وان لم يكن له كلب لم تصح الوصية ولا تصح الوصية بما لا نفع فيه كالخمر والميتة ونحوهما وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة ويعطى ما يقع عليه الاسم وان اختلف الاسم بالحقيقة والعرف كالشاة في العرف للانثى والبعير والثور هو في العرف للذكر وحده وفي الحقيقة للذكر والأنثى غلب العرف وقال أصحابنا تغلب الحقيقة.
__________
"وإن لم يكن له كلب لم تصح الوصية" لأنها لم تصادف محلا يثبت الحق فيه فإن تجدد له كلب فيتوجه الصحة نظرا إلى حالة الموت لا الوصية "ولا تصح الوصية بما لا نفع فيه كالخمر والميتة ونحوهما" لأن الوصية تمليك فلا تصح بذلك كالهبة وقد حث الشارع على إراقة الخمر وإعدامه فلم يناسب صحة الوصية وظاهره: ولو قلنا: يطهر جلد الميتة بالدباغ ويتوجه عكسه.
"وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة" لأنها إذا صحت بالمعدوم فالمجهول أولى ولأنه ينتقل إلى الوارث فصحت الوصية به كالمعلوم "ويعطى" أي: يعطيه الوارث "ما يقع عليه الاسم" لأنه اليقين كما لو اقر له بعبد قال القاضي: يعطيه الورثة ما شاؤوا من ذكر أو أنثى وصحح في المغني أنه لا يعطى إلا ذكرا لأنه سبحانه وتعالى فرق بين العبيد والإماء بقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:32] وهو يقتضي المغايرة ولأنه العرف وبدليل الوكالة وكعكسه وليس له أن يعطيه خنثى فلو أوصى له بواحد من رقيقه شمل الكل.
"وإن اختلف الاسم بالحقيقة والعرف كالشاة في العرف للأنثى والبعير والثور هو في العرف للذكر وحده وفي الحقيقة للذكر والأنثى غلب العرف" في اختيار المؤلف وجزم به في الوجيز و التبصرة لأن الظاهر أن المتكلم إنما يتكلم بعرفه ولأنه المتبادر إلى الفهم
"وقال أصحابنا: تغلب الحقيقة" لأنها الأصل ولهذا يحمل عليه كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه السلام فعلى هذا إذا أوصى له بشاة يتناول الذكر(6/48)
والدابة اسم الذكر والانثى من الخيل والبغال والحمير وإن وصى له بغير معين كعبد من عبيده صح ويعطيه الورثة ما شاؤوا منهم في ظاهر كلامه.
__________
والأنثى والضأن والمعز والكبيرة والصغيرة لأن اسم الشاة يتناول ذلك كله بدليل قوله عليه السلام: "في أربعين شاة شاة" وقال المؤلف: لا يتناول إلا أنثى كبيرة إلا أن يكون في بلد عرفهم يتناول ذلك.
وفي الخلاف الشياه اسم لجنس الغنم يتناول الصغار والكبار والكبش الذكر الكبير من الضأن والتيس الذكر الكبير من المعز والجمل الذكر والناقة الأنثى ولو قال عشرة من إبلي وقع على الذكر والأنثى وقيل: إن قال عشرة بالهاء فهو للذكور وإن قال بغير هاء فهو للإناث وكذلك الغنم وفي البعير وجهان حكاهما في الشرح وهما مبنيان على الخلاف والثور الذكر والبقرة للأنثى.
"والدابة: اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير" قاله الأصحاب لأن ذلك هو المتعارف فإن قرن به ما يصرفه إلى أحدها كقوله دابة يقاتل عليها انصرف إلى الخيل فإن قال دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال وخرج منه الذكر ذكره في الشرح وحكاه في الرعاية قولا وقيل: يعتبر عرف البلد وفي التمهيد في الحقيقة العرفية الدابة للفرس عرفا والإطلاق ينصرف إليه وقاله في الفنون عن أصولي يعني نفسه قال لنوع قوة الدبيب لأنه ذو كر وفر انتهى والفرس الذكر والأنثى والحصان للذكر وعكسه الحجرة والحمار للذكر والأتان للأنثى.
فرع: لا يستحق للدابة سرجا ولا للبعير رحلا.
"وإن وصى له بغير معين كعبد من عبيده" وشاة من غنمه "صح" لأن الجهالة هنا أقل من الجهالة في عبد وقد صحت فيه فلأن تصح هنا من باب أولى.
"ويعطيه الورثة ما شاؤوا منهم في ظاهركلامه" نقله ابن منصور واختاره(6/49)
وقال الخرقي: يعطى واحدا بالقرعة فان لم يكن له عبيد لم تصح في أحد الوجهين وتصح في الآخر ويشترى له ما يسمى عبدا فان كان له عبيد فماتوا إلا واحدا تعينت الوصية فيه.
__________
أبو الخطاب والشريف في خلافيهما وجزم به في الوجيز لأن لفظه تناول واحدا والأقل هو اليقين فيكون هو الواجب فعلى هذا ما يدفعه الوارث من صحيح أو معيب جيد أو رديء يلزم قبوله لتناول الاسم له.
"وقال الخرقي: يعطى واحدا بالقرعه" هذا رواية واختارها ابن أبي موسى لأن الجميع شراء بالنسبة إلى الاستحقاق فكان له أحدهم بالقرعة كالعتق.
ولم يرجح في الفروع شيئا وفي التبصرة هما في لفظ احتمل معنيين قال ويحتمل حمله على ظاهرهما.
"فإن لم يكن له عبيد لم تصح الوصية في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأن الوصية تقتضي عبدا من الموجودين حال الوصية أشبه ما لو أوصى له بما في الكيس ولا شيء فيه أو بداره ولا دار له.
"وتصح في الآخر" لأنه لما تعذرت الصفة بقي أصل الوصية أشبه ما لو أوصى له بألف لا يملكها ثم ملكها.
"ويشتري له ما يسمى عبدا" لأن الاسم يتناوله فيخرج به عن عهدة الوصية وكقوله عبد من مالي ونقل ابن منصور فيمن قال أعطوه مائة من أحد كيسي فلم يوجد فيهما شيء يعطى مائة لأنه قصد إعطاءه وإن ملكه قبل موته فوجهان:
"فإن كان له عبيد فماتوا إلا واحدا" أو لم يكن له إلا عبدا واحدا "تعينت الوصية فيه" لأنه لم يبق غيره وقد تعذر تسليم الباقي وهذا إن حمله الثلث قاله في الرعاية وقيل: يقرع بين الحي والميت وإن تلف رقيقه جميعهم قبل موت الموصي أو بعده بغير تفريط من الوارث بطلت لأن(6/50)
فان قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم على قاتله وإن وصى له بقوس وله أقواس للرمي والبندق والندف فله قوس النشاب لأنه أظهرها إلا أن تقترن به قرينة تصرف إلى غيره وعند ابي الخطاب له واحد منها كالوصية بعبد من عبيده وإن وصى له بكلب أو طبل وله منها مباح ومحرم انصرف الى المباح.
__________
التركة غير مضمونة عليهم لحصولها في أيديهم بغير فعلهم.
فرع : أوصى بعتق أحد عبيده الموجودين صح وأجزأ عتق ما يسمى عبدا وقيل: ما يجزيء في كفارة وهل يعينه الوارث أو بقرعة فيه وجهان وقال في المستوعب: للعبيد تعيين عتق أحدهم.
"وإن قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم" إما باختيار الورثة أو بالقرعة على الخلاف "على قاتله" لأن حقه في واحد منهم وقد قتلهم كلهم فوجب عليه ضمانه كما لو قتل واحد عبد غيره وهذا إذا قتلوا بعد موت الموصي.
فرع: لا تصح الوصية بأم ولده نص عليه وقيل: بلى وقال ابن حمدان: إن جاز بيعها ولم تعتق بموته وإلا فلا.
"وإن وصى له بقوس" صح لأن فيه منفعة مباحة فإن كان "له أقواس للرمي والبندق والندف فله قوس النشاب" في ظاهر المذهب "لأنه أظهرها" ويسمى الفارسي وقوس النبل يسمى العربي "إلا أن تقترن به قرينة" كما لو كان الموصى له ندافا أو بندقانيا أو غازيا فإنه "تصرف إلى غيره" لأن القرينة كالصريح وهذا إذا أطلق فإن وصفها بصفة أو كان له قوس واحد تعينت "وعند أبي الخطاب له واحد منها كالوصية بعبد من عبيده" لأن اللفظ تناول جميعها وقيل: له غير قوس بندق وقيل: ما يرمي به عادة.
وظاهره: أنه لا يستحق وترها لأنه منفصل عنها وقيل: بلى جزم به في الترغيب لأنه لا ينتفع بها إلا به فكان كجزء من أجزائها "وإن وصى له بكلب أو طبل وله منها مباح" ككلب الصيد وطبل الحرب "ومحرم" كضدهما وكالأسود البهيم "انصرف إلى المباح" لأنه فيه منفعة مباحة ووجود المحرم(6/51)
فان لم يكن له إلا محرم لم تصح الوصية وتنفذ الوصية فيما علم من ماله وما لم يعلم وإذا أوصى بثلثه فاستحدثت مالا دخل ثلثه في الوصية وان قتل واخذت ديته فهل تدخل الدية في الوصية على روايتين.
__________
كعدمه شرعا فلا يشمله اللفظ عند الإطلاق.
وقيل: لا تصح الوصية بهما معا "فإن لم يكن له إلا محرم لم تصح الوصية لأن الوصية" بالمحرم معصية فلم تصح كالكنيسة فلو كان طبل إذا فصل صلح للحرب لم يصح ويلحق بطبل اللهو المزمار والطنبور وعود اللهو لأنها محرمة سواء كانت فيه الأوتار أولا لأنه مهيأ لفعل المعصية وتباح الوصية بالدف المباح للخبر.
"وتنفذ الوصية فيما علم من ماله" اتفاقا "وما لم يعلم" أي: تنفذ وصيته في ثلث الموجود وإن جهله.
وعنه: إن علم به وحكي ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة إلا في المدبر فإنه يدخل في كل شيء والأول أشهر لأن الوصية بجزء من ماله لفظ عام فيدخل فيه ما لا يعلم به من ماله كما لو نذر الصدقة بثلثه.
"وإذا أوصى بثلثه فاستحدث مالا" قبل موته "دخل ثلثه في الوصية" في قول أكثر العلماء ولا فرق عندهم بين التلاد والمستفاد لأن الحادث من ماله يرثه ورثته وتقضي منه ديونه أشبه ما لو ملكه قبل الوصية وعنه: يعم المتجدد مع علمه به أو قوله بثلثي يوم أموت
"وإن قتل" عمدا أو خطأ "وأخذت ديته فهل تدخل الدية في الوصية؟ على روايتين:" إحداهما وهي المذهب وجزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع تدخل ديته مطلقا لأنها تجب للميت بدل نفسه ونفسه له فكذا بدلها قال أحمد: قضي النبي صلى الله عليه وسلم أن الدية ميراث فتقضي منها ديونه وتجهيزه لأنه إنما يحوز ورثته من أملاكه ما استغنى عنه بدليل أنه يجوز أن(6/52)
فان وصى بمعين بقدر نصف الدية فهل تحسب الدية على الورثة من الثلثين على وجهين.
فصل
وتصح الوصية بالمنفعة المفردة؛
__________
يتجدد له ملك بعد موته كصيد وقع في أحبولة نصبها خلافا للانتصار وغيره وإن تلف بها شيء فيتوجه في ضمان الميت الخلاف قاله في الفروع وروي عن علي مثل ذلك في دية الخطأ.
والثانية: لا تدخل في وصيته نقلها ابن منصور لأن الدية تجب للورثة بعد موت الموصي لأن سببها الموت فلا يجوز وجوبها قبله لأن الحكم لا يتقدم سببه إذ بالموت تزول أملاكه. "فإن وصى بمعين بقدر نصف الدية فهل تحسب الدية على الورثة من الثلثين؟ على وجهين" هما مبنيان على الروايتين فعلى الأولى تحسب الدية من ماله فإن كانت وصيته بقدر نصف الدية أو أقل منه نفذت الوصية وإلا أخرج منه قدر ثلثها.
وعلى الثانية لا تحسب الدية وتخرج الوصية من تلاد ماله دون ديته بناء على أن الدية ليست من ماله فيختص بها الورثة.
فصل
"وتصح الوصية المنفعة المفردة" في قول الأكثر لأنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة فتصح الوصية بها كالأعيان ولأنها هبة المنفعة بعد الموت فصحت في الحياة كالمقارنة وسواء وصى بها أبدا أو مدة معينة لكن بعتبر خروج ذلك من ثلث المال نص عليه في سكنى الدار وهو قول من قال بصحة الوصية بها وإن لم يخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث وقال إذا أوصى بخدمة عبده سنة لم يخرج من الثلث خير الورثة بين تسليم خدمته سنة،(6/53)
فلو وصى لرجل بمنافع امته ابدا أو مدة معينة صح فاذا اوصى بها ابدأ فللورثة عتقها وبيعها وقيل: لا يصح بيعها الا لمالك نفعها.
__________
وبين ثلث المال.
وقال الحنفية: يخدم الموصى له يوما والورثة يومين حتى يستكمل منه فإن أراد الورثة بيعه بيع ولنا أنها وصية صحيحة فوجب تنفيذها على صفتها فإن أريد تقويمها وكانت الوصية مقيدة بمدة قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة ثم تقوم المنفعة في تلك المدة فينظر كم قيمتها.
فرع: للموصى له بنفع العبد أو الدار إجارتها تلك المدة وله إخراج العبد عن البلد لأنه مالك لنفعه فملك إخراجه وإجارته كالمستأجر.
"فلو وصى لرجل بمنافع أمته أبدا أو مدة معينة صح" لأنها وصية بمنفعة وهي صحيحة بها "فإذا أوصى بها أبدا فللورثة عتقها" لأنها مملوكة لهم ومنافعها للموصى له ولا يرجع على المعتق بشيء.
وظاهره: أنه إذا أعتقها صاحب المنفعة لم يعتق لأن العتق للرقبة وهو لا يملكها.
فإن وهب صاحب المنفعة منافعه للعبد أو أسقطها عنه صح وللورثة الانتفاع به لأن ما يوهب للعبد يكون لسيده "و" لهم "بيعها" لأنها أمة مملوكة تصح الوصية بها فصح بيعها لغيرها وتباع مسلوبة المنفعة ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه وقيل: لا تباع لأن ما لا نفع فيه لا يصح بيعه كالحشرات.
ورد بأنه يمكنه إعتاقها وتحصيل ولايتها وثواب عتقها بخلاف الحشرات.
"وقيل: لا يصح بيعها إلا لمالك نفعها" لأنه يجتمع له الرقبة والمنفعة فينتفع بذلك بخلاف غيره بدليل جواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لمالك الشجر وبيع الزرع لمالك الأرض دون غيرهما وفي كتابتها الخلاف.
"ولهم ولاية تزويجها" أي: بإذن صاحب المنفعة وليس لواحد منهما الانفراد(6/54)
ولهم ولاية تزويجها وأخذ مهرها في كل موضع وجب لأن منافع البضع لا تصح الوصية بها وقال أصحابنا ومهرها للوصي وإن وطئت بشبهة فالولد حر وللورثة قيمة ولدها عند الوضع على الواطىء وإن قتلت فلهم قيمتها في أحد الوجهين وفي الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها وللوصي استخدامها وإجارتها وإعارتها وليس لواحد منهم وطؤها.
__________
بتزويجها لأن مالك المنفعة لا يملك رقبتها وصاحب المنفعة يتضرر به فإن اتفقا على ذلك جاز وإن طلبت التزويج وجب لأنه لحقها وهو مقدم عليها ووليها مالك الرقبة وقيل: هما "و" لهم "أخذ مهرها في كل موضع وجب" في اختيار المؤلف وصاحب الوجيز "لأن منافع البضع لا تصح الوصية بها" مفردة ولا مع غيرها وإنما هي تابعة للرقبة فتكون لصاحبها "وقال أصحابنا مهرها للوصي" لأنه من منافعها "وإن وطئت بشبهة فالولد حر" لأن وطء الشبهة يكون الولد حرا لاعتقاد الواطىء أنه وطىء في ملك كالمغرور بأمة "وللورثة قيمة ولدها" لأنه امتنع رقه فوجب جبر ما فات من رقه "عند الوضع" لأنه حينئذ وجد ولأنه قبل الوضع لا تعلم قيمته فوجب اعتبار أول حالة يعلم بها "على الواطىء" لأنه يفوت رقه. "وإن قتلت فلهم قيمتها في أحد الوجهين" لأن الإتلاف صادف الرقبة وهم مالكوها وفوات المنفعة حصل ضمنا وتبطل وصيته كالإجارة.
"وفي الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها" لأن كل حق تعلق بالعين تعلق ببدلها إذا لم يبطل سبب استحقاقها ويفارق الزوجة والعين المستأجرة لأن سبب الاستحقاق يبطل بتلفها. ويحتمل أن ذلك لمالك النفع "وللوصي" أي: لمالك نفعها "استخدامها" حضرا وسفرا "وإجارتها وإعارتها" لأن الوصية له بنفعها وهذا منه فإن قتلها وارثها فعليه قيمة المنفعة قاله في الانتصار وفي التبصرة إن قتلت فرقبة بثمنها مقامها وقيل: لمالك نفعها قال وهو أولى. "وليس لواحد منهما وطؤها" لأن مالك المنفعة ليس بزوج ولا مالك للرقبة،(6/55)
وان ولدت من زوج أو زنى فحكمه حكمها وفي نفقتها ثلاثة اوجه احدها انه في كسبها والثاني: على مالكها.
__________
والوطء لا يباح بغيرهما ومالك الرقبة لا يملكها ملكا تاما ولا يأمن أن تحمل منه وربما أفضى إلى هلاكها لكن أيهما وطئها فلا حد عليه لأنه وطء شبهة لوجود الملك لكل منهما فإن ولدت فهو حر فإن كان الواطىء صاحب المنفعة لم تصر أم ولد له لأنه لا يملكها وعليه قيمة ولدها عند الوضع كما تقدم وإن كان مالك الرقبة صارت أم ولد له لأنها علقت منه بحر في ملكه وفي وجوب قيمته عليه وجهان ولا مهر عليه في اختيار المؤلف وله المهر على صاحب المنفعة إن كان هو الواطىء وعند أصحابنا تنعكس الأحكام.
وقيل: يجب الحد على صاحب المنفعة إذا وطىء كالمستأجر وعلى هذا يكون ولده مملوكا. "وإن ولدت من زوج أو زنى فحكمه حكمها" لأن الولد يتبع الأم في حكمها كولد المكاتبة والمدبرة وقيل: هو لمالك الرقبة لأنه ليس من النفع الموصى به ولا هو من الرقبة الموصى بنفعها.
"وفي نفقتها ثلاثة أوجه: أحدها: أنه في كسبها" لأنه يتعذر إيجابها على مالك الرقبة لكونه لا نفع له وعلى مالك المنفعة لكونه لا رقبة له فلم يبق إلا إيجابها في كسبها قال في الشرح وهذا راجع إلى إيجابها على صاحب المنفعة لأن كسبها من منافعها فعليه إن لم يكن لها كسب فقيل تجب في بيت المال.
"والثاني: على مالكها" أي: مالك الرقبة ذكره الشريف أبو جعفر مذهبا لأحمد وقاله أبو ثور لأن النفقة على الرقبة فكانت على مالكها كنفقة المستأجر وكما لو لم يكن له منفعة ولأن الفطرة تتبع النفقة ووجوب التابع يدل على وجوب المتبوع عليه.(6/56)
والثالث: على الوصي وفي اعتبارها من الثلث وجهان أحدهما يعتبر جميعها من الثلث والثاني: تقوم بمنفعتها ثم تقوم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما وان وصى لرجل برقبتها ولآخر بمنفعتها صح وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا.
__________
"والثالث: على الوصي" أي: صاحب المنفعة صححه في المغني والشرح وجزم به في الوجيز لأنه يملك نفعها فكانت النفقة عليه كالزوج وهذا ليس خاصاً بالأمة بل حكم سائر الحيوانات الموصى بنفعها كذلك قياسا عليها ونفعها بعد الوصي لورثته قطع به في الانتصار وانه يحتمل مثله في هبة نفع داره وسكناها شهرا وتسليمها.
وقيل: لورثة الموصي "وفي اعتبارها من الثلث وجهان" لأن المنفعة مجهولة لا يمكن تقويمها فوجب اعتبار جميعها "أحدهما: يعتبر جميعها من الثلث" يعني يقوم بمنفعتها ويعتبر خروج ثمنها من الثلث لأن أمة لا منفعة لها لا قيمة لها غالبا.
"والثاني: تقوم بمنفعتها ثم تقوم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما" فإذا كانت قيمتها بمنفعتها مائة ومسلوبة المنفعة عشرة علمنا أن قيمة المنفعة تسعون وكذا إذا أوصى بنفعها وقتا مقدرا معرفا أو منكراً وقيل: يعتبر وحده من الثلث لإمكان تقويمه مفردا ويصح بيعها وإن أطلق فمع الرقبة قال في المستوعب وهو الصحيح عندي وقال ابن حمدان: بل يقسطه من التركه ولا يقوم على أحدهما.
"وإن وصى لرجل برقبتها ولآخر بمنفعتها صح" لأن الأول ينتفع بعتقها وولائها وبيعها في الجملة والثاني: ظاهر "وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا" لأن كل واحد منهما مالكها.
تنبيه: أوصى بثمر شجرة لزيد وبرقبتها لعمرو لم يملك أحدهما إجبار الآخر على سقيها ولا منعه منه إذا لم يضره وإن يبست الشجرة أو بعضها(6/57)
وإن وصى لرجل بمكاتبه صح ويكون كما لو اشتراه وإن وصى له بمال الكتابة أو بنجم منها صح.
__________
فهو لعمرو.
وإن وصى بثمرتها أو حمل أمته أو شاته فلم تحمل تلك المدة فلا شيء لزيد.
وإن قال: لك ثمرتها أو حمل الحيوان أول عام بثمر أو بحمل صح.
وإن وصى لزيد بلبن شاته وصوفها أو بأحدهما صح ويقوم الموصى به دون العين
وإن وصى لرجل بحب زرعه ولآخر بنبته صح والنفقة بينهما وينبغي أن يكون على قدر قيمة حق كل واحد منهما فإن امتنع أحدهما من الإنفاق ففي إجباره وجهان مبنيان على الحائط المشترك إذا انهدم وإن وصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه صح وليس لأحدهما الانتفاع به إلا بإذن الآخر وأيهما طلب قلع الفص منه أجيب إليه ويجبر الآخر على ذلك فإن اتفقا على بيعه أو لبسه جاز.
"وإن وصى لرجل بمكاتبه صح" إن صح بيعه لأنه مملوك كالقن "ويكون كما لو اشتراه" لأن الوصية تمليك أشبهت الشراء فإن أدى عتق والولاء له كالمشتري وإن عجز عاد رقيقا له.
فإن عجز في حياة الموصي لم تبطل الوصية لأنه رقه لا ينافيها وإن أدى إليه بطلت فإن قال إن عجز ورق فهو لك بعد موتي فعجز في حياة الموصي صحت وإن عجز بعد موته بطلت وإن قال إن عجز بعد موتي فهو لك ففيه وجهان مبنيان على ما إذا قال إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر.
"وإن وصى له بمال الكتابة أو ينجم منها صح" لأنها تصح بما ليس مستقرا كما تصح بما لا يملكه في الحال كحمل الجارية وحينئذ للموصى له استيفاء المال(6/58)
وإن وصى برقبته لرجل وبما عليه لآخر صح فإن ادى عتق وإن عجز فهو لصاحب الرقبة وبطلت وصية صاحب المال فيما بقي عليه.
__________
عند حلوله والإبراء منه ويعتق بأحدهما والولاء لسيده لأنه المنعم عليه.
وفي الخلاف لا تصح الوصية بمال الكتابة والعقل لأنه غيرمستقر وعلى الأول إذا عجز فأراد الوارث تعجيزه وأراد الوصي إنظاره أو بالعكس قدم قول الوارث ومتى عجز فهو عبد للوارث.
وإن وصى بما يعجله المكاتب صح فإن عجل شيئا فهو للوصي وإن لم يعجل شيئا حتى حلت نجومه بطلت.
"وإن وصى برقبته لرجل وبما عليه لآخر صح" لأن كلا من الرقبة والدين مملوك للموصي فصح كغيره ولا أثر لكونه غيرمستقر لأنها تصح بالمعدوم "فإن أدى" أو أبرأه منه "عتق" لأن هذا شأن المكاتب وتبطل وصية صاحب الرقبة قاله الأصحاب وقيل: لا تبطل ويكون الولاء له لأنه أقامه مقام نفسه.
"وإن عجز فهو" قن "لصاحب الرقبة" حيث فسخها لأنه موصى له برقبته وإنما عتق بالأداء لأن العتق مقدم على حق الموصي فأولى أن يقدم على الموصى له.
"وبطلت وصية صاحب المال فيما بقي عليه" لأن الباقي لم يصادف محلا فإن كان صاحب المال قبض من مال الكتابة شيئا فهو له فإن اختلفا في فسخ الكتابة بعد العجز قدم قول صاحب الرقبة كالوارث فإن كانت الكتابة فاسدة فأوصى بما في ذمته لم يصح لأنه لا شيء في ذمته ويصح بما إذا قال بما أقبضه من مال الكتابة ويصح فيها برقبة المكاتب كالصحيحة.
فرع: أوصى بعتق مكاتبه أو الإبراء من دينه اعتبر من الثلث أقل الأمرين من قيمته مكاتبا أو مال الكتابة لأن العتق إبراء وبالعكس فاعتبر أقلهما.
فإن احتمله الثلث عتق وبرئ وإن احتمل بعضه كنصفه عتق منه نصفه وبقي نصفه مكاتبا ويعتق ثلثه في الحال إن لم يكن له مال سواه والباقي على الكتابة.(6/59)
فصل
ومن أوصى له بشيء بعينه فتلف قبل موت الموصي او بعده بطلت الوصية وان تلف المال كله غيره بعد موت الموصي فهو للموصى له.
__________
فإن قال ضعوا نجما بما شاء الورثة وإن قال أكثر ما يكون عليه وضع فوق نصفه كضعوا عنه أكثر نجومه وأكبرها أكثرها مالا وأوسطها الثاني إن كانت ثلاثة والثالث إن كانت خمسة وإن قال ما شاء فالكل وقيل: لا كما شاء من مالها.
مسألة: فإن قال: اشتروا بثلثي رقابا وأعتقوهم لم يصرف في المكاتبين فإن اتسع الثلث لثلاثة لم يجز أن يشتري أقل منها فإن قدر أن يشتري أكثر من ثلاثة فهو أفضل وإن أمكن أن يشتري ثلاثة رخيصة وحصة من أربع فالثلاثة الغالية أولى ويقدم من به ترجيح من عفة ودين وصلاح ولا يجزيء إلا رقبة مسلمة سالمة من العيوب كالكفارة وإن وصى بكفارة أيمان فأقله ثلاثة نقله حنبل.
فصل
"ومن أوصى له بشيء بعينه" الباء زائدة كقولك مررت بأخيك بزيد لا يجوز أن يكون بعينه توكيدا لأن شيئا نكرة غير محدودة "فتلف قبل موت الموصي أو بعده" قبل القبول "بطلت الوصية" حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم لأن الموصى له إنما يستحق المعين فإذا ذهب زال حقه كما لو تلف في يده والتركة في يد الورثة غيرمضمونة عليهم لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم ولا تفريط منهم فلم يضمنوا شيئا.
"وإن تلف المال كله غيره" أي: غيرالمعين "بعد موت الموصي فهو للموصى له" لأن حقوق الورثة لم تتعلق به لتعينه للموصى له بدليل أنه يملك أخذه بغير رضاهم فتعين حقه فيه دون سائر ماله قال أحمد فيمن خلف مائتي دينار وعبدا قيمته مائة دينار ووصى لرجل بالعبد فسرقت الدنانير بعد(6/60)
وان لم يأخذه زمانا قوم وقت الموت لا وقت الأخذ وان لم يكن له سوى المعين إلا مال غائب او دين في ذمة موسر أو معسر فللموصى له ثلث الموصى به.
__________
الموت: فالعبد للموصى له.
وفي الرعاية إن تلفت التركة قبل القبول غير الموصى به معينا فللموصى له ثلثه إن ملكه عند القبول وإلا كله وقال ابن حمدان: إن كان عند الموت قدر الثلث أو أقل وإلا ملك منه بقدر الثلث.
"وإن لم يأخذه زمانا قوم وقت الموت" لان الاعتبار في قيمة الوصية بخروجها من الثلث وعدم خروجها بحالة الموت لأنها حالة لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها بغير خلاف نعلمه "لا وقت الأخذ" هو تأكيد فينظر كم كان الموصى به وقت الموت فإن كان ثلث التركة أو دونه استحقه الموصى له وإن زادت قيمته حتى صار مثل المال أو أكثر أو هلك المال سواه اختص به ولا شيء للورثة وإن كان حين الموت زائدا على الثلث فللموصى له قدر الثلث وإن كان نصف المال فله ثلثاه وإن كان ثلثه فله نصفه وإن كان نصف المال وثلثه فله خمساه ولا عبرة بالزيادة أو النقصان بعد ذلك فلو وصى بعتق عبد قيمته مائة وله مائتان فزادت قيمته بعد الموت فصار يساوي مائتين فهو للموصى له وإن كانت قيمته حين الموت مائتين فللموصى له ثلثاه لأنهما ثلث المال وإن نقصت قيمته بعد الموت فصارت مائة لم يزد حق الموصى له إلا بالإجازة وإن كانت قيمته أربعمئة فللموصى له النصف لا يزاد حقه عن ذلك سواء نقص العبد أو زاد.
"وإن لم يكن له سوى العين إلا مال غائب أو دين في ذمة موسر أو معسر فللموصى له ثلث الموصى به" في الأصح لأن حقه في الثلث متيقن فوجب تسليم ثلث المعين إليه وليس له أخذ المعين قبل قدوم الغائب وقبض الدين لأنه ربما تلف فلا تنفذ الوصية في المعين كله وكما لو لم يحلف غير المعين وقيل: لا يدفع إليه شيء لأن الورثة شركاؤه في التركة،(6/61)
وكلما اقتضى من الدين شيء أو حضر من الغائب شيء ملك من الموصى به قدر ثلثه حتى يملكه كله وكذلك الحكم في المدبر.
__________
فلا يحصل له شيء ما لم يحصل للورثة مثلاه.
"وكلما اقتضي من الدين شيء أو حضر من الغائب شيء ملك من الموصى به قدر ثلثه حتى يملكه كله" لأنه موصى له به فخرج من ثلثه وإنما منع قبل ذلك لأجل حق الورثة وقد زال ولو خلف ابنا وتسعة عينا أوصى بها لشخص وعشرين دينارا دينا فللوصي ثلثها ثلاثة فإذا اقتضى ثلاثة فله من التسعة واحدا حتى يقتضي ثمانية عشرة فتكمل له التسعة وإن تعذر استيفاء الدين فللابن الستة الباقية ولو كان الدين تسعة فالابن يأخذ ثلث العين والوصي ثلثها ويبقى ثلثها موقوفا كلما استوفى من الدين شيء فللموصى من العين قدر ثلثه فإذا استوفى الدين كما للوصي ستة وهي ثلث الجميع وإن كانت الوصية وإن وصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله الثلث الباقي وان وصى له بثلاثة اعبد فاستحق اثنان منهم او ماتا فله ثلث الباقي بنصف العين أخذ الوصي ثلثها والابن نصفها ويبقى سدسها موقوفا من الدين ثلثيه كملت وصيته.
"وكذلك الحكم في المدبّر" ذكره أصحابنا أي: يعتق في الحال ثلثه وكلما اقتضى من الدين شيء أو حضر من الغائب عتق منه بقدر ثلثه حتى يعتق جميعه إن خرج من الثلث
وفي الترغيب فيه نظر فإنه من تنجيز عتق ثلثه تسليم ثلثيه إلى الورثة وتسليطهم عليهما مع توقيع عنقهما بحضور المال وهذا أخذها منه قال وكذا اذا كان الدين على أحد أخوي الميت ولا مال له غيره فهل يبرأ عن نصيب نفسه قبل تسليم نصيب أخيه على الوجهين.
فرع: إذا كان الدين مساويا للعين وأوصى لشخص بثلث ماله فلا شيء له قبل استيفائه فكلما اتضى منه شيء فله ثلثه وللابن ثلثاه وقال أهل العراق هو أحق بما يخرج من الدين حتى يستوفي وصيته.(6/62)
وإن وصي له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله الثلث الباقي وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق اثنان منهم أو ماتا فله ثلث الباقيوإن وصى له بعبد لا يملك غيره قيمته مائة ولآخر بثلث ماله العبد مائتان فأجاز الورثة فللموصى له بالثلث المائتين وربع العبد وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه فان ردوا فقال الخرقي للموصى له بالثلث سدس المائتين
__________
"وإن وصي له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله الثلث الباقي" أي: إذا أوصى له بمعين فاستحق بعضه فله ما بقي منه إن حمله الثلث لأن الباقي كله موصى به وقد خرج من الثلث فاستحقه كما لو كان معينا وقيل: له ثلث الباقي كقوله:
"وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق اثنان منهم أو ماتا فله ثلث الباقي" في قول أكثرهم لأنه لم يوص له من الباقي بأكثر من ثلثه وقد شرك بينه وبين ورثته في استحقاقه وقيل: له الباقي ما لم يعبر ثلث قيمتهم كما لو أوصى له بثلث صبرة مكيل أو موزون فتلف ثلثاها وقيل: ثلثها.
"وإن وصى له بعبد لا يملك غيره قيمته مائة ولآخر بثلث ماله وملكه غيرالعبد مائتان" أي: إذا أوصى لشخص بمعين من ماله ولآخر بجزء مشاع منه كثلثه فأجيز لهما انفرد صاحب المشاع بوصيته من غيرالمعين ثم شارك صاحب المعين فيه فيقسم بينهما على قدر حقهما فيه ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر وصيته كمسائل العول.
وقد نبه عليه المؤلف بقوله: "فأجاز الورثة فللموصى له بالثلث ثلث المائتين" وهو ستة وستون وثلثان لا يزاحمه الآخر فيها "وربع العبد" أي: يشتركان فيه لهذا ثلثه وللآخر جميعه فابسطه من جنس الكسر وهو الثلث يصير العبد ثلثه واضمم إليها الثلث الذي للآخر تصير أربعة ثم اقسم على أربعة أسهم يصير الثلث ربعا كمسائل العول فيخرج لصاحب الثلث ما ذكره.
"وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه" ثم انتقل إلى حاله الرد فقال: "وإن ردوا فقال الخرقي" وهو المذهب "للموصى له بالثلث بينها المائتين وسدس العبد(6/63)
وسدس العبد وللموصى له بالعبد نصفه وعندي أنه بينهما على حسب مالهما في حال الاجازة لصاحب الثلث خمس المائتين وعشر العبد ونصف عشره ولصاحب العبد ربعه وخمسه.
__________
وللموصى له بالعبد نصفه" وطريقه أن ترد وصيتهما إلى ثلث المال وهو نصف وصيتهما فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته فيرجع صاحب الثلث إلى سدس الجميع ويرجع صاحب العبد إلى نصفه.
"وعندي" وهو قول ابن أبي ليلى وحكاه المجد تخريجا "أنه يقسم الثلث بينهما على حسب مالهما في حال الإجازة" كسائر الوصايا "لصاحب الثلث خمس المائتين وعشر العبد ونصف عشره ولصاحب العبد ربعه وخمسه" وطريقه أن تضرب مخرج الثلث في مخرج الربع تكن اثني عشر ثم في ثلاثة تكن ستة وثلاثين لصاحب الثلث ثلث المائتين وهو ثمانية وربع العبد وهو ثلاثة أسهم صار له أحد عشر ولصاحب العبد ثلاثة أرباعه وذلك تسعة فتضمها إلى سهام صاحب الثلث تصير عشرين سهما ففي حال الرد يجعل الثلث عشرين سهما فيصير المال ستين ولصاحب العبد تسعة من العبد وهو ربعه وخمسه ولصاحب الثلث ثمانية من المائتين وهو خمسها وثلثه من العبد وذلك عشره ونصف عشره وأوضح منه أن نقول حصل لهما في الإجازة مائة وستة وستون وثلثان ونسبة الثلث إلى ذلك ثلاثة أخماس فيرجع كل منهما إلى ثلاثة أخماسه فيحصل للموصى له بالثلث أربعون وهو خمس المائتين ومن العبد خمسه عشر وهو عشره ونصف عشره وللموصى له بالعبد خمسة وأربعون وهي ربعه وخمسه.
تنبيه: إذا كانت الوصية في حال الرد لا تجاوز الثلث فهي كحالة الإجازة.
رجل خلف خمسمئة وعبدا قيمته مائة ووصى بسدس ماله لشخص وللآخر بالعبد فلا أثر للرد هنا ويأخذ صاحب المشاع سدس المال وسبع العبد وللآخر ستة أسباعه وإن جاوزت الثلث كما ذكره المؤلف رددت وصيتهما إلى الثلث وقسمته بينهما على قدر وصيتهما أن صاحب المعين يأخذ نصيبه من(6/64)
وان كانت الوصية بالنصف مكان الثلث فاجازوا فله مائة وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه وان ردوا فلصاحبه النصف ربع المائتين وسدس العبد ولصاحب العبد ثلثه وقال ابو الخطاب: لصاحب النصف خمس المائتين وخمس العبد ولصاحب العبد خمساه وهو قياس قول الحزقي والطريق فيها ان تنظر ما حصل لهما في حال الاجازة فتنسب اليه ثلث المال وتعطي كل واحد مما كان له في الإجازة مثل نسبة الثلث إلى وصيتهما،
__________
المعين والآخر يأخذ حقه من جميع المال هذا قول الخرقي وعامة الأصحاب فعليه يأخذ سدس جميع المال لأنه وصى له بثلث الجميع وعلى قول المؤلف وصية صاحب العبد دون وصية صاحب الثلث لأنه وصى له بشيء شرك معه غيره وصاحب الثلث أفرده بشيء لم يشاركه فيه غيره فوجب أن يقسم الثلث بينهما حالة الرد على حسب مالهما في حالة الإجازة كسائر الوصايا.
"وإن كانت الوصية بالنصف مكان الثلث فأجازوا فله مائة" لأنه لا مزاحم له فيها "وثلث العبد" لأنه موصي له بنصفه وللآخر بكله وذلك نصفان ونصف فيرجع إلى الثلث "ولصاحب العبد ثلثاه" لرجوع كل نصف إلى ثلث.
"وإن ردوا فلصاحب النصف ربع المائتين وسدس العبد ولصاحب العبد ثلثه" لأن من له شيء فيرد إلى نصفه.
"وقال ابو الخطاب:" وهو المذهب "لصاحب النصف خمس المائتين وحمس العبد ولصاحب العبد خمساه" لأن الوصية هنا بمائتين وخمسين بالعبد وقيمته مائة وبنصف المال وهو مائة وخمسون ونسبة الثلث إلى ذلك بالخمسين "وهو قياس قول الخرقي" لأن العمل فيهما متقارب.
"والطريق فيها أن تنظر ما حصل لها في حال الإجازة فينسب إليه ثلث المال ويعطى كل واحد مما كان له في الإجازة بمثل نسبة الثلث إليه" لأنه حصل لهما في الإجازة الثلثان ونسبة الثلث إليهما بالنصف فكل واحد(6/65)
جميعا ويعطى كل واحد مما له في الاجازة مثل تلك النسبة فان وصى لرجل بمثل ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث فلم يزد الثلث عن المائة بطلت وصية صاحب التمام وقسمت الثلث بين الآخرين على قدر وصيتهما وإن زاد عن المائة فأجاز الورثة نفذت الوصية على ما قال الموصي.
__________
منهما نصف ما حصل لهما في الإجازة وقد كان لصاحب النصف من المائتين نصفها فله ربعها وكان له من العبد ثلثه فصار له سدسه وكان لصاحب العبد ثلثاه فصار له ثلثه. "وعلى قول الخرقي" والأصحاب "ينسب الثلث إلى وصيتهما جميعا ويعطى كل واحد مما له في الإجازة مثل تلك النسبة" لأنه نسبة الثلث إلى وصيتهما بالخمسين لأن النصف والثلث مائتان وخمسون فالثلث خمساها فلصاحب العبد خمساه لأنه وصيته ولصاحب النصف الخمس لأن خمساً وصيته فإن كانت المسألة بحالها وملكه غيرالعبد ثلثمائة ففي الإجازة لصاحب النصف مائة وخمسون وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه وفي الرد لصاحب النصف تسعا بالمال كله ولصاحب العبد أربعة أتساعه وعلى قول المؤلف لصاحب العبد ثلثه وخمسين تسعه وللآخر تسعة وثلث خمسه ومن المال ثمانون وهو ربعها وسدس عشرها فإن وصى له بجميع ماله وللآخر بالعبد ففي الإجازة لصاحب العبد نصفه والباقي كله للآخر وفي الرد يقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب العبد خمسه وهو ربع العبد وسدس عشره وللآخر أربعة أخماسه.
"وإن وصى لرجل بثلث ماله وللآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة فلم يزد الثلث على المائة" كما إذا كان المال ثلاثمئة "بطلت وصية صاحب التمام" لأنه لم يوص له بشيء أشبه ما لو أوصى له بدار ولا دار له ويقسم الثلث في حال الرد بينهما على قدر وصيتهما "وإن زاد" الثلث "عن المائة" بأن كان المال ستمائة "فأجاز الورثة نفذت الوصية على ما قال الموصي" فيأخذ صاحب الثلث مائتين وكل من الوصيين مائة.(6/66)
وان ردوا فلكل واحد نصف قيمته عندي و قال القاضي: ليس لصاحب التمام شيء حتى تكمل المائة لصاحبها ثم يكون له ما فضل عنها ويجوز ان يزاحم به ولا يعطيه شيئا كولد الأب مع ولد الابوين في مزاحمة الجد.
__________
"وإن ردوا فلكل واحد نصف وصيته عندي" جزم به في الوجيز لأن الوصايا رجعت إلى نصفها فدخل النقص على كل واحد بقدر ماله في الوصية كسائر الوصايا.
"وقال القاضي: ليس لصاحب التمام شيء حتى تكمل المائة لصاحبها ويكون له ما فضل عنها" لأنه إنما يستحق بعد تمام المائة لصاحبها ولم يفضل هنا له شيء فعلى قوله لصاحب الثلث نصفه ولصاحب المائة مائة ولصاحب التمام نصف ما فوق المائتين قال في المحرر وهو الصحيح.
فإن كان المال تسعمئة ورد الورثة فعلى الأول لصاحب الثلث مائة وخمسون ولصاحب المائة خمسون ولصاحب التمام مائة لأن الوصية كانت بالثلثين فرجعت إلى الثلث فرددنا كل واحد منهم إلى نصف وصيته.
وعلى الثاني لصاحب المائة مائة لا ينقص منها شيء ولصاحب التمام خمسون
"ويجوز أن يزاحم به" هذا من تمام قول القاضي وهو أن يعاد به "ولا يعطيه شيئا كولد الأب مع ولد الأبوين في مزاحمة الجد" أي: يزاحم الجد بالأخ من الأب ولا يعطيه شيئا واختار المجد أنها تبطل وصية صاحب التمام هنا ويقسم الآخر أن الثلث كان لا وصية لغيرهما كما إذا لم يجاوز الثلث مائة.
مسائل: الأولى: ترك ستمئة ووصى لرجل بمائة ولآخر بتمام الثلث استحق كل منهما مائة وإن رد الأول وصيته فللآخر مائة وإن وصى للأول بمائتين وللآخر ببقية الثلث فلا شيء للثاني سواء ردت وصية الأول أو أجازها وقال أهل العراق إن رد الأول فللثاني مائتان في المسألتين وهو احتمال لنا.(6/67)
باب الوصية بالأنصباء والأجزاء
إذا أوصى له بمثل نصيب وارث معين فله مثل نصيبه مضموما إلى المسألة.
__________
الثانية: أوصى لشخص بعبد وللآخر بتمام الثلث فمات العبد قبل الموصي قومت التركة بدونه ثم ألقيت قيمته من ثلثها ثم البقية لوصية التمام وإن رد صاحب وصيته بعد موت الموصي أو مات قبله أو مات العبد بعد موته بقيت وصية الآخر.
الثالثة: أوصى لشخص بثلث ماله ويعطي زيدا منه كل شهر مائة حتى يموت صح فإن مات وبقي شيء فهو للأول نص عليه.
الرابعة: أوصى لوارث وغيره بثلثي ماله اشتركا مع الإجازة ومع الرد للآخر الثلث وقيل: نصفه كوصيته لهما بثلثه والرد على الوارث وإن ردوا ما جاوز الثلث ولا وصية عينا فالثلث بينهما وقيل: للآخر وقيل: له السدس وإن أجيز للوارث فله الثلث وكذا الأجنبي وقيل: السدس.
باب الوصية بالأنصباء والأجزاء
الأنصباء جمع نصيب كصديق وأصدقاء والأجزاء جمع جزء والفرق بينهما ظاهر.
"إذا أوصى له بمثل نصيب وارث معين فله مثل نصيبه" من غير زيادة ولا نقصان "مضموما إلى المسألة" أي: يؤخذ مثل نصيب المعين ويزاد على ما تصح منه مسألة الورثة في قول أكثر العلماء وقال مالك وزفر لا يعطى مثل نصيب المعين أو مثل نصيب أحدهم إن كانوا يتساوون في أصل المسألة غير مزيد ويقسم الباقي بين الورثة إلا أن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال فلو وصى بمثل نصيب ابنه وله ابن فالوصية بجميع المال وإن كانوا اثنان فالوصية بالنصف ثم قال مالك وإن كانوا يتفاضلون نظرا إلى عدد(6/68)
فإن وصى بمثل نصيب ابنه وله ابنان فله الثلث وإن كانوا ثلاثة فله الربع فإن كان معهم بنت فله التسعان وإن وصى له بنصيب ابنه فكذلك في احد الوجهين والثاني: لا تصح.
__________
رؤوسهم فأعطي سهما من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم.
وأجيب بأنه جعل وارثه أصلا وقاعدة حمل عليه نصيب الموصى له وجعل مثلا له وهذا يقتضي مساواتهما فلو أعطي من أصل المال لم يعط مثل نصيبه ولا حصلت التسوية.
"فإن وصى بمثل نصيب ابنه وله ابنان فله الثلث" لان ذلك مثل ما يحصل لابنه لأن الثلث إذا خرج بقي ثلثا المال لكل ابن ثلث "وإن كانوا ثلاثة فله الربع" لما ذكرنا.
"فإن كان معهم بنت فله التسعان" لأن المسألة من سبعة لكل ابن سهمان وللأنثى سهم ويزاد عليها مثل نصيب ابن فتصير تسعة فالابنان منها تسعان وعلم منه أنه لا بد أن يكون الموصى له بمثل نصيبه وارثا فلو كان رقيقا أو قاتلا أو مخالفا لدينه أو محجوبا لم يصح وفي الفصول احتمال.
"وإن وصى له بنصيب ابنه فكذلك في أحد الوجهين" هذا هو المذهب وقاله أهل المدينة والبصرة والكوفة لأنه أمكن تصحيح كلامه بحمله على مجازه فصح كالطلاق والعتق بالكتابة ولأنه أوصى بجميع ماله صح مع تضمنه الوصية بنصيب ورثته كلهم.
"والثاني: لا يصح" ذكره القاضي لأنه أوصى بما هو حق للابن كما لو قال بدار ابني أو ما يأخذه من وارثه وإنما يصح في التولية نحو بعتكه بما اشتريته للعرف.
قال في الفروع فيتوجه الخلاف في بعتكه بما باع به فلان عبده ويعلمانه فقالوا يصح وظاهره: يصح البيع ولو كان الثمن عرضا.(6/69)
وإن وصى بضعف نصيبه او بضعفيه فله مثله مرتين وان وصى بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله هذا هو الصحيح عندي وقال أصحابنا ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله كلما زاد ضعفا زاد مرة واحدة.
__________
"وإن وصى بضعف نصيب ابنه أو بضعفيه فله مثله مرتين وإن وصى بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله هذا هو الصحيح عندي" وهو قول أبي عبيد والجوهري لقوله تعالى: {ِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء:75] وقوله تعالى :{فأولئك فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} [سبأ:37] وقد صح أن عمر أضعف الزكاة على نصارى بنى تغلب فكان يأخذ من المائتين عشرة فدل ما ذكرنا أن الضعف مثلان قال الأزهري الضعف المثل فما فوقه فأما قوله إن الضعفين المثلان فقد روى ابن الأنباري عن هشام بن معاوية النحوي قال العرب تتكلم الضعف مثنى فتقول إن أعطيتني درهما فلك ضعفاه أي: مثلاه وإفراده لا بأس به لأن التثنية أحسن يعني أن المفرد والمثنى هنا بمعنى واحد وكلاهما يراد به المثلان وإذا استعملوه على هذا الوجه وجب اتباعهم فيه وإن خالفنا القياس.
"وقال أصحابنا" وهو المذهب "ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله" وهو قول أبي عبيدة معمر بن المثنى "كلما زاد ضعفا زاد مرة واحدة" لأن الزيادة لا بد لها من أثر وأقل الأعداد المرة وأجاب في المغني والشرح عن ذلك بقوله تعالى :{فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [البقرة:263] قال عكرمة تحمل في كل عام مرتين وانه لا خلاف بين المفسرين في قوله تعالى: {ُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30] ان المراد مرتين وقد دل عليه قوله تعالى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب:31] ومحال ان تجعل أجرها على العمل الصالح مرتين وعذابها على الفاحشة ثلاث مرات فإن الله تعالى إنما يريد تضعيف الحسنات على السيئات هذا هو المعهود من فضله وكرمه وقول أبي عبيدة خالفه غيره قال ابن عرفة: لا أحب قوله ورده بالاية الكريمة وحيئنذ الضعف محل وفاق.(6/70)
وان وصى بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه كان له مثل مالأقلهم نصيبا فلو كانوا ابنا واربع زوجات وجبت من اثنين وثلاثين لكل امرأة سهم وللوصي سهم يزاد عليها فتصير من ثلاثة ثلاثين وإن وصى له بمثل نصيب وارث لو كان فله مثل ماله لو كانت الوصية وهو موجود فاذا كان الوارث أربعة بنين فللوصي السدس،
__________
"وإن وصى بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيبا" في قول أكثر العلماء لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه ولو خصه به فهو له كما لو أطلق وكان تأكيدا "فلو كانوا ابنا وأربع زوجات صحت من اثنين وثلاثين" لأن أصل المسألة من ثمانية للزوجات سهم لا يصح عليهن ولا يوافق فاضرب عددهن في ثمانية تبلغ اثنين وثلاثين "لكل امرأة سهم" وللابن ثمانية وعشرون "وللوصي سهم يزاد عليها فتصير من ثلاثة وثلاثين" ولو وصى بمثل نصيب ولده وله ابن وبنت فله مثل نصيب البنت نص عليه ولو وصى بمثل أكثرهم أو أعظمهم نصيبا فله ذلك مضافا إلى المسألة فيكون له في مسألة المؤلف ثمانية وعشرون فتصير ستين سهما "وإن وصى له بمثل نصيب وارث لو كان فله مثل ما له لو كانت الوصية وهو موجود" أي: يقدر الوارث موجودا وانظر ما للموصى له مع وجوده فهو له مع عدمه وطريقه أن تنظر كم تصح مسألتهم مع عدم الوارث ثم كم تصح مع وجوده ثم تضرب إحداهما في الأخرى ثم تقسم ما ارتفع على المسألة الوجود فما خرج بالقسمة أضفته إلى ما ارتفع من الضرب وهو للموصى له واقسم ما ارتفع بين الورثة.
"فإذا كان الوارث أربعة بنين فللوصي السدس" لأن المسألة مع عدم الخامس المقدر وجوده من أربعة ومع وجوده من خمسة فتضرب إحداهما في الأخرى تكن عشرين تقسمها على خمسة يخرج لكل سهم أربعة فتضيفها إلى العشرين تصر أربعة وعشرين للموصي له أربعة وهي السدس ولكل ابن خمسه وهي ثمن ونصف سدس.(6/71)
ولو كانوا ثلاثة فله الخمس ولو كانوا أربعة فأوصى بمثل نصيب خامس لو كان إلا مثل نصيب سادس لو كان فقد أوصى بالخمس الا السدس بعد الوصية فيكون له سهم يزاد على ثلاثين سهما وتصح من اثنين وستين له منها سهمان ولكل ابن خمسة عشر،
__________
"ولو كانوا ثلاثة فله الخمس" ولو كانوا اثنين فله الربع لما ذكرناه فلو خلفت امرأة زوجا واختا وأوصت بمثل نصيب خامس لو كان فللموصى له الخمس لأن للأم الربع لو كانت فتجعل له سهم يضاف إلى أربعة يكن خمسا.
"ولو كانوا أربعة فأوصى بمثل نصيب خامس لو كان الامثل نصيب سادس لو كان فقد أوصى له بالخمس إلا السدس بعد الوصية" لأنه استثنى السدس من الخمس وطريقها أن تضرب إجداهما في الأخرى تكن ثلاثين خمسها ستة وسدسها خمسة فإذا استثنيت الخمسة من الستة بقي سهم للموصي له فرده على الثلاثين وهو المراد بقوله: "فيكون له سهم يزاد على الثلاثين سهما" فتصير أحدا وثلاثين أعط الموصى له سهما يبقى ثلاثون على أربعة لا تنقسم وتوافق بالنصف فردها إلى خمسة عشر واضربها في أربعة تكن ستين رد عليها سهمين للموصى له وهو المراد بقوله: "وتصح من اثنين وستين له منها سهمان ولكل ابن خمسة عشر" وبالجبر تجعل المال أربعة وشيئا تدفعه إلى الموصى له يبقى أربعة تقسمها على خمسة يخرج أربعة أخماس وتقسمها على ستة يخرج ثلثان فتسقط الثلثان من أربعة الأخماس يبقى سهمان من خمسة عشر ثم تضرب الأربعة في الخمسة عشر لأنها مخرج الثلث والخمس تكن ستين تزيد عليها السهمين للموصى له فقد حصل له خمس الستين إلا سدسها فخمسها اثنا عشر وسدسها عشرة.
وفي بعض النسخ المقروءة على المؤلف ولو كانوا أربعة فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا مثل نصيب ابن خامس لو كان فقد أوصى بالخمس إلا السدس بعد الوصية وهذه هي الصحيحة المعتمدة في المذهب الموافقة لطريقة الأصحاب.
وعلى ما ذكره هنا هي مشكلة على طريقة الأصحاب ولكن معناها لأبي(6/72)
فصل في الوصية بالأجزاء
إذا اوصى له بجزء او حظ أو شيء أو نصيب فللورثه ان يعطوه ما شاؤوا وإن وصى له بسهم من ماله ففيها ثلاث روايات احداهن له السدس بمنزلة سدس مفروض.
__________
الخطاب والمجد وابن حمدان وأجاب الحارثي عنها بأن قولهم أوصى له بالخمس إلا السدس صحيح باعتبار أن له نصيب الخامس المقدر غير مضموم وان النصيب هو المستثنى انتهى. وقال الناظم: وقرىء عليه في نسخه أخرى وصى بمثل نصيب أحدهم إلا مثل نصيب ابن سادس لو كان فعلى هذا يصح أنه أوصى له بالخمس إلا السدس.
فرع: إذا خلف بنتا واحدة ووصى بمثل نصيبها فهو كما وصى بنصيب ابن عندنا لأنها تستوعب المال بالفرض والرد.
وعند من لا يرى الرد يقتضي أن يكون له الثلث ولها نصف الباقي والفاضل لبيت المال فإن خلف اختين ووصى بمثل نصيب إحداهما فهي من ثلثه وعند من لا يرى الرد من أربعة مقسومة بينهم فلو خلف له ثلاثة بنين ووصى لثلاثة بمثل أنصبائهم فالمال بينهم على ستة مع الإجازة وفي الرد على تسعة للموصي له ثلاثة والباقي لهم.
فصل في الوصية بالأجزاء
"إذا أوصى له بجزء أو حظ أو شيء أو نصيب" أو قسط "فللورثة أن يعطوه ما شاؤوا" بغير خلاف نعلمه لأن ما يعطونه يقع عليه الاسم كقوله أعطوا فلانا من مالي لكونه لا حد له في اللغة ولا في الشرع فكان على إطلاقه لكن شرطه أن يكون ما يتمول قاله في الرعاية والوجيز والفروع فلو أوصى بثلثه إلا حظا أعطي ما يصح استثناؤه.
"وإن وصى له بسهم من ماله ففيها ثلاثة روايات إحداهن: له السدس بمنزلة سدس مفروض" نقله ابن منصور واختاره القاضي وأصحابه وقدمه في(6/73)
إن لم تكمل فروض المسألة أو كانوا عصبة اعطي سدسا كاملا وان كملت فروضها أعيلت به وإن عالت أعيل معها و الثانية: له سهم مما تصح منه المسألة ما لم يزد على السدس و الثالثة: له مثل نصيب أقل الورثة ما لم يزد على السدس.
__________
القروع وجزم به في الوجيز لما روى ابن مسعود أن رجلا أوصى لآخر بسهم من المال فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس وهو قول علي وابن مسعود ولا مخالف لهما في الصحابة ولأن السهم في كلام العرب السدس قاله إياس بن معاوية فتنصرف الوصية إليه كما لو لفظ به.
"إن لم تكمل فروض المسألة" كبنت وبنت ابن "أو كانوا عصبة" كالبنين أو الإخوة "أعطي سدسا كاملا" لأنه موصى به "وإن كملت فروضها أعيلت به وإن عالت أعيل معها" كمسائل العول.
وقيل: له سدسه كله أطلقه في رواية حرب وأطلقه في المحرر والروضة ولعل مرادهم ما ذكره المؤلف من التفصيل.
"والثانية: له سهم مما تصح منه المسألة" مضافا إليها وهي ظاهر كلامه في رواية الأثرم وأبي طالب لأن سهما ينصرف إلى سهام فريضته أشبه ما لو قال فريضتي أو كذا سهما لك منه أسهم قال المؤلف "ما لم يزد على السدس" فإن زاد عليه فله السدس لأنه متحقق.
"والثالثة: له مثل نصيب أقل الورثة" مضموما إليها اختاره الخلال وصاحبه لأن السهم يطلق ويراد به النصيب والنصيب هنا هو نصيب الورثة والأقل منها هو المتيقن
"ما لم يزد على السدس" كذا قيده تبعا للقاضي وجمع فإن زاد عليه رد إليه لأنه أقل سهم يرثه ذوا قرابة والمجد وجماعة أجروا هاتين الروايتين على إطلاقهما نظرا لإطلاق الإمام.(6/74)
.........................................................................................................................................
__________
مسائل توضح ما ذكر
رجل خلف أما وبنتين وأوصى بسهم من ماله فعلى الأولى: تكمل به السدس إذ مسألتهم من ستة ترجع بالرد إلى خمسة فيزاد عليها السهم الموصى به فيصير من ستة وكذا على الآخريين ولو كانت أما وأختا فيضاف إليها السدس على الأولى و الثانية
وعلى الثالثة يضاف إليها مثل نصيب الأم لأنه أقل نصيب وارث فتصير من سبعة
وعلى ما قيده المؤلف تبعا للقاضي له السدس لأن النصيب زاد عليه ولو كانت ابنتان وأبوان فهي من ستة وتعول بالسهم الموصى به إلى سبعة على الروايات.
ولو كانت لأبوين وأختان لأم وأم فهي من ستة وتعول إلى سبعة وتعول بالسهم الموصى به إلى ثمانية على الروايات أيضا.
ولو كان ثلاث أخوات لأبوين وأخوان وأختان لأم وأم فهي من ستة وتعول إلى سبعة وبالسهم الموصى به على الأولى إلى ثمانية وتصح من ثمانية وأربعين.
وعلى الثانية تصح من اثنين وأربعين يراد إليها السهم فتصير من ثلاثة وأربعين
وعلى الثالثة تصح من اثنتين وأربعين ويزداد عليها أقل أنصباء الورثة وهو ثلاثة أسهم فتصير من خمسة وأربعين ولو كان زوجا وأختا كان له السبع كما لو كان معها جدة على الروايات.
وذكر في المغني والشرح الذي يقتضيه القياس فيما إذا أوصى بسهم من ماله إن صح أن السهم في لسان العرب أو صح الحديث السابق فهو كما لو أوصى بسدس ماله وإلا فهو كما لو أوصى بجزء من ماله على ما اختاره(6/75)
وإن وصى له بجزء معلوم كثلث او ربع أخذته من مخرجه فدفعته إليه وقسمت الباقي على مسألة الورثة إلا ان يزيد على الثلث ولا يجيزوا له فتفرض له الثلث وتقسم الثلثين عليها.
__________
الشافعي.
خلف زوجة وأما وابنا وأوصى لآخر بسهم من ماله فذكر أبو الخطاب أنها تصح على الأولى من أربعة وعشرين وكذا على الثالثة وعلى الثانية من خمسة وعشرين قال في المستوعب أما حكمه في هذه المسألة فصحيح على الثالثة وفي حكمه على الروايتين الأوليين سهو منه لأنه أعطى الزوجة والأم فرضهما قبل الوصية وذلك بخلاف نص القران والإجماع ثم صححها على الأولى من مائة وأربعة وأربعين وعلى الأخرى من سبعة وعشرين.
فرع: خلف أبوين وابنين ووصى لشخص بسدس من ماله ولآخر بسهم منه جعلت ذا السهم كأحد أبويه وأعطيت صاحب السدس سدسا كاملا وقسمت الباقي بين الورثة والوصي على سبعة وتصح من اثنين وأربعين لصاحب السدس سبعة ولصاحب السهم سهم على الروايات.
ويحتمل أن يعطى الموصي له بالسهم السبع كاملا كما لو أوصى له به من غير وصية أخرى فتكون له ستة ويبقى تسعة وعشرون على ستة لا تنقسم فتضربها في اثنين وأربعين تكن مائتين واثنين وخمسين.
"وإن وصى له بجزء معلوم كثلث أو ربع أخذته من مخرجه" فيكون ذلك صحيحا فالثلث مخرجه من ثلاثة والربع من أربعة "فدفعته إليه" أي: إلى الموصى له لأنه موصى له به. "وقسمت الباقي على مسألة الورثة" لأنه حقهم فلو كان له ابنان والوصية بالثلث صحت من ثلاثة ولو كان ثلاثة والوصية بالربع صحت من أربعة "إلا أن يزيد على الثلث ولا يجيزوا له" أي: للموصى له.
"فتفرض له الثلث وتقسم الثلثين عليها" أي: على المسألة الورثة فإن(6/76)
وان وصى بجزأين أو اكثر اخذتها من مخرجها وقسمت الباقي على المسألة فان زادت المسألة على الثلث ورد الورثة جعلت السهام الحاصلة للاوصياء ثلث المال ودفعت الثلثين الى الورثة فلو وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه وخلف ابنين أخذت الثلث والربع من مخرجهما سبعة من اثني عشر تبقى خمسه للابنين ان أجازا وان ردا جعلت السبعة ثلث المال فتكون المسألة من احد وعشرين وإن أجازا لأحدهما دون الآخر أو أجاز أحدهما لهما دون الآخر أو أجاز كل واحد لواحد فاضرب وفق مسألة الإجارة وهو ثمانية في مسألة الرد تكن مائة وثمانية وستين للذي أجيز،
__________
انقسمت فظاهر وإن لم تنقسم ضربت المسألة أو وفقها في مخرج الوصية فما بلغ فمنه تصح وظاهره: أنهم إذا أجازوا فإنها تنفذ في الموصى به مطلقا.
"وإن وصى بجزئين أو أكثر أخذتها من مخرجها وقسمت الباقي على المسألة" أي مسألة الورثة "فإن زادت على الثلث ورد الورثة جعلت السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال" ليقسم ذلك بين الأوصياء بلا كسر "ودفعت الثلثين إلى الورثة" لأنه حقهم "فلو وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه وخلف ابنين أخذت الثلث والربع من منخرجهما سبعة من اثني عشر" لأن مخرج الثلث من ثلاثة والربع من أربعة فإذا ضربت أحدهما في الآخر كانت اثني عشر فثلثها وربعها سبعة.
"تبقى خمسة للابنين إن أجازا" وتصح من أربعة وعشرين لصاحب الثلث ثمانية ولصاحب الربع ستة يبقى عشرة للابنين "وإن ردا جعلت السبعة ثلث المال" مقسومة بينهما على قدر وصيتهما لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة.
"فتكون المسألة من أحد وعشرين" يبقى أربعة عشر للابنين نصفين "وإن أجاز لأحدهما دون الآخر أو أجاز له أحدهما لهما دون الآخر أو أجاز كل واحد لواحد" فوافق بين مسألة الإجازة ومسألة الرد وهما تتفقان بالأثلاث "فاضرب وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية في مسألة الرد تكن مائة وثمانية(6/77)
له سهمه من مسألة الإجارة مضروب في وفق مسألة الرد وللذي عليه سهمه من مسألة الرد في وفق مسألة الإجارة والباقي للورثة وللذي اجاز لهما نصيبه من مسألة الإجارة في وفق مسألة الرد وللآخر سهمه من مسألة الرد في وفق مسألة الإجارة والباقي بين الوصيين على سبعة.
__________
وستين للذي أجيز له سهمه من مسألة الإجارة مضروب في وفق مسألة الرد" فإن كانت الإجازة لصاحب الثلث وحده فسهمه من مسألة الإجارة ثمانية مضروب في وفق مسألة الرد وهو سبعة تكن ستة وخمسين ولصاحب الربع نصيبه من مسألة الرد ثلاثة في وفق مسألة الإجارة ثمانية تكن أربعة وعشرين فصار المجموع للوصيين ثمانين سهما والباقي وهو ثمانية وثمانون بين الابنين لكل ابن أربعة وأربعون سهما.
وإن أجازا لصاحب الربع وحده أخذت سهمه من مسألة الإجارة ستة مضروبة في وفق مسألة الرد وهو سبعة تكن اثنين وأربعين يدفعها إليه ولصاحب الثلث سهمه من مسألة الرد أربعة تضربها في وفق مسألة الإجارة وهو ثمانية تكن اثنين وثلاثين فصار المجموع أربعة وسبعين يبقى أربعة وتسعون للابنين.
وإن أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر فللذي أجاز لهما سهمه من مسألة الإجارة خمسة مضروبة في وفق مسألة الرد سبعة تكن خمسة وثلاثين وللذي رد سهمه في مسألة الرد سبعة مضروب في وفق مسألة الإجارة وهو ثمانية تكن ستة وخمسين تضمها إلى خمسة وثلاثين تكن أحدا وتسعين يبقى للوصيين سبعة وسبعون بينهما على سبعة لصاحب الثلث أربعة وأربعون ولصاحب الربع ثلاثة وثلاثون وهو المراد بقوله: "وللذي رد عليه سهمه من مسألة الرد في وفق مسألة الإجارة والباقي للورثة وللذي أجاز لهما نصيبه من مسألة الإجارة في وفق مسألة الرد وللآخر سهمه من مسألة الرد في وفق مسألة الإجارة والباقي بين الوصيين على سبعة" لم يذكر المؤلف ما للمجاز له والمردود عليه وما للمجيز فنقول إذا أجاز الابنان لصاحب الثلث(6/78)
فصل
وإن زادت الوصايا على المال عملت فيها عملك في مسائل العول فاذا وصى بنصف وثلث وربع وسدس اخذتها من.
__________
كان له ستة وخمسون وإذا ردا عليه كان له اثنان وثلاثون فقد نقصه ردهما أربعة وعشرين.
وإن أجازا لصاحب الربع كان له اثنان وأربعون وإن ردا عليه كان له أربعة وعشرون فنقصه رد أحدهما تسعة يبقى له ثلاثة وثلاثون.
وأما الابنان فالذي أجاز لصاحب الثلث إذا أجاز لهما كان له خمسة وثلاثون وإذا رد عليهما كان له ستة وخمسون فنقصته الإجازة لهما أحدا وعشرين لصاحب الثلث منها اثنا عشر يبقى له أربعة وأربعون والذي أجاز لصاحب الربع إذا أجاز لهما كان له خمسة وثلاثون وإذا رد عليهما كان له ستة وخمسون فنقصته الإجازة لهما أحدا وعشرين منها تسعة لصاحب الربع بقي له سبعة وأربعون وللوصيين سبعة وسبعون لصاحب الثلث أربعة وأربعون ولصاحب الربع ثلاثة وثلاثون فصار المجموع لهما وللابنين مائة وثمانية وستين. مسألة: أوصى لشخص بنصف ماله لآخر بربعه فللأول نصف المال وللآخر ربعه مع الإجازة وإن رد الورثة قسمت الثلث بينهما على قدر سهمامهما لصاحب النصف ثلثاه وللآخر ثلثه وقسمت الثلثين على الورثة هذا قول الجمهور.
فصل
"وإن زادت الوصايا على المال عملت فيها عملك في مسائل العول" نص عليه أي: تجعل وصاياهم كالفروض التي فرضها الله تعالى للورثه إذا زادت على المال "فإذا وصى بنصف وثلث وربع وسدس أخذتها من" مخرجها(6/79)
اثني عشر وعالت الى خمسة عشر فتقسم المال بينهم كذلك إن أجيز لهم والثلث إن رد عليهم وان وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بنصفه وخلف ابنين فالمال بينهم على ثلاثة إن اجيز لهما والثلث على ثلاثة مع الرد.
__________
"اثني عشر وعالت إلى خمسة عشر فتقسم المال بينهم" أي: بين أصحاب الوصايا "كذلك" أي: على خمسة عشر "إن أجيز لهم والثلث إن رد عليهم" فتصح مسألة الرد من خمسة وأربعين وأصله ما روى سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية ثنا أبو عاصم الثقفي قال قال لي إبراهيم النخعي ما تقول في رجل أوصى بنصف وثلث ماله وربع ماله قلت لا يجوز قال قد أجازوه قلت لا أدري قال أمسك اثني عشر فأخرج نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة فاقسم المال على ثلاثة عشر.
وكان أبو حنيفة يقول يأخذ أكثرهم وصية ما يفضل به على من دونه ثم يقتسم الباقي إن أجازوا وفي الرد لا يضرب لأحد بأكثر من الثلث وإن نقص بعضهم عن الثلث أخذ أكثرهم وصية ما يفضل به على من دونه كرجل أوصى بثلثي ماله ونصفه وثلثه فالمال بينهم على تسعة مع الإجازة والثلث بينهم كذلك في الرد كمسألة فيها زوج وأختان لأب وأختان لأم.
وجوابه أن نظير الأول مسائل العول في الفرائض والديون وما ذكره لا نظير له مع أن فرض الله تعالى آكد من فرض الموصي ووصيه ثم إن صاحب الفرض المفروض لا ينفرد بفضله فكذا في الوصايا.
"وإن وصي لرجل بجميع ماله ولآخر بنصفه وخلف ابنين فالمال بينهم على ثلاثة إن أجيز لهما والثلث على ثلاثة مع الرد" نص عليه وجزم به الأكثر لأنك إذا بسطت المال من جنس الكسر كان نصفين فإذا ضممت إليهما النصف الآخر صارت ثلاثة فيقسم المال على ثلاثة ويصير النصف ثلثا كزوج وأم وثلاث أخوات مفترقات.(6/80)
وان أجيز لصاحب المال وحده فلصاحب النصف التسع والباقي لصاحب المال في احد الوجهين وفي الآخر ليس له إلا ثلثا المال التي كانت له في حال الاجازة لهما ويبقى التسعان للورثة وإن اجازوا الصاحب النصف وحده فله النصف في الوجه الاول وفي الآخر له الثلث ولصاحب المال التسعان وإن اجاز احد الابنين لهما فسهمه بينهما على ثلاثة.
__________
وإن ردوا فالثلث بينهما على ثلاثة لصاحب المال سهمان ولصاحب النصف سهم وفي الترغيب وجه فيمن أوصى بماله لوارثه ولآخر بثلثه وأجيز فللأجنبي ثلثه ومع الرد هل الثلث بينهما على أربعة أو ثلاثة أو للأجنبي فيه خلاف.
"وإن أجيز لصاحب المال وحده فلصاحب النصف التسع" لأن الثلث بينهما على ثلاثة لصاحب النصف ثلثه وهو التسع "والباقي" وهو ثمانية أتساع المال "لصاحب المال في أحد الوجهين" لأنه موصى له بالمال كله وإنما منع من ذلك في حال لهما لمزاحمة صاحبه له فإذا زالت المزاحمة في الباقي كان له "و" في "الآخر ليس له إلا ثلثا المال التي كانت له في حال الإجازة لهما" إذ الإجازة له وحده بمنزلة الإجازة لهما ويبقى النسعان للورثة إذ لا مزاحمة لهم فيهما ضرورة أخذ كل واحد من الموصى له ما وصى له به.
"وإن أجازوا لصاحب النصف وحده فله النصف في الوجه الأول" لأنه موصى له به وإنما منع منه في حال الإجازة للمزاحمة "وفي الآخر له الثلث" الذي كان في حال الإجازة لهما لأن ما زاد على ذلك إنما كان حقا لصاحب المال أخذه الورثة منه بالرد فيأخذه الوارث. "ولصاحب المال التسعان" أي: على الوجهين لأن له ثلثي الثلث وهما ذلك "وإن أجاز أحد الابنين لهما فسهمه بينهما على ثلاثة" وحينئذ فلا شيء للمجيز وللابن الآخر الثلث والثلثان بين الوصيين على ثلاثة فيأخذ مالا له ثلث مقسوم يكن ثلاثة وهو تسعة للموصى لهما ثلاثة في الأصل يبقى(6/81)
وإن أجازه لصاحب المال دفع إليه كل ما في يده او ثلثيه على اختلاف الوجهين وإن أجاز لصاحب النصف دفع إليه نصف ما في يده ونصف سدسه أو ثلثه.
__________
ستة لكل ابن ثلاثة ثم يقسم نصيب المجيز لهما فيصير لهما ستة مقسومة بينهما أثلاثا لصاحب المال أربعة ولصاحب النصف سهمان ويبقى للراد ثلاثة أسهم يختص بها
"وإن أجاز" أحدهما "لصاحب المال دفع إليه كل ما في يده أو ثلثيه على اختلاف الوجهين" وقد سبقا فيكون للآخر التسع وللابن الآخر الثلث والباقي لصاحب المال في وجه وفي اخر له أربعة أتساع والتسع الباقي للمجيز.
"وإن أجاز لصاحب النصف دفع إليه نصف ما في يده ونصف سدسه أو ثلثه" على الوجه الأول وهو أن يكون له النصف فيدفع إليه نصف ما يتم به النصف وهو تسع ونصف سدس في وجه وهو ثلث ما في يده وربعه وفي اخر يدفع ثلث ما في يده فيصير له تسعان ولصاحب المال تسعان وللمجيز تسعان والثلث للذي لم يجز.
وعلى الأول تصح من ستة وثلاثين للذي لم يجز اثنا عشر وللمجيز خمسة ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب المال ثمانية وذلك لأن مسألة الرد من تسعة لصاحب النصف منها سهم فلو أجاز له الابنان كان له من تمام النصف ثلاثة ونصف فإذا أجاز له أحدهما لزمه نصف ذلك سهم ونصف وربع فتضرب مخرج الربع في تسعة تكن ستة وثلاثين واعلم أن صاحب المحرر والفروع فرضا ذلك فيما إذا أوصى لزيد بماله ولعمرو بثلثه
وله ابنان فأجازا فالمال أرباعا لزيد ثلاثة أرباعه ولعمرو ربعه وإن ردا فالثلث بينهما كذلك ولكل ابن أربعة وإن أجازا لزيد فلعمرو ربع الثلث والبقية لزيد أعطى له وصيته أو الممكن منهما وقيل: ثلاثة أرباعه كالإجازة لهما.(6/82)
فصل
في الجمع بين الوصية بالأجزاء والأنصباء
إذا خلف ابنين ووصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمثل نصيب ابن ففيها وجهان أحدهما لصاحب النصيب ثلث المال عند الاجازة وعند الرد يقسم الثلث بين الوصيين نصفين والثاني: لصاحب النصيب مثل ما يحصل لابن وهو ثلث الباقي وذلك التسعان عند الاجازة.
__________
وإن أجازا لعمرو فله تتمة الثلث وقيل: تتمة الربع ولزيد ثلاثة أرباع الثلث وإن أجاز ابن لهما أخذا ما معه أرباعا وإن أجاز لزيد أخذ ما معه وقيل: ثلاثة أرباعه وإن أجاز لعمرو أخذ نصف تتمة الثلث وقيل: نصف تتمة الربع وقيل: الثلث أو الربع.
فصل
في الجمع بين الوصية بالأجزاء والأنصباء
"إذا خلف ابنين ووصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمثل نصيب ابن ففيها وجهان" كذا أطلقهما في الكافي والفروع وغيرهما "أحدهما" وجزم به في الوجيز "لصاحب النصيب ثلث المال عند الإجازة" كما لو لم يكن معه وصى اخر وللآخر الثلث.
"وعند الرد يقسم الثلث بين الوصيين نصفين" لأنه موصى لهما بثلي ماله وقد رجعت وصيتهما بالرد إلى نصفها وتصح من ستة.
"والثاني: لصاحب النصيب مثل ما يحصل لابن" لأنه لو كان أكثر من ذلك لأخذ أكثر من الابن والموصي قد سوى بينهما.
"وهو ثلث الباقي وذلك التسعان عند الإجازة" لأن للموصى له بالثلث ثلث(6/83)
وعند الرد يقسم بينهما على خمسة وإن كان الجزء الموصى به النصف خرج فيها وجه ثالث وهو ان يكون لصاحب النصيب في حال الإجازة ثلث الثلثين وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ثلاثة عشر لصاحب النصف تسعة ولصاحب النصيب أربعة.
__________
المال يبقى سهمان بين الموصى له بالنصيب وبين الابنين على ثلاثة فتضربها في ثلاثة تكن تسعة لصاحب الثلث ثلاثة ولكل ابن سهمان وللموصى له بالنصيب سهمان وهي تسعان.
"وعند الرد يقسم" الثلث "بينهما على خمسة" التي كانت لهما في حال الإجازة لصاحب الثلث ثلاثة ولصاحب النصيب سهمان ولكل ابن خمسة.
"وإن كان الجزء الموصى به النصف" صحت على الأول من اثني عشر في حال الإجازة وفي الرد من خمسة عشر وعلى الثاني تصح من ستة في حال الإجازة وفي الرد من اثني عشر ويزيد بوجه اخر وهو قوله: "خرج فيها وجه ثالث وهو أن يكون لصاحب النصيب في حال الإجازة ثلث الثلثين لأن الثلثين" حق الورثة وهو شريكهم فيكون له ثلث ذلك "وفي الرد يقسم الثالث بينهما على ثلاثة عشر لصاحب النصف تسعة ولصاحب النصيب أربعة".
بيانه أن الورثة لا تلزمهم إجازة أكثر من ثلث المال فإذا أجازوه حسب من نصيبهم لأنهم تبرعوا به ويبقى نصيب الموصى له بالنصيب على حاله كأنه لم يخرج من المال إلا الثلث فيبقى الثلثان بينه وبين الا بنين على ثلاثة لأن له مثل نصيب أحدهم فتجعل المسألة من ثمانية عشر لأنها أقل عدد له نصف ولثلثه ثلث لصاحب النصف تسعة لأنه مجاز له ويعطى صاحب النصيب ثلث الثلثين أربعة صار المجموع ثلاثة عشر يبقى خمسة للابنين لا تصح عليهما فتضرب عددهما في ثمانية عشر تكن ستة وثلاثين لصاحب النصف ثمانية عشر وللآخر ثمانية يبقى عشرة للابنين.
وإن ردا قسمت الثلث بينهما على ثلاثة عشر فتصح من تسعة وثلاثين(6/84)
وإن وصى لرجل بمثل نصيب أحدهما وللآخر بثلث باقي المال فعلى الوجه الأول لصاحب النصيب ثلث المال وللآخر ثلث الباقي تسعان والباقي للورثة.
__________
وإن كان الجزء الموصى به الثلثين فعلى الأول: للموصى له بالنصيب الثلث في حال الإجازة وتصح من ثلاثة وفي الرد تقسم الثلث على ثلاثة وتصح من تسعة.
وعلى الثاني: للموصى له بالنصيب التسع وللآخر الثلثان في حال الإجازة وتصح من تسعة أيضا وفي الرد يقسم الثلث بينهما على سبعة وتصح من أحد وعشرين.
وعلى الثالث: لصاحب النصيب ثلث الثلثين وللآخر الثلثان فهي من تسعة وتسح من ثمانية عشر في حال الإجازة لصاحب الثلثين اثنا عشر ولصاحب النصيب أربعة يبقى سهمان للابنين.
وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ستة عشر وتصح من ثمانية وأربعين وإن كان الجزء الموصى به جميع المال فعلى الأول: يقسم المال بينهما على أربعة وعلى الثاني: لا يحصل لصاحب النصيب شيء لأنه لا يحصل للابن شيء وهذا مما يوهن هذا الوجه لعدم اطراده ويكون الكل لصاحب المال في حال الإجازة وفي الرد يأخذ صاحب المال الثلث ويبقى الثلثان بين صاحب النصيب وبين الابنين على ثلاثة وتصح من تسعة.
وعلى الثالث: لصاحب النصيب ثلث الثلثين اثنان من تسعة ولصاحب المال تسعة فتصح من أحد عشر وفي الرد من ثلاثة وثلاثين لصاحب المال تسعة ولصاحب النصيب اثنان ولكل ابن أحد عشر.
"وإن وصى لرجل بمثل نصيب أحدهما وللآخر بثلث باقي المال فعلى الوجه الأول لصاحب النصيب ثلث المال وللآخر ثلث الباقي تسعان والباقي للورثة" وتصح من تسعة هذا مع الاجازة ومع الرد الثلث بينهما(6/85)
وعلى الثاني يدخلها الدور ولعملها طرق أحدها أن يجعل المال ثلاثة أسهم ونصيبا يدفع النصيب إلى الموصى له بنصيب ابن وللآخر ثلث الباقي سهم ويبقى سهمان لكل ابن سهم وذلك هو النصيب فصحت من أربعة وبالجبر تأخذ مالا تلقي منه نصيبا وثلث الباقي يبقى ثلثا مال إلا ثلثي نصيب يعدل نصيبين اجبرها بثلثي نصيب وزد مثل ذلك على النصيبين
__________
على خمسة وتصح من خمسة عشر.
"وعلى الثاني" يدخلها الدور" لتوقف معرفة كل من ثلث الباقي ونصيب ابن على الآخر "ولعملها طرق" لأنه تارة بعمل المجهول وتارة بالجبر وتارة بالمنكوس "أحدها: أن يجعل المال ثلاثة أسهم" وإنما جعل ثلاثة أسهم ليكون للباقي بعد النصيب ثلث "ونصيبا يدفع النصيب إلى الموصى له بنصيب ابن" لأنه موصى له بذلك "وللآخر ثلث الباقي سهم يبقى سهمان لكل ابن سهم وذلك" أي: السهم هو النصيب لأنه الذي جعل لكل ابن "فصحت من أربعة" وعملها بطريق الباب أن تضرب مخرج كل وصية في الأخرى تكن تسعة ألق منها واحدا دائما من مخرج الوصية بالجزء والنصيب سهمان وتصح من ثمانية وفي الشرح تضرب ثلاثة في ثلاثة وهي عدد البنين مع الوصي تكن تسعة أنقص منها واحدا تبقى ثمانية ومنها تصح وكذا تعمل بما يرد عليك من هذه المسائل.
"وبالجبر" سمي به لأن الكسر الذي فوق السهام ينجبر "تأخذ مالا" أي: مجهولا لأن العلم به ابتداء لا يمكن "تلقي منه نصيبا" وهو وصية صاحب النصيب "وثلث الباقي" وهو وصية الآخر من المال وإنما فعل ذلك ليعلم الباقي حتى يقسم على الورثة "يبقى ثلثا مال إلا ثلثي نصيب" لأنك لما أسقطت النصيب ثم أردت أن تسقط ثلث الباقي وهو ثلث المال إلا ثلث نصيب فيحتاج إلى جبر النصيب فإذا جبر وأسقط من المال ثلث بقي ثلثا مال إلا ثلثي نصيب "يعدل نصيبين" لأن ذلك حق جميع الورثة وهم اثنان "اجبرها بثلثي نصيب" ليبقى بلا كسر "وزد مثل ذلك على النصيبين" ليقابل ذلك الكسر(6/86)
يبقى ثلثا مال يعدل نصيبين وثلثين ابسط الكل أثلاثا من جنس الكسر يصر مالين بعدل ثمانية أنصباء اقلب فاجعل المال ثمانية والنصيب اثنين وإن شئت قلت للابنين سهمان ثم تقول هذا بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل نصفه يصر ثلاثة ثم زد مثل نصيب ابن تصر أربعة،
__________
المجبور به "يبقى ثلثا مال يعدل نصيبين وثلثين" لأنه حق الورثة "ابسط الكل أثلاثا من جنس الكسر" ليصير بلا كسر "يصر مالين يعدل ثمانية أنصباء" لأن ثلثي المال إذا بسط أثلاثا صارا مالين والنصيبين والثلثين إذا بسطا أثلاثا صارا ثمانية أنصباء "اقلب فاجعل المال ثمانية والنصيب اثنين" وترجع بالاختصار إلى أربعة "وإن شئت" هذا بيان طريق المنكوس "قلت: للابنين سهمان" لأن ذلك أقل ما يمكن من عدد صحيح وهو مال "ثم تقول هذا بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل نصفه" سهما "يصر ثلاثة ثم زد مثل نصيب ابن تصر أربعة" للموصى له بالنصيب سهم وللآخر سهم ولكل ابن سهم وإن شئت ضربت ثلاثة وهو مخرج الثلث في ثلاثة وهو عدد البنين مع الوصي تكن تسعة أنقص منها واحدا يبقى ثمانية ومنها تصح وتسمى طريق الباب.
فلو كانت الوصية بربع الباقي قلت هذا بقية مال ذهب ربعه فزد عليه مثل ثلثه وإن كانت بخمس الباقي قلت هذا بقية مال ذهب خمسه فزد عليه مثل ربعه.
مسألة: إذا خلف ثلاثة بنين ووصي لرجل بمثل نصيب أحدهم ولآخر بنصف باقي المال ففيه أوجه:
أحدها: يعطى صاحب النصيب مثل نصيب ابن إذا لم يكن ثم وصية أخرى.
والثاني: يعطى نصيبه من ثلثي المال.
والثالث: يعطي مثل نصيب ابن بعد أخذ صاحب فيدخلها الدور.(6/87)
وإن كانت وصية الثاني بثلث ما يبقى من النصف فبالطريق الأول تجعل المال ستة ونصيبين يدفع النصيب إلى الموصى له والى الآخر ثلث بقية النصف سهما وإلى احد الابنين نصيبا بقي خمسة للابن الآخر فالنصيب خمسة،
__________
ولها طرق:
أحدها: أن تأخذ مخرج النصف فتسقط منه سهما يبقى سهم فهو النصيب فزد على عدد البنين واحدا تكن أربعة فتضربها في المخرج تكن ثمانية تنقصها سهما يبقى سبعة فهي المال للموصى له بالنصيب سهم وللآخر نصف الباقي ثلاثة ولكل ابن سهم.
الثاني: أن تزيد سهام البنين نصف سهم وتضربها في المخرج تكن سبعة والمال ستة عشر.
الثالث: طريق المنكوس وهو أن تأخذ سهام البنين وهي ثلاثة فتقول هذا بقية مال ذهب نصفه فإذا أردت تكميلة زدت عليه مثله ثم زد عليه مثل نصيب ابن تكن سبعة.
الرابع: أن تجعل المال سهمين ونصيبا تدفع النصيب إلى الموصى له به يبقى سهم للبنين يعدل ثلاثة أنصباء فالمال كله سبعة وبالجبر تأخذ مالا وتلقي منه نصيبا يبقى مال الأنصباء تدفع نصيب الباقي إلى الوصي الآخر يبقى نصف مال إلا نصف نصيب بعدل ثلاثة أنصباء اجبره بنصف نصيب وزده عليه يبقى نصيبا كاملا يعدل ثلاثة ونصفا فالمال سبعة.
"وإن كانت وصية الثاني بثلث ما يبقى من النصف فبالطريق الأول" وهي أن تعمل بالمجهول "تجعل المال ستة ونصيبين" ليكون الباقي من النصف بعد النصيب له ثلث صحيح يأخذه الموصى له.
"يدفع النصيب إلى الموصى له وإلى الآخر ثلث بقية النصف سهما" لأنه موصى لهما بذلك "وإلى أحد الابنين نصيبا" لأنه يستحق مثل ما يستحق صاحب النصيب "بقي خمسة للابن الآخر" لأنه لم يبق حق لغيره "فالنصيب خمسة" لأنه،(6/88)
والمال ستة عشر وبالجبر تأخذ مالا وتلقي منه نصيبا وثلث باقي النصف يبقى خمسة أسداس مال إلا ثلثي نصيب يعدل نصيبين وثلثين ابسط الكل أسداسا من جنس الكسر واقلب وحول يصر المال ستة عشر والنصيب خمسة وإن خلف أما وبنتا وأختا وأوصى بمثل نصيب الأم وسبع ما بقي ولآخر بمثل نصيب الأخت وربع ما بقي ولآخر بمثل نصيب البنت وثلث ما،
__________
مثل ما أخذ الابن "والمال ستة عشر" للموصى له بثلث باقي النصف سهم يبقى خمسة عشر للموصى له بالنصيب خمسة ولكل ابن خمسة.
وعلى الوجه الأول تصح من ثمانية عشر لصاحب النصف ستة وللآخر ثلث ما يبقى من النصف سهم يبقى أحد عشر للابنين وتصح من ستة وثلاثين لصاحب النصيب اثنا عشر ولصاحب الثلث سهمان ولكل ابن أحد عشر هذا مع الإجازة وفي الرد تصح من أحد وعشرين للأول ستة أسهم وللآخر سهم ولكل ابن سبعة.
"وبالجبر تأخذ مالا وتلقي منه نصيبا وثلث باقي النصف يبقى خمسة أسدسا مال إلا ثلثي نصيب" لأنه الباقي بعد الإلقاء "يعدل نصيبين وثلثين" وجبرانه ليزول الكسر "ابسط الكل أسداسا من جنس الكسر واقلب وحول" أي: بأن تجعل أجزاء المال النصيب وأجزاء النصيب المال "يصير المال ستة عشر" لأن النصيبين وثلثين ستة عشر "والنصيب خمسة" لأن ما تقدم خمسة أسداس وإن شئت أخذت نصف مال ألقيت منه نصيبا يبقى نصف مال إلا نصيبا ألق ثلثه يبقى ثلث مال إلا ثلثي نصيب ضمه إلى نصف المال تصير خمسة أسداس إلا ثلثي نصيب تعدل نصيبين اجبر وقابل تصير خمسة أسداس مال يعدل نصيبين وثلثين ابسط الكل أسداسا من جنس الكسر واقلب يكن المال ستة عشر والنصيب.
"وإن خلف أما وبنتا وأختا وأوصى بمثل نصيب الأم وسبع ما بقي ولآخر بمثل نصيب الأخت وربع ما بقي ولآخر بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي(6/89)
بقي فقل مسألة الورثة من ستة وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل نصفه ثلاثة ثم زد مثل نصيب البنت يكن اثني عشر فهي بقية مال ذهب ربعه فزد عليه ثلثه ومثل نصيب الأخت صارت ثمانية عشر وهي بقية مال ذهب سبعه فزد عليه مثل سدسه ومثل نصيب الأم تكن اثنين وعشرين،
__________
فقل: مسألة الورثة من ستة" لأن فيها سدسا ونصفا وما بقي "وهي" أي: الستة "بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل نصفه ثلاثة" تكن تسعة "ثم زد مثل نصيب البنت" وهو ثلاثة "يكن اثني عشر فهي بقية مال ذهب ربعه فزد عليه ثلثه" وهو أربعة "ومثل نصيب الأخت صارت ثمانية عشر وهي بقية مال ذهب سبعه فزد عليه مثل سدسه ومثل نصبب الأم تكن اثنين وعشرين" هذا طريق المنكوس فتدفع إلى الموصى له بمثل نصيب الأم سهما وسبع ما بقي ثلثه يبقى ثمانية عشر تدفع إلى الموصى له بمثل نصيب الأخت سهمين وربع الباقي أربعة فيحصل له ستة ويبقى اثني عشر تدفع إلى الموصي له بمثل نصيب البنت ثلثه يبقى تسعه تدفع إليه ثلثها ثلاثة يصير له ستة ويبقى ستة للورثة هذا مع الإجازة.
ومع الرد تجعل الثلث ستة عشر وتصح من ثمانية وأربعين للموصي له بمثل نصيب الأم أربعة ولكل واحد من الوصيين الآخرين ستة وللورثة اثنان وثلاثون لا تنقسم على مسألتهم وتوافقها بالأنصاف فتضرب وفق أحدهما في الآخر تكن مائة وأربعة وأربعين. وبطريق الباب تضرب المخارج بعضها في بعض تكن أربعا وثمانين فتنقص منها سبعها وربعها وثلثها يبقى ثلاث وعشرون فهو النصيب ثم تقول المسألة من ستة.
فزد مثل نصيب لأم سهم ثم انقص منه سبعة يبقى ستة أسباع ثم مثل سهمين ثم انقص منها ربعها يبقى سهم ونصف ثم زد مثل نصيب البنت ثلاثة ثم انقص منها ثلثها يبقى سهمان فيجمع ذلك أربعة وسبعين ونصف سبع تضيفها إلى المسألة وهي ستة تكن عشرة وسبعين(6/90)
........................................................................................................................................
__________
ونصف سبع تضربها في أربع وثمانين تبلغ ثمانمائة وسبعين للموصى له بمثل نصيب الأم ثلاثة وعشرون يبقى ثمانمائة وسبعة وأربعون أعطه سبعها مائة واحدا وعشرين وللموصى له بمثل سهمان وهو ستة وأربعون يبقى ثمانمائة وأربعة وعشرون أعطه ربعها مائتين وستة وللموصى له بمثل نصيب البنت ثلاثة وهو تسعة وستون يبقى ثمانمائة وأحد أعطها ثلثها مائتين وسبعة وستين وبالجبر تأخذ مالا وتلقي منه مثل نصيب البنت ثلاثة أنصباء وثلث الباقي يبقى ثلثا مال إلا نصيبين ألق منها مثل نصيبين وربع الباقي يبقى نصف المال إلا ثلاثة أنصباء.
ألق منها مثل نصيب الأم يبقى نصف مال إلا أربعة أنصباء ألق سبعها وهو نصف سبع مال وأربعة أسباع نصيب يبقى ثلاثة أسباع مال إلا ثلاثة أنصباء وثلاثة أسباع نصيب تعدل أنصباء الورثة سنة.
اجبرها بثلاثة أنصباء وثلاثة أسباع نصيب ابسط الكل أسباعا من جنس الكسر يصير النصيب ستة وستين والمال ثلاثة اقلب فاجعل النصيب ثلاثة والمال ستة وستين ادفع إلى الموصى له بمثل نصيب الأم نصيبا وهو ثلاثة أسهم وسبع الباقي تسعة يبقى أربعة وخمسون ادفع إلى الموصى له بمثل نصيبين ستة أسهم وربع الباقي وهو اثنا عشر يبقى ستة وثلاثون. ادفع إلى الموصى له بمثل نصيب البنت ثلاثة أنصباء وهي تسعة وثلث الباقي تسعة أيضا يبقى ثمانية عشر للورثة للأم ثلاثة وللأخت ستة وللبنت تسعة وهذا مع الإجازة وترجع بالاختصار إلى اثنين وعشرين.
ومع الرد يقسم الثلث بينهم على ثمانية أربعين وتصح من مائة وأربعة وأربعين والأحسن في عملها أن تقول مسألة الورثة من ستة يعطى الموصى له بمثل نصيب البنت ثلاثة وثلث ما بقي من الستة سهم وللموصى له بمثلة نصيب الأخت سهمان وربع ما بقي وهو سهم وللموصى له بمثل(6/91)
وإن خلف ثلاثة بنين ووصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ربع المال فخذ مخرج الكسر من أربعة وزد عليه ربعه تكن خمسة فهو نصيب كل ابن وزد على عدد البنين واحدا واضربه في مخرج الكسر،
__________
نصيب الأم سهم وسبع ما بقي وهو خمسة أسباع سهم فيكون المجموع ثمانية أسهم وخمسة أسباع سهم يضاف إلى مسألة الورثة وهي ستة تكن أربعة عشر سهما وخمسة أسباع سهم تضربها في سبعة ليخرج الكسر صحيحا تكن مائة وثلاثة فمن له منها شيء فمضروب في سبعة فللبنت أحد وعشرون وللأخت أربعة عشر وللأم سبعة وللموصى له بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي ثمانية وعشرون وللموصى له بمثل نصيب الأخت وربع ما بقي أحد وعشرون وللموصى له بمثل نصيب الأم اثنا عشر وهذه طريقة صحيحة وتعمل كلما ورد عليك كذلك.
مسألة : خلفت زوجا وأما وأختا وأوصت بمثل نصيب الأم وثلث ما بقي ولآخر بمثل نصيب الزوج ونصف ما بقي فمسألة الورثة من ثمانية وهي مال ذهب نصفه فزد عليه مثله تكن ستة عشر ومثل نصيب الزوج ثلاثة يصير تسعة عشر وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه نصفه صار ثمانية وعشرين ونصفا فزد عليه مثل نصيب الأخت سهمين تكن ثلاثين ونصفا ابسطها من جنس الكسر أحدا وستين للموصى له بمثل نصيب الأم أربعة يبقى سبعة وخمسون ادفع إليه ثلثها تسعة عشر يبقى ثمانية وثلاثون ادفع إلى الموصى له بمثل نصيب الزوج ستة يبقى اثنان وثلاثون ادفع إليه نصفها يبقى ستة عشر للزوج ستة وللأم أربعة وللأخت ستة.
هذا مع الإجازة ومع الرد تجعل السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال وهي خمسة وأربعون فيكون مجموع المسألة من ثمانية وخمسة وثلاثين "وإن خلف ثلاثة بنين ووصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ربع المال فخذ مخرج الكسر من أربعة وزد عليه ربعه" لأنه مستثنى "تكن خمسة فهو نصيب كل ابن وزد على عدد البنين واحدا" تكن أربعة " واضربه في مخرج الكسر"(6/92)
تكن ستة عشر أعط الموصى له نصيبا وهو خمسة واستثن منه ربع المال أربعة يبقى له سهم ولكل ابن خمسة وإن قال إلا ربع الباقي بعد النصيب فزد على عدد البنين سهما وربعا واضربه في المخرج يكن سبعة عشر له سهمان ولكل ابن خمسة وإن قال إلا ربع المال بعد الوصية جعلت المخرج ثلاثة وزدت عليه واحدا يكن أربعة فهو النصيب وزد على سهام البنين سهما وثلثا واضربه في المخرج يكن ثلاثة عشر له سهم،
__________
أربعة "تكن ستة عشر أعط الموصى له نصيبا وهو خمسة واستثن منه ربع المال أربعة يبقى له سهم ولكل ابن خمسة" وإن شئت خصصت كل ابن بربع وقسمت الربع الباقي بينه وبينهم على أربعة.
"وإن قال إلا ربع الباقي بعد النصيب فزد على عدد البنين سهما وربعا" لأن ذلك طريق إلى معرفة الموصى به "واضربه في المخرج" أي: في مخرج الكسر "تكن سبعة عشر له سهمان ولكل ابن خمسة" لأن النصيب خمسة فإذا سقط من سبعة عشر بقي اثنا عشر فإذا سقط منها ربع وهو ثلثه بقي من النصيب سهمان وهما للموصى له ولكل ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالا وتدفع منه نصيبا إلى الوصي ويستثنى منه ربع الباقي وهو ربع مال إلا ربع نصيب صار مال وربع إلا نصيبا وربعا يعدل أنصباء البنين وهم ثلاثة اجبر وقابل يخرج النصيب خمسة والمال سبعة عشر.
وطريق اخر وهو أن يفرض المال أربعة ونصيبا خذ منه أحدا زده على الأربعة فلكل ابن أحد وثلثان وهو النصيب ابسط الكل أثلاثا تبلغ سبعة عشر للموصى به النصيب اثنان ولكل ابن خمسة.
"وإن قال إلا ربع المال بعد الوصية جعلت المخرج ثلاثة وزدت عليه واحدا تكن أربعة فهو النصيب وزدت على عدد البنين سهما وثلثا" لأن ذلك طريق إلى معرفة الموصى به "واضربه في المخرج يكن ثلاثة عشر له سهم" لأنه موصى له بنصيب وقد تبين أنه أربعة إلا ربع الباقي بعد الوصية(6/93)
ولكل ابن أربعة ولا يليق بهذا الكتاب التطويل باكثر من هذا،
__________
وقد تبين أنه ثلاثة فبقي له سهم "ولكل ابن أربعة" وإن شئت قلت المال كله ثلاثة أنصباء ووصية الوصية هي نصيب إلا ربع الباقي وذلك ثلاثة أرباع نصيب فبقي ربع نصيب فهو الوصية والمال كله ثلاثة وربع ابسطها تكن ثلاثة عشر.
وإن شئت أنقص الجزء المستثنى أحدا يبقى ثلاثة زدها نصيبا وزد منه أحدا عليها فالأربع للبنين لكل ابن سهم وثلث وهو النصيب وبالبسط تبلغ ثلاثة عشر "ولا يليق بهذا الكتاب التطويل بأكثر من هذا" لأنه مختصر.
مسائل
الأولى: خلف ثلاثة بنين ووصى لعمه بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث وصية خاله ولخاله بمثل نصيب أحدهم إلا ربع وصية عمه فاضرب مخرج الثلث في مخرج الربع يكن اثني عشر أنقصها سهما يبقى أحد عشرة فهي نصيب ابن أنقصها سهمين يبقى تسعة فهي وصية الخال وإن نقصها ثلاثة فهي ثمانية وهي وصية العم.
وبالجبر تجعل مع العم أربعة دراهم ومع الخال ثلاثة دنانير ثم تزيد على الدراهم دينارا وعلى الدنانير درهما يبلغ كل واحد منهما نصيبا أجبر وقابل وأسقط المشترك يبقى معك ديناران تعدل ثلاثة دراهم فاقلب وحول تصر الدراهم ثمانية والدنانير تسعة.
الثانية: أوصى لعمه بعشرة إلا ربع وصية خاله ولخاله بعشرة إلا خمس وصية عمه فاضرب المخارج تكن عشرين أنقصها سهما تكن تسعة عشر فهي المقسوم عليه ثم اجعل مع المال أربعة أنقصها سهما يبقى ثلاثة أضربها في العشرة ثم فيما مع العم وهو خمسة تكن مائة وخمسين اقسمها على تسعة عشر فهي وصية عمه يخرج سبعة وسبعة عشر جزءا من تسعة عشر جزءا فهي وصية عمه واجعل مع العم خمسة وأنقصها سهما واضربها في عشرة ثم في أربعة تكن(6/94)
باب الموصى إليه
تصح وصية المسلم إلى كل مسلم عاقل عدل
__________
مائة وستين اقسمها تكن مائة وثمانية أجزاء فهي وصية خاله.
الثالثة: إذا أوصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث ولآخر بدرهم فاجعل المال تسعة دراهم وثلاثة أنصباء وإلى الثاني والثالث درهمين بقي سبعة ونصيبان ادفع نصييين إلى ابنين فيبقى سبعة للابن الثالث فالنصيب سبعة والمال ثلاثون فإن كانت الوصية الثالثة: بدرهمين فالنصيب ستة والمال سبعة وعشرون والله أعلم بالصواب.
باب الموصى إليه
لا بأس بالدخول في الوصية لفعل الصحابة فروي عن أبي عبيدة أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر وأوصى إلى الزبير ستة من الصحابة منهم عثمان وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف ولأنها وكالة أشبهت الوديعة.
وقياس قول أحمد أن عدم الدخول فيها أولى لما فيها من الخطر وهو لا يعدل بالسلام شيئا كما كان يرى عدم الالتقاط وترك الإحرام قبل الميقات.
وحديث أبي ذر شاهد بذلك "تصح وصية المسلم إلى كل مسلم عاقل عدل" مكلف رشيد إجماعا ولو مستورا أو عاجزا ويضم إليه أمين "وإن كان عبدا" لأنه يصح استنابته في الحياة فصح أن يوصى إليه كالحر.
وظاهره: لا فرق بين أن يكون عبدا للموصي أو لغيره ذكره ابن حامد لكن إن كان لغيره اشترط إذن سيده وخصه الأوزاعي والنخعي بعبده.
وقال أبو يوسف ومحمد وفاقا للشافعي لا تصح إلى عبد بحال لأنه لا يكون وليا على ابنه بالكسب فلا يجوز أن يلي الوصية كالمجنون.
وجوابه بأنه ينتقض بالمرأة والمكاتب والمدبر والمعتق بعضه كالعبد(6/95)
وإن كان عبدا أو مراهقا أو امرأة أو أم ولد ولا تصح إلى غيرهم وعنه: تصح إلى الفاسق ويضم الحاكم إليه أمينا،
__________
"أو مراهقا" بكسر الهاء وهو القريب من الأحتلام فظاهره أن البلوغ ليس بشرط في صحتها لأن المراهق كالبالغ في إمكان التصرف فصحت إليه كالبالغ وهذا رواية وفي أخرى تصح إلى مميز و قال القاضي: هو قياس المذهب لأن أحمد نص على صحة وكالته فيعتبر على هذا مجاوزة العشر.
وفي المغني لا أعلم فيه نصا عن أحمد والمذهب اشتراط البلوغ جزم به الأكثر لأنه ليس من أهل الشهادة والإقرار وهو مولى عليه فلم يكن من أهل الولاية كالطفل.
"أو امرأة" في قول جمهور العلماء ولم يجزه عطاء لأنها لا تكون قاضية وجوابه بأن عمر أوصى إلى حفصه ولأنها من أهل الشهادات أشبهت الرجل وتخالف القضاء فإنه يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد "أو أم ولد" نص عليه لأنها تكون حرة من أصل المال عند نفوذ الوصية.
"ولا تصح إلى غيرهم" كالطفل والمجنون لأنهما ليسا من أهل التصرف في أموالهما فلا يليان على غيرهما.
والكافر لأنه ليس من أهل الولاية على المسلم فلم تصح إليه بغير خلاف نعلمه
والفاسق لأنه ليس بأمين ولا من أهل الشهادة كالمجنون.
وكذا لا تصح إلى من لا يهتدي إلى التصرف لسفه أو مرض أو هرم ونحوه "وعنه: تصح إلى الفاسق ويضم الحاكم إليه أمينا" اختاره الخرقي جمعا بين نظر الموصي وحفظ المال وشرطه إن أمكن الحفظ به صرح به في الفروع وغيره.
وعنه: تصح إليه مطلقا أي: لا يفتقر إلى أمين حكاها أبو الخطاب في خلافه وأخذها في المغني من رواية ابن منصور إذا كان متهما لم يخرج(6/96)
وان كانوا على غيرهذه الصفات ثم وجدت عند الموت فهل تصح على وجهين وإذا أوصى إلى واحد وبعده إلى اخر فهما وصيان،
__________
من يده ولأنه أهل الائتمان في الجملة بدليل جواز إيداعه لكن تتمة رواية ابن منصور ويجعل معه اخر كرواية يوسف ابن موسى إن كان متهما ضم إليه أمين يعلم ما جرى ولا تنزع الوصية منه.
وذكرها جماعة في فسق طارىء فقط وقيل: عكسه.
وترجمة الخلال هل للورثة ضم أمين مع الوصي المتهم ثم إن ضمه بأجرة من الوصية توجه جوازه ومن الوصي فيه نظر بخلاف ضمه مع الفسق وعلم منه أنه لا نظر لحاكم مع وصي خاص كفء.
قال الشيخ تقي الدين فيمن أوصي إليه بإخراج حجة ولاية الدفع والتعيين للناظر الخاص وإنما للولي العام الاعتراض لعدم أهليته أو فعله محرما.
فظاهره أنه لا نظر ولا ضم مع وصي غير متهم.
وذكره جماعه "وإن كانوا على غير هذه الصفات ثم وجدت بعد الموت فهل تصح؟ على وجهين" أحدهما وهو الأصح أنه يعتبر وجود هذه الشروط في الوصي عند الوصية والموت لأنها شروط العقد فيعتبر حال وجوده كسائر العقود.
والثاني: أنها تعتبر حالة الموت حسب كالوصية له ولأن شروط الشهادة تعتبر حالة التحمل لا الأداء .
ورد بأن الوصية صحيحة وإن كانت لوارث وإنما يعتبر عدم الإرث وخروجها من الثلث للنفوذ واللزوم فاعتبر بحالته بخلاف مسألتنا فإنها شروط لصحة العقد فاعتبر بحالة العقد ولا ينفع وجودها بعده.
وقيل: يعتبر ما بينهما.
"وإذا أوصى إلى واحد وبعده إلى اخر فهما وصيان" نص عليه كما لو(6/97)
إلا ان يقول قد أخرجت الأول وليس لأحدهما انفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه وإن مات أحدهما أقام الحاكم مكانه أمينا وكذلك إن فسق وعنه: يضم إليه أمين،
__________
أوصى إليهما جميعا "إلا أن يقول قد أخرجت" أو عزلت "الأول" فإنها تبطل وصيته لأنه قد صرح بعزله فانعزل كما لو وكله ثم عزله "وليس لأحدهما" أي: الوصيين سواء أوصى إليهما معا أو على التعاقب "الانفراد بالتصرف" لأنه لم يرض بنظره وحده كالوكيلين "إلا أن يجعل ذلك إليه" فإنه ينفرد بالتصرف نص عليه كما لو كان منفردا.
وعلى الأول متى تعذر اجتماعهما أقام الحاكم مكان الغائب أمينا ذكره في المغني والشرح فلو اختلفا في جعل المال عند من يكون منهما جعل في مكان يكون تحت أيديهما جميعا وقال مالك: يجعل عند أعدلهما وقال أصحاب الرأي: يقسم بينهما وهو المنصوص عند الشافعي.
"وإن مات أحدهما" أو وجد منه ما يوجب عزله "أقام الحاكم مكانه أمينا" لزوما لأن الموصي لم يرض بنظره وحده فلو أراد الحاكم أن يكتفي بالثاني لم يجز وإن وجد منهما ما يقتضي المنع فللحاكم أن ينصب مكانهما وفي الاكتفاء بواحد وجهان كذا في الشرح والفروع.
ومحل ما ذكره المؤلف ما إذا أطلق فإن جعل لكل منهما التصرف لم يجز للحاكم إقامة اثنين.
وفي الرعاية إذا مات أحدهما أو جن وعجز الآخر عنها أو فسق أقام اثنين كما لو لو عجزا أو فسقا وقيل: يكفي واحد.
"وكذلك إن فسق" أي: يقيم الحاكم مقامه أمينا "وعنه: يضم إليه أمين" تقدم الكلام في صحة الوصية إلى الفاسق والكلام الان على الفسق الطارىء فعند المؤلف هو مبني على الروايتين في صحة الوصية إليه ابتداء واختار القاضي وغيره البطلان ويقيم الحاكم مقامه أمينا وهو قول الثوري وإسحاق وحمل(6/98)
ويصح قبوله للوصية في حياة الموصي وبعد موته وله عزل نفسه متى شاء وعنه: ليس له ذلك بعد موته،
__________
كلام أحمد والخرقي على الفسق الطارىء بعد الموت.
وعند المجد يبدل بأمين بلا نزاع نظرا إلى أن الوصي في الابتداء قد رضيه واختاره والظاهر أنه إنما فعل ذلك لمعنى راه فيه إما لزيادة حفظه أو إحكام تصرفه ونحوه مما يربوا على ما فيه من الخيانة بخلاف ما لو طرأ فسقه فحال الموصي يقتضي أنه إنما رضي بعدل ولا عدل.
وذكر في الشرح أن التفريق بين الفسق المقارن والطارىء بعيد فإن الشروط تعتبر في الدوام كاعتبارها في الابتداء سيما إذا كانت لمعنى يحتاج إليه في الدوام وإذا لم يكن بد من التفريق فاعتبار العدالة في الدوام أولى من قبل أن الفسق إذا كان موجودا حال الوصية فقد رضي به الموصي مع علمه بحاله وأوصى إليه راضيا بتصرفه مع فسقه فيشعر ذلك أنه علم أن عنده من الشفقة على اليتيم ما يمنعه من التفريط فيه وخيانته في ماله بخلاف ما إذا طرأ فسقه فإنه لم يرض به على تلك الحال والاعتبار برضاه.
"ويصح قبوله للوصية في حياة الموصي" لأنه إذن في التصرف فصح قبوله بعد العقد كالوكالة بخلاف الوصية له فإنها تمليك في وقت فلم يصح القبول قبل الوقت "وبعد موته" لأنها نوع وصية فصح قبولها كالوصية ومتى قبل صار وصيا.
فرع: يجوز أن يجعل للوصي جعلا كالوكالة ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة لأنه نائب عنهم فمقاسمته للورثة على الموصى له غير جائزة لأنه ليس بنائب عنهم.
"وله عزل نفسه متى شاء" لأنه متصرف بالإذن كالوكيل وظاهره: مع القدرة في حياة الموصي وضدها.
"وعنه: ليس له ذلك بعد موته" ذكرها ابن أبي موسى وقاله أبو حنيفة(6/99)
وللموصى عزله متى شاء وليس للوصي ان يوصي إلا أن يجعل ذلك إليه وعنه: له ذلك
__________
وزاد وعنه: لا يجوز في حياته إلا بحضرته لأنه غره بالتزام وصيته ومنعه بذلك الإيصاء إلى غيره.
ونقل الأثرم وحنبل له عزل نفسه إن وجد حاكما قدمه في المحرر وعنه: ليس له ذلك قبل موته إذا لم يعلمه قيل لأحمد إن قبلها ثم غيّر الوصية فيها قال لا يلزمه قبولها إذا غيّر فيها.
مسألة: ما أنفقه وصي متبرع بمعروف في ثبوتها فمن مال يتيم ذكره الشيخ تقي الدين. "وللموصي عزله متى شاء" كالموكل "وليس للوصي أن يوصي" أي: إذا أطلق على المذهب لأنه قصر في توليته فلم يكن له التفويض كالوكيل "إلا أن يجعل ذلك إليه" بأن يقول أذنت لك أن توصي إلى ما شئت أو كل من أوصيت إليه فقد أوصيت إليه أو هو وصي فإنه يصح في قول أكثر العلماء كالوكيل إذا أمر بالتوكيل.
"وعنه: له ذلك" مطلقا لأن الأب أقامه مقام نفسه فملك الوصية كالأب والفرق واضح فإن الأب يلي من غير تولية أحد.
وحكى في الرعاية قولا أن الروايتين فيما يتولى مثله ويصح فيما لا يتولاه مثله وقيل: إن أذن له في الوصية إلى شخص معين جاز وإلا فلا.
تنبيه: إذا قال أوصيت إلى زيد فإن مات فعمرو صح رواية واحدة ويكون كل منهما وصيا إلا أن عمرا بعد زيد ومثله أوصى إليه ثم قال إن تاب ابني عن فسقه او قدم من غيبته أو صح من مرضه أو رشد صار الثاني وصيا عند الشرط ذكره الأصحاب أو هو وصيي سنة ثم عمرو للخبر "أميركم زيد" والوصية كالتأمير.
قال في الفروع ويتوجه لا لأن الوصية استنابة بعد الموت فهي كالوكالة(6/100)
ولا تصح الوصية إلا في معلوم يملك الموصي فعله كقضاء الدين وتفريق الوصية والنظر في أمر الأطفال،
__________
في الحياة ولهذا هل للوصي أن يوصي ويعزل من وصى إليه ولا يصح إلا في معلوم وللموصي عزله وغير ذلك كالوكيل فلهذا لا يعارض ذلك ما ذكره القاضي وجماعة إذا قال الخليقة الإمام بعدي فلان فإن مات فلان في حياتي أو تغير حاله فالخليفة فلان صح وكذا في الثالث والرابع وإن قال فلان ولي عهدي فإن ولي ثم مات ففلان بعده لم يصح للثاني وعللوه بأنه إذا ولي صار إماما وصار التصرف والنظر والاختيار إليه فكان العهد إليه فيمن يراه وفي التي قبلها جعل العهد إلى غيره عند موته وتعتبر صفاته في الحالة التي لم تثبت للمعهود إليه إمامة وظاهر هذا أنه لو علق ولي الأمر ولاية الحكم أو وظيفة بشرط شغورها أو بشرط فوجد الشرط بعد موت ولي الأمر والقيام مقامه أن ولايته تبطل وأن النظر والاختيار لمن قام مقامه.
يؤيده أن الأصحاب اعتبروا ولاية الحكم بالوكالة في مسائل فإنه لو علق عتقا أو غيره بشرط بطل بموته لزوال ملكه فتبطل تصرفاته انتهى.
وذكر بعض المحققين أن في اعتبار الولاية بالوكالة نظر لأن تعليق الوكالة بالموت لا تصح بخلاف الولاية كما إذا عهد الإمام لآخر بعده فإنه يصح فالأولى: اعتبار الولاية بالوصية لأنها تتعلق بالموت لا الحياة بخلاف الوكالة فإنها لا تتعلق بالموت إجماعا وتبطل به فهي ضد الوكالة بصحتها بعد الموت خاصة والوكالة لا تصح إلا في الحياة فهما متضادتان فلا يلزم من صحتها بعد الموت صحتها في الحياة فإذا انقطعت ولاية العاهد قبل موته بعزله أو جنونه ينبغي أن يبطل عهده كما لو زال ملك الموصي عن العين الموصى بها قبل موته
"ولا تصح الوصية إلا في" تصرف "معلوم" ليعلم الموصى إليه ما وصى به إليه ليحفظه ويتصرف فيه "يملك الموصي فعله كقضاء الدين وتفريق الوصية والنظر في أمر الأطفال" لأن الوصي يتصرف بالإذن فلم يجز إلا في معلوم(6/101)
واذا أوصى إليه في شيء لم يصر وصيا في غيره وإذا أوصى بتفريق ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم أخرجه كله مما في يده وعنه: يخرج ثلث ما في يده يخرج ويحبس باقيه حتى يخرجوا.
__________
يملكه الموصي كالوكالة وليس هذا خاصاً بالأطفال بل ذو الولاية إذا أوصى إلى من ينظر في أمر أولاده المجانين ومن لم يؤنس منهم رشد صح بأن يحفظ مالهم ويتصرف فيه بالأحظ فأما من لا ولاية له عليهم كالعقلاء الراشدين وغير أولاده من الاخوة والأعمام فلا تصح الوصية لعدم الولاية في الحياة.
فرع: تصح الوصية بحد يستوفيه له لا للموصى له.
"وإذا أوصى إليه في شيء لم يصر وصيا في غيره" لأنه استفاد التصرف بالإذن من جهته فكان مقصورا على ما أذن فيه كالوكيل وقال أبو حنيفة يملك الكل لأنها ولاية تنتقل من الأب فلا تتبعض كولاية الجد واجيب بمنع ولايته ولو سلم فاستفادها بالقرابة وهي لا تتبعض والإذن يتبعض فافترقا فإن وصى إليه في تركته وأن يقوم مقامه فهذا وصي في جميع أموره يبيع ويشتري إذا كان نظرا لهم.
"وإذا أوصى إليه بتفريق ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم أخرجه كله مما في يده" نقله أبو طالب لأن حق الموصى له يتعلق بأجزاء التركة فجاز ن يدفع إليه مما في يده كما يدفع إلى بعض الورثة "وعنه: يخرج ثلث ما في يده" لأنه موصى به ولا حق للورثة فيه وثلثاه ليس كذلك.
"ويحبس باقيه حتى يخرجوا" لأن إخراج بقية الثلث واجب وهذا وسيلة إليه وفي الفروع في جواز قضائه باطنا وتكميل ثلثه من بقية ماله روايتان.
وحملها في المغني والشرح على حالتين:
فالأولى: محمولة على ما إذا كان المال جنسا واحدا لأنه لا فائدة: في انتظار(6/102)
وإن أوصاه بقضاء دين معين فأبى الورثة ذلك قضاه بغير علمهم
__________
إخراجهم.
والثانية: محمولة على ما إذا كان أجناسا لأنها تتعلق بثلث كل جنس فلم يجز أن يخرج عوضا عن ثلث ما في أيديهم مما في يده لأنها معاوضة تتعلق بتراضيهم
وحكى ذلك في الرعاية قولا عن أحمد يرده إليهم ويطلبهم بالثلث فإن فرقه ثم ظهر دين مستغرق أو جهل موصى له فتصدق هو أو حاكم لم يضمن على الأصح وقال ابن حمدان: بل يرجع به كوفاء الدين.
"وإن أوصاه بقضاء دين معين فأبى الورثة" أو جحدوا وتعذر ثبوت "ذلك قضاه بغير علمهم" أي: باطنا جزم به في الوجيز وهو المذهب لأنه واجب سواء رضوا به أو أبوه ولأنه لاحق لهم إلا بعد وفاء الدين.
والثانية: المنع لأنه لا يأمن رجوعهم عليه وقيل: له في رواية أبي داود مع عدم البينة في الدين أيحل له إن له ينفذه قال لا وعنه: إن أذن فيه حاكم جاز قيل لأحمد فإن علم الوصي أن لرجل عليه حقا فجاء الغريم يطالب الوصي وقدمه إلى القاضي يستحلفه أن مالي في يديك حق قال: لا يحلف ويعلم القاضي بالقضية فإن أعطاه القاضي فهو أعلم أي: يقيم القاضي ثبوته ويشهد بما أمر به فلو صدقه وارث لزمه منه بقدر حقه نص عليه.
فإن كان ثم بينة ففي لزوم قضاءه نقلا حاكم ففي المغني والشرح في جوازه روايتان مالا يصدقه وارثه المكلف لأنه إقرار منهم على أنفسهم.
مسألة: يسن الإيصاء بقضاء الدين لأنه إذا شرع له الوصية في حق غيره فحاجة نفسه أولى وهذا في الدين الذي لا يعجز عن وفاته في الحال فأما الذي يعجز عن وفاته في الحال فالوصاة به واجبة قاله بعضهم.(6/103)
وعنه: فيمن عليه دين لميت وعلى الميت دين أنه يقضي دين الميت إن لم يخف تبعة وتصح وصية الكافر إلى المسلم وإلى من كان عدلا في دينه وإذا قال ضع ثلثي حيث شئت أو أعطه من شئت لم يجز له أخذه ولا دفعه إلى ولده،
__________
"وعنه فيمن عليه دين لميت وعلى الميت دين أنه يقضي دين الميت إن لم يخف تبعة" يعني إذا حاف أن يطلبه الورثة بما عليه وينكروا الدين على مورثهم فلا يقضيه لأنه لا يأمن رجوعهم عليه وإن لم يخف ذلك قضى دين الميت بما عليه من تبرئة ذمته وذمة الميت
وفي براءة المدين باطنا بقضاء دين يعلمه على الميت الروايتان فإن كان عليه دين لميت ووصى به لزيد فله دفعه إليه أو إلى وصي الميت وإن لم يوص به ولا يقضيه عينا لم يبرء بدفعه إلاإلى الوارث والوصي جميعا وقيل: يبرأ بدفعه إلى الوصي.
فرع: صرف أجنبي الموصى به لمعين قيل أو لغيره في جهته لم يضمنه وإن وصاه بإعطاء مدع دينا بيمينه نقده من رأس ماله.
قاله الشيخ تقي الدين ونقل ابن هانىء بينة ونقل عبد الله يقبل مع صدق المدعي ونقل ابن هانيء فيمن وصاه بدفع مهر امرأته لم يدفعه في غيبة الورثة "وتصح وصية الكافر إلى المسلم" لقبول شهادته عليه وعلى غيره ومحله ما لم تكن التركة خمرا أو خنزيرا أو نحوهما "والى من كان عدلا في دينه" في الأشهر لأنه يلي النسب قيل بالوصية كالمسلم والثاني: لا يصح وهو قول أبي ثور لأنه أسوأ حالا من الفاسق وعلى الأول إذا لم يكن عدلا في دينه لا يصح لأن عدم العدالة في المسلم تمنع الصحة فالكافر أولى.
"وإذا قال: ضع ثلثي حيث شئت أو أعطه" أو تصدق به على "من شئت لم يجز له أخذه" في المنصوص لأنه تمليك ملكه بالإذن فلا يكون قابلا له كالوكيل وقيل: يعمل بالقرينة "ولا دفعه إلى ولده" لأنه متهم في حقه(6/104)
ويحتمل جواز ذلك لتناول اللفظ له وإن دعت الحاجة إلى بيع بعض العقار لقضاء دين الميت او حاجة الصغار وفي بيع بعضه نقص فله البيع على الكبار والصغار.
__________
كهو وأباحه الشيحان.
وذكر جماعة مع أبيه وذكره اخرون وأبيه ولم يزيدوا ولا يجوز دفعه إلى وارثه سواء كان غنيا أو فقيرا نص عليه وذكر ابن رزين في منع من يمونه وجها "ويحتمل جواز ذلك لتناول اللفظ له" ولأنه يجوز دفعه إلى الأجنبي فكذا ما ذكر وقيل: له إعطاء ولده وسائر أقاربه إذا كانوا مستحقين له دون نفسه لأنه مأمور بالتفريق وقد وجد.
مسائل: إذا قال: تصدق من مالي احتمل ما تناوله لاسم واحتمل ما قل وكثر لأنه لو أراد معينا عينه ذكر في التمهيد من أوصي إليه بحفر بئر في طريق مكة أو في السبيل فقال لا أقدر فقال الموصي افعل ما ترى لم يجز حفرها بدار قوم لا بئر لهم لما فيه من تخصيصهم نقله ابن هانيء ولو أمره ببناء مسجد فلم يجد عرصة لم يجز شراء عرصة يزيديها في مسجد صغير نص عليه ولو قال: ادفع هذا إلى يتامى فلان فإقرار بقرينة وإلا وصية ذكره الشيخ تقي الدين "وإن دعت الحاجة إلى بيع بعض العقار لقضاء دين الميت أو حاجة الصغار وفي بيع بعضه نقص" أي: ضرر "فله البيع على الكبار" إذا امتنعوا أو غابوا "والصغار" نص عليه لأن الموصي يملك بيع التركة فملك جميعها كما لو كان الورثة صغارا أو التركة مستغرقة وكالعين المرهونة وظاهره: أنه إذا لم يكن فيه ضرر فليس له البيع على الكبار لأنه إنما جاز أولا لدفع الضرر وقيل: يبيع بقدر دين ووصية وحصة صغار وقيل: لأحمد بيع الوصي الدور على الصغار يجوز قال: إذا كان نظرا لهم لا على كبار يؤنس فيهم رشد هو كالأب في كل شيء إلا في النكاح قيل له وإن لم يكن أثبت وصيته عنده. لعل هنا سقطاً(6/105)
ويحتمل أنه ليس له البيع على الكبار وهو أقيس
__________
القاضي قال إذا كانت له بينة.
"ويحتمل أنه ليس له البيع على الكبار" لأنه لا يجب على الإنسان بيع ملكه ليزداد من ملك غيره كما لو كان شريكهم غير وارث "قال: وهو أقيس" وصححه في الشرح والمغني وقال ابن أبي ليلى: يجوز له البيع على الكل فيما لا بد منه.
فرع: إذا مات في موضع لا حاكم فيه ولا وصيا فلمن حضره من المسلمين حوز تركته ويبيع ما يراه وقيل: إلا الإماء قال أحمد: في الجواري أحب أن يتولى بيعهن الحاكم قال في الشرح: وإنما توقف عن بيعهن على طريق الاختيار احتياطا لأن بيعهن يتضمن إباحة فروجهن وعلى المذهب يجوز لأنه موضع ضرورة.
ويكفنه منها ثم من عنده ويرجع عليها أو على من تلزمه نفقته إن نواه ولا حاكم فإن تعذر الإذن رجع وقيل: فيه وجهان كإمكانه ولم يستأذنه أو لم ينو مع إذنه والله تعالى أعلم.(6/106)
كتاب الفرائض
مدخل
...
كتاب الفرائض
__________
كتاب الفرائض
جمع فريضة وهي في الأصل اسم مصدر من فرض وأفرض وسمي البعير المأخوذ في الزكاة فريضة فعيلة بمعنى مفعولة مشتق من الفرض وهو التقدير لقوله تعالى :{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أي: قدرتم ويأتي بمعنى القطع لقوله تعالى :{نَصِيباً مَفْرُوضاً} أي: مقطوعا وبمعنى الحز يقال: فرض القوس وفرضته الحز الذي فيه الوتر وفرضة النهر أي: ثلمته.
وبمعنى التبيين لقوله تعالى: {فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أي: بين وبمعنى الإنزال لقوله تعالى :{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} أي: أنزل وبمعنى الإحلال لقوله تعالى :{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} أي: أحل وبمعنى العطاء تقول العرب ما أصبت منه فرضا.
ولما كان علم الفرائض مشتملا على هذه المعاني لما فيه من السهام المقدرة والمقادير المنقطعة والعطاء المجرد وقد بين لكل وارث نصيبه وأحله له سمي بذلك.
ويقال للعالم به فرضي وفارض وفريض كعالم وعليم حكاه المبرد.
وقد ورد التحريض على تعلمها وتعليمها فعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما" رواه أحمد والترمذي والحاكم ولفظه له.
وعن أبي هريرة مرفوعا: "تعلموا الفرائض وعلموها فإنها نصف العلم وهو ينسى وهو أول علم ينزع من أمتي" رواه ابن ماجه والدارقطني من رواية حفص بن عمر وقد ضعفه جماعة.
واختلف في معناه فقال: أهل السلامة لا نتكلم فيه بل يجب علينا اتباعه(6/107)
وهي قسمة المواريث وأسباب التوارث ثلاثة رحم ونكاح وولاء،
__________
وقيل: علم معناه باعتبار الحال فإن حال الناس اثنان حياة ووفاة فالفرائض تتعلق بالثاني وسائر العلوم بالأول.
وقيل: هو نصف باعتبار الثواب لأنه يستحق بتعلم مسألة: واحدة من الفرائض مائة حسنة وبغيرها من العلوم عشر حسنات وقيل: باعتبار المشقة وهما ضعيفان.
وأحسنها الملك اختياري واضطراري.
فالاختياري إن شاء دخل في ملكه وإن شاء رد كالشراء والهبة ونحوهما والاضطراري يدخل في ملكه إجبارا ورد.
وقال عمر: إذا تحدثتم فتحدثوا في الفرائض وإذا لهوتم فالهوا بالرمي وكان لا يولي أحدا حتى يسأله عن قسمة المواريث.
وحكي أن الوليد بن مسلم رأى في منامه دخل بستانا فأكل من جميع ثمره إلا العنب الأبيض فقصه على شيخه الأوزاعي فقال: تصيب من العلوم كلها الا الفرائض فإنها جوهر العلم كما أن العنب الأبيض جوهر العنب.
"وهي قسمة المواريث" فظاهره أن الفرائض هي نفس القسمة والظاهر أنه على حذف مضاف تقديره وهي العلم بقسمة المواريث وصرح به في الكافي وهو جمع ميراث وهو المال المخلف عن الميت أصله موراث انقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ويقال له: التراث.
"وأسباب التوارت ثلاثة رحم" وهو القرابة من جهة البنوة والأبوة ونحوهما إذ بها يرث بعضهم بعضا لقوله تعالى :{وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب:6] "ونكاح" وهو عقد الزوجية وإن عري عن الوطء لقوله تعالى :{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} الاية [النساء:12] "وولاء" وهو الإنعام عليه بالعتق لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن(6/108)
لا غير وعنه: انه يثبت بالموالاة والمعاقدة وإسلامه على يديه وكونهما من أهل الديوان.
__________
أعتق متفق عليه.
وروى ابن عمر مرفوعا الولاء لحمة كلحمة النسب رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد شبه الولاء بالنسب والنسب يورث به فكذا الولاء.
ومقتضاه أن العتيق لا يرث معتقه وهو قول الأكثر وقيل: بلى ثم عدم وقاله الحسن بن زياد نقله الطبري ونقل ابن الحكم لا أدري وفي الفروع يتوجه منه ينفق على المنعم واختاره شيخنا ويشهد له ما روى الطبراني من حديث عوسجة مولى ابن عباس عنه أن رجلا مات ولم يترك وارثا إلا عبدا أعتقه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه وعوسجة وثقه أبو زرعة لكن قال البخاري لا يصح حديثه ولو سلمت صحته فهو محمول على أنه أعطاه على جهة المصلحة لا ميراثا.
"لا غير" لأن الشرع ورد بالتوارث بها إلا النبي صلى الله عليه وسلم فكانت تركته صدقة لم تورث.
"وعنه: أنه يثبت" مع عدمهن "بالموالاة" وهي المؤاخاة "والمعاقدة" وهي المحالفة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء:33] وكان في ابتداء الإسلام يقول الرجل دمي دمك ومالي مالك تنصرني أنصرك وترثني وأرثك.
"وإسلامه" على يديه لما روي أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أسلم على يديه رجل فهو مولاه يرثه" رواه سعيد في سننه وكذا التقاطه.
"وكونهما من أهل الديوان" أي: مكتوبين في ديوان واحد قاله في المطلع واختاره الشيخ تقي الدين وحكاه في الشرح قولا.
وظاهر المتن أنه من جملة الرواية وفي شرح المحرر: أو من قبيلة واحدة ولا(6/109)
والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة الابن وابنه وان نزل والأب وأبوه وإن علا والأخ من كل جهة وابن الأخ إلا من الأم والعم وابنه كذلك والزوج والمولى المنعم ومن الاناث سبع البنت وبنت الابن والأم.
__________
عمل عليه لأن ما ذكر كان في بدء الإسلام بدليل ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك فنزلت :{وَأُولُو الْأَرْحَامِ} الاية فتوارثوا بالنسب رواه الدارقطني وفي إسناده مقال.
"والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة الابن وابنه وإن نزل" لقوله تعالى :{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} الاية وابن الابن ابن لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ} {يَا بَنِي إِسْرائيلَ}.
"والأب وأبوه وإن علا" لقوله تعالى :{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} والجد تناوله النص لدخول ولد الابن في عموم الأولاد وقيل: ثبت فرضه بالسنة لأنه عليه السلام أعطاه السدس والأخ من كل جهة فالأخ من الأم ثبت بقوله تعالى :{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} ومن الأبوين أو الأب بقوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر".
"وابن الأخ إلا من الأم" فإنه من ذوي الأرحام "والعم وابنه كذلك" أي: من الأبوين أو الأب وعم الأب كذلك ولا يدخل فيه العم من الأم ولا ابنه لأنهما ليسا من العصبات "والزوج" لقوله تعالى :{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} الاية.
"والمولى المنعم" أي: المعتق سموا به لأنه أنعم على العبد بعتقه وتخليصه من أسر الرق ثبت بالسنة والذكور كلهم عصبات إلا الزوج والأخ من الأم والأب وأبوه مع الابن.
"ومن الإناث سبع البنت وبنت الابن والأم،(6/110)
والجدة والأخت والمراة ومولاة النعمة والوارث ثلاثة ذو فرض وعصبات وذو رحم.
__________
والجدة والأخت والمرأة ومولاة النعمة" لما ذكرنا والإناث كلهن إذا انفردن عن أخواتهن ذوات فرض إلا المعتقة والأخوات مع البنات.
أصل: إذا اجتمع الوارثون من الرجال لم يرث منهم إلا الأب والابن والزوج وإذا اجتمعت الوارثات من النساء ورث منهن خمسة البنت وبنت الابن والأم والزوجة والأخت من الأبوين أو الأب والذي يمكن اجتماعهم من الصنفين وارثا الأبوان والابن والبنت وأحد الزوجين.
"والوارث ثلاثة: ذو فرض وعصبات" إجماعا "وذو رحم" على الأصح فيه وسيأتي فإن مات ولا وارث له من هؤلاء فماله لبيت المال قاله ابن هبيرة وهو على وجه المصلحة قاله أحمد كالمال الضائع لأنه لا يخلو عن ابن عم وإن بعد غالبا وقد نص عليه الشافعي في الأم. وعنه: ينتقل إليه على وجه الإرث كما يتحمل عند الدية لقوله عليه السلام: "أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه" صححه ابن حبان والحاكم وهو عليه السلام لا يرث لنفسه وإنما يصرف ذلك في مصالح المسلمين فهو الوارثون.
وأجابوا عن الأول بأنه لا يلزم من وجود ابن عم أن يكون وارثا لاحتمال مانع وأيضا وجود ابن عم ليس بلازم وإن ابن الزنى والمنفي بلعان قد يكون الميت من أحد القسمين وهذا إذا انتظم أمر بيت المال فإن لم ينتظم فاختار ابن كج أنه يصرف لذوي الأرحام ونقله الأئمة من الشافعية.(6/111)
باب ميراث ذوي الفروض
__________
باب ميراث ذوي الفروض
بدأ المؤلف بهم لأنهم الأصل ولهم فروض مقدرة لا تسقط "وهم عشرة:(6/111)
وهم عشرة الزوجان والأبوان والجد والجدة والبنت وبنت الابن والأخت من كل جهة والأخ من الأم فللزوج الربع إذا كان لها ولد أو ولد ابن والنصف مع عدمهما وللمرأة الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن والربع مع عدمهما.
__________
الزوجان والأبوان والجد والجدة والبنت وبنت الابن والأخت من كل جهة" أي: من الأبوين أو الأب أو الأم "والأخ من الأم" فالإخوة والأخوات لأم يسمون بني الأخياف والأخياف الأخلاط فهم من أخلاط الرجال وليسوا هم من رجل واحد وللأب يسمون بني العلات لأن أم كل واحد منهم لم تسقه لبن رضاعها وللأبوين يسمون بني الأعيان سموا به لأنهم من عين واحدة ومنه قوله عليه السلام: "أعيان بني الأم يتوارثون"
"فللزوج الربع إذا كان لها ولد" ذكرا كان أو أنثى "أو ولد ابن" يحترز به عن ولد البنت فإنه لا اعتبار به وإن ورثنا ذوي الأرحام.
"والنصف مع عدمهما" وهذا بالإجماع وسنده النص لأنه تعالى نص على الولد وولده ملحق به بالإجماع لكن اختلفوا هل حجبه بالاسم أو المعنى فقيل بالاسم وهو ظاهر قول الأصحاب لأنه يسمى ولدا فتدل الاية عليه وقيل: بالمعنى لأن الولد حقيقة ولد الصلب
إلا أنهم أجمعوا على أن ولد الابن يقوم مقام الولد في الحجب إلا ما حكي عن مجاهد أنه لا يحجب وهو مدفوع بالإجماع.
فإن قلت: هلا بدأ بالأولاد كما في القران قيل بدأ الله تعالى بهم لأنهم أهم عند الادمي وهو آكد ومراد الفرضيين التعليم والتقريب على الأفهام والكلام على الزوجين أقل منه على غيرهما.
"وللمرأة الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن والربع مع عدمهما" أجماعا وسنده {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} الاية والزوجات كالزوجة وإنما جعل لهن ذلك لأنه لو جعل لكل واحدة الربع وهن أربع،(6/112)
فصل
وللاب ثلاثة احوال حال يرث فيها السدس بالفرض وهي مع ذكور الولد أو ولد الابن وحال يرث فيها بالتعصيب وهي مع عدم الولد او ولد ابن وحال يجتمع له الفرض والتعصيب وهي مع إناث الولد أو ولد الابن.
__________
لأخذن جميع المال وزاد فرضهن على فرض الزوج ومثلهن الجدات فأما سائر الأقارب كالبنات وبنات الابن والأخوات المفترقات فإن لكل جماعه منهن مثل ما للابنتين وزدن على فرض الواحدة لأن الذكر الذي يرث في درجتهن لا فرض له إلا ولد الأم فإن ذكرهم وأنثاهم سواء لأنهم يرثون بالرحم وقرابة الأم المجردة.
فصل
"وللأب ثلاثة أحوال حال يرث فيه السدس بالفرض وهي مع ذكور الولد أو ولد الابن" للنص السابق والمراد بولد الابن هنا الذكر "وحال يرث فيها بلا تعصيب وهي مع عدم الولد وولد الابن" لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} أضاف الميرث لهما وجعل لها الثلث فكان الباقي للأب وهذا شأن التعصيب وهذه الحال مما امتاز بها الأب والجد.
"وحال يجتمع له الفرض والتعصيب وهي مع إناث الولد أو ولد الابن" للنص وقد سأل الحجاج الشعبي عمن مات عن أب وبنت فقال: للبنت النصف والباقي للأب فقال له الحجاج: أصبت في المعنى وأخطأت في اللفظ هلا قلت للأب السدس وللبنت النصف والباقي للأب فقال أخطأت وأصاب الأمير.
مسألة: يقع الإرث بالفرض والتعصيب في صور: كزوج معتق وزوجة معتقة وأخ لأم هو ابن وهو بسببين مختلفين فأما الجمع بينهما بسبب واحد وهو الأبوة فقد تقدم.(6/113)
فصل
وللجد هذه الاحوال الثلاثة وحال رابع وهي مع الاخوة والاخوات من الابوين او الأب فإنه يقاسمهم كأخ.
إلا أن يكون الثلث خيرا له فيأخذه والباقي لهم.
__________
فصل
"وللجد هذه الأحوال الثلاثة" أي: لأنه أب لقوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} وقول يوسف {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ} الاية وقوله عليه السلام: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا" ولأنه لا يقتل بقتل ابن ابنه ولا يحد بقذفه ولا يقطع بسرقة ماله وتجب عليه نفقته ويمنع من دفع زكاته إليه كالأب وقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس رواه سعيد بن منصور لكنه يسقط بالأب وينقص عن رتبته في إحدى العمريتين فإن للأم مع الجد ثلث جميع المال.
"وحال رابع وهي مع الإخوة والأخوات من الأبوين أو الأب فإنه يقاسمهم كأخ" وهو قول علي وابن مسعود وزيد لأن الأخ ذكر يعصب اخته فلم يسقطه الجد كالابن ولاستوائهما في سبب الاستحقاق لأن كلا منهما يدلي بالأب الجد والأخ بالبنوة وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة بل ربما كانت أقوى منها فإن الابن يسقط تعصيب الأب ولذلك مثله علي رضي الله عنه بشجرة أنبتت غصنا فانفرق منه غصنان كل منهما أقرب منه إلى أصل الشجرة.
ومثله زيد رضي الله عنه بواد خرج منه نهر انفرق منه جزء ولأن كلا منهما إلى الآخر أقرب منه إلى الوادي.
"إلا أن يكون الثلث خيرا له فيأخذه والباقي لهم" للذكر مثل حظ الأنثيين وقد يستوي الأمران والضابط أن الإخوة والأخوان إن كانوا مثليه فالمقاسمة(6/114)
فان كان معهم ذو فرض اخذ فرضه ثم للجد الاحظ من المقاسمه كاخ او ثلث الباقي أوسدس جميع المال.
__________
والثلث سيان.
وذلك في مسائل جد وأخوان جد وأخ وأختان جد وأربع أخوات.
وإن كانوا دون مثليه فالمقاسمة خير له وذلك في مسائل جد وأخ جد وأختان جد وأخ وأخت جد وثلاث أخوات جد وأخت وإن كانوا فوق المثلين فالثلث خير له ووجهه بأن الجد والأم إذا اجتمعا أخذ الجد مثلي ما تأخذ الأم لأنها لا تأخذ إلا الثلث والإخوة لا ينقصون الأم من السدس فوجب أن لا ينقصوا الجد من ضعف السدس.
وعنه: أن الجد يسقط الإخوة كما يسقطهم الأب اختارها أبو حفص العكبري والاجري وهو مذهب الصديق وعثمان وعائشة وابن عباس وابن الزبير وقاله المزني وابن سريج وابن اللبان لأنه أب بالنصوص السابقة قال ابن عباس ألا يتقي الله زيد يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أبا الأب أبا ولأنه أولى من الأخ لأن له إيلادا ولو ازدحمت الفروض سقط الأخ دونه.
لكن ما ذكره المؤلف من كيفية إرثه معهم هو قول زيد واعتمد عليه أحمد لما روى أنس مرفوعا قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر وأصدقها حياء عثمان وأعلمها بالحلال والحرام معاذ وأقرؤها لكتاب الله أبي وأعلمها بالفرائض زيد ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه والحاكم وقال على شرط الشيخين وصحح جماعة إرساله.
"فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه" للنص "ثم للجد الأحظ من المقاسمة كأخ" لأنها له مع عدم الفروض فكذا مع وجودها "وثلث الباقي" لأن ما أخذ بالفرض كأنه معدوم قد ذهب من المال فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث الجميع.
"أو سدس جميع المال" لأنه يأخذه مع الولد الذي هو أقوى فمع غيره من(6/115)
فان لم يفضل عن الفرض إلا السدس فهو له وسقط من معه منهم إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وأخت وجد فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف ثم يقسم نصف الأخت وسدس الجد بينهما على ثلاثة فتضربها في المسألة وعولها تكن سبعة وعشرين؛
__________
باب أولى.
وضابطه أنه متى زاد الإخوة عن اثنين أو من يعدلهم من الإناث فلاحظ له في المقاسمة وإن نقصوا عن ذلك فلا حظ له في ثلث الباقي ومتى زادت الفروض عن النصف فلا حظ له في ثلث الباقي وإن نقصت عن النصف فلا حظ له في السدس وإن كان الفرض النصف فقد استوى السدس وثلث الباقي وإن كان الإخوة اثنين والفرض النصف استوت الأحوال كلها.
"فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس فهو له" لأنه عليه السلام أطعمه السدس ولا ينقص عنه في قول العامة وحكى الشعبي عن ابن عباس أنه كأخ مطلقا فقال في سبعة إخوة وجد الجد ثامنهم.
"وسقط من معه منهم" أي: من الإخوة والأخوات كأم وابنتين وجد وأخت أو أخ "إلا في الأكدرية" قيل سميت به لتكدير أصول زيد في الأشهر عنه لكونه لا يفرض للأخت مع الجد إلا فيها ولا يعيل مسائل الجد وأعالها.
وأيضا فإنه جمع سهام الفرض وقسمها على التعصيب وقيل: إن زيدا كدر على الأخت ميراثها فأعطاها النصف ثم استرجعه منها وقيل: إن عبد الملك ابن مروان سأل عنها رجلا اسمه أكدر فأخطأ فيها وقيل: اسم المرأة أكدرة وقيل: اسم زوجها وقيل: اسم السائل وقيل: لتكدر أقوال الصحابة وكثرة اختلافهم "وهي زوج وأم وأخت وجد" فأصلها من ستة وتعول إلى تسعة فعالت بمثل نصفها "فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف ثم يقسم نصف الأخت وسدس الجد" وهما أربعة "بينهما على ثلاثة " لا تصح ولا توافق "فتضربها في المسألة وعولها تكن سبعة وعشرين" ومنها تصح فكل من له شيء من أصل المسالة مضروب في ثلاثة(6/116)
للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة ولا يعول من مسائل الجد غيرها ولا يفرض لأخت مع جد إلا فيها.
__________
"للزوج تسعة وللأم ستة" يبقى اثنا عشر بين الجد والأخت "وللجد ثمانية وللأخت أربعة" ويعايى بها فيقال: أربعة ورثوا مال ميت فأحدهم أخذ ثلثه والثاني: ثلث ما بقي والثالث ثلث ما بقي والرابع ما بقي ونظمها بعضهم فقال:
ما فرض أربعة توزع بينهم ... ميراث ميتهم بفرض واقع
فلواحد ثلث الجميع وثلث ما ... يبقى لثانيهم بحكم جامع
ولثالث من بعدهم ثلث الذي ... يبقى وما يبقى نصيب الرابع
وإن شئت قلت: أخذ أحدهم جزءا من المال وأخذ الثاني نصف ذلك الجزء وأخذ الثالث نصف ذلك الجزئين وأخذ الرابع نصف الأجزاء فإن الجد أخذ ثمانية والأخت أربعة والأم ستة وهي نصف ما حصل لهما والزوج تسعة وهو نصف ما حصل لهم.
"ولا يعول من مسائل الجد غيرها ولا يفرض لأخت مع جد إلا فيها" هذا مذهب زيد وقيل: إنه لم يصرح به وإنما أصحابه قاسوها على أصوله لأنه لو لم يفرض لها لسقطت وليس في الفريضة من يسقطها.
ومذهب الصديق وموافقيه إسقاط الأخت فيكون للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وهو قويل حكاه في الرعاية.
ومذهب عمر وابن مسعود للزوج النصف وللأخت النصف وللجد السدس وللأم السدس فتعول إلى ثمانية وجعلا للأم السدس لكيلا تفضل على الجد.
ومذهب علي كزيد غير أن زيدا ضم نصف الأخت إلى سدس الجد وقسمه بينهما أثلاثا.(6/117)
وإن لم يكن فيها زوج فللام الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة فتصح من تسعة وتسمى الخرقاء لكثرة اختلاف الصحابة فيها وولد الاب كولد الأبوين في مقاسمة الجد إذا انفردوا فان اجتمعوا عاد ولد الأبوين الجد بولد الأب،
__________
"وإن لم يكن فيها زوج فللأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة" فأصلها من ثلاثة للأم واحد يبقى اثنان على ثلاثة لا يصح فتضربها في أصل المسألة "فتصح من تسعة" هذا قول زيد ووافقه الأكثر "وتسمى: الخرقاء لكثرة اختلاف الصحابة فيها" كأن الأقوال خرقتها بكثرتها.
وتسمى: المسبعة لأن فيها سبعة أقوال والمسدسة لأن أقوال الصحابة ترجع فيها إلى ستة والمثلثة لأن عثمان ومن وافقه جعل للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت نصفان.
ويقال لها العثمانية والمربعة لأن ابن مسعود في إحدى الروايتين عنه جعلها من اثنين وتصح من أربعة للأخت النصف والباقي بينهما نصفين والرواية الثانية: عنه كقول عمر وهو أنه جعلها من ستة للأخت ثلاثة وللأم سهم ويعبر عنه بثلث ما يبقى ولا يعبر عنه بالسدس تأدبا وللجد سهمان والمخمسة لأنه اختلف فيها خمسة من الصحابة عثمان وعلي وابن مسعود وزيد وابن عباس على خمسة أقوال:
وكان الشعبي لا يثبت الرواية غير هؤلاء والشعبية والحجاجية لأن الحجاج امتحن فيها الشعبي فأصاب فعفا عنه فإن عدم الجد سميت المباهلة لقول ابن عباس من باهلني باهلته إن الله تعالى لم يجعل في مال واحد نصفا ونصفا وثلثا.
"وولد الأب كولد الأبوين في مقاسمة الجد إذا انفردوا" لأنهم يشاركونهم في بنوة الأب التي ساووا بها الجد "فإن اجتمعوا عاد ولد الأبوين الجد بولد الأب" أي: زاحم به وتسمى: المعادة .(6/118)
ثم أخذوا منهم ما حصل لهم إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ تمام النصف وما فضل لهم ولا يتفق هذا في مسألة فيها فرض غير السدس فاذا كان جد وأخت من أبوين وأخت من أب فالمال بينهم على أربعة للجد سهمان ولكل أخت سهم ثم رجعت الأخت من الأبوين،
__________
"ثم أخذوامنهم ما حصل لهم" لأن الجد والد فإذا حجبه أخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث وأخ غير وارث كالأم وأن ولد الأب يحجبونه إذا انفردوا فيحجبونه مع غيرهم كالأم ويفارق ولد الأم فإن الجد يحجبهم فلا ينبغي أن يحجبوه بخلاف ولد الأب فإن الجد لا يحجبهم.
وأما الأخ من الأبوين فإنه أقوى تعصيبا من الأخ للأب فلا يرث معه شيئا كما لو انفرد عن الجد فيأخذ ميراثه كما لو اجتمع ابن وابن ابن لا يقال الجد يحجب ولد الأم ولا يأخذ شيئا إنه هو والإخوة يحجبون الأم ولم يأخذوا ميراثها لأن الجد وولد الأم سبب استحقاقهم في الميراث مختلف وكذلك سائر من يحجب ولا يأخذ ميراث المحجوب وها هنا سبب استحقاق الإخوة الميراث الأخوة والعصوبة فأيهما قوي حجب الآخر وأخذ ميراثه. والمعادة انما تكون إذا احتيج إليها فلو استغنى عنها فلا معادة كجد وأخوين من أبوين وأخ من أب.
"إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ تمام النصف" لأن فرضها لا يزيد على نصف "وما فضل لهم" أي: لولد الأب لأنه إنما يؤخذ منه لكون ولد الأبوين أولى وقد زالت أولويته باستكمال حقه.
"ولا يتفق هذا في مسألة فيها فرض غير السدس" لأن أدنى ما يأخذ الجد الثلث من الباقي والأخت النصف والباقي بعدهما السدس ولا يلزم أن يفضل لهم شيء كمسألة فيها أم وجد وأخت لأبوين وأخ أو أخت لأب "فإذا كان جد وأخت من أبوين وأخت من أب فالمال بينهم على أربعة" لأن المقاسمة خير له فتجعل كأختين "للجد سهمان ولكل أخت سهم ثم(6/119)
فأخذت ما في يد أختها كله وإن كان معهم أخ من أب فللجد الثلث وللأخت النصف يبقى للأخ وأخته السدس على ثلاثه فتصح من ثمانية عشر فان كان معهم أم فلها السدس وللجد ثلث الباقي للأخت النصف والباقي لهم وتصح من أربعة وخمسين وتسمى مختصرة زيد فان كان معهم أخ آخر صحت من تسعين وتسمى تسعينية زيد.
__________
رجعت الأخت من الأبوين فأخذت ما في يد أختها كله" لتستكمل النصف.
"وإن كان معهم أخ من أب فللجد الثلث" لأنه أحظ له "وللأخت النصف" لأنها أخت لأبوين "يبقى للأخ وأخته السدس" فأصلها من ستة بينهما "على ثلاثة" للعصوبة فتضربها في ستة "فتصح من ثمانية عشر" للأخت تسعة وللجد ستة وتستوي هنا المقاسمة وثلث جميع المال وللأخ سهمان وأخته سهم "فإن كان معهم أم فلها السدس" لأن ذلك فرضها مع الإخوة وللجد ثلث الباقي لأنه أحظ له قال ابن المنجا: وفيه نظر لأنه يستوي له المقاسمة وثلث الباقي.
"وللأخت النصف" لأنه فرضها "والباقي لهم" أي: لولد الأب لأنهم عصبة فتضرب ثلاثة في ثمانية عشر "وتصح من أربعة وخمسين" وإن قاسم الإخوة أعطيت الأم السدس يبقى خمسة مقسومة على الجد والأخ وأختين على ستة فتضربها في أصل المسألة تكن ستة وثلاثين للأم ستة وللجد عشرة وللأخت من الأبوين ثمانية عشر يبقى سهمان على الأخ من الأب وأخته لا تصح فاضرب ثلاثة في ستة وثلاثين تكن مائة وثمانية وترجع بالاختصار إلى نصفها أربعة وخمسين لأنها تتفق بالنصف فلهذا قال: "وتسمى: مختصرة زيد فإن كان معهم أخ آخر" فللأم السدس ثلاثة وللجد ثلث الباقي خمسة وللأخت من الأبوين النصف تسعة يبقى سهم لأولاد الأب على خمسة لا يصح عليهم فاضربها في ثمانية عشر "صحت من تسعين" فكل من له شيء من ثمانية عشر مضروب في خمسة "وتسمى: تسعينية زيد" وهذا التفريع كله على مذهب زيد لأنه يورث الإخوة مع الجد وقد نص أحمد(6/120)
فصل
وللأم أربعة أحوال حال لها السدس وهي مع وجود الولد أو ولد الابن،
__________
على بعض ذلك وعلى معناه تبعا له.
مسائل
أم وأختان وجد المقاسمة خير له يبقى خمسة على أربعة وتصح من أربعة وعشرين
بنت وأخ وجد للبنت النصف والباقي بينهما نصفين فإن كان معهما أخته فالباقي بينهم على خمسة.
بنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن وأخت وجد للابنتين الثلثان والباقي بينهما على ثلاثة وتصح من تسعة وإن كان مكانها أخ فالباقي بينهما نصفين وتصح من ستة وإن كان أختان صحت من اثني عشر ويستوي السدس والمقاسمة.
زوجة وبنت وأخت وجد الباقي بين الأخت والجد على ثلاثة وتصح من ثمانية فإن كان مكان الاخت أخ أو أختان فالباقي بينهم وتصح مع الأخ من ستة عشر ومع الأختين من اثنين وثلاثين وإن زادوا فرض للجد السدس فانتقلت إلى أربعة وعشرين ثم تصح على المنكسر عليهم وإن كان مع الزوجة ابنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن أو بنت
وأم وجد فرضت للجد السدس يبقى للإخوة والأخوات سهم وتصح من أربعة وعشرين.
فصل
"وللأم أربعة أحوال حال لها السدس وهي مع وجود الولد أو ولد الابن" لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ(6/121)
أو الاثنين من الإخوة والأخوات وحال لها الثلث وهي مع عدم هؤلاء وحال لها ثلث الباقي وهي من زوج وأبوين وامرأة وأبوين لها،
__________
ولد} [النساء:11] وولد الولد ولد حقيقة أو مجازا قال الماوردي إنعقد الإجماع في ولد الولد ولم يخالف فيه الا مجاهد "أو الاثنين من الإخوة والأخوات" كاملي الحرية في قول الجمهور. وقال ابن عباس: لا يخجبها عن الثلث إلى السدس إلا ثلاثة وحكي عن معاذ لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وأقل الجمع ثلاثة.
وجوابه بأن الجمع قد يعبر به عن الاثنين قال الزمخشري لفظ الإخوة هنا يتناول الأخوين لأن المقصود الجمعية المطلقة من غير كمية وفي صحيح الحاكم وقال صحيح الإسناد ان ابن عباس احتج على عثمان وقال كيف نردها إلى السدس بالأخوين وليسا باخوة فقال عثمان لا أستطيع رد شيء كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به فهذا يدل على الإجماع قبل مخالفة ابن عباس وروي أنه قال حجبها قومك يا غلام ولأنه حجب يتعلق بتعدد فكان الاثنان أوله كحجب البنات لبنات الابن يؤيده قوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً} الاية وهذا الحكم ثابت في أخ وأخت وقد أكد ذلك بأن جماعة من أهل اللغة جعلوا الاثنين جمعا حقيقة.
وقد أغرب الحسن البصري فقال: لا يحجبها إلا ثلاثة إخوة ذكور وعندنا لا فرق في حجبها بين الذكر والأنثى ولو كانا غير وارثين لسقوطهما بالأب لا بمانع قام بهما
"وحال لها الثلث وهي مع عدم هؤلاء" أي: مع عدم من ذكر من الولد أو ولد ابنه أو اثنين من الإخوة والأخوات من أي: الجهات كانوا لا نعلم فيه خلافا.
وسنده قوله تعالى :{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء:11] "وحال لها ثلث الباقي وهي من زوج وأبوين وامرأة وأبوين لها ثلث(6/122)
ثلث الباقي بعد فرض الزوجين وحال رابع وهي إذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنى أو منفيا بلعان فانه ينقطع تعصيبه من جهة من نفاه؛
__________
الباقي بعد فرض الزوجين" وهاتان المسألتان تسميان العمريتين لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك ووافقه عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وروي عن علي وقاله الحسن والثوري وقال بن عباس لها ثلث المال كله فيهما لأن الله فرض لها الثلث عند عدم الولد والإخوة.
ويروى عن علي قال أحمد وهو ظاهر القرآن واختاره ابن اللبان وقاله ابن سريج في زوج وأبوين وفصل ابن سيرين فقال كقول الجماعة في زوج وأبوين وكقول ابن عباس في امرأة وأبوين وقاله أبو ثور لأنا لو فرضنا لها ثلث المال في الأولى: لفضلناها على الأب وهو ممتنع وفي مسألة الزوجة لا يتأتى ذلك قال المؤلف والحجة مع ابن عباس لولا انعقاد الإجماع من الصحابة على خلافه لأن الفريضة إذا جمعت أبوين وذا فرض كان للأم ثلث الباقي كما لو كان معهما بنت.
ويخالف الأب الجد لأن الأب في درجتها والجد أعلى منها ولأن ميراثها هو ما سوى ميراث الزوجين فلم يجز أن يزاد على ثلث ما ورثه الأبوان ولأن ما يأخذه أحد الزوجين إنما يأخذه بالسبب وما يؤخذ بالسبب كالطارىء على التركة فإذاً الباقي بعده يكون بين الأبوين فعلى هذا تكون المسألة الأولى من اثنين وتصح من ستة و الثانية: تصح من أربعة وإنما قالوا لها ثلث الباقي ولم يقولوا سدس المال من الأولى وربعه من الثانية: محافظة على الأدب في موافقة القرآن وعبر به في الوجيز اعتبارا بالحاصل.
وما ذهب إليه ابن سيرين تفريق في موضع أجمع الصحابة على التسوية فيه ثم إنه مع الزوج يأخذ مثل ما أخذت الأم كذلك مع المرأة قياسا عليه.
"وحال رابع وهي إذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنى" لأنه لا ينسب إلى الزاني "أو منفيا بلعان فإنه ينقطع تعصيبه من جهة من نفاه" أي: إذا لا عن(6/123)
فلا يرثه هو ولا أحد من عصباته وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم وعصبته عصبة أمه.
__________
الرجل امرأته وانتفى من ولدها وفرق الحاكم بينهما انتفى ولدها عنه وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن.
"فلا يرثه هو ولا أحد من عصباته وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم" وينقطع التوارث بين الزوجين لا نعلم فيه خلافا فإن مات أحدهما قبل تمام اللعان ورثه الآخر في قول الجمهور فإن تم اللعان بينهما فمات أحدهما قبل تفريق الحاكم لم يتوارثا في الأشهر لأن اللعان يقتضي التحريم المؤبد فلم يعتبر فيه التفريق كالرضاع.
والثانية: يتوارثان لأنه عليه السلام فرق بينهما ولو حصل التفريق باللعان لم يحتج إلى تفريقه لكن لو فرق بينهما قبل تمامه لم تقع الفرقة ولم ينقطع التوارث في قول الجماعة وهذا في توارث الزوجين فأما الولد فالأصح أنه ينتفي عن الملاعن إذا تم اللعان بينهما من غير اعتبار تفريق الحاكم فإن لم يكن ذكره في اللعان لم ينتف عن الملاعن ولم ينقطع التوارث بينهما.
وقال أبو بكر: ينتفي بزوال الفراش لأنه عليه السلام نفى الولد عن الملاعن وألحقه بأمه ولم يذكره في لعانه لأنه كان حملا في البطن وفي الرعاية إن قذفها ولاعنها في مرض موته ورثته وقيل: لا وإن قذفها في صحته ولاعنها في مرض موته وافترقا فمات فروايتان وإن أكذب نفسه لم يرثه فإن نفى في لعانه ولدها انقطع نسبه عنه ولم يتوارثا فإن استحلقه بعد لحقه وتوارثا.
تنبيه: إذا ادعته امرأة دون زوجها وألحق بها فهو كولد الملاعنة وكذا لو ادعاه الزاني وقوة اللعان والزنى وفروعهما ولداه ولا يورثون بأخوة الأب على المذهب.
"وعصبته" بعد ذكور ولده وإن نزل "عصبة أمه" في الإرث نقلة الأثرم(6/124)
وعنه: أنها هي عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبته فإذا خلف أما وخالا فلأمه الثلث وباقيه للخال وعلى الرواية الأخرى الكل للأم
__________
وحنبل وروي عن علي وابن عباس وابن عمر وقاله جمع لقوله عليه السلام: "ألحقوا الفرائض بأهلها" الخبر وأولى الرجال به أقارب أمه ولو كانت عصبة كأبيه لحجبت الإخوة ولأن مولاها مولى أولادها فيجب أن يكون عصبتها عصبته كالأب فإن كانت أمه مولاة فما بقي فلمولاها وإلا جعل لبيت المال وروي عن ابن عباس نحوه وقاله جمع من التابعين وأهل المدينة.
"وعنه: أنها هي عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبته" نقلها أبو الحارث ومهنا وهو قول ابن مسعود اختارها أبو بكر والشيخ تقي الدين لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها رواه أبو داود.
وعن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وميراث ولدها التي لا عنت عليه" رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب ولأنها قامت مقام الأب في انتسابه إليها فقامت مقامه في حيازة ميراثه ولأنهم عصبات أدلوا بها فلم يرثوا معها كأقارب الأب معه.
وعنه: إن كان لهما ذو فرض رد عليهم فإن عدم فعصبها عصبته فعلى الأولى: يرث أخوه لأمه مع بنته لا أخته ويعايا بها ولو خلف خالا وخالة أو خالا ومولى أم فالمال للخال رواية واحدة فإذا مات عتيق ابن الملاعنة عن الملاعنة وعصبتها فقيل المال لعصبتها على الروايات والأصح أنه مبني على القول بتعصيبها فإن لم يترك ابن الملاعنة ذاسهم فالمال لعصبة أمه في قول الجماعة ونقل الخلال في جامعه أنهم يعقلون عنه.
"فإذا خلف أما وخالا فلأمه الثلث" لأنه فرضها "وباقيه للخال" أي: على الرواية الأولى لأنه عصبتها "وعلى الرواية الأخرى: الكل للأم" لأنها عصبته وعلى الثالثه: يستوعب المال بالفرض والرد وهي قول ابن مسعود.(6/125)
فإن كان معهم أخ لأم فله السدس والباقي له أو للأم على الرواية الثانية: وإذا مات ابن ابن ملاعنة وخلف أمه وجدته فلأمه الثلث وباقيه للجدة على إحدى الروايتين وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها.
__________
ومذهب زيد الباقي لبيت المال.
"فإن كان معهم أخ لأم فله السدس" لأنه فرضه "والباقي له" أي: للأخ من الأم لأنه عصبتها دون الخال لأنه محجوب "أو للأم على الرواية الثانية" وهذا كله بعد أخذ الأم الثلث والأخ السدس لأنه لو لم يكن كذلك لما كان للأم شيء على الرواية الأولى: وليس كذلك وفاقا فإن كان معهما مولى أم فلا شيء له عندنا وقال زيد وموافقوه له الباقي وإن لم يكن لأمه عصبة إلا مولاها فالباقي له إذا قلنا: عصبتها عصبته وعلى الأخرى هو للأم وقاله ابن مسعود لأنها عصبة ابنها.
"وإذا مات ابن ابن ملاعنة وخلف أمه وجدته" أم أبيه الملاعنة "فلأمه الثلث" لأنه فرضها "وباقيه للجدة على إحدى الروايتين" وهي قول ابن مسعود لأنها هي الملاعنة فهي عصبته فيكون لها الباقي "وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها" فيعايابها لأنها ورثت الثلثين مع إرث الأم الثلث فهو مثلا نصيبها لأنها عصبة على رواية فيكون لها الباقي وعلى الأخرى الكل للأم الثلث بالفرض والباقي بالرد وهو قول علي فإذا مات ابن ابن الملاعنة عن عمه وعم أبيه فالمال لعمه وقال بعض العلماء عم الأب أولى لأنه ابن الملاعنة.
ورد بأن العصبات إنما يعتبر أقربهم من الميت لا من آبائه فأما ولد بنت الملاعنة فليست الملاعنة عصبة لهم في قول الجميع وإن مات ابن الملاعنة وخلف ابنه وإن نزل وأمه فلأمه السدس والباقي للابن على الروايات كلها.(6/126)
فصل
وللجدات السدس واحدة كانت أو أكثر.
__________
فصل
وللجدات السدس، واحدة كانت أو أكثر" وقد حكاه ابن المنذر إجماعا وحكى غيره رواية شاذة أنها بمنزلة الأم لأنها تدلي بها فقامت مقامها عند عدمها كالجد.
وأجيب بما روى قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر تسأله ميراثها فقال مالك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس.
فسأل الناس فقال المغيرة ابن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها السدس فقال: هل معك غيرك فقام محمد بن سلمة الأنصاري فشهد مثله فأنفذه لها
ثم جاءت الثانية إلى عمر بن الخطاب فسألته ميراثها فقال: مالك في كتاب الله شيء لكن هو ذاك السدس فإذا اجتمعتما فهو بينكما وأيكما خلت به فهو لها رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي.
وعلم منه أنهن لا يزدن على السدس فرضا لما روى سعيد ثنا هشيم عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر فأعطى أم الأم دون الأب فقال له عبد الرحمن بن سهل وكان شهد بدرا يا خليفة رسول الله أعطيت التي إن ماتت لم يرثها ومنعت التي لو ماتت ورثها فجعل أبو بكر السدس بينهما وهذا إجماع وشرطه إذا تحاذين لأنه إذا كان بعضهن أقرب كان الميراث لها.
ولا خلاف في توريث جدتين أم الأم وأم الأب وكذا إن علتا وكانتا في القرب سواء كأم أم أم وأم أم أب .(6/127)
فان كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن وعنه: أن القربى من جهة الأب لا تحجب القربى من جهة الأم ولا يرث أكثر من ثلاث جدات أم الأم وأم الأب وأم الجد
__________
"فإن كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن" سواء كانا من جهة واحدة فهو للقربى إجماعا وكذا إن كانا من جهتين والقربى من جهة الأم فبالاتفاق أن الميراث لها دون البعدى إذ الأقرب يحجب الأبعد كالآباء والأبناء.
وظاهره: أن القربى من جهة الأب تحجب البعدى من جهة الأم وهو أشهر الروايتين ونصره في المغني والشرح وغيرهما وهو قول أهل العراق.
"وعنه: أن القربى من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم" بل تشاركها وبه قطع القاضي في جامعة وصححه ابن عقيل وهي المنصوصة حتى إن القاضي في الروايتين لم يحك الأولى: إلا عن الخرقى لأن الأب الذي تدلي به الجدة لا يحجب الجدة من قبل الأم فالتي تدلي به أولى أن لا تحجبها وبهذا فارقت القربى من قبل الأم فإنها تدلي بالأم وهي تحجب جميع الجلدات.
وأجيب بأن قولهم الأب لا يسقطها قلنا: لأنهن لا يرثن ميراثه وإنما يرثن بميراث الأمهات لكونهن أمهات ولذلك أسقطتهن الأم.
أم أم أم أم أب الميراث للأولى بلا نزاع أم أب وأم أم أم الميراث للأولى على الأولى وعلى الثانية: هو مشترك بينهما.
"ولا يرث أكثر من ثلاث جدات" قاله أحمد من غير زيادة روي عن علي وابن مسعود وزيد لما روى سعيد عن سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وأخرجه أبو عبيد والدارقطني.
وأشار إليهم المؤلف بقوله: "أم الأم وأم الأب وأم الجد ومن كان من(6/128)
ومن كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن فأما أم أبي الأم وأم أبي الجد فلا ميراث لهما والجدات المتحاذيات أم أم أم وأم أم أب، وأم
__________
أمهاتهن وإن علت درجتهن" يؤيده ما روى سعيد بإسناده عن إبراهيم قال كانوا يورثون من الجدات ثلاثا ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وقال جماعة من العلماء لا يرث أكثر من جدتين وحكاه الزهري عن العلماء.
وعن ابن عباس أنه ورث الجدات وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة إلا من أدلت بأب غير وارث كأم أب الأم قال ابن سراقة وبهذا قال عامة الصحابة.
وهو رواية المزني عن الشافعي ويحتمله كلام الخرقي فعلى ما ذكره المؤلف يرثن وإن علون أمومة وقيل: وأبوة.
"فأما أم أب الأم وأم أب الجد فلا ميراث لهما" وكذا كل جدة تدلي بغير وارث وهذا إجماع إلا ما حكي عن ابن عباس وجابر بن زيد ومجاهد وابن سيرين فإنهم قالوا ترث وهو قول شاذ لأنها تدلي بغير وارث فلم ترث كالأجانب ولأنهما من ذوي الأرحام والمراد نفي ميراث الجدة المستحقة بنفسها لا بسبب آخر.
"والجدات المتحاذيات" أي: المتساويات في الدرجة بحيث لا تكون واحدة أعلى من الأخرى ولا أنزل منها لأن الجدات إنما يرثن كلهن إذا كن في درجة واحدة فمتى كان بعضهن أقرب كان الميراث لها ثم مثل المتحاذيات "أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب" فهم متساوون في الدرجة وهو متصور في الثلاث وأما في الأربع فأم أم أم أم وأم أم أم أب وأم أم أبي أب وأم أبي أبي أب وفي الخامسة: خمسا وفي السادسة ستا.
