسألة وجبت النفقة على الموسر فأب معسر مع جد موسر النفقة على الجد.
قال أحمد لا يدفع الزكاة إلى ولد ابنته لقوله عليه السلام للحسن إن ابني هذا سيد فسماه ابنه وهو ابن بنته فإذا منع من دفع الزكاة إليهم لقرابتهم وجب أن تلزمه نفقتهم مع حاجتهم وبناه في "المحرر" على ما تقدم من الروايات "ومن كان صحيحا مكلفا لا حرفة له سوى الوالدين فهل تجب نفقته على روايتين" لا يشترط في نفقة الوالدين والمولودين نقص الخلقة ولا نقص الأحكام في ظاهر المذهب لقوله عليه السلام لهند "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" ولم يستثن منهم بالغا ولا صحيحا ولأنه ولد فقير فاستحق النفقة على والده الغني كالزمن وقال القاضي لا يشترط ذلك في الوالدين وهل يشترط في الولد فكلام أحمد يقتضي روايتين: إحداهما يلزم لأنه فقير.
والثانية: إن كان يكتسب فينفق على نفسه لم تلزم نفقته وهذا يرجع إلى(8/189)
ومن لم يفضل عنه إلا نفقة واحد بدأ بالأقرب فالأقرب ، فإن كان له أبوان فهو بينهما وإن كان معهما ابن ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: يقسمه بينهم. والثاني: يقدمه عليهما. والثالث: يقدمهما عليه.
ـــــــ
الذي لا يقدر على كسب ما يقوم به فتلزم نفقته رواية واحدة سواء كان ناقص الأحكام أو الخلقة.
وظاهره إذا لم يكن صحيحا فتجب نفقته بغير خلاف أو ليس بمكلف كالصبي والمجنون فإنها تجب بل أولى لأن عجزهما أبلغ من عجز غير الصحيح وكذا إذا كان له حرفة فإنها لا تجب نفقته بغير خلاف لأن الحرفة تغنيه ونفقة القريب لا تجب إلا مع الفقر ولا بد أن تكون الحرفة يحصل بها غناه فإن لم تغنه فالخلاف وعنه لا نفقة لفقير غير عمودي النسب وهل يلزم المعدم الكسب لنفقة قريبه على الروايتين في الأولة قاله في "الترغيب" وجزم جماعة "يلزمه ومن لم يفضل عنه إلا نفقة واحد بدأ" بامرأته لأنها تجب على سبيل المعاوضه ثم برقيقه لحديث جابر ولأنها تجب مع اليسار والإعسار ويقدم من يخدمه على غيره ثم "بالأقرب فالأقرب" لأن نفقة القريب تجب على سبيل المواساه ثم العصبة ثم التساوي وقيل يقدم وارث ثم التساوي.
وفي "المحرر" فإن استويا قدم العصبة على غيره وإلا فهما سواء وقيل يقدم من امتاز بفرض أو تعصيب فإن تعارضت المزيتان أو فقدتا فهما سواء "فإن كان له أبوان فهو بينهما" هذا هو أحد الوجوه لتساويهما وقيل تقدم الأم لأنها أحق بالبر ولها فضيلة الحمل والرضاعة والتربية فهو أضعف منها والمذهب يقدم الأب عليها لفضيلته وانفراده بالولاية واستحقاق الأخذ من ماله والأول أولى قاله في "الشرح" "وإن كان معهما ابن" وهما صحيحان "ففيه ثلاثة أوجه أحدها يقسمه بينهم" لتساويهم في القرب "والثاني يقدمه عليهما" لوجوب نفقته بالنص نقل أبو طالب الابن أحق بالنفقة منها وهي أحق بالبر "والثالث يقدمهما عليه" لأن حرمتهما آكد وقال القاضي إن كان الابن صغيرا أو مجنونا قدم لأن نفقته وجبت بالنص مع أنه عاجز عن الكسب وإن كان كبيرا(8/190)
وإن كان له أب وجد أو ابن وابن ابن فالأب والابن أحق ولا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدين وقيل في عمودي النسب روايتان وإن ترك الإنفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه
ـــــــ
والأب زمن فهو أحق لأن حرمته آكد وحاجته أشد.
مسالة: أم أم وأم أب بينهما نصفان أبو أب أولى من أبي الأم لامتيازه بالتعصب ومع أبي أبي أب يستويان وقيل يقدم أبو أم وفي الفصول احتمال عكسه وجزم به المؤلف وفي "المستوعب" يقدم الأحوج في الكل واعتبر في "الترغيب" بإرث وأن مع الاجتماع يوزع لهم بقدر إرثهم.
فرع : إذا كان من تجب عليه خنثي مشكل فالنفقة عليه على قدر ميراثه فإن انكشف حاله فبان أنه أنفق أكثر رجع بالزيادة وإن أنفق أقل رجع عليه فإن كان أحد الورثة موسرا لزمه بقدر إرثه وعنه الكل.
قال ابن حمدان ومثله إذا كان أحدهما حاضرا وتعذر أخذ نصيب الغائب "وإن كان له أب وجد أو ابن وابن ابن فالأب والابن أحق" لأنهما أقرب وأحق بميراثه كالأب مع الأخ وقيل بالتساوي أي يستوي الجد والأب والابن وابنه لتساويهما في الولادة والتعصيب قال أبو الخطاب هو سهو من القاضي قال في "الشرح" إذا اجتمع ابن وجد أو أب وابن ابن احتمل وجهين أحدهما تقديم الابن والأب لقربهما ولا يسقط إرثهما بحال ويحتمل التسوية بينهما لأنهما سواء في الإرث والتعصيب والولادة والأول أولى "ولا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدين" أي إذا كان دين القريبين وقيل في عمودي النسب روايتان وإن ترك الإنفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه مختلفا فلا نفقة لأحدهما على الآخر لأنه لا توارث بينهما ولا ولاية أشبه ما لو كان أحدهما رقيقا "وقيل في عمودي النسب روايتان" ذكرهما القاضي إحداهما تجب لأن نفقته مع اتفاق الدين فتجب مع اختلافه كنفقة الزوجة والثانية لا تجب ونصرها في "الشرح" لأنها مواساة على سبيل البر والصلة فلم تجب مع اختلاف الدين كأداء زكاته إليه وعقله عنه وإرثه منه "وإن ترك الإنفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه" كذا أطلقه الأكثر وجزم به في "الفصول" لأن نفقة القريب وجبت لدفع الحاجة وإحياء(8/191)
ومن لزمته نفقة رجل فهل تلزمه نفقة امرأته على روايتين.
فصل
وتجب نفقة ظئر الصبي على من تلزمه نفقته وليس للأب منع المرأة من رضاع ولدها إذا طلبت ذلك.
ـــــــ
النفس وقد حصل ذلك في الماضي بدونها وذكر جماعة لا بفرض حاكم لأنه تأكد بفرضه كنفقة الزوجة وفي "المحرر" لا تلزمه وإن فرضت إلا أن يستدان عليه بإذن الحاكم وظاهر ما اختاره الشيخ تقي الدين وتستدين عليه فلا ترجع إن استغنى بكسب أو نفقة متبرع وظاهر كلامهم يأخذ من وجبت له النفقة بلا إذن كزوجة نقل ابناه يأخذ من مال والده بلا إذنه بالمعروف إذا احتاج ولا يتصدق "ومن لزمته نفقة رجل فهل تلزمه نفقة امرأته على روايتين" أشهرهما أنه تلزمه نفقتها وخادم تحتاجه لأنه لا يتمكن من الإعفاء إلا به والثانية لا تلزمه لأن بنيته تقوم بدون المرأة بخلاف نفقة نفسه وحملها في "الشرح" على أن الابن كان يجد نفقتها وعنه تجب كزوجة الأب فقط وعنه تجب في عمودي النسب وهي مسألة الإعفاف ويلزمه إعفاف أبيه إذا احتاج إلى ذلك وكذا ابنه إذا لزمته نفقته وهو أن يزوجه حرة تعفه أو بسرية ولا يملك استرجاع أمة أعفه بها مع غناه في الأصح ويصدق في أنه تائق بلا يمين ويعتبر عجزه.
ويكفي إعفافه بواحدة ويعفه ثانيا إن ماتت وقيل لا كمطلق لعذر في الأصح ويلزمه إعفاف أمه كالأب قال القاضي ولو سلم فالأب آكد لأنه لا يتصور ولاية بالتزويج ونفقتها عليه وقيل يلزمه إعفاف كل إنسان تلزمه نفقته.
فصل
"وتجب نفقة ظئر الصبي" كذا في "المحرر" وعبر في "الفروع" صغير وهو أولى حولين "على من تلزمه نفقته" لأن نفقة ظئر الصغير كنفقة الكبير ويختص وجوبها بالأب وحده "وليس للأب منع المرأة من رضاع ولدها إذا طلبت ذلك" أي إذا طلبت الأم رضاع ولدها بأجرة مثلها ولو أرضعه غيرها مجانا فهي أحق.(8/192)
وإن طلبت أجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فهي أحق وإن امتنعت من رضاعه لم تجبر إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه ولا تجب عليه أجرة الظئر لما زاد على الحولين.
ـــــــ
به سواء كانت تحته أو بائنا منه ل قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الآية وهو خبر يراد به الأمر وهو عام في كل والدة ل قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] ولأنها أشفق وأحق بالحضانة ولبنها امرأ وقيل بلى في حباله كخدمته نص عليها "وإن طلبت أجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فهي أحق" لما تقدم ولأن في إرضاع غيرها تفويتا لحق الأم من الحضانة وإضرارا بالولد فإن طلبت أكثر من أجر مثلها ووجد من ترضعه متبرعة أو بأجرة مثلها جاز انتزاعه منها ل قوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق:6] ونقل أبو طالب هي أحق بما يطلب به من الأجرة لا بأكثر وفي "المنتخب" إن استأجرها من هي تحته لرضاع ولده لم يجز لأنه استحق نفعها كاستئجارها للخدمة شهرا وإن لم يجد مرضعة إلا بتلك الأجرة فالأم أحق "وإن امتنعت من رضاعه لم تجبر" إذا كانت مفارقة لا نعلم فيه خلافا وكذا إن كانت في حبال الزوج في قول أكثرهم ل قوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ} [الطلاق: 6] الآية وإن اختلفا فقد تعاسرا ولأن الإجبار على الرضاع إما أن يكون لحق الولد أو الزوج أو لهما لا يجوز أن يكون لحق الزوج فإنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا على خدمته فيما يختص به ولا لحق الولد لأنه لو كان له للزمها بعد الفرقة ولأنه مما يلزم الوالد لولده كالنفقة ولا يجوز أن يكون لهما لأنه لو كان لهما لثبت الحكم به بعد الفرقة والآية محمولة على حال الإنفاق وعدم التعاسر.
"إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه" بأن لا توجد مرضعة سواها أو لا يقبل الصغير الارتضاع من غيرها فإنه يجب عليها التمكين من رضاعه لأنه حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها كما لو لم يكن له أحد غيرها "ولا تجب عليه أجرة الظئر لما زاد على الحولين" ل قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [البقرة: 233] فلم تلزمه على ما زاد على ذلك لأنه زائد على الكمال أشبه الحلوى وعلم منه أنه لا يفطم قبل تمام الحولين إلا برضى أبويه ما لم(8/193)
وإن تزوجت المرأة فلزوجها منعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها.
فصل
وعلى السيد الإنفاق على رقيقه قدر كفايتهم وكسوتهم وتزويجهم إذا طلبوا ذلك.
ـــــــ
ينضر وفي "الرعاية" هنا يحرم رضاعه بعدهما ولو رضيا وظاهر "عيون المسائل" إباحته مطلقا "وإن تزوجت المرأة فلزوجها منعها من رضاع ولدها" مطلقا لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج من الاستمتاع في كل الزمان سوى أوقات الصلوات فالرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات فكان له منعها كالخروج من منزله "إلا أن يضطر إليها" فإنه حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها فقدم على الزوج كتقديم المضطر على المالك إذا لم يكن به مثل ضرورته.
فرع : إذا استأجرها للرضاع ثم تزوجت صح النكاح ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى تمضي المدة لأن منافعها ملكت بعقد سابق أشبه ما لو اشترى أمة مزوجة ذكره في "الشرح" وللزوج الثاني وطؤها ما لم يفسد اللبن فإن فسد فللمستأجر فسخ الإجارة والأشهر تحريم الوطء فإن شرطت قي عقد النكاح أنها ترضعه فلها شرطها.
فصل
"وعلى السيد الإنفاق على رقيقه" عرفا ولو آبق وأمة ناشز "قدر كفايتهم" من غالب قوت البلد سواء كان قوت سيده أو دونه أو فوقه أدم مثله بالمعروف "وكسوتهم" مطلقا أي لأمثال الرقيق في ذلك البلد الذي هو فيه وكذا المسكن لما روى أبو هريرة مرفوعا قال "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" رواه الشافعي والبيهقي بإسناد جيد واتفقوا على وجوب ذلك على السيد لأنه أخص الناس به فوجبت نفقته عليه كبهيمته ومحله ما لم يكن للرقيق صنعة يتكسب بها "و" له "تزويجهم إذا طلبوا ذلك" كالنفقة لقوله(8/194)
إلا الأمة إذا كان يستمتع بها ولا يكلفهم من العمل ما لا يطيقون ويريحهم وقت القيلولة والنوم وأوقات الصلوات ويداويهم إذا مرضوا.
ـــــــ
تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] والأمر يقتضي الوجوب ولأنه يخاف من ترك إعفافه الوقوع في المحظور وهو مخير بين تزويجه أو تمليكه أمة ولا يجوز تزويجه إلا باختياره إذا كان كبيرا "إلا الأمة إذا كان يستمتع بها" لأن المقصود قضاء الحاجة وإزالة ضرر الشهوة وإن شاء زوجها إذا طلبت ذلك وظاهره ولو مكاتبة بشرطه وفي "المستوعب" يلزمه تزويج المكاتبة بطلبها ولو وطئها وأبيح بالشرط ذكره ابن البنا لما فيه من اكتساب المهر فملكته كأنواع التكسب وظاهر كلامهم خلافه وهو أظهر لما فيه من إسقاط حق السيد وإلغاء الشرط وعلى الأول إن أبى أجبر عليه وتصدق في أنه لا يطأ على الأصح.
فرع: من غاب عن أم ولد زوجت نص عليه لحاجة نفقة وكذا أو وطئ عند من جعله كنفقة وفي "الانتصار" يزوجها من يلي ماله أومأ إليه في رواية بكر وتلزمه نفقة ولد أمته الرقيق دون زوجها ويلزم حرة نفقة ولدها من عبد نص عليه ومكاتبة نفقة ولدها وكسبه لها وينفق على من بعضه حر بقدر رقه وبقيتها عليه "ولا يكلفهم من العمل ما لا يطيقون" لحديث أبي ذر "ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم" رواه البخاري ولأنه مما يشق عليه والمراد مشقة كثيرة ولا يجوز تكليف الأمة بالرعي لأن السفر مظنة الطمع لبعدها عن من يذب عنها وقد ذكر صاحب "المحرر" عن نقل أسماء "النوى" على رأسها للزبير من نحو ثلثي فرسخ من المدينة أنه حجة في سفر المرأة القصير بغير محرم ورعي جارية ابن الحكم في معناه و أولى وقال غيره يجوز ذلك قولا واحدا لأنه ليس بسفر شرعا ولا عرفا ولا يتأهب له أهبته "ويريحهم وقت القيلولة والنوم وأوقات الصلوات" لأن العادة جارية بذلك "ويداويهم إذا مرضوا" وجوبا قاله جماعة لأن نفقتهم تجب بالملك ولهذا تجب مع الصغر وظاهر كلام آخرين يستحب قال في "الفروع" وهو(8/195)
ويركبهم عقبة إذا سافر بهم وإذا ولي أحدهم طعامه أطعمه معه فإن أبى أطعمه منه ولا يسترضع الأمة لغير ولدها إلا أن يكون فيها فضل عن ريه ولا يجبر العبد على المخارجة فإن اتفقا عليها جاز.
ـــــــ
أظهر قال ابن شهاب في كفن الزوجة العبد لا مال له فالسيد أحق بنفقته ومؤنته ولهذا النفقة المختصة بالمرض تلزمه من الدواء وأجرة الطبيب بخلاف الزوجة "ويركبهم عقبة" بوزن غرفة وهي النوبة "إذا سافر بهم" لئلا يكلفهم ما لا يطيقون ومعناه يركبه تارة ويمشيه أخرى "وإذا ولي أحدهم طعامه أطعمه معه" فإن أبى أطعمه منه لما روى أبو هريرة مرفوعا "إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليجلسه معه فإن أبى فليروغ له اللقمة واللقمتين" ومعنى الترويغ غمسها في المرق والدسم ودفعها إليه ولأن الحاضر تتوق نفسه إلى ذلك ولكن لا يأكل إلا بإذنه نص عليه "ولا يسترضع الأمة لغير ولدها" لأن فيه إضرارا بولدها للنقص من كفايته وصرف اللبن المخلوق له إلى غيره مع حاجته إليه كنقص الكبير عن كفايته "إلا أن يكون فيها فضل عن ريه" لأنه ملكه وقد استغنى عنه الولد فكان له استيفاؤه كما لو مات ولدها وبقي لبنها.
ولا يجوز له إجارتها بلا إذن زوج قال المؤلف لاشتغالها عنه برضاع وحضانة وهذا إنما يجيء إذا آجرها في مدة حق الزوج فلو آجرها في غيره توجه الجواز و إطلاقه مقيد بتعليله وقد يحتمل ألا يلزم تقيده به فأما إن ضر ذلك بها لم يجز "ولا يجبر العبد على المخارجة" ومعناه أن يضرب عليه خراجا معلوما يؤديه إلى سيده وما فضل للعبد لأن ذلك عقد بينهما فلا يجبر عليه كالكتابية "فإن اتفقا عليها جاز" بشرط أن يكون قدر كسبه فأقل بعد نفقته لما روي أن أبا طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه أجره وأمر مواليه أن يخففوا عنه من خراجه وكان كثير من الصحابة يضربون على رقيقهم خراجا وروي أن الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد منهم درهم كل يوم وجاء أبو لؤلؤة إلى عمر بن الخطاب فسأله أن يسأل المغيرة بن شعبة أن يخفف عنه من خراجه.
فإن لم يكن له كسب أو وضع عليه أكثر من كسبه لم يجز وفي "الترغيب"(8/196)
ومتى امتنع السيد من الواجب عليه فطلب العبد البيع لزمه بيعه وله تأديب رقيقه بما يؤدب به ولده وامرأته وللعبد أن يتسرى بإذن سيده.
ـــــــ
إن قدر خراجا بقدر كسبه لم يعارض وهو كعبد مأذون له في التصرف في هدية طعام وإعارة متاع وعمل دعوة وظاهر كلام جماعة لا يملك ذلك وإن فائدة المخارجة ترك العمل بعد الضريبة "ومتى امتنع السيد من الواجب عليه فطلب العبد البيع لزمه بيعه" نص عليه كزوجة وقاله في "عيون المسائل" وغيرها في أم الولد وهو ظاهر كلامهم سواء امتنع السيد من ذلك لعجز أو غيره لأن بقاء ملكه عليه مع الإخلال بسد أمره إضرار به وإزالة الضرر واجبة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "جاريتك تقول أطعمني واستعملني إلى من تتركني" رواه أحمد والدار قطني بإسناد صحيح ورواه البخاري من قول أبي هريرة ونقل أبو داود عنه أتباع الجارية وهو يكسوها ويطعمها قال لا إلا أن تحتاج إلى زوج لأن الملك للسيد فلا يجبر على إزالته من غير ضرر كما لا يجبر على طلاق زوجته مع القيام بما يجب لها ولا على بيع بهيمة مع الإنفاق عليها "وله تأديب رقيقه" عبدا كان أو أمة "بما يؤدب به ولده وامرأته" أي له تأديبهما بالتوبيخ والضرب كما يؤدب ولده وامرأته في النشوز ولا بأس بالزيادة على ذلك للأخبار الصحيحة وليس له ضربه على غير ذنب ولا أن يضربه ضربا مبرحا إن أذنب ولا لطمه في وجهه لما روى ابن عمر مرفوعا "من لطم غلامه فكفارته عتقه" رواه مسلم ونقل حرب لا يضرب إلا في ذنب بعد عفوه مرة أو مرتين ولا يضربه شديدا ونقل حنبل لا يضربه إلا في ذنب عظيم لقوله عليه السلام: "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها"
ويقيده إذا خاف عليه ويضربه غير مبرح فإن وافقه وإلا باعه لقوله عليه السلام "لا تعذبوا عباد الله" "وللعبد أن يتسرى بإذن سيده" نص عليه وهو قول قدماء الأصحاب من غير بناء على روايتي الملك وعدمه بل الخرقي وجماعة قالوا إنه لا يملك ويباح له التسري نقل أبو طالب أيتسرى العبد قال نعم قال ذلك ابن عمر وابن عباس وغير واحد من التابعين وعطاء ومجاهد(8/197)
وقيل يبنى ذلك على الروايتين في ملك العبد بالتمليك ولو وهب له سيده أمة لم يكن له التسري بها إلا بإذنه.
ـــــــ
وأهل المدينة على هذا قيل لأبى عبد الله فمن احتج بهذه الرواية {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون:5] الآية فأي ملك للعبد قال إذا ملكه ملك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من اشترى عبدا وله مال فقد جعل له ملكا" وابن عمر وابن عباس اعلم بكتاب الله ممن احتج بهذه الآية ولأنه يملك في النكاح فملك التسري كالحر ولأنه آدمي فيملك المال كالحر وذلك لأنه بآدميته يتمهد لأهلية الملك إذا كان الله تعالى خلق الأموال للآدميين ليستعينوا بها على القيام بوظائف التكاليف وإذا ثبت الملك للجنين مع كونه نطفة لا حياة فيها باعتبار مآله إلى الآدمية فالعبد الذي هو آدمي مكلف أولى.
وظاهره أنه إذا تسرى بغير إذنه أن الولد ملك للسيد فإن أذن له فيه وأطلق تسرى بواحدة فقط كالتزويج وإن أذن له في أكثر من واحدة فله التسري بما شاء نص عليه لأن من جاز له التسري جاز له بغير حصر كالحر "وقيل يبنى ذلك على الروايتين في ملك العبد بالتمليك" كذا بناه القاضي وعامة من بعده احتج المانع بأن العبد لا يملك المال والوطء لا يكون إلا في نكاح أو ملك يمين للنص واحتج المجيز بما سلف إذ الشارع يثبت من الملك ما فيه مصلحة العباد ويمنع ما فيه فسادهم والعبد محتاج إلى النكاح فالمصلحة تقتضي ثبوت ملك البضع له وإلا فكون العبد يملك مطلقا إضرارا بالسيد ومنعه مطلقا إضرارا به فالعدل ثبوت قدر الحاجة وقولهم إنه لا يملك المال ممنوع "ولو وهب له سيده أمة لم يكن له التسري بها إلا بإذنه" لأن الهبة إن لم تصح فظاهر وإن صحت فالعبد محجور عليه لأنه لا يملك هبة ما في يده ولا شك أن ذلك يؤدي إلى تنقيص المال مرة وإلى الإعدام أخرى لأنها ربما حملت وذلك تنقيص ولذلك جعل عيبا في المبيع وربما ماتت منه وذلك إعدام فإن أذن له في التسري لم يصح رجوعه فيه نص عليه في رواية محمد بن ماهان وإبراهيم بن هانئ كالنكاح قال ابن حمدان حيث يجب إعفافه ولأنه ملكه بضعا أبيح له وطؤه كما لو زوجه.(8/198)
فصل
وعليه إطعام بهائمه وسقيها وألا يحمله ما لا تطيق ولا يحلب من لبنها ما يضر بولدها وإن عجز عن الإنفاق عليها أجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبحها إن كانت مما تباح أكله.
ـــــــ
فرع: إذا ملك المعتق بعضه بجزئه الحر فله وطؤها بلا إذن سيده في الأقيس ولا يتزوج إلا بإذنه
فصل
"وعليه إطعام بهائمه وسقيها" وإقامة من يرعاها لما روى ابن عمر مرفوعا قال "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا ولا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض" متفق عليه قال في الغنية ويكره له إطعامه فوق طاقته وإكراهه على الأكل على ما اتخذه الناس عادة لأجل التسمين ويحرم عليه أن يقتله عبثا قاله ابن حزم "وألا يحملها ما لا تطيق" لأن الشارع منع تكليف العبد ما لا يطيق والبهيمة في معناه ولأن فيه تعذيبا للحيوان الذي له حرمة في نفسه وإضرارا به وذلك غير جائز "ولا يحلب من لبنها ما يضر بولدها" لأن كفايته واجبة على مالكه أشبه ولد الأمة ويكره أن يعلق عليها جرسا أو وترا أو جز معرفة وناصية وفي جز ذنبها روايتان أظهرهما الكراهة "وإن عجز عن الإنفاق عليها أجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبحها إن كانت مما يباح أكله" لأنها نفقة حيوان واجبة عليه فكان للحاكم إجباره عليها كنفقة العبد فإن امتنع من البيع بيعت عليه كما يباع العبد إذا طلبه بإعسار سيده بنفقته فإن كانت مما لا يؤكل أجبر على الإنفاق عليها كالعبد الزمن وذكر في "الكافي" أنه إذا امتنع من الإنفاق عليها أجبر على بيعها فإن أبي أكريت وأنفق عليها فإن أمكن وإلا بيعت وقال ابن عقيل يحتمل ألا يجبر ويأمره به بالمعروف وينهاه عن المنكر لأن البهيمة لا يثبت لها حق من جهة الحكم بدليل أنه لا تصح منه الدعوى ولا ينصب عنها خصم فصارت كالزرع والشجر وجيفتها له ونقلها عليه قاله أبو يعلى الصغير(8/199)
باب الحضانة
أحق الناس بحضانة الطفل والمعتوه أمه ثم أمهاتها الأقرب فالأقرب ثم الأب ثم أمهاته.
ـــــــ
باب الحضانة
الحضانة: بفتح الحاء مصدر حضنت الصغير حضانة أي تحملت مؤنته وتربيته والحاضنة التي تربي الطفل سميت به لأنها تضم الطفل إلى حضنها وهي واجبة لأنه يهلك بتركه فوجب حفظه عن الهلاك كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك ومستحقها رجل عصبة وامرأة وارثة أو مدلية بوارث كخالة وبنات أخوات أو مدلية بعصبة كبنات إخوة وأعمام ثم هل تكون لحاكم أو لبقية الأقارب من رجل وامرأة ثم لحاكم فيه وجهان "أحق الناس بحضانة الطفل والمعتوه" وهو المختل العقل "أمه" أي إذا كانت حرة عاقلة عدلا في الظاهر لا نعلم فيه خلافا لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق به ما لم تنكحي" رواه أحمد وأبو داود ولفظه له ولقضاء أبي بكر على عمر بعاصم بن عمر لأمه فقال ريحها وشمها ولطفها خير له منك رواه سعيد واشتهر ذلك ولم ينكر ولأنها أشفق عليه وأقرب ولا يشاركها في القرب إلا الأب وليس له مثل شفقتها ولا يتولى الحضانة بنفسه وإنما يدفعه إلى من يقوم به وظاهره ولو بأجرة مثل كرضاع قاله في "الواضح" واقتصر عليه في "الفروع" فإن لم تكن موجودة أو كانت ولم تستوعب الشروط انتقل إلى من يليها في الاستحقاق وهو المنبه عليه بقوله "ثم أمهاتها" لأن ولادتهن متحققة فهن في معنى الأم "الأقرب فالأقرب" لأن الأقرب أكمل شفقة من الأبعد وأقرب شبها بالأم "ثم الأب" في الصحيح عنه لأنه أقرب من غيره وليس لغيره كمال شفقته يترجح بها فوجب أن يكون أحق بها بعد من ذكر "ثم أمهاته" لأنهن يدلين بمن(8/200)
ثم الجد ثم أمهاته ثم الأخت للأبوين ثم الأخت للأب ثم الأخت للأم ثم الخالة ثم العمة في الصحيح عنه وعنه الأخت من الأم والخالة أحق من الأب فتكون الأخت من الأبوين أحق.
ـــــــ
هو أحق فإن قيل الجد يدلي بالأقرب فساواهن في ذلك فلم يقدمن عليه قيل الأبوية مع التساوي فوجب الرجحان دليله الأم مع الأب وعنه أن أم الأب مقدمة على أم الأم لأنها تدلي بعصبة فعليها يكون الأب أولى بالتقديم لأنهن يدلين به فيكون الأب بعد الأم ثم أمهاته "ثم الجد" لأنه أب أو بمنزلته ومقتضاه تقديمه بعد الأب ترك العمل به في أمهات الأب لما ذكر من الترجيح بالأبوية "ثم أمهاته" لما ذكر في أمهات الأب فإن قيل الأخوات يدلين بالأب وهو أحق من الجد فيجب أن يكون من يدلي به أحق ممن يدلي بالجد قيل أمهات الجد اجتمع فيهن الإدلاء بالجد وكون الطفل بعضا منهن وذلك مفقود في الأخوات "ثم الأخت للأبوين ثم الأخت للأب ثم الأخت للأم" قدمن على سائر القرابات لأنهن يشاركن في النسب وقدمن في الميراث وتقدم الأخت للأبوين لقوة قرابتها ثم من كانت لأب ثم لأم نص عليه "ثم الخالة" لأنها تدلي بالأم ولأن الشارع قدم خالة ابنة حمزة على عمتها صفية لأن صفية لم تطلب وجعفر طلب نائبا عن خالتها فقضى الشارع بها لها في غيبتها "ثم العمة" أي لأبوين ثم لأب ثم لأم "في الصحيح عنه" كالأخوات قد تبع المؤلف القاضي وأصحابه في تقديم الخالة على العمة والأخت من الأب على الأخت من الأم قال بعضهم فتناقضوا وقدمن على الأعمام لأنهن نساء من أهل الحضانة فقدمن على من في درجتهن من الرجال كتقديم الأم على الأب ثم خالات أبويه ثم عمات أبيه ثم بنات الأعمام وقيل تقدم بنات الإخوة والأخوات على العمات والخالات ومن بعدهن وهل تقدم أم أمه على أم أبيه وأخته لأمه على أخته لأبيه وخالته على عمته وخالة أمه على خالة أبيه وخالات أبيه على عماته ومن أدلى بعمة وخالة بأم على من أدلى بأب أو بالعكس فيه روايتان "وعنه الأخت من الأم والخالة أحق من الأب فتكون الأخت من الأبوين أحق" لأنهن نساء يدلين(8/201)
ويكون هؤلاء أحق من الأخت من الأب ومن جميع العصبات وقال الخرقي وخالة الأب أحق من خالة الأم ثم تكون للعصبة إلا أن الجارية ليس لابن عمها حضانتها لأنه ليس من محارمها وإذا امتنعت الأم من حضانتها انتقلت إلى أمها ويحتمل أن تنتقل إلى الأب.
ـــــــ
بالأم فكن أولى من الأب كالجدات "ويكون هؤلاء أحق من الأخت من الأب ومن جميع العصبات" فعلى هذه تقدم نساء الحضانة على كل رجل وقيل إن لم يدلين به ويحتمل تقديم نساء الأم على الأب وجهته وقيل تقدم العصبة على امرأة مع قربه فإن تساويا فوجهان "وقال الخرقي وخالة الأب أحق من خالة الأم" فيؤخذ منه تقديم قرابة الأب على قرابة الأم لأنهن يدلين بعصبة فقدمن كتقديم الأخت من الأب على الأخت من الأم لأن الخالات أخوات الأم فيجرين في الاستحقاق والتقديم فيما بينهن مجرى الأخوات المفترقات وإن قلنا بتقديم الخالات فبعدهن العمات والعكس بالعكس فإذا عدمن انتقلت إلى خالة الأب على قول الخرقي وعلى الصحيح إلى خالة الأم "ثم تكون للعصبة" وأقربهم أب ثم جد ثم أقرب عصبة على ترتيب الميراث ولأن لهم ولاية وتعصيبا بالقرابة فتثبت لهم الحضانة كالأب بخلاف الأجانب فإنه لا قرابة لهم ولا شفقة "إلا أن الجارية ليس لابن عمها حضانتها" وعلله "لأنه ليس من محارمها" وليس هذا خاصا بابن العم بل يجري ذلك في كل ذي محرم وظاهره ولو كانت مميزة وفي "المغني" و"الشرح" إذا بلغت سبعا لم تسلم إليه وفي "الترغيب" تشتهى.
واختار صاحب "الهدي" مطلقا وحينئذ يسلمها إلى ثقة يختارها هو أو إلى محرمه لأنه أولى من أجنبي وحاكم وهذا إذا لم يكن بينهما رضاع محرم فإن كان فيجوز له حضانتها وكذا قال فيمن تزوجت وليس للولد غيرها وهذا متوجه وليس بمخالف للخبر لعدم عمومه "وإذا امتنعت الأم من حضانتها انتقلت إلى أمها" في أظهر الوجهين لأن حق القريب سقط لمعنى اختص به فاختص السقوط به كما لو سقط المانع "ويحتمل أن تنتقل إلى الأب" لأن(8/202)
فإن عدم هؤلاء كلهم فهل للرجال من ذوي الأرحام حضانة على وجهين أحدهما لهم ذلك فيكون أبو الأم وأمهاته أحق من الخال وفي تقديمهم على الأخ من الأم وجهان ولا حضانة لرقيق ولا فاسق ولا كافر على مسلم ولا امرأة مزوجة.
ـــــــ
أمهاتها فرع عليها في الاستحقاق فإذا أسقطت حقها سقط فرعها وكذا الخلاف في الأب إذا أسقط حقه بخلاف الأخت للأبوين وأنها إذا أسقطت حقها لم يسقط حق الأخت من الأب وجها واحدا لأن استحقاقها من غير جهتها وليست فرعا عليها "فإن عدم هؤلاء كلهم فهل للرجال من ذوي الأرحام حضانة على وجهين أحدهما لهم ذلك" لأن لهم رحما وقرابة يرثون بها عند عدم من هو أولى منهم أشبه البعيد من العصبة "فيكون أبو الأم وأمهاته أحق من الخال" لأنه يسقطه في الميراث "وفي تقديمهم على الأخ من الأم وجهان" أحدهما يقدم الأخ من الأم لأنه يرث بالفرض ويسقط ذوي الأرحام كلهم فيقدم عليهم في الحضانة والثاني أبو الأم وأمهاته أولى منه لأن أبا الأم يدلي إليها بالأبوة والأخ يدلي بالبنوة والأب يقدم على الابن في الولاية فيقدم في الحضانة لأنها ولاية والوجه الثاني لا حق لهم فيها وينتقل الأمر إلى الحاكم لأنهم ليسوا ممن يحضن بنفسه ولا لهم ولاية لعدم تعصيبهم أشبهوا الأجانب "ولا حضانة لرقيق" لعجزه عنها بخدمة مولاه وظاهره ولو كان فيه جزء رقيق لأنه لا يملك نفعه الذي يحصل الكفالة وفي "المغنى" و"الشرح" في معتق بعضه قياس قول أحمد يدخل في مهايأة أي له الحضانة في أيامه وفي "الفنون" لم يتعرضوا لأم ولد فلها حضانة ولدها من سيدها وعليه نفقتها لعدم المانع وهو الاشتغال بزوج وسيد وقال في "الهدي" لا دليل على اشتراط الحرية "ولا فاسق" لأنه لا يوفي الحضانة حقها ولا حضانة للولد لأنه ينشأ على طريقته وخالف صاحب "الهدي" لأنه لا يعرف أن الشرع فرق لذلك وأقر الناس ولم يبينه واضحا عاما ولاحتياط الفاسق وشفقته على ولده "ولا كافر على مسلم" بل ضرره أعظم لأنه يفتنه عن دينه ويخرجه عن الإسلام بتعليمه الكفر وتربيته عليه وفي ذلك كله ضرر فكان منفيا "ولا امرأة مزوجة" اقتصر عليه الخرقي والحلواني وكذا أطلقه أحمد لقوله(8/203)
لأجنبي من الطفل فإن زالت الموانع منهم رجعوا إلى حقهم منها
ـــــــ
عليه السلام "أنت أحق به ما لم تنكحي" فجعل استحقاقها مشروطا بعدم النكاح وشرطه أن تكون مزوجة "لأجنبي من الطفل" وكذا في "المحرر" و"الوجيز" لأنها تشتغل عن الحضانة بحقوق الزوج وظاهره ولو رضي الزوج قال صاحب "الهدي" لا تسقط إن رضي بناء على أن سقوطها لمراعاة حق الزوج ومقتضاه أنها إذا كانت مزوجة بنسيب للطفل لم يمنع ذلك من الحضانة وقيل لا حضانة لها وإن تزوجت بنسيب إلا أن يكون جدا للطفل والأشهر وقريبه وهو معنى قول بعضهم ونسيبه ويتوجه احتمال ذا رحم محرم وعنه لها حضانة الجارية فقط إلى سبع سنين لما روي أن عليا وجعفرا وزيد بن حارثة تنازعوا في حضانة بنت حمزة فقال علي بنت عمي وقال زيد بنت أخي لأنه عليه السلام آخى بينهما وقال جعفر بنت عمي وخالتها عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلم "الخالة" أم وسلمها إلى جعفر رواه أبو داود بنحوه فجعل لها الحضانة وهي مزوجة لأن الحاضنة إذا تزوجت بمن هو من أهل الحضانة كالجدة المزوجة بالجد لم تسقط لأنه يشاركها في الولادية والشفقة عليه أشبه الأم إذا كانت مزوجة بالأب وظاهره لا يعتبر الدخول في الأصح لأنه بالعقد ملك منافعها واستحق زوجها منعها من الحضانة أشبه ما لو دخل بها.
والثاني لا تسقط إلا بالدخول لأنها به تشتغل عن الحضانة.
فرع : كل عصبتين تساويا وأحدهما متزوج بمن هي أهل للحضانة قدم بذلك "فإن زالت الموانع منهم" فأسلم الكافر وعقل المجنون وعتق الرقيق وعدل الفاسق "رجعوا إلى حقهم منها" لأن سببها قائم وإنما امتنعت لمانع فإذا زال المانع عاد الحق بالسبب السابق الملازم كالزوجة إذا طلقت وعنه لا يعود حقها في طلاق رجعي بعد العدة وصححه في "المستوعب" لأن الزوجية قائمة بدليل أنه يلحقها طلاقه وظهاره فلذلك لا تعود إليه قبل انقضاء عدتها وجوابه أنها مطلقة فعاد حقها من الحضانة كالبائن ونظيرها لو وقف على أولاده فمن تزوج من البنات فلا حق لها قاله القاضي(8/204)
ومتى أراد أحد الأبوين النقلة إلى بلد بعيد آمن ليسكنه فالأب أحق وعنه الأم أحق فإن اختل شرط من ذلك فالمقيم منهما أحق
ـــــــ
وهل يسقط حقها بإسقاطها فيه احتمالان
فائدة هل الحضانة حق للحاضن أو عليه فيه قولان وهل لمن له الحضانة أن يسقطها وينزل عنها فيه قولان وأنه لا تجب عليه خدمة الولد أيام حضانته إلا بأجرة إن قلنا الحق له وإلا وجبت عليه خدمته مجانا وللفقير الأجرة على القولين.
وإن وهبت الحضانة للأب وقلنا الحق لها لزمت الهبة ولم ترجع فيها وإن قلنا الحق عليها فلها العود إلى طلبها ذكره في "الهدي" ونسبه إلى أنه كلام أصحاب مالك "ومتى أراد أحد الأبوين النقلة إلى بلد بعيد آمن ليسكنه فالأب أحق" هذا هو المشهور سواء كان المقيم هو الأب أو المنتقل لأنه اختلف في مسكنهما فكان الأب أحق كما لو انتقلت من بلد إلى قرية "وعنه الأم أحق" وقيدها في "الترغيب" و"المستوعب" بإقامتها لأنها أتم شفقة أشبه ما لو لم يسافر واحد منهما وقيل للمقيم منهما وقال في "الهدي" إن أراد المنتقل مضارة الآخر وانتزاع الولد لم يجب إليه بل يعمل ما فيه مصلحة الولد وهو مراد الأصحاب لكن الأول هو الصحيح لأن الأب هو الذي يقوم بتأديب ولده وتخريجه وحفظ نسبه فإذا لم يكن في بلده ضاع أشبه ما لو كان في قرية والبعيد هو مسافة القصر جزم به الأكثر لأن ما دونه في حكم القريب ونصه ما لم يمكنه العود في يومه اختاره في "المغني" ونصره في "الشرح" لأن مراعاة الأب له ممكنة في ذلك بخلاف ما زاد "فإن اختل شرط من ذلك فالمقيم منهما أحق" لأنه لا معنى في انتزاعه وهو صور منها إذا كان السفر لحاجة ثم يعود فالمقيم أولى لأن في المسافرة بالطفل إضرارا به وقيل للأم وقيل مع قربه ومنها إذا كان الطريق أو البلد الذي ينتقل إليه مخوفا فالمقيم أحق لأن في السفر خطرا أو تغريرا بالولد ومنها إذا كان للسكنى مع قربه فكذا وقيل للأم فلو انتقلا جميعا إلى بلد واحد فالأم على حضانتها وكما لو أخذه الأب ثم اجتمعا فإنه(8/205)
فصل
وإذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه فكان مع من اختار منهما فإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع من زيارة أمه ولا تمنع هي
ـــــــ
يعود حقها.
فرع : غير الأب من العصبات وغير الأم ممن له الحضانة يقوم مقامها في ذلك.
فصل
"وإذا بلغ الغلام سبع سنين" وهو عاقل "خير بين أبويه" على المذهب "فكان مع من اختار منهما" قضى به عمر رواه سعيد وعلي رواه الشافعي والبيهقي وعنه أبوه أحق وعنه أمه وقيل حتى يأكل ويشرب ويتوضأ ويلبس وحده فيكون أبوه أحق به بلا تخيير والأول هو المنصور لما روى أبو هريرة قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة ونفعني فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت" فأخذ بيد أمه فانطلقت به رواه الشافعي وأحمد والترمذي وصححه ورجاله ثقات.
ولأنه إذا مال إلى أحد أبويه دل على أنه أرفق به وأشفق عليه وقيد بالسبع لأنها أول حال أمر الشرع فيها بمخاطبته بالصلاة بخلاف الأم فإنها قدمت في حال الصغر لحاجته إلى حمله ومباشرة خدمته لأنها أعرف بذلك وهذا إذا كانا من أهل الحضانة فإن كانا معدومين أو من غير أهلها فإلى امرأة كأخته أو عمته فإنها تقوم مقام الأم فلو بلغ سبع سنين غير مميز أو خمس عشرة معتوها فأمه فلو اختار الصبي أباه ثم زال عقله رد إلى الأم وعلم منه أنه لا حضانة على البالغ الرشيد ويقيم أين شاء وأحب ويستحب ألا ينفرد عنهما فأما الجارية فليس لها ذلك ولأبيها منعها منه فإن لم يكن لها أب قام الولي مقامه "فإن اختاره أباه كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع من زيارة أمه" لما فيه من الإغراء بالعقوق وقطيعة الرحم "ولا تمنع هي(8/206)
تمريضه وإن اختار أمه كان عندها ليلا وعند أبيه نهارا ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه فإن عاد فاختار الآخر نقل إليه ثم إن اختار الأول رد إليه فإن لم يختر أحدهما أقرع بينهما وإن استوى اثنان في الحضانة كالأختين قدم أحدهما بالقرعة وإذا بلغت الجارية سبعا كانت عند أبيها ولا تمنع الأم من زيارتها وتمريضها.
ـــــــ
تمريضه" لأنه صار بالمرض كالصغير في الحاجة "وإن اختار أمه كان عندها ليلا" لأنه مستحق الحضانة "وعند أبيه نهارا ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه" لأن ذلك هو القصد من حفظ الولد "فإن عاد فاختار الآخر نقل إليه ثم إن اختار الأول رد إليه" هكذا أبدا لأن هذا اختيار تشه وقد يشتهي أحدهما في وقت دون آخر فأتبع بما يشتهيه وقيل إن أسرف تبين قلة تمييزه أخذته أمه وقيل يقرع بينهما ولا يقر بيد من لا يصونه ويصلحه "فإن لم يختر أحدهما أقرع بينهما" لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر وفي "الترغيب" احتمال أمه أحق كبلوغه غير رشيد وإذا قدم أحدهما بالقرعة ثم اختار الآخر نقل إليه "وإن استوى اثنان في الحضانة كالأختين قدم أحدهما بالقرعة" أي قبل السبع ويكون لمن اختاره الطفل بعدها إن خير
فرع: سائر العصبة كالأب في التخيير والإقامة والنقلة بالطفل إن كان محرما وذوا الحضانة من عصبة وذوي رحم في التخيير مع الأم كالأب وحضانة رقيق لسيده فإن كان بعضه حرا تهيأ فيه سيده وقريبه "وإذا بلغت الجارية سبعا كانت عند أبيها" لأن الغرض من الحضانة الحضن وهو لها بعد السبع لأنها تحتاج إلى الحفظ وإنما تخطب من أبيها فكان أولى من غيره وعنه الأم أحق قال في "الهدي" وهي الأشهر عن أحمد وأصح دليلا وعنه تخير وجوابه أن الشرع لم يرد بها فيها والفرق بينهما واضح والمذهب الأول تبرعت بحضانته أم لا وعنه بعد تسع فإن بلغت فهي عنده حتى يتسلمها زوج وعنه عندها وقيل إن حكم برشدها فحيث أحبت كغلام وقاله في "الواضح" وخرجه على عدم إجبارها والمراد بشرط كونها مأمونة "ولا تمنع الأم من زيارتها وتمريضها" لأن الحاجة(8/207)
....................................................................................................
ـــــــ
داعية إلى ذلك وهي أحق بالسهر والصيانة لأنها مخدرة بخلاف أمها فإن تخرجت وعرفت وعقلت فلا يخاف عليها
فرع : لم أقف في الخنثى المشكل بعد البلوغ على نقل والذي ينبغي أن يكون كالبنت البكر حتى يجيء في جواز استقلاله وانفراده عن أبويه الخلاف والله أعلم.(8/208)
كتاب الجنايات
كتاب الجنايات
...
كتاب الجنايات
القتل على أربعة أضرب عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ
ـــــــ
كتاب الجنايات
وهي جمع جناية وجمعت وإن كانت مصدرا لتنوعها إلى عمد وخطأ والمراد بها جنايات الجراحة ونحوها وهي كل فعل عدوان على نفس أو مال لكنها في العرف مخصوصة بما يحصل فيه التعدي على الأبدان بما يوجب قصاصا أو نحوه وسموا الجناية على الأموال غصبا ونهبا وسرقة وإتلافا وأجمع العلماء على تحريم القتل بغير حق وسنده قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه من حديث ابن مسعود
فإذا فعل ثم تاب قبلت عند الأكثر للآية والخبر المتفق عليه وكالكافر وعنه لا تقبل ذكرها أبو الخطاب في "انتصاره" وهي قول ابن عباس لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} [النساء: 93] الآية وحملت على من قتله مستحلا ولم يتب أو على أن هذا جزاؤه إن جازاه الله تعالى "القتل على أربعة أضرب عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطإ" كذا ذكره المؤلف تبعا لأبي الخطاب
وجزم به في "الوجيز" ووجهه أنه إذا قصد قتله بما يصلح غالبا عرفا فهو عمد(8/208)
فالعمد أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالما بكونه آدميا معصوما وهو تسعة أقسام أحدها أن يجرحه بماله مور في البدن من حديد أو غيره مثل أن يجرحه بسكين أو يغرزه بمسلة فيموت إلا أن يغرزه بإبرة أو شوكة ونحوهما في غير مقتل فيموت في الحال ففي كونه عمدا وجهان وإن بقي من ذلك ضمنا.
ـــــــ
وإن كان بما لا يصلح للقتل غالبا فهو شبه عمد وإن لم يقصد القتل فهو خطأ وما ألحق به كالقتل بالسبب وكالنائم ينقلب على إنسان لكن الأولى أن الحكم الشرعي لا يزيد على ثلاثة عمد وشبه عمد وخطأ صرح به الخرقي والمؤلف في "الكافي" والمجد في "محرره" والجد في "فروعه" لأن ما أجري مجرى الخطإ خطأ لأن فاعله لم يقصده إذ هو من فعل من لا يصح قصده "فالعمد" يختص القود به "أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالما بكونه آدميا معصوما" هذا بيان للعمد الموجب للقصاص شرعا فالأول احتراز من شبه العمد والثاني احتراز من الخطإ والثالث وهو "معصوما" احتراز من الحربي ونحوه لأنه غير معصوم "وهو تسعة أقسام" وسيأتي بيانها "أحدها أن يجرحه بماله مور" أي نفوذ "في البدن من حديد أو غيره" كرصاص وذهب وفضة فهذا كله إذا جرحه جرحا كبيرا فمات فهو عمد بغير خلاف نعلمه ولو طالت علته منه "مثل أن يجرحه بسكين أو يغرزه بمسلة فيموت" فهذا عمد محض ثم أشار إلى محل الخلاف فقال "إلا أن يغرزه بإبرة أو شوكة ونحوهما" كشرطة الحجام "في غير مقتل فيموت في الحال ففي كونه عمدا وجهان" وجملته أنه إذا جرحه جرحا صغيرا في غير مقتل فمات في الحال فقال ابن حامد لا قود فيه لأن الظاهر أنه لم يمت منه كالعصي والثاني وهو الأشهر فيه القصاص وهو ظاهر "الخرقي" لأن المحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل به بدليل ما لو قطع شحمة أذنه أو أنملته ولأنه لما لم يمكن إدارة الحكم وضبطه بغلبة الظن وجب ربطه بكونه محددا ولأن في البدن مقاتل خفية وهذا له سراية ومور أشبه الجرح الكبير "وإن بقي من ذلك ضمنا" أي متألما وهو بفتح الضاد وكسر الميم وقال الجوهري هو الذي به الزمانة في(8/209)
حتى مات أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد والخصيتين فهو عمد محض وإن قطع سلعة من أجنبي بغير إذنه فمات فعليه القود وإن قطعها حاكم من صغير أو وليه فمات فلا قود والثاني أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفسطاط.
ـــــــ
جسده وقيل هو الذي لزمته علة "حتى مات" فاتفقوا على أن فيه القود قاله في "الشرح" و"الترغيب" لأن الظاهر أنه مات منه وقيل لا يجب به القصاص لأنه لما احتمل حصول الموت بغيره ظاهرا كان شبهة في درء القصاص "أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد والخصيتين" والعين والخاصرة والصدغ وأصل الأذن "فهو عمد محض" لأن الإصابة بذلك في مقتل كالإصابة بالسكين في غير مقتل وكذا إن بالغ في إدخال الإبرة ونحوها في البدن لأنه يشتد ألمه ويؤدي إلى القتل كالكبير "وإن قطع سلعة" خطرة أو بطها "من أجنبي بغير إذنه فمات فعليه القود" لأنه متعد بفعله أشبه ما لو قتله "وإن قطعها حاكم من صغير" أو مجنون "أو وليه فمات فلا قود" جزم به في "الوجيز" لأنه فعله لمصلحته أشبه ما لو ختنه ولو عبر بقوله إن قطعها من صغير ونحوه وليه لكان أولى لشموله الحاكم وغيره "الثاني أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفسطاط" وهو بيت من شعر وعموده الخشبة التي يقوم عليها قال القاضي وهو ما فيه دقة ورشاقة وحاصله أنه إذا قتله بمثقل يغلب على الظن حصول الزهوق به عند استعماله فهو عمد موجب للقصاص وهو قول النخعي والزهري وابن سيرين والأكثر ل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ولما روى أنس أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بين حجرين
ولما روى أبو هريرة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يؤدى وإما أن يقاد" متفق عليهما ولأن المثقل يقتل غالبا فوجب القصاص به كالمحدد ومقتضاه أنه إذا ضربه بمثل عمود الفسطاط أنه لا يجب القود نص عليه لأنه عليه السلام لما سئل عن المرأة التي ضربت جارتها بعمود الفسطاط فقتلتها وجنينها فقضا في الجنين بغرة وقضى بالدية على عاقلتها ولا(8/210)
أو بما يغلب على الظن أنه يموت به كاللت والكوذين والسندان أو حجر كبير أو يلقي عليه حائطا أو سقفا أو يلقيه من شاهق أو يعيد الضرب بصغير أو يضربه به في مقتل أو في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر أو برد ونحوه الثالث ألقاه في زبية أسد أو أنهشه كلبا أو سبعا أو حيّة أو ألسعه عقربا من القواتل ونحو ذلك فقتله.
ـــــــ
شك أن العاقلة لا تحمل ما يوجب القصاص.
ونقل ابن مشيش عنه أنه يجب ولعله ضربه بالعمود الذي يتخذه الترك لخيمتهم فإنه يقتل غالبا "أو بما يغلب على الظن أنه يموت به كاللت" وهو بضم اللام نوع من آلة السلاح معروف في زماننا وهو لفظ مولد ليس من كلام العرب "والكوذين" وهو لفظ مولد أيضا وهو عبارة عن الخشبة الثقيلة التي يدق بها الدقاق الثياب "والسندان" الظاهر أنه مولد وهو عبارة عن الآلة المعروفة من الحديد الثقيلة يعمل عليها الحداد صناعته "أو حجر كبير" لاشتراك الكل في كونه يقتل غالبا ولأن القصاص هنا لكونه مثقلا فلا أثر للفرق "أو يلقي عليه حائطا أو سقفا أو يلقيه من شاهق" لاشتراك الكل في القتل "أو يعيد الضرب بصغير" كالعصي والحجر الصغير لأن الإعادة تقوم مقام المثقل الكبير كذا نقله أبو طالب "أو يضربه به" مرة "في مقتل" لأن القتل حصل به وفيهما وجه في "الواضح.
وفي الأولى في "الانتصار" هو ظاهر كلامه "أو في حال ضعف قوة من مريض أو صغر أو كبر أو حر أو برد ونحوه" لأنه قتله بما يقتل غالبا أشبه المثقل الكبير ومثله لو قتله بلكمة ذكره ابن عقيل وفي "الرعاية" يعلمه وقيل أو يجهله فإن قال لم أقصد قتله لم يصدق "الثالث ألقاه في زبية أسد" الزبية بوزن غرفة وهي الرابية التي لا يعلوها الماء "أو أنهشه" بالمعجمة والمهملة سواء وقيل بالمهملة الأخذ بأطراف الأسنان وبالمعجمة بالأضراس "كلبا أو سبعا أو حية أو ألسعه عقربا من القواتل ونحو ذلك فقتله" نقول إذا جمع بينه وبين سبع أو نمر في مكان ضيق كزبية ونحوها فقتله فهو عمد فيه القود لأنه إذا تعمد الإلقاء فقد تعمد قتله بما يقتل غالبا وإن فعل به فعلا لو فعله الآدمي لم يكن عمدا لم يجب القود لأن(8/211)
الرابع: ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص منها
ـــــــ
السبع صار آلة للآدمي فكان فعله كفعله فإن ألقاه مكتوفا في فضاء فقتله فعليه القود وكذا إن جمع بينه وبين حية في مكان ضيق فنهشته وقتلته.
وقال القاضي لا يجب الضمان في الصورتين لأن الأسد والحية يهربان من الآدمي وجوابه أن هذا يقتل غالبا فكان عمدا محضا والأسد يأخذ الآدمي المطلق فكيف يهرب من مكتوف والحية إنما تهرب في مكان واسع
وذكر القاضي فيمن ألقي مكتوفا في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته أن في وجوب القصاص روايتين وهذا تناقض فإنه نفى الضمان بالكلية في صورة كان القتل فيها أغلب وأوجب القصاص في صورة كان فيها أندر والأصح أنه لا قصاص هنا ويجب الضمان لأنه فعل فعلا تلف به وهو لا يقتل مثله غالبا وقوله من القواتل يحترز به عن حية الماء وثعبان الحجاز أو سبع صغير فقيل هو شبه عمد كالسوط وكما لو كتفه وطرحه في أرض مسبعة فقتله سبع أو نهشته حية فمات وقيل عمد.
فرع : قال ابن حمدان إذا أغرى كلبه على رجل فقتله لم يضمن بخلاف ما لو عقره أو خرق ثوبه "الرابع ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص منها" فمات به لأن الموت حصل بعد فعل يغلب على الظن إسناد القتل إليه فوجب كونه عمدا وظاهره أنه إذا ألقاه في ماء يسير فلبث فيه اختيارا حتى مات فهدر وإن تركه في نار يمكنه التخلص منها فلم يخرج حتى مات فلا قود ولا يضمن في وجه لأنه مهلك لنفسه بإقامته كماء يسير في الأصح لكن يضمن ما أصابت النار منه ويضمنه في آخر لأنه جان بالإلقاء المفضي إلى الهلاك لأن يسير النار مهلك بخلاف يسير الماء وقيل إن قدر أن ينجو منهما فلم يفعل حتى مات وجبت الدية.
مسألة : إذا حفر في بيته بئرا وستره ليقع فيه أحد فوقع فمات وقد دخل بإذنه فهو عمد وقيل لا كما لو دخل بلا إذنه أو كانت مكشوفة بحيث يراها(8/212)
الخامس: خنقه بحبل أو غيره أو سد أنفه و فمه أو عصر خصيتيه حتى مات السادس حبسه ومنعه الطعام والشراب حتى مات جوعا وعطشا في مدة يموت في مثلها غالبا السابع سقاه سما لا يعلم به أو خلطه بطعام فأطعمه أو خلطه بطعامه فأكله وهو لا يعلم به فمات
ـــــــ
الداخل ويقبل قول المالك في عدم الإذن "الخامس خنقه بحبل أو غيره" وهو نوعان أحدهما أن يخنقه في حبل في عنقه ثم يعلقه في خشبة أو نحوها فيموت فهو عمد سواء مات في الحال أو بقي زمنا لأن هذا جرت به عادة اللصوص والمفسدين
الثاني أن يخنقه وهو على الأرض أو سد أنفه و فمه حتى مات أي فعل ذلك في مدة يموت في مثلها غالبا فهو عمد وهو قول عمر بن عبد العزيز والنخعي وإن كان في مدة لا يموت في مثلها غالبا فهو عمد خطإ ذكره في المغني والشرح وظاهره أنه يعتبر سدهما جميعا لأن الحياة في الغالب لا تفوت إلا بسدهما
نقل أبو داود إذا غمه حتى يقتله قتل به "أو عصر خصيتيه حتى مات" أي عصرهما عصرا يقتله غالبا فمات أو بقي سالما من ذلك كله مدة يموت فيها غالبا فالقود وإن صح ثم مات لم يضمنه لأنه لم يقتله أشبه ما لو برئ الجرح ثم مات "السادس حبسه ومنعه الطعام والشراب" ويتعذر عليه الطلب "حتى مات جوعا وعطشا في مدة يموت في مثلها غالبا" لأن الله تعالى أجرى العادة بالموت عنده فإذا تعمده الإنسان فقد تعمد القتل وقوله في مدة يموت في مثلها غالبا لأن الناس يختلفون في ذلك لأن الزمان إذا كان شديد الحرارة وكان الشخص جائعا مات في الزمان القليل وإن كان شبعان والزمن معتدل أو بارد لم يمت إلا في الزمن الطويل و مقتضاه أنه إذا كان في مدة لا يموت في مثلها غالبا فهو عمد الخطإ وإن شككنا فيها لم يجب القود أو ترك الأكل والشرب مع القدرة فمات فهدر "السابع سقاه سمعا لا يعلم به" فمات فعليه القود لأنه فعل فعلا يقتل مثله غالبا فكان عمدا كما لو ضربه بمحدد "أو خلطه سما" "بطعام فأطعمه أو خلطه بطعامه فأكله وهو لا يعلم به فمات" لما روى أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة(8/213)
فإن علم أكله به وهو بالغ عاقل أو خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان عليه فإن ادعى القاتل بالسم أنني لم أعلم أنه سم قاتل لم يقبل قوله في أحد الوجهين ويقبل في الآخر ويكون شبه عمد الثامن أن يقتله بسحر يقتل مثله غالبا التاسع أن يشهدا على رجل بقتل عمد أو ردة أو زنى فيقتل بذلك ثم يرجعا.
ـــــــ
فأكل منها النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت فأمر بقتلها رواه أبو داود وأطلق ابن رزين فيما إذا ألقمه سما أو خلطه به قولين "فإن علم أكله به وهو بالغ عاقل" فلا ضمان عليه أشبه ما لو قدم إليه سكينا فقتل بها نفسه وعلم منه أنه يشترط لنفي الضمان أمران البلوغ والعقل لأن الصبي والمجنون لا عبرة بفعلهما ويشترط له أيضا شرط آخر لم يذكره المؤلف وهو العلم بكون السم قاتلا لأن من جهل ذلك لا يصح أن يقال علم بكونه قاتلا ذكره ابن المنجا إذ هو شيء يضاد القوة الحيوانية "أو خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان عليه" لأنه لم يقتله وإنما الداخل قتل نفسه أشبه ما لو حفر في داره بئرا ليقع فيها اللص إذا دخل يسرق منها وكذا لو دخل بإذنه فأكل الطعام المسموم بلا إذنه "فإن ادعى القاتل بالسم أنني لم أعلم أنه سم قاتل لم يقبل قوله في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لأن السم يقتل غالبا أشبه ما لو جرحه وقال لا أعلم أنه يموت به "ويقبل في الآخر" وقيل ويجهله مثله لأنه يجوز أن يخفي عليه أنه قاتل وهذا شبهة تسقط القود "ويكون شبه عمد" لأنه من حيث أنه قصد فعل الشيء الداعي إلى القتل بشبه العمد كما لو كان لا يقتل مثله غالبا "الثامن أن يقتله بسحر يقتل مثله غالبا" إذا كان الساحر يعلم ذلك أشبه المحدد وكذا إذا بقي مدة يموت في مثلها غالبا ومقتضاه أنه إذا كان مما لا يقتل غالبا أنه خطأ العمد وعلى الأول لو ادعى الجهل بكونه يقتل ومثله يجهله أو كان غير قاتل أو ادعى قاتل المريض الجهل بمرضه في وجه فشبه عمد "التاسع أن يشهدا على رجل بقتل عمد أو ردة أو زنى" كذا في "المحرر" وعبارة "الوجيز" و"الفروع" ولو شهدت بينة بما يوجب قتله وهي أحسن "فيقتل بذلك ثم يرجعا" أو يرجع واحد من ستة ذكره في(8/214)
ويقولا عمدنا قتله أو يقول الحاكم علمت كذبهما وعمدت قتله أو يقول الولي ذلك فهذا كله عمد محض موجب للقصاص إذا كملت شروطه.
ـــــــ
"الروضة" "ويقولا عمدنا قتله" وفي "الكافي" وعلمنا أنه يقتل وفي "المغني" لم يجز جهلهما به وفي "الترغيب" وفي "الرعاية" وكذبتهما قرينة فعليهما القود لما روى القاسم بن عبد الرحمن أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه أنه سرق فقطعه ثم رجعا عن شهادتهما فقال علي لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما ولأنهما توصلا إلى قتله بسبب يقتل غالبا أشبه المكره "أو يقول الحاكم علمت كذبهما وعمدت قتله أو يقول الولي ذلك" لزم القود لأنهما في معنى الشهود فكان الحاصل بسببهما عمدا كالقتل الحاصل بسبب الشاهدين فلو أقر الشاهدان والحاكم والولي جميعا بذلك فعلى الولي القصاص لأنه باشر القتل عمدا وعدوانا وقال في "الشرح" ينبغي ألا يجب على غيره شيء لأنهم متسببون والمباشرة تبطل حكم التسبب كالدافع مع الحافر وفي "الترغيب" وجه هما كممسك مع مباشر وإن لم يقر الولي فالقصاص على الشهود والحاكم لأنهم متسببون وحاصله أنه يختص بالمباشر العالم ثم وليا ثم البينة والحاكم وقيل ثم حاكما لأن سببه أخص من البينة فإن حكمه واسطة بين شهادتهم وقتله فلو باشر القتل وكيل الولي وأقر بالعلم وتعمد القتل ظلما فهو القاتل وإلا فالحكم يتعلق بالولي وقيل في قتل حاكم وجهان كمزك فإن المزكي لا يقتل عند القاضي لأنه غير ملجئ ويقتل عند أبي الخطاب وغيره وإذا صار الأمر إلى الدية على البينة والحاكم فقيل على عددهم وقيل نصفين ولو رجع الولي والبينة ضمنه الولي
فرع : إذا قال بعضهم عمدت قتله وبعضهم أخطأت فلا قود على المتعمد على الأصح وعليه بحصته من الدية المغلظة و المخطئ من المخففة ولو قال كل واحد تعمدت وأخطأ شريكي فوجهان في القود ولو قال كل واحد عمدنا والآخر أخطأنا لزم المقر بالعمد القود والآخر نصف الدية "فهذا" كله أي الأقسام التسعة وشبهه "عمد محض" أي لا شبهة فيه "موجب للقصاص" بغير خلاف نعلمه "إذا كملت(8/215)
فصل
وشبه العمد أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالبا فيقتل إما لقصد العدوان عليه أو لقصد التأديب له فيسرف فيه نحو أن يضربه بسوط أو عصا أو حجر صغير أو يلكزه أو يلقيه في ماء قليل أو يسحره بما لا يقتل غالبا أو يصيح بصبي أو معتوه وهما على لسطح فيسقطان.
ـــــــ
شروطه أي بالشروط السابقة.
فصل
"وشبه العمد أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالبا" هذا بيان لشبه العمد سمي بذلك لأنه قصد الفعل وأخطأ في القتل وسمي خطأ العمد وعمد الخطإ لاجتماعهما فيه فقوله يقصد الجناية يحترز به عن الخطإ وبما لا يقتل غالبا يحترز به عن العمد المحض زاد في "المحرر" و"الوجيز" و"الفروع" ولم يجرحه بها وقال جماعة ولم يقصد قتله "فيقتل إما لقصد العدوان عليه أو لقصد التأديب له فيسرف فيه" فهذا لا قود فيه في قول الأكثر لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه رواه أحمد وأبو داود وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا إلا أن في قتل الخطإ شبه العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها رواه أبو داود وابن ماجة ولهم من حديث ابن عمر مثله ورواهما النسائي والدارقطني مسندا ومرسلا سماه "خطأ العمد" وأوجب فيه الدية لا القصاص وهذا قسم ثبت بالسنة والقسمان الآخران ثبتا بالكتاب "نحو أن يضربه بسوط أو عصا أو حجر صغير" لأن العادة لم تجر بقتله بذلك "أو يلكزه" اللكز الضرب بجميع الكف أي موضع من جسده وقال في "النهاية" هو الضرب بالكف في الصدر "أو يلقيه في ماء قليل أو يسحره بما لا يقتل غالبا" والمرجع في ذلك إلى أهل العلم به لأن ما يقتل غالبا هو عمد "أو يصيح بصبي أو معتوه" وفي "الواضح" أو امرأة وقيل أو مكلف "وهما على سطح فيسقطان" لأن الصياح في العادة لا يقتل غالبا فإذا(8/216)
أو يغتفل عاقلا فيصيح به فيسقط أو نحو ذلك
فصل
والخطأ على ضربين: أحدهما: أن يرمي الصيد أو يفعل ما له فعله فيقتل إنسانا فعليه الكفارة والدية على العاقلة.
ـــــــ
تعقبه الموت كان شبه عمد "أو يغتفل عاقلا فيصيح به فيسقط أو نحو ذلك" كذهاب عقله فالدية على العاقلة لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه فأوجب ديتها على العاقلة وهي لا تحمل العمد نقل الفضل في رجل بيده سكين فصاح به رجل فرمى بها فعقرت رجلا هل على من صاح به شيء؟
قال هذا أخشى عليه قد صاح به.
فرع إذا أمسك الحية كمدعي المشيخة فقتلته فقاتل نفسه وإن قيل أنه ظن أنها لا تقتل فشبه عمد بمنزلة من أكل حتى بشم فإنه لم يقصد قتل نفسه وإمساك الحيات جناية وهو محرم ذكره الشيخ تقي الدين.
فصل
"والخطأ على ضربين أحدهما أن يرمي الصيد أو يفعل ماله فعله فيقتل إنسانا فعليه الكفارة و الدية على العاقلة" قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه أن القتل الخطأ أن يرمي شيئا فيصيب غيره لا أعلمهم يختلفون وتجب الكفارة على القاتل ل قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فالدية على العاقلة لأنها إذا وجبت الدية عليها في شبه العمد فلأن تجب في الخطأ بطريق الأولى ولأن الخطأ يكثر فلو وجبت الدية على القاتل لأجحف به فناسب تعليقها بالعاقلة لتحصيل مجموع الأمرين من إيفاء المجني عليه حقه مع عدم الإجحاف بالجاني(8/217)
الثاني أن يقتل في دار الحرب من يظنه حربيا ويكون مسلما أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلما أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم فهذا فيه الكفارة و في وجوب الدية على العاقلة روايتان و الذي أجري مجرى الخطأ كالنائم ينقلب على إنسان فيقتله أو يقتل بالسبب مثل أن يحفر بئرا أو ينصب سكينا أو حجرا فيؤول إلى إتلاف إنسان و عمد الصبي و المجنون فهذا كله لا قصاص فيه و الدية على العاقلة
ـــــــ
مسألة: من قال كنت يوم قتله صغيرا أو مجنونا وأمكن صدق بيمينه "الثاني أن يقتل في دار الحرب من يظنه حربيا ويكون مسلما أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلما أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم فهذا فيه الكفارة" روي عن ابن عباس وقاله عطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم ل قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] "و في وجوب الدية على العاقلة روايتان" إحداهما تجب ل قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} [النساء: 92] الآية وللخبر السابق ولأنه قتل مسلما خطأ فوجبت كما لو كان في دار الإسلام والثانية لا تجب وهي ظاهر المذهب ل قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: 92] الآية فلم يذكر دية في هذا القسم وذكرها في الذي قبله وبعده وهذا ظاهر في أنها غير واجبة وبها يخص عموم ما ذكر وعنه تجب في الأخيرة وفي "عيون المسائل" عكسها لأنه فعل الواجب هنا "والذي أجري مجرى الخطأ كالنائم ينقلب على إنسان فيقتله أو يقتل بالسبب مثل أن يحفر بئرا أو ينصب سكينا أو حجرا" تعديا ولم يقصد جناية "فيؤول إلى إتلاف إنسان" لأنه يشارك الخطأ في الإتلاف وإنما لم يجعل خطأ لعدم القصد في الجملة وقال بعض أصحابنا الأقسام ثلاثة فيكون ما ذكر خطأ وصرح به في "الفروع" قال في "المحرر" والقتل بالسبب ملحق بالخطأ إذا لم يقصد به الجناية فإن قصدها فشبه عمد وقد يقوى فيلحق بالعمد كما ذكرنا في الإكراه والشهادة "وعمد الصبي والمجنون فهذا كله لا قصاص فيه" لأنه إذا لم يجب بالخطأ فهذا أولى "والدية على العاقلة" لأنها(8/218)
وعليه الكفارة في ماله.
فصل
وتقتل الجماعة بالواحد وعنه لا يقتلون والمذهب الأول.
------------------------
تحمل دية الخطأ فما أجري مجراه كذلك وعليه الكفارة في ماله لأن الأمر في الخطإ كذلك في الذي أجري مجراه.
فصل
"وتقتل الجماعة بالواحد" على الأشهر لما روى ابن عمر أن غلاما قتل غيلة فقال عمر لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم رواه البخاري وهذا إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به وإلا فلا ما لم يتواطؤوا على ذلك "وعنه لا يقتلون" نقلها حنبل روي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير ل قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] يدل على أنه لا يوجد أكثر من نفس واحدة بنفس واحدة ولأن كل واحد من الجماعة مكافئ للمقتول فلا يؤخذ أبدال بمبدل واحد كما لا تؤخذ ديات بمقتول واحد ولأن التفاوت في الأوصاف يمنع بدليل أن الحر لا يؤخذ بالعبد فالتفاوت في العدد أولى و عليها تلزمهم دية واحدة.
قال ابن المنذر لا حجة مع من أوجب قتل الجماعة بواحد وعلى الأولى تلزمهم دية واحدة نص عليه وهو أشهر كخطأ و نقل ابن ماهان تلزمهم ديات كما لو انفرد كل واحد منهم ونقل ابن منصور والفضل أن قتله ثلاثة فله قتل أحدهم والعفو عن آخر وأخذ الدية كاملة من أحدهم و"المذهب الأول" لقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179] لأنه إذا علم أنه متى قتل قتل به انكف عنه فلو لم يشرع القصاص في الجماعة بالواحد لبطلت الحكمة في مشروعية القصاص ولإجماع الصحابة فروى سعيد عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا وعن علي وابن عباس معناه ولم نعرف لهم في عصرهم مخالفا فكان(8/219)
وإن جرحه أحدهما جرحا والآخر مائة فهما سواء في القصاص والدية وإن قطع أحدهما من الكوع ثم قطعه الآخر من المرفق فهما قاتلان وإن فعل أحدهما فعلا لا تبقى الحياة معه كقطع
ـــــــ
كالإجماع ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت على الجماعة كحد القذف والفرق بين قتل الجماعة والدية أن الدم لا يتبعض بخلاف الدية وهذا إذا قلنا أن موجب العمد أحد شيئين القصاص أو الدية فمتى عفا عن القود تعينت الدية وإن قلنا موجبة القود فقط فللأولياء أن يعفو عن القليل والكثير من غير تقدير "وإن جرحه أحدهما جرحا والآخر مائة" جرح أو أوضحه أحدهما أو شجه الآخر أمة أو أحدهما جائفة والآخر غير جائفة "فهما سواء في القصاص والدية" لأن اعتبار التساوي يفضي إلى سقوط القصاص عن المشتركين إذ لا يكاد جرحان يتساويان من كل وجه ولو احتمل التساوي لم يثبت الحكم لأن الشرط يعتبر العلم بوجوده ولا يكتفى باحتمال الوجود بل الجهل بوجوده كالعلم بعدمه في انتفاء الحكم ولأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت به دون المائة.
فرع : إذا اشترك ثلاثة فقطع أحدهم يده والآخر رجله والثالث أوضحه فمات فللولي قتل جميعهم والعفو عنهم إلى الدية ويأخذ من كل واحد ثلثها وله أن يعفو عن واحد فيأخذ منه ثلث الدية ويقتل الآخرين وأن يعفو عن اثنين فيأخذ منهما ثلثي الدية ويقتل الثالث "وإن قطع أحدهما من الكوع ثم قطعه الآخر من المرفق فهما قاتلان" أي فهما سواء في القصاص أو الدية إذا قطع الثاني قبل بروء جراحة الأول على المذهب لأنهما قطعان فإذا مات بعدهما وجب عليهما القصاص كما لو كانا في يدين وقيل القاتل هو الثاني فيقاد الأول لأن قطع الثاني قطع سراية قطعه ومات بعد زوال جنايته وعلى الأول إن سقط القود بعفو غرما ديته نصفين وإن اندمل الجرحان فعلى من قطع من الكوع القود وعلى الآخر حكومة وعنه ثلث دية اليد ولو قتلوه بأفعال لا يصلح واحد لقتله نحو أن يضربه كل منهم سوطا في حاله أو متواليا فلا قود وفيه عن تواطئ وجهان قاله في "الترغيب" "وإن فعل أحدهما فعلا لا تبقى الحياة معه كقطع(8/220)
حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول ويعزر الثاني وإن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الثاني عنقه فالقاتل هو الثاني وعلى الأول ضمان ما أتلف بالقصاص أو الدية وإن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقاتل هو الثاني.
ـــــــ
حشوته" بضم الحاء وكسرها أمعاؤه "أو مريئه" بالهمز وهو مجرى الطعام والشراب في الحلق "أو ودجيه" بفتح الواو وكسرها والودجان هما عرقان في العنق "ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول" لأن الحياة لا تبقى مع جنايته "ويعزر الثاني" كما لو جنى على ميت فلهذا لا يضمنه ودل على أن هذا التصرف فيه كميت لو كان عبدا فلا يصح بيعه كذا جعلوا الضابط من يعيش مثله ومن لا يعيش وكذا علل الخرقي المسألتين مع أنه قال في الذي لا يعيش خرق بطنه وأخرج حشوته فقطعها فأبانها منه وهذا يقتضي أنه لو لم يبنها لم يكن حكمه كذلك مع أنه بقطعها لا يعيش فاعتبر كونه لا يعيش في موضع خاص فتعميم الأصحاب فيه نظر "وإن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الثاني عنقه فالقاتل هو الثاني" لأنه هو المفوت للنفس جزما فعلى هذا عليه القصاص في النفس والدية إن عفا عنه لأنه لم يخرج بجرح الأول من حكم الحياة "وعلى الأول ضمان ما أتلف" لأنه حصل بجنايته "بالقصاص أو الدية" لأن الحياة تارة تكون موجبة للقصاص كقطع اليد عمدا وتارة لا تكون كذلك كقطعها خطأ لكن جرح الأول إن كان موجبا للقصاص خير بين قطع طرفه والعفو عن ديته والعفو مطلقا وإن كان لا يوجب قودا كالجائفة فعليه الأرش وإنما جعلنا عليه القصاص لأن الثاني بفعله قطع سراية الأول وإن كان جرح الأول يفضي إلى الموت لا محالة إلا أنه لا يخرج به من حكم الحياة وتبقى معه الحياة المستقرة فالقاتل هو الثاني لأن عمر لما جرح وسقي لبنا فخرج من جوفه فعلم أنه ميت وعهد إلى الناس وجعل الخلافة في أهل الشورى فقبل الصحابة عهده وعملوا به "وإن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقاتل هو الثاني" لأنه فوت حياته قبل المصير إلى حال ييأس فيها من حياته أشبه ما لو رماه بسهم فبادره آخر فقطع عنقه قبل وصول(8/221)
وإن رماه في لجة فتلقاه حوت فابتلعه فالقود على الرامي في أحد الوجهين ، وإن أكره إنسانا على القتل فقتل فالقصاص عليهما . وإن أمر من لا يميز أو مجنونا أو عبده الذي لا يعلم أن القتل محرم فقتل فالقصاص على الآمر .
ـــــــ
السهم إليه ولأن الرمي سبب والقتل مباشرة "وإن رماه في لجة فتلقاه حوت فابتلعه فالقود على الرامي في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" وهو المذهب لأنه تسبب إلى قتله ولم توجد مباشرة فصلح إسناد القتل إليه فوجب أن يعمل السبب عمله وبه فارق ما تقدم.
والثاني لا قود عليه لأنه متسبب والإتلاف حصل بالمباشرة وهو يوجب قطع التسبب وكما لو منعه موج أو غيره أو كان الماء غير معروف والأول أصح لأن قطع التسبب لا يكون إلا بشرط صلاحية إسناد التلف إلى المباشرة وهو مفقود هنا وعلى هذا لا فرق بين أن يلتقمه قبل أن يمس الماء أو بعده قبل الغرق أو بعده وقيل إن التقمه بعد حصوله فيه قبل غرقه وقيل شبه عمد ومع قلة فإن علم بالحوت فالقود وإلا دية "وإن أكره إنسانا" مكلفا "على القتل" أي على قتل مكافئه "فقتل فالقصاص" أو الدية قاله في "المحرر" و"الوجيز" "عليهما" لأن المكره تسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبا أشبه ما لو أنهشه حية والمكره قتله ظلما لاستبقاء نفسه كما لو قتله في المجاعة ليأكله فعلى هذا إن صار الأمر إلى الدية فهي عليهما كالشريكين وفي "الموجز" إذا قلنا تقتل الجماعة بالواحد وخصه بعضهم بمكره ويتوجه عكسه لا يقال المكره ملجأ لأنه غير صحيح لأنه متمكن من الامتناع ولهذا يأثم بالقتل وقوله عليه السلام "عفي لأمتي عما استكرهوا عليه" محمول على غير القتل "وإن أمر من لا يميز أو مجنونا" أو أعجميا لا يعلم خطر القتل وفي "الرعاية" و"الفروع" أو كبيرا يجهل تحريمه "أو عبده الذي لا يعلم أن القتل محرم" كمن نشأ في غير بلاد الإسلام "فقتل فالقصاص على الآمر" لأن القاتل هنا كالآلة أشبه ما لو أنهشه حية ونقل مهنا إذا أمر صبيا أن يضرب رجلا فضربه فقتله فعلى الآمر ولا شيء عليه بدفع سكين إليه ولم يأمره وفي(8/222)
وإن أمر كبيرا عاقلا عالما بتحريم القتل فقتل فالقصاص على القاتل وإن أمر السلطان بقتل إنسان بغير حق من يعلم ذلك ، فالقصاص على القاتل وإن لم يعلم فعلى الآمر .
ـــــــ
"الانتصار" إن أمر صبيا وجب على آمره وشريكه في رواية وإن سلم لا يلزمهما فلعجزه غالبا وظاهره أنه إذا أقام في بلاد الإسلام بين أهله فلا يخفى عليه تحريم القتل ولا يعذر فيه إذا كان عالما وحينئذ يقتل العبد ويؤدب سيده الآمر نص عليه وعنه يقتل الآمر ويحبس العبد حتى يموت كممسكه وعلم أنه إذا أمره بزنى أو سرقة فعلى المباشر "وإن أمر كبيرا عاقلا عالما بتحريم القتل فقتل فالقصاص على القاتل" بغير خلاف نعلمه لأنه مقتول ظلما فوجب عليه القصاص كما لو لم يؤمر وقال ابن المنجا المراد بالكبير هنا من يميز وليس بكبير فلا قود عليه ولا على الآمر لأنه غير مكلف ولأن تمييزه يمنع كونه كالآلة وليس بظاهر.
فرع : إذا قال لغيره اقتلني أو اجرحني ففعل غير مكره وهما مكلفان فهدر نص عليه وعنه تلزم الدية وعنه عليه دية نفسه إرثا ويحتمل القود ولو قال ذلك عبد لمن يقتل به فقتله ضمنه لسيده بمال فقط نص عليه ولو قال اقتلني وإلا قتلتك فخلاف كإذنه وفي "الانتصار" لا إثم ولا كفارة وفي "الرعاية" اقتل نفسك وإلا قتلتك إكراه كاحتمال في اقتل زيدا أو عمرا "وإن أمر السلطان بقتل إنسان بغير حق من يعلم ذلك فالقصاص على القاتل" لأنه غير معذور في فعله لقوله عليه السلام "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ولأن غير السلطان لو أمره بذلك كان القصاص على المباشر علم أو لم يعلم ويحتمل إن خاف السلطان قتل كما لو أكره "وإن لم يعلم فعلى الآمر" لأن المأمور معذور لوجوب طاعة الإمام في غير المعصية والظاهر من حاله أنه لا يأمر إلا بالحق.
فرع : إذا أكره السلطان على قتل أحد بغير حق فالقود أو الدية عليهما فإن كان الإمام يعتقد جواز القتل دون المأمور كمسلم قتل ذمي فقال القاضي الضمان(8/223)
إنسانا لآخر ليقتله فقتله قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت في إحدى الروايتين والأخرى : يقتل أيضا وإن كتف إنسانا وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته فحكمه حكم الممسك
ـــــــ
عليه دون الإمام لأنه قتل من لا يحل له قتله قال في "المغني" ينبغي أن يفرق بين المجتهد والمقلد فإن كان مجتهدا فهو كقول القاضي وإن كان مقلدا فلا ضمان عليه لأن له تقليد الإمام فيما رآه وإن كان الإمام يعتقد تحريمه والمأمور يعتقد حله فالضمان على الآمر كما لو أمر السيد عبده الذي لا يعتقد تحريم القتل به "وإن أمسك إنسانا لآخر ليقتله فقتله قتل القاتل" بغير خلاف نعلمه لأنه قتل من يكافئه عمدا بغير حق "وحبس الممسك حتى يموت في إحدى الروايتين" نصره في "الشرح" وقدمه في "الفروع" وجزم به في "الوجيز" لما روى ابن عمر مرفوعا قال "إذا أمسك الرجل وقتله الآخر قتل القاتل ويحبس الذي أمسك " رواه الدارقطني وروى الشافعي نحوه من قضاء علي رضي الله عنه ولأنه حبسه إلى الموت فيحبس الآخر عن الطعام والشراب حتى يموت "والأخرى يقتل أيضا" اختارها أبو محمد الجوزي وقدمها في "الرعاية" وادعاه سليمان بن موسى إجماعا لأن قتله حصل بفعلهما كما لو جرحاه لكن إن لم يعلم الممسك أنه يقتله أنه لا شيء عليه وكذا الخلاف لو فتح واحد فمه وسقاه آخر سما قاتلا فمات وجزم في "الوجيز" بقتله ومثله لو أمسكه ليقطع طرفه ذكره في "الانتصار" أو تبع رجلا ليقتله فهرب فأدركه آخر فقطع رجله ثم أدركه الثاني فقتله فإن كان الأول حبسه بالقطع ليقتله الثاني فعليه القود في القطع وحكمه في النفس حكم الممسك فإن لم يقصد حبسه فعليه القطع دون القتل كالذي أمسك غير عالم "وإن كتف إنسانا وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته فحكمه حكم الممسك" ذكره القاضي قال المؤلف والصحيح أنه لا قصاص فيه لأنه لا يقتل غالبا وتجب فيه الدية لأنه فعل به فعلا متعمدا لا يقتل غالبا فهو شبه عمد.
فرع : إذا أمسك زيد عبدا فقتله آخر ضمنه زيد ورجع على عاقلته وله تضمين أيهما شاء وإن أمسكه لغير قتله لم يضمنه الممسك بحال قاله في(8/224)
فصل
اشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما كالأب و أجنبي في قتل الولد و الحر و العبد في قتل العبد و الخاطئ و العامد ففي وجوب القصاص على الشريك روايتان أظهرهما و جوبه على شريك الأب والعبد و سقوطه عن شريك الخاطئ
------------------------
"الرعاية" ومن تعرض لقتل زيد ولم يدفعه عن نفسه وسكت فقتله ضمنه إن قلنا الدية إرث وإن قلنا له فوجهان.
فصل
"إن أشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما كالأب وأجنبي في قتل الولد والحر والعبد في قتل العبد والخاطئ والعامد ففي وجوب القصاص على الشريك روايتان" إحداهما لا قصاص عليه لأنه تركب من موجب وغير موجب فلم يجب القصاص لكون القتل لم يتمحض موجبا.
والثانية يجب على الشريك قدمها في الرعاية واختارها أبو محمد الجوزي لأن سقوطه عن شريكه لمعنى مختص به فلم ينفذ إلى غيره.
وكما لو أكره أبا على قتل ابنه "أظهرهما وجوبه على شريك الأب والعبد" لأن قتلهما محض عمد عدوان و لأنه شارك في القتل العمد العدوان فيقتل به كشريك الأجنبي وفعل الأب يقتضي الإيجاب لكونه تمحض عمدا عدوانا والجناية به أعظم إثما ولذلك خصه الله بالنهي وإنما امتنع الوجوب في حق الأب لمعنى مختص بالمحل لا لقصور في السبب الموجب وكذلك كل شريكين امتنع القود في حق أحدهما لمعنى فيه من غير قصور في السبب كمسلم وذمي في قتل ذمي "وسقوطه عن شريك الخاطئ" في قوله أكثر العلماء لأنه لم يتمحض عمدا فلم يجب به قود كشبه العمد وكما لو قتله واحد بجرحين عمدا وخطأ وكذا الخلاف لو اشترك مكلف وغير مكلف والأصح في "المذهب" أنه لا قصاص على البالغ وهو قول الحسن والأوزاعي لأنه شارك من لا إثم عليه في(8/225)
وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم أو خاطه في اللحم أو فعل ذلك وليه أو الإمام ففي وجوب القصاص على الجارح وجهان.
ـــــــ
فعله كشريك خاطئ "وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان" وصورته أن يجرحه أسد أو نمر أو يجرحه إنسان ثم يجرح نفسه متعمدا وهما في شريك الولي المقتص وشريك القاطع حدا وشريك دفع الصائل أحدهما لا قصاص فيه لأنه شارك من لا يجب عليه القصاص كشريك الخاطئ بل أولى.
والثاني عليه القصاص واختاره أبو بكر وجزم به في "الوجيز" وهو المنصوص لأنه قتل عمد متمحض ووجب القصاص على الشريك كشريك الأب فأما إن جرح نفسه خطأ فلا قصاص على شريكه في الأصح وإذا قلنا لا قود عليه أو عدل إلى طلب المال منه لزمه نصف الدية وقيل يلزمه كمالها في شريك السبع خاصة وقيل يلزمه كما لها في شريكه المقتص ودية شريك مخطئ في ماله لا على عاقلته على الأصح قاله القاضي "ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم أو خاطه في اللحم" الحي "أو فعل ذلك وليه أو الإمام" فمات "ففي وجوب القصاص على الجارح وجهان" أحدهما لا قصاص عليه وهو أشهر لأن المداوي قصد مداواة النفس فكان فعله عمدا خطأ كشريك الخاطئ.
والثاني بلى لأنه شريك في القتل لكن إن كان سم ساعة يقتل في الحال فقد قتل نفسه وقطع سراية الجرح وجرى مجرى من ذبح نفسه بعد أن جرح وينظر في الجرح فإن مكان موجبا للقصاص فلوليه استيفاؤه وإلا أخذ الأرش وإن كان السم لا يقتل غالبا ففعل الرجل في نفسه عمد الخطإ وشريكه كشريك الخاطئ وإن خاطه غيره بغير إذنه كرها فهما قاتلان عليهما القود.(8/226)
باب شروط القصاص
و هي أربعة أحدها أن يكون الجاني مكلفا فأما الصبي و المجنون فلا قصاص عليهما و في السكران و شبهه روايتان أصحهما و جوبه عليه
فصل
الثاني أن يكون المقتول معصوما
ـــــــ
باب شروط القصاص
"وهي أربعه" وسيذكرها المؤلف طأحدهما أن يكون الجاني مكلفا" لأن القصاص عقوبة وغير المكلف ليس محلا لها "فأما الصبي والمجنون فلا قصاص عليهما" بغير خلاف لأن التكليف من شروطه وهو معدوم وكذا إذا كان زائل العقل بسبب يعذر فيه كالنائم والمغمى عليه لأنه لا قصد لهم صحيح فلو قال القاتل كنت يوم القتل صغيرا أو مجنونا صدق مع الإمكان بيمينه وإن قال أنا الآن صغير فلا قود ولا يمين "وفي السكران وشبهه" كمن زال عقله بسبب غير معذور فيه كمن يشرب الأدوية المخبثة "روايتان" وذكر أبو الخطاب أن ذلك مبني على طلاقه وفيه روايتان فيكون في وجوب القصاص عليه وجهان أحدهما لا يجب عليه لأنه زائل العقل أشبه المجنون ولأنه غير مكلف أشبه الصبي "أصحهما وجوبه عليه" نصره في "المغني" و"الشرح" وجزم به القاضي وصاحب "الوجيز" لأن الصحابة أوجبوا عليه حد القذف وإذا وجب الحد فالقصاص المتمحض حق آدمي أولى ولأنه يفضي إلى أن يصير عصيانه سببا لإسقاط العقوبة عنه و الطلاق قول يمكن إلغاؤه بخلاف القتل.
فصل
"الثاني أن يكون المقتول معصوما" أي معصوم الدم لأن القصاص إنما شرع حفظا للدماء المعصومة وزجرا عن إتلاف البنية المطلوب بقاؤها وذلك معدوم في(8/227)
فلا يجب القصاص بقتل حربي ولا مرتد ولا زان محصن ، وإن كان القاتل ذميا . ولو قطع مسلم أو ذمي يد مرتد أو حربي ، فأسلم ثم مات ، أو رمى حربيا ، فأسلم قبل أن يقع به السهم فلا شيء عليه ، وإن رمى مرتدا فأسلم قبل وقوع السهم به ، فلا قصاص ، وفي الدية وجهان .
ـــــــ
غير المعصوم "فلا يجب القصاص بقتل حربي" لا نعلم فيه خلافا ولا تجب بقتله دية ولا كفارة لأنه مباح الدم على الإطلاق كالخنزير ولأن الله تعالى أمر بقتله فقال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } [التوبة:5] وسواء كان القاتل مسلما أو ذميا ولا مرتد لأنه مباح الدم أشبه الحربي "ولا زان محصن" أي لا يجب بقتله قصاص ولا دية ولا كفارة كالمرتد وحكي بعضهم وجها أن على عاقلته القود لأن قتله إلى الإمام كمن عليه القصاص إذا قتله غير مستحق وجوابه بأنه مباح الدم متحتم قتله فلم يضمن كالحربي وظاهره ولو قبل ثبوته عند حاكم قال في "الرعاية" و"الفروع" والمراد قبل التوبة فهدر وإن بعدها إن قبلت ظاهرا فكإسلام طارئ فدل أن طرف محصن كمرتد لاسيما وقولهم عضو من نفس وجب قتلها ولكن يعزر للافتئات على ولي الأمر كمن قتل حربيا "وإن كان القاتل ذميا" فيه.
تنبيه : على مساواة الذمي للمسلم في ذلك لأن القتل منهما صادف محله ويحتمل في قتل الذمي بالزاني المحصن قاله في "الترغيب" لأن الحد لنا والإمام نائب قال في "الروضة" إن أسرع ولي قتيل أو أجنبي فقتل قاطع طريق قبل وصوله الإمام فلا قود لأنه انهدر دمه وظاهره ولا دية وليس كذلك "ولو قطع مسلم أو ذمي يد مرتد أو حربي فأسلم ثم مات أو رمى حربيا فأسلم قبل أن يقع به السهم فلا شيء عليه" لأنه لم يجن على معصوم ولأنه رمى من هو مأمور برميه فلم يضمن لأن الاعتبار في التضمين بحال ابتداء الحياة لأنها موجبة وحالها لم يكن كل من الحربي والمرتد أهلا لأن يضمن فلم يكن على الجاني شيء لفوات الأهلية المشترطة لوجوب الضمان وظاهره أنه لا قصاص و لا دية عليه وجعله في "الترغيب" كمن أسلم قبل الإصابة "وإن رمى مرتدا فأسلم قبل وقوع السهم به فلا قصاص" لأنه رمى من ليس بمعصوم أشبه الحربي "وفي الدية وجهان" أحدهما لا تجب وهو الأشهر كردة مسلم وكالحربي.(8/228)
وإن قطع يد مسلم فارتد ومات فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين وفي الآخر يجب القصاص في الطرف أو نصف الدية وإن عاد إلى الإسلام ثم مات وجب القصاص في النفس
ـــــــ
والثاني تجب لأن الرمي هنا محرم لما فيه من الافتئات على الإمام وكتلفه ببئر حفرت وقيل كمرتد لتفريطه إذ قتله ليس إليه والعمل على الأول قاله الحلواني
فائدة : قال في "الرعاية" وإن رمى مرتدا أو حربيا فأصابه بعد إسلامه فمات فهدر كما لو بان أن الحربي كان قد أسلم قبل الرمي وكتم إسلامه وقيل تجب الدية وقيل للمرتد فقط وهي دية حر مسلم مخففة على عاقلته وقيل يقتل به "وإن قطع يد مسلم فارتد ومات فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين" هذا هو الأصح لأنها نفس مرتد غير معصوم بدليل ما لو قطع طرف ذمي فصار حربيا ثم مات من جراحه وأما اليد فالصحيح أنه لا قود فيها أصلهما هل يفعل به كفعله أم في النفس فقط وهل يستوفيه الإمام أم قريبه فيه وجهان أصلهما هل ماله فيء أم لورثته والوجه الثاني يجب كما لو قطع طرفه ثم جاء آخر فقتله وجوابه بأنه قطع صار قتلا لم يجب به القتل فلم يجب به القطع كما لو قطع من غير مفصل وظاهره أنه لا تجب دية الطرف في وجه لأنه قتل لغير معصوم وتجب في آخر لأن سقوط حكم سراية الجرح لا يسقط ضمانه كما لو قطع طرف رجل ثم قتله آخر فعلى هذا يجب ضمانه فلو قطع يديه ورجليه ثم ارتد ومات ففيه ديتان لأن الردة قطعت حكم السراية وعلى الأول يجب عليه الأقل من دية النفس أو الطرف يستوفيه الإمام "وفي الآخر يجب القصاص في الطرف" لأن المجني عليه حال القطع كان مكافئا والقتل بسبب القطع غير موجب للقصاص هنا فوجب القطع لانتفاء إفضائه إلى القصاص في النفس "أو نصف الدية" لما سبق وقيل لا قود ولا دية في عمد ذلك ولا خطئه لأن الجرح صار بالسراية نفسا فيدخل القطع فيه تبعا ولو قتله في تلك الحال لم يضمنه فكذا إذا مات بالسراية "وإن عاد إلى الإسلام ثم مات وجب القصاص في(8/229)
في ظاهر كلامه وقال القاضي إن كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية لا قصاص فيه.
فصل
الثالث:أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني.
ـــــــ
النفس" مع العمد أو الدية مع الخطأ "في ظاهر كلامه" ونص عليه في رواية محمد بن الحكم لأنه مسلم حال الجناية والموت فوجب القصاص بقتله كما لو لم يرتد وأما الدية فتجب كاملة وقيل نصفها لأنها من جرح مضمون وسراية غير مضمونة كما لو جرحه إنسان وجرح نفسه ومات منهما "وقال القاضي" يتوجه عندي واختاره في "التبصرة" "إن كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية فلا قصاص فيه" كما لو عفى بعض المستحقين ولهذا لو وجدت الردة في أحد الطرفين لم يجب القصاص ويجب نصف الدية وقيل كلها وهل تجب في الطرف الذي قطع في إسلامه فيه وجهان
تنبيه : إذا رمى مسلما فلم يقع به السهم حتى ارتد فلا ضمان عليه وفي دية الجرح روايتان إحداهما حال الإصابة والثانية حال السراية وهل الاعتبار في القتل بحال الرامي أو بحال الإصابة فيه.
وجهان؟ قال في "الرعاية" والأولى أن كل جناية تهدر ابتداء تهدر دواما وإن تغير الحال بعد وما ضمن ابتداء ضمن دواما ويعتبر المقدار بالآخرة فلو تبدل حال الرامي والمرمي بين الإصابة والرمي فلا قود حتى يكمل حالها في الطرفين وفي تحمل العقل يعتبر الطرفان والواسطة وإذا كان الدم في الطرفين اعتبر الضمان بالآخرة وإن كان مضمونا حين الرمي دون الإصابة فهدر وإن انعكس ضمن حال الإصابة.
فصل
"الثالث أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني" لأن المجني عليه إذا لم يكن(8/230)
وهو أن يساويه في الدين والحرية والرق فيقتل كل واحد من المسلم الحر أو العبد والذمي الحر أو العبد بمثله ويقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر في الصحيح عنه.
ـــــــ
مكافئا للجاني فيكون آخذه آخذا به لأكثر من الحق "وهو أن يساويه في الدين" لقوله عليه السلام: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ولا يقتل مؤمن بكافر" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وفي لفظ "ولا يقتل مسلم بكافر" وعن علي قال من السنة ألا يقتل مؤمن مسلم بكافر رواه أحمد ولأن الكافر منقوص بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن لا يقال الآيات والأخبار الدالة على قتل المسلم بمثله شاملة لقتل المسلم بالكافر لأنه يجب تخصيصها بما ذكر وقد روى السلماني أقاد مسلما بذمي قتل قال أحمد ليس له إسناد وقال أيضا هو مرسل وقال الدارقطني السلماني ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل "والحرية والرق" لقول علي وابن عباس لا يقتل حر بعبد رواه الدارقطني ولأنهما شخصان لا يجري بينهما القصاص في الأطراف السليمة فلم يجب في النفس كالأبوة ولأنه منقوص بالرق فلم يقتل به الحر لرجحانه عليه بوصف الحرية "فيقتل كل واحد من المسلم الحر أو العبد والذمي الحر أو العبد بمثله" لحصول المكافأة بينهما ويقتل الذمي بمثله اتفقت أديانهم أو اختلفت نص عليه في النصراني يقتل بالمجوسي وذمي بمستأمن وعكسه والعبد المسلم بمثله في قول أكثرهم ل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] الآية وكتفاوت الفضائل كالعلم والشرف لا مكاتب بعبده ويقتل بعبده ذي الرحم المحرم في الأشهر فإن قتل رقيق مسلم رقيقا مسلما لذمي ففي جواز القود وجهان وإن تساوت القيمة وإن قتل عبد ذمي عبدا مسلما قتل به ويقتل قن بمكاتب في الأصح فإن كانا لسيد فلا قود في وجه ويقتل كل منهما بالمدبر وأم الولد وبالعكس
فرع: إذا قتل من بعضه حر مثله أو أكثر منه حرية قتل به في الأصح ولا يقتل بعبد ولا يقتل به حر "ويقتل الذكر بالأنثى" بغير خلاف ل قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] ولأنه عليه السلام قتل يهوديا رض رأس جارية بين حجرين ولأنهما شخصان يحد كل واحد منهما(8/231)
وعنه يعطى الذكر نصف الدية إذا قتل بالأنثى وعنه لا يقتل العبد بالعبد إلا أن تستوي قيمتهما ولا عمل عليه ويقتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر والمرتد بالذمي وإن عاد إلى الإسلام نص عليه ولا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد.
ـــــــ
بقذف الآخر فقتل به كالرجل بالرجل "والأنثى بالذكر في الصحيح عنه" في قول عامتهم لأنها دونه "وعنه يعطى الذكر نصف الدية إذا قتل بالأنثى" لما روى سعيد ثنا هشيم أنا يونس عن الحسن عن علي قال يقتل الرجل بالمرأة ويعطى أولياؤه نصف الدية ولأن ديتها نصف ديته فوجب أن يعطى ذلك ليحصل التساوي "وعنه لا يقتل العبد بالعبد إلا أن تستوي قيمتهما" لأنه بدل مال فيعتبر فيه التساوي كالقيمة "ولا عمل عليه" والصحيح الأول للنص ولأنه قصاص فلا يعتبر فيه التساوي في القيمة كالأحرار ولم يتعرض المؤلف للخنثى وحاصله أنه يقتل كل واحد من الذكر والأنثى بالخنثى ويقتل بهما لأنه إما رجل أو امرأة "ويقتل الكافر بالمسلم" لأنه عليه السلام قتل يهوديا بجارية ولأنه إذا قتل بمثله فمن فوقه أولى "والعبد بالحر" لأنه أكمل منه أشبه قتل الكافر بالمسلم "والمرتد بالذمي" لأن المرتد كافر فيقتل بالذمي كالأصلي لأن المرتد أسوأ حالا من الذمي لأنه مهدر الدم بخلاف الذمي فعلى هذا لا فرق بين أن يبقى على ردته أو يعود إلى الإسلام ونبه عليه بقوله "وإن عاد إلى الإسلام نص عليه" لأن الاعتبار في القصاص بحال الجناية وحالة المرتد والذمي سواء بالنسبة إلى نفس الكفر "ولا يقتل مسلم بكافر" مطلقا في قول أكثر العلماء منهم عمر وعثمان وعلي وزيد لقوله عليه السلام: "لا يقتل مسلم بكافر" رواه البخاري وظاهره ولو ارتد ولأنه منقوص بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن وقيل يقتل به للعمومات وإن الخبر في الحربي كما يقطع بسرقة ماله وفي كلام بعضهم غير حكم النفس بدليل القطع بسرقة مال زان محصن و قاتل في محاربة ولا يقتل قاتلهما والفرق أن ما لهما باق على العصمة كمال غيرهما وعصمة دمهما زالت وعجب أحمد من قوله الشعبي والنخعي أنه يقتل المسلم بالمجوسي واستشنعه لأنه ليس بمحقون الدم "ولا حر بعبد" لقوله تعالى(8/232)
إلا أن يقتله وهو مثله أو يجرحه ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق ويموت المجروح فإنه يقتل به ولو جرح مسلم ذميا أو جرح حر عبدا ثم أسلم المجروح وعتق ومات فلا قود وعليه دية حر مسلم في قول ابن حامد وفي قول أبي بكر:
ـــــــ
{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:178] فدل على أنه لا يقتل به الحر ولما روى أحمد عن علي أنه قال من السنة أنه لا يقتل حر بعبد وعن ابن عباس مرفوعا مثله رواه الدارقطني ولأنه لا يقطع طرفه بطرفه مع التساوي في السلامة فلا يقتل به كالأب مع ابنه ويتوجه عكسه وهو قول ابن المسيب والنخعي ولأنه آدمي معصوم أشبه الحر وجوابه أنه منقوص بالرق فلم يقتل به الحر كالمكاتب إذا ملك ما يؤدي "إلا أن يقتله وهو مثله أو يجرحه ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق ويموت المجروح فإنه يقتل به" نص عليه وحاصله أن الاعتبار في التكافؤ بحالة الوجوب كالحد فعلى هذا إذا قتل ذمي ذميا أو جرحه ثم أسلم الجارح ومات المجروح أو قتل عبد عبدا أو جرحه ثم عتق القاتل أو الجارح ومات المجروح وجب القصاص لأنهما متكافئان حال الجناية ولأن القصاص قد وجب فلا يسقط بما طرأ كما لو جن ذكره الأصحاب وقيل لا يقتل به وقاله الأوزاعي كما لو كان مؤمنا حال قتله والأول أقيس لا يقال لم اعتبرت المكافأة عند ذلك لأن القصاص عقوبة فكان الاعتبار فيها بحال الوجوب دون الاستيفاء "و لو جرح مسلم ذميا أو جرح حر عبدا ثم أسلم المجروح وعتق و مات فلا قود لأن المكافأة معدومة حالة الجناية "و عليه دية حر مسلم في قول ابن حامد" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن الاعتبار في الأرش بحال استقرار الجناية بدليل ما لو قطع يدي رجل ورجليه فسرى إلى نفسه ففيه دية واحدة اعتبارا بحال استقرار الجناية ولو اعتبر حال الجناية وجبت ديتان وللسيد أقل الأمرين من نصف قيمته أو نصف دية حر والباقي لورثته وقيل الدية لسيده لوجوبها عليه قبل العتق وما زاد منها على أرش الجناية إرث "وفي قول أبي بكر" والقاضي(8/233)
عليه في الذمي دية ذمي وفي العبد قيمته لسيده وإن رمى مسلم ذميا عبدا فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود وعليه دية حر مسلم إذا مات من الرمية ذكره الخرقي وقال أبو بكر: عليه القصاص.
ـــــــ
وأصحابه وابن حامد فيما حكاه ابن عقيل عنه في التذكرة وهو ظاهر كلام أحمد "عليه في الذمي دية ذمي وفي العبد قيمته لسيده" ودية مسلم لوارث مسلم لأن حكم القصاص معتبر بحال الجناية فكذا إذا أسلم أو عتق نقل حنبل يأخذ قيمته وقت جنايته وكذا ديته نقله حرب إلا أن يجاوز أرش الجناية فالزيادة للورثة وإن وجب في هذه الجناية قود فطلبه للورثة على هذه وعلى الأخرى للسيد.
فرع قتل أو جرح ذمي ذميا أو عبد عبدا ثم أسلم أو عتق مطلقا قتل به في المنصوص كجنونه في الأصح وعدم قتل من أسلم ظاهر.
نقل بكر كإسلام حربي قاتل وكذا إن جرح مرتد ذميا ثم أسلم وليست التوبة بعد الجرح أو بعد الرمي قبل الإصابة مانعة من القود في ظاهر كلامهم وجزم به شيخنا كما بعد الزهوق ذكره في "الفروع" "وإن رمى مسلم ذميا عبدا فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود" لعدم المكافأة "وعليه دية حر مسلم" للورثة ولاشيء للسيد "إذا مات من الرمية ذكره الخرقي" لا نزاع في وجوب دية حر مسلم إذا مات من الرمية لأن الإتلاف حصل لنفس حر مسلم فتعين ألا قود قاله الخرقي والقاضي وابن حامد إذ الرمي جزء من الجناية ولا ريب في انتفاء المكافأة حال الرمي وإذا عدمت المكافأة في بعض الجناية عدمت في كلها إذ الكل ينتفي بانتفاء بعضه وكما لو رمى مرتدا فأسلم.
"وقال أبو بكر وجزم به في "الوجيز" وهو ظاهر كلام أحمد "عليه القصاص" لأنه قتل مكافئا له عمدا عدوانا فوجب القود كما لو كان حرا مسلما حال الرمي ولأن الاعتبار بالإصابة بدليل ما لو رمى فلم يصبه حتى ارتد وكقتله من علمه أو ظنه ذميا أو عبدا فكان قد أسلم أو عتق أو قاتل أبيه فلم يكن في الأصح وفي "الروضة" إذا رمى مسلم ذميا هل تلزمه دية مسلم أودية كافر فيه(8/234)
ولو قتل من يعرفه ذميا عبدا فبان أنه قد أسلم وعتق فعليه القصاص وإن كان يعرفه مرتدا فكذلك قاله أبو بكر قال ويحتمل ألا يلزمه إلا الدية.
ـــــــ
روايتان اعتبارا بحال الإصابة أو الرمية ثم بني مسألة: العبد على الروايتين في ضمانه بدية أو قيمة ثم بنى عليهما من رمى مرتدا أو حربيا فأسلم قبل وقوعه هل يلزمه دية مسلم أو هدر.
