وإن أعتق العبد أو تلف المبيع رجع بأرشه وكذلك إن باعه غير عالم بعيبه نص عليه، وكذلك
ـــــــ
آخر كزنى الأمة ولم يكن ذلك عرف منها وفيه احتمال ونسيان صنعة وكتابة وعنه يرده ولا شيء عليه وعلله القاضي بأنه ليس بنقص في العين ويمكن عوده بالتذكير وكذا لو كان سمينا فهزل والعيب بعد العقد قبل قبض المشتري كالعيب قبله فيما ضمانه على البائع.
وقال جماعة: لا أرش إلا أن يتلفه آدمي فيأخذه منه وإن كان من ضمان المشتري غرمه كالعيب الحادث عنده وعنه عهدة الحيوان ثلاثة أيام وعنه سنة قال في "المبهج": وبعدها قال أحمد ليس فيه حديث صحيح وقال ابن المنذر لا يثبت في العهدة حديث والحسن لم يلق عقبة وإجماع المدينة ليس بحجة.
"وإن أعتق العبد، أو تلف المبيع" ثم علم عيبه "رجع بأرشه" أي إذا ظهر المشتري على عيب في السلعة المبيعة بعد أن تلفت تلفا معنويا كالإعتاق ونحوه كالوقف والاستيلاد أو حسيا كالموت وتلف الثوب فله الأرش رواية واحدة لأنه كان يملك ذلك والأصل البقاء إذ التخيير بين شيئين يقتضي تعيين أحدهما عند تعذر الآخر.
وخرج بعض أصحابنا من خيار الشرط أن يفسخ ويرجع بالثمن ويغرم القيمة وفرق صاحب "التلخيص" بأن هذا يعتمد الرد ولا مردود ثم يعتمد الفسخ ومقتضاه أن الأرش له ولا يلزمه صرفه في الرقاب وهو الأصح إذ العتق إنما صادف الرقبة لا الجزء الفائت.
والثانية: بلى لأنه عين الرقبة لله تعالى ظانا سلامتها فاقتضى خروجه عن هذا الجزء وحملها المؤلف على الاستحباب والقاضي على ما إذا كان العتق في واجب فأما التبرع فلا أرش له قولا واحدا.
"وكذلك إن باعه غير عالم بعيبه نص عليه" لأن البائع لم يعرف ما أوجب له العقد ولم يوجد منه الرضى به ناقصا فكان له الرجوع كما لو أعتقه "وكذلك(3/431)
إن وهبه وإن فعله عالما بعيبه فلا شيء له وذكر أبو الخطاب رواية أخرى فيمن باعه ليس له شيء إلا أن يرد عليه المبيع فيكون له حينئذ الرد أو الأرش وإن باع بعضه فله أرش الباقي.
ـــــــ
إن وهبه" فله أرشه جزم به الأكثر لأنه لم يستدرك ظلامته أشبه الوقف وعنه أنها كالبيع لأنه لم ييأس من إمكان الرد لاحتمال رجوع الموهوب إليه.
وجوابه بأن إمكان الرد ليس بمانع من أخذ الأرش كما قبل الهبة
فرع: إذا زال ملكه عند غير عالم بعيبه وقلنا له الأرش قبل قوله في قيمته ذكره في "المنتخب".
"وإن فعله" في العتق ونحوه "عالما بعيبه، فلا شيء له" على الأشهر لأنه قد رضي بالمبيع ناقصا فسقط حقه من الأرش كالرد بلا نزاع وفي "المغني": قياس المذهب أن له الأرش بكل حال لأن التصرف هنا بمنزلة الإمساك مع العلم إذ الأرش عوض الجزء الفائت.
"وذكر أبو الخطاب رواية أخرى فيمن باعه ليس له شيء" أي: لا أرش له مطلقا وهذا ظاهر "الخرقي" لأن امتناع الرد كان بفعله وقد استدرك ظلامته ببيعه أشبه ما لو زال العيب "إلا أن يرد عليه المبيع فيكون له حينئذ الرد أو الأرش" لأنه إذا عاد ملكه ثبتت الخيرة كما لو لم يبعه.
فرع: لو باعه مشتر لبائعه فله رده على البائع الثاني ثم للثاني رده عليه وفائدته اختلاف الثمنين.
"وإن باع بعضه، فله أرش الباقي" في ملكه بلا نزاع لأنه باق في يده فات منه جزء اقتضى العقد سلامته فكان له عوضه ويكون بالحساب فإذا باع النصف كان له نصف الأرش أو الربع فله ثلاثة أرباعه وليس هذا خاصا بالبيع بل إذا زال ملكه عن بعضه فكذلك صرح به في "الرعاية" وإنما نص على البيع لكثرته.(3/432)
وفي أرش المبيع الروايتان وقال الخرقي له رد ملكه منه بقسطه من الثمن وأرش العيب بقدر ملكه فيه وإن صبغه أو نسجه فله الأرش وعنه له الرد ويكون شريكا بصبغه ونسجه وإن اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسدا فإن لم يكن له مكسورا قيمة كبيض الدجاج رجع بالثمن كله.
ـــــــ
"وفي أرش البيع الروايتان" فيما إذا باع الجميع ثم علم بالعيب ونص أحمد أنه لا شيء للبائع مع تدليسه وظاهره أنه ليس له رد الباقي وهو الأصح.
"وقال الخرقي" وهو رواية عن أحمد: "له رد ملكه منه بقسطه من الثمن" لأنه مبيع ظهر على عيبه وأمكنه الرد فملكه كما لو كان جميعه باقيا، "وأرش العيب بقدر ملكه فيه" لما ذكرناه قال القاضي سواء كان المبيع عينا واحدة أو عينين وخص في "المغني "و"الشرح" الخلاف بما إذا كان المبيع عينين ولم ينقصهما التفريق كالعبدين والثوبين فإذا نقصهما التفريق كزوجي خف أو كان عينا واحدة فيمتنع الرد دفعا لضرر البائع لنقصهما بالتفريق وفيه نظر لأن ضرره يندفع برد أرش النقص وحملا قول الخرقي على ما إذا دلس البائع العيب فإن للمشتري الرد مطلقا لأن نقص المبيع عنده لا أثر له مع التدليس كما مر.
"وإن صبغه أو نسجه، فله الأرش" لأنه أمكن استدراك ظلامته من غير ضرر على البائع فتعين لما فيه من الجمع بين الحقين وليس له الرد على المذهب لأنه شغل المبيع بملكه فلم يكن له رده لما فيه من سوء المشاركة وكما لو فصله "وعنه: له الرد ويكون" المشتري "شريكا بصبغه ونسجه" أي: يكون شريكا بقيمة الزيادة كالغاصب وبعده في "الشرح" ولا يجبر البائع على بذل عوض ذلك على الأصح ولا المشتري على قبوله في الأصح.
"وإن اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسدا فإن لم يكن له مكسورا قيمة كبيض الدجاج" والجوز، والرمان، والبطيخ "رجع بالثمن كله" في(3/433)
وإن كان له مكسورا قيمة كبيض النعام وجوز الهند فله أرشه وعنه يتخير بين أرشه وبين رده ورد ما نقصه وأخذ الثمن وعنه ليس له رد ولا أرش في ذلك كله.
ـــــــ
ظاهر المذهب لأنا تبينا فساد العقد من أصله لكونه وقع على ما لا نفع فيه كبيع الحشرات فإن كان بعضه فاسدا رجع بقسطه من الثمن قاله في "الرعاية" وليس عليه رد المبيع إلى بائعه لعدم الفائدة فيه.
"وإن كان له مكسورا قيمة كبيض النعام وجوز الهند" والبطيخ الذي فيه نفع "فله أرشه" على المذهب قاله ابن المنجا وفيه نظر فإنه رواية لأنه تعذر رده بكسره فتعين الأرش.
"وعنه: يتخير بين أرشه وبين رده ورد ما نقصه وأخذ الثمن" اختاره الخرقي ورجحه جماعة لحديث المصراة فإنه جعل للمشتري الرد مع رد بدل المتلف بيده من المبيع وهو اللبن مع تدليس الباع وغرره فهنا أولى وقال القاضي إن كسره كسرا لا يمكن الاستعلام إلا به فله رده استدراكا لظلامته ولا أرش عليه لأن الكسر حصل ضرورة الاستعلام والبائع سلطه عليه وإن كسره كسرا يمكن الاستعلام بدونه فيبنى على الروايتين فيما إذا تعيب في يده هل يلزمه رد أرش الكسر المستعلم به والرد إن زاد على قدر الاستعلام فيه وجهان.
"وعنه: ليس له رد ولا أرش في ذلك كله" لأن البائع لم يوجد منه تدليس ولا تفريط لعدم معرفته بعيبه زاد في "المحرر" و"الفروع" إلا مع شرط سلامته فإنه يتعين.
تنبيه: تقدم أنه إذا اشترى ربويا بجنسه فبان معيبا فله الفسخ للضرورة دون الأرش لإفضائه إلى التفاضل وعنه له الأرش لأنه عوض الفائت قال بعضهم من غير جنسه قياسا على مد عجوة فإن حدث به عيب عند المشتري فروايتان إحداهما يرده ويرد أرش العيب الحادث عنده كما لو(3/434)
ومن علم العيب فأخر الرد لم يبطل خياره إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضى من التصرف ونحوه وعنه أنه على الفور ولا يفتقر الرد إلى رضى ولا قضاء ولا حضور صاحبه.
ـــــــ
جنى عليه في ملك صاحبه والأخرى يفسخ الحاكم البيع ويرد البائع الثمن ويطالب بقيمة الحلي مثلا لأنه لم يمكن إهمال العيب ولا أخذ الأرش.
"ومن علم العيب فأخر الرد لم يبطل خياره" لأنه خيار لدفع ضرر متحقق فلم يبطل بالتأخير الخالي عن الرضى به كخيار القصاص "إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضى من التصرف ونحوه" كالوطء والسوم والاستغلال ذكره معظمهم لأن دليل الرضى منزل منزلة التصريح به لكن لو احتلب المبيع ونحوه لم يمنع الرد لأنه ملكه فله أخذه فيستثنى.
قال في "عيون المسائل" أو ركبها ليسقيها أو علفها وفي "المغني" و"الشرح": إن استخدم لا للاختبار بطل رده بالكثير وإلا فلا ومقتضاه أنه يبطل بما ذكرنا وأنه لا أرش أيضا وهو المذهب.
وعنه: له الأرش قال في "الفروع": وهو أظهر لأنه وإن دل على الرضى فمع الأرش كإمساكه اختاره الشيخ قال وهو قياس المذهب وقدمه في "المستوعب".
قال في "التنبيه": والاستخدام والركوب لا يمنع أرش العيب إذا ظهر قبل ذلك أو بعده وأحمد في رواية حنبل إنما نص أنه يمنع الرد فدل أنه لا يمنع الأرش.
"وعنه: أنه على الفور" لأنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال أشبه الشفعة فعلى هذا متى علم العيب وأخر الرد مع إمكانه بطل خياره لأنه يدل على الرضى كالتصرف.
وجوابه: أن الشفعة ثبتت لدفع ضرر غير محقق بخلاف الرد بالعيب.
"ولا يفتقر الرد إلى رضى ولا قضاء ولا حضور صاحبه" لأنه رفع عقد(3/435)
وإن اشترى اثنان شيئا وشرطا الخيار أو وجداه معيبا فرضي أحدهما فللآخر الفسخ في نصيبه وعنه ليس له ذلك وإن اشترى واحد معيبين صفقة واحدة فليس له إلا ردهما أو إمساكهما فإن تلف أحدهما فله رد الباقي بقسطه.
ـــــــ
جعل إليه فلم يعتبر فيه ذلك كالطلاق وظاهره سواء كان قبل القبض أو بعده "وإن اشترى اثنان شيئا وشرطا الخيار أو وجداه معيبا فرضي أحدهما فللآخر الفسخ في نصيبه" في المنصوص لأن نصيبه جميع ما يملكه بالعقد فجاز له رده بالعيب تارة وبالشرط أخرى وكشراء واحد من اثنين وعلله في المغني بأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان فكأنه باع كل واحد منهما نصيبه مفردا فرد عليه أحدهما جميع ما باعه إياه فاقتضى ذلك أنها خرجت من ملك البائع مشقصة.
"وعنه: ليس له ذلك" لأنه خرج من ملك البائع دفعة واحدة فإذا رد أحدهما نصيبه رده مشتركا مشقصا فلم يكن له ذلك وكما لو تعيب عنده أو ورثاه وهذا ظاهر في المعيب واقتصر في "المحرر" عليه وأما في خيار الشرط فلا فعلى هذا له الأرش وقياس الأول للحاضر منهما نقد نصف ثمنه وقبض نصفه وإن نقد كله قبض نصفه وفي رجوعه الروايتان ذكره في "الوسيلة" وغيرها.
وعلى الأول لو قال: بعتكما، فقال أحدهما قبلت جاز.
"وإن اشترى واحد معيبين" أو طعاما في وعائين ذكره في "الترغيب" وغيره "صفقة واحدة، فليس له إلا ردهما أو إمساكهما" قاله القاضي وجزم به في "الوجيز" لأن في رد أحدهما تفريقا للصفقة على البائع مع إمكان أن لا يفرقها أشبه رد بعض المعيب الواحد فعلى هذا إذا أمسك فله الأرش وعنه له رد أحدهما بقسطه من الثمن كما لو كان أحدهما معيبا وعنه: يتعين "فإن تلف أحدهما، فله رد الباقي بقسطه" من الثمن لأنه رد للمعيب على وجه لا ضرر فيه على البائع فجاز كما لو رد الجميع.(3/436)
والقول في قيمة التالف قوله مع يمينه وإن كان أحدهما معيبا فله رده بقسطه من الثمن وعنه لا يجوز له إلا ردهما أو إمساكهما وإن كان المبيع مما ينقصه التفريق كمصراعي باب وزوجي خف أو من يحرم التفريق بينهما كجارية وولدها فليس له رد أحدهما وإن اختلفا بالعيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري ففي أيهما يقبل قوله روايتان.
ـــــــ
وفي "المغني": أن الرد هنا مبني في رد أحدهما فعلى هذا إن قلنا ليس له رد أحدهما فليس له رد الباقي إذا تلف أحدهما "والقول في قيمة التالف قوله" أي قول المشتري "مع يمينه" لأنه منكر لما يدعيه البائع من زيادة قيمته ولأنه بمنزلة الغارم.
وقيل: يقبل قول البائع "وإن كان أحدهما معيبا" وأبى أخذ الأرش "فله رده بقسطه من الثمن" جزم به في "الوجيز" لأنه رد للمبيع المعيب من غير ضرر على البائع كما سبق.
"وعنه: لا يجوز له إلا ردهما أو إمساكهما" لأن في رد المعيب وحده تبعيضا للصفقة على البائع فلم يكن له ذلك كما لو كان المبيع مما ينقص بالتفريق ولم يرجح في "الفروع" شيئا "وإن كان المبيع مما ينقصه التفريق كمصراعي باب أو زوجي خف أو ممن يحرم التفريق بينهما كجارية وولدها فليس له رد أحدهما" رواية واحدة، بل يتعين إما ردهما أو إمساكهما لما فيه من الضرر على البائع بنقص القيمة وسوء المشاركة والنهي الخاص عن التفرقة بين الوالدة وولدها وكل ذي رحم محرم كذلك.
قال في "الفروع": ومثله بيع جان له ولد صغير يباعان وقيمة الولد لمولاه.
"وإن اختلفا في العيب، هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري" وكان محتملا لقول كل منهما كالخرق في الثوب ونحوه "ففي أيهما يقبل قوله؟ روايتان" وكذا في "الفروع" إحداهما يقبل قول المشتري مع يمينه وهي اختيار الخرقي وجزم بها في "الوجيز" لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت،(3/437)
إلا أن يحتمل إلا قول أحدهما فالقول قوله بغير يمين.
ـــــــ
فكان القول قول من ينفيه كما لو اختلفا في قبض المبيع ويمينه على البت فيحلف أنه اشتراه وبه العيب أو أنه ما حدث عنده.
والثانية: يقبل قول البائع مع يمينه وهي أنصهما واختارها القاضي في الروايتين و أبو الخطاب وقدمها في "المحرر" لأن الأصل سلامة المبيع وعدم استحقاق الفسخ ويمينه على حسب جوابه فإن أجاب أن العيب لم يكن فيه حلف على ذلك وإن أجاب أنه ما يستحق على ما يدعيه من الرد حلف على ذلك والأشهر أنه يحلف على البت لأن الأيمان كلها على البت إلا على النفي في فعل الغير.
وعنه: على نفي العلم وفي "الإيضاح": يتحالفان "إلا أن يحتمل إلا قول أحدهما" كالأصبع الزائدة والجرح المندمل عقيب العقد والجرح الطري الذي لا يحتمل أن يكون قديما "فالقول قول" من يدعيه "بغير يمين" للعلم بصدقه فلا حاجة إلى استحلافه وقيل بلى لأنه محتمل.
فرع: إذا اشترى جارية على أنها بكر وأنكر المشتري بكارتها أريت الثقات ويقبل فيه قول واحدة فإن وطئها وقال ما وجدتها بكرا فوجهان مبينان على الاختلاف في العيب الحادث ذكره في "المغني" و"الشرح".
تنبيهان: الأول إذا وكل في البيع فباع الوكيل ثم ظهر المشتري على عيب بالمبيع فله رده على الموكل فإن كان العيب مما يمكن حدوثه فأقر به الوكيل وأنكر موكله فقال أبو الخطاب يقبل إقراره على موكله بالعيب لأنه أمر يستحق به الرد فقبل كخيار الشرط وصحح المؤلف أنه لا يقبل لأنه إقرار على الغير فلم يقبل كالأجنبي فعليه لو رده على الوكيل لم يملك رده على الموكل لأن رده بإقراره وهو غير مقبول على غيره فإن أنكره الوكيل وتوجهت عليه اليمين فنكل عنها فرد عليه بنكوله فهل له رده على الموكل فيه وجهان.(3/438)
ومن باع عبدا تلزمه عقوبة من قصاص أو غيره يعلم المشتري ذلك فلا شيء له وإن علم بعد البيع فله الرد أو الأرش فإن لم يعلم حتى قتل فله الأرش وإن كانت الجناية موجبة للمال والسيد معسر قدم حق المجني عليه وللمشتري الخيار إذا لم يكن عالما وإن كان السيد موسرا تعلق الأرش بذمته.
ـــــــ
الثاني: إذا رد المشتري السلعة بعيب وأنكر البائع أنها سلعته قبل قوله بخلاف ما إذا ردت عليه بخيار شرط فإن القول قول المشتري نص عليهما لأنهما اتفقا على استحقاق فسخ العقد والرد بالعيب بخلافه.
مسألة: إذا خرج من يده إلى يد غيره لم يجز له أن يرده نقله مهنا.
"ومن باع عبدا تلزمه عقوبة من قصاص أو غيره يعلم المشتري ذلك فلا شيء له" لأنه رضي به معيبا أشبه سائر المعيبات "وإن علم بعد البيع فله الرد" وأخذ الثمن "أو" الإمساك مع "الأرش" لأنه عيب فملك به الخيرة كبقية العيوب "وإن لم يعلم حتى قتل فله الأرش" لأنه تعين لتعذر الرد وهو قسط ما بين كونه جانيا وغير جان فيقال ثمنه غير جان بمائة وجان بخمسين فما بينهما النصف فالأرش إذن نصف الثمن فإن قطع فهل يمنع من رده قيمته فيه روايتان.
"وإن كانت الجناية موجبة للمال" أو القصاص فعفي عنه إلى مال "والسيد" أي البائع "معسر، قدم حق المجني عليه" لأن حق الجناية سابق على حق المشتري فإذا تعذر إمضاؤهما قدم حق السابق "وللمشتري الخيار إذا لم يكن عالما" لأن تمكن المجني عليه من انتزاعه عيب فملك به الخيار كغيره فإن فسخ رجع بالثمن وإن لم يفسخ وكانت الجناية مستوعبة لرقبة العبد وأخذ بها رجع المشتري بالثمن أيضا لأن أرش مثل ذلك جميع الثمن وإن لم تكن مستوعبة رجع بقدر أرشه وظاهره أنه إذا كان عالما بعيبه لا خيار له.
"وإن كان السيد موسرا تعلق الأرش بذمته" لأن الخيرة له بين تسليمه في(3/439)
والبيع لازم
فصل.
السادس: خيار يثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة ولا بد في جمعيها من معرفة المشتري رأس المال ومعنى التولية البيع برأس المال فيقول وليتكه أو بعتكه برأس ماله أو بما اشتريته أو برقمه.
ـــــــ
الجناية وفدائه فإذا باعه تعين عليه فداؤه لإخراج العبد عن ملكه ولأنه زال ملكه عن عين تعلق بها حق المجني عليه فلزمه الأرش كما لو قتله.
"والبيع لازم" لأنه لا ضرر على المشتري لرجوع المجني عليه على البائع.
فصل:
"السادس: خيار يثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة" هذه أنواع من البيع واختصت بهذه الأسماء كاختصاص السلم والمشتري قد يكون له غرض في الشراء على الوجه الذي أوقعه لكونه حالفا أو وصيا في الشراء على هذا الوجه "ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال" لأن معرفة الثمن متوقفة على العلم به والعلم بالثمن شرط فمتى فات لم يصح لفوات شرطه.
وخص المشتري بها لأن الظاهر أنه بخلاف البائع إذ لا فرق بينهما فمتى جهلاه أو أحدهما لم يصح فلو نسي البائع رأس ماله لم يجز بيعه مرابحة بل مساومة لأنه متى لم يكن عالما أو ظانا بذلك كان كاذبا.
"ومعنى التولية" في الأصل تقليد العمل يقال ولي فلان القضاء والعمل الفلاني ثم استعملت هنا في "البيع برأس المال فيقول وليتكه أو بعتكه برأس ماله" وفي ذلك إشارة على أن للتولية لفظين أحدهما صريح لفظها والثاني لفظ البيع لأنه صريح في معناه فإذا قال: بعتك "بما اشتريته أو برقمه" المعلوم صح أشبه ما لو عين الثمن.(3/440)
والشركة: بيع بعضه بقسطه من الثمن ويصح بقوله أشركتك في نصفه أو ثلثه والمرابحة أن يبيعه بربح فيقول رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وربح عشرة أو على أن أربح في كل عشرة درهما.
ـــــــ
قال أحمد: لا بأس ببيع الرقم وهو الثمن المكتوب عليه إذا كان معلوما لهما حال العقد ويستثنى منه ما لو دفع ثيابا إلى قصار وأمره برقمها فرقم ثمنها عليها لم يجز بيعها مرابحة حتى يرقمها بنفسه لأنه لا يدري ما فعل القصار.
"والشركة بيع بعضه بقسطه من الثمن ويصح بقوله أشركتك في نصفه أو ثلثه" لأنه لفظ موضوع للشركة حقيقة فصح به فلو قال بعتك نصفه بنصف رأس ماله صح لإفادته المقصود.
تنبيه: إذا اشترى شيئا فقال آخر أشركني انصرف إلى النصف لأنها تقتضي التسوية بإطلاقها وقيل لا يصح فعلى الأول إن قاله الآخر عالما بشركة الأول فله نصف نصيبه وهو الربع وإن لم يعلم فالأصح يصح فيأخذ نصيبه لأنه طلب منه نصف المبيع فأجاب إليه كالبيع.
وقيل: نصف نصيبه وهو الربع وقيل ونصف نصيب شريكه إن أجيز على رواية وعلى الأخيرين لطالب الشركة الخيار لأنه إنما طلب النصف ولم يحصل له إلا أن يقول بوقوفه على الإجازة.
وقيل: لا تصح هذه الشركة كما لو قال بعني نصف هذا العبد فقال بعتك ربعه ولو قال أشركاني فأشركاه معا ففي أخذ نصفه أو ثلثه صححه في "الشرح" احتمالان.
وإن شركه كل واحد منفردا كان له النصف ولكل منهما الربع وإن شركه أحدهما فنصف نصيبه أو ثلثه.
"والمرابحة: أن يبيعه بربح فيقول: رأس مالي مائة بعتكه بها وربح عشرة" فهو جائز بلا كراهة بغير خلاف نعلمه لأن الثمن والربح معلومان "أو على أن أربح في كل عشرة درهما" فيكره ويصح نص عليه، واحتج بكراهة ابن عمر(3/441)
ـــــــ
وابن عباس.
وقال ابن المنجا لا كراهة فيه وفيه نظر وقد نقل أبو النصر هو الربا واقتصر عليه في "زاد المسافر"، ونقل أحمد بن هاشم كأنه دراهم بدراهم لا يصح وفي "الرعاية": إن جهل مشتر ثمنه عند عقد لم يصح.
وإن قال: ده يازده أو ده دوازده صح مع الكراهة قاله أحمد لأنه بيع الأعاجم ولأن الثمن قد لا يعلم في الحال وقد قال أحمد المساومة أسهل عندي من المرابحة لأن بيع المرابحة يحتاج فيه إلى الصدق واجتناب الريبة.
مسائل
إذا باعه السلعة مرابحة فأخبره أن ثمنها مائة بربح عشرة ثم علم أنه تسعون فالبيع صحيح لأن زيادة الثمن لا يمنع صحته وللمشتري الرجوع بالزيادة وهو عشرة وحظها من الربح وهو درهم فيلزمه تسعة وتسعون والمنصوص أن المشتري مخير بين أخذ المبيع برأس ماله وحصته من الربح وبين الرد لأنه لا يأمن الخيانة في هذا الثمن أيضا وربما كان حالفا أو وكيلا.
وظاهر "الخرقي"، واختاره صاحب "التلخيص": أنه لا خيار له لأنه زاده خيرا لأن من رضي بمائة وعشرة يرضى بتسعة وتسعين فلو أخبر البائع أن ثمنها أكثر وأنه غلط قبل قوله مع يمينه في قول الأكثر لأنه لما دخل معه في المرابحة فقد ائتمنه والقول قول الأمين وله تحليف بائع إنه لم يعلم أن وقت بيعها أكثر مما أخبر به فإن نكل أو أقر قضي عليه.
وعنه: لا يسمع منه إلا ببينة اختاره المؤلف وصححه في "الشرح". وعنه يقبل إن كان معروفا بالصدق لترجحه إذن وعنه لا يقبل وإن أقام بينة لتكذيبه لها ظاهرا إلا أن يصدقه المشتري.
ولا يحلف مشتر بدعوى بائع عليه علم الغلط وصحح في "المغني" و"الشرح" خلافه وبكل حال إذا صدق المشتري البائع أخذ به ولا يمين(3/442)
والمواضعة: أن يقول بعتكه بها ووضيعة درهم من كل عشرة فيلزم المشتري تسعون درهما وإن قال ووضيعة درهم لكل عشرة لزمه تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ومتى اشتراه بثمن مؤجل أو ممن لا تقبل شهادته له أو بأكثر من ثمنه حيلة أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره بالثمن فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد.
ـــــــ
عليه، فإن كذبه حلفه كغيره من الأمناء وإن باع بدون ثمنها عالما لزمه.
"والمواضعة": المتاركة في البيع وسمي بالمواضعة لأنه يكون بدون رأس المال بخلاف المرابحة ويكره فيها ما يكره فيها وهي "أن يقول" البائع: "بعتكه بها" أي: برأس ماله "ووضيعة درهم من كل عشرة" لأنه لفظ محصل لمقصود البيع بدون رأس المال وهذه الصورة مكروهة بخلاف ما إذا قال بعتك هذا به وأضع لك عشرة "فيلزم المشتري تسعون درهما" إذا كان رأس المال مائة لأنها عشر عشرات فإذا سقط من كل عشرة درهم، بقي تسعون.
وقيل: يلزمه تسعون وتسعة أعشار درهم وحكاه الأزجي رواية وقيل يلزمه كالثانية. قال في "الشرح": وهو غلط لأنه يكون حطا من كل أحد عشر وهو غير ما قاله.
"وإن قال ووضيعة درهم لكل عشرة لزمه تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم" لأنه اقتضى أن يكون الحط من غير العشرة فيكون من كل أحد عشر درهما درهم فيجب أن يسقط من تسعة وتسعين تسعة ومن درهم جزء فيبقى ما ذكر كعن كل وقال أبو ثور الحط هنا عشرة كالأولى والفرق واضح ولا تضر الجهالة الموجودة حينئذ لأنها تزول بالحساب.
"ومتى اشتراه بثمن مؤجل أو ممن لا تقبل شهادته له أو بأكثر من ثمنه حيلة أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره بالثمن فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد" وفيه مسائل:(3/443)
وما يزاد في الثمن أو يحط منه في مدة الخيار.
ـــــــ
الأولى: إذا اشتراه بثمن مؤجل ولم يبينه للمشتري في تخبيره فله الخيار استدراكا لظلامته ولأن الأجل يأخذ قسطا من الثمن فيخير بين أخذه بالثمن الذي وقع عليه حالا أو يفسخ وهذا ما لم يكن من المتماثلات المساوية كبر ونحوه وعنه إن كان المبيع قائما خير بين الفسخ وأخذه بالثمن مؤجلا لأنه الثمن الذي اشترى به البائع والتأجيل صفة له وإن كان تالفا حبس الثمن بقدر الأجل وقاله شريح.
والمذهب كما قدمه في "المحرر" و"الفروع": أنه إذا بان مؤجلا أخذ به مؤجلا ولا خيار فيه نص عليه.
الثانية: إذا اشتراه ممن لا تقبل شهادته له كأحد أبويه ولم يبينه للمشتري فله الخيار لأنه متهم في حقهم لكونه يحابيهم ويسمح لهم وكما لو اشتراه من مكاتبه.
الثالثة: إذا اشتراه بأكثر من ثمنه حيلة ولم يبينه للمشتري في تخبيره فله الخيار فذلك تدليس وهو حرام كتدليس العيب وظاهره أنه إذا لم تكن حيلة أنه يجوز وصححه في "المغني" و"الشرح" لأنه أجنبي أشبه غيره وقال القاضي إذا باع غلام دكانه سلعة ثم اشتراها منه بأكثر من ذلك لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره لأنه متهم في حقه كمن لا تقبل شهادته له.
الرابعة: إذا باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره فله الخيار لأن قسمة الثمن على ذلك تخمين واحتمال الخطأ فيه كثير.
وعنه: يجوز بيع نصيبه مما اشتراه واقتسماه مرابحة مطلقا لأن ذلك ثمنه فهو صادق وعنه عكسه بل مساومة وهذا في المتقومات التي لا ينقسم عليها الثمن بالأجزاء فإن كانت من المتماثلات التي ينقسم عليها الثمن بالأجزاء كأكثر المتساويين جاز بيع بعضه مرابحة بقسطه من الثمن بغير خلاف نعلمه "وما يزاد في الثمن" أو المثمن "أو يحط منه" أي: ينقص "في مدة الخيار"(3/444)
أو يؤخذ أرشا لعيب أو جناية عليه يلحق برأس المال ويخبر به وإن جنى ففداه المشتري، أو زيد في الثمن أو حط منه بعد لزومه لم يلحق به.
ـــــــ
يلحق بالعقد ويخبر به في الثمن لأن ذلك من الثمن فوجب إلحاقه برأس المال والإخبار به كأصله.
ومثله خيار وأجل وقيل إن قلنا ينتقل الملك في زمن الخيارين إلى المشتري فلا خيار قاله ابن حمدان وقال لو حط الكل هل يبطل البيع أو يصح أو يكون هبة فيه أوجه.
فرع: إذا وهب مشتر لوكيل باعه فهو كالزيادة ومثله عكسه فإن تغير سعر السلعة وهي بحالها فإن غلت لم يلزمه الإخبار بذلك لأنه زيادة فيها وكذا إن رخصت نص عليه لأنه صادق بدون الإخبار وفيه احتمال فإن أخبره بدون ثمنها ولم يبين الحال لم يجز لأنه كذب.
"أو يؤخذ أرشا لعيب أو جناية عليه يلحق برأس المال يخبر به" جزم به في "الوجيز" وقاله أبو الخطاب في أرش العيب فعلى هذا يحط أرش العيب من الثمن ويخبر بالباقي.
وقال القاضي: يخبر به على وجهه وكذا أرش الجناية لأنه أخذ منهما في مقابلة جزء من البيع وأطلق الخلاف في "الفروع" فيهما وقيل لا يحط أرش الجناية.
فرع: إذا أخذ نماء أو وطئ أو استخدم لم يلزمه بيانه وعنه بلى لنقصه "وإن جنى ففداه المشتري" لم يلحق بالثمن ولا يخبر به في المرابحة بغير خلاف نعلمه لأنه لم يزد به المبيع قيمة ولا ذاتا وإنما هو مزيل لنقصه بالجناية ويلحق به الأدوية والمؤنة والكسوة وذكره في "الشرح" وجها واحدا.
"أو زيد في الثمن أو حط منه بعد لزومه" أي: لزوم العقد "لم يلحق به" أي: برأس المال على الأصح كالأجل والخيار ولأن ذلك هبة من أحدهما للآخر فلا يكون عوضا.(3/445)
وإن اشترى ثوبا بعشرة وقصره بعشرة أخبر به على وجهه فإن قال تحصل علي بعشرين فهل يجوز ذلك على وجهين وإن عمل فيه بنفسه عملا يساوي عشرة لم يجز ذلك وجها واحدا وإن اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة أخبر بذلك على وجهه وإن قال اشتريته
ـــــــ
"وإن اشترى ثوبا بعشرة وقصره بعشرة أخبر به على وجهه" لأنه لو ضم ذلك إلى الثمن ثم أخبر به كان كذبا وتغريرا بالمشتري "فإن قال: تحصل علي بعشرين فهل يجوز ذلك؟ على وجهين" أصحهما أنه لا يجوز لأن فيه تلبيسا والثاني يجوز لأنه صادق ومثله أجرة متاعه وكيله ووزنه قاله في "الرعاية" و"الفروع".
قال الأزجي: وعلف الدابة وخالفه المؤلف قال أحمد إذا بين فلا بأس ولا يقومه ثم يبيعه مرابحة وبيع المساومة أسهل منه لأن عليه أن يبين.
"وإن عمل فيه بنفسه عملا يساوي عشرة لم يجز ذلك وجها واحدا" لأنه كاذب لأن عمله لم يغرم بسببه شيئا كما لو عمل له بغير أجرة وحاصله أن من أراد البيع مرابحة والسلعة بحالها أخبر بثمنها.
وإن تغيرت فعلى ضربين أحدهما أن تتغير بزيادة وهو نوعان أحدهما أن يزيد أثمانها كالسمن وتعلم صنعة أو يحدث منها نماء منفصل كالولد والثمرة فإذا باعها مرابحة أخبر بالثمن من غير زيادة لأنه الذي ابتاعها به ولو أخذ الزيادة المنفصلة كما سبق.
الثاني: أن يعمل فيها عملا كقصر الثوب ونحوه سواء قصره بنفسه أو استأجر من عمله في ظاهر كلام أحمد فإن قال تحصل علي بكذا فالخلاف.
الضرب الثاني: أن يتغير بنقص كالمرض والجناية عليه أو تلف بعضه أو استغلاله كأخذ صوفه ولبنه فإنه يخبر بالحال قولا واحدا.
"وإن اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة أخبر بذلك على وجهه" لأنه أقرب إلى الحق وأبلغ في الصدق "وإن قال: اشتريته بعشرة(3/446)
بعشرة جاز. وقال أصحابنا: يحط الربح من الثمن الثاني ويخبر أنه اشتراه بخمسة.
ـــــــ
جاز" صححه في "المغني"، ونصره في "الشرح" لأنه صادق فيما أخبر به وليس فيه تهمة أشبه ما لو لم يربح فيه "وقال أصحابنا: يحط الربح من الثمن الثاني ويخبر أنه اشتراه بخمسة" وهو قول ابن سيرين وأعجب أحمد قوله لأن الربح أحد نوعي النماء فوجب أن يخبر به في المرابحة كإنماء من نفس البيع كالثمرة ونحوها وحينئذ فيخبر أنه اشتراه بخمسة لأنه حط الربح من الثمن الثاني.
لكن قال في "الشرح": ينبغي أن يقول: يقوم علي بخمسة ولا يقول اشتريته فإنه كذب كما لو ضم إليه أجرة القصارة وظاهر كلامهم أنه إذا لم يبق شيء أخبر بالحال كمن اشتراه بعشرة ثم باعه بعشرين ثم اشتراه بعشرة وصرح به في "المحرر" و"الفروع" فإن اشتراه بخمسة عشر ثم باعه بعشرة ثم اشتراه بأي ثمن كان بينه ولم يضم خسارة إلى ثمن ثان.
مسألة: إذا اشترى نصف سلعة بعشرة واشترى آخر باقيها بعشرين ثم باعها مرابحة زاد في "الشرح": أو مواضعة أو تولية بثمن واحد فهو بينهما نصفان نص عليه وعنه: على قدر رؤوس أموالهما وصححها السامري وابن حمدان وعنه لكل واحد رأس ماله والربح نصفان فإن باعها مساومة بثمن واحد فهو بينهما نصفان بغير خلاف نعلمه.
فرع: إذا اشتراه بثمن لرغبة تخصه لزمه أن يخبر بالحال ويصير كالشراء بثمن غال لأجل الموسم الذي كان حال الشراء ذكره في "الفنون".(3/447)
المجلد الرابع
تابع كتاب البيع
تابع باب الخيار في البيع
...
فصل
السابع: خيار يثبت لاختلاف المتبايعين وهو صور فمتى اختلفا في قدرالثمن تحالفا فيبدأ بيمين البائع
ـــــــ
فصل
"السابع: خيار يثبت لاختلاف المتبايعين" وهو صور "فمتى اختلفا في قدرالثمن" بأن قال بعتك بمائة وقال الآخر اشتريت بثمانين ولا بينة بينهما "تحالفا" نقله الجماعة لما روى ابن عباس مرفوعا قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه" متفق عليه ولفظه لمسلم وللبيهقي "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" ولأن كلا منهما مدع ومنكر صورة وكذا حكما لسماع بينة كل منهما.
قال في "عيون المسائل" لا تسمع إلا بينة المدعي باتفاقنا ويؤكد ذلك حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا"
وعنه: يقبل قول بائع مع يمينه ذكره في الترغيب المنصوص لما روى بن مسعود مرفوعا قال "إذا اختلف البائعان وليس بينهما بينة فالقول قول صاحب السلعة أو يترادان" رواه أحمد وكاختلافهما بعد قبضه وفسخ العقد بعيب أو إقالة في المنصوص وجوابه بأنه منقطع قاله الشافعي لكن قد تعددت طرقه قال ابن عبد البر هو محفوظ مشهور وقد اشتهر بالحجاز والعراق شهرة يستغني عن الإسناد وعنه: يقبل قول مشتر مع يمينه لاتفاقهما على حصول الملك له ثم البائع يدعي عليه عوضا والمشتري ينكر بعضه والقول قول المنكر ونقل أبو داوود يقبل قول البائع أو يتردان قيل فإن اقام كل منهما بينة قال كذلك "فيبدأ بيمين البائع" لأنه أقوى جنبة من المشتري لكون المبيع يرد إليه وأكثر الروايات فالقول ما قال البائع.(4/5)
فيحلف ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا فإن نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه وإن تحالفا فرضي أحدهما بقول صاحبه أقر العقد وإلا فلكل واحد منهما الفسخ وإن كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة مثلها
ـــــــ
"فيحلف ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا" هذا هو الأشهر يذكر كل منهما نفيا وإثباتا الإثبات لدعواه والنفي لما ادعي عليه فيبدأ بالنفي لأن الأصل في اليمين أنها للنفي وعنه: يبدأ بالإثبات.
وظاهره: يكفي كل واحد يمين واحدة لأنه أقرب إلى فصل القضاء "فإن نكل أحدهما" سواء كان البائع أو المشتري "لزمه ما قال صاحبه" لقضاء عثمان على ابن عمر رواه أحمد ولأن النكول بمنزلة الإقرار وظاهره: ولو أنه بدل شقي اليمين فإنه يعد ناكلا ولا بد أن يأتي فيها بالمجموع.
"وإن تحالفا فرضي أحدهما بقول صاحبه أقر العقد" لأن الراضي إن كان البائع فلا خيار للمشتري لأنه حصل له ما ادعاه وكذا إن كان المشتري "وإلا" أي: إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر "فلكل واحد منهما الفسخ" في ظاهر كلام أحمد وهو المذهب لأنه عقد صحيح فلم ينفسخ باختلافهما وتعارضهما في الحجة كما لو أقام كل منهما بينة وقيل: ينفسخ بنفس التحالف وزعم ابن الزاغوني أنه المنصوص لأن القصد من التحالف رفع العقد فاعتمد ذلك.
وقيل: إن امتنع من الأخذ بقول صاحبه انفسخ وهو ظاهر "الخرقي" وظاهره: أنه لا يفتقر إلى حكم حاكم وقيل: بلى وقطع به ابن الزاغوني لوقوع الخلاف فيه كالمرأة إذا زوجها وليان وجوابه أنه فسخ لاستدراك الظلامة أشبه رد المعيب ولا يشبه النكاح لاستقلال كل منهما بالطلاق.
"وإن كانت السلعة تالفة" تحالفا "ورجعا إلى قيمة مثلها" اختاره الخرقي وقدمه في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" لعموم ما سبق فيغرم المشتري القيمة لتعذر رد العين وظاهره: ولو كانت مثلية وفيه شيء ويقبل قول المشتري.(4/6)
فان اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري مع يمينه وعنه: لا يتحالفان إذا كانت تالفة والقول قول المشتري مع يمينه وإن ماتا فورثتهما بمنزلتهما ومتى فسخ المظلوم منهما انفسخ العقد ظاهرا وباطنا وإن فسخ الظالم لم
ـــــــ
فيها نقله محمد بن العباس وفي المغني والشرح إن قيمة السلعة إن كانت مساوية للثمن الذي ادعاه المشتري فيقبل قوله مع يمينه لعدم الفائدة في يمين البائع وفسخ البيع وإن كانت أقل فاحتمالان أحدهما كما ذكرنا والآخر يشرع التحالف لحصول الفائدة للمشتري.
"فإن اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري مع يمينه" لأنه غارم وسواء كانت الصفة عيبا كالبرص وخرق الثوب أو لا كالسمن والكتابة وقيل: يقبل قول بائع في نفي العيب قدمه في "المحرر" وغايته تعارض أصلان فخرج قولان فإن كان البائع قبض الثمن وشارك القيمة وكانا من جنس واحد تعارضا وتساقطا وإلا سقط الأقل ومثله من الأكثر.
وظاهر كلام أبي الخطاب أن القيمة إن زادت على الثمن أن المشتري لا يلزمه الزيادة وقرره ابن المنجا على وجه وليس بظاهر.
"وعنه: لا يتحالفان إذا كانت تالفة" لمفهوم قوله عليه السلام: "والسلعة قائمة" فدل على أنه لا يشرع عند عدمها "والقول قول المشتري مع يمينه" لأنهما اتفقا على نقل السلعة إلى المشتري واختلفا في قدر زائد يدعيه البائع وينكره المشتري والقول قول المنكر والأول أولى قال الإمام أحمد لم يقل فيه "والمبيع قائم" إلا يزيد بن هارون وقد أخطأ رواه الخلق عن المسعودي بغير هذه الزيادة ولم يرجح في "الفروع" شيئا.
"وإن ماتا فورثتهما بمنزلتهما" لأنهم يقومون مقامه في أخذ ماله وإرث حقوقه فكذا فيما يلزمه وكذا إن مات أحدهما.
"ومتى فسخ المظلوم منهما" سواء كان البائع أو المشتري "انفسخ العقد ظاهرا وباطنا" لأنه معذور "وإن فسخ الظالم" أي: الكاذب عالما بكذبه "لم(4/7)
ينفسخ في حقه باطنا وعليه إثم الغاصب وإن اختلفا في صفة الثمن تحالفا إلا أن يكون للبلد نقد معلوم فيرجع إليه وإن اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه وعنه: يتحالفان إلا أن يكون شرطا فاسداً فالقول قول من ينفيه
ـــــــ
ينفسخ في حقه باطنا" لأنه لا يحل له الفسخ فلم يثبت حكمه بالنسبة إليه لكونه لا عذر له وظاهره: أنه يثبت بالنسبة إلى صاحبه فيباح له التصرف فيما رجع إليه لأنه عاد إليه بحكم من غيرعدوان منه.
"وعليه" أي: الظالم "إثم الغاصب" لأنه غاصب قال ابن المنجا: لم أجد مما قال المؤلف نقلا صريحا يوافقه ولا دليلا يقتضيه وفيه شيء فإنه قوي من جهة النظر وهو اختياره هنا ونقل في "المغني" و"الكافي" تبعا لابي الخطاب إن كان البائع ظالما لم ينفسخ العقد باطنا لأنه يمكنه إمضاء العقد واستيفاء حقه فلا ينفسخ باطنا ولا يباح له التصرف في المبيع لأنه غاصب وإن كان المشتري ظالما انفسخ العقد مطلقا والمذهب عند الجمهور أنه ينفسخ العقد ظاهرا وباطنا لأنه فسخ لاستدراك ظلامته أشبه الرد بالعيب.
"وإن اختلفا في صفة الثمن تحالفا" أي: إذا كان في البلد نقود لأنهما اختلفا في الثمن على وجه لا يترجح أحدهما فوجب التحالف كما لو اختلفا في قدره "إلا أن يكون للبلد نقد معلوم فيرجع إليه" نص عليه لأن الظاهر وقوع العقد به فإن كان ثم نقود وأحدها غالب أخذ به في ظاهر كلامه فإن تساوت فأوسطها وعنه: الأقل وقال القاضي: يتحالفان
"وإن اختلفا في أجل أو شرط" صحيح "فالقول قول من ينفيه" جزم به في "الوجيز" لأن الأصل عدمه وكما لو اختلفا في أصل العقد ويحلف على ذلك لأن قول الآخر محتمل
"وعنه: يتحالفان" قدمه في المحرر لأنهما اختلفا في صفة العقد فوجب تحالفهما كالاختلاف في الثمن وهذا الخلاف جار في الاختلاف في الرهن والضمين وفي قدر ما وقعا به وفي قدر الأجل "إلا أن يكون شرطافاسدا" كما لو قال أحدهما وقع بخمر أو خيار مجهول "فالقول قول من ينفيه"(4/8)
وإن قال بعتني هذين قال بل أحدهما فالقول قول البائع وإن قال بعتني هذا قال بل هذا حلف كل واحد منهما على ما أنكره ولم يثبت بيع واحد منهما
ـــــــ
مع يمينه لأن الظاهر من حال المسلم أنه لا يتعاطى إلا عقدا صحيحا.
وعلم منه أنه يقبل قول مدعي الصحة دون فساده فلو قال بعتك وأنا صبي أو غير مأذون لي في التجارة وأنكره المشتري قدم قوله نص عليه وفيه وجه عكسه لأنه الأصل وفي "الانتصار" لو اختلفا في صحته وفساده قبل قول البائع مدعي فساده انتهى فإن اقام كل منهما بينة قدمت بينة المدعي وقيل: يسقطان.
"وإن قال بعتني هذين" بمائة "قال: بل أحدهما" بخمسين أو قال بعتك هذا العبد بألف قال بل هو والعبد الآخر "فالقول قول البائع" مع يمينه نص عليه لأن البائع ينكر القدر الزائد فاختصت اليمين به كما لو اختلفا في أصل العقد.
وعنه: يتحالفان صححها ابن عقيل كثمنه وقدمها في "التبصرة" وغيرها قال في "الشرح" وهو اقيس وأولى.
"وإن قال بعتني هذا قال بل هذا حلف كل واحد منهما على ما أنكره" لأن كل واحد منهما يدعي عقدا على مبيع ينكره الآخر فيحلف على ما أنكره.
"ولم يثبت بيع واحد منهما" جزم به في "الوجيز" لأن الذي ادعاه المشتري أنكره البائع وحلف عليه والقول قول المنكر مع يمينه والذي أقره البائع لا يدعيه المشتري
ونقل ابن منصور يؤخذ بقول البائع قدمه في "المحرر" ثم ما ادعاه البائع مبيعا إن كان بيد المشتري ففي "المنتخب" لا يرد إليه وفي "المغني" يرد كما لم يدعه قال ولا يطلبه إن بذل ثمنه وإلا فسخ فإن كان أمة وأنكر المشتري بيعها لم يطأها البائع هي ملك لذلك نقله جعفر قال(4/9)
وإن قال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه وقال المشتري لا أسلمه حتى أقبض المبيع والثمن عين جعل بينهما عدل يقبض منهما ويسلم إليهما وإن كان دينا أجبر البائع على التسليم ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إن كان حاضرا وإن كان غائبا بعيداأو المشتري معسراً فللبائع الفسخ،
ـــــــ
أبو بكر لا يبطل البيع بجحوده
فرع: إذا أقام كل منهما بينة بدعواه ثبت العقدان لعدم تنافيهما وإن أقام أحدهما بينة ثبت ويحلف المنكر للآخر ويبطل حكمه
"وإن قال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه وقال المشتري لا أسلمه حتى أقبض المبيع والثمن عين" وفي "الشرح" أو عرض وفيه شيء "جعل بينهما عدل يقبض منهما ويسلم إليهما" الواو بمعنى "ثم" وكذا ذكره في "المحرر" وغيره لأنهما استويا في تعلق حقهما بعين الثمن والمثمن وإذا كان كذلك وجب نصب عدل يفعل ما ذكر لأن فيه تسوية بين المتساويات فيسلم المبيع أولا ثم الثمن قدمه في "الفروع" وجزم به في "الوجيز" وقيل: يسلمهما معا ونقله ابن منصور وهو ظاهر كلامه لتساويهما قال ابن حمدان ومن أمكنه منهما التسليم الواجب عليه فأباه ضمن ما تلف به كغاصب وأيهما بدأ بالتسليم أجبر الآخر وأيهما يلزمه البداءة يحتمل وجهين وعنه: يجبر البائع على التسليم أولا
"وإن كان دينا" أي: وقع الثمن بثمن في الذمة "أجبر البائع على التسليم" نص عليه وأنه لا يملك حبس المبيع على قبض ثمنه حالا أو مؤجلا واختار المؤلف وقاله في "الإنتصار" خلافه لأن في تسليمه بدون ذلك ضررا عليه "ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إن كان حاضرا معه" لأن حق المشتري تعلق بعين المبيع وحق البائع تعلق بالذمة فوجب تقديم ما تعلق بالعين كتقديم المرتهن على سائر الغرماء فإن كان عرضا بعرض لم يجب تسليم البائع بلا خلاف في المذهب "وإن كان" الثمن "غائبا بعيدا" أي: في مسافة القصرأو "المشتري معسرا" قال الشيخ تقي الدين أو مماطلا "فللبائع الفسخ"(4/10)
وإن كان في البلد حجر على المشتري في ماله كله حتى يسلمه وإن كان غائبا عن البلد قريبا احتمل أن يثبت للبائع الفسخ واحتمل أن يحجر على المشتري ويثبت الخيار للخلف في الصفة أو المشتري
ـــــــ
ذكره الأكثر لأن عليه ضررا في تأخير الثمن فكان له الفسخ والرجوع في عين ماله كمفلس وكمبيع
نقل الشالنجي لا يكون مفلسا إلا أن يفلسه القاضي أو يبين أمره في الناس وفي "الانتصار" إن قارن الإفلاس العقد ولم يعلم لم يصح وإن قبضه ثم أفلس فله الفسخ نص عليه
"وإن كان في البلد" أو بينه حجر على المشتري في ماله كله" ومن جملته المبيع "حتى يسلمه" لئلا يتصرف في ماله تصرفا يضر بالبائع وإن كان مؤجلا بقي الحجر فيه إلى أجله قاله في "الوجيز" وقال ابن حمدان ويحتمل أن يباع المبيع وقيل: وغيره من ماله في وفاء ثمنه إذا تعذر لإعسار أو بعد
"وإن كان" الثمن "غائبا عن البلد قريبا" أي: دون مسافة القصر "احتمل أن يثبت للبائع الفسخ" لأن في التأخير ضررا عليه "واحتمل أن يحجر على المشتري" حتى يسلمه لأنه في حكم الحاضر وحكاهما في "المحرر" و"الفروع" وجهين من غير ترجيح والفسخ لا يفتقر إلى حكم حاكم لأنه فسخ للبيع لتعذر ثمنه بخلاف الحجر عليه
مسألة: إذا أحضر المشتري أو وارثه أو وكيله نصف الثمن فهل يأخذ نصف المبيع أو كله أولا يقبض شيئا حتى يزن الباقي أو يفسخ البيع ويرد ما أخذه فيه أوجه وقيل: لا يستحق مطالبته بثمن ومثمن مع خيار شرط ومثله المؤجر بالنقد في الحال ذكره في "الوجيز" و"الفروع".
"ويثبت الخيار للخلف في الصفة" وفيه صورتان إحداهما: يثبت الخيار كما لو شرط كونه مسلما أو بكرا فبان بخلافه
الثانية: أن يشترط الأدنى فيظهر الأعلى كالكفر والثيوبة ونحوهما فإذا بان بخلافه فالأشهر أنه لا خيار له لأنه زاده خيرا(4/11)
وتغير ما تقدمت رؤيته وقد ذكرناه
فصل
ومن اشترى مكيلا أو موزونا لم يجز بيعه حتى يقبضه وإن تلف قبل قبضه فهو من مال البائع
ـــــــ
"وتغير ما تقدمت رؤيته" أي: إذا رأى المبيع ثم عقدا عليه ثم وجده المشتري متغيرا "وقد ذكرناه" أي: الخلف في الصفة مذكور في باب الشروط في البيع وتغير الرؤية مذكور في الفصل السادس من البيع بما يغني عن إعادته
فصل
"ومن اشترى مكيلا أو موزونا" وظاهر المذهب أو معدودا وقاله الخرقي والأشهر أو مذروعا جزم به في "المحرر" أي: إذا اشتراه بما ذكر ملكه بالعقد وذكره الشيخ تقي الدين إجماعا وفي "الانتصار" رواية لا نقل ابن منصور ملك البائع فيه قائم حتى يوفيه المشتري وفي "الروضة" يلزم البيع بكيله أو وزنه
ولهذا قال لكل منهما الفسخ بغير اختيار الآخر ما لم يكيلا أو يزنا ولم يرتضه في "الفروع" ثم قال فيتجه إذن في نقل الملك روايتا الخيار "لم يجز بيعه حتى يقبضه" في ظاهر كلام أحمد لأنه عليه السلام نهى عن بيع الطعام قبل قبضه متفق عليه
وقال ابن عمر رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم متفق عليه وكان الطعام مستعملا يومئذ غالبا فيما يؤكل ويوزن والإجارة والهبة ولو بلا عوض والرهن ولو قبض ثمنه والحوالة عليه كالبيع فلو تقابضاه جزافا لعلمهما قدره صح مطلقا ويصح عتقه قولا واحدا قال أبو يعلى الصغير والوصية به والخلع عليه
"وإن تلف قبل قبضه فهو من مال البائع" وذلك على ضربين أحدهما: أن(4/12)
إلا أن يتلفه آدمي فيخير المشتري بين فسخ العقد وبين إمضائه ومطالبة متلفه بمثله.
ـــــــ
يكون بأمر سماوي فهذا ينفسخ فيه العقد لأنه عليه السلام نهى عن ربح مالم يضمن والمراد به ربح ما بيع قبل القبض لأن ربح ما بيع بعده من ضمان المشتري وفاقا
الثاني: أن يكون بغيره وهو ظاهر "إلا أن يتلفه آدمي فيخير المشتري بين فسخ العقد" والرجوع بالثمن "وبين إمضائه ومطالبة متلفه ببدله" أي: بمثله إن كان مثليا وإلا بقيمته لأن الإتلاف كالعيب وقد حصل في موضع يلزم البائع ضمانه فكان له الخيار كالعيب في المبيع وقال المجد وجماعة الواجب القيمة فقيل مرادهم ما تقدم وأرادوا بالقيمة البدل الشرعي ونصر القاضي موفق الدين القيمة على ظاهر كلام المجد إذ هو في كلامه أظهر من كلام غيره وعلله بأن الملك هنا استقر على المالية فلذلك وجبت القيمة والمثلية لم يستقر الملك عليها فلذلك لم يجب
وشمل كلامه إتلاف البائع وقيل: ينفسخ العقد فيرجع المشتري بالثمن لاغيركما لو تلف بفعل الله تعالى: وفرق الأصحاب بينهما لأن التلف بفعل الله تعالى: لم يوجد فيه مقتضى الضمان بخلاف ما إذا أتلفه فإن إتلافه يقتضي الضمان بالمثل وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن فكانت الخيرة إلى المشتري في التضمين بأيهما شاء
ويستثنى من ذلك ما إذا أتلفه المشتري لأن ذلك كالقبض ويستقر عليه الثمن فلو أتلف بعضه قبل قبضه انفسخ في قدره وخير المشتري في باقيه جزم به في "المحرر" وغيره وفي "الفروع" هل يخير المشتري في باقيه أو ينفسخ فيه روأيتا تفريق الصفقة
فرع: إذا باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه فإن كانت في يد المشتري كما لو أتلفه وكذا إن كانت في يد البائع أو غيره وإن لم تكن في يد أحد انفسخ لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينتسب إلى آدمي فهو كتلفه بفعل(4/13)
وعنه: في الصبرة المتعينة أنه يجوز بيعها قبل قبضها فإن تلفت فهي من مال المشتري وما اسمها المكيل والموزون يجوز التصرف فيه قبل قبضه وإن تلف فهو من مال المشتري
ـــــــ
الله تعالى.
"وعنه: في الصبرة المتعينة إنه يجوز بيعها قبل قبضها وإن تلفت فهو مال المشتري" نقلها أبو الحارث والجوزجاني واختار القاضي وأصحابه وفي "المحرر" هي المشهورة لقول ابن عمر مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المشتري ولأن التعيين كالقبض قال ابن حمدان وعنه: أو مشاعا كنصفه أو ثلثه
والمذهب أنه يجوز التصرف فيه كأخذه بشفعة بخلاف ما إذا كان مبهما يتعلق به حق توفية كقفيز من صبرة ورطل من هذه الزبرة فإنه يفتقر إلى القبض على المعروف في المذهب "وما عدا المكيل والموزون" وكذا المعدود والمذروع "يجوز التصرف فيه قبل قبضه" كالعبد والدار على المذهب لقول ابن عمر كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير وبالعكس فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا بأس أن تأخذ بسعرها يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء" رواه الخمسة وهو من رواية عطاء بن السائب وسماك وفيهما كلام.
قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر
فهذا تصرف في الثمن قبل قبضه وهو أحد العوضين ولأنه مبيع لا يتعلق به حق توفية فصح بيعه كالمال في يد المودع والمضارب
"وإن تلف فهو من مال المشتري" لقوله عليه السلام "الخراج بالضمان" وهذا المبيع للمشتري فضمانه عليه وهذا إذا لم يمنعه البائع نص عليه فإن منعه منه حتى تلف ضمنه ضمان غصب لا عقد وليس اللزوم من أحكام القبض على الأعرف وسواء تمكن من قبضه أولا جزم به في "المستوعب"
وقال الشيخ تقي الدين إذا تمكن من قبضه وقال ظاهر المذهب فرق بين ما(4/14)
وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه كالمكيل والموزون في ذلك ويحصل القبض فيما بيع بالكيل والوزن بكيله أو وزنه
ـــــــ
تمكن من قبضه وغيره ليس هو الفرق بين المقبوض وغيره وفي كلام الشيخين ما يخالفه "وذكر أبو الخطاب فيه" أي: "الانتصار" "رواية أخرى" واختارها ابن عقيل "أنه كالمكيل والموزون في ذلك" أي: لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه وأخذها أبو الخطاب من قوله في رواية الأثرم أن الصبر لا تباع حتى تنقل
قال وهي معينة كالعبد والثوب لكن رواية مهنا في الصداق أظهر من هذا فإنه قال فيمن تزوج امرأة على غلام بعينه ففقئت عين الغلام ولم يقبضه فهو على الزوج فعلى هذا إذا تلفت قبل قبضه فهو من مال البائع
وعنه: أن ما كان مطعوما لا يجوز بيعه قبل قبضه قال ابن عبد البر هذا هو الأصح عن أحمد وفي "الكافي" إن ذلك مقتضى الدليل وعنه: إذا كان مكيلا أو موزونا وهو ظاهر كلام أبي بكر في "التنبيه"
تنبيه: المبيع بصفة أو رؤية سابقة حكم ما تعلق به حق توفية أي: أنه من ضمان بائعه حتى يقبضه المبتاع ولا يصح تصرف مشتر فيه قبل قبضه مطلقا وثمن ليس في ذمة كمثمن وما في الذمة له أخذ بدله لاستقراره وكل عوض يملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض لا يجوز التصرف فيه قبله وجوز الشيخ تقي الدين التصرف فيه لعدم قصد الربح وما لا ينفسخ بهلاكه قبل القبض يجوز التصرف فيه قبله كنكاح وخلع وعتق على مال وصلح عن دم عمد لأن المقتضي للتصرف الملك وقد وجد
وقيل: كبيع فيجب بتلفه مثله أو قيمته ولا فسخ واختار الشيخ تقي الدين لهما فسخ النكاح لفوت بعض المقصود كعيب مبيع ولو تعين ملكه في موروث أو وصية أو غنيمة لم يعتبر قبضه بغير خلاف لعدم ضمانه بعقد معاوضة كمبيع مقبوض وكوديعة ونحوها بخلاف ما قبضه شرط لصحة عقده كصرف وسلم
"ويحصل القبض فيما بيع بالكيل والوزن بكيله أو وزنه" لما روى عثمان(4/15)
وفي الصبرة وفيما ينقل بالنقل،
ـــــــ
مرفوعا قال "إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل" رواه أحمد وهو للبخاري بغير إسناد وعن أبي هريرة مرفوعا قال "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله" رواه مسلم
وقبض ما يعد ويذرع بعده وذرعه نظرا للعرف وظاهره: أنه لا يشترط نقله على المذهب وشرطه حضور مستحق أو نائبه فلو اشترى منه مكيلا بعينه ودفع إليه الوعاء وقال كله فإنه يصير مقبوضا قال في "التلخيص" وفيه نظر
وتصح استنابة من عليه الحق للمستحق وقيل: لا ونصه أن طرفه كيده بدليل تنازعهما فيه وأنه يصح قبض وكيل من نفسه لنفسه وهل يكتفى بعلم كيل ذلك قبل شرائه على روايتين وخصهما في "التلخيص" بالمجلس فإن كان المبيع في المكيال ففرغه منه وكاله فهو قبض وإلا فلا ذكره جماعة
فإن أعلمه بكيله ثم باعه به لم يجز نقله الجماعة وكذا جزافا قاله المؤلف وإن قبضه جزافا لعلمه قدره جاز وفي المكيل روايتان
تنبيه: إذا قبضه مشتر فوجده زائدا ما لا يتغابن به أعلمه ونقل المروذي يرده وإن قبضه مصدقا لبائعه في كيله أو وزنه برئ عن عهدته وإن ادعى أنه أقل من حقه فوجهان وإن لم يصدقه قبل قوله في قدره
ومؤنة كيال ووزان و اسمهاد ونحوه على باذله من بائع ومشتر وفي "النهاية" أجرة نقله بعد قبض البائع له عليه ومؤنة المتعين على المشتري إن قلنا: كمقبوض وأطلقه في "المغني" و"الشرح" لأنه لا يتعلق به حق توفية نص عليه
ولا يضمن ناقد حاذق خطأ نص عليه وإتلاف مشتر ومتهب بإذنه قبض لا غصبه وغصب بائع ثمنا أو أخذه بلا إذنه ليس قبضا إلا مع المقاصة ويصح قبضه مشتر بغير رضى البائع "وفي الصبرة وفيما ينقل" كالثياب والحيوان "بالنقل" لحديث ابن عمر كنا(4/16)
وفيما يتناول بالتناول وفيما اسمها ذلك بالتخلية وعنه: أن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز،
ـــــــ
نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله رواه مسلم وعلم منه أن المراد بالمكيل والموزون ما بيع بهما لا ما كان مكيلا أو موزونا في نفسه فيحمل المطلق على المقيد فإن كان حيوانا فقبضه بمشيه من مكانه
"وفيما يتناول" كالجواهر والأثمان "بالتناول" إذ العرف فيه ذلك "وفيما عدا ذلك" كالعقار والثمرة على الشجر "بالتخلية" إذ القبض مطلق في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالحرز والتفرق
قال الخرقي من غير حائل وكذا في "المغني" و"الترغيب" ومعناه أن يفتح له باب الدار أو يسلمه مفتاحها ونحوه وإن كان فيها متاع للبائع قاله الزركشي
"وعنه: إن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز" نصره القاضي وجماعة لأنه خلا بينه وبين المبيع مع عدم المانع فكان قبضا له كالعقار
أصل: يحرم تعاطيهما بيعا فاسدا فلا يملك به لأنه نعمة ولا ينفذ تصرفه لعدم الملك وخرج أبو الخطاب فيه من طلاق في نكاح فاسد وهو كمغصوب وقال ابن عقيل وغيره كمقبوض للسوم ومنه خرج ابن الزاغوني لا يضمنه ويضمنه بعقد فاسد بقيمته
قال الشيخ تقي الدين لأنهم تراضوا بالبدل الذي هو القيمة كما تراضوا في مهر المثل وذكر أبو بكر يضمنه بالمسمى لا القيمة كالنكاح والخلع وفي "الفصول" يضمنه بالثمن والأصح بقيمته كمغصوب وفي "المغني" و"الترغيب" أو مثله يوم تلفه وفي ضمان زيادة وجهان بناء على أنها أمانة أولا وفي "المغني" و"الترغيب" إن سقط الجنين ميتا فهدر
وقال أبو الوفاء يضمنه ويضمنه ضاربه ومتى ضربه أجنبي فللبائع من الغرة قيمة الولد والبقية لورثته وسوم إجارة كبيع ذكره في "الانتصار" وولده كهؤلاء ولد جانية وضامنة(4/17)
والإقالة فسخ يجوز في المبيع قبل قبضه ولا يستحق بها شفعة ولا يجوز إلا بمثل الثمن وعنه: أنها بيع فلا يثبت فيها ذلك إلا بمثل الثمن في أحد الوجهين،
ـــــــ
"والإقالة" مستحبة لما روى ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا قال "من أقال مسلما أقاله الله عثرته يوم القيامة" ورواه أبو داوود وليس فيه ذكر يوم القيامة
وهي "فسخ" في الأصح إذ هي عبارة عن الرفع والإزالة يقال أقالك الله عثرتك أي: أزالها فكانت فسخا للعقد بدليل جوازها في السلم مع إجماعهم على المنع من بيعه قبل قبضه
مع أنه يأتي إذا قلنا: هي بيع "يجوز في المبيع قبل قبضه" أي: فيما يعتبر له القبض لأنه فسخ والفسخ لا يعتبر فيه القبض كالرد بالعيب "ولا يستحق بها شفعة" لأن المقتضي لها هو البيع ولم يوجد "ولا يجوز إلا بمثل الثمن" الأول قدرا ونوعا لأن العقد إذا ارتفع رجع كل منهما ما كان له ولا يحتاج إلى استبراء قبل القبض ويجوز بعد نداء الجمعة ولا يلزم إعادة كيل أو وزن وفي المغني أنه لا بد من كيل ثان إقامة للفسخ مقام البيع وفيه نظر فإنه من تمام قول أبي بكر
"وعنه: أنهابيع" فلا يثبت فيها ذلك إلا بمثل الثمن في أحد الوجهين بيع اختاره أبو بكر في "التنبيه" مع أنه حكى في "المغني" و"الشرح" انه اختار الأول لأن المبيع عاد الى بائعه على الجهة التي خرج عليها فكانت بيعا كالأول "فلا يثبت فيها ذلك" أي: تنعكس الأحكام السابقة "إلا بمثل الثمن في أحد الوجهين" هذا هو المذهب عند القاضي في "الخلاف" وصححه السامري لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه واختصت بمثل الثمن كالتولية كما اختصت المرابحة بالربح ولا يمنع ذلك كونها بيعا
والثاني: لا يشترط فيها ذلك كسائر البياعات وأطلقهما في "المحرر" و"الفروع" وصحح في "الشرح" أنها لا تجوز إلا بمثل الثمن بيعا كانت أو فسخا فإن أقال بأقل أو أكثر منه لم تصح الإقالة وكان الملك للمشتري(4/18)
ـــــــ
لأنه شرط التفاضل فيما يعتبر فيه التماثل فيبطل كبيع درهم بدرهمين.
فوائد
منها: أن الإقالة تصح بلفظها وبلفظ المصالحة إن قيل هي فسخ وإن قلنا: بيع فلا ذكره القاضي لأن ما يصلح للحل لا يصلح للعقد وما يصلح للعقد لا يصلح للحل وظاهر كلام جماعة انعقادها بذلك وتكون معاطاة
ومنها إن قلنا: هي فسخ لم يشترط لها شروط البيع وإن قلنا: هي بيع فلا ذكره في المغني ومنها لو قال أقلني ثم دخل الدار فأقاله على الفور صح إن قيل هي فسخ لا بيع ذكره القاضي وأبو الخطاب في تعليقهما لأن البيع يشترط له حضور المتعاقدين في المجلس وظاهر ما قدمه في "الفروع" لا يصح مطلقاوما نقله أبو الخطاب عن أحمد في صحة قبول الزوج للنكاح بعد المجلس يختلف في تأويله
ومنها النماء المنفصل إن قيل هي بيع لم يتبع بغير خلاف وإن قيل هي فسخ فقال القاضي هو للمشتري وفي المستوعب والرعاية للبائع مع ذكرهما أن نماء المعيب للمشتري وفي تعليق القاضي والمغني أنها فسخ للعقد من حينه وفي الفروع هو أظهر
ومنها لا يثبت فيها خيار المجلس إن قيل هي فسخ وإن قيل بيع فذكر في التلخيص أنه يثبت فيها كسائر البيوعات
ومنها لو حلف لا بيع فأقال انبنى على الخلاف وكذا لو علق عتقا أو طلاقا على البيع ومنها هل يصح مع تلف المبيع ففيه طريقان إحداهما: لا يصح عليهما والثاني: إن قلنا: هي فسخ صحت وإلا فلا قال القاضي هو قياس المذهب وتصح مع تلف الثمن مطلقا(4/19)
باب الربا والصرف
ـــــــ
باب الربا والصرف
الربا: مقصور وهو لغة الزيادة لقوله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:5] أي: علت وارتفعت ولقوله تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل92] أي: أكثر عددا.
وشرعا: زيادة في شيء مخصوص وقد انعقد الإجماعلى تحريمه وسنده قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبا} ولحديث ابي هريرة مرفوعا "اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها أكل الربا" متفق عليه ولحديث جابر أنه عليه السلام لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه رواه مسلم وقول ابن المنجا إنه متفق عليهما ليس بجيد
والصرف بيع أحد النقدين بالآخر قيل سمي به لصريفها وهو تصويتها في الميزان وقيل: لانصرافهما عن مقتضى البياعات في عدم جواز التفرق قبل القبض ونحوه(4/20)
باب بيع الأصول والثمار
ـــــــ
باب بيع الأصول والثمار
الأصول جمع أصل وهو ما يتفرع: عنه غيره والمراد به هنا الأرضون والأشجار والثمار جمع ثمر كجبل وجبال وواحد الثمر ثمرة وجمع الثمار ثمر ككتاب وكتب وجمع ثمر أثمار كعنق وأعناق فهو رابع جمع.(4/49)
ومن باع دارا تناول البيع أرضها وبناءها وما يتصل بها لمصلحتها كالسلاليم والرفوف المسمرة والأبواب المنصوبة والخوابي المدفونة والرحا المنصوبة ولا يدخل ما هو مودع فيها من الكنز والأحجار المدفونة ولا المنفصل منها كالحبل والدلو والبكرة والقفل والفرش فأما ما كان من مصالحها كالمفتاح وحجر الرحا الفوقاني فعلى وجهين
ـــــــ
"ومن باع دارا تناول البيع أرضها" أي: إذا كانت الأرض يصح بيعها فإن لم يجز كسواد العراق فلا "وبناءها" لأنهما داخلان في مسمى الدار ولم يتعرض الأصحاب لذكر حريمها "و" تناول ما "يتصل بها لمصلحتها كالسلاليم" واحدها سلم بضم السين وفتح اللام المشددة وهو المرقاة والدرجة ولفظه مأخوذ من السلامة "والرفوف المسمرة" وهو شرط في السلم وحذف منه لدلالة الثاني: عليه "والأبواب المنصوبة" وحلقها "والخوابي المدفونة والرحا المنصوبة" لأنه متصل بها لمصلحتها أشبه الحيطان
وظاهره: أن الخوابي إذا لم تكن مدفونة وحجر الرحا إذا لم يكن منصوبا أنه لا يدخل فيها لأنه منفصل عنها أشبه الطعام وكذا يدخل فيها المعدن الجامد وعنه: والجاري لأنه من أجزائها فهو كأحجارها لكن لا يباع معدن ذهب بذهب ويباع بغير جنسه فإن لم يعلم به البائع فله الخيار لأنها زيادة لم يعلم بها هذا إذا ملك الأرض بإحياء أو إقطاع وإن كان ببيع فوجهان
"ولا يدخل ما هو مودع فيها من الكنز" وهو المال المدفون "والأحجار المدفونة" لأن ذلك مودع فيها كالفرش والستور "ولا المنفصل منها كالحبل والدلو والبكرة والقفل والفرش" لأن اللفظ لا يشمله ولا هو من مصلحتها أشبه المودع فيها وكذا حكم الرف الموضوع على الوتد من غير سمر ولا غرز في الحائط
"فأما ما كان من مصالحها" وهو منفصل عنها "كالمفتاح وحجر الرحا الفوقاني" إذا كان السفلاني منصوبا "فعلى وجهين" أحدهما: وهو الأشهر(4/50)
وإن باع أرضا بحقوقها دخل غراسها وبناؤها في البيع وإن لم يقل بحقوقها فعلى وجهين
ـــــــ
أنه لا يدخل لأن لفظ الدار لا يتناوله ولا هو متصل لمصلحتها أشبه القفل والثاني: بلى لأنه لمصلحتها أشبه المنصوب فيها وفي الشجر والنخل المغروس فيها احتمالان
فرع: إذا كان فيها بئر أو عين مستنبطة فنفس البئر وأرض العين مملوكة لصاحب الأرض والماء غير مملوك على الأصح
"وإن باع أرضا بحقوقها دخل غراسها وبناؤها في البيع" لأنهما من حقوق الأرض ويتبعان من كل وجه لأنه يتخذ للبقاء فيها وليس لانتهائه مدة معلومة والرهن كالبيع وإن لم يقل بحقوقها فعلى وجهين أظهرهما: يدخلان لأنهما من حقوقها وما كان كذلك فيدخل فيها بالإطلاق كطرقها ومنافعها
والثاني: لا لأنهما ليسا من الأرض فلم يدخلا كالثمرة والفرق أنها تراد للنقل وليست من حقوقها بخلاف الشجر والبناء وعلى هذا للبائع تبقيته وفي الترغيب هل يتبعها في الرهن كالبيع إذا قلنا: يدخل فيه الوجهان لضعفه وكذا الوصية والوقف ونحوهما
فرع: إذا باعه قرية لم يدخل مزارعها إلا بذكرها وفي المغني والشرح أو قرينة قال في الفروع وهو أولى كالمساومة على أرضها ولا يدخل زرع ولا بذر وحكم الغرس في بنيانها حكم الغرس في الأرض على ما تقدم
مسألة: إذا باعه بستانا دخل فيه الشجر لأنه اسم للأرض والشجر والحائط بدليل أن الأرض المكشوفة لا تسمى به ويدخل فيه البناء كالشجر ذكره ابن عقيل وقيل: لا لعدم الافتقار إليه فإن باعه شجرا لم تدخل الأرض ذكره ابو إسحاق ابن شاقلا لأن الاسم لا يتناولها ولا هي تبع للمبيع فإن باعه شجرة فله تبقيتها في أرض البائع كالثمر على الشجر(4/51)
وإن كان فيها زرع يجز مرة بعد أخرى كالرطبة والبقول أو تكرر ثمرته كالقثاء والباذنجان فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة من القثاء والباذنجان للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وإن كان فيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير فهو للبائع مبقى إلى الحصاد
ـــــــ
وفي الرعاية يبقى بالأجرة إذ مغرسها للبائع قال أبو الخطاب وغيره ويثبت حق الاختيار وله الدخول لمصالحها
"وإن كان فيها زرع يجز مرة بعد أخرى كالرطبة" وهي الغضة فإذا يبست فيقال لها قت قاله أبو حنيفة الدينوري
"والبقول" وهو ما يأكله الناس "أو تكررت ثمرته كالقثاء والباذنجان فالأصول للمشتري" لأن ذلك يراد للبقاء أشبه الشجر "والجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة من القثاء والباذنجان للبائع" لأنه تؤخذ ثمرته مع بقاء أصله أشبه ثمرة الشجرة المؤبرة وسواء كان ما يبقى سنة كهندبا أو أكثر كرطبة لكن على البائع قطع ما يستحقه منه في الحال فإنه ليس له حد ينتهي إليه فيطول زمنه فيخرج غير ما كان ظاهرا "إلا أن يشترطه المبتاع" لأنه لو اشترى شجرا عليه ثمر أبر واشترطه كان له فكذا هنا
فإن كان مما يؤخذ زهره وتبقى عروقه في الأرض كالبنفسج ونحوه فهو كالرطبة وكذلك ورقه وأغصانه فأما زهرته فإن تفتحت فهي للبائع وإلا فهي للمشتري واختار ابن عقيل في هذا كله أن البائع إن قال بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل فيها وإلا فوجهان كالشجر "وإن كان فيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير" والجزر والفجل والفوم وأشباه ذلك "فهو للبائع" لأنه مودع في الأرض فهو كالكنزوالقماش ولا نعلم فيه خلافا "مبقى إلى الحصاد" لأن ذلك هو العرف في نقله فحمل عليه كالثمرة تباع بعد بدو صلاحها وظاهره: أنه يبقى بغير أجرة لأن المنفعة حصلت مستثناة وعليه حصاده في أول وقت أخذه حسب العادة(4/52)
إلا أن يشترطه المبتاع
ـــــــ
زاد في المغني والشرح ولو كان بقاؤه أنفع له وقيل: عادته "إلا أن يشترطه المبتاع" لأنه بمنزلة الثمرة التي قد أبرت فعلى هذا هو له قصيلا كان أو حبا مستترا أو ظاهرا معلوما أو مجهولا لكونه دخل في البيع تبعا للأرض فلم يضر جهله وعدم كماله
تنبيه: حكم القصب الفارسي كذلك لأن له وقتا يقطع فيه إلا أن العروق للمشتري لأنها تترك في الأرض للبقاء فيها والقصب كالثمرة فإن لم يكن ظهر منه شيء فهو للمشتري وقصب السكر كالزرع وقيل: كالفارسي فإن حصده قبل أوان حصاده لينتفع بالأرض في غيره لم يملك ذلك لأن منفعتها حصلت مستثناة وعلى البائع تسوية الحفر لأنه استصلاح لملكه فهو كما لو باع دارا فيها دابة كبيرة لا تخرج إلا بهدم الباب فهدمه كان عليه الضمان
أصل: ما لم يدخل في البيع من زرع وحجر ونحوه يلزمه نقله وعليه تسوية الحفر وإن أبى النقل فللمشتري إجباره على تفريغ ملكه وتسويته إذا ضر عرقه وضوء كقطن وكذا إن لم يضر وينقله بحسب العادة فلا يلزمه ليلا ولا جمع الحمالين له فإن طالت مدة نقله فذكر جماعة فوق ثلاثة أيام فعيب يثبت له الخيار بين الفسخ والإمساك مع الأرش ولا أجرة مدة نقله
وقيل: مع العلم وقيل: بلى وإن لم ينضر مشتر ببقائه ففي إجباره وجهان
مسألة: إذا باع بيتا من دار وقال بحقوقه لم يصح وإن سمى الطريق وعينه صح وإلا فلا وقيل: إن أطلق الطريق ولم يعينه صح وقيل: إن كان المشتري في البيت صح وإلا فلا(4/53)
فصل
ومن باع نخلا مؤبرا وهو ما تشقق طلعه فالثمر للبائع متروكا في رؤوس النخل إلى الجداد إلا أن يشترطه المبتاع
ـــــــ
فصل
"ومن باع نخلا مؤبرا وهو ما تشقق طلعه فالثمر للبائع متروكا في رؤوس النخل إلى الجداد إلا أن يشترطه المبتاع" كذا ذكره اكثر الأصحاب لما روى ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من باع نخلا مؤبرا فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع" متفق عليه
وأصل التأبير: التلقيح وهو وضع الذكر في الأنثى وليس بمراد ولهذا فسره بالتشقق إذ الحكم منوط به وإن لم يلقح لصيرورته في حكم عين أخرى وإنما نص على التأبير لملازمته التشقق غالبا
فعلى هذا إذا وقع البيع على نخل مثمر ولم يشترط الثمرة وكانت مؤبرة فهي للبائع وإن كانت غير مؤبرة فهي للمشتري وعنه: الحكم منوط بالتأبير لا بالتشقيق وهو ظاهر الخبر فبعده للبائع وقبله للمشتري ذكره ابن أبي موسى ونصره الشيخ تقي الدين وهو المختار. وعلى القول بأنها للبائع: لا يلزمه قطعها في الحال إذ التفريع جار على العرف فيترك إلى تناهي حلاوته إلا أن تجري العادة بأخذه بسرا أو يكون بسره خيرا من رطبه فإنه يجده حين استحكام حلاوة بسره ولو كان بقاؤه خيرا له كما سلف
وقيل: يلزمه قطع الثمرة لتضرر الأصل وهذا إذا لم يشرطه المبتاع فإن شرطه دخل بخلاف وقف ووصية فإن الثمرة تدخل فيهما نص عليه كفسخ بعيب ومقابلة في بيع ورجوع أب في هبة قاله في المغني ولم يتعرض المؤلف لبيان تأبير البعض والنخلة الواحدة إذا أبر بعضها فإن الجميع للبائع اتفاقا(4/54)
وكذلك الشجر إذا كان فيه ثمر باد كالعنب والتين والتوت والرمان والجوز وما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح والسفرجل واللوز وما خرج من أكمامه كالورد والقطن وما قبل ذلك فهو للمشتري
ـــــــ
فرع: كل عقد معاوضة يجري مجرى البيع في أن الثمرة المؤبرة تكون لمن انتقل عنه الأصل وغير المؤبرة لمن انتقل إليه وإن انتقل بغير عوض فإنه في الفسخ يتبع الأصل سواء أبر أو لا وفي الهبة والرهن يتبع قبل التأبير دون ما بعده
فائدتان: الأولى: طلع الفحال يراد للتلقيح كطلع الإناث وقيل: للبائع سواء تشقق طلعه أم لا. الثانية: يصح شرط بائع ما لمشتر ولو قبل تأبير ولبعضه خلافا لابن القاسم المالكي. "وكذلك الشجر إذا كان فيه ثمر باد" أي: ظاهر "كالعنب والتين والتوت والرمان والجوز" لأن بدو ذلك من شجره بمنزلة ظهور الرطب من طلعه فإن اختلفا قدم قول بائع إنه بدا وظهر وفي الفروع ويتوجه وجه من واهب ادعى شرط ثواب وقال القاضي: فيما يظهر من قشرين كالجوز واللوز إن تشقق الأعلى فهو للبائع وإلا فهو للمشتري
"وما ظهر من نوره" أي: زهره على أي: لون كان "كالمشمش" بكسر الميم الأولى "والتفاح والسفرجل واللوز" والإجاص والخوخ للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري وقال القاضي: ما يتناثر نوره كتفاح وفي المغني وعنب يمتنع دخوله بتناثر نوره أي: للبائع بظهور نوره لأن الطلع إذا تشقق كان كنور الشجر والأول أولى لأن ما في الطلع هو عين الثمر بخلاف النور فإنه يتساقط والثمر غيره
"وما خرج من أكمامه" واحده كم وهو الغلاف وأكثر ما يستعمل في وعاء الطلع "كالورد والقطن" والبنفسج والياسمين أي: هو للبائع لأن خروجه من أكمامه بمنزلة ظهور الثمرة من الطلع "وما قبل ذلك فهو للمشتري" لأن ذلك يتبع(4/55)
والورق للمشتري بكل حال ويحتمل في ورق التوت والمقصود أخذه أنه وإن تفتح فهو للبائع وإن كان حبا فهو للمشتري وإن ظهر بعض الثمرة فهو للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري وقال ابن حامد الكل للبائع وإن احتاج الزرع أو الثمرة إلى سقي لم يلزم المشتري
ـــــــ
الأصل فوجب أن يكون للمشتري كالأصل والورق للمشتري بكل حال كالأغصان. "ويحتمل في ورق التوت" وهو الفرصاد قاله الأصمعي وقيل: الفرصاد اسم للثمرة والتوت اسم للشجرة "والمقصود أخذه أنه إن تفتح فهو للبائع" كالثمرة لأنه يقصد لتربية القز "وإن كان حبا" أي: لم يتفتح "فهو للمشتري" هذا في المواضع التي عادتهم أخذ الورق فإن لم يكن لهم عادة كان للمشتري كسائر الورق
"وإن ظهر بعض الثمرة" أو تشقق طلع بعض النخل "فهو للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري" نص عليه لأن الخبر دل بمنطوقه على أن المؤبر للبائع وبمفهومه على أن ما لم يؤبر للمشتري
"وقال ابن حامد الكل للبائع" وحكاه في الانتصار رواية لأنه لو لم يجعل له لأدى إلى الإضرار بسوء المشاركة إذ الباطن يتبع الظاهر كأساسات الحيطان وكشجرة وهذا الخلاف في النوع الواحد لأن الظاهر أنه يتفاوت
ولم يفرق أبو الخطاب بين النوع والجنس فلو أبر الكل إلا نخلة فأفردها بالبيع ففي أيهما له وجهان وفي الواضح ما لم يبد من ثمره شجرة لمشتر وذكره أبو الخطاب ظاهر كلام أبي بكر كحدوث طلع بعد تأبيرها أو بعضها ذكره في المغني لأنه لا اشتباه لبعد ما بينهما وظاهر كلام غيره لا فرق
فرع: باع حائطين أبر أحدهما لم يتبعه الآخر لأن لكل حكم نفسه
"وإن احتاج الزرع" المبقى "أو الثمرة" المبقاة "إلى سقي لم يلزم المشتري" لأنه لا يلزمه تسليم ذلك إليه لكون أن البائع لم يملكها من جهته بخلاف ما لو(4/56)
ولم يملك منع البائع منه
فصل
ولا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ولا الزرع قبل اشتداد حبه إلا بشرط القطع في الحال
ـــــــ
كانت الثمرة للمشتري على أصل البائع فإنه يلزمه السقي لأنه يلزمه تسليمها إليه "ولم يملك منع البائع منه" لأن ذلك مما يبقى فلزمه تمكينه منه كتركه على الأصول وظاهره: وإن أضر بصاحبه صرح به جماعة لأنه دخل في العقد على ذلك وظاهره: أنه إذا أراد سقيها لغير حاجة فللمشتري منعه منه لأن سقيه يتضمن التصرف في ملك غيره والأصل المنع والمذهب أن لكل واحد السقي من ماله لمصلحة فإن اختلفا في ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة
فصل
"ولا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها" أي: بشرط التبقية إجماعا لحديث ابن عمر قال" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها نهى البائع والمبتاع متفق عليه والنهي يقتضي الفساد
"ولا الزرع قبل اشتداد حبه" نص عليه لما روى مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة
وعن أنس مرفوعا أنه نهى عن بيع الحب حتى يشتد رواه أحمد والحاكم وقال على شرط مسلم
"إلا بشرط القطع في الحال" فيصح إجماعا لزوال معنى النهي وشرطه أن يكون منتفعا به ويستثنى منه الكمثرى وعنه: يجوز مع العزم على القطع
فرع: إذا اشترى نصف ثمرة قبل بدو صلاحها أو نصف زرع قبل اشتداده مشاعا لم يجز سواء اشتراه من واحد أو أكثر شرط القطع أو لا لأنه لا يمكنه قطعه إلا بقطع ملك غيره فلم يصح اشتراطه(4/57)
ولا يجوز بيع الرطبة والبقول إلا بشرط جزه ولا القثاء ونحوه إلا لقطة لقطة إلا أن يبيع أصله
ـــــــ
"ولا يجوز بيع الرطبة" وهي نبت معروف يقيم في الأرض سنين وهي القضب أيضا وتسمى الفصفصة بفاءين مكسورتين وصادين مهملتين "والبقول" كالنعناع والهندبا لأن ما في الأرض مستور مغيب وما يحدث منه معدوم فلم يجز بيعه كالذي يحدث من الثمرة "إلا بشرط جزه" أي: بشرط القطع في الحال لأن الظاهر منه مبيع معلوم لا جهالة فيه ولا غرر أشبه ما جاز بيعه من غيره
"ولا القثاء ونحوه" كالخيار والباذنجان "إلا لقطة لقطة" لأن الزائدة على اللقطة ثمر لم يخلق فلم يجز بيعه كما لو باعه قبل ظهوره "إلا أن يبيع أصله" لأنه إذا تبع للأصل أشبه الحمل مع أمه وأس الحائط معه والأولى: رد الاستثناء إلى الكل لأنه إذا تعقب جملا يعود إلى كلها خصوصا مع اتحاد الحكم ومطابقته
فعليه يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إذا بيعت مع الشجر والزرع قبل اشتداد حبه إذا بيع مع الأرض وكذا ما بعده ولا فرق بين كون الأصل صغارا أو كبارا مثمرا أو غيرمثمر لأنه أصل يتكرر فيه الثمرة أشبه الشجر وقيل: لا يصح كما لو باعها لمالك الأصل في أحد الوجهين لعموم الخبر لأنه لا متبوع فلا تابع فلو شرط القطع صح
قال في المغني والشرح: ولا يلزم الوفاء بالشرط لأن الأصل له وهذا يقتضي أن اشتراط القطع حق للآدمي وفيه نظر بل هو حق لله تعالى: والثاني: يصح وهو اختيار السامري وصاحب التلخيص فيه لأنه اجتمع الأصل والثمرة للمشتري أشبه ما لو اشتراهما معا
تنبيه: القطن ضربان أحدهما ماله أصل يبقى في الأرض أعواما فحكمه كالشجر الثاني: ما يتكرر زرعه كل عام فحكمه كالزرع فإن كان جوزه ضعيفا رطبا لم يصح بيعه إلا بشرط القطع كالزرع وإن قوي واشتد جاز بيعه بشرط التبقية وإن بيعت الأرض لم يدخل فيها إلا أن يشترطه المبتاع.(4/58)
والحصاد واللقاط على المشتري فإن باعه مطلقا أو بشرط التبقية لم يصح فإن اشترط القطع ثم تركه حتى بدأ صلاح الثمرة أو طالت الجزة.
ـــــــ
"والحصاد واللقاط" والجداد "على المشتري" لأن ذلك نقلها كنقل الطعام المبيع بخلاف أجرة الكيال والوزان فإنها على البائع لأنها تسليم المبيع إلى المشتري على البائع وهنا حصل التسليم بالتخلية بدون القطع بدليل جواز التصرف فيه بغير خلاف علمناه فإن شرطه على البائع صح خلافا للخرقي
قال في الروضة ليس لقوله وجه وفي الإرشاد في صحته روايتان فإن بطل ففي العقد روايتان "فإن باعه مطلقا" أي: لم أو بشرط التبقية لم يصح فإن اشترط القطع ثم تركه حتى بدأ صلاح الثمرة أو طالت الجزة أو حدثت ثمرة أخرى فلم تتميز أو اشترى عرية ليأكلها رطبا فأثمرت بطل البيع يشترط تبقية ولا قطعا وقيل: إطلاقه كشرطه قدمه في التبصرة لأن إطلاق العقد يقتضي القطع فحمل عليه
"أو بشرط التبقية لم يصح" إجماعا في الثانية: لما سبق من الأدلة على اشتراط بدو الصلاح في الثمر واشتداد الحب في شرط جز المبيع لقطة لقطة
"فإن اشترط القطع ثم تركه حتى بدا صلاح الثمرة" بطل العقد نص عليه في رواية حنبل وأبي طالب واختاره الأكثر لأنه عليه السلام نهى عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها
واستثنى منه ما إذا اشتراه بشرط القطع وقطع فيبقى ما اسمهاه على أصل التحريم ولأن التبقية معنى حرم الشرع اشتراطه لحق الله تعالى: فأبطل العقد وجوده كتأخير قبض رأس مال السلم والصرف ولأن صحة ذلك تجعل ذريعة إلى الحرام ووسائل الحرام حرام كبيع العينة وقد عاقب الله أصحاب السبت بصنيعهم
"أو طالت الجزة" أي: إذا اشترى رطبة بشرط القطع ثم تركه حتى طالت الجزة أو زرعا أخضر ثم اشتد لأنه في معنى الثمرة قال في الشرح وهذا لم يقصد وقت الشراء تأخيره ولم يجعل شراءه بشرط القطع حيلة فإن قصده(4/59)
أو حدثت ثمرة أخرى فلم تتميز أو اشترى عرية ليأكلها رطبا فأثمرت بطل البيع وعنه: لا يبطل ويشتركان في الزيادة وعنه: يتصدقان بها
ـــــــ
فالبيع باطل من أصله لأنه حيلة محرمة
"أو حدثت ثمرة أخرى فلم تتميز" وظاهره: أنها إذا تميزت أنه لا يبطل فعلى هذا لكل واحد ثمرته "أو اشترى عرية ليأكلها رطبا فأثمرت بطل البيع" لقوله عليه السلام: "يأكلها أهلها رطبا" ولأن شراءها إنما جاز للحاجة إلى أكل الرطب فإذا أثمر تبينا عدم الحاجة ولا فرق بين تركه لغناه عنها أو لا لعذر أو غيره فلو أخذ بعضا رطبا وترك باقيها حتى أثمر فهل يبطل فيما أثمر على وجهين ويخرج من ذلك ما لو أخذها رطبا فتركها عنده حتى أثمرت أو شمسها حتى صارت تمرا أنه يجوز ولأنه قد أخذها
وعنه: يفسد العقد فيه إن أخره عمدا بلا عذر وعنه: يفسد لقصد حيلة ومتى حكمنا بفساد البيع فالثمرة مع الزيادة للبائع على المشهور
"وعنه: لا يبطل" في قول أكثر الفقهاء لأنه اختلط البيع بغيره وذلك لا يقتضي البطلان أشبه ما لو اشترى حنطة فانهالت عليها أخرى وفي الشرح والفروع فيما إذا حدثت ثمرة أخرى فلم تتميزا انه لا يبطل العقد في ظاهر المذهب
ويشتركان في الزيادة لأنها حصلت في ملكهما فإن الثمرة ملك المشتري والأصل ملك البائع وهما سبب الزيادة فتقوم الثمرة وقت العقد ويوم الأخذ فالزيادة ما بين القيمتين وقال القاضي: هي للمشتري كالعبد إذا سمن وحمل كلام أحمد بالاشتراك فيها على الاستحباب
"وعنه: يتصدقان بها" على الروايتين لاشتباه الأمر فيها وجوبا وفي المغني يشبه أن يكون استحبابا فإن أبيا الصدقة بها اشتركا فيها(4/60)
وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمرة جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجداد ويلزم البائع سقيه إن احتاج ذلك وإن تضرر الأصل
ـــــــ
تنبيه: إذا بطل البيع زكاه البائع وحيث صح فإن اتفقا على التبقية جاز وزكاه المشتري فإن قلنا: الزيادة بينهما فعليهما إن بلغ نصيب كل منهما نصاباً وإلا انبنى على الخلطة في غير الماشية وإن اتفقا على القطع أو طلبه البائع فسخنا البيع لأن إلزام البائع بالتبقية يضر بنخله وتمكن المشتري من القطع يضر بالفقراء ويعود ملكا للبائع ويزكيه وفي إلزام المشتري بالتبقية إن بذلها البائع وجهان وهذا إذا قلنا: الواجب فيما يقطع قبل كماله لحاجة عشره رطبا فإن قلنا: يخرج يابسا فلا يفسخ في المسألتين ذكره في منتهى الغاية
فرع: إذا اشترى خشبا بشرط القطع فتركه حتى زاد فالبيع لازم ويشتركان في الزيادة نص عليهما وقيل: هي للبائع وقيل: الكل وقيل: للمشتري وعليه الأجرة
"وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمرة" أي: طاب أكله وظهر نضجه وفي الترغيب بظهور مبادي الحلاوة "جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية" لأن النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وعن بيع الحب حتى يشتد يدل بمفهومه على جواز البيع بعد بدو الصلاح والاشتداد لأنه عليه السلام علل الأصل خوف التلف وهذا المعنى مفقود هنا "وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجداد" لأن العرف يقتضيه وعلم منه أن له تعجيل قطعه صرح به في الفروع وغيره
"ويلزم البائع سقيه إن احتاج إلى ذلك" لأنه يجب عليه تسليم ذلك كاملا ولا يحصل إلا به بخلاف ما إذا باع الأصل وعليه ثمرة للبائع فإنه لا يلزم المشتري سقيها لأن البائع لم يملكها من جهته وإنما بقي ملكه عليها "وإن تضرر الأصل" لأنه يجبر عليه لكونه دخل على ذلك وإنما نص عليه لئلا(4/61)
وإن تلفت بجائحة من السماء رجع على البائع وعنه: إن أتلفت الثلث فصا اسمها ضمنه البائع وإلا فلا
ـــــــ
يتوهم سقوطه عند ذلك "وإن تلفت بجائحه من السماء رجع على البائع" الجائحة كل آفة سماوية لا صنع للآدمي فيها كالريح والحر والبرد والعطش فكل ما تهلكه من الثمر على أصوله قبل أوان جده فهو من ضمان البائع لما روى جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح
وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لوبعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق" رواهما مسلم
قال الشافعي: لم يثبت عندي ولو ثبت لم أعده ولو كنت قائلا بوضعها لوضعتها في القليل والكثير قلنا: الحديث ثابت رواه أحمد ومسلم ولأبي داود معناه ولأن التخلية في الشجر ليس بقبض تام فوجب كونه من ضمان البائع كما لو لم يقبض ولأن الثمرة على الشجر كالمنافع في الإجارة يؤخذ شيئا فشيئا ثم لو تلفت المنافع قبل استيفائها كانت من ضمان الآجر كذا هنا
ومحله ما لم يعين وقت أخذها فلو بلغت جدها فلم يجدها حتى تلفت فقال القاضي وجزم به في المحرر والوجيز والفروع لا يوضع عنه لأنه مفرط ويستثنى من ذلك ما لم يشتره مع أصله من شجر أو أرض قاله ابن حمدان والفروع أو اشتراها بشرط القطع قبل بدو صلاحها فتلفت فهي من ضمان المشتري بخلاف ما إذا تلفت قبل إمكان قطعها
ونقل حنبل ما يقتضي اختصاصها بالنخل فقال إنما الجوائح في النخل بأمر سماوي وفي نهب عسكر وإحراق لص ونحوه وجه وظاهره: لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها إلا أن اليسير الذي لا ينضبط لا يلتفت إليه
"وعنه: إن أتلفت الثلث فصا اسمها ضمنه البائع وإلا فلا" جزم به في الروضة لأنه يأكل الطير منها وتنثر الريح فلم يكن بد من ضابط والثلث قد اعتبره الشارع في الوصية ونحوها قال الأثرم قال أحمد: إنهم يستعملون(4/62)
وإن أتلفه آدمي خير المشتري بين الفسخ والإمضاء ومطالبة المتلف
ـــــــ
الثلث في سبع عشرة مسألة: ولأن الثلث في حد الكثرة وما دونه في حد القلة يدل عليه النص فعليها يعتبر ثلث الثمرة قدمه في الشرح
وقيل: ثلث القيمة وقيل: ثلث الثمن فإن تلف الثلث فما زاد رجع بقسطه وإن كان دونه لم يرجع بشيء وعلى الأولى: إن تلف بشيء خارج عن العادة وضع من الثمن بقدر الذاهب وإن تلف الكل بها بطل العقد ورجع المشتري بجميع الثمن
وإن تعيب خير بين إمضاء مع الأرش وبين رد وأخذ الثمن كاملا وماله أصل يتكرر حمله كقثاء ونحوه فكشجر وثمره كثمره فيما ذكرنا لكن لا يؤخر البائع اللقطة الظاهرة ذكره في الترغيب وغيره وقيل: لا تباع إلا لقطة لقطة كثمر لم يبد صلاحه ذكره الشيخ تقي الدين وجوزه مطلقا تبعا لما بدا كثمر
لواحق: ظاهره أنه لا يثبت في الزرع إذا تلف وفي الكافي والمحرر بلى كالثمرة وهو ظاهر مع أنه لا يباع إلا بعد تتمة صلاحه قال ابن عقيل فإذا تركه فرط يضمنه في أحد الاحتمالين وفيه نظر وفي الروضة وغيرها إن اشتراه بعد بدو صلاحه وهو اشتداد حبه فله تركه إلى حين حصاده وفي عيون المسائل إذا تلف الباقلاء والحنطة فوجهان الأقوى يرجع بذلك على البائع
فلو استأجر الأرض فزرعها فتلف فلا جائحة بغير خلاف نعلمه لأن المؤجر لم يبعه اياه ولأن منافع الأرض باقية واختار الشيخ تقي الدين ثبوتها في زرع مستأجر وحانوت نقص نفعه عن العادة وحكم به القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة في حمام
"وإن أتلفه آدمي خير المشتري بين الفسخ" ومطالبة البائع بالثمن "والإمضاء" أي: البقاء عليه "ومطالبة المتلف" بالقيمة كالمكيل إذا أتلفه آدمي قبل القبض لأنه أمكنه الرجوع ببدله بخلاف التالف بالجائحة قال في الشرح إلا أن في(4/63)
وصلاح بعض ثمرة الشجرة صلاح لجميعها وهل يكون صلاحا لجميع النوع الذي في البستان على روايتين وبدو الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو يصفر
ـــــــ
إحراق اللصوص ونهب العساكر والحرامية وجهين
وجزم في الروضة بأنه هنا من مال المشتري لأنه يمكنه أن يتبع الآدمي بالغرم قال ابن عقيل المسألة أخذت شبها من المتميز وغيره فعملنا بها فضمنها البائع بالجائحة والمشتري إذا أتلفها آدمي
"وصلاح بعض ثمرة الشجرة صلاح لجميعها" بغير خلاف إذ لو لم يجز لأدى بيع ما بدا صلاحه إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة "وهل يكون صلاحا لسائر النوع الذي في البستان على روايتين" أظهرهما وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع أنه يكون صلاحا لأن اعتبار الصلاح في الجميع يشق وكالشجرة الواحدة وعنه: وكذا ما قاربه
والثانية: لا يكون صلاحا كالذي في البستان الآخر وأطلق في الروضة في البستانين روايتين واختلف القائلون بالأولى: أي: في النوع كالبرني هل يكون صلاحا لسائر الجنس الذي في القراح فقال القاضي والأكثر لا يكون صلاحا
وقال أبو الخطاب: نعم لأن الجنس يضم بعضه إلى بعض في إكمال النصاب فيتبعه في جواز البيع كالنوع الواحد والأول أولى لأن النوعين قد يتباعد إدراكهما وكالجنسين ونقل حنبل في بستان بعضه بالغ وبعضه غير بالغ يباع إذا كان الأغلب عليه البلوغ فقضى القاضي وأبو حكيم والمجد الحكم على الغلبة بهذا النص وأبو الخطاب وابن أبي موسى وغيرهما سووا بين القليل والكثير
"وبدو الصلاح في ثمر النخل: أن يحمر أو يصفر" لأنه عليه السلام نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو
قيل لأنس: وما زهوها قال: تحمار وتصفار وفي حديث جابر: نهى أن(4/64)
وفي العنب أن يتموه وفي سائر الثمار أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله
فصل
ومن باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فإن كان قصده المال اشترط علمه وسائر شروط البيع
ـــــــ
تباع حتى تشقح رواه البخاري ولأنها تصلح للأكل
"وفي العنب أن يتموه" لقول أنس: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يسود رواه أحمد ورواته ثقات ومعنى يتموه أن يبدو فيه الماء الحلو ويلين ويصفر لونه "وفي سائر الثمار" كالتفاح والبطيخ "أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله" واعتبره المجد في جميع الثمار لأنه عليه السلام نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب متفق عليه
وفي الوجيز كالمقنع تبعا للخرقي واختلف فيما يؤكل كبارا وصغارا كالقثاء ونحوه فالمذهب أكله عادة وقال القاضي: وابن عقيل صلاحه تناهي عظمه وقال صاحب التلخيص صلاحه التقاطه عرفا وإن طاب أكله قبل ذلك وصلاح الحب أن يشتد أو يبيض
فصل
"ومن باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" لما روى ابن عمر" ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" رواه مسلم لأن العبد وماله للبائع فإذا باع العبد اختص به كما لو كان له عبدان فباع أحدهما. وظاهره: أنه لا فرق سواء قلنا: العبد يملك بالتمليك أو لا وهذه طريقة الأكثر "فإن كان قصده المال اشترط علمه" أي: العلم بالمال "وسائر شروط البيع" لأنه مبيع مقصود أشبه ما لو ضم إليه عينا أخرى(4/65)
وإن لم يكن قصده المال لم يشترط وإن كان عليه ثياب فقال أحمد: ما كان للجمال فهو للبائع وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري
ـــــــ
"وإن لم يكن قصده المال لم يشترط" أي: لم يشترط علمه به ويصح شرطه وإن كان مجهولا نص عليه لأن المال دخل تبعا أشبه أساسات الحيطان والتمويه بالذهب في السقوف وسواء كان مثل الثمر أو دونه أو فوقه
وحكاه في المنتخب عن الأصحاب فعلم أنهم أناطوا الحكم بالقصد وعدمه قال صاحب التلخيص وهذا على القول بأن العبد يملك فإن قلنا: لا يملك فإنه يسقط حكم التبعية الرجعة كمن باع عبدا ومالا وفيه نظر لأن كلامهم مطلق وقال القاضي: في المجرد وأبو الخطاب في الانتصار إن قلنا: لا يملك فاشترطه المشتري صار ماله مبيعا معه ويشترط له ما يشترط لسائر المبيعات وإن قلنا: يملك احتملت فيه الجهالة وغيرها فيدخل تبعا كطي البئر وقطع به في المحرر وزاد إلا إذا كان قصده العبد لا المال فلا يشترط وقيل: إن المال ليس بمبيع هنا وإنما استبقاه المشتري على ملك العبد لا يزول عنه إلى البائع قال في الشرح وهو قريب من الأول وفيه نظر فرع: لو شرط مال العبد ثم رده بإقالة أو غيرها رد ماله لأنه عين مال أخذه المشتري به فيرده بالفسخ كالعبد لكن لو تلف ماله فأراد رده فهو بمنزلة العيب الحادث هل يمنع الرد وفيه روايتان فإن قلنا: به فعليه قيمة ما تلف عنده وله الفسخ بعيب ماله كهو في الأشهر
"وإن كان عليه ثياب فقال أحمد: ما كان للجمال فهو للبائع" لأنها زيادة على العادة ولا تتعلق بها حاجة العبد وإنما يلبسه اياها لينفقه بها فهي حاجة السيد ولم تجر العادة بالمسامحة بها فجرت مجرى الستور في الدار إلا أن يشترطها المبتاع
"وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري" لأن ثياب البذلة جرت العادة ببيعها(4/66)
ـــــــ
معه وتتعلق بها مصلحته وحاجته إذ لا غنى له عنها فجرت مجرى مفاتيح الدار واختار في المغني أنه إذا اشترى أمة من غنيمة يتبعها ما عليها مع علمها به ونقل الجماعة خلافه
فرع: يدخل مقود دابة ونعلها ونحوهما في مطلق البيع كثياب العبد قال في الترغيب وأولى.(4/67)
باب السلم
ـــــــ
باب السلم
قال الأزهري: السلم والسلف واحد في قول أهل اللغة إلا أن السلف يكون قرضا لكن السلم لغة أهل الحجاز والسلف لغة أهل العراق قاله الماوردي وسمي سلما لتسليم رأس المال في المجلس وسلفا لتقديمه
وفي الشرع: هو أن يسلم عينا حاضرة في عوض موصوف في الذمة إلى أجل
وفي الوجيز هو بيع معدوم خاص ليس نفعا إلى أجل بثمن مقبوض في مجلس العقد واعترض عليهما بأن قبض الثمن شرط من شروطه لا أنه داخل في حقيقته
والأولى: أنه بيع موصوف في الذمة إلى أجل والإجماع على جوازه ذكره ابن المنذر وسنده الكتاب وهو آية "الدين" قال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله تعالى: في كتابه وأذن فيه ثم قرا الآية رواه سعيد والسنة فروى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: "من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" متفق عليه
والمعنى شاهد بذلك لأن بالناس حاجة إليه لأن أرباب الزروع والثمار يحتاجون إلى النفقة عليها لتكمل فجوز لهم السلم ليرتفقوا وليرتفق المسلم(4/67)
وهو نوع من البيع يصح بألفاظه وبلفظ السلم والسلف ولا يصح إلا بشروط سبعة أحدها: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته كالمكيل والموزون والمذروع فأما المعدود والمختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرؤوس ونحوها ففيه روايتان
ـــــــ
"وهو نوع من البيع" لأنه بيع إلى أجل فشمله النص "يصح بألفاظه" أي: بألفاظ البيع لأنه بيع حقيقة "وبلفظ السلم والسلف" لأنهما حقيقة فيه إذ هما للبيع الذي عجل ثمنه وأجل مثمنه "ولا يصح إلا بشروط سبعة" وجعلها في المحرر أربعة زائدا على شروط البيع فيكون أربعة عشر شرطا
لكن ذكر الحلواني من شرط صحة السلم أن يوجد الإيجاب والقبول
"أحدها: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته" أي: التي يختلف الثمن باختلافها اختلافا كثيرا ظاهرا لأن ما لا يمكن ضبط صفاته يختلف كثيرا فيفضي إلى المنازعة والمشاقة المطلوب عدمها "كالمكيل" في الحبوب وغيرها وهو إجماع في الطعام ذكره ابن المنذر "والموزون" كالقطن والإبريسم والصوف والنحاس والطيب والعنب والأدهان والخلول "والمذروع" على المذهب كالثياب لأن بعض ذلك منصوص عليه والباقي بالقياس
وفي المستوعب أن أبا بكر حكى في التنبيه: أن لأحمد قولاً أنه لا يجوز السلم إلا في المكيل والموزون وهو ظاهر الوجيز والمذهب خلافه لتأتي الصفة عليه
وعلم منه أنه لا سلم في أرض وشجر ونخيل صرح به في الرعاية لعدم تأتي الصفة فيه
"أما المعدود والمختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرؤوس ونحوها" كالبيض "ففيه روايتان" وكذا في المحرر المشهور في المذهب ونص عليه في رواية الأثرم أنه يجوز في الحيوان وصححه في الفروع وغيره آدميا كان أو غيره وهو قول جماعة من الصحابة وتابعيهم(4/68)
ـــــــ
لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا رواه مسلم ولأنه يثبت في الذمة صداقا فيثبت في السلم كالثياب
والثانية: لا يصح السلم فيه وجزم به في الوجيز روي عن عمر أنه قال: إن من الربا أبوابا لا تخفى وإن منها السلم في السن ولأنه يختلف اختلافا مباينا ولا يمكن ضبطه ولو استقصى صفاته لتعذر تسليمه ولندرة وجوده عليها
ورد بأنه لم يثبت ولو سلم فهو محمول على أنهم يشرطون من ضراب فحل بني فلان
وهو معارض بقول علي وعلم منه جوازه في شحم ولحم نيء ولو مع عظمه إن عين موضع القطع منه وأطلق في الكافي والفروع الخلاف في البواقي
الأشهر وبه جزم في الوجيز أنه لا يجوز نقل عنه إسحاق بن إبراهيم أنه قال لا أرى السلم إلا فيما يكال أو يوزن أو يوقف عليه قال أبو الخطاب معناه يوقف عليه بحد معلوم لا يختلف كالزرع فأما الرمان والبيض فلا أرى السلم فيه ولأن الفواكه تختلف بالصغر والكبر والبقول تختلف ولا يمكن تقديرها بالحزم فتكون كالجواهر
والثانية: نقلها ابن منصور جواز السلم فيها لأن التفاوت في ذلك يسير ويمكن ضبطه بالصغر والكبر وبعضه بالوزن كالبقول وأما الجلود فلا يصح السلم فيها في الأشهر لأنه مختلف فالورك قوي والصدر ثخين رخو والبطن رقيق ضعيف والظهر أقوى فيحتاج إلى وصف كل موضع منه ولا يمكن ذرعه لاختلاف أطرافه
والثانية: يجوز نصره في الشرح لأن التفاوت في ذلك معلوم فلم يمنع الصحة كالحيوان وفي الأطراف الخلاف كالرؤوس إحداهما لا يصح لأن اللحم فيه قليل وليس بموزون عكس اللحم(4/69)
وفي الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط كالقماقم والأسطال الضيقة الرؤوس وما يجمع أخلاطا متميزة كالثياب المنسوجة من نوعين وجهان ولا يصح فيما لا ينضيط كالجواهر كلها والحوامل من الحيوان
ـــــــ
والثانية: يجوز لأنه لحم فيه عظم يجوز شراؤه فجاز السلم فيه كبقية اللحم وعليه لا فرق بين كونه مطبوخا أو مشويا أو غيره
"وفي الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط كالقماقم" واحده قمقم بضم القافين يكون ضيق الرأس وهو ما يسخن فيه من نحاس "والأسطال" واحدها سطل وهو على هيئة التور له عروة "والضيقة الرؤوس" فيهما "وما يجمع أخلاطا" واحدها خلط بكسر الخاء "متميزة كالثياب المنسوجة من نوعين وجهان" وكذا في الفروع إحداهما لا يصح في الأولين قدمه في الشرح وجزم به في الوجيز لأن الصفة لا تأتي عليها
والثاني: بلى لأن التفاوت في ذلك يسير ويمكن ضبطها بارتفاع حائطها ودور أسفلها وسعة رأسها وعلى الأولى: يصح فيما لا يختلف كالهاون والسطل المربع لإمكان ضبطه. والأصح جواز السلم في الثياب المنسوجة من نوعين كالكتان والقطن ونحوهما لأن ضبطها ممكن وفي معناه النشاب والنبل المريشين وخفاف ورماح وقال القاضي: لا يصح كالمعاجين والفرق واضح
"ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر كلها" كاللؤلؤ والياقوت والزبرجد والبلور لأنه يختلف اختلافا متباينا بالكبر والصغر وحسن التدوير وزيادة ضوئهما ولا يمكن تقديرها بثمن معين لأنه يختلف وفي العقيق وجهان
"والحوامل من الحيوان" لأن الصفة لا تأتي على ذلك والولد مجهول غير محقق وفيه وجه لأن الحمل لا حكم له مع الأم بدليل البيع ولا يصح في أمة ولدها لندرة جمعهما الصفة.(4/70)
والمغشوش من الأثمان وغيرها وما يجمع أخلاطاً غيرمتميزة كالغالية والند والمعاجين ويصح فيما يترك فيه شيء غير مقصود لمصلحته كالجبن وخل التمر والسكنجبين وغيرها
فصل
الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرا
ـــــــ
"والمغشوش من الأثمان" لأن غشه يمنع العلم بالقدر المقصود منه فلم يصح ولما فيه من الغرر وظاهره: يصح فيها حيث لم تكن مغشوشة ويكون رأس المال غيرها "وغيرها" كاللبن المشوب بالماء والحنطة المختلطة بالزوان لأنه مجهول لا ينضبط بالصفة "وما يجمع أخلاطاً غير متميزة كالغالية والند والمعاجين" لعدم ضبطها بالصفة وفي معناه القسي المشتمل على الخشب والقرن والعقب والعراء والتور للعجز عن ضبط مقادير ذلك وتمييزه وفيه وجه يصح كالثياب وفي شهد وكتان وقنب يقضيانه وجهان "ويصح فيما يترك فيه شيئ غير مقصود لمصلحته كالجبن" فإن فيه أنفحة "والعجين" فان فيه ملحا "وخل التمر" فإن فيه ماء "والسكنجبين" فإن فيه خلا "وغيرها" كالخبز ولبن فيه ماء يسير ودهن ورد وبنفسج ولأن ذلك يسير غير مقصود لمصلحته فلم يؤثر
فرع: يصح السلم في اللبأ والخبز وما أمكن ضبطه مما مسته النار منع الشافعي السلم في كل معمول بالنار واستثنى النووي أربعة السكر والفانيد واللبأ والدبس والأشهر جوازه في اللحم المشوي والمطبوخ وقال القاضي: لا يصح لأنه يتفاوت كثيرا
فصل
"الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرا" لأن السلم عوض يثبت في الذمة فاشترط العلم به كالمثمن وطريقه الرؤية أو الصفة والأول ممتنع فتعين(4/71)
فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره
ـــــــ
الوصف "ف"على هذا "يذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته" بغير خلاف نعلمه ومختلف فيه كغير هذه الصفات فيكون ذكرها شرطا كالأول ذكره في الشرح ولا يجب استقصاء كل الصفات لأنه يتعذر وشرطه أن يكون الوصف بلغة يفهمها عدلان ليرجع إليهما عند التنازع
"وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره" لعدم الاحتياج إليه فعلى الأول يصف التمر بالنوع كبرني أو معقلي وبالجودة أو عكسها وبالقدر نحو كبار أو صغار وبالبلد نحو بغدادي لأنه أحلى وأقل بقاء لعذوبة مائه أو بصري وهو بخلافه وبالحداثة أو عكسها فإن أطلق العتيق أجزأ ما لم يكن معيبا
وإن شرط عتيق عام أو عامين فله شرطه وأما اللون فإن كان يختلف ذكره وإلا فلا والرطب كالتمر فيما ذكرنا إلا الحداثة وضدها وليس له من الرطب إلا ما أرطب كله. ويصف الحنطة بالنوع كسلموني وبالبلد كحوراني وبالقدر كصغار الحب أو كباره وبالحداثة وضدها واللون كما ذكرنا والشعير كالبر ويصف العسل بالبلد كفيجي ويجزئ ذلك عن ذكر النوع وبالزمان كخريفي وباللون كأبيض
ويصف السمن بالنوع كسمن ضأن وباللون كأبيض قال القاضي ويذكر المرعى ولا يحتاج إلى ذكر الحداثة وضدها لأن إطلاقه يقتضي الحديث ولا يصح السلم في عتيقه لأنه عيب ولا ينتهي إلى حد ينضبط به والزبد كالسمن ويزيد زبد يومه أو أمسه
ويصف اللبن بالنوع والمرعى ولا يحتاج إلى اللون ولا حلب يومه لأن إطلاقه يقتضي ذلك ويصف الجبن بالنوع والمرعى ورطب أو يابس واللبأ(4/72)
ـــــــ
كاللبن ويزيد اللون والطبخ أو عدمه ويصف الحيوان بالنوع والسن والذكورة وضدها فإن كان رقيقا ذكر نوعه كتركي وسنه ويرجع في سن الغلام إليه إن كان بالغا وإلا فالقول قول سيده وإن لم يعلم رجع إلى أهل الخبرة والطول بالشبر معتبر فيه قال أحمد: يقول خماسي أو سداسي أسود أو أبيض أعجمي أو فصيح
وفي الترغيب فإن كان رجلا ذكر طويلا أو ربعا أو قصيرا وفي ذكر الكحل والدعج والبكارة والثيوبة ونحوها وجهان وقال ابن حمدان وفي اشتراط ثقل الأرداف ووضاءة الوجه وكون الحاجبين مقرونين وكذا الشعر سبطا أو ج اسمها أو أشقر أو أسود فتكون زرقاء والأنف أقنى وجهان
ويصف الإبل بالنتاج فيقول من نتاج بني فلان مكان النوع إن اختلف نتاجها وباللون كأبيض والخيل كالإبل فأما البغال فلا نتاج لها والحمير فلا يقصد نتاجها فيجعل مكان ذلك نسبتها إلى بلدها كرومي في البغال ومصري في الحمير والبقر والغنم إن عرف لها نتاج فكالإبل وإلا فكالحمير
ويصف اللحم بالسن والذكورة والعلف وضدها وبالنوع وموضع اللحم في الحيوان ويزيد في الذكر فحلا أو خصيا وإن كان لحم صيد لم يحتج إلى ذكر العلف والخصاء لكن يذكر الآلة أحبولة أو كلبا أو فهدا لأن ذلك يختلف واختار في المغني والشرح انه لا يشترط لأن التفاوت فيه يسير
وإذا لم يعتبر في الرقيق ذكر سمن وهزال ونحوهما مما يتباين به الثمن فهذا أولى ويلزمه قبول اللحم بعظامه أي: حيث أطلق لأنه يقطع كذلك فهو كالنوى في التمر
ولا يحتاج في لحم الطير إلى ذكر الأنوثة والذكورة إلا أن يختلف بذلك كلحم الدجاج ولا إلى موضع اللحم منه إلا أن يكون كثيرا يأخذ منه بعضه(4/73)
ـــــــ
ولا يلزمه قبول الرأس والساقين لأنه لا لحم عليهما وفي عيون المسائل يعتبر ذكر الوزن في الطير كالكركي والبط لأن القصد لحمه ويصف السمك بالنوع كبردي والكبر والسمن وضدهما والطري أو الملح ولا يقبل الرأس والذنب بل ما بينهما ويصف الثياب بالنوع ككتان وبالبلد كبغدادي وبالطول أو الغلظ أو النعومة أو ضدها والغزل كذلك ويذكر مكان الطول أو العرض اللون نحو أبيض أو أصفر ويصف الإ بريسم باللون والبلد والغلظ والرقة
ويصف الصوف بالبلد واللون والطول أو القصر والذكورة أو الأنوثة وبالزمان كخريفي أو ربيعي لأن صوف الخريف أنظف وصوف الإناث أنعم وفي الشرح احتمال أنه لا يحتاج إلى ذكر الأنوثة والذكورة لأن التفاوت فيه يسير والشعر والوبر كالصوف
ويصف الكاغد بالطول والعرض والرقة أو الغلظ واستواء الصنعة وما يختلف به الثمن ويصف الرصاص والنحاس والحديد بالنوع كقلعي وبالنعومة أو ضدها وباللون إن كان يختلف به ويزيد في الحديد ذكرا أو أنثى فإن الذكر أحد وأمضى ويصف القصاع من الخشب بالنوع كجوز والصغر والكبر والعمق والضيق والثخانة والرقة ويصف السيف بالنوع كفولاذ وطوله وعرضه ورقته وغلظه وبلده وقدمه أو ضده ماض أو غيره ويصف قبيعته ويصف خشب البناء بالنوع والرطوبة أو ضدها وبالطول والدور أو سمكه وعرضه ويلزمه أن يدفع إليه من طرفه إلى طرفه بذلك الوصف فإن كان أحد طرفيه أغلظ مما وصف فقد زاده خيرا وإن كان أدق لم يلزمه قبوله وإن ذكر الوزن جاز ويصف حجارة الأرحية بالدور والثخانة والبلد والنوع ويضبط ما هو للبناء بذكر اللون والقدر والنوع والوزن ويصف الآجر واللبن بموضع التربة والدور والثخانة ويصف الجص والنورة باللون والوزن ولا يقبل ما أصابه الماء ولا قديما يؤثر فيه(4/74)
فإن شرط الأجود لم يصح وإن شرط الأردأ فعلى وجهين وإن جاءه بدون ما وصف له أو نوع آخر فله أخذه ولا يلزمه وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له أخذه
ـــــــ
ويصف العنبر باللون والوزن وإن شرط قطعة أو قطعتين جاز ويضبط العود الهندي ببلده وما يعرف به والمسك ونحوه بما يختلف به الثمن
"فإن شرط الأجود لم يصح" لتعذر الوصول إليه إلا نادرا إذ ما من جيد إلا ويحتمل أن يوجد أجود منه "وإن شرط الأردأ فعلى وجهين" كذا في المحرر والفروع أصحهما لا يصح لأنه لا ينحصر
والثاني: يصح لأن ما يدفعه إليه إن كان الموصوف فهو المسلم فيه وإن لم يكن فهو خير منه فيلزم المسلم قبوله بخلاف الأجود ويكفي جيد ورديء ويجزئ بأقلها أي: يترك الوصف على أقل درجة
"وإن جاءه بدون ما وصف له أو نوع آخر" من جنسه "فله أخذه" لأن الحق له وقد رضي بدونه ومع اتحادهما في الجنس يجعلهما كالشيء الواحد بدليل حرمة التفاضل" ولا يلزمه" لأن الإنسان لا يجبر على إسقاط حقه
وقال القاضي: وغيره: يلزمه قبوله حيث لم يكن أدنى لأنه من جنسه أشبه الزائد في الصفة ورد بأنه لم يأت بالمشروط فلم يلزمه قبوله كالأدنى وعنه: يحرم قبوله كغير جنسه نقله جماعة
"وإن جاءه بأجود منه من نوعه لزمه قبوله" في الأصح لأنه أتى بما تناوله العقد وزيادة منفعة وكشرطه وظاهره: ولو تضرر
والثاني: لا لأنه غيرما أسلم فيه وعنه: يحرم قبوله نقل صالح وعبد الله لا يأخذ فوق صفته بل دونها "وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له أخذه" لقوله عليه السلام: "من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره" رواه أبو داود وابن ماجة من رواية عطية العوفي وضعفه جماعة من حديث أبي سعيد.(4/75)
فإن جاءه وقال خذه وزدني درهما لم يجز وإن جاءه بزيادة في القدر فقال ذلك صح
فصل
الثالث: أن يذكر قدره بالكيل والوزن في الموزون والذرع في المذروع فإن أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا لم يصح
ـــــــ
ونقل جماعة عن الإمام يأخذ أدنى كشعير عن بر بقدر كيله ولا يربح مرتين واحتج بابن عباس وبأنه أقل من حقه وحمل على أنهما جنس واحد "فإن جاءه" بالأجود "وقال: خذه وزدني درهما لم يجز" لأن الجودة صفة فلا يجوز إفرادها بالعقد كما لو كان مكيلا أو موزونا "وإن جاءه بزيادة في القدر فقال ذلك صح" لأن الزيادة هنا يجوز إفرادها بالبيع. مسألة: إذا قبض المسلم فيه فوجد به عيبا فله رده وإمساكه مع الأرش
فصل
"الثالث: أن يذكر بالكيل في المكيل والوزن في الموزون" لما روى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" متفق عليه ولفظه لمسلم
"والذرع في المذروع" أي: يشترط معرفة قدر المسلم فيه بالذرع إن كان مذروعا وكذا المعدود لأنه عوض غائب يثبت في الذمة فاشترط معرفة قدره كالثمن
"فإن أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا لم يصح" نص عليه في رواية الأثرم في المكيل لا يسلم فيه وزنا لأنه مبيع يشترط معرفة قدره فلم يجز بيعه بغير ما هو مقدر به في الأصل كبيع الربويات ولأنه قدره بغير ما هو مقدر به فلم يجز كما لو أسلم في المذروع وزنا وبالعكس فإنه لا يصح اتفاقا(4/76)
وعنه: يصح ولا بد أن يكون المكيال معلوما فإن شرط مكيالا بعينه أو صنجة بعينها لم يصح وفي المعدود المختلف غيرالحيوان روايتان إحداهما يسلم فيه عددا والأخرى وزنا وقيل: يسلم في الجوز والبيض عددا وفي الفواكه والبقول وزنا
ـــــــ
"وعنه: يصح" نقلها المروذي وجزم بها في الوجيز وصححها في المغني والشرح ويحتمله كلام الخرقي لأن الغرض معرفة قدره وإمكان تسليمه من غيرتنازع فبأي قدر قدره جاز بخلاف الربويات فإن التماثل فيها شرط وأطلقهما في المحرر والفروع
"ولا بد أن يكون المكيال معلوما" عند العامة لأنه إذا كان مجهولا تعذر الاستيفاء به عند التلف وذلك مخل بالحكمة التي اشترط معرفة الكيل من أجلها وكذا الصنجة والذراع "فإن شرط مكيالا بعينه" أي: غيرمعلوم "أو صنجة بعينها" غير معلومة "لم يصح" لأنه قد يهلك فيتعذر معرفة المسلم فيه وهو غرر
وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه وظاهره: أنه إن كان معلوما لم يصح التعيين في الأصح وفي فساد العقد وجهان أظهرهما صحته
"وفي المعدود المختلف غير الحيوان" كفلوس مثلا ويكون رأس مالها عرض لا يجري فيهما ربا "روايتان إحداهما يسلم فيه عددا" قدمه في الرعاية لأن التفاوت في ذلك يسير ويذهب باشتراطه الكبر والصغر أو الوسط وإن بقي شيء يسير عفي عنه "والأخرى وزنا" لأنه يتباين والوزن يضبطه "وقيل: يسلم في الجوز والبيض عددا" قدمه في الفروع وذكر في الشرح أنه الأظهر لأن التفاوت في المتقارب يسير
ولهذا لا تكاد القيمة تتفاوت بين البيضتين والجوزتين بخلاف البطيخ فإنه يتباين كثيرا
"وفي الفواكه" كالرمان والسفرجل "والبقول وزنا" لأنه يختلف كثيرا ويتباين(4/77)
فصل
الرابع: أن يشترط أجلا معلوما له وقع الثمن كالشهر ونحوه فإن أسلم حالا.
ـــــــ
جدا فلا ينضبط إلا بالوزن
فائدة: إذا كان المسلم فيه مما لا يمكن وزنه بميزان كالأرحية والأحجار الكبار وزنت بالسفينة فتنزك في الماء ثم ينزل فيها ذلك فينظر إلى أي: موضع يغوص فيعلمه ثم يرفع وينزل مكانه رمل ونحوه إلى أن يبلغ الماء الموضع المعلم ثم يوزن بميزان
فصل
"الرابع: أن يشترط أجلا معلوما" نقله الجماعة لأمره عليه السلام بالأجل كالكيل والوزن ولأنه أمر بها تبيينا لشروط السلم ومنعا منه بدونها بدليلأنه لا يصح إذا انتفى الكيل أو الوزن ولأنه إنما جاز رخصة للمرفق ولا يحصل إلا بالأجل إذ الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه "له وقع في الثمن" عادة قاله الأصحاب "كالشهر" كذا قدره غيره به ونقله في الواضح عن أصحابنا وليس هذا في كلام أحمد.
واحتج أصحابنا بأن الأصل أنه لا يجوز السلم لأنه باع مجهولا لا يملكه يتعذر تسليمه فرخص فيه لحاجة المفلس ولا حاجة مع القدرة
قال في الفروع وهذا إنما يدل على اعتباره الأجل في الجملة مع أنه قال في عيون المسائل هو معتمد المسألة: وسرها
والأولى أن يقال: إن الأجل إنما اعتبر ليتحقق المرفق الذي شرع من أجله السلم فلا يحصل ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن "ونحوه" وفي الكافي كنصفه وفي الشرح وما قارب الشهر
"فإن أسلم حالا" لم يصح لحديث ابن عباس وعنه: يصح حالا ذكرها(4/78)
أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح إلا أن يسلم في شيء يأخذ فيه كل يوم أجزاء معلومة فيصح وإن أسلم في جنس إلى أجلين أو في جنسين إلى أجل صح.
ـــــــ
القاضي وأبو الخطاب وأومأ إليه في رواية أبي طالب أهل المدينة يقولون لا يحتاج إلى مدة وهو قياس ولكن إلى أجل أحب إلي وهي مع بقية النصوص تدل على الأجل القريب لكن إن وقع بلفظ البيع صح حالا
قال القاضي: ويجوز التفرق قبل قبض رأس المال لأنه بيع ويحتمل أن لا يصح لأنه بيع دين بدين ذكره في الكافي "أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح" لفوات شرطه وهو أن مثل ذلك لا وقع له في الثمن وعنه: أن الأجل شرط ولو كان يوما ذكرها القاضي وقيل: لا يصح إلى شهر "إلا أن يسلم في شيء يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة فيصح" ولا بد أن يكون الأجل مقدرا بزمن معلوم نص عليه في رواية الأثرم إذ الحاجة داعية إلى ذلك وظاهره: التعميم في كل ما يصح السلم فيه
وقال أبو الخطاب فإن أسلم في لحم أو خبز يأخذ منه كل يوم أرطالا معلومة جاز نص عليه فظاهره اختصاص الجواز بهما ونصره ابن المنجا فعلى ما ذكرنا إذا قبض البعض وتعذر قبض الباقي رجع بقسطه من الثمن ولا يجعل الباقي فضلا على المقبوض لتماثل أجزائه فيقسط الثمن بالسوية كما إذا بين أجله وقيل: يصح إن بين قسط كل أجل وثمنه. "وإن أسلم في جنس إلى أجلين" صح لأن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وآجال كبيوع الأعيان "أو في جنسين إلى أجل صح" كالبيع "ولا بد أن يكون الأجل مقدرا بزمن معلوم" فعلى هذا يسلم إلى وقت يعلم بالأهلة نحو أول الشهر وأوسطه وآخره وآخر يوم منه معين لقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]
ولا خلاف في صحة التأجيل بذلك فلو جعله إلى شهر رمضان تعلق بأوله وكذا إن قال: محله شهر كذا يصح وقيل: لا ولو قال: إلى ثلاثة أشهر(4/79)
ولا بد أن يكون الأجل مقدرا بزمن معلوم فإن أسلم إلى الحصاد أو الجداد أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين.
ـــــــ
كان إلى انقضائها فإن كانت مبهمة كان ابتداؤها حين تلفظه بها وإن قال إلى شهر كذا انصرف إلى الهلالي ما لم يكن في أثنائه فإنه يعمل بالعدد فإن علقه باسم يتناول شيئين كربيع وجمادى والعيد انصرف إلى أولهما قطع به في المغني والشرح وقيل: لا يصح وهو الذي أورده في التلخيص مذهبا
ويدخل في كلامه ما إذا عين الوقت كعيد الفطر أو يوم عرفة للعلم به فإن كان معلوما بغير الأهلة وكان المسلمون كشباط أو عيد لا يختلف فيه كالنيروز والمهرجان صح ذكره فإن أسلم إلى الحصاد أو الجداد أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين في المغني والشرح لأنه معلوم أشبه عيد المسلمين
وظاهر الخرقي وابن أبي موسى لا كما لو أسلم إلى السعانين وعيد الفطير مما يجهله المسلمون غالبا ولا يجوز رحمة أهل الذمة فيه وظاهره: أن الأجل إذا لم يكن معلوما عند المتعاقدين أو أحدهما لا يصح للجهالة
"فإن أسلم إلى الحصاد أو الجداد أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين" المذهب أنه لا يصح أن يؤجل إلى الحصاد والجداد لقول ابن عباس: لا تتبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم ولأنه يختلف فلم يجز أن يكون أجلا كقدوم زيد
لا يقال: قد روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي: أن ابعث إلي ثوبين إلى الميسرة لأنه رواه حرمي بن عمارة قال أحمد: فيه غفلة وهو صدوق وقال ابن المنذر أخاف أن يكون من غفلانه حيث لم يتابع عليه ثم لا خلاف أنه لا يصلح للأجل. والثانية: يجوز روي عن ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء وهو محمول على وقت العطاء لا فعله فإن نفس العطاء يتقدم ويتأخر فهو مجهول قال في(4/80)
وإذا جاءه بالسلم قبل محله ولا ضرر في قبضه، وإلا فلا.
ـــــــ
الشرح: ويحتمل أنه أراد نفس العطاء لكونه يتقارب أشبه الحصاد ولأنه اختلاف يسير فلم يؤثر كرأس السنة وعلم منه وجه الروايتين فيما إذا كان الخيار في البيع إليهما
فرع: يقبل قول المسلم إليه مع يمينه في الأشهر في اشتراط الأجل وقدره وبقائه وفراغه "وإذا جاءه بالسلم" أي: المسلم فيه إذ المصدر يطلق ويراد به المفعول كما يعبر عن السرقة بالمسروق وبالرهن عن المرهون "قبل محله" بكسر الحاء "ولا ضرر في قبضه لزمه قبضه" لأن غرضه حاصل مع زيادة تعجيل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وهذا فيما لا يتغير كالحديد والنحاس ولا يختلف قديمه وحديثه كالزيت والعسل "وإلا فلا" أي: إذا أحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر لا يلزمه قبضه وهو صادق بصور
إما لكونه مما يتغير كالفاكهة والأطعمة أو كان قديمه دون حديثه كالحبوب لأن له غرضا في تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه في ذلك الوقت
وإن كان حيوانا لم يأمن تلفه ويحتاج إلى نفعه وكذا ما يحتاج في حفظه كالقطن أو كان الوقت مخوفا فهو كنقص صفة فيه وفي الروضة إن كان مما يتلف أو يتغير قديمه وحديثه لزمه قبضه وإلا فلا
وهذا خلاف ما جزم به الأكثر وعلم منه أنه إذا أحضره في محله لزمه قبضه مطلقا كالمبيع المعين فإن امتنع من قبضه قيل له إما أن تقبض أو تبرى فإن أصر بريء ذكره في المغني في المكفول به والأشهر يرفعه إلى الحاكم فينوب عنه في قبضه لا إبرائه لأن قبض الحاكم كقبض المالك وهذا فيما إذا أتاه بالمسلم فيه على صفته
فرع: حكم كل دين لم يحل إذا أتى به كذلك ونقل بكر وحنبل في دين الكتابة: لا يلزمه ذكرها جماعة لأنه قد يعجز فيرق ولأن بقاءه في(4/81)
فصل
الخامس: أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله فإن كان لا يوجد فيه أولا يوجد إلا نادرا كالسلم في العنب والرطب إلى غيروقته لم يصح
ـــــــ
ملكه حق له لم يرض بزواله
ومن أراد قضاء دين عن غيره لم يرض رب الدين أو أعسر بنفقة زوجته فبذلها أجنبي لم يجبر رب الدين والزوجة
فصل
"الخامس: أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله" غالبا بغير خلاف نعلمه لوجوب تسليمه إذن "فإن كان لا يوجد فيه" لم يصح لأنه لا يمكن تسليمه غالبا عند وجوبه أشبه بيع الآبق بل أولى "أو لا يوجد إلا نادرا كالسلم في العنب والرطب إلى غيروقته" كما لو أسلم فيهما إلى شباط أو آذار "لم يصح" لانتفاء شرطه ولأنه لا يؤمن انقطاعه فلا يغلب على الظن القدرة على تسليمه عند وجوده كما لو أسلم في جارية وولدها وظاهره: أنه لا يشترط وجوده حال العقد وكذا لا يشترط عدمه في الأصح حكاهما ابن عبدوس
"وإن أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة" أو في نتاج من فحل بني فلان أو غنمه أو في مثل هذا الثوب "لم يصح" لأنه لا يؤمن تلفه وانقطاعه أشبه ما لو أسلم في شيء قدره بمكيال معلوم أو صنجة بعينها
دليل الأصل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أسلف إليه يهودي من تمر حائط بني فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما من حائط بني فلان فلا" رواه ابن ماجه ورواه الجوزجاني في المترجم وقال أجمع العلماء على كراهة هذا البيع وقال ابن المنذر المنع منه كالإجماع لاحتمال الجائحة
ونقل أبو طالب وغيره يصح إذا بدا صلاحه أو استحصد واحتج بابن(4/82)
وإن أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة لم يصح وإن أسلم إلى محل يوجد فيه عاما فانقطع خير بين الصبر وبين الفسخ والرجوع برأس ماله أو عوضه إن كان معدوما في أحد الوجهين وفي الآخر ينفسخ بنفس التعذر.
ـــــــ
عمر
وقال أبو بكر: إذا كان قد بلغ وأمنت عليه الجائحة ويعارضه ما سبق
"وإن أسلم إلى محل يوجد فيه عاما فانقطع" بأن لم تحمل الثمار تلك السنة مثلا "خير" المسلم "بين الصبر" إلى أن يوجد فيطالب به "وبين الفسخ" كغيره "والرجوع برأس ماله" أي: مع وجوده لأن العقد إذا زال وجب رد الثمن
ويجب رد عينه إن كان باقيا لأنه عين حقه "أو عوضه إن كان معدوما" لتعذر رده ثم إن كان مثليا استحق مثله وإلا قيمته كالمتلف "في أحد الوجهين" هو متعلق بقوله خير
"وفي الآخر: ينفسخ بنفس التعذر" لكون المسلم فيه من ثمرة العام بدليل وجوب التسليم منها أشبه ما لو باعه قفيزا من صبرة فهلكت فيرجع برأس ماله على ما ذكرنا والأول هو الأشهر والأصح
فإن العقد صحيح وإنما تعذر التسليم فهو كمن اشترى عبدا فأبق قبل القبض ولأنهما لو تراضيا على دفع المسلم فيه من غير ثمرة العام جاز وإنما أجبر على الدفع منه لكونه بصفة حقه
تنبيه: إذا أخر القبض في أوانه مع إمكانه فهل يلزمه الصبر إلى أوانه بعد أو يتخير بينه وبين الفسخ فيه وجهان وقيل: إن تعذر بعضه فسخ الكل أو صبر
فرع: إذا أسلم ذمي إلى ذمي في خمرفأسلم أحدهما فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن المسلم يأخذ دراهمه لأن الأول تعذر عليه استيفاء المعقود عليه والآخر تعذر عليه الإيفاء.(4/83)
فصل
السادس: أن يقبض رأس المال في مجلس العقد وهل يشترط كونه معلوم القدر والصفة كالمسلم فيه على وجهين.
__________
فصل
"السادس: أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد" أي: قبل التفرق نص عليه واستنبطه الشافعي من قوله عليه السلام: "من أسلف فليسلف" أي: فليعط قال لأنه لا يقع اسم السلف فيه حتى يعطيه ما سلفه قبل أن يفارق من أسلفه انتهى.
وحذارا أن يصير بيع دين بدين فيدخل تحت النهي ولا يجوز شرط تأخير العوض فيه فلم يجز التفرق قبل القبض كالصرف ويشترط قبض جميعه فلو قبض البعض ثم افترقا بطل فيما لم يقبض والأشهر أنه يصح في المقبوض فلو جعل دينا سلما لم يصح لكن لو كان عنده أمانة أو عين مغصوبة صح لأنه في معنى القبض
أصل: المجلس هنا كمجلس الصرف وهما كمجلس الخيار في ظاهر كلام الأصحاب وفي الجامع الصغير أنه إذا تأخر قبض رأس مال السلم اليومين والثلاثة لم يصح
"وهل يشترط كونه معلوم القدر والصفة كالمسلم فيه" أم تكفي مشاهدته؟ "على وجهين" كذا في المحرر والفروع أحدهما يشترط ذلك قاله القاضي وأبو الخطاب وصاحب التلخيص وجزم به في الوجيز لأنه عقد يتأخر بتسليم المعقود عليه فوجب معرفة رأس ماله ليرد بدله كالقرض والشركة فعلى هذا لا يجوز أن يكون رأس المال جوهرة لعدم تأتي الصفة عليه فإن فعلا بطل العقد.
ويرده إن كان موجودا وإلا قيمته فإن اختلفا فيها قبل قول المسلم إليه(4/84)
وإن أسلم ثمنا واحدا في جنسين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس.
ـــــــ
لأنه غارم وفي الانتصار يقع العقد بقيمة مثلي لأنه قد يضمنه بأقل وأكثر وهو ربا وظاهر كلام غيره بمثله وكذا الأجرة والثاني: لا يشترط وهو ظاهر الخرقي ومال إليه في المغني والشرح لأنه عوض مشاهد فلم يحتج إلى معرفته كبيوع الأعيان
تنبيه: كل مالين حرم النساء فيهما لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر لأن السلم من شرطه التأجيل وما ذكره الخرقي أنه لا يجوز النساء في العروض هو إحدى الروايات فعلى هذا لا يجوز إسلام بعضها في بعض
وقال ابن أبي موسى وذكره القاضي هو ظاهر كلام أحمد إنه يشترط أن يكون رأس مال السلم أحد النقدين فعلى هذا لا يجوز أن يكون المسلم فيه ثمنا والأصح أنه يصح إسلام عرض في عرض وفي ثمن
"وإن أسلم ثمنا واحدا في جنسين" قال في التنقيح أو ثمنين في جنس لم يصح حتى يعين ثمن كل جنس وقدر كل ثمن نص عليهما "لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس" نقله الجماعة لأن ما يقابل كل واحد من الجنسين مجهول فلم يجز كما لو عقد عليه مفردا بثمن مجهول ولما فيه من الغرر
والثانية: يجوز قبل البيان لأنه إذا جاز أن يسلم في شيء واحد إلى أجلين من غير بيان فكذا هنا فعلى هذا لو تعذر أحدهما رجع بقسطه من رأس المال
وفي المغني والشرح: الجواز تخريجا لعدم اطلاعهما عليها وظاهره: ولو كان الثمن مختلفا وقال ابن أبي موسى لا يجوز إسلام خمسة دنانير وخمسين درهما في كر حنطة إلا أن يبين حصة كل واحد من الثمن وفيه نظر إذ الرجوع ممكن بقدر الحصة.(4/85)
فصل
السابع: أن يسلم في الذمة فإن أسلم في عين لم يصح ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كالبرية فيشترط ذكره ويكون الوفاء في موضع العقد فإن شرط الوفاء فيه كان تأكيدا وإن شرطه في غيره صح وعنه: لا يصح.
ـــــــ
فصل
"السابع: أن يسلم في الذمة فإن أسلم في عين" كدار وشجرة ثابتة "لم يصح" لأنه ربما تلف قبل أوان تسليمه فلم يصح كما لو شرط مكيالا بعينه غير معلوم لأن المعين يمكن بيعه في الحال فلا حاجة إلى السلم فيه "ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء" ذكره القاضي وحكاه ابن المنذر عن أحمد وجماعة لأنه عليه السلام لم يذكره ولأنه عقد معاوضة أشبه بيوع الأعيان
وقيل: إن كان لحمله مؤونة وجب شرطه وإلا فلا "إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كالبرية" والبحر "فيشترط ذكره" لتعذر الوفاء في موضع العقد وليس البعض أولى من البعض فاشترط تعيينه بالقول كالكيل
وقال القاضي:لا يشترط ويوفى بأقرب الاماكن إليه "و" يجب أن "يكون الوفاء في موضع العقد" نص عليه مع المشاححة لأن العقد يقتضي التسليم في مكانه فاكتفى بذلك عن ذكره وله أخذه في غيره إن رضيا فلو قال خذه وأجرة حمله مثله إلى موضع الوفاء لم يصح قال القاضي كأخذ بدل السلم
"فإن شرط الوفاء فيه" أي: في موضع العقد صح و"كان تأكيدا" لأنه شرط ما يقتضيه العقد أشبه شرط الحلول في الثمن "وإن شرطه في غيره صح" على الأصح لأنه بيع فصح شرط الإيفاء في غير مكانه كبيوع الأعيان "وعنه: لا يصح" قطع بها أبو بكر في التنبيه: لأنه شرط خلاف مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط أن لا يسلمه والفرق واضح.(4/86)
ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه ولا هبته ولا أخذ غيره مكانه ولاالحوالة به ويجوز بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته.
ـــــــ
فرع: يقبل قول المسلم إليه في تعيينه مع يمينه فلو قال هذا الذي اقبضتني وهو معيب فأنكر قدم قول القابض.
"ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه" بغير خلاف نعلمه لنهيه عليه السلام عن بيع الطعام قبل قبضه ولأنه بيع لم يدخل في ضمانه فلم يجز بيعه قبل قبضه كالطعام وهو شامل للشركة والتولية لأنهما بيع في الحقيقة وظاهره: ولو لمن هو في ذمته
"ولا هبته" لأنها نقل للملك قبل قبضه فلم يصح كالبيع "ولا أخذ غيره مكانه" لقوله عليه السلام: "من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره" ولأن أخذ العوض عن بيع له فلم يجز كبيعه لغيره وظاهره: سواء كان المسلم فيه موجودا أو معدوما وسواء كان العوض مثله في القيمة أو أقل أو أكثر
"ولا الحوالة به" لأنها لا تصح إلا على دين مستقر والسلم بعرضية الفسخ ولأنه نقل للملك على غير وجه الفسخ فلم يصح كالبيع وذلك بأن يحيل المسلم إليه بما عليه للمسلم على من له مثله من قرض أو بدل متلف ونحوه ولا عليه كما إذا أحال المسلم بما له على المسلم بما عليه من قرض أو بدل متلف ولو برأس مال سلم بعد فسخه وفيه وجه
"ويجوز بيع الدين المستقر" كقرض ومهر بعد دخول وأجرة استوفى نفعها أو فرغت مدتها وقيمة متلف ونحوه "لمن هو في ذمته" لخبر ابن عمر: كنا نبيع الأبعرة بالبقيع بالدنانير ونأخذ عنها الدراهم وبالدراهم ونأخذ عنها الدنانير فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء" رواه أبو داود وابن ماجة
فدل على جواز بيع ما في الذمة من أحد النقدين بالآخر وغيره يقاس عليه وفي بيع دين الكتابة مع أنه غيرمستقر وجهان لا رأس مال سلم بعد فسخه في(4/87)
بشرط أن يقبض عوضه في المجلس ولا يجوز لغيره وتجوز الإقالة في السلم، وتجوز في بعضه في إحدى الروايتين
ـــــــ
المنصوص "بشرط أن يقبض عوضه في المجلس" للخبر ولأنه إذا لم يقبضصار بيع دين بدين وهذا إن باعه بما لا يباع به نسيئة أو بموصوف في الذمة وإلا فلا يشترط
وقيل: بلى "ولا يجوز لغيره" أي: لغير من هو في ذمته لأنه غيرقادر على تسليمه أشبه بيع الآبق
وعنه: يصح منهما قال الشيخ تقي الدين نص عليه في مواضع وعنه: لا يصح منهما اختاره الخلال وذكره في عيون المسائل عن صاحبه كدين السلم
وفي المبهج وغيره رواية يصح فيه واختار الشيخ تقي الدين وهو قول ابن عباس لكن بقدر القيمة فقط لئلا يربح فيما لم يضمن
فرع: لا تصح هبة دين لغير غريم ونقل حرب صحته وأطلق الشيخ تقي الدين روايتين فيه وفي بيعه من غيره
"وتجوز الإقالة في" دين "السلم" حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم لأنها فسخ للعقد ورفع له من أصله وليست بيعا على الأصح وحكى ابن الزاغوني في جوازها فيه روايتين بناء على أنها بيع قال ابن حمدان ولا تصح الإقالة منه إن جعلت بيعا وإلا صحت الإقالة في كله وقيل: تصح في كله وإن جعلت بيعا
"وتجوز في بعضه في إحدى الروايتين" جزم به في الوجيز وغيره لأن الإقالة مندوب إليها وكل مندوب إليه جاز في الجميع جاز في البعض كالإبراء والإنظار
والثانية: لا تجوز وقد رويت كراهتها عن ابن عمر وابن المسيب لأن السلم يقل فيه الثمن من أجل التأجيل فإذا فسخ في البعض بقي البعض بالباقي(4/88)
إذا قبض رأس مال السلم أو عوضه في مجلس الإقالة وإن انفسخ العقد بإقالة أوغيرها لم يجز أن يأخذ عن الثمن عوضا من غيرجنسه وإذا كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه فقال لغريمه اقبض سلمي لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه وهل يقع قبضه للآمر على وجهين.
ـــــــ
من الثمن وبمنفعته الجزء الذي فسخ فيه فلم يجز كما لو شرط ذلك في ابتداء العقد "إذا قبض رأس مال السلم" إن كان موجودا "أو عوضه" إن كان معدوما
"في مجلس الإقالة" لأنه إذا لم يقبض أحد الأمرين يصير ذلك دينا على المسلم إليه وعليه بقدر السلم فيصير ذلك بمعنى البيع والسلف وهو منهي عنه قاله ابن المنجا وهذا قول أبي الخطاب واختاره ابن حمدان والأشهر أنه لا يشترط ذلك
"وإن انفسخ العقد بإقالة أو غيرها لم يجز أن يأخذ عن الثمن عوضا من غير جنسه" قاله الشريف أبو جعفر لقوله عليه السلام: "من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره" وفي الاستدلال به نظر على المسلم إليه بعقد السلم فلم يجز أخذ عوضه كالمسلم فيه وقال القاضي: يجوز أخذ العوض عنه لأنه عوض مستقر في الذمة فجاز أخذ العوض عنه كالقرض ولأنه مال عاد إليه بفسخ العقد فجاز أخذ العوض عنه كثمن المبيع
والفرق أن المسلم بالعقد بعد فسخه ولا يجوز أن يجعل ثمنا في شيء آخر لأنه بيع دين بدين وظاهره: أن له أخذ العوض من جنسه لأنه إذا جاز أخذ النوع من النوع في السلم بشرط اتحاد الجنس فلأن يجوز أخذ النوع عن نوع آخر برأس مال السلم بطريق الأولى. "وإذا كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه فقال لغريمه اقبض سلمي لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه" لأن قبضه لنفسه حوالة به والحوالة بالسلم غير صحيحة
"وهل يقع قبضه للآمر على وجهين" هما روايتان حكاهما في الشرح والفروع أحدهما يصح لأنه أذن له في القبض أشبه قبض وكيله وكما(4/89)
وإن قال: اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح وإن قال أنا أقبضه لنفسي وخذه بالكيل الذي تشاهده فهل يجوز على روايتين وإن اكتاله ثم تركه في الكيال وسلمه إلى غريمه فقبضه صح القبض لهما وإن قبض المسلم فيه جزافا فالقول قوله في قدره.
ـــــــ
لو نوى المأمور القبض للآمر
والثاني: وهو الأصح انه: لا يصح لأنه لم يجعله نائبا له في القبض فلم يقع له بخلاف الوكيل فعليه يبقى على ملك المسلم إليه ولو قال احضر كيله لأقبضه لك ففعل لم يصح قبضه للثاني وهل يكون قابضا لنفسه؟ فيه وجهان أولاهما نعم لأن القبض قد وجد من مستحقه أشبه ما لو نوى القبض لنفسه فعلى هذا إذا قبضه للآخر صح
"وإن قال اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح" على الأصح لأنه استنابة في قبضه له فإذا قبضه لموكله جاز أن يقبضه لنفسه كما لو كان له وديعة عند من له عليه دين
والأخرى: لا يصح فلو قال الآمر أحضرنا حتى اكتاله لنفسي ثم تكتاله أنت وفعلا صح "وإن قال أنا اقبضه لنفسي وخذه بالكيل الذي تشاهده فهل يجوز على روايتين" أشهرهما الجواز وبه جزم في الوجيز لأنه علمه وشاهد كيله فلا معنى لاعتبار كيله مرة أخرى والثانية: لا يصح لأنه عليه السلام نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان أشبه ما لو قبضه جزافا
"وإن اكتاله ثم تركه في المكيال وسلمه إلى غريمه فقبضه صح القبض لهما" لأن الأول قد اكتاله حقيقة والثاني: حصل له استمرار الكيل واستدامته كابتدائه كما أن استدامة الركوب ركوب مع أنه لا يحصل زيادة علم بابتدائه فلا معنى له
"وإن قبض المسلم فيه" وكذا كل دين "جزافا فالقول قوله" أي: قول القابض مع يمينه في قدره لأنه أعلم بكيله وهو منكر للزائد والأصل عدمه.(4/90)
وإن قبضه كيلا أو وزنا ثم ادعى غلطا لم يقبل قوله في أحد الوجهين وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلم؟ فيه على روايتين.
ـــــــ
وهل له أن يتصرف في قدر حقه قبل اعتباره فيه وجهان ويده على الباقي قيل يد أمانة وقيل: يضمنه لمالكه لأنه قبضه على أنه عوض عماله وفي طريقة بعض اصحابنا في ضمن الرهن لو دفع إليه عينا وقال خذ حقك منها تعلق حقه بها ولا يضمنها بتلفها
"وإن قبضه كيلا أو وزنا ثم ادعى غلطا لم يقبل قوله في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز لأن الأصل عدم الغلط والآخر: يقبل لأنه أعلم بكيل ما قبضه ولأن الأصل أنه لم يقبض غيرما ثبت بإقراره وأطلقهما في الفروع كغيره وقيده إذا ادعى ما يغلط بمثله وهو ظاهر فلو وجد زيادة على ذلك فهي مضمونة في يده قاله جماعة
فرع: من قبض دينه ثم بان لا دين له ضمنه ولو أقر بأخذ مال غيره لم يبادر إلى إيجاب ضمانه حتى يفسر أنه عدوان ومن أذن لغريمه في الصدقة بدينه عنه أو صرفه أو المضاربة به لم يصح ولا يبرأ وعنه: يصح وبناه القاضي على شرائه من نفسه وفي النهاية على قبضه من نفسه لموكله وفيه روايتان وكذا إن عزله وضارب به
"وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلم؟ فيه على روايتين" إحداهما: ونقلها المروزي وغيره بأنه لا يصح وهو اختيار الخرقي وأبي بكر وابن عبدوس وقدمه في الفروع ورويت كراهته عن علي وابن عباس وابن عمر إذ وضع الرهن الاستيفاء من ثمنه عند تعذر الاستيفاء من الغريم ولا يمكن استيفاء المسلم فيه من ثمن الرهن ولا من ذمة الضامن حذارا من أن يصرفه إلى غيره
وفيه نظر لأن الضمير في لا يصرفه راجع إلى المسلم فيه ولكن يشتري ذلك من ثمن الرهن ويسلمه ويشتريه الضامن ويسلمه لئلا يصرفه إلى غيره
والثانية: نقلها حنبل يجوز واختارها المؤلف وصاحب الوجيز لقوله(4/91)
ـــــــ
تعالى: {يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَاينْتُمْ بِدَيْنٍ} إلى قوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: الآية283]
قال ابن عباس وابن عمر السلم مراد منها وداخل فيها فهي كالنص فيه والكفيل كالرهن بجامع الوثيقة ولأنه أحد نوعي البيع فجاز التوثقة بما في الذمة كبيوع الأعيان وحكاية عنهما في المغني الكراهة يحتمل أنه رواية أخرى عنهما
فعليها: لصاحب الحق مطالبة من شاء منهما وأيهما قضاه برئت ذمتهما منه وإن زال العقد بطل الرهن والضمان وعلى المسلم إليه رد مال السلم في الحال ولا يشترط قبضه في المجلس لأنه ليس بعوض ويكون كبقية الرهون تلزم بالقبض أو بمجرد العقد إن لم يكن معينا على رواية وإذا لم تلزم ولم يقبض فللمسلم الفسخ والخلاف في المسلم فيه جار في رأس مال السلم(4/92)
باب القرض
ـــــــ
باب القرض
القرض: مصدر قرض الشيء يقرضه بكسر الراء إذا قطعه والقرض اسم مصدر بمعنى الاقتراض وهو بفتح القاف وحكي كسرها وهو في اللغة القطع ومنه سمى المقراض وهو دفع المال إلى الغير لينتفع به ويرد بدله وهو نوع من المعاملات مستثنى عن قياس المعاوضات لمصلحة لاحظها الشارع رفقا بالمحاويج
والأصل فيه قوله عليه السلام في حديث ابن مسعود: "ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقة مرة" وروى أبو رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة" رواه ابن ماجه والأول وأجمع المسلمون على(4/92)
وهو من المرافق المندوب إليها ويصح في كل عين يجوز بيعها.
ـــــــ
جوازه
"وهو من المرافق "واحده مرفق بفتح الميم مع كسر الفاء وفتحها وهو ما ارتفقت به وانتفعت "المندوب إليها" في حق المقرض لقوله عليه السلام: "من كشف عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" قال أبو الدرداء لأن أقرض دينارين ثم يردان ثم اقرضهما أحب إلي من أن أتصدق بهما
ولأن فيه تفريجا عن غيره وقضاء لحاجته فكان مندوبا إليه كالصدقة وليس بواجب قال أحمد: لا إثم على من سأل فلم يعط لأنه من المعروف وهو مباح للمقترض وليس مكروها قال أحمد: ليس القرض من المسألة أي: لا يكره لفعله عليه السلام ولو كان مكروها كان أبعد الناس منه ومن أراد أن يستقرض فليعلم المقرض بحاله ولا يغره من نفسه إلا الشيء اليسير الذي لا يتعذر رد مثله
وقال أحمد: إذا اقترض لغيره ولم يعلمه بحاله لم يعجبني قال وما أحب أن يقترض بجاهه لإخوانه
تنبيه: يشترط معرفة قدره ووصفه وأن يكون المقرض ممن يصح تبرعه كالبيع وحكمه في الإيجاب والقبول كما سبق ويصح بلفظه وبلفظ السلف لورود الشرع بهما وبكل لفظ يؤدي معناهما نحو ملكتك هذا على أن ترد بدله أو توجد قرينة تدل عليه وإلا فهو هبة فإن اختلفا فيه قبل قول الموهوب له لأن الظاهر معه
"ويصح في كل عين يجوز بيعها" مكيلا كان أو موزونا أو غيرهما لأنه عليه السلام استسلف بكرا ولأن ما ثبت سلما يملك بالبيع ويضبط بالوصف فجاز قرضه كالمكيل ولأن المقصود يحصل به لكونه ينتفع به ويتمكن من بيعه فدل على أن ما لا يثبت فيه الذمة سلما كالحنطة المختلطة بالشعير لا(4/93)
إلا بني آدم والجواهر ونحوها مما لا يصح السلم فيه في أحد الوجهين فيهما ويثبت الملك فيه بالقبض.
ـــــــ
يجوز وكقرض المنافع "إلا بني آدم والجواهر ونحوها مما لا يصح السلم فيه في أحد الوجهين فيهما" أي: لا يصح فيهما
أما بنو آدم فقال أحمد: أكره قرضهم فيحتمل التحريم فلا يصح قرضهم اختاره القاضي وجزم به في الوجيز لأنه لم ينقل ولا هو من المرافق ولأنه يفضي إلى أن يقترض جارية يطؤها ثم يردها ويحتمل كراهة التنزيه فيصح قرضهم وهو قول ابن جريج والمزني لأنه مال يثبت في الذمة سلما فصح قرضه كسائر البهائم
وقيل: قرض العبد لا الأمة إلا أن يقرضهن من محارمهن لأن الملك بالقرض ضعيف لكونه لا يمنعها من ردها على المقرض فلا يستباح به الوطء كالملك في مدة الخيار ورد بأنه عقد ناقل فاستوى فيه العبد والأمة ولا نسلم ضعف الملك فيه فإنه مطلق كسائر التصرفات بخلاف الملك زمن الخيار
وأما الجواهر ونحوها فلا يصح قرضها في وجه لأنه لا ينضبط بالصفة فلا يمكن رد المثل فأتى القرض رد المثل
والثاني: بلى وهو اختيار القاضي وظاهر الوجيز لأن الجواهر وما لا مثل له تجب فيه القيمة وأطلقهما في المحرر والفروع كالمقنع
فرع: سأله أبو الصقر: عين بين أقوام لهم نوب في أيام يقترض الماء من نوبة صاحب الخميس ليسقي به ليرد عليه يوم السبت؟ قال إذا كان محدودا يعرف كم يخرج منه فلا بأس وإلا أكرهه
"ويثبت الملك فيه بالقبض" لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض فوقف الملك عليه كالهبة ويتم بالقبول وله الشراء به من مقرضه نقله مهنا وفي الفروع ويلزم مكيل وموزون بقبضه وفي غيره روايتان.(4/94)
فلا يملك المقرض استرجاعه وله طلب بدله وإن رده المقترض عليه بعينه لزمه قبوله ما لم يتغيب أو يكن فلوسا أو مكسرة فيحرمها السلطان فتكون له القيمة وقت القرض
ـــــــ
"فلا يملك المقرض استرجاعه" لأنه قد لزم من جهته فلم يملك الرجوع فيه كالمبيع لكونه أزال ملكه عنه بعقد لازم من غير خيار "وله طلب بدله" أي: في الحال لأن القرض يثبت في الذمة حالا فكان له طلبه كسائر الديون الحالة ولأنه سبب يوجب رد المثل أو القيمة فكان حالا كالإتلاف فعلى هذا لو اقرضه تفاريق ثم طالبه بها جملة كان له ذلك لأن الجميع حال وكالبيع
"وإن رده المقترض عليه" بعينه "لزمه قبوله" لأنه رده على صفة حقه فلزمه قبوله كالسلم وسواء تغير سعره أو لا وظاهره: لا فرق بين أن يكون ما اقترضه بدله من جنسه أو لا وهو قول في المذهب والمعروف فيه أنه يلزمه قبول المثلي وذلك بشرطين
أحدهما: "ما لم يتغيب" كحنطة ابتلت أو عفنت لأن عليه في قبوله ضررا لأنه دون حقه
الثاني: ما لم يتغير ونبه عليه بقوله "أو تكن فلوسا أو مكسرة فيحرمها السلطان" أي: يترك المعاملة بها لأنه كالعيب فلا يلزمه قبولها "فتكون له القيمة" من غيرجنسه إن جرى فيه ربا الفضل "وقت القرض" سواء كانت باقية أو استهلكها نص عليه في الدراهم المكسرة فقال يقومها كم تساوي يوم أخذها ثم يعطيه وسواء نقصت قيمتها قليلا أو كثيرا
وقيل: له القيمة يوم الخصومة وهو ظاهر كلامه في رواية حنبل وذكر أبو بكر في التنبيه: وقدمه في الرعاية أن له قيمتها يوم فسدت وتركت المعاملة بها لأنه كان يلزمه رد مثلها ما دامت نافقة فلما فسدت انتقل إلى قيمتها كما لو عدم المثل وقال القاضي: إن نفقت في بعض المواضع لزمه أخذها وإن ترك الناس المعاملة بها فله قيمتها وقيل: إن رخصت فله القيمة ونصه وجزم به في الوجيز انه يرد مثلها إذا رخصت(4/95)
و يجب رد المثل في المكيل والموزون والقيمة في الجواهر ونحوها وفيما سوى ذلك وجهان ويثبت العوض في الذمة حالا وإن أجله.
ـــــــ
تنبيه: المغشوشة إذ حرمها السلطان حكمها كذلك والخلاف جار فيما إذا كانت ثمنا وظاهر الفروع فيه قولان له القيمة وقت العقد كما هو المنصوص أو يوم فسدت وإن شرط رده بعينه أو باع درهما بدرهم هو دفعه إليه لم يصح
"ويجب رد المثل في المكيل والموزون" إجماعا لأنه يضمن في الغصب والإتلاف بمثله فكذا هنا مع أن المثل أقرب شبها بالقرض من القيمة فإن أعوز المثل لزمه قيمته يوم الإعواز لأنها حينئذ تثبت في الذمة "والقيمة في الجواهر ونحوها" اذا قيل بجواز قرضها لأنها من ذوات القيم ولا مثل لها لكونها لا تنضبط بالصفة وتكون القيمة يوم قبضها
"وفيما سوى ذلك وجهان" كذا في المحرر والفروع أحدهما يرد القيمة وهو ظاهر الوجيز لأن ما أوجب المثل في المثليات أوجب القيمة فيما لا مثل له كالإتلاف وتكون القيمة يوم القرض الثاني: يجب رد مثله لفعله عليه السلام ولأن ما ثبت في السلم ثبت في القرض كالمثلي بخلاف الإتلاف لأن القيمة فيه أخصر ولا مسامحة فيه ويعتبر في مثل صفاته تقريبا. فإن تعذر المثل فعليه قيمته يوم تعذره لكن لو اقترض خبزا أو خميرا عددا ورد عددا بلا قصد زيادة جاز نص عليه وعنه: لا كما لو أقرضه صغيرا يقصد أن يعطيه كبيرا
"ويثبت العوض في الذمة" لأنه بدل مقبوض اشبه عوض ثمن المبيع إذا كان مستحقا "حالا وان أجله" لأنه عقد منع فيه من التفاضل فمنع الأجل فيه كالصرف إذ الحال لا يتأجل بالتأجيل وهو عدة وتبرع لا يلزم الوفاء به
قال أحمد: القرض حال وينبغي أن يفي بوعده وخالف الشيخ تقي الدين أنه لا يحرم تأجيله وذكره وجها لقوله عليه السلام: "المسلمون عند(4/96)
ويجوز شرط الرهن والضمين فيه ولا يجوز شرط ما يجر نفعا نحو أن يسكنه داره أو يقضيه خيرا منه أو في بلد آخر ويحتمل جواز هذا الشرط.
ـــــــ
شروطهم" وكل دين حال كالقرض
"ويجوز شرط الرهن والضمين فيه" لأنه عليه السلام استقرض من يهودي شعيرا ورهنه درعه متفق عليه ولأن ما جاز فعله جاز شرطه ولأنه يراد للتوثق بالحق وليس ذلك بزيادة. والضمين كالرهن فلو عينهما وجاء بغيرهما لم يلزم البائع قبوله وإن كان ما أتى به خيرا من المشروط وحينئذ يخير بين فسخ العقد وبين إمضائه بلا رهن ولا كفيل وهل له الأرش إلحاقا له بالعيوب وذكر المجد أنه المذهب أو لا أرش إلحاقا له بالتدليس وهو ظاهر الأكثر على قولين
"ولا يجوز شرط ما يجر نفعا نحو أن يسكنه داره أو يقضيه خيرا منه" كل قرض شرط فيه زيادة فهو حرام إجماعا لأنه عقد إرفاق وقربة فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه ولا فرق بين الزيادة في القدر أو الصفة مثل أن يقرضه مكسرة فيعطيه صحاحا أو نقدا ليعطيه خيرا منه
وفي الفروع: إذا قضاه صحاحا عن مكسرة أقل لعلة ربا الفضل لم يجز وإلا جاز نص عليه فإذا شرط أن يوفيه أنقص منه لم يجز إن كان مما يجري فيه الربا لإفضائه إلى فوات المماثلة وكذا إن كان في غيره على الأشهر وفي فساد القرض روايتان
وكذا إذا شرط القضاء "في بلد آخر" لأن فيه نفعا في الجملة ذكر القاضي أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد ليوفيه في بلد آخر ليربح خطر الطريق وفي المغني والشرح إن لم يكن لحمله مؤونة وإلا حرم
"ويحتمل جواز هذا الشرط" حكاه ابن المنذر عن أحمد وصححه في المغني وروي عن علي وابن عباس لأنه ليس بزيادة في قدر ولا صفة بل فيه مصلحة لهما فجاز كشرط الرهن وعنه: لا بأس به على وجه المعروف.(4/97)
وإن فعله بغير شرط أو قضى خيرا منه أو أهدى له هدية بعد الوفاء جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فرد خيرا منه وقال: "خيركم أحسنكم قضاء" وإن فعله قبل الوفاء لم يجز إلا أن تكون العادة جارية بينهما به قبل القرض.
ـــــــ
"وإن فعله بغير شرط" ولا مواطأة نص عليه "أو قضى خيرا منه أو أهدى له هدية بعد الوفاء جاز" على الأصح "لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فرد خيرا منه وقال: "خيركم أحسنكم قضاء" متفق عليه من حديث أبي رافع ولأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضا في القرض ولا وسيلة إليه ولا إلى استيفاء دينه أشبه مالم يكن قرض
والثانية: المنع روي عن أبي بن كعب وابن عباس أنه يأخذ مثل قرضه ولا يأخذ فضلا لئلا يكون قرضا جر منفعة وحرم الحلواني أخذ أجود مع العادة والأظهر أن الظرف متعلق بفعله لا بأهدى لأنه يلزم من تعلقه بأهدى أن المستقرض لو أسكن المقرض داره بغير عوض جاز إذا كان بغير شرط سواء كان ذلك قبل الوفاء أو بعده
"وإن فعله قبل الوفاء لم يجز" على الأصح لما روى أنس مرفوعا قال: "إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك" رواه ابن ماجه من رواية إسماعيل بن عياش عن عتبة بن حميد وفيهما كلام عن يحيى بن إسحاق وفيه جهالة
والثانية: الجواز ما لم يشرطه وظاهر ما نقله حنبل أن المقرض لا يمنع من جواز هدية المقترض "إلا أن تكون العادة جارية بينهما به قبل القرض" لما ذكرناه فإن لم تكن عادة حرم إلا أن ينوي احتسابه من دينه أو مكافأته نص عليه ولو استضافه حسب له ما أكله نص عليه ويتوجه لا
وظاهر كلامهم أنه في الدعوات كغيره وقيل: علمه أن المقترض يزيده شيئا كشرطه وقيل: لا ذكره في الفروع فلو وجد ما سبق حالة(4/98)
وإذا أقرضه أثمانا فطالبه بها ببلد آخر لزمته وإن أقرضه غيرها لم تلزمه فإن طالبه بالقيمة لزمه أداؤها
ـــــــ
الوفاء فإن كان النفع صفة في الوفاء بأن قضاه خيرا منه فيجوز وإن كان زيادة في القضاء بأن يقرضه درهما فيعطيه أكثر منه لم يجز لأنه ربا وصرح في المغني والكافي بأن الزيادة في القدر والصفة جائز للخبر
وحكى أبو الخطاب في الزيادة من غير تقييد روايتين
"وإذا أقرضه أثمانا فطالبه بها ببلد آخر لزمته" لأنه أمكنه قضاء الحق من غير ضرر فلزمه كما لو طالبه ببلد القرض ولأن القيمة لا تختلف فانتفى الضرر
"وإن أقرضه غيرها" كالحنطة والفلوس "لم يلزمه" لأنه لا يلزمه حمله إليه وظاهره: ولو لم يكن لحمله مؤونة "فإن طالبه بالقيمة لزمه أداؤها" لأنه إذا تعذر رد المثل تعينت القيمة والاعتبار بقيمة البلد الذي أقرضه فيه لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه
وظاهره: ولو نقصت القيمة ببلد القبض فليس له إلا الناقصة والمذهب أنه إذا اقترض ببلد فطلب منه في غيره بدله إلا ما كان لحمله مؤنة وقيمته في بلد القرض أنقص فتلزمه قيمته إذن فيه فقط وفي المغني إذا كان لحمله مؤنة لا يلزمه لأنه لا يلزمه حمله إليه ولا يجبر رب الدين على أخذ قرضه هناك إذا بذل له إلا فيما لامؤنة لحمله فإنه يلزمه مع أمن البلد والطريق وبدل المغصوب التالف كذلك.