فإذا أردت تنزيل الجدات الوارثات وغيرهن فاعلم أن للميت في الدرجة الأولى جدتين أم أمه وأم أبيه وفي الثانية: أربع لأن لكل واحد من أبويه جدتين فهما أربع بالنسبة إليه.(6/129)
أبي أب وترث الجدة وابنها حي وعنه: لا ترث.
__________
وفي الثالثة ثمان لأن لكل واحد من أبويه أربعا على هذا الوجه ويكون لوالدهما ثمان
وعلى هذا كلما علون تضاعف عددهن وهذا ظاهر الخرقي مع أن قوله وإن كثرن يحتمل أن لا يزيد فرضهن على السدس.
"وترث الجدة وابنها حي" في ظاهر المذهب وهو قول عمر وابن مسعود وأبي موسى وعمران بن حصين لما روى ابن مسعود قال أول جدة أطعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس أم أب مع ابنها وابنها حي رواه سعيد والترمذي ولأن الجدات العالمين يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب فلا يحجبن به كأمهات الأم.
"وعنه: لا ترث" بل هي محجوبة بابنها وهي قول زيد لأنها تدلي به فلا ترث معه كالجد مع الأب وأم الأم مع الابن وهذا الخلاف فيما إذا كانت أم الأب أو الجد أما لو كان ابنها عماً للميت أو عم أب فلا خلاف في توريثها قاله ابن عقيل وتبعه في الشرح لأنها لا تدلي به.
مسائل
أم أب وأب لها السدس على الأولى: والباقي له وعلى الثانية: الكل له.
أم أب وأم أم أب فعلى الأولى: السدس بينهما وعلى الثانية: هو لأم الأم وقيل: نصفه معادة والباقي له.
أم أب وأم أم أم وأب السدس لأم الأب ومن حجب الجدة بابنها أسقط أم الأب ثم اختلف القائلون بذلك فقيل السدس كله لأم أم الأم لأن التي كانت تحجبها أو تزاحمها قد سقط حكمها فصارت كالمعدمه وقيل: بل لها نصف السدس وقيل: لا شيء لها لأنها انحجبت بأم الأب ثم انحجبت أم الأب بالأب فصار المال كله للأب.(6/130)
واذا اجتمعت جدة ذات قرابتين مع أخرى فلها ثلث السدس في قياس قوله وللأخرى ثلثه.
فصل
وللبنت الواحدة النصف فإن كانتا اثنتين فصاعدا فلهن الثلثان.
__________
"وإذا اجتمعت جدة ذات قرابتين" كما لو تزوج ابن ابن المرأة بنت بنتها فيولد لهما ولد فتكون المرأة أم أب وأم أبي أبيه "مع أخرى فلها: أي: فلذات القرابتين "ثلثا السدس في قياس قوله" أي: قول أحمد "وللأخرى ثلثه" كذلك قاله أبو الحسن التميمي وأبو عبد الله الوني فيحتمل أنهما أخذا ذلك من قوله في المجوس أنهم يرثون بجميع قرابتهم ويحتمل أنهما أرادا بذلك قياسه على قوله في ابن العم إذا كان زوجا أو أخا لأم لأنها شخص ذات قرابتين ترث بكل منهما منفردة فوجب أن ترث بهما عند الاجتماع.
وقال بعض العلماء: السدس بينهما نصفان لأن القرابتين إذا كانتا من جهة واحدة لم ترث بهما جميعا كالأخ من الأب والأم وجوابه الفرق فإن الأخ من الأبوين ترجح بقرابته على الأخ من الأب وعنه: بأقواهما فلو تزوج بنت عمته فجدته أم أم أم ولدهما وأم أبي أبيه بنت خالته فجدته أم أم أم وأم أم أب فإن أدلت الجدة بثلاث جهات ترث بها لم يمكن أن تجمع معها جدة أخرى وارثة عند من لا يورث أكثر من ثلاثة.
فصل
"وللبنت الواحدة "من الصلب "النصف" بغير خلاف وسنده قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11] وقضاؤه عليه الصلاة والسلام "فإن كانت اثنتين فصاعدا فلهن الثلثان" لقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} وهو إجماع إلا رواية شذت عن ابن عباس:(6/131)
....................................................................................................................................
__________
أن الاثنتين فرضهما النصف أخذاً بالمفهوم والاية ظاهرة الدلالة على ما زاد على اثنتين ووجه دلالتها عليهما أن الاية وردت على سبب خاص وهو ما رواه جابر قال جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما معك يوم أحد وابن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما شيئا من مال.
قال: "يقضي الله في ذلك" فنزلت اية المواريث فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك" رواه أبو داود وصححه الترمذي والحاكم ووقع في المغني والشرح انه قال لأخي سعد.
فدلت الاية على فرض ما زاد على الاثنتين ودلت السنة على فرض الاثنتين فهذا من السنة بيان ونسخ لما كان عليه أمر الجاهلية من توريث الذكور دون الإناث.
و"فوق" في الاية الكريمة ادعي زيادتها كقوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} أي: اضربوا الأعناق ورده ابن عطيه وجماعة إذ الأسماء لا تجوز زيادتها لغير معنى وفوق في قوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} غير زائدة لأن الضرب يكون في أعلا العنق في المفصل وقيل: المعنى اثنتين فما فوق ولأن الأحوات أضعف من البنات وقد جعل للأختين الثلثين أيضا مع بعد الدرجة فللبنتين الثلثان مع قرب الدرجة من باب أولى.
واختلف فيما ثبت به فرض الاثنتين فقيل بالقران لأنه تعالى ذكر حكم البنت وحكم الثلاث بنات دون حكم البنتين وذكر حكم الأخت والأختين دون ما زاد فوجب حمل كل من الايتين على الأخرى لظهور المعنى.
ورد بأن ذلك لا يخرجه عن القياس وقيل: بالسنة وقيل: بالبينة وقيل: بالإجماع وقيل: بالقياس.
وما روي عن ابن عباس رجحه ابن حزم في بعض كتبه لكن قال الشريف الأرموي صح عن ابن عباس رجوعه عن ذلك وصار إجماعا إذ الإجماع بعد(6/132)
وبنات الابن بمنزلة البنات اذا لم يكن بنات فان كانت بنت وبنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقى للذكر مثل حظ الانثيين.
__________
الاختلاف حجة ومما يؤكد أن للبنتين الثلثين أن الله تعالى قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وهو لو كان مع واحدة كان حظها الثلث فأولى وأحرى أن يجب لها مع أختها.
"وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات" بالإجماع لأن بنت الابن بنته كما أن ابن الابن ابنه ولدخوله في المنصوص سواء كانت بنات الابن من أب واحد أو اباء فإنهن يشتركن في الثلثين وكان ينبغي أن يقول إذا لم يكن بنتان لأن بنات الابن لا يرثن مع البنتين شيئا.
"فإن كانت بنت وبنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين" وبالإجماع واختصت البنت بالنصف لأنه مفروض لها والاسم يتناولها حقيقة فبقي السدس لبنات الابن تمام الثلثين.
وعن هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال للبنت النصف وللأخت النصف وأنت ابن مسعود فسيتابعني فسأل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين أقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت.
فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم رواه البخاري.
"إلا أن يكون معهن" أي: مع بنات الابن "ذكر" في درجتهن "فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين" في قول جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم،(6/133)
وإن استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكرا فيعصبهن فيما بقي.
فصل
وفرض الأخوات من الأبوين مثل فرض البنات سواء،
__________
لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} الاية وانفرد ابن مسعود فقال لبنات الابن الأضر بهن من المقاسمة أو السدس وذلك مبني على أصله وهو أن بنت الابن لا يعصبها أخوها إذا استكمل البنات الثلثين وقد ناقض في المقاسمة إذا كان يضر بهن وكان ينبغي أن يعطيهن السدس على كل حال.
"وإن استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن" بالإجماع لأنه تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين قليلات كن أو كثيرات وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد وقد ذهب الثلثان والمشاركة ممتنعة لأنهن دون درجتهن "إلا أن يكون معهن ذكر" كأخيهن أو ابن عمهن أو أنزل منهن كابن أخيهن أو ابن عمهن أو ابن ابن عمهن "فيعصبهن فيما بقي" للذكر مثل حظ الانثيين هذا قول علي وزيد وسائر الفقهاء غيرابن مسعود ومن وافقه فإنه خالف الصحابة في ست مسائل هذه إحداهن فجعل الباقي للذكر دون أخواته.
وقاله أبو ثور لأن النساء لا يرثن أكثر من الثلثين بدليل ما لو انفردن.
وجوابه بأنه قد دخلن في عموم قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} بدليل تناول اللفظ لهن لو لم يكن بنات وعدم البنات لا يوجب لهن هذا الاسم ولأن كل ذكر وأنثى يقتسمون المال إذا لم يكن معهم ذو فرض يجب أن يقسمها الفاضل عنه كأولاد الصلب والإخوة مع الأخوات.
فصل
"وفرض الأخوات من الأبوين مثل فرض البنات سواء" إجماعا لقوله(6/134)
{فإن كانَ َلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} والأخوات من الأب معهن كبنات الابن مع البنات سواء إلا انهن لا يعصبهن إلا أخوهن والأخوات مع البنات عصبة يرثن ما فضل كالإخوة وليست لهن معهن فريضة مسماة.
__________
تعالى {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وهو وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} مما ترك وهذا مما لا خلاف فيه "والأخوات من الأب معهن كبنات الابن مع البنات سواء" فأخت لأبوين لها النصف وأخت أو أخوات من أب لهن السدس تكملة الثلثين فإن استكمل الأخوات لأبوين الثلثين سقط الأخوات من الأب لأنه لم يبق من فرض الأخوات شيء "إلا أنهن لا يعصبهن إلا أخوهن" للذكر مثل حظ الانثيين خلافا لابن مسعود وأتباعه فقال إذا استكمل الأخوات من الأبوين الثلثين فالباقي للذكور من ولد الأب دون الإناث وجعل لهن الأضر بهن من المقاسمة أو السدس والباقي للذكور كما فعل في ولد الابن مع البنات وهنا لا يعصبها إلا أخوها فلو استكمل الأخوات من الأبوين الثلثين وثم أخوات لأب وابن أخ لهن لم يكن للأخوات شيء وكان الباقي لابن أخ بخلاف ما سبق فإن ابن الابن ابن وإن نزل وابن الأخ ليس بأخ.
"والأخوات" من الأبوين أو الأب "مع البنات عصبة يرثن ما فضل كالإخوة" في قول عامة الفقهاء وقال ابن عباس لا شيء للأخوات وقال في بنت وأخت للبنت النصف ولا شيء للأخت فقيل له إن عمر رضي الله عنه قضى بخلاف ذلك فقال ابن عباس أنتم أعلم أم الله يريد قوله تعالى :{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} فجعل لها النصف مع عدم الولد وهذا لا يدل على ما ذهب إليه بل يدل على أن الأخت لا يفرض لها النصف مع الولد ونحن نقول به وإنما يأخذه بالتعصيب كالأخ.
"وليست لهن معهن فريضة مسماة" وقد وافق ابن عباس على ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} وعلى قياس(6/135)
فصل
وللواحد من ولد الأم السدس ذكرا كان أو أنثى فإن كانا اثنتين فصاعدا فلهم الثلث بينهم بالسوية.
__________
قوله ينبغي أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثها منها عدم الولد وهو خلاف الإجماع والمبين لكلام الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وقد جعل للأخت مع البنت وبنت الابن الباقي عن فرضهما وهو الثلث.
فصل
"وللواحد من ولد الأم السدس ذكرا كان أو أنثى" بغير خلاف لقوله تعالى :{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} والمراد به ولد الأم بالإجماع وفي قراءة عبد الله وسعد: "وله أخ أو أخت من أم" "فإن كانا اثنتين فصاعدا فلهم الثلث" لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} "بينهم بالسوية" إذ الشركة من غير تفصيل تقتضي التسوية بينهم كما لو وصى أو أقر لهم ولا نعلم فيه خلافا إلا رواية شذت عن ابن عباس أنه فضل الذكر على الأنثى لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً} الاية وجوابه أن المراد بها ولد الأبوين أو الأب قال في المغني والشرح وهذا مجمع عليه ولا عبرة بقول شاذ.
تنبيه: الكلالة اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين نص عليه روي عن الصديق وقاله زيد وابن عباس وجابر بن زيد وأهل المدينة والبصرة والكوفة واحتجوا بقول الفرزدق في بني أمية:
ورثتم قناة المجد لا عن كلالة
عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
واشتقاقه من الإكليل الذي يحيط بالرأس ولا يعلو عليه فكأن الورثة ما عدا الوالد والولد قد أحاطوا بالميت من حوله لا من طرفه أعلاه وأسفله كإحاطة(6/136)
الإكليل بالرأس فأما الولد والوالد فهما طرفا الرجل فإذا ذهبا كان بقية النسب كلالة وقالت طائفة: الكلالة الميت نفسه الذي لا ولد له ولا والد وقيل: الكلالة قرابة الأم
وروي عن الزهري أنه قال الميت الذي لا ولد له ولا والد كلالة ويسمى وارثه كلالة ولا خلاف أن اسم الكلالة يقع على الإخوة من الجهات كلها.(6/137)
فصل في الحجب
يسقط الجد بالأب وكل جد بمن هو اقرب منه والجدات بالأم وولد الابن بالابن وولد الأبوين بثلاثة بالابن وابنه والأب،
__________
فصل في الحجب
الحجب مأخوذ من الحجاب وهو المنع من الميراث بوجود وارث أقرب منه يمنعه من كل الميراث أو بعضه ومنه سمي حاجب السلطان لأنه يمنع من أراد الدخول إليه وهو ضربان حجب نقصان كحجب الزوج من النصف إلى الربع بالولد والزوجة من الربع إلى الثمن به والأم من الثلث إلى السدس وحجب حرمان وهو أن يسقط الشخص غيره بالكلية وهو المراد هنا "يسقط الجد بالأب" حكاه ابن المنذر إجماع الصحابة ومن بعدهم لأنه يدلي به ومن أدلى بشخص لا يرث مع وجوده إلا ولد الأم "وكل جد" يسقط "بمن هو أقرب منه" لأنه يدلي به فهو كإسقاط الجد بالأب "والجدات بالأم" سواء كن من جهة الأب أو الأم بلا خلاف حكاه ابن المنذر والماوردي لأن الجدات يرثن بالولادة فكانت الأم أولى منهن لمباشرتها الولادة "وولد الابن بالابن" وبالإجماع لقربه لأنه إن كان أبا فهو يدلي به فسقط به كما يسقط الأب الجد وإن كان عمه فهو أقرب منه فيسقط به لقوله عليه السلام: "ألحقوا.." الخبر "وولد الأبوين بثلاثة بالابن وابنه والأب" حكاه ابن المنذر إجماعا لأن الله تعالى جعل إرثهم في الكلالة وهي اسم لما عدا الولد والوالد.(6/137)
ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة وبالأخ من الأبوين ويسقط ولد الأم بأربعة بالولد ذكرا كان أو أنثى وولد الابن والأب والجد.
__________
"ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة" لأنهم إذا حجبوا الشقيق فهو أولى "وبالأخ من الأبوين" لقوته بزيادة القرب وعن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم "قضى بالدين قبل الوصية وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه" رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث عن علي وعن أحمد يسقط ولد الأبوين والأب بجد قال في الفروع: وهو أظهر واختاره شيخنا قال وهو قول طائفة من أصحاب أحمد كأبي حفص البرمكي والآجري لكن نقل أبو طالب ليس الجد أبا في قول زيد واحتج بقوله عليه السلام: "أفرضكم زيد" إسناده ثقات.
"ويسقط ولد الام بأربعة: بالولد ذكرا كان أو أنثى وولد الابن والأب والجد" لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: "أما سمعت الاية التي أنزلت في الصيف {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} وهي من لم يترك ولدا ولا والدا" رواه الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة ثم قال صحيح على شرط مسلم.
فدل على أنه إنما يرث عند عدمهما والجد أب وولد الابن ابن وقد روي عن ابن عباس في أبوين وأخوين لأم للأم الثلث وللأخوين الثلث وقيل: عنه لهما ثلث الباقي وهذا بعيد جدا قاله في المغني والشرح: فإنه يسقط الإخوة كلهم بالجد فكيف يورثهم مع الأب
فرع: من لا يرث لا يحجب نقل أبو الحارث في أخ مملوك وابن أخ حر المال لابن أخيه روي عن عمر وعليز
أصل: من الورثة من لا يسقط بحال وهو الزوجان والأبوان والابن والبنت لأنه لا حاجب لهم يمنعهم من الإرث والضأبط في ذلك أن كل من لا يتوسط بينه وبين الميت لا يسقط إرثه بحال.(6/138)
باب العصبات
وهم عشرة الابن وابنه والأب وأبوه والأخ وابنه إلا من الأم والعم وابنه كذلك ومولى النعمة ومولاة النعمة وأحقهم بالميراث أقربهم ويسقط به من بعد وأقربهم الابن ثم ابنه وإن نزل،
__________
باب العصبات
وهو جمع عصبة مأخوذة من العصب وهو المنع سميت الورثة بذلك لتقوي بعضهم ببعض بحيث يحصل لكل منهم منعة بالآخر وقيل: العصبة مأخوذة من العصابة وهي العمامة لأنها تحيط بجميع الرأس كذلك العصبة يحيطون بالميت من الجوانب كلها وقيل: أصلها الشدة والقوة ومنه عصب الحيوان لأنه معين له على القوة والمدافعة.
وفي الاصطلاح هو الوارث بغير تقدير أو من يحرز المال إذا لم يكن معه صاحب فرض وهم ثلاثة أنواع عصبة بنفسه كالمعتق وكل ذكر بسبب ليس بينه وبين الميت أنثى كالابن وعصبة بغيره كالبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت للأب كل بأخيها وعصبة مع غيره كالأخوات مع البنات.
"وهم عشرة الابن وابنه والأب وأبوه والأخ وابنه إلا من الأم" لأن الأخ من الأم صاحب فرض وابن الأخ من الأم من ذوي الأرحام "والعم وابنه كذلك" أي: من الأبوين أو الأب وأما العم من الأم وابن العم من الأم فليسا عصبة لأنهما من ذوي الأرحام "ومولى النعمة" أي: المعتق "ومولاة النعمة" أي: المعتقة "وأحقهم بالميراث أقربهم ويسقط به" أي: بالأقرب "من بعد" وهذا ظاهر "وأقربهم الابن ثم ابنه وإن نزل" لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} والعرب تبدأ بالأهم فالاهم إذ الفرع أقرب من الأصل لأن الفرع جزء الميت وجزء الشيء أقرب إلى ذلك الشيء من أصله واعتبر بالجزء المتصل فإن إصبعك جزؤك المتصل فهو أقرب إليك من أصلك بالجنس فكذلك(6/139)
ثم الأب ثم الجد وإن علا ثم الأخ من الأبوين ثم من الأب ثم من ابن الأخ من الأبوين ثم من الأب ثم أبناؤهم وإن نزلوا ثم الأعمام ثم أبناؤهم كذلك ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم ثم أعمام الجد ثم أبناؤهم كذلك وإن نزلت درجتهم.
__________
جزؤك المنفصل لأن المتصل والمنفصل من حيث إنهما جزء واحد لا فرق بينهما فإذا علمت أن الجزء المتصل أقرب إليه من أصله فالجزء المنفصل كذلك وابن الابن ملحق به إجماعا وإن قلنا: لفظ الولد يصدق عليه حقيقة أو مجازا فالآية دالة عليه "ثم الأب" لأن سائر العصبات يدلون به "ثم الجد" لأنه أب وله إيلاد وتعصيب "وإن علا" ما لم يكن إخوة لأبوين أو لأب فإن اجتمعوا فلهم حكم ما تقدم.
تنبيه: الجد يفارق الأب في مسائل الأب يسقط الإخوة والأخوات والجد يقاسمهم
الأب يرد الأم في العمريتين من الثلث إلى ثلث الباقي ولا يردها الجد لأنه لا يساويها في الدرجة.
الأب يسقط الجد ولا يسقط هو بحال.
"ثم الأخ من الأبوين" لأنه جزء أبيه وهو مقدم على الأخ من الأب لأنه ساواه في قرابة الأب وترجح بقرابة الأم "ثم من الأب" لما ذكرناه "ثم من ابن الأخ من الأبوين" لأنه يدلي بأبيه واقتضى ذلك تقديم الأخ من الأب عليه "ثم" ابن الأخ "من الأب ثم أبناؤهم وإن نزلوا" لأنهم يدلون بهم وقدموا على الأعمام لأن الإخوة وأولادهم من ولد الأب والأعمام من ولد الجد " ثم الأعمام ثم أبناؤهم كذلك" أي: الأعمام من الأبوين يقدمون على الأعمام من الأب وابن العم من الأبوين مقدم على العم من الأب لأنه يدلي بمن هو أولى به "ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم" لما ذكرنا "ثم أعمام الجد ثم أبناؤهم كذلك" لا يرث بنو أب أعلا مع بني أب أقرب منه وإن "نزلت درجتهم" نص عليه(6/140)
وأولى ولد كل أب أقربهم إليه فإن استووا فأولاهم من كان لأبوين وإذا انقرض العصبة من النسب ورث المولى المنعم ثم عصباته من بعده.
__________
لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر" متفق عليه وروي "ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر" وأولى هنا بمعنى أقرب ولا يمكن أن يكون بمعنى أحق لما يلزم عليه من الإبهام والجهالة فإنه لا يدري من هو الأحق.
وقوله ذكر هو تأكيد أو احتراز من الخنثى أو لاختصاص الرجال بالتعصيب فمن نكح امرأة وأبوه ابنتها فولد الأب عم وولد الابن خال فيرثه الخال دون العم ولو خلف أخا وابن ابنه هذا وهو أخو زوجته ورثه دون أخيه ويعايا بها.
ويقال أيضا: ورثت زوجة ثمن التركة وأخوها الباقي فلو كان الإخوة سبعة ورثوه سواء ولو كان الأب نكح الأم فولده عم ولد الابن وخاله ولو نكح رجلان كل واحد منهم أم الآخر فهما القائلتان مرحبا بابنينا وزوجينا وابني زوجينا وولد كل منهما عم الآخر
"وأولى ولد كل أب أقربهم إليه" حتى في أخت لأب وابن أخ مع بنت نص عليه "فإن استووا فأولاهم من كان لأبوين" وهذا كله مجمع عليه ونص عليه في أخت لأبوين وأخ من أب مع بنت "وإذا انقرض العصبة من النسب ورث المولى المنعم" لقوله عليه السلام: "الولاء لحمة كلحمة النسب" وروي أن رجلا أعتق عبدا فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما ترى في ماله فقال: "إذا لم يدع وارثا فهو لك".
"ثم عصابته من بعده" لأنهم يدلون به الأقرب فالأقرب لأن الولاء مشبه بالنسب ثم مولاه ولا شيء لموالي أبيه بحال لأنه عتق مباشرة وولاء المباشرة أقوى ثم الرد ثم الرحم وعنه: تقديمها على الولاء وعنه: الرد بعد الرحم ثم بيت المال بعدها.(6/141)
وأربعة من الذكور يعصبون أخواتهم ويمنعونهن الفرض ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين وهم الابن وابنه والأخ من الأبوين والأخ من الأب ومن عداهم من العصبات ينفرد الذكور بالميراث وهم الإخوة والأعمام وبنوهم وابن الابن يعصب من بإزائه من أخواته وبنات عمه للذكر مثل حظ الأنثيين ويعصب من أعلى منه من عماته وبنات عم أبيه إذا لم يكن لهن فرض ولا يعصب من أنزل منه،
__________
"وأربعة من الذكور يعصبون أخواتهم ويمنعونهن الفرض ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين وهم الابن" لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} الاية فجعل الميراث عند اجتماعهما للذكر مثلي الأنثى من غير فرض لها ولو كانت وحدها لفرض لها ولو فرض لها معه لأدى إلى تفضيلها عليه أو المساواة أو الإسقاط فكانت المقاسمة أعدل
"وابنه" لأنه بمنزلته "والأخ من الأبوين والأخ من الأب" لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ولو كانت منفردة لفرض لها ولما ذكرناه
"ومن عداهم من العصبات ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث" أي: لاحق لهن فيه معهم "وهم بنو الإخوة والأعمام وبنوهم" لأن أخواتهم من ذوي الأرحام لأنهن لسن بذوات فرض ولا يرثن منفردات فلا يرثن مع إخوتهن شيئا وهذا مما لا خلاف فيه.
"وابن الابن يعصب من بإزائه من أخواته وبنات عمه" لأنه ذكر فيدخل في قوله تعالى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.
"ويعصب من أعلى منه من عماته وبنات عم أبيه إذا لم يكن لهن فرض" فإنه لا يعصبهن بل يكون باقي المال له ولا يشارك أهل الفرض في فرضه لما فيه من الإضرار بصاحب الفرض "ولا يعصب من أنزل منه" لأنه لو عصبه لاقتضي مشاركته والأبعد لا يشارك الأقرب.(6/142)
وكلما نزلت درجته زاد فيمن يعصبه قبيل آخر ومتى كان بعض بني الأعمام زوجاً أو أخاً لأم أخذ فرضه وشارك الباقين في تعصيبهم.
__________
"وكلما نزلت درجته زاد فيمن يعصبه قبيل" هو الجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا والجمع قبل قاله الجوهري "آخر" لأنه يعصب من بإزائه فيزداد القبيل الذي بإزائه فإذا خلف خمس بنات ابن بعضهن أنزل من بعض لا ذكر معهن كان للعليا النصف وللثانية السدس وسقط سائرهن والباقي للعصبة فإن كان مع العليا أخوها أو ابن عمها فالمال بينهما على ثلاثة وسقط سائرهن وإن كان مع الثانية عصبتها كان الباقي وهو النصف بينهما على ثلاثة وإن كان مع الثالثة فالباقي وهو الثلث بينهما على ثلاثة وإن كان مع الرابعة: فالباقي بينه وبين الثالثة و الرابعة على أربعة وإن كان مع الخامسة فالباقي بعد فرض الأولى و الثانية بينهم على خمسة وتصح من ثلاثين وإن كان أنزل من الخامسة فكذلك قال في المغني ولا أعلم في هذا اختلافا بتوريث بنات الابن مع بني الابن بعد استكمال الثلثين.
مسألة: ليس في الفرائض من يعصب أخته وعمته وعمة أبيه وجده وبنات أعمامه وبنات أعمام أبيه وجده إلا المستقل من أولاد الابن.
"ومتى كان بعض بني الأعمام زوجا أو أخا لأم أخذ فرضه وشارك الباقين في تعصيبهم" في قول عمر وعلي وزيد وابن عباس وجمهور الفقهاء وقال ابن مسعود وجمع المال للأخ من الأم لأنهما استويا في قرابة الأم وفضله بأم فصارا كأخوين أو عمين أحدهما لأبوين والآخر لأب.
وجوابه: أن الإخوة من الأم يفرض لها بهذا الرحم فإذا أخذ ذلك الفرض سقط هذا الرحم وصار بمنزلة ابن العم الآخر فلهما ما بقي من المال بعد الفروض فلو كان أبناء عم أحدهما زوج فله النصف والباقي بييهما نصفان عند الجميع فإن كان الآخر أخا لأم فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهما فأصلها من ستة للزوج أربعة وللأخ سهمان وترجع إلى ثلاثة،(6/143)
وإذا اجتمع ذو فرض وعصبة بدىء بذي الفرض فأخذ فرضه وما بقي للعصبة وإن استغرقت الفروض المال فلا شيء للعصبة كزوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأبوين أو لأب للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة من الأم الثلث وسقط سائرهم،
__________
وعند ابن مسعود الباقي للأخ فتكون من اثنين فإن كانا ابني عم أحدهما ابن أخ لأم أو ابن أخت لأم المال بينهما نصفان وليس لهذا الذي هو ابن أخ أو ابن أخت لأم مزية على الآخر فإن قلت أليس لو كان أحدهما ابن عم لأبوين كان أولى من الآخر وإذا كان ابن عم لأب وأم ليس فيه إلا أنه أدلى برحم جدة الميت أم أبيه وهذا الذي هو ابن أخ يدلي برحم أم الميت وأم الميت أولى من جدته فهلا كان الذي يدلي برحمها أولى ممن يدلي برحم الجدة فالجواب: إنما يفضل بعض بني الأب على سائرهم إذا أدلى بأم هي نظيرة للأب الذي أدلى بعضهم برحم أم غير تلك الأم لم يكن له بذلك مزية ألا ترى أنا نقول في ابن عم لأب هو خال من أم ليس بأولى من بني العم من الأب وإن كان يدلي بجدة الميت لأنه يدلي برحم أم الأم وهي غيرالأم التي في حد جهة الجد أبي الأب فلم يكن له بذلك مزيه ولو كان لذلك مزية ل قلنا: في ابن عم لأب وأم وابن عم لأب هو ابن خال من أم المال بينهما نصفان لأنهما يدليان بجد وجدة فلما لم يقل ذلك علم الفرق بين أن يدلي بأم هي نظيرة الأب المدلى به وبين أن يدلي بأم هي غيرها وإن كانت أقرب منها إلى الميت ذكره الوني ومحل هذا إذا لم يكن فيها من يسقط الأخ من الأم وإن كانا ابني عم أحدهما أخ لأم وبنت أو بنت ابن فللبنت أو لبنت الابن النصف والباقي بينهما نصفان وسقط الإخوة من الأم.
"وإذا اجتمع ذو فرض وعصبة بدىء بذي الفرض فأخذ فرضه وما بقي للعصبة" لخبر: "ألحقوا الفرائض بأهلها".
"وإن استغرقت الفروض المال فلا شيء للعصبة" لأن العاصب يرث الفاضل ولا فاضل هنا "كزوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأبوين أو لأب للزوج المسألة من ستة للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة من الأم الثلث وسقط سائرهم" أي:(6/144)
وتسمى: المشركة والحمارية إذا كان فيها إخوة لأبوين ولوكان مكانهم أخوات لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة وسميت ذات الفروخ.
__________
باقيهم لأنهم عصبة في قول علي وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وقاله جمع من التابعين وغيرهم ونقل حرب الكل يشتركون في الثلث ويقسم بينهم سوية.
وروي عن عمر وعثمان وزيد لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة وقرابتهم من جهة الأب إن لم يزدهم قربا واستحقاقا فلا ينبغي أن يسقطهم.
"وتسمى: المشركة" أي: بفتح الراء لأنه روي عنه التشريك "والحمارية إذا كان فيها إخوة لأبوين" لأن ولد الأبوين لما أسقطوا قال بعضهم أو بعض الصحابة لعمر هب أن أباهم كان حمارا فما زادهم ذلك إلا قربا فشرك بينهم قال العنبري القياس ما قال علي والاستحسان ما قال عمر قال الخبري وهذه وساطة مليحة وعبارة صحيحة إلا أن الاستحسان المجرد ليس بحجة.
قال في المغني ومن العجب ذهاب الشافعي إليه ها هنا مع تخطئته للذاهبين إليه في غير هذا الموضع مع قوله من استحسن فقد شرع.
"ولو كان مكانهم" أي: مكان الإخوة من الأبوين "أخوات لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة" أصلها من ستة للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة من الأم الثلث وللأخوات من الأبوين أو للأب الثلثان من أربعة فتصير عشرة.
"وسميت ذات الفروخ" لأنها عالت بمثلي ثلثها وهي أكثر ما تعول إليه الفرائض سميت الأربعة الزائدة بالفروخ والستة بالأم وتسمى الشريحية لأن رجلا أتى شريحا وهو قاض بالبصرة فقال ما نصيب الزوج من زوجته قال النصف مع غير الولد والربع معه فقال امرأتي ماتت وخلفتني وأمها وأختيها من امها وأختيها لأبيها وأمها فقال لك إذن ثلاثة من عشرة فخرج الرجل من عنده وهو يقول لم أر كقاضيكم لم يعطني نصفا ولا ربعا.(6/145)
.........................................................................................................................................
__________
فكان شريح إذا لقيه يقول إنك تراني حاكما ظالما وأراك فاسقا فاجرا لأنك تكتم القضية وتشيع الفاحشة.
مسائل
الأولى: أم الأرامل وهي ثلاث زوجات وجدتان وأربع أخوات لأم وثمان أخوات لأب وأم سميت بذلك لأن الورثة كلهن إناث وتسمى المسبعة والدينارية لأنه يقال في المعاياة مات ميت وخلف ورثة وسبعة عشر دينارا صار لكل امرأة دينار واحد فأصلها من اثني عشر وتعول إلى سبعة عشر ومنها تصح ويعايا بها قال في عيون المسائل ونظمها بعضهم فقال:
قل لمن يقسم الفرائض واسأل ... إن سألت الشيوخ والأحداثا
مات ميت عن سبع عشرة أنثى ... من وجوه شتى فحزن التراثا
أخذت هذه كما اخذت تل ... ك عقارا ودرهما وأثاثا
الثانية: الدينارية وهي امرأة وأم وبنتان واثنا عشر أخا وأختا لأب وأم روي أن امرأة قالت لعلي إن أخي من أبي وأمي مات وترك ستمائة دينار وأصابني منه دينار واحد فقال لعل أخاك خلف من الورثة كذا وكذا قالت نعم قال قد استوفيت حقك فأصلها من أربعة وعشرين وتصح من ستمائة.
وذكر الشيخ نصر المقدسي أنها تسمى العامرية فإن الأخت سألت عامرا الشعبي فأجاب بما تقدم.
الثالثة: مسألة الامتحان وهي أربع نسوة وخمس جدات وسبع بنات وتسعة إخوة سميت بذلك لأنه يقال في المعاياة مات رجل وخلف ورثة عدد كل فريق منهم أقل من عشرة فلم تصح مسألتهم إلا من ثلاثين ألفا ومائتين وأربعين سهما وجزء السهم فيها ألف ومائتان وستون.
الرابعة: ثلاثة إخوة لأبوين اصغرهم زوج له ثلثان ولهما ثلث ونظمها(6/146)
باب أصول المسائل
__________
بعضهم فقال:
ثلاثة إخوة لأب وأم ... وكلهم إلى خير فقير
فحاز الأكبران هناك ثلثاً ... وباقي المال أحرزه الصغير
الخامسة: امرأة ولدت من زوج ولدا ثم تزوجت بأخيه لأبيه وله خمسة ذكور فولدت منه مثلهم ثم تزوجت بأجنبي فولدت منه مثلهم ثم مات ولدها الأول ورث خمسة نصفا وخمسة ثلثا وخمسة سدسا ويعايا بها لأنه يقال خمسة عشر ذكورا ورثوا مال ميت لذلك فأولاد الزوج الثاني منها هم إخوة لأم وأولاد عمه وأولاده من غيرها أولاد عم فقط وأولادها من الأجنبي إخوة لأم فقط وتصح من ثلاثين.
باب أصول المسائل
ومعنى أصول المسائل المخارج التي تخرج منها فروضها والمسائل جمع مسألة: وهو مصدر سأل سؤالا ومسألة فهو من إطلاق المصدرعلى المفعول بمعنى مسألة: أي: مسؤولة بمعنى سأل عنها وفيه العول أيضا يقال عالت أي: ارتفعت وهو ازدحام الفرائض بحيث لا يتسع لها المال فيدخل النقص عليهم كلهم ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم كما يقسم مال المفلس بين غرمائه بالحصص.
وقال ابن عباس ومحمد بن الحنفية ومحمد بن علي بن الحسين وعطاء لا تعول المسائل وتلزمه مسألة فيها زوج وأم وأخوان من أم فإن حجب الأم إلى السدس خالف مذهبه فإنه لا يحجبها بأقل من ثلاثة إخوة وإن نقص الإخوة من الأم رد النقص على من لم يهبطه الله تعالى من فرض إلى ما بقي وإن أعال المسألة رجع إلى قول الجماعة وترك مذهبه قال في المغني و الشرح ولا نعلم اليوم قائلا بمذهبه.(6/147)
الفروض ستة وهي نوعان نصف وربع وثمن وثلثان وثلث وسدس وهي تخرج من سبعة أصول أربعة لا تعول وثلاثة تعول فالتي لا تعول هي ما كان فيها فرض واحد أو فرضان من نوع واحد فالنصف وحده من اثنين والثلث وحده أو مع الثلثين من ثلاثة والربع وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو مع النصف من ثمانية فهذه التي لا تعول وأما التي تعول فهي التي يجتمع فيها فرض أو فرضان من نوعين فإذا اجتمع مع النصف سدس أو ثلث أو ثلثان فهي من ستة،
__________
"الفروض" المقدرة في كتاب الله تعالى "ستة وهي نوعان نصف" بدأ الفرضيون به لكونه مفردا قاله السبكي قال وكنت أود لو بدأوا بالثلثين لأن الله تعالى بدأ به حتى رأيت ابن المنجا والحسين بن محمد الوني بدآ به فأعجبني ذلك وهو فرض خمسة.
"وربع" وهو فرض اثنين "وثمن" وهو فرض واحد "وثلثان" وهو فرض أربعة "وثلث" وهو فرض اثنين "وسدس" وهو فرض سبعة.
"وهي تخرج من سبعة أصول أربعة لاتعول وثلاثة تعول" لأن كل مسألة فيها فرض مفرد فأصلها من مخرجه وإن اجتمع معه فرض من نوعه فأصلها من مخرج أقلهما لأن مخرج الكبير داخل في مخرج الصغير.
"فالتي لا تعول هي ما كان فيها فرض" وما بقي "أو فرضان من نوع واحد" كنصفين في مسألة وهي زوج وأخت لأبوين أو لأب وتسمى اليتيمتين لأنهما فرضان متساويان ورث بهما المال ولا ثالث لهما.
"فالنصف وحده من اثنين والثلث وحده أو مع الثلثين من ثلاثة والربع وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو مع النصف من ثمانية فهذه التي لا تعول" لأن العول ازدحام الفروض ولا يوجد ذلك هنا.
"وأما التي تعول فهي التي يجتمع فيها فرض أو فرضان من نوعين فإذا اجتمع مع النصف سدس أو ثلث أو ثلثان فهي من ستة" لأن مخرج النصف(6/148)
وتعول إلى عشرة ولا تعول إلى أكثر من ذلك وإن اجتمع مع الربع أحد الثلاثة فهي من اثني عشر وتعول على الإفراد إلى سبعة عشر،
__________
من اثنين والسدس من ستة فهو داخل فيه فيكتفى به ومخرج الثلث من ثلاثة والنصف من اثنين فتضرب إحداهما في الأخرى تكن ستة وذلك أصل المسألة وهو مخرج السدس زوج وأم وأخت لأم أبوان وابنتان.
"وتعول" وهو زيادة في السهام نقص في أنصباء الورثة إلى سبعة كزوج وأختين لأبوين أو لأب أو إحداهما من أبوين و الأخرى من أب وإلى ثمانية كزوج وأخت من أبوين وأم وتسمى المباهلة لأن عمر شاور الصحابة فيها فأشار العباس بالعول واتفقت الصحابة عليه إلا ابن عباس لكن لم يظهر النكير في حياته فلما مات عمر دعا إلى المباهلة وقال من شاء باهلته إن الذي أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في المال نصفا ونصفا وثلثا إذا ذهب النصفان فأين محل الثلث وأيم الله لو قدموا من قدم الله وأخروا من أخر الله ما عالت مسألة قط فقيل له لم لا أظهرت هذا زمن عمر قال كان مهيبا فهبته.
وإلى تسعة كزوج وأم وثلاث أخوات مفترقات ويسمى عولها الغراء لأنها حدثت بعد المباهلة واشتهر القول بها.
"إلى عشرة" كزوج وأم وأختين من أبوين وأختين من أم وهي أم الفروخ ومن عالت مسألته إلى ثمانية أو تسعة أو عشرة لم يكن الميت إلا امرأة لأنه لا بد فيها من زوج "ولا تعول إلى أكثر من ذلك" لأنه لا يجتمع في مسألة أكثر من نصف ونصف وثلثين "وإن اجتمع مع الربع أحد الثلاثة" أي: الثلثان أو الثلث أو السدس "فهي من اثني عشر" لأن مخرج الثلث والربع لا موافقة بينهما فاضرب أحدهما في الآخر والربع والسدس بينهما موافقة بالأنصاف فاضرب وفق أحدهما في الآخر يبلغ ذلك ولا بد في هذا الأصل من أحد الزوجين لأجل فرض الربع ولا يكون لغيرهما كزوج وأبوين وخمسة بنين.
"وتعول على الإفراد إلى سبعة عشر" فعول ثلاثة عشر منها إذا كان من الورثة(6/149)
ولا تعول إلى أكثر من ذلك وإن اجتمع مع الثمن سدس أو ثلثان فاجعلها من أربعة وعشرين وتعول الى سبعة وعشرين،
__________
من له ربع ونصف وثلث كزوجة وأخت لأبوين وأخوين لأم.
ومنها: أن يكون في الورثة من له ربع وسدس وثلثان كزوجة وجدة وأختين من أبوين.
ومنها: أن يكون فيهم من له ربع ونصف وسدسان كزوج وبنت وبنت ابن وأم وعول خمسة عشر كزوج وأبوين وابنتين وعول سبعة عشر اثنتان كثلاث نسوة وجدتين وأربع أخوات لأم وثمانية أخوات لأبوين أو لأب وتسمى أم الأرامل.
ومتى عالت إلى سبعة عشر لم يكن الميت فيها إلا رجلا وإنما كان عول هذا الأصل على الإفراد لأن فيها فرضا يباين سائر فروضها وهوالربع فإنه ثلاثة وهو فرد وسائر فروضها أزواج.
فإذا علمت ذلك علمت أن الإثني عشر تعول ثلاث مرات أوتارا الأول بمثل نصف سدسها وفي الثانية: بمثل ربعها وسدسها قال السهيلي وليس في العدد الأصم ما يكون أصلا للمسألة وتنقسم منه إلى ثلاثة عشر وسبعة عشر لأنه أصل في سائر العول.
"ولا تعول إلى أكثر من ذلك" بالسبر "وإن اجتمع مع الثمن سدس أو ثلثان فاجعلها من أربعة وعشرين" فإنك تضرب مخرج الثمن في مخرج الثلثين أو في وفق مخرج السدس تبلغ ذلك وإنما لم نذكر الثلث لأنه لا يجتمع مع الثمن لكونه فرض الزوجة مع الولد ولايكون الثلث في مسألة فيها ولد لأنه لا يكون إلا لولد الأم والولد يسقطهم وللأم بشرط عدم الولد زوجة وأم وابنتان وما بقي ثلاث نسوة وأربع جدات وستة عشر بنتا وأخت.
"وتعول إلى سبعة وعشرين" وهو أن يكون في الورثة من له ثمن ونصف وثلاثة أسداس كزوجة وبنت وبنت ابن وأبوين وأن يكون فيهم من له ثمن وسدسان وثلثان كزوجة وأبوين وابنتين ولا يكون الميت في هذا الأصل إلا رجلا بل(6/150)
ولا تعول إلى أكثر منها وتسمى البخيلة لقلة عولها والمنبرية لأن عليا رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال: صار ثمنها تسعا،
__________
لا تكون المسألة من أربعة وعشرين إلا وهو رجل.
"ولا تعول إلى أكثر منها" بالسبر وفي التبصرة رواية إلى أحد وثلاثين وهو قول ابن مسعود لأنه يحجب الزوجين بالولد الكافر والقاتل والرقيق ولا يورثهم.
فعلى قوله إذا كانت امرأة وأم وست أخوات مفترقات وولد كافر فللأخوات الثلث والثلثان وللأم والمرأة السدس والثمن سبعة وتعول إلى أحد وثلاثين.
"وتسمى البخيلة لقلة عولها" لأنها أقل الأصول عولا ولم تعل إلا بمثل ثمنها "والمنبرية لأن عليا رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال: صار ثمنها تسعا" ومضى في خطبته يعني أن المرأة كان لها الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين فصار لها بالعول ثلاثة من سبعة وعشرين وهو التسع.
تنبيه: إنما اختصت هذه الثلاثة بالعول دون الأربعة لوجهين:
أحدهما: أن العول إنما يتحقق إذا كثرت الفرائض فزادت الأجزاء على المخرج وهو لا يتحقق في غيرالثلاثة وأما الإثنان فلأنه متى كان المخرج اثنين لا تكون المسألة إلا نصفين أو نصفا وما بقي ولا يجتمع في فريضة ثلاثة أنصاف ليحصل العول وأما الثلاثة فلأنه لا يجتمع في مسألة ثلثان وثلثان ولا ثلث وثلث وثلثان وأما الأربعة فلأنه لا يجتمع في مسألة مخرجها من أربعة أكثر من نصف وربع وأما الثمانية فلأنه لا يجتمع في مسألة مخرجها من ثمانية أكثر من نصف وثمن ويبين ذلك أن المسألة إذا كانت من اثنين لا بد فيها من عصبة يأخذ ما بقي إلا في زوج وأخت إذ لا تزاحم وإذا كانت من اثنين فكذلك إلا في أختين لأب وأختين لأم وكذا إذا كانت من أربعة أو ثمانية بخلاف الثلاثة الأخيرة فإنه لا يتصور فيها وجود عاصب فلهذا(6/151)
قبلت العول.
الثاني: أن الأصول قسمان تام وناقص فالتام هو الذي إذا جمعت أجزاؤه الصحيحة كانت مثله أو أزيد فالستة تامة لأن لها سدسا وثلثا ونصفا فتساوت والإثنا عشر لها سدس وربع وثلث ونصف فزادت والأربعة والعشرون لها ثمن وسدس وربع وثلث ونصف فالمجموع ثلاثة وثلاثون فهذه تعول.
والناقص هو الذي إذا جمعت أجزاؤه كانت أقل منه كالإثنين ليس لها جزء صحيح إلا النصف وهو واحد والثلاثة ثلث واحد والثلثان تضعيف الثلث والأربعة ليس لها إلا ربع ونصف وهما ثلاثة والثمانية ليس لها إلا ثمن وربع ونصف فهذه لا تعول لأنك إذا جمعت سهامها الصحيحة نقصت عنها.
فائدة: المسائل على ثلاثة أضرب عادلة وهي التي يستوي مالها وفروضها وعائلة وهي التي تزيد فروضها عن مالها ومردودة وهي التي يفضل مالها عن فروضها ولا عصبة فيها وشرع في شأنها فقال:(6/152)
فصل في الرد
اذا لم تستوعب الفروض المال ولم يكن عصبة رد الفاضل على ذوي الفروض بقدر فروضهم إلا الزوج والزوجة،
__________
فصل في الرد
"وإذا لم يستوعب الفروض المال" كما إذا خلف بنات وأخوات "ولم يكن عصبة رد الفاضل على ذوي الفروض بقدر فروضهم" كالغرماء يقتسمون مال المفلس بقدر ديونهم "إلا الزوج والزوجة" في قول عمر وعلي وابن مسعود وقاله الحسن وابن سيرين وجماعة من التابعين وغيرهم قال ابن سراقة: العمل عليه اليوم في الأمصار.(6/152)
فإن كان المردود عليه واحدا أخذ المال كله وإن كان فريقا من جنس واحد كبنات أو أخوات اقتسموه كالعصبة فإن اختلفت أجناسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة واجعله أصل مسألتهم فإن كانا سدسين كجدة وأخ من أم فهي من اثنين،
__________
وعن أحمد لا يرد على ولد الأم مع الأم ولا جدة مع ذي سهم وروي عن ابن مسعود وقال زيد الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال ولا يعطى أحد فوق فرضه وهو رواية عن أحمد وفاقا لمالك والشافعي لقوله تعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} ومن رد عليها أعطاها الكل ولأنها ذات فرض مسمى فلا يرد عليها كالزوج وجوابه قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} وقد رجحوا بالقرب إلى الميت فكان أولى من بيت المال يؤيده قوله عليه السلام من ترك مالا فلورثته ولحديث واثلة تحوز المرأة ثلاثة مواريث وقوله تعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} لا ينفي أن يكون لها زيادة عليه بسبب آخر والزوجان ليسا من ذوي الأرحام فإنه لا يرد عليهما اتفاقا إلا أنه روي عن عثمان أنه رد على زوج ولعله كان عصبة أو ذا رحم فأعطاه كذلك.
"فإن كان المردود عليه واحدا كأم أو جدة أو أخت أو بنت أخذ المال كله" بالفرض والرد إذ لا مزاحم له "وإن كان فريقا من جنس واحد كبنات أو أخوات اقتسموه" لأنهم استووا فيه "كالعصبة" من البنين والإخوة فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة الرد "فإن اختلفت أجناسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة" أبدا لأن الفروض كلها تخرج من ستة إلا الربع والثمن فإنهما فرضا الزوجين وليسا من أهل الرد.
"واجعله أصل مسألتهم" فينقسم المال عليها وينحصر ذلك في أربعة أصول "فإن كانا سدسين كجدة وأخ من أم فهي من اثنين" للجدة السدس والأخ من الأم السدس أصلها اثنان ثم يقسم المال بينهما لكل واحد نصف المال لأن كلا منهما يدلي بمثل ما يدلي به الآخر.(6/153)
وإن كان مكان الجدة أم فهي من ثلاثة وإن كان مكانها أخت لأبوين فهي من أربعة وإن كان معها أخت لأب فهي من خمسة ولا تزيد على هذا أبدا لأنها لو زادت سدسا آخر لكمل المال فإن انكسر على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم لأنه أصل مسألتهم.
__________
"وإن كان مكان الجدة أم فهي من ثلاثة" للأم الثلث وللأخ من الأم السدس ثم يقسم المال بينهما على ثلاثة للأم سهمان لأنها تدلي بمثلي الأخ وللآخر سهم.
"وإن كان مكانها أخت لأبوين فهي من أربعة" للأخت النصف وللأخ من الأم السدس والمال مقسوم بينهما على أربعة لأن الأخت تدلي بثلاثة أمثال الأخ.
"وإن كان معها أخت لأب فهي من خمسة" للأخت من الأبوين النصف وهو ثلاثة أسداس وللأخت من الأب السدس وللأخ من الأم السدس وكذا ثلاث أخوات مفترقات وأم وأخت من أبوين وأخت لأم وبنتان وجدة.
"ولا تزيد على هذا أبدا لأنها لو زادت سدسا آخر لكمل المال" ولم يبق منه شيء يرد "فإن انكسر على فريق منهم ضربته" أي: ضربت عدد الفريق المنكسر عليهم "في عدد سهامهم" أي: سهام الورثة جميعهم "لأنه أصل مسألتهم" كما صارت السهام في العول وهي المسألة التي يضرب فيها العدد بيان ذلك في أصل اثنين أربع جدات وأخ من أم للجدات سهم لا ينقسم عليهن فتضرب عددهن في أصل المسألة وهو اثنان تكن ثمانية للأخ أربعة ولكل واحد سهم.
أصل: ثلاثة أم وثلاث أخوات من أم للإخوة سهمان لا يصح عليهن فاضرب عددهم في أصل المسألة وهو ثلاثة تكن تسعة ومنها تصح.
أصل: أربعة أخت لأبوين وأربع أخوات لأب لهن سهم لا ينقسم عليهن فاضرب عددهن في أصل المسألة وهو أربعة تكن ستة عشر ومنها تصح.
أصل: خمسة أم وأخت لأبوين وأربع أخوات لأب فاضرب عددهن في(6/154)
فإن كان معهم أحد الزوجين فأعطه فرضه من أصل مسألته واقسم الباقي على المسألة الرد وهو ينقسم إذا كانت زوجة ومسألة الرد من ثلاثة فللزوجة الربع والباقي لهم وتصير المسألة من أربعة وفي غير هذا تضرب مسألة الرد في مسألة الزوج.
__________
أصل المسألة تكن عشرين ومنها تصح.
"فإن كان معهم أحد الزوجين فأعطه فرضه من أصل مسألته واقسم الباقي على المسألة الرد وهو ينقسم إذا كانت زوجة ومسألة الرد من ثلاثة" كأم وأخ من أم وأم وأخوين من أم "فللزوجة الربع والباقي لهم" فللأم من الأولى: سهمان وللأخ سهم ومن الثانية: للأم سهم وللأخوين سهمان.
"وتصير المسألة من أربعة" أي: فتصح المسألتان من أربعة فإن انكسرعلى عدد منهم كأربع زوجات وأم وأخ من أم ضربت أربعة في مسألة الزوجة تكن ستة عشر ومنها تصح وإن لم ينقسم فأصل الزوج على المسألة الرد لم يمكن أن يوافقها لأنه إن كانت مسألة الزوج من اثنين فالباقي بعد نصيبه سهم لا يوافق شيئا وإن كانت من أربعة فالباقي بعد فرضه ثلاثة ومن ضرورة كون الزوج له الربع أن يكون للميتة ولد ولا يمكن أن تكون مسألة الرد مع الولد من ثلاثة.
وإن كان الزوج امرأة فالباقي بعد الثمن سبعة ولا توافق السبعة عددا أقل منها ولا يمكن أن تكون مسألة الرد لا تزيد على خمسة أبدا ولهذا قال المؤلف "وفي غير هذا تضرب مسألة الرد في مسألة الزوج" فما بلغ فإليه تنتقل المسألة وإذا أردت القسمة فلأحد الزوجين فرضه ولكل واحد من أهل الرد سهامه من مسألته مضروب في الفاضل عن فريضة الزوج فما بلغ فهو له إن كان واحدا وإن كانوا جماعة قسمته عليهم وإن لم ينقسم ضربته أو وفقه فيما انتقلت إليه المسألة وتصح على ما نذكره في باب التصحيح وينحصر ذلك في خمسة أصول ذكرها المؤلف.(6/155)
فما بلغ فإليه تنتقل المسألة فإذا كان زوج وجدة وأخ من أم فمسألة الزوج من اثنين ومسألة الرد من اثنين تكن أربعة وإن كان مكان الزوج زوجة ضربت مسألة الرد في أربعة تكن ثمانية وإن كان مكان الجدة أخت لأبوين انتقلت إلى ستة عشر وإن كان مع الزوجة بنت وبنت ابن انتقلت إلى اثنين وثلاثين وإن كان معهم جدة صارت من أربعين ثم تصح بعد ذلك على ما ذكرنا.
__________
"فإذا كان زوج وجدة وأخ من أم فمسألة الزوج من اثنين" لأن فرضه النصف ومخرجه من اثنين "ومسألة الرد من اثنين" فسهم على اثنين لا يصح ولا يوافق "تضرب إحداهما في الأخرى تكن أربعة أو إن كان مكان الزوج زوجة" بأن كانت زوجة وجدة وأخا لأم "ضربت مسألة الرد في أربعة تكن ثمانية" ولا يكون الكسر في هذا الأصل إلا على الجدات.
"وإن كان مكان الجدة أخت لأبوين" بأن كان معها زوجة وأخ من أم "انتقلت إلى ستة عشر" فللزوجة الربع واحد بقي ثلاثة على المسألة الرد وهي أربعة لا تنقسم ولا توافق فاضرب إحداهما في الأخرى تكن ستة عشر للزوجة أربعة وللأخت من الأبوين تسعة وللأخ من الأم ثلاثة.
"وإن كان مع الزوجة بنت وبنت ابن انتقلت إلى اثنين وثلاثين" للزوجة الثمن واحد يبقى سبعة على المسألة الرد وهي أربعة لا توافق فاضرب إحداهما في الأخرى تكن اثنين وثلاثين للزوجة أربعة وللبنت أحد وعشرون ولبنت الإبن سبعة.
"وإن كان معهم جدة" فإن كانت زوجة وبنتاً وبنت ابن وجدة فللزوجة الثمن واحد بقي سبعة على المسألة الرد وهي خمسة فاضرب إحداهما في الأخرى "صارت من أربعين" للزوجة خمسة وللبنت أحد وعشرون ولبنت الابن سبعة وللجدة سبعة فإن كان الوارث مع احد الزوجين ممن يأخذ الفاضل فلا تنتقل المسألة كزوجة وبنت للزوجة الثمن والباقي للبنت بالفرض والرد "ثم تصح بعد ذلك على ما ذكرنا" أي: في جميع الصور إذا انكسر(6/156)
.................................................................................................................................
__________
سهم فريق منهم عليهم ضربته فيما انتقلت إليه المسألة كأربع زوجات وإحدى وعشرين بنتا وأربع عشرة جدة.
مسألة: الزوجات من ثمانية فتضرب فيها فريضة الرد وهو خمسة تكن أربعين للزوجات خمسة لا تصح عليهن ولا توافق يبقى خمسة وثلاثون للجدات خمسها سبعة على أربعة عشرة توافق بالأسباع فيرجعن إلى اثنين ويبقى للبنات ثمانية وعشرون توافق بالأسباع فيرجعن إلى ثلاثة والاثنتان يدخلان في عدد الزوجات فتضرب ثلاثة في أربعة تكن اثني عشر ثم في أربعين تكن أربعمائة وثمانين ثم كل من له شيء من أربعين مضروب في اثني عشر الذي هو جزء السهم وإن شئت صحح مسألة الرد ثم رد عليها كفرض الزوجية النصف مثلا وللربع ثلثا وللثمن سبعا وأبسط من مخرج الكسر ليزول.
مسألة: أبوان وابنتان من ستة ثم ماتت إحدى البنات وخلفت من خلفت فإن كان الميت ذكرا فقد خلفت أختا وجدا وجدة من ثمانية عشر توافق ما ماتت عنه الأخت بالأنصاف فتضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن أربعة وخمسين ثم من له شيء من الأولى: مضروب في وفق الثانية: تسعة ومن الثانية: مضروب في وفق ما ماتت عنه وهو سهم وإن كان الميت أنثى فقد خلفت أختا وجدة وجد الأم ساقط وتصح من أربعة توافق ما ماتت عنه بالأنصاف فتضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن اثني عشر ومنه تصح المسألتان وتسمى المأمونية لأن المأمون سأل عنها يحيى بن أكثم لما أراد أن يوليه القضاء فقال: له في الجواب الميت الأول ذكر أو أنثى فعلم أنه عرفها فقال له كم سنك ففطن يحيى أنه استصغره فقال سن معاذ لما ولاه النبي صلى الله عليه وسلم اليمن وسن عتاب ابن أسيد لما ولاه مكة فاستحسن جوابه وولاه القضاء.(6/157)
باب تصحيح المسائل
إذا لم ينقسم سهم فريق عليهم قسمة صحيحة فاضرب عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة ثم يصير لكل واحد من الفريق مثل ما كان لجماعتهم،
__________
باب تصحيح المسائل
لما فرغ من بيان أصول المسائل شرع في بيان تصحيحها ومعنى التصحيح أن يحصل عددا إذا قسم على الورثة على قدر إرثهم خرج نصيب كل فرد سهم صحيح بلا كسر بحيث لا يحصل هذا الفرض من عدد دونه ومعرفة ذلك تتوقف على أمرين أحدهما الفاضل والثاني: معرفة جزء السهم وهو يتوقف على مقابلتين إحداهما مقابلة السهام من مسألة التأصيل ورؤوس أصحابها والثاني: مقابلة رؤوس كل نوع من الورثة بنوع آخر حيث لا يصح انقسام سهام النوع عليه سواء بقي أو رجع إلى وفق وعلم منه أنه إذا انقسمت سهام كل وفق عليهم فلا يحتاج إلى الضرب بأن يترك الميت زوجة وثلاثة إخوة فالمسألة من أربعة للمرأة الربع سهم والباقي للإخوة لكل واحد سهم ومثله كثير.
"إذا لم ينقسم سهم فريق عليهم قسمة صحيحة" أي: بلا كسر "فاضرب عددهم" أي: عدد رؤوس المنكسر عليهم في أصل المسألة كزوج وأم وثلاثة إخوة أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم وللإخوة سهمان لا تصح ولا توافق فاضرب عددهم وهو ثلاثة "في أصل المسألة" وهو ستة تكن ثمانية عشر "وعولها" أي: تضرب عددهم في أصل المسألة وعولها "إن كانت عائلة" كزوج وأم وخمسة بنات أصلها من اثني عشر وتعول إلى ثلاثة عشر للزوج الربع ثلاثة وللأم السدس اثنان وللبنات الثلثان ثمانية لا تنقسم على عددهن ولا توافق فاضرب خمسة في ثلاثة عشر تكن خمسة وستين "ثم يصير لك واحد من الفريق مثل ما كان لجماعتهم" ففي الأولى: لكل أخ(6/158)
إلا أن يوافق عددهم سهامهم بنصف أو ثلث أوغير ذلك من الأجزاء فيجزئك ضرب وفق عددهم ثم يصير لكل واحد وفق ما كان لجماعتهم وإن انكسر على فريقين فأكثر وكانت متماثلة كثلاثة وثلاثة اجتزأت بأحدها وإن كانت متناسبة وهو أن تنسب الأقل إلى الأكثر بجزء من أجزائه كنصفه أو ثلثه أو ربعه اجتزأت بأكثرها وضربته في المسألة وعولها،
__________
سهمان وفي الثانية: لكل بنت ثمانية "إلا أن يوافق عددهم سهامهم بنصف أو ثلث أو غير ذلك من الأجزاء" كما لو كان الإخوة أربعة فإن سهامهم توافقهم بالنصف وهو اثنان "فيجزئك ضرب وفق عددهم ثم يصير لكل واحد وفق ما كان لجماعتهم" فزوجة وأربعة عشر ابنا للزوجة الثمن والباقي وهو سبعة للبنين لا تصح وتوافق بالأسباع فاضرب وفق البنين وهو سهمان في ثمانية تكن ستة عشر للزوجة سهم في اثنين باثنين وللبنين سبعة في اثنين بأربعة عشر لكل ابن سهم وهو وفق ما كان لجماعتهم لأن الذي كان لجماعتهم سبعة ووفقها هذا سهم لأن الموافقة بالأسباع.
"وإن انكسر على فريقين أو أكثر" لم يخل من أربعة أقسام إما المماثلة أو المناسبة أو التباين أو الموافقة وأشار إلى كل منهما فقال في الأول "وكانت متماثلة كثلاثة وثلاثة اجتزأت بأحدها" وطريق قسمتها كطريق القسمة فيما إذا كان الكسر على فريق واحد كثلاثة إخوة لأم وثلاثة إخوة لأب لولد الأم الثلث والباقي لولد الأب أصلها من ثلاثة سهم كل فريق منهم لا ينقسم ولا يوافق فيكتفى بأحد العددين وهو ثلاثة فاضربها في أصل المسألة تكن تسعة لولد الأم سهم في ثلاثة بثلاثة لكل واحد سهم ولولد الأب اثنان في ثلاثة بستة لكل واحد سهمان مثل ما كان لجماعتهم ولو كان ولد الأب ستة وافقت سهامهم بالنصف فيرجع عددهم إلى ثلاثة وكان العمل كما ذكرنا.
"وإن كانت متناسبة وهو أن تنسب الأقل إلى الأكثر بجزء من أجزائه كنصفه أو ثلثه أو ربعه اجتزأت بأكثرها وضربته في المسألة وعولها" إن(6/159)
وإن كانت متباينة ضربت بعضها في بعض فما بلغ ضربته في المسألة وعولها،
__________
كانت عائلة كجدتين وأربعة إخوة لأب للجدتين السدس وللإخوة ما بقي أصلها من ستة وعددهم لا يوافق سهامهم وعدد الجدات نصف عدد الإخوة فاجتزىء بالأكثر وهو أربعة واضربه في أصل المسألة تكن أربعة وعشرين للجدات سهم في أربعة بأربعة وللإخوة خمسة في أربعة بعشرين لكل واحد خمسة ولو كان عدد الإخوة عشرين لوافقتهم سهامهم بالأخماس فيرجع عددهم إلى أربعة والعمل كذلك ومسألة العول اثنا عشر أختا لأب وثلاث أخوات لأم وست جدات المسألة من ستة وتعول إلى سبعة والثلاث ربع الإثني عشر والست نصفها فاضرب اثني عشر في سبعة تكن أربعةوثمانين.
"وإن كانت متباينة" أي: لا يماثل أحدهما صاحبه ولا يناسبه ولا يوافقه "ضربت بعضها في بعض فما بلغ" فهو جزء السهم "ضربته في المسألة" فما بلغ فمنه تصح أم وثلاثة إخوة لأم وأربعة لأب أصلها من ستة لولد الأم سهمان لا يوافقهم ولولد الأب ثلاثة لا توافقهم والعددان متباينان فاضرب أحدهما في الآخر تكن اثني عشر وهو جزء السهم فاضربه في أصل المسألة تكن اثنين وسبعين ومنها تصح للأم سهم في اثني عشر بمثلها ولولد الأم سهمان في اثني عشر بأربعة وعشرين لكل واحد ثمانية ولولد الأب ثلاثة في اثني عشر بستة وثلاثين لكل واحد تسعة فإن أردت أن تعرف ما لأحدهم قبل التصحيح فاضرب سهام فريق في الفريق الآخر فما خرج فهو له فإن أردت أن تعلم ما لكل واحد من ولد الأم فلفريقه من أصل المسألة سهمان اضربها في عدد الفريق الآخر وهو أربعة تكن ثمانية فهي لكل واحد من ولد الأم ولفريق ولد الأب ثلاثة اضربها في عدد ولد الأم تكن تسعة فهي ما لكل واحد منهم "وعولها" إن كانت عائلة كخمس أخوات لأب ثلاث أخوات لأم وجدة أصل المسألة من ستة وتعول إلى سبعة والعددان متباينان فاضرب ثلاثة في خمسة تكن خمسة عشر اضربها في سبعة تكن(6/160)
وإن كانت متوافقة كأربعة وستة وعشرة ضربت وفق أحدهما في الآخرثم وافقت بين ما بلغ وبين الثالث وضربت وفق أحدهما في الآخر ثم اضرب ما معك في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح.
__________
مائة وخمسة.
"وإن كانت متوافقة" بجزء من الأجزاء الطبيعية "كأربعة وستة وعشرة" فإنها توافق بالأنصاف "ضربت وفق أحدهما في" جميع "الآخر ثم وافقت بين ما بلغ وبين الثالث" أي: الموقوف "وضربت وفق أحدهما في الآخر ثم اضرب ما معك في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح" ست جدات وتسع بنات وخمسة عشر أخا أصلها من ستة والأعداد متوافقة بالأثلاث فتوقف الخمسة عشر مثلا ثم اضرب وفق الجدات وهو اثنان في جميع الآخر وهو تسعة تكن ثمانية عشر فبينها وبين الموقوف موافقة فاضرب وفقها وهو ستة في خمسة عشر تبلغ تسعين هي جزء السهم فاضربها في أصل المسألة تبلغ خمسمائة وأربعين هذا إذا كانت الأعداد ثلاثة فما فوق فإن كان عددان متوافقان فإنك ترد أحدهما إلى وفقه وتضربه في جميع الآخر فما بلغ ضربته في المسألة كزوج وست جدات وتسع أخوات فيتفقان بالأثلاث فترد الجدات إلى ثلثهن وتضربها في عدد الأخوات تكن ثمانية عشر وهي جزء السهم ثم تضرب ذلك في أصل المسألة تكن مائة وثمانية ومنها تصح.
تنبيه: إذا كان الكسر على ثلاثة أحياز نظرت فإن كانت متماثلة كثلاث جدات وثلاث بنات وثلاثة أعمام ضربت أحدهما في المسألة فما بلغ فمنه تصح ولكل واحد بعد التصحيح مثل ما كان لجماعتهم.
وإن كانت متناسبة كجدتين وخمس بنات وعشرة أعمام اجتزأت بأكثرها وهي العشرة وضربتها في المسألة تكن ستين ومنها تصح.
وإن كانت متباينة كما إذا كان الأعمام ثلاثة ضربت بعضها في بعض تبلغ(6/161)
...................................................................................................................
__________
ثلاثين وهي جزء السهم ثم تضربها في المسألة تكن مائة وثمانين وإن كانت متوافقة فعلت كما سبق فإن تماثل اثنان منها وباينها الثالث أو وافقهما ضربت أحد المتماثلين في الثالث أو في وفقه إن وافق فما بلغ فهو جزء السهم تضربه في المسألة وإن تناسب اثنان وباينهما الثالث ضربت أكثرهما في جميع الثالث أو في وفقه إن كان موافقا ثم في المسألة وإن توافق اثنان وباينهما الثالث ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الثالث.
وإن تباين اثنان ووافقهما الثالث كأربعة أعمام وسبع جدات وتسع بنات أجزأك ضرب أحد المتباينين في الآخر ثم تضربه في المسألة ويسمى هذا الموقوف المقيد لأنك إذا أردت وفق أحدهما لم تقف إلاالستة فلو وقفت التسعة مثلا ورددت الستة إلى اثنين لدخلا في الأربعة وأجزاك ضرب الأربعة في التسعة ولو وقفت الأربعة ورددت الستة إلى ثلاثة دخلت في التسعة وكفاك ضرب الأربعة في التسعة فأما إن كانت الأعداد الثلاثة متوافقة فإنه يسمى الموقوف المطلق وفي عملها طريقان أحدهما ما ذكره المؤلف وهو طريق الكوفيين والثاني: طريق البصريين وهو أن تقف أحد الثلاثة وتوافق بينه وبين الآخرين وتردهما إلى وفقهما ثم تنظر في الوفقين فإن كانا متماثلين ضربت أحدهما في الموقوف وإن كانا متناسبين ضربت أكثرهما فيه وإن كانا متباينين ضربت أحدهما في الآخر ثم في الموقوف وإن كانا متوافقين ضربت وفق أحدهما في الآخر ثم في الموقوف فما بلغ ضربته في المسألة كعشر جدات واثني عشر عما وخمسة عشر بنتا نصف العشرة توافقها الإثني عشر بالنصف فترجع إلى ستة وتوافقها الخمسة عشر بالأخماس فترجع إلى ثلاثة وهي داخلة في الستة فتضربها في العشرة تكن ستين ثم في المسألة تكن ثلاثمائة وستين وإن وقفت الإثني عشر رجعت العشرة إلى نصفها خمسة والخمسة عشر إلىثلثها خمسة وهما متماثلان فتضرب إحداهما في الاثني عشر تكن ستين وإن وقفت الخمسة عشر رجعت العشرة إلى اثنين،(6/162)
فإذا أردت القسمة فكل من له شيء من أصل المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة فما بلغ فهو له وإن كان واحدا وإن كانوا جماعة قسمته عليهم.
__________
والاثني عشر إلى أربعة ودخل الاثنان في الأربعة فتضربها في الخمسة عشر تكن ستين ثم في المسألة.
فائدة: الطريق في معرفة الموافقة والمناسبة والمباينة أن تلقي أحد العددين من أكثرهما مرة بعد أخرى فإن فني فالعددان متناسبان وإن لم يفن ولكن بقيت منه بقية ألقها من العدد الأقل فإن بقيت منه بقية ألقها من البقية الأولى: ولا تزال كذلك تلقي كل بقية من التي قبلها حتى تصل إلى عدد يغني الملقى منه غير الواحد فأي بقية فني منها غير الواحد فالموافقة بين العددين بجزء تلك البقية إن كانت اثنين فبالأنصاف وإن كانت ثلاثة فبالأثلاث وإن كانت أربعة فبالأرباع وإن كانت بأحد عشر أو اثني عشر أو ثلاثة عشر فبجزء ذلك وإن بقي واحد فالعددان متباينان.
ومما يدل على تناسب العددين أنك إذا زدت على الأقل مثله أبدا ساوى الأكثر ومتى قسمت الأكثر على الأقل انقسم قسمة صحيحة ومتى نسبت الأقل إلى الأكثر نسبت إليه بجزء واحد ولا يكون ذلك إلا في النصف فما دونه.
"فإذا أردت القسمة فكل من له شيء من أصل المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة" وهوالذي يسمى جزء السهم "فما بلغ فهو له وإن كان واحدا وان كانوا جماعة قسمته عليهم" وصار لكل واحد منهم مثل ما كان لجماعتهم.
قاعدة
اعلم أن الحساب أربع منازل : آحاد ، وعشرات ، ومئين ، وألوف ، فالآحاد من واحد إلى تسعة ، وليس الواحد بعدد ، وإنما هو ابتداؤه ، والعشرات من عشرة(6/163)
...............................................................................................................................
__________
إلى تسعين والمئون من مائة إلى تسعمائة والألوف من ألف إلى تسعة آلاف وكل مرتبة من هذه المراتب لها تسعة عقود فالآحاد عقودها واحد اثنان إلى تسعة والعشرات عقودها عشرة عشرون وكذا إلى تسعين والمئات عقودها مائة مائتان إلى تسعمائة والألوف عقودها ألف ألفان إلى تسعة آلاف.
والضرب ينقسم الى: مفرد ومركب فالأول ما كان من ضرب مرتبة في مرتبة وهو عشرة أنواع والضرب عبارة عن تضعيف أحد المضروبين بعدد أحاد الآخر فمعنى قوله خمسة في ستة أي: كم تضعيف الخمسة ست مرات والستة خمس مرات والآحاد في أي: مرتبة ضربت كان للواحد ما يرتفع به وأخذ من تلك المرتبة تجاوز لها فإذا قال اضرب ثلاثة في خمسة فهي خمسة عشر أحدا فإن قال في خمسين فاجعلها خمسة واضرب ثلاثة في خمسة تكن خمسة عشر لكل واحد عشرة تكن مائة وخمسين فإن قال: في خمسمائة فخذ لكل واحد مائة تكن ألفا وخمسمائة فإن قال: في خمسة آلاف فخذ لكل واحد ألفا والعشرات في مثلها مئات لكل واحد مائة ولكل عشرة ألفا وفي المئات ألوف لكل واحد ألف ولكل عشرة عشرة آلاف وفي الألوف عشرات ألوف لكل واحد عشرة آلاف ولكل عشرة مائة ألف مثاله ثلاثون في أربعين اضرب ثلاثة في أربعة تكن اثني عشر خذ لكل واحد مائة تكن ألفا ومائتين فإن قال: في أربعمائة كانت اثني عشر ألفا فإن قال: في أربعة آلاف كانت مائة ألف وعشرين ألفا والمئات في مثلها عشرات ألوف وفي الألوف مئات ألوف مثاله أربعمائة في ستمائة تضرب أربعة في ستة تكن أربعة وعشرين فتكون مائتي ألف وأربعين الفا فإن قال: في خمسة آلاف كانت ألفي ألف وأربعمائة ألف.
والألوف في مثلها ألوف ألوف مثاله أربعة آلاف في خمسة آلاف تكن(6/164)
......................................................................................................................................
__________
عشرين ألف ألف فإذا تكررت لفظات الألوف فأسقطها من الخمسين واحفظ عددها ثم اضرب الباقي بعد إلقائها على ما قدمنا فما بلغ أضفت إليه لفظات الألوف المحفوظة مثاله ثلاثون ألف ألف في ستمائة ألف ألف ألف تحفظ لفظات الألوف وهي خمس ثم تضرب ثلاثين في ستمائة بأن تضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشر تأخذ لكل واحد ألفا لأن عشرة في مائة ألف تكن ثمانية عشر ألفا وتضيف إليها لفظات الألوف الخمس فتكون ثمانية عشر ألف ألف ألف ألف ألف ألف.
نوع منه في المركب
إذا قال اضرب خمسة عشر في ستة عشر فالباب في هذا ونحوه من أحد عشر إلى تسعة عشر أن تضم آحاد أحد العددين إلى الآخر جميعه تكن أحدا وعشرين تأخذ لكل واحد عشرة وتضم إليه ضرب الآحاد في الآحاد تكن مائتين وأربعين.
فإن قال ثلاثة وعشرين في سبعة وعشرين ضممت الآحاد أحدهما إلى الآخر تكن ثلاثين وتضعفها لأجل العشرين تكن ستين تأخذ لكل واحد عشرة تكن ستمائة وتضم إليها سبعة في ثلاثة يكن الجميع ستمائة وأحد وعشرين وكذلك ما زاد على هذا إلى تسعة وتسعين إذا تساوت العشرات في المضروبين تضعفه بعددها مثل خمسة وثلاثين في ستة وثلاثين تضم آحاد أحدهما إلى الآخر تكن أحدا وأربعين فتضعفها ثلاث مرات لأن العشرات ثلاث تكن مائة وثلاثة وعشرين تأخذ لكل واحد عشرة فتكون ألفا ومائتين وثلاثين وتضم إليه مضروب خمسة في ستة تكن ألفا ومائتين وستين فإن اختلف عقود العشرات فيهما فكرر أحد المضروبين بعدد عشرات الآخر وكرر آحاد الآخر بعدد عشرات المكرر فما بلغ فخذ لكل واحد إليه المرتفع من ضرب الآحاد في الآحاد مثاله ثلاثة وثلاثين في أربعة وأربعين فكرر الأربعة والأربعين ثلاث مرات تكن مائة واثنين وثلاثين وكرر(6/165)
.................................................................................................................................
__________
الثلاثة أربع مرات تكن اثني عشر تصر مائة وأربعة وأربعين فتأخذ لكل واحد عشرة وتضيف إليه مضروب ثلاثة في أربعة تكن ألفا وأربعمائة واثنين وخمسين.
قاعدة نافعة في الضرب
وهي إذا كان أحد المضروبين ينسب إلى مرتبة فوقه أو ينقسم على مرتبه دونه فانظر أيهما أوضح نسبة إلى مرتبة فوقه أو دونه واعرف نسبة ذلك أنه النصف أو الخمس أو العشر أو غيرذلك ثم خذ بقدر تلك النسبة من العدد الآخر ثم إن كنت نسبت العدد الأول إلى العشر فخذ لكل واحد عشرة وإن نسبته إلى مائة فخذ لكل واحد مائة وإن نسبته إلى الألف فخذ لكل واحد ألفا ويتضح ذلك في ثلاثة فصول:
الأول: في النسبة إلى العشرة ثلاثة وثلث في تسعة وستين نسبة ألمضروب إلى العشرة بالثلث فخذ ثلث المضروب فيه وهو ثلاثة وعشرون وخذ لكل واحد عشرة تكن مائتين وثلاثين وهكذا إلى آخره.
الثاني: في النسبة إلى المائة اثني عشر ونصف في أربعة وستين المضروب ثمن المائة فخذ ثمن المضروب فيه وهو ثمانية وخذ لكل واحد مائة تكن ثمانمائة وهكذا إلى آخره.
الثالث: في النسبة إلى الألف مائة وخمسة وعشرون في مائتين وأربعين نسبة المضروب إلىالألف بالثمن فخذ ثمن المضروب فيه وهو ثلاثون وخذ لكل واحد ألفا تكن ثلاثين ألفا وإن قال مائة وثلاثة وعشرين في مائتين واثنين وخمسين إن شئت نقصت الاثنين وأخذت ربع المائة والثلاثة وعشرين وأخذت لكل واحد ألفا ثم ضربت اثنين في مائة وثلاثة وعشرين وزدته عليها وإن شئت زدت اثنين على المائة والثلاثة وعشرين ليكون ثمن الألف وأخذت ثمن المائتين واثنين وخمسين وجعلت لكل واحد ألفا ثم ضربت الاثنين في مائتين واثنين وخمسين ونقصته من المبلغ وأيهما فعلت خرج(6/166)
......................................................................................................................................
__________
الجواب ثلاثين ألفاً وتسعمائة وستة وتسعين وإن قال اضرب مائة واثنين في ثمانية وتسعين ضربت مائة في مائة تكن عشرة آلاف ونقصت من ذلك ضرب اثنين في اثنين لأن الناقص في الزائد ناقص والزائد في الزائد والناقص في الناقص زائدان.
فصل
واعتبر صحة ضربك بالميزان وهو أن تأخذ عدد عقود المضروب وعدد عقود المضروب فيه فإن كان أكثر من تسعة ألقيت منه تسعة أبدا وضربت الباقي بعضه في بعض فما بلغ أخذت عقوده وحفظتها إن كانت أقل من تسعة وإن كانت أكثر من تسعة أسقطت منها تسعة أبدا وحفظت الباقي ثم أخذت عقود ما ارتفع معك من الضرب على هذا التقدير فإن تساويا فحسابك صحيح وإن زاد ونقص فالحساب خطأ.
فإذا قال اضرب خمسة وثلاثين في ثمانية وأربعين فالجواب ألف وستمائة وثمانون واعتبار صحة ذلك أن تأخذ عقود المضروب وهي ثمانية وعقود المضروب فيه وهي اثنا عشر فتلقي منها تسعة يبقى ثلاثة تضربها في ثمانية تكن أربعة وعشرين تأخذ عقودها تكن ستة وهي الميزان فقابل بها عقود جوابك وهي خمسة عشر تلقي منها تسعة يبقى ستة فقد صح الحساب.
فصل
في ضرب الكسور في الكسور وهو نسبة
فقولك كم ثلث في سبعة فمعناه كم ثلث السبعة وقولك ربع في ربع جوابه ربع ربع ويعبر عنه بنصف ثمن وإذا قيل سبع في تسع فجوابه سبع تسع وكذا ثمن في عشر.
جوابه ثمن عشر والأصل في ذلك أن تضرب أحد الكسرين في الآخر وتنسب منه ما يكون من ضرب الكسر في الكسر مثاله ربع في سدس تضرب(6/167)
باب المناسخات
ومعناها: أن يموت بعض ورثة الميت قبل قسم تركته.
__________
أربعة في ستة تكن أربعةوعشرين وتضرب واحدا في واحد وتنسبه من أربعة وعشرين تكن ثلث ثمن فإن قال كم خمسان في ثلاثة أسباع فاضرب خمسة في سبعة تكن خمسة وثلاثين واضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة انسبها من المبلغ يكن سبعا وخمس سبع فإن قال اضرب ثلاثة أخماس في عشرين ضربت عدد الكسور وهي ثلاثة في عشرين تكن ستين اقسمها على مخرج الكسر وهو خمسة تكن اثني عشر وهو الجواب.
فإن قال خمسة أسباع في مائة ضربت خمسة في مائة وقسمت المرتفع على سبعة تخرج أحدا وسبعين وثلاثة أسباع فإن قال ثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر في خمسة عشر ضربت ثلاثة في خمسة عشر تكن خمسة وأربعين تقسمها على ثلاثة عشر تخرج ثلاثة وستة أجزاء من ثلاثة عشر فإن قال ثلث وربع في خمسة أجزاء من سبعة عشر أخذت مخرج الثلث والربع وهو اثنا عشر وضربته في سبعة عشر تكن مائتين وأربعة ثم تضرب الثلث والربع وهو سبعة في خمسة تكن خمسة وثلاثين تنسبه من المبلغ بالأجزاء وإن شئت قلت أربع وثلاثون هي سدس ويبقى جزء فيكون الجواب سدسا وجزءا من مائتين وأربعة.
باب المناسخات
النسخ لغة: إبطال الشيء وإزالته يقال: نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله وسميت مناسخة الفرائض وهو موت ورثة بعد ورثة قبل قسمة التركة بذلك لزوال حكم الأول ورفعه وقيل: لأن المال تناسخته الأيدي وهو من عويص الفرائض ويجري مجرى التصحيح في المعنى.
"ومعناها أن يموت بعض ورثة الميت قبل قسم تركته" هذا بيان لمعنى(6/168)
ولها ثلاثة أحوال أحدها أن يكون ورثة الثاني يرثونه على حسب ميراثهم من الأول مثل أن يكونوا عصبة لهم فاقسم المال بين من بقي منهم ولا تنظر إلى الميت الأول الثاني أن يكون ما بعد الميت الأول من الموتى لا يرث بعضهم بعضا كإخوة خلف كل واحد منهم بنيه فاجعل مسائلهم كعدد انكسرت عليهم سهامهم وصحح على ما ذكرنا في باب التصحيح.
__________
المناسخات اصطلاحا "ولها ثلاثة أحوال" معلومة بالحصر:
"أحدها: أن يكون ورثة الثاني يرثونه على حسب ميراثهم من الأول مثل أن يكونوا عصبة لهم فاقسم المال بين من بقي منهم ولا تنظر إلى الميت الأول" كأربعة بنين وثلاث بنات ماتت بنت ثم ابن ثم بنت ثم ابن بقي ابنان وبنت فاقسم المال على خمسة ولا يحتاج إلى عمل وكذا تقول في أبوين وزوجة وابنين وبنتين ماتت بنت ثم الزوجة ثم ابن ثم الأب ثم الأم فقد صارت المواريث كلها بين الابن والبنت الباقيين أثلاثا واستغنت عن عمل المسائل وربما اختصرت المسائل بعد التصحيح بالموافقة بين السهام فإذا صحت المسألة نظرت فيها فإن كان لجميعها كسر يتفق فيه جميع السهام رددت المسألة إلى ذلك الكسر ورددت سهام كل وارث إليه ليكون أسهل في العمل كزوجة وبنت وابن ماتت البنت فتصح المسألتان من اثنين وسبعين للزوجة بحقها ستة عشر وللابن ستة وخمسون تتفق سهامها بالأثمان فردها إلى ثمنها تسعة للزوجة سهمان وللابن سبعة.
"الثاني: أن يكون ما بعد الميت الأول من الموتى لا يرث بعضهم بعضا كإخوة خلف كل واحد منهم بنيه" كرجل توفي وترك أربعة بنين فمات أحدهم عن ابنين والثاني عن ثلاثة والثالث عن أربعة والرابع عن ستة فالأولى من أربعة و الثانية من اثنين و الثالثة من ثلاثة و الرابعة من أربعة و الخامسة من ستة.
"فاجعل مسائلهم كعدد انكسرت عليهم سهامهم" لأن كل مسألة: لمستحقها فهي كالعدد المذكور "وصحح على ما ذكرنا في باب التصحيح" لأن المسائل(6/169)
الثالث: ما عدا ذلك فصحح مسألة: الأول وانظر ما صار للثاني منها فاقسمه على مسألته فإن انقسم صحت المسألتان مما صحت منه الأولى: كرجل خلف امرأة وبنتا وأخاً ثم ماتت البنت وخلفت زوجا وبنتا وعمها فإن لها أربعة ومسألتها من أربعة فصحت المسألتان من ثمانية وصار للأخ أربعة،
__________
كالأعداد أربعة فالاثنان يدخلان في الأربعة والثلاثة في الستة والأربعة توافق الستة بالأنصاف فتضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن اثني عشر ثم تضربها في المسألة الأولى: تكن ثمانية وأربعين لورثة كل ابن اثنا عشر فلكل واحد من ابني الأول ستة ولكل واحد من بني الثاني أربعة ولكل واحد من بني الثالث ثلاثة ولكل واحد من بني الرابع سهمان وإن كانت متباينة ضربت بعضها في بعض فما بلغ ضربته في الأولى: كما لو خلف أحد الإخوة ابنين والآخر ثلاثة والآخر خمسة وإن كانت متماثلة اجتزأت بأحدها كما لو خلف كل واحد ابنين.
"الثالث: ما عدا ذلك" وهو ثلاثة أقسام أحدها أن ينقسم سهام الميت الثاني على مسألته الثاني أن لا ينقسم عليها بل يوافقها الثالث أن لا ينقسم عليها ولا يوافقها "فصحح مسألة الأول وانظر ما صار للثاني منها فاقسمه على مسألته" بعد أن تصححها " فإن انقسم صحت المسألتان مما صحت منه الأولى كرجل خلف امرأة وبنتا وأخا" هي من ثمانية "ثم ماتت البنت وخلفت زوجا وبنتا وعمها فإن لها" من الأولى "أربعة مسألتها من أربعة" للزوج الربع سهم وللبنت النصف سهمان والباقي وهو سهم للعم "فصحت المسألتان من ثمانية وصار للأخ أربعة" من أخيه ثلاثة ومن بنت أخيه سهم.
من ذلك: أم وعم مات العم عن بنت وعصبة الأولى من ثلاثة و الثانية من اثنين فصحت المسألتان من ثلاثة ثلاث أخوات متفرقات من الأبوين عن ابنتين ومن خلفت صحت المسألتان من خمسة بنت وبنت ابن وأخ ماتت البنت عن ابنتين وعمها فصحت المسألتان من ستة وصار للأخ(6/170)
وإن لم تنقسم وافقت بين سهامه ومسألته ثم ضربت وفق مسألته في المسألة الأولى ثم كل من له شيء من الأولى مضروب في وفق الثانية ومن له شيء من الثانية مضروب في وفق سهام الميت الثاني مثل أن تكون الزوجة أما للبنت في مسألتنا فإن مسألتها من اثني عشر توافق سهامها بالربع فترجع إلى ربعها ثلاثة تضربها في الأولى تكن أربعة وعشرين وإن لم توافق سهامه مسألته ضربت الثانية في الأولى وكل من له شيء من الأولى مضروب في الثانية ومن له شيء من الثانية مضروب في سهام الميت الثاني مثل أن تخلف البنت بنتين فإن مسألتها تعدل إلى ثلاثة عشر،
__________
ثلاثة "وإن لم تنقسم وافقت بين سهامه ومسألته ثم ضربت وفق مسألته في المسألة الأولى" ليخرج بلا كسر "ثم كل من له شيء من الأولى: مضروب في وفق الثانية ومن له شيء من الثانية مضروب في وفق سهام الميت الثاني" لأن به يعلم قدر ما لكل واحد "مثل أن تكون الزوجة أما للبنت في مسألتنا" أي: في المسألة الأولى "فإن مسألتها من اثني عشر" لأن فيها نصفا وربعا وسدسا "توافق سهامها بالربع" لأن لها من الأولى أربعة بينها وبين الاثني عشر موافقة بالأرباع "فترجع إلى ربعها ثلاثة" لأنها وفقها "تضربها في الأولى" وهي ثمانية تكن أربعة وعشرين للمرأة من الأولى سهم في ثلاثة بثلاثة وللأخ ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللزوج من الثانية: ثلاثة مضروبة في واحد لأنه الوفق بثلاثة وللبنت ستة في واحد بستة وللأم سهمان في واحد بسهمين وللعم سهم ومن ذلك زوج وأم وست أخوات مفترقات ماتت إحدى الأختين من الأم وخلفت من خلفت فالأولى من عشرة و الثانية من ستة لأنها خلفت أما وأختين لأبوين وأختين من أب تضربها في الأولى ومنها تصح.
"وإن لم توافق سهامه مسألته ضربت الثانية في الأولى وكل من له شيء من الأولى مضروب في الثانية ومن له شيء من الثانية مضروب في سهام الميت الثاني مثل أن تخلف البنت بنتين" فيكون ترك امرأة وبنتا وأخا ثم ماتت البنت عن أربعة خلفت زوجا وأما وابنتين "فإن مسألتها" من اثني عشر "تعدل إلى ثلاثة(6/171)
تضربها في الأولى تكن مائة وأربعة وتعمل على ما ذكرنا فإن مات ثالث جمعت سهامه مما صحت منه الأوليان وعملت فيها عملك في مسألة الثاني مع الأول وكذلك تصنع في الرابع،
__________
عشر" لا تنقسم عليها سهامها ولا توافقها "تضربها في الأولى" وهي ثمانية "تكن مائة وأربعة وتعمل على ما ذكرنا" للمرأة من الأولى: سهم في ثلاثة عشر بثلاثة عشر وللأخ ثلاثة في ثلاثة عشر بتسعة وثلاثين وللزوج من الثانية: ثلاثة في أربعة باثني عشر وللبنتين ثمانية في أربعة باثنين وثلاثين وللأم سهمان في أربعة بثمانية " فإن مات ثالث جمعت سهامه مما صحت منه الأوليان وعملت فيها عملك في مسألة الثاني مع الأول" أي: فانظر نصيبه من المسألتين فإن انقسم على مسألته فذاك وإن لم ينقسم ووافق فاضرب وفق المسألة الثالثة: في الأوليين وإن لم توافق فاضرب جميع المسألة في المسألتين.
مثاله زوج وأم وثلاث أخوات متفرقات فالأولى: من خمسة عشر من الأبوين وخلفت زوجا ومن خلفت فمسألتها من ثمانية وسهامها ستة تتفقان بالنصف فتضرب نصف مسألتها في الأولى: تكن ستين ثم ماتت الأولى: وخلفت زوجا وأختا وبنتها من الأم فمسألتها من أربعة ولها من المسألتين أحد عشر سهما لا توافق فتضرب مسألتها في الأوليين تكن مائة وأربعين ومنها تصح الثلاث.
"وكذلك تصنع في الرابع" أي: كما فعل في الثالث كرجل خلف زوجة وأبوين وابنتين ثم مات الأب وترك اخا لأبوين ومن خلف ثم ماتت الأم وخلفت أما وعما ومن خلفت ثم ماتت إحدى البنتين وخلفت زوجا ومن خلفت تصح الأولى: من سبعة وعشرين و الثانية: من أربعة وعشرين توافق تركة الأب بالأرباع ثم ماتت الأم عن سبعة وعشرين وخلفت أما وبنتي ابن وعما فمسألتها من ستة وتركتها توافقها بالأثلاث ثم ماتت إحدى البنتين عن مائة وثلاثين وتركت زوجا وأما وأختا فمسألتها من ثمانية وتركتها(6/172)
ومن بعده.
__________
توافقها بالأنصاف فتصح المسائل الأربع من ألف ومائتين وستة وتسعين للزوجة من الأولى: و الرابعة: مائتان وأربعة وسبعون وللبنت الباقية من المسائل الأربع سبعمائة وخمسة عشر ولأخي الميت الثاني أربعون ولأم الثالثة: ستة وثلاثون ولعمها كذلك ولزوج الرابعة: مائة وخمسة وتسعون فالقيراط فيها بأربعة وخمسين.
"و" تصنع في "من بعده" من خامس أو سادس كامرأة ماتت عن زوج وأربع أخوات من أبوين وأختين من أم وأم ثم ماتت الأم عن زوج وأخ ومن خلفت ثم ماتت إحدى أخوات الأبوين عن ثلاث بنين وبنتين ثم ماتت أخرى عمن في المسألة وهم أختان لأبوين وأختان من أم ثم ماتت أخرى عن زوج وبنتين وابن.
المسألة الأولى من ستة وتعول إلى عشرة ماتت الأم عن زوج وست بنات وأخ مسألتها من اثني عشر وتصح من ستة وثلاثين وما في يدها سهم لا تصح ولا توافق فاضرب ستة وثلاثين في عشرة تبلغ ثلاثمائة وستين ومنها تصح المسألتان للزوج من الأولى ثلاثة مضروبة في ستة وثلاثين تبلغ مائة وثمانية وللأخوات من الأبوين من الأولى أربعة مضروبة في ستة وثلاثين تبلغ مائة وأربعة وأربعين وللأختين من الأم سهمان مضروبة فيها تبلغ اثنين وسبعين ولزوج الأم من الثانية تسعة مضروبة في نصيب الأم وهو سهم بتسعة وللبنات أربعة وعشرون مضروبة فيه تكن كذلك وللأخ ثلاثة مضروبة في سهم تكن ثلاثة ثم من الأبوين وحصتها من فاذا أربعون ومسألتها من ثمانية فنصيبها صحيح على مسألتها لكل ابن عشرة ولكل بنت خمسة عند الأخرى عن أربعين سهما ومسألتها من ثلاثة وتصح من ستة وحينئذ لا تصح وتوافق بالأنصاف فاضرب نصف مسألتها وهو ثلاثة في ثلاثمائة وستين تبلغ ألفا وثمانين لزوج الميتة الأولى مائة وثمانية مضروبة في ثلاثة تكن ثلاثمائة وأربعة وعشرين للأختين من الأبوين من الأوليين ثمانون مضروبة في ثلاثة تكن مائتين وأربعين لكل أخت مائة وعشرون وللأختين من الأم من الأوليين كذلك ولزوج الأم تسعة مضروبة في(6/173)
ثلاثة تبلغ سبعة وعشرين وللبنين والبنات من الثالثة: أربعون سهما مضروبة في ثلاثة ثمانية وعشرين لكل ابن ثلاثون ولكل بنت خمسة عشر وللأختين من الأبوين من الرابعة: أربعة مضروبة في وفق ما في يد الميتة وهو عشرون تكن ثمانين لكل أخت أربعون وللأختين من الأم سهمان مضروبان في عشرين تكن أربعين لكل أخت عشرون عند الأخرى من الأبوين عن مائة وستين سهما ومسألتها تصح من ستة عشر فتركتها صحيحة على مسألتها لزوجها أربعون ولكل ابن ستون ولكل بنت ثلاثون قيراطها بخمسة وأربعين والله أعلم.(6/174)
باب قسم التركات
__________
باب قسم التركات
اعلم أن القسمة والنسبة مما يستعان بهما في تصحيح المسائل والمناسخات فالقسمة هي معرفة نصيب الواحد من المقسوم عليه وإن شئت قلت هو سؤال عن عدد ما في المقسوم من أمثال المقسوم عليه ولهذا إذا ضربت الخارج بالقسمة من المقسوم عليه ساوى المقسوم فمعنى قوله اقسم ستة وثلاثين على تسعة أي: كم نصيب الواحد من التسعة أو كم في الستة والثلاثين مثل التسعة وإذا ضربت الخارج بالقسمة وهو أربعة في التسعة كان مثل المقسوم.
والنسبة معرفة قدر المنسوب من المنسوب إليه.
والعدد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أول وثاني ومشترك فالأول مالا يصح له كسر كأحد عشر وثلاثة عشر فالنسبة إلى هذا النوع بالأجزاء والثاني هو كل عدد له كسر دون العشرة مثل ثمانية وأربعين التي سدسها ثمانيه وثمنها ستة ومثل مائة التي نصف عشرها خمسة ونحو ذلك فهذا ينسب إليه بألفاظ الكسور التسعة وما تركب منها والمشترك هو الذي يكون له كسر فوق العشرة وهو ما تركب من الأجزاء الصم كاثنين وخمسين التي ربعها ثلاثة عشر ومائة واثنين وثلاثين التي نصف سدسها أحد عشر والنسبة إلى هذا(6/174)
إذا خلف تركة معلومة فأمكنك نسبة نصيب كل وارث من المسألة فاعطه مثل تلك النسبة من التركة وإن شئت قسمت التركة على المسألة وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فما اجتمع فهو نصيبه،
__________
العدد بالأجزاء والكسور معا.
فإن أردت أن تنسب إلى عدد استخرجت منه كل كسر يصح منه بأن تنظر ما تركب منه العدد من الأعداد دون العشرة إذا أردت من كم يتركب العدد بأن تقسمه على عشرة وعلى تسعة ثم الى الاثنين فعلى أي: شيء انقسم فاعلم أنه يتركب منه كمائة وعشرين هي تضعيف ثلاثة بأربعة بعشرة فالواحد منها ثلث ربع عشر والأربعة ثلث عشر تستخرج النسبة من ألفاظ الأعداد المتركبة منها فإذا أضعفت عددين منها أحدهما بالآخر كانت نسبته بلفظ الثالث ألا ترى أنك إذا أضعفت الثلاثة بالأربعة كانت اثني عشر وذلك العشر وهو مخرج لفظ العدد الثالث وإن أضعفت الأربعة بالعشرة كان الثلث وإن أضعفت الثلاثة بالعشرة كان الربع.
"إذا خلف تركة معلومة فأمكنك نسبة نصيب كل وارث من المسألة فأعطه مثل تلك النسبة من التركة" كامرأة ماتت عن زوج وأبوين وابنتين المسألة من خمسة عشر والتركة أربعون دينارا فللزوج ثلاثة وهي خمس المسألة فله خمس التركة ثمانية دنانير ولكل واحد من الأبوين ثلثا خمس المسألة فله ثلثا الثمانية وكذلك خمسة دنانير وثلث دينار ولكل واحدة من البنتين مثل ما للأبوين كليهما وذلك عشرة وثلثان.
"وإن شئت قسمت التركة على المسألة وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فما اجتمع فهو نصيبه" ففي مسألتنا إذا قسمتها على المسألة كان الخارج دينارين وثلثين فإذاضربتها في نصيب الزوج وهو ثلاثة كانت ثمانية دنانير وإذا ضربتها في نصيب كل واحد من الأبوين كانت خمسة وثلثا وإذا ضربتها في نصيب كل واحدة من البنتين كانت عشرة دنانير وثلثين.
"وإن شئت ضربت سهامه في التركة وقسمتها على المسألة فما خرج فهو(6/175)
وإن شئت ضربت سهامه في التركة وقسمتها على المسألة فما خرج فهو نصيبه وإن شئت في مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى: ثم أخذت نصيب الثاني فقسمته على مسألته وكذلك الثالث،
__________
نصيبه" فإذا ضربت نصيب الزوج وهو ثلاثة في التركة كانت مائة وعشرين فإذا قسمتها على المسألة وهي خمسة عشر خرج بالقسم ثمانية وإذا ضربت نصيب أحد الأبوين فيها كان ثمانين فإذا قسمتها على المسألة خرج خمسة وثلث وإذا ضربت نصيب كل واحدة من االبنتين فيها كانت مائة وستين فإذا قسمتها على المسألة خرج بالقسمة عشرة وثلثان لكن إن كانت المسألة من الأعداد الصم لم يمكن العمل بالطريق الأولى: لأنه لا نسبة فيها كزوج وأم وابنتين والتركة خمسون دينارا المسألة من ثلاثة عشر إذا قسمت عليها التركة خرج بالقسم لكل منهم ثلاثة دنانير وأحد عشر جزءا من ثلاثة عشر جزءا من دينار تضرب ذلك في سهام الزوج وهي ثلاثة يجتمع له أحد عشر دينارا وسبعة أجزاء وتضرب نصيب الأم يكن سبعة دنانير وتسعة أجزاء ولكل بنت ضعف ذلك وإن ضربت سهام كل وارث في الخمسين وقسمتها على المسألة خرج ما ذكرنا.
"وإن شئت في مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى: ثم أخذت نصيب الثاني فقسمته على مسألته وكذلك الثالث " كرجل توفي وخلف أربع بنين وأربعين دينارا فإذا قسمتها عليهم خرج لكل واحد عشرة ثم مات أحدهم عن زوجة وإخوته فمسألته من أربعة فإذا قسمت عليها العشرة كان للزوجة ديناران ونصف ولكل أخ كذلك ثم مات أحدهم عن زوجة وإخوته فهي من أربعة وتصح من ثمانية فإذا قسمت مجموع ماله منهما وهو اثنا عشر ونصف كان للزوجة ثلاثة دنانير وثمن ولكل أخ أربعة ونصف وثمن مجموع ما حصل للأخوين الباقيين من الأولى: و الثانية: و الثالثة: سبعة عشر دينارا وثمن دينار ونصف ثمن.
"وإن كان بين المسألة والتركة موافقة فوافق بينهما واقسم وفق(6/176)
وإن كان بين المسألة والتركة موافقة فوافق بينهما واقسم وفق التركة على وفق المسألة وإن أردت القسمة على قراريط الدينار فاجعل عدد القراريط كالتركة المعلومة واعمل على ما ذكرنا،
__________
التركة على وفق المسألة" مثاله زوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات المسألة من خمسة عشر والتركة عشرون دينار ماتت الأم وخلفت أبوين ومن خلفت فهي من ستة للأم من الأولى: سهمان لا تنقسم على الستة وتوافقها بالنصف فتضرب نصف الستة في الأولى: تكن خمسة وأربعين وإن شئت نسبت كل وارث وأعطيته من التركة مثلي تلك النسبة فللمرأة تسعة وهي خمس المسألة فلها خمس التركة أربعة دنانير للأخت من الأم ثمانية وهي ثمانية أتساع الخمس فلها من التركة ثمانية أتساع خمسها وهي ثلاثة دنانير وخمسة أتساع دينار وللأخت من الأبوين عشرون وهي أربعة أتساع المسألة فلها أربعة أتساع التركة وهي ثمانية دنانير وثمانية أتساع دينار وللأخت من الأب ستة وهي تسع المسألة وخمس تسعها فلها من التركة ديناران وثلثان وإن شئت قسمت العشرين على خمسة وأربعين وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فيخرج ما ذكرنا وان شئت ضربت سهام كل وارث في التركة وقسمت ما بلغ على المسالة فما خرج فهو نصيب وإن شئت وافقت بين التركة والمسألة وهي هنا توافق بالأخماس فترد المسألة إلى تسعة والتركة إلى أربعة وتضرب سهام كل وارث في أربعة وتقسمه على تسعة يخرج ما ذكرنا.
"وإن أردت القمسة على قراريط الدينار" وهي أربعة وعشرون قيراطا في عرف بلدنا "فاجعل عدد القراريط كالتركة المعلومة واعمل على ما ذكرنا" من قبل فإذا أردت قسمة السهام الكثيرة على ذلك فاجعل التركة كلها قراريط فإذا كانت التركة دينارين وقيراطين فابسط الكل قراريط تكن خمسين ثم اعمل على نحو ما إذا كانت التركة كلها دنانير فإن كانت السهام كثيرة وأردت أن تعلم سهم القيراط فانظر ما يتركب منه العدد فإنه لا بد أن يتركب من(6/177)
.....................................................................................................................................
__________
ضرب عدد في عدد فانسب أحدهما إلى أربعة وعشرين إن كان أقل منها وخذ من العدد الآخر مثل تلك النسبة فما كان فهو لكل قيراط وإن كان أكثر من أربعة وعشرين قسمته عليها فما خرج بالقسم فاضربه في العدد الآخر فما بلغ فهو نصيب القيراط كستمائة فإنها متركبة من ضرب عشرين في ثلاثين فانسب العشرين إلى أربعة وعشرين تكن نصفها وثلثها فخذ نصف الثلاثين وثلثها خمسة وعشرين فهي سهم القيراط وإن شئت قسمت الثلاثين على أربعة وعشرين فيخرج بالقسم سهم وربع فاضربها في العشرين تكن خمسة وعشرين وهي سهم القيراط فإن كان في سهم القيراط كسر بسطتها من جنس الكسر ونسبتها منها.
مثاله: زوج وأبوان وابنتان ماتت الأم وخلفت أما وزوجا وأختا من أبوين وأختين من أب وأختين من أم فالأولى: من خمسة عشر و الثانية: من عشرين فتضرب وفق أحدهما في الأخرى تكن مائة وخمسين وسهم القيراط ستة وربع أبسطها أرباعا تكن خمسة وعشرين فهذه سهام القيراط فللبنت من الأولى: أربعة في عشرة تكن أربعين فلها بخمسة وعشرين أربع قراريط تبقى خمسة عشر اضربها في مخرج الكسر تكن ستة اقسمها على خمسة وعشرين تكن اثنين وخمسين فصار لها ستة وخمسان وللأب من الأولى: و الثانية: ستة وعشرون فله بخمسة وعشرين أربعة وابسط السهم الباقي أرباعا تكن أربعة أخماس خمس ولزوج الأولى: ثلاثون فله بخمسة وعشرين أربعة قراريط وابسط الخمسة الباقية تكن عشرين وهي أربعة أخماس قيراط ولأم الثانية: سهمان ابسطها أرباعا تكن خمسة قراريط وثلاثة أخماس خمس قيراط وكذلك لكل أخت من أم وللأختين للأب مثل ذلك وللأخت من الأبوين ستة ابسطها أرباعا تكن أربعة أخماس قيراط وأربعة أخماس خمس.
تنبيه: اعلم أن أهل بغداد وما ضاهاها من الأمصار جعلوا الدرهم ثمانية وأربعين حبة والدانق ثمان حبات لأن الدرهم ستة دوانيق في سائر الأمصار وصيروا(6/178)
فإن كانت التركة سهاما من عقار كثلث وربع ونحو ذلك وإن شئت أن تجمعها من قراريط الدينار وتقسمها على ما قلنا: وإن شئت وافقت بينها وبين المسألة وضربت المسألة أو وفقها في مخرج سهام العقار،
__________
الدرهم اثني عشر قيراطا والقيراط أربع حبات وجعلوا الدرهم أربعة وعشرين طسوجا والطسوج حينئذ حبتان والدينار ستين حبة.
وليس بين الناس اختلاف أن عشرة دراهم وزنها سبعة مثاقيل والمثقال درهم وثلاثة اسباع درهم لأنك إذا قسمت العشرة علىالسبعة خرج واحد وثلاثة أسباع فيكون الدرهم نصف مثقال وخمسة لأن السبعة من العشرة نصفها وخمسها وأما الدينار فهو ثمان دوانيق وأربعة أسباع دانق من دوانيق الدراهم لأن الدرهم ستة دوانيق فإذا زدت على ستة ثلاثة أسباعها صار ثمانية وأربعة أسباع والدينار سبعة عشر قيراطا وسبع قيراط من قراريط الدرهم وهو أربعة وثلاثون طسوجا وسبع طسوج وهو ثمانية وستون حبة وأربعة أسباع حبة من حبات الدرهم وهو أربعة عشر قيراطا لأن الدرهم نصف المثقال وخمسه والمثقال عشرون قيراطا فنصفها وخمسها أربعة عشر ونصف الدرهم سبعة قراريط وثلث الدرهم أربعة قراريط وثلث قيراط من قراريط الدينار وهو أربعة قراريط وحبتين لأن القيراط ثلاث حبات.
"فان كانت التركة سهاما من عقار كثلث وربع ونحو ذلك" فلك في عملها طريقان وهو المنبه عليه بقوله: "فإن شئت أن تجمعها من قراريط الدينار" وهو أربعة وعشرون قيراطا في عرفنا "وتقسمها على ما قلنا " فعلى هذا إذا جمعتها على ما قلنا من قراريط الدينار كانت أربعة عشر قيراطا وجعلتها كأنها دنانير ثم قسمت ذلك على المسألة فزوج وأم وأخت من أبوين المسألة من ثمانية للزوج ثلاثة هي ربعها وثمنها فله ربع أربعة عشر قيراطا وثمنها وهو خمسة قراريط وربع وللأم سهمان هي ربع التركة فلها ربع القراريط المذكورة وهو ثلاثة ونصف وللأخت مثل الزوج فانقسمت بغير ضرب.
"وإن شئت وافقت بينها وبين المسألة" أي: إن لم ينقسم "وضربت المسألة أو(6/179)
ثم كل من له شيء في المسألة مضروب في السهام الموروثة من العقار أو في وفقها فما كان فانسبه من المبلغ فما خرج فهو نصيبه.
__________
وفقها في مخرج سهام العقار ثم كل من له شيء من المسألة مضروب في السهام الموروثة من العقار أو في وفقها فما كان فانسبه من المبلغ فما خرج فهو نصيبه" مثاله زوج وأبوان وابنتان والتركة ربع دار وخمسها المسألة من خمسة عشر توافق السهام الموروثة في العقار بالثلث فإنها تسعة فترد المسألة إلى خمسة ثم تضربها في مخرج سهام العقار وهي عشرون تكن مائة فللزوج من المسألة الخمس ثلاثة في وفق سهام العقار ثلاثة تسعة من مائة وهي نصف عشر الدار وخمس خمسها ولكل واحد من الأبوين سهمان في ثلاثة بستة وهي ثلاثة أخماس عشر الدار ولكل بنت ضعف ذلك وهو عشر وخمس عشر وإن شئت نسبت سهام كل وارث من المسألة فما بلغ أعطيته منها بقدر نسبة السهام إلى سهام العقار فللزوج من المسألة الخمس فله خمس التركة وكذلك نفعل في البواقي وإن لم توافق السهام الموروثة المسألة ضربت في مخرج سهام العقار فما بلغ فمنه تصح وكل من له شيء من المسألة مضروب في السهام فما بلغ فانسبه من العدد المجتمع فما خرج بالنسبة فله مثل تلك النسبة من الدينار.
حساب المجهولات
زوج وأم وأختان لأب وأم أخذ الزوج بميراثه خمسة وأربعين دينارا كم التركة فالطريق في ذلك أن تقسم ما أخذه على سهامه فيخرج خمسة عشر فاضربها في سهام المسألة وهي ثمانية تكن مائة وعشرين وهي التركة وإن شئت ضربت ما أخذه في سهام المسألة تكن ثلاثمائة وستين وقسمت ذلك على سهام الزوج يخرج ما ذكرناه وإن شئت ضربت ما أخذه في سهام باقي الورثة وقسمت ذلك على سهامه فما خرج فهو باقي التركة وإن شئت قلت سهام من بقي مثل سهامه مرة وثلاثين فيجب أن يكون الباقي خمسة وسبعين فإن أخذ وارث بدينه وإرثه جزءا من التركة كنصف وثلث صححت المسألة،(6/180)
وأسقطت منها سهمه وضربت ما بقي في مخرج الجزء الذي أخذه فما ارتفع منها منزلة ثم أسقط من المخرج ما أخذه واضرب ما بقي مما صحت منه المسألة فما بلغ فإرث وباقي التركة دين.
فائدة: قال الإمام أحمد في قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} الآية وذلك إذا قسم القوم الميراث فقال خطاب بن عبدالله قسم لي أبو موسى بهذه الآية وفعل ذلك غيره والآية محكمة وقال ابن المسيب أنها منسوخة كانت قبل الفرائض.(6/181)
باب ذوي الأرحام
وهم كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة وهم أحد عشر صنفا ولد البنات وولد الأخوات وبنات الإخوة وبنات الأعمام وبنو الإخوة من الأم والعم من الأم والعمات والأخوال والخالات وأبو الأم وكل جدة أدلت،
__________
باب ذوي الأرحام
هذا الباب معقود لبيان ذوي الأرحام وبيان ميراثهم والأرحام جمع رحم بوزن كتف وفيه اللغات الأربع في الفخذ وهو بيت منبت الولد ووعاؤه في البطن وقال الجوهري الرحم رحم الأنثى وهي مؤنثة والرحم القرابة.
وقال صاحب المطالع هي معنى من المعاني وهو النسب والاتصال الذي يجمع والده فسمي المعنى باسم ذلك المحل تقريبا للأفهام ثم يطلق الرحم على كل قرابة.
والمراد هنا قرابة مخصوصة بدليل قوله: "وهم كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة" وهم أحد الأقسام المذكورين في آخر كتاب الفرئض ثم شرع في بيان تعدادهم فقال: "وهم أحد عشر صنفا: ولد البنات وولد الأخوات وبنات الإخوة وبنات الأعمام وبنو الإخوة من الأم والعم من الأم والعمات والأخوال والخالات وأبو الأم وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب(6/181)
بأب بين أمين أو بأب أعلا من الجد ومن أدلى بهم،
__________
أعلى من الجد ومن أدلى بهم" فهؤلاء يسمون ذوي الأرحام وهم وارثون حيث لم تكن عصبة ولا ذو فرض من أهل الرد روي ذلك عن عمر وعلي وأبي عبيدة ومعاذ وأبي الدرداء وقاله شريح وطاووس وعطاء وعلقمة ومسروق وعمر بن عبدالعزيز وحكاه الخبري عن أبي هريرة وعائشة وسائر الفقهاء وكان زيد لا يورثهم ويجعل الباقي لبيت المال وعن أبي بكر وابن عباس وغيرهما نحوه وقاله الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي لما روى عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير الله تعالى في العمة والخالة فأنزل الله أن لا ميراث لهما رواه سعيد في سننه والدارقطني.
ولأن العمة وبنت الأخ لا يرثان مع إخوتهما فلا يرثان منفردتين كالأجنبيات ولأن انضمام الأخ إليهما يقويهما بدليل أن بنات الابن والأخوات من الأب يعصبهن أخوهن فإذا لم ترث هاتان مع أخيهما فمع عدمه أولى ولأن المواريث إنما ثبتت بالنص وهو منتف هنا وجوابه قوله تعالى" {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي: أحق بالتوارث في حكم الله تعالى.
قال العلماء: كان التوارث في ابتداء الإسلام بالحلف فكان الرجل يقول للرجل دمي دمك ومالي مالك تنصرني وأنصرك وترثني وأرثك فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك فيتوارثان به دون القرابة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} ثم نسخ ذلك وصار التوارث بالإسلام والهجرة فإذا كا ن له ولد ولم يهاجر ورثه المهاجرون دونه لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} ثم نسخ بقوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ} الأية.
وعن المقداد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه" رواه الشافعي وأحمد وغيرهما ورجاله ثقات(6/182)
ويرثون بالتنزيل وهو أن تجعل كل شخص بمنزلة من أدلى به،
__________
وروى احمد وابن ماجه والترمذي وحسنه نحو هذا من حديث أبي أمامة قال الترمذي وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم وروى الترمذي والدارقطني من حديث عائشة نحوه ورجاله ثقات وتكلم فيه بعضهم لا يقال المراد أن من ليس له إلا خال فلا وارث له كما يقال الجوع زاد من لا زاد له والماء طيب من لا طيب له والصبر حيلة من لاحيلة له أو أنه أراد بالخال السلطان لأنه قال يرث ماله ويرثه وأن الصحابة فهموا ذلك وأنه سماه وارثا والأصل الحقيقة وما ذكر من أنه يستعمل للنفي معارض بأنه يستعمل للإثبات كقولهم يا عماد من لا عماد له ويا سند من لا سند له ولأنه ذو قرابة فيرث كذوي الفرض ولأنه ساوى الناس في الإسلام وزاد عليهم بالقرابة فكان أولى بماله منهم ولهذا كان أحق في الحياة بصدقته وصلته وبعد الموت بوصيته مع أن حديثهم مرسل.
ثم يحتمل أنه لا ميراث له مع ذوي الفرض والعصبات وقوله لا يرثان مع إخوتهما لأنهما أقوى وقولهم إنه إنما يثبت بالنص ولا نص هنا مردود بالنصوص الواردة فيه والإرث بالرد مقدم عليهم قال الخبري لم يختلفوا فيه إلا ما روي عن سعيد بن المسيب وعمر ابن عبدالعزيز أنهما ورثا الخال مع البنت فيحتمل انه عصبة أو مولى لئلا يخالف الإجماع. "ويرثون بالتنزيل" في قول الأكثر وعنه: انهم يرثون على ترتيب العصبات وهو قول أبي حنيفة وأصحابه فجعلوا أولادهم أولاد البنات ثم أولاد الأخوات عند الأخوال والخالات والعمات وأولاهم من كان لأبوين ثم لأب ثم لأم واختلفوا في تفصيله نبه على ذلك الخبري ثم قال ويسمى مذهبهم قول أهل القرابة وأما باقي المورثين لهم فيسمون بالمنزلين وهم فيه على مذاهب وإنما القول على قول الجم الغفير من المنزلين وبه يفتي أكثر أصحابنا اليوم لعدم بيت المال.
"وهو أن يجعل كل شخص بمنزلة من أدلى به" لأنهم نزلوا كل فريق منهم منزلة الوارث الذي يدلي به وقسموا نصيب الوارث بين المدلين به على قدر ميراثهم(6/183)
فتجعل ولد البنات والأخوات كأمهاتهم وبنات الإخوة والأعمام وولد الإخوة من الأم كآبائهم والأخوال والخالات وأبا الأم كالأم والعمات والعم من الأم كالأب وعنه: كالعم،
__________
منه فإن بعدوا نزلوا درجة درجة حتى يصلوا إلى من يمتون به فيأخذون ميراثه.
"فيجعل ولد البنات والأخوات كأمهاتهم وبنات الإخوة والأعمام وولد الإخوة من الأم كآبائهم والأخوال والخالات وأبا الأم كالأم والعمات والعم من الأم كالأب" روي عن عمر وعلي وابن مسعود وهذا هو الصحيح في تنزيل العمة أبا والخالة أما لما روى الزهري وفي ابن المنجا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم" رواه أحمد.
ولأن الأب أقوى جهات العمة والأم أقوى جهات الخالة فتعين تنزيلهما بهما دون غيرهما كبنت الأخ وبنت العم فإنهما ينزلان منزلة أبويهما دون أخويهما ولأنه إذا اجتمع لهما قرابات ولم يمكن توريثهما بجميعها ورثناهما بالأقوى كالمجوس عند من لا يورثهم بجميع قراباتهم وكالأخ من الأبوين فإنا نورثه بالتعصيب وهي جهة أبيه دون قرابة أمه
"وعنه" أن العمة والعم من الأم "كالعم" روي عن علي وقاله علقمة ومسروق فعلى هذه يجعلهن كلهن بمنزلة العم من الأبوين لأنه أقواهم.
وعنه: العمة لأبوين أو لأب كجد فعلى هذه العمة لأم والعم لأم كالجدة أمهما وهل عمة الأب لأبوين أو لأب كالجد أو كعم الأب من الأبوين أو كأبي الجد مبني على الروايات لأنها تدلي بالجد أو بأخيه أو بأمه وهل عم الأب من الأم وعمة الأب لأم كالجد أو كعم الأب من أبوين أو كأم الجد مبني على الخلاف وليسا كأبي الجد لأنه أجنبي منهما
مسائل(6/184)
ثم تجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به فإن أدلى جماعة منهم بواحد واستوت منازلهم منه فنصيبه بينهم بالسوية ذكرهم وأنثاهم سواء وعنه: للذكر مثل حظ الآنثيين إلا ولد الأم وقال الخرقي يسوى بينهم إلاالخال والخالة.
__________
بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما على أربعة فإن كان معهما بنت أخ فالباقي لها وتصح من ستة فإن كان معهما خالة فلبنت البنت النصف ولبنت بنت الأبن السدس تكملة الثلثين وللخالة السدس والباقي لبنت الأخ فإن كان مكان الخالة عمة حجبت بنت الأخ وأخذت الباقي لأن العمة كالأب فيسقط من هو بمنزلة الأخ ومن نزلها عماً جعل الباقي لبنت الأخ وأسقط بها العمة ومن نزلها جدا قاسم بها ابنة الآخ الثلث الباقي بينهما نصفين ومن نزلها جدة جعل لها السدس ولبنت الأخ الباقي وفي قول أهل القرابة لا ترث بنت الأخ مع بنت البنت ولا مع بنت بنت البنت شيئا.
"ثم يجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به" كما ذكرنا "فإن أدلى جماعة بواحد واستوت منازلهم منه" بان كانوا في درجة واحده "فنصيبه بينهم بالسوية" كإرثهم منه "ذكرهم وأنثاهم سواء" نقله الأثرم وحنبل وإبراهيم بن الحارث في الخال والخالة يعطون بالسوية وهذا قول أبي عبيد وإسحاق قال في السمتوعب وعليه جمهور أصحابنا وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأنهم يرثون بالرحم المجردة فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم. "وعنه: للذكر مثل حظ الأنثيين" نقله المروذي وعليه أهل العراق وعامة المنزلين كالأولاد ولأن ميراثهم معتبر بغيرهم ولا يجوز حملهم على ذوي الفروض لاستيعابهم المال به ولا على العصبة البعيد لانفراد الذكر به فوجب اعتبارهم بالقرب من العصبات "إلا ولد الأم" وهذا متفق عليه بين الجميع لأن أباهم يسوي ذكرهم وأنثاهم وغايته أن يثبت للفرع ما للأصل إلا في قول من أمات السبب فإن عنده للذكر مثل حظ الأنثيين.
"وقال الخرقي يسوي بينهم إلا الخال والخالة" هذا رواية واختارها(6/185)
وإذا كان ابن وبنت أخت وبنت أخت أخرى فلبنت الأخت وحدها النصف وللأخرى وأخيها النصف بينهما،
__________
الشيرازي وابن عقيل في التذكرة وقال استحسانا يعني أن مقتضى الدليل التسوية خرج منه الخال والخالة على سبيل الاستحسان وذكر بعضهم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الخال والد إذا لم يكن دونه أم والخالة أم إذا لم يكن دونها أم" فإن صح فيعكر عليه تنزيل الخال بمنزلة الأم لكن قال في المغني لا أعلم له موافقا على هذا القول ولا علمت وجهه.
قال القاضي: لم أجد هذا بعينه عن أحمد والخلاف إنما هو في ذكر وأنثى أبوهما وأمهما واحد فأما إذا اختلفت آباؤهم وأمهاتهم كالأخوال والخالات المفترقين والعمات المفترقات أو إذا أدلى كل واحد منهم بغير من أدلى به الآخر كابن بنت وبنت بنت أخرى فله موضع يذكر فيه مثاله ابن أخت معه أخته أو ابن بنت معه أخته المال بينهما نصفان علىالمذهب وأثلاثا على الثانية: بنت بنت وبنت بنت ابن هي من أربعة عند المنزلين جميعهم وعند أهل القرابة المال لبنت البنت لأنها أقرب فإن كان معهما بنتا بنت ابن أخرى فكأنهم بنتا ابن وبنت فمسألتهم من ثمانية وتصح من ستة عشر.
"وإذا كان ابن وبنت اخت وبنت أخت أخرى فلبنت الأخت وحدها النصف لأنه حق أمها وللأخرى وأخيها النصف بينهما" يحتمل أن يكون بينهما نصفان وهو قول الجمهور فعلى هذا تصح من أربعة ويحتمل يكون بينهما أثلاثا وهو الرواية الأخرى فتصح من ستة والأول أظهر.
قال في الشرح لا اختلاف بين المنزلين في أن لولد كل أخت ميراثها وهو النصف فمن سوى جعل النصف بينهما نصفين والنصف الآخر للآخرى ومن فصل جعله بينهما أثلاثا. وقال أبو يوسف للابن النصف ولكل بنت الربع وتصح من أربعة وقال محمد لولد الأخت الأولى: الثلثان بينهما على ثلاثة وللأخرى الثلث وتصح من تسعة.(6/186)
وإن اختلفت منازلهم من المدلى به جعلته كالميت وقسمت نصيبه بينهم على ذلك كثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات فالثلث بين الخالات على خمسة أسهم والثلثان بين العمات كذلك فاجتزىء بإحداهما واضربها في ثلاثة تكن خمسة عشر للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة أسهم وللتي من قبل الأب سهم وللتي من قبل الأم سهم وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم وللتي من قبل الأب سهمان وللتي من قبل الأم سهمان.
__________
"وإن اختلفت منازلهم من المدلى به جعلته كالميت" لأن جهة اختلاف المنازل تظهر بذلك "وقسمت نصيبه بينهم على ذلك" لأنه يجعل كالميت والميت يقسم نصيبه على ورثته بحسب منازلهم منه ثم بين ذلك بقوله: "كثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات فالثلث بين الخالات على خمسة أسهم " لأنهن يدلين بالأم " والثلثان بين العمات كذلك" لأنهن يدلين بالأب علىالمذهب ومنازلهم منه مختلفة فكأن الميت ظنه أبا وأماً فما صار للأم بين إخوتها على خمسة وكذلك في العمات فصار الكسر في الموضعين على خمسة "فاجتزىء بأحدهما" أي: أحدهما يجزىء عن الآخر "واضربها في ثلاثة" لأن فيها ثلثا وكل من القبيلين مسألته من ستة فترجع بالرد إلى خمسة وسهم كل قبيل لا ينقسم على المسألة ولا يوافق فاكتف بأحدهما لتماثله واضربه "تكن خمسة عشر" فللخالات سهم في خمسة مقسومة بينهن "للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة أسهم وللتي من قبل الأب سهم وللتي من قبل الأم سهم" لأن الثلث قد صار للأم فيقسم بين إخوتهم على ما ذكر لأنهن أخوات لها متفرقات فيقسم نصيبها بينهن بالفرض والرد "وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم وللتي من قبل الأب سهمان وللتي من قبل الأم سهمان" وهذا قول عامة المنزلين وعند أهل القرابة للعمة من الأبوين الثلثان وللخالة من الأبوين الثلث وسقط سائرهم
وقال نعيم وإسحاق: الخالات كلهن سواء فيكون نصيبهن بينهن على ثلاثة وكذلك نصيب العمات بينهن على ثلاثة يتساوون فيه فتكون المسألة(6/187)
وإن خلف ثلاثة أخوال مفترقين فللخال من الأم السدس والباقي للخال من الأبوين وإن كان معهم أبو أم أسقطهم كما يسقط الأب الإخوة وإن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها،
__________
من تسعة فعلى ما ذكره المؤلف إن كان مع الخالات خال من أم ومع العمات عم من أم فسهم كل واحد من الفريقين بينهم على ستة وتصح من ثمانية عشر عندالمنزلين.
"وإن خلف ثلاثة أخوال مفترقين فللخال من الأم السدس والباقي للخال من الأبوين" كما لو خلف ثلاثة إخوة مفترقين فإنه يسقط الأخ من الأب بالأخ من الأبوين كسقوط الخال من الأب به.
فعلى هذا تصح المسألة من ستة.
"فإن كان معهم" أي: مع الأخوال "أبو أم أسقطهم كما يسقط الأب الإخوة" لأن حكم من يدلي مثل حكم المدلى به والأب المدلى به يسقط الإخوة فكذا أبو الأم المدلى به يسقطهم.
قال في الفنون: خالة الأب كأختها الجدة أم الأب وتقدم هل العمة كأب أم لا ولما أسقطت الأم امهات الأب كأمهاتها علم أن كلهن يدلين بالأمومة مع جهة الأبوة والعجب من هاتين المسألتين أن قرابتي الأب من جانبي أبيه وأمه كجهتين وجهة الأمومة مع جهة الأبوة كجهة ذكره في الفروع.
مسألة: ثلاثة أخوال مفترقين معهم أخواتهم وعم وعمة من أم الثلث بين الأخوال والخالات على ستة للخال والخالة من الأم الثلث بينهما بالسوية وثلثاه للخال والخالة من الأبوين بينهما على ثلاثة عند من فصل وهو إحدى الروايتين وقول أكثر المنزلين و الثانية: بينهما سواء فيهما.
"وإن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها" نص عليه لأنهن أقمن مقام آبائهن فبنت العم من الأبوين بمنزلة أبيها وبنت العم(6/188)
وإن أدلى جماعة منهم بجماعة قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء فما صار لكل وارث فهو لمن أدلى به.
__________
من الأب بمنزلة أبيها وبنت العم من الأم بمنزلة أمها ولو مات شحص وخلف ثلاثة أعمام مفترقين كان الميراث للعم من الأبوين لسقوط العم من الأب به والآخر من ذوي الأرحام وهذا قول أهل القرابة وأكثر أهل التنزيل.
وقال الثوري المال بين بنت العم من الأبوين وبنت العم من الأم على أربعة وقال أبو عبيد لبنت العم من الأم السدس والباقي لبنت العم من الأبوين كبنات الإخوة ورده في المغني بأنهن بمنزلة آبائهن وفارق بنات الإخوة لأن آباءهن يكون المال بينهم على ستة ويرث الأخ من الأم مع الأخ من الأبوين بخلاف العمومة وقيل: على قياس قول محمد بن سالم المال لبنت العم من الأم لأنها بعد درجتين بمنزلة الأب فيسقط به العم قال الخبري وليس بشيء.
وقال ابو الخطاب: قولا من رأيه يفضي إلى هذا فإنه ذكر الأبوة جهة والعمومة جهة أخرى.
قال في المغني والشرح ولو علم إفضاء هذا القول إلى هذا لم يذهب اليه لما فيه من مخالفة الإجماع ومقتضى الدليل وإسقاط القوي بالضعيف والقريب بالبعيد.
قال في المغني ولا يختلف المذهب أن الحكم في هذه المسألة على ما ذكرنا وهذا إيماء إلى أن العمومة ليست جهة منفردة وإنما هي من جهة الأب وكذا الخلاف إن كان معهن بنت عمه ولو كان مع الجميع بنت أخ الأبوين أو لأب فالكل لها على المذهب.
"وإن أدلى جماعة منهم بجماعة قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء" لأنهم أصل من أدلى بهم "فما صار لكل وارث فهو لمن أدلى به" إذا لم يسبق بعضهم بعضا لأنهم وراثه فإذا خلف ثلاث بنات أخت لأبوين وثلاث بنات أخت لأب وثلاث بنات أخت لأم وثلاث بنات عم اقسم المال بين المدلى به(6/189)
وإن أسقط بعضهم بعضا عملت على ذلك وإن كان بعضهم أقرب من بعض فمن سبق إلى الوارث ورث وأسقط غيره إلا أن يكونا من جهتين فتنزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أولا كبنت بنت بنت وبنت أخ لأم المال لبنت بنت البنت.
__________
من الأبوين النصف من الأب السدس وللآخرين كذلك والباقي هو سهم للعم ثم أقسم نصيب كل وارث على ورثته فنصيب الأخت للأبوين على بناتها صحيح عليهن ونصيب الأخت للأب على بناتها لا يصح ولا يوافق وكذا للأم والأعداد متماثلة فاجتزىء ببعضها واضربه في أصل المسألة تكن ثمانية عشر لبنات الأخت للأبوين تسعة لكل واحدة ثلاثة ولبنات الأخت للأب ثلاثة لكل واحدة سهم ولبنات الأخت للأم كذلك ولبنات العم مثلهن.
"وإن أسقط بعضهم بعضا عملت على ذلك" كأبي الأم والأخوال فأسقط الأحوال لأن الأب يسقط الإخوة والأخوات وثلاث بنات إخوة مفترقين لبنت الأخ للأم السدس والباقي للتي من الأبوين كآبائهن.
"وإن كان بعضهم أقرب من بعض فمن سبق إلى الوارث ورث" ولو بعد عن الميت "وأسقط غيره" إذا كانا من جهة واحدة كبنت بنت وبنت بنت بنت المال للأولى لأن القريب يرث ويسقط البعيد وكخالة وأم أبي أم الميراث للخالة لأنها تلقى الأم بأول درجة "إلا أن يكونا من جهتين فينزل البعيد حتى يلحق بوارثه" فيأخذ نصيبه "سواء سقط به القريب أو لا" عند المنزلين في ذلك "كبنت بنت بنت وبنت أخ لأم المال لبنت بنت البنت" لأن جدتها وهي البنت تسقط الأخ من الأم ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ. وحكى هذا في الترغيب رواية فقال الإرث للجهة القربى مطلقا.
وفي الروضة ابن بنت وابن أخت لأم له السدس ولابن البنت النصف والمال بينهما على أربعة والقول الأول ظاهر كلام أحمد نقل عنه(6/190)
والجهات أربع الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة وذكر أبو الخطاب العمومة جهة خامسة وهو مفض إلى إسقاط بنت العم من الأبوين ببنت العم من الأم وبنت العمة،
__________
جماعة في خالة وبنت خالة وبنت ابن عم للخالة الثلث ولابنة ابن العم الثلثان ولا تعطى بنت الخالة شيئا ونقل عنه حنبل أنه قال قال سفيان قولا حسنا إذا كانت خالة وبنت ابن عم تعطى الخالة الثلث وبنت ابن العم الثلثين.
فرع: إذا انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله وإن كانوا جماعة فأدلوا بشخص واحد كخالة وأم أبي أم وابن خال فالمال للخالة لأنها تلقى الأم بأول درجة في قول عامة المنزلين إلا أنه حكي عن النخعي وشريك في قرابة الأم خاصة فإنهم أماتوا الأم وجعلوا نصيبها لورثتها ويسمى قولهم قول من أمات السبب واستعمله بعض الفرضيين في جميع ذوي الأرحام.
"والجهات" التي يرث بها ذوو الأرحام "أربع الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة" لأن المدلى به لا يخرج عن ذلك.
والمجزوم به في الوجيز وقدمه في المحرر والفروع واختاره المؤلف آخرا أنها ثلاث وأن الأخوة ليست منها فعلى هذا يرث أسبقهم إلى الوارث قال في الشرح وهو أولى إن شاء الله تعالى وما ذكره المؤلف هنا هو قول في المذهب فعلى هذا العم يدلي بالأبوة والخال يدلي بالأمومة وبنات الابن بالبنوة وبنات الأخت بالأخوة لكن يلزم عليه إسقاط بنت عمه مع بعدها كبنت أخ ويلزم على جهة البنوة إسقاطها لبنت بنت أخ.
"وذكر أبو الخطاب العمومة جهة خامسة" قال المؤلف لم أعلم أن أحدا من أصحابنا ولا من غيرهم عد الجهات وبينها إلا أبا الخطاب فإنه عدها خمس جهات.
"وهو مفض إلى إسقاط بنت العم من الأبوين ببنت العم من الأم وبنت العمة" لأن بنت العم من الأم وبنت العمة يدليان بالأب وبنت العم من(6/191)
وما نعلم به قائلا ومن أمت بقرابتين ورث بهما،
__________
الأبوين تدلي بأبيها وهو عم والأب يسقط العم.
"وما نعلم به قائلا" وهو خلاف نص أحمد مع أنه ذكر في المغني أن قوله قياس قول محمد بن سالم لأنها بعد درجتين بمنزلة الأب والأب يسقط العم.
فعلى المذهب البنوة كلها جهة واحدة وعنه: كل ولد للصلب جهة قال في المحرر وهي الصحيحة عندي وعنه: كل وارث جهة فإن كانت بنت بنت بنت وبنت بنت ابن فالمال بينهما على أربعة إن قلنا: كل ولد للصلب جهة وعلى المذهب المال للثانية لسبقها إلى الوارث ولو كان معهما بنت بنت بنت أخرى فالمال لولد بنت الصلب على الأولى: عمة وابن خال له الثلث ولها الباقي وإن كان معهما خالة أم سقط بها ابن الخال وكان لها السدس والباقي للعمة على المذهب.
وإن قلنا: كل وارث جهة فلا شيء للخالة وإذا كان خالة أم وخالة أب فالمال لهما بالسوية كجدتين فإن كان معهما أم أبي أم أسقطتهما عند من جعل كل وارث جهة. وعلى المذهب تسقط هي دونهما.
وإذا كان ابن ابن أخت لأم وبنت ابن بنت أخ لأب فله السدس ولها الباقي ويلزم من جعل الإخوة جهة أن يجعل المال للبنت وهو بعيد جدا حيث يجعل أختين أهل جهة واحدة.
بنت بنت بنت وبنت بنت بنت بنت وبنت أخ المال بين الأولى: و الثالثة: وسقطت الثانية إلا عند محمد بن سالم ونعيم فإنها تشاركهما ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ لأنها أسبق وعند أهل القرابة هو للأولى وحدها لأنها من ولد الميت وهي أقرب من الثانية.
"ومن أمت" أي: أدلى "بقرابتين" من ذوي الأرحام "ورث بهما" بإجماع من(6/192)
فإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه غيرمحجوب ولا معاول وقسمت الباقي بينهم كما لو انفردوا.
__________
المورثين إلا ما يحكى عن أبي يوسف أنهم لا يورثون إلا بقرابة واحدة ولا يصح في نفسه ولا عنه لأنه شخص له جهتان لا يرجح بهما كالأخ إذا كان ابن عم وحسابه أن يجعل ذا القرابتين كشخصين وعنه: يرث بأقواهما فنقول في ابن بنت بنت هو ابن بنت أخرى وبنت بنت بنت أخرى للابن الثلثان وللبنت الثلث فإن كانت أمهما واحدة فله ثلاثة أرباع المال عند من سوى ولأخته الربع ومن فضل جعل له النصف والثلث ولأخته السدس هذا قول أكثر المنزلين.
بنتا أخت من أم إحداهما بنت أخ من أب وبنت أخ من الأبوين هي من اثني عشر ستة لبنت الأخت من الأبوين وأربعة لذات القرابتين من جهة أبيها ولها سهم من جهة أمها وللأخرى سهم عمتان من أب إحداهما خالة من أم وخالة من أبوين هي من اثني عشر لذات القرابتين خمسة وللعمة الأخرى أربعة وللخالة من الأبوين ثلاثة فإن كان معهم عم من أم هو خال من أب صحت من تسعين.
"فإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه" للآيتين السابقتين "غيرمحجوب ولا معاول" قال في المغني لا أعلم خلافا بين من ورثهم أنهم يرثون مع أحد الزوجين ما فضل عن ميراثه من غيرحجب ولا معاولة لأن الله تعالى فرض للزوج والزوجة ونص عليهما ولا يحجبان بذوي الأرحام وهم غير منصوص عليهم انتهى.
ولأن ذا الرحم لا يرث مع ذي فرض وإنما ورث معه هنا لكون أن احد الزوجين لا يرد عليه "وقسمت الباقي بينهم كما لو انفردوا" قاله إمامنا وأبو عبيد وعامة من ورثهم لأن صاحب الفرض أخذ فرضه كأن الميت لم يخلف إلا ذلك.(6/193)
ويحتمل أن يقسم الفاضل عن الزوج بينهم كما يقسم بين من أدلوا به فإذا خلفت زوجا وبنت بنت وبنت أخت فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين على الوجه الأول وعلى الآخر يقسم بينهما على ثلاثة لبنت البنت سهمان ولبنت الأخت سهم،
__________
"ويحتمل أن يقسم الفاضل عن الزوج بينهم كما يقسم بين من أدلوا به" وهو قول يحيى بن آدم وضرار وظاهر الخرقي وذكره في التعليق والواضح لأنه الأصل الذي وقع به إرثهم ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها وهذا الخلاف إنما يقع في مسألة فيها من يدلي بذي فرض ومن يدلي بعصبة فأما إن أدلى جميعهم بذي فرض أو عصبة فلا خلاف فيه قاله في المغني والشرح.
"فإذا خلفت زوجا وبنت بنت وبنت أخت" لأبوين أو لأب "فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين على الوجه الأول" وهو المذهب وتصح من أربعة "وعلى الآخر يقسم بينهما على ثلاثة لبنت البنت سهمان ولبنت الأخت سهم" وتصح من ستة فلو كان زوجة وبنت بنت وبنت أخت لأب فللزوجة الربع والباقي بينهما نصفين على المنصوص وتصح من ثمانية وعلى الثاني البقية بينهما على سبعة لبنت البنت أربعة وللأخرى ثلاثة وتصح من ثمانية وعشرين فتضرب سبعة في أربعة.
مسألة: زوجةوابنتا ابنتين وابنتا أختين للزوجة الربع ولبنتي البنتين ثلثا الباقي وهو النصف ولبنتي الأختين الباقي وهو الربع وتصح من ثمانية وعلى الآخر تفرض المسألة من ثمانية للزوجة الثمن وللبنتين الثلثان وليس لها ثلثان فتضربها في ثلاثة تكن أربعة وعشرين للزوجة الثمن وللبنتين ستة عشر ولبنتي الأختين الباقي وهو خمسة ثم تعطي الزوجة الربع وتقسم الباقي على أحد وعشرين سهما للبنتين ستة عشر ولبنتي الأختين خمسة والأحد وعشرون ثلاثة أرباع تكملها بأن تزيد عليها سبعة تكن ثمانية وعشرين للزوجة سبعة وللبنتين ستة عشر ولبنتي الأختين خمسة لا تنقسم عليها فتضربها في اثنين تكن ستة(6/194)
ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها وهي خالة وست بنات ست أخوات متفرقات تعول إلى سبعة.
__________
وخمسين ومنها تصح.
"ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها" وهي أصل ستة "وهي خالة وست بنات ست أخوات متفرقات" للخالة السدس لأنها تدلي بالأم ولبنتي الأخت من الأم الثلث ولبنتي الأختين من الأبوين الثلثان أربعة "تعول إلى سبعة" لأن العول الزائد على هذا لا يكون إلا لأحد الزوجين وليس ذلك في ذوي الأرحام وقوله وشبهها أي: ليس العول مختصا بعين هذه المسألة بل يجري فيها وفي كل مسألة فيها من يقوم مقام الأم أو الجدة ومن يقوم مقام الأخوات المفترقات ممن يأخذالمال كله بالفرض كخالة أو أبي أم وبنت أخ لأم وثلاث بنات ثلاث أخوات متفرقات.(6/195)
باب ميراث الحمل
إذا مات عن حمل يرثه وطالب بقية الورثة بالقسمة،
__________
باب ميرات الحمل
الحمل بفتح الحاء ما في بطن الحبلى وبكسرها ما يحمل على ظهر أو رأس وفي حمل الشجرة قولان حكاهما ابن دريد ويقال امرأة حامل وحاملة إذا كانت حبلى فإذا حملت شيئا على ظهرها أو رأسها فهي حاملة لاغير.
"إذا مات عن حمل يرثه" وقف الأمر حتى يتبين فإن امتنعوا "وطالب بقية الورثة بالقسمة" أجيبوا إليها ولم يعطوا كل المال بغير خلاف فيدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمال ميراثه وإلى من ينقصه أقل ميراثه ولا يدفع إلى من يسقط شيء فأما من يشاركه فأكثر أهل العلم قالوا يوقف للحمل شيء ويدفع إلى شركائه الباقي.(6/195)
وقفت نصيب ذكرين إن كان نصيبهما أكثر وإلا وقفت نصيب ابنتين،
__________
نادرة: حكى الماوردي قال أخبرني رجل من أهل اليمن ورد طالبا للعلم وكان من أهل الدين والفضل أن امرأة من اليمن وضعت شيئا كالكرش فظن أن لا ولد فيه فألقي على قارعة الطريق فلما طلعت الشمس وحمي تحرك فأخذ فشق فخرج منه سبعة أولاد ذكور وعاشوا جميعا وكانوا خلقا سويا إلا أنه كان في أعضادهم قصر قال وصارعني أحدهم فصرعني فكنت أعير به ويقال صرعك سبع رجل.
قال المؤلف: وأخبرني من أثق به سنة ثمان أو تسع وستمائة عن رجل ضرير بدمشق أنه قال ولدت امرأتي سبعة في بطن واحد ذكورا وإناثا وأجيب بأن هذا نادر فلا يعول عليه ولا يجوز منع الميراث من أجله كما لو لم يكن بالمرأة حمل.
"وقفت نصيب ذكرين" لأن ولادة التوأمين كثير معتاد فلم يجز النقصان عنه لأنه معتاد ولا الزيادة عليه لأنه نادر "إن كان نصيبهما أكثر" كرجل مات عن امرأة وابن وحمل فمسألته من ثمانية وتصح من أربعة وعشرين للذكرين أربعة عشر وهو أكثر من نصيب ابنتين "وإلا وقفت نصيب ابنتين" أي: إن كان نصيبهما أكثر كرجل مات عن امرأة وأبوين وحمل فمسألته من أربعة وعشرين وتصح من سبعة وعشرين للابنتين منها ستة عشر وهو أكثر من نصيب ذكرين.
وضابطه: أن الفروض متى زادت على ثلث المال فميراث الإناث أكثر وهذا هو المروي عن أحمد وقاله محمد ابن الحسن واللؤلؤي وقال شريك ووافقه جماعة إنه يوقف نصيب أربعة وقال الليث وأبو يوسف ويوقف نصيب غلام ويؤخذ ضمين من الورثة وعلى المذهب يشترط لوقف النصيب المذكور كونه وارثا وأن يطلب بقية الورثة القسمة وقد ذكره المؤلف فإن لم يطلبوها بقي الأمر على حاله إلى الوضع وهذا ظاهر.(6/196)
ودفعت إلى من لا يحجبه الحمل أقل ميراثه ولا يدفع إلى من يسقطه شيئا فإذا وضع الحمل دفعت إليه نصيبه ورددت الباقي إلى مستحقه،
__________
"ودفعت إلى من لا يحجبه الحمل أقل ميراثه" لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه كرجل مات عن امرأة وحمل فبتقدير خروجه حيا لها الثمن وبتقدير خروجه ميتا لها الربع فيدفع إليها الثمن لأنه أقل.
"ولا يدفع إلى من يسقطه شيئا" لأن الظاهر خروج الحمل حيا وهو يسقط الموجود فلم يدفع إليه مع الشك في استحقاقه كرجل خلف امرأة وحملا وثلاث أخوات مفترقات فالولد الذكر يسقط الأخوات من كل جانب وهو يحتمل أن يكون ذكرا.
"فإذا وضع الحمل دفعت إليه نصيبه" لأنه حقه "ورددت الباقي إلى مستحقه" لأن ذلك حقهم لكن إن كان يرث الموقوف كله كما في المسألتين أخذه كله وإن أعوز شيئا رجع على من في يده وهل يجري في حول الزكاة كما قاله ابن حمدان من موته لحكمنا له بالملك ظاهرا حتى منعنا باقي الورثة أو الآن كما هو ظاهر كلام الأكثر وجزم به المجد في زكاة مال الصبي فيه وجهان ذكرهما أبو المعالي.
قال ولو وصى لحمل ومات فوضعت لدون ستة أشهر وقبل وليه ملك المال وهل ينعقد حوله من الموت أو القبول فيه خلاف في حصول الملك وإن لم تكن توطأ فوضعت لمضي أربع سنين و قلنا: تصح الوصية له ففي وجوب زكاة ما مضى من المدة قبل الوضع وجهان.
تنبيه: اعلم أنه ربما يكون الحمل لا يرث إلا إذا كان ذكرا مثل أن يكون من جد الميت أو عمه أو أخيه كبنت وعم وامرأة أخ حامل للبنت النصف والباقي موقوف في قولهم جميعا وربما كان الحمل لا يرث إلا إذا كان أنثى كزوج وأخت لأبوين وامرأة أب حامل يوقف سهمه من سبعة فإن ولدته أنثى أخذته وإن ولدته ذكرا أو ذكرين أو ذكرا وأنثى اقتسمه الزوج والأخت،(6/197)
فصل
وإذا استهل المولود صارخا ورث وورث وفي معناه العطاس والتنفس والارتضاع
__________
وكذلك إن تركت أختا لأب لم يدفع إليها شيء لجواز أن تلد ذكرا فيسقطها.
فصل
"وإذا استهل المولود صارخا" سمي الصراخ استهلالا تجوزا وأصله أن الناس إذا رأوا الهلال صاحوا عند رؤيته واجتمعوا فأراه بعضهم بعضا فسمي الصوت عند استهلال الهلال استهلالا ثم سمي الصوت من المولود استهلالا عند وجود شيء يجتمع له ويفرح به
وفسر الجوهري الاستهلال بالصراخ وكذا المؤلف لينبه بذلك على حياته وفيه شيء لأنه إن جعل حالا كان فيه إشعار بانفكاك الاستهلال عنه وكذا إن جعل تمييزا لأنه لا يأتي إلا بعد ما يحتمل الأمرين والتفسير يأباه والأظهر أنه حال مؤكدةكقوله تعالى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.
"ورث وورث" نقله أبو طالب وفي الروضة وهو الصحيح عندنا وهو قول ابن عباس والحسن وابن سيرين لما روى أبو هريرة مرفوعا قال إذا استهل المولود ورث رواه أبو داود وعن جابر نحوه رواه ابن ماجه فدل أنه لا يرث بغير الاستهلال وفي لفظ ذكره ابن سراقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الصبي "إذا وقع صارخا فاستهل ورث وتمت ديته وسمي وصلي عليه وإن وقع حيا ولم يستهل لم تتم ديته وفيه غرة على العاقلة".
"وفي معناه العطاس والتنفس والارتضاع" وكذا في المحرر والوجيز وزاد البكاء روى يوسف بن موسى عن أحمد أنه قال يرث السقط ويورث إذا استهل فقيل له ما الاستهلال قال إذا صاح أو عطس أو بكى.
فعلى هذا كل صوت يوجد منه تعلم به حياته فهو استهلال وقاله الزهري(6/198)
وما يدل على الحياة وأما الحركة والاختلاج فلا تدل على الحياة وإن ظهر بعضه فاستهل ثم انفصل ميتا لم يرث وعنه: يرث وإن ولدت توأمين فاستهل أحدهما وأشكل أقرع بينهما فمن خرجت قرعته فهو المستهل.
__________
والقاسم علمت به حياته أشبه الصراخ وعنه: إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره ورث وثبت له أحكام المستهل وقاله الثوري وغيره ولأن ما ذكر في معنى الاستهلال فثبت له حكمه.
"وما يدل على الحياة" كالبكاء والحركة الطويلة ولو قال وإذا استهل المولود كالكافي لكان أولى لكن خصه طائفة بأنه لا يرث إلا إذا استهل صارخا وذلك مقيد بأمرين:
أحدهما: أن يعلم أنه كان موجودا حال الموت وهو أن تأتي به لأقل من ستة أشهر فإن أتت به لأكثر وكان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث إلا أن يقر الورثة به.
الثاني: أن تضعه حيا فإن وضعته ميتا لم يرث إجماعا.
"وأما الحركة" اليسيرة "والاختلاج فلا تدل على الحياة" فإن اللحم يختلج لا سيما إذا خرج من مكان ضيق فتضامت أجزاؤه ثم خرج إلى مكان فسيح فإنه يتحرك وإن لم تكن فيه حياة ثم إن كانت فيه حياة فلا يعلم كونها مستقرة لاحتمال أن تكون كحركة المذبوح فإن غالب الحيوانات تتحرك بعد الذبح حركة شديدة وهو في حكم الميت قاله في المغني والشرح ونقل ابن الحكم إذا تحرك ففيه الدية كاملة ولا يرث ولا يورث حتى يستهل.
"وإن ظهر بعضه فاستهل ثم انفصل ميتا لم يرث" في ظاهر المذهب لأنه لم يثبت له أحكام الدنيا وهو حي أشبه ما لو مات في بطن أمه "وعنه: يرث" لما تقدم ولأنه علمت حياته "وإن ولدت توأمين فاستهل أحدهما وأشكل أقرع بينهما فمن خرجت قرعته فهو المستهل" قاله القاضي وهو المذهب لأنه لا مزية لأحدهما كطلاق إحدى نسائه والسفر بها والبداءة بالقسم لها وفي الخبري ليس في هذا عن السلف نص وقال الفرضيون:(6/199)
...........................................................................................................................................
__________
تعمل المسألة على الحالين ويعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي حتى يصطلحوا عليه وقيل: يقسم بينهم على حسب الاحتمال وعلى الأول محله ما إذا اختلف ميراثهما بأن كان ذكرا وأنثى فإن كانا ذكرين أو عكسه فلا فرق.
تمام: رجل خلف أمه وأخاه وأم ولد حاملا منه فولدت توأمين ذكرا وأنثى فاستهل أحدهما ولم يعلم فالجواب إن كان الابن المستهل فللأم السدس والباقي له ترث أمه الثلث والباقي للعم.
فعلى هذا تضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشرة ثلاثة لأم الميت ولأم الولد خمسة وللعم عشرة وإن كانت البنت فهي من ستة وتموت عن ثلاثة لأمها سهم ولعمها سهمان والستة تدخل في الثمانية عشر فمن له شيء من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة فسدس الأم لا يتغير وللعم من الستة أربعة في ثلاثة اثني عشر وله من الثمانية عشر عشرة في واحد فهذا اليقين فيأخذه ولأم الولد خمسة في سهم وسهم في ثلاثة فتأخذها وتقف سهمين بين الأخ وأم الولد حتى يصطلحا عليهما.
فرع: إذا مات كافر عن حمل منه لم يرثه نص عليه لحكمه بإسلامه قبل وضعه وقيل: يرثه وهو أظهر لعدم تقدم الإسلام واختلاف الدين ليس من جهته كالطلاق في المرض ولأنه يرث إجماعا فلا يسقط بمختلف فيه وهو الإسلام وكذا إن كان من كافر غيره فأسلمت أمه قبل وضعه مثل أن يخلف أمه حاملا من غيرأبيه وفي الرعاية احتمال بأنه يرث حيث ثبت النسب.
فائدة: إذا زوج أمته بحر فأحبلها فقال السيد إن كان حملك ذكرا فأنت وهو قنان وإلا حران فهي القائلة إن ألد ذكرا لم أرث ولم ترث وإلا ورثنا ومن خلفت زوجا وأما وإخوة لأم وامرأة أب حاملا فهي القائلة إن ألد أنثى ورثت لا ذكرا.(6/200)
باب ميراث المفقود
وإذا انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتجارة ونحوها انتظر به تمام تسعين من يوم ولد وعنه: ينتظر أبداً،
__________
باب ميراث المفقود
هو اسم مفعول من فقدت الشيء أفقده فقدا وفقدانا بكسر الفاء وضمها.
"وإذا انقطع خبره" أي: لم يعلم "لغيبة ظاهرها السلامة كالتجارة ونحوها" كالسياحة وطلب العلم والأسر "انتظر به تمام" أي: تتمة "تسعين سنة من يوم ولد" هذا أشهر الروايتين قاله في المستوعب وهو قول عبدالملك بن الماجشون لأن الأصل الحياة والغالب أن لا يعيش أكثر منها.
"وعنه: ينتظر أبدا" فلا يقسم ماله ولا تتزوج امرأته حتى يعلم موته أو تمضي مدة لا يعيش في مثلها فيجتهد الحاكم وقاله أكثر العلماء لأن التقدير لا يصار إليه إلا بنص وهو منتف هنا وكغيبة ابن تسعين سنة ذكره في الترغيب وعنه: ينتظر أبدا حتى يتيقن موته وعنه: زمنا لا يعيش مثله غالبا اختاره أبو بكر وغيره وقال عبدالله بن الحكم ينتظر به تمام سبعين سنة مع سنة يوم فقد لأثر وقال ابن رزين يحتمل عندي أربع سنين لقضاء عمر وفيه شيء لأنه إنما هو في مهلكة.
وقال ابن عقيل مائة وعشرين سنة منذ ولد وهو قول الحسن بن زياد فلو فقد وهو ابن ستين لم يقسم ماله حتى تمضي عليه ستون سنة أخرى فيقسم حينئذ بين ورثته إن كانوا أحياء وإن مات بعضهم قبل مضي مائة وعشرين سنة وخلف ورثة لم يكن له شيء من مال المفقود وكان ماله للأحياء منهم فإن مضت المدة ولم يعلم خبر المفقود رد الموقوف إلى ورثة موروث المفقود ولم يكن لورثة المفقود وحكى الخبري أنه الصحيح عنده والذي ذكرناه حكاه ابن اللبان عن اللؤلؤي.(6/201)
وإن كان ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله أو في مفازة كالحجاز أو بين الصفين حال الحرب أو في البحر إذا غرقت سفينته انتظر به تمام أربع سنين ثم يقسم ماله وعنه: التوقف فإن مات موروثه في مدة التربص دفع إلى كل وارث اليقين
__________
"وإن كان ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله" كمن يخرج إلى الصلاة أو في حاجة قريبة فلا يعود "أو في مفازة" هي واحدة المفاوز قال ابن الأعرابي سميت به تفاؤلا بالسلامة ويجوز أن يكون سميت مفازة من فاز يفوز إذا مات حكاها ابن القطاع فيكون من الأضداد.
"مهلكة" بفتح الميم واللام ويجوز كسرها حكاهما أبو السعادات ويجوز ضم الميم مع كسر اللام اسم فاعل من أهلكت فهي مهلكة وهي أرض يكثر فيها الهلاك "كالحجاز أو بين الصفين حال الحرب أو في البحر إذا غرقت سفينته" فسلم قوم دون آخرين "انتظر به تمام أربع سنين" لأنها أكثر مدة الحمل.
"ثم يقسم ماله" على المذهب نص عليه واختاره الأكثر لأن الصحابة اتفقوا على اعتداد امرأته وحلها للأزواج وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط للأبضاع ففي المال أولى لأن الظاهر هلاكه أشبه ما لو مضت مدة لا يعيش مثلها وعنه: مع أربعة أشهر وعشرا لأنه الوقت الذي يباح لامرأة التزوج فيه ذكره القاضي وعنه: هو كالقسم قبله وفي الواضح وعنه: زمنا لا يجوز مثله وقيل: تسعين والأول أصح وظاهره: لا فرق في ذلك بين الحر والعبد يؤيده ما نقل الميموني في عبد مفقود الظاهر أنه كالحر ونقل مهنا وأبو طالب هو على النصف.
فرع يزكى المال قبل قسمه بين الورثة لما مضى نص عليه.
"وعنه: التوقف" في أمره وقال قد هبت الجواب فيها وكأني أحب السلامة ولأن حياته وموته متعارضان فوجب التوقف والمذهب الأول ولم يفرق سائر أهل العلم بين صور الفقدان.
"فإن مات موروثه في مدة التربص دفع إلى كل وارث اليقين" هذا مذهب(6/202)
ووقف الباقي فإن قدم أخذ نصيبه وإن لم يأت فحكمه حكم ماله،
__________
أحمد وأكثر العلماء لأنه مستحق له على كل تقدير.
"ووقف الباقي" حتى يتبين أمره أو تمضي مدة الانتظار لأنه لا يعلم مستحقه أشبه بالذي ينقص نصيبه بالحمل فتعمل المسألة بأنه حي ثم بأنه ميت ثم اضرب أحدهما أو وفقها في الأخرى واجتزئ بإحداهما إن كان ثلثا أو بأكثرهما إن تناسبتا ويأخذ اليقين الوارث منهما ومن كان ساقطا في إحداهما لم يأخذ شيئا.
زوج وأم وأخت وجد وأخ مفقود مسألة الموت من سبعة وعشرين الأكدرية ومسألة الحياة من ثمانية عشر وهما يتفقان بالأتساع فتبلغ بالضرب أربعةوخمسين للزوج النصف من مسألة الحياة والثلث من مسألة الموت فيعطى الثلث وللأم التسعان من مسألة الموت والسدس من مسألة الحياة فتعطى السدس وللجد ستة عشر سهما من مسألة الموت وتسعة من مسألة الحياة فيعطى التسعة وللأخت ثمانية من مسألة الموت وثلاثة من مسألة الحياة تبقى خمسة عشر موقوفة أخذت الأم ثلاثة والأخت خمسة والجد سبعة على رواية رد الموقوف إلى ورثة الأول.
وعلى رواية قسمة نصيبه مما وقف على ورثته وهي ستة لأنه ورث مثلا الأخت يبقى تسعة والمعروف أنهما وجهان وقيل: وهو الأصح عند المجد وظاهر قول الوني أن تعمل المسألة على تقدير حياته فقط وتقف نصيبه إن ورث وفي أخذ ضمين ممن معه زيادة وجهان.
"فإن قدم أخذ نصيبه" لأنه وقف من أجله وهو المستحق له فوجب أن يأخذه كما لو كان غير مفقود "وإن لم يأت فحكمه حكم ماله" لأنه محكوم له به أشبه سائر ماله.
والحاصل: أنه متى بان المفقود حيا يوم موت موروثه فله حقه والباقي لمستحقه وإن بان ميتا فالموقوف لورثة الميت وفي المغني وغيره وكذا إن(6/203)
ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه فيقسموه،
__________
جهل وقت موته وإن انقضت مدة تربص ولم يتبين شيء قسم ما وقف للمفقود على ورثته يومئذ كسائر ماله لأنه محكوم بحياته جزم به في الكافي والوجيز وصححه في المحرر وقيل: يرد إلى ورثة الأول جزم به صاحب المجرد والتهذيب والفصول والمستوعب والمغني لأنه مشكوك في حياته حين مات موروثه فلا يثبت بالشك كالجنين فعلى هذا لا يجوز في مدة التربص أن يقضي منه دينه ولا ينفق على زوجته أو بهيمته وعلى الأول يجوز كسائر ماله.
"ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه فيقسموه" اختاره ابن اللبان وهو الصحيح لأنه حقهم لا يخرج عنهم وأنكر ذلك الوني وقال لا فائدة: أن ينقص بعض الورثة عما يستحقه في مسألة الحياة وهي متيقنة ثم يقال له لك أن تصالح على بعضه بل إن جاز ذلك فالأولى أن تقسم المسألة على تقدير الحياة وتقف نصيب المفقود لاغير وإن لم يرتضه المؤلف لأن إباحة الصلح عليه لا تمنع وجوب وقفه ووجوب وقفه لا يمنع الصلح عليه كذلك ولأن تجويز أخذ الإنسان حق غيره برضاه وصلحه لا يلزم منه جواز أخذه بغير إذنه وحينئذ لهم أن يصطلحوا على كل الموقوف إن حجب أحدا ولم يرث أو كان أخا لأب عصب أخته مع زوج وأخت لأبوين.
تنبيه: إذا قسم ماله ثم قدم أخذ ما وجده بعينه والتالف ليس بمضمون نص عليه في رواية ابن منصور وقدمها في الرعاية واختاره جمع لأنه إنما قسم بحق لهم وعنه: مضمون صححها ابن عقيل وغيره وجزم به المؤلف وإن حصل لأسير من وقف تسلمه وحفظه وكيله ومن ينتقل إليه بعد جميعا واختار في الفروع يكفي وكيله وهو ظاهر ومن أشكل نسبه فكمفقود ومفقودان فأكثر كخناثى في تنزيل.(6/204)
باب ميراث الخنثى
وهو الذي له ذكر وفرج امرأة فيعتبر بمباله فإن بال أو سبق بوله من ذكره فهو رجل وإن سبق من فرجه فهو امرأة وإن خرجا معا اعتبر أكثرهما،
__________
باب ميراث الخنثى
وجمعه الخناثى كالحبالى.
"وهو الذي له ذكر وفرج امرأة" وكذا قاله الجوهري وفي المغني والشرح أوله ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول "فيعتبر بمباله" قال ابن المنذر وهو إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة وفيه حديث مرفوع رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ولأن خروج البول أعم العلامات لوجودها في الصغير والكبير وسائر العلامات إنما توجد بعد الكبر كنبات اللحية وخروج المني والحيض وأول من قضى فيه بذلك عامر بن ظرب العدواني
"فإن بال أو سبق بوله من ذكره فهو رجل وإن سبق من فرجه فهو امرأة" نص عليه أي: إذا بال من أحدهما أو سبق بوله منه فالحكم له.
"وإن خرجا معا اعتبر أكثرهما" في الأصح قال ابن حمدان قدرا وعددا لأن له تأثيرا.
والثاني: لا يعتبر أكثرهما ونقله ابن هانئ وهو ظاهر كلام أبي الفرج وغيره لأن الخرق الذي يكون في مجرى البول قد يكون متسعا بحيث لا يتجاوزه إلا يسيرا وهل يعتبر السبق في الانقطاع فيه روايتان وفي التبصرة يعتبر أطولهما خروجا ونقله أبو طالب لأن بوله يمتد وبولها يسيل وقدم ابن عقيل الكثرة على السبق وقال هو والقاضي: إن خرجا معا حكم للمتأخر أي: لآخرهما انقطاعا وقال جابر بن زيد: يوقف إلى فإن بال عليه فهو رجل وإن سلسل بين فخذيه فهو امرأة والمذهب(6/205)
فإن استويا فهو مشكل فإن كان يرجى انكشاف حاله وهو الصغير أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي حتى يبلغ فيظهر فيه علامات الرجال من نبات لحيته وخروج المني من ذكره أو علامات النساء من الحيض ونحوه وإن يئس من ذلك بموته أو عدم العلامات بعد بلوغه أعطي نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى،
__________
الأول لأن الكثرة مزية لإحدى العلامتين فيعتبر بها كالسبق.
"فإن استويا" في وجود البول منهما وعدم سبقه وكثرته في أحدهما فهو مشكل لأنه لا مزية لأحد أمريه على الآخر "فإن كان يرجى انكشاف حاله وهو الصغير" واحتيج إلى قسم تركة من يرثه "أعطي هو ومن معه اليقين" أي: يعطى من يرث على تقدير ذكوريته وأنوثيته الأقل مما يرث فيهما ولا يعطى من يسقطه في أحد الحالين شيئا ومن لا يختلف ميراثه منهما يعطى حقه كاملا.
"ووقف الباقي حتى يبلغ" في قول الجمهور فيعمل بما ظهر من علامة رجل أو امرأة وهو يحصل بالسن أو الإنبات وبه ينكشف الأمر "فتظهر فيه علامات الرجال من نبات لحيته وخروج المني من ذكره أو علامات النساء من الحيض ونحوه" كتفلك ثدييه أو سقوطهما قال في الفروع وكذا إن حاض من فرجه وأنزل من ذكره فإن وجد أحدهما فوجهان وإن وجدا من مخرج واحد فلا ذكر ولا أنثى وفي الجامع لا في إرث ودية لأن للغير حقا وقيل: أو انتشر بوله على كثيب رمل أو اشتهى النساء فذكر والعكس بالعكس وقال علي والحسن البصري تعد أضلاعه فإن كانت ستة عشر فرجل وإن كانت سبعة عشر فأنثى لأن أضلاعها أكثر بواحد واختاره ابن أبي موسى قال ابن اللبان والأصحاب لو صح هذا لما وقع في الخنثى إشكال.
"وإن يئس منه بعد ذلك بموته أو عدم العلامات بعد بلوغه" أي: لم يظهر فيه شيء من العلامات المذكورة أو اختلطت فأمنى من كل من الفرجين فيسمى مشكلا وحينئذ "أعطي نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى" نص عليه وهو قول ابن عباس ولم يعرف له في الصحابة منكر وأهل مكة والمدينة(6/206)
فإذا كان مع الخنثى بنت وابن جعلت للبنت أقل عدد له نصف وهو سهمان وللذكر أربعة وللخنثى ثلاثة وقال أصحابنا تعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى ثم تضرب إحداهما أو وفقها في الأخرى إن اتفقتا وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا أو بأكثرهما إن تناسبتا وتضربها في اثنين ثم من له شيء من إحدى المسألتين مضروب في الأخرى أو في وفقها،
__________
واللؤلؤي وخلق لأن حالتيه تساوتا فوجب التسوية بين حكمهما كما لو تداعى نفسان دارا بأيديهما ولا بينة لهما وليس نورثه بأسوإ حاله ولا سبيل إلى الوقف لأنه لا غاية له تنتظر وفيه تضييع مع تعين استحقاق الورثة له فيعطى هو نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى ويعطى من معه نصف ماله حالة الذكورية ونصف ماله حالة الأنوثية إلا أن يرث بأحدهما فيعطى نصفه وسواء كان الخنثى ومن معه يتزاحمان من جهتين مختلفتين كولد خنثى وعم يزاحم العم في تعصيبه ببنوته فيمنعه من أخذ الباقي والعم يزاحمه بعمومته في الزائد على فرض البنت أو كولد خنثى وأب أو من جهة واحدة كالأولاد والإخوة المتفقين.
"فإذا كان مع الخنثى بنت وابن جعلت للبنت أقل عدد له نصف وهو سهمان وللذكر أربعة وللخنثى ثلاثة" وهذا قول الثوري واللؤلؤي في هذه المسألة وفي كل مسألة فيها ولد إذا كان فيهم خنثى قال المؤلف وهذا قول لا بأس به لكن قال في المستوعب هذا لا يصح على أصلنا فإن كان مكان الابن أخ أو غيره من العصبات فله السدس والباقي بين الخنثى والبنت على خمسة.
"وقال: أصحابنا" ويسمى مذهب المنزلين "تعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى" لأن له حالين فلم يكن بد من اعتبارهما "ثم تضرب إحداهما" إن تباينتا "أو وفقها في الأخرى إن اتفقتا وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا أو بأكثرهما إن تناسبتا وتضربها في اثنين ثم من له شيء من إحدى المسألتين مضروب في الأخرى أو في وفقها" ففي المتباين وهي مسألة المتن.(6/207)
أو تجمع ماله منهما إن تماثلتا،
__________
مسألة: الذكورة من خمسة والأنوثة من أربعة فاضرب إحداهما في الأخرى تكن عشرين ثم في اثنين تكن أربعين للبنت سهم في خمسة وسهم في أربعة تسعة وللذكر ثمانية عشر وللخنثى سهم في خمسة وسهمان في أربعة ثلاث عشر وهي دون ثلث الأربعين وعلى قول الثوري وهو يوافق قول الأصحاب في بعض المواضع ويخالف في بعضها فعلى قوله تكون المسألة من تسعة للخنثى الثلث وهو ثلاثة وعلى قول من ورثه بالدعوى فيما بقي بعد اليقين فوافق قول المنزلين في أكثر المواضع فإنه يقول في هذه المسألة للذكر الخمسان بيقين وذلك ستة عشر من أربعين وهو يدعي النصف عشرين وللبنت الخمس بيقين ثمانية وهي تدعي الربع وللخنثى الربع بيقين وهي يدعي الخمسين ستة عشر والمختلف فيه ستة أسهم يدعيها الخنثى كلها فيعطيه نصفها ثلاثة مع العشرة التي معه صار له ثلاثة عشر والابن يدعي أربعة فيعطيه نصفها اثنين صار له ثمانية عشر والبنت تدعي سهمين فتدفع إليها سهما صار لها تسعة ومن ورثه بالدعوى من أصل المال فعلى قولهم يكون الميراث في هذه المسألة من ثلاثة وعشرين لأن المدعي هنا نصف وربع وخمسان مخرجهما من عشرين يعطى الابن النصف عشرة والبنت خمسة والخنثى ثمانية تكن ثلاثة وعشرين وفي التوافق زوج وأم وولد أب خنثى فالذكورية من ستة والأنوثية من ثمانية وبينهما موافقة فاضرب نصف أحدهما في الآخر تكن أربعة وعشرين ثم في اثنين تكن ثمانية وأربعين وفي التماثل زوجة وولد خنثى وعم فالذكورية من ثمانية والأنوثية كذلك فاجتزئ بإحداهما واضربها في حالين تكن ستة عشر.
وفي التناسب أم وبنت وولد خنثى وعم فالذكورية من ستة وتصح من ثمانية عشر والأنوثة من ستة وتصح منها وهي تناسب الأولى: بالثلث فاجتزئ بأكثرهما وهو ثمانية عشر فاضربها في حالين تكن ستة وثلاثين وتجمع.