فرع إذا رمى كافرا فأصابه السهم بعد أن أسلم كانت ديته لورثته المسلمين وفي "الشرح" وجوب المال معتبر بحال الإصابة لأنه بدل عن المحل فيعتبر عن المحل الذي فات بها فيجب بقدره وقد فات بها نفس مسلم حر والقصاص جزاء الفعل فيعتبر الفعل فيه والإصابة معا لأنها طرفاه فلذلك لم يجب القصاص في قتله قال في "الرعاية" في الأصح "ولو قتل من يعرفه ذميا عبدا فبان أنه قد أسلم وعتق فعليه القصاص" جزم به الشيخان وصاحب "الوجيز" لأنه قتل من يكافئه بغير حق أشبه ما لو علم حاله "وإن كان يعرفه مرتدا" فبان أنه قد أسلم "فكذلك قاله أبو بكر" لأنه قتل مكافئا عدوانا عمدا والظاهر أنه لا يخلى في دار الإسلام إلا بعد إسلامه بخلاف من في دار الحرب "قال ويحتمل ألا يلزمه" القصاص لأنه لم يقصد قتل معصوم فلم يلزمه قصاص كما لو قتل في دار الحرب من يعتقده حربيا بعد أن أسلم ولا يلزمه "إلا الدية" لأن الارتداد سلطه عليه ووجبت الدية لئلا يفوت القصاص إلى بدل.
تنبيه : يقتل المكلف بطفل ومجنون والعالم والشريف بضدهما والصحيح بالمريض ولو قارب الموت والسمين بالهزيل وكذا فيما دون النفس.
مسألة: إذا قتل حر مسلم في دار الحرب من علمه أو ظنه حربيا فبان أنه قد أسلم فهدر فلو دخلها مسلم بأمان فقتل بها حربيا قد أسلم وكتم إيمانه ففي وجوب الدية روايتان وكذلك الحكم لو قتل هذا المستأمن بدار الحرب مسلما قد دخلها بأمان ولم يعلم إسلامه فعلى الأول يجب على المسلم المستأمن دية ذمي(8/235)
فصل
الرابع ألا يكون أبا للمقتول فلا يقتل والد بولده وإن سفل و الأب و الأم في ذلك سواء
ـــــــ
فصل
"الرابع ألا يكون أبا للمقتول" لأنه لو لم يكن من شروطه لقتل به واللازم منتف "فلا يقتل الوالد بولده" نص عليه لما روى ابن عباس مرفوعا لا يقتل والد بولده رواه ابن ماجه والترمذي من رواية إسماعيل بن مسلم المكي ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه من رواية حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر قال ابن عبد البر هو حديث مشهور عن أهل العلم بالحجاز والعراق يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد حتى يكون الإسناد في مثله مع شهرته تكلفا وقال عليه السلام "أنت ومالك لأبيك" فمقتضى هذه الإضافة تمليكه إياه.
فإذا لم تثبت حقيقة الملكية تثبت الإضافة شبهة في إسقاط القصاص وظاهره ولو اختلفا دينا وحرية لأنه كان سببا في إيجاده فلا يكون سببا في إعدامه إلا أن يكون ولده من رضاع أو زنى فإنه يقتل به قال في "عيون المسائل" ولا يلزم الزاهد العابد فإن معه من الدين والشفقة ما يردعه عن القتل لأن رادعه حكمي وهو ضعيف ورادع الأب طبعي وهو أقوى بدليل أنه لا يمكنه إزالته "وإن سفل" أي لا يقتل والد بولده وإن نزل لأن الجد وإن علا والد فيدخل في الحديث ولأن ذلك حكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب و البعيد كالمحرمية والمعتق عليه إذا ملكه فوجب تساويهما في الحكم "و الأب و الأم في ذلك سواء" لأنها أحد الوالدين فيشملها الخبر ولأنها أولى بالبر منه فعلى هذا الجدة وإن علت من قبل الأب والأم كالأم ولو قال وأم كأب في ذلك لكان أولى.
وعنه تقتل أم به نقلها مهنا في أم الولد قتلت سيدها عمدا تقتل قال من يقتلها قال ولدها وكالأخ وعنه يقتل أب به وقاله ابن عبد الحكم وابن المنذر(8/236)
ويقتل الولد بكل واحد منهما في أظهر الروايتين ومتى ورث ولده القصاص أو شيئا منه أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص.
ـــــــ
للعمومات وكالأجنبيين وقال مالك إن قتله حذفا بالسيف ونحوه لم يقتل به وإن أضجعه وذبحه قتل به وجوابه أن الأب يفارق سائر الناس فإنهم لو قتلوا بالحذف بالسيف وجب عليهم القصاص والأب بخلافه وقيل يقتل أبو أم بولد بنته وعكسه وفي "الروضة" لا تقتل أم والأصح وجدة وفي "الانتصار" ولا يجوز للابن قتل أبيه بردة وكفر بدار حرب ولا رجمه بزنى ولو قضي عليه برجم وعنه لا قود بقتل في دار حرب فتجب دية إلا لغير مهاجر.
تذنيب: ادعى اثنان نسب لقيط ثم قتلاه قبل لحوقه بأحدهما فلا قود فإن رجع أحدهما عن الدعوى أو ألحقته القافة بغيرها انقطع نسبه منه وعليه القود وإن رجعا عنه لم يقبل منهما لأن النسب حق للولد فإن بلغ انتسب إلى أحدهما وقلنا يصح انتسابه فهل يقتل الآخر به فيه وجهان.
وإن اشترك اثنان في وطء امرأة فأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل لحوقه بأحدهما فلا قود ولو أنكر أحدهما النسب لم يقتل به لبقاء فراشه مع إنكاره "ويقتل الولد بكل واحد منهما في أظهر الروايتين" هذا هو الصحيح في الآية والأخبار وموافقة القياس والثاني لا يقتل به لأنه ممن لا تقبل شهادته لحق النسب فلا يقتل به كالأب مع ابنه وجوابه بأن قياسه على الأب ممتنع لتأكد حرمته ولأنه إذا قتل بالأجنبي فبأبيه أولى ولأنه يحد بقذفه فيقتل به كالأجنبي لا يقال قد روى سراقة مرفوعا أنه قال "لا يقاد الأب من ابنه ولا الابن من أبيه" وروي عنه أنه كان يقيد الابن من أبيه لأنهما خبران لا يعرفان ولا يوجدان في الكتب المشهورة وإن كان لهما أصل فهما متعارضان فيتعين سقوطهما و العمل بالنصوص الواضحة غيرهما "ومتى ورث ولده القصاص أو شيئا منه" سقط القصاص لأنه لو لم يسقط لوجب للولد على الوالد وهو ممنوع لأنه إذا لم يجب بالجناية عليه فلأن لا يجب بالجناية على غيره بطريق الأولى "أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص" لأنه لو لم يسقط(8/237)
فلو قتل امرأته وله منها ولد ، أو قتل أخاها ، فورثته ، ثم ماتت فورثها أو ولده سقط عنه القصاص . ولو قتل أباه أو أخاه ، فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول ؛ لأنه ورث بعض دم نفسه . ولو قتل أحد الابنين أباه ، والآخر أمه ، وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول كذلك ، وله أن يقتص من أخيه ، ويرثه .
ـــــــ
لوجب القصاص له على نفسه وهو ممنوع "فلو قتل امرأته وله منها ولد فلا قود لأنه لو وجب لوجب لولده عليه وإذا لم يجب للولد بالجناية عليه فغيره أولى وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى أو كان للمقتول من يشاركه في الميراث لأنه لو ثبت القود لوجب له جزء منه ولا يمكن وجوبه وإذا سقط بعضه سقط كله لأنه لا يتبعض كما لو عفا أحد الشريكين "أو قتل أخاها فورثته ثم ماتت فورثها أو ولده سقط عنه القصاص" لأنها ترث النصف إن كان الأخ لأبويها أو أبيها والسدس إن كان لأمها إذا كان معها من يرث بقية المال والجميع إن لم يكن معها أحد وهو ظاهر كلام المؤلف فلما ماتت ورث شيئا من الدم أو ورث ولده ذلك وهو مقتضى سقوط القصاص سواء كان لها ولد من غيره أو لا لأنه لا يتبعض.
وعنه لا يسقط بإرث الولد اختاره بعضهم فإن لم يكن للمقتول ولد منها وجب القصاص في قول أكثرهم لأنهما شخصان متكافئان يحد كل منهما بقذف الآخر فيقتل به كالأجنبيين "ولو قتل أباه أو أخاه فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول لأنه ورث بعض دم نفسه" لأن أخويه يستحقان دم أبيهما فإذا قتل أحدهما صاحبه ورث القاتل الأول ما كان يستحقه المقتول لأنه أخوه فعلى هذا يستحق نصف دمه لأن دم الأب بين الأخوين نصفان ضرورة أن القاتل لا يرث وإن قتل الثاني الأول ثم الثالث الرابع قتل الثالث دون الثاني لإرثه نصف دمه عن الرابع وعليه نصف دية الأول للثالث "ولو قتل أحد الابنين أباه والآخر أمه وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول كذلك" وهو قاتل الأب لأنه ورث بعض دم نفسه وذلك ثمن دم الأب "وله أن يقتص من أخيه ويرثه" إذا قتل أكبر الأخوين لأبوين أباهما وأصغرهما أمهما مع(8/238)
وإن قتل من لا يعرف ، وادعى كفره أو رقه ، أو ضرب ملفوفا فقده ، وادعى أنه كان ميتا ، وأنكر وليه ، أو قتل رجلا في داره ، وادعى أنه دخل يكابره على أهله أو ماله ، فقتله دفعا عن نفسه ، وأنكر وليه ، أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرحه دفعا عن نفسه وجب القصاص ، والقول قول المنكر .
ـــــــ
الزوجية فلا قود على الأكبر لما ذكرنا لإرثه ثمن دمه عن أمه وعليه سبعة أثمان دية أبيه للأصغر وله قتله و إرثه في الأصح لأن القتل بحق لا يمنع الميراث وإن كانت بائنا أو قتلاها معا مطلقا فلكل واحد قتل أخيه فإن تنازعا في السبق بالاستيفاء قدم من قرع ويحتمل أن يبدأ بقتل القاتل الأول و اختاره ابن حمدان "وإن قتل من لا يعرف وادعى كفره أو رقه" لم يقبل لأنه محكوم بإسلامه بالدار ولهذا يحكم بإسلام اللقيط ولأن الأصل الحرية والرق طارئ "أو ضرب ملفوفا فقده وادعى أنه كان ميتا وأنكر وليه" لم يقبل قوله لأن الأصل الحياة كما لو قطع طرفه وادعى أنه كان مثله لأن الأصل السلامة وذكر في "الواضح" عن أبي بكر لا يضمنه وأطلق ابن عقيل في موته وجهين وسأل القاضي أفلا يعتبر بالدم وعدمه قال لا لم يعتبره الفقهاء قال في "الفروع" ويتوجه يعتبر "أو قتل رجلا في داره وادعي أنه دخل يكابره على أهله أو ماله فقتله دفعا عن نفسه وأنكر وليه" وجب القصاص بغير خلاف نعلمه لأن الأصل عدم ما يدعيه سواء وجد في دار القاتل أو غيرها معه سلاح أو لا لما روي عن علي أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلا آخر فقتله فقال أن لم يأت بأربع فليعط برمته رواه سعيد ورجاله ثقات قال في "الفروع" و يتوجه عدمه في معروف بالفساد وظاهره أن الولي إذا اعترف بذلك فلا قصاص ولا دية لقول عمر رواه سعيد وهو منقطع وروي عن الزبير نحوه ولأن الخصم اعترف بما يبيح قتله فسقط حقه كما لو أقر بقتله قصاصا "أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرحه دفعا عن نفسه" وأنكره الآخر "وجب القصاص" لأن سبب القصاص قد وجد وهو الجرح والأصل عدم ما يدعيه الآخر "والقول قول المنكر" وفي "المذهب" و"الكافي" تجب الدية ونقل أبو الصقر و حنبل في قوم اجتمعوا في دار فجرح وقتل بعضهم(8/239)
.......................................................................................................
ـــــــ
بعضا وجهل الحال أن على عاقلة المجروحين دية القتلى يسقط منها أرش الجراح قضى به علي رضي الله عنه رواه أحمد وهل على من ليس به جرح من دية القتلى شيء فيه وجهان قاله ابن حامد.
فرع : ادعى زنى محصن بشاهدين نقله ابن منصور ونقل أبو طالب.
بأربعة قبل وإلا ففيه باطنا وجهان وقيل وظاهرا لكن كلام أحمد وغيره لا فرق بين كونه محصنا أولا روي عن عمر وعلي وصرح به الشيخ تقي الدين لأنه ليس بحد وإنما هو عقوبة على فعله وإلا لاعتبرت شروط الحد وقال الشافعي له قتله فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان الزاني محصنا وللمالكية قولان في اعتبار إحصانه.(8/240)
باب استيفاء القصاص
ويشترط له ثلاثة شروط : أحدها : أن يكون منة يستحقه مكلفا ، فإن كان صبيا أو مجنونا ، لم يجز استيفاؤه . ويحبس القاتل حتى يبلغ الصبي و يعقل المجنون .
ـــــــ
باب استيفاء القصاص
وهو فعل مجني عليه أو وليه بجان مثل ما فعل أو شبهه "ويشترط له ثلاثة شروط أحدها أن يكون من يستحقه مكلفا" لأن غير المكلف ليس أهلا للاستيفاء لعدم تكليفه بدليل أنه لا يصح إقراره ولا تصرفه لأن غير المكلف إما صبي أو مجنون وكلاهما لا يؤمن منه الحيف على الجاني ولا يقوم وليه مقامه لأن القصاص شرع للتشفي فلم يقم غيره مقامه "فإن كان صبيا أو مجنونا لم يجز استيفاؤه" لما ذكرنا والقود ليس لأبيه ولا لغيره استيفاؤه وعنه بلى حكاها أبو الخطاب وقالها الأكثر لأن القصاص أحد بدلي النفس فكان للأب استيفاؤه كالدية وكذلك الحكم في الوصي والحاكم في الطرف دون النفس والأول هو ظاهر المذهب لأنه لا يملك إيقاع الطلاق بزوجته فلم يملك استيفاء القصاص كالوصي ولأن القصد التشفي وترك الغيظ و لا يحصل ذلك باستيفاء الأب بخلاف الدية فإن الغرض يحصل باستيفائه ولأن الدية إنما يحصل استيفاؤها إذا تعينت والقصاص لا يتعين فعلى هذا "يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون" ويقدم الغائب لأن فيه حظا للقاتل بتأخير قتله وحظا للمستحق بإيصاله إلى حقه ولأنه يستحق إتلاف نفسه ومنفعته فإذا تعذر استيفاء النفس لعارض بقي إتلاف المنفعة سالما عن المعارض وقد حبس معاوية هدبة بن خشرم في قود حتى يبلغ ابن القتيل فلم ينكر ذلك وبذل الحسن والحسين وسعيد بن العاص لابن القتيل سبع ديات فلم يقبلها لا يقال يجب أن يخلى سبيله كالمعسر لما في تخليته من تضييع الحق لأنه لا يؤمن هربه والفرق بينهما من وجوه أحدهما أن قضاء الدين لا يجب مع الإعسار فلا يحبس بما لا يجب والقصاص واجب(8/241)
إلا أن يكون لهما أب ، فهل له استيفاؤه لهما ؟ على روايتين ، فإن كانا محتاجين إلى النفقة ، فهل لوليهما العفو على الدية؟ يحتمل وجهين . وإن قتلا قاتل أبيهما ، أو قطعا قاطعهما قهرا ، احتمل أن يسقط حقهما ، واحتمل أن تجب لهما دية أبيهما في مال الجاني ، وتجب دية الجاني على عاقلتهما .
ـــــــ
وإنما تعذر لمانع
الثاني أن المعسر لو حبس تعذر عليه الكسب لقضاء الدين
الثالث أنه قد استحق قتله وفيه تفويت نفسه ونفعه فإذا تعذر تفويت النفس لمانع جاز تفويت نفعه لإمكانه ولو كان القود لحي في طرفه لم يتعرض لمن هو عليه فإن أقام كفيلا بنفسه ليخلي سبيله لم يجز لأن الكفالة لا تصح في القصاص كالحد "إلا أن يكون لهما أب فهل له استيفاؤه لهما على روايتين" الأصح أنه ليس له ذلك لأن مقصود شرعية القصاص مفقود في الأب وكوصي وحاكم والثانية بلى لأن له ولاية كاملة بدليل أنه يملك أن يبيع من نفسه لنفسه بخلاف غيره "فإن كانا محتاجين إلى النفقة فهل لوليهما العفو على الدية يحتمل وجهين" حكاهما في "الفروع" روايتان أحدهما يجوز صححه القاضي و المؤلف و قدمه في "الرعاية" و الثاني المنع لأنه لا يملك إسقاط قصاصه و نفقته في بيت المال و كما لو كانا موسرين و الأول أصح لأن وجوب نفقته في بيت المال لا يغنيه إذا لم يحصل و لا يجوز عفوه مجانا و لولي الفقير المجنون العفو على مال لأنه ليس له حالة معتادة ينتظر فيها إفاقته ورجوع عقله بخلاف الصبي وهذا هو المنصوص وجزم به في "الوجيز" وعنه لأب وعنه ووصي وحاكم استيفاؤه لهما في نفس أو دونهما فيعفو إلى الدية نص عليه "وإن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهرا احتمل أن يسقط حقهما" هذا وجه قدمه في "الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأنه أتلف غير حقه فسقط الحق أشبه ما لو كانت لهما وديعة عند شخص فأخذاها منه قهرا وكما لو اقتصا ممن لا تحمل العاقلة ديته "واحتمل أن تجب لهما دية أبيهما في مال الجاني وتجب دية الجاني على عاقلتهما" جزم به في "الترغيب" و"عيون المسائل" لأنه ليس من أهل الاستيفاء(8/242)
وإن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة ، سقط حقهما وجها واحدا.
فصل
الثاني اتفاق جميع الأولياء على استيفائه و ليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض فإن فعل فلا قصاص عليه و عليه لشركائه حقهم من الدية.
ـــــــ
فلا يكون مستوفيا لحقه فتجب لهما دية أبيهما في مال الجاني لأن عمد الصبي والمجنون خطأ وعلى عاقلتهما دية القاتل كما لو أتلف أجنبيا بخلاف الوديعة فإنها لو تلفت بغير تعد برئ منها المودع ولو هلك الجاني من غير فعل لم يبرأ من الجناية فلو مات قبل تكليفه فحقه من القود إرث وقيل يسقط إلى الدية كما لو مات المستحق الغائب وجهل عفوه قاله في "الرعاية" "وإن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة" كالعبد "سقط حقهما وجها واحدا" لأنه لا يمكن إيجاب ديته على العاقلة فلم يكن إلا سقوطه.
فصل
"الثاني اتفاق جميع الأولياء على استيفائه" لأن الاستيفاء حق مشترك لا يمكن تنقيصه فلم يجز لأحد التصرف فيه بغير إذن شريكه لأنه لا ولاية عليه أشبه الدين "وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض" لأن اتفاق الكل شرط ولم يوجد "فإن فعل" من منعناه منه غير زوج "فلا قصاص عليه" لأنه قتل نفسا يستحق بعضها فلم يجب قتله بها لأن النفس لا تؤخذ ببعض نفس ولأنه مشارك في استحقاق القتل فلم يجب عليه قود كما لو كان مشاركا في ملك الجارية ووطئها ويفارق إذا قتل الجماعة واحدا فإنا لم نوجب القصاص بقتل بعض النفس وإنما يجعل كل واحد منهم قاتلا لجميعها ولو سلم فمن شرطه المشاركة "وعليه لشركائه حقهم من الدية" أي للذي لم يقتل قسطه من الدية لأنه حقه من القود سقط بغير اختياره أشبه ما لو مات القاتل أو عفا بعض الأولياء وهل يجب ذلك على قاتل الجاني أو في تركة الجاني فيه وجهان(8/243)
ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين ، وفي الآخر : لهم ذلك في تركة الجاني ، ويرجع ورثة الجاني على قاتله ، وإن عفا بعضهم ، سقط القصاص ، وإن كان العافي زوجا أو زوجة .
ـــــــ
وأشار إليهما بقوله "ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين" لأن المقتص قد وجب عليه فيجب على قاتل الجاني لأنه أتلف محل حقه فكان له الرجوع عليه بعوض نصيبه كما لو كانت له وديعة فأتلفها "وفي الآخر لهم ذلك" أي حقهم من الدية "في تركة الجاني و يرجع ورثة الجاني على قاتله" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" أي يجب في تركة الجاني كما لو أتلفه أجنبي أو عفا شريكه عن القصاص أي ويأخذ وارثه من المقتص الزائد عن حقه لأنه أتلف ذلك بغير حق وقولنا أتلف محل حقه يبطل بما إذا أتلف مستأجره أو غريمه ويفارق الوديعة فإنها مملوكة لهما فوجب عوض ملكه والجاني ليس بمملوك المجني عليه إنما عليه حق وهذا أقيس وقال الحلواني والأول أولى فلو قتلت امرأة رجلا له ابنان فقتلها أحدهما فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة التي قتلته ويرجع ورثتها على قاتلها بنصف ديتها وعلى الأول يرجع الابن الذي لم يقتل على أخيه بنصف دية المرأة لأنه لم يفوت على أخيه إلا نصف دية المرأة و لا يمكن أن يرجع على ورثة المرأة بشيء لأن أخاه الذي قتلها أتلف جميع الحق قال في "الشرح" وهذا يدل على ضعف هذا الوجه وفي الواضح احتمال يسقط حقهم على رواية وجوب القود عينا وقال ابن حمدان إن قلنا يجب القود عينا غرم الدية قاتل الجاني وإن قلنا يجب أحد أمرين أخذت من تركة الجاني "وإن عفا بعضهم سقط القصاص" لأن القتل عبارة عن زهوق الروح بآلة صالحة له وذلك لا يتبعض "وإن كان العافي زوجا أو زوجة" إشارة منه إلى أنهما من مستحقي الدم كبقية ذوي الفروض وهو قول أكثرهم وقال الحسن وقتادة ليس للنساء عفو وعن أحمد هو موروث للعصبات خاصة ذكرها ابن البنا واختاره الشيخ تقي الدين لأنه ثبت لدفع العار فاختص به العصبة كولاية النكاح وفيه وجه أنه يختص بذوي الأنساب فقط وقال قوم لا يسقط بعفو بعض الشركاء لأن الحق غير العافي لم يرض بإسقاطه والأول هو المشهور لما روى(8/244)
وللباقين حقهم من الدية على الجاني ، فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به ، فعليهم القود ، وإلا فلا قود عليهم ، وعليهم ديته ، وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائبا .
ـــــــ
أحمد وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثوا منها إلا ما فضل عن ورثتها وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها ولحديث عائشة وقول عمر رواه سعيد وأبو داود وعموم قوله عليه السلام "فأهله بين خيرتين" وهو عام في جميع أهله و المرأة منهم وكسائر حقوقه وذا سقط بعضه سقط كله لأنه لا يتبعض كالطلاق و العتاق والمرأة مستحقة فسقط بإسقاطها كالرجل وزوال الزوجية لا يمنع استحقاق القود كما لم يمنع استحقاق الدية وكذا لو شهد أحدهم ولو مع فسقة بعفو بعضهم "وللباقين حقهم من الدية على الجاني" سواء عفا مطلقا أو إلى الدية لا نعلم فيه خلافا لأن حقه من القصاص سقط بغير رضاه فثبت له البدل كما لو ورث القاتل بعض دمه أو مات وفي "التبصرة" إن عفا أحدهم فللبقية الدية وهل يلزمهم حقهم من الدية فيه روايتان "فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به فعليهم القود" لأنه قتل عمد عدوان أشبه ما لو قتلوه ابتداء سواء حكم به حاكم أو لا "و إلا فلا قود عليهم" أي إذا قتله غير عالم بالعفو أو غير عالم بأن العفو مسقط للقود لم يجب قود لأن ذلك شبهة قد درأت القود كالوكيل إذا قتله بعد العفو وقبل العلم ولا فرق بين أن يكون الحاكم قد حكم بالعفو أولا لأن الشبهة موجودة مع انتفاء العلم معدومة عند وجوده "وعليهم ديته" في كل موضع لا قود فيه لأن القتل قد تعذر والدية بدله وهي متعينة عند تعذره أما العفو عن القصاص فإنه يسقط عنه منها ما قابل حقه على القاتل قصاصا ويجب عليه الباقي فإن كان الولي عفا إلى غير مال فالواجب لورثة القاتل وعليهم نصيب العافي من الدية وقيل حق العافي من الدية على القاتل وفيه نظر لأن الحق لم يبق متعلقا بعينه وإنما الدية واجبة في ذمته كما لو قتل غريمه "وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائبا" لاستوائهما معنى(8/245)
فإن كان بعضهم صغيرا أو مجنونا ، فليس للبالغ العاقل الاستيفاء حتى بصيرا مكلفين في المشهور عنه . وعنه : له ذلك . وكل من ورث المال ورث القصاص ، على قدر ميراثه من المال ، حتى الزوجين وذوي الأرحام . ومن لا وارث له وليه الإمام ، إن شاء اقتص.
ـــــــ
فكذا يجب أن يكون حكما فإن كان القاتل هو العافي فعليه القود في قول الجمهور.
ولو ادعى نسيانه أو جوازه "فإن كان بعضهم صغيرا أو مجنونا أو غائبا فليس للبالغ العاقل الاستيفاء حتى يصيرا مكلفين" ويقدم الغائب "في المشهور" وهو الأصح نصره في "المغني" و"الشرح" لأنه حق مشترك بينهما أشبه ما لو كانا بالغين عاقلين وكدية وكعبد مشترك بخلاف محاربة لتحتمه وحد قذف لوجوبه لكل واحد كاملا "وعنه له ذلك" وقاله الأوزاعي والليث لأن الحسن بن علي قتل ابن ملجم قصاصا وفي الورثة صغار فلم ينكر ذلك أحد فإن ماتا أو أحدهما فوارثهما كهما وعند ابن أبي موسى تتعين الدية والأول المذهب لأنه قصاص غير متحتم فلم يجز لأحدهما استيفاؤه استقلالا كما لو كان لحاضر وغائب قال الأصحاب وإنما قتل الحسن بن ملجم حدا لكفره لأن من اعتقد إباحة ما حرم الله كافر وقيل لسعيه في الأرض بالفساد ولذلك لم ينتظر الحسن غائبا من الورثة فيكون كقاطع الطريق وقتله متحتم وهو إلى الإمام والحسن هو الإمام ولأن استيفاء الإمام بحكم الولاية لا بحكم الأدب "وكل من ورث المال ورث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام" لأنه حق يستحقه الوارث من جهة موروثه أشبه المال وعنه يختص العصبة وهل يستحقه ابتداء أم ينتقل عن مورثه فيه روايتان.
فائدة: الأحسن أن يكون الزوجان مرفوعا بالألف عطفا على كل من ورث ووجد بخط المؤلف مجرورا و تكون حتى حرف جر بمعنى انتهاء الغاية أي وكل من ورث المال ورث القصاص ينتهي ذلك إلى الزوجين وذوي الأرحام "ومن لا وارث له وليه الإمام" لأنه ولي من لا ولي له "إن شاء اقتص" وفي(8/246)
وإن شاء عفا .
فصل
الثالث أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل فلو وجب القصاص على حامل أو حملت بعد وجوبه لم تقتل حتى تضع الولد و تسقيه اللبأ.
ـــــــ
"الانتصار" و"عيون المسائل" منع وتسليم لأن بنا حاجة إلى عصمة الدماء فلو لم يقتل لقتل كل من لا وارث له قالا ولا رواية فيه وفي الواضح وغيره وجهان كوالد "وإن شاء عفا" لأنه يفعل ما يرى فيه المصلحة للمسلمين من القصاص أو العفو على مال وهو الدية لا أقل ولا مجانا ذكره في "المحرر" و"الوجيز" فلو عفا إلى غير مال لم يملكه وإن كان هو ظاهر المتن لأن ذلك للمسلمين ولاحظ لهم فيه ذكره في "المغني" و"الشرح" وقيل له أن يعفو مجانا لقصة عثمان وهو ظاهر هنا لكن الأول أولى.
فصل
"الثالث أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل" لقوله تعالى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورا} [الاسراء:33] والقتل المفضي إلى التعدي فيه إسراف وفي "المحرر" و"الوجيز" و"الفروع" الجاني وهو أحسن "فلو وجب القصاص على حامل أو حملت بعد وجوبه لم تقتل" وحبست فإذا ولدت جلدت وأقيد منها في الطرف "حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ" بغير خلاف نعلمه لما روى ابن ماجة بإسناده عن عبد الرحمن بن غنم قال ثنا معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قتلت المرأة عمدا فلا تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل" ولدها ولأنه يخاف على ولدها وقتله حرام والولد يتضرر بترك اللبأ ضررا كثيرا وقال في "الكافي" لا يعيش إلا به "ثم إن وجدت من ترضعه"(8/247)
ثم إن وجدت من ترضعه وإلا تركت حتى تفطمه . ولا يقتص منها في الطرف حال حملها . وحكم الحد في ذلك حكم القصاص . فإن ادعت الحمل ، احتمل أن يقبل منها ،فتحبس حتى يتبين أمرها ، واحتمل ألا يقبل إلا ببينة .
ـــــــ
قتلت لأن تأخير قتلها إنما كان للخوف على ولدها وقد زال ذلك وفي "الترغيب" يلزم برضاعه بأجرة "وإلا" أي إذا لم يوجد من يرضعه "تركت حتى تفطمه" لحولين للخبر والمعنى إلا أن يكون فيما دون النفس والغالب عدم ضرر الاستيفاء منها ولأن القتل إذا أخر من أجل سقط الحمل فلأن يؤخر من أجل حفظ الولد بطريق الأولى وظاهره أنه إذا أمكن سقيه لبن شاة فإنها تترك وصرح في "المغني" و "الشرح" بأنها تقتل لأن له ما يقوم به وظاهره أنها لا تؤخر لمرض وحر وبرد و قيل بلى كمن خيف تلفها لحديث علي رواه مسلم "ولا يقتص منها في الطرف حال حملها" لأن القصاص في الطرف لا يؤمن معه التعدي إلى تلف الولد أشبه الاقتصاص في النفس بل يقاد منها فيه بمجرد الوضع صرح به في "الفروع" وغيره وفي "المغني" وسقي اللبأ وهو ظاهر وفي "المستوعب" وغيره ويفرغ نفاسها وفي "البلغة" هي فيه كمريض "وحكم الحد في ذلك حكم القصاص" لأنه في معناه وللخبر السابق و استحب القاضي تأخير الرجم مع وجود مرضعة لترضعه بنفسها وقيل يجب نقل الجماعة تترك حتى تفطمه ولا تحبس لحد قاله في "الترغيب" و "الرعاية" بل القود ولو مع غيبة ولي مقتول لا في مال غائب فإن ادعت الحمل احتمل أن يقبل منها فتحبس حتى يتبين أمرها جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لأن للحمل أمارات خفية تعلمها من نفسها دون غيرها فوجب أن يحتاط له كالحيض وعليه في "الترغيب" لا قود من منكوحة مخالطة لزوجها وهو ممنوع من وطئها لأجل الظهار ففيه احتمالان واحتمل ألا يقبل إلا بينة ولو امرأة ذكر في الفروع وفي "المحرر" و"الشرح" أنها تري أهل الخبرة فإن شهدن بحملها أخرت وإن شهدن ببراءتها لم تؤخر لأن الحق حال عليها فلا تؤخر بمجرد دعواها فإن أشكل على القوابل أو لم يوجد من يعرف ذلك أخرت حتى(8/248)
وإن اقتص من حامل ، وجب ضمان جنينها على قاتلها . وقال أبو الخطاب : يجب على السلطان الذي مكنه من ذلك .
ـــــــ
يتبين أمرها لأنه إذا أسقطنا القصاص من خوف الزيادة فتأخير أولى "وإن اقتص من حامل" حرم و أخطأ السلطان الذي مكنه من الاستيفاء و عليهما الإثم إن كانا عالمين أو كان منهما تفريط وإلا فالإثم على العالم والمفرط و "وجب ضمان جنينها على قاتلها" لأنه المباشر فلو انفصل ميتا أو حيا لوقت لا يعيش في مثله ففيه غرة وإن انفصل حيا لوقت يعيش مثله فيه ثم مات من الجناية ففيه الدية وينظر فإن كان الإمام والولي عالمين بالحمل وتحريم الاستيفاء أو جاهلين بالأمرين أو بأحدهما أو كان الولي عالما بذلك دون الممكن له من الاستيفاء فالضمان عليه وحده لأنه مباشر والحاكم الذي مكنه صاحب سبب وإن علم الحاكم دون الولي فالضمان على الحاكم وحده كالسيد إذا أمر عبده الأعجمي الذي لا يعرف تحريم القتل به وإن كانا عالمين ضمن الحاكم فقط وإن كانا جاهلين فقيل الضمان على الحاكم وقيل على الولي ذكره في "المغني" و"الشرح" وقيل يضمنه السلطان إلا أن يعلم المقتص وحده بالحمل فيضمن "وقال أبو الخطاب يجب على السلطان الذي مكنه من ذلك" لأنه مكنه من الإتلاف فاختص الضمان به كما لو أمر عبده الجاهل بتحريم القتل به فعلى هذا هل الغرة في بيت المال أو ماله فيه روايتان
فرع : قال في "الرعاية" فإن قتلها فتلف جنينها ضمن السلطان الممكن منها بغرة وعنه في بيت المال فإن رمته حيا فمات بذلك وجبت ديته أو قيمته إن كان قيميا من بيت المال وعنه من عاقلته وقيل يضمنه قاتلها وقيل أن علم وحده بالحمل.(8/249)
فصل
ولا يستوفي القصاص إلا بحضرة السلطان و عليه تفقد الآلة التي يستوفي بها القصاص فإن كانت كآلة منعه الاستيفاء بها و ينظر في الولي فإن كل يحسن الاستيفاء و يقدر عليه أمكنه منه و إلا أمره بالتوكيل
--------------------------
فصل
"ولا يستوفي القصاص إلا بحضرة السلطان" أو نائبه لأنه يفتقر إلى اجتهاده ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي فلو خالف وقع الموقع لأنه استوفى حقه وفي "المغني" و"الشرح" يعزره لافتئاته على السلطان وفي "عيون المسائل" لا يعزره لأنه حق له كالمال ويحتمل جوازه بغير حضرته إذا كان القصاص في النفس لأنه عليه السلام أتاه رجل يقود آخر فقال إن هذا قتل أخي فاعترف بقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب فاقتله" رواه مسلم ولأن اشتراط حضوره لا يثبت إلا بدليل ولم يوجد ويستحب حضور شاهدين لئلا ينكر المقتص الاستيفاء "وعليه تفقد الآلة التي يستوفي بها القصاص" لأن منها ما لا يجوز الاستيفاء به "فإن كانت كآلة" أو مسمومة "منعه الاستيفاء بها" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" رواه مسلم من حديث شداد ولئلا يعذب المقتول ولأن المسمومة تفسد البدن وربما منعت غسله وإن عجل فاستوفى بذلك عزر لفعله ما لا يجوز "وينظر في الولي فإن كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه" بالقوة والمعرفة "أمكنه منه" لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} [الاسراء: 33] وللخبر وكسائر حقوقه ولأن المقصود التشفي وتمكينه منه أبلغ في ذلك فإن ادعى المعرفة بالاستيفاء فأمكنه السلطان منه بضرب عنقه فأبانه فقد استوفى حقه وإن أصاب غيره وأقر بتعمد ذلك عزر فإن قال أخطأت وكانت الضربة في موضع قريب من العنق قبل قوله مع يمينه ثم إن أراد العود فقيل لا يمكن لأنه ظهر منه أنه لا يحسن وقيل بلى واختاره القاضي لأن الظاهر أنه يحترز عن مثل ذلك ثانيا "وإلا أمره بالتوكيل" لأنه عاجز عن(8/250)
فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إن كان يحسن وبين التوكيل وقيل ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال وإن تشاح أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم بالقرعة .
ـــــــ
استيفائه فيوكل فيه من يحسنه لأنه قائم مقامه "فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني" كالحد ولأنها أجرة لإيفاء ما عليه من الحق فكانت لازمة له كأجرة الكيال وقال أبو بكر تكون من الفيء فإن لم تكن فمن الجاني وذكر المؤلف في "الكافي" أن بدل العوض من بيت المال فإن لم تكن فمن الجاني والذي ذكره أبو بكر والقاضي في خلافيهما أن الأجرة على الجاني.
قال في "الشرح" وذهب بعض أصحابنا أنه يرزق من بيت المال رجل يستوفي الحدود والقصاص لأن هذا من المصالح العامة فإن لم يحصل فعلى الجاني لأن الحق عليه فيلزمه أجرة الاستيفاء كأجرة الوزان ويتوجه لو قال أنا أقتص من نفسي ولا أؤدي أجرة هل يقبل منه أم لا وقيل على المقتص لأنه وكيله فكانت الأجرة على موكله كسائر المواضع والذي على الجاني التمكين دون الفعل ولو كانت عليه أجرة الوكيل للزمه أجرة الولي إذا استوفى بنفسه "والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إن كان يحسن وبين التوكيل" هذا المذهب لأن التوكيل حق له فكان الخيرة فيه كسائر حقوقه "وقيل ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال" قدمه في "الكافي" لأنه لا يؤمن أن يجنى عليه بما لا يمكن تلافيه وقيل يمنع منه فيهما كجهله واختاره ابن عقيل والأول أولى قال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه يمكن منه لأنه أحد نوعي القصاص فيمكن منه كالقصاص في النفس "وإن تشاح أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم" لأنه لا يجوز اجتماعهم على القتل لما فيه من تعذيب الجاني وتعدد أفعالهم ولا مزية لأحدهم فوجب التقديم "بالقرعة" كما لو تشاحوا في تزويج موليتهم فمن خرجت له القرعة استأذن شركاءه في الاستيفاء ولا يجوز بغير إذنهم لأن الحق لهم.
فإن لم يتفقوا على توكيل أحد لم يستوف حتى يوكلوا وقال ابن أبي موسى إذا تشاحوا أمر الإمام من شاء باستيفائه.
تنبيه : إذا اقتص جان من نفسه برضى ولي جاز قدمه في "المحرر" و"الرعاية"(8/251)
فصل
ولا يستوفى القصاص في النفس إلا بالسيف في إحدى الروايتين . والأخرى: يفعل به كما فعل.
ـــــــ
وجزم به في "الوجيز" وفي "المغني" و"الشرح" خلافه وأطلقهما في "الفروع" وصحح في "الترغيب" لا يقع قودا وفي البلغة يقع قال في "الرعاية" ولو أقام حد زنى أو قذف على نفسه بإذن لم يسقط بخلاف قطع سرقة وله أن يختن نفسه إن قوي عليه وأحسنه نص عليه لأنه يسير لا قطع في سرقة لفوات الردع وقال القاضي على أنه لا يمتنع القطع بنفسه وإن منعناه فلأنه ربما اضطربت يده فجنى على نفسه ولم يعتبر على جوازه إذنا
قال في "الفروع" ويتوجه اعتباره وهل يقع الموقع يتوجه على الوجهين في القود ويتوجه احتمال في حد زنى وقذف وشرب كحد سرقة وبينهما فرق لحصول المقصود في القطع في السرقة وهو قطع العضو الواجب قطعه وعدم حصول الردع والزجر بجلده نفسه.
فصل
"ولا يستوفى القصاص في النفس إلا بالسيف" في العنق وإن كان القتل بغيره "في إحدى الروايتين" قدمها في "المحرر" و"الفروع" وجزم بها في "الوجيز" واختارها الأصحاب لما روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا قود إلا بالسيف" رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي من غير طريق وقال أحمد ليس إسناده بجيد ولأن القصاص أحد بدلي النفس فدخل الطرف في حكم الجملة كالدية ونهى عن المثلة ولأن فيه زيادة تعذيب وكما لو قتله بسيف قال في "الانتصار" وغيره في قود وحق الله لا يجوز في النفس إلا بسيف لأنه أوحى لا بسكين ولا في طرف إلا بها لئلا يحيف وإن الرجم بحجر لا يجوز بسيف "والأخرى يفعل به كما فعل" وقتله بسيف وقاله الأكثر واختاره الشيخ تقي الدين لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } [النحل: 126] ولقوله تعالى:(8/252)
فلو قطع يده ثم قتله ، فعل به ذلك . وإن قتله بحجر أو غرقه أو غير ذلك فعل به مثل ذلك ، وإن قطع يده من مفصل أو غيره أو أوضحه فمات ، فعل به كفعله ، فإن مات وإلا ضربت عنقه ، وقال القاضي : يقتل ولا يزاد على ذلك رواية واحدة .
------------------------
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } [البقرة: 194] ولأنه عليه السلام رض رأس يهودي الخبر ولقوله عليه السلام "من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه" رواه البيهقي من حديث البراء بن عازب وفي إسناده مقال ولأن القصاص موضوع على المماثلة ولفظه مشعر به فيجب أن يستوفي منه ما فعل كما لو ضرب العنق آخر غيره وعليها إن مات وإلا ضربت عنقه وفي "الانتصار" احتمال أو الدية بغير رضاه "فلو قطع يده ثم قتله فعل به ذلك" لما عرفت "وإن قتله بحجر أو غرقه أو غير ذلك" من أنواع القتل غير ما استثني "فعل به مثل ذلك" لما ذكرنا واختاره أبو محمد الجوزي وعنه يفعل به كفعله إن كان فعله موجبا وعنه أو موجبا لقود طرفه لو انفرد فعلى المذهب لو فعل لم يضمن وأنه لو قطع طرفه ثم قتله قبل البرء ففي دخول قود طرفه في قود نفسه لدخوله في الدية روايتان.
قال في "الترغيب" فائدته لو عفا عن النفس سقط القود في الطرف لأن قطع السراية كاندماله ومتى فعل به الولي كما فعل لم يضمنه بشيء وإن حرمناه وإن زاد أو تعدى بقطع طرفه فلا قود ويضمنه بديته عفا عنه أو لا وقيل إن لم يسر القطع "وإن قطع يده من مفصل أو غيره أو أوضحه فمات فعل به كفعله" للكتاب والسنة واعتبار المماثلة "فإن مات وإلا ضربت عنقه" لأن ذلك مستحق لكونه ترتب على فعله القتل فإذا لم يحصل بمثل ما فعل تعين ضرب العنق لكونه وسيلة إلى استيفاء القتل المستحق عليه "وقال القاضي يقتل" لأن القصاص أحد بدلي النفس فدخل بالقطع وغيره في القتل كالدية "ولا يزاد على ذلك رواية واحدة" أي لا يقتص منه في الطرف رواية واحدة لإفضائه إلى الزيادة قال المؤلف والصحيح تخريجه على الروايتين وليس هذا بزيادة لأن فوات النفس(8/253)
وإن قتله بمحرم في نفسه ، كتجريع الخمر واللواط ونحوه ، قتل بالسيف رواية واحدة ، ولا تجوز الزيادة على ما أتى به رواية واحدة ، ولا قطع شيء من أطرافه . فإن فعل ، فلا قصاص فيه ، وتجب فيه ديته ، سواء عفا عنه أو قتله .
ـــــــ
بسراية فعله وهو كفعله أشبه ما لو قطعه ثم قتله "وإن قتله بمحرم في نفسه كتجريع الخمر واللواط ونحوه" كالسحر لم يقتله بمثله وفاقا "قتله بالسيف رواية واحدة" لأن هذا محرم لعينه فوجب العدول عنه إلى القتل بالسيف لأن قتله بمثل فعله غير ممكن وإن حرقه فقال بعض أصحابنا لا يحرق للنهي عنه وقال القاضي الصحيح أن فيه روايتين كالتغريق والثانية يحرق وقاله مسروق وقتادة وحملوا النهي على غير القصاص "ولا تجوز الزيادة على ما أتى به رواية واحدة" لأن الزيادة على فعله تعد عليه فلم يجز كما لو لم يكن قاتلا "ولا قطع شيء من أطرافه" لأن ذلك زيادة على ما أتى به "فإن فعل فلا قصاص فيه" لأن القصاص عقوبة تدرأ بالشبهة وهي هنا متحققة لأنه مستحق لإتلاف الطرف ضمنا لاستحقاقه إتلاف الجملة "وتجب فيه" أي في الزائد "ديته" لأن ذلك حصل بالتعدي أشبه ما لو لم يكن المقطوع مكافئا "سواء عفا عنه أو قتله" لأن استحقاق إتلاف الطرف موجود في حالتي العفو والقتل.
لواحق: إذا كان الجاني قطع يده فقطع المستوفي رجله فقيل كقطع يده لاستوائهما وقيل دية رجله لأن الجاني لم يقطعها وإن استحق قطع إصبع فقطع ثنتين فحكمه حكم القطع ابتداء وإن ظن ولي دم أنه اقتص في النفس فلم يكن وداواه أهله حتى برئ فإن شاء الولي دفع إليه دية فعله وقتله وإلا تركه هذا رأي عمر وعلي ويعلى بن أمية ذكره أحمد.
وإذا اقتص بآلة كالة أو مسمومة فسرى فقال القاضي عليه نصف الدية لأنه تلف بفعل جائز ومحرم كما لو جرحه في ردته وإسلامه فمات منهما ويحتمل يلزمه ضمان السراية كلها لأن هذا الفعل كله محرم(8/254)
فصل
وإن قتل واحد جماعة فرضوا بقتله قتل لهم ولا شيء لهم سواه وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول وللباقين دية قتيلهم
ـــــــ
فصل
"وإن قتل" أو قطع "واحد جماعة" في وقت أو أكثر لم تتداخل حقوقهم لأنها حقوق مقصودة لآدميين فلم تتداخل كالديون لكن إن رضي الكل بقتله جاز وقد أشار إليه بقوله "فرضوا بقتله قتل لهم" لأن الحق لهم كما لو قتل عبد عبيدا خطأ فرضوا بأخذه لأنهم رضوا ببعض حقهم كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء "ولا شيء لهم سواه" أي سوى القتل لأنهم رضوا بقتله فلم يكن لهم سواه وإن طلب أحدهم القصاص والباقون الدية فلهم ذلك "وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول" وذكره في "الفروع" قولا لأن حقه أسبق ولأن المحل صار مستحقا له بالقتل فعلى هذا إذا كان الولي غائبا أو صغيرا انتظر لأن الحق له وقيل يقاد لمن بعده وقال ابن حمدان مع السبق يقاد بالسابق ومع المعية هل يقاد بواحد بقرعة أو بالكل أو يرجع كل واحد ببقية حقه فيه أوجه
وقدم في "المحرر" أنه يقدم أحدهم بالقرعة وحكاهما في "الفروع" من غير ترجيح "وللباقين دية قتيلهم" لأن القتل إذا فات تعينت الدية كما لو بادر بعضهم فاقتص بجنايته وفي "الانتصار" إذا طلبوا القود فقد رضي كل واحد بجزء منه وإنه قول أحمد قال ويتوجه أن يجبر له باقي حقه بالدية ويتخرج يقتل بهم فقط على رواية يجب بقتل العمد القود.
فرع : إذا بادر أحدهم فاقتص بجنايته فلمن بقي الدية على جان وفي كتاب الآمدي ويرجع ورثته على المقتص وقدم في "التبصرة" وابن رزين على قاتله وكما لو قتل مرتدا كان مستوفيا لقتل الردة وإن أساء في الافتئات على الإمام "فإن(8/255)
فإن رضي الأول بالدية أعطيها وقتل للثاني وإن قتل وقطع طرفا قطع طرفه ثم قتل لولي المقتول وإن قطع أيدي جماعة فحكمه حكم القتل.
ـــــــ
رضي الأول بالدية أعطيها" لأنه رضي بدون حقه "وقتل للثاني" لأن الأول إنما قدم عليه لسبقه وقد سقط حقه لرضاه بالدية "وإن قتل وقطع طرفا قطع طرفه" أولا لأنه لو بدأ بالقتل لفات القطع وفيه تفويت لحق المقطوع فوجب تقديم القطع لما فيه من الجمع بين حقي القطع والقتل "ثم قتل لولي المقتول" لأنه لا معارض له تقدم القتل أو تأخر لأنهما جنايتان على رجلين فلم يتداخلا كقطع يد رجلين ولأنه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز إسقاط أحدهما "وإن قطع أيدي جماعة فحكمه حكم القتل" لأن القطع كالقتل فعلى هذا إن رضي الجماعة بقطع يده قطعت لهم ولا شيء لهم سواه وإن تشاحوا فعلى الخلاف وإن رضي الأول بالدية أعطيها وقطع للباقين.
مسألة: إذا قطع يد رجل ثم قتل آخر ثم سرى القطع إلى النفس ومات وتشاحا قتل بالذي قتله لسبقه وتأخر السراية وأما القطع فإن قلنا أنه يستوفي منه بمثل ما فعل قطع له أولا ثم قتل الذي قتله ويجب للأول نصف الدية وإن قلنا لا يستوفي القطع وجبت له الدية كاملة ولم يقطع طرفه وقيل يجب القطع بكل حال وإن قطع يد واحد وأصبع آخر قدم رب اليد إن كان أولا وللآخر دية أصبعه ومع أوليته تقطع أصبعه ثم يقتص رب اليد بلا أرش وفيه وجه وهذا بخلاف النفس فإنها لا تنقص فتكون الطرف بدليل أخذ صحيح الأطراف بمقطوعها.(8/256)
باب العفو في القصاص
...
باب العفو عن القصاص
ـــــــ
باب العفو اعن القصاص
أجمعوا على جواز العفو عن القصاص وهو أفضل وسنده قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] والعفو المحو والتجاوز والهاء في "له" "وأخيه" لـ "من" وهو القاتل(8/256)
و الواجب بقتل العمد أحد شيئين القصاص أو الدية في ظاهر المذهب و الخيرة فيه إلى الولي إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا إلى غير شيء
ـــــــ
ويكون القتيل أو الولي على هذا أخا للقاتل من حيث الدين والصحبة وإن لم يكن بينهما نسب ونكر "شيئا" للإيذان بأنه إذا عفا له عن بعض الدم أو عفا بعض الورثة سقط القصاص ووجبت الدية فيكون العفو على هذا بمعنى الإسقاط "ذلك" أي المذكور من العفو وأخذ الدية {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } [البقرة:178] لأن القصاص كان حتما على اليهود وحرم عليهم العفو والدية وكانت الدية حتما على النصارى وحرم عليهم القصاص فخيرت هذه الأمة بين القصاص وأخذ الدية والعفو وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع إليه أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو رواه الخمسة إلا الترمذي من حديث أنس والقياس يقتضيه لأن القصاص حق له فجاز تركه كسائر الحقوق "والواجب بقتل العمد أحد شيئين القصاص أو الدية في ظاهر المذهب" هذا قول الجماعة ل قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] أوجب الإتباع بمجرد العفو ولو وجب بالعمد القصاص عينا لم تجب الدية عند العفو المطلق "والخيرة فيه إلى الولي إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا إلى غير شيء" وإن شاء قتل البعض إذا كان القاتلون جماعة ولا يسقط القصاص عن البعض بالعفو عن البعض فمتى اختار الأولياء الدية من القاتل أو من بعض القتلة كان لهم ذلك من غير رضى الجاني لقول ابن عباس كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فأنزل الله تعالى هذه الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] الآية رواه البخاري وعن أبي هريرة مرفوعا "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي وإما أن يقتل" متفق عليه
وعن أبي شريح الخزاعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أصيب بدم أو خبل والخبل الجراح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو فإن أراد رابعة فخذوا على يديه" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة من رواية سفيان بن أبي العوجاء وفيه ضعف ولأن له أن يختار(8/257)
والعفو أفضل فإن اختار القصاص فله العفو على الدية ولم يملك طلبه و عنه أن الواجب القصاص عينا
ـــــــ
أيهما شاء فكان الواجب أحدهما كالهدي والطعام في جزاء الصيد "والعفو" مجانا "أفضل" ل قوله تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [المائدة: 45] ولقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر به ثم لا عقوبة على جان لأنه إنما عليه حق واحد وقد سقط كعفو عن دية قاتل خطأ ذكره المؤلف وغيره قال الشيخ تقي الدين العدل نوعان أحدهما هو الغاية وهو العدل بين الناس والثاني ما يكون الإحسان أفضل منه وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه من الدم والمال والعرض فإن استيفاء حقه عدل والعفو إحسان والإحسان هنا أفضل لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانا إلا بعد العدل وهو ألا يحصل بالعفو ضرر فإذا حصل منه ضرر كان ظلما من العافي إما لنفسه وإما لغيره فلا يشرع ومحله ما لم يكن كمجنون أو صغير فإنه لا يصح العفو إلى غير مال لأنه لا يملك إسقاط حقه.
فرع : يصح بلفظ الصدقة والإسقاط كالعفو لأنه إسقاط للحق بكل لفظ يؤدي معناه "فإن اختار القصاص فله العفو على الدية" لما فيه من المصلحة له وللجاني أما أولا فلما في العفو عن القصاص من الفضيلة وأما ثانيا فلما فيه من سقوط القصاص عنه وله الصلح على أكثر من الدية في الأصح وخرج ابن عقيل في غير الصلح لا يجب شيء كطلاق من أسلم وتحته فوق أربع قيل له في "الانتصار" لو كان المال بدل النفس في العمد لم يجز الصلح على أكثر من الدية فقال كذا نقول على رواية يجب أحد شيئين اختاره بعض المتأخرين "وإن اختار الدية" تعينت "سقط القصاص" لأن من وجب له أحد شيئين يتعين حقه باختيار أحدهما قال أحمد إذا أخذ الدية فقط عفا عن الدم "ولم يملك طلبه" لأن القصاص إذا سقط لا يعود فلو قتله بعد أخذ الدية قتل به وعنه أن الواجب القصاص عينا ل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] والمكتوب لا يتخير فيه ولقوله عليه السلام من قتل عمدا فهو قود ولأنه بدل متلف فكان معينا كسائر المتلفات وجوابه بأن قوله فهو قود المراد به(8/258)
وله العفو إلى الدية وإن سخط الجاني فإن عفا مطلقا و قلنا الواجب أحد شيئين فله الدية وإن قلنا الواجب القصاص عينا فلا شيء له ،وإن مات القاتل وجبت الدية في تركته.
ـــــــ
وجوب القود وهو محل وفاق والفرق بينه وبين المتلفات متحقق لأن بدلها يختلف بالقصد وعدمه بخلاف القتل "وله العفو إلى الدية وإن سخط الجاني" لأن الدية أقل منه فكان له أن ينتقل إليها لأنها أقل من حقه وعنه موجبه القود عينا مع التخيير بينه وبين الدية وعنه موجبه القود عينا وليس له العفو على الدية بدون رضى الجاني فيكون قوده بحاله وله الصلح بأكثر "فإن عفا مطلقا وقلنا الواجب أحد شيئين فله الدية" على الأولى خاصة لأن الواجب أحدهما فإذا ترك أحدهما تعين الآخر وإن هلك الجاني تعينت في ماله كتعذره في طرفه وقيل تسقط بموته وعنه ينتقل الحق إذا قتل إلى القاتل الثاني فيخير أولياء القتيل الأول بين قتله والعفو واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يصح العفو في قتل الغيلة لتعذر الاحتراز كالقتل مكابرة وذكر القاضي وجها في قاتل الأئمة يقتل حدا لأن فساده عام أعظم من محارب "وإن قلنا الواجب القصاص عينا فلا شيء له" لأن الدية غير واجبة فإذا سقط الدم لم يبق له شيء وإن اختار القود تعين قال القاضي وله الرجوع إلى المال لأن الدية أدنى ولهذا قلنا له المطالبة بها وإن كان القود واجبا عينا وقيل ليس له ذلك لأنه تركها كما لو عفا عنها "وإن مات القاتل" أو قتل "وجبت الدية في تركته" لأنه تعذر استيفاء القود من غير إسقاط فوجبت الدية في تركته كقتل غير المكافئ وقيل إن قلنا الواجب أحد شيئين فكذلك وإن قلنا الواجب القود فوجهان.
فرع : إذا جنى عبد على حر بما يوجب قودا فاشتراه بأرشها المقدر بذهب أو فضة صح وسقط القود لأن شراءه بالأرش اختيار للمال وإن قدر بإبل فلا لأن صفتها مجهولة.
أصل: يصح عفو السفيه والمفلس عن القود لأنه ليس بمال فإن عفا إلى مال ثبت وإن كان إلى غير مال وقلنا الواجب أحد شيئين ثبت المال لأنه واجب(8/259)
وإذا قطع إصبعا عمدا فعفا عنه ثم سرت جنايته إلى الكف أو النفس وكان العفو على مال فله تمام الدية وإن عفا على غير مال فلا شي له على ظاهر كلامه و يحتمل أن له تمام الدية وإن عفا مطلقا انبنى على الروايتين في موجب العمد وإن قال الجاني عفوت مطلقا أو عفوت عنها و عن سرايتها قال بل عفوت إلى مال أو عفوت عنها دون
ـــــــ
وليس لهما إسقاطه وإن قلنا الواجب القود عينا صح عفوهما لأنه لم يجب إلا القود وقد أسقطاه ذكره في "الكافي" ولو رمى من له قتله قودا ثم عفا عنه فأصابه السهم فهدر قاله في "الرعاية" "وإذا قطع إصبعا عمدا فعفا عنه ثم سرت جنايته إلى الكف أو النفس وكان العفو على مال فله تمام الدية" أي دية ما سرت إليه "وإن عفا على غير مال فلا شي له على ظاهر كلامه" نقول إذا جنى جناية توجب قودا فيما دون النفس كالإصبع فعفى عنها ثم سرت إلى النفس فلا قود فيها وقاله الأكثر لأن القود لا يتبعض وقد سقط في البعض فسقط في الكل وإن كانت لا توجب قودا كالجائفة وجب القود في النفس لأنه عفا عن القود فيما لا قود فيه فلم يؤثر عفوه فإن كان عفوه على مال فله الدية كاملة في الموضعين لأن كل موضع تعذر فيه القصاص تعينت الدية وإن عفا على غير مال فلا شيء له لأن العفو حصل عن الإصبع فوجب أن يحصل عن الذي سرى إليه "ويحتمل أن له تمام الدية" وصححه بعضهم لأن المجني عليه إنما عفا عن دية الإصبع فوجب أن يثبت له تمام الدية ضرورة كونه غير معفو عنه.
فرع : إذا عفا عن دية الجرح صح عفوه لأن ديته تجب بالجناية فعلى هذا تجب دية النفس لا دية الجرح وقال القاضي ظاهر كلامه أنه لا يجب شي لأن القطع غير مضمون فكذا سرايته والأول أولى لأن القطع موجب وإنما سقط الوجوب بالعفو فيختص السقوط بمحل العفو "وإن عفا مطلقا انبنى على الروايتين في موجب العمد" فإن قلنا الواجب أحد شيئين فهو كما لو عفا على مال وإن قلنا الواجب القصاص عمدا فهو كما لو عفا على غير مال "وإن قال الجاني عفوت مطلقا أو عفوت عنها وعن سرايتها قال بل عفوت إلى مال أو عفوت عنها دون سرايتها فالقول قوله مع يمينه" لأن الأصل معه وفي(8/260)
سرايتها فالقول قوله مع يمينه وإن قتل الجاني العافي فلوليه القصاص أو الدية كاملة و قال القاضي له القصاص أو تمام الدية و إذا و كل رجلا في القصاص ثم عفا ولم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شيء عليه و هل يضمن العافي يحتمل وجهين
ـــــــ
"الرعاية" إذا قال لم أعف عن السراية ولا الدية بل عليها قبل قوله مع يمينه ولو دية كفه وقيل دون إصبع وقيل تهدر كفه بعفوه وإن سرت إلى نفسه "وإن قتل الجاني العافي" قبل البرء "فلوليه القصاص" في النفس لأن قتله انفرد عن قطعه أشبه ما لو كان القاطع غيره "أو الدية كاملة" قاله أبو الخطاب وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لأن القتل منفرد عن القطع فلم يدخل حكم أحدهما في الآخر ولأن القتل موجب له فأوجب الآية كاملة كما لو لم يتقدمه عفو "وقال القاضي له القصاص أو تمام الدية" لأن القتل إذا تعقب الجناية قبل الاندمال صار بمنزلة سرايته ولو سرى لم يجب إلا تمام الدية فكذا فيما هو بمنزلته وهذا إن نقص مال العفو عنها وإلا فلا شيء له سواه ذكره في المحرر "وإذا وكل رجلا في القصاص" صح نص عليه فلو وكله ثم غاب وعفا الموكل عن القصاص واستوفى الوكيل فإن كان عفوه بعد القتل لم يصح لأن حقه قد استوفي وإن كان قبله وقد علم الوكيل به فقد قتله ظلما فعليه القود كما لو قتله ابتداء وإن كان قبل العلم بعفو الموكل وهو المراد بقوله "ثم عفا و لم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شيء عليه" قاله أبو بكر و جزم به في "الوجيز" لأنه لا تفريط منه كما لو عفا بعد ما رماه "و هل يضمن العافي" و هو الموكل "يحتمل وجهين" أحدهما: لا ضمان عليه جزم به في "الوجيز" و قدمه في "الرعاية" و "الفروع" لأن عفوه لم يصح لأنه عفا في حال لا يمكنه تلافي ما وكل فيه كالعفو بعد رمي الحربة إلى الجاني و لأن العفو إحسان فلا يقتضي وجوب الضمان.
والثاني : بلى لأنه حصل بأمره على وجه لا ذنب للمباشر فيه كما لو أمر عبده الأعجمي بقتل معصوم و قيل للمستحق تضمين من شاء منهما و القرار على(8/261)
و يتخرج أن يضمن الوكيل و يرجع به على الموكل في أحد الوجهين لأنه غره والآخر لا يرجع به و يكون الواجب حالا في ماله و قال أبو الخطاب يكون على عاقلته وإن عفا عن قاتله بعد الجرح صح
ـــــــ
العافي و قال جماعة يخرج في صحة العفو وجهان بناء على الروايتين في الوكيل هل ينعزل بعزل الموكل قبل علمه فعلى الأول لا ضمان على أحد لأنه قتل من يجب قتله بأمر يستحقه وعلى الثاني وهو صحة العفو لا قصاص فيه لأن الوكيل قتل من يعتقد إباحة قتله كالحربي ولكن تجب الدية عليه وقد نبه على ذلك بقوله "ويتخرج أن يضمن الوكيل" لأنه قتل معصوما "ويرجع به على الموكل في أحد الوجهين لأنه غره" أشبه المغرور بحرية أمة وتزويج معيبة "والآخر لا يرجع به" اختاره القاضي لأنه محسن بالعفو بخلاف الغار بالحرية وذلك لا يقتضي الرجوع عليه "ويكون الواجب حالا في ماله" أي الوكيل لأنه متعمد للقتل وإنما سقط القود عنه لمعنى آخر فهو كقتل الأب "وقال أبو الخطاب يكون على عاقلته" وهو ظاهر "الخرقي" واختاره المؤلف قال الحلواني وهو الأظهر لأنه ليس بعمد محض ولهذا لم يجب به قود فيكون عمد الخطأ أشبه من رمى صيدا فبان آدميا فعلى قول القاضي إن كان الموكل عفا إلى الدية فله الدية في تركة الجاني ولورثة الجاني مطالبة الوكيل بديته وليس للموكل مطالبة الوكيل بشيء وإن كان عفوه بعد القتل لم يصح وإن علم الوكيل بالعفو فعليه القود.
فائدة : إذا استحق قتله وقطعه فعفا عن أحدهما بقي الآخر وقال ابن حمدان إن عفا عن القتل لم يكن له القطع وإن عفا عنه فله القتل في الأصح ولو تصالحا عن القود بمائتي بعير وقلنا يجب القود أو دية بطل وإلا فلا "وإن عفا عن قاتله بعد الجرح صح" لأنه أسقط حقه بعد انعقاد سببه فسقط كما لو أسقط الشفعة بعد البيع وكعفو وارثه بعد موته وسواء كان عمدا أو خطأ أو كان العفو بلفظه أو الوصية لأن الحق له فصح عفوه عنه كماله وعنه في القود إن كان الجرح لا قود فيه لو برئ وعنه لا يصح عن الدية وفي(8/262)
وإن أبرأه من الدية أو وصى له بها فهي وصية لقاتل هل تصح على روايتين إحداهما تصح وتعتبر من الثلث ويحتمل ألا يصح عفوه عن المال ولا وصية به لقاتل ولا غيره إذا قلنا إنها تحدث على ملك الورثة وإن أبرأ القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو العبد من جنايته التي يتعلق أرشها برقبته لم يصح
ـــــــ
"الترغيب" وجه يصح بلفظ الوصية وفيه تخريج في السراية في النفس روايات الصحة وعدمها وثالثها يجب النصف بناء على أن صحة العفو ليس بوصية ويبقى ما قابل السراية لا يصح الإبراء منه واختار ابن أبي موسى صحته في العمد وفي الخطأ من ثلاثة فعلى الأول إن قال عفوت عن الجناية وما يحدث منها فلا قصاص في سرايتها ولا دية لأنه إسقاط للحق بعد انعقاد سببه وعنه إن مات من سرايتها لم يصح العفو لأنها وصية لقاتل ولا يعتبر خروج ذلك من الثلث نص عليه لأن الواجب القود عينا أو أحد شيئين فما تعين إسقاط أحدهما وعنه يصح ويعتبر من الثلث كبقية ماله "وإن أبرأه من الدية أو وصى له بها فهي وصية لقاتل هل تصح على روايتين إحداهما تصح" لأنها بدل عنه "وتعتبر من الثلث" كبقية ماله "ويحتمل" هذا وجه "ألا يصح عفوه عن المال به ولا وصية به لقاتل ولا غيره إذا قلنا إنها تحدث على ملك الورثة" لأنه يكون مال غيره فلم يكن له التصرف فيه كسائر أموال الورثة وفي "الفروع" وغيره من صح عفوه مجانا فإن أوجب الجرح مالا عينا فكوصية وإلا فمن رأس المال لا من ثلثه على الأصح لأن الدية لم تتعين.
مسألة : إذا صولح عن الجراحة بمال أو قال في العمد عفوت عن قودها على ديتها أو لم يقل على ديتها وقلنا له ديتها ضمنت سرايتها بقسطها من الدية رواية واحدة ولو قال عفوت عن قود هذه الشجة وهي مما لا قود فيه ككسر العظام فعفوه باطل ولوليه مع سرايتها القود أو الدية "وإن أبرأ القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو العبد من جنايته التي يتعلق أرشها برقبته لم يصح" لأنه أبرأه من حق على غيره لأن الدية الواجبة على العاقلة غير واجبة على(8/263)
وإن أبرأ العاقلة والسيد صح وإن وجب لعبد قصاص أو تعزير قذف فله طلبه والعفو عنه وليس ذلك للسيد إلا أن يموت العبد.
ـــــــ
القاتل والجناية المتعلق أرشها برقبة العبد غير واجبة عليه بل متعلقة بملك السيد "وإن أبرأ العاقلة والسيد صح" لأنه أبرأهما من حق عليهما كالدين الواجب عليهما وفي "الرعاية" وجه وفي "الفروع" وغيره يصح إبراء عاقلة إن وجبت الدية للمقتول كإبراء سيد لعفوه عنها ولم يسم المبرئ.
تنبيه : إذا قال المجروح لمن عليه قود في نفس أو طرف أو جرح أبرأتك وحللتك من دمي أو قتلي أو وهبتك ذلك ونحوه معلقا بموته صح فلو برئ بقي حقه بخلاف عفوت عنك ولو قال لمن عليه قود عفوت عن جنايتك أو عنك برئ من قود ودية نص عليه "وإن وجب لعبد قصاص أو تعزير قذف فله طلبه والعفو عنه" لأنه مختص به والقصد منه التشفي "وليس ذلك للسيد" لأنه ليس يحق له "إلا أن يموت العبد" فينتقل إليه وحينئذ فله طلبه وإسقاطه كالوارث.
فرع : إذا عفا من حجر عليه لسفه أو فلس أو مرض عن قود مجانا أو عفا الوارث لذلك مع دين مستغرق ففي بقاء ديته وجهان ولا يصح عفوهم عن الدية في الأصح ويصح عفو المريض بعد البرء في قدر ثلاثة والوارث في الزائد عن قدر الدين وقيل للمفلس القود والعفو مجانا نص عليه وقيل المبذر كالصبي.(8/264)
باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس
كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها
ـــــــ
باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس
"كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها" لأن من أقيد به في النفس(8/264)
ومن لا فلا ولا يجب إلا بمثل الموجب في النفس وهو العمد المحض وهو نوعان أحدهما في الأطراف لما ذكرنا فتؤخذ العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجفن بالجفن والشفة بالشفة واليد باليد والرجل بالرجل ويؤخذ كل واحد من الأصابع والكف والمرفق
ـــــــ
إنما أقيد به لحصول المساواة المعتبرة للقود فوجب أن يقاد به فيما دونها فعلى هذا لو قطع مسلم يد مسلم قطعت يده لأنه يقاد به في النفس "ومن لا فلا" أي من لا يقاد بغيره في النفس فلا يقاد به فيما دونها فلو قطع مسلم يد كافر لم تقطع يده لأنه لا يقاد به في النفس وعنه لا قود بين العبيد في الأطراف لأنها أموال وعنه في النفس والطرف حتى تستوي القيمة ذكره في "الانتصار" والمذهب ما ذكره المؤلف لأن ما دون النفس كالنفس في وجوب القود فكان كالنفس فيما نذكره وهو قول الأكثر "ولا يجب إلا بمثل الموجب في النفس وهو العمد المحض" لقوله تعالى: {والْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وحديث أنس في قضية الربيع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله القصاص" متفق عليه وأجمعوا على جريان القصاص فيما دون النفس إذا أمكن لأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص فكان كالنفس في وجوبه وظاهره أنه لا يحب في الخطإ وهو كذلك إجماعا لا في شبه العمد وقاله السامري وصححه في "المغني" و"الشرح" وعنه يجب فيه اختارها ابن أبي موسى وأبو بكر لعموم الآية ولأن العضو يتلف بأيسر مما تتلف به النفس وجوابه بأن الآية مخصوصة بالخطإ فكذا هذا "وهو نوعان أحدهما في الأطراف" لما ذكرنا "فتؤخذ العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن للنص والخبر والجفن بالجفن" لأنه في معنى المنصوص عليه فوجب أن يلحق به ويؤخذ جفن كل واحد من البصير والضرير بالآخر.
فائدة : الجفن بفتح الجيم وحكى ابن سيدة كسرها "والشفة بالشفة" وهو ما جاوز الذقن والخدين علوا وسفلا "واليد باليد والرجل بالرجل" لما ذكرنا وظاهره لا فرق بين أن يقوى بطشها أو يضعف "ويؤخذ كل واحد من الأصابع والكف(8/265)
والذكر والأنثيين بمثله ، وهل يجري في الإلية والشفر ؟ على وجهين .
فصل
ويشترط للقصاص في الطرف ثلاثة شروط : أحدها : الأمن من الحيف ، بأن يكون القطع من مفصل ، أو له حد ينتهي إليه ، كمارن الأنف ، وهو ما لان منه ، فإن قطع القصبة أو قطع من نصف الساعد أو الساق ، فلا قصاص في أحد الوجهين .
ـــــــ
والمرفق والذكر والأنثيين بمثله" لأن المماثلة موجودة والقصاص ممكن فوجب كالعين بمثلها "وهل يجري في الإلية والشفر على وجهين" كذا في "المحرر" و"الفروع" أحدهما يجب جزم به في "الوجيز" لظاهر الآية لأن الإلية متصلة باللحم والشفر لحم لا مفصل له.
والثاني لا قود فيهما قدمه في الرعاية كلحم الفخذ.
فائدة : الشفر بضم الشين أحد شفري المرأة فأما شفر العين فهو منبت الهدب وقد حكي فيه الفتح.
فصل
"ويشترط للقصاص في الطرف ثلاثة شروط أحدها الأمن من الحيف" إذ هو جور وظلم وإذا لم يمكن القصاص إلا به لم يجب فعله "بأن يكون القطع من مفصل" لأن المماثلة في غير ذلك غير ممكنة ولا يؤمن أن يستوفي أكثر من الحق "أو له حد ينتهي إليه كمارن الأنف وهو ما لان منه" دون القصبة لأن ذلك حد ينتهي إليه فهو كاليد ويؤخذ البعض بالبعض فيقدر ما قطعه بالأجزاء كالنصف والثلث ولا يؤخذ بالمساحة لأنه يفضي إلى أخذ جميع أنف الجاني لصغره ببعض أنف المجني عليه لكبره وكذا في الأذن واللسان والشفة وقيل لا يؤخذ بعض اللسان ببعض "فإن قطع القصبة" أي قصبة أنفه "أو قطع من نصف الساعد أو الساق فلا قصاص في أحد الوجهين" وهو المنصوص عن أحمد وفي(8/266)
وفي الأخر : يقتص من حد المارن ومن الكوع والكعب ، وهل يجب له أرش الباقي ؟ على وجهين . ويقتص من المنكب إذا لم يخف جائفة.
ـــــــ
الخبر أن رجلا ضرب آخر على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل فاستعدى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال إني أريد القصاص قال "خذ الدية بارك الله لك فيها" رواه ابن ماجة ولأن القطع ليس من مفصل فلا يؤمن فيه الحيف فلو قطع يده من الكوع ثم تآكلت إلى نصف الذراع فلا قود اعتبارا بالاستقرار قاله القاضي قال في "المحرر" وعندي يقتص هاهنا من الكوع "وفي الآخر يقتص من حد المارن ومن الكوع والكعب" لأنه دون حقه لعجزه عن استيفاء حقه أشبه ما لو شجه هاشمة واستوفى موضحة وكذا الخلاف فيما لو قطع من عضد أو ورك "وهل يجب له أرش الباقي؟" عليهما ولو خطأ "على وجهين" كذا أطلقهما في "الفروع" أحدهما ليس له ذلك جزم به في "الوجيز" لأنه يجمع في عضو واحد بين قصاص ودية
والثاني بلى لأنه حق له تعذر استيفاؤه فوجب أرشه كغيره "ويقتص من المنكب إذا لم يخف جائفة" لأنه مفصل يؤمن فيه الحيف فوجب كالقطع من الكوع ويرجع في الخوف في هذا إلى أهل الخبرة فإن خيف فله أن يقتص من مرفقه ومتى خالف واقتص مع خشية الحيف أو من مأمومة أو جائفة أو نصف ذراع ونحوه أجزأ وإن اختار الدية فله دية اليد وحكومة لما زاد فإن قطع من نصف الذراع ففي جواز قطع الأصابع وجهان فإن قطع منها لم يكن له حكومة في الكف لأنه أمكنه أخذه قصاصا كما لو كانت الجناية من الكوع وإن قطعت من العضد لم يملك قطعها من كوع لأنه أمكنه استيفاء الذراع قصاصا كما لو قطع من المرفق وفي "الشرح" وجهان.
مسألة: إذا قطع بعض أذنه فالتصق فله أرش الجرح ولا قود فيه وإن شقها فألصقها صاحبها فالتصقت فكذلك وإن قطعها فأبانها فألصقها صاحبها فالتصقت فله القود في قول القاضي لأنه وجب بالإبانة وقال أبو بكر لا قود فيها لأنها لم تبق على الدوام أشبه الشق وعلى هذا له أرش الجرح فإن سقطت(8/267)
وإذا أوضح إنسانا فذهب ضوء عينه أو سمعه أو شمه ، فإنه يوضحه ، فإن ذهب ذلك وإلا استعمل فيه ما يذهبه من غير أن يجني على حدقتيه أو أذنه أو أنفه ، فإن لم يمكن إلا بالجناية على هذه الأعضاء ، سقط .
فصل
الثاني : المماثلة في الموضع والاسم ، فتؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلى من الشفتين والأجفان بمثلها .
ـــــــ
بعد ذلك قريبا أو بعيدا رد الأرش وملك القود أو الدية إن اختارها على القولين "وإذا أوضح إنسانا" أو شجه دون موضحة أو لطمه "فذهب ضوء عينه أو سمعه أو شمه فإنه يوضحه" أي فعل به كما فعل لأنه يمكن القود منه من غير حيف لأن له حدا ينتهي إليه "فإن ذهب ذلك وإلا استعمل فيه ما يذهبه" أي ما يذهب ضوء عينه إلى آخره "من غير أن يجني على حدقته أو أذنه أو أنفه" لأنه يستوفي حقه من غير زيادة فيطرح في العين كافورا أو يقرب منه مرآة أو يحمي له حديدة أو مرآة ثم يقطر عليها ماء ثم يقطر منه في العين ليذهب بصرها و لا يقتص منه مثل شجته بغير خلاف علمناه و لا يقتص منه باللطمة لأن المماثلة فيها غير ممكنة و يعالجه بما يذهب بصره من غير أن يقلع عينه و قال القاضي له أن يلطمه مثل لطمته فإن ذهب ضوء عينه و إلا أذهبه بما ذكر و لا يصح لأن اللطمة لا يقتص منها منفردة فكذا إذا سرت إلى العين كالشجة دون الموضحة ولا قود إلا أن تكون اللطمة تذهب بالبصر غالبا قاله القاضي وقال أبو بكر يجب القود بكل حال "فإن لم يمكن إلا بالجناية على هذه الأعضاء سقط" القود لتعذر المماثلة ولأن توهم الزيادة تسقط القود فحقيقته أولى وتتعين الدية.
فصل
"الثاني المماثلة في الموضع والاسم" قياسا على النفس "فتؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلي من الشفتين والأجفان بمثلها" في قول أكثر أهل العلم لأن القصاص يعتمد المماثلة ولأنها جوارح مختلفة المنافع والأماكن(8/268)
والإصبع والسن والأنملة بمثلها في الموضع والاسم ولو قطع أنملة رجل العليا وقطع الوسطى من تلك الإصبع من آخر لم يكن له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته وبين أن يصبر حتى يقطع العليا ثم يقتص من الوسطى ولا يؤخذ شيء من ذلك بما يخالفه ولا تؤخذ أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية وإن تراضيا عليه لم يجز فإن فعلا أو قطعها تعديا .
ـــــــ
فلم يأخذ بعضها ببعض كالعين بالأنف وكذا كل ما انقسم إلى يمين ويسار وأعلا وأسفل "والإصبع والسن والأنملة بمثلها في الموضع والاسم" لأن الشرط المماثلة فتؤخذ الإبهام والسبابة والوسطى بمثلها وكذا البنصر والخنصر والثنية والضاحك والناب والأنملة العليا من الإصبع بمثله لأن المماثلة موجودة في ذلك كله "ولو قطع أنملة رجل العليا وقطع الوسطى من تلك الإصبع من آخر لم يكن له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته و بين أن يصبر حتى يقطع العليا ثم يقتص من الوسطى" لأنه لا يمكن القصاص في الحال لما فيه من الحيف و أخذ الزيادة على الواجب و لا سبيل إلى تأخير حقه حتى يمكن من القصاص لما فيه من الضرر فوجب الخيرة بين الأمرين فإن قطع من ثالث السفلي فللأول أن يقتص من العليا ثم للثاني أن يقتص من الوسطى ثم للثالث أن يقتص من السفلي سواء جاءوا جميعا أو واحدا بعد و احد "ولا يؤخذ شيء من ذلك بما يخالفه" لأن المماثلة شرط و لم توجد فلا تؤخذ يمين بيسار و لا عكسه و لا العليا من الشفتين و الأجفان بالأسفل و لا عكسه و لا الإبهام بالسبابة و لا الوسطى و الخنصر و البنصر بغيرها و على هذا فقس "و لا تؤخذ أصلية بزائدة" لأن الزائدة دونها "ولا زائدة بأصلية" لأنها لا تماثلها و يؤخذ زائد بمثله موضعا و خلقة و لو تفاوتا قدرا "وإن تراضيا عليه لم يجز" لأن ما لا يجوز أخذه قصاصا لا يجوز بتراضيهما لأن الدماء لا تستباح بالإباحة "فإن فعلا" ذلك بلا تعد مثل أن يأخذ باختيار الجاني فيجرئ و يسقط القود لأن القود سقط في الأولى بإسقاط صاحبها و في الثانية بإذن صاحبها في قطعها و ديتهما متساوية قاله أبو بكر "أو قطعها تعديا" لأنهما متساويان في الدية و الألم و الاسم فتساقطا و لأن إيجاب القود يفضي إلى قطع يد كل منهما و إذهاب منفعة الجنس و كل من القطعين(8/269)
أو قال أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها أجزأت على كل حال و سقط القصاص وقال ابن حامد إن أخرجها عمدا لم يجز ويستوفي من يمينه بعد اندمال اليسار وإن أخرجها دهشة أو ظنا أنها تجزئ فعلى القاطع ديتها.
ـــــــ
مضمونة سرايته لأنه عدوان و قال ابن حامد إن كان أخذها عدوانا فلكل منهما القود على صاحبه وإن كان بتراضيهما فلا قود في الثانية لرضى صاحبها ببدلها و في و جوبه في الأول وجهان أحدهما لا يسقط لأنه رضي بتركه بعوض لم يثبت له كما لو باعه سلعة بخمر و قبضه إياه فعلى هذا له القود بعد اندمال الأخرى و للجاني دية يده "أو قال أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها أجزأت على كل حال و سقط القصاص" سواء قطعها عالما بها أو جاهلا و كما لو قطع يسار السارق بدل يمينه "وقال ابن حامد إن أخرجها عمدا لم يجز" لأنه تعمد ترك الواجب عليه من القطع فلم يعذر في استيفاء الواجب عليه و لا يصح القياس على السارق لوجوه لأن الحد مبنى على الإسقاط و يساره تقطع إذا عدمت يمينه و لو سقطت يده بآكلة أو قصاص سقط القطع بخلاف القصاص فإنه لا يسقط "ويستوفي من يمينه" لأن قطع اليسار كلا قطع فيوجب ذلك قطع اليمين ضرورة استيفاء الواجب عليه و ذلك مشروط "بعد اندمال اليسار" لأنه لو قطعها قبل ذلك أدى إلى هلاكه و هو منفي شرعا بخلاف ما إذا قطع يمين رجل و يسار آخر فإنه لا يؤخر أحدهما إلى اندمال الآخر لأن القطعين مستحقان قصاصا فلهذا جمع بينهما و في هذه أحدهما غير مستحق.
تتمة: فإن أخرجها عمدا عالما أنها يساره و أنها لا تجزئ فهدر و يفارق هذا ما إذا قطع يد إنسان و هو ساكت لأنه لم يوجد منه البدل فإن سرى قطع يساره إلى نفسه فهدر و تجب في تركته دية اليمين لتعذر الاستيفاء "وإن أخرجها دهشة أو ظنا أنها تجزئ فعلى القاطع ديتها" إن علم أنها يسار و أنها لا تجرئ و يعزر وعليه الضمان بالدية لأنه لو كان عالما بها كانت مضمونة عليه و ما و جب ضمانه في العمد و جب في الخطإ كإتلاف المال و القصاص باق في(8/270)
وإن كان من عليه القصاص مجنونا فعلى القاطع القصاص أن كان عالما بها و أنها لا تجزئ وإن جهل أحدهما فعلية الدية وإن كان المقتص مجنونا و الآخر عاقلا ذهبت هدرا.
فصل
الثالث استواؤهما في الصحة والكمال فلا تؤخذ صحيحة بشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصة
ـــــــ
اليمين و لا يقتص حتى تندمل اليسار فإن عفا و جب بدلها و يتقاصان وإن سرت اليسار إلى نفسه فلورثة الجاني نصف الدية لأن اليسار مضمونة و تساقطا به ويقبل قول الجاني في العلم و عدم إباحتها لأنه أعلم بنيته "وإن كان من عليه القصاص مجنونا" مثل أن يجن بعد وجوب القصاص عليه "فعلى القاطع القصاص إن كان عالما بها و أنها لا تجزئ" لأنه قطعها متعديا "وإن جهل أحدهما فعليه الدية" لأن بذل المجنون ليس بشبهة "وإن كان المقتص مجنونا و الآخر عاقلا ذهبت هدرا" لأنه لا يصح منه الاستيفاء ولا يجوز البذل له ولا ضمان عليه لأنه أتلفها ببذل صاحبها لكن إن كان المقطوع اليمنى فقد تعذر استيفاء القود فيها لتلفها فيكون للمجنون ديتها وإن وثب المجنون فقطع يمينه قهرا سقط حقه كما لو اقتص ممن لا تحمله العاقلة وقيل لا تسقط قال في الرعاية وهو أظهر ودية يده على الجاني وعلى عاقلته دية الجاني.
فصل
"الثالث استواؤهما في الصحة والكمال" لأن القصاص يعتمد المماثلة "فلا تؤخذ صحيحة بشلاء" بغير خلاف نعلمه إلا ما حكي عن داود لاشتراكهما في الاسم كالآدميين وجوابه أن الشلاء لا نفع فيها سوى الجمال فلا تؤخذ بما فيه نفع وإذا لم يؤخذ القود في العينين لأجل تفاوتهما في الصحة والعمى فلأن لا يوجب ذلك فيما لا نص فيه أولى "ولا كالة الأصابع بناقصة" لأنها جناية زائدة(8/271)
ولا عين صحيحة بقائمة ولا لسان ناطق بأخرس ولا ذكر فحل بذكر خصي ولا عنين ويحتمل أن يؤخذ بهما إلا مارن الأشم الصحيح يؤخذ.
ـــــــ
على ما جنى عليه فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أقل من ذلك لم يجز القصاص لأنها فوق حقه و هل له أن يقطع من أصابع الجاني بعدد أصابعه فيه وجهان وإن قطع ذو اليد الكاملة يدا فيها إصبع شلاء و باقيها صحاح لم يجر أخذ الصحيحة بها و في القود من الأصابع الصحاح وجهان فإن قلنا له القود فله الحكومة في الشلاء وأرش ما تحتها من الكف وهل يدخل ما تحت الأصابع الصحيحة في قصاصها أو تجب فيه حكومة على وجهين فإن كانت الزائدة من أصابع الجاني زائدة في الخلقة لم يمنع القود عند ابن حامد لأنها عيب ونقص في المعنى كالسلعة واختار القاضي إنها تمنع كالأصلية ولا تؤخذ ذات أظفار بما لا أظفار لها "ولا عين صحيحة" بقائمة وهي صحيحة في موضعها وإنما ذهب نورها وأبصارها لانتفاء استوائهما في الصحة وتؤخذ القائمة بالصحيحة لأنها دون حقه ولا أرش له معها لأن التفاوت في الصفة "و لا لسان ناطق بأخرس" لأنه ليس بمماثل له و لأنه يأخذ أكثر من حقه أشبهت اليد الصحيحة بالشلاء "و لا ذكر فحل بذكر خصي و لا عنين" على "المذهب" لأنه لا منفعة فيهما لأن الخصي لا يولد له و لا ينزل و لا يكاد العنين أن يقدر على الوطء فهما كالأشل "و يحتمل أن يؤخذ بهما" هذا رواية عن أحمد و اختارها أبو بكر و أبو الخطاب لأنهما عضوان ينقبضان و ينبسطان فيؤخذ بهما كذكر الفحل و عنه يؤخذ بذكر العنين لا الخصي اختارها لأبن حامد لتحقق نقصه و الإياس من برئه بخلاف العنين فإن العنة علة في الظهر كأذن الأصم و مارن الأحشم.
وقال القاضي لا يؤخذ بخصي و في أخذه بعنين وجهان أحدهما يؤخذ به الصحيح لأنه غير مأيوس من زوال عنته و لذلك يؤجل سنة و صحح في "المغني" و "الشرح" الأول لأنه إذا تردد الحال بين كونه مساويا لآخر و عدمه لم يجب قصاص لأن الأصل عدمه "إلا مارن الأشم الصحيح يؤخذ بمارن الأحشم" و هو الذي لا يجد رائحة شيء و هذا استثناء من استوائهما في الصحة(8/272)
بمارن الأخشم وبالمخروم والمستحشف وأذن السميع بإذن الأصم الشلاء في أحد الوجهين ويؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح وبمثله إذا أمن من قطع الشلاء التلف ولا يجب مع القصاص أرش في أحد الوجهين.
ـــــــ
و الكمال و ليس هو عائدا إلى الاحتمال وإن قرب منه إذ الاستثناء من الإثبات نفي فقوله يؤخذ بهما إثبات و المستثنى نفى فيكون المعنى استواؤهما شرط إلا في أشياء لأن عدم الشم علة في الدماغ و نفس الأنف صحيح فوجب أخذ الأخشم به لأنه مثله و إذا كان كذلك فلا يحتاج إلى الاستثناء قيل هو بالنظر إلى فوات الشم غيره.
والثاني لا يؤخذ به لأن منفعة الشم قد زالت فهو بالنسبة إلى الاسم كاليد الصحيحة مع الشلاء و يؤخذ الصحيح "بالمخروم" و هو المقطوع و تر أنفه و "المستحشف" و هو الرديء لأن ذلك مرض و لأنه يقوم مقام الصحيح.
والثاني لا يؤخذ بذلك لأنه معيب ذكره في الكافي و اقتصر عليه في الشرح "و أذن السميع بإذن الأصم الشلاء في أحد الوجهين" و كذا أطلقهما في "المحرر" و"الفروع" أحدهما و جزم به في "الوجيز" و هو ظاهر نقل المؤلف يؤخذ به لأن العضو صحيح و مقصوده الجمال لا السمع وذهاب السمع لنقص في الرأس لأنه محله و ليس بنقص في الأذن و الثاني لا يؤخذ به لأنه عضو ذهب نفعه فهو كاليد الشلاء و تؤخذ الأذن الصحيحة بالمثقوبة "و يؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح" لأنه رضي بدون حقه كما لو رضي المسلم بالقود من الذمي و الحر من العبد "و بمثله" لأن المانع من القصاص عدم الاستواء و هو منتف هنا بشرط و هو "إذا أمن من قطع الشلاء التلف" و حاصله أن القاطع إذا كان أشل و المقطوعة سالمة فإن شاء المجني عليه أخذ الدية فله ذلك بغير خلاف نعلمه لعجزه عن استيفاء حقه على الكمال وإن اختار القصاص سئل أهل الخبرة فإن قالوا أنه إذا قطع لم تفسد العروق و لم يدخل الهواء أجيب إلى ذلك وإن قالوا يدخل الهواء في البدن فيفسده سقط القصاص "و لا يجب له مع القصاص أرش في أحد الوجهين" قدمه في "المحرر" و "الفروع" و جزم به في "الوجيز" لأن(8/273)
و في الآخر له دية الأصابع الناقصة و لا شيء له من أجل الشلل و اختار أبو الخطاب أن له أرشه وإن اختلفا في شلل العضو وصحته فأيهما يقبل قوله فيه وجهان
ـــــــ
الشلاء كالصحيحة في الخلقة و إنما نقصت في الصفة و لأن الفعل الواحد لا يوجب مالا و قودا "و في الآخر له دية الأصابع الناقصة" قاله القاضي و شيخه "و لا شيء له من أجل الشلل" لأن الجمال ينقص بنقصان الأصابع بخلاف الشلاء فإنها كاملة الصورة و عليه مبنى القصاص لأن المماثلة في المعاني لا تعتبر لأنه كان يفضي إلى سقوط القصاص "و اختار أبو الخطاب أن له أرشه" لأن له دية و أرش الشلل على قياس قوله في عين الأعور إذا قلعت و إنما كان كذلك تكميلا لحقه لأنه استوفى بالقصاص بعض حقه فيأخذ دية باقيه كما لو قطع الأقطع يد الصحيح فإنه يأخذ دية اليد لفوات حقه منها و هذا أشبه بكلام أحمد و قيل الشلل موت و ذكر في "الفنون" أنه سمعه من جماعة من البله المدعيين للفقه قال وهو بعيد و إلا لأنتن و استحال كالحيوان و في "الواضح" إن ثبت فلا قود في ميت "وإن اختلفا في شلل العضو و صحته فأيهما يقبل قوله فيه وجهان" أي إذا ادعى الجاني نقص العضو بشلل أو غيره فأنكره و لى الجناية قبل قوله نص عليه و اختاره الخلال و جزم به في "الوجيز" لأن الظاهر السلامة.
والثاني و اختاره أبن حامد يقبل قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته من دية عضو سالم ولأنه لو كان سالما لم يخف لأنه يظهر فيراه الناس و اختار في الترغيب عكسه في أعضاء باطنة لتعذر البينة و قبل قول الولي إن اتفقا على سابقة السلامة و إلا فقول الجاني.
مسألة : إذا قطع ذكر خنثى مشكل و أنثييه و شفره فلا قود له حتى يتبين لأنا لا نعلم أن المقطوع فرج أصلي وإن طلب الدية و كان يرجى انكشاف حاله أعطي اليقين و هو دية شفري امرأة و حكومة في الذكر و الأنثيين وإن كان مأيوسا من انكشاف حاله أعطي نصف دية ذلك كله و حكومة في نصفه الباقي(8/274)
فصل
وإن قطع بعض لسانه أو مارنه أو شفته أو حشفته أو أذنه أخذ مثله يقدر بالأجزاء كالنصف والثلث والربع وإن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثله إذا أمن قلعها
ـــــــ
و على قول ابن حامد لا حكومة فيه لأنه نقص.
فصل
"وإن قطع بعض لسانه أو مارنه أو حشفته أو أذنه أحذ مثله يقدر بالأجزاء كالنصف و الثلث و الربع" للنص و قال أبو الخطاب و صححه في المحرر لا يؤخذ بعض اللسان ببعض و المذهب عند المؤلف و صاحب "الوجيز" بلى كالأذن و لأنه يؤخذ جميعه بجمعيه فأخذ بعضه ببعض كالأنف و يقدر بالأجزاء كالنصف ولا يؤخذ بالمساحة لئلا يفضي إلى أحد جميع عضو الجاني ببعض عضو المجني عليه "وإن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثلها" لحديث الربيع و يقدر بما ذكرنا و يتعين القود بالمبرد لتؤمن الزيادة لأنه لو أخذ بالكسر لأدى إلى الصداع أو القلع أو الكسر من غير موضع القصاص.
وشرط "إذا أمن قلعها" أي لا يقتص حتى يقول أهل الخبرة أنه يؤمن انقلاعها لأن توهم الزيادة يمنع القود كما لو قطعت يده من غير مفصل لا يقال قد أجزتم القصاص في الأطراف مع توهم سرايتها إلى النفس فلم منعتم منه لتوهم السراية إلى بعض العضو لأن توهم السراية إلى النفس لا سبيل إلى التحرز منه فلو اعتبر سقط القصاص في الطرف فسقط اعتباره و أما السراية إلى بعض العضو فتارة نقول يمنع القصاص إذا احتمل الزيادة في الفعل لا في السراية كما إذا استوفي من بعض الذراع فإنه يحتمل أن يفعل أ كثر مما فعل به فلو قلع سنا زائدة و كان للجاني مثلها في موضعها فللمجني عليه القود أو حكومة في سنه وإن لم يكن له مثلها في محلها فليس له إلا الحكومة وإن كانت إحداهما أكبر من الأخرى فالأشهر أنه يؤخذ به لأنهما سنان متساويان في الموضع(8/275)
ولا يقتص من السن حتى ييأس من عودها فإن اختلفا في ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة فإن مات قبل الإياس من عودها فعليه ديتها و لا قصاص فيها وإن اقتص من سن فعادت غرم سن الجاني ثم إن عادت سن الجاني رد ما أخذ وإن عادت سن المجني عليه قصيرة أو معيبة فعلى الجاني أرش نقصها.
ـــــــ
كالأصليتين و لعموم النص "ولا يقتص من السن حتى ييأس من عودها" و هي سن من قد ثغر أي سقطت رواضعه ثم نبتت لأن سن من لم يثغر تعود عادة فلم تضمن كالشعر فإن عاد بدل السن على صفتها في موضعها فلا شيء على الجاني "فإن اختلفا في ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة" أي إذا مضى زمان عودها و لم تعد سئل أهل الخبرة فإن قالوا قد يئس من عودها خير المجني عليه بين القصاص و بين دية السن "فإن مات" المجني عليه "قبل الإياس من عودها فعليه ديتها" لأن القلع موجود و العود مشكوك فيه و قيل لا يجب شيء كحلق شعره و موته قبل نباته "و لا قصاص فيها" لأن الاستحقاق غير متحقق فيكون ذلك شبهة في درء القود "وإن اقتص من سن فعادت غرم سن الجاني" لأنه لم يجب القصاص ويضمنها بالدية فقط لأنه لم يقصد التعدي "ثم إن عادت سن الجاني رد ما أخذ" و لم تقلع في وجه لئلا يأخذ سنين بسن و قيل تقلع وإن برئت لأنه أعدم سنه بالقلع فكان له إعدام سنه به و في المذهب فيمن قلع سن كبير ثم نبتت لم يرد ما أخذ ذكره أبو بكر "وإن عادت سن المجني عليه قصيرة أو معيبة فعلى الجاني أرش نقصها" بالحساب ففي نصفها نصف ديتها وإن عادت و الدم يسيل منها أو مائلة عن محلها ففيها حكومة وإن قلع سن كبير فله القود في الحال لأن الظاهر عدم عودها وإن قلع سنا فاقتص منه ثم عادت سن المجني عليه فقلعها الجاني ثانية فلا شيء عليه لأن سن المجني عليه لما عادت و جب للجاني عليه دية سنه فلما قلعها و جب على الجاني ديتها للمجني عليه فقد و جب لكل منهما دية سن فيتقاصان.
مسألة : تؤخذ المكسورة بالصحيحة و هل له أرش الباقي فيه وجهان(8/276)
فصل
النوع الثاني: الجروح فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة وجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم ولا يجب في غير ذلك من الشجاج والجروح كما دون الموضحة أو أعظم منها إلا أن يكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة فله أن يقتص موضحة ولا شيء له على قول أبي بكر و قال ابن حامد له ما بين دية موضحة ودية
ـــــــ
فصل
"النوع الثاني الجروح" للآية و الخبر "فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة" لأنه يمكن استفاؤه من غير حيف و لا زيادة لانتهائه إلى عظم أشبه قطع الكف من الكوع ولا نعلم فيه خلافا ولأن الله نص على القصاص فلو لم يجب في كل جرح ينتهي إلى عظم لسقط حكم الآية "وجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم" في قول أكثر العلماء وكالموضحة ولا يستوفي ذلك إلا من له علم وخبرة كالجرائحي ونحوه فإن لم يكن للولي علم بذلك أمره بالاستتابة وإن كان له علم به فظهر كلام أحمد أنه يمكن منه لأنه أحد نوعي القصاص كالنفس "ولا يجب في غير ذلك من الشجاج والجروح كما دون الموضحة أو أعظم منها" لأنها جراحة لا تنتهي إلى عظم و لا تؤمن فيها الزيادة أشبه الجائفة وكسر العظام "إلا أن يكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة" لأنه ليس له حد ينتهي إليه ولا يمكن الاستيفاء من غير حيف وذلك شرط في وجوب القصاص "فله أن يقتص موضحة" بغير خلاف بين أصحابنا لأنه يقتصر على بعض حقه ويقتص من محل جنايته فإنه إنما وضع السكين في موضع وضعها الجاني لأن سكين الجاني وصلت العظم ثم تجاوزته بخلاف قاطع الساعد فإنه لم يضع سكينه في الكوع "ولا شيء له على قول أبى بكر" لأنه جرح واحد فلم يجمع فيه بين قصاص وأرش كالشلاء بالصحيحة "وقال ابن حامد" وقدمه في "الرعاية" وجزم به في "الوجيز" "له ما بين دية(8/277)
موضحة ودية تلك الشجة فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل وفي المنقلة عشرا ويعتبر قدر الجرح بالمساحة فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له أن يوضحه في جميع رأسه وفي الأرش للزائد وجهان.
ـــــــ
موضحة ودية تلك الشجة" لأنه تعذر فيه القصاص فوجب الأرش كما لو تعذر في جميعها وفارق الشلاء بالصحيحة فإن الزيادة ثم من حيث المعنى وليست متميزة بخلاف مسألتنا "فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل وفي المنقلة عشرا" لأن التفاوت في الأولى خمس وفي الثانية عشر وفي المأمومة ثمانية وعشرون بعيرا وثلث بعير لأن الواجب فيها ثلث الدية فإذا ذهب منها دية موضحة بقي ذلك "ويعتبر قدر الجرح بالمساحة" دون كثافة اللحم ليعلم حتى يقتص من الجاني مثله "فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له أن يوضحه في جميع رأسه" وحاصله أنه يجب في الموضحة قدرها طولا وعرضا لأن القصاص المماثلة و لا يراعى العمق لأن حده العظم ولو روعي لتعذر الاستيفاء لأن الناس يختلفون في قلة اللحم وكثرته فإذا كانت في الرأس حلق موضعها من رأس الجاني وعلم القدر المستحق بسواد أو غيره ثم اقتص فإن كانت في مقدم الرأس أو مؤخره أو وسطه فأمكن أن يستوفي قدرها من موضعها لم يجز من غيره وإن زاد قدرها على موضعها من رأس الجاني استوفى بقدرها وإن جاوز الموضع الذي شجه في مثله لأن الجميع رأس وإن زاد قدرها على رأس الجاني كله لم يجز أن ينزله إلى الوجه والقفا لأنه قصاص في غير العضو المجروح فيقتص من رأس الجاني كله "وفي الأرش للزائد وجهان" أحدهما لا أرش له فيما بقي وقاله أبو بكر وهو الأشهر لئلا يجمع في عضو واحد قصاص ودية والثاني وهو قول ابن حامد له أرش موضحة ما بقي وهو تفاوت ما بين جنايته والموضحة كما سبق وإن كانت بقدر ثلثها فله أرش ثلث موضحة وإن زادت على هذا أو نقصت فبالحساب من أرش الموضحة ولا يجب له أرش الموضحة كاملة.(8/278)
فصل
وإن اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح وتساوت أفعالهم مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين فعلى جميعهم القصاص في إحدى الروايتين.
ـــــــ
تنبيه : إذا أوضح كل الرأس ورأس الجاني أكبر فللمجني عليه قدر شجته من أي جانب شاء لأن الجميع محل الجناية وله أن يستوفي بعض حقه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخره إلا أن يكون في ذلك زيادة ضرر أو شين فيمتنع لذلك لأنه لم يجاوز موضع الجناية ولا قدرها وقيل بالمنع لأنه يأخذ موضحتين بموضحة قدمه في "الشرح" وإن أوضحه موضحتين قدرهما جميع رأس الجاني فللمجني عليه الخيار بين أن يوضحه في جميع رأسه موضحة واحدة وبين أن يوضحه موضحتين يقتصر فيهما عن قدر الواجب ولا أرش له في الباقي وجها واحدا لأنه ترك الاستيفاء مع إمكانه ويقبل قول المقتص مع يمينه في أنه أخطأ في الزيادة فإن قال هذه الزيادة حصلت باضطرابه فأنكره الجاني فوجهان.
فصل
"وإن اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح" موجب للقصاص "وتساوت أفعالهم مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين" أو يدفعوا حائطا ونحوه على شخص قاله في "الوجيز" "فعلى جميعهم القصاص في إحدى الروايتين" اختارها الخرقي وقدمها في "الكافي" و"الرعاية و"الفروع" وجزم بها في "الوجيز" لقول علي للشاهدين لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما فأخبر أن القصاص على كل منهما لو تعمد ولأنه أحد نوعي القصاص فيؤخذ الجماعة بالواحد كالنفس وفي "الانتصار" لو حلف كل منهما لا يقطع يدا حنث بذلك والثانية لا قود عليهم لأن الأطراف يعتبر التساوي فيها فإنه لا تؤخذ(8/279)
فإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل إنسان من جانب فلا قصاص رواية واحدة وسراية الجناية مضمونة بالقصاص أو الدية فلو قطع إصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل أو تآكلت اليد وسقطت من الكوع وجب القصاص في ذلك وإن شلّ ففيه ديته دون القصاص.
ـــــــ
صحيحة بشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصتها ولا تساوي بين الطرف والأطراف ولا يعتبر التساوي في النفس وكما لو تميزت أفعالهم وفي "الرعاية" بعد ذكر الخلاف وعلى كل واحد دية الطرف والجرح كما لو قطع كل إنسان من جانب أو في وقت قال ابن حمدان ويحتمل أن يشتركوا في ديته "فإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل إنسان من جانب فلا قصاص رواية واحدة" لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها "وسراية الجناية مضمونة" بغير خلاف لأنها اثر الجناية والجناية مضمونة فكذا أثرها "بالقصاص أو الدية" وهو مبني على أن موجب العمد أحد أمرين ثم إن سرت إلى النفس وما لا تمكن مباشرته بالإتلاف مثل أن يهشمه في رأسه فيذهب ضوء عينه وجب القود فيه ولا خلاف في ذلك في النفس وفي ضوء العين خلاف.
وإن سرت إلى ما تمكن مباشرته بالإتلاف ونبه عليه بقوله "فلو قطع إصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل أو تآكلت اليد وسقطت من الكوع وجب القصاص في ذلك" في قول إمامنا لأن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية كالنفس وقال أكثر الفقهاء لا قود في الثانية وتجب ديتها لأن ما أمكن مباشرته بالجناية لا يجب القود فيه بالسراية كما لو رمى سهما إلى شخص فمرق منه إلى آخر وجوابه ما سبق وبأنه أحد نوعي القصاص وفارق ما ذكروه لأن ذلك فعل وليس بسراية ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص "وإن شل" بفتح الشين وقيل بضمها "ففيه ديته دون القصاص" إذا شل وجب القود في الأولى والأرش في الثانية لأن الشلل حصل بالسراية وحكمها حكم المباشرة ولأنها جناية موجبة للرقود كما لو لم تسر وكما لو قطع يد حبلى فسرى إلى جنينها(8/280)
وسراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس فلا شيء على القاطع ولا يقتص من الطرف إلا بعد برئه.
ـــــــ
وقال ابن أبي موسى لا قود بنقصه بعد برئه ويجب الأرش في ماله فلا تحمله العاقلة لأنه جناية عمد وإذا قطع له إصبعا فشلت أصابعه الباقية وكفه وجب له نصف الدية وإن اقتص من الإصبع فله في الباقية أربعون من الإبل ويتبعها ما حاذى الكف وهو أربعة أخماس فيدخل أرشه فيها ويبقى خمس منها للكف وفيه وجهان "وسراية القود غير مضمونة" في قول الجمهور لما روى سعيد أن عمر وعلي بن أبي طالب قالا من مات من حد أو قصاص لا دية له الحق قتله ولأنه قطع مستحق مقدر فلا تضمن سرايته كقطع السارق ولا فرق بين سرايته إلى النفس أو إلى ما دونها "فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس فلا شيء على القاطع" لأنه مستحق له بخلاف قسم الخطأ واحتج الأصحاب بمسألة اقتلني أو اجرحني مع تحريم الإذن والقطع فهنا أولى ويستثنى من ذلك ما إذا استوفاه قهرا مع الخوف منها كحر أو برد أو كلول آلة أو مسمومة فإنه يضمن بقية الدية وقال القاضي يضمن نصفها وقال ابن عقيل من له قود في نفس أو طرف فقطع طرفه فسرى إلى أوصال من عليه الدية فدفعه دفعا جائرا فقتله هل يكون مستوفيا لحقه كما يجزئ إطعام مضطر من كفارة قد وجب عليه بذله له وكذا من دخل مسجدا فصلى قضاء ونوى كفاء عن تحية المسجد فيه احتمالان "ولا يقتص من الطرف إلا بعد برئه" في قول الأكثر وهو الأصح لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقدني فقال: "حتى تبرأ" ثم جاء إليه فقال أقدني فأقاده ثم جاء إليه يا رسول الله عرجت فقال: "قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك" ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ رواه أحمد والدارقطني ولأن الجرح لا يدرى أيؤدي إلى القتل أم لا فيجب أن ينتظر ليعلم حكمه وفي ثانية وحكاها في "الشرح" تخريجا يجب قبل البرء بناء على قولنا أنه إذا سرى إلى النفس يفعل به كما فعل لأن القصاص في الطرف لا يسقط بالسراية فوجب أن يملكه في الحال كما لو برئ لكن الأولى تركه(8/281)
فإن اقتص فبل ذلك بطل حقه من سراية جرحه فإن سرى إلى نفسه كان هدرا وإن سرى القصاص إلى نفس الجاني كان هدرا أيضا.
ـــــــ
قاله في "المحرر" وفي "الروضة" لو قطع كل منهما يدا فله أخذ دية كل منهما في الحال قبل الاندمال وبعده لا القود قبله "فإن اقتص قبل ذلك بطل حقه من سراية جرحه" لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس لك شيء إنك عجلت" رواه سعيد مرسلا ولأنه استعجل حقه فبطل حقه كقتل موروثه "فإن سرى إلى نفسه كان هدرا" أي سراية الجرح إلى نفس المجني عليه هدر إذا اقتص من الجاني قبل برء جرحه لأن حقه بطل باستعجاله ومع بطلانه يتعين كون السراية إلى نفسه هدرا "وإن سرى القصاص إلى نفس الجاني كان هدرا أيضا" قال أحمد قد دخله العفو بالقصاص واحتج الأصحاب بخبر رواه الدار قطني ولأن سراية القود غير مضمونة
فرع إذا اقتص بعد الاندمال ثم انتقض جرح الجناية فسرى إلى النفس وجب القود به لأنه اقتص بعد جواز الاقتصاص فإن اختار الدية فله دية إلا دية الطرف المأخوذ في القصاص فإن كان دية الطرف كدية النفس فليس له العفو على مال كذلك فإن كان الجاني ذميا فقطع أنف مسلم فاقتص منه بعد البرء ثم سرى إلى نفس المسلم فلوليه قتل الذمي وهل له أن يعفو على نصف دية المسلم فيه وجهان.