مسائل
الأولى: إذا أقرض غريمه المعسر أو المفلس ألفا ليوفيه منه ومن دينه الأول كل وقت شيئا جاز نقله مهنا ونقل حنبل يكره
الثانية: إذا أقرض أكاره ما يشتري به بقرا يعمل بها في أرضه وبذرا يبذره(4/99)
ـــــــ
فيها وقال: أقرضني ألفا وادفع إلي أرضك أزرعها بالثلث بلا شرط حرم وجوزه في المغني والشرح وكرهه في الترغيب
ولو أمره ببذره وأنه في ذمته كالمعتاد ففاسد له قيمة المثل ولو تلف لم يضمنه لأنه أمانة ذكره الشيخ تقي الدين
الثالثة: إذا أقرض من له عليه بر ما يشتريه به يوفيه اياه فكرهه سفيان وجزم به في المستوعب وفي المغني يجوز
الرابعة: إذا قال اقترض لي مائة ولك عشرة صح لأنه في مقابلة ما بذله من جاهه فلو قال اضمنها عني ولك عشرة لم يجز نص عليهما لأنه ضامن فيكون قرضا جر منفعة ومنع الأزجي
الخامسة: إذا اقترض منه دراهم ثم اشترى منه بها شيئا فخرجت زيوفا فالبيع صحيح ولا يرجع البائع على المشتري ببدل الثمن لأنها دراهمه فعيبها عليه وإنما له على المشتري بدل ما أقرضه اياه بصفته زيوفا قاله أحمد وحمله في الشرح على أنه إذا باعها وهو يعلم عيبها أما إذا باعه بثمن في ذمته ثم قبض هذه بدلا عنها فينبغي أن تجب له دراهم خالية من العيب وترد هذه عليه وللمشتري ردها على البائع وفاء عن القرض ويبقى الثمن في ذمته
السادسة: لو أقرض ذمي ذميا خمرا ثم أسلما أو أحدهما بطل القرض ولم يجب على المقترض شيء والله أعلم(4/100)
باب الرهن
ـــــــ
باب الرهن
هو في اللغة: الثبوت والدوام يقال ماء راهن أي: راكد ونعمة راهنة أي: دائمة وقيل: هو الحبس لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] أي: محبوسة وهو قريب من الأول لأن المحبوس(4/100)
وهو وثيقة بالحق لازم في حق الراهن جائز في حق المرتهن يجوز عقده مع الحق
ـــــــ
ثابت في مكان لا يزايله قال الشاعر:
وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأضحى الرهن قد غلقا
شبه لزوم قلبه لها واحتباسه عندها لوجده بها بالرهن الذي يلزمه المرتهن فيحبسه عنده ولا يفارقه وغلق الرهن استحقاق المرتهن اياه لعجز الراهن عن فكاكه
"وهو وثيقة بالحق" لأن الحق يستوفى منه عند تعذر الوفاء من المدين فعلى هذا هو في الشرع جعل عين مالية وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر استيفائه ممن هو عليه وفي الزركشي توثقة دين بعين أو بدين على قول يمكن أخذه منه إن تعذر الوفاء من غيره
وهو جائز بالإجماع وسنده قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] والسنة مستفيضة بذلك ويجوز في الحضر كالسفر خلافا لمجاهد ورد بفعله عليه السلام وذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب لكون الكاتب يعدم في السفر غالبا وهو لا يشترط مع ذكره فيها
وليس بواجب إجماعا لأنه وثيقة بالدين فلم يجب كالضمان.
تنبيه: يشترط أن يكون الراهن مطلق التصرف كالبيع وفي الترغيب ويصح تبرعه لأنه تبرع وفي المستوعب وغيره لولي رهنه عند أمين لمصلحة كحل دين عليه ولا يصح بدون إيجاب وقبول أو ما يدل عليهما ولا بد من معرفة قدره وصفته وجنسه وملكه ولو منافعه بإجارة وإعارة بإذن مؤجر ومعير
"لازم في حق الراهن" أي: بعد قبضه لأن الحظ فيه لغيره فلزم من جهته كالضمان في حق الضامن "جائز في حق المرتهن" لأن الحظ فيه له وحده فكان له فسخه كالمضمون له "يجوز عقده مع الحق" بأن يقول بعتك هذا بعشرة إلى شهر ترهنني بها عبدك فيقول اشتريت منك ورهنتك(4/101)
وبعده ولا يجوز قبله إلا عند أبي الخطاب ويصح رهن كل عين يجوز بيعها إلا المكاتب إذا قلنا: استدامة القبض شرط لم يجز رهنه
ـــــــ
عبدي لأن الحاجة داعية إلى جوازه إذن "وبعده" بالإجماع لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به كالضمان ولأنه تعالى: جعل الرهن بدلا عن الكتابة فيكون في محلها ومحلها بعد وجوب الحق وتأكد ذلك بأن ذكره بعد المداينة بفاء التعقيب
"ولا يجوز قبله" نص عليه في رواية ابن منصور لأنه وثيقة بحق فلم يجز قبل ثبوته كالشهادة ولأن الرهن أيضا تابع للحق فلا يسبقه كالثمن لا يتقدم المبيع "إلا عند أبي الخطاب" فإنه يجوز ويحتمله كلام أحمد قاله في الانتصار لأنه وثيقة بالحق فجاز قبله كالضمان أو فجاز على حق يحدث في المستقبل كضمان الدرك ورد بالمنع ولو سلم فالفرق أن الضمان إلزام مال تبرعا بالقول فجاز من غيرحق ثابت كالنذر
وصورته أن يقول رهنتك هذا بعشرة تقرضنيها فسلمه إليه ثم أقرضه اياها فهي جائزة على قوله وظاهر المذهب بطلانها لتعليقه بشرط
تنبيه: يصح بكل دين واجب أو مآله إليه حتى على عين مضمونة ومقبوض بعقد فاسد ونفع إجارة في الذمة لا على دية على عاقلة قبل الحول لا ما بعده وقيل: وجعل قبل العمل وجهان كدين كتابة
ولا يصح بعهدة مبيع وعوض غير ثابت في الذمة كثمن معين وأجرة معينة في إجارة وإجارة منافع معينة كدار ونحوها
"ويصح رهن كل عين يجوز بيعها" لأن المقصود منه الاستيثاق بالدين ليتوصل إلى استيفائه من ثمن الرهن عند تعذر استيفائه من الراهن وهذا يتحقق في كل عين يجوز بيعها ويشمل ذلك صورا
ويستثنى منه رهن المنافع "إلا المكاتب إذا قلنا: استدامة القبض شرط لم يجز رهنه" وجزم به في الوجيز وصححه في المغني والشرح لأن استدامة(4/102)
ويجوز رهن ما يسرع إليه الفساد بدين مؤجل ويباع ويجعل ثمنه رهنا
ـــــــ
القبض غير ممكنة في حقه لمنافاتها مقتضى الكتابة
وقال القاضي:قياس المذهب صحة رهنه وهو ظاهر المحرر والفروع لأنه يجوز بيعه وأيفاء الدين من ثمنه فعلى هذا لا يصح شرط منعه من التصرف ويمكن من الكسب وما يؤديه من النجوم رهنا معه وإن عجز ثبت الرهن فيه وفي إكسابه وإن عتق بقي ما أداه رهنا كمن مات بعد كسبه
فرع: المعلق عتقه بصفة إن كانت توجد بعد حل الدين لم يصح وإن كان يحل قبلها صح لإمكان بيعه وإن احتمل الأمران كقدوم زيد فقياس المذهب صحته كالمريض والمدبر. "ويجوز رهن ما يسرع إليه الفساد" كالعنب والرطب لأنه يجوز بيعه فيحصل المقصود "بدين مؤجل" ليس قيدا فيه أو يصح بالحال وإنما ذكره تنبيها على أن التأجيل لا أثر له في منع صحة ذلك لأنه ربما توهم أن عقد الرهن يقتضي بقاء المرهون إلى الاستحقاق "ويباع" على الأصح "ويجعل ثمنه رهنا" لأن الثمن بدل العين وبدل الشيء يقوم مقامه وهذا إذا لم يحل الدين فإن كان قد حل فإنه يقضى الدين من ثمنه
صرح به في المغني والشرح ونقل أبو طالب فيمن رهن وغاب فخاف المرتهن فساده أو ذهابه فليأت السلطان حتى يبيعه كما أرسل ابن سيرين إلى إياس بن معاوية يأذن له في بيعه فإذا باعه حفظه حتى يجيء صاحبه فيدفعه إليه بأمره حتى يكون صاحبه يقضيه
وظاهر المتن: لا فرق بين ما يمكن تجفيفه أو لا وفي المغني والشرح إن أمكن تجفيفه فعلى الراهن تجفيفه لأنه من مؤنة حفظه وتبقيته أشبه نفقة الحيوان.
قال ابن المنجا: فيحمل كلامه هنا عليه وفيه نظر فعلى هذا إن شرط المرتهن بيعه أو أذن له فيه بعد العقد أو اتفقا على أن الراهن يبيعه أو غيره باعه وإلا باعه الحاكم فإن أطلقا فالخلاف.(4/103)
ويصح رهن المشاع ثم إن رضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز وإن اختلفا جعله الحاكم في يد أمين أو بأجرة ويجوز رهن الميع غير المكيل والموزون والمعدود والمذروع قبل قبضه إلا على ثمنه في أحد الوجهين.
ـــــــ
"ويصح رهن المشاع" في قول الجماهير لأنه يجوز بيعه في محل الحق أشبه المفرز واقتضى ذلك صحة رهن بعض نصيبه من المشاع لكن في رهن حصته من معين يمكن قسمته فيه وجهان كبيعه وفي الانتصار لا يصح بيعه نص عليه
وعلل القاضي المنع باحتمال أن يقتسم الشريكان فيحصل الرهن في حصة شريكه
"ثم إن رضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز" لأن الحق لهما لا يتجاوزهما "وإن اختلفا جعله الحاكم في يد أمين" وقيل: من جاز توكيله جاز جعل الرهن عنده مطلقا وفيه نظر
"أمانة أو بأجرة" لأن قبض المرتهن واجب ولا يمكن ذلك منفردا لكونه مشاعا فتعين ما ذكرنا لكونه وسيلة إلى القبض الواجب وفي إيجار الحاكم عليهما وجهان ويعتبر فيمن هو عنده منع الخلوة المحرمة وكونه مسلما إذا كان المرهون مسلما كالمصحف
"ويجوز رهن المبيع غيرالمكيل والموزون والمعدود والمذروع قبل قبضه" أي: على غيرثمنه لأنه يجوز بيعه قبل قبضه فصح رهنه كما بعد القبض وسواء رهنه عند بائعه أو غيره "إلا على ثمنه في أحد الوجهين" فإنه لا يجوز لأن المبيع محبوس بالثمن فلا فائدة في صيرورته رهنا لأن بين الرهن والبيع تنافيا لأن حكم الرهن أن يباع في الدين عند التعذر وحكم البيع أيفاء الثمن من غيره
والثاني: يصح وهو المنصوص لأن الثمن صار دينا في الذمة والمبيع صار ملكا للمشتري فجاز رهنه بالثمن كغيره من الديون ومقتضاه أن المكيل والموزون والمعدود والمذروع لا يصح رهنه قبل قبضه كالبيع.(4/104)
وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه إلا الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع في أحد الوجهين
ـــــــ
"وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه" لأن القصد من الرهن استيفاء الدين من ثمنه عند التعذر وما لا يجوز بيعه لا يمكن فيه ذلك وهو شامل لصور أم الولد والوقف والعين المرهونة فإن قال للمرتهن زدني مالا يكون الذي عندك رهنا به وبالدين الأول لم يجز وكذا رهن المصحف
نقل الجماعة عنه أنه قال لا أرخص في رهن المصحف
والمجهول وما لا يقدر على تسليمه والأرض الموقوفة على المسلمين كسواد العراق وحكم بنائها كحكمها فإن كان من غير ترابها أو الشجر المجدد فيها فالمذهب صحته وقد تقدم ذلك والمبيع في مدة الخيار إلا أن يرهنه المشتري فالخيار له وحده فيصح ويبطل خياره ذكره أبو بكر ومال غيره وخرج بلى إن أجازه ربه وإن بان أنه أذن فيه أو أنه له فوجهان.
"إلا الثمرة قبل بدو صلاحها" والزرع الأخضر "من غير شرط القطع في أحد الوجهين" إختاره القاضي وجزم به في المحرر والوجيز لأن النهي عن البيع إنما كان لعدم الأمن من العاهة ولهذا أمر بوضع الجوائح وذلك مفقود هنا وبتقدير تلفها لا يفوت حق المرتهن من الدين لتعلقه بذمة الراهن فمتى حل الحق بيع وإن اختار المرتهن تأخير بيعه فله ذلك
والثاني: لا يصح كالبيع فعليه إن رهنها مع الأصل فقولا تفريق الصفقة
ملحق: تستثنى الجارية دون ولدها وبالعكس ويباعان فلو رهنت الأم بمفردها قومت دونه ثم معه فما زاد على قيمتها فهو قيمته وقيل: تقوم ذات ولد ويقوم هو معها إذا علم به المرتهن فإن كانت حاملا به وقت الرهن أو حملت به فهو رهن
ولو رهن الوارث تركة الميت أو باعها وعلى الميت دين صح على الأشهر(4/105)
ولا يصح رهن العبد المسلم لكافر إلا عند أبي الخطاب إذا شرطا كونه في يد مسلم ولا يلزم الرهن إلا بالقبض.
ـــــــ
وإن رهن ثمرة إلى محل يحدث فيه أخرى لا تتميز فهو باطل لأنه مجهول حين حلول الحق وإن رهنها بدين حال أو شرط قطعها عند خوف اختلاطها جاز لأنه لا غرر فيه فإن لم يقطعها حتى اختلطت لم يبطل الرهن لأنه وقع صحيحا لكن إن سمح الراهن ببيع الجميع على قدر ثمنه جاز
وإن اختلفا وتشاحا قدم قول الراهن مع يمينه لأنه منكر
"ولا يصح رهن العبد المسلم لكافر" مطلقا لأن مقتضى الرهن أن يكون في يد المرتهن وهو ليس بأهل لذلك ولو شرطاه في يد مسلم لأن الكافر لا يد له على مسلم بدليل أنه يؤمر ببيع عبده إذا أسلم "إلا عند أبي الخطاب إذا شرطا كونه في يد مسلم" عدل لأنه مال فجاز رهنه كسائر الأموال ويبيعه الحاكم إذا امتنع مالكه قال في الشرح وهذا أولي لأن مقصود الرهن يحصل من غيرضرر وأطلق في الفروع الخلاف وهما في رهن المصحف لكافر إذا شرطا كونه في يد مسلم وألحقت به كتب الحديث
فرع: لا يقرأ فيه أحد بلا إذن ربه وقيل: بلى إن لم يضر ماليته وإن طلب أحد ليقرأ فيه لم يجب بذله وقيل: بلى وقيل: عند الحاجة إليه
"ولا يلزم الرهن" في حق الراهن "إلا بالقبض" هذا هو المذهب لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ولأنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول فافتقر إلى القبض كالقرض وسواء قبضه المرتهن أو من اتفقا عليه وظاهره: لا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما صرح به في المغني والشرح
وقال بعض أصحابنا: يلزم في المكيل والموزون بالقبض وفيما اسمهاهما روايتان كالبيع وفي القياس نظر لأنه يوهم أن البيع في غيرهما لا يلزم في رواية وليس كذلك إذ لا خلاف في لزومه وفهم منه أنه قبل القبض صحيح وليس بلازم لأنه يجوز للراهن فسخه والتصرف فيه بكل نوع(4/106)
واستدامته شرط في اللزوم فإن أخرجه المرتهن باختياره إلى الراهن زال لزومه.
ـــــــ
فإن كان ببيع أو عتق أو نحوهما بطل حكم الرهن لتعذر الاستيفاء من ثمنه وإن كان بتدبير أو إجارة أو تزويج فلا لأنه لا يمنع من البيع فلا يمنع صحة الرهن وظاهر الخرقي وابن أبي موسى وابن عقيل في التذكرة تبعا لشيخه القاضي أبي يعلى في الجامع الصغير أن القبض شرط في صحة الرهن
وصفة قبضه كمبيع فلو رهنه دارا وخلى بينه وبينها وللراهن فيها قماش لم يمنع من صحة التسليم لأن اتصالها بملك الراهن لا يمنع صحة التسليم كالثمرة في الشجرة ويعتبر في القبض إذن ولي الأمر في الأشهر ويبطل إذنه بنحو إغماء وخرس فلو رهنه ما في يده ولو غصبا فكبته اياه ويزول ضمانه
"واستدامته شرط في اللزوم" وهو قول أكثرهم للآية الكريمة ولأنها إحدى حالتي الرهن فكان القبض فيه شرطا كالابتداء بخلاف الهبة فإن القبض في ابتدائها يثبت الملك فإذا ثبت استغنى عن القبض والرهن يراد للوثيقة ليتمكن من بيعه واستيفاء دينه منه فإذا لم يكن في يده زال ذلك وهذا على القول بأن ابتداء القبض شرط في اللزوم وإن قلنا: ليس بشرط فيه ففي الاستدامة كذلك قاله في الشرح
لكن لو أجره أو أعاره لمرتهن أو غيره بإذنه فلزومه باق على المذهب وعنه: يزول نصره القاضي وغيره فعليها يعود بمضي إجارة وإعارة من مرتهن
"فإن أخرجه المرتهن باختياره إلى الراهن زال لزومه" لأن استدامة القبض شرط في اللزوم وقد زالت إذ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه وظاهره: ولو كان نيابة عنه صرح به في الفروع وبقي العقد كأنه لم يوجد فيه قبض سواء أخرجه بإجارة أو إعارة أو إيداع ونحوه
وقوله: "باختياره" يحترز به عما لو أخرجه لا باختياره كالغصب ونحوه لأن ذلك لا يزيل اللزوم لأن يد المرتهن ثابتة عليه حكما(4/107)
فإن رده إليه عاد اللزوم ولو رهنه عصيرا فتخمر زال لزومه فإن تخلل عاد لزومه بحكم العقد السابق وعنه: ان القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط فمتى امتنع الراهن من تقبيضه أجبر عليه.
ـــــــ
"فإن رده إليه" أي: إلى المرتهن "عاد اللزوم" نص عليه لأنه أقبضه باختياره فلزم به كالأول ولا يحتاج إلى تجديد عقد لأن العقد السابق لم يطرأ عليه ما يبطله أشبه ما لو تراخى القبض عن العقد
"ولو رهنه عصيرا فتخمر زال لزومه" لأن تخميره بمنزلة إخراجه من يده لأنه لا يد لمسلم على خمر لأن صيرورته خمرا يمنع من صحة العقد فلأن يخرجه عن اللزوم بطريق الأولى: وتجب إراقته حينئذ فإن أريق بطل العقد فيه ولا خيار للمرتهن لأن التلف حصل في يده وهذا بالنسبة إلى المسلمين
"فإن تخلل عاد لزومه بحكم العقد السابق" كما لو زالت يد المرتهن عنه ثم عادت إليه فلو استحال خمرا قبل قبض المرتهن بطل العقد فيه ولم يعد بعوده خلا لأنه عقد ضعيف لعدم القبض أشبه إسلام أحد الزوجين قبل الدخول
وذكر القاضي أنه إذا استحال خمرا بعد القبض أنه يبطل الرهن فيه ثم إذا عاد خلا عاد ملكا لصاحبه مرهونا بالعقد السابق لأنه يعود ملكا بحكم الملك الأول فيعود حكم الرهن ورد بأن اليد لم تزل عنه حكما بدليل ما لو غصبه منه غاصب فتخلل في يده كان ملكا للمغصوب منه
قال في المغني: ولم تظهر لي فائدة الخلاف بعد اتفاقهم على عوده رهنا باستحالته خلا وأرى القول ببقائه رهنا أقرب إلى الصحة لأن العقد لو بطل لما عاد صحيحا من غير ابتداء عقد
"وعنه: أن القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط" حكاه في التعليق عن أصحابنا وهو المذهب عند ابن عقيل فيلزم بمجرد العقد كالبيع
"فمتى" هذا تفريع على هذه الرواية "امتنع الراهن من تقبيضه أجبر عليه" كالبيع فإن رده المرتهن على الراهن بعارية أو غيرها ثم طلبه أجبر الراهن(4/108)
وتصرف الراهن في الرهن لا يصح
ـــــــ
على رده لأن الرهن صحيح والقبض واجب له فيجبر عليه كبيعه
تنبيه: إذا استعار شيئا ليرهنه جاز إجماعا وسواء بين الدين أو لا لكن لو عين المرتهن أو القدر الذي يرهنه عليه فخالف لم يصح لأنه لم يؤذن له فيه وله الرجوع فيه قبل إقباضه كقبل العقد وقدم في التلخيص لا كبعده خلافا للانتصار فيه وله مطالبة الراهن بفكاكه حالا كان أو مؤجلا في محل الحق وقبله لأن العارية لا تلزم فمتى حل الحق ولم يقبضه فللمرتهن بيعه واستيفاء دينه منه
ويرجع المعير بقيمته أو بمثله لا بما بيع نص عليه وقطع في المحرر واختاره في الترغيب بأكثرهما فإن تلف ضمنه الراهن وهو المستعير بقيمته سواء تلف بتفريط أولا نص عليه لأن العارية مضمونة وفي الفروع ويتوجه في مستأجر من مستعير
وإن قك المعير الرهن بإذن الراهن رجع وإن كان متبرعا فلا وإن قضاه بغير إذنه محتسبا بالرجوع فروايتان
"وتصرف الراهن في الرهن" اللازم بالبيع والإجارة والوقف ونحوه لا يصح لأنه تصرف يبطل حق المرتهن من الوثيقة وليس بمبني على السرأية والتغليب فلم يصح بغير إذن المرتهن كفسخ الرهن
فأما انتفاعه به كاستخدام ونحوه بغير إذن المرتهن فلا لأنها عين محبوسة فلم يكن للمالك الانتفاع بها كالمبيع المحبوس عند البائع على قبض ثمنه لكن لا يمنع من سقي شجر وتلقيح وإنزاء فحل على إناث مرهونة ومداواة وفصد بل من قطع سلعة فيها خطر
وحينئذ إن لم يتفقا على المنافع لم يجز الانتفاع وكانت معطلة على الإجارة أو الإعارة جاز في ظاهر قول الخرقي والأجرة رهن وذكر أبو بكر في الخلاف أنها تعطل مطلقا ورد بأنه تضييع للمال وهو منهي عنه شرعا.(4/109)
إلا العتق فإنه ينفذ وتؤخذ منه قيمته رهنا مكانه ويحتمل ألا ينفذ عتق المعسر
ـــــــ
وقال ابن حمدان: للراهن الانتفاع بما لا ينقص قيمته ولا يضره كركوب وسكنى فإن أراد غرس الأرض والدين حال منع وإن كان مؤجلا فاحتمالان
"إلا العتق فإنه" يحرم على الأصح لما فيه من إبطال حق المرتهن من الوثيقة و "ينفذ" نص عليه وهو قول شريك والحسن بن صالح لأنه إعتاق من مالك تام الملك فنفذ كعتق المستأجر ولأن الرهن عين محبوسة لاستيفاء الحق فنفذ فيها عتق المالك كالمبيع في يد بائعه والعتق مبني على السرأية والتغليب بدليل أنه ينفذ في ملك الغير ففي ملكه بطريق الأولى. فعلى هذا إن كان موسرا "تؤخذ منه قيمته" لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة أشبه ما لو أتلفه ويعتبر حال الإعتاق لأنه وقت الإتلاف فجعلت "رهنا مكانه" لأنها نائبة عن العين أو بدل عنها
وكذا حكم ما لو قتله بقصاص استحقه عليه أو أحبل الأمة بلا إذن المرتهن أو أقر بالعتق وكذبه فعليه القيمة تكون رهنا وإن كان معسرا فهي في ذمته فإن أيسر قبل حلول الحق أخذت منه فجعلت رهنا إلا أن يختار تعجيل الحق فيقضيه وإن أيسر بعد حلول الحق طولب بالدين خاصة لأن ذمته تبرا به من الحقين معا
"وعنه: لا ينفذ عتق المعسر" اختاره أبو محمد الجوزي وذكرها أبو الخطاب في الهداية احتمالا وفي المحرر تخريجا لأن نفوذ عتقه يسقط الوثيقة وبدلها فلم ينفذ لما فيه من الإضرار بالمرتهن وكما لو أعتق شركا له في عبد وهو معسر
وفي طريقة بعض أصحابنا إن كان معسرا يستسعي العبد بقدر قيمته تجعل رهنا وفيه نظر لأن فيه إيجاب الكسب على العبد ولا صنع ولا جناية منه فكان إلزام الغرم للمتلف أولى(4/110)
وقال القاضي:له تزويج الأمة ويمنع الزوج من وطئها ومهرها رهن معها والأول أصح وإن وطئ الجارية.
ـــــــ
وقيل: ولا ينفذ عتق غيره وذكره في المبهج رواية وإذا لم نقل بالنفوذ فظاهر كلامهم أنه لا ينفذ بعد زوال الرهن وفيه احتمال وهذا إذا لم يأذن المرتهن فإن أذن صح العتق وسقط حقه من الوثيقة ولا قيمة له وإن رجع بعد الإذن وعلم الراهن به بطل وإلا فوجهان
وكذا يصح رجوعه في كل تصرف أذن فيه قبل وقوعه فإن اختلفا قدم قول المرتهن ووارثه في نفي الإذن لأن الأصل إلا أن الوارث يمينه على نفي العلم ومن نكل قضي عليه وألحق بعض أصحابنا الوقف بالعتق لأن فيه حق الله تعالى:
"وقال القاضي" وجماعة من أصحابنا وذكره أبو بكر رواية: "له تزويج الأمة" المرهونة لأن محل عقد النكاح غير محل عقد الرهن بدليل صحة رهن الأمة المزوجة لأن الرهن لا يزيل الملك فلم يمنع التزويج كالإجارة
"ويمنع" المرتهن "الزوج من وطئها" وهو مراد من عبر بقوله دون تسليمها لئلا تحبل فتنقص قيمتها وتقل الرغبة فيها وربما تلفت بسبب الحمل "ومهرها رهن معها" لأنه من نماء الرهن فكان رهنا "والأول أصح" وهو قول الأكثر لأن التزويج يذهب رغبات المشترين فيها فيوجب نقصان قيمتها فلم يملكه الراهن كفسخ العقد
ولانسلم تغاير المحلين بل محلهما واحد وتتناول الجملة وإنما صح رهن المزوجة لبقاء معظم المنفعة فيها وبقائها محلا للبيع كما يصح رهن المستأجر
والرهن يفارق الإجارة من حيث إن التزويج لا يؤثر في مقصود الإجارة ولا يمنع المستأجر من استيفاء المنفعة المستحقة له ويؤثر في مقصود الرهن هو استيفاء الدين من ثمنها لأن تزويجها إنما يمنع البيع أو ينقص الثمن فيتعذر استيفاء الدين كاملا
"وإن وطئ" الراهن "الجارية" المرهونة فقد ركب محرما في قول الأكثر(4/111)
فأولدها وخرجت من الرهن وأخذت منه قيمتها فجعلت رهنا وإن أذن له المرتهن في بيع الرهن أو هبته ونحو ذلك ففعل صح وبطل الرهن
ـــــــ
وحكاه ابن المنذر إجماعا لأن من يحرم وطؤها لا فرق فيه بين الآيسة والصغيرة كالمعتدة ولأن الوقت الذي تحبل فيه يختلف فمنع منه جملة لكن لا حد عليه لأنها ملكه ولا مهر عليه إن كانت ثيبا كالاستخدام فإن تلف جزء منها أو نقصها فعليه قيمة ما تلف كالجناية تجعل رهنا معها وإلا قضاه من الحق إن كان قد حل
وجزم في الفروع وقاله في عيون المسائل والشيرازي في المنتخب إنه يحرم وطؤها على راهن إلا بشرط وإن لم تحبل فأرش البكارة فقط كجناية
"فأولدها خرجت من الرهن" لأنها صارت أم ولد له وعبارة الأكثر كالمؤلف وان الحكم يترتب على الولادة وليس بمراد بل الحكم منوط بالإحبال
"وأخذت منه قيمتها" حين إحبالها لأنه فوتها على المرتهن فوجب أن يؤخذ منه بدلها كما لو أتلفها "فجعلت رهنا" لأنها بدل والبدل يعطى حكم مبدله فإن كان معسرا كان في ذمته وهذا إذا صدقه المرتهن أنها ولدته من وطئه وإلا فالرهن بحاله قاله في التلخيص فإن كان الوطء بإذن المرتهن خرجت من الرهن ولا شيء للمرتهن لأنه أذن في سبب ينافي حقه.
لا يقال: إنما أذن بالوطء ولم يأذن في الإحبال لإفضائه إليه ولا يقف على اختياره فالإذن في سببه إذن فيه
مسألة: إذا أقر بالوطء حال العقد أو قبل لزومه فحكمهما واحد ويصح الرهن لأن الأصل عدم الحمل أما إذا أقر به بعد لزومه فيقبل في حقه فقط لأن إقرار الإنسان على غيره لا يقبل ويحتمل قبوله في حق المرتهن أيضا لأنه اقر في ملكه بما لا تهمة فيه
"وإن أذن له المرتهن في بيع الرهن أو هبته ونحو ذلك" كوقفه "ففعل صح" لأن المنع كان لحقه فإذا أذن زال "وبطل الرهن" لأن هذا تصرف ينافي(4/112)
إلا أن يأذن له في بيعه بشرط أن يجعل ثمنه رهنا أو يعجل دينه من ثمنه ونماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه من الرهن ومؤنته على الراهن
ـــــــ
الرهن فلا يجتمع مع ما ينافيه "إلا أن يأذن له في بيعه بشرط أن يجعل ثمنه رهنا" مكانه "أو يعجل دينه من ثمنه" فإنه يصح البيع والشرط ويلزم ذلك لأنه لو شرط ذلك بعد حلول الحق جاز فكذا قبله
وحاصله إن كان الدين حالا أخذه من الثمن وإلا بقي رهنا وإن شرط تعجيل الدين من ثمنه صح البيع ولغا الشرط ويكون الثمن رهنا وفي المحرر وإن باعه بإذن شرط فيه أن يعجل له دينه المؤجل من ثمنه لم يصح البيع وهو رهن بحاله وقيل: يصح وفي كون الثمن رهنا وجهان ويلغو شرط التعجيل قولا واحدا
فرع: إذا اختلفا في الإذن قبل قول المرتهن لأنه منكر عليه واختلفا في الشرط قبل قول الراهن في الأصح لأن الأصل عدمه
"ونماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه من الرهن" أي: يكون في يده كالأصل بمعنى أنه إذا احتيج إلى بيعه في وفاء الدين بيع مع الأصل لأن الرهن عقد على العين فيدخل فيه ما ذكر كالبيع والهبة وفي الجناية عليه لأنها بدل جزء فكانت من الرهن كقيمته إذا أتلفه إنسان
ولا فرق في النماء بين المتصل كالسمن وتعلم صنعة والمنفصل كالكسب والأجرة والولد والثمرة والصوف
"ومؤنته على الراهن" لما روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه" رواه الشافعي والدارقطني وقال إسناد حسن متصل ولأنه ملك للراهن فكان عليه الإنفاق كالطعام وهو شامل لما إذا احتاج إلى مداواة لمرض أو جرح وأجرة من يرده إذا أبق ومؤنة جناية وأجرة تسوية وجداد وتجفيف ونحوه
فإن كان ماشية تحتاج إلى إطراق فحل لم يجبر الراهن عليه لأنه ليس عليه ما يتضمن زيادة في الرهن وليس ذلك مما يحتاج إليه لبقائها ولا يمنع منه لكونه(4/113)
وكفنه إن مات وأجرة مخزنه إن كان مخزون وهو أمانة في يد المرتهن إن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه ولا يسقط بهلاكه شيء من دينه
ـــــــ
زيادة فيها من غيرضرر على المرتهن
"وكفنه إن مات" كبقية مؤنة تجهيزه لأن ذلك تابع لمؤنته وهو من جملة غرمه "وأجرة مخزنه أن كان مخزونا" كأجرة حافظه "وهو أمانة في يد المرتهن" للخبر ولأنه لو ضمن لامتنع الناس من فعله خوفا من الضمان وذلك وسيلة إلى تعطيل المداينات والقروض وفيه ضرر عظيم وهو منفي شرعا ولأنه وثيقة بالدين فلا يضمن كالزيادة على قدر الدين وظاهره: ولو قبل عقد الرهن نقله ابن منصور كبعد الوفاء
"إن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه" قاله علي رضي الله عنه لأنه أمانة في يده فلم يكن في تلفه شيء كالوديعة وعنه: يضمنه المرتهن كما لو أعاره أو ملكه أو استعمله نص عليه. وتأولها القاضي على المتعدي وامتنع من ذلك ابن عقيل فأجراها على ظاهرها لما روى عطاء أن رجلا رهن فرسا فنفق عند المرتهن فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال: "ذهب حقك" ولأنها عين مقبوضة للاستيفاء فيضمنها من قبضها لذلك. وجوابه: بأنها مقبوضة بعقد بعضه أمانة فكان جميعه أمانة كالوديعة وحديث عطاء كان يفتي بخلافه مع أن الدارقطني قال يرويه إسماعيل بن أمية وكان كذابا وقيل: مصعب بن ثابت وهو ضعيف ولو سلم فهو محمول على أنه ذهب حقك من الوثيقة بدليل أنه لم يسأل عن قدر الدين أو قيمته وظاهره: أنه إذا تعدى أو فرط أنه يضمن كالوديعة وفي بقاء الرهينة لأنه يجمع أمانة واستيثاقا فبقي أحدهما وجهان
"ولا يسقط بهلاكه شيء من دينه" نص عليه لأنه كان ثابتا في ذمة الراهن قبل التلف ولم يوجد ما يسقطه فبقي بحاله وكما لو دفع إليه عبدا يبيعه ويأخذ حقه من ثمنه وكحبس عين مؤجرة بعد الفسخ على الأجرة بخلاف(4/114)
وإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع الدين وإن رهنه عند رجلين فوفى أحدهما انفك في نصيبه
ـــــــ
حبس البائع المشتري على ثمنه فإنه يسقط في رواية بتلفه لأنه عوضه والرهن ليس بعوض الدين لأن الدين لا يسقط بتفاسخهما ذكره في الانتصار وعيون المسائل
"وإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين" لأن الدين كله يتعلق بجميع أجزاء الرهن
فرع: إذا قبض الرهن فوجده مستحقا لزمه رده على مالكه والرهن باطل من أصله فإن أمسكه مع عمله حتى تلف استقر الضمان عليه وللمالك تضمين أيهما شاء فإن ضمن الراهن لم يرجع على أحد وإن ضمن المرتهن رجع عليه وإن لم يعلم بالغصب حتى تلف فالحكم على ما ذكرنا وإن تلف بغير تفريطه فثالثها للمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان على الغاصب
"ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع الدين" حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه لأن حق الوثيقة يتعلق بجميع الرهن فيصير محبوسا بكل الحق وبكل جزء منه لا ينفك منه شيء حتى يقضي جميعه سواء كان مما يمكن قسمته أو لا وكالضمان والشهادة
تنبيه: يقبل قول المرتهن في التلف وقيل: والرد قال أحمد: في مرتهن ادعى ضياعه إن اتهمه أحلفه وإلا لم يحلفه وكذا إن ادعاه بحادث ظاهر وشهدت بينة بالحادث قبل قوله فيه وكذا وكيل وسيأتي
"وإن رهنه عند رجلين فوفى أحدهما انفك في نصيبه" لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين فكأنه رهن كل واحد منهما النصف منفردا وقال أبو الخطاب يكون رهناعند الآخر حتى يوفيه نظرا إلى أن العقد واحد وحمله في المغني والشرح على أنه ليس للراهن مقاسمة المرتهن لما عليه فيه(4/115)
وإن رهنه رجلان شيئا فوفاه أحدهما انفك في نصيبه وإذا حل الدين وامتنع من وفائه فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو العدل في بيعه باعه ووفى الدين وإلا رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن
ـــــــ
من الضرر فصار جميعه رهنا
وعلى الأول لو طلب المقاسمة فإن كان مما لا تنقصه القسمة كالمكيل والموزون أجيب إليها وإلا فلا لما فيه من الضرر على المرتهن ويبقى في يده بعضه رهن وبعضه وديعة
"وإن رهنه رجلان شيئا فوفاه أحدهما انفك في نصيبه" لأن الراهن متعدد فتعلق ما على كل منهما بنصيبه لأن الرهن لا يتعلق بملك الغير إلا إذا كان مأذونا فيه ولم يوجد ونقل مهنا خلافه فلو رهن اثنان عبدا لهما عند اثنين بألف فهذه أربعة عقود ويصير كل ربع منه رهنا بمائتين وخمسين فمتى قضى في شيء انفك من الرهن بقدر ذلك ذكره القاضي
فرع: إذا قضى بعض دينه أو أبرئ منه وببعضه رهن أو كفيل فعما نواه فإن أطلق ولم ينو فله صرفه إلى أيهما شاء وقيل: يوزع بينهما بالحصص "وإذا حل الدين" لزم الراهن الإيفاء لأنه دين حال فلزم إبقاؤه كالذي لا رهن به "وامتنع من وفائه فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو للعدل في بيعه باعه" نص عليه لأنه مأذون له فيه
وفي بيعه بقيمته وجهان بإذن مرتهن لأن البيع لحقه فلم يجز حتى يأذن فيه ولا يحتاج إلى تجديد إذن من الراهن في ظاهر كلام أحمد وقيل: بلى حكاه القاضي لأنه قد يكون له غرض في قضاء الحق من غيره "ووفي الدين" لأنه هو المقصود بالبيع وما فضل من ثمنه لمالكه وإن بقي من الدين شيء فعلى الراهن
"وإلا" أي: إذا لم يأذن في البيع ولم يوف "رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن" لأن هذا شأن الحاكم فإن امتنع حبسه أو(4/116)
فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه
فصل
وإذا شرط في الرهن جعله على يد عدل صح وقام قبضه مقام قبض المرتهن
__________
عزره حتى يفعل ما يأمره به "فإن لم يفعل" أي: أصر على المنع أو كان غائبا أو تغيب قاله في الرعاية الكبرى "باعه الحاكم" عليه نص عليه لأنه تعين طريقا إلى أداء الواجب أداؤه "وقضى دينه" لأنه حق تعين عليه فإذا امتنع من أدائه قام الحاكم مقامه فيه كالإيفاء من جنس الدين وظاهره: أنه ليس للمرتهن بيعه بغير إذن ربه أو إذن حاكم وقيل: بلى فإن لم يأذن المرتهن في بيعه قال له الحاكم ائذن فيه وخذ دينك من ثمنه أو أبرئه منه
فرع: إذا جهل رب الرهن وأيس من معرفته فللمرتهن بيعه والصدقة به بشرط ضمانه نص عليه وفي إذن حاكم في بيعه مع القدرة وأخذ حقه من ثمنه مع عدمه روايتان كشراء وكيل.
فصل
"وإذا شرط في الرهن جعله على يد عدل صح" لأنه قبض في عقد فجاز التوكيل فيه كقبض الموهوب "وقام قبضه مقام قبض المرتهن" في قول أكثر العلماء وخالف فيه الحكم وغيره لأن القبض من تمام العقد فتعلق بالمتعاقدين كالإيجاب والقبول وجوابه ما سبق وبأنه وكيل وقبضه كقبض الموكل مع أنه لو وكل في الإيجاب والقبول صح وما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر فيه القبض وظاهره: يقتضي جواز جعل الرهن على يد من يجوز توكيله وهو الجائز التصرف
فلا يجوز أن يكون صبيا ولا عبدا بغير إذن سيده لأن منافعه لسيده فلا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه ولا مكاتبا بغير جعل لأنه ليس له التبرع بمنافعه(4/117)
وإن شرط جعله في يد اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه وليس للراهن ولا للمرتهن إذا لم يتفقا ولا للحاكم نقله عن يد العدل إلا أن يتغير حاله وله رده إليهما.
ـــــــ
"وإن شرط جعله في يد اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه" لأن المتراهنين لم يرضيا إلا بحفظهما معا فلا يجوز لأحدهما الانفراد كالوصيين فعلى هذا يجعل في مخزن عليه لكل واحد منهما قفل وإن سلمه أحدهما إلى الآخر فعليه ضمان النصف لأن القدر الذي تعدى فيه
"وليس للراهن ولا للمرتهن إذا لم يتفقا ولاللحاكم نقله عن يد العدل" لأن العدل ما دام بحاله لم يتغير عن الأمانة قال في الشرح وغيره ولا حدثت بينه وبين أحدهما اسمهاوة فليس لأحدهم نقله عن يده لأنهما رضيا به في الابتداء ولأنهما إذا لم يملكاه فالحاكم أولى وظاهره: أنهما إذا اتقفا على نقله جاز صرح به في المغني والشرح لأن الحق لهما لا يعدوهما.
"إلا أن يتغير حاله: بفسق أو ضعفه عن الحفظ أو اسمهاوة فلكل منهم نقله عن يده لأن في مقامه في يده ضررا على الطالب فإن اتفقا على شخص بصفاته جاز فإن اختلفا وضعه الحاكم عند عدل فلو اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما ظهر له وكذا لو كان عند المرتهن فتغير حاله فللراهن رفع الأمر إلى الحاكم ليضعه عند عدل فإن مات هو أو العدل لم يكن لورثتهما إمساكه إلا برضاهما
"وله" أي: للعدل "رده إليهما" وعليهما قبوله لأنه أمين مقطوع بالحفظ فلم يلزمه المقام عليه كسائر الأمانات فإن امتنعا أجبرهما الحاكم وينصب أمينا يقبضه لهما إذا تغيبا لأن له ولاية على الممتنع من الحق
فدل على أنه إذا دفعه إلى أمين امتناعهما أنه يضمن صرح به جماعة وكذا لو تركه العدل عند آخر مع وجودهما فإن امتنعا ولم يجد حاكما فتركه عند عدل لم يضمن فإن امتنع أحدهما لم يكن له دفعه إلى(4/118)
ولا يملك رده إلى أحدهما فإن فعل فعليه رده إلى يده فإن لم يفعل ضمن حق الآخر وإن أذنا له في البيع لم يبع إلا بنقد البلد فإن كان فيه نقود باع بجنس الدين فإن لم يكن فيها جنس الدين باع بما يرى أنه أصلح.
ـــــــ
الآخر فإن فعل ضمن
والفرق أن العدل يمسكه لهما وأحدهما يمسكه لنفسه هذا إذا كانا حاضرين فإن كانا غائبين نظرت فإن كان للعدل عذر رفعه إلى الحاكم يقبضه منه أو نصب عدلا يقبضه لهما فإن لم يجد حاكما أودعه ثقة وإن لم يكن عذر والغيبة بعيدة قبضه الحاكم فإن لم يجده فثقة وإن كانت قريبة فكالحاضرين وإن كان أحدهما حاضرا فكالغائبين
"ولا يملك رده إلى أحدهما" لأن للآخر حظا في إمساكه في يده وفي رده إلى أحدهما تضييع وظاهره: ولو كان أحدهما حاضرا والآخر مسافرا صرح به في الشرح وغيره
"فإن فعل فعليه رده إلى يده" أي: إلى يد نفسه لأن في ذلك عودا للحق إلى مستحقه "وإن لم يفعل ضمن حق الآخر" لأنه فوت عليه ما استحقه بعقد الرهن أشبه ما لو أتلفه.
"فإن أذنا له" أي: للعدل "في البيع لم يبع إلا بنقد البلد" لأن الحظ في ذلك للرواج فيه "فإن كان فيه نقود باع بجنس الدين" لأنه أقرب إلى وفاء الحق "فإن لم يكن فيها جنس الدين باع بما يرى أنه أصلح" لأن عليه الاحتياط فيما هو متوليه كالحاكم
والمذهب أنه يبيع بأغلب نقوده إذا تعددت فإن تساوت فبجنس الدين فإن عدم فبما ظنه أصلح فإن تساوت عين حاكم قاله في المغني والشرح ورجحه ابن المنجا لأنه أعرف بالأحظ وأبعد من التهمة فإن عينا نقدا تعين ولم تجز مخالفتهما لأن الحق لهما فإن اختلفا لم يقبل قول واحد منهما.(4/119)
وإن قبض الثمن فتلف في يده فهو من ضمان الراهن وإن استحق المبيع رجع المشتري على الراهن وإن ادعى دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ولم يكن قضاه ببينة ضمن وعنه: لا يضمن إلا أن يكون أمر بالاشهاد فلم يفعل.
ـــــــ
فعلى هذا يرفع إلى الحاكم ويأمر ببيعه بنقد البلد سواء كان من جنس الحق أو لم يكن وافق قول أحدهما أو لم يوافق لأن الحظ في ذلك
قال المؤلف والأولى: أن يبيعه بما فيه الحظ
"وإن" باع بإذنهما ثم "قبض الثمن فتلف في يده" من غير تفريط "فهو من ضمان الراهن" لأن الثمن في يد العدل أمانة فهو كالوكيل فإن اختلفا في قبضه من المشتري فوجهان أحدهما لا يقبل لأنه إبراء للمشتري من الثمن كما لو أبرأه من غيره
والثاني: بلى لأنه أمين "وإن استحق المبيع رجع المشتري على الراهن" لأن المبيع له فالعهدة عليه كما لو باع بنفسه وحينئذ لا رجوع له على العدل ومحله إذا علم المشتري أنه وكيل قاله في المغني والشرح لا يقال يرجع المشتري على العدل لكونه قبض الثمن بغير حق لأنه سلمه إليه على أنه أمين في قبضه يسلمه إلى المرتهن فإن كان الراهن مفلسا أو ميتا فالمرتهن والمشتري أسوة الغرماء لأنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في الذمة
ويستثنى من ذلك لو بان مستحقا بعد دفع الثمن إلى المرتهن رجع المشتري على المرتهن لأنه صار إليه بغير حق فكان رجوعه عليه كما لو قبضه منه فلو رده المشتري بعيب رجع على الراهن أو الوكيل إن لم يعلم أنه وكيل
"وإن ادعى" أي: العدل "دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ولم يكن قضاه ببينة ضمن وعنه: لا يضمن إلا أن يكون أمر بالإشهاد فلم يفعل" وجملته أن العدل إذا ادعى دفع الثمن إلى المرتهن وأنكر ولا بينة للعدل فعلى ضربين أحدهما أن يكون أمر بالإشهاد ولم يشهد فيضمن لتفريطه ومخالفة أمر موكله إلا أن يقضيه بحضرة الموكل.(4/120)
وهكذا الحكم في الوكيل وان شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل صح وان عزلهما صح عزله.
ـــــــ
الثاني: مطلق وفيه روايتان إحداهما وهي المذهب أنه يضمن لأنه فرط حيث لم يشهد ولأنه إنما أذن له في قضاء مبرئ ولم يحصل وحينئذ فيرجع المرتهن على راهنه ثم هو على العدل. ومحله ما إذا كان القضاء بغير بينة فإن كان بها لم يضمن لعدم تفريطه سواء كانت البينة قائمة أو معدومة وشرطه اسمهالتهم وأن لا يكون بحضرة الموكل صرح به جماعة لأنه لا يعد مفرطا
والثانية: لا يضمن اختاره ابن عقيل لأنه أمين وفي الشرح وغيره إذا ادعى دفع الثمن إلى المرتهن وجهان أحدهما يقبل على الراهن لا المرتهن ذكره القاضي لأنه وكيل الراهن في دفع الثمن ووكيل المرتهن في الحفظ فلم يقبل قوله في حقه
والثاني: يقبل قوله على المرتهن في إسقاط الضمان عن نفسه ولا يقبل في نفي الضمان عن غيره ذكره الشريف أبو جعفر لأنه أمين فعليه إذا حلف العدل سقط الضمان عنه ولم يثبت على المرتهن أنه قبضه "وهكذا الحكم في الوكيل" فيما ذكرنا لأنه في معناه
"وإن شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل صح" لأن كلا منهما أهل للوكالة فصح كالأجنبي ويصح بيعه لأنه شرط فيه مصلحة للمرتهن لا ينافي مقتضى الرهن فصح كما لو شرط صفة فيه
"وإن عزلهما صح عزله" في المنصوص كسائر الوكالات وحينئذ لا يملك البيع وقال ابن أبي موسى يتوجه لنا أنه لا ينعزل فإن أحمد منع الحيلة وهذا يفتح باب الحيلة للراهن فإنه يشرط ذلك للمرتهن فيجيبه إليه ثم يعزله ولأن وكالته صارت من حقوق الرهن فلم يكن للراهن إسقاطه كسائر حقوقه ورد بأنه لا يمنع جوازه كما لو شرط الرهن في البيع فإنه لا يصير لازما.(4/121)
وإن شرط أن لا يبيعه عند الحلول أو إن جاءه بحقه وإلا فالرهن له لم يصح الشرط وفي صحة الرهن روايتان.
ـــــــ
"وإن شرط أن لا يبيعه عند الحلول" أي: حلول الحق فهو شرط فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد ومثله إذا شرط أن لا يستوفى الدين من ثمنه أو لا يباع ما خيف تلفه أو يبيع الرهن بأي ثمن كان أو لا يبيعه إلا بما يرضيه أو شرط الخيار للراهن أو أن لا يكون العقد لازما في حقه أو بوقت الرهن
"وإن جاءه بحقه وإلا فالرهن له" أي: بالدين أو فهو مبيع بالدين الذي عليك "لم يصح الشرط" بغير خلاف نعلمه لما روى عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغلق الرهن" رواه الأثرم
قلت لأحمد: ما معنى لا يغلق الرهن قال لا يدفع رهنا إلى رجل ويقول إن جئتك بالدراهم إلى كذا وإلا فالرهن لك ولأنه علق البيع على شرط لأنه جعله مبيعا بشرط أن لا يوفيه الحق في محله والبيع المعلق بشرط لا يصح
"وفي صحة الرهن روايتان" مبنيتان على الروايتين في البيع قاله في الفروع وغيره إحداهما لا يصح جزم به في الوجيز وقدمه في الشرح ونصره لأنه رهن بشرط فاسد فأفسده كما لو شرط توفيته
والثانية: لا نصرها أبو الخطاب في رؤوس المسائل واستدل بالخبر فنفى غلق الرهن دون أصله فدل على صحته لأن فيه شرطا فاسدا ولم يحكم بفساده وقيل: ما ينقص بفساده حق المرتهن يبطله وجها واحدا ومالا فوجهان وقيل: إن شرط رهنا موقتا أو شرطه يوما ويوما لا فسد الرهن وهل يفسد بسائرها على وجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع. وحكى في المغني عن القاضي أنه قال يحتمل فساد الرهن بالشرط الفاسد بكل حال لأن العاقد إنما بذل ملكه بهذا الشرط فإذا لم يسلم له أفضى إلى أخذ ماله بغير رضاه والقياس يقتضي ذلك في البيع لكن ترك فيه للأثر ثم إذا بطل(4/122)
فصل
إذا اختلفا في قدر الدين أو الرهن أو رده أو قال أقبضتك عصيرا قال بل خمرا فالقول قول الراهن.
__________
وكان في بيع ففي بطلانه لأخذه حظا من الثمن أم لانفراده عنه كمهر في نكاح احتمالان
فرع: إذا تبايعا بشرط أن يكون المبيع رهنا على ثمنه لم يصح قاله ابن حامد لأن المبيع حين شرط رهنه لم يكن ملكا له وسواء شرط أنه يقبضه ثم يرهنه أو شرط رهنه قبل قبضه وعنه: إذا حبس المبيع ببقية الثمن فهو غاصب ولا يكون رهنا إلا أن يكون شرط عليه في نفس البيع وهذا يدل على صحة الشرط وحملها القاضي على أنه شرط عليه في البيع رهناً غير المبيع فيكون له حبس المبيع حتى يقبض الرهن فإن لم يف له وإلا فسخ البيع.
فصل
"إذا اختلفا في قدر الدين" أن قال المرتهن لي عليك ألف رهنتني عليها عبدك فلانا فقال الراهن بلى هي مائة "و الرهن" أن قال المرتهن هذا العبد والأمة فقال الراهن بل أحدهما قدم قوله لأنه منكر والقول قوله في أصل العقد فكذا في صفته
"و رده" أن قال المرتهن رددته إليك وقال الراهن لم أقبضه قبل قوله لأن الأصل معه والمرتهن قبض العين لمنفعته فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر وقيل: يقبل قول المرتهن لأنه أمين وفي التذكرة ان من قبل قوله من الأمناء في الرد لم يحلف فلو طلب منه الرد وقبل قوله فهل له تأخيره ليشهد فيه وجهان إن حلف وإلا فلا
"وقال أقبضتك عصيرا قال" لمرتهن "بل خمرا" في عقد مشروط فيه الرهن "فالقول قول الراهن" نص عليه لأنهما اختلفا فيما يفسد به العقد(4/123)
وإن أقر الراهن أنه أعتق العبد قبل رهنه عتق وأخذت منه قيمته فجعلت رهنا وإن أقر انه كان جنى أو أنه باعه أو غصبه قبل على نفسه ولم يقبل على المرتهن.
ـــــــ
فقبل قول من ينفيه أولا لأن المرتهن معترف بعقد وقبض ويدعي فساده والأصل السلامة.
فرع: إذا قال أرسلت وكيلك فرهنني عبدك هذا على عشرين قبضها قال ما أمرته إلا بعشرة وصارت إلي سئل الرسول فإن صدق الراهن فعليه اليمين دون الراهن لأن الدعوى على غيره فإذا حلف الوكيل برئا معا وإن نكل فعليه العشرة المختلف فيها ولا يرجع بها على أحد.
وإن صدق المرتهن وادعى أنه سلم العشرين إلى الراهن قبل قول الراهن مع يمينه وإن نكل قضي عليه بالعشرة ويدفع إلى المرتهن وإن حلف برئ وعلى الوكيل غرامة العشرة للمرتهن.
"وإن أقر الراهن أنه أعتق العبد قبل رهنه عتق" لأن السيد غيرمتهم في الإقرار بعتقه لأنه لو أنشأ ذلك عتق فكذا إذا أخبر لأن كل من صح منه إنشاء عقد صح منه الإقرار به وقيل: لا يقبل منه كما لو أقر به بعد بيعه
"و" على الأول "أخذت منه قيمته فجعلت رهنا" مكانه لأنه فوت عليه الوثيقة بالعتق فلزمته القيمة تجعل رهنا جبرا لما فاته من الوثيقة هذا إذا كان موسرا فإن كان معسرا فعلى ما سبق وشرطه أن يكذبه المرتهن في ذلك
"وإن أقر أنه كان جنى أو أنه باعه أو غصبه قبل على نفسه" لأنه مقر على نفسه فقبل كما لو أقر له بدين "ولم يقبل على المرتهن" أي: مع تكذيبه اياه لأنه متهم في حقه وقول الغير على غيره غير مقبول
فعلى هذا إذا كذبه المرتهن وولي الجناية لم يسمع قوله وإن صدقه ولي الجناية لزمه أرشها إن كان موسرا لأنه حال بين المجني عليه وبين رقبة الجاني بفعله أشبه ما لو قتله
وإن كان معسرا تعلق حق المجني عليه برقبته إذا انفك الرهن وحينئذ(4/124)
إلا أن يصدقه
فصل
وإذا كان الرهن مركوبا أو محلوبا فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته متحريا للعدل في ذلك.
ـــــــ
فيستحق المشتري والمغصوب منه الرهن إذا انفك منه لأن اعترافه مقتض لذلك حالا ومآلا خولف في الحال لأجل حق المرتهن فمتى زال عمل المقتضى عمله.
وفي الشرح يلزمه قيمته للمغصوب منه لأنه حال بينه وبينه برهنه وفيه شيء لكن على المرتهن اليمين أنه لا يعلم ذلك
"إلا أن يصدقه" فإنه يبطل الرهن لوجود المقتضى السالم عن المعارض وقيل: إن أقر ببيعه أو غصبه أو جنايته وهو موسر كإقراره بنسب مطلقا صح ولزمته قيمته رهنا كالعتق وقيل: يبطل إقراره مجانا ويحلف على البت.
فصل
"وإذا كان الرهن مركوبا أو محلوبا فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته" وجملته أن الرهن ينقسم إلى حيوان وغيره والأول نوعان أحدهما إذا كان مركوبا أو محلوبا فنص أحمد في رواية محمد بن الحكم وأحمد بن القاسم أن للمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته "متحريا للعدل في ذلك" هذا هو المشهور لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الظهر يركب بنفقته إذاكان مرهونا ولبن الدر بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة" رواه البخاري
ولأن الحيوان نفقته واجبة وللمرتهن فيه حق وقد أمكنه استيفاء حقه فجاز كما يجوز للمرأة أخذ مؤنتها من مال زوجها عند عدم الإنفاق عليها لا يقال من منافعه مع بقاء عينه المراد به أن الراهن ينفق وينتفع لأنه مدفوع بما روي "إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها" فجعل المرتهن هو المنفق فيكون هو المنتفع.(4/125)
ـــــــ
وقوله: "بنفقته" أي: بسببها إذ الانتفاع عوض النفقة وذلك إنما يتأتى من المرتهن أما الراهن فإنفاقه وانتفاعه ليسا بسبب الركوب ولو تركت لذهبت مجانا وكذا اللبن لو ترك لفسد وبيعه أولا فأولا متعذر
والحيوان لا بد له من نفقة فقد يتعذر من المالك وبيع بعض الرهن فيها قد يفوت الحق بالكلية وهذا فيما إذا أنفق محتسبا بالرجوع فإن كان متبرعا لم ينتفع رواية واحدة
ثم إن فضل من اللبن شيء ولم يمكن بقاؤه إلى حلول الدين فله بيعه بإذن مالكه وإلا باعه الحاكم
وعنه: لا يحتسب له بما أنفق ولا ينتفع من الرهن بشيء وهو قول أكثر العلماء لقوله عليه السلام لا يغلق الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه رواه الشافعي والدارقطني وحسن إسناده من حديث أبي هريرة ولأنه ملك غيره لم يأذن له في ذلك فلم يكن له كغير الرهن والأولى أصح
ويدخل في المحلوب ما إذا كانت أمه مرضعة فله أن يسترضعها بقدر نفقتها ذكره أبو بكر ونص عليه ابن حمدان وعلى ما ذكره المؤلف لا فرق بين أن ينفق مع تعذر النفقة من الراهن لغيبة أو امتناع أو مع القدرة على أخذها منه أو استئذانه صرح به في المغني والشرح وذكر جماعة مع غيبة ربه زاد ابن حمدان أو امتناعه
النوع الثاني: الحيوان غير المركوب والمحلوب كالعبد والأمة فليس للمرتهن أن ينفق عليه ويستخدمه بقدرها في ظاهر المذهب قصرا للنص على مورده.
والثانية: بلى لفهم العلة وهو ذهاب المنفعة ونقل حنبل يستخدم العبد وفي الكافي إنه قد خالف الجماعة وهذا كله إذا كان الدين غير قرض فإن كان قرضا لم يجز نص عليه حذارا من قرض جر منفعة
القسم الثاني: غير ذلك وهو مما لا يحتاج إلى مؤنة كالدار والمتاع فلا يجوز للمرتهن الانتفاع بشيء منه بغير خلاف نعلمه لأن نماء الرهن يسلك(4/126)
وإن انفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه فهو متبرع وإن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم فعلى روايتين وكذلك الحكم في الوديعة وفي نفقة الجمال إذا هرب الجمّال وتركها في يد المكتري.
ـــــــ
به مسلكه نعم إن أذن له الراهن في الانتفاع ولم يكن الدين عن قرض جاز لوجود طيب النفس
"وإن أنفق على الرهن" أي: الحيوان "بغير إذن الراهن مع إمكانه فهو متبرع" أي: لا يرجع بشيء صرح به أبو الخطاب وغيره لأنه تصدق به فلم يرجع بعوضه كالصدقة على مسكين أو لأنه مفرط حيث لم يستأذن المالك إذ الرجوع فيه معنى المعاوضة فافتقر إلى الإذن والرضى كسائر المعاوضات
وظاهره: ولو نوى الرجوع وصرح به في الفروع واقتضى أنه إذا أنفق بإذن المالك أنه يرجع لأنه ناب عنه في الإنفاق اشبه ما لو وكله فيه
"وإن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم فعلى روايتين" إحداهما يرجع جزم بها في الوجيز لأنه أنفق عليه عند العجز عن استئذانه وهو محتاج إليه لحراسة حقه أشبه ما لو عجز عن استئذان الحاكم.
والثانية: لا يرجع بشيء لأن النفقة معاوضة فافتقرت إلى رضى المالك أو من يقوم مقامه كسائر المعاوضات
ومقتضاه: أنه إذا عجز عن استئذانه واستأذن الحاكم أنه يرجع لأنه يقوم مقام المالك
وفي الفروع إذا تعذر رجع إن أشهد بالأقل مما أنفق أو نفقة مثله وإلا فروايتان
"وكذلك الحكم في الوديعة وفي نفقة الجمال إذا هرب الجمال وتركها في يد المكتري" لأنها أمانة أشبهت الرهن وذكر الجمال على سبيل ضرب المثال لأن حكم كل حيوان مؤجر كذلك(4/127)
وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير إذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة
فصل
وإذا جنى الرهن جناية موجبة للمال تعلق أرشها برقبته ولسيده فداؤه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته
ـــــــ
"وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير إذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة" لأن عمارتها ليست بواجبة على الراهن فلم يكن لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه بخلاف نفقة الحيوان لحرمته في نفسه وحينئذ ليس له الانتفاع بها بقدر عمارتها وله الرجوع بآلته فقط على المذهب.
وقيل: وبما يحفظ به مالية الدار وأطلق في النوادر أنه يرجع وقاله الشيخ تقي الدين فيمن عمر وقفا بالمعروف ليأخذ عوضه أخذه من مغله.
فصل
"وإذا جنى الرهن" كالعبد "جناية موجبة للمال" سواء كانت على إنسان أو ماله "تعلق أرشها برقبته" أي: برقبة الجاني وقدمت على حق المرتهن بغير خلاف نعلمه لأنها مقدمة على حق المالك والملك أقوى من الرهن فأولى أن يقدم على الرهن لا يقال حق المرتهن يقدم أيضا على حق المالك لأن حق المرتهن ثبت من جهة المالك بعقده بخلاف حق الجناية فإنه ثبت بغير اختياره مقدما على حقه فيقدم على ما ثبت بعقده لأن حق الجناية يختص بالعين فيسقط بفواتها وحق المرتهن لا يسقط بفوات العين ولا يختص بها فكان تعلقه بها أخف وأدنى
"ولسيده فداؤه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته" على الأصح لأنه إن كان الأرش أقل فالمجني عليه لا يستحق أكثر من أرش جنايته وإن كانت القيمة أقل فلا يلزم السيد أكثر منها لأن ما يدفعه عوض عن العبد فلا يلزمه أكثر من قيمته كما لو أتلفه.(4/128)
أو يبيعه في الجناية أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه وعنه: إن اختار فداءه لزمه جميع الأرش فإن فداه فهو رهن بحاله وإن سلمه بطل الرهن فإن لم يستغرق الأرش قيمته بيع منه بقدره وباقيه رهن وقيل: يباع جميعه ويكون باقي ثمنه رهنا وإن اختار المرتهن فداءه ففداه بإذن الراهن رجع به.
ـــــــ
"أو يبيعه في الجناية أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه" لأن حق المجني عليه في قيمته لا في عينه فيثبت التخيير في هذه الأمور.
"وعنه: إن اختار فداءه لزمه جميع الأرش" بالغا ما بلغ لأنه ربما رغب فيه راغب فيشتريه بأكثر من قيمته "فإن فداه فهو رهن بحاله" لأن حق المرتهن قائم لوجود سببه فلم يبطل الرهن وإنما قدم حق المجني عليه لقوته فإذا زال ظهر حق المرتهن "وإن سلمه" في الجناية أو باعه "بطل الرهن" لأن الجناية تعلقت بالعبد وبالتسليم استقر كونه عوضا عنها فبطل كونه محلا للرهن أشبه ما لو تلف أو ظهر مستحقا لغيره
"فإن لم يستغرق الأرش قيمته" أي: قيمة العبد "بيع منه بقدره" على المذهب لأن بيعه إنما جاز ضرورة فتتقدر بقدر الحق "وباقيه رهن" لزوال المعارض لكن إن تعذر بيع بعضه بيع كله للضرورة المقتضية لبيعه ويكون باقي ثمنه رهنا وصرح به في الكافي
"وقيل: يباع جميعه" قدمه في المحرر لأن بيع البعض تشقيص له وهو عيب ينقص به الثمن وفيه ضرر بالمالك والمرتهن وهو مدفوع لقوله عليه السلام لا ضرر ولا إضرار "و" حينئذ "يكون باقي ثمنه" بعد دفع أرش الجناية "رهنا" لأنه بدل عن الرهن وعوض عنه فتعلق به ما كان متعلقا بمبدله وأطلق في البلغة والفروع الوجهين كأبي الخطاب فإن امتنع السيد من ذلك فالمرتهن مخير بين فدائه وتسليمه
"وإن اختار المرتهن فداءه" في كم يفديه "ففداه بإذن الراهن رجع به" لأنه أدى بإذن مالكه فوجب أن يستحق الرجوع به عليه كقضاء دينه بإذنه.(4/129)
وإن فداه بغير إذنه فهل يرجع به على روايتين وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص فلسيده القصاص فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل مكانه.
ـــــــ
"وإن فداه بغير إذنه فهل يرجع به؟ على روايتين" بناء على ما لو قضى دينه بغير إذنه ومحل الرجوع ما إذا كان يعتقده وتركه المؤلف لظهوره لأن المتبرع لا رجوع له لكن لو زاد في الفداء على الواجب لم يرجع به وجها واحدا فلو بذل المرتهن الفداء لتكون العين رهنا عليه وعلى الدين الأول فقال القاضي يجوز لأن المجني عليه يملك بيع الرهن وإبطاله فصار بمنزلة الرهن الجائز قبل قبضه والزيادة فيه قبل لزومه جائزة وفيه وجه بالمنع لأن العبد رهن بدين فلم يجز رهنه بدين آخر كغيره
"وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص" فالخصم في ذلك سيده لأنه المالك والأرش الواجب بالجناية ملكه وإنما للمرتهن فيه حق الوثيقة أشبه العبد المستأجر وقال أبو الخطاب ليس له القصاص بغير رضى المرتهن لما فيه من إسقاط حقه من الوثيقة
وجوابه: بإيجاب القيمة تجعل رهنا فلم يسقط حقه من الوثيقة وعلى المذهب لو ترك السيد المطالبة أو أخرها لغيبة أو له عذر يمنعه منها فللمرتهن المطالبة بها لأن حقه متعلق بموجبها كما لو كان الجاني سيده "فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل مكانه" نص عليه لأنه أتلف مالا استحق بسبب إتلاف الرهن فغرم قيمته كما لو كانت الجناية موجبة للمال. وإنما وجب أقل القيمتين لأن حق المرتهن متعلق بالمالية والواجب من المال هو أقل القيمتين فعلى هذا لو كان الرهن يساوي عشرة والجاني خمسة أو بالعكس لم يكن عليه إلا الخمسة لأنه في الأولى: لم يفوت على المرتهن إلا ذلك القدر وفي الثانية: لم يكن حق المرتهن متعلقا إلا بذلك القدر
وفي المغني أن اقتص منه أخذت قيمته فجعلت رهنا وظاهره: أنه يجب على الراهن جميع قيمة الجاني قال ابن المنجا: وهو متجه لأنه بدل(4/130)
وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو أو ورثته وإن عفا السيد على مال أو كانت موجبة للمال فما قبض منه جعل مكانه وإن عفا السيد عن المال صح في حقه ولم يصح في حق المرتهن فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني.
ـــــــ
عن الرهن فكان كله رهنا وفيه شيء فإنه صرح بخلافه وقيل: لا يجب شيء.
قال في المحرر وهو أصح عندي لأنه لم يجب بالجناية مال ولا استحق بحال وليس على الراهن أن يستسعي للمرتهن في اكتساب مال.
وعلى الأول فيما إذا كان القصاص قتلا فإن كان جرحا أو قلع سن ونحوه فالواجب بالعفو أقل الأمرين من أرش الجراح أو قيمة الجاني وإن عفا مطلقا انبنى على موجب العمد.
"وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو أو ورثته" لأنه في الحكم كما إذا جنى عليه أجنبي فاقتص الراهن منه لأنهما يستويان معنى فوجب تساويهما حكما
"وإن عفا السيد على مال أو كانت موجبة للمال" فإنه يتعلق به حق الراهن والمرتهن ويجب من غالب نقد البلد كقيم المتلفات فلو أراد الراهن أن يصالح عنها أو يأخذ عنها عرضا لم يجز إلا بإذن المرتهن فإن أذن جاز لأن الحق لهما" فما قبض منه جعل مكانه" لأنه بدل عنه فيعطى حكمه
"وإن عفا السيد عن المال صح في حقه" فيسقط حقه قاله القاضي "ولم يصح في حق المرتهن" لأن عفوه صادف حقا له وحقا لغيره فصح في حقه لأنه لا مانع منه بخلاف المرتهن لما فيه من إبطال حقه فتؤخذ القيمة من الجاني تكون رهنا
"فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني" لزوال المانع وكما لو أقر أن الرهن مغصوب أو جان فإن استوفى الدين من الأرش ففي الشرح احتمالان أحدهما يرجع الجاني على العافي لأن ماله ذهب في قضاء دينه فلزمته(4/131)
وقال أبو الخطاب يصح وعليه قيمته وإن وطئ المرتهن الجارية من غير شبهة فعليه الحد والمهر.
ـــــــ
غرامته كما لو استعاره فرهنه
والثاني: لا رجوع له لأنه لم يوجد في حق الجاني ما يقتضي وجوب الضمان فإنما استوفى بسبب منه حال ملكه أشبه ما لو جنى إنسان على عبده ثم رهنه لغيره فتلف بالجناية السابقة.
"وقال أبو الخطاب يصح العفو" مطلقا لأنه أسقط دينه عن غريمه فصح كسائر ديونه "و" تجب "عليه قيمته" تكون رهنا لينجبر به حق المرتهن وقال بعض أصحابنا لا يصح مطلقا. قال في المغني وهو أصح في النظر لأن حق المرتهن متعلق به فلم يصح عفوه عنه كالرهن نفسه فإن قال المرتهن أسقطت حقي من ذلك سقط لأنه ينفع الراهن ولا يضره وإن قال أسقطت الأرش أو أبرأت منه لم يسقط لأنه ملك الراهن وهل يسقط حقه؟ فيه وجهان. فرع: لو أقر أحد بالجناية على الرهن وكذباه فلا شيء لهما وإن كذبه المرتهن فلا شيء له وللراهن الأرش وإن صدقه المرتهن وحده تعلق حقه بالأرش وله قبضه فإذا قضى الراهن حقه أو أبرأ منه رجع الأرش إلى الجاني فإن استوفى حقه من الأرش لم يملك الجاني مطالبة الراهن بشيء لأنه مقر له باستحقاقه
"وإن وطئ المرتهن الجارية من غيرشبهة" فهو حرام إجماعا "فعليه الحد" أي: إذا كان عالما بالتحريم لأنه لا شبهة له فيه فإن الرهن وثيقة بالدين ولا يدخل ذلك في إباحة الوطء مع أن وطء المستأجرة يوجب الحد مع ملكه لمنافعها فهذا أولى وعنه: لا حد والمذهب خلافها. "والمهر" لأنه استوفى المنفعة المملوكة لسيدها بغير إذنه فكان عليه عوضها كأرش بكارتها وظاهره: يجب عليه سواء أكرهها أو طاوعته اعتقد الحل(4/132)
وولده رقيق وإن وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه ولا مهر وولده حر لا تلزمه قيمته
ـــــــ
أو لا أو ادعى شبهة أو لم يدعها لأن المهر حق آدمي فلا يسقط بالشبهات
"وولده رقيق" لأنه لا ملك له فيها ولا شبهة ملك أشبه الأجنبي
"وإن وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة" بالتحريم "وكان مثله يجهل ذلك" كالناشئ ببادية أو حديث عهد بالإسلام فلا حد عليه لأن ذلك شبهة والحد يدرأ بها "ولا مهر" لأنه يجب للسيد بسبب الوطء وقد أذن فيه أشبه ما لو أتلفها بإذنه ولأن المالك أذن في استيفاء المنفعة فلم يجب عوضها كالحرة المطاوعة
"وولده حر" لأنه وطئها معتقدا إباحة وطئها فهو كما لو وطئها يظنها أمته "لا تلزمه قيمته" بخلاف المغرور لأنه حدث عن وطء مأذون فيه فلم تلزمه قيمة الولد كالمهر وقال ابن عقيل لا تسقط قيمة الولد لأنه أحال بين الولد وبين مالكه باعتقاده فلزمته قيمته كالمغرور وفرق بين المهر والولد من حيث إن الإذن صريح في الوطء الموجب للمهر فأسقطه بخلاف الولد فإن الإذن في الوطء ليس بصريح في الإحبال فلم يسقطه
قال في النهاية والأول أصح لأن الإذن في الوطء إذن فيما يترتب عليه فلم تلزمه قيمته كالمهر وهذان الوجهان مع الإذن وظاهره: أنه إذا كان مثله لا يجهل ذلك كالناشئ ببلاد الإسلام فدعواه الجهل غير مقبولة ويكون ولده رقيقا
مسألة: له بيع ما جهل ربه إن أيس من معرفته والصدقة به بشرط الضمان نص عليه فإن عرفهم خيرهم بين الأجر ويغرم لهم وفي إذن حاكم في بيعه مع القدرة وأخذ حقه من ثمنه مع عدمه روايتان كشراء وكيل.(4/133)
باب الضمان
وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق
__________
باب الضمان
وهو ثابت بالإجماع وسنده قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] والزعيم الكفيل قاله ابن عباس ويقال فيه أيضا ضمين وكفيل وقبيل وحميل وصبير وهي بمعنى.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الزعيم غارم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه
"وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق" فعلى هذا الضمان مشتق من الضم ورد بأن لام الكلمة في الضم ميم وفي الضمان نون وشرط صحة الاشتقاق توافق الأصل والفرع: في الحروف وأجيب بأنه من الاشتقاق الأكبر وهو المشاركة في أكثر الأصول مع ملاحظة المعنى
وقال القاضي: هو مشتق من التضمن لأن ذمة الضامن تتضمن الحق وقال ابن عقيل هو مأخوذ من الضمن فذمة الضامن في ضمن ذمة المضمون عنه وهذا بالنسبة إلى الاشتقاق. وعرفه المجد بأنه التزام الانسان في ذمته دين المديون مع بقائه عليه وليس بمانع لدخول كل من لم يصح تبرعه فيه ولا جامع لخروج ضمان ما لم يجب والأعيان المضمونة ودين الميت إن برئ بمجرد الضمان على رواية
وفي الوجيز التزام الرشيد مضمونا في يد غيره أو ذمته حالا أو مآلا على وجه يؤول إلى اللزوم وهو أشمل من الذي قبله
وفي الفروع وهو التزام من يصح تبرعه ما وجب على غيره مع بقائه وقد لا يبقى وهو دين الميت وما قد يجب
تنبيه: لا بد في الضمان من ضامن ومضمون عنه وله ويصح بالألفاظ السابقة لا بقوله أؤدي إليك أو أحضر قال في الفروع بل بالتزامه(4/134)
ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت فإن برئت ذمة المضمون عنه برئ الضامن وإن برئ الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه.
ـــــــ
وهو ظاهر كلام جماعة قال الشيخ تقي الدين قياس المذهب بكل لفظ فهم منه الضمان عرفا.
"ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت" أي: لا يبرأ المضمون عنه بنفس الضمان كما يبرأ المحيل بل يثبت الحق في ذمتهما لمنعه الزكاة عليهما وصحة هبته لهما ولأن الكفيل لو قال التزمت وتكفلت بالمطالبة دون أصل الدين لم يصح وفاقا
وفي الانتصار لا ذمة ضامن لأن شيئا واحدا لا يشغل محلين ورد بأن تعلقه بمحلين على سبيل الاستيثاق كتعلق دين الرهن به وبذمة الراهن كذا هنا فعلى هذا لربه مطالبتهما معا وأحدهما ذكره الشيخ تقي الدين وغيره والمذهب حياة وموتا لقوله عليه السلام "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" ولحديث أبي قتادة "الآن قد بردت عليه جلده" قال أحمد: يأخذ من شاء بحقه
"فإن برئت ذمة المضمون عنه" بإبراء أو قضاء أو حوالة "برئ الضامن" بغير خلاف نعلمه لأنه تبع له والضمان وثيقة فإذا برئ الأصل زالت الوثيقة كالرهن
"وإن برئ الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه" لأنه أصل فلا يبرأ ببراءة التبع وهذا إذا انفرد الضامن فلو تعدد صح سواء ضمن كل واحد منهم جميع الدين أو جزءا منه ولم يبرأ أحد منهم بإبراء الآخر لكن لو ضمن كل واحد منهم الجميع برئ الكل باداء أحدهم وبرئوا بإبراء المضمون عنه
وإن ضمن أحد الضامنين الآخر لم يصح لأن الحق ثبت في ذمته بضمانه الأصل فهو أصل فلا يجوز أن يصير فرعا بخلاف الكفالة لأنها ببدنه لا بما في ذمته.(4/135)
ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمراً فأسلم المضمون له او المضمون عنه برئ هو والضامن معا ولا يصح إلا من جائز التصرف ولا يصح من صبي ولا يصح من مجنون ولا سفيه
ـــــــ
فلو سلمه أحدهما برئ وبرئ كفيله به لا من إحضار مكفول به
"ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمراً فأسلم المضمون له أو المضمون عنه برئ هو والضامن معا" إذا أسلم المضمون له برئ المضمون عنه لأن مالية الخمر بطلت في حقه فلم يملك مطالبته والضامن لأنه تبع للأصل ويبرآن بإسلام المضمون عنه لأنه صار مسلما ولا يجوز وجوب خمر على مسلم والضامن فرعه
وذكر أبو الخطاب وجها أنهما لا يبرآن لأن المضمون له يملك الخمر فلا يسقط كما لو أعاره عبدا فرهنه على خمر ثم أسلم المستعير فإنه يلزمه فك الرهن وحينئذ له قيمتها وقيل: أو يوكل ذميا يشتريها ولم يتعرض المؤلف لإسلام الضامن ولا شك أنه يبرأ وحده
"ولا يصح إلا من جائز التصرف" أي: ممن يصح تصرفه في ماله لأنه إيجاب مال بعقد فلم يصح من غيرجائز التصرف كالبيع رجلا كان أو امرأة فإن كان مريضا مخوفا فمن ثلثه وإلا فهو كالصحيح والأخرس إن فهمت إشارته صح ضمانه.
"ولا يصح من صبي" غير مميز بلا خلاف وكذا المميز وعنه: يصح قال في الشرح وخرج أصحابنا صحته على الروايتين في صحة إقراره وتصرفه بإذن وليه
"ولا يصح من مجنون ولا سفيه" لعدم صحة تصرفهما وقيل: يصح من سفيه ويتبع به بعد فك حجره لأن إقراره صحيح ويتبع به بعد فك حجره كذا ضمانه وظاهره: أن المحجور عليه لفلس يصح ضمانه وصرح به المؤلف في الحجر لأنه من أهل التصرف.(4/136)
ولا من عبد بغير إذن سيده ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد العتق وإن ضمن بإذن سيده صح وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده على روايتين ولا يصح إلا برضى الضامن.
ـــــــ
ويتبع به بعده من ماله وعنه: لا يصح ذكرها في التبصرة قال في الفروع فيتوجه عليها عدم تصرفه في ذمته.
فرع: لو قال ضمنت وأنا صبي وأنكره المضمون له قدم قوله وذكره القاضي قياس قول أحمد لأن معه سلامة العقد أشبه ما لو اختلفا في شرط فاسد وقيل: يقدم قول الضامن لأن الأصل عدم البلوغ وعدم وجوب الحق والحكم فيمن عرف له حال جنون كذلك وإن لم يعرف له حال جنون فالقول قول المضمون له لأن الأصل عدمه.
"ولا من عبد بغير إذن سيده" لأنه عقد تضمن إيجاب مال فلم يصح بغير إذن السيد كالنكاح وسواء كان مأذونا له في التجارة أو لا صرح به في الشرح وظاهره: ولو مكاتبا لأنه تبرع بالتزام مال أشبه نذر الصدقة بمال معين
"ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد العتق" هذا رواية عن أحمد لأنه لا ضرر على السيد فيه فصح منه ولزمه بعد العتق كالإقرار بالإتلاف.
"وإن ضمن بإذن سيده؟ صح" لأنه لو أذن له في التصرف لصح فكذا هنا لكن في المكاتب وجه بالمنع لأنه ربما أدى إلى تفويت الحرية
"وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين" كذا ذكره أبو الخطاب كاستدانته بإذنه قال القاضي قياس المذهب تعلق المال برقبته لأنه دين لزمه بفعله فتعلق برقبته كأرش جنايته وقال ابن عقيل ظاهر المذهب أنه يتعلق بذمة السيد فإن أذن له سيده في الضمان ليكون القضاء من المال الذي في يده صح ويكون ما في ذمته متعلقا بالمال الذي في يد العبد كتعلق حق الجناية برقبة الجاني كما لو قال لحر ضمنت لك هذا الدين على أن تأخذ من مالي هذا صح
"ولا يصح إلا برضى الضامن" لأنه التزام حق فاعتبر رضاه كسائر العقود(4/137)
ولا يعتبر رضى المضمون له ولا المضمون عنه ولا معرفة الضامن لهما ولا كون الحق معلوما ولا واجبا إذا كان مآله إلى الوجوب
ـــــــ
التي يلزم العاقد منها حق وظاهره: أنه لا يصح ضمان المكره صرح به في المغني والشرح لأنه التزام مال فلم يصح بغير رضى الملتزم كالنذر
"ولا يعتبر رضى المضمون له" لأن أبا قتادة ضمن من غيررضى المضمون له تركها الشارع عليه السلام ولأنه وثيقة لا يعتبر فيها قبض كالشهادة ولأنه ضمان دين أشبه ضمان بعض الورثة دين الميت.
"ولا المضمون عنه بغير خلاف نعلمه لحديث أبي قتادة ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح فكذا إذا ضمن عنه ولا معرفة الضامن لهما" لأنه لا يعتبر رضاهما فكذا معرفتهما وقال القاضي: تعتبر معرفتهما ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أم لا ولأنه تبرع فلا بد من معرفة من يتبرع عنه والمضمون له فيؤدي إليه
وذكر وجها آخر أنه يعتبر معرفة المضمون له فقط وجوابه الخبر
"ولا" يعتبر "كون الحق معلوما" لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف72] وهو غيرمعلوم لأنه يختلف مع أنه التزام حق في الذمة من غيرمعاوضة فصح في المجهول كالإقرار ولأنه يصح تعليقه بغرر وخطر وهو ضمان العهدة
وإذا قال ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه فيصح في المجهول كالعتاق والطلاق وفي ضمان بعض الدين وجهان أصحهما لا يصح
"ولا واجبا إذا كان مآله إلى الوجوب" بل يصح ضمان مالم يجب إذ الآية الكريمة دلت على ضمان حمل بعير مع أنه لم يكن وجب
لا يقال الضمان ضم ذمة إلى ذمة فإذا لم يكن على المضمون عنه شيء فلا ضم لأنه قد ضم ذمته إلى ذمة المضمون عنه في أنه يلزمه ما يلزمه ويثبت في ذمته ما يثبت فيها وهذا كاف وله إبطاله قبل وجوبه في الأصح.(4/138)
ولو قال: ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح ويصح ضمان دين الضامن.
ـــــــ
وظاهره: أنه إذا لم يكن واجبا ولا مآله إلى الوجوب لا يوجد فيه ضم ذمة إلى ذمة مطلقا. "ولو قال ضمنت لك ما على فلان" مثال المجهول ومثله ما نقله في المغني والشرح أنا ضامن لك ما تقوم به البينة أو ما يقر به لك أو ما يقضي به عليه "أو ما تداينه به صح" أيما تعطيه في المستقبل
وإن قال أنا وركبان السفينة ضامنون وأطلق ضمن وحده بالحصة وفي الترغيب وجهان بها أو الجميع وإن رضوا لزمهم ويتوجه الوجهان وإن قالوا ضمناه لك فبالحصة وإن قال كل واحد منا ضامنه لك فالجميع
تنبيه: يصح ضمان السوق وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقبضه من عين مضمونة وتجوز كتابته والشهادة به لمن ير جوازه لأنه محل اجتهاد قاله الشيخ تقي الدين قال ويصح ضمان حارس ونحوه وتجار حرب ما يذهب من البلد أو البحر وهو شبيه بضمان ما لم يجب
"ويصح ضمان دين الضامن" نحو أن يضمن الضامن ضامن آخر لأنه دين لازم في ذمته فصح ضمانه كسائر الديون فعلى هذا يثبت الحق في ذمة الثلاثة أيهم قضاه برئت ذممهم كلها لأنه حق واحد فإذا سقط لم يجب مرة أخرى فيبرأ الثاني: بإبراء الأول ولا عكس وإن قضى الدين الضامن الأول رجع على المضمون عنه وإن قضاه الثاني: رجع على الأول ثم رجع الأول على المضمون عنه إذا كان واحد أذن وإلا ففي الرجوع له روايتان
فلو ضمن المضمون عنه الضامن لم يصح لأن الضمان يقتضي التزامه الحق في ذمته والحق لازم له فلا يتصور التزامه ثانيا ولأنه أصل فلا يصير فرعا لكن لو ضمنه من غيرالدين جاز وعلم منه أن كل دين يصح أخذ رهن به أنه يصح ضمانه.(4/139)
ودين الميت المفلس وغيره ولا تبرأ ذمته قبل القضاء في أصح الروايتين ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع
ـــــــ
"و" يصح ضمان "دين الميت المفلس وغيره" فصح الضمان عن كل غريم وجب عليه حق حيا كان أو ميتا مليئا أو مفلسا وهو قول أكثر العلماء لأن أبا قتادة ضمن دين الميت وقيد الميت بالمفلس تنبيها على من يمنع صحة ذلك
"ولا تبرأ ذمته" أي: ذمة الميت "قبل القضاء في أصح الروايتين" جزم به في الوجيز وغيره لقوله عليه السلام: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" ولما أخبر أبو قتادة النبي صلى الله عليه وسلم بوفاء الدينارين فقال: "الآن بردت جلدته" رواه أحمد ولأنه وثيقة بدين فلم يسقط قبل القضاء كالرهن
والثانية: ونص عليها في رواية يوسف بن موسى أنه يبرأ بمجرد الضمان لما روى أبو سعيد الخدري قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال "هل على صاحبكم من دين" قالوا درهمان فقال: "صلوا على صاحبكم" فقال علي هما علي يا رسول الله وأنا لهما ضامن فقام فصلى عليه ثم أقبل على علي فقال: "جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك" رواه الدارقطني
"ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري" وهو أن يضمن شخص عن البائع الثمن إذا خرج المبيع مستحقا أو رد بعيب
"وعن المشتري للبائع" وهو أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه أو إن ظهر به عيب أو استحق فضمان العهدة في الموضعين ضمان الثمن أو بعضه عن أحدهما للآخر وهو صحيح عند الجماهير لأن الحاجة تدعو إلى الوثيقة وهي ثلاثة الشهادة والرهن والضمان فالأولى: لا يستوفى منها الحق والثانية: يبقى مرهونا إلى أن يؤدي فلم يبق غير الضمان.
ولأنه لو لم يصح لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف ذلك وفيه ضرر عظيم رافع لأصل الحكمة التي شرع البيع من أجلها ومثل ذلك لا يرد به الشرع(4/140)
ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها إلا أن يضمن التعدي فيها.
ـــــــ
وظاهره: صحة ضمان العهدة عن البائع للمشتري قبل قبض الثمن وبعده
وقال القاضي: يصح بعده لأنه لو خرج قبل القبض مستحقا لم يجب على البائع شيء وهو مبني على ضمان ما لم يجب إذا كان مفضيا إلى الوجوب كالجعالة وألفاظه ضمنت عهدته أو ثمنه أو دركه ويقول المشتري ضمنت خلاصك منه أو ثمنه فلو ضمن له خلاص المبيع فقال أحمد: لا يحل واختاره أبو بكر لأنه إذا خرج حرا أو مستحقا لم يستطع خلاصه
وفي دخول نقض بناء المشتري في ضمانها ورجوعه بالدرك مع اعترافه بصحة البيع وقيام بينة ببطلانه وجهان وإن باعه بشرط ضمان دركه إلا من زيد ثم ضمن دركه منه أيضا لم يعد صحيحا ذكره في الانتصار
مسألة: يصح ضمان نقص صنجة ويرجع بقوله مع يمينه "ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين" وقاله أكثر العلماء لأنه ليس بلازم ولا مآله إلى اللزوم لأن المكاتب له تعجيز نفسه والامتناع من الأداء فإذا لم يلزم الاصل فالفرع أولى
والثانية: يصح لأنه دين على المكاتب فصح ضمانه كبقية الديون والفرق ظاهر وعلى الأولى: لا فرق بين أن يضمنه حر أو عبد وخصها القاضي بالحر لسعة تصرفه
"ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها" كالعين المؤجرة والشركة لانها غيرمضمونة على صاحب اليد فكذا على ضامنه
وفي عيون المسائل لأنه لا يلزمه إحضارها وإنما على المالك أن يقصد الموضع فيقبضها
"إلا أن يضمن التعدي فيها" فيصح ضمانها في ظاهر كلام أحمد لأنها مضمونة على من هي في يده أشبهت الغصوب وعنه: صحة ضمانها(4/141)
فأما الاعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السوم فيصح ضمانها وإن قضى الضامن الدين متبرعا لم يرجع بشيء وإن نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع على روايتين.
ـــــــ
مطلقا وحملها الأصحاب على تعديه لتصريحه به.
"وأما الأعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السوم" من بيع وإجارة "فيصح ضمانها" جزم به الأصحاب لأنها مضمونة على من هي في يده كالحقوق الثابتة في الذمة وعنه: لا لأن الأعيان غير ثابتة في الذمة والضمان لما يثبت فيها وغايته أنه يلزمه قيمتها عند التلف وهي مجهولة
وجوابه: أن الضمان في الحقيقة إنما هو ضمان استنقاذها وردها أو قيمتها عند تلفها فهي كعهدة المبيع فالمقبوض على وجه السوم بأن ساومه وقطع ثمنه أو ساومه فقط ليريه أهله إن رضوه وإلا رده
فروع: يصح ضمان الجعل في الجعالة والمسابقة والمفاضلة وأرش الجناية نقدا كقيم المتلفات أو حيوانا كالديات ونفقة الزوج سواء كانت يومها أو مستقبلة لأن نفقة اليوم واجبة والمستقبلة مآلها إلى اللزوم ويلزمه ما يلزم الزوج في قياس المذهب وقال القاضي: إذا ضمن النفقة المستقبلة لزمه نفقة المعسرلأن الزيادة على ذلك تسقط بالإعسار فأما الماضية فإن كانت واجبة صح ضمانها وإلا فلا
مسألة: للضامن مطالبة المضمون عنه بتخليصه في الأصح إذا طولب وقيل: أولى إذا ضمنه بإذنه في الأصح
"وإن قضى الضامن الدين" أو أحال به "متبرعا لم يرجع بشيء" لأنه متطوع بذلك أشبه الصدقة وسواء ضمن بإذنه أو لا
"وإن نوى الرجوع" وقيل: أو أطلق وهو ظاهر نقل ابن منصور "وكان الضمان والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع؟ على روايتين" إحداهما(4/142)
وإن أذن في أحدهما فله الرجوع بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين.
ـــــــ
وهي المذهب يرجع به لأنه قضاء مبرئ من دين واجب عليه فكان من ضمان من هو عليه كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه.
والثانية: لا رجوع لأنه بغير إذن ولو استحق الرجوع لاستحقه أبو قتادة ولو استحقه صار دينا له على الميت ولو كان كذلك لامتنع من الصلاة وكما لو علف دابته بغير إذن. وأجاب في المغني والشرح بأنه تبرع بالضمان والقضاء قصدا لتبرئة ذمته ليصلي عليه السلام عليه مع علمه بأنه لم يترك وفاء وعلم منه أنه إذا ضمن بأمره وقضى بأمره أنه يرجع
قال في المغني والشرح سواء قال اضمن عني وأدعني أو أطلق لأنه ضمن ودفع بأمره أشبه ما لو كان مخالطا له
فرع: حكم من أدى عن غيره دينا واجبا كذلك في الرجوع إلا فيما يفتقر إلى نية كالزكاة ونحوها "وإن أذن في أحدهما" وهي صورتان أحدهما أن يضمن بأمره ويقضي بغير أمره فله الرجوع لأنه لما ضمن بإذنه تضمن ذلك القضاء لأنه يجب عليه الأداء أشبه ما لو اذن فيه صريحا
والثانية: عكسها وهو أن يضمن بغير إذنه ويؤدي بأمره فكذلك لأنه أدى دينه بأمره فرجع عليه أشبه ما لو لم يكن ضامنا
وعنه: لا رجوع فيهما اختاره أبو محمد الجوزي
قال ابن عقيل يظهر فيها كذبح أضحية غيره بلا إذنه في منع الضمان والرجوع لأن القضاء هنا إبراء لتحصيله الإجزاء بالذبح وحيث قيل به "فله الرجوع بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين" لأنه إن كان الأقل الدين لزائد لم يكن واجبا عليه فهو متبرع بأدائه وإن كان المقضي أقل إنما يرجع بما غرم ولهذا لو أبرأه غريمه لم يرجع بشيء فإن دفع عن الدين عرضا رجع بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الدين.(4/143)
وإن أنكر المضمون له القضاء وحلف لم يرجع الضامن على المضمون عنه سواء صدقه أو كذبه.
ـــــــ
فرع: لو تغيب مضمون عنه قادر قاله الشيخ تقي الدين وأطلقه في موضع آخر فأمسك الضامن وغرم شيئا بسبب ذلك وأنفقه في حبس رجع به على المضمون عنه
تنبيه: إذا كان على رجلين مائة على كل واحد منهما نصفها وهما متضامنان فضمن آخر عن أحدهما المائة بأمره وقضاها سقط الحق عن الجميع وله الرجوع بها على الذي ضمن عنه ولم يكن له أن يرجع على الآخر بشيء في إحدى الروايتين لأنه لم يضمن عنه ولا أذن له في القضاء فإذا رجع على الذي ضمن عنه رجع على الآخر بنصفها إن كان ضمن عنه بإذنه لأنه ضمنها عنه بإذنه وقضاها ضامنه
والثانية: له الرجوع على الآخر بالمائة لأنها وجبت له على من أداها عنه فملك الرجوع بها عليه كالأصيل ذكره في المغني والشرح
"وإن أنكر المضمون له القضاء" أي: إذا ادعى الضامن أنه قضى الدين وأنكر المضمون له ولا بينة "وحلف لم يرجع الضامن على المضمون عنه" لأنه ما أذن للضامن إلا في قضاء مبرئ ولم يوجد وحينئذ القول قول المضمون له لأنه منكر
وله مطالبة الضامن والأصيل "سواء صدقه" المضمون عنه "أو كذبه" لأن المانع من الرجوع تفريط الضامن من حيث إنه قضى بغير بينة وذلك مشترك بين التصديق والتكذيب.
ثم اعلم: إن كان القضاء ببينة عادلة حاضرة فواضح وكذا إن كانت ميتة أو غائبة وصدقه لأنه معترف أنه ما قضى ولا فرط وإن كانت مردودة بأمر ظاهر كالكفر والفسق الظاهر لم يرجع الضامن مطلقا لتفريطه فإن ردت بأمر خفي كالفسق الباطن أو لكون الشهادة مختلفا فيها كشهادة العبيد فاحتمالان.(4/144)
وإن اعترف بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره وإن قضى المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل وإن مات المضمون عنه أو الضامن فهل يحل الدين عليه على روايتين.
ـــــــ
وكذا شاهد واحد ودعواه موتهم وأنكر الإشهاد وإن قضاه بغير بينة بحضرة المضمون عنه فالأصح أنه يرجع لأنه هو المفرط والثاني: لا كغيبته
فرع: إذا رجع المضمون له على الضامن فاستوفى منه مرة ثانية رجع على المضمون عنه بما قضاه ثانيا لبراءة ذمته به ظاهرا قاله القاضي ورجحه في الشرح وفيه احتمال يرجع بالأول للبراءة منه باطنا
"وإن اعترف" المضمون له "بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره" لأن ما في ذمته حق للمضمون له فإذا اعترف بالقبض من الضامن فقد اعترف بأن الحق الذي له صار للضامن فيجب أن يقبل إقراره لكونه إقرارا في حق نفسه
وفيه وجه لا لأن الضامن مدع لما يستحق به الرجوع على المديون وقول المضمون له شهادة على فعل نفسه فلا يقبل وأجيب بالتزامه
فرع: إذا قال المضمون له للضامن برئت إلي من الدين وقيل: أو لم يقل إلي فهو مقر بقبضه لا أبرأتك فلو قال وهبتك الحق تمليك له فيرجع على المديون وقيل: إبراء فلا
"وإن قضى" الضامن الدين "المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل" لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل فلم يرجع قبل الأجل كما لو قضاه أكثر من الدين والحوالة به ليقبضه سواء قبض الغريم من المحال عليه أو تعذر عليه الاستيفاء
"وإن مات المضمون عنه أو الضامن فهل يحل الدين؟ على روايتين" أشهرهما: لا يحل لأن التأجيل حق من حقوق الميت فلم يبطل بموته(4/145)
وأيهما حل عليه لم يحل على الآخر ويصح ضمان الحال مؤجلا وإن ضمن المؤجل حالا لم يلزمه قبل أجله في أصح الوجهين.
ـــــــ
كسائر حقوقه بشرطه قاله في الوجيز.
والثانية: يحل لأن ذمة الميت خربت به فلو لم يحل لأدى إلى ضياع حقه.
"وأيهما حل عليه لم يحل على الآخر" أي: إذا مات المضمون عنه و قلنا: يحل بموته لم يحل على الضامن لأن الإنسان لا يحل عليه دين بموت غيره بل يبقى حالا بالنسبة إلى الأصل مؤجلا بالنسبة إلى الفرع:
وكذا إذا مات الضامن لكن إذا استوفى الغريم من تركته لم يكن لورثته مطالبة المضمون عنه حتى يحل الحق لأنه مؤجل عليه فلا يستحق مطالبته قبل أجله
"ويصح ضمان الحال مؤجلا" نص عليه لحديث رواه ابن ماجة عن ابن عباس مرفوعا ولأنه ضمن مالا بعقد مؤجل فكان مؤجلا كالبيع وحينئذ يصير حالا على المضمون عنه له مطالبته متى شاء مؤجلا على الضامن لا يقال الحال لا يتأجل وكيف يثبت في ذمتيهما مختلفا لأن الحق يتأجل في ابتداء ثبوته بعقد وهنا كذلك لأنه لم يكن ثابتا عليه حالا
ويجوز تخالف ما في الذمتين بدليل لو مات المضمون عنه والدين مؤجل فإن قضاه قبل الأجل رجع في الحال وعلى الثانية: لا يرجع به قبل الأجل لأنه لم يأذن في القضاء قبل ذلك
"وإن ضمن المؤجل حالا" لم يصر حالا و "لم يلزمه قبل أجله في أصح الوجهين" لأن الضامن فرع المضمون عنه فلا يستحق مطالبته دون أصله
والثاني: يلزمه قبل أجله لأن مقتضى صحة الضمان كذلك وقيل: لا يصح الضمان للمخالفة فعلى الأول إذا قضاه قبل الأجل لم يرجع عليه حتى يحل لأن الضمان لم يغيره عن تأجيله.(4/146)
باب الكفالة
...
فصل في الكفالة
وهي التزام إحضار المكفول به وتصح ببدن من عليه دين وبالأعيان المضمونة ولا تصح ببدن من عليه حد.
__________
فصل في الكفالة
وهي صحيحة لقوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف:66] ولأن الحاجة داعية إلى الاستيثاق بضمان المال أو البدن وضمان المال يمتنع منه كثير من الناس فلو لم تجز الكفالة بالنفس لأدى إلى الحرج وعدم المعاملات المحتاج إليها
"وهي التزام" الرشيد "إحضار المكفول به" لأن العقد في الكفالة واقع على بدن المكفول به فكان إحضاره هو الملتزم به كالضمان ويعتبر رضى الكفيل وتعيين المكفول به إذا كان عليه حق ولا يعتبر إذنه وتنعقد بألفاظ ضمان
"وتصح ببدن من عليه دين" لأن الدين حق مالي فصحت الكفالة به كالضمان سواء كان الدين معلوما أو مجهولا
والحاصل: أنه تصح الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحكم بدين لازم فتصح الكفالة بالصبي والمجنون لأنه قد يلزم إحضارهما مجلس الحكم للشهادة عليهما بالإتلاف ويستثنى منه دين الكتابة
وتصح الكفالة بالكفيل فإن برئ الأول برئ الثاني: من غيرعكس "وبالأعيان المضمونة" لصحة ضمانها فيرد أعيانها أو قيمتها إن تلفت وظاهره: أنه لا تصح الكفالة بالأمانات لكن قال أبو الخطاب وإحضار وديعة وكفالة بزكاة وأمانة لنصه فيمن قال ادفع ثوبك إلى هذا الرفاء فأنا ضامنه لا يضمن حتى يثبت أنه دفعه إليه
"ولا تصح ببدن من عليه حد" لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا كفالة في حد" ولأنها استيثاق يلزم الكفيل ما(4/147)
أو قصاص ولا بغير معين كأحد هذين وإن كفل بجزء شائع من إنسان أو عضو أو كفل بإنسان على أنه إن جاء به وإلا فهو كفيل بآخر أو ضامن ما عليه صح في أحد الوجهين.
ـــــــ
على المكفول به عند تعذر إحضاره والحد مبناه على الإسقاط والدرء بالشبهة فلا يدخل فيه الاستيثاق ولا يمكن استيفاؤه من غيرالجاني
وظاهره: لا فرق بين أن يكون حقا لله كحد الزنى والسرقة أو لآدمي كحد القذف.
"أو قصاص" لأنه بمنزلة من عليه حد قال في المحرر إلا لأخذ مال كالدية وغرم مالية السرقة فتصح
"ولا بغير معين كأحد هذين" لأنه غيرمعلوم في الحال ولا في المآل ولا يمكن تسليمه بخلاف ضمان المجهول وفيه وجه ولا تصح الكفالة بالزوجة أو الشاهد
"وإن كفل بجزء شائع من إنسان أو عضو أو كفل بإنسان على أنه إن جاء به وإلا فهو كفيل بآخر أو ضامن ما عليه صح في أحد الوجهين" وفيه مسائل:
الأولى: إذا كفل بجزء شائع من إنسان كثلثه أو ربعه فهي صحيحة على المذهب لأنه لا يمكن إحضار ذلك إلا بإحضار الكل
الثانية: إذا كفل عضوا معينا منه كيده أو رجله فهي صحيحة لأنه لا يمكنه إحضاره على صفته إلا بإحضار الكل والثاني: لا يصح فيهما لأن تسليم ذلك وحده متعذر والسراية ممتنعة قال القاضي لا تصح الكفالة ببعض البدن بحال لأن مالا يشرى لا يصح إذا خص به عضوا كالبيع والإجارة ذكره في المغني والشرح
قال ابن المنجا: وما ذكره من التعليل لا يدل على عدم الصحة في الجزء الشائع لأن بيع ذلك وإجارته جائزة وفيه نظر لأنهما خصاه بالعضو(4/148)
ولا تصح إلا برضى الكفيل وفي رضى المكفول به وجهان
ـــــــ
وظاهره: لا فرق في العضو بين الوجه وغيره سواء كان مما لا يبقى البدن بدونه كالرأس أولا كاليد
وجزم في الكافي والشرح أنها تصح بالوجه لأنه يكنى به عن الكل فصح كبدنه وجزم في الوجيز بأنها تصح فيما تبقى الحياة بدونه لا العكس
الثالثة: إذا كفل بإنسان على أنه إن جاء به وإلا فهو كفيل بآخر أو ضامن ما عليه صح قاله أبو الخطاب وقدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لأنه كفالة أو ضمان فصح تعليقه على شرط كضمان العهدة
وقال القاضي:لا يصح لأنه تعليق عقد على آخر فلم يصح وهذا الخلاف جار فيما إذا علقه بغير سبب الحق والخلاف في المؤقت كالمعلق بشرطه فلو كفله شهرا لم يصح عند القاضي لأنه حق لآدمي فلم يجز توقيته كالهبة
وفي "التنبيه": إذا مضت المدة ولم يحضره لزمه ما عليه وعند غيرهما لا يلزمه شيء بعد مضي المدة إذا لم يطالبه بإحضاره فيها
فرع: إذا قال كفلت بدن فلان على أن يبرأ الكفيل لم يصح في الأصح لأنه شرط شرطا لا يلزم الوفاء به فيفسد عقد الكفالة وفيه وجه
وقيل: يصح الشرط لأنه شرط تحويل الوثيقة فعليه لا تلزمه الكفالة إلا أن يبرأ الكفيل منها "ولا تصح إلا برضى الكفيل" لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه "وفي رضى المكفول به وجهان" أشهرهما لا يعتبر رضاه كالضمان والثاني: بلى وجزم به في الوجيز لأن المقصود إحضاره فإذا كفل بغير إذنه لم يلزمه الحضور معه بخلاف الضمان فإن الضامن يقضي الحق ولا يحتاج إلى المضمون عنه وظاهره: أنه لا يعتبر رضى المكفول له لأنها وثيقة لا قبض فيها فصحت من غيررضاه كالشهادة.(4/149)
ومتى أحضر المكفول به وسلمه برئ إلا أن يحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر وإن مات المكفول به أو تلفت العين بفعل الله تعالى.
ـــــــ
"ومتى أحضر المكفول به" مكان العقد بعد حلول الدين "وسلمه بريء" مطلقا إذا لم تكن يد حائلة ظالمة قاله في المغني والمستوعب والشرح وعنه: لا يبرأ حتى يقول قد برئت لك منه أو قد سلمته إليك وقاله ابن أبي موسى والأول أصح لأنه عقد على عمل فبرئ منه بالعمل المعقود عليه كالإجارة فإن امتنع من تسليمه حيث لا ضرر برئ كالمسلم فيه
وقيل: إن امتنع أشهد على امتناعه رجلين وبرئ وقال القاضي: يرفعه إلى الحاكم فيسلمه إليه فإن لم يجده أشهد
"إلا أن يحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر" مثل أن تكون حجة الغريم غائبة أو لم يكن يوم مجلس الحكم أو الدين مؤجل أو هناك ظالم يمنعه منه فلا يلزم قبوله كالمسلم فيه
وعلم منه: أن الكفالة تصح مؤجلة لكن يعتبر أن يكون معلوما فلو جعله إلى أجل مجهول لم يصح وإن جعله إلى الحصاد ونحوه خرج على الخلاف قال في الشرح والأولى: صحته هنا لأنه تبرع من غير عوض فصح كالنذر
ثم إن عين مكانا لتسليمه تعين ولم يبرأ بإحضاره في غيره وإن أطلق تعين مكان العقد وقال القاضي: يبرأ بإحضاره بمكان آخر من البلد وعنه: وغيره وفيه سلطان اختاره جماعة. وقيل: إن كان عليه ضرر في إحضاره بمكان آخر لم يبرأ وقال الشيخ تقي الدين إن كان المكفول به في حبس الشرع فسلمه إليه فيه برئ ولا يلزمه إحضاره منه إليه عند أحد من الأئمة ويمكنه الحاكم من إخراجه ليحاكم غريمه ثم يرده وإن ضمن معرفته أخذ به نقله أبو طالب والشيخان كالكفيل
"وإن مات المكفول به أو تلفت العين بفعل الله تعالى: "قبل المطالبة" أو سلم(4/150)
أو سلم نفسه برئ الكفيل وإن تعذر إحضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين أو عوض العين.
ـــــــ
"أو سلم نفسه برئ الكفيل" وفيه مسائل:
الأولى: إذا مات المكفول به فإنه يبرأ الكفيل وتسقط الكفالة في المنصوص لأن الحضور سقط عنه فبرئ كفيله كما لو أبرئ من الدين وقيل: لا تسقط ويطالب بما عليه إن لم يشرط فيها عدم ضمانه لأن الكفيل وثيقة فإذا مات من عليه الحق استوفي من الوثيقة كالرهن والفرق واضح لأن الرهن تعلق به المال فاستوفي منه
وظاهره: بقاؤها بموت الكفيل فيؤخذ من تركته ما كفل به فإن كان دينا مؤجلا فوثق ورثته وإلا حل في الأقيس أو المكفول له
الثانية: إذا تلفت العين بفعل الله تعالى: فإنه يبرأ الكفيل لأن تلفها بمنزلة موت المكفول به
وظاهره: أنها إذا تلفت بفعل آدمي فإنها لا تسقط ويجب على المتلف بدلها
الثالثة: إذا سلم المكفول به نفسه بشرطه برئ كفيله كما لو قضى المديون عنه الدين
تنبيه: إذا كفل إنسانا أو ضمنه ثم قال لم يكن عليه حق قدم قول خصمه لأن الأصل صحة الكفالة أو بقاء الدين وعليه اليمين فإن نكل قضى عليه وإذا قال برئت من الدين الذي كفلته به لم يكن إقرارا بقبض الحق ويبرأ الكفيل وحده وإذا مات المديون فأبرأه رب الدين فلم تقبل ورثته برئ مع كفيله
"وإن تعذر إحضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين أو عوض العين" لعموم قوله عليه السلام: "الزعيم غارم" ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب الغرم بها كالكفالة بالمال
وقال ابن أبي موسى: وكفيل الوجه ضامن للمال في أحد الوجهين إلا أن(4/151)
وإن غاب أمهل الكفيل بقدر ما يمضي فيحضره فإن تعذر إحضاره ضمن ما عليه وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه لزمه ذلك إن كانت الكفالة بإذنه أو طالبه صاحب الحق بإحضاره.
ـــــــ
يشرط لا مال عليه فلا يلزمه قولا.
والثاني: فسادها لإضافتها إلى عضو قاله المجد وقال ابن عقيل قياس المذهب لا يلزمه إن امتنع بسلطان وألحق به معسر ومحبوس ونحوهما لاستواء المعنى
"وإن غاب" في موضع معلوم "أمهل الكفيل" ولم يطالبه "بقدر ما يمضي فيحضره" له ليتحقق إمكان التسليم وسواء كانت المسافة قريبة أو بعيدة فلو ارتد ولحق بدار الحرب لم يؤخذ الكفيل بالحق حتى يمضي زمن يمكنه رده "فإن تعذر إحضاره" أو كانت الغيبة منقطعة ولم يعلم مكانه "ضمن ما عليه" وأخذ به وذكر ابن حمدان أنه إذا انقطع خبره وجهل محله لزمه ما عليه انتهى
فلو أدى ما لزمه ثم قدر على المكفول به فظاهر كلامهم أنه في رجوعه عليه كضامن وأنه لا يسلمه إلى المكفول له ثم يسترد ما أداه بخلاف مغصوب تعذر إحضاره مع بقائه لامتناع بيعه
"وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه" ليسلمه إلى المكفول له"لزمه ذلك إن كانت الكفالة بإذنه" لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه فلزمه تخليصها كما لو استعار عبده فرهنه بإذنه فإن عليه تخليصه إذا طلبه سيده "أو طالبه صاحب الحق بإحضاره" أي: لزمه الحضور وظاهره: وإن كانت بغير إذنه لأن حضوره حق للمكفول له وقد استناب الكفيل في ذلك أشبه ما لو صرح له بالوكالة
"وإلا فلا" أي: لا يلزمه ذلك إن كفل بغير إذنه أو لم يطالب به صاحب الحق لأن المكفول به لم يشغل ذمته وإنما شغلها الكفيل باختياره ولم يوكله صاحب الحق.(4/152)
وإلا فلا وإذا كفل اثنان برجل فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر وإن كفل واحد لاثنين فأبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر.
ـــــــ
فرع: لو قال لآخر اضمن عن فلان أو اكفل بفلان ففعل كان ذلك لازما للمباشر لا الآمر فلو قال أعط فلانا كذا ففعل لم يرجع على الآمر بشيء إلا أن يقول أعطه عني.
"وإذا كفل اثنان برجل فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر" لأن إحدى الوثيقتين انحلت من غير استيفاء فلم تنحل الأخرى كما لو أبرأ أحدهما أو انفك أحد الرهنين من غير قضاء بخلاف المكفول به إذا سلم نفسه لأنه أصل فيبرآن ببراءته لأنهما فرعاه وقيل: يبرأ اختاره صاحب النهاية كما لو قضى الدين أحد الضامنين فإنه يبرأ الآخر
وأجاب في "الفصول" بأن الوثيقة برئت بقبض ما فيها فلهذا برئت الأخرى بخلاف هذا وقيل: إن كفلاه معا أو وكل منهما الآخر في تسليمه برئ وإلا فلا
"وإن كفل واحد لاثنين فأبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر" لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين فقد التزم إحضاره عند كل واحد منهما فإذا أبرأه أحدهما بقي حق الآخر كما لو كان في عقدين وكما لو ضمن دينا لاثنين فوفى أحدهما حقه
خاتمة: إذا أحال رب الحق أو أحيل به أو زال العقد برئ الكفيل وبطل الرهن ويثبت لوارثه وفي الرعاية في الصورة الأولى احتمال وجهين في بقاء الضمان ونقل مهنا فيها يبرأ وأنه إن عجز مكاتب رق وسقط الضمان
وذكر القاضي: لو أقاله في سلم به رهن حبسه برأس ماله ولو ضمنه اثنان فقال كل واحد أنا ضامن لك الدين فهو ضمان اشتراك في انفرادفله مطالبة كل منهما بالدين كله وإن قالا ضمنا لك الدين فهو بينهما بالحصص.(4/153)
ـــــــ
وفي "القواعد" انه إذا ضمن اثنان دين رجل فيه وجهان أحدهما أن كل واحد ضامن لجميع الدين نص عليه في رواية مهنا والثاني: أنه بالحصة إلا أن يصرحوا بما يقتضي خلافه مثل أن يقولوا ضمنا لك وكل واحد منا ضامن الدين وهذا قول القاضي وصاحب المغني وبناه القاضي على أن الصفقة تتعدد بتعدد الضامنين فيصير الضمان موزعا عليهما والله أعلم(4/154)
باب الحوالة
والحوالة تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه
ـــــــ
باب الحوالة
وهي ثابتة بالإجماع ولا عبرة وسنده السنة الصحيحة فمنها ما خرجه الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع" وفي لفظ "من أحيل بحقه على مليء فليحتل"
وهي بفتح الحاء وكسرها واشتقاقها من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة أخرى وقيل: إنها بيع دين بدين فإن المحيل يشتري ما في ذمته بماله في ذمة الآخر وجاز تأخير القبض رخصة فيدخلها خيار المجلس وفي المغني والشرح أن الصحيح انها عقد إرفاق منفرد بنفسه ليس بمحمول على غيره لأنها لو كانت بيعا لكانت بيع دين بدين ولما جاز التفرق قبل القبض لأنها بيع مال الربا بجنسه ولأن لفظها يشعر بالتحول فعليه لا يدخلها خيار وتلزم بمجرد العقد وهذا أشبه بكلام أحمد وأصوله
ولا بد فيها من محيل ومحتال ومحال عليه وتصح بلفظها أو معناها الخاص
"والحوالة تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه" لما بينا أنها مشتقة من التحويل وحيث صحت الحوالة برئت ذمة المحيل وانتقل الحق إلى ذمة المحال عليه(4/154)
فلا يملك المحتال الرجوع عليه بحال ولا تصح إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر نص عليه لأن ما ليس بمستقر بعرضية السقوط إذ مقتضاها التزام المحال عليه بالدين مطلقا ولا يثبت فيما هذا صفته فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح.
ـــــــ
"فلا يملك المحتال الرجوع عليه" أي: على المحيل "بحال" لأن الحق انتقل فلا يعود بعد انتقاله هذا إذا اجتمعت شروطها ورضي بها المحتال ولم يشترط اليسار سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت أو جحد الحق ولا بينة به وحلف عليه في قول الجماهير. وعنه: إذا كان المحال عليه مفلسا ولم يعلم المحتال به فله الرجوع واختاره جمع إذ الفلس عيب في المحال عليه فكان له الرجوع كالمبيع المعيب والأول المذهب لما روى سعيد بن المسيب أن جده حزنا كان له على علي دينا فأحاله به فمات المحال عليه فأخبره.
فقال: اخترت علينا أبعدك الله فأبعده بمجرد احتياله ولم يخبره ان له الرجوع لأنها براءة من دين ليس فيها قبض ممن هو عليه ولا ممن يدفع عنه أشبه ما لو أبرأه من الدين والحوالة بمنزلة القبض.
"ولا تصح إلا بثلاثة شروط، أحدها: أن يحيل على دين مستقر" نص عليه، لأن ما لا بمستقر بعرضيه السقوط، إذ مقتضاه التزام المحال عليه بالدين مطلقا ولا يثبت فيما هذا صفته "فإن أحال على مال الكتابة أو السّلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح" وهنا صور:
الأولى: إذا أحال على مال الكتابة غير صحيح لأنه ليس بمستقر فإن له أن يمتنع من أدائه لبعض بعجزه وظاهره: ولو حل في المنصوص وتصح الحوالة عليه بدين آخر إذ حكمه حكم الأحرار في المداينات.
الثانية: إذا أحال على مال السلم لا يصح لأنه يتعرض للفسخ بانقطاع المسلم فيه لأنها لا تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه وهو ممتنع في السلم لقوله من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره لكن في صحتها في رأس ماله بعد فسخه وجهان.(4/155)
وإن أحال المكاتب سيده أو الزوج امرأته صح والثاني: اتفاق الدينين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل.
ـــــــ
الثالثة: إذا أحالت بصداقها قبل الدخول لم تصح لأنه غيرمستقر بدليل سقوطه بردتها أو نصفه بطلاقها.
ومثله إذا أحال البائع بالثمن على المشتري في مدة الخيار وظاهره: أنها إذا أحالت به بعد الدخول أنه يصح لأنه مستقر.
"وإن أحال المكاتب سيده" بنجم قد حل "أو الزوج امرأته صح" لأن له تسليمه إليها وحوالته به تقوم مقام تسليمه وكذا إذا أحال المشتري بالثمن للبائع في مدة الخيار وظاهره: أنه لا يشترط استقرار المحال به وهو المذهب وقال أبو الخطاب وجزم به الحلواني يشترط استقراره كالمحال عليه فعليه لا يصح في ذلك لعدم استقراره.
"والثاني: اتفاق الدينين" أي: تماثل الحقين "في الجنس" كذهب بذهب أو دراهم بدراهم فإن أحال من عليه ذهب بفضة أو عكسه لم يصح "والصفة" كصحاح بصحاح أو مضربة بمثلها فلو اختلفا لم يصح.
"والحلول" أي: بأن يكونا حالين "والتأجيل" أي: بأن يكونا مؤجلين ويعتبر اتفاق الأجل فلو كان أحدهما يحل بعد شهر والآخر بعد شهرين لم يصح لأنها إرفاق كالقرض فلو جوزت مع الاختلاف لصار المطلوب منها الفضل فتخرج عن موضوعها.
واكتفى بما ذكره عن ذكر التساوي في القدر لأن الأجل إذا منع لكونه يقابله قسط تقديرا فالزيادة المحققة أولى.
فرع: إذا صحت الحوالة فتراضيا بأن يدفع خيرا من حقه أو بدونه في الصفة أو تعجيلة أو تأجيله أو عوضه جاز ذكره في المغني والشرح وذكر في الترغيب الأولة فظاهره منع عوضه ونقل سندي فيمن أحاله عليه بدينار فأعطاه عشرين درهما لا ينبغي إلا ما أعطاه.(4/156)
والثالث: أن يحيل برضاه ولا يعتبر رضى المحال عليه ولا رضى المحتال إن كان المحال عليه مليئا.
ـــــــ
"والثالث: أن يحيل برضاه" بغير خلاف لأن الحق عليه فلا يلزمه اداؤه من جهة الدين على المحال عليه بشرط المقاصة وعلم المال لأنها إن كانت بيعا فلا تصح في مجهول وإن كانت تحول الحق فيعتبر فيها التسليم والجهالة تمنع منه.
فتصح في كل ما يثبت مثله في الذمة بالإتلاف من الأثمان والحبوب والأدهان فلا تصح بما لا يصح السلم فيه كالجوهر وفيما يصح السلم فيه غير المثلي كالمذروع والمعدود وجهان. وفي الحوالة بإبل الدية على من عليه مثلها وجهان فإن أحال بإبل الدية على إبل القرض صح إن قيل يرد فيه المثل وإن قلنا: برد القيمة فلا لاختلاف الجنس وإن كان بالعكس لم تصح مطلقا.
"ولا يعتبر رضى المحال عليه" لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله وقد أقام المحتال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الدفع إليه كالوكيل "ولا رضى المحتال إن كان المحال عليه مليئا" بل يجب عليه القبول نص عليه لظاهر الأمر.
وفسر المليء في رواية إسماعيل العجلي أن يكون مليئا بماله وقوله وبدنه فماله القدرة على الوفاء وقوله أن لا يكون مماطلا وبدنه إمكان حضوره مجلس الحكم قاله الزركشي
وفي الشرح والمحرر ماله القدرة على الوفاء وقوله إقراره بالدين وبدنه الحياة فإن امتنع من القبول أجبر عليه في الأصح وفي براءة ذمة المحيل قبل أن يجبره الحاكم روايتان.
إحداهما: نعم نقلها الجماعة وهي المذهب فلو هلك المحال عليه معسرا أو مات أو جحد فلا شيء له.(4/157)
وإن ظنه مليئا فبان مفلسا ولم يكن رضي بالحوالة رجع عليه وإلا فلا ويحتمل أن يرجع وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلا فالحوالة باطلة.
ـــــــ
والثانية: لا يبرأ إلا أن يجبره الحاكم لكن تنقطع المطالبة بمجرد الحوالة ويصير بمثابة من بذل ما عليه من دين فامتنع ربه من قبضه أجبره الحاكم على القبض ولا تبرأ ذمة الغريم قبل ذلك.
"وإن ظنه مليئا فبان مفلسا ولم يكن رضي بالحوالة رجع عليه" ذكره في الوجيز وغيره لأن الفلس عيب ولم يرض به فاستحق الرجوع كالمبيع المعيب "وإلا فلا" أي: إذا رضي بالحوالة فلا رجوع له نص عليه لأنه مع الرضى يزول شغل الذمة فلا يعود بعد زواله ويحتمل أن يرجع هذا رواية كشرطها.
وفي المغني احتمالان وفي الكافي روايتان وظاهره: أنه إذا رضي المحتال بها مع علمه بفلس المحال عليه انه لا رجوع له بغير خلاف لرضاه بدون حقه كالمعيب.
"وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلا" كما لو اشترى عبدا فظهر حرا أو مستحقا "فالحوالة باطلة" لأنه ببطلان البيع تبينا أن لا ثمن على المشتري والحوالة فرع: على الثمن فإذا يبطل الفرع: لبطلان أصله فيرجع المشتري على من كان له عليه الدين في مسألة: حوالته وعلى المحال عليه في مسألة: الحوالة عليه لا على البائع لأن الحوالة لما بطلت وجب بقاء الحق على ما كان.
ويعتبر ثبوت ذلك ببينة أو اتفاقهم فلو اتفقا على حرية العبد وكذبهما المحتال لم يقبل قولهما عليه لأنهما يبطلان حقه كما لو باع المشتري ثم اعترف هو وبائعه انه كان حرا وإن أقاما بينة لم تسمع لأنهما كذباها بدخولهما في التبايع لكن إن أقامها العبد قبلت وبطلت الحوالة وإن صدقهما المحتال وادعى أنها بغير ثمن العبد قبل قوله مع يمينه وإن اتفق(4/158)
وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة لم تبطل الحوالة وللبائع أن يحيل المشتري على من أحال المشتري عليه في الصورة الأولى وللمشتري أن يحيل المحتال عليه على البائع في الثانية: ويحتمل أن تبطل إن لم يكن قبضها.
ـــــــ
المحيل والمحتال على حريته وكذبهما المحال عليه لم يقبل قولهما عليه لأنه إقرار على غيرهما وتبطل الحوالة.
ولو اعترف المحتال والمحال عليه وإذا قال أحلتك قال بل وكلتني أو قال وكلتك قال بل أحلتني بذلك عتق لإقرار من هو في يده بحريته وبطلت الحوالة بالنسبة إليهما ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل لأن دخوله معه في الحوالة اعتراف ببراءته.
"وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة" أو خيار أو انفسخ النكاح ونحوه بعد الحوالة "لم تبطل الحوالة" لأن عقد البيع لم يرتفع هنا فلم يسقط الثمن فلم تبطل الحوالة لانتفاء المبطل وكما لو أخذ البائع بحقه عوضا وحينئذ للمشتري الرجوع على البائع فيهما لأنه لما رد العوض استحق الرجوع بالعوض والرجوع في عينه متعذر للزوم الحوالة فوجب في بدله وإذا لزم البدل وجب على البائع لأنه هو الذي انتفع بمبدله.
"وللبائع أن يحيل المشتري على من أحال المشتري عليه في الصورة الأولى: وللمشتري أن يحيل المحتال عليه على البائع في الثانية" لأن دين البائع ثابت على من أحاله المشتري عليه ودين المشتري ثابت على البائع ثبوتا مستقرا فصحت الحوالة عليه كسائر الحقوق المستقرة.
"ويحتمل أن تبطل إن لم يكن قبضها" حكاه في المحرر والفروع قولا وقدمه في الكافي لأن الحوالة بالثمن وقد تسقط بالفسخ فوجب بطلان الحوالة لذهاب حقه من المال كما لو ظهر المبيع مستحقا.
فعلى هذا في بطلان إذن المشتري للبائع وجهان.
وأبطل القاضي الحوالة به لا عليه لتعلق الحق بثالث وظاهره: أنها لا تبطل إذا كان المحتال قبضها وجها واحدا لأنه قبض منه بإذنه "وإذا" أمر رجلا بقبض دين له غريمه ثم اختلفا "قال: أحلتك قال: بل وكلتني"(4/159)
وإذا قال أحلتك قال بل وكلتني أو قال وكلتك قال بل أحلتني فالقول قول مدعي الوكالة وإن اتفقا على أنه قال أحلتك وادعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة وأنكر الآخر ففي أيهما يقبل قوله وجهان وإن قال أحلتك بدينك فالقول قول مدعي الحوالة وجها واحدا.
ـــــــ
في قبضه وديني باق في ذمتك "أو قال: وكلتك" بلفظ الوكالة "قال: بل أحلتني" بلفظ الحوالة "فالقول قول مدعي الوكالة" مع يمينه لأنه يدعي بقاء الحق على ما كان وينكر انتقاله.
فأما إن كان لأحدهما بينة حكم بها لأن اختلافهما في اللفظ وهو ما يمكن إقامة البينة عليه.
"وإن اتفقا على أنه قال: أحلتك" أو أحلتك بديني "وادعى أحدهما: أنه أريد بها الوكالة وأنكر الآخر ففي أيهما يقبل قوله؟ وجهان" كذا في الكافي والفروع أحدهما وهو المذهب يقبل قول مدعي الوكالة لأن الأصل بقاء الحق على المحال عليه والمحتال يدعي نقله والمحيل ينكره والقول قول المنكر.
والثاني: يقبل قول مدعي الحوالة لأن الظاهر معه لموافقة دعواه الحقيقة ودعوى خصمه المجاز فعليه يحلف المحتال ويثبت حقه في ذمة المحال عليه ويستحق مطالبته ويسقط عن المحيل
وعلى الأول يحلف المحيل ويبقى حقه في ذمة المحال عليه وعليهما إن كان المحتال قبض الحوالة من المحال عليه وتلف في يده فقد برئ كل واحد منهما من صاحبه ولا ضمان عليه سواء تلف بتفريط أو غيره وإن لم يتلف فوجهان.
"وإن قال أحلتك بدينك باتفاقهما على ذلك ثم اختلفا فالقول قول مدعي الحوالة وجها واحدا" وكذا في المحرر لأن الحوالة بدينه لا تحتمل الوكالة فلم يقبل قول مدعيها.(4/160)
__________
تنبيهات
الأول: الحوالة على ماله من الديون إذن في الاستيفاء فقط وللمحتال الرجوع ومطالبة محيله وإحالة من لا دين عليه على من دينه عليه وكالة ومن لا دين عليه في مثله وكالة في اقتراض وكذا مدين على بريء فلا يصارفه نص عليه وفي الموجز والتبصرة إن رضي البريء بالحوالة صار ضامنا يلزمه الأداء ذكره في الفروع.
الثاني: من ثبت له على غريمه مثل ما له عليه قدرا وصفة تساقطا فإن اختلفا في القدر سقط الأقل ومثله من الأكثر وعنه: برضاهما وعنه: أو أحدهما وعنه: لا يتقاص الدينان كما لو كان أحدهما دين سلم وفي الفروع أو كانا من غير الأثمان.
الثالث: إذا كان له دين على آخر فطالبه فقال أحلت به فلانا الغائب وأنكر رب المال قبل قوله مع يمينه ويعمل بالبينة.
الرابع: إذا نوى المديون وفاء دينه وإلا فهو متبرع وإن وفاه حاكم قهرا كفت نيته إن قضاه من مديون وفي لزوم رب الدين بنية قبض دينه وجهان وإن رد بدل عين نوى ذكره ابن عقيل.(4/161)
باب الصلح
__________
باب الصلح
وهو ثابت بالإجماع وسنده عموم قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9]. {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128].
والسنة شهيرة بذلك فمنها ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما" رواه أبو داود.(4/161)
الصلح في الأموال قسمان أحدهما: صلح على الإقرار وهو نوعان أحدهما: الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو بعين فيهب له بعضها ويأخذ الباقي صح إن لم يكن بشرط مثل أن يقول على أن تعطيني الباقي
ـــــــ
والترمذي وقال: حسن صحيح وصححه الحاكمز
وهو أنواع صلح بين المسلمين وأهل الحرب وبين أهل العدل والبغي وبين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما وصلح بين المتخاصمين وهو المقصود هنا.
ومعناه لغة: قطع المنازعة.
وشرعا: معاقدة يتوصل بها إلى الإصلاح بين المتخاصمين.
"الصلح في الأموال قسمان: أحدهما: صلح على الإقرار وهو نوعان أحدهما الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو بعين" كدار "فيهب له بعضها ويأخذ الباقي فيصح" لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط بعض حقه كما لا يمنع من استيفائه لأنه عليه السلام كلم غرماء جابر ليضعوا عنه وقضية كعب مع ابن أبي حدرد شاهدة بذلك. قال أحمد: إذا كان لرجل على آخر دين ليس عنده وفاء فوضع عنه بعض حقه وأخذ منه الباقي كان ذلك جائزا لهما إذا كان بلفظ الإبراء فإن كان بلفظ الصلح فأشهر الروايتين أنه لا يصح وهي الأصح لأنه صالح عن بعض ماله ببعض فهو هضم للحق والثانية: وهي ظاهر الموجز والتبصرة ويحتمله كلام المؤلف يصح وبالجملة فقد منع الخرقي وابن أبي موسى الصلح على الإقرار وأباه الأكثرون كما اقتضاه كلام المؤلف
فعلى الأول: إن وفاه من جنس حقه فهو وفاء من غيرجنسه معاوضة وان أبرأه من بعضه فهو إبراء وإن وهبه بعض العين فهو هبة ولا يسمى صلحا فالخلاف إذن في التسمية قاله في المغني والشرح وأما المعنى فمتفق عليه.
وشرطه "إن لم يكن بشرط مثل أن يقول: على أن تعطيني الباقي" في(4/162)
أو يمنعه حقه بدونه ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب والمأذون له وولي اليتيم إلا في حال الإنكار وعدم البينة ولو صالح على المؤجل ببعضه حالا لم يصح وإن وضع بعض المال وأجل باقيه دون التأجيل.
ـــــــ
الأصح لأنه أكل لمال الغير بالباطل وهضم للحق "أو يمنعه حقه بدونه" أي: بدون الصلح فلا يصح قولا واحدا.
"ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب والمأذون له وولي اليتيم" لأنه تبرع وهؤلاء لا يملكونه "إلا في حال الإنكار وعدم البينة" فإنه يصح ومثله ناظر الوقف وصرح به أبو العباس ابن تيمية في شرحه على المحرر لأن استيفاء البعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه
وظاهره: أنه مع الإقرار أو وجود البينة لا يملكونه لما قلنا: ويصح عما ادعى على موليه وبه بينة وقيل: أو لا
"ولو صالح عن المؤجل ببعضه حالا لم يصح" نقله الجماعة لأنه يبذل القدر الذي يحطه عوضا عن تعجيل ما في ذمته ومع الحلول والتأجيل لا يجوز كما لو أعطاه عشرة حالة بعشرين مؤجلة وفي الإرشاد والمبهج رواية بالصحة واختارها الشيخ تقي الدين لبراءة الذمة هنا وكدين الكتابة جزم به الأصحاب ونقله ابن منصور وقال ليس بينه وبين سيده ربا فدل أنه إنما جوزه على هذا الأصل والأشهر عكسه.
"وإن وضع بعض الحال وأجل باقيه" كما لو صالحه عن مائة حالة بخمسين مؤجلة "صح الإسقاط" لأنه أسقطه عن طيب نفسه ولا مانع من صحته لأنه ليس في مقابله تأجيل فوجب أن يصح كما لو أسقطه كله وعنه: لا يصح وصححها أبو الخطاب لأنه هضم للحق والأول أصح.
"دون التأجيل" على الأصح لأن الحال لا يتأجل ولأنه وعد وكذا لو صالحه عن مائة صحاح بخمسين مكسرة هل هو إبراء من الخمسين ووعد في الأخرى قاله في الفروع.(4/163)
وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح وإن صالحه بعوض قيمته أكثر منها صح فيهما وإن صالحه عن بيت على أن يسكنه سنة أو يبني له فوقه غرفة لم يصح وإن قال أقر لي بديني وأعطيك منه مائة ففعل صح الإقرار ولم يصح الصلح
ـــــــ
"وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح" جزم به في الوجيز وصححه الشيخ تقي الدين وانه قياس قول أحمد لأن الدية والقيمة تثبت في الذمة بقدره فلم يجز أن يصالح عنها بأكثر منها من جنسها كالثابتة عن قرض إذ الزائد لا مقابل له فيكون حراما لأنه من أكل المال بالباطل وكالمثلي.
وقيد في الفروع وغيره المتلف بكونه غير مثلي ويخرج على ذلك تأجيل القيمة قاله القاضي وغيره وفي المغني والشرح رواية بأنه يصح أن يصالح عن المائة الثابتة بالتلف بمائة مؤجلة لأنه عاوض عن المتلف بمائة مؤجلة فجاز كما لو باعه اياه وذكر الشيخ تقي الدين رواية بتأجيل الحال في المعاوضة لا التبرع.
"وإن صالحه بعوض قيمته أكثر منها صح فيهما" لأنه لا ربا بين العوض والمعوض فصح كما لو باعه ما يساوي خمسة بدرهم.
"وإن صالحه عن بيت" أي: إذا ادعى عليه بيتا فصالحه "على أن يسكنه سنة أو يبني له فوقه غرفة" أو صالحه على بعضه "لم يصح" جزم به الأصحاب لأنه يصالحه عن ملكه على ملكه أو منفعته فمتى فعل ذلك كان تبرعا متى شاء أخرجه منها وإن فعله على سبيل المصالحة معتقدا إيجابه عليه بالصلح رجع عليه بأجرة ما سكن وأخذ ما كان في يده من الدار لأنه أخذه بعقد فاسد.
"وإن قال له أقر لي بديني وأعطيك" أو خذ" منه مائة ففعل صح الإقرار" لأنه أقر بحق يحرم عليه إنكاره "ولم يصح الصلح" لأنه يجب عليه(4/164)
فإن صالح إنسانا ليقر له بالعبودية أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح وإن دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه صح.
ـــــــ
الإقرار بما عليه من الحق فلم يحل له أخذ العوض عما يجب عليه فعلى هذا يرد ما أخذ لأنه تبين كذبه بإقراره وان الدين عليه فلزمه أداؤه بغير عوض
"وإن صالح إنسانا" مكلفا "ليقر به بالعبودية" أي: بأنه مملوكه "او امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح" لأن ذلك صلح يحل حراما لأن إرقاق النفس وبذل المرأة نفسها بعوض لا يجوز. "وإن دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه صح" لأنه يجوز أن يعتق عبده بعوض ويشرع ذلك في حق الدافع لقطع الخصومة المتوجهة عليه زاد في المغني والشرح ويدفع اليمين الواجبة وظاهره: أن المرأة إذا دفعت إليه عوضا عن هذه الدعوة ليكف نفسه عنها لم يصح وهو وجه في المغني وهو ظاهر البلغة لأن الدفع في الإنكار لافتداء اليمين وقطع الخصومة.
ولا يمين عليها ولأن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له وإنما أجيز الخلع لأجل الحاجة إلى افتداء نفسها.
والثاني: يصح ذكره أبو الخطاب وابن عقيل وجزم به في الوجيز لأن المدعي يأخذ عوضا عن حقه في النكاح فجاز كعوض الخلع والمرأة تبذله لقطع الخصومة وإزالة الشرور بما توجهت اليمين عليها لكون الحاكم يرى ذلك.
فلو صالحته ثم ثبتت الزوجية فإن قلنا: الصلح باطل فالنكاح باق بحاله لأنه لم يوجد من الزوج طلاق ولا خلع وإن قلنا: هو صحيح فوجهان أحدهما كذلك والثاني: تبين منه بأخذ العوض لأنه أخذ العوض عما كان يستحقه من نكاحها فكان خلعا كما لو أقرت له بالزوجية فخالعها.(4/165)
النوع الثاني: أن يصالح عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة فإن كان بأثمان عن أثمان فهو صرف وإن كان بغير الأثمان فهو بيع وإن كان بمنفعة كسكنى دار فهو إجارة تبطل بتلف الدار كسائر الإجارات
ـــــــ
ولو ادعت أن زوجها طلقها ثلاثا فصالحها على مال لتترك دعواها لم يصح وقيل: بلى كما لو بذلت له عوضا ليطلقها ثلاثا.
"النوع الثاني" من صلح الإقرار "ان يصالح عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة" كما لو اعترف له بعين في يده أو دين في ذمته ثم يعوضه عنه بما يجوز تعويضه.
وهو ينقسم إلى أقسام نبه عليها بقوله: "فإن كان بأثمان عن أثمان فهو صرف" لأنه بيع أحد النقدين بالآخر فيشترط له القبض في المجلس ونحوه "وإن كان بغير الأثمان فهو بيع" لأنه مبادلة المال بالمال وهو موجود هنا وفيه شيء.
ولو قال: بعرض فبيع لكان أولى فعلى هذا يشترط فيه العلم به كالمبيع ويصح بلفظ الصلح في ظاهر كلامه وهو المذهب.
فرع: إذا صالح عن دين فيجوز بغير جنسه مطلقا ويحرم بجنسه بأكثر أو أقل على سبيل المعاوضة وبشيء في الذمة يحرم التفرق قبل القبض.
"وإن كان بمنفعة كسكنى دار" أو خدمة عبد أو يعمل له عملا معلوما "فهو إجارة" لأنها بيع المنافع "تبطل بتلف الدار كسائر الإجارات" فإن تلفت قبل استيفاء شيء من المنفعة انفسخت ورجع بما صالح عنه وبعد استيفاء بعضها ينفسخ فيما بقي منها ويرجع بقسط ما بقي.
وقيل: تبطل بناء على تفريق الصفقة وقيل: إن صالح عن دين أو عين بخدمة أو سكنى صح فإن تلفت العين قبل الانتفاع بطل الصلح ورجع بمقابله وإن كان عن إنكار رجع بالدعوى وإن كان عن إقرار رجع فيما أقر له به وإن كان استوفى البعض رجع ببقية حقه.(4/166)
وإن صالحت المرأة بتزويج نفسها صح فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها فتبين أنه ليس بعيب رجعت بأرشه لا بمهرها وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض.
ـــــــ
مسألتان
الأولى: إذا صالحه على أن يزوجه أمته صح بشرطه وكان المصالح عنها صداقها فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه وإن طلقها قبل الدخول رجع بنصفه.
الثانية: إذا صالحه بخدمة عبد سنة صح وكانت إجارة فإن أعتق العبد في أثناء المدة صح عتقه وللمصالح أن يستوفي نفعه في المدة ولا يرجع العبد على سيده بشيء لأنه ما أزال ملكه بالعتق إلا عن الرقبة والمنافع حينئذ مملوكه لغيره ولأنه أعتقه مسلوب المنفعة فلم يرجع بشيء كما لو أعتق زمنا أو أمة مزوجة وقيل: يرجع على سيده بأجرة مثله.
"وإن صالحت المرأة" أي: بعد اعترافها له بدين أو عين "بتزويج نفسها صح" ويكون صداقا لها لأن عقد التزويج يقتضي عوضا فإذا جعلت ذلك عوضا عن الحق الذي عليها صح كغيره "فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها فتبين أنه ليس بعيب" كبياض في عين الرقيق ظنه عمى وانتفاخ بطن الأمة يظنها حاملا "رجعت بأرشه" أي: بأرش العيب لأنه صداقها "لا بمهرها" أي: مهر مثلها وحينئذ مهرها أرشه صرح به في المحرر والفروع.
فعلى هذا إن كان موجودا ثم زال كمبيع كان مريضا فعوفي لا شيء لها لأن زوال العيب بعد ثبوته حال العقد لا يوجب بطلان الأرش لا يقال قياس ما تقدم في المصراة أنه إذا صار لبنها عادة وطلقت المزوجة يمتنع الرد فإذا زال العيب تعين أن لا أرش لأن الرد فسخ للملك بسبب العيب فيستدعي مردودا بخلاف الأرش فإنه عوض عما فات من العيب فلم يسقط وقت العقد بزواله بعده؟
"وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض،(4/167)
لأنه بيع دين بدين ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة.
ـــــــ
لأنه بيع دين بدين" وهو منهي عنه شرعا ولأنه إذا حصل التفرق قبل القبض كان كل واحد من العوضين دينا لأن محله الذمة.
"ويصح الصلح عن المجهول" عينا كان أو دينا سواء جهلاه أو جهله من عليه الحق "بمعلوم" نص عليه بنقد ونسيئة بشرط "إذا كان مما لا يمكن معرفته" أي: يتعذر علمه.
قال أحمد: في الرجل يصالح عن الشيء فإن علم أنه أكثر منه لم يجز إلا أن يوقفه إلا أن يكون مجهولا لا يدري لقوله عليه السلام لرجلين اختصما في مواريث درست بينهما "استهما وتوخيا الحق وليحلل أحدكما صاحبه" رواه أحمد وأبو داود ولأنه إسقاط حق فصح في المجهول كالعتاق والطلاق "للحاجة" ولأنه إذا صالح مع العلم وإمكان أداء الحق بعينه فلأن يصح مع الجهل أولى
ولو قيل بعدم جوازه لأفضى إلى ضياع الحق ولا نسلم أنه فرع: البيع فإن البيع يصح في المجهول عند الحاجة كاساسات الحائط وطي البئر
وظاهره: أنه إذا كان الصلح بمجهول أنه لا يصح لأن تسليمه واجب والجهالة تمنعه وإن لم يتعذر علمه فكبراءة من مجهول وظاهر نصوصه أنه لا يصح وهو ظاهر ما جزم به في الإرشاد وقطع به الشيخان والشرح لعدم الحاجة
قال أحمد: إن صولحت المرأة من ثمنها لم يصح الصلح واحتج بقول شريح ولأن المبيح للصلح الحاجة وهي منتفية هنا فلم يصح كالبيع وخرج في التعليق والانتصار في صلح المجهول والإنكار من البراءة من المجهول عدم الصحة وخرجه في التبصرة من الإبراء من عيب لم يعلما به وقيل: لا يصح عن أعيان بمجهولة لكونه إبراء وهي لا تقبل.(4/168)
فصل
القسم الثاني: أن يدعي عليه عينا أو دينا فينكره ثم يصالحه على مال فيصح.
__________
فصل
"القسم الثاني" صلح على الإنكار وهو "أن يدعي عليه عينا أو دينا فينكره" أو يسكت "ثم يصالحه على مال فيصح" في قول أكثر العلماء لعموم ما سبق فإن قلت قوله عليه السلام: "إلا صلحا أحل حراما" وهذا داخل فيه لأنه لم يكن له أن يأخذ من مال المدعى عليه فحل بالصلح.
فالجواب: أنه لا يصح دخوله فيه ولا يمكن حمل الخبر عليه لأمرين أحدهما: أن ما ذكرتم يوحد في الصلح بمعنى الهبة فإنه يحل للموهوب ما كان حراما
الثاني: لو حل به المحرم لكان الصلح صحيحا فإن الصلح الفاسد لا يحل الحرام وإنما معناه ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه على تحريمه كما لو صالحه على استرقاق حر ولأنه يصح مع الأجنبي فصح مع الخصم كالصلح على الإقرار
وشرط صحته أن يكون المدعي يعتقد حقية ما ادعاه والمدعى عليه عكسه فيدفع إلى المدعي شيئا افتداء ليمينه وقطعا للخصومة وصيانة لنفسه عن التبذل وحضور مجلس الحكم فإن ذوي الأنفس الشريفة يصعب عليها ذلك ولأن الشريعة وردت بجلب المصالح ودرء المفاسد وهذا كذلك إذ المدعي يأخذ عوض حقه الثابت له في اعتقاده سواء كان المأخوذ من جنس حقه أو لم يكن
لكن إن أخذ من جنس حقه لم يجز بأكثر لأن الزائد لا مقابل له وإن كان من غير جنسه جاز وظاهره: أنه إذا ادعى عليه وديعة أو تفريطا فيها أو قراضا فأنكر وصالحه على مال فهو جائز ذكره في الشرح وغيره.(4/169)
ويكون بيعا في حق المدعي حتى إن وجد بما أخذ عيبا فله رده وفسخ الصلح وإن كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة ويكون إبراء في حق الآخر فلا يرد ما صالح عنه بعيب ولا تؤخذ به شفعة ومتى كان أحدهما عالما بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه وما أخذه حرام عليه وإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه صح.
ـــــــ
"ويكون بيعا في حق المدعي" لأنه يعتقده عوضا عن حقه فيلزمه حكم اعتقاده "حتى إن وجد بما أخذ عيبا فله رده وفسخ الصلح" كما لو اشترى شيئا فوجده معيبا "وإن كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة" لأنه بيع لكونه أخذه عوضا كما لو اشتراه فإن صالح ببعض عين المدعى فهو فيه كمنكر وفيه خلاف.
"ويكون إبراء في حق الآخر" أي: المنكر لأنه دفع المال افتداء ليمينه وإزالة الضرر عنه لا عوضا عن حق يعتقده "فلا يرد ما صالح عنه بعيب ولا تؤخذ به شفعة" لاعتقاده أنه ليس بعوض.
أصل: لم يتعرض المؤلف لحلول المأخوذ ولا تأجيله ولكن ذكر ابن أبي موسى في الإرشاد أنه يصح بنقد ونسيئة لأن المدعي ملجأ إلى التأخير بتأخير خصمه
قال في الترغيب وظاهره: لا تثبت فيه أحكام البيع إلا فيما يختص البائع من شفعة عليه وأخذ زيادة مع اتحاد الجنس واقتصر المجد على قول أحمد إذا صالحه على بعض حقه بتأخير جاز.
"ومتى كان أحدهما عالما بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه" لأنه عالم بالحق قادر على إيصاله إلى مستحقه غير معتقد أنه محق "وما أخذه حرام عليه" لأنه أكل للمال بدعواه الباطلة الكاذبة ولا يشهد له إن علم ظلمه نقله المروذي "وإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه صح" لأنه قصد براءة ذمته أشبه ما لو قضى دينه اعترف للمدعي بصحة دعواه أولا. وظاهره: أنه لا فرق بين أن يكون المدعى دينا أو عينا وهو كذلك في الدين؛(4/170)
ولم يرجع عليه في أصح الوجهين وإن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى أو معترفا بها عالما بعجزه عن استنقاذها لم يصح.
ـــــــ
لأن قضاء الدين جائز مطلقا لقضية أبي قتادة وجزم به الأصحاب وفي العين إذا لم يذكر أن المنكر وكله وجهان أحدهما: يصح وهو ظاهر المتن والوجيز افتداء ليمينه وقطعا للخصومة
والثاني: لا يصح جزم به في المحرر وظاهره: أنه يصح مع إذنه ويرجع عليه لأنه وكيله فلو قال صالحني عن الملك الذي تدعيه ففي كونه مقرا له وجهان
"ولم يرجع عليه في أصح الوجهين" لأنه أدى عنه ما لا يلزمه أداؤه
والثاني: يرجع كالضمان والفرق واضح وهما إذا نوى الرجوع وخرجه القاضي وأبو الخطاب على الروايتين فيما إذا قضى دينه الثابت بغير إذنه وفي هذا التخريج نظر لأن هذا لا يثبت وجوبه على المنكر ولا يلزمه أداؤه إلى المدعي فكيف يلزمه أداؤه إلى غيره؟ "وإن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غيرمعترف بصحة الدعوى" فالصلح باطل لأنه يشتري منه ما لم يثبت له ولا تتوجه إليه خصومة يفتدي منها أشبه ما لو اشترى ملك غيره "او معترفا بها عالما بعجزه عن استنقاذها لم يصح" لأنه اشترى ما لا يقدر البائع على تسليمه كشراء الآبق وظاهره: لا فرق بين أن يكون المصالح عنه دينا أو عينا
وفرق بينهما في المغني والشرح فصححاه في العين لأنه اشترى منه ملكه الذي يقدر على قبضه ومنعاه في الدين لما ذكرناه وحكيا عن بعض الأصحاب صحته وفيه نظر لأن بيع الدين المقر به من غير من هو في ذمته لا يصح ففي ذمة منكر معجوز عن قبضه أولى
فإن اشتراه وهو يظن أنه عاجز عن قبضه فتبين أن قبضه ممكن صح في الأصح ويحتمل أن يفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم(4/171)
وإن ظن القدرة عليه صح ثم إن عجز عن ذلك فهو مخير بين فسخ الصلح وإمضائه.
فصل
يصح الصلح عن القصاص،
ـــــــ
المبيع وبين من لا يعلم ذلك
"وإن ظن القدرة عليه صح" أي: مع الاعتراف بصحة الدعوى لأنه اشترى منه ملكه الذي يقدر على تسليمه "ثم إن عجز عن ذلك فهو مخير بين فسخ الصلح" لأنه لم يسلم له المعقود عليه فكان له الرجوع إلى بدله "وإمضائه" لأن الحق له كالرد بالعيب وفي المغني والشرح احتمال أنه إن تبين أنه لا يقدر على تسليمه تبينا أن الصلح كان فاسدا لأن الشرط هو القدرة على قبضه وهو معدوم حال العقد فهو كما لو اشترى عبده فتبين أنه كان آبقا
تنبيه: إذا قال أجنبي أنا وكيل المدعى عليه في مصالحتك وهو مقر لك في الباطن فظاهر الخرقي أنه لا يصح لأنه هضم للحق وقال القاضي: يصح ومتى صدقه المنكر ملك العين ولزمه ما أدى عنه وإن أنكر الوكالة حلفه وبرئ وحكم ملكها في الباطن إن كان وكله فلا يقدح إنكاره وإن لم يوكله لم يملكها ويحتمل أن يقف على الإجازة فإن قال الأجنبي للمدعي قد عرف المدعى عليه صحة دعواك وهو يسألك ان تصالحه عنه وقد وكلني في المصالحة عنه صح وإن صالح عن المنكر بشيء ثم اقام بينة أن المنكر أقر قبل الصلح بالملك للمدعي لم يسمع ولم ينقض الصلح ولو شهدت بأصل الملك.
فصل
هذا شروع في الصلح عما ليس بمال يصح الصلح عن القصاص ولم يفرقوا بين إقرار وإنكار قال في المحرر والمغني يجوز عن قود وسكنى دار وعيب وإن لم يجز بيع ذلك لأنه لقطع الخصومة.(4/172)
بديات وبكل ما يثبت مهرا ولو صالح سارقا ليطلقه أو شاهدا ليكتم شهادته أو شفيعا عن شفعته أو مقذوفا عن حده لم يصح الصلح.
ـــــــ
وقال في الفصول وإن القود له بدل وهو الدية كالمال وذكره المجد وقال إن أراد بيعها من الغير صح ومنه قياس المذهب جوازه فإنه بمعنى الصلح بلفظ البيع وانه يتخرج فيه كالإجارة بلفظ البيع وانه صرح به أصحابنا بصحة الصلح عن المجهول بلفظ البيع في صبرة أتلفها جهلا كيلها ذكره القاضي "بديات" لأن الحسن والحسين وسعيد بن العاصي بذلوا للذي وجب له القصاص على هدبة بن خشرم سبع ديات فأبى أن يقبلها ولأن المال غير متعين فلا يقع العوض في مقابلته.
"وبكل ما يثبت مهرا" قاله الأصحاب لأنه يصح إسقاطه فلأن يصح الصلح عليه من باب أولى وإن جاوز الدية ذكره في المحرر والفروع وحاصله أنه يصح الصلح عن دم العمد بدون ديته وأكثر إن وجب القود عينا أو طلب الولي و قلنا: يجب أحد شيئين وفي الترغيب لا يصح على جنس الدية إن قيل موجبه أحد شيئين ولم يختر الولي شيئا إلا بعد تعيين الجنس من إبل أو غنم حذارا من الربا وظاهر كلامهم يصح حالا ومؤجلا وذكره المجد
فرع: إذا صالح عنه بعبد فخرج مستحقا رجع بقيمته في قول الجميع وكذا إن خرج حرا ومع جهالته كدار وشجرة تجب ديته أو أرش الجرح فإن علما بحريته أو كونه مستحقا رجع بالدية لبطلان الصلح بعلمهما وإن صالح عن دار فبان عوضه مستحقا رجع بها وقيل: بقيمته مع الإنكار لأن الصلح بيع في الحقيقة بخلاف الصلح عن القصاص فإنه ليس ببيع وإنما يأخذ عوضا عن القصاص
"ولو صالح سارقا ليطلقه أو شاهدا ليكتم شهادته أو شفيعا عن شفعته أو مقذوفا عن حده لم يصح الصلح" وفيه أمور:
الأول: إذا صالح سارقه ليطلقه لم يصح لأن الرفع إلى السلطان ليس حقا(4/173)
وتسقط الشفعة وفي الحد وجهان وإن صالحه على أن يجري على
ـــــــ
يجوز الاعتياض عنه فلم يجز كسائر ما لا حق فيه وكذا حكم الزاني والشارب
الثاني: إذا صالح شاهدا ليكتم شهادته لم يصح لأن كتمانها حرام لم يصح الاعتياض عنه ويشمل صورا:
منها: أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بحق تلزمه الشهادة به كدين آدمي أو حق لله تعالى لا يسقط بالشبهة كالزكاة
ومنها: أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بالزور فهو حرام كما لو صالحه على أن لا يقتله ولا يغصب ماله ومنها أن يصالحه على ألا يشهد عليه بما يوجب حد الزنى والسرقة فلا يجوز الاعتياض في الكل
الثالث: إذا صالح الشفيع عن شفعته لم يصح لأنها ثبتت لإزالة الضرر فإذا رضي بالعوض تبينا أن لا ضرر فلا استحقاق فيبطل العوض لبطلان معوضه
نقل ابن منصور الشفعة لاتباع ولا توهب و حينئذ تسقط الشفعة جزم به في الوجيز لما قلنا: ه وفيه وجه لا تسقط لأن فيها حقا لله تعالى: وأطلقهما في المحرر والفروع
الرابع: إذا صالح مقذوفا عن حده لم يجز أخذ العوض عنه كحد الزنى وإن قلنا: هو له فليس له الاعتياض عنه لأنه ليس بمال ولا يؤول إليه بخلاف القصاص
"وفي" سقوط "الحد" به "وجهان" مبنيان على أن حد القذف هل هو حق لله تعالى: فلا يسقط أو له فيسقط بصلحه وإسقاطه كالقصاص جزم به في الوجيز
فرع: لا يصح الصلح بعوض عن خيار "وإن صالحه على أن يجري على(4/174)
أرضه أو سطحه ماء معلوما صح ويجوز أن يشتري ممرا في دار وموضعا يفتحه بابا وبقعة يحفرها بئرا.
ـــــــ
أرضه أو سطحه ماء معلوما صح" لأن الحاجة داعية إلى ذلك واشترط العلم به لأنه يختلف ضرره بكثرته وقلته وطريق العلم إما بمشاهدة وإما بمعرفة مساحته فيقدر في الأرض بالفدان وفي السطح بصغره أو كبره ويشترط معرفة الموضع الذي يخرج منه إلى السطح لأن ذلك يختلف فإن كان بعوض مع بقاء ملكه فإجارة وإلا فبيع
ولا يعتبر بيان عمقه لأنه إذا ملك الموضع كان له إلى تخومه ولا تعيين المدة إذ العقد على المنفعة في موضع الحاجة من غير تقدير مدة جائز كالنكاح
وفي القواعد: ليس بإجارة محضة لعدم تقدير المدة بل هو شبيه بالبيع ودل على أنه لا يحدث ساقية في وقف
وذكره القاضي وابن عقيل لأنه لا يملكها كالمؤجرة وجوزه في المغني لأن الأرض له ويتصرف فيها كيف شاء ما لم ينقل الملك فدل أن الباب والخوخة ونحوهما لا يجوز في مؤجرة وفي موقوفة الخلاف أو يجوز قولا واحدا قال في الفروع وهو أولى والظاهر أنه لا تعتبر المصلحة وإذن الحاكم بل عدم الضرر
تنبيه: يحرم إجراء مائه في أرض غيره بلا إذنه لتضرره أو ارضه وكزرعه في أرض غيره وعنه: لا لقول عمر رواه مالك والأول أقيس لأنه موافق للأصول وقول عمر خالفه محمد بن مسلمة فعلى الثانية: تعتبر الضرورة جزم به في الشرح وقيل: مع الحاجة ولو مع حفر ونقل أبو الصقر إذا أساح عينا تحت أرض فانتهى حفره إلى أرض لرجل أو دار فليس له منعه من ظهر الأرض ولابطنها إذا لم يكن عليه مضرة وفيه حديث الخشبة
"ويجوز أن يشتري ممرا في دار وموضعا في حائط يفتحه بابا وبقعة يحفرها بئرا" لأن ذلك يجوز بيعها وإجارتها فجاز الاعتياض عنها بالصلح،(4/175)
وعلو بيت يبني عليه بنيانا موصوفا فإن كان البيت غيرمبني لم يجز في أحد الوجهين وفي الآخر يجوز إذا وصف العلو والسفل وإن حصل في هوائه أغصان شجرة غيره فطالبه بإزالتها لزمه ذلك فإن أبى فله قطعها.
ـــــــ
كالدرب وليس هذا خاصاً بالدار بل الأملاك كلها كذلك ولو غبر ممرا في ملكه لكان أولى ويشترط أن يكون ذلك معلوما
"و" يجوز أن يشتري "علو بيت يبني عليه بنيانا موصوفا" لأنه ملك للبائع فجاز بيعه كالأرض ومعنى موصوفا أي: معلوما وظاهره: أنه لا يجوز أن يحدث ذلك على الوقف. قال في الاختيارات: وليس لأحد أن يبني على الوقف ما يضر به اتفاقا وكذا إن لم يضر به عند الجمهور
"فإن كان البيت غير مبني لم يجز في أحد الوجهين" ذكره القاضي وغيره لأنه بيع العلو دون القرار فلم يجز كالمعدوم "وفي الآخر يجوز" جزم به في المحرر والوجيز وصححه في الفروع لأنه ملك للمصالح فجاز له أخذ العوض عنه كالقرار
وشرطه "إذا وصف العلو والسفل" ليكون معلوما ويصح فعل ذلك صلحا أبدا وإجارة مدة معلومة أيضا
"وإن حصل في هوائه أغصان شجرة غيره فطالبه بإزالتها" أي: بإزالة أغصانها "لزمه ذلك" لأن الهواء تابع للقرار فوجب إزالة ما يشغله من ملك غيره كالدابة إذا دخلت ملكه وطريقه إما القطع أوليه إلى ناحية أخرى ولا فرق بين أن يكون خاصاً به أوله فيه شركة. "فإن أبى فله" أيمالك الهواء "قطعها" ولو عبر بالإزالة كغيره لكان أولى لأن ذلك إخلاء ملكه الواجب إخلاؤه وظاهره: أنه لا يفتقر إلى حكم بذلك وصرح به الأصحاب لأنه أمكنه إزالتها بلا إتلاف ولا قطع من غير سفه ولا غرامة فلم يجز له إتلافها كالبهيمة فإن أتلفها في هذه الحال،(4/176)
فإن صالحه عن ذلك بعوض لم يجز وإن اتفقا على أن الثمرة له أو بينهما جاز ولم يلزم.
ـــــــ
غرمها فإن لم يمكنه إزالتها إلا بالإتلاف فله ذلك ولا شيء عليه
لكن قيل لأحمد يقطعه هو قال لا يقول لصاحبه حتى يقطع ولا يجبر المالك على الإزالة لأنه من غير فعله فإن تلف بها شيء لم يضمنه قدمه في الشرح وذكر احتمالا وهو وجه ضده
"فإن صالحه عن ذلك بعوض لم يجز" قاله أبو الخطاب سواء كان الغصن رطبا أو يابسا لأن الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص وربما ذهب كله
وقال القاضي: وجزم به في الوجيز إن كان الأغصان رطبة لم يجز الصلح عنها لزيادتها في كل وقت بخلاف اليابسة واشترط القاضي في اليابس أن يكون معتمدا على نفس الحائط فإن كان في الهواء فلا لأنه تبع للهواء المجرد
وقال ابن حامد وابن عقيل بجوازه مطلقا لأن الجهالة في المصالح عنه لا تمنع الجواز لكونها لا تمنع التسليم بخلاف العوض فإنه يفتقر إلى العلم به لوجوب التسليم وأيده في المغني وقال هو اللائق بمذهب أحمد لأن الحاجة داعية إلى ذلك لكثرتها في الأملاك المتجاورة وفي القطع إتلاف وضرر والزيادة المتجددة يعفى عنها كالسمن الحادث في المستأجر للركوب. "وإن اتفقا على أن الثمرة له" أي: لمالك الهواء "أو بينهما جاز" لأن الصلح على الثمرة أو بعضها أسهل من القطع ونقل المروذي وإسحاق أن أحمد سئل عن ذلك فقال لا أدري قال في المغني فيحتمل الصحة لما روى مكحول مرفوعا: "أيما شجرة ظللت على قوم فهو بالخيار بين قطع ما ظلل أو أكل ثمرها" ويحتمل عدمها وقاله الأكثر فإن الثمرة وجوها مجهولان ومن شرط الصلح العلم بالعوض
"ولم يلزم" إذ لزومه يؤدي إلى ضرر مالك الشجرة لتأبد استحقاق الثمرة عليه أو إلى ضرر مالك الهواء لتأبد بقاء الأغصان في ملكه.(4/177)
ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا ولا ساباطا ولا دكانا ولا أن يفعل ذلك في ملك إنسان ولادرب غير نافذ إلا بإذن أهله.
ـــــــ
فرع: ثمرة غصن في هواء طريق عام للمسلمين ذكره في المبهج
آخر: حكم عروق الشجرة إذا امتدت إلى أرض غيره كالغصن سواء أثرت ضررا لتأثيرها في المصانع وطي الآبار وأساسات الحيطان أولا وقيل: عنه إنما يثبت ذلك مع الضرر
"ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا" وهو الروشن على أطراف خشب مدفونة في الحائط "ولا ساباطا" وهو المستوفي للطريق كله على جدارين "ولا دكانا" لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه كغير النافذ ولا فرق بين أن يضر بالمارة أو لا لأنه إذا لم يضر حالا فقد يضر مآلا أذن الإمام فيه أولا لأنه ليس له أن يأذن في مالا مصلحة للمسلمين فيه لا سيما إذا احتمل أن يكون ضرارا عليهم في المآل
فعلى هذا يضمن ما تلف به والمذهب أنه يجوز ذلك في غير الدكان بإذن الإمام أو نائبه بلا ضرر لأنه نائب عن المسلمين فجرى إذنه مجرى إذنهم وفي الفروع جوزه الأكثر بإذن الإمام وفي الترغيب وأمكن عبور محمل وقيل: ورمح قائما بيد فارس ولم يعتبره أكثرهم بل يكون بحيث لا يضر بالعمارات والمحامل
فرع: حكم الميازيب والدكة كالجناح وقد روي أن عمر اجتاز على دار العباس وقد نصب ميزابا إلى الطريق فقلعه فقال تقلعه وقد نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال والله لا ينصبه إلا على ظهري فانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه ولأن العادة جارية به وفي سقوط نصف الضمان بتآكل أصله وجهان
"ولا أن يفعل ذلك في ملك إنسان ولا درب غيرنافذ إلا بإذن أهله" لأن المنع لحقهم فإذا رضوا بإسقاطه جاز والاستثناء راجع إلى الجمل الأخيرة؛(4/178)
فإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين وإذا كان ظهر داره في درب غيرنافذ ففتح فيه بابا لغير الاستطراق جاز ويحتمل أن لا يجوز وإن فتحه للاستطراق لم يجز إلا بإذنهم في أحد الوجهين
ـــــــ
لأن أهل الطريق النافذ جميع المسلمين فالاذن من جميعهم غيرمتصور فلا فائدة في الحكم عليه بالجواز
"فإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين" قاله أبو الخطاب وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأنه يجوز الصلح بغير عوض فجاز اخذ عوضه كالقرار وشرطه أن ما يخرجه معلوم المقدار من الخروج والعلو
والثاني: لا يجوز قاله القاضي لأنه بيع للهواء وظاهره: التعميم والمصرح به في كلام القاضي ونقله عنه في الكافي بأن المنع في الجناح والساباط وأما الدكان فلا يتأتى فيها العلة لكونها تبنى على القرار لا على هوائه
"وإذا كان ظهر داره في درب غيرنافذ ففتح فيه بابا لغير الاستطراق جاز" لأن له رفع جميع حائطه فبعضه أولى "ويحتمل أن لا يجوز" حكاه ابن عقيل لأن شكل الباب مع تقادم العهد ربما استدل به على حق الاستطراق فيضر بأهل الدرب بخلاف رفع الحائط فإنه لا يدل على شيء
"وإن فتحه للاستطراق لم يجز" إذ لا حق له في الدرب الذي هو ملك غيره "إلا بإذنهم" لأن الحق لهم وقد رضوا بإسقاطه "في أحد الوجهين" هو متعلق بقوله لم يجز لا المستثنى والوجه الثاني: يجوز لأنه يملك رفعه والأول أولى لأنه يجعل لنفسه حق الاستطراق في محل مملوك لغيره
وظاهره: أنه يجوز فتحه في درب نافذ لأنه يرتفق بما لم يتعين بملك أحد عليه لا يقال فيه إضرار بأهل الطريق لجعله نافذا يستطرق إليه من الشارع لأنه لا يصير الطريق نافذا وإنما تصير داره نافذة وليس لأحد استطراقها.(4/179)
وإن صالحهم جاز ولو أن بابه في آخر الدرب ملك نقله إلى أوله ولم يملك نقله إلى داخل منه في أحد الوجهين.
ـــــــ
"وإن صالحهم جاز" لأن ذلك حقهم فجاز أخذ العوض عنه كسائر الحقوق "ولو أن بابه في آخر الدرب" أي: غير النافذ "ملك نقله إلى أوله" أي: بلا ضرر لأنه ترك بعض حقه لأن له الاستطراق إلى آخره
وفي الترغيب وقيل: لا محاذيا لباب غيره وجزم به في الوجيز
فعلى الأول: أن أراد نقله إلى موضعه الأول كان له ذلك "ولم يملك نقله إلى داخل منه" وهو تلقاء صدر الزقاق "في أحد الوجهين" نص عليه لأنه تقدم بابه إلى موضع الاستطراق له ولم يأذن فيه من فوقه وقيل: وأسفل منه ويكون إعارة في الأشبه
وظاهر نقل يعقوب يجوز إن سد الأول واختاره ابن أبي موسى والثاني: الجواز لأن له في الابتداء جعل بابه حيث شاء فتركه له لا يسقط حقه منه
فروع
الأول: إذا كان في الدرب بابان لرجلين أحدهما في أول الدرب والآخر في داخله فلصاحب الداخل تحويله حيث شاء لأنه لا منازع له فيما يجاوز الباب الأول إذا قلنا: ليس للقريب أن يقدمه إلى داخل وعلى الثاني: لكل منهما تقديمه فإن كان في داخل الدرب باب لثالث فحكم الأوسط كالأول
الثاني: إذا كان لرجل داران متلاصقتان ظهر كل منهما إلى ظهر الأخرى بابهما في دربين مشتركين غيرنافذ جاز له رفع الحاجب بينهما وجعلهما دارا واحدة فإن فتح بابا بينهما ليتمكن من التطرق إلى كلا الدربين فقال القاضي لا يجوز لأنه يثبت له حق الاستطراق في درب لا ينفذ من دار ولم يكن فيها طريق وفي المغني الأشبه الجواز لأن له رفع الحاجز فبعضه أولى
الثالث: يحرم إحداثه في ملكه ما يضر بجاره كحمام وتنور وكنيف فإن فعل فله منعه كابتداء إحيائه وكدق وسقي يتعدى إليه بخلاف طبخه(4/180)
وليس له أن يفتح في حائط جاره ولا الحائط المشترك روزنة ولا طاقا إلا بإذن صاحبه وليس له وضع خشبة عليه إلا عند الضرورة
ـــــــ
وخبزه لأنه يسير وعنه: ليس له منعه في ملكه المختص به ولم يتعلق به حق غيره وكتعلية داره في ظاهر كلام المؤلف ولو أفضى إلى سد الفضاء عن جاره قاله الشيخ تقي الدين وقد احتج أحمد بقوله عليه السلام "لا ضرر ولا إضرار" فيتوجه المنع قاله في الفروع
"وليس له" أي: يحرم عليه "أن يفتح في حائط جاره ولا الحائط المشترك روزنة ولا طاقا" لأنه انتفاع بملك غيره وتصرف فيه بما يضره وكذا يحرم عليه أن يغرز فيه وتدا أو يحدث حائطا وكذا يمنع من بناء سترة ذكره جماعة وحمل القاضي نصه يلزمه النفقة مع شريكه على السترة على سترة قديمة انهدمت واختار في المستوعب وجوبها مطلقا على نصه
ويباح استناده إليه وإسناد شيء لايضره لأنه لا مضرة فيه والتحرز منه يشق وفي النهاية في منعه احتمالان وله الجلوس في ظله ونظره في ضوء سراجه
نقل المروذي: يستأذنه أعجب إلي فإن منعه حاكمه ونقل جعفر لا يستأذنه
قال الشيخ تقي الدين العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة لا يصح أن يرد عليها عقد بيع أو إجارة اتفاقا "إلا بإذن صاحبه" لأن الحق له فإن صالحه عن ذلك بعوض جاز
"وليس له وضع خشبة عليه إلا عند الضرورة" فيجوز نص عليه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعن جار جاره أن يضع خشبة على جداره" ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم متفق عليه
ومعناه لأضعن هذه السنة بين أكتافكم ولأحملنكم على العمل بها وقيل:(4/181)
بأن لا يمكنه التسقيف إلا به وعنه: ليس له وضع خشبة على جدار المسجد وهذا تنبيه: على أنه لا يضع على جدار جاره.
ـــــــ
معناه لأضعن جذوع الجيران على أكتافكم مبالغة ولأنه انتفاع بحائط جاره على وجه لا يضر به أشبه الاستناد إليه
وفي المغني والشرح إنه يجوز لحاجة نص عليه ومحله ما لم يضر بالحائط فإن أضر به لم يجز بغير خلاف نعلمه وإن أمكن وضعه على غيره فقال أكثر الأصحاب لا يجوز وذهب ابن عقيل إلى جوازه للخبر
"بأن لا يمكنه التسقيف إلا به" هذا تفسير للضرورة وظاهره: لا فرق بين أن يكون له حائط واحد أو حائطان وصرح به في المغني واشترط القاضي وأبو الخطاب لجوازه أن يكون له حائط واحد ولجاره ثلاثة ورده في المغني والشرح بأنه ليس في كلام أحمد
وإنما قال في رواية أبي داود لا يمنعه إذا لم يكن ضرر وكان الحائط يبقى ولأنه قد يمتنع التسقيف على حائطين إذا كانا متقاربين أو كان البيت واسعا يحتاج أن يجعل فيه جسرا ثم يضع الخشب على ذلك الجسر
قال المؤلف: والأولى: اعتباره بما ذكرنا ولا فرق بين أن يكون لبالغ أو يتيم عاقل أو مجنون لا يقال قياسه يجوز فتح الطاق ونحوه لأن وضع الخشب ينفع الحائط ويمكنه بخلاف فتح الطاق فإنه يضره
"وعنه: ليس له وضع خشبة على جدار المسجد" نقلها أبو طالب واختارها أبو بكر وأبو محمد الجوزي لأن القياس يقتضي المنع ترك في حق الجار للخبر فيبقى ما اسمهاه على مقتضى القياس "وهذا تنبيه" أي: خرج منها أبو الخطاب وجها "على أنه لا يضع على جدار جاره" لأنه إذا امتنع من وضعه على الجدار المشترك بين المسلمين وله فيه حق فلأن يمنع من الملك المختص بغيره أولى.(4/182)
وإن كان بينهما حائط فانهدم فطالب أحدهما صاحبه ببنائه معه أجبر عليه.
ـــــــ
ويتأكد المنع بأن حق الله مبني على السهولة والمسامحة بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على الشح والضيق.