"أو تجمع ماله منهما إن تماثلتا" فإن كان الخنثى يرث في حال دون حال،(6/208)
وإن كانا خنثيين أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم وقال ابو الخطاب: تنزلهم حالين مرة ذكورا ومرة إناثا والأول أولى،
__________
كزوج وأخت لأبوين وولد أب خنثى فمقتضى قول الثوري أن يجعل للخنثى نصف ما يرثه في حال إرثه وهو نصف سهم فتضمه إلى سهام الباقين وهي ستة ثم تبسطها أيضا ليزول الكسر فيصير له ثلاثة عشر له منها سهم والباقي بين الزوج والأخت نصفين وقد عملها أبو الخطاب في الهداية على ذلك وأما في التنزيل فتصح من ثمانية وعشرين للخنثى سهمان وهي نصف سبع ولكل واحد من الآخرين ثلاثة عشر.
فائدة: الخناثى من الورثة ستة مسألة: الولد وولد الابن والأخ وولده والعم وولده فالزوجان والأبوان والجدان يتصور فيهم ذلك والخلاف يقع في ثلاثة الولد وولد الابن فالأخ وأما الباقي فليس للإناث منهم ميراث فيكون للخنثى منهم نصف ميراث ذكر بلا خلاف قاله الخبري.
"وإن كانا خنثيين أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم" هذا هو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو قول ابن أبي ليلى وضرار ويحيى بن آدم كإعطائهم اليقين قبل البلوغ فعلى هذا تجعل للاثنين أربعة أحوال لأنه يحتمل أن يكون كل منهم ذكرا وأن يكون كل منهم أنثى ويحتمل أن يكونوا ذكورا وأن يكونوا إناثا وللثلاثة ثمانية أو للأربعة ستة عشر وللخمسة اثنين وثلاثين ثم تجمع مالهم في الأحوال كلها فتقسمه على عدد أحوالهم فما خرج بالقسم فهو لهم إن كانوا من جهة واحدة وإن كانوا من جهات جمعت ما لكل واحد منهم في الأحوال وقسمته على عدد الأحوال كلها فالخارج بالقسم هو نصيبه.
"وقال ابو الخطاب" وفاقا لأبي يوسف "تنزلهم حالين مرة ذكورا ومرة إناثا" كما تصنع بالواحد "والأول أولى" لأنه يعطى كل واحد منهم بحسب ما فيه من الاحتمال فيعدل بينهم.
وعلى الثاني يعطى ببعض الاحتمالات دون بعض وهذا تحكم لا دليل عليه.(6/209)
.........................................................................................................................................
__________
ابن وخنثيان مسألة الذكورية من ثلاثة والأنوثية من أربعة وذكورية أحدهما وأنوثية الآخر من خمسة للمقدر ولورثته سهمان وللآخر سهم فاجتزئ بأحدهما لتماثلهما واضرب بقية الأحوال بعضها في بعض لتباينها تكن ستين ثم في الأحوال مائتين وأربعين فلهما في حال الذكورية ثلثا المال وهو أربعون وفي حال الأنوثة نصفه وهو ثلاثون وفي حال ذكورية أحدهما وأنوثية الآخر ثلاثة أخماسه وهو ستة وثلاثون وفي الحال الآخركذلك فإذا جمعت ذلك كان ما ذكرنا فاقسمه على أربعة تكن خمسة وثلاثين ونصفا لكل واحد سبعة عشر ونصف وربع ثم اضرب نصيب كل واحد في أربعة يصح لكل خنثى أحد وسبعون وللابن ثمانية وتسعون وعلى هذا فقس.
وإذا كان ولد خنثى وولد أخ خنثى وعم فإن كانا ذكرين فالمال للولد وإن كانا أنثيين فللبنت النصف والباقي للعم فهي من أربعة عند من نزلهم حالين للولد ثلاثة أرباع المال وللعم ربعه ومن نزلهم أحوالا كانت من ثمانية للولد المال في حالين والنصف في حالين فله ربع ذلك وهو ثلاثة أرباع المال ولولد الأخ نصف المال في حال فله ربعه وهو الثمن وللعم مثل ذلك وهذا أعدل ومن قال بالدعوى فيما زاد على اليقين قال للولد النصف يقينا والنصف الآخر يتداعونه فيكون المال بينهم أثلاثا وتصح من ستة وقد ذكر في المحرر حكم الخنثى وبينه بأحسن طريق وفصله أبلغ تفصيل فليراجع هناك.
فصل
قال المؤلف: وجدنا في عصرنا شبيها بالخنثى لم يذكره الفرضيون شخصين ليس لهما في قبلهما مخرج ولا ذكر ولا فرج أما أحدهما فذكروا أنه ليس له في قبله إلا لحمة نابتة كالربوة يرشح منها البول رشحا على الدوام وأرسل إلينا فسألنا عن الصلاة والتحرز من النجاسة والثاني ليس له إلا مخرج واحد فيما بين المخرجين منه يتغوط ومنه يبول وأخبرت عنه أنه يلبس لباس النساء،(6/210)
ويخالطهن ويغزل معهن ويعد نفسه امرأة قال وحدثت أن في بعض بلاد العجم شخصا ليس له قبل ولا دبر وإنما يتقيأ ما يأكله ويشربه فهذا وما أشبهه في معنى الخنثى لأنه لا يمكن اعتباره بمباله وإن لم يكن له علامة أخرى فهو مشكل ينبغي أن يثبت له حكمه في ميراثه.(6/211)
باب ميراث الغرقى ومن عمي موته
إذا مات متوارثان وجهل أولهما موتا كالغرقى والهدمى واختلف وراثهما في السابق منهما فقد نقل عن أحمد في امرأة وابنها ماتا فقال زوجها ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها أنه يحلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ويكون ميراث الابن لأبيه،
__________
باب ميراث الغرقى ومن عمي موته
أي خفي ولم يعلم وكان ينبغي للمؤلف أن يذكر هذا الباب عقب المفقود لأنه جهل يوجب التوقف في الإرث وهنا يوجب حرمانه في بعض الصور.
"إذا مات متوارثان فجهل أولهما موتا كالغرقى" هو جمع غريق كقتيل وجريح "والهدمى" يجوز أن يكون جمع هديم بمعنى مهدوم كجريح بمعنى مجروح قال ابن أبي الفتح ولم أر هذا منقولا "واختلف وراثهما في السابق منهما" أي: ادعى ورثة كل ميت سبق الآخر ولا بينة أو تعارضت البينة ولم يتوارثا نص عليه واختاره الأكثر وقال جماعة بلى وخرجوا منها المنع في جهلهم الحال اختاره الشيخ تقي الدين "فقد نقل عن أحمد في امرأة وابنها ماتا فقال: زوجها ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها مات ابنها فورثته لما ماتت فورثناها أنه يحلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه" لأن كل واحد منهما ينكر ما ادعي به عليه والمنكر عليه اليمين وهذا إذا لم تكن بينة.
"ويكون ميراث الابن لأبيه" لأنه وارثه الحي المتيقن وغيره مشكوك فيه(6/211)
وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين ذكرها الخرقي وهذا يدل على أنه يقسم ميراث كل ميت على الأحياء من ورثته دون من مات معه وظاهر المذهب أن كل واحد من الموتى يرث صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه من الميت معه ثم يقدر أحدهما مات أولا ويورث الآخر منه ثم يقسم ما ورثه منه على الأحياء من ورثته ثم يصنع بالثاني كذلك.
__________
"وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين" لأنهما اللذان يرثانها يقينا وغيرهما مشكوك فيه "ذكرها الخرقي" في الدعاوى وهو قول الصديق وزيد وابن عباس والحسن بن علي وعمر بن عبدالعزيز والأوزاعي والزهري وأكثر العلماء وهو المنصوص "وهذا يدل على أنه يقسم ميراث كل ميت على الأحياء من ورثته دون من مات معه" وظاهره: أنه إذا مات المتوارثان معا وعلم الورثة ذلك فلا إرث صرح به في المحرر والفروع لأن من شرط توريثه كونه حيا حين موت الآخر.
"وظاهر المذهب" وقد نص عليه واختاره الأكثر "أن كل واحد من الموتى يرث صاحبه من تلاد ماله" أي: ماله القديم الأصل دون ما ورثه من الميت معه وهو المستحدث ويقال له الطارف والطريف وسواء جهل الورثة كيف مات أو تحققوا السابق وجهلوا عينه.
"ثم يقدر أحدهما مات أولا ويورث الآخر منه ثم يقسم ما ورثه منه على الأحياء من ورثته ثم يصنع بالثاني كذلك" فيقدر أن المرأة ماتت أولا فورثها زوجها وابنها أرباعا ثم يأخذ ما ورثه الابن فيدفع لورثته الأحياء وهم الأب فيجتمع له جميع ماله ثم يقدر أن الابن مات أولا فورثه أبواه أثلاثا ثم يأخذ ثلث الأم فيقسمه بين ورثتها الأحياء وهم أخوها وزوجها نصفين فيحصل للأخ السدس من مال الابن قال أحمد: أذهب إلى قول عمر وعلي وشريح وإبراهيم والشعبي وحكاه في المغني والشرح عن جمع من التابعين ومن بعدهم قال الشعبي وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم فكتب في ذلك إلى عمر فأمر عمر أن يورثوا بعضهم من(6/212)
........................................................................................................................................
__________
بعض.
وروي عن إياس المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال: "يرث بعضهم بعضا" وحمل بعض الأصحاب نص أحمد الذي حكاه الخرقي اختصاصه بما إذا ادعى وارث كل ميت بأن موروثه كان آخرهما موتا فأما مع الجهل فيورث كل واحد منهما من الآخر لأن مع التداعي يتوجه اليمين على المدعى عليه بخلاف ما إذا اتفقوا على الجهل لكونها لا تشرع حينئذ.
واحتج في المغني والشرح للرواية الأولى: بما روى سعيد في سننه وحدثنا إسماعيل بن عويس عن يحيى بن سعيد أن قتلى اليمامة وصفين والحرة لم يرث بعضهم من بعض ورثوا عصبتهم الأحياء وقال ثنا عبدالعزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيهم أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها زيد بن عمر فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه فلم ترثه ولم يرثها.
ولأن شرط التوارث حياة الوارث بعد موت الموروث وليس بمعلوم فلا يثبت مع الشك في شرطه ولأنه مشكوك في حياته حين يرث موروثه فلا يرثه كالحمل إذا وضعته ميتا ولا توريث كل واحد منهما خطأقطعا لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما معا أو يسبق أحدهما وتوريث السابق بالموت خطأ يقينا مخالف للإجماع فكيف يعمل به؟.
وقال أبو ثور وابن سريج وطائفة: يعطى كل وارث اليقين ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا وحكاه في الرعاية قولا وقال أبو بكر المال بينهما نصفان وأبطله في المغني بأنه يقتضي إلى أن يعطي الأخ ما لا يدعيه ولا يستحقه يقينا لأنه لا يدعي من مال الابن أكثر من سدسه ولا يمكن أن يستحق أكثر منه.
فرع: لو علم السابق ثم نسي فالحكم فيه كما لو جهل وقيل: بالقرعة قال الأزجي وإنما لم تجرالقرعة لعدم دخولها في النسب وقال الوني يعمل باليقين(6/213)
فعلى هذا لو غرق أخوان أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو وصار كل واحد منهما لمولى الآخر وعلى القول الآخر يصير مال كل واحد منهما لمولاه وهو أحسن إن شاء الله تعالى.
__________
ويوقف مع الشك.
"فعلى هذا لو غرق أخوان أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو وصار مال كل واحد منهما لمولى الآخر" لأنه إذا قدر موت مولى زيد أولا استحق ميراثه يتحقق ميراثه أخوه ثم يدفع إلى ورثته الأحياء وهو مولاه صار مال مولى زيد لعمرو ثم هكذا يقدر في مولى عمرو.
"وعلى القول الآخر" وهو من لم يورث أحدهما من صاحبه "يصير مال كل واحد منهما لمولاه وهو أحسن إن شاء الله تعالى" لما تقدم ومن قال بالوقف وقف مالهما وإن ادعى كل واحد منهما أن مولاه آخرهما موتا حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه وأخذ مال مولاه على ما ذكره الخرقي.
وإن كان لهما أخت فمن ورث كل واحد منهما من صاحبه جعل لها الثلثين من مال كل واحد منهما والنصف على القول الآخر.
وإن خلف كل واحد منهما زوجة وبنتا فمن لم يورث بعضهم من بعض صححها من ثمانية لامرأته الثمن ولابنته النصف والباقي لمولاه ومن ورثهم جعل الباقي لأخيه ثم قسمه بين ورثة أخيه على ثمانية ثم ضربها في الثمانية الأولى: فصحت من أربعة وستين لامرأته ثمانية ولابنته اثنان وثلاثون ولامرأة أخيه ثمن الباقي ثلاثة ولابنته اثنا عشر ولمولاه الباقي تسعة.
مسألة: لو عين الورثة وقت موت أحدهما وشكوا هل مات الآخر قبله أو بعده ورث من شك في موته من الآخر إذ الأصل بقاؤه وقيل: لا توارث بينهما بحال وهو بعيد ولو مات أخوان عند الزوال أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ورث الذي مات بالمغرب من الذي مات بالمشرق لموته قبله بناء على اختلاف الزوال قاله في الفائق.(6/214)
باب ميراث أهل الملل
لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم إلا أن يسلم قبل قسم ميراثه فيرثه.
__________
باب ميراث أهل الملل
وهو جمع ملة بكسر الميم إفراداً وجمعاً وهي الدين والشريعة.
"لا يرث المسلم الكافر" قال أحمد ليس بين الناس اختلاف فيه وهو قول جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم وروي عن عمر ومعاذ ومعاوية خلافه والعمل على الأول ولا فرق فيه بين أن يكون من نسب أو نكاح وصرح به في الوجيز وقيد الكافر بالأصلي وهومراد "ولا الكافر المسلم" إجماعا وسنده ما روى أسامة بن زيد مرفوعاً لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم متفق عليه.
ولأن الولاية بينهما منقطعة فلم يتوارثا "إلا أن يسلم قبل قسم ميراثه فيرثه" نقله الأثرم ومحمد بن الحكم واختاره الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما لما روى سعيد في سننه من طريقين عن عروة وابن أبي مليكة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أسلم على شيء فهو له".
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه قسم الإسلام فإنه على قسم الإسلام" رواه أبو داود وابن ماجه وقضى به عمر وعثمان ورواه ابن عبدالبر في التمهيد ولم ينكر فكان إجماعا.
والحكمة فيه الترغيب في الإسلام والحث عليه فعلى هذا إن أسلم قبل قسم البعض ورث ما بقي فإن كان الوارث واحدا فتصرفه في التركة وحيازتها كقسمتها ذكره في المغني والشرح.
وظاهره: أنه إذا قسمت التركة وتعين حق كل وارث ثم أسلم فلا شيء له،(6/215)
وعنه لا يرث وإن عتق عبد بعد موت موروثه وقبل القسم لم يرث وجها واحدا ويرث أهل الذمة بعضهم بعضا إن اتفقت أديانهم وهم ثلاث.
__________
واستثنى الخرقي والمجد والجد الميراث بالولاء وهو ما إذا أعتق الكافر مسلما أو بالعكس فإنه يرثه بالولاء على المذهب لثبوته.
"وعنه: لا يرث" نقلها أبو طالب وصححها جماعة وقاله أكثر العلماء لقوله عليه السلام لا يرث المسلم الكافر الخبر ولأن الملك قد انتقل عنه بالموت فلم يشاركهم من أسلم كما لو اقتسموا أو كان رقيقا فأعتق.
فعليها يرث عصبة سيده الموافق لدينه وورث الشيخ تقي الدين المسلم من ذمي لئلا يمتنع قريبه من الإسلام ولوجوب نصرهم ولا ينصروننا.
"وإن عتق عبد بعد موت موروثه وقبل القسم لم يرث وجها واحدا" نص عليه في رواية ابن الحكم وقاله جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم لأن مقتضى الدليل منعه مطلقا خرج منه ما سبق فبقي ما عداه على مقتضاه.
وعنه: يرث ذكرها ابن أبي موسى كمن أسلم وقاله ابن مسعود ومكحول وقتادة والأول أصح قال ابن حمدان والمذهب توريث من أسلم لا من عتق والفرق أن الإسلام أعظم الطاعات والقرب ورد الشرع بالتأليف عليه فورد الشرع بتوريثه ترغيبا له في الإسلام والعتق لا صنع له فيه ولا يحمد عليه فلم يصح قياسه عليه ولولا ما ورد من الأثر في توريث من أسلم لكان النظر أن لا يرث من لم يكن من أهل الميراث حين الموت.
فرع: لو ملك ابن عمه فدبره يعتق بموته ولم يرثه لأنه رقيق حين الموت وإن قال أنت حر في آخر حياتي عتق وورث في الأصح لحريته عند الموت.
"ويرث أهل الذمة بعضهم بعضا إن اتفقت أديانهم" لا نعلم فيه خلافا وهم ثلاث وإن اختلفت لم يتوارثوا وعنه: يتوارثون لأن المانع من الإرث اختلاف الدين وهو منتف لكن لا فرق بين أهل الذمة وغيرهم من الكفار في ذلك لمفهوم حديث أسامة "وهم ثلاث ملل" هذا رواية "اليهودية(6/216)
ملل اليهودية والنصرانية ودين سائرهم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وإن اختلفت أديانهم لم يتوارثوا وعنه: بتوارثون.
ولا يرث ذمي حربيا ولا حربي ذميا ذكره القاضي.
__________
والنصرانية" لأن كلا منهما له كتاب وأحكام وشرائع غيرالأخرى "ودين سائرهم" أي: باقيهم كالمجوس وعبدة الأوثان فإنهم ملة واحدة لأنه يشملهم بأنه لا كتاب لهم وهذا قول شريح وعطاء وجمع.
واختاره القاضي وعامة الأصحاب وجزم به في الوجيز لما روى عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتوارث أهل ملتين شيئا" رواه أبو داود ولأن الموالاة منقطعة بينهم أشبه اختلافهم بالكفر والإسلام.
وعنه: الكفر ملل مختلفة اختاره أبو بكر والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما وقدمه في الفروع وهو قول كثير من العلماء لأن الخبر المذكور ينفي توارثهم ولم نسمع عن أحمد تصريحا بذكر انقسام الملك.
فعلى هذا لا توارث بينها قال في المغني والشرح يحتمل أن تكون مللا كثيرة فتكون المجوسية ملة وعبدة الأوثان ملة وعباد الشمس ملة قال في المغني وهو أصح لأن كل فريقين منهم لا موالاة بينهم ولا اتفاق في دين وقول من حصر الملة بعدم الكتاب لا يصح لأنه وصف عدمي لا يقتضي حكما.
وعنه: ملة واحدة نقلها حرب فعليها يتوارثون اختارها الخلال لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} عام في جميعهم فالصابئة قيل كاليهود وقيل: كالنصارى "وإن اختلفت أديانهم لم يتوارثوا" هذا هو المذهب لخبر ابن عمر.
"وعنه: بتوارثون" قدمه في الكافي والمحرر وكمفهوم حديث أسامة قال في الشرح وهذا يجيئ على قولنا إن الكفر ملة واحدة.
"ولا يرث ذمي حربيا ولا حربي ذميا ذكره القاضي" وقاله أكثر(6/217)
ويحتمل أن يتوارثا والمرتد لا يرث أحدا إلا أن يسلم قبل قسم الميراث وإن قتل في ردته فما له في بيت مال المسلمين،
__________
أصحابنا وذكره أبو الخطاب في التهذيب اتفاقا لانقطاع الموالاة بينهما "ويحتمل أن يتوارثا" نص عليه في رواية يعقوب وقاله القاضي في تعليقه قال في الانتصار: وهو الأقوى في المذهب عملاً بظاهر الخبر ولأنهم أهل ملة واحدة وإنما اختلفت الدار.
قال في المغني: قياس المذهب عندي أن الملة الواحدة يتوارثون وإن اختلفت ديارهم لأن العمومات في النصوص تقتضي توريثهم ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع ولا يصح فيهم قياس فيجب العمل بعمومها ولأن مقتضى التوريث موجود فيعمل به مالم يقم دليل على تحقق المانع.
مسألة: يتوارث حربي ومستأمن وذمي ومستأمن وفي المنتخب يرث مستأمنا ورثته بدار حرب لأنه حربي وفي الترغيب هو في حكم ذمي ونقل أبو الحارث المستأمن يموت هنا ترثه ورثته.
"والمرتد لا يرث أحدا" بغير خلاف علمناه لأنه لا يقر على كفره فلم يثبت له حكم الدين الذي انتقل إليه ولهذا لا تحل ذبيحته ولا نكاح نسائه ولو انتقل إلى دين أهل الكتاب لأن المرتد تزول أملاكه الثابتة له أو استقرارها فلأن لا يثبت له ملك أولى "إلا أن يسلم قبل قسم الميراث" فعلى الخلاف السابق.
ولو ارتد متوارثان فمات أحدهما لم يرثه الآخر لأن المرتد لا يرث ولا يورث لكن قال المؤلف قياس المذهب أن أحد الزوجين إذا ارتد في مرض موته ورثه الآخر ويخرج في ميراث سائر الأقارب كذلك.
"وإن قتل" أو مات "في ردته فماله في بيت مال المسلمين" هذا هوالمشهور والصحيح وقاله ابن عباس وغيره لأنه كافر فلا يرثه المسلم كالكافر الأصلي ولأن ماله مال مرتد أشبه الذي كسبه في ردته ولا يمكن جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه كغيرهم من أهل الأديان.(6/218)
وعنه: أنه لورثته من أهل الدين الذي اختاره.
__________
"وعنه أنه لورثته من المسلمين" روي عن الصديق وعلي وابن مسعود وجمع واختاره الشيخ تقي الدين لأن ردته كمرض موته والفرق بينهما أن على الأولى: يأخذونه فيئا وعلى الثانية إرثا.
"وعنه: أنه لورثته من أهل الدين الذي اختاره" روي عن علقمة لأنه كافر يرثه أهل دينه كالحربي فإن لم يكن فيهم من يرثه فهو فيء وظاهر ما ذكره الأصحاب لا فرق بين تلاد ماله وطارئه فإن ارتد ودخل دار الحرب وقف ماله إلى أن يموت على الأصح قاله في الرعاية.
تنبيه: لم يتعرض المؤلف لحكم الزنديق وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر الذي كان يسمى منافقا في عصره عليه السلام حكمه كالمرتد قال في الفصول وآكد حيث لا تقبل توبته قال في الفروع والمراد إذا لم يتب أو تاب ولم يقبلها واحتج المؤلف وغيره بكف النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بإظهار الشهادة مع علم الله تعالى له بباطنهم.
واختار الشيخ تقي الدين أن المنافق يرث ويورث لأنه عليه السلام لم يأخذ من تركة منافق شيئا ولا جعله فيئا فعلم أن الميراث مداره على النصرة الظاهرة واسم الإسلام يجري عليهم في الظاهر إجماعا ولا لحكم الداعية وهو إذا دعي إلى بدعة مكفرة فماله فيء نص عليه في الجهمي وعلى الأصح أو غيرداعية وهما في غسله والصلاة عليه وغير ذلك ونقل الميموني في الجهمي إذا مات في قرية ليس فيها إلا نصارى من يشهده قال أنا لا أشهده يشهده من شاء قال ابن حامد ظاهر المذهب خلافها.(6/219)
فصل
وإن أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا ورثوا بجميع قراباتهم،
__________
فصل
"وإن أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا ورثوا بجميع قراباتهم" إن أمكن نص عليه وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه وجمع من التابعين وغيرهم واختاره ابن اللبان لأن الله تعالى فرض للأم الثلث وللأخت النصف فإذا كانت الأم أختا وجب إعطاؤها ما فرض الله لها في الآيتين كالشخصين ولأنهما قرابتان ترث كل واحد منهما منفردة ولا تحجب إحداهما الأخرى إذا كانا في شخصين ولا ترجيح فيهما فيرث بهما جميعا كزوج هو ابن عم وابن عم هو أخ لأم.
وعنه: يرث بأقوى القرابتين وهي التي لا تسقط بحال روي عن زيد وقاله الحسن والزهري لأنهما قرابتان لا يورث بهما في الإسلام فلا يورث بهما في غيره كما لو أسقطت إحداهما الأخرى.
وجوابه: أن أبا بكر أنكر هذه الرواية وقال لم يحك حنبل عن أحمد لفظا ومعنى وبأن القرابتين في الأصل تسقط إحداهما الأخرى إذا كانا في شخصين فكذا إذا كانا في شخص واحد وقولهم لا تورث بهما في الإسلام لعدم وجودهما فلو تصور وجودهما كزوج هو ابن عم ورث بهما.
تنبيه: اعلم أن المسائل التي يجتمع بها قرابتان ويصح الإرث بهما ست إحداهن في الذكور وهي عم هو أخ لأم وخمس في الإناث وهي بنت هي أخت أو بنت ابن وأم هي أخت وأم أم هي أخت لأب وأم أب هي أخت لأم ومتى كانت البنت أختا والميت رجل فهي أخت لأم ومتى كان امرأة فهي أخت لأب فإن قيل أم هي أخت لأم أو أم أو هي أخت لأم وأم أب هي أخت لأب فهو محال.(6/220)
فإذا خلف أمه وهي أخته من أبيه وعما ورثت الثلث بكونها أما والنصف بكونها أختا والباقي للعم فإن كان معها أخت أخرى لم ترث بكونها أماً إلا الثلث لأنها انحجبت بنفسها وبالأخرى.
__________
"فإذا خلف أمه وهي أخته من أبيه وعما ورثت الثلث بكونها أماً والنصف بكونها أختا" لما تقدم "والباقي للعم" لخبر ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر "فإن كان معهما أخت أخرى لم ترث بكونها أماً إلا السدس" وعلله "لأنها انحجبت بنفسها وبالأخرى" لأن الأم ترد من الثلث إلى السدس بالأختين ومن ورثها بأقوى القرابتين ورثها الثلث بكونها أماً ولم يحجبها بنفسها وقد تحجب هي نفسها وهو ما إذا تزوج مجوسي أمه فأولدها بنتا ثم مات فلها السدس ولابنته النصف ولا يرث أمه بالزوجية ولا ابنته بالأخوة للأم لأن ولد الأم وهو موجود هنا فتكون إذاً قد حجبت نفسها بنفسها.
مسألة: مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم مات عنها وعن عم فلها الثلثان والبقية للعم ولا ترث الكبرى بالزوجية في قول الجميع فإن ماتت الكبرى بعده فالمال للصغرى لأنها بنت وأخت فإن ماتت قبل الكبرى فلها نصف وثلث والبقية للعم.
ومن ورث بأقواهما لم يورثها بالأخوة شيئا في المسألتين ثم لو تزوج الصغرى فولدت بنتا وخلف معهن عما فلبناته الثلثان وما بقي للعم ولو ماتت بعده ابنته الكبرى فللوسطى النصف لأنها بنت وما بقي لها وللصغرى لأنهما أختان لأب.
وتصح من أربعة فهذه بنت بنت ورثت مع بنت فوق السدس ولو ماتت بعده الوسطى فالكبرى أم وأخت لأب والصغرى بنت وأخت لأب فللأم السدس وللبنت النصف وما بقي لهما بالتعصيب وإن ماتت الصغرى بعدها فأم أمها أخت لأب فلها الثلثان وما بقي للعم.(6/221)
ولا يرثون بنكاح ذوي المحارم ولا بنكاح لا يقرون عليه لو أسلموا.
__________
ولو ماتت بعده بنته الصغرى فللوسطى بأنها أم السدس وحجبت نفسها ولهما الثلثان بأنهما أختان لأب وما بقي للعم ولا ترث الكبرى بأنها جدة مع أم فهذه جدة حجبت أما وورثت معها ومن حجب نفسه عمل به.
"ولا يرثون بنكاح ذوات المحارم" لا نعلم فيه خلافا "ولا بنكاح لا يقرون عليه" كمن تزوج مطلقته ثلاثا "لو أسلموا" لأنه باطل لا يقر عليه والمجوس وغيرهم في هذا سواء وظاهره: أنهم إذا اعتقدوا صحته وأقروا عليه بعد الإسلام يرثون به سواء وجد بشروطه الصحيحة المعتبرة في نكاح المسلمين أو لا كمن تزوج بلا شهود ونحوه لأنه نكاح يقر عليه فترتب عليه الإرث كالنكاح الصحيح وفي بعض الأنكحة خلاف.
واستحقاق الإرث مبني على الخلاف في أنه يقر عليه أم لا فالمجوسي إذا تزوج امرأة في عدتها فظاهر كلام أحمد أنهما يتوارثان لإقرارهم عليه بعد الإسلام.
وقال القاضي: إن أسلما بعد انقضاء العدة أقرا وإلا فلا فعليه لو مات أحدهما قبل انقضاء العدة لم يتوارثا وإن مات بعده توارثا وتأول كلام أحمد على من أسلم بعد انقضاء العدة.(6/222)
باب ميراث المطلقة
إذا طلقها في صحته أو مرض غير مخوف أو غيرمرض الموت طلاقا بائنا قطع التوارث بينهما،
__________
باب ميراث المطلقة
مشدودة ولا ممسكة بعقد النكاح.
"إذا طلقها في صحته أو مرض غير مخوف أوغير مرض الموت طلاقا بائنا قطع التوارث بينهما" لأن التوارث سببه الزوجية وهي معدومة هنا ولأن حكم(6/222)
وإن كان رجعياً لم يقطعه ما دامت في العدة وإن طلقها في مرض الموت المخوف طلاقا لا يتهم فيه بأن سألته الطلاق أو علق طلاقها على فعل لها منه بد ففعلته أو علقه على شرط في الصحة فوجد في المرض،
__________
الطلاق في مرض غير مخوف حكم الطلاق في الصحة وحينئذ إذا طلقها في صحته طلاقا بائنا أورجعياً فبانت بانقضاء عدتها لم يتوارثا إجماعا لزوال الزوجية التي هي سبب الميراث فإن طلقها في المرض المخوف ثم صح منه ومات بعده لم ترثه.
"وإن كان رجعياً لم يقطعه ما دامت في العدة" سواء كان صحيحا أو مريضا بغيرخلاف نعلمه لأن الرجعية زوجة "وإن طلقها في مرض الموت المخوف طلاقا لا يتهم فيه بأن سألته الطلاق" أي: في مرضه فأجابها فالأصح أنها لا ترثه لأنه ليس بفار.
والثانية: بلى صححها في المستوعب والشيخ تقي الدين لأنه طلقها في مرضه فهو كمن سألته طلقة فطلقها ثلاثا.
وقال أبو محمد الجوزي إذا سألته الطلاق فطلقها ثلاثا لم ترثه وهو معنى كلام جماعة وكذلك الحكم إذا خالعها "أو علق طلاقها على فعل لها منه بد ففعلته" أو خيرها فاختارت نفسها أو علق طلاقها على مشيئتها فشاءت فالأصح أنها لا ترثه لأنه ليس بفار ولزوال الزوجية بأمر لا يتهم فيه لكن إن لم تعلم بتعليق طلاقها ففعلت ما علق عليه ورثته لأنها معذورة فيه ذكره في المغني والشرح "أو علقه على شرط في الصحة" ليس من صنعهما ولا من صنعها ولها منه بد "فوجد في المرض" كقدوم زيد مثلا لم ترثه لما ذكرنا. وذكر القاضي رواية أخرى فيهما بالإرث لأن الطلاق وقع في المرض فلو علق طلاقها على فعل نفسه وفعله في المرض ورثته لأنه أوقعه في المرض ولو قال في الصحة أنت طالق إن لم أضرب غلامي فلم يضربه حتى مات ورثته ولا(6/223)
أو طلق من لا يرث كالأمة والذمية فعتقت أو أسلمت فهو كطلاق الصحيح في أصح ا لروايتين فإن كان متهما بقصد حرمانها الميراث مثل إن طلقها ابتداء،
__________
يرثها إن ماتت وإن مات الغلام والزوج مريض طلقت وكان كتعليقه على مجيء زيد. وكذا إن قال إن لم أوفك مهرك فأنت طالق فإن ادعى أنه وفاها مهرها فأنكرته صدق الزوج في توريثه منها لأن الأصل بقاء النكاح ولم يصدق في براءته منه لأن الأصل بقاؤه في ذمته فلو قال لها في صحته إن لم أتزوج عليك فأنت طالق فكذلك نص عليه وهو قول الحسن.
فرع: إذا قال لها في صحته إذا مرضت فأنت طالق فهو كطلاق المريض سواء أو إن أقر في مرضه أنه كان طلقها في صحته ثلاثا لم يقبل إقراره وكان كطلاق المريض لأنه أقر بما يبطل حق غيره فلم يقبل كما لو أقر بما لها.
"أو طلق" المسلم في المرض طلاقا بائنا "من لا يرث كالأمة والذمية فعتقت أو أسلمت" ثم مات عقبها "فهو كطلاق الصحيح في أصح الروايتين" أي: لم يرثاه لأنه ليس بفار و الثانية: بلى لأنه طلاق في مرض الموت فورثاه كغيرهما وهذه الرواية لم يذكرها في المغني والكافي فلو قال لهما أنتما طالقتان غدا فعتقت الأمة وأسلمت الذمية لم يرثاه لأنه ليس بفار.
"فإن كان متهما بقصد حرمانها الميراث مثل أن طلقها" ثلاثا وفي المحرر أبانها وهو أولى في مرضه المخوف "ابتداء" ورثته إذا مات في قول عمر وعثمان وشريح وعروة وغيرهم وقال علي وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن عوف لا ترث مبتوتة لأنها بائن فلا ترث كالبائن في الصحة وكما لو كان الطلاق باختيارها.
وجوابه: بأن عثمان ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكان طلقها في مرضه فبتها واشتهر ذلك في الصحابة ولم ينكر(6/224)
أو علقه على فعل لا بد لها منه كالصلاة ونحوها ففعلته أو قال للذمية أو الأمة إذا أسلمت أو عتقت فأنت طالق أو علم أن سيد الأمة قال لها أنت حرة غدا فطلقها اليوم ورثته ما دامت في العدة ولم يرثها،
__________
فكان إجماعا ولم يثبت عن علي وعبدالرحمن بن عوف خلاف هذا.
بل روى عروة أن عثمان قال لعبدالرحمن إن مت لأورثنها منك.
قال قد علمت ذلك وما روي عن ابن الزبير فهو مسبوق بالإجماع ولأنه قصد قصدا فاسدا فعومل بنقيض قصده كالقاتل القاصد استعجال الميراث.
"أو علقه" أي: الثلاث "على فعل لا بد لها منه" شرعا "كالصلاة" المفروضة "ونحوها" كالصوم الواجب أو عقلا كأكل ونحوه لانها تضطر إلى فعل ذلك فتعليقه عليه كتنجيزه في قول الجميع وكذا إن علقه على كلامها لأبويها أو أحدهما قطع به في المنتخب والشرح وذكره في الرعاية قولا وفي المحرر وكلام أيهما "ففعلته".
وكذا لو طلقها طلقة بعوض من غيرها أو قذفها في صحته ولاعنها في مرضه وقيل: للحد لا لنفي الولد ورثته على الأصح وجزم جماعة بخلافه وإن آلى منها في مرضه ثم صح ثم رجع إلى مرضه وبانت بالإيلاء لم ترثه ذكره في الشرح.
"أو قال للذمية أو الأمة إذا أسلمت أو عتقت فأنت طالق" ثلاثا لأن قصد الحرمان ظاهر فيه لكونه رتب الطلاق على الموجب للإرث "أو علم أن سيد الأمة قال لها أنت حرة غدا فطلقها" أي: أبانها "اليوم" لأنه فار.
وظاهره: أنه إذا لم يعلم أنها لا ترثه وهو ظاهر لعدم الفرار بغير خلاف نعلمه وكذا إذا وطئ عاقل وقيل: مكلف حماته أو علق إبانتها في صحته على مرضه أو على فعل له ففعله في مرضه أو على تركة نحو لأتزوجن عليك أو وكل في صحته من يبينها متى شاء فأبانها في مرضه "ورثته ما دامت في العدة" رواية واحدة لوجود المقتضي "ولم يرثها" لأن مقتضى البينونة قطع التوارث خولف في(6/225)
وهل ترثه بعد العدة أو ترثه المطلقة قبل الدخول؟ على روايتين.
__________
الزوجة لما ذكرنا فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل.
"وهل ترثه بعد العدة أو ترثه المطلقة قبل الدخول؟ على روايتين" الأشهر أنها ترثه في العدة وبعدها مالم تتزوج نقله واختاره الأكثر وذكر أبو بكر أن قول أحمد لا يختلف في ذلك وهو قول الحسن وجمع لما روى أبو سلمة بن عبدالرحمن أن أباه طلق أمه وهو مريض فورثها بعد انقضاء العدة.
ولأن سبب توريثها فراره من ميراثها وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة وشرطه مالم ترتد والأظهر أو تسلم.
والثانية: لا ترث بعد العدة اختاره في التبصرة لأنه يفضي إلى توريث أكثر من أربع فلم يجز كما لو تزوجت فعلى هذا لو تزوج أربعا سواها ثم مات صح على الأصح فترثه الخمس.
وعنه: وصححها في المحرر أن ربعة للمبتوتة وثلاثة أرباعه للأربع إن تزوجهن في عقد وإلا فللثلاث السوابق بالعقد وقيل: كله للمبتوتة فإن تزوجت أو ماتت فحقها للجدد في عقد وإلا فللسابقة إلى كمال أربع بالمتبوعة.
وأما المطلقة قبل الدخول فروايتان أطلقهما في الفروع وقدم في المحرر عدم الإرث وذكر أبو بكر إذا طلقها ثلاثا قبل الدخول في مرضه أربع روايات:
إحداهن: لها الصداق كاملا والميراث وعليها العدة لأن الميراث ثبت للمدخول بها لفراره وهذا فار وإذا ثبت الميراث وجب تكميل الصداق قال المؤلف وينبغي أن تكون العدة عدة وفاة وقيل: طلاق.
والثانية: لها الميراث والصداق ولا عدة عليها لأن العدة حق عليها فلا تجب بفراره.
والثالثة: لها الميرث ونصف الصداق وعليها العدة وهي قول مالك لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الآية. والرابعة: لا ترث ولا عدة عليها ولها نصف(6/226)
فإن تزوجت لم ترثه وإن أكره الابن امرأة أبيه على ما يفسخ نكاحها لم يقطع ميراثها إلا أن تكون له امرأة سواها.
__________
الصداق وهي قول أكثر العلماء لأن الله تعالى نص على تنصيف الصداق ونفي العدة عن المطلقة قبل الدخول وأما الميراث فليست زوجة ولا معتدة من نكاح أشبهت المطلقة في الصحة فإن خلا بها وأنكر الوطء وصدقته فلها الميراث وعليها العدة للوفاة ويكمل لها الصداق لأن الخلوة تكفي في ثبوت هذه الأحكام.
"فأن تزوجت لم ترثه" لأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول أشبه مالو فسخت النكاح وسواء كانت باقية مع الزوج الثاني أو بانت منه في قول أكثر العلماء "وإن أكره الابن" وهو عاقل وارث "امرأة أبيه" أو جده المريض "على ما يفسخ نكاحها" من وطء أو غيره "لم يقطع ميراثها" لأنه قصد حرمانها أشبه مالو أبانها زوجها وظاهره: سواء زاد إرثه أو نقص أو كان له أولاد أخر أو لم يكن له أو فات إرثه بقتل أو حجب فإن طاوعته فالأشهر أنها لا ترثه لأنها مشاركة له فيما ينفسخ نكاحها أشبه مالو خالعته.
"إلا أن تكون له امرأة" وارثة "سواها" فإن المستكرهة لا ترث لانتفاء التهمة وكذا لو كان الابن مجنونا أو عبدا أو كافرا أو استدخلت ذكره وهو نائم لم ترثه في الأصح والاعتبار بالتهمة حال الإكراه فعلى هذا لو صار ابن الابن وارثا بعد ذلك لم ترث لانتفاء التهمة حال الوطء وعكسه لو كان وارثا حال الوطء فعاد محجوبا ورثت لوجود التهمة حين الوطء وجزم بعضهم إن انتفت التهمة بقصد حرمانها الإرث أو بعضه لم ترثه في الأصح. قال في الفروع فيتوجه منه لو تزوج في مرضه مضارة لينتقص إرث غيرها وأقرت به لم ترثه ومعنى كلام شيخنا وهو ظاهر كلام غيره ترثه لأن له أن يوصي بالثلث.
فرع: لو كان للمريض امرأتان فاستكره ابنه إحداهما لم ترثه لانتفاء التهمة لكون ميراثها لا يرجع إليه وإن استكره الثانية: بعدها ورثت لأنه متهم في حقهما فإن استنكرهما معا ورثتا معا.(6/227)
وإن فعلت في مرض موتها ما يفسخ نكاحها لم يسقط ميراث زوجها وإن خلف زوجات نكاح بعضهن فاسد أقرع بينهن فمن أصابتها القرعة فلا ميراث لها.
__________
مسألة: تقدم أنه إذا وطئ حماته أن امرأته تبين منه وترثه سواء طاوعته أو لا وإن كان زائل العقل حين الوطء لم ترث شيئا لأنه ليس له قصد صحيح فلا يكون فارا وكذا لو وطئ بنت امرأته وهو زائل العقل فإن كان صبيا عاقلا ورثت لأن له قصدا صحيحا وفي القبلة والمباشرة دون الفرج روايتان إحداهما تنشر الحرمة كالوطء و الثانية: لا كالنظر وخرج بعض أصحابنا في النظر إلى الفرج والخلوة لشهوة وجها له ينشر الحرمة والأصح خلافه.
"وإن فعلت في مرض موتها ما يفسخ نكاحها" بأن ترضع زوجها الصغير أو ترتد سقط ميراثها "لم يسقط ميراث زوجها" لأنها أحد الزوجين فلم يسقط فعلها ميراث الآخر كالزوج قال في الفروع والزوج في إرثها إذا قطعت نكاحها منه كفعله وكذا ردة أحدهما ذكره في الانتصار وذكره الشيخ قياس المذهب والأشهر لا وكذا خرج الشيخ في سائر الأقارب.
تنبيه: إذا أعتقت فاختارت نفسها أو كان الزوج عنينا فأجل سنة ولم يصبها حتى مرضت في آخر الحول فاختارت فرقته وفرق بينهما لم يتوارثا ذكره ابن اللبان وذكر القاضي في المعتقة إذا اختارت نفسها في مرضها لم يرثها لأن فسخ النكاح لدفع الضرر لا للفرار
ولو زوج ابنة أخيه صغيرة ففسخت النكاح في مرضها لم يرثها الزوج بغير خلاف علمناه لأن النكاح فاسد من أصله في الصحيح من المذهب وعن أحمد خلافه ولها الخيار لأن الفسخ ليس للفرار فلم يرثها كما لو فسخت المعتقة نكاحها.
"وإن خلف زوجات نكاح بعضهن فاسد" قال في المحرر أو منقطع قطعا يمنع الإرث ولم يعلم عينها "أقرع بينهن" لأنها تزيل الإبهام فشرعت كالعتق "فمن أصابتها القرعة فلا ميراث لها" ذكره أبو بكر والأصحاب لأن القرعة تعينها.(6/228)
وإذا طلق أربع نسوة في مرضه فانقضت عدتهن وتزوج أربعا سواهن فالميراث للزوجات وعنه: أنه بين الثمان.
__________
فرع: لو قبلها في مرضه ثم مات لم ترثه لخروجها من حيز التملك والتمليك ذكره ابن عقيل وغيره ويتوجه خلاف كمن وقع في شبكته صيد بعد موته ذكره في الفروع.
"وإذا طلق أربع نسوة في مرضه فانقضت عدتهن وتزوج أربعا سواهن فالميراث للزوجات وعنه: أنه بين الثمان" جعل ابن المنجا هذا الخلاف مبنيا على أن المطلقة في مرض الموت هل ترث مالم تتزوج والأصح الإرث.
فعلى هذا الصحيح هنا أن الميراث بين الثمان وفيه شيء ونقل أبو الخطاب أن الميراث هل هو للمطلقات أو بين الثمان فيه وجهان:
أحدهما: أنه بين المطلقات لأنهن يرثن ما كن يرثن وكن يرثن جميع الميراث فكذا بعد تزويجه.
والثاني: أنه بين الثمان لأن المطلقات إذا ورثن وقد مضى نكاحهن فلأن ترث الزوجات ونكاحهن باق بطريق الأولى وجملته أن المريض إذا طلق امرأته ثم نكح غيرها ثم مات لم يخل من حالين:
أحدهما: أن يموت في عدة المطلقة فترثاه جميعا في قول الجمهور وفيه وجه أن الميراث كله للمطلقة بناء على أن نكاح المريض غير صحيح لأنها ترث منه ما كانت ترث قبل طلاقها وهو جميع الميراث فكذا بعده ورده في المغني والشرح بأنها إنما ترث ما كانت ترث لو لم يطلقها ولو تزوج ولم يطلقها لم ترث إلا نصف ميراث الزوجات فكذا إذا طلقها فعلى هذا لو تزوج ثلاثا في مرضه فللمطلقة ربع ميراث الزوجات ولكل واحدة منهن ربعه. الثاني: أن يموت بعد انقضاء عدة المطلقة فيكون الميراث كله للزوجات وعنه: للأربع كما لو مات في عدة المطلقة.(6/229)
..........................................................................................................................................
__________
مسألة: إذا كن أربع نسوة فطلق إحداهن في مرضه ثلاثا ثم نكح أخرى في عدة المطلقة أو طلقها ونكح أختها في عدتها ومات في عدتها فالنكاح باطل والميراث بين المطلقة وباقي الزوجات الأوائل فإن مات بعد انقضاء عدتها ففي ميراثها روايتان:
إحداهما: لا ميراث لها فيكون لباقي الزوجات.
والثانية: ترث معهن ولا شيء للمنكوحة فإن تزج الخامسة: بعد انقضاء عدة المطلقة صح نكاحها وهل ترث المطلقة على روايتين ظاهر كلام أحمد عدم الإرث لأنه يلزم منه توريث ثمان نسوة أو أختان أو حرمان الزوجات المنصوص على ميراثهن فعلى هذا يكون الميراث للزوجات دون المطلقة.
والثانية: ترث المطلقة وفيه وجهان أحدهما يكون الميراث بين الخمس والثاني: يكون للمطلقة والمنكوحات الأوائل لأن المريض ممنوع من أن يحرمهن ميراثهن بالطلاق فكذا يمنع من تنقيصهن منه.
ورد المؤلف كلا الوجهين أما أحدهما فرده نص الكتاب على توريث الزوجات فلا يجوز مخالفته وأما الآخر فلأن الله تعالى لم يبح نكاحهن أكثر من أربع ولا الجمع بين الأختين فلا يجوز أن يجتمعن في ميراثه بالزوجية وعلى هذا لو طلق أربعا في مرضه وانقضت عدتهن ونكح أربعا سواهن ثم مات في مرضه فعلى المختار ترثه المنكوحات خاصة وعلى الثاني فيه وجهان أحدهما أنه بين الثمان والثاني: أنه للمطلقات وإن صح من مرضه ثم تزوج أربعا في صحته ثم مات فالميراث لهن في قول الجماعة ولا شيء للمطلقات.
فرع: إذا ادعت عليه زوجته طلاقا يقطع الميراث فأنكر لم ترثه إن مات إذا كانت مقيمة على قولها ذكره في المحرر والفروع.(6/230)
باب الإقرار بمشارك في الميراث
إذا أقر الورثة كلهم بوارث للميت فصدقهم أوكان صغيرا ثبت نسبه وإرثه سواء كانوا جماعة أو واحدا وسواء كان المقر به يحجب المقر أو لا يحجبه كأخ يقر بابن للميت
__________
باب الإقرار بمشارك في الميراث
"إذا أقر الورثة كلهم" ولو مع أهلية الشهادة ولو أنه واحد ذكرا كان أو أنثى "بوارث للميت فصدقهم أو كان صغيرا" أو مجنونا وسواء كان من حرة أو أمة نقله الجماعة ثبت نسبه وإرثه لأنه عليه السلام قبل قول عبد بن زمعة لما ادعى نسب وليدة أبيه وقال هذا أخي ولد على فراش أبي فأثبت نسبه منه ولأن الوارث يقوم مقام مورثه في ميراثه وديونه وسائر حقوقه فكذا في النسب وإذا ثبت النسب ثبت الإرث واشترط في البالغ العاقل التصديق لأن الإقرار بالنسب إقرار فاشترط تصديق المقر له كالإقرار بالمال وفي الصغير يكتفى بصغره لعدم اعتبار قوله فقبل الإقرار بنفسه وإن لم يصدقه كالمال وظاهره: أنه يثبت بالنسب ولو مع وجود منكر لا يرث لمانع رق ونحوه إن كان مجهول النسب وإلا فلا والإرث إن لم يكن به مانع.
"سواء كانوا" أي: المقرين "جماعة أو واحدا" لأنهم سواء في الإقرار بالمال فكذا في الإقرار بغيره "وسواء كان المقر به يحجب المقر أو لا يحجبه كأخ يقر بابن للميت أو ابن ابن يقر بابن للميت" فإنه يثبت نسبه وإرثه لبعض المقر هذا هو المذهب وقاله شريح لأنه ثابت النسب لم يوجد في حقه مانع من الإرث فدخل في عموم النص والعبرة بكونه وارثا حالة الإقرار.
وقيل: لا يرث مسقط اختاره أبو إسحاق وذكره الأزجي عن الأصحاب سوى القاضي وأنه الصحيح لأن توريثه يفضي إلى إسقاط توريثه فسقط لأنه لو ورث لخرج المقر عن كونه وارثا فيبطل إقراره فعليه نصيبه بيد المقر وقيل:(6/231)
وإن أقر بعضهم لم يثبت نسبه إلا أن يشهد منهم عدلان أنه ولد على فراشه أو أن الميت أقر به،
__________
ببيت المال فإن بلغ الصغير وعقل المجنون فصدقا المقر يثبت إرثهما من المقر وعلى الأول يعتبر إقرار الزوج والمولى المعتق إذا كانا من الورثة ولو كانت بنتا صح لإرثها بالفرض والرد.
فرع: إذا أقر أحد الزوجين بابن للآخر من غيره فصدقه نائب الإمام ثبت نسبه وفيه احتمال ذكره الأزجي لأن الإمام ليس له منصب الورثة قال وهو مبني على أنه هل له استيفاء قود لا وارث له وإذا لم يثبت أخذ نصف ما بيد المقر
"وإن أقر بعضهم" لوارث مشارك لهم في الميراث لم يثبت نسبه بالإجماع ذكره في الشرح لأن النسب لا يتبعض فلا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر ولا إثباته في حقهما لأن الآخر منكر فلا يقبل إقرار غيره عليه ولم توجد شهادة يثبت بها النسب ولو كان المقر عدلين لأنه إقرار من بعض الورثة وعنه: إن أقر اثنان منهم على أبيهما بدين أو نسب ثبت في حق غيرهم إعطاء له حكم شهادة وإقرار وفي اعتبار العدالة منهما روايتان.
"إلا أن يشهد منهم" أو من غيرهم "عدلان أنه ولد على فراشه" أو ولده "أو أن الميت أقر به" ثبت نسبه من المقرين الوارثين ويشاركهم في الإرث لأنها بينة عادلة فثبت النسب بها كالأجانب ولأنهما لو شهدا على غير مورثهما لقبل فكذا إذا شهدا عليه وقيل: لا جزم به الأزجي وغيره فلو كان المقر به أخا ومات المقر عن ابن عم ورثوه وعلى الأول يرثه الأخ وهل يثبت نسبه من ولد المقر المنكر له تبعا فتثبت العمومة فيه وجهان.
وفي الانتصار خلاف مع كونه أكبر سنا من أبي المقر أو معروف النسب ولو مات المقر وخلفه المنكر فإرثه بينهما فلو خلفه فقط ورثه وذكر جماعة إقراره كوصية فيأخذ المال في وجه وثلثه في آخر وقيل: لبيت المال.(6/232)
وعلى المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده عن ميراثه فإذا أقر أحد الابنين بأخ فله ثلث ما في يده وإن أقر بأخت فلها خمس ما في يده فإن لم يكن في يد المقر فضل فلا شيء للمقر به.
__________
"وعلى المقر" إذا لم يثبت النسب "أن يدفع إليه فضل ما في يده عن ميراثه" لأنه تبين بإقراره أنه لا يستحقه "فإذا أقر أحد الابنين بأخ فله ثلث ما في يده" نقله بكر بن محمد لأن في يده النصف وهو لا يستحق إلا الثلث فالسدس مستحق للمقر به وهو ثلث النصف "وإن أقر بأخت فلها خمس ما في يده" لأن في يده النصف وهو يستحق خمسين فنصف الخمس مستحق للمقر بها وهو خمس ما في يده هذا قول الجمهور.
وقال النخعي وحماد يقاسمه ما في يده لأنه يقول أنا وأنت سواء في ميراث أبينا وما أخذه المنكر بمنزلة التالف وأجيب بأنه إنما أقر له بالفاضل عن ميراثه فلم يلزمه أكثر مما أقر به كما لو أقر له بمعين وكإقرار أحد الشريكين بجناية العبد والتركة بينهم أثلاثا فلا يستحق ما في يده إلا الثلث كما لو ثبت نسبه ببينة.
فرع: خلف ابنا فأقر بأخ ثم جحده لم يقبل جحده ولزمه أن يدفع نصف ما في يده فإن صدقه المقر له أو به فوجهان ذكرهما في الكافي وغيره فإن أقر بعد جحده بآخر احتمل أن لا يلزمه له شيء وإن كان لم يدفع إلى الأول شيئا لزمه أن يدفع إليه نصف ما في يده ولا يلزمه للآخر شيء ويحتمل أن يلزمه دفع النصف كله إلى الثاني ويحتمل أن يلزمه ثلث ما في يده للثاني كما لو أقر بالثاني من غير جحد الأول.
فإن خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ ثم جحده ثم أقر بأخ لم يلزمه للثاني شيء وعلى الاحتمال الثاني يدفع إليه نصف ما في يده وعلى الثالث يلزمه دفع ما بقي في يده ولا يثبت نسب واحد منهما ويثبت نسب المقر به الأول في المسألة الأولى دون الثاني.
"فان لم يكن في يد المقر فضل فلا شيء للمقر به" لأنه يقر على غيره "وإذا(6/233)
وإذا خلف أخا من أب وأخا من أم فاقرأ بأخ من أبوين ثبت نسبه وأخذ ما في يد الأخ من الأب وإن أقر به الأخ من الأب وحده أخذ ما في يده ولم يثبت نسبه وإن أقر به الأخ من الأم وحده أو أقر بأخ سواه فلا شيء له وطريق العمل أن تضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار وتدفع إلى المقر سهمه من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار وإلى المنكر سهمه من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار وما فضل فهو للمقربه فلو خلف ابنين فأقر أحدهما بأخوين،
__________
خلف أخا من أب وأخا من أم فأقرا بأخ من أبوين ثبت نسبه" لإقرار كل الورثة به "وأخذ ما في يد الأخ من الأب" لأنه تبين بإقراره أنه لا حق له وأن الحق للمقر به إذ هو محجوب به.
"وإن أقر به الأخ من الأب وحده أخذ ما في يده" لأنه يسقطه في الميراث وقال ابو الخطاب: يأخذ نصف ما في يده وهو سهو "ولم يثبت نسبه" لأن كل الورثة لم يقروا به وإقرارهم شرط في ثبوته.
"وإن أقربه الأخ من الأم وحده أو أقر بأخ سواه فلا شيء له" لأنه لا فضل في يده وهذا بخلاف ما إذا أقر بأخوين من أم فإنه يدفع إليهما ثلث ما في يده لأن في يده السدس وبإقراره اعترف أنه لا يستحق من الميراث إلا التسع فيبقى في يده نصف التسع وهو ثلث ما في يده.
"وطريق العمل" في هذا الباب "أن تضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار" لأن به يظهر ما للمقر وما للمنكر وما يفضل وتراعى الموافقة "وتدفع إلى المقر سهمه من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار وإلى المنكر سهمه من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار وما فضل فهو للمقر له" فإذا أقر أحد الابنين بأخ فمسألة الإقرار من ثلاثة والإنكار من اثنين فاضرب إحداهما في الأخرى لتباينهما تكن ستة للمقر سهم من مسألة الإقرار في الإنكار باثنين وللمنكر سهم من الإنكار في الإقرار بثلاثة يبقى سهم للمقر له لأنه الفاضل وهو ثلث ما بقي في يد المقر لأن النصف في يده وقد تبين هنا أنه ثلاثة.
"فلو خلف ابنين فأقر أحدهما بأخوين فصدقه أخوه في أحدهما ثبت نسب(6/234)
فصدقه أخوه في أحدهما ثبت نسب المتفق عليه فصاروا ثلاثة ثم تضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار تكن اثني عشر للمنكر سهم من الإنكار في الإقرار أربعة وللمقر سهم من الإقرار في مسألة الإنكار ثلاثة وللمتفق عليه أن صدق المقر مثل سهمه وإن أنكره مثل سهم المنكر وما فضل للمختلف فيه وهو سهمان في حال التصديق وسهم في حال الإنكار وقال ابو الخطاب: لا يأخذ المتفق عليه من المنكر في حال التصديق إلا ربع ما في يده وصححها من ثمانية للمنكر ثلاثة وللمختلف فيه سهم ولكل واحد من الأخوين سهمان
__________
المتفق عليه" لإقرار كل الورثة به "فصاروا ثلاثة ثم تضرب مسألة الإقرار" وهي أربعة "في مسألة الإنكار" وهي ثلاثة "تكن اثني عشر " لما ذكرنا " للمنكر سهم من الإنكار في الإقرار أربعة وللمقر سهم من الإقرار في الإنكار ثلاثة وللمتفق عليه إن صدق المقر مثل سهمه" لأنه مقر "وإن أنكره مثل سهم المنكر" لأنه منكر "وما فضل للمختلف فيه وهو سهمان في حال التصديق وسهم في حال الإنكار" لأن ذلك هو الفاضل وهذا أصح الأقوال قاله في الشرح.
"وقال ابو الخطاب: لا يأخذ المتفق عليه من المنكر في حال التصديق إلا ربع ما في يده" لأنه لا يدعي أكثر منه لأنه يدعي أنهم أربعة "وصححها من ثمانية" لأن أصل المسألة من اثنين والمقر به يستحق ربع ما في يد المنكر فاضرب أربعة في اثنين بثمانية "للمنكر ثلاثة" لأنه كان يستحق أربعة أخذ منها المتفق عليه ربعها بقي ثلاثة "وللمختلف فيه سهم" لأنه يستحق ربع ما في يد المقر بهما "ولكل واحد من الأخوين سهمان" لأنه كان يستحق أربعة خرج منها سهم للمتفق عليه وسهم للمختلف فيه بقي اثنان للآخر وذكر ابن اللبان أن هذا قياس قول مالك والشافعي وفيه نظر لأن المنكر يقر أنه لا يستحق إلا الثلث وقد حضر من يدعي الزيادة فوجب دفعها إليه ونظيره لو ادعى إنسان داراً في يد آخر فأقر بها لغيره فقال المقر له إنما هي للمدعي فإنها تسلم إليه وقد رد الخبري على ابن اللبان قوله وقال يبقى مع المنكر ثلاثة أثمان وهو لا يدعي إلا الثلث وقد حضر من يدعي هذه الزيادة ولا منازع له فيهافيجب دفعها(6/235)
وإن خلف ابنا فأقر بأخوين بكلام متصل ثبت نسبهما سواء اتفقا أو اختلفا ويحتمل ألا يثبت نسبهما مع اختلافهما فإن أقر بأحدهما بعد الآخر أعطي الأول نصف ما في يده،
__________
إليه قال والصحيح أن يضم المتفق عليه السدس الذي يأخذه من المقر به فيضمه إلى النصف الذي هو بيد المقر لهما فيقتسمانه أثلاثا فتصح من تسعة للمنكر ثلاثة ولكل واحد من الآخرين سهمان.
قال في المغني: ولا يستقيم هذا على قول من لا يلزم المقر أكثر من الفضل عن ميراثه لأن المقر بهما والمتفق عليه لا ينقص ميراثه عن الربع ولم يحصل له على هذا القول إلا التسعان وقيل: في حال الإنكار يدفع المقر بهما إليهما نصف ما في يده ويأخذ المتفق عليه من المنكر ثلث ما في يده فيحصل للمنكر الثلث وللمقر الربع وللمتفق عليه السدس والثمن وللمختلف فيه الثمن وتصح من أربعة وعشرين للمنكر ثمانية وللمتفق عليه سبعة وللمقر ستة وللمختلف ثلاثة قال ابن حمدان وهو أصح.
"وإن خلف ابنا فأقر بأخوين بكلام متصل ثبت نسبهما" مطلقا "سواء اتفقا" مع إقرار الإبن بهما "أو اختلقا" أي: تجاحدا لأن نسبهما ثبت بإقرار كل من الورثة قبلهما فلم تعتبر موافقة الآخر كما لو كانا صغيرين "ويحتمل ألا يثبت نسبهما مع اختلافهما" لأن الإقرار بكل واحد منهما لم يصدر من كل الورثة ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما في يده فإن صدق أحدهما بصاحبه وجحده الآخر ثبت نسب المتفق عليه وفي الآخر وجهان فإن كانا توأمين ثبت نسبهما ولم يلتفت إلى إنكار المنكر منهما سواء تجاحدا معا أو جحد أحدهما صاحبه ومتى أقر الوارث بأحدهما ثبت نسب الآخر فإن أقر بنسب صغيرين معا ثبت نسبهما على الأول وعلى الثاني فيه احتمالان.
"فإن أقر بأحدهما بعد الآخر أعطي الأول نصف ما في يده" : بغير خلاف لأنه اعترف بأخوته فيلزم منه إرثه فتكون المسألة بالنسبة إليه مقسومة على اثنين.(6/236)
والثاني: ثلث ما في يده ويثبت نسب الأول ويقف نسب الثاني على تصديقه وإن أقر بعض الورثة بامرأة للميت لزمه من إرثها بقدر حصته.
__________
"والثاني: ثلث ما في يده" وهو السدس لأنه فاضل عن حقه لأنه أقر أن الأولاد ثلاثة فأحدهم يستحق الثلث فقط.
"وثبت نسب الأول" لأنه أقر به كل الورثة "ويقف نسب الثاني على تصديقه" لأنه صار من الورثة وكذا إن كانا توامين و في المحرر وفي الفروع وإن كذب الثاني بالأول وهو مصدق به ثبت نسب الثلاثة وقيل: يسقط نسب الأول ويأخذ الثاني ثلثي ما في يده وثلث ما في يد المقر.
"وإن أقر بعض الورثة بامراة للميت لزمه من إرثها بقدر حصته" أي: يلزمه ما يفضل في يده لها عن حقه كما لو أقر بابن وفي الرعاية وإن أقر بها كلهم أو شهد بالنكاح اثنان منهم أو من غيرهم ثبت كل إرثها فإن مات المنكر فأقر به ابنه فهل يكمل ارثه فيه وجهان.
مسألة: إذا خلف ثلاثة بنين فأقر أحدهم بأخ وأخت فصدقه أحدهما في الأخ والآخر في الأخت لم يثبت نسبهما ويدفع المقر بهما إليهما ثلث ما في يده ويدفع المقر بالأخ إليه ربع ما في يده ويدفع المقر بالأخت إليها سبع ما في يده فأصل المسألة ثلاثة سهم المقر يقسم بينهما وبينه على تسعة له ستة ولهما ثلاثة وسهم المقر بالأخ بينهما على أربعة له ثلاثة ولأخته سهم وسهم المقر بالأخت بينه وبينها على سبعة له ستة ولها سهم وكلها متباينة فاضرب أربعة في سبعة في تسعة ثم في أصل المسألة تكن سبعمائة وستة وخمسين ومنها تصح للمقر بهما ستة في أربعة في سبعة بمائة وثمانين وستين وللمقر بالأخت ستة في أربعة في تسعة بمائتين وستة عشر وللمقر بالأخ ثلاثة في سبعة في تسعة بمائة وتسعة وثمانين وللأخ المقر به سهمان في أربعة في سبعة ستة وخمسين وسهم في سبعة في تسعة بثلاثة وستين فيجتمع له مائة وتسعة عشر وللأخت سهم في أربعة في سبعة بثمانية وعشرين وسهم(6/237)
وإذا قال رجل مات أبي وأنت أخي فقال هو أبي ولست بأخي لم يقبل إنكاره وإن قال مات أبوك وأنا أخوك لست أخي فالمال كله للمقربه وإن قال ماتت زوجتي وأنت أخوها قال لست بزوجها فهل يقبل إنكاره على وجهين.
__________
في أربعة في تسعة بستة وثلاثين يجتمع لها أربعة وستون ولا فرق بين تصادقهما وتجاحدهما لأنه لا فضل في يد أحدهما عن ميراثه.
"وإذا قال رجل مات أبي وأنت أخي" أو مات أبونا ونحن ابناه "فقال: هو أبي ولست بأخي لم يقبل إنكاره" لأنه نسب الميت إليه بأنه أبوه وأقر بمشاركة المقر في ميراثه بطريق الأخوة فلما أنكر أخوته لم يثبت إقراره به وبقيت دعواه أنه أبوه دونه غير مقبولة كما لو ادعى ذلك قبل الإقرار وحينئذ فالمال بينهما وقيل: للمقر وقيل: للمقر به.
"وإن قال مات أبوك وأنا أخوك قال: لست أخي فالمال كله للمقر به" لأنه صدر الإقرار بأنه أبوه وذلك يوجب كون الميراث له ثم ادعى مشاركته بعد ثبوت الأبوة للأول فإذا أنكر أخوته لم تقبل دعوى هذا المقر "وإن قال" ماتت زوجتي وأنت أخوها قال" لست بزوجها فهل يقبل إنكاره؟ على وجهين" كذا في المحرر.
أصحهما أنه يقبل إنكار الأخ لأن النكاح يفتقر إلى إقامة البينة عليه.
والثاني: لا يقبل لما سبق والمال بينهما قال في الشرح وهذه المسألة تشبه الأولى من حيث أنه نسب الميت إليه بالزوجية في ابتداء إقراره كما نسب الأبوة في قوله مات أبي ويفارقها في أن الزوجية من شرطها الإشهاد ويستحب الإعلان بها واشتهارها فلا يكاد يخفى بخلاف النسب فإنه إنما يشهد عليه بالاستفاضة غالبا.(6/238)
فصل
وإذا أقر من أعيلت له المسألة بمن يزيل العول كزوج وأختين أقرت إحداهما بأخ فاضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار تكن ستة وخمسين واعمل على ما ذكرنا يكن للزوج أربعة وعشرون وللمنكرة ستة عشر وللمقرة سبعة يبقى تسعة للأخ فإن صدقها الزوج فهي تدعي أربعة والأخ يدعي أربعة عشر وللمقر به من السهام تسعة فاقسمها على سهامهم لكل سهمين سهما للزوج سهمان وللأخ سبعة فإن كان معهم أختان لأم.
__________
فصل
"وإذا أقر من أعيلت له المسألة بمن يزيل العول كزوج وأختين" أصلها من ستة وتعول إلى سبعة "أقرت إحداهما بأخ فاضرب مسألة الإقرار" وهي ثمانية ناشئة من ضرب أربعة في اثنين "في مسألة الإنكار" وهي سبعة "تكن ستة وخمسين واعمل على ما ذكرنا يكن للزوج أربعة وعشرون" مرتفعة من ضرب ثلاثة وهي ماله من مسألة الإنكار في ثمانية "وللمنكرة ستة عشر" مرتفعة من ضرب اثنين في ثمانية "وللمقرة سبعة" لأن لها من مسألة الإقرار سهما مضروبا في مسألة الإنكار "يبقى تسعة للأخ" لأنها الفاضل "فإن صدقها الزوج فهو يدعي أربعة" وهي تمام النصف "والأخ يدعي أربعة عشر" لأنه يدعي استحقاق ربع المال "وللمقر به من السهام تسعة فاقسمهما" أي: التسعة "على سهامهم" المدعى به وهي ثمانية عشر "لكل سهمين سهما للزوج سهمان" مضافان إلى ما أخذه وهو أربعة وعشرون تكن ستة وعشرين "وللأخ سبعة" مضافة إلى ما أخذه فإن أقرت الأختان وأنكر الزوج دفع إلى كل أخت سبعة وإلى الأخ أربعة عشر يبقى أربعة يقران بها للزوج وهو منكرها وفي ذلك ثلاثة أوجه ستأتي.
"فإن كان معهم أختان لأم" فتكون مسألة الإنكار من ستة وتعول إلى تسعة،(6/239)
فإذا ضربت وفق مسألة الإقرار في مسألة الإنكار كانت اثنين وسبعين للزوج ثلاثة من مسألة الإنكار في وفق مسألة: الإقرار أربعة وعشرون وللأختين من الأم ستة عشر وللأخت المنكرة ستة عشر وللمقرة ثلاثة يبقى في يدها ثلاثة عشر للأخ منها ستة يبقى سبعة لا يدعيها أحد ففيها ثلاثة أوجه:
أحدها: تقر في يد المقرة والثاني: تؤخذ إلى بيت المال والثالث يقسم بين المقرة والزوج والأختين من الأم على حسب ما يحتمل أنه لهم،
__________
ومسألة الإقرار من أربعة وعشرين لأن فيها نصفا وثلثا وما بقي وهو سهم على أربعة لا يصح ولا يوافق فاضرب ستة في أربعة تبلغ ذلك فإذا نظرت بينهما فهما متفقان بالأثلاث.
"فإذا ضربت وفق مسألة الإقرار في مسألة الإنكار كانت اثنين وسبعين للزوج ثلاثة من مسألة الإنكار في وفق مسألة الإقرار" وهي ثمانية "أربعة وعشرون" مرتفعة مما ذكرنا "وللأختين من الأم" سهمان في ثمانية "ستة عشر وللأخت المنكرة ستة عشر" مرتفعة من ضرب اثنين في ثمانية "وللمقر ثلاثة" لأن لها سهما من مسألة الإقرار مضروب في وفق مسألة: الإنكار وهو ثلاثة بثلاثة.
"يبقى في يدها ثلاثة عشر" أي: من الاثنين وسبعين "للأخ منهما ستة" ضعف نصيبها "يبقى سبعة لا يدعيها أحد" لاستكمال كل واحد حقه "ففيها ثلاثة أوجه: أحدها:" قدمه في الشرح والفروع :تقر في يد المقرة: لأنه لا يدعيها أحد.
"والثاني: يؤخذ إلى بيت المال" لأنه موضع الأموال التي لا أرباب لها.
"والثالث: يقسم بين المقرة والزوج والأختين من الأم على حسب ما يحتمل أنه لهم" لأن هذا المال لا يخرج عنهم فإن المقرة إذا كانت صادقة فهو للزوج والأختين من الأم وإن كانت كاذبة فهو لها وإن كان لهم لا يخرج عنهم قسم بينهم على قدر الاحتمال كما قسمنا ميراث الخنثى وبين من معه على ذلك فعلى هذا يكون للمقرة النصف وللزوج والأختين من الأم النصف بينهم على خمسة لأن هذا في حال للمقرة وفي حال لهما فيقسم بينهم(6/240)
فإن صدق الزوج المقرة فهو يدعي اثني عشر والأخ يدعي ستة يكونان ثمانية عشر ولا تنقسم عليها الثلاثة عشر ولا توافقها فاضرب ثمانية عشر في أصل المسألة ثم كل من له شيء من اثنين وسبعين مضروب في ثمانية عشر وكل من له شيء من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة عشر وعلى هذا تعمل ما ورد عليك.
__________
نصفين ثم تجعل نصف الزوج والأختين من الأم على خمسة لأن له النصف ولهما الثلث وذلك خمسة في ستة فتقسم السبعة بينهم على عشرة للمقرة خمسة وللزوج ثلاثة وللأختين سهمان فإذا اردت تصحيح المسألة فاضربها وهي اثنان وسبعون في عشرة ثم كل من له شيء من اثنين وسبعين مضروب في عشرة ومن له شيء من عشرة مضروب في سبعة
"فإن صدق الزوج المقرة فهو يدعي اثني عشر" لأن له النصف وهو هنا ستة وثلاثون معه منها أربعة وعشرون بقي ما ذكر "والأخ يدعي ستة" لأنه هو وأختاه يدعون أربعة من أربعة وعشرين مضروبة في وفق مسألة الإنكار وهو ثلاثة تكن اثني عشر له نصفها "يكونان ثمانية عشر ولا تنقسم عليها الثلاثة عشر ولا توافقها فاضرب ثمانية عشر" لانكسارها على المقسوم عليه في أصل المسألة وهو اثنان وسبعون تكن ألفا ومائتين وستة وتسعين.
"ثم كل من له شيء من اثنين وسبعين مضروب في ثمانية عشر وكل من له شيء من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة عشر" فللزوج أربعة وعشرون في ثمانية عشر بأربعمائة واثنين وثلاثين وللأختين من الأم مائتان ثمانية وثلاثون وللمنكرة كذلك وللمقرة ثلاثة في ثمانية عشر بأربعة وخمسين وللأخ ستة في ثلاثة عشر ثمانية وسبعون وللزوج اثنا عشر في ثلاثة عشر بمائة وستة وخمسين وترجع بالاختصار إلى مائتين وستة عشر لأن السهام كلها تتفق بالأسداس "وعلى هذا تعمل ما ورد عليك" من هذه المسائل لأنها مثلها معنى فكذا يجب أن تكون مثلها عملاً.
مسألة: ثلاثة إخوة لأب ادعت امرأة أنها أخت الميت لأبيه وأمه فصدقها(6/241)
الأكبر وقال الأوسط هي أخت لأم وقال الأصغر هي أخت لأب فالأكبر يدفع إليها نصف ما في يده ويدفع الأوسط سدس ما في يده ويدفع الأصغر سبع ما بقي وتصح من مائة وستة وعشرين لأن أصل مسألتهم من ثلاثة من اثنين والثاني: من ستة والثالث من سبعة والاثنان داخلان في الستة فتضرب ستة في سبعة باثنين وأربعين فهذا ما في يد كل واحد منهم فتأخذ من الأكبر إحدى وعشرين ومن الأوسط سبعة وهو السدس ومن الأصغر ستة وهو السبع فصار لها أربعة وثلاثون.
فرع: إذا مات رجل وخلف ابنين فمات أحدهما وترك بنتا فأقر الباقي بأخ له من أبيه ففي يده ثلاثة أرباع المال وهو يزعم أن له ربعا وسدسا فيفضل في يده ثلث يرده على المقر به فإن أقرت به البنت وحدها ففي يدها الربع وهي تزعم أن لها السدس يفضل في يدها نصف السدس تدفعه إلى المقر له.(6/242)
باب ميراث القاتل
كل قتل مضمون بقصاص أودية أو كفارة يمنع القاتل ميراث المقتول،
__________
باب ميراث القاتل
عقد هذا الباب لبيان إرث القاتل وعدمه وهو المقصود بالترجمة وكان ينبغي أن يعبر بالنفي والقتل على ضربين مضمون وغير مضمون فالمضمون موجب للحرمان وهو المعبر عنه بقوله:
"كل قتل مضمون بقصاص أو دية أو كفارة" كمن رمى إلى صف الكفار فأصاب مسلما "يمنع القاتل ميراث المقتول" لما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يرث القاتل شيئا" رواه أبو داود والدارقطني.
وعن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس لقاتل ميراث" رواه مالك وأحمد.(6/242)
سواء كان عمدا أوخطأ،
__________
وعن ابن عباس مرفوعا مثله رواه أحمد وروى النسائي معناه مرفوعا صححه ابن عبد البر في الفرائض ونقل الاتفاق عليه وضعفه غيره.
والمعنى فيه أنه لو ورث القاتل لم يأمن من داعر مستعجل الإرث أن يقتل مورثه فيفنى العالم فاقتضت المصلحة حرمانه ولأن القتل قطع الموالاة وهي سبب الإرث وظاهره: أن المقتول يرث من قاتله مثل ان يجرح مورثه ثم يموت قبل المجروح من تلك الجراحة وسواء انفرد به أو شارك غيره فلو شهد على مورثه مع جماعة ظلما بقتل لم يرثه "سواء كان عمدا" بالإجماع إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب وابن جبير أنهما ورثاه منه لأن آية المواريث تناولته بعمومها فيجب العمل بها.
ولا تعويل على هذا القول لشذوذه وقيام الدليل على خلافه فإن عمر أعطى دية ابن قتادة المذحجي لأخيه دون أبيه وكان حذفه بسيف فقتله واشتهر ذلك في الصحابة ولم ينكر فكان كالإجماع ولأن الوارث ربما استعجل موت مورثه ليأخذ ماله كما فعل الإسرائيلي الذي قتل ابن عمه فأنزل الله تعالى فيه قصة البقرة.
"أو خطأ" نص عليه وهو قول جمهور العلماء وذهب سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب والأوزاعي والزهري أنه يرث من المال دون الدية وروي نحوه عن علي لأن ميراثه ثابت بالكتاب والسنة تخصص قاتل العمد فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه وأجيب بما تقدم ولأن من لا يرث من الدية لا يرث من غيرها كقاتل العمد والمخالف في الدين سدا للذريعة وطلبا للتحرز عنه.
لكن ذكر أبو الوفاء وأبو يعلى الصغير أنه يرث من لا قصد له من صبي ومجنون وإنما يحرم من يتهم وصححه أبو الوفاء ونص أحمد خلافه لأنه قد يظهر الجنون ليقتله وقد يحرض عاقل صبيا فحسمنا المادة كالخطأ.(6/243)
بمباشرة أو سبب صغيرا كان القاتل أو كبيرا وما لا يضمن بشيء من هذا كالقتل قصاصا أو حدا أو دفعا عن نفسه وقتل العادل الباغي أو الباغي للعادل فلا يمنع منه وعنه: لا يرث الباغي العادل ولا العادل الباغي،
__________
"بمباشرة" كان الخطأ كمن رمى صيدا فأصاب مورثه "أو سبب" كمن حفر بئرا عدوانا فسقط فيها مورثه "صغيرا كان القاتل أو كبيرا" لأنه قاتل فتشمله الأدلة وظاهره: لا فرق بين الأب وغيره وسواء قصد مصلحته كضرب الأب والزوج للتأديب وكسقيه الدواء وربط جرحه والمعالجة إذا مات به.
وفي الفروع ولو شربت دواء فأسقطت جنينها لم ترث من الغرة شيئا نص عليه وقيل: من أدب ولده فمات لم يرثه وأنه إن سقاه دواء أو فصده أو بط سلعته لحاجة فوجهان وإن في الحافر احتمالين ومثله نصب سكين ووضع حجر ورش ماء وإخراج جناح انتهى.
وقاله في الرعاية أيضا وجزم في الحاشية بأنه إذا أدب ولده فمات يمنع الإرث وظاهر الشرح إذا لم يقصد مصلحته.
"وما لا يضمن بشيء من هذا كالقتل قصاصا أو حدا" كمن قتله الإمام بالرجم أو بالمحاربة وكذا إن شهد على مورثه بما يوجب الحد أو القصاص نقل محمد بن الحكم في أربعة شهود شهدوا على أختهم بالزنى فرجمت فرجمها مع الناس يرثونها لأنهم غير قتلة ويتوجه في تزكية شهود كذلك.
"أو دفعا عن نفسه" لأنه فعل فعلا مأذونا فيه فلم يمنع الميراث كما لو أطعمه وسقاه فأفضى إلى تلفه "وقتل العادل الباغي أو الباغي للعادل فلا يمنع" صححه في الهداية والمحرر وجزم به في الوجيز لأن المنع من العدوان حسما لمادته ونفيا للقتل المحرم فلو منع هنا لكان مانعا من استيفاء الواجب أو الحق المباح استيفاؤه.
"وعنه: لا يرث الباغي العادل ولا العادل الباغي" لعموم الأدلة وهاتان روايتان لكن الأولى: لا يرث الباغي العادل جزم بها القاضي في الجامع(6/244)
فيخرج منه أن كل قاتل لا يرث.
__________
الصغير والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما والمغني والتبصرة والترغيب لأن الباغي آثم ظالم فناسب أن لا يرث مع دخوله في عموم الأدلة وهذا بخلاف العادل لأنه مأذون في الفعل مثاب عليه وذلك لا يناسب نفي الإرث.
واختار المؤلف وجمع إن جرحه العادل ليصير غير ممتنع ورثه لا إن تعمد قتله ابتداء قال في الفروع وهو متجه ولأن العادل إذا منع من الإرث مع الإدن جاز أن يمنع منه كل قاتل لأن أعلى مراتبه أن يكون مأذونا له فيه.
"فيخرج منه أن كل قاتل لا يرث" بحال في رواية هي ظاهر الخرقي وعموم الأدلة يشهد لها وهذا مبني على سد الذريعة والأول أولى لأنه إنما حرم الميراث في محل الوفاق لئلا يفضي إلى اتخاذ القتل المحرم وسيلة وفي مسألتنا حرمان الميراث يمنع إقامة الحدود واستيفاء الحقوق المشروعة ولا يفضي إلى اتخاذ قتل محرم فهو ضد ما ثبت في الأصل.
مسألة : أربعة إخوة قتل أكبرهم الثاني ثم قتل الثالث الأصغر سقط القصاص عن الأكبر لأن ميراث الثاني صار للثالث والأصغر نصفين فلما قتل الثالث الأصغر لم يرثه دونه الأكبر فرجع اليه نصف دم نفسه وميراث الأصغر جميعه فيسقط عنه القصاص لميراثه بعض دم نفسه وله القصاص من الثالث ويرثه في ظاهر المذهب فإن اقتص منه ورثه وورث إخوته الثلاثة والله أعلم بالصواب.(6/245)
باب ميراث المعتق بعضه
__________
باب ميراث المعتق بعضه
ذكر في هذا الباب المانع من الإرث وهو الرق مع ما تقدم من اختلاف الدين والقتل المضمون ومن يرث بعضه.(6/245)
لا يرث العبد ولا يورث سواء كان قنا أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد،
__________
"لا يرث العبد" نص عليه قال في المغني لا نعلم فيه خلافا إلا ما روي عن ابن مسعود في رجل مات وترك أبا مملوكا يشتري من ماله ويعتق ثم يرث وقاله الحسن وعن أحمد يرث عند عدم وارث ذكره في المذهب وأبو البقاء في الناهض والأول قول الجمهور ولأن فيه نقصا يمنع كونه موروثا فمنع كونه وارثا كالمرتد ويفارق الوصية فإنها تصح وتكون لمولاه وقياسهم بالحمل ينتقض بمختلفي الدين.
"ولا يورث" إجماعا لأنه لا مال له فيورث عنه ولأنه لا يملك وإن قيل به فملكه ناقص غير مستقر ينتقل إلى سيده بزوال ملكه فيه يدل عليه قوله عليه السلام: "من باع عبدا وله مال..." إلى آخره إذ السيد أحق بمنافعه وأكسابه فكذا بعد مماته.
"سواء كان قنا" قال ابن سيده وغيره هو وأبوه مملوكان وفي اصطلاح الفقهاء هو الرقيق الكامل الذي لم يحصل فيه شيء من أسباب العتق ومقدماته قال الجوهري ويستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمؤنث وربما قالوا عبيدا قنان ويجمع على أقنة.
"أو مدبرا" لأن فيه جميع أحكام العبودية بدليل أنه عليه السلام باعه "أو مكاتبا" لأنه عبد ما بقي عليه درهم وهذا ظاهر فيما إذا لم يملك قدر ما عليه و قال القاضي وأبو الخطاب: إذا أدى ثلاثة أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأنه يجب إيتاؤه ذلك وفي رواية أخرى أنه إذا ملك ما يؤدي صار حرا يرث ويورث فإذا مات له من يرثه ورث وإن مات فلسيده بقية كتابته والباقي لورثته لأثر سيأتي.
"أو أم ولد" لأنها رقيقة يجري فيها جميع أحكام الرق إلا ما استثني.
فرع : المعلق عتقه بصفة إذا لم توجد كذلك.(6/246)
فأما المعتق بعضه فما كسبه بجزئه الحر فلورثته ويرث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية فإذا كانت بنت وأم نصفهما حر وأب حر فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها وهو الربع وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث والسدس مع حرية البنت فقد حجبتها حريتها عن السدس فبنصف حريتها تحجبها عن نصفه يبقى لها الربع لو كانت حرة فلها بنصف حريتها نصفه وهو الثمن والباقي للأب،
__________
"فأما المعتق بعضه فما كسبه بجزئه الحر" مثل أن يكون قد هايأ سيده على منفعته فاكتسب في أيامه أو ورث شيئا فإن الميراث إنما يستحقه بجزئه الحر "فلورثته ويرث" إذا مات له من يرثه "ويحجب بقدر ما فيه من الحرية" في قول علي وابن مسعود واختاره جمع لما روى عبد الله بن أحمد ثنا البرمكي عن يزيد بن هارون عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العبد يعتق بعضه: "يرث ويورث على ما عتق منه" وفيه انقطاع. قال أحمد: إذا كان العبد نصفه حرا ونصفه رقيقا ورث بقدر الحرية وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه كما لو كان الآخر مثله وقياسا لأحدهما على الآخر.
وقال زيد: لا يرث ولا يورث وأحكامه أحكام العبد وفاقا لمالك وجعل ماله لمالك باقيه قال ابن اللبان وهو غلط لأنه ليس لمالك باقيه على ما عتق منه ملك ولا ولاء عليه ولا هو ذو رحم.
"فإذا كانت بنت وأم نصفهما حر وأب حر فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها" لأنها لو كانت كاملة الحرية لكان لها النصف فوجب أن يكون لها بنصف حريتها نصفه "وهو الربع" لأنه نصف النصف "وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث" لأنه ميراثها حينئذ "والسدس مع حرية البنت فقد حجبتها حريتها عن السدس فبنصف حريتها تحجبها عن نصفه يبقى لها الربع" وهو نصف النصف "لو كانت حرة فلها بنصف حريتها نصفه وهو الثمن" لأنه نصف ما يستحقه بالحرية الكاملة "والباقي للأب" لأن له السدس بالفرض وما بقي بعده بالتعصيب لأنه أولى(6/247)
وإن شئت نزلتهم أحوالا كتنزيل الخناثى وإذا كان عصبتان نصف كل واحد منهما حر كالأخوين فهل تكمل الحرية فيهما يحتمل وجهين.
__________
رجل ذكر "وإن شئت نزلتهم أحوالا كتنزيل الخناثى" فنقول: إن كانتا حرتين فالمسألة من ستة للبنت ثلاثة وللأم سهم والباقي للأب وإن كانا رقيقين فالمال للأب وإن كانت البنت وحدها حرة فلها النصف والباقي للأب فهي من اثنين وإن كانت الأم وحدها حرة فلها الثلث فهي من ثلاثة وكلها تدخل في الستة فتضربها في الأحوال الأربعة تكن أربعة وعشرين للبنت ستة وهي الربع لأن لها النصف في حالين وللأم ثلاثة لأن لها السدس في حال والثلث في حال والباقي للأب لأن المال له في حال والثلث في حال والنصف في حال والثلثان في حال صار ذلك خمسة عشر وترجع بالاختصار إلى ثمانية.
"وإذا كان عصبتان" لا يحجب أحدهما الآخر "نصف كل واحد منهما حر كالأخوين فهل تكمل الحرية فيهما؟ يحتمل وجهين" أصحهما تكمل قاله في المستوعب وهو قياس قول علي قاله الخبري فتضم الحرية من أحدهما إلى ما في الآخر منهما فإن كمل منهما واحد ورثا جميعا ميراث ابن حر لأن نصفي شيء شيء كامل ثم يقسم ما ورثاه بينهما على قدر ما في كل واحد منهما ففي مسألة الكتاب يكمل.
وكذا إذا كان ثلثا أحدهم حرا وثلث الآخر كذلك فيقسم حينئذ ما ورثاه بينهما أثلاثا فإن نقص ما فيهما من الحرية عن جزء كامل ورثا بقدر ما فيهما وإن زاد على جزء واحد وكان الجزءان فيهما سواء قسم ما ورثاه بينهما بالسوية وإن اختلفا أعطى كل واحد منهما بقدر ما فيه.
والثاني: لا تكمل وهو أشهر لأنها لو كملت لم يظهر للرق فائدة وكانا في ميراثهما كالحرية.
وعليه فيه وجهان: أحدهما لكل واحد نصف ماله في حال حريتهما،(6/248)
فإن كان أحدهما يحجب الآخر كابن وابن ابن فالصحيح أنها لا تكمل.
__________
وهو هنا الربع والثاني : بطريق الخطاب ومعناه لو خاطبتهما لقلت للحر لك المال لو كان أخوك رقيقا ونصفه لو كان حرا.
فعلى هذا لكل واحد ربع وثمن ولو كان ابن وبنت نصفهما حر وعم فعلى الأول لهما ثلاثة أرباع المال ونصفه على الثاني وخمسة أثمانه على الثالث ولو كان معهم أم فلها السدس على الأوجه والبنت والابن هل لهما على الأول على ثلاثة وثلاثة أرباع المال الباقي بعد السدس أو ثلاثة أرباع المال فيه وجهان.
وعلى الثاني هل لها نصف المال أو نصف الباقي بعد السدس؟ على وجهين "فإن كان أحدهما يحجب الآخر كابن وابن ابن" فوجهان "فالصحيح أنها لا تكمل" لأن الشيء لا يكمل مما يسقطه ولا يجمع بينه وبين ما ينافيه فإن كان نصف كل منهما حرا فللابن النصف ولا شيء لابنه على الأوسط وعلى الأول الربع وعلى الثالث النصف قال في الشرح وورثهم بعضهم بالخطاب وتنزيل الأحوال وحجب بعضهم ببعض على مثال تنزيل الخناثى وهو قول أبي يوسف.
مسألة : أم وأخوان بأحدهما رق لها ثلث وحجبها أبو الخطاب بقدر حريته فبنصفها عن نصف سدس.
تنبيه : يرد على ذي فرض وعصبة لم يرث بقدر نسبة الحرية منهما فلبنت نصفها حر النصف بفرض ورد ولابن مكانها النصف بالعصوبة والبقية لبيت المال ولابنين نصفهما حران لم نورثها المال البقية مع عدم عصبة ولبنت وجدة نصفهما حر المال نصفين بفرض ورد ومع حريته ثلاثة أرباعهما المال بينهما أرباعا بقدر فرضيهما ومع حرية ثلثهما الثلثان بينهما والبقية لبيت المال.
ابن نصفه حر له نصف المال فإن كان معه آخر فلهما المال في وجه وفي آخر لهما نصفه والباقي للعصبة أو لبيت المال وقيل: لكل منهما ثلاثة أثمان(6/249)
..........................................................................................
__________
المال لأنهما لو كانا حرين لكان لكل منهما النصف ولو كانا رقيقين لم يكن لهما شيء ولوكان الأكبر حرا لكان المال له وبالعكس ولكل واحد منهما في الأحوال الأربعة مال ونصف فله ربع ذلك وهو ثلاثة أثمان فإن كان معهما ابن آخر ثلثه حر فعلى الوجه الأول يقسم المال بينهم على ثمانية كما تقسم مسألة: المباهلة وعلى الثاني يقسم النصف بينهم على ثمانية وفي وجه يقسم الثلث بينهم أثلاثا ثم يقسم السدس بين صاحبي النصفين نصفين.(6/250)
باب الولاء
كل من أعتق عبدا،
__________
باب الولاء
أي باب ميراث الولاء لأن الولاء لا يورث وإنما يورث به فهو من إضافة الشيء إلى سببه لأن سبب الميراث هنا الولاء ولا شك أنه من جملة الأسباب التي يتوارث بها والولاء بفتح الواو ممدود وهو ثبوت حكم شرعي بالعتق أو تعاطي سببه ومعناه أنه إذا أعتق رقيقا على أي: جهة صار له عصبة في جميع أحكام التعصيب عند عدم العصبة من النسب كالميراث وولاية النكاح والعقل.
والأصل فيه قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} الآية يعني الأدعياء مع قوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق" متفق عليه. وإنما تأخر الولاء عن النسب لقوله عليه السلام في حديث عبد الله بن أبي أوفى: "الولاء لحمة كلحمة النسب" رواه الخلال ورواه الشافعي وابن حبان من حديث ابن عمر مرفوعا وفيه لا يباع ولا يوهب شبهه بالنسب والمشبه دون المشبه به وأيضا فإن النسب أقوى منه لأنه تتعلق به المحرمية ووجوب النفقة وترد الشهادة ونحوها بخلاف الولاء.
"كل من أعتق عبدا" وفي الفروع: رقيقا وهي أولى وسواء أعتقه كله أو(6/250)
أو عتق عليه برحم أو كتابة
__________
بعضه فسرى إلى بقيته فله عليه الولاء إجماعا حيث لم يعتقه عن نذره أو كفارته وكلامه شامل للمسلم وغيره فلو أعتق الحربي حربيا فله عليه الولاء في قول عامتهم فإن جاء المعتق مسلما فالولاء بحاله.
وإن سبي مولي النعمة لم يرث ما دام عبدا فإن عتق فعليه الولاء لمعتقه وله الولاء على عتيقه وهل يثبت لمعتق السيد ولاء على معتقه فيه احتمالان فإن كان الذي اشتراه مولاه فأعتقه فكل واحد منهما مولى صاحبه وإن أسره مولاه فكذلك وإن سبي المعتق فاشتراه رجل فأعتقه بطل ولاء الأول وصار للثاني على المشهور.
وإن أعتق ذمي عبدا فهرب إلى دار الحرب فاسترق فالحكم فيه كما لو أعتقه الحر سواء. وإن أعتق مسلم كافرا فهرب إلى دار الحرب ثم سباه المسلمون لم يجر استرقاقه وقال المؤلف والصحيح جوازه فعلى هذا إن استرق فالولاء للثاني وقيل: للأول وقيل: بينهما. وإن أعتق مسلم مسلما أو أعتقه ذمي ثم ارتد ولحق بدار الحرب فسبي لم يجز استرقاقه وإن اشتري فهو باطل ولا تقبل منه إلا التوبة أو القتل.
"أو عتق عليه برحم" يعني إذا ملكه يعتق عليه بالملك وكان ولاؤه له كما لو باشر عتقه وسواء ملكه بشراء أو هبة أو إرث أو غنيمة بغير خلاف نعلمه أو كتابة يعني إذا كاتبه فأدى ما كوتب عليه عتق ولا فرق بين أن يؤدي إلى سيده أو إلى ورثته لأن عتقه بكتابته وهي من سيده وحكى ابن سراقة عن عمرو بن دينار وأبي ثور أنه لا ولاء على المكاتب لأنه اشترى نفسه فلم يكن عليه ولاء كما لو اشتراه أجنبي فأعتقه وهذا قويل عندنا ورد بالأحاديث المشهورة.(6/251)
أو تدبير أو استيلاد أو وصية بعتقه فله عليه الولاء وعلى أولاده من زوجة معتقة أو من أمته وعلى معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقيهم أبدا ما تناسلوا ويرث به عند عدم العصبة من النسب،
__________
فرع : إذا اشترى العبد نفسه من سيده بعوض حال عتق والولاء لسيده نص عليه كالمكاتب وفيه قول.
"أو تدبير" أي: عتق عليه بالتدبير فولاؤه لسيده في قول عامة الفقهاء "أو استيلاد" يعني إذا عتقت أم الولد بموت سيدها فولاؤها له يرثها أقرب عصبته في قول الجمهور وقال ابن مسعود يعتق من نصيب ولدها فيكون الولاء له وقال علي لا يعتق ما لم يعتقها وله بيعها واختاره جابر بن زيد والأول أولى لأنها عتقت بفعله من ماله فكان ولاؤها له كما لو عتقت بقوله "أو وصية بعتقه" أي: إذا أوصى أن يعتق عنه بعد موته فأعتق فالولاء له وكذا إن وصى به ولم يقل: عني.
"فله عليه الولاء" أي: ثبت للمعتق على المعتق إلا إذا أعتق قن قنا ملكه نص عليه "وعلى أولاده من زوجة معتقة أو من أمته" لأنه ولي نعمتهم وعتقهم بسببه ولأنهم فرع والفرع يتبع أصله بشرط أن يكونوا من زوجة معتقة أو سرية فإن كانت أمهم حرة الأصل فلا ولاء على ولدها لأنهم يتبعونها في الحرية والرق فيتبعونها في عدم الولاء إذ ليس عليها ولاء.
"وعلى معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقيهم أبدا ما تناسلوا" لأنه ولي نعمتهم وبسببه عتقوا أشبه ما لو باشرهم بالعتق " ويرث به عند عدم العصبة من النسب" أي: إذا لم يكن للمعتق عصبة ولا ذو فرض فهو للمولى لما روى الحسن مرفوعا الميراث للعصبة فإن لم تكن عصبة فللمولى ولأن النسب أقوى من الولاء بدليل أنه يتعلق به التحريم وسقوط القصاص ورد الشهادة بخلاف الولاء وظاهره: أنه إذا كان عصبة أو ذو فرض يستغرق فروضهم المال فلا شيء للمولى بغير خلاف نعلمه ولو كان ذو فرض لا تستغرق المال فالباقي للمولى.(6/252)
ثم يرث به عصبته من بعده الأقرب فالأقرب وعنه: في المكاتب إذا أدى إلى الورثة أن ولاءه لهم وإن أدى إليهما فولاؤه بينهما ومن كان أحد أبويه حر الأصل ولم يمسه رق فلا ولاء عليه.
__________
"ثم يرث به عصبته من بعده" سواء كان ابنا أو أخا أو أبا أو غيره من العصبات ولا فرق بين كون المعتق ذكرا أو أنثى " الأقرب فالأقرب" لما روى أحمد عن سعيد بن المسيب مرفوعا أنه قال المولى أخ في الدين ومولى نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق ولأنه حق من حقوقه فوجب أن يرث به أقرب عصباته كالنسب فإن لم تكن له عصبة فلمولاه.
"وعنه: في المكاتب إذا أدى إلى الورثة أن ولاءه لهم" لأنه انتقل إليهم أشبه ما لو اشتروه "وإن أدى إليهما فولاؤه بينهما" أي: بين السيد والورثة لأن العتق يتبع الأداء وفي التبصرة وجه أنه للورثة وفي المبهج إن أعتق كل الورثة المكاتب نفذ والولاء للرجال وفي النساء روايتان.
"ومن كان أحد أبويه حر الأصل ولم يمسه رق فلا ولاء عليه" أي: إذا كان أحد الزوجين حر الأصل فلا ولاء على ولدها سواء كان الآخر عربيا أو مولى لأن الأم إن كانت حرة الأصل فالولد يتبعها فيما إذا كان الأب رقيقا في انتفاء الرق والولاء فلأن يتبعها في نفي الولاء أولى وإن كان الأب حر الأصل فالولد يتبعه فيما إذا كان عليه ولاء بحيث يصير الولاء عليه لمولى أبيه فلأن يتبعه في سقوط الولاء عنه أولى.
وعلى هذا لا فرق بين أن يكون مسلما أو ذميا معلوم النسب أو مجهوله قال الأصحاب هذا هو الأشبه بمذهب أحمد ونصره في الشرح و قال القاضي: إن كان مجهول النسب ثبت الولاء على ولده لمولى الأم إن كانت مولاة وعلله الخبري بأن مقتضى ثبوته لمولى الأم موجود وإنما امتنع في محل الوفاق لحرية الأب فإذا لم تكن معلومة فقد وقع الشك في المانع فيبقى على الأصل(6/253)
ومن أعتق سائبة،
__________
وجوابه: بأن الأب حر محكوم بحريته أشبه معروف النسب إذ الأصل في الآدميين الحرية فإن كان الأب مولى والأم مجهولة النسب فعلى الخلاف والمذهب لا ولاء عليه وقد علم أن من أبوه حر الأصل وأمه عتيقة فلا ولاء عليه وعنه: يلي لمولى أمه ومن كانت أمه عتيقة وأبوه مجهول النسب فلا ولاء عليه وعنه: بلى كمولى أبيه.
مسألة : إذا تزوج عبد بمعتقة لقوم أو بحرة الأصل فأولدها ثم أعتقه مولاه قال ابن أبي موسى لايختلف قول أحمد أن ولاء أولاده لمولى أبيهم وجزم به في الوجيز وفي حر الأصل إذا تزوج أمة فعتق ولدها على سيدها فله ولاؤه
"ومن أعتق سائبة" كقوله: أعتقتك سائبة كأنه يجعله لله أو أعتقتك ولا ولاء لي عليك وأصله من تسييب الدواب ولا نزاع في صحة العتق والخلاف إنما هو في ثبوت الولاء للمعتق وفيه روايتان حكاهما الشيخان.
فأشهرهما واختاره أكثر الأصحاب حتى إن القاضي والشريف وأبا الخطاب في خلافيهما وابن عقيل في التذكرة لم يذكروا خلافا أنه لا ولاء عليه لأن ابن عمر أعتق سائبة فمات فاشترى ابن عمر بماله رقابا فأعتقهم وعلله أحمد بأنه جعله لله فلا يجوز أن يرجع إليه منه شيء ففي عقله لكونه معتقا وانتفاء الولاء عنه روايتان قاله أبو المعالي وماله لبيت المال.
و الثانية : أنه يثبت الولاء للمعتق جزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع قال المؤلف وهو أصح في النظر لعموم الأخبار وعن هزيل بن شرحبيل قال جاء رجل إلى عبد الله قال إني أعتقت عبدا وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد الله إن أهل الإسلام لا يسيبون وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون وأنت ولي نعمته وإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال رواه مسلم.
وقال سعيد: ثنا هشيم عن منصور أن عمر وابن مسعود قالا في ميراث(6/254)
أو في زكاته أو نذره أو كفارته ففيه روايتان إحداهما له عليه الولاء و الثانية: لا ولاء عليه وما رجع في ميراثه رد في مثله يشتري به رقابا يعتقهم ومن أعتق عبده عن ميت أو حي بلا أمره فولاؤه للمعتق،
__________
السائبة هو للذي أعتقه.
"أو في زكاته أو نذره أو كفارته ففيه روايتان إحداهما له عليه الولاء" للعموم ولأن عائشة اشترت بريرة بشرط العتق وهو يوجب العتق ولم يمنع ذلك ثبوت الولاء لها "والثانية: لا ولاء عليه" لأنه أعتقه في الزكاة من غير ماله فلم يكن له عليه الولاء كما لو دفعها إلى الساعي فاشترى بها وأعتق وكما لو دفع إلى المكاتب مالا فأداه في كتابته وفارق الذي اشترط عليه العتق فإنه أعتقه من ماله والعتق في الكفارة والنذر واجب عليه أشبه العتق في الزكاة.
"وما رجع من ميراثه رد في مثله يشتري به رقابا يعتقهم" هذا هو المعروف في السائبة لما روي عن ابن عمر ونظرا إلى أنه جعله محضا لله فيختص بهذه الجهة وهل ولاية الإعتاق للإمام لأنه النائب عن الله وهو أظهر أو للسيد لأنه المعتق فيه روايتان وقال أحمد في الذي يعتق من زكاته إن ورث منه شيئا جعله في مثله وهو قول الحسن وإسحاق.
قال في الشرح: وعلى قياس ذلك العتق في الكفارة والنذر لأنه واجب عليه وعنه: في السائبة والمعتق في الواجب لا ولاء عليه بل ماله لبيت المال لأنه لا وارث له فعلى الأول إذا خلف السائبة ذا فرض لا يستغرق ماله أخذ فرضه واشترى بباقيه رقابا يعتقهم ولا يرد على أهل الفرض فلو ترك بنتا ومعتقا فللبنت النصف والباقي يصرف في العتق إذ جهة العتق هي المستحقة للولاء على القول بأن الولاء للسيد والمال بينهما نصفان وعلى الآخر الجميع للبنت بالفرض والرد إذ الرد مقدم على بيت المال.
"ومن أعتق عبده عن ميت أو حي بلا أمره فولاؤه للمعتق" للخبر ولأنه أعتقه بغير إذن الآخر فكان ولاؤه للمعتق كما لو لم ينوه لكن ذكر في(6/255)
وإن أعتقه عنه بأمره فولاؤه للمعتق عنه وإذا قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه ففعل فالثمن عليه والولاء للمعتق عنه.
__________
المحرر والفروع والوجيز تبعا للقاضي أنه إذا أعتق عن ميت في واجب عليه أن العتق يقع عن الميت لمكان الحاجة إلى ذلك وهو الاحتياج إلى براءة الذمة.
قال الشيخ تقي الدين: بناء على أن الكفارة ونحوها من شرطها الدخول في ملك المكفر عنه وحينئذ يصح العتق وقيل: لا يصح إلا بوصية قال في الترغيب بناء على قولنا الولاء للمعتق عنه.
وإن تبرع بعتقه عنه ولا تركة فهل يجزئه كإطعام وكسوة أم لا جزم به في الترغيب لأن مقصوده الولاء ولا يمكن إثباته بدون المعتق عنه فيه وجهان وإن تبرع عنه أجنبي فأوجه ثالثها يجزئه في إطعام وكسوة.
"وإن أعتقه عنه بأمره" صح لأنه نائب عنه فكان.
"فولاؤه للمعتق عنه" في قول أكثرهم كما لو باشره ولما ذكره حالات نبه عليها بقوله: "وإذا قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه" ففعل قبل فراقه أو بعده "فالثمن عليه والولاء للمعتق عنه" لا نعلم فيه خلافا قاله في المغني لأنه أعتقه عنه بشرط العوض فيقدر ابتياعه منه ثم توكيله في عتقه ليصح أشبه ما لو ابتاعه منه ثم وكله في عتقه وكإطعامه طعامه عنه والكسوة وذكر ابن أبي موسى لا يجزئه حتى يملكه إياه فيعتقه هو ونقله مهنا وعلى الأول يجزئه عن واجب ما لم يكن قريبه ويلزمه عوضه بالتزامه وعنه: يلزمه ما لم ينفه وعنه: العتق والولاء للمسؤول لا للسائل إلا حيث التزم العوض وفي الترغيب لو قال أعتقه عن كفارتي ولك علي مائة فأعتقه عتق ولم يجزئه وتلزمه المائة والولاء له قال ابن عقيل ثم قال أعتقه عني بهذا الخمر والخنزير ملكه وعتق كالهبة والملك يقف على القبض في هبة بلفظها لا بلفظ العتق بدليل أعتق عبدك عني ينتقل الملك قبل إعتاقه ويجوز جعله قابضا من طريق الحكم كقوله بعتك أو وهبتك هذا فقال المشتري:(6/256)
وإن قال: أعتقه والثمن علي ففعل فالثمن عليه والولاء للمعتق وإن قال الكافر لرجل: أعتق عبدك المسلم عني وعلي ثمنه ففعل فهل يصح على وجهين.
__________
هو حر عتق وقدر القبول حكما.
"وإن قال: أعتقه والثمن علي" أو أعتقه عنك وعلي ثمنه "ففعل فالثمن عليه" أي: على السائل لأنه جعل جعلا على الإعتاق فلزمه بالعمل أشبه ما لو قال من بنى لي هذا حائطا فله كذا استحقه بعمله "والولاء" والعتق "للمعتق" أي: المسؤول على الأصح لأنه لم يأمره بإعتاقه عنه ولا قصد به المعتق ذلك فلم يوجد ما يقتضي صرفه إليه فيبقى للمسؤول عملا بالخبر ويجزئه عن واجب في الأصح و قال القاضي: في موضع لايجزىء عن الواجب ويقع عن العتق والولاء للسائل قال في المحرر وفيه بعد.
تنبيه : بقي هنا صورتان:
الأولى : إذا قال: أعتقه عني وأطلق فيحتمل أنه يلزمه العوض كما لو صرح به إذ الغالب في انتقال الملك العوض ويحتمل عدمه لأنه التزام ما لم يلتزمه.
الثانية : إذا قال أعتقه عني مجانا لم يلزمه العوض بلا نزاع والولاء والعتق للسائل في ظاهر كلام الخرقي وجماعة.
فرع : لو قال أعتق مكاتبك على ألف ففعل عتق ولزم القائل ألف وولاؤه للمعتق وقيل: للقائل فلو قال اقبله على درهم فلغو ذكره في الانتصار قال في الفروع ويتوجه وجه.
"وإن قال الكافر لرجل أعتق عبدك المسلم عني وعلي ثمنه ففعل فهل يصح على وجهين:" كذا أطلقهما في المحرر والفروع:
أحدهما : وقدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز أنه يصح ويعتق لأنه(6/257)
وإن أعتق عبدا يباينه في دينه فله ولاؤه وهل يرث به على روايتين إحداهما لا يرث لكن إن كان له عصبة على دين المعتق ورثه وإن أسلم الكافر منهما ورث المعتق رواية واحدة.
__________
يملكه زمنا يسيرا فاغتفر هذا الضرر اليسير لأجل تحصيل الحرية للأبد وهو نفع عظيم لأنه يصير متهيئا للطاعات وإكمال القربات وحينئذ الولاء للكافر جزم به في الوجيز لظاهر الخبر.
والثاني: لا يصح ولا يعتق لأنه يلزم من الصحة ثبوت الملك المقدر وهو كالمحقق وثبوت المحقق منفي لما فيه من الصغار فكذلك ثبوت ما يشبهه وحكاهما في الرعاية روايتين:
"وإن أعتق عبدا يباينه في دينه فله ولاؤه" بغير خلاف نعلمه لأنه معتق فيدخل في قوله عليه السلام الولاء لمن أعتق وحينئذ يثبت الولاء للأنثى على الذكر وبالعكس.
"وهل يرث به؟ على روايتين: إحداهما: لا يرث" وهو قول جمهور الفقهاء قال في المغني وهو أصح في الأثر والنظر لخبر أسامة لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ولأنه ميراث فمنعه اختلاف الدين كميراث النسب والميراث بالنسب أقوى فإذا منع الأقوى فالأضعف أولى و الثانية: يرثه روي عن عمر وعلي وغيرهما واحتج أحمد بقول علي الولاء شعبة من الرق فلم يضر تباين الدين بخلاف الإرث بالنسب.
"لكن" أي: على الأولى "إن كان له" أي: للسيد "عصبة على دين المعتق" بفتح التاء "ورثه" أي: العصبة أشبه ما لو كان الأقرب من العصبة مخالفا لدين الميت والأبعد على دينه.
"وإن أسلم الكافر منهما" أي: من السيد والمعتق "ورث المعتق" بكسر التاء "رواية واحدة" لأنهما اجتمعا على الإسلام فتوارثا كالمتناسبين لزوال المانع.(6/258)
فصل
ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن وعنه: في بنت المعتق خاصة: ترث.
__________
فصل
"ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن" وأولادهما ومن جروا ولاءه "أو كاتبن أو كاتب من كاتبن" هذا ظاهر كلام أحمد واختاره الأكثر وروي عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان كالإجماع وسنده ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: "ميراث الولاء للكبر من الذكور ولا يرث النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن أو أعتق من أعتقن" . ولأن الولاء مشبه بالنسب والمولى المعتق من المولى المنعم بمنزلة أخيه أو عمه فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه أو عمه ولا يرث منهم إلا الذكور خاصة ويستثنى منه إلا عتيق ابن ملاعنة فإن الملاعنة ترثه على المنصوص إن عدم الابن و قلنا: هي العصبة وإلا عصبتها.
"وعنه: في بنت المعتق خاصة: ترث" نقلها أبو طالب ووهمه أبو بكر في حكايتها عنه واختارها القاضي وأصحابه وإليها ميل المجد في المنتقى واحتج الإمام أحمد بما روى ابن عباس أن مولى لحمزة توفي وترك ابنته وابنة حمزة فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف وابنة حمزة النصف ورواه الدارقطني.
وقد روى إبراهيم النخعي ويحيى بن آدم وإسحاق أن المولى كان لحمزة واعترض عليه بأن المولى كان لابنة حمزة قاله أحمد في رواية ابن القاسم وسأله هل كان المولى لحمزة أو لابنته فقال: لابنته فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها لأنها هي المعتقة وصححه في الكافي والشرح ويرشحه ما روى ابن ماجه عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد عن بنت حمزة وهي أخت ابن(6/259)
والأول أصح ولا يرث منه ذوا فرض إلا الأب والجد يرثان السدس مع الابن،
__________
شداد لأمه قالت: مات مولاي وترك ابنة فقسم النبي صلى الله عليه وسلم
ماله بيني وبين ابنته فجعل لي النصف ولها النصف ورد بأن ابن أبي ليلى ضعيف ثم يحتمل تعدد الواقعة فلا معارضة ولو سلم الاتحاد فيحتمل أنه أضيف مولى الوالد إلى الولد بناء على أن الولاء ينتقل إليه أو أنه يرث به وعنه: أنها ترث مع عدم عصبة وعنه: ترث مع أخيها فلو اشترى هو وأخته أباهما فعتق ثم اشترى عبدا وأعتقه ثم مات عتيقه بعد أبيه ورثه ابنه لا بنته وعلى الثانية: يرثانه أثلاثا فلو نكحت عتيقها وأحبلها فهي القائلة إن ألد أنثى فالنصف وذكرا فالثمن وإن لم ألد فالجميع "والأول أصح" لإجماع الصحابة ومن بعدهم عليه.
مسائل
إذا خلف بنت معتقه وابن عم معتقه فلا شيء للبنت وجميع المال لابن عم المعتق على الأولى : وعلى الثانية : للبنت النصف والباقي لابن العم ولو خلف المعتق بنته وبنت معتقه فالمال كله لابنته على الأولى: بالفرض والرد وعلى الثانية: لابنته النصف ولابنة معتقه النصف ولو كان بدل بنت معتقه أخت معتقه فلا شيء لها قولا واحدا.
"ولا يرث منه" بالولاء "ذوا فرض" كالأخ من الأم والزوج إذا لم يكونا ابني عم " إلا الأب والجد يرثان السدس مع الابن" نص عليه في رواية جماعة لأنهما يرثان ذلك في غير الولاء فكذا في الولاء واختار أبو إسحاق سقوطهما مع ابن وهو قول زيد وأكثر الفقهاء لأن الابن أقرب العصبة وهما يرثان معه بالفرض ولا يرث بالولاء ذو فرض.
وجوابه: بأنه عصبة وارث فاستحق من الولاء كالأخوين ولا نسلم أن الابن أقرب من الأب بل هما فيه سواء وكلاهما عصبة لا يسقط أحدهما الآخر بل يتفاضلان في الميراث وكذا في الإرث بالولاء وفي الانتصار:(6/260)
والجد يرث الثلث مع الإخوة إذا كان أحظ له.
والولاء لا يورث وإنما يورث به،
__________
ربما حملنا توريث أب سدسا بفرض مع ابن على رواية توريث بنت المولى فيجيء من هذا أنه يرث قرابة المولى بالولاء على نحو ميراثهم.
"والجد يرث الثلث مع الإخوة إذا كان أحظ له" أي: إذا زاد عدد البنين على اثنين لأنه يرث ذلك معهم في غير الولاء فكذا في الولاء وإن خلف المعتق أخاه وجده فالولاء بينهما نصفان وعن زيد المال للأخ لأنه ابن الأب والجد أبوه والابن أحق من الأب ومن جعل الجد أبا ورثه وجده وفي المحرر والفروع إن الجد كأخ وإن كثروا.
قال في الترغيب: وهو أقيس ويعاد الإخوة من الأبوين الجد بالإخوة من الأب ثم يأخذوا ما حصل لهم كالميراث وقال ابن سريج: هو على عددهم ورد بالميراث ولا يعتد بالأخوات لأنهن لا يرثن منفردات وكالإخوة من الأم وولد الأب إذا انفردن مع الجد كولد الأبوين.
مسائل
إذا خلف جد مولاه وابن أخي مولاه فالمال للجد في قولهم جميعا وكما لو خلف جد مولاه وعم مولاه فلو ترك جد أبي مولاه وعم مولاه فهو للجد في قول أهل العراق وقال الشافعي هو للعم وبنيه وإن سفلوا دون جد الأب.
فرع : لا يرث المولى من أسفل معتقه في قول عامتهم وحكي عن شريح وطاووس أنهما ورثاه لحديث ابن عباس حسنه الترمذي وروي ذلك عن عمر وعلى الأول لا يعقل عنه.
"والولاء لا يورث وإنما يورث به" في قول الأكثر لأنه عليه السلام شبهه بالنسب والنسب لا يورث وإنما يورث به ولأن الولاء إنما يحصل بإنعام السيد على رقيقه بالعتق وهذا المعنى لا ينتقل عن العتق فكذا الولاء.(6/261)
ولا يباع ولا يوهب وهو للكبر خاصة فإذا مات المعتق وخلف عتيقه وابنين فمات أحد الابنين بعده عن ابن ثم مات العتيق فالميراث لابن المعتق،
__________
"ولا يباع ولا يوهب" أي: لا يصح لأنه عليه السلام نهى عن بيع الولاء وهبته ولا يجوز شراؤه ولا وقفه ولا أن يأذن لمولاه فيوالي من شاء لكن روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وكان مكاتبا وروي عنها أيضا أنها وهبت ولاء مواليها للعباس وقال ابن جريج: قلت: لعطاء أذنت لمولاي أن يوالي من شاء فيجوز قال: نعم وجوابه ما سبق وبأنه عليه السلام قال: "لعن الله من تولى غير مواليه" ولأنه معنى يورث به فلا ينتقل عنه كالقرابة فعلى هذا لا ينتقل الولاء عن المعتق بموته ولا يرثه ورثته وإنما يرثون المال به مع بقائه وهو للمعتق.
"وهو للكبر خاصة" أي: أنه يرث بالولاء أقرب عصبات السيد إليه يوم مات عتيقه لا يوم مات السيد هذا هو المختار للأصحاب والمشهور من الروايتين قال أحمد: في رواية صالح حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحرز الوالد والولد فهو لعصبته من كان" يرويه عمرو بن شعيب وقد روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أنهم قالوا الولاء للكبر فهذا الذي نذهب إليه وهو قول أكثر الناس قلت: وقد رواه سعيد ثنا هشيم ثنا أشعث بن سوار عن الشعبي أن عمر وعليا وزيدا وابن مسعود جعلوا الولاء للكبر.
والثانية: ونقلها حنبل وابن الحكم إن الولاء يورث كالمال وقاله جمع من الصحابة ومعناه أن من ملك شيئا في حياته فهو لورثته لكن يختص به العصبة.
"فإذا" هذا تفريع على المسألة وتوضيح لها "مات المعتق وخلف عتيقه وابنين فمات أحد الابنين بعده عن ابن ثم مات العتيق فالميراث لابن المعتق" نص عليه في رواية أبي طالب لأن ابن المعتق أقرب الناس إليه يوم مات المعتق قال أحمد قوله عليه السلام أعطه أكبر خزاعة ليس أكبرهم سنا ولكن أقربهم إلى خزاعة.
وعلى الثانية: هو بينهما نصفان لأنه لما مات المولى المنعم ورث ابناه الولاء(6/262)
وإن مات الابنان بعده وقبل المولى وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة فولاؤه بينهم على عددهم لكل واحد عشرة وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما فعتق عليهما ثم اشترى عبدا فأعتقه ثم مات المعتق ثم مات مولاه ورثه الرجل دون أخته،
__________
بينهما نصفين فإذا مات أحدهما انتقل نصيبه إلى ابنه.
"وإن مات الابنان بعده وقبل المولى وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة فولاؤه بينهم على عددهم" نص عليه "لكل واحد عشرة" لأن الجميع في القرب إلى السيد يوم مات العتيق سواء وعلى الأخرى ونص عليها هنا في رواية بكر بن محمد لابن الابن النصف إرثا عن أبيه والنصف الآخر على بني الابن الآخر على تسعة وتصح من ثمانية عشر.
فرع : إذا لم يخلف عصبة من نسب مولاه فماله لمولى أمه ثم لأقرب عصباته فإذا انقرض العصبات وموالي عصباتهم فماله لبيت المال.
"وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما فعتق عليهما" يعني بالملك "ثم اشترى عبدا فأعتقه ثم مات المعتق" فميراثه بينهما أثلاثا بالنسب "ثم مات مولاه ورثه الرجل" لأنه ابن المعتق أو يتحقق فورثه بالنسب "دون أخته" لأنها مولاه المعتق وعصبة المعتق تقدم على مولاه.
وروي عن مالك أنه قال سألت عنها سبعين قاضيا من قضاة العراق فأخطاوا فيها قال في المستوعب وهذا مما لا خلاف فيه إلا على ما نقله الخرقي في بنت المعتق خاصة وحينئذ إذا اشتريا أباهما كان ميراث العبد بينهما أثلاثا.
مسألة : إذا خلف بنت مولاه ومولى أبيه فماله لبيت المال لأنه ثبت عليه الولاء من جهة مباشرته العتق فلم يثبت عليه بإعتاق أبيه.
فائدة : امرأة حرة لا ولاء عليها وأبواها رقيقان فيتصور إذا كانوا كفارا فتسلم هي ويسبي أبواها ويسترقان وإذا كان أبوها عبدا تزوج بأمة على أنها حرة فولدتها ثم ماتت.(6/263)
وإذا ماتت المرأة وخلفت ابنها وعصبتها غيره ومولاها فولاؤه لابنها وعقله على عصبتها.
__________
"وإذا ماتت المرأة وخلفت ابنها وعصبتها غيره ومولاها فولاؤه لابنها وعقله على عصبتها" لما روى إبراهيم قال اختصم علي والزبير في مولى صفية فقال علي مولى عمتي وأنا أعقل عنه وقال الزبير مولى أمي وأنا أرثه فقضى عمر على علي بالعقل وقضى للزبير بالميراث رواه سعيد واحتج به أحمد وظاهره: أن الابن ليس من العصبة وهو مقتضى كلام الأكثرين ومنهم من يجعله منها كالرواية الأخرى يقول الولاء له والعقل عليه فإن باد بنوها فولاؤه لعصبتها.
ونقل عنه جعفر بن محمد ولاؤه لعصبة بنيها وهو موافق للولاء يورث ثم لعصبة بنتها وقيل: لبيت المال ولم يفرق الخرقي وابن حمدان بين الرجل والمرأة والأكثر كالمتن قال في الشرح أما الرجل المعتق فإنه يعقل عن معتقه لأنه عصبة من أهل العقل ويعقل ابنه وأبوه لأنهما من عصباته وعشيرته فلا يلحق ابنه من نفي العقل بابن المرأة لأنها لا تعقل ابنها.(6/264)
فصل في جر الولاء
كل من باشر العتق أو عتق عليه لا ينتقل عنه بحال فأما إن تزوج العبد معتقة فأولدها فولاء ولدها لموالي أمه فإن أعتق العبد سيده انجر ولاء ولده إليه ولا يعود إلى مولى الأم بحال،
__________
فصل في جر الولاء
"كل من باشر العتق أو عتق عليه" لسبب من الأسباب "لا ينتقل عنه بحال" لقوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق" ولأن غيره ليس مثله في النعمة ولأن مقتضى الدليل أن لا ينتقل حق عن مستحقه خولف فيمن اشترى أبا من عليه الولاء تبعا لأمهم فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل.
"فأما إن تزوج العبد معتقة فأولدها " فولده منها أحرار " فولاء ولدها لموالي أمه " لأنهم سبب الإنعام على الولد لكونه انعتق بعتق أمه "فإن أعتق العبد سيده انجر ولاء ولده إليه" أي: إلى معتق العبد في قول الجمهور من الصحابة ومن بعدهم لما روى عبد الرحمن عن الزبير أنه لما قدم خيبر رأى فتية لعسا فأعجبه ظرفهم وجمالهم فسأل عنهم فقيل موالي رافع بن خديج وأبوهم مملوك لآل الحرقة فاشترى الزبير أباهم فأعتقه وقال لأولاده انتسبوا إلي فإن ولاءكم لي فقال رافع بل هو لي فإنهم عتقوا بعتق أمهم فاحتكموا إلى عثمان فقضى بالولاء للزبير وأجمعت عليه الصحابة ولأن الأب لما كان مملوكا لم يصلح وارثا ولا وليا في نكاح فكان كولد الملاعنة ينقطع نسبه عن أبيه فثبت الولاء لمولى أمه وانتسب إليها فإذا عتق العبد صلح للانتساب وعاد وارثا وليا فعادت النسبة إليه وإلى مواليه كما لو استلحق الملاعن ولده.
فائدة : اللعس سواد في الشفتين تستحسنه العرب ومثله اللمياء قال ذو الرمة:
لمياء في شفتيها حوة لعس ... وفي اللثات وفي أنيابها شنب
"ولايعود إلى موالي الأم بحال" أي: إذا انجر الولاء إلى موالي الأب ثم(6/265)
وإن أعتق الجد لم يجرّولاءهم في أصح الروايتين،
__________
انقرضوا عاد الولاء إلى بيت المال ولم يعد إلى موالي الأم بحال في قول أكثرهم وعن ابن عباس خلافه والأول أصح لأن الولاء يجري مجرى الانتساب ولو انقرض الأب وآباؤه لم يعد النسب إلى الأم فكذا الولاء فعليه لو ولدت بعد عتق الأب كان ولاء ولدها لموالي أبيه بغير خلاف فإن نفاه باللعان عاد ولاؤه لموالي الأم فإن عاد فاستلحقه عاد الولاء إلى موالي الأب.
فرع : حكم المكاتب يتزوج في كتابته فيولد له ثم يعتق حكم القن في جر الولاء وكذا المدبر والمعلق عتقه بصفة لأنهم عبيد.
أصل : اعلم أنه لا ينجر الولاء إلا بشروط ثلاثة:
أحدها : أن يكون الأب عبدا حين الولادة فإن كان حرا وزوجته مولاة فإن كان حر الأصل فلا ولاء على ولده بحال وإن كان مولى ثبت الولاء على ولده لمواليه أبدا ولا جر فيه.
الثاني : أن تكون الأم مولاة فإن لم تكن كذلك فإن كانت حرة الأصل فلا ولاء على ولدها بحال وهم أحرار بحريتها وإن كانت أمة فولدها رقيق لسيدها فإن أعتقهم فولاؤهم له مطلقا لا ينجر عنه بحال.
الثالث : أن يعتق العبد سيده فإن مات على الرق لم ينجر الولاء بحال فإن اختلف سيد العبد ومولى الأم في العبد بعد موته فقال سيده مات حرا بعد جر الولاء وأنكر ذلك مولى الأم قبل قوله لأن الأصل بقاء الرق ذكره أبو بكر.
"وإن أعتق الجد" قبله "لم يجر ولاءهم في أصح الروايتين" قال أحمد: الجد لا يجر الولاء ليس هو كالأب ولأن الأصل بقاء الولاء لمستحقه وإنما خولف هذا الأصل للاتفاق على أنه ينجر بعتق الأب والجد لا يساويه بدليل أنه لو أعتق الأب بعد الجد جره عن مولى الجد إليه ولأنه لو أسلم الجد لم يتبعه ولد ولده ولأن الجد يدلي بغيره ولا يستقر الولاء عليه فلم يجر الولاء كالأخ.(6/266)
وعنه: يجره وإن اشترى الابن أباه عتق عليه وله ولاؤه إخوته ويبقى ولاؤه لموالي أمه لأنه لا يجر ولاء نفسه وإن اشترى الولد عبدا فأعتقه ثم اشترى العتيق أبا معتقه فأعتقه ثبت له ولاؤه وجر ولاء معتقه وصار كل واحد منهما مولى الآخر،
__________
"وعنه يجره" أي: إلى مولاه بكل حال وهو قول أهل المدينة فإن أعتق الأب بعد ذلك جره عن موالي الجد إليه لأن الجد يقوم مقام الأب في التعصيب وأحكام النسب فكذا في جر الولاء وعليها لا فرق بين القريب والبعيد لأن البعيد يقوم مقام الأب كالقريب وعنه: إن عتق والأب ميت جر الولاء وإن عتق والأب حي فلا سواء عتق الأب أو مات قنا ذكرها الخلال.
فرع : إذا تزوج معتق بمعتقة فأولدها ولدين فولاؤهما لموالي أبيهما فإن نفاهما باللعان عاد الولاء إلى موالي أمهما فإن مات أحدهما فميراثه لأمه ومواليها فإن أكذب أبوهما نفسه لحقه نسبهما واسترجع الميراث من مولى الأم.
"وإن اشترى الابن أباه عتق عليه" بالملك للخبر "وله ولاؤه" لأنه عتق عليه بسبب شرائه فكان له الولاء كما لو باشره بالعتق "وولاء إخوته" لأنه تبع لأبيهم "ويبقى ولاءه لموالي أمه" في قول جمهور الفقهاء "لأنه لا يجر ولاء نفسه" وشذ عمرو بن دينار فقال يجره وهو بعيد لأنه يؤدي إلى أن يكون الولاء ثابتا على أبويه دونه مع كونه مولودا في حالة رقهما وليس لنا مثل هذا في الأصول ولا يمكن أن يكون مولى نفسه يعقل عنها ويرثها ويزوجها. "وإن اشترى الولد عبدا فأعتقه ثم اشترى العتيق أبا معتقه فأعتقه ثبت له ولاؤه" أي: فإنه يجر ولاء سيده فيكون لهذا الولد على معتقه الولاء بإعتاقه إياه "وجر ولاء معتقه" أي: للعتيق ولاء معتقه بولائه على أبويه "وصار كل واحد منهما مولى الآخر" لأن الولد مولى المعتق لأنه أعتقه والمعتق مولى الولد لأنه أعتق أباه وشرطه أن يكون الولد من معتقه لينجر الولاء إلى المعتق بشراء أبيه فلو كانت حرة الأصل لم يكن عليه ولاء لأحد.(6/267)
ومثله لو أعتق الحربي عبدا ثم سبى العبد معتقه فأعتقه فلكل واحد منهما ولاء صاحبه.
__________
"ومثله لو أعتق الحربي عبدا ثم سبى العبد معتقه" أي: أسر سيده "فأعتقه فلكل واحد منهما ولاء صاحبه" لأن كل واحد منهما منعم على الآخر بخلاص رقبته من الرق فإن سبى المسلمون العتيق الأول فرق ثم أعتق فولاؤه لمعتقه ثانيا وقيل: للأول وقيل: لهما فعلى الأول وهو الأصح لا ينجر الولاء ما كان للأول قبل الرق من ولاء ولد أو عتيق إلى الأخير وكذا عتيق ذمي وقيل: أو مسلم.
مسائل
الأولى : إذا تزوج ولد المعتقة بمعتقة فأولدها فاشتري جده عتق عليه وله ولاؤه وولاء أبيه وسائر أولاد جده وولاء المشتري لمولى أم أبيه في قول الجمهور.
الثانية : إذا تزوج عبد بمعتقة فأولدها فتزوج الولد بمعتقة رجل فأولدها فولاء هذا لمولى أم أبيه في وجه لأن له الولاء على أبيه فكان له عليه كما لو كان مولى جده وفي آخر ولاؤه لمولى أمه لأن الولاء الثابت على أبيه من جهة أمه ومثل ذلك ثابت في حق نفسه.
الثالثة : تزوج معتق بمعتقة فأولدها بنتا وتزوج عبد بمعتقة فأولدها ابنا فتزوج هذا الولد ببنت المعتقين فأولدها ولدا فولاء ولدها لمولى أم أبيه لأن له الولاء على أبيه فإن تزوجت البنت المذكورة بمملوك فولاء ولدها لمولى أبيها لأن ولاءها له فإن كان أبوها ابن مملوك ومعتقة فالولاء لمولى أم أبي الأم على الوجه الأول لأن مولى أم أبي الأم يثبت له الولاء على أبي الأم مقدما على أمهما وثبت له الولاء عليهما.(6/268)
فصل في دور الولاء
إذا اشترى ابن وبنت معتقة أباهما عتق عليهما وصار الولاء لهما نصفين وجر كل واحد منهما نصف ولاء صاحبه ويبقى نصفه لمولى أمه فإن مات الأب ورثاه أثلاثا وإن ماتت البنت بعده ورثها أخوها بالنسب فإذا مات أخوها فما له لمواليه وهم أخته وموالي أمه فلموالي أمه النصف والنصف الآخر لموالي أخته وهم أخوها وموالي أمها فلموالي أمها نصف ذلك وهو الربع فيبقى الربع وهو،
__________
فصل في دور الولاء
معنى دور الولاء أن يخرج من مال ميت قسط إلى مال ميت آخر بحكم الولاء ثم يرجع من ذلك القسط جزء إلى الميت الآخر بحكم الولاء أيضا فيكون هذا الجزء الراجع قد دار بينهما.
واعلم أنه لا يقع الدور في مسألة حتى يجتمع فيها شروط أن يكون المعتق اثنين فصاعدا وأن يموت في مسألة اثنان فصاعدا وأن يكون الباقي منهما يجوز إرث الميت.
"إذا اشترى ابن وبنت معتقة أباهما عتق عليهما" لأنه ذو رحم محرم "وصار ولاؤه بينهما نصفين" لأن كل واحد عتق عليه نصفه "وجر كل واحد منهما نصف ولاء صاحبه" لأن ولاء الولد تابع لولاء الوالد "ويبقى نصفه لمولى أمه" لأن الشخص لا يجر ولاء نفسه "فإن مات الأب ورثاه أثلاثا" لأن ميراث النسب مقدم على الولاء وميراث النسب للذكر مثل حظ الأنثيين.
"وإن ماتت البنت بعده ورثها أخوها بالنسب" وميراث الأخ بالنسب ظاهر "فإذا مات أخوها فماله لمواليه" لأنه لا مناسب له "وهم أخته وموالي أمه فلموالي أمه النصف والنصف الآخر لموالي أخته" لأن الولاء بينهما نصفين "وهم أخوها وموالي أمها فلموالي أمها نصف ذلك وهو الربع" لأن ولاء الأخت بين الأخ وموالي الأخت نصفان "فيبقى الربع وهو(6/269)
الجزء الدائر لأنه خرج من الأخ وعاد إليه ففيه وجهان أحدهما أنه لمولى الأم والثاني: أنه لبيت المال لأنه لا مستحق له.
__________
الجزء الدائر لأنه خرج من الأخ وعاد إليه ففيه وجهان أحدهما أنه لمولى الأم" قال أبو عبد الله الوني: هو قياس قول أحمد قال في الشرح وهو قول الجمهور وجزم به في الوجيز لأن مقتضى كونه دائرا أن يدور أبدا وفي كل دورة يصير لمولى الأم نصفه ولا يزال كذلك حتى ينفذ كله إلى موالي الأم.
"والثاني: أنه لبيت المال" قاله القاضي وقياس قول أكثرهم "لأنه لا مستحق له" أي: معين وقيل: يرد على سهام الموالي أثلاثا لموالي أمه الثلثان ولموالي أمها الثلث فإن كانت المسألة بحالها إلا أن مكان الابن بنت فاشترت أباها عتق عليها وجر ولاء أختها فإذا مات الأب فلابنتيه الثلثان بالنسب والباقي لمعتقه بالولاء فإن ماتت البنت التي لم تشتره بعد ذلك فمالها لأختها نصفه بالنسب ونصفه بأنها مولاة أبيها ولو ماتت التي اشترته فلأختيها النصف والباقي لموالي أمها فإن اشترت البنتان أباهما عتق عليهما وجر كل واحد منهما نصف ولاء صاحبه فإن مات الأب ورثه ابنتاه بالنسب والولاء فإن ماتت إحداهما بعد ذلك فلأختها النصف بالنسب ونصف الباقي بما جر الأب إليها من ولاء نصفها فإن ماتت إحداهما قبل الأب ثم مات الأب فصار لها ثلاثة أرباع المال والربع الباقي لموالي أمها فإن ماتت إحداهما قبل أبيها فمالها له ثم إذا مات الأب فللباقية نصف ميراث أبيها لأنها بنته ونصف الباقي وهو الربع لأنها مولاة يبقى الربع لموالي البنت التي ماتت قبله فإن ماتت الباقية بعدهما فمالها لمواليها نصفه لموالي أمها ونصفه لموالي أختها الميتة وهم أختها وموالي أمها فنصفه لموالي أمها وهو الربع والربع الباقي يرجع إلى هذه الميتة فهذا الجزء الدائر لأنه خرج من هذه الميتة ثم دار إليها ففيه الوجهان السابقان.(6/270)
كتاب العتق
كتاب العتق
...
كتاب العتق
وهو من أفضل القرب.
__________
كتاب العتق
وهو لغة الخلوص ومنه عتاق الخيل والطير أي: خالصها وسمي به البيت الحرام لخلوصه من أيدي الجبابرة.
وفي الشرع: تحرير الرقبة وتخليصها من الرق وخصت به الرقبة وإن تناول العتق الجميع لأن ملك السيد له كالغل المانع له من الخروج فإذا أعتق فكأن رقبته أطلقت من ذلك يقال عتق العبد وأعتقته أنا فهو عتيق ومعتق وهم عتقاء وأمة عتيق وعتيقة وإماء عتائق وعتق بمعنى فاعل لا مفعول لأنه لا يقال عتق العبد فهو معتوق وقيل: تسميته معتوقا لحن وقيل: لا.
والإجماع على صحته وحصول القربة به وسنده قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} النساء و {فَكُّ رَقَبَةٍ} البلد وقوله عليه السلام: "من أعتق امرءا مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار" متفق عليه من حديث أبي هريرة.
"وهو من أفضل القرب" وأعظمها لأنه تعالى جعله كفارة للقتل والظهار والوطء في رمضان والأيمان وجعله عليه السلام فكاكا لمعتقه من النار ولأن فيه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق وملك نفسه ومنافعه وتكميل أحكامه وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه على حسب إرادته واختياره.
وفي التبصرة هو أحبها إلى الله تعالى وأفضل الرقاب أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا نقله الجماعة فظاهره ولو كافرة ويثاب على عتقه.
قال في الفنون: لا يختلف الناس فيه واحتج به وبرق الذرية على أن الرق ليس بعقوبة بل محنة وبلوى.
فائدة : الأفضل عتق ذكر وعنه: أنثى لأنثى وعنه: أمتين كعتقه رجلا.(6/271)
والمستحب عتق من له كسب فأما من لا قوة له ولا كسب فلا يستحب عتقه ولا كتابته ويحصل العتق بالقول والملك فأما القول فصريحه لفظ العتق والحرية كيف صرفا،
__________
قال الشيخ تقي الدين: وتزويجه بها ويصح ممن تصح وصيته وعنه: وهبته.
"والمستحب عتق من له كسب" فيستغني به أي: يجر ما ينفق عليه فلا يبقى عيلة ولا محتاجا "فأما من لا قوة له ولا كسب فلايستحب عتقه ولا كتابته" هذا رواية وهو المذهب لأنه يتضرر بفوات نفقته الواجبة له وصار كلا على الناس وعنه: يستحب.
قال ابن حمدان: ويحمل بوجوب نفقته عليه وعنه: يكره كتابته وعنه: الأنثى لخوف محرم كقطع طريق أو جارية يخاف عليها الزنى والفساد فإن ظن إفضاؤه إليه حرم ويصح عتقه ذكره في المغني والشرح.
قال في الفروع: ويتوجه كمن باع واشترى بقصد الحرام.
"ويحصل العتق بالقول" فلو قال أنت حر في هذا الزمان أو المكان عتق مطلقا "والملك" وسيأتي قال في الكافي والاستيلاد ولا يحصل بالنية المجردة في ظاهر كلامه لأنه إزالة ملك فكان كالطلاق.
" فاما القول فصريحه لفظ العتق والحرية" لأنه إزالة ملك فانقسم إلى صريح وكناية كالطلاق ولأنهما لفظان وردا في الكتاب والسنة فوجب اعتبارهما "كيف صرفا" وكذا في المحرر والوجيز والمراد به غير مضارع لأنه وعد وأمر لأنه لا يصلح للإنشاء ولا هو خبر فيؤاخذ به.
وعنه: يعتبر مع ذلك نية وقوعه كالكناية فلو قال لامرأة لا يعرفها تنحي يا حرة فإذا هي أمته عتقت وعنه: لا قال السامري وأصل ذلك الروايتان في اعتبار النية في صريح العتق وفي المغني والشرح والفروع إن الرجل إذا قال عبدي حر يريد عفته وكرم خلقه أنه لا يعتق في ظاهر المذهب.
ونقل حنبل سئل أبو عبد الله عن رجل قال لعبده أنت حر وهو يعاتبه.(6/272)
وكناية خليتك والحق بأهلك واذهب حيث شئت ونحوها وفي قوله لا سبيل لي عليك ولا سلطان ولا ملك لي عليك ولا رق لي عليك وفككت رقبتك وأنت مولاي وأنت لله وأنت سائبة روايتان إحداهما أنه صريح و الأخرى كناية وفي قوله لأمته أنت طالق أو أنت حرام روايتان إحداهما أنه كناية.
__________
قال: إذا كان لا يريد أن يعتق رجوت أن لا يعتق وأنا أهاب المسألة لأنه نوى بكلامه ما يحتمله فانصرف إليه وإن طلب استحلافه حلف وظاهر كلامهم أنه يعتق ولو كان هازلا لا من نائم ونحوه.
"وكنايته: خليتك والحق بأهلك واذهب حيث شئت ونحوها" كقوله: أطلقتك وحبلك على غاربك فهذا إن نوى به العتق عتق وإلا فلا لأنه يحتمل غيره فلم يرد به كتاب ولا سنة ولا عرف استعمال وفي التبصرة أو دلالة حال لأن فيه معنى الإزالة فجاز أن يكنى به عن العتق كالطلاق.
"وفي قوله: لا سبيل لي عليك ولا سلطان ولا ملك" ولا خدمة " لي عليك ولا رق لي عليك وفككت رقبتك وأنت مولاي وأنت لله وأنت سائبة روايتان" كذا في الكافي والمحرر والفروع.
"إحداهما: أنه صريح" جزم به في الوجيز لأنه يتضمن العتق وقد ورد في قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} يعني العتق فكانت صريحة كالعتق "والأخرى كناية" صححها السامري وهي الأشهر لأنه يحتمل غير العتق وقد ذكر القاضي وأبو الخطاب الروايتين في قوله لا سلطان لي عليك ولا سبيل لي عليك قال المؤلف والصحيح أنهما كناية وظاهر الواضح وهبتك لله صريح وسوى القاضي بينهما وبين أنت لله وفي الموجز هي ورفعت يدي عنك إلى الله كناية.
"وفي قوله لأمته أنت طالق أو أنت حرام" ليس بصريح اتفاقا وفيه "روايتان إحداهما: أنه كناية" جزم بها في الوجيز وصححها في الشرح(6/273)
وإن قال لعبده وهو أكبر منه أنت ابني لم يعتق ذكره القاضي ويحتمل أن يعتق وإذا أعتق حاملا عتق جنينها إلا أن يستثنيه،
__________
في: أنت حرام كقوله: لا سبيل لي عليك و الأخرى لا يعتق به وإن نوى لأن الرق ملك لا يستدرك بالرجعة فلم يزل بما ذكر كملك بقية المال وحاصله أنه إذا قال: لأمته أنت طالق ينوي به العتق أنها لا تعتق لأن الطلاق لفظ وضع لإزالة الملك عن المنفعة فلم يزل به الملك عن الرقبة كفسخ الإجارة وكما لو قال: أنت علي كظهر أمي وعنه: كناية يعتق به إن نوى لأن الرق أحد الملكين على الآدمي فيزول بلفظ الطلاق كالآخر وكالحرية في إزالة النكاح وعنه: لا تطلق إذا أضاف إليها الحرية.
"وإذا قال لعبده وهو أكبر منه أنت ابني لم يعتق ذكره القاضي" كقوله لمن لا يمكن كونه منه أنت ابني في الأصح كقوله أعتقتك أو أنت حر من ألف سنة وفي الانتصار إن قال لأمته أنت ابني ولعبده أنت بنتي لم يعتق.
"ويحتمل أن يعتق" هذا وجه ذكره أبو الخطاب لأنه اعترف بما تثبت به حريته أشبه ما لو أقر بها والأول المذهب لأنه قول يتحقق كذبه فيه كما لو قال: لطفل هذا أبي ولطفلة هذه أمي ولأنه لو قال: لزوجته وهي أسن منه هذه ابنتي أو قال: لها وهو أسن منها هذه أمي لم تطلق فكذا هنا أما إذا أمكن كونه منه ولو كان له نسب معروف فإنه يعتق لجواز كونه من وطء شبهة وقيل: لا لكذبه شرعا ومثله لأصغر أنت أبي وفي الرعاية وقيل: إن كان مثله يولد لمثله مطلقا عتق وإلا فلا.
"وإذا أعتق حاملا عتق جنينها" لأنه تابع لأمه بدليل دخوله في البيع إلا أن يستثنيه فإنه لايعتق وقاله ابن عمر وأبو هريرة قال أحمد: اذهب إلى حديث ابن عمر في العتق ولا أذهب إليه في البيع ولقوله عليه السلام: "المسلمون على شروطهم" وفيه وجه وذكره القاضي رواية أنه لايصح استثناؤه كالبيع وبه قال أكثرهم وكما لو استثنى بعض أعضائها.(6/274)
وإن أعتق ما في بطنها دونها عتق وحده وأما الملك فمن ملك ذا رحم محرم عتق عليه وعنه: لا يعتق إلا عمودا النسب.
__________
وجوابه: أن الحمل معلوم فصح استثناؤه للخبر بخلاف البيع لأنه عقد معاوضة فاعتبر فيه العلم بصفات العوض والعتق يعتبر فيه العلم بوجوده وقد وجد ولا يصح قياسه على بعض أعضائها لأنه لايصح انفراده عنها بخلافه هنا.
"وإن أعتق ما في بطنها دونها عتق وحده" لا نعلم فيه خلافا لأن حكمه حكم الإنسان المنفرد ولهذا يورث الجنين إذا ضرب بطن أمه فأسقطت جنينا فإنه يحجب موروثه عنه كأنه سقط حيا وكتدبير وكتابة وعنه: لا يصح حتى يوضع حيا فيكون كمن علق عتقه بشرط وإن أعتق من حملها لغيره كالموصى به ضمن قيمته ذكره القاضي وقدم في المستوعب لا يعتق وجزم به في الترغيب واختاره في المحرر.
"وأما الملك" هذا شروع في بيان القسم الثاني "فمن ملك ذا رحم محرم" ولو حملا "عتق عليه" في ظاهر المذهب لما روى حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا قال من ملك ذا رحم محرم فهو حر رواه الخمسة وحسنه الترمذي وقال العمل على هذا عند أهل العلم وعن قتادة عن عمر موقوفا مثله رواه أبو داود وقتادة لم يدرك عمر وعن ابن عمر مرفوعا مثله رواه ابن ماجه بإسناد جيد لكن قال أحمد لا أصل له ولأنه ذو رحم محرم فيعتق عليه بالملك كعمودي النسب وظاهره: سواء وافقه في دينه أو لا وسواء كانوا من الأولاد وإن سفلوا أو من الآباء وإن علوا من عمودي نسبه كما قلنا: أو من غيرهم كالأخ وأولاده وإن نزلوا والأعمام والعمات والأخوال والخالات وإن علوا دون أولادهم. "وعنه: لايعتق إلا عمودا النسب" قال في الكافي: بناء على أنه لا نفقة لغيرهم وفي الانتصار لنا فيه خلاف واختار الآجري لا نفقة لغيرهم.(6/275)
وإن ملك ولده من الزنا لم يعتق في ظاهر كلامه ويحتمل أن يعتق وإن ملك سهما ممن يعتق عليه بغير الميراث وهو موسر عتق عليه كله وعليه قيمة نصيب شريكه.
__________
وذكر أبو يعلى الصغير أنه آكد من التعليق فلو علق عتق عبده على ملكه عتق بملكه لا بتعليقه ورجح ابن عقيل لا عتق بملك وعنه: إن ملكه بإرث لم يعتق وفي إجباره على عتقه روايتان وعنه: لا يعتق حمل حتى يولد في ملكه حيا فلو زوج ابنه بأمته فولدت بعد موت جده فهل هو موروث عنه أو حر فيه الروايتان.
فرع : علم مما سبق أنه لا يعتق بشراء رحم غير محرم ولا محرم برضاع أو مصاهرة نقله الجماعة وقال على: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" فالرضاعة ليست برحم وقال الزهري مضت السنة بأن يباع وكره أحمد بيع أخيه لرضاع روي عن ابن مسعود.
"وإن ملك ولده من الزنى لم يعتق في ظاهر كلامه" المذهب أن أحكام الولد غير ثابتة فيه وهي الميراث وعدم الحجب والمحرمية ووجوب الإنفاق وثبوت الولاية عليه ومثله لو ملك أباه من زنى ذكره في التبصرة.
"ويحتمل أن يعتق" لأنه جزؤه حقيقة وقد ثبت فيه حكم تحريم التزويج بدليل أنه لو ملك ولده المخالف له في الدين عتق عليه مع انتفاء هذه الأحكام لكن قال أبو الخطاب قياس المذهب في تحريم نكاح بنته من الزنى أن يعتق عليه.
"وإن ملك سهما ممن يعتق عليه بغير الميراث وهو موسر عتق عليه كليا" سواء ملكه بعوض أو بغيره كالهبة والاغتنام والوصية باختياره أو بغيره كالميراث لأن كل ما يعتق به الكل يعتق به البعض كالإعتاق بالقول.
" وإن كان معسرا لم يعتق عليه إلا ما ملك" لأنه لو أعتقه لم يعتق واستقر ذلك الجزء فيه وإن كان موسرا وكان الملك باختياره سرى إلى باقيه ويعتق عليه كله "وعليه قيمة نصيب شريكه" في قول أكثرهم لأنه فوته عليه وقال: قوم لا يعتق عليه إلا ما ملك سواء ملكه بشراء أو غيره لأنه لم يعتقه وإنما عتق عليه بغير(6/276)
وإن كان معسرا لم يعتق عليه إلا ما ملك وإن ملكه بالميراث لم يعتق منه إلا ما ملك موسرا كان أو معسرا وعنه: إنه يعتق عليه نصيب الشريك إن كان موسرا وإن مثل بعبده فجدع أنفه أو أذنه ونحو ذلك عتق نص عليه.
__________
اختيار منه فلم يسر أشبه ما لو ملكه بالميراث وجوابه بأنه فعل سبب العتق اختيارا منه فلم يسر أشبه ما لو ملكه بالميراث وجوابه بأنه فعل سبب العتق اختيارا منه فسرى ولزمه الضمان كما لو وكل من أعتق نصيبه وفارق الإرث فإنه حصل بغير فعله ولا قصده وكما لو جرح إنسانا.
"وإن ملكه بالميراث لم يعتق منه إلا ما ملك موسرا كان أو معسرا " هذا هو المذهب لأنه لم يتسبب إلى إعتاقه وإنما حصل بغير اختياره "وعنه: أنه يعتق عليه نصيب الشريك إن كان موسرا" لأنه عتق عليه بعضه وهو موسر فسرى إلى باقيه كما لو وصى له به فقبله والموسر هنا القادر حالة العتق على قيمته بشرط أن يكون ذلك فاضلا كالفطرة فإن قلنا: لا يعتق فهل يجبر على إعتاقه فيه روايتان وإن كان معسرا لم يعتق منه إلا ما ملك وهل يستسعي العبد في باقيه على روايتين.
فرع : إذا ورث صبي أو مجنون جزءا ممن يعتق عليهما عتق ولم يسر إلى باقيه وكذا إن وهب لهما أو وصي لهما به وهما معسران فعلى الولي القبول وإن كانا موسرين فوجهان مبنيان على أنه هل يقوم عليهما باقيه إذا ملكا بعضه وفيه وجهان.
"وإن مثل" كضرب وهو بتشديد الثاء وقال أبو السعادات مثلت بالحيوان أمثل مثلا إذا قطعت أطرافه وبالقتل إذا جدعت أنفه أو أذنه ونحوه "بعبده" ولو عبر برقيقه لعم "فجدع أنفه أو أذنه ونحو ذلك" كحرق عضو منه قال ابن حمدان أو حرقه بالنار "عتق نص عليه " أي: بلا حكم لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن زنباعا جدع عبدا فأتى العبد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "اذهب فأنت حر" رواه أحمد وغيره لا مكاتب قاله جماعة ولا يحصل بضربه وخدشه وفي اعتبار القصد وثبوت الولاء وجهان والأشهر ثبوته ولو زاد ثمنه بجب أو خصاء فقال في الفروع يتوجه حل الزيادة.(6/277)
و قال القاضي: والقياس ألا يعتق وإذا أعتق السيد عبده فماله للسيد وعنه: للعبد وإذا أعتق جزءا من عبد معينا أو مشاعا عتق كله عليه.
__________
"وقال القاضي: القياس أنه لايعتق" كالمكاتب لأن سيده لم يعتقه بلفظ صريح ولا كناية فلم يزل ملكه عنه أشبه جنايته على دابته والمذهب الأول لثبوت الحديث السابق وحينئذ يترك القياس.
فرع : إذا وطىء جاريته المباحة له التي لا يوطأ مثلها فأفضاها عتقت قاله ابن حمدان وإن أكره رجلا يزني بها فأفضاها فاحتمالان.
"وإذا أعتق السيد عبده فماله للسيد" نصره في المستوعب والشرح وغيرهما وقاله ابن مسعود وأنس وهو قول أكثرهم واحتج جماعة بخبر ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أيما رجل أعتق عبده فماله للسيد" رواه الأثرم وابن ماجه وفيه ضعف ولأن العبد وماله كانا للسيد فأزال ملكه عن أحدهما فبقي ملكه في الآخر كما لو باعه.
" وعنه: للعبد" وهو قول النخعي لما روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق عبدا وله مال فمال العبد له إلا أن يشترطه السيد" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد جيد لكن قال أحمد يرويه عبيد الله بن جعفر من أهل مصر وهو ضعيف في الحديث وكان صاحب فقه وحكم المدبر وأم الولد إذا مات سيدها والمكاتب ولهم أموال حكم العبد.
"وإذا أعتق جزءا من عبده" غير شعر وسن وظفر "معينا" كرأسه وأصبعه "أو مشاعا" كعشره أو نصفه "عتق كله عليه" لقوله عليه السلام: "من أعتق شقصا له في مملوك فهو حر من ماله" وفي الصحيحين معناه من أبي هريرة ولأنه إزالة ملك عن بعض رقيقه فزال جميعه كالطلاق ويفارق البيع فإنه لايحتاج إلى السعاية ولا ينبني على التغليب والسراية.(6/278)
وإن أعتق شركا له في عبد وهو موسر بقيمة باقيه عتق كله،
__________
مسائل
الأولى : إذا حفر بئرا عدوانا أو نصب سكينا فتلف عبده أو بعضه أو داواه وهو غير صادق أو حده وزاد سوطا أو ضربها على غسل من حيض ليطأها فهل تعتق على وجهين.
الثانية : إذا قال لحر اشترني من سيدي بهذا المال وأعتقني ففعل عتق وعلى المشتري لسيده مثل ثمنه المسمى وله ولاؤه وإن اشتراه بعين المال بطل العتق والشراء على المذهب.
الثالثة : إذا قال لأمتيه إحداكما حرة ولم ينو حرم وطؤهما معا بدون قرعة فإن وطىء إحداهمالم تعتق الأخرى كما لو عينها ثم نسيها على المذهب.
الرابعة : إذا قال: لأمته إن صليت مكشوفة الرأس فأنت حرة قبله فصلت كذلك عتقت وقيل: لا جزم به أبو المعالي لبطلان الصفة بتقديم المشروط وإن قال: إن أقررت بك لزيد فأنت حرة قبله فأقر له به صح إقراره فقط وإن قال إن أقررت بك له فأنت حرة ساعة إقراري لم يصحا.
الخامسة : إذا قال: عبدي حر أو أمتي ولم ينو البعض عتق الكل وقيل: أحدهم بقرعة وفي المغني إذا قال: امرأتي طالق وأمتي حرة ولم ينو شيئا فقال أبو الخطاب: تطلق الكل ويعتقن لأن الواحد المضاف يعم كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} الآية [إبراهيم:34] روي ذلك عن ابن عباس وقال جماعة يقع على واحدة مبهمة كما لو قال: إحداكن طالق أو حرة قال المؤلف: وهو أصح إن شاء الله تعالى.
"وإن أعتق شركا له في عبد" أي: أعتق من عبد مشترك "وهو موسر بقيمة باقيه عتق كله" بغير خلاف نعلمه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركا له في عبد وكان له ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه العبد قيمة عدل فأعطى(6/279)
وعليه قيمة باقيه يوم العتق لشريكه وإن اعتقه شريكه بعد ذلك لم يثبت له فيه عتق وإن كان معسرا لم يبق إلا نصيبه ويبقى حق شريكه فيه وعنه: يعتق كله ويستسعى العبد في قيمة باقيه غيرمشقوق عليه.
__________
شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق" متفق عليه وفي المغني مقتضى نصه لا يباع له أصل مال أو كاتبه فأدى إليه.
"وعليه قيمة باقيه لشريكه" أي: قيمة أنصباء شركائه والولاء له قاله الجمهور وقال البتي لا يعتق إلا حصة المعتق ونصيب الباقين باق على الرق ولا شيء على المعتق وجوابه حديث ابن عمر وحديث أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله وقال: "ليس فيه شريك" رواه أحمد وفي لفظ له هو حر كله ليس لله عز وجل فيه شريك.
تنبيه : القيمة تعتبر وقت العتق لأنه وقت الإتلاف وفي الإرشاد وجه يوم تقويمه فإن اختلفا فيها رجع إلى أهل الخبرة فإن تعذر فيقبل فيها قول المعتق وقيل: يعتق بدفع قيمته واختاره الشيخ تقي الدين فلو أعتق شريكه قبلها فوجهان وله نصف القيمة قاله أحمد لا قيمة النصف وهل يقوم كاملا ولا عتق فيه أو قد عتق فيه قولان للعلماء الأول قاله الشيخ تقي الدين لظاهر الخبر.
"وإن أعتقه شريكه بعد ذلك" وقبل أخذ القيمة "لم يثبت له فيه عتق" في قول الجمهور لخبر ابن عمر ولأنه قد صار حرا بعتق الأول له وقيل: لا يعتق إلا بعد أداء القيمة كما تقدم "وإن كان معسرا لم يعتق إلا نصيبه" في ظاهر المذهب "ويبقى حق شريكه فيه" أي: باق على الرق فإذا أعتقه شريكه عتق عليه نصيبه في قول الأكثر وروي عن عروة أنه اشترى عبدا فأعتق نصفه فكان يشاهره شهر عبد وشهر حر.
"وعنه: يعتق كله ويستسعى العبد في قيمة باقيه غير مشقوق عليه" نصره(6/280)
وإذا كان العبد لثلاثة لأحدهم نصفه وللآخر ثلثه وللثالث سدسه فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس معا وهما موسران عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه نصفين وصار ولاؤه بينهما أثلاثا ويحتمل أن يضمناه على قدر ملكيهما فيه.
__________
في الانتصار واختاره أبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين وقاله الأوزاعي لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شقصا له في مملوك فعليه أن يعتقه إن كان له مال وإلا قوم عليه فاستسعى به غير مشقوق عليه" متفق عليه ولأن بها إقرار حقه خرج عن يده فيستسعي العبد في قيمته لأنها في ذمته ويصير حكمه حكم الأحرار والأول أولى لأن الاستسعاء إعتاق بعوض فلم يجبر عليه كالكتابة وحديث أبي هريرة قد طعن به الأئمة قال أبو عبد الله: ليس في الاستسعاء شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروبة وأما هشام وشعبة ومعمر فلم يذكروه وقد ذكر همام أنه من قول أبي قتادة وفتياه.
فرع : يعتق على الموسر ببعضه بقدره في المنصوص.
" وإذا كان العبد لثلاثة لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه وللثالث سدسه فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس معا " بأن تلفظا بالعتق معا أو علقاه على صفة واحدة أو وكلا لشخص في عتقه "وهما موسران " لاختصاصه بالسراية "عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه نصفين" لأن العتق بمنزلة الإتلاف وقد وجد منهما فيتساويان في ضمانه كما لو جرحه أحدهما جرحا والآخر أكثر منه وتفارق الشفعة فإنها تثبت لإزالة الضرر عن نصيب الشريك الذي لم يبع فكان استحقاقه على قدر نصيبه ولأن الضمان ههنا لدفع الضرر منهما وفي الشفعة لدفع الضرر عنهما.
"وصار ولاؤه بينهما أثلاثا" لأنا إذا حكمنا بأن الثلث معتق عليهما نصفين فنصفه سدس إذا ضممناه إلى النصف صارا ثلثين والسدس الآخر إلى سدس المعتق صارا ثلثا "ويحتمل" هذا الاحتمال لأبي الخطاب "أن يضمناه على قدر ملكيهما فيه" لأن السراية حصلت بإعتاق ملكهما وما وجب بسبب الملك(6/281)
وإذا أعتق الكافر نصيبه من مسلم وهو موسر سرى إلى باقيه في أحد الوجهين وإذا ادعى كل واحد من الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه منه وهما موسران فقد صار العبد حرا لاعتراف كل واحد منهما بحريته،
__________
كان على قدره كالنفقة واستحقاق الشفعة فعلى هذا يصير الولاء بينهما أرباعا لصاحب السدس ربعه ولصاحب النصف ثلاثة أرباعه ولو كان المعتق صاحب النصف وصاحب الثلث فعلى المذهب لصاحب النصف الثلث والربع ولصاحب الثلث الربع والسدس وعلى الاحتمال السدس بينهما أخماسا لصاحب النصف ثلاثة أخماسه ولصاحب الثلث خمساه والعبد على ثلاثين سهما لصاحب النصف ثمانية عشر وهي نصف ونصف خمس ولصاحب الثلث اثنا عشر وذلك خمساه ولو كان المعتق صاحب الثلث والسدس فعلى المذهب لصاحب الثلث ثلث وربع ولصاحب السدس ربع وسدس وعلى الاحتمال النصف مقسوم بينهما لصاحب الثلث الثلثان ولصاحب السدس الثلث والضمان والولاء تابعان للسراية.
"وإذا أعتق الكافر نصيبه من مسلم وهو موسر سرى إلى باقيه في آخر الوجهين " ذكره القاضي واختاره في المغني والشرح لعموم: "من أعتق شركا له في عبد" ولما علل به في حديث أبي المليح ولأنه تقويم متلف فاستوى فيه المسلم والكافر كتقويم المتلفات.
والثاني: لا يسري ذكره أبو الخطاب لأن فيه تقدير الملك والكافر لا يجوز أن يتملك المسلم ورد بأن هذا ليس بضمان تمليك إنما هو ضمان إتلاف وليس بجيد إذ لو صح لم يكن له ولاء والفرض أن له الولاء على ما عتق عليه فدل على أنه يدخل في ملكه ثم يعتق والمحذور مغمور بما حصل من مصلحة العتق.
"وإذا ادعى كل واحد من الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه منه وهما موسران فقد صار العبد حرا لاعتراف كل واحد منهما بحريته" أي:(6/282)
وصار مدعيا على شريكه قيمة حقه منه ولا ولاء عليه لواحد منهما وإن كانا معسرين لم يعتق على واحد منهما فإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق حينئذ ولم يسر إلى نصيبه.
__________
معترف بحرية نصيبه شاهد على شريكه بحرية نصفه الآخر لأنه يقول لشريكه أعتقت نصيبك فسرى العتق إلى نصيبي فعتق كله عليك ولزمك قيمة نصيبي فقد صار العبد حرا لاعترافهما بحريته.
"وصار مدعيا على شريكه قيمة حقه منه " فإن كان لأحدهما بينة حكم بها وإن لم تكن بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وبرئا فإن نكل أحدهما قضى عليه وإن نكلا جميعا سقط حقهما لتماثلهما.
"ولا ولاء عليه لواحد منهما" لأنه لا يدعيه لأنه يقول لصاحبه أنت المعتق وولاؤه لك لا حق لي فيه ولا فرق في هذه الحال بين المسلم والكافر لتساوي العدل والفاسق في الاعتراف والدعوى فإن اعترف به أحدهما ثبت له لأنه لا يستحق له سواه ولزمه قيمة نصيب شريكه لاعترافه بهما وله ولاؤه كله وإلا فلبيت المال.
"وإن كانا معسرين لم يعتق على واحد منهما " لأن عتق المعسر لا يسري إلى غيره بل هو شاهد على صاحبه بإعتاق نصيبه فإن كانا فاسقين فلا أثر لكلامهما وإن كانا عدلين عمل بشهادتهما لأن كل واحد منهما لا يجر إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنها ضررا وقبل في العتق شاهد ويمين فإن حلف معهما عتق كله وإن حلف مع أحدهما عتق نصفه على الرواية الأخرى ويبقى نصفه رقيقا ذكره الخرقي.
وذكر ابن أبي موسى لا يصدق أحدهما على الآخر وذكره في زاد المسافر وعلله بأنهما خصمان ولا شهادة لخصم على خصمه.
"وإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق حينئذ" لأنه معترف بحريته "ولم يسر إلى نصيبه" لأن السراية فرع الإعتاق ولم يوجد منه ذلك وإنما حكم.(6/283)
وقال ابو الخطاب: يعتق جميعهم وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا أعتق نصيب المعسر وحده وإذا قال أحد الشريكين إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر فأعتق الأول وهو موسر عتق كله عليه وإن كان معسرا عتق على كل واحد منهما نصيبه،
__________
عليه بالعتق لاعترافه أن شريكه أعتقه ولا يثبت له عليه ولاء لأنه لا يدعي إعتاقه بل يعترف بأن المعتق غيره وإنما هو مخلص له ممن يسترقه فهو كالأسير من أيدي الكفار.
"وقال ابو الخطاب: يعتق جميعه" لأنه شراء حصل به الإعتاق أشبه شراء بعض ولده وإن أكذب نفسه في شهادته لم يقبل في الأصح وهل يثبت الولاء عليه إن أعتقه فيه احتمالان فإن اشترى كل واحد منهما نصيب صاحبه فقد صار العبد حرا كله ولا ولاء عليه.
"وان كان أحدهما موسرا والآخر معسرا أعتق نصيب المعسر وحده" لأنه قد صار حرا بإعتاق شريكه الموسر الذي يسري عتقه ولم يعتق نصيب الموسر لأنه يدعي أن المعسر الذي لا يسري عتقه أعتق نصيبه فعتق وحده ولا تقبل شهادة المعسر لأنه يجر نفعا بها لكونه يوجب عليه بشهادته قيمة حصته فعلى هذا إن لم يكن للعبد بينة سواه فحلف الموسر وبرىء من القيمة والعتق معا ولا ولاء للمعتق في نصيبه لأنه لا يدعيه ولا للموسر كذلك فإن عاد المعسر فأعتقه وادعاه ثبت له.
"وإذا قال أحد الشريكين إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر فأعتق الأول وهو موسر عتق كله عليه" نصيبه بالعتق ونصيب شريكه بالسراية هذا اختيار الأصحاب ويقوم عليه نصيب شريكه ولا يقع عتقه لأن السراية سبقت فمنعت عتق الشريك قال المؤلف ويحتمل أن يعتق عليهما جميعا وله ولاؤه كله وقيل: يعتق على القائل كله بالشرط ويكون ولاؤه لهما
"وإن كان معسرا عتق على كل واحد منهما نصيبه" لأن عتق المعسر لا يسري(6/284)
وإن قال إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر مع نصيبك فأعتق نصيبه عتق عليهما موسرا كان أو معسرا.
__________
إلى نصيب الشريك فوقع عتق الشريك لأنه وجد بشرط عتقه ولم يوجد ما يمنع وقوعه ويكون الولاء لهما.
"وإن قال: إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر مع نصيبك فأعتق نصيبه عتق عليهما " في الأصح " موسرا كان أو معسرا" ولم يلزم المعتق شيء لأن عتق شريكه وقع مقارنا للعتق المعلق ضرورة قوله فنصيبي حر مع نصيبك فلم تجد السراية محلا لأنها لا توجد إلا بعد عتق الأول لنصيبه وقيل: يعتق كله على المعتق لأن إعتاق نصيبه شرط عتق نصيب شريكه فيلزم أن يكون سابقا عليه والأول أولى لأنه أمكن العمل بمقتضى شرطه فوجب العمل به.
مسائل
الأولى : إذا قال إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر قبل إعتاقك وقعا معا إذا أعتق نصيبه هذا مقتضى قول أبي بكر والقاضي وقال ابن عقيل يعتق كله على المعتق ولا يقع إعتاق شريكه لأنه إعتاق في زمن ماض وقال السامري يعتق جميعه على القائل ويضمن لشريكه قيمة نصيبه منه.
الثانية : إذا كان نصف عبدين متساويي القيمة لا يملك غيرهما فأعتق أحدهما في صحته عتق وسرى إلى نصيب شريكه فإن أعتق النصف الآخر عتق لأن وجوب القيمة في ذمته لا تمنع صحة عتقه ولم يسر لأنه معسر.
الثالثة : إذا قال لعبده أنت حر متى شئت أو حيث شئت لم يعتق حتى يشاء بالقول فورا أو تراخيا وكذا أنت حر إن شئت وقيل: يتوقف على المجلس لأنه بمنزلة التخيير فإن قال أنت حر كيف شئت احتمل أن يعتق في الحال واحتمل أن لا يعتق حتى يشاء وإن قال جعلت عتقك إليك أو خيرتك ونوى تفويض العتق إليه فأعتق نفسه في المجلس عتق ويتوجه كطلاق قاله في الفروع.(6/285)
فصل
ويصح تعليق العتق بالصفات كدخول الدار ومجيء الأمطار ولا يملك إبطالها بالقول وله بيعه وهبته ووقفه وغير ذلك فإن عاد إليه عادت الصفة إلا أن تكون قد وجدت في حال زوال ملكه فهل تعود بعوده على روايتين.
__________
فصل
" ويصح تعليق العتق بالصفات كدخول الدار ومجيء الأمطار " لأنه عتق بصفة فصح كالتدبير "ولا يملك إبطالها" أي: إبطال الصفات "بالقول" لأنه ألزم نفسه شيئا فلم يملك إبطاله بالقول كالنذر وذكر ابن الزاغوني رواية أن له ذلك كالبيع "وله بيعه وهبته ووقفه وغير ذلك" كإجارته لأن ملكه باق عليه إذ العتق لا يقع إلا بعد وجود الشرط لأن المعلق بشرط عدم عند عدم الشرط وله وطء الأمة على الأصح كالتدبير وعنه: لا لأن ملكه باق عليه غير تام والأول هو المذهب فمتى جاء الوقت وهو في ملكه عتق بغير خلاف نعلمه فإن خرج عنه ببيع أو نحوه لم يعتق في قول الأكثر.
فإن قال: إن أعطيتني ألفا فأنت حر فهذه صفة لازمة لا سبيل للسيد ولا للعبد إلى إبطالها مع بقاء الملك فإن أبرأه السيد من الألف لم تصح البراءة ولم يعتق إلا بمجيئها وما بقي في يد العبد بعد الألف من كسبه يكون لسيده بخلاف الكتابة.
فرع : لا يعتق قبل وجود الصفة بكاملها كالجعل في الجعالة وذكر القاضي أن من أصلنا أن العتق المعلق بصفة فوجد بوجود بعضها كما لو قال أنت حر إن أكلت رغيفا فأكل نصفه ولا يصح ذلك لأمور منها أن موضوع الشرط في الكتاب والسنة وأحكام الشريعة على أنه لا يثبت المشروط بدون شرطه.
" فإن عاد إليه" بعد أن خرج منه "عادت الصفة" لأن التعليق وتحقق الشرط موجودان في ملكه فوجب العمل به كما لو لم يزل ملكه عنه "إلا أن تكون قد وجدت في حال زوال ملكه فهل تعود بعوده؟ على روايتين".(6/286)
وتبطل الصفة بموته فإن قال إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر أو أنت حر بعد موتي بشهر فهل يصح ويعتق بذلك على روايتين.
__________
المنصوص عن أحمد أنها لا تعود لأنها انحلت بوجودها في ملكه ولأن العتق معلق بشرط لا يقتضي التكرار فإذا وجد مرة انحلت اليمين و الثانية: تعود لأنه لم توجد الصفة التي يعتق بها أشبه ما لو عاد إلى ملكه قبل وجود الصفة ولأن الملك مقدر في الصفة فكأنه قال إذا دخلت الدار وأنت في ملكي فأنت حر ولم يوجد ذلك وفرق في المغني والشرح بين الطلاق والعتق من حيث إن النكاح الثاني ينبني على الأول والعتق بخلافه.
فرع: إذا قال: لعبده عمرو إن دخلت الدار فأنت وعبدي زيد حران فباعه ثم دخل الدار وقال: إن دخلت الدار فأنت طالق وعبدي زيد حر ثم أبانها ثم دخلتها قال ابن حمدان: يحتمل عتق زيد وعدمه.