أحدهما له ذلك لأن دية اليهودي نصف دية المسلم فيبقى له النصف.
والثاني ليس له ذلك لأنه استوفى بدل أنفه أشبه ما لو كان الجاني مسلما.(8/282)
كتاب الديات
كتاب الديات
...
كتاب الدّيات
كل من أتلف إنسانا أو جزءا منه بمباشرة أو سبب فعليه ديته فإن كان عمدا محضا فهي في مال الجاني حالة.
ـــــــ
كتاب الدّيات
الديات: واحدتها دية مخففة وأصلها ودي والهاء بدل من الواو كالعدة من الوعد والزنة من الوزن يقال وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته وايتديت أخذت الدية وهي في الأصل مصدر سمي به المال المؤديى إلى المجني عليه أو أوليائه كالخلق بمعنى المخلوق وهي ثابتة بالإجماع وسنده قوله تعالى: {ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92] وفي الخبر "في النفس مائة من الإبل" "كل من أتلف إنسانا أو جزءا منه بمباشرة أو سبب فعليه ديته" لقوله تعالى: {ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} [النساء: 93] الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب إلى أهل اليمن كتابا في الفرائض والسنن والديات " في النفس مائة من الإبل" رواه مالك والنسائي من حديث عمرو بن حزم قال ابن عبد البر هو كتاب مشهور عند أهل السير ومعروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد أشبه المتواتر وسواء كان مسلما أو ذميا مستأمنا أو مهادنا فقوله أو جزءا منه هذه الزيادة انفرد بها المؤلف عن "المحرر" و"الوجيز" و"الفروع" لأن ما ضمنت جملته ضمنت أجزاؤه وقوله بمباشرة لأنه أتلفه بها فوجبت ديته كالنفس إذا أتلفت بها وقوله أو سبب لأنه مؤد إلى تلفه أشبه المباشرة "فإن كان عمدا محصنا فهي في مال الجاني" بالإجماع لأن بدل المتلف يجب على المتلف وأرش الجناية على الجاني ولأن العامد لا عذر له فلا يستحق التخفيف ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطإ "حالة" لأن ما وجب بالعمد المحض كان حالا كأرش أطراف العبد ودية شبه العامد ودية شبه العمد القاتل فيها معذور لكونه لم يقصد القتل "وإن كان شبه عمد" فعلى عاقلته في ظاهر المذهب لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما(8/283)
وإن كان شبه عمد أو خطأ أو ما أجري مجراه ، فعلى عاقلته ، ولو ألقى على إنسان أفعى ، أو ألقاه عليها فقتلته ، أو طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب منه فوقع في شيء تلف به ، بصيرا كان أو ضريرا ، أو حفر بئرا في فنائه .
ـــــــ
في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه ولأن نوع قتل لا يوجب قصاصا فأوجب الدية على العاقلة كالخطأ فعلى هذا تجب مؤجلة بغير خلاف نعلمه وروي عن عمر وعلي ولا مخالف لهما في عصرهما ولأن الدية تخالف سائر المتلفات لأنها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة فاقتضت الحكمة تخفيفها عنهم وقال جماعة هي على القاتل في ماله اختاره أبو بكر لأن شبه العمد كالعمد "أو خطأ أو ما أجري مجراه فعلى عاقلته" لا نعلم فيه خلافا حكاه ابن المنذر إذ الحكمة فيه أن جنايات الخطإ تكثر ودية الآدمي كثيرة فإيجابها على الجاني في ماله تجحف به فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والإعانة له تخفيفا لأنه معذور في فعله فعلى هذا لا يلزم القاتل شيئا من دية الخطإ لا أنه واحد من العاقلة وما أجري مجرى الخطأ يعطى حكمه كالخطأ "ولو ألقى على إنسان أفعى" وهو حية معروفة والأكثر على صرفها كعصا وقيل بالمنع لوزن الفعل وشبهها بالمشتق وهو تصور أذاها "أو ألقاه عليها فقتلته" فعليه ضمانه لأنه تلف بعدوانه أشبه ما لو جنى عليه ولأنه تلف بالسبب فوجب الضمان كالمباشرة وفي "الرعاية" وغيرها أنه شبه عمد "أو طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب منه فوقع في شيء تلف به بصيرا كان أو ضريرا" عاقلا كان أو مجنونا سواء سقط من شاهق أو انخرق به سقف أو خر في بئر لأنه هلك بسبب عدوانه فضمنه كما لو نصب له سكينا قال في "الترغيب" وعندي ما لم يتعمد إلقاء نفسه مع القطع بتلفه لأنه كمباشر قال في "الفروع" ويتوجه أنه مراد غيره فلو طلبه بشيء يخوفه كاللت فهو كما لو طلبه بسيف مشهور فلو شهر سيفا في وجهه أو دلاه من شاهق فمات من روعته أو ذهب عقله فعليه ديته "أو حفر بئرا في فنائه" حيث يحرم فتلف به إنسان فعليه ديته روي عن علي وقضى به شريح لأنه(8/284)
أو وضع حجرا ، أو صب ماء في طريق ، أو بالت فيها دابته ويده عليها ، أو رمى قشر بطيخ فيها ، فتلف به إنسان ، وجبت عليه الدية ، وإن حفر بئرا ، ووضع آخر حجرا ، فعثر به إنسان فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر .
ـــــــ
تلف بعدوانه أشبه ما لو تلف بجنايته وكذا لو حفرها في مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه فإنه يضمن الجميع لتعديه بالحفر وظاهره أنه لا يضمن إذا حفرها في ملكه لأنه لا يعد متعديا "أو وضع حجرا أو صب ماء في طريق" ضمنه لأنه هلك بسببه "أو بالت فيها دابته ويده عليها" فزلق به حيوان فمات به فعلى صاحب الدابة الضمان إذا كان راكبا أو قائدا أو سائقا كما لو جنت بيدها أو فمها قاله الأصحاب وفي "الشرح" قياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك وكما لو سلم على غيره أو أمسك يده حتى مات لعدم تأثيره ولأنه لا يمكن التحرز منه كما لو أتلفت برجلها ويفارق ما إذا أتلفت بيدها أو فمها لأنه يمكنه حفظها "أو رمى قشر بطيخ فيها فتلف به إنسان وجبت عليه الدية" لأن التلف منسوب إلى فاعله فوجبت عليه الدية كالمتسبب إلى القتل بغير ذلك وفي "المحرر" و"الرعاية" و"الوجيز" إذا قصده فهو شبه عمد وإلا فهو خطأ "وإن حفر بئرا ووضع آخر حجرا فعثر به إنسان فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر" في رواية وهي الأشهر لأنه كالدافع لأنه لم يقصد القتل عادة لمعين بخلاف مكره واقتضى ذلك أنه لا ضمان على الحافر لأن المباشر قطع بسببه وعنه عليهما الضمان لأنه اجتمع سببان مختلفان فيخرج منه ضمان المتسبب اختاره ابن عقيل وغيره وجعله أبو بكر كقاتل وممسك وإن تعدى أحدهما اختص به الضمان وإن وضع حجرا ثم حفر آخر عنده بئرا أو نصب سكينا فعثر بالحجر فسقط عليها فهلك احتمل أن يضمن الحافر وناصب السكين لأن فعلهما متأخر عن فعله واحتمل أن يكون الضمان على واضع الحجر
تنبيه : إذا أعمق بئرا قصيرا ضمن هو وحافر ما تلف بها نص عليه وإن دعا(8/285)
وإن غصب صغيرا ، فنهشته حية أو أصابته صاعقة ، ففيه الدية ، وإن مات بمرض ، فعلى وجهين . وإن اصطدم نفسان فماتا ، فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر .
ـــــــ
من يحفر له بداره بئرا أو معدن فمات بهدم لم يلقه أحد فهدر نقله حرب وإن حفر ببيته بئرا أو ستره ليقع فيها أحد فمن دخل بإذنه فالقود في الأصح وإلا فلا كمكشوفة بحيث يراها ويقبل قوله في عدم إذنه في الأشهر ولو وضع فيها آخر سكينا قوقع في البئر عليها فمات فقال ابن حامد وجزم به السامري الضمان على الحافر ونص أحمد أن الضمان عليهما فيخرج من هذا أن يجب الضمان على جميع المتسببين "وإن غصب صغيرا فنهشته حية أو أصابته صاعقة" قال الجوهري هي نار تنزل من السماء في رعد شديد "ففيه الدية" لأنه تلف في يده العادية و قال ابن عقيل لا يضمن إذا لم تعرف الأرض بذلك "وإن مات بمرض" أو فجأة "فعلى وجهين" و في "الفروع" روايتان إحداهما يضمن نصره أبو الخطاب و جزم به في "الوجيز" و نقله ابن منصور كالعبد الصغير.
والثاني لا و نقله أبو الصقر لأنه حر لا تثبت اليد عليه في الغصب أشبه الكبير وإن قربه من هدف فأصابه سهم ضمنه المقرب وإن أرسله في حاجة فأتلف مالا أو نفسا فهو كجناية الخطإ من مرسله و مقتضاه أنه إذا قيد حرا مكلفا و غله فتلف بصاعقة أو حية و جبت الدية في الأشهر وإن جنى عليه أحد ضمنه مرسله قال ابن حمدان إن تعذر تضمين الجاني "وإن اصطدم نفسان" راجلان وراكبان أو ماش وراكب قال في "الروضة" بصيران أو ضريران أو إحداهما "فماتا فعلى عاقلة كل و احد منهما دية الآخر" روي عن على لأن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه و ذلك قتل خطأ فكانت دية كل واحد منهما على عاقلة الآخر و قيل بل نصفها و جزم في "الترغيب" و قدمه في "الرعاية" إن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط فلا ضمان وعلى كل منهما كفارة في تركته و قيل بل كفارتان في الخطإ و شبهه بشبه العمد و خرج أن على عاقلة كل قتيل نصف الدية لورثته و على عاقلة الآخر النصف لهم(8/286)
وإن كانا راكبين فماتت الدابتان ، فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر . وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا ، فعلى السائر ضمان الواقف ودابته ، إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا ، فلا ضمان فيه ، وعليه ضمان ما تلف به . وإن أركب صبيين ولا ولاية له عليهما ، فاصطدما فماتا فعلى عاقلته ديتهما.
ـــــــ
و في "الكافي" و"الفروع" إن تصادما عمدا و ذلك مما يقتل غالبا فهدر وإلا شبه عمد "وإن كانا راكبين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر" في تركته نص عليه لأن كلا منهما تلف بصدمة الآخر و قيل نصفها "وإن كان أحدهما يسير و الآخر واقفا فعلى السائر ضمان الواقف" والقاعد "ودابته" لأنهما تلفا بصدمة السائر من غير تعد في الوقوف و ضمان النفس على العاقلة لأنه قتل خطأ و ضمان المال على المتلف لأن العاقلة لا تحمله صرح به في "النهاية" و على هذا يحمل كلام المؤلف هذا إذا و قف أو قعد في طريق و اسع و ما تلف للسائر فهدر نص عليه "إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا فلا ضمان فيه" لأن السائر لم يتعد عليه بل الواقف و القاعد هو المتعدي و محله ما لم يكن الطريق مملوكا له فإن كان مملوكا له لم يكن متعديا بوقوفه بل السائر هو المتعدي بسلوكه ملك غيره بغير إذنه "و عليه ضمان ما تلف به" من السائر و ماله لأنه تعدى بالوقوف فيه أشبه واضع الحجر و فيه وجه لا ضمان.
فرع: إذا اصطدم عبدان ماشيان فماتا فهدر وإن مات أحدهما فقيمته في رقبة الآخر كسائر جنايته وإن كانا حرا و عبدا وماتا ضمنت قيمة العبد في تركة الحر ووجبت دية الحر كاملة في تلك القيمة و لو تجاذب حران حبلا و نحوه فانقطع و سقطا و ماتا فكمتصادمين مطلقا لكن نصف دية المنكب مغلظة و المستلقي مخففة "وإن أركب صبيين" و عبارة غيره صغيرين "لا ولاية له عليهما" أي ليس و ليهما "فاصطدما فماتا فعلى عاقلته ديتهما" لأنه تعدى بركوبهما و تصادمهما إثر ركوبهما وفعلهما غير معتبر فوجب إضافة القتل(8/287)
وإن رمى ثلاثة بمنجنيق ، فقتل الحجر إنسانا ، فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته ، وإن قتل أحدهم ، ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : يلغى فعل نفسه وعلى عاقلة صاحبيه ثلثا الدية .
ـــــــ
إلى من أركبهما و هو خطأ تحمله عاقلته و كذا قاله في "الترغيب" و الأشهر أنه يضمن ذلك في ماله و في "الوجيز" عليه ما تلف بصدمتهما إن كان مالا و إلا فعلى عاقلته و ظاهره أنه إذا كان له ولاية عليهما أنه لا ضمان عليه و لا على عاقلته لأنه إركاب مأذون فيه فلم يترتب عليه ما يترتب على المتعدي و قيده في "الفروع" بما إذا كان فيه مصلحة و هو ظاهر قال ابن عقيل و يثبتان بأنفسهما و في "الترغيب" إن صلحا للركوب و أركبهما ما يصلح لركوب مثلهما و إلا ضمن وإن ركباه بأنفسهما فكبالغين مخطئين قال في "الرعاية" وكذا المجنون وإن كانا عبدين ضمنهما من أركبهما.
فرع: يضمن كبير صدم صغيرا وإن مات الكبير ضمنه الذي أركب الصغير نقل حرب إن حمل رجل صبيا على دابة فسقط ضمن إلا أن يأمر أهله بحمله "وإن رمى ثلاثة بمنجنيق فقتل الحجر إنسانا" رابعا "فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته" إن لم يقصدوه كذا ذكره معظم الأصحاب لأن العاقلة تحمل الثلث فما زاد و لا قود لعدم إمكان القصد غالبا و في "الفصول" احتمال كرمية عن قوس و مقلاع و حجر عن يد و نقل المروذي تجب الدية في بيت المال فإن تعذر فعلى عواقلهم و هو قتل خطأ "وإن قتل أحدهم" فعلى كل واحد كفارة كما لو شارك في قتل غيره "ففيه ثلاثة أوجه أحدها يلغي فعل نفسه" قياسا على المتصادمين "و على عاقلة صاحبيه ثلثا الدية" كما لو مات من جراحتهم وجراحة نفسه و كما لو شارك في قتل بهيمة و لأنه شارك في القتل فلم تكمل الدية على شركته كما لو قتلوا واحدا من غيرهم اقتصر عليه في "المجرد" و هو أحسن و أصلح في النظر قاله المؤلف وروي عن على في مسألة: القارضة والقارصة و الواقصة قال الشعبي و ذلك أن ثلاث جوار اجتمعن فركبت إحداهن على عنق الأخرى و قرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت عنقها(8/288)
والثاني : عليهما كمال الدية ، والثالث : على عاقلته ثلث الدية لورثته ، وثلثاها على عاقلة الآخرين ، وإن كانوا أكثر من ثلاثة ، فالدية حالة في أموالهم . وإذا جنى إنسان على نفسه أو طرفه ، خطأ ، فلا دية له.
ـــــــ
فماتت فرفع ذلك إلى على فقضى بالدية أثلاثا على عواقلهن و ألغى الثلث الذي قابل فعل الواقصة لأنها أعانت على قتل نفسها و هذه شبيهة بمسألتنا "و الثاني عليهم كمال الدية" قال أبو الخطاب هذا قياس المذهب و قدمه في "الرعاية" و "الفروع" و جزم به في "الوجيز" كالمتصادمين "و الثالث على عاقلته ثلث الدية لورثته و ثلثاها على عاقلة الآخرين" لأن كل و احد منهم شارك في قتل نفس معصومة مؤمنة خطأ فلزمه ديتها كالأجانب و هذا ينبني على أن جناية المرء على نفسه أو أهله خطأ يتحمل عقلها العاقلة "وإن كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة في أموالهم" أي إذا كانوا أربعة فقتلوا أحدهم أو غيرهم فالدية عليهم كالخمسة في الأصح لأن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث لأن المقتول يلغي فعل نفسه و يكون هدرا لأنه لا يجب عليه لنفسه شيء و يكون باقي الدية في أموالهم حالة لأن التأجيل في الديات إنما يكون فيما تحمله العاقلة و هذا دون الثلث و لكن هذا على الثاني و الثالث ظاهر و على الأول فلا لأن الرمي لو كان من أربعة و جعل فعل المقتول الدية على الثلاثة الباقية أثلاثا عنه على عواقلهم لاتحاد فعلهم و الأصح الأول لأن حمل العاقلة إنما شرع للتخفيف عن الجاني فيما يشق و يكثر وما دون الثلث يسير و فعل كل واحد غير فعل الآخر و إنما موجب الجميع و احد أشبه ما لو جرحه كل واحد جرحا فماتت النفس بجميعها و إذا ثبت هذا فالضمان يتعلق بمن مد الحبل و رمى الحجر دون من و ضعه في الكفة اعتبارا بالمباشر كمن و ضع سهما في قوس أو قربه و رمى به صاحبه.
وقال القاضي و ابن عقيل يتوجه روايتا ممسك "وإذا جنى إنسان على نفسه أو طرفه خطأ فلا دية له" بل هو هدر كالعمد وهذا هو الأصح قال السامري وهو الأقيس لحديث عامر بن الأكوع حين رجع سيفه عليه يوم خيبر فمات ولو(8/289)
وعنه : على عاقلته ديته ، لورثته ودية طرفه لنفسه . وإن نزل رجل بئرا فخر عليه آخر ، فمات الأول من سقطته ، فعلى عاقلته ديته . وإن سقط ثالث فمات الثاني به ، فعلى عاقلته ديته .
ـــــــ
وجبت عليه لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنقل ظاهرا "وعنه على عاقلته ديته لورثته ودية طرفه لنفسه" اختارها الخرقي وأبو بكر والقاضي وذكر أنها اظهر عنه لقول عمر ولم يعرف به مخالف في آلاف و لأنه قتل خطأ فكانت ديته على عاقلته كما لو قتل غيره فعليها إن كانت الجناية قتلا نظرت فإن كانت العاقلة غير الورثة و جبت دية النفس عليهم لورثه الجاني وإن كانوا هم الورثة فلا شيء عليهم لأنه لا يجب على الإنسان شيء لنفسه وإن كانت الجناية على غير النفس ووجبت دية ذلك على العاقلة للجاني وإن كان بعضهم وارثا سقط عن الورثة ما يقابل ميراثه ولا يحمله دون الثلث في الأصح قاله في "الترغيب" و نقل حرب من قتل نفسه لا يودى من بيت المال و الأول أصح في القياس و يفارق ما إذا كانت الجناية على غيره فإنه لو لم تحمله العاقلة لأجحف به وجوب الدية لكثرتها
فرع : إذا كانت الجناية على نفسه شبه عمد فوجهان "وإن نزل رجل بئرا فخر عليه آخر فمات الأول من سقطته فعلى عاقلته ديته" أي لأن الأول مات من سقطته فيكون هو قاتله فوجبت الدية على عاقلته كما لو باشره بالقتل خطأ وإن كان رمى بنفسه عليه عمدا و هو مما يقتل غالبا فعليه القصاص و إلا فهو شبه عمد "وإن سقط ثالث فمات الثاني به فعلى عاقلته ديته" لأنه تلف من سقطته فإن مات الثاني بوقوعه على الأول فدم الثاني هدر لأنه مات بفعله و قد روى على بن رباح اللخمي أن رجلا كان يقود أعمى فوقعا في بئر وقع الأعمى فوق البصير فقتلة فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى فكان الأعمى ينشد في الموسم في خلافة عمر:
يا أيها الناس رأيت منكرا ... هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا
خرا معا كلاهما تكسرا
رواه الدارقطني و قاله الزبير و شريح و النخعي قال في المغنى: لو قال(8/290)
وإن مات الأول من سقطتهما ، ففديته على عاقلتهما . وإن كان الأول جذب الثاني ، وجذب الثاني الثالث ، فلا شيء على الثالث، وديته على الثاني في أحد الوجهين . وفي الثاني : على الأول والثاني نصفين ، ودية الثاني على الأول . وإن كان الأول هلك من وقعة الثالث ، احتمل أن يكون ضمانه على الثاني .
ـــــــ
قائل ليس على الأعمى ضمان البصير لأنه الذي قاده إلى المكان الذي وقعا فيه و كان سبب و قوعه عليه ولذلك لو فعله قصدا لم يضمنه بغير خلاف و كان عليه ضمان الأعمى إلا أن يكون مجمعا عليه "وإن مات الأول من سقطتهما فديته على عاقلتهما" لأنه مات بوقوعهما عليه و دية الثاني على الثالث لأنه انفرد بالوقوع عليه فانفرد بديته "وإن كان الأول جذب الثاني و جذب الثاني الثالث" فلا شيء على الثالث لأنه لا فعل له "و ديته على الثاني في إحدى الوجهين قدمه" في "المحرر" و "الرعاية" و جزم به في "الوجيز" لأنه هو جذبه و باشره بذلك و المباشرة تقطع حكم المتسبب كالحافر مع الدافع و في الوجه الثاني على الأول و الثاني نصفين لأن الأول جذب الثاني الجاذب للثالث فصار مشاركا للثاني في إتلافه و قيل بل عليهما ثلثاها و بقيتها تقابل جذبته فتسقط أو تجب على عاقلته و قيل دمه كله هدر اختاره في "المحرر" و دية الثاني على الأول لأنه هلك بجذبته و قدم في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" أنها على الأول و الثالث لمشاركته إياه و قيل بل عليهما ثلثاها و الباقي يقابل نفسه وفيه الوجهان قال المجد وعندي لا شيء منها على الأول بل على الثالث كلها أو نصفها و الباقي يقابل فعل نفسه و قال بعض أصحابنا يجب على الأول نصف ديته و يهدر نصفها في مقابلة فعل نفسه و يتخرج وجه و هو وجوب نصف ديته إلى عاقلته لورثته كما إذا رمى ثلاثة بمنجنيق فقتل الحجر أحدهم وإن كان الثالث جذب رابعا فديته على الثالث فقط و قيل على الثلاثة.
فرع : إذا لم يسقط بعضهم على بعض بل ماتوا بسقوطهم و في "المغني" أو وقع و شك في تأثيره أو قتلهم في الحفرة أسد و لم يتجاذبوا فدماؤهم مهدرة "وإن كان الأول هلك من وقعة الثالث احتمل أن يكون ضمانه على الثاني" لأن(8/291)
واحتمل أن يكون نصفها على الثاني ، وفي نصفها الآخر وجهان . وإن خر رجل في زبية أسد ، فجذب آخر ، وجذب الثاني ثالثا ، وجذب الثالث رابعا ، فتلهم الأسد فالقياس : أن دم الأول هدر ، وعلى عاقلته دية الثاني ، وعلى عاقلة الثاني دية الثالث ، وعلى عاقلة الثالث دية الرابع . وفي وجه آخر : أن دية الثالث على عاقلة ألأول والثاني نصفين ، ودية الرابع على عاقلة الثلاثة أثلاثا . وروي عن علي أنه قضى للأول بربع الدية ، وللثاني بثلثها ، وللثالث بنصفها ، وللرابع بكمالها ؛ على من حضرهم ، ثم رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز قضاءه.
ـــــــ
هلاكه حصل بجذبه و جذب الثاني وفعله كالمتصادمين فتعين إضافة التلف إلى الثاني "و احتمل أن يكون نصفها على الثاني" لأن الهلاك حصل بفعله و فعل غيره "و في نصفها الآخر وجهان" لأنه متسبب على جناية نفسه و في جناية الإنسان على نفسه الروايتان "وإن خر رجل في زبية أسد فجذب آخر و جذب الثاني ثالثا و جذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فالقياس أن دم الأول هدر" ذكره في "المحرر" و جزم به في "الوجيز" و "الفروع" لأنه لا صنع لأحد في إلقائه و على عاقلته دية الثاني لأنه تسبب في قتله "و على عاقلة الثاني دية الثالث" لما ذكرنا "و على عاقلة الثالث دية الرابع" كذلك ولاشيء على الرابع لأنه لم يفعل شيئا "وفيه وجه آخر أن دية الثالث على عاقلة الأول والثاني نصفين" لأن جذب الأول للثاني سبب في جذب الثالث كما لو قتلاه خطأ "ودية الرابع على عاقلة الثلاثة أثلاثا" لأن جذب الثلاثة سبب إتلافه وكذا لو تدافع وتزاحم عند الحفرة جماعة فسقط منهم أربعة متجاذبين وتسمي هذه المسألة مسألة: الزبية "وروي عن علي أنه قضى للأول بربع الدية وللثاني بثلثها وللثالث بنصفها وللرابع بكمالها على من حضرهم" روى حنش الصنعاني أن قوما من أهل اليمن حفروا زبية للأسد فاجتمع الناس على رأسها فهوى فيها واحد فجذب ثانيا وجذب الثاني ثالثا وجذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقضى فيها بما ذكر وقال فإني أجعل الدية على من حضر رأس البئر "ثم رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز قضاءه" رواه سعيد بن منصور ثنا أبو(8/292)
فذهب إليه أحمد توقيفا ، ومن اضطر إلى طعام إنسان أو شرابه ، وليس به مثل ضرورته ، فمنعه حتى مات ، ضمنه ؛ نص عليه .
ـــــــ
عوانة وأبو الأحوس عن سماك بن حرب عن حنش نحو هذا المعني ورواه أحمد أيضا "فذهب إليه أحمد توقيفا" وفي رواية لأحمد وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا أي عواقلهم وهو ظاهر في الثلث والنصف وأما الربع فلا يتوجه حمل العاقلة لها لكن ذكر بعض أهل العلم أن هذا الحديث لا يثبته أهل النقل وأنه ضعيف والقياس ما قلناه فلا ينتقل عنه إلى مالا يدرى ثبوته ولا معناه قاله في "المغني" و "الشرح".
تنبيه : نقل جماعة أن ستة تعاطوا في الفوات فمات واحد فرفع إلى علي فشهد رجلان على ثلاثة وثلاثة على اثنين فقضى بخمس الدية على الثلاثة وثلاثة أخماس الدية على الاثنين ذكره الخلال وصاحبه وذكر ابن عقيل إن نام على سطحه فهوى سقفه من تحته على قوم لزمه المكث كما قاله المحققون فيمن ألقي في مركبه نار ولا يضمن ما تلف بسقوطه لأنه ملجأ لم يتسبب وإن تلف شيء بدوام مكثه أو بانتقاله ضمنه واختار في التائب العاجز عن مفارقة المعصية في الحال أو العاجز عن إزالة أثرها كمتوسط المكان المغصوب ومتوسط الجرحى تصح توبته مع العزم والندم وأنه ليس عاصيا بخروجه من الغصب "ومن اضطر إلى طعام إنسان أو شرابه وليس به مثل ضرورته فمنعه حتى مات ضمنه نص عليه" لما روي أن رجلا أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات فأغرمهم عمر رضي الله عنه الدية حكاه أحمد في رواية ابن منصور وقال أقول به قال القاضي وأبو الخطاب في رؤوس مسائله ولم يعرف له مخالف ولأنه تسبب إلى هلاكه بمنعه ما يستحقه فضمنه كما لو منعه طعامه حتى هلك وكأخذه ذلك لغيره وهو عاجز فيتلف أو دابته وظاهر كلام أحمد أن الدية تجب على مانع الطعام لأنه تعمد الفعل الذي يقتل مثله غالبا وقال القاضي هو على عاقلته لأنه قتل لا يوجب القصاص فيكون شبه عمد وشرطه الطلب من مالكه صرح به في "الفروع" وغيره فعلى هذا إن لم يطلبه فلا ضمان عليه لأنه لم(8/293)
وخرج عليه أبو الخطاب كل من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة ، فلم يفعل . وليس ذلك مثله ، ومن أفزع إنسانا فأحدث بغائط ، فعليه ثلث ديته ، وعنه : لا شيء عليه .
ـــــــ
يتسبب إلى هلاكه وظاهره أنه إذا كان به مثل ضرورته فطلب منه فمنعه فمات لم يضمنه لأنه لا يجب عليه بذل طعامه في هذا الحال ومثل الأول لو أخذ منه ترسا يدفع به عن نفسه ضربا ذكره في "الانتصار" "وخرج عليه أبو الخطاب" وحكاه في المستوعب عن الأصحاب "كل من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة فلم يفعل" حتى هلك أنه يلزمه ديته لاشتراكهما في القدرة على سلامته وخلاصه من الموت قال في "الفروع" وخرج الأصحاب ضمانه على المسألة الأولى فدل أنه مع الطلب وفرق المؤلف فقال "وليس ذلك مثله" لأنه هنا لم يتسبب إلى هلاكه فلم يضمنه بخلاف التي قبلها فلا يصح القياس فدل أن كلامهم عنده ولو لم يطلبه فإن كان مرادهم فالفرق ظاهر نقل محمد بن يحيى فيمن مات فرسه في غزاة لم يلزم من معه فضل حمله نقل أبو طالب يذكر الناس فإن حملوه وإلا مضى معهم "ومن أفزع إنسانا" أو ضربه "فأحدث بغائط فعليه ثلث ديته" قضى بذلك عثمان قال أحمد لا أعلم شيئا يدفعه وهو قول إسحاق لأنه فعل تعدى فيه اقتضى خروج الحدث فتعلق به الضمان كما لو استكره امرأة فأفضاها فاستطلق الحدث قال ابن عقيل إنما ذهب إلى قضية عثمان بذلك ولم يخالفه أحد فدل على التوقيف لأنه لا يقتضيه القياس وظاهره أنه إذا أحدث بغير الغائط لا شيء فيه والمذهب أن البول كذلك وصرح بهما وزاد القاضي والريح وفرق في "الشرح" بين الريح وغيره فإنهما أفحش منه "وعنه لا شيء عليه" جزم به في "الوجيز" وغيره وهو قول أكثر العلماء لأن الدية تجب لإزالة منفعة أو عضو أو آلة جمال وليس هنا شيء من ذلك قال في "الشرح" وهذا هو القياس والمراد ما لم يدم قال ابن عقيل وغيره إن دام فثلث دية.
فرع: إذا وطئ أجنبية كبيرة مطاوعة ولا شبهة أو امرأته ومثلها توطأ لممثله فأفضاها بين مخرج البول والمني أو بين السبيلين فهدر لعدم تصور الزيادة(8/294)
فصل
ومن أدب ولده أو امرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف فأفضى إلى تلفه لم يضمنه ويتخرج وجوب الضمان على ما قاله فيما إذا أرسل السلطان إلى امرأة ليحضرها فأجهضت جنينها أو ماتت فعلى عاقلته الدية.
ـــــــ
وهو حق له أي له طلبه عند الحاكم بخلاف أجير مشترك.
فصل
"ومن أدب ولده أو امرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف" أي فوق الضرب المعتاد "فأفضى إلى تلفه لم يضمنه" لأنه أدب مأذون فيه شرعا فلم يضمن ما تلف به كالحد فعلى هذا إن أسرف أو زاد على المقصود أو ضرب من لا عقل له من صبي وغيره ضمن "ويتخرج وجوب الضمان" وهو قول في "المذهب" قال ابن حمدان ولا يسقط بإذن أبيه وهل يسقط بإذن سيده على وجهين وقيل إن أدب ولده فقلع عينه ففي ضمانها وجهان "على ما قاله" أي الإمام أحمد "فيما إذا أرسل السلطان إلى امرأة ليحضرها فأجهضت" وقال أهل اللغة أجهضت الناقة ألقت ولدها قبل تمامه ثم استعمل الإجهاض في غير الناقة "جنينها أو ماتت ففي عاقلته الدية" أما ضمان الجنين فلما روي أن عمر بعث إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فقالت ياويلها ما لها ولعمر فبينا هي في الطريق إذ فزعت فضربها الطلق فألقت ولدا فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر الصحابة فأشار بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت وال ومؤدب وصمت علي فأقبل عليه عمر فقال ما تقول يا أبا الحسن فقال إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك إن ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته فقال عمر أقسمت عليك ألا تبرح حتى تقسمها على قومك وأما المرأة فلأنها نفس هلكت بإرسال السلطان إليها فضمنها كجنينها أو نفس هلكت بسببه فوجب أن(8/295)
وإن سلم ولده إلى السابح ليعلمه فغرق لم يضمنه ويحتمل أن تضمنه العاقلة
ـــــــ
تضمن كما لو ضربها فماتت وقيل هدر لأنه ليس بسبب عادة وجوابه بأنه سبب عادي بخلاف الضربة والضربتين فإنه ليس سببا للهلاك في العادة.
تنبيه : إذا أدب حاملا فأسقطت جنينا ضمن وكذا إن شربت الحامل دواء لمرض فأسقطته فأما أن طلب السلطان امرأة لكشف حق لله من حد أو تعزير أو استعدى عليها رجل بالشرطة في دعوى له فأسقطت ضمنه السلطان في الأولى والمستعدي في الثانية نص عليهما كقطع لم يأذن سيد فيها وإن ماتت فزعا فوجهان وفي "المغني" و"الشرح" إن استعدى إنسان على امرأة فألقت جنينها أو ماتت فزعا فعلى عاقلة المستعدي الضمان إن كان ظالما لها وإن كانت هي الظالمة فأحضرها عند الحاكم فينبغي ألا يضمنها وإن زنى بامرأة مكرهة فأحبلها وماتت من الولادة ضمنها لأنها تلفت بسبب تعديه.
فائدة : قال في "الفنون" إن شمت حامل ريح طبيخ فاضطرب جنينها فماتت أو مات فقال حنبلي وشافعيان إن لم يعلموا بها فلا إثم ولا ضمان وإن علموا وكان عادة مستمرة الرائحة تقتل احتمل الضمان أو الإضرار واحتمل لا لعدم تضرر بعض النساء وكريح الدخان يتضرر بها صاحب السعال وضيق نفس قال في "الفروع" والفرق واضح "وإن سلم ولده إلى السابح" الحاذق "ليعلمه فغرق فلم يضمنه" في الأصح قال القاضي هو قياس المذهب لأنه فعل ما جرت العادة به لمصلحته كضرب المعلم الصبي الضرب المعتاد وكذا لو سلم بالغ عاقل نفسه "ويحتمل أن تضمنه العاقلة" قدمه في "الشرح" وغيره لأنه سلمه إليه ليحتاط في حفظه فإذا غرق فقد نسب إلى التفريط في حفظه.
فرع : إذا قال له سبح عبدي هذا فسبحه ثم رقاه ثم عاد وحده يسبح فغرق فهدر وإن استؤجر ليسبحه ويعلمه ومثله لا يغرق غالبا وإن استؤجر لحفظه ضمنه إن غفل عنه أولم يشد ما يسبحه عليه شدا جيدا أو جعله في ماء كثير جار أو واقف لا يحمله أو عميق معروف بالغرق قاله في "الرعاية"(8/296)
وإن أمر عاقلا ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه إلا أن يكون الآمر السلطان فهل يضمنه على الوجهين وإن وضع جرة على سطحه فرمتها الريح على إنسان فتلف لم يضمنه.
ـــــــ
"وإن أمر عاقلا ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه" لأنه لم يجن ولم يتعد أشبه ما لو أذن له ولم يأمره وكاستئجاره قبضه الأجرة أولا "إلا أن يكون الآمر السلطان فهل يضمنه على الوجهين" أحدهما لا ضمان جزم به في "الوجيز" وهو ظاهر ما قدموه كغيره والثاني يضمنه واختاره القاضي في المجرد وهو من خطإ الإمام ولأنه يخاف منه إذا خالفه وهو مأمور بطاعته وظاهره أنه إذا كان المأمور صغيرا لا يميز قال في "المغني" و"الشرح" وذكر الأكثر منهم صاحب "الترغيب" و"الرعاية" غير مكلف ضمنه لأنه تسبب إلى إتلافه قال في "الفروع" ولعل مراد الشيخ ما جرى به عرف وعادة كالقرابة وصحبة وتعليم ونحوه فهذا متجه وإلا ضمنه وقد كان ابن عباس يلعب فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاوية رواه مسلم قال في شرحه لا يقال هذا تصرف في منفعة الصبي لأنه قدر يسير ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة واطرد به العرف وعمل المسلمين "وإن وضع جرة على سطحه" أو حائط وعبارة "الفروع" وإن وضع شيئا على علو فهي أجود وفيه شيء "فرمتها الريح على إنسان فتلف لم يضمنه" على المذهب لأن ذلك بغير فعله ووضعه لذلك كان في ملكه وقيل يضمن إذا وضعها متطرفة جزم به في "الوجيز" لأنه تسبب إلى إلقائها وتعدى بوضعها أشبه ما لو بنى حائطا مائلا ولو تدحرج فدفعه عن نفسه لم يضمن ذكره في "الانتصار" وفي "الترغيب" وجهان وإنهما في بهيمة حالت بين مضطر وطعامه لا تندفع إلا بقتلها مع أنه يجوز.
مسألة : من نزل بئرا في محل عدوانا أو سقط فيه فسقط فوقه آخر فماتا ضمنهما عاقلة الحافر وقيل بل هو وقيل على عاقلة الثاني نصف دية الأول ويرجع به على عاقلة الحافر والله أعلم.(8/297)
باب مقادير ديات النفس
دية الحر المسلم مائة من الإبل أو مائتا بقرة أو ألفا شاة أو ألف مثقال أو اثنا عشر ألف درهم فهذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئا منها لزمه قبوله وفي الحلل روايتان إحداهما ليست أصلا في الدية وفي الأخرى أنها أصل
ـــــــ
باب مقادير ديات النفس
المقادير واحدها مقدار و هو مبلغ الشيء و قدره
"دية الحر المسلم مائة من الإبل أو مائتا بقرة أو ألفا شاة أو ألف مثقال" ذهبا "أو اثنا عشر ألف درهم" قال القاضي لا يختلف المذهب أن أصول الدية الإبل و البقر والغنم والذهب و الورق و هو قول الفقهاء السبعة وغيرهم لما في كتاب عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن "وإن في النفس المؤمنة مائة من الإبل وعلى أهل ألف الورق ألف دينار" رواه النسائي و عن عكرمة عن بن عباس أن رجلا قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا رواه أبو داود والترمذي وروي عن عكرمة مرسلا وهو أصح وأشهر وعن عطاء عن جابر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل و على أهل البقر مائتي بقرة و على أهل الشاة ألفي شاة رواه أبو داود و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان عقله في البقر مائتي بقرة ومن كان عقله في الشاء ألفي شاة رواه أحمد و أبو داود و النسائي "فهذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئا منها لزم قبوله" بغير خلاف سواء كان من أهل ذلك النوع أولم يكن لأنها أصول في قضاء الواجب يجزئ واحد منها فكانت الخيرة إلى من وجبت عليه كخصال الكفارة "و في الحلل روايتان إحداهما ليست أصلا في الدية" وهو ظاهر كلام الأصحاب و جزم به في "الوجيز" للأخبار و لأنها تختلف ولا تنضبط "و في الأخرى أنها أصل" نصرها القاضي و أصحابه و قدمها في "الرعاية" و صححها(8/298)
وقدرها مائتا حلة من حلل اليمن كل حلة بردان و عنه أن الإبل هي الأصل خاصة وهذه إبدال عنها فإن قدر على الإبل و إلا انتقل إليها فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد و جبت أرباعا خمس و عشرون بنت مخاض و خمس و عشرون بنت لبون و خمس و عشرون حقه و خمس و عشرون جذعة و عنه أنها ثلاثون حقه و ثلاثون جذعة و أربعون خلفة في بطونها أولادها
ـــــــ
السامري لحديث عمر وعلى أهل الحلل مائتا حلة رواه أبو داود فعلى هذه تكون الأصول ستة "و قدرها مائتا حلة من حلل اليمن" لأنها تنسب إليه "كل حلة بردان" لأن ذلك هو المتعارف إزار ورداء و في "المذهب" جديدان من جنس قال الخطابي الحلة ثوبان إزار ورداء و لا تسمى حلة حتى تكون جديدة تحل عن طيها ولم يقل من جنس "وعنه أن الإبل هي الأصل خاصة" لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتيل السوط و العصا مائة من الإبل و لأنه فرق بين دية العمد و الخطإ فغلظ بعضها و خفف بعضها و لا يتحقق هذا في غير الإبل "و"على "هذه" بقية ما ذكر "إبدال عنها" أشبه المتيمم إذا عدم الماء لأن ذلك أقل ما تحمل الأحاديث عليه فعلى من عليه الدية تسليمها إلى مستحقها سليمة من العيوب ومن أراد العدول عنها إلى غيرها فللآخر منعه لأن الحق متعين فيها فاستحقت كالمثل في المثليات المتلفة فإن تعذرت قال جماعة أو زاد ثمنها انتقل إلى الباقي "فإن قدر على الإبل" لزمه إخراجها لأن الحق متعين فيها "و إلا انتقل إليها" و هذه الرواية اقتصر عليها الخرقي وهي أصح من حيث الدليل "فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد و جبت أرباعا خمس و عشرون بنت مخاض و خمس و عشرون بنت لبون و خمس و عشرون حقه و خمس و عشرون جذعة" قدمه في "المحرر" و "الفروع" و جزم به في الوجيز و ذكره الخرقي و هو قول أكثر العلماء رواه سعيد عن أبي عوانة عن منصور عن إبراهيم عن ابن مسعود ورواه الزهري عن السائب بن يزيد مرفوعا ولأنه حق يتعلق بجنس الحيوان فلا يعتبر فيه الحمل كالزكاة والأضحية "و عنه أنها ثلاثون حقه و ثلاثون جذعة و أربعون خلفة" نصره في "الانتصار" في بطونها أولادها لما روي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:(8/299)
وهل يعتبر كونها ثنايا على وجهين وإن كانت خطأ وجبت أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة ويؤخذ من البقر النصف مسنات والنصف
ـــــــ
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل متعمدا رفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا أخذوا الدية و هي ثلاثون حقة و ثلاثون جذعة و أربعون خلفة و ما صولحوا عليه فهو لهم" رواه الترمذي و قال حسن غريب ورواه سعيد عن هشيم أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن زيد بن ثابت ورواه أيضا عن هشيم أنا المغيرة عن الشعبي عن أبي موسى الأشعري و المغيرة ابن شعبة أنها كذلك ورواه مالك عن عمر و في حديث عبد الله بن عمر مرفوعا "منها أربعون خلفة في بطونها أولادها" رواه أحمد و أبو داود و يتوجه تخريج من حمل العاقلة كخطأ و في "الروضة" رواية العمد أثلاثا و شبهه أرباعا "وهل يعتبر" في الخلفات "كونها ثنايا على وجهين" كذا في "المحرر" أحدهما لا يعتبر ذكره القاضي و هو الأشهر لأنه عليه السلام أطلق الخلفات ولم يقيدها فاعتبار السن تقييد لا يصار إليه إلا بدليل و الثاني يعتبر لقوله في الحديث "من ثنية إلى بازل عامها" رواه أحمد و أبو داود و لأن سائر الأنواع مقدرة بالسن فكذا الخلفات و قيل إنما يجزئ منها ما بين ثنية و هي ما لها خمس سنين و بازل عام و هو ماله سبع سنين و قلما تحمل الأثنية لاحقة لو أحضرها خلفة فأسقطت قبل وضعها فعليها بدلها فإن اختلفا في حملها رجع إلى أهل الخبرة فإن تسلمها الولي بقولهم ثم قال لم تكن حاملا قبل قول الجاني "وإن كانت خطأ وجبت أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة" لا يختلف المذهب في ذلك وقاله جمهور العلماء لما روى الحجاج بن أرطأة عن زيد بن جبير عن ابن مالك الطائي عن ابن مسعود مرفوعا كذلك رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وقال في إسناده عن الحجاج ثنا زيد بن جبير والترمذي وقال لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ورواه الدارقطني وقال هذا حديث غير ثابت "ويؤخذ من البقر النصف مسنات والنصف أتبعة" لأن ذلك هو العدل لأنه لو(8/300)
أتبعة وفي الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة ولا تعتبر القيمة في شيء من ذلك إذا كان سليما من العيوب وقال أبو الخطاب يعتبر أن تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهما فظاهر هذا أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية الأثمان والأول أولى.
ـــــــ
أخذ الكل مسنات لكان فيه إجحاف على الجاني وبالعكس فيه تحامل على المجني عليه وفي الخطإ يؤخذ معهما سن ثالث من أسنان الزكاة على وجه التخفيف وسن خامس لا يؤخذ في الزكاة وهو ابن مخاض ويجب أن يكون ذكرا من أسنان الزكاة المذكورة كما جعل ابن مخاض عوض بنت مخاض "وفي الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة" لما ذكرنا ولأن دية الإبل من الأسنان المقدرة في الزكاة فكذلك البقر والغنم قال في "الفروع" ويتوجه ألا يكونا مناصفة "ولا تعتبر القيمة في شيء من ذلك إذا كان سليما من العيوب" المذهب أنه لا تعتبر قيمة الإبل بل متى وجدت على الصفة المشروطة وجب أخذها سواء قلت قيمتها أو كثرت نصره في "المغني" و"الشرح" وقدمه معظم الأصحاب لأنه عليه السلام أطلقها فتقييدها بالقيمة يخالف ظاهر الخبر ولأنه خالف بين أسنان دية العمد والخطأ تخفيفا كدية الخطأ عن دية العمد واعتبارها بقيمة واحدة تسوية بينهما وإزالة التخفيف المشروع وفي "الرعاية" لا يجزئ مريض ولا عجيف ولا معيب ولا دون دية الأثمان على الأصح فيها من إبل وبقر وغنم وحلل "وقال أبو الخطاب يعتبر أن تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهما" ذكره بعض أصحابنا مذهب أحمد لأن عمر قوم الإبل على أهل الذهب بألف مثقال وعلى أهل الورق باثني عشر ألف درهم رواه سعيد ثنا هشيم أنا يونس عن الحسن عنه ولأنها أبدال محل واحد فوجب أن تستوي قيمتها كالمثلي والقيمي من المتلفات "فظاهر هذا أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية الأثمان" واختاره القاضي وأصحابه لأنه إذا اعتبرت القيمة في الإبل وهي أصل رواية واحدة فكذلك تعتبر القيمة في غيرها "والأول أولى" لأن تقويم عمر لأجل أخذ الدراهم عوضا عن الإبل وذلك لا نزاع فيه لأن الإبل كانت تؤخذ على عهده(8/301)
ويؤخذ في الحلل المتعارف فإن تنازعا فيها جعلت قيمة كل واحدة ستين درهما
فصل
ودية المرأة نصف دية الرجل وتساوي جراحها جراحه إلى ثلث الدية
ـــــــ
عليه السلام وقيمتها ثمانية آلاف ثم قومها عمر لغلائها باثني عشر ألفا وهو يدل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك فكانت تؤخذ على عهده عليه السلام وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر مع رخصها وقلة قيمتها ونقصها عن مائة وعشرين وإذا لم تعتبر القيمة في الإبل فلا تعتبر فيما سواها قياسا عليها ولا يعتبر فيها أن تكون من جنس إبله وقال القاضي الواجب عليه أن تكون من جنس إبله سواء كان القاتل أو العاقلة فإن لم تكن له إبل فمن غالب إبل بلده فإن لم يكن فيها إبل وجب من غالب إبل أقرب بالبلاد إليه فإن كانت إبله عجافا أو مراضا كلف تحصيل صحاح من جنس ما عنده لأنها بدل متلف فلا يؤخذ فيها معيب كقيمة المتلف والبقر والغنم كذلك "ويؤخذ في الحلل المتعارف" لأن ما لم يكن له حد في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالقبض والحرز "فإن تنازعا فيها جعلت قيمة كل حلة ستين درهما" لأن الأصل تساوي الإبدال ولتبلغ قيمة الجميع اثني عشر ألف درهم.
فرع : تغلظ دية طرف كقتل ولا تغلظ في غير إبل.
فصل
"ودية المرأة نصف دية الرجل" إجماعا حكاه ابن المنذر وابن عبد البر لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتابه "دية المرأة نصف دية الرجل" لكن حكي عن ابن علية والأصم أن ديتها كدية الرجل لقوله عليه السلام "في النفس المؤمنة مائة من الإبل" وهو قول شاذ يخالف إجماع الصحابة مع أنهما في كتاب واحد فيكون الأول مفسرا ومخصصا له "وتساوي جراحها جراحه إلى ثلث الدية" لما(8/302)
فإذا زادت صارت على النصف ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى وكذلك أرش جراحه.
ـــــــ
روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها" رواه النسائي والدارقطني من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج "فإذا زادت صارت على النصف" وهو قول عمر ورواه سعيد ثنا هشيم أنا الشيباني وابن أبى ليلى و زكريا عن الشعبي عن زيد لما روى ربيعة قلت لسعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة قال عشر من الإبل قلت ففي إصبعين قال عشرون قلت في ثلاث أصابع قال ثلاثون قلت ففي أربع أصابع قال عشرون قلت لما عظمت مصيبتها قل عقلها قال هكذا السنة يا ابن أخي رواه مالك عن ربيعة وعن أحمد أنها على النصف فيما قل أو كثر رواه سعيد عن علي كالزائد فلو بلغ جراحها الثلث ففيه روايتاه إحداهما وهي الأظهر قاله ابن هبيرة وقدمها السامري أنهما يستويان فيه لأنه لم يغير حد القلة ولهذا صحت الوصية به والثانية وقدمها في "الرعاية" وصححها في "المغني" و"الشرح" يختلفان فيه لقوله "حتى يبلغ الثلث" "وحتى" للغاية فيجب أن يكون مخالفا لما قبلها والثلث في حد الكثير لقوله "والثلث كثير" ولأن العاقلة تحمله فدل على أنه يخالف ما دونه فأما دية نساء سائر الأديان فتساوي دياتهن ديات رجالهن إلى الثلث ويحتمل أن تساوي المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل المسلم لأنه القدر الكثير الذي ثبت له التنصيف في الأصل وهو دية المسلمين "ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى" لأن ميراثه كذلك فكذا ديته لا يقال الواجب دية أنثى لتيقنها لأنه يحتمل الذكورية والأنوثية احتمالا واحدا فيجب التوسط بينهما والعمل بكلا الاحتمالين "وكذلك أرش جراحه" لأن الجراح كالتابع للقتل فإذا كان في القتل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى فلأن يجب أرش الجراح كذلك بطريق الأولى لكن إن كان دون الثلث فيستوي الذكر والخنثى لأن أدنى حالاته أن يكون امرأة وهي تساويه وفيما زاد ثلاثة أرباع جرح ذكر.(8/303)
فصل
ودية الكتابي نصف دية المسلم وعنه ثلث دية وكذلك جراحهم ونساؤهم على النصف من دياتهم ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم.
ـــــــ
فصل
"ودية الكتابي نصف دية المسلم" في ظاهر المذهب وقدمه ونصره الأكثر لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال "دية الكتابي نصف دية المسلم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه "وعنه ثلث ديته" اختارها أبو محمد الجوزي لما روى عبادة بن الصامت مرفوعا قال "دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف" ورواه الشافعي بإسناد جيد عن عمر والأول أصح وقد رجع أحمد عن الثانية وحديث عبادة لم يذكره أصحاب الحديث فالظاهر أنه ليس بصحيح وحديث عمر إنما كان ذلك حين كانت الدية ثمانية آلاف درهم فأوجب فيها نصفها "وكذلك جراحهم" من دياتهم كجراح المسلمين من دياتهم وهو الثلث أو النصف على الخلاف "ونساؤهم على النصف من دياتهم" بغير خلاف نعلمه قاله ابن المنذر كنساء المسلمين.
"ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم" أما الأول فهو قول عمر وعثمان وابن مسعود والأكثر لما روى عقبة بن عامر مرفوعا قال "دية المجوسي ثمانمائة درهم" رواه ابن عدي وطعن فيه بعضهم مع قوله عليه السلام "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فوجب أن تكون ديته كدية الكتابي لكنه محمول على أخذ الجزية وحقن الدم لا في كل شيء بدليل أن ذبائحهم ونساءهم لا تحل لنا.
وأما الثاني فلأنه كافر لا تحل ذبيحته أشبه المجوسي وكذا كل من لا يجوز قتله كالذمي والمستأمن والمعاهد ونساؤهم على النصف من دياتهم وجراح كل أحد معتبر من ديته كالمسلم
فرع : عبدة الأوثان وسائر من لا كتاب له لا ذمة لهم وإنما تحقن دماؤهم(8/304)
ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه وعند أبي الخطاب أن كان ذا دين ففيه دية أهل دينه.
فصل
ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت وعنه لا يبلغ بها دية الحر.
ـــــــ
بالأمان فإذا قتل من له أمان منهم فديته دية مجوسي لأنها أقل الديات فلا تنقص عنها.
"ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه" لأنه لا عهد له ولا أمان أشبه الحربي لكن لا يجوز قتله حتى يدعى ,وعند أبي الخطاب إن كان ذا دين ففيه دية أهل دينه" لأنه محقون الدم أشبه من له أمان وقال أبو الفرج كدية مسلم لأنه ليس له من يتبعه والأول أولى فإن هذا ينتقض بصبيان أهل الحرب ومجانينهم لأنه كافر لا عهد له فإن كان له عهد ففيه دية أهل دينه فإن لم يعرف دينه فدية مجوسي لأنه اليقين والزيادة مشكوك فيها.
مسألة: نساء أهل الحرب وذريتهم وراهب يتبعون أهل الدار أو الآباء.
فصل
"ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت" أي يضمن الرقيق في العمد والخطأ بقيمته من نقد البلد وإن كثرت في المشهور عنه وهو قول سعيد والحسن وعمر بن عبد العزيز لأنه مال متقوم فيضمن بكمال قيمته بالغة ما بلغت كالفرس ويخالف الحر فإنه يضمن بما قدره الشارع فلم يتجاوزه ولأنه ليس بضمان مال بدليل أنه لم يختلف باختلاف صفاته وهذا ضمان مال يزيد بزيادة الملكية وينقص بنقصانها فاختلفا وحكم المدبر وأم الولد والمكاتب والمعلق عتقه بصفة كذلك قال الخطابي أجمع الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم إلا النخعي فإنه قال يودى بقدر ما أدى من كتابته دية حر وما بقي دية عبد "وعنه لا يبلغ بها دية الحر" لأن الحر أشرف منه ولأنه تعالى لما أوجب(8/305)
وفي جراحه إن لم يكن مقدرا من الحر ما نقصه وإن كان مقدرا في الحر فهو مقدر من العبد من قيمته ففي يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر وعنه أنه يضمن بما نقص اختاره الخلال ومن نصفه حر
ـــــــ
في الحر دية لا تزيد وهو أشرف لخلوه من نقص الرق كان تنبيها على أن العبد المنقوص لا يزاد عليها "وفي جراحه إن لم يكن مقدرا من الحر" كالعصعص وخرزة الصلب ما نقصه بعد البرء بغير خلاف نعلمه لأن حق المجني عليه ينجبر فلا تجب الزيادة وإن كان مقدرا في الحر كاليد والرجل والموضحة "فهو مقدر من العبد من قيمته" قدمها في "المستوعب" و"الكافي" وروي عن علي قال أحمد هذا قول سعيد بن المسيب لأن قيمته كدية الحر.
"ففي يده نصف قيمته" لأن الواجب فيها من الحر نصف الدية "وفي موضحته نصف عشر قيمته" لأن الواجب فيها من الحر خمس من الإبل "نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر" لأنه ساوى الحر في ضمان الجناية بالقصاص والكفارة فساواه في اعتبار ما دون النفس ببدل النفس كالرجل والمرأة "وعنه أنه يضمن بما نقص اختاره الخلال" قدمها في "الرعاية" وجزم بها في "الوجيز".
قال أحمد: إنما يأخذ قيمة ما نقص منه على قول ابن عباس لأن ضمانه ضمان الأموال فيجب فيه ما نقص كالبهائم وذكر في "المغني" و"الشرح" أن هذه الرواية أقيس وأولى لأن القياس على الحر غير صحيح لعدم المساواة بينهما فعلى الأولى إن بلغت الجناية ثلث قيمتها احتمل أن ترد إلى النصف فيكون في ثلاثة أصابع ثلاثة أعشار قيمتها وفي أربعة أصابع خمسها كالحرة فإذا بلغت الثلث ردت إلى النصف واحتمل ألا ترد لأن ذلك في الحرة على خلاف الأصل لكون الأصل زيادة الأرش بزيادة الجناية وأن كل ما زاد نقصها وضررها زاد في ضمانها فإذا خولف في الحرة بقينا في الأمة على وفق الأصل "ومن نصفه حر" فلا قود عليه لأنه ناقص بالرق أشبه ما لو كان كله رقيقا وإن كان قاتله عبدا أقيد منه لأنه أكمل من الجاني وإن كان القاتل نصفه حر أوجب القود لتساويهما(8/306)
ففيه نصف دية حر ونصف قيمته وهكذا في جراحه وإن قطع خصيتي عبد أو أنفه أن أذنيه لزمته قيمته للسيد ولم يزل ملكه عنه وإن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر وقيمته مقطوع الذكر وملك سيده باق عليه
ـــــــ
وإن كانت الحرية في القاتل أكثر لم يجب القود لعدم التساوي "ففيه نصف دية حر ونصف قيمته" أي إذا قتله حر عمدا ضمن نصف دية حر ونصف قيمته وإن قتله خطأ فعليه نصف قيمته وعلى عاقلته نصف ديته لأنها دية حر في الخطأ "وهكذا في جراحه" أي إذا كان قدر الدية من أرشها بلغ ثلث الدية مثل أن يقطع كلاهما أو يديه فإن قطع إحدى يديه فالجميع على الجاني لأن نصف دية اليد ربع ديته فلا تحملها العاقلة لنقصها عن الثلث ذكره في "الشرح" "وإن قطع خصيتي عبد أو أنفه أو أذنيه لزمته قيمته" أي قيمة العبد لأن القيمة بدل عن الدية "للسيد" لأنها بدل عن الأعضاء المملوكة للسيد "ولم يزل ملكه عنه" لأنه لم يوجد سبب يقتضي الزوال فوجب بقاؤه على ملكه عملا باستصحاب الحال لأن قطع يد العبد منزل منزلة تلف بعض ماله "وإن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر" لأن الواجب في ذلك من الحر دية كاملة وقيمته مقطوع الذكر لأن الواجب في قطع الخصيتين من الحر بعد الذكر دية كاملة لا يقال القيمة هنا نقصت لأن المؤلف قيدها بقطع الذكر بخلاف الحر فإنهما سواء لأن القيمة في مقابله لكنها تزيد وتنقص بخلاف الدية.
"وملك سيده باق عليه" لما مر، وفي ذلك اختلاف يلزمه ما نقص من قيمته، وفي سمعه وبصره أو أنفه وأذنيه قيمتاه مع بقاء ملك السيد، قال ابن حمدان: فإن أذهب إحداهما أولا غرم قيمته كاملا، ثم قيمته ناقصا.
فرع : إذا جرح اثنان في وقتين عبدا أو حيوانا ولم يوجباه ثم سرى الجرحان فقال القاضي يلزم كل واحد منهما ما نقصه بجرحه من قيمته ويتساويان في بقيتها قال المجد وعندي يلزم الثاني نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول ويلزم الأول تتمة قيمته سلفا(8/307)
فصل
ودية الجنين الحر المسلم إذا سقط ميتا غرة عبد أو أمة
ـــــــ
فصل
"ودية الجنين" وهو اسم للولد في البطن مأخوذ من الإجنان وهو الستر لأنه أجنه بطن أمه أي ستره ل قوله تعالى: {وإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [لنجم:32] "الحر المسلم إذا سقط" فلو ظهر بعضه ولم يخرج باقيه ففيه الغرة كما لو سقط جميعه "ميتا" في قول أكثر العلماء لما روي أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة قال لتأتيني بمن شهد معك فشهد له محمد بن مسلمة متفق عليه ولما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم " فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة وقضى أن دية المرأة على عاقلتها" رواه البخاري ومسلم وزاد وورثها ولدها ومن معهم فقام حمل بن النابغة الهذلي فقال يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما هو من إخوان الكهان" من أجل سجعه الذي سجع فإذا ألقته ميتا فقد تحقق أنه من الضربة فوجب ضمانه سواء ألقته في حياتها أو بعد موتها لأنه تلف بالجناية عليه أشبه ما لو سقط في حياتها وظاهره بجناية عمدا أو خطأ "غرة عبد أو أمة" الأحسن تنوين "غرة" و"عبد" بدل منه وتجوز الإضافة على تأويل إضافة الجنس إلى النوع وسميا بذلك لأنهما من أنفس الأموال والأصل في الغرة الخيار وأصلها البياض في وجه الفرس وقال أبو عمرو بن العلاء الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء قلت وليس البياض شرطا عند الفقهاء وإنما تجب إذا سقط من الضربة ويعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضربة أو تبقى متألمة منها إلى أن يسقط أو يكون منها كشرب دواء ونحوه فلو قتل حاملا ولم يسقط جنينها فلا لأنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه فلا يجب الضمان بالشك(8/308)
قيمتها خمس من الإبل موروثه عنه كأنه سقط حيا ذكرا كان أو انثى ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب
ـــــــ
والغرة هي عبد أو أمة في قول الأكثر وما روي عن عروة ومجاهد وطاووس.
أو فرس فجوابه أنه وهم انفرد به عيسى بن موسى عن الرواة وهو متروك في النقل وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة لما روى أبو داود أنه عليه السلام جعل في ولدها مائة شاة وظاهره أنه لا تجب في مضغة فثلثي غرة فإن ألقت مضغة فشهد ثقات من النساء القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي ولو بقي تصور فوجهان أصحهما لا شيء فيه كالعلقة والثاني وقدمه في "الرعاية" فيه غرة أشبه ما لو تصور فلو ألقت رأسين فغرة لأنه يجوز أن يكون من جنين وأكثر فلم تجب بالشك "قيمتها خمس من الإبل" وذلك نصف عشر الدية روي عن عمر وزيد وهو قول الجماعة لأن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجناية وهو أرش الموضحة فرددناه إليه لا يقال قد وجب في الأنملة ثلاثة أبعرة وثلث وهو دون ذلك لأن الشارع أوجبها في أرش الموضحة والسن وأما الأنملة فيجب فيها ما ذكر بالحساب من دية الأصبع.
فرع : إذا اختلف قيمة الإبل ونصف عشر الدية من غيرها فظاهر الخرقي أنها تقوم بالإبل لأنها الأصل وقال غيره تقوم بالذهب أو الورق فتجعل قيمتها خمسين دينارا أو ستمائة درهم ويتفرع عليهما إذا لم يجد غيره وذكر في "الكافي" وإن أعوزت وجبت قيمتها من أحد الأصول في الدية "موروثة عنه كأنه سقط حيا" لأنها دية له وبدل عنه فورثها ورثته كما لو قتل بعد الولادة وقال الليث هي لأمه وجوابه أنها دية آدمي حر فوجب أن تكون موروثة عنه كما لو ولدته حيا ثم مات "ذكرا كان" الولد "أو أنثى" لأنه عليه السلام قضى في الجنين بغرة وهو يطلق على الذكر والأنثى ولأن المرأة تساوي الذكر فيما دون الثلث "ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب" يرد به في البيع ولا خصي ولا هرمة وإن كثرت قيمته لأنه حيوان يجب بالشرع فلم يقبل فيه(8/309)
ولا من له دون سبع سنين وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى وإن ضرب بطن أمة فعتقت ثم أسقطت الجنين ففيه غرة
ـــــــ
ذلك بخلاف الكفارة فإن الغرة بدل فاعتبرت فيها السلامة كإبل الصدقة وهي خيار.
"ولا من له دون سبع سنين" في الأشهر فإنه محتاج إلى من يكفله وليس من الخيار وقيل أو أقل لإطلاق الخبر و ظاهره أن من جاوز السبع أنه مقبول و هو كذلك و قال ابن حمدان الغرة من له سبع سنين إلى عشر و ظاهر "الخرقي" أن سنها غير مقدر و بالجملة البالغ أكمل من الصغير و أقدر على التصرف و أنفع في الخدمة "وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه" هذا هو المذهب لأنه جنين آدمية فوجب فيه عشر دية أمه كجنين الحرة ولأنه جزء منها فقدر بدله من قيمتها كسائر أعضائها ونقل حرب الواجب فيه نصف عشر قيمة أمه ولا يحمل عليه الواجب هنا لأن الرقيق الواجب قيمته بخلاف الحر وتعتبر القيمة نقدا يوم الجناية كموضحتها إذا ساوتها حرية ورقا وإلا فبالحساب إلا أن يكون دين أبيه أو هو أغلى منها دية فيجب عشر ديتها لو كانت على ذلك الدين "ذكرا كان أو أنثى" لأن حكمه كذلك إذا كان حرا فكذا إذا كان رقيقا ونص المؤلف على ذلك إشارة منه إلى خلاف أبي حنيفة فإنه قال يجب فيه نصف عشر قيمته إن كان ذكرا أو عشر قيمته إن كان أنثى لأنه متلف فاعتباره بنفسه أولى من اعتباره بأمه وجوابه أنه جنين خالف سائر المتلفات في عدم اعتبار قيمة جميعه فوجب اعتباره بأمه ولأنه مات من الجناية في بطن أمه فلم يختلف ضمانه بهما كجنين الحرة.
فرع : جنين المعتق بعضها يجب بالحساب فإذا كان نصفها حرا فنصفه حر فيه نصف غرة لورثته وفي النصف الباقي نصف عشر قيمة أمه لسيده.
"وإن ضرب بطن أمة فعتقت" أو أعتق جنينها قبل الجناية أو بعدها "ثم أسقطت الجنين ففيه غرة" قدمه في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" لأنه سقط حرا والعبرة بحال السقوط لأن قبل ذلك لا يحكم فيه بشيء وعنه بضمان جنين مملوك نقلها حرب وابن منصور وعنه إن سبق العتق الجناية ضمن بالغرة(8/310)
وإن كان الجنين محكوما بكفره ففيه عشر دية أمه وإن كان أحد أبويه كتابيا والآخر مجوسيا اعتبر أكثرهما وإن سقط الجنين حيا ثم مات ففيه دية حر إن كان حرا أو قيمته إن كان عبدا إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدا وإلا فحكمه حكم الميت.
ـــــــ
وإلا فبضمان الرقيق ونقل حرب التوقف وحكى في "الفروع" الخلاف ولم يرجح شيئا فإن ألقته حيا فالدية كاملة مع سبق العتق الجناية وإلا ففيه الروايتان في الرقيق يجرح ثم يعتق "وإن كان الجنين محكوما بكفره ففيه" غرة قيمتها "عشر دية أمه لأن جنين الحرة بعشر دية أمه فكذا جنين الكافرة وإن كان أحد أبويه كتابيا والآخر مجوسيا اعتبر أكثرهما" أي أكثر الأمرين من عشر دية أمه أو نصف عشر دية أبيه لأن ذلك ضمان متلف فغلب فيه الأكثر تغليظا على الجاني ولأنه لو اجتمع في المتلف ما يجب ضمانه وعكسه غلب الوجوب كالمحرم إذا قتل متولدا بين وحشي وأهلي والحاصل أنها تؤخذ غرة قيمتها عشر الدية ولا فرق فيها بين الذكر والأنثى لأن السنة لم تفرق بينهما فلو كان بين كتابيين فأسلم أحدهما بعد الضرب قبل الوضع ففيه غرة في ظاهر كلامه وقاله ابن حامد والقاضي اعتبارا بحال استقرار الجناية وقال أبو بكر وأبو الخطاب فيه عشر دية كتابية اعتبارا بحال الجناية "وإن سقط الجنين حيا ثم مات ففيه دية حر" إن كان حرا لأنه حر مات بجناية أشبه ما لو باشره بالقتل وقد حكاه ابن المنذر إجماعا وعن أحمد لا يثبت هذا الحكم إلا إذا استهل روي عن عمر وابن عباس والحسن بن علي والأول نصره في "المغني" و"الشرح" لأن الارتضاع ونحوه أدل على الحياة من الاستهلال فأما بمجرد الحركة فلا "أو قيمته إن كان عبدا" لأن القيمة في العبد بمنزلة الدية في الحر "إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله" لأنه إذا لم يكن كذلك لا يعلم فيه حياة يجوز بقاؤها فلم تجب فيه دية ولا قيمة كما لو سقط ميتا "وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدا" لأن من ولد قبل ذلك لم تجر العادة ببقائه وفيه شيء فإن من ولد لثمانية أشهر لم يعش إلا ما كان من مريم وابنها عليهما السلام "وإلا فحكمه حكم الميت" قال في "الروضة" وغيرها كحياة مذبوح فإنه لا حكم لها وحينئذ تجب فيه غرة لأنه(8/311)
وإن اختلفا في حياته ولا بينة ففي أيهما يقدم قوله وجهان.
فصل
ذكر أصحابنا أن القتل تغلظ ديته بالحرم، والإحرام، والأشهر الحرم والرّحم المحرم.
ـــــــ
لم تعلم حياته "وإن اختلفا في حياته ولا بينة ففي أيهما يقدم قوله وجهان" كذا أطلقهما في "المحرر" و"الفروع" أحدهما وقدمه في "الرعاية" وجزم به في "الوجيز" يقدم قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته والثاني يقدم قول الولي لأن الأصل حياته كحياته في بطن أمه والأصل بقاؤه ومقتضاه أنه إذا كان ثم بينة عمل بها لأنها تظهر الحق وتثبته.
أصل: الغرة والدية يرثهما من يرثه كأنه سقط حيا ولا يرث قاتل ولا رقيق فترث عصبة سيد قاتل جنين أمته وفي "الروضة" هنا إن شرط زوج الأمة حرية الولد كان حرا وإلا عبدا وعلى المذهب لو شربت الحامل دواء فألقت جنينا ميتا فعليها غرة هو لورثتها دونها لأنها قاتلة وعليها عتق رقبة.
فرع: يجب في جنين دابة ما نقص نص عليه وهو قول عامة العلماء وقال أبو بكر كجنين أمة أي عشر قيمة أمه وجوابه أن البهيمة إنما يجب بالجناية عليها قدر نقصها فكذا في جنينها.
فصل
"ذكر أصحابنا أن القتل" إذا كان خطأ وقال القاضي قياس المذهب أو عمدا جزم به جماعة قال في "الانتصار" كما يجب بوطء صائمة محرمة كفارتان ثم قال تغلظ إذا كان موجبه الدية وفي "المفردات" تغلظ عندنا في الجميع ثم دية الخطأ لا تغليظ فيها وفي "المغني" و"الترغيب" وطرف "تغلظ ديته بالحرم والإحرام والأشهر الحرم" نقله فيها الجماعة "والرحم المحرم" اختاره أبو بكر والقاضي وأصحابه ولم يقيده في "التبصرة" "والطريق الأقرب" وغيرهما(8/312)
فيزداد لكل واحد ثلث الدية فإذا اجتمعت الحرمات الأربع وجب ديتان وثلث وظاهر كلام الخرقي أنها لا تغلظ بذلك وهو ظاهر الآية.
ـــــــ
الرحم بالمحرم كالعتق وظاهر كلام أحمد أنها لا تغلظ بالرحم وقدمه في "المحرر".
"فيزاد لكل واحد ثلث الدية" لما روي أن امرأة وطئت في طواف فقضى عثمان فيها بستة آلاف وألفين تغليظا للحرم وعن ابن عمر أنه قال من قتل في الحرم أو ذا رحم أو في الشهر الحرام فعليه دية وثلث وعن ابن عباس أن رجلا قتل رجلا في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال ديته اثنا عشر ألفا وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف وهو قول التابعين القائلين بالتغليظ واحتجوا بقول ابن عمر "فإذا اجتمعت الحرمات الأربع وجب ديتان وثلث" لأن القتل يجب به دية وقد تكرر التغليظ أربع مرات فكان كذلك.
فائدة : قال بعض أصحابنا حرم المدينة كمكة وفي "الترغيب" يخرج روايتان وقيل التغليظ بدية عمد وقيل بديتين وفي "المبهج" إن لم يقتل بأبويه ففي لزومه ديتان أم دية وثلث روايتان.
"وظاهر كلام الخرقي" واختاره المؤلف ونصره في "الشرح" وذكره ابن رزين الأظهر وهو قول الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز "أنها لا تغلظ بذلك" كجنين وعبد "وهو ظاهر الآية" وهو قوله تعالى: {ومَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92] وهذا يقتضي أن تكون الدية واحدة في كل مكان وعلى كل حال "والأخبار" منها قوله عليه السلام "في النفس المؤمنة مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف مثقال" وروى الجوزجاني عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء فكان مما أحيا من تلك السنن أي أنه لا تغليظ قال ابن المنذر ليس بثابت ما روي عن الصحابة في هذا ولو صح ففعل عمر في حديث قتادة أولى فيقدم على من خالفه وهو أصح في الرواية مع موافقة الكتاب والسنة والقياس(8/313)
والأخبار وإن قتل مسلم كافرا عمدا أضعف الدية لإزالة القود كما حكم عثمان رضي الله عنه.
فصل
وإن جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو تسليمه ليباع في الجناية.
ـــــــ
"وإن قتل مسلم" وقدم في "الانتصار" أو كافر وجعله ظاهر كلامه "كافرا" سواء كان كتابيا أو غيره حيث حقن دمه "عمدا أضعفت الدية" نص عليه "لإزالة القود" لأن المسلم لا يقتل بكافر و لأن القود شرع زجرا عن تعاطيه.
"كما حكم عثمان رضي الله عنه" رواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يقتله وغلظ الدية ألف دينار فذهب إليه أحمد وله نظائر منها الأعور إذا قلع عين صحيح تجب دية كاملة حيث لا قصاص ومنها أن سارق الثمر يلزمه مثلا قيمته حيث لا قطع ومذهب الجماهير من العلماء أن دية الذمي في العمد والخطأ واحد للعموم وكما لو قتل حر عبدا عمدا لأنه بدل متلف فلم تتضاعف كسائر الأموال وعلى الأول يودى المجوسي بألف وستمائة والكتابي بثلثي دية المسلم إن قلنا ديته ثلثها نص عليه ونقل ابن هانئ أنها تغلظ بثلث.
فصل
"وإن جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو تسليمه ليباع في الجناية" إذا جنى رقيق خطأ أو عمدا لا قود فيه أو فيه قود واختير فيه المال أو أتلف مالا وجب اعتبار جنايته لأن جناية الصغير ملغاة مع عذره وعدم تكليفه فالعبد أولى ولا يمكن تعليقها بذمته لأنه يفضي إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غاية ولا بذمة السيد لأنه لم يجن فتعين تعليقها برقبة العبد كالقصاص والمذهب أن سيده بالخيار بين فدائه لأنه إذا فدى عبده بقيمته فقد أدى عوض المحل الذي تعلقت به الجناية أو بيعه في(8/314)
وعنه إن أبى تسليمه فعليه فداؤه بأرش الجناية كله وإن سلمه فأبى ولي الجناية قبوله وقال بعه أنت فهل يلزمه ذلك على روايتين وإن جنى عمدا فعفا الولي عن القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضى السيد؟ على روايتين.
ـــــــ
الجناية لأنه دفع المحل الذي تعلقت به الجناية والمذهب أنه يلزمه في الفداء الأقل من قيمته أو أرش جنايته لأنه إذا فداه بقيمته أدى قدر الواجب لأن حق المجني عليه لا يتعلق بغير رقبة الجاني وإذا فداه بأرش جنايته فهو الذي وجب للمجني عليه فلم يملك مطالبته بأكثر منها وعليه لو أعتقه بعد علمه بالجناية لزمه جميع أرشها بخلاف ما إذا لم يعلم نقله ابن منصور وعنه يفديه أو يسلمه فيها وعنه يخير بينهن وعنه فيما فيه القود خاصة يلزمه فداؤه بجميع قيمته.
"وعنه إن أبى تسليمه فعليه فداؤه بأرش الجناية كله" لأنه إذا عرض للبيع ربما رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فوت على المجني عليه ذلك "وإن سلمه فأبى ولي الجناية قبوله وقال بعه أنت فهل يلزمه ذلك على روايتين" أظهرهما لا يلزمه قاله ابن هبيرة وقاله أكثر العلماء لأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد سلمها ويبيعه الحاكم بغير إذن وله التصرف فيه بعتق وغيره وقيل بإذن والثانية يلزمه صححها في "الرعاية" لأن الجناية تقتضي وجوب أرشها وأرشها هو قيمة العبد.
فرع: إذا مات العبد الجاني أو هرب قبل مطالبة سيده بتسليمه أو بعده ولم يمنع منه فلا شيء عليه فلو جنى ففداه ثم جنى فحكمها كالأولى ولا يرجع الثاني على الأول بشيء ومحله ما لم يكن بإذن سيده أو أمره فإن كان فضمانها عليه بالغة ما بلغت رواية واحدة "وإن جنى عمدا فعفا الولي عن القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضى السيد على روايتين" أظهرهما عنه لا يملكه لأنه إذا لم يملكه بالجناية فلأن لا يملكه بالعفو أولى ولأنه إذا عفا عن القصاص انتقل حقه إلى المال فصار كالجناية الموجبة للمال والثانية يملكه قدمها في "الرعاية" لأنه مملوك استحق إتلافه.(8/315)
وإن جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص فإن عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه على وجهين وإن جرح حرا فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر ديته فاختار السيد فداءه وقلنا يفديه بقيمته
ـــــــ
فاستحق إبقاءه على ملكه كعبده الجاني عليه فعلى هذه إن عفا عنه على رقبته وقيمته فوق الأرش وقلنا يجب أحد شيئين تعين الأرش ولو قال عفوت عنه وهو حر عتق ولا دية وإن قلنا لا يملك فلا قود ولا دية وهو ملك سيده وذكر ابن عقيل و"الوسيلة" رواية يملكه بجناية عمد وله قتله ورقه وعتقه وينبني عليه لو وطئ الأمة ونقل مهنا لا شيء عليه وهي له وولدها "وإن جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص" نص عليه سواء جنى عليهم في وقت أو أوقات لأنهم تساووا في سبب تعلق به الحق فتساووا في الاستحقاق كما لو جنى عليهم دفعة واحدة بل لو قدم بعضهم كان الأول أولى لأن حقه أسبق وقال ابن حمدان يقاد بالكل اكتفاء كما لو جنى عليهم معا ويحتمل أن يقاد بالأول أو يؤخذ حقه بالقرعة مطلقا ويدخل بالقتل حق من بقي لفوت محله إن علق بالعين "فإن عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه على وجهين" أحدهما يتعلق بجميع العبد قدمه في "المحرر" و"الرعاية" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن سبب استحقاقه موجود وإنما امتنع ذلك لمزاحمة الآخر وقد زال المزاحم أشبه ما لو جنى على إنسان ففداه سيده ثم جنى على آخر والثاني يتعلق بحصتهم منه لا غير لأن كل واحد تعلق بقسط من رقبته فلا يتعلق بزيادة عليه كما لو لم يوجد عفو أصلا.
فرع: قتل عبدان عبدا عمدا فقتل الولي أحدهما وعفا عن الآخر تعلق برقبته نصف الدية وبناه السامري على قتل الجماعة بالواحد.
"وإن جرح حرا فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر ديته فاختار السيد فداءه وقلنا: يفديه بقيمته -(8/316)
صح العفو في ثلثه وإن قلنا يفديه بالدية صح العفو في خمسة أسداسه وللورثة سدسه لأن العفو صح في شيء من قيمته وله بزيادة الفداء تسعة أشياء بقي للورثة ألف إلا عشرة أشياء تعدل شيئين أجبر وقابل يخرج الشيء نصف سدس الدية وللورثة شيئان فتعدل السدس.
ـــــــ
صح العفو في ثلثه" لأنه ثلث ما فات عنه ويبقى الثلثان للورثة "وإن قلنا يفديه بالدية صح العفو في خمسة أسداسه وللورثة سدسه لأن العفو صح في شيء من قيمته" فسقط "وله بزيادة الفداء تسعة أشياء بقي للورثة ألف إلا عشرة أشياء تعدل شيئين أجبر وقابل" تصير ألف تعدل اثني عشر شيئا فالشيء إذا يعدل نصف سدس الدية "يخرج الشيء نصف سدس الدية وللورثة شيئان فتعدل السدس" لأن الشيء إذا عدل نصف سدس كان الشيء يعدل السدس ضرورة فعلى هذا لو كان قيمة العبد ثلث الدية صح العفو على القول بأن الفداء يكون بالدية في ثلاثة أخماسه ولو كان قيمة العبد الربع صح في ثلثه ولو كانت قيمته الخمس صح في خمسة أسباعه وطريق الباب في هذه المسائل أن تزيد قيمة العبد على نصف دية المجني عليه وتنسب قيمة العبد مما بلغا فما كان فهو الذي يفديه به سيده.
تنبيه : إذا قتل عبد عبدين لآخر فله قتله والعفو عنه فإن قتله سقط حقه وإن عفا على مال تعلقت قيمة العبدين برقبته وإن كانا لاثنين فكذلك إلا أن القاتل يقتل بالأول منهما فإن عفا قتل للثاني وإن قتلهما معا أقرع بين العبدين فمن وقعت له القرعة اقتص وسقط حق الآخر فإن عفا عن القصاص وعلى سيد الأول مال تعلق برقبة العبد وللثاني القصاص فإن قتله سقط حق الأول من القيمة وإن عفا الثاني تعلقت قيمة القتيل الثاني برقبته ويباع فيهما ويقسم ثمنه على قدر القيمتين لا يقال حق الأول أسبق فيقدم لأنه لا يراعى بدليل ما لو أتلفت أموال لجماعة على الترتيب ولو قتل عبد عبدا لاثنين كان لهما القصاص والعفو فإن عفا أحدهما سقط القصاص(8/317)
باب ديات الأعضاء ومنافعها
ومن أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه الدية وهو الذكر والأنف واللسان الناطق ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء
ـــــــ
باب ديات الأعضاء ومنافعها
المنافع واحده منفعة وهي اسم مصدر من نفعني كذا نفعا وهي نوعان أحدهما الشجاج وهي في الرأس والوجه والثاني في سائر البدن وهو قسمان أحدهما قطع عضو والآخر قطع لحم وذلك كله مضمون من الآدمي ويضاف إليه تفويت المنفعة كالسمع والبصر ونحوهما "ومن أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه الدية" أي دية نفسه نص عليه وهو الذكر إجماعا لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وفي الذكر الدية وفي الأنف إذا أوعب جدعا الدية وفي اللسان الدية" رواه أحمد والنسائي ولفظه له وقال روى يونس هذا الحديث عن الزهري مرسلا وظاهره ولو من صغير نص عليه وشيخ فان ذكره جماعة وقيد ابن حزم الإجماع بأن ينتشر وهذا إذا أبقى الأنثيين سالمتين.
أصل: وفي حشفة الذكر الدية بغير خلاف نعلمه لأن منفعته تكمل بالحشفة كما تكمل منافع اليد بالأصابع فلو قطعها وبعض القصبة لم يجب أكثر من دية كما لو قطع الأصابع وبعض الكف.
"والأنف" وظاهره ولو مع عوجه وصرح به في "الترغيب" وتجب إذا قطع مع مارنه وهو ما لان منه "واللسان الناطق" السليم إذا استوعب كله محطا من المسلم الحر إجماعا ذكره ابن حزم وذكر المؤلف أنهم أجمعوا على وجوب الدية فيه لأنه أعظم الأعضاء نفعا وأتمها جمالا وإن قطع لسان كبير وادعى أنه كان أخرس فكما إذا اختلفا في شلل العضو.
"ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء" لأن في إتلافه إذهاب منفعة الجنس(8/318)
وما فيه منه شيئان ففيهما لدية وفي أحدهما نصفها كالعينين والأذنين والشفتين واللحيين وثديي المرأة وثندوتي الرجل واليدين والرجلين والإليتين
ـــــــ
وإتلافها كإذهاب النفس في الكل وظاهره ولو لم يبلغ حد النطق فلو بلغه ولم يتكلم لم تجب فيه الدية كلسان الأخرس وإن كبر فنطق ببعض الحروف وجب فيه بقدر ما ذهب من الحروف لأنا تبينا أنه كان ناطقا "وما فيه منه شيئان ففيهما لدية وفي أحدهما نصفها" نص عليه "كالعينين" إذا أذهبهما من المسلم خطأ لحديث عمرو بن حزم ويستوي فيه الصغيرتان والصحيحتان وضدهما فإن كان فيها بياض ينقص البصر نقص من الدية بقدره وإلا فلا وعنه تجب دية كاملة جزم به "في الترغيب" كحولاء وعمشاء مع رد المبيع بهما "والأذنين" وفاقا قضى به عمر وعلي وما روي أن أبا بكر قضى في الأذن بخمسة عشر بعيرا رواه سعيد فمنقطع وذكر ابن المنذر أنه لا يثبت "وفي الوسيلة" وإشرافهما وهو جلد بين العذار والبياض الذي حولهما نص عليه "وفي الواضح" وأصداف الأذنين "والشفتين" أي إذا استوعبتا من المسلم خطأ إجماعا وفي أحدهما نصفها "واللحيين" وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان لأن فيهما نفعا وجمالا وليس في البدن مثلهما "وثديي المرأة" أي فيهما الدية وفي أحدهما نصفها بالإجماع وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما نص عليه لأنه ذهب منهما ما تذهب المنفعة بذهابه كحشفة الذكر وإن حصل مع قطعهما جائفة وجب فيهما ثلث الدية مع ديتهما وإن ضربهما فأشلهما فالدية "وثندوتي الرجل" نص عليه وهي مغرز الثدي والواحدة ثندوة بفتح الثاء بلا همزة وبضمها مع الهمز وقال الجوهري الثدي للمرأة والرجل وهو أصح في اللغة ومنهم من أنكره ولأنه يحصل بهما الجمال وليس في البدن غيرهما من جنسهما.
"واليدين" أي فيهما الدية وفي أحدهما نصفها للأخبار حتى يد مرتعش ويد أعسم وهو عوج في الرسغ "والرجلين" لما ذكرنا حتى قدم أعرج وقال أبو بكر حكومة "والإليتين" وهما ما علا وأشرف على الظهر وعن استواء الفخذين وإن لم يصل إلى العظم الدية ذكره جماعه و نقل ابن منصور فيهما الدية إذا(8/319)
و الأنثيين و إسكتي المرأة وعنه في الشفة السفلى ثلثا الدية و في العليا ثلثها وفي المنخرين ثلثا الدية و في الحاجز ثلثها و عنه في المنخرين الدية و في الحاجز حكومة وفي الأجفان الأربعة الدية وفي كل واحد ربعها وفي أصابع اليدين الدية وفي أصابع
ـــــــ
قطعتا حتى إلى العظم "و الأنثيين" ففيهما الدية لخبر عمرو بن حزم و في أحدهما نصفها في قول أكثرهم.
فرع : إذا رض أنثييه أو أشلهما كملت ديتهما كما لو أشل يديه أو ذكره وإن قطع إحداهما فذهب النسل لم يجب أكثر من نصف الدية "و إسكتي المرأة" بكسر الهمزة و فتحها و هما شفراها و قال أهل اللغة الشفران حاشيتا الإسكتين و فيهما الدية لأن فيهما منفعة و جمالا و ليس في البدن غيرهما من جنسهما وإن أشلهما ففيهما الدية كما لو جنى على شفته فأشلها ولا فرق بين الرتقاء وغيرها و في عانة الرجل و المرأة حكومة "وعنه في الشفة السفلي ثلثا الدية و في العليا ثلثها" روي عن زيد لأن نفع السفلى أعظم لأنها هي التي تدور و تتحرك و تحفظ الريق و الطعام و الأول أصح و قول زيد معارض بقول أبي بكر و علي "وفي المنخرين ثلثا الدية و في الحاجز ثلثها" على المذهب لأن المارن يشمل ثلاثة أشياء منخران و حاجز فوجب توزيع الدية على عددها كسائر ما فيه عدد من الأصابع و الأجفان "و عنه في المنخرين الدية و في الحاجز حكومة" حكاها أبو الخطاب لأن المنخرين ليس في البدن لهما ثالث و لأنه بقطعهما يذهب الجمال كله و المنفعة أشبه قطع اليدين و الأول أظهر و قدمه الأكثر فلو قطع أحد المنخرين و نصف الحاجز و جب نصف الدية وإن شق الحاجز بينهما ففيه حكومة وإن بقي منفرجا فالحكومة فيه أكثر.
"وفي الأجفان الأربعة الدية و في كل و احد ربعها" و عليه الأئمة لأنها أعضاء فيها جمال ظاهر ونفع كامل فإنها تكن العين و تحفظها من الحر و البرد و لولاها لقبح منظرها و يجب في أشفار عين الأعمى وهي الأجفان لأن ذهاب البصر عيب غير الأجفان "وفي أصابع اليدين الدية" إذا كانت سليمة "و في أصابع(8/320)
الرجلين الدية وفي كل إصبع عشرها وفي كل أنملة ثلث إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي كل مفصل نصف عقلها وفي الظفر خمس دية الإصبع وفي كل سن خمس من الإبل إذا قلعت ممن قد ثغر والأضراس الأنياب كالأسنان ويحتمل أن تجب في جميعها دية واحدة.
ـــــــ
الرجلين الدية" لما روى الترمذي و صححه عن ابن عباس مرفوعا "دية أصابع اليدين و الرجلين عشر من الإبل لكل إصبع" و في البخاري عنه مرفوعا قال "هذه و هذه سواء" يعني الخنصر الإبهام.
"وفي كل إصبع عشرها" و فيه خلاف شاذ "و في كل أنملة ثلث عقلها" لأن دية الأصبع تقسم عليها كما قسمت دية اليد على الأصابع بالسوية "إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي كل مفصل نصف عقلها" أي نصف عشر الدية.
"و في الظفر خمس دية الإصبع" نص عليه لقول زيد ورواه ابن عباس و معناه إذا قلعه ولم يعد و في "الرعاية" و كذا إن اسود و دام و التقديرات يرجع فيها إلى التوقيف فإن لم يكن فيها توقيف فالقياس أن فيه حكومة كسائر الجراح التي ليس فيها مقدر و في "الكافي" أن ما لا توقيف فيه من سائر الجراح تجب فيه الحكومة "و في كل سن" قلع بسنخها أو الظاهر فقط "خمس من الإبل" روي عن عمر و ابن عباس و لخبر عمرو بن حزم وابن عمرو بن شعيب و هي اثنا عشر سنا و أربع ثنايا وأربع رباعيات و أربعة أنياب قاله ابن حزم و غيره و فوق ضاحكان و ناجذان و ست طواحين و أسفل مثلها فعلى هذا يجب في جميعها مائة و ستون بعيرا لأنها اثنان و ثلاثون فإن كانت إحدى ثنيتيه قصيرة نقص من ديتها بقدر نقصها ذكره في "الشرح" و غيره وشرطه "إذا قلعت ممن قد ثغر" بضم الثاء أي إذا سقطت رواضعه يقال ثغر و أثغر يحترز بذلك من الصغير الذي لم يثغر فإنه لا يجب بقلعها شيء في الحال بغير خلاف نعلمه لأن العادة عود سنه فينتظر فإن مضت مدة ييأس من عودها و جبت ديتها قال أحمد يتوقف سنة لأنه غالب في نباتها "والأضراس و الأنياب كالأسنان" و هو قول ابن عباس و معاوية و الأكثر لما روى أبو داود عن ابن عباس مرفوعا قال "الأسنان سواء(8/321)
و تجب دية اليد و الرجل في قطعهما من الكوع و الكعب فإن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية في ظاهر كلامه و قال القاضي في الزائد حكومة
ـــــــ
الثنية و الضرس سواء و هذا نص و لأن كل دية و جبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع كالأصابع و الأجفان و عنه إن لم يكن ثغر فحكومة أختاره القاضي وقال إذا سقطت أخواتها و لم تعد أخذت ديتها لأن الغالب أنها لا تعود بعد ذلك "ويحتمل أن تجب في جميعها دية واحدة" هذا رواية حكاه في "المغني" و "الفروع" لأن في كل ضرس بعيرين لقول سعيد بن المسيب رواه مالك و عن عطاء نحوه و الإجماع أن في كل سن خمسا لأنها منفعة جنس فلم تزد ديتها على الدية كسائر منفعة الجنس.
وفي "المحرر" وقيل إن قلع الكل أو فوق العشرين دفعة لم يجب سوى الدية و قال أبو محمد الجوزي إن قلع أسنانه دفعة واحدة فالدية.
فرع : إذا قلع سنا مضطربة لكبر أو مرض و كانت منافعها أو بعضها باقية و جبت ديتها وإن ذهبت منافعها فهي كيد شلاء وإن قلع سنا فيها داء أو آكلة فإن لم يذهب شي من أجزائها ففيها دية سن صحيح وإن ذهب سقط من ديتها بقدر الذاهب ووجب الباقي.
"و تجب دية اليد و الرجل في قطعهما من الكوع و الكعب" لأن اليد في الشرع محمولة على ذلك بدليل قطع السارق و المسح في التيمم و الكعب بمنزلة الكوع بدليل ما لو سرق ثانيا قطعت رجله من كعبها "فإن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية في ظاهر كلامه" و نص عليه في رواية أبي طالب و قاله قتادة و عطاء و هو المنصور عند معظم أصحابنا لأن اليد اسم للجميع للمنكب لأنه لما نزلت آية التيمم مسح الصحابة إلى المناكب لا يقال يجب أن لا يجب بقطعهما من فوق الكوع و الكعب الدية لأنه لا يلزم من وجوب الدية في شيء عدم و جوبها فيما دونه بدليل أن الدية تجب في اليدين من الكوع و تجب في قطع الأصابع دون الكف "و قال القاضي في الزائد حكومة" لأن المنفعة المقصودة.(8/322)
وفي مارن الأنف وحشفة الذكر وحلمتي الثديين وكسر ظاهر السن دية العضو كاملة ويحتمل أن يلزم من استوعب الأنف جدعا دية وحكومة في القصبة
ـــــــ
في اليد من البطش و الأخذ و الدفع بالكف و ما زاد تابع له و الدية تجب في قطعها من الكوع و الكعب فيجب في الزائد حكومة و لأن اسم اليد و الرجل إلى الكوع و الكعب و على الأول لو قطع من الكوع قطعها من فوق ذلك ففيه حكومة لأنها و جبت عليه الدية بالقطع الأول كما لو قطع الأصابع ثم قطع الكف.
فرع: إذا كان له كفان على ذراع أو يد و ذراعان على عضد و إحداهما باطشة دون الأخرى أو إحداهما أكثر بطشا أو في سمت الذراع و الأخرى منحرفة أو تامة و الأخرى ناقصة فالأولى هي الأصلية ففيها ديتها والقصاص بقطعها عمدا و في الأخرى حكومة لأنها زائدة سواء قطعها منفردة أو مع الأصلية و قال ابن حامد لا شيء فيها لأنها عيب فلو استويا وكانتا غير باطشتين ففيهما ثلث دية اليد أو حكومة وإن كانتا باطشتين ففيهما دية اليد و هل تجب الحكومة فيه وجهان "وفي مارن الأنف" وهو ما لان منه "وحشفة الذكر و حلمتي الثديين و كسر ظاهر السن دية العضو كاملة" لأن قطع المارن يذهب الجمال أشبه الأنف كله وحشفة الذكر لأن منفعته كمنفعة اليد بالأصابع وحلمتي الثديين لأنه ذهب من الثديين ما تذهب المنفعة بذهابه فوجب دية كاملة وفي كسر ظاهر السن ديته وهو ما ظهر من اللثة لأن ذلك هو المسمى سنا فيدخل في عموم النص وما في اللثة يسمى سنخا فإذا كسر السن ثم قلع هو أو غيره السنخ ففي السن ديتها وفي السنخ حكومة والدية في قدر الظاهر عادة وإن اختلفا في قدر الظاهر اعتبر بأخواتها فإن لم يكن ولم يمكن أن يعرف ذلك أهل الخبرة قبل قول الجاني "ويحتمل أن يلزم من استوعب الأنف جدعا دية وحكومة في القصبة" لما روى طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الأنف إذا أوعب جدعا الدية" رواه الشافعي والحكومة في القصبة لما مر في قطع اليد من فوق الكوع فإن قطع الأنف وما تحته من اللحم ففي اللحم حكومة لأنه ليس من(8/323)
وفي قطع بعض المارن والأذن والحلمة واللسان والشفة والحشفة والأنملة والسن وشق الحشفة طولا بالحساب من ديته تقدر بالأجزاء وفي شلل العضو أو إذهاب نفعه والجناية على الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان وتسويد السن والظفر بحيث لا يزول ديته وعنه في تسويد السن ثلث ديتها وقال أبو بكر فيها حكومة.
ـــــــ
الأنف أشبه ما لو قطع الذكر واللحم الذي تحته "وفي قطع بعض المارن والأذن والحلمة واللسان والشفة والحشفة والأنملة والسن وشق الحشفة طولا بالحساب من ديته تقدر بالأجزاء" كالثلث والربع ثم يؤخذ مثله من الدية لأن ما وجبت الدية في جميعه وجبت في بعضه وكما تقسط دية اليد على الأصابع وفي "الترغيب" رواية تجب ثلث دية كشحمة أذن وفي "الواضح" فيما بقي من أذن بلا نفع الدية وإلا حكومة.
"وفي شلل العضو أو إذهاب نفعه والجناية على الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان" الدية لأنه عطل نفعهما أشبه ما لو أمسك يده أو لسانه أو شفته وسائر الأعضاء إلا الأذن والأنف قال في "المغني" و"الشرح" وكذا إذا استرخيا فصارا لا ينفصلان عن الأسنان لأنه عطل جمالها وفي "التبصرة" و"الترغيب" في التقلص حكومة "وتسويد السن والظفر بحيث لا يزول" عنه "ديته" روي عن زيد بن ثابت وقاله ابن سيرين وابن المسيب والحسن وهو ظاهر "الخرقي" "وعنه في تسويد السن ثلث ديتها" وهو قول بعض الصحابة لأن التقدير لا يثبت إلا بالتوقيف وكتسويد أنفه مع بقاء نفعه قاله في "الواضح" "وقال أبو بكر فيها حكومة" وهو رواية عن أحمد لأنه لم يذهبها بمنفعتها فلم تكمل ديتها كما لو احمرت أو اصفرت أو كلت وعنه إن ذهبت منفعتها من المضغ عليها ففيها ديتها وإلا فحكومة قاله القاضي والأول أصح لأنه قول زيد ولم يعرف له مخالف من الصحابة فكان كالإجماع ولأنه أذهب الجمال على الكمال فكملت ديتها كما لو قطع أذن الأصم
فرع: إذا جنى على سنه فاخصرت فعنه كتسويدها جزم به في(8/324)
وفي العضو الأشل من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس والعين القائمة وشحمة الأذن وذكر الخصي والعنين والسن السوداء والثدي دون حلمته والذكر دون حشفته وقصبة الأنف واليد والإصبع الزائدتين حكومة وعنه ثلث ديته وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال ديته.
ـــــــ
"المنتحب" وعنه حكومة قال في الفروع وهي أشهر وذكرهما في "الشرح" احتمالين "وفي العضو الأشل من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس والعين القائمة" في موضعها صحيحة غير أنه أذهب نظرها "وشحمة الأذن وذكر الخصي والعنين والسن السوداء والثدي دون حلمته والذكر دون حشفته وقصبة الأنف واليد والأصبع الزائدتين حكومة" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأنه لا يمكن إيجاب دية كاملة لكونها قد ذهبت منفعتها ولا مقدر فيها فتجب الحكومة "وعنه ثلث ديته" لما روى النسائي ورجاله ثقات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين العوراء السادة لمكانها بثلث الدية وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها وفي السن السوداء إذا قلعت بثلث ديتها وعن عمر معنى ذلك رواه سعيد وحكم الرجل الشلاء كاليد الشلاء رجحه المؤلف وقال قولهم لا يمكن إيجاب مقدر ممنوع فإنا قد ذكرنا التقدير وبيناه فأما اليد والرجل والإصبع والسن الزوائد ففيها حكومة ولا يصح قياس هذا على العضو الذي ذهبت منفعته وبقي جماله لأن هذه الزوائد لا جمال فيها إنما هي شين في الخلقة وعيب يرد به المبيع وتنقص به القيمة وقيل لا يجب فيها شيء قال القاضي هو في معنى اليد الشلاء فيتخرج على الروايتين وكذا كل عضو ذهبت منفعته وبقيت صورته والكف الذي لا أصابع عليه وساق لا قدم فيه وذراع لا كف عليه وذكر لا حشفة له "وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال ديته" ذهب الأكثر إلى وجوب الدية في ذكر العنين لخبر عمرو بن حزم "وفي الذكر دية" ولأنه غير مأيوس من جماعه وهو عضو سليم في نفسه أشبه ذكر الشيخ وعنه لا تكمل ديته لأن منفعة الإنزال والإحبال بالجماع وقد عدم ذلك منه في حال الكمال(8/325)
فلو قطع الذكر والأنثيين معا أو الذكر ثم الأنثيين لزمه ديتان ولو قطع الأنثيين ثم قطع الذكر وجبت دية الأنثيين وفي الذكر روايتان إحداهما دية والأخرى حكومة أو ثلث ديته وإن أشل الأنف أو الأذن أو عوجهما ففيه حكومة .
ـــــــ
أشبه الأشل وبهذا فارق ذكر الشيخ وأما ذكر الخصي فعنه دية كاملة لظاهر الخبر ولأن منفعته وهي الجماع باقية فيه وعنه لا لأن المقصود منه تحصيل النسل ولا يوجد ذلك منه فلم تكمل ديته وعنه تكميلها لذكر العنين دون الخصي وخرج منه في "الانتصار" في لسان أخرس وقدم في "الروضة" في ذكر الخصي إن لم يجامع بمثله فثلث ديته وإلا دية قال في عين قائمة نصف دية.
فرع : إذا نبتت أسنان صبي سوداء ثم ثغر ثم عادت سوداء فديتها تامة كمن خلق أسود الوجه والجسم جميعا وإن نبتت أولا بيضاء ثم ثغر ثم عادت سوداء فإن قال أهل الخبرة ليس السوداء لمرض ولا علة ففيها كمال ديتها وإلا فثلث دية أو حكومة "فلو قطع الذكر والأنثيين معا" أي دفعة واحدة "أو الذكر ثم الأنثيين لزمه ديتان" لأن كل واحد منهما لو انفرد لوجب في قطعه الدية فكذا "لو اجتمع ولو قطع الأنثيين ثم قطع الذكر وجبت دية الأنثيين" لأن قطعهما لم يصادف ما يوجب نقصهما عن ديتهما "وفي الذكر روايتان" كذا في "المحرر" "إحداهما دية" لقوله عليه السلام "وفي الذكر الدية" "والأخرى" وهي أشهر "حكومة أو ثلث ديته" لأنه ذكر خصي.
فرع : إذا قطع نصف الذكر طولا فقال أصحابنا يجب نصف الدية ونصر في "المغني" و"الشرح" أن تجب الدية كاملة لأنه ذهب منفعة الجماع به أشبه ما لو أشله وإن قطع منه قطعة فما دون الحشفة وخرج البول على عادته وجب بقدر القطعة من جميع الذكر من الدية وإن خرج من موضع القطع وجب الأكثر من الدية أو الحكومة.
"وإن أشل الأنف أو الأذن أو عوجهما ففيه حكومة" لأن نفع الأنف والأذن(8/326)
وفي قطع الأشل منهما كمال ديته وتجب الدية في أنف الأخشم والمخروم وأذني الأصم وإن قطع أنفه فذهب شمه أو أذنيه فذهب سمعه وجبت ديتان وسائر الأعضاء إذا أذهبها بمنافعها لم تجب إلا دية واحدة
ـــــــ
باق مع الشلل بخلاف اليد فإن نفعها قد زال وإنما قلنا ببقاء نفع الأذن كونها تجمع الصوت وتمنع دخول الهواء في الصماخ وهذا باق مع الشلل وكذلك الأنف فنفعه جمع الرائحة ومنع وصول شيء إلى دماغه قال المؤلف أو تغيير لونهما وقيل الدية كشلل يد ومثانة ونحوهما.
"وفي قطع الأشل منهما كمال ديته" لأنه قطع أذنا فيها جمالها ونفعها كالصحيحة وكما لو قطع عينا عمشاء أو حولاء.
فرع : إذا قطع الأنف إلا جلدة بقي معلقا بها فلم يلتحم واحتيج إلى قطع الجلدة ففيه ديته وإن رده فالتحم فحكومة وإن أبانه فرده فالتحم فقال أبو بكر فيه حكومة وقال القاضي فيه ديته كما لو لم يلتحم.
"وتجب الدية في أنف الأخشم" لأنه لا عيب فيه وإنما العيب في غيره "والمخروم" لأن أنفه كامل غير أنه معيب كالعضو المريض "وأذني الأصم" لأن الصمم نقص في غير الأذن وفي "الرعاية" و"المحرر" إذا قلنا يؤخذ به السالم من ذلك في العمد وإلا ففيه حكومة "وإن قطع أنفه فذهب شمه" لزمه ديتان لأن الشم من غير الأنف فلا تدخل دية أحدهما في الآخر أو أذنيه فذهب سمعه وجبت ديتان" لأن السمع من غير الأذن فهو كالبصر مع الأجفان والنطق مع الشفتين فلو ذهب شم أحدهما فنصف الدية وفي بعضه حكومة.
"وسائر الأعضاء" كالعينين ونحوهما إذا أذهبها بمنافعها لم تجب إلا دية واحدة لأن نفعها فيها وهو تابع لها يذهب بذهابه فوجبت دية العضو دون المنفعة كما لو قتله لم تجب ديته(8/327)
فصل في دية المنافع
وفي كل حاسة دية كاملة وهي السمع والبصر والشم والذوق وكذلك تجب في الكلام
ـــــــ
فصل في دية المنافع
لما تمم الكلام على ديات الأعضاء كالعينين ونحوهما شرع يتكلم في دية المنافع وهي السمع والبصر ونحوهما
"وفي كل حاسة دية كاملة" كذا عبارة الأصحاب يقال حس وأحس أي علم وأيقن وبألف أفصح وبها جاء القرآن وإنما يصح قولهم الحاسة والحواس الخمس على اللغة القليلة والأشهر في حس بلا ألف بمعنى قتل وقال الجوهري الحواس المشاعر الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس "وهي السمع" بغير خلاف وسنده قوله عليه السلام "وفي السمع الدية" وروي أن عمر قضى في رجل رمى آخر بحجر في رأسه فذهب سمعه وعقله ولسانه ونكاحه بأربع ديات والرجل حي رواه أبو المهلب ولأنها حاسة تختص بنفع فكان فيها الدية كالبصر فإن ذهب من أحدهما فقط وجب نصفها كالبصر "والبصر" من العينين المبصرتين من المسلم دية كاملة إجماعا "والشم" لأن ذلك في كتاب عمرو بن حزم قال القاضي ولأنه حاسة تختص بمنفعة كسائر الحواس.
"والذوق" ذكره أبو الخطاب والمعظم لأن الذوق حاسة أشبه الشم وقياس المذهب أنه لا دية فيه وإنما تجب الحكومة صححه المؤلف لأن لسان الأخرس لا دية فيه إجماعا على أنها لا تكمل في ذهاب الذوق بمفرده لأن كل عضو لا تكمل الدية فيه بمنفعته لا تكمل في منفعته كسائر الأعضاء قال في "الشرح" ولا تفريع على هذا القول "وكذلك تجب في الكلام" لأن كل ما تعلقت الدية(8/328)
والعقل والمشي والأكل والنكاح وتجب في الحدب والصعر وهو أن يضربه فيصير الوجه في جانب وفي تسويد الوجه إذا لم يزل.
ـــــــ
بإتلافه تعلقت بإتلاف منفعته كاليد "والعقل" بالإجماع وسنده ما في كتاب عمرو بن حزم لأنه أكثر المعاني قدرا وأعظم الحواس نفعا فإنه يتميز به عن البهيمة ويعرف به صحة حقائق المعلومات ويهتدي به إلى المصالح ويدخل به في التكليف وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات فكان أولى من بقية الحواس.
فرع : إذا نقص نقصا معلوما وجب بقدره وإن لم يعرف قدره فحكومة وإن كانت الجناية المذهبة للعقل ولها أرش كالموضحة وجبت الدية وأرش الجرح ولا تدخل أرش الجناية المذهبة له في ديته نص عليه كما لو أوضحه فذهب بصره وقيل بلى ويدخل الأقل في الأكثر.
"والمشي" لأن منفعته مقصودة أشبه الكلام "والأكل" لأنه نفع مقصود كالشم "والنكاح" أي إذا كسر صلبه فذهب نكاحه ففيه الدية وروي عن علي لأنه مقصود أشبه ذهاب المشي.