مسائل
الأولى: إذا ملك وضع خشبة على حائط فزال بسقوطه أو قلعه أو سقوط الحائط ثم أعيد فله إعادة خشبة عليه لأن السبب المجوز لوضعه مستمر فاستمر الاستحقاق
الثانية: إذا ملك وضع خشبة على جدار غيره لم يملك إجارته ولا إعارته لأنه إنما ملك ذلك للحاجة ولا حاجة هنا فلو أراد مالك الجدار إجارته أو إعارته على وجه يمنع هذا المستحق لم يملكه كما لو أراد هدم الحائط من غير حاجة
الثالثة: إذا أذن له المالك في وضع خشبة أو البناء على جداره بعوض جاز سواء كان إجارة في مدة معلومة أو صلحا على وضعه على التأييد ومتى زال فله إعادته ويحتاج أن يكون البناء معلوم العرض والطول والسمك والآلات من الطين واللبن ونحوه
وإن كان في الموضع الذي يجوز له لم يجز أن يأخذ عوضا لأنه يأخذ عوض ما يجب عليه بذله
الرابعة: إذا وجد خشبة أو بناءة أو مسيل مائه في حق غيره فالظاهر وضعه بحق فمتى زال فله إعادته لأن هذا الظاهر لا يزول حتى يعلم ما يخالفه
"وإن كان بينهما حائط" مشترك "فانهدم فطالب أحدهما صاحبه ببنائه معه أجبر عليه" نقله الجماعة وصححه القاضي وقدمه في المحرر والفروع وذكر(4/183)
وعنه: لا يجبرلكن ليس له منعه من بنائه فإن بناه بآلته فهو بينهما
ـــــــ
أنه اختيار الأصحاب لقوله عليه السلام "لا ضرر ولا إضرار" وكنقصه عند خوف سقوطه وكالقسمة
"وعنه: لا يجبر" اختاره أبو محمد الجوزي والمؤلف وقال هو أقوى في النظر لأنه ملك لا حرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الإنفاق عليه كما لو انفرد وفارق القسمة لأنها لدفع الضرر عنهما بما لا ضرر فيه والبناء فيه ضرر لما فيه من الغرامة والضرر لا يزول بمثله
وقد يكون الممتنع لا نفع له في الحائط أو يكون الضرر عليه أكثر من النفع أو يكون معسرا وجوابه بأن عدم حرمة الملك إن لم يوجب فحرمة شريكه الذي يتضرر بترك البناء موجب وفارق البناء المفرد من حيث إنه لا يفوت به حق ولا يتضرر به
وقولهم الضرر لا يزال بالضرر مدفوع بما روى أبو حفص العكبري عن أبي هريرة مرفوعا: "من حق الجار أن لا يرفع البنيان على جاره ليسد عليه الريح" وقولهم: "قد يكون الممتنع إلى آخره" ينتقض بوضع خشبه عليه وأما المعسر فلا قائل بإلزامه معها
"لكن" عليها "ليس له منعه من بنائه" لأن له حقا في الحمل ورسما في الحائط فلا يجوز منعه منه "فإن بناه بآلته فهو بينهما" على الشركة كما كان لأن الثاني: إنما أنفق على التأليف وذلك أثر لا عين فملكها وحينئذ فليس له منع شريكه من الانتفاع به قبل أخذ نصف تأليفه في الأشهر كما ليس له نقضه وصرح به في النهاية
وقيل: يملك منعه حتى يؤدي ما يخصه من الغرامة وأبداه ابن المنجا بحثا من عنده وحكى الأول عن الأصحاب ثم قال وفيه نظر وينبغي أن يؤدي إلى آخره إذ لو لم يكن كذلك لأدى إلى ضياع حق الشريك ولأنه إذا أجبر على العمل فكذا يجبر على وزن أجرة البناء كما يجبره على وزن الآلات.(4/184)
وإن بناه بآلة من عنده فهو له وليس للآخر الانتفاع به فإن طلب ذلك خير الباني بين أخذ نصف قيمته منه وبين أخذ آلته وإن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة أو قناة واحتاج إلى عمارة ففي إجبار الممتنع روايتان وليس لأحدهما منع صاحبه من عمارته وإذا عمره فالماء بينهما على الشركة.
ـــــــ
"وإن بناه بآلة من عنده فهو له" لأنه ملكه "وليس للآخر الانتفاع به" قبل أداء ما وجب عليه لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه وحينئذ فله منعه من رسم طرح خشب حتى يدفع نصف قيمة حقه
وعنه: ما يخصه من غرامة لأنه نائبه معنى ويلزمه قبولها فإن اراد نقضه فليس له ذلك إذا بناه بآلة فقط وإن أراد غير الباني نقضه لم يملكه مطلقا وله طلب نفقته مع الإذن
وفيه بنية رجوع على الأولى: الخلاف "فإن طلب ذلك" أي: الانتفاع "خير الباني بين أخذ نصف قيمته منه" لأن في ذلك جمعا بين الحقين وبين أخذ آلته لما في ذلك من استيفاء الحق.
فرع: لو بنيا جدارا بينهما نصفين والنفقة كذلك على أن ثلثه لواحد وباقيه للآخر وأن كلا منهما يحمله ما احتاج لم يصح فلو وصفا الحمل فوجهان فإن لم يكن بين فطلب أحدهما من الآخر بناء حاجز لم يجبر الآخر عليه رواية واحدة فإن أراد البناء وحده كان له ذلك في ملكه خاصة
"وإن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة أو قناة واحتاج إلى عمارة ففي إجبار الممتنع روايتان" أشهرهما الإجبار وجزم به في الوجيز بناء على الحائط المنهدم "وليس لأحدهما منع صاحبه من عمارته" كالحائط "وإذا عمره فالماء بينهما على الشركة" لأن العامر ليس فيه عين بل أثر فيجب أن يعود بينهما على ما كان ودل ذلك على أنه إذا أنفق عليه لم يكن له منع الآخر من نصيبه من الماء لأنه ينبع من ملكهما وإنما أثر أحدهما في نقل الطين منه.(4/185)
ـــــــ
تنبيه: إذا كان سطح أحدهما أعلى فليس له الصعود على سطحه على وجه يشرف على جاره ويلزمه بناء سترة تمنع مشارفة الأسفل نقله ابن منصور وقيل: ويشاركه كاستوائهما وإذا اتفقا على بنا ء حائط بستان فبناه أحدهما فما تلف من الثمرة بسبب إهمال الآخر ضمن نصيب شريكه ذكره الشيخ تقي الدين وفي إجبار الممتنع لبناء السفل بطلب الآخر روايات
الثالثة: وهي أشهر ينفرد صاحبه به وعنه: يشاركه صاحب العلو فيجبر على مساعدته والبناء معه وهو قول أبي الدرداء لأنه حائط يشتركان في الانتفاع به أشبه الحائط بين ملكهما ومن له طبقة ثالثة في اشتراك الثلاثة في بناء السفل ثم الاثنان في الوسط الروايتان فإن بناه الأعلى ففي منعه الأسفل من الانتفاع بالعرصة قبل أخذ القيمة احتمالان.(4/186)
كتاب الحجر
باب الحجر
...
كتاب الحجر
وهو على ضربين حجر لحق الغير نذكر منه هاهنا الحجر على المفلس
ـــــــ
كتاب الحجر
هو في اللغة المنع والتضييق ومنه سمي الحرام حجرا قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} [الفرقان:22] أي: حراما محرما وسمي العقل حجرا لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب ما يقبح وتضر عاقبته
وهو في الشرع منع خاص يمنع الإنسان من التصرف في ماله والأصل في مشروعيته قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5] أي: أموالهم لكن أضيفت إلى الأولياء لأنهم قائمون عليها مدبرون لها وقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6] الآية وإذا ثبت الحجر على هذين ثبت على المجنون من باب أولى
"وهو على ضربين حجر لحق الغير" أي: لغير المحجور عليه كالمفلس والمريض والزوجة بما زاد على الثلث في تبرع على رواية والعبد والمكاتب والمشتري ماله في البلد أو قريب منه بعد تسليمه المبيع والراهن والمشتري بعد طلب شفيع
وضرب لحقه كالصغير والمجنون والسفيه "نذكر منه هاهنا الحجر على المفلس" أي: لحق الغرماء فالمفلس المعدم ومنه الخبر المشهور "من تعدون المفلس فيكم؟" قالوا من لا درهم له ولا متاع قال: "ليس ذلك المفلس ولكن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ويأتي وقد ظلم هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي عليه شيء أخذ من سيئاتهم فرد عليه ثم طرح في النار" رواه مسلم بمعناه
فقولهم ذلك إخبار عن حقيقة المفلس لأنه عرفهم ولغتهم وقوله ليس ذلك المفلس يجوز لم يرد به نفي الحقيقة بل أراد فلس الآخرة لأنه أشد،(4/187)
ومن لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل اجله ولم يحجر عليه من أجله فإن أراد سفرا يحل الدين قبل مدته فلغريمه منعه إلا أن يوثقه برهن أو كفيل وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان.
ـــــــ
وأعظم حتى إن فلس الدنيا عنده بمنزلة الغنى
ومنه قولهم أفلس بالحجة إذا عدمها وقيل: هو من قولهم ثمر مفلس إذا خرج منه نواه فهو خروج الإنسان من ماله
فحجر الفلس منع حاكم من عليه دين حال يعجز عنه ماله الموجود من التصرف فيه والمفلس من لا مال له ولا ما يدفع به حاجته وعند الفقهاء من دينه أكثر من ماله
"ومن لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل" حلول "أجله" لأنه لا يلزمه أداؤه قبل الأجل ومن شرط المطالبة لزوم الأداء "ولم يحجر عليه من أجله" لأن المطالبة لا تستحق فكذا الحجر "فإن أراد سفرا يحل الدين قبل مدته" أي: قبل قدومه "فلغريمه منعه" لأن عليه ضررا في تأخير حقه عن محله "إلا أن يوثقه برهن" يجوز "أو كفيل" مليء لزوال الضرر إذن
"وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان" إحداهما: له منعه
قال في المغني: هو ظاهر كلام أحمد وقدمه في المحرر وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر فملك منعه إلا بوثيقة
والثانية: لا يملك منعه وهي ظاهر الخرقي لأن هذا السفر ليس بأمارة على منع الحق في محله فلم يملك منعه منه كالسفر القصير والمذهب أنهما في غيرجهاد متعين زاد في الفروع وأمر مخوف لأن في ذلك تعريضا لفوات النفس فلا يأمن من فوات الحق فلو أحرم به لم يملك تحليله
وقال الشيخ تقي الدين وله منع عاجز حتى يقيم كفيلا ببدنه ووجهه في الفروع.(4/188)
وإن كان حالا وله مال يفي به لم يحجر عليه ويأمره الحاكم بوفائه فإن أبى حبسه فإن أصر على الحبس باع ماله وقضى دينه.
ـــــــ
"وإن كان حالا" وهو عاجز عن وفاء بعضه حرم مطالبته والحجر عليه وملازمته "و" إن كان "له مال يفي به" أي: بدينه الحال "لم يحجر عليه" لعدم الحاجة إلى ذلك لأن الغرماء يمكنهم المطالبة بحقوقهم في الحال
"ويأمره الحاكم بوفائه" أي: بعد الطلب لأن الغرماء إذا طلبوا ذلك منه تعين عليه لما فيه من فصل القضاء المنتصب له والمذهب يجب إذن على الفور ويمهل بقدر ذلك اتفاقا لكن إن خاف غريمه منه احتاط بملازمته أو كفيل أو ترسيم عليه قاله الشيخ تقي الدين
"فإن أبى حبسه" لما روى عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما
قال أحمد: قال وكيع: عرضه شكواه وعقوبته حبسه
وليس لحاكم إخراجه حتى يتبين له أمره أو يبرئه غريمه فإذا صح عند الحاكم عسرته أخرجه ولم يسعه حبسه فإن أصر على عدم الوفاء مع القدرة ضرب ذكره في المنتخب وغيره
قال في الفصول وغيره يحبسه فإن أبى عزره قال ويكرر حبسه وتعزيره حتى يقضيه قال الشيخ تقي الدين لا أعلم فيه نزاعا لكن لا يزاد كل يوم على أكثر التعزير إن قيل يتقدر
فائدة: روى البخاري من حديث أبي موسى الحبس على الدين من الأمور المحدثة وأول من حبس عليه شريح وكان الخصمان يتلازمان قال ابن هبيرة فأما الحبس الآن على الدين فلا أعرف أنه يجوز عند أحد من المسلمين وأنا على إزالته حريص ورد بأن الحبس عليه مذهب مالك والشافعي والنعمان وأبي عبيد وعبيد الله بن الحسن وغيرهم
"فإن أصر على الحبس" ولم يقض الدين "باع" الحاكم "ماله وقضى دينه" لما(4/189)
وإن ادعى الإعسار وكان دينه عن عوض كالبيع وأعرض أو عرف له مال سابق حبس إلى أن يقيم بينة على نفاذ ماله أو إعساره وهل يحلف معها على وجهين،
ـــــــ
روى كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم: حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه رواه الخلال والدارقطني من رواية إبراهيم بن معاوية وقد ضعف ورواه الحاكم وقال على شرطهما.
وظاهره: يجب نقل حرب إذا تقاعد بحقوق الناس يباع عليه ويقضى وقال الشيخ تقي الدين لا يلزمه ذلك وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
فرع: إذا مطله بحقه أحوجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك فعلى المماطل "وإن ادعى الإعسار وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض أو عرف له مال سابق" زاد جماعة والغالب بقاؤه "حبس" لأن الأصل بقاء ماله وحبسه وسيلة إلى قضاء دينه كالمقر بيساره. وكذا إذا لزمه عن غير مال كالضمان وأقر بالملاءة فيقبل قول غريمه أنه لا يعلم عسرته بدينه "إلى أن يقيم بينة على نفاد ماله" أي: تلفه وتقبل البينة من أهل الخبرة الباطنة وغيرها لأن التلف يطلع عليه "أو إعساره" لأن البينة تظهر عسرته فوجب اعتبارها وحينئذ لا يجوز حبسه ويجب إنظاره.
ولا تحل ملازمته لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] وتعتبر البينة به أن يكون من أهل الخبرة الباطنة ذكره في المغني والشرح.
"وهل يحلف معها" أي: مع البينة انه معسر "على وجهين" أحدهما لا يحلف وهو ظاهر كلام أحمد قال القاضي سواء شهدت بتلف المال أو الإعسار لأنها بينة مقبولة فلم يستحلف معها كما لو شهدت بأن هذا عبده والثاني: بلى وذكره ابن أبي موسى عن أصحابنا لاحتمال أن يكون له مال باطن خفي على البينة والمذهب كما قطع به الشيخان وصححه في الرعاية والفروع أنها إن شهدت بالتلف فطلب منه اليمين على(4/190)
وإن لم يكن كذلك حلف وخلي سبيله وإن كان له مال لا يفي بدينه،
ـــــــ
عسرته لزمه ذلك لأن اليمين على أمر محتمل خلاف ما شهدت به البينة وإن شهدت بالإعسار فلا لما فيه من تكذيب البينة
تنبيه: ظاهر كلامهم أنه متى توجه حبسه حبس ولو كان أجيرا في مدة الإجارة أو امرأة مزوجة لأن الإجارة والزوجية لا تمنع من الحبس إن قيل به
وذكر الشيخ تقي الدين فيما إذا كان المدعي امرأة على زوجها فإذا حبس لم يسقط من حقوقه عليها شيء قبل الحبس بل يستحقه عليها كحبسه في دين غيره فله إلزامها بملازمة بيته فإن خاف أن تخرج منه بلا إذنه فله أن يسكنها حيث لا يمكنها الخروج كما لو سافر عنها
"وإن لم يكن كذلك" أي: لم يكن دينه عن عوض كأرش جناية أو قيمة متلف أو مهر أو عوض خلع أو ضمان ولم يقر بالملاءة ولم يعرف له مال سابق "حلف" أنه لا مال له "وخلي سبيله" لأن الأصل عدم المال
قال ابن المنذر: الحبس عقوبة ولا نعلم له ذنبا يعاقب به والأصل عدم ماله بخلاف من علم له مال فإنه يحبس حتى يعلم ذهابه وفي الترغيب يحبس إلى ظهور إعساره وفي البلغة إلى أن يثبت وظاهر الخرقي يحبس في الحالين والمذهب ما تقدم.
مسألة: يحرم أن يحلف معسر لا حق عليه ويتأول نص عليه ومن سئل عن غريب وظن إعساره شهد.
فائدة: قال أحمد: ثنا عفان ثنا عبد الوارث ثنا محمد بن جحادة عن سليمان ابن بريدة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة" إسناده جيد
"وإن كان له مال لا يفي بدينه" أي: الحال ولا كسب له ولا ما ينفق منه.(4/191)
فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته إجابتهم ويستحب إظهاره والإشهاد عليه.
فصل
ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها: تعلق حق الغرماء بماله فلا يقبل إقراره عليه ولا يصح تصرفه فيه إلا العتق على إحدى الروايتين.
ـــــــ
غيره أو خيف تصرفه فيه فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته إجابتهم لأنه عليه السلام حجر على معاذ لما سأله غرماؤه والأصح ان طلب البعض كالكل وظاهره: أنه لا يحجر عليه من غيرسؤال الغرماء لكن لو طلبه المفلس وحده فوجهان المذهب لا يلزمه إجابته. "ويستحب إظهاره" أي: إظهار الحجر عليه "والإشهاد عليه" لأن في ذلك إعلاما للناس بحاله فلا يعامله أحد إلا على بصيرة و ليثبت عند حاكم آخر فلا يحتاج إلى إبتداء حجر ثان وهل للحاكم أن يشفع في إسقاط بعض الدين على روايتين.
فصل
"ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها تعلق حق الغرماء بماله" لأنه لو لم يكن كذلك لما كان في الحجر عليه فائدة ولأنه يباع في ديونهم فكانت حقوقهم متعلقة به كالرهن "فلا يقبل إقراره عليه" لأن حقوق الغرماء متعلقة بأعيان ماله فلم يقبل الإقرار عليه كالعين المرهونة
"ولا يصح تصرفه فيه" لأنه محجور عليه بحكم الحاكم أشبه السفيه ومرادهم بالتصرف إذا كان مستأنفا فإن كان غير مستأنف كرد بعيب اشتراه قبل الحجر وفسخه بالخيار المشترط قبل الحجر نفذ ولا يتقيد بالأحظ في أصح الوجهين قاله في البلغة
"إلا العتق على إحدى الروايتين" كالتدبير اختارها أبو بكر لأنه عتق من(4/192)
وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح ويتبع به بعد فك الحجر عنه،
ـــــــ
مالك فنفذ كالراهن لأن الشارع متشوف إليه ولذلك صح معلقه وكمل مبعضه زاد في المستوعب وصدقه بيسير
والثانية: لا ينفذ اختارها أبو الخطاب في رؤوس المسائل وصححها في المغني والشرح وهي المذهب لأنه ممنوع من التبرع لحق الغرماء فلم ينفذ عتقه كالمريض الذي يستغرق بدينه ماله ولأن الحاكم لم ينشئ الحجر إلا للمنع من التصرف وفي صحة العتق إبطال لذلك. وعلم من ذلك أن تصرفه في ملكه بالبيع ونحوه قبل الحجر عليه صحيح نص عليه لأنه رشيد غير محجور عليه ولأن سبب المنع الحجر فلا يتقدم سببه وقيل: لا ينفذ واختاره الشيخ تقي الدين وعنه: له منع ابنه من تصرفه في ماله إن أضره وعلى الأول يحرم إن أضر بغريمه ذكره الآدمي البغدادي
فرع: لو أكرى جملا بعينه أو دارا لم ينفسخ بالفلس والمكتري أحق بها حتى تنقضي مدته.
آخر: يكفر هو وسفيه بصوم فإن فك حجره قبل تكفيره وقدر كفر بغيره
"وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح" لأنه أهل للتصرف فالحجر متعلق بماله لا بذمته منه فوجب صحة تصرفه في ذمته عملا بأهليته السالمة عن معارضة الحجر. "ويتبع به بعد فك الحجر عنه" لأنه حق عليه لم يتعلق بماله قبل فك الحجر لحق الغرماء فوجب أن يتبع به بعد فك الحجر عنه لزوال العارض وليس لأرباب هذه الحقوق مشاركة الغرماء لأن من علم بفلسه وعامله فقد رضي بالتأخير ومن لم يعلم فقد فرط أما إن ثبت عليه حق ببينة شارك صاحبه الغرماء لأنه دين ثابت قبل الحجر عليه أشبه ما لو شهد به قبل الحجر.(4/193)
وإن جنى شارك المجني عليه الغرماء وإن جنى عبده قدم حق المجني عليه بثمنه.
فصل
الثاني: ان من وجد عنده عينا باعها اياه فهو أحق بها،
__________
"وإن جنى" المفلس "شارك المجني عليه الغرماء" لأن حقه ثبت على الجاني بغير اختيار من له الحق ولم يرض بتأخيره كما قبل الحجر عليه
وحكم الجناية إذا كانت موجبة للقصاص وصولح على مال حكم الجناية الموجبة للمال ابتداء لا يقال أرش الجناية هنا يقدم على الغرماء كما تقدم جناية العبد المرهون على حق المرتهن لأن دين الجناية والغرماء يتعلق فيهما بالذمة بخلاف جناية العبد المرهون فإنها متعلقة بالعين تفوت بفواتها
"وإن جنى عبده قدم حق المجني عليه بثمنه" لأن حقه تعلق بالعين فيقدم على من تعلق حقه بالذمة
كما يقدم حق المرتهن بثمن الرهن على الغرماء ولأن حق المجني عليه يقدم على المرتهن فأولى أن يقدم على حق الغرماء
مسألة: إذا وجب له قود فله أخذه وتركه مجانا نص عليه وما أخذه أو عفا عنه فللغرماء أخذه وكذا لو عفا مطلقا و قلنا: الواجب بقتل العمد أحد شيئين.
فصل
"الثاني: أن من وجد عنده عينا باعها اياه فهو أحق بها" روي عن علي وعمار وأبي هريرة لحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من أدرك متاعه عند إنسان أفلس فهو أحق به" متفق عليه
قال أحمد: لو أن حاكما حكم أنه أسوة الغرماء ثم رفع إلى رجل يرى(4/194)
بشرط أن يكون المفلس حيا،
ـــــــ
العمل بالحديث جاز له نقض حكمه ذكره في المغني والشرح ويحتمل أن لا ينقض وحينئذ البائع بالخيار بين الرجوع فيها وبين أن يكون أسوة الغرماء وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو لا
وظاهره: لا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم لثبوته بالنص كفسخ المعتقة وقيل: بل بناء على تسويغ الاجتهاد وهو على التراخي كالرجوع في الهبة وقيل: على الفور نصره القاضي كخيار الشفعة وهما مبنيان على الروايتين في الرد بالعيب قاله في الشرح فلو بذل الغرماء الثمن لصاحب السلعة لم يلزمه قبوله نص عليه
فإن دفعوا الثمن إلى المفلس فبذله للبائع لم يكن له الفسخ لأنه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ كما لو أسقط الغرماء حقهم
وفيما إذا باعه بعد حجره في ذمته وتعذر الاستيفاء أقوال ثالثها له خيار الفسخ إذا كان جاهلا به وهو ظاهر كلام جماعة لأن العالم دخل على بصيرة بخراب الذمة كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه بخلاف الجاهل
ويستثنى من ذلك ما إذا كان المبيع صيدا والبائع محرم فإنه لا يملك الرجوع فيه كما لو اشتراه وظاهره: اختصاص هذا الحكم بالبيع وليس كذلك فلو اقترض مالا ثم أفلس وعين المال قائمة فله الرجوع فيها
أو أصدق امرأة عينا ثم انفسخ نكاحها بسبب من جهتها يسقط صداقها إن طلقها قبل الدخول فاستحق الرجوع في نصفه وقد أفلست ووجد عين ماله فهو أحق به وظاهره: أنه لا رجوع لورثة البائع لظاهر الخبر
والأصح: أنه يثبت لهم "بشرط أن يكون المفلس حيا" إلى أخذها لما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء" رواه مالك وأبو داود مرسلا ورواه أبو داود مسندا من حديث إسماعيل بن عياش(4/195)
ولم ينقد من ثمنها شيئا والسلعة بحالها لم يتلف بعضها،
ـــــــ
عن الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر عن أبي هريرة قال أبو داود وحديث مالك أصح. فعلى هذا: البائع أسوة الغرماء سواء علم بفلسه قبل الموت فحجر عليه ثم مات أو مات فتبين فلسه ولأن الملك انتقل عن المفلس إلى الورثة أشبه ما لو باعه
وعنه: له الرجوع لما روى عمر بن خلدة قال أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس فقال لأقضينّ فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من افلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو احق به" رواه أبو داود
وجوابه: بأنه مجهول الإسناد قاله ابن المنذر وهذا الشرط لم يذكره في التلخيص والبلغة
"ولم ينقد من ثمنها شيئا" ولا أبرئ من بعضه فإن كان قد نقد من ثمنها أو أبرئ منه فهو أسوة الغرماء لأن في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة على المشتري وإضرارا له لا يقال لا ضرر فيه لكون مال المفلس يباع ولا يبقى لأن الضرر متحقق مع البيع فإنه لا يرغب فيه كالرغبة منفردا فينقص ثمنه فيتضرر المفلس والغرماء ولأنه سبب يفسخ به البيع فلم يجز مع تشقيصه كالرد بالعيب
"والسلعة بحالها لم يتلف بعضها" للخبر فلو ذهب بعض أطراف العبد أو عينه أو بعض الثوب أو انهدم بعض الدار أو تلفت الثمرة فيما إذا اشترى شجرا مثمرا لم تظهر ثمرته قاله في والشرح فهو اسوة الغرماء لأنه لم يجدها بعينها إذ الشارع جعله شرطا في الرجوع
ولا فرق بين أن يرضى بالموجود بجميع الثمن أو يأخذه بقسطه منه لأنه فات شرط الرجوع
فإن باع بعضه أو وهبه أو وقفه أو خلطه بغيره على وجه لا يتميز،(4/196)
ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق ولم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية،
ـــــــ
كزيت بمثله فهو كتلفه وظاهره: ولو كان المبيع عينين وفيه روايتان إحداهما: ونقلها أبو طالب لا رجوع بل هو أسوة الغرماء لأنه لم يجد المبيع بعينه
والثانية: بلى نقلها الحسن بن ثواب وقدمها في المحرر لأن السالم من المبيع وجده بعينه فيدخل في العموم وحينئذ يأخذ الباقي بقسطه من الثمن وعليها يفرق بينها وبين ما إذا قبض بعض الثمن لأن المقبوض من الثمن مقسط على المبيع فيقع القبض من ثمن كل واحدة من العينين وقبض شيء من ثمن ما يريد الرجوع فيه مبطل له بخلاف التلف فإنه لا يلزم من تلف أحد العينين تلف شيء من العين الأخرى
"ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق" وجعل الزيت صابونا والخشبة بابا والشريط إبرا ونحو ذلك لأنه لم يجد متاعه بعينه فلم يكن له الرجوع كالتلف
وكما لو كان نوى فنبت شجرا قاله ابن المنجا وفيه شيء فإنهم اختلفوا في الحب إذا صار زرعا وبالعكس والنوى إذا نبت شجرا والبيض إذا صار فراخا فذهب القاضي وصاحب التلخيص أنه لا يسقط الرجوع لأن الخارج هو نفسه والأشهر عندنا أنه لا يملك الرجوع كما هو ظاهر كلام المؤلف
ودخل في كلامه ما لو كان المبيع أمة بكرا فوطئها المشتري أنه لا رجوع له لما ذكرنا وفيه وجه بلى كالرد بالعيب في الأصح ووطء غيره كهو "ولم يتعلق بها حق" للغير "من شفعة" وجزم به المحققون لأن حقه أسبق لكونه ثبت بالبيع والبائع حقه ثبت بالحجر وما كان أسبق فهو أولى
وقال ابن حامد: للبائع أخذه لعموم الخبر وفي ثالث إن طالب بها فهو أحق لتأكد حقه بالمطالبة وإلا فلا
"أو جناية" فإن كان المبيع عبدا فجنى ثم أفلس المشتري فالمذهب: أن(4/197)
أو رهن ونحوه ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة وعنه: أن الزيادة لا تمنع الرجوع،
ـــــــ
البائع أسوة الغرماء لأن الرهن يمنع الرجوع وحق الجناية مقدم عليه فأولى أن يمنع
والثاني: لا يمنع لأنه حق يمنع تصرف السيد بالبيع وغيره فلا يمنع الرجوع كما لو ثبت في ذمته دين
فعلى هذا يخير إن شاء رجع فيه ناقصا بأرش الجناية وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء وقيل: ما نقص من قيمته رجع بقسطه من ثمنه
"أو رهن" بغير خلاف نعلمه للخبر ولأن المفلس عقد قبل الفلس عقدا منع نفسه من التصرف فلم يملك الرجوع كما لو وهبه ولأن في الرجوع إضرارا بالمرتهن والضرر لا يزال بمثله فإن كان دين المرتهن دون قيمة الرهن بيع كله فقضى منه دينه وباقيه يرد على مال المفلس فإن بيع بعضه فباقيه يشترك فيه الغرماء
وقال القاضي: يرجع فيه البائع لأنه عين ماله فلو كان المبيع عينين فرهن إحداهما فهل يملك البائع الرجوع في الأخرى؟ على وجهين بناء على الروايتين فيما إذا تلفت إحداهما "ونحوه" كالعتق
مسألة: إذا أفلس بعد خروجه من ملكه بوقف ونحوه فلا رجوع له فإن أفلس بعد رجوعه إلى ملكه فأوجه ثالثها إن عاد إليه بفسخ كإقالة فله الرجوع لا إذا عاد بسبب جديد لأنه لم يصل إليه من جهته فلو اشتراها ثم باعها ثم اشتراها فقيل البائع الأول أولى لسبقه وقيل: يقرع
"ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة" هذا اختيار الخرقي وقاله في الإرشاد والموجز لأن الرجوع فسخ بسبب حادث فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائد زيادة متصلة كفسخ النكاح بالإعسار أو الرضاع
"وعنه: أن الزيادة لا تمنع الرجوع" هذا هو المنصوص عن أحمد وهو(4/198)
فأما الزيادة المنفصلة والنقص بهزال أو نسيان صنعة فلا يمنع الرجوع،
ـــــــ
المذهب لعموم الخبر ولأنه فسخ لا يمنع منه الزيادة المنفصلة فكذا المتصلة كالرد بالعيب وفارق الرد هنا الرد بالفسخ بالإعسار أو الرضاع من حيث إن الزوج يمكنه الرجوع في قيمة العين فيحصل له حقه تاما وها هنا لا يمكن البائع الرجوع في جميع الثمن لمزاحمة الغرماء فلا يحصل له حقه تاما ونصر في المغني والشرح الأول
"فأما الزيادة المنفصلة" كالولد والثمرة" والنقص بهزال أو نسيان صنعة فلا يمنع الرجوع" بغير خلاف بين أصحابنا قاله في الشرح وفيه شيء لأن البائع وجد عين ماله فكان أحق به بخلاف المتصلة وقيل: يمنع وحكاه في الموجز والتبصرة رواية كالمتصلة وعلى الأول لا فرق بين أن ينقص بالزيادة أو لا إذا كان على صفته
"والزيادة للمفلس" في ظاهر الخرقي وقاله القاضي وابن حامد وصححه في المغني والشرح وجزم به في الوجيز لأنها زيادة حصلت في ملكه فكانت له يؤيده "الخراج بالضمان"
"وعنه: للبائع "نص عليه وهو الأشهر لأنها زيادة فكانت للبائع كالمتصلة وحكاه في المغني قولا لأبي بكر وانه أخذه من قول أحمد في ولد الجارية ونتاج الدابة وقياسهم على المتصلة غيرصحيح لأنه يتبع في الفسوخ والرد بالعيب بخلاف المنفصلة
قال في المغني: ولا ينبغي أن يقع في هذا خلاف لظهوره وأما نقص المال بذهاب صفة مع بقاء عينه فلا يمنع لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين ماله لكن يتخير بين أخذه ناقصا بجميع حقه وبين أن يضرب مع الغرماء بكمال ثمنه لأن الثمن لا يتقسط على صفة السلعة من سمن وهزال وعلم ونحوه فيصير كنقصه لتغير الأسعار
"وإن صبغ الثوب أو قصره" أولت السويق بزيت "لم يمنع الرجوع" ذكره الأصحاب لأن العين قائمة مشاهدة لم يتغيراسمها ولا صفتها(4/199)
والزيادة للمفلس وعنه: للبائع وإن صبغ الثوب أو قصره لم يمنع الرجوع والزيادة للمفلس وإن غرس أو بنى فيها فله الرجوع ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكهما،
ـــــــ
"والزيادة للمفلس" لأنها حصلت بفعله في ملكه فيكون شريكا للبائع بما زاد عن قيمة الثوب والسويق وإن حصل نقص فعلى المفلس لكن إن نقصت قيمتها فيخير البائع بين أخذهما ناقصين ولا شيء له وبين تركهما وهو أسوة الغرماء لأن هذا نقص صفته فهو كالهزال
وقيل: لا رجوع إن زادت القيمة لأنه اتصل بالمبيع زيادة للمفلس فمنعت الرجوع كالسمن
وحاصله إذا قصر الثوب لم يخل من حالين أحدهما أن لا تزيد قيمته بذلك فللبائع الرجوع والثاني: أن تزيد قيمته به فظاهر الخرقي أنه لا يملك الرجوع لأنه زاد زيادة لا تتميز فهي كالسمن
وقال القاضي وأصحابه: له الرجوع لأنه أدرك متاعه بعينه فعلى هذا إن كانت القصارة بفعل المفلس أو بأجرة وفاها فهما شريكان في الثوب فإن اختار البائع دفع قيمة الزيادة إلى المفلس لزمه قبولها لأنه يتخلص بذلك من ضرر الشركة أشبه ما لو دفع الشفيع قيمة البناء إلى المشتري وإن لم يختر بيع الثوب وأخذ كل واحد بقدر حقه
فلو كان قيمة الثوب خمسة فصار يساوي ستة فللمفلس سدسه وللبائع خمسة أسداسه وإن كان العمل من صانع لم يستوف أجره فله حبس الثوب على استيفاء أجرته اقتصر عليه في الشرح
"وإن غرس" المفلس الأرض "أو بنى فيها فله" أي: للبائع "الرجوع" هذا هو الأصح قبل قلع غرس أو بناء لأنه أدرك متاعه بعينه ومال المشتري دخل على وجه التبع كالصبغ "ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكهما" لأنهما حصلا في ملكه لغيره بحق فكان له أخذه بقيمته كالشفيع ويملك البائع قلعه وضمان(4/200)
إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص فإن أبوا القلع وأبى البائع دفع القيمة سقط الرجوع،
ـــــــ
نقصه كالمعير إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير
والثاني: لا يملك الرجوع إلا بعد القلع لأنه غرس المفلس وبناؤه فلم يجبر على بيعه لهذا البائع ولا على قلعه كما لو لم يرجع في الأرض وعلى الأول لو قلعه المفلس والغرماء لزمهم تسوية الأرض وأرش نقصها الحاصل به ويضرب بالنقص مع الغرماء وعلى الثاني لا.
"إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص" لأن البائع لا حق له في الغراس والبناء فلا يملك إجبار مالكهما على المعاوضة فعلى هذا يرجع في أرضه ويضرب مع الغرماء بأرش نقصها لأن ذلك نقص حصل لتخليص ملك المفلس فكان عليه كما لو دخل فصيل دارا فكبر ولم يمكن إخراجه إلا بالانهدام
"فإن أبوا القلع وأبى البائع دفع القيمة سقط الرجوع" في الأصح لما فيه من الضرر على المشتري والغرماء والضرر لا يزال بمثله ولأن عين مال البائع صارت مشغولة بملك غيره فسقط حقه من الرجوع كما لو كان مسامير فسمر بها بابا أو خشبة فبنى عليها دارا وظاهره: أنهم إذا امتنعوا من القلع لم يجبروا لوضعه بحق
وقال القاضي: له الرجوع لأنه أدرك متاعه بعينه وكالثوب إذا صبغه وجوابه المنع ولو سلم فيفرق بينهما من حيث إن الصبغ يفرق في الثوب فصار كالصفة بخلاف الغراس والبناء فإنها أعيان متميزة وبأن الثوب لا يراد للبقاء بخلاف الأرض فعلى قوله إذا رجع في الأرض بقي الغراس والبناء للمفلس
فإن اتفق الجميع على البيع بيعت الأرض بما فيها وأخذ كل واحد قدر حصته وقيل: يباع الغرس مفردا وعلى الأول يقسم الثمن على قدر القيمتين فتقوم الأرض خالية ثم تقوم وهما بها فقيمة الأرض خالية للبائع،(4/201)
ـــــــ
والزيادة للمفلس والغرماء
تنبيه: شرط بعض أصحابنا أيضا أن يكون الثمن حالا فإن كان مؤجلا فلا رجوع للبائع قاله أبو بكر وصاحب التلخيص فيه لعدم تمكنه من المطالبة
وظاهر كلامه هنا وقاله الأكثر أن هذا ليس بشرط والمنصوص أنه يوقف إلى الأجل ثم يعطاه وقال ابن أبي موسى له أخذه في الحال
ومحل الرجوع إذا استمر العجز عن أخذ الثمن فإن تجدد للمفلس مال بعد الحجر وقبل الرجوع فلا رجوع إذن
مسائل
الأولى: لو اشترى أرضا فزرعها ثم أفلس يقر الزرع لربه مجانا إلى الحصاد فإن اتفق المفلس والغرماء على الترك أو القطع جاز وإن اختلفوا وله قيمة بعد القطع قدم قول من يطلبه
الثانية : إذا اشترى نخلا فأطلع ثم أفلس قبل التأبير فالطلع زيادة متصلة في الأصح وإن كان بعده فمنفصلة وحكم الشجر كذلك
الثالثة: إذا اشترى غراسا فغرسه في أرضه ثم أفلس ولم تزد الغراس فله الرجوع فيه فإن أخذه لزمه تسوية الأرض وأرش نقصها فإن بذل الغرماء والمفلس له القيمة لم يجبر على قبولها وإن امتنع من القلع فبذلوا القيمة له ليملكه المفلس أو أرادوا قلعه وضمان النقص فلهم ذلك وكذا لو أرادوا قلعه من غيرضمان النقص في الأصح
الرابعة: إذا اشترى أرضا من شخص وغراسا من آخر وغرسه فيها ثم أفلس ولم يزد فلكل الرجوع في عين ماله ولصاحب الأرض قلع الغراس من غير ضمان فإن قلعه بائعه لزمه تسوية الأرض وأرش نقصها الحاصل به فإن بذل صاحب الغراس قيمة الأرض لصاحبها لم يجبر على ذلك وفي العكس إذا امتنع من القلع له ذلك في الأصح.(4/202)
فصل
الثالث: بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه وينبغي أن يحضره ويحضر الغرماء ويبيع كل شيء في سوقه،
ـــــــ
الخامسة: رجوع البائع فسخ للبيع لا يحتاج إلى معرفة المبيع ولا إلى القدرة على تسليمه فلو رجع بثمن آبق صح وصار له فإن قدر أخذه وإن تلف فمن ماله وإن بان تلفه حين استرجعه بطل استرجاعه وإن رجع في مبيع اشتبه بغيره قدم تعيين المفلس لإنكاره دعوى استحقاق البائع وإن مات بائع مدينا فمشتر أحق بطعام وغيره ولو قبل قبضه نص عليه.
فصل
"الثالث: بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه" على الغرماء لأنه عليه السلام لما حجر على معاذ باع ماله في دينه وقسم ثمنه بين غرمائه ولفعل عمر ولأنه محجور عليه يحتاج إلى قضاء دينه فجاز بيع ماله بغير رضاه كالسفيه ولا يباع إلا بثمن مثله المستقر في وقته أو أكثر لكن إن كان ماله من جنس الدين قسمه على الغرماء من غير بيع صرح به في الشرح والفروع. "وينبغي" أي: يستحب "أن يحضره" أي: المفلس وقت البيع لفوائد منها أن يحضر ثمن متاعه ويضبطه ومنها أنه أعرف بالجيد من متاعه فإذا حضر تكلم عليه ومنها أنه تكثر فيه الرغبة ومنها أنه أطيب لنفسه وأسكن لقلبه ووكيله كهو قاله في البلغة
"ويحضر الغرماء" لأنه لهم وربما رغبوا في شيء فزادوا في ثمنه وأطيب لقلوبهم وأبعد للتهمة قال في الشرح وغيره وربما يجد أحدهم عين ماله فيأخذها
"ويبيع كل شيء في سوقه" لأنه أحوط وأكثر لطلابه فلو باعه في غير سوقه بثمن مثله صح لأن الغرض تحصيل الثمن كالوكالة ويبيع بنقد البلد لأنه أصلح فإن كان فيه نقود باع بأغلبها فإن تساوت باع بجنس الدين.(4/203)
ويترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم وينفق عليه بالمعروف إلى أن يخلو من قسمه بين غرمائه ويبدأ ببيع ما يسرع إليه الفساد ثم بالحيوان ثم بالأثاث ثم بالعقار ويعطي المنادي أجرته من المال،
ـــــــ
"و" يجب "أن يترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم" لأن ذلك مما لا غنى له عنه فلم يبع في دينه ككتابه وقوته لكن لو كان له داران يستغني بإحداهما أو كانت واسعة تفضل عن مسكن مثله بيع وكذا الخادم إذا كان نفيسا
"وينفق عليه بالمعروف إلى أن يخلو من قسمه بين غرمائه" لقوله عليه السلام: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" لأن ملكه باق عليه قبل القسمة وذكر في المغني والشرح أنه ينفق عليه من ماله إن لم يكن له كسب ولم يتعرض المؤلف لنفقة عياله وكسوتهم
ولا خلاف في وجوب نفقة زوجته وتكون دينا عليه وكسوتها وكذا أولاده وأقاربه والواجب فيهما أدنى ما ينفق على مثله ويكسى وتترك له آلة حرفة أوما يتجر به إن عدمها نص عليه وفي الموجز والتبصرة وفرس يحتاج إلى ركوبها ونقل عبد الله يباع الكل إلا المسكن وما يواريه من ثياب وخادما يحتاجه
"ويبدأ ببيع ما يسرع إليه الفساد" كالفاكهة ونحوها لأن بقاءه يتلفه بيقين "ثم بالحيوان" لأنه معرض للإتلاف ويحتاج في بقائه "ثم بالأثاث" لأنه يخاف عليه وتناله الأيادي "ثم بالعقار" لأنه لا يخاف تلفه بخلاف غيره وبقاؤه أشهر له وأكثر لطلابه والعهدة على المفلس فقط إذا ظهر مستحقا قاله في الشرح
"ويعطي المنادي أجرته من المال" لأن البيع حق على المفلس لكونه طريقا إلى وفاء دينه وهذا إذا لم يوجد متبرع
وقيل: أجرته من بيت المال مع إمكانه لأنه من المصالح فإن لم يمكن،(4/204)
ويبدأ بالمجني عليه فيدفع إليه الأقل من الأرش أو ثمن الجاني ثم بمن له رهن فيختص بثمنه،
ـــــــ
فمن المال وكذا الخلاف فيمن يحفظ المتاع ويحمله ونحوهما وقيل: لا ينادي على عقار بل يعلم به أهل البلد وقاله القاضي وجماعة
ويشترط فيه أن يكون ثقة فإن اتفق الكل على ثقة أمضاه الحاكم وإن كان غير ثقة رده بخلاف المرهون إذا اتفق الراهن والمرتهن على غيرثقة لم يكن له رده والفرق أن للحاكم هنا نظرا فإنه قد يظهر غريم آخر فإن اختلف المفلس في ثقة والغرماء في آخر قدم المتطوع منهما وإلا قدم أوثقهما وأعرفهما قاله ابن المنجا
وفي الفروع قدم من شاء منهما والمراد مع التساوي في الصفات
"ويبدأ بالمجني عليه" أي: إذا كان عبده الجاني لأن الحق متعلق بعينه يفوت بفواتها بخلاف بقية الغرماء فلو كان هو الجاني فالمجني عليه أسوة الغرماء لأن حقه متعلق بالذمة فيدفع إليه الأقل من الأرش أو ثمن الجاني لأن الأقل إن كان الأرش فهو لا يستحق إلا أرش الجناية وإن كان ثمن الجاني فهو لا يستحق غيره لأن حقه متعلق بعينه
فعلى هذا إذا فضل شيء من ثمن الجاني عن أرش الجناية قسم على بقية الغرماء "ثم بمن له رهن" كذا أطلقه في المحرر والوجيز والمذهب أنه مقيد باللزوم
"فيختص بثمنه" أي: يباع سواء كان بقدر دينه أولا ويختص المرتهن بثمنه بشرطه وسواء كان المفلس حيا أو ميتا لأن حقه متعلق بعين الرهن وذمة الراهن بخلاف الغرماء
وعنه: إذا مات الراهن أو أفلس فالمرتهن أحق به ولم يعتبر وجود قبضه بعد موته أو قبله وفي الرعاية يختص بثمن الرهن على الأصح.(4/205)
فإن فضل له فضل ضرب به مع الغرماء وإن فضل منه فضل رد على المال ثم بمن له عين مال يأخذها ثم يقسم الباقي بين باقي الغرماء على قدر ديونهم فإن كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل وعنه: يحل ويشاركهم،
ـــــــ
"فإن فضل له فضل ضرب به مع الغرماء" لأنه ساواهم في ذلك وإن فضل منه أي: من الرهن "فضل رد على المال" لأنه انفك من الرهن بالوفاء فصار كسائر مال المفلس
أصل: لم يذكر المؤلف حكم مستأجر العين حيث أفلس المؤجر وهو أحق بها لأن حقه متعلق بالعين والمنفعة وهي مملوكة له في هذه المدة بخلاف ما لو استأجرها في الذمة فإنه أسوة الغرماء لعدم تعلق حقه بالعين
"ثم بمن له عين مال يأخذها" بالشروط السابقة "ثم يقسم الباقي بين باقي الغرماء" لتساوي حقوقهم في تعلقها بذمة المفلس "على قدر ديونهم" لأن فيه تسوية بينهم ومراعاة لكمية حقوقهم فلو قضى الحاكم أو المفلس بعضهم لم يصح لأنهم شركاؤه فلم يجز اختصاصه دونهم ولا يلزمهم بيان أن لا غريم سواهم بخلاف الورثة ذكره في الترغيب والفصول وغيرهما لئلا يأخذ أحدهم ما لا حق له فيه
"فإن كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل" هذا هو المذهب المعروف وحكاه القاضي رواية واحدة لأن الأجل حق للمفلس فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه ولأنه لا يوجب حلول ماله فلا يوجب حلول ما عليه كالإغماء "وعنه: يحل" حكاها أبو الخطاب دفعا للضرر عن ربه ولأن الإفلاس يتعلق به الدين بالمال فأسقط الأجل كالموت
"ويشاركهم" كبقية الديون الحالة وعنه: إن وثق لم يحل لزوال الضرر والأجل نقلها ابن منصور والأول أصح وقياسهم على الموت مردود بالمنع ثم بتقدير تسليمه يفرق فإن ذمة الميت خربت بخلاف المفلس
فعلى هذا لا يوقف له شيء ولا يرجع على الغرماء إذا حل نعم إذا حل قبل(4/206)
ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل إذا وثق الورثة وعنه: يحل،
ـــــــ
القسمة شاركهم وإن كان بعد قسمة البعض شاركهم في الباقي بجميع دينه ويضرب باقي الغرماء ببقية ديونهم.
"ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل" هذا هو المختار لعامة الأصحاب "إذا وثق الورثة" بأقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين بكفيل مليء أو رهن لأن الأجل حق للميت فورث عنه كسائر حقوقه
وظاهره: أنه يحل إذا لم يوثقوا على الأشهر جزم به الشيخان لغلبة الضرر "وعنه: يحل" اختاره ابن أبي موسى لأنه إما أن يبقى في ذمة الميت أو الورثة أو متعلق بالمال فالأول منتف لخرابها وتعذر مطالبته
والثاني: كذلك لأنهم لم يلتزموا الدين ولا رضي صاحب الدين بذممهم وهي مختلفة متباينة.
والثالث: ممنوع لأنه لا يجوز تعليقه على الأعيان وتأجيله لأنه ضرر على الميت لأن ذمته مرتهنة بدينه وعلى صاحب المال لتأخر حقه وقد يسقط لتلف العين وعلى الورثة لأنهم لا ينتفعون بالأعيان ولا يتصرفون فيها
وظاهره: ولو قبله ربه وعنه: لا يحل مطلقا اختاره أبو محمد الجوزي كدينه
مسائل
الأولى: إذا ورثه بيت المال فوجهان أحدهما يحل لعدم وارث معين ولهذا للإمام أن يقطع الأراضي وإن كانت لجميع المسلمين والثاني: ينتقل إلى بيت المال ويضمن الإمام للغرماء.
الثانية: ظاهر كلامهم أنه إذا جن وعليه دين مؤجل أنه لا يحل وفي التلخيص كما سبق وكذا في حله بجنون
الثالثة: إذا مات وعليه دين حال ودين مؤجل و قلنا: لا يحل وماله بقدر(4/207)
وإن ظهر غريم بعد قسم ماله رجع على الغرماء بقسطه وإن بقيت على المفلس بقية وله صنعة فهل يجبر على إيجار نفسه لقضائها؟ على روايتين
ـــــــ
الحال فهل يترك له ما يخصه ليأخذه أو يوفى الحال ويرجع على ورثته صاحب المؤجل بحصته إذا حل أو لا يرجع فيه أوجه.
الرابعة: إذا مات وعليه دين لم يمنع نقل التركة إلى الورثة فإن تصرفوا فيها صح كتصرف السيد في الجاني فإن تعذر وفاؤه فسخ تصرفهم وعنه: يمنع
وفي الانتصار الصحيح أنه في ذمة ميت والتركة رهن وفي الترغيب الدين وإن قل يمنعه من التصرف نظرا له فعلى ذلك لا يصح تصرف كل من الغرماء والورثة إلا بإذن الآخر وإن ضمنه ضامن وحل على أحدهما لم يحل على غيره
"وإن ظهر غريم بعد قسم ماله" لم ينقض خلافا ل المكافي "رجع على الغرماء بقسطه" لأنه لو كان حاضرا شاركهم فكذا إذا ظهر وفي المغني هي قسمة بان الخطأ فيها كقسمة أرضا أو ميراثا ثم بان شريك أو وارث قال الأزجي فلو كان له ألف اقتسمها غريماه نصفين ثم ظهر ثالث دينه كدين أحدهما رجع على كل واحد بثلث ما قبضه وإن كان أحدهما قد أتلف ما قبضه فظاهر المذهب أن الثالث: يأخذ من الآخر ثلث ما قبضه من غير زيادة.
فرع: ذكر المؤلف في فتاويه لو وصل مال لغائب فأقام رجل بينة أن له عليه دينا وأقام آخر بينة إن طالبا جميعا اشتركا وإن طالب أحدهما اختص به لاختصاصه بما يوجب التسليم وعدم تعلق الدين بماله قال في الفروع ومراده ولم يطالب أصلا وإلا شاركه مالم يقبضه
"وإن بقيت على المفلس بقية" من الديون "وله صنعة فهل يجبر على إيجار نفسه لقضائها؟ على روايتين" الأشهر أنه يجبر لأنه عليه السلام باع سرقا في دينه القدرة أبعرة رواه الدارقطني من رواية خالد بن مسلم الزنجي وفيه ضعف
والحر لا يباع فعلم أنه باع منافعه إذ المنافع تجري مجرى الأعيان في صحة(4/208)
ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكم حاكم فإذا فك عنه الحجر فلزمته ديون وحجر عليه شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني: فإن كان المفلس حق له به شاهد واحد فأبى أن يحلف معه،
ـــــــ
العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة فكذا هنا ولأن الإجارة عقد معارضة فجاز إجباره عليها كبيع ماله وكوقف وأم ولد استغني عنها
والثانية: لا لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} االبقرة ولقوله عليه السلام: "خذوا ما وجدتم فليس لكم إلا ذلك" رواه مسلم
ولأنه تكسب للمال فلم يجبر عليه كقبول هبة ووصية وتزويج أم ولد ورد مبيع وإمضائه وفيه وجه مع الأحظ وأخذ دية عن قود والأول أصح والآية محمولة على من لا صنعة له وادعاء الفسخ في الحديث بعيد لأنه يلزم ثبوته بالاحتمال بدليل أنه لم يثبت أن بيع الحر كان جائزا في وقت في شريعتنا فتبين أن المراد ببيعه بيع منافعه مع انه أحسن من حمله النسخ وحينئذ يبقى الحجر ببقاء دينه إلى الوفاء
ولو طلبوا إعادته لما بقي بعد فك الحاكم لم يجبهم
"ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكم حاكم" لأنه ثبت بحكمه فلا يزول إلا به كالمحجور عليه لسفه وقيل: يزول بقسمة ماله لأنه حجر عليه لأجله فإذا زال ملكه عنه زال الحجر كزوال حجر المجنون بزوال جنونه والفرق واضح فإنه ثبت بنفسه فزال بزواله بخلاف هذا ولأن فراغ ماله يحتاج إلى معرفة وبحث فوقف ذلك على الحاكم بخلاف الجنون
"فإذا فك عنه الحجر فلزمته ديون" وظهر له مال "وحجر عليه شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني" لأنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في ذمته فوجب أن يتساووا في المشاركة كغرماء الميت إلا أن الأولين يضربون ببقية ديونهم والآخرين يضربون بجميعها. "فإن كان للمفلس حق له به شاهد واحد فأبى أن يحلف معه" لم يجبر(4/209)
لم يكن الغرماء أن يحلفوا.
فصل
الحكم الرابع: انقطاع المطالبة عن المفلس فمن أقرضه شيئا أو باعه لم يملك المطالبة حتى ينفك الحجر عنه.
فصل
الضرب الثاني: المحجور عليه لحظه وهو الصبي والمجنون والسفيه،
__________
لأنا لا نعلم صدق الشاهد "لم يكن للغرماء أن يحلفوا" لأنهم يثبتون ملكا لغريمهم لتتعلق حقوقهم به بعد ثبوته فلم يجز كالمرأة تحلف لإثبات ملك زوجها لتتعلق نفقتها به وكالورثة قبل موت موروثهم
وعلم منه أن المفلس إذا حلف مع شاهده ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء.
فصل
"الحكم الرابع: انقطاع المطالبة عن المفلس" للنص ولأن قوله: {فَنَظِرَةٌ} خبر بمعنى الأمر أي: أنظروه إلى يساره مع قوله ليس لكم إلا ذلك "فمن اقرضه شيئا أو باعه لم يملك مطالبته" لتعلق حق الغرماء بعين ماله "حتى ينفك الحجر عنه" لأنه هو الذي أتلف ما له بمعاملة من لا شيء له لكن إذا وجد البائع والمقرض أعيان مالهما فهل لهما الرجوع فيها؟ على وجهين أحدهما: لهما ذلك للخبر والثاني: لا فسخ لهما لأنهما دخلا على بصيرة بخراب الذمة كما لو اشترى معيبا يعلم به.
فصل
"الضرب الثاني: المحجور عليه لحظه" إذ المصلحة تعود عليه بخلاف المفلس "وهو الصبي والمجنون والسفيه" إذ الحجر على هؤلاء حجر عام لأنهم يمنعون(4/210)
فلا يصح تصرفهم قبل الإذن ومن دفع إليهم ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقيا وإن تلف فهو من ضمان مالكه علم بالحجر أو لم يعلم وإن جنوا فعليهم أرش جنايتهم ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا انفك الحجر عنهما بغير حكم حاكم نص عليه،
ـــــــ
التصرف في أموالهم وذممهم "فلا يصح تصرفهم قبل الإذن" لأن تصحيح تصرفهم يفضي إلى ضياع مالهم وفيه ضرر عليهم "ومن دفع إليهم" أو إلى أحدهم "ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقيا" لأنه عين ماله "وإن تلف" أو أتلفه "فهو من ضمان مالكه" لأنه سلطه عليه برضاه
وقيل: يضمن مجنون "علم بالحجر" لأنه فرط "أو لم يعلم" لتفريطه لكونه في مظنة الشهرة وقيل: يضمن سفيه جهل حجره هذا إذا كان صاحبه سلطه عليه فأما إن حصل في يده باختيار مالكه من غيرتسليط كالوديعة والعارية فوجهان فيه
ومن أعطوه مالا ضمنه حتى يأخذه وليه وإن أخذه ليحفظه لم يضمنه في الأصح وكذا إن أخذ مغصوبا ليحفظه لربه "وإن جنوا فعليهم أرش جنايتهم" لأنه لا تفريط من المالك والإتلاف يستوي فيه الأهل وغيره وكذا حكم المغصوب لحصوله في يده بغير اختيار المالك
"ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا انفك الحجر عنهما" فأما المجنون فبالاتفاق لأن الحجر عليه لجنونه فإذا زال وجب زوال الحجر لزوال علته وأما الصبي فلقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} [النساء الآية:6].
"بغير حكم حاكم نص عليه" وفي المغني والشرح بغير خلاف في المجنون وفيه وجه أنه يفتقر إليه كالسفيه لأنه موضع اجتهاد فاحتيج في معرفة ذلك إليه وأما الصبي فلأن اشتراط ذلك زيادة على النص ولأنه محجور عليه بغير حكم حاكم فيزول بغير حكمه كالحجر على المجنون وفيه وجه وسواء رشده الولي أو لا.(4/211)
ودفع إليهما مالهما ولا ينفك قبل ذلك بحال والبلوغ يحصل بالاحتلام،
ـــــــ
قال الشيخ تقي الدين: فلو نوزع في الرشد فشهد شاهدان قبل لأنه قد يعلم بالاستفاضة ومع عدمها له اليمين على وليه أنه لا يعلم رشده ولو تبرع وهو تحت الحجر فقامت بينة برشده نفذ "ودفع إليهما مالهما" لأن المانع من الدفع هو الحجر وقد زال وحكاه ابن المنذر اتفاقا لأن منعه من التصرف إنما كان لعجزه عنه وحفظا لماله فإذا صار أهلا للتصرف زال الحجر لزوال سببه
"ولا ينفك قبل ذلك بحال" ولو صار شيخا وروى الجوزجاني في المترجم قال كان القاسم بن محمد يلي أمر شيخ من قريش ذي أهل ومال لضعف عقله
ولأن المجنون الحجر عليه لجنونه فوجب استمراره عليه والصبي علق الله تعالى: الدفع إليه بشرطين والحكم المعلق بهما منتف بانتفاء أحدهما
قال ابن المنذر: وأكثر علماء الأمصار من أهل الحجاز والشام والعراق يرون الحجر على كل مضيع لماله صغيرا كان أو كبيرا
فرع: إذا كان لرجل مال وهو يقتر على نفسه ويضيق على عياله ويمنعهم من تناول الأشياء التي يتناولها أدنى الناس فيحجر الحاكم عليه بمعنى أنه ينصب له وليا ينفق عليه وعلى عياله بالمعروف وفيه احتمال وهو المذهب
"والبلوغ يحصل بالاحتلام" وهو خروج المني من القبل بغير خلاف لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور:59] ولقوله عليه السلام: "وعن الصبي حتى يحتلم"
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل
"أو بلوغ خمسة عشر سنة" أي: استكمالها لما روى ابن عمر قال:(4/212)
أو بلوغ خمسة عشر سنة أو نبات الشعر الخشن حول القبل وتزيد الجارية بالحيض والحمل،
ـــــــ
عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني متفق عليه ولمسلم فاستصغرني وردني مع الغلمان
فإن قلت: بين أحد والخندق سنتان وجوابه: أن عرضه يوم أحد كان في أول سنة أربع عشرة ويوم الخندق عند استكمال خمس عشرة سنة لا يقال إجازته يوم الخندق لقوته لا لبلوغه لأنه صرح به في الخبر السابق مع أن رواية البيهقي بإسناد حسن ولم يرني بلغت رافعة للسؤال
يؤيده ما روى الشافعي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله أن لا يفرضوا إلا لمن بلغ خمس عشرة سنة
"أو نبات الشعر الخشن حول القبل" لأنه عليه السلام لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم بقتلهم وسبي ذراريهم وأمر أن يكشف عن مؤتزريهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت فهو من الذرية فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لقد حكم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة" متفق عليه وقضية عطية القرظي شاهدة بذلك رواه الخمسة والحاكم وقال على شرطهما ولأن الإنبات يلازمه البلوغ غالبا ويستوي فيه الذكر والأنثى كالاحتلام
والخنثى يعتبر فيه الإنبات حول الفرجين وتقييده الشعر بالخشن ليخرج الزغب الضعيف فإنه ينبت للصغير
"وتزيد الجارية" على الذكر "بالحيض" بغير خلاف نعلمه لقوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" رواه الترمذي وحسنه وعنه: لا يحكم ببلوغها بغيره نقلها جماعة قال أبو بكر: هي قول أول
"والحمل" لأنه دليل إنزالها ولأن الله تعالى أجرى العادة بخلق الولد من ماءيهما لقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجْ(4/213)
والرشد الصلاح في المال ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر،
ـــــــ
مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5-7] فعلى هذا يحكم ببلوغها في الوقت الذي حملت فيه قاله في الشرح
والمذهب: أنه يحكم ببلوغها إذا ولدت منذ ستة أشهر لأنه اليقين وفي التلخيص فإن كانت ممن لا يوطأ كأن طلقها زوجها وأتت بولد لأكثر مدة الحمل من حين طلاقها فيحكم ببلوغها قبل المفارقة
تنبيه: إذا حاض خنثى مشكل من فرجه وأنزل من ذكره وقيل: أو وجد أحدهما أو وجدا من مخرج واحد فقد بلغ فإن أمنى وحاض من مخرج واحد فلا ذكر ولا أنثى وفي البلوغ وجهان وقيل: لا يحكم بأن الخنثى ذكر بإنزاله من فرجه ولا بأنه أنثى بحيضه ولا ببلوغه بهما معا ولا بأحدهما والصحيح أن الإنزال علامة البلوغ مطلقا
"والرشد: الصلاح في المال" في قول أكثر العلماء لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [النساء:6] قال ابن عباس: يعني صلاحا في أموالهم
وقال مجاهد: إذا كان عاقلا ولأن العدالة لا تعتبر في الرشد في الدوام فلا تعتبر في الابتداء كالزهد في الدنيا وهو مصلح لماله أشبه العدل فعلى هذا يدفع إليه ماله وإن كان مفسدا لدينه كمن يترك الصلاة ويمنع الزكاة ونحو ذلك
وقيل: والدّين اختاره ابن عقيل وقال: هو الأليق بمذهبنا قال في التلخيص نص عليه لأن الفاسق غيررشيد واستدل ابن عقيل بالآية الكريمة فإنها نكرة في سياق الامتنان فتعم
"ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر" لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6] أي: اختبروهم فعلق الدفع على الاختبار والبلوغ وإيناس الرشد فوجب اختباره بتفويض التصرف إليه
وهو يختلف "فإن كان من أولاد التجار فبأن يتكرر منه البيع والشراء فلا(4/214)
فإن كان من أولاد التجار فبأن يتكرر منه البيع والشراء فلا يغبن وإن كان من أولاد الرؤساء والكتاب فبأن يستوفي على وكيله فيما وكله فيه والجارية بشرائها القطن واستجادته ودفعها الأجرة إلى الغزالات والاستيفاء عليهن وأن يحفظ ما في يده عن صرفه فيما لا فائدة فيه كالغناء والقمار وشراء المحرمات ونحوه وعنه: لا يدفع إلى الجارية مالها بعد رشدها حتى تتزوج وتلد أو تقيم في بيت الزوج سنة،
ـــــــ
يغبن" غالبا غبنا فاحشا "وإن كان من أولاد الرؤساء والكتاب" وهو المراد من قوله في المغني والشرح وإن كان من أولاد الدهاقين والكبراء الذين يصان أمثالهم عن الأسواق "فبأن يستوفي على وكيله فيما وكله فيه" وزاد أبان يدفع إليه نفقة مدة لينفقها في مصالحه فإن صرفها في مواقعها ومصارفها فهو رشيد
"والجارية بشرائها القطن واستجادته" وكذا الكتان والإبريسم "ودفعها الأجرة إلى الغزالات والاستيفاء عليهن" فإذا وجدت ضابطة لما في يدها مستوفية من وكيلها دل على رشدها
"و" يشترط مع ما ذكرنا "أن يحفظ ما في يده عن صرفه فيما لا فائدة فيه كالغناء والقمار وشراء المحرمات ونحوه" كالخمر وآلات اللهو لأن من صرف ماله في ذلك عد سفيها مبذرا عرفا فكذا شرعا ولأن الشخص قد يحكم بسفهه بصرف ماله في المباح فلأن يحكم بسفهه في صرف ماله في المحرم بطريق الأولى: قاله ابن المنجا وفيه نظر فإن ابن عقيل وجماعة ذكروا أن ظاهر كلام أحمد أن التبذير والإسراف ما أخرجه في الحرام لقوله لو أن الدنيا لقمة فوضعها الرجل في في أخيه لم يكن إسرافا لكن قال الشيخ تقي الدين إذا أصرفه في مباح قدرا زائدا على المصلحة وقال ابن الجوزي في التبذير قولان أحدهما: إنفاق المال حق الثاني: الإسراف المتلف للمال لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} الإسراء وظاهره: أنه إذا أصرفه فيما فيه فائدة أو ليس بحرام لا يكون قادحا فيه وفي النهاية يقدح إذا تصدق بحيث يضر بعياله أو كان وحده ولم يثق بإمانة "وعنه" نقلها أبو طالب عنه "لا يدفع إلى الجارية مالها بعد رشدها حتى تتزوج وتلد أو تقيم في بيت الزوج سنة"،(4/215)
ووقت الاختبار قبل البلوغ وعنه: بعده.
فصل
ولا تثبت الولاية على الصبي والمجنون إلا للأب ثم لوصيه،
ـــــــ
اختارها أبو بكر والقاضي والشيرازي وابن عقيل لما روى شريح قال عهد إلي عمر بن الخطاب أن لا أجيز لجارية عطية حتى تحول في بيت زوجها حولا أو تلد رواه سعيد في سننه ولم نعرف له مخالفا والأول أشهر وأصح وهو أنها إذا بلغت ورشدت دفع إليها مالها وكالرجل وكالتي دخل بها وحديث عمر لم يعلم انتشاره في الصحابة فلا يترك به عموم الكتاب مع أنه خاص في منع العطية فلم يمنع من تسليم مالها فعلى هذه الرواية إذا لم تتزوج دفع إليها إذا عنست أي: كبرت وبرزت للرجال وقيل: يدوم عليها "ووقت الاختبار قبل البلوغ" على الأصح لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6] الآية فظاهرها أن ابتلاءهم قبل البلوغ لأنه سماهم يتامى وإنما يكون ذلك قبل البلوغ ومد اختبارهم إلى البلوغ بلفظ حتى فدل على أنه قبله ولأن تأخيره إلى البلوغ يقتضي الحجر على البالغ الرشيد لكونه ممتدا حتى يختبر ويعلم رشده واختباره يمنع ذلك وقيل: يمنعه في الجارية لنقص خبرتها بالخفر وبالجملة هو مخصوص بالمراهق الذي يعرف المعاملة والمصلحة "وعنه: بعده" فيهما أومأ إليه أحمد لأن تصرفه قبل ذلك تصرف ممن لم يوجد فيه مظنة العقل وبيع الاختبار وشراؤه صحيح.
فصل
"ولا تثبت الولاية على الصبي والمجنون إلا للأب" الرشيد لأنها ولاية فقدم فيها الأب كولاية النكاح ولكمال شفقته ولهذا يجوز أن يشتري لنفسه من مال ولده بخلاف غيره وظاهره: ولو كافرا على ولده الكافر وتكفي العدالة ظاهرا لأن تفويضها إلى الفاسق تضييع للمال فلم يجز كالسفيه
وقيل: ومستور ثم لوصيه ما لم يعلم فسقه لأنه نائبه أشبه وكيله في(4/216)
ثم للحاكم ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما فإن تبرع أو حابى أو زاد على النفقة عليهما أو على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن،
ـــــــ
الحياة وظاهره: ولو بجعل وثم متبرع ذكره في الخلاف ونقل ابن منصور لا يقبض للصبي إلا الأب أو وصي وقاض فظاهره التسوية بين الأخيرين والمذهب يقدم الوصي
وعنه: يلي الجد ففي تقديمه على وصيه وجهان وجوابه أن الجد لا يدلي بنفسه وإنما يدلي بالأب فلم يل مال الصغير كالأخ
"ثم للحاكم" لأن الولاية انقطعت من جهته فثبتت للحاكم كولاية النكاح لأنه ولي من لا ولي له أي: بالصفات المعتبرة فإن لم يوجد فأمين يقوم به اختاره الشيخ تقي الدين وقال في حاكم عاجز كالعدم نقل ابن الحكم فيمن عنده مال تطالبه الورثة فيخاف من أمره نرى أن يخبر الحاكم ويرفعه إليه
قال: أما حكامنا هؤلاء اليوم فلا أرى أن يتقدم إلى أحد منهم شيئا وظاهره: أنه لا ولاية لغير هؤلاء لأن المال محل الخيانة ومن سواهم قاصر مأمون على المال فلم يملكه كالأجنبي. لكن سأله الأثرم عن رجل مات وله ورثة صغار كيف أصنع فقال إن لم يكن لهم وصي ولهم أم مشفقة يدفع إليها
"ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما" لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] والمجنون في معناه ولقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا إضرار" رواه أحمد
"فإن تبرع" بهبة أو صدقة "أو حابى" بزيادة أو نقصان "أو زاد على النفقة عليها أو على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن" لأنه مفرط فضمن كتصرفه في مال غيرهما ومراده والله أعلم أن يضمن القدر الزائد على الواجب لا مطلقا.(4/217)
ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئا لنفسه ولا يبيعهما إلا الأب ولوليهما مكاتبة رقيقهما وعتقه على مال وتزويج إمائهما والسفر بمالهما،
ـــــــ
"ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئا لنفسه" لأنه عليه السلام نهى الوصي عن ذلك والحاكم في معناه "ولا يبيعهما" لأنه كالشراء معنى فيساويه حكما "إلا الأب" فيجوز اتفاقا لأنه يلي بنفسه فجاز أن يتولى طرفي العقد كالنكاح والتهمة بين الوالد وولده منتفية إذ من طبعه الشفقة عليه والميل إليه وترك حظ نفسه لحظه وبهذا فارق الوصي والحاكم. "ولوليهما مكاتبة رقيقهما" لأن فيه تحصيلا لمصلحة الدنيا والآخرة وفي الشرح إذا كان الحظ فيه مثل أن تكون قيمته مائة فيكاتبه على مائتين وفي الترغيب أنها تجوز لغير الحاكم. "وعتقه على مال" لأنه معاوضة لليتيم فيها حظ فملكها وليه كالبيع وظاهره: مطلقا لكن في الشرح إذا أعتقه بمال بقدر قيمته أو أقل لم يجز لعدم الحظ فيه وظاهره: أنه لا يجوز عتقه مجانا وعنه: بلى لمصلحة اختاره أبو بكر بأن تكون له أمة لها ولد يساويان مجتمعين مائة ولو أفردت ساوت مائتين ولا يمكن إفرادها بالبيع فتعتق الأخرى لتكثر قيمة الباقية.
فرع: له هبة ما له بعوض قاله القاضي وجماعة "وتزويج إمائهما" إن كان فيه مصلحة لأن فيه إعفافهن وتحصينهن عن الزنى ووجوب نفقتهن على الأزواج والمراد إذا طلبن منه ذلك أو رأى المصلحة فيه لأنه نائب عن مالكهن وعبر في المحرر والفروع بالرقيق وهو أعم. وعنه: يجوز لخوف فساده وعنه: لا يزوج أمة لتأكد حاجته إليها فيتوجه على هذا إذا كان اليتيم مستغنيا عن خدمتها أنه يجوز تزويجها إذا كان فيه مصلحة وفي الرعاية له تزويج عبده بأمته وتزويجها بغير عبده ولا يزوج عبده بغير أمته
"والسفر بمالهما" للتجارة وغيرها في مواضع آمنة في قول الجمهور لما روى(4/218)
والمضاربة به والربح كله لليتيم وله دفعه مضاربة بجزء من الربح وبيعه نساء وقرضه برهن،
ـــــــ
عبد الله بن عمرو مرفوعا: "من ولي يتيما له مال فليتجر به ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" وروي موقوفا على عمر وهو أصح ولأنه احظ للمولى عليه لكون نفقته في ربحه كما يفعله البالغون في أموالهم ولا يتجر إلا في المواضع الآمنة ومنع في المجرد والمغني والكافي من السفر به إلا لضرورة
"والمضاربة به والربح كله لليتيم" أي: إذا أتجر الولي بنفسه لأنه نماء مال اليتيم فلا يستحقه غيره إلا بعقد ولا يعقدها الولي لنفسه للتهمة وفيه وجه يجوز أن يأخذ مضاربة لنفسه لأنه جاز له أن يدفعه بذلك فجاز له أخذه
"وله دفعه مضاربة بجزء من الربح" لأن عائشة ابضعت مال محمد بن أبي بكر إذ الولي نائب عنه فيما فيه مصلحته وهذا مصلحة لما فيه من استبقاء ماله وحينئذ فللمضارب ما وافقه عليه الولي من الربح في قولهم جميعا وقيل: أجرة مثله وعند ابن عقيل بأقلهما
"وبيعه نساء" أي: إلى أجل إذا كان الحظ فيه قاله في الشرح لأنه قد يكون الثمن فيه أكثر لأن الأجل يأخذ قسطا من الثمن "وقرضه" على الأصح فيهما "برهن" لأنه أجود من إيداعه لما فيه من تعريضه للتلف
وقوله: "برهن" يحتمل أنه شرط فيهما فيأخذ على الثمن في الأولى: رهنا قال في الشرح أو كفيلا موثقا به فيحفظ الثمن به وفي الثانية واضح
وظاهره: أنه لا يجوز بغير رهن لأنه قد لا يأمن عوده لفلس ونحوه وقاله أيضا في الترغيب والمذهب زاد في المستوعب وإشهاد فيه روايتان فإن أمكنه أخذ الرهن وتركه فاحتمالان والمذهب جوازهما لمصلحة جزم به في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع وذكر في المغني والشرح يقرضه لحاجة سفر أو خوف عليه أو غيرهما
وعلى المذهب لا يقرضه إلا لمليء أمين ليأمن جحوده ويقدر على(4/219)
وشراء العقار لهما وبناؤه بما جرت عادة أهل بلده به إذا رأى المصلحة في ذلك كله وله شراء الأضحية لليتيم الموسر نص عليه،
ـــــــ
الإيفاء ذكره في الشرح ولا يقرضه لمودة ومكافأة نص عليه
فرع: له إيداعه مع إمكان قرضه ذكره في المغني وظاهره: متى جاز إيداعه وظاهر كلام الأكثر يجوز إيداعه لقولهم يتصرف بالمصلحة وقد يراه مصلحة ولا ضمان عليه إن تلف لعدم تفريطه وفي الكافي لا يودعه إلا لحاجة وانه يقرضه لحظه بلا رهن
"وشراء العقار لهما" لأنه مصلحة لكونه يحصل منه المغل مع بقاء الأصل وإذا جازت المضاربة فيه فهذا أولى "وبناؤه" لأنه في معنى الشراء إلا أن يكون الشراء أحظ وهو ممكن فيتعين تقديمه "بما جرت عادة أهل بلده به" وكذا في الوجيز لأنه العرف وقال الأصحاب يبنيه بالآجر دون اللبن لأنه إذا هدم فسد بخلاف الأول ولا بالجص لأنه يلتزق بالآجر ولو قدر فيفضي إلى كسره
وفي المغني أن له بناءه بما يرى الحظ فيه وليس كل الأماكن يبنى فيها بالآجر ولا يقدر فيها على الجيد وإن وجد فبقيمة كثيرة جدا
فلو قيد البناء بذلك أفضى إلى فوات الحظ فيحمل قولهم على من عادتهم البناء به كالعراق ونحوها ولا يصح حمله في حق غيرهم
"إذا رأى المصلحة في ذلك كله" هذا راجع إلى قوله: "ولوليهما... إلى آخره" لأن المصلحة إذا انتفت في شيء من ذلك لم يكن قربانا بالتي هي أحسن وقد نهي عنه وظاهر الشرح أنه راجع إلى الشراء والبناء وفيه شيء
"وله شراء الأضحية لليتيم الموسر نص عليه" لأنه يوم عيد وفرح وجبر قلبه وإلحاقه بمن له أب كالثياب الحسنة مع استحباب التوسعة في هذا اليوم وهذا إذا كان موسرا لا يتضرر بشرائها فعلى هذا يحرم صدقته منها وفي الانتصار عن أحمد يجب لقوله للوصي التضحية عن اليتيم من ماله فدل أنها كزكاة.(4/220)
وتركه في المكتب وأداء الأجرة عنه ولا يبيع عقارهما إلا لضرورة أو غبطة وهو أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعداً،
ـــــــ
وعنه: لا يجوز ذلك لأنها إخراج من ماله بغير عوض فلم يجز كالهدية وحمل في المغني كلام أحمد على حالين فيمنع منها إذا كان الطفل لا يعقلها ولا يفرح بها ولا ينكسر قلبه بتركها وعكسه بعكسه
فائدة: ويفعل في مال اليتيم ما هو أرفق له من خلط وإفراد فلو مات من يتجر ليتيمه ولنفسه بماله وقد اشترى شيئا ولم يعرف لمن هو فالمذهب أنه يقرع فمن قرع حلف وأخذ وله الإذن لصغيرة في لعب بلعب غير مصورة وشراؤها بمالها نص عليهما
"وتركه في المكتب" ليتعلم الخط وما ينفعه "وأداء الأجرة عنه" لأنه من مصالحه أشبه نفقة مأكوله وملبوسه وكذا مداواته بأجرة بغير إذن حاكم نص عليه
ويجوز أن يسلمه في صناعة لمصلحته قاله في الشرح وله حمله بأجرة ليشهد الجماعة قاله في المجرد والفصول وإذنه في تصدقه بيسير قاله في المذهب
"ولا يبيع عقارهما إلا لضرورة" كحاجتهما إلى نفقة أو كسوة أو قضاء دين وليس له ما يدفع به حاجته لأن الضرورة لا بد من دفعها "أو غبطة" بأن يزاد في ثمنه زيادة على ثمن المثل قاله القاضي في الموضعين المذكورين وذكر هذا في الفروع قولا ثم فسرها المؤلف تبعا لأبي الخطاب
"وهو أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعداً" لتكون المصلحة ظاهرة بينة والمذهب أن للولي البيع للمصلحة بدون ما ذكره المؤلف لأنه قد يكون بيعه أولى لكونه في مكان لا غلة فيه أو فيه غلة يسيرة أو لسوء الجار أو ليعمر به عقاره الآخر أو ذلك قال في الشرح متى كان الحظ في بيعه جاز وإلا فلا وهذا اختيار شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.(4/221)
وإن وصى لأحدهما بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته لإعسار الموصى له أو لغير ذلك وجب على الولي قبول الوصية وإلا لم يجز له قبولها.
فصل
ومن فك عنه الحجر فعاود السفه أعيد الحجر،
ـــــــ
وحاصله أنه لا يباع إلا بثمن المثل فلو نقص منه لم يصح ذكره في المغني والشرح
"وإن وصى لأحدهما بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته لإعسار الموصى له أو غير ذلك وجب على الولي قبول الوصية" لأنه مصلحة محضة لا ضرر فيها وإلا لم يجز له قبولها أي: إذا لزمته النفقة حرم على الولي قبولها لما فيه من الضرر بتفويت ماله بالنفقة عليه.
فصل
"ومن فك عنه الحجر" لرشده أو بلوغه ودفع إليه ماله "فعاود السفه أعيد الحجر عليه" في قول الجماهير لما روى عروة بن الزبير: أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا فقال علي لآتين عثمان ليحجر عليك فأتى عبد الله بن جعفر الزبير فذكر ذلك له فقال الزبير أنا شريكك في البيع فأتى علي عثمان فذكر لي القضية فقال الزبير أنا شريكه في البيع فقال عثمان كيف أحجر على رجل شريكه الزبير رواه الشافعي
قال أحمد: لم أسمع هذا إلا من أبي يوسف القاضي وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر فكانت إجماعا ولأنه سفيه فيحجر عليه كما لو بلغ سفيها نظرا إلى دوران الحكم مع العلم والحاجر هنا الحاكم نقله الجماعة وهو وليه وقيل: أو أبوه وقيل: إن زال الحجر برشده بلا حكم عاد بمجرده
وجه الأول: أن التبذير يختلف فيحتاج إلى الاجتهاد وإذا افتقر السبب إلى الاجتهاد لم يثبت إلا بحكم الحاكم كالحجر على المفلس بخلاف الجنون،(4/222)
ولا ينظر في ماله إلا الحاكم ولا ينفك عنه إلا بحكمه وقيل: ينفك عنه بمجرد رشده ويستحب إظهار الحجر عليه والإشهاد عليه ويصح تزوجه بإذن وليه وقال القاضي: يصح من غيرإذنه،
ـــــــ
فإنه لا يفتقر إلى الاجتهاد بغير خلاف
فرع: لو فسق ولم يبذر لم يحجر عليه وإن اعتبر في رشده إصلاح دينه فوجهان "ولا ينظر في ماله إلا الحاكم" لأن الحجر عليه يفتقر إلى الحاكم فكذا النظر في ماله "ولا ينفك عنه" أي: عن السفيه "إلا بحكمه" على الصحيح لأنه حجر ثبت بحكمه فلم يزل إلا به كالمفلس.
"وقيل: ينفك عنه بمجرد رشده" قاله أبو الخطاب لأن سبب الحجر زال فيزول بزواله كما في حق الصبي والمجنون
وجوابه: بأن الرشد يفتقر إلى اجتهاد في معرفته وزوال تبذيره فكان كابتداء الحجر عليه وفارق الصبي والمجنون فإن الحجر عليهما بغير حكم حاكم فيزول بغير حكمه
فرع: الشيخ الكبير ينكر عقله يحجر عليه قاله أحمد يعني إذا كبر واختل عقله كالمجنون لعجزه عن التصرف في ماله ونقل المروزي أرى أن يحجر الابن على الأب إذا أسرف بأن يضعه في الفساد وشراء المغنيات ونحوه
"ويستحب إظهار الحجر عليه" ليظهر أمره "والإشهاد عليه" وقد صرح بالعلة فقال "لتجتنب معاملته" وقد علم منه أن الإشهاد عليه ليس بشرط لأنه ينتشر أمره لشهرته وإن رأى الحاكم أن ينادي عليه بذلك ليعرفه الناس فعل قاله في الشرح
"ويصح تزوجه بإذن وليه" قاله أبو الخطاب وقدمه في الرعاية لأنه لا يأذن إلا بما فيه مصلحة له وحاجته تدعو إليه وليس مآله إلى التبذير وظاهره: أنه لا يصح بغير إذنه لأنه تصرف يجب به مال فلم يصح بغير إذن وليه كالشراء
"وقال القاضي: يصح من غيرإذنه" جزم به في الوجيز وصححه في(4/223)
وهل يصح عتقه على روايتين وإن أقر بحد أو قصاص أو نسب أو طلق زوجته أخذ به
ـــــــ
الفروع لأنه عقد غير مالي فصح منه كخلعه وطلاقه ولزوم المال فيه بطريق الضمن وفي إجباره وجهان فإن أذن ففي لزومه تعيين المرأة وجهان ويتقيد بمهر المثل ويحتمل لزومه زيادة إذن فيها كتزويجه بها في وجه فإن عضله استقل
وإن علم أنه يطلق اشترى له جارية وإن خالع على مال لم يدفع إليه وقال القاضي: بلى فعلى الأول إذا أتلفه بعد قبضه لا ضمان عليه ولا تبرأ المرأة بدفعه إليه وهو من ضمانها إن أتلفه أو تلف في يده لأنها سلطته عليه
"وهل يصح عتقه على روايتين" أرجحهما وجزم به في الوجيز أنه لا يصح لأنه تبرع أشبه هبته ووقفه ولأنه محجور عليه لحفظ ماله فلم يصح كعتق الصبي
والثانية: بلى لأنه عتق من مكلف تام الملك فصح كالمفلس والراهن ورد بأن الحجر عليهما لحق غيرهما وفي عتقهما خلاف وظاهره: أنه يصح تدبيره ووصيته لأن ذلك محض مصلحة لأنه تقرب إلى الله تعالى: بماله بعد غناه عنه وكذا يصح استيلاده وتعتق الأمة بموته لأنه إذا صح من المجنون فمن السفيه أولى
فرع: يكفر بصوم كمفلس وإن فك حجره قبل تكفيره وقدر عتق ويستقل بما لا يتعلق بمال مقصوده
"وإن أقر" أي: المحجور عليه "بحد" أي: بما يوجبه كالزنى والسرقة "أو قصاص أو نسب أو طلق زوجته أخذ به" قال ابن المنذر هو إجماع من نحفظ عنه لأنه غير متهم في نفسه والحجر إنما يتعلق بماله فنقل على نفسه إذ الحجر لا تعلق له به والطلاق ليس بتصرف في المال فلا يمنع كالإقرار بالحد بدليل أنه يصح من العبد بغير إذن سيده مع منعه من التصرف في المال.(4/224)
وإن أقر بمال لم يلزمه في حال حجره ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي والمجنون.
فصل
وللولي أن يأكل من مال المولى عليه بقدر عمله إذا احتاج إلى ذلك.
ـــــــ
تنبيه: لو اقر بما يوجب قصاصا فعفى المقر له على مال فوجهان
"وإن اقر بمال" كالدين أو ما يوجبه كجناية الخطأ وشبه العمد وإتلاف المال وغصبه "لم يلزمه في حال حجره" لأنه محجور عليه لحظه أشبه الصبي ولو قتلناه في الحال لزال معنى الحجر
وظاهره: أنه يلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه في قول عامة الأصحاب لأنه مكلف فيلزمه ما أقر به عند زواله كالراهن والمفلس.
"ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا" اختاره المؤلف ونصره في الشرح لأن المنع من نفوذ إقراره في حال الحجر عليه حفظ ماله ودفع الضرر عنه ونفوذه بعد فكه عنه لا يفيد إلا تأخير الضرر عليه إلى أكمل حالتيه لكن إن علم صحة ما أقر به كدين جناية ونحوه لزمه أداؤه ذكره في الشرح والوجيز
"وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي والمجنون" على ما سلف لأن ولايته على السفيه لحظه أشبه ولي الصبي.
فصل
"وللولي أن يأكل من مال المولى عليه بقدر عمله إذا احتاج إلى ذلك" لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6] ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير وليس لي شيء ولي يتيم فقال: "كل من مال يتيمك غير مسرف" رواه أبو بكر وروى ابن بطة عن الحسن العرني مرفوعا معناه.
ولأنه إنما يستحق بعمله فتقيد بقدره والمذهب كما جزم به الجماعة:(4/225)
وهل يلزمه عوضه إذا أيسر على روايتين وكذلك يخرج في الناظر في الوقف
ـــــــ
أن له الأقل من أجرة مثله أو قدر كفايته لأنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعا فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجد فيه وفي الأيضاح إذا قدره حاكم وقيده في الرعاية والوجيز إن شغله ذلك عن كسب ما يقوم بكفايته
قال ابن رزين: يأكل فقير ومن يمنعه من معاشه بمعروف وظاهره: أنه لا يحل له تناول شيء مع غناه لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء:6] وعنه: بلى اختاره ابن عقيل كالعمل في الزكاة وحمل الآية على الاستحباب
وعنه: لا يجوز للوصي أن يأكل شيئا من مال اليتيم مطلقا
"وهل يلزمه عوضه إذا أيسر على روايتين" كذا في المحرر الأصح أنه لا يلزمه لأن ذلك جعل عوضا له عن عمله فلم يلزمه عوضه كالأجير والمضارب ولأنه يقال أمر بالأكل ولم يذكر عوضا
والثانية: بلى وقاله مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير لأنه استباحة بالحاجة من مال غيره فلزمه عوضه كالمضطر إلى طعام غيره وجوابه بأن العوض وجب عليه في ذمته بخلافه هنا وهذا الخلاف في غيرالأب قاله في المغني والشرح وإذا قلنا: برد البدل فيتوجه برده إلى الحاكم لأنه لا يبرئ نفسه بنفسه
"وكذلك يخرج في الناظر في الوقف" إذا لم يشرط له شيئا وهذا التخريج ذكره أبو الخطاب وغيره لأنه يساوي الوصي معنى وحكما ونص أحمد في الناظر أنه يأكل بمعروف وظاهره: ولو لم يكن محتاجا قاله في القواعد وعنه: أيضا إذا اشترط قيل له فيقضي دينه قال ما سمعت
قال الشيخ تقي الدين: لا يقدم بمعلومه بلا شرط إلا أن يأخذ أجرة عمله مع فقره كوصي اليتيم وفرق القاضي بين الوصي بأنه لا يمكنه موافقته على(4/226)
ومتى زال الحجر عنه فادعى على الولي تعديا أو ما يوجب ضمانا فالقول قول الولي وكذلك القول قوله في دفع المال إليه بعد رشده وهل للزوج أن يحجر على امرأته في التبرع بما زاد على الثلث من مالها على روايتين.
ـــــــ
الأجرة والوكيل يمكنه
"ومتى زال الحجر عنه فادعى على الولي تعديا أو ما يوجب ضمانا" كدعوى النفقة وقدرها ووجود الغبطة والضرورة والمصلحة والتلف
"فالقول قول الولي" مع يمينه لأنه يقبل قوله في عدم التفريط فكذا هنا كالمودع وهذا ما لم يخالف عادة وعرفا وظاهره: أنه يحلف الولي ولو كان حاكما وهو رواية
والمذهب أنه لا يحلف الحاكم فلو قال أنفقت عليك منذ سنتين فقال منذ سنة قدم قول الصبي لأن الأصل يوافقه وظاهره: أن الحظ والغبطة لا تفتقر إلى ثبوت ذلك عند الحاكم. "وكذلك القول قوله في دفع المال إليه بعد رشده" هذا هو المذهب لأنه أمين أشبه المودع وقيل: يقبل قول الصبي لقوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:6] فمتى ترك الإشهاد فقد فرط فلزمه الضمان فعليه لا يقبل قول الولي إلا ببينة وكذلك الحكم في المجنون والسفية
"وهل للزوج" الرشيد قاله في الرعاية "أن يحجر على امرأته" أي: الرشيدة "في التبرع بما زاد على الثلث من مالها على روايتين" كذا في الرعاية أرجحهما ليس له منعها وهي ظاهر الخرقي وجزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6] وهي ظاهرة في فك الحجر عنهن وإطلاقهن في التصرف بدليل قوله عليه السلام: "يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن" وكن يتصدقن ويقبل منهن ولم يستفصل.(4/227)
ـــــــ
ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف بغير إذن كالغلام
والثانية: يملك منعها من ذلك أي: بزيادة على الثلث نصره القاضي وأصحابه لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجوز للمرأة عطية في مالها إلا بإذن زوجها إذ هو مالك عصمتها" رواه أبو داود ولأن حق الزوج يتعلق بمالها وينتفع به وإذا أعسر بالنفقة أنظرته فجرى مجرى حقوق الورثة المتعلقة بمال المريض
وجوابه: بأن شعيبا لم يدرك عبد الله بن عمرو وليس لهم حديث يدل على تحديد المنع بالثلث وقياسهم على المريض فاسد لأن المرض سبب يفضي إلى وصول المال إليهم بالميراث والزوجية إنما تجعله من أهل الميراث فهي أحد وصفي العلة فلا يثبت الحكم بمجردها كما لا يثبت لها الحجر على زوجها وظاهره: أنه لا يملك منعها من التبرع بما دون الثلث وعنه: بلى صححها في عيون المسائل قال لا تهب شيئا إلا بإذنه ولا ينفذ عتقها إلا بإذنه لظاهر الخبر.(4/228)
فصل في الإذن
يجوز لولي الصبي المميز أن يأذن له في التجارة في إحدى الروايتين،
ـــــــ
فصل في الإذن
"يجوز لولي الصبي المميز أن يأذن له في التجارة في إحدى الروايتين" جزم به في الوجيز وهو المرجح لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6] الآية أي: اختبروهم لتعلموا رشدهم وإنما يتحقق ذلك بتفويض الأمر إليهم من البيع والشراء ونحوه ولأنه عاقل محجور عليه فصح تصرفه بإذن وليه كالعبد
والثانية: لا يصح حتى يبلغ لأنه غير مكلف كغير المميز ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به التصرف لخفائه فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ فعلى المذهب لو تصرف بلا إذن لم يصح وقيل:(4/228)
ويجوز ذلك لسيد العبد ولا ينفك عنهما الحجر إلا فيما أذن لهما فيه وفي النوع الذي أمرا به وإن أذن له في جميع أنواع التجارة لم يجز له أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره وهل له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه على وجهين،
ـــــــ
بلى ويقف على الإجازة وبناهما في الشرح على تصرف الفضولي
"ويجوز ذلك لسيد العبد" بغير خلاف نعلمه لأن الحجر عليه إنما كان لحق السيد فجاز له التصرف بإذنه لزوال المانع
"ولا ينفك عنهما الحجر إلا فيما أذن لهما فيه وفي النوع الذي أمرا به" لأن كل واحد منهما يتصرف بالإذن من جهة آدمي فوجب أن يختص بما أذن له فيه وأمره به دون غيره كالوكيل والمضارب
وفي الانتصار رواية إن أذن لعبده في نوع ولم ينه عن غيره ملكه أي: جاز أن يتجر في غيره وينفك عنه الحجر مطلقا لأن إطلاق الإذن لا يتبعض كبلوغ الصبي وجوابه بأنه ينتقض بما إذا أذن له في شراء ثوب يلبسه ونحوه والرق سبب الحجر وهو موجود وظاهر كلامهم أنه كمضارب في البيع نسيئة وغيره ودل كلامه على أنه إذا كان لاثنين فأذن له أحدهما أنه لا يجوز له التصرف لأنه يقع بمجموعه
"وإن أذن له في جميع أنواع التجارة لم يجز له أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره" لأنه عقد على نفسه فلا يملكه إلا بإذن كبيع نفسه وتزويجه ولأن ذلك يشغله عن التجارة المقصودة بالإذن وفي إيجار عبيده وبهائمه خلاف في الانتصار وفي صحة شراء من يعتق على سيده وامرأته وزوج ربة المال وجهان أصحهما صحته وعليه إن صح وعليه دين فقيل يعتق وقيل: يباع فيه ومثله مضارب والأشهر يصح كمن نذر عتقه وشراءه من حلف لا يملكه. "وهل له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه على وجهين" أحدهما: لا يجوز جزم به في الوجيز لأنه متصرف بالإذن فاختص بما أذن فيه،(4/229)
وإن رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا له وما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده أو يسلمه وعنه: يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق إلا المأذون له هل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين.
ـــــــ
والثاني: بلى لأنه ملك التصرف بنفسه فملكه بنائبه كالمالك الرشيد ولأنه أقامه مقام نفسه.
"وإن رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا له" كتزويجه وبيعه ماله لأنه تصرف يفتقر إلى الإذن فلم يقم السكوت مقامه كما لو تصرف أحدهما في الرهن والآخر ساكت وكتصرف الأجانب
"وما استدان العبد" يقال استدان وادان وتدين بمعنى واحد "فهو في رقبته" نقله الجماعة "يفديه سيده أو يسلمه" كالجناية
"وعنه: يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق" لأن صاحب الحق رضي بتأخير حقه لكونه عامل من لا مال له فعلى المذهب إن أعتقه فعلى مولاه نقله أبو طالب
"إلا المأذون له هل يتعلق برقبته أو ذمة سيده على روايتين" وحاصله أن لتصرف العبد حالتين إحداهما أن يكون غيرمأذون له ولتصرفه حالتان إحداهما: أن يتصرف ببيع أو شراء بعين المال فهذا لا يصح على المذهب كالغاصب
وقيل: بلى ويقف على الإجازة كالفضولي
الثانية: أن يتصرف في ذمته وفيه وجهان وحكاهما المجد روايتين إحداهما: يصح تصرفه إلحاقا له بالمفلس إذا الحجر عليه لحق السيد
والثانية: لا يصح لأنه محجور عليه كالسفيه فعلى الأول ما اشتراه أو اقترضه إن وجد في يده انتزع منه لتحقق إعساره قاله في المغني والتلخيص
وإن أخذه سيده لم ينتزع منه على المشهور لأنه وجد مملوكه بحق أشبه ما(4/230)
ـــــــ
لو وجد في يده صيدا ونحوه واختار في التلخيص جواز الانتزاع منه لأن الملك وقع للسيد ابتداء
وإن تلف بيد السيد لم يضمنه واستقر ثمنه في رقبة العبد أو ذمته على الخلاف وكذا إن تلف في يد العبد وعلى الثاني: وهو فساد التصرف يرجع مالك العين حيث وجدها فإن كانت تالفة فله قيمته أو مثله إن كان مثليا ثم إن كان التلف في يد العبد رجع عليه وتعلق برقبته كالجناية
وعنه: يتعلق بذمته لعموم ما روي عن الفقهاء التابعين من أهل المدينة قال كانوا يقولون دين المملوك في ذمته رواه البيهقي في سننه وإن كان التلف بيد السيد فكذلك على مقتضى كلام المجد وفي المغني والشرح والتلخيص أنه يرجع إن شاء على السيد وإن شاء على العبد
الحالة الثانية: أن يكون مأذونا له فما استدانه ببيع أو قرض فأشهر الروايات أنه يتعلق بذمة السيد لأنه غر الناس بمعاملته وقيده في الوسيلة بما إذا كان قدر قيمته والمذهب مطلقا
ولا فرق في الذي استدانه بين أن يكون في الذي أذن فيه أو لا بأن يأذن له في التجارة في البر فيتجر في غيره لأنه لا ينفك أن يظن الناس أنه مأذون له في ذلك أيضا
وعنه: يتعلق برقبة العبد كجنايته ولأنه قابض للمال المتصرف فيه أشبه غير المأذون له وعنه: يتعلق بذمة السيد لإذنه ورقبة العبد لقبضه وعنه: بذمته ونقل صالح وعبد الله يؤخذ السيد بما أدان لما أذن له فيه فقط ونقل ابن منصور إذا أدان فعلى سيده وإن جنى فعلى سيده وفي الروضة إذا أذن له مطلقا لزمه كلما ادان
وإن قيده بنوع لم يذكر فيه استدانة فبرقبته كغير المأذون وبنى الشيخ تقي الدين الخلاف في أن تصرفه مع الإذن هل هو لسيده فيتعلق ما ادانه بذمته كوكيله أو لنفسه فيتعلق برقبته فيه روايتان.(4/231)
وإذا باع السيد عبده المأذون له شيئا لم يصح في أحد الوجهين وفي الآخر يصح إذا كان عليه دين بقدر قيمته ويصح إقرار المأذون له في قدر ما أذن له فيه وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فاقر به صح ولا يبطل الاذن بالإباق،
ـــــــ
ومحل الخلاف ما إذا ثبت ببينة أو إقرار السيد أما إذا أنكره السيد ولا بينة به فإنه يتعلق بذمة العبد إن أقر به وإلا فهو هدر قاله الزركشي ومقتضى كلام الأكثر جريان الخلاف. "وإذا باع السيد عبده المأذون له شيئا لم يصح في أحد الوجهين" هذا ظاهر المذهب لأنه مملوكه فلا يثبت له دين في ذمته كغير المأذون له "وفي الآخر يصح إذا كان عليه دين بقدر قيمته" لأنه إذا قلنا: إن الدين يتعلق برقبته فكأنه صار مستحقا لأصحاب الديون فيصير كعبد غيره وقيل: يصح مطلقا "ويصح إقرار المأذون له في قدر ما أذن له فيه" لأن مقتضى الإقرار الصحة ويجوز ترك فيما لم يأذن له فيه سيده لحق السيد فوجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه
وظاهره: أنه لا يصح فيما زاد لما ذكرنا
"وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فأقربه صح" لأن المانع من صحة إقراره الحجر عليه وقد زال ولأن تصرفه فيه صحيح فصح إقراره به كالحر وقيل: لا يصح إلا في الشيء اليسير.
"ولا يبطل الإذن بالإباق" في الأصح لأنه لا يمنع ابتداء الإذن له في التجارة فلم يمنع استدامته كما لو غصبه غاصب أو حبس بدين عليه وكتدبير واستيلاد
وقيل: يبطل به لأنه يزيل ولاية السيد عنه في التجارة بدليل أنه لا يجوز بيعه ولا هبته. وجوابه: بأن سبب الولاية باق وهو الرق مع أنه يجوز بيعه وهبته لمن يقدر عليه ويبطل بالمغصوب وفيه بكتابة وحرية وأسر خلاف في الانتصار،(4/232)
ولا يصح تبرع المأذون له بهبة الدراهم وكسوة الثياب ويجوزهديته للمأكول وإعارة دابته وهل لغير المأذون الصدقة من قوته بالرغيف ونحوه إذا لم يضر به؟ على روايتين،
ـــــــ
وفي الموجز والتبصرة يزول ملكه بحرية وغيرها كحجر على سيده وليس إباقه فرقة نص عليه
فرع: له معاملة عبد ولو لم يثبت كونه مأذونا له خلافا للنهاية نقل مهنا فيمن اشترى من عبد ثوبا فوجد به عيبا فقال العبد أنا غيرمأذون لي في التجارة لم يقبل منه لأنه إنما أراد أن يدفع عن نفسه ولو أنكر سيده إذنه يتوجه الخلاف
وقال الشيخ تقي الدين: إن علم بتصرفه لم يقبل ولو قدر صدقه فتسليطه عدوانا منه فيضمن وفي طريقة بعض أصحابنا التجار أتلفوا أموالهم لما لم يسألوا الولي إذ الأصل عدم الإذن للعبد وهو ظاهر
"ولا يصح تبرع المأذون له بهبة الدراهم وكسوة الثياب" ونحوه لأن ذلك ليس من التجارة ولا يحتاج إليه كغير المأذون له وظاهره: وإن قل
"ويجوز هديته للمأكول وإعارة دابته" وعمل دعوة ونحوه بلا إسراف لأنه عليه السلام كان يجيب دعوة المملوك وروى أبو سعيد مولى أبي أسيد أنه تزوج فحضر دعوته جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو حذيفة وأبو ذر فامهم وهو يومئذ عبد رواه صالح في مسائله ولأنه مما جرت به عادة التجار فيما بينهم فيدخل في عموم الإذن
وقال في النهاية الأظهر أنه لا يجوز لأنه تبرع بمال مولاه فلم يجز كنكاحه وكمكاتب في الأصح
"وهل لغير المأذون الصدقة من قوته بالرغيف ونحوه إذا لم يضر به على روايتين" أصحهما: له ذلك بمالايضره لأنه مما جرت العادة بالمسامحة فيه فجاز كصدقة المرأة من بيت زوجها والثانية: المنع منه لأن المال لسيده وإنما أذن له في الأكل فلم يملك الصدقة به كالضيف لا يتصدق بما أذن له في أكله.(4/233)
وهل للمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه بنحو ذلك على روايتين
ـــــــ
مسألة: ما كسبه العبد غير المأذون من مباح أو قبله من هبة ووصية فلسيده وكذا اللقطة وقيل: لا يقبل الكل إلا بإذنه وإن قيل أو التقط وعرف بلا إذنه فهو للعبد إن قلنا: يملك بالتمليك ولا يصح قبول سيده عنه مطلقا فإن لم يملك واختاره الأصحاب فهو لسيده يعتقه ولسيده أخذه منه ولا يتصرف في ملكه إلا بإذن سيده
"وهل للمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه بنحو ذلك؟" أي: باليسير "على روايتين" المشهور في المذهب: لها ذلك لما روت عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجر ما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا" متفق عليه ولم يذكر إذنا إذالعادة السماح وطيب النفس به إلا أن تضطرب العادة ويشك في رضاه أو يكون بخيلا ويشك في رضاه فلا يجوز
والثانية: لا نقلها أبو طالب لما روى أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها" قيل يا رسول الله ولا الطعام قال "ذلك أفضل أموالنا" رواه سعيد
ولأنها تبرعت بمال غيرها فلم يجز كالصدقة بثيابه والأول أصح لأن أحاديثها خاصة صحيحة فتقدم على غيرها
والإذن العرفي كالحقيقي إلا أن يمنعها من التصرف فيه مطلقا وكمن يطعمها ولم يعلم رضاه ولم يفرق أحمد ويلحق بها من كان في بيته كجاريته وعبده المتصرف في بيت سيده لوجود المعنى فيه.(4/234)
باب الوكالة
تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن،
ـــــــ
باب الوكالة
الوكالة بفتح الواو وكسرها التفويض يقال وكله أي: فوض إليه ووكلت أمري إلى فلان أي: فوضت إليه واكتفيت به وقد تطلق ويراد بها الحفظ وهي اسم مصدر بمعنى التوكيل. واصطلاحا التفويض في شيء خاص في الحياة والأحسن فيها أنها استنابة الجائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة
وهي جائزة بالإجماع وسنده قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:19] الآية وقد وكل صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد في شراء الشاة وأبا رافع في تزوج ميمونة وعمرو بن أمية الضمري في تزوج أم حبيبة
والمعنى شاهد بذلك لأن الحاجة تدعو إليه فإن كل أحد لا يمكنه فعل ما يحتاج إليه بنفسه. "تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن" نص عليه نحو افعل كذا أو أذنت لك في فعله لأنه لفظ دال على الإذن فصح كلفظها الصريح ونقل جعفر إذا قال بع هذا ليس بشيء حتى يقول وكلتك فاعتبر انعقادها بلفظها الصريح وتأوله القاضي على التأكيد لنصه على انعقاد البيع باللفظ والمعاطاة كذا الوكالة قال ابن عقيل هذا دأب شيخنا أن يحمل نادر كلام أحمد على أظهره ويصرفه عن ظاهره والواجب أن يقال كل لفظ رواية ويصحح الصحيح.
قال الأزجي: ينبغي أن يعول في المذهب على هذا لئلا يصير المذهب رواية واحدة وقد دل كلام القاضي على انعقادها بفعل دال كبيع.(4/235)
وكل قول أو فعل يدل على القبول ويصح القبول على الفور والتراخي بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت ولا يجوز التوكيل والتوكل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه.
ـــــــ
وهو ظاهر كلام المؤلف فيمن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط قال في الفروع وهو أظهر وكالقبول وظاهره: أنها تصح مؤقتة ومعلقة بشرط نص عليه كوصية وإباحة أكل وقضاء وإمارة وكتعليق تصرف.
واختار في عيون المسائل أنه لا يصح تعليقها بشرط كتعليق فسخها.
"وكل قول" والأصح "أو فعل يدل على القبول" لأن وكلاء النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم سوى امتثال أوامره ولأنه إذن في التصرف فجاز القبول بالفعل كاكل الطعام وكذا سائر العقود الجائزة كشركة ومضاربة ومساقاة ونحوها.
"ويصح القبول على الفور" بلا شبهة كسائر العقود "والتراخي بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت" لأن قبول وكلائه عليه السلام كان بفعلهم وكان متراخيا عن توكله اياهم ولأنه إذن في التصرف والإذن قائم ما لم يرجع عنه أشبه الإباحة.
وظاهره: أنه يعتبر تعيين الوكيل وقاله القاضي وأصحابه وفي الانتصار ولو وكل زيدا وهو أو لم يعرف موكله لم يصح.
"ولا يجوز التوكيل والتوكل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه" لأن من لا يصح تصرفه بنفسه فنائبه أولى فلو وكله في بيع ما سيملكه أو طلاق من يتزوجها لم يصح إذ الطلاق لا يملكه في الحال ذكره الأزجي.
وذكر غيره إن قال إن تزوجت هذه فقد وكلتك في طلاقها أو إن اشتريت هذا العبد فقد وكلتك في عتقه صح إن قلنا: يصح تعليقهما على ملكهما وإلا فلا.
وكل من صح تصرفه بنفسه صح منه ما ذكرنا لأن كلا منهما يملك التصرف.(4/236)
ويجوز التوكيل في كل حق آدمي من العقود والفسوخ والعتق والطلاق والرجعة وتملك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه،
ـــــــ
بنفسه فجاز أن يستنيب غيره وأن ينوب عن غيره لانتفاء المفسد وشرطه أن يكون مما تدخله النيابة فلا يصح توكيل فاسق في إيجاب نكاح إلا على رواية وفي قبوله وجهان. ويصح توكيل المرأة في طلاق نفسها وغيرها وتوكيل العبد في قبول نكاح لأنه يجوز أن يقبله لنفسه بإذن سيده وللمكاتب أن يوكل فيما يتصرف فيه بنفسه وله أن يتوكل لغيره بجعل لأنه من اكتساب المال وليس له أن يتوكل بغير جعل إلا بإذن سيده وصحة وكالة المميز في طلاق وغيره مبني على صحته منه وفي الرعاية روايتان لنفسه أو غيره بلا إذن ويصح أن يتوكل واجد للطول في قبول نكاح أمة لمباح له وغني لفقير في قبول زكاة لأن سلبهما القدرة تنزيها وقبول نكاح أخته ونحوها من أبيه الأجنبي قاله في الوجيز وغيره. "ويجوز التوكيل في كل حق آدمي من العقود" لأنه عليه السلام وكل عروة ابن الجعد في الشراء وسائر العقود كالإجارة والقرض والمضاربة والإبراء في معناه لأن الحاجة تدعو إليه لأنه قد لا يحسن البيع والشراء أو لا يمكنه الخروج إلى السوق أو يحط ذلك من منزلته فأباحها الشارع دفعا للحاجة وتحصيلا للمصلحة
ومقتضاه أنه يصح التوكيل في الإقرار وقيل: التوكيل فيه إقرار جزم به في المحرر وفي إثبات القصاص وفي المطالبة بالحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها حاضرا كان الموكل أو غائبا صحيحا أو مريضا في قول الجمهور
"والفسوخ والعتق والطلاق" لأنه يجوز التوكيل في الإنشاء فجاز في الإزالة بطريق الأولى: "والرجعة" لأن الحاجة تدعو إلى ذلك "وتملك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه" كإحياء الموات واستيفاء المواريث لأنها تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز كالابتياع والاتهاب.(4/237)
إلا الظهار واللعان والأيمان ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح ومن يزوج وليته إذا كان الوكيل ممن يصح منه ذلك لنفسه وموليته ويصح في كل حق لله تعالى: تدخله النيابة من العبادات
ـــــــ
وقيل: من وكل في احتشاش واحتطاب فهل يملك الوكيل ما أخذه أو موكله فيه وجهان. "إلا الظهار" لأنه قول منكر وزور يحرم عليه فعله فلم تجز الاستنابة فيه كالايلاء "واللعان والأيمان" لأنها أيمان فلا تدخلها النيابة كالعبادات البدنية والنذر والقسامة كذلك ويستثنى أيضا القسم بين الزوجات لأنها تتعلق بالزوج لأمر يختص به والشهادة لأنا تتعلق بالشاهد والرضاع لأنه يختص بالمرضعة والالتقاط فإذا فعل ذلك فالتقط كان أحق به من الأمر والاغتنام لأنه يستحق بالحضور والغصب والجناية لأنه محرم
"ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح" لفعله عليه السلام ولأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك فإنه ربما احتاج إلى التزوج من مكان بعيد لا يمكنه السفر إليه كما تزوج عليه السلام أم حبيبة وهي بأرض الحبشة
"ومن يزوج وليته" لأن الحاجة تدعو إلى ذلك اشبه البيع "إذا كان الوكيل ممن يصح ذلك منه لنفسه وموليته" يحترز به عن الصبي والمجنون فإن توكيلهما غيرصحيح وعن الفاسق فإن توكيله في الإيجاب كذلك لأنه لا يصح أن يتولى نكاح موليته بنفسه إذ لا ولاية لفاسق وفيه إشعار بأنه يصح أن يكون وكيلا في القبول وقد تقدم
"ويصح في كل حق لله تعالى: تدخله النيابة من العبادات" كتفرقة صدقة وزكاة ونذر وكفارة لأنه عليه السلام كان يبعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها وحديث معاذ شاهد بذلك وكذا الحج والعمرة فإنه يجوز أن يستنيب من يفعله بشرطه ويجوز أن يقول لغيره أخرج زكاة مالي من مالك
فأما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم والطهارة من الحدث فلا يجوز التوكيل فيها فإنها تتعلق ببدن من هي عليه وكذا الصيام المنذور فإنه(4/238)
والحدود في إثباتها واستيفائها ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته إلا القصاص وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته ولا يجوز للوكيل التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن الموكل،
ـــــــ
يفعل عن الميت وليس بتوكيل
لكن يستثنى من الصلاة ركعتا الطواف فإنها تبع للحج ومن الطهارة صب الماء وإيصاله إلى الاعضاء وتطهير البدن والثوب من النجاسة
"والحدود في إثباتها واستيفائها" لقوله عليه السلام: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" فاعترفت فأمر بها فرجمت متفق عليه فقد وكله في الإثبات والاستيفاء جميعا
وقال أبو الخطاب: لا يجوز في إثباتها لأنها تسقط بالشبهات وقد أمرنا بدرئها والتوكيل يوصل إلى الإيجاب وجوابه الخبر وبأن الحاكم إذا استناب دخل فيها الحدود فإذا دخلت في التوكيل بطريق العموم فالتخصيص بدخولها أولى والوكيل يقوم مقام الموكل في درئها بالشبهات
"ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته" نص عليه لعموم الأدلة ولأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته كسائر الحقوق "إلا القصاص وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته" وقد أومأ إلي أحمد لأنه يحتمل أن يعفو عنه حال غيبته فيسقط وهذه شبهة تمنع الاستيفاء لأن العفو مندوب إليه فإذا حضر الموكل احتمل أن يرحمه فيعفو.
والمذهب له الاستيفاء في الغيبة مطلقا أما الزنى وشبهه فظاهر لأنه لا يحتمل العفو حتى يدرأ بالشبهة واحتمال العفو في غيره بعيد لأن الظاهر أنه لو عفا لأعلم وكيله به والأصل عدمه فلا يؤثر ألا ترى أن قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهات مع احتمال الفسخ
"ولا يجوز للوكيل التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن الموكل" نقله ابن(4/239)
وعنه: يجوز وكذلك الوصي والحاكم ويجوز توكيله فيما لا يتولى مثله بنفسه،
ـــــــ
منصور لأنه لم يأذن له في التوكيل ولا تضمنه إذنه لكونه يتولى مثله ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه من لا يأمنه عليه كالوديعة
"وعنه: يجوز" نقلها حنبل لأن الوكيل له أن يتصرف بنفسه فملكه نائبه كالمالك ورد بأن المالك يتصرف في ملكه كيف شاء بخلاف الوكيل وهذا مع الإطلاق فلو نهاه عنه لم يجز بغير خلاف لأن ما نهاه عنه ليس بداخل في إذنه فلم يجز كما لو لم يوكله وعكسه إذا أذن له فيه أو قال اصنع ما شئت فإنه يجوز بغير خلاف لأنه عقد أذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه
"وكذلك الوصي والحاكم" أي: حكمهما حكم الوكيل لأن كل واحد منهما متصرف بالإذن كالوكيل لكن قال القاضي المنصوص عن أحمد جوازه وقدمه في المحرر ونقل في المغني عن القاضي في المصراة أنه يجوز للوصي أن يستنيب مطلقا وفي الوكيل روايتان. والفرق أن الوكيل يمكنه الاستئذان بخلاف الوصي ثم قال وقال أبو بكر في الوصي روايتان كالوكيل قال في المغني والجمع بينهما أولى لأنه متصرف في مال غيره بالإذن أشبه الوكيل وإنما يتصرف فيما اقتضته الوصية كالوكيل إنما يتصرف فيما اقتضته الوكالة ويلحق بهذا مضارب وولي في نكاح غيرمجبر وقيل: يجوز من الولي أبا كان أو غيره قدمه في الشرح.
مسألة: يجوز للحاكم أن يستنيب من غير مذهبه ذكره القاضي في الأحكام السلطانية وابن حمدان في الرعاية وفي الفروع إذا استناب حاكم من غير أهل مذهبه إن كان لكونه أرجح فقد أحسن وإلا لم تصح الاستنابة إذا لم يمنع إن كان له الحكم وهو مبني على تقليد غيرإمامه وإلا انبنى هل يستنيب فيما لا يملكه كتوكيل مسلم ذميا في شراء خمر وانه نائب المستنيب أو الأول
"ويجوز توكيله فيما لا يتولى مثله بنفسه" أي: إذا كان العمل مما يرتفع(4/240)
أو يعجز عنه لكثرته ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده ولا يجوز بغير إذنه فإن وكله بإذنه في شراء نفسه من سيده فعلى وجهين
ـــــــ
الوكيل عن مثله كالأعمال الدنيئة في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعله عادة فإن الإذن ينصرف إلى ما جرت به العادة أو كان يعمله بنفسه لكنه "يعجز عنه لكثرته" لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل فجاز في جميعه كما لو أذن فيه لفظا
وقال القاضي: عندي أنه يوكل فيما زاد على ما يتمكن من فعله لأن التوكيل إنما جاز للحاجة فاختص بها بخلاف وجود إذنه فإنه مطلق ولا يوكل إلا أمينا إلا أن يعين له سواه فإنه يجوز مطلقا لأنه قطع نظره بتعيينه وعلى الأول لو وكل أمينا فصار خائنا فله عزله لأن تمكينه من التصرف مع الخيانة تفريط ووكل عنك وكيل وكيله ووكل عني أو يطلق وكيل موكله في الأصح ولا يوصي وكيل مطلقا
"ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده" لأن المنع لحقه فإذا اذن صار كالحر وكالتصرف "ولا يجوز بغير إذنه" لأنه محجور عليه "فإن وكله بإذنه" وقيل: أولا "في شراء نفسه من سيده فعلى وجهين" وفي الفروع روايتان إحداهما: يصح نصرها في الشرح وجزم بها في الوجيز وغيره لأنه يجوز أن يو كله في شراء عبد غيره،فجاز أن يشتري نفسه، كالمرأة لما جاز تو كيلها في طلاق غيرها جاز توكيلها في طلاق نفسها.
والثانية: لا؛ لأن يد العبد كيد سيده، أشبه مالو وكله في الشراء من نفسه، ولهذا يحكم للإنسان بما في يد غيره، وفي "المغني" و"الشرح": إن هذا الوجه لايصح ؛لأن أكثر ما يقدر جعل توكيل كتوكيل سيده ؛ولأن الولي في النكاح يجوز أن يتولى طرفي العقد، فكذا هنا، فلو قال العبد اشتريت نفسي لزيد وصدقاه صح، ولزم زيد الثمن، وإن قال السيد ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق ؛لإقرار السيد على نفسه بما يعتق به العبد، ويلزم العبد الثمن في ذمّته لسيده.(4/241)
والوكالة عقد جائز بين الطرفين، لكل منهما فسخها. وتبطل بالموت والجنون والحجر للسفيه،
ـــــــ
لأن الظاهر وقوع العقد له، وإن صدقه السيد، وكذّب زيد نظرت في تكذيبه، فإن كذبه في الوكالة حلف، وبرئ، وللسيد فسخ البيع واسترجاع عبده لتعذر ثمنه، وإن صدقه في الوكالة وقال: مااشتريت نفسك لي، قبل قول العبد؛لأن الوكيل يقبل قوله في التصرف المأذون فيه.
تنبيه: لو وكل العبد في إعتاق عبيده، والمرأة في طلاق نسائه، لم يملك إعتاق نفسه، ولا هي طلاق نفسها؛ لأنه بإطلاقه ينصرف إلى التصرف في غيره، وقيل: بلى؛ لأن اللفظ يعمه، فلو وكل غريمه في إبراء نفسه صح، كتوكيل العبد في إعتاق نفسه، فلو وكله في إبراء غرمائه لم يملك إبراء نفسه في المشهور، كما لو وكله في حبس غرمائه أوخصومتهم."والوكالة عقد جائز من الطرفين"، لأنها من جهة الموكل إذن،ومن جهة الوكيل بدل نفع،وكلاهما جائز "لكل واحد منهما فسخها" أي: متى شاء لأنها إذن في التصرف فملكه كالإذن في أكل طعامه
وإن قال كلما عزلتك فقد وكلتك انعزل بكلما وكلتك فقد عزلتك وهي الوكالة الدورية قال في التلخيص وهي على أصلنا صحيحة في صحة التعليق وصورتها أن تقول كلما عزلتك فأنت وكيلي وطريقه في العزل أن يقول كلما عدت وكيلي فقد عزلتك وهي فسخ معلق بشرط
وقال الشيخ تقي الدين: لا يصح لأنه يؤدي إلى أن تصير العقود الجائزة لازمة وذلك تغيير لقاعدة الشرع وليس مقصود المعلق إيقاع الفسخ وإنما قصده الامتناع من التوكيل وحله قبل وقوعه والعقود لا تفسخ قبل انعقادها
"وتبطل بالموت والجنون" المطبق وفيه وجه وهو ظاهر الوجيز والحجر للسفه لأن الوكالة تعتمد الحياة والعقل وعدم الحجر فإذا انتفى ذلك انتفت صحتها لانتفاء ما يعتمد عليه وهو أهلية التصرف وظاهره: أن الحجر لفلس لا يبطلها وصرح به في المغني والشرح لأن الوكيل لم(4/242)
وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة ولا تبطل بالسكر والإغماء والتعدي وهل تبطل بالردة وحرية عبده على وجهين.
ـــــــ
يخرج عن أهلية التصرف
لكن إن حجر على الموكل فإن كانت الوكالة في أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه فيها وإن كانت في غيرها فلا وتبطل أيضا في طلاق الزوجة بوطئها وفي عتق العبد بكتابته وتدبيره ذكره في المحرر "وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة" لأن الكل مشترك معنى فوجب أن يساويه حكما
"ولا تبطل بالسكر" لأنه لا يخرجه عن أهلية التصرف فإن فسق به بطلت فيما ينافيه كالإيجاب في النكاح لخروجه عن أهليه التصرف بخلاف الوكيل في القبول فإنه لا ينعزل بفسق موكله ولا بفسقه في الأشهر لأنه يجوز أن يقبل لنفسه فجاز لغيره كالعدل لكن إن كان وكيلا فيما تشترط فيه الأمانة كوكيل ولي اليتيم وولي الوقف انعزل بفسقه وفسق موكله
"والإغماء" لانه لا تثبت عليه الولاية وكذا النوم وإن خرج عن أهلية التصرف "والتعدي" أي: تعدي الوكيل كلبس الثوب وركوب الدابة لأن الوكالة اقتضت الأمانة والإذن فإذا زالت الأولى بالتعدي بقي الإذن بحاله
والوجه الثاني: أنها تبطل به لأنها عقد أمانة فبطلت بالتعدي كالوديعة ورد بالفرق فإن الوديعة مجرد أمانة فنافاها التعدي بخلاف الوكالة فإنها إذن في التصرف وتضمنت الأمانة وأطلقهما في المحرر والفروع
فعلى الأول: يصير ضامنا فإذا تصرف كما قال موكله صح وبرئ من ضمانه لدخوله في ملك المشتري وضمانه ويصيرالثمن في يده أمانة فإذا اشترى شيئا وظهر به عيب صار مضمونا عليه لأن العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال به
"وهل تبطل بالردة وحرية عبده على وجهين" أحدهما وجزم به في الوجيز أنها لا تبطل بالردة لأنها لا تمنع ابتداء الوكالة فكذا لا تمنع استدامتها كسائر الكفر وسواء لحق بدار الحرب أولا.(4/243)
وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين.
ـــــــ
والثاني: تبطل بها إذا قلنا: يزول ملكه ويبطل تصرفه والوكالة تصرف وفي المغني إن كانت من الوكيل لم تبطل لأن ردته لا تؤثر في تصرفه وإنما تؤثر في ماله وإن كانت من الموكل فوجهان مبنيان على صحة تصرف المرتد في ماله وفي الشرح إنها لا تبطل بردة الموكل فيما له التصرف فيه فأما الوكيل في ماله فينبني على صحة تصرف نفسه فإن قلنا: يصح تصرفه لم تبطل وإن قلنا: هو موقوف فهي كذلك وإن قلنا: يبطل تصرفه بطلت فإن كانت حال ردته فالأوجه
الثانية: إذا وكل عبده ثم أعتقه لم تبطل قدمه في الشرح وصححه وجزم به في الوجيز لأن زوال ملكه لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يمنع استدامتها وكإباقة
والثاني: بلى لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في الحقيقة وإنما هو استخدام بحق الملك فيبطل بزوال الملك وكذا الخلاف فيما إذا باعه أو وكل عبد غيره ثم باعه سيده فلو اشتراه الموكل منه لم تبطل لأن ملكه اياه لا ينافي اذنه له في البيع والشراء
وكذا الخلاف فيما إذا وكل عبد غيره ثم أعتقه وفي المغني أنها لا تبطل وجها واحدا لأن هذا توكيل في الحقيقة والعتق غير مناف وفي جحدها من أحدهما وقيل: عمدا وجهان والأشهر فيهن أنها لا تبطل
تنبيه: تبطل بتلف العين الموكل في التصرف فيها لأن محلها قد ذهب فلو وكله في الشراء مطلقا ونفد ما دفعه إليه بطلت لأنه إنما وكله في الشراء به وإن استقرضه الوكيل فهو كتلفه ولو عزل عوضه لأنه لا يصير للموكل حتى يقبضه
"وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين" لا خلاف أن الوكيل إذا علم بموت الموكل أو عزله ان تصرفه باطل وإن لم يعلم فاختار الأكثر وذكر الشيخ تقي الدين أنه الأشهر أن تصرفه غيرنافذ لأنه رفع عقد(4/244)
وإذا وكل اثنين لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك.
ـــــــ
لا يفتقر إلى رضى صاحبه فصح بغير علمه كالطلاق
والثانية: ونص عليها في رواية ابن منصور وغيره أنه لا ينعزل اعتمادا على أن الحكم لا يثبت في حقه قبل العلم كالأحكام المبتدأة ولقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ} [البقرة:275] الآية وينبني عليهما تضمينه واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يضمن لأنه لم يفرط وذكر وجها أنه ينعزل بالموت لا بالعزل وقاله جمع من العلماء
واعلم أن القاضي والمؤلف وجماعة يجعلون الخلاف في نفس انفساخ الوكالة قبل العلم وظاهر الخرقي والشرح وكلام المجد يجعلونه في نفوذ التصرف وهو أوفق لمنصوص أحمد وليس بينهما فرق في المغني ولهذا قال الشيخ تقي الدين هو لفظي وذكر أنه لو باع أو تصرف فادعى أنه عزله قبله لم يقبل فلو أقام بينة ببلد آخر وحكم به حاكم فإن لم ينعزل قبل العلم صح تصرفه وإلا كان حكما على الغائب
ولو حكم قبل هذا الحكم بالصحة حاكم لا يرى عزله قبل العلم فإن كان بلغه ذلك نفذ والحكم الناقض له مردود وإلا وجوده كعدمه والحاكم الثاني: إذا لم يعلم بأن العزل قبل العلم أو علم ولم يره أو رآه ولم ير نقض الحكم المتقدم فحكمه كعدمه
فرع: لا ينعزل مودع قبل علمه خلافا لأبي الخطاب فما بيده أمانة ومثله مضارب
"وإذا وكل اثنين لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف" لأنه لم يرض تصرف أحدهما منفردا بدليل إضافة الغير إليه "إلا أن يجعل ذلك" أي: الانفراد بالتصرف إليه لأنه مأذون فيه أشبه ما لو كان منفردا فلو وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما لأن قوله افعلا كذا يقتضي اجتماعهما على فعله بخلاف بعتكما حيث كان منقسما بينهما لأنه لا يمكن أن يكون الملك لهما على الاجتماع فلو غاب أحدهما لم يكن للآخر أن يتصرف.(4/245)
ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه وعنه: يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين.
ـــــــ
ولا للحاكم ضم أمين ليتصرفا بخلاف ما لو مات أحد الوصيين فإن للحاكم ضم أمين والفرق أن الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه بخلاف الوصية فإن له نظرا في حق الميت واليتيم ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم فإن كان أحدهما غائبا فادعى الحاضر وأقام بينة سمعها الحاكم وحكم بثبوتها لهما فإذا حضر الغائب تصرفا معا
لا يقال: هو حكم للغائب لأنه يجوز تبعا لحق الحاضر كما يجوز أن يحكم بالوقف لمن لم أصحهما لأجل من يستحقه في الحال فلو جحدها الغائب أو عزل نفسه لم يكن للآخر أن يتصرف
"ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه" على المذهب لأن العرف في البيع بيع الرجل من غيره فحملت الوكالة عليه وكما لو صرح به ولأنه يلحقه تهمة ويتنافى الغرضان في بيعه لنفسه فلم يجز كما لو نهاه وكذا شراؤه من نفسه لكن لو أذن له جاز ويتولى طرفيه في الأصح فيهما إذا انتفت التهمة كأب الصغير
وكذا توكيله في بيعه وآخر في شرائه ومثله نكاح ودعوى فيدعي أحدهما ويجيب عن الآخر ويقيم حجة كل واحد منهما وقال الأزجي في الدعوى الذي يقع الاعتماد عليه لا يصح للتضاد
"وعنه: يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين" لأن بذلك يحصل غرض الموكل من الثمن أشبه ما لو باعه لأجنبي وفي الكافي والشرح أن الجواز معلق بشرطين أحدهما: أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء الثاني: أن يتولى النداء غيره قال القاضي يحتمل أن يكون الثاني: واجبا وهو أشبه بكلامه ويحتمل أن يكون مستحباز وفي الفروع وعنه: يبيع من نفسه إذا زاد ثمنه في النداء وقيل: أو وكل(4/246)
وهل يجوز أن يبيعه لولده أو والده أو مكاتبه على وجهين ولا يجوز أن يبيع نساء ولا يغير نقد البلد ويحتمل أن يجوز كالمضارب،
ـــــــ
بائعا وهو ظاهر رواية حنبل وقيل: هما وذكر الأزجي احتمالا لا يعتبران لأن دينه وأمانته تحمله على الحق وربما زاد لا يقال كيف يوكل بالبيع وهو ممنوع منه على المشهور لأنه يجوز التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه والنداء مما لم تجر العادة أن يتولاه أكثر الوكلاء بأنفسهم
قال ابن المنجا: وفيه نظر لأن الوكيل إذا جاز له أن يعطي ما وكل فيه لمن ينادي عليه لما ذكر فالعقد لا بد له من عاقد ومثله يتولاه فلا يجوز أن يوكل عنه غيره ويمكن التخلص من ورود هذا الإشكال بأن يجعل بدل التوكيل في البيع التوكيل في الشراء
"وهل يجوز أن يبيعه لولده" الكبير "أو والده أو مكاتبه؟ على وجهين" كذا أطلقهما في المحرر والفروع أحدهما: المنع لأنه متهم في حقهم ويميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن كتهمته في حق نفسه ولذلك لا تقبل شهادته لهم والثاني: يجوز لأنهم غيره وقد امتثل أمر الموكل ووافق العرف في بيع غيره أشبه الأجنبي وذكر الأزجي أن الخلاف في الأخوة والأقارب كذلك
فرع: الحاكم وأمينه وناظر الوقف والمضارب كالوكيل
"ولا يجوز أن يبيع نساء ولا يغير نقد البلد" على المذهب لأن الموكل لو باع بنفسه وأطلق انصرف إلى الحلول ونقد البلد فكذا وكيله فلو تصرف بغير ذلك لنفع وغرض لم يصح لأن عقد الوكالة لم يقتضه وفيه احتمال وهو رواية في الموجز وكما لو وكله في شراء بلح في الصيف وفحم في الشتاء فخالف ذكره أبو الخطاب ومحله في الفحم في غير تجارة
فإن كان في البلد نقدان باع بأغلبهما فإن تساويا خير
"ويحتمل أن يجوز" هذا رواية عن أحمد لقوله بع كيف شئت كالمضارب على الأصح فيه والفرق بينهما من حيث إن المقصود في المضاربة الربح وهو في النساء أكثر ولا يتعين ذلك في الوكالة بل ربما كان المقصود(4/247)
وإن باع بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له صح ويضمن النقص ويحتمل أن لا يصح وإن باع بأكثر من ثمن المثل صح
ـــــــ
تحصيل حاجته فتفوت بتأخير الثمن ولأن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب فيعود الضرر عليه واستيفاء الثمن في الوكالة على الموكل فيعود ضرر الطلب عليه وهو لم يرض به
وهذا الخلاف إنما هو مع الإطلاق فلو عين له شيئا تعين ولم يجز مخالفته لأنه متصرف بإذنه.
فائدة: إذا ادعيا الإذن في ذلك قبل قولهما وقيل: قول المالك
"وإن باع بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له صح" نص عليه وقدمه في المحرر وصححه ابن المنجا لأن من صح بيعه بثمن المثل صح بدونه كالمريض "ويضمن" الوكيل "النقص" لأن فيه جمعا بين حظ المشتري بعدم الفسخ وحظ البائع بوجوب التضمين وأما الوكيل فلا يعتبر حظه لأنه مفرط وفي قدره وجهان أحدهما ما بين ثمن المثل وما باعه
والثاني: ما يتغابن الناس به وما لا يتغابنون لأن ما يتغابن الناس به عادة كدرهم في عشرة فإنه يصح بيعه به ولا ضمان عليه لأنه لا يمكن التحرز منه فلو حضر من يزيد على ثمن المثل لم يجز أن يبيعه به لأن عليه طلب الحظ لموكله فلو باع به ثم حضر من يزيد في مدة الخيار لم يلزمه فسخ العقد على الأشهر لأن الزيادة منهي عنها "ويحتمل أن لا يصح" هذا رواية عنه وصححها في المغني
وذكر في الشرح أنها أقيس وفي الفروع هي أظهر لأنه بيع غيرمأذون فيه أشبه بيع الأجنبي وقيل: هو كتصرف الفضولي نص عليه فإن تلف فضمن الوكيل رجع على مشتر كتلفه عنده وعلى الصحة لا يضمن عبد لسيده ولا صبي لنفسه
"وإن باع بأكثر من ثمن المثل صح" لأنه باع المأذون وزاده خيرا زيادة منفعة والعرف يقتضيه أشبه ما لو وكله في الشراء فاشتراه(4/248)
سواء أكانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به أو لم تكن وإن قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد الوجهين وإن قال بعه بألف نساء فباعه بألف حالة صح،
ـــــــ
بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له "سواء أكانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به" كمن أذن له في البيع بمائة درهم فباعه بها وبعشرة أخرى "أولم تكن" كدينار وثوب وقيل: لا يصح جنس الأثمان
تنبيه: يجوز للوكيل البيع والشراء بشرط الخيار له وقيل: مطلقا وتزكية بينة خصمه ومخاصمة في ثمن مبيع بان مستحقا في وجه وإن شرط الخيار فلموكله ولنفسه لهما ولا تصح لنفسه فقط ويختص بخيار مجلس ويختص به موكله إن حضره
فائدة: الوصي وناظر الوقف كالوكيل فيما إذا باع بدون ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه ذكره الشيخ تقي الدين وتضمينه مع اجتهاده وعدم تفريطه مشكل فإن قواعد المذهب تشهد له بروايتي فيما إذا رمى إلى صف الكفار يظنه كافرا فبان مسلما ففي ضمان دينه روايتان
"وإن قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد الوجهين" هذا هو الأشهر لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار
والثاني: وهو قول القاضي لا يصح لأنه خالف موكله في الجنس أشبه ما لو باعه بثوب يساوي دينارا أو كما لو قال بعه بمائة درهم فباعه بمائة ثوب قيمتها أكثر من الدراهم وأطلقهما في الفروع
ولو باعه بدرهم وعرض فالأصح لا تبطل في زائد بحصته وإن اختلط الدرهم بآخر له عمل بظنه ويقبل قوله حكما ذكره القاضي
"وإن قال بعه بألف نساء فباعه بألف حالة صح" في الأصح لأنه زاده خيرا فهو كما له وكله في بيعه بعشرة فباعه بأكثر منها وظاهره: أنه إذا باع حالا بدون ثمنها نسيئة أو بدون ما عينه له لم ينفذ تصرفه لأنه خالف موكله.(4/249)
إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره له أو وكله في بيع شيء فباع نصفه لم يصح وإن اشتراه بما قدره له مؤجلا أو قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشترى له شاة تساوي دينارا بأقل منه صح،
ـــــــ
وشرط المؤلف "إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال" جزم به في الوجيز فظاهره أنه إذا استضر بحفظ الثمن في الحال أنه لا يصح لأن حكم الإذن إنما يثبت في المسكوت عنه لتضمنه المصلحة فإذا كان يتضرر به علم انتفاؤها فتنتفي الصحة
وحكم خوف التلف والتعدي عليه كذلك لاشتراك الكل في المعنى وما ذكره المؤلف هو قول والمذهب صحته مطلقا مالم ينهه والثاني: لا يصح للمخالفة
"وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره له" لم يصح لأنه تصرف غيرمأذون فيه وهذا إذا كان مما يتغابن الناس بمثله ذكره في الشرح وهذا يشكل بما سبق والمذهب فيه كما قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز أنه يصح ويضمن الزيادة هو ومضارب
"أو وكله في بيع شيء فباع نصف لم يصح" لأنه بيع غيرمأذون فيه ولما فيه من الضرر أشبه ما لو وكله في شراء شيء فاشترى بعضه ومحله ما إذا باعه بدون ثمن المثل فلو باعه بثمن جميعه صح ذكره في المغني والشرح والوجيز وعلى الأول ما لم يبع الباقي أو يكن عبيدا أو صبرة ونحوها فيصح مفرقا ما لم يأمره ببيعه صفقة واحدة
"وإن اشتراه بما قدره له مؤجلا" صح في الأصح لأنه زاده خيرا وقيل: إن لم يتضرر وقيل: لا يصح للمخالفة "أو قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشترى له شاة تساوي دينارا بأقل منه صح" لما روى أحمد عن سفيان عن شبيب هو ابن غرقدة سمع الحي(4/250)
وإلا فلا.
ـــــــ
يخبرون عن عروة بن الجعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معه بدينار يشتري له به أضحيه وقال مرة أو شاة فاشترى له اثنتين فباع واحدة بدينار وأتاه بالأخرى فدعا له بالبركة فكان لو اشترى التراب لربح فيه
وفي رواية: قال: هذا ديناركم وهذه شاتكم قال: "كيف صنعت؟!" فذكره ورواه البخاري في ضمن حديث متصل لعروة حدثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان
ولأنه حصل له المأذون فيه وزيادة وفي الأخيرة حصل المقصود وزيادة لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بشراء شيء بدينار يرضى بأقل منه وكذا إذا اشترى شاتين كل منهما تساوي دينارا وفيه رواية في المبهج كفضولي وإن أبقى ما يساويه ففي بيع الآخر بغير إذن الموكل وجهان أحدهما: لا يجوز لأنه غيرمأذون فيه أشبه بيع الشاتين
والثاني: وهو ظاهر كلام أحمد الجواز لظاهر الخبر "وإلا فلا" يصح إذا كانت كل منهما تساوي أقل من دينار لأنه لم يحصل له المقصود فلم يقع البيع له لكونه غيرمأذون فيه لفظا ولا عرفا وكذا الشاة الموكل في شرائها بدينار تساوي أقل منه لما ذكرنا
وفي عيون المسائل إن ساوى كل منهما نصف دينار صح للموكل لا للوكيل وإن كان كل واحدة لا تساوي نصف دينار فروايتان إحداهما يصح ويقف على إجازة الموكل لخبر عروة
تنبيه: إذا وكله في شراء معين بمائة فاشتراه بدونها جاز ما لم ينهه عن الشراء بأقل منها لمخالفة قوله ونصه وإن قال اشتره بها ولا تشتره بخمسين جاز له شراؤه بما فوق الخمسين فإن اشتراه بما دون الخمسين جاز في وجه ومن وكل في شراء شيء معين بثمن معلوم فله شراؤه لنفسه بمثل ذلك الثمن وغيره
"وليس له شراء معيب" أي: لا يجوز له لأن الإطلاق يقتضي السلامة،(4/251)
وليس له شراء معيب فإن وجد بما اشترى عيبا فله الرد فإن قال البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل مع يمينه إنه لا يعلم ذلك
ـــــــ
ولذلك جاز له الرد به ومحله ما لم يعينه له موكله فإن فعل عالما بعيبه لزمه إن لم يرضه موكله ولم يرده وكذا لا يرده الموكل وحكاه في الحاشية قولا وفيه نظر فإن اشتراه بعين المال لم يصح على المذهب
"فإن وجد بما اشترى عيبا" أي: جهل عيبه "فله الرد" لأنه قائم مقام الموكل وله أيضا الرد لأنه ملكه فإن حضر قبل رد الوكيل ورضي بالعيب لم يكن للوكيل رده لأن الحق له بخلاف المضارب لأن له حقا فلا يسقط برضى غيره فإن طلب البائع الإمهال حتى يحضر الموكل لم يلزمه ذلك لأنه لم يأمن فوات الرد فإن أخره بناء على قول فلم يرض به الموكل فله الرد وإن قلنا: هو على الفور لأنه أخره بإذن البائع وإن أنكر البائع أن الشراء وقع له لزم الوكيل وقيل: الموكل وله أرشه
وذكر الأزجي إن جهل عيبه وقد اشترى بعين المال فهل يقع عن الموكل؟ فيه خلاف
"فإن قال البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل مع يمينه" لأنه منكر والقول قوله معها لأن الأصل عدم الرضى فلا يقبل إلا ببينة فإن لم يقمها لم يستحلف الوكيل إلا أن يدعي علمه فيحلف على نفي العلم ذكره في الشرح
"إنه لا يعلم ذلك" أي: لا يعلم رضى موكله لأنه يجوز أن يعلم رضاه وهو مسقط للردة وإنما كانت على النفي لأنها على فعل الغير فإذا حلف أخذ حقه في الحال وقيل: يقف على حلف موكله إن طلبه الخصم وكذا قول كل غريم لوكيل غائب في قبض حقه أبرأني موكلك أو قبضه ويحكم ببينة إن حكم على غائب
"فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد؟ على(4/252)
فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد على وجهين وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا فهل له رده قبل إعلام الموكل على وجهين فإن قال اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكل فإن قال اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن فاشترى بعينه صح ولزم الموكل،
ـــــــ
وجهين" كذا في الشرح والفروع أشهرهما لا يصح الرد وهو باق للموكل لأن رضى الموكل بالعيب عزل للوكيل عن الرد ومنع له بدليل أن الوكيل لو علمه لم يكن له الرد فعلى هذا للموكل استرجاعه وللبائع رده عليه
والثاني: يصح بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل العلم بعزله فيكون الرد صادف ولاية فعلى هذا يجدد الموكل العقد
"وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا فهل له رده قبل إعلام الموكل؟ على وجهين" كذا في الفروع أحدهما: له ذلك لأن الأمر يقتضي السلامة أشبه ما لو وكله في شراء موصوف
والثاني: وهو الأشهر: لا لأن الموكل قطع نظره بالتعيين فربما رضيه بجميع صفاته وعلى الأول المعين وإن علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه فيه وجهان مبنيان على رده إذا علم عيبه بعد شرائه والمقدم له شراؤه
"فإن قال: اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكل" لأن الثمن إذا تعين انفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوبا ولم يلزمه ثمن في ذمته وهذا غرض صحيح للموكل فلم تجز مخالفته
وظاهره: ولو نقد المعين ويقع الشراء للوكيل وهل يقف على إجازة الموكل فيه الروايتان "فإن قال: اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن فاشترى بعينه صح ولزم الموكل" ذكره أصحابنا لأنه أذن له في عقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدراهم وتلفها فكان إذنا في عقد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائها.(4/253)
وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه به في آخر صح وإن قال بعه لزيد فباعه من غيره لم يصح.
ـــــــ
وقيل: إن رضي به وإلا بطل وقيل: لا يصح لأنه قد يكون له غرض في الشراء في الذمة لشبهة فيها أو يختار وقوع عقد لا ينفسخ بتلفها ولا تبطل بتحريمها فلم يجز مخالفة غرضه لصحته وإن أطلق جاز وليس له العقد مع فقير وقاطع طريق إلا أن يأمره نقله الأثرم
"وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه به في آخر صح" لأن القصد البيع بما قدره له وقد حصل كالإجارة وغيرها هذا إذا كان هو وغيره سواء فإن كان له غرض صحيح تعين كما لو كان السوق معروفا بجودة النقد أو كثرة الثمن أو حله أو صلاح أهله
"وإن قال بعه لزيد فباعه من غيره لم يصح" بغير خلاف نعلمه لأنه قد يقصد نفعه فلا تجوز مخالفته
وفي المغني والشرح إلا أن يعلم بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري
قاعدة: حقوق العقد وهي تسليم الثمن وقبض المبيع والرد بالعيب وضمان الدرك يتعلق بالموكل لأنه لا يعتق قريب وكيل عليه وقال أبو حنيفة يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل عنه إلى الموكل ورد بأنه قبل عقدا لغيره فوجب أن ينتقل الملك إليه كالأب والوصي وكما لو تزوج له
ويتفرع: عليهما: لو وكل مسلم ذميا في شراء خمر فاشتراه له لم يصح على الأول لا الثاني: وإذا باع الوكيل بثمن معين ثبت الملك للموكل في الثمن وإن كان في الذمة فللموكل والوكيل المطالبة به وعنده ليس للموكل المطالبة به
وفي المغني والشرح إن اشترى وكيل في شراء في الذمة فكضامن وقال الشيخ تقي الدين فيمن وكل في بيع أو استئجار فإن لم يتم موكله في العقد فضامن وإلا فروايتان وظاهر المذهب يضمنه ولو وكل رجلا(4/254)
وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه ولم يملك قبض ثمنه صح إلا بقرينة فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل شيء وإن وكله في بيع فاسد أو كل قليل وكثير لم يصح،
ـــــــ
يستسلف له ألفا في كر حنطة ففعل ملك الموكل ثمنها والوكيل ضامن
"وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه" لأن إطلاق الوكالة في البيع يقتضي التسليم لكونه من تمامه "ولم يملك قبض ثمنه" كذا أطلقه الأكثر لأنه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على قبض الثمن والمذهب عند الشيخين أنه يقيد "إلا بقرينة" فعلى هذا إن كانت قرينة الحال تدل على القبض مثل توكيله في بيع شيء في سوق غائب عن الموكل أو بموضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل له كان إذنا في قبضه فإن تركه ضمنه لأنه يعد مفرطا
وإن لم تدل القرينة على ذلك لم يكن له قبضه وقيل: يملكه مطلقا لأنه من موجب البيع فملكه كتسليم المبيع فلا يسلمه قبله فإن فعل ضمنه وعلى الأول "فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل شيء" كظهور مبيعه مستحقا أو معيبا كحاكم وأمينه ولأنه ليس بمفرط فيه لكونه لا يملكه
تنبيه: وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه لأنه من تتمته وحقوقه كتسليم المبيع فإن اشترى عبدا فنقد ثمنه فخرج مستحقا فهل يملك أن يخاصم البائع في الثمن على وجهين. وإن اشترى شيئا وقبضه وأخر تسليم ثمنه لغير عذر فهلك في يده ضمنه نص عليه وليس لوكيل في بيع تقليبه على مشتر إلا بحضرته وإلا ضمن ذكره في النوادر ويتوجه العرف ولا بيعه ببلد آخر في الأصح فيضمن ويصح ومع مؤنة نقل لا ذكره في الانتصار
"وإن وكله في بيع فاسد" أي: لم يصح ولم يملكه لأن الله تعالى: لم يأذن فيه ولأن الموكل لا يملكه فوكيله كذلك وأولى وكشرطه على وكيل في بيع أن لا يسلمه المبيع "أو كل قليل وكثير لم يصح" ذكره الأزجي اتفاق الأصحاب لأنه يدخل فيه كل شيء من هبة ماله وطلاق نسائه وإعتاق رقيقه فيعظم الغرر(4/255)
وإن وكله في بيع ماله كله صح وإن قال اشتر لي ما شئت أو عبدا بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن وعنه: ما يدل على أنه يصح وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض.
ـــــــ
والضرر ولأن التوكيل لا بد وأن يكون في تصرف معلوم
ومثله: وكلتك في شراء ما شئت من المتاع الفلاني فلو قال وكلتك بما إلي من التصرفات فاحتمالان وقيل: يصح في كل قليل وكثير كبيع ماله أو المطالبة بحقوقه أو الإبراء أو ما شاء منه يؤيده قول المروذي بعث بي أبو عبد الله في حاجة وقال كل شيء تقول على لساني فأنا قلته
"وإن وكله في بيع ماله كله صح" لأنه يعرف ماله فيقل الغرر وذكر الأزجي في بع من عبيدي من شئت أن من للتبعيض فلا يبيعهم إلا واحدا ولا الكل لاستعمال هذا في الأقل غالبا وقال هذا ينبني على أصل وهو استثناء الأكثر وفيه نظر "وإن قال اشتر لي ما شئت أو عبدا بما شئت لم يصح" لأن ما يمكن شراؤه والشراء به يكثر فيكثر فيه الغرر
"حتى يذكر النوع" وعليه اقتصر القاضي لأنه إذا ذكر نوعا فقد أذن في أغلاه ثمنا فيقل الغرر فيه "وقدر الثمن" وهو رواية لانتفاء الغرر فمن اعتبره جوز أن يذكر أكثر الثمن وأقله وحكاه في الفروع قولا واقتصر عليه في الشرح وصريح كلامه أنه لا بد للصحة من اعتبار الأمرين وقاله أبو الخطاب
"وعنه: ما يدل على أنه يصح" فإنه روي عنه فيمن قال ما اشتريت من شيء فهو بيننا أن هذا جائز وأعجبه وهذا توكيل في شراء كل شيء لأنه إذن في التصرف فجاز من غيرتعيين كالإذن في التجارة وكما لو قال بع من مالي ما شئت والإطلاق يقتضي شراء عبد مسلم عند ابن عقيل لجعله الكفر عيبا
"وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض" لأن الإذن لم يتناوله نطقا ولا عرفا لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض إذ معنى الوكالة في الخصومة الوكالة في إثبات الحق وذكر ابن البنا في تعليقه: أنه وكيل في(4/256)
وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين وإن وكله في قبض الحق من إنسان لم يكن له قبضه من وارثه،
ـــــــ
القبض لأنه مأمور فتكون الخصومة ولا تنقطع إلا به وعلم منه جواز التوكيل في الخصومة. وذكر القاضي في قوله تعالى: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} [النساء:105] أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق أو نفيه وهو غيرعالم بحقيقة أمره وفي المغني في الصلح نحوه. ولا يصح ممن علم ظلم موكله في الخصومة قاله في الفنون فظاهره يصح إذا لم يعلم فلو ظن ظلمه جاز ويتوجه المنع ومع الشك احتمالان
وعلى ما ذكره لا يقبل إقراره على موكله بقبض ولا غيره نص عليه ويقبل إقراره بعيب فيما باعه واختار جماعة لا وله إثبات وكالته في غيبة موكله في الأصح وإن قال أجب خصمي عني احتمل لخصومة واحتمل بطلانها ذكره في الفروع
"وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز وهو المذهب لأنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالتثبت فكان إذنا فيه عرفا لأن القبض لا يتم إلا به فملكه كما لو وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه
والثاني: لا يملكها لأنهما معنيان مختلفان فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلا في الآخر وكعكسه وأطلق في المحرر والفروع الخلاف وقيل: إن كان الموكل عالما بجحد من عليه الحق أو مطله كان توكيلا في الخصومة لوقوف القبض عليه وعلى الجواز لا فرق بين كون الحق عينا أو دينا
"وإن وكله في قبض الحق من إنسان لم يكن له قبضه من وارثه" لأنه لم يؤمر بذلك ولا يقتضيه العرف ومقتضاه أن له قبضه من وكيله وهو كذلك لأنه قائم مقامه
فإن قلت: فالوارث نائب عن الموروث فهو كالوكيل وجوابه أن الوكيل(4/257)
وإن قال: اقبض حقي الذي قبله فله القبض من وارثه وإن قال اقبضه اليوم لم يملك قبضه غدا وإن وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن وإن وكله في قضاء دين فقضاه ولم يشهد فأنكره الغريم ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل.
ـــــــ
إذا دفع بإذنه جرى مجرى تسليمه وليس الوارث كذلك فإن الحق انتقل إليهم واستحقت المطالبة عليهم لا بطريق النيابة عن الموروث ولهذا لو حلف لا يفعل شيئا حنث بفعل وكيله دون مورثه
"وإن قال: اقبض حقي الذي قبله" أو عليه "فله القبض من وارثه" لأن الوكالة اقتضت قبض حقه مطلقا فشمل القبض من الوارث لأنه من حقه "وإن قال: اقبضه اليوم لم يملك قبضه غدا" لتقييدها بزمان معين لأنه قد يختص غرضه في زمن حاجته إليه "وإن وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن" إذا أنكر المودع نقله الأصحاب لعدم الفائدة في الإشهاد إذ المودع يقبل قوله في الرد والتلف فلم يكن مفرطا في عدم الإشهاد
وفيه وجه وذكره القاضي رواية أنه يضمن لأن الوديعة لا تثبت إلا ببينة فهو كما لو وكله في قضاء دين وبأن الفائدة في الإشهاد هو ثبوت الوديعة فلو مات أخذت من تركته فإن قال الوكيل دفعت المال إلى المودع فأنكر قبل قول الوكيل لأنهما اختلفا في تصرفه فيما وكل فيه
"وإن وكله في قضاء دين فقضاه ولم يشهد فأنكره الغريم ضمن" الوكيل لأنه مفرط حيث لم يشهد قال القاضي سواء صدقه أو كذبه لأنه إنما أذن في قضاء مبرئ ولم يوجد
"إلا أن يقضيه بحضرة الموكل" فإنه لا يضمن على الأصح لأن حضوره قرينة رضاه بالدفع بغير بينة وقيل: لا يضمن بناء على أن الساكت لا ينسب إليه قول
وعنه: لا يرجع بشيء إلا أن يكون أمر بالإشهاد فلم يفعل قدمه في الفروع لتفريطه فعليها إن صدقه الموكل في الدفع لم يرجع عليه بشيء وإن كذبه قبل قول الوكيل مع يمينه لأنه ادعى فعل ما أمره به موكله.(4/258)
فصل
والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده من غير تفريط والقول قوله مع يمينه في الهلاك ونفي التفريط،
ـــــــ
وعنه: لا يضمن مطلقا اختاره ابن عقيل كقضائه بحضرته وعلى اعتبارها إذا اشهد عدولا فماتوا أو غابوا فلا ضمان لعدم تفريطه وإن أشهد بينة فيها خلاف فوجهان
وقال ابن حمدان: إن كان لموكله الامتناع من الوفاء بدون الإشهاد لزم الوكيل الإشهاد فإن تركه ضمن وإن لم يكن لموكله الامتناع لم يلزمه ولا ضمان بتركه فإن قال أشهدت فماتوا أو أذنت فيه بلا بينة أو قضيت بحضرتك صدق الموكل للأصل ويتوجه في الأولى: لا وان في الثانية: الخلاف كما هو ظاهر كلام بعضهم ذكره في الفروع.
فصل
"والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط" لأنه نائب المالك في اليد والتصرف فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك كالمودع وكذا حكم كل من في يده شيء لغيره على سبيل الأمانة كالوصي ونحوه وظاهره: سواء كان بجعل أولا وأنه لا فرق بين تلف العين الموكل فيها أو تلف ثمنها لأنه أمين
وظاهره: أنه يضمن إن فرط بأن لا يحفظ ذلك في حرز مثلها وفي المغني أو يركب الدابة أو يلبس الثوب أو يطلب منه المال فيمتنع من دفعه لغير عذر لأن التعدي أبلغ من التفريط. "والقول قوله مع يمينه في الهلاك ونفي التفريط" أي: إذا ادعى الموكل عليه ما يقتضي الضمان لأنه أمين والأصل براءة ذمته مما يدعى عليه ولو كلف إقامة البينة على ذلك لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع دعوى الحاجة إليها.(4/259)
ولو قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله وإن اختلفا في رده إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعا وإن كان بجعل فعلى وجهين وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن.
ـــــــ
والمذهب أنه إذا ادعى التلف بأمر ظاهر كحريق عام ونهب جيش كلف إقامة البينة عليه ثم يقبل قوله فيه
"ولو قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله" ذكره ابن حامد لأنه يملك البيع والقبض فقبل قوله فيهما كالولي المجبر ولأنه أمين ويتعذر إقامة البينة على ذلك فلا يكلفها كالمودع وقيل: لا يقبل قوله لأنه يقر بحق لغيره على موكله فلم يقبل كما لو أقر بدين عليه
فرع: وكله في شراء شيء فاشتراه واختلفا في قدر ثمنه قبل قول الوكيل وقال القاضي: يقبل قول الموكل إلا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه فقال اشتر لي عبدا بألف فادعى أنه اشتراه بها قبل قوله وإلا فالموكل لأن من قبل قوله في أصل شيء قبل في صفته
"وإن اختلفا في رده" سواء كان العين أو ثمنها "إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعا" قولا واحدا قاله في المحرر لأنه قبض المال لنفع مالكه فقط فقبل قوله فيه كالوصي والمودع وقيل: لا وجزم به ابن الجوزي في قوله تعالى: {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:6] الآية ولم يخالفه وعلى الأول يقبل مع يمينه
وفي التذكرة ان من قبل قوله من الأمناء لم يحلف والتلف كالرد "وإن كان بجعل فعلى وجهين" أشهرهما أنه لا يقبل إلا ببينة لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في ذلك كالمستعير والثاني: بلى لأنه أمين
"وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن" لاشتراك الكل في قبض العين لمنفعة القابض ونص أحمد في المضارب أنه لا يقبل قوله كالمستعير فلو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت فادعى الرد أو التلف لم يقبل لثبوت خيانته بجحده ولو أقام به بينة في وجه لأنه مكذب لها.(4/260)
ـــــــ
والثاني: يقبل لأنه يدعي ذلك قبل وجود خيانته
مسألة: كل أمين قبل قوله في الرد وطلب منه فهل له تأخيره حتى يشهد عليه فيه وجهان إن قلنا: يحلف وإلا لم يؤخره لذلك وفيه احتمال ومن لا يقبل قوله في الرد كالمستعير ولا حجة عليه بالأخذ لم يؤخر رده للإشهاد عليه وقال ابن حمدان بلى كما لو أخذه وفي ذمته مال لزيد أو في يده لم يلزمه دفعه إلى وكيله حتى يشهد عليه بقبضه
ومن عليه دين بحجة لم يلزمه دفعه إلى ربه إلا ببينة تشهد عليه بقبضه
فرع: إذا تلف ما وكل في بيعه أو الشراء به بتعد أو تفريط أو أتلفه هو أو غيره لم يتصرف في بدله بحال وإن وزن من ماله بدل الثمن واشترى بعينه لموكله ما أمره به لم يصح وكذا إن اشتراه في نعته ثم نقده وعنه: هو موقوف على إجازة موكله
"وإن قال: أذنت لي في البيع نساء وفي الشراء بخمسة" أو قال: وكلتك في بيع هذا العبد قال بل في بيع الأمة "فانكره فعلى وجهين" المذهب أنه يقبل قول الوكيل ونص عليه في المضارب لأنه أمين في التصرف فقبل قوله كالخياط
والثاني: وقاله القاضي وجزم به في الوجيز يقبل قول المالك لأنه يقبل قوله في أصل الوكالة فكذا في صفتها فعليه لو قال اشتريت لك هذه الجارية فقال إنما أذنت في شراء غيرها قبل قول المالك مع يمينه فإذا حلف برئ من الشراء ثم إن كان الشراء وقع بعين المال فهو باطل وترد الجارية إلى بائعها إن صدقه وإن كذبه ان الشراء لغيره أو بمال غيره صدق البائع لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان له
فإن ادعى الوكيل علمه بذلك حلف أنه لا يعلم ولزم الوكيل غرامة الثمن للموكل ودفع الثمن للبائع وتبقى الجارية في يده لا تحل له لأنه إن كان صادقا فهي للموكل وإن كان كاذبا فهي للبائع فإن أراد حلها اشتراها ممن(4/261)
وإن قال اذنت له في البيع نساء وفي الشراء بخمسة فأنكره فعلى وجهين وإن قال وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول المنكر بغير يمين وهل يلزم الوكيل نصف الصداق على وجهين
ـــــــ
هي له في الباطن فإن امتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليرفق به لبيعه اياها ليثبت له الملك ظاهرا وباطنا ويصير ما ثبت له في ذمته قصاصا بالذي أخذ منه الآخر ظلما فإن امتنع لم يجبر لأنه عقد مراضاة ذكره في المغني والشرح
وإن قال بعتكها إن كانت لي أو إن كنت أذنت لك في شرائها بكذا فقال القاضي لا يصح لتعليقه على شرط وقيل: بلى لأن هذا أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا كبعتك هذه الأمة إن كانت أمة
فرع: إذا قبض الوكيل الثمن فهو أمانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره فإن طلبه فأخر الرد مع إمكانه فتلف ضمنه فإن وعده رده ثم ادعى أنه كان رده أو تلف فإن صدقه الموكل فظاهر وإن كذبه لم يقبل وإن أقام به بينة فوجهان
"وإن قال وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول المنكر" لأنهما اختلفا في أصل الوكالة فقبل قول الموكل إذ الأصل عدمها ولم يثبت أنه أمينه فقبل قوله عليه "بغير يمين" نص عليه لأن الوكيل يدعي حقا لغيره
ومقتضاه أنه يستحلف إذا ادعته المرأة صرح به في المغني والشرح والوجيز لأنها تدعي الصداق في ذمته فإذا حلف لم يلزمه شيء
"وهل يلزم الوكيل نصف الصداق على وجهين" وذكر غيره روايتين أصحهما لا يلزمه شيء لتعلق حقوق العقد بالموكل وهذا ما لم يضمنه فإن ضمنه فلها الرجوع عليه بنصفه لضمانه عنه
والثاني: يلزمه نصف الصداق لأنه ضامن للثمن في البيع وللبائع مطالبته فكذا هنا ولأنه فرط حيث لم يشهد على الزوج بالعقد والصداق والأول أولى،(4/262)
ويجوز التوكيل بجعل وبغيره فلو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح.
ـــــــ
ويفارق الشراء لأن الثمن مقصود للبائع والعادة تعجيله بخلاف النكاح قاله في المغني والشرح ويلزم الموكل طلاقها في المنصوص لإزالة الاحتمال
وقيل: لا لأنه لم يثبت في حقه نكاح ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر لأنه لم يثبت صداقها فترثه وهو منكر أنها زوجته فلا يرثها
تنبيه: قد علم مما سبق أنه إذا صدق على الوكالة فيقبل قول الوكيل وكذا في كل تصرف وكل فيه وهو المذهب لأنه مأذون له أمين قادر على الإنشاء وهو أعرف
وعنه: يقبل قول موكله في النكاح لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه لكونه لا ينعقد إلا بها ذكره القاضي وغيره كأصل الوكالة
"ويجوز التوكيل بجعل" أي: معلوم لأنه عليه السلام كان يبعث عماله لقبض الصدقات ويجعل لهم على ذلك جعلا ولأنه تصرف لغيره لا يلزمه فهو كرد الآبق وظاهره: أنه يستحق الجعل بالبيع مثلا قبل قبض الثمن جزم به في المغني والشرح ما لم يشرطه عليه ويستحقه ببيعه نساء إن صح
وفي الفروع هل يستحقه قبل تسليم ثمنه يتوجه الخلاف فإن كان الجعل مجهولا فسدت ويصح تصرفه بالإذن وله أجر مثله
"وبغيره" أي: بغير جعل بغير خلاف نعلمه لأنه عليه السلام وكل أنيسا في إقامة الحد وعروة في الشراء بغير جعل
"فلو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح" نص عليه روي عن ابن عباس رواه سعيد بإسناد جيد ولم نعرف له في عصره مخالفا فكان كالإجماع وكرهه الثوري وفاقا لأبي حنيفة والشافعي لأنه أجر مجهول يحتمل الوجود والعدم.(4/263)
فصل
وإن كان عليه حق لإنسان فادعى رجل أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه وإن كذبه لم يستحلف وإن دفعه إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف ورجع على الدافع وحده وإن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها وإن تلفت فله تضمين من شاء منهما ولا يرجع من ضمنه على الآخر.
ـــــــ
ورد بأنها عين تنمي بالعمل عليها فهو كدفع ماله مضاربة وبه علل أحمد فعلى هذا إن باعه بزيادة فهي له وإن باعه بما عينه فلا شيء له لأنه جعل له الزيادة وهي معدومة فهو كالمضارب إذا لم يربح.
فصل
"وإن كان عليه حق لإنسان فادعى رجل أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه" لأن عليه فيه منعه لجواز أن ينكر الموكل الوكالة فيستحق الرجوع عليه اللهم إلا أن تقوم به بينة وسواء كان الحق في ذمته أو وديعة عنده
"وإن كذبه لم يستحلف" لعدم فائدة استحلافه وهو الحكم عليه بالنكول "وإن دفعه إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف" أي: الموكل لأنه يحتمل صدق الوكيل فيها "ورجع على الدافع وحده" لأن حقه في ذمته ولم يبرأ منه بتسليمه إلى غير وكيله ويرجع الدافع على الوكيل مع بقائه أو تعديه وظاهره: أنه إذا صدق الوكيل برئ الدافع "وإن كان المدفوع وديعة فوجدها" صاحبها "أخذها" لأنها عين حقه
"وإن تلفت فله تضمين من شاء منهما" أي: من الدافع والقابض لأن الدافع ضمنها بالدفع والقابض قبض مالا يستحقه "ولا يرجع من ضمنه على الآخر" لأن كل واحد منهما يدعي أن ما يأخذه المالك ظلم ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه تعد فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره إلا أن يكون الدافع(4/264)
وإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله به ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار وجهان وإن ادعى أنه مات وأنا وارثه لزمه الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار.
ـــــــ
دفعها إلى الوكيل من غير تصديق فيرجع على الوكيل ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا لكونه لم يقر بوكالته ولم يثبت ببينة
قال ومجرد التسليم ليس تصديقا ثم قال وإن صدقه ضمن في أحد القولين في مذهب أحمد بل نصه لأنه متى لم يتبين صدقه فقد غره نقل مهنا فيمن بعث إلى من عنده دنانير أو ثياب يأخذ دينارا أو ثوبا فأخذ أكثر فالضمان على الباعث يعني الذي أعطاه ويرجع هو بالزيادة على الرسول وهو ظاهر كلام أبي بكر
"وإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله به ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار وجهان" كذا في المحرر أحدهما وهو الأولى: والأشبه أنه لا يلزمه ذلك لأن الدفع إليه غيرمبرئ لاحتمال أن ينكر المحيل الحوالة فهو كدعوى الوكالة والوصية
والثاني: يلزمه الدفع إليه لأنه معترف أن الحق انتقل إليه أشبه الوارث ورد بأن وجوب الدفع إلى الوارث كونه مستحقا والدفع إليه مبرئ بخلافه هنا فإلحاقه بالوكيل أولى ووجوب اليمين مع الإنكار وعدمه مخرج على وجوب الدفع مع التصديق ولهذا عطفه عليه
وتقبل بينة المحال عليه على المحيل فلا يطالبه وتعاد لغائب محتال بعد دعواه فيقضي بها له إذن
"وإن ادعى أنه مات وأنا وارثه لزمه الدفع إليه مع التصديق" لأنه لا وارث له سواه بغير خلاف نعلمه لأنه مقر له بالحق وأنه يبرأ بهذا الدفع فلزمه كما لو جاء صاحب الحق "واليمين مع الإنكار" أي: على نفي العلم لأنها على نفي فعل الغير وإنما لزمته هنا لأن من لزمه الدفع مع الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار كسائر الحقوق المالية.(4/265)
ـــــــ
مسائل
الأولى: قال أحمد: إذا دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه فوهب له المشتري منديلا فالمنديل لصاحب الثوب.
وقال في رجل وكل آخر في اقتضاء دين وغاب فأخذ الوكيل به رهنا فتلف الرهن في يد الوكيل أساء في أخذه ولا ضمان عليه.
وقال في رجل أعطى آخر دراهم يشتري بها شيئا فخلطها بدراهمه فضاعا فلا شيء عليه وقال القاضي: إن خلطها بما لا يتميز ضمنها إن كان بغير إذنه كالوديعة.
الثانية: الوكالة والعزل لا يثبت بخبر الواحد وقيل: بلى فعلى الأول إن أخبر بتوكيل وظن صدقه تصرف بشرط الضمان إن أنكر الموكل وقال الأزجي إذا تصرف بناء على هذا الخبر فهل يضمن فيه وجهان.
الثالثة: إذا شهد بها اثنان ثم قال أحدهما عزله لم تثبت وكالته ويتوجه بلى كقوله بعد الحكم بصحتها وكقول واحد غيرهما فلو قالا عزله ثبت العزل ولو أقاما الشهادة حسبة بلا دعوى الوكيل فشهدا عند حاكم ان فلانا الغائب وكل هذا فإن اعترف أو قال ما علمت هذا وأنا أتصرف عنه ثبتت الوكالة وعكسه ما لم أعلم صدقه وإن أطلق طولب بالتفسير.(4/266)
كتاب الشركة
باب الشركة
...
بسم الله الحمن الرحيم
كتاب الشركة
وهي على خمسة أضرب احدها: شركة العنان وهي أن
ـــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الشركة
شركة بوزن نعمة وبوزن سرقة زاد بعضهم وبوزن تمرة وهي ثابتة بالإجماع وسنده قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص:24] و الخلطاء هم الشركاء ولقوله عليه السلام: "إن الله تعالى يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما" رواه أبو داود من حديث أبي هريرة ورواته ثقات
وهي عبارة عن الإجتماع في استحقاق أو تصرف فهي نوعان شركة أملاك وشركة عقود وهي المقصود هنا
"وهي على خمسة أضرب" ويعتبر لسائر أنواعها أن يكون جائز التصرف لأنه عقد على التصرف في المال فلم يصح من غير جائز التصرف في المال كالبيع
"أحدها: شركة العنان" سميت بذلك لأن الشريكين فيها يتساويان في المال والتصرف كالفارسين إذا سويا بين فرسيهما وتساويا في السير وقال الفراء هي مشتقة من عن الشيء إذا عرض يقال عنت لي حاجة إذا عرضت لأن كل منهما قد عن له أي: عرض له مشاركة صاحبه
وقيل: هي مأخوذة من عانه إذا عارضه فكل منهما عارض صاحبه بمثل ماله وعمله وقوله في الشرح إنه راجع إلى قول الفراء ليس بظاهر
"وهي" جائزة إجماعا ذكره ابن المنذر وإن اختلف في بعض شروطها "أن(4/267)
يشترك اثنان بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما وربحه لهما فينفذ تصرف كل واحد منهما فيهما بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه ولا تصح إلا بشرطين:
أحدهما: أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير.
ـــــــ
يشترك اثنان" فما فوقهما سواء كانا مسلمين أو أحدهما ولا تكره مشاركة كتابي إن ولي المسلم التصرف نص عليه لنهيه عليه السلام عن مشاركة اليهودي والنصراني إلا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم رواه الخلال بإسناده عن عطاء وكرهه الأزجي وروي عن ابن عباس ولم نعرف له في الصحابة مخالفا ولأن أموالهم ليست بطيبة فإنهم يبيعون الخمر ويتبايعون بالربا وكالمجوس نص عليه "بماليهما" المعلومين سواء كان المالان متساويين قدرا وجنسا وصفة أولا ويعتبر حضور ماليهما لتقرير العمل وتحقيق الشركة إذن كمضاربة نص عليه
ولو اشتركا في مختلط بينهما شائعا صح إن علما قدر ما لكل منهما وهذا القيد أخرج المضاربة لأن المال فيها من جانب والعمل من آخر بخلافها لكونها تجمع مالا وعملا من كل جانب بدليل قوله: "ليعملا فيه ببدنيهما" والأصح أو أحدهما لكن بشرط أن يكون له أكثر من ربح ماله وبقدره إبضاع وبدونه لا يصح وفيه وجه "وربحه لهما" لانه نماء ملكهما وعملهما متساويا ومتفاضلا على ما شرطاه لأن الربح يستحق بالمال تارة وبالعمل أخرى كالمضارب
"فينفذ تصرف كل واحد منهما فيهما بحكم الملك في نصيبه" وهو ظاهر "والوكالة في نصيب شريكه" لأنه متصرف بجهة الإذن فهو كالوكالة ودل أن لفظ الشركة يغني عن إذن صريح في التصرف وهذا هو الأصح والمعمول به عند أصحابنا قاله في الفصول. "ولاتصح إلا بشرطين أحدهما: أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير" فتصح بغير خلاف إذا كانت غيرمغشوشة لأنها قيم الأموال وأثمان(4/268)
وعنه: تصح بالعروض ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد وهل تصح بالمغشوش والفلوس على وجهين.
ـــــــ
البياعات ولم يزل الناس يشتركون فيها في كل عصر من غير نكير فلا تصح بالعروض على المذهب لأن الشركة بها إما أن تقع على أعيانها أو على قيمتها أو على ثمنها وكل ذلك لا يجوز أما الأول فلأن العقد يقتضي الرجوع عند المفاضلة برأس المال ولا مثل له فيرجع به
واما الثاني: فلأن القيمة قد تزيد بحيث يستوعب جميع الربح وقد تنقص بحيث يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح مع أن القيمة غير متحققة المقدار فيفضي إلى التنازع. وأما الثالث: فلأن الثمن معدوم حال العقد ولا يملكانها لأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن ملكه وصار للبائع وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به فإنها تصير شركة معلقة على شرط وهي بيع الأعيان
"وعنه: تصح بالعروض" اختاره أبو بكر وأبو الخطاب وقدمه في المحرر لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين جميعا وكون الربح بينهما وهذا يحصل في العروض من غير غرر كما يحصل في الأثمان
"ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد" ليتمكن العامل من رد رأس المال عند التفاضل كما أنا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها وسواء كانت العروض من ذوات الأمثال كالحبوب أولا وفي الرعاية وعنه: يصح بكل عرض متقوم وقيل: مثلي
"وهل تصح بالمغشوش والفلوس على وجهين" كذا في المحرر وبناهما على القول بأنها لا تصح إلا بنقد وقيدهما في الفروع بالنافقتين وفي الترغيب في فلوس نافقة روايتان أحدهما: وهو المذهب انها لا تصح لأن المغشوش لا ينضبط غشه فلا يمكن رد مثله والفلوس تزيد قيمتها وتنقص أشبهت العروض ويستثنى منه الغش اليسير لمصلحته كحبة فضه في دينار ذكره في المغني(4/269)
الثاني: أن يشترطا لكل واحد جزءا من الربح مشاعا معلوما فإن قالا الربح بيننا فهو بينهما نصفين فإن لم يذكرا الربح أو شرطا لاحدهما جزءا مجهولا
ـــــــ
والشرح لأنه لا يمكن التحرز منه.
والثاني: يصح لأن الغش يستهلك في المغشوش والفلوس بشبهة الثمن قال أحمد: لاأرى السلم في الفلوس لأنه يشبه الصرف وظاهره: لا فرق بين أن تكون كاسدة أو رابحة لانها إن كانت كاسدة كان رأس المال قيمتها كالعروض وإن كانت نافقة كان رأس المال مثلها وكذا المغشوش وفي ثالث إن كانت الفلوس نافقة جاز وإلا فلا لشبهها بالنقدين
"الثاني: أن يشترطا لكل واحد جزءا من الربح مشاعا معلوما" كالثلث و الربع لأن الربح مستحق لهما بحسب الاشتراط فلم يكن بد من اشتراطه كالمضاربة واشترط كونه مشاعا لأنه لو عين دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها فيأخذ جميع الربح واحتمل أن لا يربح فيأخذ من رأس المال جزءا وقد يربح كثيرا فيستضر من شرطت له واشترط كونه معلوما لان الجهل به يفضي إلى التنازع وهو بينهما على ما شرطاه لأن العمل يستحق به الربح كالمضاربة وقد يتفاضلان فيه لقوة حذقه
"فإن قالا: الربح بيننا فهو بينهما نصفين" لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة من غيرترجيح فاقتضى التسوية كقوله هذه الدار بيني وبينك
"فإن لم يذكرا الربح" لم يصح كالمضاربة لأنه المقصود من الشركة فلا يجوز الإخلال به فعلى هذا يكون الربح بينهما على قدر المالين
"أو شرطا لأحدهما جزءا مجهولا" فكذلك لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب ولأنه هو المقصود منها فلم يصح مع الجهالة كالثمن لكن لو قال لك مثل ما شرط لفلان وهما يعلمانه صح.(4/270)
أو دراهم معلومة أو ربح أحد الثوبين لم يصح وكذلك الحكم في المساقاة والمزارعة ولا يشترط أن يخلطا المالين ولا أن يكونا من جنس واحد وما يشتريه كل واحد منهما بعد الشركة فهو بينهما.