"وتبطل الصفة بموته" لأن ملكه زال فتبطل تصرفاته بزواله كالبيع " فإن قال: إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر أو أنت حر بعد موتي بشهر فهل يصح ويعتق بذلك؟ على روايتين" وفيه مسألتان الأولى وهي الأصح في الشرح أن هذه الصفة لا تنعقد لأنه علق عتقه على صفة توجد بعد زوال ملكه فلم تصح كما لو قال: إن دخلت الدار بعد بيعي إياك فأنت حر ولأنه إعتاق له بعد إقرار ملك غيره فلم يعتق كالمنجز.
والثانية: يعتق ذكره القاضي وجزم به في الوجيز لأنه صرح فحمل عليه كما لو وصى بإعتاقه وببيع سلعته ويتصدق بثمنها ويفارق التصرف بعد البيع فإن الله جعل للإنسان التصرف بعد موته في ثلثه بخلاف ما بعد البيع.
الثانية: إذا قال: أنت حر بعد موتي بشهر وقال: مهنا سألت أحمد عن هذا فقال: هذا لا يكون شيئا بعد موته واختاره أبو بكر لما ذكرنا في التي قبلها.
والثانية: يعتق إذا وجدت الصفة بعد الموت ذكره القاضي وابن أبي موسى؛(6/287)
وإن قال: إن دخلتها فأنت حر بعد موتي فدخلها في حياة السيد صار مدبرا وإلا فلا فإن قال إن ملكت فلانا فهو حر أو كل مملوك أملكه فهو حر فهل يصح على روايتين وإن قاله العبد لم يصح في أصح الوجهين،
__________
لأن صحة التعليق توجب وقوع العتق عند شرطه ضرورة فعلى هذا يكون قبل العتق ملكا للوارث وكسبه له كأم الولد وعلى الأولى: لا يملك الورثة بيعه قبل فعله كموصى به قبل قبوله.
"وإن قال: إن دخلتها فأنت حر بعد موتي فدخلها في حياة السيد صار مدبرا" لأنه وجد شرط التدبير وهو دخول الدار "وإلا فلا" أي: إذا لم يدخلها في حياة السيد لأنه جعل ظرفا لوقوع الحرية وذلك يقتضي سبق دخول الدار في الحياة وأنه للشرط إذ الشرط لا بد من سبقه الجزاء "فإن قال" الحر "إن ملكت فلانا فهو حر أو كل مملوك أملكه فهو حر فهل يصح؟ على روايتين" إحداهما لا يصح ولا يعتق روي عن علي وابن عباس وجابر وخلق وفي المغني هي ظاهر المذهب لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا عتق لابن آدم فيما لا يملك ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك قال الترمذي هذا حديث حسن وهو أحسن ما روي في هذا الباب ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع ولأنه لا يملك تنجيز العتق فلم يملك تعليقه لقوله عليه السلام: "لا عتق قبل ملك" رواه أبو داود الطيالسي.
والثانية: يعتق إذا ملكه قدمه في الفروع ونقله الجماعة واختاره أصحابنا قاله القاضي وغيره لأن العتق مقصود من الملك والنكاح لا يقصد به الطلاق وفرق أحمد بأن الطلاق ليس لله ولا فيه قربة إلى الله تعالى ولأنه أضاف العتق إلى حال ملك عتقه فيه أشبه ما لو كان التعليق في ملكه.
"وإن قاله العبد لم يصح في أصح الوجهين" لأن العبد لا يصح منه العتق حين التعليق لكونه لا يملك وإن ملك فهو ملك ضعيف غير مستقر لا يتمكن من التصرف فيه وللسيد انتزاعه منه بخلاف الحر والثاني: أن العبد إذا قال(6/288)
وإن قال: آخر مملوك أشتريه فهو حر و قلنا: بصحة الصفة فملك عبيدا ثم مات فآخرهم حر من حين الشراء أوكسبه له وإن قال: لأمته آخر ولد تلدينه فهو حر فولدت حيا ثم ميتا يعتق الأول،
__________
ذلك ثم عتق وملك عتق كالحر.
فرع : إذا قال الحر أول عبد أملكه فهو حر انبني على العتق قبل الملك وفيه روايتان فإن لم يملك بعد واحد شيئا فوجهان وإن ملك اثنين معا فقيل بعتقهما لأن الأولية وجدت فيهما جميعا كالمسابقة وعكسه وقيل: واحد بقرعة قدمه في الشرح ونقله مهنا في أول غلام أو امرأة تطلع فهو حر أو طالق وذكر المؤلف لفظها أول من يطلع من عبيدي.
مسألة : إذا قال لعبد غيره إن كلمتك فأنت حر ثم ملكه ثم كلمه لم يعتق.
"وإن قال: آخر مملوك أشتريه فهو حر و قلنا: بصحة الصفة" أي: صحة التعليق لأن الحرية علقت على الاتصاف بالآخرية وقد وجدت في الآخر "فملك عبيدا ثم مات فآخرهم حر من حين الشراء " لأنه قد تبينا أنه كان حرا حين ملكه ويكون "أو كسبه له" وإن كان أمة كان أولادها أحرارا من حين ولدتهم لأنهم أولاد حرة وإن كان وطئها فعليه مهرها لأنه وطىء حرة أجنبية ولا يحل له وطؤها إذا اشتراها حتى يشتري غيرها لأنه إذا لم يشتر بعدها غيرها فهي آخر في الحال فإن ملك اثنتين فكأول.
فرع : إذا قال لعبد غيره أنت حر من مالي أو في مالي لم يعتق وإن رضي سيده نص عليه فلو قال: لأمته كل مولود تلدينه فهو حر عتق كل ولد ولدته في ملكه في قول العامة فإن باعها ثم ولدت لم يعتق ولدها لولادتها له بعد زوال ملكه.
"وإن قال: لأمته آخر ولد تلدينه فهو حر فولدت حيا ثم ميتا لم يعتق الأول " لأنه لم يوجد شرط عتقه فأتى قول الشريف أنه يعتق الحي "وإن ولدت(6/289)
وإن ولدت ميتا ثم حيا عتق الثاني وإن ولدت توأمين فأشكل الآخر منهما أقرع بينهما ولا يتبع ولد المعتقة بالصفة أمه في أصح الوجهين إلا أن تكون حاملا به حال عتقها أو حال تعليق عتقها.
__________
ميتا ثم حيا عتق الثاني" لوجود شرطه "وإن ولدت توأمين فأشكل الآخر منهما أقرع بينهما" لأن أحدهما استحق العتق ولم يعلم بعينه فوجه إخراجه بالقرعة كما لو قال إحداكما حر.
تنبيه : إذا قال: لأمته أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ميتا ثم حيا فعنه يعتق الحي ذكره الشريف وعنه: لا هو الصحيح قال المؤلف: لأن شرط العتق إنما وجد من الميت وليس بمحل للعتق فانحلت اليمين به وإن قال: آخر ولد تلدينه فهو حر فولدت حيا ثم ميتا ثم لم تلد بعد ذلك شيئا ففي عتق الحي روايتان وإن قال: أول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين وأشكل أولهما خروجا عتق أحدهما بالقرعة وعنه: يعتقان جميعا واختار في الترغيب أن معناهما أن أمد منع السيد منهما هل هو القرعة أو الانكشاف وفي الانتصار احتمال لا يعتق ولد حدث كتعليقه بملكه.
"ولا يتبع ولد المعتقة بالصفة أمه في أصح الوجهين" أي: إذا حملت بعد التعليق ووضعت قبل وجود الصفة ثم وجدت بعد ذلك لم يعتق الولد لأن الصفة لم تتعلق به حال التعليق ولا في حال العتق والوجه الثاني أنه يتبعها في العتق قياسا على ولد المدبرة وفرق القاضي بأن ولد المدبرة يعتق بموت سيدها سواء كانت الأم باقية على ملك السيد أو باعها أو ماتت قبله وولد المعلق عتقها بصفة لا يعتق إلابعتق أمه "إلا أن تكون حاملا به حال عتقها أو حال تعليق عتقها" أي: إذا علق عتق أمه بصفة وهي حامل تبعها ولدها كعضو من أعضائها فإن وضعته قبل وجود الصفة ثم وجدت عتق لأنه تابع في الصفة أشبه ما لو كان في البطن وإن كانت حاملا حال التعليق ثم وجدت الصفة وهي حامل عتقت هي وحملها لأن العتق وجد فيها وهي حامل فتبعها ولدها كالمنجز.(6/290)
وإن قال لعبده أنت حر وعليك ألف أو على ألف عتق ولا شيء عليه وعنه: إن لم يقبل العبد لم يعتق والصحيح في قوله أنت حر على ألف أنه لا يعتق حتى يقبل وإن قال أنت حر على أن تخدمني سنة فكذلك وقيل: إن لم يقبل لم يعتق رواية واحدة.
__________
فرع : إذا بطلت الصفة ببيع أو موت لم يعتق الولد لأنه لم يصر معتقا بصفة.
"وإن قال لعبده أنت حر وعليك ألف أو على ألف عتق ولا شيء عليه" ذكرها المتأخرون من أصحابنا لأنه أعتقه بغير شرط وجعل عليه عوضا لم يقبله فلم يعتق به ولم يلزمه شيء ونصره القاضي وأصحابه كقوله أنت حر وعليك مائة على الأصح.
"وعنه: إن لم يقبل العبد لم يعتق" نقله محمد بن جعفر لأن السيد قصد المعاوضة فإذا لم يقبل العبد وجب أن يبقى المال على ما كان عليه.
"والصحيح في قوله أنت حر على ألف أنه لا يعتق حتى يقبل" فإن لم يقبل لم يعتق في قول الأكثر لأنه أعتقه بعوض فلم يعتق بدون قبوله كقوله أنت حر بمائة أو بعتك نفسك بمائة لأن "على" تستعمل للشرط والعوض {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} الكهف و {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} القصص ولو قال في النكاح: زوجتك فلانة ابنتي على خمسمائة فقبل الآخر صح ووجب الصداق وقوله لأمته أعتقتك على أن تزوجيني نفسك كقوله على مائة وإن أباه لزمته القيمة وقيل: يعتق بقبولها مجانا واختار ابن عقيل لا يعتق إلا بالأداء فإن باعه نفسه بمال في يده صح على الأصح وعتق في الحال وفي الولاء روايتان.
"وإن قال: أنت حر على أن تخدمني سنة فكذلك" أي: يعتق بلا قبول وتلزمه الخدمة نص عليه "وقيل: إن لم يقبل لم يعتق رواية واحدة" لأن قصد(6/291)
.............................................................................................
__________
المعاوضة فيها ظاهر فعلى هذا إذا قبل عتق في الحال ولزمته خدمته سنة فإن مات السيد قبل كمال السنة رجع على العبد بقيمة ما بقي من الخدمة لأنه إذا تعذر استيفاء العوض رجع إلى قيمته كالخلع والصلح عن دم العبد وهل للسيد بيعها فيه روايتان نقل حرب لا بأس ببيعها من العبد أو ممن شاء ولم يذكروا لو استثنى خدمته مدة حياته وذكروا صحته في الوقف وهذا مثله بخلاف شرط البائع خدمة المبيع مدة حياته لأنه عقد معاوضة يختلف الثمن لأجله.
فروع
إذا قال: إن خدمتني سنة فأنت حر لم يعتق حتى يخدمه فإن مات سيده فيها لم يعتق.
وإن قال: أنت حر بشرط أن تخدم زيدا بعد موتي سنة صح على الأصح وعتق بذلك فإن أبرأه زيد من الخدمة عتق في الحال وقيل: بعد سنة فإن كانت الخدمة لبيعة وهما نصرانيان فأسلم العبد قبل تمامها عتق في الحال وهل تلزمه القيمة لبقية الخدمة على روايتين.
إذا قال لجارية: إن خدمت ابني حتى يستغني فأنت حرة لم تعتق حتى تخدمه إلى أن يكبر ويستغني عن الرضاع.
إذا قال: إن أعطيتني مائة فأنت حر فتعليق محض لا يبطله ما دام ملكه ولا يعتق بإبراء بل يدفعها نص عليه وما فضل عنها لسيده ولا يكفيه أن يعطيه من ملكه إذ لا ملك له على الأصح وهو كقوله لامرأته إن أعطيتني مائة فأنت طالق فأتت بمائة مغصوبة ففي وقوعهما احتمالان قاله في الترغيب والعتق مثله.
إذا قال: اشترني من سيدي بهذا المال وأعتقني ففعل عتق ولزم مشتريه المسمى وكذا إن اشتراه بعينه إن لم تتعين النقود وإلا بطلا وعنه: أجبن عنه.(6/292)
فصل
وإذا قال كل مملوك لي حر عتق عليه مدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده وشقص يملكه وإن قال أحد عبدي حر أقرع بينهما فمن تقع عليه القرعة فهو حر من حين أعتقه وإن مات أقرع الورثة وإن مات أحد العبدين أقرع بينه وبين الحي.
__________
فصل
"وإذا قال: كل مملوك لي حر عتق عليه مدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده وشقص يملكه " وعبد عبده المأذون نص عليه وإن استوعبهم دين المأذون لأن لفظه عام فيهم فيعتقوا كما لو عينهم ونقل مهنا لا يعتق شقص حتى ينويه ذكره ابن عقيل وغيره لأنه لا يملكه كله. فرع: إذا علق بشرط قدمه أو أخره فسواء إن صح تعليقه بالملك ذكره المؤلف في فتاويه. "وإن قال: أحد عبدي حر أقرع بينهما" لأن أحدهما استحق العتق ولم يعلم عينه أشبه ما لو أعتق المريض الجميع ولم يخرجوا من ثلثه "فمن تقع له القرعة فهو حر من حين أعتقه" لأنه تعين وظاهره: أنه ليس للسيد التعيين وهو الأصح ولا للوارث بعده فإن قال: أردت هذا بعينه قبل منه وعتق لأن ذلك إنما يعرف من جهته وقوله من حين أعتقه يريد أن العبد إن كان اكتسب مالا بعد العتق فهو له دون سيده لأنا تبينا أنه اكتسب في حال الحرية "وإن مات أقرع الورثة" لأنهم يقومون مقام موروثهم "وإن مات أحد العبدين أقرع بينه وبين الحي" فإن وقعت على الميت حسبناه من التركة وقومناه حين الإعتاق سواء مات في حياة سيده أو بعده قبل القرعة فعليه إن وقعت على الحي نظر في الميت فإن كان موته قبل موت سيده أو بعده قبل قبض الوارث لم يحسب من التركة فتكون التركة للحي وحده فيعتق ثلثه وتعتبر قيمة(6/293)
وإن أعتق عبدا ثم أنسيه أخرج بالقرعة فإن علم بعدها أن المعتق غيره عتق وهل يبطل عتق الأول على وجهين.
فصل
وإذا أعتق في مرض موته ولم يجز الورثة اعتبر من ثلثه وإن أعتق جزءا من عبده في مرضه أو دبره،
__________
الإعتاق لأنه حين الإتلاف ويعتبر قيمة التركة بأقل الأمرين من حين الموت إلى حين قبض الوارث وقيل: يحسب الميت من التركة وإن كان موته بعد قبض الوارث له حسب من التركة لأنه وصل إليهم وجعلناه كالحي في تقويمه معه.
"وإن أعتق عبدا ثم أنسيه أخرج بالقرعة" في قياس قول أحمد وقاله الليث لأن مستحق العتق غير معين أشبه ما لو عتق جميعهم في مرض موته فإن لم يقرع فإنه يقبل قوله في عتق من عينه دون غيره فإذا قال: أعتقت هذا عتق ورق الباقون وإن قال: أعتقت هذا لا بل هذا عتقا جميعا وكذا إقرار وارث.
"فإن علم بعدها" أي: بعد القرعة " أن المعتق غيره عتق" لتبين أمره "وهل يبطل عتق الأول؟ على وجهين" أصحهما أنه يبطل ويرد إلى الرق لأنه تبين له المعتق فيعتق دون غيره كما لو لم يقرع والثاني: وهو مقتضى قول ابن حامد أنهما يعتقان لأن الأول تبينت الحرية فيه بالقرعة فلا تزول كسائر الأحرار وكما لو كانت القرعة بحكم حاكم.
فصل
"وإن أعتق في مرض موته" المخوف "ولم يجز الورثة اعتبر من ثلثه" لأنه عليه السلام لم يجز عتق الذي أعتق ستة مملوكين في مرض موته إلا ثلثهم ولأنه تبرع بمال أشبه الهبة وكالتدبير والوصية بالعتق فعلى هذا ما زاد على الثلث إن أجازه الوارث جاز وإن رده بطل لأن الحق له.
"وإن أعتق جزءا من عبده في مرضه أو دبره" بأن قال: إذا مت فنصف(6/294)
وثلثه يحتمل جميعه فيعتق جميعه وعنه: لا يعتق إلا ما أعتق وإن أعتق في مرضه شركا له في عبد أو دبره وثلثه يحتمل باقيه أعطي الشريك ولو كان جميعه حرا في إحدى الروايتين و الأخرى لا يعتق إلا ما ملك منه ولو أعتق في مرضه ستة أعبد قيمتهم سواء وثلثه يحتملهم ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بيعوا في دينه،
__________
عبدي حر ثم مات "وثلثه يحتمل جميعه" على المذهب وهو قول أكثر الفقهاء لأنه يزول التدبير كالعتق بالسراية لأنه إعتاق لبعض عبده "فيعتق جميعه" كما لو أعتقه في حياته وشرطه كما ذكره أن يكون ثلث المريض يحتمله لأن تصرف المريض بالمباشرة في الزائد عن الثلث لا يصح فلأن لايسري فيه بطريق الأولى: فلو مات العبد قبل سيده عتق بقدر ثلثه " وعنه: لا يعتق إلا ما أعتق " لأنه لا يمنع جواز البيع فلم يسر كتعليقه بالصفة في الحياة.
فرع : إذا دبر أحد الشريكين نصيبه صح ولم يلزمه لشريكه في الحال شيء فإذا مات عتق الجزء المدبر إذا خرج من ثلثه وفي سرايته في نصيب الشريك الخلاف.
"وإن أعتق في مرضه شركا له في عبد أو دبره وثلثه يحتمل باقيه أعطي الشريك" أي: قيمة باقيه بنقدير الحكم بالحرية لقوله عليه السلام: "وأعطي شركاءه حصصهم". "ولو كان جميعه حرا في إحدى الروايتين" ويعطى الشريك قيمة نصيبه من الثلث لأن ملك المعتق لثلث المال تام التصرف فيه بالتبرع فهو كمال الصحيح الموسر "والأخرى لا يعتق إلا ما ملك منه" أي: حصته فقط لأن ملكه يزول إلى ورثته بموته فلا يبقى شيء يقضي منه الشريك لكن قال القاضي: ما أعتقه في مرض موته سرى وما دبره أو أوصى بعتقه فلا فالرواية في سراية العتق في حال الحياة أصح والرواية في وقوفه في التدبير أصح لأن العتق في الحياة ينفذ حال ملك المعتق وصحة تصرفه وتصرفه في ثلثه كتصرف الصحيح في ماله كله وأما التدبير والوصية فإنما يحصل العتق به في حال زوال ملك المعتق وتصرفاته "ولو أعتق في مرضه ستة أعبد قيمتهم سواء وثلثه يحتملهم ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بيعوا في(6/295)
ويحتمل أن يعتق ثلثهم وإن أعتقهم فأعتقنا ثلثهم ثم ظهر له مال يخرجون من ثلثه عتق من أرق منهم.
__________
دينه" وجملته أن المريض إذا أعتق عبيده أو دبرهم وهم يخرجون من ثلثه في الظاهر فأعتقناهم ثم مات فظهر عليه دين يستغرقهم تبينا بطلان عتقهم فيباعون في الدين ويكون عتقهم مقدم على الوصية ولأن الدين يقدم على الميراث بالاتفاق ولهذا يباع في قضاء الدين لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} الآية ورد ابن أبي ليلى عبدا أعتقه سيده عند الموت وعليه دين فاستحسن ذلك أحمد رضي الله عنه.
"ويحتمل أن يعتق ثلثهم" هذا رواية ذكرها أبو الخطاب فعلى هذا يعتق منه بقدر الثلث ويرد الباقي لأن تصرف المريض في ثلثه كتصرف الصحيح في ماله وكما لو لم يكن عليه دين ولأنه تبرع في مرض موته بما يعتبر خروجه من الثلث فقدم عليه الدين كالهبة فإن قال الورثة نحن نمضي العتق ونقضي الدين لم ينفذ في وجه لأن الدين كان مانعا منه فيكون باطلا ولا يصح بزوال المانع بعده وفي آخر ينفذ العتق لأنه إذا سقط الدين وجب نفوذه وقيل: أصلهما إذا تصرف الورثة في التركة ببيع وغيره وعلى الميت دين وقضي الدين هل ينفذ فيه وجهان.
فرع : إذا أعتق المريض ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم فأقرع الورثة فأعتقوا واحدا وأرقوا اثنين ثم ظهر عليه دين يستغرق نصفهم فوجهان أحدهما: تبطل القرعة والثاني: لا فيقال للورثة اقضوا ثلثي الدين وهو بقدر قيمة نصف العبدين اللذين بقيا إما من العبيد أو من غيرهم ويجب رد نصف العبد الذي عتق فإن كان الذي أعتق العبدين أقرع بينهما فإذا خرجت لأحدهما وكان بقدر السدس من التركة عتق وبيع الآخر في الدين وإن كان أكثر منه عتق بقدر السدس فإن كان أقل عتق وعتق من الآخر تمام السدس.
"وإن أعتقهم فأعتقنا ثلثهم ثم ظهر له مال يخرجون من ثلثه عتق من أرق منهم" أي: إذا أعتق عبيده في مرضه لم يعتق منهم إلا الثلث ويرق الثلثان إذا(6/296)
وإن لم يظهر له مال جزأناهم ثلاثة أجزاء كل اثنين جزءا وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق الباقون،
__________
لم يجز الورثة فإذا فعل ذلك ثم ظهر له مال بقدر ثلثيهم تبينا أنهم عتقوا حين أعتقهم لأن تصرف المريض في ثلث ماله نافذ وقد بان أنهم ثلث ماله وخفاء ذلك علينا لا يمنع كونه موجودا فلا يمنع كون العتق واقعا فعلى هذا يكونون أحرارا من حين أعتقهم وكسبهم لهم وإن كان تصرف فيهم ببيع ونحوه كان باطلا وإن كانوا قد تصرفوا فحكمهم كالأحرار فلو تزوج منهم عبد بغير إذن سيده كان نكاحه صحيحا ووجب عليه المهر وإن ظهر له بقدر قيمتهم عتق ثلثاهم لأنه ثلث جميع المال وإن ظهر له مال بقدر نصفهم عتق نصفهم وإن كان بقدر ثلثهم عتق أربعة أتساعهم وعلى هذا الحساب "وإن لم يظهر له مال جزأناهم ثلاثة أجزاء كل اثنين جزءا وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق الباقون" في قول أكثر العلماء لقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ} [آل عمران:44] وقوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات141] وعن عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار اعتق ستة مملوكين في مرضه لا مال له غيرهم فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا رواه الجماعة إلا البخاري قال أحمد في القرعة خمس سنن وأجمعوا على استعمالها في القسمة.
وإذا أراد الرجل السفر بإحدى نسائه وكذا إذا تشاح الأولياء في التزويج أو من يتولى القصاص ولأنه حق في تفريقه ضرر فوجب كم بالقرعة كقسمة الإجبار مع الطلب وبذلك يبطل قول الخصم إنه مخالف للقياس ثم لو سلم فالحجة الحديث مطلقا فعلى هذا لا بد من تساوي القيمة والعدد فيهم كثلاثة أو ستة أو تسعة قيمة كل واحد منهم مثل قيمة الآخر فإن كانوا متساوي العدد دون القيمة كستة أعبد قيمة اثنين ثلاثمئة واثنين مائتان مائتان واثنين مائة مائة جعلت الاثنين اللذين قيمتهما اربعمئة جزءا وكل(6/297)
......................................................................................................
__________
واحد من اللذين قيمتهما مائة مائة مع كل واحد من الأوليين جزءاً وظاهر المتن أنه لا فرق بين أن يعتقهم في دفعة واحدة أو دفعات وأن العطايا يساوي بين متقدمها ومتأخرها.(6/298)
فصل في كيفية القرعة
وإن كانوا ثمانية فإن شاء أقرع بينهم بسهمي حرية وخمسة رق وسهم لمن ثلثاه حر وإن شاء جزأهم أربعة أجزاء وأقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق ثم أعاد القرعة بينهم لإخراج من ثلثاه حر وإن فعل غير ذلك جاز.
__________
فصل في كيفية القرعة.
قال أحمد: قال سعيد ابن جبير: يقرع بينهم بالخواتيم أقرع بين اثنين في ثوب فأخرج خاتم هذا وخاتم هذا ثم قال: يخرجونهما ثم يدفع إلى رجل فيخرج منهما واحدا ثم قال أحمد: بأي شيء خرجت مما يتفقان عليه وقع الحكم به سواء كان رقاعا أو خواتيم وقال أصحابنا المتأخرون الأولى: أن يقطع رقاعا صغارا مستوية ثم تجعل في بنادق شمع أو غيره متساوية القدر ثم تلقى في حجر واحد لم يحضر ويغطى عليها بثوب ثم يقال له أدخل يدك فأخرج بندقة فيفضها ويعلم ما فيها وفي كيفيتها طرق ستأتي في القسمة إن شاء الله تعالى.
"وإن كانوا ثمانية فإن شاء أقرع بينهم بسهمي حرية وخمسة رق وسهم لمن ثلثاه حر" لأن الغرض خروج الثلث بالقرعة فكيف اتفق حصل ذلك الغرض "وإن شاء جزأهم أربعة أجزاء وأقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق ثم بينهم لإخراج من ثلثاه حر" لأنه يجعل كل اثنين جزءاً ويقرع بينهم بما ذكر ليظهر التفريق المعتق من غيره ويعيد القرعة ليظهر من ثلثاه حر "وإن فعل غير ذلك جاز" بأن يجعل ثلاثة جزءاً وثلاثة جزءاً واثنين جزءاً فإن خرجت القرعة على الاثنين عتقا ويكمل الثلث بالقرعة من الباقين وإن(6/298)
وإن أعتق عبدين قيمة أحدهما مائتان والآخر ثلاثمئة جمعت قيمتهما وهي خمسمئة فجعلتها الثلث ثم أقرعت بينهما فإن وقعت على الذي قيمته مائتان ضربته في ثلاثة تكن ستمائة ثم نسبت منه خمس المائة يكن العتق فيه خمسة أسداسه وإن وقعت على الآخر عتق منه خمسة اتساعه وكل شيء يأتي من هذا فسبيله أن يضرب في ثلاثة ليخرج بلا كسر وإن أعتق واحدا من ثلاثة عبيد فمات أحدهم في حياة سيده أقرع بينه وبين الحيين ويسقط فإن وقعت القرعة على الميت رق الآخران،
__________
خرجت لثلاثة أقرع بينهم بسهمي حرية وسهم رق ثم أعيدت القرعة بينهم فمن وقع له سهم العتق عتق ثلثاه فإن كان جميع ماله عبدين أقرعنا بينهما بسهم حرية وسهم رق على كل حال.
" وإن أعتق عبدين قيمة أحدهما مائتان والآخر ثلاثمئة جمعت قيمتهما وهي خمسمائة فجعلتها الثلث" هذا إذا لم يجز الورثة عتقهما عتق ثلثهما وكمل الثلث في أحدهما فتجمع قيمتهما فتكون خمسمائة "ثم أقرعت بينهما فإن وقعت على الذي قيمته مائتان ضربته في ثلاثة" أي: تضرب قيمته في ثلاثة ونسبنا قيمتها إلى المرتفع بالضرب فما خرج من النسبة عتق من العبد بقدره "تكن ستمائة ثم نسبت منه خمسمائة" لأنها الثلث تقديرا "يكن العتق فيه خمسة أسداسه" لأن خمسمائة من ستمائة خمسة أسداسها.
"وإن وقعت على الآخر" وهو الذي قيمته ثلاثمئة "عتق منه خمسة أتساعه" لأنك إذا ضربت قيمته وهي ثلاثمائة في ثلاثة كانت تسعمائة فإذا نسبت خمسمائة كانت خمسة اتساعها.
"وكل شيء ياتي من هذا فسبيله أن يضرب في ثلاثة ليخرج بلا كسر" هذا قول من يرى جمع العتق في بعض العبد بالقرعة.
"وإن اعتق واحداً" أي: غيرمعين "من ثلاثة أعبد فمات أحدهم في حياة سيده أقرع بينه وبين الحيين" هذا هو الأصح وقيل: يقرع بينهما دون الميت وعلى الاول "فإن على الميت رق الآخران" كما لو كانوا أحياء(6/299)
وإن وقعت على أحد الحيين عتق إذا خرج من الثلث وإن أعتق الثلاثة في مرضه فمات أحدهم في حياة السيد فكذلك في قول أبي بكر و الأولى: أن يقرع بين الحيين ويسقط حكم الميت.
__________
"وإن وقعت على أحد الحيين عتق إذا خرج من الثلث" لأن تصرف المريض معتبر من الثلث بخلاف الأولى: فإنه لم يشرط فيها لأن الميت إن كان وقف الثلث فلا إشكال فيه وإن كان أكثر فالزائد عن الثلث هلك على ماله وإن كان فلا يعتق من الآخرين شيئا لأنه لم يعتق إلا واحدا.
" وإن أعتق الثلاثة في مرضه فمات أحدهم في حياة السيد فكذلك في قول أبي بكر" أي: يقرع بينه وبين الحيين لأن الحرية إنما تنفذ في الثلث أشبه ما لو أعتق واحدا منهم لا يقال ليس حكم عتق الثلاثة ليس كحكمه عتق أحدهم في بعض الصور لأن الميت لو كانت قيمته أقل من الآخرين فمع وقوع القرعة عليه تكمل من الآخرين والمراد به التشبيه في نفس القرعة من غير تعرض للقيمة.
"والأولى: أن يقرع بين الحيين لبعض حكم الميت" لأن الاعتبار في خروجه من الثلث بحالة الموت وحالة الموت إنما كان له العبدان وهما كل ماله وصار بمنزلة ما لو أعتق العبدين في مرضه ولم يكن له مال غيرهم.
فرع : لو وكل أحد الشريكين الآخر في عتق نصيبه فقال الوكيل نصيبي حر عتق وسرى إلى نصيب شريكه والولاء له وإن أعتق نصيب شريكه عتق وسرى إلى نصيبه إن كان موسرا والولاء للموكل وإن أعتق نصف العبد ولم ينو شيئا احتمل أن ينصرف لى نصيبه لأنه لا يحتاج إلى نية واحتمل أن ينصرف إلى نصيب شريكه لأنه أمره بالإعتاق ويحتمل أن ينصرف إليهما لتساويهما وأيهما حكمنا بالعتق عليه ضمن نصيب شريكه وقيل: لا يضمن لأن الوكيل إذا أعتق نصيبه فسرى إلى الآخر لم يضمنه لأنه مأذون له في العتق.(6/300)
باب التدبير
وهو تعليق العتق بالموت ويعتبر من الثلث.
__________
باب التدبير
سمي تدبيرا لأن الوفاة دبر الحياة يقال دبره تدبيرا إذا علق عتقه بموته يقال أعتقه عن دبر أي: بعد الموت وقال ابن عقيل هو مشتق من إدباره من الدنيا ولا يستعمل في كل شيء بعد الموت من وصية ووقف وغيره فهو لفظ يخص به العتق بعد الموت.
والأصل فيه حديث جابر أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر ولم يكن له مال غيره فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من يشتريه مني؟" فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمئة درهم فدفعها إليه متفق عليه.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن من دبر عبده أو أمته ولم يرجع عن ذلك حتى مات والمدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء الدين وإنفاذ وصاياه وكان السيد بالغا جائز التصرف أنه يعتق.
"وهو تعليق العتق بالموت" هذا بيان لمعنى التدبير شرعا ولا تصح وصيته به "ويعتبر من الثلث" أي: إنما يعتق إذا خرج من ثلث المال في قول أكثر العلماء وروي عن ابن مسعود وغيره أنه من رأس المال ونقله حنبل عن الإمام قياسا على أم الولد.
وجوابه: بأنه تبرع بعد الموت فكان من الثلث كالوصية وما نقله حنبل لا عمل عليه قال أبو بكر: هو قول قديم رجع عنه إلى ما قاله الجماعة فعلى هذا إذا لم يخرج منه وأجاز الورثة عتق جميعه وإلا عتق منه مقدار الثلث وهل يستسعى في قيمة باقيه على روايتين وعنه: في الصحة مطلقا.
فرع : إذا اجتمع العتق في المرض والتدبير قدم العتق وإن اجتمع هو والوصية(6/301)
ويصح من كل من تصح وصيته وصريحه لفظ العتق والحرية المعلقين بالموت ولفظ التدبير وما تصرف منها ويصح مطلقا ومقيدا بإن يقول إن مت في مرضي هذا أو عامي هذا فأنت حر أو مدبر،
__________
بعتقه تساويا لوجودهما بعد الموت وقيل: يقدم التدبير لحصوله بلا مهلة.
"ويصح من كل من تصح وصيته" لأنه تبرع بالمال بعد الموت أشبه الوصية وقال الخرقي إذا جاوز العشر وكان يعرفه والجارية اذا جاوزت التسع وجوابه بأنه يؤمر بالصلاة والجارية بقول عائشة إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة ولأنه سن يمكن بلوغها فيه.
ويصح تدبير المحجور عليه بسفه ولا يصح من المجنون ويصح من الكافر ولو حربيا ومرتدا إن تبينا ملكه له فأسلم فإن مات مرتدا بطل في الأصح.
"وصريحه لفظ العتق والحرية المعلقين بالموت" كقوله: أنت حر أو عتيق أو معتق أو محرر بعد موتي فيصير بذلك مدبرا بغير خلاف نعلمه "ولفظ التدبير وما تصرف منها" غير أمر ومضارع فإذا قال أنت مدبر أو دبرتك فإنه يصير مدبرا بمجرد اللفظ وإن لم ينوه. وكنايات العتق المنجز تكون للتدبير إذا أضاف إليه ذكر الموت "ويصح مطلقا" أي: من غير شرط آخر نحو إن مت فأنت حر أو مدبر "ومقيدا" لأنه تعليق للعتق على شرط فصح مطلقا ومقيدا كتعليق العتق بغير الموت "بأن يقول إن مت فمن مرضي هذا أو عامي هذا" أو في بلدي هذا "فأنت حر أو مدبر" لأنه تقييد خاص وقد يكون غير خاص مثل أن يعلقه على صفة كإن دخلت الدار فأنت حر أو إن قدم زيد أو شفى الله مريضي فأنت مدبر فهذا لا يصير مدبرا في الحال لأنه علق التدبير بشرط فإذا وجد صار مدبرا وعتق بموت سيده وإن لم يوجد في حياة السيد ووجد بعد موته لم يعتق لأن إطلاق الشرط يقتضي وجوده في الحياة بدليل ما لو علق عليه عتقا منجزا.(6/302)
وإن قال متى شئت فأنت مدبر فمتى شاء في حياة السيد صار مدبرا وإن قال إن شئت فأنت مدبر فقياس المذهب أنه كذلك وقال ابو الخطاب: إن شاء في المجلس صار مدبرا وإلا فلا،
__________
فرعان
الأول: إذا قال إذا قرأت القرآن فأنت حر بعد موتي فقرأه جميعه صار مدبرا بخلاف قراءة بعضه فإن قال إذا قرأت قرآنا فأنت حر بعد موتي فقرأ بعضه صار مدبرا لأنه في الأولى: عرفه باللام المقتضية للاستغراق بخلاف الثانية.
الثاني : إذا قالا لعبدهما: إن متنا فأنت حر فهو تعليق للحرية بموتهما جميعا ذكره القاضي وغيره ولا يعتق بموت أحدهما شيء ولا ببيع وارثه حقه وقال أحمد واختاره المؤلف: إذا مات أحدهما فنصيبه حر فإن أراد أنه حر بعد آخرهما موتا فإن جاز تعليق الحرية على صفة بعد الموت عتق بعد موت الآخر منهما عليهما وإلا عتق نصيب الآخر منهما بالتدبير وفي سرايته إن احتمله ثلثه الروايتان.
" وإن قال: متى شئت فأنت مدبر فمتى شاء في حياة السيد صار مدبرا" بعتق بموته لأن المشيئة على التراخي فمتى وجدت المشيئة وجد الشرط كقوله إذا شئت أو أي: وقت شئت فإن مات السيد قبل المشيئة بطلت فإن قال متى شئت بعد موتي أو أي: وقت شئت بعد موتي فهو تعليق للعتق على صفة.
وقال القاضي: يصح فعليه يكون على التراخي وما كسبه قبل مشيئته فهو لورثة سيده بخلاف الموصى به فإن في كسبه قبل القبول وجهين "وإن قال: إن شئت فأنت مدبر فقياس المذهب أنه كذلك" أي: أنه على التراخي كمتى شئت
"وقال ابو الخطاب: إن شاء في المجلس صار مدبرا وإلا فلا" لأن المشيئة(6/303)
وإذا قال: قد رجعت عن تدبيري أو قد أبطلته لم يبطل لأنه تعليق للعتق بصفة وعنه: يبطل كالوصية وله بيع المدبر وهبته وإن عاد إليه عاد التدبير وعنه: لا يباع إلا في الدين،
__________
كالاختيار "وإذا قال: قد رجعت في تدبيري أو قد أبطلته لم يبطل" في الصحيح من المذهب " لأنه تعليق للعتق بصفة" وكما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر.
" وعنه: يبطل كالوصية" لأنه جعل له نفسه بعد موته فكان ذلك وصية فجاز الرجوع فيها بالقول كما لو وصى له بعبد آخر فلا يصح رجوعه في حمل لم يوجد وإن رجع في حامل ففي حملها وجهان لا بعد وضعه والروايتان إذا لم يأت بصريح التعليق أو صريح الوصية قاله في الترغيب وغيره وعنه: لا يصح في الأمة وإن أنكره لم يرجع إن قلنا: تعليق وإلا فوجهان.
تنبيه : إذا قال إذا أديت إلى ورثتي ألفا فأنت حر فقد رجع عن تدبيره قال ابن حمدان: كما لو رد الوصية ولم يقبلها وإن دبره كله ثم رجع في نصفه صح إذا قلنا: بصحة الرجوع في جميعه فإن غيّرالتدبير فكان مطلقا فجعله مقيدا صار مقيدا إن قلنا: بصحة الرجوع وإن كان مقيدا فأطلقه صح على كل حال لأنه زيادة فلا يمنع منه.
"وله بيع المدبر وهبته" نقله الجماعة عنه لأنه عتق معلق بصفة فلم يمنع من بيعه وظاهره: مطلقا في الدين وغيره مع الحاجة وعدمها وإن لم يوص به وإن عاد إليه بعد البيع عاد التدبير لأنه معلق عتقه بصفة وبناه القاضي على أصل وهو أن التدبير هل هو تعليق للعتق بصفة أو وصية فعلى الأول يعود بخلاف الوصية وهذا رواية عن أحمد.
"وعنه: لا يباع إلا في الدين" لأن الدين يقدم على العتق المحقق في بعض المواضع فلأن يقدم على ما انعقد فيه سبب الحرية بطريق الأولى وعنه: لحاجة اختارها الخرقي وجزم بها في الكافي لأنه عليه السلام إنما باعه لحاجة صاحبه.(6/304)
وعنه: لا تباع الأمة خاصة وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها فهو بمنزلتها ولا يتبعها ولدها من قبل التدبير.
__________
"وعنه لا تباع الأمة خاصة" لأن في جواز بيعها إباحة لفرجها وتسليط مشتريها على وطئها مع وقوع الخلاف في بيعها وحلها بخلاف المدبر.
قال المؤلف: لا نعلم التفريق بينهما عن غير إمامنا والصحيح ألاول.
قال الجوزجاني: صحت أحاديث بيع المدبر باستقامة الطرق والخبر إذا صح استغني به عن غيره ولأنه عتق بصفة فلم يمنع البيع كقوله إن دخلت الدار فأنت حر وخبرهم ليس بصحيح وإنما هو عن ابن عمر.
ويحتمل أنه أراد بعد الموت أو على الاستحباب ولا يصح قياسه على أم الولد لأن عتقها ثبت بغير اختيار سيدها وإذا لم يصح أو دبر الحمل ثم باع أمته فكاستثنائه في البيع قاله في الترغيب وفي الروضة له بيع العبد في الدين وفي بيعها فيه روايتان.
" وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها فهو بمنزلتها " الولد الحادث بعد التدبير لا يخلو من حالين أحدهما أن يكون موجودا حال تدبيرها ويعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر من حينه فيدخل معها بغير خلاف نعلمه كعضو من أعضائها فإن بطل التدبير في الأم لم يبطل في ولدها لأنه ثبت أصلا.
الثاني: أن تحمل به بعد التدبير فهو يتبع أمه مطلقا في قول أكثر أهل العلم.
ونقل حنبل عنه: أن ولدها عبد إذا لم يشرط الولي فظاهره أنه لا يتبعها ولا تعتق بموت سيدها ولأن عتقها معلق بصفة أشبه من علق عتقها بدخول الدار والأول أصح لقول عمر وابنه وجابر إن ولدها بمنزلتها ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة فكان كالإجماع ولأن الأم استحقت الحرية بموت سيدها فيتبعها ولدها كأم الولد.
فعلى هذا إن بطل التدبير في الأم لمعنى اختص بها فقط فإن لم يتبع الثلث لهما جميعا أقرع بينهما "ولا يتبعها ولدها من قبل التدبير" على المذهب لأنه لا(6/305)
وله وطء مدبرته فإن أولدها بطل تدبيرها وإذا دبر المكاتب أو كاتب المدبر جاز فإن أدى عتق وإن مات سيده قبل الأداء عتق إن حمل الثلث ما بقي من كتابته،
__________
يتبعها في العتق ولا في الاستيلاد ففي التدبير أولى.
وذكر أبو الخطاب: أن حنبلا نقل عن عمه في الرجل يدبر الجارية ولها ولد قال ولدها معها وحملها المؤلف على الولد بعد التدبير توفيقا بين كلاميه وعلم أن ولد المدبر لا يتبع أباه مطلقا على المذهب لأن الولد إنما يتبع أمه في الحرية والرق.
وعنه: وهي ظاهر المغني والشرح الجزم بها في ولده من أمته المأذون له في التسري بها يكون مدبرا لأنه ولده من أمته فتبعه كالحر.
وفي الرعاية لا يكون ولد المدبر من أمته مثله في الأصح بل يتبع أمه "وله وطء مدبرته " روي عن ابن عمر وابن عباس كمملوكته فيدخل تحت قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:2] قال أحمد: لا أعلم أحدا كره ذلك غيرالزهري.
وعنه: لايجوز وطء بنت مدبرته وهو محمول على أنه وطىء أمها "فإن أولدها بطل تدبيرها" لأن الاستيلاد أقوى من التدبير فأبطله كالنكاح مع الملك.
"وإذا دبر المكاتب" جاز بغير خلاف نعلمه لأنه تعليق لعتقه بصفة وهو يملك إعتاقه فيملك التعليق وإن قيل هو وصية "أوكاتب المدبر جاز" وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة لأن التدبير إن كان عتقا بصفة لم يمنع الكتابة وكذا إن كان وصية كما لو وصى بعتقه ثم كاتبه.
وذكر القاضي أنه يبطل بها إذا قلنا: هو وصية كما لو وصى به لرجل ثم كاتبه "فإن أدى عتق" لأن ذلك شأن المكاتب "وإن مات سيده قبل الأداء عتق " لأن ذلك شأن المدبر "إن حمل الثلث ما بقي من كتابته" لأن المدبر يعتبر في عتقه بالتدبير خروجه من الثلث وبطلت الكتابة.(6/306)
وإلا عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما أعتق وهو على الكتابة فيما بقي وإذا دبر شريكا له في عبد لم يسر إلى نصيب شريكه فإن أعتق شريكه سرى إلى المدبر وغرم قيمته لسيده ويحتمل أن يسري في الأول دون الثاني.
__________
"وإلا عتق منه بقدر الثلث" حيث لم يخرج كله من الثلث لأن ذلك لا مانع له "وسقط من الكتابة بقدر ما عتق" لانتفاء محلها بالعتق "وهو على الكتابة فيما بقي" لأن محلها لم يعارضه شيء.
فعلى هذا لو خرج نصفه من الثلث عتق نصفه وسقط نصف الكتابة وبقي نصفه والذي يحسب من الثلث إنما هو قيمة المدبر وقت موت سيده لأن المدبر لو لم يكن مكاتبا لاعتبرت قيمته ومن عتق بالتدبير كان ما في يده لسيده لأنه كان له قبل العتق فكذا بعده ذكره الأصحاب.
قال المؤلف: وعندي أن يعتق ويتبعه ولده وأكسابه لأن السيد لا يملك إبطال كتابته لكونها عقدا لازما من جهته وإنما يملك إسقاط حقه عليه وعنه: له كسبه ونقل ابن هانىء ما لا بد من كسبه وكما لو ادعى المدبر أنه كسبه بعد موته وأمكن لثبوت يده عليه بخلاف ولده. "وإذا دبر" وهو موسر "شركا له في عبد لم يسر إلى نصيب شريكه" لأنه تعليق للعتق بصفة فلم يسر كتعليقه بدخول الدار ويفارق الاستيلاد فإنه آكد بدليل أنه يعتق من جميع المال ولو قتلت سيدها لم يبطل استيلادها والمدبر بخلافه.
وإن مات المدبر عتق نصيبه إن خرج من الثلث وفي سرايته إلى نصيب شريكه روايتان "فإن أعتق شريكه" نصيبه "سرى إلى المدبر وغرم قيمته لسيده" إن كان موسرا لخبر ابن عمر ولأنه إذا سرى إلى إبطال الملك الذي هو آكد من الولاء والولاء أولى ما ذكر فيه لا أصل له ويبطل بما إذا علق عتق نصيبه بصفة "ويحتمل أن يسري في الأول" ويضمن قيمته لأن المدبر استحق العبد بموت سيده فسرى كأم الولد "دون الثاني" أي: لا يسري لأنه قد انعقد له(6/307)
وإذا أسلم مدبر الكافر لم يقر في يده وترك في يد عدل ينفق عليه من كسبه وما فضل لسيده وإن أعوز فعليه تمامه إلا أن يرجع في التدبير ونقول بصحة الرجوع فيجبر على بيعه ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين،
__________
سبب استحق الولاء على العبد فلم يكن للآخر إبطاله.
تنبيه : إذا دبرا عبدهما معا صح ولا يعتق بموت أحدهما ولا ببيع وارثه حقه ثم إن أعتق أحدهما حقه ففي وجوب ضمان حق الآخر وجهان وفي الشرح إذا دبر كل واحد من الشريكين حقه فمات أحدهما عتق نصيبه وبقي نصيب الآخر على التدبير إن لم يف ثلثه بقيمة حصة شريكه وإن كان يفي فهل يسري على روايتين وإن قال: كل واحد منهما إذا متنا فأنت حر فإذا مات أحدهما فنصفه حر.
وقال القاضي: هذا تعليق للحرية بموتهما جميعا فإن عتق بالتدبير فما معه إذن إرث وعنه: بل هو له اختاره المؤلف كما لو بقي مدة فادعاه كسبا بعد موته حلف له فإن أقام بينة قدمت على بينة الورثة وعنه: تقدم بينة الداخل.
وإن أعتق عبده القن أو كاتبه أو أعتق مكاتبه فما بيده لسيده وعنه: له وعتقه مكاتبه قيل إبراء مما بقي وقيل: فسخ كعتقه في كفارة.
"وإذا أسلم مدبر الكافر لم يقر في يده" أي: أمرناه بإزالة ملكه عنه لئلا يبقى الكافر مالكا لمسلم كغير المدبر وكما لو أسلم مكاتبه وعجز وقيل: لا يلزمه إن استدام تدبيره ويحال بينهما وتلزمه نفقته حتى يعتق بموته "وترك في يد عدل حتى ينفق عليه من كسبه" لأنه أولى الناس به "وما فضل لسيده" لأنه مملوكه "وإن أعوز فعليه تمامه" لأن نفقة المملوك على السيد إن لم يكن له كسب " إلا أن يرجع في التدبير ونقول بصحة الرجوع فيجبر على بيعه" ولا يترك في يد عدل لأن الكافر لا يقر على استقرار ملكه على المسلم.
وفي المغني والشرح إن المدبر إذا كان لم يكن له كسب أنه يجبر سيده على الإنفاق عليه لأنه ملكه " ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين"(6/308)
وهل يحكم عليه بشاهد وامرأتين أو بشاهد ويمين العبد على روايتين وإذا قتل المدبر سيده بطل تدبيره.
__________
أي إذا ادعى العبد على سيده أنه دبره صحت دعواه لأنه يدعي استحقاق العتق فإن أنكر ولم يكن للمدبر بينة قبل قول السيد مع يمينه لأن الأصل عدمه وجحده التدبير ليس رجوعا إن جعل عتقا بصفة وإلا فوجهان فإن جعل رجوعا لم تسمع دعواه ولا بينته.
قال ابن حمدان: إن جوزنا الرجوع وحلف عليه صح وإلا فلا وإن كان الاختلاف بين العبد وورثة سيده فكالخلاف مع السيد إلا أن الدعوى صحيحة بغير خلاف وأيمانهم على نفي العلم.
ويجب اليمين على كل واحد من الورثة فمن نكل منهم عتق نصيبه ولم يسر إلى باقيه ويشترط في الشاهدين العدالة بغير خلاف لأن ذلك شرط فيهما.
"وهل يحكم عليه بشاهد وامرأتين أو بشاهد ويمين العبد على روايتين" إحداهما: وجزم بها في الوجيز أنه يحكم به قياسا على البيع.
والثانية : لا يحكم عليه بذلك لأن الغرض إثبات الحرية وتكميل الأحكام فلا يثبت ذلك إلا بشهادة عدلين كالنكاح والطلاق "وإذا قتل المدبر سيده بطل تدبيره" لأنه قصد استعجال العتق بالقتل المحرم فعوقب بنقيض قصده كمنع الميراث بقتل المورث ولأن التدبير وصية فيبطل بالقتل كالوصية بالمال ولا يلزم على هذا عتق أم الولد لكونها آكد وحينئذ فلا فرق بين كون القتل عمدا أو خطأ كما لا فرق بين حرمان الإرث وإبطال وصية القاتل وإن قيل لا تبطل الوصية بالموت فالتدبير أولى نظرا للعتق.
فرع: إذا جنى المدبر لم يبطل تدبيره ويباع في الجناية وسيده بالخيار ومن لم يجوز بيعه أوجب فداءه على سيده كأم الولد فإن مات سيده قبل بيعه عتق وأرش جنايته في تركة سيده وإن فداه سيده بقي تدبيره وإن باع بعضه بها فباقيه مدبر وإن جنى على المدبر فأرش الجناية لسيده فإن كانت الجناية على نفسه(6/309)
...............................................................................................
__________
وجبت قيمته لسيده وبطل التدبير بهلاكه لا يقال قيمته قائمة مقامه كالعبد المرهون والموقوف لأن كل واحد منهما لازم فتعلق الحق ببدله والتدبير غير لازم لأنه يمكنه إبطاله بالبيع وغيره فلم يتعلق الحق ببدله.(6/310)
باب الكتابة
وهي بيع العبد نفسه بمال في ذمته وهي مستحبة لمن يعلم فيه خيراً وهو الكسب والأمانة.
__________
باب الكتابة
سميت به لأن السيد يكتب بينه وبينه كتابا بمااتفقا عليه وقيل: سميت به من الكتب وهو الضم لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض ومنه سمي الحرز كتبا والكتيبة كتيبة لانضمام بعضها إلى بعض وهو في الاصطلاح عتق على مال منجم نجمين فصاعدا إلى أوقات معلومة لأن النجوم هي الأوقات المختلفة إذا العرب كانت لا تعرف الحساب وإنما تعرف الأوقات بطلوع النجوم فسميت الأوقات نجوما كما قال بعضهم:
إذا سهيل أول الليل طلع ... فابن اللبون الحق والحق الجذع
" وهي بيع العبد" لو قال الرقيق لعم "نفسه بمال في ذمته" هذا بيان لمعنى الكتابة شرعا ويشترط فيه أن يكون مباحا معلوما يصح السلم فيه منجما يعلم قسط كل نجم ومدته أو منفعته مؤجلة والإجماع على مشروعيتها وسنده قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور:33] وقوله عليه السلام: "من أعان غارما أو غازيا أو مكاتبا في كتابته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" رواه سهل بن حنيف فإذا كاتب رقيقه وله مال فهو لسيده إلا أن يشترطه المكاتب في قول أكثر العلماء وعنه: للرقيق.
"وهي مستحبة لمن يعلم فيه خيرا" للنص "وهو الكسب والأمانة" في ظاهر .(6/310)
وعنه أنها واجبة إذا ابتغاها من سيده أجبر عليها وهل تكره كتابة من لا كسب له؟ على روايتين. ولا تصح إلا من جائز التصرف.
__________
المذهب وأسقط الأمانة في الواضح والموجز والتبصرة.
"وعنه: أنها واجبة إذا ابتغاها بقيمته من سيده أجبر عليها " اختاره أبو بكر ذكره الحلواني لقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} والأمر للوجوب وقد روى محمد بن سيرين أن أباه سيرين كان عبدا لأنس بن مالك فسأله أن يكاتبه فأبى عليه فأخبر سيرين عمر بن الخطاب فرفع الدرة عليه وقرأ الآية فكاتبه أنس وقدم في الروضة الإباحة والمشهور الأول لأنه إعتاق بعوض فلم يجب عليه كالاستسعاء والآية محمولة على الندب وقول عمر يخالفه فعل أنس قال أحمد: الخير صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة ونحو هذا قول جماعة. وقال الشافعي: هو قوة على الكسب والأمانة وفسره به المؤلف وغيره وهو بمعنى الأول. وقال ابن عباس: غناء وإعطاء للمال ولا خلاف بينهم في أن من لا خير فيه لا تجب إجابته.
"وهل تكره كتابة من لا كسب له على روايتين" :
إحداهما وهي ظاهر كلام أحمد والمذهب أنها تكره وهو قول ابن عمر ومسروق والأوزاعي لأن فيها إضرارا بالمسلمين وجعله كلا وعيالا عليهم مع تفويت نفقته الواجبة على سيده.
والثانية : وهي قول أكثر العلماء لا تكره لأن بريرة كاتبت ولا حرفة لها ولم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج به ابن المنذر وقال المؤلف: إن كان يجد من يكفيه مؤونته لم تكره وإلا كرهت لكن ذكر ابن هبيرة أن الأمة إذا كانت لا كسب لها فإنها تكره لها إجماعا "ولا تصح إلا من جائز التصرف" لأنها عقد معاوضة فلم يصح من غير جائز التصرف كالبيع.(6/311)
وإن كاتب المميز عبده بإذن وليه صح ويحتمل أن لا يصح وإن كاتب السيد عبده المميز صح ولا تصح إلا بالقول وتنعقد بقوله كاتبتك على كذا وإن لم يقل :فإذا أديت إليّ فأنت حر.
__________
"وإن كاتب المميز عبده بإذن وليه صح" لأن تصرف المميز بإذن وليه صحيح في غيرالكتابة فكذا فيها "ويحتمل ألا يصح" لأنه غيرمكلف كالمجنون وبناه في الشرح على أنه لا يصح بيعه بإذن وليه ولأنه عقد إعتاق فلم يصح منه كالعتق بغير مال وكما لو كان بغير إذن وليه وإن كاتب المكلف عبده الطفل أو المجنون لم يصح لكن إذا قال إذا أديتما الي فأنتما حران عتقا بالأداء صفة لا كتابة وما في أيديهما لسيدهما وإن لم يقل فوجهان واختار القاضي العتق "وإن كاتب السيد عبده المميز صح" لأنه مميز والمصلحة له في العتق بخلاصه من الرق كالبالغ.
فرع : وإذا كاتب الذمي عبده ثم أسلما صح لأنه عقد معاوضة أو عتق بصفة وكلاهما صحيح وإن أسلم مكاتب الذمي لم تنفسخ الكتابة ولا يجبر على إزالة ملكه فإن عجز أجبر فإن اشترى مسلما وكاتبه لم تصح الكتابة لأنها لا تزيل الملك وقال القاضي: تصح وإن دبره لم يصح وإن كاتب الذمي عبده الذي أسلم في يده صح وإن كاتب الحربي عبده صح سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام وقال بعض الأئمة لا لأن ملكه ناقص وجوابه قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ} [الأحزاب:27] وهذه الإضافة تقتضي صحة أملاكهم فتقتضي صحة تصرفاتهم.
"ولا تصح إلا بالقول" لأنها إما بيع وإما تعليق للعتق على الأداء وكلاهما يشترط له القول "وتنعقد بقوله: كاتبتك على كذا" لأنه لفظها الموضوع لها فانعقدت به كلفظ النكاح ويشترط معه قبوله ذكره في الموجز والتبصرة والترغيب وغيرها.
"وإن لم يقل" ذلك بل قال: "فإذا أديت إلي فأنت حر" لأنه صريح في(6/312)
ويحتمل أن يشترط قوله أو نيته ولا تصح إلا على عوض معلوم منجم نجمين فصاعدا يعلم قدر ما يؤدي في كل نجم وقيل: تصح على نجم واحد.
__________
الكتابة فانعقد به كصريح البيع ونحوه "ويحتمل أن يشترط قوله" هذا وجه في الترغيب وهو رواية في الموجز والتبصرة وقيل: أو نيته لأن الكتابة في المعنى تعليق العتق على الأداء فلا بد من التلفظ به أو نيته ويشترط أن تكون في الصحة فإن كاتبه في مرضه المخوف اعتبر من ثلثه وقال ابو الخطاب: في رؤوس المسائل من الكل لأنه عقد معاوضة كالبيع والأول أولى "ولا تصح إلا على عوض" مباح "معلوم منجم نجمين" لأنها عقد معاوضة كالبيع ومن شرطه أن يكون مؤجلا لأن جعله حالا يفضي إلى العجز عن أدائه وفسخ العقد مع أن جماعة الصحابة عقدوها كذلك ولو جازت حالة لفعل.
"فصاعدا" قال الإمام أحمد: من الناس من يقول: نجم واحد ومنهم من يقول: نجمان ونجمان أحب إلي فظاهره أنه لا يجوز أقل من نجمين لأن الكتابة مشتقة من الضم فوجب افتقارها إلى نجمين ليحصل الضم وروي عن عثمان وعلي وفي الشرح إنه قياس المذهب. "يعلم قدر ما يؤدي في كل نجم" لئلا يؤدي إلى المنازعة وسواء ساوت المدة أو اختلفت وعليه في توقيتها بساعتين أم يعتبر ما له وقع في القدرة على الكسب فيه خلاف في الانتصار.
"وقيل: تصح على نجم واحد" قال ابن أبي موسى لأنه عقد يشترط فيه التأجيل فجاز إلى أجل واحد كالسلم ولأن القصد بالتأجيل إمكان التسليم عنده ويحصل ذلك بالنجم الواحد وفي الترغيب في كتابة من نصفه حر كتابة حالة وجهان وفي الكافي والأحوط نجمان فصاعدا انتهى فإن قال يؤدي إلي في كل عام مائة جاز ويكون أجل كل مائة عند انقضاء السنة وظاهر قول القاضي أنه لا يصح ورد بقول بريرة كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فإن الأجل إذا تعلق بمدة تعلق بأحد طرفيها فإن كان بحرف إلى تعلق بأولها كقوله إلى شهر رمضان وإن كان(6/313)
و قال القاضي: تصح على عبد مطلق وله الوسط وتصح على مال وخدمة سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت وإذا أدى ما كوتب عليه أو أبرىء منه عتق،
__________
بحرف في كان إلى آخرها لأنه وقتا لأدائها.
"وقال القاضي" وأصحابه "تصح على عبد مطلق" صححه ابن حمدان كمهر لأن العتق لا يلحقه الفسخ فجاز أن يكون الحيوان المطلق فيه عوضا كالعقل وذكر أبو بكر أنه لايصح لأن ما لا يجوز أن يكون عوضا في البيع والإجارة لا يجوز أن يكون عوضا في الكتابة كالثواب المطلق ويفارق العقل لأنه بدل متلف مقدر في الشرع وهنا عوض مقدر في عقد أشبه البيع ولأن الحيوان المطلق لا تجوز الكتابة عليه بغير خلاف نعلمه إنما الخلاف في العبد المطلق.
"وله الوسط" وهو السندي لأنه كذلك عقده في النكاح والخلع فكذا هنا "وتصح على مال وخدمة" لأن كلا منهما يصح أن يكون عوضا في غيرالكتابة فليكن فيها كذلك "سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت" لأن تقدمها وتأخرها لا يخرجها عن كونها صالحة للعوض وظاهره: أنها تصح على الخدمة الحالة لا المال فإن المنع منه في المال إنما كان لئلا يتحقق عجزه عن أداء العوض وهو مفقود في الخدمة فإن كاتبه في الشهر القابل صح كالمحرم في ذي الحجة ولو قدمها فأولها عقيب العقد مع الإطلاق ولو كاتبه على خدمة شهر ودينار ومحله سلخ الشهر أو في أثنائه أو عيناه وجهان لاتحاد المدة وإن شرطه بعد الشهر بيوم أو أكثر صح وإن شرطه حالا فلا.
"وإذا أدى ما كوتب عليه" فقبضه هو أو ولي مجنون ولو من مجنون قاله في الترغيب "أو أبرىء منه" والأصح أو بعض ورثته الموسر من حقه "عتق" لأنه لم يبق لسيده عليه شيء ولا يعتق قبل أداء جميع الكتابة في ظاهر كلام الخرقي لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: "المكاتب عبد ما بقي عليه(6/314)
وما فضل في يده فهو له وعنه: أنه إذا ملك ما يؤدي صار حرا ويجبر على أدائه فلو مات قبل الأداء كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه وعلى الرواية الأخرى لسيده بقية كتابته والباقي لورثته.
__________
درهم" رواه أبو داود دل بمنطوقه أنه لا يعتق حتى يؤدي جميع كتابته وبمفهومه أنه إذا أداها لايبقى عبدا.
"وما فضل في يده فهو له" لأنه مالك له بدليل صحة تصرفه فيه قبل العتق "وعنه: أنه إذا ملك ما يؤدي صار حرا" لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان لإحداكن مكاتب له ما يؤدي فلتحتجب منه" رواه الخمسة وصححه الترمذي وهو من رواية نبهان مولى أم سلمة وثقه ابن حبان وتكلم فيه ابن عبد البر فأمرهن بالحجاب بمجرد ملكه لما يؤديه ولأنه مالك لمال الكتابة أشبه ما لو أداه.
"ويجبر على أدائه" أي: إذا امتنع من الأداء أجبره الحاكم كسائر الديون الحالة القادر عليها فإن هلك ما في يده قبل أدائه صار دينا في ذمته مع حريته والصحيح الأول هو قول أكثر أهل العلم ولأنه علق عتقه بعوض فلم يعتق قبل الأداء كما لو قال إذا أديت إلي ألفا فعليها إن أدى عتق وقيمته لسيده على قاتله وإن لم يؤد لم يعتق وإن امتنع من الأداء فقال أبو بكر يؤديه الإمام عنه ولا يكون ذلك عجزاولا يملك السيد الفسخ في الاصح ويملك تعجيزه نفسه مع قدرته على الكسب ولا يملكه إن ملك وفاء على الأصح.
" فلو مات قبل الأداء " مات رقيقا وانفسخت الكتابة "كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه" أي: إذا مات عن وفاء و قلنا: لا يعتق بملكه انفسخت الكتابة في الصحيح عنه وإن أعتق وارث موسر حقه سرى في الأصح وضمن حق بقية الورثة وإن أبرىء من بعض النجوم لم يعتق منه شيء في الأصح.
"وعلى الرواية الأخرى لسيده بقية كتابته والباقي لورثته" أي: يعتق ويموت(6/315)
وإذا عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وعتق ويحتمل أن لا يلزمه إذا كان في قبضه ضرر.
__________
حرا فتكون لسيده بقية كتابته والباقي لورثته روي عن علي وابن مسعود ومعاوية وهو قول أكثر أهل العلم و قال القاضي: يكون حرا في آخر جزء من حياته لأنها عقد معاوضة فلم تنفسخ بالموت كالبيع والأول أولى وتفارق الكتابة البيع لأن كل واحد من غيرمعقود عليه ولا يتعلق بعينه فلم ينفسخ بتلفه بخلاف الكتابة فإن مات ولم يخلف وفاء فلا خلاف في المذهب بين أنها تنفسخ ويموت رقيقا وما في يده لسيده وهو قول أكثر أهل الفتوى إلا أن يموت بعد أداء ثلاثة أرباع مال الكتابة ففيه خلاف يأتي.
"وإذا عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وعتق" هذا هو المنصوص عن أحمد " ويحتمل أن لا يلزمه ذلك إذا كان في قبضه ضرر" هذا رواية أنه لايلزمه قبول المال إلا عند نجومه لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ولم يرض بزواله فلم يزل كما لو علق عتقه على شرط لم يعتق قبل وجوده والصحيح في المذهب الأول وأطلق أحمد والخرقي قولهما فيه وهو مقيد بما لاضرر في قبضه قبل محله كالذي لا يختلف قديمه ولا حديثه ولا يحتاج إلى مؤنة و قال القاضي: المذهب عندي أن فيه تفصيلا ذكرناه في السلم واختار أبو بكر أنه يلزمه قبوله من غير تفصيل اعتمادا على إطلاق أحمد والخرقي رواه سعيد عن عمر وعثمان ولأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا قدمه فقد رضي بإسقاط حقه فسقط كسائر الحقوق لا يقال إذا علق عتق رقيقه على فعل في وقت ففعله في غيره لا يعتق لأنه ملك صفة مجردة لا يعتق إلا بوجودها والكتابة معاوضة يبرأ فيها بأداء العوض فافترقا.
فرع : لو أحضر مال الكتابة أو بعضه ليسلمه فقال السيد هو حرام وأنكره المكاتب قبل قوله ووجب قبضه ويعتق وإن أقام السيد بينة بتحريمه لم يجز له أخذه وإلا فله تحليف عبده أنه حلال فإن نكل حلف سيده وله قبضه من دين آخر عليه وتعجيزه وفي تعجيزه قبل أخذ ذلك عن(6/316)
ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته وإذا أدى وعتق فوجد السيد بالعوض عيبا فله أرشه أو قيمته ولا يرتفع العتق.
__________
جهة الدين وجهان وإن حلف العبد قيل لسيده إما أن تأخذه أو تبرىء منه فإن أبى أخذه الحاكم.
"ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته" مثل أن يكاتبه على نجمين إلى سنة ثم قال عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي أو قال صالحني على خمسمائة معجلة جاز ذلك وهو قول طاووس والزهري لأن مال الكتابة غير مستقر ولا هو من الديون الصحيحة لأنه لا يجبر على أدائه ولا تصح الكفالة به وإنما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق وتخفيفا عن المكاتب وإذا أمكنه التعجيل على وجه يسقط عنه بعض ما عليه كان أبلغ في حصول العتق وإن اتفقا على الزيادة في الدين والأجل لم يجز وفيه احتمال فعلى هذا لو اتفقا على ذلك ثم رجع أحدهما قبل التعجيل صح رجوعه.
فرع : إذا صالح المكاتب سيده عما في ذمته بغير جنسه صح إلا أنه لا يجوز أن يصالحه على كل شيء مؤجل لأنه يكون بيع دين بدين وإن صالحه عن أحد النقدين بالآخر أو عن الحنطة بشعير لم يجز التفرق قبل القبض لأنه بيع في الحقيقة و قال القاضي: لا تصح هذه المصالحة مطلقا لأن هذا دين من شرطه التأجيل وقال ابن أبي موسى: لا يجري الربا بين المكاتب وسيده فعلى قوله تجوز المصالحة كيف ما كانت كعبده القن وسيده والأول أولى. "وإذا أدى وعتق فوجد السيد بالعوض عيبا فله أرشه أو قيمته ولا يرتفع العتق" إذا بان بالعوض عيب فأمسكه استقر العتق لأن إمساكه المعيب راضيا به رضى منه بإسقاط حقه فجرى مجرى إبرائه إن اختار إمساكه وأخذ أرش العيب فله ذلك وإن رده أخذ عوضه وهو المراد بقوله أو قيمته قال أبو بكر وقياس قول أحمد إنه لا يبطل العتق لأنه إتلاف فإذا حكم بوقوعه لم(6/317)
فصل
ويملك المكاتب أكسابه ومنافعه والبيع والشراء والإجارة والاستئجار والسفر وأخذ الصدقة والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه وكل ما فيه صلاح المال.
__________
يبطل أشبه الخلع.
وقال القاضي: يتوجه أن له الرد ويحكم بارتفاع العتق لأن الكتابة عقد معاوضة يلحقه الفسخ بالتراضي كالمبيع أما إذا دفع مال الكتابة فبان مستحقا تبينا أن العتق لم يقع لأن وجود هذا الدفع كعدمه لأنه لم يؤد الواجب عليه.
فصل
"ويملك المكاتب أكسابه ومنافعه والبيع والشراء" بالإجماع لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق ولا يحصل إلا بأداء عوضه وهو متعذر إلا بالاكتساب والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب فإنه قد جاء في الأثر أن تسعة أعشار الرزق في التجارة.
"والإجارة والاستئجار" كالبيع "والسفر" قريبا كان أو بعيدا لأنه من أسباب الكسب وقد أطلق القول فيه وقياس المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم كتابته قبل قدومه كالغريم الذي يحل الدين عليه قبل مدة سفره.
"وأخذ الصدقة" واجبة كانت أو مستحبة لأن الله تعالى أذن للمكاتبين الأخذ من الواجبة فالمستحبة أولى.
"والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه" لأن ذلك مما لا غنى عنه والمراد بالولد أي: التابع له كولده من أمته فإن عجز ولم يفسخ سيده كتابته فتلزم النفقة لسيده وللمكاتب النفقة على ولده من أمه لسيده وفيه من مكاتبه لسيده احتمالان.
"وكل ما فيه صلاح المال" أي: يملك كل تصرف فيه صلاح المال كأداء أرش(6/318)
وإن شرط عليه أن لا يسافر ولا يأخذ الصدقة فهل يصح الشرط على وجهين وليس له أن يتزوج ولا يتسرى ولا يتبرع ولا يقرض ولا يحابي ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه ولا يعتق ولا يكاتب إلا بإذن سيده.
__________
الجناية وجريان الربا بينهما لأنه صار لما بذله من العوض كالحر وله المطالبة بالشفعة والأخذ بها من سيده ومن غيره وعكسه لو اشترى المكاتب شقصا لسيده فيه شركة فله الأخذ بالشفعة من المكاتب.
"وإن شرط أن لا يسافر ولا يأخذ الصدقة فهل يصح الشرط على وجهين" أحدهما : إذا شرط عليه أن لا يسافر فهو شرط باطل قاله القاضي وجمع لأنه ينافي مقتضى العقد فلم يصح شرطه كشرط ترك الاكتساب والثاني : وقاله أبو الخطاب وهو الأصح انه يصح شرطه لأن له فيه فائدة: فلزم كما لو شرط نقدا معلوما فعليه لسيده منعه منه فإن سافر فله رده إن أمكنه وإلا ملك تعجيزه ورده إلى الرق لأنه لم يف بشرطه وقيل: لا يملك ذلك كإمكانه رده.
وأما إذا شرط عليه أن لا يسأل الناس فقال أحمد قال جابر بن عبد الله هم على شروطهم فظاهره أن الشرط لازم وهو الأصح وأنه إن خالف مرة لم يعجزه بخلاف المرتين فأكثر قال أبو بكر إذا رآه يسأل الناس مرة في مرة عجزه كما إذا حل نجم في نجم ولأن فيه غرضا صحيحا وهو أن لا يكون كلا على الناس ولا يطعمه من صدقتهم وأوساخهم وذكر أبو الخطاب أنه لا يصح الشرط لأنه تعالى جعل لهم سهما من الصدقة فلا يصح الاشتراط حينئذ كما لا يصح شرط نوع من التجارة.
فرع: إقرار المكاتب بالبيع والشراء والعيب والدين صحيح لأن من ملك شيئا ملك الإقرار به ويتعلق دينه بذمته لأنه في يد نفسه فليس من السيد غرور بخلاف المأذون له.
" وليس له أن يتزوج ولا يتسرى ولا يتبرع ولا يقرض ولا يحابي ولايقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه ولا يعتق ولا يكاتب إلا بإذن سيده" وفيه(6/319)
............................................................................................
__________
مسائل
الأولى: ليس للمكاتب أن يتزوج إلا بإذن السيد في قول عامتهم وقيل: له ذلك بخلاف المكاتبة لأنه عقد معاوضة كالبيع ورد بأنه يدخل في قوله عليه السلام أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر ولأن على السيد في ذلك ضررا لأنه يحتاج أن يؤدي المهر والنفقة من كسبه وربما عجز فيرق ويرجع إليه ناقص القيمة أما إذا أذن سيده جاز لمفهوم الخبر ولأن المنع لحقه فإذا أذن فقد أسقط حقه مع أنه لو أذن للقن لصح فالمكاتب أولى وعلم منه أنه لا يزوج عبده ولا أمته إلا بإذن سيده على الأصح وعن القاضي له تزويج الأمة فقط لأنه يأخذ عوضا في تزويجها ولنا أن على السيد فيه ضررا وتلزمه نفقة امرأته ومهرها وهي تملك الزوج بضعها وينقص قيمتها وتسلم نفسها ليلا وكسبها لسيدها.
الثانية : إذا أذن له في التسري جاز لأن ملكه ناقص قال الزهري لا ينبغي لأهله أن يمنعوه من التسري وعن أحمد المنع وعنه: عكسه ورد بأن على السيد ضررا فمنع منه كالتزويج لكن لا يعتق عليه لأن ملكه غيرتام وليس له بيعه لأنه ولده ويكون موقوفا على كتابته فإن أدى عتق وعتق الولد لأنه يملك أشبه الجزء وإن عجز عاد إلى الرق.
الثالثة : ليس له استهلاك ماله ولا هبته بغير خلاف نعلمه لأن حق السيد لم ينقطع عنه لأنه قد يعجز فيعود إليه ويجوز بإذن سيده دفعا لضرره.
الرابعة : أنه لا يقرض إلا بإذن سيده لأنه بفرضية أن لا يعود إليه بفلس أو موت المقترض ولا شيء معه ولم يذكروا قرضه برهن.
الخامسة : أن لا يحابي بالمال إلا بإذن سيده لأنه تبرع فمنع منه كالهبة ولأن في ذلك ضررا على السيد.
السادسة ليس له أن يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه إلا بإذن سيده؛(6/320)
وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده ولا يكفر بالمال وعنه: له ذلك بإذن سيده وهل له أن يرهن أو يضارب بماله يحتمل وجهين.
__________
لأنه إتلاف لماله باختياره ولما في ذلك من الضرر و قال القاضي: له ذلك لأنه من مصالح ملكه لأنه إذا لم يستوف منه صار وسيلة إلى إقدام بعضهم على بعض.
السابعة : ليس له أن يكاتب بعض رقيقه إلا بإذن سيده لأنه ليس له أن يعتق فلم يكن له أن يكاتب كالمأذون له في التجارة.
"وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده" لأنه إذا ثبت له الولاء على المكاتب فلأن يثبت على من أنعم عليه المكاتب بطريق الأولى: وقيل: له إن عتق "ولا يكفر بالمال" لأنه عبد لا تلزمه زكاة ولا نفقة قريبه "وعنه: له ذلك بإذن السيد" صححها في المغني وقدمها في الفروع لأن الحق للسيد وقد أذن فيه قال ابن المنجا: وهذا الخلاف في الجواز لا الوجوب لأنه لو وجب عليه التكفير بالمال لكان عليه في ذلك ضرر لما فيه من إفضائه إلى تفويت الحرية فلم يجب التكفير بالمال كالتبرع "وهل له أن يرهن أو يضارب بماله" أو يبيع نساء ولو برهن وهبته بعوض وقوده من بعض رقيقه الجاني على بعضه إذا كفل بعض بعضا وحده وعتقه بمال في ذمته وقوده لنفسه ممن جنى على طرفه بلا إذن "يحتمل وجهين" كذا في المحرر والفروع أحدهما لايجوز وجزم به في الوجيز لما في ذلك من الضرر على السيد وربما فيه غرر من حيث إنه أسلم ماله لغيره والثاني: بلى لأن ذلك قد يكون سببا للربح أشبه الاستدانة من غير رهن.
مسائل
الأولى: ليس له أن يحج إن احتاج إلى إنفاق ماله فيه ونقل الميموني له أن يحج ما لم يحل نجم وهو محمول على أنه لا يحج إلا بإذن سيده قاله في المغني فإن أمكنه الحج من غير إنفاق ماله فيجوز إذا لم يأت نجمه.(6/321)
وليس له شراء ذوي رحمه إلا بإذن سيده وقال القاضي: له ذلك وله أن يقبلهم إذا وهبوا له أو وصى له بهم إذا لم يكن فيه ضرر بماله ومتى ملكهم لم يكن له بيعهم وله كسبهم وحكمهم حكمه فإن عتق عتقوا وإن رق صاروا رقيقا للسيد،
__________
الثانية : لا يجوز هديه للمأكول وإعارة دوابه والتوسعة عليه في النفقة ويحتمل الجواز ولا يضمن قال الحلواني له إطعام الطعام لضيفانه وإعارة أواني منزله مطلقا.
الثالثة : إذا شرط الخدمة فله ذلك وإلا فلا نقله الميموني وفي الانتصار يستمتع بجاريته ويستخدمها ويتصرف بمشيئته إلا بتبرع.
"وليس له شراء ذوي رحمه إلا بإذن سيده" اختاره أبو الخطاب وجزم به في الوجيز لأنه تصرف يؤدي إلى إتلاف ماله فإنه يخرج من ثلثه فلم يجز كالهبة " وقال القاضي: له ذلك " رجحه في الشرح وصححه ابن حمدان كتملكهم بالوصية والهبة إذ لا ضرر في ذلك فإنه إن عجز فهم عبيد وإن عتق لم يضر السيد عتقهم ومثله الفداء قاله في المنتخب وفيه في الترغيب يفديه بقيمته ويصح شراء من يعتق على سيده ذكره في الانتصار والترغيب فإن عجز عتقوا.
"وله أن يقبلهم إذا وهبوا له أو وصى له بهم إذا لم يكن فيه ضرر بماله" لأنه ليس في القبول إتلاف مال ولا ضرر مع أنه سبب لتحصيل الحرية بتقدير الأداء وذلك مطلوب شرعا "ومتى ملكهم لم يكن له بيعهم" ولا إخراجهم عن ملكه لأن من يعتق عليه ينزل منزله جزئه فلم يجز ذلك كبعضه " وله كسبهم" لأنهم مماليكه "وحكمهم حكمه" لأنهم تبع له "فإن عتق عتقوا" أي: لأنه إذا أدى عتق وكمل ملكه فيهم فعتقوا حينئذ وولاؤهم له دون سيده واختار في المغني انهم يعتقون بإعتاق سيده لهم وإن أعتقهم المكاتب بإذن سيده عتقوا.
"وإن رق صاروا رقيقا للسيد" ونفقتهم على المكاتب لأنهم عبيده فإن(6/322)
وكذا الحكم في ولده من أمته وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها وإن اشترى المكاتب زوجته انفسخ نكاحها وإن استولد أمته فهل تصير أم ولد على وجهين.
فصل
ولا يملك السيد شيئا من كسبه،
__________
أعتقهم السيد لم يعتقوا لأنهم ليسوا عبيدا له "وكذا الحكم في ولده من أمته" لأنه من ذوي رحمه فكان حكمه حكمه.
"وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها" لأن الكتابة سبب للعتق فسرى إلى الولد كالاستيلاد فإن عتقت بالأداء أو الإبراء عتق وسواء كان حملا حال الكتابة أو حدث بعدها فأما قبل الكتابة فلا يتبعها لأنه لو باشرها بالعتق لم يتبعها ولدها فلأن لا يتبعها في الكتابة بطريق الأولى.
فرع : قيمة الولد إن تلف وكسبه وأرش الجناية عليه لأمه ونفقته عليها وإن ماتت أمه عاد رقيقا فإن خلف وفاء انبنى على فسخ الكتابة وإن عتقت بغير الأداء أو الإبراء لم يعتق ولدها في الأصح وإن أعتق السيد ولدها دونها صح نص عليه و قال القاضي: لا وولد بنتها كبنتها وولد ابنها حكمه حكم أمه.
"وإن اشترى المكاتب زوجته" أو المكاتبة زوجها صح لأنه يملك التصرف فيه وإذا ملك أحدهما صاحبه "انفسخ نكاحها" لأنه لايجتمع ملك اليمين وملك النكاح ولو زوج ابنته من مكاتبه فمات السيد قبل عتقه انفسخ النكاح "وإن استولد أمته فهل تصيرأم ولد يمتنع عليه بيعها؟ على وجهين" المذهب أنها تصير أم ولد له يمتنع عليه بيعها لأنها مستولدته أشبهت مستولدة الحر والثاني: لا لأنها حملت بمملوك في غير ملك تام.
فصل
"ولا يملك السيد شيئا من كسبه" لأنه اشترى نفسه ولا يبقى ذلك لبائعه(6/323)
ولا يبيعه درهما بدرهمين وإن جنى فعليه أرش جنايته وإن حبسه مدة فعليه أرفق الأمرين به من إنظاره مثل تلك المدة أو أجرة مثله وليس له أن يطأ مكاتبته إلا أن يشترط وإن وطئها ولم يشترط أو وطىء أمها فلها عليه المهر ويؤدب ولايبلغ به الحد وإن شرط وطأها فلا مهر لها عليه،
__________
كسائر المبيعات ولأن الملك الواحد لا يتوارد عليه ملكان في وقت واحد "ولا يبيعه درهما بدرهمين" لأن المكاتب مع سيده كالأجنبي فيحرم الربا بينهما في الأصح إلا في مال الكتابة "وإن جنى فعليه" فلا قصاص لكن يجب عليه "أرش جنايته" لأنه معه كالأجنبي ولا يجب إلا باندمال الجرح فإن قتل فهدر "وإن حبسه مدة" وظاهر كلام المؤلف أو منعه مدة "فعليه" أي: على السيد "أرفق الأمرين به من إنظاره مثل تلك المدة" لأن ذلك نظير ما فاته مثل "أوأجرة مثله" لأنه فوت منافعه فلزمه عوضها كالعبد وقيل: يلزمه أرفقهما بمكاتبه لأنه وجد سببها فكان له أنفعهما فإن قهره أجنبي لزمه أجرة مثله وإن قهره أهل الحرب لم يلزم السيد إنظاره لأن الحبس ليس من جهته.
"وليس له أن يطأ مكاتبته" لأنه زال ملكه عن استخدامها وأرش الجناية عليها فمنع من وطئها كالمعتقة "إلا أن يشترط" فله ذلك نص عليه ونصره في الشرح لبقاء أصل الملك كراهن يطأ بشرط ذكره في عيون المسائل والمنتخب وعنه: لا اختاره أبو الخطاب واختاره ابن عقيل وفي الشرح وقيل: له وطؤها في الوقت الذي لا يشغلها عن الكسب "وإن وطئها ولم يشترط أو وطىء أمها فلها عليه المهر" ولأنه عوض شيء مستحق للكتابة فكان لها كبقية منافعها وسواء أكرهها عليه أو طاوعته لأنه عوض منفعتها فوجب لها كأجرة خدمتها وقيل: إن طاوعته فلا "ويؤدب" لأنه وطىء وطئا محرما "ولا يبلغ به الحد" لأن الحد يدرأ بالشبهات والمكاتبة مملوكة في قول عامتهم وإن كان أحدهما عالما تحريم ذلك والآخر جاهلا عزر العالم وعذر الجاهل.
"وإن شرط وطأها فلا مهر لها عليه" لما تقدم من صحة اشتراط وكذا لا(6/324)
ومتى ولدت منه صارت أم ولد له وولده حر فإن أدت عتقت فإن مات قبل أدائها عتقت وسقط ما بقي من كتابها وما في يدها لها إلا أن يكون بعد عجزها وقال أصحابنا هو لورثة سيدها وكذلك الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده.
__________
تعزير عليه لأنه وطىء ملكه فإن أولدها بشرط صارت أم ولد له وهو حر يلحقه نسبه ولايلزمه قيمته لأنها وضعته في ملكه ولاتبطل كتابتها بذلك.
أصل
ليس له وطء بنت مكاتبته فإن وطئها عزر ومهرها حكمه حكم كسبها يكون لأمها تستعين به في كتابتها فإن أحبلها "ومتى ولدت منه صارت أم ولد له " والولد حر يلحقه نسبه ولا تجب عليه قيمتها ولا قيمة ولدها على الأشهر وليس له وطء جارية مكاتبته ولا مكاتبه اتفاقا فإن فعل عزر "وولده حر" يلحقه نسبه وتصير أم ولد له وعليه قيمتها ومهرها لسيدها ولا تجب قيمة ولدها على الأصح "ومتى ولدت منه صارت أم ولد له وولده حر فإن أدت عتقت" بالكتابة لأنها عقد لازم من جهة سيدها وما فضل من كسبها فهو لها وإن عجزت وردت إلى الرق بطل حكم كتابتها وبقي حكم الاستيلاد منفردا وما في يدها لورثة سيدها "فإن مات" السيد قبل عجزها "قبل أدائها عتقت" لأنها أم ولده وقد اجتمع لها شيئا يقتضيان العتق فأيهما سبق عتقت به "وسقط ما بقي من كتابتها" لأنها عتقت بغير الكتابة "وما في يدها لها" ذكره القاضي وابن عقيل لأن العتق إذا وقع في الكتابة لا يبطل حكمها ولأن الملك كان ثابتا لها والعتق لايقتضي زواله عنها أشبه ما لو عتقت بالإبراء من مال الكتابة.
"إلا أن يكون بعد عجزها" فيكون للسيد لأنها قد عادت إلى ملكه بالعجز "وقال أصحابنا" أي: أكثر "هم هو لورثة سيدها" لأنها عتقت بحكم الاستيلاد فأشبه غير الكتابة "وكذلك الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده" لأن عتقه بالمباشرة(6/325)
وإن كاتب اثنان جاريتهما ثم وطئاها فلها المهر على كل واحد منهما وإن ولدت من أحدهما صارت أم ولد له ويغرم لشريكه نصف قيمتها وهل يغرم نصف قيمة ولدها على روايتين.
__________
كعتقها بالاستيلاد فوجب استواؤهما في الحكم لكن في المغني والكافي يحتمل أن يفرق بينهما من حيث أن الإعتاق عنه يكون برضى في العتق فيكون رضى منه بإعطائها مالها والعتق بالاستيلاد يحصل بغير رضى الورثة واختيارهم فلا يتبع المكاتب شيئا من ماله.
"وإن كاتب اثنان جاريتهما ثم وطئاها فلها المهر على كل واحد منهما" لأن الوطء يوجب المهر وقد وجد ذلك منهما فإن كانت بكرا حين وطئها الأول فعليه مهر بكر وعلى الآخر مهر ثيب فإن أفضاها أحدهما بوطئه فعليه لها ثلث قيمتها وقيل: يلزمه قدر نقصها و قال القاضي: يلزمه قيمتها وهذا مبني على الواجب في إفضاء الحر.
"وإن ولدت من أحدهما" أدب ولا حد عليه لشبهة الملك ثم إن ولدت منه " صارت أم ولد له" لأنها علقت بحر في شيء يملك بعضه وذلك موجب للسراية لأن الاستيلاد أقوى من العتق بدليل صحته من المجنون وينفذ من جارية ابنه ومن رأس المال في المرض.
"ويغرم لشريكه نصف قيمتها" قنا لأنه فوت عليه رقها بصيرورتها أم ولد فإن كان موسرا أداه وإن كان معسرا ففي ذمته هذا ظاهر الخرقي لأن الإحبال أقوى من العتق وفي ضمان نصف مهرها وجهان والوجه الثاني عليه نصفها مكاتبا ولها كل المهر.
"وهل يغرم نصف قيمة ولدها على روايتين" أظهرهما: لايلزمه لأنها وضعته في ملكه والولد حر و الثانية: وصححها القاضي على المذهب لأنه كان من سبيل هذا النصف أن يكون مملوكا لشريكه فقد أتلف رقه عليه واختار أبو بكر أنها إن وضعته بعد التقويم فلا شيء على(6/326)
وإن أتت بولد فألحق بهما صارت أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما وباقيها بموت الآخر وعند القاضي لا يسري استيلاد أحدهما إلى نصيب شريكه إلا أن يعجز فينظر حينئذ فإن كان موسرا قوم على نصيب شريكه وإلا فلا.
فصل
ويجوز بيع المكاتب،
__________
الواطيء وإن وضعته قبل التقويم غرم نصف قيمته "وإن أتت بولد فألحق بهما صارت أم ولد لهما" لأن الولد منسوب إليهما "يعتق نصفها بموت أحدهما وباقيها بموت الآخر" لأنه الذي يملكه كل منهما " وعند القاضي: لا يسري استيلاد أحدهما إلى نصيب شريكه إلا أن يعجز" لأن المكاتبة انعقد فيها سبب الحرية ولمكاتبها عليها الولاء وفي السراية إبطال لذلك " فينظر حينئذ" لأن له حالة يسري فيها وحالة لا يسري فيها.
"فإن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه" لأن استيلاد الموسر موجب للسراية في الرقيق وحينئذ فنصفها أم ولد ونصفها موقوف فإن أدت عتقت وإن عجزت فسخت الكتابة وقومت على الواطىء وصار جميعها أم ولد "وإلا فلا" أي: إذا كان الواطىء معسرا لم يسر إحباله إلى نصيب شريكه لأنه إعتاق فلم يسر مع الإعسار كالقول ويصير نصفها أم ولد فإن عجزت استقر الرق في نصفها وثبت حكم الاستيلاد لنصفها.
فصل
"ويجوز بيع المكاتب" نصره في الشرح وقدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لما روت عائشة قالت جاءت بريرة فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني قالت عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة ويكون ولاؤك لي فعلت فعرضت ذلك عليهم فأبوا فذكرت عائشة ذلك(6/327)
ومشتريه يقوم مقام المكاتب فإن أدى إليه عتق وولاؤه له وإن عجز عاد قنا له وإن لم يعلم أنه مكاتب فله الرد أو الأرش وعنه: لا يجوز بيعه،
__________
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا يمنعك ذلك ابتاعي وأعتقي" متفق عليه.
قال ابن المنذر: بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك ولا وجه لمن أنكره ولا أعلم خبرا يعارضه ولا أعلم في شيء من الأخبار دليلا على عجزها وتأوله الشافعي على أنها كانت قد عجزت وليس في الخبر ما يدل عليه بل قولها أعينيني دليل على بقائها على الكتابة.
"ومشتريه يقوم مقام المكاتب" لأنه بدل عنه وفيه إشعار بأن الكتابة لا تنفسخ بالبيع وهو كذلك بغير خلاف نعلمه لأنها عقد لازم فلم تنفسخ به كالنكاح وحكاه ابن المنذر إجماعا إذا كان ماضيا فيها مؤديا ما يجب عليه من نجومه في أوقاتها "فإن أدى إليه عتق" دون ولده "وولاؤه له وإن عجز عاد قنا له" لأن حكمه مع بائعه كذلك "وإن لم يعلم أنه مكاتب فله الرد " وأخذ الثمن أو الإمساك مع "الأرش" لأن الكتابة نقص لأنه لايقدر على التصرف فيه وقد انعقد سبب الحرية فيه أشبه الأمة المزوجة "وعنه: لا يجوز" بيعه لأنه عقد يمنع استحقاق الكسب فمنع البيع كالذي لا نفع فيه وعنه: المنع بأكثر من كتابته لا بقدرها حكاها ابن أبي موسى وفي الواضح في مدبر كذلك أي: على الخلاف كعبد أوصى بمنفعته وحكم الوصية به وهبته كبيعه وعنه: المنع من هبته قصرا على المورد فأما وقفه فلا يجوز لانتفاء الاستقرار.
فرع : لايصح بيع الدين على المكاتب من نجومه لدين السلم فإن سلم المكاتب إلى المشتري نجومه فقيل يعتق ويبرأ المكاتب من مال الكتابة ويرجع السيد على المشتري بما قبضه وقيل: لا يعتق رجحه في الشرح ومال الكتابة باق في ذمة المكاتب ويرجع المكاتب على المشتري بما دفعه إليه ويرجع المشتري على البائع فإن سلم المشتري إلى البائع لم يصح تسليمه لأنه قبضه بغير إذن المكاتب أشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه.(6/328)
وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخر صح شراء الأول وبطل شراء الثاني سواء كانا لواحد أو لاثنين وإن جهل الأول منهما فسد البيعان وإن أسر العدو المكاتب فاشتراه رجل فاحب سيده أخذه بما اشتراه وإلا فهو عند المشتري مبقي على ما بقي من كتابته،
__________
"وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخر صح شراء الأول" لأن التصرف صدر من أهله في محله "وبطل شراء الثاني" لأن العبد لا يملك سيده لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام لأن كل واحد يقول لصاحبه أنا مولاك ولي ولاؤك وإن عجزت صرت لي رقيقا "سواء كانا لواحد أو لاثنين" لأن العلة كون العبد لا يملك سيده وهي موجودة هنا.
"وإن جهل الأول منهما فسد البيعان" اختاره أكثر الأصحاب كنكاح الوليين إذا أشكل الأول منهما ولا يحتاج ذلك إلى فسخ ولا إلى قرعة وأجراه القاضي مجرى الوليين فعلى هذا يفسخ الحاكم البيعين في رواية ويقرع بينهما في أخرى.
"وإن أسر العدو المكاتب فاشتراه رجل فأحب سيده أخذه بما اشتراه" أي: يأخذه سيده بما اشتراه الغير وهو مبني على ما إذا استولى الكفار على مال مسلم ثم استولى عليه المسلمون ثم وجده صاحبه بعد القسمة وفيه خلاف سبق وهل يحتسب على المكاتب بالمدة التي كان فيها عند الكافر فيها وجهان رجح في الشرح أنه يحتسب بها "وإلا" أي: وإن لم يحب سيده أخذه "فهو عند المشتري مبقي على ما بقي من كتابته" لأن الكتابة عقد لازم لا تبطل بالبيع فلأن لا تبطل بطريق الكسر أولى يعتق بالأداء لأنه مكاتب قد أدى كتابته وولاؤه له لأنه معتقه.
فرع : إذا قال لسيده أعتق مكاتبك على كذا ففعل عتق ولزمه ما التزم به وفي الرعاية إذا أدى حربي عن مكاتب دين الكتابة بلا إذنه لم يرجع وإن قضى دينا آخر رجع به إن نواه.(6/329)
فصل
وإن جنى على سيده أو أجنبي فعليه فداء نفسه مقدما على الكتابة وقال أبو بكر يتحاصان وإن عتق فعليه فداء نفسه وإن عجز فلسيده تعجيزه إن كانت الجناية عليه وإن كانت على أجنبي ففداه سيده وإلا فسخت الكتابة وبيع في الجناية وإن أعتقه السيد فعليه فداؤه،
__________
فصل
"وإن جنى على سيده أو أجنبي فعليه فداء نفسه" أي: إذا جنى المكاتب جناية موجبة للمال تعلق أرشها برقبته وقال قوم جنايته على سيده وقال آخرون يرجع بها سيده فعلى الأول يبدأ بأداء الجناية.
"مقدما على الكتابة" سواء حل نجم أو لا نص عليه لأن جنايته تقدم على حق الملك إذا كان قنا فعلى حقه في المكاتب أولى.
"وقال أبو بكر: يتحاصان" لأنهما اشتركا في الاستحقاق فتساويا وكذا إن أقر بجناية "وإن عتق فعليه فداء نفسه " أي: إذا أدى مبادرا وليس محجورا عليه عتق واستقرالفداء ويكون الأرش في ذمته فيضمن ما كان عليه قبل العتق ويفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته وإن عتقه السيد فعليه فداؤه لأنه أتلف محل الاستحقاق أشبه ما لو قتله.
"وإن عجز فلسيده تعجيزه إن كانت الجناية عليه " لأن الأرش حق له فكان له تعجيزه إذا عجز عنه كمال الكتابة "وإن كانت على أجنبي ففداه سيده" لأنه لو كان عبدا لملك فداه فكذا هنا "وإلا" أي: وإن لم يفده " فسخت الكتابة وبيع في الجناية" قنا نقله ابن منصور لأن حق المجني عليه مقدم على حق السيد لأن أرش الجناية يتعلق بعتق المكاتب بخلاف السيد فإن حقه متعلق بالذمة ونقل الأثرم جنايته في رقبته يفديه إن شاء قال أبو بكر وبه أقول.
"وإن أعتقه السيد فعليه فداؤه" أي: على السيد فداء الجاني لأنه فوت(6/330)
والواجب في الفداء أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته وقيل: يلزمه فداؤه بأرش الجناية كاملة وإن لزمته ديون معاملة تعلقت بذمته يتبع بعد العتق.
__________
تسليم الرقبة إلى المجني عليه فكان عليه فداؤه كما لو قتله "والواجب في الفداء أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته" لأن الأقل إن كان القيمة فهو لايستحق إلا الرقبة والقيمة بدل عنها لأن حقه في المالية لا العين وإن كان الأقل أرش الجناية فهو لايستحق أكثر منها لأن الإنسان لايستحق أكثر مما جني عليه وعنه: جنايته على أجنبي وعنه: وسيده بالأرش كله "وقيل: يلزمه فداؤه بأرش الجناية كاملة" لأنه تعذر تسليمه إلى المجني عليه أشبه ما لو جنى الجاني وامتنع من تسليمه.
مسائل
الأولى : إذا جنى على سيده فيما دون النفس عمدا فلسيده القصاص فإن عفي على مال أو كانت موجبة له وجب لأن المكاتب مع سيده كالأجنبي ويفدي نفسه بما ذكرنا فإن اختار السيد تأخير الأرش وتقديم مال الكتابة جاز ويعتق إذا أدى خلافا لأبي بكر وحكم ورثة السيد مع المكاتب حكم سيده معه فإن جنى جنايات استوفيت كلها فإن كان بعضها موجبا للقصاص فلوليه الاستيفاء ويبطل حقوق الآخرين فإن عفي إلى مال فكجناية المال فإن أعتقه السيد أو فداه لزمه الأقل من قيمته أو أرشها مجتمعة على الأشهر.
"وإن لزمته ديون معاملة تعلقت بذمته" لا رقبته ومقدمها محجور عليه لعدم تعلقها برقبته فلهذا إن لم يكن بيده مال فليس لغريمه تعجيزه بخلاف الأرش ودين الكتابة "يتبع بها بعد العتق" أي: إذا عجز عنها لأن ذلك حال يساره وعنه: ويتعلق برقبته قال في المحرر وهو أصح عندي فيتساوى الإقدام ويملك تعجيزه ويشترك رب الدين والأرش بعد موته لفوت الرقبة،(6/331)
فصل
والكتابة عقد لازم من الطرفين لا يدخلها الخيار ولا يملك أحدهما فسخها ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل ولا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه ويعتق بالأداء إلى سيده أو من يقوم مقامه من الورثة وغيرهم،
__________
وقيل: يقدم دين المعاملة ولغير المحجور تقديم أي: دين شاء وذكر ابن عقيل وغيره أنه بعد موته هل يقدم دين الأجنبي على السيد كحالة الحياة أم يتحاصان فيه روايتان وهل تصرف سيده بدين معاملة مع غريم فيه وجهان.
فصل
"والكتابة عقد لازم من الطرفين لا يدخلها الخيار" ولأنها عقد معاوضة أشبه البيع "ولا يملك أحدهما فسخها" كسائر العقود اللازمة "ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل" كسائر عقود المعاوضات وقيل: يصح العقد دون الشرط وكذا كل شرط فاسد فيها "ولا تنفسخ بموت السيد" لا نعلم فيه خلافا "ولا جنونه ولا الحجر عليه" لأنها عقد لازم فلم تنفسخ بشيء من ذلك كالبيع ونقل ابن هانىء إن أدى بعض كتابته ثم مات السيد يحتسب من ثلثه ما بقي من العبد ويعتق.
"ويعتق بالأداء إلى سيده أو من يقوم مقامه من الورثة وغيرهم" لأن الكتابة موضوعها العتق بتقدير الأداء فإذا وجد وجب أن يترتب عليه ما يقتضيه ولأنه انتقل إلى الورثة مع بقاء الكتابة فهو كالأداء إلى مورثهم ويكون مقسوما بينهم على قدر مواريثهم كسائر ديونه وإذا عتق بالأداء إلى الورثة فولاؤه لسيده اختاره الخرقي وأبو بكر وهو قول أكثر الفقهاء ثم يختص به عصبته وعنه: للورثة فعلى الأول إن باعه الورثة أو وهبوه فاحتمالان وكذا يعتق بالإبراء وفي الاعتياض وجهان قاله في الرعاية.(6/332)
وإن حل نجم ولم يؤده فللسيد الفسخ وعنه: لا يعجز حتى يحل عليه نجمان وعنه: لا يعجز حتى يقول قد عجزت وليس للعبد فسخها بحال وعنه: له ذلك.
ولو زوج ابنته من مكاتبه ثم مات انفسخ النكاح.
__________
"وإن حل نجم ولم يؤده فللسيد الفسخ" أي: فسخ الكتابة قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لأنه حق له فكان له الفسخ كما لو أعسر المشتري ببعض ثمن المبيع قبل قبضه "وعنه: لايعجز حتى يحل عليه نجمان" هذا ظاهر الخرقي وكلام كثير من الأصحاب لما روي عن علي قال لا يرد المكاتب إلى الرق حتى يتوالى عليه نجمان ولأنه عقد اعتبر فيه التنجيم لإرقاق العبد فيعتبر فيه ما هو أرفق له وإذا قلنا: للسيد الفسخ لم تنفسخ الكتابة بالعجز بل له مطالبة المكاتب بما حل من نجومه والصبر عليه فإن اختار الصبر عليه لم يملك العبد الفسخ بغير خلاف وإن اختار الفسخ فله ذلك بغير حضور حاكم ولا تلزمه الاستنابة لفعل ابن عمر رواه سعيد.
"وعنه: لا يعجز حتى يقول قد عجزت" حكاها ابن أبي موسى لأن فوات العوض لا يتحقق بذلك وعنه: إن أدى أكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق ويتبع بما بقي ويلزمه إنظاره ثلاثا كبيع عوض ومثله مال غائب دون مسافة قصر يرجو قدومه ودين حال على مليء ومودع وأطلق جمع لا يلزم السيد استيفاؤه قال في الفروع فيتوجه مثله في غيره.
"وليس للعبد فسخها بحال" بغير خلاف نعلمه قاله في المغني لأنها سبب الحرية وفيها حق لله تعالى وفي فسخها إبطال لذلك الحق "وعنه: له ذلك" لأن العقد لحظه فملك فسخه كمرتهن وكاتفاقهما وعلله ابن المنجا بأن معظم المقصود له فإذا رضي بإسقاط حقه سقط وليس بظاهر.
"ولو زوج ابنته من مكاتبه" برضاها "ثم مات" السيد أو ورث زوجته المكاتبة "انفسخ النكاح" على المذهب فيعايا بها لأن زوجته تملكه أو تملك سهما منه،(6/333)
ويحتمل أن لا ينفسخ حتى يعجز ويجب على سيده أن يؤتيه بربع مال الكتابة إن شاء وضعه منه وإن شاء قبضه فدفعه إليه،
__________
فانفسخ نكاحها كما لو اشترته.
ولا بد فيها من امور:
أحدها : أن الحرية ليست من شروط صحة النكاح.
وثانيها : أن يزوجها بإذنها
وثالثها: أن يكون وارثه فلو كان بينهما اختلاف دين أو كاتب قاتله فالنكاح بحاله لأنها ما ملكته ولا شيئا منه.
"ويحتمل أن لا ينفسخ حتى يعجز " لأنها لا ترثه وإنما تملك نصيبها من الدين الذي في ذمته وفي الانتصار نص في رواية ابن منصور أن الدين يمنع انتقال ما يقابله إلى الورثة فعلى هذه الوصية بمعين والكتابة تمنع الانتقال فلا فسخ وعلى رواية أنه لا يمنع فتنعكس الأحكام والحكم في سائر النساء كالحكم في البنت.
" ويجب على سيده أن يؤتيه" شيئا مما كوتب عليه روي عن علي وابن عباس لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] قال ابن عباس المراد إعطاؤه من الصدقة واختلف موجبه فقدرها إمامنا "بربع مال الكتابة" رواه أبو بكر عن علي مرفوعا وروي موقوفا وأوجبه الشافعي من غيرتقدير واختلف أصحابه فمنهم من أوجب ما اختاره السيد ومنهم من قال يقدره الحاكم باجتهاده كالمتعة "إن شاء وضعه عنه وإن شاء قبضه فدفعه إليه" لأن الغرض التخفيف عن المكاتب ولأنه أبلغ في النصح وأعون على حصول العتق فيكون أفضل من الإيتاء والآية تدل عليه بطريق ال تنبيه: وفي الروضة رواية وقدمها لا يجب إيتاء الربع والأمر في الآية للاستحباب فعلى ما ذكره المؤلف إن أعطاه من جنس مال الكتابة من غيره جاز ويلزمه قبولها وقيل: لا وإن أعطاه من غير جنسه جاز له أخذه ولا.(6/334)
فإن أدى إليه ثلاثة أرباع المال وعجز عن الربع عتق ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه وظاهر كلام الخرقي أنه لايعتق حتى يؤدي جميع الكتابة.
__________
يلزمه في الأشهر ووقت الوجوب حين العتق وإن مات السيد قبل إيتائه فهو دين في تركته.
" فإن أدى ثلاثة أرباع المال" وعنه: أو أكثر "وعجز عن الربع عتق" ولسيده الفسخ في أنص الروايتين فيهما وفي الترغيب في عتقه بالتقاص روايتان ولم يذكر العجز وقال لو أبرأه من بعض النجوم أو أداه لم يعتق منه على الأصح وأنه لو كان على سيده بمثل النجوم عتق على الأصح.
"ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه" ونسبه في الكافي إلى الأصحاب لعجزه عن ماوجب دفعه إليه فوجب أن يعتق ولا تنفسخ الكتابة كما لو لم يبق عليه شيء أصلا ولأنه عجز عن حق له فلم تتوقف حريته على أدائه كأرش جناية سيده عليه وحينئذ يتبع بما بقي عليه اختاره ابو بكر.
" وظاهر كلام الخرقي انه لايعتق حتى يؤدي جميع الكتابة" اختاره ابن أبي موسى ورجحه في الشرح وروى الأثرم عن عمر وابنه وزيد وعائشة أنهم قالوا المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ورواه أبو داود مرفوعا ويجوز أن يتوقف العتق على أداء الجميع وإن وجب رد البعض إليه كما لو قال إذا أديت إلي ألفا فأنت حر ولله علي رد ربعها فإنه لا يعتق حتى يؤديها وإن وجب عليه رد بعضها وروي عن علي أنه قال يعتق بقدر ما أدى لحديث ابن عباس رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
تنبيه : إذا عجز المكاتب أو رد في الكتابة وكان في يده مال فهو لسيده إلا أن يكون من صدقة مفروضة ففيه روايتان إحداهما هو لسيده و الأخرى يجعل في المكاتبين واختار أبو بكر والقاضي يرد إلى أربابه وهو قول إسحاق ولو قال لمكاتبه متى عجزت بعد موتي فأنت حر فهذا تعليق للحرية على صفة تحدث(6/335)
فصل
وإذا كاتب عبيدا له كتابة واحدة بعوض واحد صح ويقسط العوض بينهم على قدر قيمتهم ويكون كل واحد منهم مكاتبا بقدر حصته يعتق بأدائها ويعجز بالعجز عنها وحده.
__________
بعد الموت وفيه خلاف فعلى الصحة إن ادعى العجز قبل حلول النجوم لم يعتق لأنه لم يجب عليه شيء يعجز عنه.
فرع : إذا كاتبه ثم أسقط عنه مال الكتابة برىء وعتق ولم يرجع على سيده بالقدر الذي كان يجب عليه إيتاؤه وكذا لو أسقط عنه القدر الذي يلزمه إيتاؤه واستوفي الباقي لم يلزمه شيء وخرجه بعض أصحابنا على الخلاف في الصداق ولا يصح بدليل ما لو قبضه السيد منه ثم أتاه ولم يرجع عليه بشيء بخلاف الصداق.
مسألة : إذا كاتب ثلاثة عبدا فادعى الأداء إليهم فصدقه اثنان وأنكره الثالث شاركهما فيما أقرا بقبضه ونصه تقبل شهادتهما عليه وفي المغني والمحرر قياس المذهب لا واختاره ابن أبي موسى وغيره.
فصل
"وإذا كاتب عبيدا له كتابة واحدة بعوض واحد صح " في قول أكثر أهل العلم لأن الكتابة بيع فصح عقدها على جماعة جملة واحدة بعوض واحد كالبيع وهذا بخلاف قول ثلاثة لبائع اشتريت أنا زيدا وهذا عمروا وهذا بكرا بمائة درهم "ويقسط العوض بينهم على قدر قيمتهم" يوم العقد لأنه حين المعاوضة ولأنه عوض فيقسط على المعوض كما لو اشترى شقصا وسيفا وكما لو اشترى عبيدا فرد واحد بعيب.
"ويكون كل واحد منهم مكاتبا بقدر حصته يعتق بأدائها ويعجز بالعجز عنها وحده" لأن الحصة بمنزلة الثمن المنقود فإن شرط عليهم في العقد أن كل واحد.(6/336)
وقال أبو بكر: العوض بينهم على عددهم ولا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة فلو اختلفوا بعد الأداء في قدر ما أدى كل واحد منهم فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه ويجوز أن يكاتب بعض عبده فإن أدى عتق كله وتجوز كتابة حصته من العبد المشترك بغير إذن شريكه،
__________
منهم ضامن عن الباقين فسد الشرط وصح العقد وعنه: صحة الشرط.
وفي الرعاية غلبت فيها الصفة فتكون جائزة فإن مات أحدهم أو عتق سقط قدر حصته نص عليه فإن قال الأعلون قيمة أدينا على قدر قيمتنا وقال الأدنون قيمة بل على عددنا فالقول قول من يدعي التسوية إن جعل العوض بينهم على عددهم وإلا فوجهان.
"وقال أبو بكر: العوض بينهم على عددهم" وقال أبو بكر يتوجه لأبي عبد الله أن العوض بينهم على عدد رؤوسهم لأنه أضيف إليهم إضافة واحدة كما لو أقر لهم بشيء "ولا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة" واختاره ابن أبي موسى لأن الكتابة مقدر فيها قول السيد متى أديتم فأنتم أحرار وفي المغني "لم يعتق واحد منهم حتى تؤدى الكتابة كلها" الأول أصح والإقرار ليس بعوض " فلو اختلفوا بعد الأداء في قدر ما أدى كل واحد منهم فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه" لأن الظاهر من حاله أداء ما وجب عليه فوجب قبول قوله فيه لاعتضاده بالظاهر ونقل ابن منصور إذا كاتب على نفسه وولده ولم يعلم عدتهم ولم يسمهم فقد دخلوا في الكتابة أيضا.
"ويجوز أن يكاتب بعض عبده" لأنها معاوضة فصحت في بعضه كالبيع ويملك من كسبه بقدر ما كوتب عليه وفي الترغيب يقسم كسبه بين سيده وبين مالك باقيه نصفين في إحدى الروايتين وفي الأخرى يوما له ويوما لمالك باقيه يعني إذا كاتب نصفه.
"فإن أدى عتق كله" لأنه إذا سرى فيه العتق إلى ملك غيره فإلى ملكه أولى "وتجوز كتابة حصته من العبد المشترك بغير إذن شريكه" لأنها عقد معاوضة فجاز(6/337)
فإذا أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق كله إن كان الذي كاتبه موسرا وعليه قيمة حصة شريكه فإن أعتق الشريك قبل أدائه عتق عليه كله إن كان موسرا وعليه قيمة نصيب المكاتب و قال القاضي: لا يسري إلى نصيب المكاتب إلا أن يعجز فيقوم عليه حينئذ وإن كاتبا عبدهما جاز سواء كان على التساوي أو التفاضل ولا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على التساوي.
__________
بغير إذن الشريك كالبيع وقال ابن حمدان: إن كان معسرا فلا بد من إذن شريكه.
"فإذا أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق كله إن كان الذي كاتبه موسرا" لأن بعضه يعتق بأداء الكتابة فيسري إلى نصيب الشريك كما لو باشر نصيبه بالعتق "وعليه قيمة حصة شريكه" لأنه فوت الحصة على مالكها لإتلافها بالعتق كما لو قتله "فإن أعتق الشريك قبل أدائه عتق عليه كله إن كان موسرا وعليه قيمة نصيب المكاتب" لقوله عليه السلام: "من أعتق شركا له في عبد " وهذا داخل في عمومه ولأنه عتق لجزء من العبد من موسر غير محجور عليه فسرى إلى باقيه كالقن وفي كلام المؤلف أنه يجب عليه قيمة حصة شريكه مكاتبا لأنه أتلفه وظاهره: أنه إذا كان معسرا عتق نصيبه وباقيه على الكتابة فإن عجز عاد الجزء المكاتب رقيقا إلا على رواية الاستسعاء.
"وقال القاضي" وأبو بكر "لا يسري إلى نصيب المكاتب" لأنه قد انعقد للمكاتب سبب الولاء فلا يجوز إبطاله "إلا أن يعجز فيقوم عليه حينئذ" لأنه عاد قنا فلا يفضي إلى المحذور المذكور "وإن كاتبا عبدهما جاز سواء كان على التساوي أو التفاضل" لأنها عقد معاوضة فجاز من الشريكين متساويا ومتفاضلا كالبيع.
"ولا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على التساوي" يعني على قدر الملك فيتساويان في الأداء بغير خلاف نعلمه فإن قبض أحدهما دون الآخر شيئا لم يصح وللآخر أن يأخذ حصته إذا لم يكن إذن في القبض فإن أذن فيه(6/338)
فإذا كمل أداؤه إلى أحدهما قبل الآخر عتق كله عليه وإن أدى إلى أحدهما دون صاحبه لم يعتق إلا أن يكون بإذن الآخر فيعتق ويحتمل أن لا يعتق.
فصل
وإن اختلفا في الكتابة فالقول قول من ينكرها وإن اختلفا في قدر عوضها فالقول قول السيد في إحدى الروايتين،
__________
فوجهان أصحهما يصح لأن المنع لحقه فجاز بإذنه والثاني: لا اختاره أبو بكر لأن حقه في ذمته فلم يقع إذنه فيه.
"فإذا كمل أداؤه إلى أحدهما قبل الآخر عتق كله عليه" لأن نصيبه يعتق بالأداء فيسري إلى نصيب شريكه "وإن أدى إلى أحدهما دون صاحبه لم يعتق" لأن العتق لا يحصل بأداء مال الغير "إلا أن يكون بإذن الآخر فيعتق" لأن المكاتب محجور عليه لحق السيد فإذا أذن له صح الأداء وحينئذ يقع العتق لحصول الأداء الصحيح "ويحتمل أن لا يعتق" لأن حق السيد في ذمة المكاتب وما في يد المكاتب ملك له فإذا أذن السيد فيه لم ينفذ.
فصل
"وإن اختلفا في الكتابة فالقول قول من ينكرها " لأن الأصل معه " وإن اختلفا في قدر عوضها" أو جنسه أو أجله "فالقول قول السيد في إحدى الروايتين" أي: مع يمينه ذكره الخرقي وذكر القاضي أنها المذهب لأنه اختلاف في الكتابة فكان القول قول السيد كما لو اختلفا في العقد.
والثانية: يقبل فيه قول المكاتب نصرها الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما وصححها ابن عقيل في التذكرة لأنه منكر والقول قوله ومدعى عليه فيدخل في العموم وكما لو أعتقه بمال وأجاب المؤلف بأنه إنما قدم لأن الأصل هنا مع(6/339)
وإن اختلفا في وفاء ما لها فالقول قول السيد فإن أقام العبد شاهدا وصله معه أو شاهدا وامرأتين ثبت الأداء وعتق.
فصل
والكتابة الفاسدة مثل أن يكاتبه على خمر أو خنزير يغلب فيها،
__________
السيد إذ الأصل في المكاتب وكسبه أنه لسيده وجوابه بأن الاختلاف في المكاتب وكسبه وإنما وقع فيما حصل العقد عليه.
والثالثة: يتحالفان ويترادان اختاره أبو بكر لأنهما اختلفا في عوض بينهما فوجب التحالف إذا لم تكن بينة كالبيع وفرق بينهما في المغني بأن الأصل عدم ملك كل واحد منهما لما صار إليه والأصل في المكاتب وكسبه أنه لسيده فلذلك قبل قوله فيه لأن التحالف في البيع مقيد بخلاف الكتابة إذ الحاصل بالتحالف فسخ الكتابة ورد الرقيق إلى رقه وهذا حاصل من جعل القول قول السيد فإن تحالفا قبل العتق فسخ العقد إلا أن يرضى أحدهما بقول صاحبه وإن كان بعده رجع السيد بقيمته ورجع العبد بما أداه.
"وإن اختلفا في وفاء مالها فالقول قول السيد" أي: مع يمينه لأنه منكر ويمهل المكاتب ثلاثا "فإن أقام العبد شاهدا" ذكرا "وحلف معه أو شاهدا وامرأتين ثبت الأداء وعتق" لأن النزاع بينهما في أداء المال والمال يقبل فيه ذلك وقيل: في غير النجم الأخير وإن ادعى كل واحد من مكاتبيه الوفاء عتق من عينه وخلف لغيره وإن قال لا أعلم عينه حلف على ذلك وعين بقرعة من بقي منهما مكاتبا وإن مات السيد ولم يعين فوارثه كهو.
فرع : إذا أقر السيد بقبض مال الكتابة عتق العبد إذا كان ممن يصح إقراره ولو كان في مرض موته ولو قال استوفيت كتابتي كلها إن شاء الله تعالى أو زيد عتق ولم يؤيد الاستثناء ولو في مرضه ذكره المؤلف.
فصل
"والكتابة الفاسدة مثل أن يكاتبه على خمر أو خنزير" أو مجهول "يغلب فيها(6/340)
حكم الصفة في أنه إذا أدى عتق ولا يعتق بالإبراء وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر للسفه ويملك السيد أخذ ما في يده وإن فضل عن الأداء فضل فهو لسيده وهل يتبع المكاتبة ولدها فيها على وجهين.
__________
حكم الصفة في أنه إذا عتق اختاره القاضي وغيره كسائر الكتابات الفاسدة واختار في الانتصار: إن أتى بالتعليق كقوله: إذا أديت إلي فأنت حر فإنه يعتق بالصفة المجردة لا بالكتابة فأما الكتابة التي لا يكون عوضها محرما فإنها تساوي الصحيحة في أربعة أحكام:
أحدها : أنه يعتق بأداء ما كوتب عليه سواء صرح بالصفة بأن يقول: إذا أديت إلي فأنت حر أو لم يقل.
الثاني : انه اذا أ عتقه بالأداء لم يلزمه قيمة نفسه ولم يرجع على سيده بما أعطاه.
الثالث : أن المكاتب يملك التصرف في كتبه.
الرابع : إذا كاتب جماعة كتابة فاسدة فأدى أحدهم حصته عتق على القول بأنه يعتق بها في الصحيحة وعنه: بطلانها بعوض محرم اختاره أبو بكر.
"ولا يعتق بالإبراء" لأن المال غير ثابت في العقد بخلاف الصحيحة ولكل واحد منهما فسخها سواء كان ثم صفة أولا وأن السيد لا يلزمه أن يؤدي إليه شيئا من الكتابة "وتنفسخ بموت السيد" لأن الفاسدة عقد جائز لا يؤول إلى اللزوم فانفسخت بذلك كالوكالة "وجنونه والحجر للسفه" لأن المقصود فيها المعاوضة والصفة مبنية عليها بخلاف الصفة المجردة قال المؤلف والأولى: أنها لا تبطل هنا لأن الصفة المجردة لا تبطل بذلك وليغلب في هذه الكتابة حكم الصفة المجردة "ويملك السيد أخذ ما في يده" لأنه ملكه وماله "وإن فضل عن الأداء فضل فهو لسيده" قاله أبو الخطاب لأنه عتق بالصفة لا بالمعاوضة وقال في المغني ما فضل في يده بعد الأداء فهو له والأول أصح.
"وهل يتبع المكاتبة ولدها فيها على وجهين" أحدهما وهو أقيس وأصح: لا(6/341)
وقال أبو بكر: لا تنفسخ بالموت ولا الجنون ولا الحجر ويعتق بالأداء إلى الوارث.
__________
يتبعها لأنه إنما تبع في الصحيحة بحكم العقد وهو مفقود هنا والثاني: يتبع كالصحيحة ورجحه بعضهم وكذا الخلاف في وجوب الإيتاء فيه وكذا جعل من أولدها أم ولده وفيه وجه في الصحة ذكره القاضي.
"وقال أبو بكر: لا تنفسخ بالموت ولا الجنون ولا الحجر" لأن الفاسدة كالصحيحة في وقوع العتق وفي تبعية الولد وذوي رحمه فكذلك في الفسخ ولأن الشارع متشوف إلى العتق وما ذكر وسيلة إليه فوجب الحكم به تحصيلا للمطلوب الشرعي "ويعتق بالأداء إلى الوارث" على قوله لكونها لا تنفسخ لتشوف الشارع إلى العتق ولأنه قائم مقام مورثه.(6/342)
باب أحكام أمهات الأولاد
وإذا علقت من سيدها فوضعت ما تبين فيه بعض خلق إنسان صارت بذلك أم ولد له،
__________
باب أحكام أمهات الأولاد
الأحكام جمع حكم وهو في اللغة: القضاء والحكمة وفي الاصطلاح: خطاب الله المفيد فائدة: شرعية وأحكامهن ما ذكره من تحريم بيعهن وجواز الانتفاع بهن ونحوه وأمهات جمع أم باعتبار الأصل وأمات باعتبار اللفظ وقيل: الأمهات للناس والأمات للبهائم وقد أشعر كلامه بجواز التسري وهو إجماع بلا شك لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:5] واشتهر أن النبي صلى الله عليه وسلم استولد مارية القبطية وعملت الصحابة علىذلك منهم عمر وعلي وكان علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله أمهاتهم أم أولاد.
"وإذا علقت من سيدها فوضعت ما تبين فيه بعض خلق إنسان صارت بذلك أم ولد له" نقول: يشترط لكونها أم ولد شرطان:(6/342)
فإذا مات عتقت وإن لم يملك غيرها وإن وضعت جسما لا تخطيط فيه فعلى روايتين.
__________
أحدهما : أن تحمل به في ملكه سواء كان من وطء مباح أو محرم فأما إن علقت منه في غيرملكه لم تصر أم ولد وظاهر الأول ولو كان محجورا عليه.
الثاني : أن تضع ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان حيا كان أو ميتا أسقطته أو كان تاما روى الأثرم عن ابن عمر قال: أعتقها ولدها وإن كان سقطا وروى الدارقطني بإسناد ضعيف عن ابن عباس مرفوعا نحوه لا نعلم فيه خلافا بين القائلين بثبوت الاستيلاد.
ونقل حنبل وأبو الحارث يغسل السقط ويصلى عليه بعد أربعة أشهر وإن كان أقل من ذلك فلا واحتج بحديث ابن مسعود في عشرين ومائة يوم ينفخ فيه الروح وتنقضي به العدة وتعتق الأمة إذا دخل في الخلق الرابع وقدم في الإيضاح ستة أشهر وذكر الخرقي شرطا ثالثا وهو أن تحمل بحر.
"فإذا مات عتقت وإن لم يملك غيرها" في قول من رأى عتقهن لأنها تعتق من رأس المال لأن ذلك إتلاف حصل بسبب حاجة أصلية أشبه ما لو أتلفه في أكل ونحوه وقيل: إن جاز بيعها لم تعتق بموته ونقل الميموني إن لم تضع وتبين حملها عتقت وإنه يمنع من نقل الملك لما في بطنها حتى يعلم.
فرع : إذا عتقت بموت سيدها فما في يدها فهو لورثة سيدها وقال ابن حمدان: بل لها وذكر السامري روايتين ولا فرق بين المسلمة والكافرة والعفيفة والفاجرة والمسلم والفاجر وضدهما في قول الجماهير وروى سعيد عن عمر وعمر بن عبد العزيز كلاما قال المؤلف عقبه فعلى هذا يحصل العتق بالمسلمة والعفيفة دون ضدهما.
"وإن وضعت جسما لا تخطيط فيه" مثل المضغة ونحوها وعلم منه أنه مبتدأ خلق آدمي "فعلى روايتين" إحداهما لا تصير أم ولد له وهو ظاهرالخرقي وهو المذهب لأن ذلك ليس بولد وعتقها مشروط بصيرورتها أم ولد فعلى(6/343)
وإن أصابها في ملك غيره بنكاح أو غيره ثم ملكها حاملا عتق الجنين ولم تصر أم ولده وعنه: تصير وأحكام أم الولد أحكام الأمة في الإجارة والاستخدام والوطء وسائر أمورها،
__________
هذا لا تنقضي به عدة الحرة ولا يجب على الضارب المتلف له غرة ولا كفارة.
والثانية : بلى فتتعلق به الأحكام الأربعة أشبه ما لو تبين وعنه: أنها تصير أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة فعلى ذلك لا بد من شهادة ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي لأنها إذا وضعت نطفة لم تصر أم ولد وكذا إذا ألقت علقة قطع به المجد والمؤلف في الكافي ونص أحمد في رواية يوسف بن موسى أنها تعتق وإن لم تتم أربعة أشهر بعد أن يرى خلقه ويعلم أنه ولد.
"وإن أصابها في ملك غيره بنكاح أو غيره" كشبهة " ثم ملكها حاملا عتق الجنين" لأنه ابنه وقد دخل في ملكه "ولم تصر أم ولد" على المذهب سواء ملكها حاملا فولدت في ملكه أو ملكها بعد ولادتها لأنها لم تعلق في ملكه أشبه لو اشتراها بعد الوضع.
"وعنه: تصير" أم ولد في الحالين لأن لحرمة البعض أثرا في تحرير الجميع بدليل ما لو أعتق بعضها قال أحمد: ما سمعنا فيه أنها لا تصير أم ولد حتى تلد في ملكه وعنه: إن ملكها حاملا صارت أم ولد وقال في ابن حمدان أو وطئها في أثناء حملها أو وسطه لأن الماء يزيد في سمعه وبصره وظاهر المذهب أنها لا تكون أم ولد حتى تحبل منه في ملكه ويحرم بيع الولد ويعتقه نصا.
"وأحكام أم الولد أحكام الأمة في الإجارة والاستخدام والوطء" لأنها مملوكة أشبهت القن لما روى ابن عباس قال من وطئ أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه أو قال من بعده رواه أحمد وابن ماجه فدل على أنها باقية على الرق فعلى هذا لسيدها كسبها.
"وسائر أمورها" كالتزويج والعتق ونحوه من أحكام الإماء ولا يرد عليه كونها(6/344)
إلا فيما ينقل الملك في رقبتها كالبيع والهبة والوقوف أو ما يراد له كالرهن وعنه: ما يدل على جواز بيعها مع الكراهة،
__________
لا ترث بل تعتق بموت سيدها ويحد قاذفها وتستر ستر الحرة على رواية نعم يرد عليه أنه لا يصح تدبيرها لانتفاء فائدته ولهذا لو طرأ الا ستيلاد على التدبير أبطله قال ابن حمدان قلت يصح إن جاز بيعها و قلنا: التدبير عتق بصفة وقد يرد ما أشعر به كلام أحمد في رواية أبي طالب انه لا يطؤها لأنه لا يقدر على بيعها فجعل العلة عدم البيع والمذهب خلاف هذه الرواية أنه يجوز وطؤها.
"إلا فيما ينقل الملك في رقبتها كالبيع" لما روى ابن عمر مرفوعا أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد وقال لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع بها السيد ما دام حيا فإذا مات فهي حرة رواه الدارقطني ورواه مالك في الموطأ والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر من قوله قال المجد" وهو أصح وعن ابن عباس قال" ذكرت أم إبراهيم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أعتقها ولدها" رواه ابن ماجه والدارقطني.
وروى سعيد: حدثنا أبو معاوية عن المغيرة عن الشعبي عن عبيدة قال: خطب علي الناس فقال: شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته فلما وليت رأيت فيهن رأيا قال: عبيدة فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي علي وحده وهذا دليل على الإجماع.
"والهبة والوقف أو ما يراد له" أي: للبيع "كالرهن" لأن ذلك ينافي انعقاد سبب الحرية ويبطله "وعنه: ما يدل على جواز بيعها مع الكراهة" أخذا من قول أحمد في رواية صالح وسأله إلى أي: شيء تذهب في بيع أمهات الأولاد؟ قال: أكرهه وقال في رواية ابن منصور: لا يعجبني فجعل أبو الخطاب ذلك رواية وهي قول ابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وقاله داود وعن،(6/345)
ولا عمل عليه ثم إن ولدت من غير سيدها فلولدها حكمها في العتق بموت سيدها سواء عتقت او ماتت قبله.
__________
عطاء بن جابر قال: بعنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا رواه أبو داود وإنما كره ذلك أحمد للاختلاف فيه فقيل لاتعتق بموته.
وهل هذا الخلاف شبهة؟ فيه نزاع والأقوى شبهة قاله الشيخ تقي الدين وإنه ينبني عليه لو وطئ هل يلحقه نسبه أو يرجم المحصن؟ أما التعزير فواجب قال ابن عقيل في الفنون يجوز البيع لأنه قول علي وغيره وأجماع التابعين لا يرفعه وحكاه بعضهم إجماع الصحابة.
"ولا عمل عليه" وليس هذا رواية مخالفة لما نص عليه في رواية الجماعة لأن السلف يطلقون الكراهة على التحريم كثيرا ومتى كان التحريم مصرحا به وجب الحمل عليه وقول جابر ليس بصريح في ذلك وأجاب جماعة بأنه كان مباحا ثم نهى عنه ولم يظهر النهي لمن باع لأن أبا بكر لم تطل مدته وكان مشتغلا بما هو أهم من أمر الدين ثم ظهر ذلك زمن عمر فأظهر المنع اعتمادا على النهي لتعذر النسخ حينئذ وحكى ابن عبد البر والإسفراييني والباجي وابن بطال والبغوي الإجماع على أنه لا يجوز.
"ثم إن ولدت" أم الولد بعد ثبوت حكم الاستيلاد "من غير سيدها" من زوج أو غيره "فلولدها حكمها" أي: في جميع الأحكام إلا أنه لا يجوز للسيد أن يستمتع ببناتها لأنه دخل بأمهن قال أحمد قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما ولدها بمنزلتها ولا نعلم في هذا خلافا بين القائلين بثبوت حكم الاستيلاد إلا أن عمر بن عبد العزيز قال: هم عبيد "في العتق بموت سيدها" لأن الولد تبع لأمه في الحرية والرق فتبعها في سبب الحرية "سواء عتقت" الام "أو ماتت قبله" لأن سبب الحرية قد انعقد وهو شبيه بنفس العتق فكما لا يرتفع العتق بعد وقوعه فكذلك لا يرتفع النسب بعد وقوعه وكذلك ولد(6/346)
وإن مات سيدها وهي حامل منه فهل تستحق النفقة لمدة حملها على روايتين وإذا جنت أم الولد فداها سيدها بقيمتها أو دونها وعنه: عليه فداؤها بارش الجناية كله وإن عادت فجنت فداها أيضا وعنه: يتعلق ذلك بذمتها.
__________
المدبرة بخلاف ولد المكاتبة فإن أعتق أم الولد أو المدبرة لم يعتق ولدها وإن أعتق ولدها لم يعتقا بعتقه وإن أعتق المكاتب عتق ولدها نص عليه.
"وإن مات سيدها وهي حامل منه فهل تستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين" هذا مبني على الخلاف في نفقة الحامل فإن قلنا: هي للحمل فلا نفقة لها لأن الحمل له نصيب في الميراث فتجب نفقته في نصيبه وإن قلنا: للحامل فلها النفقة جزم به في الوجيز لأنه شغلها بحمله فكان عوض ذلك عليه كما لو استأجر دارا كانت أجرتها عليه وفي الرعاية هل تجب نفقتها في الكل أو في حصة ولدها؟ على روايتين.
"وإذا جنت أم الولد" تعلق أرش جنايتها برقبتها كالقن "فداها سيدها" لأنه امتنع عليه بيعها "بقيمتها أو دونها" أي: بالأقل منهما فإن ماتت قبل فدائها فلا شيء على سيدها وإن نقصت قيمتها قبله أيضا وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء وإن زادت قيمتها زاد فداؤها وإن كسبت بعد جنايتها شيئا فهو لسيدها وكذلك ولدها وإن فداها حال حملها فعليه قيمتها حاملا وإن أتلفها سيدها فعليه قيمتها وإن نقصها فعليه نقصها.
"وعنه: عليه فداؤها بأرش الجناية كله" كالقن في رواية بالغة ما بلغت لمنعه من تسليمها بسبب من جهته والفرق ظاهر لأنه لا يمكنه تسليمها للبيع بخلاف القن "فإن عادت فجنت فداها أيضا" نقله ابن منصور واختاره الأصحاب حتى قال أبو بكر: ولو ألف مرة لأنها أم ولد جانية فلزمه فداؤها كالأول "وعنه: يتعلق ذلك بذمتها" أي: يتبع به بعد العتق قدمه في الترغيب حذارا من إصرار السيد بتكرار الفداء مع منعه من بيعها ولانها جانية فلم يلزم السيد أكثر من قيمتها كما لو لم يكن فداها وعلى هذه(6/347)
وإن قتلت سيدها عمدا فعليها القصاص فإن عفوا على مال أو كانت الجناية خطأ فعليها قيمة نفسها وتعتق في الموضعين،
__________
قال ابن حمدان: قلت: برجع الثاني على الأول بما يخصه مما أخذه كذا أطلقهما في الأكثر وقيدها القاضي في روايتيه والمؤلف في المغني حاكيا له عن أبي الخطاب بما إذا فداها أولا بقيمتها ويقتضي هذا أنه لو فداها أولا بالأرش لزمه فداؤها ثانيا بما بقي من قيمتها بلا خلاف.
فرع : إذا جنت جنايات قبل الفداء تعلق أرش الجميع برقبتها ولم يكن عليه فيها كلها إلا الأقل من قيمتها أو أرش جميعها ويشترك الجميع في الواجب لهم فإن أبرأ بعضهم من حقه توفر الواجب على الباقين إذا كانت كلها قبل الفداء وإن كان العفو عنها بعد فدائه توفر أرشها على سيدها.
"وإن قتلت سيدها عمدا فعليها القصاص" إن لم يكن له منها ولد وإن كان له منها ولد وهو الوارث وحده فلا قصاص وكذا إن كان معه غيره على الأصح لأنه ورث بعض الدم وحينئذ إذا لم يجب القصاص فعليها قيمة نفسها وقد توقف أحمد في هذه المسالة في رواية مهنا وعنه: يقتلها أولاده من غيرها.
"فإن عفوا على مال أو كانت الجناية خطأ فعليها قيمة نفسها" كذا أطلقه الخرقي والقاضي وأصحابه وهو رواية لأن الجناية وجدت منها وهي مملوكة فوجب عليها قيمة نفسها وقال ابو الخطاب: والمجد وابن حمدان عليها الأقل من قيمتها أو أرش جنايتها ولعل إطلاق الأولى: محمول على الغالب إذ الغالب أن قيمة الأمة لا تزيد على دية الحر وفي الروضة في قتل الخطأ الدية على العاقلة لأن عند آخر جزئيات المقتول عتقت ووجب الضمان.
" وتعتق في الموضعين" لأن المقتضي في عتقها قد زال إذ لا يقال ينبغي أن لا تعتق كالقاتل لا يرث لأنه يلزم نقل الملك فيها وإنه يمتنع وفيه نظر لأن الاستيلاد كما هو سبب للعتق بعد الموت كذلك النسب سبب للازمه فكما.(6/348)
ولا حد على قاذفها وعنه: عليه الحد.
فصل
وإذا أسلمت أم ولد الكافر أو مدبرته منع من غشيانها وحيل بينه وبينها وأجبر على نفقتها إن لم يكن لها كسب فإن أسلم حلت له وإن مات قبل أدائها عتقت،
__________
جاز تخلف الإرث مع قيام السبب بالنص فكذلك ينبغي أن يتخلف العتق مع قيام سببه لأنه مثله قال السامري إذا قتلت أم الولد سيدها عتقت قولا واحدا بخلاف المدبرة في أحد الوجهين "ولا حد على قاذفها" على المذهب كالمدبرة لأن الحد يحتاط لإسقاطه ويدرأ بالشبهة "وعنه: عليه الحد" نقلها أبو طالب قال: إذا كان لها ابن واحتج بحديث ابن عمر ولأن لها يعني منع بيعها وإرثها أشبهت الحرة وأكثر الأصحاب كالمؤلف أطلقوا هذه الرواية وظاهرها التقييد فيكون المذهب عدم حده رواية واحدة ولعل الخلاف بما إذا كان لها ابن حر لأنها لا تصير أم ولد إلا بذلك وينبغي إجراء الخلاف بما إذا كان لها زوج حر ونظيره لو قذف أمة أو ذمية لها ابن أو زوج مسلمان فهل يحد على روايتين ذكرهما المجد وغيره.
فصل
"وإذا أسلمت أم ولد الكافر" وظاهره: ولو كان حربيا لأنه يصح عتقهم "أو مدبرته منع من غشيانها" حذارا من أن يطأ مشرك مسلمة لقوله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} الآية وظاهره: إن ملكه يقر عليها وهو المختار لأن عتقها مجانا فيه إضرار بالسيد وبالسعاية فيه إضرار بها لإلزامها الكسب بغير رضاها وهو منفي شرعا.
"وحيل بينه وبينها" لئلا يتلذذ بها ولا يخلو بها لأن ذلك يفضي إلى الوطء المحرم "وأجبر على نفقتها إن لم يكن لها كسب" لأنه مالك لها "فإن أسلم حلت له" لما ذكرنا "وإن مات قبل أدائها عتقت" نصره في الشرح وغيره وتسلم إلى(6/349)
وعنه: أنها تستسعي في حياته وتعتق وإذا وطئ أحد الشريكين الجارية فإن أولدها صارت أم ولد له وولده حر.
__________
امرأة ثقة تكون عندها وتقوم بأمرها وإن احتاجت إلى أجر أو أجرة مسكن فعلى سيدها وذكر القاضي أن نفقتها في كسبها والفاضل منه لسيدها وإن عجز كسبها عن نفقتها فهل يلزم السيد نفقتها على روايتين قال المؤلف والصحيح أن نفقتها على سيدها وكسبها له ونقل مهنا أنها تعتق بمجرد الإسلام لأنه لا سبيل إلى بيعها ولا إقرار ملكه عليها قال الزركشي: ولا أعلم له سلفا في ذلك على أن أبا بكر لم يثبت الثاني أيضا فقال أظن أن أبا عبد الله أطلق ذلك لمهنا على سبيل المناظرة.
"وعنه: أنها تستسعى في حياته وتعتق" نقلها مهنا قاله القاضي لأن بيعها وعتقها مجانا منفيان وكذلك إقرار الملك عليها لما فيه من إقرار الكافر على المسلم فسلك بها طريقه وهو الاستسعاء.
"وإذا وطئ أحد الشريكين الجارية" حرم بغير خلاف نعلمه وأدب قال الشيخ تقي الدين وقدح في عدالته ولا حد عليه في قول أكثرهم فإن لم تحمل منه فهي باقية على ملكهما وعليه نصف مهر مثلها لشريكه طالما طاوعته أولاً. ونقل حرب إن كاتب بكرا فقد نقص منها فعليه العقر والثيب لم تنقص وفيه اختلاف.
"فإن أولدها صارت ام ولد له" أي: إذا وضعت ما يتبين فيه بعض خلق الإنسان كما لو كانت خالصة له ويخرج بذلك من ملك الشريك موسرا كان الواطئ أو معسرا لأن الإيلاد أقوى من الإعتاق بدليل نفوذه من رأس مال المريض والمجنون "وولده حر" يلحق نسبه بوالده لأنه وطء في محل له فيه ملك أشبه ما لو وطئها في الإحرام و قال القاضي: وأبو الخطاب يحتمل أن يكون الولد حرا ويحتمل أن يكون نصفه حرا ونصفه رقيقا كأمه وكولد المعتق بعضها وبهذا تبين أنه لم يستحل انعقاد الولد من حر وقن.(6/350)
وعليه قيمة نصيب شريكه وإن كان معسرا كان في ذمته فإن وطئها الثاني بعد ذلك فأولدها فعليه مهرها فإن كان عالما فولده رقيق وإن جهل إيلاد شريكه أو أنها صارت أم ولد له فولده حر وعليه فداؤه يوم الولادة ذكره الخرقي وعند القاضي وأبي الخطاب إن كان الأول معسرا لم يسر استيلاده وتصير أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما وإن أعتق أحدهما نصيبه بعد ذلك وهو موسر فهل يقوم عليه نصيب شريكه على وجهين.
__________
"وعليه قيمة نصيب شريكه" لأنه أتلفه عليه بدفعه إليه إن كان موسرا "وإن كان معسرا كان في ذمته" كما لو أتلفها وعنه: ونصف مهرها وعنه: ونصف قيمة الولد.
" فإن وطئها الثاني بعد ذلك فأولدها فعليه مهرها" لأنه وطئ أمة غيره لأن نصفه انتقل إلى الواطئ الأول بالاستيلاد "فإن كان عالما فولده رقيق" كوطء الأمة الأجنبية لأن الوطء حرام والولد تبع لأمه.
"وإن جهل إيلاد شريكه أو أنها صارت أم ولد له فولده حر" لأنه من وطء شبهة "وعليه فداؤه يوم الولادة ذكره الخرقي" لأنه فوت رقه على مالك أمه وقبل الولادة لا يمكن تقويمه وإلا فهم رقيق وظاهره: لا فرق بين أن يكون موسرا أو معسرا.
"وعند القاضي وأبي الخطاب: إن كان الأول معسرا لم يسر استيلاده" كالعتق ولما فيه من الضرر اللاحق بالمالك ولأنه لو أعتق نصفه من العبد المشترك لم يسر مع الإعسار فكذلك الاستيلاد "وتصير أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما" لأن ذلك نصيبه وقد ثبت له حكم الاستيلاد ويكمل عتقها بموت الآخر ولم يذكره المؤلف لظهوره "وإن أعتق أحدهما نصيبة بعد ذلك وهو موسر فهل يقوم عليه نصيب شريكه؟ على وجهين" أحدهما: لا يسري عتقه لأنه يبطل حق صاحبه الذي انعقد سببه بالاستيلاد والثاني: يقوم عليه لحديث ابن عمر وهو أولى وأصح كما لو أعتق أحد الشريكين(6/351)
...................................................................................................
__________
نصيبه من الأمة القن ولأن الاستيلاد أقوى من الإعتاق وظاهره: ولو قل ملكه منها.
خاتمة
إذا وطئ حرا ووالده أمة لأهل الغنيمة وهو منهم أو لمكاتبه فالمهر فإن أحبلها فأم ولده وولده حر وتلزمه قيمتها وعنه: ومهرها وعنه: قيمة الولد وكذا الأب يولد جارية ابنه وذكر جماعة هنا لا يثبت له في ذمته شيء وهو ظاهر كلامه وتقدم حكم التعزير والحد فإن كان الابن وطئها لم تصر أم ولد في المنصوص ويحد في الأصح بوطء أمة أبيه وأمه عالماً تحريمه ولايلحقه الولد نقله حنبل وغيره ونقل الميموني خلافه فإن وطىء أمته وهي مزوجة عزر ولم يحد فإن أولدها صارت أم ولد وولده حر ولا يلحقه النسب خلافا للقاضي فإن كانت حاملا من غيره حرم بيع الولد ويعتقه ونقل الأثرم يعتق عليه وجزم به في الروضة قال الشيخ تقي الدين: ويستحب وفي وجوبه خلاف.
ونقل ابن منصور: إذا تزوج بكرا فدخل بها فإذا هي حبلى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لها الصداق بما استحللت منها والولد عبد لك فإذا ولدت فاجلدوها ولها الصداق ولا حد لعلها استكرهت" رواه أبوداود بمعناه من طرق قال الخطابي: لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به وهو مرسل وفي الهدي قيل: لما كان ولد زنى وقد غرته من نفسها وغرم صداقها أخدمه ولدها وجعله له كالعبد ويحتمل أنه أرقه عقوبة لأمه على زناها وغرورها ويكون خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه منسوخ وقيل: كان في أول الإسلام يسترق الحر في الدين. والله أعلم.
انتهي بحمد الله المجلد السادسويليه بعون الله تعالى المجلد السابع(6/352)
المجلد السابع
كتاب النكاح
كتاب النكاح
...
كتاب النكاح
ـــــــ
كتاب النكاح
النكاح في كلام العرب الوطء قاله الأزهري وسمي التزويج نكاحا لأنه سبب الوطء وقال أبو عمرو غلام ثعلب الذي حصلناه عن ثعلب عن الكوفيين وعن المبرد عن البصريين أنه الجمع قال الشاعر:
أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يجتمعان
وقال الجوهري هو الوطء وقد يكون العقد وعن الزجاجي أنه بمعناهما جميعا وقال ابن جني عن شيخه أبي علي الفارسي فرقت العرب فرقا لطيفا فإذا قالوا نكح فلانة أرادوا تزويجها وإذا قالوا نكح امرأته أرادوا مجامعتها
وفي الشرع هو عقد التزويج فعند إطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه دليل وهو حقيقة في العقد جزم به أكثر الأصحاب لأنه الأشهر في الكتاب والسنة ولهذا قيل ليس في القرآن العظيم لفظ النكاح بمعنى الوطء إلا قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: من الآية230] ولصحة نفيه عن الوطء وهو دليل المجاز ولقول العرب أنكحنا الفرا فسترى
أي اضربنا فحل حمر الوحش آتنه فسترى ما يتولد بينهما فضرب مثلا للأمر يجتمعون عليه ثم يتفرقون عنه
وقال القاضي في العدة وأبو الخطاب وأبو يعلى الصغير هو حقيقة في الوطء لما تقدم عن ثعلب والأصل عدم النقل قال أبو الخطاب وتحريم من عقد عليها الأب استنفدناه بالإجماع والأشهر أنه مشترك قاله في الوسيلة و "الفروع" وقيل حقيقة فيهما اختاره جماعة ثم قال المؤلف والصحيح ما قلنا لأن الأشهر استعمال لفظة النكاح بإزاء العقد في الكتاب والسنة ولسان أهل العرب والاشتراك خلاف الأصل ولو قدم كونه مجازا في العقد لكان(7/3)
النكاح سنة والاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة إلا أن يخاف على نفسه مواقعة المحظور بتركه فيجب عليه.
ـــــــ
اسما عرفيا يجب صرف اللفظ إليه ثم الإطلاق ونص القاضي انه حقيقة فيهما لقولنا بتحريم موطوءة الأب من غير تزويج لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: من الآية22] وذلك لورودهما في الكتاب والسنة والمعقود عليه المنفعة كالإجارة وهو مشروع بالإجماع وسنده قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: من الآية3] {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى} [النور: من الآية32] وقوله عليه السلام: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" متفق عليه وغير ذلك من الأدلة.
"النكاح سنة" وهو من له شهوة ولا يخاف الزنى لأن فعله راجح على تركه لأنه عليه السلام علقه بالاستطاعة والواجب لا يعلق عليها.
"والاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة" كصوم وصلاة ونحوهما، "إلا أن يخاف على نفسه مواقعة المحظور" أي الزنى "بتركه فيجب عليه" في قول عامة الفقهاء.
ويقدم على حج واجب نص عليه قال ابن هبيرة اتفقوا على أن من تاقت نفسه إليه وخاف العنت فإنه يتأكد في حقه ويكون أفضل له من الحج والجهاد والصلاة والصوم المتطوع بها وزاد أحمد فبلغ به إلى الوجوب مع الشرطين وهما أن تتوق نفسه ويخاف العنت وعنه: أنه واجب على الإطلاق رواية واحدة وعنه: انه واجب على الإطلاق اختاره أبو بكر وأبو حفص لظاهر النصوص ومرادهم إذا كان ذا شهوة.
الثالث: من له شهوة ولم تتق نفسه إليه فيستحب له التزويج وهو أفضل من نوافل الطاعات قال أحمد من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك الإسلام وليست العزبة من أمر الإسلام في شيء.(7/4)
وعنه أنه واجب على الإطلاق ويستحب تخير ذات الدين الولود البكر الحسيبة الأجنبية.
ـــــــ
الرابع: من لا شهوة له وهو من لم تتق نفسه إليه خلقة أو لكبر ونحوه فمباح له في الأشهر لأنه لا يحصل فيه مصلحة النكاح ويلزم نفسه واجبات وحقوقا لعله يعجز عنها وعنه: يستحب قال السامري اختارها القاضي لدخوله في عموم الأخبار وقيل يكره وحكي عنه يلزم وهو وجه في "الترغيب" والمنصوص حتى لفقير وجزم في النظم لا يتزوج فقير إلا لضرورة وكذا قيدها ابن رزين بالموسر ونقل صالح يقترض ويتزوج قال الشيخ تقي الدين فيه نزاع في مذهب أحمد وغيره وذكر أبو الفتح بن المني أن النكاح فرض كفاية والاشتغال به أولى كالجهاد وكان القياس يقتضي وجوبه على الأعيان تركناه للحرج والمشقة ومع أنه ليس بعبادة لأنه يتلقى من الشارع وإنما صح من الكافر لما فيه من عمارة الدنيا كعمارة المساجد وفي "الواضح" إذا قلنا بوجوبه هل يجب الوطء فيه وجهان والأشهر لا يكتفي بمرة وفي المذهب وغيره بلى لرجل وامرأة نقل ابن الحكم المتبتل الذي لم يتزوج قط قال أبو الحسين وفي الاكتفاء بتسر وجهان أصحهما أنه يجزئ عنه ولا يلزم نكاح أمة وقال القاضي وجمع يباح والصبر عنه أولى وأوجبه أبو يعلى الصغير والمخالف استحبه فلهذا جوابه عن الآية مالم يقل به صار كالمسكوت عنه.
فرع: له النكاح بدار حرب ضرورة وبدونها وجهان وكرهه أحمد وقال لا يتزوج ولا يتسرى إلا أن يخاف على نفسه وقال لا يطلب الولد ويجب عزله إن حرم نكاحه بلا ضرورة وإلا استحب ذكره في الفصول.
"ويستحب تخير ذات الدين الولود البكر الحسيبة الأجنبية" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه ودليل الأوصاف قوله عليه السلام: " تزوجوا الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة" رواه النسائي وقوله عليه السلام: "عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى(7/5)
ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها من غير خلوة بها.
ـــــــ
باليسير" رواه أحمد وقوله عليه السلام: "تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء" رواه ابن ماجه ولأن ولد الحسيبة ربما أشبه أهلها ونزع إليهم ويقال إذا أردت أن تتزوج امرأة فانظر إلى نسبها أي حسبها وأما الأجنبية فلأن ولدها أنجب ولهذا يقال اغتربوا أي انكحوا الغرائب ولأنه لا يؤمن العداوة في النكاح وإفضاؤها إلى الطلاق فيؤدي إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها ويقال الغرائب أنجب وبنات العم أصبر.
ويختار الجميلة للأثر ولأنه أسكن لنفسه وذات العقل ويجتنب الحمقاء وأن يكون لها لحم وشعر حسن وكان يقال النساء لعب وقال ابن الجوزي يتخير ما يليق بمقصده ولا يحتاج أن يذكر له ما يصلح للمحبة من بيت معروف بالدين والقناعة وقال السامري والمجد ولا يزيد على واحدة وقيل عكسه وهو ظاهر نصه فإنه قال يقترض ويتزوج ليت إذا تزوج ثنتين يثلث.
مهمات: أحسن ما تكون الزوجة بنت أربع عشرة سنة إلى العشرين ويتم نسوها إلى الثلاثين ثم تقف إلى الأربعين وأحسنهن التركيات وأصلحهن الجلب التي لم تعرف أحدا وليعزل عن المملوكة إلى أن يتيقن جودة دينها وقوة ميلها إليه وإياك والاستكثار منهن فإنهن يشتتن الشمل ويكثرن الهم ومن التغفيل أن يتزوج الشيخ صبية وأصلح ما يفعله الرجل أن يمنع المرأة من المخالطة للنساء فإنهن يفسدنها عليه ولا يدخل بيته مراهق ولا يأذن لها في الخروج.
"ويجوز" وجزم جماعة بالاستحباب "لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها" فقط، قدمه "المستوعب" و "الرعاية" لأنه مجمع المحاسن ويكرر النظر إليها ويتأمل محاسنها مطلقا إذا غلب على ظنه إجابته لا نظر تلذذ وشهوة ولا لريبة ولا خلاف في إباحة النظر إلى الوجه لأنه ليس بعورة "من غير خلوة بها" لما روى ابن عباس مرفوعا قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" متفق عليه ولفظه العالمين ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور لقوله عليه السلام:(7/6)
وعنه له النظر إلى ما يظهر غالبا كالرقبة واليدين والقدمين وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الأمة المستامة ومن ذوات محارمه وعنه: لا ينظر من ذوات محارمه إلا الوجه والكفين.
ـــــــ
"لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" رواه أحمد وعنه: له النظر إلى ما يظهر غالبا كالرقبة واليدين والقدمين قدمه في "المحرر" و "الفروع" لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" رواه أحمد وأبو داود من رواية ابن إسحاق قال أحمد لا بأس أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها من يد أو جسم أو نحو ذلك لأنه عليه السلام لما أذن في النظر إليها من غير علمها علم أنه أذن في النظر إلى ما يظهر غالبا إذ لا يمكن إفراد مع مشاركة غيره له في الظهور وقيل ورأس وساق وعنه: وكف وقال أبو بكر لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة.
"وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الأمة المستامة" لأن الحاجة داعية إلى ذلك ولأن رؤية ما ذكر يحصل المقصود به لأنها تراد للاستمتاع وغيره من التجارة وحسنها يزيد في ثمنها وعنه: سوى عورة الصلاة وقيل كمخطوبة نقل حنبل لا بأس أن يقلبها اذا اراد شراء من فوق الثوب لأنه لاحرمة لها قال القاضي أجاز تقليب الصدر والظهر بمعنى لمسه من فوق الثياب وظاهره أن الأمة إذا لم تكن مستامة أنه لا يجوز النظر إليها وهو وجه.
"و" له النظر إلى ذلك "من ذوات محارمه" أي الصحيح إباحة النظر إلى ما يظهر غالبا منهن للحاجة ولأن امرأة أبي حذيفة قالت إن سالما يراني "وعنه: لا ينظر من ذوات محارمه إلا إلى الوجه والكفين" لقول ابن عباس في قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: من الآية31] يعني وجهها وكفيها مع الاختلاف في العورة وذوات المحارم من حرم نكاحها على التأبيد بنسب أو رضاع أو تحريم مصاهرة فأما أم المزني وابنتها فلا يحل له النظر وإن حرم(7/7)
وللعبد النظر إليهما من مولاته ولغير أولي الإربة من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما النظر إلى ذلك وعنه: لا يباح وللشاهد والمبتاع النظر إلى وجه المشهود عليها ومن تعامله.
ـــــــ
نكاحهن كالمحرمة باللعان وكذا بنت الموطوءة بشبهة وأمها فإنها ليست من ذوات محارمه.
فرع: ظاهر كلامهم لا ينظر عبد مشترك ولا ينظر الرجل مشتركة لعموم النظر إلا من عبده وأمته ونصه انه يحرم نظر خصي ومجبوب إلى أجنبية.
"وللعبد النظر إليهما" أي إلى الوجه والكفين "من مولاته" لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: من الآية6] ولما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد وهبه لها قال وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك" رواه أبو داود.
وكره أحمد النظر إلى شعرها رواه أبو بكر عن جابر وأباحه ابن عباس ورجحه في "المغني" وجعله من ذوات المحارم وذكر السامري في النظر إلى الوجه والكفين للحاجة.
ولا يخلو بها لأنه ليس بمحرم لها على الأصح "ولغير أولي الإربة من الرجال كالكبير والعنيين ونحوهما النظر إلى ذلك" أي إلى الوجه والكفين لقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ} [النور: من الآية31] أي غير أولي الحاجة وعن مجاهد وقتادة هو الذي لا أرب له في النساء وعن ابن عباس نحوه "وعنه لا يباح" كالذي له أرب.
"وللشاهد والمبتاع النظر إلى وجه المشهود عليها" لتكون الشهادة على عينها "ومن تعامله" ليعرفها بعينها فيرجع عليها بالدرك ونصه وكفيها مع الحاجة وفي مختصر ابن رزين ينظران إلى ما يظهر غالبا ونقل حرب وغيره ينظر البائع إلى وجهها وكفيها إن كانت عجوزا وإن كانت شابة تشتهى أكره ذلك.(7/8)
وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة فإن كان ذا شهوة فهو كذي المحرم وعنه: كالأجنبي وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة.
ـــــــ
"وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره" ولمسه حتى داخل الفرج لأنه عليه السلام لما حكم سعدا في بني قريضة فكان يكشف عن مؤتزرهم لأنه موضع حاجة وظاهره ولو كان ذميا وفي "الفروع" يجوز أن يستطب ذميا إذا لم يجد غيره ولم يجوزه صاحب النظم في وجه وكره أحمد أخذ الدواء من كافر لا يعرف مفرداته قال القاضي لأنه لا يؤمن أن يخلطوه سما أو نجسا وإنما يرجع إليه في دواء مباح وعنه: أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي وكرهه في "الرعاية" وأن يستطبه بلا ضرورة.
خاتمة: من يلي خدمة مريض ومريضة في استنجاء ووضوء وغيرها كطبيب نص عليه وكذا حالق لمن لا يحسن حلق عانته نصا.
"وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة" لأنه لا شهوة له أشبه الطفل ولأن المحرم للرؤية في حق البالغ كونه محلا للشهوة وهو معدوم هنا وقال في "الشرح" الطفل غير المميز لا يجب الاستتار منه في شيء.
"فإن كان ذا شهوة فهو كذي المحرم" على المذهب لأن الله تعالى فرق بين البالغ وغيره بقوله: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: من الآية59] ولو لم يكن له النظر لما كان بينهما فرق وعنه: كالأجنبي لأنه في معنى البالغ في الشهوة ومثله بنت تسع وذكر أبو بكر قول أحمد رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغت الحيض فلا تكشف إلا وجهها" ونقل جعفر في الرجل عنده الأرملة واليتيمة لا ينظر وأنه لا بأس بنظر الوجه بلا شهوة.
"وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة" ولو أمرد ينظر غير العورة لأن النساء الكوافر كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يحتجبن ولا أمرن بحجاب لأن الحجب بين الرجال والنساء لا يوجد بين(7/9)
وعنه: أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي ويباح للمرأة النظر من الرجل إلى غير العورة وعنه: لا يباح.
ـــــــ
المسلمة والذمية ولأن تخصيص العورة بالنهي دليل على إباحة النظر إلى غيرها.
"وعنه أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي" لقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: من الآية31] ينصرف إلى المسلمات فلو جاز للكافرة النظر لم يبق للتخصيص فائدة وعنه: منعها من مسلمة مما لا يظهر غالبا وعلى ذلك يقبلها لضرورة.
"ويباح للمرأة النظر من الرجل إلى غير العورة" نصره في "الشرح" وغيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة: "اعتدي في بيت أم مكتوم" ولحديث عائشة أنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يسترها بردائه متفق عليهما ولأنه لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب لئلا ينظرن إليهم كما تؤمر النساء به "وعنه: لا يباح" لها النظر إلا إلى مثل ما ينظر إليه منها قدمه السامري وابن حمدان واختاره أبو بكر لحديث نبهان عن أم سلمة مرفوعا قال أفعمياوان أنتما لا تبصرانه رواه أبو داود والترمذي وصححه لكن قال أحمد هو ضعيف وقال ابن عبد البر نبهان مجهول وحديث فاطمة أصح والحجة به لازمة ولأن المعنى المحرم على الرجال خوف الفتنة وهو في المرأة أبلغ فإنها أشد شهوة وأقل عقلا وقيل تنظر ما يظهر غالبا وقيل لا وقت مهنة أو غفلة.
تنبيه: نقل الأثرم يحرم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونقل في "الفنون" عن أبي بكر أنه قال لا تختلف الرواية أنه لا يجوز لهن وقال في الروايتين يجوز لهن رواية واحدة لأنهن في حكم الأمهات في الحرمة والتحريم فجاز مفارقتهن بقية النساء في هذا وقال بعض الفقهاء فرض الحجاب يختص بهن فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين لا يجوز كشفها لشهادة ولا غيرها ولا يجوز إظهار شخوصهن ولو مستترات إلا لضرورة البراز وجوز جماعة وذكره الشيخ تقي الدين رواية نظر رجل من حرة ما ليس بعورة والمذهب لا ويجوز غير عورة صلاة من أمة ومن لا تشتهى وفي تحريم تكرار نظر وجه مستحسن وجهان.(7/10)
ويجوز النظر إلى الغلام لغير شهوة ولا يجوز النظر إلى أحد ممن ذكرنا لشهوة ولكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن الآخر ولمسه.
ـــــــ
"ويجوز النظر إلى الغلام لغير شهوة" لأنه ذكر أشبه الملتحي وظاهره أنه يحرم لشهوة فإن خاف ثورانها فوجهان وهما في كراهته إلى أمرد ذكره في "الترغيب" "ولا يجوز النظر إلى أحد ممن ذكرنا لشهوة" لما فيه من الفتنة ومعنى الشهوة أن يتلذذ بالنظر إليه ومن استحله كفر إجماعا ونصه وخوفها اختاره الشيخ تقي الدين وحرم ابن عقيل وهو ظاهر كلام غيره النظر مع شهوة تخنيث وسحاق ودابة يشتهيها ولا يعف عنها.
مسائل: صوت الأجنبية ليس عورة على الأصح ويحرم التلذذ بسماعه ولو بقراءة واللمس قيل كالنظر وقيل أولى.
وإذا شبه خنثى بذكر أو أنثى فله حكمه وإلا فهو مع رجل كامرأة ومع امرأة كرجل وتحرم الخلوة لغير محرم في الكل مطلقا ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد ذكره ابن عقيل وغيره قال الشيخ تقي الدين الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كامرأة ولو لمصلحة تأديب وتعليم.
"ولكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن الآخر ولمسه" بلا كراهة حتى فرجها لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قال السامري: حتى الفرج إلا في حال الطمث فإنه يكره النظر فيه واعتبر ابن عقيل فيه الشهوة عادة.
سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن مس الرجل فرج زوجته وعكسه فقال لا بأس أرجو أن يعظم أجرهما نقل الأثرم في الرجل يضع الصغيرة في حجره ويقبلها إن لم يجد شهوة فلا بأس "وكذلك السيد مع أمته" لأنها في معنى الزوجة فتدخل في عموم الخبر وفيه نظر فإنه يدخل فيه أمته المزوجة المجوسية ونحوهما وجعل بعضهم سريته بدل أمته لأنه يخرجها إذا لم تكن سرية فإن(7/11)
وكذلك السيد مع أمته.
فصل
ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة ولا التعريض بخطبة الرجعية ويجوز في عدة الوفاة والبائن بطلاق ثلاث.
ـــــــ
له النظر إليها ولمسها وقال ابن المنجا وجعل بعضهم أمته المباحة له وهو أجودها لسلامته عما ذكر فإن زوجها نظر غير عورة وفي "الترغيب" كمحرم ونقل حنبل كأمة غيره وفي "الترغيب" يكره نظر عورته وفي "المستوعب" وغيره ويستحب أن لا يستديمه.
مسألة: يحرم نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب وقال القاضي له النظر إلى الوجه والكفين فقط مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر بغير شهوة والأول ظاهر كلام أحمد ونصره في "الشرح" قال ابن أبي موسى لا حرج في النظر إلى وجه العجوز والبرزة الهمة وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى وهو معنى كلام ابن حمدان وزاد يباح نظر ما ليس بعورة منها ومضاجعتها والسلام عليها.
فصل
"ولا يجوز التصريح" وهو مالا يحتمل إلا النكاح "بخطبة المعتدة" بالإجماع، وسنده قوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: من الآية235] ولأنه لا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها والتعريض بخلافه.
"ولا" يجوز "التعريض بخطبة الرجعية" لأنها في حكم الزوجات "ويجوز" التعريض "في عدة الوفاة والبائن بطلاق ثلاث" أو فسخ لتحريمها على زوجها كالفسخ بالرضاع أو اللعان للآية الكريمة ولحديث فاطمة بنت قيس فأما البائن بغير الثلاث كالمختلعة والبائن بفسخ لعيب أو إعسار ونحوه فلزوجها التصريح بخطبتها والتعريض لأنه مباح له نكاحها في عدتها.(7/12)
وهل يجوز في عدة البائن بغير الثلاث على وجهين والتعريض نحو قوله: "إني في مثلك لراغب" و "لا تفوتيني بنفسك" وتجيبه ما يرغب عنك وإن قضي شيء كان ونحوه ولا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه إن أجيب،
ـــــــ
"وهل يجوز في عدة البائن بغير الثلاث على وجهين" أحدهما يجوز لعموم الآية وكالمطلقة ثلاثا والثاني لا وجزم به في "الوجيز" لأن الزوج يملك أن يستبيحها أشبهت الرجعية وهي في الجواب كهو فيما يحل ويحرم فإن صرح بالخطبة أو عرض في موضع يحرم ثم تزوجها بعد حلها صح النكاح في قول الجمهور "والتعريض نحو قوله: "إني في مثلك لراغب" و "لا تفوتيني بنفسك" لحديث فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما طلقها زوجها ثلاثا: "فإذا حللت فآذنيني" وفي لفظ: "لا تسبقيني بنفسك" "وتجيبه: ما يرغب عنك وإن قضى شيء كان ونحوه" لأن ذلك كاف في الغرض وشبيه بالتعريض.
"ولا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه" الخطبة بالكسر خطبة الرجل المرأة وبالضم حمد الله تعالى ولو ذميا في ذمية "إن أجيب" تصريحا لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" متفق عليه ولأن فيه ايقاع العداوة بين الناس وقال أبو حفص العكبري هي مكروه كأنه ذهب إلى قول أحمد في رواية صالح أكرهه ورد بأن ظاهر النهي التحريم ولذلك حمله عليه القاضي لتصريحه به في رواية ابن مشيش فإن ارتكب النهي صح العقد على الأصح كالخطبة في العدة وقياس قول أبي بكر لا يصح كالبيع ورد بأن المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر في صحته وكذا الأشهر لو أجيب تعريضا إن علم لعموم النهي.
والثانية يجوز لحديث فاطمة قال في "الشرح" ولا حجة فيه "فإن رد حل" لما روت فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه انكحي أسامة بن زيد" متفق عليه.(7/13)
فإن رد حل فإن لم تعلم الحال فعلى وجهين والتعويل في الرد والإجابة إن لم تكن مجبرة وإن كانت مجبرة فعلى الولي ويستحب عقد النكاح مساء يوم الجمعة،
ـــــــ
"فإن لم تعلم الحال" هل أجيب أم لا "فعلى وجهين" أحدهما لا يجوز لعموم النهي والثاني بلى وهو ظاهر نقل الميموني وجزم به في "الوجيز" لأن الأصل عدم الإجابة ومثله لو ترك الخطبة أو أذن له أو سكت عنه وظاهره أنه لو كان الأول ذميا لم تحرم الخطبة على خطبته نص عليه كما لا ينصحه وقال ابن عبد البر هو حرام أيضا لأنه خرج مخرج الغالب ورد بأن لفظ النهي خاص بالمسلم وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله وليس الذمي كالمسلم ولا حرمته كحرمته وظاهر كلامهم يقتضي جواز خطبة المرأة على خطبة أختها وصرح في الاختيارات بالمنع ولعل العلة تساعده.
"والتعويل في الرد والإجابة" عليها "إن لم تكن مجبرة" أحق بنفسها من وليها ولو أجاب الولي ورغبت هي عن النكاح كان الأمر أمرها "وإن كانت مجبرة فعلى الولي" لأنه يملك تزويجها بغير اختيارها فكان العبرة به لا بها وفي "المغني" إذا كرهت المجبرة المجاب واختارت غيره سقط حكم إجابة وليها لأن اختيارها مقدم على اختياره وإن كرهته ولم تختر سواه فينبغي أن تسقط الإجابة أيضا قال ابن الجوزي في قول عمر فلقيت عثمان فعرضت عليه حفصة يدل على أن السعي من الأب للأيم في التزويج واختيار الأكفاء غير مكروه بل هو مستحب.
"ويستحب عقد النكاح مساء يوم الجمعة" لما روى أبو هريرة مرفوعا قال امسوا بالأملاك فإنه أعظم للبركة رواه أبو حفص ولأنه أقرب إلى مقصوده وأقل لانتظاره وقد استحب جماعة من السلف هذا اليوم لأنه شريف ويوم عيد وفيه خلق آدم لقوله عليه السلام: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة" وفي "الغنية"الخميس والجمعة والمساء به أولى(7/14)
وأن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود وأن يقال للمتزوج بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية وإذا زفت إليه قال اللهم إني اسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه.
ـــــــ
"وأن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود" قال: "علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الحاجة وهو أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقرأ ثلاث آيات {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}" الآيات رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وظاهره خطبة واحدة وليست واجبة خلافا لداود وإن أخرت عنه جاز وإنه يستحب أن يضيف إليها {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: من الآية32] الآية وقبلها إن الله تعالى أمر بالنكاح ونهى عن السفاح وكان أحمد إذا لم يسمع الخطبة انصرف.
"وأن يقال للمتزوج بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ إنسانا تزوج قال: "بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وإذا زفت إليه أي أهديت إليه قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها" أي خلقتها وطبعتها "عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ولفظه له عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ولفظه قال: "إذا أفاد أحدكم امرأة أو خادما أو دابة فيأخذ بناصيتها وليقل..." إلى آخره.(7/15)
باب أركان النكاح وشروطه
فأركانه الإيجاب والقبول ولا ينعقد الإيجاب إلا بلفظ النكاح والتزويج بالعربية لمن يحسنهما أو بمعناهما الخاص بكل لسان لمن لا يحسنهما فإن قدر على تعلمهما بالعربية لم يلزمه في أحد الوجهين.
ـــــــ
باب أركان النكاح وشروطه
أركان الشيء أجزاءه ماهيته فالماهية لا توجد بدون جزئها فكذا الشيء لا يتم بدون ركنه طاعة ما ينتفي المشروط بانتفائه وليس جزءا للماهية "فأركانه الإيجاب والقبول" لأن ما هية النكاح مركبة منهما ومتوقفة عليهما.
"ولا ينعقد الإيجاب إلا بلفظ النكاح والتزويج" إجماعا لورودهما في نص القرآن في قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: من الآية37] {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: من الآية22] ولا ينعقد بغيرهما إذ العادل عنهما مع معرفته لهما عادل عن اللفظ الذي ورد القرآن بهما مع القدرة فإن قلت قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة فقال: "ملكتك بما معك من القرآن" رواه البخاري قلت ورد فيه زوجتكها وزوجناكها وأنكحتها من طرق صحيحة فإما أن يكون قد جمع بين الألفاظ ويحمل على أن الرواي روى بالمعنى ظنا منه أنهما بمعنى واحد أو يكون خاصا به وعلى كل تقدير لا يبقى حجة وكذا ينعقد بقوله لأمته: أعتقتها وجعلت عتقها صداقها "بالعربية لمن يحسنهما أو بمعناهما الخاص بكل لسان لمن لا يحسنهما" لأن ذلك في لغته نظير الإنكاح والتزويج في العربية "فإن قدر على تعلمهما بالعربية لم يلزمه" التعلم "في أحد الوجهين" اختاره المؤلف ونصره في "الشرح" وجزم به في "التبصرة" و "الوجيز" لأن النكاح عقد معاوضة فصح بغير العربية كعاجز والثاني وقدمه السامري وابن حمدان أن يلزمه كالتكبير.(7/16)
والقبول قبلت هذا النكاح أو ما يقوم مقامه في حق من لا يحسن فإن اقتصر على قول قبلت أو قال الخاطب للولي أزوجت قال نعم وللمتزوج أقبلت قال نعم صح ذكره الخرقي ويحتمل ألا يصح وإن تقدم القبول الإيجاب لم يصح.