"وتجب في الحدب" بفتح الحاء والدال مصدر حدب بكسر الدال إذا صار أحدب لأن بذلك تذهب المنفعة والجمال لأن انتصاب القامة من الكمال والجمال وبه يشرف الآدمي على سائر الحيوانات وهذا الذي ذكره المؤلف في الكلام وما بعده هو رواية عن أحمد واختاره المجد وجزم به في "الوجيز" وخالف فيه القاضي وغيره وهو ظاهر المذهب قاله ابن الجوزي "والصعر" وهو أن يضربه فيصير الوجه في جانب" نص عليه وأصل الصعر داء يأخذ البعير في عنقه فيلتوي منه عنقه قال الله تعالى: {ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:18] أي لا تعرض عنهم بوجهك تكبرا وهو قول زيد رواه مكحول ولم نعرف له مخالفا فكان كالإجماع ولأنه أذهب الجمال والمنفعة فوجب فيه ديته كسائر المنافع وقال في "المغني" و"الشرح" و"الترغيب" أولا يبلع ريقه ففيه الدية لأنه تفويت منفعة ليس لها مثل في البدن "وفي تسويد الوجه إذا لم يزل" لأنه فوت(8/329)
وإذا لم يستمسك الغائط أو البول ففي كل واحد من ذلك دية كاملة وفي نقص شيء من ذلك إن علم بقدره مثل نقص العقل بأن يجن يوما ويفيق يوما أو ذهاب بصر إحدى العينين أو سمع إحدى الأذنين وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية وعشرين حرفا
ـــــــ
الجمال على الكمال فضمنه بديته كما لو قطع أذني الأصم وظاهره أنه إذا صفر وجهه أو حمره تجب حكومة لأنه لم يذهب الجمال على الكمال وفي "المبهج" و"الترغيب" إذا أزال لونه إلى غيره ففيه الدية "وإذا لم يستمسك الغائط أو البول" بأن ضرب بطنه فلم يستمسك الغائط أو المثانة فلم يستمسك البول "ففي كل واحد من ذلك دية كاملة" بغير خلاف نعلمه إلا أن أبا موسى ذكر في المثانة رواية ثلث الدية كإفضاء المرأة و الصحيح الأول لأن كل واحد من هذين المحلين عضو فيه منفعة كثيرة ليس في البدن مثلها فإن نفع المثانة حبس البول و حبس البطن الغائط منفعة مثلها و الضرر بفواتهما عظيم فكان في كل واحد منهما الدية كالسمع والبصر فإن فاتت المنفعتان بجناية واحدة و جب ديتان.
فرع : إذا جنى عليه فذهب عقله و سمعه و بصره و لسانه و جب أربع ديات لقضاء عمر ذكره أحمد في رواية و لده عبد الله كما لو جنى عليه جنايات فأذهبها و يجب مع ذلك أرش الجراح فإن من مات من الجناية لم تجب إلا دية واحدة لأن ديات المنافع تدخل في دية النفس كديات الأعضاء.
"و في نقص شيء من ذلك إن علم بقدره" لأن ما و جب في جميع الشيء و جب في بعضه بقدر كإتلاف المال "مثل نقص العقل بأن يجن يوما و يفيق يوما أو ذهاب بصر إحدى العينين أو سمع إحدى الأذنين" لما ذكرناه و هو أن ما و جبت فيه الدية وجب بعضها كالأصابع و اليدين.
مسألة : قال في "الترغيب" و غيره و منفعة الصوت و منفعة البطش فلكل و احد الدية و في "الفنون" لو سقاه ذرق حمام فذهب صوته لزمه حكومة.
"وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية و عشرين حرفا" سوى "لا" فإن مخرجها مخرج اللام و الألف فمنها من الحروف نقص من الدبة بقدره لأن الكلام(8/330)
ويحتمل أن يقسم على الحروف التي للسان فيها عمل دون الشفوية كالباء والفاء والميم وإن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشا أو نقص سمعه أو بصره أو شمه أو حصل في كلامه تمتمة أو عجلة أو نقص مشيه أو انحنى قليلا أو تقلست شفته بعض التقلس أو تحركت سنه أو ذهب اللبن من ثدي المرأة ونحو ذلك ففيه حكومة.
ـــــــ
يتم بجميعها فالذاهب يجب أن يكون عوضه من الدية كقدره من الكلام ففي الحرف الواحد ربع سبع الدية و في الحرفين نصف سبعها و لا فرق بين ما خف على اللسان أو ثقل لأن كل ما وجب فيه المقدر لم يختلف لاختلاف قدره كالأصابع "و يحتمل أن يقسم على الحرف التي للسان فيها عمل دون الشفوية كالباء و الفاء و الميم" و الواو دون حرف الحلق الستة و هي الهمزة و الهاء والخاء و العين و الغين فهذه عشرة بقي ثمانية عشر فاللسان تقسم ديته عليها لأن الدية تجب بقطع اللسان و ذهاب هذه الحروف و حدها مع بقائه فإذا و جبت الدية فيها بمفردها و جبت في بعضها بقسطه منها وفي "الكافي" أن اللسان لا عمل له فيها والأول أولى لأن هذه الحروف ينطق بها اللسان أيضا بدليل أن الأخرس لا ينطق بشيء منها "وإن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشا" يفزع مما لا يفزع منه و يستوحش إذا خلا "أو نقص سمعه أو بصره" و ذكر جماعة في نقص بصر نزنه بالمسافة فلو نظر الشخص على مائتي ذراع فنظره على مائة فنصف الدية و في الوسيلة لو لطمه فذهب بعض بصره فالدية في ظاهر كلامه.
"أو شمه أو حصل في كلامه تمتمة أو عجلة" أو صار ألثغ "أو نقص مشيه أو انحنى قليلا أو تقلست شفته بعض التقلس أو تحركت سنه أو ذهب اللبن من ثدي المرأة و نحو ذلك ففيه حكومة" لما حصل من النقص و الشين ولم تجب الدية لأن المنفعة باقية.
وقيل إن ذهب اللبن فالدية وإن جنى عليه جان آخر فأذهب كلامه فالدية كاملة كما لو جنى على عينه جان فعمشت ثم جنى عليه آخر فأذهب بصرها.(8/331)
وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام أو ربع الكلام ونصف اللسان وجب نصف الدية فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم قطع آخر بقيته فعلى الأول نصف الدية وعلى الثاني نصفها ويحتمل أن يجب عليه نصف الدية وحكومة لربع اللسان.
ـــــــ
فرع إذا أذهب كلام الألثغ فإن كان مأيوسا من ذهاب لثغته ففيه بقسط ما ذهب من الحروف وغير المأيوس كصغير فيه الدية وكذا كبير إذا أمكن إزالة لثغته بالتعليم.
أصل إذا نقص ذوقه نقصا غير مقدر بأن يحسن المذاق الخمس وهي الحلاوة و الحموضة والمرارة والملوحة والعذوبة إلا أنه لا يدركه على الكمال ففيه حكومة كنقص بصره نقصا لا يتقدر وإن لم يدرك أحدها وأدرك الباقي ففيه خمس الدية وفي اثنين خمساها وفي ثلاثة ثلاثة أخماسها وإن لم يدرك واحدة فعليه الدية إن قلنا بوجوبها فيه وإلا فحكومة.
"وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما" أي تجب دية الأكثر فإن استويا مثل أن يقطع ربع لسانه فيذهب ربع كلامه وجب ربع الدية بقدر الذاهب منهما كما لو قلع إحدى عينيه فذهب بصرها "فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام أو ربع الكلام ونصف اللسان وجب نصف الدية" لأن كل واحد منهما مضمون بالدية منفردا فإذا انفرد نصفه بالذهاب وجب النصف لأنه لو ذهب نصف اللسان فقط وجب نصف الدية وكذا عكسه.
"فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم قطع آخر بقيته فعلى الأول نصف الدية" لأنه أذهب بجنايته نصف الكلام "وعلى الثاني نصفها" وهو قول القاضي وقدمه في الفروع لأن السالم نصف اللسان وباقيه أشل بدليل ذهاب نصف الكلام "ويحتمل أن يجب عليه" أي على الثاني "نصف الدية وحكومة لربع اللسان" هذا وجه وجزم به في "الكافي" و"المستوعب" وقدمه في "الرعاية"(8/332)
وإن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه ، لم تجب إلا دية . وإن ذهبا مع بقاء اللسان ، ففيه ديتان .
ـــــــ
قال في "الفروع" وهو الأشهر لأنه لو كان جميعه أشل كان فيه حكومة فكذا في بعضه وقيل عليه ثلاثة أرباع الدية كما لو قطعه أولا وجزم به في "الوجيز" ولا يصح القول بأن بعضه أشل لأن العضو شيء كان فيه منفعة فلم يكن بعضه أشل كضعف بصر العين وبطش اليد فلو قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه فعليه نصف الدية فإن قطع آخر بقيته فعليه ثلاثة أرباع الدية اقتصر عليه في "الكافي" و"الشرح" لأنه ذهب بثلاثة أرباع الكلام فلو ذهب ثلاثة أرباع كلام من غير قطع وجب ثلاثة أرباع الدية فمن قطع نصفه أولى وقيل النصف فقط.
فرع : إذا جنى على لسانه فاقتص منه مثل جنايته فذهب من كلام الجاني مثل جنايته وذهب من كلام الجاني كذلك أو أكثر لم يجب شيء لأنه استوفى حقه وسراية القود غير مضمونة وإن ذهب أقل فللمقتص دية ما بقي لأنه لم يستوف بدله ولو كان اللسان ذا طرفين فقطع أحدهما ولم يذهب من الكلام شيء وكانا متساويين في الخلقة فهما كلسان مشقوق فيهما الدية وفي أحدهما نصفها وإن كان أحدهما تام الخلقة والآخر ناقص فالتام فيه الدية والناقص زائد فيه حكومة "وإن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه" أو كان أخرس قاله في "الوجيز" و"الفروع" وسبقها إلى ذلك "المحرر" "لم تجب إلا دية" واحدة لأنهما ذهبا تبعا فوجب ديته دون ديتهما كما لو قتل إنسانا فلو عاد أو أحدهما لم تجب لأنه لم يذهب ولو ذهب لم يعد وإن كان قبضها ردها وإن قطع لسانه ثم عاد فلا شيء عليه قاله أبو بكر وقيل حكومة وفي "المستوعب" يجب أرش القطع فإن قطعه قاطع فالقصاص أو الدية بخلاف ما لو أوضحه فاندملت ثم أوضحه آخر فلا قصاص ولا دية بل تجب حكومة لأن الجلد لا يعود بخلاف اللسان فإن نقص صورة أو معنى وجب أرشه "وإن ذهبا مع بقاء اللسان ففيه ديتان" على الأصح كما لو ذهبت منافع الإنسان مع بقائه فعلى هذا في كل منفعة دية وعنه تجب دية واحدة.(8/333)
وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ، ففيه ديتان . ويحتمل أن تجب دية واحدة ، وإن اختلفا في نقص بصره أو سمعه ، فالقول قول المجني عليه . وإن اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة وقرب الشيء إلى عينه في وقت غفلته، وإن اختلفا في ذهاب سمعه أو شمه أو ذوقه صيح به في أوقات غفلته وتتبع بالرائحة المنتنة وأطعم الأشياء المرة فإن فزع مما يدنو من بصره أو انزعج للصوت أو عبس للرائحة أو الطعم المر سقطت دعواه
ـــــــ
فرع إذا قطع نصف لسانه فذهب كلامه ثم قطع آخر بقيته فعاد كلامه لم يجب رد الدية لأن الكلام الذي كان باللسان قد ذهب ولم يعد إلى اللسان وإنما عاد إلى محل آخر.
"وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان" على المذهب لأن في كل منهما دية منفردا فكذا إذا اجتمعا وكذهاب شم أو سمع بقطع أنفه أو أذنه "ويحتمل أن تجب دية واحدة" هذا رواية لأنهما منفعة عضو كبقية الأعضاء الذاهبة بنفعها فلو ضعف المشي والجماع أو نقص فحكومة.
فرع : إذا كسر صلبه فجبر وعاد إلى حالة فحكومة للكسر وإن احدودب فحكومة لهما وإن ذهب ماؤه أو إحباله فالدية ذكره في "الرعاية" وكذا في "الروضة" إن ذهب نسله فالدية وفي "المغني" في ذهاب مائه احتمالان.
"وإن اختلفا في نقص بصره أو سمعه فالقول قول المجني عليه" مع يمينه أنه لا يعرف إلا من جهته ولا سبيل إلى إقامة البينة عليه كقبول قول المرأة في الحيض وتجب بقدر نقصه وقيل حكومة كما لو جهل قدر نقصه فإن قال أهل الخبرة أنه يرجى عوده إلى مدة انتظر إليها "وإن اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة به" بأن يمتحن في ذلك "وقرب الشيء إلى عينه في وقت غفلته" لأن ذلك يمكن معرفته منهم فيما يخبرون به كالبينة "وإن اختلفا في ذهاب سمعه أو شمه أو ذوقه صيح به في أوقات غفلته وتتبع بالرائحة المنتنة وأطعم الأشياء المرة فإن فزع مما يدنو من بصره أو انزعج للصوت أو عبس للرائحة أو الطعم المر سقطت دعواه" لأن ذلك دليل على كذبه وقيل يقبل قول(8/334)
وإلا فالقول قوله مع يمينه.
فصل
ولا تجب دية الجرح حتى يندمل ولا دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييأس من عودها ولو قلع سن كبير أو ظفره ثم نبتت أو رده فالتحم
ـــــــ
الجاني لأن الظاهر معه ويحلف لئلا يكون ما ظهر من أمارات ذلك اتفاقا "وإلا فالقول قوله" أي قول المجني عليه لأن الظاهر معه "مع يمينه" لئلا يكون ذلك بمجرد تحفظه ومتى حكم له بالدية ثم انزعج عند صوت أو غطى أنفه عند رائحة منتنة فطولب بالدية فادعى أنه فعل ذلك اتفاقا قبل قوله لأنه محتمل فلا ينقض الحكم بالاحتمال وإن تكرر ذلك من حيث يعلم صحة سمعه وشمه رد ما أخذ لأنا تبينا كذبه فإن ادعى الجاني أنه ولد أبكم ولا بينة تكذبه قبل قوله مع يمينه وقيل ترد كما لو ولد ناطقا ثم خرس.
فصل
"ولا تجب دية الجرح حتى يندمل" لأنه لا يدري أقتل هو أم ليس بقتل فينتظر ليعلم حكمه وما الواجب فيه ولهذا لا يجوز الاستيفاء في العمد قبل الاندمال فكذا في الخطأ "ولا" تجب "دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييأس من عودها" لأنه مما يحتمل العود فلا يجب شيء مع الاحتمال كالشعر وإنما يعرف ذلك بقول عدلين من أهل الخبرة أنها لا فإذا أبدا لكن إن مات قبله وجبت "ولو قلع سن كبير أو ظفر ثم نبتت أورده فالتحم" لم تجب دية نص عليه في السن في رواية جعفر بن محمد و هو قول أبي بكر و الظفر في معناه و قال القاضي تجب ديتها و على الأول فيها حكومة إن نقصت أو ضعفت وإن قلعها بعد ذلك وجبت ديتها و على الثاني نبني حكمها على وجوب قلعها فإذا قبل به فلا شيء على قالعها وإن قلنا بعدمه فاحتمالان فإن جعل مكانها سنا أخرى أو عظما فنبت و جبت ديتها وجها واحدا كما لو لم يجعل مكانها شيئا وإن قلعت الثانية(8/335)
أو ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ، ثم عاد سقطت ديته . وإن كان قد أخذها ردها ، وإن عاد ناقصا أو عادت السن أو الظفر قصيرا أو متغيرا فعليه أرش نقصه ، وإن قلع سن صغير ويئس من عودها وجبت ديتها ، وقال القاضي : فيها حكومة ، وعنه : في قلع الظفر إذا نبت على صفته ففيه خمسة دنانير ، وإن نبت أسود ففيه عشرة ، وإن مات المجني عليه وادعى الجاني عود ما أذهبه ، فأنكره الولي ، فالقول قول الولي ، وإن جنى على سنه اثنان واختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل واحد منهما.
ـــــــ
فحكومة في الأشهر "أو ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ثم عاد سقطت ديته" لزوال سببها "وإن كان قد أخذها ردها" لأنه تبينا أنه أخذها بغير حق "وإن عاد ناقصا أو عادت السن أو الظفر قصيرا أو متغيرا فعليه أرش نقصه" خاصة نص عليه لأنه نقص حصل بجنايته كما لو نقصه مع بقائه "وإن قلع سن صغير ويئس من عودها" و حد الإياس سنة نص عليه لأنه هو الغالب في نباتها و قال القاضي إذا سقطت أخواتها ولم تنبت "و جبت ديتها" لأنه أذهبها بجنايته إذهابا مستمرا كسن الكبير "و قال القاضي فيها حكومة" لأن العادة عودها فلم تكمل ديتها كالشعر والصحيح الأول لأن الشعر لو لم يعد وجب ديته مع أن العادة عوده "وعنه في قلع الظفر إذا نبت على صفته ففيه خمسه دنانير وإن نبت أسود ففيه عشرة" إذ التقديرات بابها التوقيف و لا نعلم فيه توقيفا و القياس أنه لا شيء فيه إذا عاد على صفته وإن نبت متغيرا ففيه حكومة لأن القياس يقتضيها في كل الجروح خولف ذلك فيما ورد الشرع بتقديره فيبقى ما عداه على مقتضى القياس "وإن مات المجني عليه و ادعى الجاني عود ما أذهبه" في نقص سمعه و بصره "فأنكره الولي فالقول قول الولي" لأن الأصل عدم العود "وإن جنى على سنه اثنان و اختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل و احد منهما" لأن ذلك لا يعرف إلا من جهته أشبه ما لو ادعى نقص سمعه.(8/336)
فصل
وفي كل واحد من الشعور الأربعة الدية وهي شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين وفي كل حاجب نصفها وفي كل هدب ربعها وفي بعض ذلك بقسطه من الدية وإنما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود فإن عاد سقطت الدية وإذا أبقى من لحيته مالا جمال فيه احتمل أن يلزمه بقسطه واحتمل أن يلزمه كمال الدية.
ـــــــ
فصل
"و في كل و احد من الشعور الأربعة الدية و هي شعر الرأس و اللحية و الحاجبين وأهداب العينين" نص عليه وري عن علي و زيد أنهما قالا في الشعر الدية رواه سعيد بإسنادين ضعيفين و عنه فيه حكومة كالشارب و قاله أكثرهم لأنه إتلاف جمال من غير منفعة كاليد الشلاء والعين القائمة و جوابه أنه أذهب الجمال على الكمال فوجب فيه دية كأذن الأصم و أنف الأخشم و الحاجب يرد العرق عن العين و يفرقه و هدب العين يرد عنها ويصونها فجرى مجرى أجفانها واليد الشلاء ليس جمالها كاملا و ظاهره لا فرق فيها بين كونها كثيفة أو خفيفة جميلة أو قبيحة من صغير أو كبير لأن سائر ما فيه الدية من الأعضاء لا يفرق الحال فيه بذلك ذكره في "الشرح".
"و في كل حاجب نصفها" كاليدين "وفي كل هدب ربعها" كالأجفان ونقل حنبل كل شيء من الإنسان فيه أربعه ففي كل واحد ربع الدية و طرده القاضي في جلدة وجه "و في بعض ذلك بقسطه من الدية" يقدر بالمساحة كالأذنين و مارن الأنف و ذكر أبو الخطاب احتمالا تجب حكومة "و إنما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود" لأن احتمال العود يمنع من الوجوب كالسن الصغير "فإن عاد" بصفته "سقطت الدية" نص عليه كالسن "و إذا أبقى من لحيته" أو من غيرها من الشعور "ما لا جمال فيه احتمل أن يلزمه بقسطه" جزم به في "الوجيز" كما لو أبقى من أذنه يسيرا "واحتمل أن يلزمه كمال الدية" قدمه في "الرعاية" و "الفروع" لأنه(8/337)
وإن قلع الجفن بهدبه ، لم تجب إلا دية الجفن ، وإن قلع اللحيين بما عليهما من الأسنان ، فعليه ديتهما ودية الأسنان . وإن قطع كفا بأصابعه ، لم تجب إلا دية الأصابع . وإن قطع كفا عليه بعض الأصابع ، دخل ما حاذى الأصابع في ديتها ، وعليه أرش باقي الكف .
ـــــــ
أذهب المقصود أشبه ما لو أذهب ضوء العين و لأن جنايته ربما أحوجت إلى ذهاب الباقي لزيادة في القبح على ذهاب الكل فتكون جنايته سببا لذهاب الكل و قيل تجب حكومة لأنه لا مقدر فيها و علم منه أنه لا قصاص في شيء من الشعور لأن إتلافها إنما يكون بالجناية على محلها وهو غير معلوم المقدار و لا يمكن المساواة فيها فلا تجب "وإن قلع الجفن بهدبه لم تجب إلا دية الجفن" لأن الشعور تزول تبعا كالأصابع إذا قطع الكف وهي عليه "وإن قلع اللحيين بما عليهما من الأسنان فعليه ديتهما ودية الأسنان" أي عليه دية الكل ولم تدخل دية الأسنان في اللحيين كما تدخل دية الأصابع في اليد لوجوه: أولها: أن الأسنان ليست متصلة باللحيين وإنما هي مفردة فيها بخلاف الأصابع.
ثانيها أن أحدهما ينفرد باسمه عن الآخر بخلاف الأصابع.
ثالثها أن اللحيين يوجدان منفردين عن الأسنان لوجودهما قبل وجود الأسنان ويبقيان بعد قلعها بخلاف الكف مع الأصابع.
"وإن قطع كفا بأصابعه لم تجب إلا دية الأصابع" لدخول الجميع في مسمى اليد وكما لو قطع ذكرا بحشفته لم تجب دية الحشفة لدخولها في مسمى الذكر وظاهره يقتضي سقوط ما يجب في مقابلة الكف وهو غير مراد والأولى أن نقول لم تجب إلا دية اليد "وإن قطع كفا عليه بعض الأصابع دخل ما حاذى الأصابع في ديتها" لأن حصول الكل في اليد يقتضي دخول البعض "وعليه أرش باقي الكف" لأن الأصابع لو كانت سالمة كلها لدخل أرش الكف كله في دية الأصابع وكذا ما حاذى الأصابع السالمة يدخل في ديتها وما حاذى المقطوعات ليس بداخل في ديته فوجب أرشه كما لو كانت الأصابع كلها مقطوعة وذكر ابن أبي موسى يلزمه دية اليد كاملة ينقص منها دية الأصابع المعدومة(8/338)
وإن قطع أنملة بظفرها فليس عليه إلا ديتها
فصل
وفي عين الأعور دية كاملة نص عليه ، وإن قلع الأعور عين الصحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمدا ، فعليه دية كاملة ، ولا قصاص .
ـــــــ
"وإن قطع أنملة بظهرها فليس عليه إلا ديتها" كما لو قطع كفا بأصابعه
فرع : إذا قطع كفا بلا أصابع وذراعا بلا كف فثلث ديته قال أحمد كعين قائمة وعنه حكومة ذكرهما في "المنتخب" وغيره وكذا العضد ومفصل الرجل
فصل
"وفي عين الأعور دية كاملة نص عليه" وهو قول الزهري والليث وجماعة وقيل فيها نصف الدية وقاله الأكثر لقوله عليه السلام "وفي العين خمسون من الإبل وفي العينين الدية" يقتضي أنه لا يجب فيها أكثر من ذلك لأن ما ضمن بنصف الدية مع نظيره ضمن مع ذهابه كالأذن وجوابه أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر قضوا في عين الأعور بالدية ولم يعلم لهم مخالف في الصحابة روى ذلك أحمد و أخذ به ذكره بن الزاغوني و لأنه يحصل بها ما يحصل بالعينين من رؤية الأشياء البعيدة و إدراك الأشياء اللطيفة و يجوز أن يكون قاضيا ويجزئ في الكفارة و ككمال قيمه صيد الحرم الأعور لا يقال ينبغي أن لا يجب في ذهاب أحد العينين نصف الدية لعدم نقصانه لأنه لا يلزم من و جوب شيء في دية العينين نقص دية الباقي بدليل ما لو عليهما فعمشا فإنه يجب أرش النقص و لا تنقص ديتها بذلك فإن قلعها صحيح عمدا فله قلع نظيرتها منه وأخذ نصف الدية في المنصوص و قيل لا شيء له مع القلع و في "الروضة" إن قلعها خطأ فنصف الدية "وإن قلع الأعور عين صحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمدا فعليه دية كاملة و لا قصاص" قاله ابن المسيب و عطاء نقل مهنا عمر و عثمان و علي قالوا الأعور إذا(8/339)
ويحتمل أن تقلع عينه ويعطى نصف الدية وإن قلعها خطأ فعليه نصف الدية وإن قلع عيني صحيح عمدا خير بين قلع عينه ولا شيء له غيرها وبين الدية وفي يد الأقطع نصف الدية وكذلك في رجله.
ـــــــ
فقئت عينه له دية كاملة و لا يقتص منه إذا فقأ عين صحيح ولا أعلم أحدا قال بخلافة إلا إبراهيم و لأنه منعناه من إتلاف ضوء يضمن بدية كاملة و كما لو قلع عيني سليم ثم عمى و لأنه منع القصاص مع وجود سببه فأضعفت الدية كقاتل الذمي عمدا "و يحتمل أن تقلع عينه" لأثر في ذلك و كقتل الرجل بامرأة "و" الأشهر "يعطي نصف الدية" لما روي أن عليا قضى في رجل قتل امرأته يقتل بها و يعطى نصف الدية و خرجه في "التعليق" و "الانتصار" من قتل رجل بامرأة "وإن قلعها خطأ فعليه نصف الدية" لأن الأصل يجب في إحداهما نصف الدية ترك العمل به فيما تقدم لقضاء الصحابة فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل كما لو قلع الأعور عينا لا تماثل عينه الصحيحة.
"وإن قلع عيني صحيح عمدا خير بين قلع عينه ولا شيء له غيرها وبين الدية" هذا هو المجزوم به لأن هذا مبني على قضاء الصحابة لأنه أذهب بصره كله فلم يكن له أكثر من إذهاب بصره وإن عين الأعور تقوم مقام العينين وذهب جماعة من العلماء إلى أن له القصاص ونصف الدية وذكر القاضي قياس المذهب وجوب ديتين إحداهما في العين التي استحق بها قلع عين الأعور والأخرى في الأخرى عين الأعور وجوابه قوله عليه السلام و "في العينين الدية" كما لو كان القالع صحيحا و ظاهره أنه إذا فعل ذلك خطأ فليس عليه إلا الدية كما لو قلعهما صحيح العينين.
"وفي يد الأقطع نصف الدية و كذلك في رجله" إذا أزيلت عمدا لأن فيهما دية واحدة ففي كل واحد منهما نصفها كما لو قلع أذن من له أذن واحدة لأن هذا أحد العضوين اللذين تحصل يهما منفعة الجنس لا يقوم مقام العضوين و كسائر الأعضاء و علم منه أنه إذا أختار القود فله ذلك لأنه عضو أمكن القود في مثله فكان الواجب فيه القصاص .(8/340)
وعنه: فيها دية كاملة.
ـــــــ
"وعنه: فيها دية كاملة" قياسا على عين الأعور و عنه إن ذهبت الأولى هدرا ففي الثانية دية كاملة و إلا فنصفها لأنه عطل منافعه من العضوين جملة أشبه ما لو قلع عين أعور وفي "الروضة" إن ذهبت بحد فنصف الدية وإن كانت ذهبت بجهاد فروايتان و الأولى أصح لأنه لا يصح القياس على عين الأعور لأنه يحصل بها ما يحصل بالعينين ولم يختلفا في الحقيقة و الأحكام إلا اختلافا يسيرا بخلاف أقطع اليد والرجل و لأن التقدير لا يصار إليه إلابتوقيف ولم يوجد هنا فلو قطع يد صحيح قطعت يده.
انتهى بحمد الله تعالى المجلد الثامن ويليه بعونه تعالى المجلد التاسع(8/341)
المجلد التاسع
تابع لكتاب الديات
باب الشجاج وكسر العظام
...
باب الشجاج وكسر العظام
الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه خاصة وهي عشر خمس لا مقدر فيها أولها الحارصة التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا ولاتدميه ثم البازلة التي يسيل منها الدم ثم الباضعة التي تبضع اللحم ثم المتلاحمة التي أخذت في اللحم ثم السمحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب
__________
باب الشجاج وكسر العظام
"الشجة": واحدة الشجاج قاله الجوهري وهي: "اسم لجرح الرأس والوجه خاصة" وقد يستعمل في غير ذلك من الأعضاء قاله ابن أبي الفتح
"وهي عشر خمس لا مقدر فيها" لأن التقدير من الشرع ولم يرد فيها
"أولها الحارصة" بالحاء والصاد المهملتين "التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا ولا تدميه" ومنه حرص القصار الثوب إذا شقه قليلا وهي القاشرة والمقشرة قال ابن هبيرة تبعا للقاضي وتسمى الملطا "ثم البازلة" وهي "التي يسيل منها الدم" وتسمى الدامية والدامعة لقلة سيلان دمها تشبيها له بخروج الدمع من العين وقدم في الرعاية أن البازلة ما سلا دمها لأنها تنضح اللحم وتقطع فيه عروقا وقيل هي التي تدمي ولا تشق اللحم "ثم الباضعة" وقدمها السامري وابن هبيرة على البازلة وهي التي تبضع اللحم أي تشق اللحم بعد الجلد وقيل ولم يسل دمها ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم أي دخلت فيه دخولا كثيرا تزيد على الباضعة "ثم السمحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة" فوق العظم تسمى تلك القشرة سمحاقا فسميت الجراح الواصلة إليها بها ويسميها أهل المدينة الملطا والملطاة "فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب" وهي قول أكثر الفقهاء وذكر ابن هبيرة أنها المنصورة عند الأصحاب لأنها جراحات لم يرد فيها توقيت من الشرع أشبه جراحات البدن وكالحارصة وذكر القاضي أنه متى أمكن اعتبار هذه الجراحات من(9/3)
وعنه: في البازلة بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاثة وفي السمحاق أربعة
فصل
وخمس فيها مقدر أولها: الموضحة التي توضح العظم أي تبرزه وفيها خمسة أبعرة
__________
الموضحة مثل أن يكون في رأس المجني عليه موضحة إلى جانبها قدرت هذه الجراحات منها فإن كانت تقدر النصف وجب نصف أرش الموضحة إلا أن تزيد الحكومة على قدر ذلك لأن هذا اللحم فيه مقدر فكان في بعضه بقدره من ديته كالمارن والحشفة ورده المؤلف وقال لا نعلمه مذهبا لأحمد ولا يقتضيه مذهبه ولا يصح لأن هذه جراحة تجب فيها الحكومة لجراحة البدن ولا يصح قياس هذا على ما ذكروه فإنه لا تجب فيه الحكومة ولا نعلم لما ذكروه نظيرا "وعنه في البازلة بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاثة وفي السمحاق أربعة" رواه سعيد عن زيد وهذه نقلها أبو طالب عنه وقال أنا أذهب إلى قول زيد واختاره أبو بكر في التنبيه وقد اعتمد أصحابنا على قول زيد في تقدير أرش الهاشمة بعشر من الإبل ولم يعتمدوا عليه هنا
فصل
"وخمس فيها مقدر" من الشرع فوجب المصير إليه "أولها الموضحة" والجمع المواضح "التي توضح العظم أي تبرزه" ولو بقدر إبرة ذكره ابن القاسم والقاضي والوضح البياض يعني أنها أبدت وضح العظم أي بياضه "وفيها خمسة أبعرة" أي أجمعوا على أن أرشها مقدر قاله ابن المنذر وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم "وفي الموضحة خمس من الإبل" رواه الشافعي والنسائي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال "وفي المواضح خمس من الإبل" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم وقال(9/4)
وعنه: في موضحة الوجه عشرة والأول المذهب فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة فإن خرق ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا موضحة واحدة وإن خرقه المجني عليه أو أجنبي فهي ثلاثة مواضح
__________
غيره إسناده ثقات
وقد تقدم موضحة المرأة والعبد وظاهره أن موضحة الرأس والوجه سواء وهو كذلك في ظاهر المذهب للعموم ويشمل الصغيرة والكبيرة والبارزة والمستترة بالشعر لأن اسم الموضحة يشمل الجميع "وعنه: في موضحة الوجه عشرة" من الإبل وهي قول سعيد بن المسيب لأنها شينها أكثر وموضحة الرأس يسترها الشعر والعمامة "والأول المذهب" لأنه قول أبي بكر وعمر ولأن موضحة الوجه موضحة فكان أرشها خمسة أبعرة كغيرها وكثرة الستر لا عبرة به بدليل التسوية بين الصغيرة والكبيرة وعلم مما سبق أنه لا شيء مقدر في موضحة غير الوجه والرأس وهو قول الأكثر لأن اسم الموضحة إنما يطلق على الجراحة المخصوصة في الوجه والرأس وقول الخليفتين الموضحة في الوجه والرأس سواء لأن الشين فيهما أكثر وأخطر فلا يلحق بهما غيرهما
"فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين" كذا أطلقهما في المحرر أحدهما واحدة قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لأنه أوضحه في عضوين فكان لكل منهما حكم نفسه كما لو أوضحه في الرأس ونزل إلى القفا وأطلق في المغني والكافي إذا كان بعضها في الرأس وبعضها في الوجه وإن لم تعم الرأس فيها الوجهان وهو الذي يقتضيه الدليل "وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة" من إبل لأنهما موضحتان "فإن خرق ما بينهما" صارا موضحة واحدة كما لو أوضح الكل من غير حاجز يبقى بينهما "أو ذهب بالسراية" قبل الاندمال "صارا موضحة واحدة" لأن سراية الجناية لها حكم أصل الجناية بدليل ما لو أتلف ما بينهما بنفسه
"وإن خرقه المجني عليه" أي المجروح "أو أجنبي فهي ثلاث مواضح" لأنه(9/5)
وإن اختلفا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه ومثله لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة عاد إلى عشرين فإن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه وإن خرق ما بين الموضحتين في الباطن فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه فعليه أرش موضحة
__________
استقر عليه أرش الأولتين بالاندمال ثم لزمته الثالثة بالخرق فإن اندملت إحداهما وزال الحاجز بفعله أو سراية الأخرى فعليه أرش موضحتين لأن سراية فعله كالفعل وأما إذا خرقه أجنبي فعلى الأول أرش موضحتين وعلى الثاني أرش موضحة لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر فانفرد كل واحد منهما بجنايته "وإن اختلفا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه" لأن سبب أرش موضحتين قد وجد والجاني يدعي زواله والمجني عليه ينكره والقول قول المنكر وفي الترغيب يصدق من يصدقه الظاهر بقرب زمن وبعده فإن تساويا فالمجروح قال وله أرشان وفي ثالث وجهان.
"ومثله" أي مثل ما إذا أوضحه موضحتين بينهما حاجز ثم خرق ما بينهما "لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة عاد إلى عشرين" لأن جراح المرأة تساوي جراح الرجل إلى الثلث فإذا زادت صارت على النصف "فإن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه" أي في بقاء الثلاثين عليه "وإن خرق ما بين الموضحتين في الباطن فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين" أحدهما يلزمه أرش موضحتين لانفصالهما في الظاهر والثاني يلزمه أرش واحدة قدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لاتصالهما في الباطن فإن أوضحه جماعة موضحة فهل يوضح من كل واحد بقدرها أو يوزع فيه الخلاف.
فرع: لو أوضح رأسه ومد السكين إلى قفاه فدية موضحة وحكومة لجرح القفا ويراعى نسبة الموضحة في العبد والذمي ويتعدد الأرش بتعدد الموضحة.
"وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه فعليه أرش موضحة" لأنه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من أرش موضحة فلأن لا يلزمه في الإيضاح(9/6)
ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه ففيها عشر من الإبل فإن ضربه بمثقل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة وقيل يلزمه خمس من الإبل ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظاما ففيها خمسة عشر من الإبل ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسمى أم الدماغ.
__________
في البعض وشج الباقي أكثر من ذلك بطريق الأولى وكذا لو شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها لم يلزمه أكثر من ذلك "ثم الهاشمة" وهي "التي توضح العظم وتهشمه" سميت به لهشمها العظم ففيها عشر من الإبل وهو قول زيد ومثل ذلك الظاهر أنه توقيف ولا يعرف له مخالف في عصره ولأنها شجة فوق الموضحة تختص باسم فكان فيها مقدر كالمأمومة "فإن ضربه بمثقل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة" قدمه في المحرر والمستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز لأنه كسر عظم لا جرح معه أشبه قصبة الأنف.
"وقيل: يلزمه خمس من الإبل" لأنه لو أوضح وهشم لوجب عشر فإذا وجد أحدهما وجب خمس كالإيضاح وحده وكما لو هشمه على موضحة وعلم مما سبق أنه لا يجب أرش الهاشمة بغير خلاف لأن الأرش المقدر وجب في هاشمة معها موضحة.
أصل: إذا هشمه هاشمة لها مخرجان فثنتان فلو أوضح إنسانا في رأسه ثم أخرج رأس السكين من موضع آخر فموضحتان وكذا إذا أوضحه موضحتين هشم العظم في كل منهما واتصل الهشم في الباطن فهما هاشمتان لأن الهشم يكون تبعا للإيضاح فإذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين بخلاف الموضحة فإنها ليست تبعا لغيرها.
"ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها" سميت بذلك لأنها تنقل عظامها وهي زائدة على الهاشمة وقيل تنقل من حال إلى حال.
"ففيها خمسة عشر من الإبل" بالإجماع حكاه ابن المنذر وسنده ما رواه سعيد عن علي بإسناد حسن وحديث عمرو بن حزم وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه "ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسمى أم الدماغ"(9/7)
وتسمى المأمومة آمة ففيها ثلث الدية ثم الدامعة وهي التي تخرق الجلدة ففيها ما في المأمومة.
فصل
وفي الجائفة ثلث الدية.
__________
لأنها تحوطه وتجمعه "وتسمى المأمومة آمة" قال ابن عبد البر أهل العراق يقولون لها الآمة وأهل الحجاز المأمومة وهي الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ وهي جلدة فيها الدماغ يقال أم الرجل آمة ومأمومة ففيها ثلث الدية في قول أكثرهم لما في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم "في المأمومة ثلث الدية" ورواه سعيد عن علي بإسناد حسن ووافق مكحول على ذلك إذا كانت خطأ فإن كانت عمدا ففيها ثلثاها وجوابه أنها شجة فلا يختلف أرشها بالعمد والخطإ كسائر الشجاج.
"ثم الدامعة" بالعين المهملة "وهي التي تخرق الجلدة" أي جلدة الدماغ "ففيها ما في المأمومة" قال القاضي لم يذكر أصحابنا الدامعة لمساواتها المأمومة في أرشها ويحتمل أنهم تركوا ذكرها لكونها لا يسلم صاحبها في الغالب ولهذا قال ابن حمدان بل يجب فيها كل الدية لأنه لا يعيش وقيل فيها مع ما ذكر حكومة لخرق جلدة الدماغ.
مسألة: أوضحه رجل ثم هشمه آخر ثم جعلها ثالث منقلة ثم جعلها رابع مأمومة فعلى الأول أرش موضحة وعلى الثاني خمس تمام أرش الهاشمة وعلى الثالث خمس تمام أرش المنقلة وعلى الرابع ثمانية عشر وثلث تمام أرش المأمومة ذكره في الشرح وغيره وفي الرعاية الكبرى على كل واحد خمس من الإبل وقيل على من هشم خمس أخرى وعلى من نقله عشر أخرى وعلى من أمه ثمانية عشر بعيرا وثلث بعير وكمن أوضحه إيضاحة فقط.
فصل
"وفي الجائفة ثلث الدية" في قول عامتهم لقوله عليه السلام في كتاب عمرو(9/8)
وهي التي تصل إلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر فإن خرقه من جانب فخرج من جانب آخر فهي جائفتان وإن طعنه في خده فوصل الجرح إلى فمه ففيه حكومة
__________
ابن حزم "وفي الجائفة ثلث الدية" ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولأنها جراحة فيها مقدر فلم يختلف أرشها بالعمد والخطإ كالموضحة ولا نعلم في جراح البدن الخالية عن قطع الأعضاء وكسر العظام مقدرا غير الجائفة.
"وهي التي تصل إلى باطن الجوف" ولو لم يخرق الأمعاء "من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر" قال في الفروع وحلق ومثانة وبين خصيتين ودبر وفي الرعاية وهي ما وصل جوفا فيه قوة محيلة للغذاء من ظهر أو بطن وإن لم يخرق الأمعاء أو صدر أو نحر أو دماغ وإن لم يخرق الخريطة أو مثانة أو ما بين وعاء الخصيتين والدبر.
فرع: إذا أجافه جائفتين بينهما حاجز فثلثا الدية وإن خرق الجاني ما بينهما أو ذهب بالسراية فجائفة فيها ثلث الدية لا غير فإن خرق ما بينهما أجنبي أو المجني عليه فعلى الأول ثلثا الدية وعلى الأجنبي الثاني ثلثها ويسقط ما قابل فعل المجني عليه وإن احتاج إلى خرق ما بينهما للمداواة فخرقها المجني عليه أو غيره بأمره أو خرقها ولي المجني عليه أو الطبيب بأمره فلا شيء في خرق الحاجز و على الأول ثلث الدية "فإن خرقه من جانب فخرج من جانب آخر فهي جائفتان" في قول الأكثر لما روى سعيد ثنا هشيم أنا حجاج قال أخبرني عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب "أن أبا بكر قضى في جائفة نفذت بثلثي الدية" وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن عمر قضى في الجائفة إذا نفذت بأرش جائفتين" وكما لو طعنه من جانبين فالتقيا ولأنه أنفذه من موضعين كما لو أنفذه بضربتين وقيل واحدة لأن الجائفة هي التي تنفذ من ظاهر البدن إلى الجوف وهذه أي الثانية إنما نفذت من الباطن إلى الظاهر وجوابه أن الاعتبار بوصول الجرح إلى الجوف لا بكيفية إيصاله إذ لا أثر لصورة الفعل مع التساوي في المعنى "وإن طعنه في خده فوصل الجرح إلى فمه" أو نفذ أنفا أو ذكرا أو جفنا إلى بيضة العين "ففيه حكومة"(9/9)
ويحتمل أن تكون جائفة فإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه أو أوضحه فوصل الجرح إلى قفاه فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة لجرح القفا والورك وإن أجافه ووسع آخر الجرح فهي جائفتان وإن وسع ظاهره دون باطنه أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى
__________
في ظاهر المذهب لأن باطن الفم حكمه حكم الظاهر لا الباطن "ويحتمل أن تكون جائفة" لأنه وصل إلى جوف مخوف أشبه ما لو وصلت إلى الباطن.
فرع: إذا وطىء زوجة صغيرة أو نحيفة لا يوطأ مثلها فخرق ما بين مخرج بول ومني أو ما بين السبيلين فالدية إن لم يستمسك بول وإلا فجائفة وإن كانت توطأ مثلها لمثله أو أجنبية كبيرة مطاوعة ولا شبهة فيه ففعل ذلك فهدر لعدم تصور الزيادة وهو حق له أي له طلبه عند الحاكم بخلاف أجير مشترك ولها مع الشبهة والإكراه الدية إن لم يستمسك بول وإلا ثلثها ويجب أرش بكارة مع الفتق ولا يندرج في دية إفضاء على الأصح.
"فإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه أو أوضحه فوصل الجرح إلى قفاه فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة لجرح القفا والورك" لأن الجراح موضع الجائفة فانفرد فيه بالضمان كما لو لم يكن معها جائفة وأما الحكومة فلأنه لا توقيت فيه وقد جرح قفاه وكما لو انفرد.
"وإن أجافه ووسع آخر الجرح فهي جائفتان" لأن فعل كل منهما لو انفرد كان جائفة فلا يسقط حكمه بانضمامه إلى فعل غيره "وإن وسع ظاهره دون باطنه أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة" لتوسيعه لأن جنايته لم تبلغ الجائفة وفي الترغيب وجه عليه حق جائفة.
"وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى" عليه أرشها لأنه عاد إلى الصحة فصار كالذي لم يجرح وحاصله إن فتق موضحة نبت شعرها فجائفة وإلا فحكومة وفي الترغيب إن اندملت فأوضحها آخر فقيل موضحة وقيل فحكومة وذكر الخلال وغيره رواية ابن منصور إن أوضحه فبريء ولم ينبت الشعر ثم أوضحه آخر فحكومة وإن التحم ما(9/10)
فصل
وفي الضلع بعير وفي الترقوتين بعيران وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والفخذ والساق بعيران.
__________
أرشه مقدر لم يسقط.
مسألة: إذا أدخل خشبه في دبره وفتح جلده في الباطن فوجهان.
فصل
"وفي الضلع" قال في المحرر والوجيز والنظم والحاوي والفروع وغيرهم إن جبر مستقيما "بعير" وإلا فحكومة "وفي الترقوتين" واحدهما ترقوة وهو العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف "بعيران" وفي كل واحدة منهما بعير نص عليه في رواية أبي طالب لما روى سعيد عن سفيان عن زيد بن أسلم عن سالم بن جندب عن أسلم مولى عمر قال عمر في الضلع جمل والترقوة جمل وظاهر الخرقي وجزم به في الإرشاد أن في الواحدة بعيرين فيكون فيهما أربعة أبعرة وروي عن زيد لكن قال القاضي المراد بقول الخرقي الترقوتان معا وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف واللام المقتضية للاستغراق فيكون في كل ترقوة بعير.
"وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والفخذ والساق: بعيران" في رواية نقلها أبو طالب لما روى سعيد ثنا هشيم أنا يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب إليه عمر أن فيه بعيرين وإذا كسر الزندين ففيهما أربعة أبعرة ولم يظهر له مخالف في الصحابة فكان كالإجماع.
والثانية وقدمها في المحرر وجزم بها في الوجيز أن الواجب بعير نص عليها في رواية صالح ورواه عن عمر وعن أحمد في الزند الواحد أربعة أبعرة لأنهما عظمان وفيما سواه بعيران وزاد أبو الخطاب فجعل في عظم القدم بعيرين قال في المستوعب والزند هو الذراع ويسمى الساعد أيضا قال في الرعاية وهو بعيد قال المؤلف والصحيح أنه لا تقدير في غير الضلع(9/11)
وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ففيه حكومة والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برئت فما نقص فله مثله من الدية فإن كان قيمته وهو صحيح عشرين وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر فلا يبلغ بها أرش المقدر.
__________
والترقوتين والزندين فأتى الدليل وجوب الحكومة في هذه الأعضاء الباطنة كلها وإنما خالفناه في هذه العظام لقضاء عمر ففيما عداها يبقى على مقتضى الدليل وذكر ابن عقيل فيها وفي ضلع حكومة ونقل حنبل فيمن كسرت يده أو رجله فيها حكومة وإن انجبرت.
"وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص" والعانة "ففيه حكومة" لأن الجناية على ذلك لا توقيت فيها أشبه الجراح التي لا توقيت فيها ولا نعلم فيه خلافا وإن خالف فيه أحد فهو قول شاذ لا يصار إليه.
فائدة: خرزة الصلب فقاره إن أريد بها كسر الصلب ففيه الدية وقال القاضي فيه حكومة والعصعص بضم العين عجب الذنب وهو العظم الذي في أسفل الصلب.
"والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برئت فما نقص" من القيمة "فله مثله من الدية" هذا هو قول الجمهور لأن جملته مضمونة بالدية فأجزاؤه مضمونة منها كما أن المبيع لما كان مضمونا على البائع بالثمن كان أرش عيبه مقدرا من الثمن ولا يقبل الحكومة إلا من عدلين خبيرين بالقيمة ولا تقويم إلا بعد البرء لأن أرش الجرح المقدر لا يستقر إلا بعد برئه.
"فإن كان قيمته وهو صحيح عشرين وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته" لأن الناقص بالتقويم درهم من عشرين وهو نصف عشرها فيكون فيه هنا نصف عشر الدية ضرورة أن الواجب مثل ذلك من الدية.
"إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر فلا يبلغ بها أرش المقدر هذا(9/12)
وإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها أرش الموضحة وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال قومت حال جريان الدم فإن لم تنقص شيئا بحال أو زادته حسنا فلا شيء فيها والله أعلم.
__________
استثناء مما تقدم وحاصله أن الحكومة إنما تجب فيه على نوعين أحدهما أن يكون في شيء مقدر وحكمه سبق الثاني أن يكون في شيء هو بعض المقدر فهذا لابد أن يلحظ فيه عدم مجاوزة أرش المؤقت مثل أن يشجه سمحاقا وهو دون الموضحة فإن بلغ بالتقويم أرشها أكثر من موضحة مثل أن تنقص الجناية أكثر من نصف عشر قيمته لم يجب الزائد لأنه لو وجب ذلك لكان قد وجب في شيء لا يبلغ موضحة أكثر من أرش الموضحة وهو غير جائز لأن الموضحة أكثر من ذلك والشين بها أعظم والمحل واحد.
"وإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها أرش الموضحة" وهل يبلغ بها أرش المؤقت على روايتين ظاهر المذهب أنه لا يبلغ به أرش المؤقت قاله ابن هبيرة والنقص على حسب اجتهاد الحاكم ولا يزاد بحكومة في مقدر على ديته وفي جواز مساواته وجهان وعلى المنع ينقص الحاكم ما شاء لا يقال قد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه ووجب في منافع الإنسان أكثر من الواجب فيه لأنه إنما وجب دية النفس دية عن الروح وليست الأطراف بعضها بخلاف مسألتنا ذكره القاضي "وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع" لأنه إذا جرح أصبعا فبلغ أرشه أكثر من عشر الدية لا يجب أكثر من عشرها "وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها" أي إذا كانت الجراح في أنملة فبلغ أرشه أكثر من ثلاثة وثلث من الأول لا يجب أكثر من ثلاثة وثلث لأنه دية الأنملة.
"وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال قومت حال جريان الدم" لأنه لابد من نقص لأجل الجناية فإذا كان التقويم بعد الاندمال يبقى ذلك وجب أن يقوم في حال اندمال جريان الدم ليحصل النقص.
"فإن لم تنقص شيئا بحال أو زادته حسنا فلا شيء فيها والله أعلم" إذا(9/13)
باب العاقلة وما تحمله
وما تحمله عاقلة الإنسان عصباته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء __________
لم يحصل بالجناية نقص في جمال ولا نفع كقطع أصبع زائدة أو قلع سن زائدة ولحية امرأة فاندمل الموضع من غير نقص أو زاد جمالا أو قيمة فوجهان: أصحهما: لا يجب شيء؛ لأنه لم يحصل بفعله نقص فلم يجب شيء كما لو لكمه فلم يؤثر والثاني يجب ضمانه لأنه جزء من مضمون فوجب ضمانه كغيره وقال أبو الخطاب إذا قطع لحية امرأة فإنها تقوم كأنها رجل له لحية ثم يقوم رجل قد ذهبت فما نقص وجب بقسطه وفيه نظر لأن لحية الرجل زين له وعيب في المرأة وتقدير العيب بالزين لا يصح.
فرع: إذا جنى عليه جناية لها أرش ثم قتله قبل اندمال الجرح دخل أرشه في دية النفس كما لو مات من سراية الجرح وإن قتله غيره وجب أرش الجرح كما لو اندمل وإن لطمه على وجهه فلم يؤثر فيه فلا ضمان كما لو شتمه.
باب العاقلة وما تحمله
العاقلة: جمع عاقل وهو المؤدي للدية يقال عقلت فلانا إذا أعطيته ديته وعقلت عن فلان إذا عزمت عنه ديته وأصله من عقل الإبل بالعقل وهي الحبال التي تثنى بها أيديها إلى ركبها وقيل اشتقاقه من العقل وهو المنع لأنهم يمنعون عن القاتل والعقل المنع ويسمى بعض العلوم عقلا لأنه يمنع من الإقدام على المضار وقيل لأنهم يتحملون العقل وهو الدية سميت بذلك لأنها تعقل لسان ولي المقتول وهي من غرم ثلث الدية فأكثر بسبب جناية غيره "وما تحمله" أي ما تحمله العاقلة هل يجب عليها ابتداء أو على القاتل ثم تحمله عنه فيه قولان كما قيل في فطرة الزوجة والولد ونحوهما مما يخرج عنه غيره هل يجب عليه ابتداء أو على المخرج.
ومن لا عاقلة له هل تجب في ذمته الدية أو لا على قولين.
"عاقلة الإنسان عصباته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء" وهم(9/14)
إلا عمودي نسبه آباؤه وأبناؤه وعنه أنهم من العاقلة أيضا وليس على فقير
__________
الأحرار العاقلون البلغ الأغنياء على المشهور لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال "قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة على عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا إلا ما فضل عن ورثتها وإن قتلت فعقلها بين ورثتها" رواه أبو داود ولأنهم عصبة أشبهوا سائر العصبات يحققه أن العقل موضوع على التناصر وهم من أهله ولأن العصبة في تحمل العقل كهم في الميراث في تقديم الأقرب فالأقرب وكون البعيد عصبة لأنه يرث المال إذا لم يكن وارث أقرب منه فهو كالقريب وكون عصبات الإنسان في الولاء من العاقلة لعموم قوله عليه السلام الولاء لحمة كلحمة النسب.
"إلا عمودي نسبه آباؤه وأبناؤه" اختاره الخرقي وجزم به في الوجيز قال ابن المنجا وهو المذهب لما روى جابر أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا ميراثها لزوجها وولدها" رواه أبو داود وهذا يقتضي أن الأولاد ليسوا من العاقلة وكذا الآباء قياسا لإحدى العمودين على الآخر ولأن مال ولده ووالده كماله وخرج منه الإخوة بدليل لأن الخرقي خص العاقلة بالعمومة وأولادهم "وعنه أنهم من العاقلة أيضا" قدمه في الكافي والرعاية واختاره أبو بكر والشريف بل والأكثر لأنهم أحق من العصبات بميراثه فكانوا أولى بتحمل عقله وعنه هم عصبته إلا أبناءه إذا كان امرأة قال في المحرر وهو الأصح نقل حرب الابن لا يعقل عن أمه لأنه من قوم آخرين وفي المستوعب إلا أن يكون الابن من عصبة أمه فيكون من عاقلتها وكذا في البلغة وعلم منه أن العصبات من الإخوة من الأم وذوي الأرحام والنساء ليسوا من العاقلة بغير خلاف لأنهم ليسوا من أهل النصرة وعمدة العقل النصرة وليسوا منها كأهل المحلة والديوان " وليس على فقير" على المذهب لأن حمل العاقلة مواساة فلا يلزم(9/15)
ولا صبي ولا زائل العقل ولا امرأة ولا خنثى مشكل ولا رقيق ولا مخالف لدين الجاني حمل شيء وعنه أن الفقير يحمل من العقل ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر وخطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال وعنه على عاقلته
__________
الفقير كالزكاة ولأنه وجب على العاقلة تخفيفا عن القاتل فلا يجوز التثقيل عليه لأنه كلفة ومشقة "ولا صبي ولا زائل العقل" حمل شيء منها لأن الحمل للتناصر وهما ليسا من أهلها وقيل يحمل المميز لأنه قارب البلوغ ولا امرأة لما ذكرنا "ولا خنثى مشكل" لاحتمال كونه امرأة فيحمل جناية عتيقهما من تحمل جنايتهما وعنه تعقل امرأة وخنثى بولاء ولا رقيق لأنه أسوأ حالا من الفقير.
"ولا مخالف لدين الجاني حمل شيء" لأن حملها للنصرة ولا نصرة لمخالف له في دينه.
"وعنه: أن الفقير" المعتمل أي المحترف يحمل من العقل حكاها أبو الخطاب وهي قول أكثر العلماء لأنه من أهل النصرة فكان من العاقلة كالغني وظاهره أن المريض والشيخ يحملان وصرح به في الرعاية وفي هرم وزمن وأعمى وجهان فلو عرف نسب قاتل من قتيله ولم يعلم من أي بطونها لم يعقلوا عنه ذكره في المذهب.
"ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر" للخبر ولأنهم استووا في التعصيب والإرث فاستووا في تحمل العقل كالحاضرين.
"وخطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال" قدمه في الرعاية والفروع لأن خطأه يكثر فيجحف بهم ولأنه نائب عن الله فكان أرش جنايته في مال الله وكخطإ وكيل وعليها للإمام عزل نفسه ذكره القاضي وغيره "وعنه على عاقلته" أي على عاقلتهما قدمه السامري لقول علي لعمر ديته عليك لأنك أفزعتها ولأنه جان فكان خطؤه على العاقلة كغيره وكخطئهما في غير حكم وكذا الخلاف إن زاد سوطا كخطإ في حد أو تعزيز أو جهلا حملا أو بان من حكم بشهادته غير أهل.(9/16)
وهل يتعاقل أهل الذمة على روايتين ولا يعقل ذمي عن حربي ولا حربي عن ذمي ومن لا عاقلة له أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا وإن كان مسلما أخذ من بيت المال فإن لم يمكن
__________
"وهل يتعاقل أهل الذمة على روايتين" الأصح أنهم يتعاقلون لأن قرابتهم تقتضي التوريث فاقتضت التعاقل ولأنهم من أهل النصرة كالمسلمين والثانية لا لأن حمل العاقلة يثبت على خلاف الأصل لحرمة قرابة المسلمين فلا يقاس عليهم غيرهم لعدم المساواة في الحرمة فإن اختلفت الملة كاليهود والنصارى فوجهان وفي الترغيب روايتان بناء على توريثهم وعدمه.
"ولا يعقل ذمي عن حربي ولا حربي عن ذمي" لعدم التوارث وكمسلم وكافر وقيل بلى إن توارثا وقال ابن حمدان يعقل المعاهد إن بقي عهده إلى أصل الواجب وإلا فلا.
تذنيب: المرتد لا يعقل عنه لأنه ليس بمسلم فيعقل عنه المسلمون ولا ذمي فيعقل عنه أهل الذمة فتكون جنايته في ماله وفيه وجه.
"ومن لا عاقلة له أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا" جزم به في الوجيز لأن بيت المال لا يعقل عنه وكمن رمى سهما ثم أسلم أو كفر قبل إصابته في الأصح وقدم في المحرر أنه يكون في بيت المال كمسلم ولم يرجح في الفروع شيئا.
"وإن كان مسلما أخذ من بيت المال" على الأصح لأن المسلمين يرثون من لا وارث له فيعقلون عنه عند عدم عاقتله كعصباته والثانية لا يحمل العقل بحال رجحها في المغني والشرح لأن بيت المال فيه حق للصبيان والنساء والمجانين ومن لا عقل عليه فلا يجوز صرفه فيما لا يجب عليهم فعلى الأول تكون حالة تؤخذ دفعة واحدة لأنه عليه السلام أدى دية الأنصاري دفعة واحدة وكذا عمر ولأن الدية بدل متلف وإنما أجل على العاقلة تخفيفا ولا حاجة إلى ذلك في بيت المال وقيل تؤخذ في ثلاث سنين كالعاقلة "فإن لم يمكن" أي إذا تعذر سقطت نقله الجماعة وهو المراد(9/17)
فلا شيء على القاتل ويحتمل أن تجب في مال القاتل أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا وهو أولى كما قالوا في المرتد يجب أرش خطئه في ماله ولو رمي وهو مسلم فلم يصب السهم حتى أرتد كان عليه في ماله ولو رمي الكافر سهاما ثم أسلم ثم قتل السهم إنسانا فديته في ماله ولو جنى ابن المعتقة ثم أنجر ولاؤه ثم سرت جنايته فأرش الجناية في ماله لتعذر حمل العاقلة فكذا وهذا
__________
بقوله "فلا شيء على القاتل" لأن الدية لزمت العاقلة ابتداء بدليل أنها لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم بها فلا تجب على غير من وجبت عليه كما لو عدم القاتل فإن الدية لا تجب على أحد.
"ويحتمل أن تجب في مال القاتل" لعموم قوله تعالى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ولأن مقتضى الدليل وجوبها على الجاني جبرا للمحل الذي فوته وإنما سقط عنه لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل فإذا لم يوجد ذلك بقي واجبا عليه بمقتضى الدليل ولأن الأمر تردد بين إبطال دم المقتول وبين إيجاب ديته على المتلف ولا يجوز الأول لمخالفة الكتاب والسنة وأصول الشريعة فتعين الثاني ولأن إهدار الدم المضمون لا نظير له وإيجاب الدية على قاتل الخطإ له نظائر "وهو أولى" من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال فإنه لا تكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال فتضيع الدماء والدية تجب على القاتل ثم تتحملها العاقلة وإن سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم.
"كما قالوا في المرتد يجب أرش خطئه في ماله" لأنه لا عاقلة له تحملها "ولو رمى وهو مسلم فلم يصب السهم حتى ارتد كان عليه في ماله ولو رمى الكافر سهما ثم أسلم ثم قتل السهم إنسانا فديته في ماله" إذا تغير دين جارح حالتي حرج وزهوق فالمذهب تحمله العاقلة حال الجرح وقيل أرش الجرح والزيادة بالسراية في ماله وقيل الكل في ماله وهو المرجح هنا لأنه قتيل قتل في دار الإسلام معصوم فتعذر حمل عاقلته عقله فوجب على قاتله "ولو جنى ابن المعتقة ثم انجر ولاؤه ثم سرت جنايته فأرش الجناية في ماله لتعذر حمل العاقلة فكذا هذا" وصورتها إذا رمى من عليه ولاء(9/18)
فصل
ولا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا
__________
لموالي أمه فانجر ولاؤه إلى موالي أبيه ثم وقع سهمه في شخص فالدية في ماله ولهذا قال في المحرر والفروع فهو كتغير دين.
فصل
"ولا تحمل العاقلة عمدا" سواء كان مما يجب فيه القصاص أو لا لما روى ابن عباس مرفوعا قال "لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا" وروي عن ابن عباس موقوفا ولم يعرف له في الصحابة مخالف فيكون كالإجماع وعن عمر قال العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة رواه الدارقطني وحكى أحمد عن ابن عباس نحوه قال الزهري "مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا" رواه مالك ولأن حمل العاقلة إنما ثبت في الخطإ لكون الجاني معذورا تخفيفا عنه ومواساة له والعامد غير معذور ثم يبطل بقتل الأب ابنه فإنه لا قصاص فيه ولا تحمله العاقلة فلو قتله بحديدة مسمومة فسرى إلى النفس فوجهان أحدهما تحمله العاقلة لأنه ليس بعمد والثاني لا لأنه قتل بما لم يقتل مثلها غالبا أشبه من له القصاص.
"ولا عبدا" وهو قول ابن عباس وجماعة من التابعين ومعناه إذا قتل العبد قاتل وجبت قيمته في مال القاتل ولا شيء على عاقلته خطأ كان أو عمدا.
"ولا صلحا" لأنه لو حملته العاقلة أدى إلى أن يصالح بمال غيره ويوجب عليه حقا بقوله ومعناه أن يدعي عليه القتل فينكره ويصالح المدعي على مال فلا تحمله العاقلة لأنه مال ثبت بمصالحته واختياره كالذي ثبت باعترافه وفسره القاضي وغيره بأن يصالح الأولياء عن دم العمد إلى الدية والأول أولى قاله في المغني والشرح لأن هذا يستغنى عنه بذكر العمد بل معناه صالح عنه صلح إنكار وجزم به في الروضة.
"ولا اعترافا" أي لم تصدقه به بغير خلاف نعلمه لأنه متهم في أن يواطئ(9/19)
ولا ما دون ثلث الدية، ويكون ذلك بمال الجاني حالا إلا غرة الجنين إذا مات مع أمه فإن العاقلة تحملها مع دية أمه وإن ماتا منفردين لم تحملها العاقلة.
__________
من يقر له بذلك ليأخذ الدية من عاقلته فيقاسمه إياها ولأنه لا يقبل إقرار شخص على غيره وحينئذ يلزمه ما اعترف ومعناه بأن يقر على نفسه بجناية خطإ أو شبه عمد فوجب ثلث الدية فأكثر إن لم تصدقه العاقلة.
"ولا ما دون ثلث الدية" كأرش الموضحة نص على ذلك لقضاء عمر أنها لا تحمل شيئا حتى يبلغ عقل المأمومة ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني لأنه هو المتلف فكان عليه كسائر المتلفات لكن خولف في الثلث لإجحافه بالجاني لكثرته فما عداه يبقى على الأصل والثلث حد الكثير للخبر "ويكون ذلك" أي دية العمد وما بعده "في مال الجاني" لما ذكرنا أن مقتضى الأصل وجوب الجناية على الجاني "حالا" لأنه بدل متلف فكان حالا كقيمة المتلف من المتاع طإلا غرة الجنين إذا مات مع أمه" فإن العاقلة تحملها مع دية أمه نص عليه لأن ديتهما وجبت في حال واحدة بجناية واحدة مع زيادتها على الثلث وظاهره سواء سبقته بالزهوق أو سبقها به لأن الجناية واحدة وإنما تأخر بعض أثرها عن بعض وذلك لا يضر وقال أحمد هذا من قبل أنها نفس واحدة وقال الجناية عليهما واحدة فقيل له النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل في كل منهما دية فقد فصل بينهما فلم يجب بشيء وفي عيون المسائل خبر المرأة التي قتلت المرأة وجنينها قال فوجه الدليل أنه قضى بدية الجنين على الجانية حيث لم تبلغ الثلث ونقل ابن منصور إذا شربت دواء عمدا فأسقطت جنينا فالدية على العاقلة قال في الفروع فيتوجه منه احتمال تحمل القليل وقد يقال هذا مختص بالجنين لكونه ديته دية نفس فيكون منزلا منزلة الدية الكاملة و إن كان دون الثلث لكونه دية نفس.
"وإن ماتا منفردين" بجنايتين صرح به في الوجيز "لم تحملها العاقلة" نص(9/20)
لنقصها عن الثلث وتحمل جناية الخطأ على الحر إذا بلغت الثلث وقال أبو بكر ولا تحمل شبه العمد ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين وقال الخرقي تحمله العاقلة وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر، ولكن يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيحمل كل إنسان منه ما يسهل ولا يشق.
__________
عليه لنقصها عن الثلث لأن الواجب في ذلك غرة قيمتها خمس من الإبل وهي دون ثلث الدية "وتحمل جناية الخطإ على الحر إذا بلغت الثلث" لحديث أبي هريرة وفي تقييده بالخطأ والحر وبلوغ الثلث احتراز عن العمد والعبد وما دون الثلث "وقال أبو بكر ولا تحمل شبه العمد" هذا رواية وصححه ابن حمدان وقاله ابن شبرمة والزهري وقتادة لأنها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلة كالعمد المحض وهي دية مغلظة أشبهت دية العمد.
"ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين" قال في الشرح ولا نعلم خلافا في أنها تجب مؤجلة روي عن عمر وعلي وابن عباس وقال أبو بكر مرة هو في مال الجاني حالا وحكاه في الشرح عن قوم لأنها بدل متلف وجوابه بأنها تخالف سائر المتلفات واقتضى تغليظها من وجه وهو الأسنان وتخفيفها من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها.
"وقال الخرقي تحمله العاقلة" هذا ظاهر المذهب في ثلاث سنين نص عليه قدمه في الكافي لحديث أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل الحديث لأنه لا يوجب قصاصا كالخطأ وعنه يجب مؤجلا كذلك في مال الجاني وقيل حالا قدمه في التبصرة والرعاية كغيره وذكر أبو الفرج تحمله العاقلة حالا وفي التبصرة لا تحمل عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون الثلث وجميع ذلك في مال جان في ثلاث سنين وفي الروضة دية الخطإ في خمس سنين في كل سنة خمسها.
"وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر" لأن التقدير من الشرع ولم يرد به "ولكن يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم" لأنه لا نص فيه فوجب الرجوع في تقديره إلى اجتهاد الحاكم كتقدير النفقات "فيحمل كل إنسان منهم ما يسهل ولا يشق" نص عليه لأن التحمل على سبيل المواساة للقاتل والتخفيف(9/21)
وقال أبو بكر: يجعل على الموسر نصف دينار وعلى المتوسط ربعا وهل يتكرر ذلك في الأحوال الثلاثة أولا على وجهين، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، ومتى اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم وإلا انتقل إلى من يليهم وإن تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم.
__________
عنه ولا يخفف عن الجاني ما يثقل على غيره ويجحف به كالزكاة ولأن الإجحاف لو كان مشروعا كان الجاني أحق به فإذا لم يشرع في حقه فغيره أولى.
"وقال أبو بكر يجعل على الموسر" وهو مالك نصاب عند حلول الحول فاضلا عنه كحج وكفارة ظهار "نصف دينار" لأنه أقل ما يتقدر في الزكاة "وعلى المتوسط ربعا" قوله رواية عن أحمد لأن ما دون ذلك تافه لا تقطع اليد فيه.
"وهل يتكرر ذلك في الأحوال الثلاثة أو لا على وجهين" كذا في المحرر والفروع أحدهما يتكرر لأنه حق يتعلق بالحول على سبيل المواساة فيتكرر بتكرار الحول كالزكاة والثاني لا لأنه يفضي إلى إيجاب أكثر من أقل الزكاة فيكون مضرا فعلى الأول يجب على الموسر دينار ونصف وعلى المتوسط ثلاثة أرباع لتكرره وعلى الثاني نصف على الموسر وربع على المتوسط لأنه لا يتكرر.
"ويبدأ بالأقرب فالأقرب" كالميراث سواء "فمتى اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم" لأنه حق يستحق بالتعصيب فقدم الأقرب فالأقرب ويقدم من يدلي بأبوين على من يدلي بأب في الأشهر كالميراث وفي الآخر سواء لأنه لا يستفاد بالتعصيب وذكر ابن عقيل في مساواة أخ لأبوين روايتين وخرج منها مساواة بعيد لقريب ويؤخذ من بعيد لغيبة قريب وقيل يكتب الإمام إلى قاضي بلد الأقرب الغائب ليطالبه بها.
"وإلا" أي وإن لم تتسع أموال الأقربين لها "انتقل إلى من يليهم" لأن الأقربين لم يكونوا موجودين فعلقت الدية بمن يليهم وكذا إذا تحمل الأقربون ما وجب عليهم وبقيت بقية "وإن تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم" نص عليه لأنهم استووا في القرابة فكانوا سواء كما(9/22)
فصل
وما تحمله العاقلة يجب مؤجلا في ثلاث سنين إن كان دية كاملة وإن كان الواجب ثلث الدية كأرش الجائفة وجب في رأس الحول وإن كان نصفها كدية اليد وجب في رأس الحول الأول الثلث وباقيه في رأس الحول الثاني وإن كان دية امرأة أو كتابي فكذلك ويحتمل أن تقسم في ثلاث سنين وإن كان أكثر من دية كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره لم يزد في كل حول على الثلث.
__________
لو قتلوا وكالميراث وقال ابن حمدان ويحتمل أن يأخذ الإمام ممن شاء.
فصل
"وما تحمله العاقلة يجب مؤجلا في ثلاث سنين" لا خلاف في وجوب دية الخطإ على العاقلة في ثلاث سنين لقول عمر وعلي ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف "إن كان دية كاملة لأنه لا مرجح لبعض السنين على بعض ولأنه مال يجب على سبيل المواساة فلم يجب حالا كالزكاة وحينئذ يجب في آخر كل حول ثلثها ويعتبر ابتداء السنة من حين وجوب الدية.
"وإن كان الواجب ثلث الدية كأرش الجائفة وجب في رأس الحول" أي في آخر السنة الأولى ولم يجب منه شيء حالا لأن العاقلة لا تحمل حالا وإن كان نصفها كدية اليد وجب في رأس الحول الأول الثلث لأنه قدر ما يؤدى من الدية الكاملة فوجب لتساويهما في وقت الوجوب وباقيه في رأس الحول الثاني لأن ذلك محل القسط الثاني من الكاملة.
"وإن كان دية امرأة أو كتابي" لم يقتل عمدا قاله في الوجيز وفيه شيء "فكذلك" لأن هذا ينقص عن دية كاملة أشبهت أرش الطرف.
"ويحتمل أن تقسم في ثلاث سنين" لأن ذلك دية نفس كاملة أشبه دية المسلم "وإن كان أكثر من دية كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره لم يزد في كل حول على الثلث" لأن الواجب لو كان دون الدية لم ينقص في(9/23)
وابتداء الحول في الجرح من الاندمال وفي القتل من حين الموت وقال القاضي إن لم يسر الجرح إلى شيء فحوله من حين القطع ومن مات من العاقلة أو افتقر سقط ما عليه وإن مات بعد الحول لم يسقط ما عليه وعمد الصبي والمجنون خطأ تحمله العاقلة وعنه في الصبي العاقل أن عمده في ماله.
__________
السنة عن الثلث فكذا لا يزيد عليه إذا زاد على الثلث وكذا إذا قتلت المرأة وجنينها بضربة بعد ما استهل لم تزد في كل حول على قدر الثلث وقال القاضي وأصحابه دية نفس في ثلاث سنين وقيل الكل فلو قتل اثنين فديتهما في ثلاث لأن كل واحد له دية فيستحق ثلثها كما لو انفرد حقه وقيل في ست سنين فأما إذا كان الواجب دون الثلث كدية الأصبع لم تحملها العاقلة ويجب حالا لأنها بدل متلف "وابتداء الحول في الجرح من الاندمال" لأن الأرش لا يستقر إلا بالبرء "وفي القتل من حين الموتط لأنه حالة الوجوب سواء كان قتلا موحيا أو عن سراية جرح "وقال القاضي إن لم يسر الجرح إلى شيء فحوله من حين القطع" لأن تلك حالة الوجوب ولهذا لو قطع يده وهو ذمي فأسلم ثم اندملت وجب نصف دية ذمي وحاصله أن عنده أن ابتداءه في القتل الموحي والجرح الذي لم يسر عن محله من حين الجناية وقيل في الكل عند الترافع إلى الحاكم.
"ومن مات من العاقلة أو افتقر قبل تمام الحول سقط ما عليه" بغير خلاف نعلمه لأنه مال يجب في آخر الحول على سبيل المواساة أشبه الزكاة "وإن مات بعد الحول لم يسقط ما عليه" لأنه حق تدخله النيابة لا يملك إسقاطه في حياته أشبه الدين ولأنه وجب عليه لحولان الحول فلم يسقط كالزكاة "وعمد الصبي والمجنون خطأ" نص عليه في رواية ابن منصور لأنه لا يتحقق منهما كمال القصد فوجب أن يكون كخطإ البالغ "تحمله العاقلة" لأنه لا يوجب القود فحملته كغيره.
"وعنه في الصبي العاقل أن عمده في ماله" لأنه عمد يجوز تأديبه عليه أشبه البالغ العاقل والمراد به المميز لكن قال ابن عقيل والحلواني تجب(9/24)
باب كفارة القتل
ومن قتل نفسا محرمة خطأ أو أجري مجراه أو شارك فيها أو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا أو حيا ثم مات فعليه الكفارة
__________
مغلظة وفي الواضح رواية في ماله بعد عشر سنين ونقل أبو طالب ما أصاب الصبي من شيء فعلى الأب إلى قدر ثلث الدية فإذا جاوز ثلث الدية فعلى العاقلة فهذا رواية لا تحمل الثلث والأول أولى وما ذكروه ينتقض بشبه العمد.
باب كفارة القتل
الكفارة مأخوذة من الكفر وهو الستر لأنها تغطي الذنب وتستره والأصل فيها الإجماع وسنده قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 97] فذكر في الآية ثلاث كفارات إحداهن يقتل المسلم في دار الإسلام خطأ. الثاني يقتل في دار الحرب وهو لا يعرف إيمانه بقوله {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} الثالث يقتل المعاهد وهو الذمي في دار الإسلام لقوله عز وجل {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فأوجب الكفارة بالقتل في الجملة وسواء كان المقتول ذكرا أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا.
"ومن قتل نفسا محرمة خطأ" للآية الكريمة سواء قتلها بمباشرة أو بسبب بعد موته نص عليه بغير حق ولو مستأمنا وظاهره ولو قتل نفسه "أو ما أجرى مجراه" لأنه أجري مجراه في عدم القصاص فكذا يجب أن يجري مجراه في الكفارة أو شارك فيها" أي على كل واحد من المشتركين كفارة في قول الأكثر لأن الكفارة موجب قتل الآدمي فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاء كالقصاص.
"أو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا أو حيا ثم مات فعليه الكفارة" لأنه قتل نفسا محرمة أشبه قتل الآدمي بالمباشرة وفي الإرشاد إن جنى عليها(9/25)
مسلما كان المقتول أو كافرا حرا أو عبدا وسواء كان القاتل كبيرا عاقلا أو صبيا أو مجنونا حرا أو عبدا ويكفر العبد بالصيام وعنه على المشتركين كفارة واحدة فأما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه.
__________
فألقت جنينين فأكثر فقيل كفارة وقيل تتعدد قال في الفروع فيخرج مثله في جنين وأمه والمذهب أنه لابد من إلقاء جنين كامل لأنه قتل نفسا بغير حق فكان فيه الكفارة كالمولود وقيل تجب ولو بإلقاء مضغة لم تتصور.
"مسلما كان المقتول أو كافرا" لأن الكافر آدمي مقتول ظلما فوجبت الكفارة بقتله كالمسلم "حرا أو عبدا" في قول أكثرهم لعموم قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} [النساء: 92] ولأنه يجب بقتله القصاص في الجملة فوجب بقتله الكفارة كالحر ولأنه مؤمن أشبه الحر.
"وسواء كان القاتل كبيرا عاقلا أو صبيا أو مجنونا حرا أو عبدا" مسلما أو كافرا لأنه حق مالي يتعلق بالقتل فتعلقت بهم كالدية والصلاة والصوم عبادتان بدنيتان وهذه مالية أشبهت نفقة الأقارب وكفارة اليمين تتعلق بالقول ولا قول لهما وهذه تتعلق بالفعل وفعلهما متحقق ويتعلق بالفعل ما لا يتعلق بالقول بدليل إحبالهما وأما الكافر فتكون عقوبة له كالحدود وعنه لا تجب عليه نقلها بكر بن محمد وزاد أبو حنيفة عليه الصبي والمجنون لأنها عبادة محضة تجب بالشرع فلم تجب عليهم كالصوم وكفارة اليمين وجوابه ما سبق.
"ويكفر العبد بالصيام" لأنه لا مال له وعنه على المشتركين كفارة واحدة" لعموم قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} الآية [النساء: 92] و من تتناول الواحد والجماعة ولأن الدية لا تتعدد فكذا الكفارة ولأنها كفارة قتل فلم تتعدد بتعدد القاتلين مع اتحاد المقتول ككفارة الصيد الحرمي.
"فأما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه" لأنه قتل مأمور به والكفارة لا تجب لمحو المأمور به والخطأ لا يوصف بتحريم ولا إباحة لأنه كقتل المجنون لكن النفس الذاهبة به معصومة محرمة(9/26)
فصل:
وفي قتل العمد روايتان: إحداهما لا كفارة فيه اختارها أبو بكر والقاضي والأخرى فيه الكفارة.
__________
فلذلك وجبت الكفارة فيها وقال قوم الخطأ محرم ولا إثم فيه وقيل ليس بمحرم لأن المحرم ما أثم فاعله والاستثناء في الآية منقطع وإلا في موضع لكن وقيل في موضع لا أي ولا خطأ وهو بعيد لأن الخطأ لا يتوجه إليه النهي لعدم إمكان التحرز منه.
فصل
لا تلزم قاتلا حربيا قاله في الترغيب وغيره ولا قاتلا نساء حرب وذريتهم ومن لم تبلغه الدعوة قال الخطابي من لم تبلغه الدعوة تجب فيه الكفارة والدية وفي وجوب الدية خلاف بين العلماء وجوابه بأنه لا إيمان لهم ولا أمان وإنما منع من قتلهم لانتفاع المسلمين بهم بصيرورتهم أرقاء.
"وفي قتل العمد" وشبه العمد "روايتان إحداهما لا كفارة فيه اختارها أبو بكر والقاضي والأخرى فيه الكفارة" أما العمد فالمشهور في المذهب أنه لا كفارة فيه قدمه في الكافي ونصره في الشرح لمفهوم قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} واحتج جماعة بقوله تعالى {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] فمن زعم أن ذلك يسقط بالتكفير احتاج دليلا يثبت بمثله نسخ القرآن زاد في عيون المسائل وأين الدليل القاطع على أنه إذا تاب أو كفر قد شاء الله أن يغفر له ولا فرق في العمد الموجب للقصاص و غيره.
والثانية تجب اختاره الخرقي وأبو محمد الجوزي لما روى واثلة بن الاسقع قال "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا قد أوجب القتل فقال أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار" رواه أبو داود بإسناد ضعيف ولأنها إذا وجبت في قتل الخطأ فلأن تجب في العمد بطريق الأولى والأولى أصح لأنه يقال ذكر قتل الخطأ وأوجب فيه الكفارة ثم ذكر قتل العمد من غير ذكر كفارة(9/27)
باب القسامة
وهي الأيمان المكررة في دعوى القتل
__________
فيه مع أن سويد بن الصامت قتل رجلا فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم القود ولم يوجب كفارة وحديث واثلة يحتمل أنه كان خطأ وسماه موجبا لأنه فوت النفس بالقتل ويحتمل أنه كان شبه عمد ويحتمل أنه أمرهم تبرعا.
وأما شبه العمد فالأصح أنها تجب فيه جزم به في الكافي والمستوعب وغيرهما وفي المغني تجب فيه الكفارة ولا أعلم لأصحابنا فيه قولا لأنه أجري مجرى الخطإ في نفس القصاص وحمل العاقلة ديته وتأجيلها في ثلاث سنين فجرى مجراه في وجوب الكفارة والثانية لا تجب وبعدها ابن المنجا واختارها أبو بكر لأن ديته مغلظة.
تذنيب: من لزمته ففي ماله وقيل ما حمله بيت المال من خطإ إمام وحاكم ففيه ويكفر عن غير مكلف وليه نقل مهنا القتل له كفارة وكذا الزنا ونقل الميموني ليس بعد القتل شيء أشد من الزنا.
باب القسامة
القسامة اسم للقسم أقيم مقام المصدر من أقسم إقساما وقسامة وهي الحلف قال الأزهري هم القوم الذين يقسمون في دعواهم على رجل أنه قتل صاحبهم سموا قسامة باسم المصدر كعدل و رضى وإنما هي الأيمان إذا كثرت على وجه المبالغة.
"وهي الأيمان المكررة في دعوى القتل" أي في دعوى قتل معصوم وظاهر الخرقي موجب للقود والأصل فيها ما روي عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج "أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا إلى خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود به فجاءه أخوه عبد الرحمن وابنا عمه حويصة ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم فقال كبر كبر فتكلما في أمر صاحبهما فقال أتحلفون(9/28)
ولا تثبت إلا بشروط أربعة: أحدها دعوى القتل ذكرا كان المقتول أو أنثى حرا أو عبدا مسلما أو ذميا وأما بالجراح فلا قسامة فيه.
__________
وتستحقون دم قاتلكم قالوا كيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا قالوا كيف نأخذ أيمان قوم كفار قال فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده" رواه الجماعة.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية" رواه أحمد ومسلم.
قال ابن قتيبة في المعارف أول من قضى بالقسامة في الجاهلية الوليد بن المغيرة فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
"ولا تثبت إلا بشروط أربعة أحدها دعوى القتل" عمدا كان أو خطأ نص عليه في رواية حنبل لأن كل حق لآدمي لا يثبت لشخص إلا بعد دعواه أنه له والقتل من الحقوق فيندرج تحت ذلك وقيل لا قسامة في خطإ.
"ذكرا كان المقتول أو أنثى" للخبر السابق ولأن القصاص يجري فيها فشرعت القسامة فيها كذلك.
"حرا أو عبدا مسلما أو ذميا" ولأن العبد والذمي يوجب القصاص في المماثل له فأوجب القسامة في ذلك كالحر والمسلم أما المقتول إذا كان حرا مسلما فلا خلاف فيه سواء كان المدعى عليه مسلما أو كافرا لقضية عبد الله بن سهل والمدبر والمكاتب وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن.
وإن قتل مسلم كافرا أو حر عبدا فظاهر الخرقي لا تجب القسامة وحكاه في الفروع قولا لأن القسامة إنما تكون فيما يوجب القود وكقتل البهيمة وقال القاضي وهو ظاهر المتن وكلام الأكثر تشرع لأنه قتل آدمي يوجب الكفارة فشرعت القسامة فيه كالحر المسلم ولأن ما كان حجة في قتل المسلم الحر كان حجة في قتل العبد والذمي.
"وأما الجراح فلا قسامة فيه" لا نعلم فيه خلافا لأن القسامة ثبتت في النفس(9/29)
الثاني: اللوث وهو العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب وعنه ما يدل على أنه يغلب على الظن صحة الدعوى به كتفرق جماعة عن قتيل ووجود قتيل عند من معه سيف ملطخ بدم وشهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء والصبيان ونحو ذلك.
__________
لحرمتها فاختصت بها كالكفارة وكالأطراف نص عليه والدعوى فيه كالدعوى في سائر الحقوق البينة على المدعي واليمين على من أنكر يمينا واحدة لأنها دعوى لا قسامة فيها فلا تغلظ بالعدد كالدعوى في المال.
"الثاني اللوث وهو العداوة الظاهرة" ولو مع سيد عبد قال في الرعاية وعصبة مقتول "كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب وكما بين البغاة وأهل العدل وبين الشرطة واللصوص على الأشهر لأن مقتضى الدليل أن لا تشرع القسامة ترك العمل به في العداوة الظاهرة ونقل علي بن سعيد أو عصبية للخبر وظاهره أنه لا يشترط مع العداوة ألا يكون في الموضع الذي به القتل غير العدو نص عليه وهو ظاهر الخرقي ونصره المؤلف لأنه عليه السلام لم يسأل الأنصار هل كان بخيبر غير اليهود أم لا مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها لأنها كانت أملاكا للمسلمين يقصدونها لأخذ غلال أملاكهم وشرطه القاضي لأن الأنصاري قتل في خيبر ولم يكن بها إلا اليهود وهم أعداء ثم ناقض قوله بأن قال في قوم ازدحموا في مضيق وتفرقوا عن قتيل فقال إن كان في القوم من بينه وبينه عداوة وأمكن أن يكون هو قتله فهو لوث فجعل العداوة لوثا مع وجود غير العدو.
"وعنه ما يدل على أنه يغلب على الظن صحة الدعوى به كتفرق جماعة عن قتيل ووجود قتيل ثم من معه سيف ملطخ بدم وشهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء والصبيان" ويعتبر مجيئهم متفرقين لئلا يتطرق إليهم التواطؤ على الكذب "ونحو ذلك" كشهادة عدل واحد اختاره أبو محمد الجوزي وابن رزين والشيخ تقي الدين لأنه يغلب على الظن صدق المدعي(9/30)
فأما قول القتيل فلان قتلني فليس بلوث.
__________
أشبهت العداوة ورد بأن هذا ليس بلوث لقوله في الذي قتل في الزحام يوم الجمعة ديته في بيت المال وقال فيمن وجد مقتولا في المسجد الحرام ينظر من كان بينه وبينه في حياته عداوة لأن اللوث إنما يثبت بالعداوة لقضية الأنصاري ولا يجوز القياس عليها لأن الحكم يثبت بالمظنة ولا يقاس في المظان لأن الحكم إنما يتعدى بتعدي سببه والقياس في المظان جمع بمجرد الحكمة وغلبة الظنون.
فرع: إذا شهدا أنه قتل أحد هذين القتيلين لم تثبت الشهادة ولم يكن لوثا بغير خلاف علمناه وإن شهدا أن هذا القتيل قتله أحد هذين أو شهد أحدهما أن هذا قتله وشهد الآخر أنه أقر بقتله أو شهد أحدهما أنه قتله بسيف وشهد الآخر أنه قتله بسكين لم تكمل الشهادة ولم يكن لوثا اختاره القاضي لكن المنصوص أنه إذا شهد أحدهما بقتله والآخر بالإقرار بقتله أنه يثبت القتل واختاره أبو بكر هنا وفيما إذا شهد أحدهما أنه قتله بسيف والآخر بسكين لأنهما اتفقا على القتل واختلفا في صيغته "فأما قول القتيل فلان قتلني فليس بلوث" في قول أكثرهم لقوله عليه السلام "لو يعطى الناس بدعواهم..." الخبر وكالوالي.
وقال "مالك والليث" هو لوث لأن قتيل بني إسرائيل قال فلان قتلني فكان حجة.
وجوابه: أنه لا قسامة فيه فإن ذلك كان من آيات الله تعالى ومعجزات نبيه موسى عليه السلام ثم ذاك في تبرئة المتهمين فلا يجوز تعديته إلى تهمة البريئين لكن نقل الميموني أذهب إلى القسامة إذا كان ثم لطخ إذا كان سبب بين إذا كان ثم عداوة إذا كان مثل المدعي عليه يفعل ذلك.
تنبيه: إذا وجد قتيل في موضع فادعى أولياؤه على رجل أو جماعة وليس بينهم عداوة ولا لوث فهي كسائر الدعاوي وإن كان لهم بينة حكم بها وإلا قبل قول المنكر وقال الحنفية إذا ادعى أولياؤه قتله على أهل المحلة أو على معين فللولي أن يختار من الموضع خمسين رجلا يحلفون خمسين يمينا والله(9/31)
ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمدا فقال الخرقي لا يحكم له بيمين ولا غيرها وعن أحمد أنه يحلف يمينا واحدة وهي الأولى وإن كان خطأ حلف يمينا واحدة.
__________
ما قتلناه ولا علمنا قاتله فإن نقصوا عن الخمسين كررت الأيمان عليهم حتى تتم فإن حلفوا وجبت الدية على باني الخطة فإن لم يكن وجبت على سكان الموضع فإن لم يحلفوا حبسوا حتى يقروا أو يحلفوا لأثر عن عمر على أنه محتمل قال ابن المنذر سن النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه وسن القسامة في القتيل الذي وجد بخيبر.
وعلم مما سبق أنه لا تسمع الدعوى على غير معين كسائر الدعاوي وأنه لا يشترط أن يكون بالقتيل أثر في قول الجماعة لأنه عليه السلام لم يسأل الأنصار هل بقتيلهم أثر أم لا مع أن القتل يحصل بما لا أثر له كغم الوجه.
وعنه: يشترط ذلك اختاره أبو بكر لأنه إذا لم يكن به أثر احتمل أنه مات حتف أنفه فعلى هذه إن خرج دم من أذنه فهو لوث وكذا إن خرج من أنفه في وجه وقيل أو شفته وجوابه ما تقدم.
"ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمدا فقال الخرقي لا يحكم له بيمين ولا غيرها" هذا رواية قال في الفروع وهي أشهر سواء كانت الدعوى خطأ أو عمدا لأنها دعوى فيما لا يجوز بذله أشبه الحدود ولا يحكم له بالقسامة لأن من شرطها المرتب عليها القتل أو الدية وجود اللوث وهو منتف هنا.
"وعن أحمد يحلف يمينا واحدة" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لقوله عليه السلام ولكن اليمين على المدعى عليه رواه مسلم وكدعوى المال وهي الأولى والأصح فعلى هذه إن حلف المدعى عليه فظاهر وإن امتنع لم يقض عليه بقود بل بدية وقيل لا يجب ويخلى سبيله.
وعنه: يحلف خمسين يمينا لأنه دعوى في قتل أشبه ما لو كان بينهم لوث "وإن كان خطأ حلف يمينا واحدة" لأن النكول هنا يقضى به لأن موجبه مال بخلاف القصاص(9/32)
الثالث: اتفاق الأولياء على الدعوى فإن ادعى بعضهم وأنكر بعض لم تثبت القسامة الرابع أن يكون في المدعين رجال عقلاء ولا مدخل للنساء والصبيان المجانين في القسامة عمدا كان القتل أو خطأ فإن كانا اثنين أحدهما غائب أو غير مكلف فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية.
__________
"الثالث اتفاق الأولياء على الدعوى" لأنها دعوى قتل فاشترط اتفاق جميعهم فيها كالقصاص "فإن ادعى بعضهم وأنكر بعض" بأن قال قتله هذا أو قال الآخر لم يقتله هذا أو قال بل قتله هذا الآخر "لم تثبت القسامة" نص عليه سواء كان المكذب عدلا أو فاسقا لأنه مقر على نفسه بتبرئة من ادعى عليه بقتل كما لو ادعيا دينا لهما.
"الرابع: أن يكون في المدعين رجال عقلاء" لقوله عليه السلام "يقسم خمسون رجلا منكم" ولأن القسامة حجة يثبت بها قتل العمد فاعتبر كونها من رجال عقلاء كالشهادة ويستثنى منه المرتد وقت موت مورثه الحر لعدم إرثه ولو اسلم بل بعد موته "ولا مدخل للنساء" في القسامة أي لم يستحلفن لما ذكرناه ولأن الجناية المدعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل ولا مدخل لهن في إثباته وقال ابن عقيل تقسم في الخطإ فلو كان جميع الذرية نساء فاحتمالان وفي الخنثى وجهان.
أحدهما: يقسم لأن سبب الاستحقاق وجد في حقه وهو الاستحقاق من الدية ولم يتحقق المانع من يمينه والثاني: لا يقسم كالمرأة "والصبيان والمجانين في القسامة" لأن قولهما ليس بحجة بدليل أنهما لو أقرا على أنفسهما لم يقبل فكذا لا يقبل قولهما في حق غيرهما بطريق الأولى.
"عمدا كان القتل أو خطأ" لأن الخطأ أحد القتلين أشبه الآخر لا يقال الخطأ يثبت المال وللنساء مدخل فيه لأن المال يثبت ضمنا لثبوت القتل ومثله لا يثبت بالنساء بدليل ما لو ادعى زوجية امرأة بعد موتها ليرثها وأقام رجلا وامرأتين أنه لا يقبل "فإن كانا اثنين" أو أكثر.
"أحدهما غائب أو غير مكلف" أو ناكل عن اليمين قاله في المحرر والوجيز "فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية" لأن القسامة حق له ولغيره فقيام المانع(9/33)
وهل يحلف خمسين يمينا أو خمسا وعشرين على وجهين وإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي حلف خمسا وعشرين وله بقيتها والأولى عندي ألا يستحق شيئا حتى يحلف الآخر وذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمدا
__________
بصاحبه لا يمنع من حلفه واستحقاقه نصيبه كالمال المشترك بينهما.
"وهل يحلف خمسين يمينا أو خمسا وعشرين على وجهين" كذا في المحرر والفروع.
أحدهما: يحلف خمسين لأن الحكم لا يثبت إلا بالبينة الكاملة والبينة هنا هي الأيمان بدليل ما لو ادعى أحدهما دينا لأبيهما.
الثاني: يحلف بقسطه جزم به في الوجيز وهو أشهر لأنه لو كان الجميع حاضرين لم يلزمه أكثر من قسطه من الأيمان فكذا مع المانع لكن لا قسامة حتى يحضر الغائب ويبلغ الصبي لأن الحق لا يثبت إلا بالبينة وهي الأيمان هنا ولأن الحق إن كان قصاصا فلا يمكن تبعيضه وغيره لا يثبت إلا بواسطة ثبوت القتل.
وقال القاضي: إن كان القتل عمدا فكذلك وإن كان موجبا للمال فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية وهذا قول أبي بكر وابن حامد ونصره المؤلف وغيره وقال ابن حامد يقسم بقسطه من الأيمان لأنه لا يستحق أكثر من قسطه من الدية كما لو كان الجميع حاضرين.
"وإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي حلف خمسا وعشرين" وجها واحدا "وله بقيتها" لأنه يبني على أيمان صاحبه المتقدمة وقال أبو بكر والقاضي يحلف خمسين كصاحبه فكذا هو فلو قدم ثالث أو بلغ فعلى قولهما يحلف سبع عشرة يمينا وعلى الآخر خمسين.
وإذا قدم رابع فهل يحلف ثلاثة عشر يمينا أو خمسين فيه الخلاف "والأولى عندي ألا يستحق شيئا حتى يحلف الآخر" لأن ذلك موجب أيمانه.
"وذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمدا" لأن اللوث من شروطها وفاقا ولا يتحقق إلا في العمد لأن الخطأ يصدر عن غير قصد(9/34)
توجب القصاص إذا ثبت القتل وأن تكون الدعوى على واحد وقال غيره ليس بشرط لكن إن كانت الدعوى عمدا محضا لم يقسموا إلا على واحد معين ويستحقون دمه وإن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية.
فصل
ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين
__________
فيستوى فيه العدو وغيره وإذا كان كذلك صار الخطأ في المعنى كالعمد الذي لا لوث فيه ولا قسامة "توجب القصاص إذا ثبت" القتل لأن الغرض من القسامة في العمد القصاص فإذا لم تكن موجبة له كدعوى قتل المسلم بالكافر لم يوجد الغرض.
"وأن تكون الدعوى على واحد" لا يختلف المذهب فيه لقوله عليه السلام "فيحلف خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته" ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل من قتل الواحد فيقتصر عليه ويبقى على الأصل ما عداه.
ويشترط في القاتل أن يكون مكلفا لتصح الدعوى وإمكان القتل وصفة القتل فلو استحلفه الحاكم قبل تفصيله لم يعتد به لعدم تحرير الدعوى وطلب الورثة "وقال غيره ليس بشرط" لأن القسامة حجة فوجب أن يثبت بها الخطأ كالعمد "لكن إن كانت الدعوى عمدا محضا لم يقسموا إلا على واحد معين ويستحقون دمه" لخبر سهل "وإن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية" لأنها حجة يثبت بها العمد الموجب للقصاص فيثبت بها غيره وهو المال كالبينة.
فصل
"ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين" أي ذكور العصبة العدول أولا نص عليه لقوله عليه السلام "فيحلف خمسون منكم"(9/35)
فيحلفون خمسين يمينا ويختص ذلك بالوارث فتقسم الأيمان بين الرجال على قدر ميراثهم فإن كان الوارث واحدا حلفها، وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم، فإن كان فيها كسر جبر عليهم مثل: زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا والابن ثمانية وثلاثين.
__________
"فيحلفون خمسين يمينا" أيمان القسامة خمسون بالإجماع على المدعى عليه أنه قتله فإذا حلف ثبت الحق في قبله لحديث سهل ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة رواه الدارقطني من رواية مسلم بن خالد الزنجي وذكر أنه روى مرسلا وروى أيضا بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة مرفوعا كذلك وهذه الزيادة يتعين العمل بها لأن الزيادة من الثقة مقبولة ولأنها أيمان مكررة فيبدأ فيها بأيمان المدعين كاللعان وظاهره أنه لا يشترط اتفاق المجلس من جميعهم وفيه قول حكاه في الرعاية.
"ويختص ذلك بالوارث" في ظاهر المذهب لأنها أيمان في دعوى فلم تشرع في حق غير الوارث كسائر الأيمان "فتقسم الأيمان بين الرجال على قدر ميراثهم" أي تقسم بين الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر إرثهم إن كانوا جماعة "فإن كان الوارث واحدا حلفها" لأنه قائم مقام الجماعة في استحقاق الدية فكذا في الأيمان ونقل الميموني: لا أجترئ عليه، النبي صلى الله عليه وسلم يقول يحلف منكم خمسون فمن احتج للأول يحتج بحديث معاوية فرددها على الثلاثة الذين ادعي عليهم فحلفوا خمسين يمينا وفي مختصر ابن رزين يحلف ولي يمينا.
"وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم" لأن موجبها الدية وهي تقسم كذلك فكذا يجب أن تقسم هي.
فإن كانوا أكثر من خمسين حلف خمسون كل واحد يمينا "فإن كان فيها كسر جبر عليهم مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا والابن ثمانية وثلاثين" لأن تكميل الخمسين واجب ولا يمكن تبعيضها والجبر في كل(9/36)
ولو حلف ثلاثة بنين، حلف كل واحد سبع عشرة يمينا، وعنه: يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث، خمسون رجلا كل واحد يمينا، فإن لم يحلفوا حلف المدعي عليه خمسين يمينا، وبرئ.
__________
واحد لعدم المزية فالزوج له الربع اثني عشر ونصفا فيكمل والابن له الباقي وهو سبع وثلاثون ونصفا فيكمل فيصير كما ذكره فيهما.
فإن كان معهما بنت حلف الزوج سبع عشرة يمينا والابن أربعا وثلاثين.
"ولو خلف ثلاثة بنين حلف كل واحد سبع عشرة يمينا" لأن لكل ابن ثلث الأيمان ست عشرة يمينا وثلثين ثم تكمل.
"وعنه: يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث خمسون رجلا كل واحد يمينا" لقوله عليه السلام "يحلف خمسون منكم" مع علمه أنه لم يكن لعبد الله بن سهل خمسون رجلا وارثا لأنه لا يرثه إلا أخوه أو من هو في درجته أو أقرب منه نسبا ولأنه خاطب ابني عمه وهما غير وارثين لكن يحلف الوارث منهم الذين يستحقون دمه فإن لم يبلغوا يؤخذ الأقرب فالأقرب من قبيلته التي ينسب إليها ويعرف لنفسه نسبه من المقتول فأما من عرف أنه من القبيلة ولم يعرف وجه النسب لم يقسم ذكره جماعة وسأله الميموني إن لم يكن له أولياء قال فقبيلته التي هو فيها وأقربهم منه.
فرع: إذا مات المستحق فوارثه كهو ويستأنف وارثه الأيمان سواء حلف قبل موته شيئا أو لا لأنه لا يجوز أن يأخذ شيئا بيمين غيره ولو حلف المستحق بعض الأيمان ثم جن ثم أفاق أو عزل الحاكم فإنه يبني.
"فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبريء" في ظاهر المذهب وهو قول الأكثر لقوله عليه السلام "فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم" أي يبرؤون منكم وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغرم اليهود وأنه أداها من عنده ولأنها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه فتبرأ بها كسائر الأيمان..
وعنه: أنهم يحلفون ويغرمون الدية لقضاء عمر بالدية مع اليمين والأول أولى لأن عمر إنما قضى على أهل المحلة وليس ذلك مذهبا لأحمد ويعتبر(9/37)
وإن لم يحلف المدعون، ولم يرضوا بيمين المدعي عليه، فداه الإمام من بيت المال وإن طلبوا أيمانهم فنكلوا لم يحبسوا، وهل تلزمهم الدية، أو تكون في بيت المال على روايتين.
__________
حضور المدعى عليه وقت يمينه كالبينة وحضور المدعي ذكره المؤلف.
"وإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال" أي أدى ديته من بيت المال لقضية عبد الله بن سهل ولم يجب على المدعى عليهم شيء "وإن طلبوا أيمانهم " أي أيمان المدعى عليهم "فنكلوا لم يحبسوا" في الأشهر لأنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليه كسائر الأيمان وعنه يحبس حتى يقر أو يحلف لأنها دعوى فيحبس فيها بالنكول كالمال وعلى الأولى لا يجب قود بنكول لأنه حجة ضعيفة كشاهد ويمين ذكره في المغني.
"وهل تلزمهم الدية أو تكون في بيت المال على روايتين" أظهرهما تلزمه الدية اختارها أبو بكر وقدمها في الرعاية وهو الصحيح لأنه حكم ثبت بالنكول فيثبت في حقهم كسائر الدعاوي ولو لم يجب على المدعي عليه مال بنكوله ولم يجبر على اليمين لخلا من وجوب شيء عليه بالكلية والثانية في بيت المال لأنهم امتنعوا عن اليمين أشبه امتناع المدعيين إذا لم يرضوا بيمين المدعي عليه.
فائدة: يقول تالله وبالله ووالله بالجر فإن قاله مضموما أو منصوبا فقد لحن قال القاضي ويجزئه إن تعمد أو لم يتعمد لأنه لحن لا يحيل المعنى ويستحب أن يستظهر في ألفاظ اليمين في القسامة تأكيدا.
فرع: سأله ابن منصور عن قتيل بين قريتين قال هذا قسامة قال المروذي احتج أحمد بأن عمر جعل الدية على أهل القرية ونقل حنبل أذهب إلى حديث عمر قيسوا ما بين الحيين فإلى أيهما كان أقرب فخذهم به وعن أبي سعيد الخدري قال "وجد قتيل بين قريتين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فذرع ما بينهما فوجد إلى أحدهما أقرب فكأني أنظر إلى شبر النبي صلى الله عليه وسلم فألقاه على أقربهما" رواه أحمد في مسنده(9/38)
كتاب الحدود
لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل عالم بالتحريم، ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه
__________
كتاب الحدود
وهي جمع حد وهو المنع وحدود الله تعالى محارمه لقوله تعالى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] وهي ما حده وقدره فلا يجوز أن يتعدى كتزويج الأربع ونحوه وما حده الشرع فلا يجوز فيه الزيادة والنقصان.
والحدود: العقوبات المقدرة يجوز أن تكون سميت بذلك من المنع لأنها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب وأن تكون سميت الحدود التي هي المحارم لكونها زواجر عنها أو بالحدود التي هي المقدرات وشرعا عقوبة مقدرة لتمنع من الوقوع في مثله.
"لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل" ولا خلاف في اعتبارهما للنصوص ولأنه إذا سقط عنه التكليف في العبادات والإثم في المعاصي فالحد المبني على الدرء بالشبهات أولى فإن كان يفيق في وقت فأقر فيه أنه زنى وهو يفيق فعليه الحد بغير خلاف نعلمه لكن لو أقر في إفاقته أنه زنى ولم يضفه إلى حال أو شهدت عليه بينة به ولم تضفه إلى حال إفاقته فلا حد للاحتمال ولا يجب على نائم ولا نائمة "عالم بالتحريم" لعموم النصوص وقاله الأئمة سواء جهل تحريم الزنى أو تحريم عين المرأة زاد في الوجيز ملتزم وهو مراد.
"ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه" لأنه حق لله تعالى ويفتقر إلى اجتهاد ولا يؤمن معه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله في خلقه ولأنه عليه السلام كان يقيم الحدود في حياته وخلفاؤه من بعده واختار الشيخ تقي الدين إلا لقرينة كتطلب الإمام له ليقتله وعلى الأول لو أقامه غيره لم يضمنه نص عليه لكنه تعدى على الإمام وذلك لا يوجب ضمانا كالمرتد ولا يلزم الإمام حضور إقامته لقوله "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ,(9/39)
إلا السيد فإن له إقامة الحد، بالجلد خاصة على رقيقه القن، وهل له القتل في الردة والقطع في السرقة على روايتين ولا يملك إقامته على مكاتبه ولا من بعضه حر، ولا أمته المزوجة.
__________
فإن اعترفت فارجمها" ولغيره.
فرع: من أقام على نفسه ما لزمه من حد زنى أو قذف بإذن إمام أو نائبه لم يسقط عنه قاله ابن حمدان "إلا السيد" الحر المكلف العالم "فإن له إقامة الحد بالجلد خاصة على رقيقه القن" أي الكامل رقه في قول عامتهم لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها" متفق عليه وعن علي مرفوعا "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" رواه أحمد وأبو داود والدارقطني ولأن للسيد تأديب أمته بتزويجها فملك إقامة الحد عليها كالسلطان وبهذا فارق الصبي.
وعنه ليس له ذلك لأنه يفتقر إلى اجتهاد فلم يملكه كالقطع وحد الحر وعلى الأول له سماع بينة تقتضي العقوبة والعمل بها إن عرف شروطها وإلا سمعها الحاكم أو سيده بإذنه وقيل لا يسمعها غير حاكم قدمه في الكافي والشرح.
"وهل له القتل في الردة والقطع في السرقة على روايتين".
إحداهما: لا يملكه قدمه في الكافي ونصره في الشرح وذكر أنه قول أكثر أهل العلم لأنه عليه السلام إنما أمر بالجلد فلا يثبت في غيره ولأن في الجلد سترا على رقيقه لئلا يفتضح بإقامة الإمام له فتنقص قيمته وذلك منتف فيهما.
والثانية: له ذلك لأن عمر قطع عبدا له سرق وحفصة قتلت أمة لها سحرتها "ولا يملك إقامته على مكاتبه" قطع به في المغني والوجيز والآدمي وابن عبدوس وغيرهم لأنه معه كالأجنبي وفيه وجه وذكره بعضهم المذهب لأنه عبد "ولا من بعضه حر" لأنه ليس له ولاية على كله والحد تصرف في الكل ولا أمته المزوجة نص عليه لقول ابن عمر ولا مخالف له في الصحابة لأنه لم يكمل أشبه من بعضه حر وفيها وجه(9/40)
وإن كان السيد فاسقا أو امرأة فله إقامته في ظاهر كلامه ويحتمل أن لا يملكه ولا يملكه المكاتب، ويحتمل أن يملكه وسواء ثبت ببينة أو إقرار وإن ثبت بعلمه فله إقامته، نص عليه ويحتمل أن لا يملكه كالإمام ولا يقيم الإمام الحد بعلمه.
__________
صححه الحلواني ونقل مهنا إن كانت ثيبا ونقل ابن منصور إن كانت محصنة فالسلطان وإنه لا يبيعها حتى تحد ويخرج في مرهونة ومستأجرة وجهان وجعل في الانتصار وغيره مرهونة ومكاتبة أصلا كمزوجة.
"وإن كان السيد فاسقا أو امرأة فله إقامته في ظاهر كلامه" لأنها ولاية ثبتت بالملك أشبهت ولاية التأديب والمرأة تامة الملك من أهل التصرفات أشبهت الرجل ولأن فاطمة جلدت أمة لها وعائشة قطعت أمة لها سرقت.