ـــــــ
"أو دراهم معلومة" لم يصح لما ذكرنا ولأن العامل ينبغي أن تكون حصته معلومة بالقدر فإذا جهلت الأجزاء فسدت وكذا لو جعل لنفسه جزءا وعشرة دراهم وحكاه ابن المنذر في القراض إجماع من يحفظ عنه فيما إذا جعلا أو لأحدهما دراهم معلومة فلو قال لك نصف الربح إلا عشرة دراهم بطلت لزيادتها
"أو ربح أحد الثوبين" أو ربح أحدى السفرتين أو ربح تجارته في شهر أو عام بعينه "لم يصح" لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره أو بالعكس فيختص أحدهما بالربح وهو مخالف لموضوع الشركة بغير خلاف نعلمه
"وكذلك الحكم في المساقاة والمزارعة" قياسا على الشركة "ولا يشترط أن يخلطا المالين" لأنه عقد يقصد به الربح فلم يشترط فيه ذلك كالمضاربة ولأنه عقد على التصرف فلم يشترط فيه الخلط كالوكالة "ولا أن يكونا من جنس واحد" نص عليه فيجوز لأحدهما أن يخرج دنانير والآخر دراهم لأنهما الأثمان فصحت الشركة فيهما كالجنس الواحد فإذا اقتسما رجع كل بماله ثم يقتسمان الفضل نص عليه وذكره عن محمد بن الحسن ولا يشترط تساويهما في القدر في قول الجمهور وقال القاضي: متى تفاضلا قوما المتاع بنقد البلد وقوما مال الآخر به ويكون التقويم حين صرفا الثمن فيه ورد بأنها شركة صحيحة رأس المال فيها الأثمان فيكون الرجوع بجنس رأس المال كما لو كان الجنس واحدا
"وما يشتريه كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما" لأن العقد وقع على ذلك ولأنه أمينه ووكيله وفي الشرح من شرط صحتها أن يأذن كل منهما لصاحبه في التصرف والأصح لا يشترط فإن اشتراه لنفسه فهو له؛(4/271)
وإن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما والوضعية على قدر المال.
فصل
ويجوز لكل واحد منهما أن يبيع ويشتري ويقبض ويقبض ويطالب بالدين ويخاصم فيه ويحيل ويحتال ويرد بالعيب.
ـــــــ
لأنه أعلم بنيته.
"وإن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما" بعد الخلط إتفاقا وكذا قبله على الأشهر لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد فكذا في الضمان وكنمائه لصحة القسمة بالكلام كخرص ثمار فكذا الشركة احتج به أحمد قاله الشيخ تقي الدين وعنه: من ضمان صاحبه
"والوضيعة" أي: الخسران "على قدر المال" بالحساب لأنها عبارة عن نقصان رأس المال وهو مختص بالقدر فيكون النقص منه دون غيره وسواء كانت الوضيعة لتلف أو نقصان في الثمن أو غير ذلك ومقتضاه أنه لا شيء على العامل في المضاربة بل هي مختصة بملك ربه كالمزارعة.
فصل
"ويجوز لكل واحد منهما أن يبيع" أي: حالا "ويشتري" مساومة ومرابحة وغيرهما لأنه بالنسبة إلى شريكه وكيل فملكهما كالوكيل "ويقبض ويقبض" لأنه مؤتمن في ذلك فملكهما بخلاف الوكيل في قبض الثمن فإنه قد لا يأتمنه
"ويطالب بالدين ويخاصم فيه" لأن من ملك قبض شيء ملك المطالبة والمخاصمة فيه بدليل ما لو وكله في قبض دينه
"ويحيل ويحتال" لأنهما عقد معارضة وهو يملكها
"ويرد بالعيب" سواء وليه هو أو صاحبه لأن الوكيل يرد به فالشريك أولى وظاهره: ولو رضي به شريكه.(4/272)
و يقابل ويفعل كل ما هو من مصلحة تجارتهما وليس له أن يكاتب الرقيق ولا يزوجه ولا يعتقه بمال ولا يهب ولا يقرض ولا يحابي ولا يضارب إلا بالمال.
ـــــــ
"ويقربه" أي: بالعيب كما يقبل إقرار الوكيل على موكله به نص عليه فإذا ردت عليه بعيب خير بين قبولها أو إعطاء أرش العيب أو يحط من ثمنه أو يؤخر ثمنه لأجل العيب "ويقايل" لأن الحظ قد يكون فيها وظاهره: مطلقا وهو الأصح في الشرح لأنها إن كانت بيعا فقد أذن له فيه و إن كانت فسخا ففسخ البيع المضر من مصلحة التجارة فملكه كالرد بالعيب بكذا في المغني وغيره أنها فسخ فلا يملكها لأنه ليس من التجارة
"ويفعل كل ما هو من مصلحة تجارتهما" لأن مبناها على الوكالة والأمانة فيقبل إقراره بالثمن أو بعضه أو أجرة المنادي أو الحمال لأن هذا عادة التجار وله أن يستأجر من مال الشركة ويؤجر لأن المنافع أجريت مجرى الأعيان فصار كالشراء والبيع وله المطالبة بالأجر لهما وعليهما لأن حقوق العقد لا تختص بالعاقد
"وليس له أن يكاتب الرقيق" لأنه لم يأذن فيه شريكه والشركة تنعقد على التجارة وليست منها "ولا يزوجه" لما ذكرنا سيما وتزويج العبد ضرر محض "ولا يعتقه بمال" ولا غيره "ولا يهب" نقل حنبل يتبرع ببعض الثمن لمصلحته "ولا يقرض" وظاهره: ولو برهن "ولا يحابي" لأن الشركة انعقدت على التجارة وهذه ليست منها
"ولا يضارب بالمال" لأن ذلك يثبت في المال حقوقا ويستحق ربحه لغيره وفيه تخريج من توكيله ولا أجرة للثاني على ربه وعنه: بلى وقيل: على الأول مع غاصب ومع علمه لا شيء له وربحه لربه وعلى الأول كما لا يجوز له خلط مال الشركة بماله ولا مال غيره لأنه يتضمن إيجاب حقوق في المال وليس هو من التجارة المأذون فيها وعنه: يجوز بمال نفسه لأنه(4/273)
ولا يأخذ به سفتجة ولا يعطيها إلا بإذن شريكه.
وهل له أن يودع او يبيع نساء أو يبضع أو يوكل فيما يتولى مثله أو يرهن أو يرتهن على وجهين.
ـــــــ
مأمور فيدخل فيها أذن فيه ذكره القاضي.
"ولا يأخذ به سفتجة" لأن فيها خطرا ومعناه أن يدفع إلى إنسان شيئا من مال الشركة ويأخذ منه كتابا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه المال
"ولا يعطيها" بأن يأخذ من إنسان بضاعة ويعطيه بثمن ذلك كتابا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه ذلك "إلا بإذن شريكه" لأنه يصير من التجارة المأذون فيها وهو راجع إلى الكتابة وما بعدها والصواب الصحة مطلقا فيهما لمصلحة لخوف طريق ونحوه في الأولى.
فائدة: ما يخرجه الشريك على المال من الشيل والحط والعشر والحفارة وما يتعلق بالبذرقة يحتسب به على شريكه قاله في الفصول: وهل له ان يودع أو يبيع نساء أو يبضع أو يوكل فيما يتولى مثله أو يرهن أو يرتهن على وجهين: وفيه مسائل:
الأولى: في الإيداع وفيه روايتان إحداهما: له ذلك جزم به في الوجيز وصححه في الشرح وزاد عند الحاجة إليه لأنه عادة التجار والثانية: وهي أصح الوجهين في المحرر المنع لأنها ليست من الشركة وفيه غرر
الثانية: في البيع إلى أجل وهو يخرج على الروايتين في الوكيل وقد تقدم فإن اشترى شيئا بنقد عنده مثله أو نقد من غير جنسه أو اشترى بشيئ من ذوات الأمثال وعنده مثله جاز وإلا فالشراء له خاصة وربحه له وضمانه عليه
الثالثة: في الإبضاع وهو في الاصل عبارة عن طائفة من المال تبعث للتجارة قاله الجوهري ويأتي تفسيره والأصح أنه لا يملكه لما فيه من الغرر والثاني: بلى وجزم به في الوجيز لأنه عادة التجار.(4/274)
وليس له أن يستدين على مال الشركة.
ـــــــ
الرابعة: التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه وفيه وجهان مبنيان على الوكيل وقيل: يجوز للشريك التوكيل بخلاف الوكيل لأنه يستفيد مثل عقد موكله بخلاف وكيل الشريك فإنه لا يستفيد مثل عقد موكله بل يستفيد ما هو أخص منه فإن وكل ملك الآخر عزله ويتصرف المعزول في قدر نصيبه وعلم منه أنه يملك التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه.
الخامسة: في الرهن والإرتهان والأصح أنه يملكهما زاد في الشرح عند الحاجة لأن الرهن يراد للإيفاء والإرتهان يراد للإستيفاء وهو يملكهما فكذا ما يراد لهما والثاني: ليس له ذلك لأن فيه خطرا وعلى الاول فرق بين أن يكون ممن ولي العقد أو من غيره لكون القبض من حقوق العقد فلو قال إعمل برأيك ورأى مصلحة جاز الكل لأنه فوض إليه الرأي في التصرف الذي تقتضيه الشركة فجاز كل ما هو من التجارة
تنبيه: لم يذكر المؤلف السفر بالمال والأصح أنه يملكه مع الأمن وفيه رواية صححها الأزجي وإن سافر والغالب العطب ضمن ذكره أبو الفرج وظاهر كلام غيره فيما ليس الغالب السلامة وذكر جماعة أنه يتجر ولي اليتيم بماله موضع أمن فإن لم يعلما بخوفه أو بفلس مشتر فلا ضمان ذكره أبو يعلى الصغير
فرع: إذا ادعى هلاكه بسبب خفي صدق في الأصح وإن كان بسبب ظاهر لم يضمنه إذا أقام بينة به ويحلف معها أنه هلك به ويصدق منكر الخيانة وإن قال لما بيده هذا لي أولنا أو اشتريته منها لي أو لنا صدق مع يمينه سواء ربح أو خسر وإن قال صار لي بالقسمة صدق منكرها
"وليس له أن يستدين على مال الشركة" لأنه يدخل فيها أكثر مما رضي الشريك بالمشاركة فيه فلم يجز كما لو ضم إليها ألفا من ماله ومعناها أن يشتري بأكثر من رأس المال أو بثمن ليس معه من جنسه.(4/275)
فإن فعل فهو عليه وربحه له إلا أن يأذن شريكه وإن أخر حقه من الدين جاز وإن تقاسما الدين في الذمة لم يصح في إحدى الروايتين.
وإن ابرأ من الدين لزم في حقه دون صاحبه وكذلك إن أقر بمال.
__________
"فإن فعل فهو عليه وربحه له" قال أحمد: في رواية صالح فيمن استدان من المال بوجهة ألفا فهو له وربحه له و وضيعته عليه ومعناه أنه يختص بنفعه وضره لكونه لم يقع للشركة "إلا أن يأذن شريكه" فإنه يجوز كبقية أفعال التجارة المأذون فيها وقال القاضي: إذا استقرض شيئا لزمهما وربحه لهما لأنه تمليك مال بمال أشبه الصرف ورد بالفرق فإن الصرف بيع وإبدال عين بعين فهو كبيع الثياب
"وإن أخر حقه من الدين" الحال "جاز" لأنه أسقط حقه من المطالبة فصح أن ينفرد به كالإبراء فلو قبض شريكه شيئا مما لم يؤخر كان له مشاركته فيه وقيل: وله تأخير حق شريكه ويضمنه إن تلف أو مات المدين
"وإن تقاسما الدين في الذمة لم يصح في إحدى الروايتين" نص عليه في رواية حنبل وجزم به في الوجيز وصححه ابن عقيل لأن الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل والقسمة تقتضيها لأنها بغير تعديل بمنزلة البيع ولا يجوز بيع الدين فعليها لو تقاسما ثم توى بعض المال رجع الذي توى ماله على الآخر
والثانية: ونقلها حرب وقدمها في الرعاية الجواز لأن الاختلاف لايمنع القسمة كاختلاف الأعيان فعليها لا رجوع إذا أبرأ كل منهما صاحبه وأطلقهما في الفروع إذا كان في ذمم لاذمة واحدة لأنه لا تمكن القسمة وهي إفراز ولا يتصور فيها فعلى الأول إن تكافأت فقياس المذهب من الحوالة على وقال القاضي: يقبل إقراره على مال الشركة مليء وجوبه قاله الشيخ تقي الدين.
"وإن أبرأ من الدين" أو أجل ثمن المبيع في مدة الخيار"لزم في حقه" لأنه تبرع "دون صاحبه" لأنه ليس من التجارة و كالصدقة "وكذلك إن أقر بمال" أي: يلزم المقر دون صاحبه على المذهب سواء أقر بدين أو عين لأن شريكه إنما أذن له في(4/276)
وقال القاضي: يقبل إقراره على مال الشركة وعلى كل واحد منهما أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب وطيه وختم الكيس و إحرازه فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجرة عليه.
ـــــــ
التجارة وليس الإقرار داخلا فيها
"وقال القاضي: يقبل إقراره على مال الشركة" لأن له أن يشتري نساء وهو إقرار ببقاء الثمن قاله ابن المنجا وفيه شيء وعلله في الشرح بأن له أن يشتري من غيرأن يسلم الثمن في المجلس فلو لم يقبل إقراره لضاعت أموال الناس وامتنعوا من معاملته لأن ذلك مما يحتاج إليه كالإقرار بالعيب وقيده في الرعاية في الإقرار و الفروع قبل الفرقة بينهما لا بعدهما.
مسألة: أقر غريم لهما بدين عند حاكم فطلب أحدهما حبسه ومنع الآخر منه ففي وجوب حبسه روايتان قاله في المستوعب وغيره
تنبيه: إذا كان بينهما دين مشترك بإرث او إتلاف قال الشيخ تقي الدين أو ضريبة سبب استحقاقها واحد فلشريكه الأخذ من الغريم ومن القابض جزم به الأكثر لأنهما سواء في الملك وظاهره: ولو أخرجه القابض برهن أو قضاء دين كالمقبوض بعقد فاسد وعنه: يختص به وقاله جماعة منهم أبو العالية وابن سيرين كما لو تلف المقبوض في يد قابضه تعين حقه فيه ولم يرجع على الغريم لعدم تعديه وإن كان بعقد أو بعد تأجيل شريكه حقه فوجهان أحدهما له المشاركة كالموروث والثاني: لا لأنه مستقل بالعقد على نصيبه فهو كالمنفردين
"و" يجب "على كل واحد منهما أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب وطيه وختم الكيس وإحرازه" فأتى النقد لأن إطلاق الإذن يحمل على العرف وهو يقتضي أن مثل هذه الأمور يتولاها بنفسه.
"فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجرة عليه" في ماله لأنه بذلها عوضا عما يلزمه.(4/277)
وما جرت العادة أن يستنيب فيه فله أن يستأجر من يفعله فإن فعله ليأخذ أجرته فهل له ذلك على وجهين.
فصل
والشروط في الشركة ضربان صحيح مثل أن يشترط أن لا يتجر إلا في نوع من المتاع أو بلد بعينه أو لا يبيع إلا بنقد معلوم أو لا يسافر بالمال ولا يبيع إلا من فلان.
ـــــــ
"وما جرت العادة أن يستنيب فيه" كحمل الطعام والمتاع ووزن ما ينقل والنداء "فله أن يستأجر" من مال الشركة "من يفعله" لأنه العرف
"فإن فعله لياخذ اجرته فهل له ذلك؟ على وجهين" هما روايتان في المغني والمحرر الأصح أنه لا شيء له لأنه تبرع بما يلزمه فلم يستحق شيئا كالمراة التي تستحق خادما إذا أخدمت نفسها والثاني: بلى لأنه فعل ما لا بد من فعله فاستحق الأجرة كالأجنبي وعلى الأول إذا شرطها إستحقها
فرع: إذا استأجر أحدهما الآخر فيما لا يستحق أجرته إلا بعمل فيه كنقل طعام بنفسه أو غلامه أو دابته جاز نقله الأكثر كداره وعنه: لالعدم إمكان إيقاع العمل فيه لعدم تمييز نصيبهما اختاره ابن عقيل ويحرم على شريك في زرع فرك شيء من سنبله يأكله بلا إذن ويتجه عكسه قاله في الفروع.
فصل
"والشروط في الشركة ضربان:" لأنهما عقد فانقسمت شروطها إلى صحيح وفاسد كالبيع "صحيح مثل: أن يشترط أن لا يتجر إلا في نوع من المتاع" سواء كان مما يعم وجوده أولا وقال في الرعاية عام الوجود والمراد به عمومه حال العقد في الموضع المعين للتجارة لا عمومه في سائر الازمنة والامكنة "أو بلد بعينه" كمكة ونحوها "أو لا يبيع إلا بنقد معلوم أو لا يسافر بالمال أو لايبيع إلا من فلان" أو لا يشتري إلا من فلان فهذا كله(4/278)
وفاسد مثل أن يشترط ما يعود بجهالة الربح أو ضمان المال أو أن عليه من الوضيعة اكثر من قدر ماله أو ان يوليه ما يختار من السلع أو يرتفق بها أو لا يفسخ الشركة مدة بعينها فما يعود بجهالة الربح يفسد به العقد ويخرج في سائرها روايتان.
ـــــــ
صحيح سواء كان الرجل مما يكثر المتاع عنده أو يقل لأنه عقد يصح تخصيصه برجل أو بلد معينين كالوكالة فإن جمع البيع والشراء من واحدة فإنه لا يضر ذكره في المستوعب وفي المغني والشرح خلافه وهو ظاهر
"وفاسد مثل أن يشترط ما يعود بجهالة الربح" كما لو شرط ربح أحد الكيسين أو الألفين أو جزءا مجهولا كنصيب لأنه يفضي إلى جهل حق كل واحد من الربح أو إلى فواته حيث شرط دراهم معلومة "أو ضمان المال" لمنافاته مقتضى العقد "أو أن عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله" للمنافاة "أو أن يوليه ما يختار من السلع" إذ لا مصلحة للعقد فيه أشبه ما لو شرط ما ينافيه
مسألة: إذا شرط أحدهما على الآخر متى باعه فهو أحق به من غيره فقال أحمد: أحب إلي أن يفي بشرطه وقال ابن عقيل وذكره في الشرح وغيره انه شرط باطل لأنه يقطع إطلاق تصرف الشريك الآخر وظاهر كلام احمد خلافه
"أو يرتفق بها" كلبسه الثوب واستخدامه العبد "أولا يفسخ الشركة مدة بعينها" لأنها عقد جائز فاشتراط لزومها ينافي مقتضاها كالوكالة مع أنه يصح توقيتها كالوكالة نص عليه. "فما يعود بجهالة الربح يفسد به العقد" لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه فافسد العقد كما لو جعل رأس المال خمرا ولأن الجهالة تمنع من التسليم فيفضي إلى التنازع. "ويخرج في سائرها" أي: باقيها "روايتان" المنصوص عنه أن العقد صحيح ويلغو الشرط لأنه عقد على مجهول فلم تبطله الشروط الفاسدة كالنكاح.(4/279)
وإذا فسد العقد قسم الربح على قدر المالين وهل يرجع أحدهما باجرة عمله على وجهين.
ـــــــ
والثانية: يبطل وذكره في المحرر تخريجا لأنه شرط فاسد فأبطل العقد كالمزارعة إذا شرط البذر من العامل وكالشروط الفاسدة في البيع ولأنه إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا فسد فات الرضى به
"وإذا فسد العقد قسم الربح على قدر المالين" لأن التصرف صحيح لكونه بإذن مالكه والربح نماء المال فربح المضاربة للمالك وعليه أجرة مثل العامل مطلقا والعنان والوجوه على قدر المالين والأبدان تقسم أجرة ما تحمله بالسرية والوضيعة بقدر المالين وظاهره: أنه إذا لم تفسد فإن الربح يقسم بينهما على ما شرطاه كرواية في الفاسد "وهل يرجع أحدهما بأجرة عمله؟" أي: نصف عمله "على وجهين" كذا في المحرر أحدهما: لا رجوع جزم به في الوجيز وصححه في شرح المحرر لأنهما عملا لأنفسهما فلا يرجع أحدهما على الآخر بما لم يعمل له فعليه يقتسمان الربح على ما شرطاه لأنه عقد يجوز أن يكون عوضه مجهولا فوجب المسمى في فاسده كالنكاح
والثاني: يرجع جزم به في الكافي وهو الأصح لأنه عمل في نصيب شريكه فيرجع به لأنه عقد ينبغي الفصل فيه في ثاني الحال فوجب أن يقابل العمل فيه عوض كالمضاربة فإن تساوى عملهما تقاص الدينان وإن فضل أحدهما تقاص دين القليل بمثله ويرجع على الآخر بالفضل وقال ابن حمدان إن قسم الربح على قدرهما رجع و إلا فلا وقال القاضي: إن فسد العقد لجهل الربح فكذلك وإن فسد لغيره وجب المسمى فيه كالصحيح لأنه عقد يصح مع جهل العوض فوجب المسمى فيه مع فساده كالنكاح
فرع: إذا مات أحدهما فلوارثه إتمام الشركة فيأذن كل منهما للآخر في التصرف وقيل: إن كان المال عرضا جدد عقدا وله المطالبة بالقسمة فإن كان على الميت دين تعلق بتركته وليس للوارث الشركة فيه حتى يقضي دينه فإن قضاه من غير مال الشركة فله إتمامها وإن قضاه منها بطلت في قدر ما مضى.(4/280)
فصل
الثاني: المضاربة وهي أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه.
ـــــــ
تنبيه: كل عقد فاسد من أمانة وتبرع بمضاربة وشركة ووكالة ووديعة كصحيح في ضمان وعدمه وكل عقد لازم يجب الضمان في صحيحه يجب في فاسده كبيع وإجارة ونكاح.
فصل
"الثاني: المضاربة" وهي تسمية أهل العراق مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر فيها للتجارة قال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:20] ويحتمل أن تكون من ضرب كل منهما بسهم من الربح وسماه أهل الحجاز قراضا فقيل هو مشتق من القطع يقال قرض الفأر الثوب أي: قطعه فكأن صاحب المال اقتطع منه قطعة وسلمها إلى العامل واقتطع له قطعة من ربحها وقيل: هو مشتق من المساواة والموازنة يقال تقارض الشاعران إذا توازنا
وهي جائزة بالإجماع حكاه ابن المنذر وروى حميد بن عبدالله عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق وروي جوازه عن عثمان وعلي وابن مسعود وحكيم بن حزام ولم يعرف لهم مخالف مع أن الحكمة تقتضيه لأن بالناس حاجة إليها فإن النقدين لا تنمي إلا بالتجارة وليس كل من يملكها يحسن التجارة ولا كل من يحسنها له مال فشرعت لدفع الحاجة
"وهي أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه" يشترط في المال المدفوع أن يكون معلوما فلو دفع صبرة نقد أو أحد كيسين لم يصح قوله إلى آخر ليس شرطا فيه فلو دفعه إلى اثنين فأكثر مضاربة في عقد واحد جاز قوله يتجر فيه ظاهر.(4/281)
والربح بينهما على ما شرطاه فإن قال خذه واتجر به والربح كله لي فهو إبضاع وإن قال والربح كله لك فهو قرض وإن قال والربح بيننا فهو بينهما نصفين وإن قال خذه مضاربة والربح كله لك أو لي لم يصح.
ـــــــ
"والربح بينهما على ما شرطاه" أي: من شرط صحتها تقدير نصيب العامل منه لأنه لا يستحقه إلا بالشرط فلو قال خذ هذا المال مضاربة ولم يذكر سهم العامل فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه وللعامل أجرة مثله نص عليه وهو قول الجمهور فلو شرط جزءا من الربح لعبد أحدهما أو لعبدهما صح وكان لسيده وإن شرطاه لأجنبي أو لولد أحدهما أو امرأته أو قريبه وشرطا عليه عملا مع العامل صح وكانا عاملين وإلا لم تصح المضاربة كما لو قال لك الثلثان على أن تعطي امرأتك نصفه
"فإن قال خذه واتجر به والربح كله لي فهو إبضاع" أي: يصير جميع الربح لرب المال لا شيء للعامل فيه فيصير وكيلا متبرعا لأنه قرن به حكم الإبضاع فانصرف إليه فلو قال مع ذلك وعليك ضمانه لم يضمنه لأن العقد يقتضي كونه أمانة غيرمضمون فلا يزول ذلك بشرطه
"وإن قال والربح كله لك فهو" أي: المال المدفوع "قرض" لا قراض لأن اللفظ يصلح له وقد قرن به حكمه فانصرف إليه كالتمليك فإن قرن به ولا ضمان عليك فهو قرض شرط فيه نفي الضمان فلم ينتف به
"وإن قال والربح بيننا فهو بينهما نصفين" لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة ولم يترجح فيها أحدهما على الآخر فاقتضى التسوية كهذه الدار بيني وبينك
"وإن قال خذه مضاربة والربح كله لك أو لي لم يصح" لأن المضاربة تقتضي كون الربج بينهما فإذا شرط اختصاص أحدهما بالربح فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد ففسد كما لو شرط الربح كله في شركة العنان لأحدهما ويفارق إذا لم يقل مضاربة لأن اللفظ يصلح لما أثبت حكمه من الإبضاع والقرض وينفذ تصرف العامل لأن الإذن باق.(4/282)
وإن قال: ولك ثلث الربح صح والباقي لرب المال وإن قال: ولي ثلث الربح فهل يصح؟ على وجهين.
وإن اختلفا لمن الجزء المشروط فهو للعامل.
ـــــــ
"وإن قال" خذه مضاربة "ولك ثلث الربح" أو ربعه أو جزء معلوم "صح" لأن نصيب العامل معلوم "والباقي لرب المال" لأنه يستحق الربح بماله لكونه نماؤه وفرعه والعامل يأخذ بالشرط فما شرط له استحقه وما بقي فلرب المال بحكم الأصل
"وإن قال" ولي ثلث الربح" ولم يذكر نصيب العامل "فهل يصح؟ على وجهين" أصحهما: يصح وقاله أبو ثور لأن الربح يستحقانه فإذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقي للآخر بمفهوم اللفظ كما علم أن ثلث الميراث للأب من قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء:11] والثاني: لا يصح لأن العامل إنما يستحق بالشرط ولم يوجد فتكون المضاربة فاسدة فإن قال لي النصف ولك الثلث وسكت عن الباقي صح وكان لرب المال وإن قال خذه مضاربة على الثلث أو بالثلث صح وكان تقديرا لنصيب العامل
تنبيه: إذا قال لك ثلث الربح وثلث ما بقي من الربح صح وله خمسة أتساعه وإن قال لك ربع الربح وربع ما يبقى فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن سواء عرفا الحساب أو جهلاه في الأصح
"وإن اختلفا لمن الجزء المشروط" قليلا كان أو كثيرا "فهو للعامل" لأنه يستحقه بالعمل وهو يقل ويكثر وإنما تقدر حصته بالشرط بخلاف رب المال فإنه يستحق الربح بماله ويحلف مدعيه لأنه يحتمل خلاف ما قاله فيجب لنفي الإحتمال فلو اختلفا في قدر الجزء بعد الربح فقال العامل شرطت لي النصف وقال رب المال الثلث قدم له لأنه منكر للزيادة وعنه: يقبل قول العامل إذا ادعى تسمية المثل أو دونها لأن الظاهر معه ولو قيل بالتحالف(4/283)
وكذلك حكم المساقاة والمزارعة وحكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يفعله وما يلزمه فعله وفي الشروط وإذافسدت فالربح لرب المال وللعامل الأجر وعنه: له الأقل من الأجرة أو ما شرط له من الربح.
ـــــــ
لم يبعد كالبيع فإن أقام كل منهما بينة قدمت بينة العامل.
"وكذلك حكم المساقاة والمزارعة" قياسا عليها لأن العامل في كل منهما إنما يستحق بالعمل وشمل هذا التشبيه للأحكام السابقة
"وحكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يفعله وما يلزمه فعله وفي الشروط" لاشتراكهما في التصرف بالإذن فما جاز للشريك فعله جاز للمضارب وما منع منه منع منه وما اختلف فيه فهاهنا مثله وما جاز أن يكون رأس مال الشركة جاز أن يكون رأس مال المضاربة ولا يعتبر قبض رأس المال وتكفي مباشرته وقيل: يعتبر نطفة
"وإذا فسدت" المضاربة "فالربح لرب المال" قال القاضي هذا هو المذهب لأنه نماء ماله وإنما يستحق العامل بالشرط فإذا فسدت فسد الشرط فلم يستحق شيئا "وللعامل الأجرة" أي: أجرة مثله نص عليه لأن عمله كان في مقابلة المسمى فإذا لم تصح التسمية وجب رد عمله عليه وذلك متعذر فوجب له أجرة المثل كما لو اشترى شراء فاسدا فقبضه وتلف أحد العوضين في يد قابضه فوجب رد بدله وسواء ظهر في المال ربح أو لا
"وعنه: له الأقل من الأجرة أو ما شرط له من الربح" لأنه إن كان الأقل الأجرة فهو لا يستحق غيرها لبطلان الشرط وإن كان الأقل المشروط فهو قد رضي به واختار الشريف أبو جعفر أن الربح بينهما على ما شرطاه واحتج بأن أحمد قال إذا اشتركا في العروض قسم الربح على ما شرطاه فأثبت فيها ذلك مع فسادها
ورد بأن كلامه محمول على صحة الشركة بالعروض والتصرف فيها صحيح(4/284)
وإن شرطا تأقيت المضاربة فهل تفسد على روايتين.
وإن قال بع هذا العرض وضارب بثمنه أو أقبض وديعتي وضارب بها وإذا قدم الحاج فضارب بهذا صح.
ـــــــ
مستندا إلى الإذن كالوكيل لايقال لو اشترى شراء فاسدا ثم تصرف فيه لم ينفذ مع أن البائع قد أذن له في التصرف لأن المشتري يتصرف من جهة الملك لا بالإذن
"وإن شرطا تأقيت المضاربة" بأن يقول ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا مضت فلا تبع ولا تشتر "فهل تفسد" على روايتين" أصحهما: الصحة قال مهنا سألت أحمد عن رجل أعطى آخر ألفا مضاربة شهرا فإذا مضى يكون قرضا قال فإن جاء الشهر وهو متاع قال إذا باع المتاع يكون قرضا لأنه قد يكون لرب المال فيه غرض
والثانية: لا تصح وهي اختيار أبي حفص العكبري لأنه عقد يقع مطلقا فإذا شرط قطعه لم يصح كالنكاح ولأنه ليس من مقتضى العقد ولا مصلحته ورد بانه تصرف يتوقت بنوع من المتاع فجاز توقيته بالزمان كالوكالة
"وإن قال بع هذا العرض وضارب بثمنه" صح لأنه وكيل في بيع العرض وإذا باعه صار الثمن في يده أمانة أشبه ما لو كان المال عنده وديعة "أو أقبض وديعتي وضارب بها" لأنه وكيل في قبض الوديعة ومأذون له في التصرف مؤتمنا عليه فجاز جعله مضاربة كما لو قال اقبضه من غلامي وضارب به وكما لو كان في يد إنسان وديعة فقال له ربها ضارب بها "وإذا قدم الحاج فضارب بهذا صح" لأنه إذن في التصرف فجاز تعليقه على شرط مستقبل كالوكالة
فرع: إذا قال ضارب بعين المال الذي غصبته مني صح كالوديعة فإذا ضارب به سقط عنه الضمان وقال القاضي: لا يزول ضمان الغصب إلا بدفعه ثمنا لأن القراض لا ينافي الضمان بدليل ما لو تعدى ورد بانه ممسك بإذن مالكه ولا يختص بنفعه أشبه ما لو قبضه ثم قبضه اياه.(4/285)
وإن قال ضارب بالدين الذي عليك لم يصح.
وإن أخرج مالا ليعمل هو فيه وآخر والربح بينهما صح ذكره الخرقي وقال القاضي: إذا شرط المضارب أن يعمل معه رب المال لم يصح وإن شرط عمل غلامه فعلى وجهين.
ـــــــ
"وإن قال ضارب بالدين الذي عليك" أو تصدق به عني "لم يصح" نص عليه وهو قول أكثر العلماء لأن المال الذي في يد من عليه الدين له وإنما يصير لغريمه بقبضه ولم يوجد وقال بعض أصحابنا يصح لأنه اشترى شيئا للمضاربة فقد اشتراه بإذن مالكه ودفع الثمن إلى من أذن له في دفع الثمن إليه فتبرأ ذمته منه فلو قال أعزل المال الذي عليك وضارب به صح سواء اشتراه بعين المال أو في الذمة لأنه اشترى لغيره بمال نفسه
فرع: إذا دفع إليه ألفا مضاربة وقال له أضف إليها واتجربهما والربح لك ثلثاه ولي ثلثه صح وكان شركة ومضاربة وإن شرط غيرالعامل لنفسه ثلثي الربح لم يجز خلافا للقاضي "وإن أخرج مالا ليعمل هو فيه وآخر والربح بينهما صح ذكره الخرقي" نص عليه في رواية أبي الحارث ويكون مضاربة لأن غيرصاحب المال يستحق المشروط بعمله من الربح في مال غيره وهذا حقيقة المضاربة "وقال القاضي" تبعا لابن حامد واختاره أبو الخطاب.
"إذا شرط المضارب أن يعمل معه رب المال لم يصح" وهو قول أكثرهم لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب فإذا شرط عليه العمل لم يتسلمه لأن يده عليه وذلك يخالف مقتضاها وحمل القاضي كلام أحمد والخرقي على أن رب المال عمل فيه من غير شرط والأول أظهر لأن العمل أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال وقولهم إن المضاربة تقتضي إلى آخره ممنوع وإنما تقتضي إطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل.
"وإن شرط عمل غلامه فعلى وجهين" أشهرهما: يصح لأن عمل الغلام في(4/286)
فصل
وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال فإن فعل صح وعتق وضمن ثمنه وعنه: يضمن قيمته علم أو لم يعلم وقال أبو بكر إن لم يعلم لم يضمن ويحتمل أن لا يصح البيع.
ـــــــ
مال سيده يصح ضمه إليه كما لو ضم إليه بهيمته يحمل عليها والثاني: لا لأن يد العبد كيد سيده وعمله كعمله.
فصل
"وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال" أي: بغير إذنه لأن فيه ضررا ولاحظ للتجارة فيه إذ هي معقودة للربح حقيقة أو مظنة وهما متنفيان هنا
"فإن فعل صح" الشراء في ظاهر كلام أحمد لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح شراء العامل له كما لو اشترى من نذر رب المال حريته إذا ملكه "وعتق" أي: على رب المال لأنه ملكه وذلك موجب للعتق وتنفسخ فيه المضاربة "وضمن" العامل "ثمنه" لأن التفريط منه "وعنه: يضمن قيمته" لأن الملك ثبت فيه ثم تلف أشبه ما لو أتلفه بفعله "علم" أنه يعتق بالشراء "أولم يعلم" على المذهب لأن الإتلاف الموجب للضمان لا فرق فيه بين العلم والجهل.
"وقال أبو بكر: إن لم يعلم لم يضمن" لأنه معذور إذ التلف حاصل المعنى في المبيع ولم يعلم به فلم يضمنه كما لو أشترى معيبا لم يعلم عيبه فتلف به وفي الشرح ويتوجه أن لا يضمن وإن علم.
"ويحتمل أن لا يصح البيع" لأن الإذن في المضاربة إنما ينصرف إلى ما يمكن بيعه والربح فيه ومن يعتق على رب المال ليس كذلك وقيده في الشرح إذا كان الثمن عينا لأن العامل اشترى ما ليس له أن يشتريه وإن كان اشتراه بثمن في الذمة وقع الشراء للعاقد وليس له دفع الثمن من مال المضاربة فإن فعل ضمن في قول أكثر الفقهاء فأما إذا اشتراه بإذنه صح لأنه يصح شراؤه بنفسه،(4/287)
وإن اشترى امرأته صح وانفسخ نكاحه وإن اشترى من يعتق على نفسه ولم يظهر ربح لم يعتق وإن ظهر ربح فهل يعتق على وجهين.
ـــــــ
فكذا نائبه.
فإن كان على المأذون له دين يستغرق قيمته وما في يده و قلنا: يتعلق برقبته فعليه دفع قيمته إلى الغرماء لأنه أتلفه عليهم بالعتق وإن نهاه عنه فهو باطل إن أطلق فوجهان كشرائه امرأة رب المال "وإن اشترى" المضارب "امرأته" أو بعضها "صح" لأنه اشترى ما يمكن طلب الربح فيه أشبه ما لو اشترى أجنبية "وانفسخ نكاحه" لأنها دخلت في ملك زوجها فإن كان قبل الدخول فهل يلزم الزوج نصف الصداق فيه وجهان فإن قلنا: يلزمه رجع به على العامل لأنه سبب تقريره عليه فيرجع عليه كما لو أفسدت امرأته نكاحها بالرضاع ذكره في المغني والشرح
فرع: إذا اشترى زوج ربة المال صح وانفسخ نكاحها ولا ضمان عليه فيما يفوت من المهر لبعض من النفقة لأن ذلك لايعود إلى المضاربة وإنما هو بسب آخر ولا فرق بين شرائه في الذمة أو بعين مال
"وإن اشترى" المضارب "من يعتق على نفسه ولم يظهر ربح لم يعتق" لأنه لا يملكه وإنما هو ملك رب المال وقيل: بلى لسابقته "وإن ظهر ربح فهل يعتق؟ على وجهين" هما مبنيان على أن العامل متى يملك الربح فإن قلنا: يملكه بالقسمة لم يعتق منه شيء لأنه لم يملكه وإن قلنا: بالظهور فوجهان:
أحدهما: واختاره أبو بكر لا يعتق لأن ملكه غيرتام لكون الربح وقاية لرأس المال
والثاني: يعتق منه بقدر حصته إن كان معسرا ويقوم عليه باقية إن كان موسرا وهو قول القاضي لأنه ملكه بفعله فعتق عليه أشبه ما لو اشتراه بماله وإن اشتراه ولم يظهر ربح ثم ظهر بعد ذلك والعبد باق في التجارة فهو كما لو كان ظاهرا.(4/288)
وليس للمضارب أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول فإن فعل رد نصيبه من الربح في شركة الأول.
ـــــــ
مسألة: إذا تعدى المضارب بالشرط أو فعل ما ليس له فعله أو ترك ما يلزمه ضمن المال ولا أجرة له وربحه لمالكه وقيل: له أجرة المثل وعنه: له الأقل منها أو ما سمي له من الربح وعنه: يتصدقان قال ابن عقيل هذا على سبيل الورع وقيل: إن اشترى بعين المال بطل على المذهب والنماء للبائع
وعنه: إن أجازه ربه صح وملك النماء وإلا بطل
"وليس للمضارب" أن يشتري بأكثر من رأس المال لعدم تناول الإذن له فإن فعل صح وكان له وهل يقف على إجازة رب المال فيه روايتان "أن يضارب لآخر إذا كان فبه ضرر على الأول" ولم يأذن فيه ككون المال الثاني: كثيرا فيستوعب زمانه فيشغله عن تجارة الأول وقال أكثر الفقهاء بجوازه لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها فلم يمنع من المضاربة كما لو لم يكن فيه ضرر وكالأجير المشترك
ورد بأنها تنعقد على الحظ والنماء فإذا فعل ما يمنعه لم يجز له كما لو أراد التصرف بألفين وظاهره: أنه إذا لم يكن فيها ضرر على الأول انه لا يمنع بغير خلاف نعلمه وكما لو أذن فيها
"فإن فعل رد نصيبه من الربح في شركة الأول" نص عليه لأنه استحق ذلك بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول فينظر في المضاربة الثانية: فيدفع إلى رب مالها منه نصيبه لأن العدوان من المضارب لا يسقط حق رب المال الثاني: ويأخذ المضارب نصيبه من الربح فيضمه إلى ربح المضاربة الأولى: فيتسمانه قال في المغني والشرح النظر يقتضي أن رب المضاربة لا يستحق من ربح الثانية: شيئا لأنه إنما يستحق بمال أو عمل وهما منتفيان وتعدي المضارب بترك العمل واشتغاله عن المال الأول لا يوجب عوضا كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه أو آجر نفسه.(4/289)
وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه وعنه: يصح وكذلك شراء السيد من عبده المأذون له وإن اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح وإن اشترى الجميع بطل في نصيبه وفي نصيب شريكه وجهان ويتخرج أن يصح في الجميع وليس للمضارب نفقة
ـــــــ
"وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه" هذا هو الراجح لأنه ملكه فلم يصح شراؤه له كشرائه من وكيله "وعنه: يصح صححها" الأزجي لأنه قد تعلق به حق المضارب فجاز شراؤه منه كمكاتبه والفرق ظاهر فإن السيد لا يملك ما في يد المكاتب ولا تجب زكاته عليه وعلى الثانية: يأخذ بالشفعة وظاهره: أن له الشراء من غير المضاربة في النصوص قال أحمد: إن لم بيعه مرابحة فهو أعجب إلي فإن المضارب له أن يشتري من مال المضاربة إذا لم يظهر ربح نص عليه وهو قول الجمهور لأنه ملك غيره فصح كشراء الوكيل من موكله وإن ظهر ربح فلا
"وكذلك شراء السيد من عبده المأذون له" وقيل: يصح إذا استغرقته الديون لأن الغرماء يأخذون ما في يده لأنه صار مستحقا لهم لتعلق الدين برقبته والأصح المنع لأن ملك السيد لم يزل عنه واستحقاق انتزاع ما في يده لا يوجب زوال الملك كالمفلس
"وإن اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح" لأنه ملك لغيره فصح شراؤه كالأجنبي إلا أن من علم مبلغ شيء لم يبعه صبرة وإلا جاز بكيله أو وزنه ونقل حنبل المنع في غيرمكيل أو موزون وعلله في النهاية بعدم التعيين فيهما
"وإن اشترى الجميع بطل في نصيبه" لأنه ملكه "وفي نصيب شريكه وجهان" مبنيان على تفريق الصفقة والمذهب صحته "ويتخرج أن يصح في الجميع" بناء على صحة شراء رب المال من مال المضاربة
"وليس للمضارب نفقة" لأنه دخل على أنه يستحق من الربح شيئا فلم(4/290)
إلا بشرط فإن شرطها له وأطلق فله جميع نفقته من المأكول والملبوس بالمعروف وإن اختلفا رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله وإن أذن له في التسري واشترى جارية ملكها وصار ثمنها قرضا نص عليه.
ـــــــ
يستحق غيره إذ لو استحقها لأفضى إلى إختصاصه به حيث لم يربح سوى النفقة "إلا بشرط" نص عليه كوكيل وقال الشيخ تقي الدين أو عادة ولأن في تقديرها قطعا للمنازعة "فإن شرطها له" قال أحمد: في رواية الأثرم أحب إلي أن يشترط نفقة محدودة وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره "وأطلق" صح نص عليه "فله جميع نفقته من المأكول والملبوس بالمعروف" لأنه كذلك تجب نفقته ونص أحمد أنه يستحق المأكول فقط إلا أن يطول سفره ويحتاج إلى تجديد كسوة فإنه يجوز قاله في المغني و الشرح ونقل حنبل ينفق على معنى ما كان ينفق على نفسه غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال ولم يذهب إلى تقديرها لأن الأسعار تختلف
"وإن اختلفا رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله" وقاله أبو الخطاب لأنه العادة فينصرف الإطلاق إليه كما انصرف إليه في الإطعام في الكفارة والأولى أن يرجع فيهما إلى قوت مثله وملبوس مثله كالزوجة جزم به في المحرر"
مسألة: لو كان معه مضاربة ثانية أو مال لنفسه فالنفقة على قدر المالين إلا أن يشرط أحدهما النفقة من ماله مع علمه بذلك فلو لقيه ببلد أذن في سفره إليه وقد نض المال فله نفقة رجوعه في وجهه وجزم في الشرح بخلافه لأنه إنما يستحقه ما دام في القراض وقد زال فزالت
"وإن أذن له في التسري فاشترى" من مال المضاربة "جارية ملكها" لأن رب المال قد أذن له في التسري والإذن فيه يستدعي الإذن في الوطء لأن البضع لا يباح إلا بملك أو نكاح "وصار ثمنا قرضا" في ذمته "نص عليه" لأن رب المال لم يوجد منه ما يدل على تبرعه به فوجب كونه قرضا لأنه المتيقن ونقل يعقوب(4/291)
وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال وإن اشترى سلعتين فربح إحداهما وخسر في الأخرى أو تلفت جبرت الوضيعة من الربح.
ـــــــ
اعتبار تسمية ثمنها وعنه: له التسري بإذنه أي: يكون ملكا به مجانا واختار أبو بكر الأول وهو عند القاضي رواية واحدة
تنبيه: إذا وطىء جارية من المال عزر نص عليه وقيل: يحد قبل الربح ذكره ابن رزين وذكر غيره إن ظهر ربح عزر ويلزمه المهر وقيمتها إن أولدها وإلا حد عالم ونصه يعزر ويسقط من المهر والقيمة قدر حق العامل وليس لرب المال وطء الامة ولو عدم الربح لأنه ينقصها إن كانت بكرا أو يعرضها للخروج من المضاربة والتلف فإن فعل فلا حد عليه فإن أحبلها صارت أم ولد له وهو حر لأنها ملكه وتخرج من المضاربة وتحسب قيمتها ويضاف إليه بقية المال فإن كان فيه ربح فللعامل حصته منه
"وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال" بغير خلاف نعلمه يعني أنه لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه فمتى كان فيه ربح وخسران جبرت الوضيعة من الربح لأنه هو الفاضل عن رأس المال وما لم يفضل فليس بربح فلو كان مائة فخسر عشرة ثم أخذ ربه عشرة نقص بها وقسطها مما خسر درهم وتسع ويبقى رأس المال ثمانية وثمانين وثمانية اتساع درهم ولو ربح فيها عشرين فأخذها رب المال فقد أخذ سدسه فنقص رأس المال سدسه وهو ستة عشر وثلثان وحظها من الربح ثلاثة وثلث
فرع: يحسب من الربح المهر والثمرة والأجرة وأرش العيب وكذا نتاج الحيوان وفي الفروع ويتوجه وجه
"وإن اشترى سلعتين فربح في إحداهما وخسر في الأخرى أو تلفت" إحداهما "جبرت الوضيعة من الربح" أي: وجب جبر الخسران من الربح ولا يستحق المضارب شيئا إلا بعد كمال رأس المال لأنها مضاربة واحدة ويلحق بذلك ما إذا تعيب أو نزل سعره بعد التصرف ونقل حنبل وقبله جبرت(4/292)
وإن تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة وإن تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة فهي له وثمنها عليه إلا أن يجيزه رب المال وإن تلف بعد الشراء فالمضاربة بحالها والثمن على رب المال.
ـــــــ
الوضيعة من ربح باقيه قبل قسمته ناضا أو تنضيضه مع محاسبته نص عليهما.
ونقل ابن منصور وحرب إذا احتسبا وعلما مالهما واحتج به في الإنتصار وإنه يحتمل أنه بستحق ربح ربحه "وإن تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة" وكان رأس المال الباقي خاصة لأنه مال هلك على جهته قبل التصرف أشبه التالف قبل القبض وفارق ما بعد التصرف لأنه دار في التجارة وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية إلى الربح
فرع: لو دفع إليه ألفين في وقتين لم يخلطهما نص عليه ويتوجه جوازه وإن أذن قبل تصرفه في الأول أو بعده وقد نض المال جاز لزوال المعنى المقتضي للمنع
"وإن تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة فهي له وثمنها عليه" لأنه إشتراها في ذمته وليست من المضاربة لانفساخها بالتلف واختصت به ولو كانت للمضاربة لكان مستدينا على غيره والاستدانة على الغير بغير إذنه لا تجوز وسواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهله "إلا أن يجيزه رب المال" فيجوز في رواية وهو مبني على تصرف الفضولي والمذهب أنه للعامل بكل حال لأن هذا زيادة في مال المضاربة فلم تجز
"وإن تلف بعد الشراء" قيل نقد ثمنها "فالمضاربة بحالها" لأن الموجب لفسخها هو التلف ولم يوجد حين الشراء ولا قبله "والثمن على رب المال" لأن الشراء صادف المضاربة باقية بحالها وذلك يوجب كون المشترى له والثمن عليه وحينئذ فلرب السلعة مطالبة كل منهما بالثمن ويرجع به على العامل ويصير رأس المال الثمن دون التالف لأنه تلف قبل التصرف فيه فهو كما لو تلف قبل قبضه.(4/293)
وإذا ظهر الربح لم يكن للعامل أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال وهل يملك العامل حصته من الربح قبل القسمة على روايتين.
وإن طالب العامل البيع فأبى رب المال أجبر إن كان فيه ربح وإلا فلا.
ـــــــ
مسألة: من أتلفه ضمن الربح للآخر ثم إن كان تلفه بعد التصرف فالمضاربة بحالها وإلا فهي في قدر ثمنها.
"وإذا ظهر الربح لم يكن للعامل أخذ شيء منه" لأمور أحدها: أن الربح وقاية لرأس المال فلا يأمن الخسران الذي ينجبر بالربح الثاني: أن رب المال شريكه فلم يكن له مقاسمة نفسه الثالث: أن ملكه غير مستقر عليه لأنه بعرضية أن يخرج عن يده لجبران خسارة المال "إلا بإذن رب المال" لأن الحق لا يخرج عنها ظهر منه أنه يحرم قسمةالربح والعقد باق إلا باتفاقهما
"وهل يملك العامل حصته من الربح قبل القسمة؟ على روايتين" إحداهما: وهي المذهب والمجزوم بها عند الأكثر أنه يملك حصته منه بظهوره لأن الشرط صحيح فيثبت مقتضاه وهو أن يكون له جزء من الربح وكما يملك الساقي حصته من الثمرة بظهورها في الأصح والثانية: لا يملكه إلا بالقسمة اختارها القاضي وغيره لأنه لو ملكه به لاختص بربحه ولوجب أن يكون شريكا لرب المال كشريكي العنان ولأنه لو اشترى عبدين بالمال كل واحد يساويه فأعتقهما رب المال عتقا ولم يضمن للعامل شيئا ذكره الأزجي مع أنه ذكر لو اشترى قريبه فعتق لزمه حصته من الربح كما لو أتلفه والثالثة: يملكه بالمحاسبة وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا والتنضيض والفسخ فعلى الأولى: لا يستقر كشرطه ورضاه بضمانه وفي عتق من يعتق عليه وقيل: ولو لم يظهر ربح وجهان
فرع: إتلاف المالك كالقسمة فيغرم نصيب الآخر وكذا الأجنبي
"وإن طلب العامل البيع فأبى رب المال أجبر" أي: على البيع "إن كان فيه ربح" نص عليه لأن حق العامل في الربح لا يظهر إلا بالبيع فأجبر الممتنع من أدائه كسائر الحقوق "وإلا فلا" أي: إذا لم يظهر ربح لم يجبر الممتنع على(4/294)
وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا أو طلب البيع فله ذلك.
ـــــــ
البيع لأنه لاحق للعامل فيه وقد رضيه مالكه كذلك فلا يجبر على بيعه وقيل: يجبر مطلقا لأنه ربما زاد فيه راغب فزاد على ثمن المثل فيكون للعامل فيه حظ ورد بأنها حصلت بعد الفسخ فلم يستحقها العامل فعلى تقدير الخسارة يتجه منعه من ذلك ذكره الأزجي.
فرع: للعامل شراء البعض من المالك إن لم يظهر ربح وقيل: مطلقا وكذا من نفسه ويحتمل أن لا يصح مطلقا
"وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا" أي: فله تقويمه ودفع حصته لأنه أسقط البيع عن المضارب وأخذ العروض بثمنها الذي يحصل من غيره وحينئذ يملكها نص عليه إن لم يكن حيلة فإن ارتفع السعر لم يطالبه بقسطه في الأصح قال ابن عقيل لو قصد رب المال الحيلة ليختص بالربح بأن كان العامل اشترى خزا في الصيف ليربح في الشتاء أو يرجو دخول موسم أو قفل أن حقه يبقى في الربح قال الأزجي أصل المذهب أن الحيل لا أثر لها.
"أو طلب" رب المال "البيع فله ذلك" أي: يجبر العامل على بيعه وقبض ثمنه حيث لم يرض المالك هذا هو الأصح لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه
والثاني: لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح او أسقط حقه منه لأنه بالفسخ زال تصرفه وصار أجنبيا من المال أشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق الرد فأخره حتى زالت الوكالة وإذا لم يلزمه ففي استقراره بالفسخ وجهان وذكر المؤلف وغيره يلزمه بقدر رأس المال
فرع: إذا كان رأس المال دنانير فصار دراهم أو بالعكس فكعرض ذكره الأصحاب وقال الأزجي إن قلنا: هما شيء واحد وهو قيمة الأشياء لم يلزمه ولا فرق لقيام كل واحد مقام الآخر وإذا نض رأس المال لم يلزم العامل أن ينض له الباقي لأنه شركة بينهما ولو كان صحاحا فنض قراضة أو(4/295)
وإن كان دينا لزم العامل تقاضيه وإن قارض في المرض فالربح من رأس المال وإن زاد على أجرة المثل ويقدم به على سائر الغرماء وإن مات المضارب لم يعرف مال المضاربة فهو دين في تركه وكذلك الوديعة.
ـــــــ
مكسرة لزم العامل ردها إلى الصحاح فيبيعها بصحاح أو بعرض ثم يشتريها به.
"وإن كان دينا لزم العامل تقاضيه" مطلقا أي: إن ظهر ربح أولا لأن المضاربة تقتضي رد المال على صفته والديون لا تجري مجرى الناض فلزمه ذلك كما لو ظهر ربح وقيل: يلزمه في قدره ولا يلزم وكيلا وذكر أبو الفرج يلزمه رده على حاله إن فسخ بلا إذنه قال وكذا شريكا "وإن قارض في المرض" صح لأنه عقد ينبغي فيه الفضل أشبه المعاوضة "فالربح من رأس المال" ولا يحتسب به من ثلثه "وإن زاد على أجر المثل" لأن ذلك غير مستحق من مال رب المال وإنما حصل بعمل المضارب فيما يوجد منه يحدث على ملك العامل ولا يزاحم به أصحاب الوصايا لأنه لو أقرض المال كان الربح كله للمقترض فبعضه أولى بخلاف ما لو حابى الأجير في الأجر فإنه يحتسب بالمحاباة من ثلثه لأن الأجر يؤخذ من ماله.
"ويقدم به على سائر الغرماء" أي: إذا مات رب المال لأنه يملك الربح بالظهور فكان شريكا فيه ولأن حقه متعلق بعين المال لا الذمة فكان مقدما على مايتعلق بالذمة كالجناية أو يقال حقه متعلق بالمال قبل الموت فكان أسبق فقدم كالرهن
فرع: إذا شرط في المزارعة والمساقاة أكثر من أجر المثل فقيل مثلها لأن الثمرة تخرج من ملكهما كالربح وقيل: من ثلثه كالأجير.
"وإن مات الضارب" نص عليه وعنه: غيرفجأة "ولم يعرف مال المضاربة" أي: جهل "فهو دين في تركته" أي: صاحبه أسوة الغرماء عملا بالأصل ولأنه لما أخفاه ولم يعينه فكأنه غاصب فيتعلق بذمته وكما لو جن جنونا مطبقا مأيوسا من برئه ذكره في الرعاية الكبرى "وكذلك الوديعة" لاستوائهما في المعنى والأصح أنها في تركته وفيها في الترغيب إلا أن يموت فجأة وزاد في التلخيص أو يوصي(4/296)
فصل
والعامل أمين والقول قوله فيما يدعيه من هلاك وخسران.
ـــــــ
إلى عدل ويذكر جنسها كقوله قميص فلم يوجد وإن مات وصي وجهل بقاء مال موليه قال في الفروع فيتوجه كذلك قال شيخنا هو في تركته.
مسألة: إذا مات رب المال منع المضارب من البيع والشراء إلا بإذن الوارث نص عليه وظاهره: بقاء العامل على قراضه لأنه إتمام له لا ابتداء قراض وحكى القاضي وجها وفي المغني هو أقيس بطلانه لأن القراض قد بطل بالموت وهذا ابتداء قراض على عروض نعم لو كان ناضا كان ابتداء قراض والربح مشترك بينهما.
وقال القاضي: للعامل البيع حتى ينض المال ويظهر الربح إلاأن يختار رب المال تقويمه ودفع الخصومة فله ذلك وعليه يحمل كلام أحمد.
وإن أراد المضاربة والمال عرض فمضاربة مبتدأة وإن مات العامل أو جن فإن كان المال ناضا جاز وكذا إن كان عرضا في قول.
ولو أراد المالك تقرير وارثه فمضاربة مبتدأة ولا يبيع عرضا بلا إذنه فيبيعه حاكم ويقسم الربح.
فصل
"والعامل أمين" لأنه متصرف في مال غيره بإذنه لا لمحض منفعته فكان أمينا كالوكيل بخلاف المستعير فإنه قبضه لمنفعته خاصة "والقول قوله فيما يدعيه من هلاك وخسران" لأن تأمينه يقتضي ذلك ولأنه مدعى عليه وهو ينكره والقول قول المنكر مع يمينه وكما يقبل قوله في قدر رأس المال إجماعا ذكره ابن المنذر وذكر الحلواني فيه روايات كعوض كتابة والثالثة: يتحالفان وجزم أبو محمد الجوزي بقول رب المال.(4/297)
وما يذكر أنه اشتراه لنفسه أو للقراض وما يدعى عليه من خيانة والقول قول رب المال في رده إليه والجزء المشروط للعامل وفي الإذن في البيع نساء أو الشراء بكذا.
ـــــــ
"وما يذكر أنه اشتراه لنفسه أو للقراض" لأن الاختلاف هنا في نيته وهو أعلم بها فقبل قوله فيما نواه كنية الزوج في كناية الطلاق فلو اشترى شيئا فقال المالك كنت نهيتك عن شرائه فأنكره العامل قبل قوله لأن الأصل عدم النهي وكما يقبل قوله في أنه ربح أم لا.
"وما يدعى عليه من خيانة" أو تفريط لما ذكرنا "والقول قول رب المال" مع يمينه "في رده إليه" نص عليه لأنه قبض المال لمنفعة نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير ولأن رب المال منكر فقدم قوله وقيل: يقبل قول العامل لأنه أمين ومعظم النفع لرب المال فالعامل كالمودع وهو مبني على دعوى الوكيل الرد إذا كان يجعل قاله في الشرح
"والجزء المشروط للعامل" أي: إذا اختلفا في قدر المشروط بعد الربح قدم قول المالك نص عليه في رواية ابن منصور وسندي وهو قول أكثرهم لأنه منكر للزيادة التي ادعاها العامل والقول قول المنكر وكقبوله في صفة خروجه عن يده.
"وفي الإذن في البيع نساء أو الشراء بكذا" أي: إذا أنكر رب المال بأن قال إنما أذنت في البيع حالا وفي الشراء بثلاثة قدم قوله وحكاه في الشرح قولا لأن الأصل عدم الإذن والقول قوله في أصل الإذن فكذا في صفته والمنصوص أنه يقبل قول العامل لأنهما اتفقا على الإذن واختلفا في صفته كما لو قال نهيتك عن شراء عبد فأنكر وهذا هوالمذهب في البيع نساء وما جزم به المؤلف لا نعرف به رواية ولا وجهاً غير أن صاحب المستوعب حكى بعد هذا أن ابن أبي موسى قال ويتجه أن يكون القول قول رب المال فظن بعضهم أنه وجه والفرق بينهما ظاهر لأنه لم يوجد في الأذن في المقدار قرينة تدل على صدق العامل والأصل ينفي قوله فوجب العمل به لوجود مقتضاه بخلاف الإذن في البيع(4/298)
وحكي عنه أن القول قول العامل إن ادعى أجرة المثل.
وإن قال العامل: ربحت ألفا ثم خسرتها أو هلكت قبل قوله وإن قال غلطت لم يقبل قوله.
ـــــــ
نساء فإن فيه قرينة تدل على صدق العامل فعارضت الأصل إذ عقد المضاربة يقتضي الربح والنساء مظنته.
"وحكي عنه أن القول قول العامل إن ادعى أجرة المثل" زاد في المغني و الشرح تبعا لابن عقيل أو ما يتغابن الناس به لأن الظاهر صدقه فلو ادعى أكثر قبل قول رب المال كالزوجين إذا اختلفا في الصداق
"وإن قال العامل ربحت ألفا ثم خسرتها أو هلكت قبل قوله" لأنه أمين يقبل قوله كالوكيل المتبرع "وإن قال: غلطت" أو كذبت أو نسيت "لم يقبل قوله" لأنه مقر فلا يقبل قوله في الرجوع عن إقراره كدعواه أقتراضا تمم به رأس المال بعد إقراره به لرب المال وعنه: يقبل لأمانته ونقل أبوداود ومهنا إذا أقر بربح ثم قال إنما كنت أعطيك من رأس مالك يصدق قال أبو بكر وعليه العمل ويتخرج أن لا يقبل إلا ببينة لأنه مدع للغلط فإذا قامت البينة عليه قبل كسائر الدعاوي.
تنبيه: إذا دفع إليه مبلغا يتجر فيه فربح فقال العامل هو قرض ربحه لي وقال المالك هو قراض ربحه بيننا قبل قول المالك لأنه ملكه فكان القول قوله في صفة خروجه عن يده فإذا حلف قسم الربح بينهما وقيل: يتحالفان وللعامل أكثر الأمرين مما شرط له من الربح أو أجرة مثله فإن أقام كل منهما بينة فنص أحمد أنهما يتعارضان ويقسم الربح بينهما وهو معنى كلام الأزجي وقدم في الفروع تقدم بينة عامل لأنه خارج وقيل: عكسه.(4/299)
فصل
الثالث: شركة الوجوه وهي أن يشتركا على أن يشتريا بجاههما دينا فما ربحا فهو بينهما وكل واحد منهما وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن والملك بينهما على ما شرطا والوضيعة على قدر ملكيهما فيه والربح بينهما على ما شرطاه.
ـــــــ
فصل
"الثالث: شركة الوجوه" سميت به لأنهما يعاملان فيها بوجههما والجاه والوجه واحد يقال فلان وجيه إذا كان ذا جاه وهي جائزة إذ معناها وكالة كل واحد منهما صاحبه في الشراء والبيع والكفالة بالثمن وكل ذلك صحيح لاشتمالها على مصلحة من غيرمضرة. "وهي أن يشتركا على أن يشتريا بجاهيهما دينا" أي: في ذممهما من غيرأن يكون لهما مال "فما ربحا فهو بينهما" على ما شرطاه وسواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو قدره أو وقت أو لم يعين شيئا من ذلك فلو قال كل منهما للآخر ما اشتريت من شيء فبيننا صح. "وكل واحد منهما وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن" لأن مبناها على الوكالة والكفالة لأن كل واحد منهما وكيل للآخر فيما يشتريه ويبيعه كفيل عنه بالثمن.
"والملك بينهما على ما شرطاه" لقوله عليه السلام: "المؤمنون على شروطهم" ولأن العقد مبناه على الوكالة فتقيد بما أذن فيه.
"والوضيعة على قدر ملكيهما فيه. كشركة العنان لأنها في معناها "والربح على ما شرطاه" لأن العمل منهما قد يتساويان فيه فكان الربح بحسب الشرط كالعنان فإذا كان لأحدهما ثلث الربح كان له ثلث المشتري وإن كان له نصفه كان له نصف المشتري لأن الأصل في الربح المال فكل جزء من الربح(4/300)
ويحتمل أن يكون على قدر مالكيهما وهما في التصرفات كشريكي العنان الرابع: شركة الأبدان وهي ان يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما فهي شركة صحيحه.
ـــــــ
بإزاء جزء من المال فاذا علم نصيب أحدهما من الربح علم قدر ما يملكه من المال لأنه تابع له.
"ويحتمل أن يكون على قدر ملكيهما" قاله القاضي وجزم به في الفصول لأن الربح يستحق بالضمان إذ الشركة وقعت عليه خاصة إذ لا مال لهما فيشتركان فيه على العمل والضمان لا تفاضل فيه فلا يجوز التفاضل في الربح والأول المذهب لأنهما شريكان في المال والعمل فجاز تفاضلهما في الربح مع تساويهما في المال كشريكي العنان.
"وهما في التصرفات كشريكي العنان" يعني فيما يجب لهما وعليهما وفي إقرارهما وخصومتهما وغير ذلك على ما مر وهل ما يشتريه أحدهما بينهما أم تعتبر النية كوكالة فيه وجهان قال في الفروع ويتوجه في عنان مثله وقطع جماعة النية
فرع: إذا قضى بمال المضاربة دينه ثم اتجر بوجهه وأعطى رب المال نصف الربح فنقل صالح أما الربح فأرجو إذا كان متفضلا عليه.
فصل
"الرابع: شركة الأبدان" وبدأ بها في المحرر "وهي أن يشتركا" أي: اثنان فأكثر "فيما يكتسبان بأبدانهما" أي: يشتركون فيما يكتسبون بأيديهم وصنائعهم فما رزق الله فهو بينهم وفي الفروع وهي أن يشتركا فيما يتقبلان في ذممهما من عمل.
"فهي شركة صحيحة" نص عليه لما روى أبو داود بإسناده عن عبد الله قال اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فلم أجىء أنا وعمار بشيء وجاء سعد(4/301)
وما يتقبله أحدهما من العمل يصير في ضمانهما يطالبان به ويلزمهما عمله فهل تصح مع اختلاف الصنائع على وجهين وتصح في الاحتشاش والاصطياد والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات.
ـــــــ
بأسيرين ومثله لا يخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أقرهم وقال أحمد: أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن قلت المغانم مشتركة بين الغانمين فكيف يصح اختصاص هؤلاء بالشركة فيها وقال بعض الشافعية غنائم بدر كانت لمن أخذها قبل أن يشرك بينهم بدليل أنه يقال من أخذ شيئا فهو له فكان من قبيل المباحات ويجوز أن يكون شرك بينهمم فيما يصيبونه من الأسلاب والنفل وبأن الله إنما جعل الغنيمة لنبيه واختلفوا في الغنائم فانزل الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال:1] الآية والشركة كانت قبل ذلك والربح على ما شرطاه نص عليه.
"وما يتقبله أحدهما من العمل يصير في ضمانهما يطالبان به ويلزمهما عمله" لأن شركة الأبدان لاتنعقد إلا على ذلك وذكر المؤلف عن القاضي احتمالا لا يلزم أحدهما ما يلزم الآخر كالوكيلين.
"فهل تصح مع اختلاف الصنائع؟" كقصار مع خياط "على وجهين" الأصح الصحة لأنهما اشتركا في تكسب مباح فصح كما لو اتفقت الصنائع والثاني: لا يصح اختاره أبوالخطاب لأن مقتضاها أن ما يتقبله كل واحد من العمل يلزمهما ويطالبان به ولا يتأتى ذلك مع اختلاف صنائعهما لأنه لا قدرة له عليه ورد بأن تحصيل ذلك يمكنه بالأجرة أو بمن يتبرع له بعمله.
تنبيه: لا يشترط محل عملهما ولا تساويهما فيه ولكل واحد منهما طلب الأجرة وللمستأجر دفعها إلى أحدهما ومن تلف بيده بغير تفريط لم يضمن وإن فرط أو تعدى ضمن فقط فإذا أقر أحدهما بما في يده قبل عليه وعلى شريكه لأن اليد له ولا يقبل إقراره بما في يد شريكه لأنه لا يد له على ذلك.
"وتصح في الاحتشاش" لأنه اشتراك في مكسب مباح كالقصارة "والاصطياد والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات" كالحطب والثمار المأخوذة من(4/302)
فإن مرض أحدهما فالمكسب بينهما فإن طالبه الصحيح ان يقيم مقامه لزمه ذلك وإن اشتركا على أن يحملا على دابتيهما والأجرة بينهما صح وإذا تقبلا حمل شيء فحملاه عليهما
ـــــــ
الجبال والمعادن وهذا هو الأصح فيهن ونص أحمد في رواية أبي طالب واحتج له بالاشتراك في الغنيمة فقال يشتركان فيما يصيبان من سلب المقتول لأن القاتل يختص به دون الغانمين. "فإن مرض أحدهما فالمكسب بينهما" أي: إذا عمل أحدهما دون الآخر فالمكسب بينهما نص عليه في رواية إسحاق بن ماهان قاله ابن عقيل واحتج له الإمام بحديث سعد وسواء ترك العمل لعذر أو غيره وهو الأصح فيه.
"فإن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزمه ذلك" لأنهما دخلا على أن يعملا فإذا تعذر العمل بنفسه لزمه أن يقيم مقامه توفية للعقد ما يقتضيه فإن امتنع فللآخر الفسخ.
فرع: تصح شركة شهود قاله الشيخ تقي الدين ولأحدهما أن يقيم مقامه إن كان على عمل في الذمة وإن كان الجعل على شهادته بعينه فالاصح جوازه وموجب العقد المطلق التساوي في العمل والأجر ولو عمل أكثر ولم يتبرع طالب بالزيادة وكذا الخلاف في شركة الدلالين وجزم في الترغيب وغيره وهو الأشهر بعدم صحتها لأنه لا بد فيها من وكالة وهي على هذا الوجه لا تصح كآجر دابتك والأجرة بيننا.
"وإن اشتركا على أن يحملا على دابتهما والأجرة بينهما صح" لأن الحمل في الذمة وهو نوع اكتساب والدابتان آلتان أشبها الأداة ولو اشتركا في أجرو عين الدابتين أو أنفسهما إجارة خاصة لم يصح
"وإذا تقبلا حمل شيء فحملاه عليهما" أوعلى غير الدابتين صحت الشركة لأن تقبلهما الحمل أثبت الضمان في ذمتهما ولهما أن يحملا بأي(4/303)
صحت الشركة والأجرة بينهما على ما شرطاه وإن آجراهما بأعيانهما فلكل واحد منهما أجرة دابته.
ـــــــ
ظهر كان أشبه ما لو تقبلا قصارة فقصراها بغير أداتهما "والاجرة بينهما على ما شرطاه" كشركة الوجوه وقيل: نصفين كما لو أطلقا.
"وإن آجراهما بأعيانهما فلكل واحد منهما أجرة دابته" أي: إذا آجرا دابتيهما بأعيانهما على حمل شيء بأجرة معلومة واشتركا على ذلك لم تصح الشركة في الأصح واستحق كل منهما أجرة دابته لأنه لم يجب ضمان الحمل في ذمتهما وإنما استحق المكتري منفعة البهيمة التي استأجرها ولهذا تنفسخ الإجارة بموت الدابة المستأجرة إذ الشركة إنما تنعقد على الضمان في ذممهما أو على عملهما وهذا ليس بواحد منهما وهذا يتضمن الوكالة. وعلى هذا الوجه لا تصح ولهذا لو قال آجر عبدك والأجرة بيننا أربعة والثمن بيننا لم يصح وقيل: بلى وحكاه في المغني احتمالا كما لو اشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما من المباح فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل والنقل فله أجرة مثله لأنها منافع وفاها بشبهة عقد.
تنبيه: اشترك اثنان لأحدهما آلة قصارة ولآخر بيت يعملان بها فيه صح ولو اشترك ثلاثة لأحدهم دابة وللآخر راويه ومن الثالث: العمل على ما رزق الله بينهم فهو صحيح ويعمل به على ما اتفقوا عليه وقال القاضي: العقد فاسد فعلى هذا الأجر كله للسقاء وعليه لصاحبيه أجرة المثل واقتصر عليه في الفصول لأن هذا ليس شركة ولا مضاربة لأنه لا يجوز أن يكون رأس مالهما العروض ولا إجارة لافتقارها إلى مدة معلومة واجر معلوم والأول المذهب لأنها عين تنمى بالعمل عليها وكذا الخلاف لو كانوا أربعة لأحدهم دابة ولآخر رحى ولثالث دكان ومن الرابع العمل.
مسألة: قال ابن عقيل وغيره لو دفع شبكة إلى صياد ليصيد بها السمك بينهما نصفين فالصيد كله للصياد ولصاحب الشبكة أجرة مثلها وقياس قول احمد(4/304)
وإن جمعا بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة صح.
فصل
الخامس: شركة المفاوضة وهي أن يدخلا في الشركة الأكساب النادرة كوجدان لقطة أو ركاز وما يحصل لهما من ميراث وما يلزم احدهما من ضمان غصب.
أو أرش جناية ونحو ذلك فهذه شركة فاسدة.
ـــــــ
صحتها فما رزق الله فهو بينهما على ما شرطاه لأنها عين تنمى بالعمل فصح دفعها ببعض نمائها كالأرض وقفيز الطحان ان يعطى الطحان أقفزة معلومة يطحنها بقفيز دقيق منها ينبني على ذلك.
فرع: دفع دابته إلى آخر بعمل عليها وما رزق الله بينهما نصفين او ما شرطاه صح نص عليه لأنها عين تنمي بالعمل عليها فصحت ببعض نمائها كالنقدين وفي الفصول هي مضاربة على القول بصحتها في العروض وليست شركة نص عليه وقيل: لا تصح والربح كله لرب المال وللعامل أجرة مثله.
"وإن جمعا بين شركة العنان والأبدن والوجوه والمضاربة صح" لأن كل واحد منها يصح منفردا فصح مع غيره قال ابن المنجا: وكما لو ضم ماء طهورا إلى مثله وهذا هو أحد قسمي شركة المفاوضة.
فصل
"الخامس: شركة المفاوضة" وهي مفاعلة يقال فاوضه مفاوضة أي: جازاه وتفاوضوا في الأمر أي: فاوض بعضهم بعضا "وهي أن يدخلا في الشركة الأكساب النادرة كوجدان" بكسر الواو مصدر وجد "لقطة أو ركاز وما يحصل لهما من ميراث وما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو أرش جناية ونحو ذلك فهذه شركة فاسدة" نص عليه لأنه يكثر فيها(4/305)
ـــــــ
الغرر ولم تصح بين مسلم وذمي فلم تصح بين المسلمين كسائر العقود المنهي عنها ولأن حصول الكسب فيها وهم ولأنها تضمنت كفالة وغيرها مما لا يقتضيه العقد فكانت باطلة.
والثاني: تفويض كل منهما إلى صاحبه شراء وبيعا ومضاربة وتوكيلا وابتياعا في الذمة ومسافرة بالمال وارتهانا وضمان ما يرى من الأعمال فشركة صحيحةوكذا لو اشتركا في كل ما ثبت لهما أو عليهما إن لم يدخلا فيها كسبا نادرا وغرامه وأطلق في المحرر إن شرط أن يشتركافي كل ما ثبت لهما أو عليهما كشرط فاسد وذكره في الرعاية قولا وفي طريقة بعض أصحابنا شركة المفاوضة أن يقول أنت شريكي في كل ما يحصل لي بأي جهة كانت من إرث وغيره وفيها روايتان المنصور لا يصح. والله أعلم.(4/306)
باب المساقاة
تجوز المساقاة في النخل وفي كل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته،
ـــــــ
باب المساقاة
هي مفاعلة من السقي لأنه أهم أمرها وكانت النخل بالحجاز تسقى نضحا أي: من الآبار فيعظم أمره وتكثر مشقته وهي عبارة أن يدفع إنسان شجرة إلى آخر ليقوم بسقيه وما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره قاله في المغني والشرح وليس بجامع لخروج ما يدفعه إليه ليغرسه ويعمل عليه ولا بمانع لدخول ماله ثمر غير مقصود كالصنوبر.
و الأصل في جوازها السنة فمنها ما روى ابن عمر قال عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع متفق عليه وقال أبو جعفر عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث أو الربع وهذا عمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكر فكان كالإجماع.
"تجوز المساقاة في النخل" وعليه اقتصر داود "وفي كل شجر له ثمر مأكول" لأن الحاجة تدعو إلى ذلك لأن كثيرا من الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر ففي تجويز المساقاة دفع الحاجتين وحصول المنفعة لهما فجاز كالمضاربة والمنتفع به كالمأكول ومقتضى ما ذكروه أنها لا تصح على ما لا ثمر له كالحور أو له ثمر غير مقصود كالصنوبر ذكره في المغني والشرح بغير خلاف نعلمه إذ ليس منصوصا عليه ولا هو في معنى المنصوص لكن إن قصد ورقة كالتوت أو زهره كالورد فالقياس جوازه لأنه في معنى الثمرة لكونه يتكرر كل عام ويمكن أخذه.
وقد يقال إن المنصوص يشمله.
"ببعض ثمرته" أي: بجزء مشاع كالثلث ونحوه للخبر لا على صاع أو آصع(4/307)
وتصح بلفظ المساقاة والمعاملة وما في معناهما وتصح بلفظ الإجارة في أحد الوجهين.
ـــــــ
أو ثمرة نخلة بعينها لما فيه من الغرر إذ يحتمل أن لا يحصل إلا ذلك فيتضرر المالك أو يكثر الحاصل فيتضرر العامل وتكون التسمية له لأن المالك يستحق بالأصل ومقتضاه أن تكون من تلك الثمرة فلو شرط له ثمر نخل غيرالذي ساقاه عليه أو ثمرة سنة غيرالذي ساقاه عليها لم يصح لمخالفة موضوعها ولا فرق فيه بين السقي والبعل عند من يجوزها.
أصل: لا يقال ابن عمر قد رجع عماروى لقوله كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة لأنه لا يجوز حمل حديث رافع على ما يخالف الإجماع لأنه عليه السلام لم يزل يعامل أهل خيبر حتى مات ثم عمل به الخلفاء ثم من بعدهم فكيف يتصور نهيه عليه السلام عن ذلك وقد روى طاووس أن أعلمهم يعني ابن عباس أخبر أنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه وقال: "لأن يمنح أحدكم أخاه أرضا خيرا له من أن يأخذ عليه أجرا معلوما" متفق عليه ثم حديث رافع محمول على ما قلنا: لما روي البخارى بإسناده قال كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عنه فأما الورق فلم ينهنا.
ورجوع ابن عمر يحتمل أنه رجع عن شيء من المعاملات الفاسدة مع أن فيه اضطرابا قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن حديث رافع فقال يروى فيه ضروب كأنه يريد اختلاف الروايات عنه.
"وتصح" من كل جائز التصرف "بلفظ المساقاة" لأنها موضوعها حقيقة "والمعاملة" لقوله عامل أهل خيبر "وما في معناهما" كفالحتك واعمل في بستاني هذا حتى تكمل ثمرته لأن القصد المعنى فإذا أتى بلفظ دال عليه صح كالبيع.
"وتصح" هي ومزارعة "بلفظ الإجارة في أحدالوجهين" جزم به في الوجيز لأنه مؤد للمعنى فصح به العقد كسائر الألفاظ المتفق عليها والثاني: لا واختاره(4/308)
وقد نص أحمد في رواية جماعة فيمن قال آجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها أنه يصح وهذه مزارعة بلفظ الإجارة ذكره أبو الخطاب وقال أكثر أصحابنا هي إجارة والأول أقيس وأصح وهل تصح على ثمرة موجودة على روايتين.
ـــــــ
أبو الخطاب لأن الإجارة يشترط لها ما لا يشترط للمساقاة وهما مختلفان في اللزوم والجواز فلم تصح بلفظ الإجارة كما لا تصح بلفظ البيع.
"وقد نص أحمد في رواية جماعة فيمن قال آجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها أنه يصح وهذه مزارعة بلفظ الإجارة ذكره أبو الخطاب" فعبر بالإجارة عن المزارعة على سبيل المجاز كما يعبر عن الشجاع بالأسد فعلى هذا يكون نهيه عن كراء الأرض بثلث ما يخرج منها أنه ينصرف إلى الإجارة الحقيقية لا المزارعة.
"وقال: أكثر أصحابنا هي إجارة" لأنها مذكورة بلفظها فتكون إجارة حقيقية ويشترط فيها شروط الإجارة وتصح ببعض الخارج منها كما تصح بالدراهم ونص عليه واختاره الأكثر وعنه: لا اختاره ابوالخطاب والمؤلف وقيل: تكره وإن صح إجارة أو مزارعة فلم يزرع نظر إلى معدل المغل فيجب القسط المسمى فيه "والأول أقيس وأصح" دليلا عنده إذ الخبر يدل عليه واللفظ قد يعدل عن حقيقته إلى مجازه لدليل.
"وهل تصح على ثمرة موجودة؟" لم تكمل وعلى زرع نابت ينمي بالعمل "على روايتين" إحداهما: لا يجوز لأنه عليه السلام عامل أهل خيبر بشطر ما تخرج منها من ثمر أو زرع وذلك مفقود هنا ولأن الثمرة إذا ظهرت فقد حصل المقصود وصار بمنزلة مضاربته على المال بعد ظهور الربح والثانية: وهي الأصح الجواز لأنها إذا جازت في المعدوم مع كثرة الغرر فيها فمع وجودها وقلة الغرر فيها أولى ومحلها إذا بقي من العمل ما تزيد به الثمرة كالتأبير والسقي والإصلاح فإن بقي ما لا تزيد به كالجداد لم يجز بغير خلاف.(4/309)
وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة صح.
ـــــــ
"وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة صح" في المنصوص قال في رواية ابي داود إذا قال لرجل اغرس في أرضي هذه شجرا أو نخلا فما كان من غلة فلك بعملك كذا فإجارة واحتج بحديث خيبر ولأن العمل وعوضه معلومان فصحت كالمساقاة على شجر موجود ويعتبر أن يكون الغراس من رب الأرض كالمزارعة فإن كان من العامل فعلى الروايتين في المزارعة إذا شرط البذر من العامل.
وقال القاضي: المعاملة باطلة وصاحب الأرض مخير بين تكليفه قلعها ويضمن له نقصها وبين تركها في أرضه ويدفع إليه قيمتها فإن اختار العامل قلع شجره فله ذلك سواء بذل له القيمة أو لا لأنه ملكه فلم يمنع من تحويله وإن اتفقا على إبقاء الغراس ودفع أجر الأرض جاز.
تنبيه: ظاهر نصه أنها تصبح بجزء من الشجر وبجزء منهما كالمزارعة وهي المغارسة والمناصبةاختاره أبو حفص العكبري والقاضي "تعليقه" والشيخ تقي الدين وذكره ظاهر المذهب ولو كان مغروسا ولو كان ناظر وقف وأنه لا يجوز لناظر بعده بيع نصيب الوقف بلا حاجة وان لحاكم الحكم بلزومها في محل النزاع فقط والحكم به من جهة عوض المثل ولو لم تقم به بينة لأنه الأصل في العقود قال في الفروع ويتوجه اعتبار بينة وقدم في المغني والشرح أنه لا يصح فلو دفعها إليه على أن الأرض والشجر بينهما فذلك فاسد بغير خلاف نعلمه.
فرع: عملا في شجر بينهما نصفين وشرطا التفاضل في ثمره صح كاشتراط العامل من كل نوع جزءا معلوما وكتعدده ويشترط لصحتها أن يكون الشجر معلوما كالبيع فإن ساقاه على بستان لم يره ولم يوصف له لم يصح كمساقاته على أحدهذين الحائطين.(4/310)
والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه لا تفتقر إلى ذكر مدة ولكل واحد منهما فسخها فمتى انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما.
وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له وإن فسخ رب المال فعليه للعامل أجرة عمله.
وقيل: هي عقد لازم
ـــــــ
"والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه" وكذا المزارعة أومأ إليه أحمد في رواية الأثرم وقد سئل عن الأكار يخرج من الضيعة من غيرأن يخرجه صاحبها فلم يمنعه من ذلك ذكره ابن حامد وقاله بعض المحدثين لما روى مسلم عن ابن عمر في قضية خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نقركم على ذلك ما شئنا" ولو كان لازما لم يجز بغير تقدير مدة ولا أن يجعل الخيرة إليه في مدة إقرارهم ولأنها عقد على جزء من نماء المال فكانت جائزة كالمضاربة.
"لا تفتقر إلى ذكر مدة" لأنه عليه السلام لم يضرب لأهل خيبر مدة ولا خلفاؤه من بعده وكما لا تفتقر إلى القبول لفظا "ولكل واحد منهما فسخها" لأنه شأن العقود الجائزة "فمتى انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينها" على ما شرطاه لأنها حدثت على ملكيهما ويلزم العامل تمام العمل كالمضارب.
"وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له" لأنه رضي بإسقاط حقه فهو كعامل المضاربة والجعالة "وإن فسخ رب المال" أي: قبل ظهور الثمرة "فعليه للعامل أجرة عمله" أي: أجرة مثله لأنه منعه من إتمام عمله الذي يستحق به العوض كجعالة وفارق رب المال في المضاربة إذا فسخها قبل ظهور الربح لأن هذا يفضي إلى ظهور الثمرة غالبا فلولا الفسخ لظهرت الثمرة فملك نصيبه منها بخلاف المضاربة فإنه لا يعلم إفضاؤها إلى الربح. "وقيل: هي عقد لازم" في قول أكثر الفقهاء لأنه عقد معاوضة فكان لازما كالإجارة إذ لو كانت جائزة لملك رب المال فسخها إذا ظهرت فيسقط سهم العامل فيتضرر.(4/311)
يفتقر إلى ضرب مدة يكمل فيها الثمر وإن جعلا مدة لا تكمل فيها لم تصح وهل للعامل أجرة على وجهين وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تكمل فهل تصح على وجهين فإن قلنا: لا تصح فهل للعامل أجرة على وجهين.
ـــــــ
"يفتقر إلى ضرب مدة يكمل فيها الثمر" لأنهاأشبه بالإجارة لكونها تقتضي العمل مع بقائها ولا يتقدر أكثر المدة بل يجوز ما يتفقان عليه من المدة التي يبقى فيها الشجر وإن طالت وقيل: لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة رد بأنه تحكم وتوقيت لا يصار إليه إلا بدليل.
"وإن جعلا مدة لا تكمل فيها لم تصح" لأن المقصود إشتراكهما في الثمرة ولا توجد في أقل منها.
"وهل للعامل أجرة؟ على وجهين" أي: إذا ظهرت الثمرة ولم تكمل فله أجرة مثله لأنه لم يرض إلا بعوض وهو جزء من الثمرة وهو موجود لكن لا يمكن تسليمه فاستحق أجرة المثل كالإجارة الفاسدة.
والثاني: لا شيء له لأنه رضي بالعمل بغير عوض فهو كالمتبرع وكما لو لم تظهر الثمرة. "وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تكمل "إو إلى الجداد أو إدراكها "فهل تصح؟" المساقاة "على وجهين" أصحهما: تصح لأن الشجر يحتمل أن يحمل ويحتمل عدمه والمساقاة جائزة فيه والثاني: لا تصح لأنه عقد على معدوم ليس الغالب وجوده فلم تصح كالسلم فعلى الأول له حصته من الثمرة.
"فإن قلنا: لا تصح فهل للعامل أجرة على وجهين" أظهرهما: وذكره في المغني وجها واحدا له أجر المثل لأنه لم يرض بغير عوض ولم يسلم إليه فاستحق أجر المثل سواء حملت أو لا.
والثاني: لا شيء له كما لو شرطا مدة لايكمل فيها الشجر غالبا.(4/312)
وإن مات العامل تمم الوارث فإن أبى استؤجر على العمل من تركته فإن تعذر فلرب المال الفسخ فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما وإن فسخ قبل ظهورها فهل له أجرة على وجهين.
ـــــــ
"وإن مات العامل" أو جن أو حجر عليه لسفه انفسخت على المذهب كرب المال وإن قيل بلزومها "تمم الوارث" لأنها عقد لازم كالإجارة "فإن أبى" لم يجبر لأن الوارث لا يلزمه من الحقوق التي على موروثه إلا ما أمكن دفعه من تركته والعمل ليس كذلك "استؤجر" أي: استأجر الحاكم "على العمل من تركته" لأن العمل كان عليه فوجب أن يتعلق بتركته كسائر ما عليه.
"فإن تعذر" أي: الاستئجار بأن لا تركة له "فلرب المال الفسخ" لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فثبت له الفسخ كما لو تعذر ثمن المبيع قبل قبضه.
"فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما" لأنها حدثت على ملكيهما و كالمضاربة إذا انفسخت بعد ظهور الربح فيباع من نصيب العامل ما يحتاج إليه لأجر ما بقي من العمل وإن احتيج إلى بيع الجميع بيع ثم إن كانت الثمرة قد بدا صلاحها خير المالك بين البيع والشراء فإن اشترى نصيب العامل جاز وإن اختار باع نصيبه والحاكم نصيب العامل وبقية العمل عليهما.
وإن أبى باع الحاكم نصيب عامل فقط وما يلزمه يستأجر عنه والباقي لورثته وإن لم يبد صلاحها خير مالك فإن بيع لأجنبي لم يبع إلا بشرط القطع.
ولا يباع نصيب عامل وحده وفي شراء المالك له واستحقاق الميت أجرة وجهان وكذا الحكم إذا انفسخت المساقاة بموت العامل إذا قلنا: بجوازها وأبى الوارث العمل ذكره في الشرح وغيره.
"وإن فسخ قبل ظهورها فهل له أجرة على وجهين" أظهرهما: له الأجرة لأن العقد يقتضي العوض المسمى فإذا تعذر رجع في الأجرة كما لو فسخ بغير عذر والثاني: لا شيء له لأن الفسخ مستند إلى موته أشبه ما لو فسخ هو(4/313)
وكذلك إن هرب العامل فلم يوجد له ما ينفق عليها فإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم أو إشهاد رجع به وإلا فلا.
فصل
ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من السقي والحرث والزبار والتلقيح والتشميس وإصلاح طرق الماء وموضع التشميس ونحوه
ـــــــ
"وكذلك إن هرب العامل فلم يوجد له ما ينفق عليها" أي: حكمه حكم ما إذا مات لأنهما اشتركا في تعذر العمل وتضررالمالك بتعذر الفسخ وظاهره: أنه إذا وجد له مالا أو أمكنه الإقتراض عليه من بيت المال أو غيره فعل ذلك وكذا إذا وجد من يعمله بأجرة مؤجلة إلى وقت إدراك الثمرة والأولى: أن العامل لا يستحق أجرة لتركه العمل باختياره كما لو تركه منغير هرب مع القدرة عليه.
"فإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم أو إشهاد رجع به" أي: بما أنفق لأن الحاكم نائب عن الغائب ولأنه إذا أشهد على الإنفاق مع عجزه عن إذن الحاكم فهو مضطر فإن أمكنه استئذان الحاكم فأنفق بنية الرجوع ولم يستأذنه فوجهان مبنيان على ما إذا قضى دينه بغير إذنه "وإلا فلا" أي: لا رجوع له إذا لم يوجد إذن ولا إشهاد لأنه متبرع بالإنفاق كما لو تبرع بالصدقة وحكم ما لو استأجر أو اقترض بإذن الحاكم حكم ما لو عمل فيها بإذنه. فرع: إذا بان الشجر مستحقا فله أجرة مثله على غاصبه واختار في التبصرة أنها جائزة من جهة عامل لازمة من جهة مالك مأخوذة من الإجارة وفيه شيء.
فصل
"ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من السقي والحرث والزبار والتلقيح والتشميس وإصلاح طرق الماء وموضع التشميس ونحوه" كآلة حرث وبقرة وتفريق زبل وقطع الحشيش المضر وقطع الشجر اليابس،(4/314)
وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من سد الحيطان وإجراء الأنهار وحفر البئر والدولاب وما يديره.
وقيل: كل ما يتكرر كل عام فهو على العامل ومالا فلا.
ـــــــ
وحفظ الثمر على الشجر إلى أن يقسم وإن كان مما يشمس فعليه تشميسه وفي الفنون وغيره والفأس النحاس تقطع الدغل لأنه يلزم العامل بإطلاق عقد المساقاة ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها وهذا كله منه.
"وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من سد الحيطان وإجراء الأنهار وحفر البئر والدولاب وما يديره" من آلة ودابة وجزم به الأكثر وشراء ما يلقح به وماء وتحصيل زبل وذكر المؤلف تبعا لابن أبي موسى أن بقر الدولاب على العامل لأنها ليست من العمل وذكر ابن رزين روايتين في بقر حرث وسقاية وما يلقح به.
"وقيل: كل ما يتكرر كل عام" كالحرث "فهو على العامل" قال في المغني وهذا أصح إلا في شراء ما يلقح به فإنه على رب المال وإن تكرر لأنه ليس من العمل "ومالا فلا" لأن ذلك لا تعلق له ومعناه أشبه ما فيه حفظ الأصل وفي الناظور لما بدا صلاحه وجهان.
وهذا كله إذا أطلق العقد فإن شرط أن يكون عليه ما يلزمه فهو تأكيد وإن شرط على أحدهما ما يلزم الآخر فمنعه القاضي وأبو الخطاب فتفسد المساقاة لأ نه شرط ينافي مقتضى العقد فأفسدته كالمضاربة إذا شرط العمل فيها على رب المال وقد نص أحمد على أن الجداد عليهما إلا أن يشرطه على العامل فيؤخذ منه صحة شرط كل واحد ما على الآخر أو بعضه لكن يعتبر ما يلزم كلا منهما معلوما وفي المغني وأن يعمل العامل أكثر العمل والأشهر يفسد الشرط وفي العقد روايتان وذكر أبو الفرج يفسد بشرط خراج أو بعضه على عامل قال الشيخ تقي الدين والسياج على المالك ويتبع في الكلف السلطانية العرف ما لم يكن شرط.(4/315)
وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد.
وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشاركه فإن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل العمل وإن شرط أن سقى سيحا فله الربع وإن سقى بكلفة فله النصف لم يصح في أحد الوجهين.
ـــــــ
"وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد" لأن المالك قد ائتمنه أشبه المضارب وكذا في مبطل العقد وجزء مشروط وفي الموجز إن اختلفا فيما شرط له صدق عامل في أصح الروايتين ويحلف إن اتهم ذكره في المغني والشرح وذكر غيرهما للمالك ضم أمين بأجرة من نفسه.
"وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشاركه" لأنه أمكن دفع الضرر عن المالك بذلك مع بقاء العامل على عمله والأجرة عليه.
"فإن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل العمل" لأنه تعذر استيفاء العمل منه فليستوف بغيره كما لو هرب أو عجز عن العمل.
تنبيه: يملك العامل حصته من الثمرة بظهورها فلو تلفت إلا واحدة فهي بينهما وقيل: لا يملكه إلا بالمقاسمة كالمضاربة ورد بأن القراض يملك الربح فيه بالظهور ولا يجوز أن يجعل للعامل فضل دراهم زائدا على ما شرطه له من الثمرة بغير خلاف ولا أن يساقي غيره على الأرض أو الشجر.
"وإن شرط إن سقى سيحا" ونصبه أو على نزع الخافض "فله الربع وإن سقى بكلفة فله النصف" وإن زرعها شعيرا فله الربع وإن زرعها حنطة فله النصف "لم يصح في أحد الوجهين" هذا هو المذهب لأن العمل مجهول والنصيب مجهول وهو في معنى بيعتين في بيعة والثاني: يصح بناء على قوله في الإجارة إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم قاله في الشرح وفيه شيء سيأتي وكقوله ما زرعت من شيء فلي نصفه لقصة أهل خيبر فإن زرعها جنسين فأكثر وبين قدر كل جنس وحقه منه صح وإلا فلا.(4/316)
وإن قال: ما زرعت من شعير فلي ربعه وما زرعت من حنطة فلي نصفه أو ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع لم يصح وجها واحدا.
ـــــــ
"وإن قال ما زرعت من شعير فلي ربعه وما زرعت من حنطة فلي نصفه" لم يصح لأن ما يزرعه من كل منها مجهول القدر فهو كما لو شرط له في المساقاة ثلث هذا النوع ونصف الآخر "أو ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع لم يصح وجها واحدا" لأنه شرط عقدا في عقد فلم يصح كالبيع وكذا إذا قال لك الخمسان إن كانت عليك خسارة وإلا فلك الربع نص عليه وقيل: بلى.
فرع: إذا آجره الأرض وساقاه على الشجر فكجمع بيع وإجارة وإن كان حيلة فالمذهب بطلانه وذكر القاضي في إبطال الحيل جوازه ثم إن كانت المساقاة في عقد ثان فهل تفسد أولاهما فيه وجهان وإن جمعهما في عقد فكتفريق صفقة وللمستاجر فسخ الإجارة وقال الشيخ تقي الدين سواء صحت الإجارة أو لا فما ذهب من الشجر ذهب ما يقابله من العوض.(4/317)
فصل في المزارعة
تجوز المزارعة بجزء معلوم يجعل للعامل من الزرع.
ـــــــ
فصل في المزارعة
هي: مفاعلة من الزرع وهي دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه بجزء مشاع معلوم منه.
"تجوز المزارعة بجزء" مشاع "معلوم يجعل للعامل من الزرع" هذا قول أكثر العلماء قال البخاري قال أبو جعفر ما بالمدينة أهل بيت إلا يزرعون على الثلث والربع وزارع علي وابن مسعود وسعد وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وابن سيرين وعامل عمر على أنه إن جاء(4/317)
فان كان في الأرض شجر فزارعه على الأرض وساقاه على الشجر صح.
ـــــــ
بالبذر فله الشطر وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا.
وحكى أبو الخطاب في المساقاة رواية بمنعها وعن ابن عباس الأمران وحديث رافع وإن كان في الصحيحين ففيه اضطراب كثير قال ابن المنذر وقد أنكره فقيهان من الصحابة زيد بن ثابت وابن عباس لا يقال أحاديثكم محمولة على الأرض التي بين النخيل وأحاديث النهي على الأرض البيضاء لأنه بعيد من أوجه:
أولا: أنه يبعد أن تكون بلدة كبيرة يأتي منها أربعون ألف وسق وليس فيها أرض بيضاء وتبعد معاملتهم بعضهم على بعض لنقل الرواة القصة على العموم.
ثانيا: لا دليل على ما ذكرتم من التأويل وما قلنا: ه ورد مفسرا.
ثالثا: أن قولكم يفضي إلي تقييد كل من الحديثين وما ذكرناه فيه حمل أحدهما على الآخر.
رابعا: إن عمل الخلفاء والفقهاء من الصحابة وغيرهم دال على ما ذكرنا.
خامسا: إن مذهبنا صار مجمعا عليه فلا يجوز لأحد خلافه مع أن القياس يقتضيه لأن الأرض عين تنمي بالعمل فجازت المعاملة عليها ببعض نمائها كالمال في المضاربة والنخل في المساقاة والحاجة داعية إليها لكون أصحاب الأرض لا يقدرون على زرعها والأكثر يحتاجون إلى الزرع ولا أرض فاقتضت الحكمة جوازها قال الشيخ تقي الدين هي أحل من الإجارة لاشتراكهما في المغنم والمغرم.
"فإن كان في الأرض شجر فزارعه على الأرض وساقاه على الشجر صح" لأن كل واحد منهما عقد لو انفرد لصح فكذا إذا اجتمعا وسواء قل بياض الأرض أو كثر نص عليه وسواء تساوى نصيب العامل فيهما أو اختلف وسواء كان بلفظ المعاملة أو المساقاة فلو زارعه على أرض فيها شجر لم يجز للعامل اشتراط ثمرتها لأنه اشترط كل الثمرة فلم يجز كما لو كان الشجر(4/318)
ولا يشترط كون البذر من رب الأرض وظاهر المذهب اشتراطه. وإن شرط رب الأرض أن يأخذ مثل بذره ويقتسما الباقي.
ـــــــ
أكثر من الثلث.
فرع: لا تجوز إجارة أرض وشجر فيها قال أحمد: أخاف أنه استأجر شجرا لم يثمر وذكر أبو عبيدة تحريمه إجماعا وجوزه ابن عقيل تبعا ولو كان الشجر أكثر لأن عمر ضمن حديقة أسيد بن حضير لما مات ثلاث سنين لوفاء دينه رواه حرب وغيره ولأنه وضع الخراج على أرض الخراج وهو أجرة وجوز الشيخ تقي الدين إجارة الشجر مفردا ويقوم عليها المستأجر كأرض لزرع فإن تلفت الثمرة فلا أجرة وإن نقصت عن العادة فالفسخ أو الأرش لعدم المنفعة المقصودة بالعقد وهو كجائحة.
"ولا يشترط كون البذر من رب الأرض" فيجوز أن يخرجه العامل في قول عمر وابن مسعود وغيرهما ونص عليه في رواية مهنا وصححه في المغني والشرح واختاره أبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين لأن الأصل المعول عليه في المزارعة قضية خيبر ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن البذر على المسلمين.
"وظاهر المذهب اشتراطه" نص عليه في رواية جماعة واختاره عامة الأصحاب لأنهما يشتركان في نمائه فوجب ان يكون رأس المال من أحدهما كالمضاربة ورد بأنه قياس في مقابلة نص ثم هو منقوض بما إذا اشترك مالان وبدن أحدهما.
تنبيه: إذا كان البذر بينهما نصفين وشرطا المناصفة في الزرع فهو بينهما سواء قيل بصحة المزارعة أو فسادها فإن حكم بصحتها لم يرجع أحدهما على الآخر بشيء وإن حكمنا بفسادها فعلى العامل نصف أجر الأرض وله على ربها نصف أجر عمله فيتقاصان بقدر الأقل منهما ويرجع أحدهما على الآخر بالفضل وإن شرطا التفاضل في الزرع فظاهر على الصحة وعلى الفساد الزرع بينهما على قدر البذر ويتراجعان كما ذكرنا.
"وإن شرط رب الأرض أن يأخذ مثل بذره ويقتسما الباقي" لم يصح كأنه(4/319)
أو شرطا لأحدهما قفزانا معلومة أو دراهم معلومة أو زرع ناحية معينة من الأرض فسدت المزارعة والمساقاة ومتى فسدت فالزرع لصاحب البذر وعليه أجرة صاحبه.
وحكم المزارعة حكم المساقاة فيما ذكرنا.
ـــــــ
اشترط لنفسه قفزانا معلومة وهو شرط فاسد تفسد به المزارعة لأن الأرض لم تخرج إلا ذلك القدر فيختص به المالك وربما لا تخرجه وموضوعها على الاشتراك.
"أو شرطا لأحدهما قفزانا معلومة" لما ذكرنا "أو دراهم معلومة" لأنه ربما لا تخرج الأرض ما يساوي ذلك فيؤدي إلى الضرر "أو زرع ناحية من الأرض فسدت المزارعة والمساقاة" بإجماع العلماء كأن يشترط ما على الجداول قيل وهي المخابرة سواء كان منفردا أو شرطه مع نصيبه لأن الخبر الصحيح في النهي عنه غيرمعارض ولا منسوخ ولأنه ربما تلف ما عين له دون الآخر فينفرد أحدهما بالغلة دون صاحبه.
"ومتى فسدت فالزرع لصاحب البذر" لأنه عين ماله ينقلب من حال إلى حال وينمو فهو كأغصان الشجر إذا غرس "وعليه أجرة صاحبه" لأنه دخل على أن يأخذ ما سمي له فإذا فات رجع إلى بدله لكونه لم يرض بالعمل مجانا فعلى المذهب إن كان البذر من العامل فهو له وعليه أجرة مثل الأرض لربها وهي المخابرة وإن كان البذر من رب الأرض فهو له وعليه أجرة مثل العامل وإن كان منهما فالزرع بينهما ويتراجعان بالفاضل.
فرع: يشترط معرفة جنس البذور ولو تعدد وقدره فلو دفعه إلى صاحب أرض ليزرعه فيها وما يخرج يكون بينهما فهو فاسد لأن البذر ليس من رب الأرض ولا من العامل فالزرع لمالك البذر وعليه أجرة الأرض والعمل وقيل: يصح مأخوذ من مسألة الاشتراك.
"وحكم المزارعة حكم المساقاة فيما ذكرنا" أي: من الجواز واللزوم وأنها لا(4/320)
والحصاد على العامل نص عليه وكذلك الجداد وعنه: أن الجداد عليهما وإن قال أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي وتسقيها بمائك والزرع بيننا فهل تصح؟ على روايتين.
ـــــــ
تجوز إلا بجزء مشاع معلوم للعامل وما يلزمه ورب الأرض وغير ذلك من أحكامها لأنها معاملة على الأرض ببعض نمائها.
"والحصاد على العامل نص عليه" لقصة خيبر ولأنه من العمل الذي لا يستغنى عنه وقيل: عليهما للاشتراك فيه وفي الموجز فيه وفي دياس وبذره وحفظه ببيدره روايتا جداد واللقاط كالحصاد ويكرهان ليلا نص عليه.
"وكذلك الجداد" أي: على العامل لأنه من العمل فكان عليه كالتشميس "وعنه: أن الجداد عليهما" وهو الأصح بصحتهما لأنه يوجد بعد تكامل النماء أشبه نقله إلى منزله ونصر في المغني والشرح الأول ونقض دليل الثانية: بالتشميس وفارق النقل إلى المنزل فإنه يكون بعد القسمة وزوال العقد أشبه المخزن.
"وإن قال أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي وتسقيها بمائك والزرع بيننا فهل تصح؟ على روايتين" كذا في الفروع إحداهما لا تصح اختارها القاضي وصححها في المغني والشرح لأن موضوع المزارعة على أن يكون من أحدهما الأرض ومن الآخر العمل وصاحب الماء ليس منه أرض ولا عمل ولا بذر ولأن الماء لا يباع ولا يستأجر فكيف تصح المزارعة به والثانية: بلى نقلها يعقوب وحرب واختارها أبو بكر لأن الماء من جملة ما يحتاج إليه الزرع فجاز جعله من أحدهما كالأرض والعمل ولأنه لما جاز إيجار الأرض ببعض ما يخرج منها وهو مجهول جاز أن يجعل عوض الماء كذلك ورد بالمنع في العلة الأخيرة وبتقدير التسليم فما المانع؟
فرع: آجر أرضه للزرع فزرعها فلم تنبت ثم نبت في سنة أخرى فهو للمستأجر وعليه أجرة الأرض مدة احتسابها.(4/321)
وإن زارع شريكه في نصيبه صح.
ـــــــ
"وإن زارع شريكه في نصيبه صح" في الأصح لأنه بمنزلة شراء الشريك نصيب شريكه وشرطه أن يجعل له في الزرع أكثر من نصيبه مثل أن تكون الأرض بينهما نصفين فيجعل للعامل الثلثين فيصير السدس حصته في المزارعة فصار كأنه قال زارعتك على نصيبي بالثلث فصح كالأجنبي والثاني: لا تصح لأن النصف للمزارع ولا يصح أن يزارع الإنسان لنفسه فإذا فسد في نصيبه فسد في الجميع كما لو جمع في البيع بين ما يجوز وما لا يجوز.
مسائل
الأولى: اشترك ثلاثة من أحدهم البذر ومن الآخر الأرض ومن الثالث: العمل على أن ما فتح الله تعالى بينهم فهو فاسد نص عليه وقاله جماهير العلماء لأن موضوع المزارعة أن البذر من رب الأرض أو العامل وليست شركة ولا إجارة فعلى هذا الزرع لصاحب البذر وعليه لصاحبيه أجرة مثلها وفي الصحة تخريج وذكره الشيخ تقي الدين رواية واختاره وفي مختصر ابن رزين أنه الأظهر فإن كان البقر من رابع فحديث مجاهدوضعفه أحمد لأنه جعل فيه الزرع لرب البذر والنبي صلى الله عليه وسلم جعله لرب الأرض.
الثانية: اشترك ثلاثة في أرض لهم على أن يزرعوها ببذرهم ودوابهم وأعوانهم على أن ما خرج منها بينهم على قدر ما لهم جاز بغير خلاف نعلمه.
الثالثة: ما سقط من حب وقت حصاد فنبت عاما آخر فلرب الأرض نص عليه وفي المبهج وجه لهما وفي الرعاية لرب الأرض مالكا أو مستأجرا أو مستعيرا وقيل: له حكم كغيره وقيل: غصب وكذا نص فيمن باع قصيلا فحصد وبقي يسير فصار سنبلا فلرب الأرض.
الرابعة: لا خلاف في إباحة ما يتركه الحصاد وكذا اللقاط وفي الرعاية:(4/322)
__________
يحرم منعه نقل المروذي إنما هو بمنزلة المباح ونقل عنه لا ينبغي أن يدخل مزرعة أحد إلا بإذنه وقال لم ير بأسا بدخوله يأخذ كلا وشوكا لإباحته ظاهرا وعرفا وعادة.
* * *
انتهى بحمد الله تعالى المجلد الرابع
ويليه بعون الله تعالى المجلد الخامس(4/323)
المجلد الخامس
تابع لكتاب الشركة
باب الإجارة
...
باب الإجارة
وهي عقد على المنافع
__________
باب الإجارة
هي مشتقة من الأجر وهو العوض ومنه سمي الثواب أجرا لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته أو صبره على معصيته وهي ثابتة بالإجماع ولا عبرة بمخالفة عبدالرحمن الأصم وسنده قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: من الآية6] و {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] القصص الآية و {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف: من الآية77].
وعن عائشة في حديث الهجرة قالت واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية رواه البخاري. وعن عتبة بن الندر قال "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ {طسم} حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال: "إن موسى آجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه و طعام بطنه" رواه ابن ماجه من رواية مسلمة بن علي وقد ضعفه جماعة.
والحاجة داعية إليها إذ كل أحد لا يقدر على عقار يسكنه ولا على حيوان يركبه ولا على صنعة يعملها وهم لا يبذلون ذلك مجانا فجوزت طلبا لتحصيل الرزق وحدها في الوجيز بأنها عوض معلوم في منفقعة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو في عمل معلوم ويرد عليه دخول الممر وعلو بيت ونحوه والمنافع المحرمة وما فتح عنوة ولم يقسم فيما فعله عمر رضي الله عنه.
"وهي عقد على المنافع" في قول أكثر العلماء وذكر بعض أن المعقود عليه العين لأنها الموجودة والعقد يضاف إليها فتقول أجرتك داري ورد بأن المعقود عليه هو المستوفى بالعقد ذلك هو المنافع دون الأعيان إذ الأجر في مقابلة المنفعة بدليل أنه يضمن دون العين وإضافة العقد إلى العين لأنها(5/3)
تنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما وفي لفظ البيع وجهان ولا تصح إلا بشروط ثلاثة أحدهما معرفة المنفعة إما بالعرف كسكنى الدار شهرا
__________
محل المنفعة كما يضاف عقد المساقاة إلى البستان والمعقود عليه الثمرة فتؤخذ المنافع شيئا فشيئا وانتفاعه تابع له وقد قيل هي خلاف القياس والأصح لا لأن من لا يخصص العلة لا يتصور عنده مخالفة قياس صحيح ومن خصصها فإنما يكون الشيء خلاف القياس إذا كان المعنى المقتضى للحكم موجودا فيه وتخلف الحكم عنه وفي البلغة لها خمسة أركان الصيغة والأجرة والمتعاقدان والمنفعة.
"تنعقد بلفظ الإجارة والكراء" لأنهما موضوعان لها "وما في معناهما" لحصول المقصود به إن أضافه إلى العين فإن أضافه إلى المنفعة بأن قال أجرتك منفعة داري شهرا صح في الأصح "وفي لفظ البيع وجهان" كذا في الفروع به لأنها بيع فانعقدت بلفظه كالصرف والثاني لا لأن فيها معنى خاصة فافتقرت إلى لفظ يدل على ذلك المعنى ولأنها تضاف إلى العين التي يضاف إليها البيع إضافة واحدة فافتقرت إلى لفظ يفرق بينهما كالعقود المتباينة وبناه الشيخ تقي الدين على أن هذه المعاوضة نوع من البيع أو شبيه به وفي التلخيص مضافا إلى النفع كبعتك نفع هذه الدار شهرا وإلا لم يصح نحو بعتكها شهرا ولاتنعقد إلا من جائز التصرف كالبيع.
"ولا تصح إلا بشروط ثلاثة أحدها معرفة المنفعة" أنها هي العقود عليها فاشترط العلم بها كالبيع "إما بالعرف" أي ما يتعارفه الناس بينهم "كسكنى الدار شهرا" لأنها لاتكرى إلا لذلك فلا يعمل فيها حدادة ولا قصارة ولا دابة والأشهر ولا مخزنا للطعام ويستحق ماء البئر تبعا للدار في الأصح قيل لأحمد يجيىء زوار عليه أن يخبر صاحب البيت بهم قال ربما كثروا ورأى أن يخبر وله إسكان ضيف وزائر وفي الرعاية يجب ذكر السكنى وصفتها وعدد من يسكنها وصفتهم إن إختلفت الأجرة ورد بأن التفاوت في(5/4)
وخدمة العبد سنة وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته
__________
السكنى يسير فلم يحتج إلى ضبطه.
"وخدمة العبد" ولو عبر بالآدمي لعم "سنة" لأنها معلومة بالعرف فلم يحتج إلى بيانها كالسكنى وفي النوادر والرعاية يخدم ليلا ونهارا فإن استأجره للعمل استحقه ليلا قال أحمد أجير المشاهرة يشهد الأعياد والجمع قيل له فيتطوع بالركعتين قال ما لم يضر بصاحبه لأن الصلاة مستثناة من الخدمة فإن استأجر حرة أو أمة للخدمة صرف وجهه عن النظر وعلم منه إباحة إجارة العقار والحيوان حكاه ابن المنذر إجماعا.
"وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين" أي لا بد من ذكر الوزن والمكان الذي تحمل إليه لأن المنفعة إنما تعرف بذلك فيشترط ذلك في كل محمول فلو كان كتابا فوجد المحمول إليه غائبا فله الأجر لذهابه ورده وفي الرعاية وهو ظاهر الترغيب إن وجده ميتا فالمسمى فقط ويرده.
"وبناء حائط يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته" لأن المعرفة لا تحصل إلا بذلك والغرض يختلف فلم يكن بد من ذكره فيذكر آلة البناء من حجارة أو آجر أو لبن فلو عمله ثم سقط فله أجره لأنه وفي بعمله وإن فرط أو بناه محلولا فسقط لزمه إعادته وغرامة ما تلف منه وإن شارطه على رفعه أذرعا معلومة فرفع بعضه ثم سقط فعليه ما سقط وإتمام ما وقعت عليه الإجارة من الذرع.
فرع: يجوز الإستئجار لضرب اللبن ويكون على مدة وعمل فإن قدره بالعمل احتاج إلى تعيين عدده وذكر قالبه وموضع الضرب لأنه يختلف باعتبار التراب والماء ولا يكتفي بمشاهدة القالب إذا لم يكن معروفا كالسلم ولا يلزمه إقامته ليجف وقيل بلى إن كان قد عرف مكانه(5/5)
وإجارة أرض معينة لغرس كذا أو زرع أو بناء معلوم وإن استأجر للركوب وذكر المركوب فرسا أو بعيرا ونحوه وإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره
__________
"وإجارة أرض معينة" أي معلومة "لغرس كذا أو زرع أو بناء معلوم" لأنها تؤجر لذلك كله وضرره يختلف فوجب بيانه ويأتي الخلاف فيما إذا أطلق.
"وإن استأجر للركوب ذكر المركوب فرسا أو بعيرا ونحوه" لأن منافعها تختلف ويشترط معرفته برؤية أو صفة كمبيع وما يركب به من سرج وغيره وكيفية سيره كقطوف ونحوه وقدم في الترغيب لا يشترط وظاهره أنه لا يحتاج إلى ذكوريته وأنوثيته في الأصح لأن التفاوت بينهما يسير ولا بد من معرفة الراكب كمبيع وقال الشريف لا يجزىء فيه إلا الرؤية لأن الصفة لا تأتي عليه ومعرفة المحامل والأوطئة والأغطية ونحوها إما برؤية أو صفة أو وزن وقيل لا يجب ذكر توابع الراكب فلو شرط حمل زاد معلوم وأطلق فله حمل ما نقص كالماء وقيل لا بأكل معتاد وفي وجوب تقدير الطعام في السفر احتمالان.
"وإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره" لأن الغرض في ذلك لا يختلف لكن إن كان المحمول خزفا أو زجاجا تعين معرفة الدابة في الأصح لأن فيه غرضا وقيل يعتبر مطلقا ويتوجه مثله ما يدير دولابا أو رحى واعتبره في التبصرة ويشترط معرفة محمول برؤية أو صفة ويذكر جنسه من حديد وقطن لأن ضرره يختلف واكتفى ابن عقيل وصاحب الترغيب بالوزن(5/6)
فصل
الثاني معرفة الأجرة بما تحصل به معرفة الثمن إلا أنه يصح أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته وكذلك الظئر
__________
فصل
"الثاني معرفة الأجرة بما تحصل به معرفة الثمن" بغير خلاف نعلمه لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره" رواه أحمد ويعتبر العلم بها مضبوطا بالكيل أو الوزن لأنها أحد العوضين فاشترط معرفتها كالعوض في البيع فإن كان معلوما بالمشاهدة كصبرة نقد أو طعام فوجهان فإن كان في الذمة فكالثمن وإن كان معينا فكالمبيع فلو آجر الدار بعمارتها لم تصح للجهالة ولو آجرها بمعين على أن ما يحتاج إليه بنفقة المستأجر محتسبا به من الأجرة صح لأن الاصطلاح على المالك وقد وكله فيه ولو شرط أن يكون عليه خارجا عن الأجرة لم يصح.
"إلا أنه يصح أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته" روي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى لما تقدم من قوله عليه السلام: "رحم الله أخي موسى". الخبر وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه ولأن العادة جارية به من غيرنكير فكان كالإجماع ولأنه مقيس على الظئر المنصوص عليه فقام العوض فيه مكان التسمية كنفقة الزوجية وعنه لا يجوز اختاره القاضي لأنه مجهول وإنما جاز في الظئر للنص وعلى الأول يكون الإطعام والكسوة عند التنازع كالزوجية نص عليه وعنه كمسكين في الكفارة قال في الشرح لأن للكسوة عرفا وهي كسوة الزوجات وللإطعام عرفا وهو الإطعام في الكفارت وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله لأن الإطلاق يجزىء فيه أقل ما يتناوله اللفظ كالوصية وليس له أن يطعمه إلا ما يوافقه من الأغذية فإن احتاج إلى دواء لمرضه لم يلزم المستأجر لعدم شرطه وعنه يصح في دابة بعلفها.
"وكذلك الظئر" إجماعا لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}(5/7)
ويستحب أن تعطى عند الفطام عبدا أو وليدة إذا كان المسترضع موسرا وإن دفع ثوبه إلى خياط أو قصار ليعملاه ولهما
__________
[الطلاق: من الآية6] واسترضع النبي صلى الله عليه وسلم لولده إبراهيم ولان الحاجة تدعو إليه لأن الطفل في العادة لا يعيش إلا بالرضاع فإن جعل الأجرة طعامها وكسوتها جاز على المذهب لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من الآية233] وعنه المنع منه لانه يختلف فيكون مجهولا فعلى الصحة لو استأجر للرضاع دون الحضانة أو بالعكس اتبع فإن اطلق للرضاع دخلت الحضانة في وجه للعرف والثاني لا لأن العقد لم يتناولها إذ الحضانة عبارة عن تربية الطفل وحفظه وجعله في سريره ودهنه وكحله وغسل خرقه ونحوه ويشترط لصحة العقد العلم بمدة الرضاع ومعرفة الطفل بالمشاهدة قال القاضي أو بالصفة وموضع الرضاع ومعرفة العوض والمعقود عليه في الرضاع وخدمة الطفل وحمله ووضع الثدي في فيه واللبن تبع كالصبغ وقيل اللبن قال القاضي هو أشبه لأنه المقصود ولهذا يستحق الأجر بالرضاع دون الخدمة وهذا خاص بالآدميين للضرورة إلى حفظه وبقائه.
مسألة: للمرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر لبنها ويصلح به وللمكتري مطالبتها بذلك فلو سقته لبن غنم أو دفعته إلى غيرها فلاأجرة لها لأنها لم تفي بالمعقود عليه.
"ويستحب أن تعطى" إذا كانت حرة "عند الفطام عبدا أو وليدة إذا كان المسترضع موسرا" لما روى أبو داود بإسناده عن حجاج بن حجاج الأسلمي عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله ما يذهب عني مذمة الرضاع قال: "الغرة العبد أو الأمة " المذمة بكسر الذال من الذمام وبفتحها من الذم ولأن ذلك سبب حياة الولد وبقائه فاستحب للموسر جعل الجزاء رقبة لتناسب ما بين النعمة والشكر وأوجبه أبوبكر لما ذكرناه فإن كانت المرضعة أمة سن إعتاقها لأنه تحصل به المجازاة.
"وإن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط ليعملاه" أي بالقصر أو الخياطة ولهما(5/8)
عادة بأجره صح ولهما ذلك وإن لم يعقد عقد إجارة وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح وتجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج إمرأة وتجوز إجارة الحلي باجرة من جنسه وقيل لا يصح
__________
عادة بأجرة صح ولهما ذلك" أي أجرة المثل "وإن لم يعقدا عقد إجارة" لأن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول فصار كنقد البلد وقيل يستحق الأجرة من عرف بأخذها وهذا إذا كان منتصبين لذلك وإلا لم يستحقا أجرا إلا بعقد أو بشرط العوض أو تعريض لأنه لم يجد عرف يقوم مقام العقد فهو كما لو عمل بغير إذن مالكه وكذا لو دفع متاعه ليبيعه نص عليه أو استعمل حمالا أو شاهدا أو نحوه فله أجرة مثله ولو لم يكن له عادة بأخذ الأجرة.
"وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح" أي يستحقان أجرة المثل بدون عقد لأن شاهد الحال يقتضيه فصار كالتعريض وكذا لو حلق رأسه أو غسله أو شرب منه ماء قاله في الرعاية وما يعطاه الحمامي فهو أجرة المكان والسطل والمئزر ويدخل الماءتبعا وليس عليه ضمان الثياب إلا أن يستحفظه إياها بالقول صريحا ذكره في التلخيص "وتجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج امرأة" لقصة شعيب عليه السلام لأنه جعل النكاح عوض الأجرة ولأن كل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون عوضا في الإجارة فكما جاز أن يكون العوض عينا جاز أن يكون منفعة سواء كان الجنس واحدا كالأول أو مختلفا كالثاني ومنعها أبو حنيفة في المتفق دون المختلف كسكنى دار بمنفعة بهيمة لأن الجنس الواحد عنده يحرم فيه النساء.
وجوابه: بأن المنافع في الإجارة ليست في تقدير النسيئة ولو كانت نسيئة ما جاز في جنسين لأنه يكون بين دين بدين قاله في المغني والشرح.
"وتجوز إجارة الحلي" للبس والعارية نص عليه وقاله أكثر العلماء "بأجرة من جنسه" لأن الحلي عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقائها فجاز كالأراضي "وقيل لا يصح" لأنها تحتك بالاستعمال فيذهب منه أجزاء وإن كانت يسيرة فيحصل الأجر في مقابلتها ومقابلة الانتفاع بها يفضي إلى بيع ذهب بذهب وشيء(5/9)
وإن قال إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح على روايتين
__________
آخر وعنه الوقف.
قال القاضي هذا محمول على إجارته بأجرة من جنسه فأما بغير جنسه فلا بأس لتصريحه بجوازه وما ذكره أولا هو الأولى لأنه لو قدر نقصها فهو شيء يسير لا يقابل بعوض ولا يكاد يظهر في وزن ولو ظهر فالأجرة في مقابة الانتفاع لا في مقابلة الأجر لأن الأجر إنما هو عوض المنفعة ولو كان في مقابلة الجزء الذاهب لما جاز إجارة أحد النقدين وصله لإفضائه إلى التفرق قبل القبض.
تنبيه: علم مما سبق أنه لو استأجر من يسلخ له بهيمة بجلدها لم يجز لأنه لا يعلم هل يعلم يخرج سليما أولا وهل هو ثخين أو رقيق ولأنه لا يجوز أن يكون عوضا في البيع فكذا هنا فلو سلخها بذلك فله أجر المثل وكذا لو استأجر راعيا بثلث درهما ونسلها وصوفها أو جميعه نص عليه في رواية سعيد بن محمد النسائي إذ العوض معدوم مجهول لا يدري هل يوجد أم لا ولا يصلح ثمنا لا يقال قد جوزتم دفع الدابة إلى من يعمل عليها بجزء من مغلها لأنه جاز تشبيها بالمضاربة لأنها عين تنمي بالعمل فجاز بخلافه هنا مع أن المجد حكى رواية بالجواز وحينئذ فلا فرق وقياس ذلك لو دفع نحله إلى من يقوم عليه بجزء من عسله أو شمعه والمذهب لا يصح لحصول نمائه بغير عمله واختار الشيخ تقي الدين الجواز فلو اكتراه على رعيها مدة معلومة بجزء معلوم منها صح لأن العمل والمدة والأجر معلوم أشبه ما لو جعله دراهم.
"وإن قال إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح على روايتين" أصحهما لا يصح لأنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلم يصح كما لو قال بعتك بدينار نقدا بدينارين نسيئة فعلى هذا له أجر المثل إن فعل والثانية يصح قاله(5/10)
وإن قال إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم فعلى وجهين وإن اكراه دابة فقال إن رددتها اليوم فكراؤها خمسة وإن رددتها غدا فكراؤها عشرة فقال أحمد لا بأس به وقال القاضي يصح في اليوم الأول دون الثاني وإن إكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم فقال أحمد هو جائز وقال القاضي يصح في العشرة وحدها
__________
الحارث العكلي لأنه سمى لكل عمل عوضا معلوما كما لو قال كل دلو بتمرة وكذا الخلاف إن زرعها برا فبخمسه وذرة بعشرة.
"وإن قال إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم فعلى وجهين" بناء على التي قبلها والأصح أنه لا يصح لأنه عقد معاوضةلم يتعين فيه العوض ولا المعوض بخلاف كل دلو بتمرة من حيث إن العمل الثاني ينضم إلى الأول ولكل عوض مقدر وعنه فيمن استأجر رجلا يحمل له كتابا إلى الكوفة وقال إن أوصلته يوم كذا فلك عشرون وإن تأخرت بعده فلك عشرة أنها فاسدة وله أجر المثل.
"وإن أكراه دابة فقال إن رددتها اليوم فكراؤها خمسة وإن رددتها غدا فكراؤها عشرة فقال أحمد لا بأس به" نقله عبد الله وجزم به في الوجيز لأنه لا يؤدي إلى التنازع "وقال القاضي يصح في اليوم الأول" لأنه معلوم "دون الثاني" قال في الشرح والظاهر عن أحمد فساد العقد على قياس بيعتين في بيعة ثم قال وقياس حديث علي والأنصاري صحته "وإن أكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم فقال أحمد" في رواية أبي الحارث "هو جائز" لأن لكل عمل عوضا معلوما فهو كما لو استقى كل دلو بتمرة ونقل عبد الله وابن منصور نحوه.
"وقال القاضي يصح في العشرة وحدها" لأن المؤجر الذي تقابله العشرة معلوم دون ما بعده لأن مدته غير معلومة فلم تصح كما لو قال:(5/11)
ونص أحمد رحمه الله على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته وإن سمى لكل يوم شيئا معلوما فجائز وإن أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة فالمنصوص أنه يصح وكلما دخل شهر لزمهما حكم الإجارة
__________
استأجرتك لتحمل هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم وما زاد فلك بحسابه وجوابه بأنه لا نص للإمام فيها وقياس قوله صحتها ولو سلم فسادها فالقفزان الذي شرط حملها غير معلومة وهي مختلفة فلم يصح العقد لجهالتها بخلاف الأيام فإنها معلومة.
"ونص أحمد على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته"وهو قول اكثر العلماء لأن المدة والعمل مجهولان فلم يجز كما لو استأجر لمدة سفره في تجارته لاختلافها طولا وقصرا فإن فعل فله أجر المثل "إن سمى لكل يوم شيئا معلوما فجائز" أن علي بن أبي طالب آجر نفسه كل دلو بتمرة ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الأجر ولكل واحد منهما الفسخ ثم تقضي كل شهر وكل يوم معلومان فصح كما لو آجر شهرا كل يوم كذا وحينئذ فلا بد من تعيين ما يستأجر له من ركوب وحمل معلوم ويستحق الأجر المسمى سواء أقامت أو سارت لأن المنافع ذهبت في مدته كما لو استأجر دارا وأغلقها وعنه لا يصح لأن المدة مجهولة "ن أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة فالمنصوص أنه يصح" اختاره الخرقي والقاضي وعامة أصحابه والشيخان لما روي عن علي قال "جعت مرة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننت أنها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب بتمرة فمدرت ستة عشر ذنوبا فعدت لي ستة عشر تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرته فأكل معي منها" رواه أحمد ومثله إذا باعه الصبرة كل قفيز بدرهم فالعلم بالثمن يتبع العلم بالمثمن فهنا كذلك العلم بالأجر يتبع العلم بالمنفعة.
فعلى هذا تلزم الإجارة في الشهر الأول بإطلاق العقد قاله في المغني والشرح وما بعده يكون مراعى ونبه عليه بقوله وكلما دخل شهرا لزمهما حكم الإجارة وقاله أكثر الأصحاب لأن دخوله بمنزلة إيقاع العقد(5/12)
ولكل واحد منهما الفسخ عند تقضي كل شهر وقال أبو بكر وابن حامد لا يصح
__________
على عينه ابتداء "لكل واحد منهما الفسخ" أن يقول فسخت الإجارة في الشهر الآخر وليس بفسخ على الحقيقة لأن العقد الثاني لم يثبت قاله في الشرح.
"عند تقضي كل شهر" لأن اللزوم إنما كان لأجل الدخول المنزل منزلة إيقاع العقد ابتداء ولم يوجد بعد ومقتضاه أنه بمجرد دخول الشهر الآخر يلزم ولم يملكا الفسخ قال ابن الزاغوني يلزم بقية الشهور إذا شرع في أول الجزء من ذلك الشهر وقال القاضي له الفسخ في جميع اليوم الأول من الشهر الثاني وبه قطع المجد وأورده ابن حمدان مذهبا وهو أظهر وفي المغني والشرح إذا ترك التلبس به فهو كالفسخ لاتلزمه أجرة لعدم العقد.
"وقال أبو بكر وابن حامد" وابن عقيل حكاه عنه في الشرح "لايصح" العقد وهو رواية لأن المدة مجهولة وحملا كلام أحمد على أنه وقع على معينة وليس بظاهر أما لو قال آجرتك داري عشرين شهرا كل شهر بدرهم فهو جائز بغير خلاف نعلمه لأن المدة والأجر معلومان وليس لواحد منهما الفسخ لأنها مدة واحدة أشبه ما لو قال أجرتك عشرين شهرا بعشرين درهما.
فرع: إذا قال آجرتك شهرا بدرهم و ما زاد فبحسابه صح في الشهر الأول ويحتمل أن يصح في كل شهر تلبس به فلو قال أجرتك هذا الشهر بدرهم وكل شهر بعد ذلك بدرهم صح في الأول وفيما بعده وجهان(5/13)
فصل
الثالث أن تكون المنفعة مباحة مقصودة فلا تجوز الإجارة على الزنى والزمر والغناء ولا إجارة الدار لتجعل كنيسة أو بيت نار أو لبيع الخمر ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة والخمر
__________
فصل
"الثالث أن تكون المنفعة مباحة" لغير ضرورة مقدور عليه قاله في المحرر والفروع كإجارة دار يجعلها مسجدا وشجر لنشر ثيابه وقعوده بظله مقصودة فلا يجوز استئجار شمع ليتجمل به ويرده وطعام ليتجمل به على مائدته ثم يرده ولا ثوب يوضع على سرير الميت ذكره في المغني والشرح ولأن ما لا يقصد لا يقابل بالعوض ويعتبر فيها أن تكون متقومة فلو استأجر تفاحة للشم لم يصح ومملوكة للمستأجر فلو اكترى دابة لركوب المؤجر فلا ذكره القاضي وأصحابه.
"فلا تجوز الإجارة على الزنى والزمر والغناء" لأن المنفعة المحرمة مطلوب عدمها وصحة الإجارة تنافيها إذ المنفعة المحرمة لا تقابل بالعوض في البيع فكذا في الإجارة أشبه إجارة أمته للزنى وحكاه ابن المنذر إجماعا في المغنية والنائحة.
"ولا إجارة الدار لتجعل كنيسة أو بيت نار" مع ظن الفعل سواء شرط ذلك في العقد أولا والمراد بها النار التي يعبدها المجوس أو من يعبدها "أو لبيع الخمر" ولأنه فعل محرم فلم تجز الإجارة عليه كإجارة عبده للفجور ولما فيه من الإعانة على المعصية.
"ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة" أي للأكل ويستثنى منه المضطر قاله في الرعاية وغيرها "والخمر" أي للشرب لأنه عليه السلام لعن حاملها والمحمولة إليه ويصح لإلقائها وإراقتها وفي الفروع إن طرحها كأكلها(5/14)
وعنه يصح ويكره أكل أجرته
فصل
والإجارة على ضربين أحدهما إجارة عين فيجوز إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها فيجوز له استئجار حائط ليضع عليه اطراف خشبه وحيوان ليصيد به إلا الكلب واستئجار كتاب ليقرأ فيه
__________
"وعنه يصح" لأنه لا يتعين عليه "ويكره أكل أجرته" لاختلاف العلماء في حرمته وعنه فيمن حمل خنزيرا لذمية أو خمرا لنصراني أكره أكل أجرته ويقضى للحمال بالكراء فإن كان لمسلم فهو أشد قال القاضي هذا محمول على أنه استاجره ليريقها فأما للشرب فمحظور لا يحل أخذ الأجر عليه وبعد في المغني هذا التأويل وفي الرعاية هل يأكل الأجر أو يتصدق به فيه وجهان
فصل
"والإجارة على ضربين أحدهما إجارة عين فيجوز إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها" كالأرض والدور والبهائم والثياب ونحوها "فيجوز له ليضع عليه أطراف خشبه" أي إذا كان الخشب معلوما لأنه منفعة مباحة مقصودة مقدور على تسليمها واستيفائها فجازت كالسطح للنوم عليه "وحيوان ليصيد به" كالفهد والبازي في مدة معلومة لأن فيه نفعا مباحا تجوز إعارته له فكذا إجارته وفي التبصرة أنه يصح إجارتها للصيد مع أنه ذكر في بيعها الخلاف وعلم منه أن سباع البهائم والطير التي لا يصلح للصيد لا تجوز إجارتها لعدم النفع فيها.
"إلا الكلب" فإنه لا يجوز كالخنزير لعدم جواز البيع وقيل يجوز لصيد وحراسة لوجود النفع المباح "واستئجار كتاب" فيه علم مباح "ليقرأ فيه" لأنه(5/15)
إلا المصحف في أحد الوجهين واستئجار النقد للتحلي والوزن لاغير فإن أطلق الإجارة لم تصح في أحد الوجهين وتصح في الآخر وينتفع بها في ذلك ويجوز استئجار ولده لخدمته
__________
نفع مقصود يحتاج إليه وكذا النسخ والرواية منه ولو عبر بالانتفاع لعم وتجوز إجارة كتاب فيه خط حسن ينقل منه ويكتب عليه على قياس ذلك قاله في الشرح "إلا المصحف في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز لأنه لا يصح بيعه إجلالا لكتاب الله تعالى وكلامه عن المعاوضة به فلم تجز إجارته والثاني بلى لأنه انتفاع مباح كالإعارة وسائر الكتب ولا يلزم من عدم البيع عدم جواز الإجارة كالحر والوقف وأم الولد.
فرع يصح نسخ المصحف بأجرة نص عليه فإنه نسخه ذمي ولم يحمله فوجهان.
"واستئجار النقد للتحلي" أي لتحلية امرأة "والوزن" لأنه أمكن الإنتفاع بها مع بقاء عينها وذكر جماعة فيه بأجرة من جنسه "لاغير" من الاتفاق ونحوه لما فيه من إذهاب عينها وبقاؤها شرط.
"فإن أطلق الإجارة لم تصح في أحد الوجهين" قاله القاضي وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعاية الكبرى لأن الإجارة تقتضي الإنتفاع وهو في النقدين إنما هو بأعيانهما وحينئذ يصير قرضا لأنه إذا أطلق الانتفاع حمل على المعتاد.
"وتصح في الآخر" قاله أبو الخطاب وصححه في المغني لأن العقد متى أمكن حمله على الصحة كان أولى من إفساده.
"وينتفع بها في ذلك" أي في الوزن والتحلي لأنهما هما اللذان حمل العقد عليهما أشبه استئجار الدار مطلقا فإنه يصح ويحمل على السكنى ووضع المتاع فيها.
"ويجوز استئجار ولده لخدمته" كالأجنبي وسائر الأقارب غيرالأب وله(5/16)
وامرأة لرضاع ولده وحضانته ولا تصح إلا بشروط خمسة أحدها أن يعقد على نفع العين دون اجزائها فلا تصح إجازة الطعام للأكل ولا الشمع لشعله ولا حيوان ليأخذ لبنه
__________
استئجار مسلم لعمل مباح وعنه غيرخدمة وقيل إن استأجره لعمل مباح في ذمته صح والإفلا ويجوز استئجار ذمي لبناء مسجد ونحوه "وامرأة لرضاع ولده وحضانته" لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: من الآية6] الآية وقوله عليه السلام " لا ترضع لكم الحمقاء" يدل بمفهومه على جواز استرضاع غيرها ولأن كل عقد يصح مع غير الزوج فيصح معه كالبيع ولا فرق بين أن تكون في حبال الزوج أو مطلقة في الأصح وقال القاضي لا يجوز وحمل كلام الخرقي على أنها في حبال زوج آخر ورد بأنها لو كانت في حبال زوج آخر لسقط حقها من الحضانة ثم ليس لها أن ترضع إلا بإذن زوجها وبقية الأقارب كالأم في الجواز بغير خلاف نعلمه.
"ولاتصح إلا بشروط خمسة أحدها أن يعقد على نفع العين دون أجزائها" لأن الإجارة هي بيع المنافع فلا تدخل الأجزاء فيها "فلا تصح إجارة الطعام للأكل ولا الشمع لشعله" لأن هذا لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه فلم يجز كما لو استأجر دينارا لينفقه فلو اكترى شمعة ليسرجها ويرد بقيتها وثمن ما ذهب وأجر الباقي فهو فاسد لأنه يشمل بيعا وإجارة وما وقع عليه عقد البيع مجهول وحيث جهل جهل الآخران.
"ولا حيوان ليأخذ لبنه" كالإبل ونحوها وأخذ الصوف والشعر والوبر كاللبن وجوز الشيخ تقي الدين إجارة الحيوان لأخذ لبنه فإن قام عليها المستأجر وعلفها فكاستئجار الشجر وإن علفها ربها وأخذ المشتري اللبن فبيع وليس هذا بغرر فإنه كمنيحة الشاة وهو عاريتها للإنتفاع بلبنها كما يعيره الدابة لركوبها لأن هذا يحدث شيئا فشيئا فهو بالمنافع أشبه فإلحاقه بها أولى(5/17)
إلا في الظئر ونقع البئر فإنه يدخل تبعا الثاني معرفة العين برؤية
__________
"إلا في الظئر" فإنه يجوز وقد تقدم "ونقع البئر" أي ماؤها المستنقع فيها قاله ابن فارس وعبر في المبهج وغيره وماء بئر "فإنه يدخل تبعا" هو عائد إلى الأجير لافراده الضمير ولا يصح عوده إلى الظئر لأن المعقود عليه إن كان الخدمة فلا يصح استثناؤها مما ذكر لأنها ليست من جنس المستثنى منه لأن خدمة المرضعة تقع مع بقاء العين وإن كان اللبن فلا يصح قوله يدخل تبعا لأنه معقود عليه فهو أصل لا تبع بخلاف نقع البئر فإن هواء البئر وعمقه فيه نوع انتفاع لمرور الدلو فيه وفي التبصرة يعود ذلك إليهما انتهى.
وكذا حبر ناسخ وخيوط خياط وكحل كحال ومرهم طبيب ومنعه في المغني قال ابن عقيل يجوز استئجار البئر ليسقى منه أياما معلوما وفي الفصول أنه لا يستحق بالإجارة لأنه إنما يملك بحيازته.
تنبيه: ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز إجارة الفحل للضراب لنهيه عليه السلام عن عسب الفحل متفق عليه ولأن المقصود الماء وهو محرم لا قيمة له فلم يجز أخذ العوض عنه كالميتة وصرح أبو الخطاب وجها بجوازه بناء على إجارة الظئر والبئرلأن الحاجة تدعو إليه فينبغي أن يوقع العقد على العمل ويقدره بمرة أو مرتين وقيل يقدر بالمدة وهو بعيد إلا أن يكتري فحلا لإطراق ماشية كثيرة والمذهب الأول.
فإن احتاج إليه ولم يجد من يطرقه له جاز أن يبذل الكراء وليس للمطرق أخذه فإن أطرق إنسان فحله بغير شرط فأهديت له هدية لذلك فلا بأس قاله في المغني والشرح ونقل ابن القاسم لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى شيئا للحجام فحمله القاضي على ظاهره وأنه مقتضى النظر وحمله في المغني على الورع وهو ظاهر قال الشيخ تقي الدين فلو أنزاه على فرسه فنقص ضمن نقصه.
"الثاني معرفة العين" المؤجر "برؤية" إن كانت لا تنضبط بالصفات كالدار(5/18)
أو صفة في أحد الوجهين وتصح في الآخر بدونه وللمستأجر خيار الرؤية.
الثالث القدرة على التسليم فلا تصح إجازة الآبق والشارد ولا الطير في الهواء و المغصوب ممن لا يقدر على أخذه ولا يجوز إجارة المشاع مفردا لغير شريكه وعنه ما يدل على جوازه
__________
والحمام "أو صفة" إن كانت تنضبط بها كالبيع "في أحد الوجهين" وهو الأشهر وعليه الأكثر فلو استأجر دارا أو حماما فلا بد من الرؤية كالمبيع لأن الغرض يختلف بالصغر والكبر ومعرفة مائه ومشاهدة الإيوان ومطرح الرماد ومصرف الماء مع أن أحمد كره كراء الحمام لانه يدخله من تنكشف عورته فيه وحمله ابن حامد على التنزيه والعقد صحيح وحكاه ابن المنذر إجماعا حيث حدده وذكر جميع آلته شهورا مسماة.
"وتصح في الآخر بدونه" كالبيع إذا الخلاف هنا مبني على الخلاف في البيع "وللمستأجر خيار للرؤية" لأنه إذا اشترى ما لم يره ولم يوصف له الخيار فكذا هنا.
"الثالث القدرة على التسليم" لأنها بيع المنافع أشبهت بيع الأعيان "فلا تصح إجارة الآبق والشادر ولا الطير في الهواء ولا المغصوب ممن لا يقدر على أخذه" لأنه لا يمكن تسليم المعقود عليه فلا تصح إجارته كبيعه "ولا يجوز إجارة المشاع مفردا لغير شريكه" جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع ونقله في الشرح عن الأصحاب لأنه لا يقدر على تسليمه إلا بتسليم نصيب شريكه ولا ولاية له عليه فلم يصح كالمغصوب.
"وعنه ما يدل على جوازه" اختاره أبو حفص العكبري وأبوالخطاب والحلواني والحافظ ابن عبد الهادي في حواشيه وصاحب الفائق وغيرهم وعليه العمل لأنه معلوم يجوز بيعه فجارت إجارته كالمفرز وكشريكه وكما لو آجره الشريكان معا قال بعض أصحابنا في طريقته(5/19)
الرابع اشتمال العين على المنفعة فلا تجوز إجارة بهيمة زمنة للحمل ولا أرض لا تنبت الزرع.
الخامس كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها فيجوز للمستأجر إجارة العين لمن يقوم مقامه
__________
والصحيح صحة رهنه وإجارته وهبته ولا خلاف في صحة بيعه عند الأربعة وفيه خلاف ذكره ابن حزم وهل إيجار لاثنين وهما الواحد أو تصح فيه وجهان وكذا وصيته بمنفعته فلو كانت الدار لواحد فآجر نصفها صح ثم إن آجر الآخر للأول صح وإن كان لغيره فوجهان.
فرع إذا استأجر ذمي مسلم للخدمة لم يجز نص عليه لأنه حبس يتضمن إذلال المسلم فلم يصح على الأصح بخلاف ما إذا آجر نفسه في عمل معين في الذمة كالخياطة فإنه يجوز بغير خلاف نعلمه.
فائدة:
إذا استأجر ديكا يوقظه للصلاة لم يجز نقله إبراهيم.
"الرابع اشتمال العين على المنفعة فلا تجوز إجارة بهيمة زمنة للحمل ولا أرض" سبخة "لا تنبت الزرع" لأن الإجارة عقد على المنفعة ولا يمكن ويجوز للمؤجر وغيره تسليم هذه المنفعة في هذه العين فلا تصح إجارتها كالآبق قال في الموجز وحمام لحمل الكتب لتعذبه وفيه احتمال قال في التبصرة هو أولى.
"الخامس كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها" لأنها بيع المنافع فاشترط فيه ذلك كالبيع فلو تصرف فيما لا يملكه ولا إذن له فيه لم يجز كبيعه وقيل بلى ويقف على الإجارة كالبيع "فيجوز للمستأجر إجارة العين" أي بعد قبضها نص عليه وجزم به في الوجيز وقاله جمع لأن المنفعة مملوكة له فجاز له إجارتها كبيع المبيع "لمن يقوم مقامه" أي في الانتفاع أو دونه لأن المنفعة لما كانت مملوكة له جاز له أن يستوفيها بنفسه ونائبه ولا يجوز لمن هو أكثر ضررا منه(5/20)
ويجوز للمؤجر وغيره بمثل الأجرة وزيادة.
وعنه لا تجوز بزيادة وعنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا
__________
وذكر القاضي أنه لا يجوز له إجارتها لنهيه عليه السلام عن ربح ما لم يضمن والمنافع لم تدخل في ضمانه لعدم قبضها أشبه بيع المكيل قبل قبضه وجوابه بأن قبض العين قائم مقام قبض المنافع كبيع الثمرة على الشجر فأما إجارتها قبل قبضها من غيرالمؤجر فوجهان: أحدهما يجوز لأن قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه فلم يقف جواز التصرف عليه والثاني المنع لأن المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر في جواز العقد عليها القبض كالأعيان.
"ويجوز للمؤجر" ما لم يكن حيلة كعينة وظاهره أنه يجوز قبل القبض وفي الشرح أنها إذا لم تجز من غير المؤجر فوجهان هنا أحدهما لا يجوز كغيره والثاني بلى لأن القبض لا يتعذر عليه بخلاف الأجنبي وأصلهما بيع الطعام قبل قبضه هل يصح من بائعه؟ على روايتين "وغيره" وقد سبق "بمثل الأجرة" فلا شبهة فيه "وزيادة" نص عليه وهو المذهب لأن كل عقد جاز برأس المال جاز بأكثر كبيع المبيع بعد قبضه.
"وعنه لا تجوز بزيادة" لنهيه عليه السلام عن ربح ما لم يضمن والمنفعة في الإجارة غير مضمونة "وعنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة لأن الربح وقع في مقابلة العمارة وإلا فلا أي وإن لم يجدد فيها عمارة لم تجز الزيادة" فلو فعل تصدق بالزيادة وعنه إن أذن المؤجر فيها جازت وإلا فلا.
مسألة: سئل أحمد عن رجل يتقبل عملا من الأعمال فتقبله بأقل من ذلك يجوز له الفضل قال ما أدري هي
مسألة: فيها بعض الشيء وقال النخعي في الخياط إذا تقبل بأجر معلوم فإن أعان فيها أخذ فضلا وإلا فله.
وحمل قوله في الشرح على مذهبه فيمن إستأجر شيئا لا يؤجره بزيادة وقياس المذهب جوازه سواء أعان فيه شيء أم لا كالبيع(5/21)
وللمستعير إجارتها إذا أذن له المعير مدة بعينها.
وتجوز إجارة الوقف فإن مات المؤجر فأنتقل إلى من بعده لم تنفسخ الإجارة في أحد الوجهين وللثاني حصته من الأجرة
__________
"وللمستعير إجارتها" لأنه لو أذن له في بيعها لجاز فكذا إجارتها ولأن الحق له فجاز بإذنه إذا أذن له المعير مدة بعينها لأن الإجارة عقد لازم لا تجوز إلا في مدة معينة.
"وتجوز إجارة الوقف" لأن منافعه مملوكة للموقوف عليه فجاز له إجارتها كالمستأجر "فإن مات المؤجر فانتقل إلى من بعده لم تنفسخ الإجارة في أحد الوجهين" ذكر القاضي في المجرد أنه قياس المذهب وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأنه آجر ملكه في زمن ولايته فلم تبطل بموته كما لو أجر ملكه الطلق "وللثاني حصته من الأجرة" أي من حين موت الأول فإن كان قبضها رجع في تركته بحصته لأنه تبين عدم إستحقاقه لها فإن تعذر أخذها فظاهر كلامهم أنها تسقط وإن لم يقبض فمن مستأجر.
وذكر الشيخ تقي الدين أنه ليس لناظر وقف ونحوه تعجيلها كلها إلا لحاجة ولو شرطه لم يجز لأن الموقوف عليه يأخذ ما لم يستحقه الآن وعليه للبطن الثاني أن يطالبوا بالأجرة للمستأجر لأنه لم يكن لهم التسلف ولهم أن يطالبوا الناظر.
والثاني: أنها تنفسخ فيما بقي منها جزم به القاضي في خلافه وقال أنه كلام ظاهر أحمد وابنه أبو الحسين وابن شاقلا وابن عقيل لأن البطن الثاني يستحق العين بجميع منافعها تلقيا من الواقف بانقراض الأول بخلاف الطلق فإن المالك ملك من جهة الموروث فلا يملك إلا ماخلفه وحق المالك لم ينقطع عن ميراثه بالكلية بل آثاره باقية فيه ولهذا تقضى منه ديونه وتنفذ وصاياه فعلي هذا يرجع مستأجر على ورثه مؤجر قابض بحصته من الباقي وخرج في المغني والشرح وجها ببطلان الإجارة من أصلها بناء على تفريق الصفقة وحينئذ يلزم المستأجر أجر المثل ثم إن كانت الأجرة مقسطة على أشهر الإجارة أو أعوامها(5/22)
وإن آجر الولي اليتيم أو السيد العبد ثم بلغ الصبي وعتق العبد لم تنفسخ الإجارة ويحتمل أن تنفسخ
__________
فهي صفقتان في الأصح لاتبطل جميعها ببطلان بعضها وإن لم تكن مقسطة فهي صفقة واحدة فيطرد فيها الخلاف. واعلم أنها لا تنفسخ إذا كان الآجر الناظر العام أو من شرطه له وكان أجنبيا بموته ولا عز له.
فرع: إذا آجر الوقف بأجرة المثل فطلبه غيرمستأجره بزيادة فلا فسخ وكذا لو آجره المتولي على ما هو على سبيل الخير وقيل بلى وقاله بعض الحنفية قال في المفيد لهم لا يعرف له وجه.
أصل: تجوز إجارة الإقطاع كموقوف ذكره الشيخ تقي الدين وخالف فيه جمع فلو آجره ثم انتقل عنه إلى غيره بإقطاع آخر فكموقوف ذكره في القواعد "وإن آجر الولي اليتيم" أو ماله "أو السيد العبد" مدة "ثم بلغ الصبي" ورشد "وعتق العبد" في اثنائها "لم تنفسخ الإجارة" على المذهب ونصره القاضي وأصحابه لأنه تصرف له تصرفا لازما فلا تنفسخ ببلوغ الصبي كما لو زوجه أو باع عقاره ولا يعتق العبد كما لو زوج أمته ثم باعها "ويحتمل أن تنفسخ" هذا وجه لأنه أجره مدة لا ولاية له عليها بالكلية أشبه إجارة الوقف ويفترقان من حيث أنه ينبرم في الحال وينقطع عنه نعم لو كان بلوغه في مدة الخيار ففيه نظر وكذلك النكاح ينبرم من حينه ويستقر المهر فيه بالدخول بخلاف الإجارة فإن الأجرة تقسط على المدة ولا يستقر الملك فيها إلا باستيفاء المنافع شيئا بعد شيء وذكر في المغني والشرح وجها أنه إذا آجره مدة يعلم بلوغه فيها قطعا لم يصح في الزائد ويخرج الباقي على تفريق الصفقة
تنبيه: إذا مات الولي أو عزل وانتقلت عنه الولاية إلى غيره لم يبطل عقده لأنه تصرف وهو من أهل التصرف فيما له الولاية عليه فلم يبطل تصرفه كما لو مات ناظر الوقف أوعزل أو الحاكم(5/23)
فصل
وإجارة العين تنقسم قسمين أحدهما أن تكون على مدة معلومة كإجارة الدار شهراً والأرض عاماً والعبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة ويسمى الأجير فيها الأجير الخاص ويشترط أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإن طالت
__________
فصل
"وإجارة العين تنقسم قسمين أحدهما أن تكون على مدة معلومة كإجارة الدار شهراً" وهو اسم لما بين الهلالين سواء كان تاماً أو ناقصاً "والأرض عاماً" وشاهده قوله تعالى {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: من الآية189] فلو قدرها بسنة مطلقة حمل على الهلالية لأنها المعهودة فإذا وصفها به كان تأكيداً فإن قال عددية فهي ثلائمائة وستون يوماً فإن قال رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وهما يعلمان جاز وكان ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً فإن أشهر الروم منها سبعة أحد وثلاثون يوماً وأربعة ثلاثون يوما وواحد ثمانية وعشرون يوماً وهو شباط وزاده الحساب ربعاً وشهور القبط كلها ثلاثون ثلاثون زادوها خمسة لتساوي سنتهم السنة الرومية "والعبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة" فعلم منه أن إحارة العين تارة تكون في الآدمي وتارة في غيره من المنازل والدواب وقد حكاه ابن المنذر إجماعاً "ويسمى الأحير فيها الأجير الخاص" لاختصاص المستأجر بمنفعته في مدة الإجارة لايشاركه فيها غيره "ويشترط أن تكون المدة معلومة" هذا تكرار "يغلب على الظن بقاء العين فيها" لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه المعرفة له فاشترط العلم بها كالمكيلات "وإن طالت" في قول أكثر العلماء لأن المصحح لها كون المستأجر يمكنه استيفاء المنفعة منها غالبا وظاهره ولو ظن عدم العاقد ولو مدة لا يظن فناء الدنيا فيها وقيل بلى تصح إلى سنة اختاره ابن حامد وقيل ثلاثين وحكاه في الرعاية نصا(5/24)
ولا يشترط أن تلي العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح يوماً سواء كانت العين مشغولة وقت العقد أو لم تكن
__________
لأن الغالب أن الأعيان لا تبقى إلى أكثر منها وتتغير الأسعار ولا فرق بين الوقف والملك بل الوقف أولى قاله في الرعاية وفيه نظر والسقف والبسيط سواء.
فرع: ليس لوكيل مطلق إيجارها مدة طويلة بل العرف كسنتين ونحوهما قاله الشيخ تقي الدين
مسألة: لو علقها على ما يقع اسمه على شيئن كالعيد وربيع صح وانصرف إلى الأول قاله في المغني والشرح وقال القاضي لا يصح حتى يعين ذلك على شهر مفرد فلا بد من تعيينه من أي سنة وعلى يوم يبينه من أي أسبوع.
"ولا يشترط أن تلي العقد" لأنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة كالتي تلي العقد "فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح سواء العين مشغولة وقت العقد" بإجارة أو رهن إن قدر على تسليمها ثم وجوبه "أو لم تكن" لأنه إنما تشترط القدرة على التسليم ثم وجوبه كالسلم فإنه لا يشترط وجود القدرة عليه حال العقد وقال ابن عقيل لا يتصرف مالك العقار في المنافع بإجارة ولا عارية إلا بعد إنقضاء المدة واستيفاء المنافع المستحقة عليه بعقد الإجارة لأنه ما لم تنقض المدة له حق الاستيفاء فلا يصح تصرفات المالك في محبوس بحق لأنه يتعذر التسليم المستحق بالعقد فمراد الأصحاب متفق وهو أنه يجوز إجارة المؤجر ويعتبر التسليم وقت وجوبه وأنه لا يجوز إيجاره لمن يقوم مقام المؤجر وظاهر إطلاق كثير من أصحابنا أنه لا يصح إجارة المشغول بملك غير المستأجر وقال الشيخ تقي الدين بجوازه فيمن استأجر أرضا من جندي وغرسها قصبا ثم انتقل الإقطاع عن الجندي أن الثاني لا يلزمه حكم الإجارة وأنه إن شاء أن يؤجرها لمن له القصب أو لغيره.
تنبيه: إذا وقعت على مدة تلي العقد لم يشترط ذكر ابتدائها وهي من حين(5/25)
وإذا آجره في أثناء شهر سنة استوفى شهرا بالعدد وسائرها بالأهلة وعنه يستوفي الجميع بالعدد وكذلك الحكم في كل ما تعتبر فيه الأشهر كعدة الوفاة وشهري صيام الكفارة
فصل
القسم الثاني إجارتها لعمل معلوم كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان
__________
العقد وإن كانت لا تليه اشترط كالانتهاء فلو آجره شهرا أو سنة لم يصح نص عليه لأنه مطلق فافتقر إلى التعيين وعنه يصح اختاره في المغني ونصره في الشرح وابتداؤها من حين العقد لقصة شعيب وكمدة التسليم.
"وإذا آجره في أثناء شهر سنة استوفى شهرا بالعدد" أي الأول نص عليه في نذر وصوم لأنه تعذر استيفاؤه بالهلال فتممناه بالعدد "وسائرها بالأهلة" لأنه أمكن استيفاؤها بالأهلة فوجب اعتباره لأنه الأصل "وعنه يستوفي الجميع بالعدد" لأن الشهر الأول ينبغي أن يكمل من الثاني فيحصل ابتداء الشهر الثاني في أثنائه وكذا في كل شهر يأتي بعده "وكذلك الحكم في كل ما تعتبر فيه الأشهر كعدة الوفاة وشهري صيام الكفارة" نص عليهما في نذر ولأنه ساوى ما تقدم معنى قال الشيخ تقي الدين إلى مثل تلك الساعة.
فصل
"القسم الثاني إجارتها" أي العين "لعمل معلوم" لأن الإجارة عقد معاوضة فوجب أن يكون العوض فيها معلوما لئلا يفضي إلى التنازع والاختلاف كالبيع "كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان" لأنها خلقت له وقد أخرجاه في الصحيحين وتعتبر معرفة الأرض بالمشاهدة لاختلافها بالصلابة والرخاوة وتقدير العمل إما بالمدة كيوم وإما بمعرفة الأرض كهذه أو بالمساحة كجريب فإن قدره بالمدة فلا بد من معرفة البقر التي تعمل عليها(5/26)
أو دياس زرع أو استئجار عبد ليدله على طريق أو رحى لطحن قفزان معلومة فيشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف
__________
لأن الغرض يختلف باختلافها ويجوز أن يستأجرها مفردة ليتولى رب الأرض الحرث بها ومع صاحبها بآلتها وبدونها وتكون الآلة من عند صاحب الأرض "أو دياس زرع" لأنها منفعة مباحة مقصودة كالحرث وليس ذلك خاصا بها لكن إن كان على مدة احتيج إلى معرفة الحيوان لأن الغرض يختلف فمنه ماروثه طاهر ومنه ما هو نجس ولا يحتاج إلى معرفة عينه وإن كان على زرع معين أو موصوف فلا كالحرث.
فائدة
يجوز إكتراء الحيوان لغير ما خلق له كالبقر للركوب أو الحمل والإبل والحمر للحرث لأنها منفعة مقصودة أمكن استيفاؤها من الحيوان لم يرد الشرع بتحريمها فجاز كالتي خلقت له وقولها إنما خلقت للحرث أي معظم نفعها ولا يمنع ذلك الانتفاع بها في شيء آخر
"أو استئجار عبد ليدله على طريق" لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا عبد الله بن الأريقط هاديا خريتا وهو الماهر بالهداية ليدلهما على الطريق إلى المدينة ولو عبر بمن لعم "أو رحى لطحن قفزان معلومة" ويحتاج إلى معرفة جنس المطحون لأنه يختلف فمنه ما يسهل ومنه ما يعسر فلا بد من معرفته لتزول الجهالة "فيشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف" لأن العمل إذا لم يكن معروفا مضبوطا بما ذكر يكون مجهولا فلا تصح الإجارة معه لأن العمل هو المعقود عليه فاشترط معرفته وضبطه بما ذكر كالمبيع.
مسائل:
الأولى يجوز استئجار بهيمة لإدارة الرحى وتفتقر إلى معرفة الحجر بالمشاهدة أو الصفة لأن عملهما فيه يختلف وإلى تقدير العمل بالزمان كيوم أو بالطعام(5/27)
فصل
الضرب الثاني عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات كالسلم كخياطة ثوب وبناء دار وحمل إلى موضع معين
__________
كقفيز ويذكر جنسه إن اختلف وإن إكراها لإدارة دولاب فلا بد من مشاهدته ويقدر بالزمان وملء الحوض.
الثانية: يجوز استئجار كيال أو وزان لعمل معلوم أو في مدة معينة بغير خلاف.
الثالثة: يجوز أن يستأجر رجلا ليلازم غريما يستحق ملازمته وعنه يكره وعنه لا بأس به الرابعة: يجوز الاستئجار لحفر الآبار والأنهار والقني كالخدمة ولا بد من تقدير العمل ويفتقر إلى معرفة الأرض في الأصح فإذا حفر بئرا فعليه شيل التراب فإن تهرر من جانبيه أو سقطت بهيمة لم يلزمه شيله وكان على صاحب الأرض فإن وصل إلى صخرة أو جماد يمنع الحفر لم يلزمه وله الفسخ فإن فسخ فله من الأجر بقسط ما عمل فيقسط الأجر على ما عمل وعلى ما بقي ولا يقسط على أذرع ونحوه لأن أعلاه يسهل نقل التراب منه بخلاف أسفله ونبع الماء منه كالصخرة إذا ظهرت.
الخامسة: يجوز أن يستأجر من يبيع له أثوابا معينة فإن استأجره على شراء ثياب معينة من رجل معين أو على بيعها من رجل معين ففي الصحة احتمالان
فصل
"الضرب الثاني عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات كالسلم كخياطة ثوب وبناء دار وحمل إلى موضع معين" نقول يجوز للآدمي أن يؤجر نفسه بغير خلاف لأن موسى عليه السلام آجر نفسه لرعاية الغنم ولأنه ينتفع به مع بقاء عينه أشبه الأرض ثم إن كانت على مدة بعينها وعمل بعينه فواضح وإن كانت على عمل موصوف في الذمة فيكون(5/28)
ولا يكون الأجير فيها إلا آدميا جائز التصرف ويسمى الأجير المشترك ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم لم يصح ويحتمل أن يصح
__________
كالسلم أي لا بد أن يكون مضبوطا بصفات السلم ليحصل العلم بت.
"ولا يكون الأجير فيها إلا آدميا" لأنها متعلقة بالذمة ولا ذمة لغير الآدمي "جائز التصرف" لأنها معاوضة لعمل في الذمة فلم يجز من غيرجائز التصرف "ويسمى الأجير المشترك" لأنه يتقبل أعمالا لجماعة فتكون منفعته مشتركة بينهم ويلزمه الشروع عقب العقد وإن ترك ما يلزمه قال الشيخ تقي الدين بلا عذر فتلف بسببه ضمنه وله الاستنابة فإن مرض أو هرب اكترى من يعمله عليه فإن شرط مباشرته بنفسه فلا عمل ولا استنابة إذا وفي المغني إن اختلف القصد فيه كنسج لم يلزمه ولا المكتري قبوله وإن تعذر فله الفسخ وينفسخ العقد بتلف محل عمل معين.
"ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم لم يصح" في الأشهر لأن الجمع بينهما يزيد الإجارة غررا لا حاجة إليه لأنه قد يخلو من العمل قبل انقضاء اليوم فإن استعمل في بقيته فقد زاد على ما وقع العقد عليه وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعضه فهذا غرر أمكن التحرز منه ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم يجز العقد معه.
"ويحتمل أن يصح" هذا رواية لأن الإجارة معقودة على العمل والمدة إنما ذكرت للتعجيل فلا يفسد العقد وكجعالة و فيها وجه قال في التبصرة وإن اشترط تعجيل العمل في أقصى ممكن فله شرطه وعليها إذا تم العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في بقيتها كقضاء الدين قبل أجله وإن مضت المدة قبل العمل فللمستأجر الفسخ فإن رضي بالبقاء عليه لم يكن للآخر الفسخ فإن اختار امضاء العقد طالبه بالعمل فقط كالسلم إذا صبر عند التعذر وإن فسخ قبل العمل سقط الأجر والعمل وإن كان بعد عمل بعضه فله أجر المثل لأن العقد انفسخ وسقط المسمى(5/29)
ولا تصح الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالحج والأذان ونحوهما وعنه تصح
__________
"ولا تصح الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة" أي مسلما "كالحج" أي النيابة فيه "والأذان ونحوهما" كإمامة الصلاة وتعليم قرآن في المشهور لما روى عبادة قال علمت ناسا من أهل الصفة القرآن فاهدى لي رجل منهم قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال "إن سرك أن يقلدك الله قوسا من نار فاقبلها" وعن أبي بن كعب أنه علم رجلا سورة من القرآن فأهدى له خميصة أو ثوبا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنك لو لبستها ألبسك الله مكانها ثوبا من نار" رواهما الأثرم ولأن من شرط هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى فلم يجز أخذ الأجرة كما لو استأجر قوما يصلون خلفه.
"وعنه تصح" لأنه عليه السلام زوج رجلا بما معه من القرآن متفق عليه فإذا جاز تعليم القرآن عوضا في النكاح وقام مقام المهر جاز أخذ الأجر عليه ولحديث أبي سعيد في الرقية ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال فجاز أخذ الأجر عليه كبناء المساجد مع أن الحاجة داعية إلى الاستنابة في الحج وغيره وكمن أعطى بلا شرط نص عليه وكجعالة وفيها وجهان و في المنتخب الجعل في حج كأجرة والأول أصح لأن تعليم القرآن وجعله صداقا فيه عنه اختلاف وليس في الخبر تصريح به فيحتمل أنه زوجه بغير صداق إكراما له كما زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه ولو سلم جوازه فالفرق بين المهر والأجر أن المهر ليس بعوض محض لأنه يجوز خلو العقد عن تسميته ويصح مع فساده بخلاف الأجر وأما الرقية فنص أحمد على جوازها لأنها مداواة والمأخوذ عليها جعل وفي حديث وفقه وجهان أشهرها المنع وكذا القضاء قاله ابن حمدان وجوز ذلك الشيخ تقي الدين لحاجة ونقل حنبل يكره للمؤذن أن ياخذ على أذانه أجرا وظاهره أن ما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فيجوز كتعليم الخط والحساب وفي المبهج لا مشاهرة وله أخذ رزق على ما يتعدى نفعه لا على ما لا يتعدى(5/30)
وإن استأجره ليحجمه صح ويكره للحر أكل أجرته ويطعمه الرقيق والبهائم وقال القاضي لا تصح
فصل
وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه.
__________
نفعه كصوم وصلاة خلفه ونحوه.
"وإن استأجره ليحجمه صح" في الأصح لما روى ابن عباس "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجرة" قال ابن عباس ولو كان حراما لم يعطه متفق عليه ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فجاز الاستشجار عليه كالقصد والختان ونحوهما.
"ويكره للحر أكل أجرته" لقوله عليه السلام: "كسب الحجام خبيث" متفق عليه و لا يلزمه منه التحريم فإنه قد سمى البصل والثوم خبيثين مع إباحتهما وخص الحر بذلك تنزيها له وعنه يحرم ومنع في الشرح أن يكون عن أحمد نصا بالتحريم وإنما قال نحن نعطيه كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم وقال القاضي في الخلاف يحرم على السيد خاصة دون سائر الأحرار واستنبطه من كلام أحمد.
"ويطعمه الرقيق والبهائم" لقوله عليه السلام "أطعمه ناضحتك ورقيقك" رواه الترمذي وحسنه وفي الرعاية مثله وقيل يكره وهو ظاهر لأن الخبر يدل على إباحته إذ غير جائز ان يطعم رقيقه ما يحرم أكله فإن الرقيق آدمي منع منه ما يمنع الحر.
"وقال القاضي" والحلواني "لا تصح" الإجارة نص عليه وقدمه في الرعاية لظاهرالخبر وكذا أخذه بلا شرط وجوزه في الشرح ويصرفه في علف دابته ومؤنة صناعته ويحل أكله وكذا جزم به الحلواني لغير حر
فصل
وللمستاجر استيفاء المنفعة بنفسه لأن أصل العقد يراد للعاقد فلو شرط عليه(5/31)
وبمثله ولا يجوز بمن هو أكثر ضررا منه ولا بمن يخالف ضرره ضرره وله أن يستوفي المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها فإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه وليس له زرع دخن ونحوه
__________
استيفاؤها بنفسه فقياس قول أصحابنا صحة العقد وبطلان الشرط لأنه ينافي مقتضى العقد إذ موجبه ملك المنفعة والتسليط على استيفائها بنفسه ونائبه وقيل يصح لأنه قد يكون له غرض في تخصيصه
"وبمثله" أي إذا كان مثله في الضرر أو دونه لأنه لم يزد على استيفاء حقه فيعتبر كون راكب مثله في طول وقصر لا المعرفة بالركوب خلافا للقاضي لأن التفاوت في غير هذا يسير.
"ولا يجوز فيمن هو أكثر ضررا منه" لأن العقد اقتضى استيفاء منفعة مقدرة فلا يجوز بأكثر منه لأنه زائد على ما عقد عليه "ولا بمن يخالف ضرره ضرره" لأنه يستوفي أكثر من حقه أو غيرما يستحقه "وله أن يستوفي المنفعة" المعقود عليها من زرع أو بناء لأنه هو المقصود وما دونها في الضرر من جنسها لأنه إذا كان له استيفاء نفس المنفعة المعقود عليها فما دونها أولى قال أحمد إذا استأجر دابة ليحمل عليها تمرا فحمل عليها حنطة أرجو أن لا يكون به بأس إذا كان الوزن واحدا.
"فإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه" كباقلاء لأنه دونه في الضرر وعلم منه جواز زرع الحنطة لأنها المعقود عليها فلو قال ازرع حنطة ولا تزرع غيرها فذكر القاضي بطلان الشرط لأن مقتضى العقد استيفاء المنفعة كيف شاء فلم يصح الشرط وفيه وجه أنه لا يجوز له زرع غير ما عينه حتى لو وصف الحنطة بأنها سمراء لم يجز أن يزرع بيضاء لأنه عينه فلم يجز العدول عنه كالدراهم في الثمن ورد بالفرق والماء على رب الأرض.
"وليس زرع دخن وغيره" كقطن لأنه فوقه في الضرر فإن فعل لزمه المسمى مع تفاوتهما في أجر المثل نص عليه واوجب أبو بكر والمؤلف أجر المثل(5/32)
ولا يملك الغرس ولا البناء وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر فإن اكتراها للغرس ملك الزرع وإن اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر وإن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك حمل الآخر فإن فعل فعليه أجرة المثل
__________
خاصة ومثله لو سلك طريقا أشق قاله في الشرح والفروع.
"ولا يملك الغرس ولا البناء" لما ذكرنا "وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر" لأن ضرر كل واحد يخالف ضرر الآخر لأن الغرس يضر بباطن الأرض والبناء يضر بظاهرها "وإن اكتراها للغرس ملك الزرع" لأن ضرره أقل من ضرر الغرس وهو من جنسه لأن كل منهما يضر بباطن الأرض وإن اكتراها للبناء هل يملك الزرع وفيه وجهان
تنبيه: إذا اكترى أرضا ليزرعها أو يغرسها لم يصح لعدم التعيين فلو قال لزرع ما شاء أو غرسه أو وغرسه صح في الأصح فيهما كزرع ما شئت وغرس ما شئت وإن أطلق وتصلح لزرع وغيره صح في الأصح وقال الشيخ تقي الدين إن أطلق أو قال انتفع بها بما شئت فله زرع وغرس وبناء.
"وإن اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر" لاختلاف الضرر لأن الراكب يعين الظهر بحركته فلا يملك الحمل والركوب أشد على الظهر لأنه يباع في مكان واحد والمتاع يتفرق على جنبيه فلا يملك الركوب فإذا اكتراها لحمل دقيق من طاحون فلم يجده طحن وجبت أجرتها وإن اكتراها إلى بلد فله الركوب إلى مقره وقيل بل إلى أول عمارته.
"وإن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك حمل الآخر" على المعروف لأنه إذا اكتراها لحمل الحديد لم يحمل قطنا لأنه يتجافى وتهب فيه الريح فيتعب الظهر وعكسه ولأن الحديد يجتمع في موضع واحد فيثقل عليه وقيل بلى بوزنه ولا يضمن الدابة.
"فإن فعل" كان ضامنا "وعليه أجرة المثل" لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره أشبه ما لو استأجر أرضاً فزرع غيرها.(5/33)
وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه أو إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد ذكره الخرقي وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع وإن تلفت ضمن قيمتها إلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين
__________
"وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه أو إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة" أي المسماة لاستيفاء المعقود عليه متميزا عن غيره "وأجرة المثل للزائد ذكره الخرقي" قال القاضي لا يختلف فيه أصحابنا أي في الثانية وحكاه أبو الزناد عن الفقهاء السبعة لأنه متعد في ذلك فهو كغاصب.
"وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع" لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره أشبه ما لو فعل بغير إجارة ولم يصرح به أبو بكر فيما إذا اكترى لحمولة شيء فزاد عليه وإنما أخذ ذلك من قوله إذا استأجر أرضا لزرع شعير فزرعها حنطة أن عليه أجرة المثل للجميع فجمع القاضي بين
مسألة: الخرقي ومسألة أبي بكر فينقل كلا منهما إلى الأخري لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون فيهما وجهان وليس كذلك فإنه يفرق بينهما فإن ما حصل التعدي فيه في الحمل متميز بخلاف الزرع فإنه متعد به كله أشبه الغاصب ولهذا علل أبو بكر بالعدول عن المعقود عليه فإلحاقها بما إذا اكترى إلى موضع فجاوزه أشد لشدة شبهها به وهو الذي قطع به في الكافي والمحرر مع أن أحمد نص في الزرع أنه ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان فيعطاه رب الأرض فيقال أجرة مثلها إذا زرعها حنطة مائة واجرة مثلها إذا زرعها شعيرا ثمانون فالواجب ما بينهما وهو عشرون ونظيره لو اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة معلومة فزاد عليها ولو اكتراها ليجعل فيها قنطار قطن فجعل قنطار حديد ففي الأولى له المسمى وأجراء الزيادة وفي الثانية يخرج فيها الخلاف في مسألة الزرع.