ـــــــ
"والقبول" من الزوج أو وكيله "قبلت هذا النكاح أو ما يقوم مقامه" كرضيته "في حق من لا يحسن" ولو هازلا وتلجئه كالإيجاب وقيل وبكتابة وذكر ابن عقيل عن بعضهم أنه خرج صحته بكل لفظ يقتضي التمليك وخرجه هو في عمد الأدلة من جعله عتق أمته مهرها وقال الشيخ تقي الدين ينعقد بما عده الناس نكاحا بأي لغة وبأي لفظ وفعل كان وإن مثله كل عقد وإن الشرط بين الناس ما عدوه شروطا فالأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع وتارة باللغة وتارة بالعرف وكذلك العقود "فإن اقتصر على قول قبلت" أو تزوجت "أو قال الخاطب للولي أزوجت قال نعم وللمتزوج أقبلت قال نعم صح ذكره الخرقي" في المنصوص فيهما ونصره في "الشرح" وغيره أما في الأولى فلأنه صريح في الجواب فصح النكاح كالبيع وأما في الثانية فلأن المعنى نعم زوجت نعم قبلت هذا التزويج بدليل قوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ} [لأعراف: من الآية44] كان إقرارا منهم بوجدان ما وعدهم ربهم حقا وبدليل الإقرار ويحتمل أن لا يصح لأن لفظ زوجته وقبلت هذا النكاح ركن في العقد فلم يصح بدونهما واختار ابن عقيل في الثانية.
فرع: ينعقد نكاح أخرس بإشارة مفهمة نص عليه أو كتابة وذكر في "المحرر" أن في كتابة القادر على النطق وجهين أولاهما عدم الصحة قاله في "الشرح" وإن أوجب ثم جن قبل القبول بطل كموته نص عليه وفي إغمائه وجهان وإن نام لم يبطل الإيجاب.
"وإن تقدم القبول الإيجاب لم يصح" سواء كان بلفظ الماضي كتزوجت ابنتك فيقول: زوجتك أو بلفظ الطلب زوجني ابنتك فيقول زوجتكها لأن القبول إنما يكون للإيجاب فإذا وجد قبله لم يكن قبولا لعدم(7/17)
وإن تراخى عنه صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه وإن تفرقا قبله بطل الإيجاب وعنه: لا يبطل.
فصل: وشروطه خمسة: أحدها: تعيين الزوجين،
ـــــــ
معناه، وكما لو تقدم بلفظ الاستفهام وفيه احتمال لأنه وجد الإيجاب والقبول فيه فصح كما لو تقدم الإيجاب والفرق بينه وبين البيع أنه لا يشترط فيه هذه الصيغة وأنه لا يتعين فيه هذا اللفظ بل يصح بأي لفظ أدى المعنى والفرق بين الخلع والنكاح أن الخلع يصح تعليقه على شرط بخلاف النكاح.
"وإن تراخى" القبول "عنه" أي عن الإيجاب "صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه" لأن حكم المجلس حكم حالة العقد بدليل صحة العقد فيما يشترط القبض فيه وثبوت الخيار في عقود المعاوضات ولأنه مع التشاغل يعد كالمعرض عن الإيجاب فلم يصح بعده كما لو رده "وإن تفرقا قبله" أي قبل القبول "بطل الإيجاب" لأنه لم يوجد معناه فإن الإعراض قد وجد من جهته بالتفرق "وعنه لا يبطل" نقلها أبو طالب واختارها أبو بكر فعليها لا بد أن يقبل في المجلس وأصل هذه الرواية أنه قيل للإمام أحمد إن رجلا مضى إليه قوم فقالوا له زوج فلانا قال زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت يكون هذا نكاحا ويتوارثان قال نعم قال القاضي هو محمول على أنه وكل من قبل العقد وفيه نظر.
فصل
"وشروطه خمسة أحدها تعيين الزوجين" لأن كل عاقد ومعقود عليه يتعين بتعيينهما كالمشتري والمبيع ولأنه عقد معاوضة فلم يصح بدون التعيين كالبيع.
تنبيه: المعقود عليه المنفعة كالإجارة لا في حكم المعين وفيه قال أبو الوفاء ما ذكروه أن الأعيان مملوكة لأجلها يحتمل المنع لأن الأعيان لله وإنما يملك التصرفات ولو سلم في الأطعمة والأشربة فملكه إتلافها ولا ضمان بخلاف ملك النكاح.(7/18)
فإن قال زوجتك ابنتي وله بنات لم يصح وإن لم يكن له إلا ابنة واحدة صح ولو قال إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها لم يصح.
فصل
الثاني: رضا الزوجين.
ـــــــ
"فإن قال زوجتك ابنتي وله بنات لم يصح" لأن التعيين شرط ولم يوجد "حتى يشير إليها أو يسميها أو يصفها بما تتميز به" لوجود التعيين وإن لم يكن له إلا ابنه واحدة صح لأن عدم التعيين إنما حصل من التعدد وهو معدوم هنا وظاهره ولو سماها بغير اسمها وهو اختيار القاضي فلو قال زوجتك فاطمة وهواسمها ولم يقل مع ذلك ابنتي لم يصح فإن قال زوجتك فاطمة بنت فلان احتاج أن يرفع نسبها حتى يبلغ ما تتميز به عن النساء.
فرع: إذا كان له ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال زوجتك ابنتي عائشة وقبل المزوج وهما ينويان الصغرى لم يصح نص عليه وقال القاضي يصح في التي نوياها وليس بصحيح وإن كان الولي يريد الكبرى والزوج يقصد الصغرى لم يصح كما إذا خطب امرأة وزوج بغيرها لأن القبول وجد في غير من وجد الإيجاب فيه وقيل يصح إذا لم يتقدم ذلك ما يصرف القبول إلى الصغرى من خطبة غيرها ولو نوى الولي الصغرى والزوج الكبرى أو نوى الولي الكبرى ولم يدر الزوج أيتهما هي فعلى الأول يصح التزويج لعدم النية فيها في التي تناولها لفظها وعلى الآخر يصح في التي تناولها لفظهما وعلى الصريح في المعينة فقط.
"ولو قال إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها لم يصح" لأنه تعليق النكاح على شرط وهو مجرد وعد كقوله: زوجتك حمل هذه المرأة.
فصل:
"الثاني: رضى الزوجين" أو من يقوم مقامهما لأن العقد لهما، فاعتبر(7/19)
فإن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح إلا الأب له تزويج أولاده الصغار والمجانين وبناته الأبكار بغير إذنهن.
ـــــــ
تراضيهما به كالبيع "فإن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح" لأن الرضى شرط ولم يوجد إلا الأب له تزويج أولاده الصغار أي للأب خاصة تزويج ابنه الصغير العاقل أذن أو كره وفاقا لما روى الأثرم أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا ولأنه يتصرف في ماله بغير تولية فكان له تزويجه كابنته الصغيرة وذكر القاضي في إجباره مراهقا نظر ويتوجه كأنثى أو عبد مميز وإن أقر به قبل ذكره في "الإيضاح" والمجانين لأنه لا قول لهم فكان له ولاء تزويجهم كأولاده الصغار وظاهره لا فرق بين البالغ وغيره وصرح به في "المغني" و "الشرح" وهو ظاهر كلام أحمد لاستوائهما في المعنى الذي جاز التزويج من أجله وقال القاضي لا يزوج بالغا إلا إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء للمصلحة وقيل بمهر المثل.
وظاهر المذهب واحدة وفي أربع وجهان وقال أبو بكر ليس له تزويجه بحال لأنه رجل فلا يملك إجباره كالعاقل والأول أولى لأنه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته إليه فالبالغ أولى وظاهره أنه لا يجوز تزويج من يخنق في الأحيان إلا بإذنه.
فرع: يزوجهما حاكم لحاجة وظاهر "الإيضاح" لا وإلا فوجهان وفي "الفصول" وغيره حاجة نكاح فقط وأطلق غيره وصرح به في "المغني" بكفء وهو أظهر.
"وبناته الأبكار بغير إذنهن" أي تزويج ابنته الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين بغير خلاف إذا زوجها بكفء قاله ابن المنذر لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: من الآية4] الآية فدل على أنها تزوج ثم تطلق ولا إذن لها فتعتبر وعن عائشة قالت: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست سنين وبنى بي وأنا ابنة تسع" متفق عليه.(7/20)
وعنه: لا يجوز تزويج ابنة تسع سنين إلا بإذنها وهل له تزويج الثيب الصغيرة على وجهين.
ـــــــ
وكذا له تزويج ابنة تسع سنين نص عليه وعن عائشة قالت إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة رواه أحمد ورواه القاضي عن ابن عمر مرفوعا
فإن كانت بالغة عاقلة فله إجبارها في أظهر الروايتين لحديث: "الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها" رواه الدارقطني فإن أجبرت أخذ بتعيينها كفئا لا بتعيين المجبر في ظاهر المذهب وقد صرح بعض العلماء أنه يشترط للإجبار بشروط أن يزوجها من كفء بمهر المثل وأن لا يكون المزوج معسرا وأن لا يكون بينها وبين الأب عداوة ظاهرة وأن يزوجها بنقد البلد.
والثانية: لا اختاره أبو بكر لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "قال لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن فقالوا يا رسول الله كيف إذنها قال أن تسكت" متفق عليه.
"وعنه لا يجوز تزويج ابنة تسع سنين إلا بإذنها" لأنها إذا بلغت تسعا تصلح للبلوغ أشبهت البالغة ولها بعد التسع إذن صحيحة نقله واختاره الأكثر وعنه: لا إذن لها كمال ويحتمل في ابن تسع يزوج بإذنه قاله في "الانتصار" واذنه نطق ولا يكفي صمته "وهل له تزويج الثيب الصغيرة على وجهين" المذهب كما ذكره ابن عقيل واختاره ابن حامد وابن بطة وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" أنه لا يجوز كالثيب الكبيرة. والثاني: الجواز اختاره أبو بكر ورجحه في "الشرح" كولده الصغير وفي ثالث تزوج ابنة تسع سنين بإذنها وعلم منه أنه لا تزوج الثيب الكبيرة إلا بإذنها في قول العامة إلا الحسن قال إسماعيل بن إسحاق لا أعلم أحدا قال بقوله وهو قول شاذ لقوله عليه السلام: "الأيم أحق بنفسها من وليها" وروى ابن عباس مرفوعا قال: "ليس للولي مع الثيب أمر" رواهما النسائي ولأنها عالمة بالمقصود من النكاح فلم يجز إجبارها عليه كالرجل. ويستحب أن(7/21)
والسيد له تزويج إمائه الأبكار والثيب وعبيده الصغار بغير إذنهم ولا يملك إجباره عبده الكبير ويحتمل مثل ذلك في الصغير أيضا ولا يجوز لسائر الأولياء تزويج كبيرة إلا بإذنها إلا المجنونة؛
ـــــــ
يرسل إليها نسوة ثقات ينظرن ما في نفسها والأم بذلك أولى.
"والسيد له تزويج إمائه الأبكار والثيب وعبيده الصغار بغير إذنهم" وفيه مسائل الأولى أن السيد له تزويج إمائه الأبكار بغير إذنهن هذا المذهب المجزوم به لأن النكاح عقد على منفعتها وهي مملوكة أشبهت الإجارة ونقل أبو عبد الله النيسابوري عن أحمد أنه سئل هل يزوج الرجل جاريته من غلامه بغير مهر قال لا يعجبني إلا بمهر وشهود قيل فإن أبت قال يزوجها السيد بإذنها قال الشيخ تقي الدين وظاهر هذا أن السيد لا يجبر الأمة الكبيرة بناء على أن منافع البضع ليست بمال بدليل المعسرة لا تلزم بالتزوج ولا تضمن باليد اتفاقا وملك السيد لها كملكه لمنفعة بضع زوجته وظاهر الأول يشمل المدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد لمساواتهن للأمة وفي ملكه إجبار المكاتبة وجهان ولو كان بعضها حرا لم يملكه ولا إنكاحها وحده ويعتبر إذنها وإذن مالك البقية كأمة لاثنين ويقول كل منهما زوجتكها.
الثانية: "أن السيد له تزويج عبده الصغير بغير إذنه" وهي المذهب المنصوص: أن له إجباره قياسا على الابن الصغير بل أولى لثبوت الملك له عليه "ولا يملك إجبار عبده الكبير" لأنه خالص حقه فلم يملك إجباره عليه كالطلاق،
ويحتمل مثل ذلك في الصغير أيضا هذا وجه حكاه في "الانتصار" كالكبير والمذهب إجباره كالمجنون نص عليه وهو قول أكثرهم والمهر والنفقة على السيد مطلقا نص عليه وعنه: يتعلق بكسبه.
"ولا يجوز لسائر الأولياء" كالجد والأخ ونحوهما "تزويج كبيرة إلا بإذنها"؛ لأن غير الأب لا يساويه وفي تزويج الأب الكبيرة البالغة خلاف فلزم أنه لا يجوز لغيره قولا واحدا وفيه وجه أن الجد كالأب يجبر "إلا المجنونة" في اختيار أبي الخطاب والشيخين "لهم تزويجها إذا ظهر منها الميل إلى الرجال" لحاجتها لدفع(7/22)
لهم تزويجها إذا ظهر منها الميل إلى الرجال وعنه: لهم ذلك ولها الخيار إذا بلغت.
ـــــــ
ضرر الشهوة وصيانتها عن الفجور مع ما فيه من تحصيل المهر والنفقة وغير ذلك وكحاكم في الأصح وفي "المغني" ينبغي أن تزوج إذا قال أهل الطب تزول علتها بالتزويج كالشهوة لأن ذلك من أعظم مصالحها وقيل وهو ظاهر كلام الخرقي ليس لهم ذلك لأن هذه ولاية إجبار فلا تثبت لغير الأب كالعاقلة ومحل الخلاف إذا لم يكن موصى له في النكاح أما مع وجوده فحكمه كالأب.
"وليس لهم ولاية تزويج صغيرة بحال" نص عليه في رواية الأثرم لما روي أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر فرفع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم : "إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها" والصغيرة لا إذن لها كمال "وعنه: لهم ذلك" لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: من الآية3] دلت بمفهومها أن تزويجها إذا أقسطوا جائز وقد فسرته عائشة بذلك قال في "الفروع" كحاكم ولعله كالأب بل في "المستوعب" و "الرعاية" ما يخالفه وذكر في "المجرد" للحاكم تزويجه لأنه يلي ماله.
والمراد أنه يزوجها عند عدمهم بدليل ما نقل ابن هانئ أن الإمام أحمد سئل عن صبية بنت ثمان سنين مات أبوها ويريد العصبة أن يزوجوها قال لا أرى أن تستأمر ولا يزوجها إلا عم أو ابن عم أو عصبة فإن لم يكن زوجها السلطان فعلى هذا يفيد الحل وبقية أحكام النكاح الصحيح من الإرث ونحوه وفي "الفصول" لا ونقل أبو داود في يتيمة زوجت قبل أن تدرك فمات أحدهما هل يتوارثان قال فيه اختلاف قال قتادة لا يتوارثان ومثله كل نكاح لزومه موقوف ولفظ القاضي نسخة موقوف وكل نكاح صحته موقوفة على الإجازة فالأحكام من الطلاق وغيره منتفية فيه.
"ولها الخيار إذا بلغت" لتستدرك ما فاتها وظاهر كلام ابن الجوزي في صغير مثلها وقاسه المؤلف وجماعة عليها فدل على التسوية ونقل صالح في صغير(7/23)
وعنه: لهم تزويج ابنة تسع سنين بإذنها ولا فرق بين الثيوبة بوطء مباح أو محرم فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة فلا تغير صفة الإذن.
ـــــــ
زوجه عمه قال إن رضي به في وقت من الأوقات جاز وإن لم يرض فسخ.
"وعنه: لهم تزويج ابنة تسع سنين بإذنها" نص عليه وجزم به في "الوجيز" وقاله جمع لقوله عليه السلام: "تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها" رواه الخمسة إلا ابن ماجه من حديث أبي هريرة وهذه الرواية أقوى دليلا لأن القول بها جمعا بين الآية والأخبار وقيدت بالتسع لأنها تصير عارفة بما يضرها وينفعها فتظهر فائدة استئذانها ولقول عائشة فعلى هذا لا خيار لها إذا بلغت وجزم به في "المغني" و "الرعاية" وذكره نصا وإن لم يصح إذنها فلها الخيار. "
وإذن الثيب الكلام" بلا خلاف "وإذن البكر الصمات" للأخبار وقد روى أحمد وابن ماجه عن عدي الكندي مرفوعا قال الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صماتها فإن ضحكت أو بكت فكذلك ونطقها أبلغ لحديث أبي هريرة رواه أبو بكر.
"ولا فرق بين الثيوبة بوطء مباح أو محرم" وعلى الأصح لعموم الخبر لأن الحكمة التي اقتضت التفرقة بينها وبين البكر مباضعة الرجال ومخالطتهم وهذا موجود في المصابة بالزنى ولهذا قال المؤلف لو أوصى لثيب دخلا. "فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة فلا تغير صفة الإذن" لعدم المباضعة والمخالطة وكما لو وطئت في الدبر وعكس هذا لو عادت بكارتها بوطء بعد زوالها فهي في حكم الثيب ذكره أبو الخطاب وفاقا لوجود المباضعة وعنه: زوال عذرتها مطلقا ولو بوطء دبر وظاهر كلامه يشمل الأب وغيره نص عليه في رواية الميموني وقال في التعليق إن من أصلنا أن إذن البكر في حق غير الأب النطق والمذهب الأول ويعتبر في الاستئذان تسمية الزوج على وجه تقع معرفتها به ذكره الشيخ تقي الدين.(7/24)
فصل
الثالث: الولي فلا نكاح إلا بولي. فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح.
ـــــــ
فصل
"الثالث: الولي فلا نكاح إلا بولي" هذا هو المذهب المعروف للأصحاب لما روى أبو موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي" رواه الخمسة وصححه ابن المديني وهو لنفي الحقيقة الشرعية بدليل ما روى سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وادعى القاضي أنه إجماع الصحابة لا يقال يمكن حمل الأول على نفي الكمال لأن كلام الشارع محمول على الحقائق الشرعية أي لا نكاح شرعي أو موجود في الشرع إلا بولي.
والثاني: يدل على صحته بإذن الولي وأنتم لا تقولون به مع أن قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: من الآية232] يدل على صحة نكاحها لنفسها لأنه أضافه إليهن ولأنه خالص حقها فصح منه كبيع أمتها قيل لا مفهوم له كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: من الآية23] الآية لأن المخاطبين بالنهي عن العضل هم الأولياء ونهيهم عنه دليل على اشتراطهم إذ العضل لغة المنع وهو شامل للعضل الحسي والشرعي لأنه اسم جنس مضاف ففي ذلك دليل على أن العضل منهم يصح دون الأجانب ثم إن الآية نزلت في معقل بن يسار حين امتنع من تزويج اخته فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها ولو لم يكن لمعقل ولاية وان الحكم متوقف عليه لما عوتب عليه.
وأما الإضافة إليهن فلأنهن محل له "فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح" لعدم وجود شرطه ولأنها غير مأمونة على البضع لنقص عقلها وسرعة انحدارها فلم يجز تفويضه إليها كالبذر في المال "وعنه: لها تزويج أمتها"(7/25)
وعنه: لها تزويج أمتها ومعتقتها فيخرج منه صحة تزويج نفسها بإذن وليها وتزويج غيرها بالوكالة والأول المذهب.
ـــــــ
لأنها ملكها وولايته عليها لها فكان لها تزويجها كالسيد "ومعتقتها" لأن الولاية كانت لها عليها فوجب استصحابها ولأن الولاء كالملك "فيخرج منه" أي من هذا القول "صحة تزويج نفسها بإذن وليها وتزويج غيرها بالوكالة" لأنها إذا كانت أهلا لمباشرة تزويج أمتها ومعتقتها فلأن تكون أهلا لمباشرة وتزويج نفسها وغيرها بالوكالة بطريق الأولى يدل عليه أن عائشة تولت نكاح بنت أخيها عبد الرحمن ولأنها شخص يتصرف في ماله بنفسه فيتولى عقد النكاح لنفسه كالغلام.
وعنه: تزوج نفسها مطلقا وخصه المؤلف بحال العذر كما إذا عدم الولي أو السلطان واختلف في مأخذها فابن عقيل أخذها من قول الإمام أحمد في دهقان القرية يزوج من الأولى لها فهو بمنزلة حاكمها وغلطه الشيخ تقي الدين وأخذها ابن أبي موسى مما أخذه المؤلف واستدل له بالآية وبقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} فأباح فعلها في نفسها من غير شرط الولي وبدليل خطبته عليه السلام أم سلمة فإن أهل التاريخ قالوا إنه كان ابن ست سنين ومثله لا تصح ولايته وقد سئل أحمد عن حديث: "لا نكاح إلا بولي" يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا" ثم هو محمول على نفي الكمال وسليمان بن موسى ضعفه البخاري قال في رواية المروذي ما أراه صحيحا لأن عائشة فعلت بخلافه وقال ابن جريج لقيت الزهري فسألته عنه فقال لا أعرفه ويقويه أن الزهري قال بخلاف ذلك قاله أحمد. "والأول المذهب" لما ذكرنا وصونا لها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال فوجب أن لا تباشر النكاح تحصيلا لذلك والجواب عن الآية تقدم وهو نكاح البائنة في أنها لا تحل للأول إلا بعد نكاح وتزويجه أم سلمة كان من خصائصه كما لا تشترط الشهادة في حقه وحديث أبي موسى الصحيح المشهور عن إمامنا تصحيحه والحمل على نفي الكمال خلاف الظاهر،(7/26)
وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا ثم ابنها، ثم ابنه وإن نزل
ـــــــ
وحديث عائشة فرواية سليمان بن موسى وهو ثقة كبير وقال الترمذي لم يتكلم فيه أحد من المتقدمين إلا البخاري لأحاديث انفرد بها ومثل هذا لا يرد به الحديث وقد ذكر جماعة في قوله عليه السلام: "أيما امرأة" إلى آخره لا يجوز حمله على المصير إلى البطلان لأن المجاز من القول لا يجوز تأكيده ذكره ابن قتيبة وغيره فعلى هذا إذا تزوجت بغير إذن وليها فكفضولي فإن أبي فسخه حاكم نص عليه.
فرع: إذا حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي له حاكما لم يجز نقضه كسائر الأنكحة الفاسدة وقيل ينقض هنا واختاره الاصطخري فإن وطئ فيه فلا حد عليه في ظاهر كلام أحمد لأنه وطء مختلف في حله وقال ابن حامد يجب لأنه وطء في نكاح منصوص على بطلانه.
"وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها" على المذهب لقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبياء: من الآية90] لأن الولد موهوب لأبيه وقال إبراهيم عليه السلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: من الآية39] وقال عليه السلام: "أنت ومالك لأبيك" وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس لأن الأب أكمل نظرا وأشد شفقة بخلاف الميراث بدليل أنه يجوز أن يشتري لها من ماله وله من مالها.
وقيل: يقدم الابن عليه كالميراث وأخذه في "الانتصار" من نقل حنبل العصبة من أحرز المال "ثم أبوه وإن علا" على الأشهر لأن الجد له إيلاد وتعصب أشبه الأب "ثم ابنها ثم ابنه وإن نزل" لما تقدم في الميراث وللابن ولاية نص عليه في رواية جماعة لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليها فقالت ليس أحد من أوليائي شاهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك" فقالت لابنها يا عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه. رواه أحمد والنسائي فدل على أن لها وليا(7/27)
ثم أخوها لأبويها ثم لأبيها والتسوية بين الجد والأخ وبين الأخ للأبوين والأخ من الأب ثم بنوا الإخوة وإن سفلوا ثم العم ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث،
ـــــــ
شاهدا أي: حاضرا ويحتمل أنها ظنت أنه ابنها عمر ولا ولاية له لأن وجوده كالعدم لصغره فإنه عليه السلام تزوجها سنة أربع وقال ابن الأثير كان عمر عمر حين وفاته عليه الصلاة والسلام تسع سنين وانه ولد سنة اثنتين من الهجرة وعلى هذا يكون عمره حين التزويج ثلاث سنوات.
"ثم أخوها لأبويها" كالميراث "ثم لأبيها" في رواية اختارها أبو بكر وصححها في المغنى و "الشرح" كالإرث وعلى استحقاقه بالولاء وأنه يقدم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب وإن كان النساء لا مدخل لهن فيه "وعنه: تقديم الابن على الجد" اختارها الشيرازي وابن أبي موسى والسامري وغيرهم كالميراث وعنه: على هذه يقدم الأخ على الجد لادلائه بالبنوة وعنه: سواء لامتياز كل واحد منهما بمرجح.
"والتسوية بين الجد والأخ" لاستوائهما في الميراث والتعصيب "وبين الأخ للأبوين والأخ من الأب" نص عليه في رواية صالح وحرب وأبي الحارث وهي المذهب عند الخرقي والقاضي ومعظم أصحابه لأنهما استويا في الجهة التي تستفاد منها في الولاية وهي العصوبة التي من جهة الأب فاستويا في النكاح كما لو كانا من أب وقرابة الأم لا مدخل لها في النكاح.
"ثم بنوا الإخوة وإن سفلوا" كالميراث وعلى الثانية: ابن الأخ من الأب مساو لابن الأخ من الأبوين "ثم العم ثم ابنه" لما ذكرنا فإن كانا أبناء عم أحدهما أخ لأم فقال القاضي وطائفة هما على ما تقدم من الخلاف في ابني عم أحدهما من الأبوين والآخر من الأب وقال المؤلف هما سواء لأنهما استويا في التعصيب والإرث به وجهة الأم يورث بها منفردة ولا ترجيح بها.
"ثم الأقرب فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث" لأن الولاية مبناها على النظر والشفقة ومظنة ذلك القرابة والأحق بالميراث هو الأقرب فيكون(7/28)
ثم عصابته من بعده الأقرب فالأقرب ثم السلطان فأما الأمة فوليها سيدها،
ـــــــ
أحق بالولاية. قال ابن هبيرة اتفقوا على أن الولاية في النكاح لا تثبت إلا لمن يرث بالتعصيب وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم وأولى ولد كل أب أقربهم إليه لا نعلم فيه خلافا "ثم المولى المنعم" أي المعتق "ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب" لأنهم عصبات يرثون ويعقلون فكذلك يزوجون وقدم هنا المناسبون كالميراث فيقدم ابن المعتق على أبيه لأنه إنما قدم هناك لزيادة شفقته وكمال نظره وهنا النظر لأقرب العصبة وقيل يقدم أبوها على ابنها كالأصل.
"ثم السلطان" لما ذكرنا وهو الإمام أو نائبه قال أحمد القاضي أحب إلي من الأمير في هذا انتهى وظاهره ولو من بغاة إذا استولوا على بلد فإن عدم وكلت قاله في "الفروع" وظاهر كلامهم أنه لا ولاية لغير من ذكر فيدخل فيه من أسلمت على يديه فإنه لا يلي نكاحها على الأشهر وفيه رواية كالإرث ولا والي البلد وعنه: عند عدم القاضي وحملهاالقاضى على أنه أذن له في التزويج وذكر الشيخ تقي الدين الجواز مطلقا للضرورة.
تنبيه: إذا لم يكن للمرأة ولي فظاهر كلامهم أنه لا بد منه مطلقا قال أبو يعلى الصغير في رجل وامرأة في سفر ليس معهما ولي ولا شهود لا يجوز أن يتزوج بها وإن خاف الزنى بها وعنه: يزوجها عدل بإذنها قال ابن عقيل أخذ قوم من أصحابنا على أن النكاح لا يقف على ولي ونصوص أحمد تمنعه وأخذه المؤلف من دهقان القرية قال الشيخ تقي الدين تزويج الأيامى فرض كفاية فإن أباه حاكم إلا بظلم كطلبه جعلا لا يستحقه صار وجوده كالعدم فقيل توكل من يزوجها وقيل لا تتزوج والصحيح ما نقل عن أحمد يزوجها ذو السلطان في ذلك المكان كالعضل.
"فأما الأمة" حتى الآبقة "فوليها سيدها" إذا كان من أهل الولاية بغير خلاف نعلمه لأنه عقد على منافعها فكان إليه كإجارتها ولو مكاتبا أو فاسقا فإن كان(7/29)
وإن كانت لامرأة فوليها ولي سيدتها ولا يزوجها إلا بإذنها ويشترط في الولي الحرية والذكورية،
ـــــــ
لها سيدان لم يجز إلا بإذنهما.
"فإن كانت لامرأة فوليها ولي سيدتها" هذا هو المختار من الروايات صححه القاضي وقطع به أبو الخطاب لأن الأصل في الولاية لها لأنها مالها وإنما امتنعت في حقها لانتفاء عبارتها في النكاح وحينئذ تثبت لأوليائها يؤيده ما احتج به أحمد من حديث أبي هريرة قال لا تنكح المرأة نفسها ولا تنكح من سواها وروي عنه رواه ابن ماجه والدارقطني وصححه والنهي دليل الفساد وهو قول جمهور الصحابة.
"ولا يزوجها إلا بإذنها" أي شرطها إذنها لوليها لأن الأمة لها والتصرف في مال الرشيدة لا يكون إلا بإذنها فإن كانت رشيدة أو لغلام مجنون فوليها من يلي ماله لأنه تصرف في نفعها كإجارتها ويشترط في الولي الحرية والذكورية واتفاق الدين والعقل ويعتبر في إذنها النطق وإن كانت بكرا قاله المؤلف وغيره إذ الصمات إنما اكتفي به في تزويجها نفسها لحيائها وهي لا تستحي من تزويج أمتها وعنه: أي رجل أذنت له سيدتها أن تباشره هي لأن سبب الولاية الملك وإنما امتنعت المباشرة لنقص الأنوثة فملكت التوكيل كالمريض والغائب وعنه: تعقده هي فعبارتها على هذه معتبرة بأن التزويج على الملك لا يحتاج إلى أهلية الولاية بدليل تزويج الفاسق مملوكته.
فرع: عتيقتها كأمتها إن طلبت وأذنت وقلنا يلي عليها في رواية ولو عضلت المولاة زوج وليها ففي إذن سلطان وجهان ويجبرها من يجبر المولاة.
"ويشترط في الولي الحرية" فلا ولاية لعبد نص عليه لأنه لا ولاية له على نفسه فعلى غيره أولى وفي "الانتصار" وجه يلي على ابنته ثم جوزه بإذن سيده وفي "الروضة" هل للعبد ولاية على الحرة فيه روايتان "والذكورية" فلا ولاية لامرأة لعدم تزويجها نفسها وقد سبق "واتفاق الدين" ومعناه أن(7/30)
واتفاق الدين، والعقل وهل يشترط بلوغه وعدالته على روايتين.
ـــــــ
يكون مسلما إن كانت الزوجة مسلمة والعكس بالعكس إذ الكافر لا ولاية له على المسلم في قول عامة العلماء لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: من الآية71] وحكاه ابن المنذر لإجماع من يحفظ عنه قال أحمد بلغنا أن عليا أجاز نكاح أخ ورد نكاح أب وكان نصرانيا والمسلم لا ولاية له على كافرة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: من الآية73] والعقل بغير خلاف لأن الولاية تثبت نظرا للمولى عليه ثم عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي على نفسه فغيره بطريق الأولى.
وسواء فيه وهل يشترط بلوغه وعدالته على روايتين الصغير ومن ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ الهم فأما المغمى عليه ومن يجن في بعض الأوقات فلا ينعقد ولايتهما على الأشهر لأن المغمي عليه مدة يسيرة كالنوم ولذلك لا تثبت الولاية عليه ويجوز على الأنبياء عليهم السلام وفي "الفروع" إن جن أحيانا أو أغمي عليه أو نقص عقله بنحو مرض أو أحرم انتظر نقله ابن الحكم في مجنون.
"وهل يشترط بلوغه وعدالته؟ على روايتين" ظاهر المذهب يشترط البلوغ لأن الولاية يعتبر لها كمال الحال ومن لم يبلغ قاصر لثبوت الولاية عليه والثانية ليس بشرط فعلى هذا يزوج ابن عشر لأنه تصح وصيته وطلاقه فتثبت له الولاية كالبالغ وعنه: اثنتي عشرة سنة.
وأما العدالة فليست بشرط في رواية وهي ظاهر كلام الخرقي فعليها يزوج فاسق لأنه يلي نكاح نفسه فغيره أولى والثانية وهي أنصهما تشترط واختارها ابن أبي موسى وابن حامد والقاضي وأصحابه لما روى الشالنجي بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لا نكاح إلا بولي مرشد أو سلطان وعن جابر معناه مرفوعا رواه البرقاني ولأنها إحدى الولايتين فنافاها الفسق كولاية المال وعليها يكتفى بمستور الحال على ما جزم الشيخان ويستثنى منه السلطان الرشيد وحكى ابن حمدان ثالثة إن الفاسق يلي نكاح عتيقته فقط كما قبل العتق وقال الشيخ تقي الدين إذا قلنا الولاية الشرطية تبقى مع(7/31)
وإذا كان الأقرب طفلا أو كافرا أو عبدا زوج الأبعد وإن عضل الأقرب زوج الأبعد وعنه: يزوج الحاكم.
ـــــــ
الفسق فالولاية الشرعية أولى قال الزركشي وفيه نظر إذ الولاية الشرطية يلحظ فيها حظ الموصي ونظره بخلافه هنا.
أصل: يشترط فيه الرشد بان يعرف مصالح النكاح ومعرفة الكفء فلا يضعها عند من لا يحفظها ولا يكافئها وقال القاضي وابن عقيل وغيرهما يشترط معرفته بالمصالح وهو أظهر وفي شرح "المحرر" هو ضد السفيه ولا يشترط نطقه إذا فهمت إشارته والأصح ولا بصره لأن شعيبا زوج ابنته وهو أعمى ولحصول المقصود بالبحث والسماع.
"وإذا كان الأقرب طفلا أو كافرا أو عبدا زوج الأبعد" من عصبتها لأن وجودهم كالعدم وقوله: "طفلا" يحتمل أن يريد المميز وهو ظاهر العرف فعليه تصح ولاية المميز وهو إحدى الروايتين مقيدا بابن عشر أشبه البالغ ويحتمل أن يريد البالغ وهو ظاهر كلامه لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: من الآية59] "وإن عضل الأقرب" فلم يزوجها بكفء رضيته ورغب كل منهما في صاحبه بما صح مهرا "زوج الأبعد" نص عليه كما لوجن وحديث معقل بن يسار شاهد بذلك وفيه نزل قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: من الآية232] قال وكفرت عن يميني وأنكحتها إياه.
لكن لو رضيت بغير كفء كان للولي منعها منه فلو اختلفا في تعيين الكفء قدم تعيينها عليه حتى إنه يعضل بالمنع ويفسق به إن تكرر منه ولم يذكر المؤلف التكرر.
"وعنه: يزوج الحاكم" اختاره أبو بكر لقوله: "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" والحاكم نائب عنه وكما لو كان عليه دين وامتنع من قضائه والأول أصح والحديث المذكور لا حجة فيه والفرق بين الولاية(7/32)
وإن غاب غيبة منقطعة زوج الأبعد وهي مالا تقطع الا بكلفة ومشقة وقال الخرقي مالا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه وقال القاضي مالا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة.
ـــــــ
والدين من أوجه أحدها أن الولاية حق للمولى والدين حق عليه وثانيها أن الولاية تنتقل عنه بفسق ونحوه بخلاف الدين وثالثها أن الولاية تعتبر في بقائها العدالة وقد زالت بالعدل والدين لا يعتبر فيه ذلك نعم إذا اشتجروا جميعا زوج الحاكم.
"وإن غاب غيبة منقطعة زوج الأبعد" لأنه قد تعذر التزويج من الأقرب فوجب أن ينتقل إلى من يليه كما لو جن وقال ابن عقيل ليس فيه سلب الأقرب من الولاية لكن مشترك بينهما بدليل ما لو زوج الأقرب الغائب في مكانه أو وكل فيه فإنه يصح وكذا لو وكل ثم غاب بخلاف ما لو وكل ثم جن وفي التعليق إذا زوج أو وكل في الغيبة فالولاية باقية لانتفاء الضرر وإلا سقطت وحكى قولا كالأول وذكر في "الانتصار" وجها لا تنتقل ولاية مال إليه بالغيبة ويستثنى منه مالم تكن أمة فيزوجها الحاكم وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة في ظاهر كلامه نص عليه واختاره أبو بكر والشيخان لأن أهل العراق يعدون ذلك مضرا قال المؤلف وهذا القول أقرب إلى الصواب فإن التحديد بابه التوقيف ولا توقيف. "وقال الخرقي ما لا يصل إليه الكتاب" كمن هو في أقصى بلاد الهند "أو يصل فلا يجيب عنه" قد أومأ أحمد إلى هذا في رواية الأثرم قال المنقطع الذي لا تصل إليه الأخبار لأن مثل ذلك تتعذر مراجعته فيلحق الضرر بانتظاره "وقال القاضي" في "تعليقه" وأبو الخطاب في خلافه الصغير وهو رواية "ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة" كسفر الحجاز لأن الكفء ينتظر سنة ولا ينتظر أكثر منها فيلحق الضرر بترك تزويجها.
"وعن أحمد: إذا كان الأب بعيد السفر زوج الأبعد فيحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة" لأن الشارع جعله بعيدا وعلق عليه رخص السفر. وذكر أبو(7/33)
وعن أحمد إذا كان الأب بعيد السفر زوج الأبعد فيحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة ولا يلي كافر نكاح مسلمة بحال إلا إذا أسلمت أم ولده في وجه ولا يلي مسلم نكاح كافرة إلا سيد الأمة أو ولي سيدتها أو السلطان.
ـــــــ
الخطاب والمجد رواية أن الحاكم يزوج كما في العضل إذ الأبعد محجوب بالأقرب والولاية باقية فقام الحاكم مقامه فيها وقيل ما تستضر به الزوجة وقيل فوت كفء راغب ويلحق بذلك ما لو تعذرت مراجعته كأسير أو لم يعلم مكانه أو كان مجهولا لا يعلم أنه عصبة ثم علم قاله الشيخ تقي الدين أو زوجت بنت ملاعنة ثم استلحقها أب فكبعيد وإن زوج الأبعد بدون ذلك فكفضولي وإن تزوج لغيره فقيل لا يصح كذمته وقيل كفضولي ومن تزوج أمة غيره فملكها من تحرم عليه فإن أجازه فوجهان.
"ولا يلي كافر نكاح مسلمة بحال" حكاه ابن المنذر إجماعا وسنده قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: من الآية141] "إلا إذا أسلمت أم ولده في وجه" وكذا مكاتبته أو مدبرته لأنها ملكه أشبهت المسلم وذكر ابن عقيل وابن رزين وبنته.
والثاني: لا يليه وهو أولى للإجماع وعلى الأول هل يباشر تزويج المسلم أو يباشره بإذنه مسلم أو الحاكم في أوجه.
"ولا يلي مسلم نكاح كافرة" للنص ولأنه لا يرث أحدهما الآخر ولا يعقل عنه فلم يله كما لو كان أحدهما رقيقا "إلا سيد الأمة" فله تزويجها لأنها لا تحل للمسلمين "أو ولي سيدتها" لأنها ولاية بالملك ولأنها تحتاج إلى التزويج ولا ولي لها غير سيدها "أو السلطان" لأن له الولاية على من لا ولي لها وولايته عامة على أهل دار الإسلام فالكافرة من أهل الدار فتثبت الولاية عليها كالمسلمة.(7/34)
ويلي الذمي نكاح موليته الذمية من الذمي وهل يليه من مسلم على وجهين وإذا زوج الأبعد من غير عذر للأقرب أو أجنبي لم يصح النكاح وعنه: يصح ويقف على إجازة الولي.
ـــــــ
"ويلي الذمي نكاح موليته الذمية من الذمي" لأنه مساو لها فوليه كالمسلم ويشترط فيه الشروط المعتبرة وعبر في "المحرر" و "الفروع" بالكافر وهل يليه من مسلم على وجهين أحدهما يليه للآية والمساواة والثاني لا يزوجها إلا الحاكم قاله القاضي لأن فيه صغارا على المسلم وعلى هذا لايلي مالها قاله القاضي وفي تعليق ابن المني في ولاية الفاسق لا يليه كافر إلا عدل في دينه ولو سلمنا فلئلا يؤدي إلى القدح في نسب نبي أو ولي ويدل عليه ولاية المال.
"وإذا زوج الأبعد من غير عذر للأقرب أو أجنبي لم يصح النكاح" نص عليه في مواضع وهو الأصح لقوله عليه السلام: "أيما امرأة" الخبر ولأنه نكاح لم تثبت أحكامه من الطلاق والخلع والتوارث فلم ينعقد كنكاح المعتدة.
"وعنه: يصح ويقف على إجازة الولي" لما روى ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وأبو داود وقال وهو حديث مرسل رواه الناس عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا ابن عباس وحينئذ فالشهادة تعتبر حالة العقد لأنها شرط له فتعتبر معه كالقبول ولو كان في الصداق نماء ملك من حين العقد ولا توارث قبل الإجازة وقيل إن كان ما لو رفع إلى الحاكم أجازه ورثه الآخر لأنه عقد تلزمه الإجازة فهو كالصحيح.
فرع: إذا زوجت من يعتبر إذنها بغير إذنها وقلنا يقف على إجازتها فهي بالنطق أو ما يدل على الرضا بكرا كانت أو ثيبا وقال ابن أبي موسى إذا زوج أجنبية ليس من العصبات بطل النكاح من أصله قولا واحدا.
"ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا" لتوكيله عليه(7/35)
ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا ووصيه في النكاح بمنزلته وعنه: لا تستفاد ولاية النكاح بالوصية.
ـــــــ
الصلاة والسلام أبا رافع في تزويج ميمونة وعمرو بن أمية في تزويج أم حبيبة ولأنه عقد معاوضة فصح التوكيل فيه كالبيع وعلى هذا فلا فرق بين أن يكون الموكل حاضرا أو غائبا مجبرا أوغير مجبر ولا يعتبر إذنها في التوكيل سواء كان الموكل أبا أو غيره ذكره في "المغني" وغيره وقيل لا يوكل غير مجبر بلا إذن إلا حاكم وقيل ولا مجيز وخرجه القاضي على الخلاف في توكيل الوكيل ولا خلاف أن الحاكم يملكه مطلقا ويجوز في تزويج معين أو من شاء أو من يرضاه وقيل يمنع من التوكيل المطلق وقيل يعتبر التعيين لغير مجبر وقيل وله فلو منعت الولي من التوكيل امتنع قاله في "الترغيب" وعلى الأشهر يثبت للوكيل ما هو ثابت للموكل لأنه قائم مقامه ومن لم تثبت له الولاية لا يصح توكيله وقيل يصح توكيل العبد ونحوه لأنهم من أهل القرابة بدليل قبولهم النكاح لأنفسهم فإن وكل الزوج في قبول النكاح صح وقيل لا كالإيجاب وبالجملة يتقيد وكيل أو ولي مطلق بالكفء ان اشترط ذكره في "الترغيب" وليس لوكيل أن يتزوجها لنفسه ويصح توكيله مطلقا كزوج من شئت ومقيد كزوج فلانا بعينه.
"ووصيه في النكاح بمنزلته" على المذهب لأنها ولاية ثابتة فجازت الوصية بها كولاية المال ولأن له أن يستنيب في حياته فكذا بعد مماته كالمال فعلى هذا يجبر اختاره أبو بكر وغيره لأنها ولاية تنتقل إلى غيره شرعا فلم يجز أن يوصي بها كالحضانة يحققه أنه لا ضرر على الوصي في وضعها عند غير كفء لها فهو كالأجنبي وكولاية الحاكم.
"وقال ابن حامد لا يصح إلا أن يكون له عصبة" هذا رواية حكاها القاضي في "الجامع الكبير" والحلواني لأنه إن كان عصبة لم تستقر حذارا من إسقاط حقهم\(7/36)
وقال ابن حامد لا يصح إلا ألا يكون له عصبة وإذا استوى الأولياء في الدرجة صح التزويج من كل واحد منهم والأولى تقديم أفضلهم ثم أسنهم وإن تشاحوا أقرع بينهم فإن سبق غيرمن وقعت له القرعة فزوج صح في أقوى الوجهين.
ـــــــ
وإلا استفيدت لعدم ذلك والأول هو المنصور ثم جمهور الأصحاب فعلى هذا تجوز الوصية بالنكاح من كل ذي ولاية وهل للوصي الوصية بها أو يوكل فيه روايتان ظاهر المذهب جوازه ذكره في النوادر وظاهره أن له تزويج صغير بوصية كصغيرة وفي الخرقي أو وصي ناظر له في التزويج وظاهر كلام القاضي و "المحرر" الوصي مطلقا وجزم به الشيخ تقي الدين وان وصي المال يزوج الصغير لأنه يلي ماله أشبه الأب وخرج منه أن الجد يزوج الصغير إن قلنا يلي ماله والأول أظهر كما لا يزوج الصغير.
"وإذا استوى الأولياء في الدرجة" كالأخوة أو بنيهم "صح التزويج من كل واحد منهم" إذا أذنت لكل منهم لأن سبب الولاية موجود في كل واحد منهم "والأولى تقديم أفضلهم" لأنه أكمل من المفضول.
"ثم أسنهم" لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث حويصة ومحيصة لما تكلم عبد الرحمن وكان أصغرهم: "كبر كبر" أي يقدم الأكبر فتكلم حويصة.
"وإن تشاحوا أقرع بينهم" لأنهم تساووا في الحق فلجئ كالمرأتين في السفر وفي مختصر ابن زيد يقدم أعلم ثم أسن ثم أفضل ثم يقرع.
"فإن سبق غير من وقعت فزوج صح في أقوى الوجهين" صححه في "الرعاية" و "الفروع" لأنه تزويج صدر من ولي كامل الولاية كالمنفرد وإنما القرعة لإزالة المشاحة،
والثاني: لا تصح لأنه بالقرعة صار أولى فلم يصح كالأبعد مع الأقرب أما إذا أذنت لواحد فإنه يتعين ولا يعدل عنه.
"وإن زوج اثنان" لاثنين بإذنهما وعلم السابق فالنكاح له في قول أكثرهم لما روى الحسن عن سمرة مرفوعا قال: " أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول(7/37)
وإن زوج اثنان ولم يعلم السابق فسخ النكاحان وعنه: يقرع بينهما فمن قرع أمر الآخر بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه.
ـــــــ
منهما" رواه الخمسة وحسنه الترمذي وروي عن علي أنه قال إن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما بغير طلاق ولها عليه مهر مثلها اختاره الخرقي وهو الصحيح وقال أبو بكر لها المسمى قال القاضي هو قياس المذهب ولم يصبها زوجها حتى تعتد من الثاني وإن أتت بولد منه لحق به.
"و" إن "لم يعلم السابق" أي جهل السابق منهما "فسخ النكاحان" أي فسخهما حاكم لأن كل واحد منهما يحتمل أن يكون نكاحه هو الصحيح والجمع متعذر فلجئ إلى الفسخ لإزالة الزوجية وقال ابن عقيل والسامري للزوجين الفسخ ولعله يريدان بإذنه وقال أبو بكر يطلقانها ونصه لها نصف المهر يقترعان عليه في الأشهر وعنه: النكاح مفسوخ ذكره في النوادر وقدمه في "التبصرة" لأنه تعذر إمضاؤهما وتتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما.
"وعنه: يقرع بينهما" لأنها تزيل الإبهام "فمن قرع أمر الآخر بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه" بإذنها لأنها إن كانت زوجته لم يضره ذلك وإلا قد صارت له بالتجديد وعنه: تكون لمن تخرج له القرعة اختاره أبو بكر النجاد ونقله ابن منصور والأصح أنه يعتبر طلاق الآخر لها فإن أبي طلق الحاكم عليه وقيل إن جهل وقوعهما معا بطلا كالعلم به وإن علم سبقه ونسي فقيل كجهله وقال أبو بكر يقف ليعلم وإن أقرت لأحدهما بالسبق لم يقبل على الأصح وإن ادعى علمها بالسبق فأنكرت لم تستحلف.
أصل: إذا ماتت فلأحدهما نصف ميراثها بقرعة من غير يمين وإن مات الزوجان فإن كانت أقرت بالسبق لأحدهما فلا ميراث لها من الآخر وهي تدعي ميراثها ممن أقرت له فإن كان ادعى ذلك أيضا دفع إليها "وإلا فلا إن أنكر الورثة وإن لم تكن أقرت بالسبق فلها ميراث أحدهما بقرعة".(7/38)
وإذا زوج عبده الصغير من أمته جاز أن يتولى طرفي العقد وكذلك ولي المرأة مثل ابن العم والمولى والحاكم إذا أذنت له في نكاحها فله أن يتولى طرفي العقد وعنه: لا يجوز حتى يوكل غيره في الطرف الآخر.
ـــــــ
مسألة: يقدم أصلح الخاطبين مطلقا نقله ابن هانئ وفي النوادر ينبغي أن يختار لموليته شابا حسن الصورة.
"وإذا زوج عبده الصغير من أمته" أو بنته أو زوج ابنه ببنت أخيه أو زوج وصي في نكاح صغيرا بصغيرة تحت حجره "جاز أن يتولى طرفي العقد" في قولهم جميعا لأنه ملكه بحكم الملك أو الولاية "وكذلك ولي المرأة مثل ابن العم والمولى والحاكم إذا أذنت له في نكاحها فله أن يتولى طرفي العقد" لقول عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم بنت قارظ أتجعلين أمرك إلي قالت نعم قال قد تزوجتك رواه البخاري تعليقا ولأنه عقد وجد فيه الإيجاب والقبول فصح كما لو كانا من رجلين وكما لو زوج عبده من أمته والأشهر أنه يكفي الإيجاب فيقول زوجت فلانا فلانة أو تزوجتها إن كان هو الزوج لفعل عبد الرحمن وقيل يعتبر معه القبول وقيل تولية طرفيه تختص بمجبر.
"وعنه: لا يجوز حتى يوكل غيره في الطرف الآخر" نقلها ابن منصور؛ لأن المغيرة بن شعبة خطب امرأة هو أولى الناس بها فأمر رجلا فزوجه رواه البخاري تعليقا ولأنه عقد ملكه بالإذن فلم يجز أن يتولى طرفيه كالبيع وبهذا فارق ما إذا زوج أمته بعبده الصغير وعلى هذه إن وكل من يقبل له النكاح وتولى هو الإيجاب جاز كالإمام الأعظم أو وكله الولي في الإيجاب والزوج في القبول فوجهان وعلى الأولى إلا بنت عمه وعتيقته المجنونتين فيشترط ولي غيره أو حاكم.
مسألة: إذا أذنت له في تزويجها ولم تعين الزوج لم يجز أن يزوجها نفسه لأن إطلاق الإذن يقتضي تزويجها غيره كولده مثلا فإن كان الابن كبيرا قبل لنفسه وإن كان صغيرا فالخلاف في تولي طرفي العقد.(7/39)
وإذا قال السيد لأمته أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح.
ـــــــ
"وإذا قال السيد لأمته" بحضرة شاهدين نص عليه "أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح" العتق والنكاح نص عليه في رواية جماعة وهو المذهب لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها فقال له ثابت ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها متفق عليه وفي لفظ للبخاري وجعل عتقها صداقها ولم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام استأنف عقدا ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح إذ الصداق لا يتقدم عليه رواه الأثرم عن علي وفعله أنس ولأن منفعة البضع إحدى المنفعتين فجاز أن يكون العتق عوضا عنه دليله منفعة الخدمة كقوله أعتقتك على خدمة سنة لا يقال هذا من خصائصه إذ من خصائصه النكاح بغير مهر ولا شهود لأنا نقول الغرض أنه عليه الصلاة والسلام عقد بمهر وإذن فحكم أمته حكمه في صفة ومثله جعلت عتق أمتي صداقها أو عكس أو على أن عتقها صداقها أو على أن أتزوجك وعتقي صداقك وقال ابن حامد يشترط مع قوله تزوجتها وظاهره أنه لا يشترط قبول الأمة نص عليه وأن يكون متصلا وأن يقصد بالعتق جعله صداقا.
تنبيه: أورد على القاضي إذا قال جعلت عتق أمتي صداق ابنتك لا يصح النكاح فكذا في نفسه فأجاب لا يصح لتقدم القبول على الإيجاب فلو قال الأب ابتداء زوجتك ابنتي على عتق أختك فقال قبلت لم يمتنع أن يصح وقال الشيخ تقي الدين إذا قال زوجت أمتي من فلان وجعلت عتقها صداقها قياس المذهب صحته لأنهم قالوا الوقت الذي جعل العتق صداقا كان يملك إجبارها في حق الأجنبي.
"فإن طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف قيمتها" نص عليه إذ التسمية صحيحة وذلك يوجب الرجوع في نصفها كغيرها ولما لم يكن سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زواله رجع في بدله وهو القيمة وهي معتبرة يوم عتقه فإن لم يقدر فهل ينتظر القدرة أو يستسعي فيه روايتان منصوصتان،(7/40)
فإن طلقتها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف قيمتها وعنه: لا يصح حتى يستأنف نكاحها بإذنها فإن أبت ذلك فعليها قيمتها.
ـــــــ
قال القاضي أصلها المفلس إذا كان له حرفة هل يجبر على الاكتساب على روايتين.
"وعنه: لا يصح حتى يستأنف نكاحها بإذنها" نقل المروذي أنه يوكل رجلا فأخذ القاضي وأتباعه من ذلك رواية أن النكاح لايصح بهذا اللفظ واختاره القاضي في خلافه وأبو الخطاب وابن عقيل وزعم أنه الاشبه بالمذهب إذ بالعتق تملك نفسها فيعتبر رضاها كما لو فصل بينهما ولأنه لم يوجد إيجاب ولا قبول وهما ركناه ولا يصح إلا بهما ولأن العتق ليس بمال ولا يجبره أشبه رقبة الحر ونوزع ابن أبي موسى في حكاية رواية بعدم الصحة وجعل الرواية أنه يستأنف العقد عليها بإذنه بدون رضاها إذ العتق وقع على هذا الشرط وأجيب عن ملكها نفسها بأن الكلام المتصل لا يثبت له حكم الانفصال قبل تمامه فلم يستقر ملكها على نفسها إلا بعد النكاح والسيد كان يملك إجبارها على النكاح في حق الأجنبي فكذا في حق نفسه وعن عقد الإيجاب والقبول بأن العتق لما خرج مخرج الصداق صار الإيجاب كالمضمر فيه والقابل هو الموجب فلا يحتاج إلى الجمع بينهما وعن العتق ليس بمال بأنه يترتب عليه حصول مال وهو تمليك الرقيق نافع نفسه وهو المقصود.
"فإن أبت ذلك فعليها قيمتها" لأنه أزال ملكه بعوض لم يسلم له فرجع إلى القيمة كالبيع الفاسد.
فرع: إذا ارتدت أو فعلت ما يفسخ به نكاحها قبل الدخول رجع عليها بجميع قيمتها وعلى الثانية يستأنف نكاحها بإذنها وعلى قول ابن أبي موسى لا تعتبر إذنها ومهرها العتق فعلى مختار القاضي إن امتنعت لزمها قيمة نفسها واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يلزمها شيء إذا لم يلزم بالنكاح ولم يرض بالشروط كما لو أعتقها على ألف فلم تقبل بل أولى.(7/41)
فصل
الرابع الشهادة. فلا ينعقد إلا بشاهدين عدلين
ـــــــ
فصل
"الرابع: الشهادة" وهي من الشروط لصحته نص عليه واختاره الأصحاب وقاله عمر وعلي وابن عباس لما روت عائشة مرفوعا قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه ابن حبان وصححه وفي بعض طرقه: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل" ذكره الدار قطني عن يونس عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عنها مرفوعا وعن ابن عباس قال: "البغايا اللائي ينكحن أنفسهن بغير بينة" رواه الترمذي وقال لم يرفعه إلا عبد الأعلى ووقفه هو وغيره قال والوقف أصح وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا بد في النكاح من أربعة الولي والزوج والشاهدان" رواه الدارقطني والمعنى فيه الاحتياط للأبضاع، وصيانة الأنكحة عن الجحود. "فلا ينعقد إلا بشاهدين" دون غيره من العقود لما فيه من تعلق المتعاقدين وهو الولد لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه.
"عدلين" للأخبار والأشهر أنه يكفي مستور الحال وإن لم يقبله في الأموال لتعذر البحث عن عدالة الشهود في الباطن غالبا لوقوع النكاح في البوادي وبين عوام الناس.
والثاني: أنه لابد من العدالة الباطنة كغيره وهو احتمال للقاضي في التعليق بعد أن أقر أنه لا تعرف الرواية عن الأصحاب في ذلك.
"ذكرين" لقول الزهري: مضت السنة لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا النكاح والطلاق رواه أبو عبيد في الأموال ولأنه عقد ليس بمال ولا يقصد به ويطلع عليه الرجال غالبا فلم ينعقد بهن كالحدود.(7/42)
ذكرين بالغين عاقلين وإن كانا ضريرين وعنه: ينعقد بحضور فاسقين ورجل وامرأتين ومراهقين عاقلين ولا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين ويتخرج أن ينعقد إذا كانت المرأة ذمية.
ـــــــ
"بالغين" على المذهب لأن الصبي لا شهادة له.
"عاقلين" لأن المجنون والطفل ليسا من أهل الشهادة.
"وإن كانا ضريرين" لأنها شهادة على قول فصحت من الأعمى كشهادة الاستفاضة ويعتبر أن يتيقن الصوت على وجه لا يشك فيه وظاهره أنه لايشترط فيه الحرية وهو كذلك والمراد حضورهما سواء حضرا قصدا أو اتفاقا فلو حضرا وسمعا الإجابة والقبول صح وإن لم يسمعا الصداق.
"وعنه: ينعقد بحضور فاسقين" لأنه تحمل فلم تعتبر فيه العدالة كسائر التحملات والأول أصح لأن من لا يثبت النكاح بقوله لا ينعقد بشهادته كالصبي فلو بانا بعد العقد أنهما فاسقان فالعقد صحيح ذكره المؤلف لاشتراط العادلة ظاهرا فقط وقيل لا لعدم شرطه. "ورجل وامرأتين" لأنه عقد معاوضة أشبه البيع "ومراهقين عاقلين" بناء على أنهما من أهل الشهادة ولأنه يصح تحمله فصحت شهادته كالبيع.
"ولا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين" لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: من الآية282] ولعموم قوله عليه السلام: "وشاهدي عدل" ولأنه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة ذميين كنكاح المسلمين ولا فرق بين أن يكون الزوجان مسلمين أو الزوج وحده نص عليه وهو قول الأكثر.
"ويتخرج أن ينعقد إذا كانت المرأة ذمية" بناء على الرواية بقبول شهادة بعضهم على بعض.
"ولا ينعقد بحضور أصمين" لأنه لا يسمع العقد ليشهد به. "ولا أخرسين" لأن النطق شرط وهو لا يتمكن من أداء الشهادة فوجوده كعدمه.(7/43)
ولا ينعقد بحضور أصمين ولا أخرسين وهل ينعقد بحضور عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما على وجهين وعنه: أن الشهادة ليست من شروط النكاح.
ـــــــ
وهل ينعقد بحضور عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما أو الولي أو متهم لرحم من أحدهم على وجهين أحدهما ينعقد لأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزوج فانعقد بهما نكاحه كسائر العدول.
والثاني: لا لأن العدو لا تقبل شهادة على عدوه وكذا الابن وكذا الخلاف في أهل الصنائع الرذيلة كالحجام ونحوه.
"وعنه: أن الشهادة ليست من شروط النكاح" بل تسن فيه كعقد غيره فيصح بدونها وهو قول ابن عمر
وابن الزبير والحسن بن علي لأنه عليه السلام تزوج بغير مهر ولا شهود قال ابن المنذر لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر وكذا قاله أحمد في رواية المروذي ولأنه عقد معاوضة كالبيع ويجاب عنه بأن ذلك من خصائصه وقضية الموهوبة نفسها قضية في عين والأحاديث يتقوى بعضها ببعض والجمهور قد أطلقوا هذه الرواية وقيدها المجد وجماعة بما إذا لم يكتموه وإلا لم يصح وذكره بعضهم إجماعا وعلى الأول لا يبطله التواصي بكتمانه وعنه: بلى اختاره أبو بكر.
مسألة: قال ابن أبي موسى: لا يختلف قول أحمد إن المرأة إذا زوجت نفسها بغير شهود أن النكاح باطل قال واختلف قوله هل لها أن تتزوج بغير هذا الزوج قبل أن يطلقها أو يفرق بينهما حاكم فيه روايتان قال ولم يختلف قوله: إنه إذا مات أحدهما لم يرثه الآخر قال: فإن زوجت نفسها بحضرة شهود فلا يختلف قوله: إنها لا تتزوج بغيره إلا أن يطلقها أو يفرق بينهما حاكم مع قوله: "إن النكاح فاسد" قال السامري كل ذلك يتخرج على الاختلاف في الشهادة هل هي شرط أم لا.(7/44)
فصل
الخامس: كون المرء كفئا لها في إحدى الروايتين فلو رضيت المرأة والأولياء بغيره لم يصح.
ـــــــ
فصل
"الخامس: كون الرجل كفئا لها في إحدى الروايتين" هي ظاهر المذهب والمشهورة عند عامة الأصحاب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" رواه الترمذي وروي مرسلا قيل: هو أصح وقال عمر: "لأمنعن تزويج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء" رواه الخلال والدار قطني ورواه جابر مرفوعا لا ينكح النساء إلا الأكفاء ضعفه ابن عبد البر وقال سلمان لجرير إنكم معشر العرب لا نتقدم في صلاتكم ولا ننكح نساءكم لأن الله فضلكم علينا بمحمد رواه البيهقي بإسناد حسن واحتج بهما أحمد في رواية أبي طالب ولأنه تصرف في حق من يأتي من الأولياء فلم يصح كما لو زوجت بغير إذنها.
فإن عدم حال العقد فحكمه حكم العقود الفاسدة وإن وجدت حال العقد ثم عدمت بعده لم يبطل النكاح وللمرأة الفسخ كعتقها تحت عبد وقيل لا كوليها وكطول حرة من نكح أمة وفي ثالث لهم الفسخ كما لو كانت معدومة قبل العقد، "فلو رضيت المرأة والأولياء بغيره" أي بغير كفء "لم يصح" لفوات الشرط ولأنها حق لله تعالى ولهم واحتج جماعة ببيعه مالها بدون ثمنه مع أن المال أخف من النكاح لدخول البدل فيه والإباحة والمحاباة ويحكم بالنكول فيه وبأن منعها تزويج نفسها كيلا يضعها كفء فبطل العقد لتوهم العار فيه فهاهنا أولى ولأن لله فيه نظرا ولأن الولي إذا زوجها بغير كفء يكون فاسقا.
"والثانية ليس بشرط" للصحة بل للزوم وهي أصح اختارها أبو(7/45)
والثانية: ليس بشرط وهي أصح لكن إن لم ترض المرأة والأولياء جميعهم فلمن لم يرض الفسخ فلو زوج الأب بغير كفء برضاها فللإخوة الفسخ نص عليه.
ـــــــ
الخطاب وقدمها في "المحرر" و "الفروع" وجزم بها في "الوجيز" قال ابن حمدان وهي أولى لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: من الآية13] وزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه من عثمان وأبي العاصي ولا شك أن نسبه فوق نسبهما وفي "الصحيحين" أنه عليه السلام أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد مولاه وهي قرشية وفي البخاري أن أبا حذيفة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند ابنة الوليد وهو مولى لامرأة من الأنصار وتزوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش وفي الدارقطني أن أخت عبد الرحمن بن عوف كانت تحت بلال وما روي فيها يدل على اعتبارها في الجملة ولا يلزم منه اشتراطها "لكن إن لم ترض المرأة والأولياء جميعهم فلمن لم يرض الفسخ" ويكون النكاح صحيحا لما روى عبد الله بن بريدة عن أبيه قال جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء رواه أحمد والنسائي. ويكون الفسخ فورا وكذا وتراخيا ذكره القاضي وذكره الشيخ تقي الدين ظاهر المذهب لأنه لنقص في المعقود عليه فهي حق الأولياء والمرأة وللأبعد الفسخ مع رضى الأقرب لما يلحقه من العار في الأشهر يؤيده قوله: "فلو زوج الأب بغير كفء برضاها فللأخوة الفسخ نص عليه" لأن الأخ ولي في حال يلحقه العار بفقد الكفاءة فملك الفسخ كالولي المساوي وقياس المذهب أن الفسخ يفتقر إلى حاكم.
فرع: الكفاءة المعتبرة في الرجل فقط لأنه عليه السلام لا مكافئ له وقد تزوج من أحياء العرب وفي "الانتصار" احتمال يخير معتق تحت أمة وفي "الواضح" احتمال يبطل بناء على الرواية إذا استغنى عن نكاح الأمة بحرة بطل، قال(7/46)
والكفاءة الدين والمنصب فلا تزوج عفيفة بفاجر ولا عربية بعجمي والعرب بعضهم لبعض أكفاء وسائر الناس بعضهم لبعبض أكفاء وعنه: لا تزوج قرشية لغير قرشي ولا هاشمية لغير هاشمي.
ـــــــ
الكسائى قولهم لا أصل أي لا حسب ولا فضل أي لا مال وهي حق لله وعلى الثانية حق للأولياء والمرأة فقط.
"والكفاءة الدين والمنصب" هذا إحدى الروايتين وإليها ميل المؤلف أما الدين فلقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً} [السجدة: من الآية18] الآية ويلزم منه نفي الاستواء من كل وجه صرح به القاضي وغيره لأن الفاسق مردود الشهادة والرواية غير مأمون مسلوب الولاية ناقص عند الله وعند خلقه قليل الحظ في الدنيا والآخرة.
وأما المنصب فهو النسب لحديث عمر ما الأكفاء؟ قال في الحسب رواه أبو بكر ولأن العرب يعدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي ويرون أن ذلك نقص وعار. "فلا تزوج عفيفة بفاجر ولا عربية بعجمي" لفقد العفة والمنصب "والعرب بعضهم لبعض أكفاء" على المذهب لأنه عليه السلام زوج ابنتيه عثمان وأبا العاص وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم وتزوج عبد الله بن عمر فاطمة بنت الحسين بن علي وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهذا يدل على أن العرب كلهم في مرتبة واحدة.
وفي مسند البزار عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل مرفوعا قال: "العرب بعضهم لبعض أكفاء والموالي بعضهم لبعض أكفاء" إلا أن خالدا لم يسمع من معاذ "وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء" وإن تفاضلوا في الشرف كالعرب.
"وعنه: لا تزوج قرشية لغير قرشي ولا هاشمية لغير هاشمي" حكاها القاضي في "الجامع الكبير" وأبو الخطاب والشيخان إذ العرب فضلت الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش أخص به من سائر العرب وبنو هاشم أخص به من(7/47)
وعنه أن الحرية والصناعة واليسار: من شروط الكفاءة؛
ـــــــ
قريش يدل عليه قوله عليه السلام: "إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم".
ورد الشيخ تقي الدين هذه الرواية وقال ليس في كلام أحمد ما يدل عليه وإنما المنصوص عنه كما ذكره ابن أبي موسى والقاضي أن قريشا بعضهم لبعض أكفاء قال الشيخ تقي الدين ومن قال الهاشمية لا تتزوج بغير هاشمي بمعنى أنه لايجوز مارق من دين الإسلام إذ نصه تزويج الهاشميات من بنات النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن بغير الهاشميين ثابت في السنة ثبوتا لا يخفى.
"وعنه أن الحرية والصناعة واليسار من شروط الكفاءة" أي مع الدين والنسب فتكون خمسة قال ابن هبيرة هذا هو المشهور عن أحمد واختارها القاضي في "تعليقه" والشريف وأبو الخطاب والمجد وصححها المؤلف في الحرية والشيرازي في اليسار وأما الحرية فلأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريره حين عتقت تحت عبد وإذا ثبت الخيار في الاستدامة ففي الابتداء أولى ولأن الرق نقصه كثير وضرره بين فإنه مشغول عن امرأته بخدمة سيده ولا ينفق نفقة الموسرين ولا على ولده.
وأما الصناعة فلأن ذلك نقص في عرف الناس أشبه نقص النسب وقد روى العرب بعضهم لبعض أكفاء قبيلة لقبيلة وحي لحي ورجل لرجل إلا حائك أو حجام ذكره ابن عبد البر في التمهيد وذكر أنه حديث منكر وأن أحمد قال العمل عليه لما سأله مهنا.
وأما اليسار فلأن في عرف الناس التفاضل في ذلك ولقوله عليه السلام لفاطمة بنت قيس حين أخبرته بخطابها فقال لها: "أما معاوية فصعلوك لا مال له" ولأن على الموسرة ضررا في إعسار زوجها لإخلاله بنفقتها ونفقة ولدها.
"فلا تزوج حرة بعبد" لانتفاء الحرية فيه ولا بمن بعضه رقيق واختلف فيمن(7/48)
فلا تزوج حرة بعبد ولا بنت بزاز بججام ولا بنت تانئ بحائك ولا موسرة بمعسر.
ـــــــ
مسه أو مس آباءه الرق هل يكون كفئا الحرة الأصل فيه روايتان.
"ولا بنت بزاز" بياع البز "بحجام" لانتفاء الاستواء في الصنعة "ولا بنت تانئ" بالهمز بغير خلاف وهو صاحب العقار والمال "بحائك" لانتفاء اليسار وإن وجد فيه كثرة المال فالعبرة بالغالب "ولا موسرة بمعسر" وظاهره ولو كان متوليا وقاله الشيخ تقي الدين وعلى هذا بقية الصنائع المزرية كالقيم والحمامي لأن ذلك نقص في عرف الناس وعنه: لا لأنه ليس بنقص لازم كالمرض وقيل نساج كحائك.
وولد الزنى قيل هو كفء لذات نسب وعنه: لا كعربية زاد الشافعي على ذلك المنتسب إلى العلماء والصلحاء المشهورين ليس كفئا للمنتسب إليهما.
تنبيه: اختلف في الكفاءة هل هي شرط للصحة أو للزوم وأنها هل تعتبر في اثنين أو جهة وقد سبق وقال القاضي وأبو الخطاب والمؤلف وجمع كما في الشروط الخمسة وقال في "المجرد" ومحلهما في الدين والمنصب وأما الثلاثة الباقية فلا يبطل رواية واحدة وجمع المجد بينهما فجعل فيها ثلاث روايات يختص البطلان بالدين والمنصب وقال في "المجرد" يختص البطلان بالنسب فقط وقال الشيخ تقي الدين لم أجد عن أحمد نصا ببطلان النكاح لفقر أو رق ولم أجد عنه نصا بإقرار النكاح مع عدم الدين والمنصب ونص على التفريق بالحياكة في رواية حنبل.
فرع: يجوز للعجمي أن يتزوج موالي بني هاشم نص عليه وقال في قوله مولى القوم من أنفسهم هو في الصدقة وفي رواية مهنا المنع.
ومن أسلم كفء لمن له أبوان في الإسلام نص عليه.
وأهل البدع قال أحمد في الرجل يزوج الجهمي يفرق بينهما. وكذا(7/49)
ـــــــ
الواقفي إذا كان يخاصم وقال لا يزوج بنته من حروري ولا رافضي ولا قدري فإن كان لا يدعو فلا بأس.
مسألة: لا تشترط الشهادة بخلوها عن الموانع الشرعية قال في "الترغيب" وغيره ولا الإشهاد على إذنها وقيل بلى ولا يزوجها العاقد نائب الحاكم بطريق الولاية حتى يعلم إذنها وإن ادعى زوج إذنها وأنكرت صدقت قبل الدخول لا بعده وفي "عيون المسائل" تصدق الثيب لأنها تزوج بإذنها ظاهرا بخلاف البكر فإنه يزوجها أبوها بلا إذنها وفي دعوى الولي إذنها كذلك وقال الشيخ تقي الدين قولها وإن دعت الإذن فأنكر ورثته صدقت.(7/50)
باب
المحرمات في النكاح
وهن ضربان: محرمات على الأبد وهن أربعة أقسام أحدها المحرمات بالنسب وهن سبع الأمهات وهن الوالدة والجدات من قبل الأب والأم وإن علون،
ـــــــ
باب المحرمات في النكاح
"وهن ضربان محرمات على الأبد" أي التأبيد "وهن أربعة أقسام أحدها المحرمات بالنسب" ولا فرق بين النسب الحاصل بنكاح أو ملك يمين أو وطء شبهة أو حرام وسنذكره "وهن سبع" يجمعها قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: من الآية23] الآية الأمهات وهن كل من انتسب إليهن بولادة سواء وقع عليها اسم الأم حقيقة وهي التي ولدتك أو مجازا وهي التي ولدت من ولدك وإن علت.
ثم بين ذلك بقوله: "وهن الوالدة والجدات من قبل الأب والأم وإن علون" وهن: جدتاك أم أمك وأم أبيك وجدتا أمك وجدتا أبيك وجدتا جدتيك(7/50)
والبنات من حلال أو حرام وبنات الأولاد وإن سفلن والأخوات من الجهات الثلاث وبنات الأخ وبنات الأخت وأولادهم وإن سفلوا والعمات والخالات وإن علون ولا تحرم بناتهن.
ـــــــ
وجدتا أجدادك وارثات كن أوغير وارثات كلهن محرمات.
وفي الصحيح أن أبا هريرة ذكر هاجر أم إسماعيل وقال تلك أمكم يا بني ماء السماء وفي الدعاء المأثور اللهم صل على أبينا آدم وأمنا حواء.
"والبنات من حلال" وهي كل أنثى انتسبت إليك بولادتك كابنة "أو حرام" وشمل ابنته من الزنى لقوله عليه السلام في امرأة هلال بن أمية: "أنظروه فإن جاءت به على كذا فهو لشريك بن سمحاء" يعني الزاني واستدل أحمد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تحتجب من ابن زمعة للشبه الذي رأى بعتبة ويكفي في التحريم أن يعلم أنها بنته ظاهرا وإن كان النسب لغيره قاله في التعليق وظاهر كلام أحمد أن الشبه كاف ولأنها مخلوقة من مائه فحرمت كتحريم الزانية على ولدها وكالمنفية باللعان لا يقال لا يجري التوارث بينهما ولا تعتق عليه إذا ملكها ولا يلزمه لأن تخلف بعض الأحكام لا يوجب كما لو كانت رقيقة أو مخالفة لدينه.
"وبنات الأولاد وإن سفلن" من ملك أو شبهة لصحة الراوي الاسم للجميع "والأخوات من الجهات الثلاث" أي الأخوات من الأبوين أو من الأب ومن الأم لشمول الآية لهن ) {وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} من أي جهة كانوا "وأولادهم وإن سفلوا" للآية "والعمات والخالات وإن علون" فيدخل في العمات كل أخت لأب وإن بعدت من جهة أبيه ومن جهة أمه وفي الخالات كل أخت لأم وإن بعدت من جهة أبيه ومن جهة أمه. وإذا ثبت أن كل جد أب وكل جدة أم فكل أخت لها عمة وخالة ويستثنى منه خالة العمة لأب وعمة الخالة لأم "ولا تحرم بناتهن" لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} [الأحزاب: من الآية50] والأصل المساواة لاسيما وقد(7/51)
القسم الثاني المحرمات بالرضاع ويحرم به ما يحرم من النسب.
القسم الثالث المحرمات بالمصاهرة وهن أربع أمهات نسائه.
ـــــــ
دخلت في عموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: من الآية24] وضابطه أن كل امرأة حرمت حرمت ابنتها إلا خمس أم الزوجة والعمة والخالة وحليلة الابن وحليلة الأب ومن حرمت حرمت أمها إلا خمس البنت والربيبة وبنت الأخ وحليلة الابن وحليلة الأب.
أصل: يحرم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فقط على غيره ولو من فارقها وهن أزواجه دنيا وأخرى.
"القسم الثاني المحرمات بالرضاع ويحرم به ما يحرم من النسب" لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: من الآية23] والبقية بالقياس بغير خلاف حكاه ابن حزم والمؤلف ولقوله عليه السلام: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" متفق عليه.
نقل حنبل نكاح ابن الرجل من لبنه بمنزلة نكاح ابنه من صلبه وقال الشيخ تقي الدين لم يقل الشارع ما يحرم بالمصاهرة فأم امرأته برضاع وامرأة ابنه أو أبيه من الرضاعة التي لم ترضعه وبنت امرأته بلبن غيره حرمن بالمصاهرة لا بالنسب،
ولا نسب ولا مصاهرة بينه وبينهن فلا تحريم وقد استثنى من كلامه بعض أصحابنا إلا أم أخته وأخت ابنه فإنهما لا يحرمان والصواب عند الأكثر عدم استثنائهما لأن أم أخته إنما حرمت في غير هذا الموضع لكونها زوجة أبيه وهو تحريم بالمصاهرة لا تحريم نسب وأخت ابنه لأنها ربيبته.
فرع: ظاهر كلامه لا فرق بين الرضاع والمحظور ذكره القاضي في "تعليقه" بأنه إجماع.
"القسم الثالث المحرمات بالمصاهرة وهن أربع أمهات نسائه" أي إذا تزوج امرأة حرم عليه كل أم لها من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة بمجرد العقد نص عليه وهو قول عمر وابن مسعود وجابر وعن علي أنها لا تحرم إلا(7/52)
وحلائل آبائه وأبنائه فيحرمن بمجرد العقد دون بناتهن والربائب وهن بنات نسائه اللاتي دخل بهن دون اللاتي لم يدخل بهن
ـــــــ
بالدخول بابنتها ولنا قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: من الآية23] وهو عام. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: "من تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها لا بأس أن يتزوج ربيبته ولا يحل له أن يتزوج أمها" رواه ابن ماجه وأبو حفص "وحلائل آبائه" سميت امرأة الرجل حليلة لأنها محل إزار زوجها وهي محللة له أي فيحرم عليه امرأة أبيه قريبا كان أو بعيدا من نسب أو رضاع وارثا كان أوغير وارث دخل بها أو لا لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: من الآية22].
وقال البراء: لقيت خالي ومعه الراية قال أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه رواه أحمد وأبو داود وقال حسن غريب وسواء في هذا امرأة أبيه أو امرأة جده لأبيه وجده لأمه قريب أو بعيد ولا فرق بين من وطئها بملك أو شبهة.
"وأبنائه" أي يحرم عليه أن يتزوج بامرأة ابنه وابن بنته من نسب أو رضاع قريبا كان أو بعيدا لقوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: من الآية23] بغير خلاف نعلمه "فيحرمن بمجرد العقد" لعموم ما تقدم ولو كان نكاح الأب الكافر فاسدا ذكره الشيخ تقي الدين إجماعا وظاهره لا فرق فيه بين العقد الصحيح المفيد للحل والفاسد على ظاهر كلام القاضي في "المجرد" لأن حكمه كالصحيح إلا الحل والإحلال والإحصان والإرث وتنصف الصداق قبل المسيس وظاهر كلامه في التعليق خلافه دون بناتهن أي يحل له نكاح ربيبة أبيه وابنه لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: من الآية24].
"والربائب وهن بنات نسائه اللاتي دخل بهن" لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: من الآية23] "دون اللاتي لم يدخل بهن" لأن تقييده بالحجر خرج مخرج الغالب وما كان كذلك لا مفهوم له اتفاقا ولا فرق فيها بين أن تكون قريبة أو بعيدة وارثة أوغير وارثة من نسب أو رضاع فإذا(7/53)
فإن متن قبل الدخول فهل تحرم بناتهن على روايتين ويثبت تحريم المصاهرة بالوطء الحلال والحرام فإن كانت المواطوءة ميتة أو صغيرة فعلى وجهين وإن باشر امرأة أو نظر إلى فرجها أو خلا بها لشهوة فعلى روايتين.
ـــــــ
دخل بالأم حرمت عليه سواء كانت في حجره أو لا.
وحكي عن ابن عقيل وهو مروي عن عمر وعلي أنه يرخص فيها إذا لم تكن في حجره فإن متن قبل الدخول أو ماتت "فهل تحرم بناتهن؟ على روايتين" أظهرهما أنها لا تحرم وهو قول عامة العلماء لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: من الآية23] وكالطلاق والموت لا يجري مجرى الدخول في الإحلال والإحصان والثانية بلى اختاره أبو بكر قياسا على تكميل العدة والصداق.
"ويثبت تحريم المصاهرة بالوطء الحلال" اتفاقا "والحرام" لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: من الآية22] وفيها دلالة تصرفه إلى الوطء دون العقد لقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً} [النساء: من الآية22] وهذا التغليظ إنما يكون في الوطء وعن ابن مسعود قال لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها رواه الدارقطني بإسناد ضعيف ولأن ما تعلق بالوطء المباح تعلق بالمحظور كوطء الحائض ولأن النكاح يفسده الوطء بالشبهة وأفسده الوطء الحرام كالإحرام وذكر في "المستوعب" و "المغني" و "الترغيب" ولو بوطء دبر وقيل لا ونقل بشر بن موسى لا يعجبني ونقل الميموني إنما حرم الله الحلال على ظاهر الآية والحرام مباين للحلال "فإن كانت الموطوءة ميتة أو صغيرة لا يوطأ مثلها فعلى وجهين" أحدهما ينشر الحرمة كالرضاع والثاني وهو ظاهر "الوجيز" وغيره لا ينشرها لأن التحريم يتعلق باستيفاء منفعة الوطء وذلك يبطلها وفي المذهب هو كنكاح فيه شبهة وجهان.
"وإن باشر امرأة أو نظر إلى فرجها أو قبلها أو خلا بها لشهوة فعلى روايتين" وفيه مسائل
الأولى إذا باشرها دون الفرج لشهوة فالأشهر أنه لا ينشرها كما لو لم يكن لشهوة والثانية بلى وهو قول ابن عمرو وابن(7/54)
وإن تلوط بغلام حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته وعن أبي الخطاب هو كالوطء دون الفرج وهو الصحيح.
ـــــــ
عمر كالوطء والفرق بين الوطء وغيره ظاهر وعلم منه أنه إذا باشرها دون الفرج لغير شهوة أنه لا ينشر الحرمة بغير خلاف نعلمه.
الثانية: إذا نظر إلى فرجها لشهوة ظاهر المذهب أنه لا ينشرها كالنظر إلى الوجه والثانية ينشرها في كل موضع ينشرها اللمس روي عن جماعة من الصحابة.
وعنه: لا فرق بين النظر إلى الفرج وإلى بقية البدن ذكرها أبو الحسين ونقله الميموني وابن هانئ منها أو منه إذا كان لشهوة والأصح خلافه فإن غير الفرج لا يقاس عليه وإن وقع ذلك من غير شهوة لم ينشرها بغير خلاف فيه وهذا فيمن بلغت تسع سنين فما زاد وعنه: سبع إذا أصابها حرمت عليه أمها.
الثالثة: إذا خلا بها لشهوة قبل الوطء فروايتان إحداهما وهي اختيار القاضي وابن عقيل والمؤلف لا ينشر بناء على أن النظر كناية عن الدخول والثانية بلى لأنه تعالى أطلق الدخول وهو شامل للخلوة والعرف على ذلك يقال دخل بزوجته إذا كان بنى بها وإن لم يطأ وأما إذا فعلت هي ذلك فالحكم كما ذكره.
"وإن تلوط بغلام حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته" أي يحرم بوطء الغلام ما يحرم بوطء المرأة نص عليه لأنه وطء في فرج فينشر الحرمة إلى من ذكر كوطء المرأة "وعند أبي الخطاب وهو كالوطء دون الفرج" فيكون في تحريم المصاهرة حكم المباشرة فيما دون الفرج شهوة لكونه وطئافي غير محله "وهو الصحيح" عند المؤلف لأنه ليس بمنصوص على تحريم ولا يصح قياسه على النساء لأن وطأها سبب للبغضة ويوجب المهر ويلحق به النسب وتصير المرأة به فراشا قال ابن البنا وابن عقيل وكذا دواعيه والأول هو المذهب.
"القسم الرابع الملاعنة تحرم على الملاعن" إذا لم يكذب نفسه في قول(7/55)
القسم الرابع الملاعنة تحرم على الملاعن إلا أن يكذب نفسه فله تحل له على روايتين. فصل
الضرب الثاني: المحرمات إلى أبد وهن نوعان أحدهما المحرمات لأجل الجمع فيحرم الجمع بين الأختين،
ـــــــ
الجماهير لقول سهل بن سعد مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما لا يجتمعان أبدا رواه الجوزجاني ونحوه عن عمر بن الخطاب إلا أن يكذب نفسه فهل تحل له على روايتين ظاهر المذهب أنها تحرم لظاهر الخبر ولأنه تحريم لا يرتفع قبل الجلد والتكذيب فلم يرتفع بالتكذيب كالرضاع.
والثانية: تحل نقلها حنبل وذكر ابن رزين أنه الأظهر لأنه لما أكذب صارت شبهته بحالها قبل الملاعنة وهي حينئذ حلال وعنه: بنكاح جديد أو ملك يمين وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يفرق الحاكم بينهما أما إذا فرق بينهما فلا وجه لبقاء النكاح وفيه نظر لأن الفرقة حصلت باللعان وإن قيل لا تحصل إلا بفرقة الحاكم فلا تحرم حتى يقول حلت له وظاهره إذا كان اللعان بعد البينونة أو في نكاح فاسد أنه لا تحل على الأشهر ولا حد قولا واحدا.
مسألة: إذا وطئ أم امرأته أو ابنتها انفسخ النكاح لأنه طرأ عليها ما يحرمها أشبه الرضاع
فصل
"الضرب الثاني: المحرمات إلى أمد" أي غاية "وهن نوعان أحدهما المحرمات لأجل الجمع فيحرم الجمع بين الأختين" من نسب أو رضاع حرتين أو أمتين أو حرة وأمة من أبوين أو من أب وأم قبل الدخول أو بعده لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء:(7/56)
وبين المرأة وعمتها أو خالتها فإن تزوجهما في عقد لم يصح وإن تزوجهما في عقدين أو تزوج إحداهما في عدة الأخرى سواء كانت بائنا أو رجعية فنكاح الثانية باطل.
ـــــــ
23] "وبين المرأة وعمتها أو خالتها" إجماعا وسنده ماروى أبو هريرة مرفوعا قال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" متفق عليه وللبخاري عن جابر مثله وفي التمهيد عن ابن عباس نحوه ولما فيه من إيقاع العداوة بين الأقارب وإفضاؤه إلى قطيعة الرحم ويحصل تخصيص قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: من الآية24]. ولا فرق فيه بين القريبة والبعيدة من نسب أو رضاع وضابطه كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا والأخرى أنثى حرم نكاحه ولهذا حرم الجمع بين المرأة وبنت أخيها لأن الأخ لا يباح له بنت أخته لا تباح له خالته وأبيح الجمع بين بنتي عمين وبنتي خالين وبنتي عمتين وبنتي خالتين لأن ابن العم يجوز أن يتزوج ببنت عمه وابن الخال يجوز له أن يتزوج ببنت خالته.
وهل يكره لأجل قطيعة الرحم إن كانت بعيدة أو لا يكره فيه روايتان لكن لا يجوز الجمع أن يجمع بين عمة وخالة بأن ينكح امرأة وابنه أمها فولد لكل منهما بنت وبين عمتين بأن ينكح أم رجل والآخر أمه فيولد لكل منهما بنت وبين خالتين بأن ينكح كل منهما ابنة الآخر.
لا بين أخت رجل من أبيه وبين أخته من أمه ولو في عقد واحد قاله ابن حمدان وغيره ولا بين من كانت زوجة رجل وبنته من غيرها.
"فإن تزوجهما في عقد" واحد أو عقدين معا "لم يصح" لأنه لا يمكن تصحيحهما ولا مزية لأحدهما على الآخر "وإن تزوجهما في عقدين أو تزوج إحداهما في عدة الأخرى سواء كانت بائنا أو رجعية فنكاح الثانية باطل" لأن به يحصل الجمع فاختص البطلان به لكن إن جهل السابق فسخ النكاحان وعنه: يقرع بينهما وعلى الأول يلزمه نصف المهر ويقترعان(7/57)
وإن اشترى أخت امرأته أو عمتها أو خالتها صح ولم يحل له وطؤها حتى يطلق امرأته وتنقضي عدتها وإن اشتراهن في عقد واحد صح فإن وطىء إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرم على نفسه الأولى بإخراج عن ملكه أو تزويج ويعلم أنها ليست بحامل.
ـــــــ
عليه وذكر ابن عقيل رواية لا لأنه مكره اختاره أبو بكر.
فرع: إذا تزوج أما وبنتا في عقد صح في حق البنت فقط وقيل يفسد في حقهما كالأختين وجه الأول أن الأم تحرم بمجرد العقد فكانت أولى بالبطلان فاختصت به ونقل ابن منصور إذا تزوج أختين في عقد يختار إحداهما قال القاضي هو محمول على أنه يختار إحداهما بعقد مستأنف.
"وإن اشترى أخت امرأته أو عمتها أو خالتها صح" لأن الشراء يراد للاستمتاع ولغيره ولذلك صح شراء المجوسية وأخته من الرضاع وكذا لو ملكها بغير الشراء "ولم يحل له وطؤها حتى يطلق امرأته وتنقضي عدتها" لئلا يكون جامعا بينهما في الفراش وجامعا ماءه في رحم من يحرم الجمع بينهما.
"وإن اشتراهن" أو ملكهن "في عقد واحد صح" لا نعلم فيه خلافا لأن الشراء يراد لغير الوطء بخلاف العقد وإذا جاز شراء واحدة على الأخرى فمعا أولى "فإن وطئ إحداهما" جاز لأن الأخرى لم تصر فراشا في قول أكثر العلماء وذكر جماعة لا يقرب واحدة منهما وذكره أبو الخطاب مذهبا لأحمد "ولم تحل له الأخرى حتى يحرم على نفسه الأولى بإخراج عن ملكه" ولو ببيع للحاجة قاله الشيخ تقي الدين وابن رجب وهو الأظهر "أو تزويج" بعد استبراء "ويعلم أنها ليست بحامل" وهو قول علي وابن عمر لأن كل من حرم وطؤها تحل له إذا أخرجها عن ملكه ببيع أو تزويج لأن الجمع قد زال وظاهره ولو كانت الأولى صغيرة ويشكل عليه أنه لا يجوز أن يفرق في البيع بين ذي رحم محرم إلا بعد البلوغ على رواية.
وشرط المؤلف وغيره ويعلم أنها ليست بحامل لأنه إذا كانت حاملا لم تحل(7/58)
فإن عادت إلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى وعنه: ليس بحرام ولكن ينهى عنه.
ـــــــ
له أختها حتى تضع حملها لئلا يكون جامعا ماءه في رحم أختين فهوكنكاح الأخت في عدة أختها لا يقال هذا الشرط لا يحتاج إليه إذ شرط الإباحة أحد الأمرين وكلاهما لا يصح إلا بعد العلم أن الموطوة غيرحامل لأن في البيع يجوز على رواية وعلى المنع يمكن أن يتضرر بالعتق ولكن من صور الإخراج البيع والهبة.
وفي الاكتفاء بتحريمها بكتابة ورهن وبيع بشرط خيار وجهان ولا يكفي مجرد تحريمها نص عليه وقال ابن عباس وحكي عن علي أحلتها آية وحرمتها أخرى يريد قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: من الآية23] {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: من الآية3].
"فإن عادت إلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى" في ظاهر نصوصه لأن الثانية صارت فراشا وقد رجعت إليه التي كانت فراشا فحرمت كل واحدة منهما بكون الأخرى فراشا كما لو انفردت.
واختار في "المغني" إن عادت قبل وطء أختها فهي المباحة واختار في "المحرر" بل أيتهما شاء وانها إن عادت بعد وطء أختها فأختها المباحة وقال ابن نصر الله هذا إذا لم يجب استبراء فإن وجب لم يلزمه ترك أختها وهو حسن فلو خالف وفعل لزمه أن يمسك عنهما حتى تحرم إحداهما وأباح القاضي وطء الأولى بعد إستبراء الثانية.
"وعنه: ليس بحرام ولكن ينهى عنه" حكاها القاضي والشيخان معتمدين في ذلك على رواية ابن منصور وسأله عن الجمع بين الأختين المملوكتين تقول إنه حرام قال لا ولكن ينهى عنه وامتنع الشيخ تقي الدين من إثبات ذلك رواية وهذا وضوء في الفتوى كثيرا ما يستعمله السلف لا يطلقون لفظ التحريم يقولون ينهى عنه.(7/59)
وإن وطىء أمته ثم تزوج أختها لم يصح عند أبي بكر وظاهر كلام أحمد أنه يصح ولا يطؤها حتى يحرم الموطوءة فإن عادت إلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى
ـــــــ
فرع: لو ملك أختين مسلمة ومجوسية فله وطء المسلمة ذكره في التبصرة.
"وإن وطئ أمته" أو أعتق سريته "ثم تزوج أختها لم يصح عند أبي بكر" وهو ظاهر كلام أحمد قاله القاضي لأن النكاح تصير المرأة به فراشا فلم يجز أن ترد على فراش الأخت كالوطء.
"وظاهر كلام أحمد أنه يصح" ذكره أبو الخطاب وجزم به في "الوجيز" لأنه سبب يستباح به الوطء فجاز أن يرد على وطئ الأخت ولا يبيح كالشراء "ولا يطؤها حتى تحرم الموطوءة" لئلا يكون جامعا ماءه في رحم أختين ولا شك أن ملك اليمين أقوى من النكاح بدليل أنه لو اشترى زوجته انفسخ النكاح ولو سلم تساويهما فسبق ملك اليمين معارضة وعنه: تحريمهما حتى يحرم إحداهما وكذا لو تزوجها بعد تحريم سريته ثم رجعت السرية إليه لكن النكاح بحالة وإن أعتق سريته ثم تزوج أختها في مدة استبرائها ففي صحة العقد روايتان وله نكاح أربع سواها في الأصح "فإن عادت إلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى" لأن الأولى عادت إلى الفراش فاجتمعا فيه فلم تبح واحدة منهما قبل إخراج الأخرى عن الفراش.
تنبيه: إذا وطىء بشبهة أو زنى لم يجز في العدة أن ينكح أختها ولو كانت زوجته نص عليه وفيه احتمال وفي وطء أربع غيرها أو العقد عليهن وجهان ومن وطئت بشبهة حرم نكاحها في العدة وإن كان الواطىء في قياس المذهب وعنه: إن لزمتها عدة من غيره حرم وإلا فلا وهي أشهر وعنه: إن نكح معتدة من زوج بنكاح فاسد أو وطء حرمت عليه أبدا.(7/60)
ولا يجوز للحر أن يجمع أكثر من أربع ولا للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين وإن طلق إحداهن لم يجز أن يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها.
ـــــــ
"ولا يجوز للحر أن يجمع أكثر من أربع" أجمع أهل العلم على هذا إلا ما روي عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعا لقوله: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: من الآية3] والواو للجمع ولأنه عليه السلام مات عن تسع وهذا القول خرق للإجماع وترك للسنة فإنه عليه السلام قال لغيلان بن سلمة: "أمسك أربعا" والجواب سائرهن وأمر نوفل بن معاوية حين أسلم على خمس أن يفارق واحدة منها رواهما الشافعي فإذا منع من الاستدامة زيادة على أربع فالابتداء أولى والواو أريد بها التمييز بين الأشياء كقوله تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ} [فاطر: من الآية1] الآية ليس لكل ملك منهم تسعة أجنحة والنبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يتزوج بأي عدد شاء ذكر الشيخ عز الدين ابن عبد السلام أنه كان في شريعة موسى جواز التزويج من غيرحصر وفي شريعة عيسى لا يجوز أكثر من واحدة لمصلحة النساء فراعت شريعتنا مصلحة النوعين.
"ولا للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين" إجماعا وسنده أن الحكم بن عتيبة قال أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد لا ينكح إلا اثنتين ولا يجوز أكثر من ذلك رواه الشافعي وهو قول عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وبه يتخصص عموم الآية أو يقال الآية إنما تناولت الحر لأن فيها {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} والعبد لا يملك ولو ملك فنفس ملكه لا يبيح التسري.
فرع: من عتق نصفه أو أكثر له جمع ثلاث نص عليه كالحد وقيل لا يملك سوى اثنتين لأنهما قد ثبتا له وهو عبد فلا ينتقل عنه إلا بدليل من نص أو إجماع ولم يوجد.
"وإن طلق إحداهن" أي نهاية عدده "لم يجز أن يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها" أما إذا كان الطلاق رجعيا فلا خلاف فيه وكذا إن كان بائنا أو فسخا روي عن علي وابن عباس لأن بعض الأحكام باقية فيمتنعان منه كالرجعي(7/61)
فصل النوع الثاني محرمات لعارض يزول فيحرم عليه نكاح زوجة غيره والمعتدة منه والمستبرئة منه وتحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها،
ـــــــ
بخلاف موتها نص عليه فإن قال أخبرتني بانقضاء عدتها فكذبته فله نكاح أختها وبدلها في الأصح ولا تسقط السكنى والنفقة ونسب الولد بل الرجعة.
فرع: يجوز نكاح أمته في عدة حرة إذا كان الطلاق بائنا وكان خائفا للعنت نص عليه في رواية مهنا لوجود الشرطين.
تذنيب: في "الفنون" قال فقيه شهوة المرأة فوق شهوة الرجل تسعة أجزاء فقال حنبلي لو كان هذا ما كان له أن يتزوج بأربع وينكح ما شاء من الإماء ولا تزيد المرأة على رجل ولها من القسم الربع وحاشا حكمته أن تضيق على الأحوج.
وذكر ابن عبد البر عن أبي هريرة وبعضهم يرفعه فضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين جزءا من اللذة أو قال من الشهوة ولكن الله تعالي ألقى عليهن الحياء وقوى في إعلام الموقعين أن الرجل أشد شهوة من المرأة وأن حرارته أقوى من حرارة المرأة والشهوة تتبعها الحرارة بدليل أن الرجل إذا جامع امرأة أمكنه مجامعة غيرها في الحال.
فصل
"النوع الثاني: محرمات لعارض يزول" لأن زوجة غيره إنما حرمت لأجل ذلك الغير فيحرم عليه نكاح زوجة غيره بغير خلاف "والمعتدة منه" أي من غيره لقوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: من الآية235] الآية والمستبرئة منه لأنها في معنى المعتدة من غيره ولأن إباحة نكاحها يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب وهو محذور مطلوب العدم.
"وتحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها" نص عليهما لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ(7/62)
ومطلقته ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره والمحرمة حتى تحل
ـــــــ
لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: من الآية3] ولأنه لا يؤمن أن يلحق به ولد من غيره، فحرمت كالمعتدة ويشترط انقضاء العدة أما على الزاني فلأن ولدها لا يلحق به فيفضي نكاحه بها إلى اشتباه من لا يلحق نسبه بأحد ممن يلحق نسبه به وأما على غيره فلأنها معتدة من غيره وبالجملة إذا حملت من الزنى فلا يحل نكاحها قبل الوضع لقوله عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه ولأنها حامل من غيره أشبه سائر الحوامل.
وقيل: لا يحرم نكاحها كما لو لم تحمل فعلى الأول يلزمها العدة ويحرم النكاح فيها لاشتباه الأنساب وتشترط التوبة منه لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وهي قبل التوبة في حكم الزنى فإذا تابت زال ذلك وتوبتها كغيرها صححه المؤلف وقدمه في "الفروع" ونصه الامتناع من الزنى بعد الدعاية إليه روى عن عمر وابن عباس وظاهره لا تشترط التوبة من الزاني وعنه: بلى إن نكحها ذكره ابن الجوزي عن الأصحاب وعلم منه أنها إذا تابت وانقضت عدتها حلت للزاني وغيره في قول أكثرهم.
فائدة: إذا زنت امرأة رجل أو زنى زوجها قبل الدخول أو بعده لم ينفسخ النكاح في قول عامتهم وعن جابر يفرق بينهما وليس لها شيء وعن الحسن مثله ولنا أن دعواه الزنى عليها لا يبينها ولو كان النكاح ينفسخ به لانفسخ بمجرد دعواه كالرضاع ولأنه معصية أشبهت السرقة ولكن استحب أحمد مفارقتها إذا زنت وقال لا أرى أن يمسك مثل هذه ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض والأولى بحيضة.
"ومطلقته ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره" لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } [البقرة: من الآية230] والمراد به هنا الوطء فدل أنها إذا نكحت غيره حلت لأنه جعل ذلك غاية لتحريمها وحلها موقوف على طلاق الثاني وانقضاء عدته "والمحرمة حتى تحل" لقوله عليه السلام: "لا ينكح المحرم(7/63)
ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال ولا لمسلم نكاح كافرة إلا حرائر أهل الكتاب.
ـــــــ
ولا ينكح ولا يخطب" رواه مسلم ولأنه عارض منع الطيب فمنع النكاح كالمعتدة.
"ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال" لا نعلم فيه خلافا وظاهره ولو كان وكيلا ولا لمسلم نكاح كافرة لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: من الآية221] وظاهره ولو كان عبدا صرح به في "الفروع" ولا نكاح مرتدة وإن تدينت بدين أهل الكتاب لأنها لا تقر على دينها ولا مجوسية لأنه لم يثبت لها كتاب.
"إلا حرائر أهل الكتاب" فإنها تحل بغير خلاف نعلمه وسنده قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: من الآية5] ولإجماع الصحابة عليه لا يقال ما تقدم يدل على عدم إباحتهن لشركهن وقول ابن عباس آية المائدة متأخرة عنهما لأن لفظ المشركين لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: من الآية1] ونص على الحرائر لأن الإماء يأتي حكمهن والأولى تركه وكرهه تقي الدين كقول أكثرهم كذبائحهم بل حاجة وشمل الحربيات من أهل الكتاب وهو أحد الأقوال اختاره القاضي وهو ظاهر "الوجيز" و "الفروع" لدخولهن في الآية الكريمة.
وقيل: لا يجوز حملا لآية المنع على ذلك وآية الجواز الحربيات ونص أحمد أنه لا يجوز في دار الإسلام فقط وإن اضطر اختاره ابن عقيل وقيل يجوز في دار الحرب مع الضرورة نص عليه وعلل الإمام المنع في دار الحرب من أجل الولد لئلا يستعبد الرجعة على دينهم ومقتضاه لا يتزوج ونقل الأثرم لا يطأ زوجته إن كانت مغيبة فدل على أنه لا يتزوج آيسة وصغيرة.
تنبيه: أهل الكتاب هم اليهود والنصارى ومن وافقهم في أصل دينهم؛(7/64)
فإن كان أحد أبويها غير كتابي أو كانت من نساء بني تغلب فهل تحل على روايتين.
ـــــــ
كالسامرة والفرنج والأرمن وأما الصابئة فقال أحمد هم من جنس النصارى وقال في موضع آخر بلغني أنهم يسبتون فألحقهم باليهود وفي "المغني" الصحيح أن من وافق اليهود والنصارى في أصل دينهم وخالفهم في فروعه فهو منهم ومن خالفهم في أصل دينهم فلا ومن سواهم من الكفار كالمتمسك بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فليسوا بأهل كتاب على الصحيح ذكره ابن عقيل فلا تحل نساؤهم ولا ذبائحهم لقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ} [الأنعام: من الآية156] الآية وقيل: هم أهل كتاب فتنعكس الأحكام.
"فإن كان أحد كتابي أو كانت من نساء بني تغلب فهل تحل على روايتين"، وفيه مسألتان الأولى قطع الخرقي وأبو بكر وابن أبي موسى والقاضي وجمهور أصحابه والمؤلف في "الكافي" أنه لا يحل لمسلم نكاحها لأنها متولدة بين من يحل ومن لا يحل كالمتولد بين مأكول وغيره.
والثانية: بلى لأنها كتابية فتدخل في العموم وحكى ابن رزين ثالثة أنها تحل إذا كان أبوها كتابيا لأن الولد ينسب إليه قال الشيخ تقي الدين هذا خطأ وكلام أحمد يدل على أن العبرة بالدين وأنه لم يعلق الحكم بالنسب البتة وكذا ذكره القاضي في "تعليقه" ردا على الشافعية أن تحريم النكاح والذبيحة تتعلق بالدين دون المحرم موجود فكان الاعتبار به دون النسب وظاهره إذا كان كتابيين فالتحريم وهو المذهب وقيل عنه لا وجزم به في "المغني" واختاره الشيخ تقي الدين اعتبارا بنفسه وأما الثانية فالصحيح أنها تحل روي عن عمر وابن عباس قال الأثرم ما علمت أحدا من الصحابة كرهه إلا عليا ولأنها كتابية فتشملها الآية ولأن بني تغلب يقرون على دينهم ببذل المال فتحل نساؤهم كأهل الكتاب.
والثانية: لا روي عن علي ولأنه يحتمل أنهم دخلن في دين الكفر بعد(7/65)
وليس للمسلم وإن كان عبدا نكاح أمة كتابية وعنه: يجوز ولا يحل لحر مسلم نكاح أمة مسلمة إلا أن يخاف العنت ولا يجد طولا لنكاح حرة ولا ثمن أمة.
ـــــــ
التبديل، وقيل: هما في بقية اليهود والنصارى من العرب فإن شك فيه فالأشهر أنهما يحرمان.
فرع: لا ينكح مجوسي كتابية وقيل ولا كتابي مجوسية.
"وليس للمسلم وإن كان عبدا نكاح أمة كتابية" رواه عن أحمد نحو عشرين نفسا قال أبو الخطاب هو قول عامة أصحابنا لقوله تعالى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: من الآية25] ولأنه اجتمع فيها نقص الرق والكفر أشبهت المجوسية فإنه اجتمع فيها الكفر وعدم الكتاب وحذارا من استرقاق الولد وعنه: يجوز لأنها تحل بملك اليمين فتحل بالنكاح كالمسلمة فعلى هذا تحل للعبد مطلقا وللحر بشرطه وعلى الأول لا فرق فيها بين أن تلد أولا ولا بين أن تكون لمسلم أو كافر صرح به القاضي في تعليقه.
"ولا يحل لحر مسلم نكاح أمة مسلمة إلا أن يخاف العنت ولا يجد طولا لنكاح حرة" أي ليس للحر المسلم أن يتزوج أمة مسلمة إلا بوجود شرطين عدم الطول وخوف العنت لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً} [النساء: من الآية25] فشرطهما تعالى لنكاح الأمة والمعلق على شرط عدم عند عدمه وكما إذا كان تحته حرة.
والقيد الأول يحترز به من العبد فإن له نكاحها من غير شرط لتساويهما
والثاني يحترز به عن الكافر وقيد الأمة بكونها مسلمة احتراز من الكافرة فإنه لا يجوز نكاحها ولا مع الشرطين والعنت فسره القاضيان أبو يعلي وأبو الحسين والشيرازي والمؤلف بالزنى وفسره المجد لحاجة المتعة أو الخدمة لكبر أو سقم نص عليه وجعله ابن حمدان قولا والطول قال أحمد تبعا لابن عباس السعة وعن ابن عباس لايجد صداق حرة وقاله القاضي في "المجرد" وزاد عليه ابن عقيل ولا نفقتها وزاد المؤلف تبعا لغيره "ولا ثمن أمة"؛ لأن(7/66)
وإن تزوجها وفيه الشرطان ثم أيسر أو نكح حرة فهل يبطل نكاح الأمة على روايتين.
ـــــــ
القادر على ذلك غير خائف العنت لأنه قدر على صيانة ولده من الرق فهو كالقادر على نكاح مؤمنة.
وإن شرط حرية الولد صار حرا ذكره في "الروضة" وفي أعلام الموقعين وظاهره أنه إذا لم يجد طولا لحرة مسلمة ووجد طولا لحرة كتابية أن له نكاح الأمة قاله في "الانتصار" لظاهر الآية وصرح الأكثر بعدم اشتراط الإسلام فمن وجد طولا لحرة مطلقا لا يجوز له نكاح الأمة لأنه إذن يأمن العنت فيفوت الشرط وتوقف أحمد في رواية حرب وقد دخل في كلامه المجبوب ونحوه له نكاح الأمة بشرطه وأن له نكاح الأمة الولود وإن وجد آيسة صرح به القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما وعدم جواز نكاحها مع فقد شرطه وإن كانت لا تلد لصغر أو رتق و نحوهما.
واقتضى كلامه أنه إذا لم يجد ما يتزوج به حرة لم يلزمه الاقتراض مع القدرة عليه ولا التزوج بصداق في الذمة وإن كان مؤجلا دفعا للضرر عنه ولو وهب له الصداق لم يلزمه قبوله نعم لو رضيت بدون مهر مثلها وهو قادر على ذلك فاحتمالان للقاضي في "تعليقه" فلو وجد حرة بزيادة على مهر مثلها لا تجحف بماله لزمه للاستطاعة قاله المؤلف.
ولا يرد اليتيم على وجه لأنه رخصة عامة ونكاح الأمة للضرورة وفي "الترغيب" ما لم يعد سرفا وحرة لا توطأ لصغر أو غيبة كعدم في المنصوص وكذا مريضة وفي "الترغيب" وفيه وجهان وفيه من نصفها حر أولى من أمة لأن إرقاق بعض الولد أولى من جميعه.
فرع: يقبل قوله في خشية العنت وعدم الطول حتى لو كان بيده قال فادعى أنه وديعة أو مضاربة قبل قوله لأنه حكم فيما بينه وبين الله تعالى.
"وإن تزوجها وفيه الشرطان ثم أيسر أو نكح حرة فهل يبطل نكاح الأمة على روايتين"، إذا أيسر بعد نكاحها لم يبطل نكاح الأمة على المذهب المجزوم به(7/67)
وإن تزوج حرة أو أمة فلم تعفه ولم يجد طولا لحرة أخرى فهل له نكاح أمة أخرى على روايتين قال الخرقي وله أن ينكح من الإماء أربعا إذا كان الشرطان قائمين فيه وللعبد نكاح الأمة.
ـــــــ
عند الأصحاب؛ لأن عدم استطاعة الطول شرط نكاح الأمة فلم تعتبر استدامته كخوف العنت والثانية بلى لأنه إنما أبيح للحاجة فإذا زالت لم يجز له استدامة كأكل الميتة وفرق بينهما في "المغني" من حيث إن أكل الميتة بعد القدرة ابتداء للأكل بخلاف عادم الطول فإنه غير مبتدئ وإنما هو مستديم وفي تزويج الحرة ينبني على انفساخه باليسار وعدمه وجعلهما في "الترغيب" في زوال خوف العنت وفي "المنتخب" يكون طلاقا لا فسخا ونقله ابن منصور إذا تزوج حرة على أمة يكون طلاقا للأمة لقول ابن عباس قال أبو بكر مسألة: إسحاق مفردة.
"وإن تزوج حرة أو أمة فلم تعفه ولم يجد طولا لحرة أخرى فهل له نكاح أمة أخرى على روايتين" إحداهما ليس له ذلك قال أحمد يذهب إلى حديث ابن عباس لا تتزوج من الإماء إلا واحدة ولأن تحته زوجة والثانية بلى وهي المذهب لأنه خائف العنت عادم لطول حرة أشبه من لازوجة تحته ثم أكده بقوله: "قال الخرقي له أن ينكح من الإماء أربعا إذا كان الشرطان قائمين فيه" لأن المعنى الذي أبيح من أجله نكاح الأمة الشرطان فإذا وجدا وجب العمل بهما.
وقد يقال له نكاح الأربع دفعة واحدة إذا علم أنها لا تعفه صرح به القاضي في "المجرد" وحكى الأول عن أبي بكر وحمله في "الجامع الكبير" على ما إذا خشي العنت وفسره هنا بما إذا كان تحته أمة غائبة أو مريضة أو نحوهما.
"وللعبد نكاح الأمة" وإن فقد الشرطين لأنه مساو لها فلم يعتبر كالحر مع الحرة ومدبر كذلك وكذا مكاتب ومعتق بعضه مع أن العلم يقتضي المنع فيهما أو في المعتق بعضه.(7/68)
وهل له أن ينكحها على حرة على روايتين وإن جمع بينهما في العقد جاز ويتخرج ألا يجوز وليس له نكاح سيدته ولا للحر أن يتزوج أمته ولا أمة ابنه ويجوز للعبد أن يتزوج أمة ابنه وإن اشترى الحر زوجته انفسخ
ـــــــ
"وهل له أن ينكحها على حرة على روايتين"، المذهب وجزم به في "الوجيز" له ذلك للمساواة وكالحر مع الحرة والثانية لا لأنه مالك لبضع حرة فلم يجز كالحر "وإن جمع بينهما" أي بين الحرة والأمة "في العقد جاز" لأن كل واحدة منهما يجوز إفرادها بالعقد فجاز الجمع بينهما كالأمتين "ويتخرج أن لا يجوز" هذا رواية لأنه جمع أشبه ما لو تزوج الأمة على الحرة ونقل ابن منصور يصح في الحرة فقط وقدمه في "المحرر" وفي "الموجز" في عبد رواية عكسها وكذا في "التبصرة" لفقد الكفاءة وأنه لو لم يعتبر صح فيهما وهو رواية في المذهب.
فرع: وكتابي وفي الوسيلة ومجوسي وفي المجموع وكل كافر كمسلم في نكاح أمة قال في "الترغيب" وغيره فإن اعتبر فيه الإسلام اعتبر في الكتابي كونها كتابية.
"وليس له نكاح سيدته" بالإجماع لأن أحكام الملك والنكاح متناقضان "ولا للحر أن يتزوج أمته" لأن ملك الرقبة تفيد إباحة البضع فلا يجتمع مع عقد أضعف منه "ولا أمة ابنه" دون أمة والده في الأصح فيهما لأن له فيه شبهة ملك لقوله عليه السلام: "أنت ومالك لأبيك" وفيه وجه.
وعلم منه أنه لا يجوز أن يتزوج أمة له فيها ملك ولا مكاتبته.
"ويجوز للعبد أن يتزوج أمة ابنه" لأن الرق قطع ولايته عن ابنه وماله فهو أجنبي منه ويصح نكاح أمة من بيت المال مع أن فيه شبهة تسقط الحد لكن لا يجعل الأمة أم ولد ذكره في الفنون.
فرع: لا يجوز للعبد نكاح أم سيده ولا سيدته خلافا لأهل العراق.
"وإن اشترى الحر" وعبر في "الفروع" بملك وهو أولى "زوجته انفس(7/69)
نكاحها وإن اشتراها ابنه فعلى وجهين ومن جمع بين محرمة ومحللة في عقد واحد فهل يصح فيمن تحل له على روايتين.
ـــــــ
نكاحها" لا نعلم فيه خلافا لمنافاة الحكمين ولأن النكاح يوجب للمرأة حقوقا تمنعها من القسم فانفسخ بالملك لأنه اجتمع معه ما لا يوافقه وكذا إن ملك جزءا منها أو ملكته هي أو جزءا منه وفي الأصح أو مكاتبته وفي "الشرح" إذا ملكت بعض زوجها وانفسخ النكاح فليس ذلك طلاقا وقال جماعة هي تطليقة ولا يصح.
"وإن اشتراها ابنه فعلى وجهين" أصحهما ينفسخ النكاح لأن ملك الابن كملكه في إسقاط الحد وحرمة الاستيلاد فكذا هذا والثاني لا لأنه لا يملكها بملك الابن فلم ينفسخ نكاحها كما لو ملكها أجنبي فلو بعثت إليه زوجته حرمت عليك ونكحت غيرك وعليك نفقتي ونفقة زوجي فقد ملكت زوجها وتزوجت ابن عمها فلو قبل ملكت زوجها وتزوجت معتقها فإذا لم يكن لها مال وكان للعبد كسب أنفق عليها منه لأن المرأة إذا كان لها معتق وليس له نفقة فنفقته على معتقته لأنها عصبته.
فرع: إذا اشتبهت أخته بتسع نسوة فأقل حرمن عليه قبل البيان وكذا إن كان بعشرة وقيل يتحرى فإن كانت بنساء قبيلة فله نكاح إحداهن وفي وجوب التحري وجهان وفي "الشرح" أن حنبلا نقل عنه في رجل له ثلاث بنات زوج إحداهن برجل ثم مات الأب ولم يعلم أيتهن زوجها أقرع بينهن فمن أصابتها القرعة فهي زوجته وإن مات الزوج فهي التي ترثه انتهى وإن اشتبهت مطلقته دون الثلاث بزوجته أو أمته بمعتقته تحرى في الأصح.
"ومن جمع بين محرمة ومحللة في عقد واحد فهل يصح فيمن تحل له؟ على روايتين" كذا في "الفروع" إحداهما يفسد فيهما اختاره أبو بكر كما لو جمع بين أختين والثانية تصح فيمن تحل له ونص عليه فيمن تزوج حرة وأمة وهي ظاهر المذهب لأنها محل قابل للنكاح أضيف إليها عقد صادر من أهله لم يجتمع معها فيه مثلها فصح كما لو انفردت به فعلى هذا يكون(7/70)
ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين إلا إماء أهل الكتاب.
فصل
ولايحل نكاح خنثى مشكل حتى يتبين أمره يص عليه وقال الخرقي إذا قال أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء ولم يكن له أن ينكح بغير ذلك بعد وإن قال أنا امرأة لم ينكح إلا رجلا فلو تزوج امرأة ثم قال
ـــــــ
لها من المسمى بقسط مهر مثلها وقيل لها نصف المسمى.
"ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين" في قول أكثرهم لأن النكاح إذا حرم لكونه طريقا إلى الوطء فلأن يحرم الوطء بنفسه بطريق الأولى وجوزه الشيخ تقي الدين كأمة كتابية إلا إماء أهل الكتاب في قول عامتهم لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: من الآية3] وإنما حرم نكاحها لما فيه من إرقاق الولد وإبقائه مع كافرة وهو معدوم في التسري وكرهه الحسن.
فصل
"ولا يحل" أي لا يصح "نكاح خنثى مشكل حتى يتبين أمره نص عليه" نقله الميموني وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" لأنه لم يتحقق جهة ما يبيح له النكاح فلم يبح له كما لو اشتبهت أخته بأجنبية.
وقال الخرقي: إذا قال أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء اختاره القاضي في الروايتين لأن الله تعالى أجرى العادة في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى وبالعكس وهذا الميل في النفس لا يطلع عليه غيره فرجع فيه إليه لتعذر معرفته من غيره كما رجع إلى المرأة في حيضها وعدتها وهذا في الأمور الباطنة فيما يختص بحكمه "ولم يكن له أن ينكح بغير ذلك بعد"؛ لأنه أقر بتحريمه ولأنه إذا ادعى غير الأول يكون مكذبا بالنفقة مدعيا دعوى يناقض قوله الأول فلم يلتفت إليه كالإنكار بعد الإقرار.
"وإن قال أنا امرأة لم ينكح إلا رجلا" لما ذكرنا "فلو تزوج امرأة ثم قال:(7/71)
أنا امرأة انفسخ نكاحه ولو تزوج برجل ثم قال أنا رجل لم يقبل قوله في فسخ النكاح.
ـــــــ
أنا امرأة انفسخ نكاحه" لإقراره ببطلانه ولزمه نصف المهر قبل الدخول وإلا جميعه ولا يحل له أن ينكح بعد ذلك لأنه أقر بقوله أنا رجل بتحريم الرجال وأنا امرأة بتحريم النساء. "ولو تزوج برجل ثم قال أنا رجل لم يقبل قوله في فسخ النكاح" لأن النكاح حق عليه فلا يقبل قوله في إسقاط حق الغير فإذا زال النكاح فلا مهر لأنه يقر أنه لا يستحقه سواء دخل بها أو لا وفي "المحرر" إن عاد عن قوله الأول وليس بمتزوج منع نكاح الصنفين بالكلية عندي وظاهره قول أصحابنا لا يمنع من الصنف الأول إن عاد إليه وإن عاد أولا وقد نكح انفسخ نكاحه من المرأة دون الرجل وفي نكاحه لما يستقبل الوجهان.
فائدة: لا يحرم في الجنة زيادة على العدد والجمع بين المحارم وغيره ذكره الشيخ تقي الدين.(7/72)
باب الشروط في النكاح
وهي قسمان: صحيح مثل اشتراط زيادة في المهر أو نقد معين أو لا يخرجها من دارها أو بلدها،
ـــــــ
باب الشروط في النكاح
"وهي قسمان: صحيح" وفاسد لأنه عقد معاوضة فانقسم إلى ذلك كالبيع والأول نوعان أحدهما شرط ما يقتضيه العقد كتسليم المرأة وتمكينه من الاستمتاع بها فهذا لا أثر له وجوده كالعدم والثاني شرط ما تنتفع به المرأة وهو المعبر عنه بقوله: "مثل اشتراط زيادة في المهر أو نقد معين" فهذا صحيح يجب الوفاء به كالثمن في البيع "أو" شرط أن "لا يخرجها من دارها أو بلدها" هذا المذهب وعليه الأصحاب لما روى عقبة بن عامر مرفوعا(7/72)
أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى فهذا صحيح لازم إن وفى به وإلا فلها الفسخ
ـــــــ
قال: "إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" رواه الشيخان.
ولعمومات الأمر بالوفاء بالعقود والعهود ولأن الشارع حرم مال الغير إلا عن تراض منه ولا شك أن المرأة إذا لم ترض ببذل فرجها إلا بهذا الشرط وشأن الفرج أعظم من المال فإذا حرم المال إلا بالتراضي فالفرج أولى مع أن الأثرم روى أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال لها شرطها وعنه: لا يلزم وحكاها أبو الحسين عن شيخه لقوله عليه السلام: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" وعن عمر بن عوف: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح وجوابه بأن معناه ليس في كتاب الله أي في حكمه وشرعه وهذه مشروعة ومن نفاه فعليه الدليل.
وعن الثاني: بأنها لا تحرم الحلال وإنما يثبت للمرأة خيار الفسخ وقال القاضي في "الجامع" يثبت لها الفسخ بالغرم على الإخراج وما ذكره المؤلف هو قول عمر وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان كالإجماع.
"أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى فهذا صحيح" لقول عمر: "مقاطع الحقوق عند الشروط" ولأنه شرط له فيه منفعة كاشتراط نقد معين "لازم إن وفى به وإلا فلها الفسخ" كاشتراط صفة في المبيع ككونه كاتبا أو صانعا فأتى كلام أصحابنا أن الزوج لا يجبر على الوفاء بالشرط وظاهر كلام أحمد خلافه.
تنبيه: ظاهر إطلاق المؤلف وذكره الشيخ تقي الدين ظاهر المذهب ومنصوص الإمام أنه كالشرط فيه لأن الأمر بالوفاء بالشروط والعقود يتناول ذلك.
والثاني: لا يؤثر إلا إذا اشترطت في العقد وهو مقتضى كلام القاضي في مواضع واختاره في "المحرر" وقدمه في "الفروع" كالشروط.(7/73)
وإن شرط لها طلاق ضرتها فقال أبو الخطاب هو صحيح ويحتمل أنه باطل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها".
ـــــــ
والثالث يفرق بين شرط يجعل العقد غير مقصود كالتواطؤ على أن البيع تلجئة لا حقيقة له فيؤثر وبين شرط لا يخرجه عن أن يكون مقصودا كاشتراط الخيار فهذا لا يؤثر قاله القاضي في تعليقه.
"وإن شرط لها طلاق ضرتها فقال أبو الخطاب هو صحيح" وهو رواية ذكره جماعة وجزم به في "المحرر" و "الوجيز" لأن لها فيه نفعا وفائدة أشبه ما لو شرطت أن لا يتزوج عليها لكن قال المؤلف: "ويحتمل أنه باطل" هذا قول في المذهب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها" رواه البخاري من حديث أبي هريرة والأشهر مثله بيع أمته قال في "عيون المسائل" وغيرها إذا شرطت أن لا يسافر بها إذا أرادت انتقالا لم يصح لأنه اشتراط تصرف الزوج بحكم عقد النكاح وذلك لا يجوز كما لو شرطت أن تستدعيه إلى النكاح وقت حاجتها وإرادتها وهنا شرطت التسليم على نفسها في مكان مخصوص فاقتصرت بالشرط في تصرفه فيها على بعض ما تستحقه من التصرف باطلاق العقل وذلك غير ممتنع كما بينا أن الشرع قصر تصرفه على مكان وعدد فلا يخص الشرع الزوجة بالتصرف في الزوج قال في "الفروع" ويتوجه لا يبعد صحته وأنه يخرج من شرطها طلاق ضرتها.
أصل: ذكر الشيخ شمس الدين بن القيم في الهدى في قصة بني هاشم بن المغيرة لما استأذنوا أن يزوجوا علي بن أبي طالب ابنة أبي جهل قال فيه إنه تضمن هذا مسألة: الشرط لأنه عليه السلام أخبر أنه يؤذي فاطمة ويريبها ويؤذيه ويريبه وأنه معلوم أنه إنما زوجه على عدم ذلك وأنه إنما دخل عليه وإن لم يشترط في العقد وفي ذكره عليه السلام صهره الآخر بأنه حدثه فصدقه ووعده فوفى له تعريض لعلي وأنه قد جرى منه وعد له بذلك فحثه عليه.(7/74)
فصل
القسم الثاني فاسد وهو ثلاثة أنواع أحدها ما يبطل النكاح وهو ثلاثة أشياء أحدها نكاح الشغار
ـــــــ
قال: فيؤخذ من هذا أن المشروط عرفا كالمشروط لفظا وأن عدمه يملك به الفسخ فقوم لا يخرجون نساءهم من ديارهم أو المرأة من بيت لا يتزوج الرجل على نسائهم ضرة ويمنعون الأزواج منه أو تعلم عادة أن المرأة لا تمكن من ادخال الضرة عليها كان ذلك كالمشروط لفظا وهذا مطرد على قواعد أهل المدينة وأحمد أن الشرط العرفي كاللفظي وبهذا أوجبوا الأجرة على من دفع ثوبه إلى قصار المسألة: المشهورة.
فرع: متى بانت من زوجها فلا حق لها في الشرط نقل أبو الحارث وإن أعطته مالا واشترطت عليه أن لا يتزوج عليها يرد عليها المال إذا تزوج وأنه لو دفع إليها مالا على أن لا تتزوج بعد موته فتزوجت يرد المال إلى ورثته.
فصل
"القسم الثاني فاسد وهو ثلاثة أنواع أحدها ما يبطل النكاح وهو ثلاثة أشياء أحدها نكاح الشغار" قيل: سمي به لقبحه تشبيها برفع الكلب رجله ليبول يقال شغر الكلب إذا فعل ذلك وقيل هو الرفع كأن كل واحد رفع رجله للآخر عما يريد وقيل هو البعد كأنه بعد عن طريق الحق.
وقال الشيخ تقي الدين: الأظهر أنه من الخلو يقال شغر المكان إذا خلا ومكان شاغر أي خال وشغر الكلب إذا رفع رجله لأنه أخلى ذلك المكان من رجله وقد فسره الإمام أحمد بأنه فرج بفرج فالفروج كما لا توهب ولا تورث فلأن لا يعارض بضع بضع أولى ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر فلم يصح كبعتك ثوبي بمائة على أن تبيعني ثوبك بمائة "وهو أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما" فهذا باطل لما(7/75)
وهو أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما فإن سمو مهرا صح نص عليه وقال الخرقي لا يصح.
ـــــــ
روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق متفق عليه وأبو داود جعل تفسيره من كلام نافع.
وعن ابن عمر مرفوعا قال: "لا شغار في الإسلام" رواه مسلم وروي نحوه من حديث عمران بن حصين وأنس وجابر والنهي يدل على الفساد والنفي لنفي الحقيقة الشرعية ويؤيده فعل الصحابة.
قال أحمد روي عن عمر وزيد أنهما فرقا فيه وصرح أبو الخطاب وجمع رواية ببطلان الشرط وصحة العقد من نصه في رواية الأثرم إذا تزوجها بشرط الخيار أو إن جاءها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح أن النكاح جائز والشرط باطل إذ فساد التسمية لا يوجب فساد العقد.
كما لو تزوجها على خمر ونحوه فعلى هذا يجب مهر المثل "فإن سموا مهرا" مستقلا غير قليل حيلة "صح نص عليه" وعليه أكثر الأصحاب لحديث ابن عمر إذ التفسير إن كان من النبي صلى الله عليه وسلم فظاهر وإن كان من نافع فهو راوي الحديث وقد فسره بما لا يخالف ظاهره فيقع.
وقيل: يصح بمهر المثل "وقال الخرقي" وأبو بكر في "الخلاف" وحكاه في "الجامع" رواية إنه "لا يصح" لما روى عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أن العباس بن عبد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما وقال هذا الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وأبو داود.
وجوابه: بأن أحمد ضعفه من قبل ابن إسحاق وبأنه يحمل على أنهما كانا جعلا صداقا قليلا حيلة وحكى المجد قولا وصححه أنه لا يصح مع قوله وتضع كل واحدة مهر الأخرى فقط للتصريح بالتشريك المقتضي للبطلان وقد صرح(7/76)
والثاني: نكاح المحلل وهو أن يتزوجها على أنه إذا أحلها طلقها.
ـــــــ
القاضي وابن عقيل والمؤلف أنه متى صرح بالتشريك لا يصح النكاح قولا واحدا فهذه الصورة عندهم مخرجة من محل الخلاف وظاهر كلام ابن الجوزي يصح معه بتسمية.
وذكر الشيخ تقي الدين وجها اختاره أن بطلانه لاشتراط عدم المهر ومتى قلنا بصحة العقد إذا سميا صداقا فقيل تفسد التسمية ويجب مهر المثل وقيل يجب المسمى وهو المذهب فإن سمى لإحداهما صداقا دون الأخرى فسد نكاحهما عند أبي بكر والأولى أنه يفسد في التي لم يسم لها صداقا وفي الأخرى روايتان.
مسألة: إذا قال زوجتك جاريتي هذه على أن تزوجني ابنتك ويكون رقيقها صداقا لابنتك لم يصح تزويج الجارية وإذا زوج ابنته على أن يجعل رقبة الجارية صداقا لها صح وإن زوج عبده امرأة وجعل رقبته صداقا لها صح النكاح ووجب مهر المثل.
"والثاني نكاح المحلل" وهو حرام باطل في قول عامة العلماء "وهو أن يتزوجها على أنه إذا أحلها" للأول "طلقها" أو فلا نكاح بينهما أو زوجتكها إلى أن تطأها لما روى ابن مسعود قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه وعن علي مثله رواه الخمسة إلا النسائي وعن أبي هريرة كذلك رواه أحمد.
وعن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار" قالوا بلى يا رسول الله قال: "هو المحلل" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له رواه ابن ماجه.
وهو عليه السلام لا يلعن على فعل جائز فدل ذلك على تحريمه وفساده وتسميته محللا لقصده الحل في موضع لا يحصل فيه الحل كقوله عليه السلام: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه".(7/77)
فإن نوى ذلك بغير شرط لم يصح في ظاهر المذهب. وقيل: يكره، ويصح.
ـــــــ
وعن جابر قال سمعت عمر يخطب وهو يقول: "والله إني لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما" رواه الأثرم وهو قول الفقهاء من التابعين ولأنه نكاح إلى مدة وفيه شرط يمنع بقاءه أشبه نكاح المتعة.
وخرج القاضي وأبو الخطاب رواية لبطلان الشرط وصحة العقد من مسألة: اشتراط الخيار وكذلك ابن عقيل لكنه خرجها من الشروط الفاسدة.
"فإن نوى ذلك بغير شرط لم يصح في ظاهر المذهب" وعليه الأصحاب لعموم ما تقدم يؤيده ما روى ابن شاهين في غرائب وقيل يكره ويصح السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن نكاح المحلل فقال: "لا نكاح إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة" وظاهره شامل إذا اشترطا التحليل حال العقد أو قبله ولم يرجع عنه لأن الشرط السابق كالمقارن إلا أن هنا النية كافية في المنع فغايته أنها أكدت بالشرط السابق.
نعم لو شرط في العقد ثم نوى فيه نكاحا فالمؤلف تقي الدين يقول إن الشرط السابق كالمقارن فالشرط لا يلزم معه العقد "وقيل: يكره ويصح" قطع به ابن البنا وحكاه عن أحمد أما الكراهة فلأنه مختلف في صحته وأما صحته فلأنه عقد خلا عن شرط يفسده أشبه ما لو طلقها بغير الإحلال.
ونقل حرب عن أحمد إذا تزوج امرأة وفي نفسه طلاقها فكرهه فأخذ من ذلك الشريف وأبو الخطاب رواية بالصحة مع الكراهة وهو مقتضى كلام شيخنا ومنع من ذلك الشيخ تقي الدين إذ رواية حرب فيمن نوى الطلاق وذلك إنما يكون فيمن له رغبة في النكاح والمحلل لا رغبة له فيه أصلا ومن هنا قال القاضي وأصحابه إذا نوى التطليق في وقت بعينه فهو كنية التحليل ونص أحمد يشهد لهم.(7/78)
الثالث: نكاح المتعة،
ـــــــ
أصل لو زوج عبده بمطلقته ثلاثا ثم وهبها العبد أو بعضه لينفسخ نكاحها لم يصح النكاح نص عليه وهو كمحلل ولو دفعت مالا هبة لمن تثق به ليشتري مملوكا فاشتراه وزوجه بها ثم وهبه لها انفسخ النكاح ولم يكن هناك تحليل مشروط ولا منوي ممن تؤثر نيته وشرطه وهو الزوج ولا أثر لنية الزوجة والولي قاله في إعلام الموقعين وقال صرح أصحابنا بأن ذلك يحلها وفي "المحرر" و "الفروع" ومن لا فرقة بيده لا أثر لنيته.
"الثالث: نكاح المتعة" نقل عنه ابناه وحنبل أن نكاح المتعة حرام لما روى علي أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية" متفق عليه.
وعن سلمة بن الأكوع قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها وعن سبرة الجهني أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء ثم إنه حرمها.
ولأحمد وأبي داود عن سبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة وهو يدل على فساد المنهي عنه لا سيما وقد عضده أمره صلى الله عليه وسلم بالتخلية والاستدامة أسهل من الابتداء والأحكام المتعلقة بالنكاح من الطلاق والظهار والتوارث لا يجري فيه فدل على أنه ليس بنكاح إذ هي لازمة للنكاح الصحيح وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم.
وسأله ابن منصور عن المتعة فقال اجتنبها أحب إلي فأثبت ذلك أبو بكر في "الخلاف" رواية وأبى ذلك القاضي في خلافه وقال ابن عقيل إن أحمد رجع عنها والشيخ تقي الدين يقول توقف عن لفظ الحرام ولم ينفه.
وعن ابن عباس أنه أجازه وإليه ذهب أكثر أصحابه قال ابن جريج وحكي ذلك عن أبي سعيد وجابر وعليه قراءة ابن مسعود: "فما استمتعتم به منهن إلى(7/79)
وهو أن يتزوجها إلى مدة ونكاح يشرط فيه طلاقها في وقت أو علق ابتداءه على شرط كقوله زوجتك إذا جاء رأس الشهر أو إن رضيت أمها فهذا كله باطل من أصله.
ـــــــ
أجل مسمى".
وعن ابن مسعود قال: "كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس معنا نساء فقلنا ألا نختصي فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل" ثم قرأ عبد الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ} [المائدة: من الآية87] الآية متفق عليه وأجيب بمنع ثبوت قراءة ابن مسعود ثم نسخ الجميع بما تقدم.
والحاصل أنها كانت مباحة ثم نسخت يوم خيبر ثم أبيحت ثم حرمت عام الفتح قال الشافعي لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة وقد روى الترمذي عن ابن عباس أنه رجع عن قوله.
"وهو أن يتزوجها إلى مدة" سواء كانت معلومة كإلى شهر أو مجهولة كنزول المطر وسواء وقع بشرطه أو لا وظاهره أنه إذا تزوجها بغير شرط وفي نيته طلاقها فالنكاح صحيح في قول عامتهم خلافا للأوزاعي فإنه قال نكاح متعة والصحيح لا بأس به وليس على الرجل حبس امرأته وحسبه إن وافقته وإلا طلقها.
وقال الشريف: وحكي عن أحمد أنه إن عقد بقلبه تحليلها للأول أو الطلاق في وقت بعينه لم يصح النكاح "ونكاح يشرط فيه طلاقها" في وقت معلوم أو مجهول وهو شرط مانع من بقاء النكاح وعنه: يصح العقد دون الشرط لأن النكاح وقع مطلقا وشرط على نفسه شرطا لا يؤثر فيه أشبه ما لو شرط أن لا يطؤها وكما لو نوى إن وافقته وإلا طلقها "أو علق ابتداءه" أي النكاح "على شرط كقوله زوجتك إذا جاء رأس الشهر أو إن رضيت أمها فهذا كله باطل من أصله" لأن النكاح عقد معاوضة فبطل تعليقه على شرط كالبيع ويستثنى من ذلك الا زوجت أو قبلت إن شاء(7/80)
النوع الثاني أن يشترط أنه لا مهر لها ولا نفقة أو يقسم لها أكثر من امرأته الأخرى أو أقل فالشرط باطل ويصح النكاح.
ـــــــ
الله وفي "المحرر" وغيره مستقبل فيصح على ماض وحاضر كزوجتك هذه إن كانت بنتي أو كنت وليها أو انقضت عدتها وهما يعلمان ذلك أو شئت فقال شئت وقبلت ونحوه ذكره الشيخ تقي الدين وعنه: يصح دون شرطه وقال الشيخ تقي الدين ذكر القاضي وغيره في "تعليقه" بشرط والأنص من كلامه جوازه كالطلاق قال والفرق بأن هذا معاوضة أو إيجاب وذاك اسقاط غير مؤثر وبأنه ينتقض بنذر التبرر بالجعالة.
مسائل: إذا قال لأمته إن تزوجتك نكاحا صحيحا فأنت حرة قبله فلا عتق ولا نكاح ذكره في "الرعاية" في الصداق ويكره تقليد مفت بها وذكر القاضي وجمع أنها كغيرها من مسائل الخلاف ولا يثبت أحكام الزوجية ولم أجد فيه خلافا بل وطء شبهة وذكر أبو إسحاق وابن بطة أنه كزنى ويصح النكاح إلى الممات وإذا عزم على تزويجه بالمطلقة ثلاثا ووعدها سرا كان أشد تحريما من التصريح بخطبة المعتدة إجماعا لاسيما ينفق عليها ويعطيها ما يحلل به ذكره الشيخ تقي الدين.
"النوع الثاني: أن يشترط أنه لا مهر لها ولا نفقة أو يقسم لها أكثر من امرأته الأخرى أو أقل" أو شرط أحدهما عدم وطء ونحوه "والشرط باطل" لأنه ينافي مقتضى العقد ولأنه يتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فبطل كإسقاط الشفعة قبل البيع "ويصح النكاح" نص عليها كما لو شرط فيه صداقا محرما ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن يصح مع الشرط الفاسد كالعتق وقيل: يفسد.
ونقل المروذي إذا تزوج النهاريات أو الليليات ليس من نكاح الاسلام ونقل عبد الله إذا تزوج على شرط ثم بدا له أن يقيم جدد النكاح وذكر أبو بكر فيما إذا شرط أن لا يطأ أو لا ينفق أو إن فارق رجع بما أنفق على روايتين في صحة(7/81)
الثالث: أن يشترط الخيار أو إن جاءها بالمهر في وقت وإلا فلا نكاح بينهما فالشرط باطل وفي صحة النكاح روايتان.
فصل
فإن تزوجها على أنها مسلمة فبانت كتابية فله الخيار وإن شرطها كتابية فبانت مسلمة فلا خيار له وقال أبو بكر له الخيار،
ـــــــ
العقد وقيل يبطل بشرط ترك الوطء فقط ونقل الأثرم توقفه في الشرط قال الشيخ تقي الدين فيخرج على وجهين واختار صحته كشرطه ترك ما يستحقه وفرق القاضي بأن له مخلصا كملكه طلاقها وأجاب الشيخ تقي الدين بأن عليه المهر وابن عقيل سوى بينهما فإن صح وطلبته فارقها وأخذ المهر وهو في معنى الخلع.
"الثالث: أن يشترط الخيار أو إن جاءها بالمهر في وقت وإلا فلا نكاح بينهما فالشرط باطل" لمنافاته مقتضى العقد "وفي صحة النكاح روايتان" كذا في "الفروع" إحداهما يصح العقد وقدمه في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" لأنه يصح مع الجهل أشبه العتق والثانية لا لأن عقد النكاح يجب أن يكون ثابتا لازما فنافاه الشرط وأبطله ونقل عنه ابن منصور صحتها وبعدها القاضي واختار الصحة فيهما الشيخ تقي الدين في شرط الخيار وقال وإن بطل لم يلزم العقد بدونه وشرط الخيار في المهر كذا وقيل يصح ويثبت الخيار وإن طلق بشرط خيار وقع.
فصل
"فإن تزوجها على أنها مسلمة فبانت كتابية فله الخيار" أي خيار الفسخ لأنه نقص وضرره يتعدى إلى الولد "وإن شرطها كتابية" أو ظنها مسلمة ولم تعرف بتقدم كفر "فبانت مسلمة فلا خيار له" لأنه زاده خيرا "وقال أبو بكر له الخيار" لأنه قد يكون له غرض في عدم وجوب العبادات عليها وفي(7/82)
كما إذا شرطها أمة فبانت حرة فلا خيار له وإن شرطها بكرا أو جميلة أو نسيبة أو شرط نفي العيوب التي لا ينفسخ بها النكاح فبانت بخلافه فهل له الخيار على وجهين.
ـــــــ
الشرح إذا تزوج امرأة يظنها مسلمة فبانت كافرة فله الخيار "كما إذا شرطها أمة" وكان له نكاح الإماء "فبانت حرة فلا خيار له" لأن ولده يسلم من الرق ويتمكن من الاستمتاع بها ليلا ونهارا وكذا إذا شرطها ذات نسب فبانت أشرف منه أوعلى صفة دنيئة فبانت خيرا من شرطها.
"وإن شرطها بكرا أو جميلة أو نسيبة أو شرط نفي العيوب التي لا يفسخ بها النكاح" كالعمى والشلل "فبانت بخلافه فهل له الخيار على وجهين" هما روايتان عن أحمد أطلقهما في "الفروع" إحداهما لا خيار له جزم به في "الوجيز" لأن النكاح لا يرد له بعيب سوى العيوب السبعة فلا يرد بمخالفة الشرط كما لو شرطت ذلك في الرجل.
والثانية: له الفسخ اختارها في "الترغيب" و "الرعاية" والشيخ تقي الدين لأنها صفات مقصودة فصح شرطها كالحرية وقيل له الفسخ في شرط النسب خاصة وفي "الإيضاح" واختاره في "الفصول" في شرط بكر إن لم يملكه رجع بما بين المهرين ويتوجه مثله في بقية الشروط وفي "الفنون" في شرط البكر يحتمل فساد العقد لأن لنا قولا إذا تزوجها على صفة فبانت بخلافه بطل العقد قال الشيخ تقي الدين ويرجع على الغار وإن غرته وقبضته وإلا سقط في ظاهر المذهب.
تذنيب: إذا ظنها بكرا فلم تكن فلا فسخ له في الأصح وإن شرطته حرا أو ظنته فبان عبدا بطل وعنه: يصح ولها الفسخ فإن فسخت قبل الدخول والخلوة فلا مهر وبعد أحدهما بحسب المسمى والعدة وإن شرطه بصفة غير الحرية فبان أقل لم يخير وفي النسب إن لم يخل بالكفاءة وجهان وإن خرج مماثلا له فوجهان وذكر القاضي في "الجامع الكبير" إن شرطها فيه أبلغ من شرطه فيها لأنه يملك طلاقها ولا تملك طلاقه وفي "الكافي" إن غرت(7/83)
وإن تزوج أمة يظنها حرة فأصابها وولدت منه فالولد حر ويفديهم بمثلهم يوم ولادتهم
ـــــــ
الأمة بعبد فتزوجته على أنه حر فلها الخيار وفيه احتمال.
"وإن تزوج أمة يظنها حرة" أو شرطها حرة واعتبر في "المستوعب" مقارنته لم يبطل العقد بالغرور لا يقال ينبغي أن يفسد كما لو قال بعتك هذا الفرس فإذا هو حمار لأن المعقود عليه في النكاح الشخص دون الصفات فلا يؤثر عدمه في صحته كما لو قال زوجتك هذه الحسناء فإذا هي شوهاء وذاتها مختلفة والبيع يؤثر فيه فوات الصفات بخلاف النكاح "فأصابها وولدت منه فالولد حر" بغير خلاف نعلمه لاعتقاده حريته كما إذا اشترى أمة فبانت مغصوبة بعد أو أولدها قال ابن عقيل كما ينعقد ولد القرشي قرشيا باعتقاده. "ويفديهم" على المذهب المنصوص عليه في رواية الجماعة لقضاء الصحابة عمر وعلي وابن عباس ولأنه نماء مملوكه فسبيله أن يكون ملكا لمالكها وقد فوته الزوج باعتقاده الحرية فوجب عليه الضمان كما لو فوته بفعله ونقل عنه ابن منصور لا فداء عليه لانعقاد الولد حرا والحر لا يملك وروى الخلال هذه وقال أحسبه قولا روي لأبي عبد الله لأنهم اتفقوا على الفداء ونقل حنبل يخير بين الفداء فيكون الولد حرا وبين الترك فيكون رقيقا وهو ظاهر ما نقل عن علي شرط أن تضعه حيا لوقت يعيش لمثله وصفة الفداء ووقته تقدما في الغصب "بمثلهم يوم ولادتهم" لقول عمر مكان كل غلام بغلام وكل جارية بجارية وعنه: يفديهم بقيمتهم وصححه في "المغني" لأن الحيوان ليس بمثلي فيضمن بالقيمة كسائر المتقومات وعنه: يخير فيهما روي عن عمر فإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء وقد نكحها نكاحا صحيحا فلها المسمى وإن كان لم يدخل بها واختار الفسخ فلا مهر لأن الفسخ لعذر من جهتها وإن لم يبح فباطل كعلمه وعند أبي بكر يصح وله الخيار وبناه في "الواضح" على الكفاءة وحينئذ لا مهر قبل الدخول وبعده هل يجب المسمى أو مهر المثل فيه روايتان وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء فلا مهر(7/84)
ويرجع بذلك على من غره ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء،
ـــــــ
قبل الخلوة لفساد العقد وكذا بعدها على رأي المؤلف وقياس المذهب يجب.
"ويرجع بذلك على من غره" أي من المهر وقيمة الأولاد في ظاهر المذهب لقضاء جماعة من الصحابة وكأمره بإتلاف مال غيره بأنه له فلم يكن ذكره في "الواضح" وعنه: لا يرجع بالمهر اختاره أبو بكر لأنه دخل على ذلك سيما وقد استوفى المنفعة المقابلة له روي عن علي وقال القاضي الأظهر أنه يرجع به لأن أحمد قال كنت أذهب إلى حديث علي ثم إني هبته وكأني أميل إلى حديث عمر وعلى هذا يرجع بأجرة الخدمة إذا غرمها وظاهره الرجوع مع الظن وهو ظاهر كلام أحمد إذ الصحابة الذين قضوا بالرجوع لم يستفصلوا وظاهر الخرقي خلافه وصرح به المجد وابن حمدان وعن القاضي لا يرجع إلا مع شرط مقارن لا مع تقدمه لأنه مفرط حيث اعتمد على ظنه.
تنبيه: الغارم من علم أنها أمة ولم يبين نص عليه ثم لا يخلو إما أن يكون السيد أو المرأة أو وكيلها أو أجنبي فإن كان السيد وقال هي حرة عتقت وبغيرها لا تثبت الحرية ولا يجب له شيء نعم إن قلنا إن الزوج لا يرجع بالمهر وجب للسيد لانتفاء المحذور ولا يتصور منه على قول القاضي لأن شرطه المقارنة وإن كان وكيلها رجع عليه في الحال وكذا إن كان أجنبيا في ظاهر كلام أحمد بل صريحه في رواية ابنيه وظاهر كلام القاضي لا رجوع عليه وإن كانت المرأة ففي الرجوع عليها وجهان أحدهما هو ظاهر كلام الخرقي والمؤلف له الرجوع عليها لمكان الغرور وهل يتعلق برقبتها أو ذمتها على وجهي استدانة العبد بدون إذن سيده والثاني وهو ظاهر كلام أحمد لا رجوع إذ الولد ملك السيد وهي لا تملك بذل ذلك أشبه ما لو أذنت في قطع طرفها ولمستحق الفداء مطالبة الغار أو لا نص عليه. "ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء" لأنا قد بينا فساد العقد(7/85)
وإن كان ممن يجوز له ذلك فله الخيار فإن رضي بالمقام معها فما ولدت بعد ذلك فهو رقيق وإن كان المغرور عبدا فولده أحرار ويفديهم إذا عتق،
ـــــــ
من أصله أشبه المنكوحة في العدة أو بلا رضى وكذا إن تزوجها بلا رضى سيدها أو اختل شرط من شروط النكاح وفي "الواضح" إن المغرور الحر لا يبطل نكاحه في وجه بل له الخيار واختاره أبو بكر.
"وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء" بالشرطين السابقين في الحر وفي العبد أن لا يكون تحته حرة "فله الخيار" لأنه غر بحريتها فثبت له الخيار كما لو غرت بحريته ولما في من ضرره بالولد وهو منفي شرعا.
"فإن رضي بالمقام معها فما ولدت بعد ذلك فهو رقيق" لأنتفاء الغرر إذن، وعلم منه أن الولد يتبع أمه في الحرية والرق نص عليه محتجا بقول عمر وظاهره وإن كانت قد علقت به قبل الرضى وهو ظاهر الخرقي وعلله المؤلف بأن أكثر الأحكام إنما تتعلق بالوضع أما هنا فقد جعل الحكم منوطا بالعلوق وصرح به المجد وإن اختار فسخ النكاح انفسخ وعموم كلامه يقتضي ثبوت الخيار للعبد كالحر وهو الصحيح وقيل لا اختيار للعبد لتساويهما.
تنبيه: من غر بحرية مكاتبة أو من بعضها حر فكالأمة ولا مهر في الأصح لمكاتبة غارة لعدم الفائدة وولدها مكاتب فيغرم أبوه قيمته لها على الأصح والمعتق بعضها يجب لها البعض فيسقط وولدها يغرم أبوه قدر رقه ولو أوهمته أنها زوجته أو سريته بظنه فموطوءة بشبهة أو أوهمه سيدها به فلا مهر وإن جهلت تحريمه ويغرر عالمه ذكر الشيخ تقي الدين قال وإن جهل فساد نكاح كتغرير غار كأخته من رضاع فالمهر على الغار.
"وإن كان المغرور عبدا فولده أحرار" لأنه ساوى الحر في اعتقاد حريته "ويفديهم إذا عتق" كالحر لفوات الرق المستحق لكن الحر يجب عليه الفداء(7/86)
ويرجع به على من غره وإن تزوجت رجلا على أنه حر أو تظنه حرا فبان عبدا فلها الخيار.
فصل
وإن عتقت الأمة وزوجها حر فلا خيار لها في ظاهر المذهب.
ـــــــ
في الحال كبقية الحقوق اللازمة له أما العبد فلا مال له في الحال فيتأخر الفداء إلى وقت ملكه ويساره وهو العتق وبناه القاضي في "الجامع" على الخلاف في استدانته بغير إذن سيده وبناه المؤلف على خلع الأمة بغير إذن سيدها وقيل يتعلق برقبته وهو رواية في "الترغيب" كجنايته والفرق أن الجناية من فعله بخلاف الفداء فإنه لم يجن في عتقهم وإنما عتقوا من طريق الحكم.
"ويرجع به على من غره" كالحر لكن يرجع به في الحال وأما العبد فلا يرجع إلى حين الغرم حذارا من أن يجب له ما يعتق عليه نعم يتعلق الفداء برقبته يرجع به السيد في الحال. "وإن تزوجت رجلا على أنه حر أو تظنه حرا فبان عبدا فلها الخيار" نص عليه لأنه لما ثبت للعبد إذا غر بأمة ثبت لها إذا غرت بعبد ومقتضاه صحة العقد لأن اختلاف الصفة لا تمنع صحة العقد وكما لو تزوج أمة على أنها حرة ولأنها إذا كانت حرة وكانت حرية الزوج شرطا لصحة النكاح لم يكن لها الخيار لأنه باطل من أصله والخيار يعتمد الصحة وحينئذ فإن اختارت الإمضاء فلأوليائها الاعتراض لعدم الكفاءة.
فصل
"وإن عتقت الأمة وزوجها حر" أو بعضه "فلا خيار لها في ظاهر المذهب" هذا قول عمر وابن عباس والأكثر وعن أحمد لها الخيار لما روى أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة وكان زوجها حرا.(7/87)
وإن كان عبدا فلها الخيار في فسخ النكاح ولها الفسخ بغير حكم حاكم فإن أعتقت قبل فسخها أو أمكنته من وطئها بطل خيارها.
ـــــــ
وجوابه: أنها كافأت زوجها في الكمال فلم يثبت لها خيار كما لو أسلمت الكتابية تحت مسلم وعن الخبر بأن ابن عباس قال كان زوج بريرة عبدا رواه البخاري وروى مسلم من حديث القاسم وعروة عن عائشة أن بريرة كان زوجها عبدا وقالت لو كان حرا لم يخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. قال البخاري قول الأسود منقطع ثم عائشة عمة القاسم وخالة عروة فروايتهما عنها أولى من رواية أجنبي يسمع من وراء حجاب.
"وإن كان عبدا فلها الخيار من فسخ النكاح" بالإجماع حكاه ابن المنذر وابن عبد البر لأنه عليه السلام خير بريرة فاختارت نفسها فإن اختارت الفسخ فلها فراقه وإن رضيت بالمقام فلا لأنها أسقطت حقها فإن عتق بعضها فلا خيار لها على المذهب وعنه: بلى وعنه: أو معتق بعضه وعنه: ليس فيه بقدر حريتها وفي "الترغيب" إذا عتقت تحت معتق بعضه فلها الفسخ.
"ولها الفسخ" على التراخي ما لم ترض به "بغير حكم حاكم" لأنه فسخ مجمع عليه غير مجتهد فيه كالرد بالعيب بخلاف خيار العيب في النكاح فإنه مجتهد فيه كالفسخ للإعسار فإن اختارت الفراق كان فسخا وليس بطلاق في قول الجمهور قال أحمد الطلاق ما تكلم به ولأنها فرقة من قبل الزوجة فكانت فسخا كما لو اختلف دينها أو أرضعت من ينفسخ نكاحه برضاعها فعلى هذا لو قالت اخترت نفسي أو فسخت هذا النكاح انفسخ ولو قالت طلقت نفسي ونوت المفارقة كان كناية في الفسخ.
"فإن أعتقت قبل فسخها" بطل خيارها لأنه إنما كان لدفع الضرر بالرق وقد زال بعتقه فسقط كالمبيع إذا زال عيبه "أو أمكنته من وطئها بطل خيارها" نص(7/88)
فإن ادعت الجهل بالعتق وهو مما يجوز جهله أو الجهل بملك الفسخ فالقول قولها وقال الخرقي يبطل خيارها علمت أو لم تعلم وخيار المعتقة على التراخي ما لم يوجد منها ما يدل على الرضا.
ـــــــ
عليه روي عن ابن عمر وحفصة رواه مالك ولقوله عليه السلام لبريرة: "فإن قربك فلا خيار لك" رواه أبو داود والدارقطني بإسناد حسن وظاهره سواء علمت بالخيار أو لا وهو المذهب وذكر القاضي أن لها الخيار إذا لم تعلم فإن أصابها بعد علمها فلا خيار لها فعليه إذا وطئها "وادعت الجهل بالعتق وهو مما يجوز جهله" مثل أن يعتقها سيدها في بلد آخر "أوالجهل بملك الفسخ فالقول قولها" لأن الأصل عدم ذلك وفي الثانية لا يعلمه إلا خواص الناس فالظاهر صدقها فلو كانا في بلد واحد واشتهر لم يقبل قولها لأنه خلاف الظاهر وفي "الفروع" قيل يجوز جهله وقيل لا يخالفها ظاهر فلا فسخ نقله الجماعة "وقال الخرقي يبطل خيارها علمت أو لم تعلم" لقول حفصة لامرأة عتقت تحت عبد: أمرك بيدك ما لم يمسك فليس لك من الأمر شيء رواه مالك ولأنه خيار عيب فيسقط بالتصرف فيه مع الجهالة كخيار الرد بالعيب وفي "الوجيز" فإن ادعت جهلا بعتقه فلها الفسخ وعكسه الجهل بملك الفسخ.
"وخيار المعتقة على التراخي" في قول ابن عمر وحفصة والأوزاعي والزهري قال ابن عبد البر لا أعلم لها في الصحابة مخالفا ولأن الحاجة داعية إلى ذلك فثبت كخيار القصاص "ما لم يوجد منها ما يدل على الرضى" لما روى الحسن بن أمية قال سمعت رجالا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أعتقت المرأة فهي بالخيار ما لم يطأها فإن وطئها فلا خيار لها" رواه أحمد ولا يمنع الزوج من وطئها.
فرع: أذن له سيده في التزويج بأمة فتزوجها ثم أعتق العبد فهما على نكاحهما في المشهور ويحتمل أن يفسخ نكاحهما بناء على الرواية إذا استغنى(7/89)
فإن كانت صغيرة أو مجنونة فلها الخيار إذا بلغت وعقلت وليس لوليها الاختيار عنها فإن طلقت قبل اختيارها وقع الطلاق وإن عتقت المعتدة الرجعية فلها الخيار فإن رضيت بالمقام فهل يبطل خيارها على وجهين ومتى اختارت المعتقة الفرقة بعد الدخول فالمهر للسيد وإن كان قبله فلا مهر.
ـــــــ
عن نكاح أمة بحرة "فإن كانت صغيرة أو مجنونة فلها الخيار إذا بلغت" سنا يعتبر قولها فيه "وعقلت" ولا خيار لهما في الحال لأنه لا عقل لهما ولا قول معتبر وذكر ابن عقيل إذا بلغت سبع سنين "وليس لوليها الاختيار عنها" لأن هذا طريقه الشهوة فلم يملكه الولي كالقصاص "فإن طلقت" بائنا "قبل اختيارها وقع الطلاق" وبطل خيارها على المذهب لأنه طلاق من زوج في نكاح صحيح فيعتد به كما لو لم يعتق وقال القاضي طلاقه موقوف فإن اختارت الفسخ فلم يقع وإن لم تختر وقع وفي "الترغيب" في وقوعه وجهان وإن كان الطلاق رجعيا لم يسقط خيارها لأنها زوجة فعلى قول القاضي إذا طلقت قبل الدخول ثم اختارت الفسخ سقط مهرها لأنها بانت بالفسخ وإن لم يفسخ فلها نصف الصداق لأنها بانت بالطلاق "وإن عتقت المعتدة الرجعية" أو عتقت ثم طلقها رجعيا "فلها الخيار" لأن نكاحها باق ولها في الفسخ فائدة فإنها لا تأمن رجعته إذا لم يفسخ فإن قيل ينفسخ حينئذ فيحتاج إلى عدة أخرى وإذا فسخت في العدة بنت على عدة حرة.
"فإن رضيت بالمقام فهل يبطل خيارها على وجهين" أحدهما وقدمه في "المحرر" و "الفروع" أنه يسقط خيارها لأنها رضيت بالمقام مع حرمانها في البينونة وذلك ينافي الاختيار والثاني لا يسقط لأنها حالة يصح فيها اختيار المقام فصح اختيار الفسخ كصلب النكاح فإن لم تختر شيئا لم يسقط لأنه على التراخي وسكوتها لا يدل على رضاها.
"ومتى اختارت المعتقة الفرقة بعد الدخول فالمهر للسيد" وكذا إن اختارت الفسخ قبل الدخول لأنه وجب بالعقد فإذا اختارت المقام لم يوجد له مسقط والواجب المسمى مطلقا وإن كان قبله فلا مهر لها نص عليه؛(7/90)
وقال أبو بكر لسيدها نصف المهر وإن أعتق أحد الشريكين وهو معسر فلا خيار لها وقال أبو بكر لها الخيار وإن عتق الزوجان معا فلا خيار لها.
ـــــــ
لأن الفرقة جاءت من قبلها فهو كما لو أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من يفسخ نكاحها.
"وقال أبو بكر لسيدها نصف المهر" ونقله مهنا عن الإمام أحمد لأنه وجب للسيد فلا يسقط بفعل غيره وأجيب بأنه وإن وجب للسيد لكن بواسطتها وفيه شيء فلو كانت مفوضة ففرض لها مهر المثل فهو للسيد لأنه وجب للسيد في ملكه لا بالفرض وكذا لو مات أحدهما وجب وإن كان الفسخ قبل الدخول والفرض فلا يبنى إلا على القول بوجوب المتعة حيث يجب لوجوبه فلا يسقط بفعل غيره.
"وإن أعتق أحد الشريكين وهو معسر فلا خيار لها" اختاره الخرقي والأكثر لأنه لا نص فيها ولا يصح قياسها على المنصوص وعلله أحمد بأن النكاح صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه وهذه يختلف فيها فلو زوج مدبرة له لا يملك غيرها وقيمتها مائة بعبد على مائتين مهرا ثم مات السيد عتقت ولا فسخ قبل الدخول لئلا يسقط المهر أو يتنصف فلا يخرج من الثلث فيرق بعضها فيمتنع الفسخ.
"وقال أبو بكر لها الخيار" هذا رواية وقدمها في "الرعاية" لأنها قد صارت أكمل منه فثبت لها الخيار كما لو عتقت جميعها أما لو كان موسرا فإن العتق يسري ويثبت لها الخيار بلا نزاع وكذا إذا قلنا بوجوب الاستسعاء.
فرع: إذا عتق زوج الأمة لم يثبت لها خيار لأن الكفاءة تعتبر في الرجل فقط فلو تزوج امرأة مطلقا فبانت أمة فلا خيار له ولو نكحت رجلا مطلقا فبان عبدا فلها الخيار وكذا في الاستدامة لكن إن عتق ووجد الطول لحرة فهل يبطل نكاحه على وجهين "وإن عتق الزوجان معا فلا خيار لها" في المشهور عنه والنكاح باق سواء أعتقهما واحد أو اثنان نص عليه؛(7/91)
وعنه ينفسخ نكاحهما.
ـــــــ
لأن حرية العبد لو طرأت بعد عتقها لمنعت الفسخ فإذا قارنت كان أولى أن يمنع كالإسلام وعنه: لها الخيار كما لو عتقت قبله.
"وعنه: ينفسخ نكاحهما" نقله الجماعة لأن العتق معنى يزيل الملك عنهما لا إلى مالك فجاز أن تقع فيه الفرقة كالموت وفي "المغني" معناه والله أعلم أنه إذا وهب عبده سرية وأذن له في التسري بها ثم أعتقهما جميعا لم يصبها إلا بنكاح جديد واحتج أحمد بما روى نافع عن ابن عمر أما إذا كانت امرأته فعتقا لم ينفسخ لأنه اذا لم ينفسخ بإعتاقها وحدها فلأن لا ينفسخ بإعتاقهما معا أولى وهذه التي ذكرها المؤلف هي كاحتمال في "الواضح" في عتقه وحده بناء على غناه عن أمة بحرة وذكر غيره إن وجد طولا فلو أعتق نصفها فهو كما لو عتقا معا.
مسألة: يستحب لمن له عبد وأمة متزوجان البداءة بعتق الرجل لئلا يثبت للمرأة الخيار عليه فينفسخ نكاحه والله أعلم بالصواب.(7/92)
باب حكم العيوب في النكاح
ـــــــ
باب حكم العيوب في النكاح
خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين للعيب يجده في الآخر روي عن عمر وابنه وابن عباس وبه قال أكثرهم وعن علي وابن مسعود أن الحرة لا ترد بعيب إلا أن يكون الرجل مجبوبا أو عنينا فإن لها الخيار فإن اختارت الفراق فرق الحاكم بينهما بطلقة ولا يكون فسخا لأن وجود العيب لا يقتضي فسخ النكاح كالعمى ونحوه.
وأجيب عنه بأن المختلف فيه يمنع الوطء فأثبت الخيار كالجب والرجل(7/92)
العيوب المثبتة للفسخ ثلاثة أقسام: أحدها: ما يختص بالرجال وهو شيئان: أحدهما: أن يكون الرجل مجبوبا قد قطع ذكره أو لم يبق منه إلا ما لا يمكن الجماع به فإن اختلفا في إمكان الجماع بالباقي فالقول قولها، ويحتمل أن القول قوله، الثاني: أن يكون عنينا لا يمكنه الوطء،
ـــــــ
أحد الزوجين فثبت له الخيار كالمرأة وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فأبصر بكشحها بياضا فقال: "خذي عليك ثيابك" رواه أحمد وسعيد.
"العيوب المثبتة للفسخ ثلاثة أقسام" لأن منها ما يختص الرجال ومنها ما يختص النساء ومنها ما هو مشترك بينهما أحدها ما يختص الرجال وهو شيئان "أحدها أن يكون الرجل مجبوبا قد قطع ذكره ولم يبق منه إلا ما لا يمكن الجماع به" لأن ذلك يمنع المقصود من النكاح أشبه العنة بل أولى لأنه لا يرجى زواله بخلاف العنة وحينئذ العيوب المثبة للفسخ ثمانية الجب والعنة والقرن والعفل والجنون والجذام والبرص وقال القاضي هي سبعة فالقرن والعفل واحد وهو الرتق أيضا لأنه لحم ينبت في الفرج وحكاه عن أهل الأدب فبعضها يتعذر الوطء معه وبعضها يمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح وبعضها يخشى تعديه إلى النفس والنسل.
"فإن اختلفا في إمكان الجماع بالباقي فالقول قولها" على المذهب لأنها تدعي شيئا يعضده الحال ولأنه بالقطع يضعف والأصل عدمه.
"ويحتمل أن القول قوله" كما لو ادعى الوطء في العنة وكما لو كان ذكره قصيرا ما لم تكن بكرا قاله في المحرر.
"الثاني: أن يكون عنينا لا يمكنه الوطء" العنين هو العاجز عن الوطء وربما اشتهاه ولا يمكنه مشتق من عن الشيء إذا عرض وقيل الذي له ذكر ولا ينتشر فإن اختلفنا في وجود العنة فإن كان للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة عمل بها وإلا حلف المنكر وقبل قوله فإن كان مريضا يغمى عليه ثم يزول فذلك مرض لا يثبت به خيار وإن زال المرض ودام به الإغماء فهو الجنون،(7/93)
فإن اعترف بذلك أجل سنة منذ ترافعه فإن وطىء فيها وإلا فلها الفسخ فإن اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنينا.
ـــــــ
فإذا ثبت أنه عنة فهو عيب تستحق المرأة به الفسخ بعد أن عملا له مدة يختبر بها ويعلم حاله بها في قول الجماهير.
"فإن اعترف بذلك" وأقيمت به بينة عادلة "أجل سنة منذ ترافعه" لقول عمر وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رواه الدارقطني ولا مخالف لهم رواه أبو حفص عن علي وكالجب وخبر امرأة رفاعة "إنما معه مثل هدبة هذا الثوب" لا حجة فيه فإن المدة إنما تضرب مع اعترافه وطلب المرأة ذلك مع أن الرجل أنكر ذلك وقال إني لأعركها عرك الأديم قال ابن عبد البر وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه فلا معنى لضرب المدة وحينئذ لا يحتسب عليه منها ما اعتزلته فقط قاله في "الترغيب" ولأن العجز عنه يحتمل أن يكون مرضا فتضرب له سنة لتمر به الفصول الأربعة وقيل شمسية فإن كان من يبس زال في الرطوبة وإن كان من رطوبة زال في فصل اليبس وإن كان من برودة زال في الحرارة وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال فإذا مضت الفصول الأربعة واختلفت عليه الأهوية ولم يزل علم أنه خلقة. قال أحمد أهل الطب قالوا الداء لا يسجن في البدن أكثر من سنة ثم يظهر وابتداء السنة منذ ترافعه قال ابن عبد البر على هذا جماعة القائلين بتأجيله بخلاف مدة الإيلاء.
"فإن وطئ فيها وإلا فلها الفسخ" في ظاهر المذهب لأنه لا تثبت عنته فيثبت لها الفسخ واختار أبو بكر وصححه المجد أنه لا يؤجل ويفسخ في الحال كالجب ولأن المقتضي للفسخ قد وجد وزواله لا يحتمل الأجل والظاهر عدمه والحاصل أنها إذا ادعت عدم وطئها لعنته سئل عن ذلك فإن أنكر وهي عذراء فالقول قولها وإلا فالقول قوله مع يمينه في ظاهر المذهب لأن الأصل السلامة والأصح أنه يحلف فإن نكل عنها ثبت عجزه وأجل سنة في قول عامتهم "فإن اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنينا" في قول أكثر(7/94)
فإن وطئها في الدبر أو وطىء غيرها لم تزل العنة ويحتمل أن تزول فإن ادعى أنه وطئها وقالت إنها عذراء فشهد بذلك امرأة ثقة فالقول قولها،
ـــــــ
العلماء لأنه قد تجددت قدرته على الوطء فبطل كونه عنينا لأن حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدة تثبت بوطء واحد فكذا هذا وأما الجب فقد تحقق به العجز فافترقا.
تنبيه: إذا أولج الحشفة في الفرج زالت عنته فإن كان مقطوعها كفاه تغييب قدرها من الباقي في الأصح وظاهره ولو في حيض أو إحرام نصره في "الشرح" وذكر القاضي أن قياس المذهب أنه لا يخرج منها لأنه لا يحصل به الإحصان والإباحة للزوج الأول وأجيب بأنه وطء في محله فخرج منها كالمريضة والإخراج لا يخرج من العنة إلا بتغييب جميع الباقي.
"فإن وطئها في الدبر أو وطئ غيرها لم تزل العنة" جزم به في "الوجيز" وغيره لأن الدبر ليس محلا للوطء أشبه ما لو وطئ دون الفرج ولأن كل امرأة تعتبر في نفسها لأن الفسخ لدفع الضررالحاصل بالعجز عن وطئها وهو موجود هنا وإن وطئ غيرها ويحتمل أن تزول هذا وجه حكاه في "المحرر" و "الفروع" روي عن سمرة وعمر بن عبد العزيز ولأن العنة جبلة فلا تختلف باختلاف المحل والنساء ولأن الوطء في الدبر أصعب فمن قدر عليه كان على غيره أقدر وهذا مختار ابن عقيل فأتى قول أبي بكر فعلى الأول لو تزوج امرأة فأصابها ثم أنابها ثم تزوجها فعن عنها فلها المطالبة لأنه إذا جاز عن امرأة دون أخرى ففي نكاح دون آخر أولى لأنها قد تطرأ به وعلى الثاني لا يصح بل متى وطئ امرأة زالت عنته أبدا.
"وإن ادعى أنه وطئها وقالت إنها عذراء فشهد بذلك امرأة ثقة فالقول قولها" لأن بكارتها أكذبت الزوج إذ الوطء مع بقاء البكارة متعذر ويقبل في بقاء عذرتها امرأة ثقة كالرضاع وعنه: ثقتان ويؤجل فإن ادعى أن عذرتها عادت بعد الوطء قبل قولها لأن هذا بعيد جدا وإن كان متصورا والأصح(7/95)
وإلا فالقول قوله وإن كانت ثيبا فالقول قوله وعنه: القول قولها وقال الخرقي يخلى معها في بيت ويقال لها أخرج ماءك على شيء فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني وبطل قولها.
ـــــــ
أنها تستحلف "وإلا فالقول قوله" أي إذا لم يشهد لها أحد لأن الأصل السلامة وعدم العيب وكذا إذا ادعت أن عذرتها زالت بسبب آخر لأن الأصل عدمه.
"وإن كانت ثيبا فالقول قوله" مع يمينه إن ادعاه ابتداء وإن ادعاه بعد ثبوت عنته وتأجيله قبل قولها لأن هذا يتعذر إقامة البينة عليه ولأنه يدعي بالإجماع العقد وسلامة نفسه من العيوب والأصل السلامة فإن نكل قضي عليه بالنكول قال القاضي ويتخرج أن لا يستحلف.