"ويحتمل ألا يملكه" لأنها ولاية وليسا من أهلها فعلى هذا يختص بالذكر العدل وقيل يقيمه ولي امرأة وهل للوصي حد رقيق موليه فيه وجهان ولا يملكه المكاتب صححه في المستوعب وغيره لأنه ليس من أهل الولاية وملكه على عبده ناقص بدليل أنه لا تجب عليه الزكاة.
"ويحتمل أن يملكه" لأنه يستفاد بالملك أشبه تصرفاته وسواء ثبت ببينة أو إقرار إن كان يعلم شروطه لأن كل واحد منهما حجة في ثبوته فوجب ألا يختلف حال السيد فيه فعلى هذا للسيد أن يسمع إقراره ويقيم الحد عليه ويقدم سماع البينة وإن ثبت بعلمه فله إقامته نص عليه لأنه قد ثبت عنده فملك إقامته كما لو أقر به ولأنه يملك تأديبه بعلمه فكذا هنا.
"ويحتمل ألا يملكه كالإمام" هذا رواية واختارها القاضي لأن ولاية الإمام للحد أقوى من ولاية السيد لكونها متفقا عليها فإذا لم يثبت الحد بالعلم فها هنا أولى ولأن الحاكم متهم.
"ولا يقيم الإمام الحد بعلمه" لقوله تعالى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} ثم قال {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] ولأنه متهم في حكمه بعلمه وذلك شبهة يدرأ بها الحد.(9/41)
ولا تقام الحدود في المساجد، ويضرب الرجل في الحد قائما بسوط، لا جديد ولا خلق.ولا يمد ولا يربط ولا يجرد، بل يكون عليه القميص والقميصان.
__________
مسألة: نقل الميموني وجوب بيع رقيق زنى في رابعة قال الشيخ تقي الدين إن عصى الرقيق علانية أقام السيد عليه الحد وإن عصى سرا فينبغي ألا تجب عليه إقامته بل يتخير بين ستره واستتابته بحسب المصلحة في ذلك كما تخير الشهود على إقامة الحد عند الإمام وبين الستر على المشهود عليه واستتابته بحسب المصلحة فإن ترجح عنده أنه يتوب ستروه وإن كان في ترك إقامة الحد عليه ضرر للناس كان الراجح رفعه إلى الإمام.
."ولا تقام الحدود في المساجد" جلدا كان أو غيره لما روى حكيم بن حزام "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقام الحدود في المساجد" روي "أن عمر أتى برجل زنى فقال أخرجوه من المسجد واضربوه" وعن علي "أنه أتى بسارق فأخرجه من المسجد وقطع يده" ولأنه لا يؤمن أن يحدث فيه فينجسه ويؤذيه وفي المذهب ينبغي تنزيه المسجد عنه وروي عن الشعبي أنه أقام الحد على ذمي في المسجد.
"ويضرب الرجل في الحد قائما في الأشهر وقاله علي ونصره المؤلف لأن قيامه وسيلة إلى إعطاء كل عضو حظه من الضرب ونقل حنبل قاعدا لأنه أستر له بسوط قال في شرح المذهب للحنفية السوط فوق القضيب ودون العصا وفي المختار لهم بسوط لا ثمرة له فتعين أن يكون من غير الجلد.
"لا جديد ولا خلق" نص عليه بفتح اللام وهو البالي لخبر رواه مالك عن زيد بن أسلم مرسلا وروي عن أبي هريرة مسندا وروي عن علي ولأن الغرض الإيلام دون الجرح إذ الجديد يجرح والبالي لا يؤلم فلو كان السوط مغصوبا أجزأ على خلاف مقتضى النهي للإجماع ذكره في التمهيد.
"ولا يمد" نص عليه لأنه محدث "ولا يربط ولا يجرد" لأنه لم ينقل قال ابن مسعود ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد "بل يكون عليه القميص والقميصان" صيانة له عن التجريد مع أن ذلك لا يرد ألم الضرب ولا يضر(9/42)
ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد ويفرق الضرب على أعضائه إلا الرأس والوجه والفرج وموضع المقتل والمرأة كذلك إلا أنها تضرب جالسة، وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها؛ لئلا تنكشف
__________
بقاؤهما عليه نقل أبو الحارث والفضل عليه ثيابه وعنه يجوز تجريده لأنه أبلغ فلو كان عليه فرو أو جبة محشوة نزعت لأنه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضرب.
"ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد" لأن الغرض تأديبه وزجره عن المعصية لا قتله والمبالغة تؤدي إلى ذلك "ويفرق الضرب على أعضائه" لأن توالي الضرب على عضو واحد يؤدي إلى القتل وأوجبه القاضي ولا يبدي إبطه في رفع يده نص عليه "إلا الرأس والوجه" لقول علي للجلاد أضرب وأوجع واتق الرأس والوجه ولأنهما أجمل ما في الإنسان وفي إصابة الضرب لهما خطر لأنه ربما عمي أو ذهب عقله أو قتله والفرج وموضع المقتل لأن ضرب ذلك يؤدي إلى القتل وهو غير مأمور به بل مأمور بعدمه ويكثر منه في مواضع اللحم كالإليتين والفخذين ولا تعتبر الموالاة في الحد ذكره القاضي وغيره في موالاة العضو لزيادة العقوبة ولسقوطه بالشبهة قال الشيخ تقي الدين فيه نظر ولم يعتبروا نية من يقيمه أنه حد مع أن ظاهر كلامهم يقيمه الإمام أو نائبه بدليل أن الإمام لو أمر عبدا أعجميا يضرب لا علم له بالنية أجزأت نيته والعبد كالآلة ويحتمل أن تعتبر نيتهما كما نقول في غسل الميت تعتبر نية غاسله واحتج في منتهى الغاية في اعتبار نية الزكاة بأن الصرف إلى الفقير له جهات فلا بد من نية التمييز كالجلد في الحدود.
"والمرأة كذلك" أي المرأة كالرجل فيما ذكرنا عملا بالأصل السالم عن المعارض "إلا أنها تضرب جالسة وتشد عليها ثيابها" نص عليهما "وتمسك يداها لئلا تنكشف" لقول علي تضرب المرأة جالسة والرجل قائما ولأن المرأة عورة وهذا أستر لها وهو مطلوب في نظر الشرع بدليل أنه يشرع لها في الصلاة أن تجمع نفسها في الركوع والسجود .(9/43)
والجلد في الزنا أشد الجلد ثم جلد القذف ثم الشرب ثم التعزير وإن رأى الإمام الضرب في حد الخمر بالجريد والنعال فله ذلك، قال أصحابنا ولا يؤخر الحد للمرض.
__________
"والجلد في الزنى أشد الجلد ثم جلد القذف ثم الشرب" نص عليه " ثم التعزير " قال مالك كلها واحد لأن المقصود بها الزجر فيجب تساويها في الصفة.
وقال أبو حنيفة: أشدها التعزير ثم الزنى ثم شرب الخمر ثم القذف قال في الكشاف لأن سبب عقوبته محتمل للصدق والكذب إلا أنه عوقب صيانة للأعراض وردعا بمن هتكها.
وجوابه: أن الله خص الزنى بمزيد التأكيد بقوله تعالى {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] ولأن ما دونه أخف منه عددا فلا يجوز أن يزيد في إيلامه ووجعه ولأن ما خف في عدده كان أخف في صفته وحد القذف حق آدمي وحد الشرب محض حق الله والتعزير لا يبلغ به الحد وقيل أخفها حد الشرب إن قلنا هو أربعون جلدة ثم حد القذف.
"وإن رأى الإمام" أو نائبه "الضرب في حد الخمر بالجريد والنعال فله ذلك" لأنه عليه السلام أتي بشارب فقال "اضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب" وفي المذهب والبلغة وأيد للخبر وفي الوسيلة يستوفى بالسوط في ظاهر كلام أحمد والخرقي وفي الموجز لا يجزئ بيد وطرف ثوب وفي التبصرة لا يجزئ بطرف ثوب ونعل ويؤخر سكران حتى يصحو نص عليه فلو خالف وفعل احتمل السقوط وهو أولى واحتمل عدمه.
فرع: يحرم حبسه بعد حد نص عليه وأذاه بكلام كالتعيير على كلام القاضي وابن الجوزي لنسخه بشرع الحد كنسخ حبس المرأة.
"قال أصحابنا ولا يؤخر الحد للمرض" وقاله في الوجيز وزاد والضعف لأنه لا فائدة فيه إذا كان قتله متحتما وكذا إن كان جلدا عند أكثر الأصحاب .(9/44)
فإن كان جلدا وخشي عليه من السوط أقيم بأطراف الثياب والعثكول ويحتمل أن يؤخر في المرض المرجو زواله
__________
وقاله إسحاق وأبو ثور لأن عمر أقام الحد على قدامة بن مظعون في مرضه ولم يؤخره وانتشر ذلك في الصحابة ولم ينكر فكان كالإجماع ولأن الحد واجب على الفور ولا يؤخر ما أوجبه الله بغير حجة وقال القاضي: ظاهر قول الخرقي له تأخيره وهو قول الأكثر لحديث علي في التي هي حديثة عهد بنفاس ولأن في تأخيره إقامة الحد على الكمال من غير إتلاف فكان أولى ومرض قدامة يحتمل أنه كان خفيفا لا يمنع من إقامة الحد على الكمال ثم إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم تقدم على فعل عمر مع أنه اختيار علي وفعله وكذا الحكم في تأخيره لحر أو برد مفرط.
"فإن كان جلدا وخشي عليه من السوط" لم يتعين على الأصح "أقيم بأطراف الثياب والعثكول" لما روى أبو أمامة بن سهل عن سعد بن عبادة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يأخذوا شمراخا فيضربوه بها ضربة" رواه أحمد وابن ماجة ورواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن أبي أمامة عن بعض الصحابة من الأنصار ورواه سعيد عن سفيان عن أبي الزناد ويحيى بن سعيد سمعا أبا أمامة مرسلا قال ابن المنذر في إسناده مقال ولأنه لا يجوز تركه بالكلية لأنه يخالف الكتاب والسنة ولا جلده تاما لأنه يفضي إلى إتلافه فتعين ما ذكرنا " ويحتمل أن يؤخر في المرض المرجو زواله" لأن في تأخيره استيفاء الحد على وجه الكمال من غير خوف فواته وبه فارق المريض الذي لا يرجى زواله لأنه يخاف فوات الحد.
فرع: ذكر الخرقي أن العبد يضرب بدون سوط الحر لأن حده أقل عددا فيكون أخف سوطا والظاهر التسوية بينهما فيه لقوله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ولا يتحقق التنصيف إذا نصفنا العدد إلا مع تساوي الشريطين .(9/45)
وإذا مات المحدود في الجلد فالحق قتله وإن زاد سوطا أو أكثر فتلف ضمنه وهل يضمن جميعه أو نصف الدية على وجهين.
__________
"وإذا مات المحدود في الجلد" ولو حد خمر نص عليه أو تأديب أو تعزير ولم يلزم تأخيره "فالحق قتله" ولا ضمان على أحد جلدا كان أو غيره لأنه حد وجب لله تعالى فلم يجب فيه شيء كالقطع في السرقة وهذا إذا أتى به على الوجه المشروع من غير زيادة لأنه نائب عن الله تعالى فكان التلف منسوبا إليه وقيل يضمن المؤدب.
"وإن زاد سوطا" أو في السوط "أو أكثر فتلف ضمنه" بغير خلاف نعلمه لأنه تلف بعدوانه أشبه ما لو ضربه في غير الحد.
"وهل يضمن جميعه أو نصف الدية؟ على وجهين" أحدهما: وهو رواية أنه تجب الدية كلها ذكر القاضي في الخلاف أنه أشبه بالمذهب وقدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لأنه قتل حصل من جهة الله تعالى وعدوان الضارب فكان الضمان على العادي كما لو ضرب مريضا سوطا فقتله وكما لو ضربه بسوط لا يحتمله.
والثاني: نصف الدية وقاله الأكثر لأنه تلف بفعل مضمون وغيره فوجب نصفها كما لو جرح نفسه أو جرحه غيره فمات وسواء زاد خطأ أو عمدا لأنه يضمن كالعمد وكذا إن قال له الإمام اضرب ما شئت وقيل ديته على الأسواط إن زاد على الأربعين.
وفي "واضح ابن عقيل" إن وضع في سفينة كذا فلم تغرق ثم وضع قفيزا فغرقت فغرقها بهما في أقوى الوجهين والثاني بالقفيز وكذا الشبع والري والسير بالدابة فراسخ والسكر بالقدح أو الأقداح كما ينشىء الغضب بكلمة بعد أخرى ويمتلئ الإناء بقطرة بعد قطرة ويحصل العلم بواحد بعد واحد.
فرع: إذا أمر بزيادة فزاد جهلا ضمنه الآمر وإلا فوجهان وإن تعمده العاد فقط أو أخطأ وادعى الضارب الجهل ضمنه العاد وتعمد الإمام الزيادة شبه عمد تحمله العاقلة وقيل كخطأ فيه الروايتان .(9/46)
وإذا كان الحد رجما لم يحفر له رجلا كان أو امرأة في أحد الوجهين وفي الآخر إن ثبت على المرأة بإقرارها لم يحفر لها وإن ثبت ببينة حفر لها إلى الصدر ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم
__________
"وإذا كان الحد رجما لم يحفر له رجلا كان أو امرأة في أحد الوجهين" نص عليه لأنه عليه السلام لم يحفر لماعز قال أبو سعيد "لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز خرجنا به إلى البقيع فو الله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا" رواه أحمد ومسلم.
والمرأة كذلك نصره في المغني وقدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لأن أكثر الأحاديث على ترك الحفر.
"وفي الآخر إن ثبت على المرأة بإقرارها لم يحفر لها وإن ثبت ببينة حفر لها إلى الصدر" اختاره في الهداية والفصول والتبصرة وصححه أبو الخطاب لما روى أبو بكر "أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الصدر" رواه أبو داود ولأن الحفر أستر لها ولا حاجة إلى تمكينها من الهرب بخلاف من أقرت لأن رجوعها عن الإقرار مقبول والحفر يمنعها من الهرب الذي هو في معنى الرجوع قولا.
وأطلق في عيون المسائل وابن رزين يحفر لها فهو ستر بخلاف الرجل وإذا ثبت ذلك شد عليها ثيابها لئلا تنكشف لأمره عليه السلام بذلك رواه أبو داود من حديث عمران بن حصين.
"ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم" أي إذا ثبت بها ويجب حضور الإمام أو نائبه وقال أبو بكر عن قول ماعز "ردوني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن قومي غروني" يدل على أنه عليه السلام لم يحضر رجمه فبهذا أقول.
وحضور طائفة ولو واحدا ذكره أصحابنا وهو قول ابن عباس رواه ابن أبي طلحة وهو منقطع واختار في البلغة اثنان لأن الطائفة الجماعة وأقلها اثنان نقل أبو داود يجيء الناس صفوفا لا يختلطون ثم يمضون صفا صفا وذكر أبو المعالي أن الطائفة تطلق على الأربعة لقوله تعالى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا(9/47)
وإن ثبت بإقرار استحب أن يبدأ الإمام ومتى رجع المقر بالحد عن إقراره قبل منه وإن رجع في أثناء الحد لم يتمم,وإن رجم ببينة فهرب,لم يترك وإن كان بإقرار ترك.
__________
طَائِفَةٌ} لأنه أول شهود الزنا.
"وإن ثبت بإقرار استحب أن يبدأ الإمام" به أو من يقيمه "ومتى رجع المقر بالحد" أي بحد الزنى أو سرقة أو شرب عن إقراره قبل منه أي يشترط لإقامة الحد بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحد فإن رجع قبله كف عنه وهو قول أكثر العلماء.
قال ابن عبد البر ثبت من حديث أبي هريرة وجابر ونعيم ونصر بن دهر وغيرهم أن ماعزا لما هرب وقال لهم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "فهلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه؟!" ولأن رجوعه شبهة وكالبينة إذا رجعت قبل إقامة الحد عليه.
وقيل يقبل رجوعه في الزنى فقط وقيل يقبل رجوع مقر بمال وعلى الأول إذا تمم ضمن الراجع بالمال لا الهارب ولا قود للاختلاف في صحة الرجوع وكان شبهة.
"وإن رجع في أثناء الحد لم يتمم" لأن جميعه يسقط بالرجوع فلأن يسقط تمامه بطريق الأولى "وإن رجم ببينة فهرب لم يترك" لأنه ثبت على وجه لا يبطل برجوعه أشبه سائر الأحكام.
"وإن كان بإقرار ترك" لقوله عليه السلام "هلا تركتموه..." فإن لم يترك وقيل فلا ضمان لقصة ماعز ولأن بذلك ليس بصريح في رجوعه فإن قال ردوني إلى الحاكم وجب رده ولم يجز إتمام الحد فإن أتم فلا ضمان لما ذكر في هربه
مسائل: إذا أتى حدا ستر نفسه نقل مهنا رجل زنى يذهب يقر؟ قال بل يستر نفسه واستحب القاضي إن شاع رفعه إلى حاكم ليقيمه عليه وقال ابن حامد إن تعلقت التوبة بظاهر كصلاة وزكاة أظهرها وإلا أسر وإن قال(9/48)
فصل
وإذا اجتمعت حدود لله تعالى فيها قتل,استوفي القتل وسقط سائرها,وإن لم يكن فيها قتل فإن كانت من جنس مثل إن زنى أو سرق أو شرب مرارا أجزأ حد واحد وإن كانت من أجناس استوفيت كلها.
__________
لإمام أصبت حدا لم يلزمه شيء ما لم يبينه نقله الأثرم ويحد من زنى هزيلا ولو بعد سمنه كذا عقوبة الآخرة كمن قطعت يده ثم زنى أعيدت بعد بعثه وعوقب ذكره في الفنون فالحد كفارة لذلك الذنب للخبر نص عليه.
فصل
"وإذا اجتمعت حدود الله تعالى فيها قتل استوفي القتل وسقط سائرها" قال في المغني لا يشرع غيره لقول ابن مسعود رواه سعيد من رواية مجالد وقد ضعفه الأكثر ولم نعرف له في الصحابة مخالفا وكالمحارب إذا قتل وأخذ المال فإنه يكتفى بقتله ولأن هذه الحدود لمجرد الزجر وقتله بخلاف القصاص فإن فيه غرض التشفي والانتقام.
"وإن لم يكن فيها قتل فإن كانت من جنس مثل إن زنى أو سرق أو شرب مرارا أجزأ حد واحد" بغير خلاف علمناه قال ابن المنذر أجمع عليه كل من نحفظ عنه قال أحمد يقام عليه الحد مرة لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل وهو حاصل بالحد الواحد لأن الواجب هنا من جنس واحد فوجب التداخل كالكفارات وذكر ابن عقيل رواية لا تداخل في السرقة وفي البلغة يقطع واحد على الأصح وفي المستوعب رواية إن طالبوا متفرقين قطع لكل واحد قال أبو بكر العمل على خلافها.
ثم قال شيخنا قول الفقهاء تتداخل دليل على أن الثابت أحكام وإلا فالشيء الواحد لا يعقل فيه تداخل فالصواب أنها أحكام وعلى ذلك نص الأئمة قاله أحمد في لحم خنزير ميت فأثبت فيه تحريمين "وإن كانت من أجناس استوفيت كلها" بغير خلاف علمناه لأن التداخل(9/49)
ويبدأ بالأخف فالأخف وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها سواء كان فيها قتل أولم يكن, ويبدأ بغير القتل وإن اجتمعت مع حدود الله تعالى, بدئ بها.
__________
إنما هو في الجنس الواحد فلو سرق وأخذ المال في المحاربة قطع لذلك ويدخل فيه القطع في السرقة لأن محل القطعين واحد.
"ويبدأ بالأخف فالأخف" وجوبا قاله في الفروع فعلى هذا يبدأ بالحد للشرب ثم للسرقة ثم للزنى لأن الأول أخف ولا يوالي بين هذه الحدود لأنه ربما يقضي إلى التلف وفي المغني والشرح إنه على سبيل الاستحباب فلو بدأ بغير الأخف جاز.
"وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها سواء كان فيها قتل أو لم يكن" لأنها حقوق آدميين أمكن استيفاؤها فوجب كسائر حقوقهم لا يقال يكتفى بالقتل في حقوق الله تعالى لأنها مبنية على السهولة بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على الشح والضيق.
"ويبدأ بغير القتل" لأن البداءة به تفوت استيفاء باقي الحقوق.
"وإن اجتمعت مع حدود الله تعالى بدئ بها" أي إذا اجتمعت حقوق الله وحقوق الآدميين فهي أنواع.
أحدها: ألا يكون فيها قتل فهذه تستوفى كلها في قول الأكثر فيبدأ بحد القذف إلا إذا قلنا حد الشرب أربعون فإنه يبدأ به لخفته ثم حد القذف وأيهما قدم فالآخر يليه ثم الزنى ثم القطع وقال أبو الخطاب يبدأ بالقطع قصاصا ثم بالقذف ثم للشرب ثم للزنى.
الثاني: إذا كان فيها قتل فإنها تدخل حقوق الله تعالى في القتل سواء كان من حدود الله كالرجم في الزنى أو لحق الآدمي كالقصاص وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها وإن كان القتل حقا لله تعالى استوفيت الحقوق كلها متوالية لأنه لابد من فوات نفسه فلا فائدة في التأخير وإن كان القتل حقا لآدمي انتظرنا لاستيفاء الثاني برءه من الأول لأن الموالاة بينهما يحتمل أن(9/50)
فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يدا قطعت يده أولا, ثم حد للقذف ثم للشرب ثم للزنى ولا يستوفى حد حتى يبرأ من الذي قبله.
فصل
ومن قتل أو أتى حدا خارج الحرم
__________
تفوت نفسه قبل القصاص فيفوت حق الآدمي ولأن العفو جائز فيحتمل بتأخيره أن يعفو الولي فيحيى.
الثالث: أن يتفق الحقان في محل واحد كالقتل والقطع قصاصا قدم القصاص على الرجم في الزنى ويبدأ بالأسبق من القتل في المحاربة والقصاص لأن كلا منهما حق آدمي وإن سبق القصاص قتل قصاصا ولم يصلب كما لو مات.
ويجب لولي المقتول في المحاربة ديته وإن مات القاتل في المحاربة وجبت الدية في تركته وقدم القصاص على الحد المتمحض في القطع ولو تأخر سببه فإن عفا ولي الجناية استوفى الحد والقطع في المحاربة حد محض وليس بقصاص والقتل يتضمن القصاص ولهذا لو فات القتل في المحاربة وجبت الدية ولو فات القطع لم يجب له بدل "فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يدا قطعت يده أولا" لأنه متمحض حق آدمي بدليل سقوطه بإسقاطه "ثم حد للقذف" لأنه مختلف في كونه لآدمي ثم للشرب لأنه أخف "ثم للزنى" لأنه أشد الحدود وفي المحرر والوجيز إذا اجتمع عليه قتلان بردة وقود أو قطعان بسرقة وقود قطع وقتل لهما وقيل للقود خاصة وفي الشرح إذا سرق وقتل في المحربة ولم يأخذ المال قتل حتما ولم يصلب ولم تقطع يده "ولا يستوفى حد حتى يبرأ من الذي قبله" لئلا يؤدي إلى تلفه بتوالي الحدود عليه.
فصل
"ومن قتل" أو جرح "أو أتى حدا خارج الحرم" أي حرم مكة المشرفة(9/51)
ثم لجأ إليه لم يستوف منه فيه ولكن لا يبايع ولا يشارى حتى يخرج فيقام عليه.
__________
للنص وفي التعليق وجه أن حرم المدينة كمكة لما روى مسلم عن أبي سعيد مرفوعا قال "إني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها ألا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال" ثم لجأ إليه" أي إلى الحرم "لم يستوف منه فيه" في ظاهر المذهب قال أبو بكر والعمل عليه.
وعنه يستوفى فيه كل شيء إلا القتل لقوله عليه السلام "لا يسفك فيها دم" ولا شك أن حرمة النفس أعظم فلا يقاس عليها غيرها وقال بعض الأئمة يستوفى منه الكل للعمومات ولأنه عليه السلام قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ولأنه حيوان أبيح قتله لعصيانه أشبه الكلب العقور وجوابه قوله تعالى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران: 97] أي فأمنوه لأنه خبر أريد به الأمر ولأنه عليه السلام حرم سفك الدم بها وقوله عليه السلام "فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم" يدفع ما احتجوا به من قتل ابن خطل وقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم" رواه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو وأبي شريح وقال ابن عمر لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما هيجته رواه أحمد.
وكذا إذا لجأ إليه حربي أو مرتد لم يجز أخذه به فيه كحيوان صائل ذكره المؤلف "ولكن لا يبايع ولا يشاري" لقول ابن عباس وفي المستوعب والرعاية ولا يكلم نقله أبو طالب زاد في الروضة ولا يأكل ولا يشارب لأنه لو أطعم أو أووي لتمكن من الإقامة دائما فيضيع الحق حتى يخرج فيقام عليه في قول ابن عباس في الذي يصيب حدا ثم يلجأ إلى الحرم يقام عليه الحد إذا خرج من الحرم حكاه أحمد نقله الأثرم وروي عن عمر وابن الزبير.
قال الزهري من قتل في الحل ثم دخل الحرم أخرج إلى الحل فيقتل فيه ومن قتل في الحرم قتل فيه وهذا هو السنة والآدمي حرمته عظيمة وإنما أبيح قتله لعارض أشبه الصائل من الحيوانات المباحة فإن الحرم لا يعصمها فلو استوفى(9/52)
وإن فعل ذلك في الحرم استوفي منه فيه. ومن أتى حدا في الغزو لم يستوف منه في أرض العدو حتى يرجع إلى دار الإسلام, فيقام عليه.
__________
من له الحق فيه أساء ولا شيء عليه
فرع: ذكر جماعة أن من أتى حدا ثم لجأ إلى داره فهو كالحرم وحينئذ لا يخرج منها بل يضيق عليه حتى يخرج فيقام عليه.
"وإن فعل ذلك في الحرم استوفي منه" فيه بغير خلاف نعلمه روى الأثرم عن ابن عباس أنه قال "من أحدث حدثا في الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه" ولقوله تعالى {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية [البقرة: 191] فأباح قتلهم ثم قتالهم في الحرم ولأن أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي حفظا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم ولو لم يشرع الحد فيه لتعطلت الحدود في حقهم وفاتت المصالح التي لابد منها.
تذنيب: إذا قوتلوا في الحرم دفعوا عن أنفسهم فقط لقوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قرئ بهما واستدلالهم بالخبر المشهور صححه ابن الجوزي في تفسيره وقاله الماوردي وذكر ابن الجوزي أن مجاهدا وغيره قالوا الآية محكمة وفي التمهيد أنها نسخت بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وفي الأحكام السلطانية يقاتل البغاة إذا لم يندفع بغيهم إلا به لأنه من حقوق الله وحفظها في حرمه أولى من إضاعتها وذكره الماوردي عن جمهور الفقهاء ونص عليه الشافعي وحمل الخبر على ما يعم إتلافه كالمنجنيق إذا أمكن إصلاح بدون ذلك وذكر أبو بكر بن العربي لو تغلب فيها كفار أو بغاة وجب قتالهم بالإجماع وذكر الشيخ تقي الدين إن تعدى أهل مكة على الركب دفع الركب كما يدفع الصائل وللإنسان أن يدفع مع الركب بل يجب إن احتيج إليه "ومن أتى حدا في الغزو" وفي المغني و الشرح أو ما يوجب قصاصا "لم يستوف منه في أرض العدو" لأنه ربما يحمله الغضب على أن يدخل والعياذ بالله في الكفر "حتى يرجع إلى دار الإسلام فيقام عليه" وقاله الأوزاعي وإسحاق.(9/53)
باب حد الزنا
إذا زنى الحر المحصن
__________
قال أحمد: لا تقام الحدود بأرض العدو ونقل صالح وابن منصور إن زنى الأسير أو قتل مسلما ما أعلمه إلا أن يقام عليه الحد إذا رجع لما روى بشر بن أرطأة أنه أتى برجل في الغزاة قد سرق فقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تقطع الأيدي في الغزاة لقطعتك" رواه أبو داود وغيره وهو إجماع الصحابة ولأنه إذا رجع أقيم عليه الحد في دارنا لعموم الآيات والأخبار فإن تأخيره لعارض من مرض أو شغل جائز فإذا زال أقيم عليه لوجود المقتضى السالم عن المعارض.
مسألة: تقام الحدود في الثغور بغير خلاف نعلمه لأنها من بلاد الإسلام والحاجة داعية إلى زجر أهلها كالحاجة إلى زجر غيرهم وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة أن يجلد من شرب الخمر ثمانين وهو بالشام بالثغور والله أعلم.
باب حد الزنى
وهو فعل الفاحشة في قبل أو دبر وهو من أكبر الكبائر لقوله تعالى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32] {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} الآية [الفرقان: 68] ولما روى ابن مسعود قال "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك" متفق عليه وكان حده في ابتداء الإسلام الحبس في البيت والأذى بالكلام لقوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} الآية [النساء: 15] والمراد الثيب لأن قوله {مِنْ نِسَائِكُمْ} إضافة زوجية لقوله تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] ولا فائدة في الإضافة هنا إلا اعتبار الثيوبة وقد ذكر عقوبتين إحداهما أغلظ من الأخرى فأثبت الأغلظ للثيب والأخرى للبكر ثم نسخ بما رواه مسلم من حديث عبادة مرفوعا "خذوا(9/54)
فحده الرجم حتى يموت وهل يجلد قبل الرجم؟ على روايتين.
__________
عني خذوا عني البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" ونسخ القرآن بالسنة جائز.
ومن منع قال ليس هذا نسخا إنما هو تفسير وتبين له ويمكن أن يقال نسخه حصل بالقرآن فإن الجلد في كتاب الله والرجم كان فيه فنسخ رسمه وبقي حكمه قاله في المغني والشرح.
"إذا زنى الحر المحصن" وإنه لا يجب الرجم إلا عليه باتفاق "فحده الرجم حتى يموت" وهو قول عامتهم وحكاه ابن حزم إجماعا وقد ثبت أنه عليه السلام رجم بقوله وفعله في أخبار تشبه التواتر وقد أنزله الله تعالى في كتابه ثم نسخ رسمه وبقي حكمه لقول عمر "كان فيما أنزل الله آية الرجم.......الخبر" متفق عليه.
فإن قيل لو كانت في المصحف لاجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها قال ابن الجوزي أجاب ابن عقيل فقال إنما كان ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استقصاء لطلب طريق مقطوع به كما سارع الخليل عليه السلام إلى ذبح ولده بمنام وهو أدنى طرق الوحي وأقلها.
قوله "فحده الرجم حتى يموت" أي يرجم بالحجارة وغيرها قال في البلغة ولتكن الحجارة متوسطة قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن المرجوم يدام عليه الرجم حتى يموت "وهل يجلد قبل الرجم؟ على روايتين".
إحداهما: يجلد ثم يرجم قال ابن هبيرة هي أظهر وأثبت اختارها الخرقي والقاضي وجماعة قال أبو يعلى الصغير اختارها شيوخ المذهب وجزم بها في الوجيز وهي قول ابن عباس وأبي بن كعب لقوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الآية [النور: 2] ولهذا قال علي جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ولحديث عبادة وهذا صريح فلا يترك إلا بمثله وله أن يوالي بين الجلد والرجم.
والثانية: ترجم فقط قدمه في المحرر والرعاية ونقله الأكثر واختاره الأثرم والجوزجاني وابن حامد وأبو الخطاب وهو وفاق وروي عن عمر(9/55)
والمحصن من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران.
__________
وعثمان لأنه عليه السلام رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما وقال "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ولم يأمره بجلدها وكان هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأثرم وسمعت أبا عبد الله يقول في حديث عبادة إنه أول حد نزل وإن حديث ماعز بعده وليس فيه الجلد ولأنه حد فيه قتل فلم يجتمع معه كالردة.
"والمحصن من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران" أقول يشترط للإحصان شروط أحدها الوطء في القبل ولابد من تغييب الحشفة في الفرج فلو وجد النكاح من غير وطء أو وطئ دون الفرج أو في الدبر لم يحصل ذلك لأنها لا تصير ثيبا ولا تخرج عن حد الأبكار.
الثاني: أن تكون في نكاح لأن النكاح يسمى إحصانا لقوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] يعني المزوجات ولا خلاف أن وطء الزنى والشبهة لا يصير به الواطئ محصنا وأن التسري لا يحصل به الإحصان لواحد منهما لأنه ليس بنكاح ولا تثبت له أحكامه.
الثالث: أن يكون صحيحا وهو قول أكثرهم.
الرابع: البلوغ والعقل في قول الجماهير فلو وطئ وهو صبي أو مجنون ثم بلغ أو عقل لم يكن محصنا لقوله عليه السلام "الثيب بالثيب جلد مائة" فاعتبر الثيوبة خاصة ولو كانت تحصل قبله لكان عليه الرجم قبل بلوغه وعقله وهو خلاف الإجماع
الخامس: الحرية في قول الجميع إلا أبا ثور لقوله تعالى {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] والرجم لا يتنصف وإيجابه كله يخالف النص مع مخالفة الإجماع.
وعلى كل حال فلابد أن يوجد الكمال فيهما جميعا حال الوطء فيطأ الرجل البالغ العاقل الحر امرأة عاقلة حرة وهو قول عطاء والحسن وابن(9/56)
فإن اختل شرط من ذلك في أحدهما فلا إحصان لواحد منهما ولا يثبت الإحصان بالوطء بملك اليمين ولا في نكاح فاسد ويثبت الإحصان للذميين وهل تحصن الذمية مسلما؟ على روايتين ولو كان لرجل ولد من امرأته فقال ما وطئتها لم يثبت إحصانه.
__________
سيرين وذكر القاضي أن أحمد نص أنه لا يحصل إحصان بوطئه في حيض وصوم وإحرام ونحوه وفي الإرشاد وهو وجه وفي المحرر يحصن مراهق بالغة ومراهقة بالغا وذكره الشيخ تقي الدين رواية وفي الترغيب إن كان أحدهما صبيا أو مجنونا أو رقيقا فلا إحصان لواحد منهما على الأصح ونقله الجماعة وجوابه أنه وطء لم يحصن أحد المتواطئين فلم يحصن الآخر كالتسري.
"فإن اختل شرط من ذلك في أحدهما فلا إحصان لواحد منهما" لأن ما كان معلقا على شروط لا يوجد بدونها "ولا يثبت الإحصان بالوطء بملك اليمين" وهو التسري "ولا في نكاح فاسد" خلافا لأبي ثور وهو مروي عن الليث والأوزاعي وجوابه أنه وطء في غير ملك أشبه وطء الشبهة "ويثبت الإحصان للذميين" لأن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة ورجل منهم قد زنيا "فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما" متفق عليه ولأن الجناية بالزنى استوت بين المسلم والذمي فوجب أن يستويا في الحد وكذا يثبت لمستأمنين.
"وهل تحصن الذمية مسلما على روايتين" إحداهما تحصنه ولا يشترط الإسلام قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز ونصره في الشرح لحديث ابن عمر السابق المتفق عليه واقتصر عليه في الكافي والثانية: لا تحصنه لأن الإحصان من شرطه الحرية فكان من شرطه الإسلام كإحصان القذف وجوابه أنه لا يصح القياس بإحصان القذف لأن من شرطه العفة وليست شرطا هنا " ولو كان لرجل ولد من امرأته فقال ما وطئتها لم يثبت إحصانه" ولا يرجم إذا زنى لأن الولد يلحق بإمكان الوطء واحتماله والإحصان لا يثبت إلا بحقيقة الوطء فلا يلزم من ثبوت ما يكتفى فيه بالإمكان وجود ما تعتبر فيه الحقيقة ويثبت بقوله وطئتها أو جامعتها والأشهر أو دخلت بها .(9/57)
وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة وغرب عاما إلى مسافة القصر وعنه أن المرأة تنفى إلى دون مسافة القصر ويخرج معها محرمها فإن راد أجرة بذلت من مالها فإن تعذر فمن بيت المال فإن أبى الخروج معها استؤجرت امرأة ثقة فإن تعذر نفيت بغير محرم.
__________
فرع: إذا زنى محصن ببكر فلكل حده نص عليه "وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة" ولا يجب غيره نقله أبو الحارث والميموني قاله في الانتصار لقوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الآية [النور: 2] ولقوله عليه السلام "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" وذلك وإن كان عاما فيخرج منه الرقيق كما يأتي والمحصن لما سبق فيبقى ما عداه على مقتضاه ولأن الخلفاء الراشدين فعلوا ذلك بالحر غير المحصن وانتشر ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع "وغرب عاما" في قول الجمهور "إلى مسافة القصر" لأن ما دون ذلك في حكم الحضر فإن عاد قبل الحول أعيد تغريبه ويبني على ما مضى ونقل الأثرم أنه لا يشترط مسافة القصر بل ينفى من عمله إلى عمل غيره وإن زنى في البلد الذي غرب إليه غرب منه إلى بلد آخر وظاهره أن المرأة تغرب إلى مسافة القصر لوجوبه كالدعوى "وعنه أن المرأة تنفى إلى دون مسافة القصر" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لتقرب من أهلها فيحفظوها وعنه تغرب إلى مسافة قصر مع محرمها ومع تعذره إلى دونها.
"ويخرج معها محرمها" وجوبا إن تيسر لأنه سفر واجب أشبه سفر الحج والمراد إذا كان باذلا "فإن أراد أجرة بذلت من مالها" لأن ذلك من مؤنة سفرها أشبه المركوب والنفقة "فإن تعذر فمن بيت المال" لأن فيه مصلحة أشبه نفقة نفسها وهذا قول ويقيد بما إذا أمكن "فإن أبى الخروج معها استؤجرت امرأة ثقة" اختاره جماعة لأنه لابد من شخص يكون معها لأجل حفظها وحينئذ لم يكن بد من امرأة ثقة ليحصل المقصود من الحفظ وأجرتها على الخلاف "فإن تعذر نفيت بغير محرم" قاله إمامنا والشافعي كسفر الهجرة والحج إذا مات المحرم في الطريق وفي الترغيب(9/58)
ويحتمل أن يسقط النفي وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة بكل حال ولا يغرب وإن كان نصفه حرا فحدده خمس وسبعون جلد وتغريب نصف عام.
__________
وغيره مع الأمن وعنه بلا محرم تعذر أو لا لأنه عقوبة ذكره ابن شهاب "ويحتمل أن يسقط النفي" عنها إذن كسقوط سفر الحج عنها فكذا هنا قال المؤلف وهذا الاحتمال هو اللائق بالشريعة فإن نفيها بغير محرم إغراء لها بالفجور وتعريض لها بالفتنة لا يقال حديث التغريب عام لأنه يخص بقوله عليه السلام "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم" " وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة" لما روى أبو هريرة وزيد بن خالد قالا سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال "إذا زنت فاجلدوها......." الخبر متفق عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي "إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين" رواه عبد الله بن أحمد ورواه مالك عن عمر "بكل حال" سواء كان مزوجا أو غير مزوج للعموم وخرق أبو ثور الإجماع في إيجاب الرجم على المحصنات كما خرق داود الإجماع في تكميل الحد على العبد وتضعيف حد الأبكار على المحصنات "ولا يغرب" ولا يعير نص عليهما وهو المشهور لأنه عليه السلام لم يذكره ولو كان واجبا لبينه كغيره لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ولأنه مشغول بخدمة السيد وفي تغريبه ضياع لها من غير جناية منه بدليل سقوط الجمعة ويتوجه احتمال بالنفي لأن عمر نفاه رواه البخاري قال في كشف المشكل يحتمل قوله نفاه أي أبعده من صحبته.
"وإن كان نصفه حرا فحده خمس وسبعون جلدة" لأن أرش جراحه على النصف من الحر والنصف من العبد فكذا حده وفي الأول خمسون وفي الثاني خمس وعشرون وفي الفروع وغيره والمعتق بعضه بالحساب وهو أولي.
"وتغريب نصف عام" في المنصوص لأن الحر تغريبه عام والعبد لا تغريب عليه فنصف الواجب من التغريب نصف عام وإن كان بعضه فبالحساب ؛(9/59)
ويحتمل ألا يغرب وحد اللوطي كحد الزاني سواء وعنه حده الرجم بكل حال
__________
كالحد "ويحتمل ألا يغرب" لأن حق السيد بعضه فيقتضي بقاءه في بلده ليتمكن من الانتفاع بحصته فغلب حقه على التغريب لما في حق السيد من التأكيد.
فرع: إذا زنى عبد ثم عتق فعليه حد الرقيق وإن كان أحد الزانيين حرا والآخر رقيقا فعلى كل منهما حده وإن زنى بعد العتق وقبل العلم به فعليه حد حر وإن عفا السيد عنه لم يسقط حده في قول عامتهم.
"وحد اللوطي كحد الزاني سواء" قدمه في المحرر والمستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز لقوله عليه السلام "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان" ولأنه زنى فكان فاحشة كالإيلاج في فرج المرأة فعلى هذا إن كان محصنا رجم وإن كان غير محصن جلد مائة وغرب عاما وإن كان عبدا جلد خمسون من غير تغريب.
"وعنه حده الرجم بكل حال" بكرا كان أو ثيبا محصنا أو غيره وهي قول علي وابن عباس وغيرهما قال بعضهم وهي أظهر الروايتين وصححه ابن هبيرة لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وإسناده ثقات.
وعن ابن عباس في البكر "يرجم" رواه أبو داود بإسناد جيد واحتج به أحمد وبالجملة فالإجماع منعقد على تحريمه وقد عابه الله في كتابه وذم فاعله ولهذا قال أبو بكر الصديق يحرق اللوطي وهو قول ابن الزبير وقال أبو بكر لو قتل بلا استتابة لم أر به بأسا وأنه لما كان مقيسا على الزاني في الغسل كذلك الحد وإن الغسل قد يجب ولا حد لأنه يدرأ بالشبهات بخلاف الغسل فدل أنه يلزم من نفي الغسل نفي الحد وأولى ونصره ابن عقيل لأنه أبعد من أحد فرجي الخنثى المشكل لخروجه عن هيئة الفروج وأحكامها.
مسائل: يعزر غير البالغ منهما ولا حد على من وطئ زوجته أو مملوكته في(9/60)
ومن أتى بهيمة فعليه حد اللوطي عند القاضي اختار الخرقي وأبو بكر أنه يعزر وتقتل البهيمة وكره أحمد أكل لحمها وهل ذلك
__________
دبرها بل يعزر قال في الفروع ومملوكه كأجنبي وفي الترغيب ودبر أجنبية كلواط وقيل كزنا وزان بذات محرم كلواط ونقل جماعة ويؤخذ ماله لخبر البراء وأوله الأكثر على عدم وارث وأول جماعة ضرب العنق فيه على ظن الراوي قال أحمد يقتل ويؤخذ ماله على خبر البراء إلا رجلا يراه مباحا فيجلد قلت فالمرأة قال كلاهما في معنى واحد يقتل وقال أبو بكر هو محمول عند أحمد على المستحل وإن غير المستحل كزان.
"ومن أتى بهيمة" ولو سمكة "فعليه حد اللوطي عند القاضي" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي واختار الخرقي وأبو بكر والأكثر وجزم به في الوجيز وهي قول ابن عباس وعطاء أنه يعزر وهو المشهور لأنه لم يصح فيه نص ولا يمكن قياسه على الوطء في فرج الآدمي لأنه لا حرمة لها والنفوس تعافه ويبالغ في تعزيره لعدم الشبهة له فيه كوطء الميتة وقال الترمذي لا يعرف الحديث الأول إلا من رواية عمرو بن أبي عمرو وهو مخرج عنه في الصحيحين وقال الطحاوي هو ضعيف وقد صح عن ابن عباس أنه قال "من أتى بهيمة فلا حد عليه" وقال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يأتي البهيمة فوقف عندها ولم يثبت حديث عمرو ولأن الحد يدرأ بالشبهة "وتقتل البهيمة" عليهما مأكولة كانت أو غير مأكولة له أو لغيره للخبر وذكر ابن أبي موسى في قتلها على الثاني روايتين قال أبو بكر والاختيار قتلها وإن تركت فلا بأس ولا يجوز قتلها حتى يتبين ذلك إما بالشهادة على فعله بها أو بإقراره إن كانت ملكه فإن كانت لغيره لم يجز قتلها بحال لأنه إقرار على ملك غيره فلم يقبل كما لو أقر لغير مالكها وقيل إن كانت تؤكل ذبحت وحلت مع الكراهة.
"وكره أحمد أكل لحمها" لاختلاف الناس في حل الأكل "وهل ذلك(9/61)
حرام؟ على وجهين.
فصل:
ولا يجب الحد إلا بشروط ثلاثة أحدها أن يطأ في الفرج سواء كان قبلا أو دبرا وأقل ذلك تغييب الحشفة في الفرج فإن وطئ دون الفرج أو أتت المرأة المرأة فلا حد عليهما.
__________
حرام على وجهين" أحدهما يحرم قدمه في الفروع وغيره روي عن ابن عباس ولأنه لحم حيوان وجب قتله لحق الله تعالى فحرم أكله كسائر المقتولات فعلى هذا يضمن الواطئ كمال قيمتها وفي الانتصار احتمال.
والثاني يحل أكلها لقوله تعالى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] ولأنه حيوان ذبحه ذابح من أهل الذكاة فجاز أكله كما لو لم يفعل به ذلك لكن يكره للشبهة فعليها يضمن نقصها.
فصل:
"ولا يجب الحد إلا بشروط ثلاثة" لما يأتي "أحدها أن يطأ في الفرج" أي فرج أصلي "سواء كان قبلا أو دبرا" أصليين لأن الدبر فرج مقصود أشبه القبل ولأنه إذا وجب بالوطء في الفرج وهو مما يستباح فهذا أولى ويقال إن أول ما بدأ قوم لوط بوطء النساء في أدبارهن ثم انتقلوا بعد ذلك إلى الرجال "وأقل ذلك تغييب الحشفة" الأصلية من خصي أو فحل أو قدرها لعدم "في الفرج" لأن أحكام الوطء تتعلق به.
"فإن وطئ دون الفرج" فلا حد عليه لما روى ابن مسعود قال "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني وجدت امرأة فأصبت منها كل شيء إلا النكاح فقال استغفر الله" رواه النسائي فلم يوجب عليه حدا وظاهره أنه لا يعزر إذا جاء تائبا "أو أتت المرأة المرأة فلا حد عليهما" أي إذا تساحقت امرأتان فهما ملعونتان قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان" رواه مسلم ذكره في الشرح وأما كونه لا حد عليهما لأنه لا يتضمن إيلاجا أشبه(9/62)
فصل
الثاني: انتفاء الشبهة فإن وطئ جارية ولده أو جارية له فيها شرك أو لولده أو وجد امرأة على فراشه ظنها امرأته,أو جاريته.
__________
المباشرة دون الفرج وعليهما التعزير لأنه زنى لا حد فيه أشبه مباشرة الرجل الأجنبية من غير جماع وكذا لو جامع الخنثى المشكل بذكره أو جومع في قبله فلا حد.
فرع: إذا وجد رجل مع امرأة كل منهما يقبل الآخر ولم يعلم أنه وطئها فلا حد فإن قالا نحن زوجان قبل قولهما في قول الأكثر فإن شهد عليهما بالزنى فقالا نحن زوجان فقيل عليهما الحد إن لم تكن بينة بالنكاح وقيل لا إذا لم يعلم أنها أجنبية منه لأن ذلك شبهة كما لو شهد عليه بالسرقة فادعى أن المسروق ملكه.
فصل
الثاني: انتفاء الشبهة لقوله عليه السلام "ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" "فإن وطئ جارية ولده" فلا حد عليه في قول أكثرهم لأنه وطء تمكنت الشبهة فيه كوطء الجارية المشتركة يدل عليه قوله عليه السلام أنت ومالك لأبيك أضاف مال ولده إليه وجعله له فإذا لم تثبت حقيقة الملك فلا أقل من جعله شبهة دارئة للحد الذي يدرأ بالشبهة.
وفي الرعاية من وطئ أمة ولده ولم ينو تملكها به ولم يكن ابنه وطئها وقيل أو كان عزر في الأشهر بمائة سوط وقيل إن حملت منه ملكها وإلا عزر وإن كان ابنه وطئها حد الأب مع علمه به "أو جارية له فيها شرك" فكذلك لأنه فرج له فيه ملك أشبه المكاتبة والمرهونة وظاهره ولو لبيت المال صرح به في الرعاية إذا كان له فيه حق "أو لولده" لأن الشرك في إسقاط الحد كملك الكل "أو وجد امرأة على فراشه ظنها امرأته أو جاريته" فوطئها فلا حد عليه لأنه وطء اعتقد إباحته بما يعذر مثله فيه أشبه ما لو قيل له هذه زوجتك بغير خلاف نعلمه لكن عليها الحد إن(9/63)
أو دعا الضرير امرأته و جاريته فأجابه غيرها فوطئها أو وطئ في نكاح مختلف في صحته أو وطئ امرأته في دبرها أو حيضها أو نفاسها أو لم يعلم بالتحريم لحداثة عهده بالإسلام أو نشوئه ببادية بعيدة أو أكره على الزنا فلا حد عليه وقال أصحابنا إن أكره
__________
علمت أنه أجنبي "أو دعا الضرير امرأته أو جاريته فأجابه غيرها فوطئها" وظنها المدعوة كما لو زفت إليه غير زوجته وقيل له هذه زوجتك بخلاف ما لو دعا محرمة عليه فأجابه غيرها فوطئها يظنها المدعوة فعليه الحد سواء كانت المدعوة ممن له فيها شبهة كالجارية المشتركة أو لم يكن لأنه لا تعذر بهذا أشبه ما لو قتل رجلا يظنه ابنه فبان أجنبيا "أو وطئ في نكاح" أو ملك "مختلف في صحته" يعتقد تحريمه كمتعة وبلا ولي وشراء فاسد بعد قبضه وقيل أو قبله لأن الوطء فيه شبهة وعنه يحد اختاره الأكثر في وطء بائع بشرط خيار ولو لم يجد ذكره أبو الحسين وغيره فلو حكم بصحته توجه خلاف وكذا وطؤه بعقد فضولي وفي ثالث إن وطئ قبل الإجازة حد وإلا عزر واختار في المحرر يحد قبلها إن اعتقد أنه لا ينفذ بها وحكى رواية "أو وطئ امرأته في دبرها أو حيضها أو نفاسها" لأن الوطء قد صادف ملكا فكان شبهة وقد حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه أنه يدرأ بالشبهة "أو لم يعلم بالتحريم لحداثة عهده بالإسلام أو نشوئه ببادية بعيدة" قبل منه لأنه يجوز أن يكون صادقا وظاهره أنه إذا لم يكن كذلك أو نشأ بين المسلمين أنه لا يقبل منه لأنه لم يخف عليه "أو أكره على الزنى فلا حد عليه" نقول لا حد على مكرهة على الزنى في قول عامتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" رواه النسائي وعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه "أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد" رواه الأثرم ورواه سعيد عن عمر ولأن هذا شبهة والحد يدرأ بها ولا فرق في الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها أو بالتهديد بالقتل ونحوه نص عليه في راع أو منع طعام مع اضطرار وكذا المفعول له لواطا قهرا "وقال أصحابنا إن أكره(9/64)
الرجل فزنى حد وإن وطئ ميتة أو ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها فهل يحد أو يعزر؟ على وجهين وإن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه كنكاح المزوجة.
__________
الرجل فزنى حد" نص عليه وقدمه في الفروع وهو المذهب لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار الحادث والاختيار بخلاف الإكراه وعنه لا حد عليه صححه في المغني والشرح لعموم الخبر ولأن الإكراه شبهة وكما لو استدخلت ذكره وهو نائم وعنه فيهما لا حد إلا بتهديد ونحوه قال الشيخ تقي الدين بناء على أنه لا يباح بالإكراه الفعل لا القول قال القاضي وغيره إن خافت على نفسها القتل سقط عنها الدفع كسقوط الأمر بالمعروف بالخوف "وإن وطئ ميتة أو ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها فهل يحد أو يعزر على وجهين" وهما روايتان إحداهما يحد بوطء ميتة قدمها في الرعاية لأنه إيلاج في فرج محرم لا شبهة له فيه أشبه الحية ولأنه أعظم ذنبا.
والثانية: لا يحد اختارها أبو بكر وجزم بها في الوجيز لأنه لا يقصد فلا حاجة إلى الزجر عنه فعليها يعزر ونقل عبد الله بعض الناس يقول عليه حدان فظننته يعني نفسه قال أبو بكر وهو قول الأوزاعي وهذا بخلاف طرف ميت لعدم ضمان الجملة لعدم وجود قتل بخلاف الوطء وأما من تحرم عليه بالرضاع إذا وطئها فعنه يحد وذكره القاضي عن أصحابنا لأنه لا يستباح بحال كالمحرمة بالنسب وكفرج الغلام وعنه لا وجزم بها في الوجيز لأنها مملوكة أشبهت مكاتبته ولأنه وطء اجتمع فيه موجب ومسقط والحد يبنى على الدرء والإسقاط فإذا لم يحد عزر وعنه مائة سوط وكذا إذا وطئ أمته المزوجة أو المعتدة أو المرتدة والمجوسية.
"وإن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه" والمنصوص مع علمه "كنكاح المزوجة" لأنه وطء لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك فأوجب الحد عملا بالمقتضى وقد روي عن عمر "أنه رفع إليه امرأة تزوجت في عدتها فقال هل علمتما فقالا لا فقال لو علمتما لرجمتكما" رواه أبو نصر المروزي .(9/65)
والمعتدة والخامسة وذوات المحارم من النسب والرضاع أو استأجر امرأة للزنا أو لغيره وزنى بها أو زنى بامرأة له عليها القصاص أو بصغيرة أو مجنونة أو بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم اشتراها
__________
ولأنه إذا وجب الحد بوطء المعتدة فلأن يجب بوطء المزوجة بطريق الأولى "والمعتدة" فلو قال جهلت فراغ المعتدة وأمكن صدقه صدق والخامسة لعدم إباحتها "وذوات المحارم من النسب والرضاع" للعموم وعنه فيمن وطئ ذوات محارمه يقتل بكل حال رجحه في الشرح لأخبار وعنه ويؤخذ ماله لبيت المال لما روى البراء قال لقيت عمي ومعه الراية فقلت إلى أين تريد فقال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله رواه أبو داود والجوزجاني.
مسألة: حكم من زنى بحربية مستأمنة أو نكح بنته من الزنى كذلك نص عليه وحمله جماعة على أنه لم يبلغه الخلاف.
"أو استأجر امرأة للزنى أو لغيره وزنى بها" لعموم الآية والأخبار ووجود الإجارة كعدمها ولأنه وطء في غير ملك أشبه ما لو كان له عليها دين وتغير الحال لا يسقط الحد كما لو مات "أو زنى بامرأة له عليها القصاص" لأن استحقاق قتلها لا يوجب إباحة وطئها فلا تؤثر فيه شبهة فوجب أن يجب الحد عملا بالنصوص.
وقيل: من وطئ أمة له عليها قود لم يحد إن قلنا إنه يملكها به وسئل أحمد هل عليه عقرها قال لا شيء عليه هي له "أو بصغيرة" يوطأ مثلها نقله الجماعة وصححه في المغني والشرح لأنها كالكبيرة في ذلك وقيل أو لا وهو ظاهر كلامه هنا وقال القاضي لا حد على من وطئ صغيرة لم تبلغ تسعا لأنه لا يشتهى مثلها وكما لو استدخلت ذكر صبي لم يبلغ عشرا ورده المؤلف لعدم التوقيف فيه "أو مجنونة" لأن الواطئ من أهل وجوب الحد وقد فعل ما يوجبه فوجب أن يترتب عليه مقتضاه "أو بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم اشتراها" لأن النكاح والملك وجدا بعد وجوب الحد فلم يسقط كما لو سرق(9/66)
أو أمكنت العاقلة من نفسها مجنونا أو صغيرا فوطئها فعليهم الحد.
فصل
الثالث أن يثبت الزنا ولا يثبت إلا بشيئين أحدهما أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس وهو بالغ عاقل.
__________
نصابا ثم ملكه أو أقر عليها فجحدت كسكوتها.
"أو أمكنت العاقلة" أي المكلفة "من نفسها مجنونا أو صغيرا" وقيل ابن عشر "فوطئها فعليهم الحد" أي عليها الحد لأن سقوطه عن أحد المتواطئين لمعنى يخصه لا يوجب سقوطه عن الآخر كما لو زنى المستأمن بمسلمة.
فصل
"الثالث أن يثبت الزنى ولا يثبت زناه ولا يلزمه الحد "إلا بشيئين: أحدهما: أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس" نص عليه لما روى أبو هريرة قال "أتى رجل من الأسلميين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال إني زنيت فأعرض عنه فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبك جنون قال لا قال هل أحصنت قال نعم قال اذهبوا به فارجموه" متفق عليه.
وفي مختصر ابن رزين بمجلس سأله الأثرم بمجلس أو مجالس قال الأحاديث ليست تدل إلا على مجلس إلا عن ذاك الشيخ بشير بن المهاجر عن ابن بريدة عن أبيه وذلك منكر الحديث وقال الحكم وابن أبي ليلى يكفي الإقرار مرة لقوله عليه السلام "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" وغيره من الأحاديث المطلقة وجوابه ما سبق وبأنه لو وجب الحد بمرة لم يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز ترك حد وجب لله تعالى وروى نعيم بن هزال قال له النبي صلى الله عليه وسلم "قلتها أربع مرات قال نعم" رواه أبو داود.
"وهو بالغ عاقل" حر وعبد محدود في قذف أو لا ولا نعلم خلافا أن المكره لا يجب عليه حد وكذا النائم لرفع القلم عنه والسكران سبق حكمه وفي(9/67)
ويصرح بذكر حقيقة الوطء ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد. الثاني أن يشهد عليه أربعة رجال أحرار عدول.
__________
الكافي والشرح لا يصح إقراره به لكن عليه حد الزنى والسرقة والشرب والقذف إذا فعله حال سكره لفعل الصحابة فأما الأخرس إن لم تفهم إشارته فلا يتصور منه إقرار وإن فهمت إشارته فإنه يؤاخذ بها فإن أقر العاقل أنه زنى بامرأة فكذبته فعليه الحد دونها لحديث سهل بن سعد رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات "ويصرح بذكر حقيقة الوطء" لتزول التهمة ولقوله عليه السلام لماعز "لعلك قبلت أو غمزت قال لا قال أفنكتها -لا يكني- قال نعم فعند ذلك أمر برجمه" رواه البخاري وعنه وبمن زنى بها وفي الرعاية وهي أظهر وأطلق في الترغيب وغيره الخلاف "ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد" لأن من شرط إقامة الحد بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحد فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه في قول الجمهور لقصة ماعز.
فرع: إذا شهد أربعة على إقراره به أربعا فأنكر أو صدقهم دون أربع فلا حد عليه في الأظهر ولا على الشهود وهما في الترغيب إن أنكر وإنه لو صدقهم لم يقبل رجوعه "الثاني أن يشهد عليه" أي على فعله "أربعة" إجماعا لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية [النور: 4] ولقوله عليه السلام لسعد بن عبادة حين قال له أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء فقال النبي صلى الله عليه وسلم "نعم" رواه مالك رجال فلا تقبل فيه شهادة النساء إلا ما روي عن عطاء وحماد أنه يقبل فيه ثلاثة وامرأتان وهو خلاف النص لأن في شهادة النساء شبهة لما في قبولها من الاختلاف والحدود تدرأ بالشبهات "أحرار" في الأشهر وقاله الأكثر وعنه يقبل العبد لعموم النص وهو عدل مسلم ذكر فقبل كالحر وجوابه أنه مختلف في قبول شهادته وذلك شبهة فلا تقبل فيما يدرأ بالشبهة عدول ولا خلاف في اشتراطها كسائر الشهادات فلا تقبل فيه شهادة محمود ولا مستور الحال لجواز أن يكون فاسقا واكتفى بذلك عن(9/68)
يصفون الزنا ويجيئون في مجلس واحد سواء جاءوا متفرقين أو مجتمعين فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة أو لم يكملها فهم قذفة وعليهم الحد
__________
ذكر الإسلام لأن أهل الذمة كفار لا تتحقق العدالة فيهم فلا تقبل روايتهم ولا خبرهم الديني كعبدة الأوثان وسواء كانت الشهادة على مسلم أو ذمي.
"يصفون الزنى" أي: زنى واحد يصفونه نقله أبو طالب فيقولون رأينا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة ولأنه إذا اعتبر التصريح في الإقرار كان اعتباره في الشهادة أولى وقال طائفة يجوز أن ينظروا إلى ذلك منهما لإقامة الشهادة عليهما ليحصل الردع بالحد فإن شهدوا أنهم رأوا ذكره قد غيبه في فرجها كفى "ويجيئون في مجلس واحد" على الأصح لأن عمر شهد عنده أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة ولم يشهد زياد فحد الثلاثة ولو كان المجلس غير مشترط لم يجز أن يحدهم لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر ولأنه لو شهد ثلاثة فحدهم ثم جاء رابع فشهد لم تقبل شهادته ولو لا اشتراط المجلس لكملت شهادتهم وبهذا يفارق سائر الشهادات.
والثانية: ليس بشرط لقوله تعالى {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 3] ولم يذكر المجلس ولأن كل شهادة مقبولة إذا افترقت كغيرها وجوابه أن الآية لم تتعرض للشروط "سواء جاؤوا متفرقين" أي واحدا بعد آخر لقصة المغيرة فإنهم جاؤوا مفترقين وسمعت شهادتهم وإنما حدوا لعدم كمالها وفي الحديث أن أبا بكرة قال لعمر أرأيت لو جاء آخر فشهد أكنت ترجمه فقال عمر أي والذي نفسي بيده ولأنهم اجتمعوا في مجلس واحد أشبه ما لو جاؤوا "أو مجتمعين" ولأن المجلس كله بمنزلة ابتدائه ولهذا يجزئ فيه القبض فيما هو شرط فيه "فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم" من مجلسه فهم قذفة لأن شهادته غير مقبولة ولا صحيحة أشبه ما لو لم يشهد أصلا وعليهم الحد "أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة أو لم يكملها فهم قذفة وعليهم الحد" في قول أكثر العلماء ؛(9/69)
وإن كانوا فساقا أو عميانا أو بعضهم, فعليهم الحد وعنه لا حد عليهم وإن كان أحدهم زوجا يحد الثلاثة ولاعن الزوج إن شاء وإن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد واثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد آخر,
__________
لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وهذا يوجب الحد على كل رام لم يشهد بما قاله أربعة ولأن عمر جلد أبا بكرة وأصحابه حيث لم يكمل الرابع شهادته بمحضر من الصحابة ولم ينكره أحد فكان كالإجماع وحكى أبو الخطاب رواية أنه لا حد عليهم لأنهم شهود فلم يجب عليهم الحد كما لو كانوا أربعة أحدهم فاسق.
فرع: كل زنى يوجب الحد لا يقبل فيه إلا أربعة شهود بالاتفاق ويدخل فيه اللواط ووطء المرأة في دبرها ووطء البهيمة إن قلنا يجب الحد به وإن قلنا يعزر فيقبل بشاهدين وقيل بأربعة وعلى قياس هذا كل وطء يوجب التعزير فقط فإن لم يكن وطئا كمباشرة دون الفرج تثبت بشاهدين وجها واحدا "وإن كانوا فساقا أو عميانا أو بعضهم" أو بان فيهم صبي مميز أو امرأة أو عبد ولم يقبله "فعليهم الحد" على المذهب وصححه القاضي كما لو لم يكمل العدد وكما لو كان المشهود عليه مجبوبا أو رتقاء "وعنه: لا حد عليهم" وهو قول الحسن والشعبي لأنهم أربعة فدخلوا في عموم الآية وكما لو شهد أربعة مستورون ذكره في المغني والشرح أو مات أحدهم قبل وصفه الزنى وإن شهدوا عليها عذراء نص عليه وفي الواضح تزول حصانتها بهذه الشهادة والثالثة تحد العميان خاصة وقاله الثوري وإسحاق لأنه معلوم كذبهم والباقي يجوز صدقهم وقد كمل عددهم أشبه مستوري الحال "وإن كان أحدهم زوجا حد الثلاثة" لأنهم قذفة حيث لم تكمل البينة لأن شهادة الزوج غير مسموعة "ولاعن الزوج إن شاء" لأن الزوج إذا قذف زوجته له الخيرة بين اللعان وتركه وعلى الثانية لا حد ولا لعان بحال.
"وإن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد واثنان أنه زنى بها في بيت أو(9/70)
فهم قذفة وعليهم الحد وعنه يحد المشهود عليه وهو بعيد وإن شهدا أنه زنى بها في زاوية بيت وشهد الآخران أنه زنى بها في زاويته الأخرى أو شهدا أنه زنى بها في قميص أبيض وشهد الآخران أنه زنى بها في قميص أحمر كملت شهادتهم ويحتمل ألا تكمل كالتي قبلها.
__________
بلد آخر" أو اختلفا في اليوم "فهم قذفة وعليهم الحد" اختاره الخرقي وقدمه في الرعاية ونصره في الشرح وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأنه لم يكمل أربعة على زنى واحد فوجب عليهم الحد كما لو انفرد بالشهادة اثنان "وعنه يحد المشهود عليه" فقط اختاره أبو بكر وفي التبصرة والمستوعب وظاهرها أنه لا تعتبر شهادة الأربع على فعل واحد وإنما يعتبر عدد الشهود في كونها زانية "وهو بعيد" لأنه لم يثبت زنى واحد بشهادة أربعة فلم يجب الحد ولأن جميع ما تعتبر له البينة يعتبر كمالها في حق واحد فالموجب للحد أولى ولأنه مما يحتاط له ويندرئ بالشبهات قال أبو بكر لو شهد اثنان أنه زنى بامرأة بيضاء وآخران بامرأة سوداء فهم قذفة ذكره القاضي وهذا يناقض قوله "وإن شهدا أنه زنى بها في زاوية بيت" صغير "وشهد الآخران أنه زنى بها في زاويته الأخرى" كملت شهادتهم إن كانت الزاويتان متقاربتين وحد المشهود عليه على المذهب لأن التصديق ممكن فلم يجز التكذيب لا يقال يمكن أن يكون المشهود به فعلين فلم أوجبتم الحد مع الاحتمال وهو يدرأ بالشبهة لأنه لا شبهة فيه بدليل ما على موضع واحد فإنه يمكن أن تكون الشهادة على فعلين بأن يكون قد فعل ذلك مرتين أما لو كانت الزاويتان متباعدتين فالقول فيهما كالقول في البيتين وعلى قول أبي بكر تكمل الشهادة سواء تقاربتا أو تباعدتا.
"أو شهدا أنه زنى بها في قميص أبيض وشهد الآخران أنه زنى بها في قميص أحمر كملت شهادتهم" على المذهب لأنه لا تنافي بينهما فإنه يمكن أن يكون عليها قميصان فذكر كل اثنين واحدا منهما كما لو شهد اثنان أنه زنى بها في قميص كتان وآخران في قميص خز "ويحتمل ألا تكمل كالتي قبلها" وقاله أبو الخطاب لأن شهادتهم مختلفة أشبه ما لو(9/71)
وإن شهدا أنه زنى بها مطاوعة وشهد آخران أنه زنى بها مكرهة لم تكمل شهادتهم وهل يحد الجميع أو شاهدا المطاوعة؟ على وجهين وعند أبي الخطاب يحد الزاني المشهود عليه دون المرأة والشهود وإن شهد الأربعة فرجع أحدهم قبل الحد فلا شيء على الراجع ويحد الثلاثة.
__________
اختلفوا في البيتين فعلى هذا هل يحدون للقذف على وجهين.
"وإن شهدا أنه زنى بها مطاوعة وشهد آخران أنه زنى بها مكرهة لم تكمل شهادتهم" على الأشهر لأن فعل المطاوعة غير المكرهة فعلى هذا لا يحد الرجل اختاره أبو بكر والقاضي وأكثر الأصحاب ولا المرأة بغير خلاف نعلمه لأن الشهادة لم تكمل على فعل موجب للحد عليهما.
"وهل يحد الجميع" أي الأربعة لقذفهم الرجل ` أحدهما: يجب الحد على شاهدي المطاوعة اختاره أبو بكر لأنهما قذفا المرأة بالزنى ولم تكمل شهادتهم عليها ولا يجب على شاهدي الإكراه لأنهما لم يقذفا المرأة وقد كملت شهادتهم على الرجل وإنما انتفى الحد للشبهة.
والثاني: يحد الجميع لأنهم شهدوا بالزنى فلزمهم الحد كما لو لم يكمل عددهم "وعند أبي الخطاب يحد الزاني المشهود عليه" واختاره في التبصرة لأن الشهادة كملت على وجود الزنى منه واختلافها إنما هو في فعلها فلا يمنع كمال الشهادة عليها "دون المرأة" لأنه لم يشهد عليها أربعة بزنى يوجب الحد لأنه لا حد مع الإكراه "والشهود" لأن المقتضي له لم يوجد وفي الواضح لا حد على أحد منهم.
فرع: إذا شهد اثنان أنها بيضاء وآخران غيره لم تقبل لأن الشهادة لم تجتمع على عين واحدة وكما لو اختلفوا في تعدد المكان أو الزمان بخلاف السرقة وحدوا للقذف.
"وإن شهد أربعة فرجع أحدهم قبل الحد فلا شيء على الراجع ويحد الثلاثة" اختاره أبو بكر وابن حامد وجزم به في الوجيز لأن الراجع كالتائب قبل تنفيذ الحكم بقوله ولأن في درء الحد عنه تمكينا له من الرجوع الذي تحصل به(9/72)
وإن كان رجوعه بعد الحكم فلا حد على الثلاثة ويغرم الراجع ربع ما أتلفوه وإن شهد أربعة بالزنا بامرأة فشهد ثقات من النساء أنها عذراء فلا حد عليها.
__________
مصلحة المشهود عليه وإنما حد الثلاثة لأن برجوع الراجع نقص عدد الشهود فوجب أن يحدوا كما لو كانوا في الابتداء كذلك.
والثانية: يحد الجميع قدمها في المحرر لنقص العدد كما لو كانوا ثلاثة قال في المحرر ويتخرج ألا يحد سوى الراجع إذا رجع بعد الحكم وقبل الحد ولو رجع الكل فهل يحدون على الروايتين في الواحد "وإن كان رجوعه بعد الحكم فلا حد على الثلاثة" لأن الشهادة كملت واتصل بها الحكم فلم يجب عليهم شيء لعدم كونهم قذفة "ويغرم الراجع ربع ما أتلفوه" لأنه أقر على نفسه برجوعه أن التلف حصل بفعله وفعل غيره فيقبل على نفسه فقط وظاهره أنه لا حد على الراجع أيضا ونقله أبو النصر لأنه تائب والمذهب أنه يحد وحده إن ورث حد القذف فإن كان رجما ضمن ربع المتلف بدية أو غيرها إن صرح بالخطإ وإن قال عمدنا الكذب ليقتل قتل وحده وإن قال عمدت ذلك وحدي فهل يلزمه قود على الروايتين في مشاركة العامد للمخطئ "وإن شهد أربعة بالزنى بامرأة فشهد ثقات من النساء أنها عذراء فلا حد عليها" لأن البكارة تثبت بشهادة النساء ووجودها يمنع من الزنى ظاهرا والشهود صدقهم محتمل فإنه يحتمل أنه وطئها ثم عادت عذرتها لكن ذكر في الشرح أنه يكتفي بشهادة واحدة لأن شهادتها مقبولة فيما لا يطلع عليه الرجال ونقل أبو النصر في مسألة المجبوب أن الشهود قذفة وقد أحرزوا ظهورهم فذكر له قول الشعبي العذراء قال عنه اختلاف فإن رجمه القاضي فالخطأ منه قلت فترى في هذا أو في من شهد عليه بالزنى فلم يسأل القاضي عن إحصانه حتى رجمه أن الدية في بيت المال لأن الحاكم ليس عليه غرم قال نعم وأطلق ابن رزين في مجبوب ونحوه قولين بخلاف العذراء وفي الشرح إن شهد بأنها رتقاء أو ثبت أن الرجل مجبوب فينبغي أن يجب الحد على(9/73)
ولا على الشهود نص عليه وإن شهد أربعة على رجل أنه زنى بامرأة فشهد أربعة آخرون على الشهود أنهم هم الزناة بها لم يحد المشهود عليه وهل يحد الشهود الأولون حد الزنا؟ على روايتين. وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد بذلك بمجرده.
__________
الشهود لأنه متيقن كذبهم "ولا على الشهود" نص عليه لأن صدقهم محتمل وفي الرعاية ولا على الرجل "وإن شهد أربعة على رجل أنه زنى بامرأة فشهد أربعة آخرون على الشهود أنهم هم الزناة بها لم يحد المشهود عليه" لأن شهادة الآخرين تضمنت جرح الأولين وشهادة الآخرين تتطرق إليها التهمة "وهل يحد الشهود الأولون حد الزنى؟ على روايتين" كذا في المحرر والفروع إحداهما لا يجب الحد عليهم لأن الأولين قد جرحهم الآخرون بشهادتهم عليهم والآخرون تتطرق إليهم التهمة
والثانية: يحدون لها اختارها أبو الخطاب لأن شهادة الآخرين صحيحة فيجب الحكم بها وعلى كلتيهما في حدهم القذف روايتان أشهرهما بأنهم يحدون.
"وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد بذلك بمجرده" نقله الجماعة وذكر ابن هبيرة أنها الأظهر لكنها تسأل فإن ادعت أنها أكرهت أو وطئت اليسرى أو لم تعترف بالزنى لم تحد وهو قول الأكثر من العلماء وعن أحمد بلى إن لم تدع شبهة وفي الوسيلة والمجموع رواية ولو ادعت شبهة وأقوال الصحابة مختلفة في ذلك حتى بالغ بعض العلماء وقال إن المرأة تحمل من غير وطء بأن تدخل ماء الرجل في فرجها ولهذا تصور حمل البكر ووجد.
مسألة: إذا شهد عليه بزنى قديم أو أقر به وجب عليه الحد لعموم الآية وكسائر الحقوق وقال ابن حامد لا أقبل بينة على زنى قديم وأحده بالإقرار به وذكره ابن أبي موسى مذهبا لأحمد وهو مروي عن عمر لأن تأخير الشهادة إلى هذا الوقت يدل على التهمة وتقبل الشهادة به من غير مدع نص عليه لقضية أبي بكرة .(9/74)
باب حد القذف
وهو الرمي بالزنا ومن قذف حرا محصنا فعليه جلد ثمانين جلدة إن كان القاذف حرا و أربعين إن كان عبدا.
__________
باب حد القذف
وهو محرم بالإجماع وسنده قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] وقوله عليه السلام "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هي يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" متفق عليه " وهو الرمي بالزنى" فبيان لمعنى القذف وكذا رميه بلواط أو شهادة عليه به ولم تكمل البينة وأصله الرمي بالحجر بخلاف الخذف بالخاء المعجمة فإنه الرمي بالحصى وهو في الأصل رمي الشيء بقوة ثم استعمل في الرمي بالزنى ونحوه من المكروهات يقال قذف يقذف قذفا فهو قاذف وجمعه قذاف وقذفه كفاسق وفسقة وكافر وكفرة.
"ومن قذف" وهو مكلف مختار "حرا محصنا فعليه جلد ثمانين جلدة إن كان القاذف حرا وأربعين إن كان عبدا" أجمعوا على وجوب الحد على من قذف محصنا حرا كان القاذف أو عبدا وأن حده ثمانون إن كان حرا لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} والرقيق على النصف من ذلك في قول أكثر العلماء ويروى أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم جلد عبدا قذف حرا ثمانين وبه قال قبيصة وعمر بن عبد العزيز لعموم الآية والصحيح الأول لإجماع الصحابة قال عبد الله بن عامر بن ربيعة أدركت أبا بكر وعمر وعثمان والخلفاء هلم جرا ما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين رواه مالك كحد الزنى والآية وإن كانت عامة فدليلنا خاص والخاص مقدم وتقدم قول الخرقي يكون بدون سوط الحر وظاهره ولو ذات محرم أو مجبوبا سوى ولده وإن(9/75)
وهل حد القذف حق لله تعالى أو للآدميين؟ على روايتين,وقذف غير المحصن يوجب التعزير والمحصن هو الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامع مثله.
__________
نزل نص على الثلاثة ولو عتق قبل حد ومعتق بعضه بالحساب وقيل كعبد "وهل حد القذف حق لله تعالى أو للآدميين على روايتين".
إحداهما: وهي الأظهر والأشهر وقاله الجمهور هو حق لآدمي فعليه يسقط بعفوه عنه قال القاضي وأصحابه لا عفوه عن بعضه.
والثانية: هو حق لله قدمها في الرعاية وعليها لا يسقط بالعفو أو الإبراء ولا يستوفيه إلا الإمام أو نائبه وعليهما لا يحد ولا يجوز أن يعرض له إلا بطلب وذكره الشيخ تقي الدين إجماعا ويتوجه على الثانية وبدونه ولا يستوفيه بنفسه خلافا لأبي الخطاب وإنه لو فعل لم يعتد به وعلله القاضي بأنه تعتبر نية الإمام أنه حد وفي البلغة لا يستوفيه بدونه فإن فعل فوجهان وإن هذا في القذف الصريح وإن غيره يبرأ به سواء على خلاف في المذهب كاعتبار الموالاة أو النية.
"وقذف غير المحصن" كمن قذف مشركا أو عبدا أو مسلما له دون عشر سنين أو مسلمة لها دون تسع سنين أو من ليس بعفيف "يوجب التعزير" ردعا له عن أعراض المعصومين وكفالة عن أذاهم وقيل سوى سيد لعبده.
فرع: يحد أبواه وإن علوا بقذفه وإن نزل كقود فلا يرثه عليهما وإن ورثه يتحقق لأمه وحد له لتبعيضه وفي الترغيب لا يحد أب وفي أم وجهان "والمحصن" هنا هو "الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامع مثله" هذه صفة المحصن الذي يحد بقذفه أما الحرية والإسلام فلأن العبد والكافر حرمتهما ناقصة فلم ينتهض لإيجاب الحد والآية الكريمة وردت في الحرة المسلمة وغيرهما ليس في معناهما.
وأما العقل فلأن المجنون لا يعير بالزنى لعدم تكليفه وغير العاقل لا يلحقه شين بإضافة الزنى إليه لكونه غير مكلف وأما العفة عن الزنى فلأن غير العفيف لا يشينه القذف والحد إنما وجب من أجل ذلك وقد أسقط الله الحد عن القاذف(9/76)
وهل يشترط بلوغه؟ على روايتين
__________
إذا كان له بينة بما قال وأما كونه يجامع مثله فلأن غير ذلك لا يعير بالقذف لتحقق كذب القاذف وأقله أن يكون له عشر سنين إن كان ذكرا أو تسع سنين إن كانت أنثى وظاهره أنه لا تشترط فيه العدالة بل لو كان المقذوف فاسقا كشربه الخمر أو لبدعة ولم يعرف بالزنى أنه يجب الحد بقذفه وقال الشيرازي لا يجب الحد بقذف مبتدع ولا مبتدعة وقال ابن أبي موسى إذا قذف أم ولد رجل وله منها ولد حد وإذا قذف مسلم ذمية تحت مسلم أو لها منه ولد حد في رواية وإن قذف عبد عبدا جلد أربعين قاله في الرعاية "وهل يشترط بلوغه؟ على روايتين" إحداهما: يشترط قيل إنها مخرجة وليست بمنصوصة لأن غير البالغ غير مكلف أشبه المجنون والثانية: ليس بشرط وهو مقتضى كلام الخرقي وقطع بها القاضي والشريف وأبو الخطاب وصاحب الوجيز لأن ابن عشر سنين ونحوه يلحقه الشين بإضافة الزنى إليه ويعير بذلك ولهذا جعل عيبا في الرقيق أشبه البالغ وفي اشتراط سلامته من وطء الشبهة وجهان ولعله مبني على أن وطء الشبهة هل يوصف بالتحريم أم لا فذكر عن القاضي أنه وصفه به وظاهر كلام جماعة عدم وصفه بذلك وظاهر كلام آخرين أنه لا تشترط السلامة في ذلك.
فرع: إذا وجب الحد بقذف من لم يبلغ لم يقم عليه حتى يبلغ ويطالب لعدم اعتبار كلامه قبل البلوغ وليس لوليه المطالبة حذارا من فوات التشفي ولو قذف غائبا اعتبر قدومه وطلبه إلا أن يثبت أنه طالب في غيبته فيقام على المذهب وقيل لا لاحتمال عفوه ولو قذف عاقلا فجن أو أغمي عليه قبل الطلب لم يقم حتى يفيق ويطالب وإن كان بعد الطلب جازت إقامته.
مسألة: يشترط لإقامة الحد على القاذف أمران أحدهما مطالبة المقذوف لأنه حق له كسائر حقوقه الثاني ألا يأتي ببينة فإن كان القاذف زوجا اعتبر آخر وهو امتناعه من اللعان وتعتبر استدامة الطلب إلى إقامته فلو طلب ثم عفا سقط ويحد بقذف على جهة الغيرة بفتح الغين ويتوجه احتمال وأنها عذر في(9/77)
وإن قال زنيت وأنت صغيرة وفسره بصغر عن تسع سنين لم يحد وإلا خرج على الروايتين وإن قال لحرة مسلمة زنيت وأنت نصرانية أو أمة ولم تكن كذلك فعليه الحد وإن كانت كذلك وقالت أردت قذفي في الحال, فأنكرها على وجهين ومن قذف محصنا فزال إحصانه قبل إقامة الحد لم يسقط الحد عن القاذف.
__________
غيبة ونحوها "وإن قال" لمحصنة "زنيت وأنت صغيرة وفسره بصغر عن تسع سنين لم يحد" لأن حد القذف إنما وجب لما يلحق بالمقذوف من العار وهو منتف للصغر بل يعزر زاد في المغني إن رآه الإمام وأنه لا يحتاج إلى طلب لأنه لتأديبه "وإلا خرج على الروايتين" وكذا في الفروع في اشتراط البلوغ جزم في الوجيز بالحد "وإن قال لحرة مسلمة زنيت وأنت نصرانية أو أمة ولم تكن كذلك فعليه الحد" لأنه يعلم كذبه وإن لم يثبت ذلك على الأصح فإن ثبت فلا حد على الأصح وإن كانت كذلك لم يحد على الأشهر "وقالت أردت قذفي في الحال فأنكرها" فهل يحد أو يعزر "على وجهين" الأصح أنه لا حد عليه لأن ظاهر لفظه يقتضي تعليق وأنت نصرانية أو أمة بقوله زنيت فيصير كأنه قال لها زنيت حال النصرانية أو الرق ولا حد مع ذلك لأن ارتباط الكلام بعضه ببعض أولى من عدم ارتباطه قال في الفروع ويتوجه مثله إن أضافه إلى جنون وفي الترغيب إن كان ممن يجن لم يقذفه وفي المغني إن ادعى أنه كان مجنونا حين قذفه فأنكرت وعرفت له حالة جنون وإفاقة فوجهان وإن ادعى رق مجهولة فروايتان وإن ادعى أن قذفا متقدما كان في صغر أو قال زنيت مكرهة أو قال يا زانية ثم ثبت زناها في كفر لم يحد كثبوته في إسلام وفي المبهج إن قذفه بما أتى في الكفر حد لحرمة الإسلام وسأله ابن منصور رجل رمى امرأة بما فعلت في الجاهلية قال يحد وذكر القاضي لو قال ابن عشرين لابن خمسين زنيت من ثلاثين سنة لم يحد وهو سهو.
"ومن قذف محصنا فزال إحصانه قبل إقامة الحد لم يسقط الحد عن القاذف" نص عليه حكم حاكم بوجوبه أم لا لأن الحد يعتبر بوقت(9/78)
فصل
والقذف محرم إلا في موضعين أحدهما أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه فيعتزلها وتأتي بولد يمكن أن يكون منه فيجب عليه قذفها ونفي ولدها الثاني ألا تأتي بولد يجب نفيه أو استفاض في الناس زناها أو أخبره به ثقة أو رأى رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها.
__________
وجوبه وكما لا يسقط بردته وجنونه وبخلاف فسق الشهود قبل الحكم لضيق الشهادة وعلله المؤلف بأنه حق آدمي وبأن الزنى نوع فسق واحتمال وجود الجنس أكثر من النوع إلا أن يتقدم مزيله على القذف بإقرار أو بينة.
فصل:
"والقذف محرم إلا في موضعين أحدهما أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه" زاد في الترغيب والرعاية ولو دون الفرج وفي المغني أو تقر به فيصدقها "فيعتزلها وتأتي بولد يمكن أن يكون منه" أي من الزاني زاد في المحرر والرعاية وكذا لو وطئها في طهر زنت فيه وظن الولد من الزاني "فيجب عليه قذفها" لأن نفي الولد واجب ولا يمكن إلا بالقذف لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب "ونفي ولدها" لأن ذلك يجري مجرى اليقين في أن الولد من الزاني لكونها أتت به لستة أشهر من حين الوطء وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته" ولا شك أن الرجل مثلها وكذا لو أقرت بالزنى ووقع في نفسه صدقها.
"الثاني: ألا تأتي بولد يجب نفيه" لأن بالزوج حاجة إلى فسخ النكاح ليتخلص من زوجة شأنها كذلك لحديث عويمر العجلاني وهلال بن أمية.
"أو استفاض في الناس زناها" وقدم في المغني والشرح لا تكفي استفاضة بلا قرينة "أو أخبره به ثقة" فلو كان يخبر من لا يوثق به لم يجز لأنه غير مأمون على الكذب عليها "أو رأى رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها" زاد في(9/79)
فيباح قذفها ولا يجب وإن أتت بولد يخالف لونه لونهما لم يبح نفيه يذلك وقال أبو الخطاب ظاهر كلامه إباحته.
فصل
وألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح قوله يا زاني يا
__________
الترغيب خلوة "فيباح قذفها" لأنه يغلب على ظنه فجورها "ولا يجب" لأنه يمكنه فراقها والسكوت هنا أولى لأنه أستر ولأن قذفها يلزم منه أن يحلف أحدهما كاذبا أو يقر فيفتضح.
فرع: قال الشيخ تقي الدين إذا قال أخبرتني أنها زنت فكذبته ففي كونه قاذفا نزاع في مذهب أحمد وغيره فإن جعل قذفا أو قذفها صريحا فله اللعان ولو حلف بالطلاق أنها قالت له فأنكرته لم تطلق باتفاق الأئمة ولو أسقطت جنينا بسبب القذف لم يضمنه واختار أبو محمد الجوزي المباح أنه يراها تزني أو يظنه ولا ولد.
"وإن أتت بولد يخالف لونه لونهما" كأبيض بين أسودين أو بالعكس "لم يبح نفيه بذلك" اختاره ابن حامد لخبر أبي هريرة وهو متفق عليه وقال "لعله نزعة عرق" ولأن دلالة الشبه ضعيفة ودلالة الفراش قوية بدليل قضية سعد وعبد بن زمعة "وقال" القاضي "وأبو الخطاب ظاهر كلامه إباحته" لقوله عليه السلام "إن جاءت به جعدا" الخبر فجعل الشبه دليلا على نفيه عنه والأول أصح وهذا الحديث إنما يدل على نفيه عنه مع ما تقدم من لعانه ونفيه إياه عن نفسه فجعل الشبه مرجحا والمذهب أن له نفيه بقرينة جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع وإن استبرأها بحيضة جاز النفي في الأشهر وإن كان يعزل عنها فلا لخبر أبي سعيد.
فصل
"وألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية" لأنها ألفاظ ترتب عليها حكم شرعي فانقسمت إلى ذلك كالطلاق "فالصريح قوله يا زاني يا عاهر ,(9/80)
عاهر زنى فرجك ونحوه مما لا يحتمل غير القذف فلا يقبل قوله بما يحيله وإن قال : يا لوطي, يا معفوج فهو صريح وقال الخرقي إذا قال أردت أنك من قوم لوط فلا حد عليه وهو بعيد وإن قال أردت أنك تعمل عمل قوم لوط غير إتيان الرجال احتمل وجهين, وإن قال لست بولد فلان فقد قذف أمه,
__________
زنى فرجك ونحوه" كزنيت ويا منيوك "مما لا يحتمل غير القذف فلا يقبل قوله بما يحيله" لأنه صريح فيه أشبه صريح الطلاق "وإن قال يا لوطي يا معفوج" هو مفعول من عفج يعني نكح فكأنه بمعنى منكوح أي موطوء فهو صريح في المنصوص وعليه الحد فيهما إذا قذفه بعمل قوم لوط فاعلا أو مفعولا اختاره الأكثر لأن اللوطي الزاني بالذكور أشبه ما لو قال يا زاني وحينئذ لا يسمع تفسيره بما يحيل القذف وعنه مع غضب لأن قرينة الغضب تدل على إرادة القذف بخلاف حالة الرضى "وقال الخرقي إذا قال أردت أنك من قوم لوط فلا حد عليه" وهذا رواية نقلها المروذي لأنه فسر كلامه بما لا يوجب الحد كما لو فسره به متصلا بكلامه "وهو بعيد" لأن إطلاق لفظه وإرادة مثل ذلك فيه بعد مع أن قوم لوط لم يبق منهم أحد ولو قذف امرأة أنها وطئت في دبرها أو قذف رجلا بوطء امرأة في دبرها فعليه الحد وقيل لا ومبنى الخلاف هنا على الخلاف في وجوب حد الزنى على من فعل ذلك "وإن قال أردت أنك تعمل عمل قوم إتيان الرجال احتمل وجهين" أشهرهما أنه لا يقبل اللفظ بما لا يحتمله غالبا أشبه ما لو قال يا زاني والثاني: أنه لا يحد لأن ما فسر به كلامه محتمل الإرادة والحد يدرأ بالشبهات.
فرع: إذا فسر يا منيوكة بفعل زوج فليس قذفا ذكره في الرعاية والتبصرة وزاد إن أراد بزاني العين أو يا عاهر اليد لم يقبل مع سبقه ما يدل على قذف صريح.
"وإن قال لست بولد فلان فقد قذف أمه" في المنصوص إلا منفيا بلعان لم يستلحقه أبوه ولم يفسره بزنى أمه لأن ذلك يقضي أن أمه أتت به من غير(9/81)
وإن قال لست بولدي فعلى وجهين وإن قال أنت أزنى الناس أو أزنى من فلانة أو قال لرجل يا زانية أو لامرأة يا زاني أو قال زنت يداك ورجلاك فهو صريح في القذف عند أبي بكر.
__________
أبيه وذلك قذف لها وكذا إن نفاه عن قبيلته وقال المؤلف القياس يقتضي أنه لا يجب الحد لنفي الرجل عن قبيلته لأن ذلك لا يتعين فيه الرمي بالزنى أشبه ما لو قال لأعجمي إنك عربي "وإن قال لست بولدي فعلى وجهين" أظهرهما: أنه كناية في قذفها نص عليه لأن للرجل أن يغلظ في القول والفعل لولده والثاني: هو صريح لأنه نفاه عن نفسه أشبه نفي ولد غيره عن أبيه.
فرع: إذا قال: إن لم تفعل كذا فلست ابن فلان فلا حد لأن القذف لا يتعلق بالشرط وإن قال لست ابن فلانة عذر نص عليه لأنه لم يقذف أحدا بالزنى "وإن قال أنت أزنى الناس" فهو قاذف في قول أبي بكر وقدمه في الرعاية لأنه أضاف اليه الزنى بصيغة المبالغة "أو أزنى من فلانة" فكذلك في قول القاضي لأن أزنى معناه المبالغة ففيه الزنى وزيادة وقدم في الكافي لا لأن لفظة أفعل تستعمل للمنفرد بالفعل وقال ابن حامد ليس بقذف إلا أن يريده لأن موضوع اللفظ يقتضي ذلك.
مسألة: إذا قال أنت أزنى من زيد فقد قذفهما صريحا وقيل كناية وقيل ليس بقذف لزيد وهو أقيس "أو قال لرجل يا زانية أو لامرأة يا زاني" فصريح نصره في الشرح وقدمه في الفروع لأن اللفظ صريح في الزنى وزيادة الهاء وحذفها خطأ لا يغير المعنى كاللحن وكفتح التاء وكسرها لهما خلافا للرعاية في عالم بعربية واختار ابن حامد كما يأتي أنه ليس بصريح إلا أن يفسر به لأنه يحتمل أن يريد بذلك أنه علامة في الزنى كما يقال للعالم علامة.
"أو قال زنت يداك ورجلاك فهو صريح في القذف عند أبي بكر" لأن ذلك يطلق ويراد به زنى الفرج .(9/82)
وليس بصريح عند ابن حامد وإن قال زنأت في الجبل مهموزا فهو صريح عند أبي بكر وقال ابن حامد إن كان يعرف العربية لم يكن صريحا وإن لم يقل في الجبل فهل هو صريح أو كالتي قبلها؟ على وجهين والكناية نحو قوله لامرأته قد فضحته وغطيت أو نكست رأسه وجعلت له قرنا وعلقت عليه أولادا من
__________
"وليس بصريح عند ابن حامد" في ظاهر المذهب في الأخيرة لأن زنى هذه الأعضاء لا يوجب الحد لقوله عليه السلام العينان تزنيان وزناهما النظر قال في الشرح والأولى أن يرجع إلى تفسيره انتهى وكذا الخلاف لو أفرد فلو قال زنت يدك فقذف قاله في الرعاية وكذا العين في الترغيب وفي المغني وغيره لا.
مسألة: إذا قال يا زاني ابن الزانية لزمه حدان فإن تشاحا قدم حد الابن وعنه حد واحد وقيل إن كانت أمه حية فقد قذفها معه وإن كانت ميتة فقد قذفه وحده.
"وإن قال زنأت في الجبل مهموزا فهو صريح عند أبي بكر" وأبي الخطاب وقدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لأن عامة الناس لا يفهمون من ذلك إلا القذف "وقال ابن حامد إن كان يعرف العربية لم يكن صريحا" لأن معناه في العربية طلعت وعليهما إن قال أردت الصعود في الجبل قبل "وإن لم يقل في الجبل" أي زنأت "فهل هو صريح أو كالتي قبلها؟ على وجهين" أحدهما: أنه صريح قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لأن مع عدم القول في الجبل يتمحض القذف وقيل هو كالتي قبلها أحدهما يكون صريحا في حق العامي والعالم بالعربية والثاني الفرق بينهما وقيل لا قذف قال في الفروع ويتوجه مثلها لفظة علق وذكرها شيخنا صريحة ومعناه قول ابن رزين كل ما يدل عليه عرفا "والكناية نحو قوله لامرأته قد فضحته" أي بشكواك "وغطيت أو نكست رأسه" أي حياء من الناس من ذلك "وجعلت له قرونا" أي أنه مسخر لك مطيع منقاد كالثور "وعلقت عليه أولادا من(9/83)
غيره وأفسدت فراشه أو يقول لمن يخاصمه يا حلال يا ابن الحلال ما يعرفك الناس بالزنا يا عفيف أو يا فاجرة يا قحبة يا خبيثة أو يقول لعربي يا نبطي يا فارسي يا رومي أو يسمع رجلا يقذف رجلا فيقول صدقت أو أخبرني فلان أنك زنيت وكذبه الآخر فهذا كله كناية إن فسره بما يحتمله غير القذف قبل قوله في أحد الوجهين وفي الآخر جميعه صريح.
__________
غيره" أي: من زوج آخر أو وطء شبهة "وأفسدت فراشه" أي بالنشوز أي بالشقاق وبمنع الوطء "أو يقول لمن يخاصمه يا حلال يا ابن الحلال" لأنه كذلك حقيقة "ما يعرفك الناس بالزنى" حقيقة النفي أي ما أنت بزان ولا أمك زانية "يا عفيف" كونه كذلك حقيقة وكذا يا نظيف يا خنيث بالنون وذكره بعضهم بالباء "أو يا فاجرة" أي كونها مخالفة لزوجها فيما يجب طاعتها فيه يا قحبة قال السعدي قحب البعير والكلب سعل وهي في زماننا المعدة للزنى "يا خبيثة" وهي صفة مشبهة من خبث الشيء فهو خبيث "أو يقول لعربي يا نبطي" منسوب إلى النبط وهم قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين "يا فارسي" منسوب إلى فارس وهي بلاد معروفة وأهلها الفرس وفارس أبوهم " يا رومي" نسبة إلى الروم وهو في الأصل الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم "أو يسمع رجلا يقذف رجلا فيقول صدقت" أي في غير الإخبار المذكور "أو أخبرني فلان أنك زنيت وكذبه الآخر" أي موافق للكذب أو ما أنا بزان أو ما أمي بزانية "فهذا كله كناية إن فسره بما يحتمله غير القذف" وعنه بقرينة ظاهرة.
"قبل قوله في أحد الوجهين" قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز وصححه في المغني والشرح لأنه يحتمل غير الزنى كما ذكرناه فهو إذن فسر الكلام بما يحتمله وعليه يعزر.
"وفي الآخر جميعه صريح" فيحد به اختاره القاضي وجماعة وذكره في التبصرة عن الخرقي لأن الظاهر من حاله أنه لم يرد شيئا فوجب حملها عليه بظاهر الحال والاستعمال فعلى هذا إذا قال أردت هذه الاحتمالات لم يقبل كالزاني.(9/84)
وإن قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنا من جميعهم عزر ولم يحد وإن قال لرجل اقذفني فقذفه فهل يحد؟ على وجهين وإن
__________
وعنه: لا يحد إلا بنية اختارها أبو بكر وغيره والقرينة ككناية طلاق وفي الترغيب هو قذف بنية ولا يحلف منكرها ويلزمه الحد باطنا وفي لزوم إظهارها وجهان.
تنبيه: لا حد بالتعريض كقوله يا حلال ابن الحلال نص عليه في رواية حنبل وهو ظاهر الخرقي واختاره أبو بكر وقاله أكثر العلماء لأن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود يعرض بنفيه فلم يلزمه بذلك حد ولأن الله تعالى أباح التعريض بالخطبة دون التصريح بها ونقل الأثرم عليه الحد روى عن عمر وعثمان وهي أظهرهما قاله ابن هبيرة فأما في غير حالة خصومة ولا وجدت قرينة فلا يكون قذفا.
"وإن قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنى من جميعهم" عادة وعرفا " عزر ولم يحد" لأنه لا عار على المقذوف بذلك للقطع بكذب القاذف ويعزر على ما أتى به من المعصية والزور كما لو سبهم بغير القذف وظاهره أنه يعزر ولو لم يطلبه أحد وفي المغني لا يحتاج التعزير إلى مطالبة وفي مختصر ابن رزين يعزر حيث لا حد.
مسائل: يعزر في يا كافر يا فاجر يا حمار يا تيس يا رافضي يا خبيث البطن أو الفرج يا عدو الله يا ظالم يا كذاب يا خائن يا شارب الخمر يا مخنث نص على ذلك وقيل فاسق كناية ومخنث تعريض ويعزر في قرنان وقواد وسأله حرب عن ديوث فقال يعزر وفي المبهج ديوث قذف لامرأته ومثله كشخان وقرطبان ويتوجه في مأبون كمخنث وفي الرعاية لم أجدك عذراء كناية وإن من قال لظالم ابن ظالم جبرك الله ورحم سلفك يعزر قاله في الفروع.
"وإن قال لرجل اقذفني فقذفه فهل يحد" أو يعزر "على وجهين".
أحدهما: يعزر جزم به في الوجيز لأن المقذوف رضي بقذفه أشبه ما لو(9/85)
وقال أبو بكر لا يجب الحد بقذف ميتة وإن مات المقذوف سقط الحد ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلما كان أو كافرا
__________
وحريته لأن الحد وجب للقدح في نسبه.
"وقال أبو بكر لا يجب الحد بقذف ميتة" وذكره المؤلف ظاهر المذهب في غير أمهاته وقطع به في المبهج لأنه قذف لمن لا يصح منه المطالبة أشبه قذف المجنون أو يقال الميتة لا تعير والحي لم يقدح فيه وذلك شبهة يدرأ بها الحد والمذهب الأول لأنه إذا قذف ميت محصن أو لا حد القاذف إذا طالب وارث محصن خاصة فعلى هذا لو كان الوارث عبدا أو مشركا فلا حد وإن قذفت جدته فقياس قول الخرقي أنه كقذف أمه إن كانت حية فيعتبر إحصانها وليس لغيرها المطالبة وإن كانت ميتة فله المطالبة إذا كان محصنا لأنه قدح في نسبه وإن قذف أباه أو أحدا من أقاربه غير أمهاته بعد موته لم يجب الحد "وإن مات المقذوف سقط الحد" عن القاذف إذا كان قبل المطالبة بالحد فإن كان بعدها قام وارثه مقامه لأنه حق له يجب بالمطالبة كالرجوع فيما وهب ولده وكالشفيع فعلى هذا هو حق للورثة نص عليه وقيل سوى الزوجين وفي المغني للعصبة وإن عفا بعضهم حد الباقي كاملا وقيل يسقط "ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلما كان أو كافرا" يعني أن حده القتل ولا تقبل توبته نص عليه لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر وعنه إن تاب لم يقتل وقاله أكثر العلماء مسلما كان أو كافرا لأن هذا منه ردة والمرتد تصح توبته وجوابه أن هذا حد قذف فلا يسقط بالتوبة كقذف غير أم النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لو قبلت توبته وسقط حده لكان أخف حكما من قذف آحاد الناس قال في المنثور وهذا كافر قتل من سبه فيعايا بها فلو كان كافرا فأسلم فأشهر الروايتين عنه أنه لا يسقط بإسلامه كقذف غيرها وعنه بلى لأنه لو سب الله في كفره ثم أسلم سقط عنه القتل ولأن الإسلام يجب ما قبله والخلاف إنما هو في سقوط القتل فأما فيما بينه وبين الله تعالى فمقبولة وقذفه عليه السلام كقذف أمه ويسقط سبه بالإسلام كسبِّ الله تعالى.(9/87)
وإن قذف الجماعة بكلمة واحدة فحد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم, وعنه إن طالبوا متفرقين حد لكل واحد حدا, وإن قذفهم بكلمات حد لكل واحد حدا وإن حد للقذف فأعاده لم يعد عليه الحد.
__________
فرع: قال الشيخ تقي الدين قذف نسائه كقدحه في دينه وإنما لم تقتلهم لأنهم تكلموا قبل علمه براءتها وأنها من أمهات المؤمنين لإمكان المفارقة فتخرج بها منهن وتحل لغيره وقيل لا وقيل في غير مدخول بها وسأله حرب رجل افترى على رجل فقال يا ابن كذا وكذا إلى آدم وحواء فعظمه جدا وقال عن الحد لم يبلغني فيه شيء وذهب إلى حد واحد.
"وإن قذف الجماعة بكلمة واحدة" يتصور منهم الزنى "فحد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم" ثم لا حد نقله الجماعة وهو المشهور لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية [النور: 5] لم يفرق بين قذف واحد أو جماعة لأن الحد إنما وجب بإدخال المعرة على المقذوف بقذفه وبحد واحد يظهر كذب هذا القاذف وتزول المعرة فوجب أن يكتفى به بخلاف ما إذا قذف كل واحد قذفا مفردا فإن كذبه في قذف لا يلزم منه كذبه في الآخر ولا تزول المعرة فإن طلبوه أو واحد منهم أقيم الحد لأن الحق ثابت لهم على سبيل البدل فأيهم طلب واستوفى سقط ولم يكن لغيره الطلب به كحق المرأة على أوليائها في تزويجها وإن أسقطه أحدهم فلغيره المطالبة به "وعنه إن طالبوا متفرقين حد لكل واحد حدا" لأنه إذا طالب واحد أولا لزم إقامة الحد من أجله ثم إذا طلب الآخر لزم أيضا وعنه لكل واحد حد وقاله أبو ثور وابن المنذر لأنه قذف كل واحد منهم فلزمه له حد كامل وعنه إن قذف امرأته وأجنبية تعدد الواجب هنا اختاره القاضي وغيره كما لو لاعن امرأته فإن قال يا ناكح أمه الروايات ونص فيمن قال لرجل يا ابن الزانية يطالبه قيل إنما أراد أمه قال أليس قد قال له هذا قصد له "وإن قذفهم بكلمات حد لكل واحد حدا" على الأصح كالديون والقصاص وعنه إن طالبوا مجتمعين فحد واحد وإلا تعدد وعنه حد واحد مطلقا كما لو سرق من جماعة أو زنى بنساء أو شرب أنواعا من(9/88)
باب حد المسكر
__________
المسكر فلو قال يا ابن الزانيين فهو قذف لهما بكلمة واحدة فإن كانا ميتين ثبت الحق لولدهما ولم يجب إلا حد واحد وإن قال يا زاني ابن الزاني فهو قذف لهما بكلمتين فإن كان أبوه حيا فلكل منهما حد وإن كان ميتا فالظاهر في المذهب أنه لا يجب الحد بقذفه.
"وإن حد للقذف فأعاده لم يعد عليه الحد" في قول عامتهم لأنه حد به مرة فلم يحد به ثانية بخلاف السرقة وعلم منه أنه إذا تعدد قذفه ولم يحد فحد واحد رواية واحدة نص عليه وقيل يتعدد وإن أعاده بعد لعانه فنقل حنبل يحد اختاره أبو بكر والمذهب يعزر وعليهما لا لعان وقدم في الترغيب يلاعن إلا أن يقذفها بزنى لاعن عليه مرة واعترفت أو قامت البينة واختار ابن عقيل يلاعن لنفي تعزير ولو قذفها بزنى آخر بعد حده فروايات ثالثها يحد مع طول الفصل.
فرع: إذا تاب من زنى حد قاذفه وقيل يعزر واختار في الترغيب يحد بزنى جديد لكذبه يقينا بخلاف من سرق عينا ثانية فإنه وجد منه ما وجد في الأولة وإن قذف من أقرت به مرة وفي المبهج أربعا أو شهد به اثنان أو شهد به أربعة بالزنى فلا لعان ويعزر وفي المستوعب لا.
مسألة: لا يشترط لصحة توبة من قذف وغيبة ونحوهما إعلامه والتحلل منه وحرمه القاضي والشيخ عبد القادر ونقل مهنا لا ينبغي أن يعلمه قال الشيخ تقي الدين والأشبه أنه يختلف وعنه يشترط وقيل إن علم به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه وظاهره أنه لو أصبح وتصدق بعرضه على الناس لم يملكه ولم يبح ولا يصح إسقاط الحق قبل وجود سببه وإذنه في عرضه كإذنه في قذفه وهي كإذنه في دمه وماله.
باب حد المسكر
المسكر: اسم فاعل من أسكر الشراب فهو مسكر إذا جعل صاحبه سكران أو كان فيه قوة يفعل ذلك قال الجوهري السكران خلاف(9/89)
كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام من أي شيء كان ويسمى خمرا.
__________
الصاحي والجمع سكرى وسكارى بضم السين وفتحها والمرأة سكرى ولغة بني أسد سكرانة وهو محرم بالإجماع وما نقل عن قدامة بن مظعون وعمرو بن معدي كرب وأبي جندل بن سهيل أنها حلال فمرجوع عنه نقله المؤلف وسنده قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} الآيات [المائدة: 91,90] وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر "كل مسكر خمر" وفي لفظ "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" رواهما مسلم.
"كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام" لما روى جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أسكر كثيره فقليله حرام" رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه.
"من أي شيء كان" لما روى ابن عمر أن عمر قال على منبر النبي صلى الله عليه وسلم "أما بعد أيها الناس إن الله نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل" متفق عليه وأباح إبراهيم الحربي من نقيع التمر إذا طبخ ما دون السكر قال الخلال فتياه على قول أبي حنيفة قال الإمام أحمد ليس في الرخصة حديث صحيح وقال ابن المنذر جاء أهل الكوفة بأحاديث معلولة وقيل إن خبر ابن عباس أنه عليه السلام قال "حرمت الخمر لعينها والسكر من كل شراب" موقوف عليه مع أنه يحتمل أنه أراد بالسكر المسكر من كل شراب "ويسمى خمرا" لقوله عليه السلام "كل مسكر خمر" لأن الخمر ما خامر العقل أي غطاه وستره وهذا موجود في كل مسكر وحكم عصير غير العنب كحكمه روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وسعد وأبي وأنس وعائشة وهو قول الأكثر وقال أبو حنيفة عصير العنب إذا طبخ وذهب ثلثاه ونقيع التمر والزبيب إذا طبخ ولم يذهب ثلثاه ونبيذ الحنطة والشعير نقيعا كان أو غيره حلال إلا ما بلغ السكر وجوابه ما روت عائشة مرفوعا ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام رواه أحمد وسعيد وأبو بكر والترمذي وحسنه وإسناده ثقات وظاهره يقتضي أن(9/90)
ولا يحل شربه للذة ولا للتداوي ولا لعطش ولا لغيره إلا لدفع لقمة غص بها ومن شربه مختارا عالما أن كثيره يسكر
__________
الحشيشة لا تسكر لكن قوله كل مسكر خمر يقتضي أنه تسكر قال في الفتاوى المصرية الحشيشة المسكرة حرام وإنما توقف بعض الفقهاء في الحد لأنه ظن أنها تغطي العقل كالبنج والصحيح أنها تسكر وإنما كانت نجسة بخلاف البنج وجوزه الطبيب لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر يسكر بالاستحالة والبنج يغيب العقل ويسكر بغير الاستحالة كجوزة الطبيب.