"وإن تلفت ضمن قيمتها" سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة لأنه متعد أشبه الغاصب "إلا أن تكون في يد صاحبها" ولا شيء عليها "فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين" لأنه اجتمع عليها يدان يد صاحبها ويد المستأجر فالذي(5/34)
__________
يقابله النصف فيضمن وكما لو زاد شوطا في الحد والثاني تلزمه القيمة كلها حيث لم يرض مالكها وهو المذهب ونصره الأكثر إناطة بالتعدي وسكوت صاحبها لا يدل على الرضى كما لو أبيع ملكه وهو ساكت لم يمنعه وذكر القاضي في الشرح الصغير أنه لا ضمان لوجود يد المالك وذكر في موضع آخر إن تلفت في يد راكبها أو له عليها حمل ضمنها وإن كان سلمها لمالكها ليسقيها أو ليمسكها فلا ضمان عليه ووافقه في المغني والشرح على ذلك إلا أنهما استثنيا فيما إذا تلفت في يد مالكها بسبب تعبها من الحمل ونحوه فالضمان على المتعدي كما لو ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة
فرع: لو اكترى زورقا فزواه مع زورق فغرقا ضمن لأنها مخاطرة لاحتياجهما إلى المساواة ككفة الميزان كما لو اشترى ثورا لاستقاء الماء فجعل فدانا.
أصل: إذا اكترى لنسخ كتاب يباح ما فيه أو خياطة أو قصارة أو صبغ أو كحل أو مداواة جرح صح ولزمه حبر وخيوط وكحل ومرهم ونحو ذلك وقيل يلزم مستأجر وهو معنى ما في المستوعب وقيل بل يتبع العرف وقيل الكل على الأجير إلا الخيوط فإنها على المستأجر وجزم في فصل ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل ورحله وحزامه والشد عليه وشد الأحمال والمحامل والرفع والحط ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض الشرح أنه لا يجوز اشتراط الدواء على الطبيب بخلاف الكحل للحاجة إليه وليس له محادثته حال النسخ وإن أخطأ محمود بشيء يسير عفي عنه وإن كثير فلا وهو عيب يرد به
مسألة: استأجره مدة فكحله فلم تبرأ عينه استحق الأجر في قول الأكثر فإن شارطه على البرء فهي جعالة فلو برأ بغير كحله أو تعذر من جهة المستأجر فله أجر مثله(5/35)
فصل
ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل ورحله وحزامه والشد عليه وشد الأحمال والمحامل أو الرفع والحط ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض ومفاتيح الدار وعمارتها وما جرت عادته به
__________
فصل
"ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل" وهو الذي يقوده به "ورحله وحزامه" بكسر الحاء وهو ما تحزم به البردعة ونحوها "والشد عليه وشد الأحمال والمحامل أو الرفع والحط ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض" وقضاء حاجة الإنسان والطهارة ويدع البعير واقفا حتى يقضي ذلك وفرض الكفاية كالعين وذكر جماعة أن نزوله لسنة راتبة كفرض فإن كان الراكب لا يقدر على الركوب والبعير قائم فعلى الجمال أن يترك له البعير لركوبه وإلا لم يلزمه فإن كان قويا حال العقد ثم عرض الضعف أو بالعكس فالاعتبار بحال الركوب لأن العقد اقتضى ركوبه بحسب العادة قاله في الشرح وفي آخر لا فلو أراد إطالة الصلاة فطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه والمشي المعتاد قرب المنزل لا يلزم راكبا ضعيفاأو امرأة وإن كان جلدا قويا فاحتمالان
فرع: أجرة دليل وبكرة وحبل ودلو على مكتر كمحمل وغطاء ووطاء فوق الرحل قال في الترغيب وعدل القماش على مكر إن كانت في الذمة.
"ومفاتيح الدار" أي عليه تسليم مفاتيحها لأن عليه التمكين من الانتفاع وبه يحصل وهي أمانة في يد المستأجر "وعمارتها" فلو سقط حائط أوخشبة أو انكسرت فعليه بناء الحائط وإبدال الخشبة وتبليط الحمام وعمل الأبواب والبرك ومجرى الماء لأن بذلك يحصل الانتفاع ويتمكن منه "وما جرت عادته به" كالقتب للجمل والسرج واللجام للفرس والبردعة والإكاف للبغل والحمار لأن العادة جارية به ويلزمه سائق وقائد قاله في الفروع وذكر في المغني والشرح إن كانت الإجارة على تسليم الراكب البهيمة ليركبها لنفسه فكل(5/36)
فأما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة
فصل
والاجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها
__________
ذلك عليه وقد سلمها وتنظيف السطح من الثلج على المؤجر قاله في التلخيص فأما تفريغ البالوعة والكنيف وما في الدار من زبل وقمامة ومصارف البغوي فيلزم المستأجر تنظيفها إذا استلمها فارغة من ذلك لأنه حصل بفعل المكتري فكان عليه تنظيفه كما لو طرح فيها قماشا
مسألة: إذا شرط على المكتري الحمام أو غيره أن مدة تعطيله عليه لم يصح لأنه لا يجوز أن يؤجره مدة لا يمكن الانتفاع في بعضها ولا يجوز ان يشرط أنه يستوفي بقدرها بعد انقضاء مدته لأنه يؤدي إلى جهالة مدة الإجارة فإن أطلق وتعطل خير بين الإمساك بكل الأجر وبين الفسخ وقيل له أرش العبيد فإن لم يعلم به حتى انقضت المدة فعليه جميع الأجر وإن شرط أن ينفق مستأجر ما يحتاجه من عمارة واجبة لم يصح فإن أنفق بناء على هذا الشرط رجع به على الآجر ويقبل قوله قي قدره لأنه منكر وإن أنفق بغير إذنه فلا رجوع بشيء فإن بدأ له قبل تقضي المدة فعليه الأجرة وإن حوله المالك.
خاتمة: يصح كراء العقبة بالعمل أن يركب في بعض الطريق ويمشي في بعض ولا بد من العلم به إما بالفراسخ أو بالزمان فإن شرط أن يركب يوما ويمشي آخر جاز فإن أطلق فاحتمالان وإن اكترى اثنان جملا يتعابان عليه جاز والاستيفاء بينهما بحسب الاتفاق فإن تشاحا قسم بينهما بالفراسخ أو بالزمان و إن اختلفا في البادي منهما أقرع بينهما في الأصح
فصل
"والإجارة عقد لازم من الطرفين" لأنها عقد معاوضة أشبهت البيع ولأنها نوع من المبيع وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم "ليس لأحدهما فسخها"(5/37)
فإن بدا له قبل تقضي المدة فعلية الأجرة وإن حوله المالك قبل تقضيها لم يكن له أجرة لما سكن نص عليه ويحتمل أن له من الأجرة بقسطه
__________
للزومها إلا أن يجد العين معيبة عيبا لم يعلم به فله الفسخ بغير خلاف نعلمه لأنه عيب في المعقود عليه فاثبت الخيار كالعيب في المبيع والعيب الذي يرد به ما تنقص به المنفعة كالبعير الذي يتأخر عن القافلة وربض البهيمة بالحمل وكونها جموحا أو عضوضا ونحوه وفي المكتري للخدمة ضعف البصر والجنون وفي الدار انهدام الحائط والخوف من سقوطها وانقطاع الماء من بئرها فإن رضي بالمقام لزمه جميع الأجر وإن اختلفا فيه رجع إلى أهل الخبرة هذا إذا كان العقد على العين فإن كانت موصوفة في الذمة لم تنفسخ وعلى المكري إبداله كالمسلم فيه فإن عجز عن الإبدال أو امتنع منه فله الفسخ.
"فان بداله قبل تقضي المدة فعلية الأجرة" لأنها عقد لازم يقتضي أن يملك المؤجر الأجر والمستأجر المنافع وقد وجدت فترتب مقتضاها فإن سكن الآجر بعض المدة فهل تلزمه أجرة المثل أو بالقسط على وجهين.
"وإن حوله المالك قبل تقضيها" أي تقضي المدة المعقود عليها "لم يكن له أجرة لما سكن نص عليه" وعليه الأصحاب لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد الإجارة فلم يستحق شيئا كما لو استأجره ليحفر له عشرين ذراعا فحفر بعضها وامتنع من الباقي أو ليحمل له كتابا إلى بلد فحمله بعض الطريق "ويحتمل أن له من الأجرة بقسطه" وهو قول أكثر الفقهاء لأنه استوفى ملك غيره على وجه المعاوضة فلزمه عوضه كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك بقيته والأول أولى
تنبيه: إذا أبى المؤجر تسليم ما أجره أو منع مستأجره الانتفاع به كل المدة فله الفسخ وجها واحدا ذكره في المغني والشرح وقيل يبطل العقد مجانا وكذا إذا اكترى عبده للخدمة مدة وامتنع من تمامها أو آجر نفسه لبناء حائط أو خياطة وامتنع من تمام العمل مع القدرة عليه(5/38)
وإن هرب الأجير حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة وإن كانت على عمل في الذمة خير المستأجر بين الفسخ والصبر وإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليها فإذا انقضت الإجارة باعها الحاكم
__________
"وإن هرب الأجير حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة" لأن المعقود عليه يفوت بانقضائها أشبه تلف العين وظاهره أنها لا تنفسخ قبل انقضائها وصرح به في المغني لأن المدة إذا لم تنقض لم يفت المعقود عليه وفيه شيء فقد فات بعضه.
"وإن كانت على عمل في الذمة" كخياطة ثوب وبناء حائط أو حمل على موضع معلوم استؤجر من ماله من يعمل العمل فإن تعذر "خير المستأجر بين الفسخ والصبر" لأنه عمل في الذمة ليس له مدة يفوت بفواتها وقيل يبطل العقد ولا أجرة له في زمن الهرب وقيل ولا قبله وحكم من آجر نفسه مدة وهرب أو امتنع من العمل كذلك وكذا لو آجره دابة ثم شردت.
"وإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليهاالحاكم من مال الجمال" إن كان له مال لأن نفقة الحيوان واجبة على المالك وهو غائب والحاكم نائبه "أو أذن للمستأجر في النفقة عليها" من ماله بالمعروف ليكون دينا عليه لأنه موضع حاجة ولأن إقامة أمين غيرالمستأجر تشق وتتعذر مباشرته كل وقت.
فإذا رجع واختلفا في النفقة فإن كان الحاكم قدرها قبل قول المستأجر فيها وكذا إن كانت غيرمقدرة وكانت بالمعروف لأنه أمين فإن لم يجد حاكما أو عجز عن إستئذانه فله أن ينفق عليها فإن نوى الرجوع وأشهد رجع وإن لم يشهد فوجهان وقياس المذهب أنه يرجع قياسا على نفقة الآبق وعيال الغائب قاله في المغني فإن أنفق من غيراستئذان مع القدرة عليه وأشهد على ذلك ففي رجوعه وجهان فإن لم يكن مع المستأجر مال ينفق عليها لم يجز أن يبيع منها شيئا لأنه إنما يكون من المالك أو نائبه أو من له ولاية عليه.
"فإذا انقضت الإجارة باعها الحاكم" لما ذكرنا وكذا إن كان فيها فضلة عن(5/39)
ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها
__________
الكراء "ووفى المنفق" لأن في ذلك تخليصا لذمة الجمال وإيفاء لحق صاحب النفقة "وحفظ باقي ثمنها لصاحبه" لأن الحاكم يلزمه حفظ مال الغائب فلو هرب الجمال بجماله ولم يجد المستأجر ما يستوفي منه حقه فله الفسخ لأنه تعذر عليه قبض المعقود عليه فإن فسخ وكان الجمال قد قبض الأجر فهو دين في ذمته وإن اختار المقام وكانت على عمل في الذمة فله ذلك فيطالبه متى قدر عليه وإن كانت على مدة وانقضت في هربه انفسخت الإجارة وإن كان العقد علي موصوف غير معين لم ينفسخ العقد ويرفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد له مالا اكترى به وإلا اقترض عليه ما يكتري به فإن دفعه ليكتري بنفسه جاز وإن كان القرض من المكتري جاز وصار دينا في ذمة الجمال وإن كان العقد على معين لم يجز إبداله لأن العقد تعلق بعينه فيخير المكتري.
"وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها" كدابة نفقت وعبد مات لأن المنفعة زالت بالكلية بتلف المعقود عليه فانفسخت كتلف المبيع قبل قبضه وله أحوال:
أحدها: أن تتلف العين قبل قبضها ولا خلاف في انفساخها.
الثاني: أن تتلف عقب قبضها وقبل مضي مدة لا أجر لها فتنفسخ أيضا ويسقط الأجرعند عامة الفقهاء.
الثالث: أن تتلف بعد مضي بعض المدة فينفسخ فيما بقي من المدة خاصة في الأصح كما لو اشترى صبرتين فقبض إحداهما وتلفت الأخرى بأمر سماوي قبل قبضها ثم إن كان آخر المدة متساويا وقد استوفى نصفها فعليه نصف الأجرة.
وإن اختلف بأن يكون أجرها في الصيف أكثر من الشتاء أو بالعكس فإن الأجر المسمى يقسط على ذلك فإذا قيل أجرها في الصيف يساوي مائة وفي الشتاء يساوي خمسين وكان قد سكن الصيف فعليه بقدر ثلثي المسمى وقيل يلزمه بحصته من المسمى(5/40)
وموت الصبي المرتضع وموت الراكب إذا لم يكن من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة وانقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه أو برئه ونحو هذا وإن اكترى دارا فانهدمت أو أرضا للزرع فانقطع ماؤها انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين
__________
"وموت الصبي المرتضع" لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه لكون غيره لا يقوم مقامه لاختلافهم في الرضاع وقد يدر اللبن على ولد دون آخر فإن كان موته عقب العقد زالت الإجارة من أصلها ورجع المستأجر بالأجر كله وإن كان بعض مضي مدة رجع بحصة ما بقي وكذا ينفسخ بموت المرضعة لفوات المنفعة بهلاك محلها وعنه لا ينفسخ بموتها اختاره أبو بكر ويجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت كالدين وجوابه بأن المعقود عليه هلك أشبه هلاك البهيمة المستأجرة.
"وموت الراكب إذا لم يكن من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة" بأن لم يكن له وارث أو كان غائبا كمن يموت بطريق مكة ويترك جمله فظاهر كلام أحمد أنها تنفسخ فيما بقي لأنه قد جاء أمر غالب يمنع المستأجر منفعة العين أشبه ما لو غصبت ولأن بقاء العقد ضرر في حقهما وظاهره أنها لا تنفسخ إذا كان له من يقوم مقامه لأن الاستيفاء غير متعذر وبه يحصل الجمع بين هذا وبين قوله ولا تنفسخ بموت المكري ولا المكتري.
"وانقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه أو برئه" لتعذر استيفاء المعقود عليه كالموت فإن لم يبرأ وامتنع المستأجر من قلعه لم يجبر "ونحو هذا" كاستئجار طبيب ليداويه فبرأ
تنبيه: ظاهره أن المستأجر إذا أتلف العين فإنها يثبت فيها ما تقدم ويضمن ما أتلف ومثله جب المرأة زوجها فإنها تضمن ولها الفسخ.
"وإن اكترى دارا فانهدمت أو أرضا للزرع فانقطع ماؤها انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين" هذا مقتضى كلام الخرقي والوجيز وقطع به(5/41)
وفي الآخر يثبت للمستأجر خيار الفسخ ولا تنفسخ بموت المكري ولا المكتري
__________
ابن أبي موسى وغيره واختاره المؤلف وقدمه في الفروع لأن المقصود بالعقد قد فات أشبه ما لو تلف وقيل وتنفسخ فيما مضى "وفي الآخر يثبت للمستأجر خيار الفسخ" صححه في التلخيص وقاله القاضي في الدار لإمكان الانتفاع بالعرصة بنصب خيمه أو جمع حطب ونحو ذلك أشبه نقص العين أما لو زالت منافعها بالكلية أو الذي بقي فيها لا يباح استيفاؤه بالعقد كدابة استأجرها للركوب فصارت لا تصلح إلا للحمل فإنه ينفسخ العقد وجها واحدا وقال القاضي في الأرض ملكا انقطع ماؤها لا تنفسخ الإجارة ويخير فإن اختار المقام لزمه جميع الأجر وإن لم يختر الفسخ ولا الإمضاء إما لجهله بأن له الفسخ أو لغير ذلك فله الفسخ
فرع: إذا آجره أرضا بلا ماء صح فإن أطلق فاختار المؤلف صحتها مع علمه بحالها وقيل لا كظنه إمكان تحصيله وإن ظن وجوده بالأمطار وزيادة الأنهار صح جزم به جماعة كالعلم وفي الترغيب وغيره وجهان.
"ولا تنفسخ بموت المكري ولا المكتري" نص عليه وقاله أكثر العلماء لأنها عقد لازم فلم ينفسخ بموت العاقد مع بالإجماع المعقود عليه.
وعنه تنفسخ بموت مكتر لا قائم مقامه كبرء ضرس اكترى لقلعه لأن استيفاء المنفعة يتعذر بموته.
وجوابه بأن المستأجر قد ملك المنافع وان الأجرة قد ملكت عليه كاملة وقت العقد ويلزمهم ما لو زوج أمته ثم مات وفي الرعاية من استؤجر لحج أو عمرة فمات بطل العقد وعنه لا بل وارثه كهو وقيل إن مات قبل الإحرام فلا أجرة له وقيل له أجرة المثل لما قطع من المسافة الواجب قطعها وإن مات بعد الأركان فله الأجرة وعليه دم لما بقي.
وإن عمل بعضها فله بقدر ما عمل وعليه أجرة من يعمل الباقي "ولا" تنفسخ(5/42)
ولا بعذر لأحدهما مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه وإن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ ومطالبة الغاصب بأجرة المثل فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى وقال الخرقي فان جاء امر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد فعليه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه
__________
"بعذر لأحدهما مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه" في قول الجماهير لأنه عقد لا يجوز فسخه لغير عذر فلم يجز لعذر من غير المعقود عليه كالبيع ويفارق الإباق فإنه عذر في المعقود عليه.
"وإن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ ومطالبة الغاصب باجرة المثل" لأن في عدم ثبوت الخيار تأخيرا لحقه ولأن تعذر الانتفاع بذلك من غيرجهته عيب في المعقود عليه فملك الخيرة به كالعيب في المبيع وحينئذ له الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى فيما بقي من المدة وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل ولم ينفسخ العقد بمجرد الغصب لأن المعقود عليه لم يفت مطلقا بل فات إلي بدل وهوالقيمة أشبه ما لو أتلف الثمرة المبيعة آدمي قبل قطعها وخرج أبو الخطاب الانفساخ إن قيل بعدم ضمان منافع الغصب وفي الانتصار تنفسخ تلك المدة والأجرة للمؤجر لاستيفاء المنافع على ملكه فلو غصبها مالكها فلا شيء له مطلقا نص عليه وقيل بلى كغصب وغيره.
"فإن فسخ فعليه اجرة ما مضى" وكان الحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين فإن ردت في أثناء المدة ولم يكن فسخ استوفى ما بقي منها ويكون فيما مضى مخيرا فإن كانت الإجارة على عين موصوفة في الذمة لزمه بدلها فإن تعذر فله الفسخ وإن كانت على عين معينة لعمل خير بين الصبر والفسخ إلى أن يقدر عليها.
"وقال الخرقي وإن جاء أمر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد فعليه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه" هذا تأكيد لوجوب الأجرة فيما مضى وقوله شامل لغصب العين وتلفها وحدوث ما يمنع من الانتفاع بها كانهدام دار(5/43)
ومن استؤجر لعمل شيء فمرض أقيم مقامه من يعمله والأجرة عليه فإن وجدالعين معيبة أو حدث بها عيب فله الفسخ فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى
__________
وغرق الأرض وحدوث خوف عام لأنه أمر غالب فثبت له الخيار كغصب العين فلو كان خاصا بالمستأجر اقرب أعدائه أو حلولهم في طريقة لم يملك الفسخ كمرضه وحبسه.
"ومن استؤجر لعمل شيء" في الذمة ولم يشرط عليه مباشرته "فمرض اقيم مقامه من يعمله" ليخرج من الحق الواجب في ذمته كالمسلم فيه "والأجرة عليه" أي على المريض لأنها في مقابلة ما وجب عليه ولا يلزم المستأجر إنظاره لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل ما لم يختلف القصد فيه كالفسخ فإن كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها كأن تخيط لي أنت هذا الثوب لم يقم غيره مقامه كالبيع بل يخير المستأجر بين الفسخ والصبر حتى يتبين له الحال "فإن وجدا العين معيبة أو حدث بها عيب" وهو ما يظهر به تفاوت الأجر فله الفسخ إن لم يزل بلا ضرر يلحقه والإمضاء مجانا وظاهره أنها لا تنفسخ بذلك وهو مخير بين الإمساك بكل الأجر ذكره ابن عقيل وجزم به في المغني والشرح وذكر المجد يروي مع الأرش في قياس المذهب وبين الفسخ استدراكا لظلامته ولا يبطل الخيار بالتأخير.
"فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى" لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا بالاستيفاء فإن بادر المكري إلى إزالته من غيرضرر يلحق المستأجر كإصلاح تشعيث الدار فلا خيار له لعدم الضرر فإن سكنها مع عيبها فعليه الأجرة علم أو لم يعلم ولو احتاجت إلى تجديد فإن جدد وإلا فسخ وليس له إجباره على التجديد في الأصح
مسألة: متى زرع الأرض فغرقت أو تلف أو لم تنبت فلا خيار له وتلزمه الأجرة نص عليه فإن تعذر زرعها لغرقها فله الخيار وكذا لقلة ماء قبل زرعها أو بعده أو عابت بغرق يعيب به بعض الزرع واختار شيخنا أو برد(5/44)
ويجوز بيع العين المستأجرة ولا تنفسخ الإجارة إلا أن يشتريها المستأجر فتنفسخ في إحدى الروايتين
__________
أو فأر أو عذر فإن أمضاه فله الأرش كعيب الاعيان وإن فسخ فعليه القسط قبل القبض ثم أجرة المثل إلى كماله وما لم يرو من الأرض فلا أجرة له اتفاقا ذكره في الفروع.
"ويجوز بيع العين المستأجرة" نص عليه سواء باعها لمستأجرها أو لغيره لأنها عقد على المنافع فلم يمنع الصحة كبيع الأمة المزوجة ولأن يد المستأجر على المنافع والبيع على الرقبة فلا يمنع ثبوت اليد على أحدهما تسليم الآخر وإن منعت التسليم في الحال فلا تمنعه في الوقت الذي يجب فيه التسليم وهو عند انقضاء الإجارة وتكفي القدرة على التسليم حينئذ كالمسلم فيه ولمشتر الفسخ أو الإمضاء إن لم يعلم ذكره في المغني والشرح لأن ذلك عيب قاله أحمد وفي الرعاية له الأرش مع الإمساك وإن علم ورضي لم يتصرف في العين حتى تفرغ المدة .
"ولا تنفسخ الإجارة" لأنها سابقة على عقد البيع واللاحق لا يوجب فسخ السابق كما لو زوج أمته ثم باعها "إلا أن يشتريها المستأجر فتنفسخ في إحدى الروايتين" كذا أطلقهما في الفروع وحكاهما في المغني والشرح وجهين أحدهما ينفسخ فيما بقي من المدة لأن ملك الرقبة لما منع ابتداء الإجارة منع استدامتها كالنكاح لما منع ملك اليمين منع استدامته فعلى هذا يسقط عن المشتري الأجر فيما بقي كما لو تلفت العين وإن كان المؤجر قبض الأجر كله حسب عليه من الثمن إن كان من جنسه والثانية وهي الأصح لا تنفسخ لأنه ملك المنفعة بعقد ثم ملك الرقبة بآخر فلم يتنافيا كملك الثمرة عند الأصل فيجتمع على المشتري الأجر والثمن للبائع كما لو كان المشتري غيره ولو آجرها لمؤجرها فإن قلنا لا تنفسخ صح وإلا فلا
فرع: إذا ورث المستأجر العين المؤجر أو وهبت له أو أخذها بوصية أو صداق أو عوض في خلع أو في صلح ونحوه فالحكم فيه كما لو اشترها(5/45)
فصل
ولا ضمان على الأجير الخاص وهو الذي يسلم نفسه إلى المستأجر فيما يتلف في يده إلا أن يتعدى ويضمن الأجير المشترك ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله
__________
فصل
"ولا ضمان على الأجير الخاص" نص عليه "وهو الذي يسلم نفسه إلى المستأجر" أي يقع عليه العقد مدة معلومة يستحق المستأجر نفعها في جمعها سوى فعل الصلوات الخمس في أوقاتها بسننها وصلاة جمعة وعيد ولا يستنيب وسمي خاصاً لاختصاص المستأجر بنفعه تلك المدة وقيل هو من سلم نفسه لعمل معلوم مباح.
"فيما يتلف في يده" الجار ومجروره متعلق بقوله ولا ضمان لأن عمله غير مضمون عليه فلم يضمن ما تلف به كالقصاص ولأنه نائب عن المالك في صرف منافعه فيما أمر به فلم يضمن كالوكيل "إلا أن يتعدى" لأنه تلف بتعدية أشبه الغاصب قال جماعة أو تفريط ومثله في الشرح بالخباز إذا أسرف في الوقود أو ألزقه قبل وقته أو بتركه بعد وقته حتى يحترق وفيه شيء وذهب ابن أبي موسى أنه يضمن ما جنت يده وعن أحمد يضمن ما تلف بأمر خفي لا يعلم إلا من جهته.
"ويضمن الأجير المشترك" وهو من قدر نفعه بعمل كخياطة ثوب أو بناء حائط وسمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لجماعة في وقت واحد يعمل لهم فيشتركون في منفعته كالحائك والقصار والطباج والحمال فكل منهم ضامن "ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله" روي ذلك عن عمر وعلي وشريح والحسن لأن عمله مضمون لكونه لا يستحق العوض إلا بالعمل وإن الثوب لو تلف في حرزه بعد عمله لم يكن له أجرة فيما عمل(5/46)
ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله ولا أجرة له فيما عمل فيه وعنه يضمن مطلقا
__________
فيه بخلاف الخاص وما تولد منه يجب أن يكون مضمونا كالعدوان بقطع عضو وظاهره لافرق بين أن يعمل في بيته أو بيت المستأجر وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي ولا ان يكون المستأجر على المتاع وصرح به القاضي في تعليقه وجماعة لأن ضمانه لجنايته واختار القاضي في المجرد وأصحابه أنه يضمن إن كان عمله في بيت نفسه فأما إن كان في ملك المستأجر من خياطة ونحوها فلا.
"ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله" في ظاهر المذهب وعليه أكثر الأصحاب لأن العين في يده أمانة اشبه المودع وعنه ان كان التلف بأمر ظاهر كالحريق واللصوص الغالبين ونحوهم فلا ضمان وإن كان بأمر خفي كالضياع ونحوه ضمن للتهمة.
"ولا أجرة له فيما عمل فيه" لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر فلم يستحق عوضه كالمبيع من الطعام إذا تلف في يد بائعه قبل تسليمه وظاهره مطلقا سواء كان في بيت المستأجر أو غيره بناء كان أو غيره و في المحرر إلا ما عمله في بيت ربه وعنه إن كان بناء وعنه ومنقول عمله في بيت ربه وفي الفنون له الأجرة مطلقا لأن وضعه النفع فيما عينه له كالتسليم إليه كدفعه إلى البائع غرارة وقال ضع الطعام فيها فكاله فيها كان ذلك قبضا لأنها كيده.
"وعنه يضمن مطلقا" لقوله عليه السلام "وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه" ولأنه قبض العين لمنفعة نفسه من غير استحقاق فلزمه ضمانها كالمستعير قال صاحب التلخيص ومحل الروايات إذا لم تكن يد المالك عليها فإن كانت فلا ضمان بحال.
فرع: إذا استعمل مشترك خاصاً صح ولكل منهما حكم نفسه(5/47)
ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا بزاغ ولا طبيب إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد
__________
"ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا بزاغ" وهو البيطار "ولا طبيب" خاصاً كان كل منهم أو مشتركا "إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم" لأنه فعل فعلا مباحا فلم يضمن سرايته كحد لأنه يمكن أن يقال أقطع قطعا لا يسري بخلاف دق دقا لا يخرقه.
واقتضى ذلك أنهم إذا لم يكن لهم حذق في الصنعة أنهم يضمنون لأنه لا تحل لهم مباشرة القطع فإذا قطع فقد فعل محرما فيضمن سرايته بدليل قوله عليه السلام من تطبب بغير علم فهو ضامن رواه أبو داود فلو كان فيهم حذق الصنعة وجنت أيديهم بأن تجاوز الختان إلى بعض الحشفة أو تجاوز الطبيب بقطع السلعة موضعها أو بآلة كالة يكثر ألمها وجبت لأن الإتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ وكما لو قطعه إبتداء.
وحكى ابن أبي موسى إذا ماتت طفلة من الختان فديتها على عاقلة خاتنتها قضى به عمر بن الخطاب وأنه لو استأجر لحلق رؤؤس يوما فجنى عليها بجراحة لا يضمن كجنايته في قصاره ونحوها ويعتبر لعدم الضمان في ذلك إذن مكلف أو ولي والا ضمن.
واختار في الهدي لا يضمن لأنه محسن
"ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد" بغير خلاف نعلمه إلا ما روي عن الشعي فلو جاء بجلد شاة وقال هذا جلد شاتك قبل قوله وعنه لا والصحيح الأول لأنه مؤتمن على الحفظ أشبه المودع ولأنها عين قبضت بحكم الإجارة أشبهت العين المستأجرة.
واقتضى ذلك أن ما تلف بتعديه أنه ضامن له بغير خلاف وجواز إجارة الراعي وقصة شعيب مع موسى عليه السلام شاهدة بذلك فإذا عقد على معينة تعينت في الأصح فلا يبدلها ويبطل العقد فيما تلف منها وإن عقد(5/48)
وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه وإن تلف الثوب بعد عمله خير المالك بين تضمينه إياه غير معمول ولا اجرة له وبين تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه أجرته.
__________
على موصوف ذكر نوعه وكبره وصغره إلا أن تكون ثم قرينة أو عرف صارف إلى بعضها ولا يلزمه رعي سخالها فإن ذكر عددا تعين وإن أطلق لم يجز وقال القاضي يصح ويحمل على العادة.
"وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه" لأنه لم يرهنه عنده ولا أُذن له في إمساكه فلزمه الضمان كالغاصب.
وقال ابن حمدان إن كان صبغه منه فله حبسه وإن كان من رب الثوب أو قد قصره احتمل وجهين وفي المنثور إن خاطه أو قصره وغزله فتلف بسرقة أو نار فمن مالكه ولا أجرة لأن الصنعة غيرمتميزة كقفيز من صبرة ويستثنى على الأول ما إذا أفلس مستأجره ثم جاء بائعه يطلبه فللصانع حبسه.
"وإن تلف الثوب بعد عمله خير المالك" لأن الجناية على ماله فكانت الخيرة إليه دون غيره "بين تضمينه إياه غيرمعمول ولا أجرة له" لأن الأجرة إنما تجب بالتسليم ولم يوجد "وبين تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه أجرته" لأنه لولم يدفع إليه الأجرة لاجتمع على الأجير فوات الأجرة وضمان ما يقابلها ولأن المالك إذا ضمنه ذلك معمولا يكون في معنى تسليم ذلك معمولا فيجب أن يدفع إليه الأجرة لحصول التسليم الحكمي ويقدم قوله في صفة عمله ذكره ابن رزين ومثله تلف أجير مشترك ذكره القاضي وغيره وقال أبو الخطاب تلزمه قيمته موضع تلفه وله أجرته إليه وكذا عمله غير صفة شرطه أي لا أجرة له في الزيادة لأنه غير مأمور بها وعليه ضمان نقص الغزل المنسوج فيها وفي المغني والشرح له المسمى إن زاد الطول فقط ولم ينقص الأصل بها وإن زاد في العرض فوجهان والظاهر أنه لا اجرة له والفرق بأنه يمكن قطع الزائد في الطول ويبقى الثوب على ما أراد بخلاف العرض وإن نقصهما أو أحدهما فقيل لاشيء له ويضمن كنقص الأصل وقيل(5/49)
وإذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة أو كبحها أو الرائض الدابة لم يضمن ما تلفت به وإن قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصا فالقول قول الخياط نص عليه
__________
بحصته من المسمى وقيل لا شيء له في نقص العرض بخلاف النقص في الطول فإن له حصته في المسمى
فرع: إذا أخطأ قصار ودفع الثوب إلى غيرمالكه ضمنه فإن قطعه قابضه غرم أرش قطعه كدراهم أنفقها ويرده مقطوعا على الأصح فإن تلف عنده ضمنه كما لو علم وعنه لا لعجزه عن دفعه.
"وإذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة أو كبحها" أي جذبها لتقف وفي الشرح يحثها به على السير لتلحق القافلة ويقال بالخاء المعجمة "أو الرائض الدابة" أي معلمها "لم يضمن ما تلف به" لأنه تلف من فعل مستحق فلم يضمناه كما لو تلفت تحت الحمل وظاهره أنه يجب الضمان إذا زاد على العادة وصرح به في الكافي لأنه جناية على ملك الغير فوجب الضمان كالغاصب وقد اقتضى ذلك جواز ضرب المستأجر الدابة للاستصلاح لأنه عليه السلام نخس بعير جابر وضربه وكان أبو بكر ينخس بعيره بمحجنه فلو اكتراها وتركها في اصطبله فماتت فهدر وإن سقط عليها ضمنها
تنبيه: العين المؤجرة أمانة في يد مستأجرها إن تلفت بغير تفريط لم يضمنها ولا فرق بين الإجارة الصحيحة والفاسدة فإذا انقضت المدة رفع يده عنها ولم يلزمه الرد أومأ إليه في رواية ابن منصور لأنه لو وجب ضمانها لوجب ردها كالعارية وحينئذ تبقى في يده أمانة كالوديعة وقيل يجب ردها مع القدرة إن طلبت منه قطع القاضي به في الخلاف وقيل مطلقا ويضمنه إن تلف مع إمكان رده كعارية ومؤنة الرد على مالكها في الأصح كمودع فلو شرط على مستأجر ضمانها لم يصح الشرط في الأصح وفي العقد وجهان.
"وإن قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصا فالقول قول الخياط نص عليه" في رواية ابن منصورلأنهما اتقفا على الإذن واختلفا(5/50)
__________
في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب فعلى هذا يحلف الخياط لبعض عنه الغرمويستحق أجر المثل وقيل يقبل قول ربه اختاره المؤلف لأنهما اختلفا في صفة الإذن فيقبل قوله فيها لأن الأصل عدم الإذن المختلف فيها فعليها يحلف أنه ما أذن في قطعة قباء ويغرم الأجير نقصه ولا أجرة له وعنه يعمل بظاهر الحال كاختلاف الزوجين في متاع البيت وقيل بالتحالف كالاختلاف في ثمن المبيع وحكم الصباغ إذا قال أذنت في صبغة أحمر قال بل أصفر كذلك
تنبيه: إذا دفع إلى خياط ثوبا وقال إن كان يقطع قميصا فاقطعه فقال هو يقطع فقطعه ولم يكفه أو قال انظر هل يكفيني قميصا فقال نعم فقال اقطعه فقطعه ولم يكفه ضمنه فيهما فإن قال اقطعه قميص رجل فقطعه قميص امرأة غرم ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا في الأصح وقيل يغرم ما بين قيمتها فإن أكراه ليلبسه لم ينم فيه ليلا ولا وقت القيلولة ولم يأتزر به فإن ارتدى به جاز في الأقيس.
مسألة: إذا اختلفا في قدر الأجرة تحالفا كالبيع نص عليه ويبدأ بيمين الآجر وكذا إذا اختلفا في المدة وعنه يصدق المؤجر وعنه المستأجر وعلى التحالف إن كان بعد المدة فأجرة المثل لتعذر رد المنفعة وإن كان في أثنائها فبالقسط فلو اختلفا في التعدي قبل قول المستأجر لأنه أمين فإن قال بعد القبض مرض العبد أو أبق أو شردت الدابة فلم أقدر على ردها صدق وحلف على الأصح وعنه يقبل قول المؤجر فلو ادعى مرضه وأصابه صحيحا قبل قول المالك سواء صدقه العبد أو كذبه نص عليه وعنه يقبل قول المستأجر في الإباق دون المرض فلو اختلفا في وقت هلاك العين قدم قول المستأجر لأن الأصل عدم الانتفاع(5/51)
فصل
وتجب الأجرة بنفس العقد إلا أن يتفقا على تأخيرها ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه
__________
فصل
"وتجب الأجرة بنفس العقد" أي إذا أطلق وكان العقد وقع على عين كأرض ودار ونحوهما أو ذمة لأن المؤجر يملك الأجرة بنفس العقد كما يملك البائع الثمن بالبيع وحينئذ تكون حالة من نقد بلد العقد إن لم يشترطا غيره وقال طائفة لم يملكها ولا يستحق المطالبة بها إلا يوما بيوم إلا أن يشترط تعجيلها لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: من الآية6] أمر بايتائهن بعد الرضاع ولقوله عليه السلام: "ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره" ولأنه عوض لم يملك فلم يجب تسليمه كالعوض في العقد الفاسد.
وجوابه بأنه عوض أطلق في عقد معاوضة فيستحق بمطلق العقد كالثمن والصداق وله الوطء وأما الآية فتحتمل أنه اراد الإيتاء عند الشروع في الرضاع أو تسليم نفسها وتحققه أن الإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: من الآية24] والصداق يجب قبل الاستمتاع مع أنهما إنما وردا فيمن استؤجر على عمل.
فأما ما وقعت الإجارة فيه على مدة فلا تعرض لها فيه "إلا أن يتفقا على تأخيرها" فلا يجب كما لو اتفقا على تأخير الثمن واقتضى ذلك جواز تأجيلها وقيل إن لم يكن نفعا في الذمة وقيل يجب قبضها في المجلس كرأس مال السلم فلا تحل مؤجلة بموت في أصح قولي العلماء وإن حل دين به لأن حلها مع تأخير استيفاء المنفعة ظلم قاله الشيخ تقي الدين "ولا يجب تسليم أجرةالعمل في الذمة حتى يتسلمه" وإن وجبت بالعقد وعلى هذا وردت النصوص ولأن الأجير إنما يوفى أجره إذا قضى عمله لأنه عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض كالصداق والثمن وفارق الإجارة(5/52)
وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضائها خير المالك بين أخذه بالقيمة أو تركه بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه
__________
على الأعيان لأن تسليمها أجري مجرى تسليم نفعها ومتى كانت على عمل في الذمة لم يحصل تسليم المنفعة ولا يقوم مقامها فيتوقف استحقاق تسليم الأجر على تسليم العمل فإن عمل بعضه فله أجرة المثل لما عمل وقيل إن كان معذورا في ترك العمل وإلا احتمل وجهين وقال ابن أبي موسى من استؤجر لعمل معلوم استحق الأجر عند ايفاء العمل وإن استؤجر كل يوم بأجرة معلومة فله أجر كل يوم عند تمامه
تنبيه: يستقر الأجر كاملا باستيفاء المنفعة وبتسليم العين ومضي المدة ولا مانع له من الانتفاع أو بفراغ عمل بيد مستأجر ويدفعه إليه بعد عمله فلو بذل له تسليم العين وامتنع المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه كما لو كانت بيده وان كانت على عمل فذكر الأصحاب أنها تستقر إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء منها وصحح في المغني أنه لا أجر عليه لأنه عقد على ما في الذمة فلم يستقر عوضه بذل التسليم كالمسلم فيه.
"وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضائها" بل أطلق وكانت أو أجرت لذلك "خير المالك" أي رب الأرض "بين أخذه بالقيمة" أي بدفع قيمة الغراس أو البناء فيملكه مع أرضه لأن الضرر يزول بذلك وفي الفائق إذا كانت الأرض وقفا لم يملك التملك الا بشرط واقف أو رضى مستحق الريع.
"أو تركه بالأجرة" اي أجرة المثل "أو قلعه وضمان نقصه" لما فيه من الجمع بين الحقين وظاهره لا فرق بين كون المستأجر وقف ما بناه اولا وهذا ما لم يقلعه مالكه ولم يكن البناء مسجدا ونحوه فلا يهدم اختاره في الفنون والشيخ تقي الدين فإن قلت هلا ملك القلع من غيرضمان النقص كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضي تفريغها عند انقضائها كالمستأجر(5/53)
وإن شرط قلعه لزمه ذلك ولم تجب تسوية الأرض إلا بشرط وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط المستأجر فللمالك أخذه بالقيمة أو تركه بالأجرة وإن كان بغير تفريط
__________
للزرع قلت لقوله عليه السلام "ليس لعرق ظالم حق" فإنه يدل على أن غير الظالم له حق وهنا كذلك لأنه غرس بإذن المالك ولم يشترط قلعه فلم يجبر عليه من غير ضمان النقص كما لو استعارها للغرس ثم رجع قبل انقضائها فإن شرط فيها بقاء غرس فهو صحيح على الأصح كإطلاقه فإن اختار رب الأرض القلع فهو على مستأجر وليس عليه تسوية الحفر قاله في التلخيص وغيره وإن اختاره مالكه لزمه تسوية الحفر قاله في المغني والشرح وغيرهما.
"وإن شرط قلعه لزمه ذلك" وفاء بموجب شرطه فإن قلت إذا كان إطلاق العقد فيهما يقتضي التأبيد فشرط القلع ينافي مقتضى العقد فيفسده قلت اقتضاؤه التأبيد إنما هو من حيث إن العادة تبقيتهما فإذا أطلقه حمل على العادة فإذا شرط خلافه جاز لزم تركه بالأجرة كما لو باع بغير نقد البلد وحينئذ لا يجب على رب الأرض غرامة نقص.
"ولم يجب تسوية الأرض" على المستأجر لأنهما دخلا على ذلك لرضاهما بالقلع إلا بشرط لما ذكرنا على إبقائه بأجرة أو غيرها جاز إذا شرطا مدة معلومة وظهر مما سبق أن للمستأجر أن يغرس ويبني قبل انقضاء المدة إذا استأجرها لذلك فإذا انقضت فلا.
"وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط المستأجر" مثل أن يزرع زرعا لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة "فللمالك أخذه بالقيمة" ما لم يختر المستأجر قلع زرعه في الحال وتفريغ الأرض فله ذلك ولا يلزمه وقيل للمالك أخذه بنفقته "أو تركه بالأجرة" أي بأجرة المثل لما زاد على المدة لأنه أبقى زرعه في أرض غيره بعدوانه كالغاصب وذكر القاضي ان على المستأجر نقل الزرع وتفريغ الأرض وإن اتفقا على تركه بعوض جاز.
"وإن كان بغير تفريط" مثل أن يزرع زرعا ينتهي في المدة عادة ثم يتأخر لبرد أو(5/54)
لزم تركه بالأجرة وإذا تسلم العين في الإجارة الفاسدة حتى انقضت المدة فعليه أجرة المثل سكن أو لم يسكن وإذا اكترى بدراهم واعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستاجر بالدراهم
__________
غيره "لزم تركه بالأجرة" لحصول زرعه في أرض غيره بإذنه من غير تفريط فهو كما لو أعاره أرضا فزرعها ثم رجع المالك قبل كمال الزرع.
فرع: إذا أراد المستأجر زرع شيء لا يدرك مثله في مدة الإجارة فللمالك منعه فإن زرع لم يملك مطالبته بقلعه قبل المدة لأنه في أرض ملك نفعها فلو اكتراها مدة لزرع ما لا يكمل فيها وشرط قلعه عند فراغها صح وإن شرط البقاء حتى يكمل أو سكت فسد العقد فإذا فرغت المدة والزرع قائم فهو كمفرط في الأصح.
"وإذا تسلم العين في الإجارة الفاسدة حتى انقضت المدة فعليه أجرة المثل" لمدة بقائها في يده "سكن أو لم يسكن" لأن المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاه ويتخرج على قول أبي بكر أنه يضمن بالأجرة المسماة واختاره الشيخ تقي الدين وذكر أنه قياس المذهب أخذا له من النكاح وعن أحمد لا شيء له لأنه عقد فاسد على منافع لم يستوفها فلم يلزمه عوضا كالنكاح الفاسد فأما إن بذل التسليم في الإجارة الفاسدة فلم يتسلمها فلا أجر عليه لأن المنافع لم تتلف تحت يده
فرع: المبيع بعقد فاسد كمستعير فقط ذكره في المجرد والفصول والمغني لتضمنه إذنا وفي الفروع توجيه أنه في وجه كغصب وفي القواعد أنه المذهب المعروف وانه لا ينعقد وتترتب عليه احكام الغصب وخرج أبو الخطاب في انتصاره صحة التصرف في البيع الفاسد في النكاح واعترضه أحمد الحربي في تعليقه.
"وإذا اكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم" لأن العقد إذا انفسخ رجع كل من المتعاقدين في العوض الذي بذله(5/55)
وعوض العقد هو الدراهم والمؤجر أخذ الدنانير بعقد آخر ولم ينفسخ أشبه ما إذا قبض الدراهم ثم صرفها بدنانير(5/56)
باب السبق
تجوز المسابقة على الدواب والأقدام وسائر الحيوانات والسفن والمزاريق وغيرها
__________
باب السبق
هو مصدر سبق يسبق سبقا والسبق بتحريك الباء الشيء الذي يسابق عليه وبسكونها المسابقة وهي المجاراة بين حيوان وغيره والمناضلة المسابقة بالرمي والرهان في الخيل والسباق في الخيل والرمي والإجماع على جوازه بغير عوض وسنده قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: من الآية60] الآية وصح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفيا إلى ثنية الوادع وبين التي لم تضمر من ثنيةالوداع إلى مسجد بني زريق قال موسى بن عقبة من الحفياء إلى ثنيه الوداع ستة أميال أو سبعة وقال سفيان من الثنية إلى مسجد بني زريق ميل أو نحوه.
"تجوز المسابقة على الدواب والأقدام" لما روت عائشة قالت سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته فلما أخذني اللحم سابقته فسبقني فقال: "هذه بتلك" رواه احمد وأبو داود وسابق سلمة بن الأكوع رجلا من الأنصار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
"وسائر الحيوانات" كإبل وخيل وبقر وطيور في الأصح ومنعه الآمدي في حمام "والسفن والمزاريق" جمع مزراق وهو الرمح القصير "وغيرها" كمجانيق ورمي أحجار بمقاليع ورفع أحجار ليعرفوا الأشد منهم وصراع لأنه عليه السلام صارع ركانه فصرعه رواه أبو داود.
فوائد: قال في الوسيلة يكره الرقص واللعب كله ومجالس الشعرولا يجوز بعوض إلا في الإبل والخيل والسهام وذكر(5/56)
ولا يجوز بعوض إلا في الإبل والخيل والسهام
__________
ابن عقيل وغيره يكره لعبه بارجوحة ونحوها وفي النصيحة من وثب وثبة مرحا ولعبا بلا نفع فانقلب فذهب عقله عصي وقضى الصلاة ولا يجوز اللعب بالطاب والنقيلة ذكره الشيخ تقي الدين وقال كل فعل افضى إلى المحرم كثيرا حرمه الشارع إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة لأنه يكون سببا للشر والفساد وقال ما ألهى وشغل عما أمر الله به فهو منهي عنه وإن لم يحرم جنسه كبيع وتجارة وغيرهما.
وما روي أن عائشة وجواري معها كن يلعبن باللعب والنبي صلى الله عليه وسلم يراهن رواه أحمد وغيره وكانت لها أرجوحة قبل أن تتزوج رواه أبو داود بإسناد جيد فيرخص فيه للصغار ما لا يرخص فيه للكبار قاله الشيخ تقي الدين في خبر ابن عمر في زمارة الراعي قال في الفروع ويتوجه كذا في العيد ونحوه لقصة أبي بكر وقوله عليه السلام له "دعهما فإنها أيام عيد" .
"ولا يجوز بعوض إلا في الإبل والخيل والسهام" كذا في المحرر والوجيز وابدل في الفروع السهام بسلاح وهو أولى لما روى ابو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجة أو نصل وإسناده حسن واختصت هذه الثلاثة باخذ العوض فيها لأنها من آلات الحرب المأمور بتعليمها وإحكامها وذكر ابن البنا وجها أنه يجوز السبق بالطيور المعدة لأخبار الأعداء وقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة على شياه فصرعه فأخذها ثم عاد مرارا فأسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم غنمه رواه أبو داوود في مراسيله مع الصراع والسبق بالإقدام ونحوهما طاعة إذا قصد به نصر الإسلام وأخذ السبق عليه أخذ الحق فالمغالبة الجائزة تحل بالعوض إذا كانت مما ينفع في الدين اختاره الشيخ تقي الدين ويجوز أخذ الرهان في العلم لقيام الدين بالجهاد والعلم.
وفي الروضه يختص جواز السبق بالأنواع الثلاثة الحافر فيعم كل ذي حافر والخف فيعم كل ذي خف والنصل فيختص النشاب والنبل ولا.(5/57)
بشروط خمسة أحدها تعيين المركوب والرماة سواء كانا اثنين أو جماعتين ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين الثاني أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد فلا يجوز بين عربي وهجين ولا بين قوس عربية وفارسية
__________
يصح السبق والرمي في غير هذه الثلاثة مع الجعل وعدمه ولتعميمه وجه وذكر ابن عبد البر تحريم الرهن في غير الثلاثة إجماعا.
"بشروط خمسة أحدها تعيين المركوب" برؤية "والرماة" لأن القصد معرفة جوهر الحيوان الذي يسابق عليهما وسرعة عدوهما ومعرفة حذق الرماة ولا يحصل إلا بالتعيين بالرؤية فلو عقد اثنان نضالا مع كل منهما نفر غيرمتعينين لم يجز لذلك وإن عقدوا قبل التعيين على أن ينقسموا بعد العقد بالتراضي جاز لا بقرعة وإن بان بعض الحزب كثير الإصابة أو عكسه فادعى ظن خلافه لم يقبل.
"سواء كانا اثنين أو جماعتين" لأنه عليه السلام مر على أصحاب له ينتضلون فقال: "ارموا وأنا مع ابن الأدرع" فأمسك الآخرون فقال: "ارموا وأنا معكم كلكم" صحيح ولأنه إذا جاز أن يكونوا اثنين جاز أن يكونوا جماعتين لأن القصد معرفة الحذق. "ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين" لأن الغرض معرفة عدو الفرس وحذق الرامي دون الراكب والقوس لأنهما آلة للمقصود فلو يشترط تعينهما كالسرج فكل ما تعين لا يجوز إبداله كالمتعين في البيع وما لا يتعين يجوز ويحتمل الجواز إبداله مطلقا فعلى هذا إن شرطا لا يرمي بغير هذا القوس ولا بغير هذا السهم ولايركب غيرهذا الراكب فهو فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد وفي الرعاية إن عقدا على قوس معينة فانتقل إلى نوعه جاز وإن شرط عليه أن لا ينتقل فوجهان.
"الثاني أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد" لأن التفاوت بين النوعين معلوم بحكم العادة أشبها الجنسين "فلا يجوز بين عربي وهجين" وهو من عربي فقط "ولا بين قوس عربية" وهو قوس النبل "وفارسية" وهو قوس(5/58)
ويحتمل الجواز الثالث تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي على ما جرت به العادة الرابع كون العوض معلوما
__________
النشاب قاله الأزهري نص أحمد على جواز المسابقة بالقوس الفارسية لانعقاد الإجماع على الرمي بها وإباحة حملها وقال أبو بكر يكره لما روى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع رجل قوسا فارسية فقال: "لا، ألقها، فإنها ملعونة ولكن عليكم بالقسي العربية وبرماح القنا فبها يؤيد الله هذا الدين وبها يمكن الله لكم في الأرض" ورواه الأثرم والجواب بأنه يحتمل أنه لعنها لحمل العجم لها في ذلك العصر قبل أن يسلموا أو منع العرب من حملها لعدم معرفتهم بها.
"ويحتمل الجواز" وهو وجه ذكره القاضي لأن التفاوت بينهما قريب لاتفاق الجنس واطلقهما في الفروع وعلم منه أنه إذا كان جنسين كالفرس والبعير أنه لا يجوز لأنه لا يكاد يسبق الفرس فلا يحصل الغرض.
"الثالث تحديد المسافة والغاية" أي يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيه لأن الغرض معرفة الأسبق ولا يحصل إلا بتساويهما في الغاية لأن أحدهم قد يكون مقصرا في أول عدوه سريعا في آخره وبالعكس فيحتاج إلى ذلك.
"ومدى الرمي" إما بالمشاهدة أو بالذراع لأن الإصابة تختلف بالقرب والبعد "على ما جرت به العادة" لأن الزائد على ذلك قد يؤدي إلى عدم العلم بالسابق لبعد المسافة فلو استبقا بغير غاية لينظر أيهما يقف أولا لم يجز وكذا لو جعلا مسافة بعيدة في الرمي تتعذر الإصابة في مثلها غالبا وهو ما زاد على ثلاثمائة ذراع لأن الغرض يفوت بذلك ذكره في الشرح وغيره وقيل أنه ما رمى في أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني وهل المراد به ذراع اليد أم غيره لم أر فيه نقلا.
"الرابع كون العوض معلوما" بالمشاهدة أو بالقدر أو بالصفة لأنه مال في(5/59)
الخامس الخروج عن شبهة القمار بأن لا يخرج جميعهم فإن كان الجعل من الإمام أو من أحد غيرهما أو من أحدهما على أن من سبق أخذه جاز وإن جاءا معا فلا شيء لهما وإن سبق المخرج أحرزه سبقه ولم يأخذ من الآخر شيئا وإن سبق الآخر أحرز سبق صاحبه فإن أخرجا معا لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا
__________
عقد فاشترط العلم به كسائر العقود ويشترط فيه أن يكون مباحا ويجوز حالا ومؤجلا وبعضه كقوله إن نضلتني فلك دينار وقفيز حنطة بعد شهر كالبيع غير أنه يحتاج إلى صفة الحنطة بما يعلم به السلم وهذا العوض تمليك بشرط سبقه.
"الخامس الخروج عن شبهة القمار" لأن القمار محرم فشبهه مثله "بأن لا يخرج جميعهم" لأنه إذا أخرج كل واحد منهم فهو قمار لأنه لا يخلو إما أن يغنم أو يغرم ومن لم يخرج بقي سالما من الغرم "فإن كان الجعل من الإمام" صح سواء كان من ماله أو من بيت المال لأن فيه مصلحة وحثا على تعليم الجهاد ونفعا للمسلمين ونص على أنه مختص به لتولية الولايات "أو من أحد غيرهما أو من أحدهما على أن من سبق أخذه جاز" لأنه إذا جاز من غيرهما فلأن يجوز من أحدهما بطريق الأولى ويشترط في غير الإمام بذل العوض من ماله فيقول إن سبقتني فلك عشرة وإن سبقتك فلا شيء عليك "وإن جاءا معا فلا شيء لهما" لأنه لا سابق فيهما "وإن سبق المخرج أحرز سبقه" أي سبق نفسه "ولم يأخذ من الآخر شيئا" لأنه لو أخذ منه شيئا كان قمارا "وإن سبق الآخر أحرز سبق صاحبه" أي سبق المخرج لأنه سبقه فملك المال الذي جعله عوضا في الجعالة كالعوض المجعول في رد الضالة فإن كان العوض في الذمة فهو دين يقضي به عليه ويجبر على تسليمه إن كان موسرا وإن أفلس ضرب به مع الغرماء
تنبيه: السبق بفتح الباء الجعل الذي يسابق عليه يقال سبق إذا أخذ وأعطى فهو من الأضداد.
"فإن أخرجا معا" أي العوض "لم يجز" وكان قمارا "إلا أن يدخلا بينهما(5/60)
يكافىء فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رمييهما فإن سبق احرز سبقيهما وإن سبقاه أحرزا سبقيهما ولم يأخذا منه شيئا وإن سبق أحدهما أحرز السبقين وإن سبق معه المحلل فسبق الآخر بينهما وإن قال المخرج من سبق فله عشرة ومن صلى فله كذا لم يصح
__________
محللا" فإنه يجوز أن يخرجا سواء أخرجاه متساويا أو متفاضلا ولم يجز أن يخرج المحلل شيئا وهو قول سعيد بن المسيب والزهري والأوزاعي لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس قمارا ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار" رواه أبو داود فجعله قمارا إذا أمن السبق لأنه لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم وإذا لم يأمن أن يسبق لم يكن قمارا لأن كل واحد منهما يجوز أن يخلو عن ذلك يشترط في المحلل "أن يكافىء فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رمييهما" للخبر السابق "فإن سبقهما أحرز سبقيهما" اتفاقا لأنه جعل لمن سبق "وإن سبقاه أحرزا سبقيهما" لأن المحلل لم يسبقهما "ولم يأخذا منه" أي من المحلل "شيئا" لأنه لم يشترط عليه لمن سبقه شيئا "وإن سبق أحدهما أحرز السبقين" لأنهما قد جعلاه لمن سبق وقد وجد.
"وإن سبق معه المحلل فسبق الأخر بينهما" أي بين السابق والمحلل نصفين لأنهما قد اشتركا فيه فوجب أن يشتركا في عوضه وسواء كان المستبقون اثنين أو أكثر وظاهره أنه يكفي محلل واحد وقال الآمدي لا يجوزأكثر لدفع الحاجة وقيل بل أكثر وجزم به في الشرح واختار الشيخ تقي الدين لا محلل وأنه أولى بالعدل من كون السبق من أحدهما وأبلغ في تحصيل مقصود كل منهما وهو بيان عجز الآخر.
"وإن قال المخرج" أي من غير المتسابقين "من سبق فله عشرة ومن صلى فله كذلك لم يصح" إذاكانا اثنين لأنه لا فائدة في طلب السبق فلا يحرص عليه لأنه سواء بينهما وإن كانوا أكثر من ثلاثة فقال ذلك صح لأن كل واحد منهم يطلب أن يكون سابقا أو مصليا.(5/61)
وإن قال من صلى فله خمسة صح وإن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه أو غيرهم لم يصح الشرط.
__________
"وإن قال من صلى فله خمسة صح" لأن كلا منهما يجتهد أن يكون سابقا ليحرز أكثر العوضين والمصلي هو الثاني لأن رأسه عند صلا الآخر والصلوان هما العظمان النائبان من جانب الذنب وفي الأثر عن علي قال سبق أبو بكر وصلى عمر وخبطتنا فتنة قال الشاعر:
إن تبتدر غاية يوما لمكرمة
تلق السوابق فينا والمصلينا
فإن قال للمجلي وهو الأول مائة وللمصلي وهو الثاني تسعون وللتالي وهو الثالث ثمانون وللبارع وهو الرابع سبعون وللمرتاح وهو الخامس ستون وللخطي وهوالسادس خمسون وللعاطف وهو السابع أربعون وللمؤمل وهو الثامن ثلاثون وللطيم وهو التاسع عشرون وللسكيت وهوالعاشر عشرة وللفسكل وهو الآخر خمسة صح لأن كل واحد يطلب السبق أو ما يليه وذكر الثعالبي في فقه اللغة أن المجلي هو الثاني والمصلي هو الثالث فلو جعل للمصلي أكثر من المجلي أو جعل لما بعده أكثر منه أو لم يجعل للمصلي شيئا لم يصح لأنه يفضي إلى أن لا يقصد السبق بل يقصد التأخر فيفوت المقصود
مسألة: إذا قال لعشرة من سبق منكم فله عشرة فسبق اثنان فهي بينهما وإن سبق تسعة وتأخر واحد فالعشرة للتسعة وقيل لكل من السابقين عشرة كما لو قال من رد عبدي فله عشرة فرد كل واحد عبدا وفارق ما لو قال من رد عبدي فرده تسعة لأن كل واحد منهم لم يرده وإنما رده حصل من الكل.
"وإن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه" أو بعضهم "أو غيرهم" أو إن سبقتني فلك كذا ولا أرمي أبدا أو شهراً "لم يصح الشرط" لأنه عوض علي عمل فلا يستحقه غير العامل كالعوض في رد الآبق واختار الشيخ تقي الدين صحة شرطه لاستاذه وشراء قوس وكراء حانوت وإطعام الجماعة(5/62)
وفي صحة المسابقة وجهان
فصل
والمسابقة جعالة لكل واحد منهما فسخها إلا أن يظهر الفضل لأحدهما فيكون له الفسخ دون صاحبه وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين وقيل هي عقد لازم ليس لأحدهما فسخها لكنها تنفسخ بموت أحد المركوبين وأحد الراميين
__________
لأنه مما يعين علي الرمي.
"وفي صحة المسابقة وجهان" أشهرهما أنه لا يفسد ونصره في الشرح لأنها عقد لا تتوقف صحتها على تسمية بدل فلم يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح والثاني يفسد لأنه بدل العوض لهذا الغرض فإذا لم يحصل له غرضه لا يلزمه العوض فعليه إن كان المخرج السابق أحرز سبقه وإن كان الآخر قله أجر عمله لأنه عمل بعوض لم يسلم له فاستحق أجر المثل كالإجارة الفاسدة
فصل
"والمسابقة جعالة لكل واحد منهما فسخها" أي قبل الشروع لأنها عقد على ما لا يتحقق القدرة على تسليمه فكان جائزا كرد الآبق وله الزيادة والنقصان في العوض ولم يلزم الآخر إجابته ولا يؤخذ بعوضها رهن ولا كفيل "إلا أن يظهر الفضل لأحدهما" مثل أن يسبق بفرسه في بعض المسافة أو يصيب بسهامه أكثر منه "فيكون له الفسخ" لأن الحق له "دون صاحبه" أي المفضول لأنه لو جاز له ذلك لفاتت غرض المسابقة فلا يحصل المقصود.
"وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين" كوكالة "وقيل هي عقد لازم" لأنه يشترط فيها كون العوض معلوما فكانت لازمة كالإجارة "ليس لأحدهما فسخها" لأنه شأن العقود اللازمة "لكنها تنفسخ بموت أحد المركوبين وأحد الراميين" لأن(5/63)
ولا تبطل بموت أحد الراكبين ولا تلف أحد القوسين ويقوم وارث الميت مقامه فإن لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته والسبق في الخيل بالرأس إذا تماثلت الأعناق وفي مختلفي العنق والإبل بالكتف ولا يجوز أن يجنب أحدهما مع فرسه فرسا يحرضه على العدو ولا يصيح به في وقت سباقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا جلب ولا جنب"
__________
العقد تعلق بعين المركوب والرامي فانفسخ بتلفه كما لو تلف المعقود عليه في الإجارة وفي الترغيب احتمال لا يلزم في حق المحلل لأنه مغبوط كمرتهن.
"ولا تبطل بموت أحد الراكبين ولا تلف أحد القوسين" لأنه غيرمعقود عليه فلم ينفسخ العقد بتلفه كموت أحد المتبايعين "و" عليه "يقوم وارث الميت مقامه" لأنه يقوم مقامه فيما له فكذا فيما عليه وكما لو استأجر شيئا ثم مات.
"فإن لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته" كما لو آجر نفسه لعمل معلوم وإن قلنا جائزة فوجهان وفي الترغيب ولا يجب تسليم عوضه في الحال فإن قلنا بلزومه على الأصح بخلاف أجرة بل يبدأ بتسليم عمل "والسبق في الخيل بالرأس إذا تماثلت الأعناق" أي في الطول والارتفاع والمد "وفي مختلفي العنق والإبل بالكتف" يشترط في المسابقة بعوض إرسال الفرسين أو البعيرين دفعة واحدة ليس لأحدهما أن يرسل قبل الآخر ويكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما وعند الغاية من يضبط السابق لئلا يختلفا في ذلك والسبق بما ذكره المؤلف لأن طويل العنق قد يسبق رأسه لمد عنقه وفي الإبل ما يرفع رأسه وفيه ما يمد عنقه فلذلك اعتبر بالكتف وفي المحرر الكل بالكتف وفي الرعاية السبق في الخيل بالعنق وقيل بالرأس مع تساوي الأعناق وفي مختلفي العنق والإبل بالكتف أو ببعضه وقال ابن حمدان في الكل بالأقدام ورده في المغني والشرح لأنه لا ينضبط.
"ولا يجوز أن يجنب أحدهما مع فرسه فرسا يحرضه على العدو ولا يصيح به في وقت سباقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا جلب ولا جنب" رواه أبو داود وغيره بإسناده حسن عن عمران بن حصين كذا فسره الأصحاب تبعا(5/64)
__________
لمالك وقال أبو عبيد هو الصحيح وقيل معنى الجنب أن يجنب مع فرسه أو وراءه فرسا لا راكب عليه يحرضه على العدو ويحثه عليه وقال القاضي معناه أن يجنب فرسا يتحول عند الغاية عليه لكونه أقل إعياء ورده ابن المنذر والجلب بفتح اللام هو الزجر للفرس والصياح عليه حثا له على الجري(5/65)
فصل في المناضلة
ويشترط لها شروط أربعة احدها أن تكون على من يحسن الرمي فإن كان في أحد الحزبين من لا يحسنه بطل العقد فيه
__________
فصل في المناضلة
هي مفاعلة من النضل يقال ناضلته نضالا ومناضلة كجادلته جدالا ومجادلة وسمي الرمي نضالا لأن السهم التام يسمى ئضلا فالرمي به عمل بالنضل وهي المسابقة بالرمي وهي ثابتة بالكتاب {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} [يوسف: من الآية17] نستبق يوسف وقرىء ننتضل والسنة شهيرة بذلك.
مسألة: إذا قال ارم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم صح وكان جعالة فإن قال فإن أصبت به فلك درهم وإن أخطأت فعليك درهم لم يصح لأنه قمار فإن قال ارم عشرة أسهم فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك درهم صح كما لو قال إن كان صوابك أكثر فلك بكل سهم أصبت به درهم.
"ويشترط لها شروط أربعة أحدها أن تكون على من يحسن الرمي" لأن الغرض معرفة الحذق ومن لا يحسنه لا حذق له فوجوده كعدمه.
"فإن كان في أحد الحزبين من لا يحسنه بطل العقد فيه" أي إذا كان كل حزب جماعة لأن المفسد موجود ممن لا يحسن دون غيره فوجب أن يختص البطلان به وهل يبطل في حق من يحسنه فيه وجهان مبنيان على تفريق الصفقة ذكره في المغني والشرح(5/65)
وأخرج من الحزب الآخر مثله ولهم الفسخ إن أحبوا الثاني معرفة عدد الرشق وعدد الإصابة الثالث معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو مبادرة فالمبادرة أن يقولا من سبق إلى
__________
"وأخرج من الحزب الآخر مثله" كالبيع إذا بطل في البعض بطل فيما يقابله من الثمن "ولهم" أي لكل حزب "الفسخ إن أحبوا" لتبعيض الصفقة في حقهم فإن كان يحسنه لكنه قليل الإصابة فقال حزبه ظنناه كثير الإصابة أو لم نعلم حاله لم يسمع لأن شرط دخوله في العقد أن يكون من أهل الصنعة دون الحذق.
"الثاني معرفة عدد الرشق" بكسر الراء عبارة عن عدد الرمي وأهل العربية يخصونه فيما بين العشرين والثلاثين وبفتحها الرمي وهو مصدر رشقت الشيء رشقا واشترط العلم به لأنه لو كان مجهولا أفضى إلى الاختلاف لأن أحدهما يريد القطع والآخر يريد الزيادة.
"وعدد الإصابة" كخمسة أو ستة أو ما يتفقان عليه من رمي معلوم كعشرين لأن الغرض معرفة الحذق ولا يحصل إلا بذلك وتعتبر إصابة ممكنة قاله في الترغيب وغيره فلو شرطا إصابة نادرة كإصابة جميع الرشق أو تسع من عشرة لم يصح ذكره في المغني والشرح لأن الظاهر أنه لا يوجد فيفوت الغرض ويشترط استواؤهما في عدد الرشق والإصابة وصفتها وسائر احوال الرمي لأن موضوعها على المساواة فاعتبرت كالمسابقة على الحيوان لا على الأبعد فلو قال السبق لأبعدنا رميا لم يجز
فرع: إذا عقدا النضال ولم يذكرا قوسا صح في ظاهر قول القاضي واستويا في العربية والفارسية وقيل لا يصح حتى يذكر نوع القوس الذي يرميان عليه في الابتداء فإن عينا نوعا تعين.
"الثالث معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو مبادرة" لأن غرض الرماة يختلف فمنهم من إصابته في الابتداء أكثر منها في الإنتهاء ومنهم من هو بالعكس فوجب إشتراط ذلك ليعلم ما دخل فيه "فالمبادرة أن يقولا من سبق إلى(5/66)
خمس إصابات من عشرين رمية فقد سبق فأيهما سبق إليها مع تساويهما في الرمي فهو السابق ولا يلزم إتمام الرمي والمفاضلة أن يقولا أينا فضل صاحبه بخمس إصابات من عشرين رمية سبق فأيهما فضل بذلك فهو السابق وإذا أطلقا الإصابة تناولها على أي صفة كانت فإن قالا خواصل كان تأكيدا لأنه اسم لها كيفما كانت
__________
خمس إصابات من عشرين رمية فقد سبق فأيهما سبق إليها مع تساويهما في الرمي فهو السابق ولا يلزم إتمام الرمي" لأن السبق قد حصل بسبقه إلى ما شرطا السبق إليه فإن رمى أحدهما عشرا فأصاب خمسا والآخر تسعا فأصاب أربعا لم يحكم بالسبق ولا بعدمه حتى يرمي العاشر وإن أصاب به فلا سابق منها وإن أخطأ به فالأول سابق وإن لم يكن أصاب من التسعة إلا ثلاثا فقد سبق ولا يحتاج إلى رمي العاشر لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب به ولا يخرجه عن كونه مسبوقا.
"والمفاضلة أن يقولا أينا فضل صاحبه بخمس إصابات من عشرين رمية سبق فأيهما فضل بذلك فهو السابق" لما ذكرنا وللمناضلة صورة أخرى ذكرها أبو الخطاب وفي المغني والشرح وأنها تسمى محاطة ومعناها أن يشترطا حط ما يتساويان فيه من الإصابة في رشق معلوم فإذا فضل أحدهما بإصابة معلومة فقد سبق صاحبه كأن يشترطا الرشق عشرين ويشترطا حط ما يتساويان فيه فإذا فضل أحدهما بعدد فقد فضل صاحبه وإذا أطلقا الإصابة تناولها على أي صفة كانت لأن أي صفة كانت تدخل تحت مسمى الإصابة وفي المغني أن صفة الإصابة شرط لصحة المناضلة وفي الرعاية إن أطلقا العقد كفى إصابة بعضه كيف كان ويسن أن يصفا الإصابة وقيل يجب.
"فإن قالا خواصل" بالخاء المعجمة والصاد المهملة "كان تأكيدا لأنه اسم لها كيفما كانت" قال الأزهري الخاصل الذي أصاب القرطاس وقد خصله إذا أصابه وخصلت مناضلي اخصله خصلا إذا نضلته وسبقته وتسمى القرطسة(5/67)
وإلا قالا خواسق وهو ما خرق الغرض وثبت فيه أو خوارق وهو ما خرقه ولم يثبت فيه وإن قالا خواصر وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض تقيدت بذلك وإن شرطا إصابة موضع من الغرض كالدائرة تقيد به الرابع معرفة قدر الغرض طوله وعرضه وسمكه وارتفاع من الأرض
__________
يقال قرطس إذا أصاب.
"وإن قالا خواسق" بالخاء المعجمة والسين المهملة "وهو ما خرق الغرض وثبت فيه أو خوارق" بالخاء المعجمة والراء "وهو ما خرقه ولم يثبت فيه" وضبطه بعضهم بالزاي وفيه نظر لأن الأزهري والجوهري قالا الخارق بالراء لغة في الخاسق فهما شيء واحد الخوارق بغير به الخواسق فتعين أن يكون بالراء لئلا يلزم الاشتراك أوالمجاز وهما على خلاف الأصل والاصل في الألفاظ التباين.
"وإن قالا خواصر" بالخاء المعجمة والصاد والراء المهملتين "وهو ما وقع في احد جانبي الغرض" ومنه قيل الخاصرة لأنها في جانب الإنسان "تقيدت بذلك" لأنه وصف وقع العقد عليه فوجب أن يتقيد به ضرورة الوفاء بموجبه فإن شرطا الخواسق والخوارق معا صح. "وإن شرطا إصابة موضع من الغرض كالدائرة تقيد به" لأن الغرض يختلف باختلاف ذلك فتعين أن تتقيد المناضلة به تحصيلا للغرض وبقي منها أقسام الأول الموارق وهو ما خرق الغرض ونفذ منه ذكره في المغني والكافي وذكر الأزهري أنه يقال له الصادر الثاني الخوارم وهو ما خرم جانب الغرض الثالث الحوابي وهو ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه ومنه يقال حبا الصبي ذكرهما في المغني وليس الأولان من شرط صحة المناضلة ذكره السامري "الرابع معرفة قدر الغرض طوله وعرضه وسمكه وارتفاعه من الأرض" لأن(5/68)
وإن تشاحا في المبتدىء بالرمي أقرع بينهما وقيل يقدم من له مزية بإخراج السبق وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني والسنة أن يكون لهما غرضان إذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالثاني
__________
الإصابة تختلف باختلاف ذلك فوجب العلم به أشبه تعيين النوع والغرض ما تقصد إصابته من قرطاس أو جلد أو خشب وسمي غرضا لأنه يقصد وقال الأزهري ما نصب في الهدف فهو القرطاس وما نصب في الهواء فهو الغرض وفسره الجوهري بالهدف الذي يرمي فيه وفي بعض النسخ وطوله بالواو والصواب حذفها وفي المحرر ولا بد من معرفة الغرض صفة وقدرا لأن قدر الغرض هو طوله وعرضه وسمكه.
"وإن تشاحا في المبتدىء بالرمي أقرع بينهما" في قول الأكثر لأنهما متساويان في الاستحقاق فيصار إليهما كما لو تنازع المتقاسمان في استحقاق سهم معين.
"وقيل يقدم من له مزية باخراج السبق" لأن له نوعامن الترجيح فيجب أن يقدم به فعلى هذا إن كان العوض من أحدهما قدم صاحبه وإن كان من أجنبي قدم من يختاره منهما فإن لم يختر أقرع وصحح صاحب النهاية أنه لا يبتدىء أحدهما إلا بقرعة لأن العقد موضوع على أن لا يفضل صاحب السبق على صاحبه واختار في الترغيب يعتبر ذكر المبتدىء بت. "وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني" تعديلا بينهما فإن شرطا البداءة لأحدهما في كل الوجوه لم يصح فإن فعلا ذلك بغير شرط برضاهما جاز وإن شرطا أن يبدأ كل واحد منهما من وجهين متواليين جاز ويحتمل أن يكون اشتراط البداءة في كل موضع غير لازم ولا يؤثر في العقد.
"والسنة أن يكون لهما غرضان إذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالثاني" لفعل الصحابة رضي الله عنهم وقد روي مرفوعا "ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة" ويروى أن الصحابة كانوا يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض فإذا جاء الليل كانوا رهبانا ويكفي غرض واحد لأن المقصود(5/69)
وإذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان شرطهم خواصل احتسب به وإن كان خواسق لم يحتسب له به ولا عليه وإن عرض عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة لم يحتسب عليه بالسهم
__________
يحصل به وهو عادة أهل عصرنا
فرع: إذا تشاحا في الوقوف كأن يستقبل أحدهما الشمس والآخر يستدبرها قدم قول من يستدبرها لأنه العرف إلا أن يكون بينهما شرط فيعمل به ولو قصد أحدهما التطويل منع منه.
"وإذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان شرطهم خواصل احتسب به" لأنه لو بقي الغرض موضعه لأصابه "وإن كان خواسق لم يحتسب له به ولا عليه" في قول أبي الخطاب لأنا لا ندري هل يثبت في الغرض لو كان موجودا أولا وقال القاضي ينظر فإن كانت صلابة الهدف كصلابة الغرض فثبت في الهدف احتسب له به وإن لم يثبت فيه مع التساوي لم يحتسب وإن كان الهدف أصلب فلم يثبت فيه لو كان رخوا لم يحتسب السهم له ولا عليه فإن وقع السهم في غيرموضع الغرض احتسب به على راميه وكذا الحكم إذا ألقت الريح الغرض على وجهه.
"وإن عرض عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة لم يحتسب عليه بالسهم" لأن خطأه لعارض لا لسوء رميه وفيه وجه والأشهر ولا له قاله في المغني تبعا للفاضي ولو أصاب لأن الريح الشديدة كما يجوز أن تصرف الرمي الشديد فيخطىء يجوز أن يصرف السهم المخطىء عن خطئه فيصيب فتكون إصابته بالريح لا بحذق رميه فأما إن وقع السهم من حائل فخرقه وأصاب الغرض حسب له لأن إصابته لسداد رميه فهو أولى فلو كانت الريح لينة لا ترد السهم عادة لم تمنع لأن الجو لا يخلو من ريح مع أنها لا تؤثر إلا في الرمي الرخو(5/70)
وإن عرض مطر أو ظلمة جاز تأخير الرمي ويكره للأمين والشهود مدح أحدهما لما فيه من كسر قلب صاحبه
__________
"وإن عرض مطر أو ظلمة جاز تأخيرالرمي" لأن المطر يرخي الوتر والظلمة عذر لا يمكن معه فعل المعقود عليه ولأن العادة الرمي نهارا إلا أن يشترطاه ليلا.
"ويكره للأمين والشهود مدح أحدهما" أي مدح المصيب "لما فيه من كسر قلب صاحبه" أي المخطىء وحرمه ابن عقيل قال في الفروع ويتوجه يجوز مدح المصيب ويكره عيب غيره ويتوجه في شيخ العلم وغيره مدح المصيب من الطلبة وعيب غيره كذلك.(5/71)
كتاب العارية
كتاب العارية
...
كتاب العارية
وهي هبة منفعة تجوز في كل المنافع
__________
كتاب العارية
هي بتخفيف الياء وتشديدها وأصلها من عار إذا ذهب وجاء ومنه قيل للعيار بطال لتردده في بطالته والعرب تقول أعاره وعاره كأطاعه وطاعه قال الأصحاب تبعا للجوهري هي مشتقة من العار وفيه شيء لأن الشارع عليه السلام فعلها وأصل المادة فيما قيل العري الذي هو التجرد تسمى عارية لتجردها عن العوض كما تسمى النخلة الموهوبة عرية لتعريها عن العوض وقيل هو من التعاور أي التناوب لجعله للغير نوبة في الانتفاع وهي مستحبة إجماعا وسنده قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: من الآية2] وقوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:7] قال ابن عباس وابن مسعود هي العواري وقوله عليه السلام: "العارية مؤادة" والمعنى شاهد بذلك فهي كهبة الأعيان وقيل تجب مع غنى ربه اختاره الشيخ تقي الدين وقال بعضهم كانت واجبة في أول الإسلام ثم نسخ.
"وهي هبة منفعة" أي: مع بقاء ملك الرقبة ذكره في الوجيز وغيره ويرد عليه الوصية بالمنفعة وفي المغني والشرح إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال والأولى إياحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليردها على مالكها ويشترط كون المعير أهلا للتبرع شرعا وأهلية مستعير للتبرع له وتنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها "تجوز في كل المنافع" المباحة كالدور والعبيد والدواب والثياب ونحوها لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة فرسا ومن صفوان أدراعا وسئل عن حق الإبل فقال: "إعارة ذلولها وإطراق فحلها" فثبت ذلك في المنصوص عليه والباقي قياسا وتدخل فيه إعارة النقدين للوزن فإن استعارهما للنفقة فقرض ذكره في المغني والشرح وقيل لا يجوز ونقل(5/72)
إلا منافع البضع ولا يجوز إعارة العبد المسلم لكافر ويكره إعارة الأمة الشابة لرجل غيرمحرمها واستعارة والديه للخدمة وللمعير الرجوع متى شاء
__________
صالح منحة لبن هو العارية ومنحه ينوي هو القرض.
"إلا منافع البضع" لأن الوطء لا يجوز إلا في نكاح أو ملك يمين وكلاهما منتف فلم يجز إجماعا.
"ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر" لأنه لايجوز له استخدامه فكذا إعارته وقيل هو كإجارته وقيل بالكراهة وما حرم استعماله لمحرم وقيل كلبا لصيد وفحلا لضراب
فرع: تجب إعارة مصحف لمن احتاج إلى القراءة فيه ولم يجد غيره ذكره القاضي وغيره. "وتكره إعارة الأمة الشابة لرجل غير محرمها" لأنه لا يؤمن عليها وقيل يحرم وصوبه بعضهم لا سيما لشاب خصوصا الأعزب ولا بأس بشوهاء وكبيرة لأنه لا يشتهي مثلها وظاهره أنه لا تكره إعارتها لامرأة ولا ذي محرم لأنه مأمون عليها.
"و" تكره "استعارة والديه" إذا كانا رقيقين أو أحدهما "للخدمة" لأنه يكره استخدامهما فكذا استعارتهما لذلك وعلم منه أنه لا يكره استعارة ولده لها كأم ولده.
"وللمعير الرجوع متى شاء" لأن المنافع المستقبلة لم تحصل في يده فلم يملكها بالإعارة وسواء كانت مطلقة أو مؤقتة قبل الانتفاع أو بعده وعنه إن عين مدة تعينت.
وعنه: ومع الإطلاق لا يرجع قبل إنتفاعه ولزمه تركها مدة ينتفع بها في مثلها قال القاضي القبض شرط في لزومها وقال يحصل بها الملك مع عدم قبضها(5/73)
ما لم يأذن في شغله بشيء يستضر المستعير برجوعه فيه مثل أن يعيره سفينة لحمل متاعه فليس له الرجوع ما دامت في لجة البحر وإن أعاره أرضا للدفن لم يرض حتى يبلى الميت وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع ما دام عليه وان سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده وإن أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد إلا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصده
__________
وأما المستعير فيجوز له الرد بغير خلاف نعلمه "ما لم يأذن في شغله" بفتح أوله وسكون ثانيه مصدر شغل يشغل وفيهما أربع لغات "بشيء يستضر المستعير برجوعه فيه مثل أن يعيره سفينة" فعيلة من السفن "لحمل متاعه" أو لوحا يرقع به سفينة فرقعها ولجج في البحر "فليس له الرجوع ما دامت في لجة البحر" لما فيه من الضرر.
وظاهره أنها إذا رست جاز الرجوع لانتفاء الضرر.
"وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت" لما فيه من هتك حرمته وقال ابن البنا لا يرجع حتى يصير رميما وقال ابن الجوزي يخرج عظامه ويأخذ أرضه ولا أجرة لها واقتضى ذلك أنه يرجع فيها قبل الدفن.
"وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه" جاز كالأرض للغرس "لم يرجع ما دام عليه" لأن هذا يراد للبقاء ولما فيه من الضرر على المستعير فإن قال أنا أدفع إليك ما نقص بالقلع لم يلزم المستعير ذلك وفيه احتمال "فإن سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده" لأن الإذن تناول الحائط فلا يتعدى إلى غيره وقال القاضي والمؤلف له إعارته وصححه الحارثي قال وهو اللائق بالمذهب لأن السبب مستمر فكان الاستحقاق مستمرا وعلى الأول سواء بنى الحائط بآلته أو غيرها أو زالت الخشب بانهدام أو باختيار المستعير فإن أذن في إعادته أو عند الضرورة إن لم يتضرر الحائط جاز.
"وإن أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد" لما فيه من الضرر فإن بذل له المعير قيمة الزرع ليملكه لم يكن له ذلك نص عليه لأن له وقتا ينتهي إليه "إلا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصد" لعدم الضرر فيه ولا أجرة عليه اختاره المجد(5/74)
وإن أعارها للغرس أو البناء وشرط عليه القلع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع ولا يلزمه تسوية الأرض إلا بشرط وإن لم يشترط عليه القلع لم يلزمه إلا أن يضمن له المعيرالنقص فإن قلع فعليه تسوية الأرض وإن أبى القلع فللمعير أخذه بقيمته فإن أبى ذلك بيعا لهما
__________
"وإن أعارها للغرس أو البناء وشرط عليه القلع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع" مجانا لقوله عليه السلام "المسلمون على شروطهم" ولأن العارية مؤقتة غيرمطلقة فلم تتناول ما عدا المقيد ولأن المستعير دخل فيها راضيا بالتزام الضرر الداخل عليه بالقلع وظاهره ليس على صاحب الأرض ضمان نقصه بغير خلاف نعلمه.
"ولا يلزمه تسوية الأرض" لرضاه بضرر القلع "إلا بشرط" جزم به في الوجيز والمستوعب لما ذكرنا وقيل يلزمه مطلقا.
"وإن لم يشرط عليه القلع لم يلزمه" لما فيه من ضرر "إلا أن يضمن له المعير النقص" فيلزمه لأنه رجوع في العارية من غيرضرر وقال الحلواني لا يلزمه "فإن قلع" المستعير وليس مشروطا عليه "فعليه تسوية الأرض" لأن القلع باختياره ولوامتنع منه لم يجبرعليه فلزمته التسوية كالمشتري لما فيه شفعة إذا أخذ غرسه وقال القاضي وجماعة لا يلزمه لأن المعير رضي بذلك حيث أعاره مع علمه بأن له قلع غرسه الذي لا يمكن إلا بالحفر.
"وإن أبى القلع" أي في حال لا يجير عليه فيها "فللمعير أخذه بقيمته" ويجبر المستعير على ذلك لأن غرسه أو بناءه حصل في ملك غيره كالشفيع مع المشتري والمؤجر مع المستأجر فإن قال المستعير أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لي لم يلزم المعير لأنهما تبع للأرض بدليل دخولهما في البيع "فإن أبى ذلك" أي إذا امتنع من دفع القيمة وأرش النقص وامتنع المستعير من القلع ودفع الأجر "بيعا" أي الغراس والأرض "لهما" لأن ذلك طريق إلى تحصيل مالية كل واحد منهما ولا بد أن يكون البيع باتفاقهما ويدفع إلى كل واحد قدر حقه فيقال كم قيمة الأرض فارغة فيقال عشرة ومشغولة خمسة عشر(5/75)
فإن أبيا البيع ترك بحاله وللمعير التصرف في أرضه على وجه لا يضر بالشجر وللمستعير الدخول للسقي والإصلاح وأخذ الثمرة ولم يذكر أصحابنا عليه أجرة من حين الرجوع وذكروا عليه أجرة في الزرع فيخرج فيهما وفي سائر المسائل وجهان.
__________
فيكون للمعير ثلثا الثمن، وللمستعير ثلثه، فإن طلب أحدهما البيع أجبر الآخر عليه في الأصح ولكل منها بيع ماله منفردا لمن شاء، ويكون كهو، وقيل: لا يصح بيع المستعير لغير المعير.
" فإن أبيا البيع ترك بحاله" أي: يبقى فيها مجانا في الأصح حتى يتفقا؛ لأن الحق لهما. وقال ابن حمدان يبيعهما الحاكم
تنبيه: غرس المشتري وبناؤه كذلك إذا فسخ البيع بعيب أو فلس وفيه وجه لايأخذه ولا يقلعه وقيل إن أبى المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص وأبى دفع قيمته رجع أيضا "وللمعير التصرف في أرضه" والانتفاع بها كيف شاء ودخولها لأنها ملكه "على وجه لا يضر بالشجر" والبناء لإذنه فيهما ولا ينتفع بهما "وللمستعير الدخول للسقي والإصلاح وأخذ الثمرة" لأن الإذن في الشيء إذن فيما يعود بصلاحه واقتضى أنه ليس له الدخول لغير حاجة كالتفرج ونحوه وصرح به في الشرح.
"ولم يذكر أصحابنا عليه أجرة من حين الرجوع" لأن بقاء الغراس والبناء بحكم العارية فوجب كونه بلا أجرة كالخشب على الحائط "وذكروا"أي أكثر الأصحاب "عليه أجرة في الزرع" من رجوعه لأن مقتضى رجوع المعير منع المستعير من الانتفاع ضرورة بطلان الإذن المبيح لذلك فوجب بقاؤه بأجرة مثله جمعا بين الحقين "فيخرج فيهما وفي سائر المسائل" أي في كل موضع يشبهها "وجهان" لاستوائهما في الرجوع الموجب لذلك فخرج بعضهم من الزرع إلى الشجر والبناء وعكس آخرون وقيل يجري في كل ما استعير(5/76)
وإن غرس أو بنى بعد الرجوع أو بعد الوقت فهو غاصب يأتي حكمه وإن حمل السيل بذرا إلى أرض فنبت فيها فهو لصاحبه فيبقى إلى الحصاد بأجرة مثله وقال القاضي لا أجرة له ويحتمل أن لصاحب الأرض أخذه بقيمته
__________
وجزم به "في التبصرة" في
مسألة: السفينة، واختاره أبو محمد الجوزي فيما سوى أرض للدفن لأن الأصل جواز الرجوع وإنما منع من القلع لما فيه من الضرر ففي دفع الأجرة جمع بين الحقين
والثاني لا يجب في شيء من المواضع لأن حكم العارية باق فيه لكونها صارت لازمة للضرر اللاحق بفسخها والإعارة تقتضي الانتفاع بغير عوض
"وإن غرس أو بنى بعد الرجوع أو بعد الوقت فهو غاصب" لأنه تصرف بغير إذن المالك وعبارة الوجيز وفعله بعد المنع أو المدة غصب وهي أعم "يأتي حكمه" في الغصب
مسألة: استعار دابة إلى موضع فجاوزه فقد تعدى وعليه أجر المثل للزائد خاصة فإن قال مالكها أعرتكها إلى فرسخ فقال إلى فرسخين قدم قول المالك
"وإن حمل السيل بذرا إلى أرض فنبت فيها فهو لصاحبه" لأنه نماء ملكه ولا يجبر على قلعه فإن أحب قلعه فله ذلك وعليه تسوية الحفر وما نقصت لأنه أدخل النقص على ملك غيره لاستصلاح ملكه "فيبقى إلى الحصاد بأجرة مثله" جزم به في الوجيز وهو الأولى لأن إلزامه تبقية زرع ما أذن فيه في أرضه بغير أجرة إضرار به فوجب عليه أجر المثل كما لو انقضت مدة الإجارة وفيها زرع لم يفرط في زرعه "وقال القاضي لاأجرة له" لأنه حصل فيها بغيرتفريطه أشبه بيتوتة الدابة في ملك غيره بغيرتفريطه
"ويحتمل أن لصاحب الأرض أخذه بقيمته"كزرع الغاصب فقيل بذرا وقيل بقيمته إذن ورد بأنه حصل فيها بغير عدوان وقد أمكن جبر حق المالك(5/77)
وإن حمل غرس رجل فنبت في أرض غيره فهل يكون كغرس الشفيع أو كغرس الغاصب على وجهين
فصل
وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم المستأجر
__________
يدفع الأجر إليه والساقط لرب الأرض إذا نبت فيها سواء كان مالكا أو مستعيرا أو مستأجرا وقيل له حكم العارية وفي أجرتها وجهان
"وإن حمل غرس رجل" أو نواة أو لوزا "فنبت في أرض غيره" فهو لصاحبه لأنه نماء ملكه كالزرع لكن "فهل يكون كغرس الشفيع" قدمه في الفروع وغيره" لأنه ساواه في عدم التعدي قال ابن المنجا وفي التشبيه نظر لأنه يوهم أن الغرس ملك الشفيع وليس كذلك بل الشفيع إذا أخذ بالشفعة وكان المشتري قد غرس لا يملك الشفيع قلع الغرس من غير ضمان النقص والأولى أن يقال كغرس المشتري لما فيه شفعة "أوكغرس الغاصب؟" جزم به في الوجيز لأنه ساواه في عدم الإذن "على وجهين" والفرق بين الغراسين أن قلع الثاني مجانا مستحق بخلاف غرس الشفيع
فرع: لو حمل السيل أرضا بشجرها فنبت في أرض آخر كما كانت فهي لمالكها يجبر على إزالتها وفي كل ذلك لو ترك صاحب الأرض المنتقلة أو الشجر أو الزرع لصاحب الأرض المنتقل إليها لم يلزمه نقله ولا أجرة لأنه حصل بغير تفريط ولا عدوانه وكانت الخيرة لصاحب الأرض المشغولة به إن شاء أخذه وإن شاء قلعة ذكره في الشرح
فصل
"وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم المستأجر" لأنه ملك التصرف بإذن المالك أشبه المستأجر فعلى هذا إن أعاره للغرس أو البناء فله أن يزرع ما شاء ولا عكس وإن أذن له في زرع مرة لم يملك أخرى وله استيفاء المنفعة بنفسه(5/78)
والعارية مضمونة بقيمتها يوم تلفها وإن شرط نفي ضمانها وكل ما كان أمانة لا يصير مضمونا بشرطه وما كان مضمونا لا ينتفي ضمانه بشرطه
__________
وبوكيله لأنه نائب عنه "والعارية" المقبوضة "مضمونة "نص عليه روي عن ابن عباس وأبي هريرة لما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه" رواه الخمسة وصحح الحاكم إسناده
وعن صفوان أنه عليه السلام استعار منه يوم حنين أدراعا فقال أغصبا يا محمد قال "بل عارية مضمونة" رواه أحمد وأبو داود ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفردا بنفعه من غيراستحقاق ولا إذن في إتلاف فكان مضمونا كالغصب وقاسه في المغني والشرح على المقبوض على وجه السوم
قال في "الفروع" فدل على رواية مخرجة وهو متجه وذكر الحارثي لا يضمن وذكره الشيخ تقي الدين عن بعض أصحابنا واختاره صاحب الهدي فيه لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال "ليس على المستعير ضمان" ولأنه قبضها بإذن مالكها فكانت أمانة ورد بأنه يرويه عمرو بن عبد الجبار عن عبيد بن حسان وهما ضعيفان قاله الدارقطني مع أنه يحتمل أنه أراد ضمان المنافع والأجرة وعلى المذهب لا فرق بين أن يتعدى فيها أولا
ويستثنى منه ما إذا تلفت في يد مستعير من مستأجرها أو يكون المعار وقفا ككتب العلم ونحوها فلا يضمن فيهما إذا لم يفرط "بقيمتها" لأنها بدل عنها في الإتلاف فوجب عند تلفها كالإتلاف وإذا قلنا بضمان الأجزاء التالفة بالانتفاع فإنه يضمنها بقيمتها قبل تلف أجزائها إن كانت قيمتها أكثر وإن كانت مثلية ضمنها بمثلها "يوم تلفها" لأنه حينئذ يتحقق فوات العارية فوجب إعتبار الضمان به "وإن شرط نفي ضمانها" أي لم يسقط لأن كل الضمان لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع "وكل ما كان أمانة" كالوديعة "لايصير مضمونا بشرطه وما كان مضمونا لا ينتفي ضمانه بشرطه" لأن العقد إذا اقتضى شيئا فشرط غيره يكون شرطا لشيء ينافي مقتضى العقد فلم يصح(5/79)
وعن أحمد أنه ذكر له ذلك فقال المسلمون على شروطهم فيدل على نفي الضمان بشرطه وإن تلفت أجزاؤها بالإستعمال كحمل المنشفة فعلى وجهين وليس للمستعير أن يعير
__________
كما لو شرط في المبيع أن لا يبيعه
"وعن أحمد أنه ذكر له ذلك فقال المسلمون على شروطهم فيدل على نفي الضمان بشرطه" قال أبو الخطاب أومأ إليه أحمد واختاره أبو حفص والشيخ تقي الدين لأنه لو أذن في إتلافها لم يجب ضمانها فكذا إذا سقط عنه ضمانها وعنه إن لم يشرط نفيه جزم به في التبصرة "وإن تلفت أجزاؤها بالاستعمال" أي بانتفاع معروف "كحمل المنشفة فعلى وجهين" أصحهما لا يضمن لأن الإذن في الاستعمال تضمن الإذن في الإتلاف وما أذن في إتلافه لا يضمن كالمنافع والثاني بلى لأنها أجزاء مضمونة لو تلفت العين قبل استعمالها فوجب أن يضمن بتلفها بالاستعمال كسائر الأجزاء
ورد بالفرق فإنها لا تتميز من العين ومقتضى ذلك أنه إذا تلف شيء من أجزائها الذي لا يذهب بالاستعمال أنه يضمنه لأن ما ضمنت جملته ضمنت أجزاؤه كالمغصوب وكذا لو تلف جزؤها باستعمال غيرمأذون فيه كاستعارة ثوب في لبس فحمل فيه ترابا لأنه تلف يتعديه أما ما تلف بطول الزمان فهوكالذي تلف بالاستعمال لأنه تلف بالإمساك المأذون فيه أشبه تلفه بالفعل المأذون فيه
تنبيه: الخلاف جار في ولد العارية وزيادتها والأصح أنه لا يضمن لأنه لم يدخل فيها ولا فائدة للمستعير فيه وكذا تجري في ولد مؤجرة ووديعة ويصدق المستعير في عدم التعدي حيث لا بينة
"وليس للمستعير أن يعير" لأنها إباحة المنفعة فلم يجز أن يبيحها غيره كإباحة الطعام قاله في المغني والشرح وليس بظاهر على القول بأنها هبة منفعة بل الانتفاع بها مستفاد بالإذن لا بطريق المعاوضة وهو يختلف وقيل له ذلك(5/80)
فإن فعل فتلف عند الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان على الثاني وعلى رد العارية فإن رد الدابة إلى اصطبل المالك أو غلامه لم يبرأ من الضمان إلا أن يردها إلى من جرت العادة بجريان ذلك على يده كالسائس ونحوه
__________
لأنه يملكه على حسب ما ملكه فجاز كإيجار المستأجر قال في الشرح وحكاه صاحب المحرر قولا لأحمد قال ويحتمل أن يكون مذهبا لأحمد في العارية المؤقتة بناء على أنه إذا أعاره أرضه سنة ليبني فيها لم يحل له الرجوع قبل السنة لأنه قدر المنفعة كالمستأجر وأطلق في الفروع الخلاف أصلهما هل هي هبة ومنفعة أو إباحة ويتوجه عليهما تعليقها بشرط وفي المنتخب يصح قال في الترغيب يكفي ما دل على الرضى من قول أو فعل
"فإن فعل" فلمالكها الرجوع بأجرة مثلها على من شاء منهما لأن الأول سلط غيره على أخذ مال غيره بغير إذنه والثاني استوفاه بغير إذنه فإن ضمن الأول رجع على الثاني لأن الاستيفاء حصل منه وإن ضمن الثاني لم يرجع على الأول إلا أن لا يعلم بالحال "فتلف عند الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء" لتعدي كل منهما "ويستقر الضمان على الثاني" إذا كان عالما بالحال لأن التلف حصل في يده وإلا ضمن العين دون المنفعة ويستقر ضمان المنفعة على الأول "وعلى المستعير مؤنة رد العارية" لما تقدم من قوله "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" وإذا كانت واجبة الرد وجب أن تكون مؤنة الرد على من يجب عليه الرد ومؤنة عينها على المعير قاله في شرح الهداية والرعاية وذكر الحلواني أن نفقتها على المستعير وإليه ميل الشيخ تقي الدين وقال لا أعرف فيها نقلا وخرجها على الخلاف في نفقة الجارية الموصى بنفعها فقط وحينئذ يجب ردها إلى المعير أو وكيله في قبضها.
"فإن رد الدابة إلى اصطبل المالك أو غلامه لم يبرأ من الضمان" لأنه لم يردها إلى مالكها ولا نائبه فيها فلم يبرأ كالأجنبي واختار ابن حمدان أنه يبرأ بردها إلى غلامه "إلا أن يردها إلى من جرت العادة بجريان ذلك على يد كالسائس" لأنه ماذون فيه عرفا أشبه صريح الإذن وخالف الحلواني فيه كالغلام "ونحوه"(5/81)
فصل
إذا اختلفا فقال أجرتك فقال بل أعرتني عقب العقد فالقول قول الراكب وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة فالقول قول المالك فيما مضى من المدة دون ما
__________
كزوجته وخازن ووكيل عام في قبض حقوقه قاله في المجرد
مسألة: إذا قال ما أركبها إلا بأجرة فقال ربها ما آخذ لها أجرة ولا عقد بينهما فعارية ولو أركب دابته منقطعا لم يضمن في الأشهر وكذا رديف وقيل يضمن نصف القيمة ولو سلم شريك شريكه الدابة فتلفت بلا تفريط ولا تعد لم يضمن فإن ساقها فوق العادة ضمن قاله شيخنا ويتوجه كعارية إن كان عارية وإلا لم يضمن ذكره في الفروع فعليه إن سلمها إليه ليعلفها ويقوم بمصلحتها ونحوه لم يضمن وإن سلمها إليه لركوبها لمصالحة وقضاء حوائجه عليها فعارية
فصل
"إذا اختلفا فقال أجرتك قال بل أعرتني عقب العقد فالقول قول الراكب" مع يمينه لأن الأصل عدم عقد الإجارة وحينئذ ترد العين إلى مالكها إن كانت باقية لأن الأصل براءة ذمته منها فلو عكس في الدعوى قدم قول المالك وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة فالقول قول المالك مع يمينه لأنهما اختلفا في كيفية انتقال المنافع إلى ملك الراكب فقدم قول المالك كما لو اختلفا في عين فادعى المالك بيعها والآخر هبتها إذ المنافع تجري مجرى الأعيان وقيل يقدم قول الراكب على تلف المنافع على ملك الراكب وادعى المالك عوضا لها والأصل عدم وجوبه وبراءة ذمته منه.
وعلى الأول إذا حلف المالك استحق الأجرة "فيما مضى من المدة دون ما(5/82)
بقي منها وهل يستحق أجرة المثل أو المدعي إن زاد عليها على وجهين وإن قال أعرتك قال بل أجرتني والبهيمة تالفة فالقول قول المالك وإن قال أعرتني أو أجرتني قال بل غصبتني فالقول قول المالك وقيل قول الغاصب
__________
بقي منها" فإنه يقدم قول المستعير فيها لأنه بمنزلة مالو اختلفا عقب العقد "وهل يستحق أجرة المثل أو المدعى إن زاد عليها على وجهين" الأصح أنه يستحق أجرة المثل لأنهما لو اتفقا على وجوبه واختلفا في قدره وجب أجر االمثل فمع الاختلاف في أصله أولى.
والثاني: يستحق المسمى إن زاد على أجر المثل لأنه وجب بقول المالك ويمينه فوجب ما حلف عليه كالأصل ولم يقيده في الشرح ولا غيره بالزيادة عليها وقيل يستحق أقلهما وهو اختيار المجد لأنه إن كان المسمى فقد رضي به وإن كان أكثر فليس له إلا أجر المثل لأن الإجارة لم تثبت ومثله لو ادعى أنه زرعها عارية وقال ربها إجارة ذكره الشيخ تقي الدين.
"وإن قال أعرتك قال بل آجرتني والبهيمة تالفة فالقول قول المالك" إذا كان مضى مدة لها أجرة سواء ادعى الإجارة أو الإعارة لأنه إن ادعى الإجارة فهو معترف للراكب ببراءة ذمته من ضمانها فقبل على نفسه.
وإن ادعى الإعارة فهو يدعي قيمتها والقول قوله لأنهما اختلفا في صفة القبض والأصل فيما يقبضه الانسان من مال غيره الضمان للأثر ويقبل قول الراكب في قيمتها وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة والأجر بقدر قيمتها فالقول قول المالك بغير يمين في الأصح وإن كان ما يدعيه المالك أكثر فالقول قوله فإذا حلف استحق ما حلف عليه.
"وإن قال أعرتني أو آجرتني قال بل غصبتني فالقول قول المالك" كما لو اختلفا في ردها "وقيل قول الغاصب" لأن المالك يدعي عليه عوضا الأصل براءة ذمته منه ولأن الظاهر في اليد أنها بحق فقبل قوله وفي الشرح أن الدابة إذا(5/83)
__________
كانت قائمة لم تنقص فلا معنى للاختلاف ويأخذ المالك دابته وكذا إن كانت تالفة فادعى الراكب العارية لأن القيمة تجب على المستعير كوجوبها على الغاصب وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة فالاختلاف في وجوبه والقول قول المالك
فرع: إذا قال أودعتني قال بل غصبتني فوجهان وإن قال أودعتك قال بل أعرتني صدق المالك إن حلف وعليه أجرة ما انتفع به(5/84)
كتاب الغصب
باب الغصب
...
كتاب الغصب
وهو الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق وتضمن أم الولد والعقار.
__________
كتاب الغصب
هو مصدر غصب الشيء يغصبه بكسر الصاد غصبا واغتصبه يغتصبه اغتصابا والشيء مغصوب وغصب وهو في اللغة أخذ الشيء ظلما قاله الجوهري وابن سيده وفي الشرع تبعا لأبي الخطاب: "وهو الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق" فـ"قهرا" زيادة في الحد؛ لأن الاستيلاء يدل عليه وفيه نظر لأنه لا يستلزمه مع أنه يخرج بقيد القهر المال المسروق والمنتهب والمختلس وبغير حق يخرج استيلاء الولي على مال الصغير والحاكم على مال المفلس وكذا في المغني وأسقط لفظة قهرا وليس بجامع لخروج ما عدا ذلك من الحقوق كالكلب وخمر الذمي والسرجين فإنها قابلة للغصب وليست بمال وفيه باللام والأشهر إسقاطها فيها.
وأحسنها الاستيلاء على حق غيره قهرا ظلما. وهو محرم بالإجماع وسنده قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: من الآية188] وقوله عليه السلام: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" وقوله عليه السلام: "لايحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفسه" رواه ابن ماجه والدارقطني.
"وتضمن أم الولد" بالغصب في قول جماهير العلماء لأنها تجري مجرى المال بدليل أنها تضمن بالقيمة في الإتلاف لكونها مملوكة كالمدبرة بخلاف الحرة فإنها ليست مملوكة فلا تضمن بالقيمة لكن لا تثبت يدوالعقار بالغصب وعنه ما يدل على أن العقار لا يضمن بالغضب وإن غصب كلبا فيه نفع أو خمر ذمي لزمه رده على بضع فيصح تزويجهما ولا يضمن نفعه "والعقار" بفتح العين الضيعة والنخل والأرض قاله أبو السعادات "بالغصب" في ظاهر المذهب لما روى سعيد ابن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع من الأرض شبرا ظلما طوقه يوم القيامة من(5/85)
وعنه ما يدل على أن العقار لا يضمن بالغصب وإن غصب كلبا فيه نفع أو خمر ذمي لزمه رده وإن أتلفه لم تلزمه قيمته
__________
سبع أرضين" متفق عليه ولأن ما يضمن في الإتلاف يجب أن يضمن في الغصب كالمنقول. "وعنه ما يدل على أن العقار لا يضمن بالغصب" روى عنه ابن منصور فيمن غصب أرضا فزرعها ثم أصابها غرق من الغاصب غرم قيمة الأرض وإن كان سببا من السماء لم يكن عليه شيء فظاهر هذا أنها لا تضمن بالغصب لأنه لا يوجد فيها النقل والتحويل فلم يضمن كما لو حال بينه وبين متاعه فتلف ولأن الغصب إثبات اليد على المال عدوانا على وجه ينعقد به يد المالك ولا يمكن ذلك في العقار.
وجوابه بأنه يمكن الاستيلاء عليه على وجه يحول بينه وبين مالكه مثل أن يسكن دارا ويمنع مالكها من دخولها أشبه أخذ الدابة والمتاع وعلى الثانية إن أتلفه ضمنه بالإتلاف
مسألة: لو دخل دارا قهرا وأخرجه فغاصب وإن أخرجه قهرا ولم يدخل أو دخل مع حضور ربها وقوته فلا وإن دخل قهرا ولم يخرجه فقد غصب ما استولى عليه وقيل بل النصف وإن لم يرد الغصب فلا وإن دخلها قهرا في غيبة ربها فغاصب ولو كان فيها قماشه وهل يشترط في غصب ما ينتقل نقله فيه وجهان الأصح أنه لايشترط.
"وإن غصب كلبا فيه نفع" أي يقتنى "أو خمر ذمي لزمه رده" لان الكلب يجور الانتفاع به واقتناؤه أشبه سائر الأبدال المنتفع بها وفي رده صيده أو أجرته أو هما أوجه وأما الخمر فلأن الذمي يقر على شربها لكونها مالا عنده ومحله ما إذا كانت مستورة قاله في الرعاية و الفروع.
"وإن أتلفه لم تلزمه قيمته" لأن الكلب ليس له عوض شرعي لأنه لا يجوز بيعه وفي الإفصاح يضمنه والخمر للخبر ولأن ما حرم بيعه لا لحرمته لم(5/86)
وإن غصب جلد ميتة فهل يلزمه رده على وجهين فإن دبغه وقلنا بطهارته لزمه رده
__________
لم تجب قيمته كالميتة ولا فرق في المتلف بين أن يكون مسلما أو ذميا نص عليه لأن ما لم يكن مضمونا في حق المسلم لا يكون مضمونا في حق الذمي كالمرتد ولأنها غيرمتقومة وعنه يلزمه قيمتها وقيل يغرم قيمتها الذمي دون المسلم فعليه لا يكون حكم بقية الكفار كذلك وإن كانوا يعتقدون ماليتها وفي الانتصار لا يردها وأنه يلزم إراقتها إن حد وإلا لزم تركه وعليها يخرج تعزير مريقه.
وفي عيون المسائل لا نسلم أنهم يقرون على شربه واقتنائه لأن في رواية يجب الحد عليهم بالشرب ولا يقرون وإن سلمنا فإنا لا نتعرض لهم وأما أن نقرهم فلا نسلم يبطل بالمجوس يقرون على نكاح المحارم ولا يقضى عليهم بمهر ونفقة وميراث وقاله هو والترغيب يرد الخمر المحترمه ويرد ما تخلل بيده لا ما أريق فجمعه آخر لزوال يده والأشهر أن لنا خمرا محترمة وهي التي عصرت من غيرقصد الخمرية أو بقصد الخلية فهي على الأول محترمة دون الثاني وظاهره لو كانت لمسلم لأن اتخاذ الخل جائز إجماعا ولا يصير خلا إلا بعد التخمر فلو أرقناها لتعذر اتخاذ الخل.
فرع: تجب إراقة خمر المسلم ولا غرم وإن تخللت ردها لأنها صارت خلا على حكم ملكه فإن تلفت ضمنها.
"وإن غصب جلد ميتة فهل يلزمه رده على وجهين" هما مبنيان على الروايتين في طهارته بالدباغ والأشهر لا يرده مطلقا فعليه لو أتلفه أو أتلف ميته بجلدها لم يضمن لأنه لا قيمة له بدليل أنه لا يجوز بيعه.
"فإن دبغه" أي غاصبه "وقلنا بطهارته لزمه رده" كاالخمر إذا تخلل وقيل لا يلزمه رده لأنه صار مالا بفعله بخلاف الخمر وظاهره أنه إذا قلنا لا يطهر لم يجب رده لكونه لا يباح الانتفاع به وقيل يلزمه إذا قيل ينتفع به في يابس(5/87)
وإن استولى على حر لم يضمنه بذلك إلا أن يكون صغيرا ففيه وجهان وإن قلنا لا يضمنه فهل يضمن ثيابه وحليه على وجهين وإن استعمل الحر كرها فعليه أجرته وإن حبسه مدة فهل تلزمه أجرته على وجهين
__________
"وإن استولى على حر" كبير "لم يضمنه بذلك" لأنه ليس بمال فعلم أنه لا يثبت الغصب فيما ليس بمال وقيل بلى "إلا ان يكون صغيرا ففيه وجهان" أحدهما لا ضمان وهو الأصح كالكبير والثاني بلى لأنه يمكن الاستيلاء عليه من غير ممانعة منه أشبه العبد الصغير.
"وإن قلنا لا يضمنه فهل يضمن ثيابه وحلية" أي التي لم ينزعها عنه "على وجهين" أحدهما لا يضمنه جزم به في الوجيز لأنه تبع له وهو تحت يده أشبه ثياب الكبير والثاني بلى لأنه مال أشبه ما لو كان منفردا.
"وإن استعمل الحر كرها فعليه أجرته" لأنه استوفى منافعه وهي متقومة فلزمه ضمانها كمنافع العبد "وإن حبسه مدة" أي لمثلها أجرة "فهل تلزمه أجرته على وجهين" أحدهما تلزمه جزم به في الوجيز لأنه فوت منفعته وهي مال يجوز أخذ العوض عنها فضمنت بالغصب كمنافع العبد والثاني لا لأنها تابعة لما لا يصح غصبه أشبه ثيابه إذا بليت عليه وأطرافه فإن منعه العمل من غيرحبس ولو عبدا لم يضمن منافعه وجها واحدا ويتوجه بلى فيهما قاله في الفروع وإن مات في حبسه فهدر وإن صح غصبه صح أن يؤجره مستأجره وإلا فلا.
فائدة: في صحةالبيع في الأرض المغصوبة روايتان اختار ابن عقيل الصحة وحمل رواية المنع على الورع(5/88)
فصل
ويلزمه رد المغصوب إن قدر على رده وإن غرم عليه أضعاف قيمته وإن خلطه بما يتميز منه لزمه تخليصه وإن بنى عليه لزمه رده إلا أن يكون قد بلي
__________
فصل
"ويلزمه رد المغصوب" إن كان باقيا لما روى عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادا ومن أخذ عصا أخيه فليردها" رواه أبو داود وقد أجمع العلماء على وجوب رده إن كان بحاله لم يتغير ولم يشتغل بغيره ولأنه أزال يد المالك عن ملكه بغير حق فلزمته إعادته "إن قدر على رده وإن غرم عليه أضعاف قيمته" لأنه هو المتعدي فلم ينظر إلى مصلحته فكان أولى بالغرامة وظاهره ولو بعدت المسافة لأنه جنى بتعديه فكان ضرر ذلك عليه.
فإن قال الغاصب خذ مني أجر رده وتسلمه مني ها هنا أو بذل له أكثر من قيمته ولا يسترد لم يلزم المالك قبوله لأنها معاوضة فلم يجبر عليها كالبيع وإن قال المالك دعه لي في مكانه الذي نقلته إليه لم يملك الغاصب رده وإن قال رده إلى بعض الطريق لزمه وإن قال دعه في مكانه وأعطني أجرة رده أو طلب منه حمله إلى مكان آخر في غير طريق الرد لم يلزم الغاصب ولو كان أقرب لأنه معاوضة ومهما اتفقا عليه من ذلك جاز لأن الحق لهما. "وإن خلطه بما يتميز منه" كحنطة بشعير وتمر بزبيب "لزمه تخليصه" أي تخليص المتميز "ورده" لأنه أمكنه رد مال غيره فلزمه كما لو لم يخلطه بغيره وأجرة ذلك عليه كأجر رده فإن امكن تمييز بعضه وجب تمييز ما أمكن.
"وإن بنى عليه لزمه رده" يعني إذا غصب شيئا فشغله بملكه كحجر أو خشبة بنى عليها أو خيط خاط به ثوبا لزمه رده وإن انتقض البناء وتفصل الثوب لأنه مغصوب أمكن رده فوجب كما لو لم يبن عليه "إلا أن يكون قد بلي" لأنه صار(5/89)
وإن سمر بالمسامير بابا لزمه قلعها وردها وإن زرع الأرض وردها بعد أخذ الزرع فعليه أجرتها وإن أدركها ربها والزرع قائم خير بين تركه إلى الحصاد بأجرته وبين أخذه بعوضه
__________
هالكا فوجب قيمته كما لو أتلفه "وإن سمر بالمسامير بابا لزمه قلعها وردها" للخبر ولا أثر لضرره لأنه حصل بتعديه
مسائل: إذا غصب فصيلا ونحوه فأدخله داره وتعذر خروجه نقض بابه مجانا فإن دخل الفصيل بنفسه أو أدخله ربه دارا غصبها غرم مالكه أرش نقص البناء وإصلاحه وإن بذل له ربه عوضه لزمه قبوله وقيل لا وقيل يذبح إن أدخله ربه ولو عمل فيها غاصبها تابوتا ولم يخرج فك التابوت ولم ينقض البناء وإن سقط في محبرته مال بتفريطه أخرج فإن لم يمكن كسرت له مجانا وإن لم يفرط وضمن رب المال كسرها فإن بذل ربها بدل ماله وجب قبوله في الأصح
فرع: إذا باع داره وله فيها أسرة وتعذر الإخراج والتفكيك غرم أرش نقص البناء وقيل كما لو قلع أحجارا له فيها مدفونة وفصل في الشرح.
"وإن زرع الأرض وردها بعد أخذ الزرع" فهو للغاصب بغير خلاف نعلمه لأنه نماء ماله "فعليه أجرتها" أي أجرة مثلها إلى وقت التسليم لأنه استوفى نفعها فوجب عليه عوضه كما لو استوفاه بالإجارة ولأن المنفعة وهل ذلك قيمته أو نفقته على وجهين مال فوجب أن يضمن بالعين وعليه ضمان النقص ولو لم يزرعها فنقصت لترك الزراعة كأرض البصرة ضمن ذلك وروى عنه حرب أن له تملكه أيضا بناء على أن الزرع ينبت على ملك مالك الأرض ابتداء وقرر بعض أصحابنا موافقته للقياس بأن المتولد بين أبوين مملوكين من الآدميين يكون مملوكا لمالك الأم بالاتفاق مع كونه مخلوقا من مائهما وبطون الأمهات بمنزلة الأرض وماء الفحول بمنزلة البذر والمذهب هو الأول.
"وإن أدركها ربها والزرع قائم" فيها "خير بين تركه إلى الحصاد بأجرته" أي بأجرة مثله وأرش نقص الأرض "وبين أخذه بعوضه" هذا قول القاضي وعامة أصحابه(5/90)
وهل ذلك قيمته أو نفقته على وجهين ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب وعليه الأجرة
__________
والشيخين وجزم به في الوجيز لأن كل واحد منهما يحصل به غرضه فملك الخيرة بينهما تحصيلا لغرضه وظاهره أنه لا يملك اجبار الغاصب على قلعه خلافا لأكثرهم لقوله عليه السلام: "ليس لعرق ظالم حق" ولأنه زرع في أرض غيره ظلما أشبه الغرس لنا ما روى رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته" رواه أحمد وأبو داوود والترمزي وحسنه ولأنه أمكن رد المغصوب إلى مالكه من غيرإتلاف مال الغاصب على قرب من الزمان فلم يجز إتلافه كما لو غصب سفينة فحمل فيها متاعه فأدخلها لجة البحر لا يجبر على إلقائه فكذا هنا صيانة للمال عن التلف وفارق الشجر لطول مدنه وحديثهم محمول عليه وحديثنا على الزرع وبه يجمع بينهما ولأنه زرع حصل في ملك غيره فلم يجبر على قلعه على وجه يضر به كما لو كانت الأرض مستعارة أو مشفوعة.
"وهل ذلك قيمته أو نفقته على وجهين" أحدهما أن ذلك قيمته صححه القاضي في تعليقه لأنه بدل عن الزرع فيقدر بقيمته كما لو أتلفه وعليه يجب على الغاصب أجر الأرض إلى حين تسليم ذلك وذكر أبو يعلى الصغير لا نقله إبراهيم بن الحارث والثاني هي نفقته فعلى هذا يرد على الغاصب ما أنفق من البذر ومؤنة لواحقه من الحرث والسقي ونحوهما وهذا هو المذهب قال ابن الزاغوني أصلهما هل يضمن ولد المغرور بمثله أو قيمته وقال أبو الحسين فيه ثالثة خرجها أبو القاسم أن صاحب الأرض يخير إن شاء دفع القيمة وإن شاء النفقة نقل مهنا ويزكيه إن أخذه قبل وجوبها وإلا فوجهان "ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب" لأنه نماء ملكه "وعليه الأجرة" أي أجرة المثل وذكر بعض أصحابنا ان احمد نص على مثل ذلك وقيل له قلعه إن ضمنه وقال الشيخ تقي الدين فيمن زرع بلا إذن شريكه والعادة بأن من زرع فيها له نصيب معلوم ولربها نصيب قسم ما زرعه في نصيب شريكه كذلك(5/91)
وإن غرسها أو بنى فيها أخذ بقلع غرسه وبنائه وتسوية الأرض وأرش نقصها وأجرتها
__________
تنبيه: وهل الرطبة وغيرها كزرع أو غرس فيه احتمالان فلو غصب أرضا فغرسها فأثمرت فسيأتي.
"وإن غرسها أو بنى فيها أخذ بقلع غرسه وبنائه" أي إذا طالب مالك الأرض لزم الغاصب ذلك بغير خلاف نعلمه للأثر الحسن ذكره في الشرح وفي الرعاية أنه الأصح وفي رواية أبي داود والدارقطني من حديث عروة بن الزبير قال ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس و إنها لنخل عم.
قال أحمد العم الطوال ولأنه شغل ملك غيره بملكه الذي لا حرمة له في نفسه فلزمه تفريغه كما لو جعل فيها قماشا وظاهر كلامهم لا فرق في ذلك بين الشريك وغيره و صرح به الحارثي قال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل غرس نخلا بينه وبين قوم مشاعا قال إن كان بغير إذنهم قلع نخلة "وتسوية الأرض وأرش نقصها" لأنه ضرر حصل بفعله فلزمه إزالته كغيره "وأجرتها" أي أجرة مثلها إلى وقت التسليم وإن بذل ربها قيمة الغراس والبناء ليملكه لم يلزم الغاصب قبوله وله قلعهما ويضمن الأرش والأجرة وإن وهبهما لمالك الأرض وفي الإزالة غرض صحيح لم يجبر وإلا فوجهان وشمل ذلك ما إذا غرسها بغراس مالكها وحكم البناء كالغرس إلا أنه يتخرج إذا بذل مالك الأرض القيمة لصاحب البناء فإنه يجبر على قبولها إذا لم يكن في النقص غرض صحيح سفه والأول أصح
فرع: إذا غصبها فغرسها فأثمرت فأدركها ربها بعد أخذ الغاصب فهي له وكذا لو أدركها والثمرة عليها لأنها ثمرة شجره فكانت له كأغصانها وقال القاضي هي لمالك الأرض قال أحمد في رواية علي بن سعيد إذا غصب أرضا(5/92)
وإن غصب لوحا فرقع به سفينة لم يقلع حتى ترسى وإن غصب خيطا فخاط به جرح حيوان وخيف عليه من قلعه فعليه قيمته
__________
فغرسها فالنماء لمالك الأرض فعلى هذا عليه من النفقة ما أنفقه الغارس فلو غصب شجرا فأثمر فالثمر لمالك الشجر بغير خلاف نعلمه ذكره في الشرح
فرع: إذا أخذ تراب الأرض فضربه لبنا رده ولا شيء له إلا أن يجعل فيه تبنا فله أن يحله ويأخذ تبنه فإن كان لا يحصل منه شيء فوجهان وإن طالبه المالك بحله لزمه إذا كان فيه غرض صحيح وإلا فوجهان وإن جعله آجّرا لزمه رده ولا أجرة لعمله وليس له كسره ولا للمالك إجباره عليه لأنه سفه وإتلاف للمال فلو غصب أرضا وكشط ترابها لزمه رده وفرشه كما كان وإن لم يكن فيه غرض فهل يجبر على فرشه يحتمل وجهين
فرع: القابض بعقد فاسد من المالك إذا غرس أو بنى فللمالك تملكه بالقيمة كغرس المستعير ولا يقلع إلا مضمونا لاستناده إلى الإذن ذكره القاضي وابن عقيل.
"وإن غصب لوحا فرقع به سفينة" خيف من قلعه "لم يقلع حتى ترسى" لأن في قلعه إفسادا لمال الغير مع إمكان رد الحق إلى مستحقه بعذر من يسير ولا فرق بين أن يكون المال للغاصب أو غيره حيوانا محترما أولا وقال أبو الخطاب إن كان فيها حيوان محترم أو مال لغير الغاصب لم يقلع كالخيط والأول أولى لأنه أمكن رد المغصوب من غير إتلاف كما لو كان فيها مال غيره واقتضى ما سبق أنها لو كانت على الساحل أو كانت في اللجة واللوح في اعلاها بحيث لا تغرق لزمه القلع.
"وإن غصب خيطا فخاط به جرح حيوان" محترم "وخيف عليه من قلعه" الضرر وقيل التلف جزم به في الوجيز "فعليه قيمته" لأنه تعذر رد الحق إلى مستحقه فوجب رد بدله وهو القيمة وظاهره لا يلزمه القلع صرح به في المغني وغيره لأن الحيوان آكد حرمة من بقية المال بدليل أنه لا يجوز منع نمائه منه وعلم منه أن الحيوان إذا كان غير محترم كالمرتد والخنزير(5/93)
إلا أن يكون الحيوان مأكولا للغاصب فهل يلزمه رده ويذبح الحيوان على وجهين وإن مات الحيوان لزمه رده إلا أن يكون آدميا
فصل
وإن زاد لزمه رده بزيادته سواء كانت متصلة كالسمن وتعلم صنعة أو منفصلة كالولد والكسب وإن غصب جارحا فصاد به أو شبكة أو شركا فأمسك شيئا أو فرسا فصاد عليه أو غنم فهو لمالكه
__________
ونحوه وجب رده لأنه لا يتضمن تفويت ذي حرمة أشبه ما لو خاط به ثوبا.
"إلا أن يكون الحيوان مأكولا للغاصب فهل يلزمه رده ويذبح الحيوان على وجهين" أشهرهما أنه يلزمه رده لأنه يمكنه ذبح الحيوان والانتفاع بلحمه وذلك جائز وإن حصل نقص على الغاصب فليس بمانع من وجوب رد المغصوب كنقص البناء والثاني لا يجب قلعه لنهيه عليه السلام عن ذبح الحيوان لغير مأكلة ولأن له حرمة في نفسه وللمؤلف احتمال يذبح المعد له كبهيمة الأنعام دون غيره كالخيل لأنه إتلاف له فجرى مجرى ما لا يؤكل وظاهره أنه لا يلزمه الرد إذا كان مأكولا لغير الغاصب صرح به في المغني والشرح لأن فيه إضرارا بصاحبه ولا يزال الضرر بالضرر.
"وإن مات الحيوان لزمه رده" لأن عدم الرد في الحياة إنما كان خشية التلف وقد أمن بالموت "إلا أن يكون آدميا" فلا يلزمه الرد لأن حرمة الآدمي باقية وغيره لا يساويه فيها فعلى هذا تجب قيمته وقيل يلزمه الرد للعموم
فصل
"وإن زاد لزمه رده بزيادته سواء كانت متصلة كالسمن وتعلم صنعة أو منفصلة كالولد والكسب" لأنه من نماء المغصوب وهو لمالكه فلزمه رده كالأصل.
"وإن غصب جارحا فصاد به أو شبكة أو شركا فأمسك شيئا أو فرسا فصاد عليه أو غنم فهو لمالكه" لأن ذلك كله بسبب ملكه فكان له كما لو(5/94)
وإن غصب ثوبا فقصره أو غزلا فنسجه أو فضة أو حديدا فضربه أو خشبا فنجره أو شاة فذبحها وشواها رد ذلك بزيادته وأرش نقصه ولا شيء له وعنه يكون شريكا بالزيادة
__________
غصب عبدا فصاد وقيل هو للغاصب في الكل لأنه هو الصائد والجارح آلة فعلى ذلك عليه أجرة ذلك كله مدة مقامه في يده إن كان له أجرة وعلى الأول لا أجرة له في وجه وفي آخر عليه أجرة المثل لأنه استوفى منافعه أشبه ما لو لم يصد ولو غصب عبدا فصاد أو كسب فهو لسيده وفي وجوب أجرة العبد على الغاصب في مدة كسبه وصيده وجهان والمختار أنه لا أجرة له لأن منافعه في هذه المدة مصروفة إلى مالكه فلم يستحق عوضها على غيره لكن لو غصب منجلا فقطع به شجرا أو حشيشا فهو للغاصب لأن هذه آلة فهو كالحبل يربط به.
"وإن غصب ثوبا فقصره أو غزلا فنسجه أو فضة أو حديدا فضربه أو خشبا فنجره أو شاة فذبحها وشواها رد ذلك" إلى مالكه في ظاهر المذهب لأنه عين ماله أشبه ما لو ذبح الشاة فقط ولأنه لو فعله بملكه لم يزل عنه فكذا إذا فعله بملك غيره "بزيادته" إن زاد "وأرش نقصه" إن نقص لكونه حصل بفعله ولا فرق بين نقص العين أو القيمة أو هما.
"ولا شيء له" أي للغاصب بعمله المؤدي إلى الزيادة لأنه تبرع في ملك غيره فلم يستحق لذلك عوضا كما لو غلى زيتا فزادت قيمته لكن إن أمكن الرد إلى الحالة الأولى كحلي وأوان ودراهم ونحوها فللمالك إجباره على الإعادة.
"وعنه يكون شريكا بالزيادة" ذكره في المستوعب والمذهب لأن الزيادة حصلت بمنافعه والمنافع تجري مجرى الأعيان أشبه ما لو غصب ثوبا فصبغه وفرق في المغني والشرح بأن الصبغ عين مال لا يزول ملك مالكه عنه بجعله مع ملك غيره بخلاف ما ذكر(5/95)
وقال أبو بكر يملكه وعليه قيمته وإن غصب أرضا فحفر فيها بئرا ووضع ترابها في أرض مالكها لم يملك طمها إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين وإن غصب حبا فزرعه أو بيضا فصار فرخا أو نوى فصار غرسا
__________
"وقال أبو بكر يملكه" الغاصب "وعليه قيمته" قبل تغييره هذا رواية عن أحمد نقلها عنه محمد بن عبد الحكم فيمن جعل حديدا سيوفا تقوم فيعطيه الثمن على القيمة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الزرع "أعطوه ثمن بذره" ورد بأنه قول قديم مرجوع عنه وعنه يخير المالك بينهما فلو وهبه الغاصب عمله لزمه قبوله قاله في الرعاية.
"وإن غصب أرضا فحفر فيها بئرا ووضع ترابها في أرض مالكها لم يملك طمها إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين" لأنه إتلاف لا نفع فيه فلم يكن له فعله كما لو غصب نقرة فطبعها دراهم ثم أراد ردها نقرة ومقتضاه أنه إذا طالبه المالك بطمها أنه يلزمه لأنه يضر بالأرض والثاني له طمها لغرض صحيح لأنه لا يبرأ من الضمان بإبراء المالك له لأنه إبراء مما لم يجب بعد مع أنه إبراء من حق غيره وهو الواقع فيها ونصر في المغني والشرح الأول بأن الضمان إنما يلزمه لوجود التعدي فإذا رضي صاحب الأرض زال التعدي فيزول الضمان وليس هذا إبراء مما يجب وإنما هو إسقاط التعدي برضاه به وهذا الخلاف جار فيما ذكره فلو وضع التراب في غيرأرض مالكها أو لم يبرئه من الضمان فلا وحكم ما إذا منعه من طمها كذلك
تنبيه: إذا غصب بقرة وأنزى عليها فحله أو بالعكس فالولد لرب الأم ولا أجرة لفعله ولا أرش وعليه أرش فحل غيره إن ضره ضرابه وأجرته إن صح إيجاره لذلك وإذا أفرخت طيرة زيد عند عمرو من طيره ففرخها لزيد نص عليه وعليه ما أنفقه عمرو إن نوى الرجوع به وإلا فلا.
"وإن غصب حبا فزرعه أو بيضا فصار فرخا أو نوى فصار غرسا" وفي(5/96)
رده ولا شيء له ويخرج فيه مثل الذي قبله
فصل
وإن نقص لزمه ضمان نقصه رقيقا كان أو غيره وعنه ان الرقيق يضمن بما يضمن به في الإتلاف ويتخرج أن يضمنه باكثر الأمرين منهما وإن غصبه وجنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين
__________
الانتصار أو غصنا فصار شجرة "رده" لأنه عين مال مالكه ونقصه "ولا شيء له" لأنه تبرع بفعله "ويتخرج فيه مثل الذي قبله" فيرده ونقصه أو يملكه الغاصب أو يكون شريكا بالزيادة على ما مر لأنه إذا قصر الثوب ونحوه ساوى ذلك حكما
فرع: إذا صار الرطب تمرا أو السمسم شيرجا أو العنب عصيرا أخذ ربه مثل أيهما شاء
فصل
"وإن نقص لزمه ضمان نقصه" ولو بنبات لحية أمرد وقطع ذنب حمار القاضي "بقيمته" على المذهب لأنه ضمان مال من غيرجناية فكان الواجب ما نقص كالبهيمة إذ القصد بالضمان جبر حق المالك بإيجاب قدر ما فوت عليه ولأنه لو فات الجميع لوجبت قيمته فإذا فات منه شيء وجب قدره من القيمة لغير الحيوان "رقيقا كان أو غيره" لاشتراكهما في التلف.
"وعنه ان الرقيق يضمن بما يضمن به في الإتلاف" فيجب في يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته لأنه ضمان لأبعاضه فكان مقدرا من قيمته كأرش الجناية والمذهب يضمنه مطلقا بقيمته بالغة ما بلغت ونقل حنبل لا يبلغ بها دية حر "ويتخرج أن يضمنه بأكثر الأمرين" لأن سبب كل واحد منهما قد وجد فوجب أن يضمنه بأكثرهما كما لو غصبه وجنى عليه
تنبيه: إذا كان النقص في الرقيق مما لا مقدر فيه كنقصه لكبر أو مرض فعليه(5/97)
وإن جنى عليه غير الغاصب فله تضمين الغاصب بأكثر الأمرين ويرجع الغاصب على الجاني بارش الجناية وله تضمين الجاني أرش الجناية وتضمين الغاصب ما بقي من النقص وإن غصب عبدا فخصاه لزمه رده ورد قيمته
__________
ما نقص مع الرد بغير خلاف نعلمه فإن نقص المغصوب بغير انتفاع واستعمال أو عاب وجب أرشه وفي أجرته وجهان فإن نقص باستعماله فكذلك وقيل يجب الأكثر من أجرته وأرش نقصه وإن غصب ثوبا فلبسه وأبلاه فنقص نصف قيمته ثم غلت الثياب فعادت قيمته رده وأرش نقصه.
"وإن غصبه وجنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين" هذا على القول بأن ضمان الغصب غير ضمان الجناية وهو الصحيح لأن سبب كل واحد منهما وجد فوجب أكثرهما ودخل الآخر فيه وإن قلنا ضمان الغصب ضمان الجناية كان الواجب أرش الجناية كما لو جنى عليه من غيرغصب.
"وإن جنى عليه غير الغاصب" بأن قطع يده مثلا "فله" أي للمالك تضمين من شاء منهما لأن الجاني قطع يده والغاصب حصل النقص في يده "تضمين الغاصب بأكثر الأمرين" إذا قلنا إن ضمان الغصب ما نقص "ويرجع الغاصب على الجاني بأرش الجناية" وهو نصف القيمة هنا لأنها أرش جناية فلا يجب عليه أكثر منها وله تضمين الجاني أرش الجناية وهو نصف القيمة لاغير ولم يرجع على أحد لأنه لم يضمنه أكثر مما وجب عليه "وتضمين الغاصب ما بقي من النقص" أي إذا كان أكثر من نصف القيمة ولا يرجع على أحد وإن قلنا ضمان الغصب ضمان الجناية أو لم تنقص أكثر من قيمته لم يضمن الغاصب ها هنا شيئا وإن اختار تضمين الغاصب وقلنا إن ضمان الغصب كضمان الجناية ضمنه نصف القيمة ورجع بها الغاصب على الجاني لأن التلف حصل بفعله.
"وإن غصب عبدا فخصاه" أو قطع يديه أو ذكره أو ما تجب فيه الدية من الحر "لزمه رده ورد قيمته" نص عليه لأن المتلف البعض فلا يقف ضمانه على زوال الملك كقطع خصيتي ذكر المدبر ولأن الخصيتين يجب فيهما كمال الدية(5/98)
وعنه في عين الدابة من الخيل والبغال والحمير ربع قيمتها والأول أصح وإن نقصت العين لتغير الأسعار لم يضمن نص عليه وإن نقصت القيمة لمرض أو نحوه ثم عادت ببرئه لم يلزمه شيء
__________
كما تجب فيهما كمال الدية من الحر.
"وعنه في عين الدابة من الخيل والبغال والحمير ربع قيمتها" نصره القاضي وأصحابه لماروي زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في عين الدابة بربع قيمتها وعن عمر أنه كتب إلى شريح لما كتب يسأله عن عين الدابة إنا كنا ننزلها منزلة الآدمي إلا أنه أجمع رأينا أن قيمتها ربع الثمن وهذا إجماع فقدم على القياس وخص في الروضة هذه الرواية بعين الفرس وإن عين غيرها بما نقص لكن قال أحمد قاله في عين الدابة كقول عمر "والأول أصح" أي يضمن نقصه بالقيمة رقيقا كان أو غيره وحديث زيد لا نعرف صحته بدليل احتجاج أحمد بقول عمر دونه مع أن قول عمر محمول على أن ذلك كان قدر نقصها كما روي عنه أنه قضى في العين القائمة بخمسين دينارا ولو كان تقدير الواجب في العين نصف الدية كعين الآدمي.
"وإن نقصت العين لتغير الأسعار لم يضمن نص عليه" وهو قول جمهور العلماء لأنه رد العين بحالها لم ينقص منها عين ولا صفة فلم يلزمه شيء كسمين هزل فزادت وعنه بلى ذكرها ابن أبي موسى وقاله أبو ثور كعبد خصاه فزادت قيمته وقيل مع تلفه.
"وإن نقصت القيمة لمرض أو نحوه ثم عادت ببرئه لم يلزمه شيء" إلا رده لأنه لم يذهب ماله قيمة والعيب الذي أوجب الضمان زال في يده وكما لو انقلع سنه ثم عاد ونصه يضمن النقص كزيادة في يده على الأصح فعلى الأول لو رد المغصوب معيبا وزال عيبه في يد مالكه وكان أخذ الأرش لم يلزمه رده لأنه استقر ضمانه برد المغصوب وإن لم يأخذه لم يسقط ضمانه لذلك(5/99)
وإن زاد من جهة أخرى مثل أن تعلم صنعة فعادت القيمة ضمن النقص وإن زادت القيمة لسمن أونحوه ثم نقصت ضمن الزيادة وإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها لم يضمنها في أحد الوجهين وإن كانت من غيرجنس الأولى لم يسقط ضمانها وإن غصب عبدا مفرطا في السمن فهزل فزادت قيمته رده ولا شيء عليه
__________
"وإن زاد من جهة أخرى مثل أن تعلم صنعة فعادت القيمة ضمن النقص" لأن الزيادة الثانية من غيرجنس الأولى فلم ينجبر بها "وإن زادت القيمة لسمن أو نحوه" من تعلم صنعة كغصبه عبدا قيمته مائة فزادت قيمته بما ذكر حتى صارت مائتين "ثم نقصت" القيمة بنقصان بدنه أو نسيان ما تعلمه حتى صارت قيمته مائة "ضمن الزيادة" مع رده لأنها زيادة في نفس المغصوب فلزم الغاصب ضمانها كما لو طالبه بردها فلم يفعل وكما لو كانت موجودة حال الغصب وعنه لا يضمنها ذكرها ابن أبي موسى لأنه رد العين كما أخذها.
"وإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها لم يضمنها في أحد الوجهين" ذكر في الشرح أنه أقيس لأن ما ذهب عاد فهو كما لو مرض فنقصت قيمته ثم برأ فعادت والثاني يضمنها صححه ابن حمدان كما لو كانا من جنسين ولأن الزيادة الثانية غير الأولى فعلى هذا لو هزلت مرة ثانية بأن كان قيمتها مائة يوم الغصب فسمنت فبلغت ألفا ثم هزلت فعادت إلى مائة ثم سمنت فعادت إلى ألف ثم هزلت فعادت إلى مائة ضمن النقصين بألف وثمانمائة وقيل يضمن أكثر السمنين قيمة جزم به في الوجيز.
"وإن كان من غير جنس الأولى لم يسقط ضمانها" جزم به أكثر الأصحاب لأن الثانية غيرالأولى وقال أبو الخطاب متى زادت ثم نقصت ثم زاد مثل الزيادة الأولى فوجهان سواء كانا من جنسين كالسمن والتعلم أو من جنس كسمن مرتين "وإن غصب عبدا مفرطا في السمن فهزل فزادت قيمته" أو لم تنقص القيمة "رده" لأنه عين ملك غيره "ولا شيء عليه" لأن القيمة لم تنقص فلم يجب شيء(5/100)
وإن نقص المغصوب نقصاً غيرمستقر كحنطة ابتلت وعفنت خير بين أخذ مثلها وبين تركها حتى يستقر فسادها ويأخذها وأرش نقصها وإن جنى المغصوب فعليه أرش جنايته سواء جنى على سيده أو غيره
__________
فرع: إذا غصب دارا فنقضها ولم يبنها فعليه أجرتها إلى حين نقضها وأجرها مهدومة من حين نقضها إلى حين ردها وإن بناها بآلة من عنده فالحكم كذلك وإن كان بآلتها أو آلة من ترابها أو ملك المغصوب منه فعليه أجرتها عرصة منذ نقضها إلى أن بناها وأجرتها دارا فيما قبل ذلك وبعده.
"وإن نقص المغصوب نقصاً غيرمستقر كحنطة ابتلت وعفنت خير بين أخذ مثلها" أي أخذ بدلها "وبين تركها حتى يستقر فسادها ويأخذها وأرش نقصها" كذا قاله في الهداية والوجيز وفي المغني أن هذا القول لا بأس به لأنه لا يجب المثل لوجود عين ماله ولا يجب أرش العيب لعدم استقراره لأنه لا يمكن معرفته ولا ضبطه وحيث كان الخيرة إليه بين أخذ البدل لما في التأخير من الضرر وبين الصبر حتى يستقر الفساد لأنه إذا رضي بالتأخير سقط فيأخذ العين لأنها ملكه ويأخذ أرش النقص من الغاصب لأنه حصل بجنايته أشبه تلف الحر المغصوب وقيل يجب الأرش مطلقا وقال القاضي عليه بدله لأنه لا يعلم قدر نقصه ولم يرجح في الفروع شيئا
فرع: إذا استعمل عبدا بغير إذن سيده فهو كغصبه وكل مغصوب زكاه مالكه حال غصبه رجع بما غرم على غاصبه قال ابن حمدان إن ضمن منفعة المغصوب ضمن وإلا فلا.
"وإن جنى المغصوب فعليه" أي الغاصب "أرش جنايته" لأنه نقص في العبد الجاني فكان عليه كسائر نقصه "سواء جنى على سيده" لأنها من جملة جناياته فكان مضمونا على الغاصب كالجناية على الأجنبي وقيل لا يضمن جنايته على سيده لتعلقها برقبته "أو غيره" وسواء في ذلك ما يوجب القصاص أو المال ولا يلزمه أكثر من النقص الذي لحق العبد(5/101)
وجنايته على الغاصب وعلى ماله هدر وتضمن زوائد الغصب كالولد والثمرة إذا تلفت أو نقصت كالأصل
فصل
وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز مثل أن خلط حنطة أو زيتا بمثله لزمه مثله منه في أحد الوجهين وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء
__________
"وجنايته على الغاصب وعلى ماله هدر" لأنه إذا جنى على أجنبي وجب أرشه على الغاصب فلو وجب له شيء لوجب على نفسه ومحله في غير قود جزم به في المحرر والوجيز والفروع فلو قتل عبدا لأحدهما عمدا فله قتله به ثم يرجع السيد بقيمته على الغاصب فيهما.
"وتضمن زوائد الغصب كالولد والثمرة إذا تلفت أو نقصت كالأصل" سواء تلف منفردا أو مع أصله لأنه مال مغصوب حصل في يده فيضمنه بالتلف كالأصل
فصل
"وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز مثل أن خلط حنطة أو زيتا بمثله لزمه مثله قولا واحدا" لأنه مثلي فيجب مثل مكيله "منه في أحد الوجهين" هو ظاهر كلام أحمد ونصره في المغني والشرح و جزم به المجد وقدمه في الفروع لأنه قدر على دفع ماله إليه مع رد المثل في الباقي فلم بنتقل إلى بدله في الجميع كما لو غصب صاعا فتلف بعضه "وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء" قال القاضي هو قياس المذهب لأنه تعذر رد عين ماله بالخلط فوجب مطلق المثل وفي الوسيلة والموجز قسم بينهما بقدر قيمتهما أما لو خلطه بما لا قيمة له كزيت خلط بماء فإن أمكن تخليصه خلصه ورده ورد نقصه وإن لم يمكن تخليصه أو كان ذلك يفسده لزمه مثله وإن لم يفسده رده ورد نقصه وإن احتيج في تخليصه إلى غرامة فعلى الغاصب(5/102)
وإن خلطه بدونه أو خير منه أو بغير جنسه لزمه مثله في قياس التي قبلها وظاهر كلامه أنهما شريكان بقدر ملكيهما
__________
"وإن خلطه بدونه أو خير منه أو بغير جنسه" على وجه لا يتميز "لزمه مثله في قياس التي قبلها" قال القاضي هذا قياس المذهب لأنه صار بالخلط مستهلكا وكذا لو اشترى زيتا فخلطه بزيته ثم أفلس صار البائع كبعض الغرماء لأنه تعذر عليه الوصول إلى عين ماله فكان له بدله كما لو كان بالغا إلا أنه إذا خلطه بخير منه وبذل الغاصب مثل حقه منه لزمه قبوله وإن كان بأدنى منه فرضي المالك بأخذ قدر حقه منه لزم الغاصب بدله وقيل لا لأن حقه انتقل إلى الذمة فلم يجبر على عين مال وإن اتفقا على أن يأخذ أكثر من حقه من الرديء أو دون حقه من الجيد لم يجز لأنه ربا وإن كان بالعكس فرضي بأخذ دون حقه من الرديء أو سمح الغاصب بدفع أكثر من حقه من الجيد جاز لأنه لا مقابل للزيادة وإن خلطه بغير جنسه فتراضيا على أن يأخذ دون حقه أو أكثر جاز لأن بدله من غيرجنسه فلا تحرم الزيادة بينهما.
"وظاهر كلامه أنهما شريكان بقدر ملكيهما" هذا هو المذهب عند المحققين قال في رواية أبي الحارث في رجل له رطل شيرج وآخر له رطل زيت واختلطا يباع الدهن كله ويعطى كل واحد قدر حصته لأنه إذا فعل ذلك وصل كل واحد إلى عين ماله فإن نقص المغصوب عن قيمته منفردا فعلى الغاصب ضمان النقص لأنه حصل بفعله فلو اختلط درهم باثنين لآخر فتلف اثنان فما بقي بينهما على ثلاثة أو نصفين فيه وجهان
مسألة: إذا اختلط نقد حرام بمثله أو أكثر دفع قدر الحرام إلى مالكه أو من يقوم مقامه أو تصدق به عن ربه إن جهله وما بقي حلال وإن عبر الحرام الثلث وقيل أو أبلغه حرم الكل وتصدق به وقيل كالأول يخرج قدر الحرام قال أحمد في الذي يعامل في الربا يأخذ رأس ماله ويرد الفضل إن عرف ربه وإلا تصدق به ولا يؤكل عنده شيء وإن شك في قدر الحرام تصدق بما يعلم أنه(5/103)
وإن غصب ثوبا فصبغه أو سويقا فلته بزيت فنقصت قيمتهما أو قيمه أحدهما ضمن النقص وإن لم تنقص و لم تزد أو زادت قيمتهما فهما شريكان بقدر ماليهما وإن زادت قيمة أحدهما فالزيادة لصاحبه فإن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه ويحتمل أن يجبر إذا ضمن الغاصب النقص
__________
أكثر منه نص على ذلك كله.
"وإن غصب ثوبا فصبغه أو سويقا فلته بزيت فنقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن النقص" لأنه حصل بتعديه فيضمنه كما لو أتلف بعضه فإن كان النقص بسبب تغير الأسعار لم يضمنه على المذهب "وإن لم تنقص" القيمة "ولم تزد" كما لو كانت قيمة كل واحد منهما خمسة فصارت قيمتهما عشرة "أو زادت قيمتهما فهما شريكان بقدر ماليهما" لأن عين الصبغ ملك الغاصب واجتماع الملكين يقتضي الاشتراك.
"وإن زادت قيمة أحدهما فالزيادة لصاحبه" أي لصاحب الملك الذي زادت قيمته لأنها تبع للأصل فعلى هذا إن كانت لزيادة الثياب في السوق كانت الزيادة لمالك الثوب وإن كانت لزيادة الصبغ فهي لمالك الصبغ.
"فإن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه" أي يمنع طالب قلع الصبغ منهما كذا في المحرر والوجيز والفروع لأن المريد للقلع اما الغاصب لم يجبر المغصوب منه لأن ماله ينقص بسبب أخذه أو المغصوب منه لم يجبر الغاصب عليه لأن الصبغ يهلك بالإخراج وقد امكن وصول الحق إلى صاحبه بدونه وهوالبيع.
"ويحتمل أن يجبر إذا ضمن الغاصب النقص" لأن المانع لما يلحقه من الضرر فإذا ضمنه الغاصب انتفى فوجب أن يجبر عملا بالمقتضى السالم عن المعارض وظاهره يقتضي اختصاص هذا بمن ذكر وليس كذلك فإن الحكم في الآخر كذلك وعبارة المحرر والفروع أولى.
ويحتمل أن يمكن إذا ضمن نقص حق الآخر وعنه لا يضمن رب المال(5/104)
وإن وهب الصبغ للمالك أو وهبه تزويق الدار ونحوها فهل يلزم المالك قبولها على وجهين وإن غصب صبغا فصبغ به ثوبا أو زيتا فلت به سويقا احتمل أن يكون كذلك واحتمل أن تلزمه قيمته أو مثله إن كان مثليا وإن غصب ثوبا وصبغا فصبغه به رده وأرش نقصه ولا شيء له في زيادته
__________
كبناء ونقل في الشرح عن الأصحاب أن الغاصب إذا أراد قلع الصبغ فله ذلك سواء أضر بالثوب أولا ويضمن نقص الثوب لأنه عين ماله وظاهر الخرقي أنه لا يملك القلع حيث تضرر الثوب ولم يفرق أصحابنا بين ما يهلك صبغة بالقلع وبين ما لا يهلك قال في المغني وينبغي أنه لا يملكه إذا هلك بالقلع لأنه سفه وإن أراده المغصوب منه فوجهان وظاهر كلام أحمد أنه لا يملك إجباره عليه ولا يمكن من قلعه وحكى في الرعاية احتمالا أن له قلعه بأرشه مع بقاء قيمة الثوب قبله وليس للغاصب أخذ الثوب يقيمته فلو بذل رب الثوب قيمة الصبغ لمالكه لم يجبر على قبوله كما لو بذل قيمة الغراس وقيل بلى إذا لم يقلعه كالغرس في الأرض المشفوعة.
"وإن وهب الصبغ للمالك أو وهبة تزويق الدار ونحوها فهل يلزم المالك قبولها على وجهين" أصحهما أنه يلزمه قبول ذلك لأن الصبغ صار من صفات العين فهو كزيادة الصفة في المسلم به وكنسج الغزل لا هبة مسامير سمر بها الباب المغصوب والثاني لا لأنه عين يمكن إفرادها كالغراس فإن أراد مالك الثوب بيعه فله ذلك لأنه ملكه وإن أراد الغاصب بيعه لم يجب إليه لتعديه "وإن غصب صبغا فصبغ به ثوبا أو زيتا فلت به سويقا احتمل أن يكون كذلك" أي أنهما شريكان حيث كان الصبغ والثوب ملكا للغاصب لأنه خلط المغصوب بماله "واحتمل أن تلزمه قيمته أو مثله إن كان مثليا" لأن الصبغ قد تفرق في الثوب والزيت مستهلك في السويق أشبه ما لو أتلفهما.
"وإن غصب ثوبا وصبغا فصبغه به رده" لأنه عين ملك غيره "و" يرد "أرش نقصه" لأنه حصل بفعله "ولا شيء له في زيادته" لأنه متبرع وظاهره لا فرق بين أن يكونا لاثنين أو لواحد وفي الرعاية إذا كان من واحد وزادا فزيادتهما لغو(5/105)
فصل
وإن وطىء الجارية فعليه الحد والمهر وإن كانت مطاوعة وأرش البكارة وعنه لا يلزمه مهر الثيب وإن ولدت فالولد رقيق للسيد
__________
ويحتمل الشركة وإن كانا من اثنين اشتركا في الأصل والزيادة بالقيمة وما نقص أحدهما غرمه الغاصب وقيل زيادة أحدهما لربه وفي الشرح هما شريكان بقدر ملكيهما فإن زادت فالزيادة لهما وإن نقص فالضمان على الغاصب ويكون النقص من صاحب الصبغ لأنه تبدد في الثوب ويرجع بها على الغاصب وإن نقص السعر لنقص سعر الثياب أو الصبغ أوهما لم يضمنه الغاصب وكان نقص كل واحد من صاحبه.
فرع: إذا دفع ثوبا إلى غير مالكه فلبسه ولم يعلم ضمنه دافعه وقيل لابسه وقيل يجب أكثرهما إن كان له أجرة وإلا فأرشه فقط.
فصل
"وإن وطىء الجارية" بعد غصبها فهو زان لأنها ليست زوجة ولا ملك يمين "فعليه الحد" أي حد الزنى إذا كان عالما بالتحريم لأنه لا ملك له عليها ولا شبهة ملك "والمهر" أي مهر مثلها لأنه يجب بالوطء في غير ما ذكرنا "وإن كانت مطاوعة" لأن المهر حق للسيد فلم يسقط بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع طرفها وعنه لا مهر لمطاوعة لأنه عليه السلام نهى عن مهر البغي وجوابه بانه محمول على الحرة ولأنه حق للسيد مع الإكراه فيجب مع الطواعية كأجر منافعها.
"وأرش البكارة" لأنه بدل جزء منها وقيل لا يجب لدخوله في مهر البكر ولهذا تزيد على مهر الثيب عادة لأجل ما يتضمنه من تفويت البكارة "وعنه: لا يلزمه مهر الثيب "لأنه لم ينقصها ولم يؤلمها أشبه ما لو قبلها والأول أولى .
"إن ولدت فالولد رقيق للسيد" لأنه من نمائها واجزائها ولأنه يتبع أمه في(5/106)
ويضمن نقص الولادة وإن باعها أو وهبها لعالم بالغصب فوطئها فللمالك تضمين أيهما شاء نقصها ومهرها وأجرتها وقيمة ولدها فإن ضمن الغاصب رجع على الآخر
__________
الرق في النكاح الحلال فهنا أولى ولا يلحق نسبه بالواطىء لأنه من زنى ويجب رده معها كزوائد الغصب
وإن سقط ميتا لم يضمنه ذكره القاضي لأنه لا تعلم حياته قبل هذا وقال أبو الحسين يجب ضمانه بقيمته لو كان حيا وفي المغني يضمنه بعشر قيمة أمه لأنه الذي يضمنه في الجناية فلو وضعته حيا ثم مات ضمنه بقيمته يوم انفصاله "ويضمن نقص الولادة" لأنه نقص حصل بفعله كنقصها بقطع أطرافها ولا ينجبر بزيادتها بالولد وإن ضرب فألقت الجنين ميتا فعليه عشر قيمة أمه كالأجنبي وللمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان علىالضارب لأن الإتلاف وجد منه وإن ماتت الجارية فعليه قيمتها أكثر ما كانت ويدخل فيه أرش بكارتها ونقص الولادة دون ولد ومهر فأما إن كان الغاصب جاهلا بالتحريم لم يحد وعليه المهر وأرش البكارة والولد حر يلحقه نسبه لمكان الشبهة وهي إن كانت مطاوعة عالمة بالتحريم فعليها الحد إن كانت من أهله وإلا فلا
فرع: ضرب بهيمة فألقت جنينا ميتا ضمن نقص القيمة نص عليه وقيل بل عشر قيمة أمه وقيل بل قيمته لو كان حيا وإن تلف لا بجناية فهدر وقيل يضمن لأن التلف كالإتلاف "وإن باعها أو وهبها لعالم بالغصب" فهو فاسد على المذهب "ف"إن "وطئهافللمالك تضمين أيهما شاء" أما الغاصب فلأنه السبب في إيصالها إلى الغير وأما المشتري والمتهب لأنه المتلف ولما فيه من تحصيل حقه وزجر من يشتريه من غاصبه أو متهبه لأن كل واحد منها غاصب "نقصها ومهرها وأجرتها وقيمة ولدها". أي التالف لأن ذلك جميعه يضمنها الغاصب لو انفرد فكذا هنا "فإن ضمن الغاصب رجع على الآخر" لأن النقص حصل في يده والمنفعة حصلت له(5/107)
ولا يرجع الآخر عليه وإن لم يعلما بالغصب فضمنهما رجعا على الغاصب وإن ولدت من أحدهما فالولد حر ويفديه بمثله في صفاته تقريبا ويحتمل أن يعتبر مثله في القيمة وعنه يضمنه بقيمته ويرجع به على الغاصب وإن تلفت فعليه قيمتها ولا يرجع بها إن كان مشتريا
__________
"ولا يرجع الآخر" وهو المشتري والمتهب حيث ضمنه "عليه" لأنه المتلف فاستقر الضمان عليه "وإن لم يعلما بالغصب فضمنهما" المالك المهر وأرش البكارة ونقص الولادة رجعا على الغاصب لأنهما دخلا في العقد على أن يتلفا ذلك بغير عوض فوجب أن يرجعا عليه لكونه غرهما "وإن ولدت من أحدهما فالولد حر" لاعتقاده أنه وطىء مملوكته ويلحقه النسب لمكان الشبهة ويفديه على الصحيح لأنه فوت رقه على سيده باعتقاده حل الوطء أشبه ولد المغرور وعنه لا فداء عليه لانعقاده حرا والمذهب الأول فيكون الفداء يوم الوضع وهو مختار القاضيين والشيخيين وغيرهم لأنه أول أوقات الإمكان وظاهر أطلاق أحمد في رواية ابن منصور أنه يوم المحاكمة "بمثله في صفاته تقريبا" في ظاهر كلام أحمد والخرقي والقاضي وعامة أصحابه لأن الولد حر والحر لا يضمن بالقيمة "ويحتمل أن يعتبر مثله في القيمة" هذا رواية عن أحمد واختاره أبو بكر لأنه أقرب من نفس القيمة "وعنه: يضمنه بقيمته" اختاره في التلخيص وصححه في المغني والشرح وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأن الحيوان ليس بمثلي فيضمن بقيمته كسائر المتقومات وعنه بأيهما شاء اختاره أبو بكر في المقنع "ويرجع به" بالمهر وما فدي به الولد "على الغاصب" لانه قد غره وقضى به عمر في المهر وعن أحمد لا رجوع له بالمهر قضى به علي ثم إن كانت الجارية باقية ردها إلى سيدها ولا يرجع ببدلها لأنها ملك المغصوب منه لكن يرجع بالثمن الذي أخذه منه
"وإن تلفت فعليه قيمتها" لمالكها كما يلزمها نقصها فلو قتلها الغاصب بوطئه فالدية نقله مهنا "ولا يرجع بها" على الغاصب "إن كان مشتريا" لأن المشتري(5/108)
ويرجع بها المتهب وعنه ان ما حصلت له به منفعة كالأجرة والمهر وأرش البكارة لا يرجع به وإن ضمن الغاصب رجع على المشتري بمالا يرجع به المشتري عليه
__________
دخل مع الغاصب على أن يكون ضامنا لذلك الثمن فإذا ضمنه القيمة لم يرجع بها لكن يرجع بالثمن لأن البيع باطل فلا يدخل الثمن في ملك الغاصب كما لو وجد العين باقية "ويرجع بها" أي بقيمة العين "المتهب" في الأصح لأنه دخل مع الغاصب على أن يسلم له العين فيرجع بما غرم من قيمتها على الغاصب كقيمة الأولاد
"وعنه: أن ما حصلت له به منفعة كالأجرة والمهر وأرش البكارة لا يرجع به" اختاره أبو بكر لأنه غرم ما استوفى بدله فلا يرجع به كقيمة الجارية وبدل اجزائها وجملته أن المالك إذا رجع على المشتري فأراد المشتري الرجوع على الغاصب فهو على أقسام الأول لا يرجع به وهو قيمتها إن تلفت في يده وأرش بكارتها وعنه بلى كالمهر وبدل أجزائها لانه دخل مع الغاصب على أن يكون ضامنا لذلك الثمن فإذا ضمنه لم يرجع به
الثاني: يرجع به وهو بدل الولد ونقص الولادة لأنه دخل في العقد على أن لا يكون الولد مضمونا عليه ولم يحصل منه إتلاف وإنما الشرع أتلفه بحكم منع الغاصب منه
الثالث: مهر المثل واجرة نفعها وفيه روايتان أشهرهما أنه يرجع به لأنه دخل في العقد على أن يتلفه بغير عوض فإذا غرم رجع به كبدل الولد
"وإن ضمن الغاصب رجع على المشتري" لأن التلف حصل على يده فهو كالمباشر والغاصب كالمتسبب "بما لا يرجع به المشتري عليه" أي على الغاصب لأنه لا فائدة فيه وضابطه أن كل ما رجع به على المشتري لا يرجع به المشتري على الغاصب إذا رجع به المالك على الغاصب ورجع به الغاصب على المشتري وكل ما لو رجع به على المشتري رجع به المشتري على(5/109)
وإن ولدت من زوج فمات الولد ضمنه بقيمته وهل يرجع بها على الغاصب على روايتين إن أعارها فتلفت عند المستعير استقر ضمان قيمتها عليه وضمان الأجرة على الغاصب
__________
الغاصب إذا غرمه الغاصب لم يرجع به على المشتري لأن الضمان استقرّ على الغاصب فإن ردها حاملا فماتت من الوضع فهي مضمونة على الواطىء لأن التلف بسبب من جهته "وإن ولدت من زوج" أي إذا اشترى المغصوبة من لا يعلم بالغصب فزوجها لغير عالم به فولدت من الزوج فهو مملوك لأنه من نمائها "فمات الولد ضمنه بقيمته" لأنه مال وليس بمثلي لكونه ينعقد رقيقا لأن الواطىء لا يعتقد أنها مملوكته بخلاف المشتري الجاهل بالغصب "وهل يرجع بها" أي بقيمةالولد "على الغاصب على روايتين" أشهرهما أنه يرجع على الغاصب لأنه غره لكونه دخل على أن الولد إن تلف فهو من ضمان مالك الجارية لأنها مملوكته والثانية لا رجوع لأن التلف حصل في يده أشبه تلف الجارية
"وإن أعارها فتلفت عند المستعير" فللمالك تضمين أيهما شاء اجرها وقيمتها فإن ضمن المستعير مع علمه بالغصب لم يرجع به على أحد وإن ضمن الغاصب رجع على المستعير وإن لم يكن علم بالغصب فضمنه "استقر ضمان قيمتها عليه" لأنه قبضها على أنها مضمونة عليه "وضمان الأجرة على الغاصب" لأنه دخل على أن المنافع غيرمضمونة عليه وفي المغني والشرح أنه لا يرجع عليه لأنه انتفع بها قد استوفى بدل ما غرم فإن ردها على الغاصب لم يبرأ لأنه دفع العين إلى غيرمستحقها وهو ظاهر مع العلم ويستقر الضمان على الغاصب إن حصل التلف في يده
تنبيه: جعل في الشرح المودع كالمستعير والمذهب أنه يرجع مودع ونحوه بقيمته ومنفعته كمرتهن في الأصح ويرجع مستأجر بقيمته وعكسه مشتر ومستعير ويأخذ مستأجر ومشتر من غاصب ما دفعا إليه ويأخذ مشتر نفقته(5/110)
وإذا اشترى أرضا فغرسها أو بنى فيها فخرجت مستحقة وقلع غرسه وبناءه رجع المشتري على البائع بما غرمه ذكره القاضي في القسمة وإن أطعم المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان عليه وإن لم يعلم وقال له الغاصب كله فإنه طعامي استقر الضمان على الغاصب وإن لم يقل ففي أيهما يستقر الضمان عليه وجهان
__________
وعمله من بائع غار ذكره الشيخ تقي الدين
"وإذا اشترى أرضا فغرسها أو بنى فيها فخرجت مستحقة" وهو لا يعلم بالحال "وقلع غرسه وبناءه رجع المشتري على البائع بما غرمه ذكره القاضي في القسمة" ووافقه المتأخرون لانه ببيعه إياها غره وأوهمه أنها ملكه والمنصوص عنه أنه يتملك بالقيمة ولا يقلع مجانا ليس هذا مثل من غرس في أرض غيره فيقلع غرسه وحمل القاضي على أن له القيمة على من غره كما في المغرور بنكاح أمة فأما مالك الأرض فلا ضمان عليه لأنه لم يحصل منه إذن وفي القواعد أن هذا مخالف لمدلول المنصوص وكونه لم يحصل منه إذن لا ينفي كون الغراس محترما كالسيل إذا حمل نوى إلى أرض غيره فنبت فيها أنه كغرس المستعير في وجه وظاهر الأول ان للمالك قلعه وعنه ليس للمستحق ذلك الا أن يضمن نقصه ثم يرجع بها على الغاصب
"وإن أطعم المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان عليه" لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه عالما من غيرتغرير وللمالك تضمين الغاصب لأنه حال بينه وبين ماله والآكل لأن التلف حصل في يده فإن ضمن الغاصب رجع على الآكل وإن ضمن الآكل فهدر
"وإن لم يعلم وقال له الغاصب كله فإنه طعامي استقر الضمان على الغاصب" لأنه غره ولاعترافه بأن الضمان باق عليه وعنه على آكل كآكله بلا إذنه قال جماعة وكذا إذا أطعمه لعبده أو دابته غيرعالم به وإن لم يقل هو طعامي أولى "ففي ايهما يستقر عليه الضمان وجهان" هما روايتان(5/111)
وإن أطعمه لمالكه ولم يعلم لم يبرأ نص عليه في رجل له عند رجل تبعة فأوصلها إليه على أنها صلة أو هدية ولم يعلم كيف هذا يعني أنه لا يبرأ وإن رهنه عند مالكه أو أودعه إياه أو أجره واستأجره على قصارته وخياطته لم يبرا إلا أن يعلم وإن اعاره إياه برىء علم أو لم يعلم
__________
في المغني أحدهما يستقر على آكله لأنه ضمن ما أتلف فلم يرجع به على أحد كآكله بلا إذن والثاني على الغاصب وهو ظاهر الخرقي والفروع لأنه غر الآكل وأطعمه على أن لا يضمنه
مسألة: لو أباحه للغاصب فأكل قبل علمه ضمن ذكره في الانتصار والشرح .
"إن أطعمه لمالكه ولم يعلم لم يبرأ نص عليه في رجل له عند رجل تبعة فأوصلها إليه على أنها صلة أو هدية ولم يعلم كيف هذا يعني أنه لا يبرأ" لأنه بالغصب أزال يد المالك وسلطنته وبالتقديم إليه لم يعد لأنه لا يملك التصرف فيه بكل ما يريد من الأخذ والصدقة ونحوهما فلم يزل عنه الضمان كما لو علفه لدوائه وقيل يبرأ بناء على ما إذا أطعمه لأجنبي فإنه يستقر الضمان على الآكل وهذا رواية قال في التلخيص فيكون في المالك روايتا المغرور كالأجنبي وأولى وظاهره أنه إذا علم فإنه يبرأ الغاصب لأنه أتلف ماله برضاه عالما به فلو وهبه المغصوب لمالكه أو أهداه إليه لم يبرأ وعنه بلى جزم به بعضهم وصححه في الشرح لأنه سلمه إليه تسليما تاما زالت به يد الغاصب .
"إن رهنه عند مالكه أو أودعه إياه أو أجره واستأجره على قصارته أو خياطته لم يبرأ" من الضمان لأنه لم يعد إليه سلطانه إنما قبضه على أنه أمانة "إلا أن يعلم" لأنه يتمكن من التصرف فيه على حسب اختياره وقال جماعة من أصحابنا يبرأ مطلقا لعوده إلى مالكه .
"إن أعاره إياه برىء علم أو لم يعلم" لأنه دخل على أنه مضمون عليه فلا يتأتى وجوب الضمان على الغاصب لعدم الفائدة في الرجوع فلو باعه إياه وسلمه(5/112)
ومن اشترى عبدا فأعتقه فادعى رجل أن البائع غصبه منه فصدقه أحدهما لم يقبل على الآخر وإن صدقاه مع العبد لم يبطل العتق ويستقر الضمان على المشتري ويحتمل أن يبطل العتق إذا صدقوه كلهم
__________
إليه أو أقرضه برىء جزم به في الشرح لأنه قبضه على وجه يوجب الضمان والأشهر خلافه
فرع: ظاهر كلامهم أن غير الطعام كهو في ذلك قال في الفروع ولا فرق فلو زوجه الأمة برىء من الغصب وقيل إن علم ربه وإلا فلا .
"من اشترى عبدا فأعتقه فادعى رجل أن البائع غصبه منه فصدقه أحدهما" أي البائع أو المشتري "لم يقبل على الآخر" لأنه لا يقبل إقراره في حق غيره لكن إن أقام المدعي بينة بما إدعاه بطل البيع والعتق ويرجع المشتري على البائع بالثمن
" وإن صدقاه مع العبد لم يبطل العتق" على المذهب لأنه حق لله تعالى بدليل أنه لو شهد به شاهدان وأنكره العبد لم يقبل منه وكذا إن صدقاه جميعا دون العبد كان حرا لأنه قد تعلق به حق لغيرهما .
"يستقر الضمان على المشتري" لأن التلف حصل في يده وللمالك تضمين من شاء منهما قيمته يوم العتق فإن ضمن البائع رجع على المشتري لما ذكرنا وإن ضمن المشتري لم يرجع على البائع إلا بالثمن وإن مات العبد وخلف مالا فهو لوارثه فإن لم يكن فهو للمدعي لاتفاقهم علىانه له ولا ولاء عليه لأن أحدا لا يدعيه وإن صدق المشتري البائع وحده رجع عليه بقيمته ولم يرجع المشتري بالثمن .
"يحتمل أن يبطل العتق إذا صدقوه كلهم" ويعود العبد إلى المدعي لأنه مجهول النسب أقر بالرق لمن يدعيه فصح كما لو لم يعتقه المشتري(5/113)
فصل
وإن تلف المغصوب ضمنه بمثله إن كان مكيلا أو موزونا وإن أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه وقال القاضي يضمنه بقيمته يوم القبض
__________
فصل
"وإن تلف المغصوب" أو أتلفه "ضمنه" لقوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} "بمثله إن كان مكيلا أو موزونا" لأنه لما تعذر رد العين لزمه رد ما يقوم مقامها وقد حكاه ابن عبد البر إجماعا في كل مأكول ومشروب أنه يجب على مستهلكه مثله لا قيمته لأن المثل أقرب إليه من القيمة فهو مماثل له من طريق الصورة والمشاهدة والمعنى والقيمة مماثلة له من طريق الظن والاجتهاد والأول مقدم كالنص مع القياس ومقتضاه أنه لو قدر على المثل بأكثر من قيمته لزمه شراؤه صرح به في الكافي وعنه يضمنه بقيمته ذكره القاضي وذكر أيضا القيمة في نقرة وسبيكة وعنب ورطب كما فيه صناعة مباحة لا محرمة وينبغي أن يستثنى من الأول الماء في المفازة فإنه يضمن بقيمته في البرية
مسألة: ظاهره أن المثلي ما حصره كيل أو وزن والأولى وجاز السلم فيه كماء وتراب "وإن أعوز المثل" في البلد أو حوله "فعليه قيمة مثله يوم إعوازه" أي يوم تعذره لأنه يستحق المطالبة بقيمة المثل يوم الإعواز فوجب أن تعتبر القيمة حينئذ لأنه يوم وجوبها "وقال القاضي يضمنه بقيمته يوم القبض" أي قبض بدله وهذا رواية عن أحمد لأن الواجب المثل إلى حين قبض البدل بدليل أنه لو وجد المثل بعد إعوازه لكان الواجب هو دون القيمة(5/114)
وعنه تلزمه قيمته يوم تلفه وإن لم يكن مثليا ضمنه بقيمته يوم تلفه في بلده من نقده ويتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه
__________
"وعنه: يلزمه قيمته يوم تلفه" لأن القيمة تثبت في الذمة يوم التلف فاعتبرت تلك الحالة كما لو لم تختلف القيمة وعنه يلزمه يوم المحاكمة وقاله أكثر العلماء لأن القيمة لم تنتقل إلى ذمته إلا حين حكم بها الحاكم وعنه يوم غصبه وقيل أكثرهما من يوم الغصب إلى يوم تعذر المثل فإن غرمها ثم قدر على المثل لم ترد القيمة على الأصح فلو قدر عليه قبل غرمها عاد وجوبه لأنه الاصل قدر عليه قبل أداء البدل أشبه القدرة على الماء بعد التيمم ولهذا لو قدر عليه بعد المحاكمة وقبل الاستيفاء استحق المالك طلبه وأخذه .
"إن لم يكن مثليا" كالثوب والعبد "ضمنه بقيمته" في قول الجماعة لقوله عليه السلام : "من أعتق شركا له في عبد قوم عليه" فأمر بالتقويم في حصة الشريك لأنها متلفة بالعتق ولم يأمر بالمثل لأن هذه الأشياء لا تتساوى أجزاؤها وتختلف صفاتها فالقيمة فيها أعدل وأقرب إليها فكانت أولى "يوم تلفه في بلده" الذي غصبه فيه لأن ذلك زمن الضمان وموضعه وعنه تعتبر القيمة ببلد تلفه جزم به في الكافي "من نقده" فإن كان فيه نقود اعتبر أن يكون من غالبه .
"يتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه" هذا رواية عن أحمد نقلها الثقات منهم ابن مشيش وكذا ابن منصور إلا أنه عاوده في ذلك فجبن عنه لأنه الوقت الذي أزال يده فيه فلزمته القيمة كما لو أتلفه و عنه أكثرهما أي من يوم غصبه إلى يوم تلفه اختاره الخرقي كإتلافه في الأصح لكن القاضي حمل كلام الخرقي على ما إذا اختلفت القيمة لتغير الأسعار وقد علمت أن المذهب عدم الضمان حتى قال القاضي لم اجد رواية عن أحمد بأنها تضمن بأكثر القيمتين لتغير الأسعار ونقل ابن أبي موسى خلافه و عنه يضمن المغصوب بمثله مطلقا و قاله ابن أبي موسى واختاره الشيخ تقي الدين واحتج بعموم قوله تعالى {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا}(5/115)
وإن كان مصوغا أو تبرا تخالف قيمته وزنه قومه بغير جنسه فإن كان محلى بالنقدين معا قومه بما شاء منهما للحاجة وأعطاه بالقيمة عرضا وإن تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه كزوجي خف تلف أحدهما فعليه رد الباقي وقيمة التلف
__________
ولخبر القصعة وعنه مع قيمته وعنه غيرحيوان بمثله ذكره جماعة وفي الواضح والموجز فينقص عنه عشرة دراهم
فرع: لو حكم حاكم بغير المثلي في المثلى وبغير القيمة في المتقوم لم ينفذ حكمه ولم يلزمه قبوله ذكره في الانتصار والمفردات ولو أخذ حوائج من بقال ونحوه في أيام ثم يحاسبه فإنه يعطيه بسعر يوم أخذه نص عليه
"وإن كان مصوغا" مباحا "أو تبرا تخالف قيمته وزنه قومه بغير جنسه" إذا كانت الصناعة فيه مباحة كحلي النساء لئلا يؤدي إلى الربا وعلم منه أنه يجب ضمانه بقيمته وذكر القاضي فيه أنه يضمن بأكثر من وزنه لأن الزيادة في مقابلة الصنعة فلا يؤدي إلى الربا ومقتضاه أن الصناعة إذا أنه لم يجز ضمانه بأكثر من جنسه وجها واحدا لأنه لا قيمة لها شرعا بل يضمنه بوزنه وفيه وجه وقيل إن جاز اتخاذه ضمن كالمباح فاما إن كانت قيمته كوزنه وجبت لأن تضمينه بها لا يؤدي إلى الربا أشبه غيرالأثمان.