"وعنه: القول قولها" نقلها ابن منصور وحكاه القاضي في "المجرد" لأن الأصل عدم الإصابة فكان القول قولها مع يمينها، "وقال الخرقي يخلى معها في بيت ويقال له أخرج ماءك على شيء فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني وبطل قولها" نقله عن أحمد مهنا وأبو داود وأبو الحارث واختاره القاضي وأصحابه إذ بذلك يظهر صدقه أو صدقها إذ الغالب أن العنين لا ينزل فمع الإنزال يغلب على الظن كذبها فيكون القول قوله مع يمينه ومع عدم الإنزال يظهر صدقها فيكون القول قولها ومع الإنزال إذا أنكرت أنه يختبر فيجعل على النار فإن ذاب فهو مني لأن ذلك من علاماته وإن يبس وتجمع فهو بياض بيض فإن ضعف عن إخراجه قبل قولها لأن الظاهر معها وذكر أبو بكر أنه يزوج امرأة لها دين وحظ من جمال فإن ذكرت أنه قربها كذبت الأولى وخيرت الثانية بين المقام معه أو فراقه ويكون صداقها في بيت المال وإن ذكرت أنه لا يقربها فرق بينه وبين الزوجتين ومهراهما في ماله واعتمد على ماروي أن امرأة جاءت إلى سمرة فشكت إليه أنه لا يصل إليها زوجها أنه كتب إلى معاوية فأمره بمثل ذلك.(7/96)
فصل
القسم الثاني يختص بالنساء وهو شيئان الرتق وهو كون الفرج مسدودا لا مسلك للذكر فيه وكذلك القرن والعفل وهو لحم يحدث فيه يسده وقيل القرن عظم والعفل رغوة فيه تمنع لذة الوطء.
الثاني الفتق هو انخراق ما بين السبيلين،
ـــــــ
فرع: إذا ادعت زوجة مجنون عنته ضربت له مدة عند ابن عقيل وهل يبطل بحدوثه فلا يفسخ الولي فيه خلاف.
فصل
"القسم الثاني يختص النساء" وهو ظاهر "وهو شيئان الرتق" بفتح الراء والتاء يعني ملتصقا لا يدخل الذكر فيه قاله أبو الخطاب وقال الجوهري هو مصدر امرأة رتقاء أي بينة الرتق لا يستطاع جماعها لارتتاق ذلك الموضع منها "وهو كون الفرج مسدودا لا مسلك للذكر فيه" قاله في "الفروع" وغيره لأنه يمنع من استيفاء مقصود النكاح أشبه الجب والعنة ولأن المرأة أحد العوضين في النكاح فجاز ردها بعيب كالصداق.
"وكذلك القرن والعفل وهو لحم يحدث فيه يسده" كذا قيل أما القرن بفتح القاف والراء قرنت المرأة بكسر الراء تقرن قرنا بفتحها فيهما إذا كان في فرجها قرن وهو العظم أو غدة مانعة من سلوك الذكر وأما العفل بوزن فرس شيء يخرج من فرج المرأة وحياء الناقة شبيه بما يكون في خصية الرجل "وقيل القرن عظم والعفل رغوة فيه" بتثليث الراء ورغوة اللبن معروفة وزبد كل شيء رغوته "تمنع لذة الوطء" قاله أبو حفص وقال القاضي هما والرتق لحم ينبت في الفرج.
"الثاني: الفتق" قال الجوهري الفتق بالتحريك مصدر قولك امرأة فتقاء وهي المنفتقة الفرج خلاف الرتقاء "وهو انخراق ما بين السبيلين" وهو(7/97)
وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني الثالث مشترك بينهما وهو الجذام والبرص والجنون سواء كان مطبقا أو يخنق في الأحيان فهذه الأقسام يثبت بها خيار الفسخ رواية واحدة.
فصل
واختلف أصحابنا في البخر وهر نتن الفم وقال ابن حامد نتن في الفرج يثور عند الوطء،
ـــــــ
المذهب واعتمد عليه في "الفروع" وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني قدمه في "الكافي" لأن فيه تنفيرا أشبه انخراق ما بين السبيلين وفي "المحرر" إذا انخرق مخرجا البول والمني في الفرج فهل يثبت الخيار على وجهين.
"الثالث: مشترك بينهما وهو الجذام والبرص" لما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار فرأى بكشحها بياضا فقال الحقي بأهلك" فثبت الخيار بالبرص وباقي العيوب بالقياس عليه ولأنهما يثيران نفرة في النفس تمنع قربان أحدهما الآخر ويخشى تعديه إلى النفس والنسل "والجنون" لأنه يثير النفرة المذكورة ويخاف ضرره "سواء كان مطبقا" أي دائما "أو يخنق في الأحيان" أي يعتريه وقتا دون آخر لأن النفس لا تسكن إلى من هذه حاله وفي "الواضح" جنون غالب وفي "المغني" أو إغماء مريض لم يدم "فهذه الأقسام يثبت بها خيار الفسخ رواية واحدة" وهذا تصريح من المؤلف أنه لا خلاف عنه في ذلك. فصل
"واختلف أصحابنا في البخر وهو نتن الفم" على المذهب لأنه يثير نفرة كالبرص "وقال ابن حامد نتن في الفرج يثور عند الوطء" لأن النفرة حاصلة به قال في "المغني" إن أراد به أنه يسمى بخرا ويثبت الخيار وإلا(7/98)
واستطلاق البول والنجو والقروح السيالة في الفرج والباسور الناسور والحصاء وهو قطع الخصيتين والسل وهو سل البيضتين والوجاء وهو رضهما وفي كونه خنثى وفيما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله،
ـــــــ
فلا معنى له وذكر ابن عقيل في بخر روايتين.
فائدة: يستعمل له السواك ويأخذ كل يوم ينوي آس مع زبيب منزوع العجم قدر جوزة واستعمال الكرفس ومضغ النعناع جيد فيه.
"واستطلاق البول" أي لا يزال ينقض "والنجو" وهو الغائط "والقروح السيالة في الفرج" واحدها قرح بفتح القاف وضمها كالضعف والضعف "والباسور" وهو علة تخرج في المقعدة "والناسور" بالنون العرق الذي لا يزال ينقض "والخصاء" بالمد خصيت الفحل خصيا إذا سللت أنثيبه وقطعتهما أو قطعت ذكره "وهو قطع الخصيتين والسل وهو سل البيضتين والوجاء" بكسر الواو ممدودا "وهو رضهما" وفي "المطلع" وهو رض عروق البيضتين حتى تنفضخ فيكون شبيها بالخصاء.
"وفي كونه خنثى" سواء كان مشكلا أو لا قاله جماعة وخصه في "المغني" بالمشكل وفي "الرعاية" عكسه وفي ثبوت الخيار بذلك وجهان أحدهما لا يثبت لأن ذلك لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه أشبه العمى بل يقال إن الخصي أقدر على الجماع والخنثى فيه خلقة زائدة كاليد الزائدة والثاني بلى لأن فيه نقصا وعارا ويثير نفرة وألحق بذلك في "الموجز" بول كبيرة في الفراش والقرع في الرأس وله رائحة منكرة وجهان.
"وفي ما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله" لا خيار لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه والثاني وهو الأصح ثبوته لوجود سببه أشبه العبد المغرور بأمة لأن الإنسان قد يأنف من عيب غيره ولا يأنف من عيب نفسه وعلم منه أنه إذا اختلف العيب فيهما أنه يثبت الخيار إلا أن يجد المجبوب المرأة(7/99)
أوحدث به العيب بعد العقد هل يثبت الخيار على وجهين فإن علم بالعيب وقت العقد أوقال قد رضيت به معيبا.
ـــــــ
رتقاء فلا ينبغي أن يثبت لهما الخيار لامتناع الاستمتاع بعيب نفسه واختار في "الفصول" إن لم يطأ لبظر بها فرتقاء.
"أو حدث به العيب بعد العقد هل يثبت الخيار على وجهين" أحدهما واختاره القاضي وجزم به في "الوجيز" وصححه في "الشرح" يثبت الخيار لأنه عيب أثبت الخيار مقارنا فأثبته طارئا كالإعسار والرق والثاني لا وهو قول أبي بكر وابن حامد لأنه عيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد أشبه الحادث بالمبيع والأول أشبه لأنه ينتقض بالعيب الحادث في الإجارة.
تنبيه: علم مما سبق أنه لا فسخ بغير ذلك كعور وعمى وقطع يد بخلاف البيع وفي "الروضة" هل يحط من مهر المثل بقدر النقص فيه نظر وقيل لشيخنا لم فرق بين هذه العيوب وغيرها قيل قد علم أن عيوب الفرج المانعة من الوطء لا يرضى بها في العادة فإن المقصود من النكاح الوطء بخلاف اللون والطول والقصر وأن الحرة لا تقلب كما تقلب الأمة والزوج قد رضي رضى مطلقا وهو لم يشترط صفة فبانت بدونها والصواب أن له الفسخ وذكر صاحب "الهدي" في قطع يد أو رجل أو خرس أو طرش وكذا كل عيب لا يحصل به مقصود النكاح فوجب الخيار وانه أولى من البيع واختار بعض الشافعية رد المرأة بما ترد به الأمة في البيع حكاه أبو عاصم العبادي وقال أبو البقاء الشيخوخة في أحدهما عيب ولو بان عقيما فلا خيار نص عليه ونقل ابن منصور أعجب إلي أن يبين لها.
"فإن علم بالعيب وقت العقد أو قال قد رضيت به معيبا" فلا خيار له بغير خلاف نعلمه لأنه قد رضي به أشبه مشتري المبيع وإن ظنه يسيرا فبان كثيرا فلا خيار له بخلاف ما إذا رضي بعيب فبان غيره لأنه وجد به عيبا لم يرض به ولا يحسبه وإن رضي بعيب فزاد بعد العقد فلا خيار له لأن رضاه به رضى بما يحدث منه.(7/100)
أو وجد منه دلالة تدل على الرضى من وطء أوتمكين مع العلم بالعيب فلا خيار له ولا يجوز الفسخ إلا بحكم الحاكم فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر وإن فسخ بعده فلها المهر المسمى.
ـــــــ
"أو وجد منه دلالة على الرضى من وطء أو تمكين مع العلم بالعيب فلا خيار له" لأنه عيب يثبت الخيار فبطل بما ذكر كالعيب في المبيع وعلم منه أن خيار العيب والشرط على التراخي لا يسقط إلا بما يدل على الرضى من قول أو فعل إلا في العنة فإنه لا يسقط بغير القول وصرح به الأصحاب.
"ولا يجوز الفسخ إلا بحكم الحاكم" لأنه مجتهد فيه كالفسخ بالإعسار والعنة بخلاف خيار المعتقة تحت عبد فإنه متفق عليه فعليه بفسخه هو أو برده إلى من له الخيار وفي "الوجيز" يتولاه هو وإن فسخ مع عنيته أو فرق بين متلاعنين بعد عنيتهما ففيه خلاف في "الانتصار" وفي "الترغيب" لا يطلق على عنينين كولي في أصح الروايتين ولا تحرم أبدا وعنه: كلعان وقال الشيخ تقي الدين ليس هو الفاسخ وإنما يأذن ويحكم به فمتى أذن أو حكم لأحد باستحقاق عقد أو فسخ فهو فعله.
فرع: إذا زال العيب فلا فسخ وكذا إن علم حالة العقد ومنعه في "المغني" في عنين ذكره في المصراة قال في "الفروع" ويتوجه في غيره مثله.
"فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر" سواء كان الفاسخ الزوج أو الزوجة لأن الفسخ إن كان منها فالفرقة من جهتها يسقط مهرها كرضاع زوجة له أخرى وإن كان منه فإنما فسخ لعيب بها دلسه بالإخفاء فصار الفسخ كأنه منها لا يقال هلا جعل فسخها لعيبه كأنه منه لحصوله بتدليسه لأن العوض من الزوج في مقابلة منافعهما فإذا اختارت الفسخ مع بالإجماع ما عقد عليه رجع العوض إلى العاقد منهما وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج وإنما ثبت لها الخيار لأجل ضرر يلحقها لا لأجل تعذر ما استحقت عليه في مقابلته عوضا فافترقا.
"وإن فسخ بعده فلها المهر المسمى" على المذهب لأنه نكاح صحيح وجد(7/101)
وقيل عنه مهر المثل ويرجع به على من غره من المرأة والولي وعنه: لايرجع.
ـــــــ
بأركانه وشروطه فترتب عليه أحكام الصحة ولأن المهر يجب بالعقد ويستقر بالخلوة فلا يسقط بحادث بعده بدليل أنه لا يسقط بردتها وفيه مسمى صحيح فوجب كغير المعيبة والمعتقة تحت عبد وكما لو طرأ العيب.
"وقيل عنه مهر المثل" لأن الفسخ استند إلى العقد فصار كالعقد الفاسد وقيل عنه مهر المثل في فسخ الزوج لشرط أو عيب قديم وقيل فيه ينسب قدر نقص مهر المثل لأجل ذلك إلى مهر المثل كاملا فيسقط من المسمى بنسبته فسخ أو أمضى وقاسه في الخلاف على المبيع المعيب وفي مختصر ابن رزين مسمى بلاحق ومثل بسابق.
فرع: الخلوة هنا كالوطء في تقرير المهر ونحوه.
"ويرجع به على من غره من المرأة والولي" أو الوكيل رواه مالك عن عمر وكما لو غر بحرية أمة قال المؤلف والصحيح أن المذهب رواية واحدة أنه يرجع قال أحمد كنت أذهب إلى قول علي فهبته فملت إلى قول عمر.
"وعنه: لا يرجع" وهي قول أكثر العلماء لأنه ضمن ما استوفى بدله وهو الوطء فلا يرجع به على غيره كما لو كان المبيع معيبا فأكله فعلى الأول إن كان الولي علم غرم وإن لم يعلم رجع عليها بالصداق ويقبل قول الولي مع يمينه في عدم علمه بالعيب إلا أن تقوم عليه بينة بإقراره وقال القاضي إن كان أبا أو جدا أو ممن يجوز أن يراها فالتقرير في جهته علم أو لا ومثله الرجوع على الغار ولو زوج امرأة فأدخلوا عليه غيرها ويلحقه الولد وتجهز زوجته بالمهر الأول نص عليه.
فرع: إذا طلقها قبل الدخول ثم علم أنه كان بها عيب فعليه نصف الصداق وإن مات أو ماتت قبل العلم بالعيب فلها الصداق ولا يرجع فيهما وإذا بانت بالفسخ فلا سكنى لها ولا نفقة إن كانت حائلا كالبائن بالثلاث وإن كانت(7/102)
فصل
وليس لولي صغيرة أومجنونة ولا سيد أمة تزويجها معيبا ولا لولي كبيرة تزويجها به بغير رضاها فإن اختارت الكبيرة نكاح مجبوب أو عنين لم يملك منعها وإن اختارت نكاح مجنون أومجذوم أو أبرص فله منعها في أصح الوجهين.
ـــــــ
حاملا فلها النفقة للحمل والحمل لاحق به وقيل لا لأنها بائن وفي السكنى روايتان.
فصل
"وليس لولي صغيرة" حرة "أو مجنونة ولا سيد أمة تزويجها معيبا" لأنه ناظر لهم بما فيه الحظ ولا حظ لهن في هذا العقد فإن زوجهن مع العلم بالعيب لم يصح وإن لم يعلم به صح كما لو اشترى معيبا لا يعلم عيبه وقيل مطلقا وعكسه وهل له الفسخ إذن أو ينتظرها فيه وجهان وفي "الرعاية" الخلاف إن أجبرها بغير كفء وصححه في "الإيضاح" مع جهله ويخير ومثله تزويج صغير ومجنون بمعيبة "ولا لولي كبيرة تزويجها به بغير رضاها" بغير خلاف نعلمه لأنها تملك الفسخ إذا علمت به بعد العقد فالامتناع أولى فإن خالف وفعل صح مع جهله به والأصح له الفسخ إذا علم.
"فإن اختارت الكبيرة نكاح مجبوب أو عنين لم يملك منعها" في الأصح لأن الحق لها والضرر مختص بها والثاني له منعها لأنه ضرر دائم ربما أفضى إلى الشقاق فيتضرر وليها وأهلها فملك الولي منعها كما لو أرادت نكاح غيركفء قال أحمد ما يعجبني أن يزوجها بعنين وإن رضيت الساعة تكره إذا دخلت عليه لأن من شأنهن النكاح ويعجبهن من ذلك ما يعجبنا.
"وإن اختارت نكاح مجنون أو مجذوم أو أبرص فله منعها في أصح الوجهين" لأن فيه ضررا دائما وعارا عليها وعلى أهلها أشبه من تزويجها بغير كفء ولأنه يخشى تعديه إلى الولد والثاني لا يملك منعها لأن الحق(7/103)
وإن علمت العيب بعد العقد أو حدث به لم يملك إجبارها على الفسخ.
ـــــــ
لها أشبه المجبوب وعلى الأول على ذلك ورضيا به صح النكاح ويكره لهما ذلك لأنها وإن رضيت الآن تكره فيما بعد وقيل ولبقية الأولياء المنع لأن العار يلحقهم أشبه ما لو زوجها بغير كفء.
"وإن علمت العيب بعد العقد أو حدث به لم يملك إجبارها على الفسخ" ذكره الأصحاب لأن حق الولي في ابتداء العقد لا في دوامه لأنها لو دعت وليها أن يزوجها بعبد لم يلزمه إجابتها ولو عتقت تحت عبد لم يملك إجبارها على الفسخ.(7/104)
باب نكاح الكفار
وحكمه حكم نكاح المسلمين فيما يجب به وتحريم المحرمات ويقرون على الأنكحة المحرمة ما اعتقدوا حلها.
ـــــــ
باب نكاح الكفار
"وحكمه حكم نكاح المسلمين فيما يجب به وتحريم المحرمات" أنكحة الكفار يتعلق بها أحكام النكاح الصحيح من وقوع الظهار والإيلاء ووجوب المهر والقسم والإباحة للزوج الأول والإحصان وكذا وقوع الطلاق في قول الجمهور لأنه طلاق من بالغ عاقل في نكاح صحيح فوقع كطلاق المسلم ودليل صحته قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4] و{ امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: من الآية11] وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولدت من نكاح لا من سفاح" وإذا ثبت صحتها ثبت أحكامها كأنكحة المسلمين فعلى هذا لو طلق الكافر ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج وأصابها ثم أسلما لم يقرا عليه ولو طلقها أقل من ثلاث ثم أسلما فهي عنده على ما بقي من طلاقها ويحرم عليهم ما يحرم على المسلمين كما ذكر في بابه.
"ويقرون على الأنكحة المحرمة ما اعتقدوا حلها" في شرعهم "ولم يرتفعوا(7/104)
ولم يرتفعوا إلينا وعنه: في مجوسي تزوج كتابية أو اشترى نصرانية يحول بينهما الإمام فيخرج من هذا أنهم لا يقرون على نكاح محرم وإن أسلموا وترفعوا إلينا في ابتداء العقد لم نمضه إلا على الوجه الصحيح وإن كان في أثنائه لم نتعرض لكيفية عقدهم بل إن كانت المرأة ممن لايجوز ابتداء نكاحها كذات محرمه ومن هي في عدتها أو شرط الخيار في
ـــــــ
إلينا" هذا هو المذهب لأنه أسلم الخلق الكثير في زمنه عليه السلام فأقرهم على أنكحتهم ولم يكشف عن كيفيتها خصوصا أهل هجر لعلمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم ولأن ما لا يعتقدون حله ليس من دينهم فلا يقرون عليه كالزنى قال أحمد فيمن عقد على ذات محرم إنه يقر مالم يرتفعوا إلينا.
"وعنه: في مجوسي تزوج كتابية واشترى نصرانية يحول بينهما الإمام" لأنه لا مساغ له عندنا ولأن علينا ضررا في ذلك بتحريم أولاد النصرانية علينا ولأنه نكاح فاسد أشبه نكاح المسلم الفاسد "فيخرج من هذا أنهم لا يقرون على نكاح محرم" وأن يحال بينهم وبين نكاح محارمهم لقول عمر فرقوا بين كل رحم من المجوس وقال أحمد في مجوسي ملك أمة نصرانية يحال بينه وبينها ويجب عليه بيعها لأن النصارى لهم دين فلو ملك نصراني مجوسية فلا بأس أن يطأها وقال أبو بكر لا يباح لما فيه من الضرر.
"فإن أسلموا" وأتونا "أو ترافعوا إلينا" قبل إسلامهم "في ابتداء العقد" لنعقده لهم "لم نمضه إلا على الوجه الصحيح" كأنكحة المسلمين من الإيجاب والقبول والولي والشهود لأنه لا حاجة إلى عقد يخالف ذلك قال الله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: من الآية42] أي بالعدل "وإن كان في أثنائه" حتى ولو أسلم الزوجان فإن كانت المرأة تباح إذن كعقده في عدة فرغت أو بلا شهود نص عليهما أو بلا ولي وصيغة أو على أخت ماتت "لم نتعرض لكيفية عقدهم" بغير خلاف نعلمه قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا في حالة واحدة أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع "بل إن كانت المرأة ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كذات محرمه ومن هي في عدتها أو شرط الخيار في نكاحها(7/105)
نكاحها متى شاءت أو مدة هما فيها أو مطلقته ثلاثا فرق بينهما وإلا أقرا على النكاح وإن قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته واعتقدا نكاحا أقرا وإلا فلا وإن كان المهر مسمى صحيحا أو فاسدا قبضته استقر وإن كان فاسدا لم تقبضه فرض لها مهر المثل.
ـــــــ
متى شاء أو مدة هما فيها أو مطلقته ثلاثا فرق بينهما" لأن الاستدامة أضعف من الابتداء فإذا لم يجز الابتداء وهو أقوى فلأن لا تجوز الاستدامة وهي أضعف بطريق الأولى وكذا إن كان بينهما نكاح متعة.
فإن اعتقدا فساد الشرط وحده أقرا "وإلا أقرا على النكاح" لعدم وجود ما يبطله وعنه: يعتبر في المفسد مؤبدا أو مجمعا عليه فإذا أسلما والمرأة بنته من رضاع أو زنى أو هي في عدة مسلم متقدمة على القعد فرق بينهما وإن كانت من كافر فروايتان منصوصتان وفي حبلى من زنى وشرط الخيار فيه مطلقا أو إلى مدة هما فيها وجهان.
"وإن قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته واعتقداه نكاحا" ثم أسلما "أقرا" لأن المصحح له اعتقاده الحل وهو موجود هنا كالنكاح بلا ولي "وإلا فلا" أي إذا لم يعتقاه لم يقرا عليه لأنه ليس من أنكحتهم.
وحكم أهل الذمة كذلك جزم به في "المغني" وفي "الترغيب" لا يقرون "وإن كان المهر المسمى صحيحا" قبض أو لم يقبض "أو فاسدا قبضته استقر" لأنه لا يتعرض إلى ما فعلوه يؤكده قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: من الآية275] ولأن التعرض للمقبوض بإبطاله يسبق لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام ولأن في التعرض إليهم تنفيرا لهم عن الإسلام فعفي عنه كما عفي عما تركوه من الفرائض ولأنهم تقابضوا بحكم الشرك فرئت ذمة من عليه منه كما لو تبايعوا بيعا فاسدا وتقابضوا.
"وإن كان فاسدا" كالخمر "لم تقبضه" ولم يسم لها شيء "فرض لها مهر المثل" لأنه يجب في التسمية الفاسدة إذا كانت الزوجة مسلمة فكذا الكافرة ولأن الخمر لا قيمة لها في الإسلام فوجب مهر المثل.(7/106)
فصل
وإذا أسلم الزوجان معا، أو أسلم زوج الكتابية، فهما على نكاحهما،
ـــــــ
وعنه: لا شيء لها في خمر وخنزير معين ولها في غيرمعين قيمته ذكرها القاضي فلو أسلما فانقلبت خلا وطلق ففي رجوعه بنصفه وجهان ولو تلف الخل ثم طلق ففي رجوعه بنصف مثله احتمالان.
فرع: إذا قبضت بعض المسمى الفاسد وجب قسط ما بقي من مهر المثل وتعتبر الحصة فيما يدخله الكيل أو الوزن به وفي معدود قيل بعده وقيل بقيمته عندهم ولا يرجع بما أنفقه من خمر ونحوه كما لو كان مهرا قبضته ذكره في "الروضة".
مسألة: قال أحمد في المجوسية تكون تحت أخيها أو أبيها فيطلقها أو يموت عنها فترفع إلى المسلمين لا مهر لها لأنه باطل من أصله لا يقر عليه في الإسلام فإن دخل بها فهل يجب مهر المثل يخرج على الخلاف في المسلم إذا وطئ امرأة من محارمه بشبهة انتهى فلو تزوج ذمي ذمية على أن لا صداق لها أو سكت عن ذكره فلها المطالبة بفرضه قبل الدخول وبعده يجب مهر المثل.
فصل
"وإذا أسلم الزوجان معا" بأن تلفظا بالإسلام دفعة واحدة فهما على نكاحهما إجماعا لأن اختلاف الدين مفسد للنكاح بمجرد سبق أحدهما وقيل يقف على المجلس بدليل القبض لأن اتفاقهما على النطق بكلمة الإسلام معا متعذر فلو اعتبر ذلك لوقعت الفرقة بين كل مسلمين إلا في الشاذ النادر.
"أو اسلم زوج الكتابية" سواء كان كتابيا أوغير كتابي قبل الدخول أو بعده "فهما على نكاحهما" لأن نكاح الكتابية يجوز ابتداؤه فالاستمرار أولى.(7/107)
وإن أسلمت الكتابية أو أحد الزوجين غير الكتابيين قبل الدخول يفسخ النكاح فإن كانت هي المسلمة فلا مهر لها وإن أسلم قبلها فلها نصف المهر وعنه: لا مهر لها وإن قالت أسلمت قبلي وأنكرها فالقول قولها وإن قال أسلمنا معا فنحن على النكاح فأنكرته فعلى وجهين،
ـــــــ
"وإن أسلمت الكتابية أو أحد الكتابيين" كالوثنيين والمجوسيين "قبل الدخول يفسخ النكاح" لقوله تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: من الآية10] {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: من الآية10] إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ولأن دينها اختلف فلم يجز استمراره كابتدائه وتعجلت الفرقة وكان ذلك فسخا لا طلاقا كالردة.
"فإن كانت هي المسلمة فلا مهر لها" رجحه في "الشرح" وقدمه في "الفروع" لأن الفرقة من جهتها أشبه مالو ارتدت وعنه: لها نصفه اختاره أبو بكر لأن الفرقة حصلت منه بامتناعه من الإسلام وهي فعلت الواجب عليها كما لو علق طلاقها على الصلاة فصلت. وفرق المؤلف بينهما من حيث إن التعليق من جهة الزوج بخلاف الإسلام فإنه لا أثر له فيه البتة وعنه: إن سبقها اختاره الأكثر.
"وإن أسلم قبلها فلها نصف المهر" على المذهب لأن الفرقة حصلت من جهته أشبه ما لو طلقها "وعنه: لا مهر لها" لأن الفرقة حصلت بتأخرها عن الإسلام فكان من جهتها ولأن في إيجاب المهر عليه تنفيرا له عن الإسلام لأنه يجتمع عليه فسخ النكاح مع وجوب المهر.
"وإن قالت أسلمت قبلي وأنكرها فالقول قولها" لأنها تدعي استحقاق شيء أوجبه العقد وهو يدعي سقوطه فلم يقبل قوله لأن الأصل عدمه وهذا تفريع على أنها تستحق نصف المهر إذا سبقها بالإسلام وأما على الأخرى فلا.
"وإن قال أسلمنا معا فنحن على النكاح فأنكرته فعلى وجهين" كذا(7/108)
وإن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة فإن أسلم الثاني قبل انقضائها فهما على نكاحهما وإلا تبينا أن الفرقة وقعت حين
ـــــــ
أطلقهما في "المحرر" و "الفروع" أحدهما وجزم به في "الوجيز" أنه يقبل قوله لأن الأصل بقاء النكاح والثاني يقبل قولها لأن الظاهر معها إذ يبعد اتفاق الإسلام منهما دفعة واحدة وإن قيل العبرة بالمجلس فينبغي أن يقبل قوله لأن العمل بالظاهر متعين.
فرع: إذا قالا سبق أحدنا ولا نعلم عينه فلها نصف المهر قاله أبو الخطاب وقدمه في "الفروع" وقال القاضي إن لم تكن قبضت فلا شيء لها لأنها تشك في استحقاقه وإن كان بعد القبض لم يرجع عليها لأنه يشك في استحقاق الرجوع.
"وإن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة فإن اسلم الثاني قبل انقضائها فهما على نكاحهما" هذا هو المشهور قال أبو بكر رواه عنه خمسين رجلا واختاره عامة الأصحاب لما روى ابن شبرمة قال كان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبله فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما.
وروي أن بنت الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت ثم أسلم صفوان فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما قال ابن شهاب وكان بينهما نحو من شهر رواه مالك قال ابن عبد البر وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده وقال ابن شهاب وأسلمت أم حكيم وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن فارتحلت إليه ودعته إلى الإسلام فأسلم وقدم فبايع النبي صلى الله عليه وسلم فبقيا على نكاحهما قال الزهري ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت وزوجها مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها روى ذلك مالك.
"وإلا" أي وإن لم يسلم الثاني قبل انقضائها "تبينا أن الفرقة وقعت حين(7/109)
أسلم الأول فعلى هذا لو وطئها في عدتها ولم يسلم فعليه المهر وإن أسلم فلا شيء لها وإذا أسلمت قبله فلها نفقة العدة وإن كان هو المسلم فلا نفقة لها فإن اختلفا في السابق منهما فالقول قولها في أحد الوجهين وعنه: أن الفرقة تتعجل بإسلام أحدهما كما قبل الدخول،
ـــــــ
أسلم الأول" لأن سبب الفرقة اختلاف الدين فوجب أن تحتسب الفرقة منه كالطلاق "فعلى هذا لو وطئها في عدتها ولم يسلم الثاني فعليه المهر" لأنه تبينا أنه وطئ في غير ملك ويؤدب "وإن أسلم فلا شيء لها" لأنه وطئها في نكاحه "وإذا أسلمت قبله فلها نفقة العدة" لأنها محبوسة بسببه فكان لها النفقة لكونه يتمكن من استمتاعها كالرجعية وسواء أسلم في عدتها أو لا "وإن كان هو المسلم فلا نفقة لها" لأنه لا سبيل إلى تلافي نكاحها أشبهت البائن "فإن اختلفا في السابق منهما فالقول قولها في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و "الفروع" لأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعي سقوطها.
والثاني: يقبل قوله لأن النفقة إنما تجب بالتمكين من الاستمتاع والأصل عدمه فإن قال أسلمت بعد شهرين من إسلامي فلا نفقة لك فيهما وقالت بعد شهر فالقول قوله فأما إن ادعى هو ما يفسخ النكاح وأنكرته انفسخ.
فرع: لو لاعن ثم اسلم صح لعانه وإلا فسد ففي الحد إذن وجهان وفي "الترغيب" لهما فيمن ظن صحة نكاح فلاعن ثم بان فساده.
"وعنه أن الفرقة تتعجل بإسلام أحدهما كما قبل الدخول" اختارها الخلال وصاحبه وقدمها السامري وابن حمدان ونصرها ابن المنذر لقوله تعالى: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: من الآية10] الآية وهي تدل من وجه عموم {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: من الآية10]
فأمر برد المهر ولو لم تقع الفرقة باختلاف الدين لما أمر برد المهر وقوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: من الآية10] وأباح نكاحهن على الإطلاق وقوله: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: من الآية10](7/110)
...............................................................................................
ـــــــ
يكون منسوخا بهذه الآية والجواب بأن المراد في حال كفرهم بدليل قوله {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: من الآية10] وبأنه يجب دفع المهر إلى الزوج إذا جاء وإن كان قبل انقضاء عدتها ثم نسخ وجوب دفع المهر إليه وبأنه محمول على ما بعد العدة.
والثالثة: الوقف بإسلام الكتابية والانفساخ بغيرها.
والرابعة: الوقف مطلقا وظاهره أن الفرقة حيث تقع تقع في الحال ولا يحتاج إلى حاكم ولا إلى عرض الزوج على الإسلام ولا فرق بين دار الإسلام وغيرها نص عليه لأن أبا سفيان أسلم بمر الظهران ثم أسلمت امرأته بمكة فأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم على نكاحهما ولأنه عقد معاوضة فلم ينفسخ باختلاف الدار كالبيع.
تنبيه: إذا أسلم أحدهما وتخلف الآخر حتى انقضت العدة انفسخ النكاح في قول عامتهم وعن أحمد ترد إلى زوجها وإن طالت المدة وهو قول النخعي لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رد زينب على زوجها أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحا رواه أحمد وأبو داود والترمذي ولفظه له وقال ليس بإسناده بأس وصححه أحمد:
وجوابه: بأنه يحتمل أن يكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار أو تكون حاملا استمر حملها أو مريضة لم تحض ثلاث حيض حتى أسلم زوجها أو تكون ردت إليه بنكاح جديد رواه أحمد والترمذي عن الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بنكاح جديد ومهر جديد قال أحمد هذا ضعيف وقال الدارقطني لا يثبت وقال يزيد بن هارون حديث ابن عباس أجود إسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعيب.
واختار الشيخ تقي الدين أنها إذا أسلمت قبله بقاء نكاحه قبل الدخول وبعده ما لم تنكح من غيره والأمر إليها ولا حكم له عليها ولا حق عليه لأن الشارع(7/111)
وأما الصداق فواجب بكل حال.
فصل
وإن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر لها إن كانت هي المرتدة وإن كان هو المرتد فلها نصف المهر وإن كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة أو تقف على انقضاء العدة على روايتين،
ـــــــ
لم يستفصل وهو مصلحة محضة وكذا عبده إن أسلم قبلها وليس له حبسها وأنها متى أسلمت ولو قبل الدخول وبعد العدة فهي امرأته إن اختار.
"وأما الصداق فواجب" بعد الدخول "بكل حال" يعني إذا وقعت الفرقة بإسلام أحدهما بعد الدخول يجب لها المهر لأنه استقر بالدخول فإن كان صحيحا أو فاسدا قبضته استقر وإن كان فاسدا لم تقبضه أو لم يسم لها شيء فلها مهر المثل.
فصل
"وإن ارتد أحد الزوجين" أو هما معا "قبل الدخول انفسخ النكاح" في قول عامتهم لقوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: من الآية10] ولأنه اختلاف دين يمنع الإصابة فأوجب فسخ النكاح كما لو أسلمت تحت كافر ولا مهر لها إن كانت هي المرتدة لأن الفسخ من قبلها.
"وإن كان هو المرتد فلها نصف المهر" لأن الفسخ من جهته أشبه طلاقها قبل الدخول وإن كانت التسمية فاسدة فلها نصف مهر المثل.
"وإن كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة أو تقف على انقضاء العدة على روايتين" كذا في "الكافي" و "المحرر" و "الفروع" إحداهما تتعجل الفرقة روي عن الحسن وعمر بن عبد العزيز والثوري لأن ما أوجب فسخ النكاح استوى فيهما قبل الدخول وبعده كالرضاع والثانية وهي أشهر تقف على انقضاء العدة كإسلام الحربية تحت الحربي والرضاع تحريم المرأة(7/112)
فإن كان هو المرتد فلها نفقة العدة وإن كانت هي المرتدة فلا نفقة لها وإن انتقل أحد الكتابيين إلى دين لا يقر عليه فهو كردته.
فصل
وإن أسلم كافر وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه اختار منهن أربعا وفارق سائرهن،
ـــــــ
على التأبيد فلا فائدة في تأخير الفسخ إلى ما بعد انقضاء العدة.
"فإن كان هو المرتد فلها نفقة العدة" لأنه يمكنه تلافي نكاحها بإسلامه فهي كزوج الرجعية "وإن كانت هي المرتدة فلا نفقة لها" لأنه لا سبيل إلى تلافي نكاحها فلم يكن لها نفقة كما بعد العدة.
تتمة: إذا وطئها أو طلق ولم تتعجل الفرقة ففي المهر ووقوع الطلاق خلاف في "الانتصار".
"وإن انتقل أحد الكتابيين إلى دين لا يقر عليه" أو تمجس كتابي تحته كتابية "فهو كردته" بغير خلاف نعلمه لأنه انتقل إلى دين لا يقر عليه أهله بالجزية أشبه عبادة الأوثان وإن تمجست دونه فوجهان وظاهره أنه إذا انتقل إلى دين يقر عليه كاليهودي يتنصر فنص أحمد أنه يقر وهو ظاهر الخرقي واختاره الخلال وصاحبه لأنه لم يخرج عن دين أهل غير المنتقل والثانية لا يقر لأنه انتقل إلى دين قد أقر ببطلانه فهو كالمرتد.
فرع: من هاجر إلينا بذمة مؤبدة أو مسلما أو مسلمة والآخر بدار الحرب لم ينفسخ النكاح.
فصل
"وإن أسلم كافر وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه" وكن كتابيات "اختار منهن" ولو كان محرما بحج أو عمرة خلافا للقاضي "أربعا" ولو من شاب إن كان مكلفا وإلا وقف الأمر حتى يكلف "وفارق سائرهن" لقوله عليه(7/113)
فإن لم يختر أجبر عليه وعليه نفقتهن إلا أن يختار فإن طلق إحداهن،
ـــــــ
السلام لغيلان بن سلمة وقد أسلم على عشر نسوة فأسلمن معه فأمره أن يختار منهن أربعا رواه الترمذي وابن ماجه وفي لفظ: "اختر منهن أربعا وفارق سائرهن" روى أبو داود وابن ماجه عن قيس بن الحارث معناه وهو من رواية محمد بن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل وقد ضعفا وسواء تزوجهن في عقد واحد أو عقود اختار الأوائل أو الأواخر. ولفظ الاختيار نحو اخترت هؤلاء أو أمسكتهن أو اخترت حبسهن أو نكاحهن أو أمسكت هؤلاء أو تركت هؤلاء فإن أسقط اخترت فظاهر كلام بعضهم يلزمه فراق بقيتهن والمهر لمن انفسخ نكاحها بالاختيار ولا مدخل للقرعة هنا لأنها قد تقع على من لا يحبها فيفضي إلى تنفيره ولا يصح تعليقها بشرط.
وعدة المتروكات منذ اختار لأن البينونة حصلت به وقيل منذ أسلم لأن البينونة الحقيقية حصلت بالإسلام وإنما الاختيار بين محلها فإن أسلم البعض وليس الباقي كتابيات ملك إمساكا وفسخا في مسلمة فقط وله تعجيل إمساك مطلقا وتأخيره حتى تنقضي عدة البقية أو يسلمن.
"فإن لم يختر أجبر عليه" لأنه حق عليه يمكنه فعله وهو يمتنع منه فأجبر عليه كإيفاء الدين وظاهره أنه يجبر عليه بحبس ثم تعزير وليس للحاكم أن يختار عنه كما يطلق على المولى لأن الحق هنا لغير معين "وعليه نفقتهن إلى أن يختار" لأنهن محبوسات عليه وهن في حكم الزوجات فإن طلق إحداهن فقد اختارها في الأصح لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة فإن قال فارقت أو أخترت هؤلاء فإن لم ينو به الطلاق كان اختيارا لغيرهن للخبر لأنه يدل على أن لفظ الفراق صريح فيه وقيل اختيار للمفارقات ثم الإطلاق والأول أولى واختار في "الترغيب" أن لفظ الفراق هنا ليس طلاقا ولا اختيارا(7/114)
أو وطئها كان اختيارا لها وإن طلق الجميع ثلاثا أقرع بينهن فأخرج بالقرعة أربع منهن وله نكاح البواقي وإن ظاهر أو آلى من احداهن فهل يكون اختيارا لها على وجهين وإن مات فعلى الجميع عدة الوفاة ويحتمل أن يلزمهن أطول الأمرين من ذلك أو ثلاثة قروء،
ـــــــ
للخبر فإن نوى به طلاقا كان طلاق واختيارا "أو وطئها كان اختيارا لها" في قياس المذهب لأنه لا يجوز إلا في ملك كوطء الجارية المبيعة بشرط الخيار وفي "الواضح" وجه كرجعة بناء على أن الوطء في حق المطلقة الرجعية لا يوجب الرجعة.
"وإن طلق الجميع ثلاثا أقرع بينهن فأخرج بالقرعة أربع منهن" لأن ذلك فائدة الإقراع "وله نكاح البواقي" لأنهن لم يطلقن منه وشرطه أن تنقضي عدة المطلقات ذكره في "المغني" و "الشرح" لئلا يكون جامعا بين أكثر من أربع وقيل لا قرعة ويحرمن إلا بعد زوج وإن وطئ الكل تعين الأول.
فرع: أسلم ثم طلق الجميع ثم أسلمن في العدة اختار منهن أربعا فإذا اختار تبينا أن طلاقه وقع بهن لأنهن زوجات ويعتددن من حين طلاقه وبان البواقي باختياره لغيرهن ولا يقع بهن طلاقه وله نكاح أربع منهن إذا انقضت عدة المطلقات والفرق بينها وبين التي قبلها أن طلاقهن قبل إسلامهن في زمن ليس له الاختيار فيه فإذا أسلمن تجدد له الاختيار حينئذ.
"وإن ظاهر أو آلى من إحداهن فهل يكون اختيارا لها على وجهين" كذا أطلقهما في "المحرر" و "الفروع" أحدهما لا يكون اختيارا جزم به في "الكافي" و "الوجيز" لأنه يصح في غير زوجته.
والثاني: بلى لأن حكمه لا يثبت في غيرزوجه فإن قذفها لم يكن اختيارا "وإن مات" ولم يختر "فعلى الجميع عدة الوفاة" قدمه في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" لأن الزوجات لم يتعين منهن "ويحتمل أن يلزمهن أطول الأمرين من ذلك أو ثلاثة قروء" وقاله القاضي في "المجرد" وإن كانت(7/115)
والميراث لأربع منهن بالقرعة وإن أسلم وتحته أختان اختار منهما واحدة،
ـــــــ
حاملا فعدتها بوضعه لأن ذلك تنقضي به العدة بكل حال وإن كانت آيسة أو صغيرة فعدتها عدة الوفاة لأنها أطول العدتين في حقها وإن كانت من ذوات الأقراء اعتدت أطول الأجلين من ثلاثة أقراء أو أربعة أشهر وعشرا لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مختارة وعدتها عدة الوفاة أو مفارقة وعدتها ثلاثة قروء فأوجبنا أطولهما لتقضى به العدة بيقين كما لو نسي صلاة من خمس ذكره في "المغني" و "الكافي" وقال في "الشرح" عن القول الأول لا يصح وحكاهما في "الفروع" قولين من غير ترجيح.
"والميراث لأربع منهن بالقرعة" في قياس المذهب لأن الميراث بالزوجية ولا زوجية فيما زاد على الأربع فإن اخترن الصلح جاز كيفما اصطلحن.
فرع: إذا أسلمن معه ثم متن قبل اختياره فله أن يختار منهن ويكون له ميراثهن ولا يرث الباقيات وإن مات بعضهن فله الاختيار من الأحياء والأموات ولو أسلم بعضهن فمتن ثم أسلم البواقي فله الاختيار من الجميع وإن لم يسلم البواقي لزم النكاح في الميتات وإن وطئ الجميع قبل إسلامهن ثم أسلمن فاختار أربعا فليس لهن إلا المسمى ولسائرهن المسمى بالعقد الأول ومهر المثل للوطء الثاني وإن وطئهن بعد اسلامهن فالموطوءات أولا المختارات والباقي أجنبيات والحكم في المهر على ما تقدم.
"وإن أسلم وتحته أختان اختار منهما واحدة" لما روى الضحاك بن فيروز عن أبيه قال أسلمت وعندي امرأتان أختان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر أيتهما شئت" رواه الترمذي وفي رواية أحمد وأبي داود قال فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أطلق إحداهما ولأن أنكحة الكفار صحيحة.
وإنما حرم الجمع في الإسلام ما لو طلق إحداهما قبل إسلامه ثم أسلم والأخرى في حباله وكذا الحكم في المرأة وعمتها أو خالتها لأن المعنى في الجميع واحد وإن أسلمت إحداهما معه قبل المسيس تعينت وقيل إن لم تكن الأخرى كتابية(7/116)
وإن كانتا أما وبنتا فسد نكاح الأم وإن كان دخل بالأم فسد نكاحهما.
فصل
وإن أسلم وتحته إماء فأسلمن وكان في حال اجتماعهم على الإسلام فمن يحل له نكاح الإماء فله الاختيار منهن وإلا فسد نكاحهن،
ـــــــ
"وإن كانتا أما وبنتا فسد نكاح الأم" وحرمت على الأبد لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل نكح امرأة دخل بها أو لم يدخل فلا تحل له أمها" رواه ابن ماجه ولأنها من أمهات نسائه فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: من الآية23] ولأنها أم زوجته فتحرم عليه كما لو طلق ابنتها في حال شركه "وإن كان دخل بالأم فسد نكاحهما" وحرمتا على الأبد حكاه ابن المنذر إجماعا والمهر للأم قاله في "الترغيب" وغيره.
فصل
"وإن أسلم وتحته إماء فأسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على الإسلام فمن يحل له نكاح الإماء" أي يكون عادما للطول خائفا العنت "فله الاختيار منهن" لأن شروط النكاح تعتبر في وقت الاختيار أي فيختار واحدة وإن كانت لا تعفه فله أن يختار منهن من تعفه في إحدى الروايتين والأخرى لا يختار إلا واحدة "وإلا فسد نكاحهن" أي إذا لم يوجد الشرطان فإنه يفسد نكاح الكل ولم يكن له أن يختار لأنه لا يجوز ابتداء العقد عليها حال الإسلام فلم يملك اختيارها كالمعتدة وإن كان دخل بهن ثم أسلم ثم أسلمن في عدتهن فالحكم كذلك.
وقال أبو بكر لا يجوز هنا أن يختار بل تبين بمجرد إسلامه وإن لم يسلمن إلا بعد العدة انفسخ نكاحهن وإن كن كتابيات.(7/117)
وإن كانتا أما وبنتا فسد نكاح الأم وإن كان دخل بالأم فسد نكاحهما.
فصل
وإن أسلم وتحته إماء فأسلمن وكان في حال اجتماعهم على الإسلام فمن يحل له نكاح الإماء فله الاختيار منهن وإلا فسد نكاحهن،
ـــــــ
"وإن كانتا أما وبنتا فسد نكاح الأم" وحرمت على الأبد لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل نكح امرأة دخل بها أو لم يدخل فلا تحل له أمها" رواه ابن ماجه ولأنها من أمهات نسائه فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: من الآية23] ولأنها أم زوجته فتحرم عليه كما لو طلق ابنتها في حال شركه "وإن كان دخل بالأم فسد نكاحهما" وحرمتا على الأبد حكاه ابن المنذر إجماعا والمهر للأم قاله في "الترغيب" وغيره.
فصل
"وإن أسلم وتحته إماء فأسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على الإسلام فمن يحل له نكاح الإماء" أي يكون عادما للطول خائفا العنت "فله الاختيار منهن" لأن شروط النكاح تعتبر في وقت الاختيار أي فيختار واحدة وإن كانت لا تعفه فله أن يختار منهن من تعفه في إحدى الروايتين والأخرى لا يختار إلا واحدة "وإلا فسد نكاحهن" أي إذا لم يوجد الشرطان فإنه يفسد نكاح الكل ولم يكن له أن يختار لأنه لا يجوز ابتداء العقد عليها حال الإسلام فلم يملك اختيارها كالمعتدة وإن كان دخل بهن ثم أسلم ثم أسلمن في عدتهن فالحكم كذلك.
وقال أبو بكر لا يجوز هنا أن يختار بل تبين بمجرد إسلامه وإن لم يسلمن إلا بعد العدة انفسخ نكاحهن وإن كن كتابيات.(7/118)
وإن أسلم عبد وتحته إماء فأسلمن ثم عتق فله أن يختارمنهن فإن أسلم وعتق ثم أسلمن فحكم حكم الحر لا يجوز أن يختار منهن إلا بوجود الشرطين فيه.
ـــــــ
نكاحها قبل الطلاق.
"وإن أسلم عبد وتحته إماء فأسلمن معه" أو في العدة "ثم عتق فله أن يختار منهن" اثنتين لأنه حال اجتماعهم على الإسلام كان عبدا يجوز له الاختيار من الإماء "فإن أسلم وعتق ثم أسلمن فحكمه حكم الحر لا يجوز أن يختار منهن إلا بوجود الشرطين فيه" لأنه في حال اجتماعهم في الإسلام كان حرا فيشترط في حقه ما يشترط في حق الحر وحينئذ يلزمه نكاح أربع لثبوت خياره حرا ولو أسلم على أربع فأسلمت ثنتان ثم عتق فأسلمتا فهل تتعين الأوليان فيه وجهان ولا مهر بالفسخ قبل الدخول.(7/119)
كتاب الصداق
كتاب الصداق
...
كتاب الصداق
وهو مشرةع في النكاح ويستحب تخفيفه.
ـــــــ
كتاب الصداق
وهو العوض المسمى في النكاح وفيه لغات صداق بفتح الصاد وكسرها وصدقة بفتح الصاد وضم لدال وصدقة بسكون الدال فيهما مع ضم الصاد وفتحها وله أسماء الصداق والصدقة والمهر والنحلة والفريضة والأجر والعلائق والعقر والحباء وقد نظمت في بيت وهو قوله:
صداق ومهر نحلة وفريضة ... حباء وأجر ثم عقر علائق
يقال أصدقت المرأة ومهرتها ولا يقال أمهرتها قاله في "المغني" وفي "النهاية".
"وهو مشروع في النكاح" لقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: من الآية4] وقيل النحلة الهبة والصداق في معناها وقيل نحلة من الله تعالى للنساء وقوله تعالى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: من الآية24] وقوله عليه السلام: "فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها" وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال: "مهيم فقال يا رسول الله تزوجت امرأة قال: "ما أصدقتها" قال وزن نواة من ذهب" رواه الجماعة قوله وزن نواة هو اسم لما زنته خمسة دراهم ذهبا كان أو فضة وقيل كانت قدر نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم ونصف وقيل كانت ربع دينار.
"ويستحب تخفيفه" لقوله عليه السلام: "أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة" رواه أحمد وفيه ضعف وقال عمر لا تغالوا في صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه.(7/120)
وإلا يعرى النكاح عن تسميته وألا يزيد على صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته وهو خمسمائة درهم ولا يتقدر أقله ولا أكثره.
ـــــــ
"وألا يعرى النكاح عن تسميته" بل يستحب تسميته في العقد لأنه عليه السلام كان يزوج ويتزوج ولم يكن يخلي ذلك من صداق مع أنه كان عليه السلام له أن يتزوج بلا مهر وقال للذي زوجه الموهوبة: "هل من شيء تصدقها" قال: لا، قال: "التمس ولو خاتما من حديد" ولأنه أقطع للنزاع وليس ذكره شرطا وفاقا لقوله تعالى: {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: من الآية236] ولأن القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع وبالغ في "التبصرة" فكره تركه وذكر الطحاوي أن كثيرا من أهل المدينة يبطلون هذا النكاح إذا خوصموا فيه قبل الدخول.
"وألا يزيد على صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته وهو خمسمائة درهم" وقال في "المستوعب" لما روى مسلم من حديث عائشة أن صداق النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجه خمسمائة درهم وفي "الرعاية" و "الوجيز" و "الفروع" ألا يزيد على مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته من أربعمائة إلى خمسمائة وقدم في "الترغيب" لا يزاد على مهر بناته أربعمائة درهم لما روى أبو العجفاء قال سمعت عمر يقول ما أصدق النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه لكن أبو العجفاء فيه ضعف.
"ولا يتقدر أقله" وقاله الأوزاعي والليث لقوله عليه السلام: "التمس ولو خاتما من حديد" وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجازه" رواه الترمذي وقال حسن صحيح وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين ولأنه بدل منفعتها فجاز ما تراضيا عليه من المال كالبيع.
"ولا أكثره" بالإجماع قاله ابن عبد البر لقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ(7/121)
بل كل ماجاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا من قليل أوكثير وعين ودين ومعجل ومؤجل ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة معلومة وخياطة ثوب ورد عبدها من موضع معين.
ـــــــ
اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} [النساء: من الآية20] يؤيده ما روى أبو حفص بإسناده أن عمر أصدق أم كلثوم بنت علي أربعين ألفا وقال عمر خرجت أنا أريد أن أنهى عن كثرة الصداق فذكرت هذا {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارا} قال أبو صالح القنطار مائة رطل وقال أبو سعيد بل ملء مسك ثوب هنا وقال مجاهد سبعون ألف مثقال بل كل ما جاز أن يكون ثمنا أو أجرة جاز أن يكون صداق من قليل أو كثير لأنه أحد العوضين أشبه عوض البيع لكن قال جماعة ولنصفه قيمة قال في "المغني" و "الشرح" يشترط أن يكون له نصف يتمول عادة بحيث إذا طلقها قبل الدخول بقي لها من النصف مال حلال وفي "الروضة" له أوسط النقود ثم أدناها.
"وعين ودين ومعجل ومؤجل ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة معلومة" لقوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: من الآية27] ولأنها منفعة معلومة يجوز العوض عنها في الإجارة فجازت صداقا كمنفعة العبد وظاهره أن منفعة الحر كالمملوك لقوله عليه السلام: "أنكحوا الأيامى وأدوا العلائق قيل ما العلائق يا رسول الله قال: "ما تراضى به الأهلون ولو قضيب من أراك".
رواه الدار قطني وعنه: لا يجوز أن يكون منافع الحر صداقا لأنها ليست بمال.
"وخياطة ثوب ورد عبدها من موضع معين" لأنها منفعة معلومة وعلم منه أن كل مالا يجوز أن يكون ثمنا في المبيع كالمحرم والمعدوم والمجهول ومالا منفعة فيه مالم يتم ملكه عليه كالمبيع من المكيل والموزون قبل قبضه وما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء وما لا يتمول عادة كقشر جوزة وحبة حنطة لا يجوز(7/122)
وإن كانت مجهولة كرد عبدها أين كان وخدمتها فيما شاءت لم يصح وإن تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى زوايتين وكل موضع لا تصح التسمية وجب مهر المثل.
ـــــــ
أن يكون صداقا لأنه نقل الملك فيه بعوض فلم يجز فيه ذلك كالبيع "وإن كانت مجهولة كرد عبدها أين كان وخدمتها فيما شاءت لم يصح" لأنه عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة فلو تزوجها على أن يحج بها لم تصح التسمية لأن الحملان مجهول لا يوقف له على حدود.
"وإن تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين إحداهما" لا يصح لأنها ليست مالا فلا يصح أن يكون مهرا كرقبته ومنفعة البضع والثانية وهي الأصح أنه يصح بدليل قصة موسى وقياسا على منفعة العبد وقال أبو بكر إن كانت خدمة معلومة كبناء حائط صح وإن كانت مجهولة مثل أن يأتيها بعبدها الآبق أين كان ويخدمها في أي شيء أرادت فلا يصح ولا يضر جهل يسير وغرر يرجى زواله في الأصح فلو تزوجها على شرائه لها عبد زيد صح في المنصوص فإن تعذر شراؤه بقيمته فلها قيمته وكذا على دين سلم وآبق ومغصوب يحصله ومبيع اشتراه ولم يقبضه نص عليه.
"وكل موضع لا تصح التسمية" كالخمر والمعدوم والآبق والمجهول "وجب مهر المثل" لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض وقد تعذر رده بصحة النكاح فوجب قيمته وهو مهر المثل كمن اشترى بثمن فاسد فقبض المبيع وتلف في يده فإنه يجب عليه رد قيمته وعنه: يفسد اختاره أبو بكر لأنه عقد معاوضة أشبه البيع وجوابه بأن فساد المسمى ليس بأكثر من عدمه وعدمه لا يفسد العقد كذا هذا ويجب مهر المثل لأنها لم ترض إلا ببدل ولم يسلم البدل وتعذر رد العوض فوجب رد بدله كما لو باعه سلعة بخمر فتلفت عند المشتري.(7/123)
وإن أصدقها تعليم أبواب من الفقه أولحديث أوقصيدة من الشعر المباح صح فإن كان لا يحفظها لم يصح ويحتمل أن يصح ويتعلمها ثم يعلمها فإن تعلمتها من غيره لزمه أجرة تعلمها وإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها فعليه نصف الأجرة.
ـــــــ
"وإن أصدقها تعليم أبواب من الفقه أو الحديث أو قصيدة من الشعر المباح" أو أدب أو صنعة أو كتابة وهو معين "صح" لأنه يصح أخذ الأجرة على تعليمه فجاز أن يكون صداقا كمنافع الدار حتى ولو كان لا يحفظها نص عليه ويتعلمها ثم يعلمها.
"فإن كان لا يحفظها لم يصح" على المذهب كذا قيل واختاره في "الوجيز" لأنه أصدقها شيئا لا يقدر عليه كما لو استأجر على الخياطة من لا يحسنها وكذا لو قال على أن أعلمك ويحتمل أن يصح ذكره في "المجرد" لأن هذا يكون في ذمته أشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال وعلى هذا يتعلمها ثم يعلمها أو يقيم لها من يعلمها لأنه بذلك يخرج عن عهدة ما وجب عليه.
فإن جاءت بغيرها فقالت علمهم القصيدة التي تريد تعليمي إياها أو أتاها بغيره يعلمها لم يلزم ذلك في الأشهر لأن المستحق عليه العمل في عين لم يلزمه إيقاعه في غيرها ولأن المعلمين يختلفون في التعليم.
"فإن تعلمتها من غيره لزمه أجرة تعلمها" لأنه لما تعذر الوفاء بالواجب وجب الرجوع إلى بدله وكذا إن تعذر عليه تعليمها كما لو أصدقها خياطة ثوب فتعذر فإن ادعى أنه علمها وأنكرته قبل قولها لأن الأصل عدمه وفيه وجه لأن الظاهر معه وإن علمها ثم أنسيتها فلا شيء عليه وإن لقنها الجميع وكلما لقنها شيئا أنسيته لم يعتد بذلك في الأشهر.
"وإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها فعليه نصف الأجرة" لأنها صارت أجنبية فلا يؤمن في تعليمها من الفتنة وبعد الدخول كلها.(7/124)
ويحتمل أن يعلمها نصفها وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجرة وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن معين لم يصح وعنه: يصح ولا يحتاج إلى ذكر قراءة وقال أبو الخطاب يحتاج إلى ذلك.
ـــــــ
"ويحتمل أن يعلمها نصفها" هذا رواية لأنه موضع حاجة أشبه سماع كلامها في المعاملات وعلى هذا يعلمها من وراء حجاب من غير خلوة بها لأن ذلك حرام وإن كان الطلاق بعد الدخول ففي تعليمها الكل الوجهان.
"وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجر" لأن الطلاق قبل الدخول يوجب نصف الصداق والرجوع بنصف التعليم متعذر فوجب الرجوع إلى بدله وهو نصف وإن سقط مهرها رجع بالكل.
"وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن معين لم يصح" على المذهب واختاره أبو بكر وغيره لأن الفروج لا تستباح إلا بالمال لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: من الآية24] {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً} [النساء: من الآية25] والطول المال لأن تعليم القرآن قربة ولا يصح أن يكون صداقا كالصوم.
"وعنه: يصح" ذكر ابن رزين أنها الأظهر وجزم بها في "عيون المسائل" لحديث الموهوبة ولأن تعليم القرآن منفعة مباحة فجاز جعل ذلك صداقا كتعليم قصيدة من الشعر المباح وقيل إن جاز أخذ الأجرة عليه والأول أولى وحديث الموهوبة قيل معناه زوجتكها لأنك من أهل القرآن كما زوج أبا طلحة على إسلامه ويحتمل أن يكون خاصا به يؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج غلاما على سورة من القرآن ثم قال لا يكون بعدك مهرا رواه سعيد والنجاد فعلى هذا تعين السورة أو الآية لأنه إذا لم يعين يصير مجهولا مفضيا إلى المنازعة.
"ولا يحتاج إلى ذكر قراءة" من القراءات السبعة لأن الاختلاف في ذلك يسير "وقال أبو الخطاب يحتاج إلى ذلك" لأن الأغراض تختلف والقراءات تختلف فمنها ماهو صعب كقراءة حمزة وهشام ووقوفهما على(7/125)
وإن تزوج نساء بمهر واحد أو خالعهن بعوض واحد صح ويقسم العوض بينهن على قدر مهورهن في أحد الوجهين في الآخر يقسم بينهن بالسوية.
ـــــــ
المد أشبه تعيين الآيات فإن أطلق فعرف البلد فإن تعلمته من غيره لزمه الأجرة وإن علمها ثم سقط رجع بالأجرة ومع تنصفه بنصفها وإن طلقها ولم يعلمها لزمه أجرة مايلزمه لخوف الفتنة جزم به في "الفصول" وأنه يكره سماعه بلا حاجة، وعنه: يعلمها مع أمن الفتنة.
ملحق: كصوم وصلاة تخرج على الروايتين ذكره في "الواضح".
تنبيه: إذا أصدق الكتابية تعليم شيء من القرآن لم يصح نص عليه ولها مهر المثل وفي المذهب يصح بقصدها الاهتداء به ولقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: من الآية6] وجوابه أن الجنب يمنع من قراءة القرآن مع إيمانه واعتقاده فالكافر أولى والسماع غير الحفظ وكذا إذا أصدقها تعليم شيء من التوراة أو الإنجيل ولزم مهر المثل لأنه منسوخ ومبدل.
"وإن تزوج نساء بمهر واحد أو خالعهن بعوض واحد صح" لأن العوض في الجملة معلوم فلم تؤثر جهالة ما لكل واحدة كما لو اشترى أربعة أعبد من رجل بثمن واحد واختار ابن حمدان وهو احتمال في "الترغيب" يجب مهر المثل لأن مايجب لكل واحدة غيرمعلوم. "ويقسم العوض بينهن على قدر مهورهن" أي مهور مثلهن "في أحد الوجهين" اختاره القاضي وابن حامد وجزم به في "الوجيز" ونصره في "الشرح" وقدمه في "الفروع" لأن الصفقة إذا وقعت على شيئين مختلفي القيمة وجب تقسيط العوض بينهما بالقيمة كما لو باع شقصا وسيفا.
"وفي الآخر يقسم بينهن بالسوية" اختاره أبو بكر لأنه أضافه إليهن إضافة واحدة فكان بينهن بالسوية كما لو وهبه لهن أو أقر لهن وفي(7/126)
ويشترط أن يكون معلوما كالثمن وإن أصدقها دارا غير معينة أو دابة لم يصح وإن أصدقها عبدا مطلقا لم يصح وقال القاضي يصح.
ـــــــ
"الرعاية" وكما لو قال بينهن وقيل في الخلع يقسم على قدر مهورهن المسماة.
فرع: تزوج امرأتين إحداهما لا يصح العقد عليها بصداق واحد وقلنا يصح في الأخرى فلها حصتها من المسمى وقيل مهر المثل فإن جمع بين نكاح وبيع صح في الأشهر فعلى هذا يقسط العوض على قدر صداقهما وقيمة المبيع.
فصل
"ويشترط أن يكون معلوما كالثمن" لأن الصداق عوض في عقد معاوضة فاشترط كونه معلوما كالعوض في البيع لأن غير المعلوم مجهول لا يصلح عوضا في البيع فلم تصح تسميته كالمحرم لكن لا يضر جهل يسير وغرر يرجى زواله في الأصح.
"وإن أصدقها دارا غير معينة أو دابة لم يصح" لأن الصداق يشترط فيه أن يكون معلوما وهو معدوم هنا.
"وإن أصدقها عبدا مطلقا لم يصح" للجهالة "وقال القاضي يصح" لقوله عليه السلام: "العلائق ما تراضى عليه الأهلون" ولأنه موضع ثبت فيه العوض في الذمة بدلا عما ليس المقصود فيه المال فثبت مطلقا كالدية ولأن جهالة التسمية هذه أقل من جهالة مهر المثل وحكى في "المغني" و "الشرح" عن القاضي يصح مجهولا مالم تزد جهالته على جهالة مهر المثل كعبد وفرس من جنس معلوم فإن كان دابة أو حيوانا لم يصح لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط.(7/127)
ولها الوسط هو السندي وإن أصدقها عبدا من عبيده لم يصح ذكره أبو بكر وروي عن أحمد أنه يصح ولها أحدهم بالقرعة وكذلك يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه أ وقميصا من قمصانه ونحوه وإن أصدقها عبدا موصوفا صح.
ـــــــ
"ولها الوسط وهو السندي" بالعراق لأن الأعلى التركي والأسفل الزنجي والوسط السندي والمنصوري والأول أصح والخبر المراد به ما تراضى عليه الأهلون مما يصلح عوضا بدليل سائر ما لا يصلح والدية ثبتت بالشرع لا بالعقل وهي خارجة عن القياس في تقديرها ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا ثم الحيوان الثابت فيها موصوف مقدر بقيمته فكيف يقاس عليه العبد المطلق وأما كون جهالة المطلق أقل من جهالة قدر مهر المثل فممنوع لأن العادة في القبائل يكون لنسائهم مهر لا يكاد يختلف إلا بالثيوبة والبكارة فيكون إذا معلوما.
"وإن أصدقها عبدا من عبيده لم يصح ذكره أبو بكر" لأنه مجهول كما لو باع عبدا من عبيده أو دابة أو ثوبا.
"وروي عن أحمد أنه يصح" اختاره أبو الخطاب وجزم به في "الوجيز" كموصوف وكما لو عين ثم نسي وهذا مما لا نظير له يقاس عليه وتأويل أبو بكر نص أحمد على أنه تزوجها على عبد معين ثم أشكل عليه وفيه نظر فعلى هذا يعطى من عبيده وسطهم وهو رواية.
"و" الأشهر أن "لها أحدهم بالقرعة" نقله مهنا لأنه إذا صح أن يكون صداقا استحقت واحدا غير معين فشرعت القرعة مميزة كما لو أعتق أحد عبده وقيل يعطيها ما اختاره وقيل ما اختارت ذكرهما ابن عقيل.
"وكذلك يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه أو قميصا من قمصانه ونحوه" لأنه في معنى ما سبق "وإن أصدقها عبدا موصوفا صح" لأنه يجوز أن يكون عوضا في البيع والصفة تنزله منزلة المعين فجاز أن يكون صداقا.(7/128)
وإن جاءها بقيمته أو أصدقها عبدا وسطا وجاءها بقيمته أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته لم يلزمها قبوله وقال القاضي يلزمها ذلك وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح وعنه: يصح فإن فات طلاقها بموتها فلها مهرها في قياس المذهب.
ـــــــ
"وإن جاءها بقيمته أو أصدقها عبدا وسطا وجاءها بقيمته أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته لم يلزمها قبوله" في الأشهر واختاره أبو الخطاب "وقال القاضي يلزمها ذلك" قياسا على الإبل في الدية وجوابه بأنها استحقت عليه عبدا بعقد معاوضة فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه وكما لو كان معينا والأثمان أصل في الدية كالإبل فيلزم الولي القبول لا على طريق القيمة ولأن الدية خارجة عن القياس ثم قياس العوض على سائر الأعواض أولى من قياسه على غير عقود المعاوضة ثم ينتقض بالعبد المعين.
فرع: إذا تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه فإن طلبت به أكثر من قيمته أو تعذر عليه فلها قيمته.
"وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح" قدمه في "المحرر" و "الفروع" وهو ظاهر المذهب وقول أكثر الفقهاء لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: من الآية24] وقوله عليه السلام: "لا تسأل المرأة طلاق أختها" ولأن هذا لا يصح ثمنا في بيع ولا أجرا في إجارة فلم يصح صداقا كالمنافع المحرمة فعلى هذا لها مهل المثل أو نصفه قبل الدخول أو المتعة ثم من يوجبها في التسمية الفاسدة.
"وعنه: يصح" جزم به في "الوجيز" لأن لها فائدة ونفعا لما يحصل لها في الراحة بطلاقها من مقاسمتها والغيرة منها فصح جعله صداقا كخياطة ثوبها وعتق أمتها.
"فإن فات طلاقها بموتها فلها مهرها" أي مهر الضرة "في قياس المذهب" لأنه سمى لها صداقا لم يصل إليها فكان لها قيمته كما لو أصدقها عبدا فخرج(7/129)
وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان أبوها ميتا لم تصح نص عليه وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وألفين إن كان له زوجة لم يصح في قياس التي قبلها والمنصوص أنه يصح
ـــــــ
حرا وقيل يستحق مهر مثلها لأن الطلاق لا قيمة له ولا مثل له وكذا جعله إليها إلى سنة وهل يسقط حقها من المهر فيه وجهان فإن قلنا لا يسقط فهل ترجع إلى مهر مثلها أو إلى مهر الأخرى فيه وجهان.
"وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان أبوها ميتا لم تصح" التسمية "نص عليه" في رواية مهنا لأن حال الأب غير معلومة فيكون مجهولا ولأنه في معنى بيعتين في بيعة وحينئذ لها صداق نسائها وعنه: يصح لأن الألف معلومة وإنما جهل الثاني وهو معلق على شرط. "وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وألفين إن كان له زوجة لم يصح في قياس التي قبلها" لأنها في معناها وكذا إن تزوجها على ألف إن لم يخرجها من دارها وعلى ألفين إن أخرجها.
"والمنصوص أنه يصح" هذه التسمية هنا وذكر القاضي فيهما روايتين إحداهما لا تصح اختاره أبو بكر لأن سبيله سبيل الشرطين فلم تصح كالبيع والثانية تصح لأن ألفا معلومة وإنما جهلت الثانية وهي معلقة على شرط فإن وجد الشرط كان زيادة في الصداق والزيادة فيه صحيحة والأول أولى يعني القول بالفساد فيهما.
ويجاب عنه بأنه تعليق على شرط لا يصح لوجهين أحدهما أن الزيادة لا يصح تعليقها على شرط فلو قال إن مات أبوك فقد زدتك في صداقك ألفا لم يصح ولم تلزم الزيادة عند موت الأب والثاني أن الشرط يتجدد في قوله إن كان لي زوجة أو إن كان أبوك حيا ولا الذي جعل الألف فيه معلوم الوجود لتكون الألف الثانية زيادة عليه ويمكن الفرق بين نص أحمد على بطلان التسمية ونصه على صحتها بأن المرأة ليس لها غرض يصح بدل العوض فيه وهو كون أبيها ميتا وخلوها عن ضرة من أكبر أغراضها وكذلك قرارها في دارها بين أهلها،(7/130)
وإذا قال العبد لسيدته أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك عتق ولم يلزمه شيء وإذا فرض الصداق مؤجلا ولم يذكر محل الأجل صح في ظاهر كلامه ومحله الفرقة عند أصحابنا وعند أبي الخطاب لا تصح
ـــــــ
وفي وطئها فعلى هذا يمتنع قياس إحدى الصورتين على الأخرى وما وردت من المسائل الحق بما يشبهها ولا يكون في كل مسألة: إلا رواية واحدة.
"وإذا قال العبد لسيدته أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك عتق" لأن سيدته أعتقته "ولم يلزمه شيء" لأن النكاح يحصل به الملك للزوج فلم يلزمه ذلك كما لو اشترطت عليه أن تملكه دارا وكذا إن قالت لعبدها أعتقتك على أن تتزوج بي لم يلزمه ذلك ويعتق ولا يلزمه قيمة نفسه لأنها اشترطت عليه شرطا هو حق له فلم يلزمه كما لو شرطت عليه أن تهبه دينارا ليقبلها ولأن النكاح من الرجل لا عوض له بخلاف نكاح المرأة.
"وإذا فرض الصداق مؤجلا ولم يذكر محل الأجل صح في ظاهر كلامه" لأن لذلك عرفا فوجب أن يصح ويحمل عليه وعلم منه أنه يجوز أن يكون مؤجلا وحالا وبعضه كذلك لأنه عقد معاوضة فجاز فيه ذلك كالثمن ومتى أطلق اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلا إلى وقت فهو إلى أجله.
"ومحله الفرقة عند أصحابنا" لأن المطلق يحمل على العرف والعرف ترك المطالبة بالصداق إلى حين الفرقة بموت أو طلاق فحمل عليه فيصير حينئذ معلوما.
"وعند أبي الخطاب لا تصح" التسمية وهو رواية وحينئذ لها مهر المثل كثمن المبيع وعلى الأول لو جعل الأجل مدة مجهولة كقدوم زيد ونحوه لم يصح وقال ابن أبي موسى يحتمل إذا كان الأجل مجهولا أن يكون حالا فإن طلقها قبل الدخول كان لها نصفه في رواية وفي أخرى منعه كما لو تزوجها(7/131)
فصل
وإن أصدقها أو خنزيرا أو مالا مغصوبا صح النكاح ووجب مهر المثل وعنه: أنه يعجبه استقبال النكاح اختاره أبو بكر والمذهب صحته.
ـــــــ
على محرم كخمر.
فصل
"وإن أصدقها خمرا أو خنزيرا أو مالا مغصوبا صح النكاح" نص عليه وقاله عامة الفقهاء لأنه عقد لا يبطل بجهالة العوض فلا يفسد بتحريمه كالخلع ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه "ووجب مهر المثل" في قولهم؛ لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض فوجب رد قيمته وهو مهر المثل كمن اشترى ثوبا بثمن فاسد فتلف المبيع في يده بالغا ما بلغ لأن ما تضمنه بالعقد الفاسد اعتبر قيمته بالغا ما بلغ كالمبيع لا يقال إنما وجب لحق الله لأنه لو كان كذلك لوجب أقل المهر.
"وعنه: أنه يعجبه استقبال النكاح اختاره أبو بكر" وشيخه الخلال لأنه جعل عوضه محرما أشبه نكاح الشغار وخرج عليها في "الواضح" فساده بتعويض كمبيع وهو رواية في "الإيضاح" وعند ابن أبي موسى مثل مغصوب أو قيمته وفي "الواضح" إن باعه ربه قبله بثمن لزمه وعنه: مثل خمر خلا.
"والمذهب صحته" وكلام أحمد محمول على الاستحباب فأما إذا فسد الصداق لجهالته أو عدمه أو العجز عن تسليمه فالنكاح ثابت بغير خلاف نعلمه فإن طلقها قبل الدخول فلها نصف مهر المثل وذكر القاضي في "الجامع" أنه لا فرق بين من لم يسم لها صداقا وبين من سمى لها محرما كالخمر أو مجهولا كالثوب وفي روايتان إحداهما لها المتعة لأنه يرتفع مهر المثل بها والثانية تجب لها نصف مهر المثل لأنه قد وجب فينتصف به كالمسمى.(7/132)
وأن تزوجها على عبد فخرج حرا أو مغصوبا أو عصيرا فبان خمرا فلها قيمته وإن وجدت به عيبا فلها الخيار بين أخد أرشه أو رده وأخذ قيمته.
فصل
وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها، صح.
ـــــــ
"وإن تزوجها على عبد فخرج حرا أو مغصوبا أو عصير فبان خمرا فلها قيمته" لأنها رضيت بما سمى لها وتسليمه ممتنع قابل لجعله صداقا فوجب الانتقال إلى قيمته يوم العقد لأنها بدل ولا تستحق مهر المثل لعدم رضاها به ولا بد أن يلحظ أن المغصوب لو كان مثليا لكان لها مثله لا قيمته كما لو استحق عليه مثلي بغير الصداق والعصير محمول على عصير عدم مثله إذ المذهب أنه يلزمه عصير مثله قدمه في "الفروع" وجزم به في "الوجيز" وقدم في "الإيضاح" مهر مثلها.
"وإن وجدت به عيبا فلها الخيار بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته" لأنه عوض في عقد معاوضة فثبتت الخيرة فيه بين أخذ الأرش أو البدل وأخذ القيمة كالمبيع المعيب وكذا عوض الخلع المنجز وعنه: إن أمسكه فلا أرش وما عقد عليه في الذمة وجب بذله فقط.
فرع: إذا تزوجها على عبدين فخرج أحدهما حرا أو مغصوبا صح الصداق في ملكه ولها قيمة الآخر نص عليه وعنه: قيمتها وإن بان نصفه مستحقا أو أصدقها ألف ذراع فبانت تسعمائة خيرت بين أخذه وقيمة الفائت وبين قيمة الكل
فصل
"وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح" لأنه لو شرط الكل لنفسه لصح فكذا إذا شرط البعض بل هو من باب أولى يؤيده أن شعيبا زوج(7/133)
وكانا جميع مهرها فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها ولم يكن على الأب شيء مما أخذ.
ـــــــ
ابنته على رعاية غنمه وذلك اشتراط لنفسه لأن للوالد الأخذ من مال ولده لقوله عليه السلام: "أنت ومالك لأبيك" ولقوله عليه السلام: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه فإذا شرط شيئا لنفسه من مهر ابنته كان ذلك أخذا من مالها.
"وكانا جميعا مهرها" وهذا في أب يصح تملكه أو شرطه له وحكى أبو عبد الله ابن تيمية رواية يبطل الشرط وتصح التسمية وقيل يبطلان ويجب مهر المثل وعلى الأول شرطه مالم يجحف بابنته فإن أجحف بها لم يصح الشرط وكان الجميع لها ذكره القاضي وابن عقيل والمؤلف وضعفه الشيخ تقي الدين لأنه لا يتصور الإجحاف لعدم ملكها له وظاهر كلام أحمد والقاضي في "تعليقه" وأبي الخطاب أنه لا يشترط.
"فإن طلقها قبل الدخول بعد قبضهما رجع عليها بألف" لأنه نصف الصداق "ولم يكن على الأب شيء مما أخذ" لأنه أخذ من مال ابنته ألفا فلا يجوز الرجوع عليه بشيء وقيل إلا في شرط جميعه له وهذا ظاهر فيما إذا قبضت الألفين فإن طلقها قبل قبضهما سقط عن الزوج ألف وبقي عليه ألف للزوجة يأخذ الأب منها ما شاء وقال القاضي يكون بينهما نصفين ونقله مهنا عن أحمد لأنه شرط لنفسه النصف ولم يحصل من الصداق إلا النصف قال في "المغني" و "الشرح" هذا على سبيل الاستحباب فلو شرط لنفسه الجميع ثم طلق قبل الدخول بعد تسليم الصداق رجع في نصف ما أعطى الأب لأنه الذي فرضه لها فيرجع في نصفه وقيل يرجع عليها بنصفه ولا شيء على الأب فيما أخذ لأنا قدرنا أن الجميع صار لها ولو ارتدت قبل الدخول فهل ترجع في الألف الذي قبضها الأب له أو عليها فيه وجهان.(7/134)
وإن فعل ذلك غير الأب فالكل لها دونه وللأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق مثلها وإن كرهت وإن فعل غيره بإذنها صح ولم يكن لغيره الاعتراض وإن فعله بغير إذنها وجب مهر المثل.
ـــــــ
"وإن فعل الأب ذلك غير الأب" كالجد والأخ "فالكل لها دونه" وكان الشرط باطلا نص عليه لأن جميع ما اشترطه عوض في تزويجها فيكون صداقا لها كما لو جعله لها وليس للغير أن يأخذ شيئا بغير إذن فيقع الاشتراط لغوا وفي "الترغيب" في الأب رواية كذلك.
"وللأب تزويج ابنته البكر والثيب" صغيرة كانت أو كبيرة بدون صداق مثلها وإن كرهت لأن عمر خطب الناس فقال: "لا تغالوا في صدق النساء فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه ولا بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية" وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون صداق مثلها ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض وإنما المقصود السكن والازدواج ووضع المرأة في منصب عند من يكفلها ويصونها والظاهر من الأب مع تمام شفقته وحسن نظره أنه لا ينقصها من الصداق إلا لتحصيل المعاني المقصودة فلا يمنع منه وعقود المعاوضات المقصود منها العوض لا يقال كيف يملك الأب تزويج البنت الكبيرة بدون صداق مثلها لأن الأشهر أنه يتصور بأن يأذن في أصل النكاح دون قدر المهر.
وقيل: عليه تتميمه كبيعه بعض مالها بدون ثمنه لسلطان يظن به حفظ الباقي ذكره في "الانتصار" وقيل لبنت كبيرة لصحة تصرفها وفي "الروضة" إلا أن ترضى بما وقع عليه العقد قبل لزومه.
"وإن فعل غيره بإذنها" وكانت رشيدة "صح" لأن الحق لها فإذا رضيت بإسقاطه سقط كبيع سلعتها "ولم يكن لغيره الاعتراض" لأن الحق في ذلك تمحض لها دون غيرها بخلاف تزويجها بغير كفء "وإن فعله بغير إذنها وجب مهر المثل" لأنه قيمة بضعها وليس للولي نقصها منه والنكاح صحيح لا يؤثر فيه(7/135)
ويحتمل ألا يلزم الزوج إلا المسمى والباقي على الولي كالوكيل في البيع وإن زوج ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل صح ولزم ذمة الابن فإن كان معسرا فهل يضمنه الأب يحتمل وجهين.
ـــــــ
فساد التسمية وعدمها "ويحتمل ألا يلزم الزوج إلا المسمى" هذا رواية لأنه ما التزم غيره وكمن زوج بدون ما عينته له.
"والباقي على الولي" لأنه مفرط "كالوكيل في البيع" وفي "الشرح" وقدمه في "الفروع" تمام المهر على الزوج لأن التسمية فاسدة ويضمنه الولي لأنه مفرط كما لو باع مالها بدون ثمن مثله ويحتمل في تزويج الأب الثيب الكبيرة وجوب التمام.
"وإن زوج ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل صح" لأن تصرف الأب ملحوظ فيه المصلحة فكما يصح أن يزوج ابنته بدون مهر المثل للمصلحة فكذا يصح هنا تحصيله لها "ولزم ذمة الابن" لأن العقد له فكان بدله عليه كثمن المبيع ونقل ابن هانئ مع رضاه.
"فإن كان معسرا فهل يضمنه الأب يحتمل وجهين" وحكاهما في "المغني" روايتين أشهرهما لا يضمنه كثمن مبيعه وقدمه في "الفروع" قال القاضي وهذا أصح والثانية يضمنه الأب نص عليه وجزم به في "الوجيز" كما لو نطق بالضمان وللعرف وقيل يضمن الزيادة وفي النوادر نقل صالح كالنفقة فلا شيء على ابن كذا قال ونقل المروذي النفقة على الصغير من ماله قلت فإن كانت صغيرة لا توطأ قال إن كان لها مال أنفق عليها منه والنفقة تجب مع المنع من قبله لا من قبلهم.
فرع: إذا طلق قبل الدخول سقط نصف الصداق فإن كان بعد دفع الأب الصداق رجع نصفه إلى الابن وليس للأب الرجوع فيه في الأشهر وكذا الحكم فيما لو قضى الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل الدخول فإن ارتدت قبل الدخول فالرجوع في جميعه كالرجوع في نصفه بالطلاق.(7/136)
وللأب قبض صداق ابنته الصغيرة بغير إذنها ولا يقبض صداق البنت الكبيرة إلا بإذنها وفي البكر البالغة روايتان.
فصل
وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى صح وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده على روايتين.
ـــــــ
"وللأب قبض صداق ابنته الصغيرة" أي المحجور عليها "بغير إذنها" لأنه يلي مالها فكان له قبضه كثمن مبيعها والسفيهة والمجنونة كذلك.
"ولا يقبض صداق البنت الكبيرة إلا بإذنها" إذا كانت رشيدة لأنها المتصرفة في مالها فاعتبر إذنها في قبضه كثمن مبيعها "وفي البكر البالغة" العاقلة "روايتان" الأصح أنه لايقبضه إلا بإذنها إذا كانت رشيدة كالثيب والثانية بلى لأنه العادة بدليل أنه يملك إجبارها على النكاح أشبهت الصغير زاد في "المحرر" مالم يمنعه فعليها يبرأ الزوج بقبضه ويرجع على أبيها بما بقي لا بما أنفق.
فصل
"وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى صح" لأن الحجر عليه لحق سيده فإذا أسقط حقه سقط بغير خلاف وله نكاح أمة ولو أمكنه حرة ويملك نكاح واحدة إذا طلق نص عليه وفي تناول النكاح الفاسد احتمالان.
"وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده على روايتين" الأصح أنه يتعلق بذمة سيده نقله الجماعة لأنه حق تعلق بالعبد برضى السيد فتعلق بذمته كالدين وكذا النفقة والكسوة والمسكن نص عليه.
والثانية: تتعلق برقبته لأنه وجب بفعله أشبه جنايته وعنه: يتعلق بهما وعنه: بذمتيهما بذمة العبد أصالة وذمة سيده ضمانا وعنه: بكسبه وفائدة الخلاف أن من ألزم السيد المهر والنفقة أوجبهما عليه وإن لم يكن للعبد كسب،(7/137)
وإن تزوج بغير إذنه لم يصح النكاح فإن دخل بها وجب في رقبته مهر المثل.
وعنه: يحب خمسا المسمى اختارها الخرقي.
ـــــــ
وليس للمرأة الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه من الاكتساب ومن علقه بكسبه فللمرأة الفسخ إن لم يكن له كسب وليس لسيده منعه من التكسب وعلى الأول إن باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه فأما النفقة فإنها تتجدد فيكون في الزمن المستقبل على المشتري وعلى العبد إذا أعتق.
"وإن تزوج بغير إذنه لم يصح النكاح" نقله الجماعة وهو قول عثمان وابن عمر لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وإسناده جيد لكن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه كلام ورواه الخلال من حديث ابن عمر مرفوعا وأنكره أحمد ورواه أبو داود وابن ماجه عن ابن عمر موقوفا ولأنه نكاح فقد شرطه فكان باطلا كما لو تزوج بغير شهود ونقل حنبل هو كفضولي وقاله الأصحاب ولأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية.
"فإن دخل بها" ووطئها "وجب في رقبته مهر المثل" في قول أكثرهم كسائر الأنكحة الفاسدة فعلى هذا يباع فيه إلا أن يفديه السيد وقيل يتعلق بذمة العبد والأول أظهر لأن الوطء أجري مجرى الجناية الموجبة للضمان بغير إذن الولي.
"وعنه: يجب خمسا المسمى" نقله الجماعة "اختارها الخرقي" والقاضي وأصحابه لما روى خلاس بن عمرو أن غلاما لأبي موسى تزوج بغير إذنه.
فكتب في ذلك إلى عثمان فكتب إليه أن فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة رواه أحمد.(7/138)
وإن زوج السيد عبده أمته لم يجب مهر ذكره أبو بكر وقيل يجب ويسقط وإن زوج عبده حرة ثم باعها العبد بثمن في الذمة تحول صداقها أو نصفه إن كان قبل الدخول إلى ثمنه.
ـــــــ
ولأن المهر أحد موجبي الوطء فجاز أن ينقص فيه العبد عن الحر كالحد قال الشيخ تقي الدين المهر يجب في نكاح العبد بخمسة أشياء عقد النكاح وعقد الصداق وإذن السيد في النكاح وإذنه في الصداق والدخول فبطل ثلاثة من قبل السيد فبقي من قبله اثنان وهو التسمية والدخول.
وعنه: إن علمت أنه عبد فلها خمسا المهر وإلا فلها المهر في رقبة العبد وقيل يجب خمسا مهر المثل وعنه: المسمى قدمه في "الرعاية" ونقل المروذي يعطي شيئا قلت تذهب إلى حديث عثمان قال أذهب أن يعطي شيئا قال أبو بكر هو القياس.
تنبيه: السيد مخير بين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته أو مهر واجب كأرش جنايته ونقل حنبل لا مهر لأنه بمنزلة العاهر ويروى عن ابن عمر وهو رواية في "المحرر" إن علما التحريم وظاهر كلام جماعة أو علمته هي.
"وإن زوج السيد عبده أمته لم يجب مهر ذكره أبو بكر" والقاضي لأنه لا يجب للسيد على عبده مال. "وقيل يجب ويسقط" قدمه في "الكافي" و "المستوعب" و "الرعاية" وهو رواية في "التبصرة" لأن النكاح لا يخلو من مهر ثم يسقط لتعذر إتيانه وقال أبو الخطاب يجب المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى والمذهب أنه يجب مهر المثل ويتبع به بعد عتقه نص عليه في رواية سندي وجزم به في "الوجيز".
"وإن زوج عبده حرة ثم باعها العبد بثمن في الذمة تحول صداقها أو نصفه إن كان قبل الدخول إلى ثمنه" لأن ذلك متعلق برقبة العبد فوجب أن ينتقل إلى بدله وهو الثمن وحاصله أنه إذا باعه لها بثمن في ذمتها فعلى حكم مقاصصة الدينين وإن تعلق برقبته تحول مهرها إلى ثمنه كشراء غريم عبدا مدينا وإن تعلق(7/139)
وإن باعها إياه بالصداق صح قبل الدخول وبعده ويحتمل ألا يصح قبل الدخول.
فصل
وتملك الصداق المسمى بالعقد.
ـــــــ
بذمتيهما سقط المهر لملكها العبد والسيد تبع له لأنه ضامنه ويبقى الثمن للسيد عليها وقيل لا يسقط بناء على من ثبت له دين على عبد ثم ملكه ففي سقوطه وجهان والنصف قبل الدخول كالجميع إن لم يسقط في رواية قال في "الشرح" المذهب أنه لا يسقط بعد الدخول بحال.
"وإن باعها إياه بالصداق صح قبل الدخول وبعده" نص عليه لأن الصداق يصلح أن يكون ثمنا لغير العبد فكذا له وفي رجوعه قبل الدخول بنصفه أو جميعه الروايتان وبطل النكاح إذن.
"ويحتمل ألا يصح قبل الدخول" هذا رواية لأنه يلزم من صحته فسخ النكاح ومن سقوط المهر بطلان البيع لأنه عوضه ولا يصح بغير عوض واختار ولد صاحب "الترغيب" إن تعلق برقبته أو ذمته وسقط ما في الذمة بملك طارئ برئت ذمة السيد فيلزم الدور فيكون في الصحة بعد الدخول الروايتان قبله وإن جعله مهرها بطل العقد كمن زوج ابنه على رقبة من يعتق على الابن لو ملكه إذ نقدره له قبلها بخلاف إصداق الخمر لأنه لو ثبت لم ينفسخ ذكره جماعة.
فصل
"وتملك الصداق المسمى بالعقد" في قول عامتهم لقوله عليه السلام: "إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك" فيدل على أن الصداق كله للمرأة ولا يبقى للرجل فيه شيء ولأنه عقد يملك به العوض فملك به العوض كاملا كالبيع وعنه: تملك نصفه قال ابن عبد البر هذا موضع اختلف فيه السلف، وسقوط(7/140)
فإن كان معينا كالعبد والدار فلها التصرف فيه ونماؤه لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها إلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه وعنه: فيمن تزوج على عبد ففقئت عينه إن كان قد قبضته فهو لها وإلا فهو على الزوج لا يدخل في ضمانها إلا بقبضه وإن كان غير معين كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه كالمبيع.
ـــــــ
نصفه بالطلاق لايمنع وجوب جميعه بالعقد ألا ترى أنها لو ارتدت سقط جميعه وإن كانت ملكت نصفه.
"فإن كان معينا كالعبد والدار فلها التصرف فيه" لأنه ملكها فكان لها ذلك كسائر أملاكها "ونماؤه لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها" سواء قبضته أو لم تقبضه متصلا كان النماء أو منفصلا وعليها زكاته إذا تم عليه الحول نص عليه لأن ذلك كله من توابع الملك وإن تلف فهو من ضمانها ولو زكت ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة عليها لأنها قد ملكته أشبه ما لو ملكته بالبيع "إلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه" لأنه غاصب أو بمنزلته وإن زاد فالزيادة لها وإن نقص فالنقص عليه وهو بالخيار بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض لأنه إذا زاد بعد العقد فالزيادة لها وإن نقص فالنقص عليه إلا أن تكون الزيادة لتغير الأسعار.
"وعنه: فيمن تزوج على عبد ففقئت عينه إن كان قد قبضته فهو لها وإلا فهو على الزوج" هذه الرواية نقلها مهنا فعلى هذا لا يدخل في ضمانها إلا بقبضه مقبوض فلم يضمنه قياسا على البيع في رواية وظاهر هذا أنه جعله قبل قبضه من ضمان الزوج بكل حال سواء كان معينا أو لم يكن وإن تلف قبل قبضه ضمنه الزوج بمثله إن كان له مثل وإلا قيمته يوم العقد ذكره القاضي وقال أبو الخطاب يضمنه بقيمته يوم التلف،
"وإن كان غير معين كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه كالمبيع" نقول حكم الصداق حكم المبيع في أن ما(7/141)
وإن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه إن كان باقيا ويدخل في ملكه حكما كالميراث ويحتمل ألا يدخل حتى يطالب به ويختار فما ينمي قبل ذلك فهو لها.
ـــــــ
كان مكيلا أو موزونا لا يجوز لها التصرف فيه إلا بقبضه وما عداه لا يحتاج إلى قبض وقال القاضي وأصحابه ما كان متعينا فله التصرف فيه وما لم يكن متعينا كقفيز من صبرة ورطل زيت من دن لا يملك التصرف فيه حتى يقبضه كالمبيع وعنه: لا يملك التصرف في شيء منه قبل قبضه وقيل ما لا ينقص العقد بهلاكه كالمهر وعوض الخلع يجوز التصرف فيه قبل قبضه لأنه بدل لا ينفسخ للسبب الذي ملك بهلاكه كالوصية وقد نص أحمد على هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضها وهو نوع تصرف وقياس المذهب أن كلما جاز التصرف فيه فهو من ضمانها وما لا يتصرف فيه فهو من ضمان الزوج إلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه كما نص على العبد إذا فقئت عينه وحيث قبل فضمانه عليه قبل القبض إذا تلف لم يبطل الصداق بتلفه ويضمنه بمثله أو قيمته.
"وإن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه إن كان باقيا" بحاله لم يتغير ولم يتعلق به حق غيره بغير خلاف لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [البقرة: من الآية237] الآية.
"ويدخل في ملكه حكما كالميراث" نص عليه لأن قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: من الآية237] يدل عليه لأن التقدير فنصف ما فرضتم لكم أو لهن وذلك يقتضي كينونة النصف له أو لها بمجرد الطلاق وأن الطلاق سبب تملك به بغير عوض فلم يفتقر إلى اختياره كالإرث فعلى هذا ما يحدث من النماء يكون بينهما.
"ويحتمل ألا يدخل" في ملكه "حتى يطالب به ويختار" لأن الإنسان لا يملك شيئا بغير اختياره إلا بالميراث وكالشفيع.
"فما ينمي قبل ذلك فهو لها" لأنه نماء ملكها لأن التقدير أنه لا يملك إلا(7/142)
فإن زاد زيادة متصلة رجع في نصف الأصل والزيادة لها وإن كانت متصلة فهي مخيرة بين دفع نصفه زائدا وبين دفع نصف القيمة وقت العقد وإن كان ناقصا خير الزوج بين أخذه ناقصا وبين نصف القيمة.
ـــــــ
باختياره فهو قبل الاختيار على ملك الزوجة وفي "الترغيب" أصلها اختلاف الرواية فيمن بيده عقدة النكاح وعلى المنصوص لو طلقها على أن المهر لها لم يصح الشرط وعلى الثاني وجهان.
"فإن" كان الصداق "زاد زيادة متصلة" كالولد والثمرة "رجع في نصف الأصل" لأن الطلاق قبل الدخول يقتضي الرجوع في نصف الصداق وقد أمكن الرجوع فيه من غير ضرر على أحد فوجب أن يثبت حكمه "والزيادة لها" لأنه نماء ملكها وعنه: يرجع بنصفهما "وإن كانت متصلة" كالسمن وتعلم صناعة وبهيمة حملت "فهي مخيرة بين دفع نصفه زائدا" ويلزمه القبول "وبين دفع نصف القيمة وقت العقد" لأنها إن اختارت دفع نصف الأصل زائدا كان لها ذلك إسقاطا لحقها من الزيادة وإن اختارت دفع نصف قيمته كان لها ذلك لأنه لا يلزمها دفع نصف الأصل زائدا لاشتماله على الزيادة التي لا يمكن فصلها عنه وحينئذ تعينت القيمة كالإتلاف ويتخرج أن يجب دفعه بزيادته كالمنفصلة وأولى وفي "التبصرة" لها نماؤه بتعيينه وعنه: بقبضه فعلى المذهب له قيمة نصفه يوم الفرقة على أدنى صفة من وقت العقد إلى وقت قبضه وفي "الكافي" أو التمكين منه فإن قلنا يضمن المهر بالعقد اعتبرت صفة وقته وفي "الترغيب" المهر المعين قبل قبضه هل هو بيده أمانة فمئونة دفن العبد عليه فيه روايتان.
فرع: إذا كانت محجورا عليها لم يكن له الرجوع إلا في نصف القيمة "وإن كان ناقصا" بغير جناية عليه "خير الزوج بين أخذه" أي أخذ نصفه "ناقصا" لأنه إذا اختار ذلك فقد رضي بإسقاط حقه "وبين نصف القيمة" لأن قبوله ناقصا ضرر عليه وهو منفي شرعا فعلى الأول هل له أرش النقص كما هو مختار القاضي في "تعليقه" كالمبيع المعيب أو لا أرش كواجد(7/143)
وقت العقد وإن كان تالفا أو مستحقا بدين أو شفعة فله نصف قيمته وقت العقد إلا أن يكون مثليا فيرجع بنصف مثله وقال القاضي له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض.
ـــــــ
متاعه عند المفلس وهو اختيار الأكثرين فيه قولان وتعتبر القيمة وقت العقد ذكره الخرقي والمؤلف وابن حمدان وحرر المجد ذلك فجعله في المتميز إذا قلنا على المذهب يضمنه بالعقد وعلى هذا يحمل قولهم إذ الزيادة في غير المتميز صورة نادرة وفي "الشرح" إذا كان ناقصا متميزا كعبدين تلف أحدهما رجع بنصف الباقي ونصف قيمة التالف وإن لم يكن متميزا كشاب صار شيخا فنصف قيمته أو نسي صناعة فإن شاء رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها فلا يلزمه أخذ نصفه لأنه دون حقه وإن شاء رجع بنصفه ناقصا فتجبر المرأة على ذلك.
فرع: إذا زاد من وجه ونقص من وجه كعبد صغير كبر ومصوغ كسرته وأعادته صناعة أخرى فلكل منهما الخيار وكذا حمل أمة وفي البهيمة زيادة مالم يفسد اللحم وزرع وغرس بعض الأرض "وإن كان تالفا أو مستحقا بدين أو شفعة فله نصف قيمته" إذا لم يكن مثليا لأنه تعذر الرجوع في عينه فوجب الرجوع في نصف القيمة كالإتلاف "وقت العقد" لأن الزيادة بعد ذلك تكون ملكا للزوجة لكونها نماء ملكها فلا يجوز تقويمها بعد العقد لكونه تقويما لملك الغير "إلا أن يكون مثليا فيرجع بنصف مثله" لأن المثلي يضمن في الإتلاف بالمثل لأنه أقرب مشابهة ومماثلة لحقه "وقال القاضي له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض" لأنه لو نقص في يده كان ضمانه عليه قال المؤلف هذا مبني على أن الصداق لا يدخل في ضمان المرأة إلا بقبضه وإن كان معينا في رواية فعلى هذا إن كانت القيمة وقت العقد أقل لم يلزمها إلا نصفها لأن الزيادة بعد العقد لها لأنه نماء ملكها أشبهت الزيادة بعد القبض وإن كانت القيمة وقت القبض أقل لم يلزمها أكثر من نصفها لأن ما نقص من القيمة من ضمانه لم يلزمه غرامة لها فكيف تجب(7/144)
--------------------------------------
ـــــــ
له عليها؟ قال صاحب النهاية فيها والأول أصح لأن المعين لا يفتقر الملك فيه إلى قبض ولا يضمن باليد.
مسائل:
الأولى: إذا خرج عن ملكها ثم عاد إليها ثم طلقها وهو في يدها كان له الرجوع في نصفه لعدم المانع منه ولا يلزم إذ لو وهب لولده شيئا فخرج عن ملكه ثم عاد حيث لا يملك الرجوع وإن أسلم فلان حق الولد سقط بخروجه عن ملكه بدليل أنه لا يطالبه ببدله بخلاف الزوج.
الثانية: إذا تصرف تصرفا لا ينقل الملك كوصية لم يمنع الرجوع كعارية وكذا إذا دبرته في ظاهر المذهب ولا يجبر على الرجوع في نصفه وإن قلنا لا يباع لم يجز الرجوع فإن كان التصرف لازما لا ينقل الملك كنكاح وإجارة خير بين الرجوع في نصفه ناقصا وبين نصف قيمته فإن رجع في نصف المستأجر صبر حتى تنفسخ الإجارة.
الثالثة: إذا أصدقها نخلا فاطلعت أبر أو لم يؤبر ثم طلق قبل الدخول فزيادة متصلة وفي "الترغيب" وجهان فيما أبر.
الرابعة: إذا أصدقها أرضا فزرعتها فحكمها حكم الشجر إذا أثمر سواء قاله القاضي وقال غيره يفارق الزرع الثمرة في أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع لم يلزمه قبوله فلو أصدقها ثوبا فصبغه أو أرضا فبنتها فبذل قيمة زيادته لتملكه فله ذلك خلافا.
الخامسة: أصدقها صيدا ثم طلق وهو محرم فإن لم يملكه بإرث فنصف قيمته وإلا فهل يقدم حق الله فيرسله ويغرم لها قيمة النصف أم حق الآدمي فيمسكه ويبقى ملك المحرم ضرورة أم هما سواء فيخيران فإن أرسله برضاها غرم لها وإلا بقي مشتركا قال في "الترغيب" مبني على حكم الصيد المملوك بين محل ومحرم وفيه أوجه.(7/145)
وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تصمن نقصه يحتمل وجهين وإن قال الزوج نقص قبل الطلاق وقالت بعده فالقول قولها والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح.
ـــــــ
"وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تضمن نقصه يحتمل وجهين" أما إذ منعته منه بعد طلبه وتلف فعليها الضمان لأنها غاصبة وإن تلف قبل مطالبته فوجهان أصلهما الزوج إذا تلف الصداق المعين في يده قبل مطالبتها وقياس المذهب أنه لا ضمان عليها لأنه دخل في يدها بغير فعلها ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه كالوديعة وإن اختلفا في المطالبة قبل قولها لأنها منكرة والثاني عليها الضمان أشبه المبيع إذا ارتفع العقد بالفسخ وقيل لا يضمن المتميز كما لو تلف بآفة سماوية.
"وإن قال الزوج نقص قبل الطلاق وقالت بعده فالقول قولها" لأنه يدعي عليها ما يوجب الضمان والقول قول المنكر "مع يمينها" لأن الأصل براءة ذمتها وفهم منه أن النقص في الصداق في يد الزوجة بعد الطلاق أنها لا تضمنه لأنه إذا كان مضمونا بعده كما يضمن قبله فلا فائدة في الاختلاف.
تنبيه: إذا فات النصف مشاعا فله النصف الباقي وكذا معينا من النصف وفي "المغني" له نصف البقية ونصف قيمة التالف أو مثله وإن قبضت المسمى في الذمة فكالمعين إلا أنه لا يرجع بنمائه مطلقا ويعتبر في تقويمه صفته يوم قبضه وفي وجوب رده بعينه وجهان،
"والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح" في ظاهر المذهب لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولي العقدة الزوج" رواه الدارقطني عن ابن لهيعة ورواه أيضا بإسناد جيد عن علي ورواه بإسناد حسن عن جبير بن مطعم عن ابن عباس ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: من الآية237] والعفو الذي هو أقرب للتقوى هو عفو الزوج عن حقه أما عفو الولي عن مال المرأة فليس هو أقرب للتقوى ولأن المهر للزوجة فلا يملك الولي إسقاطه كسائر الأولياء،(7/146)
فإذا طلق قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الأمر في ماله بريء منه صاحبه وعنه: أنه الأب فله أن يعفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة.
ـــــــ
ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى الغائب لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: من الآية22] وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملا ولأن الصغير لو رجع إليه صداق زوجته أو نصفه لانفساخ النكاح برضاع أو نحوه لم يكن لوليه العفو عنه رواية واحدة فكذا ولي الصغير "فإذا طلق قبل الدخول" فإنه يتنصف المهر بينهما "فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الأمر في ماله برئ منه صاحبه" أي سواء كان العافي الزوج أو الزوجة إذا كان جائز التصرف في ماله فإن كان صغيرا أو سفيها لم يصح لأنه ليس من أهل التصرف في ماله ولا يصح عفو الولي عن الصداق أبا كان أو غيره صغيرة كانت أو كبيرة نص عليه "وعنه: أنه الأب" نقله ابن منصور وقدمه ابن رزين واختاره الشيخ تقي الدين قال ومثله سيد الأمة رواه الدارقطني بإسناد حسن عن ابن عباس ولأن عقدة النكاح بعد الطلاق إلى الولي لأن الله تعالى خاطب الأزواج بخطاب المواجهة ثم خاطب الأولياء فقال: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: من الآية237] وهو خطاب غيبة ومعناه أنه يعفو للمطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر وشرطه أن يكون أبا لأنه هو الذي يلي مالها لكن قال أبو حفص ما أرى ما نقله ابن منصور إلا قولا قديما فظاهره أن المسألة: رواية واحدة وأن أبا عبد الله رجع عن قوله بجواز عفو الأب وهو الصحيح لأن مذهبه أنه لا يجوز للأب إسقاط ديون ولده الصغير ولا إعتاق عبيده ولا تصرفه إلا بما فيه مصلحتهم.
"فله" أي للأب "أن يعفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة" والمجنونة لأنه يكون وليا على مالها فإن الكبيرة العاقلة تلي مال نفسها وفي "المغني" و "الكافي" بشرط البكارة واختار جمع وقدمه في "المحرر" وجزم به في(7/147)
إذا طلقت قبل الدخول.
فصل
إذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه وعنه: لا يرجع بشيء.
ـــــــ
"الموجز" وبكر بالغة وفي "الترغيب" أصله هل ينفك الحجر بالبلوغ "إذا طلقت" لأنه قبل الطلاق معرضة لا تلاف البضع "قبل الدخول" لأن ما بعده قد أتلف البضع فلا يعفو عن بدل متلف وسواء فيه عفوه أو عفوها ولم يقيد في "عيون المسائل" بصغر وكبر وبكارة وثيوبة وذكر ابن عقيل رواية الولي في حق الصغيرة وذكر ابن حمدان قولا للأب العفو بعد الدخول مالم تلد أو تبقى في بيتها سنة بناء على بقاء الحجر عليها وقدم اعتبار كونه دينا فلا يعفو عن عين فيصح بلفظ الهبة.
فصل
"إذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه" على المذهب لأن الطلاق قبل الدخول يقتضي الرجوع في نصف الصداق وقد وجد ولا أثر لكونها أبرأته أو وهبته له لأن ذلك حصل مستأنفا فلم يمنع استحقاق النصف كما لو وهبته لأجنبي فوهبه الأجنبي للزوج.
"وعنه: لا يرجع بشيء" لأن نصف الصداق يعجل له بالهبة لأن عقد الهبة لا يقتضي ضمانا وعنه: يرجع مع الهبة دون الإبراء صححه في "المحرر" لأن الإبراء إسقاط لا تمليك وفي "الترغيب" أصل الخلاف في الإبراء أيهما يلزمه زكاته إذا مضى أحوال وهو دين فيه روايتان وفي "المغني" هل هو إسقاط أو تمليك وإن وهبته بعضه ثم تنصف رجع بنصف غير الموهوب ونصف الموهوب استقر ملكها له فلا ترجع به ونصفه الذي لم يستقر ترجع به على الأولى والثانية.(7/148)
وإن ارتدت قبل الدخول فهل يرجع عليها بجميعه على روايتين وكل فرقة جاءت من الزوج كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته أو من أجتبي كالرضاع ونحوه قبل الدخول يتنصف بها المهر بينهما.
ـــــــ
فرع: إذا خالعته بنصف صداقها قبل الدخول صح وكان الصداق كله له ويحتمل أن يصير له ثلاثة أرباعه فإن خالعته بمثل جميع الصداق في ذمتها صح ورجع عليها بنصفه فإن خالعته بصداقها كله فكذا في وجه وفي الآخر لا يرجع عليها بشيء.
مسألة: باع عبدا ثم أبرأه البائع من الثمن أو قبضه منه ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري بالعبد عيبا فهل له رد المبيع والمطالبة بالثمن أو أخذ أرش العيب مع إمساكه على روايتين بناء على الخلاف في الصداق وإن كانت بحالها فوهب المشتري العبد البائع ثم أفلس المشتري وهو في ذمته فللبائع أن يضرب بالثمن مع الغرماء وجها واحدا لأن الثمن ما عاد إلى البائع منه شيء.
فرع: تبرع أجنبي بأداء المهر ثم سقط أو تنصف فالراجع للزوج وقيل للأجنبي ومثله أداء ثمن ثم يفسخ بعيب ورجوع مكاتب أبرئ من كتابته بالإيتاء واختار المؤلف فيه لا رجوع.
"وإن ارتدت قبل الدخول فهل يرجع عليها بجميعه على روايتين" مأخذهما ما سبق والمذهب أنه يرجع بجميعه.
"وكل فرقة جاءت من الزوج كطلاقه وخلعه" سواء سألته أو سأله أجنبي،
"وإسلامه وردته أو من أجنبي كالرضاع ونحوه قبل الدخول يتنصف بها المهر بينهما" لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: من الآية237] ثبت في الطلاق والباقي قياسا عليه لأنه في معناه وعنه: إذا أسلم فلا مهر عليه والأول المذهب وإنما تنصف المهر بالخلع لأن المغلب فيه جانب الزوج بدليل أنه يصح منها ومن غيرها وهو خلعه مع الأجنبي فصار كالمنفرد به وذكر ابن أبي موسى أن المختلعة لا متعة لها وأن(7/149)
وكل فرقة جاءت من قبلها كإسلامها وردتها ورضاعها من ينفسخ به نكاحها وفسخها لعيبه أو إعساره وفسخه لعيبها يسقط به مهرها ومتعتها وفرقة اللعان تخرج على روايتين وفي فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له وجهان.
ـــــــ
المخالعة في المرض لا ترث وعلل بأن الفرقة حصلت من جهتها وفي "الرعاية" وإن تخالعا وقلنا هو فسخ وقيل أو طلاق وجهان وإن جعل لها الخيار فاختارت نفسها أو وكلها في الطلاق فطلقت نفسها فهو كطلاقه لأنها بائنة عنه وفي رواية وإن علقه على فعل منها لم يسقط مهرها لأن السبب وجد منه وإن طلق الحاكم على الزوج في الإيلاء فهو كطلاقه وأما فرقة الأجنبي كالرضاع ونحوه فإنه يجب نصف المهر لأنه لا جناية منها يسقط مهرها ويرجع الزوج بما لزمه على الفاعل لأنه قرره عليه.
"وكل فرقة جاءت من قبلها كإسلامها وردتها ورضاعها من ينفسخ به نكاحها وفسخها لعيبه أو إعساره وفسخه لعيبها يسقط به مهرها ومتعتها" لأنها أتلفت العوض قبل تسليمه فسقط البدل كله كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه وكذا إن فسخت لعتقها تحت عبد أو لفوات شرط وعنه: يتنصف بفسخها لشرط فيتوجه في فسخها لعيبه الخلاف وفي "الرعاية" إن فسخت قبل الدخول فروايتان وإن كان لها مهر مسمى فهل يتنصف أو يسقط على روايتين.
وذكر أبو بكر أنه إذا تزوجها بشرط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا يخرجها من دارها فلم يف لها ففسخت ولم يكن سمى لها مهرا فلها المتعة.
"وفرقة اللعان تخرج على روايتين" لأن النظر إلى كون الفسخ عقيب لعانها فهو كفسخها لعيبه أو إلى أن سبب اللعان القذف من الزوج فهو كفسخه لطلاقه وقال القاضي يخرج على روايتين أصلهما إذا لاعنها في مرض موته هل ترثه على روايتين إحداهما هو كطلاقه لأن سبب اللعان قذفه الصادر منه أشبه الخلع والثانية يسقط به مهرها لأن الفسخ عقيب لعانها هو كفسخها لعيبه.
"وفي فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له وجهان" أحدهما: يتنصف(7/150)
وفرقة الموت يستقر بها المهر كله كالدخول ولو قتلت نفسها لاستقر مهرها كاملا.
فصل
وإذا اختلف الزوجان في قدر الصداق فالقول قول الزوج مع يمينه وعنه: القول قول من يدعي مهر المثل منهما.
ـــــــ
المهر بشرائها زوجها لأن البيع الموجب للفسخ تم بالسيد وبالمرأة أشبه الخلع والثاني يسقط به المهر لأن الفسخ وجد عقيب قبولها أشبه فسخها لعيبه وكذا إذا اشترى الزوج امرأته وفي "المغني" في شرائها له روايتان وفي شرائه لها وجهان مخرجان على الروايتين وقيل هما إن اشتراها من مستحق مهرها وإن اشترته فروايتان.
"وفرقة الموت يستقر بها المهر كله كالدخول" حرة كانت أو أمة لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق رواه معقل بن سنان ولأنه عقد ينتهي بموت أحدهما فاستقر به العوض كانتهاء الإجارة.
"ولو قتلت نفسها" أو قتلها غيرها "لاستقر مهرها كاملا" كالموت حتف أنفها لأنها فرقة حصلت بانقضاء الأجل وانتهاء النكاح فهو كموتها حتف أنفها وفي رواية وفي "الوجيز" يتقرر إن قتل نفسه أو قتله غيرهما فظاهره لا يتقرر إن قتل أحدهما الآخر قال في "الفروع" وهو متجه إن قتلته.
فصل
"وإذا اختلف الزوجان" أو ورثتهما "في قدر الصداق" ولا نية على مبلغه فالقول قول الزوج قدمه في "المحرر" و "الفروع" لأنه منكر للزيادة "مع يمينه" لأنه مدعى عليه فيدخل في قوله عليه السلام: "ولكن اليمين على المدعى عليه".
"وعنه: القول قول من يدعي مهر المثل منهما" نصره القاضي وأصحابه،(7/151)
فإن ادعى أقل منه وادعت أكثر منه رد إليه بلا يمين عند القاضي في الأحوال كلها وعند أبي الخطاب يجب اليمين وإن قال تزوجتك على هذا العبد قالت بل على هذه الأمة خرج على الروايتين.
ـــــــ
وجزم به في "الوجيز" لأن الظاهر صدق من يدعيه فيقدم قوله أشبه المنكر في سائر الدعاوى فلو ادعت المرأة مهر المثل أو أقل منه قبل قولها وإن ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر منه قبل قوله لأن الظاهر صدق المدعي ولا فرق بين أن يكون هذا الاختلاف قبل الدخول أو بعده قبل الطلاق أو بعده وعنه: ثالثة يتحالفان ذكرها في "المبهج" فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت ما قاله الآخر وإن حلفا وجب مهر المثل والأصح لا تحالف لأنه عقد لا ينفسخ بالتحالف فلم يشرع فيه كالعفو عن دم العمد.
"فإن ادعى أقل منه وادعت أكثر منه رد إليه" أي إلى مهر المثل لأن ذلك فائدة قبول قول من يدعيه "بلا يمين عند القاضي" لأنها دعوى في نكاح أشبهت الدعوى في أصل النكاح "في الأحوال كلها" سواء وافق قول الزوج أو قولها.
"وعند أبي الخطاب يجب اليمين" لأنه اختلاف فيما يجوز بدله فوجب أن تجب فيه اليمين كسائر الدعاوى في الأموال وفي "المغني" إذا ادعى أقل من مهر المثل وادعت أكثر منه رد إلى مهر المثل ولم يذكر أصحابنا يمينا والأولى أن يتحالفا فإن ما يقوله كل واحد منهما محتمل للصحة فلا يعدل عنه إلا بيمين كالمنكر في سائر الدعاوى ولأنهما متساويان في عدم الظهور فشرع التحالف كاختلاف المتبايعين وفيه نظر لأنه نفى أن يكون الأصحاب ذكروا يمينا والحال أنه ذكره عن القاضي نفيا وعن أبي الخطاب إثباتا وقوله فشرع التحالف يقتضي أنه ليس بواجب وليس كذلك فيقول هو ما أصدقتها كذا وإنما أصدقتها كذا أو تقول هي ما أصدقني كذا وإنما أصدقني كذا كاختلاف المتبايعين.
"وإن قال تزوجتك على هذا العبد قالت بل على هذه الأمة خرج على الروايتين" أي إذا اختلفا في عينه أو صفته فإن كان قيمة العبد مهر المثل أو(7/152)
فإن اختلفا في قبض المهر فالقول قولها وإن اختلفا فيما يستقر به المهر فالقول قوله.
ـــــــ
أكثر منه وقيمة الأمة دون ذلك حلف الزوج ولها قيمة العبد وإن كان قيمة الأمة مهر المثل أو أقل وقيمة العبد دون ذلك فالقول قولها مع يمينها وهل تجب الأمة أو قيمتها فيه وجهان إحداهما تجب عين الأمة لأنه يقبل قولها في القدر فكذا في العين.
والثاني: تجب لها قيمتها لأن قولها إنما وافق الظاهر في القدر لا في العين وفي فتاوى المؤلف إن عينت أمها وعين أباها فينبغي أن يعتق أبوها لأنه مقر بملكها له وإعتاقه عليها ثم يتحالفان ولها الأقل من قيمة أمها أو مهر مثلها وفي "الواضح" يتحالفان كبيع ولها الأقل مما ادعته أو مهر مثلها وفي "الترغيب" يقبل قول مدع جنس مهر المثل في أشهر الروايتين والثانية قيمة ما يدعيه هو.
فرع: اختلف الزوج وأبو الصغيرة أو المجنونة قام الأب مقامها في اليمين لأنه يحلف على فعل نفسه كالوكيل ذكره في "الكافي" و "الشرح" وفي "الواضح" توقف اليمين إلى حين بلوغها ويجب على الزوج دفع ما أقر به وعلى الأول إن لم يحلف حتى بلغت الصغيرة وعقلت المجنونة فاليمين عليها لأنه إنما حلف لتعذر اليمين منهما فإذا أمكن لزمهما كالوصي إذا بلغ الطفل فأما أبو البكر البالغة العاقلة فلا تسمع مخالفة الأب لأن قولها مقبول والحق لها وأما سائر الأولياء فليس لهن أن يزوجوا بدون مهر المثل فإن فعلوا ثبت لها مهر المثل بغير يمين فإن ادعى أنه زوجها بأكثر من مهر مثلها فاليمين على الزوج لأن قوله مقبول في قدر مهر المثل.
"فإن اختلفا في قبض المهر فالقول قولها" مع يمينها لأن الأصل عدمه وذكر ابن الزاغوني رواية أنه يقبل قول الزوج مع يمينه بناء على "كان له علي وقضيته".
"وإن اختلفا فيما يستقر به المهر" من المسيس والخلوة "فالقول قوله"؛ لأنه(7/153)
وإن زوجها على صداقين سرا وعلانية أخذ بالعلانية وإن كان قد انعقد بالسر ذكره الخرقي وقال القاضي إن تصادقا على السر لم يكن لها غيره وإن قال هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته وقالت بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها.
ـــــــ
منكر والأصل عدمه.
"وإن تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية وإن كان انعقد بالسر ذكره الخرقي" ونص عليه أحمد لأن الزوج وجد منه بذل الزائد على مهر السر فلزمه كما لو زادها في صداقها فأتى ذلك أنه يؤخذ بأزيدهما وقدمه في "الفروع".
"وقال القاضي إن تصادقا على السر لم يكن لها غيره" أي الواجب المهر الذي انعقد به النكاح سرا كان أو علانية لأنه هو الذي ثبت به النكاح والعلانية ليس بعقد حقيقة وإنما هو عقد صورة والزيادة فيه غير مقصودة وحمل كلام أحمد والخرقي على أن المرأة لم تقر بنكاح السر وإذا القول قولها لأن الأصل عدم نكاح السر على أن المهر ألف وأنهما عقدا بألفين تجملا فالمهر ألفان أي ما عقد به في الأصح كعقده هزلا وتلجئه نص عليه ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون السر من جنس العلانية أو يكونا من جنسين وذكر الحلواني في بيع مثله.
"وإن قال هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته وقالت بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها" لأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكما كالأول ولها المهران وإن أصر على الإنكار سئلت المرأة فإن ادعت أنه دخل بها ثم طلقها ثم نكحها حلفت واستحقت وإن أقرت بما يسقط جميعه أو نصفه لزمها ما أقرت به.
فرع: يلحق الزيادة بعد العقد بالمهر على الأصح فيما يقرره وينصفه وتملك الزيادة من حينها نقله مهنا في أمة عتقت فزيد مهرها وجعلها القاضي لمن الأصل له فأما هديته فليست من المهر نص عليه فإن كانت قبل العقد وقد وعد به(7/154)
ـــــــ
فزوجوا غيره رجع قاله الشيخ تقي الدين وقال ما قبض بسبب نكاح فكمهر وقال فيما كتب فيه المهر لا يخرج منها بطلاقها إذا كان منه.(7/155)
فصل قي المفوضة
...
فصل في المفوضة
والتفويض على ضربين تفويض البضع وهو أن يزوج الأب ابنته البكر أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر وتفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أجنبي ونحو ذلك.
ـــــــ
فصل في المفوضة
يجوز فيه فتح الواو وكسرها والتفويض معناه الإهمال كأنها أهملت المهر حيث لم يسمه قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
"على ضربين تفويض البضع" وهو الذي ينصرف إطلاق التفويض إليه "وهو أن يزوج الأب ابنته البكر أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بلا مهر" أو مطلقا قاله في "الرعاية" فعلم منه أن النكاح صحيح تسمية صداق في قول عامتهم لقوله تعالى: { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: من الآية236] ولقول ابن مسعود وسيأتي ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة وسواء شرطا نفي المهر أو تركا ذكره فلو قال زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح.
"وتفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أجنبي ونحو ذلك" لأنها لم تزوج نفسها إلا بصداق وهو مجهول فسقط لجهالته فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل بالعقد لقول ابن مسعود وقد سئل عن امرأة تزوجت برجل لم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود لها صداق نسائها(7/155)
فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل بالعقد ولها المطالبة بفرضه فإن فرضه الحاكم لم يجز إلا بمقداره وإن تراضيا على فرضه جاز ما اتفقا عليه من قليل وكثير.
ـــــــ
لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان فقال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا بمثل ما قضيت به ففرح بها ابن مسعود رواه الخمسة وصححه الترمذي ولفظه له ولأنها تملك المطالبة به فكان واجبا كالمسمى ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كالعقد الفاسد وإنما لم يتنصف لأن الله تعالى مسمى لها بالطلاق إلى المتعة فعلى هذا لو فرض الرجل مهر أمته ثم أعتقها أو باعها ثم فرض لها كان لمعتقها أو بائعها وإن طلقت عند المشتري فالمتعة لها "ولها المطالبة بفرضه" قبل الدخول فإن امتنع أجبر عليه لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجب لها المطالبة ببيان قدره لا نعلم فيه خلافا إذ القول بعدم وجوبه بالعقد يفضي إلى خلوه منه مع أنه يقع صحيحا قال جماعة ولها المطالبة بمهر المثل وقيل لا لأنه لم يستقر ويصح ابراؤها منه قبل فرضه وعنه: لا لجهالته وإن وقف وجوبه على الدخول فكالعفو عما انعقد سبب وجوبه "فإن" امتنع من بيان قدره "فرضه الحاكم" لأنه معد لذلك فدل على أنه لو فرضه أجنبي لها لم يصح وإن رضيته وفيه وجه بالصحة فإن سلم إليها ما فرض لها فرضيته فهل يصح فيه احتمالان فإن قلنا يصح فطلقت قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج "ولم يجز إلا بمقداره" لأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها والعدل المثل ولأنه إنما يفرض بدل البضع فوجب أن يتقدر به كالسلعة إذا تلفت وحينئذ يلزمها فرضه بحكمه فدل أن ثبوت سبب المطالبة كتقديره أجرة المثل والنفقة ونحوه حكم فلا يغير حاكم آخر ما لم يتغير السبب كيسره في النفقة أو عسره.
"وإن تراضيا على فرضه جاز عليه من قليل وكثير" سوءا كانا عالمين بمهر المثل أو لا لأن الحق لهما لا يعدوهما لأنه إذا فرض لها كثيرا فقد بذل لها(7/156)
وإن مات أحدهما قبل الإصابة ورثه صاحبه ولها مهر نسائها وعنه: أنه يتنصف بالموت إلا أن يكون قد فرضه لها وإن طلقها قبل الدخول بها لم يكن لها عليه إلا المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
ـــــــ
من ماله فوق ما يلزمه وإن رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها ويصير ما فرضاه كالمسمى في العقد في أنه يتنصف بالطلاق ولا تجب لها المتعة.
تنبيه: يجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئا للخبر وعن ابن عباس وابن عمر لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا للخبر وجوابه بأنه محمول على الاستحباب ويجب المسمى بوطء أو خلوة من يطأ مثله بمن يوطأ مثلها بدون مانع عرفا وفي المانع حسا أو شرعا روايتان.
"وإن مات أحدهما قبل الإصابة" وقبل الفرض "ورثه صاحبه" بغير خلاف نعلمه لأن عقد الزوجية صحيح ثابت فيورث به لدخوله في عموم النص "ولها مهر نسائها" في ظاهر المذهب لحديث ابن مسعود ولأن الموت يكمل به المسمى فكمل به مهر المثل كالدخول "وعنه: أنه يتنصف بالموت" لأن المفروض لها يخالف التي لم يفرض لها في الطلاق فجاز أن يخالفها بعد الموت ولأنها فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس فلم يجب لها مهر المثل كفرقة الطلاق "إلا أن يكون قد فرضه لها" الحاكم فإنه لا يتنصف لأن الفرض يجعله كالمسمى ولو سمى ثم مات لوجب كله فكذا إذا فرضه.
"وإن طلقها قبل الدخول بها لم يكن لها عليه إلا المتعة" هذا المذهب ونص عليه في رواية جماعة وهو قول ابن عباس وابن عمر لقوله تعالى: {إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله: {فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب: من الآية49] ولقوله تعالى : {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: من الآية241] والأمر يقتضي الوجوب ولأنه طلاق في نكاح يقتضي عوضا فلم يعر عن ذكر العوض كما لو سمى مهرا على الموسع قدره وعلى المقتر قدره أي المتعة معتبرة بحال الزوج؛ لقوله(7/157)
فأعلاها خادم وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها وعنه: يرجع في تقديرها إلى الحاكم وعنه: يجب لها نصف مهر المثل فإن دخل بها استقر مهر المثل فإن طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة على روايتين أصحهما لا تجب.
ـــــــ
تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من الآية236] وقيل بحالها وقيل بحالهما وعلى الأول "فأعلاها خادم وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها" لقول ابن عباس أعلا المتعة خادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة وقيدت بما يجزئها في صلاتها لأن ذلك أقل الكسوة.
"وعنه: يرجع في تقديرها إلى الحاكم" لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره "وعنه: يجب لها نصف مهر المثل" لأنها بدل عنه فيجب أن يتقدر به وعنه: يجب للمطلقة قبل الدخول نصف مهر مثلها لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فوجب نصفه بالطلاق كالتي سمى لها وكما لو سمى لها محرما.
فإن دخل بها استقر مهر المثل لأن الدخول يوجب استقرار المسمى فكذا مهر المثل لاشتراكهما في المهر في المعنى الموجب للاستقرار "فإن طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة على روايتين أصحهما لا تجب" وجزم به في "الوجيز" لأن كل من وجب لها نصف المهر لم يجب لها متعة سواء كانت ممن سمى لها صداقا أو لا ولأنه وجب لها مهر المثل فلم يجب لها المتعة لأنه كالبدل مع مهر المثل والثانية لكل مطلقة متاع روى عن علي والحسن وسعيد بن جبير وغيرهم للآية والمذهب أن المتعة لا تجب إلا لحرة أو سيد أمة على زوج بطلاق قبل الدخول كمن لا مهر لها لأنه تعالى قسم المطلقات قسمين وأوجب المتعة لغير المفروض لهن ونصف المسمى لغير المفروض لهن وذلك يدل على اختصاص كل قسم بحكمه مع أن أبا بكر قال العمل عندي على الثانية لتواتر الروايات عنه بخلافها فإنه لم يرو(7/158)
فصل
ومهر المثل معتبر بمن يساويها من نساء عصبتها كأختها وعمتها وبنت أخيها وعمها وعنه: يعتبر جميع أقاربها كأمها وخالتها وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والأدب والسن والبكارة والثيوبة والبلد فإن لم يكن في نسائها إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها وإن لم يوجد فوقها،
ـــــــ
عنه هذا إلا حنبل وعنه: تجب المتعة إلا لمن دخل بها وسمى لها.
فرع: لا متعة للمتوفى عنها بغير خلاف لأن النص لم يتناولها وإنما يتناول المطلقات ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود. فصل
"ومهر المثل معتبر بمن يساويها من نساء عصبتها" من جهة أبيها وجدها "كأختها وعمتها وبنت أخيها وعمها" قال في "الشرح" هو الأولى لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق بمثل مهر قومها ولأن شرف المرأة معتبر في مهرها وشرفها بعصباتها لأنهم نسباؤها وأمها وخالتها لا يساويانها في شرفها وقد تكون أمها مولاة وهي شريفة وبالعكس وينبغي أن يعتبر الأقرب فالأقرب من نساء عصباتها كأختها لأبيها ثم عماتها "وعنه: يعتبر جميع أقاربها كأمها وخالتها" جزم بها في "الوجيز" وقدمها في "المحرر" و "المستوعب" و "الفروع" لأن مطلق القرابة له أثر له في الجملة وأمها وخالتها يشملهما حديث ابن مسعود لها مهر نسائها وحينئذ يعتبر بمن يساويها في الصفات الحسنة والمال والبلد بالأقرب فالأقرب منهن.
"وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والأدب والسن والبكارة والثيوبة والبلد" لأن مهر المثل بدل متلف المفقودة فإن لم يكن في نسائها من هو مثل حالها فمن نساء أرحامها "فإن لم يكن في نسائها إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها" لأن زيادة فضيلتها تقتضي زيادة المهر "وإن لم يوجد إلا فوقها(7/159)
نقصت بقدر نقصها" وإن كانت عادتهم التخفيف على عشيرتهم دون غيرهم اعتبر ذلك وإن كان من عادتهم التأجيل فرض مؤجلا في أحد الوجهين فإن لم يكن لها أقارب اعتبرت بنساء بلدها ثم بأقرب النساء شبها بها وأما النكاح الفاسد فإذا افترقا قبل الدخول بطلاق أوغيره فلا مهر فيه فإن دخل بها استقر عليه المسمى.
ـــــــ
"نقصت بقدر نقصها" كأرش العيب مقدر بقدر نقص المبيع ولأن له أثرا في تنقيص المهر فوجب أن يترتب بحسبه "وإن كان عادتهم التخفيف على عشيرتهم دون غيرهم اعتبر ذلك" لأن العادة لها أثر في المقدار فكذا في التخفيف لا يقال مهر المثل بدل متلف فوجب أن لا يختلف كسائر المتلفات لأن النكاح يخالف سائر المتلفات باعتبار أن المقصود منه أعيان الزوجين بخلاف بقية المتلفات فإن المقصود منه المالية خاصة فلذلك لم يختلف باختلاف العوائد. والمهر يختلف باختلاف العوائد.
"وإن كان عادتهم التأجيل فرض مؤجلا في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" لأنه مهر نسائها والثاني يفرض حالا لأنه بدل متلف فوجب الحلول كقيم المتلفات وكما لو لم يكن لهم عادة بالتأجيل فلو اختلفت مهورهن أخذ بالوسط الحال.
"فإن لم يكن لها أقارب اعتبرت بنساء بلدها" لأن ذلك لا أثر له في الجملة ثم بأقرب النساء شبها بها لأنه لما تعذر الأقارب اعتبر أقرب النساء شبها بها من غيرهن كما اعتبر قرابتها البعيد إذا لم يوجد القريب.
"وأما النكاح الفاسد فإذا افترقا قبل الدخول بطلاق أو غيره فلا مهر فيه" لأن المهر يجب بالعقد والعقد فاسد فوجوده كعدمه كالبيع الفاسد وظاهره ولو لموت قال في "الفروع" ويتوجه أنه على الخلاف في وجوب العدة به وتقرره بالخلوة وفي مختصر ابن رزين يستقر به وفي "الرعاية" إذا طلق قبل الدخول فلا يقع ففي سقوط المهر وإيجابه احتمالان.
"فإن دخل بها ووطئها استقر عليه المسمى" في المنصوص وقدمه في(7/160)
وعنه يجب مهر المثل وهي أصح ولا يستقر بالخلوة وقال أصحابنا يستقر ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة والمكرهة على الزنى.
ـــــــ
"الفروع" لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة ولها الذي أعطاها بما أصاب منها رواه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلال بإسنادهما "وعنه: يجب مهر المثل وهي أصح" جزم به في "الوجيز" وهو ظاهر الخرقي لقوله عليه السلام: "فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها" فجعل لها المهر بالإصابة والإصابة إنما توجب مهر المثل لأن العقد ليس بموجب بدليل الخبر وأنه لو طلقها قبل مسيسها لم يكن لها عليه شيء وإذا لم يكن موجبا كان وجوده كعدمه وكوطء الشبهة ولأن التسمية لو فسدت لوجب مهر المثل فكذا إذا فسد العقد.
"ولا يستقر بالخلوة" وهو رواية وقاله أكثر العلماء كمن منعته الوطء أو افترقا بلا وطء ولا خلوة "وقال أصحابنا: يستقر" نص عليه قياسا على العقد الصحيح وفي "المغني" الأول أولى لأن الصداق إنما أوجبه الوطء ولذلك لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول أشبه الخلوة بالأجنبية ولأنه عليه السلام جعل المهر بما استحل من فرجها ولم يوجد وقيل لا يكمل بها.
فرع: لا يصح تزويج من نكاحها فاسد قبل الطلاق أو فسخ فإن أبى الزوج فسخه الحاكم نص عليه وظاهره لو زوجها قبل فسخه لم يصح مطلقا فإن زوجت نفسها بلا شهود ففي تزويجها قبل فرقة روايتان في "الإرشاد" وهما في "الرعاية" بلا ولي أو بدونهما.
"ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة" بغير خلاف علمناه كبدل متلف،
"والمكرهة على الزنى" أي يجب لها مهر المثل بوطء في قبل ولو من مجنون في ظاهر المذهب ولا يلحقه نسبه وعنه: المهر للبكر اختاره أبو بكر وعنه: لا يجب لمكرهة اختاره الشيخ تقي الدين لأنه خبيث وظاهره لا يجب لمطاوعة وصرح به في "الكافي" لأنها باذلة فلم يجب لها شيء كما لو أذنت في قطع طرفها ويستثنى منه الأمة وفي وطء دبر وأمة(7/161)
ولا يجب معه أرش البكارة ويحتمل أن يجب للمكرهة وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها فعليه أرش بكارتها.
ـــــــ
أذنت وجهان وفي "الانتصار" لمطاوعة ويسقط وعنه: لا مهر لذات رحم وعنه: تحرم بنتها كلواط قال بعضهم بخلاف مصاهرة لأنه طارئ قال المؤلف ورضاع.
"ولا يجب معه أرش البكارة" كالوطء في نكاح صحيح "ويحتمل أن يجب للمكرهة" وهو رواية لأنه إتلاف جزء فوجب عوضه كما لو جرحها ثم وطئها والأولى أولى لأن المهر بدل المنفعة المستوفاة بالوطء لأن الأرش يدخل في المهر لكون الواجب لها مهر المثل ومهر البكر على مهر الثيب ببكارتها وكانت الزيادة في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة ولا يجب عوضهما مرة ثانية.
تنبيه: يتعدد المهر بتعدد الشبهة والزنى لا بتكرر الوطء في الشبهة قاله في "الترغيب" وغيره وذكر أبو يعلى الصغير يتعدد بتعدد الوطء في الشبهة لا في نكاح فاسد وفي "المغني" و"النهاية" يتعدد في نكاح فاسد ووطئه مكاتبته إن استوفت مهرا عن الوطء الأول وإلا فلا ومن نكاحها باطل بالإجماع كالمزوجة والمعتدة فهي كالمكرهة جزم به الجماعة وعنه: يلزم المسمى وعنه: لا مهر لمحرمة بنسب ذكرها ابن عقيل.
"وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها" أو أزالها بأصبع أو غيرها "فعليه أرش بكارتها" هذا هو المذهب لأنه إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير ديته فرجح فيها إلى الحكومة كسائر مالم يقدر ولأنه إذا لم يكمل الصداق به في حق زوج ففي حق الأجنبي أولى وقال القاضي يجب مهر المثل هذا رواية عن أحمد لما روى سعيد ثنا هشيم ثنا مغيرة عن إبراهيم أن رجلا كانت عنده يتيمة فخافت امرأته أن يتزوجها فاستعانت بنسوة فأذهبتن عذرتها وقالت لزوجها فجرت فأخبر علي بذلك فأرسل إلى امرأته والنسوة فلما أتين لم يلبثن أن اعترفن بما صنعن فقال للحسن بن علي اقض فيها فقال:(7/162)
وقال القاضي يجب مهر المثل وإن فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن عليه إلا نصف المسمى وللمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال.
ـــــــ
الحد على من قذفها والعقر عليها وعلى الممسكات.
ولأنه إتلاف يستحق به مهر المثل في العقد فإذا أتلفه أجنبي وجب مهر المثل كمنفعة البضع ونقل مهنا فيمن تزوج بكرا فدفعها هو وأخوه فأذهبا عذرتها ثم طلقها قبل الدخول إن على الزوج نصف الصداق وعلى الأخ نصف العقر روى عن علي والحسن وعبد الله بن معقل وعبد الملك بن مروان وهذه قصص مشتهرة ولم تنكر فكانت كالإجماع والأول هو القياس لولا ماروي عن الصحابة وأرش البكارة ما بين مهر البكر والثيب.
"وإن فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن عليه إلا نصف المسمى" في ظاهر المذهب لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: من الآية237] الآية لأنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد فلم يضمنه كغيره كما لو أتلف عذرة أمته ويتخرج أن يجب لها الصداق كاملا فإن أحمد قال إذا فعل ذلك أجنبي فعليه الصداق ففيما إذا فعله الزوج أولى وظاهره أنه لا يجب أرش البكارة وقيل بلى إن قيل يجب على الأجنبي أرشها فيعطي حكمه من حين الإتلاف ويمتاز عليه بنصف المسمى لكونه قبل الدخول.
فرع: لو وطئ ميتة لزمه المهر في ظاهر كلامهم قال في "الفروع" وهو متجه وفي كلام القاضي ما يدل على خلافه وإن مات أو طلق من دخل بها فوضعت في يومها ثم تزوجت فيه وطلق قبل دخوله بها ثم تزوجت في يومها من دخل بها فقد استحقت في يوم واحد بالنكاح مهرين ونصفا ذكره المؤلف في فتاويه.
"وللمرأة" سمي لها أو مفوضة "منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال" حكاه ابن المنذر إجماعا لأن في إجبارها أولا على تسليم نفسها خطرا بإتلاف البضع،(7/163)
فإن تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت المنع فهل لها ذلك على وجهين.
ـــــــ
ولا يمكن الرجوع فيه بخلاف المبيع وقيل أو حل قبل التسليم وسافر بلا إذنه في أصح الروايتين ولها النفقة إذا امتنعت ولو كان معسرا والسفر بغير إذنه لأنه امتناع بحق أشبه ما لو امتنعت للإحرام بحجة الإسلام وعلل أحمد وجوب النفقة بأن الحبس من قبله وظاهر كلام جماعة لا نفقة قال في "الفروع" وهو متجه وظاهره أنه إذا كان مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بتأجيله رضى منها بتسليم نفسها قبل قبضه كتأجيل الثمن فأما إذا كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فلها منع نفسها قبل قبض العاجل ولا فرق بين حلوله بعد تأجيله وعدمه صرح به في "المغني" لأن التسليم قد وجب عليها فاستقر قبل قبضه فلم يكن لها أن تمتنع منه.
فرع: إذا كانت محبوسة أو لها عذر يمنع التسليم وجب تسليم الصداق كمهر الصغيرة في الأصح.
"فإن تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت المنع فهل لها ذلك على وجهين" إذا سلمت نفسها تبرعا فدخل أو خلا ثم أرادت المنع فقد توقف أحمد في الجواب عنها وفيه وجهان أحدهما لا يملكه واختاره الأكثر منهم صاحب "الوجيز" لأن التسليم استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها أن تمتنع منه كتسليم البائع المبيع وفيه تنبيه: على الفرق بين المتبرع بالتسليم وعدمه وهو قادح في صحة القياس والثاني واختاره ابن حامد على أن لها المنع لأنه تسليم يوجبه العقد فكان لها أن تمتنع منه قبل صداقها كما لو لم تتبرع بتسليم نفسها فأما إن وطئها مكرهة لم يسقط حقها من الامتناع صرح به في "المغني" و "الشرح" كالبائع المكره على التسليم والأصح أنه إذا أظهر معيبا بعد قبضه وتسليم نفسها أن لها المنع.
فرع: إذا أبى كل من الزوجين التسليم الواجب أجبر زوج ثم زوجة وإن بادر به أحدهما أجبر الآخر عليه فلو أبت التسليم بغير عذر فله استرجاع الصداق.(7/164)
وإن أعسر بالمهر قبل الدخول فلها الفسخ وإن أعسر بعده فعلى وجهين ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم.
ـــــــ
"وإن أعسر بالمهر" الحال "قبل الدخول فلها الفسخ" اختاره أبو بكر وجزم به في "الوجيز" كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع وقيل لا يفسخ اختاره ابن حامد وصححه في "المغني" لأنه دين فلم ينفسخ بالإعسار كالنفقة الماضية والثمن كل مقصود البائع والعادة تعجيله والصداق فضلة والعادة تأخيره.
"وإن أعسر بعده" أي بعد الدخول "فعلى وجهين" هما مبنيان على منع نفسها إن قلنا لها منع نفسها بعد الدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول وإن قلنا ليس لها منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين آخر والأشهر أن الحرة مكلفة الفسخ بعده مالم تكن عالمة بعسرته ونقل ابن منصور إن تزوج مفلسا ولم تعلم المرأة لا يفرق بينهما إلا أن يكون قال عندي عوض ومال وغيره فإن رضيت بالمقام فلا فسخ في الأصح لكن لها منع نفسها.
فرع: المنع والفسخ لسيد الأمة وقيل لا وهو أولى كولي الصغيرة والمجنونة.
"ولا يجوز الفسخ إلا بحكم" حاكم في الأصح لأنه فسخ مختلف فيه كالفسخ للعنة والإعسار بالنفقة ولأنه يفضي أن يكون للمرأة زوجان كل واحد يعتقد حلها له وتحريمها على الآخر والثاني يجوز بغير حكم كخيار المعتقة تحت عبد والأول أصح إذ القياس على المعتقة غير صحيح لأنه متفق عليه وهذا مختلف فيه والله أعلم.(7/165)
باب الوليمة
ـــــــ
باب الوليمة
قال في "المستوعب" وليمة الشيء كماله وجمعه وسميت دعوة العرس(7/165)
وهي اسم لدعوة العرس خاصة وهي مستحبة والإجابة إليها واجبة.
ـــــــ
وليمة لاجتماع الزوجين يقال أولم إذا صنع وليمة.
"وهي اسم لدعوة العرس خاصة" لا تقع على غيره حكاه ابن عبد البر عن ثعلب وغيره من أئمة اللغة وقال بعض أصحابنا تقع على كل طعام لسرور حادث إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل الشأن وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب.
والأطعمة التي يدعى إليها الناس عشرة الأولى وليمة العرس والثانية عذرة وإعذار للختان والثالثة خرسة وخرس للولادة والرابعة وكيرة لدعوة البناء والخامسة نقيعة لقدوم الغائب والسادسة عقيقة الذبح لأجل الولد والسابعة حذاق لأجل حذاق الصبي والثامنة مأدبة وهي كل دعوة بسبب كانت أو غيره ذكر ذلك في "المغني" وغيره والتاسعة وضيمة وهي طعام المأتم نقله الجوهري عن الفراء والعاشرة تحفة لقدوم الغائب ذكره أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي وشدخية لطعام أملاك على زوجة وشداخ لمأكول في ختمة القارئ.
"وهي مستحبة" بالعقد قاله ابن الجوزي ولا خلاف بين أهل العلم في أن وليمة العرس سنة مشروعة لأنه عليه السلام أمر بها وفعلها قال لعبد الرحمن بن عوف تزوجت قال نعم قال أولم متفق عليه فعلى هذا يستحب بشاة فأقل وعنه: أنها واجبة ذكرها ابن عقيل وكونها للأمر وقال السنة أن يكثر للبكر وجوابه بأنه طعام لسرور حادث أشبه سائر الأطعمة والخبر محمول على الاستحباب وقوله ولو بشاة للتقليل أي ولو بشيء قليل كشاة فيستفاد منه أن الوليمة جائزة بدونها لما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بمدين من شعير.
"والإجابة إليها واجبة" في الأشهر عنه قاله في الإفصاح وذكر ابن عبد البر أنه لا خلاف فيها إذا لم يكن فيها لهو لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(7/166)
إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول فإن دعا الجفلى كقوله يا أيها الناس تعالوا إلى الطعام.
ـــــــ
"إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها" متفق عليه، وقال عليه السلام: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك لها الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله" رواه البخاري من حديث أبي هريرة وليس المراد به كل طعام الولائم فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها ولا ندب إليها واستحب في "الغنية"إجابة وليمة العرس وكره حضور غيرها على الوجه الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم وقيل فرض كفاية لأنها إكرام وموالاة أشبه رد السلام وقيل مستحبة لفعلها وعنه: إن دعاه من يثق به فإجابته أفضل "إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول" فيشترط لوجوب الإجابة إليها شروط منها أن يعين الداعي المدعو بالدعوى فلو لم يعينه كقوله يا أيها الناس أجيبوا إلى الوليمة لم يجب لعدم كسر القلب ومنها أن يكون الداعي مسلما فلا تجب بدعوى الذمي لأنها تراد للإكرام والموالاة وذلك منتف في حقه.
وعنه: في جواز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان وكذا يخرج في إجابتهم ويشترط فيه ألا يجوز هجره فإن جاز كمبتدع ونحوه لم تجب ومنع في "المنهاج"من فاسق ومبتدع ومفاخر بها أو فيها مبتدع يتكلم ببدعته إلا لراد عليه وكذا مضحك بفحش أو كذب وإلا أبيح القليل وفي "الترغيب" إن علم حضور الأراذل ومن مجالستهم تزري بمثله لم يجب ومنها أن يكون في اليوم الأول فإن كان في الثاني لم يجب لما روى ابن مسعود مرفوعا قال: "طعام أول يوم حق والثاني سنة والثالث سمعة ومن سمع سمع الله به" رواه الترمذي وقال: لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث زياد بن عبد الله وهو كثير الغرائب وروى له مسلم وكذا البخاري مقرونا بغيره ويشترط أن يكون مكسبه طيبا في المنصوص ومنها أن لا يكون فيها منكر وسيأتي.
"فإن دعى الجفلى كقوله أيها الناس تعالوا إلى الطعام" أو يقول الرسول:(7/167)
أو دعاه فيما بعد اليوم الأول أو دعاه ذمي لم تجب الإجابة وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة.
ـــــــ
أمرت أن أدعو من لقيت أو شئت فهذه دعوة عامة لا يخص فيها أحدا "أو دعاه فيما بعد اليوم الأول" أي إذا تكرر فعل الوليمة أكثر من يوم جاز لما روى الخلال بإسناده عن أبي أنه عرس الأنصار ثمانية أيام لكن إن كان في الثاني فيستحب قاله أحمد ويكره في الثالث لأنه قصد الرياء والسمعة وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه دعي إلى وليمة مرتين فأجاب فلما دعي الثالثة حصب الرسول رواه الخلال.
"أو دعاه ذمي لم تجب الإجابة" لأنه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة ودعواه الجفلى وإجابة الذمي قيل بجوازها وقيل يكره وقيل له في رواية أبي داود ويجيب دعوة الذمي قال نعم قيل يأكل عند المجوسي قال لا بأس مالم يأكل من قدورهم.
"وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة" قطع به المؤلف في كتبه واختاره أبو حفص العكبري لما فيه من إطعام الطعام وجبر القلوب ولأن في فعلها شكرا لنعمة الله تعالى وإظهارا لإحسانه وظاهر رواية ابن منصور ومثنى يجب لما روى ابن عمر مرفوعا قال: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان إوغير عرس" رواه مسلم وأبو داود وجوابه بحمله على الاستحباب مع أن أحمد نص على إباحة بقية الدعوات اختاره الأكثر ويستثنى منه العقيقة فإنها تسن وعنه: تكره دعوة الختان لقول عفان بن أبي العاص كنا لا نأتي الختان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا ندعى إليه رواه أحمد وفيه ضعف وكالمأتم وظاهر "الخرقي" أن الإجابة إلى دعوة الختان مباحة ونص عليه أحمد وقاله القاضي وعامة أصحابه كعملها وظاهر كلام الأكثر على استحباب الإجابة مطلقا نص عليه وفي "الغنية"يكره لأهل الفضل والعلم المسارعة إلى إجابة الطعام والتسامح لأن فيه دناءة وشرها لا سيما الحاكم.(7/168)
وإذا حضر وهو صائم صوما واجبا لم يفطر وإن كان نفلا أو كان مفطرا أستحب له الأكل فإن أحب دعا وانصرف وإن دعاه اثنان أجاب أولهما.
ـــــــ
"وإذا حضر وهو صائم صوما واجبا لم يفطر" يعني أن الصائم إذا دعي تسقط الإجابة فإذا حضر وكان الصوم واجبا لم يفطر لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليدع وإن كان مفطرا فليطعم" رواه أبو داود ورواه مسلم أيضا ولفظه: "إن كان صائما فليصل" ولأن الصوم واجب عليه فلم يجز تركه ولأن صاحب الطعام يعذره فلا يؤدي إلى كسر قلبه.
"وإن كان نفلا أفطر" لأن فيه إدخال السرور على قلب أخيه المسلم وقيل إن جبر قلب داعيه وقيل يدعو أو ينصرف نص عليه ويستحب له إعلامهم بصومه وهو قول عثمان وابن عمر لأن التهمة تزول ويتمهد عذره.
"أو كان مفطرا استحب له الأكل" إن شاء قاله أحمد وفي "الواضح" ظاهر الحديث وجوبه وفي مناظرات ابن عقيل لو غمس أصبعه في ماء ومصها حصل به إرضاء الشرع وإزالة المأثم بإجماعنا ومثله لا يعد إجابة عرفا بل استخفافا بالداعي "فإن أحب دعا وانصرف" لدخوله في قوله عليه السلام: "وإن كان صائما فليدع" ولأن الأكل غير واجب نصا لقوله عليه السلام: "إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك" رواه مسلم من حديث جابر وقوله: "فليطعم" محمول على الاستحباب ولأنه لو وجب الأكل لوجب على المتطوع بالصوم بل المقصود الإجابة.
"وإن دعاه اثنان أجاب أولهما" لقوله عليه السلام: "فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق" رواه أبو داود ولأن إجابته وجبت بدعوته فلم تزل بدعوة الثاني والسبق بالقول وقيل بالباب وظاهره أنه لا يجيب الثاني وهو صحيح لكن بشرط أن لا يتسع الوقت لإجابتهما لأنه لو وجب عليه إجابة الثاني مع عدم اتساع الوقت لأوجبنا عليه ما لا يمكنه فعله إلا بترك واجب مثله(7/169)
فإن استويا أجاب أدينهما ثم أقربهما جوارا وإن علم أن في الدعوة منكرا كالزمر والخمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا لم يحضر وإن حضر فشاهد المنكر أزاله وجلس فإن لم يقدر انصرف وإن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس.
ـــــــ
بل أرجح فإن اتسع الوقت لهما وجبا للأخبار.
"فإن استويا أجاب أدينهما" لأن كثرة الدين لها أثر في التقديم بدليل الأمانة "ثم أقربهما جوارا" وكذا في "المستوعب" لقوله عليه السلام: "إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا" رواه أبو داود وفي "الفروع" يقدم أسبقهما ثم أقربهما وفي "المغني" و "الكافي" يقدم أقربهما جوارا ثم رحما وفي "المحرر" و "الرعاية" و "الوجيز" عكسه ثم القرعة بعد الكل.
"وإن علم أن في الدعوة منكر كالزمر والخمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر" لأنه يؤدي فرضين إجابة الدعوة وإزالة المنكر "وإلا" إذا لم يمكنه الإنكار "لم يحضر" لأن عليه ضررا في الحضور ولأنه يحرم عليه مشاهدة ذلك لقوله عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها خمر" رواه الترمذي وقال حسن غريب ولأنه يشاهد المنكر من غير حاجة إليه فمنع منه كما لو شاهده مع القدرة على إزالته.
"وإن حضر فشاهد المنكر أزاله وجلس" لأن في ذلك جمعا بين مصلحتي الإنكار ومقصود الإجابة الشرعية "فإن لم يقدر انصرف" لأن الجلوس مع مشاهدة التحريم حرام وقد خرج أحمد من وليمة فيها آنية فضة فقال الداعي نحولها فلم يرجع نقله حنبل.
"وإن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس" لأن المحرم رؤية المنكر وسماعه ولم يوجد واحد منهما وله الأكل نص عليه وله الامتناع من الحضور في ظاهر كلامه كإسقاط الداعي حرمة نفسه باتخاذ المنكر قال(7/170)
وإن شاهد ستورا معلقة فيها صور الحيوانات لم يجلس إلا أن تزال فإن كانت مبسوطة أو على وسادة فلا بأس بها وإن سترت الحيطان بستور لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل يباح على روايتين.
ـــــــ
أحمد لا بأس وفي المذهب و "المستوعب" لا ينصرف وقاله أحمد وإن وجب الإنكار على رواية أو قول.
"وإن شاهد ستورا معلقة فيها صور الحيوان لم يجلس إلا أن تزال" أي إذا كانت صورة الحيوان على الستور والحيطان وما لا يوطأ وأمكنه حطها أو قطع رأسها فعل ذلك وجلس وإن لم يمكنه ذلك انصرف وعليه أكثر العلماء قال ابن عبد البر وهذا أعدل المذاهب لأن عائشة نصبت سترا فيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعه قالت فقطعته وسادتين يرتفق عليهما متفق عليه.
وأما دخول منزل فيه تصاوير فليس بمحرم وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة الداعي بإسقاط حرمته لاتخاذه المنكر في داره فلا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد ذكره في "المغني" وفيه وجه.
فائدة: إذا قطع رأس الصورة أو ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه أو جعل له رأس منفصل عن البدن لم يدخل تحت النهي وإن كان الذاهب تبقى الحياة بعده كاليد فتكون فهو صورة وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها للأخبار والأمر بعملها محرم كعملها.
"فإن كانت مبسوطة أو على وسادة فلا بأس بها" لأن فيه إهانة لها ولأن تحريم تعليقها إنما كان لما فيه من التعظيم والاغرار والتشبه بالأصنام التي تعبد وذلك مفقود في البسط لقول عائشة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على نمرقة فيها تصاوير رواه ابن عبد البر ولأن فيه إهانة كالبسط.
"وإن سترت الحيطان بستور" غير حرير "لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل يباح على روايتين" إحداهما يكره وهو عذر في ترك الإجابة إلى الدعوة قال أحمد قد خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر فرأى(7/171)
ولا يباح الأكل بغير إذن والدعاء إلى الوليمة إذن فيها والنثار والتقاطه مكروه وعنه: لا يكره.
ـــــــ
البيت قد ستر رواه الأثرم وابن عمر أقر على ذلك وقال أحمد دعي حذيفة فخرج وإنما رأى شيئا من زي الأعاجم وكراهته لما فيه من السرف في ذلك لا يبلغ به التحريم والأخرى يحرم لما روى الخلال عن علي بن الحسين قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر وكما لو كانت الستر حريرا واختار في "المغني" الأول لأنه لم يثبت في تحريمه حديث ولو ثبت حمل على الكراهة فإن كان ضرورة من حر أو برد فلا بأس لأنه يستعمله لحاجة أشبه الستر على الباب وفي جواز خروجه لأجله وجهان فلو كان فيها آنية ذهب أو فضة فهو منكر يخرج من أجله وكذا ما كان من الفضة مستعملا كالمكحلة.
"ولا يباح الأكل بغير إذن" صريح أو قرينة كدعائه إليه نص عليه لأن أكل مال غيره بغير إذنه محرم كلبس ثوبه وركوب دابته "والدعاء إلى الوليمة إذن فيها" جزم به في "المغني" وغيره لقوله عليه السلام: "رسول الرجل إلى الرجل إذنه" رواه أبو داود بإسناد جيد وعن ابن مسعود إذا دعيت فقد أذن لك رواه أحمد وظاهره ولو من بيت قريبه وصديقه ولم يجوزه عنه نقله ابن القاسم وجزم به جماعة أنه يجوز واختاره الشيخ تقي الدين وهو أظهر وفي "الفروع" ليس الدعاء إذنا للدخول في ظاهر كلامهم وجزم القاضي في "المجرد" وابن عقيل فيمن كتب من محبرة غيره يجوز في حق من تنبسط إليه ويأذن له عرفا.
"والنثار والتقاطه مكروه" على المذهب لأنه عليه السلام نهى عن النهي والمثلة رواه أحمد والبخاري من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري ولأن فيه تزاحما وقتالا وقد يأخذه من غيره أحب إلى صاحبه وربما دل على دناءة نفس المنتهب لا يقال ظاهره التحريم لأنه مردود بالإجماع انه للإباحة ذكره في "المغني" ولأنه نوع إباحة لمال فلم يكن محرما كسائر الإباحات.
"وعنه: لا يكره" اختارها أبو بكر وقاله الحسن وقتادة لما روى عبد الله بن(7/172)
ومن حصل في حجره شيء فهو له ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف.
ـــــــ
قرط قال: قرب للنبي صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست فقال: "من شاء اقتطع" رواه أبو داود وقال هذا جار مجرى النثار وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى وليمة رجل من الأنصار وجعل يزاحم الناس على النهبة قالوا يا رسول الله أوما نهيتنا عن النهبة قال إنما نهيتكم عن نهبة العساكر ولم أنهكم عن نهبة الولائم رواه العقيلي ولأنه نوع إباحة أشبه إباحة الطعام للضيفان وعنه: لا يعجبني هذه نهبة لا تؤكل وفرق ابن شهاب وغيره بأنه بذبحه زال ملكه والمساكين عنده سواء والنثر لا يزيل الملك.
"ومن حصل في حجره فهو له" لأنه مباح حصل في حجره فملكه كما لو ثبت إليه سمكة وليس لأحد أخذه وفي لمحرر يملكه مع القصد وبدون القصد وجهان.
فرع: إذا قسم على الحاضرين فلا بأس لقول أبي هريرة قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تمرا وقد روى عن أحمد أنه حذق بعض ولده فقسم الجوز لكل واحد خمسة ولأن بذلك تنتفي المفسدة مع أن فيه إطعام الطعام وجبر القلوب وانبساطها وهو مصلحة محضة.
"ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف" لما روى محمد بن حاطب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح" رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه قال أحمد يستحب أن يظهر النكاح ويضرب عليه بالدف حتى يشهر ويعرف قيل ما الدف قال هذا الدف قيل له في رواية جعفر يكون فيه جرس قال لا قال أحمد يستحب ضرب الدف والصوت في الأملاك فقيل له ما الصوت قال يتكلم ويتحدث ويظهر ولا بأس بالغزل فيه كقوله عليه السلام للأنصار:
"أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم"(7/173)
..............................................................................................
ـــــــ
وإنما يستحب الضرب به للنساء وجزم به في "الوجيز" وظاهر نصه وكلام الأصحاب يدل على التسوية قيل له في رواية المروذي ما ترى للناس اليوم تحرك الدف في أملاك أو بناء بلا غناء فلم يكره ذلك وختان وقدوم غائب مثله نص عليه وعلم منه تحريم كل ملهاة سواه كمزمار وطنبور ورباب وجنك سواء استعمل لحزن أو سرور وسأله ابن الحكم عن النفخ في القصبة كالمزمار قال أكرهه وفي القصص وجهان وفي "المغني" لا يكره إلا مع تصفيق أو غناء أو رقص ونحوه وكره أحمد الطبل لغير حرب واستحبه ابن عقيل لتنهيض طباع الأولياء وكشف صدور الأعداء وليس عبثا.
فصل يتعلق بآداب الأكل وغيره
الأول: يستحب غسل يديه قبل الطعام وبعده نص عليه وإن كان على وضوء وعنه: يكره قبله اختاره القاضي واستحبه في المذهب بعد، قاله عمر ويكره بطعام ولا بأس بنخالة وغسله في الإناء الذي أكل فيه نص عليهما قال بعضهم ويكره بدقيق حمص وعدس وباقلا ونحوه.
الثاني: إنه إذا قدم إليه الطعام فإنه يحرم أخذه فإن علم به بقرينة رضى مالكه وفي "الترغيب" يكره وقيل يباح وانه يكره مع ظنه رضاه ولا يملكه بتقديمه إليه بل يهلك على ملك صاحبه.
الثالث: يلعق أصابعه قبل غسلها أو يلعقها ويعرض الماء لغسلهما ويقدمه بقرب الطعام وبعده نص عليه وإن كان على وضوء وعنه: يكره ولا يعرضه ذكره في "التبصرة"
الرابع: يستحب له التسمية في ابتدائه ويأكل بيمينه ويحمد إذا فرغ وقيل يجب ذلك قال الأصحاب يقول بسم الله وفي الخبر المشهور يقول: "بسم الله أوله وآخره" قال الشيخ تقي الدين لو زاد الرحمن الرحيم(7/174)
...............................................................................................
ـــــــ
كان حسنا بخلاف الذبح ونقل ابن هانئ أنه جعل عند كل لقمة يسمى ويحمد قال أحمد يأكل بالسرور مع الإخوان وبالإيثار مع الفقراء وبالمروءة مع أبناء الدنيا وأكل وحمد خير من أكل وصمت.
الخامس: يستحب الأكل بثلاث أصابع مما يليه قال جماعة والطعام نوع واحد قال الآمدي لا بأس وهو وحده وقال ابن حامد ويخلع نعليه.
السادس: يكره عيب الطعام وحرمه في "الغنية"ونفخه فيه وقال الآمدي لا يكره وهو حار وأكله حارا أو فعل ما يستقذره من غيره ورفع قبلهم بلا قرينة ومدح طعامه وتقويمه وحرمهما في "الغنية"وتنفسه في إنائه وأكله من وسطه وأعلاه قال أحمد ومتكئا وعلى الطريق قاله في "الغنية".
السابع: يكره قرانه في التمر وقيل مع شريك لم يأذن قال بعضهم وكذا قران ما العادة جارية بتناوله مفردا ونقل مهنا أكره أن يستعمل الخبز على المائدة ولا بأس بتكسيره قال أحمد لئلا يعرف ما يأكلون.
الثامن: له قطع لحم بسكين والنهي عنه لا يصح قاله أحمد واحتجوا بنهي ضعيف على الكراهة ولو على قول قال في "الفروع" فيتوجه هنا مثله بلا حاجة.
التاسع: يجوز أكله كثيرا حيث لا يؤذيه وفي "الغنية"يكره مع خوف تخمة وحرمه الشيخ تقي الدين وكذا الإسراف فيه إلى مجاوزة الحد ولا بأس بإطعام ما جرت به العادة كسائل وسنور وتلقيم وفي تقديم الأظهر جوازه.
العاشر: لا يكره شربه قائما نقله الجماعة وعنه: بلى وسأله صالح عن شربه قائما في نفس قال أرجو وفي "الفروع" ويتوجه كأكل وظاهر كلامهم لا يكره أكله قائما ويتوجه كشرب قاله شيخنا وكره أحمد الشرب من في السقاء والجلوس بين ظل وشمس والنوم بعد العصر وعلى(7/175)
ـــــــ
سطح غير محجر واستحب القائلة نصف النهار والنوم إذن.
الحادي عشر: لا بأس بالتخليل قال في رواية عبد الله عن ابن عمر ترك الخلال يوهن الأسنان قال الأطباء هو نافع للثة وتغير للنكهة.
الثاني عشر: لا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعا لأنه فعل السلف نقل أبو داود لا بأس أن يتناهد في الطعام ويتصدق منه لم يزل الناس يفعلونه ويتوجه رواية لا يتصدق منه إلا بإذن.
مسألة: له دخول بيعة وكنيسة والصلاة فيهما وعنه: يكره وعنه: مع صورة وظاهر كلام جماعة تحريم دخوله معها ويحرم شهود عيد ليهود أو نصارى نقله مهنا وكرهه الخلال وفيه تنبيه: على المنع أن يفعل كفعلهم قاله الشيخ تقي الدين لا البيع لهم فيها نقله مهنا وحرمه الشيخ تقي الدين وخرجه على الروايتين في حمل التجارة إلى دار الحرب وإن مثله مهاداتهم لعيدهم والله أعلم.(7/176)
باب عشرة النساء
يلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف وأن لا يمطله بحقه ولا يظهر الكراهة لبذله.
ـــــــ
باب عشرة النساء
وهي ما يكون بينه وبين أهله من الألفة والانضمام.
"يلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف" والمراد هنا النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وأن لا يمطله هو بضم الطاء والمطل الدفع عن الحق بوعد "بحقه ولا يظهر الكراهة لبذله" لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: من الآية19] {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من الآية228] قال أبو زيد يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين فيكم وقال ابن(7/176)
وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها.
ـــــــ
الجوزي وغيره: هو المعاشرة الحسنة والصحبة الجميلة قال ابن عباس إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي لهذه الآية فعلى هذا يلزم تحسين الخلق والرفق واستحبهما في "المغني" و "الشرح" كاحتمال أذاه لقوله تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: من الآية36] قيل هو كل واحد من الزوجين ولقوله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: من الآية19] قال ابن عباس: "ربما رزق منها ولد فجعل الله فيه خيرا كثيرا" وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء" متفق عليه ولفظه لمسلم وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة باتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة" رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب فدل على أن حق الزوج عليها آكد من حقها عليه.
"وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة" لأن بالعقد يستحق الزوج تسليم المعوض كما تستحق المرأة تسليم العوض وكالإجارة "في بيت الزوج" لأن الحق له فملك تعيين موضعه وله شروط "إذا طلبها" لأن الحق له فلا يجب بدون الطلب "وكانت حرة" لأن الأمة لا يجب تسليمها مطلقا بل ليلا لأن النهار تكون في خدمة سيدها "يمكن الاستمتاع بها" لأن التسليم إنما وجب ضرورة استيفاء الاستمتاع الواجب فإذا لم يمكن الاستمتاع بها لم يكن واجبا وظاهره ولو كانت نضوة الخلقة وهو جسيم فإنه يجب تسليمها كما لو كانت مريضة مرضا مزمنا ويقبل قول امرأة ثقة في ضيق فرجها وعبالة ذكره ونحوه وتنظرهما وقت اجتماعهما للحاجة ولو أنكر أن وطأه يؤذيها لزمها البينة ونص على أنها تكون بنت تسع قال القاضي ليس هذا عندي على سبيل التحديد وإنما ذكره لأنه الغالب ولا يلزم ابتداء تسليم محرمة(7/177)
ولم تشترط دارها وإن سألت الإنظار وأنظرت مدة جرت العادة بإصلاح أمرها فيها وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل وله الاستمتاع بها ما لم يشغلها عن الفرائض من غير إضرار بها.
ـــــــ
ومريضة وصغيرة وحائض ولو قال لا أطأ وفيه احتمال، "ولم يشترط دارها" فإن شرطته لزم الوفاء به ويجب عليها تسليم نفسها في دارها، "وإن سألت الإنظار وأنظرت مدة جرت العادة بإصلاح أمرها فيها" لأن ذلك يسير جرت العادة بمثله يدل عليه قوله عليه السلام: "لا تطرقوا النساء ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة" فمنع من الطروق وأمر بإمهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبتها له فهنا أولى وقيده في "المغني" و "الكافي" و "الشرح" باليومين والثلاثة لأن ما يحتاج إليه يمكن فعله في ذلك لا لعمل جهازها وكذا لو سأل هو الإنظار وفي "الغنية" إن استمهلت هي أو أهلها استحب له إجابتهم ما يعلم به التهيؤ من شراء جهاز وتزين وولي من به صغر أو جنون مثله.
"وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل" مع الإطلاق نص عليه لأنها مملوكة عقد على إحدى منفعتها فلم يجب تسليمها في غير وقتها كما لو آجرها لخدمة النهار فلو شرطه نهارا أو بذله سيد وجب حتى ولو شرطها كونها عند السيد فإن بذله وقد شرطه لنفسه فوجهان.
"وله الاستمتاع بها مالم يشغلها عن الفرائض من غير إضرار بها" لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: من الآية19] ولقوله عليه السلام: "من باتت مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" متفق عليه من حديث أبي هريرة ولأن المقصود من النكاح الاستمتاع فإذا لم يشغلها عن الفرائض ولم يضر بها وجب عليها التمكين منه وظاهره له الاستمتاع بها في قبل ولو من جهة العجز قال ابن الجوزي كره العلماء الوطء بين الآليتين لأنه يدعو إلى الوطء في الدبر ولو كانت على تنور أو ظهر قتب رواه أحمد مرفوعا ولا تطوع بصلاة وصوم إلا بإذنه نقله حنبل وأنها تطيعه في كل ما أمرها به من(7/178)
وله السفر بها إلا أن تشترط بلدها ولا يجوز وطؤها في الحيض ولا الدبر
ـــــــ
الطاعة "وله السفر بها" حتى لو كان عبدا لأنه عليه السلام كان يسافر بنسائه ولأنه تدعو الحاجة إلى الاستمتاع وهو حق عليها فكان له ذلك بلا إذن بشرط أمن الطريق "إلا أن تشترط بلدها" لقوله عليه السلام: "إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج" أو تكون أمة قال في "الشرح" إن أراد السيد السفر بها فقد توقف أحمد عن ذلك وفي ملك السيد له بلا إذن زوج صحبه أم لا وجهان وينبني عليها لو بوأها مسكنا ليأتيها الزوج فيه هل يلزمه قاله في "الترغيب".
فرع: له السفر بعبده المزوج بدون إذن زوجته نص عليه واستخدامه نهارا وإن قلنا النفقة والمهر من كسبه لم يمنعه منه.
مسألة: لو قال سيد بعتكها قال زوجتنيها وجب تسليمها للزوج لاتفاقهما على استحقاقه لها ويلزمه الأقل من ثمنها أو مهرها ويحلف لثمن زائد فإن نكل لزمه وعند القاضي لا مهر ولا ثمن ولا يمين عنده على البائع لأنه لا يراها في نكاح وذكر الأزجي كذلك إلا في اليمين قال ولا ترد الأمة إليه لاعترافه بأنها أم ولد ونفقته على أبيه ونفقتها على الزوج وقال الأزجي إن قلنا لا يحل له فهل هي على مالكها السابق أم في كسبها فيه احتمالان.
"ولا يجوز وطؤها في الحيض" إجماعا وسنده الآية "ولا الدبر" في قول أكثر العلماء لما روى أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها" رواه ابن ماجه وقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: من الآية223] أي كيف شئتم إلا الدبر لما روى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فأنزلت هذه الآية أي من بين يديها ومن أنه لا يأتيها إلا في المأتى فإن تطاوعا عليه فرق(7/179)
ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولا عن الأمة إلا بإذن سيدها وله إجبارها على غسل الحيض والجنابة والنجاسة واجتناب المحرمات.
ـــــــ
بينهما ويعزر عالم بتحريمه بخلاف وطء الأجنبية وليس لها استدخال ذكره وهو نائم بلا إذنه بل القبلة واللمس لشهوة ذكره في "الرعاية".