"ولا يحل شربه للذة" لعموم "ما أسكر كثيره فقليله حرام" "ولا للتداوي" لما روى وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره له أن يصنعها فقال إنما أصنعها للدواء فقال "إنه ليس بدواء ولكنه داء" رواه مسلم وقال ابن مسعود "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" رواه البخاري ورواه أحمد من حديث حسان بن مخارق عن أم سلمة مرفوعا وصححه ابن حبان ولأنه يحرم لعينه فلم يحل شربه للتداوي كلحم الخنزير "ولا لعطش" لأنه لا يذهبه ولا يزيله ولا يدفع محذوره فوجب بقاؤه على تحريمه عملا بالأدلة المقتضية لذلك مع سلامته من المعارض "ولا لغيره إلا لدفع لقمة غص بها" فيجوز تناوله إذا لم يجد غيره وخاف التلف لقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ولأن حفظ النفس مطلوب بدليل أنه تباح الميتة ثم الاضطرار إليها وهو موجود هنا فوجب جوازه تحصيلا لحفظ النفس المطلوب حفظها ويقدم عليه بولا ويقدم عليهما ماء نجسا
"ومن شربه" وهو مكلف "مختارا عالما أن كثيره يسكر" وظاهره أنه إذا لم يعلم فلا حد عليه وهو قول عامتهم وكذا إذا ادعى الجهالة بإسكار غير الخمر أو تحريمه أو بوجود الحد به ومثله يجهله صدق ولم يحد وكذا إذا شربها مكرها لحله له وعنه لا تحل له اختارها أبو بكر.
وفي حده روايتان والظاهر: أنهما مبنيان على حله له وعدمه والصبر أفضل نص عليه وكذا كل ما جاز فعله للمكره ذكره القاضي وغيره(9/91)
قليلا كان أو كثيرا فعليه الحد ثمانون جلدة وعنه أربعون إن كان حرا
__________
قال الشيخ تقي الدين يرخص أكثر العلماء فيما يكره عليه من المحرمات لحق الله تعالى كأكل الميتة وشرب الخمر وهو ظاهر مذهب أحمد.
"قليلا كان" ما شربه "أو كثيرا فعليه الحد" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من شرب الخمر فاجلدوه" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقد ثبت أن أبا بكر وعمر وعليا جلدوا شاربها ولأن القليل خمر فيدخل في العموم ولأنه شراب فيه شدة مطربة فوجب الحد به كالكثير ويلحق بذلك ما لو احتقن بها في المنصوص كما لو استعط أو عجن به دقيقا فأكله ونقل حنبل أو تمضمض حد وذكره في الرعاية قولا وهو غريب وفي المستوعب إن وصل جوفه حد وفي عيون المسائل يثبت بعدلين يشهدان أنه شرب مسكرا ولا يستفسرهما الحاكم عما شرب لأن كل مسكر يوجب الحد فدل أنه إن لم يره الحاكم موجبا استفسرهما "فعليه الحد ثمانون جلدة" قدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لإجماع الصحابة لما روي أن عمر استشار الناس في حد الخمر فقال عبد الرحمن اجعله كأخف الحدود ثمانين فضربه عمر ثمانين وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام وروي أن عليا قال في المشورة إذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون رواه الجوزجاني والدارقطني وجوزهما الشيخ تقي الدين للمصلحة وأنه الرواية الثانية وعنه أربعون إن كان حرا اختاره أبو بكر والمؤلف وغيرهما لما روي "أن على بن أبي طالب جلد الوليد بن عقبة أربعين ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي" رواه مسلم لا يقال فعل عمر كان بمحضر من الصحابة فيكون إجماعا ولأن فعله عليه السلام حجة لا يجوز تركه لفعل غيره ولا ينعقد الإجماع مع مخالفة أبي بكر وعلي بل يحتمل أن عمر فعل الزيادة على أنها تعزير يجوز فعلها إذا رآها الإمام وضرب علي النجاشي بشربه في رمضان ثمانين ثم حبسه ثم عشرين من الغد نقل صالح أذهب إليه ونقل حنبل(9/92)
والرقيق على النصف من ذلك إلا الذمي فإنه لا يحد بشربه في الصحيح من المذهب وهل يجب الحد بوجود الرائحة على روايتين.
__________
يغلظ عليه كمن قتل في الحرم واختار أبو بكر يعزر بعشرة فأقل وفي المغني عزره بعشرين لفطره "والرقيق" عبدا كان أو أمة "على النصف من ذلك" كالزنى والقذف فكذا من شرب الخمر من باب أولى فعلى الأولى يحد أربعين وعلى الثانية عشرين صرح به في المغني والشرح "إلا الذمي فإنه لا يحد بشربه في الصحيح من المذهب" لأنه يعتقد حله فلم يحد بفعله كنكاح المجوس ذوات محارمهم.
والثانية: بلى لأنه شرب مسكرا عالما به مختارا أشبه شارب النبيذ إذا اعتقد حله قال في المحرر وعندي يحد إن سكر وإلا فلا والمذهب خلافه قال في البلغة ولو رضي بحكمنا لأنه لم يلتزم الانقياد في مخالفة دينه
"وهل يجب الحد بوجود الرائحة؟ على روايتين" أظهرهما لا يجب وقدمه في الكافي والرعاية والفروع وهو قول أكثر العلماء فعلى هذا يعزر نص عليه واختاره الخلال كحاضر مع من يشربها نقله أبو طالب.
والثانية أنه يحد قال ابن أبي موسى في الإرشاد وهي الأظهر عنه روي عن عمر وابن مسعود لأن الرائحة تدل على شربه لها فجرى مجرى الإقرار قال في الشرح والأول أولى لأن الرائحة تحتمل أنه تمضمض بها أو ظنها ماء أو أكل نبقا بالغا أو شرب شراب تفاح فإنه يكون منه كرائحة الخمر والحد يدرأ بالشبهة.
فائدة: يستعمل لقطع رائحة الخمر الكسفرة وعرق البنفسج والثوم وما أشبه ذلك مما له رائحة قوية.
فرع: إذا وجد سكران أو تقيأ الخمر فعنه لا حد قال بعضهم وهي الأظهر وعنه بلى على الثانية التي يحد بالرائحة لفعل عثمان وهو بمحضر من الصحابة رواه مسلم.
تنبيه: لا يثبت الحد إلا بأحد شيئين إما البنية العادلة أو الإقرار ويكفي مرة(9/93)
والعصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام حرم إلا أن يغلى قبل ذلك فيحرم نص عليه وعند أبي الخطاب أن هذا محمول على عصير يتخمر في ثلاث غالبا ولا يكره أن يترك في الماء تمرا أو زبيبا ونحوه ليأخذ ملوحته ما لم يشتد أو يأتي عليه ثلاث
__________
كحد القذف وعنه مرتين نصره القاضي وأصحابه وجعل أبو الخطاب بقية الحدود بمرتين وفي عيون المسائل في حد الخمر بمرتين وإن سلمنا فلأنه لا يتضمن إتلافا بخلاف حد السرقة ولم يفرقوا بين حد القذف وغيره إلا بأنه حق آدمي كالقود فدل على رواية فيه وهذا متجه قاله في الفروع "والعصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام" زاد بعضهم بلياليها "حرم" لما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشربه إلى مساء ثالثة ثم يأمر به فيسقي الخدم أو يهراق" رواه مسلم وحكى أحمد عن ابن عمر أنه قال في العصير أشربه ما لم يأخذه شيطانه قيل وفي حرز يأخذه شيطانه قال في ثلاث قال أحمد فإذا أتى عليه ثلاثة أيام فلا تشربه ولأن الشدة تحصل في ثلاث غالبا "إلا أن يغلى قبل ذلك فيحرم نص عليه" إذا غلى العصير وقذف بزبده فلا خلاف في تحريمه لصحة إطلاق اسم الخمر عليه وعنه إذا غلى أكرهه وإن لم يسكر فإذا أسكر فحرام وعنه الوقف فيما نش "وعند أبي الخطاب أن هذا محمول على عصير يتخمر في ثلاث غالبا" لقوله عليه السلام "اشربوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا" ولأن علة التحريم الشدة المطربة وذلك في المسكر لا غيره وأجاب عن إطلاق أحمد بأن المراد عصير يتخمر في ثلاث غالبا.
فرع: إذا طبخ منه قبل التحريم حل إن ذهب ثلثاه وبقي ثلثه نقله الجماعة وذكره أبو بكر إجماع المسلمين قال أبو داود سألت أحمد عن شرب الطلا فقال إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فقال لا بأس قال يقولون إنه يسكر فقال لا لو كان يسكر ما أحله عمر وجعل أحمد وضع زبيب في خردل كعصير وإنه إن صب فيه خل أكل.
"ولا يكره أن يترك في الماء تمرا أو زبيبا ونحوه ليأخذ ملوحته" لما روي أنه عليه السلام كان ينبذ له الزبيب فيشربه "ما لم يشتد عليه أو يأتي عليه ثلاث"(9/94)
ولا يكره الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت وعنه يكره ويكره الخليطان وهو أن ينبذ شيئين كالتمر والزبيب.
__________
تمام نص عليه ولأنه إذا بلغ ذلك صار مسكرا ونقل ابن الحكم إذا نقع زبيبا أو تمر هندي أو عنابا ونحوه لدواء غدوة وشربه عشية وبالعكس هذا نبيذ أكرهه ولكن يطبخه ويشربه على المكان فهذا ليس بنبيذ فإن غلي العنب وهو عنب فلا بأس به نقله أبو داود.
فرع: أذا سكر من النبيذ فسق وكذا إن شرب قليله على الأصح.
"ولا يكره الانتباذ في الدباء" اليابسة المجعولة وعاء "والحنتم" وهي جدار مدهونة واحدتها حنتمة "والنقير" وهو أصل النخلة ينقر ثم ينبذ فيه التمر فعيل بمعنى مفعول والمزفت وهو الوعاء المطلي بالزفت نوع من القار لما روى بريدة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا" رواه مسلم وعنه يكره قال الخلال وعليها العمل لما في الصحيحين "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ فيها" وعنه يحرم ذكرها في الهدي والأول أصح لأن دليله ناسخ وعنه وغيره من الأوعية إلا سقاء يوكى حيث بلغ الشراب "ويكره الخليطان وهو أن ينبذ شيئين كالتمر والزبيب" أو المذنب وحده نقله الجماعة لما روت عائشة قالت "كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنأخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فنطرحهما فيه ثم نصب عليه الماء فننبذه غدوة فيشربه عشية وننبذه عشية فيشربه غدوة" رواه أبو داود وابن ماجة فلما كانت مدة الإنباذ قريبة وهي يوم أو ليلة لا يتوهم الإسكار فيها فعلى هذا لا يكره ويكره إذا كان في مدة تحتمل إفضاءه إلى الإسكار لأنه عليه السلام نهى عن الخليطين وأدنى أحوال النهي الكراهة وعنه يحرم واختاره في التنبيه لما روى أبو قتادة قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزهو" والتمر والزبيب ولينبذ كل واحد منهما على حدة متفق عليه وعنه لا يكره اختاره في الترغيب واختاره في المغني ما لم يحتمل إسكاره قال القاضي هو حرام إذا اشتد وأسكر وإذا لم يسكر لم يحرم وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى .(9/95)
ولا بأس بالفقاع.
__________
"ولا بأس بالفقاع" أي يباح ولا أعلم فيه خلافا لأنه لا يسكر ويفسد إذا بقي وليس المقصود منه الإسكار وإنما يتخذ لهضم الطعام وصدق الشهوة وعنه يكره وعنه يحرم ذكرها في الوسيلة والمذهب الأول وسئل الشيخ تقي الدين عن شرب الأقسماء فأجاب بأنها إذا كانت من زبيب فقط فإنه يباح شربها ثلاثة أيام ما لم تشتد باتفاق العلماء أما ما كان من خليطين يفسد أحدهما الآخر فهذا فيه نزاع فلو وضع فيه ما يحمضه كالخل والليمون كما يوضع في الفقاع المشذب فهذا يجوز شربه مطلقا فإن حموضته تمنعه أن يشتد والله أعلم.(9/96)
باب التعزير
وهو التأديب وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
__________
باب التعزير
التعزير في اللغة: المنع يقال عزرته أي منعته ومنه سمي التأديب ولأنه يمنع من تعاطي القبيح ومنه التعزير بمعنى النصرة لأنه منع لعدوه من أذاه وقال السعدي يقال عزرته ووقرته وأيضا أدبته وهو من الأضداد وهو طريق إلى التوقير لأنه إذا امتنع به وصرف عن الدناءة حصل له الوقار والنزاهة.
"وهو التأديب" بيان لمعنى التعزير وفسره في المغني بالعقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها وهو قريب مما ذكره هنا قاله ابن المنجا وفيه نظر.
"وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة" وكذا ذكره في المحرر والوجيز وغيرهما من كتب الأصحاب قال الشيخ تقي الدين إن عنى به فعل المحرمات وترك الواجبات فاللفظ جامع.
وإن عنى فعل المحرمات فقط فغير جامع بل التعزير على ترك الواجبات أيضا ولأن المعصية تفتقر إلى ما يمنع من فعلها فإذا لم يجب فيها حد ولا(9/96)
كالاستمتاع الذي لا يوجب الحد وإتيان المرأة المرأة وسرقة ما لا يوجب القطع والجناية على الناس بما لا قصاص فيه.
__________
كفارة وجب أن يشرع فيها التعزير لتحقيق المانع من فعلها وفي الشرح هو واجب إذا رآه الإمام فيما شرع فيه التعزير وعنه يعزر المكلف ندبا نص عليه في تعزير رقيقه على معصية وشاهد زور وفي الواضح في وجوب التعزير روايتان والأشهر كما ذكره المؤلف ونص عليه الإمام في سب صحابي كحد وكحق آدمي طلبه وقولنا ولا كفارة فيه فائدته في الظهار وشبه العمد لكن يقال يجب التعزير فيه لأن الكفارة حق الله تعالى بمنزلة الكفارة في الخطأ ليست لأجل الفعل بل بدل النفس الفائتة فأما نفس الفعل المحرم الذي هو الجناية فلا كفارة فيه ويظهر هذا بما لو جنى عليه فلم يتلف شيئا استحق التعزير ولا كفارة ولو أتلف بلا جناية محرمة لوجبت الكفارة بلا تعزير وإنما الكفارة في شبه العمد بمنزلة الكفارة على المجامع في الصيام والإحرام لا في اليمين الغموس إذ وجبت الكفارة لاختلاف سببها لأن سبب الكفارة الحنث ويمين الغموس كذبة نزلت منزلة الحنث وسبب التعزير شيء آخر وهو إقدامه على الحلف كذبا وحاصله أن ما كان من التعزير منصوصا عليه وجب وما لم يكن ورأى الإمام المصلحة فيه وجب كالحد وإن رأى العفو جاز للأخبار وإن كان لحق آدمي فطلبه لزمه إجابته وفي الكافي يجب التعزير في موضعين ورد الخبر فيهما وما عداهما إلى اجتهاد الإمام فإن جاء تائبا معترفا قد أظهر الندم والإقلاع جاز ترك تعزيره وإلا وجب وقال القاضي ومن تبعه إلا إذا شتم نفسه أو سبها ولا يحتاج إلى مطالبة كالاستمتاع الذي لا يوجب الحد لأنه عليه السلام جعله سيئة وإتيان المرأة المرأة لقوله عليه السلام "إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان" وسرقة ما لا يوجب القطع لدخوله في قوله عليه السلام "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه" والجناية على الناس بما لا قصاص فيه لأنه تعد على الغير أشبه التي فيها القصاص لا يقال القياس يقتضي مشروعية القصاص في ذلك أيضا والتقدير خلافه لأنه تعذر القصاص(9/97)
والقذف بغير الزنا ونحوه ومن وطئ أمة امرأته فعليه الحد إلا أن تكون قد أحلتها له فيجلد مائة وهل يلحقه نسب ولدها على روايتين ولا يسقط الحد بالإباحة.
__________
لمعنى يختص به وهو لا يمنع من ثبوت الحرمة لأن الجناية تقتضي الإيجاب مطلقا ترك العمل به لما ذكرنا فيبقى ما عداه على مقتضاه والقذف بغير الزنى بأن يرميه بالكذب أو بالفسق فعلى هذا إن تشاتم اثنان عزرا ويحتمل عدمه فدل أن ما رآه تعين فلا يبطله غيره وأنه يتعين قدر تعزير عينه "ونحوه" روي عن علي أنه سئل عن قول الرجل لآخر يا خبيث قال هو فاسق فيه تعزير وهذا كله معصية لله تعالى لأنه إما جناية على الشرع أو على آدمي والجناية على الآدمي عمدا محرمة وفاعلها مقدم على مخالفة الله تعالى بأذى المسلمين فيكون واجبا كالحد ومن وطئ أمة امرأته فعليه الحد لحديث النعمان بن بشير ولأنه وطء في فرج في غير عقد ولا ملك فوجب عليه الحد كوطء أمة غير زوجته "إلا أن تكون قد أحلتها له فيجلد مائة" ولا رجم ولا تغريب لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما عن حبيب بن سالم "أن رجلا يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته فرفع إلى النعمان بن بشير وهو أمير على الكوفة فقال لأقضين فيك بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك" قال الترمذي سألت محمدا عنه فقال أنا أتقي هذا الحديث وقال الخطابي ليس بمتصل وقال غيره رجاله ثقات إلا حبيب ابن سالم قال البخاري فيه نظر وقد روى له مسلم ووثقه أبو حاتم وعنه يعزر مائة إلا سوطا وعنه يعزر بعشر وهل يلحقه نسب ولدها على روايتين إحداهما يلحقه جزم بها في الوجيز كوطء الجارية المشتركة والثانية لا يلحقه الولد نقله الجماعة قال أبو بكر العمل عليه لأنه وطء لا في ملك ولا شبهة ملك أشبه الزنى المحض وقال الشيخ تقي الدين إن ظن جوازه لحقه وإلا فروايتان فيه وفي حده وعنه يحد فلا يلحقه لعدم حلها ولو ظن حلها نقله مهنا ولا يسقط الحد بالإباحة لعموم النصوص الدالة على وجوب الحد على(9/98)
في غير هذا الموضع ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات في غير هذا الموضع لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله تعالى".
__________
الزاني "في غير هذا الموضع" وهو إباحة الزوجة أمتها لزوجها وإنما سقط الحد هنا لحديث النعمان.
تنبيه: نقل الميموني فيمن زنى صغيرا: لم ير عليه شيئا ونقل ابن منصور في صبي قال لرجل يا زاني ليس قوله شيئا وكذا في التبصرة أنه لا يعزر وذكر الشيخ تقي الدين أن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا وكذا المجنون يضرب على ما فعل لينزجر لكن لا عقوبة بقتل أو قطع.
وفي الواضح من بلغ عشرا صلح تأديبه في تعزير على طهارة وصلاة ومثله زناه وهو ظاهر كلام القاضي وظاهر ما نقله الشالنجي في الغلمان يتمردون لا بأس بضربهم وأما القصاص مثل أن يظلم صبي صبيا أو مجنون مجنونا أو بهيمة بهيمة فيقتص للمظلوم من الظالم وإن لم يكن في ذلك زجر عن المستقبل لكن لاشتفاء المظلوم وأخذ حقه قال في الفروع فيتوجه أن يقال يفعل ذلك ولا يخلو عن ردع وزجر وأما في الآخرة فإن الله تعالى يقول ذلك للعدل بين خلقه قال ابن حامد القصاص بين البهائم والشجر والعيدان جائز شرعا بإيقاع مثل ما كان في الدنيا وكما قال أبو محمد البربهاري في القصاص من الحجر لم نكب أصبع الرجل قال الشيخ تقي الدين القصاص موافق لأصول الشريعة.
"ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات في غير هذا الموضع لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله تعالى " متفق عليه من حديث أبي بردة ونص عليه أحمد في مواضع وجزم به في الوجيز.
والمراد عند الشيخ تقي الدين إلا في محرم لحق الله تعالى وعنه يتبع قال بعضهم ولا وجه له وعنه لا يبلغ به الحد جزم به الخرقي وقدمه في المذهب والمحرر فيحتمل أنه أدنى حد مشروع وهو قول الأكثر ويحتمل أن لا يبلغ بكل جناية حدا مشروعا في جنسها ويجوز أن يزيد على حد غير جنسها.(9/99)
وعنه ما كان سببه الوطء كوطء جاريته المشتركة والمزوجة ونحوهما ضرب مائة ويسقط عنه النفي وكذلك يتخرج فيمن أتى بهيمة وغير الوطء لا يبلغ به أدنى الحدود.
__________
"وعنه ما كان سببه الوطء كوطء جاريته المشتركة والمزوجة ونحوهما" كجارية ولده أو أحد أبويه والمحرمة برضاع وميتة عالما بتحريمه "ضرب مائة" لما سبق من حديث النعمان في وطء جارية امرأته بإذنها فيتعدى إلى وطء أمته المشتركة والمزوجة لأنها في معناها.
وعن سعيد بن المسيب أن عمر قال في أمة بين رجلين وطئها أحدهما يجلد الحد إلا سوطا رواه الأثرم واحتج به أحمد والمذهب كما قاله القاضي أنه لا يزاد على عشر فأقل إلا في وطء أمة مشتركة فيعزر حر بمائة إلا سوطا نقله الجماعة وما عداه يبقى على العموم لحديث أبي بردة قال في المغني والشرح وهذا قول حسن "ويسقط عنه النفي" أي يضرب مائة جلدة بلا نفي وله نقصه ويرجع في أقله إلى اجتهاد الإمام مع أنه اختار طائفة من أصحابنا أنه يقتل للحاجة وأنه يقتل مبتدع داعية ونقله إبراهيم بن سعيد الأطروش في الدعاة من الجهمية وعن أحمد وكذا كل وطء في فرج وهي أشهر عند جماعة وعنه أو دونه نقله يعقوب جزم به في المذهب والمحرر وغيرهما واحتج بأن عليا وجد رجلا مع امرأة في لحافها فضربه مائة والعبد بخمسين إلا سوطا.
"وكذلك يتخرج فيمن أتى بهيمة" إذا قلنا إنه لا يحد بل يعزر لأنه وطء في فرج أشبه وطء أمة امرأته "وغير الوطء لا يبلغ به أدنى الحدود" لما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين" وكتب عمر إلى أبي موسى لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود.
تنبيه: التعزير يكون بضرب وحبس وتوبيخ وقيل في حق الله تعالى وحده ولا يقطع عضوا ولا يجرحه ولا يأخذ ماله وإن عفا عنه مستحق الحد سقط مع التعزير وإن عفا مستحق التعزير لم يسقط .(9/100)
ومن استمنى بيده لغير حاجة عزر وإن فعله خوفا من الزنا فلا شيء عليه.
__________
فائدة: من عرف بأذى الناس حتى بعينه حبس حتى يموت أو يتوب قاله ابن حمدان قال القاضي للوالي فعله وفي الترغيب للإمام حبس العائن قال بعضهم ولا يبعد أن يقتل إذا كان يقتل بها غالبا وفيه نظر.
"ومن استمنى بيده لغير حاجة" حرم "وعزر" لأنه معصية ولقوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] ولحديث رواه الحسن ابن عرفة في جزئه وعنه يكره تنزيها نقل ابن منصور لا يعجبني بلا ضرورة قال مجاهد كانوا يأمرون فتيانهم أن يستعفوا به وعنه يحرم مطلقا ونقله البغوي في تفسيره عن أكثر العلماء "وإن فعله خوفا من الزنى فلا شيء عليه" لأنه لو فعل ذلك خوفا على بدنه لم يلزمه شيء ففعله خوفا على دينه أولى ويجوز في هذه الحالة.
وهذا إذا لم يقدر على نكاح ولو أمة نص عليه وعنه يكره والمرأة كالرجل فتستعمل شيئا مثل الذكر ويحتمل المنع وعدم القياس ذكره ابن عقيل.
فرع: لو اضطر إلى جماع وليس من يباح وطؤها حرم الوطء اتفاقا.(9/101)
باب القطع في السرقة
ولا يجب إلا بسبعة أشياء أحدها: السرقة.
__________
باب القطع في السرقة
وهو ثابت بالإجماع وسنده قوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} المائدة ولقوله عليه السلام في حديث عائشة "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا" إلى غيره من النصوص.
"ولا يجب" القطع "إلا بسبعة أشياء" يأتي حكمها "أحدها: السرقة" لأن الله تعالى أوجب القطع على السارق فإذا لم توجد السرقة لم يكن الفاعل سارقا .(9/101)
وهي: أخذ المال على وجه الاختفاء ولا قطع على منتهب ولا مختلس ولا غاصب ولا خائن ولا جاحد وديعة ولا عارية وعنه يقطع جاحد العارية.
__________
"وهي أخذ المال" أي المحترم "على وجه الاختفاء" هذا بيان لمعنى السرقة ومنه استراق السمع ومسارقة النظر إذا كان يستخفي بذلك وشرطه أن يكون عالما به وبتحريمه من مالكه أو نائبه نص عليه وفي الانتصار ولو بكونه في يده ولم يعلم أنه ملكه والأصح ولو من غلة وقف وليس من مستحقه وهو مكلف مختار وعنه أو مكره "ولا قطع على منتهب" لما روى جابر مرفوعا قال "ليس على المنتهب قطع" رواه أبو داود.
"ولا مختلس ولا غاصب ولا خائن" لقوله عليه السلام "ليس على الخائن والمختلس قطع" رواه أبو داود والترمذي وقال لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير ولأن الاختلاس نوع من النهب وإذا لم يجب على الخائن والمختلس فالغاصب أولى وقال إياس بن معاوية يقطع لأنه يستخفي بأخذه فيكون سارقا والمنقول عن علماء الأمصار خلافه لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع" رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه والدارقطني وإسناده ثقات قال أبو داود بلغني عن أحمد بن حنبل أن ابن جريج إنما سمعه من ياسين الزيات.
"ولا جاحد وديعة" وفاقا لعموم قوله "لا قطع على خائن" لأنه ليس بسارق "ولا عارية" ولا غيرها من الأمانات بغير خلاف نعلمه.
"وعنه يقطع جاحد العارية" نص عليه في رواية صالح وعبد الله والكوسج والخوارزمي وأبي طالب وابن منصور وجزم بها ابن هبيرة وصاحب الوجيز ونصرها القاضي في الخلاف لما روت عائشة "أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها" رواه مسلم قال أحمد لا أعرف شيئا يدفعه وقال في رواية الميموني هو حكم من النبي صلى الله عليه وسلم ليس يدفعه شيء والأولى أصح.(9/102)
ويقطع الطرار وهو الذي يبط الجيب وغيره ويأخذ منه وعنه لا يقطع.
فصل
الثاني: أن يكون المسروق مالا محترما سواء كان مما يسرع إليه الفساد كالفاكهة والبطيخ أو لا وسواء كان ثمينا كالمتاع والذهب أو غير ثمين كالخشب والقصب
__________
والمرأة إنما قطعت يدها لسرقتها لا لجحودها بدليل قوله عليه السلام "إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وإنما عرفتها عائشة بجحدها العارية لشهرتها بذلك وفيما ذكرناه موافقة لظاهر الأحاديث والقياس وفقهاء الأمصار فيكون أولى "ويقطع الطرار وهو الذي يبط الجيب وغيره ويأخذ منه" هذا هو الأشهر وجزم به في الوجيز وقدمه أكثر الأصحاب لأنه أخذ مال غيره على وجه الاختفاء أشبه السارق وسواء بط ما أخذ منه أو قطعه فأخذه فعلى هذا لو بط جيبه فسقط منه نصاب فأخذه قطع نص عليه "وعنه لا يقطع" لأنه لا يسمى سارقا كالمختلس.
فصل
"الثاني: أن يكون المسروق مالا" لأن ما ليس بمال لا حرمة له فلم يجب به قطع والأحاديث دالة على ذلك مع أن غير المال لا يساوي المال فلا يلحق به لا يقال الآية مطلقة لأن الأخبار مقيدة به فيحمل المطلق على المقيد فعلى هذا لا يقطع بسرقة كلب وإن كان معلما لأنه ليس بمال ولا بحر "لما يأتي محترما" لأنه إذا لم يكن كذلك كمال الحربي تجوز سرقته بكل طريق وجواز الأخذ منه ينفي وجوب القطع "سواء كان مما يسرع إليه الفساد كالفاكهة والبطيخ أو لا وسواء كان ثمينا كالمتاع والذهب أو غير ثمين كالخشب والقصب" لعموم قوله تعالى :(9/103)
ويقطع بسرقة العبد الصغير ولا يقطع بسرقة حر وإن كان صغيرا
__________
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ولقوله عليه السلام في الثمر "من سرق منه شيئا فبلغ ثمن المجن ففيه القطع" رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن "أن سارقا سرق أترجة في زمن عثمان بن عفان فأمر عثمان أن تقوم فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر بدينار فقطع عثمان يده" ورواه الشافعي عن مالك وقال هي الأترجة التي يأكلها الناس ولأن هذا مال يتمول عادة ويرغب فيه فيقطع سارقه كالمجفف وسواء كان أصله الإباحة أو لا حتى أحجار ولبن ونورة وفخار وزجاج وملح وفيه وجه وسرجين طاهر والأظهر وثلج وفي ماء وجهان وفي الواضح في صيد مملوك محرز روايتان ونقل ابن منصور لا قطع في طير لإباحته أصلا قال في الفصول قال شيخنا لعله أخذه من غير حرز وفيه نظر إذ كل الأموال كذلك وعندي أن قصد الأشياء المباحة في الأصل كالصيود وما شاكلها لا قطع فيها وفي الروضة إن لم يتمول عادة كماء وكلإ محرز فلا قطع في إحدى الروايتين.
"ويقطع بسرقة العبد الصغير" في قول عامتهم لأنه سرق مالا مملوكا تبلغ أشبه سائر الحيوانات والمراد به غير المميز لأن مثل ذلك لا يفهم ولا يميز بين سيده وغيره فإن كان كبيرا عاقلا لم يقطع بسرقته إلا أن يكون نائما أو مجنونا لا يميز بين سيده وغيره في الطاعة فيقطع سارقه كأعجمي لا يميز ولو كان كبيرا وفي الشرح إن كان المسروق في حال نومه أو جنونه أو أم ولد فوجهان وفي الكافي لا يقطع كبير أكرهه وفي الترغيب في عبد نائم وسكران وجهان.
فرع: إذا سرق المكاتب لم يقطع بخلاف ماله إلا أن يكون سيده هو السارق.
"ولا يقطع بسرقة حر وإن كان صغيرا" في ظاهر المذهب وهو قول(9/104)
وعنه أنه يقطع بسرقة الصغير فإن قلنا لا يقطع فسرقه وعليه حلي فهل يقطع على وجهين ولا يقطع بسرقة مصحف وعند أبي الخطاب يقطع ويقطع بسرقة سائر كتب العلم ولا يقطع بسرقة آلة لهو
__________
أكثرهم لأنه ليس بمال أشبه الكبير "وعنه أنه يقطع بسرقة الصغير" كالمجنون لأنه مسروق أشبه المال والبهيمة وجوابه أنه ليس بمال فلا يقطع بسرقته كالكبير النائم.
"فإن قلنا لا يقطع فسرقه وعليه حلي" أو ثياب تبلغ قيمتها نصابا "فهل يقطع على وجهين" أحدهما وقدمه في الشرح لا قطع لأنه تابع لما لا قطع فيه أشبه ثياب الكبير ولأن يد الصبي على ما عليه بدليل أن ما يوجد مع اللقيط يكون له.
وكذا لو كان الكبير نائما على متاع فسرقه وثيابه لم يقطع لأن يده عليه.
والثاني: يقطع وجزم به في الوجيز لظاهر الآية وكما لو سرقه مفردا "ولا يقطع بسرقة مصحف" في قول أبي بكر والقاضي لأن المقصود منه كلام الله تعالى وهو مما لا يجوز أخذ العوض عنه وعند أبي الخطاب يقطع وهو ظاهر كلام أحمد جزم به في الوجيز لعموم الآية والأخبار وكتب التفسير والفقه وقيل إن سرقه ذمي قطع وإن سرقه مسلم فوجهان فإن قلنا لا يقطع وعليه حلية تبلغ نصابا فوجهان " ويقطع بسرقة سائر كتب العلم" المباحة لأن ذلك مال حقيقة وشرعا وقيل إن سرق كتاب فقه أو حديث يحتاجه لم يقطع وذكر القاضي في الخلاف أنه لا يقطع إلا بسرقة دفاتر الحساب وعلم منه أنه لا يقطع بسرقة كتب البدع والتصاوير وهو كذلك.
"ولا يقطع بسرقة آلة لهو" كطنبور ومزمار ونحوه ولو بلغت قيمته لأنه معصية إجماعا فلم يقطع بسرقته كالخمر وقيل إن سرقه وكسره لم يقطع وإلا قطع .(9/105)
ولا محرم كالخمر وإن سرق إناء فيه خمر أو صليبا أو صنم ذهب لم يقطع وعند أبي الخطاب يقطع
__________
فإن كان عليه حلية تبلغ نصابا فوجهان أحدهما وهو قياس قول أبي بكر لا قطع لأنه متصل بما لا قطع فيه أشبه الخشب والأوتار.
والثاني: وقاله القاضي يقطع لأنه سرق نصابا من حرز أشبه المفرد.
"ولا محرم كالخمر" والخنزير والميتة ونحوها سواء سرقه من مسلم أو كافر لأنها عين محرمة فلم يقطع بسرقتها كالخنزير ولأن ما لا يقطع بسرقته من مال مسلم لا يقطع بسرقته من الذمي كالدم وعنه ولم يقصد سرقة.
وفي الترغيب مثله في إناء نقد وفي الفصول في قضبان الخيزران ومخاد الجلود المعدة للصوفية يحتمل كألة لهو ويحتمل القطع.
"وإن سرق إناء فيه خمر" لم يقطع على المذهب لأنه متصل بما لا قطع فيه أشبه ما لو سرق شيئا مشتركا بينه وبين غيره بحيث تبلغ قيمته بالشركة نصابا قال في المستوعب لو سرق إناء فيه ماء أو خمر لم يقطع على قول أكثر أصحابنا.
"أو صليبا أو صنم ذهب" أو فضة وعبارة الفروع أو صنم نقد وهي أولى "لم يقطع" وهو قول القاضي وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع "وعند أبي الخطاب يقطع" وهو ظاهر كلام أحمد ووجههما ما سبق في سرقة آلة لهو وهذا بخلاف ما لو كسر آلة النقدين بكل وجه لم تنقص قيمته عن النصاب ولأنهما جوهران يغلبان على الصنعة ولأنه مجمع على تحريمه وكذا يقطع بإناء نقد بها تماثيل وقيل إن لم يقصد إنكارا .(9/106)
فصل
الثالث: أن يسرق نصابا وهو ثلاثة دراهم أو قيمة ذلك من الذهب والعروض وعنه أنه ثلاثة دراهم أو ربع دينار أو ما يبلغ قيمة أحدهما من غيرهما
__________
فصل
"الثالث: أن يسرق نصابا" فلا قطع بسرقة دون النصاب في قولهم إلا الحسن وابن بنت الشافعي فإنه يقطع في القليل كالكثير لعموم الآية وجوابه قوله عليه السلام "لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا" رواه أحمد ومسلم وهو إجماع الصحابة وما روي أنه عليه السلام قال "لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده" محمول على حبل أو بيضة تبلغ قيمة كل واحد منهما نصابا أو أن المراد بالبيضة بيض النعام لما فيه من الجمع بين الأدلة "وهو ثلاثة دراهم" لأن غيرها يقوم بها لما يأتي فلأن يقطع بها نفسها بطريق الأولى "أو قيمة ذلك من الذهب والعروض" لما روى ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم" متفق عليه قال ابن عبد البر هذا أصح حديث روي في هذا الباب وفيه على أن العرض يقوم بالدراهم لأن المجن قوم بها وأما كونه يقوم بالذهب فلأن ما كان الورق فيه أصلا كان الذهب فيه أصلا كنصاب الزكاة والديات وقيم المتلفات وقد روى أنس "أن سارقا سرق مجنا يساوي ثلاثة دراهم فقطعه أبو بكر" وأتي عثمان برجل سرق أترجة فبلغت قيمتها ربع دينار فقطع وقال علي "فما بلغ ثمن المجن ففيه القطع" ويعتبر في الدراهم أن تكون خالصة فلو كانت مغشوشة فلا خلافا للشيخ تقي الدين فيها "وعنه أنه ثلاثة دراهم أو ربع دينار أو ما يبلغ قيمة أحدهما من غيرهما" نصره القاضي في الخلاف وذكر في الكافي أنها أولى وقدمها في الرعاية والفروع وجزم بها في الوجيز لخبر عائشة ولقوله "اقطعوا في ربع دينار لا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك" وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار(9/107)
وعنه لا تقوم العروض إلا بالدراهم وإذا سرب نصابا ثم نقصت قيمته أو ملكه ببيع أو هبة أو غيرها لم يسقط القطع وإن دخل الحرز
__________
اثني عشر رواه أحمد وهذا تقييد لإطلاق الآية قوله يبلغ إلى آخره أي يسرق عرضا قيمته كأحدهما "وعنه لا تقوم العروض إلا بالدراهم" لأن التقويم حصل بها لا بالذهب واختلف في الذهب هل هو أصل في القطع نفسه فعنه نعم وهو المذهب وعنه لا فعلى هذه يقوم بالدراهم فما ساوى منه ثلاثة دراهم قطع به وإن لم يبلغ ربع دينار وما لا يساوي ثلاثة دراهم لم يقطع به وإن بلغ ربع دينار وعلى المذهب أقله ربع دينار فلو كان دونها ويساوي ثلاثة دراهم لم يقطع وعلى هذا هو أصل في التقويم وهو اختيار ابن عقيل والمؤلف لأنه أحد النقدين فكان التقويم به كالآخر وعلى الثانية ليس بأصل وإنما الأصل الدراهم وعلى الأول متى بلغت قيمة المسروق أدنى النصابين قطع وعلى الأخرى الاعتبار بالدراهم فقط وفي تكميله بضم من النقدين وجهان ويكفي تبر في المنصوص أي يكفي وزن التبر اقتصر عليه في الكافي وقدمه في الرعاية وقيل تعتبر قيمته بالمضروب وإذا سرق نصابا ثم نقصت قيمته أي بعد الإخراج لأن النقصان وجد في العين بعد استحقاقها القطع أشبه ما لو نقص باستعماله ولأنه تعتبر قيمة النصاب حال إخراجه من الحرز وهو موجود "أو ملكه ببيع أو هبة أو غيرها لم يسقط القطع" لما روى صفوان بن أمية أنه نام على ردائه في المسجد فأخذ من تحت رأسه فجاء بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقال صفوان يا رسول الله لم إن هذا ردائي عليه صدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "هلا كان هذا قبل أن تأتيني به" رواه ابن ماجة ولأن النصاب شرط فلم تعتبر استدامته كالحرز لكن إن ملك العين قبل رفعه إلى الحاكم والمطالبة بها عنده لم يجب القطع بغير خلاف علمناه قال أحمد إذا رفع إليه لم يكن لرافعه عفو وظاهر الواضح وغيره قبل الحكم قال أحمد تدرأ الحدود بالشبهات فإذا صار إلى السلطان وصح عنده الأمر بالبينة أو الاعتراف وجب عليه إقامته عند ذلك وقال أبو بكر وجزم به آخرون لو ملكه سارقه قطع وجزم به ابن هبيرة عن أحمد "وإن دخل الحرز فذبح شاة(9/108)
فذبح شاة قيمتها نصاب فنقصت عن النصاب ثم أخرجها لم يقطع وإن سرق فرد خف قيمته منفردا درهمان وقيمته وحده مع الآخر أربعة لم يقطع وإن اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا سواء أخرجوه جملة أو أخرج كل واحد جزءا
__________
قيمتها نصاب فنقصت عن النصاب ثم أخرجها لم يقطع" لأن من شرط وجوب القطع أن يخرج من الحرز العين وهي نصاب ولم يوجد وإن كانت قيمتها مذبوحة نصابا قطع بإخراجها وإن قلنا إنها ميتة فلا "وإن سرق فرد خف قيمته منفردا درهمان وقيمته وحده مع الآخر أربعة لم يقطع" لأنه لم يسرق نصابا والمشروط عدم عند عدم شرطه فلو كانت قيمة كل منهما منفردا درهما و معا عشرة غرم ثمانية المتلف ونقص التفرقة وقيل درهمين وكذا جزءا من كتاب ذكره في التبصرة.
فرع: إذا أتلف وثيقة لغيره بما لا يثبت إلا بها ففي إلزامه ما تضمنته احتمالان أقواهما يلزمه ومثله يتعلق بالضمان في كتمان الشهادة.
ويقطع بسرقته منديلا بطرفه دينار مشدود يعلمه وقيل أو يجهله صححه في المذهب كجهله قيمته.
"وإن اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا" ذكره الخرقي والأصحاب كهتك الحرز وكالقصاص "سواء أخرجوه جملة أو أخرج كل واحد جزءا" نص عليه لأنهم اشتركوا في هتك الحرز وإخراج النصاب فلزمهم القطع كما لو كان ثقيلا فحملوه وفارق القصاص فإنه يعتمد المماثلة ولا توجد المماثلة إلا أن توجد أفعالهم في جميع أجزاء اليد وهنا القصد الزجر من غير اعتبار مماثلة وعنه يقطع من أخرج نصابا وهو قول أكثرهم قال في المغني وهذا أحب إلي لأن القطع هنا ليس هو في معنى المجمع عليه فلا يجب والاحتياط في سقوطه أولى من الاحتياط في إيجابه لأنه مما يدرأ بالشبهة وقيل إن لم يقطع بعضهم لشبهة فلا قطع قال في المستوعب والأول أصح وعليه التفريع فإن كان أحدهم لا يقطع بسرقته منه لولادة أو سيادة أو عدم تكليف قطع غيره في الأصح إن أخذ نصابا وقيل أو أقل ولم يذكره في المستوعب والمحرر إلا أن أحدهم إذا لم يقطع قطع الأجنبي فلو أقر بمشاركة(9/109)
وإن هتك اثنان حرزا ودخلاه فأخرج أحدهما نصابا وحده أو دخل أحدهما فقدمه إلى باب النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه قطعا وإن رماه الداخل إلى خارج فأخذه الآخر فالقطع على الداخل وحده وإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما ويحتمل أن يقطعا إلا أن ينقب أحدهما ويذهب ويأتي الآخر من غير علم فيسرق فلا يقطع
__________
آخر في سرقة نصاب ولم يقر الآخر ففي القطع وجهان.
فرع: إذا سرق نصابا لجماعة من حرز قطع على الأصح فلو سرق ما ظنه فلوسا فبان نصاب نقد لم يقطع ذكره في المستوعب والرعاية "وإن هتك اثنان حرزا ودخلاه فأخرج أحدهما نصابا وحده" قطعا نص عليه لأن المخرج أخرجه بقوة صاحبه ومعونته "أو دخل أحدهما فقدمه إلى باب النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه قطعا" وجها واحدا قاله في المستوعب لأنهما اشتركا في هتك الحرز وإخراج المتاع كما لو حملاه وأخرجاه وكذا إن وضعه وسط النقب فأخذه الخارج وفيه في الترغيب وجهان وإن شده بحبل فأدخل الآخر يده فأخذه أو جذب الحبل قال في الرعاية أو أخذه الذي رماه قطعا "وإن رماه الداخل إلى خارج فأخذه الآخر" أو لا أو أعاده فيه أحدهما "فالقطع على الداخل وحده" وإن اشتركا في النقب لأن الداخل أخرج المتاع وحده فاختص القطع به لا يقال هما اشتركا في الهتك لأن شرطه الاشتراك في الهتك والإخراج ولم يوجد الثاني فانتفى القطع لانتفاء شرطه وفي الترغيب وجه هما "وإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما" لأن الأول لم يسرق والثاني لم يهتك الحرز وقيل بلى إن تواطآ على السرقة قاله في الوجيز وهو ظاهر ويحتمل أن يقطعا لأن فعل كل منهما وقع بقوة الآخر أشبه ما لو اشتركا في النقب والإخراج "إلا أن ينقب أحدهما ويذهب ويأتي الآخر من غير علم فيسرق فلا يقطع" وجها واحدا لأنه لم يهتك الحرز ومن شرط وجوب القطع هتكه.
مسائل: إذا أخرج نصابا إلى ساحة دار بابها مغلق من بيت منها فروايتان .(9/110)
فصل
الرابع: أن يخرجه من الحرز فإن سرق من غير حزر أو دخل الحرز فأتلفه فيه فلا قطع عليه وإن ابتلع جوهرا أو ذهبا وخرج به
__________
وإن فتح هو بابها فوجهان وإن كان وحده مفتوحا قطع وإن كان البيت وحده مفتوحا فلا وفي الكافي والشرح إنه إن كان البيت مغلقا ففتحه أو نقبه وإلا فلا وكذا الخان في الأقيس قاله ابن حمدان وإن تطيب في الحرز بطيب ثم خرج ولو اجتمع فبلغ نصابا فاحتمالان وإن لم يبلغ نصابا فلا قطع في الأشهر لأنه حين إخراجه ناقص عن نصاب.
فصل
"الرابع: أن يخرجه من الحرز" في قول أكثرهم وعن عائشة والنخعي فيمن جمع المتاع ولم يخرج به من الحرز عليه القطع قال سعيد ثنا هشيم أنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم قال ذكر لعائشة قول من يقول لا قطع على السارق حتى يخرج المتاع فقالت عائشة لو لم أجد إلا شفرة لحززت بها يده وعنه لا يشترط الحرز قال ابن المنذر ليس فيه خبر ثابت والأول شبيه بالإجماع لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمار فقال "ما أخذ من غير أكمامه واحتمل ففيه قيمته ومثله معه وما كان من الحرز ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن" رواه أبو داود وابن ماجة وبهذا تخص الآية كما خصصناها بالنصاب "فإن سرق من غير حرز أو دخل الحرز فأتلفه فيه" بأكل أو غيره "فلا قطع عليه" لفوات شرطه لكن يلزمه ضمانه لأنه أتلفه ولا يقطع حتى يخرجه من الحرز سواء حمله إلى منزله أو تركه خارجا من الحرز "وإن ابتلع جوهرا أو ذهبا وخرج به" من الحرز فعليه القطع أشبه ما لو أخرجه في كمه وكلامه شامل ما إذا خرجا منه أو لا لكن إن لم يخرج ما ابتلعه فلا قطع ذكره في الكافي والشرح وهو قول القاضي وابن عقيل وقيل يقطع قدمه في المحرر والرعاية وإن خرج منه فقيل يقطع كما لو أخرجه من كمه وقيل لا لأنه ضمنها بالبلع فكان إتلافا لها(9/111)
أو نقب ودخل فترك المتاع على بهيمة فخرجت به أو في ماء جار فأخرجه أو قال لصغير أو معتوه ادخل فأخرجه ففعل فعليه القطع وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه ويختلف باختلاف الأموال وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه
__________
لا سرقة "أو نقب ودخل فترك المتاع على بهيمة فخرجت به" من غير سوقها لأن العادة مشي البهيمة بما وضع عليها "أو في ماء جار" وقيل وراكد "فأخرجه" المتاع إلى حائل من الدار فأطارته الريح فهذا فيه وجهان أحدهما لا قطع لأن ذلك لم يكن آلة للإخراج وإنما هو سبب حادث في غير فعله والثاني يقطع لأن فعله سبب خروجه أشبه ما لو ساق البهيمة.
فرع: إذا رمى المتاع فأطارته الريح فأخرجته أو فتح طاقا فسقط منه طعام أو غيره قدر نصاب أو أخرجه من الحرز ورماه خارجا عنه أو رده إليه قطع لأنه متى ابتدأ الفعل منه لم يؤثر فعل الريح كما لو رمى صيدا فأعانت الريح السهم حتى قتل فإنه يحل ولو رمى الجمار فأعانتها الريح حتى وقع في المرمى احتسب به "أو قال لصغيره أو معتوه ادخل فأخرجه ففعل فعليه القطع" لأنه لاختيار لهما فهما كالآلة ولو أمرهما شخص بالقتل قتل الآمر.
تنبيه: إذا أخرج خشبة أو بعضها من الحرز لم يقطع لأن بعضها لا ينفرد عن بعض وكذا لو أمسك عمامة وطرفها في يد صاحبها وإن أخرج بعض نصاب ثم دخل فأخرج تمامه وقرب قطع وكذا إن بعد في وجه وقدمه في الترغيب وقيل إن كان في ليلة قطع لا ليلتين وإن علم المالك بهتكه وأهمله فلا قطع قال القاضي قياس قول أصحابنا يبنى فعله على فعل غيره ولو فتح أسفل كوارة فخرج العسل شيئا فشيئا قطع
فرع: إذا علم قردا السرقة فالغرم فقط ذكره أبو الوفاء وابن الزاغوني "وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه ويختلف باختلاف الأموال وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه" لأنه لما لم يثبت في الشرع علم أنه رد ذلك إلى العرف لأنه طريق إلى معرفته فرجع إليه كما رجعنا إلى معرفة القبض والفرقة في البيع وأشباه ذلك إليه هذا ظاهر قول أصحابنا .(9/112)
فحرز الأثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة وحرز البقل والباقلاء ونحوه وقدوره وراء الشرائج إذا كان في السوق حارس وحرز الخشب و الحطب الحظائر
__________
"فحرز الأثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة" وهو اسم للقفل خشبا كان أو حديدا أو يكون فيها حافظ لأن العادة في حرز ذلك بذلك وفي الترغيب وغيره في قماش غليظ وراء غلق وفي تفسير ابن الجوزي ما جعل للسكنى وعن أحمد في البيت الذي ليس عليه غلق فسرق منه أراه سارقا وهذا محمول على أن أهله فيه فإن كانت الأبواب مفتوحة وفيها خزائن مغلقة فالخزائن حرز لما فيها والبيوت التي في البساتين أو الطرق أو الصحراء إن لم يكن فيها أحد فليست حرزا وإن كانت مغلقة وفيها حافظ فهي حرز وإن كان نائما وإن كانت مفتوحة فلا إلا أن يكون الحافظ يقظان.
تتمة: الخيمة والخركاة كذلك سواء سرق من ذلك وهو مفتوح الباب أو لا باب له إلا أنه محجر بالبناء فإن سرق صندوقا فيه متاع أو دابة عليها متاع ولا حافظ لم يقطع وإن سرق المتاع الذي فيه قطع وعنه إن الصناديق التي في السوق وإن حملت كما هي قطع وحمله القاضي وابن عقيل على أن معها شيئا "وحرز البقل والباقلاء ونحوه وقدوره وراء الشرائج" واحدها شريجة وهو شيء يعمل من قصب أو نحوه يضم بعضه إلى بعض بحبل أو غيره "إذا كان في السوق حارس" لأن العادة جرت بإحرازها به "وحرز الخشب والحطب" والقصب "الحظائر" واحدتها حظيرة وهي ما يعمل للإبل والغنم من الشجر تأوي إليه وأصل الحظر المنع فيعبئ بعضه على بعض ويقيده بقيد بحيث يعسر أخذ شيء منه على ما جرت به العادة إلا أن يكون في فندق مغلقا عليه فيكون محرزا وإن لم يقيده ذكره في الكافي والشرح وفي التبصرة حرز حطب تعبئته وربطه بالحبال وكذا ذكره أبو محمد الجوزي.
فرع: حرز السفن في الشط: بربطها .(9/113)
وحرز المواشي الصير وحرزها في المرعى بالراعي ونظره إليها وحرز حمولة الإبل بتقطيرها وقائدها وسائقها إذا كان يراها وحرز الثياب في الحمام بالحافظ
__________
"وحرز المواشي" جمع ماشية "الصير" واحدها صيرة وهي حظيرة الغنم "وحرزها في المرعى بالراعي ونظره إليها" لأن العادة حرزها بذلك فما غاب عن مشاهدته فقد خرج عن الحرز لأن الراعية هكذا تحرز.
"وحرز حمولة الإبل بتقطيرها وقائدها وسائقها إذا كان يراها" وجملته أن الإبل تنقسم إلى ثلاثة أقسام باركة وراعية وسائرة فحرز الباركة المعقولة بالحافظ يقظان كان أو نائما لأن العادة أن صاحبها يعقلها إذا نام فإن لم تكن معقولة فحرزها بحافظ يقظان وحرز الراعية بنظر الراعي إليها فما غاب عن نظره أو نام عنها فليس بمحرز لأن الراعية إنما تحرز بالراعي ونظره إليها وحرز السائرة الحمولة بسائق يراها مقطرة كانت أو غير مقطرة أو بتقطيرها مع قائد يراها وفي الترغيب والشرح يكثر الالتفات إليها ويراها إذا التفت وأما الأول منها فهو محرز بقوده والحافظ الراكب فيما وراءه كقائد ولو سرق مركوبه من تحته فلا قطع وفيه احتمال وإن سرقه براكبه الرقيق وهما يساويان نصابا قطع وإن كان حرا ومعه ما يساوي نصابا فوجهان "وحرز الثياب في الحمام بالحافظ" جزم به المؤلف وفي الوجيز وقدمه في الفروع كما لو كان في البيت وعنه لا قطع إلا أن يكون على المتاع قاعد صححه المؤلف لأنه مأذون للناس في دخوله فجرى مجرى سرقة الضيف من البيت المأذون في دخوله ولأنه لا يمكن الحافظ من حفظه فيه وإن فرط في الحفظ فنام أو اشتغل فلا قطع ويضمن وفي الترغيب إن استحفظه ربه صريحا وفيه لا تبطل الملاحظة بفترات وأعراض يسيرة بل بتركه وراءه وظاهره أنه إذا سرق من الحمام ولا حافظ فيه فلا قطع في قول عامتهم.
فرع: وحرز الثياب في أعدال أو غزل في سوق وخان وما كان مشتركا في الدخول إليه بحافظ على الأصح وقيل ليس الحمامي حافظا بجلوسه ولا الذي يدخل الطاسات.(9/114)
وحرز الكفن في القبر على الميت فلو نبش قبرا وأخذ الكفن قطع وحرز الباب تركيبه في موضعه فلو سرق رتاج الكعبة أو باب مسجد أو تأزيره
__________
"وحرز الكفن في القبر على الميت فلو نبش قبرا وأخذ الكفن قطع" روي عن ابن الزبير وقاله الحسن وعمر بن عبد العزيز لقول عائشة "سارق أمواتنا كسارق أحيائنا" ولأنه سرق مالا محترما من حرز فوجب القطع به كغيره ولأنه يوضع فيه عادة ولا يعد واضعه مفرطا وعنه لا قطع وعنه إلا أن يخرج الميت من القبر ويأخذه منه ذكرها في النهاية وظاهره لا فرق في القبر أن يكون في حرز أو لا كالصحراء قاله جماعة وفي الواضح من مقبرة مصونة بقرب البلد ولم يقل في التبصرة مصونة.
ولابد أن يكون الكفن مشروعا وأن يخرجه من القبر لأنه الحرز فإن أخرجه من اللحد ووضعه في القبر فلا قطع وما زاد على الكفن المشروع كاللفافة والرابعة أو ترك معه طيبا فلا قطع في شيء من ذلك وفي الخلاف يقطع بسرقة الطيب لأنه من السنة وفي كونه ملكا له أو لوارثه فيه وجهان وعليهما هو خصمه فإن عدم فنائب الإمام ولو كفنه أجنبي وقيل هو ويستثنى على المذهب ما إذا أكله ضبع فإن كفنه إرث ولا يقطع سارقه وهل يفتقر في قطع النباش إلى مطالبة فيه وجهان.
"وحرز الباب تركيبه في موضعه" مفتوحا كان أو مغلقا لأنه هكذا يحفظ وفي الترغيب حرز باب أو خزانة بغلقه أو غلق باب الدار عليه وحرز جدار الدار كونه مبنيا فيه إذا كان في العمران أو في الصحراء إذا كان ثم حافظ فإن أخذ شيئا من الجدار أو خشبة تبلغ نصابا قطع وإن هدم الحائط ولم يأخذه فلا قطع وأبواب الخزائن في الدار إن كان باب الدار مغلقا فهي محرزة وإن كان مفتوحا فلا إلا أن يكون فيها حافظ.
فرع: حلقة الباب إن كانت مسمرة فهي محرزة وإلا فلا.
فلو سرق رتاج الكعبة وهو بابها العظيم ويقال أرتج على القارئ إذا لم يقدر على القراءة.
"أو باب مسجد أو تأزيره" وهو ما جعل من أسفل حائطه من لباد(9/115)
قطع ولا يقطع بسرقة ستارتها وقال القاضي يقطع بسرقة المخيطة عليها وإن سرق قناديل المسجد أو حصره فعلى وجهين وإن نام إنسان على ردائه في المسجد فسرقه سارق قطع وإن مال رأسه عنه لم يقطع بسرقته وإن سرق من السوق غزلا وثم حافظ قطع وإلا فلا ومن سرق من النخل أو الشجر حرز فلا قطع عليه
__________
أو دفوف ونحوه قطع كباب بيت الآدمي والمطالبة بذلك للإمام أو من يقوم مقامه وقيل لا قطع لأنه ينتفع بهما الناس فيكون له فيه شبهة كالسرقة من بيت المال وقيل لا يقطع مسلم بباب مسجد كحصره ونحوها في الأصح "ولا يقطع بسرقة ستارتها" أي الخارجة منها نص عليه وهو ظاهر المذهب قاله ابن الجوزي كغير المخيطة ولأنها غير محرزة "وقال القاضي يقطع بسرقة المخيطة عليها" وهو رواية وقدمه في الرعاية لأن ذلك حرز مثلها في العادة وحمل ابن حمدان النص على غير المخيطة "وإن سرق قناديل المسجد أو حصره فعلى وجهين" أحدهما يقطع لأن المسجد حرز لها فقطع كالباب.
والثاني: لا وهو الأصح وجزم به في الوجيز كالسرقة من بيت المال وذكره في المغني وجها واحدا والأشهر أنه لا يقطع إذا كان السارق مسلما وفي الكافي إنه إذا سرق قناديل مسجد أو حصره ونحوه مما جعل لنفع المصلين فلا قطع "وإن نام إنسان على ردائه في المسجد" أو غيره أو على مجر فرسه ولم يزل عنه أو نعله في رجله "فسرقه سارق قطع" لما روى صفوان بن أمية "أنه نام في المسجد على ردائه فأخذه من تحت رأسه سارق فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعه" رواه أبو داود وظاهر كلامهم لا فرق بين أن يكون في البلد أو برية "وإن مال رأسه عنه لم يقطع بسرقته" لأنه لم يبق محرزا وفي المستوعب أنه يجب القطع ما دام عليه شيء من أعضائه حال نومه فإن انقلب عنه ولم يبق عليه شيء من أعضائه فلا ذكره في الرعاية وجها.
"وإن سرق من السوق غزلا وثم حافظ قطع" لأن حرزه بحافظه "وإلا فلا" أي إذا لم يكن ثم حافظ فلا قطع لأنه مال غير محرز وفي المحرر هل حرزه بحافظ أم لا فيه روايتان "ومن سرق من النخل أو الشجر(9/116)
ويضمن عوضها مرتين وقال أبو بكر ما كان حرزا لمال فهو حرز لمال آخر
__________
من غير حرز فلا قطع عليه" وفاقا وقال أبو ثور إن كان من بستان محرز ففيه القطع وقال ابن المنذر لظاهر الآية وكسائر المحرزات وجوابه ما روى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا قطع في ثمر ولا كثر" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وظاهره ولو كان عليه حائط وحافظ لكن إن كانت الشجرة في داره وهي محرزة فسرق منها نصابا قطع.
"ويضمن عوضها مرتين" لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق فقال "من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع" رواه أحمد والنسائي وأبو داود ولفظه له قال أحمد لا أعلم شيئا يدفعه وقال أكثر العلماء لا يجب أكثر من مثله قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا قال بوجوب غرامة مثليه واحتج أحمد بأن عمر أغرم حاطب بن أبي بلتعة حين نحر غلمانه ناقة رجل من مزينة مثلي قيمتها رواه الأثرم قال القاضي في الخلاف وفي هذا دلالة على أن السرقة في عام المجاعة يضاعف الغرم فيها على قول أحمد ولأن الثمار في العادة تسبق اليد إليها فجاز أن تغلظ عليه في القيمة ردعا له وزجرا بخلاف بقية المواضع فإنها في العادة محرزة فاليد لا تسرع إليها ومقتضاه وإن كان المأخوذ دون نصاب ومن غير حرز وقاله القاضي والزركشي
فرع: لا قطع في عام مجاعة غلاء نص عليه إذا لم يجد ما يشتريه أو يشتري به قال جماعة ما لم يبذل له ولو بثمن غال وفي الترغيب ما يحيي به نفسه.
"وقال أبو بكر ما كان حرزا لمال فهو حرز لمال آخر" لأن الشرع ورد من غير تفصيل وحمله أبو الخطاب على قوة السلطان وعدله وبسط الأمن والأصح الأول لأنه إنما رجعنا في الحرز إلى العرف والعادة فالجواهر لا تحرز في الصير(9/117)
فصل
الخامس: انتفاء الشبهة فلا يقطع بالسرقة من مال ابنه وإن سفل ولا الولد من مال أبيه وإن علا والأب والأم في هذا سواء ولا يقطع العبد بالسرقة من مال سيده
__________
فإن أحرزها فيها عد مفرطا فكان العمل بالعرف أولى.
فرع: قال أصحابنا في الماشية تسرق من المرعى من غير أن تكون محرزة مثلا قيمتها للخبر وما عدا هذين الموضعين لا يضمن بأكثر من قيمته أو مثله إن كان مثليا لأنه الأصل خولف في هذين للأثر وذهب أبو بكر إلى غرامة من سرق من غير حرز بمثليه وهو رواية وقدم في المحرر أنها تضاعف عليه القيمة نص عليه.
فصل
"الخامس انتفاء الشبهة" لأن القطع حد فيدرأ بالشبهة فلا يقطع بالسرقة من مال ابنه وإن سفل لأن له فيه شبهة لقوله عليه السلام "أنت ومالك لأبيك" ولأنه أخذ ماله أخذه لقوله "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" ولأنه يدرأ بالشبهة.
"ولا الولد من مال أبيه وإن علا" لأن بينهما قرابة تمنع شهادة أحدهما لصاحبه فلم يقطع بالسرقة منه كالأب لأن النفقة تجب للابن في مال أبيه حفظا له فلا يجوز إتلافه حفظا للمال وعنه يقطع وهو ظاهر الخرقي لظاهر الآية ولأنه يقاد به ويحد بالزني بجاريته فيقطع بسرقة ماله كالأجنبي وجوابه ما سبق والزنى بجاريته ففيه منع وإن سلم فإنما وجب عليه الحد لأنه لا شبهة له فيها "والأب والأم في هذا سواء" لأنها أولى بالبر وإذا لم تكن فالمساواة والجد والجدة من قبلهما سواء "ولا يقطع العبد بالسرقة من مال سيده" نص عليه لما روى سعيد عن سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد عن عمر أنه جاءه عبد الله بن عمرو بن الحضرمي بغلام له فقال إن غلامي قد سرق فأقطع يده؟ فقال عمر خادمكم أخذ مالكم وكان ذلك بمحضر من(9/118)
ولا مسلم بالسرقة من بيت المال ولا من مال له فيه شركة أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه ومن سرق من الغنيمة ممن له فيها حق أو لولده أو سيده لم يقطع وهل يقطع أحد الزوجين بالسرقة من مال الآخر المحرز عنه على روايتين
__________
الصحابة ولم ينكر فكان كالإجماع وقال ابن مسعود لا قطع مالك سرق مالك والمكاتب وأم الولد والمدبر كالقن ولا يقطع سيد بسرقة مال مكاتبه فإن ملك وفاء فيتوجه الخلاف وفي الانتصار فيمن وارثه حر يقطع ولا يقتل به وكل من لا يقطع الإنسان بسرقة ماله لا يقطع عبده بسرقة ماله.
"ولا مسلم بالسرقة من بيت المال" نص عليه لما روى ابن ماجة عن ابن عباس "أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه وقال مال الله سرق بعضه بعضا" وقال عمر وابن مسعود من سرق من بيت المال فلا قطع ما من أحد إلا وله في هذا المال حق وقال سعيد ثنا هشيم أنا مغيرة عن الشعبي عن علي "ليس على من سرق من بيت المال قطع" وكذا لا يقطع بالسرقة من غنيمة لم تخمس أو فقير من غلة وقف على الفقراء فلو سرق ذمي أو عبد مسلم من بيت المال قطع نص عليه قاله في المحرر والمذهب خلافه.
"ولا من مال له فيه شركة" كالمال المشترك بينه وبين شريكه لأنه إذا لم يقطع الأب بسرقة مال ابنه لكون أن له فيه شبهة فلأن لا يقطع بالسرقة من مال شريكه من باب أولى أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه كمال مشترك لأبيه وابنه لأن له فيه شبهة لكون أبيه وابنه ونحوهما له فيه شركة ومن سرق من الغنيمة ممن له فيها حق أي لم تخمس "أو لولده أو سيده لم يقطع" لأن له في المال المسروق حقا أو شبهة حق وكل منهما يمنع الحد وحكى ابن أبي موسى أنه يحرق رحله كالغال وإن أخرج الخمس فسرق من الأربعة أخماس قطع "وهل يقطع أحد الزوجين بالسرقة من مال الآخر المحرز عنه؟ على روايتين" وكذا في المحرر إحداهما لا قطع اختارها الخرقي وأبو بكر وجزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع وذكر أنها اختيار الأكثر وهي قول عمر رواه سعيد بإسناد جيد ولأن كلا منهما يرث صاحبه بغير حجب وينبسط بماله أشبه(9/119)
ويقطع سائر الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي والمستأمن ويقطعان بسرقة ماله ومن سرق عينا وادعى أنها ملكه لم يقطع وعنه يقطع
__________
الولد والوالد وكما لو منعها نفقتها قاله في الترغيب.
والثانية: يقطع كحرز مفرد قاله في التبصرة كضيفه وصديقه وعبده من امرأته من مال محرز عنه ولم يمنع الضيف قراه قال في الشرح وهي ظاهر الخرقي لعموم الآية وكالأجنبي وفرق قوم فقالوا يقطع الزوج بسرقة مالها لأنه لا حق له فيه بخلافها لأن لها النفقة فيه فأما إن لم يكن مال أحدهما محرزا عن الآخر فلا قطع رواية واحدة.
فرع: لا تقطع الزوجة بسرقة نفقتها أو نفقة ولدها الواجبة مع منعها منهما سواء أخذت قدر ذلك أو أكثر منه لأنها تستحق قدر ذلك فالزائد يكون مشتركا فاستحق أخذه "ويقطع سائر الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم" نصره القاضي والمؤلف وجزم به في الوجيز لأن القرابة هنا لا تمنع قبول الشهادة فلا تمنع القطع ولأن الآية والأخبار تعم كل سارق خرج منه ما تقدم فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل وقيل إلا ذي رحم محرم وفي الواضح قطع غير أب "ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي" بغير خلاف نعلمه لأن ماله صار معصوما بأداء الجزية فوجب القطع بسرقته كمال المسلم "والمستأمن" لأن ماله مال الذمي بدليل أنه يجب الضمان بإتلافه "ويقطعان بسرقة ماله" لأنه إذا قطع المسلم بسرقة مالهم فلأن يقطعوا بسرقة ماله بطريق الأولى وكقود وحد قذف نص عليهما وضمان متلف وقال ابن حامد لا يقطع مستأمن كحد خمر وزنى نص عليه بغير مسلمة وسوى في المنتخب بينهما في عدم القطع "ومن سرق عينا" أو بعضها "وادعى أنها ملكه لم يقطع" نصره القاضي في الخلاف وذكر أنها أصح وذكر ابن هبيرة أنها ظاهر المذهب وسماه الشافعي السارق الظريف لأن ما ادعاه محتمل فيكون شبهة في درء الحد وعنه يقطع قدمها في المحرر والرعاية ولأنه لو لم يكن كذلك لأدى إلى عدم وجوب القطع فتفوت المصلحة بالكلية وذلك غير معتبر .(9/120)
وعنه: لا يقطع إلا أن يكون معروفا القطع بالسرقة وإذا سرق المسروق منه مال السارق أو المغصوب منه مال الغاصب من الحرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة لم يقطع، وإن سرق من غير ذلك الحرز أو سرق من مال من له عليه دين قطع إلا أن يعجز عن أخذه منه فيسرق قدر حقه فلا يقطع وقال القاضي يقطع ومن قطع بسرقة عين ثم عاد فسرقها قطع
__________
"وعنه لا يقطع إلا أن يكون معروفا بالسرقة" اختاره في الترغيب للعلم بكذبه وكذا إذا ادعى أنه أذن له في دخول الدار ونقل ابن منصور لو شهد عليه فقال أمرني رب الدار أن أخرجه لم يقبل منه قال في الفروع ويتوجه مثله حد زنى وذكر القاضي وغيره لا يحد.
"وإذا سرق المسروق منه مال السارق أو المغصوب منه مال الغاصب من حرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة لم يقطع" لأن لكل واحد منهما شبهة في هتك الحرز من أجل أخذ ماله فإذا هتك الحرز صار كأن المال المسروق منه أخذ من غير حرز وقيل بلى إن تميز لأنه لا شبهة له فيه كما لا يجوز أخذ قدر ماله إذا عجز عن أخذه.
"وإن سرق من غير ذلك الحرز أو سرق من مال من له عليه دين قطع" لأنه لا شبهة له فيه "إلا أن يعجز عن أخذه منه فيسرق قدر حقه فلا يقطع" نصره المؤلف وغيره لأن بعض العلماء أباح له الأخذ فيكون الاختلاف في إباحة الأخذ شبهة دارئة للحد كالوطء في نكاح مختلف في صحته فإن سرق أكثر من حقه فهل يقطع هنا فيه وجهان "وقال القاضي يقطع" قدمه في الرعاية لأنه لا يجوز له الأخذ قال في المغني وهذا لا يلغي الشبهة الناشئة عن الاختلاف ثم قال في الرعاية وقيل إن أخذه ولا بينة أو عجز عنه فلا وعلى كل حال لا يأخذ بدون إذنه أو إذن حاكم نص عليه.
"ومن قطع بسرقة عين ثم عاد فسرقها" من ذلك المنزل أو غيره "قطع" لأنه لم ينزجر أشبه ما لو سرق غيرها بخلاف حد القذف فإنه لا يعاد مرة أخرى لأن الغرض إظهار كذبه وقد ظهر وهنا المقصود ردعه وزجره عن السرقة ولم يوجد فيردع بالثاني كما لو سرق عينا أخرى .(9/121)
ومن آجر داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع.
فصل
السادس: ثبوت السرقة بشهادة عدلين أو إقرار مرتين
__________
"ومن آجر داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع" لأنه هتك حرزا وسرق منه نصابا لا شبهة فيه فقطع كما لو سرق من ملكهما واختار ابن حمدان لا قطع على المعير لما تقدم ولأن هذا قد صار حرزا لملك غيره فلا يجوز له الدخول إليه وإنما يجوز له الرجوع في العارية وفي الترغيب احتمال إن قصد بدخوله الرجوع قال في الفنون له الرجوع بقول لا سرقة.
تنبيه: إذا تكرر منه السرقة قبل القطع قطع مرة قدمه في الرعاية وصححه في الشرح لأن القطع خالص حق الله تعالى فتداخل كحد الزنى والشرب وعنه إن سرق من جماعة وجاءوا متفرقين لم تتداخل كحد القذف والفرق أن حد القذف حق لآدمي.
فصل
"السادس: ثبوت السرقة" لأن الله تعالى أوجب القطع على السارق ولا يتحقق ذلك إلا بعد ثبوته "بشهادة عدلين" قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن قطع السارق يجب إذا شهد بها شاهدان حران مسلمان بشرط أن يصفاها ولا تسمع قبل الدعوى في الأصح فإن كان المسروق منه غائبا فطالب وليه احتاج الشاهدان أن يرفعا في نسبه بحيث يتميز عن غيره فإن وجب القطع بشهادتهما لم يسقط بموتهما ولا غيبتهما فإن شهدت في غيبته ثم حضر أعيدت فإن اختلفا في الزمان والمكان والمسروق فلا قطع في قولهم جميعا وإن اختلفا في اللون أو قال أحدهما سرق هرويا وقال الآخر مرويا فوجهان "أو إقرار مرتين" لما روي عن أبي أمية المخزومي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلص قد اعترف فقال إخالك سرقت؟" قال بلى فأعاد عليه مرتين قال بلى فأمر به فقطع رواه أبو داود وروي عن علي أنه قال لسارق :(9/122)
ولا ينزع عن إقراره حتى يقطع.
فصل
السابع: مطالبة المسروق منه بماله
__________
سرقت؟ قال: فشهد على نفسه مرتين فقطع رواه الجوزجاني ولأنه يتضمن إتلافا فكان من شرطه التكرار كحد الزنى أو يقال أحد حجتي القطع فيعتبر فيها التكرار كالشهادة ويصفها بأن يذكر فيها شروط السرقة بخلاف إقراره بزني فإن في اعتبار التفصيل وجهين قاله في الترغيب بخلاف القذف لحصول التغيير وعنه في إقرار عبد أربع مرات نقله مهنا لا يكون المتاع عنده نص عليه وصدقه المقر له على سرقة نصاب وفي المغني أو قال فقدته ومعناه في الانتصار وطالبه هو أو وكيله أو وليه بالسرقة لا بالقطع.
وعنه: أو لم يطالبه اختاره أبو بكر وشيخنا كإقراره بزنى أمة غيره وجب قطعه وليس لحاكم حبسه قال في عيون المسائل لأنه لا يتعلق به حكم حاكم بخلاف السرقة فإن للحاكم حقا في القطع فيحبس وإن كذب مدع نفسه سقط قطعه.
"ولا ينزع عن إقراره حتى يقطع" في قول أكثرهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إخالك سرقت؟" عرض له ليرجع ولو لم يسقط الحد برجوعه لم يكن في ذلك فائدة, ولأن قطع السارق حد ثبت بالاعتراف فسقط بالرجوع كحد الزنى ولأن حجة القطع زالت قبل استيفائه فسقط كما لو رجع الشهود.
"فائدة" قال أحمد والأكثر لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره للآثار.
فصل
"السابع: مطالبة المسروق منه بماله" اختاره الخرقي ونصره القاضي في الخلاف والمؤلف في المغني وذكر ابن هبيرة أنه أظهر الروايتين لأن المال يباح بالبذل والإباحة فيحتمل أن يكون مالكه أباحه إياه أو وقفه على طائفة المسلمين أو على جماعة السارق منهم أو أذن له في دخول حرزه فاعتبرت(9/123)
وقال أبو بكر: ليس ذلك بشرط.
فصل
وإذا وجب القطع، قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت،وهو أن تغمس في زيت مغلي فإن عاد قطعت رجله اليسرى
__________
المطالبة لتزول الشبهة "وقال أبو بكر ليس ذلك بشرط" وهو رواية وصححها في الرعاية لعموم الآية ولأن موجب القطع السرقة وقد وجدت فوجب القطع من غير مطالبة كالزنى والفرق ظاهر لأن الزنى لا يستباح بالإباحة بخلاف السرقة ولأن القطع أوسع في الإسقاط لأنه لو سرق من مال أبيه لم يقطع ولو زنى بجاريته حد ولأن القطع شرع لصيانة مال الآدمي فلهم به تعلق فلم يستوف من غير مطالب به والزنى حق لله فلم يفتقر إلى المطالب به فعلى هذا لو قال المالك غصبتني ونحوه لم يقطع ولو كان المال لاثنين فتخالفا في إقراره لم يقطع إلا أن يكون لمن وافقه نصاب فيقطع.
فصل
"وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف" بلا خلاف وفي قراءة ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما روي عن أبي بكر وعمر أنهما قالا "إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع" ولا مخالف لهما في الصحابة ولأن البطش بها أقوى فكانت البداءة بها أردع ولأنها آلة السرقة غالبا فناسب عقوبته بإعدام آلتها من مفصل الكف لأن اليد تطلق عليها إلى الكوع و إلى المرفق و إلى المنكب وإرادة الأول متيقنة وما سواه مشكوك فيه ولا يجب القطع مع الشك "وحسمت" وجوبا وقال المؤلف يستحب وهو "أن تغمس في زيت" مغلي لقوله عليه السلام في سارق "اقطعوه واحسموه" قال ابن المنذر في إسناده مقال والحكمة في الحسم أن العضو إذا قطع فغمس في ذلك الزيت المغلي استدت أفواه العروق فينقطع الدم إذ لو ترك بلا حسم لنزف الدم فأدى إلى موته ويسن تعليق يده في عنقه زاد في البلغة والرعاية ثلاثة أيام إن رآه الإمام "فإن عاد قطعت رجله اليسرى" لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(9/124)
من مفصل الكعب وحسمت فإن عاد حبس ولم يقطع وعنه أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة والرجل اليمنى في الرابعة ومن سرق وليس
__________
في السارق "إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله" ولأنه قول أبي بكر وعمر ولا مخالف لهما في الصحابة فيكون كالإجماع وإنما قطعت الرجل اليسرى لقوله تعالى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] وإذا ثبت ذلك في المحاربة ثبت في هذا قياسا عليه ولأن قطع اليسرى أرفق به لأن مشي الرجل اليمنى أسهل وأمكن له من اليسرى ويبعد في العادة من أن يتمكن من المشي عليها فوجب ذلك لئلا تتعطل به منفعته بلا ضرورة.
"من مفصل الكعب" لأنه أحد العضوين المقطوعين في السرقة فيقطع من المفصل كاليد روي سعيد ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال كان عمر يقطع السارق من المفصل وروي عن علي أنه كان يقطع من شطر القدم ويترك له عقبا يمشي عليها واقتصر عليه في الفروع فقال من مفصل كعبه يترك عقبه نص عليه "وحسمت" قال أحمد قطع النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به فحسم
تذنيب: يقطع السارق بأسهل ما يمكنه فيجلس ويضبط لئلا يتحرك فيجني على نفسه وتشد يده بحبل وتجر حتى يتيقن المفصل ثم توضع السكين وتجر بقوة لتقطع في مرة واحدة
"فإن عاد حبس" حتى يتوب كالمرة الخامسة وفي الإيضاح ويعذبه وفي التبصرة أو يغرب وفي البلغة يعزر ويحبس حتى يتوب "ولم يقطع" أي يحرم قطعه قدمه في الرعاية ونصره في الخلاف وصححه وإنها اختيار الخرقي وأبي بكر وجزم بها في الوجيز وهو قول علي رواه سعيد ولأن قطع الكل يفوت منفعة الجنس فلم يشرع كالقتل فعلى هذا يمنع من تعطيل منفعة الجنس "وعنه أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة والرجل اليمنى في الرابعة" واختارها أكثر العلماء لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق إن سرق فاقطعوا يده ثم "إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله" رواه الدارقطني ورواه سعيد عن أبي بكر وعمر بإسناد جيد والمذهب الأول ثم هو معارض بقول علي وروي أن عمر رجع إلى قول علي ؛(9/125)
له يد يمنى قطعت رجله اليسرى وإن سرق وله يمنى فذهبت سقط القطع وإن ذهبت يده اليسرى لم تقطع اليمنى على الرواية الأولى
__________
رواه سعيد
تنبيه: علم مما سبق أنه لا يجوز أن ينتهي إلى القتل وقد روي عن عثمان وعمرو بن العاص وعمر بن عبد العزيز أنه يقتل في الخامسة لحديث رواه مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير عن محمد بن المنكدر عن جابر قال "جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخامسة فأمر بقتله فقتلوه" قال أحمد وابن معين مصعب ضعيف وقال أبو حاتم لا يحتج به وقيل هو حسن وقيل لمصلحة اقتضته وقال أبو المصعب المالكي يقتل في الخامسة وقياس قول الشيخ تقي الدين أنه كالشارب في الرابعة يقتل عنده إذا لم ينته بدونه
وجوابه بأنه يحمل في حق رجل استحق القتل أو على وجه التغليظ والمثلة ويؤيده أن الأصول تشهد بنفي القتل لأن كل معصية لا توجب القتل في الابتداء لا توجب بعد ذلك كسائر المعاصي "ومن سرق وليس له يد يمنى قطعت رجله اليسرى" لأن اليمنى لما خرجت عن كونها محلا للقطع انتقل القطع إلى ما يلي ذلك وهو الرجل اليسرى لكن إن كانت يمناه شلاء فعنه تقطع رجله اليسرى وعنه يسأل أهل الخبرة فإن قالوا إنها إذا قطعت ورقأ دمها وانحسمت عروقها قطعت وإن قالوا لا يرقأ دمها فلا وذكر السامري روايتين ولم يذكر هذا فإن كانت أصابع اليمنى ذاهبة فقيل لا تقطع وتقطع الرجل وقيل بلى وإن ذهب بعض الأصابع كخنصر وبنصر أو واحدة سواهما قطعت وإن لم يبق إلا واحدة فهي كالتي ذهب جميع أصابعها وإن بقي اثنان فالأولى قطعها وفيه وجه وكذا حكم ما لو ذهب معظم نفعها كقطع إبهام أو إصبعين فصاعدا ذكره في المحرر "وإن سرق وله يمنى فذهبت" هي أو يسرى يديه أو مع رجليه أو إحداهما "سقط القطع" لتعلق القطع بها لوجودها كجناية تعلقت برقبته فمات وإن ذهبت يده اليسرى أو كانت مقطوعة أو شلاء "لم تقطع اليمنى على الرواية الأولى" وهي أن السارق يحبس في الثالثة ولا يقطع لأن قطعها يتضمن تفويت منفعة(9/126)
وتقطع على الرواية الأخرى وإن وجب يمناه فقطع القاطع يسراه عمدا فعليه القود وإن قطعها خطأ فعليه ديتها وفي قطع يمنى السارق وجهان ويجتمع القطع والضمان فترد العين المسروقة إلى مالكها وإن كانت تالفة غرم قيمتها وقطع.
__________
الجنس وبقاءه بلا يد يبطش بها وهو غير جائز "وتقطع على الرواية الأخرى" لأن غايته تعطيل منفعة الجنس وبقاؤه بلا يد يبطش بها واقع على الرواية المذكورة بل أولى لأن اليمنى تعلق بها القطع وفاقا وإنما الخلاف في سقوطه
تنبيه: إذا ذهبت يده اليسرى ورجله اليمنى لم يقطع لتعطيل منفعة الجنس وذهاب عضوين من شق وإن ذهبت يده اليسرى قبل سرقته أو يده لم تقطع رجله اليسرى وإن كان الذاهب رجليه أو يمناهما قطعت يده اليمنى في الأصح "وإن وجب قطع يمناه فقطع القاطع يسراه" بلا إذنه "عمدا فعليه القود" لأنه قطع طرفا معصوما "وإن قطعها خطأ فعليه ديتها" لأن ما أوجب عمده القود أوجب خطؤه الدية بدليل القتل واختار المؤلف يجزئ ولا ضمان وهو احتمال في الانتصار وأنه يحتمل تضمينه نصف الدية وذكر بعضهم إن قطع دهشة أو ظنها تجزئ كفت ولا ضمان
"وفي قطع يمنى السارق وجهان" أحدهما لا قطع لأن قطعها يفضي إلى قطع يدي السارق وتفويت منفعة الجنس منه فلم يشرع كقتله والثاني بلى وجزم به في الوجيز بناء على قطعها في الثالثة فعلى الأولى في قطع رجله وجهان أصحهما لا "ويجتمع القطع والضمان" نقله الجماعة لأنهما حقان يجبان لمستحقين فجاز اجتماعهما كالجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك فترد العين المسروقة إلى مالكها بغير خلاف نعلمه إن كانت باقية "وإن كانت تالفة غرم قيمتها" أو مثلها إن كانت مثلية "وقطع" موسرا كان أو معسرا وفي الانتصار يحتمل لا يغرم شيئا وهو قول أبي يوسف لما روى عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا أقمتم الحد على السارق فلا غرم عليه" ولأن التضمين يقتضي التمليك والملك يمنع القطع فلا يجمع بينهما
وجوابه: بأنهما حقان لمستحقين وقال ابن عبد البر الحديث ليس بالقوي .(9/127)
وهل يجب الزيت الذي يحسم به من بيت المال أو من مال السارق على وجهين
باب حد المحاربين
__________
وقال بعض المحدثين فيه سعد بن إبراهيم وهو مجهول ولو سلم صحته فيحتمل أنه لا غرم عليه في أجرة القاطع
"وهل يجب الزيت الذي يحسم به من بيت المال أو من مال السارق على وجهين" أحدهما: أنه من بيت المال كأجرة القاطع لأنه من المصالح لم يذكر في الكافي غيره فإن لم تحسم فذكر القاضي أنه لا شيء عليه لأن عليه القطع لا مداواة المحدود والثاني: أنهما من مال السارق قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لأنه مداواة كمداواته في مرضه ويستحب للمقطوع حسم نفسه فإن لم يفعل لم يأثم لأنه ترك التداوي في المرض
باب حد المحاربين
المحاربون واحدهم محارب وهو اسم فاعل من حارب يحارب وهو فاعل من الحرب قال ابن فارس الحرب اشتقاقها من الحرب بفتح الراء وهو مصدر حرب ماله أي سلبه والحريب المحروب والأصل فيهم قوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية [المائدة: 33] قال ابن عباس وأكثر العلماء نزلت في قطاع الطريق من المسلمين لقوله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] والكفار تقبل توبتهم بعد القدرة كما تقبل قبلها فلما خصه بما قبل القدرة علم أنه أراد المحاربين لأن ذلك الحكم يجب عليهم حدا لا كفرا والحد لا يسقط بالتوبة وعن ابن عمر أنها نزلت في المرتدين وقاله الحسن وعطاء لأن سبب نزولها قضية العرنيين وحكاه ابن أبي موسى رواية وأنها منسوخة لأن قضيتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ثم قال فحكم من خرج لقطع الطريق مرتب على ما نزل من الحدود ولولا قيام الدليل على وجوب قطع اليد مع الرجل للمحارب لقلنا لا تقطع إلا يده اليمنى كالسارق قال ابن أبي موسى فعلى هذا يجيء أن يصح عفو ولي الدم عن(9/128)
وهم قطاع الطريق وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء فيغصبونهم المال مجاهرة فأما من يأخذه سرقة فليس بمحارب وإن فعلوا ذلك في البنيان لم يكونوا محاربين في قول الخرقي وقال أبو بكر حكمهم في المصر والصحراء واحد
__________
المحارب ويكون الإمام مخيرا فيه وهو وجه في الرعاية
"وهم قطاع الطريق" وهم كل مكلف ملتزم ليخرج الحربي ولو أنثى وقاله الأكثر والعبد والذمي كضدهما وعنه ينتقض عهده فيحل دمه وماله بكل حال "وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح" هذا أحد الشروط فيهم وظاهره أنه إذا لم يكن معهم سلاح فليسوا محاربين لأنهم لا يمنعون من قصدهم والأصح ولو كان بعصا وحجر لأن ذلك من جملة السلاح الذي يأتي على النفس أشبه المحدد وفي البلغة وغيرها وجه ويد وفي الشرح وإن قتل في المحاربة بمثقل قتل كما لو قتل بمحدد وإن قتل بآلة لا يجب القصاص بالقتل بها فالظاهر أنهم يقتلون أيضا لدخولهم في العموم
فرع: من قاتل اللصوص وقتل قتل القاتل منهم دون غيره ذكره ابن أبي موسى
"في الصحراء" لأن ذلك عادة المحاربين "فيغصبونهم المال" المحترم "مجاهرة" أي يأخذون المال قهرا اختاره الأكثر ونصره القاضي في الخلاف وذكره المذهب "فأما من يأخذه سرقة فليس بمحارب" لأنهم لا يرجعون إلى منعة وقوة وإن اختطفوه وهربوا فهم منتهبون لا قطع عليهم "وإن فعلوا ذلك في البنيان لم يكونوا محاربين في قول الخرقي" قدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز لأن الواجب يسمى حد قطاع الطريق وقطع الطريق إنما هو في الصحراء لأن المصر يلحق فيه الغوث غالبا فتذهب شوكتهم ويكونون مختلسين لا قطاع طريق "وقال أبو بكر حكمهم في المصر والصحراء واحد" وهو قول كثير من الأصحاب لعموم الآية فيهم ولأن ضررهم في المصر أعظم فكانوا بالحد أولى وفي الفروع قيل في صحراء وقيل ومصر إن لم يغث وحكى في الكافي والشرح عن القاضي أنه قال إذا كبسوا دارا في مصر(9/129)
وإذا قدر عليهم فمن كان منهم قد قتل من يكافئه وأخذ المال قتل حتما وصلب حتى يشتهر وقال أبو بكر يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب
__________
بحيث يلحقهم الغوث عادة لم يكونوا محاربين وإن حصروا قرية أو بلدا لا يلحقهم الغوث عادة فهم قطاع طريق ولم يذكر في الرعاية فيه خلافا ويعتبر ثبوته ببينة أو إقرار مرتين كسرقة ذكره القاضي وغيره وفي سقوطه بشبهة كسرقة وجهان قاله في المستوعب وغيره "وإذا قدر عليهم فمن كان منهم قد قتل من يكافئه وأخذ المال قتل حتما وصلب حتى يشتهر" لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه وقال ابن عباس ما كان في القرآن ب أو فصاحبه بالخيار وجوابه بأنه قد عرف من القرآن أن ما أريد به التخيير فيبدأ بالأخف ككفارة اليمين وما أريد به الترتيب فيبدأ بالأغلظ ككفارة الظهار والقتل ولأن العقوبات تختلف باختلاف الأجرام ولذلك اختلف حكم الزاني والقاذف والسارق ولأن القتل وجب لحق الله تعالى فلم يخير الإمام فيه كقطع السارق وروى الشافعي عن إبراهيم بن يحيى عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض وروي نحوه مرفوعا وإذا ثبت هذا قتل وصلب في ظاهر المذهب قاله في المغني والشرح وقتله متحتم لا يدخله عفو بالإجماع والصلب بعد القتل وقيل يصلب أولا ثم يقتل والأول أولى لأنه تعالى قدم القتل على الصلب كقوله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ولقوله عليه السلام "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" ولأنه شرع ردعا لغيره ليشتهر أمره ولو شرع لردعه فقط لسقط بقتله كما تسقط سائر الحدود مع القتل والصلب حتم في حق من قتل وأخذ المال فلا يسقط بعفو ولا غيره ويكون حتى يشتهر ذكره معظم الأصحاب لأن المقصود منه زجر غيره ولا يحصل إلا به "وقال أبو بكر يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب" اقتصر ابن هبيرة على حكايته عن(9/130)
وعن أحمد: أنه يقطع مع ذلك وإن قتل من لا يكافئه فهل يقتل على روايتين وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص فيما دون النفس فهل يتحتم استيفاؤه على روايتين
__________
أحمد لأن بذلك يصدق اسم الصلب وقال ابن رزين يصلب ثلاثة أيام وهذا توقيت بغير توقيف مع أنه في الظاهر يفضي إلى تغيره ونتنه
"وعن أحمد أنه يقطع مع ذلك" اختاره أبو محمد الجوزي لأن كل واحد منهما يوجب حدا مفردا فإذا اجتمعا وجب حدهما كما لو زنى وسرق فعلى هذا يقطع أولا ثم يقتل ثم بعد ذلك يدفع إلى أهله فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن وإن مات قبل قتله لم يصلب لأنه تابع للقتل فسقط بفواته "وإن قتل من لا يكافئه" كولده وعبد وذمي "فهل يقتل؟ على روايتين" إحداهما يقتل ويصلب قدمها في الرعاية وجزم بها في الوجيز للعموم ولأن القتل حد لله تعالى فلا تعتبر فيه المكافأة كالزنى والسرقة والثانية: لا ذكر القاضي في الخلاف أن هذا ظاهر كلام أحمد في رواية جماعة لقوله عليه السلام "لا يقتل مسلم بكافر" فعلى هذا إذا قتل مسلم ذميا أو حر عبدا وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف لأخذ المال وغرم دية ذمي وقيمة عبد وإن قتله ولم يأخذ مالا غرم ديته ونفي وقيل إن قلنا القتل حق لله فلم يقتل من يكافئه وإلا فلا وفي الشرح عن القاضي أنه قال إنما يتحتم قتله إذا قتله ليأخذ المال فإن قتله لغير ذلك كعداوة فالواجب قصاص غير متحتم
"وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص فيما دون النفس" كالطرف "فهل يتحتم استيفاؤه على روايتين" وكذا في الفروع إحداهما: قال في الشرح وهي أولى لا يتحتم لأن الله تعالى لم يذكره وحينئذ لا يجب فيه أكثر من القصاص والثانية: يتحتم قدمها في الرعاية وجزم بها في الوجيز لأنه نوع قود فتحتم استيفاؤه كالقود في النفس ولا يسقط مع تحتم القتل على الروايتين ويحتمل سقوطه بتحتم قتله وذكره بعضهم فقال يحتمل أن تسقط الجناية إن قلنا يتحتم استيفاؤها وذكره بعضهم فقال يحتمل أن يسقط تحتم(9/131)
وحكم الردء حكم المباشر ومن قتل ولم يأخذ المال قتل وهل يصلب على روايتين ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحسمتا وخلي
__________
القتل إن قلنا يتحتم في الطرف قال في الفروع وهذا وهم
"وحكم الردء" والطليع "حكم المباشر" لأن حد المباشر حكم يتعلق بها فاستوى فيها الردء والمباشر كالغنيمة يحققه أن المحاربة مبنية على حصول المنعة والمعاضدة والمباشر لا يتمكن إلا بالردء فوجب التساوي في الحكم وذكر أبو الفرج السرقة كذلك فلو قتل بعضهم ثبت حكم القتل في حق الكل وإن قتل بعضهم وأخذ المال بعضهم جاز قتلهم وصلبهم فردء غير مكلف كهو وقيل يضمن المال آخذه وقيل قراره عليه وفي الإرشاد من قاتل اللصوص وقتل قتل القاتل فقط واختار الشيخ تقي الدين الآمر كردء وأنه في السرقة كذلك وإن المرأة التي تحضر النساء للقتل تقتل والمراد بالردء هو العون للمباشر كقوله تعالى {رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] "ومن قتل" مكافئه "ولم يأخذ المال قتل" حتما لأنه قاتل فيدخل في عموم النص وحينئذ فلا أثر لعفو الولي "وهل يصلب على روايتين" إحداهما لا يصلب قدمه في المحرر وصححه في الشرح وجزم به في الكافي لأن جنايتهم بأخذ المال مع القتل أعظم فكانت عقوبتهم أغلظ والثانية: بلى لأنه محارب يجب قتله فيصلب كمن أخذ المال
"ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت" حتما "يده اليمنى ورجله اليسرى" لقوله تعالى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} وإنما قطعت يده اليمنى للمعنى الذي تقدم في السارق لأنه سارق وزيادة ثم رجله اليسرى لتحقق المخالفة وليكون أرفق به في مكان مشيه ولا ينتظر اندمال اليد بل يقطعان في "مقام واحد" لأن الله تعالى أمر بقطعهما من غير تعرض لتأخير شيء منهما فيبدأ بيمينه فتقطع وتحسم ثم برجله كذلك وهذا الترتيب واجب ذكره ابن شهاب وغيره "وحسمتا" لقوله "اقطعوه واحسموه" لأن الحسم يسد أفواه العروق ويمنع الدم من النزف ويكون ذلك حتما "وخلي" بعد ذلك لأن الحق الذي(9/132)
ولا يقطع منهم إلا من أخذ ما يقطع السارق في مثله فإن كانت يمينه مقطوعة أو مستحقة في قصاص أو شلاء قطعت رجله اليسرى وهل تقطع يسرى يديه ينبني على الروايتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة.
__________
عليه قد استوفي أشبه المدين إذا أدى دينه
"ولا يقطع منهم إلا من أخذ ما يقطع السارق في مثله" لقوله عليه السلام "لا قطع إلا في ربع دينار" ولم يفصل ولأنها جناية تعلقت بها عقوبة في حق غير المحارب فلا تغليظ في المحارب بأكثر من وجه واحد كالقتل وظاهره أنه يعتبر الحرز أيضا فإن أخذوا من مال لهم فيه شركة أو شبهة على ما ذكرنا في المسروق لم يقطع ذكره في الشرح وغيره وفي المستوعب وجهان
"فإن كانت يمينه مقطوعة" بأن قطعت في سرقة أو غيرها "أو مستحقة في قصاص أو شلاء قطعت رجله اليسرى" كما لو كانت يمناه موجودة لأن ذلك واجب أمكن استيفاؤه وكذا إن كانت اليمنى موجودة واليسرى معدومة فإنا نقطع الموجود منها حسب ويسقط القطع في المعدوم لأن ما تعلق به الفرض قد زال فيسقط كالغسل في الوضوء وإن عدم يسرى يديه قطعت يسرى رجليه وإن عدم يمنى يديه لم تقطع يمنى رجليه "وهل تقطع يسرى يديه" أي إذا قطع للمحاربة ثم حارب ثانيا فهل تقطع بقية أربعته فيه وجهان وذلك "ينبني على الروايتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة" فإن قلنا يقطع ثم قطعت هاهنا لأنها مستحقة القطع في الجملة كما لو سرق ولا يمنى له ولا رجل وإن قلنا لا تقطع وهو الأصح سقط لأن قطعها يفضي إلى تفويت منفعة البطش وتتعين دية لقود لزمه بعد محاربته كتقديمها بسبقها وكذا لو مات قبل قتله للمحاربة
فرع: إذا عدم يده اليسرى أو بطشها بشلل أو نقص قطعت رجله اليسرى دون يده اليمنى وقيل يقطعان ويتخرج عكسه فلو كان ما وجب قطعه أشل فذكر أهل الطب أن قطعه يفضي إلى تلفه سقط وبقي حكمه كالمعدوم وإن قالوا لا يفضي إلى تلفه ففي قطعه روايتان .(9/133)
ومن لم يقتل ولا أخذ مالا نفي وشرد ولا يترك يأوي إلى بلد وعنه أن نفيه تعزيره بما يردعه ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل وأخذ بحقوق الآدميين من النفس والمال والجراح إلا أن يعفى لهم عنها
__________
"ومن لم يقتل ولا أخذ مالا نفي وشرد" أي طرد ولو عبدا "ولا يترك يأوي إلى بلد" ذكره الأصحاب ونصروه لقوله تعالى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] وظاهره يتناول نفيه من جميعها وهو يبطل بنفي الزاني إلى مكان فعلى هذا ينفون مدة تظهر فيها توبتهم وتحسن سيرتهم قدمه في الرعاية والفروع وقيل ينفون عاما كالزاني "وعنه أن نفيه تعزيره بما يردعه" من ضرب وحبس ونفي لأن الغرض الردع وهو حاصل بما ذكر وفي التبصرة بهما وعنه نفيهم حبسهم اختاره ابن أبي موسى حتى يحدثوا توبة وفي الواضح وغيره رواية أن نفيهم طلب الإمام لهم ليقيم فيهم حدود الله تعالى وروي عن ابن عباس فإن كانوا جماعة نفوا متفرقين
"ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل" بغير خلاف نعلمه وسنده قوله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فعلى هذا يسقط عنهم جميع ما ذكر أطلق في المبهج في حق الله تعالى روايتين "وأخذ بحقوق الآدميين من النفس والمال والجرح إلا أن يعفى لهم عنها" لأنها حقوق عليهم لم يعف عنها فلم تسقط لغير المحارب لا يقال الآية عامة فما وجه التخصيص لأن الأدلة دالة على أن حق الآدمي لا يسقط إلا برضاه لأنه مبني على الضيق والشح بخلاف حق الله وذلك يقتضي عدم التسوية بينهما وعلم منه أنه إذا تاب بعد القدرة عليه لم يسقط عنه شيء لأن الله تعالى شرط في المغفرة لهم كون توبتهم قبل القدرة فدل على عدمها بعدها ولأنه إذا تاب قبل القدرة فالظاهر أنها توبة إخلاص وبعدها تقية من إقامة الحد ولأن في إسقاط الحد عنه قبل القدرة ترغيبا في توبته والرجوع عن محاربته وبعد القدرة لا حاجة في ترغيبه لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة وهذا كله فيمن هو تحت حكمنا وفي(9/134)
ومن وجب عليه حد لله تعالى سوى ذلك فتاب قبل إقامته لم يسقط عنه وعنه أنه يسقط بمجرد التوبة قبل إصلاح العمل
__________
خارجي وباغ ومرتد محارب الخلاف في ظاهر كلامهم وقيل تقبل توبته ببينة وقيل وقرينة وأما الحربي الكافر فلا يؤخذ بشيء في كفره إجماعا "ومن وجب عليه حد لله تعالى سوى ذلك" كالزنى والسرقة وشرب الخمر "فتاب قبل إقامته لم يسقط عنه" ذكره أبو بكر المذهب وقاله أكثر العلماء لعموم آية الزنى والسارق ولأنه عليه السلام رجم ماعزا والغامدية وقد جاءا تائبين ولأن الحد كفارة فلم يسقط بالتوبة ككفارة اليمين ولأنه مقدور عليه كالمحارب بعد القدرة عليه "وعنه أنه يسقط بمجرد التوبة" نصره القاضي في الخلاف وصححه وقدمه في المحرر والفروع وقال اختاره الأكثر وجزم به في الوجيز لقوله تعالى {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] ولقوله {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 39] وفي الخبر التائب من الذنب كمن لا ذنب له ولأنه خالص حق الله تعالى فسقط بالتوبة كحد المحارب قبل إصلاح العمل وكذا في الوجيز لأن الله تعالى علق الحكم على شرطين وأجاب القاضي بأن هذا على طريق التأكيد والمبالغة لقوله تعالى {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} الآيات [الفرقان: 68] ومعلوم أنه لا يعتبر صلاح العمل في توبة المشرك قال القاضي لا يعتبر صلاح العمل وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني وأبي الحارث لأنها توبة مسقطة للحد أشبهت توبة المحارب قبل القدرة عليه كالإسلام فعلى هذا فلابد من مضي مدة قبل ثبوته وقيل قبل القدرة وقيل قبل إقامته وفي بحث القاضي التفرقة بين علم الإمام بهم أو لا واختار الشيخ تقي الدين ولو في الحد لا يكمل وإن هربه فيه توبة
وعنه إن ثبت الحد بنفيه لم يسقط ذكرها ابن حامد وغيره وعليهما يسقط في حق محارب تاب قبل القدرة عليه ويحتمل لا كما قبل المحاربة وفي المحرر والوجيز لا يسقط بإسلام ذمي ومستأمن نص عليه وذكره ابن أبي موسى في ذمي ونقله فيه أبو داود وظاهر كلام جماعة أن فيه الخلاف(9/135)
ومن مات وعليه حد سقط عنه
فصل
ومن أريدت نفسه أو حرمته أو ماله فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم دفعه به وإن لم يحصل إلا بالقتل فله ذلك ولا شيء عليه
__________
"ومن مات وعليه حد سقط عنه" لفوات محله كما يسقط غسل ما ذهب من أعضاء الطهارة
تذنيب: إذا وجد رجلا يزني مع امرأته فقتله فلا قود ولا دية رواه سعيد عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن عمر فإن ادعى ذلك لم يقبل في الحكم إلا ببينة وهي شاهدان في رواية اختارها أبو بكر وأربعة لقول علي وإن كانت مكرهة ضمنها وأثم وإن كانت مطاوعة فلا
فائدة: من عرف بأذى الناس وأموالهم فإن لم ينزجر حبس وأطعم من بيت المال حتى يموت وكذا من ابتدع ببدعة وحمل الناس عليها حبس حتى يكف المسلمين عن بدعته نص عليه
فصل
"ومن أريدت نفسه أو حرمته أو ماله" وإن قل كافأه أم لا "فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم" والمذهب أنه يدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه جزم به في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع "دفعه به" لأنه لو منع من ذلك لأدى إلى تلفه وأذاه في نفسه وحرمته وماله ولأنه لو لم يجز ذلك لتسلط الناس بعضهم على بعض وأدى إلى الهرج والمرج لأن الزائد عليه لا حاجة إليه لحصول الدفع به وقيل إن لم يمكنه هرب أو احتماء ونحوه وجزم به في المستوعب فعلى ما ذكرنا متى علم أو ظن الدافع أن الصائل عليه يندفع بالقول لم يجز ضربه بشيء قال أحمد لا تريد قتله وضربه لكن ادفعه وقال الميموني رأيته يعجب ممن يقول أقاتله وأمنعه وإن علم أنه يندفع بعصا لم يضربه بحديد "وإن لم يحصل إلا بالقتل فله ذلك" لأن ضرره إذا لم يندفع إلا به تعين طريقا إلى الدفع المحتاج إليه "ولا شيء عليه" بالقتل لأنه قتل لدفع شر(9/136)
وإن قتل كان شهيدا وهل يجب عليه الدفع عن نفسه على روايتين.