"إن كان محلى بالنقدين معا قومه بما شاء منهما للحاجة" أي إلى تقويمها بأحدهما لأن كلا منهما ثمن في قيم المتلفات وأروش الجنايات وليس أحدهما أولى من الآخر فكانت الخيرة إليه "وأعطاه بالقيمة عرضا" لئلا يفضي إلى الربا وقيل من أتلف خلخالا أو سوارا فهل يضمن بوزنه من جنسه ويضمن الصنعة من غيره أو يضمن الوزن والصنعة بغير جنسه أو يضمنهما بجنسه فيه أوجه وإن كسرها ضمن النقص من غالب نقد البلد وإن كان من غيرجنسه.
"إن تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه كزوجي خف" أو مصراعي باب "تلف أحدهما فعليه رد الباقي" لأنه ملك غيره "وقيمة التالف" لأنه تلف تحت يده(5/116)
وأرش نقصه وقيل لا يلزمه أرش النقص وإن غصب عبدا فأبق أوفرسا فشرد أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته فإن قدر عليه بعد رده وأخذ القيمة وإن غصب عصيرا فتخمر فعليه قيمته فإن انقلب خلا رده وما نقص من قيمة العصير
__________
العادية "وأرش نقصه" إن نقص نصره الأصحاب لأنه نقص حصل بجنايته فلزمه ضمانه كما لو غصب ثوبا ينقصه الشق فشقه ثم تلف .
"وقيل لا يلزمه أرش النقص" لأن الباقي نقص قيمته فلا يضمنه كالنقص لتغير الأسعار وجوابه بالفرق بينهما فإن نقص السعر لم يذهب من المغصوب عين ولا معنى وها هنا فوت عليه إمكان الانتفاع به فوجب ضمان نقص قيمته فلو كانت قيمتهما عشرين والباقي بعد التلف يساوي خمسة فعلى الأول عليه خمسة عشر وعلى الثاني عشرة .
"إن غصب عبدا فأبق أو فرسا فشرد أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته" للمالك للحيلولة لا أنه على سبيل العوض ويملكها وفي عيون المسائل وغيرها خلافه لأنه إنما حصل بها الانتفاع في مقابلة ما فوته الغاصب "فإن قدر عليه بعد رده" لا يملكه الغاصب بأداء القيمة بل يرده إذا قدر مع نمائه المنفصل وأجر مثله إلى حين دفع بدله "وأخذ القيمة" أي الذي أخذها المالك بدلا عنه لأنه أخذه بالحيلولة وقد زالت فيجب رد ما أخذ من أجلها إن كان باقيا بعينه بزيادته المتصلة لأنها تتبع في الفسوخ وهذا فسخ دون المنفصلة لأنها نماء ملكه وإن كان البدل تالفا فعليه مثله أو قيمته إن لم يكن من ذوات الأمثال وفي حبسه ليرد القيمة وجهان ولا يصح الإبراء منها مع بقائها .
"إن غصب عصيرا فتخمر فعليه قيمته" لأن ماليته زالت تحت يده أشبه ما لو أتلفها وقيل مثله من العصير جزم به في الشرح والوجيز لأن ذلك يلزمه بانقلابه خمرا "فإن انقلب خلا رده" لأنه عين ملكه "وما نقص من قيمة العصير" إن نقص لأنه نقص تحت يده أشبه ما لو نقص منه جزء وفي عيون المسائل لا(5/117)
فصل
وإن كانت للمغصوب أجرة فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده وعنه التوقف في ذلك
__________
يلزمه قيمة العصير لأن الخل عينه كحمل صار كبشا ويسترجع الغاصب ما أداه بدلا عنه وإن غلاه غرم أرش نقصه وكذا نقصه وقيل لا لأنه ماء
فرع: لو غصب جماعة مشاعا فرد واحد منهم سهم آخر إليه لم يجز له حتى يعطى شركاؤه نص عليه وكذا إن صالحوه بمال عنه نقله حرب ويتوجه أنه بيع المشاع ذكره في الفروع ولو شق ثوبه فلا قصاص فيه ويضمن نقصه ونقل جماعة يخير اختاره الشيخ تقي الدين
فصل
"وإن كانت للمغصوب أجرة" أي مما تصح إجارته طفعلى الغاصب أجرة مثله مدة بقائه في يده" نص عليه في رواية الأثرم وسواء استوفى المنافع أو تركها تذهب لأن كل ما ضمن بالإتلاف في العقد الفاسد جاز أن يضمنه بمجرد التلف في يده كالأعيان لكن نص في قضايا فيها انتفاع يؤيده ما نقله ابن منصور إن زرع بلا إذن عليه أجرة الأرض بقدر ما إستغلها فظاهره أنه لا شيء عليه إذا لم يستغلها وعنه لا يضمن المنافع مطلقا لقوله عليه السلام "الخراج بالضمان" وضمانها على الغاصب وكغنم أشبه ما لو زانى بامرأة مطاوعة ورد بأنه أتلف مالا متقوما فوجب ضمانه كالعين والخبر وارد في البيع والمرأة رضيت بإتلاف منافعها بغير عوض ولا عقد فكان كالإعارة والغنم ونحوها لا منافع لها تستحق بعوض وعلى الأول لو غصب جارية ومضى زمن لم يمكن وطؤها لم يضمن مهرها لأن منافع البعض لا تتلف إلا بالاستيفاء بخلاف غيرها ولو أطرق الفحل لم يضمن منفعته لكن عليه ضمان نقصه ولو أخذ مالك الأرض الزرع لم يكن على الغاصب أجرة إلا أن يأخذه بقيمته فتكون له الأجرة إلى وقت أخذه "وعنه: التوقف عن ذلك" نقلها عنه محمد عبد الحكم فيمن غصب دارا فسكنها عشرين سنة لا(5/118)
وقال أبو بكر هذا قول قديم رجع عنه وإن تلف المغصوب فعليه أجرته إلى وقت تلفه وإن غصب شيئا فعجز عن رده فأدى قيمته فعليه أجرته إلى وقت أداء القيمة وفيما بعده وجهان
فصل
وتصرفات الغاصب الحكمية كالحج وسائر العبادات والعقود كالبيع والنكاح ونحوها باطلة في إحدى الروايتين
__________
أجترى أن أقول عليه أجرة ما سكن فدل على توقفه عن إيجاب الأجر قال في المغني والشرح والأول هو المذهب المعروف يؤكده ما "قال أبو بكر هذا قول قديم رجع عنه" لأن محمد بن عبد الحكم مات قبل أحمد بعشرين سنة .
"إن تلف المغصوب فعليه أجرته إلى وقت تلفه" لأنه بعد التلف لم يبق له منفعة فلم يجب ضمانها كما لو أتلفه من غير غصب .
"إن غصب شيئا فعجز عن رده فأدى قيمته فعليه أجرته إلى وقت أداء القيمة" لأن منافعها إلى وقت أدائها مملوكة لصاحبها فلزمه ضمانها "وفيما بعده" أي بعد أداء القيمة إلى رده "وجهان" أصحهما لا يلزمه لأنه استحق الانتفاع ببدله الذي أقيم مقامه فلم يستحق الانتفاع به وبما قام مقامه والثاني بلى لأن العين باقية على ملكه والمنفعة له وظاهر كلامهم يضمن رائحة مسك ونحوه خلافا للانتصار لا نقدا لتجارة
فصل
"وتصرفات الغاصب الحكمية" هي بالرفع صفة لتصرفات والحكمية ما كان لها حكم في الصحة والفساد فالصحيح من العبادة ما أجزأ فاعله أو أسقط عنه القضاء وفي العقود ما ترتب أثره عليه من الانتفاع في البيع والاستمتاع في النكاح والفاسد وهو الباطل ما ليس كذلك .
"الحج وسائر العبادات" كالطهارة والصلاة والزكاة "والعقود كالبيع والنكاح ونحوها" كالإجارة "باطلة في إحدى الروايتين" وهي ظاهر المذهب(5/119)
والأخرى صحيحة فإن اتجر بالدراهم فالربح لمالكها وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك وعنه الربح للمشتري
__________
لأن ذلك التصرف تصرف الفضولي والصحيح من المذهب أنه باطل وقد تقدم .
"والأخرى صحيحة" مطلقا ذكره ابو الخطاب لأن الغاصب تطول مدته غالبا وتكثر تصرفاته ففي إبطالها ضرر كبير وربما عاد بعض الضرر على المالك فإن الحكم بصحتها يكون الربح للمالك والعوض بنمائه وزيادته له والحكم ببطلانها يمنع من ذلك وقال في الشرح وينبغي أن يتقيد في العقود بما لم يبطله المالك فأما إن اختار إبطاله باخذ المعقود عليه فلا نعلم فيه خلافا .
"وإن اتجر بالدراهم" بأن غصبها واتجر بها أو عروضا فباعها واتجر بثمنها ولو قال بالنقد لعم "فالربح لمالكها" نقله الجماعة واحتج بخبر عروة بن الجعد وهذا حيث تعذر رد المغصوب إلى مالكه ورد الثمن إلى المشتري قال جماعة منهم صاحب الفنون والترغيب إن صح الشراء وقال الشريف وابو الخطاب إن كان الشراء بعين المال فعلى الأول هو له سواء قلنا يصح الشراء أو لا وسواء اشتراه بعين المال أو في الذمة ونقل حرب في خبر عروة إنما جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم جوزه له وحيث تعين جعل الربح للغاصب أو المغصوب منه فجعله للمالك أولى لأنه في مقابلة ماله الذي فاته بمنعه ولم يجعل للغاصب شيء منعا للغصب وعنه يتصدق به نقلها الشريف لوقوع الخلاف فيه.
"وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك" أي فالربح لربه هذا هو المشهور لأنه نماء ملكه أشبه ما لو اشتراه بعينه وفي المحرر والمستوعب بنية نقده الثمن من مال الغصب.
"وعنه: الربح للمشتري" لأنه اشترى لنفسه في ذمته فكان الشراء له والربح له وعليه بدل المغصوب وهذا قياس قول الخرقي وله الوطء نقله المروذي فعلى هذا إن أراد التخلص من شبهة بيده اشترى في ذمته ثم ينقد من مال الشبهة ولا يشتري بعين المال قاله القاضي وابن عقيل وذكره عن أحمد(5/120)
وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره أوصناعة فيه فالقول قول الغاصب وإن اختلفا في رده أو عيب فالقول قول المالك وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها تصدق بها عنهم بشرط الضمان كاللقطة
__________
فرع: لو دفع المال مضاربة فربحه على ما ذكرنا وليس على المالك شيء من أجر العامل لأنه لم يأذن فيه ثم إن كان المضارب عالما بالغصب فلا أجر له لتعديه بالعمل و إن لم يعلم فعلى الغاصب أجر مثله لأنه استعمله بعوض لم يسلم له فلزمته أجرته كالعقد الفاسد.
"وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره" بأن قال غصبتك ثوبا قال بل ثوبين "أو صناعة فيه" بان قال المالك كان كاتبا أو ذا صنعة "فالقول قول الغاصب" لأن الأصل براءة الذمة فلا يلزمه ما لم تقم عليه حجة كما لو ادعى عليه دينا فأقر بعضه "وإن اختلفا في رده أو عيب" بأن قال كانت فيه أصبع زائدة أو نحوها "فالقول قول المالك" لأن الأصل عدم الرد والعيب فلو زادت قيمة المغصوب واختلفا في وقت الزيادة قدم قول الغاصب لأن الأصل براءة ذمته وإن شاهدت البينة المغصوب معيبا فقال الغاصب كان معيبا قبل غصبه وقال المالك تعيب عندك قدم قول الغاصب لأنه غارم والظاهر أن صفة العبد لم تتغير وقبل قول المالك كاختلاف المتبايعين في حدوث العيب
مسألة: لو اختلفا في الثياب التي على العبد فهي للغاصب لأنها في يده ولم تثبت أنها لمالك العبد.
"وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها" فسلمها إلى حاكم برىء من عهدتها ويلزمه قبولها وله أن "يتصدق بها عنهم" على الأصح "بشرط الضمان كاللقطة" لأنه عاجز عن ردها إلى مالكها فإذا تصدق بها عنهم كان ثوابها لأربابها فيسقط عنه إثم غصبها ففي ذلك جمع بين مصلحته ومصلحة المالك لكن بشرط الضمان لأن الصدقة بدون ما ذكر إضاعة لمال المالك لا على وجه بدل وهو غير جائز وفي الغنية عليه ذلك ونقل أيضا على فقراء مكانه إن عرفه لأن دية قتيل تؤخذ عليهم ولم يذكر(5/121)
فصل
ومن أتلف مالا محترما لغيره ضمنه
__________
أصحابنا غير الصدقة لكن نقل إبراهيم بن هانىء يتصدق أو يشتري به كراعا أو سلاحا يوقف هو مصلحة للمسلمين وسأله جعفر عمن بيده أرض أو كرم ليس أصله طيبا و لايعرف ربه قال يوقفه على المساكين وذكر في الفروع توجيها على أفضل البر وقال الشيخ تقي الدين يصرفه في المصالح وقاله في وديعة ونقله عن العلماء وعنه لا يجوز التصدق بالمغصوب كالرواية في اللقطة فعلى هذا له دفعه إلى نائب الإمام كالضوال ونقل الأثرم وغيره إذا علم ربه وشق دفعه وهو يسير كحبة فسلمه إلى حاكم برىء
فائدة: رهن وديعة كغصب قاله الحارثي وغيره وليس لمن هي عنده أخذ شيء منها ولو كان فقيرا نص عليه
فصل
"ومن أتلف مالا محترما لغيره ضمنه" إذا كان بغير إذنه بغير خلاف نعلمه لأنه فوته عليه بالإتلاف فضمنه كما لو غصبه فتلف عنده وشرطه أن يكون مالا احتراز عن الكلب والسرجين النجس محترما احتراز عما ليس بمحترم وإن كان مالا كآلة اللهو لغيره يحترز به عن نفسه لأنه لا يجب الضمان على من هوله ويشترط فيه أن يكون معصوما صرح به في الوجيز والفروع لأن ما ليس بمعصوم لا يضمن ماله وزاد أو مثله يضمنه يحترز به عن الأب إذا أتلف مال ولده والصي والمجنون إذا أتلفا مالا دفعه مالكه إليهما بشرطه وما تلف بين أهل العدل والبغاة وظاهره لا فرق فيه بين الكبير والصغير والمختار والمكره لعموم من وهو وجه في المكره وفي آخر يضمنه مكرهه كدفعه مكرها لأنه ليس إتلافا وقيل المكره كمضطر ويرجع في الأصح على من أكرهه إن جهل تحريمه وقيل وعلمه لإباحة(5/122)
وإن فتح قفصا عن طائره أو حل قيد عبده أو رباط فرسه أو وكاء زق مائع أو جامد فأذابته الشمس أو بقي بعد حله قاعدا فألقته الريح فاندفق ضمنه وقال القاضي لا يضمن ما ألقته الريح
__________
إتلافه وهل لربه مطالبة مكرهه فيه وجهان فإن طالبه رجع على المتلف إن علم تحريمه وإن قلنا لا لم يرجع عليه وقيل الضمان بينهما وكالعامد والساهي وعلم منه أنه لا ضمان مع إذنه وعين ابن عقيل الوجه المأذون فيه مع غرض صحيح "وإن فتح قفصا عن طائره" فطار "أو حل قيد عبده" فهرب "أو رباط فرسه" فشرد ضمنه لأنه تلف بسبب فعله فلزمه الضمان كما لو نفره فلو بقي الطائر في محله وكذا الآخرين فتلف بآفة سماوية لم يجب الضمان لأن التلف لم يحصل بفعله وحذفه المؤلف اعتمادا على ظهوره فلو بقي الطائر والفرس بحالهما حتى نفرهما آخر وذهبا فالضمان على المنفر لأن سببه أخص فاختص الضمان به كالدافع مع الحافر وفي الفنون إن كان الطائر متألفا فلا كذكاة مستأنس ومتوحش لأن المستأنس في مظنة القدرة عليه فالقفص وعدمه سواء
تنبيه: لو دفع مبردا إلى مقيد فبرد قيده ففي تضمين دافعه وجهان ولا يضمن دافع مفتاح إلى لص لأن الدافع سبب واللص مباشر فأحيل الحكم عليه قال الشيخ تقي الدين من غرم بسبب كذب عليه عند ولي أمر فله تغريم الكاذب وهوالمشهور عن المالكية لأن السبب يحال عليه الحكم إذا لم يمكن إحالة الحكم على المباشر كمن ألقى شخصا في زبية أسد فقتله الأسد أو في بحر فابتلعه حوت "أو" حل "وكاء" بكسر الواو ممدودا ما يسد به رأس القربة "زق مائع أو جامد فأذابته الشمس أو بقي بعد حله قاعدا فألقته الريح فاندفق ضمنه" لأن فعله سبب تلفه لم يتخلل بينهما ما يمكن إحالة الحكم عليه فلزمه كما لو جرح إنسانا فأفضى إلى تلفه بخلاف ما لو دفعه إنسان بعد ذلك فإنه مباشر يمكن إحالة الحكم عليه "وقال القاضي لا يضمن ما ألقته الريح" وزلزلة الأرض لأن فعله غير ملجىء فلم يتعلق به ضمان كما لو دفعه إنسان وفيه وجه لا يضمن فيما أذابته الشمس لأن(5/123)
وإن ربط دابة في طريق فأتلفت أو أقتنى كلبا عقورا فعقر أو خرق ثوبا ضمن إلا أن يكون دخل منزله بغير إذنه وقيل في الكلب روايتان في الجملة
__________
فعله غيرملجىء مع أن قول القاضي منقوض بما إذا أذابته الشمس لأنه لا يقول فيه بعدم الضمان
فرع: لو حبس مالك دواب فتلفت لم يضمن الحابس وقيل بلى وينبغي أن يفرق بين الحبس بحق أو غيره.
"وإن ربط دابة في طريق فأتلفت" ضمن لأنه متعد بالربط وظاهره لا فرق فيه بين الواسع وغيره لكن في الواسع إذا لم تكن يد صاحبها عليها روايتان وفي الضيق يضمن ولو برجلها نص عليه ومن ضربها إذن فرفسته فمات ضمنه ذكره في الفنون ومثله لو ترك فيه طينا أو خشبة أو حجرا أو كيس دراهم نص عليه وبإسناد خشبة إلى حائط "أو اقتنى كلبا عقورا فعقر أو خرق ثوبا ضمن" نص عليه لأنه متعد باقتنائه "إلا أن يكون دخل منزله بغير إذنه" في رواية لأنه متعد بالدخول فلم يضمنه المقتني وظاهره أنه لو دخل بإذنه فإنه يضمنه الآذن لأنه تسبب إلى تلفه ونقل حنبل إذا كان الكلب موثقا لم يضمن ما عقر وظاهره أنه إذا أتلف شيئا بغير العقر كما لو ولع أو بال في إناء إنسان أنه لا ضمان لأنه هذا لا يختص الكلب العقور "وقيل في الكلب روايتان" إحداهما يضمن لأن اقتناءه سبب للعقر وأذى للناس فلزمه الضمان لما فيه من المبالغة في الزجر والثانية لا لأنه لم يحصل منه جناية وكسائر البهائم وجوابه بأنه متسبب وفي الرعاية يضمن ما عقر خارج الدار إن لم يكفه ربه أو يحذر منه "في الجملة" سواء كان صاحبه أو خارجا عنه دخل بإذن صاحب المنزل أولا
فرع: حكم اسد ونمر وذئب وهر تأكل الطيور وتقلب القدور في العادة حكم الكلب العقور وله قتل الهر بأكل لحم ونحوه كالفواسق وفي الفصول حين أكلها وفي الترغيب إن لم يندفع إلا به كصائل(5/124)
وإن أجج نارا في ملكه أو سقى أرضه فتعدى إلى ملك غيره وأتلفه ضمن إذا كان أسرف فيه أو فرط وإلا فلا وإن حفر في فنائه بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها وإن حفرها في سابلة لنفع المسلمين لم يضمن ما تلف بها في أصح الروايتين
__________
"وإن أجج نارا في ملكه أو سقى أرضه فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه ضمن إذا كان أسرف فيه أو فرط" بأن أججها بما تسري في العادة لكثرتها أو في ريح شديدة تحملها أو فتح ماء كثيرا يتعدى لأنها سراية عدوان فلزمه الضمان كما لو باشر ذلك بالإتلاف فلو أججها ثم طرأت ريح لم يضمن قال في عيون المسائل لو أججها على سطح داره فهبت الريح فأطارت الشرر لم يضمن لأنه في ملكه وهبوب الريح ليس من فعله بخلاف ما لو رمى قشر بطيخ في طريق وظاهر الوجيز والفروع أنه يضمن حيث لم يكن ذلك في ملكه صرح به في الشرح لتعديه "وإلا فلا" ضمان حيث لم يوجد إفراط ولا تفريط لأنه غيرمتعد لأنها سراية فعل مباح فلم يضمن كسراية القود وفارق ما إذا حل زقا فاندفق ما فيه لأنه متعد بحله.
"وإن حفر في فنائه" وهو ما كان خارج الدار قريبا منها "بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها" لأنه متسبب إلى إتلاف غيره فلزمه الضمان كواضع السكين وسواء حفرها بإذن الإمام أوغيرإذنه فيها ضرر أولا وقال بعض أصحابنا له حفرها لنفسه بإذن الإمام ذكره القاضي فعليه لا ضمان لأن اللإمام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر فيه وجوابه بأنه حفر في مكان مشترك بغير إذن أهله لغير مصلحتهم فضمن كما لو لم يأذن الإمام فيه ولا نسلم أن للإمام الإذن فيه فدل أنه لا يجوز لوكيل بيت المال وغيره بيع شيء من طريق المسلمين النافذ وأنه ليس لحاكم الحكم بصحته وقاله الشيخ تقي الدين وفي الفروع يتوجه جوازه للمصلحة.
"وإن حفرها في سابلة" وهي الطريق المسلوكة السبيل الطريق يذكر ويؤنث "لنفع المسلمين" لينزل فيها ماء المطر أو ليشرب منها المارة "لم يضمن ما تلف بها في أصح الروايتين" لأنه محسن بفعله غير متعد أشبه باسط الحصير في المسجد(5/125)
__________
وعلله أحمد بأنه نفع للمسلمين ومحله ما لم يكن فيه ضرر بالعمل في الوجيز بان حفرها في سابلة واسعة لمصلحة عامة
والثانية يضمن واقتصر القاضي على حكايتها لأنه مأذون له في ذلك بشرط سلامة العاقبة ولم توجد
وعنه: يضمن إلا أن يكون بإذن حاكم والأول أشهر لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه ويشق استئذان الإمام وتعم البلوى به ومثله لو حفرها في موات لتملك أو ارتفاق أو انتفاع عام نص عليه أو بنى فيها مسجدا أو خانا ونحوهما لنفع المسلمين
فرع: فعل عبده بأمره كفعله أعتقه أولا ويضمن سلطان آمر وحده وإن حفرها حر بأجرة أولا وثبت علمه أنها في ملك غيره نص عليه ضمن الحافر ونصه هما وإن جهل فالآمر وقيل الحافر ويرجع على الآمر
تنبيه: حكم البناء في الطريق كالحفر فيه مسجدا كان أو غيره نقل إسماعيل بن سعيد في المسجد لا بأس به إذا لم يضر الطريق ونقل عبد الله أكره الصلاة فيه إلا أن يكون بإذن الإمام ونقل المروذي ان هده المساجد التي بنيت في الطريق تهدم وسأله محمد بن يحيى الكحال يزيد في المسجد من الطريق قال لا تصلي فيه
وفي المغني يحتمل أن يعتبر إذن الإمام في البناء لنفع المسلمين دون الحفر لدعوى الحاجة إليه لنفع الطريق وإصلاحها وإزالة الطين ظاهرا منها فهو كتنقيتها وحفر هدفه فيها وقلع حجر يضر بالمارة ووضع الحصى في حفرة فيها ليملأها وتسقيف ساقية فيها ووضع حجر في طين ليطأ الناس عليه فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف به لا نعلم فيه خلافا وكذا بناء القناطر ويحتمل ان يعتبر فيها اذن الإمام لأن مصلحته لا تعم قال بعض أصحابنا في حفر البئر ينبغي ان يتقيد سقوط الضمان اذا حفرها في مكان مائل(5/126)
وان بسط في مسجد حصيرا أو علق فيه قنديلا لم يضمن ما تلف به وان جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان فتلف لم يضمن في احد الوجهين وان اخرج جناحا أو ميزابا الى الطريق فسقط على شيء فأتلفه ضمن
__________
عن القارعة وجعل عليه حاجزا يعلم به لتوقّي
"وان بسط في مسجد حصيرا أو علق فيه قنديلا" أو فعل فيه شيئا ينفع الناس "لم يضمن ما تلف به" لأنه مأذون في ذلك شرعا فلم يضمن ما تولد منه كسراية القود وقيل بل يضمن المال وعاقلته والدية وقال ابن حمدان ان فعله بإذن الإمام أو لحاجة فهدر والأول أولى وقاله الأكثر كوضع حصى فيه لأنه أحسن بفعله من غيرتعد منه فلم يضمن ما تلف كما لو أذن الإمام والجيران.
"وان جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان فتلف لم يضمن في أحد الوجهين" وهو الأصح لأنه جلس في مكان له الجلوس فيه من غيرتعد على احد وتقييده بالواسع يخرج الضيق والثاني يضمن لأن الطريق جعلت للمرور فيها لا الجلوس والمسجد للصلاة وذكر الله تعالى وما ذكره المؤلف اولى لأنه فعل فعلا مباحا والطريق الواسع يجلس فيه عادة والمسجد جعل للصلاة وانتظارها والاعتكاف في جميع الأوقات وبعضها لا تباح الصلاة فيه.
"وان أخرج جناحا أو ميزابا الى طريق فسقط" أو شيء منه "على شيء فأتلفه ضمن" المخرج لأنه متعد بذلك فوجب عليه ضمان ما تولد منه كما لو جرح انسانا فتعدى الى قتله وأطلق المؤلف الطريق ويستثنى منه ما اذاكان غير نافذ وأخرج ذلك بإذن أهله فإنه لا ضمان عليه لعدم تعديه
مسألة: اذا تلفت حامل أو حملها من ريح طبيخ علم أصحابه ذلك فلو كان ميله الى درب غيرنافذ فالحق لأهل الدرب والمطالبة لهم فإن تشقق الحائط ولم يمل فإن كان طولا فهو كالصحيح وان كان عرضا فهو كالمائل(5/127)
وما اتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها وان مال حائطة ولم يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه نص عليه
__________
تنبيه: اذا بنى حائطا في ملكه مستويا أو مائلا الى ملكه فسقط فأتلف شيئا فهدر وان بناه مائلا الى ملك غيره أو الطريق وخيف ضرره نقضه فإن تركه فسقط فأتلف نفسا أو مالا ضمن المال والعاقلة الدية وقيل هو كما لو مال بقى و ما من حائطه الساقط في فنائه أو طريق فهلك به احد فهل يضمن على وجهين
أصل: اذا تقدم الى مالك الحائط المائل فباعه ثم سقط فأتلف شيئا فلا ضمان على البائع لأنه ليس بملكه ولا على المشترى لأنه لم يطالب بنقضه واذا قيل بالضمان والمتلف آدمي فالدية على عاقلته فإن انكرت ان الحائط لصاحبهم لم يلزمهم الا أن يثبت ذلك ببينه لأن الأصل عدم الوجوب وان أبرأه والحق له فلا ضمان.
"وما أتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها" اذا لم تكن يد أحد عليها لقوله عليه السلام "العجماء جبار" اى هدر وسواء كان المتلف صيد حرم أو غيره أطلقه أصحابنا ومرادهم الا الضارية والجوارح وشبهها قال الشيخ تقى الدين فيمن امر رجلا بإمساكها ضمنه اذا لم يعلمه بها وفي الفصول من أطلق كلبا عقورا أو دابة رفوسا أو عضوضا على الناس وخلاه في طرقهم ورحابهم فأتلف شيئا ضمنه لتفريط وظاهر كلامهم ولو كانت مغصوبة عادة ضمنوا في الأشهر
وان أطارت الريح الى داره ثوبا لزمه حفظه فإن لم يعرف صاحبه فلقطة وان عرفه لزمه اعلامه فإن لم يفعل ضمن وان دخلها طائر غيره لم يلزمه حفظه ولا اعلامه به وقيل الا ان يكون غير ممتنع فيكون كالثوب وان أغلق عليه بابه ليمسكه لنفسه ضمنه والا فلا
"وان مال حائطه" إلى غيرملكه وعلم به وأسقطه في الترغيب "ولم يهدمه حتى اتلف شيئا لم يضمنه نص عليه" لأن الميل حادث والسقوط بغير فعله(5/128)
وأوما في موضع أنه ان تقدم اليه بنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن الا ان تكون في يد انسان كالراكب والسائق والقائد فيضمن ما جنت يدها وفمها دون ما جنت رجلها
__________
أشبه ما لو وقع قبل ميله وسواء أمكته نقضه أو طولب به أو لا
"وأوما في موضع أنه ان تقدم اليه بنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن" لأنه مفرط أشبه ما لو باشر الإتلاف وفيه روايتان عنه ففي رواية إن طالبه مستحق بنقصه و أمكنه ضمن اختاره جماعة و في رواية ابن منصور اذا كان أشهد عليه ضمن وقال بعض اصحابنا يضمن مطلقا وهو قول ابن ابي ليلى واسحاق كبنائه مائل
وأما إن طولب بالنقض فلم يفعل فقد توقف أحمد في الجواب فيها وحكى في الشرح الضمان عن الأصحاب
فعلى هذا المطالبة من كل مسلم وذمي يوجب الضمان بشرطه أن كل واحد له حق المرور بخلاف مستأجر ومستعير لكن ان كان المالك محجورا عليه لسفه ونحوه فطولب لم يلزمه لعدم أهليته وان طولب وليه أو الوصي فلم يفعل فالضمان على المالك وان طولب احد الشريكين ففي حصته وجهان: أحدهما لا شيء عليه لأنه لا يمكنه النقض بدون اذن فهو كالعاجز والثاني يلزمه بحصته لأنه يتمكن بمطالبة شريكه وإلزامه فصار مفرطا لأنه لا تفريط من المالك ولا ذمة لها فيتعلق بها ولا قصد فيتعلق برقبتها بخلاف العبد والطفل.
"الا ان تكون في يد انسان كالراكب والسائق والقائد فيضمن ما جنت يدها وفمها دون ما جنت رجلها" لما روى سعيد مرفوعا "الرجل جبار" وفي رواية أبي هريرة "رجل العجماء جبار" فدل على وجوب الضمان في جناية غيرها ولأنه يمكنه حفظها من الجناية بها بخلاف الرجل وعنه يضمن ما جنت برجلها ككبحها ونحوه ولو لمصلحة وكوطئه بها وظاهر نقل ابن هانيء(5/129)
ويضمن ما أفسدت من الزرع والشجر ليلا ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهارا
__________
فيه لا ونقل ابو طالب لا يضمن ما أصابت برجلها أو نفحت بها لأنه لا يقدر على حبسها وهو ظاهر كلام جماعة وعنه يضمن سائق جناية رجلها وعلى المذهب لو كان السبب من غيرهم ضمن فاعل كنخسها وتنفيرها ويعتبر في الراكب ان يكون متصرفا فيها فلو كان عليها اثنان فالضمان على الأول لأنه قادر على كفها الا أن يكون صغيرا أو مريضا وإن كان الثاني متوليا تدبيرها فعليه الضمان وإن اشتركا في التصرف أو كان معها سائق وقائد اشتركا في الضمان وإن كان معمها أو مع أحدهما راكب شارك وقيل راكب لأنه اقوى وقيل قائد لأنه لاحكم للراكب معه ولا ضمان بذنبها في الأصح ويضمن جناية ولدها
فرع: الإبل والبغال المقطرة كالوحدة على قائدها الضمان وإن كان معه سائق شاركه في ضمان الاخير فقط إن كان في آخرها فإن كان في أولها شارك في الكل وإن كان فيما عدا الأول شارك في ضمان ما باشر سوقه دون ما قبله وشارك فيما بعد وان انفرد راكب بالقطار وكان على أوله ضمن جناية الجميع قاله الحارثي.
"ويضمن ما أفسدت من الزرع والشجر ليلا ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهارا" في قول أكثرهم لما روي مالك عن الزهري عن حرام بن سعد "أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وماأفسدت بالليل فهو مضمون عليهم" قال ابن عبد البر هذا وإن كان مرسلا فهو مشهور وحدث به الإئمة الثقات وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول ولأن العادة من أهل المواشي إرسالها نهارا للرعي وحفظها ليلا عكس أهل الحوائط ولهذا فرق بينهما وقضى على كل ما يحفظ في وقت عادته وهذا رواية واقتصر في الوجيز على الزرع فقط وظاهره أنها إذا أتلفت غيرالزرع والشجر ليلا أنه لا ضمان على مالكها صرح به في(5/130)
ومن صال عليه آدمي أو غيره فقتله دفعا عن نفسه لم يضمنه وإن اصطدمت سفينتان فغرقنا ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر وما فيها وإن كانت إحداهما منحدرة فعلى صاحبها ضمان المصعدة إلا أن يكون غلبه ريح فلم يقدر على ضبطها
__________
المغني والشرح والمنصوص أنه يضمن ما أتلفت ليلا وجزم به جماعة ولو انفلتت بغير اختياره وقيل لا لعدم تفريطه ولا يضمن نهارا قال القاضي هذه المسألة محمولة على المواضع التي فيها مزارع ومراعي فأما القرى العامرة التي لا مرعى فيها إلا بين فراجين كساقية وطرف زرع فليس له إرسالها بغير حافظ فإن فعل لزمه الضمان لتفريطه فأما الغاصب فيضمن ما أفسدت مطلقا
فرع: إذا طرد دابة من زرعه لم يضمن إلا أن يدخلها مزرعة غيره فإن اتصلت المزارع صبر لترجع على ربها ولو قدر أن يخرجها وله منصرف غير المزارع فتركها فهدر
"ومن صال عليه آدمي" مكلف "أو غيره" كبهيمة ولم يمكنه دفعها إلا به ذكره في الشرح "فقتله دفعا عن نفسه لم يضمنه" لأنه قتله بدفع جائز فلم يضمنه لما فيه من صيانة النفس عن القتل.
"وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد منهما" أي القيمين "سفينة الآخر وما فيها" لأن التلف حصل بسبب فعليهما فوجب على كل منهما ضمان ما تلف بسبب فعله كالفارسين إذا اصطدما وهذا إذا كانا مفرطين فإن لم يكن فلا ضمان عليهما لكن قطع في المغني والشرح وغيرهما بأن كل واحد ضامن إذا فرط وعزاه الحارثي إلى الأصحاب فإن اختلفا في التفريط ولا بينة قدم قول القيم مع يمينه.
"وإن كانت إحداهما منحدرة فعلى صاحبها ضمان المصعدة" لأنها تنحط عليها من علو فيكون سببا لغرقها فتنزل المنحدرة منزلة السائرة والصاعدة بمنزلة الواقفة "إلا أن يكون غلبه ريح" أو الماء شديد الجرية "فلم يقدر على ضبطها" فلا ضمان عليه لأنه لا يعد مفرطا ولأن التلف يمكن استناده إلى(5/131)
ومن أتلف مزمارا أو طنبورا أو صليبا أو كسر إناء ذهب أو فضة أو إناء خمر لم يضمنه وعنه أنه يضمن آنية الخمر إن كان ينتفع بها في غيره
__________
الريح فإن فرط صاحب المصعدة بأن كان يمكنه العدول بسفينة ضمن وإن كان إحداهما سائرة والأخرى واقفة فلا شيء عليهما وعلى السائر ضمان الواقفة إن كان القيم مفرطا وإلا فلا
فرع: إذا كانت دابة عليها حطب فخرق ثوب آدمي بصير عاقل يجد منحرفا فهدر وكذا لو كان مستدبراً فصاح به منبها له وإلا ضمن ذكره في الترغيب.
"ومن أتلف مزمارا" ويقال مزمور بضم الميم الأولى "أو طنبورا" وهو بضم الطاء وهو فارسي معرب والطنبار لغة فيه بوزن سنجار "أو صليبا" لم يضمنه في قول الجماهير ولو مع صبي نص عليه لأنه لا يحل بيعه فلم يضمن كالميتة وللخبر "إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" متفق عليه ولو عبر بالملهي لعم كعود وطبل ودف بصنوج أو حلق نص عليهما ونرد وشطرنج أو آلة سحر أو تنجيم ونحوه.
"أو كسر إناء ذهب أو فضة" لم يضمنه نص عليه لأنه أتلف ما ليس بمباح فلم يضمنه كالميتة وعنه بلى حكاها أبو الخطاب نقل مهنا فيمن هشم على غيره إبريق فضة عليه قيمته يصوغه كما كان فقيل له أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذها فسكت فهذا يدل على أنه رجع عن قوله ذلك.
"أو إناء خمر لم يضمنه" على الأصح لما روى ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ مدية ثم خرج إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام فشقت بحضرته وأمر أصحابه بذلك" رواه أحمد وهذا إذا كان الخمر الذي فيها يؤمر بإراقته قدر يريقها بدونه أو عجز نقله المروذي ونقل الأثرم وغيره إن لم يقدر لم يضمن على الأصح فيهن كخنزير.
"وعنه: أنه يضمن آنية الخمر إن كان ينتفع بها في غيره" لأنه مال يمكن الإنتفاع به ويحل بيعه فيضمنها كما لو لم يكن فيها خمر ولأن جعل(5/132)
__________
الخمر فيها لا يقتضي سقوط ضمانها كمخزن الخمر لكن نقل ابن منصور أنه لا يضمن مخزنا للخمر واختاره ابن بطة وغيره ونقل حنبل بلى وجزم به المؤلف ولا يضمن كتابا فيه أحاديث رديئة نقله المروذي فجعله كآلة لهو ولا حليا محرما على الرجال لم يستعملوه يصلح للنساء
مسألة: إذا وقع في محبرته مال غيره بتفريطه فلم يخرج كسرت مجانا وإن لم يفرط ضمن رب المال كسرها فإن بذل ربها بدله ففي وجوب قبوله وجهان(5/133)
باب الشفعة
وهي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها ولا يحل الإحتيال لإسقاطها
__________
باب الشفعة
هي بإسكان الفاء مأخوذة من الشفاعة أو الزيادة أو التقوية أو من الشفع وهو أحسنها لأن الشفع هو الزوج فإن الشفيع كان نصيبه منفردا في ملكه فبالشفعة ضم المبيع إلى ملكه وبالثاني جزم به بعض أهل اللغة لأن نصيبه كان وترا فصار شفعا والشافع هو الجاعل الوتر شفعا والشفيع فعيل بمعنى فاعل وهي ثابتة بالسنة فروى جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" رواه أحمد والبخاري وبالإجماع حكاه ابن المنذر قال في المغني ولا نعلم أحدا خالف فيها إلا الأصم فإنه قال لا يثبت لما فيه من الإضرار بأرباب الأملاك لتقاعس الناس عن الشراء حيث علموا انتزاع ما يشترونه وجوابه بأنه يندفع ذلك بالمقاسمة وأعقب الشفعة للغصب فإنها تؤخذ قهرا فكأنها مستثناة من تحريم أخذ مال الغير قهرا.
"وهي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها" هذا بيان لمعناها ولا يخفى ما فيه من الإحتراز لكنه غيرجامع لخروج الصلح بمعنى البيع والهبة بشرط الثواب ولا مانع لأنه يرد عليه الكافر ولا شفعة له وفي المغني استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكة المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه وهو غيرمانع لدخول ما انتقل بغير عوض كالإرث والوصية والهبة بغير ثواب أو بعوض غيرمالي على المشهور كالخلع ونحوه والأحسن أن يقال هي استحقاق الشريك أخذ حصة شريكه من يد من انتقلت عنه بعوض مالي مستقر.
"ولا يحل الإحتيال لإسقاطها" قال الإمام أحمد لا يجوز شيء من الحيل في(5/134)
ولا تثبت إلا بشروط خمسة أحدها أن يكون مبيعا ولا شفعة فيما انتقل بغير عوض بحال ولا فيما عوضه غيرالمال كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد في أحد الوجهين
__________
إبطالها ولا إبطال حق مسلم استدل الأصحاب بما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله" وقد حرم الله الحيل في مواضع من كتابه ولأن الشفعة وضعت لدفع الضرر فلو سقطت بالحيل للحق الضرر فلم تسقط كما لو أسقطها المشتري عنه بوقف أو بيع فعلى هذا لو احتال لم يسقط ومعنى الحيلة أن يظهر المتعاقدان في البيع شيئا لا يؤخذ بالشفعة معه ويتواطؤون في الباطن على خلافه مثل أن يشتري بدنانير ويقضيه عنها بدراهم أو يشتري شقصا بثمن ثم يبرئه من بعضه أو يشتري جزءا من الشقص بمائة ثم يهب البائع باقيه ويأخذ الجزء المبيع من الشقص بقسطه من الثمن ويحتمل أن يأخذ الشقص كله بجميع الثمن.
"ولا تثبت إلا بشروط خمسة أحدها ان يكون مبيعا" وهو محل وفاق والخبر وارد فيه ولأن غيرالمبيع ليس منصوصا عليه ولا هو في معنى المنصوص وشرطه أن يكون ثابتا وقيل ولو مع خيار مجلس وشرط وقيل شرط كمشتر.
"ولا شفعة فيما انتقل بغير عوض" كالهبة بغير ثواب والصدقة والوصية والإرث"بحال" في قول أكثر العلماء لأن ذلك ليس في معنى البيع والأخذ يقتضي دفع العوض ولم يقصد فيها المعاوضة ويلحق به المردود بالعيب أو الفسح "ولا فيما عوضه غيرالمال كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد في أحد الوجهين" هذا ظاهر الخرقي واختاره أبو بكر وذكر القاضي أنه قياس المذهب وجزم به في الوجيز لأنه مملوك بغير المال أشبه الإرث والثاني يجب اختاره ابن حامد وقاله ابن شبرمة وابن أبي ليلى لأنه مملوك بعقد معاوضة أشبه البيع وأطلق في الفروع الخلاف ثم قال وعلى قياسه ما أخذ أجرة أو ثمنا في سلم أو عوضا في كتابة فإن وجبت(5/135)
فصل
الثاني أن يكون شقصا مشاعا من عقار ينقسم فأما المقسوم المحدد فلا شفعة لجاره فيه
__________
فقيل يأخذه بقيمته وقيل بقيمة مقابله وعلى الأخذ لو طلق الزوج بعد الدخول بعد عفو الشفيع رجع بنصف ماأصدقها لأنه موجود في يدها نصفه وإن طلقها بعد أخذ الشفيع رجع بنصف قيمته لأن ملكها زال عنه وإن طلق قبل علم الشفيع ثم علم فوجهان: أحدهما يقدم حق الشفيع لأنه ثبت بالنكاح السابق والثاني يقدم حق الزوج لأنه ثبت بالنص والإجماع وهما معدومان في الشفعة هنا وفهم منه أن ما انتقل بعوض مالي كالصلح بمعنى البيع والصلح عن الجناية الموجبة للمال والهبة المشروط فيها ثواب معلوم فإنها تثبت فيها لأن ذلك يثبت فيه أحكام البيع.
فزع: إذا جنى جنايتين عمدا أو خطأ فصالحه منهما على شقص فالشفعة في نصفه فقط إن قلنا موجب العمد القصاص عينا وإلا وجب في الجميع
فصل
"الثاني أن يكون" المبيع "شقصا" بكسر أوله قال أهل اللغة هو من الأرض والطائفة من الشيء "مشاعا من عقار" مرادهم بالعقار هنا الأرض دون الغراس والبناء لما يأتي وظاهر كلام أهل اللغة بل صريحه أن النخل عقار "ينقسم" أي تجب قسمته وعنه مطلقا اختاره ابن عقيل وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين وعنه وغيره إلا في منقول ينقسم فالشقص يحترز به عن الكل لأن الأخذ به أخذ بالجوار وبالإشاعة عن المقسوم وبالعقار عن غيره لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص.
"فأما المقسوم المحدد فلا شفعة لجاره فيه" في قول عمر وعثمان وخلق لحديث جابر ولقوله "الشفعة فيما لم يقسم" معناه أن الشفعة حاصلة أو ثابتة أو مستقرة في كل ما لم يقسم فما قسم لا تحصل فيه ولا تثبت ويؤكده هذا رواية الحصر والراوي ثقة عالم باللغة فينقل اللفظ بمعناه وعنه أنها تثبت للجار حكاه القاضي يعقوب في التبصرة وصححها ابن الصيرفي والحارثي وكذا اختاره(5/136)
ولا شفعة فيما لا تجب قسمته كالحمام الصغير والبئر والطرق والعراص الضيقة
__________
الشيخ تقي الدين مع الشركة في الطريق لما روى جابر مرفوعا أنه قال "الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا" رواه الخمسة وحسنه الترمذي وروى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الجار أحق بصقبه" رواه النسائي ولأنه اتصال ملك يدوم ويتأبد فتثبت فيه كالشركة والأول أولى لأن حديث أبي رافع ليس بصريح فيها فإن الصقب القرب فيحتمل أنه أحق بإحسان جاره وصلته مع أن خبرنا صريح فيقدم على غيره وأحاديثهم فيها مقال
ويحتمل أنه أراد بالجار الشريك كما تسمى الضرتان جارتين لاشتراكهما في الزوج ولأن الشفعة ثبتت في موضع الوفاق على خلاف الأصل لمعنى معدوم في محل النزاع فلا تثبت فيه فعلى هذا لا فرق بين كون الطريق مفردة أو مشتركة وسأله أبو طالب الشفعة لمن هي قال إذا كان طريقهما واحدا مشتركا لم يقتسموا فإذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة وإن بيعت دار لها طريق في درب لا ينفذ فوجهان والأشهر يجب إن كان للمشتري طريق غيره أو أمكن فتح بابه إلى شارع وإن كان نصيب مشتر فوق حاجته ففي زائد وجهان وكذا دهليز جاره وصحنه
فرع: إذا قدم من لا يراها لجار إلى حاكم فأنكر لم يحلف وإن أخرجه خرج نص عليه وقال لا يعجبني الحلف على أمر اختلف فيه قال القاضي لأن يمينه هنا على القطع والبت ومسائل الإجتهاد ظنية فلا يقطع ببطلان مذهب المخالف وحمل في المغني والشرح على الورع وإن حكم حنفي لشافعي بها فله الأخذ عند ابن عقيل ومنعه القاضي.
"ولا شفعة فيما لا تجب قسمته كالحمام الصغير والبئر والطرق والعراص الضيقة" في ظاهر المذهب لقوله عليه السلام "لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة" رواه أبو عبيد في الغريب المنقبة الطريق الضيق بين(5/137)
وما ليس بعقار كالشجر والحيوان والبناء المفرد في إحدى الروايتين إلا أن البناء والغراس يؤخذ تبعا للأرض ولا تؤخذ الثمرة تبعا في أحد الوجهين الثالث المطالبة بها على الفور
__________
دارين لا يمكن أن يسلكه أحد والثانية بلى لما روى ابن عباس مرفوعا "الشريك شفيع والشفعة في كل شيء" رواه الترمذي والنسائي متصلا ومرسلا وهو أصح قاله الدارقطني والذي وصله أبو حمزة السكري وهو مخرج عنه في الصحيحين ولأنها وضعت لإزالة الضرر ووجوده فيما لا يقسم أبلغ منه فيما يقسم والأول أشهر لأن إثبات الشفعة في هذا تضر بالبائع لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقيمة وقد يمنع المشتري لأجل الشفيع فيتضرر البائع وقد يمنع البيع فيسقط فيؤدي إثباتها إلى نفيها وظاهره أن الحمام الكبير حيث قسم وانتفع به حماما والبئر والعضائد متى أمكن أن يحصل من ذلك شيئان ثبت فيه كالرحا.
"وما ليس بعقار كالشجر والحيوان والبناء المفرد في إحدى الروايتين" هي ظاهر المذهب لأن من شرط وجوبها أن يكون المبيع أرضا لأنها هي التي تبقى على الدوام ويدوم ضررها والثانية بلى وقد سبق "إلا أن البناء والغراس يؤخذ تبعا للأرض" إذا بيع مع الأرض بغير خلاف في المذهب ولا نعرف فيه خلافا بين من أثبت الشفعة قاله في الشرح.
"ولا تؤخذ الثمرة "وقيدها في المغني والشرح بالظاهر "والزرع تبعا" أي إذا بيع مع الأرض "في أحد الوجهين" وهو المذهب لأن ذلك لا يدخل في البيع فلا يدخل في الشفعة كقماش الدار والثاني بلى يؤخذ تبعا كالغراس ومقتضاه أن غيرهما مما يدخل مع أنه ذكر في المغني إن اشتراه وفيه طلع لم يؤبر فأبره لم يأخذ الثمرة بل الارض والنخل بحصته كشقص وسيف وكذا ذكر غيره إذا لم يدخل أخذ الأصل بحصته
" الثالث: المطالبة بها على الفور" لقوله عليه السلام "الشفعة لمن واثبها" في رواية "الشفعة كحل العقال" رواه ابن ماجة ولأن ثبوتها على التراخي ربما(5/138)
ساعة يعلم نص عليه وقال القاضي له طلبها في المجلس وإن طال فإن أخره سقطت شفعته إلا أن يعلم وهو غائب فيشهد على الطلب بها ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد عند إمكانه
__________
أضر بالمشتري لعدم استقرار ملكه وحينئذ يشهد "ساعة يعلم نص عليه" وهو المختار لعامة الاصحاب لظاهر ما سبق واحترز بالعلم عما إذا لم يعلم فإنه على شفعته ولو مضى عليه سنوات.
"وقال القاضي" وأصحابه واختاره ابن حامد وحكاه ابن الزاغوني رواية "له طلبها في المجلس و إن طال" لأن المجلس في حكم حالة العقد بدليل صحته بوجود القبض فيما يشترط قبضه فيه وعنه واختارها القاضي يعقوب أنها على التراخي لأنها خيار لدفع ضرر محقق فكانت على التراخي كخيار العيب ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى كقوله بعني أو صالحني أو قاسمني لأنه حق لا ضرر في تأخيره أشبه القصاص.
"فإن أخره" عن ساعة العلم أو المجلس على الخلاف بلا عذر "سقطت شفعته" فلو أخره لعذر مثل أن يعلم ليلا فيؤخره إلى الصباح أو لحاجة أكل أو شرب أو طهارة أو إغلاق باب أو خروج من حمام أو ليأتي بالصلاة وسنتها فهو على شفعته في الأصح ونقل ابن منصور لا بد من طلبه ثم له أن يخاصم ولو بعد أيام "إلا أن يعلم وهوغائب فيشهد على الطلب بها" إذا قدر عليه فيعلم منه أنه مطالب غير تارك.
"ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد عند إمكانه" وفيه وجهان: أحدهما تبطل لأنه تارك للطلب أشبه ما لو كان حاضرا ولم يشهد والثاني لا يسقط لأن عليه في السفر عقيب الإشهاد ضررا لالتزامه كلفته وانقطاع حوائجه وفي المغني إن أخر القدوم بعد الإشهاد والطلب وهو صحيح لأنه لا وجه لإسقاط الشفعة بتأخير الطلب بعد الإشهاد وهو غائب لأن الطلب حينئذ لايمكن بخلاف القدوم فإنه ممكن وتأخير ما يمكن لإسقاطه وجه بخلاف تأخير ما لا يمكن(5/139)
أو لم يشهد ولكن سار في طلبها فعلى وجهين وإن ترك الطلب والإشهاد لعجزه عنهما كالمريض والمحبوس ومن لا يجد من يشهده أو لإظهارهم زيادة في الثمن أو نقصا في المبيع
__________
"أو لم يشهد ولكن سار في طلبها فعلى وجهين" أحدهما تبطل وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي لأن السير قد يكون لطلبها أو لغيره فوجب بيان ذلك بالإشهاد كما لو لم يسر والثاني لا تسقط لأن سيره عقيب علمه ظاهر في طلبها فاكتفى به كالذي في البلد قال الزركشي وينبغي أن يكون حكم سير وكيله حكم سيره وكذلك الوجهان إن أخر الطلب بعد القدوم والإشهاد أو نسي المطالبة أو البيع أو جلهلها أو ظن المشتري زيدا فبان غيره ولفظ الطلب أنا طالب أو مطالب أو آخذ بالشفعة أو قائم عليها ونحوه
"وإن ترك الطلب والإشهاد لعجزه عنهما كالمريض" فهو على شفعته لأنه معذور أشبه ما لو لم يعلم لكن إن كان المرض لا يمنع المطالبة كالمرض اليسير والألم القليل فهو كالصحيح فإن كان له عذر وقدر على التوكيل فلم يفعل فوجهان: أحدهما يبطل لأنه تارك للطلب مع إمكانه فهو كالحاضر والثاني لا يسقط لأنه إن كان بجعل ففيه غرم وإن كان بغيره ففيه منة وقد لا يثق به "والمحبوس" لكن إن كان حبسه بحق يمكنه أداؤه فأبى سقطت شفعته "ومن لا يجد من يشهده" بأن لا يجد شاهدي عدل ولا مستوري الحال فإن وجد واحدا حرا عدلا فوجهان: أحدهما هو على شفعته إذ لا يثبت البيع بقول واحد
والثاني يسقط لأنه حجة مع اليمين كالعدلين أو رجل وامرأتين أو لم يجد من يشهده فهو على شفعته للعذر.
"أو لإظهارهم زيادة في الثمن" ليس ذلك شرطا فيه بل لو أظهر المشتري زيادة في الثمن لم تبطل وعكسه لو أظهر أن الثمن قليل فترك الشفعة وكان الثمن كثيرا سقطت لأن من لا يرضى بالقليل لا يرضى بأكثر منه قاله في الكافي "أو نقصا في المبيع" أو أنهما تبايعا بدنانير فبانت دراهم أو بالعكس(5/140)
أو أنه موهوب له أو أن المشتري غيره أو أخبره من لا يقبل خبره فلم يصدقه فهو على شفعته
__________
لأنهما جنسان "أو أنه موهوب له" لأن من شرطه العوض "أو أن المشتري غيره" أو كان كاذبا "أو أخبره من لا يقبل خبره" كالفاسق "فلم يصدقه فهو على شفعته" في الصور السابقة لأنه لم يعلم الحال على وجهه كما لو لم يعلم ولأن خبر من لا يقبل خبره مع عدم تصديق الشفيع له يكون وجوده كعدمه ومقتضاه أنه إذا صدقه تسقط شفعنه لأن تصديقه اعتراف بوقوع وهو غيرمطالب بها فوجب سقوطها كما لو أخبره ثقة.
"وإن أخبره من يقبل خبره" كعدلين "فلم يصدقه" بطلت لأن ذلك يوجب ثبوت البيع صدق الشفيع أولا وكذا إن أخبره عدل أو مستوري الحال في الأصح والمرأة والعبد كضدهما وقال القاضي هما كالفاسق والصبي
"أو قال للمشتري بعني ما اشتريت أو صالحني سقطت شفعته" لأنه يدل على رضاه فوجب أن يسقط لتأجير الطلب عن ثبوت البيع وكذا قوله هبه لي أو ائتمني عليه ممن شئت ونحوه.
"وإن دل في البيع" أي عمل دلالا بينهما أو رضي به أو ضمن ثمنه "أو توكل لأحد المتابعين" فله الشفعة في الأصح وقال القاضي إن كان وكيل البائع فلا شفعة له وقيل عكسه ومثله وصي وحاكم وقيل إن باع شقصا ليتيم في شركته أو أشترى له شقصا في شركته فلهما الشفعة كما لو تولى العقد غيرهما وقيل لهما الشفعة إذا اشترياه فقط "أو جعل له الخيار فاختار إمضاء البيع فهو على شفعته" لأن ذلك سبب ثبوت الشفعة فلم تسقط به كما لو أذن في البيع أو عفا عنها قبل تمام البيع ولأن المسقط لها الرضى بتركها ولم يوجد
فرع: لو عليه لم تسقط وكذا إن قال له بارك الله لك في صفقتك أودعا له بالمغفرة في الأصح(5/141)
وإن أخبره من يقبل خبره فلم يصدقه أو قال المشتري يعني ما اشتريت أو صالحني سقطت شفعته وإن دل في البيع أو توكل لأحد المتبايعين أو جعل له الخيار فاختار إمضاء البيع فهو على شفعته وإن أسقط شفعته قبل البيع لم تسقط ويحتمل أن تسقط وإن ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ لم تسقط وله الأخذ بها إذا كبر وإن تركها لعدم الحظ فيها سقطت ذكره ابن حامد وقال القاضي يحتمل أن لا تسقط
__________
"وإن أسقط شفعته قبل البيع لم تسقط" في ظاهر المذهب وهو قول الجمهور لأنه إسقاط حق قبل وجوبه فلم يسقط كما لو أبرأه مما يجب له "ويحتمل أن تسقط" حكاه في المغني والمحرر وأطلقهما فيه لمفهوم قوله عليه السلام "فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به" لأنه إذا باع بإذنه لاحق له فيه وأجاب في المغني بأنه يحتمل أنه أراد العرض عليه ليبتاع ذلك إن أراد لتخف عليه المؤنة ويكفي أخذ المشتري الشقص لا أنه يسقط حقه بإذنه.
"وإن ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ لم تسقط" وقاله جماعة لأنها وجبت بالبيع وإسقاط الولي لها لا يصح لأنه إسقاط حق للمولى عليه ولا حظ له في إسقاطه فلم يصح كالإبراء وإذا ثبت أنه لا يملك الإسقاط فتركه أولى وعلم منه أن الشفعة تثبت للصغير كالبائع وقال ابن أبي ليلى وجمع لا شفعة له ورد بأن ضرر المال فاستويا وكخيار العيب.
"وله الأخذ بها إذا كبر" أي بلغ ورشد نص عليه لأنه الوقت الذي يتمكن فيه من الأخذ "وإن تركها لعدم الحظ فيها" أو لإعسار الصغير "سقطت ذكره ابن حامد" وتبعه القاضي وعامة أصحابه لأنه فعل ما له فعله فلم يكن للصغير نقضه كالرد بالعيب "وقال القاضي يحتمل أن لا تسقط" هذا ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور والخرقي وقدمه في المحرر والفروع لأن حق الأخذ ثبت فلا يسقط بترك غيره كوكيل الغائب فعلى هذا هي له سواء عفا عنها الولي أولا وسواء كان فيها حظ أولا وللولي الأخذ بها إذا كان فيها حظ وقال في المغني يجب لأنه مصلحة من غيرمفسدة والولي عليه رعاية مصالح(5/142)
فصل
الرابع أن يأخذ جميع المبيع فإن طلب أخذ البعض سقطت شفعته فإن كانا شفيعين فالشفعة بينهما على قدر ملكيهما وعنه على عدد الرؤوس فإذا ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل أو يترك
__________
موليه وإن لم يكن فيها حظ فلا فإن فعل لم يصح على الأصح كمنعه من الشراء أشبه مالو اشترى معيبا يعلم عيبه وقال ابن بطة يسقط لأنه يملك الأخذ فملك الترك كالمالك
فائدة: حكم المجنون المطبق والسفيه كالصغير والمغمى عليه كالغائب والمفلس له الأخذ بها والعفو عنها وليس لغرمائه إجباره على الأخذ بها وأما المكاتب فله الأخذ والترك وليس لسيده الإعتراض
فصل
"الرابع أن يأخذ جميع المبيع" لأن في أخذه بعضه إضرارا بالمشتري بتبعيض الصفقة عليه والضرر لا يزال بمثله مع أنها تثبت على خلاف الأصل دفعا لضرر الشريك فإذا أخذ البعض لم يندفع الضرر "فإن طلب أخذ البعض سقطت شفعته" لأنه إذا سقط بعضها سقط كلها كالقصاص "فإن كانا شفيعين فالشفعة بينهما على قدر ملكيهما" في ظاهر المذهب لأن ذلك حق يستفاد بسبب الملك فكان على قدر الأملاك كالغلة فدار بين ثلاثة نصف وثلث وسدس فباع رب الثلث فالمسألة من ستة والثلث يقسم على أربعة لصاحب النصف ثلاثة ولصاحب السدس واحد.
"وعنه على عدد الرؤوس" اختارهاابن عقيل لأن كل واحد منهما لو انفرد استحق الجميع فإذا اجتمعا تساويا كالبنين وسراية العتق وهو ينتقض بالفرسان والرجالة في الغنيمة فإن من انفرد منهم أخذ الكل فإذا اجتمعوا تفاضلوا كأصحاب الديوان والجمع كالإثنين من غيرفرق "فإذا ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل أو يترك" إجماعا حكاه ابن المنذر لأن في(5/143)
فإن كان المشتري شريكا فالشفعة بينه وبين الآخر فإن ترك شفعته ليوجب الكل على شريكه لم يكن له ذلك وإذا كانت دار بين اثنين فباع أحدهما نصيبه لأجنبي صفقتين ثم علم شريكه فله أن يأخذ بالبيعين وله أن يأخذ بأحدهما فإن أخذ بالثاني شاركه المشتري في شفعته في أحد الوجهين
__________
أخذ البعض إضرارا بالمشتري ولو وهبا لشريكه أو لغيره لم يصح فإن كان أحدهما غائبا فليس للحاضر أن يأخذ إلا الكل أو يترك كالعفو نص عليه لكن إن ترك الطلب منتظرا لشريكه فوجهان: أحدهما تسقط لتركه طلبها مع إمكانه والثاني لا لأن له عذرا وهو الضرر الذي يلزمه بأخذ شريكه منه فإن أخذ الجميع ثم حضر الثاني قاسمه فإذا حضر ثالث قاسمهما وما حدث من نماء منفصل في يد الأول فهو له لأنه حدث في ملكه.
"فإن كان المشتري شريكاا فالشفعة بينه وبين الآخر" لكل واحد قدر نصيبه لأنهما تساويا في الشركة فوجب تساويهما في الشفعة كما لو كان المشتري أجنبيا "فإن ترك" المشتري "شفعته ليوجب الكل على شريكه لم يكن له ذلك" أي لم يلزمه ذلك ولم يصح الإسقاط لأن ملكه قد استقر على قدر حقه وجرى مجرى الشفيعين إذا حضر أحدهما فأخذ الجميع ثم حضر الآخر وطلب حقه منهما فقال الآخر خذ الكل أو دعه "وإذا كانت دار بين اثنين فباع أحدهما نصيبه لأجني صفقين" بأن باعه ربعا منها وصحح ثم باعه الربع الآخر فقد تعدد العقد "ثم علم شريكه فله أن يأخذ بالبيعين" لأنه شفيع فيهما "وله أن يأخذ بأحدهما" لأن كل واحد منهما عقد مستقل بنفسه وهو يستحقهما فإذا أسقط البعض كان له ذلك كما لو أسقط حقه من الكل "فإن أخذ بالثاني شاركه المشتري في شفعته" بنصيبه الأول "في أحد الوجهين" لأن الشفيع بإسقاطه حقه من البيع الأول استقر ملك المشتري فصار شريكه فيشاركه في البيع الثاني والآخر لا يشاركه لأن ملك المشتري لم يستقر على المبيع بدليل أن للشفيع أخذه بعد البيع الثاني فلم يستحق به شفعة وفي ثالث إن عفا الشفيع عن أولهما شاركه وهو ظاهر وأطلق الخلاف في(5/144)
وإن أخذ بالأول لم يشاركه وأن أخذ بهما لم يشاركه في شفعة الأول وهل يشاركه في شفعة الثاني على وجهين وإن اشترى اثنان حق واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما و إن اشترى واحد حق أثنين أو أشترى واحد شقصين من أرضين صفقة واحدة فللشفيع أخذ أحدهما على أصح الوجهين
__________
الفروع
"وإن أخذ بالأول لم يشاركه" لأنه لم يسبق له شركة "وإن أخذ بهما لم يشاركه في شفعة الأول" ما تقدم من عدم الشركة "وهل يشاركه في شفعة الثاني على وجهين" وقد عرف وجههما
فرع: إذا كانت أرض بين ثلاثة فوكل أحدهم شريكه في بيع نصيبه مع نصيبه فباعهما لرجل آخر فلشريكه الشفعة فيهما وهل له أخذ أحد النصيبين دون الآخر فيه وجهان وإن وكل في شراء نصف نصيب أحد الشركاء فاشترى الشقص كله لنفسه ولموكله فلشريكه أخذ نصيب أحدهما لأنهما مشتريان ولا يفضي إلى تبعيض الصفقة علىالمشتري.
"وإن اشترى اثنان حق واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما" في قول أكثر العلماء لأن العقد مع الأثنين بمنزلة عقدين ودل على أنه يأخذهما وهو ظاهر وقيل بل عقد واحد يأخذ به الكل أو يتركه قاله في الرعاية.
"وإن اشترى واحد حق اثنين" أي صفقة واحدة فللشفيع أخذ أحدهما وهو المذهب لأن تعدد البائع كتعدد المشتري وقال القاضي لا يملك ذلك لأن فيه تبعيضا للصفقة على المشتري وذلك ضرر عليه "أو اشترى واحد شقصين من أرضين صفقة واحدة فللشفيع أخذ أحدهما على أصح الوجهين" وجزم به في الوجيز وغيره لأن الضرر قد يلحقه بأرض دون أرض والثاني ليس له ذلك لما فيه من التبعيض على المشتري والأول أصح لأن كلا منهما يستحق بسبب غيرالآخر فجرى مجرى الشريكين وقيل بتعدد البائع جزم به في الفنون وقاسه على تعدد المشتري بما يقتضي أنه محل وفاق وأطلق(5/145)
وإن باع شقصا وسيفا فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن ويحتمل أن لا يجوز وإن تلف بعض المبيع فله أخذ الباقي بحصته من الثمن وقال ابن حامد إن كان تلفه بفعل الله تعالى فليس له أخذه إلا بجميع الثمن
فصل
الخامس أن يكون للشفيع ملك سابق
__________
في المحرر والفروع الخلاف
فرع: اشترى اثنان من اثنين شقصيهما في عقد فعقدان وقيل بل أربعة اشترى وكيل اثنين من زيد شقصا في عقد فهل يعتبر به أو بهما أو بوكيل المشتري فقط يحتمل أوجها ذكره في الرعاية.
"وإن باع شقصا وسيفا" في عقد واحد "فللشفيع أخذ الشقص" لأنه تجب فيه الشفعة إذا بيع منفردا فكذا إذا بيع مع غيره ويأخذه "بحصته من الثمن" أي فيقسم الثمن على قدر قيمتهما نص عليه "ويحتمل أن لا يجوز" حكاه في الفروع قولا لأصحابنا لأن في ذلك تبعيضا للصفقة على المشتري وذلك ضرر به.
"وإن تلف بعض المبيع فله أخذ الباقي بحصته من الثمن" في ظاهر المذهب لأنه تعذر اخذ الكل فجاز له أخذ الباقي كما لو أتلفه آدمي فلو اشترى دارا بألف تساوي ألفين فباع بابها أو هدمها فبقيت بألف أخذها بخمسمائة بالقيمة من الثمن نص عليه.
"وقال ابن حامد إن كان تلفها بفعل الله تعالى فليس له أخذه إلا بجميع الثمن" لأن في أخذه بالبعض إضرارا بالمشتري فلم يكن له ذلك كما لو أخذ البعض مع بقاء الجميع
فصل
"الخامس أن يكون للشفيع ملك سابق" أي ملك للرقبة لا المنفعة كنصف(5/146)
فإن اشتري اثنان دارا واحدة فلا شفعة لأحدهما على صاحبه وإن ادعى كل واحد منهما السبق فتحالفا أو تعارضت بينتاهما فلا شفعة لهما ولا شفعة بشركة الوقف في أحد الوجهين
__________
دار موصي بنفعها فباع الورثة نصفها فلا شفعة للموصي له واشترط سبقه لأن الشفعة ثبتت لدفع الضرر عن الشريك فإذا لم يكن له ملك سابق فلا ضرر عليه فلا شفعة.
"فإن اشترى اثنان داراصفقة واحدة فلا شفعة لاحدهما على صاحبه" لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه لاستوائهما لأن شرطها سبق الملك وهو معدوم هنا "وإن ادعى كل واحد منهما السبق" ولا بينة "فتحالفا أو تعارضت ينتاهما" بأن شهدت بينة كل منهما بسبق ملكه وتجدد ملك صاحبه "فلا شفعه لهما" لعدم سبق الملك على الشراء وعلم منه لو كان لأحدهما بينة عمل بها وإن أقاما بينتين قدم أسبقهما تاريخا فإن لم يكن لواحد منهما بينة سمعت دعوى السابق وسئل خصمه فإن انكر قبل قوله مع يمينه وإن نكل عنها قضي عليه ولم تسمع دعواه لأن خصمه قد استحق ملكه "ولا شفعة بشركة الوقف في أحد الوجهين" ذكره القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى لأنه لا يؤخذ بالشفعة فلا يجب به كالمجاور وما لا ينقسم ولأن مستحقه إما غيرمالك والشفعة لا تثبت إلا في ملك وإما مالك فملكه غيرتام لكونه لا يستفيد به تصرفا في الرقبة
والثاني تثبت كالملك المطلق وقال أبو الخطاب ينبني هذا على الروايتين في مللك الوقف واختار في الترغيب إن قلنا القسمة إفراز وجبت هي القسمة بينهما فعلى هذا الأصح يؤخذ بها موقوف جاز بيعه قال ابن حمدان ولا تثبت فيما فتح عنوة إذا قلنا يصير وقفا ولا في عوض الكتابة في الأقيس(5/147)
فصل
وإن تصرف المشتري في المبيع قبل الطلب بوقف أو هبة سقطت الشفعة نص عليه وقال أبو بكر لا تسقط وإن باع فللشفيع الأخذ بأي البيعين شاء
__________
فصل
"وإن تصرف المشتري قبل الطلب بوقف أو هبة سقطت الشفعة نص عليه" في رواية علي بن سعيد وبكر بن محمد لأن الشفعة إنما تثبت في الملك وقد خرج هذا عن كونه مملوكا ولأن فيها هاهنا إضرار بالموقوف عليه والموهوب له لان ملكه قد زال عنه بغير عوض والضرر لا يزال بالضرر قال ابن أبي موسى من اشترى دارا فجعلها مسجدا فقد استهلكها ولا شفعة فيها وكذا إذا تصرف فيها برهن أو صدقة أو إجارة لما ذكرنا "وقال أبو بكر لا تسقط" بل للشفيع فسخ ذلك وأخذه بالثمن الذي وقع به البيع حتى لو جعله مسجدا.
وفي الفصول عنه لا لأنه شفيع ولأن الشفيع يملك فسخ البيع الثاني والثالث مع إمكان الأخذ بهما فلأن يملك فسخ عقد الأخذ به أولى ولأن حق الشفيع أسبق وجنبته أقوى فلم يملك المشتري تصرفا يبطل حقه وفي الفروع توجيه أن المستأجر إذا وقف ما غرسه أو بناه لم يبطل الوقف وهو ظاهر وقد يفرق بينهما من حيث إن رب الارض يأخذه من الموقوف عليه ولا يفسخ عقد الوقف فيصير بمنزلة بيع الوقف بشرطه فيشتري بثمنه ما يقوم مقامه وهنا يؤخذ من المشتري الذي وجبت له الشفعة فيفسخ عقد الوقف ويؤخذ الأخذ بها كما لو وجد به عيبا وقفا فصار كأنه لم يوجد ويكون الثمن لمن وجبت عليه الشفعة وعلم منه أنه إذا تصرف المشتري بعد الطلب أنه لا يصح لأنه يملكه بمطالبة وقيل وقبضه "وإن باع" المشتري "فللشفيع الأخذ بأي البيعين شاء" لأن سبب الشفعة(5/148)
فإن أخذ بالأول رجع الثاني على الأول وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة أو تحالف فللشفيع أخذه ويأخذه في التحالف بما حلف عليه البائع
__________
الشراء وقد وجد من كل واحد منهما ولأنه شفيع في العقدين واقتضى ذلك صحة تصرف المشتري لأنه ملكه وصح قبضه وإن كان الشفيع له أن يتملكه لا يمنع من تصرفه كما لو كان أحد العوضين في المبيع معيبا فإنه لا يمنع التصرف في الآخر وكالابن يتصرف في العين الموهوبة له وإن جاز لأبيه الرجوع فيها.
"فإن أخذ بالأول رجع الثاني على الأول" لأنه لم يسلم له العوض فإن لم يعلم حتى تبايع ثلاثة أو أكثر فله أن يأخذ بالأول وينفسخ العقدان الآخران وله أن يأخذ بالثاني وينفسخ الثالث وله أن يأخذ بالثالث ولا ينفسخ بشيء من العقود وجعل ابن أبي موسى هذا الحكم إذا لم يكن الشقص في يد واحد منهم بعينه أما إذا كان في يد أحدهم فالمطالبة له وحده
"وإن فسخ البيع بعيب" أي في الشقص المشفوع "أو إقالة أو تحالف فللشفيع أخذه" لأن حقه سابق على ذلك كله لأنه ثبت بالبيع وعنه إن استقاله قبل المطالبة بها لم تكن له شفعة وكذا إن ترادا بعيب وظاهره أنها تثبت في صورة الإقالة مطلقا لأن الأخذ بالبيع لا بالإقالة وصورته أن شخصا حصل له نصيب في عقار بعد أن باع بعض الشركة نصيبه ثم تقايل هو والمشتري بعد أن ملك الشخص النصيب فهنا يملك الشخص الشفعة وأما الشريك فملكه سابق على البيع فبنفس البيع استحق الشفعة لكن إذا فسخ البائع لعيب في ثمنه المعين فإن كان قبل الأخذ بالشفعة فلا شفعة وإلا استقرت وللبائع إلزام المشتري بقيمة شقصه ويتراجع المشتري والشفيع في الأصح بما بين القيمة والثمن فيرجع دافع الاكثر منهما بالفضل "ويأخذه في التحالف بما حلف عليه البائع" لأن البائع مقر بالبيع بالثمن الذي حلف عليه ومقر للشفيع باستحقاق الشفعة بذلك فإذا بطل حق المشتري بإنكاره لم يبطل حق الشفيع بذلك وله أن يبطل فسخهما ويأخذ لأن حقه أسبق
فرع: إذا وجبت له الشفعة وقضى الحاكم بها والشقص في يد البائع ودفع(5/149)
وإن أجره أخذه الشفيع وله الأجرة من يوم أخذه وإن استغله فالغلة له وإن أخذه وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة فهي للمشتري مبقاة إلى الحصاد والجداد وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه
__________
الثمن إلى المشتري فقال البائع للشفيع أقلني فأقاله لم يصح لأنها تكون بين المتبايعين وليس بينهما بيع وإنما هو مشتر من المشتري فإن باعه إياه صح لأن العقار يجوز التصرف فيه قبل قبضه.
"وإن أجره أخذه الشفيع" لأن إجارة المشتري لا تمنع نقل الملك بدليل أنه يصح بيع المؤجر وانفسخت الإجارة من حين أخذها "وله الأجرة من يوم أخذه" لأنه صار ملكه بأخذه وفيها في الكافي الخلاف في هبة "وإن استغله" المشتري "فالغلة له" لأنها نماء ملكه إذ الخراج بالضمان بدليل أنه لو تلف كان من ضمانه فكذا إذا استغله "وإن أخذه" الشفيع "وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة" أو أبرت وما في معناه "فهي للمشتري" لأنه ملكه "مبقاة إلى الحصاد والجداد" لأن ضرره لا يبقى ولا أجرة عليه لأنه زرعه في ملكه ولأن أخذه بمنزلة شراء ثان وقيل يجب في الزرع إلى حصاده فيخرج في الثمرة مثله وعلم أن النماء المتصل كالشجر إذا كبر والطلع إذا لم يؤبر فإنه يتبعه في العقد والفسخ كما لورد بعيب لا يقال فلم لا يكون حكمه حكم الزوج إذا طلق قبل الدخول لأن الزوج يقدر على الرجوع بالقيمة إذا فاته الرجوع في العين وهنا يسقط حقه منها إذا لم يرجع في الشقص فافترقا.
"إن قاسم المشتري وكيل الشفيع" في القسمة أو رفع الأمر إلى الحاكم فقاسمه لغيبة الشفيع فله ذلك في وجه جزم به في الكافي وغيره "أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه" بأن الشقص موهوب أو أن الشراء لفلان فترك الشفعة لذلك وكذا إن جهل الشفيع ثبوت الشفعة له قاله ابن الزاغوني "وغرس أو بني" ثم أخذ الشفيع بها فله ذلك للعمومات وعلم منه أنه لا يتصور بناء المشتري وغرسه على القول بالفورية إلافيما ذكر(5/150)
وغرس أو بني فللشفيع أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء فيملكه أو يقلعه ويضمن النقص فإن اختار أخذه فأراد المشتري قلعه فله ذلك إذ لم يكن فيه ضرر
__________
"فللشفيع" الخيار بين "أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء فيملكه" مع الأرض نص عليه دفعا للضرر المنفي شرعا أو يقلعه ويضمن النقص أي نقصه من القيمة قاله القاضي وأصحابه وهو المذهب لزوال الضرر به وهذا التخيير هو قول أكثرالعلماء زاد في الإنتصار أو أقره بأجرة فإن أبي فلا شفعة ونقل الجماعة له قيمة البناء ولا يقلعه ونقل سندي أله قيمة البناء أم قيمة النقض قال لا قيمة البناء قال إنهم يقولون فأنكره ورده وقال ليس هذا كغاصب.
أصل في كيفية التقويم ذكر في المغني والشرح أن الظاهر أن الأرض تقوم مغروسة أو مبنية ثم تقوم خالية منهما فما بينهما فهو قيمة الغراس أو البناء يدفع إلى المشتري إن أحب الشفيع أو ما نقص منه إن اختار القلع لا قيمته مستحقا للبقاء لأنه لا يستحق ذلك ولا قيمته مقلوعا ويحتمل أن يقوم الغرس والبناء مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه.
"فإن اختار أخذه فأراد المشتري قلعه فله" أي المشتري "ذلك" لأنه ملكه فإذا قلعه فليس عليه تسوية الحفرولا نقص الأرض قاله الأكثر لأن النقص حدث في ملكه فلا يقابل بعوض فعلى هذا يخير الشفيع بين أخذه ناقصا بكل الثمن أو تركه.
وظاهر الخرقي أن عليه ضمان النقص الحاصل بالقلع فأما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فلا يضمنه ذكره في المغني.
"إذا لم يكن فيه ضرر" هذا اختيار الخرقي وابن عقيل والآدمي وجزم به في الوجيز لأن الضرر لا يزال بمثله واقتصر الأكثر على القلع أضر بالأرض أو لم يضر لأنه عين ماله
فرع: إذا حفر فيها بئرا أخذها ولزمه أجرة مثلها(5/151)
وإن باع الشفيع ملكه قبل العلم لم تسقط شفعته في أحد الوجهين وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح الوجهين وإن مات الشفيع بطلت شفعته إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثة
__________
"وإن باع الشفيع ملكه قبل العلم" ببيع نصيب شريكه "لم تسقط شفعته في أحد الوجهين" اختاره أبو الخطاب وجزم به في الوجيز لأنها ثبتت له ولم يوجد منه رضى بتركها والأصل بقاؤها والثاني تسقط قاله القاضي لأنه زال السبب الذي يستحق به الشفعة وهوالملك الذي يخاف الضرر بسببه أشبه ما لو اشترى معيبا لم يعلم عيبه حتى باعه ومقتضاه أنه إذا باعه بعد العلم بالحال فإنها تسقط
وإن باع بعضه فوجهان:
أحدهما: تسقط لكونها لا تتبعض.
والثاني: بقاؤها لأنه قد بقي من نصيبه مايستحق به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد.
"وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح الوجهين" لأن له ملكا سابقا على بيع الشفيع فملك الأخذ به والثاني تسقط لأن ملكه ضعيف لكونه بعرضية الأخذ بالشفعة "وإن مات الشفيع بطلت شفعته" نص عليه لأنه نوع خيار للتمليك أشبه خيار القبول ولأنا لا نعلم بقاءه على الشفعة لاحتمال رغبته عنها ولا ينتقل إلى الورثة ما يشك في ثبوته وخرج أبو الخطاب أنها لا تبطل وتورث عنه بناء على رواية إرث الأجل.
واجيب بأنه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء فلم يورث كالرجوع في الهبة "إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثه" نص عليه وهو المذهب وحكاه أبو الخطاب قولا واحدا لأن الحق قد تقرر بالطلب ولذلك لا تسقط بتأخير الأخذ بعده أما على قول القاضي فلأن الشقص صار ملكا له بالمطالبة وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لما صح العفو عنها بعد طلبها كما لا يصح العفو عنها بعد الأخذ(5/152)
فصل
ويأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع العقد عليه
__________
بها وأما على رأي ابن عقيل والمؤلف فلأنه قد علم بمطالبة بقاءه على شفعته وهو ظاهر وقال في رواية أبي طالب الشفعة لا تورث لعله لم يكن يطلبها فجعل العلة في إبطالها بالموت عدم العلم برغبة الميت.
قال القاضي في التعليق فعلى هذا لو علم الوارث أنه راغب فيها كان له المطالبة وإن لم يطالب الميت قال الزركشي وينبغي أن يكون القول قول الوارث مع يمينه فإذا تقرر ذلك انتقل الحق إلى جميع الورثة على قدر إرثهم مطلقا فإذا ترك بعضهم حقه توفر على الباقي ولم يكن لهم إلا أخذ الكل أو الترك كالشفعاء إذا عفا بعضهم عن حقه وقيل من عفا عن بعض حقه أولم يطلبه لم تسقط شفعته
فصل
"وياخذ الشفيع بالثمن الذي وقع العقد عليه" لحديث جابر "فهو أحق به بالثمن" رواه أبو إسحاق الجوزجاني في المترجم ولأن الشفيع إنما يستحق الشقص بالبيع فكان مستحقا له بالثمن كالمشتري ولو عبر بما استقر عليه العقد وقت لزومه لكان أولى لا يقال كان ينبغي أن يأخذه بقيمة كالمضطر إلى طعام غيره لأن المضطر استحقه بسبب حاجته فكان المرجع في بدله إلى قيمته والشفيع استحقه بالبيع فوجب أن يكون بالعوض الثابت به فإن وقع حيلة دفع إليه ما أعطاه أو قيمة الشقص وإن كان مجهولا كصبرة نقد فقد تقدم وظاهره أنه يأخذه بغير حكم حاكم لأنه حق ثبت بالإجماع فلم يفتقر إلى حكم كالرد بالعيب ولا تعتبر رؤيته إن صح بيع غائب وإلا اعتبرت واعتبر ابن عقيل الحكم تارة ودفع ثمنه ما لم يضر مشتريه.
فإن دفع مكيلا بوزن أخذ مثل كيله كقرض وقيل يكفي وزنه إذ المبذول(5/153)
وإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته وما يحط من الثمن أو يزاد فيه في مدة الخيار يلحق به وما كان بعد ذلك لا يلحق به وإن كان مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل إن كان مليا وإلا أقام كفيلا مليا وأخذ به
__________
في مقابلة الشقص وقدر الثمن معياره لاعوضه.
"وإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته ولو اكتفى بالثاني كالوجيز لكان أولى لأن في أخذه بدون دفع كل الثمن إضرارا بالمشتري والضرر لا يزال بمثله فإن أحضر رهنا أو ضمينا لم يلزم المشتري قبوله لأن عليه ضررا في تأخير الثمن وكذا لا يلزمه قبول عوض عن الثمن لأنها معاوضة فلم يجبر عليها وللمشتري حبسه على ثمنه قاله في الترغيب وغيره لأن الشفعة قهري والبيع عن رضى فإن تعذر في الحال فقال في رواية حرب يمهل الشفيع يوما أو يومين والأشهر عنه ثلاثا لأنها حد جمع القلة وعنه ما رأى الحاكم
فرع: لو أفلس الشفيع بعد أخذ الشقص خير المشتري بين الفسخ وبين أن يضرب مع الغرماء بالثمن كالبائع إذا أفلس المشتري.
"ما يحط من الثمن أو يزاد فيه في مدة الخيار يلحق به" لأن زمن الخيار كحالة العقد نقل صالح للماء حصة من الثمن وفي رجوع شفيع بأرش على مشتر عفا عنه بائع وجهان "وما كان بعد ذلك لا يلحق به" لأن الزيادة حينئذ هبة يشترط لها شروطها والنقصان إبراء فلا يثبت شيء منهما في حق الشفيع لكونه وجد بعد استقرار العقد أشبه مالو وهب أحدهما للآخر عينا أخرى.
"وإن كان مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل إن كان مليا وإلا" فإن كان معسرا "أقام" الشفيع "كفيلا مليا وأخذ به" نص عليه لأن الشفيع يستحق الأخذ بقدر الثمن وصفته والتأجيل من صفته وفي كلام القاضي وأبي الخطاب والمؤلف اشتراط الملاءة لأنه لو أخذ بدونها لتضرر المشتري والضرر لا يزال(5/154)
وإن كان الثمن عرضا أعطاه مثله إن كان ذا مثل وإلا قيمته وإن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري إلا أن يكون للشفيع بينة
__________
بمثله ومتى أخذه الشفيع بالأجل فمات أو المشتري وقلنا يحل الدين بالموت حل على الميت منهما دون صاحبه فلو لم يعلم حتى حل فهو كالحال.
"وإن كان الثمن عرضا أعطاه مثله إن كان ذا مثل" كالحبوب والأدهان ونحوهما لأنهما كالأثمان ولأنه مثل من طريق الصورة والقيمة فكان أولى من المماثل في احدهما إذ الواجب بدل الثمن فكان مثله كبدل العرض "وإلا" أي إن لم يكن له مثل كالثياب والحيوان فتعتبر "قيمته" في قول أكثر أهل العلم لتعذر المثل ولأن ذلك بدله في الإتلاف وذكر الأصحاب أنه لو باعه بصبرة نقدا وجوهرة دفع مثله أو قيمته فإن تعذر فقيمة الشقص لأن الأغلب وقوع العقد على الأشياء بقيمتها فإن اختلفا في القيمة رجع إلى أهل الخبرة إن كان موجودا وإن كان معدوما قبل قول المشتري فيها.
"وإن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري" مع يمينه ذكره المعظم لأنه العاقد فهو أعلم بالثمن ولأن المبيع ملكه فلا ينزع عنه بدعوى مختلف فيها إلا ببينة وكما يقبل قوله في الغرس والبناء في الشقص أنه أحدثه والشفيع ليس بغارم لأنه لا شيء عليه وإنما يريد تملك الشقص بثمنه بخلاف غاصب ومتلف "إلا أن تكون للشفيع بينة" فيعمل بها لأنها تكذب المشتري فإن أقام كل منهما بينة احتمل تعارضهما والقرعة وقيل تقدم بينة شفيع ولا تقبل شهادة البائع للشفيع لأنه متهم لكونه يطلب تقليل الثمن خوفا من الدرك عليه ويقبل عدل وامرأتان وشاهد ويمين فإن قال المشتري لا أعرف قدر الثمن قدم قوله لأنه أعلم بنفسه فإذا حلف سقطت لأنه لا يمكن الأخذ بغير ثمن ولا يمكن أن يدفع إليه مالا يدعيه إلا أن يفعل ذلك تحيلا فإن ادعى أنك فعلته تحيلا على إسقاطها قبل قوله مع يمينه لأنه منكر وإن ادعى جهل قيمته فهو كما لو ادعى جهل ثمنه قاله في المغني والشرح(5/155)
وإن قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف فإن قال المشتري غلطت فهل يقبل قوله مع يمينه على وجهين وإن ادعى أنك اشتريته بألف فقال بل اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمينه فإن نكل عنها أو قامت بينة للشفيع فله أخذه ويقال للمشتري إما أن تقبل
__________
"وإن قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف" لأن المشتري مقر له باستحقاقه بألف فلم يستحق الرجوع بأكثر "فإن قال المشتري غلطت" أو كذبت أو نسيت والبينة صادقة "فهل يقبل قوله مع يمينه على وجهين" أشهرهما أنه لا يقبل جزم به في الكافي لأنه رجوع عن إقراره فلا يقبل كما لو أقر له بدين والثاني يقبل قال القاضي وهو قياس المذهب عندي كالمرابحة بل هنا أولى لأن البينة قامت لكذبه فقبل رجوعه عنه فإن لم يكن للبائع بينة فتحالفا فللشفيع أخذه بما حلف عليه البائع وإن رضي المشتري أخذه بما قال البائع جاز وملك بشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه المشتري لأن حق البائع في الفسخ زال
فرع: إذا ادعى على انسان شفعة في شقص اشتراه فقال ليس لك ملك في شركتي فعلى الشفيع إقامة البينة بالشركة في قول الجماهير وقال أبو يوسف إذا كان في يده استحق الشفعة به.
"وإن ادعى أنك اشتريته بألف" فلي الشفعة احتاج إلى تحرير الدعوى فيحدد المكان الذي فيه الشقص ويذكر قدر الشقص وثمنه فإن اعترف لزمه وإن كان أنكر "فقال: بل اتهبته أو ورثته" فلا شفعة "فالقول قوله" أي مدعي الهبة والإرث لأن الأصل معه والمثبت للشفعة البيع ولم يتحقق "مع يمينه" لاحتمال صدق خصمه وحينئذ يبرأ فإن قال لا تستحق على شفعة فالقول قوله مع يمينه وهي على حسب جوابه "فإن نكل عنها" قضي عليه لأن النكول قائم مقام الإقرار "أو قامت بينة للشفيع فله أخذه" لأن البيع ثبت بحقوقه والأخذ بها من حقوقه "و" حينئذ يعرض عليه الثمن فإن أخذه دفع إليه فإن قال لا أستحقه فثلاثة أوجه أحدها: "يقال للمشتري إما أن تقبل(5/156)
الثمن وإما أن تبريء منه وإن كان عوضا في الخلع أو النكاح أو عن دم عمد فقال القاضي يأخذه بقيمته وقال غيره يأخذه بالدية ومهر المثل
__________
الثمن وأما أن نبريء منه" اختاره القاضي لأن الثمن صار مستحقا له فيقال له ذلك لتحصل براءة الشفيع وكسيد المكاتب إذا جاءه المكاتب بمال الكتابة فادعى أنه حرام.
والثاني يقر في يد الشفيع إلى أن يدعيه المشتري فيدفع إليه قال في الشرح وهو أولى إن شاء الله تعالى.
والثالث يأخذه حاكم فيحفظه لصاحبه حتى يدعيه فمتى ادعاه المشتري دفع إليه وفرق في الشرح بين المكاتب والشفيع لأن سيده يطالبه بالوفاء من غير هذا الذي أتاه به فلا يلزمه ذلك بمجرد دعوى سيده وتحريمه وهذا لا يطالب الشفيع بشيء فلا ينبغي أن يكلف الإبراء مما لا يدعيه
تنبيه: إذا ادعى عليه الشراء فقال اشتريته لفلان سئل فإن صدقة فهو له وإن كذبه فهو للمشتري ويؤخذ بالشفعة في الحالتين وإن كان المقر له غائبا أخذه الشفيع بإذن الحاكم والغائب على حجته إذا قدم فإن قال اشتريته لابني الطفل فهو كالغائب في وجه وفي الآخر لا شفعة لأن الملك ثبت للطفل ولا يثبت في ماله حق بإقرار وليه عليه فأما إن ادعى عليه الشفعة في شقص فقال هو لفلان الغائب أو الطفل فلا شفعة فيه لأنه قد ثبت لهما فإقراره بعد ذلك إقرار على غيره فلا يقبل.
"وإن كان عوضا في الخلع أو النكاح أو عن دم عمد" وقلنا بوجوب الشفعة فيه "فقال القاضي" وهو قياس قول ابن حامد "يأخذه بقيمته" لأنه ملك الشقص القابل للشفعة ببدل ليس بمثلي فوجب الرجوع إلى القيمة كما لو باعه سلعة لامثل لها "وقال غيره" وهو ابن حامد وأبو الخطاب في الإنتصار "يأخذه بالدية ومهر المثل" لأن ذلك بدل المشفوع فوجب أن يؤخذ به كالثمن مع أنه تقدم أن الأشهر لا شفعة في ذلك لأن ما يقابل المبيع ليس بمال ولأن(5/157)
فصل
ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه نص عليه ويحتمل أن يجب وإن أقر البائع وأنكر المشتري فهل يجب الشفعة على وجهين
__________
الأخذ إما بالقيمة وهو ممتنع لأنه ليس بعوض للمبيع وإما بالمهر وفيه تقويم البضع وإضرار بالشفيع لأن مهر المثل يتفاوت مع المسمى لأن المهر يسامح به في العادة بخلاف البيع وفيه شيء ولا يتوهم أن القاضي يثبت الشفعة في ذلك وإنما كلامه في صفة الأخذ مع أن المسألة فيها روايتان وعلى قياسه ما أخذ أجرة أو ثمنا في سلم أو عوضا في كتابة
فصل
"ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضاؤه نص عليه" لأن في الأخذ إلزام المشتري بالعقد قبل رضاه بالتزامه وإيجاب العهدة عليه وتفويت حقه من الرجوع في عين الثمن ولا فرق فيه بين خيار المجلس أو الشرط وسواء كان الخيار لهما أو لأحدهما.
"ويحتمل أن يجب" وحكاه أبو الخطاب تخريجا لأن الملك انتقل فثبت فيه الشفعة في مدة الخيار كما بعد انقضائه ولإزالة ضرر الشركة وقيل تثبت إن قلنا الملك للمشتري وقيل إن شرط للبائع فقط وقلنا الملك للمشتري لم يجب قبل فراغه وإن شرط للمشتري وحده وقلنا الملك له وجبت لأن الملك انتقل إليه ولا حق لغيره فيه والشفيع يملك الأخذ بعد استقرار الملك فكان له وغاية ما تقدم ثبوت الخيار له وذلك لا يمنع الأخذ بها كما لو وجد به عيبا
"وإن أقر البائع وأنكر المشتري فهل تجب الشفعة على وجهين" كذا في الكافي أحدهما لا شفعة نصره الشريف في مسائله ولا نص فيها للإمام أحمد لأن الشفعة فرع البيع فإذا لم يثبت الأصل لم يثبت فرعه والثاني وهو المذهب أنها تجب لأن البائع أقر بحقين حق للشفيع وحق للمشتري فإذا سقط حقه بإنكاره ثبت حق الآخر كما لو أقر بدار لرجلين فأنكر(5/158)
وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع فإن أبي المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم وقال أبو الخطاب قياس المذهب أن يأخذه الشفيع من يد البائع وإذا ورث اثنان شقصا عن أبيهما فباع أحدهما نصيبه فالشفعة بين أخيه وشريك أبيه ولا شفعة لكافر على مسلم
__________
أحدهما فعليه يقبض الشفيع من البائع ويسلم إليه الثمن ويكون درك الشفيع على البائع وليس له ولا للشفيع محاكمة المشتري فإن كان البائع مقرا بقبض الثمن من المشتري بقي الثمن الذي على الشفيع لا يدعيه أحد لأن البائع يقول هو للمشتري والمشتري يقول لا أستحقه فالأوجه الثلاثة.
"وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع" العهدة في الأصل كتاب الشراء والمراد هنا أن الشقص إذا ظهر مستحقا أو معيبا فإن الشفيع يرجع على المشتري بالثمن أو بأرش العيب لأن الشفيع ملكه من جهته فرجع عليه لكونه بائعه ثم يرجع المشتري على البائع لما ذكرنا ويستثنى منه المسألة السابقة فإن عهدة الشفيع على البائع لحصول الملك له من جهته.
"فإن أبي المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم" قاله القاضي وقدمه في الفروع لأن القبض واجب ليحصل حق المشتري في تسليمه ومن شأن الحاكم أن يجبر الممتنع "وقال أبو الخطاب قياس المذهب أن يأخذه الشفيع من يد البائع" لأن العقد يلزم في العقار من غير قبض ويدخل في ملك المشتري بنفسه بدليل صحة التصرف فيه قبل قبضه.
"وإذا ورث اثنان شقصا عن أبيهما فباع أحدهما نصيبه فالشفعة بين أخيه وشريك أبيه" لأنهما شريكان حال ثبوت الشفعة فكانت بينهما كما لو تملكاها بسبب واحد ولأنها ثبتت لدفع ضرر الشريك الداخل على شركائه بسبب شركته وهو موجود في حق الكل "ولا شفعة لكافر على مسلم" نص عليه وقاله الحسن والشعبي والنخعي(5/159)
وهل تجب الشفعة للمضارب على رب المال أو لرب المال على المضارب فيما يشتريه للمضاربة على وجهين
__________
لقوله عليه السلام "لا شفعة لنصراني" رواه الدارقطني في كتاب العلل وأبو بكر وفي إسنادهما نائل بن نجيح عن سفيان الثوري عن حميد عن أنس ونائل ضعفه الدارقطني وابن عدي ولأنه معنى يختص به العقار أشبه الإستعلاء في البنيان وقال أكثر العلماء تثبت لأنها خيار ثبت لدفع الضرر بالشراء فاستوى فيه المسلم والكافر كالرد بالعيب.
وجوابه بأنها تثبت في محل الإجماع على خلاف الأصل رعاية لحق الشريك المسلم وليس الذمي في معنى المسلم فيبقى فيه على مقتضى الأصل وظاهره أنها تثبت للمسلم على الكافر لعموم الأدلة ولأنها إذا ثبتت على المسلم مع عظم حرمته فلأن تثبت على الذمي مع دناءته أولى وأنها تثبت لكافر على مثله لاستوائهما كالمسلمين قال في الشرح لا نعلم فيه خلافا وقيل لا تثبت لهما إذا كان البائع مسلما فإن تبايع كافران بخمر شقصا فلا شفعة في الأصح كخنزير بناء على قولنا هل هي مال لهم فأما أهل البدع فتثبت الشفعة لمن حكم بإسلامه وروى حرب عن أحمد أنه سئل عن أصحاب البدع هل لهم شفعة وذكر له عن الشافعي أنه قال ليس للرافضة شفعة فضحك وقال أراد أن يخرجهم من الإسلام فظاهره أنه أثبتها لهم وهو محمول على غيرالغلاة منهم فأما الغلاة كمعتقد غلط جبريل في الرسالة ومن حكم بكفره من الدعاة بخلق القرآن فلا شفعة لهم وهو مقتضى كلام الأصحاب لأنها إذا لم تثبت للذمي الذي يقرعلى كفره فغيره أولى "وهل تجب الشفعة للمضارب على رب المال أو لرب المال على المضارب فيما يشتريه للمضاربة على وجهين" وفيه مسألتان الأولى هل تجب الشفعة للمضارب على رب المال وفيه وجهان: أحدهما تجب وصورتها بأن يكون المضارب له شقص في عقار فاشترى بمال المضاربة بقيته لما في ذلك من دفع ضرر الشركة والثاني لا شفعة لأن له في مال المضاربة تعلقا في الجملة أشبه رب المال والمذهب(5/160)
__________
كما صرح به في المغني والشرح أنها لا تجب إن ظهر ربح وإلا وجبت نص عليه قال صاحب النهاية وعندي أنه لا شفعة للعامل فيما اشتراه كالوكيل والوصي
الثانية: المذهب أنها لا تجب لرب المال على المضارب لأن الملك وقع له فلا يستحق الشفعة على نفسه والثاني تجب لأن مال المضاربة كالمنفرد بنفسه أشبه ما إذا كان المشتري شريكا فلأن الشفعة بينه وبين شريكه وهذه شفعة في الحقيقة لم تجلب ملكا وإنما قررته قال في المغني والشرح والوجهان مبنيان على شراء رب المال من مال المضاربة ولا شفعة لمضارب فيما باعه من مالها وله فيه ملك وله الشفعة فيما بيع شركة لمال المضاربة إن كان فيها حظ فإن أبي أخذ بها رب المال
تذنيب: قال أحمد في رواية حنبل لا يرى الشفعة في أرض السواد لأن عمر وقفها وكذا كل أرض وقفها كالشام ومصر قال في المغني والشرح إلا أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه فتثبت لأنه مختلف فيه وحكم الحاكم ينفذ فيه(5/161)
باب الوديعة
__________
باب الوديعة
الوديعة وهي فعيلة من ودع الشيء إذا تركه أي هي متروكة عند المودع وقيل هي مشتقة من الدعة فكأنها عند المودع غيرمبتذلة للإنتفاع وقيل من ودع الشيء يدع إذا سكن فكأنها ساكنة عند المودع
وهي في الشرع اسم لعين توضع عند آخر ليحفظها فهي وكالة في الحفظ فيعتبر أركانها والأحسن أنها توكيل في حفظ مملوك أو محترم مختص على وجه مخصوص والإجماع في كل عصر على جوازها وسنده قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء: من الآية58) مع السنة الشهيرة منها قوله عليه السلام "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" رواه أبو داود(5/161)
وهي أمانة ولا ضمان عليه فيها إلا ان يتعدى وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين ويلزمه حفظها في حرز مثلها
__________
والترمذي وحسنه والمعني يقتضيها لحاجة الناس إليها لأنه يتعذر عليهم حفظ جميع أموالهم بأنفسهم ويستحب أخذها لمن علم أنه ثقة قادر على حفظها وتكره لغيره إلا برضى ربه وتنفسخ بموت وجنون وعزل مع علمه فإن بطلت بقي المال في يده أمانة يؤديه إلى مالكه فإن تلف قبل التمكن فهدر وإن تلف بعده فوجهان ولا يصح الإيداع والإستيداع إلا من جائر التصرف في ماله وتبرعه بت
"وهي امانة" لقوله تعالى {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (البقرة: من الآية283) "ولا ضمان عليه فيها" لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من أودع وديعة فلا ضمان عليه" رواه ابن ماجه ولأن المستودع يحفظها لمالكها فلو ضمنت لامتنع الناس من الدخول فيها وذلك مضر لما فيه من مسيس الحاجة إليها "إلا أن يتعدى" فيضمنها بغير خلاف علمناه لأنه متلف لمال غيره فضمنه كما لو أتلفه من غيراستيداع.
"وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين" وهي قول أكثر العلماء لما ذكرنا ولأن المستودع مؤتمن فلم يضمن ما تلف من غيرتعديه ولا تفريطه وسواء ذهب معها من ماله شيء أولا والثانية يضمن إذا تلفت من بين ماله لما روى سعيد حدثنا هشيم أنا حميد الطويل عن أنس أن عمر بن الخطاب ضمنه وديعة ذهبت من بين ماله والأولى أصح قاله القاضي لأن الضمان ينافي الأمانة وحديث عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا منافاة.
"ويلزمه حفظها في حرز مثلها" عرفا كسرقة وكما يحفظ ماله ولأنه تعالى أمر بأدائها ولا يمكن ذلك إلا بالحفظ وفي الرعاية من استودع شيئا حفظه في حرز مثله عاجلا مع القدرة وإلا ضمن وظاهره أنه إذا لم يحفظها في حرز مثلها أنه يضمن لأنه مفرط وإن وضعها في حرز ثم نقلها عنه إلى حرز مثلها لم يضمنها(5/162)
وإن عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن وإن أحرزها بمثله أو فوقه لم يضمن وقيل يضمن إلا أن يفعله لحاجة فإن نهاه عن إخراجها فأخرجها لغشيان شيء الغالب منه التوى لم يضمن
__________
لأن صاحبها رد حفظها إلى اجتهاده فلو كانت العين في بيت مالكها فقال الآخر احفظها في موضعها فنقلها عنه لغير خوف ضمن لأنه ليس بمودع وإنما هو وكيل في حفظها في موضعها.
"وإن عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن" سواء ردها إليه أو لا لأنه خالفه في حفظ ماله ومقتضاه أنه إذا حفظها فيما عينه ولم يخش عليها فلا ضمان عليه بغير خلاف لأنه ممتثل غيرمفرط.
"وإن أحرزها بمثله أو فوقه" بلا حاجة كلبس خاتم في خنصر فلبسه في بنصر لا عكسه "لم يضمن" على المذهب لأن تقييده بهذاالحرز يقتضي ما هو مثله كمن اكترى لزرع حنطة فله زرعها وزرع مثلها في الضرر فما فوقه من باب أولى.
"وقيل يضمن" وهو ظاهر الخرقي وحكاه في التبصرة رواية قال في رواية حرب إذا خالف في الوديعة فهو ضامن لأنه خالف أمر صاحبها من غيرحاجة أشبه ما لو نهاه "إلا أن يفعله لحاجة" كما لو خاف عليها من سيل أو حريق لأنه لا يعد مفرطا والأولى إن نقلها إلى الأعلى لم يضمن لأنه زاده خيرا لا إن نقلها إلى المساوي لعدم الفائدة قال في التلخيص أصحابنا لم يفرقوا بين تلفها بسبب النقل وبين تلفها بغيره قال وعندي أنه إذا حصل التلف بسبب النقل كانهدام البيت المنقول إليه ضمن
"فإن نهاه عن إخراجها فأخرجها لغشيان شيء الغالب منه التوى" أي الهلاك ل"م يضمن" لأن حفظها نقلها وتركها تضييع لها وهذا إذا وضعها في حرز مثلها أو فوقه فإن تعذر وأحرزها في دونه فلا ضمان ذكره في المغني والشرح والحارثي ومقتضاه أنه يلزمه إخراجها عند الخوف لأن النهي للإحتياط(5/163)
وإن تركها فتلفت ضمن وإن أخرجها لغير خوف ضمن فإن قال لا تخرجها ولو خفت عليها فأخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمن إلا أن ينهاه المالك عن علفها
__________
عليها وهو إذن نقلها "وإن تركها فتلفت ضمن" سواء تلفت بالأمر المخوف أو بعيره لأنه مفرط وقيل لا يضمن لامتثاله أمر صاحبها.
"إن أخرجها لغير خوف ضمن" لأنه خالف نص صاحبها لغير فائدة ولو أخرجها إلى مثله أو فوقه صرح به في الشرح وغيره وقيل لا يضمن كما لو تعين له حرزا "فإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها فأخرجها عند الخوف أوتركها لم يضمن" لأنه إذا أخرجها فقد زاده خيرا بحفظها إذ المقصود المبالغة في حفظها وإن تركها فلا شيء عليه لأن صاحبها صرح له بتركها مع الخوف فكأنه رضي بإتلافها وقيل إن وافقه أو خالفه ضمن كإخراجها لغير خوف وهذا جار فيما إذا قال لا تقفل عليها قفلين أو لاتنم فوقه صرح به في الرعاية
فرع: إذا أخرج الوديعة المنهي عن إخراجها فتلفت فادعى أنه أخرجها لغشيان شيء الغالب منه الهلاك وأنكر صاحبها وجوده فعلى المستودع البينة إن كان مما لا تتعذر إقامة البينة عليه لظهوره ويقبل قوله في التلف مع يمينه.
"وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمن" لأن العلف من كمال الحفظ بل هو الحفظ بعينه لأن العرف يقتضي علفها وسقيها فكأنه مأمور به عرفا وقيل لا يضمن كلا تعلفها والأول هو المشهور "إلا أن ينهاه المالك عن علفها" لأن مالكها أذن في إتلافها أشبه ما لو أمره بقتلها لكن إذا نهاه عن علفها فتركه أثم لحرمة الحيوان فإن أمره به لزمه وقيل يلزمه بقبوله ويعتبر حاكم وفي المنتخب لا
فرع: إذا علف الدابة أو سقاها في داره أو غيرها بنفسه أو غلامه على ما جرت به العادة فلا ضمان عليه لأنه مأذون فيه عرفا والحكم في النفقة والرجوع(5/164)
فإن قال أترك الوديعة في جيبك فتركها في كمه ضمن وإن قال أتركها في كمك فتركها في جيبه لم يضمن وإن تركها في يده احتمل وجهين وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ماله كزوجته وعبده لم يضمن
__________
كالحكم في نفقة البهيمة المرهونة لأنها أمانة مثلها.
"فإن قال اترك الوديعة في جيبك فتركها في كمه" أويده "ضمن" لأن الجيب أحرز وربما نسي فسقط منه "وإن قال اتركها في كمك" أو يدك "فتركها في جيبه" لم يضمن لأنه أحرز "وإن تركها في يده احتمل وجهين" كذا في الفروع أظهرهما يضمن لأن اليد يسقط منها الشيء بالنسيان بخلاف الكم والثاني لا يضمن لأن اليد أحرز من الكم لأنه يتطرق إليه البط وكذا الخلاف إذا عين يده فتركها في كمه وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة والكم أحرز عند غيرها فإن تركها في يده عند المغالبة فلا ضمان عليه لأنه زاده خيرا وإلا ضمنها لنقلها إلى أدنى مما أمر به فإن أمره بحفظها مطلقا فتركها في جيبه أو يده أو شدها في كمه أو عضده وقيل من جانب الجيب أو ترك في كمه ثقيلا بغير شد أو تركها في وسطه لم يضمن وفي الفصول إن تركها في رأسه أو غرزها في عمامته أو تحت قلنسوته احتمل أنه أحرز
تنبيه: إذا قال اتركها في بيتك فشدها في ثيابه وأخرجها معه ضمن لأن البيت أحرز وإن قال لا تدخل بيت الوديعة أحدا فخالفه وسرقها الداخل ضمن لأنه ربما شاهدها في دخول البيت وإن سرقها غيرالداخل فلا في الأصح لأن فعله لم يكن سببا لإتلافها وقيل بلى جزم به في الكافي وغيره لأنه ربما دل السارق عليها.
"وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ماله" أو مال ربها عادة "كزوجته وعبده لم يضمن" نص عليه لأنه مودع فله أن يحفظها بنفسه وبمن جرت العادة بحفظ ماله وكوكيل ربها وألحق بهما في الروضة الولد وهو ظاهر وكما لو دفع الماشية إلى الراعي أو البهيمة إلى غلامه ليسقيها وقيل يضمن كما لو دفعها إلى(5/165)
وإن دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن وليس للمالك مطالبة الأجنبي وقال القاضي له ذلك وإن أراد سفرا أو خاف عليها عنده ردها إلى مالكها فإن لم يجد حملها معه إن كان أحفظ لها وإلا دفعها إلى الحاكم
__________
أجنبي وعلى الأول يصدق في دعوى الرد أو التلف كالمودع.
"وإن دفعها إلى أجنبي أو حاكم" لعذر لم يضمن وإلا "ضمن" لأنه مودع وليس له أن يودع من غيرعذر ولعله غيرظاهر في الحاكم "وليس للمالك" إذا تلفت "مطالبة الأجنبي" لأن المودع ضمن بنفس الدفع والإعراض عن الحفظ فلا يجب على الثاني لأن دفعا واحدا لا يوجب ضمانين بخلاف غاصب الغاصب لأن يده ضامنة فترتب عليه الضمان "وقال القاضي له ذلك" وهو أقرب إلى الصواب لأنه قبض ما ليس له قبضة أشبه المودع من الغاصب وكما لو دفعها إلى أنسان هبة وعليه للمالك مطالبة من شاء منهما ويستقر الضمان على الثاني إن علم وإلا فعلى الأول وجزم في الوجيز أنهما لا يطالبان إن جهلا ويتخرج من رواية توكيل الوكيل له الإيداع بلا عذر وهو مقيد بما إذا لم ينهه
"وإن أراد سفرا أو خاف عليها عنده ردها إلى مالكها" أو وكيله فيها لأن في ذلك تخليصا له من دركها ومقتضاه أنه إذا دفعها إلى الحاكم يضمن لأنه لا ولاية له على الحاضر الرد رد من بعد خلاف.
"فإن لم يجده حملها معه" في السفر نص عليه سواء كان لضرورة أو لغيرها "إن كان أحفظ لها" لأن المقصود الحفظ وهو موجود هنا وزيادة وشرطه إذا لم ينه عنه ولا خوف وفي المبهج والموجز والغالب السلامة زاد في عيون المسائل والإنتصار كأب ووصى وله ما أنفق بنية الرجوع قاله القاضي ويتوجه كنظائره وقيل مع غيبة ربها أو وكيله إن كان أحرز وإن استويا فوجهان.
"وإلا" أي وإن لم يكن أحفظ لها ولم ينه عنه "دفعها إلى الحاكم" لأن في(5/166)
فإن تعذر ذلك أودعها ثقة أو دفنها واعلم بها ثقة يسكن تلك الدار فإن دفنها ولم يعلم بها أحدا أو أعلم بها من لا يسكن الدار ضمنها وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب وأخرج الدراهم لينفقها ثم ردها
__________
السفر بها غررا لأنه بعرضية النهب وغيره إذ الحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته وفي لزومه قبولها وجهان وظاهره أنه إذا أودعها مع قدرته على الحاكم أنه يضمنها لأنها لا ولاية له وقيل لا يضمن إذا أودعها ثقة وذكره الحلواني رواية لأنه قد يكون أحفظ لها وأحب إلى مالكها وكتعذر حاكم في الأصح.
"فإن تعذر ذلك" أي لم يقدر على الحاكم "أودعها ثقة" لفعله عليه السلام لما أراد أن يهاجر أودع الودائع التي كانت عنده لأم أيمن رضي الله عنها ولأنه موضع حاجة وأطلق أحمد الإيداع عند غيره لخوفه عليها وحملها القاضي على المقيم لا المسافر
فرع: حكم من حضره الموت حكم من أراد سفرا في دفعها إلى حاكم أو ثقة.
"أو دفنها وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار" لأن الحفظ يحصل به "فإن دفنها ولم يعلم بها أحدا" ضمن لأنه فرط في الحفظ فإنه قد يموت في سفره فلا تصل إلى صاحبها وربما نسي موضعها أو أصابها آفة وكذا إن أعلم بها غيرثقة لأنه ربما أخذها ولم يصرح به المؤلف اكتفاء بمفهوم الأول "أو أعلم بها من لا يسكن الدار" أي من لا يدله على المكان "ضمنها" لأنه لم يودعها إياه ولا يقدر على الإحتفاظ بها.
"وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب وأخرج الدراهم لينفقها ثم ردها" بنية الأمانة ضمنها لتصرفه في مال غيره بغير إذنه وفيه وجه لأنه ممسك لها بإذن مالكها أشبه ما قبل التعدي
وجوابه أنه ضمنها بعدوان فبطل الإستئمان كما لو جحدها ثم أقر بها(5/167)
أو جحدها ثم أقر بها أو كسر ختم كيسها أو خلطها بما لا تتميز منه ضمنها وإن خلطها بمتميز
__________
ويخرج منه ما إذا استعملها لنفعها كلبس صوف ونحوه خوفا من عث ونحوه.
"أو جحدها ثم أقر بها" لأنه بجحدها خرج عن الإستئمان عنها فلم يزل عنه الضمان بالإقرار بها لأن يده صارت يد عدوان "أو كسر ختم كيسها" أو كانت مشدودة فأزال الشد أو مقفولة فأزاله وسواء أخرج منها شيئا أولا لهتكه الحرز بفعل تعدي فيه وفيه رواية لا يضمن فإن خرق الكيس فوق الشد فعليه ضمان ما خرق فقط لأنه لم يهتك الحرز.
"أو خلطها بما لا تتميز منه" كزيت بزيت ودراهم بدراهم "ضمنها" لأنه صيرها في حكم التالف وفوت على نفسه ردها أشبه ما لو ألقاها في لجة بحر وسواء خلطها بماله أو مال غيره بمثلها أو دونها أو أجود ونقل عبدالله بن محمد البغوي عن أحمد في رجل أعطي آخر درهما يشتري له به شيئا فخلطه مع دراهمه فضاعا قال ليس عليه شيء وذكره القاضي ولم يتأوله في النوارد وذكره الحلواني ظاهر كلام الخرقي وجزم به في المنثور عن أحمد قال لأنه خلطه بماله فإن لم يدر ايهما ضاع ضمن نقله البغوي وفي الرعاية إذا خلط إحدى وديعتي زيد بالأخرى بلا إذن وتعذرالتمييز فوجهان
فرع: إذا نوى التعدي فيها ولم يتعد لم يضمن وحكى القاضي قولا بلى كملتقط في وجه "وإن خلطها بتميز" كدراهم بدنانير لم يضمن على الأصح وحكاه في الشرح بغير خلاف نعلمه لأنه لا يعجز بذلك عن ردها أشبه مالو تركها في صندوق فيه أكياس له والثانية يضمن للتصرف فيها وكذا الخلاف إن خلط بيضا بسود وصحاحا بمكسرة والثالثة يضمن إن خلط بيضا بسود وحمله في المغني والشرح على أنها تكتسب منها سوادا ويتغير لونها(5/168)
أو ركب الدابة ليسقيها وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده وعنه يضمن الجميع وإن رد بدله متميزا فكذلك وإن كان غيرمتميز ضمن الجميع ويحتمل أن لا يضمن غيره وإن أودعه صبي وديعة ضمنها
__________
"أو ركب الدابة ليسقيها" أو ليعلفها لم يضمن لأنه مأذون فيه شرعا وعرفا ولهذا يضمن إذا تلفت بتركه.
"وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده" في الأصح لأن الضمان تعلق بالأخذ فلم يضمن غيرما أخذه بدليل ما لو تلف في يده قبل رده "وعنه يضمن الجميع" حكاها في التلخيص وغيره لأنها وديعة قد تعدي فيها فضمنها كما لو أخذ الجميع.
"وإن رد بدله متميزا فكذلك" أي يجري فيه الخلاف السابق.
"وإن كان غيرمتميز ضمن الجميع" على المذهب وقاله القاضي لخلظه الوديعة بما لا تتميز "ويحتمل أن لا يضمن غيره" وهو مقتضى كلام الخرقي وقطع به القاضي في التعليق وحكى عنه في رواية الأثرم أنه أنكر القول بتضمين الجميع قال وإنه قول سوء لأن الضمان منوط بالتعدي وهومختص بالمأخوذ وكذا إن أذن في أخذه منها فرد بدله بلا إذنه وشرطها كما جزم به في المغني والشرح إذا كانت غيرمختومة ولا مشدودة فإن كانت كذلك ضمن الجميع لهتك الحرز وهذا هو الصحيح عند القاضي وقياس قول الأصحاب
فرع: إذا منعها بعد طلب طالبها شرعا والتمكن ولو كان مستأجرا لها ضمن فإن ضمنها فجدد له صاحبها استئمانا أو أبرأه بريء في الأصح كرده إليه أو إن جئت ثم تركت فأنت أميني ذكره في الإنتصار فإن ردها فهو ابتداء استئمان .
"إن أودعه صبي وديعة ضمنها لأنه أخذ مال غيره بغير إذن شرعي أشبه ما(5/169)
ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه وإن أودع الصبي وديعة فتلفت بتفريطه لم يضمن وقال القاضي يضمن وإن أودع عبدا وديعة فأتلفها ضمنها في رقبته
فصل
والمودع أمين والقول قوله فيها يدعيه من رد
__________
لو غصبه ما لم يكن مأذونا له في التصرف "ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه" أي الناظر في ماله كما لو كان عليه دين في ذمته وظاهره أنه لا يزول عنه الضمان يردها إلى المودع لكن إن خاف عليها التلف إن لم يأخذها لم يضمن لأنه قصد تخليصها من الهلاك جزم به في الشرح والوجيز "وإن أودع الصبي" أوالمعتوه أو السفيه "وديعة فتلفت بتفريطه لم يضمن" لأن مالكها قد فرط في تسليمها إليه وإن أتلفها لم يضمن سواء أتلفها بأكل أو غيره لأنه سلطه على إتلافها بدفعها إليه وقال القاضي يضمن نصره في الشرح وغيره لأن ما ضمن بالإتلاف قبل الإيداع ضمن به بعده وقولهم أنه سلطه عليها ليس كذلك وإنما استحفظه إياها.
"وإن أودع عبدا وديعة فأتلفها ضمنها في رقبته" لأن العبد مكلف فصح استحفاظه وبه تحصل التفرقة بينه وبين الصبي وكونها في رقبته لأن إتلافه من جنايته وحكى في النهاية أن القاضي قال فيه وجهان كوديعة الصبي إذا أتلفها فإن قلنا لا يضمن الصبي كان في ذمته وإن قلنا يضمن كانت في رقبته ثم قال صاحب النهاية والصحيح الفرق
فصل
"والمودع أمين" لأن الله تعالى سماها أمانة بقوله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء: من الآية58) "والقول قوله فيما يدعيه من رد" مع يمينه وهو قول الثوري لأنه لا منفعة له في قبضها فقبل قوله بغير بينة وعنه يقبل(5/170)
وتلف وإذن دفعها إلى إنسان
__________
قوله إن كان دفعها إليه بغير بينة وإلا وجب عليه إقامتها وعلى القبول ولو على يد عبده أو زوجته أو خازنه "وتلف" قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه أن المستودع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر أنها ضاعت قبل قوله مع يمينه قاله الأكثر وعنه يصدق في تلفها بغير يمين والمذهب إن ادعاه بأمر خفي صدق مع يمينه وإن كان بأمر ظاهر كحريق فلا يقبل إلابينة تشهد بوجود السبب ولو باستفاضة
كل مال تلف في يد أمين من غيرتعد لا ضمان فيه إلا في مسألة: واحدة وهي ما إذا استسلف السلطان للمساكين زكاة قبل حولها فتلفت في يده ضمنها للمساكين نص عليه قاله ابن القاص الشافعي.
"وإذن في دفعها إلى إنسان" بأن قال دفعتها إلى فلان بأمرك فأنكر مالكها الإذن في دفعها قبل قول المودع نص عليه في رواية ابن منصور أشبه ما لو ادعى ردها على مالكها ولو اعترف بالإذن وأنكر الدفع قبل قول المستودع في المنصوص ثم ينظر في المدفوع إليه أن أقر بالقبض وكان الدفع في دين بريء الكل فإن أنكر قبل قوله مع يمينه وذكر أصحابنا أن الدافع يضمن لكونه قضى الدين بغير بينة ولا تجب اليمين على المالك لأن المودع مفرط لكونه أذن له في قضاء يبرئه من الحق ولم يبرأ بدفعه فكان ضامنا سواء صدقة أو كذبة وذكر الأزجي أن الرد إلى رسول موكل ومودع فأنكر الموكل ضمن لتعلق الدفع بثالث ويحتمل لا وإن أقر وقال قصرت لترك الإشهاد احتمل وجهين
تنبيه: إذا أخر ردها بعد طلبها بلا عذر ضمن ويمهل لأكل ونوم وهضم طعام بقدره وفي الترغيب إن أخر لكونه في البغوي أو على طعام إلى قضاء غرض ضمن وإن لم كالذي على وجه واختاره الازجي وإن أمره بالدفع إلى وكيله فتمكن وأبي ضمن والأصح ولو لم يطلبها وكيله(5/171)
وإن قال لم تودعني ثم أقر بها أو ثبت ببينة فادعى الرد أو التلف لم يقبل وإن أقام به بينة ويحتمل أن تقبل بينته وإن قال مالك عندي شيء قبل قوله في الرد والتلف وإن مات المودع فادعى وارثه الرد لم يقبل إلا ببينة
__________
"وإن قال لم تودعني ثم أقر بها أو ثبت ببينة فادعى الرد أو التلف لم يقبل" في قوله أكثرهم لأنه صار ضامنا بالجحود ومعترفا على نفسه بالكذب المنافي للأمانة "وإن أقام به بينة" لأنه مكذب لها "ويحتمل أن تقبل بينته" لأن صاحبها لو أقر بذلك سقط عنه الضمان ولعدم التهمة والكذب الصادر منه لا يمنع من إظهار الحق والمذهب أنه إذا أقام بينة بهما متقدما جحوده لم تسمع في المنصوص وبعده تسمع برد لأن قصاراه أن يكون عاصيا وليس عليه أكثر من الرد والأصح وبتلف فلو شهدت به ولم يعين وقتا لم يسقط الضمان لأن الأصل وجوبه فلا ينبغي بأمر متردد.
"وإن قال مالك عندي شيء قبل قوله" مع يمينه "في الرد والتلف" لان قوله لا ينافي ما شهدت به البينة ولا يكذبها فإن من تلفت الوديعة من حرزه بغير تفريطه أو ردها لا شيء لمالكها عنده ولا يستحق عليه شيئا ولو قال لك وديعة ثم ادعى ظن البقاء ثم علم تلفها فوجهان
"وإن مات المودع" فهي دين في تركته على الأصح وفي المغني أنه المذهب اعتمادا على أصل وجوب الرد ما لم يعلم ما يزيله والثانية لا ضمان لأن الأصل عدم إتلافها والتعذر فيها فينتفي الضمان وعلى الأول لا فرق أن يوجد جنس الوديعة في ماله أولا "فادعى وارثه الرد لم يقبل إلا ببينة" لأن صاحبها لم يأمنه عليها بخلاف المودع فإنه ائتمنه فقبل قوله بغير بينة وكذا لو ادعى الرد إلى الورثة فإن ادعى الرد إلى ربها فأنكره ورثته فوجهان وعلم منه أن الوديعة لا تثبت إلابإقرار من الميت أو ورثته أو ببينة فلو وجد عليها مكتوبا وديعة لم يكن حجة عليهم لجواز أن يكون الوعاء كانت فيه وديعة قبل هذه وكذا لو وجد في برنامج أبيه لفلان عندي وديعة(5/172)
وإن تلفت عنده قبل إمكان ردها لم يضمنها وبعده يضمنها في أحد الوجهين وإن ادعى الوديعة اثنان فأقربها لاحدهما فهي له مع يمينه ويحلف المودع أيضا وإن أقر بها لهما فهي لهما
__________
لم يلزمه ذكره في المغني والشرح وصححه في الفروع وذكر أبو الحسين أنه يعمل بخط أبيه على كيس لفلان كخطة بدين له فيحلف على استحقاقه وفي عليه وجهان واسناد الدار والكاتب ودفتره ونحوهما وكلاء كالأمير في هذا
غريبة: لو أودع كيسا مختوما من عشر سنين ثم استرده وادعى أنه فض ختمه وأنه المطلوب صدق المودع فلو فتح فوجد فيه دراهم من ضرب خمس سنين فكذلك قاله البغوي في فتاويه
فائدة: إذا استعمل كاتبا خائنا أو عاجزا أثم بما أذهب من حقوق الناس لتفريطه ذكره الشيخ تقي الدين .
"إن تلفت عنده" أي عند الوارث "قبل إمكان ردها لم يضمنها" لأنه معذور ولا تفريط منه "وبعده يضمنها في احد الوجهين" جزم به في الوجيز وغيره لتأخر ردها مع إمكانه لحصوله في يده من غير إيداع أشبه ما لو أطارت الريح ثوبا إلى سطح آخر وأمكنه رده فلم يفعل والثاني لا يضمنها لأنه غير متعد في إثبات يده عليها لكونها حصلت في يده بغير فعله وفي ثالث إن جهلها ربها ضمن قطع به في المحرر لأنه غيرمعذور.
"وإن ادعى الوديعة اثنان" أي ادعى كل منهما أنه الذي أودعها ولا بينة "فأقر بها لأحدهما فهي له مع يمينه" لأن اليد كانت للمودع وقد نقلها إلى المدعي فصارت اليد له ومن كانت اليد له قبل قوله مع يمينه.
"ويحلف المودع أيضا" لأنه منكر لحقه ويكون على نفي العلم فإن حلف بريء وإن نكل لزمه أن يغرم له قيمتها لأنه فوتها عليه وكذا لو أقر له بها للأول فأنها تسلم للأول ويغرم قيمتها للثاني نص عليه.
"وإن أقر به فهي لهما" أي بينهما كما لو كانت بأيديهما وتداعيا معا(5/173)
ويحلف لكل واحد منهما فإن قال لا أعرف صاحبها حلف أنه لا يعلم ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها وإن أودعه اثنان مكيلا أو موزونا فطلب أحدهما نصيبه سلمه إليه وإن غصبت الوديعة فهل للمودع المطالبة بها على وجهين
__________
"ويحلف لكل واحد منهما" في نصفها فإن نكل لزمه عوضها يقتسمانه أيضا "فإن قال لا أعرف صاحبها حلف أنه لا يعلم" يمينا واحدة إذا أكذباه أو أحدهما وقيل لا يحلف إلا أن يكون متهما قال الحارثي هذا المذهب.
"ويقرع بينهما" وجوبا لتساويهما في الحق فيما ليس بأيديهما كالعتق والسفر بإحدى نسائه "فمن قرع صاحبه حلف" لأنه يحتمل أنها ليست له "وأخذها" لأن ذلك فائدة القرعة فإن قال ليست لواحد منهما فعن أحمد أنه يقرع بينهما قياسا على ما إذا قال هي لأحد هؤلاء أولا أعرفه عينا وحكى بعض أصحابنا أنه لا يقرع بينهما وتقر بيد من هي بيده إلى أن يظهر صاحبها ذكره في الواضح
"وإن اودعه اثنان مكيلا أو موزونا" ينقسم وهو معنى قول بعضهم لا ينقص بتفرقته "فطلب أحدهما نصيبه سلمه إليه" اختاره أبو الخطاب وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأن قسمته ممكنة بغير غبن ولا ضرر وقيده في المحرر بما إذا كان الشريك غائبا وقال القاضي لا يجوز إلا بإذنه أو إذن حاكم وظاهره أنه لا يجوز إلا في المثلى صرح به في النهاية وغيرها لأن قسمة غيرذلك بيع وليس للمودع أن يبيع على المودع لأن قسمة ذلك لا يؤمن فيها الحيف لأنه يفتقر إلي التقويم وذلك ظن وتخمين.
"وإن غصبت الوديعة فهل للمودع المطالبة بها على وجهين" أحدهما وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع له المطالبة بها لأنه مأمور بحفظها وذلك منه وعبر في الفروع بأنه يلزمه والثاني لا لأنه لم يؤمر به لكونه ليس وكيلا للمالك ومثله مرتهن ومستأجر ومضارب وذكر المؤلف مع حضور المالك لا يلزمه(5/174)
__________
وعلى الثاني لا ضمان عليه سواء أخذت منه قهرا أو أكره على تسليمها لأن الإكراه عذر يبيح دفعها فلم يضمنها كما لو أخذت منه قهرا وإن صادره سلطان لم يضمن قاله أبو الخطاب وضمنه أبو الوفاء إن فرط وإن أخذها منه قهرا لم يضمن عند أبي الخطاب وقال أبو الوفاء أن ظن أخذها منه بإقراره كان دالا ويضمن
أحكام: إذا استودع فضة وأمر بصرفها بذهب ففعل وتلف الذهب لم يضمنه وإن قال اصرف مالي عليك من قرض ففعل وتلف ضمنه ولم يبرأ من القرض
وإن استودع جارية فولدت عنده أمسك ولدها وقيل بإذن ربها وهو أمانة فلو سأله عن الوديعة السهو وري عنها فإن ضاق النطق عنها جحدها وتأول وكذا أن أحلف عليها وإن نوى جحدها أو امساكها لنفسه أو التعدي فيها لم يضمن قاله في الرعاية(5/175)
باب إحياء الموات
وهي الأرض الداثرة التي لا يعلم أنها ملكت فإن كان فيها آثار الملك أو لا يعلم لها مالك فعلى روايتين
__________
باب إحياء الموات
الموات كسحاب والميتة والموتان بفتح الميم والواو الأرض الدارسة الخراب قاله في المغني والشرح وعرفها الأزهري بأنها الأرض التي ليس لها مالك ولا بها ماء ولا عمارة ولا ينتفع بها والموات مشتق من الموت وهو عدم الحياة والموتان بضم الميم وسكون الواو الموت الذريع ورجل موتان القلب بفتح الميم وسكون الواو يعني أعمى القلب لا يفهم والأصل في جوازه قبل الإجماع حديث جابر مرفوعا "من أحيا أرضا ميتة فهي له" رواه أحمد والترمذي وصححه وعن سعيد بن زيد مرفوعا مثله رواه أبو داوود والترمذي وحسنه وعن عائشة مثله رواه مالك وأبو داوود قال ابن عبد البر هو مسند صحيح متلقى بالقبول عند فقهاء المدينة وغيرهم وروى أبو عبيد في الأموال عن عائشة مرفوعا "من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد فهو أحق بها" قال عروة قضى به عمر في خلافته وفي الزركشي رواه البخاري وهو وهم وعن عائشة مرفوعا "العباد عباد الله والبلاد بلاد الله فمن أحيى من موات الأرض شيئا فهو له" رواه أبو داود الطيالسي.
"وهي الارض الداثرة" أي الدارسة "التي لا يعلم أنها ملكت" هذا بيان لمعنى الموات شرعا وكذا إن ملكها من لا حرمة له وباد كحربي وآثار الروم على الأصح وحاصله أن الموات إذا لم يجر عليه ملك أحد ولم يوجد فيه اثر عمارة فإنه يملك بالإحياء فإن علم أنه جرى عليه ملك بشراء أو عطية فلا بغير خلاف نعلمه.
"فإن كان فيها آثار الملك" وباد أهله "ولا يعلم لها مالك فعلى روايتين" كذا أطلقهما في الكافي إحداهما يملك بالإحياء للخبر ولأنه في دار الإسلام(5/176)
ومن أحيا أرضا ميتة فهي له مسلما كان أو كافرا وبإذن الإمام أو غيرإذنه
__________
فيملك به كاللقطة والثانية لا تملك به كما لو تعين مالكه لكن إن لم يعرف لها يومئذ مالك وكان ملكها متقدما مسلم أو ذمي أو مشكوك في عصمته ولم يعقبوا ورثة فالأشهر أنه لا تملك بالإحياء لظاهر خبر عائشة ولأنها فيء فعليها للإمام إقطاعه لمن شاء وعنه يملك به عملا بعموم أكثر الأحاديث وعنه يملك مع الشك في سابق العصمة دون المتيقن لأن المقتضي قد وجد وشك في المانع اختاره في التلخيص واستثنى في المغني والشرح من هذا ما به آثار ملك قديم جاهلي كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوهم فإنه يملك بالإحياء في الأظهر لما روى طاووس مرفوعا قال "عادي الأرض لله ولرسوله ثم من بعد لكم" رواه سعيد في سننه وأبو عبيد في الأموال
مسألة: نقل أبو الصقر في أرض بين قريتين ليس فيها مزارع ولا عيون وأنهار وتزعم كل قرية انها لهم فإنها ليست لهؤلاء ولا لهؤلاء حتى يعلم أنهم احيوها فمن أحياها فله نقل ابن القاسم
"ومن أحيا أرضا ميتة فهي له" أي للمحيي للاخبار "مسلما كان" اتفاقا سواء كان مكلفا أولا لكن شرطه أن يكون ممن يملك المال لأنه يملكه بفعله كالأصطياد
"أو كافرا" أي ذميا في المنصوص وعليه الجمهور للعموم وقال ابن حامد لا يملك الذمي بالإحياء وحمل أبو الخطاب قوله على دار الإسلام قال القاضي هو مذهب جماعة من أصحابنا لقوله عليه السلام "موتان الأرض لله ورسوله ثم هي لكم" وجوابه بعد تسليم صحته أنها لكم أي لأهل داركم والذمي من أهل دارنا فعلى المنصوص إذا أحيا موات عنوة لزمه عنه الخراج وإن أحيا غيره فلا شيء عليه في الأشهر ونقل عنه حرب عليه عشر ثمره وزرعه.
"بإذن الإمام أوغيرإذنه" قاله الأصحاب ونص عليه أحمد مستدلا بعموم(5/177)
في دار الإسلام وغيرها إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه لم يملك بالإحياء وإن لم تتعلق بمصالحه فعلى روايتين
__________
الحديث ولأنها عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى إذن كأخذ المباح وهو مبني على أن عموم الاشخاص يستلزم عموم الأحوال وقيل لا يجوز إلا بإذنه وحكاه في الواضح رواية لأن به مدخلا في النظر في ذلك.
"في دار الإسلام وغيرها" يعني أن جميع البلاد سواء في ذلك فتحت عنوة كأرض الشام والعراق وما أسلم أهله عليه كالمدينة وما صولح أهله على أن الأرض للمسلمين كخيبر ويستثنى من ذلك موات الحرم وعرفات وعنه ليس في أرض السواد موات معللا بأنها لجماعة فلا يختص بها أحدهم وحمله القاضي على العام وأن أحمد قاله حين كان السواد عامرا في زمن عمر.
"إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها" أي لا يملك مسلم بالإحياء موات بلدة كفار صولحوا على أنها لهم ولنا خراجها لأنهم صولحوا في بلادهم فلا يجوز التعرض لشيء منها لان الموات تابع للبلد ويفارق دار الحرب لأنها على أصل الإباحة وقيل يملك به لعموم الخبر ولأنها من مباحات دارهم فملك به كالمباح.
"وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه" كطرقه وفنائه ومسيل مائه ومرعاه ومختطبه وحريمه "لم يملك بالإحياء" بغير خلاف نعلمه لمفهوم قوله عليه السلام "من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له" ولأن ذلك من مصالح الملك فأعطي حكمه وذكر القاضي أن منافع المرافق لا يملكها المحيي بالإحياء لكن هو أحق بها من غيره وعلى الأول لا يقطعه إمام لتعلق حقه به.
"وإن لم تتعلق بمصالحه فعلى روايتين" أنصهما وأشهرهما عند الأصحاب أنه يملك بالإحياء للعموم مع انتفاء المانع وهوالتعلق بمصالح العامر والثانية لا يملك به تنزيلا للضرر في المآل منزلة الضرر في الحال إذ هو بصدد أن يحتاج(5/178)
ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار والنفط والكحل والجص بالإحياء وليس للإمام إقطاعه
__________
إليه في المآل والأولى أولى لأنه عليه السلام أقطع بلال بن الحارث العقيق وهو يعلم أنه من عمارة المدينة ولأنه موات لم يتعلق به مصلحة فجاز إحياؤه كالبعيد والمرجع في القرب والبعد إلى العرف وعليها للإمام إقطاعه
فائدة: اذا وقع في الطريق نزاع وقت الإحياء فلها سبعة أذرع للخبر ولا تغير بعد وضعها لأنها للمسلمين نص عليه وقال فيمن أخذ منها شيئا توبته أن يرد ماأخذ
"ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار" وهو شيء اسود تطلى به السفن "والنفط" بفتح النون وكسرها وهوأفصح "والكحل والجص بالإحياء" لما روى عمرو بن عوف المزني عن أبيض بن حمال أنه "وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح فقطع له فلما ولى قال رجل أتدري ما قطعت له إنما قطعت له الماء العد قال فانتزعه منه قال وسأله عما يحمى من الاراك قال ما لم تنله أخفاف الإبل" رواه الترمذي ولأن هذا مما تتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يخر إحياؤه كطرقات المسلمين قال ابن عقيل هذا من موارد الله الكريم وفيض جوده العميم فلو ملك بالإحتجار ملك منعه فضاق على الناس.
"وليس للإمام إقطاعه" بغير خلاف علمناه لما ذكرنا فأما المعادن الباطنة وهي التي لا يوصل إليها الا بالعمل والمؤنة فإن كانت ظاهرة فهي كالأول وإن لم تكن ظاهرة فظاهر المذهب أنها كدلك وقيل يملك به لأنه موات لا ينتفع به إلا بالعمل والمؤنة فملك بالإحياء كالأرض وعلى الأول ليس للإمام إقطاعها وصحح في المغني والشرح خلافه لأنه عليه السلام أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية
فرع: ما نصب عنه الماء في الجزائر فالأشهر أنه لا يملك به لأن البناء فيها يرد الماء إلى الجانب الآخر فيضر بأهله(5/179)
وإذا كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالإحياء وللإمام إقطاعه وإذا ملك المحيا ملكه بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلا أو شجر فهو أحق به وهل يملكه على روايتين وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره
__________
"وإذا كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالإحياء" في الأصح لأنه لم يضيق على أحد فلم يمنع منه كبقية الموات وإحياؤه بعمل ما يصلح له من حفر ترابه وتمهيده وفتح قناة إليه "وللإمام إقطاعه" كبقية الموات.
"وإذا ملك المحيا" أي إذا ملك الارض بالإحياء "ملكه بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة" والحديد لأنه ملك الارض بجميع أجزائها وطبقاتها وهذا منها بخلاف الكنز فإنه مودع فيها ويفارق ما إذا كان ظاهرا قبل إحيائها لأنه قطع عن الناس نفعا كان واصلا اليهم وظاهره أنه يملك المعادن الظاهرة ولو تحجر الأرض أو اقطعها فظهر فيها المعدن قبل احيائها كان له احياؤها ويملكها بما فيها لأنه صار أحق بتحجره وإقطاعه فلم يمنع من إتمام حقه
"وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلا أو شجر فهو أحق بت" لقوله عليه السلام "من سبق إلى من لم يسبق إليه مسلم فهو له" رواه أبو داود وفي لفظ فهو أحق به ولأنه لو سبق إلى المباح الذي لا يملك أرضه فهوأحق به فهنا أولى "وهل يملكه؟ على روايتين" أصحهما لا يملكه لقوله عليه السلام "الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار" رواه ابن ماجه ولأنها ليست من أجزاء الأرض فلم يملكها بملك الأرض كالكنز والثانية بلى لأنها خارجة من أرضه أشبه المعادن الجامدة والزرع.
"وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره" لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ" متفق عليه وعن عمرو ابن(5/180)
وهل يلزمه بذله لزرع غيره على روايتين
فصل
وإحياء الأرض أن يحوزها بحائط أو يجري بها ماء
__________
شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا من منع فضل مائه أو فضل كلثه منعه الله فضله يوم القيامة رواه أحمد ومحله إذا لم يجد ماء مباحا ولم ينضر بها واعتبر القاضي اتصاله بمرعى ولا يلزمه الحبل والدلو لأنه يتلف بالإستعمال اشبه بقية ماله قاله في الكافي.
"وهل يلزمه بذله لزرع غيره على روايتين" أصحهما يلزمه لما روى إياس "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء" رواه أبو داود والترمذي وصححه قال أحمد إلا أن يؤذيه بالدخول أو له فيه ماء السماء فيخاف عطشا فلا بأس أن يمنعه والثانية لا يلزمه جزم بها في الوجيز لأن الزرع لا حرمة له في نفسه فعليها يبيعه بكيل أو وزن ويحرم مقدرا بمدة معلومة أو بالري أو جزافا قاله القاضي وغيره قال وإن باع آصعا معلومة من سائح جاز كماء عين لا بيع كل الماء لاختلاطه بغيره
فصل
"وإحياء الأرض أن يجوزها بحائط" منيع نص عليه جزم به القاضي وأكثر اصحابه واقتصر عليه الخرقي لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من أحاط حائطا على أرض فهي له" رواه أحمد وأبو داود ويشترط فيه أن يكون بما جرت العادة بمثله ويختلف باختلاف البلدان وعنه يشترط معه إجراء ماء وهو مقتضى كلام المؤلف ومقتضاه أن الإحياء يحصل بالتحويط عليها سواء أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للدواب.
"أو يجري لها ماء" من عين ونحوه نص عليه لأن نفع الأرض بالماء أكثر من الحائط ويملكه بغرس أو منع ماء ليزرع لا بحرث وزرع(5/181)
وإن حفر بئرا عادية ملك حريمها خمسين ذراعا وإن لم تكن عادية فحريمها خمسة وعشرون ذراعا وعند القاضي حريمها قدر مد رشائها من كل جانب وقيل قدر ما يحتاج إليه في ترقية مائها
__________
"وإن حفر بئرا عادية" بتشديد الياء القديمة منسوبة إلى عاد ولم يرد عادا بعينه "ملك حريمها خمسين ذراعا وإن لم تكن عادية" أي قديمة "فحريمها خمسة وعشرون ذراعا" من كل جانب منها وعلم منه أنه يملك البئر مع الحريم وهو ما ذكره نص عليه واختاره القاضي في التعليق واكثر أصحابه والشيخان لما روى أبو عبيد في الأموال عن سعيد بن المسيب قال السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا والبديء خمسة وعشرون ذراعا وروى الخلال والدارقطني نحوه مرفوعا
ولا بد أن يكون البئر فيها ماء فإن لم يصل إلى الماء فهو كالمتحجر الشارع وقوله حفر بئرا عادية محمول على البئر التي انطمت وذهب ماؤها فجدد حفرها وعمارتها أو انقطع ماؤها فاستخرجه ليكون ذلك إحياء لها فأما البئر التي لها ماء ينتفع به الناس فليس لأحد احتجاره كالمعادن الظاهرة
فرع: إذا حفر بئرا بموات للسابلة فهوكغيره في شرب وسقي ويقدم آدمي ثم حيوان وإن حفرها فيه لارتفاقه كعادة من انتجع أرضا فهو أحق ما أقام وقال جماعة يلزمه بذل فاضله لشاربه فقط وإن رحل فسابلة فإن عاد ففي اختصاصه وجهان وإن حفرها تملكا أو يملكه الحي ملكها وفي الأحكام السلطانية لو احتاجت طيافبعده وتبعه في المستوعب والبلغة وكره أحمد الشرب من الآبار التي في الطريق قال ابن حمدان إن كره حفرها.
"وعند القاضي" وجماعة من الأصحاب "حريمها قدر مد رشائها من كل جانب" لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "حريم البئر مد رشائها" رواه ابن ماجة لأن ذلك ثبت لدفع الضرر فقدر بمد الرشاء من كل جانب لأن الحاجة تندفع به.
"وقيل قدر ما يحتاج إليه في ترقية مائها" وهو محكى عن القاضي اختاره أبو الخطاب في الهداية فإن كان بدولاب فقدر مدار الثور وإن كان بسانيه(5/182)
وقيل إحياء الأرض ما عد إحياء وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها من زرع أو بناء وقيل ما يتكرر كل عام كالسقي والحرث فليس بإحياء
__________
فبقدر طول البئر وإن كان يستقي منها بيده فبقدر ما يحتاج إليه الواقف لأنه ثبت للحاجة فتقدر بقدرها ولهذا قال القاضي وأبو الخطاب التحديد الوارد في الخبر وكلام أحمد محمول على المجاز وفيه نظر لأنه خلاف الظاهر فإنه قد يحتاج إلى حريمها لغير ترقية الماء لموقف الماشية وعطن الإبل ونحوه
وقال في الأحكام السلطانية له أبعد الامرين من الحاجة أو قدر الأذرع مع أن أحمد توقف في التقدير في رواية حرب فأما حريم العين المستخرجة فهو خمسمائة ذراع نص عليه وظاهر كلامه في الكافي واختاره القاضي وابو الخطاب قدر الحاجة وحريم النهر ما يحتاج إليه لطرح كرايته وطريق شاويه وما يستضر صاحبه بتملكه عليه وإن كثر.
"وقيل إحياء الأرض ما عدّ إحياء" وحكاه القاضي رواية لأن الشارع أطلق الإحياء ولم يبين صفته فوجب أن يرجع فيه إلى العرف كالقبض والحرز "وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها من زرع أو بناء" هذا بيان لما يعد إحياء في العرف فإن الأرض تحيى دارا للسكنى وحظيرة ومزرعة فإحياء كل منها بما يناسبه فإن كانت للكسنى فإحياؤها ببناء حيطانها وتسقيف بعضها بما يليق به وعنه وقسم بيوته وعلو أبوابه
وفي المغني والشرح لا يعتبر نصب أبواب على البيوت وإن كانت حظيرة جرت العادة به وإن كانت للزرع فبأن يسوق إليها ماء إن كانت تسقى ويقلع ما بها من الأحجار إن احتاجت إلى ذلك ويقلع ما بها من الأشجار كأرض الشعرى ويزيل عروقها المانعة من الزرع أو يحبس الماء عنها كأرض البطائح لأن بذلك يتمكن من الإنتفاع بها ولا يعتبر أن يزرعها ويسقيها ولا أن يحرثها في الأصح وجمع بينهما في المحرر فقال أن يحوطها بحائط أو يعمرها العمارة العرفية.
"وقيل ما يتكرر كل عام كالسقي والحرث فليس بإحياء(5/183)
وما لا يتكرر فهو إحياء ومن تحجر مواتا لم يملكه وهو أحق به ووارثه بعده ومن ينقله إليه وليس له بيعه وقيل له ذلك فإن لم يتم إحياؤه قيل له إما أن تحييه أو تتركه فإن طلب الإمهال أمهل الشهرين والثلاثة
__________
ومالا يتكرر فهو إحياء" لأن العرف جار بذلك لكن إن كانت الأرض كثيرة الدغل والحشيش التي لا يمكن زرعها إلا بتكرار حرثها وتنقية دغلها وخشيشها المانع من زرعها كان إحياء
تنبيه: حريم شجر قدر مد أغصانها فإن غرسها في موات فهي له وحريمها وإن سبق إلى شجر مباح كزيتون وخروب فسقاه وأصلحه فهو له كالمتحجر الشارع فإن ركبه ملكه بذلك وحريمه وحريم دار من موات حولها مطرح تراب وكناسة وثلج وماء ميزاب ولا حريم لدار محفوفة بملك ويتصرف كل منهم بحسب العادة
"ومن تحجر مواتا" تحجر الموات الشروع في إحيائه من غيرأن يتمه مثل أن يحيط حول الأرض ترابا أو بجدار صغير أو يحفر بئرا ولم يصل ماؤها نقله حرب لم يملكه لأن الملك بالإحياء ولم يوجد "وهو أحق به" من سائر الناس لقوله "من سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فهو احق به" .
"وارثه بعده" لقوله "من ترك حقا فلورثته" "ومن ينقله إليه" أي إذا نقله إلى غيره بالهبة صار الثاني أحق به لأن صاحبه أقامه مقام نفسه "وليس له بيعه" لأنه لم يملكه فلم يملك بيعه كحق الشفعة قبل الأخذ وكمن سبق إلى مباح قبل أخذه "وقيل له ذلك" أي بيعه لأنه أحق به.
"فإن لم يتم إحياؤه قيل له" أي يقول له السلطان ونحوه إذا طالت المدة "إما أن تحييه أو تتركه" ليحييه غيرك لأنه ضيق على الناس في حق مشترك بينهم فلم يمكن منه كما لو وقف في طريق ضيق.
" فإن طلب الإمهال أمهل الشهرين والثلاثة" كذا في الفروع لأنه يسير(5/184)
فإن أحياه غيره فهل يملكه على وجهين
__________
واقتصر في الكافي وقدمه في الرعاية على الشهرين وفي الوجيز يمهل مدة قريبة بسؤاله "فإن" بادر "وأحياه غيره" قبل فراغ تلك المدة وفي المغني والشرح أو قبل ذلك "فهل يملكه على وجهين" كذا أطلقهما في المحرر والفروع أحدهما لا يمكله وهو الأظهر لمفهوم "من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له" إنها لا تكون له إذا كان لمسلم فيها حق ولأنه إحياء في حق غيره فلم يملكه كما لو أحيا ما يتعلق به مصالح ملك غيره ولأن حق المتحجر أسبق فكان أولى كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري والثاني يملكه لعموم الخبر السابق ولأن الإحياء يملك به فقدم على المتحجر الذي لا يملك قال في الفروع ويتوجه مثله في نزول مستحق عن وظيفة لزيد هل يتقرر فيها غيره
قال شيخنا فيمن نزل عن وظيفة الإمامة لا يتعين المنزول له ويولى من له الولاية من يستحق التولية شرعا اعترضه ابن أبي المجد لأنه لا يخلو إما أن يكون نزوله بعوض أولا وعلى كل تقدير لم يحصل منه رغبة مطلقة عن وظيفة ثم قال وكلام الشيخ قضية في عين فيحتمل أن المنزول له ليس أهلا ويحتمل عدمه وفيه نظر فإن النزول يفيد الشغور وقد سقط حقه بنزوله إذ الساقط لا يعود وقوله قضية في عين الأصل عدمه ومما يشبه النزول عن الوظائف النزول عن الإقطاع فإنه نزول عن استحقاق يختص به لتخصيص الإمام له استغلاله أشبه مستحق الوظيفة ومتحجر الموات وقد يستدل بجواز أخذ العوض في ذلك كله بالخلع فإنه يجوز أخذ العوض مع أن الزوج لم يملك البضع وإنما ملك الإستمتاع به فأشبه المتحجر(5/185)
فصل
وللإمام إقطاع موات لمن يحييه ولا يملكه بالإقطاع بل يصير كالمحتجر الشارع في الإحياء وله إقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ورحاب المسجد ما لم يضيق على الناس ولا يملكه بالإقطاع ويكون المقطع أحق بالجلوس فيها
__________
فصل
"وللإمام إقطاع موات لمن يحييه" لأنه عليه السلام أقطع بلال بن الحارث العتيق وأقطع وائل بن حجر أرضا وأقطع أبو بكر وعمر وعثمان وجمع من الصحابة وينبغي أن يقطع مقدار ما عينه فإن فعل ثم تبين عجزه عن إحيائه استرجعه كما استرجع عمر من بلال ما عجز عن عمارته بالعقيق الذي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"ولا يملكه بالإقطاع" لأنه لو ملكه به لما جاز استرجاعه "بل يصير كالمحتجر الشارع في الإحياء" لأنه ترجح بالإقطاع على غيره ويسمى تملكا لمآله إليه وكذا للإمام إقطاع غيرموات تمليكا وانتفاعا للمصلحة نقل حرب القطائع جائزة وقال له المروذي قال مالك لا بأس بقطائع الأمراء فانكره شديدا ونقل يعقوب قطائع الشام والجزيرة من المكرومه كانت لبني أمية فاخذها هؤلاء ونقل محمد بن داود ما أدري ما هذه القطائع يخرجونها ممن شاؤوا الى من شاؤوا قال أبو بكر لأنه يملكها من أقطعها فكيف يخرج عنه ولهذا عوض عمر جريرا البجلى لما رجع فيما اقطعه.
"وله إقطاع الجلوس" للبيع والشراء "في الطرق الواسعة ورحاب المسجد" ان قيل انها ليست منه اذا كانت واسعة لأن ذلك يباح الجلوس فيه والإنتفاع به فجاز إقطاعه كالأرض الدارسة وتسمى اقطاع ارفاق "ما لم يضيق على الناس" لأنه ليس للإمام أن ياذن فيما لا مصلحة فيه فضلا عما فيه مضرة.
"ولا يملكه بالإقطاع" لما ذكر في إقطاع الأرض "ويكون المقطع احق بالجلوس فيها" بمنزلة السابق إليها من غير إقطاع والفرق بينهما أن السابق إذا نقل متاعه عنها(5/186)
فإن لم يقطعها فلمن سبق إليها الجلوس فيها ويكون أحق بها مالم ينقل قماشه عنها فإن أطال الجلوس فيها فهل يزال على وجهين وإن سبق اثنان أقرع بينهما وقيل يقدم الإمام من يرى منهما ومن سبق إلى معدن فهو أحق بما ينال منه
__________
فلغيره الجلوس فيها وهذا قد استحق بإقطاع الإمام فلا يزول حقه بنقل متاعه ولا لغيره الجلوس فيه وشرطه ما لم يعد فيه ويحرم ما يضيق على المارة ولو بعوض وحكمه في التظليل على نفسه بما ليس ببناء ومنعه من المقام إذا أطال مقامه حكم السابق
"فإن لم يقطعها فلمن سبق إليها الجلوس فيها" على الأصح على وجه لها لا يضيق على أحد ولا يضر بالمارة لا تفاق أهل الأمصار في سائر الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غيرإنكار ولأنه ارتفاق بمباح من غيرإضرار فلم يمنع منه كالاحتياز.
"ويكون أحق بها ما لم ينقل قماشه عنها" لسبقه إلى مباح كمار وظاهره أنه إذا قام وترك متاعه لم يجز لغيره إزالته وأنه إذا نقل متاعه كان لغيره الجلوس فيه وقيل إن فارق ليعود قريبا فعاد فهو أحق به وعنه يكون أحق به إلى الليل وفي افتقاره إلى إذن فيه وجهان لكن قال أحمد ما كان ينبغي لنا أن نشتري من هؤلاء الذين يبيعون على الطريق وحمله القاضي على ضيقه أو كونه يؤذي المارة.
"فإن أطال الجلوس فيها" من غير إقطاع "فهل يزال؟ على وجهين" كذا في الفروع أشهرهما أنه يزال لأنه يصير كالتملك ويختص بنفع يساويه غيره في استحقاقه والثاني لايزال جزم به في الوجيز لأنه سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فلم يمنع من الاستدامة كالإبتداء "وإن سبق اثنان" فاكثر وضاق المكان "أقرع بينهما" على المذهب لأنهما استويا في السبق والقرعة مميزة.
"وقيل يقدم الإمام من يرى منهما" لأنه أعلم بالمصلحة في ذلك "ومن سبق إلى معدن فهو أحق بما ينال منه" للخبر وسواء كان المعدن ظاهرا أو باطنا إذا كان(5/187)
وهل يمنع إذا طال مقامه على وجهين ومن سبق إلى مباح كصيد وعنبر وحطب وثمر وما ينبذه الناس رغبة عنه فهو أحق به وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما وإذا كان الماء في نهر غيرمملوك كمياه الأمطار فلمن في أعلاه أن يسقى
__________
في موات "وهل يمنع إذا طال مقامه على وجهين" كذا في الفروع أحدهما وجزم به في الوجيز لا يمنع للخبر والثاني بلى لأنه يصير كالمتملك وفي الشرح إن اخذ قدر حاجته وأراد الإقامة ليمنع غيره منع منه لأنه تضيق على الناس بما لا نفع فيه وقيل إن أخذه لتجارة هايأ الإمام بينهما وإن أخذه لحاجة فأوجه القرعة والمهايأة وتقديم من يرى الإمام وينصب من يأخذه ويقسمه بينهم وإن سبق إليه اثنان فأكثر وضاق الوقت عن أخذهم جملة أقرع.
"ومن سبق إلى مباح كصيد وعنبر وحطب وثمر وما ينبذه الناس رغبة عنه" كالذي ينثر من الثمر والزرع و ما ينبع من المياه في الموات "فهو أحق بت" لقوله عليه السلام "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له" مع قوله لما رأى ثمرة ساقطة "لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لاكلتها" رواه البخاري ويملكه الآخذ مسلما كان أو ذميا.
"وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما" جزم به الآدمي وصاحب الوجيز البغداديان لأنهما استويا في السبب والقمسة ممكنة وحذارا من تأخير الحق وهذا إذا ضاق الوقت عن أخذهم جملة والأشهر القرعة وقيل يقدم الإمام من شاء بالإجتهاد وظهور الأحقية كأموال بيت المال ولا فرق بين الحاجة وعدمها
فرع: الأسباب المقتضية للتمليك الإحياء والميراث والمعاوضات والهبات والوصايا والوقف والصدقات والغنيمة والإصطياد ووقوع الثلج في المكان الذي أعده وانقلاب الخمر والبيضة المذرة فرخا.
"وإذا كان الماء في نهر غبرمملوك كمياه الأمطار فلمن في أعلاه أن يسقي(5/188)
ويحبس الماء حتى يصل إلى كعبه ثم يرسل إلى من يليه
__________
ويحبس الماء حتى يصل إلى كعبه ثم يرسل إلى من يليه" نص عليه وجملته أن الماء لا يخلو إما أن يكون نهرا جاريا أو واقفا والجاري قسمان إما أن يكون في نهر غيرمملوك وهو ضربان أحدهما: أن يكون نهرا عظيما كالنيل والفرات الذي لا يستضر أحد بالسقي منه فهذا لا تزاحم فيه
الثاني: أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه كنهر الشام أو مسيل يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه فيبدأ بمن في أول النهر فيسقى ويحبس الماء حتى يصل إلى الكعبين ثم يرسل إلى الثاني فيفعل كذلك حتى تنتهي الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن الثاني أو عن من يليهما فلا شيء للباقين لأنه ليس لهم إلا ما فضل فهم العصبة ولا نعلم فيه خلافا لما روى عبد الله بن الزبير أن رجلا خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري وقال أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال "إسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (النساء: من الآية65) الآية متفق عليه
وذكر عبدالرزاق عن معمر عن الزهري قال نظرنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم "ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" فكان ذلك إلى الكعبين وشراج الحرة مسايل الماء جمع شرج وهو النهر الصغير والحرة أرض ملتبسة بحجارة سود ولأن السابق في أول النهر كالسابق إلى اول المشرعة وإن كانت أرضه مستقلة سدها حتى يصعد إلى الثاني قاله في الترغيب
فإن كانت أرض الإعلى مختلفة منها عالية ومنها مستفلة سقى كل واحدة على(5/189)
فإن أراد إنسان إحياء أرض يسقيها منه جاز مالم يضر بأهل الأرض الشاربة منه
__________
حدتها
فإن استوى اثنان في القرب اقتسما الماء على قدر الأرض إن أمكن وإلا أقرع فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع بقدر حقه.
"فإن أراد إنسان إحياء أرض يسقيها منه جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه" أي إذا كان لجماعة رسم شرب من نهر غيرمملوك فجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب من رأس النهر من أرضهم لم يكن له أن يسقى قبلهم لأنهم أسبق إلى النهر منه وظاهره أنهم لا يملكون منعه من الإحياء وفيه وجه فعلى الأول لو سبق إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتا ثم آخر فوقه ثم ثالث سقي المحيي أولا ثم الثاني ثم الثالث لأن العبرة تقدم السبق إلى الإحياء لا إلى أول النهر
القسم الثاني الجاري في نهر مملوك وهو ضربان أحدهما أن يكون الماء مباح الأصل مثل أن يحفر إنسان نهرا صغيرا يتصل بنهر كبير مباح فما لم يتصل لا يملكه وهو كالمتحجر فإذا اتصل الحفر ملكه وإن لم يجر فيه إذ الإحياء يحصل بتهيئته للإنتفاع دون حصول المنفعة فيصير مالكا لقراره وحافتيه وحريمه وهو ملقى الطين من جوانبه وقال القاضي هو حق من حقوق الملك وحينئذ إذا كان لجماعة فهو بينهم على حسب العمل والنفقة فإن لم يكفهم وتراضوا على قسمته جاز وإلا قسمه حاكم عند التشاح على قدر ملكهم
فإن احتاج المشترك إلى كري أو عمارة كان ذلك بينهم على حسب ملكهم فإن كان بعضهم أدنى إلى أوله من بعض اشترك الكل إلى أن يصلوا إلى الاول ثم لا شيء عليه إلى الثاني ثم يشترك من بعده كذلك كلما انتهى العمل فإذا حصل نصيب إنسان في ساقيته سقى به ماشاء وقال القاضي ليس له سقي أرض ليس لها رسم شرب من هذا النهر ولكل منهم أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب من إجراء ماء أو رحى أو دولاب بخلاف المشترك فإن أراد أحد الشركاء أن(5/190)
وللإمام أن أن يحمى أرضا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها ما لم يضيق على الناس وليس ذلك لغيره
__________
يأخذ من النهر قبل قسمته شيئا يسقى به أرضا في أول النهر أو غيره لم يجز لأن الآخذ منه ربما احتاج إلى تصرف في أول حافة النهر المملوك لغيره ولو فاض ماء هذا النهر إلى أرض أنسان فهو مباح كالطائر
الضرب الثاني: أن يكون منبع الماء مملوكا بأن يشترك جمع في استنباط عين وإجرائها فإنهم يملكونها ويشتركون فيها وفي ساقيتها على حسب النفقة والعمل فيها
"وللإمام أن يحمى" بفتح أوله وضمه أي يمنع "أرضا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها" كخيل المجاهدين وإبل الصدقة وضوال الناس لما روى عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين" رواه أبو عبيد النقيع بالنون موضع ينتقع فيه ماء فيكثر فيه الخصب
وروى أبو عبيد أن أعرابيا أتى عمر فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام علام نحميها قال فأطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربيه فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك فقال عمر المال مال الله والعباد عبادالله والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرا في شبر قال مالك بلغني أنه كان يحمل كل عام على أربعين ألفا من الظهر ولأن في ذلك مصلحة فجاز للإمام فعلها كسائر المصالح.
"ما لم يضيق على الناس" لأن الجاهلية كانوا يحمون لأنفسهم فكان منهم من إذا انتجع بلدا أقام كلبا على نشز ثم استعواه ووقف له من كل ناحية من يسمع صوته بالعواء فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ويرعى مع الناس فيما سواه فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه لما فيه من الضيق على الناس ومنعهم من الإنتفاع بشيء لهم فيه حق.
"وليس ذلك لغيره" أي لغير الإمام فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يحمى لنفسه(5/191)
وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه وما حماه غيره من الأئمة فهل يجوز نقضه على وجهين
__________
وللمسلمين ولم يحم لنفسه شيئا وإنما حمى للمسلمين وسائر أئمة المسلمين ليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئا إلا قدرا لا يضيق به على المسلمين ويضرهم.
"ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه" أي مع الحاجة إليه لأن ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم نص فلا يجوز نقضه بالإجتهاد فعليه من أحيا منه شيئا لم يملكه.
"وما حماه غيره من الأئمة فهل يجوز نقضه على وجهين" أصحهما لإمام غيره نقضه كهو لأن حمى الأئمة اجتهاد وملك الأرض بالإحياء نص والنص مقدم والثاني لايجوز نقضه كما لا يجوز نقض حكمه وينبني عليهما لو أحياه إنسان هل يملكه
مسألة: قال في الأحكام السلطانية إذا كان الحمى لكافة الناس تساوي فيه جميعهم فإن خص به المسلمون اشترك فيه غنيهم وفقيرهم ومنع منه أهل الذمة وإن خص به الفقراء منع منه الأغنياء وأهل الذمة ولا يجوز أن يخص به الأغنياء دون الفقراء ولا أهل الذمة فلو اتسع الحمى المخصوص لعموم الناس جاز أن يشتركوا فيه لارتفاع الضرر على من يخص به ولو ضاق الحمى العام عن جميع الناس لم يجز أن يختص به أغنياؤهم وفي فقرائهم قول ولا يجوز لأحد أن يأخذ من أرباب الدواب عوضا من مرعى موات أو حمى لأنه عليه السلام شرك الناس فيه
تذنيب: من جلس في مسجد أو جامع لفتوى أو لإقراء الناس فهو أحق به ما دام فيه أو غاب لعذر وعاد قريبا وإن جلس فيه لصلاة فهو أحق به فيها وإن غاب لعذر وعاد قريبا فوجهان ومن سبق إلى رباط أو نزل فقيه بمدرسة أو صوفي بخانقاه رجح به في الأقيس ولا يبطل حقه بخروجه منه لحاجة(5/192)
باب الجعالة
وهي أن يقول من رد عبدي أو لقطتي أو بني لي هذا الحائط فله كذا فمن فعله بعد أن بلغه الجعل استحقه وإن فعله جماعة فهو بينهم
__________
باب الجعالة
هي بتثليث الجيم كماأفاده ابن مالك يقال جعلت له جعلا أوجبت وقال ابن فارس الجعل والجعالة والجعلية ما يعطاه الإنسان على أمر بفعله وأصلها قوله تعالى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} (يوسف: من الآية72) يوسف وكان معلوما عندهم كالوسق وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يكن في شرعنا ما يخالفه وحديث اللديغ شاهد بذلك مع أن الحكمة تقتضيه والحاجة تدعو إليه فإنه قد لا يوجد متبرع فاقتضت جواز ذلك
"وهي أن يقول" المطلق التصرف "من رد عبدي أو لقطتي أو بني لي هذا الحائط" وكذا سائر ما يستأجر عليه من الأعمال "فله كذا" وهو أكثر من دينار أو اثني عشر درهما وإلا فله ما قدره الشارع لأنه في معنى المعاوضة وتكون عقدا جائزا لكل منهما الرجوع فيه قبل العمل واقتضى ذلك أن لا يكون في يده فلو كانت اللقطة في يده فجعل له مالكها جعلا ليردها لم يبح له أخذه.
"فمن فعله بعد أن بلغه الجعل استحقه" لان العقد استقر بتمام العمل فاستحق الجعل كالربح في المضاربة وفي أثنائه يستحق حصة تمامه.
"وإن فعله جماعة فهو بينهم" بالسوية لأنهم اشتركوا في العمل الذي يستحق به العوض فاشتركوا فيه كالأجر في الإجارة بخلاف مالو قال من دخل هذا النقب فله دينار فدخله جماعة استحق كل واحد منهم دينارا كاملا لأنه قد دخل كل منهم دخولا كاملا وهنا لم يرده واحد منهم كاملا ومثله من نقب السور فله دينار فنقب ثلاثة نقبا واحدا فلو جعل لواحد في رده دينار ولآخر دينارين والثالث ثلاثة فلكل واحد منهم ثلث ما جعل له في رده فلو جعل لواحد دينار والآخرين عوضا مجهولا فردوه فلصاحب الدينار ثلثه(5/193)
ومن فعله قبل ذلك لم يستحقه سواء أرده قبل بلوغ الجعل أو بعده وتصح على مدة مجهولة وعمل مجهول إذا كان العوض معلوما
__________
وللآخرين أجرة عملهما فإن جعل له جعلا في رده فرده هو وآخران معه وقالا رددناه معاونة له استحق جميع الجعل وإن قالا رددناه لنأخذ العوض فلا شيء لهما وله ثلث الجعل.
فرع: إذا قال من رد عبدي من موضع كذا فرده من نصف الطريق أو قال من رد عبيدي فرد أحدهما فنصفه وإن رده من أبعد فله المسمى ذكره في التلخيص وإن رده من غير الموضع لم يستحق شيئا في المغني والشرح كهروبه منه في نصف الطريق أو موته
"ومن فعله قبل ذلك" أي قبل بلوغ الجعل "لم يستحقه" لأن فعله وقع غيرمأذون فيه فلم يستحقه ولأنه بدل منافعه جعل له فيكون عاملا في مال غيره بغير إذنه وفارق الملتقط بعد بلوغ الجعل فإنما بدل منافعه بعوض جعل له فاستحقه كالأجير إذا عمل بعد العقد ولا يستحق أخذ الجعل بردها لأن الرد واجب عليه.
"سواء أرده قبل بلوغ الجعل أو بعده" لما سبق من أن الجعل بدل عن الفعل والرد فإن قال غير صاحب الضالة من ردها فله دينار فهو ضامن له وإن أسنده إلى مالكها فلا.
"وتصح على مدة مجهولة وعمل مجهول" لأنها عقد جائز فجاز ان يكون العمل والمدة مجهولين كالشركة ولان الحاجة تدعو إلى ذلك لكونه لا يعلم موضع الضالة والآبق "إذا كان العوض معلوما" لأنه يصير لازما بتمام العمل وكالأجرة لأنه في معنى المعاوضة لا تعليقا محضا فلو قال أنت بريء من المائة صح لأن تعليق الإسقاط أقوى وفي المغني تخريج بجواز جهالة الجعل إن لم يمنع التسليم كقوله من رد ضالتي فله ثلثها بخلاف فله شيء أخذا من قول الإمام في الغزو من جاء بعشرة أرؤس فله رأس فعليه(5/194)
وهي عقد جائز لكل واحد منهما فسخها فمتى فسخها العامل لم يستحق شيئا وإن فسخها الجاعل بعد الشروع فعليه للعامل أجرة عمله وإن اختلفا في أصل الجعل أو قدره فالقول قول الجاعل.
__________
لو كانت الجهالة تمنع من التسليم لم تصح الجعالة وجها واحدا وحينئذ فيستحق العامل أجر المثل لأنه عمل بعوض لم يسلم له فاستحق أجر المثل كالإجارة وقد تضمن كلامه أمورا
منها: أنه لا يشترط العلم بالعمل والمدة بخلاف الإجارة
ومنها: أنه لو قدر المدة بأن قال إن وجدتها في شهر صح لأنها إذا جازت مجهولة فمع التقدير أولى
ومنها: لا يشترط تعيين العامل للحاجة
ومنها: أن العمل قائم مقام القبول لأنه يدل عليه كالوكالة
ومنها: أن كل ما جاز أن يكون عوضا في الإجارة جاز أن يكون عوضا في الجعالة وكل ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة جاز أخذه في الجعالة
"وهي عقد جائز" من الطرفين بغير خلاف نعلمه كالمضاربة "لكل واحد منهما فسخها فمتى فسخها العامل" قبل تمام العمل "لم يستحق شيئا" لأنه أسقط حق نفسه حيث لم يأت بما شرط عليه كعامل المضاربة.
"وإن فسخها الجاعل بعد الشروع فعليه للعامل أجرة عمله"أي أجرة مثله لأنه عمل بعوض فلم يسلم له ولو قيل تسقط الأجرة لم يبعد وظاهره أنه اذا فسخ قبل التلبس بالعمل لا شيء للعامل فإن زاد أو نقص في الجعل قبل الشروع في العمل جاز لأنه عقد جائز فجاز فيه ذلك كالمضاربة.
"وإن اختلفا في أصل الجعل أو قدره فالقول قول الجاعل" لأنه منكر والأصل براءة ذمته وكذا الحكم إذا اختلفا في المسافة وقيل يتحالفان إذا اختلفا في قدره والمسافة كالأجير فإذا تحالفا فسخ العقد ووجب أجر المثل(5/195)
ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شيء له إلا في رد الأبق فإن له بالشرع دينارا أو اثنى عشر درهما وعنه إن رده من خارج المصر فله أربعون درهما
__________
لأنها عقد يجب المسمى في صحيحه فوجبت أجرة المثل في فاسده كالإجارة وقيل في آبق المقدر شرعا ولا يستحق شيئا بلا شرط ذكره القاضي
"ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شيء له" بغير خلاف نعلمه لأنه بذل منفعته من غيرعوض فلم يستحقه ولئلا يلزم الإنسان ما لم يلزمه ولم تطب نفسه به وهذا إذا لم يكن معدا لأخذ الأجرة فإن كان معدا لها وأذن له فله الاجرة لكن نص أحمد على أن من خلص متاعا لغيره يستحق أجرة مثله بخلاف اللقطة "إلا في رد الآبق" فإنه سيتحق الجعل بلا شرط روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وقاله شريح وعمر بن عبدالعزيز لئلا يلحق بدار الحرب أو يشتغل بالفساد.