"ولا يعزل" أي ينزع قرب الإنزال فينزل خارج الفرج "عن الحرة إلا بإذنها" لما روى ابن عمر قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها" رواه أحمد وابن ماجه ولأنه يقطع اللذة عن الموطوءة ولها حق في الولد عليها ضرر فلم يجز إلا بإذنها إلا بدار حرب فيسن عزله مطلقا ذكره في "الفصول" وهو ظاهر الخرقي "ولا عن الأمة" المعقود عليها "إلا بإذن سيدها" لأن الولد حق للسيد فاشترط إذنه وهذا إذا لم يشترط حريته وقيل وإذنها لأنها زوجة تملك المطالبة بالوطء في الفيأة والفسخ عند تعذره بالعنة وترك العزل من تمامه فلم يجز إلا بإذنها كالحرة وقيل يباح العزل مطلقا روى عن علي وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس استدلالا بمفهوم حديث الحرة ولأن حقها في الوطء دون الإنزال بدليل أنه يخرج من الفيئة والعنة وقيل عكسه وظاهره أنه يجوز من أمته نص عليه لأنه لا حق لها في الوطء ولا في الولد فلم يملك المطالبة بالقسم والفيئة فلأن لا يملك المنع من العزل أولى وفي أم الولد وجهان.
"وله إجبارها على غسل الحيض" والنفاس مسلمة كانت أم ذمية حرة أو أمة لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه فإن احتاجت إلى شراء ماء فثمنه عليه في الأشهر.
"والجنابة" أي له إجبار المسلمة عليه لأنه واجب عليها وفي "الواضح" ظاهر المذهب لا وفي "المحرر" روايتان والنجاسة فإن كانت في فيها فله إجبارها على غسله ليتمكن من الاستمتاع بفيها وكذا لو تزوج مسلمة تعتقد إباحة يسير النبيذ "واجتناب المحرمات"(7/180)
وأخذ الشعر التي تعافه النفس إلا الذمية فله إجبارها على الغسل من الحيض وفي سائر الأشياء روايتان.
فصل
ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من أربع.
ـــــــ
كالسكر لأنه واجب عليها لا ما دونه نص عليه وتمنع من دخول كنيسة وبيعة لاشد الزنار ولا يشتريه لها نص عليه.
"وأخذ الشعر الذي تعافه النفس" كشعر العانة إذا طال رواية واحدة ذكره القاضي وكذا الأظفار فإن طالا قليلا بحيث لا تعافه النفس فوجهان وهل له منعها من أكل ذي رائحة كريهة كبصل وكراث فيه وجهان والصحيح تمنع.
"إلا الذمية فله إجبارها على الغسل من الحيض" والنفاس على الأصح لأن إباحة الوطء تقف عليه والثانية لا تجبر على ذلك فعلى ذلك يطأ بدونه.
"وفي سائر" أي باقي "الأشياء روايتان" أصحهما أنها تجبر لأن كمال الاستمتاع يقف عليه إذ النفس تعاف وطء من عليها غسل أو شربت مسكرا أو لها شعرة والثانية لا تجبر لأن غسل الجنابة والنجاسة واجتناب المحرم عندنا غير واجب عليها وإزالة الشعر غير مشروع عندنا إلا شعر العانة إذا خرج عن العادة فله إجبارها عليه رواية واحدة ذكره في "المغني" و "الشرح" وفي التنظيف والاستحداد وتقليم الأظفار وجهان قال القاضي له إجبارها على الاستحداد إذا طال الشعر.
فصل
"ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من أربع" إذا كانت حرة بطلبها لما روى كعب بن سور أنه كان جالسا ثم عمر بن الخطاب فجاءته امرأة فقالت يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي والله إنه ليبيت ليله قائما ويظل نهاره صائما فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيت المرأة وقامت(7/181)
وإن كانت أمة فمن كل ثمان وقال أصحابنا من كل سبع وله الإنفراد بنفسه فيما بقي.
ـــــــ
راجعة فقال كعب يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها فقال وما ذاك فقال إنها جاءت تشكوه إذا كان هذا حاله في العبادة فمتى يتفرغ لها فبعث عمر إلى زوجها وقال لكعب اقض بينهما فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهمه قال فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر اذهب فأنت قاض على البصرة وفي لفظ قال عمر القاضي أنت رواه سعيد ثنا خالد بن عبد الله عن حصين عن عامر الشعبي وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر فكانت كالإجماع يؤيده قوله عليه السلام لعبد الله بن عمرو بن العاص: "فإن لجسدك عليك حقا ولزوجك عليك حقا" متفق عليه ولأنه لو لم يجب لها حق لملك الزوج تخصيص إحدى زوجاته به كالزيادة في النفقة على قدر الواجب.
"وإن كانت أمة فمن كل ثمان" اختاره المؤلف وجزم به في "التبصرة" لأنها على النصف من الحرة لأن زيادتها على ذلك تحل بالتنصيف وزيادة الحرة على ليلة من أربع زيادة على الواجب فتعين ما ذكرناه "وقال أصحابنا" منهم صاحب "المحرر" و "الوجيز" وقدمه في "الفروع" "من كل سبع" لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر لهن ست ولها السابعة قال في "المغني" و "الشرح" والأول أولى أي لها ليلة من ثمان لتكون على النصف من الحرة فإن حقها من كل ثمان ليلتان فلو كان للأمة ليلة من سبع لزاد على النصف ولم يكن للحرة ليلتان ولها ليلة ولأنه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمة ولم يرد أن يزيد لهن على الواجب فقسم بينهن سبعا فما يصنع في الليلة الثامنة إن أوجبنا عليه مبيتهاعند الحرة فقد زاد على الواجب وإن باتها عند الأمة جعلها كالحرة ولا سبيل إليه وعلى ما اختاره تكون هذه الليلة الثامنة له إن أحب انفرد بها فيها وإن أحب بات ثم الأولى ستا إبقاء للقسم.
"وله الانفراد بنفسه فيما بقي" فإن كان تحته حرة وأمة قسم لهن ثلاث ليال(7/182)
وعليه أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة إن لم يكن عذر وإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك.
ـــــــ
من ثمان وله الانفراد في خمس وإن كان تحته حرتان وأمة فلهن خمس وله ثلاث وإن كان تحته حرتان وأمتان فلهن ست وله ليلتان وإن كانت أمة فلها ليلة وله سبع وعلى قول الأصحاب لها ليلة وله ست ولكن قال أحمد ما أحب أن يبيت وحده إلا أن يضطر وقاله في سفره وحده وعنه: لا يعجبني وعن أبي هريرة مرفوعا أنه لعن راكب الفلاة وحده والبائت وحده رواه أحمد وفيه طيب بن محمد قيل لا يكاد يعرف وله مناكير وذكره ابن حبان في الثقات.
"و" يجب عليه "أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة إن لم يكن عذر" على المذهب لأنه لو لم يكن واجبا لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر ما لا يجب ولأن النكاح شرعه لمصلحة الزوجين ورفع الضرر عنهما وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة عن المرأة كإفضائه إلى رفعه عن الرجل ويكون الوطء حقا لهما جميعا ولأنه لو لم يكن لها فيه حق لما وجب استئذانها في العزل كالأمة وشرط المدة ثلث سنة لأن الله قدر في حق المؤلي ذلك فكذا في حق غيره وأن لا يكون عذر فإن لم يكن لمرض ونحوه لم يجب عليه من أجل عذره.
"وإن سافر عنها" لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطء وإن طال سفره بدليل أنه لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة وإن لم يكن عذر مانع من الرجوع فإن أحمد ذهب إلى توقيته بستة أشهر ونبه عليه بقوله: "أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك" لما روى أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم قال بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة في بيتها وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه
... وطال علي أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا خشية الله والحيا ...
لحرك من هذا السرير جوانبه(7/183)
إن لم يكن عذر فإن أبى شيئا من ذلك ولم يكن عذر فطلبت الفرقة فرق بينهما لأنه لو ضربت المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للإيلاء أثر وعنه: ما يدل على أن الوطأ غير واجب فيكون هذا كله غير واجب.
ـــــــ
فسأل عنها فقيل له فلانة زوجها غائب عنها في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها وبعث إلى زوجها فأقفله ثم دخل على حفصة فقال يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها فقالت سبحان الله مثلك يسأل مثلي عن هذا فقال لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك فقالت خمسة أشهر ستة أشهر فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا ويقيمون أربعة أشهر ويرجعون في شهر وسئل أحمد كم للرجل أن يغيب عن أهله قال يروى ستة أشهر وقد يغيب أكثر من ذلك لأمر لا بد له منه ويلحق بذلك الحج وطلب رزق محتاج إليه نص عليه.
"إن لم يكن عذر" يعني إذا كان له عذر لا يلزمه القدوم لأن صاحب العذر يعذر من أجل عذره.
"فإن أبى شيئا من ذلك ولم يكن عذر فطلبت الفرقة فرق بينهما" ولو قبل الدخول نص عليه لأنه في معنى مؤل.
قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج بامرأة ولم يدخل بها هل يجبر عليه قال اذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فرق بينهما وعنه: لا يفرق وفي "المغني" هو ظاهر قول أصحابنا وقاله أكثر الفقهاء "لأنه لو ضربت له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للإيلاء أثر" وقيل إن غاب أكثر من ذلك لغير عذر راسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ نكاحه ولا يجوز الفسخ إلا بحكم الحاكم لأنه مختلف فيه.
"وعنه: ما يدل على أن واجب فيكون هذا كله غير واجب" لأنه حق له فلم يجب عليه كسائر حقوقه والأولى خلافها وفي "الترغيب" ذكر(7/184)
ويستحب أن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ولا يكثر الكلام حال الوطء ولا ينزع إذافرع: حتى تفرغ.
ـــــــ
القاضي وابن عقيل أنه يلزم من البيتوتة يما يزول معه ضرر الوحشة ويحصل معه الأنس المقصود بالزوجية فلا توقيت فيجتهد الحاكم وفي "المغني" في امرأة من علم خبره كأسير ومحبوس لها الفسخ بتعذر النفقة من ماله إجماعا وإلا فلا وإن تعذر الوطء لعجز كالنفقة وأولى للفسخ يتعذر الإيلاء وقاله أبو يعلى الصغير.
"ويستحب أن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا" لقوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: من الآية223] قال عطاء هو التسمية عند الجماع ولما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان" متفق عليه ويستحب تغطية رأسه عنده وعند تخليه ذكره جماعة وأن لايستقبل القبلة وقيل يكره استقبالها قال في رواية عبد الله إن عطاء كره ذلك.
"ولا يكثر الكلام حال الوطء" لما روى قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فإنه يكون منه الخرس والفأفاء" رواه أبو حفص وبأنه يكره الكلام حالة البول والجماع في معناه بل أولى منه.
"ولا ينزع إذا فرغ قبلها حتى تفرغ" لما روى أنس بن مالك مرفوعا قال: "إذا جامع الرجل أهله فليصدقها ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها" رواه أبو حفص العكبري ولأن في ذلك ضررا عليها ومنعا لها من قضاء شهوتها وكما يكره متجردين وفي "المستوعب" لا سترة بينهما.
فائدة: يستحب له أن يلاعب امرأته عند الجماع لتنهض شهوتها فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله وأن تناوله خرقة بعد فراغه ليتمسح بها وهو مروي عن عائشة.(7/185)
وله الجمع بين وطء نسائه وإمائه بغسل واحد ويستحب الوضوء عند معاودة الوطء ولا يجوز له الجمع بين زوجتيه في مسكن واحد إلا برضاهما ولا يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى أو غيرها ولا يحدثهما بما جرى بينهما.
ـــــــ
"وله الجمع بين وطء نسائه وإمائه بغسل واحد" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم "طاف على نسائه في ليلة بغسل" واحد رواه أحمد والنسائي ولأن حدث الجنابة لا يمنع الوطء بدليل إتمام الجماع "ويستحب الوضوء عند معاودة الوطء" نص عليه لما روى أبو سعيد مرفوعا: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ" رواه مسلم ورواه ابن خزيمة والحاكم وزادا "فإنه أنشط للعود" فإن اغتسل بين الوطأين فهو أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "هو أزكى وأطيب وأطهر" رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي رافع.
"ولا يجوز له الجمع بين زوجتيه في مسكن واحد" صغيرا كان أو كبيرا لأن اجتماعهما يثير العداوة والغيرة وينشر الخصومة والمقاتلة "إلا برضاهما" لأن الحق لهما فلهما حق المسامحة بتركه كبيتوتته بينهما في لحاف واحد وجوز في "المغني" و "الترغيب" جعل كل واحدة في بيت مسكن مثلها وفي "الرعاية" وقيل يحرم مع اتحاد المرافق وأما جمع زوجته وسريته فيه فيمنع منه إلا برضى الزوجة فقط لثبوت حقها كالجماع والسرية لا حق لها في الاستمتاع.
مسألة: يجوز نوم الرجل مع زوجته بلا جماع بحضرة محرمها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
"ولا يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى أو غيرها" طفل لا يعقل أو يسمع حسهما ولو رضيتا وذكر المؤلف أن ذلك حرام لأن فيه دناءة وسقوط مروءة وربما كان وسيلة إلى وقوع الرائية في الفاحشة لأنها قد تثور شهوتها بذلك قال أحمد في الذي يجامع امرأته والأخرى تسمع قال كانوا يكرهون الرجس وهو الصوت الخفي.
"ولا يحدثهما بما جرى بينهما" لأنه سبب لإثارة الغيرة وبغض إحداهما(7/186)
وله منعها من الخروج عن منزله فإن مرض بعض محارمها أومات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه.
ـــــــ
الأخرى وحرمه في "الغنية"والآدمي قال في "الفروع" وهو أظهر وحرم في "أسباب الهداية" إفشاء السر وقيده في "الرعاية" بالمضر ولأحمد ومسلم من حديث أبي سعيد "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه".
"وله منعها من الخروج عن منزله" إلى مالها منه بد. سواء أرادت زيارة والدتها أو حضور جنازة أحدهما لما روى أنس أن رجلا منع زوجته الخروج فمرض أبوها فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: "اتقي الله ولا تخالفي زوجك" فمات أبوها فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته فقال لها كالأول فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني قد غفرت لها بطاعة زوجها" رواه ابن بطة ولأن حق الزوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب فلو خرجت بلا إذنه حرم ولا تستحق نفقة ونقل أبو طالب إذا قام بحوائجها وإلا لابد لها قال الشيخ تقي الدين فيمن حبسته بحقها إن خاف خروجها بلا إذنه أسكنها حيث لا يمكنها فإن لم يكن له من يحفظها غير نفسه حبست معه فإن عجز عن حفظها أو خيف حدوث شر أسكنت في رباط ونحوه ومتى كان خروجها مظنة للفاحشة صار حقا لله يجب على ولي الأمر رعايته.
"فإن مرض بعض محارمها أو مات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه" لما في ذلك من صلة الرحم وفي منعها قطيعة الرحم وحمل لها على مخالفته وأوجبه ابن عقيل للعيادة وقيل أو نسيب وقيل لها زيارة أبويها ككلامهما ولا يملك منعها من زيارتها في الأصح ولا يلزمها طاعة أبويها في فراق وزيارة ونحوه بل طاعة زوجها أحق.
فرع: ليس عليها طحن وعجن وخبز نص عليه خلافا للجوزجاني وقاله أبو بكر بن أبي شيبه لأنه عليه السلام قضى على فاطمة ابنته بخدمة البيت وعلى(7/187)
ولا تملك المرأة إجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها وله أن يمنعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها وتخشى عليه.
ـــــــ
علي ما كان خارج البيت رواه الجوزجاني من طرق وأجيب بأن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وأوجب الشيخ تقي الدين المعروف مثلها لمثله وقال ابن حبيب في الواضحة إن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على فاطمة بخدمة البيت وقال أبو ثور عليها أن تخدمه في كل شيء.
"ولا تملك المرأة إجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها" لأنه يملك الاستمتاع بها وكونها تملك ذلك يؤدي إلى فوات حقه فلم يملكه كما لا تملك منعه من الوطء فلو فعله بإذنه جاز فإن أجرت نفسها للرضاع ثم تزوجت صح العقد ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى تنقضي المدة لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه أشبه بيع المستأجرة وقيل له الفسخ إن جهله وله الوطء وقيل لا إن ضر بلبن "وله أن يمنعها من رضاع ولدها" لأن إرضاعه ليس بواجب عليها وحق الزوج واجب لأن عقد النكاح يقتضي ملكه للاستمتاع في كل زمان سوى أوقات الصلوات والرضاع يفوته عليه وظاهره سواء كان منه أو من غيره وهو أحد الوجهين فيما إذا كان منه وهو ظاهر كلام القاضي لأنه يخل باستمتاعه والثاني ليس له منعها منه وصرح به المؤلف في النفقات لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: من الآية223] وهو خبر بمعنى الأمر وهو عام في كل والدة وحكم ولد غيرها كذلك "إلا أن يضطر إليها وتخشى عليه" بأن لا يوجد من ترضعه أو لا يقبله من غيرها لأنها حالة ضرورة وحفظ لنفس الولد فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك حيث لم يكن به مثل ضرورته.(7/188)
فصل في القسم
وعلى الرجل أن يساوي بين نسائه في القسم وعماد القسم الليل إلا لمن معيشته بالليل كالحارس وليس له البداءة بإحداهن ولا السهر بها إلا بقرعة.
ـــــــ
فصل في القسم
القسم بفتح القاف مصدر قسمت الشيء وأما بالكسر فهو النصيب "و" واجب "على الرجل أن يساوي بين نسائه في القسم" لا نعلم فيه خلافا لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: من الآية19] وليس مع الميل معروف لقوله تعالى: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: من الآية129] وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل" وعن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب رواهما الخمسة ولفظهما لأبي داود وخرج منه الطفل "وعماد القسم الليل" لقوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} [الأنعام: من الآية96] ولقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: من الآية73] لأن الليل للسكن والنهار للمعاش "إلا لمن معيشته بالليل كالحارس" فإنه يقسم بين نسائه النهار ويكون الليل في حقه كالنهار في حق غيره لأن النهار يدخل في القسم تبعا بدليل أن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه.
فرع: له أن يأتيهن وأن يدعوهن إلى منزله لبعض حق ممتنعه وله دعاء البعض وقيل يدعو الكل أو يأتي الكل فعلى هذا ليست الممتنعة ناشزة والحبس همام إلا أنه إن دعاهن لم يلزم ما لم يكن سكن مثلهن.
"وليس له البداءة بإحداهن ولا السفر بها إلا بقرعة" لأن البداءة بها تفضيل لها والتسوية واجبة لأنهن متساويات في الحق ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير لأنه عليه السلام كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فمن خرج سهمها خرج بها معه متفق عليه وظاهره لا يشترط كونه مباحا بل يشترط(7/189)
فإذا بات عندها بقرعة أو غيرها لزمه المبيت عند الثانية وليس عليه التسوية بينهن في الوطء بل يستحب ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية.
ـــــــ
كونه مرخصا وقال أكثر العلماء لا يجوز إلا برضاهن أو قرعة.
"فإذا بات عندها بقرعة أو غيرها أتم وقضى" واختار المؤلف لا زمن سيره لزمه المبيت عند الثانية لتعين حقها فإن كانتا اثنتين كفاه قرعة واحدة ويصير في الليلة الثانية إلى الثانية بغير قرعة لأنه حقها.
"وليس عليه التسوية بينهن في الوطء بل يستحب" لا نعلم خلافا أنه لا يجب التسوية بينهن في الجماع لأن طريقه الشهوة والميل وإن قلبه قد يميل إلى إحداهن قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: من الآية129] وكالتسوية بين دوابه وكالنفقة والكسوة والسكنى إذا قام بالواجب عليه نصا قال الشيخ تقي الدين يقسم في النفقة والكسوة ونصه لا بأس وقال في الجماع لاينبغي أن يدعه عمدا يبقى لنفسه لتلك ليلة وليلة وقال القاضي وغيره أو ثلاثا ثلاثا.
"ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين" لقول علي: "إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين" رواه الدار قطني واحتج به أحمد لأن الحرة حظها في الإيواء أكثر وتخالف النفقة والكسوة فإنه مقدر بالحاجة وقسم الابتداء شرع ليزول الاحتشام من كل منهما.
"وإن كانت كتابية" يعني أن الحرة الكتابية كالحرة المسلمة وصرح به في "المغني" و "الشرح" وحكاه ابن المنذر إجماعا لأن القسم من حقوق الزوجية فاستويا فيه كالنفقة وتفارق الأمة لأنه لايتم تسليمها ولا يحصل لها الإيواء التام بخلاف الحرة والمعتق بعضها بالحساب.
فرع: عتقت أمة في نوبتها أو نوبة حرة مسبوقة فلها قسم حرة وفي نوبة حرة سابقة قيل يتم للحرة على حكم الرق وقيل يستويان بقطع أو استدراك،(7/190)
ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة والرتقاء فإن دخل في ليلتها إلى غيرها لم يجز إلا لحاجة داعية فإن لم يلبث عندها لم يقض وإن لبث أو جامع لزمه أن يقضي مثل ذلك من حق الأخرى.
ـــــــ
وفي "المغني" و "الترغيب" وإن عتقت بعد نوبتها اقتصرت على يومها زاد في "الترغيب" بدأ بها أو بالحرة ويطوف بمجنون مأمون وله وجوبا لا بطفل ويحرم تخصيص بإفاقته وإن أفاق في نوبة واحدة ففي قضاء يوم جنونه للأخرى وجهان.
"ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة والرتقاء" ومظاهر منها وصغيرة ممكن وطؤها لأن القصد السكن والإيواء والأنس وحاجتهن داعية إلى ذلك فأما المجنونة فإن خيف منها فلا قسم لها وإلا فهي كالعاقلة ذكره في "الشرح" وظاهره أن المريض والمجبوب والعنين والخصي يقسم لأنه للأنس وذلك حاصل ممن لا يطأ فإن شق ذلك عليه استأذنهن في الكون ثم إحداهن فإن لم يأذن له أقام ثم إحداهن بقرعة أو اعتزلهن جميعا.
"فإن دخل في ليلتها إلى غيرها لم يجز" لأنه ترك الواجب عليه إلا لحاجة داعية ككون ضرتها منزولا بها فيريد أن يحضرها أو توصي إليه مما لا بد منه عرفا لأن ذلك حالة ضرورية وحاجة فأبيح به ترك الواجب إلى قضائه في وقت آخر وظاهره أنه يدخل إليها نهارا وإن لم يكن حاجة داعية وفي "المغني" و "الشرح" أنه يجوز لحاجة كدفع نفقة وعيادة وفي "الترغيب" فيهما لحاجة ماسة أو لمرض فيداويها وفي قبلة ونحوها نهارا وجهان.
"فإن لم يلبث عندها لم يقض" لأنه لا فائدة فيه لقلته "وإن لبث أو جامع لزمه أن يقضي مثل ذلك من حق الأخرى" لأن التسوية واجبة ولا يحصل إلا بذلك وظاهره أنه يلزمه القضاء ولو جامعها في الزمن اليسير وهو الأصح فيدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها ليعدل بينهما والثاني لا يلزمه القضاء لأن الوطء لا يستحق في القسم ولا يقضي ليلة صيف عن شتاء وله قضاء أول الليل عن آخره وعكسه وقيل يتعين زمنه وهو ظاهر كلامه.(7/191)
وإن أراد النقلة من بلد إلى بلد وأخذ إحداهن معه والأخرى مع غيره لم يجز إلا بقرعة ومتى سافر بها بقرعة لم يقض وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء للأخرى.
ـــــــ
فرع: إذا خرج في ليلة إحداهن أول الليل وآخره الذي جرت العادة بالانتشار فيه والخروج إلى الصلاة جاز وإن خرج لغير ذلك ولم يلبث لم يقض وإن لبث قضى مطلقا ويستحب أن يقضي لها في مثل ذلك الوقت فإن قضاه في غيره من الليل جاز في الأصح لأنه قد قضى بقدر ما فاته من الليل والثاني لا لعدم المماثلة.
"وإن أراد النقلة من بلد إلى بلد وأخذ إحداهن معه والأخرى مع غيره لم يجز إلا بقرعة" وجملته أن الزوج إذا أراد النقلة بنسائه إلى بلد آخر وأمكنه استصحاب الكل في سفره فعلى ذلك ليس له إفراد إحداهن به لأن هذا السفر لا يختص بواحدة فإن خص بعضهن قضى للباقيات كالحاضر وإن شق عليه صحبة الجميع وبعث بهن جميعا مع غيره ممن هو محرم لهن جاز بغير قرعة فإن أفرد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة وهي مسألة: المتن ومتى سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن كالحضر فإذا وصل البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة لأنه صار مقيما.
"ومتى سافر بها بقرعة لم يقض" أي للحاضرات بعد قدومه في قول أكثرهم لحديث عائشة ولم يذكر قضاء ولأن المسافرة اختصت بمشقة السفر فاختصت بالقسم.
"وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء للأخرى" لأنه خص بعضهن بمدة على وجه يلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا وعلى هذا يقضي مدة غيبته ما لم تكن الضرة رضيت بسفرها وينبغي أن يقضي منها ما أقام منها لمبيت ونحوه ويقضي مع قرعة ما تعقبه السفر أو تخلله من إقامة.(7/192)
وإن امتنعت من السفر معه أو المبيت عنده أو سافرت بغير إذنه سقط حقها من القسم وإن أشخصها هو فهي على حقها من ذلك وإن سافرت لحاجتها بإذنه فعلى وجهين وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها.
ـــــــ
تنبيه: إذا خرجت القرعة لإحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لأن القرعة إنما تعين من يستحق التقديم ولهذا يمنع من السفر بغيرها وإن أبت السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج وإن أبى فله إكراهها على السفر معه فإن رضي الزوجات بسفر واحدة من غير قرعة جاز ولا فرق بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى ذكره في "الشرح" وغيره وذكر القاضي احتمالا أنه يقضي للبواقي في السفر القصير وجوابه بأنه سافر بها بقرعة فلم يقض كالطويل.
"وإن امتنعت من السفر معه أو من المبيت عنده أو سافرت بغير إذنه سقط حقها من القسم" بغير خلاف نعلمه لأنها عاصية بمنع نفسها منه فيسقط حقها كالناشزة وكذا لا نفقة لها قاله في "الرعاية" و "الفروع" وقيل يجب لها النفقة بالوطء "وإن أشخصها هو" بأن بعثها في حاجة أو أمرها بالنقلة من بلدها ذكره في "المغني" و "الشرح" "فهي على حقها من ذلك" أي من القسم والنفقة لأنه ما فات بسبب من جهتها وإنما فات بتفويته فلم يسقط حقها كما لو أتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها وإن سافرت معه فهي على حقها منهما جميعا. "وإن سافرت لحاجتها" كسفرها لزيارة أو حج تطوع أو عمرة "بإذنه فعلى وجهين" أحدهما: يسقطان ذكره الخرقي والقاضي لأن القسم للأنس والنفقة للتمكين وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها والثاني لا يسقطان ذكره أبو الخطاب لأنها سافرت بإذنه أشبه ما لو سافرت معه وقيل يسقط القسم وجها واحدا لأنه لو سافر عنها لسقط قسمها والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها كان أولى.
"وللمرأة أن تهب حقها من القسم" بلا مال "لبعض ضرائرها" لفعل سودة(7/193)
بإذنه وله الرجوع فيجعله لمن شاء منهن فمتى رجعت في الهبة عاد حقها ولا قسم عليه في ملك يمينه وتستحب التسوية بينهن.
ـــــــ
بأنها وهبت لعائشة يومها فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة متفق عليه "بإذنه" لأن حقه على الواهبة ثابت فلا ينتقل إلى غيرها إلا برضاه وظاهره ولو أبت الموهوب لها أي لا يشترط رضاها وليس لنا هبة يقبل فيها غير الموهوب له مع تأهله للقبول إلا هذه ثم إن كانت ليلة الواهبة لا تلي ليلة الموهوبة لم تجز الموالاة بينهما لأن الموهوبة قائمة مقام الواهبة فلم يجز تغييرها عن موضعها وذكر جماعة وإذن سيد أمة لأن ولدها له.
"وله" أي للزوج "الرجوع" لأن الحق لها فلمن نقلته إليه انتقل "فيجعله لمن شاء منهن" لأنه قائم مقام الواهبة فالخيرة له كهي وفي "الترغيب" لو قالت خص بها من شئت الأشبه أنه لا يملكه لأنه يورث الغيظ بخلاف تخصيصها واحدة "فمتى رجعت في الهبة عاد حقها" لأنها هبة لم تقبض والمراد به العود في المستقبل لا فيما مضى لأنه قد اتصل به القبض فعلى هذا إذا رجعت في أثناء ليلتها لزم الزوج الانتقال إليها وإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئا لأن التفريط منها.
فرع: إذا بذلت ليلتها بمال لم يصح لأنها ليست مالا ولا منفعة يستحق بها المال فإن كان العوض غير المال كإرضاء زوجها عنها أو غيره جاز ولها بذل قسم ونفقة وغيرهما ليمسكها والرجوع ليجدد الحق وفي "الهدي" يلزم ولا مطالبة لأنها معاوضة كما يلزم ما صالح عليه من الحقوق.
"ولا قسم عليه في ملك يمينه" بل يطأ من شاء منهن متى شاء لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: من الآية3] وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية وريحانة فلم يكن يقسم لهما ولأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار بكون السيد مجبوبا أو عنينا ولا عملا لها مدة الإيلاء وظاهره وإن أخذ من زمن زوجاته وفي "المحرر" لكن يسوي في حرمانهن "وتستحب التسوية بينهن" لأنه أطيب لقلوبهن،(7/194)
وألا يعضلهن إن لم يرد الاستمتاع بهن.
فصل
إذا تزوج بكرا أقام عندها سبعا ثم دار وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا فإن أحبت أن يقيم عندها سبعا فعل وقضاهن للبواقي.
ـــــــ
وأبعد من النفرة والبغضة "و" عليه "أن لا يعضلهن إن لم يرد الاستمتاع بهن" أي إذا احتاجت الأمة إلى النكاح وجب عليه اعفافها إما بوطئها أو تزويجها أو بيعها لأن اعفافهن وصونهن عن احتمال الوقوع في المحظور واجب.
فصل
وإذا تزوج بكرا أقام عندها سبعا ثم دار وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا لما روى أبو قلابة عن أنس قال: "من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم" قال أبو قلابة: لو شئت لقلت إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه ولفظه العالمين وخصت البكر بزيادة لأن حياءها أكثر والثلاث مدة مغتفرة في الشرع والسبع لأنها أيام الدنيا وما زاد عليها يتكرر وحينئذ يقطع الدور.
"فإن أحبت" وقيل أو هو "أن يقيم عندها سبعا فعل وقضاهن للبواقي" لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال: "إنه ليس بك هوان على أهلك وإن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي" رواه مسلم قال ابن عبد البر: والأحاديث المرفوعة على ذلك وليس مع من خالف حديث مرفوع والحجة مع من أدلى بالسنة وفي "الروضة" الفاضل للبقية والمذهب أن يقضي السبع لأنها اختارتها فسقط حقها وظاهره أن الأمة كالحرة ونصره في "الشرح" وغيره لعموم الأحاديث ولأنها تراد للأنس وإزالة الاحتشام فاستويا فيه كالنفقة وقيل هي على نصف الحرة كسائر القسم.(7/195)
وإن زفت إليه امرأتان قدم السابقة منهما ثم أقام عند الأخرى ثم دار فإن زفتا معا قدم إحداهن بالقرعة ثم أقام عند الأخرى وإن أراد السفر فخرجت القرعة لإحداهما سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد وإذا طلق إحدى نسائه في ليلتها أثم وإن تزوجها بعد قضى لها ليلتها.
ـــــــ
"وإن زفت إليه امرأتان" في ليلة واحدة أو في حق عقد واحدة كره ذلك لأنه لا يمكن الجمع بينهما في إيفاء حقهما وتستضر التي يؤخر حقها وتستوحش "قدم السابقة منهما" دخولا لأن حقها سابق "ثم أقام عند الأخرى" لأن حقها واجب عليه ترك العمل به في المدة الأولى لأنه عارضه ورجح عليه فإذا زال العارض وجب العمل بالمقتضى "ثم دار" ليأتي بالواجب عليه من حق الدور "فإن زفتا معا قدم إحداهما بالقرعة" لأنهما استويا في سبب الاستحقاق والقرعة مرجحة ثم التساوي وفي "التبصرة" يبدأ بالسابقة بالعقد وإلا أقرع "ثم أقام عند الأخرى" لما ذكرنا "وإن أراد السفر لإحداهما سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر" لأنه نوع قسم يختص بها "فإذا قدم بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد" في الأصح لأنه حق وجب لها قبل سفره لم يؤده فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه والثاني لا يقضيه لئلا يكون تفضيلا لها على التي سافر بها ولأن الإيواء في الحضر أكثر فيتعذر قضاؤه وقيل يستأنف قضاء العقد لكل منهما ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد قال في "المغني" و "الشرح" وهذا أقرب إلى الصواب من إسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط فإن قدم من سفره قبل مدة تنقضي فيها حق عقد الأولى أتمه في الحضر وقضى للحاضرة مثله وجها واحدا.
"وإذا طلق إحدى نسائه في ليلتها أتم" لأنه فوت حقها الواجب لها "فإن تزوجها بعد" أي عادت إليه برجعة أو نكاح "قضى لها ليلتها" لأنه قدر على إيفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين.(7/196)
وله أن يخرج في نهار ليل القسم لمعاشه وقضاء حقوق الناس.
فصل في النشوز
وهو معصيتها إياه مما يجب عليها وإذا ظهر منها أمارات النشوز بألا تجيبه إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متكرهة وعظها.
ـــــــ
فائدة: يجوز بناء الرجل بامرأته في السفر وركوبها معه على دابة بين الجيش لفعله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي قاله بعض أصحابنا.
"وله أن يخرج في نهار ليل القسم لمعاشه وقضاء حقوق الناس" لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} [النبأ:10-11] وحكم الثلاثة والسبعة التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم فإن تعذر عليه المقام عندها ليلا لشغل أو حبس أو ترك ذلك لغير عذر قضاه لها وله الخروج إلى صلاة الجماعة وإلى ما لا بد لهما منه فإن أطال قضاه ولا يقضي اليسير.
فرع: قسم لاثنتين من ثلاث ثم يجدد حق رابعة فإن رجعت في هبة أو عن نشوز أو نكاح وفاها حق عقده ثم ربع الزمن المستقبل للرابعة وبقيته للثالثة فإذا كمل الحق استأنف التسوية ولو بات ليلة عند إحدى امرأتيه ثم نكح وفاها حق عقده ثم ليلة للمظلومة ثم نصف ليلة للثالثة ثم يبتدئ واختار المؤلف لا يبيت نصفها بل ليلة لأنه حرج وفي "الترغيب" لو أبان المظلومة ثم نكحها وقد نكح جديدات تعذر القضاء.
فصل في النشوز
وهو كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه وسوء عشرته يقال نشزت المرأة على زوجها فهي ناشزة وناشز ونشز عليها زوجها إذا جفاها وأضر بها وهو معصيتها إياه مما يجب عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما يجب عليها من طاعته.
"وإذا ظهر منها أمارات النشوز بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متكرهة وعظها" بأن يذكر لها ما أوجب الله تعالى عليها من الحق، وما(7/197)
فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء وفي الكلام مادون ثلاثة أيام.
ـــــــ
يلحقها من الإثم بالمخالفة وما يسقط بذلك من النفقة والكسوة وما يباح له من هجرها وضربها لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: من الآية34] "فإن أصرت" ناشزة بأن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج بغير إذنه "هجرها في المضجع" بفتح الجيم والمراد أن يهجر فراشها فلا يضاجعها فيه ما شاء لقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: من الآية34] وقال ابن عباس: لا تضاجعها في فراشك لأن القرآن مطلق فلا يقيد بغير دليل وفي "التبصرة" و "الغنية"و "المحرر" ثلاثة أيام لأن الهجران فوق ذلك حرام "وفي الكلام ما دون ثلاثة أيام" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فلم يدخل عليهن شهرا " متفق عليه وفي "الواضح" يهجرها في الفراش فإن أضاف إليه الهجر في الكلام ودخوله وخروجه عليها جاز مع الكراهة "فإن أصرت فله أن يضربها ضربا غير مبرح" أي غير شديد لقوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} ولا يبرح بالضرب للخبر الصحيح قال الخلال سألت أحمد بن يحيى ثعلبا عن قوله: "ضربا غير مبرح" أي غير شديد وهو عشرة أسواط فأقل قاله الأصحاب وهو حسبه ذكره في "الانتصار" لكن يمنع منها من علم بمنعه حقها حتى يؤديه وعليه اجتناب المواضع المخوفة والمستحسنة لأن المقصود التأديب وعنه: له ضربها بأول النشوز للآية والخبر وظاهر المذهب لا لأن المقصود بهذه العقوبات زجرها عن المعصية في المستقبل فيبدأ بالأسهل فالأسهل كإخراج من هجم بمنزله وظاهره أن ليس لنا موضع يضرب المستحق من منعه حقه غير هذا والعبد يمتنع من حق سيده ولا يملك تعزيرها في حق الله نقل مهنا هل يضربها على ترك زكاة قال لا أدري وفيه ضعف لأنه نقل عنه يضربها على فرائض الله تعالى قاله في "الانتصار" وذكر غيره يملكه ولا ينبغي سؤاله لم ضربها قاله أحمد لنهيه عليه السلام عن ذلك رواه أبو داود وفي "الترغيب" وغيره والأولى تركه إبقاء(7/198)
فإن أصرت فله أن يضربها ضربا غير مبرح فإن ادعى كل واحد ظلم صاحبه له أسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف فأن خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين والأولى أن يكونا من أهلهما برضاهما.
ـــــــ
للمودة والأولى أن لا يتركه عن الصبي لإصلاحه.
" فإن ادعى كل واحد ظلم صاحبه له أسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة يشرف عليهما ويلزمها الإنصاف" لأن ذلك طريق إلى الإنصاف فتعين فعله كالحكم بالحق ويلزمه أن يكشف عنه كما يكشف عن عدالة وإفلاس من خبرة باطنة قاله في "الترغيب".
"فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين" مكلفين لأن هذه شروط العدالة سواء قلنا هما حكمان أو وكيلان لأن الوكيل إذا كان متعلقا بنظر الحاكم لم يجز إلا أن يكون عدلا كما لو نصب وكيلا لصبي أو مفلس ويشترط ذكوريتهما ذكره في "المغني" وغيره لأنه يفتقر إلى الرأي والنظر وصريحه يقتضي اشتراط الحرية وهو الأصح لأن العبودية نقص وفي "المغني" الأولى إن كانا وكيلين لم يعتبر لأن توكيل العبد جائز بخلاف الحكم وظاهره أنه لا يشترط فيه الفقه وهو وجه وفي "الكافي" متى كانا حكمين اشترط كونهما فقيهين وإن كانا وكيلين جازا أن يكونا عاميين وفي "الترغيب" لا يعتبر اجتهاد وهو ظاهر وإن مثله ما يفوضه الحاكم من معين جرى كقسمة. "والأولى أن يكونا من أهلهما برضاهما" وتوكيلهما لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ} الآية ولأنهما أشفق وأعلم بالحال ويجوز أن يكونا أهلهما لأن القرابة ليست شرطا في الحكم ولا الوكالة وظاهره بأن الحاكم ليس له أن يبعثهما بغير رضاهما على المذهب لأنه حق لهما فلم يجز لغيرهما التصرف إلا بالوكالة.(7/199)
فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من جمع وتفريق بينهما بطلاق أو خلع فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا وعنه: أن الزوج إن وكل في الطلاق بعوض أو غيره ووكلت المرأة في بدل العوض برضاهما وإلا جعل الحاكم إليهما ذلك فإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الأولى.
ـــــــ
"فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من جمع وتفريق بينهما بطلاق أو خلع" فما فعلا من ذلك لزمهما والأصل فيه الآية الكريمة لكن لا يصح منهما إبراء لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالإصلاح لا في إسقاط الحقوق وإن أبرأه وكيلهما برئ في الخلع فقط وإن شرطا ما لا ينافي نكاحا لزم وإلا فلا كترك قسم أو نفقة ولمن رضي العود.
"فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا" على المشهور حتى إن القاضي في "الجامع" الصغير والشريف وغيرهما لم يذكروا خلافا لأنهما رشيدان والبضع حق الزوج والمال حق الزوجية فلم يجبرا على التوكيل منهما كغيرهما من الحقوق.
"وعنه: أن الزوج إن وكل في الطلاق بعوض أو غيره ووكلت المرأة في بدل العوض برضاهما وإلا" إن أبيا ذلك "جعل الحاكم إليهما ذلك" اختاره ابن هبيرة والشيخ تقي الدين وهو ظاهر الخرقي وحينئذ لهما فعل ما رأياه بغير رضى الزوجين وروي عن علي وابن عباس لأن الله تعالى سماهما حكمين وعن عبيدة السلماني أن رجلا وامرأته أتيا عليا مع كل منهما فئام من الناس فقال علي ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فبعثوا حكمين ثم قال للحكمين هل تدريان ما عليكما من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لي وعلي وقال الرجل أما الفرقة فلا فقال علي كذبت حتى ترضى بما رضيت به رواه أبو بكر وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كالمدين الممتنع وطلاق الحاكم على المؤلي.
"فإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الأولى"(7/200)
وتنقطع على الثانية وإن جنا انقطع نظرهما على الأولى ولم ينقطع على الثانية.
ـــــــ
لأن الوكالة لا تبطل بالغيبة "وتنقطع على الثانية" لأنه لا يجوز الحكم للغائب وكل منهما محكوم عليه وقيل لا ينقطع عليها حكاه في "المستوعب" و "المحرر" "وإن جنا" أو أحدهما "انقطع نظرهما على الأولى" لأن الوكالة تبطل بالجنون "ولم ينقطع على الثانية" لأن الحاكم يحكم على المجنون وقيل ينقطع عليها أيضا حكاه في "المغني" و "المحرر" لأنه لا يتحقق معه بقاء الشقاق وحضور المتداعيين وهو شرط.(7/201)
كتاب الخلع
كتاب الخلع
...
كتاب الخلع
وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى ألا تقيم حدود الله فلا بأس أن تفتدي نفسها منه،
ـــــــ
كتاب الخلع
يقال خلع امرأته خلعا وخالعها مخالعة واختلعت هي منه فهي خالع وأصله من خلع الثوب لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: من الآية187] وهو عبارة عن فراق امرأته بعوض بألفاظ مخصوصة وفائدته تخليصها من الزوج على وجه لا رجعة له عليها إلا برضاها.
"وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل" لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك "وتخشى أن لا تقيم حدود الله في حقه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه" لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: من الآية229] ولقول ابن عباس جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تردين عليه حديقته؟" قالت نعم فأمرها بردها وأمره ففارقها" رواه البخاري وبه قال جميع الفقهاء في الأمصار إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: من الآية20]
وقال ابن سيرين وأبو قلابة لا يحل الخلع حتى يجد رجلا لقوله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: من الآية19] والجواب عن ذلك بأنه قول عمر وعلي ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف فكان كالإجماع ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وان الآية الناسخة متأخرة ولم يثبت ذلك وظاهره أنه يباح لها أن تفتدي نفسها منه وصرح به في "الوجيز" و "الفروع" والمذهب أنه يسن إجابتها إليه لأن حاجتها داعية إلى فرقته إلا(7/202)
وإن خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع وعنه: لا يجوز فإن عضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها إلا أن يكون طلاقا فيقع رجعيا،
ـــــــ
أن يكون له إليها ميل ومحبة فيسن صبرها وعدم افتدائها نص عليه واختلف كلام الشيخ تقي الدين في وجوبه وألزم بعض حكام المقادسة الفضلاء به نقل أبو طالب إذا كرهته حل أن يأخذ منها ما أعطاها.
"وإن خالعته لغير ذلك" أي لغير سبب مع استقامة الحال "كره ووقع الخلع" عند أصحابنا والأكثر لقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء: من الآية4] "وعنه: لا يجوز" ولا يصح وقاله ابن عباس وخلق لقوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} [البقرة: من الآية229] وقوله عليه السلام: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" رواه أبو داود من حديث ثوبان وقوله عليه السلام: "المختلعات هن المنافقات" رواه أحمد واحتج من حديث أبي هريرة قال المؤلف والحجة مع من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمها على عموم آية الجواز مع ما عضدها من الأخبار.
فرع: لا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه ورواه البخاري عن عمر وعثمان لأنه معاوضة فلم يفتقر إلى سلطان كالبيع والنكاح وقال الحسن وابن سيرين لا يجوز إلا عند السلطان وجوابه ما سبق مع أنه قطع عقد بالتراضي أشبه الإقالة "فإن عضلها" بأن ضار رها بالضرب والتضييق عليها ظلما أو منعها حقها من النفقة والقسم ونحوه "لتفتدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود" في قول الجمهور لقوله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: من الآية19] ولأنه عوض أكرهت على بذله بغير حق فكان باطلا كالثمن في البيع "والزوجية بحالها" لأن المقتضي للفرقة الخلع الصحيح ولم يوجد "إلا أن يكون طلاقا فيقع رجعيا" أي إذا لم يملك العوض وقلنا الخلع طلاق وقع الطلاق بغير عوض، فإن(7/203)
ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا فإن كان محجورا عليه دفع المال إلى وليه وإن كان عبدا دفع إلى سيده وقال القاضي يصح القبض من كل من يصح خلعه،
ـــــــ
كان أقل من ثلاث فله رجعتها لأن الرخصة إنما سقطت بالعوض فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة إن كان بلفظ طلاق أو نيته وإلا فهو لغو وقيل يقع بائنا إن صح بلا عوض وإن قلنا هو فسخ ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء لأن الخلع بغير عوض لا يقع على الأشهر ويتخرج أنه إن أخذ منها شيئا على الوجه المذكور رده ووقع الخلع عليه إذا قلنا يقع بغير وعوض على كلامه يستثنى صور منها إذا ضربها لتركها فرضا أو على نشوزها أو منعها حقها من أجله لم يحرم خلعها ومنها إذا ضربها لسوء خلقه لا يريد بذلك الفداء لم يحرم خلعها لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض ما آتاها وهو آثم بالظلم ومنها إذا زنت فعضلها لتفتدي نفسها منه جاز وصح الخلع نص عليه لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: من الآية19] والاستثناء من النهي إباحة.
فرع: إذا قالت بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح وبسطت الألف على الصداق المسمى وقيمة العبد على الأشهر.
"ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا" لأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض فبالعوض أولى وفي المميز وجه وجزم ابن المنجا أنه يصح منه ومن السفيه والعبد لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه فصح خلعه قياسا ويصح من أب صبي ومجنون إن صح طلاقه عليهما "فإن كان محجورا عليه دفع المال إلى وليه" كسائر حقوقه "وإن كان عبدا دفع إلى سيده" لأنه للسيد لكونه من أكساب عبده وإن كان مكاتبا دفع العوض إليه لأنه يملك أكسابه وهو الذي يتصرف لنفسه.
"وقال القاضي يصح القبض من كل من يصح خلعه" لأنه يصح منه أحد ركني المعاوضة وهو العقد فيصح منه قبض العوض الذي هو الركن الآخر،(7/204)
وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها على روايتين وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها ويصح الخلع مع الزوجة،
ـــــــ
قياسا عليه فعلى هذا يصح قبض العبد والمحجور عليه لأن من صح خلعه صح قبضه العوض كالمحجور عليه لفلس ونص عليه أحمد في العبد قال في "الشرح" والأولى أنه لا يجوز فإن سلمت العوض إلى المحجور عليه لم يبرأ فإن أخذه الولي منه برئت وإن سلمت العبد برئت مطلقا قال صاحب النهاية فيها والأول أصح لأن النظر له في صحة العقد دون قبض.ه
"وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها على روايتين" إحداهما له ذلك نصره القاضي وأصحابه لأنه يصح أن يزوجه بعوض فلأن يصح أن يطلق عليه بطريق الأولى لا يقال التزويج إدخال ملك والخلع عكسه لأن الأب كامل الشفقة فلا يفعله إلا لمصلحة ولده فيه وكالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون بالإعسار.
والثانية: وهي الأشهر لا يملكه وفاقا للأكثر لقوله عليه السلام: "الطلاق لمن أخذ بالساق" رواه ابن ماجه والدار قطني بإسناد فيه ضعف ولأنه إسقاط لحقه فلم يملكه كالإبراء وإسقاط القصاص ولأن طريق الشهوة لا مدخل لها في الولاية وحكم المجنون كذلك وكذا سيد صغير ومجنون والأظهر جوازه إن رآه مصلحة.
"وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها" على المذهب لأن فيه إسقاط نفقتها وكسوتها وبدل مالها ولا حظ لها في ذلك وقيل له ذلك إذا رأى الحظ فيه كتخليصها ممن يتلف مالها ويخاف منه على نفسها وعقلها والأب وغيره في ذلك سواء إذا خالعوا في حق المجنونة والمحجور عليه لسفه أو صغر.
وظاهره أنه إذا خالع بشيء من ماله أنه يجوز صرح به في "الشرح" وغيره لأنه يجوز مع الأجنبي فمن الولي أولى.
"ويصح الخلع مع الزوجة" إذا كانت رشيدة "ومع الأجنبي" بغير رضى المرأة(7/205)
ومع الأجنبي ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف،
ـــــــ
في قول أكثرهم وقال أبو ثور لا يصح فانه يبذل عوضا في مقابلة ما لا منفعة له فيه. وجوابه بأنه بذل مال في إسقاط حق عن غيره فصح كما لو قال أعتق عبدك وعلي ثمنه ولأنه لو قال ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه صح ولزمه ثمنه مع أنه لا يسقط حقا عن أحد فهنا أولى ولأنه حق على المرأة يجوز أن يسقط عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين وقيل إن قلنا هو فسخ فلا.
فرع: إذا قالت امرأته طلقني وضرتي بألف فطلقهما وقع بهما بائنا واستحق الألف على ما ذكرته وإن طلق أحداهما فقال القاضي تطلق بائنا ويلزم الباذلة بحصتها من الألف قياس قول أصحابنا فيما إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة أن لا يلزم الباذلة هنا شيء لأنه لم يجبها إلى ما سألت وإن قالت طلقني بألف على أن تطلق ضرتي أو على أن لا تطلق ضرتي فالخلع صحيح طاعة والبدل لازم.
مسألة: يجوز في الحيض وطهر أصابها فيه لأن تحريم الطلاق فيه ثبت دفعا لضرر تطويل العدة والخلغ يندفع به ضرر سوء العشرة وهو أعظم وأدوم فكان رفعه أولى وقيل لا يجوز وفي "الواضح" فيه روايتان.
"ويصح بذلك العوض فيه من كل جائز التصرف" لأنه بذل عوض في عقد معاوضة أشبه البيع.
فرع: إذا قال طلق بنتي وأنت بريء من صداقها فطلق بانت ولم يبرأ ويرجع على الأب نص عليها لأنه غره وحمله القاضي على أن الزوج كان جاهلا بأن إبراء الأب صحيح.
فإن علم أن إبراء الأب غير صحيح لم يرجع وطلاقه رجعي وقاله في "الشرح" وقدمه في "الرعاية".(7/206)
فإن خالعت الأمة بغير إذن سيدها على شيء معلوم كان في ذمتها يتبع به بعد العتق وإن خالعته المحجور عليها لم يصح الخلع،
ـــــــ
وإن قال إن أبرأتني أنت منه فهي طالق فقال قد أبرأتك منه طلقت نص عليه وحمله القاضي على أنه اعتقد أن إبراء الأب صحيح، فأما إن علم أنه لا يصح فقولان.
فلو قال طلقتها بألف من مالها وعلي دركه فطلقها بانت وغرمه الأب ولم يرجع به عليها. "فإن خالعت الأمة بغير إذن سيدها" فالخلع صحيح قطع به المؤلف في كتبه وهو قول الخرقي والقاضي وعامة أصحابه لأنه يصح مع الأجنبي فمع الزوجة أولى.
والثاني: لا يصح وقاله القاضي في "المجرد" والمجد لأن الخلع عقد معاوضة فلم يصح منها كالبيع والأول أولى.
والخلع يفارق البيع بدليل صحته على المجهول وعلى غير عوض على قول وقيل يصح إن خالعته على شيء في ذمتها لا على عين في يدها كالبيع "على شيء معلوم كان في ذمتها" لأنه رضي بذلك "يتبع به بعد العتق" وهو اختيار الخرقي جزم به في "الهداية" لأنه الوقت الذي يملك فيه ويرجع بقيمته أو مثله إن كان مثليا فإن كان على عين في يدها فكذلك وقياس المذهب كما قاله المؤلف أنه لا شيء له لأنه يعلم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك العين كما لو قال خالعتك على هذا الحر فيكون راضيا بغير عوض ومقتضاه بطلان الخلع على المشهور فأما إن كان بإذن السيد فهو صحيح كاستدانتها فإن أذن لها في قدر من المال فخالعت بأكثر منه فالزيادة في ذمتها وإن أطلق الإذن اقتضى الخلع بالمسمى.
فرع: المكاتبة كالأمة القن سواء فيما ذكرنا.
"وإن خالعته المحجور عليها" لسفه أو صغر أو جنون لم يصح الخلع لأنه(7/207)
ووقع طلاقه رجعيا والخلع طلاق بائن إلا أن يقع بلفظ الخلع أو لفسخ أو المفاداة ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين.
ـــــــ
تصرف في المال وليست من أهله فلم يصح كالهبة ونحوها وظاهره ولو أذن فيه الولي لأنه لا إذن له في التبرعات والأظهر الصحة مع الإذن لمصلحة على ما ذكره "ووقع طلاقه رجعيا" لأنه طلاق لا عوض له فوجب وقوعه رجعيا لسلامته عما ينافيه وهذا إذا وقع الخلع بلفظ الطلاق أو نواه به.
فأما إن وقع بلفظ الفسخ أو المفاداة ولم ينو به طلاقا فهو كالخلع بغير عوض وفي "المغني" و "الشرح" يحتمل أن لا يقع الخلع هنا لأنه إنما رضي به بعوض ولم يحصل له ولا أمكن الرجوع ببذله وهذا إذا كان الطلاق بغير الثلاث فإن كان بها لم يقع رجعيا لأن الثلاث لا رجعة معها فأما المحجور عليها لفلس فلا يصح بغير إذن غرمائها لأنها ممنوعة من التبرع ويصح بإذنهم لأنها من أهل التصرف ولهذا يصح تصرفها في ذمتها بخلاف المحجور عليها لحظ نفسها.
"والخلع" له صريح وهو لفظ الخلع والمفاداة وكذا الفسخ في الأشهر وكناية وهو الإبانة والتبرئة وفي "الروضة" صريحه الخلع أو الفسخ أو الفداء أو بارئتك "طلاق" أي إذا وقع بغير الألفاظ المذكورة بغير خلاف لوجود صريحه أو كنايته مقترنة بالنية بائن لقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: من الآية229] وإنما يكون فداء إذا خرجت من قبضته وسلطانه ولو لم يكن بائنا لكانت له الرجعة وكانت تحت حكمه وقبضته لأن القصد إزالة الضرر. عنها فلو جازت الرجعة لعاد الضرر.
"إلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين" اختارها أبو بكر وقال ابن هبيرة وهي أظهرهما وصححها في "المحرر" وجزم بها في "الوجيز" وروي عن ابن عباس وطاووس وعكرمة وإسحاق واحتج ابن عباس بقوله(7/208)
وفي الأخرى هو طلاق بائن بكل حال،
ـــــــ
تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} ثم قال: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: من الآية230] فذكر طلقتين والخلع وتطليقه بعدهما فلو كان الخلع طلاقا لكان أربعا ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكانت فسخا كسائر الفسوخ قال الشيخ تقي الدين وعليه دل كلام أحمد وقدماء أصحابه ومراده ما قال عبد الله رأيت أبي كان يذهب إلى قول ابن عباس وابن عباس صح عنه ما أجازه المال فليس بطلاق وصح عنه أن الخلع تفريق وليس بطلاق.
"وفي الأخرى هو طلاق بائن بكل حال" رواه الشافعي عن عثمان وروي عن علي وابن مسعود وقاله سعيد بن المسيب وعطاء والأكثر لكن ضعف أحمد الحديث عنهم وقال ليس في الباب أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ ولأنها بذلت العوض للفرقة والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصدا فراقها فكان طلاقا كغير الخلع وفائدة الخلاف أنه إذا قلنا بأنه طلاق حسب ونقص به عدد طلاقه وإن قيل هو فسخ لم تحرم عليه وإن خالعها بمائة مرة وتعتبر الصيغة منهما فيقول خلعتك على كذا وتقول هي قبلت أو رضيت وتصح ترجمة خلع بكل لفظ طلاق من أهلها.
فرع: لا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله لفظ الزوج قال القاضي ذهب إليه شيوخنا البغداديون وأومأ إليه أحمد وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب إلى وقوع الفرقة بقبول الزوج العوض وأفتى به ابن شهاب بعكبرا واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز نقل إسحاق بن منصور قال قلت لأحمد كيف الخلع قال إذا أخذ المال فهي فرقة وعن علي من قبل مالا على فراق فهي تطليقة بائنة وجوابه بأنه تصرف في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق ولأن أخذ المال قبض لعوض فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب كقبض أحد العوضين في البيع ولعل(7/209)
ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ولو واجهها به وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين وفي الأخر يصح الشرط ويبطل العوض.
ـــــــ
أحمد وغيره استغنى عن ذكر اللفظ لأنه معلوم.
"ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ولو واجهها به" بأن يقول أنت طالق قال الشافعي أنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا لا يلحق المختلعة الطلاق في العدة ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة فكان كالإجماع ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلا يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول وفي "الترغيب" إلا إن قلنا هو طلقة ويكون بلا عوض وهو ظاهر.
"وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" كشرط الخيار ولأن الخلع لا يفسد بالعوض الفاسد فلا يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح "وفي الآخر يصح الشرط ويبطل العوض" أي فيقع رجعيا بلا عوض لأن شرط العوض والرجعة يتنافيان فيسقطان ويبقى مجرد الطلاق فتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط.
وعلى الأول قال القاضي يسقط المسمى في العوض لأنه لم يرض به عوضا حتى ضم إليه الشرط فإذا سقط الشرط فيصير مجهولا فيسقط ويجب المسمى في العقد ويحتمل أن يجب المسمى في الخلع لأنهما تراضيا به عوضا فلم يجب غيره كما لو خلا عن شرط الرجعة.
فرع: إذا شرط الخيار في الخلع بطل الشرط وصح الخلع لأن الخيار في البيع لا يمنع وقوعه ومتى وقع فلا سبيل إلى رفعه.(7/210)
فصل
ولا يصح الخلع إلا بعوض في أصح الروايتين فإن خالعها بغير عوض لم يقع إلا أن يكون طلاقا فيقع رجعيا والأخرى يصح بغير عوض اختارها الخرقي،
ـــــــ
فصل
"ولا يصح الخلع إلا بعوض في أصح الروايتين" جزم به الأصحاب وقدمه في "الفروع" لأن العوض ركن فيه فلم يصح تركه كالثمن في المبيع "فإن خالعها بغير عوض لم يقع" لأن الشيء إذا لم يكن صحيحا لم يترتب عليه دليله للبيع "إلا أن يكون طلاقا" دون الثلاث "فيقع رجعيا" لأنه طلاق لا عوض فيه فكان رجعيا كغيره ولأنه يصح كناية عن الطلاق وإن لم ينو به طلاقا لم يكن شيئا لأن الخلع إن كان فسخا فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لعيبها ولذلك لو قال فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه معاوضة ولا يجتمع العوض والمعوض.
"والأخرى يصح بغير عوض اختارها الخرقي" وابن عقيل في التذكرة لأنه قطع للنكاح فصح عوض كالطلاق ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن يوجد من المرأة رغبة عن زوجها فإذا سألته الفراق فأجابها إليه حصل المقصود من الخلع أشبه ما لو كان بعوض.
قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال فلا نزاع في أنه طلاق يملك به الرجعة ولا يكون فسخاً وظاهره أنه لابد فيه من سؤال المرأة أو من يقوم مقامها وصرح به في "الكافي" والأصفهاني في شرح الخرقي لأن خالع من باب المفاعلة وهي للمشاركة وفي "الترغيب" أنها تبين بقوله فسخت أو خلعت إذا قلنا هو فسخ بمجرده فظاهره أنه لايحتاج فيه إلى سؤال لكنه مخالف لما ذكره الجماعة.
فرع: تبين بالخلع على كلتا الروايتين فلا يملك رجعتها إلا بشرط كالبيع.(7/211)
ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإن فعل كره وصح وقال أبو بكر لا يجوز ويرد الزيادة وإن خالعها بمحرم كالخمر والحر فهو كالخلع بغير عوض.
__________
"ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها" لأن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر ثابت بن قيس أن يأخذ من زوجته حديقته ولا يزداد" رواه ابن ماجه ولأنه بذل في مقابلة فسخ فلم يزد على قدره في ابتداء العقد كالإقالة "فإن فعل كره وصح" في قول أكثر العلماء روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا لو اختلعت من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان جائزا.
ودليل الكراهة قوله عليه السلام في حديث رواه أبو حفص بإسناده أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها وفي قول المؤلف نظر لأنه لا يلزم من الكراهة عدم الاستحباب وفيه شيء وأما الصحة فلقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: من الآية229] ولأنه قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم قالت الربيع بنت معوذ اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك علي واشتهر ولم ينكر فكان كالإجماع "وقال أبو بكر لا يجوز" هو رواية عن أحمد روي عن علي بإسناد منقطع ولأمره عليه السلام ثابتا أن لا يزداد وأمره للوجوب.
"ويرد الزيادة" لعدم جوازها "وإن خالعها بمحرم" يعلمانه "كالخمر والحر فهو كالخلع بغير عوض" في قول أكثر العلماء لأن الخلع على ذلك مع العلم بتحريمه يدل على رضى فاعله بغير شيء لا يقال هلا يصح الخلع ويجب مهر المثل لزوجها عليه لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم فإذا رضي بغير عوض لم يكن له شيء كما لو طلقها أو علقه على فعل فعلته وفارق النكاح فإن وصول البضع في ملك الزوج متقوم وقدم في "الرعاية" أنه إذا خالعها بمحرم يعلمانه فإنه يصح مجانا واقتضى أنهما إذا لم يعلما المحرم أن له قيمته كما ذكره في "الروضة" وغيرها.
فرع: إذا تخالع كافران بمحرم يعلمانه ثم أسلما أو أحدهما قبل قبضه؛(7/212)
وإن خالعها على عبد فبان حرا أو مستحقا فله قيمته عليها فإن بان معيبا فله أرشه أو قيمته ويرده وإن خالعها على رضاع ولده عامين أو سكنى دار صح فإن مات الولد أو خربت الدار رجع بأجرة باقي المدة
ـــــــ
لغا وقيل له قيمته وقيل مهر مثلها.
"وإن خالعها على عبد فبان حرا أو مستحقا فله قيمته عليها" لأن ذلك عين يجب تسليمها مع سلامتها فوجب بدلها مع تعذرها كالمغصوب وهذا بخلاف ما سبق لأنه هنا لم يرض بغير عوض متقوم فيرجع بحكم الغرور ويجب مثله إن كان مثليا فلو خالعها على دن خل فبان خمرا رجع عليها بمثله خلا لأن الخل من ذوات الأمثال وقيل ترجع بقيمة مثله خلا لأن الخمر من ذوات الأمثال والأول أصح وقيل يجب مهر المثل لأنه على البضع بعوض فاسد أشبه النكاح بخمر وجوابه بأنها عين يجب تسليمها مع سلامتها وبقاء سبب الاستحقاق فوجب بدلها مقدرا بقيمتها أو مثلها كالمغصوب.
"فإن بان معيبا فله أرشه أو قيمته ويرده" لأنه عوض في معاوضة فكان له ذلك كالبيع والصداق فإن كان على معين كقولها اخلعني على هذا العبد فيقول خلعتك ثم يجد به عيبا لم يكن علم به فهذا يخير فيه بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته وإن قال إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فأعطته إياه طلقت وملكه قال أصحابنا والحكم فيه كما لو خالعها عليه.
"وإن خالعها على رضاع ولده عامين" أو مدة معلومة صح قل أو أكثر لأن هذا مما تصح المعاوضة عليه في غير الخلع ففيه أولى فلو خالعها من إرضاع ولده مطلقا صح وانصرف إلى ما بقي من الحولين أو هما نص عليه.
"أو سكنى دار" معينة ويشترط تعيين المدة كالإجارة "صح" وكذا إذا خالعها على نفقة الطفل أو كفالته "فإن مات الولد أو خربت الدار رجع بأجرة باقي المدة"(7/213)
وإن خالع الحامل على نفقة عدتها صح وسقطت.
ـــــــ
لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فوجب الرجوع بباقي أجرة المدة كما لو أجره دابة شهرا بعشرة ثم مات في نصفه وفي الكفالة بقيمة مثلها لمثله وهل يستحقه دفعة أو يوما بيوم فيه وجهان أحدهما يستحقه دفعة واحدة ذكره القاضي في "الجامع" واحتج بقول أحمد يرجع عليها ببقية ذلك.
والثاني: يستحقه يوما بعد يوم وهو الأصح لأنه ثبت منجما فلا يستحقه معجلا كما لو أسلم إليه في خبز يأخذ منه كل يوم أرطالا معلومة فمات وقيل يرجع بأجرة المثل لباقي المدة في الكل فإن أراد أن يقيم بدله من يرضعه أو يكفله فأبت أو أرادته هي فأبى لم يلزما وكذا نفقته مدة معينة إذا مات والأشهر أنه لا يعتبر قدر نفقتها وصفتها بل يرجع إلى العرف والعادة وكذا موت مرضعة أو جفاف لبنها في أثنائها.
"وإن خالع الحامل على نفقة عدتها صح وسقطت" نص عليه لأن نفقة الحامل مقدرة واجبة بالشرع فهو كالخلع على الرضاع ولأنها تسقط لأنها صارت مستحقة له فان لم تكن حاملا فلا نفقة لها عليه وقيل لها ومن مهر المثل لأن النفقة لم تجب فلم يصح الخلع وجوابه بأنها إحدى النفقتين فصحت المخالعة كنفقة الصبي وقيل إن وجبت النفقة بالعقد وإلا فهو خلع بمعدوم.
فرع: إذا خالع حاملا منه فأبرأته من نفقة حملها فلا نفقة لها ولا للولد حتى تفطمه نقل المروذي إذا أبرأته من مهرها ونفقتها ولها ولد فلها النفقة عليه إذا فطمته لأنها قد أبرأته مما يجب لها من النفقة فإذا فطمته فلها طلبه بنفقته وكذا السكنى.
مسألة: العوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع فإن كان مكيلا أو موزونا لم يدخل في ضمان الزوج ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه وإن كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه.(7/214)
فصل
ويصح الخلع بالمجهول وقال أبو بكر لا يصح والتفريع على الأول فإن خالعها على ما في يدها من الدراهم أو ما في بيتها من المتاع فله ما فيهما فإن لم يكن فيهما شيء فله ثلاثة دراهم وأقل ما سمي متاعا وقال القاضي يرجع عليها بصداقها في مسألة: المتاع،
ـــــــ
فصل
"ويصح الخلع بالمجهول" في ظاهر المذهب لأن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط فجاز أن يستحق به العوض المجهول كالوصية ولأن الخلع إسقاط لحقه من البضع وليس فيه تمليك شيء والإسقاط تدخله المسامحة ولذلك جاز بغير عوض على رواية.
"وقال أبو بكر لا يصح" وإنه قياس قول أحمد وجزم به أبو محمد الجوزي لأنه معاوضة فلم يصح بالمجهول كالبيع.
"والتفريع على الأول" لأنه المذهب والفرق بينه وبين البيع أن البيع لا يصح إلا بثمن قولا واحدا بخلاف الخلع على قول وحينئذ يجب في ظاهر نصه المسمى.
"فإذا خالعها على ما في يدها من الدراهم أو ما في بيتها من المتاع فله ما فيهما" إذا كان فيهما شيء لأن ذلك هو المخالع عليه وجهالته لا تضر لأن التفريع على صحة الخلع بالمجهول وظاهره أنه يستحق ما في يدها وإن كان أقل من ثلاثة دراهم وهو احتمال حكاه في "المغني" و "الشرح" لأنه الذي في اليد والثاني له ثلاثة دراهم لأن لفظه يقتضيها.
"فإن لم يكن فيهما شيء فله ثلاثة دراهم وأقل ما سمي متاعا" لأن ذلك أقل ما يقع عليه اسم الدراهم والمتاع حقيقة.
"وقال القاضي" وأصحابه "يرجع عليها بصداقها في مسألة: المتاع" لأنها فوتت عليه البضع ولم يحصل له العوض لجهالته فوجب عليها قيمة ما(7/215)
وإن خالعها على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها فله ذلك فإن لم تحملا فقال أحمد ترضيه بشيء وقال القاضي لا شيء له.
ـــــــ
فوتت عليه وهو الصداق وأما على الرواية الأولى ففيه خمسة أوجه:
أحدها: وهو ظاهر كلامه صحة الخلع بالمسمى لكن يجب أدنى ما يتناوله الاسم لما تبين عدمه وإن لم يكن غرته كحمل الأمة.
الثاني: صحته بمهرها فيما يجهل حالا ومآلا فإن تبين عدمه رجع إلى مهرها وقيل إذا لم تغره فلا شيء عليها.
الثالث: فساد المسمى وصحة الخلع بمهرها.
الرابع: بطلان الخلع قاله أبو بكر.
الخامس: بطلانه بالمعدوم وقت العقد كما تحمل شجرته وصحته مع الوجود يقينا أو ظنا. ثم هل يجب المسمى أو مهر أو الفرق قاله في "المحرر".
"وإن خالعها على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها فله ذلك" أي ما تحملانه لأنه المخالع عليه ولو كان معدوما إذ لا أثر له والمراد بحمل الأمة ما تحمله بدليل قوله بعد "فإن لم تحملا وهكذا ذكره في "المغني" ولا فرق بين مسألة: حمل الأمة وحمل الشجرة فإن لم تحملا فقال أحمد ترضيه بشيء" لئلا يخلو الخلع عن عوض وفي "المغني" قول أحمد ترضيه بشيء إن له أقل ما يقع عليه اسم الحمل والثمرة فهو كمسألة: المتاع لأنه بمعناه.
"وقال القاضي لا شيء له" لأنه رضي بالحمل ولا حمل وتأويل قول أحمد على الاستحباب لأنه لو كان واجبا لقدره بتقدير يرجع إليه.
وعليه الفرق بينهما وبين مسألة: الدراهم والمتاع أن المرأة في مسألة: الدراهم والمتاع أوهمته أن معها دراهم وفي بيتها متاع لأنها خاطبته بلفظ يقتضي(7/216)
وإن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبدا وإن قال عن أعطيتني عبدا فأنت طالق طلقت بأي عبد أعطته طلاقا بائنا وملك العبد نص عليه وقال القاضي يلزمها عبد وسط فيهما وإن قال إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته
ـــــــ
الوجود مع إمكان علمها به فكان له مادل عليه لفظها كما لو خالعته على عبد فوجد حرا وفي هاتين فاذا دخل معها في العقد مع تساويهما في العلم في الحال ورضاهما بما فيه من الاحتمال فلم يكن لها شيء غيره كما لو قال خالعتك على هذا الحر وقال ابن عقيل له مهر المثل وقال أبو الخطاب له المسمى.
"وإن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبدا" أي يصح تمليكه نص عليه لأنه خالعها على مسمى مجهول فكان له أقل ما يقع عليه الاسم كما لو خالعها على ما في يدها من الدراهم فإن خالعته على عبيد فله ثلاثة في ظاهر كلام أحمد والخرقي كمسألة: الدراهم. "وإن قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق طلقت بأي عبد أعطته طلاقا بائنا وملك العبد نص عليه" لأن الشرط عطية عبد وقد وجد ويقع الطلاق بائنا لأنه على عوض ويملك العبد لأنه عوض خروج البضع من ملكه.
"وقال القاضي يلزمها عبد وسط فيهما" كالصداق وتأول كلام أحمد على أنها تعطيه عبدا وسطا وعلى قوله إن أعطته معيبا أو دون الوسط فله رده وأخذ بدله.
تتمة: لو أعطته مدبرا أو معتقا بعضه وقع الطلاق لأنهما كالقن في التمليك وإن أعطته حرا أو مغصوبا أو مرهونا لم تطلق لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه وفي "الرعاية" لو بان حرا أو مغصوبا أو مكاتبا بانت وله القيمة وقيل لا تطلق.
"وإن قال إن أعطيتني هذا العبد" أو الثوب الهروي "فأنت طالق فأعطته(7/217)
إياه طلقت فإن خرج معيبا فلا شيء له وإن خرج مغصوبا لم يقع الطلاق عليها وعنه: يقع وله قيمته وكذلك في التي قبلها وإن قال إن أعطيتني ثوبا هرويا فأنت طالق فأعطته مرويا لم تطلق،
ـــــــ
إياه طلقت" لتحقق وجود الشرط ويقع بائنا "وإن خرج معيبا" أو مرويا "فلا شيء" له ذكره أبو الخطاب وجزم به في "الوجيز" لأنه شرط لوقوع الطلاق أشبه ما لو قال إن ملكته فأنت طالق ثم ملكه وقال القاضي له رده وأخذ قيمته بالصفة سليما أو أخذ أرشه كما لو قالت اخلعني على هذا العبد فخلعها وفي "الترغيب" في رجوعه بأرشه وجهان وأنه لو بان مباح الدم بقصاص أو غيره فقتل فذكر القاضي وهو المذهب أنه يرجع بأرش عيبه وذكر ابن البنا يرجع بقيمته.
"وإن خرج مغصوبا" أو حرا "لم يقع الطلاق عليها" على المذهب لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه وما لا يصح تمليكه لأنه لا يكون عطية له فإذا لم يوجد شرط الطلاق.
"وعنه: يقع وله قيمته" جزم به في "الروضة" وغيرها لأنه معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح فعلى هذا يرجع عليها بقيمته لأنه لم يرض بغير عوض والصحيح أنها لا تطلق ولا يستحق القيمة لأنها لا تطلق بعطية المغصوب والحر لأن العطية هنا التمليك بدليل حصوله فيما إذا كان العبد مملوكا لها.
"وكذلك في التي قبلها" لأنهما سواء معنى فكذا يجب أن يكونا حكما.
فرع: إذا خالعها على عبد موصوف في الذمة فأعطته إياه معيبا بانت وله طلب عبد سليم بتلك الصفة وإن أعطته قيمته لزمه قبولها وقال ابن حمدان له مهر المثل فإن خالعها على عبد بعينه ثم أعتقته لم يصح وقيل بلى وعليها قيمته فإن باعته ولم يعلم فعليها قيمته وقيل يبطل البيع.
"وإن قال إن أعطيتني ثوبا هرويا فأنت طالق فأعطته مرويا لم تطلق" لأن(7/218)
وإن خالعته على هروي بأن قالت اخلعني على هذا الثوب الهروي فبان مرويا فله الخيار بين رده وإمساكه وعند أبي الخطاب ليس له غيره إن وقع الخلع على عينه.
ـــــــ
الصفة التي علق عليها الطلاق لم توجد وإن خالعته على مروي في الذمة فأتته بهروي صح وخير وإن خالعها على ثوب على أنه قطن فبان كتانا رده ولم يكن له إمساكه لأنه جنس آخر وكل موضع علق طلاقها على عطيتها إياه فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض وقع الطلاق سواء قبضه منها أو لا فإن هرب الزوج أو غاب قبل عطيتها أو قالت يضمنه لك زيد أو أجعله قصاصا بما لي عليك أو أحالته به لم يقع الطلاق وكذلك كل موضع تعذر العطية فيه سواء كان التعذر من جهتها أو من جهته أو من جهة غيرهما لانتفاء الشرط ولو قالت طلقني بألف فطلقها استحق الألف وبانت وإن لم تقبض نص عليه لأن هذا ليس تعليقا على شرط بخلاف الأول.
فرع: إذا تخالعا على حكم أحدهما أو غيرهما أو بمثل ما خالع به زيد زوجته صح بالمسمى وقيل بل بمهرها وقيل بل بمهر مثلها.
"وإن خالعته على هروي فبان مرويا فله الخيار بين رده" لأنه غير المعقود عليه "وإمساكه" لأنه من الجنس ولأن مخالفة الصفة بمنزلة العيب في جواز الرد "وعند أبي الخطاب ليس له غيره إن وقع الخلع على عينه" لأن الخلع واقع على عينه وقوله الأول مشعر بأن الخلع واقع على غير العين وفي اشتراط وقوع الخلع على عينه عند أبي الخطاب ينفيه ويؤذن بأن الكلام الأول عام إذ لو كان الموطأ بالخلع على عين الثوب لم يكن في اشتراط وقوع الخلع على العين عند أبي الخطاب فائدة.(7/219)
فصل
إذا قال إن أعطيتني أو إذا أعطيتني ألفا فأنت طالق كان على التراخي أي وقت أعطته ألفا طلقت وإن قالت له اخلعني بألف أو على ألف أو طلقني بألف أو على ألف ففعل،
ـــــــ
فصل
"إذا قال إن أعطيتني أو إذا أعطيتني أو متى أعطيتني ألفا فأنت طالق كان على التراخي أي وقت أعطته ألفا طلقت" بائنا وملكه وإن لم يقبضه لأنه علق الطلاق بشرط فكان على التراخي كسائر التعاليق فلو نويا صنفا منها حمل العقد عليها وإن أطلقا حمل على نقد البلد كالبيع فإن لم يكن فعل ما يقع عليه ولا يقع بدفعها عددا ناقصة الوزن كدفع نقرة زنتها ألف لأن الدراهم في عرف الشرع المضروبة الوازنة وقيل يكفي عدد متفق عليه بلا وزن لحصول المقصود وتطلق إذا أعطته وازنة بإحضاره ولو كانت ناقصة في العدد وإذنها في قبضه وإن دفعت إليه مغشوشة تبلغ فضتها ألفا طلقت وإلا فلا وتقدم أنه يمكنه قبضه كما في "المنتخب" و "المغني" وغيرهما وفي "الترغيب" وجهان في إن اقبضتني فأحضرته ولم تقبضه فلو قبضه فهل يملكه فيقع بائنا أولا فيقع رجعيا فيه احتمالان ظاهره أنها إذا وضعته بين يديه أنها تطلق وإن لم يأخذه إذا كان متمكنا من أخذه لأنه إعطاء عرفا بدليل أعطته فلم يأخذ واستشكله بعض المحققين لأنه إن حمل الإعطاء على الإقباض من غير تمليك فينبغي أن تطلق ولا يستحق شيئا وإن حمل عليه مع التمليك فلا يصح التمليك بمجرد فعلها والتعليق لازم من جهة الزوج لزوما لا سبيل إلى دفعه خلافا للشيخ تقي الدين كالكتابة عنده ووافق على شرط محض كإن قدم زيد.
"وإن قالت له اخلعني بألف أو على ألف أو طلقني بألف أو على ألف" أو طلقني ولك ألف "ففعل" على الفور وقيل أو التراخي جزم به في(7/220)
بانت واستحق الألف وإن قالت له طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحقها وإن قالت له طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يستحق شيئا ويحتمل أن يستحق ثلث الألف،
ـــــــ
"المنتخب" وفي "المحرر" وغيره في المجلس بانت لأن الباء للمقابلة وعلى في معناها ويكفي قوله خلعتك أو طلقتك وإن لم يذكر الألف في الأصح واستحق المجيب الألف لأنه فعل ما جعل الألف في مقابلته وكذا قولها إن طلقتني فلك علي ألف ولها أن ترجع قبل أن يجيبها.
فرع: إذا قالت اخلعني بألف فقال أنت طالق فإن قلنا الخلع طلقة بائنة وقع واستحق الألف وإن قلنا هو فسخ فهل يستحق العوض فيه وجهان وإن لم يستحق ففي وقوعه رجعيا احتمالان وإن قالت طلقني بها فقال خلعتك فإن كان طلاقا استحقه وإلا لم يصح وقيل خلع بلا عوض وفي "الروضة" يصح وله العوض لأن القصد أن تملك نفسها بالطلقة وحصل بالخلع.
"وإن قالت له طلقني واحدة بألف" أو على ألف أو ولك ألف "فطلقها ثلاثا" وفي "الروضة" أو اثنتين "استحقها" لأنه حصل لها ما طلبته وزيادة.
"وإن قالت له طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة" وقعت الواحدة بغير خلاف لأنه أتى بلفظه الصريح و "لم يستحق شيئا" على المنصوص والمجزوم به عند أصحابنا لأنها إنما بذلتها في مقابلة الثلاث ولم تحصل وصار كما لو قال بعني عبديك بألف فقال بعتك أحدهما بنصفها والجواب ما إذا قال من رد عبيدي فله كذا فرد بعضهم فإنه يستحق القسط لأن غرضه يتعلق بكل واحد من العبيد وهنا غرضها يتعلق ببينونة كبرى ولم تحصل.
"ويحتمل أن يستحق ثلث الألف" وهو لأبي الخطاب في "الهداية" كما لو قال من رد عبيدي الثلاثة فله ألف فعلى هذا يقع الطلاق بائنا وعلى الأول يكون رجعيا إذا كان في يده الثلاث لأنها استدعت فرقة تحرم بها قبل زوج(7/221)
وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعل بانت واستحق الألف علمت أولم تعلم ويحتمل أن لا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم وإن كانت له امرأتان مكلفة وغير مكلفة فقال أنتما طالقتان بألف إن شئتما فقالتا قد شئنا لزم المكلفة نصف
ـــــــ
آخر فلم يجبها إليه.
فرع: لو وصف طلقة ببينونة وقلنا به لعدم التحريم التام فإن لم يصفها فواحدة رجعية وقيل بائن بثلاثة وهو رواية في "التبصرة".
"وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعل بانت واستحق الألف" لأن الواحدة التي فعلها كملت الثلاث وحصلت ما يحصل من الثلاث من البينونة وتحريم العقد فوجب العوض كما لو طلقها ثلاثا "علمت أو لم تعلم" لأن القصد تحريمها قبل زوج آخر وقد حصل ذلك ويحتمل ألا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم وهو قول ابن سريج لأنها بذلت العوض في مقابلة الثلاث ولم يوجد بخلاف ما إذا كانت عالمة فإن معنى كلامها كمل لي الثلاث وقد فعل.
مسائل: إذا قال أنت طالق وطالق وطالق بألف بانت بالأولى ولم يقع ما بعدها في الأصح وهذه المسألة: في جواب قولها طلقني واحدة بألف ويدل عليه كلام بعضهم ولو قال أنت طالق وطالق بألف وطالق بانت بالثانية ولغت الثالثة وإن قال أنت طالق وطالق وطالق بألف بانت بالثالثة وما قبلها رجعي وقال ابن حمدان تطلق ثلاثا ولو قالت طلقني عشرا بألف فطلقها ثلاثا استحقها لأنه حصل المقصود وإن طلقها أقل من ذلك لم يستحق شيئا وإن قالت طلقني بألف إلى شهر فطلقها قبله طلقت ولا شيء له نص عليه وإن قالت من الآن إلى شهر فطلقها قبله استحقها لأنه أجابها إلى ما سألت وقال القاضي تبطل التسمية وله صداقها لأن زمن الطلاق مجهول.
"وإن كان له امرأتان مكلفة أي رشيدة وغير مكلفة أي مميزة فقال أنتما طالقتان بألف إن شئتما فقالتا قد شئنا لزم المكلفة نصف(7/222)
الألف وطلقت بائنا ووقع الطلاق بالأخرى رجعيا ولا شيء عليهما وإن قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا شيء عليها وإن قال على ألف أو بألف فكذلك،
ـــــــ
الألف وطلقت بائنا ووقع الطلاق بالأخرى رجعيا ولا شيء عليهما" كذا ذكره في "الوجيز" وغيره وحاصله أن المكلفة إذا كانت رشيدة فمشيئتها صحيحة وتصرفها في مالها صحيح فيقع عليهما الطلاق فتبين المكلفة بنصف الألف عند أبي بكر ورجحه في "المغني" وجزم به في "الوجيز" وعند ابن حامد يسقط بقدر مهريهما ذكره في "المغني" و "الشرح" ظاهر المذهب وتطلق الأخرى رجعيا مجانا فإن بذلها للعوض غير صحيح وكذا المحجور عليها لسفه لأن لها مشيئة وتصرفها في المال غير صحيح بدليل أنه يرجع إلى مشيئة المحجور عليه في النكاح فإن كانت مجنونة أو صغيرة لم تصح المشيئة منها ولم يقع الطلاق وعنه: لا مشيئة لمميزة كدونها فلا طلاق فإن كانتا رشيدتين وقع بهما الطلاق بائنا فإن قبلته إحداهما لم تطلق واحدة منهما ذكره في "المغني" و "الشرح" لأنه جعل مشيئتهما شرطا في طلاق كل واحدة منهما والأصح أنها تطلق وحدها بقسطها فلو قال الزوج ما شئتما وإنما قلتما ذلك بألسنتكما أو قالتا ما شئنا بقلوبنا لم يقبل.
"وإن قال لامرأته" ابتداء "أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا شيء عليها" لأنه لم يجعل الألف عوضا للمطلقة ولا شرطا فيها وإنما عطفه على الطلاق الذي أوقعه فوقع ما يملكه دون مالا يملكه كقوله أنت طالق وعليك الحج فإن أعطته المرأة عوضا عن ذلك كان هبة مبتدأة تعتبر فيها شروط الهبة.
"وإن قال على ألف أو بألف فكذلك" أي يطلق بغير شيء على المذهب لأنه أوقع الطلاق غير معلق بشرط وجعل عليه عوضا لم يبذله فوقع رجعيا لأن على ليست للشرط ولا للمعاوضة بدليل أنه لا يصح بعتك ثوبي على دينار وقيل لا تطلق كنظيرتهن في العتق وقيل تطلق إلا في وعليك والمختار أنها إذا قبلته في المجلس بانت واستحقه وإلا وقع رجعيا وله الرجوع قبل قبولها ولا(7/223)
ويحتمل ألا تطلق حتى تختار فلزمها الألف.
فصل
وإذا خالعته في مرض موتها فله الأقل من المسمى أو من ميراثه منها،
ـــــــ
ينقلب بائنا ببذلها العوض في المجلس بعد عدم قبولها.
"ويحتمل ألا تطلق حتى تختار فلزمها الألف" هذا قول القاضي في "المجرد" لأن تقديره إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق ولأن "على" تستعمل للشرط بدليل قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} [القصص: من الآية27] الآية وقيل تطلق بألف فقط والأولى أنها لا تطلق في بألف حتى تختار فيلزمها الألف لأنها إن لم تكن حرف شرط فهي للمعاوضة في بعتك بكذا وزوجتك بكذا.
فرع: إذا قال أنت طالق ثلاثا بألف أو على ألف فقالت قبلت واحدة بثلث الألف لم يقع وإن قالت قبلت واحدة بألف وقع الثلث واستحق الألف وإن قالت قبلت بألفين وقع ولزمها الألف فقط وإن قال أنت طالق ثلاثا واحدة منها بألف طلقت اثنتين ووقعت الثالثة على قبولها ولو لم يبق من طلاقها إلا واحدة فقال أنت طالق اثنتين الأولى بغير شيء والثانية بألف بانت بالثلاث ولم يستحق شيئا.
فصل
"وإذا خالعته في مرض موتها" المخالعة في المرض صحيحة سواء كانا مريضين أو أحدهما بغير خلاف نعلمه لأنها معاوضة كالبيع ثم إذا خالعته في مرض موتها بميراثه منها فما دون صح ولا رجوع وان خالعته بزيادة بطلت الزيادة.
"فله الأقل من المسمى أو من ميراثه منها" لأن ذلك لا تهمة فيه بخلاف الأكثر منها فإن الخلع إن وقع بأكثر من الميراث تطرقت إليه التهمة من قصد إيصالها إليه شيئا من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرة عليه أشبه ما لو أوصت أو أقرت له وإن وقع بأقل من الميراث فالباقي هو أسقط حقه منه، فلم(7/224)
وإن طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر لم تستحق أكثر من ميراثها وإن خالعها في مرضه وحاباها فهو من رأس المال وإذا وكل الزوج في خلع امرأته مطلقا فخالع بمهرها فما زاد صح وإن نقص عن المهر رجع على الوكيل بالنقص ويحتمل أن يخير بين قبوله ناقصا وبين رده وله الرجعة،
ـــــــ
يستحقه فتعين استحقاق الأقل منهما وقيل إن كان ميراثه منها بقدر ما ساق إليها من الصداق أو أقل صح وإن كان ما خالعته أكثر بطلت الزيادة.
"وإن طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها" لم تستحق أكثر من ميراثها أي للورثة منعها من ذلك لأنه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها كالوصية لوارث وعلم منه أنه إذا أوصى لها بمهر مثلها أو أقل أنه يصح لأنه لا تهمة في ذلك "وإن خالعها في مرضه وحاباها فهو من رأس المال" مثل أن يخالعها بأقل من مهر مثلها مثل أن يكون قادرا على خلعها بشيء فخالعها بدونه لم يحسب ما حاباها من الثلث في مرض موته لأنه لو طلق بغير عوض لصح فلأن يصح بعوض أولى فلو خالعها في مرضها بأكثر من مهرها فللورثة أن لا يعطوه أكثر من ميراثه منها لأنه متهم.
"وإذا وكل في خلع امرأته مطلقا فخالع بمهرها فما زاد صح" ولزم المسمى لأنه زاده خيرا وعلم منه صحة التوكيل في الخلع لكل من يصح تصرفه في الخلع لنفسه كالعبد والأنثى والكافر والمحجور عليه لا نعلم فيه خلافا ويجوز التوكيل من غير تقدير عوض كالبيع والنكاح والمستحب التقدير لأنه أسلم من الغرر وأسهل على الوكيل.
"وإن نقص عن المهر رجع على الوكيل بالنقص" على المذهب لأن الخلع عقد معاوضة أشبه البيع "ويحتمل أن يخير بين قبوله ناقصا" لأن الحق له فإذا رضي بدونه وجب أن يصح "وبين رده وله الرجعة" لأن الطلاق قد وقع والعوض مردود.(7/225)
وإن عين له العوض فنقص لم يصح الخلع عند ابن حامد وصح عند أبي بكر ويرجع على الوكيل بالنقص وإن وكلت المرأة في ذلك فخالع بمهرها فما دون أو بما عينته فما دون صح وإن زاد لم يصح ويحتمل أن يصح وتبطل الزيادة،
ـــــــ
"وإن عين له العوض فنقص لم يصح الخلع ثم ابن حامد" وهو أولى وأصح لأنه خالف موكله أشبه ما لو وكله في خلع امرأة فخالع غيرها "وصح عند أبي بكر" لأن المخالعة في قدر العوض وهو لا يبطله كحالة الإطلاق "ويرجع على الوكيل بالنقص" لأنه أمكن الجمع بين تصحيح التصرف ودفع الضرر فوجب كما لو لم يخالف وصحح ابن المنجا هذا القول لأن الفرق ثابت بين المخالفة وبين المعقود عليه وبين المخالفة في تعيين العوض لأنه لو وكله في عبده من زيد فباعه من غيره لم يصح ولو وكله في بيعه بعشرة فباعه بأقل منها أنه يصح ويضمن الوكيل النقص.
فرع: إذا خالف بالجنس أو أمره بالخلع حالا فخالع عن عوض نسيئة فالقياس أنه لا يصح وقال القاضي إنه يلزم الوكيل القدر الذي أذن فيه ويكون له ما خالع به كالمخالفة في القدر وهذا يبطل بالوكيل في البيع وفارق المخالفة في القدر لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل وكذا الحكم لو خالع بغير نقد البلد وإن خالع بما ليس بمال فلغو وقيل يصح إن صح بلا عوض وإلا رجعيا.
"وإن وكلت المرأة في ذلك فخالع بمهرها فما دون أو بما عينته فما دون صح" لأنه امتثل وزاد خيرا "وإن زاد لم يصح" على المذهب لأنه خالفها في تعيينها أو فيما اقتضاه الإطلاق فلم يصح كما لو وكلته في الخلع بدراهم فخالع بعروض "ويحتمل أن يصح" لأن المخالفة في القدر لا توجب الضمان "وتبطل الزيادة" لأن الموكلة ما التزمتها ولا أذنت فيها وقاله في "الشرح" ولزم الوكيل لأنه ألزمه للزوج فلزمه الضمان كالمضارب إذا اشترى من(7/226)
وإذا تخالعا تراجعا بما بينهما من الحقوق وعنه: أنها تسقط.
فصل
وإذا قال: خالعتك بألف فأنكرته أو قالت إنما خالعت غيري بانت والقول قولها مع يمينها في العوض وإن قالت نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف وإن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله أو صفته فالقول قولها
ـــــــ
يعتق على رب المال وقال القاضي في "المجرد" عليها مهر مثلها ولا شيء على وكيلها لأنه لا يقبل العقد لنفسه وإنما يقبله لغيره بخلاف الشراء.
"وإذا تخالعا" بغير لفظ الطلاق "تراجعا بما بينهما من الحقوق" أي حقوق النكاح لأنه أحد نوعي الخلع فلم يسقط به شيء كالطلاق.
"وعنه: أنها تسقط" بالسكوت عنها إلا نفقة عدة الحامل وما خولع ببعضه لأن الخلع يقتضي انخلاع كل واحد من صاحبه ولو بقيت الحقوق كما كانت لبقي بينهما علقة وذلك ينافي الانخلاع فعليه إن كان خلعها قبل الدخول ولم تكن قبضت منه شيئا لم ترجع عليه وإن كانت قبضته لم يرجع وعلى الأول يرجع كل واحد بما يستحقه وهو الأصح وهذا الخلاف في حقوق النكاح وأما الديون فلا تعلق للخلع بها.
فصل
"وإذا قال خالعتك بألف فأنكرته أو قالت إنما خالعت غيري بانت" بإقراره "والقول قولها مع يمينها في العوض" لأنها منكرة لبذله "وإن قالت نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف" لأنها أقرت بها ولا يلزم الغير شيء إلا أن يقر به فإن ادعته المرأة وأنكره الزوج قبل قوله ولا شيء عليها لأنها لا تدعيه وإن قالت سألتك طلاقا ثلاثا بألف فأجبت فقال بل طلقة فأجبت قبل قوله وبانت بألف وقيل يتحالفان ولها المهر المسمى.
"وإن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله أو صفته فالقول قولها(7/227)
مع يمينها ويتخرج أن القول قول الزوج ويحتمل أن يتحالفا ويرجعا إلى المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى وإن علق طلاقها على صفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت نص عليه ويتخرج ألا تطلق بناء على الرواية في العتق واختاره أبو الحسن التميمي،
ـــــــ
مع يمينها" نص عليه لأنه يقبل قولها في أجله فكذا في قدره وصفته ولا ينكر الزائد والحلول والقول قول المنكر مع يمينه "ويتخرج أن القول قول الزوج" هذا رواية حكاها القاضي لأن البضع يخرج عن ملكه فقبل قوله في عوضه كالسيد مع مكاتبه "ويحتمل أن يتحالفا" إن لم يكن يلفظ طلاق لأنه اختلاف في عوض العقد فيتحالفان فيه كالمتبايعين.
"ويرجعا إلى المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى" لأن البضع تلف بالخلع فوجب الرجوع إلى البدل كما لو تلف المبيع ووقع التحالف فإنه يجب بدله وهو المثل أو القيمة. وجوابه بأن التحالف في البيع يحتاج إليه في فسخ العقد والخلع في نفسه فسخ فلا يفسخ وقيل إن اختلفا في قدر العوض فلا يمين وأيهما يصدق فيه وجهان.
"وإن علق طلاقها على صفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت نص عليه" لأن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح فوقع الطلاق كما لو لم يتخلله بينونة لا يقال الصفة انحلت بفعلها حال البينونة ضرورة ألا تقتضي التكرار لأنها إنما تنحل على وجه تحنث به لأن اليمين حل وعقد والعقد يفتقر إلى الملك فكذا الحل والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال البينونة ولا تنحل اليمين.
"ويتخرج ألا تطلق بناء على الرواية في العتق" وهو أن الصفة لا تنحل لأن الملك الثاني لا ينبني على الأول في شيء من أحكامه "واختاره أبو الحسن التميمي" وأكثر العلماء لأن العتق يتشوف الشارع إليه بخلاف الطلاق قال صاحب(7/228)
وإن لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة.
ـــــــ
"النهاية" وغيره: والأول أصح والفرق بين الطلاق والعتاق من حيث إن الأصل في الأبضاع الحرمة وفي الأموال العصمة فإذا تعارض دليل الطلاق وجب وقوعه لأن الأصل حرمة الوطء وإذا تعارض دليل العتق وجب عدم وقوعه لأن الأصل عصمة الملك فإن قيل لو طلقت بذلك لوقع الطلاق بشرط سابق على النكاح ولا خلاف أنه لو قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق فتزوجها ثم دخلت لم تطلق والفرق أن النكاح الثاني مبني على الأول في عدد الطلقات وسقوط اعتبار العدد وبهذا فرق صاحب "المغني" فيه بين الطلاق والملك "وإن لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة" لأن اليمين لم تنحل لكون الصفة في حال البينونة لم توجد فإذا وجدت الصفة بعد التزويج وجب أن تعمل عملها كما لو لم يكن بينونة فإن كانت الصفة لا توجد بعد النكاح الثاني كقوله إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق ثلاثا ثم أبانها فأكلته لم يحنث.
أصل: يحرم الخلع حيلة لإسقاط يمين الطلاق ولا يقع في اختيار الأكثر واحتج القاضي بما روي عن عمر أنه قال الحلف حنث أو ندم رواه ابن بطة وفي "المغني" هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فلو اعتقد البينونة ففعل ما حلف فكمطلق معتقد أجنبية فتبين امرأته ذكره الشيخ تقي الدين وقيل يقع وصححه ابن حمدان وصاحب "الحاوي" وعمل غالب الناس عليه وفي واضح ابن عقيل يستحب إعلام المستفتي بمذهب غيره إن كان أهلا للرخصة كطالب التخلص من الربا فيدله على من يرى التحيل للخلاص منه والخلع بعدم وقوع الطلاق والله أعلم.(7/229)
كتاب الطلاق
كتاب الطلاق
...
كتاب الطلاق
وهو حل قيد النكاح ويباح عند الحاجة إليه ويكره من غير حاجة،
ـــــــ
كتاب الطلاق
والإجماع على جوازه، وسنده قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: من الآية229] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: من الآية1] وقوله عليه السلام لعمر لما سأله عن تطليق ابنه امرأته وهي حائض: "مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " متفق عليه والمعنى يدل عليه لأن الحال ربما فسد بين الزوجين فيؤدي إلى ضرر عظيم فبقاؤه إذا مفسدة محضة بلزوم الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة فائدة فشرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه.
"وهو حل قيد النكاح" أو بعضه وهو راجع إلى معناه لغة لأن من حل قيد نكاحها فقد خليت إذ أصل الطلاق التخلية يقال طلقت الناقة إذا سرحت حيث شاءت وحبس فلان في السجن طلقا بغير قيد وهو مصدر طلقت المرأة أي بانت من زوجها بفتح اللام وضمها تطلق بضم اللام فيهما طلاقا وطلقة وجمعها طلاق بفتح اللام فهي طالق وطلقها زوجها فهي مطلقة.
"ويباح عند الحاجة إليه" لضرره بالمقام على النكاح فيباح له رفع الضرر عن نفسه "ويكره من غير حاجة" وقاله الأكثر لما روى محارب ابن دثار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق" رواه أبو داود وابن ماجه ورجاله ثقات وروي مرسلا وعنه: لا يكره صححه الحلواني لما سبق.(7/230)
وعنه أنه يحرم ويستحب إذا كان بقاء النكاح ضررا ويصح من الزوج العاقل البالغ المختار ومن الصبي العاقل.
ـــــــ
"وعنه: أنه يحرم" لقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا إضرار" ولأنه يضر بنفسه وزوجته. "ويستحب إذا كان بقاء النكاح ضررا" أي يندب عند تضرر المرأة بالنكاح إما لبغضه أو لغيره فيستحب إزالة الضرر عنها ولتركها صلاة وعفة ونحوهما وعنه: يجب لعفة وعنه: وغيرها فإن ترك حقا لله فهي كهو فتختلع والزنى لا يفسخ نكاحا نص عليهما ونقل المروذي فيمن يسكر زوج أخته يحولها إليه وعنه: أيضا أيفرق بينهما قال الله المستعان وبقي هنا قسمان آخران واجب هو طلاق المؤلي بعد التربص وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأياه وعنه: ولأمر أبيه وعنه: العدل وقاله أبو بكر اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمرته أمه فنصه لا يعجبني طلاقه ومنعه الشيخ تقي الدين منه ونص في بيع السرية إن خفت على نفسك فليس لها ذلك ومحظور وهو طلاق من دخل بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه ويسمى طلاق بدعة لمخالفته الشرع لأن طلاق الحائض يضر بها لتطويل عدتها والمصابة ترتاب فلا تدري أذات حمل هي فتعتد بوضعه أم حائل فتعتد بالقروء وحيث كانت حاملا فيندم على فراقها مع ولدها المدخول بها فلا يحرم لعدم العدة وكذا الصغيرة والآيسة والحامل التي استبان حملها فلا.
"ويصح من الزوج البالغ العاقل المختار" بغير خلاف نعلمه لأن المصحح لوقوع الطلاق موجود وهو التكليف فظاهره يقع من كتابي وسفيه نص عليهما.
"ومن الصبي العاقل" أي إذا عقل الطلاق في الاختيار الأكثر وذكره ابن هبيرة ظاهر المذهب لقوله عليه السلام: "الطلاق لمن أخذ بالساق" وقال علي: "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه" ذكره البخاري ورواه الترمذي والدارقطني مرفوعا بإسناد فيه ضعف.(7/231)
وعنه: لا يصح حتى يبلغ ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم لم يقع طلاقه.
ـــــــ
"وعنه: لا يصح حتى يبلغ" نقلها أبو طالب وقدمها في "المحرر" وجزم بها الآدمي وابن أبي موسى وهو قول أكثر العلماء لقوله عليه السلام: "رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم" مكلف فلا يقع طلاقه كالمجنون وعنه: لا يقع لدون عشر اختاره أبو بكر وعنه: اثنتي عشرة سنة وقاله إسحاق وعنه: لأب صغير ومجنون فقط الطلاق نصره القاضي وأصحابه ومن أجاز مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره أومأ إليه ونصره في "الشرح" كالبالغ وقال أبو بكر وحكاه عن أحمد لا يصح أن يوكل حتى يبلغ وجوابه بأنه على الرواية التي لا تجيز طلاقه.
فرع: تعتبر إرادة لفظ الطلاق لمعناه فلا طلاق لفقيه يكرره وحاك عن نفسه حكاه ابن عقيل كغيره.
"ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم لم يقع طلاقه" إجماعا لقوله عليه السلام: "رفع القلم عن المجنون حتى يفيق" وعن أبي هريرة مرفوعا أنه قال: "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله" رواه النجاد قال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن عجلان وهو ذاهب الحديث ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع وسواء زال بجنون أو إغماء أو شرب دواء أو أكره على شرب الخمر أو شرب ما يزيل عقله أو لم يعلم أنه مزيل العقل لكن لو ذكر المغمي عليه أو المجنون لما أفاق أنه طلق وقع نص عليه قال المؤلف هذا فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية فأما المبرسم ومن به نشاف فلا يقع وفي "الروضة" أن المبرسم والموسوس إن عقل الطلاق لزمه ويدخل في كلامهم من غضب حتى أغمي أو غشي عليه قال الشيخ تقي الدين بلا ريب ويقع من غيره في ظاهر كلامهم لأن أبا موسى أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستحمله فوجده غضبان وحلف لا يحملهم وكفر الحديث ولأنه قول ابن عباس ولأنه من باطن كالمحبة الحاملة على الزنى،(7/232)
وإن زال بسبب لا يعذر فيه كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ففي صحة طلاقه روايتان.
ـــــــ
وقال الشيخ تقي الدين إن غيره ولم يزل عقله لم يقع لأنه ألجأه وحمله عليه فأوقعه وهو يكرهه ليستريح منه فلم يبق له قصد صحيح فهو كالمكره ولهذا لا يجاب دعاؤه على نفسه وماله ولا يلزمه نذر الطاعة فيه وفي صحة حكمه الخلاف وإنما انعقدت يمينه لأن ضررها يزول بالكفارة ولهذا إتلاف.
فرع: لو ادعى أنه طلق وهو زائل العقل ينبني على ما إذا أقر وهو مجنون هل يقبل وفيه ثلاثة أقوال ثالثها يقبل إن كان ممن غلب وجوده منه.
"وإن زال بسبب لا يعذر فيه كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ففي صحة طلاقه روايتان" إحداهما يقع قال ابن هبيرة هي أظهرهما اختارها الخلال والقاضي والأكثر لما تقدم من قوله كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه وقال معاوية كل أحد طلق امرأته جائز إلا طلاق المجنون رواه البيهقي بإسناد حسن ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف وقال علي بمحضر من عمر وغيره نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون رواه مالك بإسناد جيد ولأنه مكلف فوقع طلاقه كالصاحي بدليل القتل والقطع في السرقة.
والثانية: لا يقع اختارها أبو بكر والمؤلف ورجحه في "الشرح" والشيخ تقي الدين وقال المكره لم يأثم في الأصح ونقل الميموني كنت أقول يقع حتى تبينته فغلب علي أنه لا يقع ونقل أبو طالب الذي لا يأمر بالطلاق أتى خصلة والذي يأمر به أتى خصلتين حرمها عليه وأحلها لغيره وذكره البخاري عن عثمان وابن عباس وهو قول جمع قال ابن المنذر لا نعلم أحدا من الصحابة خالف عثمان وقال أحمد حديث عثمان أرفع شيء فيه ولأن العقل شرط للتكليف وكالمجنون وعنه: أنه توقف في الجواب ويقال اختلف الصحابة فيه وذكر الشيخ تقي الدين أن الخلاف فيمن يفهم وإلا لم يقع قال وزعم طائفة من العلماء أن الخلاف إنما هو في النشوان الذي يفهم(7/233)
وكذلك يخرج في قتله وقذفه وسرقته وزناه وظهاره وإيلائه ومن أكره على الطلاق بغير حق لم يقع طلاقه.
ـــــــ
ويغلط، فأما الذي تم سكره بحيث لا يفهم ما يقول فلا يقع منه قولا واحدا والأئمة الكبار جعلوا النزاع في الكل وهو من يخلط في كلامه أو لم يعرف ثوبه أو هذى ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من الأرض لأن ذلك كان لا يخفى إلا على المجنون.
"وكذلك يخرج في قتله وقذفه وسرقته وزناه وظهاره وإيلائه" وإقراره وإسلامه وكل قول أو فعل يعتبر له العقل لأن المعنى في الجميع واحد وعنه: كالمجنون في أقواله وكالصاحي في أفعاله وعنه: في الحد كالصاحي وفي غيره كالمجنون وعنه: أنه فيما يستقل به كعتقه وقتله بالصاحي وفيما لا يستقل به كبيعه ونكاحه كالمجنون قال جماعة ولا تصح عبادته وقال أحمد ولا تقبل صلاته أربعين يوما حتى يتوب للخبر.
فرع: البنج ونحوه كجنون لأنه لا لذة به نص عليه وذكر جماعة يقع لتحريمه ولهذا يعزر قال الشيخ تقي الدين قصد إزالة العقل بلا سبب شرعي محرم وفي "الواضح" إن تداوي ببنج فسكر لم يقع وهو ظاهر كلام جماعة.
"ومن أكره على الطلاق بغير حق لم يقع طلاقه" رواه سعيد وأبو عبيد عن عمر وهو قول جماعة من الصحابة قال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق ليس بشيء ذكره البخاري ولقوله عليه السلام: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" رواه ابن ماجه والدارقطني قال عبد الحق إسناد متصل صحيح وعن عائشة قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طلاق ولا عتاق في غلاق" رواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد وابن ماجه ولفظهما "في إغلاق" قال المنذري: هو المحفوظ قال أبو عبيد والقتيبي معناه في إكراه لكن فسره في رواية حنبل بالغضب ذكره أبو بكر في الشافي ولأنه قول حمل عليه بغير حق أشبه الإكراه على كلمة الكفر وعنه: لا يكون إلا من سلطان ذكرها ابن هبيرة والحلواني،(7/234)
وإن هدده بالقتل أو أخذ المال ونحوه قادر يغلب على الظن وقوع ما هدده به فهو إكراه.
ـــــــ
وظاهره أنه لا يلزمه شيء ولو نوى به الطلاق في أحد القولين نظرا إلى أن اللفظ مرفوع عنه بالإكراه فيبقى بنية مجردة والثاني أنه بمنزلة الكناية إن نوى به الطلاق وقع وإلا فلا حكاهما أبو الخطاب في "الانتصار" وحكى شيخه عن أحمد روايتين وجعل الأشبه الوقوع وهو الذي أورده المؤلف مذهبا ولا خلاف في أنه إذا لم ينو به طلاقا ولم يتأول بلا عذر أنه لا يقع وفيه احتمال قوله بغير حق يحترز بذلك عن الإكراه بحق كإكراه الحاكم المؤلي على الطلاق بغير التربص إذا لم يف وإكراه من زوجها وليان ولم يعلم السابق منهما لأنه قول حمل عليه بحق فصح كإسلام المرتد.
"وإن هدده بالقتل ونحوه وأخذ المال قادر يغلب على الظن وقوع ما هدده به فهو إكراه" اختاره ابن عقيل وجزم به المؤلف وفي "الوجيز" لقول عمر في الذي قالت طلقني ثلاثا وإلا قطعته فطلقها ثلاثا فرده إليها رواه سعيد وهذا كان وعيدا ولأن الإكراه إنما يتحقق بالوعيد فإن الماضي لا يندفع بفعل ما أكره وإنما يباح الفعل المكره دفعا لما يتوعد به فيما بعد فعلى هذا يشترط له أمور:
أحدها: أن يكون ما هدده فيه ضرر كثير كالقتل والضرب الشديد فأما السب والشتم فليس بإكراه رواية واحدة وكذا أخذ المال اليسير والضرب في حق من لا يبالي به.
الثاني: أن يكون التهديد من قادر لأن غيره لم يخف وقوع المحذور به لأنه يمكن دفعه.
الثالث: أن يغلب على الظن وقوع ما هدده به.
فرع: ضرب ولده وحبسه ونحوهما إكراه لوالده وإكراه على عتق ويمين ونحوهما كطلاق.(7/235)
وعنه لا يكون مكرها حتى يناله شيء من العذاب كالضرب والخنق وعصر الساق اختاره الخرقي ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا،
ـــــــ
"وعنه: لا يكون مكرها حتى يناله شيء من العذاب كالضرب والخنق وعصر الساق اختاره الخرقي" والقاضي والشريف وأبو الخطاب والشيرازي ونص عليه أحمد في رواية الجماعة وقال كما فعل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه يشير إلى قصة عمار حين أخذه المشركون وأرادوه على الشرك فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول أخذك المشركون فغطوك في الماء وأمروك أن تشرك بالله ففعلت فإن أمروك مرة أخرى فافعل ذلك بهم رواه أبو حفص فعلى هذا يشترط في الضرب أن يكون شديدا أو يسيرا في حق ذي مروءة.
ومما يشبه الضرب وعصر الساق القيد والحبس الطويلان وأخذ المال الكثير زاد في "الكافي" والإخراج من الديار لا السب ونحوه رواية واحدة قاله في "المغني" و "الشرح" وعنه: إن هدد بقتل وعنه: أو قطع طرف وقيل أو إحراق من يؤلمه فإكراه قال القاضي الإكراه يختلف قال ابن عقيل وهو قول حسن وإن سحره ليطلق فإكراه قاله الشيخ تقي الدين.
تنبيه: إذا أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها أو على طلقة فطلق ثلاثا أو على لفظ صريح فأتى بكناية أو على تعليقه فنجزه وقع وإن ترك التأويل بلا عذر أو أكره على مبهمة فطلق معينة فوجهان لا يقال لو كان الوعيد إكراها لكنا مكرهين على العبادات فلا ثواب مع أنه يجوز أن يقال إننا مكرهون عليها والثواب بقضله لا مستحقا عليه عندنا ثم العبادات تفعل للرغبة ذكره في "الانتصار".
"ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا" لأنه عقد يسقط الحد ويثبت النسب والعدة والمهر أشبه الصحيح أو لأنه إزالة ملك فكان كالعتق ينفذ في الكتابة الفاسدة بالأداء كالصحيحة ويقع بائنا؛(7/236)
واختار أبو الخطاب أنه لا يقع حتى يعتقد صحته وإذا وكل في الطلاق من يصح توكيله صح طلاقه وله أن يطلق متى شاء إلا أن يحد له حدا ولا يطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليه.
ـــــــ
نص عليه كحكم بصحة العقد وهو إنما يكشف خافيا أو ينفذ واقعا ويجوز في حيض ولا يكون بدعة "واختار أبو الخطاب أنه لا يقع حتى يعتقد صحته" هذا رواية واختارها أيضا في "المذهب" و "التلخيص"لأن الطلاق يفيد تحريم الحل أو حل العقد ولم يوجد في الفاسد واحد منهما ولأنه نكاح فاسد فلم يقع فيه كالجمع عليه وفي "المستوعب" من طلق في نكاح متفق على بطلانه كمن نكحها وهو في عدة غيره أو نكحها أختها لم يصح طلاقه وعنه: أنه قال أحتاط وأجيز طلاقه اختاره أبو بكر والأول عنه أظهر ولا يقع في نكاح فضولي قبل إجازته في الأصح ونقل حنبل إن تزوج عبد بلا إذن فطلق سيد جاز طلاقه، وفرق بينهما.
"وإذا وكل في الطلاق من يصح توكيله صح طلاقه" لأنه إزالة ملك فصح التوكيل فيه كالعتق وقوله من يصح توكيله يحترز به عن الطفل والمجنون فلو وكل عبدا أو كافرا صح وإن جعل أمر الصغيرة أو المجنونة في يدها لم تملكه نص عليه وظاهر كلام أحمد أنها إذا عقلت الطلاق وقع وإن لم تبلغ كالصبي.
"وله أن يطلق متى شاء" لأن لفظ التوكيل يقتضي ذلك لكونه توكيلا مطلقا أشبه التوكيل في البيع إلا وقت بدعة ولا يملك بالإطلاق تعليقا "إلا أن يحد له حدا" لأن الأمر على ما أذن له لأن الأمر إلى الموكل في ذلك "ولا يطلق أكثر من واحدة" لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم "إلا أن يجعل إليه" أكثر من واحدة بلفظه أو نيته نص عليه لأنه نوى بكلامه ما يحتمله ويقبل قوله في نيته لأنه أعلم بها زاد في "الرعاية" أو يفسخ أو يطأ وقيل لا يملك فوق طلقة بلا إذن ولا ينعزل بالوطء.
فرع: إذا أوقعه الوكيل ثم ادعى الزوج أنه رجع قبل إيقاع الوكيل قبل قوله،(7/237)
وإن وكل اثنين فيه فليس لأحدهما الانفراد به إلا بإذن وإن وكله في ثلاث فطلق أحدهما أكثر من الآخر وقع ما اجتمعا عليه ولو قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك كالوكيل وإن قال لها اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تطلق أكثر من اثنتين.
ـــــــ
ذكره أصحابنا "وإن وكل اثنين فيه فليس لأحدهما الانفراد به" لأنه إنما رضي بتصرفهما جميعا "إلا بإذن" لأنه راض بتصرف كل واحد منهما فملك الانفراد كما لو وكله وحده "وإن وكلهما في ثلاث فطلق أحدهما أكثر من الآخر وقع ما اجتمعا عليه" لأنه مأذون لهما في ذلك فلو طلق أحدهما واحدة والآخر ثلاثا وقع واحدة كما لو طلق ثنتين والآخر ثلاثا فيقع ثنتان "ولو قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك" لأنه يصح توكيلها في طلاق غيرها فكذا في طلاق نفسها كالوكيل لأنها متصرفة بالإذن فتملك ما ملكه الوكيل فعليه لها أن تطلق متى شاءت إلا أن يحد لها حدا ولا تملك أكثر من واحدة إلا أن يأذن قال أحمد إذا نوى ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة فواحدة لأن الطلاق يكون ثلاثا وواحدة فأيهما نواه صح ولو وكل معها غيرها لم يكن لها الانفراد إلا أن يجعل ذلك إليها ولو اختلفا في العدد وقع ما اتفقا عليه فإن طلقت نفسها أو طلقها الوكيل في المجلس أو بعده وقع لأنه توكيل وقال القاضي وقدمه في "الرعاية" يتقيد لها بالمجلس كاختاري وجوابه بأنه توكيل فكان على التراخي كالأجنبي ولو قال طلقي ثلاثا فطلقت واحدة وقع نص عليه لأنها تملك إيقاع ثلاثا فتملك إيقاع واحدة كالوكيل ولا تملك تعليقا فلو قال طلقي نفسك فقالت أنا طالق إن قدم زيد لم يصح لأن إذنه انصرف إلى المنجز فلم تتناول المعلق على شرط ولو قال طلقي نفسك طلاق السنة فطلقت نفسها ثلاثا فهي واحدة وهو أحق برجعتها "وإن قال: اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تطلق أكثر من اثنتين" لأن من للتبعيض فلم يكن لها أن تختار الثلاث لأنها كل الطلاق.(7/238)
ـــــــ
فرع: يحرم تطليق وكيل مطلق وقت بدعة وفي وقوعه وجهان وفي "المغني" الزوج يملكه بملك محله ولم يعلل الأزجي عدم الوقوع إلا لمخالفة أمر الشارع فإن أوقعه ثلاثا فوجهان ولو قال التابعين بيدك أو طلاقك بيدك أو وكلتك في الطلاق فهل تملك به الثلاث على روايتين وفي "الرعاية" لو قال طلقي نفسك بألف فقالت في الحال طلقتك وقع بائنا بالألف وله الرجوع قبل أن تطلقه وهو بعيد.(7/239)
باب سنة الطلاق وبدعته
السنة في الطلاق أن يطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها،
ـــــــ
باب سنة الطلاق وبدعته
طلاق السنة: ما أذن فيه الشارع والبدعة ما نهى عنه ولا خلاف أن المطلقة على الصفة الأولى مطلق للسنة قاله ابن المنذر وابن عبد البر والأصل فيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: من الآية1] قال ابن مسعود وابن عباس طاهرا من غير جماع وحديث ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن تمس" وهو في "الصحيحين"
"السنة في الطلاق أن يطلقها واحدة" لقول علي رواه البخاري "في طهر لم يصبها فيه" لما تقدم من قول ابن مسعود وغيره إلا في طهر متعقب لرجعة من طلاق في حيض فبدعة في ظاهر المذهب اختاره الأكثر "ثم يدعها حتى تنقضي عدتها" أي: لا يتبعها طلاقا آخر قبل انقضاء العدة لقول علي لا يطلق أحد للسنة(7/239)
وإن طلق المدخول بها في حيضها أو طهر أصابها فيه فهو طلاق بدعة محرم ويقع ويستحب رجعتها وعنه: أنها واجبة.
ـــــــ
فيندم رواه الأثرم.
"وإن طلق المدخول بها في حيضها أو طهر أصابها فيه فهو طلاق بدعة محرم ويقع" في قول عامتهم لأنه عليه السلام أمر ابن عمر بالمراجعة وهي لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق وفي لفظ للدار قطني قال: قلت: يا رسول الله أرأيت لو أني طلقتها ثلاثا قال: "كانت تبين منك وتكون معصية" وذكر في "الشرح" هذا الحديث مع غيره وقال كلها أحاديث صحاح ولأنه طلاق من مكلف في محله فوقع كطلاق الحامل ولأنه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له وفي "المحرر" وكذا أنت طالق في آخر طهرك ولم يطأ فيه وكلام الأكثر أنه مباح إلا على رواية القروء الأطهار وفي "الترغيب" تحملها ماءه في معنى وطء.
واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يقع وهو قول ابن علية وهشام بن الحكم والسبعة لأن الله تعالى أمر به قبل العدة فإذا طلق في غيره. لم يقع كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بإيقاعه في غيره.
"ويستحب رجعتها" في ظاهر المذهب وهو قول الأكثر لأنه عليه السلام أمر به ابن عمر وأدنى أحواله الاستحباب ولأنه طلاق لا يرتفع بالرجعة فلم تجب الرجعة فيه كالطلاق في طهر أصابها فيه فإنهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب فيه حكاه ابن عبد البر عن الجميع. "وعنه: أنها واجبة" ذكرها في "الموجز" و "التبصرة" و "الترغيب" واختارها ابن أبي موسى لظاهر أمره عليه السلام بها ولأن الرجعة تجري مجرى استبقاء النكاح وهو واجب بدليل تحريم الطلاق وعنه: تجب في حيض اختاره في "الإرشاد" و"المبهج" وظاهر كلامه أن الخلاف راجع إلى الصورتين وليس(7/240)
وإن طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه كره وفي تحريمه روايتان.
ـــــــ
كذلك فإن الطاهر المصابة فيه لا تجب رجعتها رواية واحدة وتقدم حكاية الإجماع قبله ولكن يستحب لأنه طلاق بدعة فاستحب قطعه بها كطلاق الحائض.
فرع: إذا علقه بقيام فقامت حائضا ففي "الانتصار" مباح وفي "الترغيب" بدعي وفي "الرعاية" يحتمل وجهين وذكر المؤلف إن علقه بقدومه فقدم في حيضها فبدعة ولا إثم وكذا طلاقها في الطهر المتعقب الرجعة بدعي في ظاهر المذهب وعنه: يجوز واختار في "الترغيب" ويلزمه وطؤها.
"وإن طلقها ثلاثا" وقيل أو اثنتين بكلمة أو كلمات "في طهر" لم يقيده في "الفروع" "لم يصبها فيه كره" للاختلاف في تحريمه "وفي تحريمه روايتان" إحداهما لا يحرم ويكون تاركا للاختيار واختاره الخرقي وهو قول عبد الرحمن بن عوف والحسن بن علي لأن الملاعن طلق امرأته ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية داود " فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه" ولم ينقل أنه عليه السلام أنكره ولو لم يكن للسنة لأنكره فعليها يكره ذكره جماعة ونقل أبو طالب هو طلاق السنة والثانية يحرم وهو بدعة ويقع اختاره الأكثر لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: من الآية1] الآية ثم قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق: 2] ومن طلق ثلاثا لم يبق له أمر يحدث ولم يجعل له مخرجا وقد روى النسائي عن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبانا ثم قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" حتى قام رجل فقال يا رسول الله ألا أقتله ولأنه تحريم للبضع من غير حاجة فحرم كالظهار بل هذا أولى لأن الظهاريرتفع تحريمه بالتكفير والثالثة يحرم في الطهر لا الأطهار وظاهره أنه إذا طلق اثنتين فهو للسنة وإن كان الجمع بدعة وقال المجد هو كما لو جمع بين الثلاث.(7/241)
وإن كانت المرأة صغيرة أوآيسة أو غير مدخول بها أو حاملا قد استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة إلا في العدد.
ـــــــ
مسألة: إذا أوقع ثلاثا في كلمة واحدة وقع الثلاث روي عن جماعة من الصحابة وهو قول أكثر العلماء وقال جماعة من طلق البكر ثلاثا فهو واحدة وحكى المحب الطبري عن الحجاج بن أرطاة وابن مقاتل أن طلاق الثلاث واحدة وأنكر النووي حكايته عن الحجاج وأن المشهور عنه أنه لا يقع شيء وأوقع الشيخ تقي الدين من ثلاث مجموعة أو مفرقة قبل رجعة واحدة وقال إنه لا يعلم أحدا فرق بين الصورتين ولم يوقعه على حائض وفاقا لابن عقيل في "الواضح" لأن النهي للفساد ولا في طهر وطىء فيه وقال عن قول عمر في إيقاع الثلاث إنما جعله لإكثارهم منه فعاقبهم على الإكثار لما عصوا بجمع الثلاث فيكون عقوبة من لم يتق الله من التعزير الذي يرجع إلى اجتهاد الأئمة كالزيادة على الأربعين في حد الخمر لما أكثر الناس منه وأظهروه ساغت الزيادة عقوبة ثم إن كانت لازمة مؤبدة كانت حدا وإن كان المرجع إلى اجتهاد الإمام كان تعزيزا "وإن كانت المرأة صغيرة أو آيسة أو غير مدخول بها أو حاملا قد استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة" هذا هو المذهب وقاله في "المحرر" و "الوجيز" وقدمه في "الفروع" أي من حيث الوقت وقوله: "إلا في العدد" أي يثبتان من جهة العدد هذا رواية عن أحمد وحاصله أن طلاق السنة إنما هو للمدخول بها المدخول بها لا عدة عليها وكذا الصغيرة والآيسة عدتها بالأشهر فلا تحصل الريبة والحامل التي استبان حملها عدتها بوضع الحمل ولا ريبة لأن حملها قد استبان وإنما شرطه لأنها لو كانت حاملا ولم يستبن حملها فطلقها ظنا أنها حائل ثم ظهر حملها ربما ندم على ذلك وحكى في "المغني" أن ابن عبد البر قال لا خلاف بين أهل العلم أن الحامل طلاقها للسنة قال ابن المنجا وفيما قاله المؤلف نظر من حيث إن السنة ما وافق أمر الله ورسوله ومن طلق أحد هؤلاء فقد وافق طلاقه ذلك لأن في حديث(7/242)
وإن قال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة طلقت في الحال وإن قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق للسنة في طهر لم يصبها فيه طلقت في الحال واحدة وإن كانت حائضا طلقت إذا طهرت وإن كانت في طهر أصابها فيه طلقت إذا طهرت من الحيضة المستقبلة.
ـــــــ
ابن عمر: "ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا" رواه مسلم. والطلاق في الطهر سنة فكذا في الحمل لكن الحامل التي استبان حملها قد دخل على بصيرة فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم وليست بمرتابة لعدم اشتباه الأمر ونقل ابن منصور لا يعجبني أن يطلق حائضا لم يدخل بها وعنه: سنة الوقت تثبت لحامل اختاره الخرقي فلو قال لها أنت طالق للبدعة طلقت بالوضع وعلى الأولى لو قال لإحداهن أنت طالق للسنة طلقة وللبدعة طلقة وقعتا ويدين في غير آيسة إذا صارت من أهل ذلك وفي الحكم وجهان.
تنبيه: إذا قال لصغيرة أو غير مدخول بها أنت طالق للبدعة ثم قال أردت إذا حاضت الصغيرة أو أصيبت غير المدخول بها دين والأشبه بالمذهب أنه يقبل في الحكم فإن قال في طهر جامع فيه أنت طالق للسنة فيئست من المحيض لم تطلق وكذا إن استبان حملها إلا على قول من جعل طلاق الحائض طلاق سنة فيقع.
"وإن قال لها: أنت طالق للسنة أو قال للبدعة طلقت في الحال" لأنه وصفها بما لا تتصف به فلغت الصفة وبقي قوله أنت طالق وذلك يوجب وقوع الطلاق في الحال وأن يكون واحدة لأن ما زاد عليها غير ملفوظ به ولا منوي وكذا قوله أنت طالق للسنة والبدعة أو أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة.
"وان قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق للسنة في طهر لم يصبها فيه طلقت في الحال واحدة" لأن معنى السنة في وقت السنة وذلك وقتها "وإن كانت حائضا طلقت إذا طهرت" لأن الصفة قد وجدت "وإن كانت في طهر أصابها فيه طلقت إذا طهرت من الحيضة المستقبلة" بغير خلاف نعلمه؛ لأن(7/243)
وإن قال أنت طالق للبدعة وهي حائض أوفي طهر أصابها فيه طلقت في الحال وإن كانت في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا أصابها أو حاضت وإن قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة طلقت ثلاثا في طهر لم يصبها فيه في إحدى الروايتين وفي الأخرى تطلق فيه واحدة وتطلق الثانية والثالثة في طهرين في نكاحين إن أمكن.
ـــــــ
ذلك هو وقت السنة في حقها لا سنة لها قبلها.
فرع: إذا قال لها أنت طالق ثلاثا نصفها للسنة ونصفها للبدعة طلقت في الحال طلقتين والثالثة في ضد حالها الراهنة قال القاضي وإن نوى تأخير اثنتين ففي الحكم وجهان وقال ابن أبي موسى تطلق ثلاثا في الحال لتبعيض كل طلقة فإن قال لطاهر أنت طالق للبدعة فقيل تلغو الصفة ويقع الطلاق فإن قال لحائض أنت طالق للسنة في الحال لغت الصفة ووقع الطلاق وإن قال أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة طلقت ثلاثا في الحال.
"وإن قال أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت في الحال" لأن ذلك هو وقت البدعة وينزع في الحال إن كان ثلاثا فإن بقي حد عالم وعزر جاهل.
"وإن كانت في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا أصابها أو حاضت" لأن كل واحد منهما وقت للبدعة فأيهما سبق وقع الطلاق فيه عملا بقوله للبدعة.
"وإن قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة طلقت ثلاثا في أول طهر لم يصبها فيه في إحدى الروايتين" هذا هو المنصوص لأن جمع الثلاث سنة على رواية ويقع فيما ذكرنا لأن ذلك حينئذ سنة وإن كانت حائضا طلقت ثلاثا إذا طهرت "وفي الأخرى تطلق فيه" أي في طهر لم يصبها فيه "واحدة وتطلق في الثانية والثالثة في طهرين في نكاحين" أو بعد رجعتين إن عادت إليه "إن أمكن" لأنها لو بانت منه ولم تعد إليه لم يمكن إيقاع الطلاق في النكاح لعدمه وعنه: تطلق ثلاثا في ثلاثة أطهار لم يصبها فيها، فإن(7/244)
وإن قال أنت طالق في كل قرء وهي من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة وإن قلنا القروء الأطهار فهل تطلق طلقة الحال يحتمل وجهين ويقع بها الباقي في الأطهار الباقية وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق وأجمله فهو كقوله أنت طالق للسنة،
ـــــــ
قال: أردت بقولي للسنة إيقاع واحدة في الحال واثنتين في نكاحين آخرين قبل منه وإن قال أردت أن يقع في كل قرء طلقة دين وفي الحكم وجهان.
فرع: من نكاحها فاسد جاز طلاقها في الحيض وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت وهي حائض فهل هو للسنة أو البدعة قال ابن حمدان يحتمل وجهين.
"وإن قال أنت طالق في كل قرء طلقة هي من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة" الأشهر عندنا أن القروء الحيض فإن كانت من ذوات القروء وقع بها واحدة في الحال ويقع بها طلقتان في قرأين آخرين في أولهما سواء قلنا القروء الحيض أو الأطهار وسواء كانت مدخولا بها أو لا إلا أن غير المدخول بها تبين بالأولى فإن تزوج بها وقع في القرء الثاني طلقة أخرى وكذا الحكم في الثالثة.
"وإن قلنا القروء الأطهار فهل تطلق طلقة في الحال يحتمل وجهين" أشهرهما تطلق طلقة في الحال لأن الطهر قبل الحيض كله قرء واحد فعلى هذا لا فرق بين كونها من اللائي لم يحضن أولا والثاني لا لأن القرء هو الطهر بين الحيضتين ولذلك لم يحنث بالطهر قبل الحيض من عدة الصغيرة في وجه وإن لم يكن قرءا لم يطلق فيه فعلى هذا يحصل الفرق بين من حاضت ومن لم تحض.
"ويقع بها الباقي في الأطهار الباقية" لأن الطهر قبل الحيض كله قرء واحد.
"وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق وأجمله فهو كقوله أنت طالق للسنة" لأن الطلاق السني أحسن الطلاق وأجمله كقوله: أعدله وأكمله(7/245)
وإن قال أقبح الطلاق وأسمجه فهو كقوله للبدعة إلا أن ينوي أخس أحوالك وأقبحها أن تكوني مطلقة فيقع في الحال.
وإن قال أنت طالق طلقة حسنة قبيحة طلقت في الحال.
ـــــــ
وأفضله "وإن قال أقبح الطلاق وأسمجه فهو كقوله للبدعة" لأن الطلاق البدعي أقبح الطلاق وأسمجه أي تطلق في الموضع الذي تطلق فيه إذا قال أنت طالق للبدعة وظاهره أنها تطلق في الحيض أو في طهر أصابها فيه لأن ذلك زمن البدعة وفيه شيء لأنها لا تطلق إلا في الحيض فقط وصرح به في الخلاصة كقوله أفحش الطلاق أو أردأه أو أنتنه فإن كان في وقت بدعة وإلا وقت إلى زمانها وفي "المحرر" فهو ثلاث إن قلنا كم بدعة وحكاه في "الشرح" عن أبي بكر ثم قال وينبغي أن تقع الثلاث في وقت البدعة ليكون جامعا لبدعي الطلاق.
وفي "الفصول" وعندي يجب أن تقع الثلاث في الحيض أو الطهر المجامع فيه لأنه أفحش لما فيه من اجتماع الضيق على النفس وقطع الرجعة والعود بنكاح جديد وفيه تطويل العدة فمتى أوقعتا ثلاثا في طهر كان فاحشا لكن هناك ما هو أفحش فما أعطينا اللفظة حقها ألا ترى أنه لو قال عندي أجود نقد ثم فسره بشيء فوقه أجود منه لم يقبل فإن قال أردت طلاق السنة ليتأخر الطلاق عن نفسه إلى زمن السنة لم يقبل في الأشهر لأن لفظه لا يحتمله.
"إلا أن ينوي أخس أحوالك أو أقبحها أن تكون مطلقة فيقع في الحال". لأن أنت طالق يقتضي وقوعه في الحال وإنما تأخر إلى زمن السنة كعكسه فيجب أن يقع في الحال عملا بالمقتضى السالم عن المعارض.
"وإن قال أنت طالق طلقة حسنة قبيحة طلقت في الحال" لأنه وصفها بصفتين مضادتين فلغتا وبقي مجرد الطلاق فوقع فإن قال إنها حسنة لكونها في زمان السنة وقبحها لإضرارها بل أو قال إنها حسنة ليتخلص من شرك وقبحه لكونها في زمان البدعة كان ذلك يرجى وقوع الطلاق(7/246)
ـــــــ
عنه دين وفي الحكم وجهان.
مسألة: يباح الخلع والطلاق بسؤالها في زمن البدعة وقيل هو بدعة وتنقضي بدعتها بانقطاع الدم وقيل بالغسل لأثر رواه الدار قطني والنفاس كالحيض.(7/247)
باب صريح الطلاق في غير لسان العرب
...
باب صريح الطلاق وكنايته
وصريح لفظ الطلاق وما تصرف منه في الصحيح عنه.
ـــــــ
باب صريح الطلاق وكنايته
إنما انقسم إليها لأنه لإزالة ملك النكاح فكان له صريح وكناية كالعتق والجامع بينهما الإزالة فالصريح هو الذي يفيد حكمه من غير انضمام شيء إليه وعكسه الكناية ويدل على معنى الصريح وعلم منه أن الطلاق لا يقع بغير لفظ فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع خلافا لابن سيرين والزهري ورد بقوله عليه السلام: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به" متفق عليه ولأنه إزالة ملك فلم تحصل بمجرد النية كالعتق وكذا إن نواه بقلبه وأشار بأصبعه لم يقع نص عليه لأنه ليس بصريح ولا كناية.
"وصريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه" بغير أمر ومضارع "في الصحيح عنه" لأنه موضوع له على الخصوص ثبت له عرف الشارع والاستعمال فلو قال أنت طالق أو الطلاق أو طلقتك أو مطلقة فهو صريح وعنه: في أنت مطلقة ليس بصريح لأنه محتمل أن يريد طلاقا ماضيا وقيل وطلقتك كناية قال في "الفروع" فيتوجه أنه يحتمل الإنشاء والخبر وعلى الأول هو إنشاء وذكر القاضي في مسألة: الأمر أن العقود الشرعية بلفظ الماضي إخبار وقال شيخنا هذه الصيغ إنشاء من حيث إنها أثبتت الحكم وبها تم وهي إخبار لدلالتها على المعنى الذي في النفس وهذا الذي ذكره المؤلف اختاره ابن حامد وقدمه ابن حمدان والمجد وصححه في "الشرح" وجزم به المتأخرون لأن الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرا؛ فلم(7/247)
وقال الخرقي صريحه ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح،
ـــــــ
يكونا صريحين فيه كسائر كناياته لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا} [آل عمران: من الآية103] الآية {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: من الآية4] الآية وأما قوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: من الآية229] فليس المراد به الطلاق إذ الأية في الرجعية وهي إذا قارنت انقضاء عدتها فإما أن يمسكها برجعة وإما أن تترك حتى تنقضي عدتها فتسرح فالمراد بالتسريح في الآية قريب من معناها اللغوي وهو الإرسال.
تنبيه: إذا كان اسمها طالقا فقال يا طالق ولم يرد طلاقها أو أراد طلاقها ثلاثا فماتت بعد قوله أنت يقع وإن ماتت بعد طالق وبعد قوله ثلاثا وقع الثلاث وقيل بل طلقة ذكره ابن حمدان.
فرع: إذا فتح تاء أنت طلقت خلافا لأبي بكر وأبي الوفاء ويتوجه على الخلاف لو قال لمن قال لها كلما قلت لي قولا ولم أقل لك مثله فأنت طالق فقال لها مثله طلقت ولو علقه ولو كسر التاء تخلص وبقي معلقا ذكره ابن عقيل قال وله جواب آخر بقوله بفتح التاء فلا يجب قال ابن الجوزي وله التمادي إلى قبيل الموت وقيل لا يقع شيء لأن استثناء ذلك معلوم فزوجتك بفتح ونحوه يتوجه مثله وصححه المؤلف وقيل من عامي وفي "الرعاية" يصح جهلا أو عجزا وإلا احتمل وجهين.
"وقال الخرقي" وأبو بكر ونصره القاضي وغيره وفي "الواضح" اختاره الأكثر "صريحه ثلاثة ألفاظ الطلاق إجماعا والفراق والسراح" كالطلاق لورودهما في الكتاب العزيز لقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: من الآية229] ولقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: من الآية2] {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} الآية ولقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب: من الآية28] ولأنهما فرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق وما تصرف منهن كالمتصرف من الطلاق والأول أصح لأنه لا يصح القياس على لفظ الطلاق فإنه مختص بذلك،(7/248)
وما تصرف منهن فمتى أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه وإن نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه أو أراد بقوله مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق وإذا ادعى ذلك دين وهل تقبل دعواه بالحكم على روايتين،
ـــــــ
سابق إلى الأفهام من غير قرينة ولا دلالة.
"فمتى أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه" بغير خلاف ذكره في "الشرح" لأن سائر الصرائح لا تفتقر إلى نية فكذا صريح الطلاق سواء كان ذلك جادا أو هازلا حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه وسنده ما روى أبو هريرة مرفوعا: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة" رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب وعنه: أن الصريح يفتقر إلى نية أو دلالة حال من غضب أو محاورة في كلام.
"وإن نوى بقوله أنت طالق من وثاق" هو بكسر الواو وفتحها ما يوثق به الشيء من حبل ونحوه "أو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه" فقال طالق لأن ذلك جار مجرى لفظ الحاكي "أو أراد بقوله مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق" لأنه قصد عدم إيقاع طلاقها فوجب ألا يقع كما لو اتصل بكلامه أنت طالق من وثاق.
"وإذا ادعى ذلك دين" باطنا لأنه أعلم بما أراد ولا يمكن الاطلاع على ذلك إلا من جهته وعنه: كهازل على الأصح، "وهل تقبل دعواه في الحكم ولا قرينة على روايتين إحداهما تقبل وهو ظاهر كلامه لأنه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد فقبل كما لو كرر لفظ الطلاق وأراد بالثانية التأكيد.
والثانية وهي الأشهر وقدمها في "الرعاية" أنه لا تقبل لأنه خلاف ما يقضيه الظاهر في العرف فلم يقبل في الحكم كما لو أقر بعشرة ثم قال زيوفا(7/249)
إلا أن يكون في حال الغضب أو بعد سؤالها الطلاق فلا يقبل وفيما إذا قال أردت أنها مطلقة من زوج قبلي وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد وإلا فلا ولو قيل له طلقت امرأتك قال نعم وأراد الكذب طلقت ولو قيل له ألك امرأة قال لا وأراد الكذب لم تطلق
ـــــــ
أو إلى شهر "إلا" على الأولى "أن يكون في حال الغضب أو بعد سؤالها الطلاق فلا يقبل" لأنه خالف الظاهر من جهتين مقتضى اللفظ ودلالة الحال. "وفيما إذا قال أردت أنها مطلقة من زوج قبلي وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد" لأن كلامه يحتمل الصدق "وإلا فلا" أي لا يقبل إن لم يكن وجد لأنه لا يحتمله وكذا قيل لو قال طلقتها ثم قال في نكاح آخر وقيل إن لم يرفع إلى حاكم فلو ادعى أنه كان هازلا فالأظهر أنه لا يدين هو ولا سكران كما لا يقبل منهما في الحكم.
فرع: إذا قال أنت طالق ثم قال أردت إن قمت قبل وقيل لا ويتوجه مثله إن علقه بشرط شهدت به بينة وادعى أن معه شرطا آخر وأوقعه في "الفنون" وغيره لأنه لا يقبل قول الإنسان في رد شاهدين كما لو أقر أنه وكيل فلان ببيع ثم ادعى عزلا أو خيارا.
"ولو قيل له طلقت امرأتك قال نعم وأراد الكذب طلقت" وإن لم ينو لأن "نعم" صريح في الجواب والجواب الصريح للفظ الصريح صريح ولأنه لو قال عليك ألف قال نعم وجبت فلو قيل له طلقت امرأتك فقال قد كان بعض ذلك وقال أردت الإيقاع وقع وإن قال أردت أني علقت طلاقها بشرط قبل ولو قيل له أخليتها قال نعم فكناية.
"ولو قيل له ألك امرأة قال لا وأراد الكذب لم تطلق" لأن قوله مالي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق فإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق فلم يقع وقيل تطلق في الحكم كقوله كنت طلقتها وهكذا إذا نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني أو ترضيني أو لا امرأة لي أو لم ينو شيئا لم تطلق لعدم النية(7/250)
وإن لطم امرأته أو أطعمها أو سقاها وقال هذا طلاقك طلقت إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك وإن قال أنت طالق لاشيء أوليس بشيء أو لا يلزمك طلقت.
ـــــــ
المشترطة في الكناية.
فرع: من شهد عليه بطلاق ثلاث ثم أفتى بأنه لا شيء عليه لم يؤاخذ بإقراره لمعرفة مستنده ويقبل بيمينه أن مستنده في إقراره ذلك ممن يجهله مثله ذكره الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في "الفروع"
"وإن لطم امرأته" أو أخرجها من دارها أو ألبسها ثوبا أو قبلها و قال هذا طلاقك طلقت إن نواه لأنه كناية والمنصوص أنه صريح فيقع مطلقا قال أصحابنا وعلى قياسه "إذا أطعمها أو سقاها وقال هذا طلاقك طلقت" اختاره ابن حامد لأن تقديره أوقعت عليك طلاقا هذا الفعل من أجله فعلى هذا يكون صريحا وقال أكثر الفقهاء لا يقع به وإن نوى والأشهر أنه كناية لأنه يحتمل التفسير المذكور ويحتمل أن يكون سببا للطلاق لكون الطلاق معلقا عليه فصح أن يعبر به عنه لأن الكناية ما احتمل الطلاق وهذا محتمل ويحتمل أنه كناية لأنه يحتاج إلى تقدير والصريح لا يحتاجه فإن كان ذلك جوابا عن سؤالها الطلاق أو في حال الغضب وقع.
"إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك" فيدين لأنه إذا نوى بالصريح عدم وقوع الطلاق لم يقع فلأن لا يقع هذا بطريق الأولى والأصح أنه يقبل في الحكم لأنه يجوز أن يكون سببا له في زمان بعد هذا الزمان وفي "الترغيب" لو أطعمها أو سقاها ففي كونه كالضرب وجهان.
"وإن قال أنت طالق لا شيء أو ليس بشيء أو لا يلزمك" أو لا يقع عليك أو طالق طلقة لا ينقص بها عدد الطلاق "طلقت" بغير خلاف نعلمه لأن ذلك رفع لجميع ما تناوله اللفظ فلم يصح كاستثناء الجميع وفي "الرعاية" في أنت طالق لا شيء وجه أنه لا يقع.(7/251)
وإن قال أنت طالق أولا أو طالق واحدة أولا لم يقع ويحتمل أن يقع وإن كتب طلاق امرأته ونوى الإيقاع وقع وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع وهل تقبل دعواه في الحكم على روايتين.
ـــــــ
"وإن قال أنت طالق أو لا أو طالق واحدة أو لا لم يقع" على الأشهر لأن هذا استفهام فإذا اتصل به خرج عن أن يكون لفظا للإيقاع وبهذا فارق الأولى لأنه إيقاع لم يعارضه استفهام وظاهره أنهما سواء وهو وجه لاستوائها في الاستفهام وفي آخر تطلق في الثانية واحدة دون الأولى لأن قوله أولا يرجع إلى ما يليه من لفظ "واحدة" دون لفظ الإيقاع فيصير كأنه قال أنت طالق وفرق في "المغني" و "الشرح" بينهما لأن الواحدة صفة للطلقة الواقعة فما اتصل بهما يرجع إليهما فصارت كالأولى.
"ويحتمل أن يقع" لأن الاستفهام يكون بالهمزة ونحوها فيقع ما أوقعه ولا يرتفع بما ذكر بعده وإن كتب طلاق امرأته بشيء يبين ونوى الإيقاع وقع رواية واحدة لأن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق أشبهت النطق ولأن الكتابة تقوم مقام الكاتب بدليل أنه عليه السلام كان مأمورا بتبليغ الرسالة فبلغ بالقول مرة وبالكتابة أخرى ولأن كتاب القاضي يقوم مقام نطقه في إثبات الديون وعنه: أنه صريح نصره القاضي وأصحابه وذكره الحلواني عن أصحابنا ويتخرج أنه لغو واختاره ابن حمدان بناء على إقراره بخطه وفيه وجهان قال في "الفروع" ويتوجه عليهما صحة الولاية بالخط وصحة الحكم به.
"وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع" لأنه نوى الإيقاع فالكتابة الأولى وعنه: بلى لأن تجويد الخط وغم أهله لا ينافي الإيقاع وجوابه بأن نية ذلك يدل على أنه لم يوجد منه الطلاق فلم يقع لفوات شرطه.
"وهل تقبل دعواه في الحكم على روايتين" أصحهما أنه يقبل لأن ذلك يقبل في اللفظ الصريح على قول فهنا أولى ولأنه إذا أراد غم أهله بتوهم الطلاق(7/252)
فإن لم ينو شيئا فهل يقع؟ على روايتين وإن كتبه بشيء لا يتبين لم يقع وصريح الكناية في لسان العجم "بهشتم"
ـــــــ
دون حقيقته فلا يكون ناويا للطلاق.
والثانية لا يقبل لقوله عليه السلام: "إن الله تجاوز لأمتي" الخبر ولأن غم أهله يحصل بالطلاق فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه والجواب أنه يدل على مؤاخذته بما نواه ثم العمل به أو الكلام فإن قرأ ما كتبه ففي قبوله حكما لخلاف قاله في "الترغيب".
"فإن لم ينو شيئا فهل يقع على وجهين" وذكر أبو الخطاب أن الشريف خرجها في "الإرشاد" على روايتين إحداهما يقع قاله الشعبي والنخعي والحكم لأن الكتابة تقوم مقام اللفظ والثانية لا يقع إلا بنية لأن الكتابة محتملة فإنه قد يقصد بها تجربة القلم وتجويد الخط فلم يقع نية كالكنايات في الطلاق.
"وإن كتبه بشيء لا يتبين" كالكتابة على الهواء أو في ماء "لم يقع" في ظاهر كلامه لأن الكتابة بما لا تثبت كالهمس بلسانه بما لا يسمع "وقال أبو حفص يقع" ورواه الأثرم عن الشعبي أشبه ما لو كتبه بشيء يبين والفرق واضح وعلم منه أن الطلاق لا يقع بغير لفظ إلا في موضعين أحدهما الكتابة بشرطه والثاني الأخرس فإنه إذا طلق بالإشارة فإنه يقع بغير خلاف علمناه فلو فهمها البعض فكناية وتأويله مع صريح كالنطق وكتابته طلاق ويقع من العدد ما أشار إليه وفي "الشرح" إذا أشار بأصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة لأن إشارته لا تكفي.
"وصريح الطلاق في لسان العجم بهشتم" بكسر الباء والهاء وسكون الشين المعجمة وفتح التاء ومعناه خليتك وهي واحدة إن لم ينو أكثر ولو لم تكن صريحة لم يكن في العجمية صريح للطلاق ولا يضر كونها بمعنى خليتك لأن معنى طلقتك خليتك فإن زاد بسيار فثلاث وفي "المذهب" ما نواه، ونقله(7/253)
فإن قاله العربي ولا يفهمه لم يقع وإن نوى موجبه فعلى وجهين.
فصل
والكنايات نوعان ظاهرة وهي سبعة أنت خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة،
ـــــــ
ابن منصور وإن كل شيء بالفارسية على ما نواه لأنه ليس له حد مثل كلام عربي.
"فإن قاله العربي ولا يفهمه لم يقع" لأنه لم يختر الطلاق لعدم علمه بمعناه وإن نوى موجبه فعلى وجهين أحدهما لا يقع جزم به في "الوجيز" وهو ظاهر "الفروع" لأنه لم يتحقق فيه اختيار لما لا يعلمه أشبه ما لو نطق بكلمة الكفر من لا يعرف معناه والثاني يقع بنية موجبة عند أهله لأنه أتى بالطلاق ناويا مقتضاه فوقع كما لو علمه.
فرع: من لم تبلغه الدعوة فهو غير مكلف ويقع طلاقه ذكره في "الانتصار" و "عيون المسائل" و "المفردات".
ش
"والكنايات" قال الجوهري هي أن يتكلم بشيء ويريده غيره وقد كنيت عن كذا وقال ابن القطاع كنيت عن الشيء سترته والمراد بها أنها تشبه الصريح وتدل على معناه فإن لم يكن كذلك فليس بصريح ولا كناية نحو قومي واقعدي.
"نوعان ظاهرة" لأن معنى الطلاق فيها أظهر من الثاني "وهي سبعة" ألفاظ "أنت خلية" هي في الأصل الناقة تطلق من عقالها ويخلى عنها ويقال للمرأة خلية كناية عن الطلاق قاله الجوهري وجعل أبو جعفر مخلاة كخلية ويفرق بينهما.
"وبرية" بالهمز وتركه "وبائن" أي منفصلة "وبتة" بمعنى مقطوعة "وبتلة"(7/254)
وأنت حرة وأنت الحرج وخفية نحو اخرجي اذهبي وذوقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة وأنت واحدة ولست لي بامرأة واعتدي واستبري واعتزلي وما أشبهه.
ـــــــ
بمعنى منقطعة وسميت مريم البتول لانقطاعها عن النكاح بالكلية.
"وأنت حرة" كذا ذكرها الأكثرون أنها من الكنايات الظاهرة لأن الحرة هي التي لا رق عليها ولا شك أن النكاح رق وفي الخبر فاتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أي أسرى والزوج ليس له على الزوجة إلا رق الزوجية فإذا أخبر بزوال الرق فهو الرق المعهود وهو رق الزوجية.
"وأنت الحرج" بفتح الحاء والراء يعني الحرام والإثم زاد في "المغني" أمرك بيدك وأسقط أنت الحرج وزاد أبو الخطاب أنت طالق لا رجعة لي عليك وفيه نظر لأنه من حيث الطلاق صريح ومن حيث البينونة هل هو صريح أو كناية فيه احتمالان.
"وخفية" هي النوع الثاني وهي أخفى من الدلالة عن الأولى "نحو اخرجي" ودعيني أو دعيني قاله في "الرعاية" "واذهبي وذوقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة" أي فأنت مطلقة من قولهم خلي سبيلي فهو مخلى "وأنت واحدة" أي منفردة "ولست لي بامرأة واعتدي واستبري" استبري أصله الهمز لأنه من قولهم استبرأت الجارية إذا تركتها حتى تبرأ رحمها وتبين حالها هل هي حامل أولا "واعتزلي" اعتزل الشيء إذا كان بمعزل منه فمعنى اعتزلي أي كوني وحدك في جانب "وما أشبهه" كقوله اختاري نفسك ووهبتك لأهلك ولا حاجة لي بك والله قد أراحك مني وما بقي شيء وجرى القلم بما فيه وأغناك الله فهذا يقع بما نواه لأنه محتمل له وإن لم ينو شيئا وقعت واحدة لأنه اليقين وفي "المغني" و "الشرح" في "أنت واحدة" يقع واحدة وإن نوى ثلاثا لأنه لا يحتمل أكثر منها قال ابن عقيل وإن الله قد طلقك ونقل أبو داود قال فرق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة قال إن كان يريد أي دعاء يدعو به(7/255)
واختلف في قوله الحقي بأهلك وحبلك على غاربك وتزوجي من شئت وحللت للأزواج ولا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك هل هي ظاهرة أو خفية على روايتين،
ومن شرط وقوع الطلاق بالكناية: أن ينوي بها الطلاق،
ـــــــ
فأرجو أنه ليس بشيء فلم يجعله شيئا مع نية الدعاء فظاهره أنه شيء مع نية الطلاق بناء على أن الفراق صريح أو للقرينة يؤيده ما قاله الشيخ تقي الدين في إن أبرأتني فأنت طالق فقالت أبرأك الله مما يدعي النساء على الرجال فظن أنه يبرأ فطلق قال يبرأ أو ظهر أن في كل مسألة: قولين هل يعمل بالإطلاق للقرينة وهي تدل على النية أم تعتبر النية قال في "الفروع" إن الله قد باعك أو قد أقالك ونحو ذلك.
"واختلف في قوله الحقي بأهلك وحبلك على غاربك" الغارب مقدم السنام أي أنت مرسلة مطلقة غير مشدودة ولا ممسكة بعقد النكاح "وتزوجي من شئت وحللت للأزواج ولا سبيل لي عليك" السبيل الطريق يذكر ويؤنث لقوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [لأعراف: من الآية146] وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: من الآية108] "ولا سلطان لي عليك" أي لا ولاية لي عليك والسلطان الوالي من السلاطة وهو القهر وكذا غط شعرك وتقنعي "هل هي ظاهرة أو خفية على روايتين" أشهرهما أنها كناية ظاهرة جزم بها في "الوجيز" كأنت حرة أو أعتقتك على الأصح فيهما لأن النكاح رق والثانية خفية لأنه عليه السلام قال لابنة الجون: "الحقي بأهلك" متفق عليه ولم يكن ليطلق ثلاثا لنهيه عنه وكاعتدي واستبرئي والحقي بأهلك على الأصح فيهن وجعل أبو بكر لا حاجة لي فيك وباب الدار لك مفتوح كأنت بائن وفي الفراق والسراح وجهان.
"ومن شرط وقوع الطلاق بالكناية" ولو ظاهرة فيها رواية اختارها أبو بكر أن ينوي بها الطلاق لأنها كناية فلا يقع بها طلاق إلا بنية كالخفية، ويشترط فيها(7/256)
إلا أن يأتي بها حال الخصومة والغضب فعلى روايتين وإن جاءت لسؤالها الطلاق فقال أصحابنا يقع بها الطلاق والأولى في الألفاظ التي يكثر استعمالها لغير الطلاق نحو اخرجي وروحي أنه لا يقع بها طلاقه حتى ينويه.
ـــــــ
أن تكون مقارنة للفظ وقيل أوله وقدمه في "المحرر" وفي "الرعاية" أو قبله قال في "الشرح" فإن وجدت في أوله وعريت عنه في سائره وقع خلافا لبعض الشافعية "إلا أن يأتي بها حال الخصومة والغضب فعلى الروايتين" أشهرهما وهو مختار كثير من الأصحاب أنها تطلق قال في رواية الميموني إذا قال لزوجته أنت حرة لوجه الله في الغضب أخشى أن يكون طلاقا إذ دلالة الحال كالنية بدليل أنها تغير حكم الأقوال والأفعال فإن من قال يا عفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحا ولو قاله حال الشتم كان ذما وقذفا والثانية لا يقع لأنه ليس بصريح في الطلاق ولم ينوه فلم يقع كحالة الرضى وعلى المذهب لو لم يرده أو أراد غيره لم يقبل حكما في الأشهر.
"وإن جاءت جوابا لسؤالها الطلاق فقال أصحابنا يقع بها الطلاق" لأن في ذكر الكناية عقيب سؤالها دلالة ظاهرة على إرادته فوجب الحكم بوقوعه عملا بالدلالة الظاهرة.
"والأولى في الألفاظ الذي يكثر استعمالها لغير الطلاق نحو اخرجي واذهبي وروحي أنه لا يقع بها طلاق حتى ينويه" لأن ما كثر استعماله إذا وجد عقيب خصومة أو غضب أو سؤال طلاق لا يغني عن النية لأن الكثرة تصرفه عن إرادة الطلاق بخلاف ما قل فلو ادعى أنه لم ينو فالمنصوص أنه لا يصدق في عدمها لأن الجواب ينصرف إلى السؤال وقيل يقبل في الحكم لأثر رواه سعيد بن عثمان ولأن قوله محتمل فقبل كما لو كرر لفظا وقال أردت التأكيد.(7/257)
ومتى نوى بالكناية الطلاق وقع بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة وعنه: يقع ما نواه وعنه: ما يدل على أنه يقع واحدة بائنة.
ـــــــ
"ومتى نوى بالكتابة الطلاق" وقع بها رجعي مالم يقع به الثلاث في ظاهر المذهب ويشترط فيها أن تكون مقارنة للفظ وقيل أوله في "الرعاية" أو قبله وعنه: مع خصومة وغضب قطع به أبو الفرج وغيره "وقع بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة" هذا ظاهر المذهب روي ذلك عن علي وابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي هريرة في وقائع مختلفة ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ولأنه لفظ يقتضي البينونة بالطلاق فوقع ثلاثا كما لو طلق ثلاثا وإفضاؤه إلى البينونة ظاهر وظاهره لا فرق بين المدخول بها وغيرها لأن الصحابة لم يفرقوا ولأن كل لفظة أوجبت الثلاث في حق المدخول بها أوجبتها في غيرها كأنت طالق ثلاثا وحديث ركانة ضعفه أحمد وغيره.
"وعنه: يقع مانواه" اختاره أبو الخطاب لما روى ركانة أنه طلق امرأته البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال والله ما أردت إلا واحدة فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان وفي لفظ "قال هو ما أردت" رواه أبو داود وصححه ابن ماجه والترمذي وقال سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال فيه اضطراب ولأنه عليه السلام قال لابنة الجون: "الحقي بأهلك" وهو لا يطلق ثلاثا.
"وعنه: ما يدل على أنه يقع واحدة بائنة" نقلها حنبل لأن لفظه اقتضى البينونة دون العدد فوقعت واحدة بائنة كالخلع واعلم أن كلام أكثر الأصحاب كالمؤلف وخالفهم المجد فجعل الخلاف في قبول قوله في دعوى عدم النية فإنه قال ولا يقع بكناية إلا بنية فإن كان في حال خصومة أو غضب أو ذكر الطلاق وقال لم أرد بها الطلاق قبل منه وعنه: لا يقبل في الحكم خاصة وقيل يقبل منه في الألفاظ التي يكثر استعمالها في غير(7/258)
ويقع بالخفية ما نواه فإن لم ينو عددا وقع واحدة وأما ما لا يدل على الطلاق نحو كلي واشربي واقعدي واقربي وبارك الله فيك وأنت مليحة أو قبيحة فلا يقع بها طلاق وإن نوى وكذا قوله أنا طالق فإن قال أنا منك طالق فكذلك.
ـــــــ
الطلاق فإذا نوى بالكناية الظاهرة الطلاق لزمه الثلاث إلا أن ينوي دونها فيدين فيه ويكون رجعيا وفي قبوله في الحكم روايتان وعنه: يقطع طلقة بائنة.
فرع: إذا قال أنت طالق بائن أو البتة أو بلا رجعة فالخلاف السابق ذكره معظم الأصحاب زاد في "الشرح" أنه لا يحتاج إلى نية لأنه وصف بها الطلاق الصريح فإن قال أنت واحدة بائنة أو بتة فرجعية وعنه: بائنة وعنه: ثلاث كأنت طالق واحدة ثلاثا وفي "الفصول" عن أبي بكر في أنت طالق ثلاثا واحدة تقع واحدة لأنه وصف الواحدة بالثلاث وليس كذلك لأنه إنما وصف الثلاث بالواحدة فوقعت الثلاث ولغا الوصف.
"ويقع بالخفية ما نواه" لأن اللفظ لا دلالة له على العدد والخفية ليست في معنى الظاهرة فوجب اعتبار النية ويكون الواقع رجعيا فيما إذا نواها وإن نوى أكثر في غير أنت واحدة قاله القاضي والمؤلف وقع.
"فإن لم ينو عددا وقع واحدة" لأنها اليقين "وأما مالا يدل على الطلاق نحو كلي واشربي واقعدي واقربي وبارك الله فيك وأنت مليحة أو قبيحة فلا يقع بها طلاق" لأنه ليس بكناية وإن نوى لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فيه فلو وقع به الطلاق وقع بمجرد النية وقيل كلي واشربي كناية لأنه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق فرقع كتجرعي وجوابه أن اللفظ لا يستعمل إلا فيما لا ضرر فيه نحو قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً} [الحاقة: من الآية24] {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء: من الآية4] فلم تكن كناية وفارق تجرعي وذوقي فإنه يستعمل في المكاره لقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49] "وكذا قوله: أنا طالق" لأن الزوج ليس محلا للطلاق. "فإن قال أنا منك طالق فكذلك" أي: لا تطلق(7/259)
ويحتمل أنه كناية وإن قال أنا منك بائن أو حرام فهل هو كناية أو لا على وجهين وإن قال أنت علي كظهر أمي ينوي به الطلاق لم يقع وكان ظهارا وإن قال أنت علي حرام أو ما أحل الله علي حرام،
ـــــــ
زوجته؛ نص عليه في رواية الأثرم وقاله ابن عباس رواه أبو عبيد والأثرم ولأن الرجل مالك في النكاح والمرأة مملوكة فلم يقع بإضافة الإزالة إلى المالك كالعتق.
"ويحتمل أنه كناية" تطلق به بالنية روي عن عمر وابن مسعود لأن الطلاق إزالة النكاح وهو مشترك بينهما فإذا صح في أحدهما صح في الآخر والأول أولى لأنه لا خلاف أن الطلاق المذكور لا يقع من غير نية ولو ساوى الرجل المرأة لوقع بغير نية كما لو قال لها أنت طالق ولأن وقوعه هنا يستلزم وقوعه في أنا طالق إذ لا فرق بينهما.
"وإن قال أنا منك بائن أو حرام أو بريء فهل هو كناية أو لا على وجهين" كذا أطلقهما في "الفروع" وهذه المسألة: توقف عنها أحمد أشهرهما أنه لغو لأن الرجل محل لا يقع الطلاق بإضافة صريحه إليه فلم يقع بإضافة كنايته إليه كالأجنبي والثاني كناية لأن هذا اللفظ يوصف به كل من الزوجين يقال بان منها وبانت منه وحرم عليها وحرمت عليه وبريء منها وبرئت منه وكذا لفظ الفرقة فإن قال أنا بائن بحذف منك فذكر القاضي إذا قال أمرك بيدك فقالت أنت بائن ولم تقل "مني" أنه لا يقع وجها واحدا وإن قالت أنت مني بائن فعلى وجهين فيخرج هنا مثل.
" وإن قال أنت علي كظهر أمي ينوي به الطلاق لم يقع وكان ظهارا" لأنه صريح في الظهار فلم يكن كناية في الطلاق كما لا يكون الطلاق صريحا في الظهار ولأن الظهار تشبيه بمن تحرم عليه على التأبيد والطلاق يفيد تحريما غير مؤبد ولو صرح به فقال أعني به الطلاق لم يصر طلاقا لأنه لا تصلح الكناية به عنه.
"وإن قال أنت علي حرام أو ما أحل الله علي حرام" أو الحل علي حرام،(7/260)
ففيه ثلاث روايات إحداهن أنه ظهار وإن نوى الطلاق اختاره الخرقي والثانية كناية ظاهرة والثالثة يمين.
ـــــــ
زاد في "الرعاية" أو حرمتك "ففيه ثلاث روايات" عن الإمام أحمد رضي الله عنه "إحداهن أنه ظهار وإن نوى الطلاق اختاره الخرقي" وهو المنصوص في رواية جماعة وقاله عثمان وابن عباس وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" لقول ابن عباس في الحرام تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا رواه الأثرم ولأنه صريح في تحريم الزوجة فكان ظهارا وإن نوى غيره.
"والثانية كناية ظاهرة" نقل الأثرم وحنبل الحرام ثلاث حتى لو وجدت رجلا حرم امرأته عليه وهو يرى أنها واحدة فرقت بينهما مع أن أكثر الروايات عنه كراهة الفتيا في الكناية الظاهرة قال في "المستوعب" لاختلاف الصحابة ولأنه لو قال أنا منك حرام كان كناية في وجه فتجب إذا قال أنت حرام كذلك وعنه: كناية خفية "والثالثة" هو "يمين" وقاله أبو بكر وعمر وابن عباس وعائشة روى سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يقول إذا حرم الرجل عليه امرأته فهو يمين يكفرها ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: من الآية1] فجعل الحرام يمينا قال في رواية مهنا إذا قال أنت علي حرام ونوى يمينا ثم تركها أربعة أشهر لا يكفر إيلاء إنما الإيلاء أن يحلف بالله أن لا يقرب امرأته فظاهره أنه إذا نوى اليمين كان يمينا فإن نوى شيئا فعنه والأشهر أنه ظهار فإن نوى ظهارا أو طلاقا فظهار وإن قاله لمحرمة بحيض ونحوه ونوى به فلغو وكذا إن أطلق لأنه يحتمل الخبر ويحتمل إنشاء التحريم ذكره المؤلف قال في "الفروع" ويتوجه كإطلاقه لأجنبية.
فرع: من حلف بالطلاق أنه لا حق عليه لزيد فقامت عليه بينة شرعية حنث حكما ذكره السامري وابن حمدان.(7/261)
وإن قال ما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق فقال أحمد تطلق امرأته ثلاثا وإن قال أعني به طلاقا طلقت واحدة وعنه: أنه ظهار فيهما وإن قال أنت علي كالميتة والدم وقع ما نواه من الطلاق والظهار واليمين.
ـــــــ
"وإن قال ما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق فقال أحمد تطلق امرأته ثلاثا" لأنه صريح بلفظ الطلاق ووقع ثلاثا لأن الطلاق معرف بالألف واللام وهو يقتضي الاستغراق وعنه: يقع ما نواه لأنهما يرادان لغير الاستغراق لا سيما في أسماء الأجناس ونقل أبو داود فيمن قال لرجل ما أحل الله عليه حرام يعني به الطلاق إن دخلت لك في خير أو شر والرجل مريض يعوده قال لا ولا يشيع جنازته أخاف إنه ثلاثا ولا أفتى به.
"وإن قال أعني به طلاقا طلقت واحدة" رواه عنه جماعة وهي المشهورة لأنه صريح في الطلاق وليس هذا صريحا في الظهار إنما هو صريح في التحريم وهو ينقسم إلى قسمين فإذا بين بلفظ إرادة تحريم الطلاق صرف إليه "وعنه: أنه ظهار فيهما" أي في المسألتين لأنه صريح فيه فلم يصر طلاقا بقوله أعني به الطلاق أو طلاقا.
فرع: لو نوى في حرمتك على غيري فكطلاق ذكره في "الترغيب" وغيره ولو قال فراشي علي حرام فإن نوى امرأته فظهار وإن نوى فراشه فهو يمين نقله ابن هانئ.
"وإن قال أنت علي كالميتة والدم" والخمر "وقع ما نواه" على المذهب من الطلاق لأنه إذا نواه فهو طلاق لأنه يصلح أن يكون كناية فيه ويقع ما نواه من العدد "والظهار" إذا نواه وهو يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها لأنه يشبهه ويحتمل أن لا يكون ظهارا وجزم به في "عيون المسائل" كما لو قال أنت علي كظهر البهيمة واليمين وهو يريد بذلك ترك وطئها لا تحريمها ولا طلاقها فهو يمين ولأن فائدة كونه يمينا ترتب الحنث والبر ثم ترتب الكفارة وعدمها،(7/262)
فإن لم ينو شيئا فهل يكون ظهارا أو يمينا على وجهين وإن قال حلفت بالطلاق وكذب لزمه إقراره في الحكم ولا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى.
ـــــــ
وفي ذلك نظر من حيث إن قوله كالميتة ليس بصريح في اليمين لأنه لو كان صريحا لما انصرف إلى غيرها بالنية وإذا لم يكن صريحا لم تلزمه الكفارة لأن اليمين بالكناية لا تنعقد لأن الكفارة إنما تجب لهتك القسم.
"وإن لم ينو شيئا فهل يكون ظهارا أو يمينا على وجهين" هما روايتان أصحهما أنه ظهار لأن معناه أنت حرام علي كالميتة والدم فإن تشبيهها بهما يقتضي التشبيه بهما في الأمر الذي اشتهر أنه هو التحريم لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: من الآية3] والثاني أنه يمين لأن الأصل براءة الذمة فإذا أتى بلفظ محتمل ثبت فيه أقل الحكمين لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه.
"وإن قال حلفت بالطلاق" أو قال علي يمين بالطلاق وكذب لزمه إقراره في الحكم على الأصح لأنه خلاف ما أقر به ولأنه إذا أقر ثم قال كذبت كان جحودا بعد الإقرار فلا يقبل كما لو أقر بدين ثم أنكر والثانية لا يلزمه شيء لأنه لم يحلف واليمين إنما تكون بالحلف.
"ولا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى" على الأصح لأنه يحتمل ما قاله لأن الذي قصد الكذب لا نية له في الطلاق فلا يقع به شيء لأنه ليس بصريح في الطلاق فلم يقع به كسائر الكنايات وحكى في "زاد المسافر" عن الميموني أن أحمد قال إذا قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف يلزمه الطلاق ويرجع إلى نيته في الثلاث والواحدة وقال القاضي مقتضى قول أحمد يلزمه الطلاق أي في الحكم ويجعل أنه طلاق إذا نواه.
فرع: يقبل قوله في قدر ما حلف به وفي الشرط الذي علق اليمين به لأنه أعلم بحاله ويمكن حمل كلام أحمد على هذا فيلزمه في ظاهر الحكم لا فيما بينه(7/263)
فصل
إذا لامرأته أمرك بيدك فلها أن تطلق ثلاثا وإن نوى واحدة وهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ.
ـــــــ
وبين الله تعالى.
فصل
"إذا قال لامرأته التابعين بيدك" فهي كناية ظاهرة "فلها أن تطلق ثلاثا وإن نوى واحدة" في ظاهر المذهب وأفتى به أحمد مرارا ورواه البخاري في تاريخه عن عثمان وقاله علي وابن عمر وابن عباس وفضالة ونصره في "الشرح" لما روى أبو داود والترمذي بإسناد رجاله ثقات عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هو ثلاث" قال البخاري هو موقوف على أبي هريرة ولأنه يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث كما لو قال طلقي نفسك ما شئت فلو قال أردت واحدة لم يقبل لأنه خلاف مقتضى اللفظ ولا يدين وعنه: واحدة ما لو ينو أكثر قطع به أبو الفرج وصاحب "التبصرة" كاختاري عنه وفيه غير مكرر ثلاثا وعنه: ثلاث بنيتها لها كقوله في الأصح طلقي نفسك ثلاثا فتطلق بنيتها "وهو في يدها" أي على التراخي نص عليه لقول علي ولم يعرف له مخالف في الصحابة فكان كالإجماع ولأنه نوع تمليك في الطلاق فملكه المفوض إليه في المجلس وبعده كما لو جعله لأجنبي "ما لم يفسخ" فإن فسخها بطلت الوكالة كسائر الوكالات "أو يطأ" لأنه يدل على الفسخ أشبه ما لو فسخ بالقول وقيل يتقيد بالمجلس كالخيار وجوابه بأنه توكيل مطلق أشبه التوكيل في البيع ويعتبر أهليتها فلا يصح من صغيرة ولا مجنونة.