__________
الصائل فلم يجب به شيء كفعل الباغي
وروي عن عبيد بن عمير أن رجلا ضاف ناسا من هذيل فأراد امرأة على نفسها فرمته بحجر فقال عمر والله لا يودى به
"وإن قتل كان شهيدا" لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد" رواه أبو داود والترمذي وصححه وعن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد" رواه أبو داود والترمذي وصححه ولأنه قتل لدفع ظلم فكان شهيدا كالعادل إذا قتله الباغي وإن قتله فهدر ولا يجوز في حال مزح ذكره في الانتصار ويقاد به ذكره آخرون "وهل يجب عليه الدفع عن نفسه على روايتين" كذا في المحرر الأصح أنه يلزمه الدفع عن نفسه لقوله تعالى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وكما يحرم قتل نفسه تحرم عليه إباحة قتل نفسه ولأنه قدر على إحياء نفسه فوجب عليه فعل ما يتقي به كالمضطر إذا وجد الميتة وكذا عن نفس غيره لا في فتنة في الأصح فيهما والثانية لا يلزمه قدمها في الرعاية وصححها ابن المنجا لما روى عبد الله ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما يمنع أحدكم إذا جاء من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم القاتل في النار والمقتول في الجنة" رواه أحمد
وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا دخل أحدكم فتنة فليكن كخير ابني آدم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي ولأن عثمان ترك القتال على من بغى عليه مع القدرة عليه ومنع غيره من قتالهم وصبر على ذلك ولو لم يجز لأنكر الصحابة عليه ذلك وعلى اللزوم إن أمكنه أن يهرب أو يحتمي أو يختفي ففي جواز الدفع وجهان
وظاهره: أنه لا يجب الدفع عن حرمته وليس كذلك بل هو قويل فإنه إذا رأى مع امرأته رجلا أو ابنته أو أخته يزنى بها أو تلوط بابنه فإنه يجب الدفع عن ذلك في المنصوص لأنه اجتمع فيه حق الله وهو منعه من الفاحشة ,(9/137)
وسواء كان الصائل آدميا أو بهيمة وإذا دخل رجل منزله متلصصا أو صائلا فحكمه حكم ما ذكرنا
__________
وحق نفسه بالمنع عن أهله فلا يسعه إضاعة هذه الحقوق ولا عن ماله وهو الأصح كما لا يلزمه حفظه من الضياع والهلاك ذكره القاضي وغيره وفي التبصرة في الثلاثة يلزمه في الأصح وله بذله وذكر القاضي أنه أفضل ونقله حنبل وفي الترغيب المنصوص عنه أن ترك قتاله عنه أفضل وأطلق روايتي الوجوب في الكل زاد في نهاية المبتدئ على الثلاثة وعرضه وقيل يجب وأطلق في تقي الدين لزومه عن مال غيره
"وسواء كان الصائل آدميا" مكلفا أو غير مكلف وفي الترغيب وعندي ينتقض عهد الذمي "أو بهيمة" لاشتراكهما في المجوز للدفع وهو الصول ولأن البهيمة لا حرمة لها فيجب عليه الدفع إذا أمكنه كما لو خاف من سيل أو نار وأمكنه أن يتنحى عنه
"وإذا دخل رجل منزله متلصصا أو صائلا" أي إذا ادعى صيالة بلا بينة ولا إقرار لم يقبل "فحكمه حكم ما ذكرنا" أي إذا دخل منزل غيره بغير إذنه فلصاحب المنزل أمره بالخروج من منزله سواء كان معه سلاح أو لا فإن خرج بالأمر لم يكن له غيره لأن المقصود إخراجه لكن روي عن ابن عمر أنه رأى لصا فأصلت عليه السيف قال الراوي فلو تركناه لقتله وجاء رجل إلى الحسن فقال رجل دخل بيتي ومعه حديدة أقتله قال نعم
وجوابه: أنه أمكن إزالة العدوان بغير القتل فلم يجز القتل وكما لو غصب منه شيئا وأمكن أخذه بغير القتل وفعل ابن عمر يحمل على قصد الترهيب فإن لم يخرج فله ضربه بأسهل ما يعلم أو يظن أنه يندفع به فإن خرج بالعصا لم يكن له ضربه بالحديد وإن ولى هاربا لم يكن له قتله ولا اتباعه كالبغاة وإن ضربه ضربة عطلته لم يكن له أرش لأنه لقي شره وإن ضربه فقطع يمينه فولى مدبرا فقطع رجله فالرجل مضمونة بقصاص أو دية لأنه في حال لا يحل له ضربه واليد غير مضمونة فإن مات من سراية القطع فعليه نصف الدية وإن عاد إليه بعد قطع رجله فقطع يده الأخرى فاليدان غير مضمونتين(9/138)
وإن عض إنسان إنسانا فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه ذهبت هدرا وإن نظر في بيته من خصاص الباب ونحوه فخذف عينه ففقأها فلا شيء عليه
__________
وإن مات فعليه ثلث الدية كما لو مات من جراحة ثلاثة أنفس وقياس المذهب أن يضمن نصف الدية كما لو جرحه اثنان ومات منها وإن لم يمكنه إلا بالقتل أو خاف أن يبدره به فله قتله وهو هدر كالباقي وإن قتل صاحب المنزل فهو شهيد للخبر وكالعادي وعلى الصائل ضمانه وإن أمكن دفعه فتكون عضو فقتله أو قطع زيادة على ما يندفع به ضمنه
"وإن عض إنسان إنسانا" عضا محرما "فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه ذهبت هدرا" لما روى عمران بن حصين قال "قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه فانتزع يده من فيه فنزع ثنيته وفي لفظ بثنيته فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيعض أحدكم كما يعض الفحل لا دية له" متفق عليه ولفظه لمسلم ولأنه عضو تلف ضرورة دفع شر صاحبه فلم يضمن كما لو صال عليه فلم يكن الدافع إلا بقطع يده
وسواء كان المعضوض ظالما أو مظلوما لأن العض محرم إلا أن يكون العض مباحا كمن لا يقدر على التخلص إلا بعضه وقال القاضي تخليص المعضوض يده بأسهل ما يمكنه فإن أمكنه فك لحييه وإن لم يمكنه لكمه وإن لم يمكنه جذب يده من فيه فإن لم يخلص فله أن يعصر خصيتيه فإن لم يمكنه فله أن يبعج بطنه وإن أتى على نفسه قال في المغني والصحيح أن هذا الترتيب غير معتبر وينبغي أن يجذب يده أولا فإن أمكنه ذلك فعدل إلى لكم فكه فأتلف شيئا ضمنه لإمكان التخلص بما هو أولى منه
"وإن نظر في بيته من خصاص الباب" وهو الفروج الذي فيه "ونحوه" وظاهره ولو لم يتعمد لكن ظنه متعمدا قال في الترغيب أو صادف عورة من محارمه وأصر وفي المغني ولو خلت من نساء "فخذف عينه ففقأها" وفي الفروع فتلفت "فلا شيء عليه" كذا في المحرر والوجيز وغيرهما لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة(9/139)
ففقأت عينه لم يكن عليك جناح" متفق عليه وظاهر كلام أحمد أنه لا يعتبر أنه لا يمكنه دفعه إلا بذلك لظاهر الخبر ولا يتبعه وقال ابن حامد يدفعه بالأسهل فينذره أولا كمن استرق السمع لم يقصد أذنه بلا إنذار قاله في الترغيب وقيل باب مفتوح كخصاصة وجزم به بعضهم وعن أبي ذر مرفوعا وإن مر رجل على باب لا ستر له غير مغلق فينظر فلا خطيئة عليه إنما الخطيئة على أهل البيت رواه أحمد وأبو داود وفيه ابن لهيعة ولو كان إنسانا عريانا في طريق لم يكن له رمي من نظر إليه لأنه مفرط
فرع: إذا اطلع فرماه فقال المطلع ما تعمدته لم يضمنه على ظاهر كلامه وعلى قول ابن حامد بلى وإن اطلع أعمى لم يجز رميه وقال ابن عقيل بلى إن كان سميعا كالبصير وسواء كان الناظر في ملكه أو غيره والله أعلم(9/140)
باب قتال أهل البغي
وهم القوم الذين يخرجون عن طاعة الإمام بتأويل سائغ
__________
باب قتال أهل البغي
البغي: مصدر بغى يبغي بغيا إذا اعتدى والمراد هنا الظلمة الخارجون عن طاعة الإمام المعتدون عليه قال الله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} إلى قوله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] وفيها فوائد منها أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان ومنها أنه أوجب قتالهم ومنها أنه أسقط قتالهم إذا رجعوا إلى أمر الله تعالى ومنها أنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم ومنها أنها أجازت قتال كل من منع حقا عليه
والأحاديث مشهورة منها ما روى عبادة بن الصامت قال "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وألا ننازع الأمر أهله" متفق عليه وأجمع الصحابة على قتالهم فإن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة وعليا قاتل أهل الجمل وأهل صفين "وهم القوم الذين يخرجون عن طاعة الإمام" العادل ذكره في الرعاية "بتأويل سائغ" سواء كان صوابا أو خطأ وقيل بل خطأ(9/140)
ولهم منعة وشوكة وعلى الإمام أن يراسلهم ويسألهم ما ينقمون منه ويزيل ما يذكرونه من مظلمة ويكشف ما يدعونه من شبهة.
__________
فقط ذكره في الرعاية "ولهم منعة وشوكة" لا جمع يسير خلافا لأبي بكر فإن فات شرط فقطاع طريق فعلى هذا لو امتنع قوم من طاعة الإمام وخرجوا عن قبضته بغير تأويل أو كان لهم تأويل ولا منعة لهم كالعشرة فقطاع طريق وفي الترغيب لا تتم الشوكة إلا وفيهم واحد مطاع وأنه يعتبر كونهم في طرف ولايته وفي عيون المسائل تدعو إلى نفسها أو إلى إمام غيره وإلا فقطاع طريق.
أصل : من كفر أهل الحق والصحابة واستحل دماء المسلمين فهم بغاة في قول الجماهير تتعين استتابتهم فإن تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم وقال طائفة من المحدثين هم كفار حكمهم حكم المرتدين للأخبار وهذا رواية عن أحمد ذكر في الترغيب والرعاية أنها أشهر وذكر ابن حامد أنه لا خلاف فيه وحكى ابن أبي موسى عن أحمد الخوارج كلاب النار صح الحديث فيهم من عشرة أوجه قال والحكم فيهم على ما قال علي وفيما قال لا نبدأكم بقتال وقال ابن المنذر ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على كفرهم قال ابن عبد البر في الحديث الذي رويناه قوله يتمادى في الفوق يدل على أنه لم يكفرهم قال المؤلف والصحيح أن الخوارج يجوز قتلهم ابتداء والإجازة على جريحهم
"وعلى الإمام أن يراسلهم" للنص إذ المراسلة والسؤال طريق إلى الصلح لأن ذلك وسيلة إلى رجوعهم إلى الحق وقد روي أن علي بن أبي طالب راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل ولما اعتزلته الحرورية بعث إليهم عبد الله ابن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف "ويسألهم ما ينقمون منه ويزيل ما يذكرونه من مظلمة" لأن ذلك وجب مع إفضاء الأمر إلى القتل والهرج والمرج فلأن يجب في حال يؤدي إلى ذلك بطريق الأولى
"ويكشف ما يدعونه من شبهة" لأن كشفها طريق إلى رجوعهم إلى الحق وذلك مطلوب إلا أن يخاف كلبهم فلا يمكن ذلك في حقهم فإن أبوا الرجوع(9/141)
فإن فاءوا وإلا قاتلهم وعلى رعيته معونته على حربهم فإن استنظروه مدة رجا رجوعهم فيها أنظرهم فإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم وقاتلهم ولا يقاتلهم بما يعم إتلافه كالمنجنيق والنار إلا لضرورة ولا يستعين في
__________
وعظهم وخوفهم القتال لأن المقصود دفع شرهم لا قتلهم
"فإن فاءوا" أي رجعوا إلى الطاعة "وإلا قاتلهم" أي يلزم القادر قتالهم لإجماع الصحابة على ذلك وقال الشيخ تقي الدين الأفضل تركه حتى يبدؤوه وهو ظاهر اختيار المؤلف وقالا في الخوارج له قتلهم ابتداء وتتمة الجريح وفي المغني والشرح في الخوارج ظاهر قول المتأخرين من أصحابنا أنهم بغاة لهم حكمهم وفرق جمهور العلماء بين الخوارج والبغاة المتأولين وهو المعروف عن الصحابة وغيرهم "وعلى رعيته معونته على حربهم" لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ولقوله عليه السلام "من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي ذر رضي الله عنه
"فإن استنظروه مدة رجا رجوعهم فيها أنظرهم" حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه وفي الرعاية ثلاثا ولأن الإنظار المرجو به رجوعهم أولى من معاجلتهم بالقتال المؤدي إلى الهرج والمرج "فإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم" لأن الإنظار لا يؤمن منه أن يصير طريقا إلى قهر أهل الحق وذلك لا يجوز وإن أعطوه عليه مالا أو رهنا لأنه يخلي سبيلهم إذا انقضت الحرب كما يخلي الأسارى ولا يجوز قتلهم فإن سألوه أن ينظرهم أبدا ويدعهم وما هم عليه ويكفوا عن المسلمين فإن قوي عليهم لم يجز إقرارهم على ذلك وإلا جاز "وقاتلهم" حيث قوي على ذلك فإن ضعف عنه أخره حتى يقوى فإن حضر معهم من لا يقاتل لم يجز قتله وإذا قاتل معهم عبيد أو نساء أو صبيان فهم كالرجل البالغ الحر وفي الترغيب ومراهق وعبد كخيل "ولا يقاتلهم بما يعم إتلافه كالمنجنيق والنار" لأنه يعم من يجوز ومن لا يجوز "إلا لضرورة" كما في دفع الصائل فإن رماهم البغاة به جاز رميهم "ولا يستعين في حربهم بكافر" لأنه لا يستعان في قتال الكفار به فلأن لا(9/142)
حربهم بكافر وهل يجوز أن يستعين عليهم بسلاحهم وكراعهم على وجهين ولا يتبع لهم مدبر ولا يجاز على جريح ولا يغنم لهم مال ولا تسبى لهم ذرية ومن أسر من رجالهم حبس حتى تنقضي الحرب
ـــــــ
يستعان به في قتال مسلم بطريق الأولى ولأن القصد كفهم لا قتلهم وهو لا يقصد قتلهم فإن احتاج فقدر عن كفهم عن فعل ما لا يجوز جازت الاستعانة بهم وإلا فلا "وهل يجوز أن يستعين عليهم بسلاحهم وكراعهم؟" أي خيلهم "على وجهين" أحدهما: لا جزم به ابن هبيرة عن أحمد وحكاه القاضي والمؤلف عن أحمد وصححه ابن حمدان لأن الإسلام عصم أموالهم وإنما أتيح قتالهم لردهم إلى الطاعة فيبقى المال على العصمة كمال قاطع الطريق إلا أن تدعو ضرورة فيجوز كأكل مال الغير في المخمصة والثاني يجوز جزم به في الوجيز وذكر القاضي أن أحمد أومأ إليه قياسا على أسلحة الكفار وعليه لا يجوز في غير قتالهم ويجب رده بعد أن تنقضي الحرب كما يرد سائر أموالهم ولا يرده حال الحرب لئلا يقاتلونا به "ولا يتبع لهم مدبر ولا يجاز على جريح" ولا يجوز قتلهم إذا تركوا القتال في قول الأكثر لما روى مروان قال خرج خارج يوم الجمل لعلي "لا يقتلن مدبر ولا يذفف على جريح ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن" رواه سعيد وعن عمار نحوه وكالصائل وفي الترغيب إن المدبر من انكسرت شوكته لا المتحرف إلى موضع آخر فعلى هذا إذا قتل أنسانا منع من قتله ضمنه وهل يلزمه القصاص فيه وجهان
"ولا يغنم لهم مال" لأنهم لم يكفروا ببغيهم وقتالهم وعصمة الأموال تابعة لدينهم "ولا تسبى لهم ذرية" لا نعلم فيه خلافا لأحد لأنهم لم يحصل منهم سبب أصلا بخلاف أهل البغي فإنه وجد منهم البغي والقتال "ومن أسر من رجالهم حبس حتى تنقضي الحرب" لأن في إطلاقهم ضررا على المسلمين "ثم يرسل" بعد ذلك لأن المانع من إرسالهم خوف مساعدة أصحابهم وقد زال وفي الترغيب لا مع بقاء شوكتهم وقيل يرسل إن أمن ضرره فإن بطلت ويتوقع اجتماعهم في الحال فوجهان .(9/143)
ثم يرسل وإن أسر صبي أو امرأة فهل يفعل به ذلك أو يخلى في الحال يحتمل وجهين وإذا انقضى الحرب فمن وجد منهم ماله في يد إنسان أخذه ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوه عليهم حال الحرب من نفس أو مال
__________
فرع: إذا أسر رجلا مطاعا خلي زاد في الرعاية إن أمن شره فإن أبى أن يدخل في الطاعة وفي الكافي والشرح وكان رجلا جلدا حبس وأطلق بعد الحرب زاد في الشرح وشرط عليه ألا يعود إلى القتال "وإن أسر صبي أو امرأة فهل يفعل به ذلك أو يخلى في الحال يحتمل وجهين" أحدهما يحبسون لأن فيه كسر قلوب البغاة وكالرجل والثاني يخلون في الحال قدمه في الرعاية وصححه في الكافي والشرح لأنه لا يخشى من تخليته
فرع: لا يكره للعادل قتل ذوي رحمه الباغين ذكره القاضي لأنه قتل بحق أشبه إقامة الحد عليه والأصح يكره وقدمه في الفروع لقوله تعالى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15] قال الشافعي كف النبي صلى الله عليه وسلم أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وقال بعضهم لا يحل وذكره في الفروع احتمالا لأنه تعالى أمر بمصاحبته بالمعروف
تنبيه: يجوز فداء أسارى أهل العدل بأسارى البغاة فإن قتل أهل البغي أسارى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أسراهم فإن اقتتلت طائفتان من البغاة فقدر الإمام على قهرهما لم يعن إحداهما على الأخرى وإن عجز وخاف اجتماعهما على حربه ضم إليه أقربهما إلى الحق فإن استويا اجتهد في ضم إحداهما ولا يقصد بذلك معونة إحداهما بل الاستعانة على الأخرى فإذا هزمها لم يقاتل من معه حتى يدعوهم إلى الطاعة
"وإذا انقضى الحرب فمن وجد منهم ماله في يد إنسان أخذه" لقول علي "من عرف شيئا أخذه" ولأنه مال معصوم بالإسلام أشبه مال غير البغاة "ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوه عليهم حال الحرب من نفس أو مال" لأنه إذا لم يمكن دفع البغاة إلا بقتلهم جاز ولا شيء على قاتلهم من إثم ولا ضمان ولا(9/144)
وهل يضمن البغاة ما أتلفوه على أهل العدل في الحرب على روايتين ومن أتلف في غير حال الحرب شيئا ضمنه وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج أو جزية لم يعد عليهم ولا على صاحبه
__________
كفارة لأنه فعل ما أمر به كما لو قتل الصائل عليه
"وهل يضمن البغاة ما أتلفوه على أهل العدل في الحرب على روايتين" أحداهما لا ضمان قدمها في الكافي والفروع ونصرها في الشرح والقاضي في الخلاف وصححها لقول الزهري "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فأجمعوا أن لا يقاد أحد ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه" ذكره أحمد في رواية الأثرم واحتج به رواه الخلال
قال القاضي وهذا إجماع منهم مقطوع به ولأن تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم من الرجوع إلى الطاعة فسقط كأهل الحرب وكأهل العدل
والثانية: يضمنون جزم بها في الوجيز لقول أبي بكر لأهل الردة تودون قتلانا ولا نودي قتلاكم ولأنها نفوس وأموال معصومة أتلفت بغير حق ولا ضرورة دفع مباح فوجب ضمانه كالذي تلف في غير حال الحرب
وجوابه أن أبا بكر رجع عنه إلى قول عمر ولم يمضه ثم لو وجب التعزير في حق المرتدين لم يلزم مثله هنا فإن هؤلاء طائفة من المسلمين لهم تأويل سائغ وأولئك كفار لا تأويل لهم وإذا ضمن المال ففي القود وجهان فإن أهدر فالقود أولى
"ومن أتلف في غير حال الحرب شيئا ضمنه" أي من الفريقين رواية واحدة قاله في المستوعب لأن الأصل وجوب الضمان ترك العمل به في حال الحرب للضرورة فيبقى ما عداه وهل يتحتم قتل الباغي إذا قتل أحدا من أهل العدل في غير المعركة فيه وجهان الأصح أنه لا يتحتم فأما الخوارج فالصحيح إباحة قتلهم فلا قصاص على أحد منهم ولا ضمان عليه في ماله "وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج أو جزية لم يعد عليهم ولا على صاحبه" روي عن عمر وسلمة بن الأكوع وقاله أكثر العلماء لما روي "أن عليا لما ظهر على أهل البصرة لم يطالبهم بشيء مما جبوه" ولأن في ترك(9/145)
ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل بغير يمين وإن ادعى ذمي دفع جزيته إليهم لم يقبل إلا ببينة وإن ادعى إنسان دفع خراجه إليهم فهل يقبل بغير بينة على وجهين وتجوز شهادتهم
__________
الاحتساب بها ضررا عظيما ومشقة كبيرة فإنهم قد يغلبون على البلاد السنين الكثيرة فلو لم يحتسب بما أخذوه لحصل الضرر
وظاهره: لا فرق بين الخوارج وغيرهم وقال أبو عبيد يجزئ دفع الزكاة إلى بغاة وخوارج ونص عليه أحمد في الخوارج ويقع موقعه
قال القاضي في الشرح هذا محمول على أنهم خرجوا بتأويل وذكر في موضع آخر إنما يجوز أخذهم إذا نصبوا لهم إماما
وفي الأحكام السلطانية أنه لا يجزئ الدفع إليهم اختيارا وعن أحمد الوقف فيما أخذوه من زكاة فلو صرفه أهل البغي في جهته صح قال ابن حمدان ودفع سهم المسترزقة إلى أجنادهم يحتمل وجهين
"ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل بغير يمين" لأن الزكاة لا يستحلف فيها قال أحمد لا يستحلف الناس على صدقاتهم
"وإن ادعى ذمي دفع جزيته إليهم لم يقبل إلا ببينة" لأنهم غير مأمونين ولأنها عوض أشبهت الأجرة وقيل يقبل قولهم إذا مضى الحول لأن الظاهر أن البغاة لا يدعون الجزية لهم
"وإن ادعى إنسان دفع خراجه إليهم فهل يقبل بغير بينة على وجهين" أشهرهما لا يقبل إلا ببينة قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لأنه عوض أشبه الجزية والثاني: يقبل لأنه حق على مسلم فقبل قوله كالزكاة وقيل بلى إن حلف
"وتجوز شهادتهم" لأنهم أخطأوا في
فرع: من فروع الإسلام باجتهادهم أشبه المختلفين من الفقهاء في الأحكام وإذا لم يكونوا من أهل البدع قبلت شهادتهم كأهل العدل بغير خلاف نعلمه قال ابن عقيل تقبل شهادتهم ويؤخذ عنهم العلم ما لم يكونوا دعاة انتهى فأما الخوارج وأهل البدع إذا(9/146)
ولا ينقض من حكم حاكمهم ألا ما ينقض من حكم غيره وإن استعانوا بأهل الذمة فأعانوهم انتقض عهدهم إلا أن يدعوا أنهم ظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض عهدهم
__________
خرجوا على الإمام فلا تقبل لهم شهادة لأنهم فساق
"ولا ينقض من حكم حاكمهم إلا ما ينقض من حكم غيره" لأن نفيهم في أمر يسوغ فيه التأويل أشبه الاختلاف في الفروع فعلى هذا إن خالف حكم حاكمهم نصا أو إجماعا أو كان ممن يستحل دماء أهل العدل وأموالهم نقض حكمه
فرع: إذا كتب قاضيهم إلى قاضي أهل العدل جاز قبول كتابه لأنه قاض ثابت القضاء وفي المغني والشرح والترغيب الأولى رد كتابه قبل حكمه كسرا لقلوبهم فأما الخوارج إذا ولوا قاضيا لم يجز قضاؤه للفسق وفي المغني والشرح احتمال يصح قضاؤه دفعا للضرر كما لو أقام الحد أو أخذ جزيته وخراجا وزكاة
"وإن استعانوا بأهل الذمة فأعانوهم" طوعا مع علمهم بأن ذلك لا يجوز "انتقض عهدهم" قدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز وصححه ابن أبي موسى كما لو انفردوا بقتالهم وحكمهم حكم أهل الحرب وقيل لا ينتقض لأن أهل الذمة لا يعرفون المحق من المبطل فيكون ذلك شبهة لهم فعلى هذا حكمهم حكم البغاة في قتل مقبلهم والكف عن أسيرهم ومدبرهم وجريحهم والمعاهد كالذمي قاله في الرعاية وفي الكافي والشرح إن حكمه حكم أهل الحرب إلا أن يقيم بينة على الإكراه لأن عقد الذمة مؤبد ولا يجوز نقضه لخوف الخيانة منهم ويلزم الدفع عنهم والمستأمنون بخلاف هذا "إلا أن يدعوا أنهم ظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض عهدهم" وجها واحدا لأن ما ادعوه محتمل فلا ينتقض عهدهم مع الشبهة وفي الرعاية في الأصح وفي الترغيب وجهان "ويغرمون ما أتلفوه من نفس أو مال" في الأصح حال الحرب وغيره ,(9/147)
ويغرمون ما أتلفوه من نفس أو مال وإن استعانوا بأهل الحرب وأمنوهم لم يصح أمانهم وإن أظهر قوم رأي الخوارج ولم يجتمعوا لحرب لم يتعرض لهم
__________
بخلاف أهل البغي لأن هؤلاء لا تأويل لهم لأن سقوط الضمان عن المسلمين كيلا يؤدي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة وأهل الذمة لا حاجة بنا إلى ذلك فيهم والثاني لا يضمنون كالمسلمين
"وإن استعانوا بأهل الحرب وأمنوهم" أو عقدوا لهم ذمة "لم يصح أمانهم" لأن الأمان من شرط صحته إلزام كفهم عن المسلمين ولأهل العدل قتلهم لمن لم يؤمنوه وحكم أسيرهم حكم أسير أهل الحرب قبل الاستعانة بهم فأما البغاة فلا يجوز لهم قتلهم لأنهم أمنوهم فلا يجوز لهم الغدر بهم قال في الفروع إلا أنهم في أمان بالنسبة إلى بغاة
أصل: إذا استعانوا بمستأمنين فأعانوهم انتقض عهدهم وصاروا كأهل الحرب لأنهم تركوا كفهم عن قتال المسلمين فإن فعلوا ذلك مكرهين لم ينتقض عهدهم وإن ادعوه لم يقبل إلا ببينة لأن الأصل عدمه
"وإن أظهر قوم رأي الخوارج" مثل تكفير من ارتكب كبيرة وترك الجماعة "ولم يجتمعوا لحرب" ولم يخرجوا عن قبضة الإمام ولم يسفكوا دما حراما فحكى القاضي عن أبي بكر أنه لا يحل بذلك قتلهم ولا قتالهم ولهذا قال "لم يتعرض لهم" وهذا قول جمهور الفقهاء لما روي "أن علي بن أبي طالب كان يخطب فقال رجل بباب المسجد لا حكم إلا لله فقال علي كلمة حق أريد بها باطل ثم قال لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا ولا نبدؤكم بقتال لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للمنافقين الذين كانوا معه في المدينة" فعلى هذا حكمهم في ضمان النفس والمال حكم المسلمين وسأله المروذي عن قوم من أهل البدع يتعرضون ويكفرون قال لا تعرضوا لهم قلت وأي شيء يكره من أن يحبسوا قال لهم والدات وأخوات وقال في رواية ابن منصور الحرورية إذا دعوا إلى ما هم عليه إلى دينهم فقاتلهم وإلا فلا يقاتلون .(9/148)
وإن سبوا الإمام عزرهم وإن جنوا جناية أو أتوا حدا أقامه عليهم
__________
"وإن سبوا الإمام" أو غيره من أهل العدل صريحا "عزرهم" لأنهم ارتكبوا محرما لا حد فيه ولا كفارة وإن عرضوا بالسب ففي تعزيرهم وجهان وقال في الإباضية وسائر أهل البدع يستتابون فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وأما من رأى تكفيرهم فمقتضى قوله أنهم يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا لكفرهم "وإن جنوا جناية أو أتوا حدا أقامه عليهم" لقول علي في ابن ملجم لما جرحه أطعموه واسقوه واحبسوه فإن عشت فأنا ولي دمي وإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به ولأنهم ليسوا ببغاة فهم كأهل العدل فيما لهم وعليهم ولأن في إسقاط ذلك عنهم تجرئتهم على الفعل وذلك مطلوب العدم
أصل: قال أحمد في مبتدع داعية له دعاة أرى حبسه وكذا في التبصرة على الإمام منعهم وردعهم ولا يقاتلهم إلا أن يجتمعوا لحربه فكبغاة وقال أحمد أيضا في الحرورية الداعية يقاتل كبغاة ونقل ابن منصور يقاتل من منع الزكاة وكل من منع فريضة فعلى المسلمين قتاله حتى يأخذوها منه اختاره أبو تقي الدين وقال أجمعوا أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى
وذكر ابن عقيل عن الأصحاب تكفير من خالف في أصل كخوارج ورافضة ومرجئة وذكره غيره روايتين فيمن قال لم يخلق الله المعاصي أو وقف فيمن حكمنا بكفره وفيمن سب مستحل وإن استحله كفر وفي المغني يخرج في كل محرم استحل بتأويل كالخوارج وفي نهاية المبتدئ من سب صحابيا مستحلا كفر وإلا فسق وذكر ابن حامد كفر الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة ومن لم يكفر من كفرناه فسق وهجر وفي كفره وجهان والذي ذكره هو وغيره من رواية المروذي وأبي طالب ويعقوب وغيرهم أنه لا يكفر قال الشيخ تقي الدين وهي ظاهر نصوصه بل صريحة فيه وإنما كفرنا الجهمية لا أعيانهم .(9/149)
وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى
__________
"وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان" لأن كل واحدة باغية على صاحبتها "وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى" لأنها أتلفت نفسا معصومة ومالا معصوما قال الشيخ تقي الدين فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف قال وإن تقابلا تقاصا لأن المباشر والمعين واحد عند الجمهور قال وإن جهل قدر ما نهبه كل طائفة من الأخرى تساويا ومن دخل للإصلاح فقتلته طائفة ضمنته وإن جهلت ضمنتاه قال ابن عقيل ويخالف المقتول في زحام الجامع والطواف لأن الزحام هنا ليس فيه تعد بخلاف الأول(9/150)
باب حكم المرتد
وهو الذي يكفر بعد إسلامه فمن أشرك بالله
__________
باب حكم المرتد
المرتد: لغة الراجع يقال ارتد فهو مرتد: إذا رجع وشرعا: هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر إما نطقا أو اعتقادا أو شكا وقد يحصل بالفعل ولهذا قال "وهو الذي يكفر بعد إسلامه" لأنه بيان له قال تعالى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 217] وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من بدل دينه فاقتلوه" رواه الجماعة إلا مسلما قال الترمذي هو حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم وأجمعوا على وجوب قتل المرتد
"فمن أشرك بالله" أي: إذا كفر طوعا ولو هازلا بعد إسلامه وقيل وكرها والأصح بحق فإذا أقر بالإسلام ثم أنكره أو أنكر الشهادتين أو إحداهما كفر بغير خلاف وحينئذ لا يجوز أن يهادنوا على الموادعة ولا أن يصالحوا بما يقرون به على ردتهم بخلاف أهل الحرب ذكره القاضي .(9/150)
أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو اتخذ لله صاحبة أو ولدا أو جحد نبيا أو كتابا من كتب الله أو شيئا منه أو سب الله أو رسوله كفر
__________
"أو جحد ربوبيته أو وحدانيته" لأن جاحد ذلك مشرك بالله تعالى "أو" جحد "صفة من صفاته" اللازمة قاله في الرعاية لأنه كجاحد الوحدانية وفي الفصول شرطه أن تكون الصفة متفقا على إثباتها "أو اتخذ لله صاحبة أو ولدا" لأنه تعالى نزه نفسه عن ذلك ونفاه عنه فمتخذه مخالف له غير منزه له عن ذلك "أو جحد نبيا" لأنه مكذب لله جاحد لنبوة نبي من أنبيائه "أو" جحد "كتابا من كتب الله أو شيئا منه" لأن جحد شيء منه كجحده كله لاشتراكهما في كون الكل من عند الله تعالى
"أو سب الله أو رسوله كفر" لأنه لا يسب واحدا منهما إلا وهو مكذب جاحد به وكذا إذا ادعى النبوة قال الشيخ تقي الدين أو كان مبغضا لرسوله ولما جاء به اتفاقا
فرع: إذا كذب على نبي من الأنبياء وقيل مستحلا أو قذفه كفر وإن استحل الكذب المحرم على غيره كفر وإن كذبه فيما يعلم صدقه فيه غير مستحل أثم فإن اعترف به عزر فإن تاب من الكذب عليه عليه السلام قبلت في ظاهر كلام الأصحاب وغيرهم وحكى ابن الصلاح عن أحمد وطائفة أنها لا تقبل ونقل عبد الله الحلبي عن أحمد تقبل فيما بينه وبين الله تعالى ولا يكتب عنه حديث رواه الخلال وإن كذب نصراني موسى عليه السلام خرج من دينه لأن عيسى صدق به لا العكس لأنه لم يصدق بعيسى ولا بشر له
"ومن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئا منها" أو الطهارة لها "أو أحل الزنى أو الخمر" أو شك فيه "أو شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها" كالدم "لجهل عرف ذلك" ليصير عالما به "وإن كان ممن لا يجهل ذلك" كالناشئ بين المسلمين في الأمصار "كفر" لأنه مكذب لله تعالى ولرسوله ولسائر الأمة .(9/151)
ومن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئا منها أو أحل الزنى أو الخمر أو شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها لجهل عرف ذلك وإن كان ممن لا يجهل ذلك كفر وإن ترك شيئا من العبادات الخمس تهاونا لم يكفر وعنه يكفر إلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال
__________
فرع: قال جماعة أو سجد لشمس أو قمر وفي الترغيب أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين قال الشيخ تقي الدين أو توهم أن من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك أو أصر في دارنا على خمر أو خنزير غير مستحل وذكر بعض أصحابنا يكفر جاحد تحريم النبيذ والمسكر كله كالخمر
"وإن ترك شيئا من العبادات الخمس تهاونا لم يكفر" الظاهر: أن المراد بها مباني الإسلام ولا شك أن تارك الشهادتين تهاونا كافر بغير خلاف نعلمه في المذهب وأما بقية ذلك فكما ذكره إلا الصلاة فإنه يدعى إليها فإن امتنع فإنه يستتاب كمرتد فإن أصر كفر بشرطه
وإذا ترك شرطا أو ركنا مجمعا عليه كان كتركها وإن كان مختلفا فيه وهو معتقد وجوبه فقال ابن عقيل حكمه حكم تارك الصلاة وقال المؤلف عليه الإعادة ولا يكفر من أجل ذلك بحال وفي المحرر إذا ترك تهاونا فرض الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج بأن عزم ألا يفعله أبدا أو أخره إلى عام يغلب على الظن موته قبله استتيب كالمرتد فإن أصر قتل حدا وعنه كفرا نقلها أبو بكر واختارها وعنه يختص الكفر بالصلاة وعنه تهاونا كزكاة إذا قاتل الإمام عليها
"وعنه يكفر إلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال" لأن في وجوبه على الفور خلافا وعنه لا كفر ولا قتل في الصوم والحج خاصة
فرع: من أظهر الإسلام وأسر الكفر فمنافق كافر كعبد الله بن أبي بن سلول فإن أظهر أنه قائم بالواجب وفي قلبه ألا يفعل فنفاق لقوله تعالى في ثعلبة {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الآية [التوبة:75] وهل يكفر على وجهين .(9/152)
فمن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وهو بالغ عاقل دعي إليه ثلاثة أيام وضيق عليه فإن لم يتب قتل
__________
"فمن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء" روي عن أبي بكر وعلي وقاله أكثر العلماء لعموم قوله عليه السلام "من بدل دينه فاقتلوه" ولقوله عليه السلام "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه ولأنه فعل يوجب الحد فاستوى فيه الرجل والمرأة كالزنى وما روي أن أبا بكر استرق نساء بني حنيفة فمحمول على أنه تقدم لهم إسلام وأما نهيه عن قتل المرأة فالمراد به الأصلية بدليل أنه لا يقتل الشيوخ ولا المكافيف "وهو بالغ عاقل" مختار لأن الطفل الذي لا يعقل والمجنون ومن زال عقله بنوم أو إغماء أو شرب دواء مباح لا تصح ردته ولا حكم لكلامه بغير خلاف في المذهب
"دعي إليه" أي لا يقتل حتى يستتاب وهو قول أكثر العلماء وهي واجبة نصره القاضي والمؤلف لأنه عليه السلام أمر باستتابته رواه الدارقطني ولقول عمر رواه مالك وغيره ولا يلزم من تحريم القتل وجوب الضمان بدليل نساء الحرب "ثلاثة أيام" في قول الأكثر لما روى محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه قال "قدم رجل على عمر من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره فقال هل من مغربة خبر قال نعم رجل كفر بعد إسلامه فقال ما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه فقال عمر فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله عز وجل اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني" رواه مالك ولأنه لو لم يجب لما برئ من فعلهم ولأنه أمكن استصلاحه فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه كالثوب النجس ولأنها مدة يتكرر فيها الرأي ويتقلب النظر فلا يحتاج إلى أكثر منها وعنه لا يجوز تأجيله بل يجب قتله في الحال إلا أن يطلب الأجل فيؤجل ثلاثا "وضيق عليه" بالحبس وغيره ليرجع إلى الحق "فإن لم يتب قتل" لحديث ابن عباس "من بدل دينه فاقتلوه" ولا يجوز أخذ فداء عنه لأن كفره أغلظ "وعنه لا تجب(9/153)
وعنه: لا تجب استتابته بل تستحب ويجوز قتله في الحال ويقتل بالسيف ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه فإن قتله غيره بغير إذنه أساء وعزر ولا ضمان عليه سواء قتل قبل الاستتابة أو بعدها.
__________
استتابته" روي عن الحسن وطاووس لأنه عليه السلام لم يذكر ذلك ولقول معاذ لا أجلس حتى يقتل ولأنه يقتل لكفره فلم تجب استتابته كالأصلي "بل تستحب" للاختلاف في وجوبها وأقلها الاستحباب ويجوز قتله في الحال كالأصلي والأول أصح لأن الخبر محمول على القتل بعد الاستتابة والخبر الآخر روي فيه أن المرتد استتيب قبل قدوم معاذ رواه أبو داود وقال الزهري يدعى ثلاث مرات فإن أبى ضربت عنقه وقال النخعي يستتاب أبدا وهذا يفضي إلى أنه لا يقتل أبدا وهو مخالف للسنة والإجماع "ويقتل بالسيف" لقوله رضي الله عنه "قربناه فضربنا عنقه" ولأنه إذا أطلق انصرف إليه لأنه أسرع لزهوق النفس ولا يجوز حرقه بالنار وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه أمر بتحريقهم والأول أولى لقوله عليه السلام "من بدل دينه فاقتلوه ولا تعذبوا بعذاب الله" يعني النار رواه البخاري ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه حرا كان أو عبدا في قول عامة العلماء ونصره في الشرح لأنه قتل لحق الله تعالى فكان إلى الإمام أو نائبه كقتل الحر ولقوله عليه السلام "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" لا يتناول القتل في الردة لأنه قتل لكفره ولا حد في حقه وخبر حفصة لما بلغ عثمان تغيظ عليها وشق عليه والجلد في الزنى تأديب عنده بخلاف القتل
"فإن قتله غيره بغير إذنه أساء وعزر" لافتئاته على الإمام أو نائبه ولا ضمان عليه أي على القاتل لأنه محل غير معصوم "سواء قتل قبل الاستتابة أو بعدها" لأنه مهدر الدم في الجملة وردته مبيحة لدمه وهي موجودة قبل الاستتابة كما هي موجودة بعدها
فإن لحق بدار الحرب فلكل واحد قتله بلا استتابة وأخذ ما معه من مال وما تركه بدارنا معصوم نص عليه وقيل يصير فيئا في الحال وصححه المجد .(9/154)
وإذا عقل الصبي الإسلام صح إسلامه وردته
__________
فرع: رسول الكفار لا يقتل ولو كان مرتدا حكاه في الفروع عن الهدي بدليل رسول مسيلمة وفي الفنون في مولود برأسين فبلغ نطق أحدهما بالكفر والآخر بالإسلام إن نطقا معا ففي أيهما يغلب احتمالان قال والصحيح إن تقدم الإسلام فمرتد
"وإذا عقل الصبي الإسلام صح إسلامه وردته" في ظاهر المذهب لإسلام علي بن أبي طالب وهو صبي وعد ذلك من مناقبه وسبقه وقال
سبقتكم إلى الإسلام طرا
...
صبيا ما بلغت أوان حلمي
يقال: هو أول من أسلم ومن الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن العبيد بلال وقال عروة أسلم علي والزبير وهما ابنا ثمان سنين ولم يرد على أحد إسلامه من صغير أو كبير لقوله عليه السلام "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" ولأن من صح إسلامه صحت ردته كالبالغ وقوله عليه السلام "كل مولود يولد على الفطرة" "وأمرت أن أقاتل الناس...." الخبرين والصبي داخل في ذلك وإذا صح إسلامه كتب له لا عليه وتحصل له سعادة الدارين لا يقال الإسلام يوجب عليه الزكاة في ماله ونفقة قريبه المسلم وحرمة ميراث قريبه الكافر وفسخ نكاحه لأن الزكاة نفع محض لأنها سبب النماء والزيادة محصنة للمال والميراث والنفقة أمر متوهم وذلك مجبور بحصول الميراث للمسلمين وسقوط نفقة أقاربه الكفار ثم هو ضرر مغمور بالنسبة إلى ما يحصل له من سعادة الآخرة والخلاص من الشقاء والخلود في الجحيم وشرطه أن يعقل الإسلام ومعناه أن يعلم أن الله ربه لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وهذا لا خلاف في اشتراطه فإن الطفل الذي لا يعقل لا يتحقق منه اعتقاد الإسلام وإنما كلامه لقلقة بلسانه لا يدل على شيء ذكره في المغني وغيره وشرط الخرقي مع ذلك وتبعه في الوجيز أن يكون له عشر سنين لأنه عليه السلام أمر بضربه على الصلاة لعشر وجوابه بأن أكثر المصححين لإسلامه لم يشترطوا ذلك ولم يحدوا له حدا من السنين وحكاه ابن المنذر عن أحمد لأن المقصود متى حصل لا حاجة إلى زيادة عليه .(9/155)
وعنه: يصح إسلامه دون ردته وعنه لا يصح شيء منهما حتى يبلغ والمذهب الأول وإن أسلم ثم قال لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله وأجبر على الإسلام ولا يقتل حتى يبلغ ويجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه فإن ثبت على كفره قتل.
__________
"وعنه: يصح إسلامه دون ردته" قال في الفروع وهي أظهر لأن الإسلام محض مصلحة ونفع فصح منه بخلاف الردة فعلى هذا حكمه حكم من لم يرتد فإن بلغ وأصر على الكفر كان مرتدا "وعنه لا يصح شيء منهما حتى يبلغ" لقوله عليه السلام "رفع القلم عن ثلاث....." الخبر ولأنه قول تثبت به الأحكام فلم يصح من الصبي كالهبة والعتق ولأنه غير مكلف أشبه الطفل وعنه يصح من ابن سبع سنين لأمره بالصلاة وقال ابن أبي شيبة يصح من ابن خمس سنين وأخذه من إسلام علي
"والمذهب الأول" نصره القاضي في الخلاف وعليه فقهاء الأصحاب وعليهن يحال بينه وبين الكفار قال في الانتصار يتولاه المسلمون ويدفن بمقابرهم وإن فرضيته مترتبة على صحته كصحته تبعا وكصوم مريض ومسافر رمضان
"وإن أسلم" ثم رجع "ثم قال لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله" كالبالغ "وأجبر على الإسلام" لأنه محكوم بإسلامه لمعرفتنا بعقله لأنه كفر بعد إسلامه ولهذا صح إسلامه لأنه محض مصلحة أشبه الوصية وعنه ينتقل منه ولا يجبر على الإسلام لأنه في مظنة النقص وصدقه جائز ذكره أبو بكر والعمل على الأول لأنه قد ثبت عقله للإسلام ومعرفته به وفعله فعل العقلاء وقد تكلم بكلامهم "ولا يقتل حتى يبلغ" أي الصبي لا يقتل إذا ارتد حتى يبلغ سواء قلنا بصحة ردته أو لا لأن الغلام لا تجب عليه عقوبة بدليل أنه لا يتعلق به حكم الزنى والقتل فكذا لا يجب أن يتعلق به حكم الردة "ويجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه" لأجل وجوب استتابته ثلاثا "فإن ثبت على كفره قتل" لأنه مرتد مصر على ردته فوجب قتله سواء كان مرتدا قبل بلوغه أو لا وسواء كان مسلما أصليا فارتد أو كافرا فأسلم صبيا ثم ارتد .(9/156)
ومن ارتد وهو سكران لم يقتل حتى يصحو وتتم له ثلاثة أيام من وقت ردته فإن مات في سكره مات كافرا وعنه لا تصح ردته
__________
فرع: من أسلم وقال لم أدر ما قلت أو لم أعتقد الإسلام وإنما أظهرت الشهادتين صار مرتدا نص عليه في مواضع وعنه يقبل منه مع ظن صدقه نقلها عنه محمد بن الحكم
"ومن ارتد وهو سكران" صحت ردته في ظاهر المذهب وجزم به الأكثر وصححه في الرعاية كإسلامه لقول علي إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فأوجبوا عليه حد الفرية التي يأتي بها في سكره واعتبروا مظنتها ولأنه يصح طلاقه فصحت ردته كالصاحي ولأنه لا يزول عقله بالكلية ولهذا يتقي المحذورات ويفرح بما يسره ويغتم بما يضره ويزول سكره عن قرب أشبه الناعس بخلاف المجنون
"لم يقتل حتى يصحو" فيكمل عقله ويفهم ما يقال له وتزول شبهته لأن القتل جعل للزجر "وتتم له ثلاثة أيام من وقت ردته" لأن زوال العقل حصل بتعديه بخلاف الصبي فإن استمر سكره أكثر من ثلاث لم يقتل حتى يصحو ثم يستتاب عقب صحوه فإن تاب وإلا قتل في الحال "فإن مات" أو قتل "في سكره مات كافرا" لأنه هلك بعد ارتداده ولم ترثه ورثته من المسلمين
"وعنه: لا تصح ردته" لأن ذلك متعلق بالاعتقاد والقصد والسكران لا يصح عقده أشبه المعتوه ولأنه زائل العقل غير مكلف أشبه المجنون وجوابه المنع بأنه ليس بمكلف فإن الصلاة واجبة عليه وعنه يصح إسلامه فقط حكاها ابن البنا
تنبيه: علم مما سبق: أنه لا تصح ردة مجنون ولا إسلامه لأنه لا قول له فإن ارتد في صحته ثم جن لم يقتل في حال جنونه لأنه يقتل بالإصرار على الردة والمجنون لا يوصف بالإصرار فإن قتل أحد هؤلاء عزر القاتل ولا ضمان عليه لأنه قتل كافرا لا عهد له أشبه قتل نساء أهل الحرب .(9/157)
وهل تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته أو من سب الله ورسوله أو الساحر على
روايتين إحداهما لا تقبل توبته ويقتل بكل حال
__________
"وهل تقبل توبة الزنديق" وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر "ومن تكررت ردته أو من سب الله أو رسوله أو الساحر؟" أي من كفر بسحره "على روايتين إحداهما لا تقبل توبته ويقتل بكل حال" الأشهر أنها لا تقبل توبتهم جزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع وذكر ابن حمدان أنها أظهر واختارها أبو بكر لأن عليا أتي بزنادقة فسألهم فجحدوا فقامت عليه البينة فقتلهم ولم يستتبهم رواه أحمد في مسائل عبد الله ولأن في قبول توبته خطرا لأنه لا سبيل إلى الثقة به ولأن إبقاءه يؤدي إلى السلطة في الباطن على إفساد عقائد المسلمين وفيه ضرر عظيم
فرع: من أظهر الخير وأبطن الفسق فكالزنديق في توبته في قياس المذهب ذكره ابن عقيل وحمل رواية قبول توبة الساحر على المتظاهر وعكسه بعكسه وكذا من تكررت ردته لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: 137] ولما روى الأثرم بإسناده عن ظبيان بن عمارة أن ابن مسعود أتي برجل فقال له إنه قد أتي بك مرة فزعمت أنك تبت وأراك قد عدت فقتله وعنه لا تقبل إن تكررت ثلاثا
أما من سب الله أو رسوله فالأصح أنها لا تقبل توبته لأن ذنبه عظيم جدا أشبه الزنديق ونقل حنبل أو تنقصه وقيل ولو تعريضا نقل حنبل من عرض بشيء من ذكر الرب فعليه القتل مسلما كان أو كافرا وهو مذهب أهل المدينة وفي الفصول عن أصحابنا لا تقبل إن سب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حق آدمي لم يعلم إسقاطه وأنها تقبل إن سب الله لأنه يقبل التوبة في خالص حقه وجزم به في عيون المسائل لأن الخالق منزه عن النقائص فلا تلحق به بخلاف المخلوق فإنه محل لها فافترقا
وأما الساحر فنقل ابن هبيرة أنها لا تقبل توبته في ظاهر المذهب وهو ظاهر ما نقل عن الصحابة ولم ينقل عن أحد منهم أنه استتاب ساحرا وحديث(9/158)
والأخرى:تقبل توبته كغيره وتوبة المرتد إسلامه وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
__________
عائشة في المرأة التي أتت هاروت وماروت يدل عليه ولأن السحر معنى في القلب لا يزول بالتوبة أشبه الزنديق "والأخرى تقبل توبته كغيره" وهو ظاهر الخرقي زنديقا كان أو غيره روي عن علي وابن مسعود واختاره الخلال وقال إنه أولى على مذهب أبي عبد الله وقدمه في الكافي والرعاية لقوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] ولقوله عليه السلام "لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس" متفق عليه ورجح هذا في الشرح وأجاب عن قتل ابن النواحة بأنه إنما قتله لظهور كذبه في توبته لأنه أظهرها وما زال عما كان عليه من الكفر ويحتمل أنه قتله لغير ذلك وقال في رواية أبي طالب إن أهل المدينة يقولون في الزنديق لا يستتاب قال أحمد كنت أقول ذلك أيضا ثم هبته قال القاضي وظاهره أنه رجع فلو زعم أن لله ولدا فقد سب الله بدليل قوله عليه السلام إخبارا عن ربه يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني أما شتمه إياي فزعم أن لي ولدا ولا شك أن توبته مقبولة بغير خلاف فإذا قبلت توبة من سب الله تعالى فمن سب نبيه أولى أن تقبل والصحيح الأولى لأن أدلتها خاصة والثانية عامة والخاص مقدم على العام
فرع: الخلاف في قبول توبتهم إنما هو في الظاهر في أحكام الدنيا من ترك قتالهم وثبوت أحكام الإسلام في حقهم وأما قبولها في الباطن فلا خلاف فيه حيث صدق ذكره ابن عقيل والمؤلف وجماعة وفي إرشاد ابن عقيل رواية لا تقبل توبة زنديق باطنا وضعفها وقال كمن تظاهر بالصلاح إذا أتى معصية فتاب منها وإن قتل علي زنديقا لا يدل على عدم قبولها كتوبة قاطع طريق بعد القدرة وذكر القاضي وأصحابه رواية لا تقبل توبة داعية إلى بدعة مضلة اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وفي الرعاية من كفر ببدعة قبلت توبته على الأصح
"وتوبة المرتد" وكل كافر "إسلامه وهو أن يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله" لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أمرت أن أقاتل(9/159)
إلا أن تكون ردته بإنكار فرض أو إحلال محرم أو جحد نبي أو كتاب أو إلى دين من يعتقد أن محمدا بعث إلى العرب خاصة فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده ويشهد أن محمدا بعث إلى العالمين أو يقول أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام
__________
الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل" متفق عليه وهذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي فكذا المرتد ولا يحتاج مع ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته وهذا يمكن لمن كانت ردته بجحد الوحدانية أو جحد رسالة محمد عليه السلام وظاهره لا يغني قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عن كلمة التوحيد وعنه بلى قدمها في الرعاية لأن يهوديا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أشهد أنك رسول الله ثم مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم "صلوا على صاحبكم" ذكره أحمد في رواية مهنا محتجا به ولأنه لا يقر برسالة محمد إلا ويقر بمن أرسله وعنه من مقر به قال في الشرح وبهذا جاءت الأخبار وهو الصحيح لأن من جحد شيئين لا يزول جحده إلا بإقرارهما جميعا قال في الفروع ويتوجه احتمال يكفي التوحيد ممن لا يقر به كوثني لظاهر الأخبار ولخبر أسامة وقتله الكافر الحربي بعد قوله لا إله إلا الله لأنه مصحوب بما يتوقف عليه الإسلام ومستلزم له وفاقا للشافعية وغيرهم فلو قال أشهد أن النبي رسول الله لم يحكم بإسلامه لأنه يحتمل أن يريد غير نبينا صلى الله عليه وسلم
"إلا أن تكون ردته بإنكار فرض أو إحلال محرم أو جحد نبي أو كتاب أو إلى دين من يعتقد أن محمدا بعث إلى العرب خاصة فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده" لأن ردته بجحده فإذا لم يقر بما جحده بقي الأمر على ما كان عليه من الردة الموجبة لتكفيره فإذا كانت ردته باعتقاد أن محمدا بعث إلى العرب فلا بد وأن "يشهد أن محمدا بعث إلى العالمين" ولابد أن يقول مع ذلك كلمة الشهادتين ولا يكفي مجرد إقراره بما جحده "أو يقول أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام" لأنه يحتمل أن يريد بالشهادة ما يعتقده ولأن(9/160)
وإذا مات المرتد فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة حكم بإسلامه
__________
الرجوع إلى الإسلام لا يكون إلا بذلك
فرع: يكفي جحده لردته بعد إقراره بها في الأصح كرجوعه عن حد لا بعد بينة بل يجدد إسلامه قال جماعة يأتي بالشهادتين ونقل ابن الحكم فيمن أسلم ثم تهود أو تنصر فشهد عليه عدول فقال لم أفعل وأنا مسلم قبل قوله قال الشيخ تقي الدين اتفق الأئمة أن المرتد إذا أسلم عصم دمه وماله وإن لم يحكم به حاكم ولا يحتاج إلى أن يقر بما شهد عليه به فإذا لم يشهد عليه عدل لم يفتقر الحكم إلى إقراره بل إخراجه إلى ذلك قد يكون كذبا ولهذا لا يجوز بناء حكم على هذا الإقرار كالإقرار الصحيح فإنه قد علم أنه لقنه وأنه فعله خوف القتل وهو إقرار تلجئه
تنبيه: ظاهر كلامه أنه إذا قال أنا مؤمن أو مسلم لم يكتف بذلك ونقل أبو طالب في اليهودي إذا قال قد أسلمت أو أنا مسلم يجبر عليه قد علم ما يراد منه ونصر القاضي وابن البنا الاكتفاء بذلك عن الشهادتين لما روى المقداد أنه قال "يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب أحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها قال لا تقتله" رواه مسلم ولأن ذلك اسم لشيء فإذا أخبر به فقد أخبر بذلك الشيء وذكر المؤلف احتمالا أن هذا في الكافر الأصلي أو من جحد الوحدانية أما من كفر بجحد نبي أو كتاب أو فريضة ونحوه فلا يصير مسلما بهذا لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم مسلمون ومنهم من هو كافر
فرع: إذا شهد عليه بأنه كفر وادعى الإكراه قبل مع قرينة ولو شهد عليه بكلمة كفر فادعاه قبل مطلقا في الأصح لأن تصديقه ليس فيه تكذيب للبينة وإن أسلم على صلاتين قبل منه وأمر بالخمس
"وإذا مات المرتد فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة حكم بإسلامه" لقوله عليه السلام "من صلى صلاتنا......" الخبر سواء صلى في جماعة أو منفردا في دار الحرب أو الإسلام لأنها ركن يختص به الإسلام فحكم(9/161)
ولا يبطل إحصان المسلم بردته ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام
فصل ومن ارتد لم يزل ملكه موقوفا وتصرفاته موقوفة
__________
بإسلامه كالشهادتين ولأن ما كان إسلاما في دار الحرب كان إسلاما في دار الإسلام كالشهادتين ومقتضاه: أنها إذا شهدت بأنه أتى بغيرها من زكاة أو صوم أو حج لا يحكم بإسلامه ولا يثبت الإسلام حتى يأتي بصلاة تتميز عن صلاة الكهان ولا تحصل بمجرد القيام وذكر ابن تميم أن من حج أو صام يقصد رمضان أو آتى ماله على وجه الزكاة أو أذن في غير محل الأذان قال ابن حمدان أو غير وقته هل يحكم بإسلامه على وجهين واختار القاضي أنه يحكم بإسلامه بالحج فقط
"ولا يبطل إحصان المسلم بردته" يعني إذا كان محصنا فارتد ثم أسلم لم يزل إحصانه بل إذا زنى فإنه يرجم لأنه ثبت له حكم الإحصان والأصل بقاء ما كان عليه "ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام" لأنه فعلها على وجهها وبرئت ذمته منها فلم تعد إلى ذمته كدين الآدمي وفي الرعاية في الصوم وجهان في وجوب القضاء وقدم فيها وفي المحرر أنه إذا صلى ثم كفر ثم أسلم في وقتها لم يعدها وقيل بلى وإن حج ثم كفر ثم أسلم فروايتان أشهرهما لا يعيد
فصل
"ومن ارتد لم يزل ملكه" أي لا يحكم بزوال ملكه قدمه في الكافي والمحرر والمستوعب ونصره في الشرح لأن الردة سبب يبيح دمه فلم يزل ملكه بها كزنى المحصن لأن زوال العصمة لا يلزم منه زوال الملك كالقاتل في المحاربة وأهل الحرب "بل يكون موقوفا وتصرفاته" من البيع والهبة والوقف ونحوه "موقوفة" على المذهب قاله ابن المنجا لأنه مال تعلق به حق الغير ؛(9/162)
فإن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته وإلا بطلت وتقضى ديونه وأروش جناياته وينفق على من تلزمه مؤنته وما أتلف من شيء ضمنه ويتخرج في الجماعة الممتنعة ألا تضمن ما أتلفته وقال أبو بكر يزول ملكه بردته
__________
فكان التصرف فيه موقوفا كتبرع المريض
ولكن المذهب أنه يمنع من التصرف فيه قاله القاضي وأصحابه وفي الوسيلة نص عليه ونقل ابن هانئ يمنع منه واختار المؤلف أنه يترك عند ثقة وجعل في الترغيب كلام القاضي والمؤلف واحدا وكذا ذكره ابن البنا وغيره ونص عليه أحمد ولم يقولوا يترك عند ثقة بل قالوا يمنع منه "فإن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته" وكان ذلك صحيحا "وإلا بطلت" أي إذا مات أو قتل في ردته كان باطلا تغليظا عليه بقطع ثوابه بخلاف المريض وينتقل ماله فيئا من حين موته وفي المحرر على ذلك تنفذ معاوضته ويقر بيده وتوقف تبرعاته وترد بموته مرتدا "وتقضى ديونه" لا دين متجدد في الردة "وأروش جناياته" لأن ذلك حق واجب عليه"وينفق على من تلزمه مؤنته" لأن ذلك واجب بإيجاب الشرع أشبه الدين "وما أتلف من شيء ضمنه" نص عليه لأن الإتلاف يوجب الضمان على المسلم فلأن يوجب على المرتد بطريق الأولى وعنه إن فعله بدار حرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة فلا اختاره الخلال وصاحبه والمؤلف لفعل الصحابة وكالكافر الأصلي إجماعا وقيل هم كبغاة قال وإن المرتد تحت حكمنا ليس محاربا يضمن إجماعا
فرع: يؤخذ بحد فعله في ردته نص عليه كقبلها وظاهر نقل مهنا واختاره جماعة إن أسلم فلا كعبادته "ويتخرج في الجماعة الممتنعة ألا تضمن ما أتلفته" لأنها في معنى البغاة ولأن الباغي إنما لم يضمن ما أتلفه لأن في تضمينه تنفيرا له عن الرجوع إلى قبضة الإمام وهذا المعنى موجود في الجماعة المرتدة الممتنعة
وصحح في الشرح والرعاية أنه لا ضمان عليهم فيما أتلفوه حال الحرب "وقال أبو بكر يزول ملكه بردته" وأختاره أبو إسحاق وصاحب التبصرة(9/163)
ولا يصح تصرفه وإن أسلم رد إليه بل يكون تمليكا مستأنفا وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات على روايتين وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قدر عليهما لم يجز استرقاقهما
__________
والطريق الأقرب وهو رواية لأن عصمة نفسه وماله إنما يثبت بإسلامه فزوال إسلامه مزيل عصمتهما كما لو لحق بدار الحرب ولأن المسلمين ملكوا إراقة دمه بردته فوجب أن يملكوا أمواله بها وعنه إن مات أو قتل تبينا زواله من حين ردته فلو باع شقصا مشفوعا أخذ بالشفعة على الأولى وعلى الثانية يجعل في بيت المال "ولا يصح تصرفه" لأن ملكه قد زال بردته وجوابه أن ملكه قد تعلق به حق غيره في بقاء ملكه فيه فكان تصرفه موقوفا كتصرف المريض "وإن أسلم رد إليه تمليكا مستأنفا" أي جديدا لزواله بردته
تذنيب: إذا تزوج لم يصح لأنه لا يقر على النكاح كنكاح الكافر مسلمة وكذا لو زوج موليته لأن النكاح لا يكون موقوفا فلو وجد منه سبب يقتضي التمليك كالصيد والاتهاب والشراء ثبت الملك إن بقي ملكه وإلا فلا واحتج به في الفصول على بقاء ملكه وأن الدوام أولى وعلى رواية يرثه مسلم أو أهل دينه الذي اختاره فكمسلم فيه وفي الانتصار لا قطع بسرقته لعدم عصمته "وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات الخمس على روايتين" إحداهما يقضي صححها في الرعاية وجزم بها في الوجيز لأنها عبادة واجبة التزم بوجوبها واعترف به في زمن إسلامه فلزمه القضاء كغير المرتد والثانية لا يلزمه وهي الأشهر لقوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وكالحربي ولأن أبا بكر رضي الله عنه لم يأمر المرتدين بقضاء ما فاتهم وقدم المجد وابن تميم أنه يلزمه قضاء ما تركه قبل الردة من صلاة وصوم وزكاة وقيل يقضي غير الحج رواية واحدة وذكر ابن تميم وابن حمدان أنه لو جن بعد تركه لم تسقط عنه الصلاة وإن حاضت سقطت
"وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قدر عليهما لم يجز استرقاقهما" لأنه لا يقر على الردة يدل عليه قوله عليه السلام "من بدل(9/164)
ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في دار الإسلام ومن لم يسلم منهم قتل ويجوز استرقاق من ولد منهم بعد الردة وهل يقرون على كفرهم على روايتين
__________
دينه فاقتلوه" ولم ينقل أن الذين سباهم أبو بكر كانوا أسلموا ولا يثبت لهم حكم الردة وقول علي تسبى المرتدة ضعفه أحمد
"ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في الإسلام" لأنه محكوم بإسلامه بإسلام والده وكولد من أسر من ذمة "ومن لم يسلم منهم قتل" للخبر ويعتبر فيه بلوغهم "ويجوز استرقاق من ولد منهم بعد الردة" في المنصوص لأنه محكوم بكفره لأنه ولد بين أبوين كافرين وليس بمرتد نص عليه وهو ظاهر كلام جماعة كولد الحربيين وعنه لا يجوز استرقاقهم
فرع: الحمل حال ردته ظاهر كلام الخرقي أنه كالحادث بعد كفره واقتصر عليه في الشرح وفي الكافي الحمل كالولد الظاهر لأنه موجود ولهذا يرث
"وهل يقرون" أي من ولد بعد الردة "على كفرهم؟ على روايتين" إحداهما وجزم بها في الوجيز يقر على كفره كأولاد أهل الحرب وكالكافر الأصلي والجامع بينهما اشتراكهما في جواز الاسترقاق
والثانية لا يقرون فإذا أسلموا رقوا لأنهم أولاد من لا يقر على كفر فلا يقرون كالموجودين قبل الردة قال في الفروع وهل يقر بجزية أم الإسلام ويرق أو القتل فيه روايتان
فرع: إذا لحق بدار حرب فهو وما معه كحربي وما بدارنا فيء من حين موته ولو ارتد أهل بلد وجرى فيه حكمهم فدار حرب يغنم ما لهم وولد حدث بعد الردة وعلى الإمام قتالهم
فصل
اعلم أن السحر عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له وله حقيقة في قول الأكثر فمنه ما(9/165)
فصل
والساحر الذي يركب المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه يكفر ويقتل
__________
يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يمنع الرجل من وطء امرأته ومنه ما يفرق بينهما وقال بعض العلماء إنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل لقوله تعالى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] وجوابه قوله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن ولولا أن له حقيقة لما أمر بالاستعاذة منه
قال الأصحاب يكفر الساحر بتعلمه وتعليمه كاعتقاد حله وعنه لا اختاره ابن عقيل وجزم به في التبصرة وكفره أبو بكر بعمله قال في الترغيب هو أشد تحريما وحمل ابن عقيل كلام أحمد في كفره على معتقده وأن فاعله يفسق ويقتل حدا
"و" هو "الساحر الذي يركب المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه يكفر" لقوله تعالى {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 103] "ويقتل" بالسيف لما روى جندب مرفوعا قال "حد الساحر ضربة بالسيف" رواه الترمذي وقال الصحيح عن جندب موقوف وعن بجالة بن عبد قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة رواه أحمد وسعيد وفي رواية فقتلنا ثلاث سواحر في يوم واحد وقتلت حفصة جارية لها سحرتها رواه مالك وروي عن عثمان وابن عمر وعن أحمد لا يقتل به لحديث عائشة في المدبرة التي سحرتها فباعتها ولقوله عليه السلام "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث... " الخبر فإن قتل به قتل وعلى الأول هذا في الساحر المسلم فأما ساحر أهل الكتاب فلا يقتل بسحره على الأصح وفي التبصرة إن اعتقد جوازه .(9/166)
فأما الذي يسحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء لا يضر فلا يكفر ولا يقتل ولكن يعزر ويقتص منه إن فعل ما يوجب القصاص وأما الذي يعزم على الجن و يزعم أنه يجمعها فتطيعه فلا يكف ولا يقتل وذكره أبو الخطاب في السحرة الذين يقتلون.
__________
"فأما الذي يسحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء لا يضر فلا يكفر ولا يقتل" ذكره الأصحاب لأن الله تعالى وصف الساحرين الكافرين بأنهم يفرقون بين المرء وزوجه فيختص الكفر بهم ويبقي من سواهم من السحرة على أصل العصمة "ولكن يعزر" إذا ارتكب معصية وفي عيون المسائل إنه يعزر بما يردعه وما قاله غريب ووجهه أنه يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه فتطيعه فلا يكفر ولا يقتل وذكره أبو الخطاب في السحرة الذين يقتلون ويقتص منه إن فعل ما يوجب القصاص وأما الذي يعزم على الجن ويزعم أنه يجمعها المكر والحيلة أشبه السحر ولهذا يعلم بالعادة والعرف أنه يؤثر وينتج ما يعمله السحر أو أكثر فيعطى حكمه تسوية بين المتماثلين والمتقاربين لا سيما إن قلنا يقتل الآمر بالقتل على رواية فهنا أولى
"ويقتص منه إن فعل ما يوجب القصاص" كما يقتص من المسلم وإلا فالدية
"وأما الذي يعزم على الجن ويزعم أنه يجمعها فتطيعه فلا يكفر ولا يقتل" وهو المعزم وكذا من يحل السحر وقد توقف أحمد عنها قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل يزعم أنه يحل السحر فقال رخص فيه بعض الناس ثم قال ما أدري ما هذا وفيه وجهان وفي الشرح إن كان يحله بشيء من القرآن أو الذكر فلا بأس به وإن كان بشيء من السحر فقط توقف أحمد "وذكره أبو الخطاب" تبعا للقاضي وقدمه في المحرر "في السحرة الذين يقتلون" لما ذكرنا وذكر القاضي في هذا تفصيلا فقال الساحر إن اعتقد أن الكواكب فاعلة ويدعي بسحره معجزات لا يجوز وجود مثلها إلا للأنبياء مثل أن يدعي أن الجن تخبره بالمغيبات وأنه يقدر على تغيير صور الأشياء والطيران في الهواء والمشي على الماء فهو كافر وإن اعتقد أن الله تعالى هو الفاعل المدبر لذلك عند وجود هذا الفعل من جهته لم يصدقه
وقال ابن عقيل لا يكفر إلا بالاعتقاد لأن السحر صناعة تعود بفساد أحوال(9/167)
...................................................................................
__________
وأخذ أموال وقتل نفوس وهذا القدر بالمباشرة لا يوجب التكفير
أصل: مشعبذ وقائل بزجر طير وضارب بحصى وشعير وقداح إن لم يعتقد إباحته وأنه لا يعلم به عزر وكف عنه وإلا كفر ويحرم طلسم ورقية بغير عربية وقيل يكره
فرع: من قبلت توبته لم يجب تعزيره في ظاهر كلامهم لأنه لم يجب غير القتل وقد سقط والحد إذا سقط بالتوبة أو استوفي لم تجز الزيادة عليه كسائر الحدود قال الشيخ تقي الدين فيمن شفع عنده في شخص فقال لو جاء النبي صلى الله عليه وسلم يشفع ما قبل إن تاب بعد القدرة عليه قبل لا قبلها في أظهر قولي العلماء ويسوغ تعزيره أي بعد التوبة مسائل: الأولى: إذا أسلم أبوا حمل أو طفل أو أحدهما لا جد وجدة والمنصوص أو مميز لم يبلغ ونقل ابن منصور لم يبلغ عشرا فمسلم
الثانية: إذا ماتا أو أحدهما في دارنا وقيل أو دار حرب فمسلم على الأصح نقله واختاره الأكثر وفي الموجز والتبصرة لا بموت أحدهما نقل أبو طالب في زفر أو نصراني مات وله ولد صغير فهو مسلم إذا مات أبواه ويرث أبويه ونقل جماعة إن كفله المسلمون فمسلم ويرث الولد الميت لعدم تقدم الإسلام واختلاف الدين ليس من جهته كالطلاق في المرض ولأنه يرث إجماعا فلا يسقط بمختلف فيه وهو الإسلام وكما تصح الوصية لأم ولده ولأنه لا يمتنع حصول إرثه قبل اختلاف الدين كما قالوا الدين لا يمنع الإرث وإن لم يكن الميت مالكا يوم الموت لكن في حكم المالك ذكره القاضي
الثالثة: أطفال الكفار في النار وعنه الوقف واختار ابن عقيل وابن الجوزي أنهم في الجنة كأطفال المسلمين ومن بلغ منهم مجنونا واختار الشيخ تقي الدين تكليفهم في القيامة ويتبع أبويه في الإسلام كصغير فيعايا بها نقل ابن منصور فيمن ولد أعمى أبكم أصم وصار رجلا هو بمنزلة الميت هو مع أبويه وإن كانا مشركين ثم أسلما بعد ما صار رجلا قال هو معهما قال في الفروع وتوجه مثلهما من لم تبلغه الدعوة .(9/168)
الرابعة: من أطلق الشارع كفره كدعواه غير أبيه ومن أتى عرافا فصدقه بما يقول فقيل كفر النعمة وقيل قارب الكفر وذكر ابن حامد روايتين إحداهما: تشديد وتأكيد والثانية يجب الوقف ولا نقطع بأنه ينقل عن الملة نص عليه
خاتمة: قال الأصحاب معرفة الله تعالى وجبت شرعا نص عليه وقيل بلى وكذا إن عدما أو أحدهما بلا موت كزنى ذمية ولو بكافر واشتباه ولد مسلم بكافر نص عليهما والله أعلم(9/169)
كتاب الأطعمة
باب الأطعمة
...
كتاب الأطعمة
والأصل فيها الحل فيحل كل طعام طاهر لا مضرة فيه من الحبوب والثمار وغيرها
__________
كتاب الأطعمة
وهي جمع طعام قال الجوهري هو ما يؤكل وربما خص به البر والمراد هنا ما يؤكل ويشرب فيتبين ما يباح أكله وشربه وما يحرم
"والأصل فيها الحل" لقوله تعالى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29] ولقوله تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] لكن قال الشيخ تقي الدين لمسلم وقال أيضا الله أمر بالشكر وهو العمل بطاعته بفعل المأمور وترك المحذور فإنما أحل الطيبات لمن يستعين بها على طاعته لقوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93] ولهذا لا يجوز أن يعان بالمباح على المعصية كمن يعطي الخبز واللحم لمن يشرب الخمر ويستعين به على الفواحش وقوله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} أي عن الشكر عليه
"فيحل كل طعام طاهر" يحترز به عن النجس "لا مضرة فيه" على ما فيه مضرة كالسموم ثم مثل ذلك بقوله "من الحبوب والثمار" فهو بيان لما يحل أكله مما جمع الصفات المذكورة "وغيرها" أي غير الحبوب والثمار مما يجمع الطعم والطهارة وعدم المضرة وقد سأله الشالنجي عن المسك يجعل في الدواء(9/169)
فأما النجاسات كالميتة والدم وغيرها وما فيه مضرة من السموم ونحوها فمحرمة والحيوانات مباحة إلا الحمر الأهلية وما له ناب يفرس به كالأسد والنمر والذئب والفهد والكلب.
__________
ويشربه قال لا بأس به فأما النجاسات كالميتة والدم فمحرمة لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] ولأن أكل الميتة أقبح من الادهان بدهنها والاستصباح وهو حرام فلأن يحرم ما هو أقبح منه بطريق الأولى "وغيرهما" أي غير ذلك من النجاسات محرم فلأنه خبيث وقد حرم الله أكل الخبيث وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال "لا تقربوه" وفي الأكل قربانه وهو منهي عنه وهو يقتضي التحريم
"وما فيه مضرة من السموم ونحوها فمحرمة" لقوله تعالى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ولأن ذلك يقتل غالبا فحرم أكله لإفضائه إلى الهلاك ولذا عد من أطعم السم لغيره قاتلا وفي الواضح المشهور أن السم نجس وفيه احتمال لأكله عليه السلام من الذراع المسمومة "والحيوانات مباحة" لقوله تعالى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] ولعموم النصوص الدالة على الإباحة "إلا الحمر الأهلية" فإنها محرمة في قول أكثر العلماء قال أحمد خمسة وعشرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهوها قال ابن عبد البر لا خلاف في تحريمها وسنده حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه وعن ابن عباس وعائشة أنهما قالا بظاهر قوله تعالى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية [الأنعام: 145] وأجاب في الخلاف بأن معناه قل لا أجد فيما نزل من القرآن وحديث غالب بن أبجر مختلف الإسناد ولا يعرج عليه مع ما عارضه مع أن الإذن بالتناول منها محمول على حال الاضطرار
فرع: حكم ألبانها كهي ورخص فيه عطاء وطاووس والزهري والأول أصح لأن حكم اللبن كاللحم
"وما له ناب يفرس به" نص عليه "كالأسد والنمر والذئب والفهد والكلب" لما روى أبو ثعلبة الخشني قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي(9/170)
والخنزير وابن آوى والسنور وابن عرس والنمس والقرد إلا
__________
ناب من السباع" متفق عليه وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "كل ذي ناب حرام" رواه مسلم قال ابن عبد البر هذا حديث ثابت مجمع على صحته وهو نص صريح يخص به عموم الآيات فيدخل فيه الأسد ونحوه وقيل يختص بمن يبدأ بالعدوى وروي عن الشعبي أنه سئل "عن رجل يداوى بلحم كلب قال لا شفاه الله فدل على أنه محرم
"والخنزير" وهو محرم بالنص والإجماع مع أنه ليس له ناب يفرس به وابن آوى سئل أحمد عنه وعن ابن عرس فقال كل شيء ينهش بأنيابه فهو من السباع وكل شيء يأخذ بمخاليبه فمما نهى الله عنه قال ابن عقيل هذا منه يعطي أنه لا يراعى فيهما القوة وأنه أضعف من الثعلب وإن الأصحاب اعتبروا القوة ولأنه مستطاب ولأنه يشبه الكلب ورائحته خبيثة فيدخل في قوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] والسنور الأهلي لما روى جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهر" رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال غريب قال أحمد أليس قال الشيخ تقي الدين ليس في كلامه إلا الكراهة وجعله أحمد قياسا وأنه يقال يعمها اللفظ ونقل حنبل هو سبع ويعمل بأنيابه كالسبع ونقل فيه جماعة يكره قال الحسن هو مسخ "وابن عرس" وقد تقدم
"والنمس" لأنه من جملة السباع
"والقرد" قال ابن عبد البر لا أعلم خلافا بين العلماء في تحريم أكله وأنه لا يجوز بيعه وروى الشعبي "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحم القرد" ولأنه سبع له ناب فيدخل في عموم التحريم وهو مسخ فيكون من الخبائث المحرمة
تنبيه: لم يتعرض المؤلف لذكر الدب وهو محرم مطلقا خلافا لابن رزين وفي الرعاية وقيل كبير وهو سهو قال أحمد إن لم يكن له ناب فلا بأس به وهو محمول على الصغير والأشهر أنه حرام مطلقا وكذا الفيل
"إلا الضبع" فإنه مباح وإن كان له ناب لما روى جابر قال سألت رسول الله(9/171)
الضبع وما له مخلب من الطير يصيد به كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة وما يأكل الجيف كالنسر والرخم واللقلق وغراب البين والأبقع
__________
صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال "هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم" رواه أبو داود لا يقال بأنه داخل في عموم النهي لأن الدال على حله خاص والنهي عام ولا شك أن الخاص مقدم على العام
"وما له مخلب" بكسر الميم وهو بمنزلة الظفر للإنسان "من الطير يصيد به" نص عليه "كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة" في قول أكثر العلماء لما روى ابن عباس قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي مخلب من الطير" رواه أبو داود وعن خالد بن الوليد مرفوعا نحوه وقال أبو الدرداء وابن عباس "ما سكت الله عنه فهو مما عفى عنه" وقال الليث والأوزاعي لا يحرم شيء من الطير لعموم الآيات المبيحة وجوابه الخبر وبه يخص عموم الآيات وكذا كل ما أمر الشارع بقتله أو نهى عنه وفي الترغيب تحريما إذ لو حل لقيده بغير مأكله
"وما يأكل الجيف" نص عليه "كالنسر والرخم واللقلق وغراب البين والأبقع" لقوله عليه السلام "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم" الخبر فذكر منها الغراب والباقي كهو للمشاركة بينهما في أكلها الجيف ولأنه عليه السلام أباح قتلها في الحرم ولا يجوز قتل صيد مأكول في الحرم ولأن ما يؤكل لا يحل قتله إذا قدر عليه بل يذبح ويؤكل ونقل عبد الله وغيره يكره وجعل فيه الشيخ تقي الدين روايتي الجلالة وإن غالب أجوبة أحمد ليس فيها تحريم ونقل حرب لا بأس به لأنه لا يأكل الجيف "وما يستخبث" أي ما تستخبثه العرب والأصح ذو اليسار وقيل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال جماعة والمروءة فهو محرم لقوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} وما استطابته فهو طيب لقوله تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} والذين تعتبر استطابتهم واستخباثهم هم أهل الحجاز من أهل الأمصار لأنهم هم الذين نزل عليهم الكتاب وخوطبوا به وبالسنة فرجع مطلق ألفاظها إلى عرفهم ولم يعتبر(9/172)
وما يستخبث كالقنفذ والفأر والحيات والعقارب والحشرات كلها وما تولد من مأكول وغيره كالبغل والسمع ولد الضبع من الذئب والعسبار ولد الذئبة من الذيخ
__________
أهل البوادي لأنهم للضرورات والمجاعة يأكلون ما وجدوا ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون فقال كل ما دب ودرج إلا أم جنين
وما لا تعرفه العرب ولا ذكر في الشرع يرد إلى أقرب الأسماء شبها به وعن أحمد وقدماء أصحابه لا أثر لاستخباث العرب فإن لم يحرمه الشرع حل قاله الشيخ تقي الدين "كالقنفذ" لقوله عليه السلام "هو من الخبائث" رواه سعيد وأبو داود قال أبو هريرة "هو حرام" رواه سعيد وعلل أحمد القنفذ بأنه يبلغه أنه مسخ أي لما مسخ على صورته دل على خبثه ولأنه يشبه المحرمات ويأكل الحشرات أشبه الجرذ "والفأرة" وهي الفويسقة نص عليه "والحيات" جمع حية لأمره عليه السلام محرما بقتلها رواه مسلم ولأن لها نابا نص عليه "والعقارب" والوطواط نص عليهما لقوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} "والحشرات كلها" كالديدان وبنات وردان والخنافس والزنابير والنحل وفيهما رواية في الإشارة وفي الروضة يكره ذباب وزنبور وفي التبصرة في خفاش وخطاف وجهان وكره أحمد الخفاش لأنه مسخ قال الشيخ تقي الدين هل هي للتحريم فيه وجهان
"وما تولد من مأكول وغيره كالبغل" وهو محرم نص عليه عند كل من حرم الحمار الأهلي "والسمع ولد الضبع من الذئب والعسبار ولد الذئبة من الذيخ" وهو الذكر من الضبعان فيكون العسبار عكس السمع وظاهره ولو تميز كحيوان من نعجة نصفه خروف ونصفه كلب قاله الشيخ تقي الدين لا متولد من مباحين كبغل من وحش وخيل وما تولد من مأكول طاهر كذباب الباقلاء يؤكل تبعا لا أصلا في الأصح فيهما وقال ابن عقيل يحل بموته قال ويحتمل كونه كذباب فيه روايتان قال أحمد في الباقلاء المدود يجتنبه أحب إلي وإن لم يتقذره فأرجو وقال عن تفتيش الثمر المدود لا بأس به إذا علمه .(9/173)
وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع روايتان وما عدا ذلك مباح كبهيمة الأنعام
__________
فرع: إذا كان أحد أبويه المأكولين مغصوبا فهو تبع لأمه حلا وحرمة وملكا
"وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع روايتان" وفيه مسائل
الأولى: أكثر الروايات عن أحمد تحريم الثعلب واختارها الخلال وصححها الحلواني وقدمها في الفروع نقل عبد الله أنه قال فيه لا أعلم أحدا رخص فيه إلا عطاء وكل شيء اشتبه عليك فدعه ولأنه سبع فيدخل في عموم الخبر والثانية: يباح اختارها الشريف وأبو بكر لأنه يفدي في الحرم والإحرام والأول أظهر للنهي عن كل ذي ناب من السباع.
الثانية: الوبر هو مباح قاله في الشرح واقتصر عليه في الكافي وقاله عطاء وطاووس لأنه يأكل النبات وليس له ناب يفرس به وليس هو من المستخبثات فكان مباحا كالأرنب والثانية حرام وقاله القاضي قياسا على السنور
الثالثة: سنور البر والأشهر أنه محرم وصححه الحلواني وقدمه في الفروع لأنه عليه السلام نهى عن أكل الهر فيدخل فيه البري والثانية مباح لأنه بري أشبه الحمار البري
الرابعة: اليربوع وهو مباح نصره في الشرح وقدمه في الكافي وقاله عطاء وعروة لقضاء عمر فإنه حكم فيه بجفرة ولأن الأصل الإباحة والثانية حرام لأنه يشبه الفأر وكبق
وهذا الخلاف في هدهد وصرد وفي سنجاب وجهان أحدهما محرم واختاره القاضي لأنه ينهش بنابه أشبه الجرذ والسنور والثاني يباح أشبه اليربوع وكذا الخلاف في الغداف والفنك وما عدا هذا مباح بلا كراهة لعموم الأدلة الدالة على الإباحة كبهيمة الأنعام لقوله تعالى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] وهي الإبل والبقر والغنم والخيل عرابها وبراذينها نص عليه وهو قول أكثر(9/174)
والخيل والدجاج والوحشي من البقر والظباء والحمر والزرافة والنعامة والأرنب
__________
الفقهاء لما روى جابر قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه ولأنه حيوان طاهر مستطاب ليس بذي ناب ولا مخلب فكان حلالا كبهيمة الأنعام وقال الأوزاعي يكره لقوله تعالى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]
وعن خالد بن الوليد قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وخيلها وبغالها" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وجوابه بأن قال أبو داود هو منسوخ وقال النسائي حديث الإباحة أصح ويشبه إن كان صحيحا أن يكون منسوخا
قال النووي اتفق العلماء على أنه حديث ضعيف وقال الإمام أحمد ليس له إسناد جيد وقال فيه رجلان لا يعرفان وأما الآية فإنهم يتمسكون بدليل خطابها وهم لا يقولون به مع أن نصه على ركوبها لكونه أغلب منافعها لا يدل على تحريم أكلها وفي برذون رواية بالوقف
"والدجاج" على اختلاف أنواعها وقال أبو موسى "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج" "والوحشي من البقر والظباء والحمر" والتيس والوعل والمها وسائر الوحش من الصيود كلها وظاهره ولو تأنس وهو مجمع عليه إلا ما روي عن طلحة بن مصرف أن الحمار الوحشي إذا تأنس واعتلف هو بمنزلة الأهلي قال أحمد وما ظننت أنه روي في هذا شيء وليس الأمر عندي كما قال ولأن الضب إذا تأنست لم تحرم كالأهلي إذا توحش لم يحل
"والزرافة" في المنصوص لأنها تشبه البعير إلا أن عنقها أطول من عنقه وجسمها ألطف من جسمه وأعلا منه وذلك لا أثر له في تحريمها ولأنها مستطابة ليس لها ناب ولا هي من المستخبثات أشبهت الإبل وعنه الوقف فيها وحرمها أبو الخطاب والأول أصح "والنعامة" بغير خلاف علمناه لقضاء الصحابة فيها بالفدية إذا قتلها المحرم "والأرنب" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبله" متفق عليه وأمر بأكلها رواه أبو داود ولأنه حيوان مستطاب ليس بذي ناب أشبه الظباء ولا نعلم قائلا بتحريمه إلا ما روي عن عمرو بن العاص قاله في الشرح وذكر(9/175)
والضبع والضب والزاغ وغراب الزرع وسائر حيوان البحر إلا الضفدع والحية والتمساح
__________
السامري وابن حمدان رواية بتحريمها "والضبع" وقد علم حكمها فيما سبق وفيها رواية قاله ابن البنا وهي قول أكثر العلماء لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع فقال "ومن يأكل الضبع" لكن هذا حديث تفرد به عبد الملك بن المخارق وهو متروك الحديث وفي الروضة إن عرف منه أكل ميتة فكجلالة والضب قال ابن هبيرة رواية واحدة وقاله الأكثر لما روى ابن عباس قال "دخلت أنا وخالد ابن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فرفع يده فقلت أحرام هو يا رسول الله قال لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه" قال خالد فاحتززته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر" متفق عليه وحديث النهي فيه ليس بثابت "والزاغ" وهو صغير أغبر "وغراب الزرع" وهو أسود كبير يطير مع الزاغ ولأن مرعاهما الزرع والحبوب أشبها الحجل وقيل هما واحد
"وسائر" أي باقي "الطير" كالفواخت والقنابر والقطى والكركي والكروان والبط والأوز والحبارى لقول سفينة "أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حبارى" رواه أبو داود وكذلك الغرانيق والطواويس وطير الماء وأشباه ذلك ونقل مهنا يؤكل الأيل قيل إنه يأكل الخبائث فعجب من ذلك "وجميع حيوان البحر" لقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] ولقوله عليه السلام لما سئل عن ماء البحر فقال "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" رواه مالك وفي الخبر أن الله أباح كل شيء في البحر لابن آدم "إلا الضفدع" نص عليه وقدمه أكثر الأصحاب وفي الخبر "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقول الشعبي لو أكل أهلي الضفادع لأطعمتهم لا يعارضه "والحية" لأنها من الخبائث وفيها وجه وأطلقهما في الفروع
"والتمساح" وفي الوجيز كـ "المقنع" والأصح أنه محرم ونص عليه وعلله بأنه يأكل الناس قال أحمد يؤكل كل شيء في البحر إلا الضفدع والحية(9/176)
وقال ابن حامد وإلا الكوسج وقال أبو علي النجاد لا يباح من البحر ما يحرم نظيره في البر كخنزير الماء وإنسانه وتحرم الجلالة التي أكثر علفها النجاسة ولبنها وبيضها حتى تحبس
__________
والتمساح وفيه رواية أنه يباح لأنه حيوان البحر "وقال ابن حامد" والقاضي "وإلا الكوسج" وهو مقتضى تعليل أحمد في التمساح بكذا في الرعاية أنه حلال وهو مقتضى مذهب الشافعي والأول أشهر وهو سمكة في البحر لها خرطوم كالمنشار تفترس وربما التقمت ابن آدم وقصمته نصفين وهي القرش ويقال إنها إذا صيدت ليلا وجدوا في جوفها شحمة طبية وإن صيدت نهارا لم يجدوها "وقال أبو على النجاد" وحكاه ابن عقيل عن أبي بكر النجاد وحكاه في التبصرة رواية "لا يباح من البحر ما يحرم نظيره في البر كخنزير الماء وإنسانه" لأن ذلك غير مباح في البر ويدخل فيه كلب الماء والمذهب أنه مباح لما روى البخاري أن الحسن بن علي ركب على سرج عليه جلد من جلود كلاب الماء وهو قول أكثر العلماء
"وتحرم الجلالة التي أكثر علفها" أي غذائها "النجاسة" كذا في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع لما روى ابن عمر قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن غريب وفي رواية لأبي داود نهى عن ركوب الجلالة وفي أخرى له نهى عن ركوب جلالة الإبل وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن ركوب الجلالة وأكل لحمها" رواه أحمد وأبو داود والنسائي قال القاضي هي التي تأكل العذرة فإذا كان أكثر علفها النجاسة حرم لحمها ولبنها وإن كان أكثر علفها الطاهر لم يحرم قال المؤلف وتحديدها يكون أكثر علفها النجاسة لم أسمعه عن أحمد ولا هو ظاهر كلامه لكن يمكن تحديده بما يكون كثيرا في مأكولها ويعفى عن اليسير
"ولبنها" لما روى ابن عباس قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وإسناده ثقات "وبيضها" ولحمها ولبنها ولأنه متولد من النجاسة "حتى تحبس" وتطعم(9/177)
وعنه تكره ولا تحرم وتحبس ثلاثا وعنه يحبس الطائر ثلاثا والشاة سبعا وما عدا ذلك أربعين يوما
وما سقي بالماء النجس من الزروع والثمار محرم وإن سقي بالطاهر
__________
الطاهر إذ المنع يزول بحبسها "وعنه تكره ولا تحرم" قال في الشرح والعمل عليها لأنهم مختلفون في حرمته ولأنه حيوان أصله الإباحة لا ينجس بأكل النجاسات لأن شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه والكافر الذي يأكل الخنزير والمحرمات لا يحكم بنجاسة ظاهره إذ لو نجس لما طهر بالإسلام والاغتسال وعلى الأول
"وتحبس ثلاثا" أي تحبس ثلاثة أيام نص عليه وهو المذهب لأن ابن عمر كان إذا أرادا أكلها حبسها ثلاثا وأطعمت الطاهرات "وعنه يحبس الطائر ثلاثا والشاة سبعا وما عدا ذلك" من الإبل والبقر "أربعين يوما" قدمها في الكافي لما روى عبد الله ابن عمرو بن العاص قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها ولا يحمل عليها إلا الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة" رواه الخلال ولأنها أعظم جسما وعنه يحبس غير طائر أربعين وعنه والبقر ثلاثين ذكره في الواضح وهو وهم قاله ابن بطة وجزم به في الروضة وقيل الكل أربعين وهو ظاهر رواية الشالنجي قال في المحرر لا يجوز أن تعلف الإبل والبقر التي لا يراد ذبحها بالقرب الأطعمة النجسة أحيانا انتهى
ويحرم علفها نجاسة تؤكل قريبا أو تحلب قريبا وإن تأخر ذبحه أو حلبه وقيل بقدر حبسها المعتبر جاز في الأصح كغير المأكول على الأصح فيه وعنه يكره إطعام الميتة كلبا معلما أو طائرا معلما والنص جوازه ونقل جماعة تحريم علفها مأكولا وقيل يجوز مطلقا
فرع: كره أحمد ركوبها لأنها ربما عرقت فأصابه وعنه يحرم وسأله ابن هانئ بقرة شربت خمرا أيجوز أكلها قال لا حتى تنتظر أربعين يوما ذكره ابن بطة وأطلق في الروضة تحريم الجلالة وأن مثله خروف ارتضع من كلبة ثم شرب لبنا طاهرا وهو معنى كلام غيره .(9/178)
طهر وحل وقال ابن عقيل ليس بنجس ولا يحرم بل يطهر بالاستحالة كالدم يستحيل لبنا
ـــــــ
"وما سقي" أو سمد "بالماء النجس من الزروع والثمار محرم" نجس نص عليه جزم به في الكافي والوجيز وقدمه السامري وابن حمدان لما روى ابن عباس قال كنا نكري أراضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة الناس ولولا أن ما يزرع فيها يحرم لم يكن في الاشتراط فائدة. ولأنه يتغذى بالنجاسة وتتربى فيها أجزاؤه والاستحالة لا تطهر ذكر أبو بكر في التنبيه أنه لا يؤكل من ثمر بشجرة في المقبرة ولم يفرق قال السامري هو محمول عندي على المقبرة العتيقة
"وإن سقي بالطاهر" أي بالطهور بحيث يستهلك عين النجاسة "طهر وحل" لأن الماء الطهور معد لتطهير النجاسة وكالجلالة إذا حبست وأطعمت الطاهرات "وقال ابن عقيل" وهو قول أكثر الفقهاء وجزم به في التبصرة "ليس بنجس ولا يحرم" بل هو طاهر مباح بل يطهر بالاستحالة لأن النجاسة تستحيل في باطنها فتطهر بالاستحالة "كالدم يستحيل" في أعضاء الحيوان الرجعة لبنا فطهر بالاستحالة وهذا المعنى موجود في الزرع والثمر ونقل جعفر أنه كره العذرة ورخص في السرجين.