"فإن له بالشرع" أي بشرع الشارع للخبر الوارد فيه "دينارا أو اثني عشر درهما" جزم به في الوجيز وقدمه واختاره الأكثر لما روى ابن أبي مليكة وعمرو بن دينار "أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في رد الآبق إذا جاء به خارجا من الحرم دينارا" وهو قول من سمينا ولم نعرف لهم مخالفا فكان كالإجماع بخلاف الشارد فإنه لا يفضي إلى ذلك وظاهره أنه يستحقه برده سواء كان من المصر أو خارجه وسواء كان الراد إماما أو غيره وهو مقتضى كلام جماعة ونقل حرب لا يستحقه إمام لأنه ينبغي له رده على مالكه ونقل ابن منصور أن أحمد سئل عن جعل الآبق فقال لا أدري قد تكلم الناس فيه لم يكن عنده فيه حديث صحيح فظاهره أنه لا شيء له في رده واختاره المؤلف تبعا لظاهر الخرقي وروى عن النخعي وابن المنذر والحديث الاول مرسل وفيه مقال وكما لو رد جمله الشارد ولأن الأصل عدم الوجوب
"وعنه إن رده من خارج المصر فله أربعون درهما" روي عن ابن مسعود واختاره الخلال قال أبو اسحاق أعطيت الجعل في زمن معاوية أربعين درهما(5/196)
ويأخذ منه ما أنفق عليه في قوته وإن هرب منه في طريقه وإن مات السيد استحق ذلك في تركته
__________
وهذا يدل على أنه مستفيض في العصر الأول وعنه إن رده من المصر فعشرة قال الخلال استقرت عليه الرواية وجزم به في عيون المسائل وأن الرواية الصحيحة من خارج المصر دينار أو عشرة دراهم وفي الخصال لابن البنا وكتاب الروايتين أنه عشرة دراهم مطلقا وبالغ القاضي في ذلك فقال إن الرواية لا تختلف فيه ونقل ابن هانيء عن أحمد فيمن عمر قناة دون قوم أنه يرجع عليهم ذكره القاضي في التعليق وعلله بأن الآبار بمنزلة الأعيان فكما يرجع بالأعيان يرجع بها قاله الزركشي وهذا التعليل يقتضي الرجوع فيما عمله بأن يزيله كما يرجع في الأعيان لا أنه يرجع ببدل ذلك على مالك العين
"ويأخذ منه ما أنفق عليه في قوته" أي يرجع بنفقته لأنه مأذون في الإنفاق شرعا لحرمة النفس بخلاف قضاء الدين بغير إذنه فإنه محل خلاف وظاهره أنه يرجع ولو لم يستحق جعلا كرده من غيربلد سماه
"وإن هرب منه في طريقه" فإنها لا تسقط نص عليه لأنها وقعت مأذونا فيها شرعا أشبه ما لو وقعت بإذن المالك ثم هرب وقيل إن نوى الرجوع وفي جواز استخدامه بها روايتان في الموجز والتبصرة وظاهره يقتضي أنه لا يستحق الجعل إلا برده لا بوجدانه وظاهر كلام جماعة أنه في مقابلة الوجدان فعليه هي بعد الوجدان كغيرها من اللقطات لصاحبها أخذها ولا يجب على الملتقط مؤنة ردها
وجوابه أن المراد بالوجدان الوجدان المقصود لا مجرد الوجدان حتى لو ضاعت بعد أو تلفت استحق الجعل لأن هذا غيرمقصود قطعا فإذن يرتفع الخلاف
"وإن مات السيد استحق ذلك في تركته" والمراد به الجعل قاله قي الشرح وعلله بأنه عوض عن عمله فلا يسقط بالموت كالأجرة وسواء كان معروفا برد الآبق أو لا(5/197)
__________
والظاهر من كلام المؤلف شموله للجعل والنفقة إذ لا مقتضى للتخصيص لأنه حق وجب في تركته كسائر الحقوق الثابتة وعلم منه جواز أخذ الآبق لمن وجده بخلاف الضوال التي تحفظ نفسها وهو أمانة ومن ادعاه فصدقة العبد أخذه فإن لم يجد سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه ليحفظه لصاحبه وله بيعه لمصلحة بغير خلاف نعلمه فإن قال كنت أعتقته فوجهان فإن قلنا لا يقبل فليس لسيده أخذ ثمنه ويصرف لبيت المال لأنه لا مستحق له فإن عاد السيد فأنكر العتق وطلب المال دفع إليه لأنه لامنازع له وليس للملتقط بيعه ولا يملكه بعد تعريفه لأنه يحتفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإن باعه فهو فاسد في قول عامة العلماء(5/198)
باب اللقطة
وهي المال الضائع من ربه
__________
باب اللقطة
حكى عن الخليل اللقطة بضم اللام وفتح القاف الكثير الإلتقاط وحكى عنه في الشرح أنها اسم للملتقط لأن ما جاء على فعلة فهو اسم الفاعل كالضحكة والهمزة واللمزة وبسكون القاف ما يلتقط وقال الأصمعي والفراء هي بفتح القاف اسم للمال الملتقط ويقال فيه أيضا لقاطة بضم اللام ولقط بفتح اللام والقاف
"وهي المال الضائع من ربه" هذا بيان لمعنى اللقطة شرعا قال بعضهم وهي مختصة بغير الحيوان وتسمى ضالة والأصل فيها ما روى زيد بن خالد الجهني قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال "اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه" وسأله عن ضالة الإبل فقال : "مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها" وسأله عن الشاة فقال(5/198)
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها مالا تتبعه الهمة كالسوط والشسع والرغيف فيملك بأخذه بلا تعريف الثاني الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل والبقر
__________
"خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب" متفق عليه
ولها أركان ثلاثة
أحدها: المال الضائع الثاني الالتقاط الثالث الملتقط وهو كل من يصح اكتسابه بالفعل من اصطياد ونحوه
"وتنقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها ما لا تتبعه الهمة" أي همة أوساط الناس ولو كثر "كالسوط" وهو الذي يضرب به كذا أطلقوا وفي شرح الهذب هو فوق القضيب ودون العصا وفي المختار هو سوط لا ثمرة له "والشسع" أحد سيور النعل الذي يدخل بين الأصبعين "والرغيف فيملك بأخذه بلا تعريف" ويباح الإنتفاع به لما روي جابر قال "رخص النبي صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به" رواه أبو داود وكذا التمرة والخرقة وما لا خطر له
وفي التبصرة صدقته به أولى فإن التقطه وانتفع به وتلف فلا ضمان عليه ذكره في المستوعب وغيره وفي المغني ليس عن أحمد تحديد اليسير الذي يباح والمعروف في المذهب تقييده بما لا تتبعه همة أوساط الناس ولو كثر ونص في رواية أبي بكر بن صدقة أنه يعرف الدرهم وقال ابن عقيل لا يجب تعريف الدانق وحمله في التلخيص على دانق الذهب نظرا لعرف العراق وعنه يلزمه تعريف اليسير وقيل مدة يظن طلب ربه له ولا يلزمه دفع بدله خلافا ل التبصرة وقيل حصول في الثمرة يجدها أو يلقيها عصفور أيأكلها قال لا قال يتصدق قال لا يعرض لها نقله أبو طالب واختاره عبدالوهاب الوراق
"الثاني الضوال" مفرده ضالة وهي اسم للحيوان خاصة ويقال لها الهوامي والهوامل "التي تمتنع من صغار السباع" وترد الماء "كالإبل والبقر" نص(5/199)
والخيل والبغال والظباء والطير والفهود ونحوها فلا يجوز التقاطها ومن أخذها ضمنها فإن دفعها إلى نائب الإمام زال عنه الضمان
__________
عليهما "والخيل والبغال والظباء والطير والفهود ونحوها" كالكلب وجملته أن كل حيوان تقوى على الإمتناع من صغار السباع وورود الماء سواء كان لكبر جثته كالإبل أو لطيرانه كالطيور كلها أو لعدوه كالظباء أو بنابه كالفهد والكلب "فلا يجوز التقاطها" لقول عمر من أخذ الضالة فهو ضال أي مخطيء وهي تفارق الغنم لضعفها وقلة صبرها عن الماء والخوف عليها من الذئب ونحوه والحمر الأهلية كذلك قاله الأصحاب وفي المغني الأولى إلحاقها بالشاة لمساواتها لها في العلة لكن إن كانت الصيود مستوحشة بحيث اذا تركت رجعت إلى الصحراء وعجز عنها مالكها جاز التقاطها لأجل حفظها لصاحبها ويستثنى من كلامه ما إذا وجدها في موضع يخاف عليها به كأرض مسبعة أو قريبا من دار الحرب أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين أو في برية لا ماء بها ولا مرعى فالأولى أخذها للحفظ ولا ضمان عليه لأن فيه إنقاذها من الهلاك أشبه تخليصها من حريق.
"ومن أخذها ضمنها" لأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه ولا إذن الشارع فهو كالغاضب ولا فرق بين زمن الأمن والفساد أو غيره وسواء كان إماما أو لا فإن ردها إلى موضعها لم يبرأ منه لكن إذا التقط ذلك غيرالإمام وكتمه ضمنه بقيمة مرتين نص عليه للخبر.
"فإن دفعها إلى نائب الإمام زال عنه الضمان" لأن الإمام له نظر في ضوال الناس فكان نائبا عن أصحابها وعلم منه أن للإمام ونائبه أخذها للحفظ لقول عمر ولا يلزمه تعريفها ولا تؤخذ منه بوصفها فإن أخذها غيرهما ليحفظها على أصحابها لم يجز ولزمه ضمانها لأنه لا ولاية له على صاحبها
فائدة: يسم الإمام ما يحصل عنده من الضوال بأنها ضالة ويشهد عليها قال في الرعاية سمة الصدقة(5/200)
الثالث سائر الأموال كالأثمان والمتاع والغنم والفصلان والعجول والأفلاء فمن لا يأمن نفسه عليها ليس له أخذها
__________
فرع: ما يحتفظ بنفسه من الأحجار الكبار كحجر الطاحون والخشب الكبير وقدور النحاس فهو كالإبل بل أولى قاله في المغني والشرح وقدم في الفروع خلافه ومن أخذ متاعه وترك بدله فلقطة نص عليه ونقل ابن منصور ويأخذ حقه منه بعد تعريفه.
أصل: إذا وجد في حيوان نقدا أو درة فهو لقطة لواجده نص عليه ونقل ابن منصور لبائع ادعاه إلا أن يدعي مشتر أنه أكله عنده فهو له وإن وجد درة غير مثقوبة في سمكه فهي لصياد لأن الظاهرابتلاعها من معدنها
فلو ترك دابة بمهلكة أو فلاة لعجزه أو انقطاعها ملكها آخذها نص عليه وقيل لا بل هي لمالكها كعبد وترك متاع عجزا فيرجع بنفقته وأجرة متاع نص عليه وقيل لا نفقة ولاأجرة وقيل في نفقة العبد روايتان وكذا ما يلقى في البحر خوفا من الغرق فإنه يملكه آخذه
وفي الشرح لا أعلم لأصحابنا فيه قولا وقيل لا وله أجرة رد متاعه في الأصح فإن انكسرت السفينة وأخرجه قوم فقياس قول أحمد لمستخرجه أجرة المثل كجعل رد الآبق وقال القاضي يأخذ أصحاب المتاع متاعهم ولا شيء للذين أصابوه والأول أولى "الثالث سائر الأموال كالأثمان والمتاع والغنم والفصلان" بضم الفاء جمع فصيل وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه "والعجول" جمع عجل وهو ولد البقرة قال ابن مالك حين يوضع والجمع العجاجيل "والأفلاء" قال الجوهري الفلو بتشديد الواو المهر والأنثى فلوة والجمع أفلاء كأعداء قال أبو زيد إذا فتحت الفاء شددت وإذا كسرت خففت فقلت فلو كجرو "فمن لا يأمن نفسه عليها ليس له أخذها" لما في ذلك من تضييع مال غيره(5/201)
فإن فعل ضمنها ولم يملكها وإن عرفها ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله أخذها والأفضل تركها وعند أبي الخطاب إن وجدها بمضيعة فالأفضل أخذها
__________
فحرم كإتلافه وكما لو نوى تملكها في الحال أو كتمانها "فإن فعل ضمنها" كغاضب سواء تلفت بتفريطه أولا "ولم يملكها وإن عرفها" لأن السبب المحرم لا يفيد الملك بدليل السرقة والتقاط هذه محرم فلا يستفاد به الملك وقيل تملك لأن الملك بالتعريف والإلتقاط وقد وجدوا كالأصطياد من أرض غيره.
"ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله أخذها" لحديث زيد ثبت في النقدين وقسنا عليهما المتاع وعلى الشاة قسنا كل حيوان لا يمتنع بنفسه من صغار السباع كابن آوى والذئب وعن أحمد ليس لغير الإمام التقاط الشاة ونحوها وعنه وعرض ذكرها أبو الفرج والأول أولى لأن الشارع علل في عدم التقاط الإبل ما هو معدوم في الغنم وفرق بينهما في خبر واحد فلا يجوز الجمع بين ما فرق الشارع بينهما ولا قياس ما أمرنا بالتقاطه على ما منع منه وحينئذ لا فرق بين أن يجدها في مصر أو مهلكه لأنه عليه السلام لم يستفصل ولو افترق الحال لا ستفصل وذكر القاضي وأبو الخطاب عن أحمد أنه لا يملكها قال في المغني والشرح ولعلها الرواية التي منع من التقاطها فيها
"والأفضل تركها" قاله أحمد وروى عن ابن عباس وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف فكان كالإجماع لأنه يعرض نفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب في التعريف وأداء الأمانة فيها فكان تركها أولى كولاية مال اليتيم.
"وعند أبي الخطاب إن وجدها بمضيعة" وأمن نفسه عليها "فالأفضل أخذها" لما فيه من الحفظ المطلوب شرعا كتخليصه من الغرق ولا يجب أخذه لأنه أمانة كالوديعة وخرج وجوبه إذن لأن حرمة مال المسلم دمه
فرع: إذا وجد عنبرة على الساحل فهي له والقن الصغير كالشاة وكذا كل(5/202)
ومتى أخذها ثم ردها إلى موضعها أو فرط فيها ضمنها وهي على ثلاثة أضرب حيوان فيتخير بين أكله وعليه قيمته
__________
جارية تحرم على الملتقط وذكر القاضي أن قياس المذهب أنه لا يملك بالتعريف.
"ومتى أخذها ثم ردها إلى مواضعها أو فرط فيها ضمنها" لأنها حصلت في يده فلزمه حفظها كالوديعة إلا أن يأمره إمام أو نائبه بردها كممتنع ودل على أنها إذا ضاعت عنده في حول التعريف بلا تفريط لا ضمان عليه وإن التقطها آخر لزمه ردها إلى الأول مع علمه فإن لم يعلم حتى عرفها حولا ملكها لأن سبب الملك وجد منه من غير عدوان فثبت الملك له كالأول ولا يملك الأول انتزاعها منه فإن جاء صاحبها أخذها من الثاني وليس له مطالبة الأول فإن علم الثاني بالأول فردها وأبى أخذها وقال عرفها أنت فعرفها ملكها وإن قال عرفها وتكون ملكا لي أو بيننا صح وإن قصد الثاني بالتعريف تملكها لنفسه دون الأول فوجهان وكذا الحكم إذا علم الثاني بالأول فعرفا ولم يعلمه بها
فرع: إذا غصبها غاصب من الملتقط فعرفها لم يملكها وجها واحدا لأنه تعدى بأخذها ولم يوجد منه سبب تملكها
"وهي" أي الأموال المذكورة "على ثلاثة أضرب حيوان فيتخير بين" ذبحه و"أكله" وفاقا لقوله عليه السلام "هي لك أو لأخيك أو للذئب" جعلها له في الحال وسوى بينه وبين الذئب والذئب لا يؤخر أكلها ولأن في أكلها في الحال إغناء عن الإنفاق عليها وحفظا لماليتها على صاحبها ولا فرق بين أن يجدها في المصر أو الصحراء.
"وعليه قيمته" قاله أصحابنا وعليه أكثر العلماء لأنه إذا كان عليه قيمة ما يضطر إليه إذا أكله فلأن يكون عليه قيمة ما ذكر بطريق الأولى وتصير في ذمته ولا يلزمه عزلها وقال مالك له أكل ضالة الغنم ولا غرامة عليه لصاحبها ولا تعريف لها قال ابن عبد البر لم يوافق مالكا أحد العلماء وأفتى أبو الخطاب وابن الزاغوني بأكله بمضيعة بشرط ضمانه وإلا لم يجز تعجيل ذبحه لأنه(5/203)
وبين بيعه وحفظ ثمنه وبين حفظه لمالكه والإنفاق عليه من ماله وهل يرجع بذلك على وجهين الثاني ما يخشى فساده فيتخير بين بيعه وأكله
__________
يطلب وقال ابن عقيل وأبو الحسين لا يتصرف قبل الحول في شاة ونحوها بأكل ونحوه رواية واحدة.
"وبين بيعه وحفظ ثمنه" لأنه إذا جاز أكلها بغير إذن فبيعها أولى وظاهره أنه يتولى ذلك بنفسه ويلزمه حفظ صفتها ولم يذكر أصحابنا هنا تعريفا لأنه عليه السلام لم يأمر بتعريفها ونصر في الشرح لزوم ذلك لأنها لقطة لها خطر فوجب تعريفها كالمطعوم الكثير وإنما لم يذكره هنا لأنه ذكره بعد.
"وبين حفظه لمالكه" ولم يتملكها "والإنفاق عليه من ماله" لما في ذلك من حفظه على مالكه عينا ومالا فلو تركها بلا نفقة ضمنها لأنه فرط فيها "وهل يرجع بذلك" إذا نوى الرجوع به "على وجهين" هما رويتان الأصح أنه يرجع قضى به عمر بن عبد العزيز قال في المغني والشرح نص عليه في رواية المروزي في طيرة أفرخت عند قوم فقضى أن الفراخ لصاحب الطيرة ويرجع بالعلف ما لم يكن متطوعا قال أبو بكر هذا مع ترك التعدي فإن تعدى لم يحتسب له ولأنه أنفق عليه لحفظه فكان من مال صاحبه كمؤنة التجفيف والثاني لا يرجع لأنه أنفق على مال غيره بلا إذنه فلم يرجع كما لو بنى داره وفارق التجفيف لأنه لا تتكرر نفقته بخلاف الحيوان فربما استغرقت ثمنه مع أن الشعبي عجب من قضاء عمر وقيل إن أنفق بإذن حاكم رجع وإلا فلا
"الثاني ما يخشى فساده" ممالا يمكن تجفيفه كالطبيخ والبطيخ والخضروات "فيتخير بين بيعه" وحفظ ثمنه لأن فيه إبقاء لماليته ويتولى ذلك بنفسه "واكله" وتثبت القيمة في ذمته فإن تركه حتى تلف ضمنه لأنه فرط في حفظه كالوديعة ويحفظ صفاته ثم يعرفه عاما ولم يذكره الأكثر فإن تلف الثمن قبل تملكه من غير تفريط أو نقص أو تلفت العين أو نقصت من غير تفريط فلا ضمان عليه(5/204)
إلا أن يمكن تجفيفه كالعنب فيفعل ما يرى فيه الحظ لمالكه وغرامة التجفيف منه وعنه يبيع اليسير ويرفع الكثير إلى الحاكم الثالث سائر المال فيلزمه حفظها ويعرف الجميع بالنداء عليه في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات
__________
"إلا أن يمكن تجفيفه كالعنب" والرطب "فيفعل ما يرى فيه الحظ لمالكه" لأن ذلك أمانة في يد وفعل الاحظ في الأمانة متعين وكولي اليتيم وهذا بخلاف الحيوان لأن في تركه ضررا وهو النفقة عليه وخوف موته قال في المغني ومقتضى قول أصحابنا أن العروض لا تملك بالتعريف وأنه لا يجوز له أكله لكن يخير بين الصدقة به وبين بيعه "وغرامة التجفيف منه" لأنه من مصلحته فكان منه كما لو كان ليتيم وله بيع بعضه فإن أنفق من ماله رجع به في الأصح فإن تعذر بيعه ولم يمكن تجفيفه تعين أكله.
"وعنه يبيع اليسير ويرفع الكثير إلى الحاكم" لأن اليسير يتسامح به بخلاف الكثير لأنه مال لغيره ولم يأذن فيه فكان أمره إلى الحاكم وعنه مع وجوده
"الثالث سائر المال" كالأثمان والمتاع "فيلزمه حفظها" لأنها أمانة "ويعرف الجميع" وجوبا لأنه عليه السلام أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب ولأنه طريق إلى وصولها إلى صاحبها فوجب ذلك لحفظها وظاهره ولو وجدها في دار حرب فإن كان في جيش فقال أحمد يعرفها سنة دار الإسلام ثم يطرحها في المغنم "بالنداء عليه" لأنه طريق إلى ايصال المال إلى مستحقه وقد تضمن ذلك وجوبه وقدره وزمانه ومكانه ومن يتولاه أما وجوبه فهو واجب على كل ملتقط سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها إلا في اليسير الذي لا تتبعه الهمة.
"في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات" هذا مكانه لأن المقصود إشاعة ذكرها وإظهارها ليظهر عليها صاحبها وذلك طريق إليه وروي عن عمر أنه أمر واجد اللقطة بتعريفها على باب المسجد وعلم منه أنه لا يفعل ذلك في المسجد وإن كان مجمع الناس بل يكره وفي(5/205)
حولا كاملا من ضاع منه شيء أو نفقة وأجرة المنادي عليه وقال أبو الخطاب مالا يملك بالتعريف وما يقصد حفظه لمالكه يرجع بالأجرة عليه
__________
عيون المسائل لا يجوز وقاله ابن بطة لقوله للرجل "لا ردها الله عليك" .
ووقته النهار وقد يفهم هذا من قوله كالاسواق.
"حولا كاملا" روي عن عمر وعلي وابن عباس وقاله أكثر العلماء ويكون متواليا يلي الإلتقاط لظاهر الأمر إذ مقتضاه الفور عندنا ولأن صاحبها يطلبها عقيب ضياعها فإذا عرفت إذا كان أقرب إلى وصولها إليه بخلاف ما لو تأخر ولأن السنة لا تتأخر عنها القوافل ويمضي فيها الزمان الذي يقصد فيها البلاد من البر والبحر فصلحت قدرا كأجل العنين فيكون نهارا متواليا في اسبوع وفي الترغيب ثم مرة كل اسبوع في شهر ثم مرة في كل شهر ثم العادة ولا تعرف كلاب بل ينتفع بالمباح منها.
"من ضاع" هذا بيان من يتولاه "منه شيء أو نفقة" ولا يصفه فإنه لا يؤمن أن يسمعه أحد فيصفه فيأخذه فيفوت على المالك وفي المغني والشرح يذكر جنسها فيقول من ضاع منه ذهب أو فضة ومقتضاه أنه إذا أطنب في الصفات فهو ضامن وظاهره أنه يلزمه تعريفها ولو مع خوفه من سلطان جائر ليأخذها أو يطالبه بأكثر فإن أخر لم يملكها إلا بعده ذكره جماعة.
"وأجرة المنادي عليه" أي على الملتقط نص عليه لأنه سبب فكانت الأجرة عليه كما لو اكترى شخصا يقطع له مباحا فلو تولى ذلك بنفسه فلا شيء له.
"وقال أبو الخطاب مالا يملك بالتعريف وما يقصد حفظه لمالكه يرجع بالأجرة عليه" لأنه من مؤنة إيصالها إليه فكان على مالكها كأجرة مخزنها وراعيها ونسب في المغني والشرح ما لا يملك بالتعريف إلى ابن عقيل وما يقصد حفظه إلى أبي الخطاب وعند الحلواني وابنه منها كمؤنة التجفيف وقيل منها إن لم يملك وذكره في الفنون ظاهر كلام أصحابنا(5/206)
فإن لم يعرف دخلت في ملكه بعد الحول حكما كالميراث وعند أبي الخطاب لا يملكه حتى يختار ذلك وعن أحمد لا تملك إلا الأثمان وهي ظاهر المذهب
__________
مسألة: إذا اخر التعريف عن الحول الأول مع إمكانه أثم للأمر به وهو مقتضى الوجوب ولأن الظاهر أنه بعد الحول يسلو عنها ويترك طلبها ويسقط بتأخيره عن الحول الأول نص عليه فإن تركه في بعض الحول عرف بقيته وقيل لا يسقط بتأخيره لأنه واجب فلا يسقط بتأخيره عن وقته كسائر الواجبات وعليهما لا يملكها بالتعريف فيما عدا الحول الأول لأن شرط الملك التعريف فيه ولم يوجد نعم لو تركه لمرض ونسيان ملكها بالتعريف في ثاني الحول في وجه وفي آخر حكمه حكم من تركه لغير عذر فلا يملكها إذ الحكم ينتفي بانتفاء سببه مطلقا
"فإن لم يعرف دخلت في ملكه بعد الحول حكما" أي من غير اختيار "كالميراث" نص عليه وذكره في عيون المسائل الصحيح من المذهب غنيا كان أو فقيرا لظاهر الأحاديث "فإن لم تعرف فاستنفقها" وفي لفظ "فهي كسبيل مالك" وفي لفظ "ثم كلها" وفي لفظ "فانتفع بها" وفي لفظ "فشأنك بها" وفي لفظ "فاستمتع بها" ولو وقف ملكها على تملكها لبينه له ولم يجوز له التصرف قبله ولأن الألتقاط والتعريف سبب للملك فإذا تم وجب أن يثبت به الملك حكما كالإحياء والإصطياد.
"وعند أبي الخطاب لا يملكه حتى يختار ذلك" وهو رواية في الواضح لأن هذا يملك بعوض فلم يحصل إلا باختيار المالك كالقرض فعليه لا بد من لفظ فلو التقطها اثنان فعرفاها حولا ملكاها فإن قلنا تقف على الإختيار فاختار أحدهما دون الآخر ملك المختار نصفها وإن قال أحدهما لصاحبه هاتها فأخذها لنفسه فهي له دون الآمر وإن أخذها للآمر فهي له كما لو وكله في الإصطياد وفي الكافي لرافعها لأنه لا يصح التوكيل فيه.
"وعن أحمد لا تملك إلا الأثمان وهي ظاهر المذهب" نقلها واختارها(5/207)
وهل له الصدقة بغيرها على روايتين وعنه لاتملك لقطة الحرم بحال
__________
الأكثر لأن الخبر ورد فيها وغيرها لا يساويها لعدم الغرض المتعلق بها فمثلها يقوم مقامها من كل وجه بخلاف غيرها فدل أن العروض لا تملك نص عليه في رواية الجماعة وقاله أكثر الاصحاب مع أنه ذكر في المغني ولا أعلم بين أكثر أهل العلم فرقا بين الأثمان والقروض وعنه ولا الشاة والمذهب عند العامة أن الشاة تملك دون العروض قاله الزركشي "وهل له الصدقة بغيرها" أي بعد التعريف المعتبر تباع ويتصدق بثمنها على روايتين أظهرهما له الصدقة به بشرط ضمانه روي عن ابن مسعود ولأن الإنسان ينتفع بماله تارة لمعاشه وتارة لمعاده فإذا انتفى الأول تعين الثاني والثاني لا يتصدق به لأنه تصرف في مال غيره بغير إذنه ولأنه يحتمل أن يظهر صاحبها فيأخذها قال الخلال هذا قول قديم رجع عنه فعليه يعرفها أبدا اختاره أبو بكر وابن عقيل وقال القاضي في الخصال يخير بين تعريفها أبدا وبين دفعها إلى الحاكم ليرى رأيه فيها وقال ابن عقيل في البداية يدفعها إلى الحاكم وظاهر كلام جماعة خلافة قال في الفروع وتتوجه الروايتان فيما يأخذه السلطان من اللصوص إذا لم يعرف ربه ونقل صالح في اللقطة يبيعه ويتصدق بثمنه بشرط ضمانه.
"وعنه لا تملك لقطة الحرم بحال" بل يجوز اخذها للحفظ اختاره الشيخ تقي الدين وغيره من المتأخرين لقوله عليه السلام في مكة "لا تحل ساقطتها إلا لمنشد" متفق عليه قال أبو عبيد المنشد المعرف والناشد الطالب فيكون معناه لاتحل لقطة مكة إلا لمن يعرفها لأنها خصت بهذا من بين سائر البلدان فتعرف أبدا أو يدفعها إلى حاكم والمذهب أنه كالحل لحديث زيد وبأن عموم الأشخاص يتناول عموم الأحوال إذ قوله "من وجد لقطة" عام في كل واجد وعموم الواجدين يستلزم عموم أحوالهم وعن أحمد أن اللقطة لا تملك بحال نقلها حنبل والبغوي ذكره السامري(5/208)
فصل
ولا يجوز له التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها ويستحب ذلك عند وجدانها والإشهاد عليها
__________
فصل
"ولا يجوز له التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها" وهو العفاص الذي تكون فيه من خرقة أو غيرها وقيل هو صفة شده وعقده "ووكاءها" وهو ما شد به الوعاء وهما ممدودان "وقدرها" بالعدد أو الكيل أو الوزن أو الذرع "وجنسها وصفتها" لحديث زيد وفيه "فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه وإلا فهي لك" رواه مسلم وفي حديث أبي بن كعب "فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه" ولأن دفعها إلى ربها يجب بما ذكر فلا بد من معرفته نظرا إلى ما لا يتم الواجب إلا به واجب ولأنه إذا عدم ذلك لم يبق سبيل إلى معرفتها قال القاضي ينبغي أن يعرف جنسها ونوعها وإن كانت ثيابا عرف لفافتها وجنسها ويعرف العقد عليها هل هو واحد أو أكثر.
"ويستحب ذلك عند وجدانها" لأن فيه تحصيلا للعلم بذلك "والإشهاد عليها" لأنه عليه السلام لم يأمر به قال أحمد لا أحب أن يمسها حتى يشهد عليها فظاهره أنه مستحب وأوجبه ابن أبي موسى وأبو بكر لقوله عليه السلام "من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل" رواه أبو داود فعليها يضمن بتركه وجوابه ما سبق ولو وجب لبينه فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة سيما وقد سئل عن حكم اللقطة ولأنه أخذ على وجه الأمانة فلم يفتقر إلى الإشهاد كما لو دفعه والشهود عدلان فصاعدا ولا يشهد نص عليه لاحتمال تنوعه فيعتمده المدعي الكاذب ويستحب كتب صفاتها ليكون أثبت لها مخافة نسيانها(5/209)
فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه بنمائها المتصل وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحول ولواجدها بعده في أصح الوجهين
__________
"فمتى جاء طالبها" ولو بعد الحول "فوصفها" بالصفات السابقة "لزم دفعها إليه" بلا بينة ولا يمين وإن لم يغلب على ظنه صدقة لقوله "فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه" وفي الرعاية يأخذها تامة مع ظن صدقة وفي كلام أبي الفرج والتبصرة جاز الدفع إليه وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجبر على ذلك إلا ببينة والأول أولى لأن عليه السلام لم يذكر بينة ولو كانت شرطا لذكرها كغيرها ولا ينافيه قوله عليه السلام "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" إذ هو مع وجود منكر وهو مفقود في صورة اللقطة فالخبر لا يشملها ولو سلم فالتخصيص ويتعذر إقامة البينة عليها غالبا لسقوطها حال الغفلة والسهو فلو لم يجب دفعها بالصفة لما جاز التقاطها ومثله وصفه مغضوبا ومسروقا ذكره في عيون المسائل والقاضي وأصحابه.
"بنمائها المتصل" لأنها نماء ملكه ولا يمكن انفصالها ولأنه يتبع في العقود والفسوخ "وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحول" لأنها نماء ملكه "ولواجدها بعده" أي بعد مضي حول التعريف "في أصح الوجهين" وهو ظاهر الوجيز وصححه ابن حمدان لأنه ملكها بانفصال الحول فالنماء إذن نماء ملكه والثاني يأخذها ربها بها كالمتصلة وكالمفلس والولد والصحيح منهما أن الزيادة إن حدثت في ملكه ثم الفرق أنه في مسألتنا يضمن الملتقط النقص فتكون الزيادة له ليكون الخراج بالضمان ذكره في المغني والشرح
فرع: إذا اختلف المؤجر والمستأجر في دفن في الدار من وصفه فهو له وقيل لا كوديعة وعارية ورهن وغيره لأن اليد دليل الملك ولا تتعذر البينة
مسألة: مؤونة الرد على ربها ذكره في التعليق والإنتصار لتبرعه وفي الترغيب والرعاية على الملتقط(5/210)
وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها وإن كان بعده ضمنها
__________
"وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها" لأنها أمانة في يده فلم تضمن بغير تفريط كالوديعة "وإن كان بعده ضمنها" لأنها دخلت في ملكه بانقضاء الحول وتلفت من ماله ولا فرق بين التفريط وعدمه لكن اختار في المغني أن اللقطة بعد الحول تملك بغير عوض يثبت في ملكه وإنما يتجدد العوض بمجيء صاحبها وعند القاضي وغيره أنه لا يملكها إلا بعوض في ذمته لصاحبها وعليهما يزول ملك الملتقط عنها بوجود ربها إن كانت باقية ويرد بدلها وهو مثلها أو قيمتها إن كانت تالفة لأخبار ولأنه مال معصوم فلم يخبر إسقاط حقه منه مطلقا كما لو اضطر إلى مال غيره وعنه لا يضمن لحديث عياض المرفوع "فإن جاء ربها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء" .
وتعتبر القيمة وقت التملك قاله في التلخيص وهو ظاهر على رأي القاضي وقال الشيخان حين وجود ربها وقيل يوم تصرفه وقيل يوم غرم بدلها وعنه لا يضمن قيمتها بعد ملكها وقيل ولا يردها والخلاف السابق على القول بملكها بمضي الحول فأما من قال لا يملكها إلا بالاختيار لم يضمنها إلا به ومن قال لا يملكها بحال لم يضمنها وهو قول الحسن والنخعي وغيرهما.
تنبيه: إذا تصرف فيها الملتقط بعد الحول ببيع أو هبة أو نحوهما صح فإن جاء ربها بعد خروجها عنه فليس له أخذها وله أخذ بدلها فإن عادت إلى الملتقط فله أخذها كالزوج إذا طلق قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة فإن كان بيع خيار فله أخذه فإن مات الملتقط بعد أن صارت ملكا له ثم جاء ربها فهو غريم بها يرجع ببدلها إن اتسعت التركة وإلا تحاص الغرماء أي مع التلف ولا فرق بين أن يعلم تلفها بعد الحول أولا وفي المغني احتمال لا يلزم عوضها إن لم يعلم تلفها بعد الحول لاحتمال تلفها في الحول وهي أمانة(5/211)
وإن وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين وفي الآخر يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها وإن أقام آخر بينة أنها له أخذها من الواصف وإن تلفت فله تضمين أيهما شاء إلا أن يدفعها بحكم حاكم فلا ضمان عليه ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف
__________
"وإن وصفها اثنان" معا أو وصفها الثاني قبل دفعها للأول "قسمت بينهما في أحد الوجهين" ذكره أبو الخطاب وقدمه في المحرر لأنهما استويا في السبب الموجب للدفع أشبه مالو كانت في أيديهما.
"وفي الآخر يقرع بينهما" ذكره القاضي وجزم به في الوجيز وفي المغني والشرح أنه أشبه بأصولنا فيما إذا تداعيا في يد غيرهما ولأنه مزية لأحدهما على الآخر "فمن قرع صاحبه حلف وأخذها" لأن ويحلف لاحتمال أنها ليست له وكذا إن أقاما ببينتين فلو وصفها إنسان فأخذها ثم جاء آخر فوصفها لم يستحق شيئا وقال أبو يعلى الصغير إن زاد في الصفة احتمل تخريجه على بينة التشاح.
"وإن أقام آخر بينة أنها له أخذها من الواصف" لأن البينة أقوى من الوصف "وإن تلفت فله تضمين أيهما شاء" من الواصف والدافع إليه أما الأول فلأنه أخذ مال غيره بغير إذنه وتلف عنده وأما الثاني فلأنه دفع المال إلى غير مالكه اختيارا منه فضمنه كما لو دفع الوديعة إلى غير مالكها إذا على ظنه أنه مالكها وقيل لا ضمان عليه إذا قلنا بوجوب الدفع عليه لأنه فعل ما أمر به ولم يفرط وكما لو أخذت منه كرها "إلا أن يدفعها بحكم حاكم فلا ضمان عليه" لأنها مأخوذة منه على سبيل القهر فلم يضمنها كما لو غصب منه.
"ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف" لأنه كان سبب تغريمه والتلف حصل في يده قال في المغني والشرح إلا أن يكون الملتقط قد أقر الواصف أنها ملكه لأنه قد اعترف بأن الواصف هو المحق وصاحب البينة قد ظلمه
وظاهره أن صاحب البينة إذا ضمن الواصف لا يرجع هو على الدافع وصرح(5/212)
فصل
ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا مسلما أو كافرا عدلاً أو فاسقاً
__________
به في المغني والشرح لأن التلف حصل في يده والعدوان منه
فرع: إذا مات الملتقط قام وارثه مقامه في التعريف أو إتمامه ويملكها بعد تمام التعريف فإن لم يعلم تلفها ولا وجدت في تركته فهو غريم بها وقيل لا يلزم الملتقط شيء وقيل يلزمه إن مات بعد الحول لا قبله
فصل
" ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا" روي عن عمر وعلي وابن مسعود وعائشة وخلق للعموم وعنه لا يملكها إلا فقيرا من غير ذوي القربى لحديث عياض ولأنه أضاف المال فيه إلى الله تعالى وما يضاف إليه إنما يتملكه من يستحق الصدقة وجوابه بأن من ملك بالقرض ملك اللقطة كالفقير ودعواهم لا دليل عليها بل بطلانه ظاهر فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله خلقا وملكا قال الله تعالى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (النور: من الآية33).
"مسلما" اتفاقا "أو كافرا" في قول الجماهير لأنه نوع اكتساب فكان من أهله كالإحتطاب وقيده في الشرح و الفروع بالذمي ولعله مراد وفي الرعاية بالكافر العدل في دارنا وقال بعض العلماء ليس له ذلك في دار الإسلام لأنه ليس من أهل الأمانة وينتقض بالصبي قال في الشرح وإن علم بها الحاكم أقرها في يده وضم إليها عدلا في الحفظ والتعريف ويحتمل أن تنتزع من يده وتوضع على يد عدل لأنه غير مأمون عليها.
"عدلا" اتفاقا "أو فاسقا" على المذهب لأنها من جهات الكسب وهو من أهله فصح التقاطه كالعدل وإذا صح التقاط الذمي فالمسلم أولى والأولى له(5/213)
وقيل يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها وإن وجدها صبي أو سفيه قام وليه بتعريفها وإذا عرفها فهي لواجدها وإن وجدها فلسيده أخذها منه وتركها معه يتولى تعريفها إذا كان عدلا
__________
تركها لانه يعرض نفسه للأمانة وهو ليس من أهلها
"وقيل يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها" قدمه في المحرر وجزم به في الشرح لأنه لا يؤمن عليها فافتقر إلى مشاركة الأمين في الحفط وظاهره أنها لا تنتزع منه لأن له حق التملك نعم إن لم يمكن المسرف حفظها منه انتزعت من يده وتركت في يد عدل فإذا عرفها ملكها الملتقط لوجود سبب الملك منه.
"وإن وجدها صبي أو سفيه" أو مجنون قاله جماعة "قام وليه بتعريفها" لأن واجدها ليس من أهل التعريف وهو مقوم في ماله فكذا في لقطته وحينئذ يلزم الولي أخذها منه فإن تركها في يده فتلفت ضمنها "فإذا عرفها" ولم تعرف "فهي لواجدها" لأن سبب الملك تم شرطه فثبت الملك له كالصيد وعلم منه صحة التقاطهما لعموم الأخبار ولأنه نوع كسب فصح منه كالاحتشاش فإن تلفت بيد أحدهم وفرط نص عليه في صبي كإتلافه
"وإن وجدها عبد" عدل "فلسيده أخذها منه" لأنها من كسبه وهو لسيده فكان له انتزاعها منه "وتركها معه يتولى تعريفها إذا كان عدلا" لأنه واجد فإن عرفها بعض الحول عرفها السيد تمامه وإن عرفها حولا صح في الأصح لأن له قولا صحيحا فصح تعريفه كالحر فإذا تم حول التعريف ملكها سيده بشرطه لأنها من جملة أكسابه وظهر منه صحة التقاطه بغير اذن سيده لأن من جاز له قبول الوديعة بغير إذن سيده جاز له الإلتقاط كالحر وهذا إذا لم ينه عنها فإن نهاه عنها لم يصح قطعا لا يقال هي قبل الحول أمانة وولاية وبعده تملك وليس من أهله لأنه يبطل بالصبي والعبد من أهل التملك في الجملة بدليل الاصطياد فإن عتق أخذه سيده وقيل إن عتق بعد الحول والتعريف وقلنا(5/214)
فإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته وإن أتلفها بعده فهي في ذمته والمكاتب كالحر ومن بعضه حر فهي بينه وبين سيده إلا أن تكون بينهما مهايأة فهل يدخل في المهايأة على وجهين
__________
يملك فلا
"فإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه" لأنه يلزمه حفظها وذلك وسيلة إليه ويسلمها إلى الحاكم ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان
"إن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته"أي تتعلق قيمتها برقبته كالجناية وكذا إذا تلفت بتفريطه فلو تلفت بلا تفريط فلا ضمان عليه كالحر
"وإن أتلفها بعده فهي في ذمته" لأنه غير متعد في إتلافها بعد الحول بالنسبة إلى صاحبها قال في الشرح هذا إذا قلنا يملكها العبد بعد التعريف وإن قلنا لا يملكها فهو كما لو أتلفها في حول التعريف ويصلح أن ينبني ذلك على استدانة العبد
فائدة: المدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالقن
"والمكاتب كالحر" لأن المال له في الحال وأكسابه له وهو شامل لأكسابه الصحيحة والفاسدة فإن عجز صار عبدا وحكم لقطته كالعبد "ومن بعضه حر فهي بينه وبين سيده" لأنها من كسبه وهي بينهما فيعرفان ويملكان بالقسط كسائر الاكساب "إلا أن تكون بينهما مهايأة" بأن يتفق هو والسيد على أن المنافع يوما لهذا ويوما للآخر "فهل يدخل في المهايأة على وجهين" أصحهما لا يدخل لأنها من الاكساب النادرة أشبهت الميراث فعلى هذا يكون بينهما كالعبد المشترك والثاني يدخل لأنها من كسبه أشبهت سائر الأكساب فيكون لمن وجد في يومه وكذا حكم نادر من كسبه كهدية وهبة ووصية ونحوها قاله في المغني والشرح(5/215)
باب اللقيط
وهو الطفل المنبوذ وهو حر ينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه
__________
باب اللقيط
هو فعيل بمعنى مفعول كقتيل وجريح والتقاطه فرض كفاية لقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: من الآية2) ولأن فيه إحياء نفس فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر وإنجائه من الغرق وروى سعيد عن سفيان عن الزهري عن سنين أبي جميلة قال وجدت ملقوطا فأتيت عمر رضي الله عنه فقال عريفي يا أمير المؤمنين أنه رجل صالح فقال عمر أكذلك هو قال نعم قال فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته وفي لفظ علينا رضاعه "وهوالطفل المنبوذ" من نبذ أي طرح سواء كان في شارع أو غيره وليس هناك من يدعيه وقيل والمميز إلى البلوغ وعليه الاكثر قال الحلواني يستحب لمن رآه أن يأخذه ويربيه إن كان أمينا وإن كان سفيها فللحاكم رفع يده عنه وتسليمه إلي أمين ليربيه وله ثلاثة أركان اللقيط وقد عرف والإلتقاط وفي وجوب الإشهاد عليه ما في اللقطة وقيل يجب قولا واحدا لئلا يسترقه والملتقط وهو كل حر مكلف رشيد وفي اعتبار العدالة وجهان وهو حر
في جميع الأحكام إجماعا حكاه ابن المنذر وقال النخعي إن التقطه للحسبة فهو حر وإن التقطه للاسترقاق فهو له وهذا قول لا يعرج على مثله ولا يصح في النظر فإن الاصل في الآدميين الحرية فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارا وإنما الرق لعارض كوجدانه في دار حرب .
"ينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه" لقول عمر ولأنه(5/216)
ويحكم بإسلامه إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا فإن كان فيه مسلم فعلى وجهين
__________
مصرف ميراثه ولا يجب على الملتقط إجماعا فإن تعذر الإنفاق من بيت المال فعلى من علم حاله من المسلمين فإن تركوه أثموا ويسقط بفعل البعض ثم إن كان متبرعا فلا شيء له وإن كان بنية الرجوع بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك إذا كانت قصدا بالمعروف وإن كان بغير أمر من الحاكم فقولان وما حكى أنه لا يرجع مع إذن الحاكم سهو "ويحكم بإسلامه" أي هو محكوم بإسلامه إذا وجد في دار الإسلام وإن كان فيها أهل ذمة تغلبيا للإسلام والدار ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى ثم دار الإسلام قسمان ما اختطه المسلمون كبغداد والبصرة لقيطها محكوم بإسلامه قطعا الثاني دار فتحها المسلمون كمدائن الشام فإن كان فيها مسلم حكم بإسلام لقيطها وإن لم يكن فيها مسلم حكم بكفره وهو داخل في قوله "إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا" لأن الدار لهم وأهلها منهم
ثم بلاد الكفار قسمان أيضا بلد يغلب المسلمون الكفار عليه كالساحل فإن كان فيه مسلم حكم بإسلام لقيطه قاله في الشرح وقال القاضي يحكم بإسلامه لاحتمال أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه وبلاد لم تكن للمسلمين كالهند والروم فلقيطها كافر وكلام المؤلف محمول عليه.
"فإن كان فيه مسلم" كتاجر وغيره "فعلى وجهين" أحدهما وجزم به في الوجيز أنه محكوم بإسلامه تغليبا للإسلام وهذا بالنسبة إلى الظاهر بدليل أنه لو أقام كافر بينة أنه ولده ولد على فراشه حكم له به والثاني يحكم بكفره تغليبا للدار والأكثر
وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد أنه يجب غسله ودفنه في مقابر المسلمين وقد منعوا أن يدفن أطفال المشركين في مقابر المسلمين وإذا وجد في قرية ليس فيها إلا مشرك فهو على ظاهر(5/217)
وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له وإن كان مدفونا تحته أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا وله الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم
__________
ما حكموا به أنه كافر
"وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب" فوقه "أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له" لأن الطفل يملك وله يد صحيحة بدليل أنه يرث ويورث ويصح أن يشتري له وليه ويبيع ومن له ملك صحيح فله يد صحيحة كالبالغ فعلى هذا كلما كان متصلا به أو متعلقا بمنفعة فهو تحت يده ويثبت له الملك في الظاهر وينفق عليه منه وجعل في المغني والشرح من ذلك ما جعل فيه كخيمة ودار وكلام المجد يخالفه "وإن كان مدفونا تحته أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين" أما المدفون تحته فهو كالمتصل ولأنه يحكم به للبالغ فكذا للطفل والثاني ليس له لأنه موضع لا يستحقه لأن الظاهر أنه لو كان له لشده واضعه في ثيابه ليعلم به وتوسط ابن عقيل والمجد فجعلاه له بشرط طراوة الدفن اعتمادا على القرينة
وأما المطروح قريبا منه فقطع المجد والمؤلف في الكافي وصححه في المغني والشرح أنه له عملا بالظاهر والثاني وأورده أبو الخطاب مذهبا لا يكون له كالبعيد ويرجع به إلى العرف وحيث لم يحكم له به فهو لقطة أو ركاز قاله في المغني والشرح
وفي ثالث إن وجد رقعة فيها أنه له فهو له
"وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا" لأن عمر أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال له عريفه أنه رجل صالح ولأنه سبق إليه فكان أولى به للخبر.
"وله الإنفاق عليه مما وجد معه" من عين أو غيره "بغير إذن حاكم" لأنه(5/218)
وعنه ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذنه فإن كان فاسقا أو رقيقا أو كافرا واللقيط مسلم أو بدويا ينتقل في المواضع أو وجده في الحضر فأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده
__________
وليه فلم يفتقر إلى إذن حاكم كولي اليتيم "وعنه ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذنه" لأنه إنفاق على طفل فلم يجز بغير إذن الحاكم كما لو أنفق على صغير مودع وأصلها ما نقله عنه أبو الحارث في رجل أودع آخر مالا وغاب وطالت غيبته وله ولد ولا نفقة له هل ينفق عليه هذا المستودع من مال الغائب فقال تقوم امرأته إلى الحاكم حتى يأمره بالإنفاق فلم يجعل له الإنفاق من غير إذن الحاكم وهذا مثله
وقال في المغني و الشرح والصحيح أنه مخالف له من وجهين أحدهما أن الملتقط له ولاية على اللقيط وعلى ماله والثاني أنه ينفق على اللقيط من ماله وهذا بخلافه لأنه يشترط عنده إثبات حاجته لعدم ماله وعدم نفقة متروكة برسمه ومتى لم يجدها حاكما فله الإنفاق عليه بكل حال لأنه حال ضرورة وبالجملة فالمستحب استئذانه في موضع يجد حاكما لأنه أبعد من التهمة والخروج من الخلاف فإن بلغ واختلفا في قدرها والتفريط قبل قول المنفق لأنه أمين "فإن كان فاسقا أو رقيقا أو كافر واللقيط مسلم أو بدويا ينتقل في المواضع أو وجده في الحضر فأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده"
وفيه مسائل الأولى: أنه لا يقر في يد الفاسق لأنه ليس في حفظه إلا الولاية ولا ولاية لفاسق وفارق اللقطة من حيث إنها في معنى التكسب وإنها إذا انتزعت منه فترد إليه بعد الحول وظاهر الخرقي أنه تقر في يده في الحضر وهو أحد الوجهين لكونه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فيكون أحق فإن أراد السفر به منع لأنه يبعده ممن يعرف حاله فلا يؤمن أن يدعي رقه ويبيعه قال في المغني فعلى قوله ينبغي أن يجب الإشهاد عليه ويضم إليه أمين يشارفه ليؤمن التفريط فيه وفيه وجه يقر في يده مطلقا كاللقطة ويجاب عما ذكر بأن اللقيط ظاهر ومكشوف لا تخفى الخيانة فيه بخلافها ولأنه يمكن أخذ بعضها وإبدالها(5/219)
وإن التقطه في البادية مقيم في حلة
__________
بخلاف اللقيط ولان المال محل الخيانة والنفوس إلى أخذها داعية بخلاف النفوس فإن كان مستور الحال فوجهان
فرع: لا يقر في يد مبذر وإن لم يكن فاسقا قاله في التلخيص فإن اراد السفر به لم يمنع للأمن عليه وقال ابن حمدان السفية كالفاسق
الثانية: أنه لا يقر في يد العبد لأنه لا ولاية له إلا أن يأذن له سيده لأن منافعه مملوكة له فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه فيصير كما لو التقطه سيده وسلمه إليه فإذا أذن له فليس له الرجوع قاله ابن عقيل والأمة كالعبد لكن إن لم يجد أحدا يلتقطه سواه تعين عليه كتخليصه من الغرق ذكره في المغني والشرح
فائدة: المدبر والمكاتب وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن
الثالثة: أنه لا يقر في يد كافر إذا كان اللقيط مسلما لأنه لا ولاية لكافر ولأنه لا يؤمن أن يعلمه الكفر بل الظاهر أنه يربيه على دينه نعم حيث حكم بكفر اللقيط فإنه يقر في يده لأن بعضهم أولياء بعض
الرابعة أنه لا يقر في يد البدوي الذي ينتقل في المواضع لأن فيه إتعابا للطفل بتنقله فعليه يؤخذ منه ويدفع إلى صاحب قرية لأنه أرفه له وأخف عليه وفي آخر أنه يقر في يد لأن الظاهر أنه ولد بدويين وإقرار في يد ملتقطه أرجى لكشف نسبه وأطلقهما في الفروع
الخامسة أنه لا يقر في يد من وجده في الحضر وأراد نقله إلى البادية لأن مقامه في الحضر أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له والظاهر أنه ولد فيه فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به.
"وإن التقطه في البادية مقيم في حله" بكسر الحاء المهملة البيوت المجتمعة وحينئذ يقر في يد لأن الحلة كالقرية في كونه لا يرحل لطلب الماء والكلأ(5/220)
أو من يريد نقله إلى الحضر أقر معه وإن التقطه في الحضر من يريد نقله إلى بلد آخر فهل يقر في يده على وجهين وإن التقطه اثنان قدم الموسر على المعسر والمقيم على المسافر فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما
__________
"أو من يريد نقله إلى الحضر أقر معه" لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدّعة والدين.
"وإن التقطه في الحضر من يريد نقله إلى بلد آخر فهل يقر في يده على وجهين" أحدهما لا يقر في يده لأن بقاءه ببلد أرجى لكشف نسبه والثاني يقر لأن ولايته ثابتة والبلد الثاني كالأول في الرفاهية أشبه المنتقل من أحد جانبي البلد إلى الجانب الآخر وكذا الخلاف لو أراد نقله من قرية إلى قرية أو من حلة إلى حلة وعلى المنع ما لم يكن البلد الذي كان فيه وبيئا كغور بيسان قاله الخرقي وقيل إن نوى الإقامة فيما انتقل به إليه من حلة وقرية وبلد جاز وفي الترغيب من وجده بفضاء خال نقله حيث شاء.
"وإن التقطه اثنان" بحيث إنهما تناولاه جميعا "قدم الموسر على المعسر" لأن ذلك أحفظ للطفل "والمقيم على المسافر" لأنه أرفق بالطفل وعلم منه أنهما لو كانا غير متصفين بما ذكرنا فإنه ينزع من أيديهما ويقدم الأمين على غيره والمسلم على الكافر ولو كان المسلم فقيرا لأن النفع الحاصل بإسلامه أعظم من النفع الحاصل بيساره وعلى قياس قولهم يقدم الجواد على البخيل وفي الترغيب يقدم بلدي على غيره وظاهر العدالة على مستور الحال وقيل سواء لأن احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح.
"فإن تساويا" في الصفات "وتشاحا أقرع بينهما" لقوله تعالى {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (آل عمران: من الآية44) لأنه لا يمكن كونه عندهما في حالة واحدة وكالقرعة في الشركة والقسم والعتق وظاهره ولو كان بينهما مهايأة لاختلاف الأغذية والأنس والإلف والمرأة كالرجل وقيل يسلمه الحاكم إلى أحدهما أو غيرهما فلو رضي أحدهما بتسليمه إلى(5/221)
وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة فإن لم تكن لهما بينة قدم صاحب اليد فإن كان في أيديهما أقرع بينهما فإن لم تكن لهما يد فوصفه أحدهما قدم وإلا سلمه الحاكم إلى من يرى منهما أومن غيرهما
__________
الآخر جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به
"وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة" لأنها أقوى فإن كان لكل منهما بينه قدم أسبقهما تاريخا فإن استوى تاريخهما أو أطلقتا أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى تعارضتا وسقطتا في وجه فيصير كمن لا بينة لهما وفي الآخر يقرع بينهما فإن كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم بينته أو بينة الخارج فيه وجهان مبنيان على الخلاف في دعوى المال.
"فإن لم تكن لهما بينة قدم صاحب اليد" لأن اليد دليل استحقاق الإمساك وظاهره أنه لا يحلف قال القاضي هو قياس المذهب كالطلاق وقال أبو الخطاب ونصره في الشرح يحلف أنه التقطه.
"فإن كان في أيديهما أقرع بينهما" لاستوائهما في السبب ولم يمكن تسليمه إليهما فتثبت القرعة وحينئذ يسلم إلى من تقع القرعة له مع يمينه وعلى قول القاضي لا يمين فإن ادعى أنه أخذه منه قهرا وسأل يمينه حلف وفي المنتخب لا كطلاق.
"فإن لم تكن لهما يد فوصفه أحدهما" بان يقول في ظهره شامة أو بخده علامة قدم ذكر معظم الاصحاب كلقطة المال ولأن الوصف يدل على القوة فقدم به
وذكر القاضي وصاحب المبهج والمنتخب والوسيلة لا يقدم واصفه وذكره في الفنون عن أصحابنا لتأكده لكونه دعوى نسب وللغني بالقافة وكما لو وصف المدعي المدعي
"وإلا" إذا انتفى الوصف "سلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما" ذكره القاضي وأبو الخطاب لأنه لاحق لهما وقيل لا يسلمه الحاكم بل يقرع(5/222)
فصل
وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال وإن قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه
__________
بينهما وفي المغني هو الأولى كما لو كان في أيديهما ولأنهما تنازعا حقا في يد غيرهما أشبه ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما وظاهره أنه لا تخيير للصبي صرح به في الفروع
فصل
"وميراث اللقيط وديته" دية حر "إن قتل لبيت المال" إن لم يخلف وارثا لأنه مسلم ولا وارث له فكان ماله وديته لبيت المال كغير اللقيط وعنه إن قتل خطأ فديته لملتقطه ذكره في الرعاية وإن جنى خطأ عقل عنه بيت المال ولا ولاء عليه وقال شريح وإسحاق ولاءه لملتقطه لقول عمر لأبي جميلة فهو حر ولك ولاؤه ولما روى واثلة بن الأسقع مرفوعا تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وميراث ولدها الذي لاعنت عليه رواه أبو داود وحسنه الترمذي وجوابه بأنه لم يثبت عليه رق ولا على أبائه فلم يثبت عليه ولاء كمعروف النسب وحديث واثلة لا يثبث قاله ابن المنذر وقال في خبر عمر أبو جميلة رجل مجهول لا يقوم بحديثه حجة ولو سلم فمعنى قوله لك ولاؤه أي لك ولاية القيام به وحفظه.
"وإن قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية" نص عليه أي ذلك فعل جاز إذا رآه أصلح لقوله "السلطان ولي من لا ولي له" ومتى عفي على مال أو صالح عليه كان لبيت المال كجنابة الخطأ الموجبة للمال.
"وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه" ورشده في الأشهر ليقتص أو يعفو لأن مستحق الإستيفاء المجني عليه وهو حينئذ لا يصلح فانتظر أهليته ليستوفي حقه ويحبس الجاني إلى بلوغه حتى يستوفي حقه وعنه للإمام القصاص قبل(5/223)
إلا أن يكون اللقيط فقيرا أو مجنونا فللإمام العفو على مال ينفق عليه وإن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط وإن ادعى إنسان أنه مملوه لم يقبل
__________
ذلك لأنه أحد نوعي القصاص فكان له استيفاؤه عن اللقيط كالنفس
وجوابه أنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على مستحقه كما لو كان بالغا غائبا وفارق القصاص في النفس لأن القصاص ليس له بل لوارثه والإمام هو المتولي عليه
"إلا أن يكون اللقيط فقيرا أو مجنونا فللإمام" أي يجب عليه "العفو على مال ينفق عليه" لأنه ليست له حالة معلومة تنتظر لأن ذلك قد يدوم بخلاف العاقل ولا بد من اجتماع الوصفين فإن فقد أحدهما فوجهان.
"إن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوعه فالقول قول اللقيط" لأنه محكوم بحريته فقوله موافق للظاهر بدليل أنه يجب عليه حد الحر إذا كان قاذفا في الأصح وحينئذ يجب القصاص وإن كان الجاني حرا وقيل يقبل قول القاذف لأنه يحتمل صحة قوله بأن يكون ابن أمة فيكون ذلك شبهة في إسقاط الحر وعلم منه أنه إذا صدقه اللقيط أنه رقيق سقط الحد لإقرار المستحق بسقوطه ووجب على القاذف التعزير لقذفه من ليس بمحصن والقصاص ليس بحد وإنما وجب حقا لآدمي ولذلك جازت المصالحة عنه وأخذ بدله وإن مات البالغ ممسكا عنهما فكسائر المسلمين في سائر أحكامه.
"وإن ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل" لأن مجرد الدعوى لا تكفي في انتزاع المدعي للخبر وفي الشرح أنها تسمع الدعوى لأنها ممكنة وإن كانت مخالفة لظاهر الدار وإن لم تكن له بينة فلا شيء له لأنها تخالف الظاهر وتفارق دعوى النسب من وجهين أحدهما أن دعوى النسب لا تخالف الظاهر بخلاف دعوى الرق الثاني أن دعوى النسب يثبت بها حقا للقيط ودعوى(5/224)
إلا ببينة تشهد أن امته ولدته في ملكه ويحتمل ألا يعتبر قولها في ملكه وإن أقر بالرق بعد بلوغه لمس يقبل وعنه يقبل رواية واحدة قال القاضي يقبل فيما عليه رواية واحدة.
__________
الرق يثبت بها حقا عليه فلم تقبل بمجردها
"إلا ببينة تشهد أن امته ولدته في ملكه" لأنها لا تلد في ملكه إلا ملكه يحترز به عما ولدته قبل ملكه وهذا ليس بشرط فإنها لو شهدت بأنه عبده أو مملوكه حكم له به وإن لم يذكر سبب الملك كما لو شهدت بملك دار ذكره في المغني والشرح.
"ويحتمل ألا يعتبر قولها في ملكه" لأن أمته ملكه فنماؤها ملكه كسمنها ومتى شهدت البينة باليد فإن كانت للملتقط لم يثبت بها ملك وإن كانت لأجنبي حكم له باليد والقول قوله مع يمينه في الملك وفي الفروع وإن ادعى رقه وهو طفل أو مجنون وليس بيد غيره بل بيده وليس واجده فهو له وإن أنكر بعد بلوغه وفي الشرح إن كانت الدعوى بعد بلوغ اللقيط كلف إجابته فإن أنكر وثم بينة حكم بها فإن كان اللقيط تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته.
"وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل" على المذهب لأنه يبطل حق الله من الحرية المحكوم بها وهذا ظاهر فيما إذا كان قد اعترف بالحرية لنفسه قبل ذلك وكذا إذا لم يعترف في الأصح "وعنه: يقبل" لأنه مجهول الحال فيقبل إقراره كالحد والقصاص وإن تضمن فوات نفسه وشرط في المغني عليها ألا يكون أقر بالحرية فإن كان قد أقر بها لم يقبل لأنه يكون مكذبا لقوله كما لو أقر بدين ثم جحده.
"وقال القاضي يقبل فيما عليه رواية واحدة" وهو قول المزني لأنه أقر بما يوجب حقا عليه وحقا له فوجب أن يثبت ما عليه فقط كما لو قال لفلان عندي ألف ولي عنده رهن(5/225)
وهل يقبل في غيره على روايتين وإن قال أنه كافر لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد وقيل يقبل قوله إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله
__________
"وهل يقبل في غيره على روايتين" إحداهما يقبل إقراره في الجميع لأن هذه الأحكام تتبع الرق فإذا ثبت الأصل بقوله ثبت التبع كما لو شهدت امرأة بالولادة فإنها تثبت ويثبت النسب تبعا فإذا قلنا يقبل إقراره بالرق بعد نكاحه وهو ذكر وكان قبل الدخول فسد النكاح في حقه ولها عليه نصف المهر وإن كان بعد الدخول فسد نكاحه وعليه المهر وولده حر تابع لأمه فإن كان متزوجا بأمة فولده لسيدها ويتعلق المهر برقبته وإذا قلنا يقبل قوله في جميع الأحكام فالنكاح فاسد ويفرق بينهما ولا مهر لها قبل الدخول وبعده على الخلاف وإن كان أنثى وقلنا يقبل فيما عليه فالنكاح صحيح في حقه ولا مهر قبل الدخول وبعده لا يسقط مهرها ولسيدها الأقل من المسمى أو مهر المثل والولد حر
فرع: إذا أقر بالرق ابتداء ابتداء لإنسان فصدقه فهو كما لو أقر به جوابا وإن كذبه بطل إقراره فإن أقر به بعد ذلك لآخر جاز وقيل لا يسمع إقراره الثاني لان إقراره الأول يتضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له وكما لو اعترف بالحرية ثم أقر بالرق.
"وإن قال أنه كافر" بعد البلوغ "لم يقبل قوله" وهو مسلم سواء كان حكم بإسلامه أو كفره فلا يقبل إقراره بالكفر بعد ذلك لأنه إنكار بعد إقرار فلا يقبل كغيره وإن وصف الكفر وهو ممن حكم بإسلامه بالدار لم يقر على كفره "وحكمه حكم المرتد" أي إذا بلغ استتيب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل
"وقيل يقبل قوله" حكاه القاضي أي يقر على كفره لأن قوله أقوى من الظاهر فيقر بجزية ورد بأن دليل الإسلام وجد من غير معارض فثبت حكمه واستقر فلا تجوز إزالة حكمه كما لو كان ولد مسلم
"إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله" لأن إسلامه ثبت يقينا فلا يقبل(5/226)
وإن أقر إنسان أنه ولده الحق به مسلما كان أو كافرا رجلا كان أو امرأة حيا كان الملتقط أو ميتا
__________
إقراره بمنافيه وقال القاضي إن وصف كفرا يقر عليه بالجزية عقدت له الذمة فإن امتنع من التزامها أو وصف كفرا لا يقر عليه ألحق بمأمنه وبعده في المغني لأنه لا يخلو إما أن يكون ابن حربي فهو حاصل في أيدي المسلمين بغير عهد ولا عقد فيكون لواجده ويكون مسلما تبعا لسابيه أو يكون ولد ذميين أو أحدهما فلا يقر على الانتقال إلى غير دين أهل الكتاب أو يكون ولد مسلم أو مسلمين فيكون مسلما قال أحمد في نصرانية ولدت من فجور ولدها مسلم لأن أبويه يهودانه أو ينصرانه وهذا ليس معه إلا أمه
فصل
"وإن أقر إنسان أنه ولده ألحق به" لأن الإقرار به محض مصلحة الطفل لاتصال نسبه ولا مضرة على غيره فيه فقبل كما لو أقر له بمال وشرطه أن ينفرد بدعوته وأن يمكن كونه منه ثم إن كان المقر به ملتقطه أقر في يده وإن كان غيره فله أن ينتزعه من الملتقط لأنه قد ثبت أنه أبوه فيكون أحق به كما لو قامت به بينة.
"مسلما كان" المدعي "أو كافرا" لأن الكافر يثبت له النكاح والفراش فيلحق به كالمسلم حرا كان أو عبدا لأن له حرمة فيلحق به كالحر لكن لا تثبت له حضانة ولا تجب نفقته عليه ولا على سيده لأن الطفل محكوم بحريته فعلى هذا تجب في بيت المال "رجلا كان أو امرأة" على المذهب لأن المرأة أحد الأبوين فيثبت النسب بدعواها كالأب وإذن يلحقها نسبه دون زوجها وكذا إذا ادعى الرجل نسبه لم يلحق بزوجته وقيل لا يثبت النسب بدعوتها بحال وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم وجوابه بأنها تدعى حقا لا منازع فيه ولا مضرة على احد فقبل كدعوى المال
"حيا كان الملتقط أو ميتا" لأنهما سواء معنى فوجب استواؤهما حكما(5/227)
ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة تشهد أنه ولد على فراشه وعنه لا يلحق بامراة ذات زوج وعنه إن كان لها إخوة أو نسب معروف لم يلحق بها وإلا لحق وإن ادعاه اثنان أو أكثر لأحدهم بينة قدم بها فإن تساووا في البينة.
__________
"ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة تشهد أنه ولد على فراشه" ذكره بعض أصحابنا لأن اللقيط محكوم بإسلامه بظاهر الدار فلا يقبل قول الكافر في كفره بغير بينة كما لو كان معروف النسب ولأنها دعوى تخالف الظاهر فلم تقبل بمجردها كدعوى الرق وإذا قبل في النسب لعدم الضرر والكفر بخلافه فإن فيه ضررا عظيما لأنه سبب الخزي في الدنيا والآخرة فإذا أقام بينة بما ذكر لحقه نسبا ودينا لتحقق الولادة والولد المحقق يتبع مطلقا وقياس المذهب أنه لا يلحقه في الدين إلا أن تشهد البينة أنه ولد كافرين حيين لأن الطفل يحكم بإسلامه بإسلام أحد أبويه أو موته.
"وعنه لا يلحق بامراة ذات زوج" لإفضائه إلى إلحاق النسب بزوجها بغير إقراره ولا رضاه وظاهره أنها إذا لم تكن ذات زوج أنه يلحقها لعدم الضرر.
"وعنه إن كان لها إخوة أو نسب معروف لم يلحق بها" نقلها الكوسج لأنه يلزم من لحوق النسب بها لحوق النسب بالأخوة والنسب المعروف ولأنه إذا كان لها أهل ونسب معروف لم تخف ولادتها عليهم ويتضررون بإلحاق النسب بها لما فيه من تعييرهم بولادتها من غير زوجها "وإلا" أي إذا لم يكن كذلك "لحق" لعدم الضرر.
"وإن ادعاه اثنان أو أكثر" سمعت لأن كل واحد لو انفرد صحت دعوته فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى ولا فرق بين المسلم والكافر والحر والعبد "لأحدهم بينة قدم بها" لأنها تظهر الحق وتثبته "فإن تساووا في البينة" أي أقام كل منهما بينة تعارضتا وسقطتا لأنه لا يمكن استعمالهما هنا بخلاف المال فإنه يقسم بينهما أو بالقرعة والقرعة لا تثبت النسب لا يقال إنما يثبت هنا بالبينة لا بالقرعة وإنما هي مرجحة لأنه يلزم إذا اشترك رجلان في وطء(5/228)
أو عدمها عرض معهما على القافة أو مع أقاربهما إن ماتا فإن ألحقته بإحداهما لحق به وإن ألحقته بهما لحق بهما .
__________
امرأة وأتت بولد أن يقرع بينهما ويكون لحوقه بالوطء لا بالقرعة "أو عدمها" أي لم يكن لهما بينة "عرض معهما" أي مع المدعيين "على القافة" وهم قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة معينة بل من عرفت منه المعرفة بذلك وتكررت منه الإصابة فهو قائف وقيل أكثر ما يكون في بني مدلج رهط مجزز وكان إياس بن معاوية قائفا وكذا شريح.
"أو مع أقاربهما وفي الكافي والشرح عصبتهما "إن ماتا فإن ألحقته بأحدهما لحق به" في قول الجماهير وقال أصحاب الرأي لا حكم للقافة ويلحق بالمدعيين جميعا لأن الحكم بها مبني على الشبه والظن فإن الشبه يوجد بين الأجانب وينتفي بين الأقارب وبدليل الرجل الذي ولد له غلام أسود وقوله عليه السلام لعله نزعه عرق ولو كان الشبه كافيا لاكتفى به في ولد الملاعنة وحجتنا ما رواه الشيخان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري أن مجززا المدلجي نظر آنفا إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض وقضى به عمر بحضرة الصحابة فكان إجماعا ولأنه يرجع لقولها كالبينة ويدل عليه قوله عليه السلام في ولد الملاعنة "لولا الإيمان لكان لي ولها شأن" فحكم عليه السلام به للذي أشبهه منهما وحينئذ فإن انتفى المانع وجب العمل به لوجود مقتضيه.
"وإن ألحقته بهما" لحق بهما لما روى سعيد ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما وبإسناده عن الشعبي قال وعلي يقول هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه ورواه الزبير ابن بكار عن عمر فعلى هذا يرثهما ميراث ابن ويرثانه جميعا ميراث أب واحد وإن مات أحدهما فله إرث أب كامل ونسبه من الأول قائم نص عليه كما أن الجدة إذا انفردت(5/229)
ولا يلحق بأكثر من أم واحدة وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحق بهم لحق بهم وإن كثروا وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم توجد قافة ضاع نسبه في احد الوجهين
__________
أخذت ما تأخذه الجدات والزوجة كالزوجات
فرع: إذا ألحقته القافة بكافر أو أمة لم يحكم برقه ولا كفره لأنه ثبت إسلامه وحريته بظاهر الدار فلا يزول ذلك بظن ولا شبهة.
"لا يلحق بأكثر من أم واحدة" يعني إذا ادعت امرأتان نسب اللقيط فهو مبني على قبول الدعوى منهما فإن كانت إحداهما ممن تقبل دعواها دون الأخرى فهو ابنها كالمنفردة وإن كانتا ممن لا تقبل دعواهما فوجودهما كعدمهما وإن كانتا جميعا ممن تسمع دعواهما فهما كالرجلين لكن لا يلحق بأكثر من أم واحدة فإن ألحقته بأمين سقط قولها
فرع: إذا ادعى نسبه رجل وامرأة فلا تنافي بينهما لإمكان كونه منهما بنكاح أو وطء شبهة فيلحق بهما جميعا ويكون ابنهما بمجرد دعواهما كالإنفراد.
"وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحق بهم لحق بهم وإن كثروا" نص عليه في رواية مهنا أنه يلحق بثلاثة لأن المعنى الذي لأجله الحق باثنين موجود فيما زاد عليه قياسا وقولهم إن إلحاقه باثنين على خلاف الأصل ممنوع وإن سلمناه لكن ثبت لمعنى موجود في غيره فيجب تعدية الحكم به كإباحة الميتة في المخمصة أبيح على خلاف الأصل ويقاس عليه مال الغير وقال القاضي لا يلحق بأكثر من ثلاثة ورد بأنه تحكم فإنه لم يقتصر على المنصوص ولا عدي الحكم إلى ما في معناه "وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين" للأثر فيقتصر عليه فعلى هذا يكون كمن ادعاه اثنان ولا قافة.
"وإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم توجد قافة ضاع نسبه في أحد الوجهين" وهو قول الوجهين وهو قول أبي بكر وجزم به في الوجيز وفي المغني أنه أقرب لأنه لا دليل لأحدهم أشبه من لم يدع نسبه فعلى هذا لا يرجح أحدهم بذكر(5/230)
وفي الآخر يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما أو ما إليه أحمد وكذلك الحكم إن وطيء اثنان امرأة بشبهته أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو أم ولده اليسرى وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطيء أري القافة معهما
__________
علامة في جسده لأنه لا يرجح به في سائر الدعاوى سوى الإلتقاط في المال وكذا إذا اختلف قائفان أو اثنان وثلاثة وإن اتفق اثنان وخالفا ثالثا أخذ بقولهما نص عليه ومثله بيطاران وطبيبان في عيب ولو رجعا.
"وفي الآخر" وهو قول ابن حامد "يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما" لأن الإنسان يميل طبعه إلى قريبه دون غيره ولأنه مجهول النسب أقر به من هو أهل الإقرار فيثبت نسبه كما لو انفرد "أومأ إليه أحمد" حكاه القاضي عنه في رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد فعلى قوله لو انتسب إلى أحدهما ثم عاد فانتسب إلى الآخر أو نفى نسبه من الأول ولم ينتسب إلى الآخر لم يقبل منه لأنه قد ثبت نسبه فلا يقبل رجوعه عنه فلو الحقته القافة بغير من انتسب اليه بطل انتسابه لأنها اقوى كالبينة مع القافة.
"وكذلك الحكم إن وطيء اثنان امرأة بشبهة أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو أم ولده بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطيء أري القافة معهما" كاللقيط فألحق بمن ألحقوه به منهما سواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما وقد ثبت الفراش ذكره القاضي وشرط أبو الخطاب في وطء الزوجة أن يدعي الزوج أنه من الشبهة فعلى قوله إن ادعاه لنفسه اختص به لقوة جانبه ذكره في المحرر وفي ثالث يكون صاحب الفراش أولى به عند عدم القافة لثبوت فراشه ذكره في الواضح وكذلك إن تزوجها كل منهما تزويجا فاسدا أو كان أحدهما صحيحا والآخر فاسدا أو بيع أمته فوطئها المشتري قبل الإستبراء لكن متى ألحق بالقافة أو الإنتساب وهو ينكره فهل له نفيه باللعان على روايتين(5/231)
ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة
__________
"ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجريا في الإصابة" كذا في المحرر والوجيز لأن قوله حكم فاعتبرت له هذه الشروط وظاهره أنه لا تعتبر الحرية وهو وجه واعتبرها في الشرح وغيره ولا الإسلام وفي المستوعب لم أجد أحدا من أصحابنا اشترط إسلام القائف وعندي أنه يشترط ويكفي قائف واحد نص عليه كحاكم فيكفي مجرد خبره لقصة مجزز وعنه يعتبر اثنان ولفظ الشهادة منهما اختاره جمع فإن ألحقته بواحد ثم جاءت أخرى فألحقته بآخر كان للأول لأن قول القائف جرى مجرى الحكم فلم ينقض بمخالفة غيره وكذا لو ألحقته بواحد ثم عادت فألحقته بغيره فإن أقام الآخر بينة أنه ولده حكم به وسقط قول القائف وقوله مجربا في الإصابة أي كثير الإصابة فمن عرف مولودا بين نسوة ليس فيهن أمه ثم وهي فيهن فأصاب كل مرة فقائف وقال القاضي يترك الصبي بين عشرة رجال غير مدعية فإن ألحقه بأحدهم سقط قوله وإن نفاه عنهم ترك مع عشرين منهم مدعية فإن ألحقه به علمت أصابته وإلا فلا وقضية إياس بن معاوية في ولد الشريف من جارية شاهدة بذلك
ملحق: إذا كان لامرأتين ابن وبنت فادعت كل واحدة منهما أنها أم الابن عرض معهما على القافة وذهب بعضهم أنه يعرض لبنهما على أهل الطب والمعرفة فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه ووزنه وقيل لبنها خفيف دون لبنه لأنه ثقيل وعلى الأول إن لم توجد قافة اعتبر باللبن خاصة(5/232)
كتاب الوقف
باب الوقف
...
كتاب الوقف
وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
__________
كتاب الوقف
وهو مصدر وقف يقال وقف الشيء وأوقفه وحبسه وأحبسه وسبله كله بمعنى واحد لكن أوقف لغة شاذة عكس أحبسه وهو مما اختص به المسلمون قال الشافعي لم يحبس أهل الجاهلية وإنما حبس أهل الإسلام وهو من القرب المندوب إليها والأصل فيه ما روى عبدالله بن عمر قال: " أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر فيها فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس عندي منه فما تأمرني فيه قال "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث" قال فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه" وفي لفظ "غير متأثل" متفق عليه
وقال جابر لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف ولم يره شريح وقال لا حبس عن فرائض الله قال أحمد هذا مذهب أهل الكوفة ولعله في غير المساجد ونحوها قال القرطبي لا خلاف بين الإئمة في تحبيس القناطر والمساجد واختلفوا في غير ذلك والأول قول أكثر العلماء سلفا وخلفا قال أحمد من يرد الوقف إنما يرد السنة التي أجازها النبي صلى الله عليه وسلم وفعلها أصحابه ومن الغرائب ما حكاه صاحب المبسوط أن لزوم الوقف من الأنبياء عليهم السلام خاصة وجوابه بأن الوقف قربة مندوب إليها لقوله تعالى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} (الحج: من الآية77) .
"هو تحبيس الاصل وتسبيل المنفعة" كذا في التلخيص والوجيز ومرادهم بتسبيل المنفعة أن يكون على بر أو قربة وأحسنه حبس مال يمكن الإنتفاع به مع(5/233)
وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجدا ويأذن للناس في الصلاة فيه أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها أو سقاية ويشرعها لهم والأخرى لا يصح إلا بالقول.
__________
بقاء عينه ممنوع من التصرف في عينه بلا عذر مصروف منافعه في البر تقربا إلى الله تعالى وله أربعة أركان الواقف وشرطه أن يكون جائز التصرف والموقوف عليه وما ينعقد به وسمي وقفا لأن العين موقوفة وحبسا لأن العين محبوسة.
"وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه" عرفا "مثل أن يبني مسجدا ويأذن للناس في الصلاة فيه أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها" هذه الرواية ظاهر المذهب ونص عليها في رواية جماعة لأن العرف جار بذلك وفيه دلالة على الوقف فجاز أن يحصل به كالقول قال الشيخ تقي الدين أو أذن فيه وأقام نقله أبو طالب وجعفر ولو نوى خلافه.
"أو سقاية ويشرعها لهم" أي للناس والمراد به البيت المبني لقضاء حاجة الناس وليس منصوصا عليه في كتب اللغة والغريب وإنما المذكور فيها أن السقاية بكسر السين الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها.
"والأخرى لا يصح إلا بالقول" ذكرها القاضي اختارها أبو محمد الجوزي وقد سأله الأثرم عن رجل أحاط حائطا على أرض ليجعلها مقبرة ونوى بقلبه ثم بدا له العود فقال إن كان جعلها لله فلا يرجع ولأن هذا تحبيس على وجه القربة فوجب أن يتعين باللفظ كالوقف على الفقراء لكن قال في المغني وهذه لا تنافي الأولى فإنه إن أراد بقوله إن كان جعلها لله أي نوى بتحويطها جعلها لله فهذا تأكيد للأولى وزيادة عليها إذ منعه من الرجوع بمجرد التحويط مع النية وإن أراد بقوله جعلها لله أي اقترنت بفعله قرائن دالة على ذلك من إذنه للناس في الدفن فيها فهي عين الأولى وإن أراد أنه وقفها بقوله فيدل بمفهومه على أن الوقف لا يحصل بمجرد التحويط والنية(5/234)
وصريحه وقفت وحبست وسلبت وكنايته تصدقت وحرمت وأبدت فلا يصح الوقف بالكناية إلا أن ينويه أو يقرن بها أحد الألفاظ الباقية
__________
وهذا لا ينافي الأولى لأنه فيها يضم إلى فعله إذنه للناس في الدفن ولم يوجد هنا فانتفت هذه الروايات للإحتمالات وصار المذهب رواية واحدة فصار بمنزلة من قدم إلى ضيفه طعاما كان إذنا في أكله ومن ملأ خابية ماء كان سبيلا له وكالبيع والهبة وأما الوقف على المساكين فلم تجربه عادة بغير لفظ
فرع: الاخرس يصح وقفه بالإشارة المفهمة كغيره.
"وصريحه وقفت" لأنه موضوع له وكلفظة التطليق في الطلاق "وحبست وسبلت" لأنه ثبت لهما عوض في الشرع فمتى أتى بواحده منها صار وقفا من غير انضمام أمر زائد ولو عبر ب أو ك الوجيز والفروع لكان أولى وفي كلام بعضهم أن الصريح لا ينحصر في الثلاثة وفي المغني والكافي إذا جعل علو موضع أو سفله مسجدا صح وكذا وسطه وإن لم يذكر استطراقا كبيعه فيتوجه منه الإكتفاء بلفظ يشعر بالمقصود وهو أظهر على أصلنا فيصح جعلت هذا للمسجد أو فيه ونحوه وهو ظاهر نصوصه فيكون تمليكا للمسجد جزم به الحارثي أي للمسلمين لنفعهم به وظاهر كلام المؤلف لا يكون تمليكا لأنهم ذكروا في الإقرار له وجهين كالحمل.
"وكنايته تصدقت وحرمت وأبدت" لأنه لم يثبت لها عرف لغوي ولا شرعي لأن الصدقة تستعمل في الزكاة وهي ظاهرة في صدقة التطوع والتحريم يستعمل في الظهار والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم أو تأبيد الوقف.
"فلايصح الوقف بالكناية" مجردة فعلى هذا لا بد من انضمام شيء آخر إليها ليترجح إفادتها للوقف وأشار إليه بقوله.
"إلا أن ينويه" فيصح ويكون على ما نوى إلا أن النية تجعله وقفا في الباطن دون الظاهر.
"أو يقرن بها أحد الألفاظ الباقية" من الصرائح والكناية وهي خمسة علم(5/235)
أو حكم الوقف فيقول تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة ولاتباع ولا توهب ولا تورث ولا يصح إلا بشروط أربعة أحدهما أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الإنتفاع بها دائما مع بقاء عينها كالعقار والحيوان والأثاث والسلاح.
__________
ذلك من تمثيله لأن اللفظ يترجح بذلك لإرادة الوقف "أو" يقرن به "حكم الوقف فيقول تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة" هذا مثال للأول ولا تباع ولا توهب ولا تورث هذا مثال للثاني لأن هذه القرينة تزيل الإشتراك وذكر أبو الفرج أن أبدت صريح وأن صدقة موقوفة أو مؤبدة أو لاتباع كناية.
"ولا يصح إلا بشروط أربعة" لم يتعرض المؤلف للواقف لظهوره وشرطه أن يكون مالكا جائز التصرف وهو في الصحة من رأس المال وفي مرض الموت أو ما نزل منزلته من الثلث.
"أحدها أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الإنتفاع بها دائما مع بقاء عينها" قال أبو محمد الجوزي بقاء متطاولا أدناه عمر الحيوان "كالعقار" لحديث عمر قال أحمد في رواية الأثرم إنما الوقف في الدور والأرضين على ما وقف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عقيل وظاهر هذا حصره على العقار لأنه هو الذي يتأبد حقيقة بخلاف غيره.
"والحيوان" لما روى أبو هريرة مرفوعا "من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا واحتسابا فإن شبعه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة حسنات" رواه البخاري ولأنه يحصل تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فصح وقفه كالعقار.
"والأثاث والسلاح" لقوله عليه السلام "أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاد في سبيل الله" متفق عليه ولفظ البخاري وأعتده قال الخطابي الأعتاد ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآله الجهاد ونقل المروذي لايجوز وقف سلاح ذكره أبو بكر وعنه ولا منقول لأنها أعيان(5/236)
ويصح وقف المشاع.
__________
لا تبقى على التأبيد فلم يجز وقفها كالطعام ورد بالفرق قوله في عين يحترز به عن الموصى بمنفعته فلا يصح وقفه من مالك المنفعة قوله يجوز بيعها يحترز به عن الحر فإنه لا يصح أن يقف نفسه
وأرض السواد قال الإمام أحمد القطائع ترجع إلى الأصل إذا جعلها للمساكين فظاهره أنه يصح وقفها وهي في الأصل وقف ومعناه أن وقفها يطابق الأصل لا أنها تصير وقفا بهذا القول قاله في الشرح ويستثنى منه وقف المصحف فإنه يصح رواية واحدة قاله في الوسيلة. والماء قال الفضل سألت أحمد عن وقف الماء فقال إن كان شيئا استجازوه بينهم جاز وحمله القاضي وغيره على وقف مكانه وهو بعيد لأن وقف مكان الماء لا تتوقف صحته على استجازتهم له ومقتضاه أن النص شاهد بصحة الوقف لنفس الماء قال الحارثي وهو مشكل من وجهين أحدهما إثبات الوقف فيما لم يملكه فإن الماء يتجدد شيئا فشيئا والثاني ذهاب العين بالإنتفاع والوقف يستدعى بقاء أصل ينتفع به على ممر الزمان ولكن قد يقال مادة الحصول من غير تأثير بالإنتفاع تنزل منزلة بقاء العين مع الإنتفاع وتأتي تتمة ذلك "ويصح وقف المشاع" في قول أكثر الفقهاء لما روى ابن عمر أن عمر قال إن المائة سهم التي بخيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي منها فاردت أن اتصدق بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم "احبس أصلها وسبل ثمرتها" رواه النسائي وابن ماجة ولأنه عقد يجوز على بعض الجملة مفرزا فجاز عليه مشاعا كالبيع ويعتبر أن يقول كذا سهما من كذا سهما قاله أحمد
قال في الفروع ثم يتوجه أن المشاع لو وقف مسجدا أثبت حكم المسجد في الحال فيمنع منه الجنب عند القسمة متعينة هنا كتعيينها طريقا للإنتفاع بالموقوف وفي الرعاية الكبرى لو وقف نصف عبده صح ولم يسر إلى بقيته وإن كان لغيره(5/237)
ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية وعنه لا يصح ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار ولا غير معين كأحد هذين ولا وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد والكلب
__________
فإن أعتق ما وقفه منه أو أعتقه الموقوف عليه لم يصح ولم يسر وإن اعتق الواقف بقيته أو أعتقه شريكه فيه عتق بقيته ولم يسر إلى الموقوف وإن علق عتقه بصفة ثم وقفه قبلها صح وقفه.
"ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية" لما روى نافع أن حفصة ابتاعت حليا بعشرين ألفا حبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته رواه الخلال ولوجود الضابط ولأن فيه نفعا مباحا مقصودا فجاز أخذ الأجرة عليه وصح وقفه كوقف السلاح في سبيل الله.
"وعنه: لا يصح" نقلها الأثرم وحنبل قال في المغني والشرح وأنكر حديث حفصه لأن التحلي ليس هو المقصود الاصلي من الأثمان فلم يصح وقفها كالدنانير ورد بأن المفسد فيها عدم الانتفاع بعينها وهذا في الحلي معدوم
قال في التلخيص وهو محمول على رواية منع وقف المنقول وذكر القاضي في تعليقه رواية الأثرم وحنبل ولفظها لا أعرف الوقف في المال فإن لم يكن في الرواية غير هذا ففي أخذ المنع منه نظر قاله الزركشي.
"ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار" لأنه نقل ملك على وجه القربة فلم يصح في غير معين كالهبة.
"ولا" وقف "غير معين كأحد هذين" العبدين لما ذكرنا وفيه احتمال في العتق فيخرج المبهم منهما بالقرعة "ولا وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد" لأنه نقل للملك فيها في الحياة فلم يجز كالبيع وفيه وجه وقيده ابن حمدان إن صح بيعها والكلب لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
"والكلب" أبيح الإنتفاع به على خلاف الأصل للضرورة فلم يجز التوسع فيها وكذا لا يصح وقف الحمل منفردا(5/238)
ولا ما لا ينتفع به مع بقائه دائما كالأثمان والمطعوم والرياحين الثاني أن يكون على بر كالمساكين والمساجد
__________
"ولا" يصح وقف "مالا ينتفع به مع بقائه دائما كالأثمان" وهي الدنانير والدراهم "والمطعوم والرياحين" في قول عامة العلماء لأن مالا ينتفع به إلا بإتلاف لا يصح وقفه كالشمع ليشعله وقيل يصح في الأثمان بناء على إجارتها ورد لأن تلك المنفعة ليست المقصودة التي خلقت له الأثمان فلم يجز الوقف له كوقف الشجر على نشر الثياب ويستثنى منه لو وقف فرسا بسرج ولجام مفضضين فإنه يصح ويدخل تبعا نص عليه أما لو وقفهما للتحلي والوزن فاختار صاحب التلخيص الصحة كإجارتها لذلك واختار المؤلف وجمع ضدها لأن ذلك ليس من المرافق العامة فإن أطلق بطل وقيل يصح ويحمل عليهما.
مسألة:
لا يصح وقف قنديل نقد على مسجد ويزكيه ربه وقيل يصح فيكسر ويصرف لمصلحته وقال ابن المنجا تمثيله بالمطعوم والرياحين فيه نظر من جهة أنهما لا يبقيان فيحذفان ويقتصر على التمثيل بالأثمان أو يبقيان مع حذف مع بقائه فإنه يصح أن يقال إنهما لا ينتفع بهما دائما لأن نفعهما يحصل في بعض الزمن وعلم منه أن وقف مالا منفعة فيه كالعين المؤجرة لا يصح لعدم وجود المعنى نعم إن وقفها مدة الإجارة إذا انقضت صح إن قيل يصح تعليق الوقف على شرط.
"لثاني أن يكون على بر" ومعروف إذا كان الوقف على جهة عامة لأن المقصود منه التقرب إلى الله تعالى وإذا لم يكن على بر لم يحصل المقصود "كالمساكين والمساجد" فإذا قال جعلت ملكي للمسجد صار حقا من حقوقه ولا يعتبر قبول ناظره لتعذره بالقبول كحالة وقف المسجد فإنه لا يشترط قبوله لأن الناظر لا يكون إلا بعد الوقف(5/239)
والقناطر والأقارب مسلمين كانوا أو من أهل الذمة ولا يصح على الكنائس وبيوت النار
__________
"والقناطر" والسقايات والمقابر وكتب العلم "والأقارب مسلمين كانوا أو من أهل الذمة" نص عليه لأن القريب الذمي موضع القربة بدليل جواز الصدقة عليه ويصح الوقف على أهل الذمة جزم به الأكثر لأن صفية وقفت على أخ لها يهودي ولأنهم يملكون ملكا محترماً ولأن من جاز أن يقف عليه الذمي جاز أن يقف المسلم عليه كالمسلم وصحح الحلواني على فقرائهم وصححه في الواضح من ذمي عليهم وعلى بيعة وكنيسة ومقتضى كلام صاحب التلخيص والمحرر أنه لايصح الوقف عليهم لأن الجهة معصية بخلاف أقاربه وإن وقف ذمي على ذمي شيئا وشرطه أن يستحقه ما دام ذميا فأسلم فله أخذه أيضا لأن الواقف عينه له ويلغو شرطه ورده في الفنون وقيل يشترط أن لا يكون معصية فيصح في المباح كالوقف على الأغنياء وقيل ومكروه
فائدة: يصح الوقف على الصوفية وهم المشتغلون بالعبادات في غالب الأوقات المعرضون عن الدنيا قال الشيخ تقي الدين فمن كان منهم جماعا للمال أو لم يتخلق بالأخلاق المحمودة ولا تأدب بالآداب الشرعية غالبا أو فاسقا لم يستحق ولم يعتبر الحارثي الفقر قال في الفروع ويتوجه احتمال لا يصح عليهم ولهذا قال الإمام ما رأيت صوفيا إلا سلما الخواص قاله أبو محمد الجويني إذ ليس له حد يعرف به.
"ولا يصح على الكنائس وبيوت النار" والبيع لأن ذلك معصية لكون أن هذه المواضع بيت للكفر والمسلم والذمي سواء قال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة ضياعا وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا والضياع بيد النصارى فلهم أخذها وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم وحكم الوقف على قناديل البيعة ومن يخدمها ويعمرها كالوقف عليها قاله في المغني والشرح وإن قال أنت حر بشرط أن تخدم الكنيسة سنة بعد موتي وهما نصرانيان فأسلم العبد قبل تمامها عتق في الحال وعنه تلزمه القيمة لبقية الخدمة وعنه لا وهي(5/240)
وكتابة التوراة والإنجيل ولا على حربي ولا مرتد ولا يصح على نفسه في إحدى الروايتين وإن وقف على غيره واستثنى الأكل منه
__________
أصح وأوفق لأصوله.
"وكتابة التوارة والإنجيل" للإعانة على المعصية فإنها منسوخة وقد بدل بعضها غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر شيئا استكبته منها وقال "أفي شك أنت يا ابن الخطاب ألم آت بها بيضاء نقية ولو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي" وكتب الزندقة من باب أولى.
"ولا على حربي ولا مرتد" لأن أموالهما مباحة في الأصل تجوز إزالتها فما يتجدد لهم أولى ولانتفاء الدوام لأنهما مقتولان عن قرب
تنبيه: لا يصح الوقف على قطاع الطريق ولا على المغاني ولا التنوير على قبر وتبخيره ولا على من يقيم عنده أو يخدمه ولا وقف ستور لغير الكعبة وصححه ابن الزاغوني فيصرف لمصلحته ذكره ابن الصيرفي.
"ولايصح على نفسه في إحدى الروايتين" قال في رواية أبي طالب لاأعرف الوقف إلا ما أخرجه لله تعالى أو في سبيله فإن وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه فعليها يكون باطلا وجزم به الأكثر وقدمه في الفروع لأن الوقف تمليك إما للرقبة أو للمنفعة وكلاهما لا يصح لأن الإنسان لا يجوز له أن يملك نفسه من نفسه كما لا يجوز أن يبيع ماله من نفسه والأصح أنه يصرف لمن بعده في الحال.
والثانية يصح ذكره في المذهب ظاهر المذهب واختاره ابن أبي موسى وابن عقيل وأبو المعالي والشيخ تقي الدين لأنه يصح أن يقف وقفا فينتفع به كذلك إذا خص نفسه بانتفاعه وكشرط غلته له ومتى حكم به حاكم حيث يجوز له الحكم وظاهر كلامهم ينفذ حكمه ظاهرا لأنها مسألة اجتهادية وهل ينفذ باطنا فيه خلاف.
"وإن وقف على غيره واستثنى" كل الغلة أو بعضها له أو لولده "الأكل منه(5/241)
مدة حياته صح الثالث أن يقف على معين يملك ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد ولا على حيوان لا يملك كالعبد والحمل
__________
مدة حياته" أو مدة معلومة "صح" الوقف والشرط نص عليه واحتج بأنه قال سمعت ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري أن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل أهله منها بالمعروف وشرط عمر أكل الوالي عليها وكان هو الوالي عليها وفعله جماعة من الصحابة وقيل لا يصح الوقف لأنه إزالة ملك فلم يجز اشتراط نفعه لنفسه كالبيع وقيل لا يصح شرطه فإن صح فمات في أثناء المدة كان لورثته ويصح إجارتها. "الثالث: أن يقف على معين يملك" لأن الوقف تمليك فلم يصح غير معين كالهبة "ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد" لما ذكرنا ولا على أحد هذين وفيه وجه بناء على أنه لا يفتقر إلى قبول ولا على معدوم أصلا كوقفه على من سيولد لي أو لفلان وصححه فيه في المغني لأنه يراد للدوام بخلاف الوصية وفي الترغيب هو منقطع الأول ولم يعتبر الحارثي أن يملك لحصول معناه فيصح لعبد وبهيمة ينفقه عليهما
"ولا على حيوان لا يملك كالعبد" قال أحمد فيمن وقف على ممالكيه لا يصح الوقف حتى يعتقهم وظاهره ولو قلنا أنه يملك بالتمليك لأن ملكه كالعدم وقيل يصح إن قلنا يملك به ويكون لسيده والمدبر وأم الولد كالقن وكذا المكاتب في الأصح لأن ملكه غير مستقر لا يقال الوقف على المساجد صحيح وهي لا تملك فينبغي أن يصح هنا لأن الوقف على المسلمين إلا أنه عين في نفع خاص لهم فيرد أنه يصح على الكنائس ويكون الوقف على أهل الذمة
وجوابه أن الجهة التي عين صرف الوقف فيها ليست نفعا بل هي معصية محرمة يزدادون بها عقابا بخلاف المساجد "والحمل" لما ذكرنا وصححه ابن عقيل والحارثي كوصية قال في الفروع ويتوجه في الوقف على حمل صحة(5/242)
والملك والبهيمة الرابع أن يقف ناجزا فإن علقه على شرط لم يصح إلا أن يقول هو وقف بعد موتي فيصح في قول الخرقي وقال أبو الخطاب لايصح.
__________
الهبة له وأولى لصحتها لعبد وعلى الأول يصح تبعا كعلى أولادي وأولاد فلان وفيهم حمل مستحق هو وكل حمل من أهل الوقف بالوضع من ثمر وزرع ما يستحقه مشتر نص عليه "والملك والبهيمة" لعدم ملكها والجن والميت كذلك
"الرابع: أن يقف ناجزا" كوقفت داري على كذا ولا خلاف في صحته بشرطه لأنه نقل للملك أشبه البيع "فإن علقه بشرط لم يصح" لأنه نقل للملك فيما لم يبن على التغليب والسراية فلم يجز تعليقه على شرط في الحياة كالهبة وفيه وجه وقيل إن قلنا هو لله تعالى وظاهره شامل لما إذا شرط شرطا فاسدا كخيار فيه وتحويله وتغيير شرط وخرج من البيع صحته وفي الشرح إذا شرط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه بطل الوقف طاعة لا نعلم في بطلان الشرط خلافا لأنه ينافي مقتضى العقد وقيل يصح الوقف بناء على الشروط الفاسدة في البيع.
"إلا أن يقول هو وقف بعد موتي فيصح في قول الخرقي" أي يصح تعليق الوقف المعلق بالموت واختاره أبو الخطاب في خلافه ونصره في المغني والشرح وذكر أنه ظاهر كلام أحمد وقدمه في الفروع واحتج أحمد بأن عمر أوصى فكان في وصيته هذا ما أوصى به عبد الله أمير المؤمنين إن حدث به حادث أن ثمنا صدقة والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه رواه أبو داود ولأن هذا تبرع معلق بالموت فصح كالهبة والصدقة فعلى هذا ينفذ من الثلث فما دون ويقف الباقي على إجازة الورثة كالتدبير.
"وقال أبو الخطاب" والقاضي وابن البنا في الخصال "لا يصح" لأنه تعليق(5/243)
فصل
ولا يشترط القبول إلا أن يكون على آدمي معين ففيه وجهان: أحدهما يشترط ذلك فإن لم يقبله أورده بطل في حقه دون من بعده
__________
للوقف على شرط فلم يصح كما لو علقه على شرط في الحياة وحمل القاضي كلام الخرقي على أنه قال قفوا بعد موتي هذا وصية بالوقف لا إيقاف وفي الشرح سوى المتأخرون من أصحابنا بين تعليقه بالموت وبين تعليقه بشرط في الحياة ولايصح لما بينهما من الفرق لأن هذا وصية وهي أوسع من التصرف في الحياة بدليل جوازها بالمجهول وللمجهول والحمل وكما لو قال إذا مت فداري لفلان أو أبرأته من ديني الذي عليه
فصل
"ولا يشترط" القبول إذا كان على غير معين كالمساكين أو من لا يتصور منه القبول كالمسجد والقناطر لأنه لو اشترط لامتنع صحة الوقف فيه ويلزم بمجرد الإيجاب وذكر صاحب النظم احتمالا يقبله نائب الإمام
"إلا أن يكون على آدمي معين ففيه وجهان: أحدهما يشترط ذلك" صححه صاحب النهايةلأنه تبرع فكان من شرطه القبول كهبة ووصية ولو على التراخي وقال الشيخ تقي الدين وأخذ ريعه قبول والثاني وهوالمذهب واختاره القاضي وجزم به في الوجيز أنه لا يشترط ذلك لأنه إزالة ملك يمنع البيع فلم يعتبر فيه القبول كالعتق والفرق أن الوقف لا يختص المعين بل يتعلق به حق من يأتي من البطون في المستقبل فيكون الوقف على جميعهم إلا أنه مرتب فصار كالوقف على الفقراء قال ابن المنجا وهذا الفرق موجود بعينة في الهبة والأشبه أنه ينبني ذلك على الملك هل ينتقل إلى الموقوف عليه أم لا فعلى هذا لا يبطل بالرد كالعتق وعلى الأول "فإن لم يقبله أو رده بطل في حقه" لأنه تمليك لم يوجد شرطه أشبه الهبة لكن اختلفوا فيما إذا رد ثم قبل هل يعود أم لا قاله الشيخ تقي الدين "دون من بعده" لأن المبطل وجد في(5/244)
وكان كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز يصرف في الحال إلى من بعده وفيه وجه آخر إن كان من لا يجوز الوقف عليه يعرف انقراضه كرجل معين يصرف إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن ينقرض ثم يصرف إلى من بعده وإن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مآلا أو على من يجوز ثم على من لا يجوز أوقال وقفت وسكت انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إحدى الروايتين
__________
الأول فاختص به وصار كالوقف المنقطع الابتداء يخرج في صحته في حق من سواه وبطلانه وجهان مبنيان على تفريق الصفقة والأصح صحته لتعذر استحقاقه لفوت وصف فيه وأشار إليه بقوله" كان كما لو وقف من لا يجوز" كالمجهول "ثم على من يجوز" كالمساكين "يصرف في الحال إلى من بعده" لأن الواقف قصد صيرورة الوقف إليه في الجملة ولا حالة يمكن انتظارها فوجب الصرف إليه لئلا يفوت غرض الواقف ولئلا تبطل فائدة الصحة.
"وفيه وجه آخر" قال ابن حمدان وهوأصح وأشهر "إن كان من لا يجوز الوقف عليه يعرف انقراضه كرجل معين" أي كعبده وأم ولده لأنه أحد نوعي الوقف "يصرف إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن ينقرض" لأنها إحدى حالتي الإنقطاع أشبه الأخرى "ثم يصرف إلى من بعده" أي من يجوز عليه الوقف لإنه مرتب "وإن وقف على جهة تنقطع" كأولاده لأنه بحكم العادة يمكن انقراضهم "ولم يذكر مآلا" المآل بهمزة مفتوحة بعد الميم المفتوحة المرجع "أو على من يجوز" الوقف كأولاده "ثم على من لا يجوز" كالكنائس.
"أو قال وقفت وسكت انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه" قد تضمن هذا صحة الوقف قال في الرعاية في الأصح وقال محمد بن الحسن لا يصح لأن الوقف مقتضاة التأبيد فإذا كان منقطعا صار وقفا على مجهول وجوابه أنه معلوم المصرف فصح كما لو صرح بمصرفه إذ المطلق يحمل على العرف كنقد البلد وحينئذ يصرف "إلى ورثة الواقف" نسبا قاله في الوجيز والفروع بقدر إرثهم "وقفا عليهم في إحدى الروايتين" وفي الكافي هي(5/245)
والأخرى إلى أقرب عصبته وهل يختص به فقراؤهم على وجهين وقال القاضي في موضع يكون وقفا على المساكين
__________
ظاهر المذهب وجزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع لأن الوقف مصرفه البر وأقاربه أولى الناس ببره لقوله عليه السلام "إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" ولأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل والمفروضات فكذا صدقته المنقول "والأخرى" يصرف "إلى أقرب عصبته لأنهم أحق أقاربه ببره لقوله عليه السلام "ابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك" رواه النسائي فيحتمل أن يكون ملكا لهم وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى وظاهر الخرقي عكسه والمذهب أنه يكون وقفا عليهم لأن الملك زال عنه بالوقف فلا يعود ملكا لهم وعنه ملكا ويحتلمه كلام الخرقي في الورثة "وهل يختص به فقراؤهم على وجهين" أحدهما وهو ظاهر كلام الإمام والخرقي والمجد أنه لا يختص بهم بل يشمل الفقير والغني منهما لأنه لو وقف على أولاده شملهما فكذا هنا والثاني واختاره القاضي في الروايتين أنه يختص الفقراء منهم إذ القصد بالوقف البر والصلة والفقراء أولى بهذا المعني من غيرهم ونص على أنه يصرف في مصالح المسلمين.
"وقال القاضي في موضع" وهو الجامع الصغير والشريف أبو جعفر وإليه ميل المؤلف وهو رواية "يكون وقفا على المساكين" قال في الشرح وهو أعدل الأقوال لأنهم أعم جهات الخير ومصرف الصدقات وحقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها فإن كان للواقف أقارب مساكين كانوا أولى به استحبابا كصلاته وحيث قلنا يصرف إلى الأقارب فانقرضوا أو لم يوجد له قريب فإنه يصرف لبيت المال نص عليه في رواية أبي طالب وقطع به أبو الخطاب والمجد لأنه مال لا مستحق له وقال الأكثر يرجع الفقراء والمساكين إذ القصد بالوقف الصدقة الدائمة لقوله عليه السلام "أو صدقة جارية" وقال ابن أبي موسى يباع ويجعل ثمنه للمساكين ونقل حرب عنه مثله(5/246)
وإذا قال وقفت داري سنة لم يصح ويحتمل أن يصح ويصرف بعدها مصرف المنقطع ولا يشترط إخراج الوقف على يده في إحدى الروايتين
__________
وعنه يرجع إلى ملك واقفة الحي قال ابن الزاغوني في الواضح الخلاف في الرجوع إلى الأقارب أو إلى بيت المال أو إلى المساكين مختص بما إذا مات الواقف أما إن كان حيا فانقطعت الجهة فهل يعود الوقف إلى ملكه أو إلى عصبته فيه روايتان وظاهر المتن أن المسائل الثلاث على سنن واحد وأن الخلاف فيها وفي الشرح إذا قال وقفت هذا وسكت أو صدقة موقوفة أنه لا نص فيها وقال ابن حامد يصح وهو قياس قول أحمد في النذر المطلق فإنه ينعقد موجبا للكفارة وفي الفروع وكذا إذا قال وقفه ولم يزد وقال القاضي وأصحابه أنه يصرف في وجوه البر وفي عيون المسائل فيها وفي تصدقت به الجماعة المسلمين وفي الروضة إن قال وقفته صح في الصحيح عندنا
تنبيه: للوقف أربعة أحوال متصل الإبتداء والإنتهاء ولا إشكال في صحته ومنقطع الإنتهاء وهو صحيح في الأصح ومنقطع الإبتداء متصل الإنتهاء ومتصل الإبتداء والإنتهاء منقطع الوسط والمذهب صحتهما وقيل بالبطلان بناء على تفريق الصفقة
مسألة: لو وقف على الفقراء ثم على ولده صح لهم دونه وقيل وعليه كما لو وقف على فقراء بلد معين
"وإذا قال وقفت داري سنة لم يصح" لأن مقتضى الوقف التأبيد وهذا ينافيه فلو قال وقفت هذا على ولدي سنة ثم على المساكين صح "ويحتمل أن يصح" لأنه منقطع الإنتهاء وقد بينا صحته "و" حينئذ "يصرف بعدها" أي بعد السنة "مصرف المنقطع" أي منقطع الإنتهاء "ولايشترط إخراج الوقف عن يده في إحدى الروايتين" في ظاهر المذهب لأن الوقف يزول به ملك الواقف ويلزم بمجرد اللفظ لحديث عمر السابق ولأنه تبرع يمنع البيع والهبة فيلزم بمجرده(5/247)
فصل
ولا يملك الموقوف عليه الوقف وعنه لا يملكه ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه
__________
كالعتق والثانية لا يلزم إلا بالقبض وإخراج الوقف عن يده اختارها ابن أبي موسى وقاله محمد بن الحسن لأنه تبرع بمال لم يخرجه عن المالية فلم يلزم بمجرده كالهبة فلو شرط نظره له سلمه ليد غيره ثم ارتجعه واجيب بالفرق فإنها تمليك مطلق والوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فهو بالعتق أشبه فإلحاقه به أولى وعلم منه أن الخلاف في لزوم الوقف وهو ظاهر كلام الأكثر وصرح في الهداية أنه في الصحة ولعله ظاهر المتن
فصل:
"ويملك الموقوف عليه الوقف" في ظاهر المذهب لأنه سبب يزيل التصرف في الرقبة فملكه المنتقل إليه كالهبة إلا أن يكون مما لا يملك كالمسجد ونحوه فإن الملك فيه ينتقل إلى الله تعالى.
"وعنه لا يملكه" الموقوف عليه ويكون تمليكا لله تعالى وهو اختيار ابن أبي موسى لأنه إزالة ملك عن العين والمنفعة على وجه القربة بتمليك المنفعة فلم ينتقل إلى صاحبها كالعتق ولأنه لو انتقل إليه لافتقر إلى قبوله كسائر الأملاك وعنه أنه باق على ملك الواقف لقوله "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها" ولأنه لا يوجب زوال الملك عنه فتلزمه الخصومة فيه والأول أولى لأنه سبب لم يخرج به الملك عن المالية فوجب أن ينتقل إليه كالهبة والبيع وفارق العتق من حيث أنه إخراج عن حكم المالية ولأنه لو كان تمليكا للمنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى وقول أحمد إنهم لا يملكون التصرف في الرقبة جمعا بينهما لا يقال عدم ملكه التصرف فيها يدل على عدم ملكه لها لأنه ليس بلازم بدليل أم الولد فإنه يملكها ولا يملك التصرف في رقبتها.
"ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه" بغير خلاف نعلمه لأنه نماء ملكه قاله(5/248)
وليس له وطء الجارية فإن فعل فلا حد عليه ولا مهر وإن أتت بولد فهو حر وعليه قيمته ويشتري بها ما يقوم مقامه وتصير أم ولد له وتعتق بموته وتجب قيمتها في تركته ويشتري بها مثلها وتكون وقفاً.
__________
في الشرح ومقتاضاه أنه مبني على الملك وفيه شيء ويستوفيه بنفسه وبالإجارة والإعارة ونحوها إلا أن يعين في الوقف غير ذلك وينبني على الخلاف ما إذا كان الموقوف ماشية فإنه لا تجب زكاتها على الثانية والثالثة لضعف الملك أو انتفائه ووجبت على الموقوف عليه في ظاهر كلامه واختاره القاضي في التعليق والمجد وقيل لا تجب لضعف الملك اختاره في التلخيص والأصح يخرج المعين فطرته على الأولى كعبد اشتري من غلة الوقف لخدمة الوقف لتمام التصرف فيه ذكره أبو المعالي والخلاف فيما يقصد به تملك الريع أما المسجد والمقبرة فلا خلاف أنه ينقطع عنه اختصاص الآدمي ويشبه ذلك الربط والمدارس.
"وليس له وطء الجارية" لأن ملكه ناقص ولا يؤمن حبلها فتنقص أو تتلف أو تخرج من الوقف بأن تبقى أم ولد.
"فإن فعل فلا حد عليه" للشبهة "ولا مهر" عليه لأنه لو وجب لوجب له لا يجب للإنسان شيء على نفسه.
"وإن أتت بولد فهو حر" لأنه من وطء شبهة "وعليه" أي على الواطيء "قيمته" يوم الوضع "ويشتري بها ما يقوم مقامه" أي عبد مكانه لأنه فوت رقه ولأن القيمة بدل عن الوقف فوجب أن ترد في مثله "وتصير أم ولد" له لأنه أحبلها بحر في ملكه وإن قلنا لا يملكها لم تصر أم ولد له صرح به في المغني والشرح لأنها أجنبية.
"وتعتق بموته" كأم الولد "وتجب قيمتها في تركته" لأنه أتلفها على من بعده من البطون "يشتري بها مثلها وتكون وقفا" لينجبر على البطن الثاني ما فاتهم وقيل يصرف إلى البطن الثاني إن تلقى الوقف من واقفه وهو ظاهر كلام جماعة فلهم(5/249)
وإن وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد فالولد حر وعليه المهرلأهل الوقف وقيمة الولد فإن تلفت فعليه قيمتها يشتري بها مثلها ويحتمل أن يملك قيمة الولد ها هنا وله تزويج الجارية وأخذ مهرها وولده وقف معها ويحتمل أن يملكه
__________
اليمين مع شاهدهم لثبوت الوقف مع امتناع بعض البطن الأول منها فإن كان النصف طلقا فأعتقه مالكه لم يسر إلى الوقف لأنه لم يعتق بالمباشرة فبالسراية أولى
"وإن وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد فالولد حر" لاعتقاده أنه وطيء في ملك وإن كان عبدا وظاهره أنه إذا وطئها مكرهة أو مطاوعة فعليه الحد لانتفاء الشبهة "وعليه المهر لأهل الوقف" لأنه وطيء جاريتهم في غير ملك أشبه الأمة المطلقة ولأنه عوض المنفعة وهي مستحقة لهم "و" عليه "قيمة الولد" لأن رقه فات بسبب من جهة وهو اعتقاد الحرية وتعتبر قيمته يوم تضعه حيا لأنه لا يمكن تقويمه قبل ذلك ويكون الولد وقفا معها تبعا لها "وإن تلفت فعليه" أي المتلف سواء كان اجنبيا اوالواقف "قيمتها" لأنه إتلاف حصل في مستحق الغير فوجبت القيمة كما لو أتلف غير الوقف وكذا إن كان المتلف الموقوف عليه لأنه لا يملك التصرف في الرقبة إنما له المنفعة "يشتري بها مثلها" لأنه أقرب إلى الوفاء بشرط الواقف يصير وقفا بالشراء "ويحتمل أن يملك" الموقوف عليه "قيمة الولد" لأنه يملك النماء وهو منه "ههنا" يعني إذا وطئها أجنبي بشبهة "ولا يلزمه قيمة الولد إن أولدها" لأن ما تملك قيمته لا تلزمه قيمته وله أي للموقوف عليه "تزويج الجارية" في الأصح لأنه عقد على منفعتها أشبه الإجارة والثاني لا يجوز تزويجها لأنه عقد على منفعتها في العمر فيفضي إلى تفويت منفعتها في حق من يأتي من البطون وهذا الخلاف مبني على الملك وحينئذ ليس له أن يتزوجها وإن قلنا هو ملك لله فيزوجها حاكم ويتزوجها "وأخذ مهرها" لأنه بدل المنفعة وهل يستحقها كالأجرة "وولدها وقف معها" أي إذا ولدت من زوج أو زنى لأن ولد كل ذات رحم حكمه حكمها كأم الولد والمكاتبة "ويحتمل أن يملكه" لأنه من نمائها كثمرة الشجرة(5/250)
وإن جنى الوقف خطا فالأرش على الموقوف عليه ويحتمل أن يكون في كسبه وإذا وقف على ثلاثة ثم على المساكين فمن مات منهم رجع نصيبه إلى الآخرين
__________
فرع: إذا طلبت التزويج لزمه إجابتها لأنه حق لها طلبته فتعينت الإجابة وما فات من الحق به يفوت نفعا فلا يصلح أن يكون مانعا كغير الموقوفة.
"وإن جنى الوقف" جناية موجبة للمال "خطأ فالأرش على الموقوف عليه" جزم به الشيخان وفي الوجيز ومرادهم إذا كان معينا لأنه ملكه فكانت عليه كجناية أم الولد ولم يتعلق أرشها برقبة الوقف لأنه لا يمكن بيعه ولا يلزمه أكثر من قيمته كأم الولد.
"ويحتمل أن يكون في كسبه" كما لو يكن معينا كالوقف على المساكين لأنه ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الأرش عليه والمذهب إن قلنا هو ملك لله فالأرش في كسبه لتعذر تعلقه برقبته لكونه لا يباع وبالموقوف عليه لكونه لا يملكه وقيل هو في بيت المال وحكاه في التبصرة رواية كأرش جناية الحر المعسر وضعفه في المغني بأن الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة تحملها العاقلة عند عدمها وجناية العبد لا تحملها
تنبيه: لم يتعرض المؤلف إذا جنى جناية موجبة للقود والقطع أنه يجب فإن قتل يبطل الوقف لا بقطعه ويكون باقيه وقفا كتلفه بفعل الله تعالى فإن قتل فالظاهر لا يجب القود كعبد مشترك وتجب القيمة وليس للموقوف عليه العفو عنها لأنه لا يختص بها ويشتري بها مثلها يكون وقفا ويتوجه اختصاص الموقوف عليه بها إن قلنا يملكه وإن قطع طرفه فللعبد القود وإن عفا فأرشه يصرف في مثله وفي الترغيب احتمال كنفعه كجناية بلا تلف طرف ويعايا بمملوك لا مالك له وهو عبد وقف على خدمة الكعبة قاله ابن عقيل في المنثور.
"وإذا وقف على ثلاثة" كزيد وعمر وبكر "ثم على المساكين فمن مات منهم" أورد "رجع نصيبه إلى الآخرين" لأنهما من الموقوف عليهم أولا وعوده(5/251)
فصل
ويرجع إلى شرط الواقف في قسمه على الموقوف عليه وفي التقديم.
__________
إلى المساكين مشروط بانقراضهم إذ استحقاق المساكين مرتب ثم فإذا مات الثلاثة أوردوا فللمساكين عملا بشرطه فلو وقف على ثلاثة ولم يذكر له مآلا فمن مات منهم فحكم نصيبه حكم المنقطع كما لو ماتوا جميعا قاله الحارثي واختار في القواعد أنه يصرف إلى الباقي وهوأظهر
فصل
"ويرجع إلى شرط الواقف" لأن عمر وقف وقفا وشرط فيه شروطا ولو لم يجب اتباع شرطه لم يكن في اشتراطه فائدة ولأن ابن الزبير وقف على ولده وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غيرمضرة ولا مضرة بها فإذا استغنت بزوج فلا حق لها فيه ولأن الوقف متلقي من جهته فاتبع شرطه ونصه كنص الشارع قال الشيخ تقي الدين يعني في الفهم والدلالة في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب أوالشارع أو لا فلو تعقب شرطه جملا عاد إلى الكل واستثناء كشرط نص عليه وكذا مخصص من صفة وعطف بيان وتوكيد وبدل ونحوه وجار ومجرور نحو وعلى أنه وبشرط أنه ونحوه "في قسمه على الموقوف عليه" أي على أن للأنثى سهما وللذكر سهمين أو بالعكس والمستحب أن يقسمه على أولاده على حسب قسمة الله تعالى في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين وقال القاضي المستحب التسوية بينهم لأن القصد القربة على وجه الدوام وقد استووا في القرابة ورد بأنه اتصال المال إليهم فينبغي أن يكون على حسب الميراث كالعطية والذكر في مظنة الحاجة غالبا بوجوب حقوق تترتب عليه بخلاف الأنثى.
"وفي التقديم" بأن يقف على أولاده مثلا يقدم الأفقه أو الأدين أوالمريض(5/252)
والتأخير والجمع والترتيب والتسوية والتفضيل وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة والناظر فيه
__________
ونحوه قال في رواية محمد بن الحكم فيما إذا خص بعضهم بالوقف إن كان على طريق الأثرة فأكرهه وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة فلا بأس.
"والتأخير" بأن يقف على ولد فلان بعد بني فلان
"والجمع" بأن يقف على أولاده وأولاد أولاده ونسله وعقبه.
"والترتيب" بأن يقف على أولاده ثم أولادهم ثم يقف على اولاده وإن نزلوا الأعلا فالأعلا أو الأقرب فالأقرب أو على أولاده فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولاده فالتقديم بقاء أصل الإستحقاق للمؤخر على صفة أن له ما فضل وإلا سقط والترتيب عدم استحقاق المؤخر مع وجود المقدم.
"والتسوية" بأن يقف على طائفة بينهم بالتسوية وقيل يمنع تسوية بين فقهاء كمسابقة.
"والتفضيل بأن يقول لواحد الثلث وللآخر الثلثان.
"وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة" لقضية ابن الزبير في بناته وليس هو تعليق للوقف بصفة بل وقف مطلق والإستحقاق له صفة فلو شرط أن يخرج من شاء منهم ويدخل من شاء من غيرهم لم يصح لمنافاته مقتضاه لا قوله يعطي من شاء ويمنع من شاء لتعليقه استحقاقه بصفة كما لو وقفه على المشتغلين بالعلم من ولده فإنه يستحقه المشتغل دون غيره فمن ترك الإشتغال زال استحقاقه فإن عاد إليه عاد استحقاقه ذكره في المغني والشرح وقال الحارثي بالفرق لا يتجه وقال الشيخ تقي الدين كل متصرف بولاية إذا قيل يفعل ما شاء فإنما هو لمصلحة شرعية حتى لو صرح الواقف بما يهواه أو يراه مطلقا فشرط باطل لمخالفة الشرع وكشرطه تغيير شرط.
"و" في "الناظر فيه" بأن يقول الناظر فلان فإن مات ففلان لأن عمر جعل وقفه إلى حفصة تليه ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهلها ولأن مصرف الوقف(5/253)
والإنفاق عليه وسائر أحواله
__________
يتبع فيه شرط الواقف فكذا في نظره وشرطه أن يكون مكلفا ثقة كافيا في ذلك خبيرا به قويا عليه فإن جعله لغيره لم يعزله بلا شرط وإن شرطه لنفسه ثم لغيره صح في الأصح وإن فوضه لغيره أو أسنده فله عزله قاله ابن حمدان والحارثي وقيل لا واختاره جمع
وللناظر التقرير في الوظائف وفي الأحكام السلطانية يقرر في الجوامع الكبار الإمام ولا يتوقف الإستحقاق على نصيبه إلا بشرط ولانظر لغيره معه أطلقه الأصحاب في الفروع ويتوجه مع حضوره فيقرر حاكم في وظيفة خلت في غيبته ولو سبق توليه ناظر غائب قدمت والناظر منفذ لما شرطه الواقف.
"والإنفاق عليه" بأن يقول يعمر الوقف من المكان الفلاني مثلا "وسائر أحواله" لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه ولأن ابتداء الوقف مفوض إليه فكذا في تفاصيله فلو شرط أن لا يؤجر أو قدرها بمدة اتبع وأن لا ينزل فاسق وشرير ومتجوه ونحوه عمل به قال في الفروع وإلا توجه أن لا يعتبر في فقهاء ونحوهم وفي إمام ومؤذن الخلاف وقال الشيخ تقي الدين لا يجوز أن ينزل فاسق في جهة دينية كمدرسة وغيرها مطلقا لأنه يجب الإنكار وعقوبته فكيف ينزل وإن نزل مستحق تنزيلا شرعيا لم يجز صرفه بلا موجب شرعي.
تنبيه: للحاكم النظر العام فيعترض عليه إن فعل ما لا يسوغ وله ضم أمين مع تفريطه أو تهمته وكذا مع ضعفه ومن ثبت فسقه أو أمر متصرفا بخلاف الشرط الصحيح عالما بتحريمه قدح فيه فإما أن ينعزل أو يعزل أو يضم إليه أمين على الخلاف ثم إن صار هو والوصي أهلا كما لو صرح به وكالموصوف ذكره الشيخ تقي الدين وذكر الجدفي النكت أنه لو عزل من وظيفته للفسق ثم تاب لم يعد إليها وإذا فرط سقط مماله بقدر ما فوته من الواجب وإذا أطلق النظر لحاكم المسلمين شمل أي حاكم وأفتى جماعة من ذوي المذاهب أنه عند التعدد يكون للسلطان تولية من شاء ولو فوضه حاكم لم يجز لآخر نقضه ولو ولى كل منهما شخصا قدم ولي الأمر أحقهم(5/254)
فإن لم يشترط ناظرا فالنظر للموقوف عليه وقيل للحاكم
__________
فرع: إذا جهل شرط الواقف تساوى فيه المستحقون لأن الشركة ثبتت ولم يثبت التفضيل فوجبت التسوية كما لو شرك بينهم بلفظه ذكره في الكافي وغيره وقيده الشيخ تقي الدين بما إذا لم يكن عادة قال لأن العادة المستمرة والعرف المستقر في الوقف يدل على شرط الواقف أكثر مما يدل لفظ الإستفاضة.
"فإن لم يشترط ناظرا" أو شرطه لإنسان فمات "فالنظر للموقوف عليه" على المذهب لأنه ملكه وغلته له فكان نظره إليه كملكه المطلق فإن كان واحدا استقل به مطلقا وقيل يضم إلى الفاسق أمين حفظا لأصل الوقف عن التضييع وإن كان مولى عليه قام وليه مقامه وإن كانوا جماعة فهو بينهم على قدر حصصهم ويستثنى منه ما إذا كان الوقف على مسجد أو من لا يمكن حصرهم فإنه للحاكم لأنه ليس له مالك معين وله أن يستنيب فيه.
"وقيل للحاكم" أي حاكم البلد اختاره ابن أبي موسى لأنه يتعلق به حق الموجودين وحق من يأتي من البطون وبناه المؤلف وهو ظاهر المحرر والفروع على الملك فإن قلنا هو للموقوف عليه فالنظر له لأنه يملك عينه ونفعه وإن قلنا هو لله تعالى فالحاكم يتولاه ويصرفه في مصرفه كالوقف على المساكين والحاصل إن كان النظر لغير موقوف عليه وكانت ولايته من حاكم أو ناظر فلا بد فيه من شرط العدالة وإن كانت ولايته من واقف وهوفاسق أو عدل ففسق إليه أمين ووظيفة ناظر حفظ وقف وعمارة وإيجار وزراعة ومخاصمة فيه وتحصيل ريعه من أجرة وزرع وثمره وصرفه في جهاته من عمارة وإصلاح وإعطاء مستحق ونحوه
فرع: إذا شرط النظر لاثنين فأكثر لم يصح تصرف أحدهما بلا شرط وإن شرطه لكل منهما صح فإن شرطه لاثنين من أفاضل ولده فلم يوجد منهما إلا واحد ضم إليه أمين لأن الواقف لم يرض بنظر واحد ذكره في الكافي وكذا لو جعله لاثنين فمات أحدهما أو انعزل(5/255)
وينفق عليه من غلته وإن وقف على ولده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث بالسوية
__________
"وينفق عليه" أي على الوقف "من غلته" إن لم يعين واقف من غيره لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ولايحصل ذلك إلا بالإنفاق عليه فكان من ضرورته فإن لم يكن له غلة فالنفقة على موقوف عليه معين إن كان الواقف ذاروح فإن تعذر الإنفاق بيع وصرف الثمن في عين أخرى تكون وقفاً لمحل الضرورة وإن كان على غير معين كالمساكين فالنفقة من بيت المال فإن تعذر بيع ثم إن كان الوقف عقارا لم تجب عمارته من غير شرط فإن كان بشرطه عمل به
وقال الشيخ تقي الدين تجب عمارته بحسب البطون وتقدم عمارته على أرباب الوظائف قال الشيخ تقي الدين الجمع بينهما حسب الإمكان أولى بل قد يجب ولو احتاج المطلوب مسبل أو دار موقوفة لسكنى حاج أو غزاة ونحوهم إلى مرمة أو جر منه بقدر ذلك
فرع: للناظر الإستدانة عليه بلا إذن حاكم كشرائه الوقف بنسيئة أو بنقد لم يعينه قال في الفروع ويتوجه في قرضه مالا لولي
"وإن وقف على والده" أو أولاده أو على أولاد فلان "ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث" والخناثي لأن اللفظ يشملهم "بالسوية" لأنه شرك بينهم وإطلاقها يقتضي التسوية كما لو أقر لهم بشيء كولد الأم في الميراث ولا يدخل فيه الولد المنفي باللعان لأنه لا يسمى ولدا ولا يستحق منه حمل إلا بعد انفصاله لأنه لا يسمى ولدا قبل انفصاله فيستحق من ثمر وزرع كمشتر نقله المروذي وقطع به في المغني وغيره ونقل جعفر يستحق من زرع قبل بلوغه الحصاد قطع به في المبهج وقال الشيخ تقي الدين الثمرة للموجود عند التأبير وبدو الصلاح ويشبه الحمل إن قدم إلى ثغر موقوف عليه فيه أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه نقله يعقوب وقياسه من نزل في(5/256)
ولا يدخل فيه ولد البنات وهل يدخل فيه ولد البنين على روايتين وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين
__________
مدرسة ونحوه واختار شيخنا يستحق بحصته من مغلة وإن من جعله كالولد فقد أخطأ ذكره في الفروع
"ولا يدخل فيه ولد البنات" بغير خلاف قاله في المغني والشرح لعدم دخولهم في قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} (النساء: من الآية11) ولقول الشاعر:
بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
لأن ولد الهاشمية ليس بهاشمي ولا ينسب إلى أبيها شرعا ولا عرفا وبهذا علل أحمد فقال لأنهم من رجل آخر وقيل شملهم لدخولهم في مسمى الأولاد.
"وهل يدخل ولد البنين على روايتين" كذا في المحرر والفروع أحدهما وجزم بها في الوجيز يدخلون لدخولهم في قولهم تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} (النساء: من الآية11) وحينئذ يشمل ولد البنين وإن سفلوا لأنه ولد لقوله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ} (الأعراف: من الآية26) {يَا بَنِي إِسْرائيلَ} (البقرة: من الآية47) ولقوله عليه السلام "ارموا بني اسماعيل فإن أباكم كان راميا" ولأنه لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة دخل فيه ولد البنين فكذا إذا لم يكونوا قبيلة وحينئذ يستحقون في الوقف بعد آبائهم مرتبا وظاهره يشمل الموجودين ومن سيوجد وفيه رواية وهذا ما لم تكن قرينة تصرفه عن ذلك.
والثانية لا يدخلون اختارها القاضي وأصحابه لأن ولده حقيقة ولد صلبه والكلام لحقيقته وإنما يسمى ولد الولد ولدا مجازا بدليل صحة النفي إلا أن يقترن به ما يدل على إدخالهم كقوله وقفت على أولادي لولد الذكور الثلثان ولولد الإناث الثلث وآية الميراث دلت قرينة على إرادة الولد وإن سفل فحمل اللفظ على حقيقته ومجازة.
"وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين" بغير(5/257)
ونقل عنه لا يدخل فيه ولد البنات ونقل عنه في الوصية يدخلون فيه وذهب إليه بعض أصحابنا وهذا مثله وقال أبو بكر وابن حامد يدخلون فيه إلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي فلا يدخلون
__________
خلاف علمناه لأنه ولد ولده حقيقة وانتسابا "ونقل عنه لا يدخل فيه ولد البنات" لأنه قال فيمن وقف على ولده ما كان من ولد البنات فليس لهم شيء فهذا النص يحتمل تعديته إلى هذه المسألة ويحتمل أن يكون مقصورا على من وقف على ولده ولم يذكر ولد ولده والمنع اختاره القاضي في التعليق والجامع والشيرازي وأبو الخطاب في خلافة الصغير وفي الفروع اختاره الأكثر كمن ينسب إلي ونص عليها في ولد ولدي الصلبي إلا بقرينة تدل على دخولهم.
"ونقل عنه في الوصية يدخلون فيه وذهب إليه بعض أصحابنا وهذا مثله" لأن حكم الوقف والوصية واحد والقول بدخولهم هو رواية ثابتة عن أحمد قدمها في المحرر والرعاية واختارها أبو الخطاب في الهداية لأن البنات أولاده فأولادهن أولاد اولاده حقيقة لقوله تعالى {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ} (الأنعام: من الآية84) وإلى قوله {وَعِيسَى} (الأنعام: من الآية85) وهو ولد بنته وقال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر "إن ابني هذاسيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" يعني الحسن رواه البخاري قال في الشرح والقول بدخولهم أصح وأقوى دليلا.
"وقال أبو بكر وابن حامد يدخلون فيه" هذا رواية لأن ولد البنت يدخل في التحريم الدال عليه قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} (النساء: من الآية23) "إلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي فلا يدخلون" لأنه ليس من صلبه وفي الروايتين في المغني أنهما اختارا الدخول مطلقا وفي الخصال لابن البنا أن ابن حامد اختار الدخول وابا بكر ما ذكره هنا وهو في المغني القديم وقيل إن قال ولد ولدي لصلبي شمل ولد بنيه لصلبه وفي التبصرة يشمل في الذرية وإن الخلاف في ولد ولده ومحل الخلاف(5/258)
__________
مع عدم القرينة أما مع القرينة فالعمل بها ولهذا قيل في عيسى والحسن إنهما إنما دخل مع الذكر والكلام مع الإطلاق وأجاب في المغني والشرح عن قضية عيسى بأنه لم يكن له نسب ينتسب إليه فنسب إلى أمه والحسن بأنه مجاز اتفاقا بدليل قوله تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} (الأحزاب: من الآية40)
مسألة: إذا قال على ولدي ثم على ولده ولدي عند الفقراء لم يشمل البطن الثالث ومن بعده في الأشهر فإن قال على ولدي فإذا انقرض ولد ولدي فعلى الفقراء شمل ولد ولده وقيل لا كما لو قال على ولدي لصلبي فلو وقف على ولده فلان وفلان ثم على ولد ولده منع جزم به في المغني وغيره وقال القاضي لا ونقله حرب لأن قوله على ولدي يستغرق الجنس فيعم والتخصيص بقوله فلان وفلان تأكيد للبعض فلا يوجب إخراج البقية كالعطف في قوله تعالى {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} (البقرة: من الآية97) وعلى الأول فيقصر الوقف على المسلمين وأولادهما وأولاد الثالث جعلا لتسميتهما بدلا للبعض من الكل فاختص الحكم به ويجوز أن يكون بدل الكل من الكل لانطلاق لفظ الولد على الأثنين كانطلاقه على الجميع
فرع: إذا قال على أولادي ثم أولادهم عند الفقراء فترتب جملة وقيل إفراد وفي الإنتصار إذا قوبل جمع مقابلة الفرد منه بالفرد من مقابلة لغة فعلى هذا قال في الفروع الأظهر استحقاق الولد وإن لم يستحق أبوه شيئا قاله شيخنا ومن ظن أن الوقف كالإرث لم يدري ما يقول ولهذا لو انتفت الشروط في الطبقة الأولى أو بعضهم لم تحرم الثانية مع وجود الشروط فيه إجماعا وقول الواقف من مات فنصيبه لولده يعم ما استحقه وما يستحقه مع صفة الإستحقاق استحقه أولا تكثيرا للفائدة ولصدق الإضافة بأدنى ملابسة
تنبيه: إذا قال من مات عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته والوقف مرتب فهو لأهل البطن الذي هو منهم من أهل الوقف وكذا إن كان مشتركا بين(5/259)
وإن وقف على بنيه أو نبي فلان فهو للذكور خاصة
__________
البطون فإن لم يوجد في درجته أحد بطل هذا الشرط وكان الحكم فيه كما لو لم يذكره وإن كان الوقف على البطن الأول على أن نصيب من مات منهم عن غير ولد لمن في درجته فخلاف والأشهر أنه يستوي في ذلك إخوته وبنو عمه وبنو بني عم أبيه ونحوهم إلا أن يقول يقدم الأقرب فالأقرب إلى المتوفي ونحوه فيختص بهم وليس من الدرجة من هو أعلا منه أو أنزل وإن شرط أن نصيب المتوفى عن غير ولد لمن في درجته استحقه أهل الدرجة وقت وفاته وكذا من سيولد منهم أفتى به الشارح وصاحب الفائق وابن رجب قال وعلى هذا لو حدث من هو أعلا من الموجودين وكان في الوقف استحقاق الأعلا فالأعلا أخذه منهم وقوله من مات فنصيبه لولده يشمل الأصل والعائد واختار الشيخ تقي الدين الأصل فقط
تتمة: لو قال هو وقف على أولادي ثم أولادهم الذكور والإناث ثم أولادهم الذكور من ولد الظهر فقط ثم نسلهم وعقبهم عند الفقراء على أنه من مات منهم وترك ولدا وإن سفل فنصيبه له فمات أحد الطبقة الأولى وترك بنتا فماتت ولها أولاد فقال شيخنا ما استحقته قبل موتها لهم ويتوجه لا ولو قال من مات عن غيرولد وإن سفل فنصيبه لإخوته ثم نسلهم وعقبهم عم من أعقب ومن لم يعقب ومن أعقب ثم انقطع عقبه لأنه لا يقصد غيره واللفظ يحتمل فوجب الحمل عليه قطعا ذكره شيخنا ويتوجه نفوذ حكم بخلافة ذكره في الفروع
"وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة" في قول الجمهور لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة لقوله تعالى {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} (الصافات:153) {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} (آل عمران: من الآية14) و {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الكهف: من الآية46) ولا يدخل فيه الخنثى لأنه لا يعلم كونه ذكرا وعكسه لو وقف على بناته اختص بهن ولا شيء للذكور ولا للخناثى لأنه لا يعلم كونه أنثى لانعلم فيه خلافا(5/260)
إلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكور والإناث من اولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى
__________
"إلا أن يكونوا قبيلة" كبيرة قاله في الرعاية كبني هاشم وتميم وقضاعة "فيدخل فيه النساء" لقوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الاسراء: من الآية70) ولأن اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها وروى أن جواري من بني النجار قلن:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار
ويقال امرأة من بني هاشم دون "أولادهن من غيرهم" وحكاه في الرعاية قولا لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة الموقوف عليها بل إلى غيرها وكما لو قال المنتسبين إلي واقتضى ذلك دخول أولادهن منهم وهو ظاهر لدخول الإنتساب حقيقة ولايشمل مواليهم وعلى الأول يكفي واحد منهم وقيل بل ثلاثة ويأخذ كل واحد مارآه الناظر وقيل بل قدر حقه من الزكاة مع فقرة كالوقف على الفقراء
"وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكور والإناث من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى" لقوله تعالى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (الحشر: من الآية7) فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أولاده وأولاد عبدالمطلب وأولاد هاشم ذكرهم وانثاهم ولم يعط من هو أبعد كبني عبد شمس وبني نوفل شيئا لا يقال هما كبني المطلب لأنه علل عليه السلام بأنهم لم يفارقوه في جاهلية ولاإسلام ولم يعط قرابة أمه وهم بنو زهرة شيئا وجعل هاشما الأب الرابع ولا يتصور أن يكون رابعا إلا أن يعد النبي صلى الله عليه وسلم أبا وظاهره أنه يستوي فيه الذكر والأنثى والكبير والصغير والقريب والبعيد والغني والفقير لشمول اللفظ لهم ولا يدخل في الكافر لأنه لم يدخل في(5/261)
وعنه إن كان يصل قرابته من قبل أمه في حياته صرف إليهم وإلا فلا وأهل بيته بمنزلة قرابته
__________
المستحق من قربى النبي صلى الله عليه وسلم.
"وعنه يجاوز بها أربعة آباء فعليها يعطي كل من يعرف بقرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينتسبون إلى الأب الأدنى لانهم قرابتهم فيتناولهم من اللفظ وعنه ثلاثة آباء "وعنه إن كان يصل قرابته من قبل أمه في حياته" كإخوته أمه وأخواله وخالاته "صرف إليهم" لأن صلته إياهم في حياته قرينة تدل على إرادتهم بصلته هذه وإلا فلا أي وإن لم يصلهم في حياته فلا يصرف إليهم لما ذكرنا وهذه الرواية نقلها صالح وعبدالله وابن هانيء وصححها القاضي وجماعة ونقل صالح إن وصل أغنياءهم أعطوا وإلا الفقراء أولى وأخذ عدم دخولهم في كل لفظ عام والأول أولى وأصح لأن هذا عرف في الشرع فيجب حمله عليه وتقديمه على العرف اللغوي كالوضوء ولا وجه لتخصيصه بذي الرحم المحرم وهذا مع الإطلاق فأما إن وجدت قرينة لفظية أو حالية تدل على إرادتهم أو حرمانهم عمل بها
فرع: قرابة أمه كذلك وعنه إن وصلهم شملهم ومثله قرابة غيره أو الفقهاء ويصل بعضهم ذكره القاضي
تنبيه: إذا وقف على أقرب قرابته أو أقرب الناس إليه قدم الأقرب نسبا وإرثا وابنه كأبويه وقيل يقدم عليهما وأخوه لأبيه أو أبويه كجد أب وقيل عكسه وأخوه لأبيه كأمه إن شمل قرابته وكذا أبناؤهما وولد أبويه أولى منهما قال في الفروع ويتوجه رواية كأخيه لأبيه لسقوط الأمومة في النكاح وجزم به في التبصرة وأبوه أولى من ابن ابنه وفي الترغيب عكسه ويستوي جداه وعماه كأبويه.
"وأهل بيته بمنزلة قرابته" نص عليه في رواية عبدالله فيمن أوصى بثلث ماله لأهل بيته قال هو بمنزلة قوله لقرابتي حكاه ابن المنذر عنه واحتج بقوله عليه(5/262)
وقال الخرقي يعطي من قبل أبيه وأمه وقومه ونسباؤه كقرابته
__________
السلام "لا تحل الصدقة لي ولا لأهل بيتي" فجعل سهم ذوي القربى عوضا لهم من الصدقة التي حرمت عليهم فكان ذوي القربى الذين سماهم الله تعالى هم أهل بيته الذين حرمت عليهم الصدقة وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس وحكى القاضي عن ثعلب أن أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولادهم كالأجداد والأعمام وأولادهم ويستوي فيه الذكر والأنثى وقال القاضي ولد الرجل لا يدخل في اسم القرابة ولا أهل بيته وفيه شيء فإن ولد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته وأقاربه الذين حرموا الصدقة وأعطوا من سهم ذوي القربى بل هو أقرب قرابته.
"وقال الخرقي يعطي من قبل أبيه وأمه" لأن أمه من أهل بيته فكذا أقاربها من أولادها وأبويها وإخوتها وأخواتها ونقل صالح يختص من يصله من قبل أبيه وأمه ولو جاوز أربعة آباء وإن القرابه تعطى أربعة آباء فمن دون واختار أبو محمد الجوزي أن قومه وأهل بيته كقرابة أبويه وأن القرابة قرابة أبيه إلى أربعة آباء وعنه أزواجه من أهله ومن أهل بيته ذكرها الشيخ تقي الدين وقال في دخولهن في آله وأهل بيته روايتان اختار الدخول وهو قول الشريف
فرع: أهل الوقف هم المتناولون له.
"وقومه ونسباؤه كقرابته" نص عليه لأن قوم الرجل قبيلته وهم نسباؤه وقيل كذي رحمه وقال أبو بكر هو بمثابة اهل بيته لأن أهل بيته أقاربه وأقاربه هم قومه ونسباؤه وقال القاضي إذا قال لرحمي أو لأرحامي أو لنسبائي صرف إلى قرابته من قبل أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب الخامس فعليه يدفع إلى كل من يرثه بفرض أو تعصيب أو بالرحم في حال قال في المغني وقول أبي بكر في المتناسبين أولى من قول القاضي لأن ذلك في العرف على من كان من العشيرة التي ينسبان إليها وإذا كان كل واحد منهما ينسب إلى قبيلة صاحبه فليس بمناسب لها
فائدة: القوم للرجال دون النساء لقوله تعالى {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}(5/263)
والعترة هم العشيرة وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء والأمهات والأيامي والعزاب من لا زوج له ومن الرجال والنساء ويحتمل أن يختص الأيامي بالنساء والعزاب بالرجال
__________
[الحجرات: من الآية11]سموا به لقيامهم بالأمر ذكره ابن الجوزي.
"والعترة هم العشيرة" الأدنون هذا أصح وأشهر في عرف الناس وبذلك فسره ابن قتيبة لقول أبي بكر في محفل من الصحابة نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر أحد وهم أهل اللسان فلا يعول على خلافه لكن توقف أحمد في ذلك وقيل ذريته وقيل ولده وولد ولده.
"وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء والأمهات" والأولاد لأن الرحم تشملهم وهي في القرابة من جهة الأم أكثر استعمالا فإذا لم يجعل ذلك مرجحا فلا يجعل ذلك مانعا وذكر القاضي مجاوزته للأب الخامس
تذنيب:
إذا وقف على جماعة أو جمع من الأقرب إليه فثلاثة فإن لم يكن يتمم العوز من الأبعد ويشمل أهل الدرجة ولو كثروا وفي الفروع ويتوجه في جماعة اثنان لأنه لفظ مفرد وقال المجد أقل الجمع مماله تثنية خاصة ثلاثة ويتوجه وجه في لفظ الجمع اثنان ولفظ النساء ثلاثة والرهط لغة ما دون العشرة من الرجال خاصة وفي كشف المشكل هو ما بين الثلاثة إلى العشرة.
"والأيامي والعزاب من لا زوج له من الرجال والنساء" ذكره أصحابنا لما روى عن سعيد بن المسيب قال أيمت حنة من زوجها وأيم عثمان من رقية يقال رجل عزب وامرأة عزبة قاله ثعلب وإنما سمي عزبا لانفراده ولايقال أعزب ورد بأنها لغة حكاها الأزهري عن أبي حاتم وفي صحيح البخاري عن ابن عمر وكنت شابا أعزب وسواء تزوج الرجل أولا والمرأة سواء كانت بكرا أو ثيبا وقيل لا يكون الأيم إلا بكرا "ويحتمل أن يختص الأيامي بالنساء والعزاب بالرجال" لقوله تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (النور: من الآية32) وفي الخبر(5/264)
فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن وقيل هو للرجال وللنساء وإن وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل فيهم من يخالف دينه.
__________
أعوذ بالله من سرار الأيم إنما أراد به النساء لأن العرف اختصاصهن بهذا الإسم العرفي اختصاصهن بهذا الأسم العرفي يقال امرأة أيم بغير هاء ولو كان الرجل مشاركا لها لقيل أيم وأيمة كقائم وقائمه وحكى أبو عبيد أيمة ولأن العرف أن العزب يختص بالرجل.
"فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن" بموت أو غيره قال أحمد في رواية حرب وقد سئل عن رجل وصى لأرامل بني فلان فقال قد اختلف الناس فيها فقال قوم هو للرجال والنساء والذي يعرف يعرف في كلام الناس أن الأرامل النساء لأنه هو المعروف فيحمل المطلق عليه.
"وقيل هو للرجال والنساء" وقاله الشعبي وإسحاق وأنشد:
هذي الارامل قد قضيت حاجتها
... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
فيقال رجل أرمل وامرأة أرملة والأول أولى لأن الأرامل جمع أرملة فلا يكون جمعا للمذكر لأن اختلاف المفرد يقتضي اختلاف الجمع والشعر لا دلالة فيه لأنه لو شمل لفظ الأرامل للمذكر والمؤنث لقال حاجتهم لأن تذكير الضميرعند اجتماع النوعين لازم وسمى نفسه أرملا تجوزا بدليل أنه وصف نفسه بأنه مذكر ولو ثبت في الحقيقة أنه لهما لكن خصه أهل العرف بالنساء فهجرت الحقيقة وصارت مغمورة
فرع: إخوته وعمومته وبكر وثيب وعانس لذكر وأنثى
"وإن وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل فيهم" أي في الموقوف "من يخالف دينه" وفيه وجه آخر أن المسلم وإن كان الواقف كافرا عليهم من يخالف دينه على المذهب لأن الظاهر من حال الواقف أنه لم يرد من يخالف دينه مما بينهما من المقابلة فيكون ذلك قرينة صارفة للفظ عن شموله بدليل أنه تبارك وتعالى لما اطلق آية الميراث لم يشمل المخالف فكذا هنا فعلى هذا لو كان الواقف مسلما لم يدخل الكافر وكذا عكسه فإن صرح بهم دخلوا لأن إخراجهم يترك به صريح المقال وهو أقوى من قرينة الحال وكدا إن وجدت قرينة(5/265)
وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل فيه و إن كان الواقف كافرا
__________
دالة على إرادتهم فلو كان أهل القرية والأقارب كلهم كفارا دخلوا لأن إخراجهم يؤدي إلى رفع اللفظ بالكلية فإن كان فيهم مسلم واحد والباقي كفار دخلوا أيضا لأن إخراجهم بالتخصيص بعيد وفيه مخالفة الظاهر وإن كان الأكثر كفارا فهو للمسلمين في ظاهر قول الخرقي لأنه أمكن حمل اللفظ عليهم والتخصيص يصح بإخراج الأكثر وقيل يدخل الكفار لأن التخصيص في مثل هذا بعيد وأن تخصيص الصورة النادرة قريب وتخصيص الأكثر بعيد يحتاج إلى دليل
فائدة: حكم سائر ألفاظ العموم كالإخوة والأعمام واليتامى والمساكين حكم أهل قريته "وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل فيه وإن كان الواقف كافرا" لأن اللفظ عام وحاصله أن الواقف إن كان كافرا تناول أهل دينه لأن لفظه يتناولهم والقرينة دالة على إرادتهم وهل يدخل فيه المسلم ينظر فإن وجدت قرينة على دخولهم كما إذا لم يكن إلا مسلمون وإن انتفت القرائن فوجهان وإن كان في القرية كافر من غير دين أهل الواقف لم يدخل لأن قرينة الحال تخرجه وقيل بدخوله بناء على توريث الكفار بعضهم من بعض.
ملحق: الصبي والغلام من لم يبلغ واليتيم من لا أب له ولو جهل بقاء أبيه فالأصل بقاؤه وقال الشيخ تقي الدين يعطي من ليس له ببلد الإسلام أب يعرف فإن بلغ خرج من حد اليتم
والشاب والفتى من بلغ إلى الثلاثين وقيل وخمسة والكهل منها إلى منها إلى السبعين وفي الكافي والترغيب إلى آخر العمرثم الهرم
والأشراف أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الشيخ تقي الدين قال وأهل العراق كانوا لا يسمون شريفا إلا من كان من بني العباس وكثير من أهل الشام وغيرهم لا(5/266)
و إن وقف على مواليه وله موال من فوقه ومن أسفل تناول جميعهم وقال ابن حامد يختص الموالي من فوق وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم وإلا جاز تفصيل بعضهم على بعض
__________
يسمون إلا من كان علويا والشريف في اللغة خلاف الوضيع والضعيف ولما كان أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أحق البيوت بالتشريف صار من كان من أهل بيته شريفا فلو وصى لبني هاشم لم يدخل مواليهم نص عليه
"وإن وقف على مواليه وله موال من فوقه ومن أسفل تناول جميعهم" ويستوون فيه لأن الاسم يشملهم جميعا قال ابن أبي موسى من وقف على مواليه المعتقين جاز وكان بينهم على ماشرط فإن ماتوا ولهم أولاد صار ما كان وقفا عليهم وقفًا على أولادهم.
"وقال ابن حامد يختص الموالي من فوق لأنهم أقوى عصبة بدليل ثبوت الميراث لهم ولا يستحق مولى أبيه مع وجود مواليه فإن لم يكن له موال فقال الشريف هو لمولى أمه لأن الاسم يتناوله مجازا وقد تعذرت الحقيقة فإن كان له موالي أب حين الوقف ثم انقرض مواليه لم يكن لموالي الأب في ظاهر ما ذكروا لأن الأسم تناول غيرهم فلا يعود إليهم إلا بعقد ولم يوجد "وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم" كبني فلان الذين ليسوا بقبيلة "وجب تعميمهم والتسوية بينهم" لأن اللفظ يقتضى ذلك وقد أمكن الوفاء به فوجب العمل بمقتضاه اشبه ما لو أقر لهم وقوله تعالى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (النساء: من الآية12) يوضحه فإن كان الوقف في ابتدائه على من يمكن استيعابه فصار مما لا يمكن استيعابه كوقف علي رضي الله عنه وجب تعميم من أمكن منهم والتسوية بينهم لأن التعميم والتسوية كان واجبا فإذا تعذر وجب ما أمكن كالواجب الذي يعجز عن بعضه "وإلا" أي وإن لم يمكن حصرهم واستيعابهم كبني هاشم وبني تميم لم يجب تعميمهم إجماعا لأنه غير ممكن "وجاز تفضيل بعضهم على بعض" لأنه إذا جاز(5/267)
والإقتصار على واحد منهم ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلاثة ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر من القدر الذي يدفع إليه في الزكاة والوصية كالوقف في هذا الفصل
__________
حرمانه جاز تفضيل غيره عليه "والإقتصاد على واحد منهم" على المذهب لأن مقصود الواقف مجاوزة الجنس وذلك يحصل بالدفع إلى واحد منهم "ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلاثة" هذا رواية عن أحمد لأنها أقل الجمع قال في الخلاف وقد سئل أحمد عن رجل أوصى بثلثه في أبواب البر قال يجزا ثلاثة أجزاء فعلى هذا الفرق أن الوصية يعتبر فيها لفظ الموصي وأمر الله يعتبر فيها المقصود بدلالة أن الموصي للمساكين لا يعدل إلى غيرهم والإطعام في الكفارة يجوز صرفها إلى غيرالمساكين وإن كان منصوصا عليهم ومقتضى ذلك صحة الوقف على من لا يمكن حصرهم ولا استيعابهم كالمساكين
"ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر من القدر الذي يدفع إليه في الزكاة" أي إذا كان الوقف على الأصناف الذين يأخذون الصدقات أو بعضهم صرف إليهم ويعطي كل منهم من الوقف مثل القدر الذي يعطي من الزكاة لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المعهود في الشرع فعلى هذا إذا كان الموقوف عليه الفقراء لم يدفع إلى واحد منهم زيادة على خمسين درهما أو قيمتها من الذهب لأنه القدر الذي يحصل به الغني واختار أبوالخطاب وابن عقيل زيادة المسكين على الخمسين وقد أومأ إليه أحمد وقيل لكل صنف ثمن وإن وقف على الفقراء أو المساكين أعطي الآخر وفيه وجه.
"والوصية كالوقف في هذا الفصل" لأن مبناها على لفظ الموصي أشبهت الوقف فإن وصى أن يفرق في فقراء مكة فقال أحمد في رواية أحمد بن الحسين بن حسان هل يفرق على قوم دون قوم فقال ينظر إلى أحوجهم قال القاضي فظاهره أنه يعتبر العدد
تذنيب: إذا وقف مدرسة أو رباطا أو خانقاه أو نحو ذلك على طائفة اختصت بهم وإن وقف عليها مسجدا أو مقبرة فوجهان والأشبه اختصاص من عينهم(5/268)
فصل
والوقف عقد لازم
__________
ولا يختص أحد بالصلاة اتفاقا وإن عين إماما أو ناظرا تعين وقيل إن وقف مسجدا على الفقراء وشرطه لهم اختصوا به إمامة ونظرا وعنه على ما جرت به العادة وكذا إن وقفه على أهل مذهب في الأشبه
فصل
"والوقف عقد لازم" أي يلزم بمجرد القول لأنه تبرع يمنع البيع والهبة فلزم بمجرد كالعتق وقال في التلخيص وغيره وحكمه اللزوم في الحال أخرجه مخرج الوصية أو لم يخرجه حكم به حاكم أولا لقوله عليه السلام لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث قال الترمذي العمل على هذا الحديث عند أهل العلم وإجماع الصحابة على ذلك ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية فإذا نجزه في الحياة لزم من غير حكم كالعتق وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه أنه لايلزم بمجرده وللواقف الرجوع فيه إلا أن يوصى به بعد موته أو يحكم بلزومه حاكم وحكاه بعضهم عن علي وابن مسعود وابن عباس واحتج له بما رواه المحاملي عن عبدالله بن زيد صاحب الأذان أنه جعل حائطه صدقة وجعله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبواه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا فورثهما ولأنه إخراج مال على وجه القربة فلم يلزم بمجرده كالصدقة وجوابه السنة الثابتة مع أن هذا الخبر ليس فيه ذكر الوقف والظاهر أنه جعله صدقة غير موقوف فرأى النبي صلى الله عليه وسلم والديه أحق بصرفها إليهما بدليل أنه لم يردها إليه ويحتمل أن الحائظ كان لهما وتصرفه فيه بحكم النيابة عنهما ولم يجيزاه عند القياس على الصدقة ليس بظاهر فإنها تلزم في الحياة بغير حكم حاكم وإنما يفتقر إلى القبول والوقف لا يفتقر إليه فافترقا(5/269)
ولا يجوز فسخه بإقالة ولاغيرها ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه فيباع
__________
"ولايجوز فسخه بإقالة ولاغيرها" لأن ذلك شأن العقود المقتضية للتأبيد "ولا يجوز بيعه" ولا المناقلة به "إلا أن تتعطل منافعه" بالكلية كدار انهدمت أو ارض خربت وعادت مواتا ولم تمكن عمارتها نقل علي ابن سعيد لا يستبدل به ولايبيعه إلا أن يكون بحال لا ينتفع به ونقل أبو طالب لا يغير عن حاله ولا يباع إلا أن لا ينتفع منه بشيء وقاله الأصحاب وفي المغني والشرح إلا أن يقل فلا يعد نفعا ونقل مهنا أو ذهب أكثر نفعة.
"فيباع" لما روي أن عمر كتب إلى سعد لما بلغه أن بيت المال الذي بالكوفة نقب أن انقل المسجد الذي بالتمارين واجعل بيت المال في قبله المسجد فإنه لن يزال في المسجد مصل وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان كالإجماع
وحكى في التلخيص عن أبي الخطاب أنه لايجوز بيعه وهو غريب لا يعرف في كتبه لأن مالا يجوز بيعه مع بقاء منفعه لا يجوز مع تعطلها كالعتق وجوابه بأن فيما ذكرناه استبقاء للوقف عند تعذر إبقائه بصورته فوجب ذلك كما لو استولد الجارية أو قتلها أو قتلها غيره وقال ابن عقيل الوقف مؤبد فإذا لم يمكن تأبيده على وجه تخصيصه استبقينا الغرض وهو الإنتفاع على الدوام في عين أخرى واتصال الأبدال جرى مجرى الأعيان وجمودنا على العين مع تعطيلها تضييع للغرض قولهم يباع اي يجوز بيعه نقله وذكره جماعة وظاهر رواية الميموني يجب لأن الولي يلزمه فعل المصلحة ولأنه استبقاء للوقف بمعناه فوجب كإيلاد أمة موقوفة وقال الشيخ تقي الدين مع الحاجة تجب بالمثل وبلا حاجة يجوز بخير منه لظهور المصلحة ولا يجوز بمثله لفوات التعيين بلا حاجة فإن أمكن بيع بعضه ليعمر به الباقي جاز وإن لم يمكن الإنتفاع بشيء منه بيع جميعه ذكره في المغني والشرح قال في الفروع والمراد مع اتحاد الواقف كالجهة ثم إن كان المراد عينين كدارين(5/270)
ويصرف ثمنه في مثله.
__________
فظاهر وكذا عينا واحدة ولم تنقص القيمة بالتشقيص فإن نقصت توجه البيع في قياس المذهب كبيع وصي لدين أو حاجة صغيرة بل هذا أسهل لجواز تغيير صفاته لمصلحة وذكر الحافظ ابن رجب أن عبادة من أصحابنا أفتى في أوقاف وقفها جماعة على جهة واحدة من جهات البر إذا خرب بعضها للمباشر أن يعمره من الأجرة ووافقه طائفة من الحنفية
تنبيه: لم يتعرض المؤلف للمتولي بيعه والأشهر أنه الحاكم قدمه في الفروع وفي التلخيص ويكون البائع الإمام أو نائبه نص عليه وكذلك الشراء بثمنه وهو ظاهر ما في المغني والشرح لأنه فسخ لعقد لازم مختلف فيه اختلافا قويا فيتوقف فسخه على الحاكم كما قيل في الفسوخ المختلف فيها ولكونه بيعا على الغائبين وهم الذين يستحقونه بعد انقراض الموجودين وجزم في المحرر أنه ناظره وقيل بل يفعله الموقوف عليه إن قلنا يملكه
فرع: لو شرط الواقف أنه لا يباع فخرب يباع وشرطه إذن فاسد نص عليه قال حرب قلت لأحمد رجل وقف ضيعة فخربت وقال في الشرط لا يباع فباعوا منها سهما وأنفقوه على البقية ليعمروها قال لا بأس بذلك إذا كان كذلك لأنه اضطرار ومنفعة لهم. "ويصرف ثمنه في مثله" كذا في المحرر والوجيز والفروع وزاد أو بعض مثله قاله أحمد لأنه أقرب إلى غرض الواقف وكجهته وظاهر الخرقي أنه لا يتعين المثل واقتصر عليه في المغني والشرح إذ القصد النفع لكن يتعين صرف المنفعة في المصلحة التي كانت الاولى تصرف إليها لأن تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه لا يجوز كما لا يغير الوقف بالبيع مع إمكان الإنتفاع به وقوة كلامه وهو ظاهر الخرقي أنه لا بد من إيقاف الناظر له وصرح في الرعاية أنه يصير وقفا بمجرد الشراء وجوزهما الشيخ تقي الدين لمصلحة وأنه قياس الهدي وذكره وجها في المناقلة وأومأ إليه أحمد(5/271)
وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشترى بثمنه ما يصلح للجهاد وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في موضعه وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته
__________
"وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو" بأن ينحطم "بيع" كالوقف إذا تعطلت منافعه "واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد" نصر عليه محافظة على غرض الواقف وعنه يصرفه على الدواب الحبس أو يصرف ثمنه في مثله وظاهره التخيير وعلى الأول إن لم يكن ثمنه ثمن فرس أخرى أعين به في شراء فرس حبيس نص عليه ذكره في المغني والشرح لأن المقصود استيفاء منفعة الوقف الممكن استيفاؤه وصيانتها عن الضياع.
"وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في موضعه" فإنه يباع إذا خربت محلته نقله عبدالله ذكره جماعة وفي رواية صالح يحول المسجد خوفا من اللصوص وإذا كان في موضعه قدر وقال القاضي يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه ونص على جواز بيع عرصته وتكون الشهادة على الإمام.
"وعنه لا تباع المساجد" نقلها علي بن سعيد لأنها آكد من غيرها "لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر" اختاره أبو محمد الجوزي لأنه أقرب إلى غرض الواقف لكن نقل جعفر فيمن جعل خانا في السبيل وبنى بجنبه مسجدا فضاق أيزاد منه في المسجد قال لا قيل فإنه ترك ليس ينزل فيه فقد عطل قال يترك على ما صير إليه ولا يجوز نقله مع إمكان عمارته قاله في الفنون وإن جماعة أفتوا بخلافه وغلطهم
"ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته" نقل أبو داود إذا كان في المسجد خشبتان لهما قيمة تشعث وخافوا سقوطه جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه لأنه إذا جاز بيع الكل عند الحاجة فبيع بعضه مع بقاء البعض أولى وقاسه في الشرح على بيع بعض الفرس الحبيس عند تعذر الإنتفاع به(5/272)
وما فضل من حصره وزيته عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر والصدقة به على فقراء المسلمين ولا يجوز غرس شجرة في المسجد
__________
ويجوز نقض منارته وبناء حائطه بها لتحصينه من الكلاب نص عليه في رواية محمد بن عبدالحكم للمصلحة.
"وما فضل من حصره وزيته" وقصبه ونفقته وعبارة الوجيز والفروع وما فضل عن حاجته وهي أولى "عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر" قاله أحمد لأنه انتفاع في جنس ما وقف له فكان مصروفا له في مثله وكالهدي "والصدقة به على فقراء المسلمين" نص عليه في رواية المروذي واحتج بأن شيبة بن عثمان الحجي كان يتصدق بخلقان الكعبة وروى الخلال بإسناده أن عائشة أمرته بذلك وهذه قضية انتشرت ولم تنكر فكان كالإجماع ولأنه مال لله تعالى لم يبق له مصرف فصرف إلى المساكين ولأن نفع المسجد عام والفقراء كذلك وخصه أبو الخطاب والمجد بفقراء جيرانه لأنهم أحق بمعروفه وعنه لا يصرف لهما وعنه بلى لمثله واختاره الشيخ تقي الدين وقال أيضا وفي سائر المصالح وبناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته قال وإن علم أن ريعه يفضل عنه دائما وجب صرفه لأن بقاءه فساد وإعطاؤه فوق ما قدره الواقف لأن تقديره لا يمنع استحقاقه كغير مسجده وقال ومثله وقف غيره ولا يجوز لغير الناظر صرف الفاضل
فرع: فضل غلة موقوف على معين استحقاقه مقدر يتعين إرصاده ذكره أبو الحسين والحارثي ونقل حرب فيمن وقف على قنطرة فانحرف الماء يرصد لعله يرجع وإن وقف على ثغر فاختل صرف في ثغر مثله وعلى قياسه مسجد ورباط ونحوهما.
"ولا يجوز غرس شجرة في المسجد" نص عليه وقال تقلع غرسته بغير حق لأن المسجد لم يبن لذلك إنما بني لقراءة القرآن والصلاة وذكر الله تعالى ولما يحصل بها من الأذى وفي الإرشاد والمبهج يكره غرسها فيه وقيل يكره إن لم يضق وإلا حرم فإن غرست فيه وأثمرت فقال(5/273)
فإن كانت مغروسة فيه جاز الأكل منها قال أبو الخطاب إذا لم يكن بالمسجد حاجة إلى ثمنها فإن احتاج صرف ذلك في عمارته
__________
أحمد لا أحب الأكل منها وقيل تباح لفقراء الدرب وقيل مع غنى المسجد عنها وظاهر النص والمحرر أنه لا يختص قلعها بواحد وفي المستوعب والشرح أنه للإمام.
"فإن كانت مغروسة" بأن وقف وهي "فيه" فإن عين مصرفها اتبع وإلا صارت كالوقف المنقطع "جاز الأكل منها" لأنها تبع للمسجد وهو لكل من المسلمين الإنتفاع به فكذا الأكل منها وظاهره مطلقا وهو قول.
"قال أبو الخطاب إذا لم يكن بالمسجد حاجة إلى ثمنها" اقتصر في المحرر على هذا لأن حاجة المسجد مقدمة على غيره "فإن احتاج ذلك صرف في عمارته" لأنها مقدمة على غيرها وقول أبي الخطاب تقييد لما أطلق لعدم ذكره بواو العطف وذكر جماعة أنه يصرف في مصالحه فإن فضل فلجاره كلها نص عليه قال جماعة ولغيره وقيل للفقير منهم
فرع: لا يجوز حفر بئر في المسجد ولا يغطى بالمغتسل لأنه للموتى ونقل المروذي أنها تطم وفي الرعاية أن أحمد لم يكره حفرها فيه ثم قال بلى إن كره الوضوء فيه
مسألة: إذا غرس الناظر أو بنى فيه فهو له إن أشهد وإلا للوقف قال في الفروع ويتوجه في أجنبي للوقف بنيته وقال شيخنا يد الواقف ثابتة على المتصل به ما لم تأت حجة يدفع موجبها كمعرفة كون الغارس غرسها بماله بحكم إجارة أو إعارة أو على المنفعة فليس له دعوى البناء بلا حجة ويد أهل العرصة المشتركة ثابتة على ما فيها بحكم الإشتراك إلا مع بينة باختصاصه ببناء ونحوه(5/274)
باب الهبة والعطية
وهي تمليك في حياته بغير عوض وإن شرط فيها عوضا معلوما صارت بيعا وعنه يغلب فيها حكم الهبة
__________
باب الهبة والعطية
أصلها من هبوب الريح أي مروره يقال وهبت له شيئا وهبا بإسكان الهاء وفتحها وهبة والإسم الموهب والموهبة بكسر الهاء فيهما والإتهاب قبول الهبة والإستيهاب سؤال الهبة وتواهب القوم أي وهب بعضهم بعضا ووهبته كذا لغة قليلة
والعطية قال الجوهري هي الشيء المعطى والجمع العطايا والعطية هنا الهبة في مرض الموت فذكر الهبة في الصحة والمرض وأحكامهما قاله في المطلع
"وهي تمليك في حياته بغير عوض" فخرج بالأول ما ليس بتمليك كالعرية فإنها إباحة وبالثاني الوصية وبالثالث عقود المعاوضات كالبيع والإجارة والمراد به ماله المعلوم الموجود صرح به في الوجيز بما يعد هبة عرفا ويعتبر فيه أن يكون من جائز التصرف.
"وإن شرط فيها عوضا معلوما" صح نص عليه "وصارت بيعا" لأنه تمليك بعوض معلوم أشبه البيع ومعناه أنه يثبت فيها الخيار والشفعة وحكى في الفروع قولا أنها تصح بقيمتها فعليه يلغو الثواب المشروط ويرجع إلى قيمتها والظاهر أنه يرجع إلى ذلك إذا جعل الثواب مجهولا ونبه عليه في الفائق وقيل لا يصح لأنه شرط في الهبة ما ينافي مقتضاها ولنفي الثمن ورد بأنه تمليك بعوض فصح عارية.
"وعنه يغلب فيها حكم الهبة" ذكرها أبو الخطاب لأنه وجد لفظها الصريح فكان المغلب فيها الهبة كما لو لم يشرط عوضا وحينئذ لا يثبت(5/275)
وإن شرط ثوابا مجهولا لم يصح وعنه أنه قال يرضيه بشيء فعلى هذا إن لم يرض فله الرجوع فيها أو في عوضها إن كانت تالفة
__________
فيها أحكام البيع المختصة به وظاهره أن الهبة المطلقة لا تقتضي عوضا سواء كانت لمثله أو دونه أو أعلا منه وقال ابن حمدان هي من الأدنى تقتضي عوضا هو القيمة لقول عمر من وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها
وجوابه بأنها عطية على وجه التبرع فلم يقتض ثوابا كهبة المثل والوصية أو قول عمر خالفه ابنه وابن عباس وقبل يقتضي عوضا مع عرف فلو أعطاه ليعاوضه أو ليقضي له حاجة فلم يف فكالشرط فعلى ما ذكره لو عوضه عن الهبات كانت هبة مبتدأة لا عوضا أيهما أصاب عيبا لم يكن له الرد وإن خرجت مستحقة أخذها صاحبها ولم يرجع الموهوب له ببدلها
"وإن شراط ثوابا" أي عوضا "مجهولا لم تصح" الهبة لأنه عوض مجهول في معاوضة فلم يصح كالبيع وحينئذ حكمها حكم البيع الفاسد فيردها الموهوب له بزيادتها مطلقا لأنها نماء ملك الواهب وإن كانت تالفة رد قيمتها.
"وعنه أنه قال يرضيه بشيء "أي هو صحيح وذكره الشيخ تقي الدين ظاهر المذهب فإذا أعطاه عنها عوضا رضيه لزم العقد لأنها تصح بغير عوض فلأن تصح بعوض مجهول من باب أولى قال أحمد في رواية محمد بن الحكم هذا لك على أن تثيبني فله أن يرجع إذا لم يثبه لأنه شرط ونص على معناه في رواية إسماعيل بن سعيد ولا يجوز أن يكافئه بالشكر والثناء نص عليه.
"فعلى هذا إن لم يرض فله الرجوع فيها أو في عوضها إن كانت تالفة" لأنه عقد معاوضة فاسد فيلزمه ضمان العين إذا تلفت كالبيع الفاسد وقيل يعطيه قدر قيمتها والأول أصح لأن هذا بيع فيعتبر التراضي ومقتضاه أنه يرجع في العين مع بقائها مطلقا لكن إن تغيرت بزيادة أو نقصان ولم يثبه منها فقال أحمد لا(5/276)
وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها وتلزم بالقبض.
__________
أرى عليه نقصان ما نقص عنده إذا رده إلى صاحبه إلا أن يكون ثوبا لبسه أو جارية استخدمها فأما غير ذلك إذا نقص فلا شيء عليه كالرهن
فرع: إذا ادعى ربها شرط العوض أو قال رهنتني ما بيدي فقال بل بعتكه فأيهما يصدق إذا حلف فيه وجهان وجزم في الكافي في الأولى أنه يقبل قول المنكر
"وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب" بأن يقول وهبتك وأهديت إليك وأعطيتك ونحوه كهذا لك "والقبول" بأن يقول قبلت أو رضيت "والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها" اختاره ابن عقيل وهو الصحيح لأنه عليه السلام كان يهدي ويهدى إليه ويعطي ويعطى ويفرق الصدقات ويأمر سعاته بأخذها وتفريقها وكان أصحابه يفعلون ذلك ولم ينقل عنهم إيجاب ولا قبول ولو كان شرطا لنقل عنهم نقلا متواترا أو مشتهرا وكالبيع وذكر القاضي وأبو الخطاب أنها لا تصح إلا بالإيجاب والقبول ولا تصح بدونه وسواء وجد قبض أم لا لأنها عقد تمليك فافتقر إلى ذلك كالنكاح وفي المستوعب والمغني أنها لا تصح إلا بلفظ الهبة والعفو والتمليك وفي الرعاية في عفو وجهان وما ورد في الأخبار دال على خلافه قال ابن عقيل إنما يشترط الإيجاب والقبول مع الإطلاق وعدم العرف ولأنه يكتفي بها في المعاوضات فالهبة أولى والنكاح يشترط فيه الإشهاد وغيره ولا يقع إلا قليلا فيه ذلك بخلاف الهبة.
"وتلزم بالقبض"بإذن واهب بلا شبهة لما روى مالك عن عائشة أنا أبا بكر نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالعالية فلما مرض قال يا بنية كنت نحلتك جداد عشرين وسقا ولو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك فإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله تعالى وروى ابن عيينة عن عمر نحوه ولم(5/277)
وعنه تلزم في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة ولا يصح القبض إلابإذن الواهب إلا ما كان في يد المتهب فيكفي مضي زمن يتأتى قبضه فيه
__________
نعرف لهما في الصحابة مخالفا ولأنها هبة غيرمقبوضة فلم تلزم كالطعام المأذون في أكله "وعنه تلزم في غيرالمكيل والموزون" والمعدود والمزروع "بمجرد الهبة" أي إذا كان متميزا فإنه يلزم بمجرد العقد اختاره الأكثر قال ابن عقيل هي المذهب لعموم قوله عليه السلام: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" ولأنه إزالة ملك بغير عوض فلزم بمجرد العقد كالوقف والعتق ولأنه تبرع فلا يعتبر فيه القبض كالوصية ولأنه عقد لازم ينقل الملك فلم يقف لزومه على القبض كالبيع وحديث أبي بكر محمول على أنه أراد به عشرين وسقا مجدودة فيكون مكيلا غير معين ولا تصح الهبة فيه قبل تعيينه فيكون معناه وعدتك بالنحلة لكنه خلاف الظاهر وأجابوا عن الوقف والوصية والعتق بالفرق فإن الوقف إخراج ملك لله تعالى فخالف التمليكات والوصية تلزم في حق الوارث والعتق إسقاط حق وليس بتمليك وإذا قلنا الهبة تملك بالعقد بمجرده فيصح التصرف فيها قبل القبض نص عليه لأن حق الواهب انقطع عنها بمجرد انتقال ملكه وليست في ضمانه ولا محذور في التصرف فيها بوجه وظاهره أن الهبة حيث افتقرت إلى القبض فإنها تصح بالعقد واختار الخرقي وجمع عكسه قال المروذي اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة والأشهر الأول وهل يملكها به فيه وجهان وعليهما يخرج النماء قال جماعة إن اتصل القبض.