فرع: يجوز أن يجعل أمر امرأته بعوض قال أحمد إذا قالت اجعل أمري بيدي وأعطيك عبدي فلها أن تختار ما لم يطأ لأن التوكيل لا يبطل بدخول العوض فيه.(7/264)
وإن قال لها اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك وليس لها أن تطلق إلا مادامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه فإن جعل لها الخيار اليوم كله أو جعل أمرها في يدها فردته أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها هذا المذهب.
ـــــــ
"وإن قال لها اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلق أكثر من واحدة" رجعية حكاه أحمد عن ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وعائشة وغيرهم ولأن اختاري تفويض معين فيتناول ما يقع عليه الاسم وهو طلقة رجعية لأنها بغير عوض بخلاف ما سبق فإنه أمر مضاف إليها فيتناول جميع أمرها "إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك" كاختاري ما شئت أو ثنتين أو ثلاثا أو نيته وهو أن ينوي بقوله: "اختاري" عددا فإنه يرجع إلى ما نواه لأنها كناية خفية "وليس لها أن تطلق إلا ما دامت في المجلس" وظاهره ولو طال "ولم يتشاغلا بما يقطعه" ذهب أكثر العلماء أن التخيير على الفور رواه النجاد عن عمر وعثمان وروي عن ابن مسعود وجابر ونص عليه أحمد وقيل متراخ كالأمر وقاله ابن المنذر واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك" وكان واجبا عليه.
وجوابه أنه قول من سمينا ولأنه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول وأما الخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار على التراخي وخلافنا في المطلق وأمرك بيدك توكيل والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد بخلاف مسألتنا وعنه: إن لم يتصل الجواب لم يقع وشرطه ما لم يشتغلا بقاطع لأنه بالتشاغل يكون إعراضا عن قوله اختاري ومن المقول لها إعراضا عن القبول أشبه ما لو افترقا.
"فإن جعل لها الخيار اليوم كله" جاز "أو جعل أمرها في يدها فردته" بطل كالوكيل "أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها هذا المذهب" المنصوص عليه أن "أمرك بيدك" على التراخي و"اختاري" على الفور ويحتمل ألا(7/265)
وخرج أبو الخطاب في كل مسألة: وجها مثل حكم الأخرى ولفظة الأمر والخيار كناية في حق الزوج يفتقر إلى نيته فإن قبلته بلفظ الكناية نحو اخترت نفسي افتقر إلى نيتها أيضا.
ـــــــ
تنفسخ الوكالة كما لو وكله في بيع دار وسكنها.
"وخرج أبو الخطاب في كل مسألة: وجها مثل حكم الأخرى" أي يقاس كل من المسألتين على الأخرى وقد ذكر المؤلف في كل مسألة: حكمين الأول على التراخي وأن لها أن تطلق ثلاثا وفي الثانية الفور وأن ليس لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا بشرطه قلت كلام أبي الخطاب في كتابه من حيث اللفظ لا يقتضي تخريج العدد من إحدى المسألتين على الأخرى ومن حيث إنه نفي الفرق بينهما يقتضي ذلك إلا أنه يمكن حمله على نفي الفرق من حيث التراخي والفور لا من حيث العدد.
تنبيه: إذا قال اختاري اليوم وغدا وبعد غد فلها ذلك فإن ردته في الأول بطل كله لأنه خيار واحد بخلاف ما لو قال اختاري اليوم بعد غد فإنها إذا ردته في الأول لم يبطل بعد غد لأنهما خياران ينفصل أحدهما عن صاحبه فإن نوى بقوله اختاري نفسك إيقاع الثلاث وقع وإن كرر اختاري ثلاثا فإن أراد إفهامها وليس له نية فواحدة وإلا فثلاث نص عليه وإن أطلق فروايتان قاله في "المغني" فلو خيرها شهرا فاختارت نفسها ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كالبيع.
فرع: إذا قال اختاري نفسك يوما فابتداؤه من حين تطلق إلى مثله من الغد وإن قال شهرا فمن ساعة نطق إلى استكمال ثلاثين يوما إلى مثل تلك الساعة.
"ولفظه الأمر والخيار كناية" ظاهرة وخفية "في حق الزوج يفتقر" وقوع الطلاق إلى نيته لأن كلاهما يفتقر "إلى النية" على ما مضى وكذا كذبه بعد سؤالها الطلاق "فإن قبلته بلفظ الكناية نحو اخترت نفسي افتقر إلى نيتها أيضا" لأنها موقعة للطلاق بلفظ الكناية فافتقر إلى نيتها كالزوج، فلو قالت:(7/266)
وإن قالت طلقت نفسي وقع من غير نية وإن اختلفا في نيتها فالقول قولها وإن اختلفا في رجوعه فالقول قوله وإن قال طلقي نفسك فقالت اخترت نفسي ونوت الطلاق وقع ويحتمل ألا يقع.
ـــــــ
اخترت نفسي وأنكر وجوده قبل قوله لأنه منكر أشبه ما لو علق طلاقها على دخول الدار فادعته وأنكر.
"وإن قالت طلقت نفسي وقع من غير نية" لأنه صريح كأنت طالق ويقع من العدد ما نوياه دون ما نواه أحدهما وإن نوى أحدهما دون الآخر لم يقع لفقد النية "وإن اختلفا في نيتها فالقول قولها" لأنها أعلم بنيتها ولا يعلم ذلك إلا من جهتها "وإن اختلفا في رجوعه فالقول قوله" لأنهما اختلفا فيما يختص به كما لو اختلفا في نيته.
مسائل: الأجنبي في ذلك كالمرأة والمذهب إلا أنه متراخ ويقع بإيقاع الوكيل بصريح أو كناية بنية وفي وقوعه بكناية بنية ممن وكل فيه بصريح وجهان وكذا عكسه وفي "الترغيب" ولا يقع بقولها اخترت بنية حتى تقول نفسي أو أبوي أو الأزواج ونقل ابن منصور إن اختارت زوجها فواحدة ونفسها ثلاث وعنه: إن خيرها فقالت طلقت نفسي ثلاثا وقعت وإن أنكر قولها قبل قوله وتقبل دعوى الزوج أنه رجع قبل إيقاع وكيله عند أصحابنا والمنصوص أنه لا يقبل إلا ببنية قال الشيخ تقي الدين وكذا دعوى عتقه ورهنه ونحوه ومن وكل في ثلاث فأوقع واحدة أو عكسه فواحدة نص عليهما ولا يملك بالإطلاق تعليقا.
"وإن قال طلقي نفسك" فهل يختص بالمجلس فيه وجهان أصلهما هل تلحق بالأولى أو الثانية وذلك توكيل يبطل برجوعه وكذا لو وكلها بعوض نص عليه ويرد الوكيل "فقالت اخترت نفسي ونوت الطلاق وقع" نصره في "الشرح" وغيره لأنه فوض إليها الطلاق وقد أوقعته أشبه ما لو أوقعته بلفظه "ويحتمل أن لا يقع" لأنه فوضه إليها بلفظه الصريح فلا يصح أن يوقع غير ما فوضه إليها والأول أصح لأن التوكيل في شيء لا يقتضي إيقاعه(7/267)
وليس لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر منها وإن قال وهبتك لأهلك فإن قبلوها فواحدة وإن ردوها فلا شيء وعنه: إن قبلوها فثلاث وإن ردوها فواحدة وكذلك إن قال وهبتك لنفسك.
ـــــــ
بلفظه كما لو وكله في البيع فباعه بلفظ التمليك وكما لو قال اختاري نفسك فقالت طلقت نفسي فإنه يقع مع اختلاف اللفظ.
"وليس لها أن تطلق أكثر من واحدة" لأنه أقل ما يقع عليه الاسم إلا أن يجعل إليها أكثر منها لأن الطلاق يكون واحدة وثلاثا فأيهما نواه فقد نوى بلفظه ما احتمله ومميز ومميزة في ذلك كله كالبالغين نص عليه.
"وإن قال وهبتك لأهلك" فهو كناية إن نوى به الإيقاع وقع وإن لم ينو به الإيقاع فهو كناية في حقها فيفتقر إلى قبولهم والنية من الزوج لأنه ليس بصريح "فإن قبلوها فواحدة" رجعية "وإن ردوها فلا شيء" هذا هو المشهور وهو قول ابن مسعود وعطاء ومسروق لأنه تمليك للبضع فافتقر إلى القبول كاختاري وكالنكاح وعلى أنه لا يكون ثلاثا لأنه محتمل فلا يحمل عليها عند الإطلاق كاختاري ولأنها طلقة ليس عليها عدة بغير عوض قبل استيفاء فكانت رجعية كأنت طالق وقوله: "واحدة" محمول على ما إذا أطلق النية أو نواها فإن نوى ثنتين أو ثلاثا فهو على ما نوى كسائر الكنايات.
"وعنه: إن قبلوها فثلاث وإن ردوها فواحدة" رجعية وقاله زيد بن ثابت والحسن وعن أحمد إن قبلوها فواحدة بائنة وإن ردوها فواحدة رجعية وقاله علي بن أبي طالب وصيغة القبول أن يقول أهلها قبلناها نص عليه.
"وكذلك إن قال وهبتك لنفسك" أي فيها من الخلاف ما سبق فإن ردت ذلك فلغو وعنه: رجعية إذا نوى بالهبة والأمر والخيار الطلاق في الحال وقع.
تنبيه: لم يتعرض المؤلف لمسألة: البيع وحكمها أنه إذا باعها لغيره فلغو وإن نوى الطلاق نص عليه لأنه لا يتضمن معنى الطلاق لكونه معاوضة والطلاق مجرد إسقاط وفي "الترغيب" في كونه كناية كهبة وجهان وذكر ابن(7/268)
ـــــــ
حمدان: إن ذكر عوضا معلوما طلقت مع النية والقبول نقل حنبل وبائع ومشتر كخائن يؤدبان ولا قطع ويحبسان حتى يظهرا توبة.(7/269)
باب ما يختلف به عدد الطلاق
يملك الحر ثلاث تطليقات وإن كان تحته أمة والعبد اثنين وإن كان تحته حرة وعنه: أن الطلاق بالنساء فيملك زوج الحرة ثلاثا وإن كان عبدا وزج الأمة اثنتين وإن كان حرا.
ـــــــ
باب ما يختلف به عدد الطلاق
"يملك الحر ثلاث تطليقات وإن كان تحته أمة والعبد اثنتين وإن كان تحته حرة" وهذا مختار لعامة الأصحاب وهو قول عثمان وزيد وابن عباس لما روى أبو رزين قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [ البقرة: 229] فأين الثالثة قال: "تسريح بإحسان" رواه أبو داود وصححه ابن القطان وقال عمر يطلق العبد تطليقتين رواه الشافعي والدارقطني بإسناد جيد وعن عائشة مرفوعا قال: "طلاق العبد اثنتان" رواه الدارقطني بإسناد ضعيف ولأن الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالحرية والرق فكان اختلافه كعدد المنكوحات وظاهره ولو طرأ رقه كلحقوق ذمي بدار حرب فاسترق وقد كان طلق ثنتين وقلنا ينكح عبد حرة نكح هنا وله طلقة ذكره المؤلف وفي "الترغيب" وجهان.
"وعنه: أن الطلاق بالنساء فيملك زوج الحرة ثلاثا وإن كان عبدا وزوج الأمة اثنتين وإن كان حرا" هذا قول ابن مسعود وروي عن علي لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طلاق الأمة طلقتان" رواه أبو داود والترمذي(7/269)
فإذا قال أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم ونوى الثلاث طلقت ثلاثا وإن لم ينو شيئا.
ـــــــ
والبيهقي ولأن المرأة محل الطلاق فيعتبر بها كالعادة والأول أصح والجواب عن حديث عائشة بأنه من رواية طاهر بن أسلم وهو منكر الحديث قاله أبو داود مع أن الدارقطني أخرجه في سننه عن عائشة مرفوعا قال طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ولأن الحر يملك أن يتزوج أربعا فملك ثلاث طلقات كما لو كان تحته حرة ولا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاثا والعبد الذي تحته أمة طلاقه اثنتان وإنما الخلاف فيما إذا كان أحدهما حرا والآخر رقيقا.
فرع: المعتق بعضه كحر وفي "الكافي" كقن والمكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة كالقن.
"فإذا قال أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم" أو الطلاق يلزمني أو علي الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو يلزمني الطلاق "ونوى الثلاث طلقت ثلاثا" لأن ذلك صريح في المنصوص لأنه لفظ بالطلاق وهو مستعمل في عرفهم قال الشاعر:
أنوهت باسمي في العالمين
... وأفنيت عمري عاما فعاما
فأنت الطلاق وأنت الطلاق
... وأنت الطلاق ثلاثا تماما
وقيل: ليس بصريح لأنه وصفها في قوله أنت الطلاق بالمصدر وأخبر به عنها وهو تجوز والباقي كذلك لأن من كثر منه شيء يضره فهو عليه كالدين قلت وقد اشتهر استعماله في الإيقاع فكان صريحا وسواء كان منجزا أو معلقا بشرط أو محلوفا به.
"وإن لم ينو شيئا" فعنه يقع ثلاث اختاره أبو بكر وفي "الروضة" هو قول جمهور الأصحاب لأن الألف واللام للاستغراق فيقتضي استغراق الكل وهو الثلاث والثانية واحدة قال في "المغني" وهي الأشبه لأنه اليقين والألف(7/270)
أو قال أنت طالق ونوى الثلاث ففيه روايتان إحداهما تطلق ثلاثا والأخرى واحدة وإن قال أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا لم تطلق إلا واحدة في أحد الوجهين.
ـــــــ
واللام تستعملان لغير الاستغراق كثيرا ولأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ولا يفهمون أنهما للاستغراق.
فرع: إذا كان له أكثر من امرأة وثم نية أو سبب يقتضي تعميما أو تخصيصا عمل به وإلا وقع بالكل وقيل بواحدة بقرعة.
"أو قال أنت طالق ونوى الثلاث ففيه روايتان إحداهما تطلق ثلاثا" اختارها جمع لأنه نوى بلفظه ما يحتمله فوقع كقوله أنت طالق ثلاثا ولأن طالق اسم فاعل وهو يقتضي المصدركما يقتضيه الفعل والمصدر يقع على القليل والكثير "والأخرى واحدة" وهي قول الحسن والثوري والأوزاعي واختارها أكثر المتقدمين لأن هذا اللفظ لا يتضمن عددا ولا بينونة فلم يقع به الثلاث ولأن أنت طالق إخبار عن صفة هي عليها فلم يتضمن العدد كقوله حائض وطاهر والأولى أصح والفرق ظاهر لأنه لا يمكن تعددهما في حقها في آن واحد بخلاف الطلاق ولو قال أنت طالق ثلاثا ونوى واحدة فهي ثلاث بغير خلاف نعلمه لأن اللفظ صريح في الثلاث والنية لا تعارض الصريح لأنها أضعف.
"وإن قال أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا لم تطلق إلا واحدة في أحد الوجهين" وهو الأصح لأنه نوى مالا يحتمله لفظه فلو وقع أكثر منها وقع بمجرد النية والثاني يقع ثلاث لأنه نواها ولأنه يحتمل أنت طالق واحدة معها اثنتان قال في "المغني" و "الشرح" وهذا فاسد لأن قوله معها اثنتان لا يؤديه معنى الواحدة ولا يحتمله فنيته فيه نية مجردة فلا تعمل كما لو نوى الطلاق من غير لفظ وفيه نظر فإن الواحدة إذا لم تحتمل ذلك فأنت طالق تحتمله قاله ابن المنجا.(7/271)
وإن قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا وإن قال أردت بعد المقبوضتين قبل منه وإن قال أنت طالق واحدة بل هذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثا وإن قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثره أو جميعه أو منتهاه أو بعدد الحصى أو القطر أو الريح أو الرمل.
ـــــــ
فعلى الثاني لو قال أنت طالق وصادف قوله ثلاثا موتها أو قارنه فواحدة وعلى الأول يقع ثلاثا لوجود المفسر في الحياة قاله في "الترغيب" ولعل فائدة الخلاف تظهر في المدخول بها هل يرثها أم لا؟.
"وإن قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا" قال ابن حمدان مع النية لأن التفسير يحصل بالإشارة وذلك يصلح للبيان لقوله عليه السلام: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا" فإن لم يقل هكذا فواحدة ذكره في "الشرح" و "الفروع" لأن إشارته لا تكفي وتوقف أحمد واقتصر عليه في "الترغيب".
"وإن قال أردت بعد المقبوضتين قبل منه" أي يقع ثنتان لأنه يحتمل ما يدعيه كما لو فسر المجمل بما يحتمله وفي "الرعاية" إن أشار بالكل فواحدة.
"وإن قال" لإحدى امرأتيه "أنت طالق واحدة بل هذه" أي الأخرى "ثلاثا طلقت الأولى واحدة" لأنه طلقها واحدة والإضراب بعد ذلك لا يصح لأنه رفع للطلاق بعد إيقاعه "والثانية ثلاثا" لأنه أوقعه بها أشبه ما لو قال له علي هذا الدرهم بل هذا ولأن الإضراب إثبات للثاني ونفي الأول وإن قال هذه لا بل هذه طلقتا نص عليه وإن قال هذه أو هذه وهذه طالق وقع بالثانية وإحدى الأوليين كهذه أو هذه بل هذه وقيل يقرع بين الأولى والآخرتين وإن قال هذه وهذه أو هذه وقع بالأولى وإحدى الآخرتين كهذه بل هذه أو هذه وقيل يقرع بين الأوليين والثالثة.
"وإن قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثره أو جميعه أو منتهاه" أو غايته "أو طالق كألف أو بعدد الحصى أو القطر أو الريح أو الرمل(7/272)
أو التراب طلقت ثلاثا وإن نوى واحدة وإن قال أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا طلقت واحدة إلا أن ينوي ثلاثا فإن قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت طلقتين ويحتمل أن تطلق ثلاثا.
ـــــــ
أو التراب" وما أشبه ذلك مما يتعدد "طلقت ثلاثا وإن نوى واحدة" نص عليه في: كألف لأن هذا يقتضي عددا ولأن الطلاق أقل وأكثر فأقله واحدة وأكثره ثلاث وكذا إن قال أنت طالق كمائة أو ألف لأن قوله كألف تشبيه العدد خاصة لأنه لم يذكر إلا ذلك كقوله أنت طالق كعدد ألف وفي "الانتصار" و "المستوعب" ويأثم بالزيادة وإن نوى كألف في صعوبتها ففي الحكم الخلاف والأشهر أنه يقبل.
"وإن قال أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا" أو مثل الجبل أو عظمه "طلقت واحدة" رجعية لأن هذا الوصف لا يقتضي عددا والطلقة الواحدة توصف بأنها يملأ الدنيا ذكرها وأنها أشد الطلاق وأعرضه "إلا أن ينوي ثلاثا" فيقع لأن اللفظ صالح لأن يراد به ذلك فإذا نواه وجب إيقاعه لترجحه بالنية ونقله ابن منصور في ملء البيت وفي أقصاه أو أكثره أوجه ثالثها أكثره ثلاث وفي "الفنون" أن بعض أصحابنا قال في أشد الطلاق كأقبح الطلاق يقع طلقة في الحيض أو ثلاث على احتمال وجهين وأنه كيف يسوى بين أشد الطلاق وأهونه.
فرع: إذا أوقع طلقة ثم قال جعلتها ثلاثا ولم يرد استئناف طلاق بعدها فواحدة قاله في "الموجز" و "التبصرة".
"فإن قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت طلقتين" نصره في "الشرح" وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها بمقتضى اللغة وإن احتمل بوصوله لم يوقعه بالشك.
"ويحتمل أن تطلق ثلاثا" هذا رواية كما لو قال بعتك هذا الثوب من أوله(7/273)
وإن قال أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين طلقت ثلاثا وإن نوى موجبه عند الحساب وهو يعرفه طلقت طلقتين وإن لم يعرفه فكذلك عند ابن حامد وعند القاضي تطلق واحدة وإن لم ينو وقع بامرأة الحاسب طلقتان وبغيرها طلقة.
ـــــــ
إلى آخره، قال القاضي: وأصل الروايتين إذا حلف لا يفعل شيئا إلى يوم الفطر هل يدخل يوم الفطر فيه، فيه روايتان.
مسألة: إذا طلق زيد امرأته فقال عمرو لزوجته وأنت مثلها أو كهي ونوى الطلاق طلقت واحدة وإلا فلا.
"وإن قال أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين طلقت ثلاثا" لأنه يعبر بـ "في" عن "مع" كقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29] فإذا نوى ذلك بلفظه قبل منه ووقع ما نواه فإن قال أردت واحدة قبل منه وإن كان حاسبا وقال القاضي تقع طلقتان إذا كان حاسبا لأنه خلاف ما اقتضاه اللفظ وجوابه كلامه بما يحتمله فإنه لا يبعد أن يريد بكلامه ما يريده العامي.
"وإن نوى موجبه عند الحساب طلقت طلقتين" لأن ذلك مدلول اللفظ عندهم وقد نواه وعرفه فيجب وقوعه كما لو قال أنت طالق ثنتين.
"وإن لم يعرفه فكذلك عند ابن حامد" قدمه في "الرعاية" وهو أشهر قياسا على الحاسب لاشتراكهما في النية.
"وعند القاضي تطلق واحدة" لأنه لا يصح منه قصد ما لا يعرفه فهو كالأعجمي ينطق بالطلاق بالعربي ولا يفهمه وقيل ثلاثا بناء على أن "في" معناها معنى "مع" فالتقدير أنت طالق مع طلقتين "وإن لم ينو وقع بامرأة الحاسب طلقتان" لأنه لفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنين فوجب العمل به "وبغيرها طلقة" لأن اللفظ إنما جاز مصروفا إلى اثنتين بوضع أهل الحساب فإذا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية وهو لا يعرف معناها وقيل ثنتان ووجهه ما سبق.(7/274)
ويحتمل أن تطلق ثلاثا.
فصل
إذا قال: أنت طالق نصف طلقة أو نصفي طلقة أو نصف طلقتين طلقت طلقة وإن قال نصفي طلقتين أو ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين.
ـــــــ
"ويحتمل أن تطلق ثلاثا" لأنه إذا لم يكن له نية وجب حمل "في" على معنى "مع" وقيل بعامي قال المؤلف لم يفرق أصحابنا بين أن يكون المتكلم بذلك ممن له عرف في هذا اللفظ أو لا والظاهر أنه إن كان المتكلم بذلك ممن عرفهم أن "في" بمعنى "مع" لأن الظاهر إرادة ما تعارفوه وقال أبو الخطاب ويحتمل أنه لا يقع طلاقه كل هذا إذا أطلق ولم يعرف الحساب.
مسألة: إذا قال أنت طالق بعدد ما طلق فلان زوجته وجهل عدده فطلقة وقيل بعدده فصل
جزء طلقة كهي "إذا قال أنت طالق نصف طلقة أو نصفي طلقة" فتقع واحدة لأن الطلاق لا يتبعض في قول عامتهم وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه "أو نصف طلقتين طلقت طلقة" لأن نصف الطلقتين طلقة وذكر بعض العلماء أنها تطلق طلقتين لأن اللفظ يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم تكمل وما ذكرناه أولى لأن التصنيف يتحقق به وفيه عمل باليقين وإلغاء الشك وإيقاع ما أوقعه من غير زيادة.
"وإن قال نصفي طلقتين" وقع طلقتان لأن نصفي الشيء جميعه أشبه ما لو قال أنت طالق طلقتين.
"أو ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين" لأن ثلاثة أنصاف طلقة ونصف فيكمل النصف فصار ذلك طلقتين وقيل واحدة لأن الأجزاء من طلقة،(7/275)
وإن قال ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثا ويحتمل أن تطلق طلقتين وإن قال نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة وإن قال نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة طلقت ثلاثا وإن قال لأربع أوقعت بينكن طلقة أو اثنتين أو ثلاثا.
ـــــــ
فالزائد عليها يكون لغوا لأنه ليس منها وكذا الخلاف في خمسة أرباع طلقة أو أربعة أثلاث.
"وإن قال ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثا" نص عليه في رواية منها ونصره جمع لأن نصف الطلقتين طلقة وقد كرر ثلاثا "ويحتمل أن تطلق طلقتين" هذا قول ابن حامد لأن معناه ثلاث أنصاف من طلقتين وذلك طلقة ونصف ثم تكمل فتصير طلقتين وجوابه بأنه تأويل يخالف ظاهر اللفظ قال في "الفروع" ويتوجه مثلها ثلاثة أرباع ثنتين وفي "الروضة" تقع ثنتان.
"وإن قال نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة" أي يقع واحدة لأن ذلك أجزاء طلقة واحدة وليس في اللفظ ما يقتضي التغاير لأنه غير معطوف "أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة" لأن الإضافة إلى الطلقة فيجب أن تطلق واحدة.
"وإن قال نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة طلقت" سواء كانت مدخولا بها أو لا "ثلاثا" لأنه علق أجزاء الطلقة على جزء آخر وهو يدل على المغايرة فيقع جزءا ثم يكمل بالسراية لأنه لو كانت الثانية هي الأولى لجاء بها بلام التعريف فقال ثلث الطلقة سدس الطلقة لأن أهل العربية قالوا إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكرا فالثاني غير الأول وإن أعيد معرفا بها فالثاني هو الأول لقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} فالعسر الثاني هو الأول بخلاف اليسر ولهذا قيل لن يغلب عسر يسرين وقيل لو أراد بالثانية الأولى لذكرها بالضمير لأنه هو الأولى.
"وإن قال لأربع أوقعت بينكن" أو عليكن نص عليه "طلقة أو اثنتين أو ثلاثا(7/276)
أو أربعا وقع بكل واحدة طلقة وعنه: إذا قال أوقعت بينكن ثلاثا ما أرى إلا قد بنّ منه واختاره القاضي وإن قال أوقعت بينكن خمسا فعلى الأول يقع بكل واحدة طلقتان.
ـــــــ
أو أربعا وقع بكل واحدة طلقة" لأن اللفظ اقتضى قسم الطلقة بينهن أو عليهن لكل واحدة ربعها ثم تكمل وكذا إن قال أوقعت بينكن طلقتين ذكره أبو الخطاب لأنه إذا قسم لم يزد واحدة على طلقة وعنه: يقع بكل واحدة طلقتان وقال أبو بكر والقاضي لأنه إذا قسمت اثنتان بينهن كان لكل واحدة جزآن من طلقتين ثم يكمل كل جزء قال في "المغني" والأول أولى لأنه إنما يقسم بالأجزاء مع الاختلاف كالدور ونحوها من المختلفات فأما الجمل المتساوية من جنس كالنقود فإنما يقسم برؤوسها ويكمل نصيب كل واحدة من واحد كأربعة لهم درهمان صحيحان فإنه يجعل لكل واحد نصف درهم واحد والطلقات لا اختلاف فيها ولأن فيما ذكرنا أخذا باليقين فكان أولى من إيقاع طلقة زائدة بالشك وكذا إذا قال لهن أوقعت بينكن ثلاثا فإنه يصيب كل واحدة ثلاثة أرباع طلقة ثم تكمل.
"وعنه: إذا قال أوقعت بينكن ثلاثا ما أرى إلا قد بنّ منه" نقلها الكوسج "واختاره القاضي" لأن الثلاث إذا قسمت بينهن كان لكل واحدة جزء من ثلاث طلقات ثم تكمل وفي "المغني" و "الشرح" أنهن يطلقن ثلاثا ثلاثا على قول أبي بكر والقاضي.
"وإن قال أوقعت بينكن خمسا فعلى الأولى يقع بكل واحدة طلقتان" لأن لكل واحدة طلقة وربعا ثم تكمل وعلى الثانية يقع بكل واحدة ثلاث لأنه إذا طلقت ثلاثا فيما إذا أوقع ثلاثا فلأن تطلق ثلاثا إذا أوقع خمسا بطريق الأولى فإن قال أوقعت ستا أو سبعا أو ثمانيا فكذلك فإن قال أوقعت بينكن تسعا وقع بكل واحدة ثلاث عليهما وإن قال أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة فثلاث في قياس المذهب لأن الواو لا تقتضي ترتيبا وقيل واحدة على الأولى فإن قال أوقعت بينكن ثلث طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة وقع ثلاث كما لو عطفه(7/277)
فصل
إذا قال نصفك أو جزء منك أو أصبعك أو دمك طالق طلقت وإن قال شعرك أو ظفرك أوسنك طالق لم تطلق وإن أضافه إلى الريق والدمع والعرق والحمل لم تطلق.
ـــــــ
بالفاء أو ثم إلا التي لم يدخل بها فإنها تبين بالأولى.
فصل
"إذا قال نصفك أو جزء منك" سواء كان معينا أو مشاعا أو مبهما "أو أصبعك أو دمك طالق طلقت" نص عليه لصحته في البعض بخلاف زوجتك بعض وليتي وذكر ابن البنا لا تطلق بدمها كلبنها وإن أضافه إلى سوادها أو بياضها لم يقع لأنه عرض وقيل بلى فإن قال يدك طالق ولا يد لها أو إن قمت فهي طالق فقامت وقد قطعت فوجهان بناء على أنه هل هو بطريق السراية أو بطريق التعبير بالبعض عن الكل؟.
"وإن قال شعرك أو ظفرك أو سنك طالق لم تطلق" نص عليه لأنها تزول ويخرج عوضها في الشعر ولأنه لا روح فيه لا ينتقض الوضوء بمسه أشبه العرق وقيل تطلق وهو قول الحسن وغيره لأنه جزء يستباح بنكاحها فتطلق به كالأصبع وجوابه بأنه جزء ينفصل عنها في حال السلامة بخلاف الأصبع.
"وإن أضافه إلى الريق والدمع والعرق والحمل لم تطلق" بغير خلاف نعلمه لأنه ليس من ذاتها وإنما هو مجاور لها والحمل وإن كان متصلا بها فمآله إلى الانفصال وهو مودع فيها لقوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعام: من الآية98] قيل هو مستودع في بطن الأم وفي "الانتصار" هل يقع ويسقط القول بإضافته إلى صفة كسمع وبصر إن قلنا تسمية الجزء عبارة عن الجميع وهو ظاهر كلامه صح،(7/278)
وإن قال روحك طالق طلقت وقال أبو بكر لا تطلق.
فصل فيما تخالف المدخول بها غيرها
إذا قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق طلقت طلقتين إلا أن ينوي بالثانية التأكيد أو إفهامها.
ـــــــ
وإن قلنا بالسراية فلا.
"وإن قال روحك طالق طلقت" جزم به جمع من أصحابنا لأن الجملة لا تبقى بعدم مزايلها أشبه الحياة والدم وقال أبو بكر لا تطلق نص عليه وهو ظاهر ما في "الفروع" قال أبو بكر لا يختلف قول أحمد أنه لا يقع طلاق وعتق وظهار وحرام بذكر الشعر والظفر والسن والروح فبذلك أقول ولأنها ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به وحكى في "المستوعب" عن أحمد التوقف عنها.
مسألة: العتق في ذلك كطلاق.
فصل فيما تخالف المدخول بها غيرها
"إذا قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق طلقت طلقتين" بغير خلاف لأن كل واحد يقتضي وقوع إذا وكذا إذا اجتمع مع غيره وإن قاله ثلاثا طلقت ثلاثا أشبه ما لو قال أنت طالق ثلاثا.
"إلا أن ينوي بالثانية التأكيد أو إفهامها" لأنه قصد بالثاني غير الأول فلم يقع به شيء وشرطه الاتصال فلو قال أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك لها طلقت ثانية ولم يقبل منه التأكيد لأنه تابع للكلام فقبل متصلا كسائر التوابع من العطف والصفة والبدل فلو نوى بالثانية تأكيد الأولة لم يقبل ووقع(7/279)
وإن قال لها أنت طالق فطالق أو ثم طالق أو بل طالق أو طالق طلقة بل طلقتين أو بل طلقة أو طالق طلقة بعدها طلقة أو قبل طلقة طلقت طلقتين.
ـــــــ
الثلاث، وإن أكد الثانية بالثالثة ففي قبوله بالحكم روايتان قال في "الفروع" ويتوجه مع الإطلاق وجه كإقرار وقد نقل أبو داود في قوله اعتدي اعتدي فأراد الطلاق هي تطليقة.
تنبيه: إذا قال أنت طالق طالق فهي واحدة لأن اللفظ الثاني لا يصلح للاستئناف فيصرف إلى التأكيد كقوله عليه السلام: "فنكاحها باطل باطل" وإن قصد بالثانية الإيقاع طلقت طلقتين ويقدر له ما يتم الكلام به فلو قال أنت طالق وطالق وطالق فثلاث نص عليه وعنه: تبين قبل الدخول بالأولى بناء على أن الواو للترتيب ولو قال طالق وكرره وقعن ولو قصد التأكيد قبل منه لأن الطلاق تكرر للتأكيد وكان قبل الأخيرة "أنت" ومقتضاه أنه إذا لم ينو شيئا لم يقع إلا واحدة وصرح به في "المغني" لأنه لم يأت بحرف يقتضي المغايرة.
فرع: إذا أتى شرط أو استثناء أو صفة عقب جملة اختص بها بخلاف المعطوف والمعطوف عليه.
"وإن قال لها أنت طالق فطالق أو ثم طالق أو بل طالق أو طالق طلقة بل طلقتين أو بل طلقة أو طالق طلقة بعدها طلقة أو قبل طلقة طلقة طلقتين" وفيه مسائل:
الأولى: إذا قال أنت طالق فطالق تقع طلقتان لأن الثانية صادفت محل النكاح فيقع ولأن الفاء تقتضي الجمع مع التعقيب و"ثم" تقتضيه مع التراخي.
الثانية: إذا قال أنت طالق بل طالق تطلق طلقتين لأن الأول اقتضى إيقاع طلقة والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه والثاني يقتضي إيقاع طلقة لأن "بل" لإثبات الثاني والإضراب عن الأول فإذا لم يصح إضرابه وجب وقوعهما(7/280)
وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها وإن قال لها أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك عند القاضي وعند أبي الخطاب تطلق اثنتين ويقعان معا.
ـــــــ
جميعا وعنه: في أنت طالق طلقة بل طلقة أو طالق بل طالق واحدة كما لو قال له علي درهم بل درهم.
الثالثة: إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقتين أو بل طلقة تقع ثنتان لما ذكرنا وأوقع أبو بكر وابن الزاغوني في طلقة بل طلقتين ثلاثا لأن الأول إيقاع واحدة والثاني يقتضي إيقاع طلقتين والمنصوص أنه تقع ثنتان لأن الأولى يصح دخولها في الثنتين فلا يكون الإضراب عنها مستدركا لأن فيه زيادة فائدة وهو الوقوع والثانية ظاهرة.
الرابعة: إذا قال أنت طالق طلقة بعدها طلقة أو قبل طلقة فإنها تطلق اثنتين لأن ذلك صريح في الجمع والمحل يحتمله فإن أراد في "بعدها طلقة" سأوقعها ففي الحكم روايتان وفي "الروضة" لا يقبل حكما وفي الباطن روايتان وقيل تطلق واحدة قطع به في "قبل طلقة" في المذهب و "المستوعب" وزاد بعد طلقة.
"وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى" لأنها صادفت محلا ولم يلزمها ما بعدها لأنها بائن فلم يلحقها طلاق كالأجنبية.
"وإن قال لها أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك عند القاضي" أي تطلق واحدة إذا كانت غير مدخول بها لأنه طلاق بعضه قبل بعض فلم يقع بغير المدخول بها جميعه كما لو قال طلقة بعد طلقة.
"وعند أبي الخطاب تطلق اثنتين" وقاله أبو بكر "ويقعان معا" لأنه استحال وقوع الطلقة الأخرى قبل الطلقة الموقعة فوقعت معها لأنها لما تأخرت عن الزمن الذي قصد إيقاعها فيه لكونه زمنا ماضيا وجب إيقاعها في أقرب الأزمنة إليه وهو معها ولا يلزم تأخيرها إلى ما بعدها لأن قبله زمنا يمكن الوقوع(7/281)
وإن قال أنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين والمعلق كالمنجز في هذا فإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق أو طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة فدخلت طلقت طلقتين.
ـــــــ
فيه وهو زمن قريب فلا يؤخر إلى البعيد.
"وإن قال أنت طالق طلقة معها طلقة" أو مع طلقة طلقت اثنتين لأن لفظه يقتضي وقوعهما معا كما لو قال أنت طالق اثنتين فلو قال معها اثنتان وقع ثلاث في قياس المذهب وكذا إن قال أنت طالق طلقة تحت طلقة أو تحتها أو فوق طلقة أو فوقها "أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين" لأن الواو تقتضي الجمع ولا ترتيب فيها ولأن الكلام إنما يتم بآخره في الشرط والصفة والاستثناء فكذا في العطف ويفرق بينها فإن الثلاثة مغيرة له بخلاف العطف فإنه لا يغير وجوابه أن العطف هنا يبين عدد الواقع فهو كالصفة.
تنبيه: إذا غاير بين الحروف ونوى التأكيد لم يقبل منه لأنه إنما يكون بتكرير الأول بصورته وإن قال أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة ونوى التأكيد بالثانية والثالثة قبل لأنه لم يغاير بينها بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ بل أعاد ومثل هذا يعاد توكيدا فلو عطف فقال مطلقة ومسرحة ومفارقة وقال أردت التأكيد فاحتمالان.
"والمعلق كالمنجز في هذا" لأن المعلق على الشرط يجب تحققه عند وجود الشرط فيجب أن يقع على الصفة التي كان يقع عليها لو كان منجزا تقدم الشرط أو تأخر.
"فلو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق أو طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة فدخلت طلقت طلقتين" لأنه وجد شرط وقوعهما معا أشبه ما لو قال أنت طالق اثنتين فلو كرره ثلاثا بالجزاء أو مع طلقتين طلقت ثلاثا.(7/282)
وإن قال إن دخلت فأنت طالق فطالق أو ثم طالق فدخلت طلقت طلقة واحدة إن كانت غير مدخول بها واثنتين إن كانت مدخولا بها وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت طلقت طلقتين بكل حال.
ـــــــ
"وإن قال إن دخلت فأنت طالق فطالق أو ثم طالق فدخلت طلقت طلقت واحدة إن كانت غير مدخول بها" لأنها تبين بالأولى فيجب ألا يلحقها ما بعدها "واثنتين إن كانت مدخولا بها" لأنها لا تبين بالأولى فيتعين إيقاع الثانية أيضا وفي "المغني" عن القاضي تطلق من لم يدخل بها طلقة منجزا كذا قال والذي اختاره القاضي وجماعة أن "ثم" كسكتة لتراخيها فيتعلق بالشرط معها طلقة فيقع بالمدخول بها ثنتان واحدة إذن وطلقة بالشرط ويقع بغيرها إن قدم الشرط الثانية والثالثة لغو والأولى معلقة وإن أخره فطلقة منجزة والباقي لغو وفي "المذهب" فيما إذا تقدم الشرط أن القاضي أوقع واحدة فقط في الحال وذكر أبو يعلى الصغير أن المعلق كالمنجز لأن اللغة لم تفرق وأنه إذا أخر الشرط فطلقة منجزة وإن قدمه لم يقع إلا طلقة بالشرط.
"وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت طلقت طلقتين بكل حال" لأن التعليق يقتضي إيقاع الطلاق بشرط الدخول وقد كرر التعليق فيتكرر الوقوع كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين وإن كرر الشرط ثلاثا طلقت ثلاثا في قول الجميع لأن الصفة وجدت فاقتضى وقوع الثلاث دفعة واحدة والله أعلم.(7/283)
باب الاستثناء في الطلاق
حكي عن أبي بكر أنه لا يصح الاستثناء في الطلاق والمذهب أنه يصح استثناء ما دون النصف ولا يصح فيما زاد عليه وفي النصف وجهان فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة طلقت اثنتين.
ـــــــ
باب الاستثناء في الطلاق
الاستثناء إخراج بإلا أو إحدى أخواتها قيل من متكلم واحد لوقوعه في القرآن والسنة ولسان.
"العرب حكي عن أبي بكر أنه لا يصح الاستثناء في الطلاق" لأن الطلاق لا يمكن رفعه بعد إيقاعه ولو صح لرفعه "والمذهب أنه يصح استثناء ما دون النصف" في الطلاق والإقرار لأنه استثناء فيه فجاز كما في عدد المطلقات وليس الاستنثناء رافعا لواقع وإنما هو مانع لدخول المستثنى في المستثنى منه.
"ولا يصح فيما زاد عليه" أي على النصف أي لا يصح استثناء الكل ولا الأكثر نص عليه ونصره في "الشرح" وقواه ابن حمدان وقيل يصح فيه وهو قول الأكثر.
"وفي النصف وجهان" وذكر أبو الفرج وصاحب "الروضة" روايتين ظاهر المذهب صحته وجزم به في "الوجيز" وجاز الأكثر إن سلم في قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: من الآية42] لأنه لم يصرح بالعدد وذكر أبو يعلى الصغير أنه استثناء بالصفة وهو في الحقيقة تخصيص وأنه يجوز فيه الكل نحو اقتل من في الدار إلا بني تميم وهم بنو تميم فيحرم قتلهم وسيأتي في الإقرار.
"فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة طلقت اثنتين" لأن الواحدة دون(7/284)
وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أو ثلاثا إلا اثنتين أو خمسا إلا ثلاثا أو ثلاثا إلا ربع طلقة طلقت ثلاثا وإن قال أنت طالق طلقتين إلا واحدة فعلى وجهين وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين على وجهين.
ـــــــ
النصف.
"وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا طلقت ثلاثا" طلقت ثلاثا بغير خلاف "أو ثلاثا إلا اثنتين" وقع ثلاث بناء على أنه لا يصح استثناء الأكثر "أو خمسا إلا ثلاثا" وقعت الثلاث لأن الاستثناء إن عاد إلى الخمس فقد استثنى الأكثر وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها فقد رفع جميعها وكلاهما غير صحيح وإن صح الأكثر فثنتان وإن قال خمسا إلا طلقة فقيل يقع اثنتان وقيل ثلاث "أو ثلاثا إلا ربع طلقة طلقة ثلاثا" لأن الطلقة الناقصة تكمل فتصير ثلاثا ضرورة أن الطلاق لا يتبعض وفي "الرعاية" وجه أنها تطلق اثنتين.
"وإن قال أنت طالق طلقتين إلا واحدة فعلى وجهين" بناء على صحة استثناء النصف وإن قال أنت طالق أربعا إلا اثنتين فقيل تقع طلقتان وقيل ثلاث وإن قال أنت طالق اثنتين واثنتين إلا اثنتين لم يصح وفيه احتمال وإن استثنى واحدة ففي صحته احتمالان.
"وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين على وجهين" لا يصح الاستثناء من الاستثناء في الطلاق خلافا ل"الرعاية" إلا في مسألة: واحدة وهي أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة في أحد الوجهين ذكره في "الكافي" و "الشرح" وجزم به في "الوجيز" لأنه استثناء الواحدة مما قبلها فتبقى واحدة وهي مستثناة من ثلاثة فتصير كقوله أنت طالق ثلاثا إلا واحدة ويمكن أن يقال إن الواحدة مخرجة من الثلاث لإبطال استثناء الثنتين والثاني تطلق ثلاثا لأن استثناء الثنتين لا يصح لكونهما أكثر من النصف ولا يصح استثناء الواحدة لأنه استثناء من استثناء باطل.(7/285)
وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة لم يصح أو طالق وطالق وطالق إلا واحدة أو طلقتين وواحدة إلا واحدة أو طلقتين ونصفا إلا طلقة طلقت ثلاثا ويحتمل أن تقع طلقتان وإن قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت الثلاث وإن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق.
ـــــــ
"وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة لم يصح" ويقع الثلاث لأن استثناء الأول باطل ولا يصح الاستثناء منه وقيل يعود استثناء الواحدة إلى أول الكلام فتقع طلقتان "أو طالق وطالق وطالق إلا واحدة أو طلقتين وواحدة إلا واحدة أو طلقتين ونصفا إلا طلقة طلقت ثلاثا" على المذهب لأن تصحيح الاستثناء يجعل المستثنى منه لغوا فبطل كاستثناء الجمع "ويحتمل أن تقع طلقتان" ذكر في "الواضح" أنه أشبه لأن العطف بالواو ويجعل الجملتين كالجملة الواحدة فتصير الواحدة مستثناة من الثلاث فلو كان العطف بالفاء أو "ثم" لم يصح الاستثناء.
تنبيه: إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا طلقة وطلقة فقيل تقع الثلاث وقيل يصح الاستثناء في طلقة وكذا الخلاف في أنت طالق طالق إلا طلقة وطلقة وفي أنت طالق ثلاثا إلا طلقة ونصفا وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وإلا واحدة طلقت اثنتين وقيل واحدة وإن أسقط الواو فقيل يقع ثلاث وقيل ثنتان فلو قال أنت طالق طلقتين ونصفا إلا نصف طلقة فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين على وجهين وفي "المستوعب" إنها تطلق ثلاثا وجها واحدا.
"وإن قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت الثلاث" لأن العدد نص فيما يتناوله فلا يرتفع بالنية لأن اللفظ أقوى ولو ارتفع بالنية لرجح المرجوح على الراجح وقال أبو الخطاب وقدمه في "الرعاية" يلزمه الثلاث حكما ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وكذا الخلاف لو قال نسائي الأربع طوالق واستثنى واحدة بقلبه وإن لم يقل الأربع ففي الحكم روايتان "وإن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق" لأنه لا يسقط اللفظ، وإنما(7/286)
-------------------------------------------
ـــــــ
استعمل العموم في الخصوص وذلك شائع بخلاف ما قبلها وهل يقبل في الحكم على روايتين وفي "الترغيب" إذا قال أربعتكن طوالق إلا فلانة لم تصح على الأشبه لأنه صريح وأوقع ويصح أربعتكن إلا فلانة طوالق وإن استثنى من سألته طلاقها دين ويتوجه أنه كنسائي الأربع ولم يقبل في الحكم لأن السبب لا يجوز إخراجه وقيل يقبل لجواز تخصيص العام وإن قالت طلق نساءك فقال نسائي طوالق طلقت لأن اللفظ لا يقتصر على سببه وإن استثناها قبل في الحكم لأن السبب يدل على نيته.
فرع: يعتبر للاستثناء ونحوه اتصال معتاد قطع به الجماعة ونيته قبل تكميل ما ألحقه به حكاه الفارسي إجماعا وقيل وبعده وفي "الترغيب" هو ظاهر قول أصحابنا واختاره الشيخ تقي الدين وقال دل عليه كلام أحمد ومتقدمي أصحابه وإنه لا يضر فصل يسير بالنية وبالاستثناء قال وفي القرآن جمل قد فصل بين أبعاضها بكلام آخر كقوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا} إلى قوله: {هُدَى اللَّهِ} [آل عمران: من الآية72] فصل بين أبعاض الكلام المحكي عن أهل الكتاب وسأله أبو داود عمن تزوج امرأة فقيل له ألك امرأة سواها فقال كل امرأة لي طالق فسكت فقيل إلا فلانة قال إلا فلانة فإني لم أعنها فأبى أن يفتي فيه.
مسألة: إذا قال أنت طالق ثم وصله بشرط أو صفة فإن كان نطقا صح بغير خلاف وإن نواه ولم يلفظ به دين وفي الحكم روايتان.(7/287)
باب الطلاق في الماضي والمستقبل
إذا قال أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك ينوي الإيقاع وقع فإن لم ينو لم يقع في ظهار كلامه وقال القاضي يقع وحكي عن أبي بكر لا يقع إذا قال أنت طالق أمس ويقع إذا قال قبل أن أنكحك فإن قال أردت أن زوجا قبلي طلقها أو طلقتها في نكاح قبل هذا قبل منه أذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد.
ـــــــ
باب الطلاق في الماضي والمستقبل
"إذا قال أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك ينوي الإيقاع وقع" لأنه اعترف على نفسه بما هو أغلط "فإن لم ينو لم يقع في ظاهر كلامه" وجزم به في "الوجيز" وغيره لأنه أضافه إلى زمن يستحيل وقوعه فيه وهو الزمن الماضي وقبل نكاحه فلم يقع كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم فإنه لا خلاف عند أصحابنا أنه لا يقع "وقال القاضي يقع" ولو لم ينوه وهو رواية لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال لآيسة أنت طالق للبدعة.
"وحكي عن أبي بكر لا يقع إذا قال أنت طالق أمس" لعدم إمكان وقوع الطلاق فيه "ويقع إذا قال قبل أن أنكحك" لأنه يمكن أن يتزوجها ثانيا وهذا الوقت قبله فيقع فيه بخلاف الأولى قاله القاضي وعنه: في الأولى إن كانت زوجته أمس فإن قال أردت أني طلقتها أمس طلقت بإقراره ولزمتها العدة في يومها لاعترافها أن أمس لم يكن من عدتها.
"فإن قال أردت أن زوجا قبلي طلقها أو طلقته في نكاح قبل هذا قبل منه إذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد" لأنه فسر كلامه بما يحتمله، وقوله: إذا(7/288)
فإن مات أو جن أو خرس قبل العلم بمراده فهل تطلق على وجهين وإن قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل مضي شهر لم تطلق وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا وقوعه فيه فإن خالعها بعد اليمين بيوم وكان الطلاق بائنا ثم قدم زيد بعد شهر بيومين صح الخلع وبطل الطلاق وإن قدم بعد شهر وساعة وقع الطلاق
ـــــــ
احتمل الصدق مشعر بأنه يشترط أن يكون قد وجد لأنه إذا لم يوجد لم يكن كلامه محتملا للصدق وفي "المغني" إن لم يكن وجد وقع طلاقه ذكره أبو الخطاب وقال القاضي يقبل ظاهر كلامه ولم يشترط الوجود فإذن فيه وجهان وعلى الأول ما لم تكذبه قرينة من غضب أو سؤالها الطلاق ونحوه.
"فإن مات" القائل "أو جن أو خرس قبل العلم بمراده فهل تطلق" المقول لها؟ "على وجهين" بناء على الخلاف في اشتراط النية في وقوع الطلاق المتقدم ذكره فإن قيل باشتراطه لم تطلق لأن شرط الطلاق النية ولم يتحقق وجودها وإن قيل بعدم اشتراطها طلقت لأن المقتضي للوقوع قد وجد فوجب العمل به.
"وإن قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر" فلها النفقة "فقدم قبل مضي شهر لم تطلق" بغير خلاف بين أصحابنا لأنه تعليق للطلاق على صفة ممكنة الوجود فوجب اعتبارها ذكره في "الشرح" وغيره وفيه وجه تطلق بناء على قوله أنت طالق أمس وجزم به الحلواني فلو قدم مع مضي الشهر لم تطلق لأنه لا بد من جزء يقع الطلاق فيه.
"وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا وقوعه فيه" لأنه أوقع الطلاق في زمن على الصفة فإذا حصلت وقع كما لو قال أنت طالق قبل شهر رمضان بشهر أو قبل موتك بشهر فلو وطئها كان محرما ولها المهر.
"فإن خالعها بعد اليمين بيوم فأكثر وكان الطلاق بائنا ثم قدم زيد بعد الشهر بيومين صح الخلع" لأنه وقع مع زوجه "وبطل الطلاق" لأنه صادفها بائنا ولا إرث لها لعدم التهمة "وإن قدم بعد شهر وساعة" فأقل "وقع الطلاق" لأنها(7/289)
دون الخلع وإن قال أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال فإن قال بعد موتي أو مع موتي لم تطلق وإن تزوج أمة أبيه ثم قال إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق فمات أبوه أو اشتراها لم تطلق،
ـــــــ
طلقت في الساعة وهي زوجة "دون الخلع" لأنه صادفها بائنا وخلع صحيح وحينئذ لها الرجوع بالعوض إلا أن يكون الطلاق رجعيا لأن الرجعية يصح خلعها.
فرع: إذا قال لعبده أنت حر قبل قدوم زيد بشهر ثم باعه بعد عقد الصفة فأعتقه المشتري ثم قدم زيد بعد عقدها بشهر ويوم فإنا نحكم بوقوع عتق البائع وبطلان البيع وما ترتب عليه ونقل مهنا عنه إذا قال أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر أنها تطلق في الحال وهذه تعطي أنه علقه بشرط يأتي لا محالة أنه يقع في الحال والأول أصح.
"وإن قال أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال" لأنه قبل موته وكذا إن قال قبل موتك أو موت زيد فإن قاله بالتصغير لم يقع إلا في الجزء الذي يليه الموت لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء اليسير.
"فإن قال بعد موتي أو مع موتي لم تطلق" نص عليه وكذا إن قال بعد موتك أو مع موتك بغير خلاف علمناه لأنها تبين بموت أحدهما فلم يصادف الطلاق نكاحا يزيله فإن قال مع موتي فوجهان.
فرع: إذا قال إن مت فأنت طالق قبله بشهر ونحو ذلك لم يصح ذكره في "الانتصار" لأنه أوقعه بعده فلا يقع قبله لمضيه وإن لم يقل بشهر وقع إذن وفي "التبصرة" في جزء يليه موته كقبل موتي وإن قال أطولكما حياة طالق فبموت إحداهما يقع بالأخرى إذن وقيل وقت يمينه فإن قال أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر تعلقت بالصفة بأولهما موتا.
"وإن تزوج أمة أبيه ثم قال إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق فمات أبوه أو اشتراها لم تطلق" اختاره القاضي وقدمه في "الكافي" وجزم به في(7/290)
ويحتمل أن تطلق وإن كانت مدبرة فمات أبوه وقع الطلاق والعتق.
فصل
وإن قال أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه، أو
ـــــــ
"الوجيز" لأنه بالموت والشراء يملكها فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق فلم يقع كما لو قال أنت طالق مع موتي وكقوله إذا ملكتك فأنت طالق في الأصح "ويحتمل أن تطلق" اختاره في "الجامع" والشريف وأبو الخطاب وقدمه في "المحرر" و "الفروع" وهو رواية في "التبصرة" لأن الموت سبب ملكها وطلاقها وفسخ النكاح يترتب على الملك فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ فيثبت حكمه وفي "المستوعب" إذا علق طلاقها على الشراء لم تطلق حتى يتفرقا في أظهر الوجهين وفي الآخر تطلق وهو احتمال في "عيون المسائل" بناء على انتقال الملك زمن الخيار.
"وإن كانت مدبرة" أي دبرها أبوه "فمات أبوه وقع الطلاق" لأن الحرية تمنع بثبوت الملك له فلا ينفسخ نكاحه فيقع طلاقه "والعتق" لأنه معلق بالموت وقد وجدا معا لأن كل واحد منهما معلق بالموت وهذا إذا كانت تخرج من الثلث فإن أجاز الابن وقلنا إجازته عصية مبتدأة فهل يقع الطلاق على وجهين وإن قلنا تنفيذ وقعا معا فإن كان على الأب دين يستغرق تركه لم يعتق والأصح أن ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح وإن كانت تخرج من الثلث بعد أداء الدين وقعا وإلا حكمها في فسخ النكاح ومنع الطلاق كما لو كان مستغرقا لها فإن أسقط الغريم الدين بعد الموت لم يقع الطلاق لأن النكاح انفسخ قبل إسقاطه.
فصل
"وإن قال أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أو لأقتلن(7/291)
لأقتلن فلانا الميت أو لأصعدن السماء أو لأطيرن أو إن لم أصعد السماء ونحوه طلقت في الحال وقال أبو الخطاب في موضع لا تنعقد يمينه وإن قال أنت طالق إن شربت ماء الكوز ولا ماء فيه أو صعدت السماء أو شاء الميت أو البهيمة لم تطلق في أحد الوجهين.
ـــــــ
فلانا الميت أو لأصعدن السماء أو لأطيرن أو إن لم أصعد السماء ونحوه طلقت في الحال" هذا المذهب كما لو قال أنت طالق إن لم أبع عبدي فمات العبد ولأنه علق الطلاق على نفي فعل المستحيل وعدمه معلوم في الحال وفي الثاني فإنه يوقع الطلاق.
"وقال أبو الخطاب في موضع لا تنعقد يمينه" وحكاه عن القاضي لأن اليمين المنعقدة هي التي يمكن فيها البر والحنث وهو منتف هنا قال في "الشرح" والصحيح أنه يحنث فإن الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث قال الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: من الآية109] ولأنه لو حلف على فعل متصور فصار ممتنعا حنث فهذا أولى وقيل لا تطلق في المحال لذاته وإن المحال عادة كالممكن في تأخير الحنث إلى آخر حياته وقيل إن وقته كقوله لأطيرن اليوم لم تطلق إلا في آخر الوقت وإن أطلق طلقت في الحال وذكره أبو الخطاب اتفاقا.
فرع: إذا حلف ليقتلن فلانا وهو ميت فقيل يحنث وهو الأشهر وقيل لا وقيل إن كانت يمينه بطلاق أو عتاق حنث وإن كان بغيرهما فلا وفرق القاضي في "الجامع" فقال إن لم يعلم بموته لم يحنث وإلا حنث.
"وإن قال أنت طالق إن شربت ماء الكوز ولا ماء فيه أو صعدت السماء أو شاء الميت أو البهيمة" أو إن قلبت الحجر ذهبا أو إن جمعت بين الضدين أو إن رددت أمس "لم تطلق في أحد الوجهين" صححه في "الشرح" وقدمه في "المحرر" و "الرعاية" و "الفروع" لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد لأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال كقوله تعالى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [لأعراف: من الآية40] ولقول الشاعر:(7/292)
وتطلق في الآخر وإن قال أنت طلق اليوم إذا جاء غد فعلى الوجهين وقال القاضي لا تطلق.
ـــــــ
إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وعاد القار كاللبن الحليب
وكحلفه بالله عليه "وتطلق في الآخر" ويلغى الشرط لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته ويمنع وقوعه في الحال وفي الثاني فلم يصح كاستثناء الكل وكما لو قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك وقيل إن علقه على مستحيل عقلا وقع في الحال لأنه لا وجود له وإن علقه على مستحيل عادة كالطيران وصعود السماء لم يقع لأن له وجودا وقد وجد في معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء.
تذنيب: العتق والظهار والحرام والنذر كالطلاق واليمين بالله تعالى قيل كذلك وقيل لا كفارة فيها كالغموس وفي "المستوعب" "تعليقه" كقوله لأفعلن أو لا فعلت نحو لأقومن أو لا قمت يصح بنية جاهل بالعربية وإن نواه عالم فروايتا أنت طالق ثم يريد إن قمت وإلا لم يصح لأنه لم يأت بحرف الشرط وتبعه في "الترغيب" وذكر الشيخ تقي الدين أنه خلاف الإجماع القديم وجزم به في "المغني" وغيره.
"وإن قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد فعلى الوجهين" لأن الطلاق إذا علق على شرط مستحيل فهل يقع فيه وجهان لأنه جعل وقوع الطلاق مظروفا لليوم ومشروطا للغد والجمع بينهما محال والمذهب عدم الوقوع.
"وقال القاضي لا تطلق" لأن شرط الطلاق لم يتحقق لأن مقتضاه وقوع الطلاق إذا جاء في اليوم ولا يجيء غد إلا بعد فوات اليوم وذهاب محل الطلاق وفي "المغني" إن اختيار القاضي أنها تطلق في الحال لأنه علقه بشرط محال فلغا الشرط ووقع الطلاق كما لو قال لآيسة أنت طالق للبدعة وقال في "المجرد" إنها تطلق في غد.
تنبيه: إذا قال أنت طالق لأقومن وقام لم تطلق وإن لم يقم في الوقت(7/293)
ـــــــ
الذي عينه حنث في قول أكثرهم وإن قال أنت طالق إن أخاك لعاقل وكان كذلك لم يحنث كقوله والله إن أخاك لعاقل وإن شك في عقله لم يقع وإن قال أنت طالق لا اختلفا هذا الرغيف فأكله حنث وإن قال ما أكلته لم يحنث إن كان صادقا وحنث إن كان كاذبا كقوله والله ما آكله وإن قال أنت طالق لا دخلت الدار ولا ضربتك ونوى به التعليق صح إن كان جاهلا وإلا فروايتان وإن قال أنت طالق ثلاثا على مذهب السنة والشيعة واليهود والنصارى طلقت ثلاثا لاستحالة الصفة لأنه لا مذهب لهم وكقصده التأكيد.(7/294)
فصل في الطلاق في زمن مستقبل
إذا قال أنت طالق غدا أو يوم السبت أو في رجب طلقت بأول ذلك وإن قال أنت طالق اليوم أوفي هذا الشهر طلقت في الحال.
ـــــــ
فصل في الطلاق في زمن مستقبل
"إذا قال أنت طالق غدا أو يوم السبت أو في رجب طلقت بأول ذلك لأنه جعل ذلك" ظرفا للطلاق فإذا وجد ما يكون ظرفا طلقت كما لو قال إذا دخلت الدار فأنت طالق إذا دخل أول جزء منها طلقت وحاصله أنه إذا علق الطلاق بشهر أو وقت عينه وقع في أوله بخلاف ما لو قال إن لم أقضك حقك شهر رمضان فامرأته طالق لم تطلق حتى يخرج الشهر قبل قضائه لأنه إذا قضاه في آخره لم توجد الصفة وله الوطء قبل الحنث.
"وإن قال أنت طالق اليوم أو في هذا الشهر طلقت في الحال لأن اليوم والشهر ظرف لإيقاع الطلاق فوجب أن يقع إذن وكذا إن قال في الحول،(7/294)
وإن قال أردت في آخر هذه الأوقات دين وهل يقبل في الحكم يخرج على الروايتين وإن قال أنت طالق اليوم وغدا أو بعد غد أو في اليوم وفي غد وفي بعده فهل تطلق واحدة أو ثلاثا على وجهين وقيل تطلق في الأول واحدة وفي الثانية ثلاثا.
ـــــــ
وعنه: أنه في رأسه اختاره ابن أبي موسى قال في "الفروع" وهي أظهر.
"وإن قال أردت في آخر هذه الأوقات دين" في الأصح لأنه يجوز أن يريد ذلك فلا يلزمه الطلاق في غيره "وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين" أظهرهما القبول لأن آخر الشهر منه فإرادته لا تخالف ظاهره وكذا وسطه إذا ليس أوله أولى في ذلك من وسطه والثانية لا يقبل لأنه لو أطلق تناول أوله وكلامه شامل للصورتين وهو قول والمنصوص أنه لا يدين ولا يقبل حكما فلو قال أنت طالق في أول رمضان أو مجيئه أو غرته طلقت بأول جزء منه ولا يقبل قوله نويت آخره أو وسطه لأنه لا يحتمله فلو قال أردت بالغرة اليوم الثاني قبل منه لأن الثلث الأول من الشهر يسمى غررا.
فرع: إذا قال أنت طالق إذا كان رمضان أو إلى رمضان أو إلى هلال رمضان أو في هلال رمضان طلقت ساعة يستهل إلا أن يقول من الساعة إلى الهلال فتطلق في الحال وإن قال أنت طالق في مجيء ثلاثة أيام طلقت في أول اليوم الثالث.
"وإن قال أنت طالق اليوم وغدا أو بعد غد أو في اليوم وفي غد وفي بعده فهل تطلق واحدة أو ثلاثا على وجهين" أحدهما تطلق واحدة إلا أن ينوي أكثر جزم به بعض أصحابنا لأنها إذا طلقت اليوم فهي طالق في غد وفي بعده وكقوله كل يوم ذكره في "الانتصار" والثاني ثلاثا لأن ذكره في روينا الطلاق يدل على تعداده "وقيل تطلق في الأول واحدة" لأن من طلقت في اليوم الأول يصح أن يقال هي طالق في الثاني والثالث "وفي الثانية ثلاثا" وهذا القول قدمه في "المحرر" و "الرعاية" وجزم به في "الوجيز" لأن إعادة "في"(7/295)
وإن قال أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم طلقت في آخر جزء منه وقال أبو بكر لا تطلق وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فماتت غدوة وقدم بعد موتها فهل وقع بها الطلاق على وجهين.
ـــــــ
تقتضي فعلا فكأنه قال أنت طالق في اليوم وأنت طالق في غد وأنت طالق في بعد غد قال في "الفروع" ويتوجه أن يخرج أنت طالق كل يوم أو في كل يوم على هذا الخلاف.
"وإن قال أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم طلقت في آخر جزء منه" نص عليه واختاره أبو الخطاب ونصره في "الشرح" قال ابن حمدان وهو أظهر لأن خروج اليوم يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الإمكان كما لو مات أحدهما قي اليوم "وقال أبو بكر لا تطلق" وقدمه في "الرعاية" لأن شرط طلاقها خروج اليوم وبخروجه يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الإمكان كما لو مات أحدهما في اليوم وقال أبو بكر لا تطلق وقدمه في "الرعاية" لأن شرط طلاقها خروج اليوم وبخروجه يفوت محل طلاقها قال في "المغني" ويبطل هذا بما إذا مات أحدهما في اليوم فإن محل الطلاق يفوت بموته ومع ذلك فإنها تطلق قبل موته فكذا هنا وكذا إن أسقط اليوم الأخير وإن أسقط الأول وقع قبل آخره وقيل بعد خروجه ويأتي إن أسقطهما واحتج بها المؤلف على ضعف قول أبي بكر فدل أنها مثلها وأنه لا يقع فيها على قول أبي بكر.
مسائل: إذا قال أنت طالق إن لم أتزوج عليك اليوم أو إن لم أشتر لك ثوبا اليوم فالخلاف كقوله لعبده إن لم أبعك اليوم فامرأته طالق ولم يبعه حتى خرج اليوم وإن مات العبد أو عتق أو مات الحالف أو المرأة في اليوم طلقت لأنه قد فات بيعه وإن دبره أو كاتبه فلا ومن منع بيعها قال تطلق وإن وهب العبد لم تطلق لأنه يمكن عوده إليه ببيعه وإن قال إن لم أبع عبدي فامرأتي طالق وكاتب العبد لم تطلق لأنه يمكن عجزه فلم يعلم فوات البيع وإذا قال إذا مضى يوم فأنت طالق فإن كان نهارا وقع إذا عاد النهار إلى مثل وقته وإن كان ليلا فبغروب شمس الغد.
"وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فماتت غدوة وقدم بعد موتها فهل وقع بها الطلاق على وجهين" أحدهما تطلق من أوله قال في "الشرح" وهو(7/296)
وإن قال أنت طالق في غد أو إذا قدم زيد فمات قبل قدومه لم تطلق وإن قال أنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم واحدة إلا أن يريد طالق اليوم وطالق غدا أو نصف طلقة اليوم ونصفها غدا فتطلق اثنتين وإن نوى نصف طلقة اليوم وباقيها غدا احتمل وجهين.
ـــــــ
أولى، كما لو قال أنت طالق يوم الجمعة وقيل بعد قدومه قدمه في "الرعاية" لأنه جعل قدومه شرطا فلا تطلق قبله والثاني لا تطلق لأن شرطه قدوم زيد ولم يوجد إلا بعد موت المرأة فلم يقع بخلاف يوم الجمعة وينبني عليها الإرث فلو مات الرجل غدوة ثم قدم زيد أو مات الزوجان قبل قدوم زيد كان الحكم كما لو ماتت المرأة.
فرع: إذا قال أنت طالق في شهر رمضان إن قدم زيد فقدم زيد فيه فوجهان أحدهما لا تطلق حتى يقدم زيد لأن قدومه شرط فيه والثاني أنه إن قدم زيد تبينا وقوع الطلاق من أول الشهر وهو أصح قاله في "الشرح" وإن قال أنت طالق غدا أمس أو عكس طلقت طلقت غدا قال ابن حمدان ويحتمل عدمها.
"وإن قال أن طالق في غد أو إذا قدم زيد فماتت قبل قدومه لم تطلق" صححه السامري وجزم به في "الوجيز" لأن الوقت الذي أوقع طلاقها فيه لم يأت وهي محل الطلاق فلم تطلق كما لو ماتت قبل دخول ذلك اليوم وقيل إن قدم فيه طلقت بعد قدومه وقيل من أوله وظاهره أنه إذا قدم بعد الغد أنها لا تطلق.
"وإن قال أنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم واحدة" لأن من طلقت اليوم فهي طالق غدا "إلا أن يريد طالق اليوم وطالق غدا" فتطلق اثنتين في اليومين فإن قال أردت أنها تطلق في أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غدا لأنه جعل الزمان كله ظرفا للطلاق فوقع في أوله "أو نصف طلقة اليوم ونصفها غدا فتطلق اثنتين" لأن كل نصف يكمل ضرورة عدم تبعيض الطلاق.
"وإن نوى نصف طلقة اليوم وباقيها غدا احتمل وجهين" أصحهما: أنها(7/297)
وإن قال أنت طالق إلى شهر أو حول طلقت عند انقضائه إلا أن ينوي طلاقها قي الحال وإن قال أنت طالق آ خر الشهر أو أول آخره طلقت بطلوع فجر آخر يوم منه وإن قال في آخر أوله طلقت في آخر يوم من أوله وقال أبو بكر تطلق في المسألتين بغروب شمس الخامس عشر منه.
ـــــــ
تطلق واحدة لأنه إذا قال نصفها اليوم كملت فلم يبق لها بقية يقع غدا ولم يقع شيء غيرها لأنه ما أوقعه والثاني تقع اثنتان في اليومين.
"وإن قال أنت طالق إلى شهر أو حول طلقت عند انقضائه" روي عن ابن عباس وأبي ذر لأنه جعل ذلك غاية للطلاق ولا غاية لآخره فوجب أن يجعل غاية لأوله ولأن هذا يحتمل أن يكون مؤقتا لإيقاعه فلم يقع الطلاق بالشك وعنه: تطلق إذن كنيته وذكر ابن عقيل الخلاف مع النية وكقوله أنت طالق إلى مكة ولم ينو بلوغها مكة وإن قال بعد مكة وقع إذن "إلا أن ينوي طلاقها في الحال" لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ ولفظه يحتمله.
فرع: إذا قال أنت طالق من اليوم إلى سنة طلقت في الحال لأن من لابتداء الغاية فيقتضي أن طلاقها في اليوم فإن أراد وقوعه بعد سنة لم يقع إلا بعدها وإن قال أردت تكرير طلاقها من حين لفظت به إلى سنة طلقت من ساعتها ثلاثا إذا كانت مدخولا بها.
"وإن قال أنت طالق من آخر الشهر أو أول آخره طلقت بطلوع فجر آخر يوم منه" اختاره الأكثر لأن آخر الشهر آخر يوم منه ولأنه إذا علق الطلاق على وقت تعلق بأوله وقيل تطلق في الأولى بآخر جزء منه فيحرم وطؤه في تاسع عشرين ذكره في المذهب قال في "الفروع" ويتوجه تخريج.
"وإن قال في آخر أوله طلقت في آخر يوم من أوله" على المذهب لأن ذلك آخر يوم من أوله "وقال أبو بكر تطلق في المسألتين بغروب شمس الخامس عشر منه" لأن نصف الشهر فما دون يسمى أوله فإذا شرع في النصف الثاني صدق أنه آخره فيجب أن يتحقق الحنث لأنه أول آخره وآخر أوله، والأول(7/298)
فإن قال إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إذا مضى اثنا عشر شهرا بالأهلة ويكمل الشهر الذي حلف في أثنائه بالعدد فإن قال إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة وإن قال أنت طالق في كل سنة طلقة طلقت الأولى في الحال والثانية في أول المحرم وكذا الثالثة.
ـــــــ
أصح وهو قول أكثر العلماء لأن ما عدا اليوم الأول لا يسمى أول الشهر ويصح بنية عنه فإن قال في أول الشهر أو فيه فبدخوله.
"فإن قال إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إذا مضى اثنا عشر شهرا بالأهلة" أي إذا كان حلفه في أول الشهر لأن السنة كلها معتبرة بالأهلة لأنها السنة التي جعلها الله تعالى مواقيت للناس بالنص.
"ويكمل الشهر الذي حلف في أثنائه بالعدد" أي إذا كان الحلف في أثناء الشهر وجب تكميل الشهر بالعدد ثلاثين يوما وصفته إذا كان قد مضى منه عشرة أيام ناقصا بقي تسعة عشر يوما فإذا فرغ من الأحد عشر بالأهلة أضاف إلى التسعة عشر أحد عشر يوما وعنه: أنه يعتبر العدد في الشهور كلها وهو ظاهر كلامه في الصوم لأنه لما صام نصف الشهر وجب تكميله من الذي يليه فكان ابتداء الثاني من نصفه فيكمل من الذي يليه وهلم جرا.
فرع: إذا قال أردت سنة شمسية أو عددية قبل منه لأنها سنة حقيقية كما يقبل إذا قال أردت سنة إذا انسلخ ذو الحجة.
"فإن قال إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة" لأنه لما ذكرها بلام التعريف انصرف إلى السنة المعروفة وهي التي آخرها ذو الحجة ووقع في مختصر ابن رزين أن إشارته إليها كتعريفها فإن قال أردت سنة كاملة دين وهل يقبل في الحكم على روايتين ذكره في "الكافي" وغيره.
"وإن قال أنت طالق في كل سنة طلقة طلقت الأولى في الحال" لأنه جعل السنة ظرفا للطلاق فيقع إذن "والثانية في أول المحرم" لأن السنة الثانية ظرف للطلقة فتطلق في أولها "وكذا الثالثة" ومحله إذا أدخلنا عليها وهي في(7/299)
فإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهرا دين وهل يقبل في الحكم يخر ج على روايتين وإن قال أردت أن يكون ابتداء السنين المحرم دين ولم يقبل في الحكم وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق.
ـــــــ
نكاحه أو ارتجعها في عدة الطلاق أو جدد نكاحها بعد أن بانت منه فإذا دخلت الثانية لم تطلق فإذا تزوجها في أثناء وقعت الطلقة عقب العقد في ظاهر قول أكثر أصحابنا وقال ابن حمدان إن صح تعليق الطلاق بالنكاح وقال القاضي تطلق بدخول السنة الثانية وعلى قول التميمي ومن وافقه تنحل الصفة بوجودها حال البينونة فلا تعود بحال وكذا إن لم يتزوجها حتى دخلت الثالثة ثم نكحها فإنها تطلق عقب تزويجها ولو دامت بائنا حتى مضى العام الثالث لم تطلق بعده واختلف في مبدأ السنة الثانية فقدم في "الكافي" أن أولها بعد انقضاء اثنى عشر شهرا من حين يمينه وقال أبو الخطاب أولها المحرم لأنها السنة المعروفة.
"فإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهرا دين" لأن ذلك سنة حقيقية، "وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين" أصحهما القبول لأنها سنة حقيقية والثانية لا لمخالفته الظاهر.
"وإن قال أردت أن يكون ابتداء السنين المحرم دين" لأنه يحتمل "ولم يقبل في الحكم" ذكره القاضي لأنه خلاف الظاهر قال المؤلف والأولى أن يخرج على روايتين.
"وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق" نص عليه لأنه لم يوجد الشرط إذ اليوم اسم لبياض النهار ولم يوجد وفي "الواضح" يحتمل وجهين فلو قدم نهارا طلقت قيل عقبه وقيل من أوله وعليها ينبني الإرث "إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق" وقت قدومه لأن الوقت يسمى يوما لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: من الآية16] وقيل: إذا لم ينو شيئا فهو كمن نوى الوقت.(7/300)
وإن قدم به ميتا أو مكرها لم تطلق.
ـــــــ
"وإن قدم به ميتا أو مكرها" محمولا أو ماشيا "لم تطلق" وهو المذهب لأنه لم يقدم وإنما قدم به إذ الفعل ينسب إلى فاعله يقال دخل الطعام البلد وهو لا يدخل بنفسه ولا ينسب إلى غيره إلا مجازا وعنه: يحنث نقلها محمد بن الحكم واختارها أبو بكر في "التنبيه فإن مات في غيبته فذكر أبو بكر أنها تطلق والمذهب خلافه واقتضى ذلك أنه إذا قدم مختارا فإنه يحنث الحالف قولا واحدا وقال ابن حامد إن كان يمتنع باليمين من القدوم فجهل اليمين أو نسيها فروايتان وينبغي أن تعتبر على هذا نية الحالف وقرائن أحواله الدالة على قصده ومتى أشكل الحال وقع.(7/301)
فلو قال إن تزوجت فلانة أو تزوجت امرأة فهي طالق لم تطلق إذا تزوجها وعنه: تطلق وإن قال لأجنبية إن قمت فأنت طالق فتزوجها ثم قامت لم تطلق رواية واحدة وإن علق الزوج الطلاق بشرط لم تطلق قبل وجوده.
ـــــــ
كأنت طالق لأفعلن كالشرط وأولى بألا يلحق وذكر ابن عقيل في أنت طالق وكرره أربعا ثم قال عقب الرابعة إن قمت طلقت ثلاثا لأنه لا يجوز تعليق ما لم يملك بشرط ويصح بصريحه وكنايته مع قصده.
"فلو قال إن تزوجت فلانة أو تزوجت امرأة فهي طالق لم تطلق إذا تزوجها" على المشهور لقوله عليه السلام: "لا طلاق ولا عتاق لابن آدم فيما لا يملك" رواه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الترمذي هو حديث حسن وهو أحسن شيء في الباب ورواه الدارقطني وغيره من حديث عائشة وزاد وان عينها وعن المسور مرفوعا قال لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك رواه ابن ماجه بإسناد حسن قال أحمد هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من الصحابة.
"وعنه: تطلق" لأنه يصح تعليقه على الإحضار فصح على حدوث الملك كالوصية وعنه: يصح في العتق فقط لتشوف الشارع إليه.
"وإن قال لأجنبية إن قمت فأنت طالق فتزوجها ثم قامت لم تطلق رواية واحدة" لأنه لم يضفه إلى زمن يقع فيه الطلاق أشبه ما لو قال لأجنبية أنت طالق ثم تزوجها وعنه: صحة قوله لزوجته ان تزوجت عليك فهي طالق أو لعتيقته إن تزوجتك فأنت طالق أو لرجعيته إن راجعتك فأنت طالق ثلاثا وأراد التغليظ عليها وجزم به في "الرعاية" في الأوليين قال أحمد في العتيقة قد وطئها والمطلق قبل الملك لم يطأ وظاهر كلامه وكلام الأصحاب التسوية.
"وإن علق الزوج الطلاق بشرط لم تطلق قبل وجوده" لأنه زوال بني على(7/302)
فإن قال عجلت ما علقته لم يتعجل وإن قال سبق لساني بالشرط ولم أرده وقع في الحال وإن قال أنت طالق ثم قال أردت إن قمت دين ولم يقبل في الحكم نص عليه.
ـــــــ
التغليب والسراية أشبه العتق وذهب أحمد إلى قول أبي ذر أنت حر إلى الحول وعنه: يقع في الحال مع تيقن وجوده وخصها الشيخ تقي الدين بالثلاث لأنه الذي يصيره كمتعة ونقل مهنا في هذه الصورة تطلق إذن قيل له فتتزوج في قبل موتي بشهر قال لا ولكن يمسك عن الوطء حتى يموت وذكر في "الرعاية" تحريمه وجها.
"فإن قال عجلت ما علقته لم يتعجل" لأنه حكم شرعي فلم يملك تغييره وقيل بل يتعجل وهل تطلق أخرى عند الشرط قال ابن حمدان يحتمل وجهين قال في "الفروع" ويتوجه مثله دين.
"وإن قال سبق لساني بالشرط ولم أرده وقع في الحال" لأنه أقر على نفسه بما يوجب الطلاق فلزمه كما لو قال طلقتها فلو فصل بين الشرط وحكمه بكلام منتظم نحو أنت طالق يا زانية إن قمت لم يقطعه وقال القاضي يحتمل أن يقطعه كسكتة وتسبيحة وإن قال أنت طالق مريضة رفعا ونصبا وقع بمرضها.
"وإن قال أنت طالق ثم قال أردت إن قمت دين" لأنه أعلم بنيته وما ادعاه محتمل "ولم يقبل في الحكم نص عليه" لأنه خلاف الظاهر وإرادة التعليق من التنجيز بعيدة جدا وفيه فتح باب عظيم الخطر لكن ذكر في "الكافي" و "المستوعب" فيه روايتان كقوله أنت طالق ثم قال أردت من وثاق.
تنبيه: إذا قال إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق فخرج بغير اختيارها فإن كان نوى لا يخرج حنث وإن نوى لا تدعه يخرج لم يحنث نص عليه فإن لم تعلم نيته لم يحنث إلا أن يخرج باختياره وإن حلف لا تأخذ حقك مني فأكره على الدفع حنث وإن أكره صاحب الحق على أخذه؛(7/303)
فصل
وأدوات الشرط ستة إن وإذا ومتى ومن وأي وكلما وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما وفي متى وجهان.
ـــــــ
فوجهان وإن وضعه الحالف في حجره أو بين يديه فلم يأخذ لم يحنث وإن أخذه الحاكم من الغريم فدفعه إلى المستحق فأخذه حنث كما لو قال لا تأخذ حقك علي وقال القاضي لا كما لو قال أعطيك حقك.
فصل
وأدوات الشرط ستة كذا وقع بخط المؤلف والوجه ست ويمكن تخريجه على الحمل على المعنى على تأويل الأدوات بالألفاظ أو هو جمع لفظ وهو مذكر نظيره قول الشاعر:
ثلاثة أنفس وثلاثة ذود ... لقد جار الزمان على عيالي
والنفس مؤنثة لكن أريد بها الإنسان وليس المراد حصر أدوات الشرط فيها فإن غيرها أداة له كـ "ما" وإنما خص الستة بالذكر لأنها غالب ما تستعمل له.
"إن وإذا ومتى ومن وأي وكلما وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما" بغير خلاف نعلمه لقوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: من الآية64] و {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [لأعراف: من الآية38] وفي متى وجهان أحدهما تستعمل للتكرار قال الشاعر:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
ولأنها تستعمل للشرط والجزاء ومتى وجد الشرط ترتب عليه جزاؤه.
والثاني: لا يقتضيه وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" لأنها اسم زمن بمعنى أي وقت وبمعنى إذا وكونها تستعمل للتكرار لا يمنع استعمالها في(7/304)
وكلها على التراخي إذا تجردت عن لم فإن اتصل بها صارت على الفور إلا "إن".
ـــــــ
غيره كإذا ونصف وقت فإنهما يستعملان في الأمرين كقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [الأنعام: من الآية68] {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ} [لأعراف: من الآية203] وكذلك أي وقت وأي زمان فإنهما يستعملان للتكرار وسائر الحروف يجازى بها إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره فلا تحمل على التكرار إلا بدليل.
فرع: "من" و"أي" المضافة إلى الشخص يقتضيان عموم ضميرهما فاعلا كان أو مفعولا.
"وكلها على التراخي إذا تجردت عن "لم" أو نية الفور أو قرينته لأنها مستعملة فيه لكون أنها لا تقتضي وقتا إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في وقت فهي مطلقة في الزمان كله.
"فإن اتصل بها صارت على الفور" لأن "متى" و"أي" معناهما أي زمان وذلك شائع في الزمان كله فأي زمن وجدت الصفة فيه وجب الحكم بوقوع الطلاق ولا بد أن يلحظ في "أي" كونها مضافة إلى زمن فإن أضيفت إلى شخص كان حكمها حكم "من" وظاهره أن من للفور وصرح به في "المغني" وفيه نظر لأن "من" لا دلالة لها على الزمان إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في زمان فهي بمنزلة "أي" فيجب ألا تكون على التراخي مع أن صاحب "المحرر" حكى في من وأي المضافة إلى الشخص وجهين ويتوجهان في "مهما" فإن اقتضت فورا فهي في التكرار كـ "متى".
وأما "كلما" فدلالتها على الزمن أقوى من دلالة "أي" و "متى" فإذا صارتا للفور عند اتصالهما بـ "لم" فلأن تصير "كلما" كذلك بطريق الأولى "إلا إن" أي مع عدم نية أو قرينة فإذا قال إن لم تدخلي الدار فأنت طالق لم يقع إلا عند تعذر إيقاعه بموت أو ما يقوم مقامه.(7/305)
وفي "إذا" وجهان فإذا قال إن قمت أو إذا قمت أو من قامت من كن أو أي وقت قمت أو متى قمت أو كلما قمت فأنت طالق فمتى قامت طلقت وإن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق إلا في "كلما".
ـــــــ
"وفي "إذا" وجهان" أحدهما أنها على التراخي نصره القاضي لأنها تستعمل شرطا بمعنى "إن" كقول الشاعر:
وإذا تصبك خصاصة فتجمل
فجزم بها كـ "إن" ولأنها تستعمل بمعنى "متى" و "إن" فلا يقع بالشك والثاني على الفور وهو أشهر لأنها اسم لزمن مستقبل فيكون كمتى فأما المجازاة بها فلا تخرجها عن موضوعها.
مسألة: قد علم حكم المعلق بالشرط وأنها لا تطلق قبل وجوده وعنه: يحنث بعزمه على الترك وجزم به في "الروضة" لأنه أمر موقوف على القصد والقصد هو النية ولهذا فعله ناسيا أو مكرها لم يحنث لعدم القصد فأثر فيه تعيين النية كالعبادات من الصلاة والصيام إذا نوى قطعهما ذكره في "الواضح".
تذنيب: قولهم الأدوات الأربع في النفي على الفور صحيح في "كلما" و"أي" و"متى" فإنها تعم الزمان بخلاف "من" لأنها ليست من أسماء الزمان وإنما تعم الأشخاص فلا يظهر أنها تقتضي الفور فعلى هذا إذا قال من لم أطلقها منكن فهي طالق لم تطلق واحدة منهن إلا أن يتعذر طلاقها أو ينوي وقتا أو تقوم قرينة بفور فيتعلق به.
"فإذا قال إن قمت أو إذا قمت أو من قامت منكن أو أي وقت قمت أو متى قمت أو كلما قمت فأنت طالق فمتى قامت طلقت" لأن وجود الشرط يستلزم وجود الجزاء وعدمه عدمه إلا أن يعارض معارض.
"وإن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق" لأنها ليست للتكرار "إلا في "كلما"(7/306)
وفي "متى" في أحد الوجهين ولو قال كلما أكلت رمانة فأنت طالق أو كلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت ثلاثا وإن علق طلاقها على صفات ثلاث فاجتمعن في عين واحدة مثل أن يقول إن رأيت رجلا فأنت طالق وإن رأيت فقيها فأنت طالق وإن رأيت أسود فأنت طالق فرأت رجلا أسود فقيها طلقت ثلاثا وإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما إلا أن تكون له نية.
ـــــــ
فإنها تقتضي التكرار "و"متى" في أحد الوجهين" بناء على مقتضاها التكرار وعدمه ولو قمن الأربع فيمن قامت وأيتكن قامت أو من أقمتها أو أيتكن أقمتها طلقن.
"ولو قال كلما اختلفا رمانة فأنت طالق وكلما اختلفا نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت ثلاثا" لوجود وصفه النصف مرتين والجميع مرة لأن "كلما" تقتضي التكرار واختار الشيخ تقي الدين تطلق واحدة.
"وإن علق طلاقها على صفات ثلاث فاجتمعن في عين واحدة مثل أن يقول إن رأيت رجلا فأنت طالق وإن رأيت فقيها فأنت طالق وإن رأيت أسود فأنت طالق فرأت رجلا أسود فقيها طلقت ثلاثا" لوجود الصفات الثلاث فيه أشبه ما لو رأت ثلاثة فيهم الثلاث صفات.
أصل: أدوات الشرط إذا تقدم جزاؤها عليها لم يحتج إلى الفاء في الجزاء كقوله أنت طالق إن دخلت الدار وإن تأخر احتاجت إلى حرف واختصت الفاء لأنها للتعقيب.
"وإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها لم تطلق" لأن "إن لم" لا تقتضي الفور "إلا في آخر جزء من حياة أحدهما" أي أحد الزوجين لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما فتبين أنه يقع لجواز أن يطلقها قبل موته أو موتها "إلا أن تكون له نية" فيعمل بها لأنه نوى الطلاق بقول صالح فوجب(7/307)
وإن قال من لم أطلق أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه طلقت وإن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق فهل تطلق في الحال على وجهين وإن قال كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه ثلاثا ولم يطلقها طلقت ثلاثا.
ـــــــ
أن يقع عملا بالمقتضي السالم عن المعارض وكذا إذا دلت قرينة على الفور وفي "الإرشاد" رواية يقع بعد موته وأيهما مات قبل إيقاعه وقع الحنث بموته وورثه صاحبه إذا كان أقل من ثلاث وإن كان ثلاثا ورثته ولم يرثها هو ولا يرث ثانيا وترثه ويتخرج لا ترثه من تعليقه في صحته على فعلها فيوجد في مرضه والفرق ظاهر وفي "الروضة" في إرثهما روايتان لأن الصفة في الصحة والطلاق في المرض وفيه روايتان.
فرع: لا يمنع من وطء زوجته قبل فعل ما حلف عليه وعنه: بلى جزم به جماعة والأول أصح لأنه نكاح صحيح لم يقع فيه طلاق فحل له الوطء.
"وإن قال من لم أطلقها أو أي وقت لم أطلقك" أو متى لم أطلقك "فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه طلقت" في الحال لوجود الصفة فإنها اسم لوقت الفعل فيقدر بهذا أو لهذا يصح به السؤال فيقال متى دخلت أو أي وقت دخلت وأما من فتقتضي الفور وحينئذ يتحقق الطلاق بمضي زمن عقيب اليمين إذا لم يطلق لأن شرطه يتحقق حينئذ فيلزم منه الطلاق ضرورة أن وجود الشرط يستلزم وجود المشروط وفي وجه أن حكم من لم أطلقها أو إذا لم أطلقك أو أيتكن لم أطلقها كحكم إن لم أطلقك.
"وإن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق فهل تطلق في الحال؟" أو في آخر جزء من حياة أحدهما "على وجهين" بناء على أنها للفور أو على التراخي.
"وإن قال كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه ثلاثا ولم يطلقها طلقت ثلاثا" لأن "كلما" تقتضي التكرار فيقتضي تكرار الطلاق بتكرر الصفة والصفة عدم طلاقه لها فإذا مضى زمن يمكن فيه أن(7/308)
إلا التي لم يدخل بها فإنها تبين بالأولى وإن قال العامي إن دخلت الدار فأنت طالق بفتح الهمزة فهو شرط وإن قاله عارف بمقتضاه طلقت في الحال وحكي عن الخلال أنه إن لم ينو مقتضاه فهو شرط أيضا وإن قال إن قمت وأنت طالق طلقت في الحال.
ـــــــ
يطلقها ولم يفعل فقد وجدت الصفة فيقع واحدة وثانية وثالثة إذا كانت مدخولا بها "إلا التي لم يدخل بها فإنها تبين بالأولى" ولم يقع شيء بعدها لأن البائن لا يقع عليها طلاق.
"وإن قال العامي أن دخلت الدار فأنت طالق يفتح الهمزة فهو شرط" لأن العامي لا يريد به إلا الشرط ولا يعرف أن مقتضاها التعليل فلا يريده فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه وكنيته.
"وإن قاله عارف بمقتضاه طلقت في الحال" لأن "أن" للتعليل لا للشرط لقوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: من الآية17] {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً} [مريم: 90-91] قال القاضي وهذا التفصيل قياس المذهب.
"وحكي عن الخلال أنه إن لم ينو مقتضاه فهو شرط أيضا" لأن الطلاق يحمل على العرف فإذا لم ينو مقتضاه استوى العارف وغيره وفيه وفي "الترغيب" وجه يقع إذن ولو لم يوجد كتطليقها لرضى أبيها يقع كان فيه رضاه أو سخطه وأطلق جماعة عن أبي بكر فيهما يقع إذن ولو بدل أن كهي وفي "الكافي" يقع إذن كإذ ذكره في "الكافي" و "الشرح" وفيها احتمال كأمس.
فرع: إذا قال إن دخلت الدار أنت طالق فهو شرط قدمه في "المحرر" و "الرعاية" كما لو قال أنت طالق إن دخلت الدار وإنما حذفت الفاء لحذف المبتدأ أو الخبر لدلالة باقي الكلام عليه وفي "الكافي" احتمال يقع في الحال لأن جواب الشرط إذا تأخر عنه لم يكن إلا بالفاء أو إذا وقيل إن نوى الشرط وإلا طلقت في الحال.
"وإن قال إن قمت وأنت طالق طلقت في الحال" لأن الواو ليست جوابا(7/309)
فإن قال أردت الجزاء أو أردت أن أجعل قيامها وطلاقها شرطين لشيء ثم أمسكت وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين وإن قال إن قمت فقعدت فأنت طالق أو إن قعدت إذا قمت أو إن قعدت إن قمت لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد.
ـــــــ
للشرط لأن معناه أنت طالق في كل حال لقوله عليه السلام: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق" وفي "الفروع" كالفاء.
"فإن قال أردت الجزاء أو أردت أن أجعل قيامها وطلاقها شرطين لشيء ثم أمسكت" دين لأنه محتمل وهو أعلم بمراده من غيره وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين كذا أطلقهما في "الفروع" وغيره أشهرهما القبول فيه لما ذكرنا والثانية لا لأنه خلاف الظاهر فلو جعل له جزاءا بأن قال إن قمت وأنت طالق فعبدي حر صح ولم يعتق العبد حتى يقوم وهي طالق لأن الواو هنا للحال فلو قال إن قمت طالقا فقامت وهي طالق طلقت أخرى وإن قامت طالق لم تطلق لأن هذا حال فجرى مجرى قوله إن قمت ساكتة.
فرع: إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق وإن دخلت الأخرى رجع إلى ما أراد فإن عدمت فمتى دخلت الأولى طلقت سواء دخلت الأخرى أو لا ولا تطلق الأخرى فلو قال إن دخلت الدار وإن دخلت هذه الأخرى فأنت طالق فقيل لا تطلق إلا بدخولهما ويحتمل أن تطلق بأحدهما أيهما كان لأنه ذكر شرطين بحرفين فيقتضي كل واحد منهما جزاء فترك جزاء الأول والجزاء الأخير دال عليه كقوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [قّ: من الآية17]
"وإن قال إن قمت فقعدت فأنت طالق أو إن قعدت إذا قمت أو إن قعدت إن قمت لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد" لأن القعود شرط يتقدم مشروطه وكذا إن قال إن قمت ثم قعدت لأن الفاء وثم للترتيب وذكر القاضي في إن كالواو بناء على أن فيه عرفا وذكر جماعة في الفاء و"ثم" رواية كالواو.
تتمة: إذا قال أنت طالق إن أكلت إذا أو إن أو متى لبست لم تطلق حتى(7/310)
وإن قال إن قمت وقعدت فأنت طالق طلقت بوجودهما كيفما كانا وعنه: تطلق بوجود أحدهما إلا أن ينوي والأول أصح وإن قال إن قمت أو قعدت فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما.
ـــــــ
تلبس ثم تأكل وتسميه النحاة اعتراض الشرط على الشرط فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطا للذي قبله والشرط يتقدم المشروط كقوله تعالى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي} [هود: من الآية34] الآية وقال القاضي إذا كان الشرط بـ "إذا" كقولنا وفيما إذا قال إن شربت إن أكلت أنها تطلق بوجودهما كيفما وجدا لأن أهل العرف لا تعرف ما يقوله أهل العربية في هذا فقال المؤلف والأول أصح وليس لأهل العرف في هذا عرف.
"وإن قال إن قمت وقعدت فأنت طالق طلقت بوجودهما كيفما كانا" ولا تطلق بوجود أحدهما لأنها للجمع لا للترتيب "وعنه: تطلق بوجود أحدهما" لأن الحالف على فعل شيء يحنث بفعل بعضه على رواية وكإن قمت وإن قعدت "إلا أن ينوي" فعل الأمرين لأنه حينئذ لا يحنث بفعل أحدهما لأن الخلاف في بعض المحلوف إنما هو عند الإطلاق أما إذا نوى الكل فلا يحنث بفعل البعض رواية واحدة "والأول أصح" لأن هذه الرواية تخالف الأصول والقواعد فإنه لا خلاف أن الحكم المعلق بشرطين لا يثبت إلا بهما.
"وإن قال إن قمت أو قعدت فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما" لأن "أو" تقتضي تعليق الجزاء على واحد كقوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: من الآية184].(7/311)
فصل في تعليقه بالحيض
إذا قال إذا حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض فإن بان أن الدم ليس بحيض لم تطلق به وإن قال لطاهر إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالحيض
"إذا قال إذا حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض" لأن الصفة وجدت بدليل منعها من الصلاة والصيام نقل مهنا تطلق برؤية الدم لتحريم مباشرتها طاهرا فيه وفي قبل موتي بشهر وكل زمن يحتمل أن يتبين أنه زمن الطلاق في الأصح ولمنع المعتادة من العبادة إجماعا وفي "الانتصار" و "الفنون" وغيرهما بتبينه بمضي أقله.
"فإن بان أن الدم ليس بحيض لم تطلق به" لأنه تبين أن الصفة لم توجد وذلك بأن تكون بنتا دون تسع سنين أو ينقطع لأقل من أقل الحيض ويتصل الانقطاع إلى أكثر الحيض ولم يشترط في "المغني" الاتصال واشترطه أبو الخطاب وغيره ولا بد منه لأنه إذا انقطع لما ذكر ثم جاء قبل الأكثر كان حيضا لكون من رأته ملفقة ومعنى لم تطلق أي لم يقع.
"وإن قال لطاهر إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر" نص عليه لأنها لا تحيض حيضة إلا بذلك وقيل لا تطلق حتى تغتسل منها وذكره ابن عقيل رواية من أول حيضة مستقبلة والأول أصح والظاهر أنه يقع سنيا.(7/312)
ولا يعتد بالحيضة التي هي فيها وإن قال إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق احتمل أن يعتبر نصف عادتها واحتمل أنها متى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصفها واحتمل أن يلغو قوله نصف حيضة وقيل إذا حاضت سبعة أيام ونصفا طلقت.
ـــــــ
"ولا يعتد بالحيضة التي هي فيها" لأنها ليست حيضة كاملة.
فرع: إذا قال إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة طلقت واحدة فإذا حاضت الثانية طلقت الثانية عند طهرها فلو قال ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق لم تطلق الثانية حتى تطهر من الحيضة الثالثة لأن ثم للترتيب تقتضي حيضتين بعد الطلقة الأولى.
"وإن قال إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق احتمل أن يعتبر نصف عادتها" جزم به في "الوجيز" وصححه في "الشرح" لأن الأحكام تعلقت بالعادة فيتعلق بها وقوع الطلاق "واحتمل أنها متى ظهرت تبينا وقوع الطلاق في نصفها" وهو أشهر لأنها إذا طهرت في ستة أيام مثلا تحقق أن نصف حيضها ثلاثة فيجب أن يحكم بوقوع الطلاق فيها لوجود شرطه وفيه إشعار أنها لا تطلق حتى تطهر وهو صحيح لأن شرط الطلاق مضي نصف الحيضة ولا يتحقق نصفها إلا بكمالها.
"واحتمل أن يلغو قوله نصف حيضة" وهو قول القاضي لأن الحيضة لا تتنصف لأنها عبارة عن جريان الدم فعلى هذا يتعلق طلاقها بأول الدم كقوله: إذا حضت "وقيل إذا حاضت سبعة أيام ونصفا طلقت" لأنه لا يتيقن مضي الحيضة إلا بذلك ولأنه نصف أكثر الحيض قال في "الكافي" بمعنى والله أعلم أنه مادام حيضها باقيا لا يحكم بوقوع طلاقها حتى يمضي نصف أكثر الحيض لأن ما قبل الحيض لا يتيقن به مضي نصف الحيضة فلا يقع الطلاق بالشك.(7/313)
"وإن قال إذا طهرت فأنت طالق طلقت بانقطاع الدم وإن كانت طاهرا طلقت إذا طهرت من حيضة مستقلة وإذا قالت حضت وكذبها قبل قولها في نفسها وإن قال قد حضت فأنكرته طلقت بإقراره.
ـــــــ
"وإن قال إذا طهرت فأنت طالق طلقت بانقطاع الدم" نص عليه لأنه بانقطاعه ثبت لها أحكام الطاهرات في وجوب الصلاة وصحة الصيام فيجب أن يتعلق به وجوب الطلاق وفي عبارته تسامح ولو قال بأول طهر مستقبل لكان أولى وظاهر أنها تطلق وإن لم تغتسل لأنه ثبت لها أحكام الطهر لأنها ليست حائضا فلزم أن تكون طاهرا لأنهما ضدان وفي "التنبيه" قول حتى تغتسل لأن بعض أحكام الحيض باقية وبناه في "الشرح" على العدة.
"وإن كانت طاهرا طلقت إذا أطهرت من حيضة مستقبلة" لأن قوله لها إذا طهرت يقتضي تجدد الطهارة فإذا كانت طاهرا لم توجد الطهارة المتجددة إلا إذا طهرت من حيضة مستقبلة ضرورة كونها طهارة متجددة.
"وإذا قالت حضت وكذبها قبل قولها في نفسها" بغير يمين في ظاهر المذهب لقوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: من الآية228] قيل هو الحيض فلولا أن قولها مقبول فيه ما حرم عليها كتمانه ولأنه لا يعرف إلا من جهتها ولقوله إن أضمرت بغضي فادعته بخلاف دخول الدار وعنه: تطلق بنيته فيختبرنها النساء بإدخال قطنة في الفرج زمن دعواها الحيض فإن ظهر دم فهي حائض واختاره أبو بكر لأن الحيض يمكن معرفته من غيرها كدخول الدار وعلى الأول هي يعتبر يمينها فيه وجهان مبنيان على ما إذا ادعت أن زوجها طلقها وأنكرها وفاقا لأبي حنيفة وقوله قبل قولها في نفسها أي دون غيرها من طلاق أخرى أو عتق عبد نص عليه في الطلاق لأنها مؤتمنة في حق نفسها دون غيرها.
"وإن قال قد حضت فأنكرته طلقت بإقراره" لأنه أقر بما يوجب(7/314)
وإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت له حضت وكذبها طلقت دون ضرتها وإن قال إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فصدقهما طلقتا وإن كذبها لم تطلقا وإن كذب إحداهما طلقت وحدها وإن قال ذلك لأربع.
ـــــــ
طلاقها أشبه ما لو قال طلقتها "وإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت قد حضت وكذبها طلقت" لأن قولها مقبول في حق نفسها دون ضرتها أي أن الضرة لا تطلق إلا أن تقيم بينة على حيضها فإن ادعت الضرة أنها حاضت لم تقبل لأن معرفتها بحيض غيرها كمعرفة الزوج به وعنه: تختبر وعنه: إن أخرجت على خرقة دما طلقت الضرة اختاره في "التبصرة" وحكاه عن القاضي فإذا قال حضت وأنكرت طلقت بإقراره.
"وإن قال إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فصدقهما طلقتا" لأنهما أقرتا وصدقهما فوجدت الصفة في حقهما "وإن كذبهما لم تطلقا" ولا واحدة منهما لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين حيضها وحيض ضرتها ولا يقبل قول واحدة منهما في حق ضرتها فلم يوجد الشرطان.
"وإن كذب إحداهما طلقت وحدها" لأن قولها مقبول في حقها وقد صدق الزوج ضرتها فوجد الشرطان في حقها ولم تطلق المصدقة لأن قول المكذبة غير مقبول في حقها ولم يصدقها الزوج فلم يوجد شرط طلاقها.
فرع: إذا قال لزوجتيه إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان بحيضتين منهما عملا باليقين وفي "الكافي" و "المستوعب" يلغى قوله حيضة الرجعة كقوله إن حضتما قاله القاضي وقدمه في "الرعاية" زاد في "الكافي" فإن قال أردت إذا حاضت كل واحدة منهما حيضة قبل لأنه محتمل لذلك والأشهر تطلقان بالشروع فيهما وقيل بحيضة من واحدة وقيل لا تطلقان بحال كمستحيل.
"وإن قال ذلك لأربع" فقد علق طلاق كل واحدة منهن على حيض الأربع(7/315)
فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن وإن صدق واحدة أو اثنتين لم يطلق منهن شيء وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها وإن قال كلما حاضت إحداكن فضرائرها طوالق فقلن قد حضن فصدقهن طلقن ثلاثا ثلاثا وإن صدق واحدة لم تطلق وطلق ضراتها طلقة وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة منهما طلقة وطلقت المكذبتان طلقتين طلقتين وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا.
ـــــــ
"فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن" لأنه قد وجد حيضهن بتصديقه "وإن صدق واحدة أو اثنتين لم يطلق منهن شيء" لأن شرط طلاقهن حيض الأربع ولم يوجد وكذا إن كذب الكل "وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها" لأن قولها مقبول في حيضها وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت ولا تطلق المصدقات لأن قول المكذبة غير مقبول في حقهن.
فائدة: الأفصح في "صاحبة" أن تجمع على "صواحب" كضوارب ووقع لبعضهم صواحباتها وهي لغة قليلة.
"وإن قال كلما أو أيتكن حاضت إحداكن فضرائرها طوالق فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن ثلاثا ثلاثا" لأن حيض كل واحدة منهن صفة لطلاق البواقي ولكل واحدة ثلاث ضرائر وقد حضن فتطلق ثلاث تطليقات فإن كذبهن لم يطلق منهن شيء لأن قولهن غير مقبول في طلاق غيرهن "وإن صدق واحدة لم تطلق" لأنه ليس لها صاحبة ثبت حيضها "وطلق ضراتها طلقة طلقة" لأن لكل منهن صاحبة ثبت حيضها.
"وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة منهما طلقة" لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة "وطلقت المكذبتان طلقتين طلقتين" لأن لكل واحدة منهما ضرتين مصدقتين.
"وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا" لأن لها ثلاث ضرائر ثبت حيضهن وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين لأن لكل واحدة ضرتين مصدقتين.
فرع: العتق المعلق بالحيض كذلك.(7/316)
ـــــــ
تذنيب إذا قال لأربع أيتكن لم أطأها فضرائرها طوالق فإن قيده بوقت معين فمضى ولم يطأهن طلقن ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث موطوآت فإن وطىء ثلاثا وترك واحدة لم تطلق المتروكة لأنها ليس لها ضرة غير موطوءة وتطلق كل واحدة من الموطوآت طلقة طلقة وإن وطىء طلقتا طلقتين وإن أطلق تقيد بالعمر فإذا مات هو طلقن كلهن في آخر جزء من حياته وعنه: فيمن قال لعبيده أيكم أتاني بخبر كذا فهو حر فجاء به جماعة عتقوا ونقل حنبل أحدهم بقرعة فيتوجه مثله في نظائرها ذكرهما في "الإرشاد"(7/317)
فصل في تعليقه بالحمل
إذا قال إن كنت حاملا فأنت طالق فتبين أنها كانت حاملا تبينا وقوع الطلاق حين اليمين وإلا فلا.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالحمل
"إذا قال إن كنت حاملا فأنت طالق فتبين أنها كانت حاملا تبينا وقوع الطلاق حين اليمين" بأن تلد لأقل من ستة أشهر من حين اليمين فيقع الطلاق بوجود شرطه منذ حلف وكذا بينهما ولم يطأ "وإلا فلا" بأن تلد لأكثر من أربع سنين فإنها لا تطلق فإن ولدت بين المدتين وكان الزوج يطؤها فولدت لدون نصف سنة منذ وطئ وقع لعلمنا أنه ليس من الوطء وإن ولدته لأكثر منها فوجهان أصحهما لا تطلق لأن النكاح باق بيقين والظاهر حدوث الولد من الوطء لأن الأصل عدمه قبله ونصه يقع إن ظهر للنساء أو خفي فولدته لتسعة أشهر فأقل.(7/317)
وإن قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق فهي بالعكس ويحرم وطؤها قبل استبرائها في إحدى الروايتين إن كان الطلاق بائنا وإن قال إن كنت حاملا بذكر فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بأنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا وأنثى طلقت ثلاثا.
ـــــــ
"وإن قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق فهي بالعكس" فيما إذا كان الشرط عدميا فتطلق في كل موضع لا تطلق في المسألة: السابقة وعكسه بعكسه وفي "الكافي" كل موضع لا يقع ثمة يقع هنا وفيه وجهان أحدهما تطلق لأن الأصل عدم الحمل والثاني لا لأن الأصل بقاء النكاح.
"ويحرم وطؤها قبل استبرائها" في المسألتين "في إحدى الروايتين إن كان الطلاق بائنا" نص عليه لأنه يحتمل أن يكون شرط الطلاق حاصلا فيكون واطئا بائنا وشرط البينونة لأنه إذا كان رجعيا وقدر حصول الشرط يكون واطئا رجعية وهو حلال على المذهب وقال القاضي ولو رجعية مباحة منذ حلف وعنه: بظهور حمل.
ويكفي الاستبراء بحيضة ماضية أو موجودة نص عليه وقيل لا وذكره في "الترغيب" عن أصحابنا وعنه: تعتبر ثلاثة أقراء لأنها حرة أنهت العدة والصحيح الأول لأن المقصود معرفة براءة رحمها وذلك حاصل بحيضة لأن ما تعلم به البراءة في حق الأمة تعلم به في حق الحرة لأنه أمر حقيقي لا يختلف بالحرية والرق وأما العدة ففيها نوع تعبد وهل تعتد بالاستبراء قبل عقد اليمين أو بالحيضة التي حلف فيها على وجهين أصحهما الاعتداد به قاله في "الشرح" والثانية لا يحرم وطؤها لأن الأصل بقاء النكاح.
فرع: إذا قال إذا حملت لم يقع إلا بحمل متجدد ولا يطأ حتى تحيض ثم يطأ كل طهر مرة وعنه: يجوز أكثر
"وإن قال إن كنت حاملا بذكر فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بأنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا وأنثى طلقت ثلاثا" لوجود الصفة، واستحقا(7/318)
وإن كان مكان قوله إن كنت حاملا إن كان حملك لم تطلق إذا كانت حاملا بهما.
ـــــــ
من وصيته وإن ولدت ذكرا فطلقة وإن كانا ذكرين فطلقة وقيل اثنتان وإن ولدت أنثى أو اثنتين فطلقتين وقال ابن حمدان تطلق بالاثنتين ثلاثا "وإن كان مكان قوله: "إن كنت حاملا" إن كان حملك" أو ما في بطنك "لم تطلق إذا كانت حاملا بهما" وهو قول أبي ثور لأن حملها كله ليس بغلام ولا جارية وقال القاضي في وقوع الطلاق وجهان بناء على الروايتين فيمن حلف لا لبست ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه منه.(7/319)
فصل ففي تعليقه بالولادة
...
فصل في تعليقه بالولادة
إذا قال إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا ثم أنثى طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به ذكره أبو بكر.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالولادة
إذا علقه بها فألقت ما تصير به الأمة أم ولد وقع ويقبل قوله في عدم الولادة قال القاضي وأصحابه إن لم يقر بالحمل وإن شهد بها النساء وقع في ظاهر كلامه وقيل لا كمن حلف بطلاق ما غضب أو لا غضب فثبت ببينة ما لم تطلق في الأصح. "إذا قال إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا ثم أنثى" أو خنثى قاله في "الكافي" "طلقت بالأول" لأن شرطه ولادة ذكر وأنثى وقد وجد "وبانت بالثاني ولم تطلق به ذكره أبو بكر وصححه في "الكافي"(7/319)
وقال ابن حامد تطلق به وإن أشكل كيفية وضعهما وقعت واحدة بيقين ولغا ما زاد وقال القاضي قياس المذهب أن يقرع بينهما ولا فرق بين أن تلده حيا وميتا.
ـــــــ
و "الشرح" لأن العدة انقضت بوضعه فصادفها الطلاق بائنا كقوله إذا مت فأنت طالق. "وقال ابن حامد تطلق به" وأومأ إليه قاله في "المنتخب" لأن زمن البينونة زمن الوقوع فلا تنافي بينهما وفي "نكت المحرر" ويعايا بها على أصلنا إن الطلاق بعد الدخول ولا مانع والزوجان مكلفان لا عدة فيه ويقال طلاق بلا عوض دون الثلاث بعد الدخول في نكاح صحيح لا رجعة فيه فإن ولدتهما معا طلقت ثلاثا لوجود الشرطين وان سبق أحدهما بدون ستة أشهر وقع ما علق به وانقضت العدة بالثاني وإن كان بستة أشهر فالثاني من حمل مستأنف بلا خلاف فلا يمكن ادعاء أن تحبل بولد بعد ولد وفي الطلاق به وجهان إلا أن يقول لا تنقضي به عدة فيقع الثلاث وكذا في الأصح إن ألحقنا به لثبوت وطئه به فتثبت الرجعة على الأصح فيها واختار في "الترغيب" أن الحمل لا يدل على الوطء المحصل للرجعة.
"وإن أشكل كيفية وضعهما وقعت واحدة بيقين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و "الفروع" لأن من وقع بها طلقتان فيقع بها واحدة "ولغا ما زاد" على المذهب لأنه مشكوك فيه والأصل بقاء النكاح ولا يزول عنه بالشك لكن الورع أن يلتزمها ذكره في "الشرح" "وقال القاضي قياس المذهب أن يقرع بينهما" وأومأ إليه قال في "الفروع" وهو أظهر لأنه يحتمل كل واحد منهما احتمالا مساويا للآخر فيقرع بينهما كما لو أعتق أحد عبديه معينا ثم أنسيه.
"ولا فرق بين أن تلده حيا أو ميتا" لأن الشرط ولادة ذكر وأنثى وقد وجد ولأن العدة تنقضي به وتصير الجارية أم ولد فكذا هنا فلو قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة معا فثلاث وكذا إن لم يقل ولدا واختار المجد واحدة فإن قال أول ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق(7/320)
ـــــــ
واحدة وإن كانت أنثى فاثنتين فولدتهما معا لم تطلق لأنه لا أول فيهما فإن ولدتهما دفعتين طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق إلا على قول ابن حامد.
تنبيه: إذا قال لأربع نسوة كلما ولدت إحداكن فضرائرها طوالق فولدن دفعة واحدة طلقن ثلاثا ثلاثا وإن ولدن متعاقبات طلقت الأولى والرابعة ثلاثا ثلاثا والثانية طلقة والثالثة طلقتين فلو قال إن ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين على التعاقب طلقت بالأول وفرغت عدتها من الثاني ولم تطلق به في الأصح فإن كان بينهما نصف سنة فأكثر ودون أكثر مدة الحمل فهل يلحقه الثاني وتنقضي به العدة فيه وجهان.(7/321)
فصل في تعليقه بالطلاق
إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إذا قمت فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالطلاق
"إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إذا قمت فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين" لأنها تطلق واحدة بقيامها وأخرى بالصفة لأن الصفة تطليقة لها وتعليقه لطلاقها بقيامها إذا اتصل به القيام تطليق لها فلو قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق وقعت واحدة بالمباشرة وأخرى بالصفة إن كانت مدخولا بها لأنه جعل تطليقها شرطا لوقوع طلاقها وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم تقع الثانية لأنه لا عدة عليها فإن قال عنيت بأنه يقع عليك ما باشرتك به دين وفي الحكم روايتان.(7/321)
وإن قال إن قمت فأنت طالق ثم قال إذا طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت واحدة وإن قال إن قمت فأنت طالق ثم قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين وإن قال كلما طلقتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت طلقتين وإن قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب طلقت ثلاثا.
ـــــــ
فرع: إذا وكل من طلقها فهو كمباشرته لأن فعل الوكيل كموكله.
"وإن قال إن قمت فأنت طالق ثم قال إذا طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت واحدة" لقيامها ولم تطلق بتعليق الطلاق لأنه لم يطلقها بعد ذلك لأن هذا يقتضي ابتداء إيقاع ووقوع الطلاق هنا بالقيام إنما هو وقوع بصفة سابقة لعقد الطلاق شرطا.
"وإن قال إن قمت فأنت طالق ثم قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين" واحدة بالقيام والثانية بوقوع الطلاق عليها إن كانت مدخولا بها لأن الطلاق الواقع بها طلاقه فقد وجدت الصفة وإن كان غير مدخول بها فواحدة "وإن قال كلما طلقتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت طلقتين" إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة ولا تقع ثالثة لأن قوله كلما طلقتك تقتضي كلما أوقعت عليك الطلاق وهذا يقتضي تجديد إيقاع طلاق بعد هذا القول فلو قال لها بعد عقد الصفة إن خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج طلقة وبالصفة أخرى لأنه قد طلقها فلو قال كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق فهو كقوله كلما طلقتك فأنت طالق وذكر القاضي في هذا أنه إذا أوقع عليها طلاقه بصفة عقدها لم تطلق لأن ذلك ليس بإيقاع منه وفيه نظر فإنه قد أوقع عليها الطلاق بشرط فإذا وجد الشرط فهو الموقع للطلاق عليها.
"وإن قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب طلقت ثلاثا" لأنه إذا طلقها بمباشرة أو سبب طلقت واحدة فيصدق(7/322)
وإن قال كلما وقع عليك طلاقي أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم قال أنت طالق فلا نص فيها وقال أبو بكر والقاضي تطلق ثلاثا وقال ابن عقيل تطلق بالطلاق المنجز ويلغو ما قبله.
ـــــــ
أنه وقع عليها طلاقه فتطلق أخرى بالصفة وتقع الثالثة لأن كلما للتكرار وفي "الكافي" و "الشرح" لأن الثانية طلقة واقعة عليها فتقع بها الثالثة.
"وإن قال كلما وقع عليك طلاقي أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم قال أنت طالق فلا نص فيها" أي لم ينقل عن الإمام أحمد فيها شيء والصواب وقوع الطلاق لعمومات النصوص ولأن الله تعالى شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به فلا يجوز إبطالها وفي القول بعدمها إبطال لها ولأنه طلاق من مكلف مختار في محل النكاح صحيح فيجب أن يقع كما لو لم يعقد هذه الصفة.
"وقال أبو بكر والقاضي تطلق ثلاثا" واختاره الجمهور ذكره في "الترغيب" وجزم به في "المستوعب" عن أصحابنا لأنه وصف المعلق بصفة فيستحيل وصفه بها فإنه يستحيل وقوعها بالشرط قبله فلغت صفتها بالقبلية وصار كأنه قال إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثلاثا قيل معا وقيل المعلق وقيل المنجز ثم تتمتها من المعلق لكن إذا كان المنجز أقل من ثلاث كملت من المعلق وإن كان ثلاثا لم يقع من المعلق شيء لأنه لم يصادف محلا. "وقال ابن عقيل تطلق بالطلاق المنجز" لأن المحل صالح له "ويلغو ما قبله" أي تعليقه باطل لأنه طلاق في زمن ماض أشبه قوله أنت طالق أمس ولأنه لو وقع المعلق لمنع وقوع المنجز فإذا لم يقع المنجز بطل شرط المعلق فاستحال وقوع المعلق ولا استحالة في وقوع المنجز فيقع وقيل لا يقع شيء.
أما المنجز فلأنه لو وقع لوقع ثلاث قبله لوجود الشرط ولو كان كذلك لما وقع إذ لا مزيد على الثلاث فلزم من وقوعه عدم وقوعه فلم يقع وأما المعلق فإنه إذا(7/323)
وإن قال لأربع نسوة أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق ثم وقع على إحداهن طلاقه طلقن ثلاثا ثلاثا.
ـــــــ
لم يقع المنجز لم يوجد الشرط وهذا ما صححه الأكثرون من الشافعية وحكاه بعضهم عن النص وقاله الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين والقفال شيخ المراوزة قال في المهمات فكيف تسوغ الفتوى بما يخالف نص الشافعي وكلام الأكثرين ونصر في "الشرح" الأول وأكده بقوله إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وجد ما يفسخ النكاح من رضاع أو ردة فإنه يرد على ابن سريج فيها ولا خلاف في انفساخ النكاح قال القاضي ما ذكروه ذريعة إلى أنه لا يقع عليها الطلاق جملة ولو قال لزوجته الأمة إذا ملكتك فأنت طالق ثلاثا ثم ملكها طلقت في الاقيس وفي "المحرر" لا تطلق وجها واحدا.
تنبيه: إذا قال كلما طلقتك طلاقا أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت طلقتين إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة إلا أن تكون الطلقة بعوض أو غير مدخول بها فلا تقع ثانية وإن طلقها ثنتين طلقت الثالثة نصره في "الشرح" وهو الأصح وإن قال كلما طلقت ضرتك فأنت طالق ثم قال مثله للضرة ثم طلق الأولة طلقت الضرة طلقة بالصفة والأولة طلقتين بالمباشرة ووقوعه بالضرة تطليق لأنه أحدث فيها طلاقا بتعليقه طلاقها بائنا وإن طلق الثانية فقط طلقتا طلقة طلقة.
"وإن قال لأربع نسوة أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق ثم وقع على إحداهن طلاقه طلقن ثلاثا ثلاثا" لأنه إذا وقع طلاقه على واحدة وقع على صواحبها ووقوعه على واحدة منهن يقتضي وقوعه على صواحبها فيتسلسل الوقوع عليهن إلى أن تكمل الثلاث بكل واحدة.
فرع: لو كان له ثلاث نسوة فقال إن طلقت زينب فعمرة طالق وإن طلقت عمرة فحفصة طالق وإن طلقت حفصة فزينب طالق ثم طلق زينب طلقت عمرة ولم تطلق حفصة وإن طلق عمرة طلقت حفصة ولم تطلق زينب وإن طلق حفصة طلقت زينب ثم طلق عمرة وقع الطلاق(7/324)
وإن قال كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثا فثلاثة أحرار وكلما طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلقهن جميعا عتق خمسة عشر عبدا وقيل عشرة ويحتمل ألا يعتق إلا أربعة إلا أن تكون له نية.
ـــــــ
بالثلاث لأنه أحدث في زينب طلاقا بعد تعليقه طلاق عمرة بطلاقها.
"وإن قال كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثا فثلاثة أحرار وكلما طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلقهن جميعا" مجتمعات أو متفرقات "عتق خمسة عشر عبدا" هذا هو الأصح لأن فيهن أربع صفات هن أربع فيعتق أربعة وهن أربعة آحاد فيعتق أربعة أيضا وهن اثنتان واثنتان فيعتق كذلك وفيهن ثلاث فيعتق بذلك ثلاث وإن شئت قلت يعتق بالواحدة واحد وبالثانية ثلاثة لأن فيها صفتين هي واحدة وهي مع الأولى اثنتان ويعتق بالثالثة أربعة لأنها واحدة وهي مع الأولى والثانية ثلاث ويعتق بالرابعة سبعة لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة وهي مع الثانية اثنتان وهي مع الثلاث التي قبلها أربع قال في "المغني" وهذا أولى من الأول لأن قائله لا يعتبر صفة الطلاق الواحدة في غير الأولى ولا صفة التثنية في الثالثة والرابعة.
"وقيل عشرة" بالواحدة واحد وبالثانية اثنان وبالثالثة ثلاثة وبالرابعة أربعة وقيل يعتق سبعة عشر لأن صفة التثنية قد وجدت ثلاث مرات فإنها توجد فيضم الأولى إلى الثانية ويضم الثانية إلى الثالثة ويضم الثالثة إلى الرابعة وقيل عشرون لأن صفة الثلاثة وجدت مرة ثانية بضمه الثانية والثالثة إلى الرابعة وردهما في "المغني" و "الشرح" بأن كلا منهما غير سديد.
"ويحتمل ألا يعتق إلا أربعة" واختاره في "الرعاية" إن طلقن معا كقوله كلما اعتقت أربعة فأربعة أحرار لأن هذا الذي يسبق إلى أذهان العامة وهذا مع الإطلاق "إلا أن تكون له نية" فيعمل بها لأن مثل ذلك لا يراد منه عرفا غير ذلك ومتى لم يعين العبيد المعتقين أخرجوا بالقرعة والأول أصح قاله في(7/325)
وإن قال لامرأته إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين فإن قال أردت أنك طالق بذلك الطلاق الأول دين وهل يقبل في الحكم على روايتين.
ـــــــ
المغني لأن كلما تقتضي التكرار والصفات المتقدمة متكررة فيجب أن يتكرر الطلاق بتكرر الصفات فلو جعل مكانها إن لم يتكرر لعدم تكرارها ولم يعتق سوى عشرة كالقول الثاني.
تنبيه: لو قال كلما صليت ركعة فعبدي حر وهكذا إلى آخره فصلى عشرة عتق سبعة وثمانون عبدا على الأول ولو علق طلاقها بدخول الدار على صفات أربع بأن قال إن دخلها رجل فعبد من عبيدي حر وإن دخلها طويل فعبدان حران وإن دخلها أسود فثلاثة أحرار وإن دخلها فقيه فأربعة أحرار فدخلها رجل متصف بما ذكرنا عتق عشرة.
فرع: إذا قال إن طلقتك فعبدي حر ثم قال لعبده إن قمت فامرأتي طالق فقام طلقت وعتق ولو قال لعبده إن قمت فامرأتي طالق ثم قال لامرأته إن طلقتك فعبدي حر فقام العبد طلقت ولم يعتق العبد لأن وقوع الطلاق بالصفة إنما يكون تطليقا مع وجودها.
"وإن قال لامرأته إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين" لأنه علق طلاقها بصفتين مجيء طلاقه ومجيء كتابه وقد اجتمعتا في مجيء الكتاب وفي "الكافي" إذا ذهبت حواشيه أو انمحى كل ما فيه إلا ذكر الطلاق طلقت لأنه أتاها كتابه مشتملا على المقصود فإن انمحى ذكر الطلاق أو ضاع الكتاب لم تطلق لأن المقصود لم يأت.
"وإن قال أردت أنك طالق بذلك الطلاق الأول دين" لأنه محتمل وهو أعلم بإرادته "وهل يقبل في الحكم على روايتين" كذا في "الفروع" أشهرهما القبول لما ذكرنا والثانية لا يقبل لأنه خلاف الظاهر فلو علق طلاقها على قراءة الكتاب فقرأته أو قرئ عليها وقع إن كانت أمية وإن كانت(7/326)
ـــــــ
قارئة فوجهان قاله في "الترغيب" و "الرعاية" قال أحمد لا تتزوج حتى يشهد عندها شاهدا عدل لا حامل الكتاب وحده.(7/327)
فصل في تعليقه بالحلف
إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق قمت أو دخلت الدار طلقت في الحال وإن قال أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج فهل هو حلف فيه وجهان
ـــــــ
فصل في تعليقه بالحلف
"إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق إن قمت أو دخلت الدار" أو إن لم تدخلي الدار أو إن لم يكن هذا القول حقا "طلقت في الحال" لأنه حلف بطلاقها وكذا كل شرط فيه حث أو منع والأصح أو تصديق خبر أو تكذيبه وعلم منه أن كل شرط ممكن الوجود ممكن العدم يقع به الطلاق واستثنى جماعة ثلاث صور أحدها تعليقه على المشيئة لأن ذلك تمليك لا حلف الثاني تعليقه على الحيض لأنه تعليق بدعة الثالث تعليقه على الطهر لأنه طلاق سنة وأبى آخرون استثناءها ذكره الشيخ تقي الدين واختار العمل بعرف المتكلم وقصده في مسمى اليمين وأنه موجب أصول أحمد ونصوصه.
"وإن قال أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج فهل هو حلف فيه وجهان" أحدهما لا تطلق حتى تطلع الشمس أو يقدم الحاج قاله القاضي في "المحرر" واختاره ابن عقيل وقدمه في "المحرر" و "الفروع" لأن الحلف ما قصد به المنع من شيء أو الحث عليه وليس فيهما شيء من ذلك والثاني:(7/327)
وإن قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق أو قال إن كلمتك فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة وإن أعاده ثلاثا طلقت ثلاثا وإن قال لامرأتيه إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وأعاده طلقت كل واحدة طلقة وإن كانت إحداهما غير مدخول بها فأعاده بعد ذلك لم تطلق واحدة منهما.
ـــــــ
أنه حلف قاله القاضي في "الجامع" وأبو الخطاب وقدمه السامري لأنه علق على شرط ويسمى حلفا عرفا فتعلق الحكم به كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ولأن في الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة غير مستقلة دون الجواب أشبه قوله والله وبالله
وتالله.
"وإن قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق أو قال إن كلمتك فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة" لأنه حلف بطلاقها لكن لو قصد بإعادته إفهامها لم يقع ذكره أصحابنا بخلاف ما لو أعاده من علقه بالكلام وأخطأ بعض أصحابنا وقال فيها كالأولى ذكره في "الفنون" "وإن أعاده ثلاثا" أي غير المرة الأولى "طلقت ثلاثا" وحاصله أنه إذا أعاده ثلاثا طلقت اثنتين وإن أعاده أربعا طلقت ثلاثا لأن كل مرة يوجد فيها شرط الطلاق وينعقد شرط لطلقة أخرى هذا إذا كانت مدخولا بها وإلا بانت بالأولة.
"وإن قال لامرأتيه إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وأعاده طلقت كل واحدة طلقة" لأن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما وقد وجد وإن أعاده ثلاثا طلقتا طلقتين وإن أعاده أربعا فثلاث لوجود الشرط وهو الحلف.
"وإن كانت إحداهما غير مدخول بها وأعاده بعد ذلك لم تطلق واحدة منهما" لأن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما ولم يوجد المدخول بها لا يصح الحلف بطلاقها لأنها بائن فإن جدد نكاح البائن ثم قال لها إن كلمتك فأنت طالق فاختار المؤلف أنه لا تطلق وهو معنى كلامه في "الكافي" أنه لا يصح الحلف بطلاقها لأن الصفة لم تنعقد لأنها بائن وكذا جزم به في "الترغيب" أنه(7/328)
وإن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان وأعاده طلقت كل واحدة طلقتين وإن قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق أو فضرتها طالق وأعاده طلقت كل واحدة طلقت وإن قال لإحداهما إذا حلفت طلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال ذلك للأخرى طلقت الأولى وإن أعاده للأولى طلقت الأخرى.
ـــــــ
لا يصح التعليق بعد البينونة وإنما عللوا بذلك أن ما يقع به الطلاق لا تنعقد به الصفة كمسألة: الولادة في الأشهر وقيل تطلقان لأنه صار بهذا حالفا بطلاقهما وقد حلف بطلاق المدخول بها بإعادة قوله فطلقتا حينئذ.
"وإن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان وأعاده ثانيا طلقت كل واحدة طلقتين" لأنه بإعادته حالف بطلاق كل واحدة منهما وهو شرط لطلاقهما وكلمة "كلما" للتكرار فيتكرر طلاقهما لتكرر عددهما "وإن قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق أو فضرتها طالق وأعاده طلقت كل واحدة طلقة" لأن حلفه بطلاق واحدة طلاقها وحدها وما حلف بطلاقها إلا مرة فتطلق واحدة.
"وإن قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال ذلك للأخرى طلقت الأولى" لأن التعليق حلف وقد علق طلاق ضرتها فتطلق الأولى لوجود شرط طلاقها وهو تعليق طلاق ضرتها "وإن أعاده للأولى طلقت الأخرى" لأن ذلك تعليق لطلاقها وكلما أعاده لامرأة طلقت الأخرى إلى أن يبلغ ثلاثا وإن كانت إحداهما غير مدخول بها فطلقت مرة لم تطلق الأخرى لأنه ليس حلفا بطلاقها لكونها بائنا فلو قال كلما حلفت بطلاقكما فإحداكما طالق وكرره ثلاثا أو أكثر لم يقع شيء ذكره في "المحرر" و "الرعاية" و "الفروع" لأن هذا حلف طلاق واحدة ولم يوجد الحلف بطلاقهما وإن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فإحداكما طالق ثم قاله ثانيا وقعت بإحداهما طلقة وتعين بقرعة ذكره الأصحاب.
مسائل: إذا قال إن حلفت بطلاق زينب فنسائي طوالق ثم قال: إن حلفت(7/329)
ـــــــ
بطلاق عمرة فنسائي طوالق وإن حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق طلقت كل واحدة طلقتين فلو قال كلما حلفت لطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم قال ذلك مرة ثانية طلقن ثلاثا ثلاثا ولو كان مكان "كلما" "إن" وأعاده طلقن واحدة واحدة وإن قال بعد ذلك لإحداهن إن قمت فأنت طالق طلقت كل واحدة طلقة أخرى وإن قال كلما حلفت بطلاقكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك طلقت كل واحدة طلقة وإن قال بعد ذلك لإحداهن إن قمت فأنت طالق لم تطلق واحدة منهن وإن قال ذلك للاثنتين الباقيتين طلق الجميع طلقة طلقة.(7/330)
فصل في تعليقه بالكلام
إذا قال إن كلمتك فأنت طالق فتحققي ذلك أو زجرها فقال تنحي أو سكتي أو قال إن قمت فأنت طالق طلقت ويحتمل أن لايحنث بالكلام المتصل بيمينه لأن إتيانه به يدل على إرادته الكلام المنفصل عنها
ـــــــ
فصل في تعليقه بالكلام
"إذا قال إن كلمتك فأنت طالق فتحققي ذلك أو زجرها فقال تنحي أو اسكتي أو قال إن قمت فأنت طالق طلقت" لأنه علق طلاقها على كلامها وقد وجد لأن قوله تحققي وتنحي واسكتي وإن قمت فأنت طالق كلام لها بعد عقد اليمين إلا أن ينوي كلاما "ويحتمل ألا يحنث بالكلام المتصل بيمينه" وعلله بقوله "لأن إتيانه به يدل على إرادته الكلام المنفصل عنها" لأن القرينة تصرف عموم اللفظ إلى خصوصه إذ قرينة الحال تجعل المطلق كالمقيد بالمقال وإن سمعها تذكره فقال الكاذب عليه لعنة الله(7/330)
وإن قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقال إن بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه
إلا أن ينوي ويحتمل أن يحنث ببداءته إياها بالكلام في وقت آخر لأن الظاهر أنه أراد ذلك بيمينه وإن قال إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لتشاغله أو غفلته أو كاتبته أو راسلته حنث.
ـــــــ
حنث نص عليه لأنه كلمها.
فرع: إذا قال إن كلمتك فأنت طالق إن قمت فأنت طالق طلقت في الحال طلقة وأخرى بالقيام إن كان دخل بها فلو قال إن كلمتك فأنت طالق وأعاده ثانية فواحدة وإن ثالثا فثانية وإن رابعا فثالثة فتبين غير المدخول بها بطلقة ولا ينعقد ما بعدها ذكر القاضي وجزم به في "المغني" وقدمه في "المحرر" ثم قال الثانية بحيث إذا تزوجها وكلمها طلقت إلا على قول التميمي تحل الصفة مع البينونة فإنها قد انحلت بالثالثة لأنه قد كلمها ولا يجيء مثله في الحلف بالطلاق لأنه لا ينعقد لعدم إمكان إيقاعه قال في "الفروع" ويتوجه أنه لا فرق بينها وبين مسألة: الحلف السابقة.
"وإن قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقالت إن بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه" في الأصح لأنها كلمته فلم يكن كلامه لها بعد ذلك ابتداء "إلا أن ينوي" أنه لا يبدؤها في مرة أخرى وبقيت يمينها معلقة فإن بدأها بكلام انحلت يمينها وإن بدأته هي عتق عبدها ذكره الأصحاب "ويحتمل أن يحنث ببداءته إياها بالكلام في وقت آخر" وعلله بقوله "لأن الظاهر أنه أراد ذلك بيمينه" لأن الحلف بمثل ذلك يفهم منه قصد هجران بداءته كلامها وذلك يقتضي تعميم البداءة في المجلس وغيره.
"وإن قال إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لتشاغله وغفلته" أو لفظه أو ذهوله حنث نص عليه لأنها كلمته وإنما لم يسمع لشغل قلبه وغفلته "أو كاتبته أو راسلته حنث" لأن الكلام يطلق ويراد به(7/331)
وإن أشارت إليه احتمل وجهين وإن كلمته سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه أو مجنونا يسمع كلامها حنث وقيل لايحنث.
ـــــــ
ذلك بدليل صحة استثنائه منه في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} [الشورى: من الآية51] لأن القصد بيمينه هجرانه ولا يحصل ذلك مع مواصلته بالكتابة والرسل إلا أن يكون قصد أن تشافهه نص عليه ويحتمل ألا يحنث إلا أن ينوي ترك ذلك لأن هذا ليس بكلام حقيقة بدليل الحلف بالله.
فرع: إذا أرسلت إنسانا ليسأل أهل العلم عن حديث أو مسألة فجاء الرسول فسأل المحلوف عليه لم يحنث.
"وإن أشارت إليه" برمز "احتمل وجهين" كذا في "الفروع" أولاهما لا تطلق لأنه لم يوجد الكلام والثاني بلى لأنه يحصل به مقصود الكلام.
"وإن كلمته سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه أو مجنونا يسمع كلامها حنث" لأن الطلاق معلق على الكلام وقد وجد فإن كان السكران أو المجنون مصروعا لم يحنث وكذا إذا كانا لا يعلم واحد منهما أنها تكلمه والمجنون إذا لم يسمع كلامها صرح به في "المغني" في الآخرين وقيل لا يحنث اختاره القاضي وغيره لأن السكران والمجنون لا عقل لهما والأصم لا سمع له فلم يحنث بكلامها وقيل لا السكران.
فرع: إذا جنت هي وكلمته لم يحنث لأن القلم رفع عنها وإن كلمته سكرانة فقال في "الشرح" يحنث لأن حكمها حكم الصاحي وإن كلمت صبيا يسمع ويعلم أنها تتكلم حنث وكذا إن سلمت عليه لأنه كلام فإن كان تسليم الصلاة فلا حنث لأنه للخروج منها إلا أن ينوي بتسليمه على المأمومين فيكون كما لو سلم عليهم في غير الصلاة ويحتمل لا حنث بحال لأن هذا يعد تكليما ولا يريده الحالف.(7/332)
وإن كلمته ميتا أو غائبا أو مغمى عليه أو نائما لم يحنث وقال أبو بكر يحنث وإن قال لامرأته إن كلمتما هذين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة واحدا منهما طلقتا ويحتمل أن لايحنث حتى يكلما جميعا كل واحد منهما.
ـــــــ
"وإن كلمته ميتا أو غائبا أو مغمى عليها أو نائما لم يحنث" في الأصح لأن التكلم فعل يتعدى المتكلم وقيل هو مأخوذ من الكلم وهو الجرح لأنه يؤثر فيه كتأثير الجرح ولا يكون ذلك إلا باستماعه "وقال أبو بكر" وحكاه رواية "يحنث" لأن إشعاره معتبر لقوله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها وجوابه بأن تكليمه لهم كانت من معجزاته عليه السلام فإنه قال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولم يثبت هذا لغيره مع أن قول الصحابة له حجة لنا فإنهم قالوا ذلك استبعادا وسؤالا عما خفي عليهم سببه حتى كشف لهم حكمة ذلك بأمر مختص به فبقي الأمر فيمن سواه على النفي.
تتمة: إذا حلف لا يكلم إنسانا فكلم غيره وهو يسمع يقصد بذلك إسماعه كما يقال إياك أعني واسمعي يا جارة حنث نص عليه وعنه: لا كنية غيره والأول أصح لأنه أسمعه كلامه يريده به أشبه ما لو خاطبه به ولأن مقصود تكليمه قد حصل بإسماعه كلامه وإن حلف لا يكلم امرأته فجامعها لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها.
فرع: إذا حلف لا يقرأ كتاب زيد فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه به حنث لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس إلا أن ينوي حقيقة القراءة.
"وإن قال لامرأتيه إن كلمتما هذين فأنتما طالقتان" وقلنا لا يحنث ببعض المحلوف عليه "فكلمت كل واحدة واحدا منهما طلقتا" لأن تكليمهما وجد منهما وكما لو قال إن ركبتما هاتين الدابتين فأنتما طالقتان فركبت كل واحدة دابة "ويحتمل ألا يحنث حتى يكلما جميعا كل واحد منهما" لأنه علق طلاقهما بكلامه لهما فلا تطلق واحدة بكلام الأخرى وحدها كقوله:(7/333)
وإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق فنهاها فخالفته لم يحنث إلا أن ينوي مطلق المخالفة ويحتمل أن تطلق وقال أبو الخطاب إن لم يعرف حقيقة الأمر والنهي حنث.
ـــــــ
إن كلمتما زيدا وكلمتما عمرا وهذا أظهر الوجهين وهو أولى إن شاء الله تعالى إذا لم يكن له نية قال في "المغني" هذا معنى الخلاف فيما لو تجر العادة بانفراد الواحدة به فأما ما جرى العرف فيه بانفراد الواحدة به كلبس ثوبيهما وتقليد سيفيهما ونحوه لأن اليمين تحمل على العرف فأما إن قال إن أكلتما هذين الرغيفين فأكلت كل واحدة منهما رغيفا فإنه يحنث لأنه يستحيل أن تأكل واحدة منهما الرغيفين.
مسألة: إذا قال لا اختلفا هذا الخبز وهذا اللحم فكقوله لا أكلتهما هل يحنث بأحدهما فيه وجهان وكذا لو قال ولا هذا اللحم وقيل يحنث كما لو قال لا آكل شيئا منهما.
"وإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق فنهاها فخالفته لم يحنث إلا أن ينوي مطلق المخالفة" وهو المذهب لأنها خالفت نهيه لا أمره ولأنه يحنث إذا نوى مطلق المخالفة بغير خلاف لأن مخالفة النهي مخالفة ويحتمل أن تطلق قدمه في "الرعاية" لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي عنه أمر بضده فإذا تكون خالفت أمره.
"وقال أبو الخطاب إن لم يعرف حقيقة الأمر والنهي حنث" لأنه إذا كانت كذلك فإنما يريد نفي المخالفة فلو قال إن نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق فقالت له لا تعطها شيئا من مالي لم يحنث لأنه نفع محرم فلا يتناوله يمينه وقيل يحنث لأن لفظه عام.
فرع: إذا قال أنت طالق إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال كون محمد مع خالد لأنها حال من الجملة الأولى وقال القاضي تطلق بكلام زيد لأن الجملة الثانية استئناف لا تعلق لها بالأولى،(7/334)
ـــــــ
والأول أصح كما لو تقدم الشرط ولأنه متى أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى فلو قال أنت طالق إن كلمت زيد إلى أن يقدم فلان فكلمته قبل قدومه طلقت وإلا فلا لأن الغاية رجعت إلى الكلام لا إلى الطلاق بخلاف ما لو قدم الشرط فإنها تطلق بكلامه قبل قدوم فلان أو بعده لأن الغاية عادت إلى الطلاق والطلاق لا يرتفع بعده وقوعه.(7/335)
فصل في تعليقه بالإذن
...
فصل في تعليقه بالمشيئة
إذا قال أنت طالق إن شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو متى شئت لم تطلق حتى تقول قد شئت سواء شاءت على الفور أو التراخي ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالمشيئة
"إذا قال أنت طالق إن شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو متى شئت" أو أي وقت شئت "لم تطلق حتى تقول قد شئت" لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فيتعلق الحكم بما ينطق به دون ما في القلب فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم تطلق ولو شاءت وهي كارهة طلقت اعتبارا بالنطق ولو رجع قبل مشيئتها لم يصح رجوعه على الأصح كبقية التعليق "سواء شاءت على الفور أو التراخي" نص عليه في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وقاله الزهري وقتادة لأنه تعليق للطلاق على شرط أشبه سائر التعليقات ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة فكان على التراخي كالعتق "ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار" وهو قول الحسن وعطاء لأنه تمليك للطلاق فكان على الفور كاختاري والأول أصح وفرق بينهما في "المغني" و "الشرح" من حيث إن(7/335)
وإن أذن لها من حيث لا تعلم فخرجت طلقت ويحتمل ألا تطلق وقال ن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق فخرجت تريد الحمام وغيره طلقت وإن خرجت إلى الحمام ثم عدلت إلى غيره طلقت ويحتمل ألا تطلق.
ـــــــ
القاضي وجعل المستثنى محلوفا عليه.
"وإن أذن لها من حيث لا تعلم فخرجت طلقت" نص عليه لأن الإذن هو الإعلام مع أن إذن الشارع وأوامره ونواهيه لا يثبت حكمها إلا بعد العلم بها وكذا إذن الآدمي ولأنها قصدت بخروجها مخالفته وعصيانه أشبه ما لولم يأذن لها في الباطن لأن العبرة بالقصد لا بحقيقة الحال "ويحتمل ألا تطلق" قدمه الحلواني لأنه يقال أذن لها ولم يعلم به وإن أذن لها في الخروج فلم تخرج حتى نهاها عنه ثم خرجت فوجهان أحدهما لا يحنث لأنه قد أذن لها والثاني بلى لأن هذا الخروج جرى مجرى خروج ثان وهو محتاج إلى إذن.
فرع: إذا قال كنت أذنت لك قبل ببينة ويحتمل الاكتفاء بعلمه للبينة.
"وإن قال إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق فخرجت تريد الحمام وغيره طلقت" في الأشهر لأنها خرجت إلى غير الحمام وانضم إليه غيره فحنث كما لو حلف لا يكلم زيدا فكلم زيدا وعمرا والوجه الثاني لا لأنها ما خرجت الحمام بل الخروج مشترك وظاهره أنها إذا خرجت الحمام أنها تطلق سواء عدلت إلى الحمام أو لا.
"وإن خرجت إلى الحمام ثم عدلت إلى غيره طلقت" هذا ظاهر ما روي عن أحمد وهو قياس المذهب لأن ظاهر هذه المنع من غير الحمام فكيفما صارت إليه حنث كما لو خالف في لفظه "ويحتمل ألا تطلق" أطلق في "المحرر" الخلاف لأنها لم تفعل ما حلف عليه إذ هو عبارة عن الخروج إلى غير الحمام ولم يوجد.(7/336)
ـــــــ
مسألة: قال أحمد في رجل حلف بالطلاق ألا يأتي أرمينية إلا بإذن امرأته فقالت امرأته اذهب حيث شئت فقال لا حتى تقول إلى أرمينية قال القاضي هذا من كلام أحمد محمول على أن هذا خرج مخرج الغضب والكراهة ولو قالت هذا بطيب قلبها كان إذنا منها وله الخروج وإن كان بلفظ عام.(7/337)
فصل في تعليقه بالمشيئة
إذا قال أنت طالق إن شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو متى شئت لم تطلق حتى تقول قد شئت سواء شاءت على الفور أو التراخي ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالمشيئة
"إذا قال أنت طالق إن شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو متى شئت" أو أي وقت شئت "لم تطلق حتى تقول قد شئت" لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فيتعلق الحكم بما ينطق به دون ما في القلب فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم تطلق ولو شاءت وهي كارهة طلقت اعتبارا بالنطق ولو رجع قبل مشيئتها لم يصح رجوعه على الأصح كبقية التعليق "سواء شاءت على الفور أو التراخي" نص عليه في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وقاله الزهري وقتادة لأنه تعليق للطلاق على شرط أشبه سائر التعليقات ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة فكان على التراخي كالعتق "ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار" وهو قول الحسن وعطاء لأنه تمليك للطلاق فكان على الفور كاختاري والأول أصح وفرق بينهما في "المغني" و "الشرح" من حيث إن(7/337)
وأن قال أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شئت فقال قد شئت لم تطلق وإن قال أنت طالق إن شئت وشاء أبوك لم تطلق حتى يشاءا .
ـــــــ
"اختاري" ليس شرط وإنما هو تخيير محض فيتقيد بالمجلس كخيار المجلس بخلاف المشيئة فإنها هنا شرط فوجب حملها على "إن" فإن قيد المشيئة بوقت تقيد به.
"وإن قال أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شئت فقال قد شئت لم تطلق" نص عليه لأنه لم يوجد منها مشيئة وإنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط وليس بمشيئة لا يقال إذا وجد الشرط يجب أن يوجد مشروطه لأن المشيئة أمر حقيقي فلا يصح تعليقها على شرط ووجه الملازمة إذا صح التعليق وكذا إن قالت قد شئت إن طلعت الشمس نص عليه وهو قول سائر الفقهاء وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه.
"وإن قال أنت طالق إن شئت وشاء أبوك لم تطلق حتى يشاءا" لأن الصفة بمشيئتهما فلا تطلق بمشيئة أحدهما لعدم وجود الشرط وخرج القاضي أنها تطلق بمشيئة أحدهما كفعل بعض المحلوف عليه وعلى الأول كيف شاءا طلقت فإن شاء أحدهما على الفور والآخر على التراخي وقع لأن المشيئة وجدت منهما جميعا.
فروع: إذا قال إذا ضاجعتك على فراش فأنت طالق فاضطجعت هي معه فقام لوقته لم يحنث وإلا حنث.
ولو اختصم رجلان فقال أحدهما للآخر زوجة السفلة بكسر السين مع إسكان الفاء منا طالق فقال الآخر نعم قال أحمد السفلة الذي لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه وقال في رواية عبد الله هو الذي يدخل الحمام بلا مئزر ولا يبالي على أي معصية رئي.
إذا حلف بالطلاق ليفعلن محرما في وقت معين لم يحل له فعله وتطلق،(7/338)
وإن قال أنت طالق إن شاء زيد فمات أو جن أو خرس قبل المشيئة لم تطلق وإن شاء وهو سكران خرج على الروايتين في طلاقه وإن كان صبيا يعقل المشيئة فشاء طلقت وإلا فلا وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء زيد فمات أو جن أو خرس طلقت.
ـــــــ
نص عليه فيمن حلف بالطلاق ليطأن زوجته في وقت بعينه فإذا هي حائض قال لا يطؤها وتطلق فإن فعله فقد عصى الله ولم تطلق وإن لم يعين وقتا لفعله لم يحنث إلا في آخر وقت الإمكان.
"وإن قال أنت طالق إن شاء زيد فمات أو جن أو خرس قبل المشيئة لم تطلق" اختاره ابن حامد لأن شرط الطلاق لم يوجد وقال أبو بكر يقع لأنه علقه على شرط تعذر الوقوف عليه فوقع كقوله أنت طالق إن شاء الله تعالى وليس بصحيح لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه كالمعلق على دخول الدار وعلم منه أنه إذا شاء وهو مجنون لا يقع طلاقه لأنه لا حكم لكلامه ويستثنى منه أنه إذا فهمت إشارة أخرس فهي كنطقه وقيل إن خرس بعد يمينه فلا وإن شاء وهو سكران خرج على الروايتين في طلاقه قاله أصحابنا لأن قوله قد شئت يترتب عليه وقوع الطلاق فوجب كونه بمنزلة نفس الطلاق قال في "المغني" والصحيح أنه لا يقع لأنه زائل العقل أشبه المجنون ثم الفرق بين إيقاع طلاقه وبين المشيئة أن إيقاعه عليه تغليظ عليه لئلا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه وهنا إنما يقع الطلاق بغيره فلا يصح منه في حال زوال عقله "وإن كان صبيا" أي مميزا قاله في "الكافي" وغيره "يعقل المشيئة فشاء طلقت" لأن له مشيئة بدليل صحة اختياره لأحد أبويه والثانية لا لأن شرطه التكليف "وإلا فلا" أي إذا كان صبيا لا يعقل المشيئة لم تطلق كالمجنون.
"وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء زيد فمات أو جن أو خرس طلقت" في الحال لأنه أوقع الطلاق وعلقه بشرط ولم يوجد وقيل في آخر حياته وقيل يتبين حنثه منذ حلف.(7/339)
وإن قال أنت طالق واحدة إلا أن يشاء ثلاثا فشاء ثلاثا طلقت ثلاثا في أحد الوجهين وفي الآخر لا تطلق وإن قال أنت طالق إن شاء الله طلقت وإن قال لأمته أنت حرة إن شاء الله عتقت وحكي عنه أنه يقع العتق دون الطلاق.
ـــــــ
فرع: إذا قال أنت طالق وعبدي حر إن شاء زيد ولاينه فشاءهما ونقل أبو طالب أو تعذر بموت ونحوه اختاره أبو بكر وابن عقيل وحكي عنه أو غاب وقعا.
"وإن قال أنت طالق واحدة إلا أن يشاء ثلاثا فشاء ثلاثا طلقت ثلاثا في أحد الوجهين" وكذا عكسه قدمه في "الكافي" و "الرعاية" و "الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن هذا هو السابق إلى الفهم من ذلك كما لو قال له علي درهم إلا أن يقيم بينة بثلاثة وخذ درهما إلا أن يريد أكثر منه.
"وفي الآخر لا تطلق" لأن الاستثناء من الإثبات نفي ولأنه علق وقوع الواحدة على عدم مشيئتها الثلاث ولم يوقع بمشيئتها شيئا أشبه قوله إلا أن يشاء زيد فأما إذا لم يشأ زيد أو شاء أقل من ثلاث فواحدة.
"وإن قال أنت طالق إن شاء الله طلقت وإن قال لأمته أنت حرة إن شاء الله عتقت" نص عليه وفي "زاد المسير" لا تختلف الرواية فيه وهو قول سعيد والحسن ومكحول وقتادة والزهري والأوزاعي لما روى أبو حمزة قال سمعت ابن عباس يقول إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فهي طالق رواه أبو حفص وروى ابن عمر وأبو سعيد قالا كنا معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزا في كل شيء إلا في الطلاق والعتاق ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق حالا ومآلا فلم يصح كاستثناء الكل ولأنه تعليق على ما لا سبيل إلى علمه أشبه تعليقه على المستحيل.
"وحكي عنه أنه يقع العتق دون الطلاق" وعلله أحمد بأن العتق لله تعالى والطلاق ليس هو لله ولا فيه قربة إليه ولأنه لو قال لأمته كل ولد تلدينه فهو(7/340)
وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت وإن قال إن لم يشأ الله فعلى وجهين.
ـــــــ
حر فهذا تعليق للحرية على الملك وهو صحيح ولأن نذر العتق يلزم الوفاء به بخلاف الطلاق فافترقا قال في "المحرر" ولا يصح عن أحمد التفرقة بينهما لكن حكاها أبو حامد الإسفراييني قال أبو الخطاب في "الانتصار" ولقد أبطل في حكاية ذلك عنه وعكس في "الترغيب" هذه الرواية وقال يا طالق إن شاء الله تعالى أولى بالوقوع وعنه: لا يقعان اختاره أكثر العلماء كما لو علقه على مشيئة زيد ولقوله عليه السلام: "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه من حديث ابن عمر وإسناده ثقات قال الشيخ تقي الدين ويكون معناه هي طالق إن شاء الله الطلاق بعد هذا والله لا يشاؤه إلا بتكلمه به.
والجواب عنه: أن الطلاق والعتاق ليسا من الإيمان قاله أحمد وإن سمي بذلك فمجاز ثم إن الطلاق إنما يسمى يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن فعله وتركه ومجرد قوله أنت طالق ليس بيمين حقيقة ولا مجازا وكذا إذا قدم الاستثناء كقصده تأكيد الإيقاع وذكر الخرقي أن أكثر الروايات عن أحمد توقف عن الجواب عنها.
"وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت" في المنصوص لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم قال أحمد قال قتادة قد شاء الله الطلاق حين أذن فيه قال ابن حمدان ويحتمل ألا تطلق كالأول.
"وإن قال إن لم يشاء الله" أو ما لم يشاء الله "فعلى وجهين" أحدهما تطلق قدمه في "الكافي" وصححه في "الفروع" لتضاد الشرط والجزاء فلغا تعليقه بخلاف المستحيل والثاني لا لأنه بمنزلة تعليقه الطلاق على المحال كقوله إن جمعت بين الضدين أو شربت ماء الكوز ولا ماء فيه قال في "الرعاية" وكذا العتق.(7/341)
وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت فهل تطلق على روايتين وإن قال أنت طالق لرضى زيد أو مشيئته طلقت في الحال وإن قال أردت الشرط دين وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين وإن قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار فأنت طالق.
ـــــــ
"وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق" أو حرة "إن شاء الله فدخلت فهل تطلق على روايتين" إحداهما تطلق قدمه في "الرعاية" لما تقدم والثانية لا لأن الطلاق المعلق بشرط يمين فيدخل في عموم الخبر وفارق إذا لم يعلقه فإنه ليس بيمين فلا يدخل في العموم قال في "المحرر" و "الفروع" إلا أن ينوي رد المشيئة إلى الفعل فلا تطلق كقوله أنت طالق لا فعلت أو لأفعلن إن شاء الله وإن أراد بالاستثناء والشرط رده إلى الطلاق فقط ففيه الخلاف وإن لم تعلم نيته والظاهر رجوعه إلى الفعل.
غريبة: إذا قال أنت طالق يوم أتزوجك إن شاء الله فتزوجها لم تطلق وإن قال أنت حر يوم أشتريك إن شاء الله فاشتراه عتق.
"وإن قال أنت طالق لرضى زيد أو مشيئته" أو لدخول الدار "طلقت في الحال" لأن معناه أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو رضيه وذلك كقوله هو حر لوجه الله أو لرضى الله بخلاف قوله: لقدوم زيد.
"وإن قال أردت الشرط" فيما ظاهره التعليل "دين" لأنه أعلم بمراده وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين أصحهما يقبل لأن ذلك يستعمل للشرط كقوله أنت طالق للسنة والثانية لا وجزم به في "الوجيز" لأنه خلاف الظاهر.
فرع: إذا قال إن رضي أبوك فأنت طالق فقال ما رضيت ثم قال رضيت وقع لأنه مطلق وكان متراخيا ذكره في "الفنون" وإن قوما قالوا ينقطع بالأول.
"وإن قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار" أو تبغضين الجنة "فأنت(7/342)
أو قال إن كنت تحبينه بقلبك فقالت أنا أحبه فقد توقف أحمد وقال القاضي تطلق والأولى أنها لا تطلق إذا كانت كاذبة.
ـــــــ
طالق أو قال إن كنت تحبينه بقلبك فقالت أنا أحبه فقد توقف أحمد عنها" لتعارض الأدلة عنده وسئل عنها فلم يجب فيها بشيء "وقال القاضي تطلق" قدمه في "الرعاية" وجزم به في "الوجيز" وفي "الفنون" هو مذهبنا لأن ما في القلب لا يوقف عليه إلا من اللفظ فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به صادقة أو كاذبة كالمشيئة.
"والأولى أنها لا تطلق إذا كانت كاذبة" وهو المذهب وقاله أبو ثور لأن المحبة في القلب ولا توجد من أحد محبة ذلك وخبرها بالمحبة كاذب لا يلتفت إليه واختار في "الفنون" أنها لا تطلق لاستحالته عادة كقوله إن كنت تعتقدين أن الجمل يدخل في خرم الإبرة فأنت طالق فقالت أعتقده فإن عاقلا لا يجوز فضلا عن اعتقاده ثم إن قال كذبت لم تطلق وهي يعتبر نطقها أو تطلق بإقرار الزوج فيه احتمالان وقيل لا تطلق إن لم يقل بقلبك.
فرع: إذا قال إن كنت تحبين زيدا أو تبغضيني فأنت طالق فأخبرته به طلقت وإن كانت كاذبة فإذا قال أنت طالق إن أحببت أو إن أردت أو إن كرهت احتمل أن يتعلق الطلاق بلسانها كالمشيئة واحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك ويكون اللسان دليلا عليه فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده طلقت ولو أخبرت به ثم قالت كنت كاذبة لم تطلق ذكره في "الشرح".
فرع: إذا قالت أريد أن تطلقني فقال إن كنت تريدين فأنت طالق فيقتضي أنها تطلق بإرادة مستقبلة ودلالة الحال على أنه أراد إيقاعه للإرادة التي أخبرته بها قاله في "الفنون" قال ولو قال إن كان أبوك يرضى بما فعلتيه فأنت طالق فقال ما رضيت ثم قال رضيت طلقت لأنه علقه على رضى مستقبل وقد وجد بخلاف إن كان أبوك راضيا به لأنه ماض وتعليق كطلاق ويصح بالموت.(7/343)
فصل في مسائل متفرقة
إذا قال أنت طالق إذا رأيت الهلال طلقت إذا رؤي إلا أن ينوي حقيقة رؤيتها فلا يحنث. وإن قال: من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فأخبره به امرأتاه، طلقت
ـــــــ
فصل في مسائل متفرقة
"إذا قال أنت طالق إذا رأيت الهلال طلقت إذا رؤي" بعد الغروب أو أكملت العدة لأن رؤيته في الشرع عبارة عما يعلم به دخوله لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" فانصرف لفظ الحالف إلى عرف الشرع كما لو قال: إذا صليت فأنت طالق فإنه ينصرف إلى الشرعية وفارق رؤية زيد فإنه لم يثبت له عرف شرعي "إلا أن ينوي حقيقة رؤيتها فلا يحنث حتى تراه" لأنها رؤية حقيقية ويقبل ذلك حكما على الأصح وقيل يقبل بقرينة ويتعلق الحكم برؤيتها له بعد الغروب لأن هلال الشهر ما كان في أوله وقيل تطلق برؤيتها له قبل الغروب لأنه يسمى رؤية والحكم يتعلق برؤيته في الشرع فإن قال أردت إذا رأيته أنا بعيني فلم يره حتى أقمر لم تطلق لأنه ليس بهلال وهو هلال إلى الثالثة ثم يقمر وقيل إلى الثانية وقيل إذا استدار وبهر ضوؤه.
فرع: إذا قال إذا رأيت فلانا فأنت طالق فرأته ولو ميتا أو في ماء أو زجاج شفاف طلقت إلا مع نية أو قرينة لا خياله في ماء ومرآة وفي مجالستها له وهي عمياء وجهان أصحهما لا حنث.
"وإن قال من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فأخبره به امرأتاه طلقت(7/344)
الأولى منهما إلا أن تكون الثانية هي الصادقة وحدها فتطلق وحدها وإن قال من أخبرتني بقدومه فهي طالق فكذلك عند القاضي وعند أبي الخطاب تطلقان
ـــــــ
الأولى منهما" إذا كانت صادقة لأن البشارة خبر تتغير به بشرة الوجه من سرور أو غم وإنما يحصل بالأول لأنها عند الإطلاق للخير كقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: من الآية17] الزمر فإن أريد الشر قيدت قال تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: من الآية34] "إلا أن تكون الثانية هي الصادقة وحدها فتطلق وحدها" لحصول الغرض ببشارتها وإن كانتا كاذبتين لم تطلق واحدة منهما لأنه لا سرور في الكذب وعلم منه أنه إذا بشره نساؤه معا طلقن لأن "من" تقع على الواحد فما زاد لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7]ويتوجه تحصل البشارة بالمكاتبة وإرسال رسول بها "وإن قال من أخبرتني بقدومه فهي طالق فكذلك عند القاضي" وجزم به في "الوجيز" لأن المراد من الخبر الإعلام ولا يحصل إلا بالخبر الصادق "وعند أبي الخطاب تطلقان" أي تطلق الصادقة والكاذبة لأن الخبر يدخله الصدق والكذب قال في "المحرر" وعندي يطلقن مع الصدق ولا تطلق منهما كاذبة وفي "المستوعب" حكى ابن أبي موسى فيمن قال لعبيده أيكم جاءني بخبر كذا فهو حر فجاءه به اثنان أو أكثر فيه روايتان إحداهما يعتق واحد منهم بالقرعة والثانية يعتقون جميعا ولم يفرق بين الصدق والكذب ولا بين المتقدم والمتأخر.
تنبيه: إذا قال أول من تقوم منكن فهي طالق فقام الكل دفعة واحدة لم تطلق واحدة منهن وإن قامت واحدة ولم يقم أحد بعدها فوجهان فإن قلنا لا يقع لم يحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه حتى ييأس من قيام واحدة منهن فتنحل يمينه وكذا العتق وإن قام اثنتان أو ثلاثة معا وقام بعدهن أخرى وقع بمن قام أولا والعتق كذلك وقال القاضي فيمن قال أول من يدخل من عبيدي فهو حر فدخل اثنان دفعة واحدة ثم دخل آخر لم يعتق واحد منهن، وهو(7/345)
وإن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا حنث في الطلاق والعتاق ولم يحنث في اليمين المكفرة في ظاهر المذهب وعنه: يحنث في الجميع وعنه: لايحنث في الجميع
ـــــــ
بعيد وإن قال آخر من تدخل منكن الدار فهي طالق فدخل إحداهن لم يحكم بطلاق واحدة منهن حتى ييأس من دخول غيرها فيتبين وقوع الطلاق بآخرهن دخولا من حين دخولها.
"وإن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا أو جاهلا حنث في الطلاق والعتاق ولم يحنث في اليمين المكفرة في ظاهر المذهب" نقله عن أحمد جماعة واختاره الخلال وصاحبه وذكر القاضي في "المجرد" أنه هو المعمول به في المذهب لأن الكفارة تجب لرفع الإثم ولا إثم عليهما وأما الطلاق والعتاق فهو معلق بشرط فيقع بوجود شرطه من غير قصد كما لو قال أنت طالق إن قدم الحاج ولأن هذا يتعلق به حق آدمي فتعلق الحكم مع النسيان كالإتلاف.
"وعنه: يحنث في الجميع" قدمها في "الرعاية" لأنه فعل ما حلف عليه قاصدا لفعله أشبه الذاكر وكالطلاق والعتاق وحينئذ يلزمه الكفارة في اليمين المكفرة وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد والزهري وعنه: لا يحنث في الجميع وقاله عطاء وعمرو بن دينار ولقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: من الآية5] ولقوله عليه السلام: "إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" قاصد للمخالفة أشبه النائم ولأنه أحد طرفي اليمين فاعتبر به القصد كحالة الابتداء على الأول ولو فعله حين جنونه لم يحنث كالنائم وقيل هو كالناسي وإن حلف على غيره ممن يقصد منعه كالزوجة والولد ففعله ناسيا أو جاهلا فعلى الخلاف قال في "الرعاية" وإن قصد بمنعهم أن لا يخالفوه أو فعلوه كرها لم يحنث وعنه: يحنث المكره،(7/346)
وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا ولا يكلمه ولا يسلم عليه أو لا يفارقه حتى يقضيه حقه فدخل بيتا هو فيه ولم يعلم أو سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم أو قضاه حقه ففارقه فخرج رديئا أو أحاله بحقه ففارقه ظنا منه أنه قد بر خرج على الروايتين في الناسي والجاهل وإن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه لم يحنث.
ـــــــ
فيتخرج ألا يحنث إلا في الطلاق والعتاق قال في "المستوعب" فإن كان يمكنه الامتناع فلم يمتنع فوجهان فإن قلنا لا يحنث فأقام بعد دخولها فهل يحنث ينبني على ما إذا حلف لا يدخل الدار وهو فيها وإن عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه فكمن حلف على مستقبل وفعله ناسيا يحنث في طلاق وعتاق فقط.
"وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا ولا يكلمه ولا يسلم عليه أو لا يفارقه حتى يقضيه حقه فدخل بيتا هو فيه ولم يعلم أو سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم أو قضاه حقه ففارقه فخرج رديئا أو أحاله بحقه ففارقه ظنا منه أنه قد بر خرج على الروايتين في الناسي والجاهل" قاصد للمخالفة أشبه الناسي وظاهره أنه إذا دخل بيتا هو فيه عالما حنث وصرح به غيره لأن شرط الحنث أنه قد وجد سالما عن المعارض وكذا ما بعده لأنه معطوف عليه فإن نوى السلام على الجميع أو كلامهم حنث رواية واحدة وإن نوى غيره فلا وإن أطلق فالخلاف وإن علم به ولم ينوه ولم يستثنه بقلبه فروايتان أصحهما الحنث وكذا إن حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبيا أو حلف لا بعت لزيد ثوبا فوكل زيد من يدفعه إلى من يبيعه فدفعه إلى الحالف فباعه من غير علمه.
"وإن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه لم يحنث" نص عليه في رواية صالح وحنبل اختاره أبو الخطاب كالإثبات ولأنه عليه السلام كان يخرج رأسه وهو معتكف إلى عائشة لترجله وهي حائض والمعتكف ممنوع من الخروج من المسجد والحائض عكسه.(7/347)
وعنه يحنث إلا أن ينوي جميعه وإن حلف ليفعلنه لم يبر حتى يفعل جميعه وإذا حلف لا يدخل دارا فأدخلها بعض جسده أو لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه منه أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه خرج على الروايتين وإن حلف لا شربت ماء هذا النهر فشرب منه حنث.
ـــــــ
"وعنه: يحنث" اختاره الخرقي وصححه في "المغني" لأن اليمين تقتضي المنع من المحلوف عليه فاختص المنع بشيء منه كالنهي "إلا أن ينوي جميعه" فعلم منه أن الخلاف إنما هو في اليمين المطلقة فإن نوى الجميع أو البعض عمل بنيته وكذا إن كانت قرينة وعلى الأولى لو حلف على من يمتنع بيمينه كزوجة وقرابة وقصد منعه ولا نية ولا سبب ولا قرينة لم يحنث بفعل بعضه.
"وإن حلف ليفعلنه لم يبر حتى يفعل جميعه" لأن ذلك حقيقة اللفظ ولأن مطلوبه تحصيل الفعل فهو كالأمر ولو أمر الله تعالى بشيء لم يخرج عن العهدة إلا بفعل جميعه فكذا هنا.
"وإذا حلف لا يدخل دارا فأدخلها بعض جسده أو لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه منه أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه خرج على الروايتين" في فعل بعض المحلوف عليه والمذهب أنه لا يحنث كما لو حلف لا يبيع عبده ولا يهبه فباع أو وهب بعضه "وإن حلف لا شربت ماء هذا النهر فشرب منه حنث" وجها واحدا لأن فعل الجميع ممتنع فلا تصرف اليمين إليه وكذلك إن قال والله لا آكل الخبز ولا أشرب الماء مما علق على اسم جنس أو جمع كالمسلمين فإنه يحنث بفعل البعض فإن نوى فعل الجميع أو كان في لفظه ما يقتضي ذلك لم يحنث إلا بفعل الجميع بلا خلاف.
فرع: إذا حلف لا شربت من ماء الفرات فشرب منه حنث سواء كرع منه أو اغترف منه فشربه وإن شرب من نهر يأخذ منه حنث في وجه، اقتصر(7/348)
وإن حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد أو نسجه أو لا يأكل طعاما طبخه زيد فلبس ثوبا نسجه هو وغيره أو اشترياه أو أكل من طعام طبخاه فعلى روايتين فإن اشترى غيره شيئا فخلطه بما اشتراه فأكل أكثر مما اشتراه شريكه حنث.
ـــــــ
عليه في "المستوعب" كما لو حلف لا يشرب من شيء فاستقى أو لا يشرب من شاة فحلب وشربه والثاني لا يحنث لأنه يضاف إلى النهر لا إلى الفرات وكغيره فلو حلف لا يأكل من هذه النخلة فلقط من تحتها وأكل حنث بخلاف أكل ورقها وأطراف أغصانها.
مسألة: إذا قال إن قربت بكسر الراء دار أبيك فأنت طالق لم يقع حتى تدخلها فلو قاله بضم الراء وقع بوقوفها تحت فنائها ولصوقها بجدارها لأن مقتضاهما كذلك ذكرهما في "الروضة" ولم يذكر الجوهري قرب بالكسر بمعنى دخل ولعله عرف خاص.
"وإن حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد أو نسجه أو لا يأكل طعاما طبخه زيد فلبس ثوبا نسجه هو وغيره أو اشترياه أو أكل من طعام طبخاه فعلى روايتين" أشهرهما يحنث جزم به في "الوجيز" كما لو حلف لا يلبس شيئا من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها والثانية لا يحنث لأنه لم يلبس ثوبا كاملا كما لو حلف لا يلبس ما خاطه زيد فإنه يحنث بكل ثوب خاطاه جميعا بخلاف ما لو قال ثوبا خاطه زيد وإذا حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد فأكل طعاما اشتراه هو وغيره حنث إلا أن يكون أراد أن لا ينفرد أحدهما بشراء وذكر أبو الخطاب احتمالا لا حنث لأن كل جزء لم ينفرد أحدهما بشرائه كما لو حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد فلبس ثوبا اشتراه هو وغيره.
"فإن اشترى غيره شيئا فخلطه بما اشتراه فأكل أكثر مما اشتراه شريكه" حنث وجها واحدا لأنه يعلم بالضرورة أنه أكل مما اشتراه زيد وهو شرط الحنث.(7/349)