مسائل: كره أحمد أكل طين لضرورة وسأل رجل يزيد بن هارون عن أكل المدر فقال حرام قال الله تعالى {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً} [البقرة: 168] ولم يقل كلوا الأرض وذكر بعضهم أن أكله عيب إن كان يتداوى به كالأرمني أو كان لا مضرة فيه ولا نفع كاليسير جاز قاله في الشرح وكذا يكره أكل غدة وأذن وقلب وبصل وثوم ونحوهما ما لم ينضجه بطبخ نص عليه وحب ديس بحمر ومداومة أكل لحم ولا بأس بلحم نيء ولحم منتن نص عليه وذكر جماعة فيهما يكره وجعله في الانتصار في الثانية اتفاقا ويكره أن يتعمد القوم حين يوضع الطعام فيفجأهم والخبز الكبار وقال ليس فيه بركة ووضعه تحت القصعة لاستعماله له وحرمه الآمدي وأطلق في المستوعب وغيره الكراهة إلا من طعام من عادته السماحة .(9/179)
فصل
ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا حل له ما يسد رمقه وهل له الشبع على روايتين وإن وجد طعاما لا يعرف مالكه وميته وصيدا وهو محرم فقال أصحابنا يأكل الميتة
__________
فصل
"ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا" سوى سم ونحوه بأن يخاف تلفا وقيل أو ضررا وفي المنتخب أو مرضا أو انقطاعا عن الرفقة ومراده ينقطع فيهلك كما ذكره في الرعاية أكل وجوبا نص عليه وذكره الشيخ تقي الدين وفاقا وقيل ندبا وهو المراد بقوله "حل له ما يسد رمقه" اختاره الأكثر لقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ويحرم ما زاد على الشبع إجماعا "وهل له الشبع على روايتين" أظهرهما: أنه لا يباح وهو ظاهر الوجيز والفروع لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثنى ما اضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء
والثانية: يباح اختارها أبو بكر لما روى جابر ابن سمرة أن رجلا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقالت امرأته اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال "هل عندك غنى يغنيك قال لا قال فكلوها" رواه أبو داود ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح وقيل هذا مقيد بدوام الخوف وينبني عليهما تزوده قاله في الترغيب وجوزه جماعة ونقل ابن منصور والفضل يتزود إن خاف الحاجة واختاره أبو بكر قال كما يتيمم ويترك الماء إذا خاف كذا هنا وهذا إن لم يكن في سفر محرم فإن كان فيه ولم يتب فلا ويجب تقديم السؤال قبل أكله نص عليه وقال لسائل قم قائما ليكون لك عذر عند الله قال القاضي يأثم إذا لم يسأل ونقل الأثرم إن اضطر إلى المسألة فهي مباحة قيل فإن توقف قال ما أظن أحدا يموت من الجوع الله يأتيه برزقه "وإن وجد طعاما لا يعرف مالكه" أي جهله "وميتة وصيدا وهو محرم فقال أصحابنا يأكل(9/180)
ويحتمل أن يحل له الطعام والصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة وإن لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه فإن كان صاحب الطعام مضطرا إليه فهو أحق به وإلا لزمه بذله
__________
الميتة" وقاله سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم لأن حق الله مبني على المسامحة والمساهلة بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على الشح والضيق وحقه يلزمه غرامته بخلاف حق الله فإنه لا عوض فيه وفي الفنون قال حنبلي الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذا
"ويحتمل أن يحل له الطعام والصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة" هذا وجه لأنه قادر على الطعام الحلال أشبه ما لو بذله مالكه وفي الكافي هي أولى إن طابت نفسه وإلا أكل الطعام لأنه مضطر وفي مختصر ابن رزين ولو بقتاله ثم صيدا ثم ميتة فلو علمه وبذله ففي بقاء حله كبذل حرة بضعها لمن لم يجد طولا منع وتسليم فإن بذله بثمن مثله لزمه وقال ابن عقيل لا يلزم معسرا على احتمال فإن وجد صيدا وطعاما أكل من الطعام وإن وجد لحم صيد ذبحه محرم وميتة أكل من الصيد قاله القاضي وقال أبو الخطاب يأكل من الميتة فإن اشتبهت ميتة بمذكاة تحرى على الأشهر ولو وجد ميتتين إحداهما مختلف فيها أكل منها
"وإن لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه فإن كان صاحب الطعام مضطرا إليه فهو أحق به" ولا يجوز لغيره أخذه لأنه ساواه في الضرورة وانفرد بالملك أشبه غير حالة الاضطرار وهذا في غير النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان له أخذ الماء من العطشان ويلزم كل أحد أن يقيه بنفسه وماله وعلى الأول إن أخذه منه أحد فمات لزمه ضمانه لأنه قتله بغير حق فإن كان صاحب الطعام مضطرا إليه في ثاني الحال فهل يملكه أو يدفعه إلى المضطر إليه في الحال فيه وجهان أظهرهما له إمساكه قاله في الرعاية واختاره المؤلف وظاهره أنه لا يجوز له إيثاره وفي الهدي له ذلك وأنه غاية الجود لقوله تعالى {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] ولفعل جماعة من الصحابة وعد ذلك في مناقبهم
"وإلا" أي وإن لم يكن صاحب الطعام مضطرا إليه "لزمه بذله" لأنه(9/181)
بقيمته فإن أبى فللمضطر أخذه قهرا ويعطيه قيمته فإن منعه فله قتاله على ما يسد رمقه أو قدر شبعه على اختلاف الروايتين فإن قتل صاحب الطعام لم يجب ضمانه وإن قتل المضطر فعليه ضمانه، فإن لم يجد إلا آدميا مباح الدم كالحربي والزاني المحصن حل قتله وأكله وإن وجد معصوما ميتا ففي جواز أكله وجهان
__________
يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم فلزمه بذله كما يلزمه بذل منافعه في تخليصه من الغرق "بقيمته" نص عليه وظاهره ولو في ذمة معسر وفيه احتمال وفي زيادة لا تجحف وجهان وفي الانتصار وعيون المسائل فرضا بعوضه وقيل مجانا اختاره الشيخ تقي الدين كالمنفعة في الأشهر "فإن أبى فللمضطر أخذه" بالأسهل فإن امتنع أخذه "قهرا" لأنه يستحقه دون مالكه "ويعطيه قيمته" أي يعطي المالك قيمته لئلا يجتمع عليه فوات العين وفوات المالية "فإن منعه فله قتاله" جزم به في الكافي والوجيز وصححه في الرعاية وفي الترغيب وجه وهو الذي ذكره ابن أبي موسى أنه لا يجوز قتاله كما ذكر في دفع الصائل "على ما يسد رمقه" وهو الأولى قاله في الشرح "أو قدر شبعه" لأنه منعه من الواجب عليه أشبه مانعي الزكاة
"على اختلاف الروايتين" للتنبيه على أن المبيح للقتال منع ما يباح له لأنه الواجب لكن لو لم يبعه إلا بأكثر من ثمن المثل أخذه وأعطاه قيمته وقال القاضي يقاتله "فإن قتل صاحب الطعام لم يجب ضمانه" لأنه ظالم بقتاله أشبه الصائل "وإن قتل المضطر فعليه ضمانه" لأنه قتل ظلما
"فإن لم يجد إلا آدميا مباح الدم كالحربي والزاني المحصن حل قتله وأكله" لأنه لا حرمة له فهو بمنزلة السباع فلو وجده ميتا فله أكله "وإن وجد معصوما ميتا ففي جواز أكله وجهان": أحدهما لا يجوز صححه في الرعاية وهو قول أكثر الأصحاب لأن الحي والميت يشتركان في الحرمة بدليل قوله عليه السلام "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي"
والثاني: بلى اختاره أبو الخطاب وابن عقيل وجزم به في الوجيز لأن الأكل من اللحم لا من العظم والمراد بالخبر التشبيه في أصل الحرمة لا(9/182)
فصل
ومن مر بثمر في شجر لا حائط عليه ولا ناظر فله الأكل منه ولا
__________
بمقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقود قال المؤلف وهو أولى وظاهره أنه إذا كان حيا أنه لا يحل قتله ولا إتلاف عضو منه مسلما كان أو كافرا وهذا لا اختلاف فيه لأن المعصوم الحي مثل المضطر فلا يجوز له أن يبقي نفسه بإتلافه
تنبيه: إذا لم يجد المضطر شيئا لم يبح له أكل بعض أعضائه لأنه يتلفه لتحصيل ما هو موهوم فلو وجد المضطر من يطعمه ويسقيه لم يحل له الامتناع منه ولا العدول إلى الميتة إلا أن يخاف أن يسمه فيه أو يكون الطعام فيه مضرة أو يخاف أن يمرضه ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه كدفع برد واستقاء ماء وكونه وجب بذله مجانا مع عدم حاجته إليه وقيل يجب العوض
مسألة: سئل أحمد عن الجبن فقال يؤكل من كل أحد فقيل له عن الجبن الذي تصنعه المجوس فقال ما أدري وذكر أن أصح حديث فيه حديث عمر أنه سئل عن الجبن وقيل له تعمل فيه الإنفحة الميتة قال سموا اسم الله وكلوا ولا يجوز أن يشتري جوزا أو بيضا قومر به
فصل
"ومن مر بثمر في شجر لا حائط عليه" نص عليه ولم يذكره في الموجز "ولا ناظر" ولم يذكره في الوسيلة "فله الأكل منه" هذا هو المشهور في المذهب ونصره في الشرح ولا ضمان عليه وفي المستوعب أنه اختيار أكثر شيوخنا لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا أتيت حائط بستان فناد صاحب البستان فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد" رواه أحمد وابن ماجة ورجاله ثقات وروى سعيد بإسناد عن الحسن عن سمرة مرفوعا نحوه وفعله أنس وعبد الرحمن بن سمرة وأبو برزة وهو قول عمر وابن عباس وقيده(9/183)
يحمل وعنه: لا يحل ذلك إلا لحاجة وفي الزرع وشرب لبن الماشية روايتان
__________
ابن الزاغوني بأنه يأكل بقدر شهوته ولا يشبع ومقتضى كلامه أنه يجوز الأكل من الساقط وصرح به في المحرر والوجيز وهو ظاهر وحكاه في الفروع رواية وفي الترغيب يجوز لمستأذن ثلاثا للخبر وظاهره أنه إذا كان محوطا بحائط أو ناطور فلا يأكل منه لأن إحرازه بذلك يدل على شح صاحبه وكذا إذا كان مجموعا إلا لمضطر ولا يرمي شجرا نص عليه ولا يصعدها "ولا يحمل" شيئا بحال سواء كان محتاجا أو لا لأن الأدلة دلت على جواز الأكل فقط فإن في حديث أبي سعيد فكل من غير أن تفسد وفي حديث عمر "ولا تتخذ خبنة"
"وعنه لا يحل ذلك إلا لحاجة" وقال قد فعله غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذ قوله "فإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم....." الخبر يدل على حرمة الأكل من مال الغير مطلقا ترك العمل به مع الحاجة لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أنه سئل عن الثمر المعلق فقال " ما أصاب منه من ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن أخرج منه شيئا فعليه غرامة مثله والعقوبة" رواه الترمذي وحسنه وعنه الرخصة للمسافر فقط وهو وجه في الرعاية وفي المستوعب لا يختلف قوله فيما سقط للمحتاج وغيره واحتج في الكافي والشرح لها بقوله عليه السلام لرافع لا ترم وكل ما وقع صححه الترمذي وعنه ويضمنه اختارها في المبهج للعمومات
"وفي الزرع" القائم "وشرب لبن الماشية روايتان" كذا في المحرر والفروع وفيه مسألتان: الأولى أنه لا يأكل من الزرع القائم شيئا لأن الرخصة إنما وردت في الثمار لأن الله تعالى خلقها رطبة فالنفس تتوق إليها بخلاف الزرع
والثانية: وهي أشهر أنه يأكل من الفريك لأن العادة جارية بأكله رطبا أشبه الثمر وألحق به المؤلف وغيره الباقلاء والحمص الأخضر وهو ظاهر الثانية في شرب لبن الماشية يجوز في رواية لما روى الحسن عن سمرة مرفوعا قال "إذا(9/184)
ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به يوما وليلة فان أبى فللضيف طلبه عند الحاكم
__________
أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه وإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل" رواه الترمذي وصححه وقال العمل عليه عند بعض أهل العلم والثانية لا يجوز لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه" متفق عليه وحملها في الرعاية على ما إذا لم يكن لها حائط أو حافظ وهذا إذا لم يكن مضطرا فإن كان كذلك جاز مطلقا ويقدمه على الميتة لأنه مختلف فيه فهو أسهل
"ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به" قال أحمد الضيافة على المسلمين كل من نزل به ضيف كان عليه أن يضيفه لما روى المقداد بن كريمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليلة الضيف واجبة على كل مسلم فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء ترك" رواه سعيد وأبو داود وإسناده ثقات وصححه في الشرح وروى أحمد وأبو داود "فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه" وفي حديث عقبة "فإن لم يفعلوا فلهم حق الضيف الذي ينبغي لهم" متفق عليه وظاهره أن ضيافة الكافر لا تجب وهو كذلك بل في رواية وتجب لذمي نقله الجماعة واختاره في المغني والشرح لأن الضيافة كصدقة التطوع وإنها لا تجب إلا للمسافر لكن ظاهر نصوصه أنها تجب لحاضر وفيه وجهان للأصحاب في قرية وفي مصر روايتان منصوصتان جزم في المحرر والوجيز أن المسلم تجب عليه ضيافة المسلم المجتاز به في القرى لا الأمصار "يوما وليلة" وهو الأشهر فيه نقله الجماعة لما روى أبو شريح الخزاعي مرفوعا قال "الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة" متفق عليه وذكر ابن أبي موسى أنها تجب ثلاثة أيام لهذا الخبر وهي قدر كفايته مع أدم وفي الواضح ولفرسه تبن لا شعير قال في الفروع ويتوجه وجه كأدمه وأوجب شيخنا المعروف عادة قال كزوجة وقريب ورفيق ومن قدم لضيفانه طعاما لم يجز له قسمته لأنه أباحه ذكره في الانتصار وغيره
"فإن أبى فللضيف طلبه عند الحاكم" أي يحاكمه ويطلب حق ضيافته فإن(9/185)
وتستحب ضيافته ثلاثا فما زاد فهو صدقة ولا يجب عليه إنزاله في بيته إلا ألا يجد مسجدا أو رباطا يبيت فيه
__________
تعذر جاز له الأخذ من ماله نص عليه ونقل الشالنجي إذا بعثوا في السبيل يضيفهم من مروا به ثلاثة أيام فإن أبوا أخذوا منهم مثل ذلك
"وتستحب ضيافته ثلاثا" لخبر أبي شريح "فما زاد" أي على الثلاثة "فهو صدقة" لأنه تبرع فكان كصدقة النفل "ولا يجب عليه إنزاله في بيته" لما فيه من الحرج والمشقة والخبر إنما ورد في الضيافة فقط وأوجبه في المفردات مطلقا كالنفقة "إلا ألا يجد مسجدا أو رباطا يبيت فيه فيلزمه إنزاله في بيته للضرورة وعن عائشة مرفوعا "من نزل بقوم فلا يصومن إلا بإذنهم" رواه الترمذي وابن ماجة وإسناده ضعيف قال في كشف المشكل في النهي عن صوم الأضحى الناس فيه تبع لوفد الله تعالى عند بيته وهم كالضيف فلا يحسن صومه عند مضيفه
فائدة: من امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي فمذموم مبتدع والمنقول عن أحمد أنه امتنع من أكل البطيخ لعدم علمه بكيفية أكل النبي صلى الله عليه وسلم له كذب ذكره الشيخ تقي الدين(9/186)
باب الذكاة
لا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة إلا الجراد وشبهه
__________
باب الذكاة
يقال ذكى الشاة ونحوها تذكية أي ذبحها والاسم الذكاة والمذبوح ذكي فعيل بمعنى مفعول
"لا يباح شيء من الحيوان" المباح "المقدور عليه بغير ذكاة" وقاله في الوجيز وغيره لقوله تعالى {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وقال ابن عقيل في البحري أو عقر لأنه ممتنع كحيوان البر "إلا الجراد وشبهه" فإنه يباح بغير ذكاة لقوله صلى الله عليه وسلم "أحل لنا ميتتان الحوت والجراد" رواه أحمد وابن ماجة من حديث عبد(9/186)
والسمك وسائر ما لا يعيش إلا في الماء فلا ذكاة له. وعنه في السرطان وسائر البحري أنه يحل بلا ذكاة
__________
الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر وعبد الرحمن مختلف فيه ولأنه لا دم له ويباح بما فيه "والسمك وسائر ما لا يعيش إلا في الماء فلا ذكاة له" لا نعلم فيه خلافا للأخبار ولا فرق بين ما مات بسبب أو بغيره وأجمعوا على إباحة ما مات بسبب مثل أن صاده إنسان أو نبذه البحر أو جزر عنه واختلف في الطافي ونصوصه لا بأس به ما لم يتقذره وعنه لا يباح لحديث جابر وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه رواه أبو داود والدارقطني وذكر أن الصواب أنه موقوف وفي عيون المسائل بعد أن ذكر عن الصديق وغيره حله قال وما يروى خلاف ذلك فمحمول على التنزيه ولعل المراد عند قائله لقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] وهو ما رمى به قال ابن عباس ما مات فيه وقال النبي صلى الله عليه وسلم في البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وعن أبي شريح مرفوعا قال "إن الله ذبح ما في البحر لبني آدم" رواه الدارقطني وذكره البخاري عنه موقوفا وقال ابن عقيل ما لا نفس له سائلة يجري مجرى ديدان الخل والباقلاء فيحل بموته ويحتمل أنه كالذباب وفيه روايتان فإن حرم لم ينجس وعنه بلى وعنه مع دم
فرع: كره أحمد شيء سمك حي لا جراد وقال ابن عقيل فيهما يكره على الأصح ويحرم بلعه حيا ذكره ابن حزم إجماعا وفي المغني والشرح يكره
"وعنه في السرطان وسائر البحري أنه يحل بلا ذكاة" لأن السرطان لا دم فيه قال أحمد السرطان لا باس به قيل له يذبح قال لا وذلك لأن مقصود الذبح إنما هو إخراج الدم وتطييب اللحم بإزالته عنه فأما ما لا دم له فلا حاجة إلى ذبحه ومقتضاه أن ما كان مأواه البحر وهو يعيش في البر كطير الماء والسلحفاة وكلب الماء فلا يحل إلا بذبحه وهذا هو الصحيح في المذهب وعنه بلى وذهب إليه قوم للأخبار والأصح في السرطان أنه لا يحل إلا بالذكاة .(9/187)
وعنه في الجراد لا يؤكل إلا أن يموت بسبب ككبسه وتغريقه ويشترط للذكاة شروط أربعة
أحدها أهلية الذابح وهو أن يكون عاقلا مسلما أو كتابيا فتباح ذبيحته ذكرا كان أو أنثى وعنه لا تباح ذبيحة نصارى بني تغلب
__________
"وعنه في الجراد لا يؤكل إلا أن يموت بسبب ككبسه وتغريقه" لأن ذلك بمنزلة الذبح له فوجب اعتباره فيه كالذبح في غيره والأول المذهب للخبر ولأن ما أبيحت ميتته لم يعتبر له سبب بدليل السمك
"ويشترط للذكاة" وفي الروضة والعمدة للنحر "شروط أربعة" قاله معظم الأصحاب "أحدها أهلية الذابح" وهو المذكي "وهو أن يكون عاقلا" ليصح قصد التذكية ولو مكرها ذكره في الانتصار وغيره قال في الفروع ويتوجه فيه كذبح مغصوب وظاهر كلامهم لا يعتبر قصد الأكل وفي التعليق لو تلاعب بسكين على حلق شاة فصار ذبحا ولم يقصد حل أكلها لم تبح وعلل ابن عقيل تحريم ما قتله محرم لصوله بأنه لم يقصد أكله أو وطئه آدمي إذا قتل وفي الترغيب هل يكفي قصد الذبح أم لابد من قصد الإحلال فيه وجهان "مسلما أو كتابيا" لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قال البخاري قال ابن عباس طعامهم ذبائحهم وروى سعيد بإسناد جيد عن ابن مسعود قال لا تأكلوا من الذبائح إلا ما ذبح المسلمون وأهل الكتاب والعدل والفاسق سواء ولو مميزا وفي الموجز والتبصرة لا دون عشر "فتباح ذبيحته ذكرا كان أو أنثى" ولو قنا وهو كالحر إجماعا ذكره ابن حزم واختلف في ذبح الصبي وقيده أحمد بإطاقة الذبح والجنب والآبق نقل حنبل في الأقلف لا صلاة له ولا حج هي من تمام الإسلام ونقل الجماعة لا بأس وفي المستوعب يكره جنب ومثله حائض وظاهره إباحة ذكاة أعمى وذكره في المحرر والوجيز وغيرهما
"وعنه لا تباح ذبيحة نصارى بني تغلب" في الأظهر قاله ابن هبيرة لما روى سعيد ثنا هشيم عن يونس عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي قال "لا تأكلوا من ذبائح نصارى بني تغلب" وظاهر المتن والفروع وصححه في(9/188)
ولا من أحد أبويه غير كتابي ولا تباح ذكاة مجنون ولا سكران ولا طفل غير مميز ولا وثني ولا مجوسي ولا مرتد
فصل
الثاني: الآلة وهو أن يذبح بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو
__________
الكافي والشرح الإباحة لعموم الآية وفي الترغيب في الصابئة روايتان مأخذهما هل هم من النصارى أم لا ونقل حنبل من ذهب مذهب عمر فإنه قال يسبتون جعلهم بمنزلة اليهود وكل من يصير إلى كتاب فلا بأس بذبيحته "ولا من أحد أبويه غير كتابي" قاله في الكافي والمستوعب تغليبا للتحريم والأشهر الحل مطلقا للعموم قال ابن حمدان من أقر بجزية حلت ذكاته وإلا فلا "ولا تباح ذكاة مجنون" وفي معناه المغمى عليه في حال إغمائه "ولا سكران ولا طفل غير مميز" لأنه لا يصح منهم القصد أشبه ما لو ضرب إنسانا بالسيف فقطع عنق شاة
"ولا وثني ولا مجوسي" أما المجوس فلا تحل ذبائحهم لمفهوم الأية ولخبر رواه أحمد وكسائر الكفار غير أهل الكتاب وشذ أبو ثور فأباح صيده وذبيحته لقوله عليه السلام "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" رواه الشافعي وفيه انقطاع ولأنهم يقرون بالجزية كأهل الكتاب قال إبراهيم الحربي خرق أبو ثور الإجماع وفيه نظر فإن ما صاده المجوس من سمك وجراد ففيه روايتان أصحهما عند ابن عقيل التحريم وأما الوثني فحكمه كالمجوس بل هم شر منهم لأن المجوس لهم شبه كتاب
"ولا مرتد" لأنه لا يقر كالوثني ونقل عبد الله تحل ذكاة مرتد إلى أحد الكتابين وقال ابن حمدان إن انتقل إلى دين يقر أهله بكتاب وجزية وأقر عليه حلت ذكاته وإلا فلا
فصل
"الثاني: الآلة وهو أن يذبح بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو(9/189)
قصب أو غيره إلا السن والظفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنهر الدم فكل" ليس السن والظفر فإن ذبح بآلة مغصوبة حل في أصح الوجهين
فصل
الثالث: أن يقطع الحلقوم والمريء
__________
قصب أو غيره" كخشب "إلا السن والظفر" نص على ذلك "لقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنهر الدم فكل ليس السن والظفر" متفق عليه من حديث رافع ولأن جارية كعب بن مالك أبصرت بشاة من غنمه موتا فكسرت حجرا فذبحته به "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها" رواه البخاري وفيه فوائد وفي عظم غير سن روايتان كذا في المحرر والفروع أشهرهما أنه يباح لدخوله في عموم اللفظ قال في الشرح وهي أصح والثانية: لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل تحريم الذبح بالسن بكونه عظما "فإن ذبح بآلة مغصوبة حل" في أصح الوجهين لأن الذكاة وجدت ممن له أهلية الذبح كما لو كان المذبوح مغصوبا والثاني لا لأنه منهي عنه أشبه ما لو استجمر بالروث وعنه إن كان المذكى مغصوبا فهو ميتة واختارها أبو بكر ومثلها سكين ذهب ونحوها ذكره في الانتصار والموجز والتبصرة وفي الترغيب يحرم بعظم ولو بسهم نصله عظم
فصل
"الثالث: أن يقطع" من الحيوان المقدور عليه "الحلقوم والمريء" وهي الوهدة التي تربط بين أصل العنق والصدر ولا يجوز في غير ذلك إجماعا قال عمر النحر في اللبة والحلق لمن قدر احتج به أحمد وروى سعيد والأثرم عن أبي هريرة قال "بعث النبي صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء يصيح في فجاج بيتنا ألا إن الذكاة في الحلق واللبة" رواه الدارقطني بإسناد جيد وأما حديث أبي العشراء عن أبيه قال قلت يا رسول الله أما تكون الذكاة في الحلق واللبة قال "لو طعنت في فخذها لأجزأك" رواه أحمد وقال أبو العشراء ليس بمعروف وحديثه غلط وأبو داود والترمذي وقال غريب وقال البخاري في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر وقال المجد في أحكامه هذا فيما لم يقدر عليه فعلى هذا يشترط قطع الحلقوم(9/190)
وعنه: يشترط مع ذلك قطع الودجين وإن نحره أجزأه
__________
والمريء وهما مجرى الطعام والنفس اختاره الخرقي وقدمه في الرعاية والكافي وذكر أنه أولى ورجحه في الشرح لأنه قطع في محل الذبح ما لا تبقى الحياة معه أشبه ما لو قطع الأربعة واختص الذبح بالمحل المذكور لأنه مجمع العروق بالذبح فيه الدماء السيالة ويسرع زهوق الروح فيكون أطيب للحم وأخف على الحيوان "وعنه يشترط مع ذلك قطع الودجين" اختاره أبو محمد الجوزي وجزم به في الروضة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج رواه أبو داود وقال سعيد ثنا إسماعيل بن زكريا عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن ابن عباس قال إذا أهريق الدم وقطع الودج فكل إسناده حسن وهما عرقان محيطان بالحلقوم
وعنه أو أحدهما وفي الإيضاح الحلقوم والودجين وفي الإرشاد المريء والودجين وفي الكافي والرعاية يكفي قطع الأوداج وحدها لكن لو قطع أحدهما مع الحلقوم أو المريء أولى بالحل قاله الشيخ تقي الدين وذكر وجها يكفي قطع ثلاث من الأربعة وظاهره لا يضر رفع يده إن أتم الذكاة على الفور واعتبر في الترغيب قطعا تاما فلو بقي من الحلقوم جلدة ولم ينفذ القطع وانتهى الحيوان إلى حركة المذبوح ثم قطع الجلدة لم يحل
فرع: إذا أبان رأسه بالذبح لم يحرم به المذبوح قدمه في المحرر وأكله مباح قاله في المستوعب وفي الرعاية يكره ويحل وعنه لا يحل والأول المذهب قال أحمد لو أن رجلا ضرب رأس بطة أو شاة بالسيف يريد بذلك الذبيحة كان له أن يأكل روي عن علي وعمران لأنه اجتمع قطع ما لا تبقى الحياة معه مع الذبح
"وإن نحره أجزأه" أي إذا نحر ما يذبح أجزأه في قول الأكثر كعكسه لقوله عليه السلام ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل وقالت أسماء نحرنا فرسا وفي رواية ذبحنا وقالت عائشة "نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقرة" ولأنه ذكاه في محله فجاز أكله كالحيوان الآخر ونقل ابن أبي موسى أنه توقف في ذبح البقر قال والأول عنه أظهر وعنه يكره ذبح إبل .(9/191)
وهو أن يطعنه بمحدد في لبته والمستحب أن ينحر البعير ويذبح ما سواه فإن عجز عن ذلك مثل أن يند البعير أو يتردى في بئر فلا يقدر على ذبحه صار كالصيد إذا جرحه في أي موضع أمكنه فقتله حل أكله إلا أن يموت بغيره مثل أن يكون رأسه في الماء فلا يباح
__________
وعنه ولا تؤكل "وهو أن يطعنه بمحدد في لبته" فبيان لمعنى النحر وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هكذا يفعلون ونقل الميموني أن ابن عباس وابن عمر قالا النحر في اللبة والذبح في الحلق والذبح والنحر في البقر واحد "والمستحب أن ينحر البعير ويذبح ما سواه" بغير خلاف قاله في الشرح لقوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] ولقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً البقرة} [البقرة: 67] وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنحر لأن أغلب ماشية قومه الإبل وأمر بنو إسرائيل بالذبح لأن غالب ماشيتهم البقر ولأنه عليه السلام نحر البدن وذبح كبشين أملحين بيده متفق عليه وفي الترغيب رواية ينحر البقر وعند ابن عقيل إن ما صعب وضعه بالأرض نحر "فإن عجز عن ذلك مثل أن يند البعير" أي إذا ذهب على وجهه شاردا "أو يتردى" أي يسقط "في بئر فلا يقدر على ذبحه صار كالصيد إذا جرحه في أي موضع أمكنه فقتله حل أكله" روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة وقاله أكثر العلماء لما روي رافع بن خديج قال "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فند بعير وفي القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم فاصنعوا به هكذا" متفق عليه ولأن الاعتبار في الذكاة بحال الحيوان وقت ذبحه لا بأصله بدليل الوحشي إذا قدر عليه وجبت ذكاته في الحلق واللبة فكذلك الأهلي إذا توحش وذكر أبو الفرج يقتل مثله غالبا وقال مالك لا يجوز أكله إلا أن يذكى قال أحمد لعله لم يبلغه حديث رافع "إلا أن يموت بغيره مثل أن يكون رأسه في الماء فلا يباح" نص عليه وهو قول الأصحاب لأنه لا يعلم أن الذبح قتله ولأن الماء أعان على قتله فحرم كما لو جرح الصيد مسلم ومجوسي وقيل يحل إن جرحه بجرح موح .(9/192)
وإن ذبحها من قفاها وهو مخطئ فأتت السكين على موضع ذبحها وهي في الحياة أكلت وإن فعله عمدا فعلى وجهين وكل ما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إذا أدرك ذكاتها وفيها حياة مستقرة أكثر من حركة المذبوح حلت
__________
"وإن ذبحها من قفاها وهو مخطئ فأتت السكين" ولو عبر بالآلة لعم "على موضع ذبحها وهي في الحياة" أي فيه حياة مستقرة ويعلم ذلك بوجود الحركة وعنه أو لا وفي المغني غلب بقاؤها "أكلت" قدمه في المستوعب والفروع وجزم به في المحرر والوجيز لأنها حلت بالذبح وفي الترغيب رواية يحرم مع حياة مستقرة وهو ظاهر ما رواه جماعة
"وإن فعله عمدا فعلى وجهين" وفي المحرر والفروع هما روايتان إحداهما لا تباح روي عن علي وهو ظاهر الخرقي لأنه في غير محل الذبح كما لو بقر بطنها والثانية تحل إذا بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء وقاله القاضي وهي أصح لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة حل كالمتردية وعنه ما يدل على إباحته مطلقا وفي الشرح إن ذبحها من قفاها ولم يعلم هل كانت فيه حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء أو لا نظرت فإن كان الغالب بقاء ذلك لحدة الآلة وسرعة القطع فالأولى إباحته وإن كانت كالة وأبطأ قطعه وطال تعذيبه لم يبح
فرع: ملتو عنقه كمعجوز عنه قاله القاضي وقيل حكمه كذلك
"وكل ما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إذا أدرك ذكاتها وفيها حياة مستقرة أكثر من حركة المذبوح حلت" لقوله تعالى {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ولحديث جارية كعب ولما روي سعيد ثنا سفيان حدثني الزبير بن الربيع عن أبي طلحة الأسدي قال أتيت ابن عباس فسمعته يقول في شاة وقع قصبتها أي الأمعاء بالأرض فأدركها فذبحها بحجر يلقي ما أصاب الأرض ويأكل سائرها وسواء انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش قاله في الشرح وقدم السامري أنها إذا بلغت مبلغا لا(9/193)
وإن صارت حركتها كحركة المذبوح لم تحل
فصل
الرابع: أن يذكر اسم الله عند الذبح
__________
تعيش لمثله لم تحل قال ابن هبيرة هو أظهر الروايتين وذكره ابن أبي موسى إن رجا حياتها حلت وفي المحرر والوجيز أنها تحل بشرط أن تتحرك عند الذبح ولو بيد أو رجل أو طرف ذنب وحكاه في الفروع قولا وقيل أو لا ونقل الأثرم وغيره ما تيقن أنه يموت بالسبب وعنه لدون أكثر يوم لم يحل والصحيح أنها إذا كانت تعيش زمانا يكون الموت بالذبح أسرع منه حلت بالذبح وعنه يحل مذكى قبل موته مطلقا وفي كتاب الآدمي البغدادي وتشترط حياة يذهبها الذبح اختاره أبو محمد الجوزي وعنه إن تحرك ذكره في المبهج ونقله عبد الله والمروذي وأبو طالب وفي الترغيب لو ذبح وشك في الحياة المستقرة ووجد ما يقارب الحركة المعهودة في التذكية المعتادة حل في المنصوص ومرادهم بالحياة المستقرة ما جاز بقاؤها أكثر اليوم
"وإن صارت حركتها كحركة المذبوح لم تحل" لأنه صار في حكم الميتة كما لو ذبحها بعد ذبح الوثني وكذا في الكافي وغيره
فرع: ومريضة وما صيد بشبكة أو شرك أو أحبولة أو فخ أو أنقذه من مهلكة فهو كمنخنقة
فصل
"الرابع: أن يذكر اسم الله عند الذبح" وذكر جماعة أو قبله قريبا فصل بكلام أو لا كالطهارة فعلى هذا إن سمى على شاة ثم أخذ السكين أو كانت بيده فتركها وأخذ أخرى أو تحدث ثم ذبح حلت لأنه سمى عليها لقوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] والفسق حرام لقوله تعالى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية [الأنعام: 145] ولأنه أمر به وأطلق و"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذبح سمى ,(9/194)
وهو أن يقول بسم الله لا يقوم غيرها مقامها إلا الأخرس فانه يومئ إلى السماء فان ترك التسمية عمدا لم تبح وإن تركها ساهيا أبيحت وعنه تباح في الحالين
__________
فحمل المطلق على المقيد "وهو أن يقول بسم الله" لأن إطلاق التسمية تنصرف إليها ولو بغير العربية لأن المقصود ذكر اسم الله وقد حصل بخلاف التكبير والسلام فإن المقصود لفظه وفي المحرر أنه إن سمى بغير العربية من لا يحسنها فعلى وجهين صحح في الرعاية عدم الإجزاء لا يقوم غيرها مقامها كالتسبيح والتهليل والتكبير وسؤال المغفرة وقدمه في المستوعب والرعاية وهو احتمال في الشرح وقيل يكفي تكبير ونحوه ويضمن أجير تركها إن حرمت واختار في النوادر لغير شافعي قال في الفروع ويتوجه يضمنه النقص إن حلت "إلا الأخرس فإنه يومئ إلى السماء" لأن إشارته تقوم مقام النطق وكذا إذا علم أنه أشار إشارة تدل على التسمية
فرع: يسن التكبير معها نص عليه وقيل لا كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في المنصوص وفي المنتخب لا يجوز ذكره معها شيئا واختار ابن شاقلا أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عندها "فإن ترك التسمية عمدا" أو جهلا "لم تبح وإن تركها ساهيا أبيحت" ذكر في الكافي أنها المذهب وجزم بها في الوجيز وذكر السامري أنها أكثر الروايات عنه لحديث الأحوص بن حكيم بن حزام عن راشد بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم ما لم يتعمد" رواه سعيد لكن الأحوص ضعيف وعن ابن عباس فيمن نسي التسمية قال المسلم فيه اسم الله تعالى وإن لم يذكر التسمية رواه سعيد بإسناد جيد وعن القاسم بن محمد قال عمر لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه رواه سعيد والآية محمولة على تركها عمدا لقوله تعالى {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} والأكل مما نسيت عليه التسمية ليس بفسق لقوله عليه السلام عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وقال أحمد في قوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} يعني الميتة نقلها الميموني "وعنه تباح في الحالين" لما روي أنه رخص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أكل ما لم يذكر اسم الله(9/195)
وعنه لا تباح فيهما وتحصل ذكاة الجنين بذكاة أمه إذا خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح وإن كانت فيه حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه
__________
عليه وعن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت الرجل يذبح وينسى أن يسمي قال "اسم الله على كل مسلم" رواه ابن عدي والدارقطني ولأن التسمية لو اشترطت لما حلت الذبيحة مع الشك في وجودها لأن الشك في الشرط شك في المشروط والذبيحة مع الشك في وجود التسمية حلال بدليل حل ذبيحة أهل الكتاب مع أن الأصل عدم إتيانهم بها بل الظاهر أنهم لا يسمون وذلك أبلغ في المنع من الشك
"وعنه لا تباح فيهما" قدمها في المحرر والفروع لقوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ولأن الشيء متى كان شرطا لا يعذر في تركه سهوا كالوضوء مع الصلاة وعنه يختص المسلم باشتراطها ونقل حنبل عكسها لأن المسلم فيه اسم الله وسيأتي الكلام على الصيد
فرع: إذا شك في تسمية الذابح حل فلو وجد شاة مذبوحة في موضع يباح ذبح أكثر أهله حلت وإلا فلا
"وتحصل ذكاة الجنين" المأكول "بذكاة أمه إذا خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح" روي عن علي وابن عمر لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ذكاة الجنين ذكاة أمه" رواه أبو داود بإسناد جيد ولأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة مثله من حديث أبي سعيد من رواية مجالد وهو ضعيف قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر وأبي هريرة ولأن الجنين متصل بها اتصال خلقة يتغذى بغذائها فتكون ذكاتها بذكاتها كأعضائها ولأن الذكاة في الحيوان تختلف على حسب الإمكان والقدرة ولا يمكن ذبح الحيوان قبل انفصاله إلا بأن تجعل ذكاة أمه ذكاته لكن استحب أحمد ذبحه ليخرج دمه وعنه لا بأس
"وإن كانت فيه حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه" نقله الجماعة لأنه نفس أخرى وهو مستقل بحياته وقدم في المحرر وجزم به في الوجيز - أنه(9/196)
وسواء أشعر أو لم يشعر
فصل
ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة والذبح بآلة كالة
__________
كالمنخنقة ونقل الميموني إن خرج حيا فلابد من ذبحه وعنه يحل بموته قريبا "وسواء أشعر أو لم يشعر" لإطلاق الخبر وقال ابن عمر ذكاته ذكاة أمه إذا أشعر وقاله جماعة لما روى سعيد ثنا سفيان ثنا الزهري عن أبي بن كعب قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه وقال ابن المنذر كان الناس على إباحته إلى أن جاء النعمان فقال لا يحل لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين وجوابه ما سبق وحكم بإباحته تيسيرا على عباده ولا يؤثر في ذكاة أمه تحريمه كتحريم أبيه ولو وجأ بطن أمه فأصاب مذبحه يذكى والأم ميتة ذكره الأصحاب
فائدة: قوله عليه السلام "ذكاة الجنين ذكاة أمه" من رفع جعله خبر مبتدأ محذوف تقديره هو ذكاة أمه فلا يحتاج الجنين إلى تذكيته هذا مذهبنا والجمهور ومن نصب قدره كذكاة الجنين فلما حذف الجار نصب فعليه يفتقر الجنين إلى ذبح مستأنف لكن قدره ابن مالك في رواية النصب تقديره ذكاة الجنين في ذكاة أمه وهو الموافق لرواية الرفع المشهورة
فصل
"ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة" قاله ابن عمر وابن سيرين لما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحى وجه أضحيته إلى القبلة وقال {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}" الآيتين [الأنعام: 80,79] ولأنه قد يكون قربة كالأضحية فكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة كالأذان فيسن توجيهها إلى القبلة على شقها الأيسر ورفقه بها وحمله على الآلة بقوة وإسراعه بالشحط والذبح بآلة كالة لقوله عليه السلام "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" قال الشيخ تقي(9/197)
وأن يحد السكين والحيوان يبصره وأن يكسر عنق الحيوان أو يسلخه حتى يبرد فإن فعل أساء وأكلت وإذا ذبح الحيوان ثم غرق في ماء أو وطئ عليه شيء يقتل مثله فهل يحل على روايتين وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر لم يحرم علينا
__________
الدين في هذا الحديث إن الإحسان واجب على كل حال حتى في حال إزهاق النفوس ناطقها وبهيمها ولأن الذبح بآلة كالة فيه تعذيب للحيوان "وأن يحد السكين والحيوان يبصره" لأن عمر رأى رجلا وضع رجله على شاة وهو يحد السكين فضربه حتى أفلت الشاة ويكره ذبح شاة والآخر ينظر إليه كذلك
"وأن يكسر عنق الحيوان أو يسلخه حتى يبرد" أي حتى تزهق نفسه لقوله عليه السلام "لا تعجلوا الأنفس أن تزهق" رواه الدارقطني بإسناد ضعيف وعن عمر معناه ولأن في ذلك تعذيبا للحيوان وحرمهما القاضي وغيره نقل حنبل لا يفعل وفي الترغيب يكره قطع رأسه قبل سلخه ونقل حنبل لا يفعل وكذا يكره قطع عضو منه قبل الزهوق وقاله الأكثر
"فإن فعل أساء وأكلت" لأن ذلك حصل بعد حلها وذبحها سئل أحمد عن رجل ذبح دجاجة فأبان رأسها فقال يأكلها قيل له والذي بان منها قال نعم قال البخاري قال ابن عمر وابن عباس "إذا قطع الرأس فلا بأس به فلو قطع منه شيئا وفيه حياة مستقرة فهو ميتة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن غريب والعمل عليه عند أهل العلم ولأن إباحته إنما تحصل بالذبح وليس هذا بذبح نقل ابن منصور أكره نفخ اللحم قال في المغني الذي للبيع لأنه غش "وإذا ذبح الحيوان ثم غرق في ماء أو وطئ عليه شيء يقتل مثله فهل يحل على؟ روايتين" أنصهما لا يحل وذكره الخرقي وجزم به في الوجيز لأن ذلك يعين على زهوق النفس فيحصل من سبب مبيح ومحرم والثانية بلى قدمها في الرعاية وذكر في الكافي والشرح أنها قول أكثر أصحابنا وهي قول أكثر الفقهاء لحصول ذبحه وطرئان الأسباب المذكورة حصل بعد الموت بالذبح فلم يؤثر ما أصابه لحصوله بعد الحكم بحله "وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر" من الإبل ونحوها "لم يحرم علينا" في(9/198)
وإن ذبح حيوانا غيره لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم وهو شحم الثرب والكليتين في ظاهر كلام أحمد واختار ابن حامد وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد.
__________
ظاهر كلام أحمد قال ابن حمدان وهو أظهر لأنه من أهل الذكاة وذبح ما يحل لنا أشبه المسلم وقدم في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز أنه يحرم وقيل لا كظنه تحريمه عليه فلم يكن ذكر أبو الحسين أن الخلاف في ذي الظفر كالخلاف في تحريم الشحوم المحرمة عليهم وعلم منه أنها تحل ذبيحتنا لهم مع اعتقادهم تحريمها لأن الحكم لاعتقادنا
مسألة: ذو الظفر ما ليس بمنفرج الأصابع كإبل ونعام وبط ووز قاله ابن عباس وجمع وقيل هي الإبل خاصة وعند ابن قتيبة هي كل ذي حافر من الدواب ومخلب من الطير "وإن ذبح" أي الكتابي "حيوانا غيره" أي ما يحل له "لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم وهو شحم الثرب" وهو بوزن فلس يغشى الكرش والأمعاء رقيق "والكليتين" واحدها كلية وكلوة بضم الكاف فيهما والجمع كليات وكلى
"في ظاهر كلام أحمد واختاره ابن حامد" وأبو الخطاب وجزم به في الوجيز "وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد" لما روى عبد الله بن مغفل قال "أصبت من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت لا أعطي اليوم أحدا شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما" رواه مسلم ولأنها ذكاة أباحت اللحم فأباحت الشحم كذكاة المسلم وكذبح حنفي حيوانا فتبين حاملا ونحوه وعلم منه أنه يحرم على اليهود شحم الثرب والكلية من بقر وغنم نص عليه لقوله تعالى {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] أي حرمنا على اليهود كل ذي ظفر وجميع شحوم البقر والغنم وهي الثرب والكلى {إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} ما علق بالظهر والجنب من داخل {أَوِ الْحَوَايَا} وهي المصارين {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} هو شحم الإلية لما فيها من العظم "واختار أبو الحسن التميمي والقاضي" وأبو بكر وأبو حفص البرمكي واختاره الأكثر قاله في الواضح(9/199)
واختار أبو الحسن التميمي والقاضي تحريمه وإن ذبح لعيده أو ليتقرب به إلى شيء يعظمونه لم يحرم نص عليه ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا أو طائرا فوجد في حوصلته حبا أو وجد الحب في بعر الجمل لم يحرم
__________
وصححه في عيون المسائل "تحريمه" لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وهذا ليس من طعامهم ولأنه جزء من البهيمة لم تبح لذابحها فلم تبح لغيره كالدم وعلله القاضي بأن الذكاة تفتقر إلى القصد والكتابي لم يقصد ذكاة هذا الشحم وجوابه أن الآية حجة لنا فإن معنى طعامهم ذبائحهم فعلى هذا يجوز تملكها منهم
فرع: يحرم علينا إطعامهم شحما من ذبحنا نص عليه وقال ابن عقيل نسخ في حقهم أيضا
"وإن ذبح لعيده أو ليتقرب به إلى شيء يعظمونه لم يحرم" نص عليه لأنه من جملة طعامهم فدخل في عموم الآية ولأنه قصد الذكاة وهو ممن تحل ذبيحته وعنه لا تحل اختاره الشيخ تقي الدين لأنه أهل به لغير الله تعالى والأول هو المعول عليه لما روي عن العرباض بن سارية قال "كلوا وأطعموني" رواه سعيد من رواية إسماعيل بن عياش عن بشر بن كريت الأملولي وعن أبي أمامة وأبي الدرداء كذلك رواهما سعيد من رواية إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم الشامي وهو ضعيف وفي الرعاية إنه مكروه نص عليه
ويحرم على الأصح أن يذكر عليه اسم غير الله ونقل عبد الله لا يعجبني ما ذبح للزهرة والكواكب والكنيسة وكل شيء ذبح لغير الله وذكر الآية وعلم منه أن ما ذبحه مسلم لكتابي أو مجوسي من ذلك فإنه يحل نص عليه
"ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا" أو سمكة في بطن أخرى "أو طائرا فوجد في حوصلته حبا أو وجد الحب في بعر الجمل لم يحرم" صححه المؤلف والجد ونصره في الشرح لقوله عليه السلام "أحل لنا ميتتان ودمان....." الخبر ولأنه حيوان طاهر في محل طاهر لا تعتبر له ذكاة فأبيح كالطافي .(9/200)
وعنه يحرم
__________
"وعنه يحرم" لأنه رجيع فيكون مستخبثا وفي عيون المسائل يحرم جراد في بطن سمك لأنه من صيد البر وميتته حرام لا العكس كحل ميتة صيد البحر
تنبيه: يحرم بول طاهر كروثه وأباحه القاضي وذكر رواية في بول الإبل وفاقا لمحمد بن الحسن ونقل الجماعة فيه لا وكلامه في الخلاف يدل على حل بوله وروثه لأنه معتاد يحلله كاللبن وبأنه تبع للحم واحتج في الفصول بإباحة شربه كاللبن ودلت على الوصف قصة العرنيين(9/201)
كتاب الصيد
باب الصيد
...
كتاب الصيد
ومن صاد صيدا فأدركه حيا حياة مستقرة لم يحل إلا بالذكاة
__________
كتاب الصيد
وهو في الأصل مصدر صاد يصيد صيدا فهو صائد ثم أطلق على المصيد تسمية للمفعول بالمصدر وأجمعوا على إباحته وسنده قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] وقوله تعالى {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الآية [المائدة: 4] والسنة شهيرة بذلك منها حديث عدي وأبي ثعلبة متفق عليهما
وهو ما كان وحشيا حلالا غير مقدور عليه وهو مباح لنا صيده قدمه في الرعاية والفروع واستحبه ابن أبي موسى ويكره لهوا وهو أطيب مأكول وقال الأزجي الزراعة أفضل مكسب وقيل عمل اليد وقيل التجارة وأفضلها في بز وعطر وزرع وغرس وماشية وأبغضها في رقيق وصوف وأفضل الصنائع خياطة مع أنه نص على أن كل ما نصح فيه فهو حسن وأدناها حياكة وحجامة ونحوهما وأشدها كراهة صبغ وصياغة وحدادة ونحوها
"ومن صاد صيدا فأدركه حيا حياة مستقرة لم يحل إلا بالذكاة" يعني إذا أدركه متحركا فوق حركة مذبوح واتسع الوقت لتذكيته لم يبح إلا بها ذكره(9/201)
فإن خشي موته ولم يجد ما يذكيه به أرسل الصائد له عليه ليقتله في إحدى الروايتين واختاره الخرقي فإن لم يفعل وتركه حتى مات لم يحل وقال القاضي يحل والرواية الأخرى لا يحل إلا أن يذكيه.
__________
معظم الأصحاب وقدمه في المحرر والفروع لأنه مقدور عليه أشبه سائر ما قدر على ذكاته ولأن ما كان كذلك فهو في حكم الحي بدليل قصة عمر رضي الله عنه وعنه يحل بموته قريبا وعنه دون معظم يوم وفي التبصرة دون نصفه "فإن خشي موته ولم يجد ما يذكيه به أرسل الصائد له عليه ليقتله في إحدى الروايتين واختاره الخرقي" قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز وصححه جماعة منهم السامري لأنه صيد قتله الجارح له من غير إمكان ذكاته فأبيح كما لو أدركه ميتا وعبارة الخرقي أشلى الصائد وفي المغني معنى أشلى في العربية دعاه إلا أن العامة تستعمله بمعنى أغراه ويحتمل أن الخرقي أراد دعاه ثم أرسله وهو ظاهر ومقتضاه أنه إذا لم يخش موته أو وجد معه ما يذكيه بها لم يحل إلا بها لأنه مقدور على ذكاته وكما لو لم يمكنه الذهاب به إلى منزله فيذكيه "فإن لم يفعل وتركه حتى مات لم يحل" جزم به في الوجيز وقدمه في المحرر لأن الإرسال ذكاة ولو قدر على ذكاته فلم يذكه حتى مات لم يحل فكذا هنا "وقال القاضي" وعامة أصحابنا "يحل" بالإرسال قاله في التبصرة لأن إدارك الصيد بلا آلة تذكية كلا إدراك ولو لم يدركه حيا لحل فكذا إذا أدركه بلا آلة "والرواية الأخرى لا يحل إلا أن يذكيه" وهي قول أكثرهم لأنه مقدور عليه فلم يبح بقتل الجارح كالأنعام وصححه في المغني لأنه حيوان لا يباح بغير التذكية إذا كانت معه فلم يبح بغيرها إذا لم يكن معه آلة كسائر المقدور على تذكيته ومسألة الخرقي على ما يخاف موته إن لم يقتله الحيوان أو يذكى فإن كان فيه حياة يمكن بقاؤه إلى أن يأتي إلى منزله فليس فيه اختلاف لأنه لا يباح إلا بالذكاة
فرع: إذا امتنع عليه من الذبح فجعل يعدو منه يومه حتى مات تعبا ونصبا حل ذكره القاضي واختار ابن عقيل خلافه لأن الإتعاب يعينه على الموت فصار كالماء .(9/202)
وإن رمى صيدا فأثبته ثم رماه آخر فقتله لم يحل ولمن أثبته قيمته مجروحا على قاتله إلا أن يصيب الأول مقتله دون الثاني أو يصيب الثاني مذبحه فيحل وعلى الثاني ما خرق من جلده وإن أدرك الصيد متحركا كحركة المذبوح فهو كالميت ومتى أدركه ميتا حل بشروط أربعة أحدها أن يكون الصائد من أهل الذكاة
__________
"وإن رمى صيدا فأثبته" أي منعه من الامتناع وحبسه عنه ملكه "ثم رماه آخر فقتله لم يحل" لأنه صار مقدورا عليه فلم يبح إلا بذبحه "ولمن أثبته قيمته مجروحا على قاتله" لأنه أتلفه عليه "إلا أن يصيب الأول مقتله دون الثاني أو يصيب الثاني مذبحه فيحل" لأنه ذكاة فإن ادعى كل واحد منهما أنه الأول حلف كل منهما وبرئ من الضمان لأن الأصل براءة ذمته
وإن اتفقا على السابق وأنكر الثاني كون الأول أثبته قبل قوله لأن الأصل بقاء امتناعه ويحرم على الأول لاعترافه بتحريمه ويحل للثاني فإن رمياه ووجداه ميتا ولم يعلم من أثبته منهما فهو بينهما وإن وجداه ميتا حل لأن الأصل بقاء امتناعه وعلى الثاني ما خرق من جلده لأنه لم يتلف سوى ذلك قال في الرعاية إذا رمى صيدا فأثبته ملكه ثم إن رماه آخر فقتله فإن كان الأول أصاب مقتله والثاني مذبحه قصدا حل وعليه للأول غرم ما خرق من جلده وقيل بل ما بين كونه حيا مجروحا وكونه مذكى وفي غير ذلك يحرم وعلى الثاني قيمته مجروحا بالجرح الأول إن لم يدرك الأول ذبحه بل ميتا أو كمذبوح وإن أدركه حيا حياة مستقرة فلم يذبحه فمات ضمنه الثاني كذلك قال في المحرر وقال القاضي يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرحين مع أرش نقصه وعندي إنما يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول لا غير
"وإن أدرك الصيد متحركا كحركة المذبوح فهو كالميت" أي لا يحتاج إلى ذكاة لأن عقره كذكاته "ومتى أدركه ميتا حل" لأن الاصطياد أقيم مقام الذكاة والجارح له آلة السكين وعقره بمنزلة قطع الأوداج "بشروط أربعة أحدها أن يكون الصائد من أهل الذكاة" لقوله عليه السلام "فإن أخذ الكلب(9/203)
فإن رمى مسلم ومجوسي صيدا أو أرسلا عليه جارحا أو شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله لم يحل وإن أصاب سهم أحدهما المقتل دون الآخر فالحكم له
__________
ذكاة" متفق عليه والصائد بمنزلة المذكي فتشترط فيه الأهلية وفي المجوسي رواية في ما صاده من سمك وجراد أنه لا يحل لما روى سعيد ثنا إسماعيل بن عياش حدثني عبد الله بن عبيد الكلاعي عن سليمان بن موسى عن الحسن قال أدركت سبعين رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأكلون من صيد المجوس إسماعيل عن الشاميين حجة وفي الأعمى قويل لابن حمدان إنه لا يحل لتعذر قصده صيدا معينا وظاهر ما ذكروه أن ما لا يفتقر إلى ذكاة كالحوت إذا صاده من لا تباح ذكاته أنه يباح واختاره الخرقي وصححه في الكافي أنه لا ذكاة له أشبه ما لو وجده ميتا "فإن رمى مسلم ومجوسي صيدا أو أرسلا عليه جارحا" أو جارحا غير معلم أو غير مسمى عليه "أو شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله" أو وجد مع كلبه كلبا لا يعرف مرسله أو لا يعرف حاله أو مع سهمه سهما كذلك "لم يحل" لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وإن وجدت معه غيره فلا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره" متفق عليه ولأنه اجتمع في قتله مبيح ومحرم فغلبنا التحريم كالمتولد بين ما يؤكل وما لا يؤكل ولأن الأصل الحظر فإذا شككنا في المبيح رد إلى أصله وكذا لو أرسل كلبه المعلم فاسترسل معه آخر بنفسه
فرع: إذا أرسل جماعة كلابا بشرطه وسموا فوجدوا الصيد قتيلا لا يدرون من قتله حل وإن اختلفوا أو كانت الكلاب متعلقة به فهو بينهم وإلا كان لمن كلبه متعلق به وعلى من حكمنا له به اليمين وإن كان قتيلا والكلاب ناحية وقف الأمر حتى يصطلحوا وقيل يقرع بينهم وعلى الأول إن خيف فساده باعوه ثم اصطلحوا على ثمنه
"وإن أصاب سهم أحدهما المقتل دون الآخر فالحكم له" قدمه في المحرر والرعاية والفروع لأنه هو القاتل فوجب أن يترتب عليه الحكم وفي(9/204)
ويحتمل ألا يحل وإن رد كلب المجوسي الصيد على كلب المسلم فقتله حل وعنه لا يحل وإن صاد المسلم بكلب المجوسي حل وإن صاد المجوسي بكلب المسلم لم يحل.وإن أرسل المسلم كلبا فزجره المجوسي حل وإن أرسله المجوسي فزجره المسلم لم يحل.
__________
الشرح فإن أصاب أحدهما مقتله دون الآخر مثل أن يكون الأول قد عقره موحيا ثم أصابه الثاني وهو غير موح فالحكم للأول وإن كان الجرح الثاني موحيا فهو مباح إن كان الأول مسلما لأن الإباحة حصلت به "ويحتمل ألا يحل" هذا رواية وجزم بها في الروضة كما لو أسلم بعد إرساله له لكن لو أثخنه كلب المسلم ثم قتله الآخر وفيه حياة مستقرة حرم ويضمنه له
فرع: إذا رمى سهما ثم ارتد أو مات بين رميه وإصابته حل
"وإن رد كلب المجوسي الصيد على كلب المسلم فقتله حل" لأن جارحة المسلم انفردت بقتله فأبيح كما لو رمى المجوسي سهمه فرد الصيد فأصابه سهم المسلم فقتله أو أمسك المجوسي شاة فذبحها مسلم "وإن صاد المسلم بكلب المجوسي حل" ولو كان في ملكه ذكر في الكافي أنه المذهب وفاقا وهو غير مكروه ذكره أبو الخطاب وأبو الوفاء وابن الزاغوني لأنه آلة أشبه ما لو صاده بقوته وسهمه وعنه لا يحل وإن كان لمسلم لقوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] وكلب المجوسي غير معلم من مسلم وجوابه أن الآية دلت على إباحة الصيد بما علمناه وما علمه غيرنا فهو في معناه وكرهه جماعة منهم جابر والحسن ومجاهد والنخعي والثوري
"وإن صاد المجوسي بكلب المسلم لم يحل" في قول الجميع كما لو صاد بقوسه ولأنه ليس من أهل الذكاة "وإن أرسل المسلم كلبا فزجره المجوسي" فزاد عدوه أو ذبح ما أمسكه له مجوسي بكلبه وقد جرحه غير موح "حل" لأن الصائد هو المسلم وهو من أهل الذكاة "وإن أرسله المجوسي فزجره المسلم" وقيل ولم يزد عدو كلبه بزجر المسلم "لم يحل" لأن الصائد ليس من أهل الذكاة إذ العبرة بالإرسال .(9/205)
فصل
الثاني: الآلة وهي نوعان: محدد فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة ولا بد من جرحه به فإن قتله بثقلة لم يبح وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده دون عرضه وإن نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيدا أبيح
__________
فصل
"الثاني: الآلة وهي نوعان محدد فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة" لأنها مما لابد منها فيجب أن يشترط للمحدد ما يشترط لآلة الذكاة "ولابد من جرحه به" نص عليه لقوله صلى الله عليه وسلم لعدي "ما رميت بالمعراض فخرق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله" متفق عليه "فإن قتله بثقلة لم يبح" لأنه وقيذ فيدخل في عموم الآية وسواء أكان بشبكة أو فخ أو بندقة ولو شدخته نقله الميموني "وإن صاد بالمعراض" قال في المشارق هو خشبة محددة الطرف وقيل فيه حديدة "أكل ما قتل بحده" قال أحمد المعراض يشبه السهم يحذف به الصيد فربما أصاب الصيد بحده فخرق فهو مباح "دون عرضه" للخبر وفي الترغيب والمستوعب ولم يجرحه وهو ظاهر نصوصه لأنه وقيذ وهو قول الأكثر وحكم الصوان الذي له حد كالمعراض "وإن نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيدا أبيح" إذا جرحه روي عن ابن عمر وقاله الحسن وقتادة لأن النصب جرى مجرى المباشرة في الضمان فكذا في الإباحة وقال الشافعي لا يباح بحال كما لو نصب سكينا فذبحت شاة ولأنه لو رمى سهما وهو لا يرى صيدا فقتل صيدا لم يحل وهذا أولى وجوابه قوله عليه السلام "كل ما ردت عليك يدك" ولأنه قتل الصيد بما له حد جرت العادة بالصيد به أشبه ما لو رماه وفارق ما إذا نصب سكينا فإن العادة لم تجر بالصيد بها وإذا رمى سهما وهو لا يرى صيدا فليس ذلك بمعتاد والظاهر أنه لا يصيب صيدا فلم يصح قصده بخلاف هذا وقيل يحل(9/206)
وإن قتل بسهم مسموم لم يبح إذا غلب على ظنه أن السم أعان على قتله ولو رماه فوقع في ماء أو تردى من جبل أو وطئ عليه شيء فقتله لم يحل إلا أن يكون الجرح موحيا كالذكاة فهل يحل على روايتين
__________
مطلقا فإن بان منه عضو فحكمه حكم البائن بضربة الصائد وحيث حل فظاهره يحل ولو ارتد أو مات "وإن قتل بسهم مسموم لم يبح إذا غلب على ظنه أن السم أعان على قتله" كذا عبر به في الهداية والمذهب والمحرر والوجيز لأنه اجتمع مبيح ومحرم فغلب المحرم وكسهمي مسلم ومجوسي ولأنه يخاف من ضرر السم فعلى هذا إن لم يغلب على ظنه أن السم أعان على قتله فهو مباح وفي الكافي وغيره إذا اجتمع في الصيد مبيح ومحرم مثل أن يقتله بمثقل ومحدد أو بسهم مسموم وغيره إلى آخره لم يبح لقوله عليه السلام "وإن وجدت معه غيره فلا تأكل" وبأن الأصل الحظر فإذا شككنا في المبيح رد إلى أصله ونقل ابن منصور إذا علم أنه أعان لم يأكل قال في الفروع وليس هذا في كلام أحمد بمراد وفي الفصول إذا رمى بسهم مسموم لم يبح لعل السم أعان عليه فهو كما لو شارك السهم تغريق بالماء
"ولو رماه فوقع في ماء أو تردى من جبل أو وطئ عليه شيء فقتله لم يحل" لأنه يغلب على الظن موته بالمشارك "إلا أن يكون الجرح موحيا كالذكاة فهل يحل على روايتين" كذا في المحرر أشهرهما واختارها الخرقي أنه يحرم لأنه اجتمع مبيح ومحرم أشبه المتولد بين مأكول وغيره والثانية يحل وجزم به أكثر الأصحاب لأنه قد صار في حكم الميت بالذبح وجوابه قوله عليه السلام "فإن وجدته غريقا في الماء فلا" متفق عليه وهذا ظاهر قول ابن مسعود رواه سعيد وإسناده ثقات ولا خلاف في تحريمه إذا كانت الجراح غير موحية ويستثنى من ذلك ما لو وقع في الماء على وجه لا يقتله مثل أن يكون رأسه خارجا من الماء أو يكون من طير الماء الذي لا يقتله الماء أو كان التردي لا يقتل مثل ذلك الحيوان فلا خلاف في إباحته لأن التردي والوقوع إنما حرم خشية أن يكون قاتلا أو معينا على القتل وهذا منتف هنا .(9/207)
وإن رماه في الهواء فوقع على الأرض فمات حل وإن رمى صيدا فغاب عنه ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه حل وعنه إن كانت الجراح موحية حل وإلا فلا وعنه إن وجده في يومه حل وإلا فلا
__________
"وإن رماه في الهواء" أو على شجرة أو جبل ولو عبر بالعلو لعم "فوقع على الأرض فمات حل" لأن الظاهر زهوق روحه بالرمي لا بالوقوع وعنه يحل بجرح موح جزم به في الروضة لقوله تعالى {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] وجوابه أن سقوطه لا يمكن الاحتراز عنه فوجب أن يحل كما لو أصابه فوقع على جنبه والماء يمكن الاحتراز عنه بخلاف الأرض
"وإن رمى صيدا فغاب عنه ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه حل" في الأشهر عن أحمد وهو الأصح لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أفتني في سهمي قال "ما رد عليك سهمك فكل" قال فإن تغيب عني قال "وإن تغيب عنك ما لم تجد فيه غير سهمك" رواه أبو داود ولأن جرحه بسهمه سبب إباحته وقد وجد يقينا والمعارض له مشكوك فيه وكما لو وجده بفم كلبه أو وهو يعبث به أو سهمه فيه ولا فرق فيه بين أن تكون الجراحة موحية أو لا وجده ميتا في يومه أو في غيره لكن لو غاب قبل تحقق الإصابة ثم وجده عقيرا وحده والسهم والكلب ناحية لم يبح "وعنه إن كانت الجراح موحية حل" لأنه إذا كان كذلك ظهر إسناد الزهوق إليه "وإلا فلا" أي إذا لم يكن موحيا لم يظهر إسناد الزهوق إليه "وعنه إن وجده في يومه حل وإلا فلا" لما روى ابن عباس قال "إذا رميت فأقعصت فكل وإن رميت فوجدت فيه سهمك من يومك أو ليلتك فكل وإن غاب عنك فلا تأكل لأنك لا تدري ما حدث بعدك" لا يقال الأول مطلق وهذا مقيد فيحمل عليه لأنه متبين له وقد جاء مصرحا به في حديث عدي مرفوعا قال "إذا رميت الصيد فوجدته بعد يومين ليس فيه إلا أثر سهمك فكل" وعنه إن غاب مدة قريبة حل وإلا فلا ونقل ابن منصور إن غاب نهارا حل لا ليلا قال ابن عقيل وغيره لأن الغالب من حال الليل تخطف الهوام وعنه يكره أكل ما غاب .(9/208)
وإن وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل أن يكون أعان على قتله لم يبح وإن ضربه فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة مستقرة لم يبح ما أبان منه وإن بقى معلقا بجلدة حل وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع وعنه لا يباح ما أبان منه وإن أخذ قطعة من حوت ونحوه وأفلت حيا أبيح ما أخذ منه
__________
"وإن وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل أن يكون أعان على قتله لم يبح" نص عليه للأخبار وكما لو وجد مع كلبه كلبا سواه ولم يعتبروا هنا بالظن كالسهم المسموم قال في الفروع وتتوجه التسوية لعدم الفرق وأن المراد بالظن الاحتمال فأما إن كان الأثر مما لا يقتل مثله فهو مباح لأن هذا يعلم أنه لم يقتله
فرع: إذا غاب قبل عقره ثم وجد سهمه أو كلبه عليه ففي المنتخب والمغني أنه حلال وعنه يحرم كما لو وجد سهمه أو كلبه ناحية وظاهر رواية الأثرم وحنبل حله وجزم به في الروضة
"وإن ضربه فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة مستقرة لم يبح ما أبان منه" هذا المذهب لقوله عليه السلام "ما أبين من حي فهو ميت" وعنه إن ذكي حل البائن وإن كثر كبقيته وإن قطعه قطعتين أو قطع رأسه حل الجميع فإن لم تبق فيه حياة معتبرة فروايتان أشهرهما إباحتهما روي عن علي
والثانية: لا يباح ما أبان منه لعموم الخبر والأول المذهب لأن ما كان ذكاة لبعضه كان ذكاة لجميعه كما لو قده نصفين والخبر يقتضي أن يكون الباقي حيا حتى يكون المنفصل منه ميتا "وإن بقي معلقا بجلدة حل" رواية واحدة لأنه لم يبن "وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع" على المشهور كما لو قطعه قطعتين "وعنه لا يباح ما أبان منه" للخبر ولأن ما أبين منه لا يمنع بقاء الحياة في العادة فلم يبح كما لو أدركه الصياد وفيه حياة مستقرة وجوابه سبق بدليل المذبوح فإنه ربما بقي ساعة وربما مشى حتى يموت ومع هذا هو حلال "وإن أخذ قطعة من حوت ونحوه وافلت حيا أبيح ما أخذ منه" لأن أقصى(9/209)
وأما ما ليس بمحدد كالبندق والحجر والعصا والشبكة والفخ فلا يباح ما قتل به لأنه وقيذ
__________
ما فيه أنه ميتة وميتته حلال للخبر
تذنيب: قال أحمد لا بأس بصيد الليل قال يزيد بن هارون ما علمت أحدا كرهه ولم يكره أحمد صيد الفراخ الصغار من أوكارها وفي المستوعب لا بأس بصيد الصيد الوحشي بالليل من غير أوكارها ويكره في غيرها وقال الحسن لا بأس بالطريدة كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم واستحسنه أبو عبد الله ومعناها أن يقع الصيد بين القوم فيقطع كل منهم قطعة بسيفه حتى يؤتى على آخره وهو حي قال وليس هو عندي إلا أن يصيد الصيد يقع بينهم لا يقدرون على ذكاته ويأخذونه قطعا ذكره في المغني والشرح
"وأما ما ليس بمحدد كالبندق والحجر الذي لا حد له والعصا والشبكة والفخ فلا يباح ما قتل به بغير خلاف نعلمه إلا عن الحسن وروى شعبة عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب قال عمار "إذا رميت بالحجر أو المعراض أو البندقة فذكرت اسم الله فكل وإن قل" وجوابه قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} الآية [المائدة: 3] "لأنه وقيذ" لأنه قتله بغير محدد فوجب ألا يباح كما لو ضرب شاة بعصا فماتت قال ابن قتيبة الموقوذة التي تضرب حتى توقذ أي تشرف على الموت قال قتادة كانوا يضربونها بالعصا فإذا ماتت أكلوها دليل الأكثر ما روى سعيد ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن عدي مرفوعا "إذا رميت فسميت فخرقت فكل وإن لم تخرق فلا تأكل ولا تأكل من المعراض إلا ما ذكيت ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت" ورواه أحمد أيضا وإبراهيم لم يلق عديا قال في المغني ولو شدخه أو خرقه نص عليه
فائدة: يكره الصيد بمثقل لا يجرح وعن عبد الله بن مغفل قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال "إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين" أخرجاه في الصحيحين(9/210)
النوع الثاني الجارحة فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة إلا الكلب الأسود البهيم فلا يباح صيده والجوارح نوعان ما يصيد بنانه كالكلب والفهد بثلاثة أشياء بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر وإذا أمسك لم يأكل
__________
"النوع الثاني الجارحة فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة" لقوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] قال ابن حزم اتفقوا فيما إذا قتله الكلب الذي هو غير معلم وكل سبع من طير أو ذي أربع غير معلم ولم يدرك فيه حياة أصلا أنه لا يحل ولو ذكي وحينئذ ما قتلته الجارحة جرحا وعنه وصدما وخنقا اختاره ابن حامد وأبو محمد الجوزي فيباح "إلا الكلب الأسود البهيم" وهو ما لا بياض فيه نص عليه وذكر السامري والمؤلف هو الذي لا يخالط لونه لون سواه وقال ثعلب وإبراهيم الحربي كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم قيل لهما من كل لون قالا نعم قال أحمد ما أعلم أحدا يرخص فيه يعني من السلف فلا يباح صيده نص عليه لأنه عليه السلام أمر بقتله وقال "إنه شيطان" رواه مسلم وهو العلة والسواد علامة كما يقال إذا رأيت صاحب السلاح فاقتله فإنه مرتد فالعلة الردة ونقل إسماعيل بن سعيد الكراهة وأباحه الأكثر لعموم الآية والخبر وكغيره من الكلاب والأول المذهب وعنه بلى ومثله في أحكامه ما بين عينيه بياض جزم به في المغني والشرح ويحرم اقتناؤه كخنزير قال جماعة يقتل فدل على وجوبه ونقل موسى بن سعيد لا بأس به "والجوارح نوعان ما يصيد بنابه كالكلب والفهد" وفي المذهب والترغيب والنمر "فتعليمه بثلاثة أشياء بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر" لا في وقت رؤيته للصيد قاله في المغني وغيره "وإذا أمسك لم يأكل" لقوله عليه السلام "فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" متفق عليه ولأن العادة في المعلم ترك الأكل فكان شرطا كالانزجار إذا زجر وهذا لم يذكره الآدمي البغدادي قال في المغني لا أحسب هذه الخصال تعتبر في غير الكلب فإنه الذي يجيب صاحبه إذا دعاه وينزجر إذا زجر والفهد(9/211)
ولا يعتبر تكرر ذلك منه فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده ولم يبح ما أكل منه في إحدى الروايتين والأخرى يحل والثاني ذو المخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين فتعليمه بأن يسترسل إذا أرسل ويجيب إذا دعي ولا يعتبر ترك الأكل
__________
لا يكاد يجيب داعيا وإن عد متعلما فيكون التعليم في حقه بترك الأكل خاصة أو بما يعده أهل العرف متعلما "ولا يعتبر تكرر ذلك منه" اختاره الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب وقدمه في المحرر والرعاية لأنه تعلم صنعة أشبه سائر الصنائع وقال القاضي يعتبر تكرر ذلك منه حتى يصير في العرف معلما وأقل ذلك ثلاث نصره في المغني لأن ترك الأكل يحتمل أن يكون لشبع أو عارض فيعتبر تكراره وحينئذ يعتبر ثلاثا كالاستجمار والأقراء والشهور في العدة والصنائع لا يمكن من فعلها إلا من تعلمها وترك الأكل ممكن الوجود من المتعلم وغيره فعلى هذا يحل في الرابعة وقيل مرتين فيحل في الثالثة
"فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده" رواية واحدة قاله في المستوعب واقتصر عليه في الكافي والشرح وصححه في المحرر وهو قول أكثرهم لعموم الآية والأخبار ولأنه قد وجد مع اجتماع شروط التعليم فيه فلا يحرم بالاحتمال وقيل يحرم لأنه لو كان معلما ما أكل
"ولم يبح ما أكل منه في إحدى الروايتين" وهي الصحيحة لقوله عليه السلام "فإن أكل فلا تأكل" ورواه سعيد ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس ورواه أيضا عن أبي هريرة وقيل حين الصيد جزم به ابن عقيل وقيل قبل مضيه ولا يخرج بأكله عن كونه معلما فيباح صيده بعد ذلك وفيه احتمال "والأخرى يحل" روي عن سعد وسلمان وأبي هريرة وابن عمر حكاه عنهم أحمد ولقوله تعالى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ولا حجة فيها مع أن حديثنا هو المعمول به وأصح فلو شرب من دمه ولم يأكل منه لم يحرم نص عليه وفي الانتصار من دمه الذي جرى وكرهه الشعبي والثوري "والثاني: ذو المخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين فتعليمه بأن يسترسل إذا أرسل ويجيب إذا دعي ولا يعتبر ترك الأكل(9/212)
ولا بد أن يجرح الصيد فإن قتله بصدمته أو خنقه لم يبح وقال ابن حامد يباح وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله على وجهين
فصل
الثالث: إرسال الآلة قاصدا للصيد فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده وإن زجره
__________
لقول ابن عباس "إذا أكل الكلب فلا تأكل وإن أكل الصقر فكل" رواه الخلال ولأن تعليمه بالأكل ويتعذر تعليمه بدونه فلم يقدح في تعليمه بخلاف الكلب "ولابد أن يجرح الصيد فإن قتله بصدمته أو خنقه لم يبح" قدمه في الكافي والمستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز وقاله الأكثر لأنه قتل بغير جرح أشبه ما لو قتله بالحجر والبندق "وقال ابن حامد يباح" لعموم الآية والخبر والأول أولى لأن العموم فيهما مخصوص بما ذكر من الدليل الدال على عدم إباحته "وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله؟ على وجهين" كذا في المحرر وهما روايتان في الفروع أحدهما يجب قدمه في الكافي والرعاية وصححه في المستوعب كغيره من المحال والثاني لا وجزم به في الوجيز لأن الله تعالى ورسوله أمرا بأكله ولم يأمرا بغسله
فصل
"الثالث: إرسال الآلة قاصدا للصيد" فعلى هذا لو سقط سيف من يده عليه فعقره أو احتكت شاة بشفرة في يده لم تحل "فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده" في قول أكثرهم وقال عطاء والأوزاعي يؤكل إذا جرحه الصائد وقال إسحاق إذا سمى ثم انفلاته أبيح وروى بإسناده عن ابن عمر أنه سئل عن الكلاب تنفلت من مرابطها فتصيد الصيد قال إذا سمى فكل قال الخلال هذا على معنى قول أبي عبد الله وجوابه قوله عليه السلام "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل" متفق عليه ولأن إرسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح ولهذا اعتبرت التسمية معه "وإن زجره" أي لم(9/213)
إلا أن يزيد عدوه بزجره فيحل وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف فقتل صيدا أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا لم يحل صيده إذا قتله وإن رمى حجرا يظنه صيدا فأصاب صيدا لم يحل ويحتمل أن يحل
__________
يحل لأن الزجر لم يزد شيئا عن استرسال الصائد بنفسه "إلا أن يزيد عدوه بزجره فيحل" لأن زجره له أثر في عدوه فصار كما لو أرسله لأن فعل الآدمي إذا انضاف إلى فعل البهيمة كان الاعتبار بفعل الآدمي بدليل ما لو عدا على إنسان فأغراه آدمي فأصابه ضمن فلو أرسله بغير تسمية ثم سمى وزجره فزاد عدوه فظاهر كلام أحمد إباحته لأنه انزجر بتسميته وزجره أشبه التي قبلها وقال القاضي لا لأن الحكم تعلق بالإرسال الأول بخلاف ما إذا استرسل بنفسه ونقل حرب إن صاد من غير أن يرسله لا يعجبني واحتج بأنه لم يذكر اسم الله عليه وفي الروضة إن استرسل الطائر بنفسه فصاد وقتل حل وأكل منه بخلاف الكلب
"وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف" وهو كل مرتفع من بناء أو كثيب رمل أو جبل "فقتل صيدا أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا لم يحل صيده إذا قتله" لأن قصد الصيد شرط ولم يوجد وقيل لا يحرم في السهم
"وإن رمى حجرا يظنه صيدا فأصاب صيدا لم يحل" قدمه السامري وجزم به في الوجيز لأنه لم يقصد صيدا على الحقيقة وكما لو أرسله على غير شيء أو ظنه أو علمه غير صيد فأصاب صيدا "ويحتمل أن يحل" اختاره في المغني لأن صحة القصد تنبني على الظن وقد وجد وصح قصده وكما لو رمى صيدا فأصاب غيره أو هو وغيره نص عليه فإن شك هل هو صيد أم لا لم يبح لأن صحة القصد تنبني على العلم ولم يوجد
تتمة: إذا قصد إنسانا أو حجرا أو رمى عبثا غير قاصد صيدا فقتله لم يحل لأنه لم يقصد صيدا لكون القصد لا يتحقق إلا بعلمه وإن ظنه صيدا فإذا هو صيد حل وإن ظنه كلبا أو خنزيرا لم يبح قال في الرعاية وإن رمى ما ظنه حجرا أو آدميا فبان صيدا أو رمى حجرا ظنه صيدا فأصاب صيدا أو سمع(9/214)
وإن رمى صيدا فأصاب غيره حل وإن رمى صيدا فقتل جماعة حل وإن أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتلته ولولاها ما وصل حل وإن رمى صيدا فأثبته ملكه فإن تحامل فأخذه غيره لزمه رده وإن لم يثبته فدخل خيمة إنسان فأخذه فهو لآخذه ولو وقع في شبكته صيد.
__________
حسا ليلا أو رأى سوادا فأرسل عليه جارحة أو سهمه فأصاب صيدا فوجهان وقيل إن ظنه آدميا معصوما أو بهيمة أو حجرا فقتله فإذا هو صيد لم يبح
"وإن رمى صيدا فأصاب غيره حل" والجارح كالسهم في هذا نص عليه لعموم الآية والخبر ولأنه أرسله على صيد فحل ما صاده كما لو أرسلها على كبار فتفرقت عن صغار أو كما لو أخذ صيدا في طريقه "وإن رمى صيدا فقتل جماعة حل" لأن شرط الحل قصد الصيد في الجملة لا قصد الصيد بعينه وهو موجود فيهما "وإن أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتلته ولولاها ما وصل حل" لأنه قتله بسهمه ورميه أشبه ما لو وقع سهمه على حجر فرده على الصيد فقتله ولأن الإرسال له حكم الحل والريح لا يمكن الاحتراز عنها فسقط اعتبارها
"وإن رمى صيدا فأثبته ملكه" لأنه أزال امتناعه أشبه ما لو قتله "فإن تحامل فأخذه غيره لزمه رده" لأنه ملكه فلزمه كما يلزمه رد ملك غيره كالشاة ونحوها "وإن لم يثبته فدخل خيمة إنسان" أو غيرها "فأخذه فهو لآخذه" لأن الأول لم يملكه لكونه ممتنعا فملكه الثاني بأخذه وقال ابن حمدان إن خرج منها وإلا فلا وقيل هو لصاحب الخيمة ولو نصب خيمة للأخذ ملكه وإن مات فيها فهو له
فرع: إذا رمى طيرا على شجرة في دار قوم فطرحه في دارهم فأخذوه فهو للرامي لأنه ملكه بإزالة امتناعه ذكره في الشرح وفي عيون المسائل إن حمل نفسه فسقط خارج الدار فهو له وإن سقط فيها فهو لهم وفي الرعاية لغيره أخذه على الأصح والمنصوص أنه للموحي
"ولو وقع في شبكته" أو فخه أو شركه "صيد" فهو له لأنه أثبته بآلته "فإن(9/215)
فإن خرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني وإن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة
__________
خرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني" لأنه لم يملكه الأول وما معه لقطة فإن كان يمشي بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فهو لصاحبها لكن إن أمسكه الصائد وثبتت يده عليه ثم انفلت منه لم يزل ملكه عنه كما لو شردت فرسه أو ند بعيره ويستثنى من ذلك ما لو صاده فوجد عليه علامة كقلادة في عنقه أو قرط في أذنه فلو وجد طائرا مقصوص الجناح فلقطة ويملك الصيد بإلجائه إلى مضيق يعجز عن الانفلات منه وكذا إذا وقع في دبق يمنعه من الطيران "وإن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة" قدمه في المحرر والرعاية وجزم به في المستوعب والشرح لأن السمك من الصيد المباح فملكت بالسبق إليها كما لو فتح حجره للأخذ زاد في الوجيز ما لم تكن السفينة معدة للصيد في هذا الحال وقيل هو قبل أن يأخذه على الإباحة فيكون لمن أخذه ومقتضاه أنها إذا وقعت في السفينة فهي لصاحبها لأن السفينة ملكه ويده عليها لكن إن كانت السمكة وثبت بفعل إنسان لقصد الصيد فهي له دون من وقعت في حجره لأن الصائد أثبتها بذلك
فرع: إذا دخلت ظبية داره فأغلق بابه وجهلها أو لم يقصد تملكها ومثله إحياء أرض بها كنز ملكه كنصب خيمة وفي الترغيب إن دخل الصيد داره فأغلق بابه أو برجه فسد المنافذ أو حصلت السمكة في بركته فسد مجرى الماء فقيل يملكه وقيل إن سهل تناوله منه وإلا كمتحجر للإحياء ويحتمل اعتبار قصد التملك بغلق وسد فعلى الأول ما يبنيه الناس من الأبرجة فتعشعش بها الطيور يملكون الفراخ إلا أن تكون الطيور مملوكة فهي لأربابها نص عليه ولو تحول طير من برج زيد إلى برج عمرو لزم عمرو رده وإن اختلط ولم يتميز منع عمرو من التصرف على وجه ينقل الملك حتى يصطلحا ولو باع أحدهما الآخر حقه أو وهبه صح في الأقيس(9/216)
وإن صنع بركة ليصيد بها السمك فما حصل فيها ملكه وإن لم يقصد بها ذلك لم يملكه وكذلك إن حصل في أرضه سمك أو عشش فيها طائر لم يملكه ولغيره أخذه ويكره صيد السمك بالنجاسة وصيد الطير بالشباش
__________
"وإن صنع بركة ليصيد بها السمك فما حصل فيها ملكه" لأنها آلة للصيد قصد بها السمك فملكه وكما لو وقع في شبكة أو فخ أو منجل "وإن لم يقصد بها ذلك لم يملكه" كما لو توحل الصيد في أرضه وفي الترغيب ظاهر كلامه يملكه بالتوحل "وكذلك إن حصل في أرضه سمك أو عشش فيها طائر لم يملكه" لأن الأرض ليست معدة لذلك أشبه البركة التي لم يقصد بها الاصطياد نقل صالح وحنبل فيمن صاد من نخلة بدار قوم هو له فإن رماه ببندقة فوقع فيها فهو لأهلها "ولغيره أخذه" على الأصح قاله في الرعاية كما يجوز له أخذ الماء والكلأ ولأنه باق على الإباحة الأصلية لكن يأثم بدخولها بدون إذن ربها وقيل مستأجرها أولى من ربها والمنصوص أنه للمؤجر
"ويكره صيد السمك بالنجاسة" قدمه في المستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز لما فيه من أكل السمك للنجاسة فيصير كالجلالة وعنه يحرم قدمه في الفروع ونقله الأكثر وقال استعن عليهم بالسلطان وفي المبهج فيه وبمحرم روايتان وكره أحمد الصيد ببنات وردان وقال مأواها الحشوش وكذا بالضفادع "وصيد الطير بالشباش" وهو طائر تخيط عينيه ويربط لأن فيه تعذيبا للحيوان
وكذا يكره من وكره أطلقه في الترغيب وغيره لا بليل وظاهر رواية ابن القاسم لا كالفرخ منه ولا بما يسكر نص على ذلك وفي مختصر ابن رزين يكره بليل
فائدة: لا بأس بشبكة وفخ ودبق قال أحمد وكل حيلة وذكر جماعة يكره بمثقل كبندق وكره الشيخ تقي الدين الرمي به مطلقا لنهي عثمان ونقل ابن منصور لا بأس ببيع البندق يرمى به الصيد لا للعبث وقال ابن هبيرة هو معصية فلو منعه الماء حتى صاده حل أكله وحرمه في الرعاية ,(9/217)
وإذا أرسل الصيد وقال أعتقتك لم يزل ملكه عنه ويحتمل أن يزول ويملكه من أخذه
فصل
الرابع: التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة فإن تركها لم يبح سواء تركها عمدا أو سهوا
__________
ونقل حنبل لا يصاد الحمام إلا أن يكون وحشيا
"وإذا أرسل الصيد وقال أعتقتك لم يزل ملكه عنه" في ظاهر المذهب وذكره ابن حزم إجماعا كبهيمة الأنعام وكانفلاته أو ند أياما ثم صاده آخر نص عليه ولأن الإرسال والإعتاق لا يوجب زوال ذلك قال ابن عقيل لا يجوز أعتقتك في حيوان مأكول لأنه فعل الجاهلية
"ويحتمل أن يزول ويملكه من أخذه" لأن الأصل الإباحة والإرسال يرده إلى أصله بخلاف بهيمة الأنعام ولأن الإرسال هنا بعيد وهو رد الصيد إلى الخلاص من أيدي الآدميين ولهذا روي عن أبي الدرداء أنه اشترى عصفورا من صبي فأطلقه ولأنه يجب إرساله على المحرم إذا أحرم بخلاف بهيمة الأنعام قال بعض أصحابنا العتق إحداث قوة تصادف الرق وهو ضعف شرعي يقوم بالمحل فيمنعه عن دفع يد الاستيلاء عنه والرق غير المالية
فصل
"الرابع: التسمية" في الجملة لقوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وللأخبار "عند إرسال السهم أو الجارحة" لأن ذلك هو الفعل الموجود من المرسل فاعتبرت التسمية عنده كما يعتبر عند الذبح وذكر جماعة أو قبله قريبا فصل بكلام أو لا
"فإن تركها لم يبح سواء تركها عمدا أو سهوا" في ظاهر المذهب نصره في الشرح وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع وذكر القاضي في الخلاف أنه المذهب الصحيح وأنه رواه الجماعة للآية والأخبار والفرق بين(9/218)
وعنه إن نسيها على السهم أبيح وإن نسيها على الجارحة لم تبح
__________
الصيد والذبيحة أن الذبح وقع في محله فجاز أن يسامح فيه بخلاف الصيد ولأن في الصيد نصوصا خاصة ولأن الذبيحة تكثر ويكثر النسيان فيها
"وعنه إن نسيها على السهم أبيح" لقوله عليه السلام "عفي لأمتى عن الخطأ والنسيان" "وإن نسيها على الجارحة لم تبح" والفرق بينهما أن السهم آلة حقيقة وليس له اختيار بخلاف الحيوان فإنه يفعل باختياره وعنه تسقط مع السهو مطلقا ذكره ابن حزم إجماعا قال الخلال سها حنبل في نقله وعنه سنة نقل الميموني الآية في الميتة قد رخص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "في أكل ما لم يسم عليه" وعنه يختص المسلم باشتراطها ونقل حنبل عكسها لأن المسلم فيه اسم الله وليس بجاهل كناس الصوم ذكره في المنتخب وسبق ما يتعلق بذلك
مسألة: إذا سمى على سهم ثم ألقاه وأخذ غيره لم يبح ما صاد به جزم به في الشرح والرعاية لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه اعتبرت على الآلة التي يصيد بها بخلاف الذبيحة وقيل يباح كما لو سمى على سكين وأخذ غيرها(9/219)
كتاب الأيمان
__________
كتاب الأيمان
وهي جمع يمين واليمين القسم والجمع أيمن وأيمان سمي بذلك لأنه كان أحدهم يضرب يمينه على يمين صاحبه فاليمين توكيد الحكم بذكر معظم على وجه مخصوص فهي جملة خبرية تؤكد بها أخرى وهما كشرط وجزاء والأصل فيها الإجماع وسنده قوله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وقوله تعالى {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] والسنة شهيرة بذلك منها: لعبد(9/219)
واليمين
__________
الرحمن ابن سمرة "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر يمينك" متفق عليه ووضعها في الأصل لتأكيد المحلوف عليه لقوله تعالى {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] و {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] ويصح من كل مكلف مختار قاصد لليمين ولا يصح من غير مكلف للخبر ولأنه قول يتعلق به حق فلم يصح من غير مكلف كالإقرار وفي المميز وجه قاله في المذهب وفي السكران وجهان بناء على التكليف وعدمه قاله في المغني والشرح وبناه في الكافي على طلاقه وتصح من الكافر وتلزمه الكفارة بالحنث نص عليه في مواضع وقاله جمع وقال لا تنعقد يمينه لقوله تعالى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] ولأنه ليس بمكلف وجوابه أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره ولأنه من أهل القسم لقوله تعالى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] قال القاضي في الخلاف ولا خلاف أنه يستحلف عند الحاكم وكل من صحت يمينه عند الحاكم صحت يمينه عند الانفراد كالمسلم وعن الآية أنهم لا يفون بها لقوله تعالى {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} ولا نسلم أنه غير مكلف.
"اليمين" تنقسم خمسة أقسام واجب كالتي ينجي بها إنسانا معصوما من هلكة وكذا إنجاء نفسه مثل أن تتوجه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو برئ ومندوب كحلف يتعلق به مصلحة من إصلاح بين متخاصمين وإن حلف على فعل طاعة أو ترك معصية فقيل هو مندوب لأن ذلك يدعوه إلى فعل الطاعة وترك المعصية وقيل لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يفعلونه في الأغلب ولو كان طاعة لم يخلوا به ولأن ذلك يجري مجرى النذر
ومباح كالحلف على فعل مباح أو تركه والحلف على الخبر بشيء هو صادق فيه أو يظن أنه صادق
ومكروه كالحلف على ترك مكروه ولا يلزم حديث الأعرابي والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا ولا أنقص لأن اليمين على تركها لا يزيد على تركها ولو تركها لم ينكر عليه ومنه الحلف على البيع والشراء .(9/220)
التي تجب بها الكفار هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته وأسماء الله تعالى قسمان أحدهما ما لا يسمى به غيره نحو والله والقديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء وخالق الخلق ورازق العالمين فهذا القسم به يمين بكل حال والثاني ما يسمى به غيره وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى كالرحمن والرحيم والعظيم والقادر والرب والمولى والرازق ونحوه فهذا إن نوى بالقسم به اسم الله تعالى أو أطلق فهو يمين وإن نوى غيره فليس بيمين
__________
وحرام: وهو الحلف الكاذب ومنه الحلف على معصية أو ترك واجب ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم فحلها حرام وإن كانت على مندوب أو ترك مكروه فحلها مكروه وإن كانت على مباح فحلها مباح قال في الرعاية وحفظ اليمين أولى وإن كانت على فعل مكروه وترك مندوب فحلها مندوب وإن كانت على فعل محرم أو ترك واجب فحلها واجب "التي تجب بها الكفارة" بشرط الحنث "هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته" لأن اليمين إذا أطلقت تنصرف إليه ولأن صفات الله تعالى قديمة فكان الحلف بها موجبا للكفارة كالحلف بالله تعالى وكوجه الله تعالى نص عليه وعظمته وإرادته وقدرته وعلمه "وأسماء الله تعالى قسمان أحدهما ما لا يسمى به غيره نحو والله والقديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء وخالق الخلق ورازق العالمين" وكذا رب العالمين ومالك يوم الدين ورب السموات والأرض "فهذا القسم به يمين بكل حال" نوى به اليمين أولا لأن اليمين بذلك صريح في مقصوده فلم يفتقر إلى نية كصريح الطلاق ونحوه "والثاني ما يسمى به غيره وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى كالرحمن والرحيم والعظيم والقادر والرب والمولى والرازق ونحوه فهذا إن نوى بالقسم به اسم الله تعالى أو أطلق فهو يمين" لأنه بإطلاقه ينصرف إليه "وإن نوى غيره فليس بيمين" لأنه(9/221)
وأما ما لا يعد من أسمائه كالشيء والموجود فإن لم ينو به الله تعالى لم يكن يمينا وإن نواه كان يمينا وقال القاضي لا يكون يمينا أيضا وإن قال وحق الله وعهد الله وأيم الله وأمانة الله وميثاقه وقدرته
__________
يستعمل في غيره قال الله تعالى {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف50] و {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف:42] {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] ومثل رحمان اليمامة ورجل رحيم والمولى المعتق والقادر باكتسابه والعالم في البلد ورازق الجند لأنه لما أراد به غيره لم يبق يمينا لعدم تناوله لما يوجب القسم وفي المغني والكافي إن الرحمن من القسم الأول قال في الشرح وهو أولى لأن ذلك إنما يسمى به غير الله مضافا لقولهم في مسيلمة رحمان اليمامة والذي ذكره المؤلف هنا أورده السامري وابن حمدان مذهبا وذكر القاضي في الخلاف والتعليق أنه إذا قال والرب والخالق والرازق لا فعلت كذا وأطلق ولم ينو اليمين أنه يخرج على روايتي أقسم وقيل يمين مطلقا وقاله طلحة العاقولي.
"وأما ما لا يعد من أسمائه" ولا ينصرف إطلاقه إليه ويحتمله "كالشيء والموجود" والحي والعالم والمؤمن والكريم "فإن لم ينو به الله تعالى لم يكن يمينا" لأن الحلف الذي تجب به الكفارة لم يقصد ولا اللفظ ظاهر في إرادته فوجب ألا يترتب عليه ما يترتب على الحلف بالله تعالى "وإن نواه كان يمينا" على المذهب لأنه يصح أن يقسم بشيء يصح أن يراد به الله تعالى قاصدا به الحلف فكان يمينا مكفرة كالملك والقادر "وقال القاضي لا يكون يمينا أيضا" لأن اليمين إنما تنعقد بحرمة الاسم فمع الاشتراك لا تكون له حرمة والنية المجردة بها اليمين وجوابه أنه أقسم باسم الله تعالى قاصدا الحلف به فكان يمينا وما انعقدت بالنية المجردة وإنما انعقدت بالاسم المحتمل المراد به اسم الله تعالى فإن النية تصرف اللفظ إلى بعض محتملاته فيصير كالمصرح به كالكنايات "وإن قال وحق الله وعهد الله وايم الله وأمانة الله ,(9/222)
وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته ونحو ذلك فهو يمين
__________
وميثاقه وقدرته وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته ونحو ذلك فهو يمين" وفيه مسائل:
الأولى إذا قال في حلفه وحق الله فهي يمين مكفرة وقاله الأكثر لأن لله حقوقا يستحقها لنفسه من البقاء والعظمة والجلال والعزة وقد اقترن عرف الاستعمال بالحلف بها فينصرف إلى صفة الله تعالى كقوله وقدرة الله الثانية إذا قال وعهد الله وكفالته فهي يمين مكفرة لأن عهد الله يحتمل كلامه الذي أمرنا به ونهانا لقوله تعالى {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} [يس: 60] وكلامه قديم صفة له ويحتمل أنه استحقاق لما تعبدنا به وقد ثبت عرف الاستعمال فيجب أن يكون يمينا بإطلاقه كقوله وكلام الله وإذا ثبت هذا فإنه إذا قال علي عهد الله وميثاقه لأفعلن كذا فهو يمين وفيه رواية ذكرها ابن عقيل لأن العهد من صفات الفعل فلا يكون الحلف به يمينا كما لو قال وخلق الله الثالثة إذا قال وايم الله فهي يمين مكفرة في الأصح لأنه عليه السلام كان يقسم به وانضم إليه عرف الاستعمال فوجب أن يصرف إليه كالحلف بعمر الله وعنه إن نوى اليمين وإلا فلا اختارها أبو بكر.
فائدة: "ايم" كايمن وهمزته همزة وصل تفتح وتكسر وميمه مضمومة وقالوا ايمن الله بضم الميم والنون مع كسر الهمزة وفتحها وقال الكوفيون ألفها ألف قطع وهي جمع يمين فكانوا يحلفون باليمين فيقولون ويمين الله قاله أبو عبيد وهو مشتق من اليمن والبركة
الرابعة: إذا قال في حلفه وأمانة الله فهي يمين مكفرة نص عليه ولا يختلف المذهب فيه إذا نوى صفة الله تعالى لما ذكر في عهد الله
الخامسة: إذا قال في حلفه وميثاق الله وقدرته كعلم الله تعالى فإن نوى القسم بالمعلوم والمقدور فقدم في الرعاية أنه ليس يمينا والمنصوص أنه يمين
مسألة: يكره الحلف بالأمانة لما روى بريده مرفوعا قال ليس منا من حلف بالأمانة رواه أبو داود ورجاله ثقات.
السادسة: إذا قال في قسمه وعظمة الله وكبريائه وجلاله فهو يمين(9/223)
وإن قال: والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يمينا إلا أن ينوي صفة الله تعالى وعنه يكون يمينا وإن قال لعمرو الله كان يمينا وقال أبو بكر لا يكون يمينا إلا أن ينوي
__________
مكفرة في قولهم جميعا كعزة الله وعلمه لأن هذه من صفات ذاته لم يزل موصوفا بها وقد وردت الأخبار بالحلف بعزة الله تعالى.
"وإن قال والعهد والميثاق وسائر ذلك" أي باقيه "ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يمينا" لأنه يحتمل غير الله فلم يكن يمينا كالشيء والموجود "إلا أن ينوي" بإطلاقه "صفة الله تعالى" فيكون يمينا على المذهب لأن النية تجعل للعهد ونحوه كأمانة الله تعالى ولأنه حلف بصفة من صفات الله تعالى "وعنه" بإطلاقه "يكون يمينا" لأن اللام إذا كانت للتعريف صرفته إلى عهد الله تعالى وإن كانت للاستغراق دخل فيه ذلك والأول أشهر وجزم به في المستوعب والوجيز لأنه يحتمل غير ما تجب به الكفارة مع أن أحمد غلظ أمر العهد وقال هو شديد في عشرة مواضع من كتاب الله تعالى وحلفت عائشة لا تكلم ابن الزبير فلما كلمته أعتقت أربعين رقبة وكانت تبكي حتى تبل خمارها وتقول واعهداه قال ويكفر إذا حلف بالعهد وحنث بأكثر من كفارة يمين.
"وإن قال لعمرو الله كان يمينا" نصره القاضي في الخلاف وذكر أنه المذهب وقدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لأنه أقسم بصفة من صفات الله تعالى فهو كالحلف ببقاء الله تعالى كقوله تعالى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] وقال الشاعر
إذا رضيت كرام بني بشير ... لعمرو الله أعجبني رضاها
إذ العمر بفتح العين وضمها الحياة واستعمل في القسم المفتوح خاصة واللام للابتداء وهو مرفوع بالابتداء والخبر محذوف وجوبا تقديره قسمي
"وقال أبو بكر لا يكون يمينا إلا أن ينوي" هذا رواية لأنه إنما يكون يمينا بتقدير خبر محذوف فكأنه قال لعمرو الله ما أقسم به فيكون مجازا والمجاز لا ينصرف إليه الإطلاق والأول أصح لأن احتياج الكلام إلى تقدير لا يضر ؛(9/224)
وإن حلف بكلام الله تعالى أو بالمصحف أو بالقرآن فهي يمين فيها كفارة واحدة وعنه بكل آية كفارة وإن قال أحلف بالله أو أشهد بالله أو أقسم بالله أو أعزم بالله كان يمينا
__________
لأن اللفظ إذا اشتهر في العرف صار من الأسماء العرفية فيحمل عليه عند الإطلاق دون موضوعه الأصلي
فرع: إذا قال لعمرك الله فقيل هو مثل نشدتك الله وإن قال لعمرك أو لعمري أو عمرك فليس بيمين في قول أكثرهم لأنه أقسم بحياة مخلوق ونقل الجوزجاني إذا قال لعمري كان يمينا وقاله الحسن فتجب به الكفارة
"وإن حلف بكلام الله تعالى أو بالمصحف أو بالقرآن" أو آية منه "فهي يمين" في قول عامتهم لأن القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به ولم يكره أحمد الحلف بالمصحف لأن الحالف إنما قصد المكتوب فيه وهو القرآن فإنه عبارة عما بين دفتي المصحف بالإجماع "فيها كفارة واحدة" قدمه الأئمة منهم الجد وهو قياس المذهب وقاله الأكثر لأن الحلف بصفات الله تعالى وتكرار اليمين بها لا يوجب أكثر من كفارة فهذا أولى وكسائر الأيمان
"وعنه بكل آية كفارة" إن قدر قال في الكافي هي المنصوصة عنه واختارها الخرقي وهي قول الحسن لما روى مجاهد مرفوعا "من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية كفارة ويمين صبر" ورواه الأثرم ورواه بمعناه أبو نصر السجزي وابن أبي داود في فضائل القرآن من حديث أبي هريرة وروي عن ابن مسعود أيضا قال أحمد ما أعلم شيئا يدفعه وعنه يجب مطلقا وفي الفصول وجه بكل حرف وفي الروضة من حلف بالمصحف فحنث فكفارة واحدة رواية واحدة "وإن قال أحلف" أو حلفت "بالله أو أشهد بالله أو أقسم بالله أو أعزم بالله كان يمينا" في قول الأكثر سواء نوى اليمين أو أطلق ويشهد لذلك قوله تعالى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعام: 109] {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:6] .(9/225)
وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يمينا إلا أن ينوي وعنه يكون يمينا
فصل
وحروف القسم: الباء
__________
وقال عبد الله بن رواحة
أقسمت بالله لتنزلنه
...
طائعة أو لتكرهنه
وأنشد أعرابي
أقسم بالله لتفعلنه
ولأنه لو قال بالله ولم يذكر الفعل كان يمينا فإذا ضم إليه ما يؤكده كان أولى وحكاه ابن هبيرة عن الأكثر في أقسم وأشهد بالله "وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يمينا" لأنه يحتمل القسم بالله ويحتمل القسم بغيره فلم يكن يمينا كغيره مما يحتملهما "إلا أن ينوي" لأن النية تصرف اللفظ إلى القسم بالله فيجب جعله يمينا كما لو صرح به وقد ثبت له عرف الشرع والاستعمال "وعنه يكون يمينا" لقول أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم أقسمت عليك لتخبرني بما أصبت مما أخطأت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقسم يا أبا بكر" رواه أبو داود ولقول العباس للنبي صلى الله عليه وسلم أقسمت عليك لتبايعنه فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال "أبررت قسم عمي" لكن قال في المغني والشرح عزمت وأعزم ليس يمينا ولو نوى لأنه لا شرع ولا لغة ولا فيه دلالة عليه ولو نوى
تنبيه: إذا قال آليت وآلي وأولي بالله يمين فيها كفارة صرح به جماعة وإن نوى الخبر عما يفعله ثانيا أو عما فعله ماضيا فليس يمينا قدمه في الرعاية وكذا إن قال علي يمين وأراد عقد اليمين لأنه لم يأت باسم الله تعالى ولا صفته وإن قال قسما بالله فهو يمين تقديره أقسمت قسما
فصل
"وحروف القسم: الباء" وهي الأصل لأنها الحرف التي تصل بها الأفعال(9/226)
والواو والتاء باسم الله خاصة ويجوز القسم بغير حرف القسم فيقول الله لأفعلن بالجر والنصب وإن قال الله لأفعلن مرفوعا كان يمينا إلا أن يكون من أهل العربية ولا ينوي به اليمين
__________
القاصرة عن التعدي إلى مفعولاتها وتدخل على المضمر والمظهر "والواو" وهي بدل منها ويليها المظهر وهي أكثر استعمالا "والتاء" وهي بدل من الواو وتختص "باسم الله خاصة" فإذا أقسم بأحد هذه الحروف الثلاثة في موضعه كان قسما صحيحا لأنه موضوع له وقد جاء في كتاب الله العزيز وكلام العرب فإن ادعى أنه لم يرد القسم بها لم يقبل وقيل بلى في تالله لأقومن إذا قال أردت قيامي بمعونة الله تعالى ولا يقبل في الحرفين الآخرين والأول أولى
مسألة: جوابه في الإيجاب إن خفيفة وثقيلة وباللام في المبتدأ والفعل المضارع مقرونا بنوني التوكيد وقد يتعاقبان وفي الماضي مع قد وقد تحذف معها اللام لطول الكلام وفي النفي بما وإن بمعناها وبلا وتحذف لامه لفظا نحو والله أفعل
"ويجوز القسم بغير حرف القسم فيقول الله لأفعلن بالجر والنصب" والمراد: انقعاد اليمين لأنه لغة صحيحة وقد ورد به عرف الاستعمال في الشرع فروى ابن مسعود أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل أبا جهل قال له النبي صلى الله عليه وسلم "إنك قتلته" قال آلله إني قتلته وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة لما طلق امرأته "آلله ما أردت إلا واحدة؟!" وفي اللغة قال امرؤ القيس
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
...
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
"وإن قال الله لأفعلن مرفوعا كان يمينا" لأنه في العرف العام يمين ولم يوجد ما يصرفه عنه فوجب كونه يمينا كالقسم المحض وفي المغني لا كما لو كان القائل من أهل العربية "إلا أن يكون من أهل العربية" ولا ينوي به اليمين لأنه ليس بيمين في عرف أهل اللغة ولا نواها مقتضاه أنه إذا نواها كان يمينا لأنه قصد القسم أشبه ما لو جر وفي الشرح فإن قال الله لأفعلن بالرفع ونوى اليمين فهو يمين إلا أنه قد لحن وإن لم ينو فقال أبو الخطاب :(9/227)
ويكره الحلف بغير الله تعالى وصفاته.
__________
يكون يمينا إلا أن يكون من أهل العربية وقيل لا يكون يمينا في حق العامي انتهى
قال القاضي ولو تعمده لم يضر لأنه لا يحيل المعنى وقال الشيخ تقي الدين الأحكام تتعلق بما أراده الناس بالألفاظ الملحونة كقوله حلفت بالله رفعا ونصبا والله بأصوم أو بأصلي ونحوه وكقول الكافر أشهد أن محمدا رسول الله برفع الأول ونصب الثاني
فرع: هاء الله يمين بالنية قاله أكثر الأصحاب وعدها في المستوعب حرف قسم وإن لم ينو فالظاهر لا يكون يمينا لأنه لم يقترن بها عرف ولا نية ولا جوابه حرف يدل على القسم
"ويكره الحلف بغير الله تعالى وصفاته" قدمه في الرعاية وجزم به في المستوعب قيل لأحمد يكره الحلف بعتق أو طلاق أو شيء قال سبحان الله لم لا يكره لا يحلف إلا بالله تعالى لما روى عمر مرفوعا قال "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" متفق عليه ويحتمل أن يكون محرما قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز قال ابن مسعود وغيره لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا
قال الشيخ تقي الدين لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك يؤيده ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه الترمذي وحسنه ورجاله ثقات فعلى هذا اختار الشيخ تقي الدين أنه يعزر مع تحريمه واختار فيمن حلف بعتق أو طلاق وحنث يخير بين أن يوقعه أو يكفر كحلفه بالله ليوقعنه وذكر أن الطلاق يلزمني ونحوه يمين بالاتفاق وخرجه على نصوص أحمد وهو خلاف صريحها وعنه يجوز لقوله عليه السلام للأعرابي الذي سأله عن الصلاة "أفلح وأبيه إن صدق" ولأن الله تعالى أقسم ببعض مخلوقاته وجوابه ما قال ابن(9/228)
ويحتمل أن يكون محرما ولا تجب الكفارة باليمين به سواء أضافه إلى الله تعالى مثل قوله ومعلوم الله وخلقه ورزقه وبيته أو لم يضفه مثل والكعبة والنبي وقال أصحابنا تجب الكفارة بالحلف برسول الله خاصة
__________
عبد البر إن هذه اللفظة غير محفوظة وإنما أقسم بمخلوقاته فإنها دالة على قدرته وعظمته ولله أن يقسم بما شاء وقيل في أقسامه إضمار القسم أي برب هذه الأشياء فعلى الأول يستغفر الله تعالى قال ابن حزم اتفقوا أن من حلف بحق زيد أو عمرو وبحق أبيه أنه آثم ولا كفارة عليه.
"ولا تجب الكفارة باليمين به" لأن الكفارة وجبت في الحلف بالله وصفاته صيانة للاسم الأعظم وغيره لا يساويه "سواء أضافه إلى الله تعالى مثل قوله ومعلوم الله وخلقه ورزقه وبيته أو لم يضفه مثل والكعبة والنبي" لاشتراكهما في الحلف بغير الله تعالى "وقال أصحابنا تجب الكفارة بالحلف برسول الله خاصة" ونص عليه في رواية أبي طالب فقال فيمن حلف بحق رسول الله وجبت عليه الكفارة لأنه أحد شرطي الشهادة أشبه الحلف باسم الله تعالى والتزم ابن عقيل أن الحلف بغيره من الأنبياء كهو والأشهر أنها لا تجب به وهو قول أكثر الفقهاء لدخوله في عموم الأحاديث وكسائر الأنبياء وقول أحمد محمول على الاستحباب
فرع: لا يلزمه إبرار قسم في الأصح كإجابة سؤال بالله قال الشيخ تقي الدين إنما يجب على معين فلا تجب إجابة سائل يقسم على الناس وروى أحمد والترمذي وقال حسن غريب عن ابن عباس مرفوعا قال وأخبركم بشر الناس قلنا نعم يا رسول الله قال "الذي يسأل بالله ولا يعطى به" فدل على إجابة من سأل بالله .(9/229)
فصل
ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط أحدها أن تكون اليمين منعقدة وهي التي يمكن فيها البر والحنث وذلك الحلف على مستقبل ممكن وأما اليمين على الماضي فليست منعقدة وهي نوعان يمين الغموس وهي التي يحلف بها كاذبا عالما بكذبه
__________
فصل
"ويشترط لوجوب الكفارة" وهي على الحالف في قول ابن عمر وأهل المدينة والعراق وحكي عنه على المحنث "ثلاثة شروط أحدها أن تكون اليمين منعقدة" لأن غير المنعقدة إما غموس أو نحوها وإما لغو ولا كفارة في واحد منهما "وهي التي يمكن فيها البر والحنث" لأن اليمين للحنث والمنع "وذلك الحلف على مستقبل ممكن" لقوله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} الآية [المائدة: 89] فأوجب الكفارة بالأيمان المنعقدة قال ابن جرير معناها أوجبتموها على أنفسكم فظاهره إرادة المستقبل من الزمان لأن العقد إنما يكون في المستقبل دون الماضي قال ابن عبد البر اليمين التي فيها الكفارة بالإجماع هي اليمين على المستقبل من الأفعال "وأما اليمين على الماضي فليست منعقدة" لأن شرط الانعقاد إمكان البر والحنث وذلك في الماضي متعذر وحاصله كما قاله في الرعاية أن الحلف على مستقبل إرادة تحقيق خبر فيه ممكن بقول يقصد به الحث على فعل الممكن أو تركه والحلف على الماضي إما بر وهو الصادق وإما غموس وهو الكاذب أو لغو وهو ما لا أجر فيه ولا إثم ولا كفارة والأولى أنها عبارة عن تحقيق الأمر أو توكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته.
"وهي نوعان: يمين الغموس" وهي اليمين الكاذبة الفاجرة يقتطع بها حق غيره وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار وغموس للمبالغة "وهي التي يحلف بها" على الماضي "كاذبا عالما بكذبه" ظاهر المذهب أن(9/230)
وعنه فيها الكفارة ومثلها الحلف على مستحيل كقتل الميت وإحيائه وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه الثاني لغو اليمين وهو أن يحلف على شيء يظنه فيبين بخلافه فلا كفارة فيها
__________
يمين الغموس لا كفارة فيها ونقله عن أحمد الجماعة وهو قول أكثر العلماء لأنها يمين غير منعقدة ولا توجب برا ولا يمكن فيها أشبهت اللغو ولأن الكفارة لا ترفع إثمها فلا تشرع فيها قال ابن مسعود كنا نعد من اليمين التي لا كفارة فيها اليمين الغموس رواه البيهقي بإسناد جيد وهي من الكبائر للخبر الصحيح التي لا تمحوها الكفارة "وعنه فيها الكفارة" لأنها تجمع الحلف بالله تعالى والمخالفة مع القصد فوجبت فيها الكفارة كالمستقبل وحينئذ يأثم كما يلزمه عتق وطلاق وظهار وحرام ونذر فيكفر كاذب في لعانه.
"مثلها الحلف على مستحيل كقتل الميت وإحيائه وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه" أما المستحيل عقلا كصوم أمس والجمع بين الضدين فإذا حلف لم تنقعد يمينه قاله أبو الخطاب وقدمه في الكافي وغيره لعدم تصور البر فيها كاليمين الغموس وقال القاضي تنعقد يمينه موجبة للكفارة في الحال وهو قياس المذهب لأنها يمين على مستقبل ولا فرق بين أن يعلم استحالته أو لا وأما المستحيل عادة كإحياء الميت وقلب الأعيان فإذا حلف على فعله انعقدت يمينه قاله القاضي وأبو الخطاب وقطع به السامري لأنه يتصور وجوده وتلزمه الكفارة في الحال لأنه مأيوس منه وقياس المذهب أنها غير منعقدة كالتي قبلها قاله في الكافي وجزم بهما في الوجيز وفي الرعاية أوجه في المحال عادة فقط
"الثاني: لغو اليمين وهو أن يحلف على شيء" ماض "يظنه فيبين بخلافه فلا كفارة فيها" وحكاه ابن عبد البر إجماعا وفي الكافي هو ظاهر المذهب لقوله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} وهذا منه ولأنه يكثر فلو وجبت فيه الكفارة لشق وتضرروا به وهو منتف شرعا وكيمين الغموس وعنه فيه الكفارة وليس من لغو اليمين وذكره ابن عقيل بمعناه قالت عائشة أيمان اللغو ما كان في المراء والمزاحة والهزل والحديث الذي لا يعقد(9/231)
فصل
الثاني: أن يحلف مختارا فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه وإن سبقت اليمين على لسانه من غير قصد إليها كقوله لا والله وبلى والله في عرض حديثه فلا كفارة عليه.
__________
عليه القلب وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على جد من الأمر في غضب أو غيره إسناده جيد واحتج به الأصحاب وذكر ابن هبيرة عن الأكثر أن لغو اليمين أن يحلف بالله على أمر يظنه فيتبين بخلافه سواء قصده أم لم يقصده وخصه أحمد بالماضي فقط وقطع جماعة بحنثه في عتق وطلاق لوجود الصفة وقيل إن عقدها يظن صدق نفسه فبان خلافه فكمن حلف على فعل شيء وفعله ناسيا
فصل
"الثاني أن يحلف مختارا فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه" ذكره الأصحاب لقوله عليه السلام "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وعنه تنعقد حكاها أبو الخطاب لخبر حذيفة رواه مسلم وككفارة الصيد وجوابه قوله عليه السلام "ليس على مقهور يمين" ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر وكفارة الصيد كمسألتنا.
"وإن سبقت اليمين على لسانه من غير قصد إليها كقوله لا والله وبلى والله في عرض حديثه" عرض الشيء بالضم جانبه وبالفتح خلاف طوله "فلا كفارة عليه" على الأصح وهو قول أكثرهم لأنها من لغو اليمين لما روى عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله" رواه أبو داود قال ورواه الزهري وعبد الله بن أبي سليمان ومالك بن مغول عن عطاء عن عائشة موقوفا وكذا رواه البخاري ولأن اللغو في كلام العرب الكلام غير المعقود عليه وهذا كذلك وذكر ابن هبيرة أنه إذا جرى على لسانه يمين على قول مستقبل فإن يمينه تنعقد في رواية فإن حنث فيها ,(9/232)
الثالث الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله مختارا ذاكرا وإن فعله ناسيا أو مكرها فلا كفارة عليه وعنه على الناسي كفارة وإن حلف فقال إن شاء الله لم يحنث
__________
وجبت الكفارة وفي المحرر والرعاية فلا كفارة عليه إن كان في الماضي زاد في الرعاية في الأشهر وإن كان في المستقبل فروايتان وذكر السامري وغيره أنه لا كفارة فيها سواء قلنا هي من لغو اليمين أم لا وذكر ابن عقيل أن فيها الكفارة إن قلنا ليس هو من لغو اليمين
"الثالث: الحنث في يمينه" لأن من لم يحنث لا كفارة عليه لأنه لم يهتك حرمة القسم "بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله" لأن الحنث الإثم ولا وجود له إلا بما ذكر "مختارا ذاكرا" لأن غيرهما المكره والناسي ونبه عليهما بقوله "وإن فعله ناسيا أو مكرها فلا كفارة عليه" ذكره في الوجيز ونصر في الشرح أنه لا يحنث في يمين مكفرة ويحنث في عتق وطلاق قال السامري اختاره أكثر شيوخنا ولأن فعل المكره لا ينسب إليه فلم تكن عليه كفارة كما لو لم يفعله وقال أبو الخطاب الإكراه كالنسيان لشمول الحديث لهما وذكر في الشرح المكره على الفعل ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يلجأ إليه فلا يحنث في قول أكثرهم الثاني أن يكره بالضرب ونحوه ففيه روايتان إحداهما يحنث ككفارة الصيد ونصر في الشرح عدمه ولا نسلم الكفارة في الصيد بل إنما تجب على المكره.
"وعنه على الناسي كفارة" لأن الفعل ينسب إليه في الجملة أشبه الذاكر والفرق واضح.
"وإن حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" ويسمى هذا استثناء لقوله عليه السلام "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" رواه أحمد والترمذي وقال سألت محمدا عنه فقال هذا خطأ أخطأ فيه عبد الرزاق ورواه النسائي ولفظه قد استثنى وابن ماجة ولفظه فله ثنياه وعن ابن عمر مرفوعا قال "من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه" رواه أحمد(9/233)
فعل أو ترك إذا كان متصلا باليمين
__________
والنسائي والترمذي وحسنه وقال رواه غير واحد عن ابن عمر موقوفا ولا نعلم أحدا رفعه عن أيوب السختياني والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ولأنه متى قال لأفعلن إن شاء الله فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل ومتى لم يفعل لم يشأ الله.
"فعل أو ترك إذا كان متصلا باليمين" من غير فصل بكلام أجنبي ولا سكوت يمكن الكلام فيه لأن الاستثناء من تمام الكلام فاعتبر اتصاله كالشرط وجوابه وخبر المبتدأ والاستثناء ب إلا فعلى هذا لو سكت لانقطاع نفسه أو عطس ونحوه لم يمنع صحة الاستثناء وعنه مع فصل يسير ولم يتكلم جزم به في عيون المسائل قال في رواية أبي داود حديث ابن عباس "والله لأغزون قريشا ثم سكت ثم قال إن شاء الله" ثم لم يغزهم إنما هو استثناء بالقرب ولم يخلط كلامه بغيره ونقل عنه إسماعيل بن سعيد مثله ويحتمله كلام الخرقي فإنه قال إذا لم يكن بين اليمين والاستثناء كلام وعنه وفي المجلس وحكاه في الإرشاد عن بعض أصحابنا قدم الاستثناء على الجزاء أو أخره وعن ابن عباس إذا استثنى بعد سنة فله ثنياه وهو قول مجاهد وهذا لا يصح قال أحمد حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة "إذا حلفت على يمين...." الخبر ولم يقل فاستثن ولو جاز لأمر به وحمله في موضع آخر على قوله تعالى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ....} الآية [الكهف: 23] فهذا استثناء من الكذب لأن الكذب ليس فيه كفارة وهو أشد من اليمين لأن اليمين تكفر والكذب لا يكفر قال ابن الجوزي فائدته الخروج من الكذب وفي المبهج يصح ولو تكلم ويشترط نطقه إلا من مظلوم خائف نص عليه ولم يقل في المستوعب خائف لأن يمينه غير منعقدة أو لأنه بمنزلة المتأول
وفي اعتبار قصد الاستثناء وجهان فائدتهما فيمن سبق على لسانه عادة أو أتى به تبركا ولم يعتبره الشيخ تقي الدين وإن شك في الاستثناء فالأصل عدمه قال الشيخ تقي الدين إلا ممن عادته الاستثناء واحتج بالمستحاضة تعمل بالعادة والتمييز ولم تجلس أقل الحيض والأصل وجوب العبادة(9/234)
وإذا حلف ليفعلن شيئا ونوى وقتا بعينه تقيد به وإن لم ينو لم يحنث حتى ييأس من فعله إما بتلف المحلوف عليه أو موت الحالف ونحو ذلك وإذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها استحب له الحنث والتكفير ولا يستحب تكرار الحلف
__________
"وإذا حلف ليفعلن شيئا ونوى وقتا بعينه تقيد به" لأن النية تصرف ظاهر اللفظ إلى غير ظاهره فلأن تصرفه إلى وقت آخر بطريق الأولى "وإن لم ينو لم يحنث حتى ييأس من فعله إما بتلف المحلوف عليه أو موت الحالف ونحو ذلك" لقول عمر يا رسول الله ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال "بلى أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟" قال لا "قال فإنك آتيه ومطوف به" ولأن المحلوف على فعله لم يتوقف بوقت معين وفعله ممكن فلم تحصل مخالفة ما حلف عليه وذلك يوجب عدم الحنث لأن شرطه المخالفة "وإذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها استحب له الحنث والتكفير" كذا في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع لأخبار منها خبر عبد الرحمن بن سمرة وأبي موسى متفق عليهما وعن عائشة "أن أبا بكر رضي الله عنه لم يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين فقال لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني" رواه البخاري وقدم في الترغيب أن بره وإقامته على يمينه أولى وسبق تقسيمه إلى الخمسة ولا يستحب تكرار الحلف كذا في المستوعب والفروع وظاهره الكراهة وصرح بها في الرعاية لقوله تعالى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] هذا ذم له يقتضي كراهة فعله فإن لم يخرج إلى حد الإكثار فليس بمكروه إلا أن يقترن به ما يقتضي كراهته ونقل حنبل لا يكثر الحلف لأنه مكروه لقوله تعلى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] وبعضهم كرهه مطلقا وجوابه بأنه عليه السلام حلف في غير حديث ولو كان مكروها كان أبعد الناس منه وأما الآية فمعناها لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر والتقوى والإصلاح بين الناس قال أحمد وذكر حديث ابن عباس بإسناده في قوله تعالى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} الرجل يحلف ألا يصل قرابته وقد جعل الله له مخرجا في التكفير ,(9/235)
وإن دعي إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب افتداء يمينه فإن حلف فلا بأس
فصل
وإن حرم أمته أو شيئا من الحلال
__________
فليكفر عن يمينه ويبر وإن كان النهي عاد إلى اليمين فالنهي عنه الحلف على قول البر والتقوى والإصلاح بين الناس لا على كل يمين "وإن دعي إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب" وفي الفروع وغيره فالأولى "افتداء يمينه" لما روي "أن عثمان والمقداد تحاكما إلى عمر في مال استقرضه المقداد فجعل عمر اليمين على المقداد فردها على عثمان فقال عمر لقد أنصفك فأخذ عثمان ما أعطاه المقداد ولم يحلف فقيل له في ذلك فقال خفت أن يوافق قدر بلاء فيقال يمين عثمان.
"فإن حلف فلا بأس" كذا في المحرر والوجيز قال بعض أصحابنا تركه أولى فيكون مكروها والأشهر أنه ليس بمكروه وإنما هو مباح كتركه لأن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام أن يحلف على تصديق ما أخبره في ثلاثة مواضع في القرآن في سبأ ويس والتغابن وقال عمر على المنبر وفي يده عصا "أيها الناس لا تمنعنكم اليمين من حقوقكم" ولأنه حلف صدق على حق أشبه الحلف عند غير الحاكم قال في الفروع ويتوجه فيه يستحب لمصلحة كزيادة طمأنينة وتوكيد الأمر وغيره ومنه قوله عليه السلام لعمر عن صلاة العصر "والله ما صليتها" تطمينا منه لقلبه
فرع: ذكر في المستوعب والرعاية أنه إن أراد اليمين عند غير الحاكم فالمشروع أن يقول والذي نفسي بيده والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا ومقلب القلوب وما أشبه ذلك
فصل
"وإن حرم أمته أو شيئا من الحلال" كطعام ولباس ونحوهما سوى الزوجة(9/236)
لم يحرم وعليه كفارة يمين إن فعله ويحتمل أن يحرم عليه تحريما تزيله الكفارة وإن قال هو يهودي أو كافر أو بريء من الله أو من الإسلام أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم إن فعل ذلك فقد فعل محرما وعليه كفارة إن فعل في إحدى الروايتين
__________
"لم يحرم" على المذهب لأنه تعالى سماه يمينا بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ.....} [التحريم: 1] إلى قوله {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} واليمين على الشيء لا تحرمه فكذا إذا حرمه ولأنه لو كان محرما لتقدمت الكفارة عليه كالظهار ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وسماه خيرا "وعليه كفارة يمين إن فعله" نص عليه لقوله تعالى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] يعنى التكفير وسبب نزولها أنه عليه السلام قال "لن أعود إلى شرب العسل" متفق عليه وزاد البخاري تعليقا وقد حلفت وعن ابن عباس وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تحريم الحلال يمينا ومقتضاه أنه إذا ترك ما حرمه على نفسه أنه لا شيء عليه "ويحتمل أن يحرم عليه تحريما تزيله الكفارة" هذا وجه لقوله تعالى {لمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] وكتحريم الزوجة وجوابه أنه إذا أراد التكفير فله فعل المحلوف عليه وحل فعله مع كونه محرما تناقض وكذا تعليقه بشرط نحو إن أكلته فهو علي حرام نقله أبو طالب قال في الانتصار وطعامي علي كالميتة والدم واليمين تنقسم إلى أحكام التكليف الخمسة وهل تستحب على فعل طاعة أو ترك معصية فيه وجهان "وإن قال هو يهودي أو كافر أو بريء من الله أو من الإسلام أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم إن فعل ذلك فقد فعل محرما" لما روى ثابت بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال" متفق عليه وعن بريدة مرفوعا قال "من قال إنه بريء من الإسلام وإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام" رواه أحمد والنسائي وابن ماجة بإسناد جيد وسواء كان منجزا أو معلقا بشرط "وعليه كفارة" يمين "إن فعل في إحدى الروايتين" قدمه في المستوعب والرعاية والمحرر وجزم به في الوجيز لحديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم(9/237)