"ولا يصح القبض" إذا قيل يلزم به "إلا بإذن الواهب" لأنه قبض غير مستحق عليه فلم يصح إلا بإذنه كأصل العقد وكالرهن "إلا ما كان في يد المتهب" كالوديعة والمغصوب "فيكفي مضى زمن يتأتى قبضه فيه" هذا رواية واختارها القاضي لأنه مقبوض فلا معنى لتجديد الإذن فيه وقول ابن المنجا أنه(5/278)
وعنه لا يصح حتى يأذن في القبض وإن مات الواهب قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع وإن أبرأ الغريم غريمه من دينه
__________
المذهب فيه نظر فإن ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور أنها تلزم من غير مضي مدة يتأتى فيها القبض قدمه في المحرر والفروع وصححه في المغني والشرح لأن قبضه مستدام فأغنى عن الإبتداء كما لو باعه سلعة
ويبنى على الخلاف الرجوع والنماء وفي الرعاية الزيادة قبل القبض للمتهب إذا قبض ما يعتبر قبضه وقيل للواهب وهو أقيس والأصح أنه إذا أذن في القبض ثم رجع عن الإذن أو في الهبة صح رجوعه "وعنه لا يصح حتى يأذن في القبض" كما لو لم يكن في يده.
"وإن قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع" في الأصح لأنه عقد مآله إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع في مدة الخيار وكما لو مات المتهب بعد القبول وقال القاضي وقدمه في الشرح إنها تبطل سواء كان قبل الإذن في القبض أو بعده لأنه عقد جائز فبطل بموت أحد المتعاقدين كالوكالة وظاهره أن ورثة المتهب لا تقوم مقامه بل تبطل الهبة بموته في الأصح
فرع: يقبض أب لطفل من نفسه والأصح لا يحتاج قبولا ويقبل ويقبض للطفل والمجنون وليهما وقيل وغيره ممن يقوم بمصلحتهما إذا عدم وأمين الحاكم كهو
أصل: يصح قبض المميز وقبوله بلا إذن وليه وقيل يتوقف صحة قبضه فقط على إذنه ولا يصح هبة من صغير وسفيه ولو بإذن وليهما وتصح الهبة من العبد وقيل بإذن سيده وما اتهبه عبد غير مكاتب وقبله فهو لسيده ويصح قبوله بلا إذن سيده نص عليه وقيل لا يقبله إلا بإذنه فإن قبله وقلنا يملكه فهو له دون سيده وإلا فلا ذكره في الرعاية
"وإن ابرأالغريم غريمه من دينه" ولو اعتقد أنه ليس له عنده شيء ولو قبل حلوله(5/279)
أو وهبه له أو أحله منه برئت وإن رد ذلك ولم يقبله وتصح هبة المشاع وهبة كل ما يجوز بيعه
__________
خلافا للحلواني وغيره "أو وهبه له أو أحله منه" أو أسقطه عنه أو تركه أو ملكه أو تصدق به عليه أو عفا عنه "برئت ذمته وإن رد ذلك ولم يقبله" في المنصوص لأنه إسقاط حق فلم يفتقر إلى القبول كالعتق والطلاق والشفعة وبهذا فارق هبة المعين لأنه تمليك وفي المغني في إبرائها له من المهر هل هو إسقاط أو تمليك فيتوجه منه احتمال لا يصح وإن صح اعتبر قبوله
وفي الموجز والإيضاح لا تصح هبة إلا في معين وفي المغني وإن حلف لا يهبه فأبرأه لم يحنث لأن الهبة تمليك وعلى النص يصح ولو كان المبرأ منه مجهولا وفيه خلاف لكن لو جهله ربه وكتمه المدين خوفا من أنه لو عمله لم يبره لم تصح البراءة ومن صور البراءة من المجهول لو أبرأه من أحدهما أو أبرأ أحدهما ويؤخذ بالبيان والمذهب لا يصح مع إبهام المحل كأبرأت أحد غريمي ولو أبرأه من مائة وهو يعتقد أنه لا شيء له وكانت عليه ففي صحة البراءة وجهان أصلهما ما لو باع مالا كان لمورثه يعقتد أنه باق لمورثه وكان قد مات وانتقل إليه.
"وتصح هبة المشاع" جزم به الأكثر لما في الصحيح أن وفد هوازن لما جاؤوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنم منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم" ولأنه يجوز بيعه وظاهره سواء أمكن قسمته أولا لكن يعتبر لقبضه إذن الشريك قاله في المجرد فيكون نصفه مقبوضا تملكا ونصف الشريك أمانة وقال في الفنون بل عارية مضمونة وفي الرعاية من اتهب مبهما أو مشاعا من منقول أو غيره فأذن له شريكه في القبض كان سهمه أمانة مع المتهب أو يوكل المتهب شريكه في قبض سهمه منه ويكون بيده أمانة وإن تنازعا قبض لهما وكيلهما أو أمين الحاكم والأشهر إن أذن له في التصرف مجانا فكعارية وإن كان بأجرة فكمأجور
"و" تصح "هبة كل ما يجوز بيعه" لأنه تمليك في الحياة فصح كالبيع(5/280)
ولا تصح هبة المجهول وما لا يقدر على تسليمه ولا يجوز تعليقها على شرط
__________
وظاهره أن ما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته وفي أم الولد أوجه وفي الكلب المعلم والصوف على الظهر وجهان وفي المغني والشرح والوجيز تصح هبته ونجاسة يباح نفعها كالوصية نقل حنبل فيمن أهدى إلى رجل كلب صيد ترى له أن يثيب عليه قال هذا خلاف الثمن هذا عوض من شيء فأما الثمن فلا
"ولا تصح هبة المجهول" كالحمل في البطن واللبن في الضرع نص عليه في رواية أبي داود وحرب لأنه تمليك فلم يصح في المجهول كالبيع وشرطه إلا ما تعذر علمه كالصلح صرح به الأئمة وقيل لا يصح إن كان دون المتهب لانتفاء العلة وعلم منه أنه لا تصح هبة المعدوم كالتي تحمل أمته أو شجرته من باب أولى.
"وما لا يقدر على تسليمه" كالآبق والشارد والمغصوب لغير غاصبه لأنه عقد يفتقر إلى القبض أشبه البيع وظاهره أنه إذا وهبه لغاصبه أو لمن يتمكن من أخذه صح لإمكان قبضه وليس لغير الغاصب القبض إلا بإذن الواهب فإن وكل المالك الغاصب في تقبيضه صح وإن وكل المتهب الغاصب في القبض له فقبل ومضى زمن يمكن قبضه فيه صار مقبوضا وملكه المتهب وبرىء الغاصب من ضمانه ذكره في الشرح وقيل تصح هبة غيرمقدور عليه وقاله أبو ثور لأنه تمليك بلا عوض كالوصية قال في الفروع ويتوجه منه هبة معدوم غيره. "ولا يجوز تعليقها على شرط" جزم به أكثر الأصحاب لأنها تمليك لمعين في الحياة فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع وما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك" وعد لا هبة واستثنى في الفروع وسبقه إليه ابن شهاب والقاضي غير الموت أي موت المبرىء
تنبيه: لا يصح تعليق الإبراء بشرط نص عليه فيمن قال إن مت فأنت في(5/281)
ولا شرط ما ينافي مقتضاها نحو ألا يبيعها ولا يهبها ولا توقيتها كقوله وهبتك هذا سنة إلا في العمرى وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار أو أرقبتكها أو جعلتها لك عمرك أو حياتك فإنه
__________
حل لأنه إن كان تمليكا فكتعليق الهبة وإلا فقد يقال هو تمليك من وجه والتعليق مشروع في الإسقاط المحض فقط فإن ضم التاء فوصية وعن أحمد أنه جعل رجلا في حل من عيبه بشرط أن لا يعود قال ما أحسن الشرط فيتوجه فيهما روايتان وذكر الحلواني صحة الإبراء بشرط واحتج بنصه المذكور
"ولا شرط ما ينافي مقتضاها نحو أن لا يبيعها ولا يهبها" أو بشرط أن يبيعها أو يهبها أو يهب فلانا شيئا لم يصح الشرط رواية واحدة وكذا الهبة وفيها وجه بناء على الشروط الفاسدة في البيع وإن وهب أمة واستثنى حملها صح في قياس قوله في العتق وفيه تخريج.
"ولا توقيتها" خلافا للحارثي "كقوله وهبتك هذا سنة" لأنه تعليق لانتهاء الهبة وقيل يلغو توقيته وتصح الهبة مطلقا
"إلا في العمرى" والرقبى فإنهما نوعان من الهبة ويصح توقيتهما سميت عمرى لتقييدها بالعمر وسميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه
"وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار" أو أعطيتك "أو أرقبتكها" قال ابن القطاع أرقبتك أو أعطيتك وهي هبة ترجع إلى المرقب إن مات المرقب وقد نهى عنه والفاعل منهما معمر ومرقب بكسر الميم الثانية والقاف والمفعول بفتحهما وقال أبو السعادات يقال أعمرته الدار أي جعلتها له يسكنها مدة عمره فإذا مات عادت إلى كذا كانوا يفعلونه في الجاهلية فأبطل ذلك الشرع وأعلمهم أن من أعمر شيئا أو أرقبه في حياته فهو له ولورثته من بعده "أو جعلتها لك عمرك" أو عمري "أو حياتك" أوما بقيت "فإنه" أي ذلك(5/282)
يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده.
__________
وهو العمرى والرقبى "يصح" في قول أكثر العلماء وحكي عن بعضهم ضده لقوله عليه السلام "لا تعمروا ولا ترقبوا" هذا نهي وهو يقتضي الفساد وجوابه ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم "قال العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها" رواه أبو داود واالترمذي وحسنه والنهي ورد على وجه الإعلام لهم أنكم إن أعمرتم أوأرقبتم نفذ للمعمر وللمرقب ولم يعد إليكم منه شيء بدليل حديث جابر مرفوعاً "من أعمر عمرى فهي لمن أعمرها حياً وميتاً ولعقبه" رواه مسلم ولو أريد به حقيقة لم يمنع صحته كطلاق الحائض وصحة العمرى ضرر على المعمر فإن ملكه يزول لغير عوض قاله في المغني والشرح.
"وتكون للمعمر" بفتح الميم ملكاً في قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم لما روى جابر قال: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له" متفق عليه ورواه مالك في الموطأ "ولورثته من بعده" لما روى زيد ابن ثابت "أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث" لأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك وتنتقل إلى الورثة فلم يكن تقديره بحياته منافياًلحكم الأملاك فإن عدموا فلبيت المال دون ربها نص عليه ومقتضاه أنه إذا أضافها إلى عمر غيره أنها لا تصح وعنه يرجع بعد موت المعمر إلى المعمر وقاله الليث لقول جابر إنما العمرى التي أجازها النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك أما إذا قال هي لك ماعشت فإهنا ترجع إلى صاحبها وليس بظاهر مع أنه حمل قوله على تمليك المنافع وجوابه بأنه قضى بها طارق بالمدينة بأمر عبد الملك بن مروان وقول بعضهم إنها تمليك المنافع لايضر إذا نقلها الشارع إلى تمليك الرقبة كالمنقولات الشرعية أما لو قال أعمرتك هذه الدار ولعقبك فلاخلاف عندنا في الصحة كما اقتضاه كلامه في الكافي وذكر العقب تأكيد .
تنبيه: ليس ذلك خاصا بالعقار بل يجري فيه وفي الحيوان والثياب نقل(5/283)
وإن شرط رجوعها إلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتا صح الشرط وعنه لا يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده
__________
يعقوب وابن هانىء من يعمر الجارية أيضا قال لاأراه وحمله القاضي على الورع لأن بعضهم جعلها تمليك المنافع وروى سعيد بإسناده عن الحسن أن رجلا أعمر فرسا حياته فخاصمه بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام "من ملك شيئا حياته فهو لورثته بعده " والإنسان إنما يملك الشيء عمره فقد وقته بما هو مؤقت به في الحقيقة فصار كالمطلق.
"وإن شرط رجوعها إلى المعمرعند موته" إن مات قبله أو إلى غيره وتسمى الرقبى أو رجوعها مطلقا إليه أو إلى ورثته "أو قال هي لآخرنا موتا صح الشرط" كالعقد على الأصح لقوله عليه السلام "المسلمون على شروطهم" قال القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم وحينئذ يعمل بالشرط.
"وعنه لا يصح" الشرط نص عليه في رواية أبي طالب وفي المغني هو ظاهر المذهب وقدمه في المحرر والفروع لما روى أحمد بإسناده مرفوعا قال "لا عمرى ولا رقبى فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته وموته" وهذا صريح في إبطال الشرط لأن الرقبى يشترط فيها عودها إلى المرقب إن مات الآخر قبله.
"وتكون للمعمر ولورثته من بعده" لقوله عليه السلام "من ملك شيئا حياته فلورثته بعد موته" وعنه بطلانهما كالبيع
فرع: إذا قال سكناه لك عمرك أو غلته أو خدمته لك أو منحتكه فهو عارية نقله الجماعة لأنه في التحقيق هبة المنافع والمنافع إنما تستوفى بمضي الزمان شيئا فشيئا وتبطل بموت أحدهما
تنبيه: إذا وهب أو باع فاسدا ثم تصرف في العين بعقد صحيح مع علمه بفساد الأول صح الثاني لأنه تصرف في ملكه عالما بأنه ملكه وإن اعتقد صحة الأول ففي الثاني وجهان كما لو تصرف في عين يعتقد أنها لأبيه فبان أنه قد مات وملكها قال القاضي أصلهما من باشر بالطلاق امرأة يعتقدها أجنبية فبانت(5/284)
فصل
والمشروع في عطية الاولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم
__________
امراته أو باشر بالعتق من يعتقدها حرة فبانت أمته ففي وقوعهما روايتان
فصل
"والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم" أي يجب التعديل في عطية أولاده للذكر مثل حظ الانثيين اقتداء بقسمة الله تعالى وقياسا لحال الحياة على حال الموت قال عطاء ما كانوا يقتسمون إلا على كتاب الله تعالى وقاله عطاء وشريح وإسحاق وقيل لصلبه وذكره الحارثي لا ولد بنيه وبناته للحقيقة وعنه يستحب ذكر كأنثى وقاله أكثر العلماء لقوله عليه السلام لبشير بن سعد "سو بينهم" وكالنفقة
وجوابه أن الذكر أحوج منها من جهة أن الصداق والنفقة عليه بخلافها وحديث بشير قضية في عين وحكاية حال لا عموم لها إنما يثبت حكمها في مثلها ولا يعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أثني أولا ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى
ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء وعنه لا يجب التعديل في النفقة كشيء تافه نص عليه وقال أبو يعلى الصغير كشيء يسير وعنه بلى مع تساوي فقر فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا أو غنى
نقل أبو طالب لا ينبغي أن يفضل أحدا من ولده في طعام وغيره قال إبراهيم كانوا يستحبون التسوية بينهم حتى في القبل فدخل فيه نظر وقف وظاهره أنه لا يجب التعديل بين غيرهم بل ذلك مخصوص بالأولاد فقط جزم به المؤلف في كتبه وزعم الحارثي أنه المذهب وان عليه المتقدمين من أصحابنا قال في الفروع وهو سهو إذ الأصل تصرف الإنسان في ماله كيف شاء خرج منه الأولاد للخبر مع أنه عليه السلام لم يسأل بشيرا هل لك وارث غير(5/285)
فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا
__________
ولدك أم لا واختار الأكثر أن بقية الأقارب كالأولاد نص عليه وهو المذهب لأن المنع من ذلك كان خوف قطيعة الرحم والتباغض وهو موجود في الأقارب
والأم كالأب فيما ذكرنا لأنها أحد الأبوين أشبهت الأب ولوجود المعنى المقتضى للمنع "فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا" نص عليه وجزم به الأصحاب لما روى النعمان بن بشير قال : "تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال "أكل ولدك أعطيت مثله" قال لا قال "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال فرجع أبي فرد تلك الصدقة" وفي لفظ "فاردده" وفي لفظ "فارجعه" وفي لفظ "لا تشهدني على جور" وفي لفظ "فأشهد على هذا غيري" وفي لفظ "سو بينهم" متفق عليه وذلك يدل على التحريم لأنه سماه جورا أو أمر برده وامتنع من الشهادة عليه ولا شك أن الجور حرام والأمر يقتضي الوجوب وهو يورث العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، فمنع منه كتزويج المرأة على عمتها وقيل يجوز تفضيل أحدهم واختصاصه لمعنى فيه ويكره إن كان على سبيل الأثرة اختاره المؤلف ونصره في الشرح وقال الليث والثلاثة يجوز ذلك مطلقا لأن أبا بكر نحل عائشة جداد عشرين وسقا دون سائر ولده
واحتج الشافعي بقوله: "أشهد على هذا غيري" فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها لأنه عطية تلزم بموت المعطي كالتسوية
وجوابه بأن فعل أبي بكر لا يعارض ما تقدم وبأنه نحلها لمعنى فيها لا يوجد في غيرها من أولاده أو كان قاصدا بأن ينحل غيرها فأدركته الوفاة وبأن قوله: "أشهد..." إلى آخره ليس بأمر لأن أدنى أحواله الإستحباب ولا خلاف في(5/286)
فإن مات قبل ذلك ثبت للمعطي وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع اختاره أبو عبدالله بن بطة وإن سوى بينهم في الوقف
__________
كراهته مع أنه لو كان أمرا لبادر إلى امتثاله وإنما هو تهديد وظاهره أنه إذا خص بعضهم بإذن الباقي أو كان لمعنى كزمانة أو عمى أو طلب علم جاز وأنه لا فرق في ذلك بين الصحة والمرض وعنه لا ينفذ في مرضه ونقل الميموني معناه قال أبو الفرج يؤمر برده.
"فإن مات"الواهب "قبل ذلك ثبت للمعطي" ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع نص عليه واختاره الخلال وصاحبه والخرقي وأكثر العلماء لقول أبي بكر لعائشة رضي الله عنها وددت أنك حزتيه فدل أنها لو كانت حازتة لم يكن له الرجوع ولقول عمر ولأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد فإن كان في المرض فقد خالف ويقف على إجازة بقية الورثة لكن إن كانت العطية في المرض ليسوي بينهم فقد توقف أحمد والأشهر الجواز لأنه طريق لفعل الواجب.
"وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع اختاره أبو عبدالله بن بطة" وأبو حفص والشيخ تقي الدين قال أحمد عروة قد روى حديث عمر وعثمان وإن سوى بينهم في الوقف وعائشة وتركها وذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ترد في حياة الرجل وبعد موته ولأنه عليه السلام سمى ذلك جورا وفي رواية لمسلم "إني لا أشهد إلا على حق" وغير الحق لا يجوز والجور لا يحل فعله ولا يختلف بالحياة والموت ولا يطيب أكله ويتعين رده وعنه أنها باطلة واختارها الحارثي وقال أبو يعلى الصغير قولهم لو حرم لفسد والتحريم يقتضي الفساد في رواية لا في أخرى بدليل قوله في الصلاة في دار غصب فدل على الخلاف
أصل لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده نقله الأكثر وعنه بلى ونقل ابن الحكم لا يعجبني فإن حدث له وارث سوى ندباً قدمه جماعة وقيل وجوبا قال أحمد أعجب إلي يسوي اقتصر عليه في المغني
"وإن سوى بينهم في الوقف" ذكر كأنثى جاز قاله القاضي وقدمه في(5/287)
أوقف ثلثه في مرضه على بعضهم جاز نص عليه وقياس المذهب لا يجوز
__________
الفروع لأن القصد القربة على وجه الدوام وقد استووا في القرابة نقل ابن الحكم لا بأس قيل فإن فضل قال لا يعجبني على وجه الأثرة إلا لعيال بقدرهم أو حاجة لأن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته واختار المؤلف أنه يستحب أن يقسم بينهم كقسمة الميراث لأنه إيصال المال إليهم فيكون على حسب الميراث وذكر أن قول القاضي لا أصل له وهو ملغي بالعطية والهبة لأن الوقف لا ينقل الرقبة أو ينقلها على وجه من القصور بخلاف الهبة "أو وقف ثلثه في مرض"ه أو وصى بوقفه "على بعضهم جاز نص عليه" اختاره القاضي والأكثر واحتج الإمام بأن عمر جعل أمر وقفه إلى حفصة تأكل منه وتشتري رقيقا ولأن الوقف ليس في معنى المال فهو كعتق الوارث وكالوقف على الأجانب وعلل في رواية الميموني بأن الوقف غير الوصية لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة ينتفعون بغلتها.
"وقياس المذهب لا يجوز" ظاهره أنه لا نقل فيها عن الإمام لكن نص في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن وصى لأولاد بنته بأرض توقف فقال إن لم يرثوه فجائز وظاهره أنه لا يجوز الوقف على وارث في المرض اختارها أبو حفص وابن عقيل ذكرها أبوالخطاب ورجحها في المغني والشرح لأنه تخصيص لبعض ورثته بماله في مرضه فمنع منه كالوصية وإلحاقا له بالهبة وحديث عمر ليس فيه تخصيص لبعض الورثة بالوقف لأنه جعل الولاية إليها وليس ذلك وقفا عليها وكونه انتفاعا بالغلة لا يقتضي جوازالتخصيص كما لو أوصى لوارث بمنفعة عبد وحمل كلامه على أنه وقف على الورثة فعنه كهبة فتصح بالإجازة وعنه لا إن قيل هبة وعنه يلزم في ثلثه وهي أشهر
تنبيه: إذا وقف داره في مرض موته وهي تخرج من ثلثه على ابنه وبنته نصفين جاز على المنصوص ولزم لأنه لما كان له تخصيص البنت بها فبنصفها أولى وعلى المنصور في المغني وغيره إن أجاز الإبن جاز وإن رده بطل الوقف فيما زاد على(5/288)
ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته إلا الأب
__________
نصيب الإبن وهو السدس ويرجع إلى الإبن ملكا فيكون له النصف وقفا والسدس ملكا والثلث للبنت جميعه وقفا وقيل يبطل الوقف في نصف ما وقف على البنت وهو الربع ويبقى ثلاثةأرباعها وقفا نصفها للإبن وربعها للبنت والربع الذي بطل الوقف فيه بينهما أثلاثا وتصح من اثني عشر للإبن ستة أسهم وقف وسهمان ملك وللبنت ثلاثة أسهم وقف وسهم ملك ولو كان لا يملك غيرها وقلنا يلزم في الثلث فردا فثلثها وقف بينهما بالسوية وثلثاها ميراثا وإن رد ابنه فله ثلثا الثلثين إرثا ولبنته ثلثها وقفا وإن ردت فلها ثلث الثلثين إرثا ولابنه نصفها وقفا وسدسها إرثا كرد الموقوف عليه
فرع: لا يصح وقف زائد على الثلث على أجنبي جزم به المؤلف وجماعة وأطلق بعضهم وجهين وكذا على وارث ولو حيلة كوقف مريض ونحوه على نفسه ثم عليه
"ولا يجوز" أي لا يحل "لواهب أن يرجع في هبته" اللازمة كذا في الرعاية والوجيز لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "العائد في هبته كالكلب يقيىء ثم يعود في قيئه" متفق عليه ولأحمد والبخاري ليس لنا مثل السوء وفي رواية لأحمد قال قتادة ولا أعلم القيء إلا حراما وكالقيمة وظاهره وإن لم يثب عليها صرح به في المحرر وكذا حكم الهدية "إلا الأب" فله الرجوع في أظهر الروايات عنه وصححه ابن حمدان وهو المذهب عند الشيخين لما روى عمر وابن عباس مرفوعا "لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" رواه الخمسة وصححه الترمذي وسواء قصد برجوعه التسوية بين أولاده أو لا وظاهره لا فرق فيه بين المسلم والكافر في ظاهر كلامهم وفي الإختيارات منع الأب الكافر أن يرجع فيما أعطى ولده الكافر ثم أسلم فإن كان في حال إسلام الولد ففيه نظر ومقتضاه أن الأم لا رجوع لها وهو ظاهر كلام أحمد قال في رواية الأثرم ليست هي عندي(5/289)
وعنه ليس له الرجوع وعنه له الرجوع إلا أن يتعلق به حق أو رغبة مثل أن يتزوج الولد أو يفلس
__________
كالرجل لأن له أن يأخذ من مال ولده بخلاف الأم ولولايته وحيازته جميع المال وقيل بلى وهو ظاهر الخرقي وصححه في المغني والشرح لقوله عليه السلام "سووا بين أولادكم" ولا للمرأة فيما تهب زوجها وهو إحدى الروايات لقوله تعالى {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} الآية وعنه لها الرجوع مطلقا نقلها الأثرم وحكاه الزهري عن القضاة وأطلقهما في المحرر والفروع وقيداه بمسألته وسيأتي "وعنه ليس له الرجوع" كالجد لعموم ما سبق وفيه وجه ذكره ابن رزين وجوابه بأنه عليه السلام قال لبشير : "فارجعه" وفي رواية فاردده رواه مالك عن الزهري عن حميد عن النعمان وأقل أحوال الأمر الجواز .
"عنه له الرجوع إلا أن يتعلق به حق أو رغبة" لغير الولد مثل أن يهب ابنه شيئا فيرغب الناس في معاملته فيداينوه أو في مناكحته فيزوجوه أو يهب ابنته شيئا فتتزوج وقد نبه عليه بقوله "مثل أن يتزوج الولد أو يفلس" لأنه تعلق بها حق غير الإبن ففي الرجوع إبطال حقه يؤيده قوله عليه السلام "لا ضرر ولا إضرار" والرجوع ضرر وفيه تحيل على إلحاق الضرر بالمسلمين زاد في الفروع تبعا الرعاية والوجيز أو ما يمنع تصرف المتهب مؤبدا أو مؤقتا كالرهن ونحوه فلا رجوع
فرع: إذا أسقط حقه من الرجوع فاحتمالان في الإنتصار وإن علق الرجوع بشرط لم يصح
تنبيه: يحصل الرجوع في الهبة بالألفاظ الدالة عليه علم الولد أو لا ولا يفتقر إلى حكم حاكم في الأصح فإن أخذ ما وهبه لولده ونوى به الرجوع كان رجوعا ويقبل قوله في نيته فإن مات الأب ولم يعلم هل نوى الرجوع ولم توجد قرينة لم يحكم بأنه رجوع وإن حفت به قرائن دالة على الرجوع فوجهان وفي المغني ينبني هذا على نفس العقد فمن أوجب الإيجاب في القبول فليس(5/290)
وإن نقصت العين أو زادت زيادة منفصلة لم يمنع الرجوع والزيادة للإبن ويحتمل أنها للأب وهل تمنع المتصلة الرجوع على روايتين.
__________
برجوع وإلا فهو رجوع فإن نوى الرجوع من غير قول ولا فعل لم يحصل الرجوع وجها واحدا
"وإن نقصت العين" أو تلف بعضها لم يمنع الرجوع ولا ضمان على الولد فيما تلف منها لأنه تلف على ملكه سواء تلف بفعله أو لا وإن جنى العبد جناية تعلق أرشها برقبته فهو كنقصانه بذهاب بعض أجزائه فإن رجع الأب فيه ضمن أرش الجناية وإن كانت على العبد فرجع الأب فأرش الجناية عليه للإبن كالزيادة المنفصلة.
"أو زادت زيادة منفصلة" كالولد والثمرة وكسب العبد "لم تمنع الرجوع" بغير خلاف نعلمه قاله في الشرح لأن الرجوع في الأصل دون النماء ممكن وفيه في الموجز رواية "والزيادة للإبن" لأنها حادثة في ملكه ولا يتبع في الفسوخ وكذا هنا وكولد الأمة منه "ويحتمل أنها للأب" ذكره القاضي كالرد بالعيب ولأنها زيادة في الموهوب فملكها الأب كالمتصلة لكن إن كانت الزيادة ولد أمة لا يجوز التفريق بينهما منع من الرجوع إلا أن يقول المنفصلة للأب فيرجع فيهما جميعا أو يرجع في الأم ويتملك الولد من مال ولده قاله في الشرح وفيه شيء وإن اختلفا في حدوث زيادة ففي أيهما يقبل قوله وجهان.
"وهل تمنع" الزيادة "المتصلة" كالسمن في العين وتعلم صنعة في المعاني "الرجوع" إذا زادت بها القيمة قاله في الشرح "على روايتين" كذا في الكافي والمحرر إحداهما لا تمنع لأنها زيادة في الموهوب فلم يمنع الرجوع كالزيادة قبل القبض والمنفصلة والثانية وهي أشهر ورجحها في الشرح يمنع لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ولم ينتقل إليه(5/291)
وإن باعه المتهب ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة فهل له الرجوع على وجهين وإن رجع إليه ببيع أو هبة لم يملك الرجوع وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع
__________
من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها وحينئذ يمتنع الرجوع في الأصل لئلا يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص لأنه استرجاع للمال بفسخ عقد لغير عيب في عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح بخلاف الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشتري وقد رضي ببذل الزيادة وعلى المنع فللأب أخذها بطريق التملك بشرطه وقصر العين وتفصيلها زيادة متصلة يجري فيها الخلاف
فرع: إذا وهب حاملا من غيره فولدت في يده فهبة متصلة وقيل منفصلة إن قلنا لا حكم للحمل وإن رجع فيها حاملا جاز وإن لم تزد قيمتها وإن زادت قيمتها فمتصلة ولو وهبه نخلة فحملت فهي قبل التأبير زيادة متصلة وبعده منفصلة.
"وإن باعه المتهب" أو وهبه لم يملك الواهب الرجوع قولا واحدا "ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة" أو فلس المشتري "فهل له الرجوع على وجهين" كذا أطلقهما في المحرر والفروع واقتصر على ذكر الفسخ فقط وهو مغن
أحدهما وجزم به في الوجيز لا يملك الرجوع لأن الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه عادة أشبه ما لو عاد إليه بالهبة أما لو عاد إليه بخيار المجلس أو الشرط فله الرجوع لأن الملك لم يستقر عليه
والثاني يملكه لأن السبب المزيل ارتفع وعاد الملك بالسبب الأول أشبه فسخ البيع بالخيار "وإن رجع إليه ببيع أوهبة لم يملك الرجوع" لأنه عاد إليه بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه فلم يملك فسخه وإزالته كالذي لم يكن موهوبا
"وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع" كما لو وهبه لغير ابنه ولأن(5/292)
إلا أن يرجع هو وإن كاتبه أو رهنه لم يملك الرجوع إلا أن ينفك الرهن أو تنفسخ الكتابة وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لأنها لا تهب له إلا مخافة غضبه أو إضرارا بها بأن يتزوج عليها
__________
في رجوعه إبطالا لملك غير ابنه وقيل له أن يرجع وإن لم يرجع ابنه "إلا أن يرجع هو" لأن المانع من الرجوع زوال مالك الإبن وقد عاد إليه وقيل لا يملكه لأنه عاد إليه بعد استقرار ملك غيره عليه أشبه ما لو وهبه ابن الإبن لأبيه
"وإن كاتبه أو رهنه لم يملك الرجوع" لأن حق المرتهن والمكاتب تعلق به والرجوع يبطله فلم يجز لما فيه من الضرر بالغير وهذا عند من لا يرى بيع المكاتب وقاله جماعة فأما من أجاز بيعه فحكمه عنده كالعين المستأجرة
"إلا أن ينفك الرهن أو تنفسخ الكتابة" لزوال المانع والتزويج لا يمنع الرجوع والمعلق عتقه بصفة كذلك وإذا رجع وكان التصرف لازما كالإجارة والتزويج فهو باق بحاله وإن كان جائزا كالوصية بطل والصحيح في التدبير أنه لا يمنع الرجوع
فرع: إذا قال أبوه وهبتك هذا العبد وهو سمين أو كبير فلي الرجوع فقال ابنه وهو مهزول فسمن أو صغير فكبر فلا رجوع لك فوجهان فلو قال وهبتك هذا الذهب مصوغا فقال ابنه أنا صغته صدق الواهب.
"وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت"نقلها أبو طالب ثم ذكر العلة فقال "لأنها لا تهب له إلا مخافة غضبه أو إضرارا بها بأن يتزوج عليها" لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب به والله تعالى إنما أباحه عند طيب نفسها بقوله تعالى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} (النساء: من الآية4) وظاهره إن لم يكن سألها فهو جائز وقيل يرجع إن وهبته لدفع ضرر فلم يندفع أو عوض أو شرط فلم يحصل وعنه يرد عليها الصداق مطلقا ولو قال هي طالق(5/293)
فصل
وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجته وعدمها في صغره وكبره إذا لم تتعلق حاجة الإبن به.
__________
ثلاثا إن لم تبرئني فأبرأته صح وهل ترجع ثالثها ترجع إن طلقها ذكره الشيخ تقي الدين وغيره
فصل
"وللأب أن يأخذ من مال ولده" قال في المستوعب لا تختلف الرواية أن مال الولد ملك له دون أبيه "ما شاء" من ماله "ويتملكه" لأن من جاز له أخذ شيء جاز له أن يتملكه بدليل الأشياء المباحة ولهذا قال أحمد ليس بين الرجل وبين ولده ربا قال لا يمنع الإبن الأب ما أراد من ماله فهو له ويستثنى من ذلك سريته ولو لم تكن أم ولد
"مع حاجته" أي الوالد "وعدمها في صغره" أي الولد "وكبره" لما روى سعيد والترمذي وحسنه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" وروى الطبراني في معجمه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أبي احتاج مالي فقال "أنت ومالك لأبيك"
ولأن الولد موهوب لأبيه بالنص القاطع وما كان موهوبا له كان له أخذ ماله كعبده يؤيده أن سفيان بن عيينة قال في قوله تعالى {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} (النور: من الآية61) ذكر الأقارب دون الأولاد لدخولهم في قوله تعالى {مِنْ بُيُوتِكُمْ} لأن بيوت أولادهم كبيوتهم ولأن الرجل يلي مال ولده من غير تولية فكان له التصرف كمال نفسه وشرطه إذا لم تتعلق حاجة الإبن به ومالا يضره نص عليه وجزم بها في الوجيز لأن حاجة الإنسان مقدمة على دينه فلأن تقدم على أبيه بطريق الأولى وشرط في(5/294)
و إن تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء لم يصح تصرفه
__________
الكافي والشرح والوجيز ما لم يعطه ولدا آخر نص عليه لأن تفضيل أحد الولدين غير جائز فمع تخصيص الآخر بالأخذ منه أولى
وعنه: له أن يتملك ما لا يجحف به جزم به في الكافي وذكر في الشرح أن لا يجحف بالإبن ولا يضر به ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته وعنه له كتملكه كله ويروى أن مسروقا زوج ابنته بصداق عشرة آلاف درهم فأخذها فأنفقها في سبيل الله وقال للزوج جهز امرأتك واستدل ابن عقيل بقوله عليه السلام " لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس منه" رواه الدارقطني ولأن ملك الولد تام على مال نفسه فلم يجز انتزاعه منه كالذي تعلقت به حاجته
وجوابه بأنه مخصوص بما سبق فلا تنافي بينهما وظاهره لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى وان الجد لا يكون كذلك وفيه رواية مخرجة من ولايته وإجباره أنه كالأب في كل شيء ما لم يخالف الإجماع كالعمريتين وفي الأم قول
"وإن تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء لم يصح تصرفه" على الأصح لأن ملك الولد على مال نفسه تام فصح تصرفه فيه ولو كان للغير أو مشتركا لم يجز ذلك وقال الشيخ تقي الدين ويقدح في أهليته لأجل الأذى سيما بالحبس وعنه له أن يبرىء من مال ولده ويتسرى منه وما فعل فيه فهو جائز وفيه بعد لأنه تصرف في ملك غيره بما لا حظ فيه خصوصا مع صغر الولد إذ ليس من الحظ إسقاط دينه وعتق عبده وهبة ماله
تنبيه: يحصل التملك بقبضه نص عليه مع قول أو نية قال في الفروع ويتوجه أو قرينة وفي المبهج في تصرفه في غيرمكيل وموزون روايتان بناء على حصول ملكه قبل قبضه ويصح بعده ولو أراد أخذه مع غناه فليس له أن يأبى عليه نقل الأثرم ولو كنت أنا لجبرته على دفعه إليه على حديث النبي صلى الله عليه وسلم(5/295)
وإن وطىء جارية فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر لا يلزمه قيمته ولا مهر ولا حد عليه وفي التعزير وجهان وليس للإبن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا غير ذلك
__________
أنت ومالك لأبيك.
"إن وطىء جارية ابنه" أي قبل تملكها فقد وطئها وليست بزوجة ولا ملك يمين وهو حرام "فأحبلها صارت أم ولد له" لأن إحبال الأب لها يوجب نقل الملك إليه وحينئذ يكون الوطء مصادفا للملك وذلك يقتضي صيرورتها أم ولد ضرورة مصادفة الوطء الملك ومقتضاه أنها إذا لم تحبل منه أنها باقية على ملك الولد وولده حر لأنه من وطء شبهة "لا تلزمه قيمته ولا مهر" ولا قيمتها إذ ليس له مطالبة الأب بشيء من ذلك "ولا حد عليه" على الأصح للشبهة "وفي التعزير وجهان" أشهرهما التعزير وذكره القاضي رواية واحدة لأنه وطىء وطأ محرما كوطء المشتركة والثاني لا لأنه لا يقتص منه بالجناية على ولده فلا يعزر بالتصرف في ماله والفرق أن التعزير هنا حق لله تعالى بخلاف الجناية على ولده قال بعضهم فيضرب مائة إلا سوطا
فرع: إذا تملكها فليس له وطؤها حتى يستبرئها فإن كان الإبن وطئها لم تحل له بحال فإن وطئها بعد وطء الإبن فروايتان كوطء ذات محرم بملك يمين ولا ينتقل الملك فيها إن كان الإبن استولدها فإن وطئها الأب والإبن في طهر واحد وأتت بولد عرض على القافة ويحد الإبن لوطئه جارية أبيه ولم يلحقه الولد ويكون ملكا لأبيه وقد أوجب أحمد أن يعتقه الأب لكونه جزءا من ابنه.
"وليس للابن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا غير ذلك" قاله الزبير بن بكار وسفيان بن عيينة لما روي إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه يقتضيه دينا عليه فقال "أنت ومالك لأبيك" رواه الخلال ولأن المال أحد نوعي الحقوق فلم يملك مطالبة أبيه به كحقوق الأبدان وظاهره أنه لا يطالبه بنفقته والمذهب أنه يطالبه بها وجزم به في الوجيز وغيره وعين بمال له في يده قاله في الرعاية وقيل له أن يطالبه بماله في ذمته مع حاجته إليه(5/296)
والهدية والصدقة نوعان من الهبة
__________
وغنى والده عنه وقيل يثبت له في ذمته مطلقا فعلى هذا ففي ملكه إبراء نفسه نظر قاله القاضي وذكر غيره لا يملكه كإبرائه لغريمه ولا طلب له في حياة والده فإن مات الإبن فليس لورثته مطالبة الأب في الأشهر كمورثهم وإن مات الأب بطل دين الإبن قاله أحمد وقيل يرجع في تركة الأب لأن دينه لم يسقط عن الأب وإنما تأخرت المطالبة وحمله بعضهم على ما أخذه على سبيل التمليك
مسألة: إذا مات فوجد ما اشتراه منه بعينه قال في المبهج أو بعضه ولم ينقد ثمنه أو وجد ما أقرضه فهل يأخذه أو يكون إرثا فيه روايتان وما قضاه في مرضه أو وصى بقضائه فمن رأس ماله وإلا لم يسقط بموته ولو أقر بقبض دينه فأنكر رجع على غريمه وهو على الأب نقله منها فظاهره أنه لا يرجع إن أقر الإبن .
"الهدية والصدقة نوعان من الهبة" أي هما نوعا الجنس كالإنسان والفرس مع الحيوان وحاصله إن قصد بإعطائه ثواب الآخرة فصدقة وإن قصد إكراما وتوددا ونحوه فهدية وإلا فهبة وعطية ونحلة وهما كهبة فيما تقدم لكن نقل المروذي وحنبل لا رجوع في الصدقة وفي عيون المسائل والمستوعب لا يعتبر في الهدية قبول للعرف ومن أهدى إليه ليهدي له أكثر فلا بأس به لغير النبي صلى الله عليه وسلم نقله أحمد عن الضحاك ونقل أبو الحارث فيمن سأل الحاجة فسعا معه فيها فيهدي إليه إن علم أنه لأداء الأمانة لم يقبل إلا أن يكافئه ونقل يعقوب لا ينبغي للخاطب إذا خطب لقوم أن يقبل لهم هدية فهاتان روايتان واختار الشيخ تقي الدين التحريم ونقله عن السلف ورخص فيه بعض المتأخرين
فرع: وعاء هدية كهي مع عرف(5/297)
فصل في عطية المريض
أما المريض غير مرض الموت أو مرض غير مخوف كالرمد ووجع الضرس والصداع ونحوه فعطاياه كعطايا الصحيح سواء يصح في جميع ماله وإن كان مرض الموت المخوف كالبرسام وذات الجنب والرعاف الدائم والقيام المتدارك
__________
فصل في عطية المريض
"أما المريض غير مرض الموت أو مرض غير مخوف كالرمد" وهو ورم حار في الملتحم عن مادة في العين ويعرف بتقدم الصداع وقد يكون من الحجاب وقد يكون من الخارج "ووجع الضرس والصداع" اليسير وهو وجع الرأس "ونحوه" كحمى يوم قاله في الرعاية وقيل ساعة قاله في الشرح وإسهال يسير من غيردم.
"فعطاياه كعطايا الصحيح سواء" لأنه في حكم الصحيح لكونه لا يخاف منه في العادة "يصح في جميع ماله" ولو اتصل به الموت للأدلة وكما لو كان مريضا فبرأ
"وإن كان مرض الموت" القاطع بصاحبه "المخوف" أي مرضا مخوفا اتصل به الموت "كالبرسام" وهو بخار يرتقي إلى الرأس ويؤثر في الدماغ فيحيل عقل صاحبه وقال عياض هو ورم في الدماغ يتغير منه عقل الإنسان ويهذي ويقال فيه سرسام .
"ذات الجنب" وهو قرح بباطن الجنب ووجع القلب والرئة ولا تسكن حركتها وقيل هو دمل كبيرة تخرج بباطن الجنب وتفتح إلى داخل
"والرعاف الدائم" فإنه يصفي الدم فيذهب القوة "والقيام المتدارك" هو المبطون الذي أصابه الإسهال ولا يمكنه إمساكه فإن كان يجري تارة وينقطع أخرى فإن كان يوما أو يومين فليس بمخوف لأنه قد يكون من فضلة الطعام إلا أن يكون معه(5/298)
والفالج في ابتدائه والسل في انتهائه وما قال عدلان من أهل الطب أنه مخوف فعطاياه كالوصية في أنها لا تصح لوارث ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة كالهبة والعتق والكتابة والمحاباة
__________
زحير وتقطيع فيكون مخوفا لأنه يضعف البدن
"والفالج في ابتدائه" وهو داء معروف يرخي بعض البدن قال ابن القطاع فلج فالجا بطل نصفه أو عضو منه
"والسل في انتهائه" هو بكسر السين داء معروف وقد سل وأسله الله تعالى فهو مسلول على غير قياس ومثله القولنج وهو أن ينعقد الطعام في بعض الأعضاء ولا ينزل عنه فهذه الأشياء مخوفة وإن لم يكن معها حمى وهي مع الحمى أشد خوفا وإن بادره الدم واجتمع في عضو كان مخوفا لأنه من الحرارة المفرطة وإن هاجت به الصفراء فهي مخوفة لأنها تورث يبوسة وكذلك البلغم إذا هاج لأنه من شدة البرودة وقد يغلب على الحرارة الغزيرة فيطفئها ذكره في المغني والشرح.
"وما قال عدلان" أي مسلمان "من أهل الطب" أي عند الشك فيه "أنه مخوف" فيرجع إلى قولهما لأنهما من أهل الخبرة كذا جزم به الأصحاب فظاهره أنه لا يقبل فيه قول واحد لأنه يتعلق به حق الوارث والعطايا وقيل يقبل لعدم وذكر ابن رزين المخوف عرفا أوبقول عدلين.
"فعطاياه" صحيحة لأن عمر أوصى حين جرح وسقي لبنا وخرج من جرحه واتفق الصحابة على نفوذ عهده "كالوصية في أنها لا تصح لوارث ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة كالهبة" المقبوضة "والعتق والكتابة والمحاباة" والصدقة والوقف والإبراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم" رواه ابن ماجه فمفهومه ليس له أكثر من الثلث يؤيده ما روى عمران بن حصين أن رجلا(5/299)
فأما الأمراض الممتدة كالسل والجذام والفالج في دوامه فإن صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة وإلا فلا وقال أبو بكر فيه وجه آخر أن عطيته من الثلث
__________
أعتق في مرضه ستة أعبد لم يكن له مال غيرهم فاستدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة" رواه مسلم وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى ولأن هذه الحال الظاهر منها الموت فكانت عطيته فيها في حق ورثته لا تتجاوز الثلث كالوصية وعلم منه أن هذه العطايا إذا وجدت في الصحة فهي من رأس المال بغير خلاف نعلمه
تنبيه: حكم العطية في مرض الموت حكم الوصية في أشياء
منها: أنه يقف نفوذها على خروجها من الثلث أو إجازة الورثة
ومنها: أنها لا تصح لوارث إلا بإجازة الورثة ومنها أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة
ومنها: أنها تزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة كتزاحم الوصايا
ومنها: أن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لها قبله ولا بعده
"فأما الأمراض الممتدة كالسل والجذام والفالج في دوامه" وحمى الربع "فإن صار صاحبها صاحب فراش" أي لزم الفراش "فهي مخوفة" أي عطيته من الثلث لأنه مريض صاحب فراش يخشى منه التلف أشبه الحمى المطبقة "وإلا فلا" أي إن لم يصر صاحبها صاحب فراش فليست مخوفة وعطيته حينئذ من رأس المال قال القاضي إذا كان يذهب ويجيء فعطاياه من جميع المال هذا تحقيق المذهب لأنه لا يخاف تعجيل الموت منه وإن كان لا يبرأ منه فهو كالهرم .
"وقال أبو بكر فيه وجه آخر أن عطيته من الثلث" مطلقا لأنها مخوفة في الجملة فوجب إلحاقها به من غير تفصيل وهو رواية نقل حرب في وصية المجذوم(5/300)
ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب أو في لجة البحر عند هيجانه أو وقع الطاعون ببلده أو قدم ليقتص منه
__________
والمفلوج من الثلث فالمجد أثبتها وجعلها ثابتة وصاحب الشرح حملها على الأول وذكر أبو بكر وجها آخر أن عطايا هؤلاء من المال كله وقول ابن المنجا أنه يلزم منه التناقض على قول أبي بكر ليس بظاهر فغايته أنه حكى وجهين
"ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب" بأن اختلطت الطائفتان للقتال وكانت كل منهما مكافئة للأخرى أو مقهورة ولا فرق بين كونهما متفقين في الدين لأن توقع التلف هنا كتوقع المريض أو أكثر فوجب أن يلحق به فأما القاهرة بعد ظهورها فليس بمخوف.
"أو في لجة البحرعند هيجانه" أي إذا اضطرب وهبت الريح العاصف لأن الله تعالى وصفهم بشدة الخوف في قوله تعالى {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (يونس: من الآية22) وظاهره أنه إذا ركبه وهو ساكن فليس بمخوف.
"أو وقع الطاعون" قال أبو السعادات هو المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان وقال عياض هو قروح تخرج في المغابن وغيرها لا يلبث صاحبها ويغم إذا ظهرت وفي شرح مسلم وأما الطاعون فوباء معروف وهو بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسود ما حوله ويخضر ويحمر حمرة بنفسجية ويحصل معه خفقان للقلب {ببلدة} لأنه مخوف إذا كان فيه.
"أو قدم ليقتص منه" لأنه إذا حكم للمريض وحاضر الحرب بالخوف مع ظهور السلام فمع ظهور التلف وقربه أولى ولا عبرة بصحة البدل ولو عبر بالقتل كغيره لعم سواء كان قصاصا أو غيره كالرجم وكذا إذا حبس للقتل ذكره في الكافي والفروع وأسير عند من عادتهم القتل
مسألة: إذا كان المريض يتحقق تعجيل موته فإن كان عقله قد اختل كمن(5/301)
والحامل عند المخاض فهو كالمريض وقال الخرقي وكذلك الحامل إذا صار لها ستة أشهر وقيل عن أحمد ما يدل على أن عطايا هؤلاء من المال كله وإن عجز الثلث عن التبرعات المنجزة بدىء بالأول فالأول منها
__________
ذبح أو أبينت حشوته فلا حكم لعطيته ولا كلامه وإن كان ثابت العقل كمن خرقت حشوته أو اشتد مرضه ولم يتغير عقله صح تصرفه وذكر في المغني والشرح وكمن جرح جرحا موحيا مع ثبات عقله وفي الترغيب من قطع بموته كقطع حشوته وغريق ومعاين كميت.
"والحامل عند المخاض" أي عند الطلق كذا ذكره معظم الأصحاب "فهو كالمريض" مرضا مخوفا لأنه يحصل لها ألم شديد يخاف منه التلف "وقال الخرقي وكذك الحامل إذا صار لها ستة أشهر" هو رواية عن أحمد أي عطيتها من الثلث كمريض حتى تنجو من نفاسها لأنه وقت تمكن الولادة فيه وهو من أسباب التلف والأشهر مع ألم وقال إسحاق إذا ثقلت لا يجوز لها إلا الثلث لم يحد حدا وحكاه ابن المنذر عن أحمد.
"وقيل عن أحمد ما يدل على أن عطايا هؤلاء من المال كله" حكاه أبو بكر لأنه لا مرض بهم فهم كالصحيح
تنبيه: إذا ولدت المرأة المشيمة معها أو مات معها فهو مخوف فإن خرجا فحصل ثم ورم أو ضربان شديد فكذلك وإن لم يكن شيء من ذلك فقد روي عن أحمد في النفساء إذا كانت ترى الدم فعطيتها من الثلث والسقط كالولد التام لا مضغة أو علقة إلا أن يكون ألم قاله في المغنى والشرح.
"وإن عجز الثلث عن التبرعات المنجزة" يحترز به عن الوصية فالتبرع عبارة عن إزالة ملكة فيما ليس بواجب بغير عوض "بدىء بالأول فالأول منها" لأن السابق استحق الثلث فلم يسقط بما بعده وسواء كان السابق عتقا أو غيره وعنه يقسم بين الكل بالحصص وعنه يقدم العتق وعلم منه أن التبرعات إذا كانت عطايا ووصايا تقدم العطايا لأنها أسبق(5/302)
وإن تساوت قسم بين الجميع بالحصص وعنه يقدم العتق وأما معاوضة المريض بثمن المثل فيصح من رأس المال وإن كانت مع وارث ويحتمل ألا يصح لوارث وإن حابى وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه وتصح فيما عداه
__________
"وإن تساوت" أي وقعت دفعة بأن وكل جماعة فيها فأوقعوها دفعة واحدة "قسم بين الجميع بالحصص" على المذهب لأنهم تساووا في الإستحقاق فيقسم بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس "وعنه يقدم العتق" لأنه آكد لكونه مبنيا على السراية والتغليب وإن كانت كلها عتقا أقرعنا بينهم فيكمل العتق في بعضهم
أصل: إذا قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته بالكل صح وإن لم يف فوجهان أشهرهما وهو قياس قول أحمد أنهم لا يملكون الإعتراض عليه لأنه أدى واجبا عليه كأداء ثمن البيع والثاني عكسه لأن حقهم تعلق بماله بمرضه فمنع تصرفه فيه كالتبرع وما لزمه في مرضه من حق لا يمكنه دفعه وإسقاطه فهو من رأس ماله فلو تبرع أو أعتق ثم أقر بدين لم يبطل تبرعه نص عليه في العتق لأن الحق ثبت بالتبرع في الظاهر.
"أما معاوضة المريض بثمن المثل فيصح من رأس المال" ذكره الأصحاب لأنه إنما يعتبر من الثلث التبرع وليس هذا تبرعا "وإن كانت مع وارث" لأنه لا تبرع فيها ولا تهمة فصحت كالأجنبي "ويحتمل أن لا يصح لوارث" هذا رواية لأنه خصه بعين المال أشبه ما لو حاباه ومعناه أنها لا تصح معه إلا بإجازة اختاره في الإنتصار لفوات حقه في المعين.
"وإن حابا وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه" لأن المحاباة كالوصية وهي لوارث باطلة فكذا المحاباة "وتصح فيما عداه" لأن المانع من صحة البيع المحاباة وهي هنا مفقودة فعلى هذا لو باع شيئا بنصف ثمنه فله نصفه بجميع الثمن لأنه تبرع له بنصف الثمن فبطل التصرف فيما تبرع به وعنه يبطل بيع الكل وعلى الأول محله بدون إجازة الوارث وتعتبر إجازة(5/303)
وللمشتري الخيار لأن الصفقة تبعضت في حقه فإن كان له شفيع فله أخذه فإن أخذه فلا خيار للمشتري وإن باع المريض أجنبيا وحاباه
__________
المجنون في مرضه من ثلثه وقال ابن حمدان إن جعلت عطية وإلا فمن كله.
"وللمشتري الخيار لأن الصفقة تبعضت في حقه" فشرع ذلك دفعا للضرر فإن فسخ وطلب قدر المحاباة أو طلب الإمضاء في الكل وتكميل حق الورثة من الثمن لم يكن له ذلك وعنه يصح في العين كلها ويرد المشتري الوارث تمام قيمتها أو يفسخ.
"فإن كان له شفيع فله أخذه" لأنها تجب بالبيع الصحيح وقد وجد "فإن أخذه فلا خيار للمشتري" لزوال الضرر عنه لأنه لو فسخ المبيع رجع بالثمن وقد حصل له الثمن من الشفيع.
فرع: إذا آجر نفسه وحابا المستأجر صح مجانا
"وإن باع المريض أجنبيا وحاباه" لم يمنع ذلك من صحة العقد في قول الجمهور لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كغير المريض فعليه لو باع عبدا لا يملك غيره قيمته ثلاثون بعشرة فقد حابا المشتري بثلثي ماله وليس له المحاباة بأكثر من الثلث فإن أجاز الورثة ذلك لزم البيع وإن ردوا فاختار المشتري فسخ البيع فله ذلك وإن اختار إمضاءه فعن أحمد يأخذ نصف المبيع بنصف الثمن ويفسخ البيع في الباقي وصححه الشيخان وطريقه أن يسقط الثمن وهو عشرة من قيمة العبد وهو ثلاثون ثم يأخذ ثلث المبيع وهو عشرة فينسبه من الباقي وهو عشرون فما خرج بالنسبة صح البيع في مقدار تلك النسبة فيصح البيع في نصف المبيع بنصف الثمن وعلى قول القاضي ينسب الثمن وثلث المبيع من قيمة المبيع فيصح في مقدار تلك النسبة بالثمن كله وهو قول أهل العراق فلو باعه بخمسة عشر وهو يساوي ثلاثين صح البيع في ثلثيه بثلثي الثمن على الأول وعلى الثاني للمشتري خمسة أسداسه(5/304)
وكان شفيعه وارثا فله الأخذ بالشفعة لأن المحاباة لغيره ويعتبر الثلث عند الموت فلو أعتق عبدا لا يملك غيره ثم ملك مالا يخرج من ثلثه تبينا أنه عتق كله وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء
__________
"وكان شفيعه وارثا فله الأخذ بالشفعة" في الأصح "لأن المحاباة لغيره" كما لو وصى لغريم وارثه وهذا إذا لم يكن حيلة ولأنه إنما منع منها في حق الوارث لما فيها من التهمة من إيصال المال إلى بعض الورثة المنهي عنه شرعا وهذا معدوم فيما إذا أخذ بالشفعة ما وقعت فيه المحاباة وقيل لا يملك الوارث الشفعة لإفضائه إلى إثبات حق وارثه
فرع: لا يصح تعليق عطية منجزة ونحوها في مرض مخوف على شرط إلا في العتق فلو علق صحيح عتق عبده فوجد شرطه في مرضه فمن ثلثه في الأصح
"ويعتبر الثلث عند الموت" لأنه وقت لزوم الوصايا واستحقاقها ويثبت له ولاية القبول والرد فإن ضاق ثلثه عن العطية والوصية قدمت العطية في قول جمهور الفقهاء لأنها لازمة فقدمت على الوصية كعطية الصحة وعنه هما سواء وتعتبر قيمة المنجز وقبوله حين نجزه ونماؤه من حينه إلى الموت تبع له فمن جعل عطيته من ثلثه فحمل ما نجزه فكسبه له وإلا فله منه بقدر ما خرج من أصله من الثلث وليس بشركة قاله في الرعاية.
"فلو أعتق عبدا لا يملك غيره ثم ملك مالا يخرج من ثلثه تبينا أنه عتق كله" لخروجه من الثلث عند الموت "وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء" نص عليه لأن الدين مقدم على الوصية بدليل قول علي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية وعنه يعتق الثلث لأن تصرف المريض من الثلث كتصرفا الصحيح في الجميع فإن مات قبل سيده مات حرا وقيل بل ثلثه
فرع: هبته كعتقه
فائدة: للمريض لبس ناعم وأكل طيب لحاجته وإن فعله لتفويت حق الورثة منع قاله في الإنتصار وفيه يمنعه إلا بقدر حاجته وعادته وسلمه أيضا لأنه لا(5/305)
فصل
وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء أحدها أنه يبدأ بالأول فالأول منها والوصايا يسوى بين المتقدم والمتأخر منها والثاني أنه لا يملك الرجوع في العطية بخلاف الوصية والثالث أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها بخلاف الوصية والرابع أن الملك يثبت في العطية من حينها ويكون مراعى فإذا خرج من الثلث تبينا أن الملك كان ثابتا من حينه
__________
يستدرك كإتلافه وجزم به الحلواني وغيره لأن حق وارثه لم يتعلق بعين ماله
فصل
"وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء أحدها أنه يبدأ بالأول فالأول منها" لوقوعها لازمة "والوصايا يسوى بين المتقدم والمتأخر منها" لأنها تبرع بعد الموت فوجد دفعة واحدة "والثاني أنه لا يملك الرجوع في العطية" لأنها تقع لازمة في حق المعطي ينتقل إلى المعطى في الحياة إذا اتصل بها القبول والقبض ولو كثرت وإنما منع من التبرع بزيادة على الثلث لحق الورثة بخلاف الوصية فإنه يملك الرجوع فيها لأن التبرع فيها مشروط بالموت فقبل الموت لم يوجد فهي كالهبة قبل القبول
"والثالث أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها" لأنها تمليك في الحال "بخلاف الوصية" فإنها تمليك بعد الموت فاعتبر عند وجوده "والرابع أن الملك يثبت في العطية من حينها" بشروطها لأنها إن كانت هبة فمقتضاها تمليكه الموهوب في الحال فيعتبر قبولها في المجلس كعطية الصحة وكذا إن كانت محاباة أو إعتاقا "ويكون مراعى" لأنا لا نعلم هل هو مرض الموت أو لا ولا نعلم هل يستفيد مالا أو يتلف شيء من ماله فتوقفنا لنعلم عاقبه أمره ليعمل بها فإذا انكشف الحال علمنا حينئذ ما ثبت حال العقد كإسلام أحد الزوجين
"فإذا خرج من الثلث تبينا أن الملك كان ثابتا من حينه" أي من حين العطيه لأن المانع من ثبوته كونه زائدا على الثلث وقد تبين خلافه(5/306)
فلو أعتق في مرضه عبدا أو وهبه لإنسان ثم كسب في حياة سيده شيئا ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إن كان معتقا وللموهوب له إن كان موهوبا وإن خرج بعضه فلهما من كسبه بقدر ذلك فلو أعتق عبدا لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فقد عتق منه شيء وله من كسبه شيء ولورثة سيده شيئان فصار العبد وكسبه نصفين فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما
__________
فلو أعتق في مرضه عبدا أو وهبه لإنسان ثم كسب في حياة سيده شيئا ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إن كان معتقا لأن الكسب تابع لملك الرقبة وللموهوب له إن كان موهوبا لما ذكرنا وعلم منه أن العتق والهبة نافذان فيه إذا خرج من الثلث فتعين كون الكسب للمعتق والموهوب له للتبعية وإن خرج بعضه من الثلث فلهما أي للمعتق والموهوب له من كسبه بقدر ذلك أي بمقدار نسبة ذلك البعض إليه فلو أعتق عبدا لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فقد عتق منه شيء وله من كسبه شيء لأن الكسب يتبع ما تنفذ فيه العطية دون غيره فيلزم الدور لأن للعبد من كسبه بقدر ما عتق وباقيه لسيده فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية كذلك ويزداد حقه من كسبه فينقص به حق السيد من كسبه وينقص بذلك قدر المعتق منه ونبه عليه بقوله ولورثة سيده شيئان فصار العبد وكسبه نصفين أي صار مقسوما نصفين لأن العبد لما استحق بعتقه شيئا وبكسبه شيئا كان له في الجملة شيئان وللورثة شيئان فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما أي نصف العبد ونصف الكسب فإذا كان العبد قيمته مائة مثلا وكسب مائة قسمت ذلك على أربعة أشياء فيكون الشيء خمسين وهو أولى من ضم الأشياء ثم يقسم نصفين لأن بالأول تبين مقدار الشيء فيعلم مقدار العتق بخلاف القسمة نصفين فإنه يحتاج إلى نظر لتبين مقدار العتق(5/307)
وإن كسب مثلي قيمته صار له شيئان وعتق منه شيء وللورثة شيئان فيعتق ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس كسبه والباقي للورثة وإن كسب نصف قيمته عتق منه شيء وله نصف شيء من كسبه وللورثة شيئان فيعتق منه ثلاثة اسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي للورثة
__________
وإن كسب مثلي قيمته صار له شيئان وعتق منه شيء وللورثة شيئان فيعتق ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس كسبه والباقي للورثة ففي مسألتنا إذا كسب مائتين قسمت المجموع وهو ثلاثمئة على خمسة أشياء ثلاثة للعبد وشيئان للورثة وجدت كل شيء يعدل شيئين وذلك ثلاثة أخماس العبد وإن كسب نصف قيمته عتق منه شيء وله نصف من كسبه وللورثة شيئان فالجميع ثلاثة أشياء ونصف شيء فأبسطها تصر سبعة له ثلاثة أسباعها فيعتق ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي للورثة في الصور كلها لأنه ملكهم وضابط ذلك أن تقول عتق منه شيء وللورثة مثلا ما عتق منه وهو شيئان وله من كسبه شيء إن كسب مثل قيمته وشيئان إن كسب مثلا قيمته وثلاثة أشياء إن كسب ثلاثة أمثال قيمته ونصف شيء إن كسب مثل نصف قيمته وعلى هذا أبدا ثم تجمع الأشياء فتقسم قيمة العبد وكسبه عليها فما خرج فهو الشيء فلو أعتق عبدا لا مال له سواه قيمته مائة فكسب ثلاثة أمثال قيمته فقد عتق منه شيء ولورثة سيده شيئان وله من كسبه ثلاثة أشياء فتجمع الأشياء فتصير ستة فاقسم عليها قيمة العبد وكسبه وذلك أربعمائة يخرج الشيء ستة وستين وثلثين فقد عتق منه شيء وهو ثلثا قيمته ولورثة سيده شيئان مثلا ما عتق منه وله من كسبه ثلاثة أشياء مائتان وهي ثلثا كسبه
فرع: أعتق عبدا قيمته عشرون ثم آخر قيمته عشرة فكسب كل منهما قدر قيمته فكملت الحرية في العبد الأول فيعتق منه شيء وله من كسبه شيء(5/308)
وإن كان موهوبا لإنسان فله من العبد بقدر ما عتق منه وبقدره من كسبه وإن أعتق جارية ثم وطئها ومهر مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسب نصف قيمتها يعتق منها ثلاثة أسباعها
__________
وللورثة شيئان فتقسم العبدين وكسبهما على الأشياء الأربعة فيخرج لكل شيء خمسة عشر فيعتق منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه والباقي للورثة وإن بدأ بعتق الأدنى عتق كله وأخذ كسبه ويستحق الورثة من العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق وهو نصفه ونصف كسبه ويبقى نصفه ونصف كسبه بينهما نصفين فيعتق ربعه وله ربع كسبه ويرق ثلاثة أرباعه ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه وذلك مثلا ما عتق منهما فإن أعتقهما معا أقرعنا بينهما فمن خرجت له قرعة الحرية فهو كما لو بدأ بإعتاقه فلو كانا متساويي القيمة فأعتقهما بكلمة واحدة ولا مال له سواهما فمات أحدهما في حياته أقرع بين الحي والميت فإن وقعت على الميت فالحي رقيق ويتبين أن الميت نصفه حر لأن مع الورثة مثل نصفه وإن وقعت على الحي عتق ثلثيه ولا يحسب الميت على الورثة لأنه لم يصل إليهم وإن كان موهوبا لإنسان فله أي للموهوب له بقدر ما عتق منه لأن القدر الموهوب يعدل القدر المعتق وبقدره من كسبه لأن الكسب يتبع الملك فلزم أن يملك من الكسب بقدر ما ملك من العبد فإن كانت قيمته مائة فكسب تسعة فاجعل له كل دينار شيئا فقد عتق منه مائة وله من كسبه تسعة أشياء ولهم مائتا شيء فيعتق منه مائة جزء وتسعة أجزاء من ثلاثمائة وتسعة له من كسبه مثل ذلك ولهم مائتا جزء من نفسه ومائتا جزء من كسبه فإن كان على السيد دين يستغرق قيمته ويقيمة كسبه صرفا في الدين ولم يعتق منه شيء لأن الدين مقدم على التبرع وإن لم يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرف من العبد وكسبه ما يقضي منه الدين وما بقي منهما يقسم على ما يعمل في العبد الكامل وكسبه وإن أعتق جارية لا مال له غيرها ثم وطئها ومهر مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسب نصف قيمتها يعتق منها ثلاثة أسباعها لأنها لو كسبت نصف(5/309)
ولو وهبها مريضا آخر لا ملك له أيضا فوهبها الثاني للأول صحت هبة الأول في شيء وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه بقي لورثة الآخر ثلثا شيء وللأول شيئان فلهم ثلاثة ارباعها ولورثة الثاني ربعها وإن باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة فأسقط قيمة الرديء من قيمة الجيد ثم أنسب الثلث إلى الباقي وهو عشرة من عشرين تجده نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الرديء
__________
قيمتها لعتق منها ثلاثة أسباعها سبع بملكها له من نفسها بحقها من مهرها ولا ولاء عليها لأحد وسبعان بإعتاق الميت لكن في التشبيه نظر من حيث إن الكسب يزيد به ملك السيد وذلك يقتضي الزيادة في العتق والمهر ينقصه وذلك يقتضي نقصان العتق ولو وهبها مريضا آخر لا مال له أيضا فوهبها الثاني للأول وماتا جميعا صحت هبة الأول في شيء وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه بقي لورثة الآخر ثلثا شيء وللأول أي لورثة الأول شيئان فاضربها في ثلاثة ليزول الكسر تكن ثمانية أشياء تعدل الأمة الموهوبة فلهم أي لورثة الأول ثلاثة أرباعها ستة ولورثة الثاني ربعها شيئان وإن شئت قلت المسألة من ثلاثة لأن الهبة صحت من ثلث المال وهبة الثاني صحت في ثلث الثلث فتكون من ثلاثة اضربها في أصل المسألة تكن تسعة أسقط السهم الذي صحت فيه الهبة الثانية بقيت المسألة من ثمانية وإن باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة وهما من جنس واحد فيحتاج إلى تصحيح البيع في جزء منه مع التخلص من الربا لكونه يحرم التفاضل بينهما فأشار إلى الطريقة فقال فأسقط قيمة الرديء من قيمة الجيد ثم انسب الثلث إلى ما بقي وهو عشرة من عشرين تجده نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الرديء لأن ذلك يقابله بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميع الثمن أشبه ما لو اشترى سلعتين بثمن فانفسخ البيع في أحدهما بعيب أو غيره(5/310)
ويبطل فيما بقي وإن أصدق امرأة عشرة لامال له غيرها وصداق مثلها خمسة فماتت قبله ثم مات لها بالصداق خمسة وشيء بالمحاباة رجع إليه نصف ذلك بموتها صار له سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين أجبرها بنصف شيء وقابل.
__________
ويبطل فيما بقي لانتفاء المقتضي للصحة لا يقال فلا يصح في الجيد بقدر قيمة الرديء ويبطل في غيره لأنه يفضي إلى الربا لكونه عقدا يصح في ثلث الجيد بكل الرديء وذلك ربا ولأن المحاباة في البيع وصية وفيما ذكر إبطالها لأنه لا يحصل لها شيء وطريق الجبر أن يقال يصح البيع في شيء من الأرفع بشيء من الأدنى وقيمة ثلث شيء فتكون المحاباة بثلثي شيء ألقها من الأرفع يبقى قفيزا إلا ثلثي شيء يعدل ثلثي المحاباة وذلك شيء وثلث شيء فإذا جبرته عدل شيئين فالشيء نصف القفيز وإن كان الأدنى يساوي عشرين صحت في جميع الجيد بجميع الردي وإن كان الأدنى يساوي خمسة عشر فاعمل بالطريقين الأولين ولك طريق آخر وهو أن تضرب ما حاباه به في ثلاثة تبلغ خمسة وثلاثين انسب قيمة الجيد إليها بثلثها فيصح بيع ثلثي الجيد بثلثي الرديء وبطل فيما عداه
فرع: لو حابا في إقالة في سلم كمن أسلف عشرة في كر حنطة ثم أقاله في مرضه وقيمته ثلاثون تعين الحكم كما لو ذكره لإمضاء الإقالة في السلم بزيادة وهو ممتنع وإن أصدق امرأة عشرة لا مال له غيرها وصداق مثلها خمسة فماتت قبله ثم مات فيدخلها الدور فنقول لها خمسة بالصداق لأنها مهر مثلها وشيء بالمحاباة لأنها كالوصية ويبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء رجع إليه نصف ذلك بموتها لأن الزوج يرث نصف ما لامرأته إذا لم يكن لها ولد صار له سبعة ونصف إلا نصف شيء لأنه كان له خمسة الأشياء وورث اثنين ونصف شيء يعدل شيئين لأنه مثلا ما استحقته المرأة بالمحاباة وذلك شيء أجبرها بنصف شيء لتعلم وقابل أي يزاد على الشيئين نصف شيء فليقابل ذلك النصف المراد(5/311)
يخرج الشيء ثلاثة فلورثته ستة ولورثتها أربعة وإن مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة وعنه تعتبر المحاباة من الثلث قال أبو بكر هذا قول قويم رجع عنه
فصل
ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته عتق ولم يرثه ذكره أبو الخطاب
__________
أي يبقى سبعة ونصف تعدل شيئين ونصفا يخرج الشيء ثلاثة فلورثته ستة لأن لهم شيئين ولورثتها أربعة لأنه كان لها خمسة وشيء وذلك ثمانية رجع إلى ورثته نصفها وهي أربعة والطريقة في هذا أن ننظر ما بقي في يد ورثة الزوج فخمساه هو الشيء الذي صحت المحاباة فيه وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا والشيء هو خمساها وإن شئت أسقطت خمسه وأخذت نصف ما بقي وإن مات قبلها ورثته لأنها زوجته وسقطت المحاباة نص عليه لأن حكمها في المرض حكم الوصية في أنها لا تصح لوارث فعله لو وارثة كالكافرة لم تسقط المحاباة لعدم الإرث وحينئذ فلها مهرها وثلث ما حاباها به وعنه تعتبر المحاباة من الثلث لأنها محاباة لمن يجوز عليها الصدقة فاعتبرت من الثلث كمحاباة الأجنبي قال أبو بكر هذا قول قديم رجع عنه وقيل تسقط المحاباة إن لم يجزها بقية الورثة وقيل يسقط المسمى ويجب مهر المثل وقيل مهرها وربع الباقي وقيل بل ثلث المحاباة وكذا الخلاف فيمن تزوج من يرثه في مرضه بأكثر من مهر المثل ولو تزوج مريضة بدون مهرها فهل لها ما نقص فيه وجهان
فصل
ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته عتق من رأس المال لأن إقرار المريض بذلك كالصحيح ولم يرثه ذكره أبو الخطاب وفي الرعاية(5/312)
لأنه ورثه كان إقراره لوارث وكذلك على قياسه لو اشترى ذا رحمه المحرم في مرضه وهو وارثه أو وصى له به أو وهب له فقبله في مرضه وقال القاضي يعتق ويرث ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه لم ترثه على قياس الأول
__________
أنه أقيس لأنه لو ورثه كان إقراره لوارث فيبطل عتقه لأنه مرتب على صحة الإقرار وهو لا يصح لوارث وعلله الخبري بأن عتقهم وصية فلا يجمع لهم بين الأمرين لأنهم إذا ورثوا بطلت الوصية وإذا بطلت الوصية بطل العتق فيؤدي توريثهم إلى إسقاط توريثهم وقيل يرث لأنه حين الإقرار لم يكن وارثا فوجب أن يرث كما لو لم يصر وارثا وكذلك على قياسه لو اشترى ذا رحمه المحرم أي من يعتق عليه بالشراء في مرضه وهو وارثه أو وصى له به أو وهب له فقبله في مرضه أي يعتق ولا يرث لما ذكرناه وقال القاضي يعتق ويرث وهو المنصوص وقدمه في المحرر والفروع وحاصله أنه إذا ملك من يعتق عليه بهبة أو وصية أو أقر أنه أعتق ابن عمه عتقا من رأس المال وورثا لأنه حين موت موروثه ليس بقاتل ولا مخالف لدينه ولا يكون عتقهم وصية وقيل يعتق من ثلثه وإلا عتق منه بقدر الثلث فلو دبر ابن عمه عتق ولم يرث نص عليه وإن قال أنت حر في آخر حياتي عتق والأشهر يرث وليس عتقه وصية ولو علق عتق عبده بموت قريبه لم يرثه ذكره جماعة قال القاضي لأنه لا حق له فيه قال في الفروع ويتوجه الخلاف
مسألة : إذا اشترى مريض من يعتق على وارثه صح وعتق على الوارث قولا واحدا وإن وصى بعتق بعض عبد أو أعتقه أو دبره وبقيته له أو لغيره وثلثه يحمل كله كمل عتقه وأخذ الشريك حقه وعنه لا سراية فيهن وهو أولى وفي استسعائه للشريك روايتان وعنه السراية في المنجز فقط قال ابن حمدان وإن اشترى المديون ذا رحمه المحرم لم يصح وقيل بلى ويباع في الدين ولو اتهب عبد من يعتق على سيده وقلنا يصح قبوله بدون إذنه عتق على سيده ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه لم ترثه على قياس الأول لأن إرثها يفضي(5/313)
ولو أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهي مهر مثلها ثم مات صح العتق ولم يستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها وقال القاضي تستحق المائتين.
__________
إلى بطلان عتقها لأنه وصية وإبطال عتقها يبطل توريثها وقال القاضي ترثه نص عليه في رواية المروذي وهو المذهب لأن العتق في هذه الحال وصية بما لا يلحقه الفسخ فيجب تصحيحه للوارث كالعفو عن العمد في مرضه فإنه لا يسقط ميراثه ولا تبطل الوصية ومحله ما إذا خرجت من الثلث كما لو أعتق ابن عمه أو اشترى ذا رحم يعتق عليه ممن يرث ولو أعتقها في صحته وتزوجها في مرضه فإنه يصح وترثه بغير خلاف علمناه ولو أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهي مهر مثلها ثم مات صح العتق والنكاح لأنه صدر من أهله في محله ولم يستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها ووجه أنها إذا استحقت الصداق لم يبق شيء سوى قيمة الأمة المقدر بقاؤها فلا ينفذ العتق في كلها لكون الإنسان محجورا عليه في التصرف في مرضه في جميع ماله وإذا بطل العتق في البعض بطل النكاح وإذا بطل النكاح بطل الصداق وقال القاضي تستحق المائتين وتعتق لأن العتق وصية لها وهي غير وارثة والصداق استحقته بعقد المعاوضة وهي تنفذ من رأس المال فهو كما لو تزوج أجنبية وأصدقها المائتين وفي إرثها الخلاف قال في المغني والأول أولى من القول بصحة العتق واستحقاق الصداق جميعا لإفضائه إلى القول بصحة العتق في مرض الموت من جميع المال ولا خلاف في فساد ذلك فلو أصدق المائتين أجنبية صح وبطل العتق في ثلثي الأمة لأن الخروج من الثلث معتبر بحالة الموت وحالة الموت لم يبق له مال وكذا لو تلفت المائتان قبل موته عتق منها الثلث فقط
فرع: لو أعتق أمة لا يملك غيرها ثم تزوجها فالنكاح صحيح في الظاهر فإن(5/314)
وإن تبرع بثلث ماله ثم اشترى أباه من الثلثين فقال القاضي يصح الشراء ولا يعتق فإذا مات عتق على الوارث إن كانوا ممن يعتق عليهم
__________
مات ولم يملك شيئا آخر تبينا أن النكاح باطل ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها وإن كان دخل بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها ويرق أربعة أسباعها وحسابها أن نقول عتق منها شيء ولها بصداقها نصف شيء وللورثة شيئان فتجمعه ثلاثة أشياء ونصفا تبسطها تكن سبعة
مسألة: مريضة أعتقت عبدا لها قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت وخلفت مائة فمقتضى قول الأصحاب أن تضم العشرة إلى المائة فتكون التركة ويرث نصف ذلك والباقي للورثة وقال أبو يوسف ومحمد يحسب عليه قمته أيضا ويضم إلى التركة ويبقى للورثة ستون وقال الشافعي لا يرث شيئا وعليه أداء العشرة التي في ذمته لئلا يكون إعتاقه وصية لوارث وهو مقتضى قول الخرقي
فائدة : وهب أمة حرم على المتهب وطؤها حتى تبرأ أو تموت وفي الخلاف له التصرف وفي الإنتصار والوطء وإن تبرع بثلث ماله في مرضه ثم اشترى أباه من الثلثين وله ابن فقال القاضي ومتابعوه يصح الشراء ولا يعتق الأب في الحال إذا اعتبرنا عتقه من الثلث لكونه اشتراه بمال هو مستحق للورثة بتقدير موته ولأن تبرع المريض إنما ينفذ من الثلث ويقدم الأول فالأول فإذا قدم التبرع لم يبق من الثلث شيء ولو اشترى أباه بماله وهو تسعة دنانير وقيمته ستة فقال المجد عندي تنفذ المحاباة لسبقها العتق ولا يعتق عليه كالتي قبلها وقال القاضي يتحاصان هنا فينفذ ثلث الثلث للبائع محاباة وثلثاه للمشتري عتقا فيعتق به ثلث رقبته ويرد البائع دينارين ويكون ثلثا المشتري مع الدينارين ميراثا فإذا مات المشتري عتق على الوارث لأنه ملك من يعتق عليه إن كانوا ممن يعتق عليهم كالأولاد مثلا لأن الجد يعتق على أولاد ابنه(5/315)
ولا يرث لأنه لم يعتق في حياته
__________
ولا يرث لأنه لم يعتق في حياته إذ شرط الإرث أن يكون حرا عند الموت ولم يوجد وعلى قول غير القاضي وهو من يقول إن الشراء ليس بوصية يعتق الأب وينفذ من التبرع قدر ثلث المال حال الموت وما بقي فللأب سدسه وباقيه للوارث
فرع: من وهب له أبوه استحب له قبوله وقيل يجب فإن قبله عتق عليه بالملك وورث وإن وهب لمكاتبه أبوه فله قبوله ويعتق بعتقه(5/316)
المجلد السادس
كتاب الوصايا
باب الوصايا
...
كتاب الوصايا
وهي الأمر بالتصرف بعد الموت
__________
كتاب الوصايا
وهي جمع وصية كالعطايا جمع عطية والعرايا جمع عرية فالوصية فعيله والتاء الساكنة بعد الصاد زائدة للمد والياء المتحركة بعدها لام الكلمة وأدغمت والتاء للتأنيث وأصله وصائي بهمزة مكسورة بعد المد تليها ياء متحركة هي لام الكلمة حسنة هذه الهمزة العارضة في الجمع وقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار وصاآ فكرهوا اجتماع ألفين بينهما همزة فقلبوها ياء فصار وصايا ولو قيل إن وزنه فعالى وإن جمع المعتل خلاف جمع الصحيح لكان حسنا وهي في الأصل ماخوذة من وصيت الشيء إذا وصلته فالموصي وصل ما كان له في حياته بما بعد موته.
والإجماع على مشروعيتها وسنده قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: من الآية180] وقوله تعالى :{ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: من الآية11] وقوله عليه السلام: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه" متفق عليه من حديث أبن عمر وعن ابي الدرداء مرفوعا: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة هي اعمالكم" رواه الدارقطني.
"وهي الأمر بالتصرف بعد الموت" فهي لغة عبارة عن الأمر لقوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة:132] {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: من الآية151] ومنه قول الخطيب: أوصيكم بتقوى الله أي: امركم فقوله هي الأمر بالتصرف إلى آخره بيان لأحد نوعي الوصية وهي(6/3)
والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت وتصح من البالغ الرشيد عدلا كان أو فاسقا رجلا أو امرأة مسلما أو كافرا.
__________
أن يوصي إلى انسان أن يتكلم على أولاده الصغار أو يفرق ثلث ماله والقيد الأخير أخرج الوكالة وقد أوصى أبو بكر بالخلافة لعمر ووصى بها إلى أهل الشورى ولم ينكر وقد روى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة قال: أوصى الى الزبير سبعة من الصحابة فكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أيتامهم من ماله.
"والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت" هذا بيان النوع الثاني منها والقيد الأخير أخرج الهبة وقال ابو الخطاب: هي التبرع بمال يقف نفوذه على خروجه من الثلث فعلى هذا تكون العطية في مرض الموت وصية والصحيح أنها ليست وصية لمخالفتها لها في الأسم والحكم قال في المستوعب: وفي حده اختلال من أوجه وقد يعترض أيضا بانها قد تكون بحق كجلد الميتة ونحوه وليس بمال.
قوله: "بالمال" أي: بجزء منه وقد تكون بكله ويجيزه الوارث ولها أربعة أركان الموصي والموصى له والموصى به والصيغة وهي الإيجاب والقبول فلو قال: هذا لفلان فهو إقرار وليس بوصية إلا أن يتوافقا على إرادة الوصية فيصح ولو قال: هذا من مالي لفلان فهو وصية يعتبر القبول ممن يتصور منه مع التعيين فلو أوصى لمسجد أو لغير معين كالفقراء لم يحتج إلى قبول.
"وتصح" الوصية بالمال "من البالغ الرشيد عدلا كان أو فاسقا رجلا أو امرأة مسلما أو كافرا" لأن هبتهم صحيحة فالوصية أولى وحاصله أن من جاز تصرفه في ماله جازت وصيته والمراد ما لم يعاين الموت قاله في الكافي لأنه لا قول له والوصية قول وظاهره: في الكافر لا فرق بين الذمي والحربي وفيه احتمال لأنه لا حرمة له ولا لماله ومقتضاه أنها تصح وصية العبد إن قلنا: يملك أو اعتق ثم مات بعدها والحاص أنهاتصح من البالغ العاقل مطلقا قال في المستوعب: لا يختلف المذهب في هذا والضعيف في عقله إن منع(6/4)
ومن السفيه في أصح الوجهين ومن الصبي العاقل إذا جاوز العشر ولا تصح ممن له دون السبع وفيما بينهما روايتان.
__________
ذلك رشده في ماله فهو كالسفيه وإلا فكالعاقل ذكره في الشرح.
"و" تصح "من السفيه" بمال لا على أولاده "في أصح الوجهين" وهو قياس قول أحمد قال الخبري هو قول الأكثرين لأنه انما حجر عليه لحفظ ماله وليس فيها إضاعة لماله لأنه إن عاش كان ماله له وان مات فله ثوابه وهو أحوج إليه من غيره والثاني: لا تصح لأنه محجوز عليه في تصرفاته فلم تصح منه كالهبة والأول نصره في الشرح بأنه عاقل مكلف فصحت منه كعبادته.
"ومن الصبي العاقل إذا جاوز العشر" نقله صالح وحنبل قال ابو بكر: لا يختلف المذهب في صحتها لما روى سعيد أن صبيا من غسان له عشر سنين أوصى لأخوال له فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأجاز وصيته وروى مالك في موطأه بإسناده عنه نحوه وانتشر ولم ينكر ولأنه تصرف تمحض نفعا له فصح منه كالإسلام والصلاة ولأنه لا يلحقه ضرر في عاجل دنياه ولا أخراه بخلاف الهبة والعتق المنجز فإنه تفويت لماله وقيده الخرقي إذا وافق الحق وهو مراد في جميع الوصايا.
"ولا تصح ممن دون السبع" قال ابو بكر لا يختلف المذهب فيه لأنه لا تمييز له ولا تصح عبادته ولا إسلامه وعنه: تصح لسبع كعبادته.
"وفيما بينهما" أي: بين السبع والعشر "روايتان" أقيسهما أنها تصح لأنه عاقل فيصح إسلامه ويؤمر بالصلاة وتصح منه كمن جاوز العشر و الثانية: لا تصح وهي ظاهر الوجيز لأنه ضعيف الرأي أشبه من له دون السبع ومن الأصحاب كالقاضي وأبي الخطاب وهو ظاهر نقل الميموني أنه لا يقيد بسن بل إذا عقل تصح منه وعلم منه أنه إذا جاوز العشر قبل البلوغ أنها تصح في المنصوص وعنه: إذا بلغ ثنتي عشرة سنة حكاها أبن المنذر وهي(6/5)
ولا تصح من غيرعاقل كالطفل والمجنون والمبرسم وفي السكران وجهان وتصح وصية الآخرس بالأشارة ولا تصح وصية من اعتقل لسانه بها ويحتمل أن تصح.
__________
قول إسحاق وفيه وجه أنها لا تصح منه حتى يبلغ تبعا لأبن عباس والحسن ومجاهد لأنه تبرع بالمال فلم تصح منه كالهبة والفرق واضح وهذا في الصبي واما الجارية فقد نص في رواية حنبل أنها إذا بلغت تسع سنين.
"ولا تصح من غير عاقل كالطفل" وهو من له ست سنين فما دونها "والمجنون والمبرسم" وهو قول الأكثر فيهما وفي المغني لا نعلم أحد قال بخلافه إلا إياس بن معاوية فإنه أجاز وصية الصبي والمجنون إذا وافقت الحق وفيه نظر لأنه لا حكم لكلامهما ولا تصرفهما فالوصية كذلك بل أولى فإنه إذا لم يصح إسلامه وصلاته التي هي محض نفع ولا ضرر فيها فأولى أن لا يصح بذله لمال يتضرر به وارثه لكن إن كان يجن في الأحيان فأوصى حال إفاقته فإنها تصح لأنه في حكم العقلاء في شهادته ووجوب العبادة عليه والمغمى عليه كذلك.
"وفي السكران وجهان" أصحهما لا تصح لأنه غير عاقل أشبه المجنون وطلاقه إنما وقع تغليظا عليه لارتكابه المعصية والثاني: يصح بناء على طلاقه.
"وتصح وصية الآخرس بالأشارة" أي: إذا فهمت لأنها أقيمت مقام نظقه في طلاقه ولعانه وغيرهما فإن لم تفهم فلا حكم لها.
"ولا تصح وصية من اعتقل لسانه بها" أي: بالأشارة المفهمة إذا لم يكن مأيوسا من نطقه ذكره القاضي وابن عقيل قاله الثوري والأوزاعي لأنه غير مأيوس من نطقه وكالقادر على الكلام.
"ويحتمل أن يصح" كالأخرس واختاره ابن المنذر واحتج بأنه عليه السلام صلى وهو قاعد وأشار إليهم أن يقعدوا رواه البخاري وأخرجه أبن عقيل وجها إذا اتصل باعتقال لسانه الموت والأول أشهر والفرق واضح.(6/6)
وإن وجدت وصيته بخطه صحت ويحتمل أن لا يصح حتى يشهد عليه بما فيها.
__________
"وإن وجدت وصيته بخطه" الثابت بإقرار وارثه أو ببينة "صحت" نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم وفيه وعرف خطه وكان مشهور الخط يقبل ما فيها لقوله عليه السلام: "ما حق امرئ.. " الخبر فلم يذكر شهادة ولأن الوصية يتسامح فيها ويصح تعليقها على الخطر والغرر وغيره فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخط كرواية الحديث وكتابة الطلاق. "ويحتمل ان لا تصح حتى يشهد عليها بما فيها" هذا رواية عن أحمد وهي قول الحسن وأبي ثور لأن الحكم لا يجوز برؤية خط الشاهد بالشهادة فكذا هنا وأبلغ منه الحاكم فلو كتبها وختمها وأشهد عليه بما فيها لم يصح على المذهب لأن الشاهد لا يعلم ما فيها فلم يجز أن يشهد عليه ككتاب القاضي إلى القاضي وفيها رواية ذكرها الخرقي وهو قول جماعة من التابعين ومن بعدهم وعليه فقهاء البصرة وقضاتها.
واحتج أبو عبيد بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عماله وامرائه في أمر ولايته
وسننه ثم عمل به الخلفاء إلى أعمالهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج والأموال مختومة لا يعلم حاملها ما فيها وأمضوها على وجهها وهذا أولى من المنع لظهور دليله ومن الأصحاب من خرج في كل مسألة رواية من الأخرى وهذا إذا لم يعلم رجوعه عنها وإن طالت مدته وتغيرت أحوال الموصي لأن الأصل بقاؤه فلا يزول حكمه بمجرد الاحتمال كسائر الأحكام.
فائدة: يستحب أن يكتب وصيته ويشهد عليها لأنه أحوط لها وأحفظ لما فيها وقد روى سعيد عن فضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن أبن سيرين عن أنس قال كانوا يكتبون في صدور وصاياهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور أوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا(6/7)
فصل
و الوصية مستحبة لمن ترك خيرا وهو المال الكثير،
__________
مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } البقرة.
فصل
"والوصية" لا فرق فيها بين الصحة والمرض وعنه: في الصحة من رأس المال وفي المرض من الثلث وعلى الأول هي العطية المنجزة تنفذ من جميع المال وذكر ابن أبي موسى أن المدبر في الصحة يقدم على المدبر في المرض إذا لم يحملهما الثلث وذكر القاضي أن الوصية عطية بعد الموت فلا يجوز فيها إلاالثلث على كل حال.
"وهي مستحبة لمن ترك خيرا" لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ } [البقرة:180] نسخ الوجوب وهو المنع من الترك بقي الرجحان وهو الاستحباب يؤيده ما روى ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا: "يقول الله يا ابن آدم جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك وأزكيك" لكنها تجب على من عليه دين أو واجب غيره وعنه: تجب لكل قريب غير وارث وهذا قول أبي بكر وفي التبصرة عنه وللمساكين ووجه البر وظاهره: أنها لا تستحب لمن لم يترك خيرا لأنه تعالى شرط ترك الخير والمعلق بشرط ينتفي عند انتفائه ولقوله: "إنك إن تذر ورثتك اغنياء.." الخبر.
"وهو المال الكثير" واختلف في مقداره فعن أحمد إذا ترك دون الألف لا تستحب له الوصية فعلم أنه إذا ترك دون الألف لا تستحب له الوصية فعلم أنه إذا ترك ألف درهم فصاعدا أنها تسن وجزم بها في الوجيز وعنه: على أربعمائة دينار وعن ابن عباس إذا ترك سبعمائة درهم لا يوصي وقال من ترك ستين دينارا ما ترك خيرا.(6/8)
بخمس ماله ويكره لغيره إن كان له ورثة.
__________
وعن طاوس هو ثمانون دينارا وعن النخعي ألف إلى خمسمائة وفي المغني والشرح انه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية لما علل به النبي صلى الله عليه وسلم.
فعليه يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغناهم وحاجتهم فلا يتقيد بقدر من المال.
والأشهر أنها تستحب مع غناه عرفا وقيل: الغني عرفا من له أكثر من ثلاثة آلاف درهم والمتوسط من له ثلاثة آلف درهم والأدنى من له دونها.
"بخمس ماله" روى عن أبي بكر وعلي وهو ظاهر قول السلف قال أبو بكر: رضيت بما رضي الله به لنفسه يعني في قوله تعالى :{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41] وقال العلاء بن زياد: أوصي إلي ان أسال العلماء أي: الوصية أعدل فما تتابعوا عليه فهو وصية فتتبايعوا على الخمس وقيل: بالثلث للخبر وفي الإفصاح يستحب بدونه وذكر جماعة بخمسه المتوسط وذكر آخرون أن من ملك فوق ألف إلى ثلاثة ونقل أبو طالب إن لم يكن له مال كثير ألفان أو ثلاثة أوصى بالخمس ولم يضيق على ورثته وإن كان له مال كثير فبالربع والثلث.
والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء بلا خلاف قاله ابن عبد البر: فإن وصى لغيرهم وتركهم صحت في قول الجماهير.
"ويكره لغيره" أي: لغير من ترك خيرا وهو الفقير "إن كان له ورثة" محاويج كذا قيده جماعة قال في التبصرة رواه أبن منصور لأنه عدل عن أقاربه المحاويج إلى الأجانب قال الشعبي ما من مال أعظم أجرا من مال يتركه الرجل لولده يغنيهم به عن الناس.
واطلق في الغنية استحباب الوصية بالثلث لقريب فقير لا يرث فإن كان غنيا فلمسكين وعالم ودين قطعه عن السبب العذر وكذا قيد في المغني استحبابها(6/9)
فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بجميع ماله وعنه: لا يجوز إلا الثلث ولا تجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ولا لوارثه بشيء إلا بإجازة الورثة.
__________
لقريب بفقره.
"فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بحميع ماله" وروى عن ابن مسعود وقاله اهل العراق لأن المنع من الزيادة على الثلث لحق الوارث فإذا عدم وجب أن يزول المنع لزوال علته أشبه حال الصحة.
"وعنه لا يجوز إلا الثلث" وهو قول الأوزاعي لأن له من يعقل عنه فلم تنفذه وصيته بأكثر من الثلث كما لو كان له وارث مع أن المسلمين يرثونه وهو بيت المال.
فعلى الأول: لو ورثة زوج أو زوجة ورد بطلت بقدر فرضه من ثلثيه فيأخذ الوصي الثلث ثم ذو الفرض من ثلثيه ثم تتمم الوصية منهما وقيل: لا تتمم كوارث بفرض ورد وعليها بيت المال جهة مصلحة لا وارث ولو وصى أحدهما لآخر فعلى الأولى كله إرثا ووصية وقيل: لا تصح وعلى الثانية: ثلث وصية ثم فرضه والبقية لبيت المال.
تنبيه: ظاهر كلام احمد أنه إذا خلف ذا رحم أنه لا يمنع الوصية بجميع ماله لقوله ومن أوصى بجميع ماله ولا عصبة ولا مولى فجائز وذلك لأن ذا الرحم إرثه كالفضلة أو الصلة بدليل أنها لا تجب نفقتهم على الصحيح.
وظاهر كلام المؤلف: أنها لا تنفذ فيما زاد على الثلث لأن له وارثا في الجملة فيدخل في عموم النص كذي الفرض الذي يحجب بعضهم بعضا.
"ولا تجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ولالوارثه بشيء إلا بإجازة الورثة" وجملته أن الوصية لغير وارث تلزم في الثلث من غير إجازة وما زاد عليه يتوقف على إجازة الورثة في قول أكثر العلماء يقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: أوصي بمالي كله؟ قال: "لا" قال فالشطر؟ قال: "لا" قال:(6/10)
إلا أن يوصي لكل وارث بمعين بقدر ميراثه فهل تصح؟ على وجهين.
__________
"الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" متفق عليه وحديث عمران في المملوكين الستة الذين أعتقهم المريض وليس له مال سواهم يدل على أنه لا يصح تصرفه فيما زاد على الثلث إذا لم يجز الورثة وتجوز بإجازتهم لأن الحق لهم.
وأما الوصية للوارث فكالوصية لغيره بزيادة على الثلث في أنها تصح بإلاجازة وتبطل بالرد بغير خلاف قاله ابن المنذر وابن عبد البر لما روى أبو إمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" رواه أحمد وابو داود والترمذي وحسنه وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: "لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة" رواه الدارقطني وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة وإن أجازها الوارث إلا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذا من ظاهر قول أحمد في رواية حنبل لا وصية لوارث وقاله المزني وغيره لظاهر خبر أبي أمامة والأكثر على صحتها في نفسها لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كالأجنبي والخبر قد خص بخبر عمر وإن الاستثناء من النفي إثبات فيكون دليلا على الصحة عند الإجازة ولو خلا من الاستثناء جاز أن يكون معناه لا وصية نافذة أو لازمة ونحوهما أو يقدر لا وصية لوارث عند عدم الإجازة.
وفائدة الخلاف أنها إن كانت صحيحة فأجازتهم تنفيذ وإلا هبة مبتدأة ويستثنى من ذلك إذا أوصى بوقف ثلثه على بعض الورثة فإنه يصح نص عليه وحاصلة أنها تكره لغير وارث بأكثر من الثلث وتصح وتلزم بالإجازة.
وعنه تحرم الزيادة عليه فتبطل وحدها ولا يجوز لوارث بثلثه نص عليه وفي التبصرة تكره وتصح على الأصح بالإجازة.
"إلا أن يوصي لكل وارث بمعين بقدر ميراثه" كمن خلف ابنا وبنتا وعبدا قيمته مائة وأمه قيمتها خمسون فأوصى للابن بالعبد وللبنت بالأمة "فهل تصح؟ على وجهين" كذا أطلقهما جماعة أشهرهما أنها تصح لأن حق الوارث في القدر(6/11)
وإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه وأدخل النقص على كل واحد وعنه: يقدم العتق.
__________
لا في العين بدليل ما لو عارض المريض بعض ورثته أو أجنبيا فإنه يصح إذا كان بثمن المثل وإن تضمن فوات عين المال.
والثاني: لا يصح إلا بإجازة كل منهما للآخر لأن في الأعيان غرضا صحيحا فلا يجوز إبطال حقه منها كما لا يجوز إبطاله من القدر وكذا وقفه بالإجازة ولو كان الوارث واحدا.
"وإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه وأدخل النقص على كل واحد بقدر وصيته" لأنهم تساووا في الأصل وتفاوتوا في المقدار فوجب أن يكون كذلك كمسائل العول.
ولا فرق فيه بين العتق وغيره فلو وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة والثالث بمعين قيمته خمسون ولفداء أسير بثلاثين ولعمارة مسجد بعشرين وثلث ماله مائة فجمعت الوصايا كلها فبلغت ثلاثمئة فنسبت منها الثلث فكان ثلثها فيعطي كل واحد ثلث وصيته.
"وعنه يقدم العتق" وما فضل يقسم بين سائر الوصايا على قدرها وهي قول عمر وشريح والثوري لأن فيه حقا لله تعالى وللآدمي فكان آكد لأنه لا يلحقه فسخ وهو أقوى بدليل سرايته ونفوذه من المراهق المفلس والعطايا المعلقة بالموت كالوصايا في هذا.
فرع: إذا أوصى بعتق عبد بعينه لزم الوارث إعتاقه ولم يعتق إلا بإعتاقه فإن امتنع أجبره الحاكم فإن أعتقه أو الحاكم فهو حر من حين أعتقه وولاؤه للموصي لأنه السبب وكسبه بين الموت والعتق إرث وذكر جماعة له وفي الفروع ويتوجه مثله في موصي يوقفه وفي الروضة الموصي بعتقه ليس بمدبر وله حكم المدبر في كل أحكامه.
مسألة: إذا أسقط عن وارثه دينا أو وصى بقضاء دينه أو أسقطت صداقها(6/12)
وإن أجاز الورثة الوصية وإجازتهم تنفيذ في الصحيح من المذهب ولا تفتقر إلى شروط الهبة ولا تثبت أحكامها فيها فلو كان المجيز أبا للمجاز له لم يكن له الرجوع فيه ولو كان المجاز عتقا كان الولاء للموصي يختص به عصبته ولو كان وقفا على المجيزين صح.
__________
عن زوجها أو عفا عن جناية موجبة للمال فهو كالوصية وإن وصى لغريم الوارث أو وهب له هبة صح كما لو أوصى لولد الوارث فإن قصد نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى.
"وإن أجاز الورثة الوصية" بعد موت الموصي وعنه: وقبله في مرضه خرجها القاضي أبو حازم من إذن الشفيع في الشراء ذكره في النوادر واختاره أبن حمدان والشيخ تقي الدين "جازت" بغير خلاف لأن الحق لهم فجازت بإجازتهم كما تبطل بردهم.
وسواء كانت الوصية لوارث أو بزيادة على الثلث لأجنبي وفيه رواية أنها لا تجوز لوارث. "وإجازتهم تنفيذ في الصحيح من المذهب" لأنها إمضاء لقول الموروث ولا معنى للتنفيذ إلا ذلك فيكفي لفظها وهو أجزت وكذا أمضيت أو نفذت فإذا وجد شيء منها لزمت الوصية وإن لم يقبل الموصي له في المجلس.
"لا تفتقر إلى شروط الهبة ولا تثبت أحكامها فيها" أي: أحكام الهبة لأنها ليست بهبه "فلو كان المجيز أبا للمجاز له" كمن أوصى لولد ولده مع وجوده "لم يكن له" أي: للأب "الرجوع فيه" لأن الأب إنما يرجع فيما وهب لا فيما وهبه غيره.
"ولو كان المجاز عتقا" بأن اعتق عبدا لا مال له سواه أو وصى بعتقه فأعتقوه نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق الباقي على إجازتهم فإن أجازوه عتق جميعه "وكان الولاء للموصى" لأنه الذي هو أعتقه "يختص به عصبته" كما لو أعتقه في صحته "ولو كان وقفا على المجيزين" كالوقف على أولاده "صح" أي:(6/13)
وعنه ما يدل على أن الإجازة هبة فتنعكس هذه الأحكام.
__________
الوقف رواية واحدة لأن الواقف عليهم أبوهم.
"وعنه: ما يدل على أن الإجازة هبة" أخذا من إطلاقه في رواية حنبل لا وصية لوارث وظاهره: نفي الوصية مطلقا فتكون إجازتهم ابتداء عطية وأطلقهما أبو الفرج وخصها في الانتصار بالوارث "فتنعكس هذه الأحكام" فيفتقر إلى شروط الهبة من القبض ونحوه. وللأب الرجوع في جميع ما وصى به لابنه ويكون الولاء مشتركا بين العصبة وغيرهم من الورثة والوقف ينبني على صحة وقف الإنسان على نفسه وكلام القاضي يقتضي أن في صحتها بلفظ الإجازة إذا قلنا: هي هبة وجهين قال المجد والصحة ظاهر المذهب وهذا إنما يظهر في الزائد على الثلث ولهذا قيل الخلاف مبنى على أن الوصية بالزائد على الثلث هل هو باطل أو موقوف على الإجازة وقيل: الخلاف مبني على القول بالصحة وأما على البطلان فلا معنى للتنفيذ وهو أشبه.
وقرر الشيخ تقي الدين: أن الوارث إذا أسقط حقه قبل القسمة فإنه يسقط وطرد هذا في الأعيان المشاعة كالغانم إذا اسقط حقه من الغنيمة والموقوف عليه إذا أسقط حقه في الوقف والمضارب اذا اسقط حقه في الربح.
فوائد أخر: منها: إذا أوصى بمجهول فأجازه الوارث فإن قلنا: هي تنفيذ صحت وإلا فوجهان:
ومنها: لو حلف لا يهب فأجاز فإن قلنا: هي عطية حنث وإلا فلا.
ومنها: إجازة المفلس فقال في المغني إنها نافذة على القول بالتنفيذ ويخرج على قول القاضي خلافه لأنه ليس من أهل التبرع.
ومنها: أن ما جاوز الثلث من الوصايا إذا أجيز هل يزاحم بالزائد ما لم يجاوزه هو مبني على هذا الاختلاف ذكره المجد قال الشيخ زيد الدين ابن رجب وأشكل توجيهه على الأصحاب وهو واضح فإنه إذا كانت معاً(6/14)
ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فصار عند الموت غير وارث صحت الوصية له وان أوصى له وهو غير وارث فصار عند الموت وارثا بطلت لأن اعتبار الوصية بالموت.
__________
وصيتان إحداهما مجاوزة للثلث و الأخرى لا تجاوزه كنصف وثلث فأجاز الورثة الوصية المجاوزة للثلث خاصة فإن قلنا: الإجازة تنفيذ زاحم صاحب النصف صاحب الثلث بنصف كامل فيقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب النصف ثلاثة أخماسه وللآخر خمساه ثم يكمل لصاحب النصف نصفه بالإجازة.
وإن قلنا: هي عطية فإنما يزاحمه بثلث خاصة إذا الزيادة عليه عطية محضة من الورثة لم تتلق من الميت فلا تزاحم به الوصايا فيقسم الثلث بينهما نصفين ثم يكمل لصاحب النصف ثلثه بالإجازة.
"ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث" كمن أوصى لأحد إخوته "فصار عند الموت غير وارث" بسبب تجدد ابن للموصي "صحت الوصية له لأن الأخ عند الموت ليس بوارث والاعتبار في الوصية بالموت لانه الحال الذي يحصل به الانتقال الى الوارث والموصي له التصحيح أنها صحيحة في الثلث وما زاد عليه موقوف على الإجازة.
"وان أوصى له وهو غيروارث" كمن أوصى لأخيه مع وجود ابنه "فصار عند الموت وارثا بطلت" وحكاه في الرعاية قولا والمذهب أنها لا تصح إلا بإجازة بقية الورثة "لأن اعتبار الوصية بالموت" بغير خلاف نعلمه فلو وصى لثلاثة أخوة له مفترقين ولا ولد له ومات لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب إلا بإجازة الورثة وإن ولد له ابن صحت الوصية للجميع من غير إجازة إذا لم تتجاوز الثلث وإن ولد له بنت جازت الوصية بغير الأخ من الأبوين فيكون لهما ثلثا الموصي بينهما.
فرع: لو وصى لامرأة أجنبية وأوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتها إلا بإلاجازة وإن أوصى أحدهما للآخر ثم طلقها جازت الوصية لأنه صار غير(6/15)
ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي وما قبل ذلك لا عبرة به ومن أجاز الوصية ثم قال إنما أجزت لأنني ظننت المال قليلا فالقول قوله مع يمينه وله الرجوع بما زاد على ظنه في أظهر الوجهين.
__________
وارث إلا أنه إن طلقها في مرض موته فقياس المذهب أنها لا تعطي أكثر من ميراثها لأنه متهم أنه طلقها ليوصل اليها ماله بالوصية فلم ينفذ كما لو طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها.
"ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي" نص عليه لأنه حق لهم حينئذ فتصح منهم الإجازة والرد كسائر الحقوق "وما قبل ذلك لا عبرة به" هذا زيادة إيضاح فدل على أن الحق لم يملكوه فلم تصح منهم ما ذكر كالمرأة تسقط مهرها قبل النكاح والشفيع يسقط شفعته قبل البيع وقد سبق.
فرع: لا تصح الإجازة والرد إلا من جائز التصرف وتقدم الخلاف في المفلس والسفيه "ومن أجاز الوصية" كما إذا كانت بجزء مشاع زائد على الثلث "ثم قال إنما أجزت لأنني ظننت المال قليلا" كما إذا أوصى بنصف ماله فأجازه الوارث وكان المال ستة آلاف فقال ظننته ثلاثة آلاف "فالقول قوله" لأن الإجازة إما تنفيذ أو هبة وكلاهما لا يجوز في المجهول "مع يمينه" لأنه يحتمل كذبه "وله الرجوع بما زاد على ظنه في أظهر الوجهين" جزم به في الوجيز فعلى هذا يرجع بخمسمئة لأنه رضي بإجازة الوصية على الزائد على الثلث خمسمئة فكانت ألفا فيرجع بخمسمئة فيحصل للموصي له ألفان وخمسمئة والثاني: أنه لا يقبل قوله لأنه أجاز عقدا له الخيار في فسخه فبطل خياره كما لو أجاز البيع من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار "إلا أن تقوم به بينة" تشهد باعترافه بقدره أو يكون المال ظاهرا لا يخفي عليه لم يقبل قوله إذا قلنا: الإجازة تنفيذ وإن قلنا: هي هبة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله.
ومن الأصحاب كالقاضي والمجد بنى هذه المسألة على أنه يعتبر أن يكون المجاز معلوما للمجيز أم لا فذكر المجد أنه لو أجاز قدرا مستويا من المال ثم قال: ظننت(6/16)
إلا أن تقوم به بينه وإن كان المجاز عينا فقال ظننت باقي المال كثيرا لم يقبل قوله في أظهر الوجهين.
__________
المال قليلا أنه لا يقبل قوله ولا تنافي بينهما لوجهين أحدهما أن صحة إجازة المجهول لا تنافي ثبوت الرجوع فيه إذا تبين فيه ضرر على المجيز لم يعلم استدراكا لظلامته كما نقول فيمن أسقط شفعته لمعنى ثم بان بخلافة فإن له العود إليها فكذلك هنا إذا أجاز الجزء الموصى به يظنه قليلا فبان كثيرا فله الرجوع بما زاد على ظنه.
والثاتي: أنه إذا اعتقد أن النصف الموصى به مثلا مئة وخمسون درهما ثم بان ألفا فهو إنما أجاز خمسين لم يجز أكثر منها فلا يجوز أكثر منها فلا تنفذ إجازته في غيرها وهذا بخلاف ما إذا جاز النصف.
"وإن كان المجاز عينا" كعبد تزيد قيمته على الثلث "فقال: ظننت باقي المال كثيرا لم يقبل قوله في أظهر الوجهين" لأن العبد معلوم لا جهالة فيه.
والثاتي: أنه يملك الفسخ لأنه قد يسمح بذلك ظنا منه أنه يبقى له من المال ما يكفيه فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة فملك الفسخ كالأولى.
وقيل: يصح وجها واحدا لأن المجاز معلوم وكذا الخلاف فيما إذا كان المجاز مبلغا معلوما فلو كان العبد قيمته ستمئة فيجيز الوصية بناء على أن المال ألف مثلا ثم تبين أنه ستمئة فيدعي أنه إنما أجاز بناء على ذلك فعلى الأول والثالث جميع العبد للموصى له وعلى الثاني ثلثا العبد وتسعه لأن له ثلث المال بالأصل وهو أربعمئة وقد أجاز له ستة وستين وثلثين لأن ذلك هو ما بين الألف وستمئة المظنونة قيمة العبد.
قال الشيخ تقي الدين: فإن قال: ظننت أن قيمته ألف فبان أكثر قبل وليس نقصا لصحة الإجازة ببينة أو إقرار قال: وإن أجاز وقال: أردت أصل الوصية قبل.(6/17)
ولا يثبت الملك للموصي له إلا بالقبول بعد الموت فأما قبوله ورده قبل الموت فلا عبرة به فإن مات الموصي له قبل موت الموصي بطلت الوصية وإن ردها بعده بطلت أيضا.
__________
"ولا يثبت الملك للموصي له إلا بالقبول بعد الموت" أي: إذا كانت لمعين يمكن القبول منه في قول جمهور الفقهاء لأنه تمليك مال فاعتبر قبوله كالهبة قال أحمد الهبة والوصية واحدة ولا يتعين القبول باللفظ بل يحصل به وبما قام مقام كالهبة والبيع.
ويجوز القبول على التراخي كالفور وحينئذ الملك له شرطان الأول القبول الثاني أن يكون القبول بعد موت الموصي لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق فأما إن كانت لغير معين كالفقراء أو لا يمكن حصرهم كبني تميم أو على مصلحة مسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد الموت لأن اعتبار القبول منهم متعذر فسقط اعتباره كالوقف عليهم ولا يتعين واحد منهم فيكتفي به ولو كان فيهم ذو رحم من الموصي له كمن أوصى بعبد للفقراء وأبوه منهم لم يعتق عليه لأن الملك لا يثبت لكل منهم إلا بالقبض.
"فأما قبوله ورده قبل الموت فلا عبرة به" لأنه لم يثبت له حق "فإن مات الموصي له قبل موت الموصي بطلت الوصية" في قول أكثر العلماء لأنها عطية صادفت المعطي ميتا فلم تصح كما لو وهب ميتا إلا أن يكون أوصى بقضاء دينه فلا تبطل قاله الحارثي وغيره
"وإن ردها بعده بطلت أيضا" للرد أحوال.
منها: أن يردها قبل موت الموصي فلا يصح الرد وقد ذكره لأن الوصية لم تقع بعد أشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول
ومنها: أن يردها بعد الموت وقبل القبول وهي مسألة: المتن فيصح الرد وتبطل الوصية بغير خلاف نعلمه لأنه أسقط حقه في حالة يملك قبوله وأخذه أشبه عفو الشفيع عنها بعد البيع.(6/18)
وإن مات بعده وقبل الرد والقبول أقام وارثه مقامه ذكره الخرقي و قال القاضي: تبطل الوصية في قياس قوله.
__________
ومنها: أن يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه أشبه رده كسائر أملاكه إلا أن ترضى الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم يفتقر إلى شروطها.
ومنها: أن يرد بعد القبول وقبل القبض فلا يصح الرد لأن الملك يحصل فيه بالقبول من غير قبض وقيل: يصح فيما كيل أو وزن دون المعين في الأشهر فيهما وقيل: يصح مطلقا بناء على أن القبض معتبر فيه فإن لم يقبل فكمتحجر مواتا أي: للورثة مطالبته بأحدهما فإن امتنع حكم عليه بالرد وسقط حقه منها وكل موضع صح الرد قبل القبول أو القبض فالمردود إرث وليس له رده إذن إلى بعض الورثة ولا إلى غيرهم وإذا امتنع الرد بعد القبول والقبض فله هبته وتمليكه لوارث وغيره.
فرع: يحصل الرد بقوله رددت الوصية وكذا لا أقبلها قال أحمد إذا أوصى لرجل بألف فقال لا أقبلها فهي لورثته.
"وإن مات بعده وقبل الرد والقبول أقام وارثه مقامه ذكره الخرقي" قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لأنه حق ثبت للموروث فينتقل إلى الوارث بعد موته ولقوله عليه السلام: "من ترك حقا فلورثته" وكخيار العيب.
ثم إن كان الوارث جماعة اعتبر القبول والرد من جميعهم وإن رد بعض وقبل آخر وترتب على كل حكمه فإن كان فيهم موليا عليه تقيد وليه بفعل الأحظ "و قال القاضي: تبطل الوصية" وهو رواية لأنها تفتقر إلى القبول فإذا مات قبله بطلت كالهبة "في قياس قوله" أي: قول الإمام لأنه خيار لا يعتاض عنه فبطل كخيار المجلس والشرط والشفعة نص عليه وهذا مثله.
وحكى في المغني والشرح البطلان عن ابن حامد وان القاضي قال: هو(6/19)
وإن قبلها بعد الموت ثبت الملك حين القبول في الصحيح فما حدث قبله من نماء منفصل فهو لورثته وإن كان متصلا تبعها.
__________
قياس المذهب.
"وإن قبلها بعد الموت ثبت الملك" للموصى له "حين القبول في الصحيح" من المذهب أومأ إليه أحمد وهو قول أهل العراق لأنه تمليك عين لمعين تفتقر إلى القبول فلم يسبق الملك القبول كسائر العقود والقبول من تمام السبب والحكم لا يتقدم سببه ولا شرطه
وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب وقدمه في الرعاية أنه إذا قبل تبينا أن الملك ثبت حين موت الموصي لأن ما وجب انتقاله بالقبول وجب انتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب كالهبة.
واختار أبو بكر أن الملك يقف مراعى وعلى الأول هل هي قبل القبول على ملك الميت أو الورثة فيه وجهان ونص أحمد في مواضع أنه لا يعتبر له القبول فيملكه قهرا كالميراث وحكاه الحلواني عن الأصحاب ولهذا الاختلاف فوائد نبه المؤلف على بعضها
"فما حدث قبله" أي: قبل القبول "من نماء منفصل" كالولد والثمرة فهو لورثته لأنه ملكهم فعلى هذا يزكونه وقيل: للميت.
وقيل: منذ مات الوصي فيزكيه وفي القواعد أن النماء المنفصل إن قلنا: هو على ملك الموصي له فهو له لا يحسب عليه من الثلث وإن قلنا: هو ملك الميت فتتوفر به التركة فيزداد به الثلث وإن قلنا: على ملك الورثة فنماؤه لهم خاصة وذكر القاضي في خلافه ان ملك الموصى له لا يتقدم القبول وأن النماء قبله للورثة مع أن العين باقية على حكم مال الميت فلا يتوفر به الثلث لأنه لم يكن ملكا له حين الموت.
"وإن كان متصلا تبعها" كما يتبع في العقود والفسوخ.(6/20)
وإن كانت الوصية بأمة فوطئها الوارث قبل القبول فأولدها صارت أم ولد له ولا مهر عليه وولده حر لا يلزمه قيمته وعليه قيمتها للموصي وإن وصى له بزوجته فأولدها قبل القبول لم تصر أم ولد له وولده رقيق ومن أوصى له بأبيه فمات قبل القبول فقبل ابنه وعتق الموصى به حينئذ ولم يرث شيئا فتنعكس هذه الأحكام.
__________
"وإن كانت الوصية بأمة فوطئها الوارث قبل القبول" أي: قبول الموصى له "فأولدها صارت أم ولدله" لأنه وطئ مملوكته ولا مهر عليه لأن الإنسان لا يجب عليه مهر من وطء مملوكته وولده حر لأنه وطئها في ملكه "لا يلزمه قيمته" لأنه لاحق فيه لأحد بل انعقد حرا.
"وعليه قيمتها للموصي" إذا قبلها لأنه فوتها عليه أشبه ما لو أتلفها لا يقال كيف قضيتم هنا بعتقها وهي لا تعتق بإعتاقه لأن الاستيلاد أقوى بدليل نفوذه من المجنون والمراهق والشريك المعسر وان لم ينفذ اعتاقهم لكن اذا وطئها الموصى له قبل قبولها كان ذلك قبولا لها ويثبت الملك له كوطء من له الخيار.
"وإن وصى له بزوجته فأولدها قبل القبول لم تصر أم ولد له" لأنها لم تصر ملكا له بعد "وولده رقيق" لأنه من وطء في ملك غيره "ومن أوصى له بأبيه فمات" الموصي له "قبل القبول فقبل ابنه" صح "وعتق الموصى به" وهو الجد "حينئذ" أي: حين القبول "ولم يرث" من أبنه "شيئا" لأن حريته إنما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراث لغيره
"ويحتمل أن يثبت الملك حين الموت" كالبيع "فتنعكس هذه الأحكام" فيكون النماء المنفصل للموصى له كالمتصل لأنه نماء ملكه.
وفي الثانية: أنها لا تصير أم ولد له لأنه وطء في غير ملك وهي باقية على الرق وعليه المهر لأنه وطء مملوكة غيره وولده رقيق لما ذكرنا.
وفي الثالثة: يكون حر الأصل ولا ولاء عليه وأمه أم ولد لأنها علقت منه بحر في ملكه.(6/21)
__________
وفي الرابعة: تثبت حريته من حين موت الموصي ويرث من ابنه السدس وللخلاف فوائد أخرى:
منها: الو أوصى بأمه لزوجها فلم يعلم حتى أولدها ثم قبلها فإن قيل يملكها بالموت فولده حر وهي أم ولده ويبطل نكاحه بالموت وإن قيل لا يملكها إلا بعد القبول فنكاحه باق قبل القبول وولده رقيق للوارث.
ومنها: لو زوج أمته بابنه ثم وصى بها لآخر وهي تخرج من الثلث لم ينفسخ نكاح الابن وعلى الثاني عكسه.
ومنها: لو وصى لرجل بأرض فبنى الوارث فيها أو غرس قبل القبول ثم قبل ففي الإرشاد إن كان الوارث عالما بالوصية قلع غرسه وبناؤه مجانا وإن كان جاهلا فوجهان قال في القواعد وهذا متوجه على القول بالملك بالموت أما إن قيل إنها قبل القبول على ملك الوارث فهو كبناء مشتري الشقص المشفوع وغرسه فيكون محترما يتملك بقيمته.
ومنها: لو بيع شقص في تركة الورثة والموصى له قبل قبوله فإن قلنا: الملك له من حين الموت فهو شريك للورثة في الشفعة وإلا فلا حق له فيها ومنها جريانه من حين الموت في حول الزكاة فإن قلنا: يملكه الموصى له جرى في حوله فإن قلنا: للورثة فهل يجري في حولهم حتى لو تأخر القبول سنة كانت زكاته عليهم أم لا لضعف ملكهم فيه وتزلزله وتعلق حق الموصى له به فهو كمال المكاتب فيه تردد ومنها لو نقص الموصى به في سعر أو صفة فذكر جماعة أنه يقوم بسعره وقت الموت وفي المحرر إن قلنا: يملكه بالموت اعتبرت قيمته من التركة بسعره يوم الموت على أدنى صفاته من يوم الموت إلى القبول لأن الزيادة حصلت في ملكه فلا تحسب عليه والنقص لم يدخل في ضمانه وإن قلنا: يملكه من حين القبول اعتبرت قيمته يوم القبول سعرا وصفة لأنه لم يملكه قبل ذلك وذكر الخرقي ونص عليه أنه(6/22)
فصل: ويجوز الرجوع في الوصية فإذا قال قد رجعت في وصيتي أو: أبطلتها ونحو ذلك بطلت فإن قال: في الموصي به هذا لورثتي أو: ما أوصيت به لفلان كان رجوعا وأن وصى به لآخر ولم يقل ذلك فهو بينهما.
__________
تعتبر قيمته يوم الوصية ولم يحك في المغني خلافا فظاهره أنه يعتبر سعره بيوم الموت على الوجوه كلها لأن حقه تعلق بالموصى به تعلقا قطع تصرف الورثة فيه فيكون ضمانه عليه كالعبد الجاني.
فصل
"ويجوز الرجوع في الوصية" لقول عمر: يغير الرجل ما شاء في وصيته وهو اتفاق في غير الوصية بالعتق ولأنها عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه وقال الشعبي وغيره: يغير ما شاء منها إلا العتق لأنه اعتاق بعد الموت فلم يملك تغييره كالتدبير وجوابه بالمنع ولو سلم فالوصية تفارق التدبير فإنه تعليق على شرط فلم يملك تغييره كتعليقه على صفة في الحياة.
"فإذا قال: رجعت في وصيتي أو: أبطلتها أو نحو ذلك" كـ:غيرتها أو فسختها "بطلت" لأنه صريح في الرجوع.
"فإن قال: في الموصى به هذا لورثتي" لأن ذلك ينافي كونه وصية "أو" قال: "ما أوصيت به لفلان كان رجوعا" بغير خلاف نعلمه لرجوعه عن الأول وصرفه إلى الثاني أشبه ما لو صرح بالرجوع.
"وإن وصى به لآخر ولم يقل ذلك فهو بينهما" في قول الجمهور لتعلق حق كل واحد منهما على السواء فوجب أن يشتركا فيه كما لو قال: هو بينهما وقيل: للثاني ونقل الأثرم يؤخذ بآخر الوصية وهو قول عطاء وطاووس لأن الثانية: تنافي الأولى فإذا أتى بها كان رجوعا كما لو قال هذا لورثتي ورد بالفرق وفي التبصرة للأول وأيهما مات فهو للآخر؛(6/23)
وإن باعه أو وهبه أو رهنه كان رجوعا وان كاتبه او دبره او جحد الوصية فعلى وجهين وان خلطه بغيره على وجه لا يتميز او ازال اسمه فطحن الحنطة او خبز الدقيق او جعل الخبز فتيتا او نسج الغزل او نجر الخشبة بابا ونحوه او انهدمت الدار وزال اسمها فقال القاضي: هو رجوع.
__________
لأنه اشترك تزاحم.
فرع: لو وصى بثلثه لرجل ثم بثلثه لآخر فمتغايران وفي الرد يقسم بينهما ولو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فهو بينهما.
"وإن باعه او وهبه او رهنه كان رجوعا" لأنه أزال ملكه عنه وذلك ينافي الوصية والرهن يراد للبيع أشبه ما لو باعه ولأن الوصية تنقل الملك حين الموت وذلك بقيمة القابلية له والقابلية للنقل غير موجودة فيما رهنه وكذا إن كان ثوبا ففصله ولبسه أو جارية فأحبلها أو أولدها.
"وإن كاتبه أو دبره أو جحد الوصية" أو اوجبه في بيع هبة فلم يقبل أو عرضه في بيع أو رهن أو وصي ببيعه او هبته "فعلى وجهين" أصحهما أنه رجوع لأن الكتابة والتدبير أقوى من الوصية لأنه يتنجز بالموت فيسبق أخذ الموصى له وجحدها ظاهر في الرجوع وفي الباقي يدل على اختياره الرجوع.
والثاتي: لا يكون رجوعا لأن الكتابة والتدبير لا يخرج بهما عن ملكه والوصية عقد فلا تبطل بالجحود كسائر العقود وكإيجاره وتزويجه ولبسه وسكناه وهذا كله إذا كانت بمعين فإذا كانت بثلث ماله فيتلف أو بيعه ثم يملك مالا آخر فهي باقية وليس برجوع.
"وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز" ولا ينفصل عنه غالبا قاله في الرعاية "أو أزال اسمه فطحن الحنطة أو خبز الدقيق أو جعل الخبز فتيتا أو نسج الغزل أو نجر الخشبة بابا ونحوه أو انهدمت الدار وزال اسمها فقال القاضي: هو رجوع" صححه في المحرر وجزم به في الوجيز لأنه أزال(6/24)
وذكر أبو الخطاب فيه وجهين وإن وصى له بقفيز من صبره ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعا فإن زاد في الدار عمارة أو إنهدم بعضها فهل يستحقه الموصى له على وجهين.
__________
اسمه وأخرجه عن دخوله في الاسم الدال على الموصى به.
"وذكر أبو الخطاب فيه وجهين" أحدهما أنه رجوع وقاله أكثر العلماء ونصره في الشرح والثاني: واختاره أبو الخطاب إنه ليس برجوع لأن الموصى به باق أشبه غسل الثوب وهو لا يسمى غزلا كما لا يسمى الغزال كتانا وكذا الخلاف إذا ضرب البقرة أو ذبح الشاة أو بني أو غرس ذكرهما ابن رزين في وطئه.
فرع: إذا حدث بالموص به ما يزيل اسمه من غير فعل الموصي كالحب إذا سقط وصار زرعا والدار إذا انهدمت وصارت فضاء فوجهان أشهرهما البطلان لأن الباقي لا يتناوله الاسم.
"وإن وصى له بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعا" لأنه كان مشاعا وبقي على إشاعته وسواء خلطها بمثلها أو دونها أو خير منها وقيل: إن خلطها بخير منها كان رجوعا وقدمه في الفروع لأنه لا يمكنه تسليم الموصى به الا بتسليم خير منه ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم.
"فإن زاد" الموصي "في الدار عمارة أو انهدم بعضها" في حياة الموصي "فهل يستحقه الموصى له؟ على وجهين" كذا أطلقهما في الفروع في الزيادة أحدهما لا يستحقه لأن الزيادة لم تتناولها الوصية والأنقاض لا تدخل في مسمى الدار وإنما يتبع في الوصية ما يتبعها البيع.
والثاتي: يستحقها قدمه في الحاشية لأن الزيادة تابعة كالسمن والمنهدم قد دخل في الوصية فتبقى الوصية ببقائها والمذهب أن زيادة الموصى فيها للورثة دون المنهدم وقال ابن حمدان: الأنقاض أو العمارة إرث وقيل: إن صارت(6/25)
وإن وصى لرجل بمعين ثم قال إن قدم فلان فهو له فقدم في حياة الموصى فهو له وإن قدم بعد موته فهو للأول في أحد الوجهين وفي الآخر فهو للقادم.
فصل: و يخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص.
__________
فضاء في حياة الموصي بطلت الوصية وإن بقي اسمها أخذها لا ما انفصل منها
فرع: إذا بنى فيها الوارث وقد خرجت من الثلث رجع على الموصى له بقيمة البناء وقيل: لا يرجع وعليه أرش ما نقص من الدار عما كانت عليه قبل عمارته وإن جهل الوصية فله قيمة بنائه غير مقلوع.
فائدة: نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال ثلثي لفلان ويعطي فلان منه مائة في كل شهر إلى أن يموت فهو للآخر منهما ويعطى هذا مئة في كل شهر فإن مات وفضل شيء رد إلى صاحب الثلث فحكم بصحة الوصية وإنفاذها على ماأمر به الموصي
"وإن وصى لرجل بمعين ثم قال إن قدم فلان فهو له فقدم في حياة الموصى فهو له" لأنه جعله له بشرط قدومه وقد وجد "وإن قدم بعد موته فهو للأول في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز وهو ظاهر الفروع وصححه أبن المنجا لأنه لما مات قبل قدومه انتقل إلى الأول لعدم الشرط في الثاني وقدوم الثاني بعد ملك الأول له وانقطاع حق الموصى منه فبقي للأول "وفي الآخر فهو للقادم" لأنه مشروط له بقدومه وقد وجد أشبه ما لو قال إن حملت نخلتي بعد موتي فهو لفلان فحملت بعد موته فإنه يستحق حملها بعد ملك الورثة لأصلها.
فصل
"ويخرج الواجبات" كقضاء الدين والزكاة والحج "من راس المال أوصى بها أو لم يوص" لقوله تعالى :{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11] ولقول علي: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية رواه الترمذي ولأن حق(6/26)
وإن وصى معهما يتبرع اعتبر الثلث من الباقي فإن قال: اخرجوا الواجب من ثلثي فقال القاضي: يبدأ به فإن فضل من الثلث شيء فهو لصاحب التبرع.
__________
الورثة إنما هو بعد أداء الدين وقد حكى القرطبي الإجماع على تقديم الدين على الوصية إلا ما حكى عن أبي ثور أنه قدمها عليه حكاه العبدري والحكمة في تقديمها في الآية أن الوصية لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض فكان إخراجها مشقة على الوارث فقدمت حثا على إخراجها قال الزمخشري: ولذلك جيء بكلمة أو التي للتسوية أي: فيستويان في الاهتمام وعدم التضييع وإن كان مقدما عليها وقال السبهلي: لما كانت الوصية طاعة غالبا لمنفعة وهو مذموم في غالب أحواله وقد تعوذ منه عليه السلام فبدأ بالأفضل وقال ابن عطية: الوصية غالبا تكون للضعاف فقوي جانبها بالتقديم في الذكر لئلا يطمع ويتساهل فيها بخلاف الدين وحينئذ إن كان له وصي قام بإخراج ذلك ونفاذه وإلا فالوارث نص عليه وقيل: يتولاه الحاكم كما لو كان الوارث صغيرا ولا وصي له.
فرع: إذا أخرج أجنبي عن ميت زكاة تلزمه بإذن وصيه أو وارثه أجزأت وإلا فوجهان وكذا لو أخرجها الوارث وثم أجنبي أخرجها ولم يعلمه وكذا الحج والكفارة.
"وإن وصى معها" أي: مع الواجبات "بتبرع اعتبر الثلث من الباقي" أي: بعد إخراج الواجب فلو كانت تركته أربعين فيوصي بثلث ماله وعليه دين عشرة فتدفع أولا ويدفع إلى الموصى له بالثلث عشرة وهو ثلث الباقي بعد الدين.
"فان قال: اخرجوا الواجب من ثلثي" أخرج الثلث وتمم من راس المال على ما قال الموصي كإنه قصد إرفاق ورثته بذلك فإن كان وضى معها بتبرع "فقال القاضي: يبدأ به" قدمه في المحرر و الفروع وجزم به في الوجيز "فإن فضل من الثلث شيء فهو لصاحب التبرع" لأن الدين تجب البداءة به قبل(6/27)
وإلا بطلت الوصية وقال ابو الخطاب: تزاحم به أصحاب الوصايا ويحتمل أن يقسم الثلث بينهما ويتمم الواجب من رأس المال فيدخله الدور فلو كان المال ثلاثين والواجب عشرة والوصية عشرة جعلت تتمة الواجب شيئا يكن الثلث عشرة إلا ثلث شيء بينهما للواجب خمسة إلا سدس شيء فضم إليه شيئا تكن عشرة فتجبر الخمسة بسدس شيء يبقى خمسة أسداس شيء تعدل خمسة فالشيء ستة ويحصل للوصي الآخر أربعة.
__________
الميراث والتبرع فإن عينه في الثلث وجبت البداءة به وما فضل للتبرع "وإلا بطلت الوصية" أي: إن لم يفضل شيء للتبرع سقط لأنه لم يوصى له بشئ إلا أن بجبز الورثة فيعطي ما أوصى له به.
"وقال ابو الخطاب: تزاحم به أصحاب ألوصايا" فيحتمل ما قاله القاضي وغيره "ويحتمل" ما قاله المؤلف هنا وهو "أن يقسم الثلث بينهما" على قدر حقيهما كالموصى لهما "ويتمم الواجب من رأس المال" لأنه لا بد من وفائه ولم يبق من الثلث ما هو محل له "فيدخله الدور" لأنه لا يعلم قدر الثلث حتى يعلم ما هو الواجب ولا يعلم تتمته حتى يعلم ما يستحقه بالمزاحمة ولا يعلم ما يستحق بالمزاحمة حتى يعلم الثلث فعلى هذا يحتاج إلى العمل بطريق الجبر.
"فلو كان المال ثلاثين والواجب عشرة والوصية عشرة جعلت تتمة الواجب شيئا" ونكر لأنه غير معلوم حالا لا مآلاً "يكن الثلث عشرة إلا ثلث شيء" لأنك إذا أسقطت شيئا من ثلثين يكن ثلثها ذلك "بينهما" أي: بين الواجب والوصية لتساويهما في القدر "للواجب خمسة إلا سدس شيء" لأنه نصف ما ذكر "فضم إليه شيئا" لأنه تتمته "تكن عشرة" لأن الشيء ستة خرج منه سدس جبرا للخمسة فتتبقي خمسة وخمسه أسداس تعدل عشرة "فتجبر الخمسة بسدس شيء من الشيء" ليخرج بلا كسر "يبقى خمسة اسداس شيء تعدل خمسة فالشيء ستة" لأن الخمسة إذا عدلت خمسة أسداس كان كل سدس يعدل واحدا "ويحصل للوصي الآخر" وهو صاحب التبرع "أربعة" وفي(6/28)
باب الموصى له
تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم و ذمي ومرتد وحربي.
__________
عملها طريق آخر وهو أن يقسم الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ثم ما بقي من الواجب أخذته من الورثة وصاحب التبرع بالقسط فيحصل للواجب خمسة ويبقي له خمسة يأخذ من صاحب التبرع دينارا لأنك نسبت ما لصاحب التبرع وهو خمسة من خمسة وعشرين فكانت الخمس ويأخذ من الورثة أربعة.
فرع: إذا أوصى بالواجب وقرن به الوصية بتبرع مثل حجوا عني وأدوا ديني وتصدقوا عني فوجهان أصحهما أن الواجب من رأس المال لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على التساوي في الحكم لقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} الآية والثاني: أنه من الثلث لأنه قرن به ما يخرجه من الثلث ومن مات بطريق مكة لزمه أن يوصي بحجة الإسلام قاله في الروضة وكذا كل واجب عليه.
باب الموصى له
هذا هو الركن الثاني: "تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي" بغير خلاف نعلمه لقوله تعالى :{إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً} [الأحزاب:6] قال محمد بن الحنفية: هو وصية المسلم لليهودي والنصراني لأن الهبة تصح لهم فصحت لهم الوصية كالمسلم وعلم منه صحتها من الذمي للمسلم من باب أولى ويستثنى من الوصية لكافر ما إذا أوصى له بمصحف أو عبد مسلم أو سلاح أو حد قذف فإنه لا يصح "ومرتد" كالهبة ذكره أبو الخطاب ولكن إن ضاق الثلث عه بدئ بعتقه "وحربي" وظاهره: ولو كان في دار الحرب نص عليه وقاله اكثر العلماء وقيل: لا يصح لقوله تعالى :{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة:6] الآية فدل على أن من قاتلنا لا يحل بره.(6/29)
وقال ابن أبي موسى: لا تصح لمرتد وتصح لمكاتبه ومدبره،
__________
وجوابه بأنه قد حصل الإجماع على صحة الهبة له والوصية في معناه وقضية عمر شاهدة بذلك ومحل الخلاف فيه إذا أوصى له بغير السلاح والخيل فإن كانت بشيء منهما فيتوجه أنه كبيعه منه
فرع: إذا أوصى لحربي بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي بطلت وإن أسلم بعده قبل القبول فوجهان وقيل: إن ملكت بالقبول بطلت وإن ملكه بالموت فلا وقيل: بلى وهو أولى "وقال ابن ابي موسى: لا تصح لمرتد" لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث فهو كالميت ولأن ملكه يزول عن ماله بردته في قول أبي بكر وجماعة فلا يثبت الملك له بالوصية وقال ابن حمدان: إن بقى ملكه صح الإيصاء له كالهبة له مطلقا وإن زال ملكه في الحال فلا وإن وقف أمر ماله على اسلامه فأسلم احتمل وجهين ولو عبر بقوله في الاصح فيهما لكان اولى إذ الخلاف فيهما معا.
تنبيه: يعتبر تعيين الموصي له فلو قال: ثلثي لأحد هذين أو لجاره أو لقرابته محمد باسم مشترك لم يصح وعنه: بلى كقوله أعطوا ثلثي أحدهما في الأصح فقيل يعينه الوارث وقيل: بقرعة وجزم ابن رزين بصحتها بمجهول ومعدوم فعلى الأول لو قال: عبدي غانم حر بعد موتي وله مائة وله عبدان بهذا الاسم عتق أحدهما بقرعة ولا شيء له نقله يعقوب وعلى الثانية: هي له من ثلثه اختاره أبو بكر.
"وتصح لمكاتبه" لأنه معه كالأجنبي في المعاملات فكذا في الوصية ولانه يملك المال بالعقد فصحت الوصية له كالحر وتصح لمكاتب وارثه ومكاتب أجنبي سواء أوصى بجزء شائع او معين لان الورثة لا يستحقون المكاتب ولا يملكون ماله فإن قال ضعوا عن مكاتبي بعض كتابته وضعوا ما شاؤوا وإن قال: ضعوا نجما فلهم وضع أي: نجم شاؤوا سواء اتفقت أو اختلفت فإن قال ضعوا عنه أي: نجم شاء سواء اتفقت أو اختلفت فإن قال: ضعوا عنه أي: نجم شاء رد ذلك إلى مشيئته وإن قال: ضعوا عنه أكثر نجومه وضعوا عنه أكثر من نصفها وإن قال: الأوسط تعين وإن(6/30)
وام ولده وتصح لعبد غيره فإذا قبلها فهي لسيده وتصح لعبده بمشاع كثلث ماله فإذا اوصى بثلثه عتق،
__________
كانت خمسة تعين الثالث أو سبعة تعين الرابع وإن اختلفت رجع إلى قول الورثة "ومدبره" لأنه يصير حرا حين لزوم الوصية فصحت كإم الولد فإن لم يخرج من الثلث هو الوصية قدم عتقه على الوصية لأنه أنفع له و قال القاضي: يعتق بعضه ويملك منها بقدر ما عتق منه وجوابه بأنه وصى لعبده وصية صحيحة فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال كما لو أوصى لعبده القن بمشاع من ماله "وأم ولده" لما روى سعيد أن عمر أوصى لأمهات أولاده لكل واحدة بأربعة الآف وروى عن عمران بن حصين وغيره من التابعين وغيرهم لأنها حرة حين لزوم الوصية وكوصيته أن ثلث فرسه وقف عليها ما دامت على ولدها نقله المروذي وإن شرط عدم تزويجها ففعلت وأخذت الوصية ثم تزوجت فقيل تبطل وقيل: لا كوصيته بعتق أمته على شرطه.
"وتصح لعبد غيره" لأنه يصح اكتسابه فصحت الوصية كالحر إن قلنا: يملك صرح به في الفروع وفي الواضح وهو ظاهر كلام جماعة خلافه وهذا بشرط أن لا يكون عبد وارثه ولا قاتله إن لم يصر حرا وقت نقل الملك.
"فإذا قبلها فهي لسيده" لأنه من كسب عبده وكسبه للسيد ما لم يكن حرا وقت موت موص وان عتق بعده وقبل القبول فالخلاف وظاهره: أن قبول العبد لا يفتقر إلى إذن السيد لأنه كسب كالاحتطاب وفيه وجه لأنه تصرف من العبد فهو كبيعه ورد بأنه تحصيل مال بغير عوض فلم يفتقر إلى إذنه كالمباح.
"وتصح لعبده بمشاع كثلث ماله" لأنها وصية تضمنت العتق بثلث ماله فصحت كما لو صرح بذلك "فإذا أوصى بثلثه عتق" كما إذا كان ثلثه مائة وقيمة العبد مائة أو دونها عتق لأنه ملك من كل جزء من المال ثلثه مشاعا ومن جملته نفسه فيملك ثلثها وإذن يعتق ذلك الجزء لتعذر ملك نفسه(6/31)
وأخذ فاضل الثلث وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث وإن وصى له بمعين او بمائة لم يصح وحكى عنه أنه يصح وتصح للحمل،
__________
ويسري إلى بقيته كما لو اعتق بعض عبده بل أولى وأخذ فاضل الثلث لأنه صار حرا
"وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث" ولا يعتق منه أكثر من ذلك لأن الوصية لا تنفذ في الزائد على الثلث إلا بإجازة الوارث ولم يوجد وعلم مما سبق أنه إذا اوصى له بنفسه أو رقبته أنه يصح ويعتق بقبوله إن خرج من ثلثه وإلا عتق منه بقدره وإن وصى له ببعض رقبته فخرج من الثلث عتق ما وصى له به وفي بقيته روايتان "وإن وصي له بمعين" كدار وثوب "أو بمائة لم يصح" في قول الأكثر لأنه يصير ملكا للورثة فما وصى له به فهو لهم فكأنه وصى لورثته بما يرثونه فلا فائدة فيه.
وعنه: يصح كالمشاع وعليها ما ذكره في الكافي أنه يشتري العبد من الوصية فيعتق وما بقي فهو له قال الزركشي محافظة على تصحيح كلام المكلف ما أمكن إذ تصحيح الوصية يستلزم ذلك وبنى الشيرازي الخلاف على تمليكه ثم قال: وعلى رواية الصحة تدفع المائة إليه فإن باعه الورثة بعد ذلك فالمائة لهم قال في الرعاية: إذا لم يشرطها المبتاع وعنه: يصح ويعطي ثلث المعين إن خرج معه من الثلث وعنه: منعها كقن زمنها ذكره ابن عقيل وعنه: كماله.
"وحكى عنه أنه يصح وتصح للحمل" بغير خلاف نعلمه لأن الوصية تجري مجرى الميراث في الانتقال بعد الموت وقد سمى الله تعالى الميراث وصية بقوله :{يُوصِيكُمُ اللَّهُ} الآيات والحمل يرث فصحت الوصية له مع أنها أوسع من الميراث لأنها تصح للمخالف في الدين والعبد فالوصية له اولى لكن إن انفصل ميتا بطلت لأنه لا يرث لاحتمال أن لا يكون حيا حين الوصية فلا يثبتان بالشك وسواء مات لعارض من ضرب بطن او غيره فإن(6/32)
إذا علم أنه كان موجودا حال الوصية بان تضعه لاقل من ستة اشهر إن كانت ذات زوج أو سيد يطؤها أولأقل من اربع سنين إن لم يكن كذلك في أحد الوجهين وإن وصى لمن تحمل هذه المرأة لم تصح.
__________
وضعته حيا صحت "إذا علم أنه كان موجودا حال الوصية" لتحقيق الشرط "بأن تضعه لأقل من ستة أشهر" من حين الوصية "وان كانت ذات زوج او سيد يطؤها" بائنا للعلم بوجوده حال الوصية إذ التمليك لا يصح لمعدوم وفي المغني أن تضعه لستة اشهر فما دون وفيه نظر لأنها إذا وضعته لستة اشهر احتمل حدوثه حال الوصية فلم يصادف موجودا يقينا وقد وهم ابن المنجا فقال لابد من ذكر ستة اشهر لأنها إذا وضعته لذلك علم أنه كان موجودا حال الوصية ويقدم رده ومقتضاه أنها إذا وضعته لأكثر من ذلك أنها لا تصح الوصية لاحتمال حدوثه بعدها وعلى الأول لو كانت فراشا لهما وما وطئا لبعد او مرض أو حبس صحت الوصية في ظاهر كلامهم.
"أولأقل من اربع سنين إن لم يكن كذلك" أي: إن لم تكن ذات زوج أو سيد يطؤها "في أحد الوجهين" لأنه محكوم بوجوده لأحق بأبيه.
والثاني: لا تصح الوصية لأنه مشكوك في وجوده فلم يصح مع الشك فيه ولا يلزم من لحوق النسب صحت الوصية فإن النسب يثبت بالاحتمال وفيه وجه آخر أ نه إذا اتت به لاكثر من سنتين كانت بائنا لا تثبت له الوصية بناء على أن أكثر مدة الحمل سنتان
"وإن وصى لمن تحمل هذه المرأة لم تصح" في قول الأكثر لأن الوصية تمليك فلا تصح للمعدوم بخلاف الموصى به فإنه تمليك فلم يعتبر وجوده ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث وقيل: تصح كما تصح بما تحمل هذه الجارية وكما لو وقف على من يحدث من ولد أو ولده ولده.
ورد بالفرق بينهما لأنها تجري مجرى الميراث ولا تحصل إلا لموجود والوقف يراد للدوام ومن ضرورته إثباته للمعدوم.(6/33)
ولو قتل الوصي الموصي بطلت الوصية وإن جرحه ثم اوصى له فمات من الجرح لم تبطل الوصية في ظاهر كلامه وقال أصحابنا: في الوصية للقاتل روايتان وإن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو لجميع الأصناف صح ويعطي كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة.
__________
"ولو قتل الوصي الموصي" ولو خطأ "بطلت الوصية" قاله الثوري واختاره أبو بكر ونص عليه في المدبر لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد منها فالوصية أولى ولأنه عومل بنقيض قصده.
وقال ابن حامد: تجوز الوصية له واحتج بقول أحمد من جرح رجلا خطأ فعفى المجروح فقال يعتبر من ثلثه وهذه وصية لقاتل لان الهبة له تصح فكذا الوصية.
"وإن جرحه ثم اوصى له فمات من الجرح لم تبطل في ظاهر كلامه" لأنها بعد الجرح صدرت من اهلها في محلها لم يطرأ عليها ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت فإن القتل طرأ عليها فابطلها فيبطل ما هو آكد منها ولهذا جمع أبو الخطاب بين نصي الإمام.
"وقال اصحابنا: في الوصية للقاتل روايتان:"
إحداهما: لا تصح سواء وصى له ثم قتله أو جرحه جرحا صالحا للزهوق ثم وصى له لأنه قاتل فبطلت كالميراث.
والثانية: بلى لأنها تمليك بعقد فضاهت الهبة و الأولى ما ذكره المؤلف وجزم به في الوجيز وقدمه في المحرر والفروع.
"وإن وصى لصنف من اصناف الزكاة" كالفقراء "أو لجميع الأصناف صح" لأنهم من ابواب البر ولأنهم يملكون بدليل الزكاة والوقف "ويعطي كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة" لأن المطلق في كلام الآدميين يحمل على المقيد في كلام الله تعالى قال في المغنى: وينبغي أن يجعل لكل صنف حيث أوصى لجميعهم ثمن الوصية كما لو اوصى لثمان قبائل والفرق(6/34)
وأن وصى لكتب القرآن أو العلم أو لمسجد أو لفرس ينفق عليه صح فإن مات الفرس رد الموص به او باقية إلى الورثة.
__________
بينهما حيث يجوز الاقتصار على صنف واحد أن آية الزكاة أريد بها من يجوز الدفع إليه والوصية أريد بها بيان ما يجب الدفع إليه انتهى.
ويجوز الاقتصار من كل صنف على واحد في ظاهر المذهب وعنه: يتقيد بثلثه من كل صنف ولا يصرف إلا على المستحق من أهل بلده.
فرع: إذا اوصى بشيء لزيد وبشيء للفقراء ولجيرانه وزيد منهم لم يشاركهم نص عليهما ولو وصى لقرابته بشيء وللفقراء كذلك فلقريب والحاصل سهمان ذكره ابو المعالي قال في الفروع ويتوجه تخريج حكم كل صورة إلى الأخرى قال شيخنا: قد يفرق بينهما بأن زيدا يتعين والقرابة لفظ عام يدخل فيه الفقراء وغيرهم فصلح كل من وصفه سببا لاستحقاقه به فانه علق استحقاقه بوصفه وهو القرابة فإذا كان فيه وصفان صار استحقاقه بهما بخلاف زيد فإنه علق استحقاقه بعينه وعينه لاتتعدد.
"وإن وصى لكتب القرآن أو العلم أو المسجد أو لفرس حبيس ينفق عليه صح" لأن ذلك قربه فصح بذل المال فيه كالوصية للفقير والموصى به للمسجد يصرف في مصالحة تضرب بالعرف.
ويصرفه الناظر إلى الأهم والأصلح باجتهاده فلو قال: إن مت فبيتى مسجد أو فأعطوه ماله من مالي توجه صحته ولو أراد تمليك الفرس أو المسجد لم يصح.
"فإن مات الفرس رد الموصي به أو باقيه" إن كان أنفق بعضه إلى الورثة لأنه لما بطل محل االوصية وجب الرد إلى الورثة كوصيته بعتق عبد زيد فتعذر أو شراء عبد بألف أو عبد زيد بها في المنصوص فيه فاشتروه بدونها ومقتضاه أنه لا يصرف إلى فرس آخر حبيس في المنصوص.
مسائل: إذا أوصى بخدمة عبده سنة ثم هو حر صحت الوصية فلو(6/35)
وإن وصى في أبواب البر صرفه وقيل: عنه يصرف في أربع جهات في الاقارب والمساكين والحج والجهاد وعنه: فداء الأسرى مكان الحج.
__________
ردها أو وهب لخدمة عتق في الحال وفي المغني والشرح خلافه.
وإن أوصى بعتق نسمة بألف فأعتقوا نسمة بخمسمئة لزمهم عتق أخرى بخمسمئة في الاصح وإن قال: أربعة بكذا جاز الفصل بينهما ما لم يسم ثمنا معلوما نص عليه.
ولو وصى أن يشتري فرسا للغزو بمعين فاشتراه بأقل منه فباقيه نفقة لا إرب في المنصوص "وإن وصى في أبواب البر صرفه في القرب" كلها اختاره المؤلف وجزم به في الوجيز لأن اللفظ للعموم فيجب الحمل عليه ولا يجوز التخصيص إلا بدليل "وقيل عنه" أي: عن الإمام أحمد "يصرف في أربع جهات: في الاقارب والمساكين والحج والجهاد" قال ابن المنجا: وهي المذهب لأن أبواب البر وإن كانت عامة إلا أن الظاهر من حال الموصي أنه أراد المشهور منها والجهات الأربع هي لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة والمساكين مصارف الصدقات والحج والجهاد من أكبر شعائر الأسلام.
وظاهره: انها سواه لكن الغزو أفضلها فيبدا به نص عليه في رواية حرب وهو قول أبي الدرداء.
"وعنه: فداء الأسرى مكان الحج" لأن فداؤهم من اعظم القربات لما فيه من تخليص رقبة مؤمنة من ايدي الكفار وهو يتضمن منفعة المخلص ونفع نفسه بخلاف الحج ونقل المروذي عنه فيمن أوصى بثلثه في أبواب البر وان وصى إن يحج عنه بالف صرف في حجه بعد أخرى حتى ينفذ ويدفع إلى كل واحد قدر ما يحج به يجزأ ثلاثة أجزاء في الجهاد والقارب والحج قال في المغني: وهذا ليس على سبيل اللزوم والتحديد بل يجوز صرفها في الجهات كلها للعموم ولأنه ربما كان غير هذه الجهات من تكفين ميت وإصلاح طريق وإعتاق رقبة وإغاثة(6/36)
وإن أوصى أن يحج عنه بألف صرف في حجه بعد اخرى حتى ينفذ ويدفع إلى كل واحد قدر ما يحج به.
__________
ملهوف أحوج من بعضها وأحق.
فرع: إذا قال: ضع ثلثي حيث أراك الله فله صرفه في أي: جهة من جهات القرب و قال القاضي: يجب صرفه إلى الفقراء والمساكين والأفضل صرفه إلى فقراء أقاربه فإن لم يجد فالى محارمه من الرضاع فإن لم يكن فإلى جيرانه.
"وإن أوصى" أي: من لا حج عليه قاله في الوجيز والفروع "أن يحج عنه بألف صرف" من ثلثه "في حجة" أي: مؤنة حجة أمانة أو جعالة أو إجارة إن صح الإيجار عليه من محل وصيته كحجه بنفسه وقيل: أو من الميقات وهو أولى "بعد اخرى" راكبا أو راجلا نص عليه "حتى ينفذ" لأنه وصى بها في جهة قربه فوجب صرفها فيها كالوصية في سبيل الله وعنه: لا يصرف منها سوى مؤنة حجة واحدة والبقية إرث وعنه: بعد حجه للحج أو سبيل الله فلو لم تكف الألف أو البقية حج من حيث يبلغ في ظاهر نصوصه وعنه: يعان به في حج قال القاضي: وحكاه العنبري عن سوار القاضي ونقل أبو داود يخير بينهما
"ويدفع" الوصي "إلى كل واحد قدر ما يحج به" من غير زيادة على نفقة المثل لأنه أطلق له التصرف في المعاوضة فاقتضى عوض المثل كالتوكيل في البيع.
ثم إن كان الموصى به لا يحمل الثلث لم يخل من أن يكون الحج فرضا أو نفلا فإن كان فرضا أخذ أكثر الأمرين من الثلث أو القدر الكافي لحج الفرض إذا كان قد أوصى بالثلث فإن كان الثلث أكثر أخذه وصرف في الغرض قدر ما يكفيه وباقيه في حجة أخرى حتى ينفذ وإن كان الثلث أقل ثم قدر ما يكفي الحج في قول الجمهور وان كان تطوعا أخذ الثلث لاغير إذا(6/37)
وإن قال: حجوا عني بألف دفع الكل إلى من يحج به فإن عينه فقال يحج عني فلان بالف فإن أبى الحج وقال اصرفوا لي الفضل لم يعطه وبطلت الوصية.
__________
لم يجز الورثة ويحج به على ما وصفنا.
"وإن قال: يحج عني حجة بألف دفع الكل إلى من يحج" لأنه اوصى بها في حجه واحدة فوجب أن يعمل بها فإن فضل منها فضل فهو لمن يحج لأنه قصد إرفاقه فكأنه صرح به وقيل: إرث جزم به في التبصرة ولا يدفعها إلى وارث نص عليه زاد في الشرح وغيره حيث كان فيها فضل إلا بإذن الورثة واختار جماعة للوارث أن يحج عنه إذا عينه ولم يزد على نفقة المثل وفي الفصول إن لم يعينه جاز وقيل: له في رواية أبي داود أوصى أن يحج عنه قال لا كأنه وصية لوارث.
"فإن عينه فقال يحج عني فلان بألف" صرف ذلك اليه "فإن أبى الحج وقال: اصرفوا لي الفضل لم يعطه" لأنه إنما وصى له بالزيادة بشرط الحج ولم يوجد "وبطلت الوصية" حكاه في الفروع قولا لأن الموصي له لم يقبلها بامتناعه من فعلها أشبه ما لو أوصى له بمال فرده وقيل: في حقه وقد زاده بعضمن اذن له الؤلف في الاصلاح لان الوصية فيها حق للحج وحق للموصى له إذا رده بطل في حقه دون غيره لقوله بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبله بطل في حقه دون غيره لقوله بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبله وكما لو لم يقدر الموص له بفرس في السبيل على الخروج نقله أبو طالب ويحج عنه بأقل ما يمكن من نفقة أو أجرة والبقية إرث كالفرض.
فرع: إذا قال: حجوا عني حجة ولم يذكر قدرا من المال فإنه لا يدفع إلى من يحج إلا قدر نفقة المثل والباقي للورثة قال في الشرح: وهذا يتبني على أنه لا يجوز الاستئجار عليه فإن فلنا بجوازه فلا يستأجر إلا نفسه بأقل ما يمكن وما فضل فهو للأجير لأنه ملك ما أعطى بعقد إلاجارة وإن تلف المال في الطريق فهو من ماله ويلزمه إتمام العمل فلو وصى بثلاث حجج إلى ثلاث نفر صح صرفها في(6/38)
وإن وصى لأهل سكته فهو لأهل دربه وإن وصى لجيرانه تناول أربعين دارا من كل جانب.
__________
عام واحد وجزم به في الوجيز وفي الرعاية عكسه.
تنبيه: إذا أوصى أن يحج عنه بالنفقة صح واختار أبو محمد الجوزي إن وصى بألف يحج بها صرف في كل حجة قدر نفقته حتى ينفذ وإن قال حجوا عني بألف فما فضل للورثة ولو قال يحج عني زيد بألف فما فضل وصية له أن يحج وله تأخيره لعذر ولا يعطي إلي أيام الحج قاله أحمد نقل أبو طالب اشترى به متاعا يتجر به قال: لا يجوز قد خالف لم يقل اتجر به ولا يصح أن يحج وصي بإخراجها نص عليه لأنه منفذ كقوله تصدق عني لا يأخذ منه وكما لا يحج على دابة موصى بها في السبيل.
"وإن وصي لأهل سكته فهو لأهل دربه" لأن السكة الطريق والدرب طريق مضاف إليه وحينئذ يعطي من كان ساكنا وقت الوصية أو طرأ إليه بعدها وجزم في المستوعب بالأول ونص عليه وقيل: أهل دربه وسكته أهل المحلة الذين طريقهم في دربه.
"وإن وصى لجيرانه تناول أربعين دارا من كل جانب" نص عليه وهو قول الأوزاعي لما روى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجار أربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا" رواه احمد وهذا نص لا يجوز العدول عنه أن صح وإلا فالجار المقارب ويرجع فيه إلى العرف قاله في الشرح وحكاه في الفروع قولا ونقل ابن منصور ينبغي أن لا يعطي إلا الجار الملاصق لأنه مشتق من المجاورة.
ومقتضاه أن المجموع مائة وستون وفيه نظر فإن دار الموصي قد تكون كبيرة في التربيع فيسامتها من كل جهة أكثر من دار لصغر المسامت لها أو يسامتها داران يخرج من كل منها شيء عنها فيزيد على العدد ويقسم المال على عدد الدور وكل حصة دار تقسم على سكانها وجيران المسجد من يسمع النداء منه(6/39)
وقال ابو بكر: مستدار أربعين دارا وإن وصى لأقرب قرابته وله أب وابن فهما سواء والجد والأخ سواء ويحتمل تقديم الابن على الأب والأخ على الجد.
__________
وقال ابو يوسف: الجيران اهل المحلة إن جمعهم مسجد فإن تفرق أهلها في مسجدين صغيرين متقاربين فكذلك وإن كانا عظيمين فكل أهل مسجد جيران.
"وقال ابو بكر: مستدار أربعين دارا" وهو رواية عن احمد لأن الخبر يحتمل وعنه: ثلاثين دارا من كل جانب ذكرها أبن هبيرة وابن الزاغوني قال واحتج لذلك بحديث رواه الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
"وإن وصى لأقرب قرابته" أو لاقرب الناس إليه أو أقربهم به رحما "وله أب وابن فهما سواء" لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه من غير واسطة فإن كان أحدهما تعين بلا شك "والجد والأخ سواء" لأن كل واحد منهما يدلي بالأب من غير واسطة.
"ويحتمل" وحكاه في المستوعب وجها "تقديم الابن على الأب" لأنه يسقط تعصيبه ورد بأن إسقاط تعصيبه لا يمنع مساواته ولاكونه أقرب منه بدليل أبن الابن يسقط تعصيب من بعده.
"والأخ على الجد" لأنه يدلي ببنوة الأب والجد يدلي بالأبوة فهما كالأب والابن ورد بأنه لا يصح قياس الأخ على الابن لأنه يسقط تعصيب الجد بخلاف الابن وعلم منه تقديم الابن على الجد والابن على ابن الابن.
تنبيه: البنت كالابن والجد أبو الاب وأبو الأم وأم الأب وأم الأم كلهم سواء ذكره في المغني ويحتمل تقديم أبي الأب على أبي الأم لأنه يسقطه ثم بعد الأولاد أولاد البنين وإن سفلوا الأقرب فالأقرب الذكور والإناث وفي أولاد البنات وجهان بناء على الوقف ثم بعد الأولاد الأجداد الأقرب منهم فالأقرب لأنهم العمود الثاني عند الأخوة والأخوات ثم ولدهم وإن سفلوا ولا شيء لولد الأخوات إذا قلنا: بعدم دخول ولد البنات والعم من الأب(6/40)
والأخ من الأب والأخ من الأم سواء والأخ من الأبوين أحق منهما،
__________
والعم من الأم سواء وفيه احتمال وكذلك أبناؤهما على الترتيب ذكره القاضي.
"والأخ من الأب والأخ من الأم سواء" لأنهما في درجة واحدة لا يقال كيف سوى بينهما إذ لو أوصى لقرابته لم يدخل فيها ولد الأم على المذهب ومن لا يدخل في القرابة لا يدخل في أقرب القرابة لأن ذلك مخرج على الرواية الأخرى كما ذكره في المغني لا على المذهب
"والأخ من الأبوين أحق منهما" لأن له قرابتين فهو أقرب ممن له قرابة واحدة فلو أوصى لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصيب سواء كان ممن يرثه في الحال أولا ويستوي فيه قريبهم وبعيدهم.
فرع: لم يتعرض المؤلف لذوي الأرحام فإن قلنا: بالرواية التي تجعل القرابة كل من يقع عليه اسم القرابة كان حكمهم كما سلف وإن قلنا: القرابة تختص بمن كان من أولاد الآباء فلا تدخل فيهم الأم ولا أقاربها.
مسألة: أوصى لجماعة من اقرب الناس إليه أعطى ثلاثة فإن كانوا أكثر في درجة واحدة كالإخوة فهو لجميعهم لأن الاسم يشملهم وإن لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة كملت من الثانية: وإن لم تكمل منها فمن الثالثة.
فوائد: أوصى بإحراق ثلث ماله صح وصرف في تجمير الكعبة وتنوير المساجد ذكره ابن عقيل وفي التراب يصرف في تكفين الموتى وفي الماء يصرف في عمل سفن للجهاد وفي الهواء قال شيخنا محب الدين بن نصر الله: يتوجه أن يعمل به باذهنج لمسجد ينتفع به المصلون وفيه شيء ولو وصى بكتب العلم لآخر لم يدخل فيها كتب الكلام لأنها ليست من العلم ولو أوصى بدفنها لم تدفن قاله أحمد ونقل الاثرم لا بأس وقال الخلال: الأحوط دفنها.(6/41)
فصل
ولا تصح الوصية لكنيسة ولا لبيت نار ولا لكتب التوراة والإنجيل ولا لملك ولا لمبيت ولا لبهيمة وإن وصى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي.
__________
فصل
"ولا تصح الوصية لكنيسة ولا لبيت نار" ولا لعمارتها والإنفاق عليهما لأن ذلك معصية وسواء كان الموصى مسلما أو ذميا "ولا لكتب التوراة والإنجيل" على الأصح قاله في الرعاية لأنها كتب منسوخة والاشتغال بها غير جائز لما فيها من التبديل والتغيير وذكر القاضي لو أوصى بحصر لبيع وقناديلها لا على قصد تعظيمها فهو جائز لأن الوصية في الحقيقة لأهل الذمة لكونهم ينتفعون بها والأصح أنها لا تصح لأن ذلك إعانة لهم على معصيتهم وتعظيم كنائسهم وعن أحمد صحتها من الذمي لخدمة الكنيسة.
فرع: أوصى ببناء بيت يسكنه المجتازون من أهل الذمة والحرب صح لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية ولا تصح لكافر بمصحف كعبد مسلم بدليل البيع والهبة وإن وصى له بعبد كافر فأسلم في حياة الموصي بطلت وإن أسلم بعد الموت وقبل القبول ابتني على الخلاف "ولا لملك ولا لميت ولا لبهيمة" ولا لجني لأنه تمليك فلم تصح لهم كالهبة.
فرع: تصح وصية لحبيس وفرس زيد ولو لو يقبله ويصرفه في غفلة فإن مات فالباقي للورثة.
"وإن وصى" بثلثه أو مائة "لحي وميت يعلم موته فالكل للحي" اختاره أبو الخطاب وجزم به في الوجيز وذكر ابن المنجا أنه المذهب لأنه لما أوصى بذلك مع علمه بموته فكأنه قصد الوصية للحي وحده كما لو صرح به إلا(6/42)
ويحتمل ألا يكون له إلا النصف وإن لم يعلم موته فللحي نصف الموصى به وإن وصى لوارثه وأجنبي بثلث ماله فرد الورثة فللاجنبي السدس،
__________
أن يقول هو بينهما كالمنصوص في له ولجبريل أو الحائط.
"ويحتمل أن لا يكون له إلا النصف" هذا الاحتمال هو المذهب وقدمه الأشياخ لأنه أضاف الوصية إليها فإذا لم يكن أحدهما محلا للتمليك بطل في نصيبه وبقي نصيب الحي وهو النصف.
"وإن لم يعلم موته فللحي نصف الموصى به" وجها واحدا لأنه أضاف الوصية إليهما ولا قرينة تدل على عدم إرادة الآخر فوجب أن يكون له النصف تضرب بالمقتضى السالم عن المعارض وكما لو أوصى لحيين فمات أحدهما بغير خلاف نعلمه.
فرع: أوصى لله ولزيد بشيء فنصفان وجزم في الكافي وغيره بأن جميعه لزيد لأن ذكر الله تعالى للتبرك وإن وصى للرسول ولزيد صح ونصف الرسول يصرف في المصالح.
"وان وصى لوارثه واجنبي بثلث ماله" فأجاز الورثة وصية الوارث فالثلث بينهما وفي الرد أشار إليه بقوله: "فرد الورثة فللأجنبي السدس" في قول أكثر العلماء لأن كلا منهما له السدس فصح للأجنبي إذ لااعتراض للورثة عليه وبطل سدس الوارث لأن الوصية له لا تصح إلا بإجازة الوارث.
وفي الرعاية: إذا أوصى لوارث وغيره بثلثه اشتركا مع الإجازة ومع الرد على الوارث للآخر الثالث وقيل: نصفه كما لو أوصى لهما بثلثه فرد عليهما أو على الوارث فقط
وإن رد الزائد على الثلث عينا فهو لهما وقيل: للأجنبي وقيل: له السدس ويبطل الباقي ولو أجيز للوارث وحده فله الثلث وكذا الأجنبي إذن وقيل: السدس(6/43)
وان وصى لهما بثلثي ماله فكذلك عند القاضي وعند ابي الخطاب له الثلث وان وصى بماله لابنيه واجنبي فردا وصيته فله التسع عند القاضي وعند ابي الخطاب له الثلث وان وصى لزيد وللفقراء والمساكين بثلثه فلزيد التسع.
__________
"وإن وصى لهما" أي: للوارث وأجنبي "بثلثي ماله فكذلك عند القاضي" أي: إذا ابطل الورثة الزائد على الثلث من غير تعيين نصيب أحدهما فالثلث بينهما واحد منهما السدس واختاره في الوجيز لأن الوارث يزاحم الأجنبي مع الإجازة فإذا ردوا تعين أن يكون الباقي بينهما كما لو تلف بغير رد.
"وعند أبي الخطاب له الثلث" لأنهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما دون إذا كان لأجنبي ولو جعلنا الوصية بينهما لملكوا إبطال ما زاد على السدس وكما لو خصوا الوارث بالإبطال فإن قالوا أجزنا وصية الوارث ورددنا نصف وصية الأجنبي صح واتبع كالعكس وإن أجازوا أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك مطلقا فإن ردوا جميع وصية الوارث ونصف وصية الأجنبي فلهم ذلك على قول القاضي وعلى قول أبي الخطاب: يتوفر الثلث كله للأجنبي.
"وإن وصى بماله لابنيه وأجنبي فردا وصيته فله التسع عند القاضي" لأنه بالرد رجعت الوصية إلى الثلث والموصى له ابنان وأجنبي فيكون للأجنبي التسع لأنه ثلث الثلث.
"وعند أبي الخطاب له الثلث" لأن الأجنبي موصى له بالثلث وبالرد بطلت وصية الوارث فوجب أن يكون له الثلث تضرب بالوصية السالمة عن المزاحم.
"وإن وصى لزيد وللفقراء بثلثه فلزيد التسع" هذا هو المذهب لأنه وصى لثلاث جهات فوجبت التسوية كما لو وصي لزيد وبكر وخالد وقال محمد بن الحسن له الخمس وللفقراء خمسان وللمساكين خمسان(6/44)
باب الموصى به
تصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والحمل في البطن واللبن في الضرع.
__________
لأن أقل الجمع اثنان وقال ابن حمدان: ويحتمل أن له السدس لأنهما هنا صنف وظاهره: انه إذا كان زيد مسكينا أنه لا يدفع إليه من سهمهم إذ العطف يقتضي المغايرة فلو كانت الوصية لقوم يمكن حصرهم كزيد وإخوته فهو كأحدهم في وجه وفي آخر كالتي قبلها فلو وصى بثلثه لزيد وللفقراء فنصفان وقيل: كأحدهم.
تنبيه: لو أوصى مسلم لأهل قريته وقيل: أو لقرابته بلفظ عام لم يعم كافرهم إلا بذكره في الأشهر وإن كان الموصى كافرا عم مسلمهم بدون ذكره في الأصح وقيل: إن كان أهل القرية أو الأقارب كلهم كفارا والموصي مسلما عمهم كما لو كان فيهم مسلم وإن كان أكثرهم كفارا لم يعمهم وفيه احتمال.
مسألة: أوصى بثلثه للمساكين وله أقارب محاويج ولم يوص لهم بشيء ولم يرثوه فإنهم أحق به ولو وصى نصراني بثلثه لفقراء المسلمين وله إخوة فقراء أعطى كل واحد خمسين فقط نص عليهما ولو وصى لولد زيد وليس له الا ولد ولد دخلوا فيها ويحتمل دخول ولد البنين فقط.
باب الموصي به
هذا هو الركن الثالث منها "تصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه كالآبق" في الرقيق "والشارد" من الدواب "والطير في الهواء والحمل في البطن واللبن في الضرع" لأنها إذا صحت بالمعدوم فهذا أولى ولأنها أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فيوصي له وللوصي السعي في تحصيله فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث ولا فرق في الحمل بين ان يكون رقيقا أو حمل بهيمة مملوكة له لأن الغرر(6/45)
وبالمعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته أبدا أو في مدة معينة فإن حصل منه شيء فهو له وإلا بطلت وإن وصى له بمائة لا يملكها صح فإن قدر عليها عند الموت أو على شيء منها وإلا بطلت الوصية وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب،
__________
لا يمنع الصحة فجرى مجرى إعتاقه فإن انفصل ميتا بطلت وإن خرج حيا وعلمنا وجوده حال الوصية أو حكمنا بوجوده صحت وإن لم يكن كذلك فلا لاحتمال حدوثه ويعتبر إمكان الموصى به فلو وصى بما تحمل أمته العقيم أو بألف قنطار من شجرة معينة من سنة معينة قال في الترغيب وغيره واختصاصه به فلو وصى بمال غيره لم يصح ولو ملكه بعد لأن الوصية لم تنعقد.
"وبالمعدوم" لأنه يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة فجاز أن يملك بالوصية "كالذي تحمل أمته أو شجرته أبدا" أي: يكون ذلك للموصى له على التأبيد "أو في مدة معينة" كسنة دون ما عداها معرفا أو منكراً ولا يلزم الوارث السقي لأنه لم يضمن تسليمها بخلاف مشتر "فإن حصل منه شيء فهو له" أي: للموصى له بمقتضى الوصية "والا بطلت" لانها لم تصادف محلا كالوصية بثلثه ولم تخلف شيئا.
فرع: تصح الوصية بإناء ذهب أو فضة وزوجته أي: له أمة فيوصي بها لزوجها وينفسخ نكاحه وقت ثبوت ملكه لها.
"وإن وصى له بمائة لا يملكها صح" إذ غايته أنها معدومة والوصية به صحيحة "فإن قدر عليها عند الموت أو على شيء منها" صحت لأنه امكن نفوذها "وإلا بطلت" لما ذكرناه "وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب" المعلم لأنه يباح اقتتاؤه للصيد والماشية والحرث وقيل: وحفظ البيوت لأن فيه نفعا مباحا وتقر اليد عليه والوصية تبرع فصحت في غير المال كالمال ولصحة هبته فإن كان مما لا(6/46)
والزيت النجس فإن لم يكن للموصى مال فللموصى له ثلث ذلك وإن كان له مال فجميع ذلك للموصى له وإن قل المال في أحد الوجهين وفي الآخر له ثلثه.
__________
يباح اقتتاؤه لم يصح سواء قال من كلابي أو من مالي لأنه لا يصح شراء الكلب لأنه لا قيمة له بخلاف ما إذا أوصى بشاة ولا شاة له فإنه يمكن تحصيلها بالشراء.
وظاهره: أنها لا تصح بالجرو الصغير وهو وجه والأصح صحتها بتربيته لأحدها وفي الفروع وإن لم يصد به أو يصيد إن احتاجه أو لحفظ ماشية أو زرع فإن حصل فخلاف وفي الواضح الكلب ليس مما يملكه "والزيت النجس" إذا جاز الاستصباح به قاله في الشرح وإلا لم يصح إذ ليس فيه نفع مباح كالخنزير وسائر سباع البهائم التي لا تصلح للصيد
"فإن لم يكن للموصي مال" سواه "فللموصى له ثلث ذلك" لأن الوصية تنفذ في الثلث "وإن كان له" مال غير الموصى به "فجميع ذلك للموصى له وإن قل المال في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز لأن قليل المال خير من الكلب لكونه لاقيمة له فالثلث أكثر منه حينئذ.
"وفي الآخرة له ثلثه" وإن كثر المال لأن موضوع الوصية على أن يسلم ثلثا التركة للورثة وليس في التركة شيء من جنس الموصى به.
تنبيه: أوصى لرجل بكلابه ولآخر بثلث ماله فله الثلث وللأول ثلث الكلاب وجها واحدا لأن ما حصل الورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية فيما يقابله من حق الموصى له وهو ثلث المال ولم يحتسب على الورثة بالكلاب لأنها ليست بمال.
وإذا قسمت الكلاب بين الوارث والموصى له قسمت على عددها وإن تشاحوا أقرع.(6/47)